الكتاب: تحفة الحبيب على شرح الخطيب = حاشية البجيرمي على الخطيب المؤلف: سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ المصري الشافعي (المتوفى: 1221هـ) الناشر: دار الفكر الطبعة: بدون طبعة تاريخ النشر: 1415هـ - 1995م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   «االإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع للخطيب الشربيني» بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - «حاشية البجيرمي» عليه ---------- حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب البجيرمي الكتاب: تحفة الحبيب على شرح الخطيب = حاشية البجيرمي على الخطيب المؤلف: سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ المصري الشافعي (المتوفى: 1221هـ) الناشر: دار الفكر الطبعة: بدون طبعة تاريخ النشر: 1415هـ - 1995م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   «االإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع للخطيب الشربيني» بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - «حاشية البجيرمي» عليه [مُقَدِّمَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَشَرَ لِلْعُلَمَاءِ أَعْلَامًا، وَثَبَّتَ لَهُمْ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ أَقْدَامًا، وَجَعَلَ مَقَامَ الْعِلْمِ أَعْلَى مَقَامٍ   [حاشية البجيرمي] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إفْضَالِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَآلِهِ. وَبَعْدُ: فَيَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ مُنْكَسِرُ الْخَاطِرِ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى عُثْمَانُ ابْنُ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ سُلَيْمَانِ السُّوَيْفِيِّ الشَّافِعِيِّ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِحُسْنِ الْعَمَلِ وَغَفَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْ الزَّلَلِ: إنِّي اطَّلَعْت عَلَى شَرْحِ الْخَطِيبِ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ بِخَطِّ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ سُلَيْمَانِ الْبُجَيْرِمِيِّ، فَرَأَيْت عَلَيْهِ حَوَاشِيَ رَقِيقَةً وَنِكَاتٍ دَقِيقَةً وَتَحْرِيرَاتٍ شَرِيفَةً مِمَّا نَقَلَهُ مِنْ الْحَوَاشِي الْمُعْتَمَدَةِ وَتَلَقَّاهُ عَنْ أَشْيَاخِهِ الْفُضَلَاءِ. ثُمَّ إنَّ شَيْخَنَا الْمَذْكُورَ وَكَثِيرًا مِنْ الْإِخْوَانِ الْمُخْلِصِينَ وَالْأَعِزَّاءِ الْمُصْلِحِينَ، طَلَبُوا مِنِّي تَجْرِيدَ ذَلِكَ لِيَكُونَ حَاشِيَةً مُسْتَقِلَّةً، فَيَعُمُّ بِهَا الِانْتِفَاعُ لِمَا رَأَوْا مِنِّي مِنْ الْإِخْلَاصِ فِي الْعَمَلِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ مَعَ الِانْقِطَاعِ، فَأَجَبْتهمْ إلَى ذَلِكَ قَاصِدًا بِهِ الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ، وَلِيَكُونَ ذَخِيرَةً لِي وَلِشَيْخِنَا الْمَذْكُورِ يَوْمَ الْمَآبِ، وَسَمَّيْتهَا: تُحْفَةُ الْحَبِيبِ عَلَى شَرْحِ الْخَطِيبِ وَقَدْ كُنْت جَرَّدْت لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا عَلَى نُسْخَةِ الْمَنْهَجِ، وَزِدْته كَثِيرًا مِنْ الْحَوَاشِي، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ بِالْقَبُولِ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسَبَبًا لِلْفَوْزِ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَقَوْلُهُ: (بِسْمِ اللَّهِ إلَخْ) ابْتَدَأَ بِالْبَسْمَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي أَشْرَفُهَا الْكِتَابُ الْعَزِيزُ، لِمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ التُّونُسِيِّ مِنْ إجْمَاعِ عُلَمَاءِ كُلِّ مِلَّةٍ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَتَحَ كُلَّ كِتَابٍ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الدَّالِّ لَهُ خَبَرُ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَاتِحَةُ كُلِّ كِتَابٍ» . وَلَا يُنَافِيهِ خُصُوصِيَّةُ نَبِيِّنَا وَأُمَّتِهِ بِهَا إذْ الْمُخْتَصُّ اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ بِهَذَا التَّرْتِيبِ، وَأَمَّا مَا فِي النَّمْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ، فَهُوَ تَرْجَمَةٌ عَمَّا فِي كِتَابِهِ لِبِلْقِيسَ، إذْ لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا، وَإِنْ كَانَ كُلُّ كِتَابٍ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ عَرَبِيًّا، لَكِنْ عَبَّرَ كُلُّ نَبِيٍّ عَنْ كِتَابِهِ بِلِسَانِ قَوْمِهِ، وَلَا يُنَافِيهِ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِكَتْبِ بِاسْمِك اللَّهُمَّ إلَى نُزُولِ: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41] ، فَأَمَرَ بِكَتْبِ بِسْمِ اللَّهِ إلَى نُزُولِ {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110] فَأَمَرَ بِكَتْبِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ إلَى نُزُولِ آيَةِ النَّمْلِ، فَأَمَرَ بِكَتْبِهَا بِتَمَامِهَا، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ افْتِتَاحِ الْقُرْآنِ بِهَا لِاحْتِمَالِ عَدَمِ عِلْمِهِ بِافْتِتَاحِ الْقُرْآنِ بِهَا قَبْلَ الْأَمْرِ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ، إذْ كَيْفَ يَتَأَخَّرُ عِلْمُهُ إلَى نُزُولِ آيَةِ النَّمْلِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا بُعْدَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ حَالَ نُزُولِ مَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ، بَلْ عَلِمَ بِذَلِكَ عِنْدَ تَرْتِيبِ الْقُرْآنِ، وَلَا يُنَافِيهِ أَيْضًا أَنَّ مَعَانِيَ الْكُتُبِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ فِي الْفَاتِحَةِ وَمَعَانِيهَا فِي الْبَسْمَلَةِ، فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْقُرْآنِ بِهَا لِأَنَّ الْمُخْتَصَّ اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَمَا مَرَّ، فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ اقْتِدَاءٌ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَشْرَفِ أَوْ لِجَمْعِهِ لَهَا أَوْ نَسْخِهِ إيَّاهَا. اهـ. مَدَابِغِيٌّ، وَفِي قَوْلِهِ: اقْتِدَاءً بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي مَذْهَبِنَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا، وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. قَوْلُهُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَخْ) هُوَ حَمْدٌ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ، لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِعِلِّيَّةِ مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِأَجْلِ نَشْرِهِ لِلْعُلَمَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّعْلِيقِ الرَّبْطُ، وَبِالْحُكْمِ ثُبُوتُ الْحَمْدِ لِلَّهِ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ حَمْدًا فِي مُقَابَلَةِ الذَّاتِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: الَّذِي نَشَرَ إلَخْ بَيَانًا لِصِفَةِ اللَّهِ فِي الْوَاقِعِ فَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ: مَا صِفَةُ اللَّهِ الَّذِي أَوْقَعْت الْحَمْدَ لَهُ؟ فَقَالَ: الَّذِي نَشَرَ إلَخْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَمْدَانِ: حَمْدٌ فِي مُقَابَلَةِ الذَّاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحَمْدٌ فِي مُقَابَلَةِ الصِّفَاتِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي نَشَرَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَوْصُولَ وَصِلَتَهُ فِي تَأْوِيلِ الْمُشْتَقِّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ النَّاشِرِ، وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ يُشْعِرُ بِعِلِّيَّةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَإِنَّمَا أَوْقَعْت الْحَمْدَ لِلذَّاتِ الْعَلِيَّةِ لِأَجْلِ نَشْرِهَا لِلْعُلَمَاءِ، إلَخْ. وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ حَمْدًا ثَانِيًا لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِوُقُوعِ حَمْدٍ مِنْهُ وَالْإِخْبَارُ بِالْحَمْدِ حَمْدٌ، وَقَوْلُهُ: (نَشَرَ) أَيْ أَظْهَرَ لِلْعُلَمَاءِ فَضَائِلَ كَالْمُشَاهَدَةِ بِالْأَبْصَارِ، فَشَبَّهَ الْفَضَائِلَ بِالْأَعْلَامِ، أَيْ الرَّايَاتِ أَطْلَقَ اسْمَهَا عَلَيْهَا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْجَامِعُ الظُّهُورُ وَالِاهْتِدَاءُ وَالْقَرِينَةُ حَالِيَّةٌ، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَا أَعْلَامَ لَهُمْ، وَيَكُونُ النَّشْرُ تَرْشِيحًا لِأَنَّ النَّشْرَ ضِدُّ الطَّيِّ، أَوْ شَبَّهَ الْإِظْهَارَ بِالنَّشْرِ وَاسْتَعَارَ النَّشْرَ لِلْإِظْهَارِ، وَاشْتَقَّ مِنْ النَّشْرِ نَشَرَ بِمَعْنَى أَظْهَرَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ التَّبَعِيَّةِ وَالْجَامِعُ الِاهْتِدَاءُ إلَى الْمَقْصُودِ فِي كُلٍّ وَالْأَعْلَامُ تَرْشِيحٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَعْلَامَ بِمَعْنَى الرَّايَاتِ حَقِيقَةً وَنَشَرَ بِمَعْنَى يَنْشُرُ لِمَا وَرَدَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْقِدُ لِلْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَايَاتٍ لِمَعْرِفَتِهِمْ وَيَقُولُ لِلْعَالِمِ: قِفْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» . وَالْعُلَمَاءُ: جَمْعُ عَلِيمٍ كَكَرِيمٍ وَكُرَمَاءَ وَهُوَ جَمْعٌ قِيَاسِيٌّ أَوْ جَمْعُ عَالِمٍ وَهُوَ قِيَاسِيٌّ أَيْضًا، لِأَنَّ فُعَلَاءَ يَطَّرِدُ جَمْعًا لِفَاعِلٍ إذَا دَلَّ عَلَى مَدْحٍ نَحْوُ صَالِحٍ، أَوْ ذَمٍّ نَحْوُ فَاسِقٍ كَمَا أَفَادَ الْأُشْمُونِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: وَلِكَرِيمٍ وَبَخِيلٍ فُعَلَا ... كَذَا لِمَا ضَاهَاهُمَا قَدْ جُعِلَا فَسَقَطَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ جَمْعَ عَالِمٍ عَلَى عُلَمَاءَ غَيْرُ مَقِيسٍ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ الْمَعْهُودُونَ وَهُمْ الْعَامِلُونَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَثَبَتَ لَهُمْ إلَخْ. عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّرَاطِ الْجِسْرُ الْمَمْدُودُ أَوْ الدِّينُ الْحَقُّ، وَالْمُرَادُ ثَبَّتَ أَقْدَامَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِمْ عَلَى إقَامَتِهِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ الْعَامِلُونَ، لِأَنَّ إقَامَةَ الدِّينِ تَحْصُلُ بِغَيْرِ الْعَامِلِينَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ عَالِمٍ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مَدْحَ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: (أَعْلَامًا) جَمْعُ عَلَمٍ مُحَرَّكًا كَبَطَلٍ وَأَبْطَالٍ وَفَرَسٍ وَأَفْرَاسٍ وَهُوَ جَمْعٌ قِيَاسِيٌّ وَاسْتُعْمِلَ جَمْعُ الْقِلَّةِ فِي أَعْلَامًا مَكَانَ جَمْعِ الْكَثْرَةِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ وَإِنَّمَا ارْتَكَبَهُ لِعَدَمِ سَمَاعِ جَمْعِ الْكَثْرَةِ فِيهِ وَهُوَ عِلَامٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْأَلْفِيَّةِ وَفَعْلٌ أَيْضًا لَهُ فِعَالُ وَلِأَجْلِ السَّجْعِ وَالْعَلَمُ الرَّايَةُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْجَبَلِ، وَلَمَّا كَانَ الْعَالِمُ يُهْتَدَى بِعِلْمِهِ جُعِلَ عِلْمُهُ كَالرَّايَةِ أَوْ كَالنَّارِ عَلَى الْجَبَلِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِمَّا يُهْتَدَى بِهِ إلَى الْمَقْصُودِ، كَذَا ذَكَرَهُ الَأُجْهُورِيُّ، وَهَذَا لَا يَظْهَرُ إلَّا إذَا كَانَ الْعِلْمُ يُطْلَقُ عَلَى النَّارِ وَلَمْ يَرِدْ إطْلَاقُهُ عَلَيْهَا فَالْمُنَاسِبُ تَشْبِيهُهُمْ بِالْجِبَالِ فِي الثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ وَعَدَمِ التَّزَلْزُلِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الصِّرَاطِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِسْرُ الْمَمْدُودُ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ الْأَدَقُّ مِنْ الشَّعْرَةِ الْأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْأَقْدَامُ بَاقِيَةً عَلَى مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ، وَيَكُونُ ثَبَتَ بِمَعْنَى يَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ بِأَنْ شَبَّهَ التَّثْبِيتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالتَّثْبِيتِ فِي الْمَاضِي، وَاسْتَعَارَ التَّثْبِيتَ فِي الْمَاضِي لِلتَّثْبِيتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَاشْتَقَّ مِنْ التَّثْبِيتِ فِي الْمَاضِي ثَبَتَ بِمَعْنَى يَثْبُتُ عَلَى حَدِّ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الدِّينُ الْحَقُّ، فَالْمَعْنَى وَثَبَّتَ لَهُمْ عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ أَقْدَامًا أَيْ: قُوَّةً، فَفِي الْأَقْدَامِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ حَيْثُ شُبِّهَتْ الْقُوَّةُ بِالْأَقْدَامِ، وَاسْتُعِيرَتْ الْأَقْدَامُ لِلْقُوَّةِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا كَوْنُ كُلٍّ يُوَصِّلُ إلَى الْمَقْصُودِ، وَمِثْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وَفَضَّلَ الْعُلَمَاءَ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ الدِّينِيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ. وَأَوْدَعَ الْعَارِفِينَ. لَطَائِفَ سِرِّهِ فَهُمْ أَهْلُ الْمُحَاضَرَةِ وَالْإِلْهَامِ،.   [حاشية البجيرمي] ذَلِكَ يَأْتِي فِي الصِّرَاطِ بِأَنْ شَبَّهَ الدِّينَ الْحَقَّ بِالصِّرَاطِ، وَاسْتُعِيرَ الصِّرَاطُ لِلدِّينِ الْحَقِّ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا يُوَصِّلُ إلَى الْمَقْصُودِ وَالْأَقْدَامُ تَرْشِيحٌ، وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ أَيْ: عَلَى إنْفَاذِهِ أَوْ إقَامَتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَوَصْفُهُ بِالِاسْتِقَامَةِ أَيْ كَوْنُهُ لَا خَلَلَ وَلَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِلصَّوَابِ عَلَى الثَّانِي ظَاهِرٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْجِسْرُ الْمَمْدُودُ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ كَالْمِيزَانِ أَلْفُ سَنَةٍ صُعُودٌ وَأَلْفُ سَنَةٍ اسْتِوَاءٌ وَأَلْفُ سَنَةٍ هُبُوطٌ. وَيُجَابُ بِأَنَّ وَصْفَهُ بِالِاسْتِقَامَةِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ جُمْلَتِهِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ كُلِّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ الثَّلَاثَةِ، فَكُلُّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ مُسْتَقِيمَةٌ لَا اعْوِجَاجَ وَلَا انْعِطَافَ فِيهَا. قَالَ الْمَرْحُومِيُّ: الصِّرَاطُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ وَالزَّايِ قَدْ قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِالصَّادِ وَالسِّينِ وَبِإِشْمَامِ الصَّادِ زَايًا. قَوْلُهُ: (أَقْدَامًا) جَمْعُ قَدَمٍ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ. قَالَ تَعَالَى: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} [النحل: 94] وَلِهَذَا تُصَغَّرُ عَلَى قُدَيْمَةٍ بِالْهَاءِ، وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ مِنْ الْحَمْدِ إلَى وَبَعْدُ عَلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْعَةً: مِنْهَا اثْنَتَانِ عَلَى الْمِيمِ الْمَوْصُولَةِ بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ وَهُمَا الْأُولَيَانِ، وَثَمَانِيَةٌ عَلَى الْمِيمِ السَّاكِنَةِ، وَاثْنَتَانِ عَلَى النُّونِ السَّاكِنَةِ، وَاثْنَتَانِ عَلَى اللَّازِمِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَهَا الْهَاءُ السَّاكِنَةُ، إذْ لَا يَصِحُّ السَّجْعُ عَلَى الْهَاءِ. مَبْحَثٌ فِي تَعْرِيفِ السَّجْعِ وَأَقْسَامِهِ قَالَ الَأُجْهُورِيُّ وَالسَّجْعُ تَوَافُقُ الْفَاصِلَتَيْنِ أَيْ الْكَلِمَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ النَّثْرِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطَرَّفًا أَوْ مُرَصَّعًا أَوْ مُتَوَازِيًا لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ تَتَّفِقَ قَوَافِيهِ فِي الْوَزْنِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ الْمُطَرَّفُ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ تَتَّفِقَ كُلُّ كَلِمَاتِ السَّجْعَتَيْنِ أَوْ غَالِبُهَا فِي الْوَزْنِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ الْمُرَصَّعُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ الْمُتَوَازِي مِثَالُ الْمُطَرَّفِ قَوْله تَعَالَى: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح: 14] وَمِثَالُ الْمُرَصَّعِ قَوْلُ الْحَرِيرِيِّ: فَهُوَ يَطْبَعُ الْأَسْجَاعَ بِجَوَاهِرِ لَفْظِهِ، وَيَقْرَعُ الْأَسْمَاعَ بِزَوَاجِرِ وَعْظِهِ؛ وَلَوْ أَبْدَلَ الْأَسْمَاعَ بِالْآذَانِ لَكَانَ مِثَالًا لِمَا اتَّفَقَ فِيهِ الْغَالِبُ، وَمِثَالُ الْمُتَوَازِي: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1] {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2] وَالْأُولَيَانِ مِنْ الشَّرْحِ مِنْ السَّجْعِ الْمُتَوَازِي، وَضَابِطُهُ أَنْ تَتَّفِقَ الْفَاصِلَتَانِ فِي الْوَزْنِ، وَلَا يَكُونُ مَا قَبْلَ الْفَاصِلَتَيْنِ مِنْ الْفِقْرَتَيْنِ مُوَافِقًا فِي الْوَزْنِ، وَبَاقِي السَّجْعِ مِنْ قَبِيلِ السَّجْعِ الْمُطَرَّفِ، وَضَابِطُهُ أَنْ تَخْتَلِفَ الْفَاصِلَتَانِ فِي الْوَزْنِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ سَجْعٌ مُرَصَّعٌ، وَضَابِطُهُ أَنْ تَتَّفِقَ الْفَاصِلَتَانِ فِي الْوَزْنِ وَالتَّقْفِيَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَ الْفَاصِلَتَيْنِ مِنْ الْفِقْرَتَيْنِ مُوَافِقًا فِي الْوَزْنِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَجَعَلَ مَقَامَ الْعِلْمِ) أَيْ جَعَلَ مَرْتَبَةَ الْعِلْمِ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ، فَلَا يُسَاوِيهِ غَيْرُهُ أَوْ جَعَلَ أَهْلَهُ فِي أَعْلَى الْمَرَاتِبِ بِحَيْثُ لَا يُسَاوِيهِمْ غَيْرُهُمْ فِيهَا. اهـ. ق ل. فَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ جَعَلَ مَقَامَ أَهْلِهِ. وَقَالَ ح ف: أَيْ جَعَلَ مَحَلَّ الْعِلْمِ وَهُوَ الْعُلَمَاءُ أَعْلَى وَأَرْفَعَ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ. قَوْلُهُ: (وَفَضَّلَ الْعُلَمَاءَ) الْمَقَامُ لِلْإِضْمَارِ غَيْرَ أَنَّهُ أَبْرَزَهُ إظْهَارًا لِشَرَفِهِمْ، أَوْ اسْتِلْذَاذًا بِذِكْرِهِمْ عَلَى حَدِّ: سُعَادُ الَّتِي أَضْنَاك حُبُّ سُعَادَا ... وَإِعْرَاضُهَا عَنْك اسْتَمَرَّ وَزَادَا اهـ. أُجْهُورِيٌّ. وَقَالَ ق ل: لَوْ قَدَّمَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا لَاسْتَغْنَى عَنْ إظْهَارِ الضَّمِيرِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْإِظْهَارَ حِينَئِذٍ فِي مَحَلِّهِ. [مَبْحَثٌ فِي تَعْرِيفِ الْحُجَّةِ وَالْحُكْمِ وَتَقْسِيمِهِ إلَى تَكْلِيفِيٍّ وَوَضْعِيٍّ] ٍّ قَوْلُهُ: (بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ) جَمْعُ حُجَّةٍ وَهِيَ الدَّلِيلُ وَهُوَ مَا يَتَوَصَّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ فَالْمُرَادُ بِالْحُجَجِ الْأَدِلَّةُ الدِّينِيَّةُ الَّتِي أَثْبَتَتْ أَمْرًا دِينِيًّا سَوَاءٌ كَانَ عَمَلِيًّا أَوْ اعْتِقَادِيًّا فَدَخَلَ فِيهِ بَعْضُ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ كَقَوْلِنَا الْعَالَمُ مُتَغَيِّرٌ وَكُلُّ مُتَغَيِّرٍ حَادِثٌ فَهَذَا دَلِيلٌ دِينِيٌّ مَعَ أَنَّهُ عَقْلِيٌّ وَسُمِّيَ الدَّلِيلُ حُجَّةً لِأَنَّهُ يُحَجُّ بِهِ الْخَصْمُ وَلِذَا سُمِّيَتْ الْبَيِّنَةُ حُجَّةً. وَقَوْلُهُ: (وَمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ) هُوَ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ، لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ نَاشِئَةٌ عَنْ إقَامَةِ الْحُجَجِ فَسَقَطَ قَوْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] بَعْضِهِمْ: لَوْ قَدَّمَ هَذَا عَلَى إقَامَةِ الْحُجَجِ لَكَانَ أَوْلَى، لَكِنَّهُ أَخَّرَهُ لِأَجْلِ السَّجْعِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ وَالْوَضْعِيَّةِ، وَجُمْلَةُ التَّكْلِيفِيَّةِ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي خِلَافِ الْأُولَى، وَالْوَضْعِيَّةُ خَمْسَةٌ، لِأَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ هُوَ الْخِطَابُ الْوَارِدُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ مَانِعًا أَوْ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا وَالْأَحْكَامُ جَمْعُ حُكْمٍ وَهُوَ لُغَةً إثْبَاتُ أَمْرٍ لِأَمْرٍ أَوْ نَفْيُهُ عَنْهُ وَاصْطِلَاحًا خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ أَيْ كَلَامُهُ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا كَالْمُتَعَلِّقِ بِالْمُكَلَّفِينَ أَوْ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا كَالْمُتَعَلِّقِ بِغَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِمْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ إذَا كُلِّفُوا خُوطِبُوا بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْجِيزِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الْأَحْكَامِ بِالنِّسَبِ التَّامَّةِ كَثُبُوتِ الْوُجُوبِ لِلنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ، كَمَا فَسَّرَ بِهَا الْجَلَالُ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِيَشْمَلَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ وَالْعَقْلِيَّةَ وَلِأَنَّهَا الَّتِي يُقَامُ عَلَيْهَا الدَّلِيلُ قَالَ ق ل: لَوْ حُذِفَ لَفْظٌ مَعْرِفَةٌ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى، وَوَجْهُ الْعُمُومِ شُمُولُهُ لِغَيْرِ الْمَعْرِفَةِ كَالْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ وَنَحْوِهِ، وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمُفْرَدَاتِ، وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ الْأَحْكَامَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا النِّسَبُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمَعْرِفَةِ الْعِلْمُ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ تَرَادُفِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ. [مَبْحَثٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ] قَوْلُهُ: (وَأَوْدَعَ الْعَارِفِينَ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَلَوْ أَبْدَلَهَا بِأَوْزَعَ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَلْهَمَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} [النمل: 19] لَكَانَ أَوْلَى إذْ الْوَدِيعَةُ شَأْنُهَا الرَّدُّ كَمَا قَالَ: وَمَا الْمَالُ وَالْأَهْلُونَ إلَّا وَدَائِعُ ... وَلَا بُدَّ يَوْمًا أَنْ تُرَدَّ الْوَدَائِعُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْوَدِيعَةِ شَأْنُهَا الرَّدُّ إنَّمَا هُوَ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِخِلَافِ الدِّينِيَّةِ كَمَا هُنَا، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ وَعْدُهُ لَا يَتَخَلَّفُ فَبِالْأَوْلَى مَا أَوْصَلَهُ إلَى عَبِيدِهِ. وَأَمَّا سَلْبُ الْإِيمَانِ وَنَحْوِهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَنَادِرٌ، إذْ الْغَالِبُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَشَكَرَهَا لَا يَسْلُبُهَا عَنْهُ. وَيُجَابُ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِأَوْدَعَ نَظَرًا لِلْحَقِيقَةِ، وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ مَعَ اللَّهِ شَيْءٌ، بَلْ جَمِيعُ مَا عِنْدَ الْعَبْدِ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ حَقِيقَةً بَلْ الْمَالِكُ لَهُ حَقِيقَةً هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. ح ف. مَبْحَثٌ فِي قَوْلِهِمْ: حَقِيقَةٌ بِلَا شَرِيعَةٍ بَاطِلَةٌ وَشَرِيعَةٌ بِلَا حَقِيقَةٍ عَاطِلَةٌ وَقَوْلُهُ: (الْعَارِفِينَ) جَمْعُ عَارِفٍ وَهُمْ عُلَمَاءُ الْحَقِيقَةِ، وَبِالضَّرُورَةِ يَلْزَمُهَا عِلْمُ الشَّرِيعَةِ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَقِيقَةٌ بِلَا شَرِيعَةٍ بَاطِلَةٌ وَشَرِيعَةٌ بِلَا حَقِيقَةٍ عَاطِلَةٌ، مِثَالُ الْأَوَّلِ إذَا قُلْت لِشَخْصٍ: صَلِّ الظُّهْرَ، فَقَالَ: إنْ كَانَ اللَّهُ كَتَبَنِي سَعِيدًا أُدْخِلْت الْجَنَّةَ وَإِنْ لَمْ أُصَلِّ، أَوْ إنْ كَانَ اللَّهُ قَدَّرَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ صَلَّيْت فَقَدْ نَظَرَ لِبَاطِنِ الْأَمْرِ، وَمِثَالُ الثَّانِي إذَا قَالَ الشَّخْصُ: لَا أُصَلِّي إلَّا لِأَجْلِ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلَا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا بِالصَّلَاةِ مَثَلًا، فَهَذِهِ شَرِيعَةٌ عَاطِلَةٌ عِنْدَهُمْ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا عَاطِلَةً أَنَّ وُجُودَهَا كَعَدَمِهَا عِنْدَهُمْ، لِأَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِالْعَمَلِ وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ. مَبْحَثٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ لَهُمْ شَرِيعَةً وَهِيَ أَنْ تَعْبُدَهُ تَعَالَى، فَعِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى شَرِيعَةٌ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ الشَّرِيعَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْأَحْكَامِ وَطَرِيقَةٌ وَهِيَ أَنْ تَقْصِدَهُ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَحَقِيقَةٌ وَهِيَ نَتِيجَتُهُمَا وَهِيَ أَنْ تَشْهَدَ بِنُورٍ أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِي سُوَيْدَاءِ الْقَلْبِ أَيْ وَسَطِهِ، أَنَّ كُلَّ بَاطِنٍ لَهُ ظَاهِرٌ وَعَكْسُهُ أَيْ كُلُّ ظَاهِرٍ لَهُ بَاطِنٌ مَعْلُومٌ، كَخَرْقِ الْخَضِرِ لِلسَّفِينَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُنْكَرًا ظَاهِرًا فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْبَاطِنِ، لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِنَجَاةِ السَّفِينَةِ مِنْ الْمَلِكِ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُعْرَفَ الْحَقِيقَةُ بِعِلْمِ بَوَاطِنِ الْأُمُورِ كَعِلْمِ الْخَضِرِ بِأَنَّ مَا فَعَلَهُ مَعَ مُوسَى مِنْ خَرْقِ السَّفِينَةِ وَغَيْرِهَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مَفْسَدَةً فِي الْبَعْضِ، وَالشَّرِيعَةُ ظَاهِرُ الْحَقِيقَةِ وَالْحَقِيقَةُ بَاطِنُهَا وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ مَعْنًى كَمَا سَبَقَ وَمَثَّلْت الثَّلَاثَةَ بِالْجَوْزَةِ، فَالشَّرِيعَةُ كَالْقِشْرِ الظَّاهِرِ، وَالطَّرِيقَةُ كَاللُّبِّ الْخَفِيِّ، وَالْحَقِيقَةُ كَالدُّهْنِ الَّذِي فِي بَاطِنِ اللُّبِّ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَى اللُّبِّ إلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وَوَفَّقَ الْعَامِلِينَ لِخِدْمَتِهِ فَهَجَرُوا لَذِيذَ الْمَنَامِ وَأَذَاقَ الْمُحِبِّينَ لَذَّةَ قُرْبِهِ وَأُنْسِهِ فَشَغَلَهُمْ عَنْ جَمِيعِ الْأَنَامِ. أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ   [حاشية البجيرمي] بِخَرْقِ الْقِشْرِ وَلَا إلَى الدُّهْنِ إلَّا بِدَقِّ اللُّبِّ. وَقَوْلُهُ: (لَطَائِفَ سِرِّهِ) جَمْعُ لَطِيفَةٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْرَارِ الْخَفِيَّةِ كَمَا وَقَعَ لِلْخَضِرِ مَعَ مُوسَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمُحَاضَرَةِ أَيْ؛ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ أَيْ مُشَاهَدَتِهِ تَعَالَى بِقُلُوبِهِمْ مِنْ الْحُضُورِ وَهُوَ الشُّهُودُ. قَالَ الطَّبَلَاوِيُّ فِي السِّرِّ الْقُدُسِيِّ وَقَدْ نَبَّهَ أَهْلُ الْحَقِيقَةِ أَنَّ لِأَصْحَابِ النِّهَايَةِ فِي الْمُكَاشَفَاتِ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ: الْمُحَاضَرَةُ وَهِيَ حُضُورُ الْقَلْبِ عِنْدَ الدَّلَائِلِ، ثُمَّ الْمُكَاشَفَةُ وَهِيَ أَنْ يَصِيرَ الْعَبْدُ فِي سَيْرِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى طَلَبِ السَّبِيلِ وَتَأَمُّلِ الدَّلِيلِ، ثُمَّ الْمُشَاهَدَةُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَوَالِي الْأَنْوَارِ مِنْ التَّجَلِّي عَلَى قَلْبِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا انْقِطَاعٌ، فَالْمُحَاضَرَةُ كَرُؤْيَةِ الشَّيْءِ فِي النَّوْمِ وَالْمُكَاشَفَةُ كَرُؤْيَةِ الشَّيْءِ بَيْنَ النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ، وَالْمُشَاهَدَةُ كَرُؤْيَةِ الشَّيْءِ فِي الْيَقَظَةِ، وَمِثَالٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُحَاضَرَةَ تُشْبِهُ الْجُلُوسَ عَلَى عَتَبَةِ بَابِ الْمَلِكِ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ وَالْمُكَاشَفَةُ تُشْبِهُ الدُّخُولَ فِي دَارِ الْمَلِكِ وَالْمُشَاهَدَةُ تُشْبِهُ الْوُقُوفَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَكُونُ بَيْنَك وَبَيْنَ مَطْلُوبِك فِيهِ حِجَابٌ اهـ وَيُمْكِنُ أَنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، فَذَكَرَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْمُحَاضَرَةُ صَرِيحًا، وَأَدْرَجَ فِيهِ الثَّانِيَ أَوْ تَرَكَهُ لِفَهْمِهِ مِنْهُ، وَأَشَارَ إلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: وَالْإِلْهَامُ وَهُوَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ بِطَرِيقِ الْفَيْضِ يَطْمَئِنُّ لَهُ الصَّدْرُ. قَوْلُهُ: (وَوَفَّقَ الْعَامِلِينَ لِخِدْمَتِهِ) أَيْ طَاعَتِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَقْدَرَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِطَاعَتِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلِذَا قَالَ: فَهَجَرُوا لَذِيذَ الْمَنَامِ أَيْ النَّوْمَ اللَّذِيذَ، فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، وَالْمُرَادُ بِهَجْرِ النَّوْمِ عَدَمُ الْغَفْلَةِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْهُ، إذْ لَيْسَ لِلنَّوْمِ لَذَّةٌ لِأَنَّ النَّائِمَ لَا إحْسَاسَ لَهُ ق ل بِخِلَافِ الْغَفْلَةِ، فَإِنَّهَا قَدْ تَشْتَمِلُ عَلَى شَهَوَاتٍ يُلْتَذُّ بِهَا لِأَهْلِهَا، أَوْ الْمُرَادُ بِالنَّوْمِ حَقِيقَتُهُ وَبِاللَّذَّةِ مَا يَحْصُلُ لِلنَّائِمِ فِي أَوَّلِهِ أَوْ عَقِبَهُ مِنْ الرَّاحَةِ كَمَا فَسَّرَ بِهِ آيَةَ: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} [النبأ: 9] مِنْ أَنَّ السُّبَاتَ فِي الْآيَةِ مَعْنَاهُ الرَّاحَةُ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ النَّوْمِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ، وَهَذِهِ السَّجَعَاتُ فِي الشَّرْحِ لَيْسَتْ عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْوَاقِعِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ تَقْدِيمُ الْعِلْمِ ثُمَّ الْعَمَلِ ثُمَّ الْمَعْرِفَةِ أَيْ لِلْأَسْرَارِ الَّتِي يَطَّلِعُ عَلَيْهَا عُلَمَاءُ الْحَقِيقَةِ ثُمَّ الْمَحَبَّةِ ثُمَّ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْأَسْرَارَ وَالشَّارِحُ قَدَّمَ الْمَعْرِفَةَ وَإِيدَاعَ الْأَسْرَارِ عَلَى الْعَمَلِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالتَّوْفِيقِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: وَوَفَّقَ الْعَامِلِينَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمُ هَذِهِ السَّجْعَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الْقِيَامَ بِوَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ سَبَبٌ لِإِيدَاعِ الْأَسْرَارِ وَمُقَدَّمٌ عَلَيْهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَلَا تَعْقِيبًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَرْكَانَ طَرِيقَةِ الْقَوْمِ أَرْبَعَةٌ: تَرْكُ الْمَنَامِ، وَتَرْكُ الْأَنَامِ، وَتَرْكُ الطَّعَامِ، وَتَرْكُ الْكَلَامِ. اثْنَانِ مَذْكُورَانِ هُنَا صَرِيحًا وَهُمَا تَرْكُ الْأَنَامِ وَتَرْكُ الْمَنَامِ، وَالِاثْنَانِ الْآخَرَانِ مَذْكُورَانِ تَلْوِيحًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَادَةً مِنْ تَرْكِ الطَّعَامِ تَرْكُ الْمَنَامِ، وَمِنْ تَرْكِ الْأَنَامِ تَرْكُ الْكَلَامِ، وَالْمُرَادُ مِنْ تَرْكِهِمَا تَرْكُ الْكَثِيرِ مِنْهُمَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَلِيلِ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ. وَحَاصِلُ الْمَطْلُوبِ فِي الطَّرِيقَةِ تَرْكُ الْعَوَائِدِ، فَمَنْ تَرَكَ الْعَوَائِدَ أَيْ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ، فَالْمُرَادُ بِالْعَوَائِدِ الْأُمُورُ الْمُعْتَادَةُ خُرِقَتْ لَهُ الْعَوَائِدُ بِظُهُورِ الْكَرَامَاتِ عَلَى يَدَيْهِ لِأَنَّهَا خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَذَاقَ الْمُحِبِّينَ) أَيْ أَلْقَى حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ فَاسْتَأْنَسُوا بِهِ فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى مَا سِوَاهُ وَالْمُرَادُ بِالْقُرْبِ الْقُرْبُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ مُرَاقَبَتُهُ تَعَالَى بِالْخَوْفِ وَالْإِجْلَالِ. قَوْلُهُ: (وَأُنْسِهِ) هُوَ سُرُورُ الْقَلْبِ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ وَشَبَّهَ الْقُرْبَ بِالْعَسَلِ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَأَذَاقَ تَخْيِيلٌ وَاللَّذَّةُ تَرْشِيحٌ، وَالْمُرَادُ بِقُرْبِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْعَبْدِ ارْتِفَاعُ الْحُجُبِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَبَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حِجَابًا بَعْضُهَا ظُلْمَانِيٌّ وَبَعْضُهَا نُورَانِيٌّ، فَإِذَا مَزَّقَهَا الْعَبْدُ وَأَزَالَهَا بِالْمُجَاهَدَاتِ وَالرِّيَاضَاتِ وَهِيَ تَأْدِيبُ النَّفْسِ عَلَى مَا وَافَقَ الشَّرْعَ، فَقَدْ قَرُبَ مِنْ اللَّهِ قُرْبًا مَعْنَوِيًّا، وَهَذِهِ الْحُجُبُ حَاجِبَةٌ لِلْعَبْدِ عَنْ رَبِّهِ لَا لِلَّهِ عَنْ عَبْدِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْجُبُهُ شَيْءٌ وَقَوْلُهُ: (الْأَنَامِ) أَيْ الْخَلْقِ. قَوْلُهُ: (أَحْمَدُهُ إلَخْ) حَمِدَهُ بِالِاسْمِيَّةِ ثُمَّ بِالْفِعْلِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ نَوْعَيْ الْحَمْدِ الدَّالِّ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ وَهُوَ الْأَوَّلُ وَالدَّالُّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ التَّجَدُّدِيِّ، وَقَصَدَ بِالثَّانِي الْمُوَافَقَةَ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالْمَحْمُودِ عَلَيْهِ أَيْ كَمَا أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وَتَعَالَى عَلَى جَزِيلِ الْإِنْعَامِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْمَلِكُ الْعَلَّامُ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا   [حاشية البجيرمي] آلَاءَهُ تَعَالَى لَا تَزَالُ تَتَجَدَّدُ فِي حَقِّنَا دَائِمًا نَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَا تَزَالُ تَتَجَدَّدُ، وَإِنَّمَا عَدَلْت عَنْ قَوْلِ الَأُجْهُورِيُّ أَثْنَى عَلَيْهِ ثَانِيًا بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ بَعْدَ أَنْ حَمِدَهُ أَوَّلًا بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ إشَارَةً إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ نَوْعَيْ الْحَمْدِ الْوَاقِعِ فِي مُقَابَلَةِ صِفَاتِهِ تَعَالَى الْعِظَامِ، وَالْوَاقِعِ فِي مُقَابَلَةِ نِعَمِهِ الْجِسَامِ إلَى مَا قُلْته لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِعِلِّيَّةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ، وَهُوَ قَدْ عَلَّقَ الْحَمْدَ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى نَشْرِ الْأَعْلَامِ لِلْعُلَمَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لِأَجْلِ نَشْرِهِ لِلْعُلَمَاءِ أَعْلَامًا فَيَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ نِعَمِهِ كَالثَّانِي، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَاحَظَ إيرَادَ الشَّارِحِ الْأَوَّلِ مَوْرِدَ الصِّفَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قُدِّمَتْ الِاسْمِيَّةُ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ مَعَ حُصُولِ الْجَمْعِ لَوْ عَكَسَ؟ قُلْت: لَمَّا كَانَتْ الصِّفَاتُ قَدِيمَةً مُسْتَمِرَّةً وَالنِّعَمُ مُتَجَدِّدَةً مُتَعَاقِبَةً ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِالِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الثُّبُوتِ وَالِاسْتِمْرَارِ، وَالثَّانِيَ بِالْفِعْلِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالتَّعَاقُبِ اهـ أُجْهُورِيٌّ. وَقَوْلُهُ: قَدِيمَةٌ هَذَا لَا يَظْهَرُ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ قَدِيمَةٌ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ قَدَّمَ الِاسْمِيَّةَ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ» . قَوْلُهُ: (سُبْحَانَهُ) هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ وَهُوَ مَا نَقَصَتْ حُرُوفُهُ عَنْ حُرُوفِ فِعْلِهِ الْمَاضِي وَهُوَ سَبَّحَ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ. قَوْلُهُ: (عَلَى جَزِيلِ الْإِنْعَامِ) أَيْ الْإِنْعَامِ الْجَزِيلِ أَيْ الْكَثِيرِ أَوْ الْعَظِيمِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْإِنْعَامِ لِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْإِنْعَامِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَوْصَافِ الْمُنْعِمِ أَمْكَنُ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى نَفْسِ النِّعْمَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُنْعَمِ بِهِ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عَنْ الْإِحَاطَةِ بِهِ تَفْصِيلًا قَوْلُهُ: (وَأَشْهَدُ) أَيْ أَعْلَمُ وَأُذْعِنُ، فَلَا يَكْفِي الْعِلْمُ مِنْ غَيْرِ إذْعَانٍ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْقَلْبِ لِحَقِيقَةِ مَا عَلِمَهُ وَالْمُعْتَمَدُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الشَّهَادَةِ لِمَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يَخْلُو مِنْ مَعْنَى التَّعَبُّدِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: جَرَى عَلَى أَلْسِنَةِ الْأُمَّةِ سَلَفِهَا وَخَلَفِهَا فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَشْهَدُ مُقْتَصَرِينَ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْقِيقِ الشَّيْءِ نَحْوُ: أَعْلَمُ وَأَتَيَقَّنُ، وَلَا يَخْلُو مِنْ مَعْنَى التَّعَبُّدِ إذْ لَمْ يُنْقَلْ غَيْرُهُ، وَلَعَلَّ السِّرَّ فِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ اسْمٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ وَهِيَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الشَّيْءِ عِيَانًا، فَاشْتَرَطَ فِي الْأَدَاءِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْمُشَاهَدَةِ، وَأَقْرَبُ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا اُشْتُقَّ مِنْ اللَّفْظِ وَهُوَ أَشْهَدُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ الْمَوْضُوعِ لِلْإِخْبَارِ فِي الْحَالِ لَا الْمَاضِي، لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ عَمَّا وَقَعَ، وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ أَشْهَدُ فِي الْقَسَمِ نَحْوُ: أَشْهَدُ لَقَدْ كَانَ كَذَا أَيْ أُقْسِمُ فَيَتَضَمَّنُ لَفْظُ أَشْهَدُ مَعْنَى الْمُشَاهَدَةِ وَالْإِخْبَارِ وَالْقَسَمِ فِي الْحَالِ، فَكَأَنَّ الشَّاهِدَ قَالَ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ اطَّلَعْت عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَا الْآنَ أُخْبِرُ بِهِ. وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَفْقُودَةٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ. [مَبْحَثٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَارِعِ تَصْنِيفٍ وَمَا يُسَنُّ صِنَاعَةً] قَوْلُهُ: (أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) أَيْ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ فِي الْوُجُودِ إلَّا اللَّهُ بِالرَّفْعِ بَدَلٌ مِنْ مَحَلِّ " لَا " وَاسْمِهَا، لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي خَبَرِ " لَا " الْمَحْذُوفِ، وَالتَّقْدِيرُ لَا إلَهَ مَوْجُودٌ إلَّا اللَّهُ، أَوْ بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ بَدَلًا مِنْ مَحَلِّ اسْمِ " لَا " لِأَنَّ " لَا " لَا تَعْمَلُ فِي الْمَعَارِفِ، وَأَتَى بِالشَّهَادَةِ هُنَا لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا التَّشَهُّدُ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَقْطُوعَةَ الْبَرَكَةِ أَوْ قَلِيلَتَهَا. مَبْحَثٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَارِعِ تَصْنِيفٍ وَمَا يُسَنُّ صِنَاعَةً وَلَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ عَلَى كُلِّ شَارِعٍ فِي تَصْنِيفٍ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ: الْبَسْمَلَةُ، وَالْحَمْدَلَةُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّشَهُّدُ وَيُسَنُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: تَسْمِيَةُ نَفْسِهِ، وَتَسْمِيَةُ الْكِتَابِ، وَالْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى مَقْصُودِهِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ بِبَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ رَابِعًا وَهُوَ لَفْظُ وَبَعْدُ. فَإِنْ قُلْت: هَلْ الْمَنْفِيُّ فِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ أَوْ الْمَعْبُودُ بِبَاطِلٍ؟ قُلْت: وَقَعَ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ، وَالْحَقُّ أَنَّ النَّفْيَ إنَّمَا يَتَسَلَّطُ عَلَى الْآلِهَةِ الْمَعْبُودَةِ بِحَقٍّ، لَا الْآلِهَةِ الْمَعْبُودَةِ بِبَاطِلٍ، لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ إمَامُ كُلِّ إمَامٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.   [حاشية البجيرمي] الْمَعْبُودَ بِبَاطِلٍ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَوُجُودٌ فِي ذِهْنِ الْمُؤْمِنِ بِوَصْفِ كَوْنِهِ بَاطِلًا، وَوُجُودٌ فِي ذِهْنِ الْكَافِرِ بِوَصْفِ كَوْنِهِ حَقًّا فَهُوَ لِوُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ لِأَنَّ الذَّوَاتِ لَا تُنْفَى، وَكَذَا مِنْ حَيْثُ وُجُودُهُ فِي ذِهْنِ الْمُؤْمِنِ أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَعْبُودًا بِبَاطِلٍ لَا يُنْفَى إذْ كَوْنُهُ مَعْبُودًا بِبَاطِلٍ أَمْرٌ حَقٌّ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ وَإِلَّا كَانَ كَذِبًا، وَإِنَّمَا يُنْفَى مِنْ حَيْثُ وُجُودُهُ فِي ذِهْنِ الْكَافِرِ بِوَصْفِ كَوْنِهِ مَعْبُودًا بِحَقٍّ، فَالْمَعْبُودَاتُ الْبَاطِلَةُ لَمْ تُنْفَ إلَّا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَعْبُودَةً بِحَقٍّ فَلَمْ يُنْفَ فِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَّا الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. مَلَوِيٌّ لِأَنَّ الْمَعْبُودَ بِحَقٍّ أَمْرٌ كُلِّيٌّ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا. قَوْلُهُ: (وَحْدَهُ) أَيْ مُنْفَرِدًا فِي ذَاتِهِ وَقَوْلُهُ: (لَا شَرِيكَ لَهُ) أَيْ فِي صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ وَحْدَهُ شَامِلًا لِلثَّلَاثَةِ وَلَا شَرِيكَ لَهُ تَأْكِيدًا لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ التَّأْسِيسَ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ، لِأَنَّهُ أَفَادَ فَائِدَةً لَمْ تُسْتَفَدْ مِنْ الْأَوَّلِ، فَقَوْلُهُ وَحْدَهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَأَتَى بِهِ بَعْدَ حَصْرِ الْأُلُوهِيَّةِ تَوْكِيدًا لِتَوْحِيدِ الذَّاتِ وَرَدًّا عَلَى الثَّانَوِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: (لَا شَرِيكَ لَهُ) أَيْ لَا مُشَارِكَ لَهُ وَأَتَى بِهِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَهُ مِنْ الْحَصْرِ تَأْكِيدًا لِتَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ وَرَدًّا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ قَوْلُهُ: (الْمَلِكُ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ الْمُتَصَرِّفُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي الْمَأْمُورِينَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُلْكِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ الْمَالِكِ وَهُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ كَيْفَ شَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمِلْكِ بِكَسْرِ الْمِيمِ، فَبَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَتَصَرَّفُ فِي الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ مَأْمُورَةً أَوْ لَا. وَالْمَلِكُ يَتَصَرَّفُ فِي الْأَعْيَانِ الْمَأْمُورَةِ مَمْلُوكَةً أَوْ لَا اهـ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ. فَيَجْتَمِعَانِ فِي آمِرٍ تَصَرَّفَ فِي الْمَمْلُوكِ لَهُ، وَيَنْفَرِدُ الْمَلِكُ فِي الْآمِرِ الْمُتَصَرِّفِ فِي غَيْرِ الْمَمْلُوكِ لَهُ، وَيَنْفَرِدُ الْمَالِكُ فِي تَصَرُّفِهِ فِي الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ، وَوَجْهُ أَبْلَغِيَّةِ مَلِكٍ دَلَالَتُهُ عَلَى التَّعْظِيمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُضَافُ إلَّا إلَى الْعُقَلَاءِ. لَا يُقَالُ مَلِكُ الدَّوَابِّ، وَإِنَّمَا يُقَالُ مَالِكُ. وَقَوْلُهُ: (الْعَلَّامُ) صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ أَيْ كَثِيرُ الْعِلْمِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْكَثْرَةِ الْإِحَاطَةُ وَعُمُومُ الِانْكِشَافِ، فَالْكَثْرَةُ بِالنَّظَرِ لِمُتَعَلِّقَاتِ الْعِلْمِ وَهِيَ الْمَعْلُومَاتُ وَإِلَّا فَعِلْمُ اللَّهِ وَاحِدٌ. [مَبْحَثٌ فِي الْمُبَالَغَةِ النَّحْوِيَّةِ وَالْبَيَانِيَّةِ] ِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُبَالَغَةِ هُنَا الْمُبَالَغَةُ النَّحْوِيَّةُ وَهِيَ مُطْلَقُ الْكَثْرَةِ لَا الْبَيَانِيَّةُ وَهِيَ إثْبَاتُك لِلشَّيْءِ زِيَادَةً عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ تَعَالَى الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مُحَمَّدًا) بَدَلٌ مِنْ نَبِيِّنَا لَا مِنْ سَيِّدِنَا لِأَنَّهُ لَا يُفْصَلُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ بِعَطْفِ النَّسَقِ قَوْلُهُ: (صَلَّى اللَّهُ إلَخْ) جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ بَيْنَ اسْمِ أَنَّ وَخَبَرِهَا (قَوْلُهُ: عَبْدُهُ) قَدَّمَهُ امْتِثَالًا لِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُهُ: «وَلَكِنْ قُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» . وَلِأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ أَشْرَفُ أَوْصَافِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَدْ دُعِيَ بِهَا فِي أَشْرَفِ الْمَقَامَاتِ فَقَالَ تَعَالَى: {مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا - الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ - نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 23 - 1] {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] وَلَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ صِفَةٌ أَتَمُّ وَلَا أَشْرَفُ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ لِأَنَّهَا غَايَةُ التَّذَلُّلِ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي نَظْمِهِ حَيْثُ قَالَ: وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفًا وَتِيهًا ... وَكِدْت بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِك يَا عِبَادِي ... وَأَنْ صَيَّرْت أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا وَقَدْ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مَلَكًا وَنَبِيًّا عَبْدًا فَاخْتَارَ الثَّانِيَ (قَوْلُهُ: وَرَسُولُهُ) أَيْ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بَلْ وَإِلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ مِنْ مَلَكٍ وَحَجَرٍ وَمَدَرٍ بَلْ وَإِلَى نَفْسِهِ، وَقَوْلُ م ر: لَمْ يُرْسَلْ إلَى الْمَلَائِكَةِ أَيْ إرْسَالَ تَكْلِيفٍ فَلَا يُنَافِي التَّشْرِيفَ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَالشَّبْشِيرِيُّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ: الْحَقُّ تَكْلِيفُهُمْ بِالطَّاعَاتِ الْعَمَلِيَّةِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُرْسَلْ إلَى الْجِنِّ غَيْرُ نَبِيِّنَا، وَإِيمَانُهُمْ بِالتَّوْرَاةِ كَانَ تَبَرُّعًا مِنْهُمْ وَسُلَيْمَانُ كَانَ حَاكِمًا فِيهِمْ لَا رَسُولًا إلَيْهِمْ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ. وَقَوْلُهُ: لَمْ يُرْسَلْ إلَى الْجِنِّ غَيْرُ نَبِيِّنَا أَيْ لَا مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَالْبُلُوغُ الشَّرْعِيُّ أَيْ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] يَتَأَتَّى فِيهِمْ فَتَكْلِيفُهُمْ بِالْإِيمَانِ مِنْ أَوَّلِ الْخِلْقَةِ كَآدَمَ وَحَوَّاءَ، وَأَمَّا إيمَانُ الْمَلَائِكَةِ فَهُوَ جِبِلِّيٌّ لَا اخْتِيَارَ لَهُمْ فِيهِ فَلَا يُكَلَّفُونَ بِهِ. وَأَوَّلُ الْجِنِّ إبْلِيسُ، فَهُوَ مُكَلَّفٌ بِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ وَبَاقِيهِمْ إمَّا بِسَمَاعِ كَلَامٍ مِنْهُ أَوْ بِخَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ فِيهِ أَوْ بِوُصُولِ دَعْوَةِ رَسُولِ الْإِنْسِ فَتَوَقُّفُ التَّكْلِيفِ عَلَى إرْسَالِ الرُّسُلِ خَاصٌّ بِالْآدَمِيِّينَ وَآيَةُ {حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] مَخْصُوصَةٌ بِهِمْ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ عَلَى شَرْحِ الصُّغْرَى. لِأَنَّ تَكْلِيفَ الْجِنِّ بِالْإِيمَانِ حَاصِلٌ مِنْ أَوَّلِ الْخِلْقَةِ وَلَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى إرْسَالِ الرُّسُلِ، بِخِلَافِ تَكْلِيفِهِمْ بِالْأَحْكَامِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إرْسَالِ الرُّسُلِ لَهُمْ، وَهُوَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَبْحَثٌ فِي الْخُلَّةِ وَالْمَحَبَّةِ] ِ (قَوْلُهُ: وَصَفِيُّهُ) أَيْ الَّذِي اصْطَفَاهُ مِنْ خَلْقِهِ بِمَعْنَى اخْتَارَهُ (وَقَوْلُهُ: وَخَلِيلُهُ) مِنْ الْخَلَّةِ بِالْفَتْحِ وَهِيَ بِالْفَتْحِ الْحَاجَةُ أَوْ بِالضَّمِّ وَهِيَ صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ وَتَخَلُّلُهَا فِي الْقَلْبِ فَلَا تَدَعُ فِيهِ مَحَلًّا إلَّا مَلَأَتْهُ، وَآثَرَهُ عَلَى حَبِيبِهِ جَرْيًا عَلَى مَا رَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ كَالزَّرْكَشِيِّ مِنْ أَنَّ الْخُلَّةَ أَرْفَعُ، إذْ هِيَ أَخَصُّ مِنْ الْمَحَبَّةِ لِأَنَّهَا خَالِصُهَا فَهِيَ نِهَايَتُهَا، وَمِنْ ثَمَّ أَخْبَرَ نَبِيُّنَا بِأَنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا، وَنَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُ خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّهِ مَعَ إخْبَارِهِ بِحُبِّهِ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَظَنُّ أَنَّ الْمَحَبَّةَ أَرْفَعُ وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ خَلِيلٌ وَمُحَمَّدًا حَبِيبٌ غَلَطٌ وَجَهْلٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوصَفُ بِالْوَصْفَيْنِ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ، وَاَلَّذِي قَامَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ أَنَّ خُلَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَاخْتَصَّا بِهِمَا لِتَوَفُّرِ مَعْنَاهُمَا السَّابِقِ فِيهِمَا أَكْثَرَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلِكَوْنِ هَذَا التَّوَفُّرِ فِي نَبِيِّنَا أَكْثَرَ مِنْهُ فِي إبْرَاهِيمَ كَانَتْ خُلَّتُهُ أَرْفَعَ مِنْ خُلَّةِ إبْرَاهِيمَ. هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ، وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ بَعْضِهِمْ آثَرَ الْخَلِيلَ عَلَى الْحَبِيبِ لِأَجْلِ السَّجْعِ بَلْ آثَرَهُ لِأَفْضَلِيَّتِهِ أَيْضًا. [مَبْحَثُ عَدَدِ أَوْلَادِهِ وَأَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قَوْلُهُ: (إمَامُ كُلِّ إمَامٍ) أَيْ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ مُقَدَّمٍ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى آلِهِ) هُوَ عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ عَلَيْهِ فِي حَيِّزِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ فِي ضِمْنِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ أَخَّرَ جُمْلَةَ الصَّلَاةِ عَنْ جُمْلَةِ الشَّهَادَةِ لَكَانَ مُوَافِقًا لِلْمَأْلُوفِ الْمَعْرُوفِ. اهـ. ق ل. وَهَذَا عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا إعَادَةٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (وَأَصْحَابُهُ) جَمْعُ صَاحِبٍ خِلَافًا لِلْجَوْهَرِيِّ وَنَظِيرُهُ شَاهِدٌ وَأَشْهَادٌ، وَفِي التَّنْزِيلِ {وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: جَمْعُ شَاهِدٍ اهـ تَصْرِيحٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَصَحْبُهُ وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ. مَبْحَثُ عَدَدِ أَوْلَادِهِ وَأَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ: (وَأَزْوَاجِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ، عَنْ قَتَادَةَ: «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً، وَدَخَلَ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَجَمَعَ بَيْنَ إحْدَى عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ عَنْ تِسْعٍ» ، وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ ... إلَيْهِنَّ تُعْزَى الْمَكْرُمَاتُ وَتُنْسَبُ فَعَائِشَةٌ مَيْمُونَةُ وَصَفِيَّةٌ ... وَحَفْصَةُ تَتْلُوهُنَّ هِنْدٌ وَزَيْنَبُ جُوَيْرِيَةُ مَعَ رَمْلَةٍ ثُمَّ سَوْدَةٍ ... ثَلَاثٌ وَسِتٌّ ذِكْرُهُنَّ مُهَذَّبُ وَهِنْدٌ هِيَ أُمُّ سَلَمَةَ وَرَمْلَةُ هِيَ أُمُّ حَبِيبَةَ، وَعَدَّ الدِّمْيَاطِيُّ فِي السِّيرَةِ مَنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ خَطَبَهَا وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا فَبَلَغَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ ثَلَاثِينَ. قَالَ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: تَحْرُمُ زَوْجَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ مُطَلَّقَاتٍ وَمُخْتَارَاتٍ فِرَاقَهُ وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَنَقَلَ فِي شَرْحِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْأَمَةَ الَّتِي وَطِئَهَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا وَاعْتَمَدَهُ اهـ وَكَذَا الْمُسْتَعِيذَةُ الَّتِي قَالَتْ لَهُ عِنْدَ دُخُولِهِ عَلَيْهَا: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك، فَقَالَ: اسْتَعَذْت بِعَظِيمٍ وَطَلَّقَهَا فَتَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ، وَتَكُونُ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّهَا نَدِمَتْ عَلَى ذَلِكَ وَالنَّدَمُ تَوْبَةٌ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى الْهَمَزِيَّةِ، وَاسْمُهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ شَرَاحِيلَ، وَقَالَتْ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وَصَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ. وَبَعْدُ فَيَقُولُ فَقِيرُ رَحْمَةِ رَبِّهِ الْقَرِيبِ الْمُجِيبِ مُحَمَّدٌ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: إنَّ مُخْتَصَرَ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ، الْحَبْرِ   [حاشية البجيرمي] بِقَوْلِ ضَرَّاتِهَا قُولِي لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا حَرُمْنَ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ حَيٌّ فِي قَبْرِهِ، وَرِعَايَةً لِشَرَفِهِ، وَلِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَلِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْجَنَّةِ مَعَ آخِرِ أَزْوَاجِهَا، وَيَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ حَيٌّ فِي قَبْرِهِ بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ أَزْوَاجَهُمْ يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ التَّزَوُّجُ بِهِنَّ مَعَ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ، وَكَذَا الشُّهَدَاءُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ التَّزَوُّجُ بِنِسَائِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ، فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّعَالِيلِ اللَّاتِي بَعْدَهُ وَنِسَاءُ بَاقِي الْأَنْبِيَاءِ. يَحْرُمْنَ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ. مَبْحَثُ عَدَدِ أَوْلَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ: (وَذُرِّيَّتِهِ) أَيْ أَوْلَادِهِ، وَجُمْلَةُ أَوْلَادِهِ سَبْعٌ: أَرْبَعٌ مِنْ الْإِنَاثِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ الذُّكُورِ، وَتَرْتِيبُهُمْ فِي الْوِلَادَةِ هَكَذَا الْقَاسِمُ فَزَيْنَبُ فَرُقَيَّةُ فَفَاطِمَةُ فَأُمُّ كُلْثُومٍ فَعَبْدُ اللَّهِ فَإِبْرَاهِيمُ، وَمَا قِيلَ لَهُ مِنْ أَنَّ وَلَدَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُمَا الطَّيِّبُ وَالطَّاهِرُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا لَقَبَانِ لِعَبْدِ اللَّهِ، وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى هَذَا التَّرْتِيبِ بِقَوْلِهِ: يَا رَبَّنَا بِالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ... فَبِزَيْنَبٍ فَرُقَيَّةٍ فَبِفَاطِمَهْ فَبِأُمِّ كُلْثُومٍ فَعَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ ... بِحَقِّ إبْرَاهِيمَ نَجِّي نَاظِمَهْ اهـ وَكُلُّهُمْ مِنْ خَدِيجَةَ إلَّا إبْرَاهِيمُ فَإِنَّهُ مِنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ. قَوْلُهُ: (الطَّيِّبِينَ) أَيْ الْخَالِصِينَ مِنْ شَوَائِبِ الْكُدُورَاتِ وَقَوْلُهُ: (الطَّاهِرِينَ) أَيْ الْخَالِصِينَ مِنْ النَّقَائِصِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، وَفِي هَذَيْنِ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ لِشَرَفِهِمْ. قَوْلُهُ: (دَائِمَيْنِ) لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْرَبَ نَعْتًا لِصَلَاةٍ وَسَلَامًا لِأَنَّهُمَا مَعْمُولَانِ لِصَلَّى وَسَلَّمَ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ مَعْنًى، وَقَدْ صَرَّحَ النُّحَاةُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَعْتُ مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ إلَّا إذَا اتَّحَدَ عَامِلَاهُمَا مَعْنًى وَعَمَلًا وَإِلَّا وَجَبَ الْقَطْعُ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَنَعْتُ مَعْمُولَيْ وَحِيدَيْ مَعْنَى ... وَعَمَلٍ أَتْبِعْ بِغَيْرِ اسْتِثْنَا مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الْعَامِلَانِ مَعْنًى وَعَمَلًا أَوْ عَمَلًا فَقَطْ أَوْ مَعْنًى فَقَطْ لَا يَجُوزُ الْإِتْبَاعُ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يُقْطَعَ وَيُعْرَبَ مَعْمُولًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، لِأَنَّ نَعْتَ النَّكِرَةِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ إذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ بِدُونِهِ، فَحِينَئِذٍ الْأَوْلَى جَعْلُهُ حَالًا مِنْ صَلَاةً وَسَلَامًا، وَلَا يُشْكِلُ بِوُجُوبِ تَعْرِيفِ صَاحِبِ الْحَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسَوِّغِ لِتَنْكِيرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَالِبٌ وَهَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ عَلَى حَدِّ: " وَصَلَّى وَرَاءَهُ رِجَالٌ قِيَامًا " اهـ شَيْخُنَا ح ف. وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ يَرْجِعُ مَعْنَاهُمَا إلَى طَلَبِ زِيَادَةِ الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ اللَّفْظِ وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنْ الْبُعْدِ. قَالَ الشَّنَوَانِيُّ فِي حَوَاشِي الْفَاكِهِيِّ: وَإِنَّمَا أَبَّدَ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ دُونَ الْحَمْدِ وَإِنْ صَحَّ تَأْبِيدُهُ أَيْضًا لِاسْتِغْنَاءِ اللَّهِ عَنْ تَأْبِيدِ الْحَمْدِ، وَمَعْنَى تَأْبِيدِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ تَأْبِيدُ ثَمَرَتِهِمَا وَهِيَ الرَّحْمَةُ وَالتَّحِيَّةُ، وَإِلَّا فَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اللَّذَانِ صَدَرَا مِنْ الْمُؤَلِّفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَسَلَامٌ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ: (إلَى يَوْمِ الدِّينِ) أَيْ الْجَزَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَطْلُوبُ اسْتِمْرَارُهُمَا فَكَيْفَ غَيَّاهُمَا بِذَلِكَ؟ قُلْت: إنَّمَا غَيَّا بِيَوْمِ الدِّينِ جَرْيًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ يُغَيُّونَ بِذَلِكَ عِنْدَ إرَادَةِ التَّأْبِيدِ، وَإِلَّا فَالثَّوَابُ لَا يَنْقَطِعُ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (وَبَعْدُ) مِنْ هُنَا إلَى بَسْمَلَةِ الْمَتْنِ فِيهِ كَلَامٌ مُسَجَّعٌ وَفِيهِ كَلَامٌ غَيْرُ مُسَجَّعٍ يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ، وَالْمُسَجَّعُ مِنْهُ أَرْبَعُونَ سَجْعَةً بَعْضُهَا عَلَى الْبَاءِ وَبَعْضُهَا عَلَى التَّاءِ وَبَعْضُهَا عَلَى الدَّالِ وَبَعْضُهَا عَلَى اللَّامِ، وَهَذَا الْكَلَامُ اشْتَمَلَ عَلَى أَغْرَاضٍ: الْأَوَّلُ مَدْحُ صَاحِبِ الْمَتْنِ، وَالثَّانِي مَدْحُ الْمَتْنِ، وَالثَّالِثُ مَدْحُ الشَّرْحِ، وَالرَّابِعُ مَدْحُ الشَّارِحِ، وَالْخَامِسُ تَسْمِيَةُ الْكِتَابِ، وَالسَّادِسُ التَّوَسُّلُ إلَى اللَّهِ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى إكْمَالِهِ وَجَعْلِهِ خَالِصًا، وَفِي ضِمْنِ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ بَيَانُ السَّبَبِ الْحَامِلِ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] عَلَى التَّأْلِيفِ. وَالْوَاوُ فِي وَبَعْدُ تَحْتَمِلُ وُجُوهًا ثَلَاثَةً: الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةَ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ، وَأَمَّا مُقَدَّرَةً فِي الْكَلَامِ وَالْفَاءُ دَالَّةٌ عَلَيْهَا. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ نَائِبَةً عَنْ أَمَّا وَالْفَاءُ وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ الْوَاوِ النَّائِبَةِ عَنْ أَمَّا، وَهَذِهِ الْوَاوُ أَلْغَزَ فِيهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: وَمَا وَاوٌ لَهَا شَرْطٌ يَلِيهِ ... جَوَابٌ قَرْنُهُ بِالْفَاءِ حَتْمًا أَجَابَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: هِيَ الْوَاوُ الَّتِي قُرِنَتْ بِبَعْدِ ... وَأَمَّا أَصْلُهَا وَالْأَصْلُ مَهْمَا وَاخْتَصَّتْ الْوَاوُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ حُرُوفِ الْعَطْفِ بِالنِّيَابَةِ عَنْ أَمَّا لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ وَلِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِئْنَافِ كَأَمَّا. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِئْنَافِ وَأَمَّا مُقَدَّرَةٌ وَبَعْدُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا يَكُنْ أَوْ أَمَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الشَّرْطِ، أَوْ يَقُولُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الْجَزَاءِ، وَرَجَّحَهُ السَّعْدُ وَغَيْرُهُ لِكَوْنِ الْجَزَاءِ حِينَئِذٍ مُعَلَّقًا عَلَى شَيْءٍ مُطْلَقٍ أَيْ غَيْرِ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ. [مَبْحَثُ تَقْدِيمِ الِاسْمِ عَلَى اللَّقَبِ وَعَكْسِهِ] قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى التَّأْلِيفِ حَيْثُ أَتَى بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ قَوْلُهُ: (فَقِيرُ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ فَمَعْنَاهُ الدَّائِمُ الْفَقْرُ، أَيْ الْحَاجَةُ أَوْ أَنَّهُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ فَمَعْنَاهُ كَثِيرُ الْفَقْرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ فَقِيرٍ صِفَةٌ لِمُذَكَّرٍ، فَإِنْ أُرِيدَ الْمُؤَنَّثُ قِيلَ فَقِيرَةٌ بِالْهَاءِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ فَعِيلًا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا هُوَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَقَتِيلٍ وَجَرِيحٍ إنْ تَبِعَا مَوْصُوفَهُمَا، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَمِنْ فَعِيلٍ كَقَتِيلٍ إنْ تَبِعْ ... مَوْصُوفًا غَالِبًا التَّا تَمْتَنِعْ وَأَضَافَ الْفَقِيرُ إلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ لِدَفْعِ إيهَامِ فَقْرِ الدُّنْيَا أَوْ الْقَلْبِ وَاخْتَارَ لَفْظَ الرَّبِّ لِإِفَادَةِ الْحُنُوِّ وَالرَّأْفَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ مُرَبِّي الشَّيْءِ قَوْلُهُ: (الْقَرِيبِ) قُرْبًا مَعْنَوِيًّا بِالْحِفْظِ وَالْعِلْمِ بِأَحْوَالِ الْعَبِيدِ وَقَوْلُهُ: (الْمُجِيبِ) أَيْ دُعَاءَ مَنْ دَعَاهُ، وَالْمُرَادُ بِالْإِجَابَةِ تَرَتُّبُ نَفْعٍ عَلَى الدُّعَاءِ إمَّا بِعَيْنِ مَا طَلَبَ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا فِي الْحَالِ أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ كُلُّ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ اللَّهُ الْإِجَابَةَ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُجِيبُ أَصْلُهُ الْمَجُوبُ لِأَنَّهُ مِنْ الْجَوَابِ فَهُوَ وَاوِيٌّ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ إلَى الْجِيمِ فَصَارَ مَجُوبٌ وَقَعَتْ الْوَاوُ السَّاكِنَةُ إثْرَ كَسْرٍ قُلِبَتْ يَاءً فَصَارَ مُجِيبٌ. قَوْلُهُ: (مُحَمَّدٌ) بَدَلٌ مِنْ فَقِيرٍ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مَدَابِغِيٌّ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ فَقِيرًا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ وَهِيَ لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ وَمُحَمَّدٌ مَعْرِفَةٌ بِالْعَلَمِيَّةِ وَعَطْفُ الْبَيَانِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُوَافَقَةِ فِي التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَهَذَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَأَمَّا الْأَخْفَشُ وَالْكُوفِيُّونَ فَلَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (الشِّرْبِينِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى بَلَدِهِ، وَالْخَطِيبُ لَقَبُهُ الَّذِي اُشْتُهِرَ بِهِ أَيْ الْخَطِيبُ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ. قَوْلُهُ: (إنَّ مُخْتَصَرَ الْإِمَامِ) جُمْلَةٌ مَحْكِيَّةٌ بِالْقَوْلِ، فَهِيَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ وَقَوْلُهُ: (الْعَالِمُ) أَيْ الْمُتَّصِفُ بِالْعِلْمِ وَإِذَا أُطْلِقَ الْعَالِمُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُتْقِنُ لِكُلِّ عِلْمٍ وَهَذَا عَلَى جَعْلِ أَلْ فِي الْعِلْمِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ الْعَالِمُ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَإِنْ جَعَلْنَاهَا لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ وَلَوْ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعِلْمِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا الْوَصْفُ وَلَوْ بِإِتْقَانِ عِلْمٍ وَاحِدٍ وَإِذَا قُيِّدَ بِقَيْدٍ انْصَرَفَ إلَيْهِ كَقَوْلِهِمْ عَالِمٌ فِي الْفَرَائِضِ أَوْ عَالِمٌ بِمَسْأَلَةِ كَذَا وَأَمَّا إذَا أُطْلِقَ فِي الْوَصِيَّةِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَّا لِعُلَمَاءِ الشَّرْعِ وَهُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (الْعَلَّامَةُ) التَّاءُ فِيهِ لِتَأْكِيدِ الْمُبَالَغَةِ أَوْ لِلنَّقْلِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ وَمِثْلُهُ الْفَهَّامَةُ. قَوْلُهُ: (الْحَبْرُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْعَالِمُ وَبِكَسْرِهَا الْمِدَادُ أَيْ الَّذِي هُوَ كَالْمِدَادِ فِي النَّفْعِ بِهِ كَذَا قِيلَ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هُوَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ الْعَالِمُ كَمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ إتْقَانِهِ وَالْبَحْرُ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ عِلْمِهِ وَالْفَهَّامَةُ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ حَذْقِهِ وَذَكَائِهِ ق ل. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هُنَا الْمُتْقِنُ لِيَكُونَ فِيهِ فَائِدَةٌ بَعْدَ قَوْلِهِ الْعَالِمُ، وَجُمْلَةُ الْأَوْصَافِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْإِمَامُ إلَخْ ثَمَانِيَةٌ: سِتَّةٌ مِنْهَا أَوْصَافٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الْبَحْرِ الْفَهَّامَةِ، شِهَابِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ أَحْمَدَ ابْن الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْفَهَانِيُّ الشَّهِيرُ بِأَبِي شُجَاعٍ، الْمُسَمَّى بِغَايَةِ   [حاشية البجيرمي] لِلْمُصَنِّفِ، وَالسَّابِعُ وَهُوَ الشَّهِيرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِلْمُصَنِّفِ وَأَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِلْمُخْتَصَرِ، وَالثَّامِنُ وَهُوَ الْمُسَمَّى وَصْفٌ لِلْمُخْتَصَرِ. قَوْلُهُ: (شِهَابُ الدُّنْيَا وَالدِّينِ) أَيْ مُنَوِّرُهُمَا لِأَنَّ الشِّهَابَ فِي الْأَصْلِ الْكَوْكَبُ أَوْ مَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا النُّورُ النَّاشِئُ عَنْ الْعِلْمِ فَشَبَّهَهُ الشَّيْخُ بِالشِّهَابِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُضِيئًا لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُحْرِقًا، فَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ مُضِيءٌ فِي أَهْلِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَالْكَوْكَبِ فِي الْإِحْرَاقِ أَيْضًا فِي أَنَّهُ يَحْرُقُ مَنْ عَادَاهُ فِي الدُّنْيَا مَجَازًا. اهـ. فَاكِهِيٌّ. مَبْحَثُ تَقْدِيمِ الِاسْمِ عَلَى اللَّقَبِ وَعَكْسِهِ وَإِذَا اجْتَمَعَ الِاسْمُ وَاللَّقَبُ وَجَبَ تَأْخِيرُ اللَّقَبِ عَنْ الِاسْمِ عِنْدَ النُّحَاةِ مَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِاللَّقَبِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ هُنَا، فَإِنَّهُ قَدَّمَ اللَّقَبَ وَهُوَ شِهَابُ الدُّنْيَا وَالدِّينِ لِاشْتِهَارِهِ بِهِ لِأَنَّهُ اُشْتُهِرَ تَلْقِيبُ كُلِّ مَنْ تَسَمَّى بِأَحْمَدَ بِشِهَابِ الدِّينِ، وَمَنْ تَسَمَّى مُحَمَّدًا بِشَمْسِ الدِّينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَوْلُ شَيْخِنَا الْمَدَابِغِيِّ: وَقَدَّمَهُ عَلَى الِاسْمِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُؤَرِّخِينَ فِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّ مُجَرَّدَ طَرِيقَةِ الْمُؤَرِّخِينَ لَا يَكْفِي فِي التَّقْدِيمِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ قَدَّمَهُ عَلَى الِاسْمِ لِاشْتِهَارِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [النساء: 157] وَقَوْلُ الشَّاطِبِيِّ " وقالون عِيسَى " وَشِهَابٌ بَدَلٌ مِنْ الْإِمَامِ وَكَذَا قَوْلُهُ أَحْمَدُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَحْمَدُ بَدَلًا مِنْ شِهَابٍ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْإِبْدَالِ مِنْ الْبَدَلِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى كَوْنُهُ بَدَلًا آخَرَ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ عَلَيْهِ. [مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى لَفْظِ ابْنِ] قَوْلُهُ: (ابْنُ الْحُسَيْنِ) اسْمُ أَبِيهِ. مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى لَفْظِ ابْنِ وَابْنٌ إذَا وَقَعَ بَيْنَ عَلَمَيْنِ تَسْقُطُ أَلِفُهُ مَا لَمْ تَكُنْ فِي أَوَّلِ سَطْرٍ، وَلَفْظُ الْحُسَيْنِ مَعْرِفَةٌ كَاسْمِ السَّيِّدِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَدَخَلَتْ أَلْ عَلَيْهِ لِلَمْحِ الصِّفَةِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ: وَبَعْضُ الْأَعْلَامِ عَلَيْهِ دَخَلًا الْبَيْتَ. وَفِي سِيرَةِ الشَّامِيِّ أَنَّ أَلِفَ ابْنٍ تَثْبُتُ فِي تِسْعِ مَوَاضِعَ: إذَا أُضِيفَ إلَى مُضْمَرٍ كَهَذَا ابْنُك، أَوْ نُسِبَ إلَى الْأَبِ الْأَعْلَى كَقَوْلِك مُحَمَّدُ ابْنُ شِهَابٍ التَّابِعِيُّ فَشِهَابٌ جَدُّهُ، أَوْ أُضِيفَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ كَالْمِقْدَادِ ابْنِ الْأَسْوَدِ أَبُوهُ عَمْرٌو وَتَبَنَّاهُ الْأَسْوَدُ وَمُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ فَالْحَنَفِيَّةُ أُمُّهُ، أَوْ عُدِلَ عَنْ الصِّفَةِ إلَى الْخَبَرِ كَقَوْلِك أَظُنُّ مُحَمَّدًا ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ، أَوْ إلَى الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِك هَلْ تَيْمُ ابْنُ مُرَّةَ، أَوْ ثُنِّيَ كَقَوْلِك زَيْدٌ وَعَمْرٌو ابْنَا مُحَمَّدٍ، أَوْ ذُكِرَ بِغَيْرِ اسْمٍ كَجَاءَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَوْ كُتِبَ أَوَّلَ سَطْرٍ أَوْ اتَّصَلَ بِصِفَةٍ كَقَوْلِك زَيْدٌ الْفَاضِلُ ابْنُ عَمْرٍو. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِثْلُ ابْنٍ ابْنَةٌ. وَقَدْ نَظَمَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ تِلْكَ الْمَوَاضِعَ فَقَالَ: احْذِفْ مِنْ ابْنٍ أَلِفًا إنْ وَقَعَا ... فِي وَسَطِ اسْمَيْنِ تَكُنْ مُتَّبِعَا إلَّا إذَا أُضِيفَ لِلضَّمِيرِ ... فَالْأَلِفَ اُكْتُبْ فِيهِ يَا سَمِيرِي وَمِثْلُهُ إنْ اسْمُهُ قَدْ حُذِفَا ... كَأَكْرِمْ ابْنَ عُمَرَ مَنْ اَنْصَفَا قُلْت وَفِي اسْتِثْنَاءِ ذَيْنِ نَظَرُ ... إذْ لَيْسَ بَيْنَ اسْمَيْنِ مَنْ يُذْكَرُ كَذَاك مَكْتُوبٌ بِصَدْرِ السَّطْرِ ... أَوْ مَا نِسْبَتُهُ لِجَدٍّ قَادِرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الِاخْتِصَارِ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَبْدَعِ مُخْتَصَرٍ فِي الْفِقْهِ صُنِّفَ، وَأَجْمَعِ مَوْضُوعٍ لَهُ فِيهِ عَلَى مِقْدَارِ حَجْمِهِ أُلِّفَ، الْتَمَسَ مِنِّي   [حاشية البجيرمي] أَوْ مَنْ لِغَيْرِ أَبِيهِ قَدْ انْتَسَبْ ... كَخَالِهِ فَالْحُكْمُ لَهُ وَجَبْ وَمَا بِهِ لِصِفَةٍ قَدْ عَدَلَا ... لِخَبَرٍ كَذَلِكَ اللَّذَ فَصَلَا مَوْصُوفُهُ مِنْهُ وَمَا يُثَنَّى ... أَوْ عَدْلُ الِاسْتِفْهَامِ صَدَّ عَنَّا قَدْ قَالَ ذَا الشَّامِيُّ وَبَعْضُ ابْنِهْ ... كَالِابْنِ فِي ذَا وَعَلَيْهِ الْعُهْدَهْ قَوْلُهُ: (الْأَصْفَهَانِيُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ الْفَاءِ أَوْ الْبَاءِ نِسْبَةٌ إلَى أَصْفَهَانَ بَلَدِهِ أَوْ بَلَدِ جَدِّهِ، وَهِيَ بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ نَزَلَ بِهَا أَصْبَهَانُ بْنُ فَلُّوحٍ بْنِ الْمَطِيِّ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قَوْلُهُ: (الشَّهِيرَ بِأَبِي شُجَاعٍ) بِالنَّصْبِ نَعْتٌ لِمُخْتَصَرٍ، وَبِالْجَرِّ نَعْتٌ لِأَحْمَدَ، وَبِالرَّفْعِ نَعْتٌ مَقْطُوعٌ. وَقَوْلُهُ: (الْمُسَمَّى بِغَايَةِ الِاخْتِصَارِ) نَعْتٌ لِمُخْتَصَرٍ فَقَطْ وَعَدَّى سَمَّى بِالْبَاءِ وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ أَيْضًا، وَجُمْلَةُ لَمَّا كَانَ خَبَرُ إنَّ وَاسْمُ كَانَ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ إلَى مُخْتَصَرٍ، وَخَبَرُهَا مِنْ أَبْدَعِ أَيْ أَحْسَنِ الْمُخْتَصَرَاتِ إذْ الْإِبْدَاعُ فِي الْأَصْلِ الِاخْتِرَاعُ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ وَيَلْزَمُهُ الْحُسْنُ وَمِنْهُ {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: 117] وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مُخْتَرَعٌ بِالنِّسْبَةِ لِأَلْفَاظِهِ وَتَرَاكِيبِهِ وَهَيْئَتِهِ الْمَجْمُوعَةِ، فَإِنَّهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مِثَالٌ يَكُونُ هَذَا عَلَى نَمَطِهِ وَشَكْلِهِ. اهـ. أُجْهُورِيٌّ. (فَائِدَةٌ) : قَالَ الدِّيرِيّ: عَاشَ الْقَاضِي أَبُو شُجَاعٍ مِائَةً وَسِتِّينَ سَنَةً وَلَمْ يَخْتَلَّ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: مَا عَصَيْت اللَّهَ بِعُضْوٍ مِنْهَا، فَلَمَّا حَفِظْتهَا فِي الصِّغَرِ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ حَفِظَهَا اللَّهُ فِي الْكِبَرِ. وَفِي كَلَامِ الْبُولَاقِيِّ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. وَوُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَتَوَلَّى الْوَزَارَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ، فَنَشَرَ الْعَدْلَ وَالدِّينَ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ وَيَقْرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا أَمْكَنَهُ، وَلَا يَأْخُذُهُ فِي الْحَقِّ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَكَانَ لَهُ عَشَرَةُ أَنْفَارٍ يُفَرِّقُونَ عَلَى النَّاسِ الصَّدَقَاتِ أَيْ الزَّكَوَاتِ، وَيُتْحِفُونَهُمْ أَيْ يُعْطُونَهُمْ الْهِبَاتِ يَصْرِفُ عَلَى يَدِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مِائَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَعَمَّ إنْعَامُهُ الصَّالِحِينَ وَالْأَخْيَارَ، ثُمَّ زَهِدَ الدُّنْيَا وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ الشَّرِيفَ وَيَفْرِشُ الْحُصْرَ وَيُشْعِلُ الْمَصَابِيحَ إلَى أَنْ مَاتَ أَحَدُ خَدَمَةِ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ فَأَخَذَ وَظِيفَتَهُ إلَى أَنْ مَاتَ وَدُفِنَ بِمَسْجِدِهِ الَّذِي بَنَاهُ عِنْدَ بَابِ جِبْرِيلَ أَيْ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ مِنْهُ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأْسُهُ بِالْقُرْبِ مِنْ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى صَاحِبِهَا مِنْ الْجِهَةِ الشَّرْقِيَّةِ وَهِيَ جِهَةُ الْبَقِيعِ الْقَرِيبِ. قَوْلُهُ: (فِي الْفِقْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صُنِّفَ قَدَّمَهُ لِلسَّجْعِ، وَجُمْلَةُ صُنِّفَ فِي مَحَلِّ جَرٍّ نَعْتٌ لِمُخْتَصَرٍ، يَعْنِي أَنَّ الْمُخْتَصَرَاتِ الَّتِي فِي الْفِقْهِ كَثِيرَةٌ وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِهَا، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: أَيَا مَنْ رَامَ نَفْعًا مُسْتَمِرًّا ... لِيَحْظَى بِارْتِفَاعٍ وَانْتِفَاعٍ تَقَرَّبْ لِلْعُلُومِ وَكُنْ شُجَاعًا ... بِتَقْرِيبِ الْإِمَامِ أَبِي شُجَاعٍ وَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي الْفِقْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ عِلْمَ الْفِقْهِ بِمِصْرٍ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ح ف. قَوْلُهُ: (وَأَجْمَعِ مَوْضُوعٍ) أَيْ أَكْثَرَ جَمْعًا لِلْمَسَائِلِ مِنْ كُلِّ كِتَابٍ وُضِعَ لِلتَّصْنِيفِ فِي الْفِقْهِ مُؤَلَّفٌ عَلَى مِقْدَارِ حَجْمِ ذَلِكَ الْمُخْتَصَرِ، وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ رَاجِعٌ لِلتَّصْنِيفِ الْمَأْخُوذِ مِنْ صُنِّفَ، وَفِي فِيهِ رَاجِعٌ لِلْفِقْهِ، وَفِي حَجْمِهِ لِلْمُخْتَصَرِ، وَالتَّقْدِيرُ وَأَكْثَرَ جَمْعًا وُضِعَ لِمَسَائِلِ التَّصْنِيفِ فِي الْفِقْهِ عَلَى مِقْدَارِ حَجْمِ الْمُخْتَصَرِ اهـ اج. وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ أَيْ أَكْثَرِ جَمْعًا لِلْمَسَائِلِ مِنْ كُلِّ كِتَابٍ وُضِعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 بَعْضُ الْأَعِزَّةِ عَلَيَّ الْمُتَرَدِّدِينَ إلَيَّ، أَنْ أَضَعَ عَلَيْهِ شَرْحًا، يُوَضِّحُ مَا أَشْكَلَ مِنْهُ، وَيَفْتَحُ مَا أُغْلِقَ مِنْهُ، ضَامًّا إلَى ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَجَادَاتِ، وَالْقَوَاعِدِ الْمُحَرَّرَاتِ، الَّتِي وَضَعْتهَا فِي شُرُوحِي عَلَى التَّنْبِيهِ وَالْمِنْهَاجِ وَالْبَهْجَةِ، فَاسْتَخَرْت اللَّهَ   [حاشية البجيرمي] لِلتَّصْنِيفِ أَيْ لِمَسَائِلِ التَّصْنِيفِ فِي الْفِقْهِ مُؤَلَّفٍ عَلَى مِقْدَارِ حَجْمِ ذَلِكَ الْمُخْتَصَرِ اهـ. فَالضَّمِيرُ فِي حَجْمِهِ لِلْمُخْتَصَرِ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ، وَالْأَلْفَاظُ لَا حَجْمَ لَهَا وَإِنَّمَا الْحَجْمُ لِلْأَوْرَاقِ الْمَكْتُوبِ فِيهَا النُّقُوشُ الدَّالَّةُ عَلَى الْأَلْفَاظِ، فَإِطْلَاقُ الْحَجْمِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ إذْ الْأَلْفَاظُ شَأْنُهَا أَنْ تُنْقَشَ فِي الْأَوْرَاقِ، وَالْمَعْنَى عَلَى قَدْرِ الْجِرْمِ الَّذِي فِيهِ نُقُوشُهُ أُلِّفَ. قَوْلُهُ: (الْتَمَسَ مِنِّي) جَوَابُ لَمَّا، وَيُقَالُ فِيهَا حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ، وَقِيلَ ظَرْفٌ وَهُوَ الْعَامِلُ فِيهَا إنْ كَانَتْ ظَرْفًا بِمَعْنَى حِينَ أَوْ إذْ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْمَاضِي وَبِالْإِضَافَةِ إلَى الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْمُغْنِي، وَعَبَّرَ بِالِالْتِمَاسِ إشَارَةً إلَى أَنَّ السَّائِلَ مُسَاوٍ لَهُ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْمُتَرَدِّدِينَ إلَيَّ، إذْ الشَّخْصُ يَتَرَدَّدُ إلَى مِثْلِهِ وَمَنْ دُونَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ دُونَهُ وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ تَوَاضُعًا اج. وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ مِنْ الْأَعْلَى، وَالِالْتِمَاسَ مِنْ الْمُسَاوِي، وَالدُّعَاءَ مِنْ الْأَدْنَى وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ أَيْ فِي مُسَمَّى الْأَمْرِ عُلُوٌّ وَلَا اسْتِعْلَاءٌ، وَقِيلَ يُعْتَبَرَانِ اهـ. وَالْأَعِزَّةُ جَمْعُ عَزِيزٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى عَزَائِزَ وَعَلَى أَعِزَّاءٍ وَيُطْلَقُ الْعَزِيزُ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا كَمَا قِيلَ وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْكَرِيمِ خُصُوصًا مَعَ تَعَلُّقِ مَا بَعْدَهُ بِهِ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَعَانِيهِ. قَوْلُهُ: (الْمُتَرَدِّدِينَ) أَيْ الرَّاجِعِينَ إلَيَّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَمَفْعُولُ الْتَمَسَ قَوْلُهُ: إنْ أَضَعَ عَلَيْهِ شَرْحًا أَيْ الْتَمَسَ مِنِّي وَضْعَ شَرْحٍ عَلَى ذَلِكَ الْمُخْتَصَرِ أَيْ: تَأْلِيفَ شَرْحٍ فَشَبَّهَ الشَّرْحَ وَالْمَتْنَ بِرَاكِبٍ وَمَرْكُوبٍ بِجَامِعِ شِدَّةِ التَّمَكُّنِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ وَإِثْبَاتُ الْوَضْعِ تَخْيِيلٌ، أَوْ شَبَّهَ مَزْجَ الشَّرْحِ بِالْمَتْنِ بِوَضْعِ جِسْمٍ عَلَى جِسْمٍ وَأَطْلَقَ الْوَضْعَ عَلَيْهِ ثُمَّ اشْتَقَّ مِنْهُ أَضَعُ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ. وَالشَّرْحُ لُغَةً الْكَشْفُ وَالْإِظْهَارُ وَاصْطِلَاحًا أَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ مَخْصُوصَةٍ، وَقَالَ الَأُجْهُورِيُّ: لَمَّا كَانَ الشَّرْحُ مُبَيِّنًا وَمُوَضِّحًا لَهُ ارْتَفَعَتْ مَنْزِلَتُهُ فَكَأَنَّهُ اسْتَعْلَى عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (يُوَضِّحُ) أَيْ يَكْشِفُ مَا أَشْكَلَ أَيْ مَا خَفِيَ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: (وَيَفْتَحُ مَا أَغْلَقَ مِنْهُ) أَيْ مَا صَعُبَ فَهْمُهُ، وَفِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ فِي يَفْتَحُ وَأَغْلَقَ تَرْشِيحٌ أَوْ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ فِي مَا فَإِنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْمَسَائِلِ الصَّعْبَةِ، وَأَغْلَقَ تَخْيِيلٌ وَيَفْتَحُ تَرْشِيحٌ أَوْ عَكْسُهُ، وَعَطْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ أَوْ مُرَادِفٌ، وَالْخُطَبُ مَحَلُّ إطْنَابٍ. قَوْلُهُ: (ضَامًّا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ أَضَعَ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسْئُولِ لَا أَنَّ الْمَسْئُولَ مُجَرَّدُ حَلِّ الْأَلْفَاظِ فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: وَأَسْتَعِينُ اللَّهَ فِي أَلْفِيَّهْ ... مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ إلَى ذَلِكَ عَائِدَةٌ عَلَى الْإِيضَاحِ وَالْفَتْحِ، لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ مُسَمَّى الشَّرْحِ، وَالْمُرَادُ بِالضَّمِّ وَضْعُ الْمَسَائِلِ فِي أَمَاكِنِهَا. " وَمِنْ " فِي قَوْلِهِ: مِنْ الْفَوَائِدِ لِلتَّبْعِيضِ فَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ بِهِ بِمَعْنَى بَعْضٍ أَيْ بَعْضِ الْفَوَائِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة: 22] فَإِنَّهُ جَعَلَ " مِنْ " فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ بِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ: فَهِيَ اسْمٌ بِمَعْنَى بَعْضٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِجَعْلِ مَفْعُولِ ضَامًّا مَحْذُوفًا، وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى قِلَّةٍ، وَأَلْ فِي الْفَوَائِدِ وَالْقَوَاعِدِ لِلْجِنْسِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ جَمِيعَهَا. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَجَادَاتِ) أَيْ الْبَالِغَةِ فِي الْجَوْدَةِ أَيْ الْحُسْنِ، فَالْمُرَادُ الْفَوَائِدُ الْمُسْتَحْسَنَةُ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ وَالدَّالُ مُخَفَّفَةٌ لَا مُشَدَّدَةٌ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْقَوَاعِدِ) جَمْعُ قَاعِدَةٍ وَهِيَ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ يَتَعَرَّفُ مِنْهَا أَحْكَامَ جُزْئِيَّاتِ مَوْضُوعِهَا وَعَطْفُ الْقَوَاعِدِ عَلَى الْفَوَائِدِ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ. قَوْلُهُ: (فِي شُرُوحِي عَلَى التَّنْبِيهِ) وَهُوَ عَلَى التَّوْزِيعِ، إذْ لَيْسَ لَهُ عَلَى التَّنْبِيهِ إلَّا شَرْحٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ وَالتَّنْبِيهُ لِأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَالْمِنْهَاجُ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ وَالْبَهْجَةُ لِابْنِ الْوَرْدِيِّ. قَوْلُهُ: (فَاسْتَخَرْت اللَّهَ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْتَمَسَ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُجِبْهُ بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ بَلْ عَدَلَ إلَى الِاسْتِخَارَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا بِغَيْرِ صَلَاةٍ لِأَنَّهُ جَعَلَ مُدَّتَهَا بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِي مَقَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 تَعَالَى مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ بَعْدَ أَنْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ فِي مَقَامِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ، فَلَمَّا انْشَرَحَ لِذَلِكَ صَدْرِي شَرَعْت فِي شَرْحٍ تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُ أُولِي الرَّغَبَاتِ، رَاجِيًا بِذَلِكَ جَزِيلَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ؛ أُجَافِي فِيهِ   [حاشية البجيرمي] الْإِمَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا الصَّلَاةَ، وَيَحْتَمِلُ غَيْرُ ذَلِكَ ق ل أَيْ: بِأَنْ يُرَادَ بِالرَّكْعَتَيْنِ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ. لَا يُقَالُ إنَّ الِاسْتِخَارَةَ لَيْسَتْ مَطْلُوبَةً فِي هَذَا لِأَنَّهُ خُيِّرَ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ أَوْقَاتَ الْمُؤَلِّفِ كُلَّهَا مَغْمُورَةٌ بِالطَّاعَةِ، فَالِاسْتِخَارَةُ إنَّمَا هِيَ لِتَقْدِيمِ الْأَفْضَلِ مِنْهَا. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: فَاسْتَخَرْت مَعْطُوفٌ عَلَى الْتَمَسَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِخَارَةَ عَقِبَ الِالْتِمَاسِ، لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ: أَنْ صَلَّيْت فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَخَلُّلَ الصَّلَاةِ بَيْنَ الِالْتِمَاسِ وَالِاسْتِخَارَةِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَاسْتَخَرْت دَعَوْت بِدُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ وَطَلَبْت مِنْهُ تَعَالَى مَا هُوَ خَيْرٌ، لِأَنَّ مَا سَأَلُوهُ وَإِنْ كَانَ خَيْرًا فَقَدْ يَكُونُ غَيْرُهُ مِنْ الْخَيْرَاتِ أَفْضَلَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ أَهَمَّ بِالتَّعْقِيبِ فِي ذَلِكَ عَلَى حَدِّ: تَزَوَّجَ زَيْدٌ فَوُلِدَ لَهُ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ ق ل. ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الِاسْتِخَارَةَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ لِأَنَّهُ جَعَلَ مُدَّتَهَا بَعْدَ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي مَقَامِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا صَلَاةً. وَقَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ أَيْ بِتَفْسِيرِ اسْتَخَرْت ب دَعَوْت دُعَاءَ الِاسْتِخَارَةِ أَيْ بَعْضَ صُلَاتِهَا وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ. قَوْلُهُ: (مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ) أَيْ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً، وَالْمُدَّةُ الْقِطْعَةُ مِنْ الزَّمَانِ تَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. قِيلَ: الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ إذْ كُلُّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُدَّةٍ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِهِ التَّنْبِيهَ عَلَى تَكْرَارِ الِاسْتِخَارَةِ ح ف قَوْلُهُ: (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) أَيْ أَبْعَدَ عَنْهُ السَّخَطَ بِوَاسِطَةِ الرِّضَا. قَوْلُهُ: (وَأَرْضَاهُ) أَيْ أَعْطَاهُ مَا يَرْضَى بِهِ. وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ التَّرَضِّي فِي غَيْرِ الصَّحَابَةِ جَائِزٌ كَمَا هُنَا، وَإِنْ كَانَ الْكَثِيرُ اسْتِعْمَالَهُ فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمَ فِي غَيْرِهِمْ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مُتَقَلَّبَهُ) أَيْ مَحَلَّ تَرَدُّدِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَثْوَاهُ) أَيْ مَحَلَّ إقَامَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَمَّا انْشَرَحَ لِذَلِكَ صَدْرِي) أَيْ اطْمَأَنَّ وَرَكَنَ قَلْبِي إلَيْهِ، فَإِطْلَاقُ الصَّدْرِ عَلَيْهِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ تَسْمِيَةِ الْحَالِ وَهُوَ الْقَلْبُ بِاسْمِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الصَّدْرُ. قَوْلُهُ: (شَرَعْت فِي شَرْحٍ) أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْخُطْبَةَ لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (تَقَرُّ بِهِ) بِفَتْحِ الْقَافِ مِنْ بَابِ تَعِبَ أَوْ بِكَسْرِ الْقَافِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ فَالْمَاضِي الَّذِي هُوَ قَرَّ أَصْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ قَرِرَ عَلَى وَزْنِ تَعِبَ وَعَلَى الثَّانِي أَصْلُهُ قَرَرَ عَلَى وَزْنِ ضَرَبَ وَالْمُضَارِعُ عَلَى الْأَوَّلِ أَصْلُهُ تَقْرَرُ عَلَى وَزْنِ تَتْعَبُ وَعَلَى الثَّانِي أَصْلُهُ تَقْرِرُ عَلَى وَزْنِ تَضْرِبُ فَهُوَ مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ وَتَعِبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَيْ يَحْصُلُ بِهِ سُرُورٌ وَفَرَحٌ لِمَنْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ قِ ل فَأَرَادَ بِالْأَعْيُنِ الذَّوَاتَ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ وَعَبَّرَ بِالْأَعْيُنِ لِأَنَّهَا أَقْوَى أَسْبَابِ الِاطِّلَاعِ فَهُوَ شَامِلٌ لِلْأَعْمَى وَمَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ تَبْرُدُ بِهِ دُمُوعُ أَعْيُنِهِمْ فَهُوَ مِنْ الْقُرِّ بِضَمِّ الْقَافِ وَهُوَ الْبَرْدُ، فَكَنَّى بِهِ عَنْ سُرُورِهِمْ بِهِ، فَإِنَّ دَمْعَةَ السُّرُورِ بَارِدَةٌ وَدَمْعَةَ الْحُزْنِ حَارَّةٌ فَيَلْزَمُ مِنْ بَرْدِ الْعَيْنِ السُّرُورُ فَهُوَ كِنَايَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (أُولِي) أَيْ أَصْحَابُ. وَالرَّغَبَاتِ: جَمْعُ رَغْبَةٍ وَهِيَ الِانْهِمَاكُ عَلَى الْخَيْرِ طَلَبًا لِحِيَازَةِ مَعَالِيهِ. قَوْلُهُ: (رَاجِيًا) أَيْ مُؤَمِّلًا حَالٌ مِنْ التَّاءِ فِي شَرَعْت. قَوْلُهُ: (جَزِيلَ الْأَجْرِ) أَيْ الْأَجْرَ الْجَزِيلَ أَيْ الْكَثِيرَ. قَوْلُهُ: (وَالثَّوَابِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَهُوَ مِقْدَارٌ مِنْ الْجَزَاءِ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، فَالْأَجْرُ وَالثَّوَابُ بِمَعْنًى، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَجْرَ مَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ، وَالثَّوَابُ مَا كَانَ تَفَضُّلًا وَإِحْسَانًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَمَلَ لِلَّهِ تَعَالَى مَعَ إرَادَةِ الثَّوَابِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْمَلَ مِنْهُ. [مَبْحَثُ دَرَجَاتِ الْإِخْلَاصِ] ِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: دَرَجَاتُ الْإِخْلَاصِ ثَلَاثٌ: عُلْيَا وَوُسْطَى وَدُنْيَا، فَالْعُلْيَا أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ وَقِيَامًا بِحَقِّ عُبُودِيَّتِهِ لَا طَمَعًا فِي جَنَّتِهِ وَلَا خَوْفًا مِنْ نَارِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَتْ رَابِعَةُ الْعَدَوِيَّةُ: مَا عَبَدْتُك طَمَعًا فِي جَنَّتِك وَلَا خَوْفًا مِنْ نَارِك إنَّمَا عَبَدْتُك امْتِثَالًا لِأَمْرِك، وَالْوُسْطَى أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ كَغَيْرِهِ رَاجِيًا بِذَلِكَ جَزِيلَ الْأَجْرِ إلَخْ. وَالدُّنْيَا أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ لِلْإِكْرَامِ مِنْ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالسَّلَامَةِ مِنْ آفَاتِهَا، وَمَا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ رِيَاءٌ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ أَفْرَادُهُ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إذَا كَانَ هُنَاكَ قَصْدٌ دُنْيَوِيٌّ وَقَصْدٌ أُخْرَوِيٌّ كَمَنْ سَافَرَ لِلْحَجِّ وَالتِّجَارَةِ، أَوْ لِلْجِهَادِ وَالْغَنِيمَةِ، أَوْ لِلْهِجْرَةِ وَالزَّوَاجِ، فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ الدُّنْيَوِيُّ هُوَ الْأَغْلَبُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَجْرٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ الدِّينِيُّ هُوَ الْأَغْلَبُ أُجِرَ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا فَلَا أَجْرَ. قَوْلُهُ: (أُجَافِي) أَيْ أَتْرُكُ فِيهِ الْإِيجَازَ الْمُخِلَّ أَيْ تَقْلِيلَ اللَّفْظِ الْمُضِرَّ وَالْمَقْصُودُ تَرْكُ الصِّفَةِ فِيهِ وَفِيمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الْإِيجَازَ الْمُخِلَّ وَالْإِطْنَابَ الْمُمِلَّ، حِرْصًا عَلَى التَّقْرِيبِ لِفَهْمِ قَاصِدِهِ وَالْحُصُولِ عَلَى فَوَائِدِهِ، لِيَكْتَفِيَ بِهِ الْمُبْتَدِئُ عَنْ الْمُطَالَعَةِ فِي غَيْرِهِ، وَالْمُتَوَسِّطُ عَنْ الْمُرَاجَعَةِ لِغَيْرِهِ. فَإِنِّي مُؤَمِّلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْكِتَابَ عُمْدَةً وَمَرْجِعًا بِبَرَكَةِ الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ؛ فَمَا كُلُّ مَنْ صَنَّفَ أَجَادَ، وَلَا كُلُّ مَنْ قَالَ وَفَى بِالْمُرَادِ، وَالْفَضْلُ مَوَاهِبُ وَالنَّاسُ فِي الْفُنُونِ مَرَاتِبُ، وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْفَضَائِلِ، وَقَدْ تَظْفَرُ الْأَوَاخِرُ بِمَا تَرَكَتْهُ الْأَوَائِلُ وَكَمْ تَرَكَ الْأَوَّلُ لِلْآخِرِ. وَكَمْ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ مِنْ   [حاشية البجيرمي] بَعْدَهُ وَانْدَفَعَ بِقَوْلِهِ الْمُضِرَّ مَا يُقَالُ الْإِيجَازُ لَا يُوصَفُ بِالْإِخْلَالِ. اهـ. م د. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِشَرْحٍ أَوْ اسْتِئْنَافِيَّةٌ. [مَبْحَثُ تَعْرِيفِ الْجِنَاسِ اللَّاحِقِ] ِ قَوْلُهُ وَالْإِطْنَابَ الْمُمِلَّ أَيْ الْإِكْثَارَ الْمُوقِعَ فِي السَّآمَةِ وَبَيْنَ مُخِلٍّ وَمُمِلٍّ الْجِنَاسُ اللَّاحِقُ وَهُوَ اخْتِلَافُ اللَّفْظَيْنِ فِي حَرْفَيْنِ مُتَبَاعِدَيْ الْمَخْرَجِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى: 9] {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى: 10] وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ الْوَاسِطَةَ بَيْنَ الْإِيجَازِ وَالْإِطْنَابِ الْمُسَمَّاةَ بِالْمُسَاوَاةِ وَهِيَ التَّعْبِيرُ عَنْ الْمُرَادِ بِلَفْظٍ مُسَاوٍ لَهُ، لِأَنَّ الرَّاجِحَ نَفْيُهَا بَلْ لَا تَكَادُ تُوجَدُ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ أَدَاءُ الْمَقْصُودِ بِعِبَارَةِ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ الْأَوْسَاطِ وَلَمْ يُعْلَمْ قَدْرُ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَهُمْ تَحْدِيدًا. وَقَوْلُهُ: (حِرْصًا) أَيْ لِأَجْلِ الْحِرْصِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أُجَافِي. قَوْلُهُ: (لِفَهْمِ قَاصِدِهِ) مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ أَيْ كُلَّ مَنْ قَصَدَهُ. وَاعْتَرَضَهُ ق ل بِأَنَّ الْمُنَاسِبَ إبْدَالُ الْفَهْمِ بِالْحِفْظِ، إذْ يُبْسَطُ الْكَلَامُ لِيُفْهَمَ وَيُخْتَصَرُ لِيُحْفَظَ. وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ لَا يَرِدُ أَصْلًا لِأَنَّ تَعْبِيرَهُ بِتَرْكِ الْإِيجَازِ الْمُخِلِّ لَا يُنَافِي أَنَّ الشَّرْحَ مَبْسُوطٌ فَيُفْهَمُ لِأَنَّ الْفَهْمَ هُوَ الْغَرَضُ مِنْ الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (وَالْحُصُولِ) عَطْفٌ عَلَى فَهْمٍ وَهُوَ عَطْفٌ لَازِمٌ عَلَى مَلْزُومٍ كَذَا قِيلَ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، بَلْ يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى التَّقْرِيبِ أَيْ حِرْصًا عَلَى التَّقْرِيبِ وَحِرْصًا عَلَى الْحُصُولِ وَضَمَّنَهُ مَعْنَى الْوُقُوفِ فَعَدَّاهُ بِعَلَى أَيْ الْوُقُوفِ عَلَى فَوَائِدِهِ. وَقَوْلُهُ: (لِيَكْتَفِيَ) عِلَّةٌ لِلتَّقْرِيبِ أَوْ الْحُصُولِ أَوْ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ لِأُجَافِيَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ حِرْصًا فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ فَيَكُونُ تَدْقِيقًا شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (الْمُبْتَدِئُ) وَهُوَ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ: (وَالْمُتَوَسِّطُ) وَهُوَ مَنْ قَدَرَ عَلَى التَّصْوِيرِ فَقَطْ، وَسَكَتَ عَنْ الْمُنْتَهِي تَوَاضُعًا وَهَضْمًا لِنَفْسِهِ. [مَبْحَثُ الرَّجَاءِ وَالْأَمَلِ وَالتَّمَنِّي وَالطَّمَعِ] ِ قَوْلُهُ: (فَإِنِّي) أَيْ لِأَنِّي فَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لِيَكْتَفِيَ وَقَوْلُهُ: (مُؤَمِّلٌ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ رَاجٍ. فَالرَّجَاءُ وَالْأَمَلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِمَرْغُوبٍ فِيهِ مَعَ الْأَخْذِ فِي أَسْبَابِهِ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ فِي الْأَسْبَابِ فَطَمَعٌ وَقِيلَ الْأَمَلُ رَجَاءُ مَا تُحِبُّهُ النَّفْسُ كَطُولِ عُمْرٍ وَزِيَادَةِ غِنًى وَالرَّجَاءُ أَعَمُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمَلِ وَالتَّمَنِّي أَنَّ الْأَمَلَ طَلَبُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ سَبَبٌ وَالتَّمَنِّي طَلَبُ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ سَبَبٌ وَقِيلَ لَا يَنْفَكُّ الْإِنْسَانُ عَنْ أَمَلٍ فَإِنْ فَاتَهُ مَا أَمَّلَهُ عَوَّلَ عَلَى التَّمَنِّي. وَقَوْلُهُ: (عُمْدَةً) أَيْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَرْجِعًا) أَيْ يُرْجَعُ إلَيْهِ مُطْلَقًا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ أَعَمُّ وَعَكْسٌ ق ل. وَعِبَارَتُهُ الْعُمْدَةُ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْإِفْتَاءِ وَالْعَمَلِ أَيْ فِي مَحَلِّ الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ وَالْمَرْجِعُ مَا يُرْجَعُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَطْفُ تَفْسِيرٍ انْتَهَتْ: قَوْلُهُ: (بِبَرَكَةِ) هِيَ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ وَالنَّمَاءُ بِالْمَدِّ وَفِي الِاصْطِلَاحِ ثُبُوتُ الْخَيْرِ الْإِلَهِيِّ فِي الشَّيْءِ. قَوْلُهُ: (الْكَرِيمِ) وَفِي نُسْخَةٍ الْأَكْرَمِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 3] فَمَا وَقَعَ فِي الْحَاشِيَةِ مِنْ عَدَمِ وُرُودِهِ سَهْوٌ، ثُمَّ هُوَ مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ بِأَنْ يَقُولَ بِبَرَكَتِهِ لِلتَّلَذُّذِ وَالسَّجْعِ. قَوْلُهُ: (فَمَا كُلُّ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْكِتَابَ عُمْدَةً وَمَرْجِعًا كَأَنَّهُ قِيلَ: وَإِنَّمَا أَمَّلْت ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ شُرُوحٍ غَيْرِهِ، لِأَنَّ مَا كُلُّ مَنْ صَنَّفَ إلَخْ. وَقَالَ الْمَدَابِغِيُّ: وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ هَذَا الْكِتَابَ عَلَيْهِ شُرُوحٌ كَثِيرَةٌ فَلَا حَاجَةَ لِشَرْحِك. قَوْلُهُ: (وَفَى) بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِهَا قَوْلُهُ: (وَالْفَضْلُ) فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَأَنَا أَجَدْت فِي تَأْلِيفِي وَوَفَيْت بِالْمُرَادِ، لِأَنَّ الْفَضْلَ مَوَاهِبُ وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ. قَوْلُهُ: (وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ) هَذِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 فَضْلٍ وُجُودٍ، وَكُلُّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ وَالْحَسُودُ لَا يَسُودُ وَسَمَّيْته: (الْإِقْنَاعُ فِي حَلِّ أَلْفَاظِ أَبِي شُجَاعٍ) أَعَانَنِي اللَّهُ تَعَالَى   [حاشية البجيرمي] الْجُمْلَةُ مُفَسِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَفِيهِ وَضْعُ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِلِاعْتِنَاءِ وَالِاهْتِمَامِ. قَوْلُهُ: (فِي الْفَضَائِلِ) أَيْ وَالْفَوَاضِلِ فَفِيهِ اكْتِفَاءٌ، أَوْ الْمُرَادُ، بِالْفَضَائِلِ مَا يَشْمَلُ الْفَوَاضِلَ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَظْفَرُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ بَابِ تَعِبَ أَيْ تَفُوزُ النَّاسُ. قَوْلُهُ: (بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ أَوْ بِاَلَّذِي تَرَكَهُ الْأَوَائِلُ قَالَ ق ل: لَوْ قَالَ بِمَا لَمْ تُدْرِكْهُ الْأَوَائِلُ لَكَانَ أَنْسَبَ، إذْ التَّرْكُ فَرْعٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الْمَتْرُوكِ وَلَيْسَ مُرَادًا. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَبَّرَ ذَلِكَ تَأَدُّبًا أَوْ بِأَنَّهُ رَاعَى الْمَثَلَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ: كَمْ تَرَكَ الْأَوَّلُ لِلْآخِرِ " وَكَمْ " فِي كَلَامِهِ خَبَرِيَّةٌ لِلتَّكْثِيرِ وَلَا يُنَافِيهِ الْإِتْيَانُ " بِقَدْ " التَّقْلِيلِيَّةِ فَمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَوَائِلَ لَمْ تُدْرِكْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً ظَفِرَ بِبَعْضِهَا الْمُتَأَخِّرُونَ م د. قَوْلُهُ: (بِمَا لَمْ تُدْرِكْهُ الْأَوَائِلُ) يُقَالُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ تَرَكَتْهُ الْأَوَائِلُ فَلَمْ يُصَنِّفُوهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرُوهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ أَوْ عَلِمُوهُ، لَكِنْ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُمْ ذِكْرُهُ أَوْ تَصْنِيفُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَاخِرِ وَالْأَوَائِلِ الْجِنْسُ، فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لِلْأَوَاخِرِ عَلَى جَمِيعِ أَقْوَالِ الْأَوَائِلِ الْمُصَنَّفَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى يُقَالَ: إنَّ الْأَوَائِلَ تَرَكُوهُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. [مَبْحَثُ الْحَسَدِ وَالْغِبْطَةِ وَالْقَنَاعَةِ] قَوْلُهُ: (مِنْ فَضْلٍ) أَيْ خَيْرٍ كَامِلٍ وَقَوْلُهُ: (وُجُودٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ أَيْ كَرَمٍ كَذَلِكَ فَالتَّنْوِينُ فِيهِمَا لِلْكَمَالِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ خَلْقِهِ حِينَئِذٍ الْمُؤْمِنِينَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَكُلُّ ذِي نِعْمَةٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (نِعْمَةٍ) قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: النِّعْمَةُ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْإِحْسَانُ وَتُجْمَعُ النِّعْمَةُ عَلَى نَعْمَاءَ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ وَالنِّعْمَةُ مُلَائِمٌ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ وَمِنْ ثَمَّ لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ بَلْ هُوَ مَرْزُوقٌ وَبِفَتْحِ النُّونِ التَّنَعُّمُ وَهُوَ خِصْبُ الْعَيْشِ وَلِينُهُ وَبِضَمِّهَا الْمَسَرَّةُ قَوْلُهُ: (مَحْسُودٌ) أَيْ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْمُعْتَرِضِينَ عَلَيَّ الَّذِينَ يَذُمُّونَنِي وَيَذُمُّونَ كَلَامِي. قَوْلُهُ: (وَالْحَسُودُ) أَيْ الْحَاسِدُ فَالْمُبَالَغَةُ لَيْسَتْ مُرَادَةً. قَوْلُهُ: (لَا يَسُودُ) أَيْ لَا تَحْصُلُ لَهُ سِيَادَةٌ، وَسَبَبُهُ أَنَّهُ كَانَ يُنْسَبُ الْحَكَمُ الْعَدْلُ لِلْجَوْرِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ هَذَا لَا يَسْتَحِقُّ تِلْكَ النِّعْمَةَ الَّتِي هُوَ مُتَلَبِّسٌ وَمُخَلَّدٌ فِيهَا وَلِذَا قِيلَ: أَلَا قُلْ لِمَنْ بَاتَ لِي حَاسِدًا ... أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الْأَدَبْ أَسَأْت عَلَى اللَّهِ فِي فِعْلِهِ ... كَأَنَّك لَمْ تَرْضَ لِي مَا وَهَبْ وَقَدْ وَرَدَ: «إنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» وَقَالَ آخَرُ: إنْ يَحْسُدُونِي فَإِنِّي غَيْرُ لَائِمِهِمْ ... قَبْلِي مِنْ النَّاسِ أَهْلُ الْفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا فَدَامَ لِي وَلَهُمْ مَا بِي وَمَا بِهِمْ ... وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِدُ مَبْحَثُ الْحَسَدِ وَالْغِبْطَةِ وَالْقَنَاعَةِ وَالْمُرَادُ: الْحَسَدُ الْمَذْمُومُ وَهُوَ تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ بِأَنْ يَكْرَهَهَا لِلْغَيْرِ وَيُحِبَّ زَوَالَهَا عَنْهُ فَإِنْ اشْتَهَيْت لِنَفْسِك مِثْلَهَا مَعَ بَقَائِهَا لِصَاحِبِهَا فَهِيَ غِبْطَةٌ. قَوْلُهُ: (وَسَمَّيْته) الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ أَوْ عَاطِفَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ وَضَعْته وَسَمَّيْته أَيْ الشَّرْحَ بِالْإِقْنَاعِ، وَفِي هَذَا إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يَكْفِي مَنْ قَنَعَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَالْقَنَاعَةُ أَعَزُّ أَوْصَافِ الْإِنْسَانِ وَالْمُتَّصِفُ بِهِ أَعَزُّ النَّاسِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: عَزِيزُ النَّفْسِ مَنْ لَزِمَ الْقَنَاعَهْ ... وَلَمْ يَكْشِفْ لِمَخْلُوقٍ قِنَاعَهْ أَفَادَتْنِي الْقَنَاعَةُ كُلَّ عِزٍّ ... وَهَلْ عِزٌّ أَعَزُّ مِنْ الْقَنَاعَهْ فَصَيِّرْهَا لِنَفْسِك رَأْسَ مَالٍ ... وَصَيِّرْ بَعْدَهَا التَّقْوَى بِضَاعَهْ لِتَغْنَى فِي حَيَاتِك عَنْ لَئِيمٍ ... وَتَظْفَرَ بِالْجِنَانِ بِصَبْرِ سَاعَهْ وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْكُتُبِ مِنْ حَيِّزِ عَلَمِ الْجِنْسِ، وَأَسْمَاءَ الْعُلُومِ مِنْ حَيِّزِ عَلَمِ الشَّخْصِ. قَوْلُهُ: (فِي حَلِّ أَلْفَاظٍ) شَبَّهَ الْأَلْفَاظَ بِشَيْءٍ مَعْقُودٍ وَحَذَفَ الْمُشَبَّهَ بِهِ وَأَثْبَتَ لَهُ شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِهِ وَهُوَ الْحَلُّ، فَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ وَإِضَافَةُ الْأَلْفَاظِ إلَى أَبِي شُجَاعٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 عَلَى إكْمَالِهِ، وَجَعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ بِكَرَمِهِ وَإِفْضَالِهِ فَلَا مَلْجَأَ مِنْهُ إلَّا إلَيْهِ. وَلَا اعْتِمَادَ إلَّا عَلَيْهِ. وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَأَسْأَلُهُ السَّتْرَ الْجَمِيلَ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ أَبْتَدِئُ أَوْ أَفْتَتِحُ أَوْ أُؤَلِّفُ وَهَذَا أَوْلَى، إذْ كُلُّ فَاعِلٍ   [حاشية البجيرمي] عَلَى مَعْنَى اللَّازِمِ. قَوْلُهُ: (أَعَانَنِي اللَّهُ) أَيْ أَقْدَرَنِي عَلَى إكْمَالِهِ أَيْ إتْمَامِهِ. فَإِنْ قُلْت: التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ أَعَانَنِي عَلَى إكْمَالِهِ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ وَسَمَّيْته إلَخْ. إذْ التَّعْبِيرُ بِسَمَّى يَقْتَضِي أَنَّهُ كَمُلَ وَتَمَّ. وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي سَمَّيْته رَاجِعٌ لِلشَّرْحِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الذِّهْنِ أَيْ أَعَانَنِي عَلَى إكْمَالِهِ خَارِجًا أَيْ بِأَنَّ الْمُرَادَ أُسَمِّيهِ بِالْإِقْنَاعِ. قَوْلُهُ: (فَلَا مَلْجَأَ) بِاللَّامِ وَالْهَمْزِ وَقَدْ تُحْذَفُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اللَّجَأِ، أَيْ الِاعْتِصَامِ بِالشَّيْءِ وَهُوَ لَا يَتَعَدَّى بِمِنْ لَكِنْ ضَمَّنَهُ مَعْنَى الْمَفَرِّ، أَيْ لَا فِرَارَ مِنْك لِأَحَدٍ إلَّا إلَيْك. وَفِي نُسْخَةٍ بِالنُّونِ بَدَلَ اللَّامِ بِالْقَصْرِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى النَّجَاةِ وَهِيَ الْخُلُوصُ مِنْ الْهَلَاكِ وَنَحْوِهِ أَيْ لَا مَنْجَى مِنْك أَيْ مِنْ عَذَابِك مُنْتَهِيًا إلَى أَحَدٍ إلَّا إلَيْك وَيَجُوزُ تَنْوِينُهُ مَعَ حَذْفِ أَلِفِهِ أَفَادَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. [مَبْحَثُ الْجِنَاسِ الْمُضَارِعِ] ِ وَبَيْنَ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْجِنَاسُ الْمُضَارِعُ وَهُوَ اخْتِلَافُ الْكَلِمَتَيْنِ بِحَرْفَيْنِ مُتَقَارِبَيْ الْمَخْرَجِ وَهُمَا الْهَمْزَةُ وَالْعَيْنُ هُنَا اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ حَسْبِي) أَيْ كَافِيَّ، وَجُمْلَةُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ أَيْ الْحَافِظُ أَوْ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ الْأُمُورُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ إنْ كَانَتْ الَّتِي قَبْلَهَا خَبَرِيَّةً أَوْ مَعْطُوفَةً عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ إنْشَائِيَّةً مَعْمُولَةً لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَى حَسْبِي، أَيْ وَمَقُولٌ فِيهِ نِعْمَ الْوَكِيلُ، فَيَكُونُ عَطْفَ مُفْرَدٍ عَلَى مُفْرَدٍ أَوْ مَعْطُوفَةً عَلَى حَسْبِي بِغَيْرِ تَقْدِيرِ الْقَوْلِ فَيَكُونُ عَطْفَ إنْشَاءٍ عَلَى مُفْرَدٍ وَهُوَ جَائِزٌ، وَبِهَذَا يَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ جُمْلَةَ نِعْمَ الْوَكِيلُ لِإِنْشَاءِ الْمَدْحِ، وَجُمْلَةُ هُوَ حَسْبِي خَبَرِيَّةٌ وَلَا يُعْطَفُ الْإِنْشَاءُ عَلَى الْخَبَرِ عَلَى أَنَّ فِي عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ وَعَكْسِهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ: (وَأَسْأَلُهُ) أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ السَّتْرَ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالْكَسْرِ الشَّيْءَ السَّاتِرَ وَجَمْعُهُ سُتُورٌ. وَقَوْلُهُ: (الْجَمِيلَ) أَيْ الْحَسَنَ. قَوْلُهُ: (قَالَ الْمُؤَلِّفُ) كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَ قَوْلِهِ الْمُؤَلِّفُ، بِنَاءً عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَاتِنِ، وَالْمُؤَلِّفِ عَلَى الشَّارِحِ، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ يُقَالُ لَهُ مُؤَلِّفٌ أَيْضًا وَالدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْبَسْمَلَةُ نَقْلُ الثِّقَاتِ فَإِنَّهُمْ نَقَلُوا أَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ بِخَطِّهِ فِي أَوَّلِ الْمَتْنِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ مَنْ كَتَبَ شَيْئًا يَتَلَفَّظُ بِهِ. [مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ] ِ قَوْلُهُ: (بِسْمِ اللَّهِ) قَالَ ح ف: الْبَاءُ فِي بِسْمِ اللَّهِ بِرُّهُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَالسِّينُ سُرُورٌ لِأَصْفِيَائِهِ، وَالْمِيمُ مَحَبَّتُهُ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْبَاءُ بُكَاءُ التَّائِبِينَ، وَالسِّينُ سَهْوُ الْغَافِلِينَ، وَالْمِيمُ مَغْفِرَتُهُ لِلْمُذْنِبِينَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى الْبَسْمَلَةِ يَنْحَصِرُ فِي أَرْبَعَةِ مَقَاصِدَ: الْأَوَّلُ فِي الْبَاءِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَبَاحِثَ، الْأَوَّلُ فِي مُتَعَلَّقِهَا، الثَّانِي فِي مَعْنَاهَا. الثَّالِثُ، فِي حِكْمَةِ كَسْرِهَا. الرَّابِعُ، فِي سَبَبِ تَطْوِيلِهَا فِي الْخَطِّ مِقْدَارَ نِصْفِ أَلِفٍ. الْمَقْصِدُ الثَّانِي: فِي اسْمٍ وَفِيهِ خَمْسَةُ مَبَاحِثَ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ. الثَّانِي فِي بَيَانِ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْبَسْمَلَةِ مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَى لَفْظِ اسْمٍ ابْتِدَاءٌ بِذِكْرِ اللَّهِ. الثَّالِثُ فِي اشْتِقَاقِهِ. الرَّابِعُ فِي لُغَاتِهِ. الْخَامِسُ فِي مُوجِبِ حَذْفِ أَلِفِهِ خَطًّا. الْمَقْصِدُ الثَّالِثُ: فِي لَفْظِ اللَّهِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَبَاحِثَ: الْأَوَّلُ فِي عَلَمِيَّتِهِ وَمُسَمَّاهُ. الثَّانِي فِي أَصْلِهِ. الثَّالِثُ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ مُعَرَّبٌ. الرَّابِعُ فِي الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ أَوْ غَيْرَهُ. الْمَقْصِدُ الرَّابِعُ: فِي الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَفِيهِ مَبْحَثَانِ: الْأَوَّلُ فِي لَفْظِهِمَا نَوْعًا وَاشْتِقَاقًا. الثَّانِي فِي عِلَّةِ تَقْدِيمِ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَتَقْدِيمِ الرَّحْمَنِ مِنْهُمَا عَلَى الرَّحِيمِ، وَيُعْرَفُ تَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ خَصَائِصِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتِهِ، وَمَا فِي سُورَةِ النَّمْلِ جَاءَ عَلَى جِهَةِ التَّرْجَمَةِ عَمَّا فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا حِينَ كَتْبِهِ وَإِرْسَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْبَسْمَلَةُ عَرَبِيَّةً بِاعْتِبَارِ أَصْلِ نُزُولِهَا، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُنَزِّلْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاءِ إلَّا بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ لَكِنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ كُلُّ نَبِيٍّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 يَبْدَأُ فِي فِعْلِهِ بِبِسْمِ اللَّهِ يُضْمِرُ مَا جَعَلَ التَّسْمِيَةَ مَبْدَأً لَهُ، كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا حَلَّ أَوْ ارْتَحَلَ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ كَانَ الْمَعْنَى بِاسْمِ اللَّهِ أَحِلُّ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْتَحِلُ. وَالِاسْمُ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمَحْذُوفَةِ الْأَعْجَازِ كَيَدٍ وَدَمٍ لِكَثْرَةِ   [حاشية البجيرمي] {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] الْآيَةَ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَبْتَدِئُ) وَعَلَى تَقْدِيرِ الْمُتَعَلِّقِ فِعْلًا كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ يَكُونُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حِينَئِذٍ ظَرْفًا لَغْوًا أَوْ حَالًا مِنْ فَاعِلِ هَذَا الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ، أَيْ أَبْتَدِئُ مُتَبَرِّكًا أَوْ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَالْبَاءُ عَلَى هَذَا لِلْمُصَاحَبَةِ أَوْ لِلِاسْتِعَانَةِ. مَبْحَثُ الظَّرْفِ الْمُسْتَقِرِّ وَاللَّغْوِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ إذَا كَانَ كَوْنًا عَامًّا يَكُونُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا، وَإِذَا كَانَ كَوْنًا خَاصًّا يَكُونُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ ظَرْفًا لَغْوًا كَمَا هُنَا. قَوْلُهُ: (أَوْ أَفْتَتِحُ) مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا أَوْلَى) الْإِشَارَةُ لِأُؤَلِّف وَلَهُ أَوْصَافٌ ثَلَاثَةٌ كَوْنُهُ فِعْلًا مُؤَخَّرًا خَاصًّا وَتَعْلِيلُهُ الْمَذْكُورُ لَا يُنْتِجُ إلَّا الْأَخِيرَ مِنْهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الِاسْمِ بِأَحْوَالِهِ الْأَرْبَعَةِ أَيْ كَوْنِهِ خَاصًّا أَوْ عَامًّا مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا، وَمِنْ الْفِعْلِ الْعَامِّ بِحَالَتَيْهِ مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا، وَمِنْ الْفِعْلِ الْخَاصِّ الْمُقَدَّمِ فَأَسْقَطَ احْتِمَالَاتٍ سَبْعَةً فَبَقِيَ الثَّامِنُ مُرَادًا، وَإِنَّمَا كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَمَلِ لِلْأَفْعَالِ وَلِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ، فَالتَّقْدِيرُ بِسْمِ اللَّهِ أُؤَلِّفُ لَا بِغَيْرِهِ وَلِشُمُولِ بَرَكَةِ التَّسْمِيَةِ جَمِيعَ أَجْزَاءِ التَّأْلِيفِ إذَا كَانَ الْمُتَعَلِّقُ خَاصًّا بِخِلَافِهِ عَامًّا كَأَبْتَدِئُ. قَوْلُهُ: (إذْ كُلُّ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهِ خَاصًّا. قَالَ ق ل: وَلَوْ جَعَلَ وَجْهَ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ أَبْتَدِئُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ التَّبَرُّكِ بِأَوَّلِ الْفِعْلِ دُونَ بَاقِيهِ، وَأُؤَلِّفُ يَعُمُّ جَمِيعَهُ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (يُضْمِرُ مَا جَعَلَ) أَيْ لَفْظَ مَا جَعَلَ أَيْ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى ذَلِكَ كَأَنْ يُضْمِرَ الْآكِلُ لَفْظَ أَكْلِي أَوْ آكُلُ فَسَقَطَ مَا قِيلَ الَّذِي تُجْعَلُ التَّسْمِيَةُ مَبْدَأً لَهُ فِعْلٌ وَهُوَ لَا يُضْمَرُ لِأَنَّهُ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي قَوْلُهُ: (إذَا حَلَّ) أَيْ نَزَلَ [مَبْحَثُ الِاشْتِقَاقِ وَأَقْسَامُهُ] ُ قَوْلُهُ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَالْمُرَادُ الِاشْتِقَاقُ الْأَصْغَرُ وَهُوَ رَدُّ لَفْظٍ إلَى آخَرَ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى وَالْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ، وَأَمَّا الْأَكْبَرُ فَلَيْسَ فِيهِ جَمْعُ الْأُصُولِ كَمَا فِي الثَّلْمِ وَالثَّلْبِ، وَمَعْنَى كَوْنِ الْأَوَّلِ مُشْتَقًّا مِنْ الثَّانِي أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّانِي، أَيْ فَرْعٌ عَنْهُ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ. وَقَوْلُهُ: وَالْحُرُوفُ الْأَصْلِيَّةُ بِأَنْ تَكُونَ فِيهِمَا عَلَى تَرْتِيبٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي النَّاطِقِ مِنْ النُّطْقِ بِمَعْنَى التَّكَلُّمِ حَقِيقَةً، وَبِمَعْنَى الدَّلَالَةِ مَجَازًا كَمَا فِي قَوْلِك الْحَالُ نَاطِقَةٌ بِكَذَا، أَيْ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، فَكَوْنُ الْحُرُوفِ فِيهِمَا يَخْرُجُ الْأَكْبَرُ وَكَوْنُهَا عَلَى تَرْتِيبٍ وَاحِدٍ يَخْرُجُ الْكَبِيرُ، وَلَا بُدَّ فِيهِ أَيْ الِاشْتِقَاقِ مِنْ تَغْيِيرٍ حَقِيقَةً كَمَا فِي: ضَرَبَ مِنْ الضَّرْبِ، أَوْ تَقْدِيرًا كَمَا فِي طَلَبَ مِنْ الطَّلَبِ فَيُقَدَّرُ أَنَّ فَتْحَةَ اللَّامِ فِي طَلَبَ غَيْرَ فَتْحَتِهَا فِي الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ. قَوْلُهُ: (مِنْ السُّمُوِّ) فَأَصْلُ اسْمٍ سِمْوٌ كَعِلْمٍ أَوْ سُمْوٌ كَقُفْلٍ حَذَفُوا لَامَهُ وَهِيَ الْوَاوُ ثُمَّ سَكَّنُوا أَوَّلَهُ ثُمَّ أَدْخَلُوا عَلَيْهِ هَمْزَةَ الْوَصْلِ عِوَضًا عَنْ الْمَحْذُوفِ وَتَوَصُّلًا لِلنُّطْقِ بِالسَّاكِنِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَنْ قَالَ إنَّ الِاسْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ أَيْ الْعُلُوِّ يَقُولُ لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مَوْصُوفًا بِالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ قَبْلَ وُجُودِ الْخَلْقِ وَبَعْدَ وُجُودِهِمْ وَعِنْدَ فِنَائِهِمْ لَا تَأْثِيرَ لَهُمْ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَمَنْ قَالَ مُشْتَقٌّ مِنْ السِّمَةِ يَقُولُ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ بِلَا اسْمٍ وَلَا صِفَةٍ فَلَمَّا خَلَقَ الْخَلْقَ جَعَلُوا لَهُ أَسْمَاءً وَصِفَاتٍ فَإِذَا أَفْنَاهُمْ بَقِيَ بِلَا أَسْمَاءٍ وَلَا صِفَاتٍ. قَالَ السُّمَيْنُ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْنَعُ مِنْ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ اهـ. وَقَوْلُهُ: بِلَا اسْمٍ وَلَا صِفَةٍ أَيْ بِالنَّظَرِ لِلَّفْظِ، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمَوْجُودٌ اتِّفَاقًا. وَقَوْلُهُ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْنَعُ إلَخْ. أَيْ لِأَنَّ الْقُرْآنَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ مُتَعَدِّدَةٌ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمَحْذُوفَةِ الْأَعْجَازِ كَيَدٍ وَدَمٍ) فَأَصْلُ الْأَوَّلِ يَدْيٌ بِسُكُونِ الدَّالِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا أَيْضًا، وَأَصْلُ الثَّانِي دَمَى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَقِيلَ بِسُكُونِهَا وَيُقَالُ فِي تَثْنِيَتِهِ دَمَيَانِ، وَنَازَعَ ق ت فِي التَّعْلِيلِ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ. قَالَ: وَالْحَقُّ إسْقَاطُهُ أَيْ لِأَنَّهُ حَذْفٌ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ. وَجَوَابُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الِاسْتِعْمَالِ بُنِيَتْ أَوَائِلُهَا عَلَى السُّكُونِ وَأُدْخِلَ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِتَعَذُّرِ الِابْتِدَاءِ بِالسَّاكِنِ وَقِيلَ مِنْ الْوَسْمِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ وَفِيهِ عَشْرُ لُغَاتٍ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فِي بَيْتٍ فَقَالَ سَمٌ وَسَمِيٌّ وَاسْمٌ بِتَثْلِيثِ أَوَّلِ ... لَهُنَّ سَمَاءٌ عَاشِرٌ تَمَّتْ انْجَلِي. وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِ سِوَاهُ تَسَمَّى بِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى وَأَنْزَلَهُ   [حاشية البجيرمي] أَنَّ الْوَاضِعَ عَلِمَ كَثْرَةَ اسْتِعْمَالِهِ. قَوْلُهُ: (بُنِيَتْ) أَيْ وُضِعَتْ. قَوْلُهُ: (لِتَعَذُّرِ الِابْتِدَاءِ) أَيْ مَعَ الْعِوَضِيَّةِ عَنْ الْوَاوِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِوَضِ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الْمُعَوَّضِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْبَدَلِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ مِنْ الْوَسْمِ) أَيْ مِنْ فِعْلِهِ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْأَفْعَالِ. قَالَ الشَّنَوَانِيُّ: قَوْلُهُ مِنْ الْوِسْمِ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَمُرَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ، وَإِلَّا فَالْمَسْمُوعُ فَتْحُهَا وَحُوِّلَ إلَى مَكْسُورِ الْوَاوِ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى سِمَةٍ لِأَنَّ كَسْرَةَ الْوَاوِ نُقِلَتْ إلَى السِّينِ. وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْلَةَ الْبَسْمَلَةِ شَخْصِيَّةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَامِلَ إمَّا فِعْلٌ كَأُؤَلِّفُ أَوْ اسْمٌ كَتَأْلِيفِي، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْفَاعِلَ الَّذِي هُوَ الْمَوْضُوعُ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مُشَخَّصٌ مُعَيَّنٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ تَقْدِيرَهُ تَأْلِيفِي بِسْمِ اللَّهِ إلَخْ. فَالْمُضَافُ إلَيْهِ مُشَخَّصٌ فَيَكُونُ الْمُضَافُ كَذَلِكَ، هَذَا إنْ جُعِلَتْ الْإِضَافَةُ لِلْعَهْدِ فَإِنْ جُعِلَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ كُلُّ تَأْلِيفٍ لِي كَانَتْ الْجُمْلَةُ كُلِّيَّةً، وَإِنْ جُعِلَتْ لِلْجِنْسِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْجِنْسُ فِي ضِمْنِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ كَانَتْ جُزْئِيَّةً، وَإِنْ أُرِيدَ الْجِنْسُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَانَتْ مُهْمَلَةً. مَبْحَثُ لُغَاتِ الِاسْمِ قَوْلُهُ: (وَفِيهِ عَشْرُ لُغَاتٍ) وَأَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَقَالَ: سَمًى سَمَاةٌ سَمٌ اسْمٌ وَزِدْ سِمَةً كَذَا سَمَاءٌ بِتَثْلِيثٍ لِأَوَّلِهَا. [مَبْحَثُ الْغَلَبَةِ وَتَقْسِيمُهَا] قَوْلُهُ: (عَلَمٌ) أَيْ بِالْغَلَبَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ إنْ رُوعِيَ أَصْلُهُ الثَّانِي وَهُوَ الْإِلَهُ، أَوْ بِالْغَلَبَةِ التَّحْقِيقِيَّةِ إنْ رُوعِيَ أَصْلُهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ إلَهٌ لِسَبْقِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ ذَاتِهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْغَلَبَةَ التَّحْقِيقِيَّةَ هِيَ غَلَبَةُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا اخْتَصَّ بِهِ بِأَنْ سَبَقَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ مَعْنَى الْعَلَمِيَّةِ، وَأَمَّا الْغَلَبَةُ التَّقْدِيرِيَّةُ فَهِيَ اخْتِصَاصُ اللَّفْظِ بِمَعْنًى مَعَ إمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْوَضْعِ لَكِنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ حِينَئِذٍ فَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا غَلَبَةٌ تَقْدِيرِيَّةٌ أَوْ تَحْقِيقِيَّةٌ لِأَنَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ تَحْقِيقِيَّةٌ، وَإِلَى مَا بَعْدَهَا تَقْدِيرِيَّةٌ أَيْ بِحَسَبِ أَصْلِهِ وَهُوَ الْإِلَهُ، وَأَمَّا اللَّهُ فَلَيْسَ فِيهِ غَلَبَةٌ أَصْلًا لِأَنَّهُ عَلَمُ شَخْصٍ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ أَنْ يَكُونَ لِلِاسْمِ بِحَسَبِ الْوَضْعِ عُمُومٌ فَيَعْرِضُ لَهُ بِحَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ خُصُوصٌ، فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ فَتَحْقِيقِيَّةٌ وَإِلَّا فَتَقْدِيرِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى الذَّاتِ) أَيْ عَلَى الْفَرْدِ الْخَالِقِ لِلْعَالَمِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الصِّفَاتِ، وَإِلَّا لَمَا أَفَادَ التَّوْحِيدُ لِأَنَّ الصِّفَاتِ كُلِّيَّةٌ وَهَذَا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، ثُمَّ صَارَ دَالًّا فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الصِّفَاتِ نَظَرًا لِلْوُجُودِ لَا بِالْوَضْعِ وَتَاؤُهَا لَيْسَتْ لِلتَّأْنِيثِ بَلْ لِلْوَحْدَةِ، وَلِهَذَا وُصِفَتْ بِالْوَاجِبِ الْوُجُودِ عَلَى لَفْظِ الْمُذَكَّرِ. فَإِنْ قُلْت: ذَاتُ اللَّهِ لَا تُدْرَكُ بِالْعَقْلِ فَكَيْفَ وُضِعَ لَهَا الْعَلَمُ؟ قُلْت: يَكْفِي إدْرَاكُهَا بِتَعَقُّلِ صِفَاتِهَا، هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الْوَاضِعَ غَيْرُ اللَّهِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ، أَمَّا إنْ قُلْنَا الْوَاضِعُ هُوَ تَعَالَى وَهُوَ الرَّاجِحُ فَلَا إشْكَالَ. قَوْلُهُ: (الْوَاجِبِ الْوُجُودِ) بَيَانٌ لِلْمَوْضُوعِ لَهُ لَا دَاخِلٌ فِيهِ، وَإِلَّا كَانَ مَدْلُولُهُ ذَاتًا وَصِفَةً فَيَكُونُ كُلِّيًّا، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِأَنَّهُ أَيْ اللَّهَ عَلَمٌ لِأَنَّهُ يُوصَفُ وَلَا يُوصَفُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ تَعَالَى مِنْ اسْمٍ تَجْرِي عَلَيْهِ صِفَاتُهُ وَلَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ سِوَاهُ أَيْ اللَّهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَصْفًا لَمْ يَكُنْ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَوْحِيدًا، وَنُقِلَ كَوْنُهُ مُرْتَجَلًا أَيْ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ عَنْ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَتِلْمِيذِهِ الْغَزَالِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وَالْخَلِيلِ وَابْنِ كَيْسَانَ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَمَا يُقَالُ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ مُشْتَقٌّ أَوْ غَيْرُ مُشْتَقٍّ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ إلَهٍ لَا لَفْظِ اللَّهِ اهـ. وَمَا تُوهِمُهُ الْعِبَارَاتُ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي لَفْظِ اللَّهِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهَا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَصْلِ لَفْظِ اللَّهِ وَهُوَ إلَهٌ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 عَلَى آدَمَ فِي جُمْلَةِ الْأَسْمَاءِ. قَالَ تَعَالَى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] أَيْ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا سُمِّيَ اللَّهَ غَيْرَ اللَّهِ وَأَصْلُهُ إلَاهٌ كَإِمَامٍ، ثُمَّ أَدْخَلُوا عَلَيْهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ، ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إلَى اللَّامِ، فَصَارَ الِلَاهٌ بِلَامَيْنِ مُتَحَرِّكَتَيْنِ ثُمَّ سُكِّنَتْ الْأُولَى وَأُدْغِمَتْ فِي الثَّانِيَةِ لِلتَّسْهِيلِ وَالْإِلَهُ فِي الْأَصْلِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَعْبُودٍ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ، كَمَا أَنَّ النَّجْمَ اسْمٌ لِكُلِّ كَوْكَبٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الثُّرَيَّا وَهُوَ عَرَبِيٌّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فِي أَلْفَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَوْضِعًا، وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ أَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَالَ: وَلِذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ. وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ بُنِيَتَا   [حاشية البجيرمي] الْمِنْهَاجِ الْحَقُّ أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مَأْخُوذٍ مِنْ شَيْءٍ بَلْ وُضِعَ عَلَمًا ابْتِدَاءً، فَكَمَا أَنَّ ذَاتَهُ لَا يُحِيطُ بِهَا شَيْءٌ وَلَا تَرْجِعُ إلَى شَيْءٍ فَكَذَلِكَ اسْمُهُ تَعَالَى لَا يَرْجِعُ إلَى شَيْءٍ يُشْتَقُّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (تَسَمَّى بِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْوَاضِعَ لِلْأَسْمَاءِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَيْ سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُعَرِّفَهُ لِخَلْقِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَأَنْزَلَهُ عَلَى آدَمَ إلَخْ. قَوْلُهُ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ وَهُوَ دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يُسَمَّ بِهِ سِوَاهُ، وَقَوْلُهُ: (سَمِيًّا) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا مُسَمًّى بِاسْمِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ اللَّهِ) نَعْتٌ لِأَحَدٍ أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ الَّذِي فِي سُمِّيَ. قَوْلُهُ: (وَأَصْلُهُ إلَاهٌ) أَيْ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي، كَمَا قِيلَ إنَّ أَصْلَهُ الْأَوَّلَ وَلَاهٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً، وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلُهُ الْأَوَّلُ إلَاهٌ لِجَمْعِهِ عَلَى آلِهَةٍ وَأَصْلُهُ أَأْلِهَةٌ وَلَمْ يَقُولُوا أَوْلِهَةٌ، وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ وَلَاهٌ لَقَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ) أَيْ بَعْدَ نَقْلِ حَرَكَتِهَا إلَى اللَّامِ قَبْلَهَا فَالنَّقْلُ قَبْلَ الْحَذْفِ لَا مَعَهُ وَلَا بَعْدَهُ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ أج. وَالْمُرَادُ بِالْهَمْزَةِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ. قَوْلُهُ: (وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا) وَقِيلَ: إنَّ الْهَمْزَةَ حُذِفَتْ مَعَ حَرَكَتِهَا، وَهُوَ أَسْهَلُ لِبَقَاءِ سُكُونِ اللَّامِ الْأُولَى عَلَى حَالِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَسْكِينِهَا وَرَجَحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ نَقْلَ حَرَكَتِهَا أَيْ الْهَمْزَةِ يُوجِبُ ثِقَلَهَا بِسَبَبِ سُكُونِهَا لِأَنَّ السُّكُونَ يُوجِبُ ثِقَلَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا، لِأَنَّ سُكُونَهَا يُشْبِهُ التَّهَوُّعَ أَيْ التَّقَيُّؤَ، فَلِذَا حَسُنَ حَذْفُهَا سَاكِنَةً لِثِقَلِهَا. قَوْلُهُ: (وَأُدْغِمَتْ) أَيْ بَعْدَ تَسْكِينِهَا وَهُوَ إدْغَامٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لِعَدَمِ تَحَرُّكِ أَوَّلِ الْمِثْلَيْنِ أَصَالَةً مَعَ وُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا تَقْدِيرًا وَهُوَ الْهَمْزَةُ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ لِعِلَّةٍ كَالثَّابِتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي إلَهٍ خَمْسَةَ أَعْمَالٍ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَصْلِ) أَيْ قَبْلَ دُخُولِ أَلْ عَلَيْهِ، فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ق ل بِقَوْلِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِلَهُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ كَمَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (يَقَعُ) أَيْ فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ قَوْلُهُ: (ثُمَّ غَلَبَ) أَيْ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ عَرَبِيٌّ) أَيْ مِنْ أَوْضَاعِ الْعَرَبِ. اهـ. م د. لَكِنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: سُمِّيَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ أَزَلِيٌّ فَالْأَنْسَبُ تَفْسِيرُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُ مَا اُسْتُعْمِلَ أَوَّلًا مِنْ الْعَرَبِ، وَمُقَابِلُ الْأَكْثَرِ الْأَقَلُّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مُعَرَّبٌ أَيْ أَوَّلُ مَا وَضَعَهُ الْعَجَمُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ الْبَشَرُ، وَأَوَّلُ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ الْعَجَمُ لَا بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ وَاضِعِهَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلُ فَقِيلَ إنَّهُ فِي الْأَصْلِ عِبْرِيٌّ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ عِبْرَانِيٌّ، وَقِيلَ سُرْيَانِيٌّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ يَعْنِي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إذْ لَا يُصَارُ إلَى إثْبَاتِ الْعُجْمَةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ اهـ. قَوْلُهُ: (اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ) وُصِفَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَا دُعِيَ بِهِ فِيهِ مِنْ شُرُوطِهِ يُجَابُ بِعَيْنِهِ لِوَقْتِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ) أَيْ مَعَ كَثْرَةِ مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ اسْمَيْنِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُهَيْمِنُ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ عَنْ إيرَادِ الْمُهَيْمِنِ بِأَنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي ذَلِكَ إلَى الْقِلَّةِ بَلْ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ ". فَمُرَادُ النَّوَوِيِّ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي هَذِهِ السُّوَرِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ هَكَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ مَعَ سِيَاقِ الشَّارِحِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْتِنَادُ النَّوَوِيِّ إلَى الْحَدِيثِ لَقَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الثَّلَاثَةِ مَوَاضِعَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) لَمْ يَعْطِفْ لِأَجْلِ حِكَايَةِ اللَّفْظِ الْوَاقِعِ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَةِ الْعَطْفِ لِصِحَّةِ الْإِخْبَارِ بِالْمُثَنَّى. قَوْلُهُ: (صِفَتَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ مَصْدَرِ رَحِمَ، وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ، لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَطَعَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَطَّعَ بِالتَّشْدِيدِ، وَقُدِّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ اسْمُ ذَاتٍ وَهُمَا اسْمَا صِفَةٍ، وَقُدِّمَ الرَّحْمَنُ عَلَى الرَّحِيمِ لِأَنَّهُ خَاصٌّ، إذْ لَا يُقَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ بِخِلَافِ الرَّحِيمِ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ.   [حاشية البجيرمي] مُشَبَّهَتَانِ) وَالصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ هِيَ الصِّفَةُ الْمَصُوغَةُ لِغَيْرِ تَفْضِيلٍ لِإِفَادَةِ نِسْبَةِ الْحَدَثِ إلَى مَوْصُوفِهَا دُونَ إفَادَةِ الْحُدُوثِ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا مُشَبَّهَةٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ فِي الْعَمَلِ. قَالَ الْأُشْمُونِيُّ: وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَاسْمِ الْفَاعِلِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى حَدَثٍ وَمَنْ قَامَ بِهِ، وَأَنَّهَا تُؤَنَّثُ وَتُثَنَّى وَتُجْمَعُ، وَلِذَلِكَ حُمِلَتْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بُنِيَتَا) أَيْ صِيغَتَا لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ لِإِفَادَتِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ صِيَغَ الْمُبَالَغَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي خَمْسَةٍ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِ الْخُلَاصَةِ: فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ أَوْ فَعُولُ ... فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ فَيَسْتَحِقُّ مَا لَهُ مِنْ عَمَلْ ... وَفِي فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعَلْ وَرَحْمَنٌ: لَيْسَ مِنْهَا وَالْمُبَالَغَةُ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ فَمَدْلُولُهَا زَائِدٌ عَلَى مَدْلُولِ اسْمِ الْفَاعِلِ لَا بِمَعْنَاهَا عِنْدَ الْبَيَانِيِّينَ، وَهِيَ أَنْ تُثْبِتَ لِلشَّيْءِ زِيَادَةً عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالْمُبَالَغَةُ إمَّا بِحَسَبِ زِيَادَةِ الْفِعْلِ أَوْ تَعَدُّدِ الْمَفْعُولَاتِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ زِيَادَةَ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ لِوُقُوعِهِ عَلَى مُتَعَدِّدٍ فَالْمُبَالَغَةُ فِي نَحْوِ: حَكِيمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى تَكَرُّرُ حِكَمِهِ الْكَثِيرَةِ فِي الشَّرَائِعِ، بَلْ فِي الشَّرِيعَةِ الْوَاحِدَةِ، وَفِي التَّوَّابِ كَثْرَةُ مَنْ يَتُوبُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (مِنْ مَصْدَرِ رَحِمَ) أَيْ بَعُدَ تَنْزِيلُهُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ أَوْ جَعَلَهُ لَازِمًا بِنَقْلِهِ إلَى فَعُلَ بِالضَّمِّ كَحَسُنَ وَكَرُمَ، أَيْ صَارَ ذَا حُسْنٍ وَذَا كَرَمٍ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُشَبَّهَةَ لَا تُصَاغُ إلَّا مِنْ لَازِمٍ كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَصَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ لِحَاضِرِ ... كَطَاهِرِ الْقَلْبِ جَمِيلِ الظَّاهِرِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الرَّحْمَةَ رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ وَعَطْفٌ أَيْ مَيْلٌ نَفْسَانِيٌّ، وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُسْتَحِيلَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى لِكَوْنِهَا كَيْفِيَّةً نَفْسَانِيَّةً فَهِيَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ وَهُوَ الْإِحْسَانُ، فَتَكُونُ صِفَةَ فِعْلٍ أَوْ إرَادَتِهِ فَتَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ. قَوْلُهُ: (وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا عِلَّةً لِتَقْدِيمِ الرَّحْمَنِ عَلَى الرَّحِيمِ كَمَا صَنَعَ غَيْرُهُ قَوْلُهُ: (أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ) أَيْ أَعْظَمُ مَعْنًى مِنْ مَعْنَى الرَّحِيمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَعْنَى الرَّحِيمِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي أَفْعَلْ التَّفْضِيلِ، وَفِيهِ بِنَاءُ أَفْعَلْ التَّفْضِيلِ مِنْ مَزِيدٍ أَيْ بَالِغٍ وَهُوَ لَا يُصَاغُ إلَّا مِنْ ثُلَاثِيٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُبَالَغَةِ لَا مِنْ الْبَلَاغَةِ لِأَنَّهَا لَا يُوصَفُ بِهَا الْمُفْرَدُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ إلَخْ) هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَشْرُوطَةٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ الْجِبِلِّيَّةِ فَخَرَجَ نَحْوُ شَرِهٍ وَنَهِمٍ لِأَنَّ الصِّفَاتِ الْجِبِلِّيَّةَ لَا تَتَفَاوَتُ، وَأَنْ يَتَّحِدَ اللَّفْظَانِ فِي النَّوْعِ فَخَرَجَ حَذِرٌ وَحَاذِرٌ، وَأَنْ يَتَّحِدَا فِي الِاشْتِقَاقِ فَخَرَجَ زَمِنٌ وَزِمَانٌ إذْ لَا اشْتِقَاقَ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (وَهُمَا اسْمَا صِفَةٍ) أَيْ وَاسْمُ الذَّاتِ مُقَدَّمٌ عَلَى اسْمِ الصِّفَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ خَاصٌّ) وَأُجِيبُ عَنْ قَوْلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فِي مُسَيْلِمَةَ: لَا زِلْت رَحْمَانًا بِأَنَّهُ مِنْ تَعَنُّتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ، أَيْ إنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ غَيْرُ صَحِيحٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ لَجَاجُهُمْ فِي كُفْرِهِمْ بِزَعْمِهِمْ نُبُوَّةَ مُسَيْلِمَةَ فَخَرَجُوا بِمُبَالَغَتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ عَنْ مَنْهَجِ اللُّغَةِ حَتَّى اسْتَعْمَلُوا الْمُخْتَصَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ شَاذٌّ لَا اعْتِدَادَ بِهِ، وَقِيلَ: مُعْتَدٌّ بِهِ وَالْمُخْتَصُّ بِاَللَّهِ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ اهـ مُحَلَّى بِزِيَادَةٍ. وَالْيَمَامَةُ اسْمُ مَدِينَةٍ مَعْرُوفَةٍ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا يُقَالُ) صَوَابُهُ إذْ لَمْ يَقُلْ ق ل. أَيْ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ كَوْنُ أَهْلِ اللِّسَانِ لَمْ يَقُولُوهُ لَا كَوْنُهُ لَا يُقَالُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُقَالُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِكَوْنِ أَهْلِ اللُّغَةِ لَمْ يَقُولُوهُ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّ الْمَنْعَ مِنْ إطْلَاقِ الرَّحْمَنِ عَلَى غَيْرِهِ شَرْعِيٌّ طَرَأَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْهِ لَا يَرُدُّ قَوْلُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُقَالُ شَرْعًا. قَوْلُهُ: (وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا مَحَلُّهُ فِيمَا مَدْلُولُهُ خَاصٌّ وَمَا مَدْلُولُهُ عَامٌّ كَفَقِيهٍ وَعَالِمٍ فَتَقُولُ زَيْدٌ فَقِيهٌ وَعَالِمٌ، وَلَا تَقُولُ زَيْدٌ عَالِمٌ وَفَقِيهٌ، لِأَنَّ لِذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ فَائِدَةً بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ وَصْفَانِ أَحَدُهُمَا خَاصٌّ بِمَوْصُوفٍ، وَالْآخَرُ عَامٌّ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ أُجْرِيَا عَلَى ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 فَائِدَةٌ: قَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: قِيلَ الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ مِنْ السَّمَاءِ إلَى الدُّنْيَا مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ: صُحُفُ شِيثٍ سِتُّونَ، وَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ ثَلَاثُونَ، وَصُحُفُ مُوسَى قَبْلَ التَّوْرَاةِ عَشَرَةٌ، وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْفُرْقَانُ. وَمَعَانِي كُلِّ الْكُتُبِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْقُرْآنِ، وَمَعَانِي الْقُرْآنِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْفَاتِحَةِ، وَمَعَانِي الْفَاتِحَةِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَمَعَانِي الْبَسْمَلَةِ   [حاشية البجيرمي] الْمَوْصُوفِ الْخَاصِّ فَصَارَ الْمُرَادُ مِنْهُمَا مَوْصُوفًا وَاحِدًا وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، إذْ لَيْسَ فِي الرَّحِيمِ مَا فِي الرَّحْمَنِ وَزِيَادَةٌ حَتَّى يَكُونَ عَامًّا وَالرَّحْمَنُ خَاصًّا بَلْ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ مِنْ حَيْثُ الْإِطْلَاقُ، فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الرَّحْمَنَ لَمَّا كَانَ خَاصًّا صَارَ كَالْعَلَمِ فَنَاسَبَ أَنْ يَلِيَ الْعَلَمِيَّةَ وَعِبَارَةُ اج. قَوْلُهُ: (وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ) أَيْ وَلِأَنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِ النِّعَمِ وَأُصُولِهَا ذَكَرَ الرَّحِيمَ لِيَتَنَاوَلَ مِنْهَا مَا دَقَّ وَلَطُفَ لِيَكُونَ كَالتَّتِمَّةِ وَالرَّدِيفِ أَيْ وَلِلْمُحَافَظَةِ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ، وَالْأَبْلَغِيَّةُ تُؤْخَذُ تَارَةً بِاعْتِبَارِ الْكَمِّيَّةِ، فَلِذَا قِيلَ يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا لِعُمُومِهَا لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ لِخُصُوصِهَا بِالْمُؤْمِنِ وَتَارَةً بِاعْتِبَارِ الْكَيْفِيَّةِ، وَلِذَا قِيلَ: يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَ الدُّنْيَا لِأَنَّ النِّعَمَ الْأُخْرَوِيَّةَ كُلَّهَا جِسَامٌ، وَأَمَّا الدُّنْيَوِيَّةُ فَجَلِيلَةٌ وَحَقِيرَةٌ اهـ. قَوْلُهُ: (قَالَ النَّسَفِيُّ) : بِفَتْحَتَيْنِ نِسْبَةً إلَى نَسَفَ مَدِينَةٍ مِمَّا وَرَاءَ النَّهْرِ اهـ. لُبُّ اللُّبَابِ لِلسُّيُوطِيِّ قَوْلُهُ: (مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ) فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ: خَمْسُونَ عَلَى شِيثٍ، وَعِشْرُونَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَثَلَاثُونَ عَلَى إدْرِيسَ، وَعَشَرَةٌ عَلَى آدَمَ، وَقِيلَ عَلَى مُوسَى عَشَرَةٌ قَبْلَ التَّوْرَاةِ، وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْفُرْقَانُ: وَفِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَى شِيثٍ خَمْسِينَ صَحِيفَةً، وَكَانَ أَجْمَلَ أَوْلَادِ آدَمَ وَأَفْضَلَهُمْ وَكَانَ وَصِيَّهُ وَأَحَبَّهُمْ إلَيْهِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ، وَهُوَ الَّذِي انْتَهَتْ أَنْسَابُ النَّاسِ كُلِّهِمْ إلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْكَعْبَةَ بِالطِّينِ وَالْحِجَارَةِ، وَعَاشَ تِسْعَمِائَةِ سَنَةٍ وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً اج. قَوْلُهُ: (صُحُفُ شِيثٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَالصَّرْفِ كَمَا قَالَهُ الشَّنَوَانِيُّ عَلَى الْأَزْهَرِيَّةِ، وَمَعْنَاهُ هِبَةُ اللَّهِ لِأَنَّهُ وُهِبَ لَهُ وَرُزِقَهُ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ، وَبَعْدَ قَتْلِهِ لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ بِهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَيِّتٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَحَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ السِّبَاعِ لِأَنَّهَا قَصَدَتْهُ لِتَأْكُلَهُ، فَحَمَلَهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ سَنَةً. اهـ. جَلَالَيْنِ وَخَازِنٌ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا حَضَرَتْ آدَمَ الْوَفَاةُ عَهِدَ إلَى ابْنِهِ شِيثٍ وَعَلَّمَهُ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَعِبَادَاتِ تِلْكَ السَّاعَاتِ، وَأَعْلَمَهُ بِوُقُوعِ الطُّوفَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُقَالُ: إنَّ أَنْسَابَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا تَنْتَهِي إلَى شِيثٍ وَسَائِرُ أَوْلَادِ آدَمَ انْقَرَضُوا اهـ. وَقَوْلُهُ: كُلُّهَا تَنْتَهِي إلَى شِيثٍ أَيْ لِأَنَّ نَسَبَ نُوحٍ يَنْتَهِي إلَيْهِ وَهُوَ آدَم الصَّغِيرُ. قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77] وَسُمِّيَتْ صُحُفًا لِأَنَّ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ كَانَ مَكْتُوبًا فِي صُحُفٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَأَمَّا الْكُتُبُ الَّتِي نَزَلَ بِهَا جِبْرِيلُ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ) قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وُلِدَ إبْرَاهِيمُ عَلَى رَأْسِ أَلْفَيْ سَنَةٍ مِنْ خَلْقِ آدَمَ، وَمَاتَ ابْنَ مِائَتَيْ سَنَةٍ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلًا إنَّهُ عَاشَ مِائَةً وَخَمْسًا وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَعَاشَ مُوسَى مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً. قَوْلُهُ: (وَصُحُفُ مُوسَى) وَفِيهَا: عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ، عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ كَيْفَ يَضْحَكُ، عَجِبْت لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا ثُمَّ يَطْمَئِنُّ إلَيْهَا، عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ يَتْعَبُ، عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ ثُمَّ لَا يَعْمَلُ، ذَكَرَهُ الْخَازِنُ. قَوْلُهُ: (وَمَعَانِي كُلِّ الْكُتُبِ) أَيْ سِوَى الْقُرْآنِ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ ظَرْفِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ، فَقَوْلُهُ: (وَمَعَانِي الْقُرْآنِ) أَيْ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَعَانِي الْفَاتِحَةِ) أَيْ غَيْرُ الْبَسْمَلَةِ، وَمَعَانِي الْبَسْمَلَةِ أَيْ غَيْرُ بَائِهَا. قَوْلُهُ: (مَجْمُوعَةٌ فِي الْفَاتِحَةِ) اسْتَشْكَلَهُ الْمُنَاوِيُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَحْكَامٍ وَقَصَصٍ وَمَوَاعِظَ وَغَيْرِهَا، وَالْفَاتِحَةُ وَمَا بَعْدَهَا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَجَابَ بِأَنَّ مَدَارَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ عَلَى تَوْحِيدِ الْبَارِي، وَأَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِ وَخَالِقُهُمْ وَرَاحِمُهُمْ وَمَالِكُهُمْ وَخَالِقُ الْهِدَايَةِ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ وَالْمُعِينُ لَهُ، وَأَنَّ مَصِيرَ الْخَلْقِ إلَى دَارِ سَعَادَةٍ أَوْ شَقَاوَةٍ. وَهَذِهِ الْمَعَانِي مُصَرَّحٌ بِهَا فِي الْقُرْآنِ مُشَارٌ إلَيْهَا فِي الْفَاتِحَةِ مَرْمُوزٌ إلَيْهَا فِي الْبَسْمَلَةِ مُلَوَّحٌ بِهَا فِي الْبَاءِ. وَسُورَةُ الْفَاتِحَةِ قَدْ جَمَعَتْ مَعَانِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ فَكَأَنَّهَا نُسْخَةٌ مُخْتَصَرَةٌ، وَكَأَنَّ الْقُرْآنَ بَعْدَهَا تَفْصِيلٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 مَجْمُوعَةٌ فِي بَائِهَا، وَمَعْنَاهَا: بِي كَانَ مَا كَانَ وَبِي يَكُونُ مَا يَكُونُ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَمَعَانِي الْبَاءِ فِي نُقْطَتِهَا. (الْحَمْدُ لِلَّهِ) بَدَأَ بِالْبَسْمَلَةِ ثُمَّ بِالْحَمْدَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ. وَعَمَلًا بِخَبَرِ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ» أَيْ حَالَ يُهْتَمُّ بِهِ «لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ   [حاشية البجيرمي] لَهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا جَمَعَتْ الْإِلَهِيَّاتِ فِي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فِي مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَالْعِبَادَاتِ كُلَّهَا مِنْ الِاعْتِقَادِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي تَقْتَضِيهَا الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي فِي إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَالشَّرِيعَةَ كُلَّهَا فِي الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَالْأَنْبِيَاءَ وَغَيْرَهُمْ فِي قَوْلِهِ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ، وَذِكْرَ طَوَائِفِ الْكُفَّارِ فِي غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ شَيْخُنَا. اهـ. سُيُوطِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَمَعْنَاهَا بِي إلَخْ) أَيْ إنَّهَا تُشِيرُ إلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا مَعْنَاهَا الْمَوْضُوعَةُ هِيَ لَهُ قَوْلُهُ: (فِي نُقْطَتِهَا) أَيْ أَوَّلِ جُزْءٍ يُوضَعُ عِنْدَ إرَادَةِ رَسْمِهَا قِيلَ، وَمَعْنَاهَا أَنَّ ذَاتَه تَعَالَى نُقْطَةُ الْوُجُودِ الْمُسْتَمَدِّ مِنْهَا كُلُّ مَوْجُودٍ أج. [مَبْحَثُ النَّحْتِ] قَوْلُهُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أَصْلُهُ حَمِدْت حَمْدَ اللَّهِ، ثُمَّ اُسْتُغْنِيَ بِالْمَصْدَرِ عَنْ الْفِعْلِ فَحُذِفَ ثُمَّ رُفِعَ الْمَصْدَرُ، ثُمَّ أَدْخَلُوا عَلَيْهِ أَلْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الدَّوَامِ فَصَارَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الدَّوَامَ وَالِاسْتِمْرَارَ إنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْعُدُولِ عَنْ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ إلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ، لِأَنَّ قَوْلَنَا زَيْدٌ قَائِمٌ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى أَصْلِ ثُبُوتِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ، وَأَمَّا دَوَامُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ فَإِنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ. وَالْحَمْدُ أَقْسَامٌ أَرْبَعَةٌ: إمَّا وَاجِبٌ كَمَا فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، أَوْ مَنْدُوبٌ كَمَا فِي الْأَدْعِيَةِ ابْتِدَاءً وَخِتَامًا وَنَحْوِ الْأَكْلِ، أَوْ مَكْرُوهٌ كَكَوْنِهِ فِي الْأَمَاكِنِ الْقَذِرَةِ أَوْ بِفَمٍ نَجِسٍ أَوْ حَرَامٍ كَالْحَمْدِ عِنْدَ الْفَرَحِ بِالْمَعْصِيَةِ، وَلَمْ يَعْطِفْهَا عَلَى الْبَسْمَلَةِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ كَمَالِ الِاتِّصَالِ وَلِإِفَادَةِ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْمَقْصُودِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْبَسْمَلَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا جِهَةُ تَحْمِيدٍ لِأَنَّ الْمُبَسْمِلَ لَا يُقَالُ لَهُ حَامِدٌ عُرْفًا. تَنْبِيهٌ: الْمُخْبِرُ بِالْحَمْدِ حَامِدٌ بِخِلَافِ الْمُخْبِرِ بِالصَّلَاةِ فَلَيْسَ بِمُصَلٍّ، وَلِذَا يُثَابُ الْحَامِدُ مُطْلَقًا وَلَا يُثَابُ الْمُصَلِّي إلَّا إذَا قَصَدَ الْإِنْشَاءَ، وَسَوَّى الدُّلَجِيُّ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ بَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَمْدِ فِي الثَّوَابِ وَلَوْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ. تَنْبِيهٌ: قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: أَفْضَلُ الْمَحَامِدِ أَنْ يُقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَهَبَطَ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْأَرْضِ قَالَ: يَا رَبِّ عَلِّمْنِي الْمَكَاسِبَ وَعَلِّمْنِي كَلِمَةً تَجْمَعُ لِي فِيهَا الْمَحَامِدَ. فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ أَنْ قُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عِنْدَ كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَك وَيُكَافِئُ مَزِيدَك فَقَدْ جَمَعْت لَك فِيهَا جَمِيعَ الْمَحَامِدِ» . وَقِيلَ: أَفْضَلُ الْمَحَامِدِ أَنْ يُقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ كُلِّهَا مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، زَادَ بَعْضُهُمْ عَدَدَ خَلْقِهِ كُلِّهِمْ مَا عَلِمْت مِنْهُمْ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بِعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ وَأَرَادَ أَنْ يَقُولَهَا فَسَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتْعَبْت الْحَفَظَةَ فَإِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ ثَوَابَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الْعَامِ الْمَاضِي إلَى الْآنَ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَحْمِدَنَّ اللَّهَ بِأَفْضَلِ الْمَحَامِدِ، فَقَالَ كُلُّ فَرِيقٍ لَا يَبَرُّ إلَّا بِمَا قَالَهُ مِنْ تِلْكَ الْمَحَامِدِ، وَقِيلَ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَقُولَ: اللَّهُمَّ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك، وَقِيلَ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَقُولَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] اهـ شَبْرَخِيتِيٌّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. قَوْلُهُ: (بَدَأَ بِالْبَسْمَلَةِ ثُمَّ بِالْحَمْدَلَةِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِسُؤَالَيْنِ: صُورَةُ الْأَوَّلِ لِمَ أَتَى بِهِمَا فِي الِابْتِدَاءِ وَلَمْ يَبْتَدِئْ بِغَيْرِهِمَا كَالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ؟ وَصُورَةُ الثَّانِي: لِمَ رَتَّبَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ؟ وَالدَّلِيلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ يُثْبِتُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ وَعَمَلًا بِخَبَرِ إلَخْ. يُثْبِتُ الْأَوَّلَ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: بِالْبَسْمَلَةِ أَيْ بِمُسَمَّى الْبَسْمَلَةِ أَوْ بِمَا نُحِتَتْ مِنْهُ الْبَسْمَلَةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] مَبْحَثُ النَّحْتِ وَعِلْمُ النَّحْتِ سَمَاعِيٌّ سُمِعَ مِنْهُ نَحْوُ عَشَرَةِ أَلْفَاظٍ كَالْحَسْبَلَةِ أَيْ قَوْلُ حَسْبُنَا اللَّهُ، وَالْحَوْقَلَةِ وَالْحَيْعَلَةِ وَالطَّلْبَقَةِ مِنْ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك، وَمِنْهُ الْأَلْفَاظُ الْأَرْبَعَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهِيَ: وَاَللَّهِ مَا تَرَبْعَلْبَنْت قَطُّ أَيْ مَا أَكَلْت اللَّبَنَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَلَا تَسَبْتَسْمَكْت قَطُّ أَيْ مَا أَكَلْت السَّمَكَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَلَا تَعَمْقَعْدَدْت قَطُّ أَيْ مَا تَعَمَّمْت وَأَنَا قَاعِدٌ أَيْ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَحْسِينِ الْعِمَّةِ، وَسَيِّدُنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُرِيدُ ذَلِكَ. وَلَا تَسَرْوَلْقَمْت قَطُّ أَيْ مَا لَبِسْت السَّرَاوِيلَ قَائِمًا أَيْ لِئَلَّا يَظْهَرَ شَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِهِ، وَلَمَّا قِيلَ إنَّ لُبْسَ السَّرَاوِيلِ مِنْ قِيَامٍ يُورِثُ الْفَقْرَ كَالتَّعَمُّمِ قَاعِدًا. وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْمُطَرِّزِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتُ وَغَيْرِهِ: إنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْ أَسْمَائِهَا سَبْعَةٌ: بَسْمَلَ إذَا قَالَ بِسْمِ اللَّهِ، وَسَبْحَلَ إذَا قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَحَوْقَلَ إذَا قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَحَيْعَلَ إذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَحَمْدَلَ إذَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَهَلَّلَ إذَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَجَعْفَدَ إذَا قَالَ جُعِلْت فِدَاك. وَهَذَا الْبَابُ سَمَاعِيٌّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ بِالْحَمْدَلَةِ) أَيْ ثُمَّ ثَنَّى بِالْحَمْدَلَةِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ. قَوْلُهُ: (اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ) أَيْ وَبِغَيْرِهِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ أَمْرٌ بِالْإِتْيَانِ بِهِمَا عَبَّرَ فِي جَانِبِهِ بِالِاقْتِدَاءِ، وَلَمَّا كَانَ الْحَدِيثُ مُتَضَمِّنًا لِلْأَمْرِ عَبَّرَ فِي جَانِبِهِ بِالْعَمَلِ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ مَعْنَاهُ الِاتِّبَاعُ فِي الْفِعْلِ اسْتِحْسَانًا لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمَرَ التَّابِعُ بِهِ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَإِنَّهُ الِاتِّبَاعُ مَعَ الْأَمْرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا هُنَا مِنْ الثَّانِي م د. قَوْلُهُ: (بِخَبَرِ: كُلُّ) بِإِضَافَةِ خَبَرٍ إلَى جُمْلَةِ مَا بَعْدَهُ إضَافَةً بَيَانِيَّةً أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ، وَبِالتَّنْوِينِ عَلَى إبْدَالِ مَا بَعْدَهُ مِنْهُ وَرَفَعَ كُلَّ بِالْحِكَايَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِضَافَةُ كُلٍّ إلَى أَمْرٍ عَلَى مَعْنَى اللَّازِمِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ التَّلَفُّظُ بِهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ نِيَّةِ مِنْ أَوْ فِي، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَانْوِ مِنْ أَوْ فِي إذَا ... لَمْ يَصْلُحْ إلَّا ذَاكَ وَاللَّامِ خُذَا لِمَا سِوَى ذَيْنِك قَوْلُهُ: (أَمْرٍ) الْأَمْرُ بِمَعْنَى الشَّأْنِ وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِيهِ الْخَمْسَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِ دِينِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» وَيَأْتِي الْأَمْرُ بِمَعْنَى الْقِيَامَةِ وَمِنْهُ {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] وَبِمَعْنَى الرَّأْيِ وَمِنْهُ {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] وَبِمَعْنَى الْعَذَابِ وَمِنْهُ {لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [هود: 101] وَبِمَعْنَى الطَّلَبِ وَهُوَ اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرُ كَفٍّ أَوْ كَفُّ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِكَفٍّ وَنَحْوِهِ كَدَعْ وَذَرْ وَاتْرُكْ وَجَمْعُ هَذَا أَوَامِرُ وَجَمْعُ ذَاكَ أُمُورٌ وَالْمُرَادُ هُنَا الْفِعْلُ وَهُوَ حَرَكَةُ الْبَدَنِ الشَّامِلَةُ لِلْأَقْوَالِ دُونَ التُّرُوكِ؛ إذْ الْبَسْمَلَةُ لَا تُطْلَبُ فِي التَّرْكِ كَتَرْكِ الْمَعَاصِي. قَوْلُهُ: (ذِي بَالٍ) أَيْ صَاحِبِ بَالٍ فَهُوَ جَامِدٌ لَفْظًا مُشْتَقٌّ تَأْوِيلًا، وَلِذَلِكَ صَحَّ الْوَصْفُ بِهِ، وَالْبَالُ فِي الْأَصْلِ الْقَلْبُ وَمِنْهُ {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} [محمد: 5] أَيْ قُلُوبَهُمْ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الشَّأْنُ الَّذِي يَهْتَمُّ لَهُ الْقَلْبُ فَإِطْلَاقُ الْبَالِ عَلَيْهِ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ فِيهِ فَالْعَلَاقَةُ الْمَحَلِّيَّةُ أَوْ الْمُجَاوَرَةُ لِمُجَاوَرَةِ الشَّأْنِ الَّذِي يَهْتَمُّ بِهِ الْقَلْبُ لِلْقَلْبِ وَعَلَى كُلٍّ فَالْمَجَازُ مُرْسَلٌ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ حَيْثُ شَبَّهَ الْأَمْرَ بِذِي قَلْبٍ بِجَامِعِ الِاهْتِمَامِ بِكُلٍّ وَالِاعْتِنَاءِ وَالشَّرَفِ وَأَثْبَتَ لَهُ الْبَالَ تَخْيِيلًا وَتَنْوِينُ بَالٍ لِلتَّعْظِيمِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7] فَخَرَجَ الْحَقِيرُ كَنَقْلِ الْقَدَمِ فَلَا تُطْلَبُ لَهُ الْبَسْمَلَةُ فَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى الْعِبَادِ وَصَوْنٌ لِاسْمِهِ تَعَالَى عَنْ الِاقْتِرَانِ بِالْمُحَقَّرَاتِ قَالَ ح ف يُطْلَقُ الْبَالُ عَلَى الْحَالِ الَّذِي يُهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا لَكِنَّهُ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَسْمَلَةِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمْدَلَةِ فَهُوَ خَاصٌّ بِالْأَقْوَالِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامًّا لَاقْتَضَى طَلَبَهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ مَثَلًا مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْإِتْيَانُ بِهَا عِنْدَ آخِرِهِ. اهـ. لَكِنَّ قَوْلَهُ خَاصٌّ بِالْأَقْوَالِ يَرِدُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يُسَنُّ ابْتِدَاؤُهُ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ. قَوْلُهُ: (يُهْتَمُّ بِهِ) أَيْ شَرْعًا بِأَنْ لَا يَكُونَ مُحَرَّمًا لِذَاتِهِ وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» أَيْ نَاقِصٌ غَيْرُ تَامٍّ فَيَكُونُ قَلِيلَ الْبَرَكَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ رَوَاهَا أَبُو دَاوُد: " بِالْحَمْدِ لِلَّهِ ". وَجَمَعَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَغَيْرِهِ بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ. وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا؛ إذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ بِطَالِقٍ، فَالْحَقِيقِيُّ حَصَلَ بِالْبَسْمَلَةِ، وَالْإِضَافِيُّ بِالْحَمْدَلَةِ أَوْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا بَلْ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ يَمْتَدُّ مِنْ الْأَخْذِ فِي التَّأْلِيفِ إلَى الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ، فَالْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ مَبْدَؤُهَا الْخُطْبَةُ بِتَمَامِهَا وَالْحَمْدُ اللَّفْظِيُّ لُغَةُ الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ عَلَى   [حاشية البجيرمي] مَكْرُوهًا كَذَلِكَ، وَلَا ذِكْرًا مَحْضًا، وَلَا جَعَلَ الشَّارِعُ لَهُ مَبْدَأً غَيْرَ الْبَسْمَلَةِ فَتَحْرُمُ عَلَى الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ كَالزِّنَا بِخِلَافِ الْمُحَرَّمِ لِغَيْرِهِ كَالْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ فَتُسَنُّ وَتُكْرَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ كَأَكْلِ بَصَلٍ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ لِغَيْرِهِ كَالْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ فَتُسَنُّ، وَلَا تُطْلَبُ لِلذِّكْرِ الْمَحْضِ كَالتَّهْلِيلِ وَخَرَجَ بِالْمَحْضِ الْقُرْآنُ فَتُطْلَبُ فِيهِ التَّسْمِيَةُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْقَصَصِ وَالْأَحْكَامِ، فَتَعْتَرِي التَّسْمِيَةَ الْأَحْكَامُ الْأَرْبَعَةُ فَقَطْ لِأَنَّ أَصْلَهَا النَّدْبُ، وَمَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ النَّدْبَ لَا تَعْتَرِيهِ الْإِبَاحَةُ فَتَكُونُ وَاجِبَةً فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَنَا. فَإِنْ قُلْت: ذَكَرَ اللَّهُ الْمَأْتِيَّ بِهِ فِي افْتِتَاحِ الْأَمْرِ ذِي الْبَالِ لِتَحْصُلَ الْبَرَكَةُ فِيهِ وَهُوَ الْبَسْمَلَةُ أَمْرٌ ذُو بَالٍ، فَيَحْتَاجُ فِي تَحْصِيلِ الْبَرَكَةِ فِيهِ إلَى سَبْقِ مِثْلِهِ وَيَتَسَلْسَلُ. قُلْت: هُوَ مُحَصِّلٌ لِلْبَرَكَةِ فِيهِ كَمَا هُوَ مُحَصِّلٌ لِلْبَرَكَةِ فِيمَا افْتَتَحَ بِهِ كَالشَّاةِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ تُزَكِّي نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا، فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ عُمُومِ الْأَمْرِ ذِي الْبَالِ فِي الْحَدِيثِ. اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ. وَأَجَابَ م د بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْأَمْرِ ذِي الْبَالِ أَيْضًا بِمَا يَكُونُ مَقْصُودًا لَا مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى الْمَقْصُودِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ أَمْرٌ ذُو بَالٍ، فَيَحْتَاجُ إلَى سَبْقِ مِثْلِهِ وَيَتَسَلْسَلُ اهـ. وَمَعْنَى الِاهْتِمَامِ بِهِ طَلَبُهُ أَوْ إبَاحَتُهُ. فَإِنْ قُلْت: يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقُرْآنَ إذَا لَمْ يُبْدَأْ بِالْبَسْمَلَةِ فِيهِ يَكُونُ نَاقِصًا. أَجَابَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: بِأَنَّ الْبَرَكَةَ فِي ذَلِكَ مَعْنَاهَا دَفْعُ الشَّيْطَانِ الَّذِي يُوَسْوِسُهُ فِي الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَحْمِلَ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ مَحْمَلِهِ، أَوْ يَلْهُوَ عَنْهُ لَا أَنَّهَا تُوجِبُ لِلْقُرْآنِ صِفَةَ كَمَالٍ وَشَرَفٍ بَلْ ذَلِكَ عَائِدٌ إلَى الْقَارِئِ، فَإِذَا لَمْ يَبْدَأْ بِالْبَسْمَلَةِ كَانَ ثَوَابُهُ نَاقِصًا فَالنَّقْصُ رَاجِعٌ لِلْقَارِئِ مِنْ جِهَةِ ثَوَابِهِ لَا لِلْقُرْآنِ. قَوْلُهُ: (لَا يَبْدَأُ فِيهِ) اُسْتُشْكِلَ الْإِتْيَانُ بِفِي مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى يَسْتَقِيمُ بِدُونِهَا. وَأُجِيبُ: بِأَنَّ فِي سَبَبِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَبْدَأُ بِبَسْمِ اللَّهِ بِسَبَبِهِ وَلِأَجْلِهِ، فَيَقْتَضِي أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْبَسْمَلَةِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لِأَجْلِ الْأَمْرِ لَا لِأَجْلِ غَيْرِهِ، فَإِذَا كَانَ شَارِعًا فِي السَّفَرِ مَعَ الْأَكْلِ وَبَسْمَلَ لِأَجْلِ السَّفَرِ فَلَا تَحْصُلُ الْبُدَاءَةُ بِالْبَسْمَلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْلِ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ السَّفَرِ وَبِسَبَبِهِ لَا بِسَبَبِ الْأَكْلِ شَيْخُنَا ح ف. وَالْإِشْكَالُ لَا يَرِدُ إلَّا إذَا فَسَّرَ يَبْدَأُ بِيَفْتَتِحُ، فَإِنْ فَسَّرَ بِيَشْرَعُ فَلَا إشْكَالَ. قَوْلُهُ: (بِبَسْمِ اللَّهِ) الْبَاءُ الْأُولَى جَارَّةٌ، وَالْبَاءُ الثَّانِيَةُ جُزْءٌ مِنْ الْكَلِمَةِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ نَائِبُ فَاعِلِ يَبْدَأُ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: أُدْخِلَتْ الْبَاءُ عَلَى الْبَاءِ لِأَنَّ الْبَاءَ الثَّانِيَةَ مُتَّصِلَةٌ فَنَزَلَتْ لِشِدَّةِ الْمُلَازَمَةِ مَنْزِلَةَ الْحَرْفِ مِنْ الْكَلِمَةِ، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهَا الْبَاءُ الْخَافِضَةُ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ أَقْطَعُ) هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ لَا أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ بِدَلِيلِ تَفْسِيرِهِ بِنَاقِصٍ، لِأَنَّ أَفْعَلَ مِنْ جُمْلَةِ أَوْزَانِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَهَذَا التَّرْكِيبُ وَنَحْوُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَالْأَصْلُ هُوَ كَأَقْطَعَ، وَأَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً وَهُوَ مَذْهَبُ السَّعْدِ. وَمَيْلُ الشَّارِحِ هُنَا إلَيْهِ وَلَا جَمْعَ هُنَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، إذْ التَّقْدِيرُ هُوَ نَاقِصٌ كَالْأَقْطَعِ فَحَذَفَ الْمُشَبَّهَ وَهُوَ نَاقِصٌ بِأَنْ شَبَّهَ النَّاقِصَ بِالْأَقْطَعِ وَاسْتُعِيرَ لَهُ اسْمُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ كَوْنَهُ نَاقِصًا حِسًّا، بَلْ أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي الشَّرْعِ. قَوْلُهُ: (بِالْحَمْدِ لِلَّهِ) أَيْ بِالرَّفْعِ فَإِنَّ التَّعَارُضَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: رَفْعِ الْحَمْدِ وَتَسَاوِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَوْنِ رِوَايَةِ الْبَسْمَلَةِ بِبَاءَيْنِ، وَكَوْنِ الْبَاءِ صِلَةَ يَبْدَأُ وَأَنْ يُرَادَ بِالِابْتِدَاءِ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الِابْتِدَاءُ الْحَقِيقِيُّ. وَقَوْلُهُ: صِلَةَ يَبْدَأُ، فَإِنْ جُعِلَتْ لِلِاسْتِعَانَةِ فَلَا تَعَارُضَ لِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِشَيْءٍ لَا تُنَافِي الِاسْتِعَانَةَ بِآخَرَ، وَكَذَا إنْ جُعِلَتْ لِلْمُلَابَسَةِ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ حَقِيقِيًّا) أَيْ لُغَةً فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ عُرْفًا، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: بَلْ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ. اهـ. ق ل. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَالْإِضَافِيِّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ الْمُطْلَقَ، فَبِالْبَسْمَلَةِ حَصَلَ الْحَقِيقِيُّ وَالْإِضَافِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ وَهِيَ النِّعَمُ الْقَاصِرَةُ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ وَهِيَ النِّعَمُ الْمُتَعَدِّيَةُ فَدَخَلَ فِي الثَّنَاءِ الْحَمْدُ وَغَيْرُهُ وَخَرَجَ بِاللِّسَانِ الثَّنَاءُ بِغَيْرِهِ كَالْحَمْدِ النَّفْسِيِّ وَبِالْجَمِيلِ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ. إنْ قُلْنَا بِرَأْيِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الثَّنَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَإِنْ قُلْنَا بِرَأْيِ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ فَقَطْ فَفَائِدَةُ ذَلِكَ تَحْقِيقُ الْمَاهِيَّةِ أَوْ دَفْعُ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ وَبِالِاخْتِيَارِيِّ الْمَدْحُ   [حاشية البجيرمي] وَبِالْحَمْدَلَةِ حَصَلَ الْإِضَافِيُّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ. قَوْلُهُ: (وَالْحَمْدُ اللَّفْظِيُّ) أَتَى بِالِاسْمِ الْمُظْهَرِ وَهُوَ الْحَمْدُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ اللَّفْظِيُّ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ لَا يُوصَفُ. وَقَوْلُهُ: اللَّفْظِيُّ أَيْ الْحَادِثُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْقَسِمُ إلَى لُغَوِيٍّ وَعُرْفِيٍّ أج. قَوْلُهُ: (لُغَةً) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ لُغَةً أَيْ مُنْدَرِجًا فِي اللُّغَةِ أَيْ فِي الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ، إذْ اللُّغَةُ الْأَلْفَاظُ الْعَرَبِيَّةُ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ سَمَاعِيًّا لِأَنَّهُ لِكَثْرَتِهِ فِي كَلَامِهِمْ أَشْبَهَ الْقِيَاسِيَّ. قَوْلُهُ: (بِاللِّسَانِ) ذُكِرَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لِأَنَّ الثَّنَاءَ الذِّكْرُ بِخَيْرٍ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ، وَالْمُرَادُ بِاللِّسَانِ آلَةُ النُّطْقِ لَا خُصُوصُ الْجَارِحَةِ، فَلَوْ أَوْدَعَ اللَّهُ فِي يَدِ إنْسَانٍ قُوَّةَ النُّطْقِ فَنَطَقَتْ بِهِ كَانَ حَمْدًا. قَوْلُهُ: (عَلَى الْجَمِيلِ) سَوَاءٌ كَانَ جَمِيلًا عِنْدَ الْحَامِدِ أَوْ الْمَحْمُودِ قِيلَ أَوْ غَيْرِهِمَا اج. " وَعَلَى " فِي قَوْلِهِ عَلَى الْجَمِيلِ تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ لِأَجْلِ الْجَمِيلِ. قَوْلُهُ (الِاخْتِيَارِيِّ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، أَوْ يُقَالُ الِاخْتِيَارِيُّ هُوَ أَوْ أَثَرُهُ لِيَدْخُلَ الْحَمْدُ عَلَى صِفَاتِهِ تَعَالَى الذَّاتِيَّةِ، فَإِنَّهَا اخْتِيَارِيَّةٌ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقَاتِهَا وَهِيَ الْمَقْدُورَاتُ وَالْمُرَادَاتُ وَالْمَعْلُومَاتُ وَالْمَسْمُوعَاتُ وَالْمُبْصَرَاتُ، وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الِاخْتِيَارِيَّ لَا يَشْمَلُ صِفَاتِ اللَّهِ لِإِشْعَارِهِ بِالْحُدُوثِ. وَأَجَابَ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاخْتِيَارِيِّ مَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ فَيَشْمَلُ صِفَاتِ الْبَارِي. قَوْلُهُ: (عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ) حَالٌ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْ الْخَبَرِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ التَّعْظِيمِ، وَعَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ أَيْ تَمَكُّنِ ذَلِكَ الثَّنَاءِ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ، أَوْ بِمَعْنَى " مَعَ " وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ عَلَى جِهَةٍ هِيَ التَّعْظِيمُ، فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ عَلَى فِي قَوْلِهِ عَلَى الْجَمِيلِ لِلتَّعْلِيلِ، وَالثَّانِيَةُ لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ أَوْ بِمَعْنَى مَعَ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ تَعَلَّقَ) أَيْ وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ الْفَضَائِلِ، وَسَوَاءٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَتَعَلَّقَ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مُبْتَدَأٍ مُؤَخَّرٍ أَيْ تَعَلُّقُهُ بِالْفَضَائِلِ وَالْفَوَاضِلِ، سَوَاءٌ فِي أَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حَمِدَ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ التَّسْوِيَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَكَوْنُ أَمْ بِمَعْنَى الْوَاوِ بَعِيدٌ، فَالْأَوْلَى تَقْدِيرُ إنْ بَعْدَ سَوَاءٌ، وَسَوَاءٌ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ إنْ تَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ فَالْأَمْرَانِ سَوَاءٌ، فَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَحَذْفٌ، وَالْمُرَادُ بِالْفَضَائِلِ النِّعَمُ الْقَاصِرَةُ وَهِيَ الَّتِي لَا يَتَوَقَّفُ الِاتِّصَافُ بِهَا عَلَى تَعَدِّي أَثَرِهَا لِلْغَيْرِ كَالْعِلْمِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُوصَفُ بِالْعِلْمِ وَإِنْ لَمْ يُعَلِّمْ كَالطَّالِبِ الَّذِي يُعْلَمُ عِلْمُهُ مِنْ سُؤَالِهِ أَوْ مِنْ كَلَامِهِ، وَالْفَوَاضِلُ جَمْعُ فَاضِلَةٍ وَهِيَ الَّتِي يَتَوَقَّفُ الِاتِّصَافُ بِهَا عَلَى تَعَدِّي أَثَرِهَا لِلْغَيْرِ كَالْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُوصَفُ بِالْكَرَمِ إلَّا بِالْإِعْطَاءِ، وَلَا بِالشَّجَاعَةِ إلَّا بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْمَهَالِكِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنْ أُرِيدَ بِالْعِلْمِ وَبِالْكَرَمِ الْمَلَكَةُ كَانَا مِنْ النِّعَمِ الْقَاصِرَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِمَا الْأَثَرُ كَالتَّعْلِيمِ وَالْإِعْطَاءِ كَانَا مِنْ الْمُتَعَدِّيَةِ. قَالَ الإطفيحي: وَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ الْكَرَمِ وَالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ بِأَثَرِهَا لِتَكُونَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا كَالْإِعْطَاءِ وَالتَّعْلِيمِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى الْعَدُوِّ فِي الْمَعَارِكِ لِأَنَّهَا كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْمَلَكَةِ تُطْلَقُ عَلَى آثَارِهَا. وَفِي الْفَنَارِيِّ عَلَى الْمُطَوَّلِ: وَاعْلَمْ أَنَّ سَوَاءً بِمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ يُوصَفُ بِهِ كَمَا يُوصَفُ بِالْمَصَادِرِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا} [آل عمران: 64] قَوْلُهُ: (إنْ قُلْنَا بِرَأْيِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ) وَمُسْتَنَدُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَهُوَ شَرٌّ» اهـ. وَهَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لَوْ كَانَ التَّقْيِيدُ بِالْجَمِيلِ فِي الْمَحْمُودِ بِهِ كَأَنْ يُقَالَ الثَّنَاءُ بِالْجَمِيلِ عَلَى الْجَمِيلِ، وَأَمَّا حَيْثُ كَانَ فِي الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَعَلَّ الشَّارِحَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ بِالْمَحْمُودِيَّةِ. فَالْحَاصِلُ؛ أَنَّهُ يَحْتَاجُ لِقَوْلِهِ عَلَى الْجَمِيلِ، وَلَوْ قُلْنَا الثَّنَاءُ خَاصٌّ بِالْخَبَرِ، وَمَنْ يَقُولُ إنَّ الثَّنَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ فَقَطْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 فَإِنَّهُ يَعُمُّ الِاخْتِيَارِيَّ وَغَيْرَهُ تَقُولُ مَدَحْت اللُّؤْلُؤَةَ عَلَى حُسْنِهَا دُونَ حَمِدْتهَا وَبِعَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ مَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ نَحْوَ {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49] وَعُرْفًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذِكْرًا بِاللِّسَانِ أَمْ اعْتِقَادًا وَمَحَبَّةً بِالْجَنَانِ أَوْ عَمَلًا وَخِدْمَةً بِالْأَرْكَانِ كَمَا قِيلَ   [حاشية البجيرمي] يَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: " وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا " مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ. قَوْلُهُ: (فَفَائِدَةُ ذَلِكَ) أَيْ ذِكْرِ الْجَمِيلِ. وَقَوْلُهُ: (تَحْقِيقُ الْمَاهِيَّةِ) أَيْ مَاهِيَّةِ الْحَمْدِ بِذِكْرِ قُيُودِهَا. وَقَوْلُهُ: (أَوْ دَفْعُ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْجَمْعِ إلَخْ) أَيْ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْجَمِيلَ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّنَاءِ مَا يَشْمَلُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. قَوْلُهُ: (تَحْقِيقُ الْمَاهِيَّةِ) أَيْ مَاهِيَّةِ الْحَمْدِ لَا لِلِاحْتِرَازِ قَوْلُهُ: (عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ) وَهُوَ الشَّافِعِيُّ وَأَتْبَاعُهُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ قَرِينَةَ الْمَجَازِ مَانِعَةٌ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَكَيْفَ الْجَمْعُ؟ أُجِيبُ: بِأَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ الْبَيَانِيِّينَ وَالشَّافِعِيُّ جَرَى عَلَى مَذْهَبِ الْأُصُولِيِّينَ، وَهُمْ لَا يَشْتَرِطُونَ كَوْنَ قَرِينَةِ الْمَجَازِ مَانِعَةً مِنْ الْحَقِيقَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَعُمُّ إلَخْ) فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ وَفِي صِحَّةِ الْإِخْرَاجِ حِينَئِذٍ نَظَرٌ، إذْ الْمَخْرَجُ بِالْقَيْدِ ضِدُّهُ وَالْمَدْحُ لَيْسَ ضِدًّا لِلِاخْتِيَارِيِّ، بَلْ قَدْ يَكُونُ بِالِاخْتِيَارِيِّ. قَوْلُهُ: (دُونَ حَمِدْتهَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ. قَوْلُهُ: (عَلَى جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، فَقَوْلُ الْمَلَائِكَةِ ذَلِكَ لَهُ مَجَازٌ وَالْعَلَاقَةُ الضِّدْيَةُ فَلَا كَذِبَ، وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ بِأَنْ لَا يَعْتَقِدَ الْحَامِدُ كَمَالَ الْمَحْمُودِ. قَالَ ح ل: وَالرَّاجِحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ اعْتِقَادِ الْجِنَانِ، بَلْ لَوْ اعْتَقَدَ الْحَامِدُ عَدَمَ اتِّصَافِ الْمَحْمُودِ بِمَا أَثْنَى بِهِ عَلَيْهِ كَانَ حَمْدًا كَمَا تَقَدَّمَ، فَالْمَدَارُ عَلَى ظُهُورِ قَصْدِ التَّعْظِيمِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَقْصِدُ بِهِ لِلتَّعْظِيمِ غَالِبًا مَعَ عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِمَا يُخَالِفُهُ ظَاهِرًا اهـ. وَقَوْلُهُ: بِمَا يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ بَلْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا شَرْعًا، كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: نَهَبْت مِنْ الْأَعْمَارِ مَا لَوْ حَوَيْته ... لَهَنِئَتْ الدُّنْيَا بِأَنَّك خَالِدٌ قَوْلُهُ: (وَالسُّخْرِيَةِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا. قَوْلُهُ: (ذُقْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ لِلْكَافِرِ فِي النَّارِ، وَوَصْفُهُ بِالْعِزَّةِ وَالْكَرَمِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ق ل. وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ لَوْلَا اعْتِبَارُ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا كَانَ كَذِبًا، وَالْمَلَائِكَةُ مُنَزَّهُونَ عَنْهُ. وَيُرَدُّ بِأَنَّ السُّخْرِيَةَ دَافِعَةٌ لِذَلِكَ م د. وَفِيهِ أَنَّ السُّخْرِيَةَ لَا تَدْفَعُ الْكَذِبَ فَيَكُونُ سُخْرِيَةً بِكَذِبٍ، وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ فِي التَّفْسِيرِ: {ذُقْ} [الدخان: 49] أَيْ الْعَذَابَ {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49] بِزَعْمِك. وَقَوْلُك: مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا أَعَزُّ وَأَكْرَمُ مِنِّي، وَيُقَالُ لَهُمْ: {إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} [الدخان: 50] وَذَكَرَ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ} [الدخان: 43] {طَعَامُ الأَثِيمِ} [الدخان: 44] أَيْ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ ذَوِي الْإِثْمِ الْكَبِيرِ اهـ. وَفِي الْخَازِنِ مَا نَصُّهُ: {ذُقْ} [الدخان: 49] أَيْ هَذَا الْعَذَابَ. {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49] أَيْ عِنْدَ قَوْمِك بِزَعْمِك، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَنَا أَعَزُّ الْبَوَادِي وَأَكْرَمُهُمْ، فَيَقُولُ لَهُ خَزَنَةُ النَّارِ، هَذَا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِخْفَافِ وَالتَّوْبِيخِ. قَوْلُهُ: (وَعُرْفًا) مَعْطُوفٌ عَلَى لُغَةً أَيْ وَالْحَمْدُ اللَّفْظِيُّ عُرْفًا إلَخْ. لَكِنَّ قَوْلَهُ: فِعْلٌ إلَخْ. يُنَافِي ذَلِكَ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَعْضَاءِ وَالْقَلْبِ لَا يَكُونُ لَفْظِيًّا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَمْدِ اللَّفْظِيِّ الْحَادِثُ فَيَشْمَلُ مَا ذُكِرَ وَالْعُرْفُ وَالِاصْطِلَاحُ مُتَسَاوِيَانِ، وَقِيلَ الِاصْطِلَاحُ هُوَ الْعُرْفُ الْخَاصُّ وَهُوَ مَا تَعَيَّنَ نَاقِلُهُ، وَالْعُرْفُ إذَا أُطْلِقَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَامُّ وَهُوَ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ نَاقِلُهُ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُرَادُ مِنْ الْعُرْفِ وَالِاصْطِلَاحِ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى غَيْرِ لُغَوِيٍّ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَفَادًا مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ، وَقَدْ يُطْلَقُ الشَّرْعِيُّ مَجَازًا عَلَى مَا كَانَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ مُسْتَفَادًا مِنْ الشَّارِعِ. قَوْلُهُ: (فِعْلٌ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْقَوْلِ وَالِاعْتِقَادِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ فِعْلُ اللِّسَانِ وَالِاعْتِقَادَ فِعْلُ الْقَلْبِ. قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ إنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ حَيْثِيَّةُ تَعْلِيلٍ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَى شُذُورِ ابْنِ هِشَامٍ: وَقَدْ أُولِعَ الْفُقَهَاءُ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنَّ بَعْدَ حَيْثُ وَهُوَ لَحْنٌ فَاحِشٌ فَإِنَّهَا لَا تُضَافُ إلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 أَفَادَتْكُمْ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ... يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَ الْمُحَجَّبَا وَالشُّكْرُ لُغَةً هُوَ الْحَمْدُ عُرْفًا، وَعُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِ مِنْ السَّمْعِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ. وَالْمَدْحُ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ مُطْلَقًا عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ، وَعُرْفًا مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَمْدُوحِ بِنَوْعٍ   [حاشية البجيرمي] إلَى الْجُمْلَةِ، وَأَنَّ الْمَفْتُوحَةُ الْهَمْزَةِ وَمَعْمُولَاهَا فِي تَأْوِيلِ الْمُفْرَدِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْحَامِدِ) فِيهِ دَوْرٌ، لِأَنَّ الْحَامِدَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمْدِ، وَالْحَمْدُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْحَامِدِ لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا فِي تَعْرِيفِهِ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ لَفْظِيٌّ، أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ حَيْثُ إلَخْ خَارِجٌ عَنْ التَّعْرِيفِ أَوْ الْمُرَادُ بِالْحَامِدِ ذَاتِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ حَامِدًا. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ لِلْغَيْرِ خُصُوصِيَّةٌ بِالْحَامِدِ كَوَلَدِهِ وَصَدِيقِهِ أَوْ لَا وَلَوْ كَافِرًا ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَمَحَبَّةً) عَطْفُ مُغَايِرٍ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاعْتِقَادِ الْمَحَبَّةُ وَلَا الْعَكْسُ، وَالْأَوْلَى حَذْفُهُ أَيْ حَذْفُ قَوْلِهِ وَمَحَبَّةً قَوْلُهُ: (وَخِدْمَةً) عَطْفُ مُرَادِفٍ. قَوْلُهُ: (بِالْأَرْكَانِ) أَيْ غَيْرِ اللِّسَانِ قَوْلُهُ: (كَمَا قِيلَ إلَخْ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ إلَخْ قَوْلُهُ: (أَفَادَتْكُمْ) أَيْ أَوْصَلَتْكُمْ مِنِّي النِّعْمَةُ الصَّادِرَةُ مِنْكُمْ أَعْمَالًا ثَلَاثَةً، فَالنَّعْمَاءُ بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُخْتَارِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اسْمَ جَمْعٍ بِمَعْنَى النِّعَمِ، وَمِنِّي مُتَعَلِّقٌ بِأَفَادَتْكُمْ. وَقَوْلُهُ: (ثَلَاثَةٌ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَعْمَالٌ ثَلَاثَةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْوُسْطَى وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ إذْ لَمْ يُطْلِقْ الشَّاعِرُ لَفْظَ الْحَمْدِ عَلَى الثَّلَاثَةِ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِلَفْظِهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ فِيهِ اسْتِدْلَالًا مَعْنَوِيًّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ أَعْمَالَ الثَّلَاثَةِ جَزَاءً لِلنِّعْمَةِ، وَكُلُّ جَزَاءٍ لِلنِّعْمَةِ فَهُوَ حَمْدٌ عُرْفًا فَيَنْتِجُ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ أَعْمَالِ الثَّلَاثَةِ حَمْدٌ عُرْفًا وَهُوَ ظَرِيفٌ فَاحْفَظْهُ. قَوْلُهُ: (يَدِي) أَيْ أَعْمَالُ يَدِي بِالْإِشَارَةِ بِهَا، وَكَذَا يُقَدَّرُ الْمُضَافُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَالضَّمِيرُ الْمُحَجَّبَا) أَيْ الْقَلْبُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الضَّمِيرِ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ اهـ م د. وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ كَلَامُ الشَّاعِرِ مُحْتَمَلٌ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ أَفَادَتْكُمْ إلَخْ أَنَّ نِعْمَتَكُمْ عَلَيَّ مَلَّكَتْكُمْ مِنِّي أَعْضَائِي الثَّلَاثَةَ فَهُوَ كَمَا قَالَ الْمُحَشِّي، وَيَكُونُ مِثْلُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْإِنْسَانُ يُمْلَكُ بِالْإِحْسَانِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُ الشَّاعِرِ أَنَّ نِعْمَتَكُمْ عَلَيَّ مَلَّكَتْكُمْ مِنِّي أَعْمَالَ جَوَارِحِي وَخِدْمَتِي لَكُمْ كَانَ التَّقْدِيرُ عَمَلَ يَدِي وَخِدْمَتِي بِهَا، وَذِكْرِي بِلِسَانِي وَضَمِيرِ قَلْبِي أَيْ مَحَبَّتِي وَاعْتِقَادِي، وَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ مَعْنَى هَذَا الثَّانِي فَيَكُونُ الضَّمِيرَ الْمُحَجَّبَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَفِي الْأَوَّلِ مِنْ الْمَجَازِ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ عَلَى مَا عَرَفْته. قَوْلُهُ: (وَالشُّكْرُ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الشُّكْرُ وَالْحَمْدُ أَخَوَيْنِ وَذِكْرُ الْحَمْدِ احْتَاجَ إلَى تَعْرِيفِ الشُّكْرِ فَهُوَ اسْتِطْرَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (صَرْفُ الْعَبْدِ) أَيْ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَبْدُ أَعْضَاءَهُ وَمَعَانِيَهُ فِيمَا طَلَبَ الشَّارِعُ اسْتِعْمَالَهَا مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَسَمَاعِ نَحْوِ عِلْمٍ وَهَكَذَا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ ق ل. قَالَ سم: إذَا صَرَفَ الْعَبْدُ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ فِي آنٍ وَاحِدٍ سُمِّيَ شَكُورًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] وَإِذَا صَرَفَهَا فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ سُمِّيَ شَاكِرًا. قَالَ شَيْخُنَا ع ش: وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُ صَرْفِهَا كُلِّهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ بِمَنْ حَمَلَ جِنَازَةً مُتَفَكِّرًا فِي مَصْنُوعَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، نَاظِرًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِئَلَّا يَزِلَّ بِالْمَيِّتِ مَاشِيًا بِرِجْلَيْهِ إلَى الْقَبْرِ شَاغِلًا لِسَانَهُ بِالذِّكْرِ، وَأُذُنَهُ بِاسْتِمَاعِ مَا فِيهِ ثَوَابٌ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ اهـ إطفيحي. وَبَقِيَ ذِكْرُ الْآدَمِيِّ فَانْظُرْ أَيَّ شَيْءٍ يَكُونُ مَصْرُوفًا فِيهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَعُرْفًا مَا يَدُلُّ) أَيْ مِنْ فِعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ، وَقَدْ نَظَمَ الْعَلَّامَةُ سَيِّدِي عَلِيٌّ الَأُجْهُورِيُّ الْمَالِكِيُّ النَّسَبَ بَيْنَهَا فَقَالَ: إذَا نَسَبَا لِلْحَمْدِ وَالشُّكْرِ رُمْتهَا ... بِوَجْهٍ لَهُ عَقْلُ اللَّبِيبِ يُوَالِفُ فَشُكْرٌ لَدَى عُرْفٍ أَخُصُّ جَمِيعَهَا ... وَفِي لُغَةٍ لِلْحَمْدِ عُرْفًا يُرَادِفُ عُمُومٌ لِوَجْهٍ فِي سِوَاهُنَّ نِسْبَةٌ ... فَذِي نَسَبٍ سِتٌّ لِمَنْ هُوَ عَارِفُ أَيْ إنَّ الشُّكْرَ الِاصْطِلَاحِيَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ أَعْنِي الْحَمَدَيْنِ وَالشُّكْرَ اللُّغَوِيَّ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ نِسَبٍ، وَبَيْنَ الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ وَالْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ التَّرَادُفُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَفِي لُغَةٍ أَيْ: وَالشُّكْرُ فِي اللُّغَةِ يُرَادِفُ الْحَمْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 مِنْ الْفَضَائِلِ وَجُمْلَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى لِحُصُولِ الْحَمْدِ بِالتَّكَلُّمِ مَعَ الْإِذْعَانِ لِمَدْلُولِهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً شَرْعًا لِلْإِنْشَاءِ وَالْحَمْدُ مُخْتَصٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ سَوَاءٌ أَجَعَلْت فِيهِ أَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمْ لِلْجِنْسِ كَمَا عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ لِأَنَّ لَامَ لِلَّهِ لِلِاخْتِصَاصِ فَلَا فَرْدَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ تَعَالَى أَمْ لِلْعَهْدِ كَاَلَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَجَازَهُ الْوَاحِدِيُّ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْحَمْدَ الَّذِي حَمِدَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَحَمِدَهُ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ مُخْتَصٌّ بِهِ وَالْعِبْرَةُ بِحَمْدِ مَنْ ذُكِرَ فَلَا فَرْدَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ وَأَوْلَى الثَّلَاثَةِ الْجِنْسُ وَقَوْلُهُ بِالْجَرِّ عَلَى الصِّفَةِ مَعْنَاهُ الْمَالِكُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهِمْ إذْ كُلٌّ مِنْهَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ   [حاشية البجيرمي] عُرْفًا، فَهَذِهِ نِسْبَةٌ رَابِعَةٌ. وَبَيْنَ الْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ وَالِاصْطِلَاحِيِّ، وَكَذَا بَيْنَ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيَّيْنِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ يَجْتَمِعَانِ فِي ثَنَاءٍ بِلِسَانٍ فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ، وَيَنْفَرِدُ الْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ فِي ثَنَاءٍ بِلِسَانٍ لَا فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ وَيَنْفَرِدُ الْحَمْدُ الِاصْطِلَاحِيُّ وَالشُّكْرُ اللُّغَوِيُّ فِي ثَنَاءٍ بِغَيْرِ لِسَانٍ فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ، فَهَاتَانِ نِسْبَتَانِ. قَوْلُهُ: (مَعَ الْإِذْعَانِ إلَخْ) لَا وَجْهَ لَهُ لِمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ أَنَّ الْوَصْفَ بِالْجَمِيلِ الْمَعْلُومِ الِانْتِفَاءِ إذَا قَارَنَهُ التَّعْظِيمُ حَمِدَ فَلْيُتَأَمَّلْ اج. وَكَلَامُ الشَّارِحِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِقَادِ. قَوْلُهُ: (كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ) أَيْ لِكَوْنِ الْمُبْتَدَأِ فِيهَا مُعَرَّفًا بِأَلْ الْجِنْسِيَّةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: مُبْتَدَأٌ فَاللَّامُ جِنْسٍ عُرِّفَا ... مُنْحَصِرٌ فِي مُخْبَرٍ بِهِ وَفَا وَإِنْ عَرِيَ عَنْهَا وَعُرِّفَ الْخَبَرْ ... بِاللَّامِ مُطْلَقًا فَعَكْسُ ذَا اسْتَقَرَّ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْخَبَرُ جَامِدًا أَوْ مُشْتَقًّا. وَقَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ فِيهِ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الْمَعْنَى وَالْحَمْدُ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ فِي الْوَاقِعِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ الْمَلْفُوظُ بِهَا. وَأُجِيبُ أَيْضًا: بِأَنَّ الْكَافَ تَعْلِيلِيَّةٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ لِإِفَادَةِ الْجُمْلَةِ لَهُ أَيْ بِوَاسِطَةِ تَعْرِيفِ الْمُبْتَدَأِ فِيهَا بِأَلْ فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ كَذَلِكَ أَفَادَتْ قَصْرَ مُبْتَدَئِهَا عَلَى خَبَرِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ أَلْ اسْتِغْرَاقِيَّةً أَوْ جِنْسِيَّةً أَوْ عَهْدِيَّةً. وَقَدْ تُعُقِّبَ فِي قَوْلِهِ فَاللَّامُ جِنْسٍ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهَا لَا يَصِحُّ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُبْتَدَأِ بِاللَّامِ مُطْلَقًا، فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ سَوَاءٌ أَجُعِلَتْ أَلْ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ إلَخْ. وَفِي كَوْنِ أَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ مَعَ كَوْنِ الْجُمْلَةِ إنْشَائِيَّةً نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يُقْدَرُ عَلَى إنْشَاءِ جَمِيعِ الْمَحَامِدِ، وَلَا يَظْهَرُ إلَّا عَلَى كَوْنِهَا خَبَرِيَّةً. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الِاخْتِصَاصُ عَلَى دَعْوَى الِاسْتِغْرَاقِ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (لِلِاخْتِصَاصِ) أَيْ لِتَوْكِيدِهِ وَإِلَّا فَالِاخْتِصَاصُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْجُمْلَةِ بِوَاسِطَةِ تَعْرِيفِ الْمُبْتَدَأِ فِيهَا. قَوْلُهُ: (أَمْ لِلْعَهْدِ) أَيْ الْعِلْمِيِّ لِتَقَدُّمِ مَرْجِعِهِ فِي عِلْمِ الْمُخَاطَبِ. قَوْلُهُ: (وَأَوْلَى الثَّلَاثَةِ الْجِنْسُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى ثُبُوتِ جَمِيعِ الْمَحَامِدِ لَهُ تَعَالَى فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بُرْهَانِيٌّ وَهُوَ كَدَعْوَى الشَّيْءِ بِبَيِّنَةٍ الَّتِي هِيَ أَوْلَى مِنْ الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ. وَقَوْلُنَا كَدَعْوَى الشَّيْءِ أَيْ وَهُوَ اخْتِصَاصُ الْأَفْرَادِ وَالْبَيِّنَةُ هِيَ اخْتِصَاصُ الْجِنْسِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ اخْتِصَاصِ الْجِنْسِ اخْتِصَاصُ أَفْرَادِهِ، فَالْمُدَّعَى اخْتِصَاصُ الْأَفْرَادِ وَالْبَيِّنَةُ اخْتِصَاصُ الْجِنْسِ، فَالْمَعْنَى كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْحَمْدِ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ لِأَنَّ جِنْسَ الْحَمْدِ أَيْ حَقِيقَتَهُ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي الْمَعْنَى الْكِنَائِيِّ أَنَّ الْمَنْطُوقَ بِهِ هُوَ الدَّلِيلُ كَمَا فِي قَوْلِك: زَيْدٌ كَثِيرُ الرَّمَادِ الْمَعْنَى زَيْدٌ كَرِيمٌ لِأَنَّهُ كَثِيرُ الرَّمَادِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ثَمَانِيَةُ أَحْرُفٍ وَأَبْوَابُ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ، فَمَنْ قَالَهَا عَنْ صَفَاءِ قَلْبٍ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ أَيْ يُخَيَّرُ بَيْنَهَا إكْرَامًا لَهُ، وَإِنَّمَا يَخْتَارُ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ يَدْخُلُ مِنْهُ. فَائِدَةٌ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَحَامِدَ أَرْبَعَةٌ: حَمْدَانِ قَدِيمَانِ وَهُمَا حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى لِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال: 40] وَحَمْدُهُ لِبَعْضِ عَبِيدِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] وَحَمْدَانِ حَادِثَانِ وَهُمَا حَمْدُنَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَقَوْلِك: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَحَمْدُنَا لِبَعْضِنَا كَقَوْلِك: نِعْمَ الرَّجُلُ فُلَانٌ. وَتَعْرِيفُ الشَّارِحِ خَاصٌّ بِالْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ ذَكَرَهُ الدُّلَجِيُّ. قَوْلُهُ: (بِالْجَرِّ عَلَى الصِّفَةِ) وَيَجُوزُ قَطْعُهُ إلَى الرَّفْعِ أَوْ النَّصْبِ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ، وَالْجَمْعُ رُبُوبٌ وَأَرْبَابٌ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَقُرِئَ شَاذًّا بِالنَّصْبِ، وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ عَلَى الْمَدْحِ، وَقِيلَ هُوَ عَلَى النِّدَاءِ أَيْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَفِيهِ بُعْدٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 عَالَمٌ يُقَالُ عَالَمُ الْإِنْسِ وَعَالَمُ الْجِنِّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَسُمِّيَ الْمَالِكُ بِالرَّبِّ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ مَا يَمْلِكُهُ وَيُرَبِّيهِ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا مُقَيَّدًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: 50] . وَقَوْلُهُ: (الْعَالَمِينَ) اسْمُ جَمْعِ عَالَمٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَلَيْسَ جَمْعًا لَهُ لِأَنَّ الْعَالَمَ عَامٌّ فِي الْعُقَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَالْعَالَمِينَ مُخْتَصٌّ بِالْعُقَلَاءِ وَالْخَاصُّ لَا يَكُونُ جَمْعًا لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي تَوْضِيحِهِ وَذَهَبَ كَثِيرٌ إلَى أَنَّهُ جَمْعُ عَالَمٍ عَلَى حَقِيقَةِ الْجَمْعِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْعَالَمِ الَّذِي جُمِعَ هَذَا الْجَمْعَ؛ فَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ إلَى أَنَّهُ أَصْنَافُ الْخَلْقِ الْعُقَلَاءِ، وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ، وَذَهَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إلَى أَنَّهُ أَصْنَافُ الْعُقَلَاءِ فَقَطْ وَهُمْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالْمَلَائِكَةُ. ثُمَّ قَرَنَ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الثَّنَاءَ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (مَعْنَاهُ) أَيْ مَعَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ، وَهَذَا أَحَدُ إطْلَاقَاتِهِ وَإِلَّا فَمَعَانِيهِ كَثِيرَةٌ. فَمِنْهَا الْمُصْلِحُ وَالْمُرَبِّي وَالْخَالِقُ وَالسَّيِّدُ وَالْمَعْبُودُ، وَمَعَ كَثْرَتِهَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ أَكْثَرِهَا فِيهِ سُبْحَانَهُ وَهُوَ مَقْرُونًا بِأَلْ يَخْتَصُّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ع ش. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ: وَوُجُوهُ تَرْبِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِخَلْقِهِ لَا يُحِيطُ بِهَا غَيْرُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَمِنْهَا تَرْبِيَةُ النُّطْفَةِ إذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ حَتَّى تَصِيرَ عَلَقَةً، ثُمَّ تَصِيرَ مُضْغَةً، ثُمَّ يَصِيرَ مِنْهَا عِظَامًا أَوْ غَيْرَهَا. قَوْلُهُ: (اسْمُ جَمْعٍ) أَيْ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى جَمَاعَةٍ وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْقَوْمِ أَلْفَاظًا أَرْبَعَةً كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ جَمْعٌ وَاسْمُ جَمْعٍ وَاسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ وَاسْمُ جِنْسٍ إفْرَادِيٌّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا أَنَّ الْجَمْعَ يَدُلُّ عَلَى أَفْرَادِهِ دَلَالَةَ تَكْرَارِ الْوَاحِدِ بِالْعَطْفِ، وَاسْمُ الْجَمْعِ يَدُلُّ عَلَيْهَا دَلَالَةَ الْكُلِّ عَلَى أَجْزَائِهِ كَقَوْمٍ وَرَهْطٍ، وَاسْمُ الْجِنْسِ الْجَمْعِيُّ مَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ كَتَمْرٍ وَتَمْرَةٍ، وَاسْمُ الْجِنْسِ الْإِفْرَادِيُّ مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ مِنْ كَثْرَةٍ أَوْ قِلَّةٍ فَيَصْدُقُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَاءٍ وَتُرَابٍ اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى حَقِيقَةِ الْجَمْعِ) أَيُّ جَمْعٍ حَقِيقَةً وَجَمْعُهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ أَوْ الْيَاءِ وَالنُّونِ شَاذٌّ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ اسْمُ جِنْسٍ لَا عَلَمٌ وَلَا صِفَةٌ أَيْ: فَهُوَ فِي حَالِ الْجَمْعِيَّةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَعَمِّ أَيْضًا، فَتَسَاوَى الْجَمْعُ وَالْمُفْرَدُ فِي الْعُمُومِ، وَفَائِدَتُهُ التَّنْصِيصُ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ إرَادَةُ نَوْعٍ خَاصٍّ، وَكَذَا يُقَالُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْعُقَلَاءِ، وَفِي النُّكَتِ السُّيُوطِيَّةِ وَعَالَمُونَ الصَّوَابُ أَنَّهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَأَنَّهُ جَمْعٌ لَا اسْمُ جَمْعٍ، فَإِنَّهُ مُرَادٌ بِهِ الْعُمُومُ لِلْعُقَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَمُفْرَدُهُ وَإِنْ كَانَ اسْمَ جِنْسٍ فِيهِ مَعْنَى الْوَصْفِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ صَانِعِهِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ اخْتَلَفُوا) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ جَمْعٌ حَقِيقَةً ق ل. قَوْلُهُ: (فَقَطْ) فَتَسَاوَى الْجَمْعُ وَالْمُفْرَدُ فِي الْخُصُوصِ وَعِبَارَةُ الشَّبْرَخِيتِيِّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَمِ فَيَخْتَصُّ بِذَوِيهِ، أَوْ الْعَلَامَةِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى مُوجِدِهِ. وَأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْعَالَمِينَ فَقَالَ قَتَادَةَ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: هُمْ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: هُمْ عِبَارَةٌ عَمَّا يَعْقِلُ وَهُمْ أَرْبَعُ أُمَمٍ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالْمَلَائِكَةُ وَالشَّيَاطِينُ، وَلَا يُقَالُ لِلْبَهَائِمِ عَالَمٌ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُمْ ثَمَانُونَ أَلْفَ عَالَمٍ نِصْفُهَا فِي الْبَرِّ وَنِصْفُهَا فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ عَالَمًا حُفَاةً عُرَاةً لَا يَعْرِفُونَ خَالِقَهُمْ وَسِتُّونَ عَالَمًا يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَلْفُ عَالَمٍ سِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: لِلَّهِ عِشْرُونَ أَلْفَ عَالَمٍ الدُّنْيَا عَالَمٌ مِنْهَا وَمَا الْعُمْرَانُ فِي الْخَرَابِ إلَّا كَفُسْطَاطٍ ضُرِبَ فِي الصَّحْرَاءِ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَرْبَعِينَ أَلْفَ عَالَمٍ، الدُّنْيَا مِنْ شَرْقِهَا إلَى غَرْبِهَا عَالَمٌ وَاحِدٌ، وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ أُبَيٍّ أَنَّهُ قَالَ: الْعَالَمِينَ هُمْ الْمَلَائِكَةُ وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ مَلِكٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةِ مَلَكٍ بِالْمَغْرِبِ وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةِ مَلَكٍ بِالْمَشْرِقِ وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ بِالْكَنَفِ الثَّالِثِ مِنْ الدُّنْيَا، وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ بِالْكَنَفِ الرَّابِعِ مِنْ الدُّنْيَا مَعَ كُلِّ مَلَكٍ مِنْ الْأَعْوَانِ مَا لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْ وَرَائِهِمْ أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَالرُّخَامِ عَرْضُهَا مَسِيرَةُ الشَّمْسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا طُولُهَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى مَمْلُوءَةٌ مَلَائِكَةً يُقَالُ لَهُمْ الرُّوحَانِيُّونَ لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ، لَوْ كُشِفَ عَنْ صَوْتِ أَحَدِهِمْ لَهَلَكَ أَهْلُ الْأَرْضِ مِنْ هَوْلِ صَوْتِهِ مُنْتَهَاهُمْ إلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ. وَقَالَ مُعَاذٌ: هُمْ بَنُو آدَمَ فَقَطْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: لَا يُحْصِي عَدَدَ الْعَالَمِينَ أَحَدٌ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ} [المدثر: 31] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 بِقَوْلِهِ: (وَصَلَّى اللَّهُ) وَسَلَّمَ (عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي   [حاشية البجيرمي] اهـ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَرَنَ إلَخْ) الْمُرَادُ بِمُقَارَنَةِ لَفْظٍ لِلَفْظٍ كَوْنُهُ عَقِبَهُ لَا لِاتِّحَادٍ فِي الزَّمَنِ. قَوْلُهُ: (الثَّنَاءَ عَلَى نَبِيِّهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَوْجَرِيِّ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِسْمِ الثَّنَاءِ لَا مِنْ قِسْمِ الدُّعَاءِ. وَأَمَّا شَيْخُ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّهُ جَرَى عَلَى أَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الدُّعَاءِ فِي الْقُنُوتِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَمِنْهُ أَيْ الدُّعَاءِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهَا ثَنَاءً وَدُعَاءً، إذْ الثَّنَاءُ هُوَ الذِّكْرُ بِخَيْرٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ ح ل ثُمَّ عَمِلَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ» أَيْ مَنْ كَتَبَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ فِي كِتَابٍ وَتَلَفَّظَ بِهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَتَبَ شَيْئًا تَلَفَّظَ بِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَذَا، وَالْحَاصِلُ مِنْهُ الْكِتَابَةُ. قَوْلُهُ: (وَصَلَّى اللَّهُ إلَخْ) آثَرَ الْجُمْلَةَ الْفِعْلِيَّةَ هُنَا الدَّالَّةَ عَلَى التَّجَدُّدِ لِحُدُوثِ الْمَسْئُولِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَأَتَى بِالْفِعْلِ مَاضِيًا رَجَاءَ تَحْقِيقِ حُصُولِ الْمَسْئُولِ بِخِلَافِ جُمْلَةِ الْحَمْدِ حَيْثُ آثَرَ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ لِمُنَاسَبَةِ الصِّفَاتِ الْمُسْتَمِرَّةِ الثَّابِتَةِ، وَالْقَصْدُ بِالصَّلَاةِ الدُّعَاءُ لِأَنَّ الْكَامِلَ يَقْبَلُ زِيَادَةَ التَّرَقِّي فِي غَايَاتِ الْكَمَالِ، فَانْدَفَعَ زَعْمُ جَمْعٍ امْتِنَاعَ الدُّعَاءِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ نَحْوِ خَتْمِ الْقُرْآنِ بِاَللَّهُمِ اجْعَلْ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَعْمَالِ أُمَّتِهِ يَتَضَاعَفُ لَهُ نَظِيرُهَا لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً لَا تُحْصَى زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ ش م ر. وَأَتَى بِعَلَى لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنْزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ رَحْمَةً تَلِيقُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الْعَطْفِ وَعَطَفَ الصَّلَاةَ عَلَى الْحَمْدِ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ اهـ اج. وَجُمْلَةُ الصَّلَاةِ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى، وَأَتَى بِالْمَاضِي لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَشْبِيهِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ بِالصَّلَاةِ الْمَاضِيَةِ فِي تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ، ثُمَّ اُشْتُقَّ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَاضِيَةِ صَلَّى بِمَعْنَى يُصَلِّي فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ م د. وَقَالَ سم: تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَنْسَبُ الْإِتْيَانَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِيَحْصُلَ التَّنَاسُبُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ وَلَعَلَّهُ اخْتَارَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا زِيَادَةُ التَّجَدُّدِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ فِي صَدْرِ الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ حَدَثَ فِي زَمَنِ وِلَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ مَضَى الْعَمَلُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَخْتِمُ بِهِمَا الْكُتُبَ أَيْضًا، وَفِي حَوَاشِي التَّلْخِيصِ حِكْمَةُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَبَادِي الْكُتُبِ وَالْحَاجَاتِ أَنَّ الْفَاعِلَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ بِجَانِبِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيَسْأَلَهُ إفَاضَةَ طِلْبَتِهِ وَإِنْجَاحَ بُغْيَتِهِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ نَوْعِ مُلَاءَمَةٍ وَقُرْبٍ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ مِنْهُ، وَهَذِهِ الْمُلَاءَمَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّنَا لِكَوْنِنَا مُتَدَنِّسِينَ بِأَدْنَاسِ اللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ وَالشَّهَوَاتِ الْجِسْمِيَّةِ وَذَاتُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ فِي غَايَةِ التَّقَدُّسِ وَالتَّطَهُّرِ، فَاحْتَجْنَا إلَى وَاسِطَةٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مُتَجَرِّدَةٍ عَنْ تِلْكَ الْأَدْنَاسِ، وَتِلْكَ الْوَاسِطَةُ هُوَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ لَا بُدَّ لِتِلْكَ الْوَاسِطَةِ مِنْ هَدِيَّةٍ إلَيْهِ وَهَدِيَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّائِقَةُ بِهِ طَلَبُنَا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ اهـ. وَعِبَارَةُ السَّمْهُودِيِّ عَقِبَ الْحَمْدِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُكْرًا لِمَا أَوْلَاهُ مِنْ إنْعَامِهِ الْجَسِيمِ، لِأَنَّهُ الْآتِي بِأَحْكَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ الْحَكِيمِ الْمُضَمَّنَةِ لِهَذَا الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَيْسَتْ صَلَاتُنَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَفَاعَةٍ لَهُ، إذْ مِثْلُنَا لَا يَشْفَعُ لِمِثْلِهِ بَلْ صَلَاتُنَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُكْرٌ لَهُ عَلَى مَا أَوْلَانَا بِإِرْشَادِهِ، فَقَدْ أَسْدَى إلَيْنَا أَفْضَلَ الرَّغَائِبِ وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَسْدَى إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا فَادْعُوا لَهُ» . فَدُعَاؤُنَا لَهُ بِالصَّلَاةِ الْمَشْرُوعَةِ مُكَافَأَةٌ لِلْعَجْزِ عَنْ الْمُكَافَأَةِ بِغَيْرِهِ، وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ الْمَقْصُودُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَقَضَاءِ حَقِّ النَّبِيِّ عَلَيْنَا. قَالَ شَيْخُنَا الْمَلَوِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى السُّلَّمِ: وَمِنْ فَضَائِلِهَا مَا جُرِّبَ مِنْ تَأْثِيرِهَا وَالنَّفْعِ بِهَا فِي التَّنْوِيرِ وَرَفْعِ الْهِمَّةِ حَتَّى قِيلَ: إنَّهَا تَكْفِي عَنْ الشَّيْخِ فِي الطَّرِيقِ وَتَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ صُغْرَى الصُّغْرَى، وَسَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْيَمَنِيُّ فِي جَوَابٍ لَهُ، لَكِنِّي سَمِعْت مِنْ الشَّيْخِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهُ فِي مُجَرَّدِ التَّنْوِيرِ، أَمَّا الْوُصُولُ إلَى دَرَجَةِ الْوِلَايَةِ فَلَا بُدَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] فِيهِ مِنْ شَيْخٍ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِهِ. قَالُوا: وَاخْتَصَّتْ مِنْ بَيْنِ الْأَذْكَارِ بِأَنَّهَا تُذْهِبُ حَرَارَةَ الطِّبَاعِ وَتُقَوِّي النُّفُوسَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهَا تُثِيرُ حَرَارَةً فِيهَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَسَلَّمَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ الْإِتْيَانَ بِالسَّلَامِ لِيَخْرُجَ مِنْ كَرَاهَةِ الْإِفْرَادِ، وَلِيَخْرُجَ الشَّيْخُ أَيْ الشَّارِحُ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْمَتْنِ مَعَ شَرْحِهِ الْمَزْجُ يُنْسَبُ لِلشَّيْخِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (عَلَى سَيِّدِنَا) أَيْ مَعَاشِرِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» . وَإِذَا سَادَ وَلَدَ آدَمَ سَادَ غَيْرَهُمْ بِالْأَوْلَى، وَأَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أُولُو الْعَزْمِ، وَهُمْ نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ أَفْضَلُهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَتَرْتِيبُهُمْ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ: مُحَمَّدٌ إبْرَاهِيمُ مُوسَى كَلِيمُهُ ... فَعِيسَى فَنُوحٌ هُمْ أُولُو الْعَزْمِ فَاعْلَمْ اهـ اج. وَالْمُرَادُ بِالْعَزْمِ تَحَمُّلُ الْمَشَاقِّ الْعَظِيمَةِ وَسِيَادَتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا اعْتِبَارَ بِتَفْضِيلِ الزَّمَخْشَرِيِّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَفْضُلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا تَفْضُلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى» وَنَحْوُهُمَا، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إلَى نَقْصٍ فِي مَرَاتِبِ النَّبِيِّينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ صَرِيحٌ أَوْ نَهْيٌ عَنْ تَفْضِيلٍ فِي أَصْلِ النُّبُوَّةِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ فِي ذَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَفَاوِتِينَ فِي الْخَصَائِصِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253] أَوْ كَانَ النَّهْيُ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَلِهَذَا لَمَّا أَعْلَمَهُ قَالَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» أَيْ وَلَا أَقُولُ ذَلِكَ فَخْرًا بَلْ إخْبَارًا بِالْوَاقِعِ وَالسَّيِّدُ أَصْلُهُ سَيْوِدٌ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ، وَلَهُ إطْلَاقَاتٌ يُقَالُ: السَّيِّدُ مَنْ كَثُرَ سَوَادُهُ أَيْ جَيْشُهُ أَوْ مَنْ سَادَ قَوْمُهُ وَعَلَا عَلَيْهِمْ أَوْ مَنْ تَفْزَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي الْخُطُوبِ أَيْ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَيُطْلَقُ السَّيِّدُ أَيْضًا عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ فَاضِلًا فِي نَفْسِهِ مُهَذَّبًا حَلِيمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَيْشٌ. وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُونَ السَّيِّدَ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ مَذَاهِبُ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا جَوَازُ إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى غَيْرِهِ. ثَانِيهَا وَنُسِبَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ أَبَدًا. ثَالِثُهَا أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى اللَّهِ، وَفِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَرُدُّ هَذَا الثَّالِثَ. قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ ابْنِي هَذَا أَيْ الْحَسَنَ سَيِّدٌ» . تَنْبِيهٌ: أَفْضَلُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ نَبِيُّنَا إجْمَاعًا، ثُمَّ الْخَلِيلُ، ثُمَّ الْكَلِيمُ، ثُمَّ عِيسَى، ثُمَّ نُوحٌ، ثُمَّ بَاقِي الْمُرْسَلِينَ، ثُمَّ الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الرُّسُلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ بَاقِيهِمْ، ثُمَّ صُلَحَاءُ الْمُؤْمِنِينَ. وَالتَّفْضِيلُ إمَّا لِكَثْرَةِ الثَّوَابِ أَوْ كَثْرَةِ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ، فَنَبِيُّنَا أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِهِمْ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا بِمَعْنَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَالَمِ، وَجُمْلَةً بِمَعْنَى أَنَّ انْفِرَادَهُ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِ مُجْتَمِعِينَ بِدَلِيلِ: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] ، أَيْ فِي أُصُولِ الدِّينِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَهُمْ لَا الْفُرُوعِ؛ إذْ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْهَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ إذَا فَعَلَ مِثْلَ الْجَمَاعَةِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ فِي الْفَضْلِ وَاجِبُ الِاعْتِقَادِ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ شَيْخِنَا اللَّقَانِيِّ فِي شَرْحِ الْجَوْهَرَةِ. وَعِبَارَةُ الْقَسْطَلَّانِيِّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي بَابِ حُبِّ الرَّسُولِ فَحَقِيقَةُ الْإِيمَانِ لَا تَتِمُّ وَلَا تَحْصُلُ إلَّا بِتَحْقِيقِ إعْلَاءِ قَدْرِهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ هَذَا فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ. قَالَ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ: أَيْ كَامِلِ الْإِيمَانِ حَتَّى لَا يَكْفُرَ مَنْ فَضَّلَ نَحْوَ عِيسَى عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ عَلَى الْمُصَنَّفِ. قَوْلُهُ: (النَّبِيِّ) اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ النُّبُوَّةِ عَلَى الرِّسَالَةِ، لِأَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ النُّبُوَّةِ فَاسْتِحْقَاقُهُ لَهَا بِسَبَبِ الرِّسَالَةِ أَوْلَى وَلِمُوَافَقَةِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] وَلِأَنَّ النُّبُوَّةَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ عَلَى مَا قِيلَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أُحِبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَرْءُ بَيْنَ يَدَيْ خِطْبَتِهِ أَيْ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَكُلِّ أَمْرٍ طَلَبَهُ غَيْرِهَا حَمْدَ اللَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِفْرَادُ الصَّلَاةِ عَنْ السَّلَامِ مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ وَكَذَا عَكْسُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَتَى بِهَا لَفْظًا وَأَسْقَطَهَا خَطًّا وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى رَحْمَةٌ مَقْرُونَةٌ بِتَعْظِيمٍ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ الْآدَمِيِّينَ أَيْ وَمِنْ الْجِنِّ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ.   [حاشية البجيرمي] وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ أَنَّهُمَا مُقْتَرِنَانِ، وَلِأَنَّ النُّبُوَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الرِّسَالَةِ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي) هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى، وَهُوَ خُصُوصُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذِكْرَهُ مَعَهُ يَصْدُقُ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مَكْرُوهٌ) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَتْ الصَّلَاةُ غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِالتَّسْلِيمِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ السَّلَامَ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ فِي قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ ش م ر. قُلْت: لَا حَاجَةَ لِلْجَوَابِ الْمَذْكُورِ إذْ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ فِي غَيْرِ الْوَارِدِ مِنْ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا عَنْ الْآخَرِ كَمَا هُنَا، أَمَّا هُوَ فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ. وَالْحَاصِلُ، أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَكُونَ الْإِفْرَادُ مِنَّا، وَأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ الْإِفْرَادُ، وَأَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ دَاخِلِ الْحُجْرَةِ، فَإِنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى السَّلَامِ فَلَا كَرَاهَةَ. وَفِي الشَّبْرَخِيتِيِّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مَا نَصُّهُ: تَتِمَّةٌ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ اسْتِقْلَالًا وَكَرَاهَتِهَا وَكَوْنُهَا خِلَافَ الْأَوْلَى خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ الْكَرَاهَةُ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَأَمَّا تَبَعًا كَمَا هُنَا فَجَائِزَةٌ اتِّفَاقًا اهـ. قَوْلُهُ: (أَتَى بِهَا) أَيْ بِصِيغَةِ السَّلَامِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِهِ. وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي أَسْقَطَهَا. قَوْلُهُ: (وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ) هَذَا وَجْهٌ وَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا إذَا أَتَى بِهِمَا مَعًا لَفْظًا وَخَطًّا لِمَنْ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْخَطِّ فَصُوَرُ الْإِفْرَادِ الْمَكْرُوهِ خَمْسٌ: أَنْ يَتَلَفَّظَ بِإِحْدَاهُمَا فَقَطْ، أَوْ يَكْتُبَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ، أَوْ يَتَلَفَّظَ بِإِحْدَاهُمَا وَيَكْتُبَ الْأُخْرَى، أَوْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا مَعًا وَيَكْتُبَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ خِلَافًا لِمَا صَنَعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى رَأْيِ الشَّارِحِ، لِأَنَّ الشَّارِحَ زَعَمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ وَجْهٌ أَوْ يَكْتُبَهُمَا مَعًا وَيَتَلَفَّظَ بِإِحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَصُوَرُ الْقَرْنِ الْخَالِي عَنْ الْكَرَاهَةِ ثَلَاثٌ: أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ كِتَابَةٍ، أَوْ يَكْتُبَهُمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، أَوْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا مَعًا وَيَكْتُبَهُمَا كَذَلِكَ اهـ. قَالَ م د: وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يَجْمَعْهُمَا كِتَابٌ أَوْ مَجْلِسٌ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، وَلْيَنْظُرْ مَا الدَّلِيلُ عَلَى كَرَاهَةِ الْإِفْرَادِ. لَا يُقَالُ دَلِيلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا} [الأحزاب: 56] . لِأَنَّا نَقُولُ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عُرْفًا لِأَنَّ الْآيَةَ تَصْدُقُ بِتَرَاخِي أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُفِيدُ التَّعْقِيبَ. قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ) هِيَ اسْمُ مَصْدَرٍ إذْ مَصْدَرُ صَلَّى التَّصْلِيَةُ كَزَكَّى تَزْكِيَةً لَكِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ فِي الصَّلَاةِ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ سُمِعَ فِي الْعَذَابِ قَالَ تَعَالَى {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة: 94] قَوْلُهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى رَحْمَةٌ هَذَا مَعْنًى لُغَوِيٌّ بَلْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَشَرْعِيٌّ أَيْضًا ق ل وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَهِيَ أَيْ الصَّلَاةُ شَرْعًا مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ فَهِيَ تُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ عَلَى مَا ذُكِرَ قَالَ فِي الْمُغْنِي الصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّ الصَّلَاةَ لُغَةً بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْعَطْفُ وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَإِلَى الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَإِلَى الْآدَمِيِّينَ دُعَاءُ الْبَعْضِ لِلْبَعْضِ فَهِيَ عَلَيْهِ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ فَالِاشْتِرَاكُ الْمَعْنَوِيُّ أَوْلَى لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ اللَّفْظِيَّ خِلَافُ الْأَصْلِ لِتَعَدُّدِ الْوَضْعِ فِيهِ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْعَطْفَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ فَالْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَفْرَادٌ لِلْعَطْفِ. قَوْلُهُ: (رَحْمَةٌ مَقْرُونَةٌ بِتَعْظِيمٍ) وَمِنْ ثَمَّ عُطِفَتْ الرَّحْمَةُ عَلَيْهَا عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ فِي الْآيَةِ وَهِيَ: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] فَإِنْ أَرَدْنَا بِالرَّحْمَةِ الرَّحْمَةَ لِلْمُطْلَقَةِ كَانَ الْعَطْفُ لِلتَّفْسِيرِ. تَنْبِيهٌ: يُكْرَهُ الدُّعَاءُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّحْمَةِ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ لِأَنَّهُ كَإِخْوَانِهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ خُصُّوا بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: كُلَّ صَلَاةٍ وَاخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِنْهَا. وَالثَّانِي: فِي الْعُمْرِ مَرَّةٌ. وَالثَّالِثُ: كُلَّمَا ذَكَرَ. وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَاللَّخْمِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَابْنُ بَطَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ. وَالرَّابِعُ: فِي كُلِّ مَجْلِسٍ. وَالْخَامِسُ: فِي أَوَّلِ كُلِّ دُعَاءٍ وَفِي وَسَطِهِ وَفِي آخِرِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَجْعَلُونِي كَقِدْحِ الرَّاكِبِ بَلْ اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ كُلِّ دُعَاءٍ وَفِي وَسَطِهِ وَفِي آخِرِهِ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَابِرٍ. وَمُحَمَّدٌ عَلَمٌ عَلَى نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْمُضَعَّفِ سُمِّيَ بِهِ بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ يَكْثُرُ حَمْدُ   [حاشية البجيرمي] وَالصَّحَابَةِ بِالتَّرَضِّي وَبَقِيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ بِالرَّحْمَةِ، وَاعْتَمَدَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ صَلَاةَ الْبَشَرِ عَلَى النَّبِيِّ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَهِيَ مِنْ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الْمَلَائِكَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ الصَّارِفِ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ الْبَشَرِ فَإِنَّهُمْ كُلِّفُوا بِهَا مَعَ مَشَقَّةِ وُجُودِ الْبَوَاعِثِ عَلَى الِانْقِطَاعِ عَنْهَا كَالنَّفْسِ وَإِبْلِيسَ وَالْهَوَى فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (اسْتِغْفَارٌ) السِّينُ وَالتَّاءُ لِلطَّلَبِ أَيْ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ مِنْ اللَّهِ لِلْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِهَا أَوْ لَا كَالْعَفْوِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْجِنِّ) وَكَذَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ، فَلَوْ قَالَ وَمِنْ غَيْرِهِمَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ ق ل. قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَلَى الْهُدْهُدِيِّ وَالصَّلَاةُ مِنْ الطَّيْرِ وَالْهَوَامِّ التَّسْبِيحُ. قَالَ تَعَالَى: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: 41] وَقَوْلُهُ صَلَاتَهُ أَيْ الْآدَمِيِّ وَتَسْبِيحَهُ أَيْ الطَّيْرِ. قَوْلُهُ: (تَضَرُّعٌ) أَيْ خُضُوعٌ وَذِلَّةٌ يُقَالُ تَضَرَّعَ لِلَّهِ ضَرَاعَةً أَيْ خَضَعَ وَذَلَّ وَعَطْفُ الدُّعَاءِ عَلَى التَّضَرُّعِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ التَّضَرُّعَ دُعَاءٌ بِخُضُوعٍ وَذِلَّةٍ وَالدُّعَاءُ أَعَمُّ خِلَافًا لِلْأُجْهُورِيِّ مِنْ أَنَّهُ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ. قَوْلُهُ: (وَدُعَاءٌ) عَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ رَفْعُ الْحَاجَاتِ لِرَافِعِ الدَّرَجَاتِ. قَوْلُهُ: (كُلَّمَا ذَكَرَ) لِحَدِيثِ: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» أَيْ لَصِقَ أَنْفُهُ بِالتُّرَابِ، وَهَلْ وَرَدَ أَنَّ الْحِجَارَةَ تُصَلِّي وَتُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَهَلْ وَرَدَ أَيْضًا أَنَّهَا إذَا سَمِعَتْ ذِكْرَهُ تُصَلِّي عَلَيْهِ ح ل؟ . قُلْت: رَأَيْت فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ أَنَّ الْأَحْجَارَ سَلَّمَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرِدْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَحْجَارَ إذَا سَمِعَتْ الصَّلَاةَ تُصَلِّي عَلَيْهِ اج. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ مَجْلِسٍ) لِحَدِيثِ: «أَيُّمَا مَجْلِسٍ اجْتَمَعُوا فَقَامُوا وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَيَّ إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً وَنَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ أَنْتَنَ مِنْ جِيفَةٍ» . قَوْلُهُ: «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ» أَيْ لَا تُؤَخِّرُونِي فِي الذِّكْرِ، لِأَنَّ قَدَحَ الرَّاكِبِ يُعَلَّقُ فِي آخِرِ رَحْلِهِ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ رِحَالِهِ وَيَجْعَلُهُ خَلْفَهُ. قَوْلُهُ: (وَفِي وَسَطِهِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ مُدْرَجَةٌ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي. قَوْلُهُ: (الْمُضَعَّفِ) أَيْ الْفِعْلِ الْمُضَعَّفِ وَهُوَ مَا تَكَرَّرَ أَحَدُ أُصُولِهِ وَهُوَ عَيْنُهُ هُنَا، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْفِعْلِ الْغَيْرِ الْمُضَعَّفِ وَهُوَ مَحْمُودٌ تَقُولُ: كَسَرْت الْإِنَاءَ فَهُوَ مَكْسُورٌ فَإِذَا بَالَغْت فِي كَسْرِهِ وَصَيَّرْته شُقُوقًا قُلْت كَسَّرْته فَهُوَ مُكَسَّرٌ بِالتَّشْدِيدِ فِيهِمَا، وَمُحَمَّدٌ أَبْلَغُ مِنْ مَحْمُودٍ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى مَحْمُودًا لَا مُحَمَّدًا، لِأَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ وَلَمْ يَرِدْ مُحَمَّدٌ، وَأَيْضًا مَعْنَى مُحَمَّدٍ مَنْ يَحْدُثُ الْحَمْدُ لَهُ وَحَمْدُ اللَّهِ قَدِيمٌ اهـ م د. قَوْلُهُ: (بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) لَعَلَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ أُلْهِمَ التَّسْمِيَةَ بِمُحَمَّدٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ يَكْثُرُ حَمْدُ الْخَلْقِ لَهُ. فَلَا يُقَالُ تَعْلِيلُ التَّسْمِيَةِ بِالتَّفَاؤُلِ يُنَافِي كَوْنَهُ بِإِلْهَامٍ. لِأَنَّا نَقُولُ كَوْنُهُ تَفَاؤُلًا مِنْ جُمْلَةِ الْمُلْهَمِ، وَاعْتُرِضَ كَوْنُ جَدِّهِ سَمَّاهُ بِإِلْهَامٍ لَهُ بِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أُمَّهُ آمِنَةَ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ بِأَنْ تُسَمِّيَهُ بِذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ أُمَّهُ لَمْ تُخْبِرْ جَدَّهُ بِذَلِكَ كَمَا فِي ق ل. وَاخْتَلَفُوا هَلْ سَمَّتْهُ بِمُحَمَّدٍ أُمُّهُ أَوْ جَدُّهُ؟ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ التَّنُوخِيِّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ مِنْ وِلَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْهُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَدَعَا قُرَيْشًا، فَلَمَّا أَكَلُوا قَالُوا: مَا سَمَّيْته؟ قَالَ: سَمَّيْته مُحَمَّدًا. قَالُوا. لَمْ رَغِبْت بِهِ عَنْ أَسْمَاءِ أَهْلِ بَيْتِك؟ قَالَ: أَرَدْت أَنْ يَحْمَدَهُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ وَخَلْقُهُ فِي الْأَرْضِ، وَقِيلَ: إنَّمَا سَمَّاهُ مُحَمَّدًا لِرُؤْيَا رَآهَا زَعَمُوا أَنَّهُ رَأَى مَنَامًا كَأَنَّ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ خَرَجَتْ مِنْ ظَهْرِهِ وَلَهَا طَرَفٌ بِالسَّمَاءِ وَطَرَفٌ بِالْأَرْضِ وَطَرَفٌ بِالْمَشْرِقِ وَطَرَفٌ بِالْمَغْرِبِ، ثُمَّ عَادَتْ كَأَنَّهَا شَجَرَةٌ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْهَا نُورٌ، وَإِذَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ يَتَعَلَّقُونَ بِهَا فَقَصَّهَا فَعُبِّرَتْ بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ فُسِّرَتْ لَهُ بِمَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ صُلْبِهِ، يَتْبَعُهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ، وَيَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ، فَلِذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 الْخَلْقِ لَهُ لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ، كَمَا رُوِيَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ قِيلَ لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَهَا: لِمَ سَمَّيْت ابْنَك مُحَمَّدًا وَلَيْسَ فِي أَسْمَاءِ آبَائِك وَلَا قَوْمِك؟ قَالَ: رَجَوْت أَنْ يُحْمَدَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ.   [حاشية البجيرمي] سَمَّاهُ مُحَمَّدًا مَعَ مَا حَدَّثَتْهُ بِهِ أُمُّهُ مِنْ أَنَّهَا أَتَاهَا آتٍ وَهِيَ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ وَقَالَ لَهَا: إذَا وُضِعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا. قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ يَكْثُرُ) لَعَلَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِإِلْهَامٍ مِنْ تَعَلُّقِ السَّبَبِ بِالْمُسَبِّبِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ) وَقِيلَ فِي لَيْلَةِ وِلَادَتِهِ وَلَا تَعَارُضَ لِإِمْكَانِ وُقُوعِهَا سِرًّا لَيْلَةَ الْوِلَادَةِ وَإِظْهَارِهَا لِكَافَّةِ النَّاسِ يَوْمَ السَّابِعِ مَدَابِغِيٌّ عَلَى الْمَوْلِدِ. قَوْلُهُ: (لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَهَا) وَكَانَ مَوْتُ وَالِدِهِ بَعْدَ حَمْلِهِ بِشَهْرَيْنِ، وَقِيلَ قَبْلَ وِلَادَتِهِ بِشَهْرَيْنِ، وَقِيلَ كَانَ فِي الْمَهْدِ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهُ وَهُوَ ابْنُ شَهْرَيْنِ، وَقِيلَ ابْنُ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرِينَ، وَقِيلَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَدُفِنَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ أَخْوَالِهِ بَنِي النَّجَّارِ. وَلَمَّا بَلَغَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَ سِنِينَ، وَقِيلَ خَمْسٌ وَقِيلَ سِتٌّ وَقِيلَ سَبْعٌ، وَقِيلَ تِسْعٌ، وَقِيلَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَشَهْرًا وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، مَاتَتْ أُمُّهُ وَدُفِنَتْ بِالْأَبْوَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ بِالْحَجُونِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ مَقْبَرَةُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْأَبْوَاءُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ قَرْيَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَرِيبَةٌ مِنْ الْجُحْفَةِ. قَوْلُهُ: (قَالَ رَجَوْت) وَقِيلَ إنَّمَا سَمَّاهُ مُحَمَّدًا لِرُؤْيَا رَآهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمَدَابِغِيُّ فِي الْمَوْلِدِ، وَلَا مُعَارَضَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ رَجَوْت بِسَبَبِ هَذِهِ الرُّؤْيَا، بِأَنَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: (كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ) أَيْ لِسَبْقِ ذَلِكَ فِي عِلْمِهِ فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْكَافُ تَعْلِيلِيَّةٌ وَلَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ، لَكِنْ لَمَّا قَرُبَ زَمَنُهُ وَبَشَّرَ أَهْلُ الْكِتَابِ بِنَعْتِهِ سَمَّى قَوْمٌ أَوْلَادَهُمْ بِهِ رَجَاءَ النُّبُوَّةِ لَهُمْ وَ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] . وَعِدَّةُ مَنْ سُمِّيَ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ قَبْلَ وِلَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهَذَا هُوَ اسْمُهُ فِي الْأَرْضِ وَاسْمُهُ الْمَشْهُورُ بِهِ فِي السَّمَاءِ أَحْمَدُ، وَلَمْ يَتَسَمَّ بِهِ أَيْ بِأَحْمَدَ أَحَدٌ قَبْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّامِيُّ فِي مِعْرَاجِهِ، وَيَنْبَغِي التَّسْمِيَةُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أُعَذِّبُ أَحَدًا سُمِّيَ بِاسْمِك بِالنَّارِ. وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إنِّي آلَيْت عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا يَدْخُلَ النَّارَ مَنْ اسْمُهُ أَحْمَدُ أَوْ مُحَمَّدٌ» . وَذَكَرَ الْإِمَامُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي كِتَابِهِ الْمَدْخَلِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: " إنَّ اللَّهَ لَيُوقِفُ الْعَبْدَ بَيْنَ يَدَيْهِ الَّذِي اسْمُهُ أَحْمَدُ أَوْ مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ يَا عَبْدِي أَمَا تَسْتَحِي أَنْ تَعْصِيَنِي وَاسْمُك عَلَى اسْمِ حَبِيبِي فَيُنَكِّسُ الْعَبْدُ رَأْسَهُ حَيَاءً، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي قَدْ فَعَلْت فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ خُذْ بِيَدِ عَبْدِي وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ فَإِنِّي أَسْتَحِي أَنْ أُعَذِّبَ بِالنَّارِ مَنْ اسْمُهُ اسْمُ حَبِيبِي ". وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ آدَمَ وَجَدَ اسْمَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكْتُوبًا عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ وَفِي السَّمَوَاتِ وَعَلَى كُلِّ قَصْرٍ وَغُرْفَةٍ فِي الْجَنَّةِ وَعَلَى نُحُورِ الْحُورِ الْعِينِ وَعَلَى وَرَقِ شَجَرَةِ طُوبَى وَسِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَأَطْرَافِ الْحُجُبِ وَبَيْنَ أَعْيُنِ الْمَلَائِكَةِ. وَرُوِيَ «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَرْشَ كَتَبَ عَلَيْهِ بِالنُّورِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَ آدَم مِنْ الْجَنَّةِ رَأَى عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ وَعَلَى كُلِّ مَوْضِعٍ فِي الْجَنَّةِ اسْمَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقْتَرِنًا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: يَا رَبِّ هَذَا مُحَمَّدٌ مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَدُك الَّذِي لَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُك، فَقَالَ: يَا رَبِّ بِحُرْمَةِ هَذَا الْوَلَدِ ارْحَمْ الْوَالِدَ فَنُودِيَ: يَا آدَم لَوْ اسْتَشْفَعْت إلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ شَفَّعْنَاك» . تَنْبِيهٌ: اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ اسْمِ مُحَمَّدٍ عِدَّةَ الرُّسُلِ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَقَالَ فِيهِ ثَلَاثُ مِيمَاتٍ، وَإِذَا بَسَطْت كُلًّا مِنْهَا فَقُلْت مِيمٌ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِحِسَابِ الْجُمَّلِ تِسْعِينَ فَيَحْصُلُ مِنْهَا مِائَتَانِ وَسَبْعُونَ، وَإِذَا بَسَطْت الْحَاءَ وَالدَّالَ فَقُلْت دَالٌ كَانَتْ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ وَحَاءٌ بِتِسْعَةٍ فَالْجُمْلَةُ مَا ذُكِرَ، فَفِي اسْمِهِ الْكَرِيمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ جَمِيعَ الْكِمَالَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْمُرْسَلِينَ مَوْجُودَةٌ فِيهِ، وَإِذَا قُلْت حَاءٌ فَزِدْت هَمْزَةً كَانَتْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ. قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبَسْمَلَةِ: وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيَّ بِاسْتِخْرَاجِ عَدَدِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ اسْمِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا كَعِدَّةِ أَصْحَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقْتَ وَفَاتِهِ، وَطَرِيقُهُ أَنْ تَضْرِبَ عَدَدَ حُرُوفِهِ بِالْجَمَّلِ الصَّغِيرِ وَهُوَ عِشْرُونَ فِي نَفْسِهَا يَكُونُ الْخَارِجُ أَرْبَعَمِائَةٍ تَضْرِبُهَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وَالنَّبِيُّ إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ يَعْمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ. وَالرَّسُولُ إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ، فَكُلُّ   [حاشية البجيرمي] كَامِلِ عُقُودِ الْمُرْسَلِينَ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَعَشَرَةٌ وَاحْذِفْ مَا زَادَ عَلَى الْعُقُودِ يَكُونُ الْخَارِجُ مِائَةَ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْمِيمَيْنِ بِالْجُمَّلِ الصُّغْرَى ثَمَانِيَةٌ وَالْحَاءُ مِثْلُهَا وَالدَّالُ كَمِيمٍ. وَخَوَاصُّ الْبَشَرِ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ، وَهُمْ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَعِزْرَائِيلُ. وَخَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْبَشَرِ وَهُمْ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ وَعَوَامِّ الْبَشَرِ وَهُمْ الْأَتْقِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِمْ إجْمَالًا فِيمَنْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَتَفْصِيلًا فِيمَنْ وَرَدَ بِهِ التَّفْصِيلُ، فَمِنْ التَّفْصِيلِ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَسْمَائِهِمْ، فَمَنْ أَنْكَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ عَلِمَهُ كَفَرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ سُئِلَ عَنْهُ ابْتِدَاءً فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ فَلَا يَكْفُرُ. وَجُمْلَتُهُمْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ مِنْهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَذْكُورَةٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا} [الأنعام: 83] الْآيَةَ. وَالْبَاقِي سَبْعَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي بَعْضِ السُّوَرِ وَهُمْ: آدَم وَإِدْرِيسُ وَهُودٌ وَشُعَيْبٌ وَصَالِحٌ وَذُو الْكِفْلِ وَسَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: حَتْمٌ عَلَى كُلِّ ذِي التَّكْلِيفِ مَعْرِفَةُ ... بِأَنْبِيَاءٍ عَلَى التَّفْصِيلِ قَدْ عُلِمُوا فِي تِلْكَ حُجَّتُنَا مِنْهُمْ ثَمَانِيَةٌ ... مِنْ بَعْدِ عَشْرٍ وَيَبْقَى سَبْعَةٌ وَهُمُوا إدْرِيسُ هُودٌ شُعَيْبٌ صَالِحٌ وَكَذَا ... ذُو الْكِفْلِ آدَم بِالْمُخْتَارِ قَدْ خُتِمُوا وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فَقَالَ: مُحَمَّدٌ إبْرَاهِيمُ مُوسَى وَصَالِحٌ ... وَعِيسَى وَنُوحٌ ثُمَّ يَحْيَى وَآدَمُ وَهُودٌ وَلُوطٌ ثُمَّ يَعْقُوبُ يُوسُفُ ... وَأَيُّوبُ هَارُونُ شُعَيْبٌ مُكَرَّمُ وَذُو الْكِفْلِ دَاوُد وَإِلْيَاسُ وَاَلْيَسَعُ ... وَإِدْرِيسُ إسْمَاعِيلُ إِسْحَاقُ يُعْلَمُ كَذَا زَكَرِيَّا مَعَ سُلَيْمَانَ يُونُسُ ... نُبُوَّةُ كُلٍّ دُونَ خُلَفٍ تُسَلَّمُ وَخُلْفٌ بِذِي الْقَرْنَيْنِ لُقْمَانُ يَا فَتَى ... عُزَيْرٌ وَطَالُوتُ بِهِ النَّظْمُ يُخْتَمُ وَكُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، فَهُوَ مِنْ نَسْلِ إبْرَاهِيمَ سِوَى خَمْسَةٍ جَمَعَهُمْ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَكُلُّ نَبِيٍّ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ ... لَمِنْ نَسْلِ إبْرَاهِيمَ ذِي الْحِلْمِ وَالتُّقَى سِوَى خَمْسَةٍ لُوطٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ ... وَنُوحٌ وَإِدْرِيسُ الَّذِي فَازَ بِالْبَقَا وَأَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ أَعْجَمِيَّةٌ إلَّا أَرْبَعَةٌ: مُحَمَّدٌ وَشُعَيْبٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ. قَوْلُهُ: (وَالنَّبِيُّ إنْسَانٌ) حُرٌّ ذَكَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ سَلِيمٌ عَنْ مُنَفِّرٍ طَبْعًا، وَعَنْ دَنَاءَةِ أَبٍ وَخَنَا أُمٍّ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ، فَإِنْ أُمِرَ بِهِ فَنَبِيٌّ وَرَسُولٌ، وَالنَّبِيُّ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّبَأِ وَهُوَ الْخَبَرُ لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ النُّبُوَّةِ وَهِيَ الرِّفْعَةُ لِأَنَّهُ مَرْفُوعُ الرُّتْبَةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا ذَكَرٌ الْأُنْثَى فَلَا رَسُولَ مِنْ الْإِنَاثِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِنُبُوَّةِ مَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَهَاجَرَ وَسَارَةَ، وَحِينَئِذٍ يُؤَوَّلُ إنْسَانٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ إنْسَانٌ بَلْ إنْسَانَةٌ، وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ إنْسَانٌ لَا إنْسَانَةٌ ح ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ إلَخْ) الْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَالْغَايَةِ لِتَعْمِيمِ النُّبُوَّةِ أَيْ سَوَاءٌ أُمِرَ أَوْ لَمْ يُؤْمَرْ لِأَنَّ وَصْفَ النُّبُوَّةِ لَا يُنَافِي وَصْفَ الرِّسَالَةِ، فَمُرَادُهُ تَعْرِيفُ النَّبِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ رِسَالَةٌ أَمْ لَا. وَمَنْ جَعَلَ الْوَاوَ لِلْحَالِ تَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ تَعْرِيفُ النَّبِيِّ فَقَطْ أَيْ الَّذِي لَيْسَ بِرَسُولٍ وَجَعْلُ إنْ لِلشَّرْطِ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَا جَوَابَ لَهَا وَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ وَصْلِيَّةً. قَوْلُهُ: (وَالرَّسُولُ إنْسَانٌ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ النُّبُوَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 رَسُولٍ نَبِيٌّ وَلَا عَكْسَ (وَ) عَلَى (آلِهِ) وَهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَقِيلَ كُلُّ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ، وَقِيلَ أُمَّتُهُ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ. وَالْمُطَّلِبُ مُفْتَعِلٌ مِنْ الطَّلَبِ، وَاسْمُهُ شَيْبَةُ الْحَمْدِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ وُلِدَ وَفِي رَأْسِهِ شَيْبَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي ذُؤَابَتَيْهِ، وَهَاشِمٌ لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَمْرٌو، وَقِيلَ لَهُ هَاشِمٌ لِأَنَّ قُرَيْشًا أَصَابَهُمْ قَحْطٌ فَنَحَرَ بَعِيرًا وَجَعَلَهُ لِقَوْمِهِ مَرَقَةً وَثَرِيدًا فَلِذَلِكَ سُمِّيَ هَاشِمًا لِهَشْمِهِ الْعَظْمَ (وَ) عَلَى (صَحْبِهِ) وَهُوَ جَمْعُ صَاحِبٍ، وَالصَّحَابِيُّ مَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً وَلَوْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ شَيْئًا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَعْمَى كَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَالصَّغِيرُ وَلَوْ غَيْرَ   [حاشية البجيرمي] وَالرِّسَالَةِ أَنَّ النُّبُوَّةَ هِيَ الِانْصِرَافُ مِنْ حَضْرَةِ الْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ، وَالرِّسَالَةُ الِانْصِرَافُ مِنْ حَضْرَةِ الْحَقِّ إلَى الْخَلْقِ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ النُّبُوَّةِ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَزَعْمُ تَعَلُّقِ النُّبُوَّةِ بِالْخَالِقِ دُونَ الرِّسَالَةِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْخَلَائِقِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ فِيهِمَا التَّعَلُّقَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ، وَالْكَلَامُ كُلُّهُ فِي نُبُوَّةِ الرَّسُولِ مَعَ رِسَالَتِهِ، وَإِلَّا فَالرَّسُولُ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ قَطْعًا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا عَكْسَ) أَيْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَإِنْ نُظِرَ إلَى أَنَّ الْمَلَكَ يُوصَفُ بِالرِّسَالَةِ كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ وَهُوَ وَارِدٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75] . قَوْلُهُ: (وَعَلَى آلِهِ) أَعَادَ الْعَامِلَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ مَطْلُوبَةٌ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ اسْتِحْبَابِهَا عَلَى الْأَصْحَابِ فَإِنَّهَا بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ بِالْآلِ وَلِهَذَا أَسْقَطَهُ فِيهِمْ. قَوْلُهُ: (مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ) أَيْ وَبَنَاتِهِمْ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ، وَهَاشِمٌ جَدُّ النَّبِيِّ الثَّانِي، وَالْمُطَّلِبُ أَخُو هَاشِمٍ وَأَبُوهُمَا عَبْدُ مَنَافٍ، فَيَكُونُ الْمُطَّلِبُ عَمَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّهُ عَمُّ جَدِّهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ. وَقَوْلُهُ: (وَقِيلَ أُمَّتُهُ) أَيُّ أُمَّةٍ الْإِجَابَةُ أَتْقِيَاءُ وَغَيْرُهُمْ، وَالْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، وَالْأَوَّلُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي مَقَامِ الزَّكَاةِ وَالْأَخِيرَيْنِ فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ وَالضَّمِيرُ فِي وَاسْمُهُ عَائِدٌ عَلَى الْمُطَّلِبِ أَيْ اسْمُ الْمُطَّلِبِ شَيْبَةُ الْحَمْدِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي السِّيَرِ مِنْ أَنَّ شَيْبَةَ الْحَمْدِ إنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَقِيلَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِأَنَّ عَمَّهُ الْمُطَّلِبَ أَخَا هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ لَمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ صَغِيرًا أَرْدَفَهُ خَلْفَهُ وَكَانَ بِهَيْئَةٍ رَثَّةٍ، فَكَانَ كُلَّمَا سُئِلَ عَنْهُ يَقُولُ: هَذَا عَبْدِي حَيَاءً أَنْ يَقُولَ ابْنَ أَخِي، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أَحْسَنَ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ ابْنُ أَخِيهِ. وَفِي الْمَوَاهِبِ إنَّمَا سُمِّيَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لِأَنَّ وَالِدَهُ هَاشِمًا لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِأَخِيهِ الْمُطَّلِبِ: أَدْرِكْ عَبْدَك بِيَثْرِبَ. وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ شَيْبَةَ الْحَمْدِ اسْمٌ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَمَنَافٌ أَصْلُهُ مَنَاةُ اسْمُ صَنَمٍ كَانَ أَعْظَمَ أَصْنَامِهِمْ وَكَانَتْ أُمُّهُ جَعَلَتْهُ خَادِمًا لِذَلِكَ الصَّنَمِ، وَقِيلَ: وَهَبَتْهُ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ وَلَدٍ وُلِدَ لِقُصَيٍّ كَمَا قِيلَ. قَوْلُهُ: (مُفْتَعِلٌ) فَأَصْلُهُ مُتَطَلِّبٌ فَأُبْدِلَتْ التَّاءُ طَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الطَّاءِ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: طَا تَا افْتِعَالٍ رُدَّ إثْرَ مُطْبَقِ قَوْلُهُ: (ذُؤَابَتَيْهِ) أَيْ جَانِبَيْ رَأْسِهِ جَمْعُ ذُؤَابَةٍ بِالْهَمْزِ وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ الشَّعْرِ مُجْتَمِعَةٌ. قَوْلُهُ: (وَصَحْبِهِ) بَيْنَ الْآلِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمْ، وَالصَّحْبُ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، وَعَلَى إرَادَةِ جَمِيعِ أُمَّةٍ الْإِجَابَةُ كَمَا اُخْتِيرَ فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ فَعَطْفُ الصَّحْبِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِشَرَفِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ مَزِيدَ الدُّعَاءِ بِكَثْرَةِ نَقْلِهِمْ الشَّرَائِعَ وَالشَّعَائِرَ إلَيْنَا عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ جَمْعُ صَاحِبٍ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ، وَالْمُرَادُ بِالصَّاحِبِ الصَّحَابِيُّ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَالصَّحَابِيُّ مَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ بَعْدَ نُبُوَّتِهِ وَلَوْ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالدَّعْوَةِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ اجْتِمَاعًا مُتَعَارَفًا بِأَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَوْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ كَانَ أَعْمَى وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمَجْنُونٍ أَوْ مَارًّا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَوْ نَائِمًا أَوْ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهِ لَكِنْ رَأَى النَّبِيَّ أَوْ رَآهُ النَّبِيُّ وَلَوْ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ كَأَهْلِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَوْ رَآهُ مِنْ كَوَّةٍ فِي جِدَارٍ بَيْنَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنَّهُ اجْتِمَاعٌ أَوْ فِي حُكْمِهِ أَنْ خَاطَبَهُ مَعَ رُؤْيَتِهِ وَشَمَلَ قَوْلُنَا مَنْ اجْتَمَعَ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَالْمَلَائِكَةَ وَدَخَلَ فِي قَوْلِنَا اجْتِمَاعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] مُتَعَارَفًا مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ لَا يَمْنَعُ الِاجْتِمَاعَ وَمَنْ لَقِيَهُ مَعَ مُرُورِهِ إلَى غَيْرِ جِهَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُكْثٍ عِنْدَ الْوُصُولِ إلَيْهِ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَا فَخَرَجَ مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ مَنَامًا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ يَقَظَةً وَمَنْ اجْتَمَعَ بِهِ بَعْدَ الدَّعْوَةِ غَيْرَ مُؤْمِنٍ ثُمَّ آمَنَ وَلَمْ يَجْتَمِعْ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَرَسُولِ قَيْصَرَ وَمَنْ اجْتَمَعَ بِهِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُؤْمِنًا بِأَنَّهُ سَيُبْعَثُ كَبُحَيْرَا الرَّاهِبِ بِخِلَافِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ فَهُوَ أَوَّلُ الصَّحَابَةِ كَمَا قَالَهُ السَّرَّاجُ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بُحَيْرَا بِأَنَّ وَرَقَةَ أَدْرَكَ الْبَعْثَةَ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الدَّعْوَةَ بِخِلَافِ بُحَيْرَا اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالتَّعْرِيفُ السَّابِقُ يَشْمَلُهُ وَدَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ مُؤْمِنًا بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْجِنِّ كَجِنِّ نَصِيبِينَ وَالْمَلَائِكَةِ الَّذِي اجْتَمَعُوا بِهِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُودَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْأَرْضِ مُتَعَارَفٌ وَمَنْ رَآهُ مِنْهُمْ فِي الْأَرْضِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِخِلَافِ مَنْ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ فِي السَّمَاءِ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ عَالَمِ الدُّنْيَا وَدَخَلَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخَضِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اجْتَمَعَ بِهِ فِي الْأَرْضِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فَرَاجِعْهُ وَقَالَ ابْنُ قَاسِمٍ فِي الْآيَاتِ إنْ صَحَّ اجْتِمَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِيسَى وَالْخَضِرِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الِاجْتِمَاعِ الْمَعْرُوفِ بَلْ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ اهـ وَجَزَمَ اللَّقَانِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ بِثُبُوتِ الصُّحْبَةِ لِعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمِثْلُهُ الْعَلَّامَةُ ح ل وَغَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ مَشَايِخُنَا خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ م ر مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهَا لَهُ، وَتَنْقَطِعُ الصُّحْبَةُ بِالرِّدَّةِ وَتَعُودُ بِعَوْدِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ، فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ: وَمَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَلْ هُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِاقْتِضَائِهِ عَدَمَ الْحُكْمِ بِالصُّحْبَةِ لِوَاحِدٍ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى الْإِسْلَامِ إلَّا إنْ أَرَادَ أَنَّهُ قَيْدٌ لِدَوَامِ الصُّحْبَةِ، فَمَنْ ارْتَدَّ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ غَيْرُ صَحَابِيٍّ، وَمَنْ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُسْلِمًا كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْحٍ صَحَابِيٌّ، أَيْ فَتَعُودُ لَهُ الصُّحْبَةُ مُجَرَّدَةً عَنْ الثَّوَابِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهَا فِي التَّسْمِيَةِ وَفِي الْكَفَاءَةِ، فَيَكُونُ كُفُؤًا لِبِنْتِ الصَّحَابِيِّ، وَفَائِدَةُ عَوْدِهَا مُجَرَّدَةً عَنْ الثَّوَابِ أَيْضًا سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ مِنْ إعَادَةِ الْعِبَادَةِ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَ اللَّقَانِيِّ أَنَّ الْخَضِرَ يَمْكُثُ فِي النَّوْمَةِ مِائَةَ سَنَةٍ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحْبُ وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ آلٍ أَفْضَلَ مِنْ الْآلِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِصَحْبٍ، لِأَنَّ فَضِيلَتَهُمْ بِالصُّحْبَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْعَمَلِ، وَفَضِيلَةَ الْآلِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِصَحْبٍ بِالْغَيْرِ، وَفَضِيلَةَ الذَّاتِ بِوَصْفِهَا أَفْضَلَ مِنْ الْفَضِيلَةِ بِوَصْفِ ذَاتٍ أُخْرَى مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ. قَالُوا: وَلِذَا كَانَ الْعَالِمُ الَّذِي لَيْسَ بِشَرِيفٍ أَفْضَلَ مِنْ الشَّرِيفِ الَّذِي لَيْسَ بِعَالِمٍ، لَكِنْ يَبْقَى الْبَحْثُ بِأَنَّ فِي الْآلِ كَثِيرًا مِنْ الصَّحْبِ، وَفِي الصَّحْبِ كَثِيرًا مِنْ الْآلِ، فَكَانَ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَ ثُمَّ أَنْ يُقَدَّمَ الصَّحْبُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدَّمَ الْآلُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ وَرَدَتْ بِالنَّصِّ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحْبِ فَبِالْقِيَاسِ. اهـ. مَلَوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِي حَيَاتِهِ) أَيْ حَيَاةِ مَنْ ذَكَرَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ اجْتَمَعَ بِهِ أَيْ بَعْدَ الْبَعْثَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً) أَيْ جُزْءًا مِنْ الزَّمَنِ بِخِلَافِ التَّابِعِيِّ مَعَ الصَّحَابِيِّ، فَلَا تَثْبُتُ التَّابِعِيَّةُ إلَّا بِطُولِ الِاجْتِمَاعِ مَعَهُ عُرْفًا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْفُقَهَاءِ أَيْضًا. وَذَهَبَ إلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ قَالَ: يُشْتَرَطُ فِي التَّابِعِيِّ طُولُ الْمُلَازَمَةِ لِلصَّحَابِيِّ أَوْ اسْتِمَاعٌ مِنْهُ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ اللِّقَاءِ بِخِلَافِ الصَّحَابِيِّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عِظَمُ مَنْصِبِ النُّبُوَّةِ وَنُورُهَا، فَبِمُجَرَّدِ مَا يَقَعُ بَصَرُهُ أَيْ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَعْرَابِيِّ الْجِلْفِ يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ لِشَرَفِ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَظْهَرُ أَثَرُ نُورِهِ فِي قَلْبِ الْمُلَاقِي لَهُ وَعَلَى جَوَارِحِهِ، فَالِاجْتِمَاعُ بِهِ يُؤَثِّرُ مِنْ النُّورِ الْقَلْبِيِّ أَضْعَافَ مَا يُؤَثِّرُهُ الِاجْتِمَاعُ الطَّوِيلُ لِلصَّحَابِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إيمَانُ التَّابِعِيِّ بِالصَّحَابِيِّ لِعَدَمِ ثُبُوتٍ عِنْدَهُ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ. قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ: لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّابِعِيِّ أَنْ يَكُونَ وَقْتَ تَحَمُّلِهِ عَنْ الصَّحَابِيِّ مُؤْمِنًا بِهِ، بَلْ لَوْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِ الصَّحَابِيِّ، وَرَوَى عَنْ الصَّحَابِيِّ سَمَّيْنَاهُ تَابِعِيًّا اهـ. وَعَلَى هَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّابِعِيِّ طُولُ مُلَازَمَتِهِ لِلصَّحَابِيِّ، بَلْ هُوَ كَالصَّحَابِيِّ: وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ تَبَعًا لِلْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ. وَقَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي التَّقْرِيبِ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَقَوْلِ الْعِرَاقِيِّ: عَلَيْهِ عَمَلُ الْأَكْثَرِ. قَالَ الْبِقَاعِيُّ: وَإِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 مُمَيِّزٍ كَمَنْ حَنَّكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَوْلُهُ (أَجْمَعِينَ) تَأْكِيدٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ. (أَمَّا بَعْدُ) سَاقِطَةٌ فِي   [حاشية البجيرمي] اشْتَرَطَ الْإِيمَانَ فِي الصُّحْبَةِ لِشَرَفِهَا فَاحْتِيطَ لَهَا، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ فِي الصَّحَابَةِ كَوْنَهُمْ مَعَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] الْآيَةَ. وَلَا يَكُونُونَ مَعَهُ إلَّا إذَا آمَنُوا بِهِ اهـ مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: (كَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ) اسْمُهُ عَمْرٌو وَاسْمُ أَبِيهِ قَيْسٌ وَاسْمُ أُمِّهِ عَاتِكَةُ وَأُمُّ مَكْتُومٍ كُنْيَتُهَا كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْجَامِعِ. قَوْلُهُ: (تَأْكِيدٌ) أَيْ لِآلِهِ وَصَحْبِهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ السَّعْدُ: إذَا أُكِّدَ بِلَفْظِ أَجْمَعِينَ نُظِرَ، فَإِنْ سَبَقَهُ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى شُمُولٍ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْجَمْعِيَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْهُ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الشُّمُولَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْإِثْبَاتِ أَوْ النَّفْيِ ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَقَوْلُهُ: الْجَمْعِيَّةُ أَيْ اجْتِمَاعُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِمْ فِي الْحُكْمِ فِي آنٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا قِيلَ: جَاءَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، فَأَجْمَعُونَ فِي مَعْنَى الْحَالِ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ جَاءُوا كُلُّهُمْ مُجْتَمِعِينَ أَيْ فِي آنٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ أَجْمَعُونَ فَقَطْ فَإِنَّهُ صَادِقٌ بِمَجِيءِ الْكُلِّ مُتَفَرِّقِينَ. [مَبْحَثُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا بَعْدُ] مَبْحَثُ أَمَّا بَعْدُ قَوْلُهُ: (أَمَّا بَعْدُ) أَصْلُهَا مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَمَا مَعَهُمَا فَأَقُولُ: قَدْ سَأَلَنِي كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فَوَقَعَتْ كَلِمَةُ أَمَّا مَوْقِعَ اسْمٍ هُوَ الْمُبْتَدَأُ، وَفِعْلٍ هُوَ الشَّرْطُ وَتَضَمَّنَتْ مَعْنَاهُمَا فَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الشَّرْطِ لَزِمَتْهَا الْفَاءُ اللَّازِمَةُ لِلشَّرْطِ غَالِبًا، وَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الِابْتِدَاءِ لَزِمَهَا لُصُوقُ الِاسْمِ اللَّازِمِ لِلْمُبْتَدَأِ قَضَاءً لِحَقِّ مَا كَانَ وَإِبْقَاءً لَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَقَوْلُهُ: غَالِبًا قَيْدٌ لِقَوْلِهِ اللَّازِمَةُ لِلشَّرْطِ لَا لِقَوْلِهِ لَزِمَتْهَا الْفَاءُ، لِأَنَّ لُزُومَ الْفَاءِ لَازِمٌ كُلِّيٌّ، إذْ لَا تُحْذَفُ مِنْ جَزَائِهَا إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ: فَأَمَّا الْقِتَالُ لَا قِتَالَ لَدَيْكُمْ وَقَوْلُهُ: لَزِمَهَا لُصُوقُ الِاسْمِ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الواقعة: 88] الْآيَةَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا أَيْ فَأَمَّا الْمُتَوَفَّى إنْ كَانَ إلَخْ كَمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ. وَأَمَّا هَذِهِ حَرْفُ شَرْطٍ وَتَوْكِيدٍ دَائِمًا وَتَفْصِيلٍ غَالِبًا، وَبَعْدُ ظَرْفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ كَغَيْرِهِ مِنْ الظُّرُوفِ الْمَقْطُوعَةِ عَنْ الْإِضَافَةِ لِمُشَابَهَتِهِ الْحَرْفَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مَعْنَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ، وَإِنَّمَا بُنِيَتْ عَلَى حَرَكَةٍ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبِنَاءِ السُّكُونُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا فِي الْإِعْرَابِ، وَعَلَى الضَّمِّ جَبْرًا بِأَقْوَى الْحَرَكَاتِ وَهِيَ الضَّمَّةُ لِمَا لَحِقَهَا مِنْ الْوَهَنِ بِحَذْفِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلِيَكْمُلَ لَهَا جَمِيعُ الْحَرَكَاتِ لِأَنَّهَا فِي الْإِعْرَابِ كَانَتْ إمَّا مَجْرُورَةً بِمِنْ أَوْ مَنْصُوبَةً عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ لِتُخَالِفَ حَرَكَةُ بِنَائِهَا حَرَكَةَ إعْرَابِهَا. وَقَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالْمَعْرُوفُ هُنَا بِنَاؤُهَا عَلَى الضَّمِّ لِنِيَّةِ مَعْنَى الْمُضَافِ إلَيْهِ دُونَ لَفْظِهِ، وَالْمُرَادُ بِنِيَّةِ مَعْنَى الْمُضَافِ إلَيْهِ رَبْطُ الْمُضَافِ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ. وَرُوِيَ تَنْوِينُهَا مَرْفُوعَةً وَمَنْصُوبَةً لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ لَفْظًا وَتَقْدِيرًا وَنَصْبُهَا أَوْ جَرُّهَا بِمِنْ بِلَا تَنْوِينٍ عَلَى تَقْدِيرِ لَفْظِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَمَحَلُّ بِنَائِهَا عَلَى الضَّمِّ إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْرِفَةً، أَمَّا إذَا كَانَ نَكِرَةً فَإِنَّهَا تُعْرَبُ نُوِيَ مَعْنَاهُ أَوْ لَا. كَمَا فِي التَّصْرِيحِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْمَ الْمَعْرِفَةَ جُزْئِيٌّ وَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ تَقْتَضِي الْبِنَاءَ لِشَبَهِهِ بِالْحَرْفِ بِخِلَافِ النَّكِرَةِ لَمْ تُؤَثِّرْ نِيَّةُ إضَافَتِهَا إلَيْهَا لِشُيُوعِهَا. اهـ. ع ش. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَإِنَّمَا بُنِيَتْ لِافْتِقَارِهَا لِمَا تُضَافُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَتْ الْحَرْفَ فِي الِافْتِقَارِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الِافْتِقَارَ الْمُوجِبَ لِلْبِنَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا لِجُمْلَةٍ وَهُوَ هُنَا مُفْرَدٌ وَحِينَئِذٍ فَعِلَّةُ بِنَائِهَا شَبَهُهَا بِأَحْرُفِ الْجَوَابِ كَنَعَمْ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِهَا عَمَّا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (سَاقِطَةٌ فِي أَكْثَرِهَا) أَيْ مَعَ لَفْظِ قَدْ. قَوْلُهُ: (يُؤْتَى بِهَا) أَيْ إذَا جِيءَ بِهَا تَكُونُ لِلِانْتِقَالِ. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ الِانْتِقَالُ يَتَعَيَّنُ الْإِتْيَانُ بِهَا فَيُعَدُّ تَرْكُهَا عَيْبًا، لِأَنَّ الِانْتِقَالَ كَمَا يَحْصُلُ بِهَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهَا كَ {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} [ص: 55] وَاللَّامُ بِمَعْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 أَكْثَرِهَا أَيْ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَمْدِ وَغَيْرِهِ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ يُؤْتَى بِهَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إلَى آخَرَ، وَلَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَيُسْتَحَبُّ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي الْخُطَبِ وَالْمُكَاتَبَاتِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ لَهَا بَابًا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً وَالْعَامِلَ فِيهَا، أَمَّا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لِنِيَابَتِهَا عَنْ الْفِعْلِ أَوْ الْفِعْلِ نَفْسِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ. وَالْأَصْلُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ (فَقَدْ سَأَلَنِي) أَيْ طَلَبَ مِنِّي (بَعْضُ الْأَصْدِقَاءِ) جَمْعُ صَدِيقٍ وَهُوَ الْخَلِيلُ وَقَوْلُهُ:   [حاشية البجيرمي] عِنْدَ، أَوْ الْمَعْنَى لِإِرَادَةِ الِانْتِقَالِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ) أَيْ مَقْطُوعَةً عَنْ الْإِضَافَةِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ فَلَا مَانِعَ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ أَيْ صِنَاعَةً، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهَا شَرْعًا، أَوْ الْمُرَادُ لَا يُسْتَحْسَنُ م د. وَقَوْلُهُ: أَيْ مَقْطُوعَةً عَنْ الْإِضَافَةِ لَيْسَ بِصَوَابٍ، وَالصَّوَابُ إطْلَاقُ الشَّارِحِ فَقَدْ اعْتَرَضُوا عَلَى الْأُشْمُونِيِّ فِي قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْخُطْبَةِ أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ حَيْثُ قَالُوا: لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَقُولَ أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ. وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ تَقَدَّمَ لَهُ الْبَسْمَلَةُ وَالْحَمْدَلَةُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَفْظًا فَهِيَ وَاقِعَةٌ بَيْنَ كَلَامَيْنِ تَقْدِيرًا فِي كَلَامِهِ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (أَوْ الْفِعْلِ نَفْسِهِ) هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الشَّرْطِ فَإِنْ جُعِلَتْ مِنْ تَوَابِعِ الْجَزَاءِ فَالْعَامِلُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ وَالْأَوْلَى جَعْلُهَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْجَزَاءِ لِأَنَّ الْجَوَابَ فِيهِ يَكُونُ مُعَلَّقًا عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ مُطْلَقٍ، وَالتَّعَلُّقُ عَلَى الْمُطْلَقِ أَقْرَبُ لِتَحَقُّقِهِ فِي الْخَارِجِ مِنْ التَّعْلِيقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَتَقْدِيرُ الْقَوْلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُتَعَيِّنٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ سَأَلَنِي مَاضٍ لَفْظًا وَمَعْنًى وَجَوَابُ الشَّرْطِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ أَمَّا بَعْدُ، فَأَقُولُ قَدْ سَأَلَنِي إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ) الْمُرَادُ بِالْأَصْلِ مَا حَقُّ التَّرْكِيبِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فَالْأَصَالَةُ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ شَيْئًا حُذِفَ مِنْ التَّرْكِيبِ وَاخْتُصِرَ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلُهَا خُصُوصَ مَهْمَا لَا غَيْرِهَا لِمَا فِي مَهْمَا مِنْ الْإِبْهَامِ لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عَاقِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ زَمَانًا أَوْ مَكَانًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَهَذَا الْإِبْهَامُ يُنَاسِبُ هُنَا لِأَنَّ الْغَرَضَ التَّعْلِيقُ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ مَا بِخِلَافِ غَيْرِ مَهْمَا مِنْ الْأَدَوَاتِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ. وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ تَكَلَّمَ بِأَمَّا بَعْدُ، فَقِيلَ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَهِيَ فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ لِأَنَّهَا تَفْصِلُ بَيْنَ الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمَقَاصِدِ وَالْخُطَبِ وَالْمَوَاعِظِ، وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا يَعْقُوبُ، وَقِيلَ أَيُّوبُ، وَقِيلَ سُلَيْمَانُ، وَقِيلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ، وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ، وَقِيلَ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ، وَقِيلَ سَحْبَانُ بْنُ وَائِلٍ، وَعَلَيْهَا فَفَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُد: " الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ " لَكِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا سَحْبَانُ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُهَا فِي خُطَبِهِ وَهُوَ قَبْلَ سَحْبَانَ إجْمَاعًا إذْ سَحْبَانُ كَانَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِحَّةُ هَذَا الْجَوَابِ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَصْدُرْ مِنْ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ إلَى زَمَنِ سَحْبَانَ، وَالظَّنُّ خِلَافُ ذَلِكَ لِمَا عُلِمَ مِنْ كَمَالِ مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ، وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ: لَقَدْ عَلِمَ الْحَيُّ الْيَمَانُونَ أَنَّنِي ... إذَا قُلْت أَمَّا بَعْدُ أَنِّي خَطِيبُهَا وَبَعْدُ ظَرْفٌ زَمَانِيٌّ بِاعْتِبَارِ النُّطْقِ وَمَكَانِيٌّ بِاعْتِبَارِ الرَّسْمِ. قَوْلُهُ: (مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) مَهْمَا اسْمُ شَرْطٍ مُبْتَدَأٌ وَالِاسْمِيَّةُ لَازِمَةٌ لِلْمُبْتَدَأِ، وَيَكُنْ شَرْطٌ وَالْفَاءُ لَازِمَةٌ لَهُ غَالِبًا فَحِينَ تَضَمَّنَتْ أَمَّا مَعْنَى الِابْتِدَاءِ وَالشَّرْطِ لَزِمَتْهَا الْفَاءُ وَلُصُوقُ الِاسْمِ إقَامَةً لِلَّازِمِ وَهُوَ الْفَاءُ وَلُصُوقُ الِاسْمِ مَقَامَ الْمَلْزُومِ وَهُوَ الْمُبْتَدَأُ وَالشَّرْطُ وَإِبْقَاءً لِأَثَرِهِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الِاسْمِيَّةَ لَيْسَتْ فِي أَمَّا بَلْ مُلَاصِقَةٌ لَهَا. وَعِبَارَةُ أج وَإِنَّمَا لَزِمَتْ الْفَاءُ بَعْدَ أَمَّا وَلَمْ تَلْزَمْ بَعْدَ غَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوطِ، لِأَنَّ أَمَّا لَمَّا كَانَتْ دَلَالَتُهَا عَلَى الشَّرْطِ بِنِيَابَتِهَا عَنْ مَهْمَا يَكُنْ ضَعُفَتْ فَاحْتَاجَتْ لِلُزُومِ الْفَاءِ لِتَدُلَّ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ بِخِلَافِ مَهْمَا وَغَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوطِ، فَإِنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الشَّرْطِيَّةِ بِالْأَصَالَةِ اهـ. وَإِعْرَابُ هَذَا اللَّفْظِ مَهْمَا: مُبْتَدَأٌ. وَيَكُنْ فِعْلُ الشَّرْطِ وَهِيَ تَامَّةٌ بِمَعْنَى يُوجَدُ، وَمِنْ: زَائِدَةٌ. وَشَيْءٍ: فَاعِلٌ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَحْذُورَانِ زِيَادَةُ مِنْ فِي الْإِثْبَاتِ، وَخُلُوُّ فِعْلِ الشَّرْطِ مِنْ عَائِدٍ عَلَى الِاسْمِ الْوَاقِعِ مُبْتَدَأً، فَالْأَوْلَى أَنَّ الْفَاعِلَ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ عَلَى مَهْمَا، وَمِنْ شَيْءٍ بَيَانٌ لِمَهْمَا، وَفَائِدَةُ هَذَا الْبَيَانِ بَيَانُ عُمُومِ مَهْمَا، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 (حَفِظَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى) جُمْلَةٌ دُعَائِيَّةٌ (أَنْ أَعْمَلَ) أَيْ أُصَنِّفَ (مُخْتَصَرًا) وَهُوَ مَا قَلَّ لَفْظُهُ وَكَثُرَ مَعْنَاهُ لَا مَبْسُوطًا وَهُوَ مَا كَثُرَ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ، قَالَ الْخَلِيلُ: الْكَلَامُ يُبْسَطُ لِيُفْهَمَ وَيُخْتَصَرُ لِيُحْفَظَ (فِي) عِلْمِ (الْفِقْهِ) الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ بَيْنِ الْعُلُومِ بِالذَّاتِ وَبَاقِيهَا لَهُ كَالْآلَاتِ، لِأَنَّهُ بِهِ يُعْرَفُ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَحْكَامِ. وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ وَتَوَاتَرَتْ وَتَطَابَقَتْ الدَّلَائِلُ الصَّرِيحَةُ وَتَوَافَقَتْ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَالْحَثِّ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَالِاجْتِهَادِ، فِي اقْتِبَاسِهِ وَتَعْلِيمِهِ: فَمِنْ الْآيَاتِ قَوْله تَعَالَى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] وقَوْله تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]   [حاشية البجيرمي] عِبَارَةً عَنْ حُصُولِ نَوْعٍ بِعَيْنِهِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْبَيَانِ لِإِبْهَامِهِ، ثُمَّ إنَّ خَبَرَ مَهْمَا هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ وَحْدَهُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَتَوَقُّفُ الْفَائِدَةِ عَلَى الْجَوَابِ مِنْ حَيْثُ التَّعْلِيقُ لَا مِنْ حَيْثُ الْخَبَرِيَّةُ م د عَلَى قَوَاعِدِ الْإِعْرَابِ. قَوْلُهُ: (جَمْعُ صَدِيقٍ) فَعِيلٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الصَّادِقُ الْمَوَدَّةَ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْحَبِيبِ فَإِنَّ الْحَبِيبَ ذُو الْوُدِّ، وَالْخَلِيلُ صَافِي الْوُدِّ، قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالصَّدِيقُ مَنْ يَفْرَحُ لِفَرَحِك وَيَحْزَنُ لِحُزْنِك وَضِدُّهُ الْعَدُوُّ. وَالصَّاحِبُ مَنْ طَالَتْ عِشْرَتُك بِهِ، وَالْخَلِيلُ مَنْ يَفْرَحُ لِفَرَحِك وَيَحْزَنُ لِحُزْنِك وَتَخَلَّلَتْ مَحَبَّتُهُ فِي الْأَعْضَاءِ، وَالْحَبِيبُ مَنْ يَفْرَحُ لِفَرَحِك وَمَنْ يَحْزَنُ لِحُزْنِك وَتَخَلَّلَتْ مَحَبَّتُهُ فِي الْأَعْضَاءِ وَتَفْدِيهِ بِمَالِك اهـ. وَالْعَدَاوَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَدَا فُلَانٌ عَنْ طَرِيقِ فُلَانٍ أَيْ جَاوَزَهُ وَلَمْ يُوَافِقْهُ فِيمَا طَلَبَهُ وَكَانَ أَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَلْقَ يَوْمَ أُخِذَ الْمِيثَاقُ عَلَيْهِمْ كَانُوا عَلَى أَحْوَالٍ فَمَا كَانَ وَجْهًا لِوَجْهٍ فَمُحَالٌ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَمَا كَانَ ظَهْرَ الظَّهْرِ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا صَدَاقَةٌ وَمَا كَانَ وَجْهًا لِظَهْرٍ فَصَاحِبُ الْوَجْهِ مُحِبٌّ عَاشِقٌ وَصَاحِبُ الظَّهْرِ مُبْغِضٌ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمِنَنُ. قَوْلُهُ: (جُمْلَةٌ دُعَائِيَّةٌ) وَالدُّعَاءُ رَفْعُ الْحَاجَاتِ إلَى رَافِعِ الدَّرَجَاتِ وَهُوَ بِلَا وَاسِطَةٍ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَمَّا الْأُمَمُ الْمَاضِيَةُ فَكَانُوا يَفْزَعُونَ فِي حَوَائِجِهِمْ إلَى الْأَنْبِيَاءِ يَسْأَلُونَ لَهُمْ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَهُ الشَّبْرَخِيتِيُّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. قَوْلُهُ: (أَنْ أَعْمَلَ) آثَرَهُ عَلَى أُصَنِّفُ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا هَضْمُ نَفْسِهِ، وَثَانِيهِمَا إشَارَةً إلَى تَعَبِهِ فِيهِ بِالِاخْتِصَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَكَثُرَ مَعْنَاهُ) لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (قَالَ الْخَلِيلُ إلَخْ) دَلِيلٌ لِكَوْنِهِ عَمِلَهُ مُخْتَصَرًا وَلَمْ يَعْمَلْهُ مُطَوَّلًا، وَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ وَيُخْتَصَرُ لِيُحْفَظَ. قَوْلُهُ: (فِي الْفِقْهِ) إنْ قُلْت: الْمُخْتَصَرُ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ عَلَى الرَّاجِحِ وَعِلْمُ الْفِقْهِ هُوَ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا وَلَا مَعْنَى لِظَرْفِيَّةِ الْأَلْفَاظِ فِي الْمَعَانِي. أُجِيبُ: بِأَنَّ الْمَعْنَى مُخْتَصَرًا دَالًّا عَلَى الْفِقْهِ، فَشَبَّهَ الدَّالَّ وَالْمَدْلُولَ بِالظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا شِدَّةُ التَّمَكُّنِ، وَفِي قَرِينَةِ الِاسْتِعَارَةِ الْمُسَمَّاةِ تَخْيِيلًا، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ فِي الْفِقْهِ صِفَةٌ لِمُخْتَصَرٍ جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ الظُّرُوفَ بَعْدَ النَّكِرَاتِ صِفَاتٌ خِلَافًا لِقَوْلِ ق ل إنَّهُ حَالٌ اهـ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقٌ بِأَعْمَلَ. قَوْلُهُ: (كَالْآلَاتِ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْآلَاتِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ بِحِفْظِ مُجَرَّدِ الْأَحْكَامِ، وَلِذَلِكَ قَالَ كَالْآلَاتِ بِالْكَافِ. وَقَوْلُهُ: حَالٌ مِنْ الْآلَاتِ. أَيْ كَالْآلَاتِ لَهُ م د. لَكِنَّ هَذَا الْكَلَامَ بِالنَّظَرِ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ، لِأَنَّ الْفِقْهَ لَا يَتَّصِفُ بِهِ إلَّا الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةُ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ الْمُجْتَهِدَ مَعْرِفَةُ جَمِيعِهَا إلَّا بِوَاسِطَةِ الْآلَاتِ فَنَحْوُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لَا يُسَمَّى فَقِيهًا فِي الِاصْطِلَاحِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ تُوَصِّلُهُ إلَى مَعْرِفَةِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِالِاسْتِنْبَاطِ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ يُعْلَمُ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ فِي تَعْرِيفِ الْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ. إذَا فَهِمْت هَذَا عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ كَالْآلَاتِ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ كَالْآلَاتِ الْمَحْسُوسَةِ وَإِنْ كَانَتْ هُنَا مَعْقُولَةً. قَوْلُهُ: (يُعْرَفُ الْحَلَالُ) يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمُبَاحَ. وَقَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُمَا) تَحْتَهُ الْمَكْرُوهُ وَالْأَحْكَامُ الْوَضْعِيَّةُ الْخَمْسَةُ. قَوْلُهُ: (تَظَاهَرَتْ) أَيْ اجْتَمَعَتْ وَتَعَاوَنَتْ، وَالْآيَاتُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ. قَوْلُهُ: (الدَّلَائِلُ) هِيَ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ، فَالْمَقَامُ لِلْإِضْمَارِ فَلَعَلَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ وَصْفِهَا بِالصَّرَاحَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَتَوَافَقَتْ) تَفْسِيرٌ لَتَطَابَقَتْ وَعَطْفُ الِاجْتِهَادِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ قَوْلُهُ: (عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ) لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي الْفِقْهِ وَلَوْ مِنْ الصَّنَائِعِ فَأَلْ لِلْجِنْسِ. قَوْلُهُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وَالْآيَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ. وَمِنْ الْأَخْبَارِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَك مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» رَوَاهُ سَهْلٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» . وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ   [حاشية البجيرمي] فِي اقْتِبَاسِهِ) أَيْ اسْتِفَادَتِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: اقْتَبَسْت مِنْهُ عِلْمًا اسْتَفَدْته وَفِيهِ تَلْمِيحٌ إلَى أَنَّ الْعِلْمَ نُورٌ. قَوْلُهُ: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هُوَ نَفْيٌ لِاسْتِوَاءِ الْفَرِيقَيْنِ أَيْ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ أَوْ الْمُطِيعِ وَالْعَاصِي بِاعْتِبَارِ الْقُوَّةِ الْعِلْمِيَّةِ بَعْدَ نَفْيِهِ بِاعْتِبَارِ الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ، أَيْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِاَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُمْ فِيمَا سَبَقَ بِالْقَانِتِ عَلَى وَجْهٍ أَبْلَغَ أَيْ نَفْيًا كَائِنًا عَلَى طَرِيقٍ أَبْلَغَ لِلتَّصْرِيحِ بِالِاسْتِوَاءِ بَعْدَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ بِالْهَمْزَةِ لِمَزِيدِ فَضْلِ الْعِلْمِ اهـ. قَوْلُهُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] أَيْ لَا يَخَافُ مِنْ اللَّهِ خَوْفًا كَامِلًا إلَّا الْعُلَمَاءُ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: عَلَى قَدْرِ عِلْمِ الْمَرْءِ يَعْظُمُ خَوْفُهُ ... فَلَا عَالِمَ إلَّا مِنْ اللَّهِ خَائِفُ وَآمِنٌ مَكْرَ اللَّهِ بِاَللَّهِ جَاهِلُ ... وَخَائِفٌ مَكْرَ اللَّهِ بِاَللَّهِ عَارِفُ وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَشَدُّ النَّاسِ خَشْيَةً أَعْلَمُهُمْ بِاَللَّهِ، وَفِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ بِرَفْعِ الِاسْمِ الْكَرِيمِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَنَصْبِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَعْظَمُ فِي مَدْحِهِمْ وَأَقْوَى دَلِيلًا عَلَى رَفْعِ مَرْتَبَتِهِمْ، لَكِنَّهُ مِنْ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي يَجِبُ تَأْوِيلُهُ فَتُؤَوَّلُ الْخَشْيَةُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى بِالْإِجْلَالِ لِلُزُومِهِ لَهَا. قَوْلُهُ: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا) أَيْ عَظِيمًا كَثِيرًا فَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ فَلَا يُنَافِي إرَادَةَ الْخَيْرِ بِغَيْرِ الْفَقِيهِ، وَهَذَا مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى الْحُكْمِ عَلَى طَالِبِ الْفِقْهِ بِأَنَّ اللَّهَ أَرَادَهُ وَاصْطَفَاهُ، لِأَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ الْخَيْرَ بِالْإِنْسَانِ مُغَيَّبَةٌ عَنَّا اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: (يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) وَتَمَامُهُ: وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاَللَّهُ مُعْطٍ وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ " اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَيْ قَاسِمٌ بَيْنَكُمْ بِتَبْلِيغِ الْوَحْيِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ، وَاَللَّهُ يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَهْمِ مَا أَرَادَ فَالتَّفَاوُتُ فِيهِ مِنْهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (لَأَنْ يَهْدِي اللَّهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ الْمُوَطِّئَةِ لِلْقَسَمِ، وَأَنْ وَصِلَتُهَا فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مُبْتَدَأٌ، وَخَيْرٌ خَبَرٌ أَيْ وَاَللَّهِ لَهِدَايَةُ اللَّهِ بِك رَجُلًا مَثَلًا، فَذِكْرُهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا لِإِخْرَاجِ الْمَرْأَةِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى أَقَلِّ الشَّيْءِ أَيْ هِدَايَتُهُ بِتَعَلُّمِهِ مَسْأَلَةً فِي دِينِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ وَشَرَفِ مَنْزِلَةِ أَهْلِهِ بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا اهْتَدَى بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ يَهْتَدِي بِهِ كُلَّ يَوْمٍ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ؟ قَوْلُهُ: (مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالنَّعَمِ الْحُمْرِ بِسُكُونِ الْمِيمِ جَمْعُ أَحْمَرَ وَبِضَمِّهَا جَمْعُ حِمَارٍ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فِعْلٌ لِنَحْوِ أَحْمَرَ وَحُمْرَا وَقَالَ أَيْضًا: وَفِعْلٌ لِاسْمٍ رُبَاعِيٍّ بِمَدٍّ ... قَدْ زِيدَ قَبْلَ لَامٍ إعْلَالًا فَقَدْ وَخَصَّ الْحُمْرَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ. قَوْلُهُ: (إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ) عِبَارَةُ م ر وَابْنِ حَجَرٍ: إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ انْقَطَعَ إلَخْ. فَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ. وَقَوْلُهُ: (انْقَطَعَ عَمَلُهُ) أَيْ ثَوَابُهُ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَقَدْ انْقَطَعَ بِفَرَاغِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ) لَا مَفْهُومَ لَهُ. قَوْلُهُ: (يُنْتَفَعُ بِهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ فَيَشْمَلُ التَّعْلِيمَ وَالتَّعَلُّمَ وَالتَّأْلِيفَ وَالْكِتَابَةَ وَمُقَابَلَةَ الْكُتُبِ لِتَصْحِيحِهَا ق ل. وَذَكَرَ الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيّ أَنَّ التَّصْنِيفَ فِي ذَلِكَ أَقْوَى لِطُولِ بَقَائِهِ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ) أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّالِحِ الْمُسْلِمُ وَلَوْ فَاسِقًا. قَوْلُهُ: (يَدْعُو لَهُ) أَيْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَاسِطَةِ غَيْرِهِ، فَاللَّفْظُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ. وَمِنْ الْآثَارِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كَفَى بِالْعِلْمِ شَرَفًا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ وَيَفْرَحَ بِهِ إذَا نُسِبَ إلَيْهِ،   [حاشية البجيرمي] حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَيَشْمَلُ دُعَاءَ الْوَلَدِ بِنَفْسِهِ وَدُعَاءَ غَيْرِهِ لِأَجْلِ الْوَلَدِ كَأَنْ رَآهُ شَخْصٌ فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَبِيك، وَلِلشَّيْخِ ابْنِ عَلَّانَ الْبَكْرِيِّ: خِصَالٌ عَلَيْهَا الْمَرْءُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ... يُثَابُ فَلَازِمْهَا إذَا كُنْت ذَا ذِكْرِ رِبَاطٌ بِثَغْرٍ ثُمَّ تَوْرِيثُ مُصْحَفٍ ... وَنَشْرٌ لِعِلْمٍ غَرْسُ نَخْلٍ بِلَا نُكْرِ وَحَفْرٌ لِبِئْرٍ ثُمَّ إجْرَاءُ نَهْرٍ مَا ... وَبَيْتُ غَرِيبٍ وَالتَّصَدُّقُ إذْ يَجْرِي وَتَعْلِيمُ قُرْآنٍ وَتَشْيِيدُ مَنْزِلٍ ... لِذِكْرِ وَنَجْلُ مُسْلِمٍ طَيِّبُ الذِّكْرِ وَقَوْلُهُ: وَتَعْلِيمُ قُرْآنٍ أَيْ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر، وَفِيهِ أَيْضًا وَغَرْسُ شَجَرٍ أَيْ وَإِنْ لَمْ تُثْمِرْ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ) مِنْهَا: «مَنْ خَرَجَ لِطَلَبِ عِلْمٍ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فَإِنْ مَاتَ مَاتَ شَهِيدًا وَإِنْ عَادَ عَادَ بِأَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُعَلِّمُ الْخَيْرِ إذَا مَاتَ يَبْكِي عَلَيْهِ طَيْرُ السَّمَاءِ وَدَوَابُّ الْأَرْضِ» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى عُتَقَاءِ اللَّهِ مِنْ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إلَى الْمُتَعَلِّمِينَ، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ مُتَعَلِّمٍ يَسْعَى إلَى بَابِ الْعَالِمِ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ عِبَادَةَ سَنَةٍ، وَبَنَى لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ مَدِينَةً فِي الْجَنَّةِ، وَيَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَالْأَرْضُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ وَيُمْسِي وَيُصْبِحُ مَغْفُورًا لَهُ وَتَشْهَدُ الْمَلَائِكَةُ لَهُ بِأَنَّهُ مِنْ عُتَقَاءِ اللَّهِ مِنْ النَّارِ» وَفِي الْحَدِيثِ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي اللُّجَّةِ» . قَالَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الَأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ: فَإِنْ قُلْت: جُعِلَ هَذَا غَايَةً فِي الْخِسَّةِ أَيْ خِسَّةِ الْمُسْتَغْفِرِينَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ثَمَّ مَا هُوَ أَخَسُّ مِنْ الْحِيتَانِ كَالذَّرِّ، فَلِمَ خَصَّ الْحُوتَ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ أَخَسُّ مِنْهُ؟ قُلْت: خَصَّهُ لِكَوْنِهِ لَا لِسَانَ لَهُ وَمَا لَا لِسَانَ لَهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ اسْتِغْفَارِهِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَغُرَ لَهُ لِسَانٌ اهـ. قَالَ فِي تُحْفَةِ الْمَسَائِلِ: فَإِنْ قُلْت مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ مَخْلُوقٍ بِلِسَانٍ بَعْضُهَا نَاطِقٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ نَاطِقٍ وَلَيْسَ لِلسَّمَكِ لِسَانٌ أَصْلًا؟ . فَالْجَوَابُ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لَهُ فَسَجَدُوا كُلُّهُمْ إلَّا إبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَمَسَخَهُ فَأُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ، فَجَاءَ إلَى الْبِحَارِ، فَأَوَّلُ مَا رَآهُ السَّمَكُ فَأَخْبَرَهُمْ بِخَلْقِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَالَ: إنَّهُ يَصْطَادُ وَيَأْخُذُ دَوَابَّ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَجَعَلَتْ السَّمَكُ تُخْبِرُ خَلْقَ الْبَحْرِ بِخَلْقِ آدَمَ وَتَقُولُ لَا أَمَانَ لَنَا بَعْدَ هَذَا فِي هَذَا الْمَاءِ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِسَانَهَا لِكَوْنِهَا تَفَوَّهَتْ بِالْكَلَامِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْآثَارِ) عِبَارَةُ ابْنِ جَمَاعَةَ عَلَى غَرَامِي صَحِيحٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَأَمْرِي مَوْقُوفٌ عَلَيْك إلَخْ. تَنْبِيهٌ: الْأَثَرُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْوِيِّ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ الصَّحَابِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَدِّثُونَ وَغَيْرُهُمْ وَاصْطَلَحَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَجَمَاهِيرُ الْخَلَفِ وَقَالَ الْفُقَهَاءُ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْأَثَرُ مَا يُضَافُ إلَى الصَّحَابِيِّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَفَى بِالْعِلْمِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ فِي الْمَفْعُولِ. وَقَوْلُهُ: (أَنْ يَدَّعِيَهُ) فَاعِلٌ أَيْ كَفَى الْعِلْمُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وَكَفَى بِالْجَهْلِ ذَمًّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ فِيهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْضًا: الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَالِ، الْعِلْمُ يَحْرُسُك وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ، وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ وَالْعِلْمُ يَزْكُو بِالْإِنْفَاقِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَنْ لَا يُحِبُّ الْعِلْمَ لَا خَيْرَ فِيهِ فَلَا يَكُنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ وَلَا صَدَاقَةٌ، فَإِنَّهُ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَمِصْبَاحُ الْبَصَائِرِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -   [حاشية البجيرمي] الشَّرَفِ ادِّعَاؤُهُ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ. وَقَوْلُهُ: (ذَمًّا) أَيْ خِسَّةً فَإِنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِمُقَابَلَتِهِ لِلشَّرَفِ وَالْخِسَّةُ لَازِمَةٌ لِلذَّمِّ. قَوْلُهُ: (الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَالِ) أَيْ السَّعْيُ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ أَوْلَى مِنْ السَّعْيِ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: الْعِلْمُ يَحْرُسُك إلَخْ. وَآثَرَ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ خَيْرًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّهِ. قَوْلُهُ: (الْعِلْمُ يَحْرُسُك) أَيْ يَكُونُ سَبَبًا فِي دَفْعِ الْمَكْرُوهِ عَنْك، وَالْمُرَادُ أَنَّ شَأْنَهُ ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، أَوْ أَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ فَلَا تَقْتَضِي الدَّوَامَ كَمَا قَرَّرَهُ الْعَزِيزِيُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ يَحْرُسُ دِينَك لِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، فَيَعْمَلُ صَاحِبُهُ بِهِ فَيَحْفَظُ دِينَهُ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ فَكَأَنَّهُ فِي ظَلَامٍ لَا يَعْرِفُ مَا يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ وَمَا يَنْفَعُهُ، بَلْ تُحَسِّنُ لَهُ نَفْسُهُ كَثِيرًا مِنْ الْحَرَامِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدُ عَلَى كَلَامِ عَلِيٍّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ قَدْ قُتِلَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْأَنْبِيَاءِ. قَوْلُهُ: (تَنْقُصُهُ) بِفَتْحِ التَّاءِ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا. قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] وَعَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا: الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَالِ بِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ. أَوَّلُهَا: الْعِلْمُ مِيرَاثُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَالُ مِيرَاثُ الْفَرَاعِنَةِ. الثَّانِي: الْعِلْمُ لَا يَنْقُصُ بِالنَّفَقَةِ وَالْمَالُ يَنْقُصُ بِهَا. الثَّالِثُ: الْمَالُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَافِظِ وَالْعِلْمُ يَحْفَظُ صَاحِبَهُ. الرَّابِعُ: إذَا مَاتَ الرَّجُلُ يَبْقَى مَالُهُ وَالْعِلْمُ يَدْخُلُ مَعَهُ الْقَبْرَ. الْخَامِسُ: الْمَالُ يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْعِلْمُ لَا يَحْصُلُ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ. السَّادِسُ: جَمِيعُ النَّاسِ يَحْتَاجُونَ إلَى الْعَالِمِ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ وَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ. السَّابِعُ: الْعِلْمُ يُقَوِّي الرَّجُلَ عَلَى الْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ وَالْمَالُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ. ذَكَرَهُ الرَّازِيّ. لَطِيفَةٌ: قَالَ فِي عُيُونِ الْمَجَالِسِ: الْعِلْمُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ: عَيْنٌ وَلَامٌ وَمِيمٌ، الْعَيْنُ مِنْ الْعُلُوِّ، وَاللَّامُ مِنْ اللَّطَافَةِ، وَالْمِيمُ مِنْ الْمُلْكِ، فَالْعَيْنُ تَجُرُّ صَاحِبَهَا إلَى عِلِّيِّينَ، وَاللَّامُ تُصَيِّرُهُ لَطِيفًا، وَالْمِيمُ تُصَيِّرُهُ مَلِكًا عَلَى الْعِبَادِ، وَيُعْطِي اللَّهُ الْعَالِمَ بِبَرَكَةِ الْعَيْنِ الْعِزَّ، وَبِبَرَكَةِ اللَّامِ اللَّطَافَةَ، وَبِبَرَكَةِ الْمِيمِ الْمَحَبَّةَ وَالْمَهَابَةَ. وَخُيِّرَ سُلَيْمَانُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْمُلْكِ وَالْمَالِ، فَاخْتَارَ الْعِلْمَ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ الْمَالَ وَالْمُلْكَ مَعَ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: (يَزْكُو) أَيْ يَزِيدُ بِالْإِنْفَاقِ أَيْ إذَا أَفَدْته بِالتَّعْلِيمِ وَالْإِفْتَاءِ فَفِيهِ تَشْبِيهُ ذَلِكَ بِالْإِنْفَاقِ أَعْنِي صَرْفَ الْمَالِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ أَصْلِيَّةٌ قَالَ الشَّاعِرُ: مَنْ حَازَ الْعِلْمَ وَذَاكَرَهُ ... صَلَحَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتُهُ فَأَدِمْ لِلْعِلْمِ مُذَاكَرَةً ... فَحَيَاةُ الْعِلْمِ مُذَاكَرَتُهُ قَوْلُهُ: (مَنْ لَا يُحِبُّ الْعِلْمَ) أَيْ نَفْسَ الْعِلْمِ أَوْ أَهْلَهُ أَوْ اسْتِمَاعَهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَكُنْ إلَخْ) نَهَى عَنْ مَعْرِفَةِ مَنْ لَا يُحِبُّ الْعِلْمَ إذَا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهُ لَا يَتَّخِذُهُ صَدِيقًا، فَقَوْلُهُ وَلَا صَدَاقَةَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَهُوَ تَأْسِيسٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى إذَا لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ فَلَا تَأْخُذْ فِي أَسْبَابِ مَعْرِفَتِهِ، وَإِذَا كُنْت تَعْرِفُهُ فَاجْتَنِبْهُ وَلَا تَتَّخِذْهُ صَدِيقًا، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا مِنْ جَعْلِ عَطْفِ الصَّدَاقَةِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ تَأْكِيدًا اهـ اج قَوْلُهُ: (وَلَا صَدَاقَةَ) : عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ إذْ يَلْزَمُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ الصَّدَاقَةُ. قَوْلُهُ: (حَيَاةُ الْقُلُوبِ) أَيْ مُخْرِجُهَا مِنْ الْجَهْلِ الشَّبِيهِ بِالْمَوْتِ إلَى الْعِلْمِ الشَّبِيهِ بِالْحَيَاةِ وَقَوْلُهُ: (وَمِصْبَاحُ الْبَصَائِرِ) أَيْ مُنَوِّرُ الْقُلُوبِ؛ فَالْبَصَائِرُ جَمْعُ بَصِيرَةٍ وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِالْقَلْبِ بِخِلَافِ الْبَصَرِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، وَفِي كَلَامِهِ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ وَتَخْيِيلٌ بِأَنْ شَبَّهَ الْبَصَائِرَ بِمَكَانٍ نَافِعٍ مُحْتَاجٍ إلَى النُّورِ وَأَثْبَتَ لَهُ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَهُوَ الْمِصْبَاحُ فَيَكُونُ تَخْيِيلًا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} [الرعد: 17] السَّيْلُ هَهُنَا الْعِلْمُ شَبَّهَهُ اللَّهُ بِالْمَاءِ لِخَمْسِ خِصَالٍ: أَحَدُهَا كَمَا أَنَّ الْمَطَرَ نَزَلَ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 قَالَ: مَجْلِسُ فِقْهٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً. وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ طَلَبَهُ مُرِيدًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى،   [حاشية البجيرمي] السَّمَاءِ كَذَلِكَ الْعِلْمُ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ. الثَّانِي: كَمَا أَنَّ إصْلَاحَ الْأَرْضِ بِالْمَطَرِ فَإِصْلَاحُ الْخَلْقِ بِالْعِلْمِ. الثَّالِثُ: كَمَا أَنَّ الزَّرْعَ وَالنَّبَاتَ لَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ الْمَطَرِ كَذَلِكَ الْأَعْمَالُ وَالطَّاعَاتُ لَا تَحْصُلُ بِغَيْرِ الْعِلْمِ. الرَّابِعُ: كَمَا أَنَّ الْمَطَرَ فَرْعُ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ كَذَلِكَ الْعِلْمُ فَإِنَّهُ فَرْعُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. الْخَامِسُ: كَمَا أَنَّ الْمَطَرَ نَافِعٌ وَضَارٌّ كَذَلِكَ الْعِلْمُ نَافِعٌ لِمَنْ عَمِلَ بِهِ وَضَارٌّ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ. ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الرَّازِيّ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ) أَيْ الْعِلْمُ الْوَاجِبُ عَيْنًا أَوْ كِفَايَةً هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ بِالْإِطْلَاقِ، وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ وَطَلَبُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ تَعَلُّمُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَفَرْضُ كِفَايَةٍ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى دَرَجَةِ الْإِفْتَاءِ، وَسُنَّةٌ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ تَعَلُّمُ الطِّبِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَوْلُهُ: أَيْ الْوَاجِبُ يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّهُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ صَارَ الْعِلْمُ كَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْفُرُوضِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ إلَّا مَسَائِلَ مَعْدُودَةً كَرَدِّ السَّلَامِ وَإِنْظَارِ الْمُعْسِرِ فَابْتِدَاءُ السَّلَامِ أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ وَإِنْ كَانَ الِابْتِدَاءُ سُنَّةً، وَالرَّدُّ وَاجِبًا وَإِبْرَاءُ الْمُعْسِرِ أَفْضَلُ مِنْ إنْظَارِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَالْإِبْرَاءُ مَنْدُوبٌ، فَالْمُنَاسِبُ التَّعْمِيمُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مَجْلِسُ فِقْهٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً) أَيْ النَّافِلَةِ، وَجَاءَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمَهُ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ بَلْ مِنْ سَائِرِ الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «تَدَارُسُ الْعِلْمِ سَاعَةً مِنْ اللَّيْلِ خَيْرٌ مِنْ إحْيَائِهِ بِغَيْرِهِ» وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مُرْسَلًا قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَنِي إسْرَائِيلَ أَحَدُهُمَا كَانَ عَالِمًا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ ثُمَّ يَجْلِسُ فَيُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَالْآخَرُ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَضْلُ هَذَا الْعَالِمِ الَّذِي يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ ثُمَّ يَجْلِسُ فَيُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ عَلَى الَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ فِي الْبَحْرِ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الْخَيْرَ» . قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إنَّ مَنْ جَلَسَ عِنْدَ الْعَالِمِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَحْفَظَ مِنْ ذَلِكَ الْعِلْمِ شَيْئًا فَلَهُ سَبْعُ كَرَامَاتٍ: أَوَّلُهَا: يَنَالُ فَضْلَ الْمُتَعَلِّمِينَ، وَالثَّانِي: مَا دَامَ جَالِسًا عِنْدَهُ كَانَ مَحْبُوسًا عَنْ الذُّنُوبِ، وَالثَّالِثُ: إذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ طَلَبًا لِلْعِلْمِ نَزَلَتْ الرَّحْمَةُ عَلَيْهِ، وَالرَّابِعُ: إذَا جَلَسَ فِي حَلْقَةِ الْعِلْمِ فَإِذَا نَزَلَتْ الرَّحْمَةُ عَلَيْهِمْ حَصَلَ لَهُ مِنْهَا نَصِيبٌ، وَالْخَامِسُ: مَا دَامَ فِي الِاسْتِمَاعِ يُكْتَبُ لَهُ طَاعَةً، وَالسَّادِسُ: إذَا اسْتَمَعَ وَلَمْ يَفْهَمْ ضَاقَ قَلْبُهُ لِحِرْمَانِهِ عَنْ إدْرَاكِ الْعِلْمِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْغَمُّ وَسِيلَةً إلَى حَضْرَةِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ: " أَنَا عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ " أَيْ جَابِرُهُمْ وَنَاصِرُهُمْ لِأَجْلِي، وَالسَّابِعُ: يَرَى إعْزَازَ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَالِمِ وَإِذْلَالَهُمْ لِلْفَاسِقِ، فَيُرَدُّ قَلْبُهُ عَنْ الْفِسْقِ وَيَمِيلُ طَبْعُهُ إلَى الْعِلْمِ، وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَيْضًا: «مَنْ جَلَسَ مَعَ ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ زَادَهُ اللَّهُ ثَمَانِيَةَ أَشْيَاءَ: مَنْ جَلَسَ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ زَادَهُ اللَّهُ حُبَّ الدُّنْيَا وَالرَّغْبَةَ فِيهَا، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ الْفُقَرَاءِ حَصَلَ لَهُ الشُّكْرُ وَالرِّضَا بِقِسْمَةِ اللَّهِ، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ السُّلْطَانِ زَادَهُ اللَّهُ الْقَسْوَةَ وَالْكِبْرَ، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ النِّسَاءِ زَادَهُ اللَّهُ الْجَهْلَ وَالشَّهْوَةَ، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ الصِّبْيَانِ ازْدَادَ مِنْ اللَّهْوِ، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ الْفُسَّاقِ ازْدَادَ مِنْ الْجَرَاءَةِ عَلَى الذُّنُوبِ وَتَسْوِيفِ التَّوْبَةِ أَيْ تَأْخِيرِهَا، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ الصَّالِحِينَ ازْدَادَ رَغْبَةً فِي الطَّاعَاتِ وَمَنْ جَلَسَ مَعَ الْعُلَمَاءِ ازْدَادَ فِي الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ» . قَوْلُهُ: (وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ) قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: صَرِيرُ قَلَمِ الْعَالِمِ تَسْبِيحٌ وَكِتَابَةُ الْعِلْمِ وَالنَّظَرُ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَإِذَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ الْمِدَادِ ثَوْبَهُ فَكَإِصَابَةِ دَمِ الشُّهَدَاءِ، وَإِذَا قَطَرَ مِنْهَا عَلَى الْأَرْضِ تَلَأْلَأَ نُورُهُ، وَإِذَا قَامَ مِنْ قَبْرِهِ نَظَرَ إلَيْهِ أَهْلُ الْجَمْعِ فَقَالُوا: هَذَا عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ وَحَشَرَهُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «يُؤْتَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 فَمَنْ أَرَادَهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَمَالٍ أَوْ رِيَاسَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ شُهْرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ مَذْمُومٌ. قَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ يُرِيدُ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» أَيْ لَمْ يَجِدْ رِيحَهَا وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَالِمٌ لَا يَنْتَفِعُ بِعِلْمِهِ» . وَفِي ذَمِّ الْعَالِمِ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى.   [حاشية البجيرمي] بِمِدَادِ طَالِبِ الْعِلْمِ وَدَمِ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَفِي رِوَايَةٍ: فَيُرَجَّحُ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اتَّكَأَ عَلَى يَدِهِ عَالِمٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ وَمَنْ قَبَّلَ رَأْسَ عَالِمٍ كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةً» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَكَتْ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَمَنْ عَلَيْهِنَّ لِعَزِيزٍ ذَلَّ وَغَنِيٍّ افْتَقَرَ وَعَالِمٍ يَلْعَبُ بِهِ الْجُهَّالُ» . اهـ. رَازِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) كَالْجَدَلِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مَذْمُومٌ) خَبَرُ مَنْ فِي قَوْلِهِ فَمَنْ أَرَادَهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ) أَيْ بِعِلْمِهِ حَرْثَ الْآخِرَةِ أَيْ ثَوَابَهَا فَشَبَّهَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ بِالزَّرْعِ وَأَطْلَقَ اسْمَهُ عَلَيْهِ فَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا فَائِدَةٌ تَحْصُلُ بِشَيْءٍ، فَالثَّوَابُ بِالْعَمَلِ وَالزَّرْعِ بِالْبَذْرِ وَلِذَلِكَ قِيلَ: الدُّنْيَا مَزْرَعَةٌ لِلْآخِرَةِ، وَالْحَرْثُ فِي الْأَصْلِ إلْقَاءُ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ، وَيُقَالُ لِلزَّرْعِ الْحَاصِلِ مِنْهُ كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ وَقَوْلُهُ: فِي الْأَصْلِ إشَارَةٌ إلَى غَيْرِ مَا اُشْتُهِرَ وَصَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي تَكْرِيبِ الْأَرْضِ أَيْ حَرْثِهَا بِالْآلَةِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (نَزِدْ لَهُ) أَيْ بِالتَّضْعِيفِ أَيْ نُضَعِّفْهُ لَهُ قَوْلُهُ: (لَمْ يَرِحْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالرَّاءِ وَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ رَاحَ يَرَاحُ أَوْ رَاحَ يَرِيحُ أَوْ أَرَاحَ يُرِيحُ رِوَايَاتٌ ثَلَاثَةٌ أَيْ لَمْ يَشُمَّ رِيحَهَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ دُخُولِهَا أَيْ مَعَ السَّابِقِينَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا يَدْخُلُهَا أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ. قَوْلُهُ: (أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْكَافِرَ أَشَدُّ عَذَابًا مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَفِي ذَمِّ الْعَالِمِ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ) مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ أَيْ تَخْرُجُ أَمْعَاؤُهُ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ فِي الرَّحَا فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ مَا لَك أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى كُنْت آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» . وَقَدْ جَاءَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " يَا ابْنَ مَرْيَمَ عِظْ نَفْسَك فَإِنْ اتَّعَظَتْ فَعِظْ النَّاسَ وَإِلَّا فَاسْتَحِي مِنِّي " وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} [الشعراء: 94] قَالَ: الْغَاوُونَ قَوْمٌ وَصَفُوا الْحَقَّ وَالْعَدْلَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَخَالَفُوهُ إلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُلَمَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلَانِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَبَذَلَهُ لِلنَّاسِ وَلَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهِ طُعْمًا وَلَمْ يَشْتَرِ بِهِ ثَمَنًا فَذَاكَ يُصَلِّي عَلَيْهِ طَيْرُ السَّمَاءِ وَحِيتَانُ الْمَاءِ وَدَوَابُّ الْأَرْضِ وَالْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ، وَيَقْدَمُ عَلَى اللَّهِ سَيِّدًا شَرِيفًا حَتَّى يُوَاقِفَ الْمُرْسَلِينَ. وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فِي الدُّنْيَا فَضَنَّ أَيْ بَخِلَ بِهِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ طُعْمًا وَاشْتَرَى بِهِ ثَمَنًا فَذَلِكَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَجَّمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يُنَادَى بِهِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ: هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فِي الدُّنْيَا فَضَنَّ بِهِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ طُعْمًا وَاشْتَرَى بِهِ ثَمَنًا ثُمَّ يُعَذِّبُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْحِسَابِ» وَقَالَ كَعْبٌ: يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عُلَمَاءُ يُزَهِّدُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَزْهَدُونَ وَيُخَوِّفُونَ وَلَا يَخَافُونَ وَيَنْهَوْنَ عَنْ غَشَيَانِ الْوُلَاةِ وَيَأْتُونَهُمْ يُؤْثِرُونَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ. وَقَالَ حَاتِمٌ الْأَصَمُّ: لَيْسَ فِي الْقِيَامَةِ أَشَدُّ حَسْرَةً مِنْ رَجُلٍ عَلَّمَ النَّاسَ عِلْمًا فَعَمِلُوا بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ هُوَ بِهِ فَفَازُوا بِسَبَبِهِ وَهَلَكَ. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَالْأَحَادِيثُ فِي ذَمِّ عُلَمَاءِ السُّوءِ وَتَوْبِيخِ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ، وَمَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ عَمَلَهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَهِيَ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ مَنْ أَمَرَ بِمَا لَا يَفْعَلُ أَشَرُّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ الْفَجَرَةَ هُمْ الْأَخْسَرُونَ إذْ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا وَأَنَّ حُجَّتَهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، لَمَّا وَهَبَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ نِعْمَةً مِنْهُ عَلَيْهِمْ فَكَفَرُوا بِنِعْمَتِهِ وَخَالَفُوا أَمْرَهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ السَّلَامِ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْمِعْرَاجِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وَالْفِقْهُ لُغَةً الْفَهْمُ مُطْلَقًا كَمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَاصْطِلَاحًا كَمَا فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا (عَلَى مَذْهَبِ) أَيْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ (الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ) مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْمَسَائِلِ مَجَازًا عَنْ مَكَانِ الذَّهَابِ؛ وَإِذْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (الْفَهْمُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعْرِفَةَ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ أَوْ لَا. بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِمَا دَقَّ وَمَا لَمْ يَدِقَّ، وَقِيلَ فَهْمُ مَا دَقَّ فَقَطْ عَلَيْهِ فَلَا يُقَالُ فَقِهْت أَنَّ السَّمَاءَ فَوْقَنَا مَثَلًا. قَوْلُهُ: (كَمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ) أَيْ نَقَلَ تَصْوِيبَهُ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ إذْ مُقَابِلُهُ يَقْصُرُهُ عَلَى فَهْمِ الْأُمُورِ الدَّقِيقَةِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ مِنْ الِاعْتِرَاضِ هُنَا مِنْ أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَهُمْ لَا تَصْوِيبَ لَهُمْ فِي الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: يُقَالُ فَقُهَ يَفْقُهُ بِالضَّمِّ فِيهِمَا إذَا صَارَ فَقِيهًا أَيْ عَالِمًا، وَأَمَّا فَقِهَ بِالْكَسْرِ فَمُضَارِعُهُ يَفْقَهُ بِالْفَتْحِ وَهُوَ مَقِيسٌ تَقُولُ فَقِهْت الْمَسْأَلَةَ أَيْ فَهِمْتهَا اهـ أُجْهُورِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ إلَخْ) خَرَجَ بِالْأَحْكَامِ مَعْرِفَةُ الذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ كَتَصَوُّرِ الْإِنْسَانِ وَالْبَيَاضِ، وَخَرَجَ بِإِضَافَتِهَا لِلْحَوَادِثِ الْعُلُومُ الْعَقْلِيَّةُ الْمُسْتَقِرَّةُ فِي نَفْسِهَا كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَالْحِسِّيَّةُ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ النَّارَ مُحْرِقَةٌ وَالِاعْتِقَادِيَّة كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ نَصًّا إلَخْ. عِلْمُ جِبْرِيلَ وَالنَّبِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَهِدُ، أَوْ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ لَكِنْ يَنْقَلِبُ ضَرُورِيًّا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْحَوَادِثِ الْأَفْعَالُ وَنَصَبَ نَصًّا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَعَلَى تَفْسِيرِ الْفِقْهِ بِمَعْرِفَةِ إلَخْ. يَكُونُ قَوْلُ الشَّارِحِ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ مِنْ الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ إنْ أُرِيدَ بِالْعِلْمِ الْإِدْرَاكُ، فَإِنْ أُرِيدَ الْمَسَائِلُ فَالْمَعْنَى فِي مَسَائِلِ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ إلَخْ وَهُوَ صَحِيحٌ اهـ. قَوْلُهُ: (نَصًّا) أَيْ بِالنَّصِّ أَوْ مِنْ النَّصِّ وَالِاسْتِنْبَاطِ أَيْ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْفِقْهَ دَلِيلُهُ النَّصُّ وَالْقِيَاسُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْرِيفِهِ الْمَشْهُورِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَذْهَبِ) حَالٌ مِنْ الْفِقْهِ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْفِقْهِ جَارِيًا عَلَى مَذْهَبٍ أَيْ طَرِيقَةٍ، وَرَأْيِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ. أَوْ حَالٌ مِنْ مُخْتَصَرٍ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْمُخْتَصَرِ كَائِنًا عَلَى مَذْهَبِ إلَخْ. أَوْ عَلَى بِمَعْنَى فِي أَيْ فِي مَذْهَبٍ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الْفِقْهِ. قَالَ سم فَإِنْ قُلْت: كَانَ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ مُخْتَصَرًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلِمَ زَادَ قَوْلَهُ فِي الْفِقْهِ؟ قُلْت: إشَارَةٌ لِمَدْحِ مُخْتَصَرِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ عُمُومِ كَوْنِهِ فِي الْفِقْهِ، وَخُصُوصِ كَوْنِهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلِمَدْحِ عُمُومِ الْفِقْهِ وَخُصُوصِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ قَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ الْفِقْهِ كَأُصُولِ الْفِقْهِ اهـ. وَالْمَذْهَبُ لُغَةً مَكَانُ الذَّهَابِ وَهُوَ الطَّرِيقُ وَاصْطِلَاحًا الْأَحْكَامُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا الْمَسَائِلُ شُبِّهَتْ بِمَكَانِ الذَّهَابِ بِجَامِعِ أَنَّ الطَّرِيقَ يُوَصِّلُ إلَى الْمَعَاشِ وَتِلْكَ الْأَحْكَامُ تُوَصِّلُ إلَى الْمَعَادِ أَوْ بِجَامِعِ أَنَّ الْأَجْسَادَ تَتَرَدَّدُ فِي الطَّرِيقِ وَالْأَفْكَارَ تَتَرَدَّدُ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَيْهَا الْمَذْهَبُ فَهِيَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ وَهَلْ هِيَ أَصْلِيَّةٌ أَوْ تَبَعِيَّةٌ قَوْلَانِ الْأَرْجَحُ مِنْهُمَا الثَّانِي وَعَلَيْهِ فَيُقَالُ شَبَّهَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ الْأَحْكَامِ بِالذَّهَابِ فِي الطَّرِيقِ وَاسْتَعَارَ الذَّهَابَ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَاشْتُقَّ مِنْهُ مَذْهَبُ هَذَا إنْ لَمْ يُهْجَرْ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ وَإِلَّا فَهُمْ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ، وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ فَإِنَّ الْإِمَامَ فِيهِ مَجْرُورٌ وَفِي حَلِّ الشَّارِحِ مَرْفُوعٌ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ حَلُّ مَعْنًى لَا حَلُّ إعْرَابٍ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّقْرِيبِ قَوْلًا بِجَوَازِ التَّغْيِيرِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَلَّفُ كَمَا هُنَا. قَوْلُهُ: (الشَّافِعِيِّ) النِّسْبَةُ إلَى الشَّافِعِيِّ شَافِعِيٌّ لَا شَفْعَوِيٌّ كَمَا قِيلَ بِهِ، لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمَنْسُوبَ لِلْمَنْسُوبِ يُؤْتَى بِهِ عَلَى صُورَةِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ، لَكِنْ بَعْدَ حَذْفِ الْيَاءِ مِنْ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ وَإِثْبَاتِ بَدَلِهَا فِي الْمَنْسُوبِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَمِثْلُهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ وَقَوْلُهُ: (الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلِقِ وَهُوَ كَامِلُ الْأَدِلَّةِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ وَخَرَجَ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمُقَلِّدُ لِإِمَامٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ؛ الْعَارِفِ بِقَوَاعِدِ إمَامِهِ، فَإِذَا وَقَعَتْ حَادِثَةٌ لَمْ يُعْرَفْ لِإِمَامِهِ فِيهَا نَصٌّ اجْتَهَدَ فِيهَا عَلَى مَذْهَبِهِ وَخَرَّجَهَا عَلَى أُصُولِهِ وَخَرَجَ أَيْضًا مُجْتَهِدُ الْفَتْوَى وَهُوَ الْمُتَبَحِّرُ فِي مَذْهَبِهِ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إذَا أَطْلَقَهُمَا اهـ م د. قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْمَسَائِلِ) مِنْ ظَرْفِيَّةُ الْبَعْضِ فِي الْكُلِّ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الشَّافِعِيَّ (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) فَلْنَتَعَرَّضْ إلَى طَرَفٍ مِنْ أَخْبَارِهِ تَبَرُّكًا بِهِ. فَنَقُولُ: هُوَ حَبْرُ الْأُمَّةِ وَسُلْطَانُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ جَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَهَذَا نَسَبٌ عَظِيمٌ كَمَا قِيلَ:   [حاشية البجيرمي] الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ وَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا الَّتِي هِيَ الْحُكْمُ قَوْلُهُ: (مَجَازًا) أَيْ مُتَجَوِّزًا بِهِ عَنْ مَكَانِ إلَخْ. أَوْ مَنْقُولًا عَنْ مَكَانِ إلَخْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: حَالٌ مِنْ مَا ذَهَبَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَفْظٌ وَمَا ذَهَبَ مَعَانٍ بِدَلِيلِ تَبْيِينِهِ بِالْأَحْكَامِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ دَالِّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَجَازًا، وَالْعَامِلُ فِي الْحَالِ مَحْذُوفٌ أَيْ اسْتَعْمَلَ فِيمَا ذُكِرَ مَجَازًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (إلَى طَرَفٍ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالرَّاءِ أَوْ بِضَمِّ الطَّاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ طُرْفَةٍ عَلَى الثَّانِي. قَوْلُهُ: (حَبْرُ الْأُمَّةِ) أَيْ عَالِمُهَا. قَوْلُهُ: (وَسُلْطَانُ الْأَئِمَّةِ) أَيْ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ أَيْ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِمْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ تَصَرُّفَ السُّلْطَانِ. قَوْلُهُ: (ابْنُ إدْرِيسَ) وَأُمُّ الْإِمَامِ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قَوْلُهُ: (هَاشِمِ) عِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ قَوْلُهُ هَاشِمٌ هُوَ غَيْرُ هَاشِمٍ الَّذِي هُوَ أَخُو الْمُطَّلِبِ وَجَدُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَهَاشِمٌ الْمَذْكُورُ فِي نَسَبِ الشَّافِعِيِّ هُوَ ابْنُ الْمُطَّلِبِ أَخُو هَاشِمٍ جَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَالْحَاصِلُ؛ أَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ لَهُ أَخٌ اسْمُهُ هَاشِمٌ جَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنٌ يُسَمَّى هَاشِمًا أَيْضًا هُوَ جَدُّ الشَّافِعِيِّ، وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَبْدِ مَنَافٍ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ جَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصْفٌ لِعَبْدِ مَنَافٍ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ اهـ بِحُرُوفِهِ. فَهَاشِمٌ الَّذِي فِي نَسَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمُّ هَاشِمٍ الَّذِي فِي نَسَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. قَوْلُهُ: (ابْنِ هَاشِمِ) . هَاشِمٌ هَذَا غَيْرُ هَاشِمٍ الَّذِي فِي نَسَبِ الْإِمَامِ، فَاَلَّذِي فِي نَسَبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمُّ الَّذِي فِي نَسَبِ الْإِمَامِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ مَنَافٍ وَالِدُ ابْنَيْنِ شَقِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا هَاشِمٌ وَالْآخَرُ الْمُطَّلِبُ، فَهَاشِمٌ أَعْقَبَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَعْقَبَ عَبْدَ اللَّهِ أَبَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمُطَّلِبُ أَعْقَبَ هَاشِمًا، وَهَاشِمٌ أَعْقَبَ عَبْدَ يَزِيدَ إلَى آخِرِ نَسَبِ الْإِمَامِ، فَالْمُطَّلِبُ عَمُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَمَّا أَبُو طَالِبٍ فَعَمُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَاشِمٌ هُوَ عَمْرُو الْعَلَاءُ أَيْ لِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَهُوَ أَخُو عَبْدِ شَمْسٍ، وَكَانَا تَوْأَمَيْنِ، وَكَانَتْ رِجْلُ هَاشِمٍ أَيْ أُصْبُعُهَا مُلْصَقَةً بِجَبْهَةِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَلَمْ يُمْكِنْ نَزْعُهَا إلَّا بِسَيَلَانِ دَمٍ، فَكَانُوا يَقُولُونَ سَيَكُونُ بَيْنَهُمَا دَمٌ فَكَانَ بَيْنَ وَلَدَيْهِمَا أَيْ بَيْنَ بَنِي الْعَبَّاسِ وَبَيْنَ بَنِي أُمَيَّةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ لَهُ هَاشِمٌ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مِنْ هَشَمَ الثَّرِيدَ بَعْدَ جَدِّهِ إبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْ ثَرَدَ الثَّرِيدَ وَأَطْعَمَهُ الْمَسَاكِينَ اهـ حَلَبِيٌّ فِي السِّيرَةِ. قَوْلُهُ: (ابْنِ عَبْدِ مَنَافٍ جَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ الثَّالِثِ وَهُوَ الْأَبُ الرَّابِعُ، فَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ابْنُ عَمِّ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبْدُ مَنَافٍ اسْمُهُ الْمُغِيرَةُ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ قَمَرُ الْبَطْحَاءِ لِحُسْنِهِ وَجَمَالِهِ، وَمَنَافٌ أَصْلُهُ مَنَاةُ اسْمُ صَنَمٍ كَانَ أَعْظَمَ أَصْنَامِهِمْ، وَكَانَتْ أُمُّهُ جَعَلَتْهُ خَادِمًا لِذَلِكَ الصَّنَمِ، وَقِيلَ وَهَبَتْهُ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ وَلَدٍ وُلِدَ لِقُصَيٍّ عَلَى مَا قِيلَ ح ل فِي السِّيرَةِ. قَوْلُهُ: (ابْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) وَيُدْعَى شَيْبَةُ الْحَمْدِ لِكَثْرَةِ حَمْدِ النَّاسِ لَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ مَفْزِعَ قُرَيْشٍ فِي النَّوَائِبِ وَمَلْجَأَهُمْ فِي الْأُمُورِ، وَكَانَ شَرِيفَ قُرَيْشٍ وَسَيِّدَهَا كَمَالًا وَفِعَالًا مِنْ غَيْرِ مُدَافِعٍ، أَوْ قِيلَ لَهُ شَيْبَةُ الْحَمْدِ لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي رَأْسِهِ شَيْبَةٌ، أَيْ وَفِي عِبَارَةٍ كَانَ وَسَطُ رَأْسِهِ أَبْيَضَ أَوْ سُمِّيَ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا بِأَنْ يَبْلُغَ سِنَّ الشَّيْبِ، قِيلَ اسْمُهُ عَامِرٌ وَعَاشَ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَيْ وَكَانَ مِمَّنْ حَرَّمَ الْخَمْرَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْفَيَّاضُ لِجُودِهِ، وَمُطْعِمُ طَيْرِ السَّمَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ مِنْ مَائِدَتِهِ لِلطَّيْرِ وَالْوُحُوشِ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَكَانَ مِنْ حُلَمَاءِ قُرَيْشٍ وَحُكَمَائِهَا. وَقِيلَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِأَنَّ عَمَّهُ الْمُطَّلِبَ لَمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ صَغِيرًا أَرْدَفَهُ خَلْفَهُ أَيْ وَكَانَ بِهَيْئَةٍ رَثَّةٍ أَيْ ثِيَابٍ خَلْقَةٍ فَصَارَ كُلُّ مَنْ يَسْأَلُ عَنْهُ وَيَقُولُ مَنْ هَذَا؟ يَقُولُ عَبْدِي أَيْ حَيَاءً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 نَسَبٌ كَأَنَّ عَلَيْهِ مِنْ شَمْسِ الضُّحَى ... نُورًا وَمِنْ فَلَقِ الصَّبَاحِ عَمُودًا مَا فِيهِ إلَّا سَيِّدٌ وَابْنُ سَيِّدٍ ... حَازَ الْمَكَارِمَ وَالتُّقَى وَالْجُودَا وَشَافِعُ بْنُ السَّائِبِ: هُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُتَرَعْرِعٌ، وَأَسْلَمَ أَبُوهُ السَّائِبُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ صَاحِبَ رَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ، فَأُسِرَ فِي جُمْلَةِ مَنْ أُسِرَ وَفَدَى نَفْسَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ وَعَبْدُ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ ابْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى هَذَا النَّسَبِ إلَى عَدْنَانَ، وَلَيْسَ فِيمَا بَعْدَهُ إلَى آدَمَ طَرِيقٌ صَحِيحٌ فِيمَا يُنْقَلُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَانَ إذَا انْتَهَى فِي النَّسَبِ إلَى عَدْنَانَ أَمْسَكَ ثُمَّ يَقُولُ: كَذَبَ النَّسَّابُونَ» أَيْ بَعْدَهُ. وُلِدَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى الْأَصَحِّ بِغَزَّةَ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا هَاشِمٌ جَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقِيلَ بِعَسْقَلَانَ، وَقِيلَ بِمِنًى سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، ثُمَّ حُمِلَ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ وَنَشَأَ بِهَا، وَحَفِظَ الْقُرْآنَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ   [حاشية البجيرمي] أَنْ يَقُولَ ابْنُ أَخِي، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أَحْسَنَ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ ابْنُ أَخِيهِ وَصَارَ يَقُولُ لِمَنْ يَقُولُ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَيْحَكُمْ إنَّمَا هُوَ شَيْبَةُ الْحَمْدِ ابْنُ أَخِي هَاشِمٍ لَكِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ فَقِيلَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، أَيْ وَقِيلَ لِأَنَّهُ تَرَبَّى فِي حِجْرِ عَمِّهِ الْمُطَّلِبِ، وَعَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ تَقُولَ لِلْيَتِيمِ الَّذِي يَتَرَبَّى فِي حِجْرِ أَحَدٍ هُوَ عَبْدُهُ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ نَسَبُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ: (وَمِنْ فَلَقِ الصَّبَاحِ) الْفَلَقُ بِالتَّحْرِيكِ الصُّبْحُ بِعَيْنِهِ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَابْنُ سَيِّدٍ) صَوَابُهُ مِنْ سَيِّدٍ فَإِنَّهُ مِنْ الْكَامِلِ وَلَا يَصِحُّ الْوَزْنُ عَلَى مَا فِي النُّسَخِ. قَوْلُهُ: (مُتَرَعْرِعٌ) هُوَ بِمُهْمَلَاتٍ مَنْ جَاوَزَ فِي الْعُمْرِ خَمْسَ سِنِينَ ق ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ شَابٌّ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَرَعْرَعَ الصَّبِيُّ أَيْ تَحَرَّكَ وَنَشَأَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَافِعًا صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ، فَلِذَا نُسِبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ خِفَّةِ اللَّفْظِ وَالتَّفَاؤُلِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ كَانَ) أَيْ فَسَبَبُ إسْلَامِهِ أَنَّهُ كَانَ إلَخْ قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَسْلَمَ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا مِنْ أَنَّ إسْلَامَهُ بَعْدَ الْفِدَاءِ يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ إسْلَامَهُ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، لِأَنَّ الْفِدَاءَ كَانَ بَعْدَ انْفِضَاضِ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَرُجُوعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ. وَأُجِيبُ بِأَجْوِبَةٍ: مِنْهَا أَنَّهُ أَسْلَمَ أَوَّلًا يَوْمَ بَدْرٍ خُفْيَةً، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ الْفِدَاءِ جِهَارًا. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِيَوْمِ بَدْرٍ غَزْوَةُ بَدْرٍ. وَمِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا أَسْلَمَ مَعْنَاهُ عَزَمَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ ثَانِيًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَيْ بِالْفِعْلِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْأَسْرَى مِنْهُمْ مَنْ فَدَى نَفْسَهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَخَّرَ إلَى رُجُوعِهِ الْمَدِينَةَ. قَوْلُهُ: (وَعَبْدُ مَنَافٍ) مُبْتَدَأٌ فَهُوَ بِالتَّنْوِينِ وَابْنُ خَبَرٌ. قَوْلُهُ: (كِلَابٍ) وَاسْمُهُ حَكِيمٌ، وَقِيلَ عُرْوَةُ وَلُقِّبَ بِكِلَابٍ لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الصَّيْدَ وَأَكْثَرُ صَيْدِهِ كَانَ بِالْكِلَابِ. قَوْلُهُ: (كِنَانَةَ) قِيلَ لَهُ كِنَانَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فِي كِنٍّ بَيْنَ قَوْمِهِ أَيْ مُخْتَفِيًا. قَوْلُهُ: (إلْيَاسَ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَكْسُورَةٍ وَقِيلَ مَفْتُوحَةٌ أَيْضًا قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ كِبَرِ سِنِّ أَبِيهِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى هَذَا النَّسَبِ إلَى عَدْنَانَ) وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذَا النَّسَبَ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ مُطَّلِبٌ هَاشِمُ ... مَنَافٍ قُصَيٌّ مَعَ كِلَابٍ فَمُرَّةُ فَكَعْبٌ لُؤَيٌّ غَالِبٌ فَهُوَ مَالِكُ ... كَذَا النَّضْرُ نَجْلُ كِنَانَةَ بْنُ خُزَيْمَةَ فَمُدْرِكَةٌ إلْيَاسُ مَعَ مُضَرَ كَذَا ... نِزَارُ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ أَثْبَتُ قَوْلُهُ: (بِغَزَّةَ) مُعْتَمَدٌ وَهِيَ مِنْ الشَّامِ. وَقَوْلُهُ: (وَقِيلَ إلَخْ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ ضَعِيفَانِ. قَوْلُهُ: (سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ) وَالسَّنَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُوُفِّيَ فِيهَا الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ الْكُوفِيُّ بِبَغْدَادَ وَقَبْرُهُ هُنَاكَ ظَاهِرٌ يُزَارُ. وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَمَانِينَ. وَفِي عَامِ ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ وَقِيلَ تِسْعِينَ وُلِدَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. وَتُوُفِّيَ فِي عَامِ تِسْعٍ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَمِائَةٍ وَسَبْعِينَ بِدَارِ الْهِجْرَةِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ. وَوُلِدَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ. وَتُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي عَامِ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَعُمُرُ أَبِي حَنِيفَةَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَعُمُرُ مَالِكٍ تِسْعٌ وَثَمَانُونَ، وَعُمُرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 سِنِينَ، وَالْمُوَطَّأَ وَهُوَ ابْنُ عَشَرَةٍ. وَتَفَقَّهَ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ مُفْتِي مَكَّةَ الْمَعْرُوفِ بِالزَّوْجِيِّ لِشِدَّةِ شُقْرَتِهِ مِنْ بَابِ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ، وَأَذِنَ لَهُ فِي الْإِفْتَاءِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَعَ أَنَّهُ نَشَأَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أُمِّهِ فِي قِلَّةٍ مِنْ الْعَيْشِ وَضِيقِ حَالٍ، وَكَانَ فِي صِبَاهُ يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ وَيَكْتُبُ مَا يَسْتَفِيدُهُ فِي الْعِظَامِ وَنَحْوِهَا حَتَّى مَلَأَ مِنْهَا خَبَايَا. ثُمَّ رَحَلَ إلَى مَالِكٍ بِالْمَدِينَةِ وَلَازَمَهُ مُدَّةً، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ فَأَقَامَ بِهَا سَنَتَيْنِ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُهَا وَرَجَعَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ مَذَاهِبَ كَانُوا عَلَيْهَا إلَى مَذْهَبِهِ. وَصَنَّفَ بِهَا كِتَابَهُ الْقَدِيمَ، ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً، ثُمَّ عَادَ إلَى بَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ   [حاشية البجيرمي] الشَّافِعِيِّ أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَعُمُرُ أَحْمَدَ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ تَارِيخَ وِلَادَتِهِمْ وَمَوْتِهِمْ وَمِقْدَارَ عُمُرِهِمْ فِي قَوْلِهِ: تَارِيخُ نُعْمَانَ يَكُنْ سَيْفٌ سَطَا ... وَمَالِكٍ فِي قَطْعِ جَوْفٍ ضَبَطَا وَالشَّافِعِيِّ صِينَ بِبَرْنَدْ ... وَأَحْمَدَ بِسَبْقِ أَمْرٍ جَعَدْ فَاحْسُبْ عَلَى تَرْتِيبِ نَظْمِ الشِّعْرِ ... مِيلَادَهُمْ فَمَوْتَهُمْ فَالْعُمْرِ قَوْلُهُ: (بِالزِّنْجِيِّ) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَمُسْلِمٌ أَخَذَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُرَيْجٍ، وَمُحَمَّدٌ أَخَذَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ رَبَاحٍ، وَعَطَاءٌ أَخَذَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّبِيُّ عَنْ جِبْرِيلَ، وَجِبْرِيلُ عَنْ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى. قَوْلُهُ: (وَأُذِنَ لَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْآذِنَ لَهُ فِيهِ هُوَ مَالِكٌ كَمَا فِي شَرْحِ م ر حَيْثُ قَالَ: وَأَذِنَ لَهُ مَالِكٌ فِي الْإِفْتَاءِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ وَأَذِنَ أَيْ مُسْلِمٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا تَنَافِي لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْإِذْنَ صَدَرَ مِنْهُمَا لَهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّهُ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِحَفِظَ وَمَا بَعْدَهُ أَيْ مَعَ أَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ شَأْنُهُ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ. وَحَاصِلُهُ التَّعَجُّبُ مِنْ حَالِهِ مَعَ كَوْنِهِ يَتِيمًا، وَذَكَرُوا أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا سَلَّمُوهُ إلَى الْمَكْتَبِ مَا كَانُوا يَجِدُونَ أُجْرَةَ الْمُعَلِّمِ، وَكَانَ الْمُعَلِّمُ يُقَصِّرُ فِي التَّعْلِيمِ إلَّا أَنَّ الْمُعَلِّمَ كُلَّمَا عَلَّمَ صَبِيًّا كَانَ الشَّافِعِيُّ يَتَلَقَّفُ ذَلِكَ الْكَلَامَ أَيْ يَتَنَاوَلُهُ وَيَحْفَظُهُ بِسَمَاعِهِ مِنْ مُعَلِّمِ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي الْمَكْتَبِ، ثُمَّ إذَا قَامَ الْمُعَلِّمُ مِنْ مَكَانِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ فَنَظَرَ الْمُعَلِّمُ فَرَأَى الشَّافِعِيَّ يَكْفِيهِ أَمْرَ الصِّبْيَانِ أَكْثَرَ مِنْ الْأُجْرَةِ الَّتِي كَانَ يَطْمَعُ بِهَا مِنْهُ فَتَرَكَ طَلَبَ الْأُجْرَةِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ. قَوْلُهُ: (وَيَكْتُبُ مَا يَسْتَفِيدُهُ فِي الْعِظَامِ وَنَحْوِهَا) لِعَجْزِهِ عَنْ ثَمَنِ الْوَرَقِ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَقِيرًا. قَوْلُهُ: (خَبَايَا) جَمْعُ خَبِيَّةٍ وَهِيَ جِرَارُ الْفَخَّارِ وَنَحْوُهَا، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَوَّلَ كَاغَدٍ أَيْ وَرَقٍ عُمِلَ فِي الْأَرْضِ لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَجْمَعَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى الْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَاللِّخَافِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا أَلِفٌ فِي آخِرِهَا فَاءٌ الْحِجَارَةُ الرَّقِيقَةُ وَاحِدُهُ لَخْفٌ، وَالْعُسُبُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ جَمْعُ عَسِيبٍ اسْمٌ لِجُدُورِ الْجَرِيدِ وَهِيَ الْقِحْفُ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ، وَقِيلَ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الْجَرِيدِ اهـ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَحَلَ إلَى مَالِكٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْآذِنَ لَهُ فِي الْإِفْتَاءِ هُوَ مَالِكٌ، لِأَنَّ هَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَكَانَ فِي صِبَاهُ يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ إلَخْ. فَهُوَ تَفْصِيلٌ لِمَا أَجْمَلَهُ أَوَّلًا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ رَحَلَ فِي سَنَةِ الْإِذْنِ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ وَهِيَ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَلَمَّا رَآهُ مَاهِرًا أَذِنَ لَهُ هُوَ أَيْضًا فِي تِلْكَ السَّنَةِ، فَقَدْ حَصَلَ الْإِذْنُ لَهُ مِنْ مُفْتِي مَكَّةَ وَمُفْتِي الْمَدِينَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا مَرَّ اهـ م د. فَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِذْنِ. قَوْلُهُ: (بَغْدَادَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ: وَفِي بَغْدَادَ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: إحْدَاهَا بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ بِإِهْمَالِ الْأُولَى وَإِعْجَامِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةُ بَغْدَانُ بِالنُّونِ، وَالرَّابِعَةُ مَغْدَانُ بِالْمِيمِ أَوَّلَهَا اهـ خَضِرٌ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (وَصَنَّفَ بِهَا كِتَابَهُ الْقَدِيمَ) وَرُوَاتُهُ أَرْبَعَةٌ أَجَلُّهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَالْكَرَابِيسِيُّ، وَالزَّعْفَرَانِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَرُوَاةُ الْجَدِيدِ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا الْمُزَنِيّ وَالْبُوَيْطِيُّ وَالرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ رَاوِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ الْإِمَامُ فِيهِ: إنَّهُ أَحْفَظُ أَصْحَابِي رَحَلَتْ النَّاسُ إلَيْهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ عِلْمَ الشَّافِعِيِّ، فَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا الرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ فَلَمْ يَنْقُلْ عَنْ الشَّافِعِيِّ إلَّا كَرَاهَةَ الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ أَيْ الْأَنْغَامِ وَأَنَّ الشَّعْرَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ تَبَعًا لِلْجِلْدِ اهـ طَبَقَاتُ الْإِسْنَوِيِّ ع ش عَلَى م ر. وَالْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] الْجَدِيدِ دُونَ الْقَدِيمِ، فَقَدْ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ وَقَالَ: لَا أَجْعَلُ فِي حِلٍّ مَنْ رَوَاهُ عَنِّي إلَّا فِي مَسَائِلَ يَسِيرَةٍ نَحْوُ السَّبْعَةَ عَشَرَ يُفْتِي فِيهَا بِالْقَدِيمِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي قَدِيمٍ لَمْ يُعَضِّدْهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا مُعَارِضَ لَهُ، فَإِنْ اعْتَضَدَ بِدَلِيلٍ فَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ قَالَ: إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي وَاضْرِبُوا بِقَوْلِي عُرْضَ الْحَائِطِ. فَائِدَةٌ: الْمَسَائِلُ الَّتِي يُفْتِي بِهَا عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ تَبْلُغُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً مِنْهَا عَدَمُ وُجُوبِ التَّبَاعُدِ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَالتَّثْوِيبُ فِي الْأَذَانِ وَعَدَمُ انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الْمَحَارِمِ وَطَهَارَةُ الْمَاءِ الْجَارِي الْكَثِيرِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَعَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالْحَجَرِ إذَا انْتَشَرَ الْبَوْلُ وَتَعْجِيلُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَعَدَمُ مُضِيِّ وَقْتِ الْمَغْرِبِ بِمُضِيِّ خَمْسِ رَكَعَاتٍ، وَعَدَمُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَالْمُنْفَرِدُ إذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ أَنْشَأَ الْقُدْوَةُ، وَكَرَاهِيَةُ قَلْمِ أَظْفَارِ الْمَيِّتِ، وَعَدَمُ اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي الرِّكَازِ، وَشَرْطُ التَّحَلُّلِ فِي الْحَجِّ بِعُذْرِ الْمَرَضِ، وَتَحْرِيمُ أَكْلِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ، وَلُزُومُ الْحَدِّ بِوَطْءِ الْمَحْرَمِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَقَبُولُ شَهَادَةِ فَرَعَيْنَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَصْلَيْنِ، وَغَرَامَةُ شُهُودِ الْمَالِ إذَا رَجَعُوا وَتَسَاقُطُ الْبَيِّنَتَيْنِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَإِذَا كَانَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ شَاهِدَيْنِ وَعَارَضَهَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ يُرَجَّحُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَدِيمِ وَعَدَمُ تَحْلِيفِ الدَّاخِلِ مَعَ بَيِّنَتِهِ إذَا عَارَضَهَا بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَأَرْخَتْ إحْدَاهُمَا قُدِّمَتْ عَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَإِذَا عَلِقَتْ الْأَمَةُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا الْوَاطِئُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقَدِيمِ وَاخْتُلِفَ فِي الصَّحِيحِ، وَتَزْوِيجُ أُمِّ الْوَلَدِ فِيهِ قَوْلَانِ وَاخْتَلَفَ فِي الصَّحِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ذَكَرَهُ النَّسَّابَةُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ الْعِمَادِ فِي الْأَنْكِحَةِ وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَبَعْدُ فَالْحَقُّ الْقَوِيمُ الْمُعْتَبَرْ ... الْمَذْهَبُ الْجَدِيدُ طَيِّبُ الْأَثَرْ وَالْهَجْرُ لِلْقَدِيمِ حَقًّا قَدْ ثَبَتْ ... إلَّا مَسَائِلَ قَلِيلَةً أَتَتْ أَرْبَعَةٌ مَعَ عَشَرَةٍ بِالسَّنَدْ ... عَنْ صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ خُذْ وَاعْتَمِدْ وَزِدْتهَا سَبْعًا عَنْ النَّسَّابَةْ ... السَّيِّدِ الشَّرِيفِ ذِي الْمَهَابَهْ الْمَسْحُ بِالْأَحْجَارِ غَيْرُ جَائِزْ ... مِنْ خَارِجٍ مُلَوَّثٍ مُجَاوِزْ وَلَمْسُ جِلْدِ مَحْرَمٍ لَا نَقْضَ بِهْ ... وَقَصُّ نَحْوِ الظُّفْرِ مِنْ مَيْتٍ كُرِهْ وَإِنْ تَرَى رِجْسًا بِمَاءٍ رَاكِدِ ... وَلَمْ يُنَجِّسْهُ فَلَا تُبَاعِدْ لِفَائِتٍ سُنَّ الْأَذَانُ يَا فَتَى ... وَلَوْ بِلَا جَمَاعَةٍ فِيمَا أَتَى وَوَقْتُ مَغْرِبٍ حَقِيقِيٍّ بَقِيَ ... مُوَسَّعًا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَفَضْلُ تَقْدِيمِ الْعَشَا قَدْ زُكِنْ ... وَسُنَّ تَثْوِيبٌ لِصُبْحٍ يَا فَطِنْ وَفِي أَخِيرَتَيْ صَلَاةٍ قَدْ ذَكَرَهْ ... شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ يَا ذَا فَانْتَبِهْ وَإِنْ نَوَى فَذٌّ جَمَاعَةً يَصِحّ ... وَدَبْغُ جِلْدِ الْمَيْتِ أَكْلًا لَمْ يُبِحْ وَالْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ لِلْمَأْمُومِ فِي ... جَهْرِيَّةٍ يَا صَاحِ سُنَّةٌ قَفِيّ وَسُنَّ خَطٌّ لِلْمُصَلِّي إنْ فَقَدْ ... نَحْوَ الْعَصَا مِمَّا عَلَيْهِ يَعْتَمِدْ وَمَنْ يَمُتْ وَصَوْمُهُ قَدْ عُلِّقَا ... بِذِمَّتِهِ يُصَامُ عَنْهُ مُطْلَقَا وَشَرْطُ تَحْلِيلٍ مِنْ التَّحَرُّمِ ... لِنَحْوِ تَمْرِيضٍ جَوَازُهُ نَمِي وَغَرِمُوا شُهُودُنَا إنْ رَجَعُوا ... عَنْ الْأَدَاءِ لَعَلَّهُمْ يَرْتَدِعُوا وَصَحَّحُوا شَهَادَةَ الْفَرْعَيْنِ ... فِي نَصِّهِمْ عَلَى كِلَا الْأَصْلَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ فَأَقَامَ بِهَا شَهْرًا، ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِصْرَ وَلَمْ يَزَلْ بِهَا نَاشِرًا لِلْعِلْمِ مُلَازِمًا لِلِاشْتِغَالِ بِجَامِعِهَا الْعَتِيقِ إلَى أَنْ أَصَابَتْهُ ضَرْبَةٌ شَدِيدَةٌ فَمَرِضَ بِسَبَبِهَا أَيَّامًا عَلَى مَا قِيلَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قُطْبُ الْوُجُودِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ   [حاشية البجيرمي] وَأَسْقَطُوا بَيِّنَتَيْ خَصْمَيْنِ ... تَعَارُضًا جَزْمًا بِغَيْرِ مَيْنِ وَالشَّاهِدَانِ قَدَّمُوهُمَا عَلَى ... شَطْرٍ مَعَ الْيَمِينِ فِيمَا نُقِلَا وَلَمْ يَحْلِفْ دَاخِلٌ قَدْ عَارَضَتْ ... حُجَّتُهُ لِخَارِجٍ فِيمَا ثَبَتْ وَجَائِزٌ تَزْوِيجُ أُمِّ الْوَلَدِ ... فِي أَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ وَالْمُعْتَمَدِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِصْرَ) وَأَقَامَ بِهَا سِتَّ سِنِينَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (أَصَابَتْهُ ضَرْبَةٌ) قِيلَ الضَّارِبُ لَهُ أَشْهَبُ حِينَ تَنَاظَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ فَأَفْحَمَهُ الشَّافِعِيُّ فَضَرَبَهُ قِيلَ بِكِيلُونَ وَقِيلَ بِمِفْتَاحٍ فِي جَبْهَتِهِ فَمَرِضَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِمِفْتَاحِ كِيلُونَ، وَكَانَ يَدْعُو عَلَيْهِ فِي سُجُودِهِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَمِتْ الشَّافِعِيَّ وَإِلَّا ذَهَبَ عِلْمُ مَالِكٍ، لَكِنْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بَوْنٌ بَعِيدٌ، فَقَدْ كَانَ يَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ فِي سُجُودِهِ، وَسَأَلَتْهُ ابْنَتُهُ عَنْهُ فَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ كَالشَّمْسِ فِي الدُّنْيَا وَالْعَافِيَةِ فِي الْبَدَنِ، فَإِذَا ذَهَبَا هَلْ لَهُمَا مِنْ خَلَفٍ؟ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُعَظِّمُ الشَّافِعِيَّ وَيَذْكُرُهُ كَثِيرًا وَكَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ صَالِحَةٌ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ وَتُحِبُّ أَخْبَارَ الصَّالِحِينَ، وَتَوَدُّ أَنْ تَرَى الصَّالِحِينَ وَتَرَى الشَّافِعِيَّ لِتَعْظِيمِ أَبِيهَا إيَّاهُ، فَاتَّفَقَ مَبِيتُ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي وَقْتٍ فَفَرِحَتْ الْبِنْتُ بِذَلِكَ طَمَعًا أَنْ تَرَى أَفْعَالَهُ وَتَسْمَعَ مَقَالَهُ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ قَامَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إلَى وَظِيفَةِ صَلَاتِهِ وَذِكْرِهِ، وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ مُلْقًى عَلَى ظَهْرِهِ وَالْبِنْتُ تَرْقُبُهُ إلَى الْفَجْرِ، ثُمَّ قَالَتْ لِأَبِيهَا: يَا أَبَتِ تُعَظِّمُ الشَّافِعِيَّ وَمَا رَأَيْته يُصَلِّي فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَلَا يَذْكُرُ، فَبَيْنَمَا هُمَا فِي الْحَدِيثِ إذْ قَامَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: كَيْفَ كَانَتْ لَيْلَتُك؟ فَقَالَ: مَا بِتّ بِلَيْلَةٍ أَطْيَبَ مِنْهَا وَلَا أَبْرَكَ. فَقَالَ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لِأَنِّي اسْتَنْبَطْت فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِائَةَ مَسْأَلَةٍ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِي فِي مَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ وَدَّعَهُ وَمَضَى، فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لِابْنَتِهِ: هَذَا الَّذِي عَمِلَهُ اللَّيْلَةَ أَفْضَلُ مِنْ الَّذِي عَمِلْته وَأَنَا قَائِمٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا رَأَيْت أَفْقَهَ مِنْ أَشْهَبَ لَوْلَا طَيْشٌ فِيهِ، وَالطَّيْشُ خِفَّةُ الْعَقْلِ. وَأَشْهَبُ الْمَذْكُورُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ دَاوُد الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ الْمِصْرِيُّ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا الشَّافِعِيُّ وَهِيَ سَنَةُ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ بَعْدَ الشَّافِعِيِّ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: سَمِعْت أَشْهَبَ يَدْعُو عَلَى الشَّافِعِيِّ بِالْمَوْتِ فَذَكَرْت لِلشَّافِعِيِّ ذَلِكَ فَقَالَ: تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ ... فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْت فِيهَا بِأَوْحَدِ فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي خِلَافَ الَّذِي مَضَى ... تَهَيَّأْ لِأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَنْ قَدْ أَيْ فَكَانَ يَقْرَبُ التَّهَيُّؤُ. قَالَ: فَمَاتَ الشَّافِعِيُّ وَاشْتَرَى أَشْهَبُ مِنْ تَرِكَتِهِ عَبْدًا فَاشْتَرَيْته مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الضَّارِبَ لَهُ فِتْيَانُ الْمَغْرِبِيِّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِنْ جُمْلَةِ كَرَامَاتِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ اللَّهَ أَخْفَى ذِكْرَ فِتْيَانَ وَكَلَامَهُ فِي الْعِلْمِ حَتَّى عِنْدَ أَهْلِ مَذْهَبِهِ. قَوْلُهُ: (فَمَرِضَ بِسَبَبِهَا أَيَّامًا) وَدَخَلَ الْمُزَنِيّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْت يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَصْبَحْت مِنْ الدُّنْيَا رَاحِلًا وَلِلْإِخْوَانِ مُفَارِقًا وَلِسَيِّئِ عَمَلِي مُلَاقِيًا وَلِكَأْسِ الْمَنِيَّةِ شَارِبًا وَعَلَى رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَارِدًا، وَلَا أَدْرِي تَصِيرُ رُوحِي إلَى الْجَنَّةِ فَأُهَنِّيهَا أَوْ إلَى النَّارِ فَأُعَزِّيهَا ثُمَّ أَنْشَدَ. وَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي ... حَمَلْت الرَّجَا مِنِّي لِعَفْوِك سُلَّمَا تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فَلَمَّا قَرَنْته ... بِعَفْوِك رَبِّي كَانَ عَفْوُك أَعْظَمَا وَمَازِلْت ذَا عَفْوٍ عَنْ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ ... تَجُودُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّمَا قَوْلُهُ: (وَهُوَ قُطْبُ الْوُجُودِ) الْقُطْبُ فِي الْأَصْلِ الْقَلْبُ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ الرَّحَا وَتَتَعَطَّلُ بِفَقْدِهِ، ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِلْإِمَامِ بِاعْتِبَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 سَلْخَ رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِهِ، وَانْتَشَرَ عِلْمُهُ فِي جَمِيعِ الْآفَاقِ وَتَقَدَّمَ عَلَى الْأَئِمَّةِ فِي الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ: «عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا» وَمِنْ كَلَامِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَمَتُّ مَطَامِعِي فَأَرَحْت نَفْسِي ... فَإِنَّ النَّفْسَ مَا طَمِعَتْ تَهُونُ وَأَحْيَيْت الْقُنُوعَ وَكَانَ مَيْتًا ... فَفِي إحْيَائِهِ عِرْضٌ مَصُونُ إذَا طَمَعٌ يَحِلُّ بِقَلْبِ عَبْدٍ ... عَلَتْهُ مَهَانَةٌ وَعَلَاهُ هُونُ   [حاشية البجيرمي] أَنَّهُ الْمَدَارُ وَالْمَرْجِعُ فِي الْأَحْكَامِ؛ وَيَحْتَمِلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ وَيَكُونُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ تَوَلَّى الْقُطْبَانِيَّةَ وَتُوُفِّيَ وَهُوَ قُطْبٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اهـ شَيْخُنَا حِفْنِيٌّ لِأَنَّ الْحَالَ تَدُلُّ عَلَى الْمُقَارَنَةِ. قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. قَوْلُهُ: (سَلْخَ رَجَبٍ) أَيْ آخِرَ يَوْمٍ مِنْهُ. قَالَ الرَّبِيعُ: رَأَيْت فِي الْمَنَامِ قَبْلَ مَوْتِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَيَّامٍ أَنَّ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه مَاتَ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُخْرِجُوا جِنَازَتَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْت سَأَلْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقَالَ: هَذَا مَوْتُ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا فَمَا كَانَ إلَّا يَسِيرُ حَتَّى مَاتَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. قَوْلُهُ: (بِالْقَرَافَةِ) وَهِيَ الصُّغْرَى، وَأُرِيدَ بَعْدَ أَزْمِنَةِ نَقْلِهِ مِنْهَا لِبَغْدَادَ فَظَهَرَ مِنْ قَبْرِهِ لَمَّا فُتِحَ رَوَائِحُ طَيِّبَةٌ عَطَّلَتْ الْحَاضِرِينَ عَنْ إحْسَاسِهِمْ فَتَرَكُوهُ. قَالَ الْقُضَاعِيُّ: الشَّافِعِيُّ مَدْفُونٌ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ بِمِصْرَ وَحَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ مِنْ أَوْلَادِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَقَبْرُهُ مَشْهُورٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَبْرُ الْبَحْرِيُّ مِنْ الْقُبُورِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَحْتَ مِصْطَبَةٍ وَاحِدَةٍ غَرْبِيِّ الْخَنْدَقِ. قَوْلُهُ: (فِي الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ) تَقَدُّمُهُ فِي الْخِلَافِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِمْ فِي الْوِفَاقِ فَمَعْنَاهُ أَنْ يُقَالَ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَوَافَقَهُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ «عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا» ) وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا تَسُبُّوا قُرَيْشًا فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا» قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هَذَا الْعَالِمُ هُوَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْشَرْ فِي طِبَاقِ الْأَرْضِ مِنْ عِلْمِ عَالِمٍ مَا انْتَشَرَ مِنْ عِلْمِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ مِنْ خَوَاصِّ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ مِنْ بَيْنِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ مَنْ تَعَرَّضَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَذْهَبِهِ بِسُوءٍ أَوْ نَقْصٍ هَلَكَ قَرِيبًا، وَأَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَهَانَ قُرَيْشًا أَهَانَهُ اللَّهُ» . قَوْلُهُ: (أَمَتّ مَطَامِعِي إلَخْ) وَهُوَ مِنْ الْوَافِرِ. وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ وَتَخْيِيلٌ حَيْثُ شَبَّهَ الْمَطَامِعَ بِأَشْخَاصٍ أَحْيَاءٍ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَاسْتَعَارَ الْأَشْخَاصَ لِلْمَطَامِعِ فِي النَّفْسِ وَأَمَتّ تَخْيِيلٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ فِي أَمَتّ اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً حَيْثُ شَبَّهَ التَّرْكَ بِالْإِمَاتَةِ وَاسْتَعَارَ الْإِمَاتَةَ لِلتَّرْكِ وَاشْتَقَّ مِنْ الْإِمَاتَةِ أَمَتّ بِمَعْنَى تَرَكْت. قَوْلُهُ: (مَا طَمِعَتْ تَهُونُ) أَيْ تَهُونُ مُدَّةُ طَمَعِهَا فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَأَحْيَيْتُ الْقُنُوعَ) مَصْدَرُ قَنِعَ بِكَسْرِ النُّونِ كَرَضِيَ وَزْنًا وَمَعْنًى، فَهُوَ بِضَمِّ الْقَافِ بِمَعْنَى الْقَنَاعَةِ، وَلِبَعْضِهِمْ: خُذْ الْقَنَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وَارْضَ بِهَا ... وَاجْعَلْ نَصِيبَك مِنْهَا رَاحَةَ الْبَدَنِ وَانْظُرْ لِمَنْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا ... هَلْ رَاحَ مِنْهَا سِوَى بِالْقُطْنِ وَالْكَفَنِ قَوْلُهُ: (عِرْضٌ) فِي نُسْخَةٍ عِرْضِي وَالْعِرْضُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ مَحَلُّ الذَّمِّ وَالْمَدْحِ مِنْ الْإِنْسَانِ. قَوْلُهُ: (عَلَتْهُ مَهَانَةٌ) أَيْ اسْتِخْفَافٌ مِنْ الْخَلْقِ بِهِ، وَعَلَاهُ هُونٌ أَيْ ذُلٌّ وَهُوَ عَطْفُ مُسَبِّبٍ، وَمِنْ كَلَامِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَا مَنْ يُعَانِقُ دُنْيَا لَا بَقَاءَ لَهَا ... يُمْسِي وَيُصْبِحُ فِي دُنْيَاهُ سَفَّارًا هَلَّا تَرَكْت لِذِي الدُّنْيَا مُعَانَقَةً حَتَّى ... تُعَانِقَ فِي الْفِرْدَوْسِ أَبْكَارَا إنْ كُنْت تَبْغِي جِنَانَ الْخُلْدِ تَسْكُنُهَا ... فَيَنْبَغِي لَك أَنْ لَا تَأْمَنَ النَّارَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وَلَهُ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَا حَكَّ جِسْمَك مِثْلُ ظُفْرِك ... فَتَوَلَّ أَنْتَ جَمِيعَ أَمْرِك وَإِذَا قَصَدْت لِحَاجَةٍ فَاقْصِدْ لِمُعْتَرِفٍ بِقَدْرِك وَقَدْ أَفْرَدَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَنَسَبِهِ وَأَشْعَارِهِ كُتُبًا مَشْهُورَةً، وَفِيمَا ذَكَرْته تَذْكِرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَلَوْلَا خَوْفُ الْمَلَلِ لَشَحَنْت كِتَابِي هَذَا مِنْهَا بِأَبْوَابٍ وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمُخْتَصَرُ (فِي غَايَةِ الِاخْتِصَارِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَطْوَلَ مِنْهُ وَغَايَةُ الشَّيْءِ مَعْنَاهَا تَرَتُّبُ الْأَثَرِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا تَقُولُ: غَايَةُ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ حِلُّ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ، وَغَايَةُ الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ إجْزَاؤُهَا. (وَ) فِي (نِهَايَةِ الْإِيجَازِ) بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ أَيْ الْقَصْرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَغَايُرُ لَفْظَيْ الِاخْتِصَارِ وَالْإِيجَازِ وَالْغَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَالِاخْتِصَارُ حَذْفُ عَرْضِ الْكَلَامِ وَالْإِيجَازُ حَذْفُ طُولِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي إشَارَاتِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَايَةِ وَالنِّهَايَةِ،   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (مَا حَكَّ جِسْمَك) مِنْ مَجْزُوءِ الْكَامِلِ الْمُرَفَّلِ الْمُصَرَّعِ، لِأَنَّ التَّرْفِيلَ خَاصٌّ بِالضَّرْبِ فَدَخَلَ الْعَرُوضَ لِأَجْلِ التَّصْرِيعِ أَيْ لِتَلْتَحِقَ بِالضَّرْبِ. قَوْلُهُ: (لِحَاجَةٍ) اللَّامُ زَائِدَةٌ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لَشَحَنْت) أَيْ مَلَأْت، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ قَاطِبَةً عَلَى ثِقَتِهِ وَوَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ الَّذِي اسْتَنْبَطَهُ. تَنْبِيهٌ: كُلٌّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الصَّوَابِ وَيَجِبُ تَقْلِيدُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَمَنْ قَلَّدَ وَاحِدًا مِنْهُمْ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ، وَعَلَى الْمُقَلِّدِ اعْتِقَادُ أَرْجَحِيَّةِ مَذْهَبِهِ أَوْ مُسَاوَاتُهُ، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِمْ فِي إفْتَاءٍ أَوْ قَضَاءٍ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ فِي الْمَذْهَبِ وَيَمْتَنِعُ التَّلْفِيقُ فِي مَسْأَلَةٍ كَأَنْ قَلَّدَ مَالِكًا فِي طَهَارَةِ الْكَلْبِ وَالشَّافِعِيَّ فِي مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةٍ بِتَمَامِهَا بِجَمِيعِ مُعْتَبَرَاتِهَا فَيَجُوزُ وَلَوْ بَعْدَ الْعَمَلِ كَأَنْ أَدَّى عِبَادَتَهُ صَحِيحَةً عِنْدَ بَعْضِ الْأَرْبَعَةِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَهُ تَقْلِيدُهُ فِيهَا حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ قَضَاؤُهَا، وَيَجُوزُ الِانْتِقَالُ مِنْ مَذْهَبٍ لِغَيْرِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْعَمَلِ اهـ دَيْرَبِيٌّ. فَائِدَةٌ: اتَّفَقَ لِبَعْضِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: يَا رَبِّ بِأَيِّ الْمَذَاهِبِ أَشْتَغِلُ؟ فَقَالَ لَهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ نَفِيسٌ. قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ إلَخْ) هُوَ حَلٌّ مَعْنًى، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ فِي غَايَةِ إلَخْ. صِفَةٌ لِمُخْتَصَرٍ فَلَوْ قَالَ كَابْنِ قَاسِمٍ كَائِنًا ذَلِكَ الْمُخْتَصَرُ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى قَوْلُهُ: (فِي غَايَةِ الِاخْتِصَارِ) أَيْ فِي آخِرِ مَرَاتِبِهِ قَوْلُهُ: (أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَطْوَلَ مِنْهُ) حَيْثُ أُرِيدَ بِالْغَايَةِ آخِرُ مَرَاتِبِ الِاخْتِصَارِ أَيْ لَيْسَ فَوْقَهُ أَخْصَرُ مِنْهُ مُبَالَغَةً فَلَا حَاجَةَ لِهَذَا، بَلْ لَا يَصِحُّ كَمَا قَالَهُ ق ل، وَقَوْلُهُ فَوْقَهُ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَغَايَةُ الشَّيْءِ إلَخْ) هَذَا تَفْسِيرٌ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا، إذْ الْمُرَادُ هُنَا تَقْلِيلُ الْأَلْفَاظِ فَلْيُتَأَمَّلْ اج. فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ فِي غَايَةٍ هِيَ الِاخْتِصَارُ، وَقَدْ يُقَالُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْغَايَةِ قُرْبَ دَرْسِهِ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ وَسُهُولَةَ حِفْظِهِ عَلَى الْمُبْتَدِئِ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى الِاخْتِصَارِ، أَوْ يُرَادُ بِهِ أَيْ الْأَثَرُ اتِّصَافُ الْكَلَامِ بِكَوْنِهِ فِي أَقَلِّ رُتَبِ الِاخْتِصَارِ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ق ل. وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ وَغَايَةُ الشَّيْءِ إلَخْ. هَذَا سَبْقُ قَلَمٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا تَقْلِيلُ اللَّفْظِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُ الْآتِي. قَوْلُهُ: (تَرَتُّبُ الْأَثَرِ إلَخْ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ لِأَنَّ الْغَايَةَ نَفْسُ الْأَثَرِ لَا التَّرَتُّبُ قَوْلُهُ: (أَيْ الْقِصَرِ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ. قَوْلُهُ: (تَغَايُرُ لَفْظَيْ إلَخْ) أَيْ مَعْنَى لَفْظَيْ الِاخْتِصَارِ إلَخْ. إذْ تَغَايُرُ اللَّفْظَيْنِ لَا شَكَّ فِيهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (حَذْفُ عَرْضِ الْكَلَامِ) مَثَّلَ بَعْضُهُمْ لِلْحَذْفِ مِنْ الْعَرْضِ بِقَوْلِهِ عِنْدِي ذَهَبٌ بَدَلَ عَسْجَدٍ وَخَمْرٌ بَدَلَ عَقَارٍ فَالْحَذْفُ مِنْ الْعَرْضِ أَنْ يُؤْتَى بِكَلِمَةٍ قَلِيلَةِ الْحُرُوفِ بَدَلَ كَثِيرَتِهَا. قَوْلُهُ: (حَذْفُ طُولِهِ) وَهُوَ الْإِطْنَابُ كَقَوْلِهِ: وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 (يَقْرَبُ) لِوُضُوحِ عِبَارَتِهِ (عَلَى الْمُتَعَلِّمِ) أَيْ الْمُبْتَدِئِ فِي التَّعَلُّمِ شَيْئًا فَشَيْئًا (دَرْسُهُ) أَيْ بِسَبَبِ اخْتِصَارِهِ وَعُذُوبَةِ أَلْفَاظِهِ، (وَيَسْهُلُ) أَيْ يَتَيَسَّرُ (عَلَى الْمُبْتَدِئِ) أَيْ فِي طَلَبِ الْفِقْهِ (حِفْظُهُ) عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ لِمَا مَرَّ عَنْ الْخَلِيلِ: إنَّ الْكَلَامَ يُخْتَصَرُ لِيُحْفَظَ. تَنْبِيهٌ: حَرْفُ الْمُضَارَعَةِ فِي الْفِعْلَيْنِ مَفْتُوحٌ (وَ) سَأَلَنِي أَيْضًا بَعْضُ الْأَصْدِقَاءِ (أَنْ أُكْثِرَ فِيهِ مِنْ التَّقْسِيمَاتِ) لِمَا   [حاشية البجيرمي] فَالْحَذْفُ مِنْ الطُّولِ أَنْ لَا يُكَرِّرَ فَتَرْكُ التَّكْرِيرِ اخْتِصَارٌ وَتَرْكُ الْإِطْنَابِ إيجَازٌ اهـ سم. وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِتَرَادُفِ الِاخْتِصَارِ وَالْإِيجَازِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِمَا مِنْ الْمُبَالَغَةِ لِلْقَطْعِ بِثُبُوتِ مَا هُوَ أَوْضَحُ وَأَوْجَزُ اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ إلَخْ) لَمْ يُعْلَمْ الْفَرْقُ مِنْ كَلَامِهِ إذْ لَمْ يُبَيِّنْ مَعْنَى النِّهَايَةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: عُلِمَ الْفَرْقُ مِنْ الْعَطْفِ إذْ هُوَ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إلَخْ. أَوْ يُقَالُ عُلِمَ الْفَرْقُ مِنْ تَغَايُرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (يَقْرُبُ لِوُضُوحِ عِبَارَتِهِ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ) ، أَيْ يَسْهُلُ. فَإِنْ قُلْت: هَذَا مُنَافٍ لِقَوْلِهِ فِي غَايَةِ الِاخْتِصَارِ. أُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ عِبَارَتُهُ وَاضِحَةٌ، فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ لِوُضُوحِ عِبَارَتِهِ فَهُوَ جَوَابٌ عَنْ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُبْتَدِئِ فِي التَّعَلُّمِ) وَقَالَ سم أَيْ مُرِيدِ التَّعَلُّمِ قَوْلُهُ: (شَيْئًا فَشَيْئًا) أَخَذَهُ مِنْ التَّاءِ. قَوْلُهُ: (دَرْسُهُ) أَيْ قِرَاءَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُ مَعْنَاهُ ع ش. هَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ لِوُضُوحِ عِبَارَتِهِ لِأَنَّ وُضُوحَ الْعِبَارَةِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْقِرَاءَةِ، فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ قَوْلِهِ دَرْسُهُ بِقَوْلِ الرَّحْمَانِيِّ أَيْ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَيْ بِسَبَبِ اخْتِصَارِهِ إلَخْ) هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ لِوُضُوحِ عِبَارَتِهِ أَيْ يُغْنِي عَنْهُ فِي التَّعْلِيلِ وَإِلَّا فَمَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ فَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ لِوُضُوحِ عِبَارَتِهِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ دَرْسُهُ. قَوْلُهُ: (وَعُذُوبَةِ أَلْفَاظِهِ) أَيْ حَلَاوَتِهَا فَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ وَتَخْيِيلٌ بِأَنَّ شَبَّهَ الْأَلْفَاظَ بِشَيْءٍ عَذْبٍ وَالْعُذُوبَةُ تَخْيِيلٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ يَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُبْتَدِئِ) أَيْ وَعَلَى غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى وَخَصَّ الْمُبْتَدِئَ لِأَنَّهُ أَشَدُّ اعْتِنَاءً بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (حِفْظُهُ) الْحِفْظُ لُغَةً صَوْنُ الشَّيْءِ عَنْ الضَّيَاعِ وَاصْطِلَاحًا اسْتِحْضَارُهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ. قَوْلُهُ: (عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ أَيْ غَيْبٍ كَالظَّهْرِ فِي الْقُوَّةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (حَرْفُ الْمُضَارَعَةِ إلَخْ) وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُضَارِعَ يُضَمُّ أَوَّلُهُ إنْ كَانَ مَاضِيهِ رُبَاعِيًّا وَيُفْتَحُ فِي غَيْرِهِ. قَالَ الْعِمْرِيطِيُّ فِي نَظْمِ الْأَجْرُومِيَّةِ: وَافْتَتَحُوا مُضَارِعًا بِوَاحِدْ ... مِنْ أَحْرُفٍ أَرْبَعَةٍ زَوَائِدْ هَمْزٌ وَنُونٌ ثُمَّ يَاءٌ ثُمَّ تَا ... يَجْمَعُهَا قَوْلُك أَنَيْت يَا فَتَى وَحَيْثُ كَانَتْ فِي رُبَاعِيٍّ تُضَمّْ ... وَفَتْحُهَا فِيمَا سِوَاهُ مُلْتَزَمْ قَوْلُهُ: (وَسَأَلَنِي إلَخْ) لَمْ يُقَدِّرْهُ فِي سَابِقِهِ وَهُوَ يَقْرُبُ وَلَعَلَّهُ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ فِي صِفَاتِ الْمُخْتَصَرِ الْمَسْئُولِ فِيهِ لَمْ يُصَرِّحْ السَّائِلُ بِهِ، وَيُمْكِنُ أَنَّ السَّائِلَ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا وَلَعَلَّ التَّصْرِيحَ فِي الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ سَأَلَنِي وَإِعَادَةُ الشَّيْخِ لَهُ هُنَا لِلْإِشَارَةِ إلَى تَغَايُرِ الْمَوْصُوفَيْنِ. إذْ الْأَوَّلُ مِنْ أَوْصَافِ الْمُخْتَصَرِ، وَالثَّانِي مِنْ أَوْصَافِ الْمُصَنَّفِ وَالصِّنَاعَةُ تَقْتَضِي ذَلِكَ أَيْضًا ع ش قَوْلُهُ: (مِنْ التَّقْسِيمَاتِ) جَمْعُ تَقْسِيمَةٍ بِمَعْنَى الْمَرَّةِ مِنْ التَّقْسِيمِ، أَوْ جَمْعُ تَقْسِيمٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ وَصْفٌ لِغَيْرِ الْعَاقِلِ وَهُوَ الْمُخْتَصَرُ فَيَنْقَاسُ فِيهِ جَمْعُ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمُ نَحْوُ: قَوْلُهُ: {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13] {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: 11] قَالَ النَّاظِمُ: وَقِسْهُ فِي ذِي التَّا وَنَحْوِ ذِكْرَى وَدِرْهَمٍ مُصَغَّرٍ وَصَحْرَا ... وَزَيْنَبَ وَوَصْفِ غَيْرِ الْعَاقِلْ وَغَيْرُ ذَا مُسَلَّمٌ لِلنَّاقِلْ وَالتَّقْسِيمُ لُغَةً التَّفْرِيقُ وَاصْطِلَاحًا ضَمُّ قُيُودٍ إلَى أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ لِتَحْصِيلِ أُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ هِيَ أَقْسَامٌ لِذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُشْتَرَكِ كَالْمَاءِ، فَإِذَا ضَمَمْت إلَيْهِ الْمُطْلَقَ صَارَ قِسْمًا، وَإِذَا ضَمَمْت إلَيْهِ الْمُسْتَعْمَلَ صَارَ قِسْمًا، وَإِذَا ضَمَمْت إلَيْهِ الْمُتَنَجِّسَ صَارَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 يُحْتَاجُ إلَى تَقْسِيمِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الْآتِيَةِ كَمَا فِي الْمِيَاهِ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَتَعْرِفُهُ، (وَ) مِنْ (حَصْرِ) أَيْ ضَبْطِ (الْخِصَالِ) الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ (فَأَجَبْته) أَيْ السَّائِلَ (إلَى ذَلِكَ) أَيْ إلَى تَصْنِيفِ مُخْتَصَرٍ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَطْلُوبَةِ، وَقَوْلُهُ: (طَالِبًا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ أَيْ مُرِيدًا (لِلثَّوَابِ) أَيْ الْجَزَاءِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَصْنِيفِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» وَقَوْلُهُ: (رَاغِبًا) حَالٌ أَيْضًا مِمَّا ذَكَرَ أَيْ مُلْتَجِئًا (إلَى اللَّهِ) سُبْحَانَهُ وَ (تَعَالَى فِي) الْإِعَانَةِ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى حُصُولِ (التَّوْفِيقِ) الَّذِي هُوَ خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ (   [حاشية البجيرمي] قِسْمًا. قَوْلُهُ: (لِمَا يَحْتَاجُ إلَخْ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ لِمُتَعَلِّقٍ أَوْ لِمَحَلِّ مَا يَحْتَاجُ، فَإِنَّ التَّقْسِيمَ لَيْسَ لِلْحُكْمِ بَلْ لِمَحَلِّهِ كَالْمَاءِ مَثَلًا ع ش. أَيْ فَإِنَّ الْمَاءَ مَوْرِدُ التَّقْسِيمِ، وَهُوَ مَحَلٌّ لِلْأَحْكَامِ بِالنَّظَرِ لِثُبُوتِ نَحْوِ الْكَرَاهَةِ لِاسْتِعْمَالِهِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّقْسِيمُ وَارِدًا عَلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ اللَّازِمِ لَهُ تَقْسِيمُ الْحُكْمِ أُطْلِقَ التَّقْسِيمُ عَلَيْهِ مَجَازًا إطْلَاقًا لِوَصْفِ الْمَحَلِّ عَلَى وَصْفِ الْحَالِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ ضَبْطِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا بِالْحَصْرِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيَّ مِنْ حَصْرِ جَمِيعِ أَفْرَادِ الشَّيْءِ غَيْرِ مُخِلٍّ مِنْهَا بِشَيْءٍ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَا هُوَ دَالٌّ عَلَى الْحَصْرِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي الْوَاقِعِ مَحْصُورًا فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَمْ لَا. وَهُوَ الْكَثِيرُ مِنْ حَالِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (أَيْ السَّائِلَ) كَانَ الْمُتَبَادِرُ أَنْ يَقُولَ أَيْ بَعْضَ الْأَصْدِقَاءِ إلَّا أَنَّهُ أَقَامَ الصِّفَةَ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ وَالْمَوْصُوفُ بَعْضُ الْأَصْدِقَاءِ. قَوْلُهُ: (أَيْ إلَى تَصْنِيفِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ بِالشُّرُوعِ لَا بِمُجَرَّدِ الْوَعْدِ وَالْعَزْمِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إلَى الْعَمَلِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْ أَعْمَلَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْعَمَلُ مَعْنَاهُ التَّصْنِيفُ صَنَعَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَطْلُوبَةِ) وَهِيَ كَوْنُهُ مَوْصُوفًا بِالصِّفَاتِ الْخَمْسَةِ الَّتِي طَلَبُوهَا كَوْنُهُ فِي الْفِقْهِ، وَكَوْنُهُ فِي غَايَةِ الِاخْتِصَارِ، وَكَوْنُهُ يَقْرُبُ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ دَرْسُهُ، وَكَوْنُهُ يَسْهُلُ عَلَى الْمُبْتَدِئِ حِفْظُهُ، وَكَوْنُ الْمُصَنِّفِ يُكْثِرُ فِيهِ مِنْ التَّقْسِيمَاتِ وَحَصْرِ الْخِصَالِ اهـ. قَرَّرَهُ ح ف. قَوْلُهُ: (حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ) أَيْ وَهُوَ التَّاءُ مِنْ أَجَبْته. قَوْلُهُ: (أَيْ مُرِيدًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ رَاجِيًا كَمَا قَالَهُ سم. قَوْلُهُ: (عَلَى تَصْنِيفِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِالْجَزَاءِ قَالَ سم: بَلْ وَعَلَى الْإِجَابَةِ إلَيْهِ فَإِنَّهَا خَيْرٌ أَيْضًا لَا لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ ثَنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ لِلثَّوَابِ الثَّوَابُ الدَّائِمُ، فَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ لِدَوَامِ الثَّوَابِ لِأَجْلِ أَنْ يَتَطَابَقَ الدَّلِيلُ وَالْمَدْلُولُ. قَوْلُهُ: (أَيْ مُلْتَجِئًا) الْأَوْلَى سَائِلًا مُبْتَهِلًا. إذْ الرَّغْبَةُ مُفَسَّرَةٌ بِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ فَسَّرَهُ بِمَا قَالَهُ لِتَعْدِيَتِهِ بِإِلَى. قَوْلُهُ: (فِي الْإِعَانَةِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ ضَمَّهَا فِي الطَّلَبِ ع ش. قَوْلُهُ: (مِنْ فَضْلِهِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ قَالُوا بِوُجُوبِ فِعْلِ الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحُ تَنَزُّهُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ: وَقَوْلُهُمْ إنَّ الصَّلَاحَ وَاجِبٌ ... عَلَيْهِ زَوْرُ مَا عَلَيْهِ وَاجِبٌ قَالَ سم: وَالْحَقُّ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى أَنَّ لَهُ تَعَالَى إثَابَةَ الْعَاصِي وَتَنْعِيمَهُ أَبَدًا، لَكِنَّهُ لَا يَقَعُ وَلَهُ تَعْذِيبُ الْمُطِيعِ أَبَدًا وَلَوْ مَلَكًا أَوْ رَسُولًا بِلَا قُبْحٍ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَيْضًا لَا يَقَعُ فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِالْإِعَانَةِ. قَوْلُهُ: (خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ) وَالْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ الْعَرْضُ لِلْقَارِنِ لِلْفِعْلِ فَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ وَتَسْهِيلِ سَبِيلِ الْخَيْرِ إلَيْهِ لِإِخْرَاجِ الْكَافِرِ، وَلِذَا قَالَ سم: خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُقَارَنَةُ لَهَا، وَأَمَّا إذَا أَرَدْنَا بِالْقُدْرَةِ سَلَامَةَ الْآلَاتِ فَيَحْتَاجُ إلَيْهِ اهـ. ثُمَّ إنَّ الطَّاعَةَ هِيَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْقُرْبَةِ، أَعْنِي مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَمِنْ الْعِبَادَةِ أَعْنِي مَا تَعَبَّدَ بِهِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَطَاعَةٌ بِالِامْتِثَالِ كَالنَّظَرِ ... وَقُرْبَةٌ مِنْ عَارِفِ رَبِّ الْبَشَرِ عِبَادَةٌ لِنِيَّةٍ مُفْتَقِرَهْ ... حَقَائِقُ الثَّلَاثِ جَاءَتْ شُهْرَهْ وَقَوْلُهُ: كَالنَّظَرِ أَيْ كَالْأَمْرِ بِالنَّظَرِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِ الْبَارِي. فَائِدَةٌ: التَّوْفِيقُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْمُتَعَلِّمِ شَرْطُهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَرْبَعَةٌ: شِدَّةُ الْعِنَايَةِ، وَمُعَلِّمٌ ذُو نَصِيحَةٍ، وَذَكَاءُ الْقَرِيحَةِ، وَاسْتِوَاءُ الطَّبِيعَةِ أَيْ خُلُوُّهَا عَنْ الْمَيْلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ سِتَّةٌ مَنْظُومَةٌ فِي بَيْتَيْنِ وَهُمَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 لِلصَّوَابِ) الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْخَطَأِ بِأَنْ يُقَدِّرَنِي عَلَى إتْمَامِهِ كَمَا أَقْدَرَنِي عَلَى ابْتِدَائِهِ، فَإِنَّهُ كَرِيمٌ جَوَادٌ لَا يَرُدُّ مَنْ سَأَلَهُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ (إنَّهُ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (عَلَى مَا يَشَاءُ) أَيْ يُرِيدُ (قَدِيرٌ) أَيْ قَادِرٌ. وَالْقُدْرَةُ صِفَةٌ تُؤَثِّرُ فِي الشَّيْءِ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهِ، وَهِيَ إحْدَى الصِّفَاتِ الثَّمَانِيَةِ الْقَدِيمَةِ الثَّابِتَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ الذَّاتِ الْقَدِيمِ الْمُقَدَّسِ. (وَ) هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (بِعِبَادِهِ) جَمْعُ عَبْدٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْإِنْسَانُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا فَقَدْ دُعِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [حاشية البجيرمي] أَخِي لَنْ تَنَالَ الْعِلْمَ إلَّا بِسِتَّةٍ ... سَأُنْبِيكَ عَنْ تَفْصِيلِهَا بِبَيَانِ ذَكَاءٌ وَحِرْصٌ وَاجْتِهَادٌ وَبُلْغَةٌ ... نَصِيحَةُ أُسْتَاذٍ وَطُولُ زَمَانٍ وَلِبَعْضِهِمْ: إنَّ الْمُعَلِّمَ وَالطَّبِيبَ كِلَاهُمَا ... لَا يَنْصَحَانِ إذَا هُمَا لَمْ يُكْرَمَا فَانْظُرْ لِدَائِك إنْ جَفَوْت طَبِيبَهُ ... وَانْظُرْ لِجَهْلِك إنْ جَفَوْت مُعَلِّمَا قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُقْدِرَنِي عَلَى إتْمَامِهِ إلَخْ) فِي تَصْوِيرِ الصَّوَابِ بِهَذَا نَظَرٌ وَاللَّائِقُ شَرْحُهُ بِقَوْلِ سم، وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ بِأَنْ يَرْزُقَنِي مُوَافَقَةَ مَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْوَاقِعِ اهـ. فَمَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرٌ لِلتَّوْفِيقِ فَقَطْ بَلْ لَا يُنَاسِبُ إلَّا لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ التَّوْفِيقُ لِإِتْمَامِهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُطَابَقَةَ مَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْوَاقِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ وَهُوَ الرَّاجِحُ، فَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمَنْ لَمْ يُوَافِقْهُ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ، أَمَّا الْمُخْطِئُ فِي الْأُصُولِ وَهِيَ الْمُعْتَقَدَاتُ فَهُوَ آثِمٌ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَسَائِرِ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ السُّنَّةِ. قَوْلُهُ: (كَرِيمٌ) أَيْ مُعْطٍ جَوَادٌ أَيْ كَثِيرُ الْجُودِ أَيْ الْعَطَاءِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي. وَالْجَوَادُ بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَارِدٌ وَأَمَّا بِتَشْدِيدِهَا فَلَمْ يَرِدْ، فَيَحْرُمُ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُخْتَارِ لِأَنَّ أَسْمَاءَهُ تَوْقِيفِيَّةٌ اهـ م د. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى تَقْدِيرِ اللَّامِ وَبِكَسْرِهَا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا يَشَاءُ) مُتَعَلِّقٌ بِتَقْدِيرِ أَيْ قَادِرٌ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَبَقِيَّةِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الَّتِي بِهَذَا الْوَزْنِ كَرَحِيمٍ أَيْ قَادِرٍ عَلَى مَا يَشَاءُ أَيْ يُرِيدُهُ فَفِيهِ حَذْفُ الْمَفْعُولِ أَيْ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَاتِ. وَالْمَشِيئَةُ وَالْإِرَادَةُ بِمَعْنًى وَهُمَا لُغَةً ضِدُّ الْكَرَاهَةِ وَاصْطِلَاحًا صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ فِي الْأَزَلِ بِتَخْصِيصِ الْحَوَادِثِ بِأَوْقَاتِ حُدُوثِهَا وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى هِيَ صِفَةٌ فِي الْحَيِّ تُوجِبُ تَخْصِيصَ أَحَدِ الْمَقْدُورَيْنِ فِي أَحَدِ الْأَوْقَاتِ بِالْوُقُوعِ مَعَ اسْتِوَاءِ نِسْبَةِ الْقُدْرَةِ إلَى كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَقَرَّبَ الْمُتَكَلِّمُونَ ذَلِكَ لِلْفَهْمِ بِمِثَالٍ فَقَالُوا إذَا وَضَعَ لَك شَخْصٌ رَغِيفَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ وَقَالَ خُذْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ فَأَخْذُك أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ تَخْصِيصٌ لِأَحَدِ الْمَقْدُورَيْنِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ عَنْ الْآخَرِ مَعَ اسْتِوَاءِ نِسْبَةِ الْقُدْرَةِ إلَى الْكُلِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِرَادَةِ م د. قَوْلُهُ: (أَيْ يُرِيدُ) أَشَارَ بِهِ إلَى تَرَادُفِ مَعْنَى الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ ع ش. قَوْلُهُ: (أَيْ قَادِرٌ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْ عَامُّ الْقُدْرَةِ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى تَسَاوِي مَعْنَى فَاعِلٍ وَفَعِيلٍ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ع ش. قَوْلُهُ: (تُؤَثِّرُ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ هُوَ الذَّاتُ فَقَوْلُهُ تُؤَثِّرُ أَيْ مَجَازًا مِنْ الْإِسْنَادِ لِلسَّبَبِ لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تُؤَثِّرُ فَقَدْ كَفَرَ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهِ) أَيْ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ فَقَوْلُ م د. تَعَلُّقًا صُلُوحِيًّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِيهِ عِنْدَ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ. قَوْلُهُ: (الثَّمَانِيَةِ) الْمَنْظُومَةُ فِي قَوْلِهِ: حَيَاةٌ وَعِلْمٌ قُدْرَةٌ وَإِرَادَةٌ ... كَلَامٌ وَإِبْصَارٌ وَسَمْعٌ مَعَ الْبَقَا صِفَاتٌ لِذَاتِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ لَدَى الْأَشْعَرِيِّ الْحَبْرِ ذِي الْعِلْمِ وَالتُّقَى وَالْحَقُّ أَنَّ الْبَقَاءَ صِفَةٌ سَلْبِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ سُبْحَانَهُ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَإِنَّهُ لِأَنَّ. قَوْلَهُ: لَطِيفٌ، مَعْطُوفٌ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 بِذَلِكَ فِي أَشْرَفِ الْمَوَاطِنِ كَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: 1] {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا} [الإسراء: 1] قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ: لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ صِفَةٌ أَتَمُّ وَلَا أَشْرَفُ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: لَا تَدْعُنِي إلَّا بِيَا عَبْدَهَا أَشْطَرُ فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِي. وَقَوْلُهُ: (لَطِيفٌ) مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِالْإِجْمَاعِ، وَاللُّطْفُ الرَّأْفَةُ وَالرِّفْقُ وَهُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ بِأَنْ يَخْلُقَ قُدْرَةَ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ. فَائِدَةٌ: قَالَ السُّهَيْلِيُّ: لَمَّا جَاءَ الْبَشِيرُ إلَى يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَاهُ فِي الْبِشَارَةِ كَلِمَاتٍ كَانَ يَرْوِيهَا عَنْ   [حاشية البجيرمي] خَبَرِ إنَّ السَّابِقَةِ. قَوْلُهُ: (الْإِنْسَانُ) خَرَجَ الْمَلَكُ وَالْجِنُّ فَلَا يُقَالُ لَهُمَا عِبَادٌ عَلَى هَذَا م د لَكِنْ إنْ أُرِيدَ الْإِنْسَانُ مِنْ نَاسٍ بِمَعْنَى تَحَرَّكَ دَخَلَا وَهُوَ الْمُرَادُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] وَإِطْلَاقُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْمَلَكِ لَمْ يَرِدْ فِي اللُّغَةِ فَالْأَوْلَى عَدَمُ تَفْسِيرِ الْعَبْدِ بِهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ تَفْسِيرَهُ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُهُ بِالرَّقِيقِ وَعِبَارَةُ اج قَوْلُهُ الْإِنْسَانُ هُوَ أَحَدُ مَعَانِيهِ أَيْ الْعَبْدُ وَفِي الْحَقِيقَةِ كُلُّ مَخْلُوقٍ وَلَوْ جَمَادًا إذْ مَعْنَى الْعَبْدِ حَقِيقَةً الْخَاضِعُ الْمُحْتَاجُ اهـ وَإِطْلَاقُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْجِنِّ وَارِدٌ فِي الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس: 5] {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: 6] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ النَّاسُ مُفْرَدُهُ إنْسَانٌ وَلِلْعَبْدِ جُمُوعٌ أُخَرُ نَظَمَهَا ابْنُ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ عِبَادٌ عَبِيدٌ جَمْعُ عَبْدٍ وَأَعْبُدْ ... أَعَابِدُ مَعْبُودَاءُ مَعْبَدَةٌ عُبُدْ كَذَاكَ عُبْدَانُ عُبْدَانُ وَأَثْبِتْ ... كَذَاكَ الْعَبْدَا وَامْدُدْ إنْ شِئْت أَنْ تَمُدّْ قَوْلُهُ: (فَقَدْ دُعِيَ) أَيْ وُصِفَ وَكَأَنَّهُ عِلَّةٌ لِلتَّعْمِيمِ وَالظَّاهِرُ ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِ الدَّقَّاقِ. قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ) مِنْ أَكَابِرِ الصُّوفِيَّةِ وَهُوَ شَيْخُ الْإِمَامِ الْقُشَيْرِيِّ لَا الْأُصُولِيِّ. قَوْلُهُ: (أَتَمُّ وَلَا أَشْرَفُ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ نِهَايَةُ التَّوَاضُعِ وَالْخُضُوعِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّ مَا عَلَيْهِ حَسَبَ طَاقَتِهِ اهـ أج وَعَرَّفَ الْمُنَاوِيُّ الْعُبُودِيَّةَ بِأَنَّهَا الْوَفَاءُ بِالْوُعُودِ وَحِفْظُ الْعُهُودِ وَالرِّضَا بِالْمَوْجُودِ وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَفْقُودِ. قَوْلُهُ: (لَا تَدْعُنِي) أَيْ لَا تَصِفْنِي عِنْدَ النِّدَاءِ وَغَيْرِهِ، وَضَمِيرُ عَبْدِهَا لِلْحَضْرَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَسْمَاءِ الصِّفَاتُ وَقَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ: يَا قَوْمِ قَلْبِي عِنْدَ زَهْرَاءَ ... يَعْرِفُهَا السَّامِعُ وَالرَّائِي قَوْلُهُ: (الرَّأْفَةُ وَالرِّفْقُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الرَّأْفَةُ أَشَدُّ الرَّحْمَةِ، وَالرِّفْقُ ضِدُّ الْعُنْفِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ يَشْمَلُ غَيْرَ اللَّهِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَاللَّطِيفُ الْخَفِيُّ عَنْ الْإِدْرَاكِ أَوْ الْعَالِمُ بِدَقَائِقِ الْأُمُورِ، وَالْخَبِيرُ أَعَمُّ مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (وَالْعِصْمَةُ) بِالْكَسْرِ وَهِيَ لُغَةً الْمَنْعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود: 43] أَيْ لَا مَانِعَ وَيُقَالُ عَصَمَهُ الطَّعَامُ إذَا مَنَعَهُ الْجُوعَ وَاصْطِلَاحًا عَدَمُ خَلْقِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالصَّبِيِّ وَالْمَيِّتِ وَمَنْ مَنَعَهُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ مَانِعٌ وَالْأَحْسَنُ تَعْرِيفُهَا بِأَنَّهَا مَلَكَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَمْنَعُ مِنْ الْفُجُورِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهَا مُطْلَقَةً وَمُقَيَّدَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْحِفْظُ عَنْ الْمَعَاصِي، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ الدُّعَاءِ بِهَا مُطْلَقَةً لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهَا فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَاجِبَةٌ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ جَائِزَةٌ وَسُؤَالُ الْجَائِزِ جَائِزٌ، وَأَنَّ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وُقُوعًا لَهُمْ لَا طَلَبُهَا اهـ شَبْرَخِيتِيٌّ. وَعِبَارَةُ سم: وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ سُؤَالِ الْعِصْمَةِ وَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ إنْ قَصَدَ التَّوَقِّيَ عَنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي وَالرَّذَائِلِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ امْتَنَعَ لِأَنَّهُ سُؤَالُ مَقَامِ النُّبُوَّةِ، أَوْ التَّحَفُّظُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالتَّحَصُّنُ مِنْ أَفْعَالِ السُّوءِ، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَيَبْقَى الْكَلَامُ حَالَ الْإِطْلَاقِ، وَالْمُتَّجَهُ عِنْدِي الْجَوَازُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ لِلْمَحْذُورِ وَاحْتِمَالِهِ لِلْوَجْهِ الْجَائِزِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَخْلُقَ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِلتَّوْفِيقِ وَلَمْ يُفَسِّرْ الْعِصْمَةَ فَطَاهِرُهُ أَنَّهَا مُرَادِفَةٌ لِلتَّوْفِيقِ، وَقَدْ يُقَالُ لَمْ يُفَسِّرْهَا لِأَنَّهُ لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهِيَ: يَا لَطِيفًا فَوْقَ كُلِّ لَطِيفٍ اُلْطُفْ بِي فِي أُمُورِي كُلِّهَا كَمَا أُحِبُّ وَرَضِّنِي فِي دُنْيَايَ وَآخِرَتِي وَقَوْلُهُ: (خَبِيرٌ) مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ أَيْ هُوَ عَالِمٌ بِعِبَادِهِ وَبِأَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَبِمَوَاضِعِ حَوَائِجِهِمْ وَمَا تُخْفِيهِ صُدُورُهُمْ. وَإِذْ قَدْ أَنْهَيْنَا الْكَلَامَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا قَصَدْنَاهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْخُطْبَةِ فَنَذْكُرُ طَرَفًا مِنْ مَحَاسِنِ هَذَا الْكِتَابِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ. فَنَقُولُ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ عَلِمَ مِنْ مُؤَلِّفِهِ خُلُوصَ نِيَّتِهِ فِي تَصْنِيفِهِ فَعَمَّ النَّفْعُ بِهِ فَقَلَّ مِنْ مُتَعَلِّمٍ إلَّا وَيَقْرَؤُهُ أَوَّلًا إمَّا بِحِفْظٍ وَإِمَّا بِمُطَالَعَةٍ، وَقَدْ اعْتَنَى بِشَرْحِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ الْقَاصِدِينَ بِعِلْمِهِمْ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَرَارَهُ الْجَنَّةَ وَجَعَلَهُ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَفَعَلَ ذَلِكَ بِنَا وَبِوَالِدِينَا وَمَشَايِخِنَا وَمُحِبِّينَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَلَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمِنْ أَعْظَمِ شُرُوطِهَا الطَّهَارَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ» وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ طَبْعًا فَقُدِّمَ وَضْعًا بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهَا فَقَالَ   [حاشية البجيرمي] يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ م د. قَوْلُهُ: (يَا لَطِيفًا) وَفِي نُسْخَةٍ يَا لَطِيفُ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مِنْ نِدَاءِ الْمَوْصُوفِ فَيُنْصَبُ إذْ هُوَ حِينَئِذٍ مِنْ الشَّبِيهِ بِالْمُضَافِ، أَوْ مِنْ وَصْفِ الْمُنَادَى فَيَبْقَى عَلَى بِنَائِهِ عَلَى الضَّمِّ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَبِعِبَادِهِ لَطِيفٌ خَبِيرٌ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} [الشورى: 19] ثُمَّ إنْ فَسَّرَ اللُّطْفَ بِالتَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ اخْتَصَّ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ فَسَّرَهُ بِالْعَامِّ أَيْ بِالْأَمْرِ الْعَامِّ كَالْإِحْسَانِ يَشْمَلُ الْكَافِرَ أَيْضًا بِأَنْ لَا يَقْتُلَهُمْ جُوعًا وَنَحْوَهُ بِمَعَاصِيهِمْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ. قَوْلُهُ: (فَوْقَ كُلِّ لَطِيفٍ) أَيْ فَوْقِيَّةٌ مَعْنَوِيَّةٌ، وَقَدْ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي كَرْبٍ وَقَرَأَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَرَّةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِفَضْلِهِ ذَلِكَ الْكَرْبَ. قَوْلُهُ: (وَرَضِّنِي) أَيْ اجْعَلْنِي رَاضِيًا بِمَا أَنْعَمْت بِهِ عَلَيَّ أَوْ أَعْطِنِي مَا يُرْضِينِي فِي دُنْيَايَ وَآخِرَتِي. قَوْلُهُ: (مِنْ مَحَاسِنِ) أَيْ ضِمْنًا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ مَحَاسِنُ الْمُؤَلِّفِ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (قِرَاهُ) أَيْ مَحَلُّ قِرَاهُ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ ضِيَافَتِهِ وَإِكْرَامِهِ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: قَرَيْت الضَّيْفَ أَقْرِيهِ مِنْ بَابِ رَمَى قِرًى بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قِرَارِهِ. قَوْلُهُ. (بَعْدَ الْإِيمَانِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا وَلَا كَذَلِكَ الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا بَدَنِيَّةٌ وَتَكُونُ نَفْلًا. قَوْلُهُ (وَمِنْ أَعْظَمِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ مِنْ لِيَتِمَّ لَهُ تَوْجِيهُ الْبُدَاءَةِ بِالطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الطَّهَارَةُ أَعْظَمَ شُرُوطِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ لَهَا مَزِيَّةً عِنْدَ الْفَقِيهِ عَلَى بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ فَاقِدِ السُّتْرَةِ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ تُغْنِيهِ عَنْ الْقَضَاءِ، وَمَنْ صَلَّى ظَانًّا دُخُولَ الْوَقْتِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ لَا يُحْكَمُ عَلَى صَلَاتِهِ بِالْبُطْلَانِ، بَلْ تَصِحُّ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مِنْ جِنْسِهَا، وَإِلَّا وَقَعَتْ عَنْهَا بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى ظَانًّا الطَّهَارَةَ فَبَانَ خِلَافُهَا فَيَتَبَيَّنَ بُطْلَانَهَا. وَمَنْ صَلَّى فِي نَفْلِ السَّفَرِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ الْقِبْلَةُ، فَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَعَظْمِيَّةِ الطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ تُسْتَفَادُ الْأَعْظَمِيَّةُ مِنْ الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِيهِ عَلَى حَدِّ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» ثُمَّ فِي قَوْلِهِ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ» اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ وَتَخْيِيلٌ حَيْثُ شَبَّهَ الصَّلَاةَ بِالْمَحَلِّ الْمُغْلَقِ فِي تَوَقُّفِ الْوُصُولِ إلَيْهِ بِشَيْءٍ كَالْمِفْتَاحِ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ، وَإِثْبَاتُ الْمِفْتَاحِ تَخْيِيلٌ. وَالطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ الْفِعْلُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا أَمَّا بِفَتْحِهَا فَالْمَاءُ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا. قَوْلُهُ: (بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهَا) جَوَابٌ لِمَا، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَبَدَأَ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ آلَتُهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] وَاعْلَمْ أَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ إمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِعِبَادَةٍ أَوْ بِمُعَامَلَةٍ أَوْ بِمُنَاكَحَةٍ أَوْ بِجِنَايَةٍ، وَأَهَمُّهَا الْعِبَادَةُ لِتَعَلُّقِهَا بِالدِّينِ، ثُمَّ الْمُعَامَلَةُ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا، ثُمَّ الْمُنَاكَحَةُ لِأَنَّهَا دُونَهَا فِي الْحَاجَةِ، ثُمَّ الْجِنَايَةُ لِأَنَّهَا غَالِبًا إنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، فَرَتَّبُوهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَرَتَّبُوا الْعِبَادَةَ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُمَا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ عَلَى تَرْتِيبِ خَبَرِ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ إلَخْ. وَاخْتَارُوا رِوَايَةَ تَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ عَلَى رِوَايَةِ تَقْدِيمِ الْحَجِّ، لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ فَوْرِيٌّ وَيَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ وَإِفْرَادُ مَنْ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا فِي هَذِهِ الْحِكْمَةِ لِلْفَرَائِضِ لَعَلَّهُ لِكَوْنِهَا عِلْمًا مُسْتَقِلًّا، أَوْ لِجَعْلِهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ حُكْمًا، إذْ مَرْجِعُهَا قِسْمَةُ التَّرِكَاتِ وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْمُعَامَلَاتِ، وَأَخَّرُوا الْقَضَاءَ وَالشَّهَادَاتِ وَالدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُعَامَلَاتِ وَالْمُنَاكَحَاتِ وَالْجِنَايَاتِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 كِتَابُ الطَّهَارَةِ] هَذَا كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكِتَابَ لُغَةً مَعْنَاهُ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ يُقَالُ كَتَبْت كَتْبًا وَكِتَابَةً وَكِتَابًا وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَكَتَّبَتْ بَنُو فُلَانٍ إذَا   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ] لَوْ أَبْقَى الْمَتْنَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ كَمَا ذَكَرَ أَحْكَامَ الطَّهَارَةِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ ذَكَرَ نَفْسَهَا حَيْثُ بَيَّنَ الْوُضُوءَ بِبَيَانِ أَرْكَانِهِ وَسُنَنِهِ، وَبَيَّنَ الْغُسْلَ وَالتَّيَمُّمَ وَإِزَالَةَ النَّجَاسَةِ، أَوْ كَأَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ: كِتَابُ بَيَانِ الطَّهَارَةِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَصِحُّ هُنَا مَعَانِي الْإِضَافَةِ الثَّلَاثَةُ مِنْ وَاللَّامُ وَفِي، أَمَّا مِنْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ الطَّهَارَةِ أَيْ مِنْ أَنْوَاعِهَا نَحْوُ: خَاتَمُ فِضَّةٍ أَيْ مِنْ فِضَّةٍ، وَأَمَّا اللَّامُ فَالْمَعْنَى هَذَا كِتَابٌ لِلطَّهَارَةِ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ مُخْتَصٌّ بِالطَّهَارَةِ مِنْ بَيْنِ كُتُبِ الْفِقْهِ لَا يُشَارِكُ الطَّهَارَةَ فِيهِ غَيْرُهَا مِنْ أَجْنَاسِ الْفِقْهِ، وَأَمَّا " فِي " فَتَقْدِيرُهُ هَذَا كِتَابٌ فِي الطَّهَارَةِ أَيْ مَظْرُوفٌ فِي الطَّهَارَةِ مُنْدَرِجٌ فِي سِلْكِ أَحْكَامِهَا شَوْبَرِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (اعْلَمْ أَنَّ الْكِتَابَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ التَّرَاجِمَ هِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ كَمَا قَالَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وح ف الْمَشْهُورَةُ خَمْسَةٌ: الْكِتَابُ وَالْبَابُ وَالْفَصْلُ وَالْفَرْعُ وَالْمَسْأَلَةُ وَكُلٌّ لَهُ مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَمَعْنًى اصْطِلَاحِيٌّ فَتِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلْأَلْفَاظِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي، وَقِيلَ أَسْمَاءٌ لِلْأَلْفَاظِ، وَقِيلَ لِلْمَعَانِي، وَقِيلَ لِلنُّقُوشِ، وَقِيلَ لِاثْنَيْنِ مِنْهَا، وَقِيلَ لِلثَّلَاثَةِ؛ فَهِيَ سَبْعَةُ احْتِمَالَاتٍ: الْأَوَّلُ: الْمُخْتَارُ وَتَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ. فَالْبَابُ فُرْجَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ وَبِالْعَكْسِ. وَالْفَصْلُ الْحَاجِزُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ. وَالْفَرْعُ مَا بُنِيَ عَلَى غَيْرِهِ وَالْأَصْلُ عَكْسُهُ. وَالْمَسْأَلَةُ لُغَة السُّؤَالُ وَعُرْفًا مَطْلُوبٌ خَبَرِيٌّ يُبَرْهَنُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ أَيْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْبُرْهَانُ أَيْ الدَّلِيلُ أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ، وَهِيَ تُطْلَقُ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ وَالْحُكْمِ، وَعَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْأَلُ عَنْهُ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُطْلَبُ بِالدَّلِيلِ فَمَطْلَبٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُبْحَثُ عَنْهُ فَمَبْحَثٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُدَّعَى فَمُدَّعَى، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِالْحُجَّةِ فَنَتِيجَةٌ. اهـ. م د. وَأَشَارُوا بِقَوْلِهِمْ غَالِبًا إلَى خُلُوِّ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ: الْبَابُ اصْطِلَاحًا اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْكِتَابِ وَالْفَصْلِ فَإِنْ جَمَعْت الثَّلَاثَةَ قُلْت الْكِتَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَبْوَابٍ وَفُصُولٍ وَالْبَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى فُصُولٍ وَالْفَصْلُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مَسَائِلَ فَالْكِتَابُ كَالْجِنْسِ الْجَامِعِ لِأَبْوَابٍ جَامِعَةٍ لِفُصُولٍ جَامِعَةٍ لِمَسَائِلَ فَالْأَبْوَابُ أَنْوَاعُهُ وَالْفُصُولُ أَصْنَافُهُ وَالْمَسَائِلُ أَشْخَاصُهُ اهـ كَلَامُهُ فَالثَّلَاثَةُ كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ إذَا اجْتَمَعَتْ افْتَرَقَتْ وَإِذَا افْتَرَقَتْ اجْتَمَعَتْ. قَوْلُهُ: (لُغَةً) أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ أَوْ حَالَةَ كَوْنِهِ لُغَةً، أَوْ أَعْنِي لُغَةً أَوْ فِي اللُّغَةِ، فَالنَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ لِلنِّسْبَةِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، أَوْ عَلَى الْحَالِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ مَجِيءَ الْحَالِ مِنْ النِّسْبَةِ الْكَلَامِيَّةِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ عَلَى مَا فِيهِ، لَكِنْ الرَّاجِحُ أَنَّهُ سَمَاعِيٌّ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفِينَ يُنْزِلُونَهُ مَنْزِلَةَ الْمَسْمُوعِ لِكَثْرَتِهِ شَوْبَرِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. وَالْمُرَادُ بِاللُّغَةِ لُغَةُ الْعَرَبِ وَهِيَ أَلْفَاظٌ وَضَعَهَا الْوَاضِعُ يُعَبِّرُ بِهَا كُلُّ قَوْمٍ عَنْ أَغْرَاضِهِمْ، وَالْوَاضِعُ لَهَا قِيلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَ أَلْفَاظًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 اجْتَمَعُوا وَكَتَبَ إذَا خَطَّ بِالْقَلَمِ لِمَا فِيهِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ قَالَ أَبُو حَيَّانَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنْ الْكَتْبِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُشْتَقُّ مِنْ الْمَصْدَرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَزِيدَ يُشْتَقُّ مِنْ الْمُجَرَّدِ وَاصْطِلَاحًا اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْبَابِ وَبِالْفَصْلِ أَيْضًا فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ قِيلَ الْكِتَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَبْوَابٍ وَفُصُولٍ وَمَسَائِلَ غَالِبًا وَالْبَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْكِتَابِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى فُصُولٍ وَمَسَائِلَ غَالِبًا وَالْفَصْلُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْبَابِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مَسَائِلَ غَالِبًا وَالْبَابُ لُغَةً مَا يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَالْفَصْلُ لُغَةً الْحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَالْكِتَابُ هُنَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ مُضَافٌ إلَى مَحْذُوفَيْنِ كَمَا قَدَّرْته وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي كُلِّ كِتَابٍ أَوْ بَابٍ أَوْ فَصْلٍ   [حاشية البجيرمي] وَوَضَعَهَا بِإِزَاءِ الْمَعَانِي، وَخَلَقَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا فِي أُنَاسٍ بِأَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ مَوْضُوعَةٌ لِتِلْكَ الْمَعَانِي، وَقِيلَ الْوَاضِعُ لَهَا الْبَشَرُ بِاصْطِلَاحٍ وَتَوَافُقٍ بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ. قَوْلُهُ: (وَالْجَمْعُ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ لِأَنَّ كُلَّ ضَمٍّ فِيهِ جَمْعٌ وَلَا عَكْسَ لِأَخْذِ التَّلَاصُقِ فِي مَفْهُومِ الضَّمِّ دُونَ الْجَمْعِ. قَوْلُهُ: (يُقَالُ كَتَبْت كَتْبًا) أَيْ يُقَالُ قَوْلًا جَارِيًا عَلَى طَرِيقَةِ اللُّغَةِ، وَقَوْلُهُ: كَتْبًا مَصْدَرٌ لِكَتَبَ وَهُوَ مَقِيسٌ لِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ: فِعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى. وَأَمَّا اللَّذَانِ بَعْدَهُ فَسَمَاعِيَّانِ: قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ) أَيْ الْخَطِّ. وَقَوْلُهُ: كَتْبًا مَعْنَاهُ الْجَمْعُ. وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ مُجَرَّدٌ وَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَهُ كِتَابًا لِأَنَّ فِيهِ حَرْفًا زَائِدًا فَقَطْ، وَكِتَابَةٌ فِيهِ حَرْفَانِ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَشْهَرَ مِنْ كِتَابًا قُدِّمَ عَلَيْهِ اهـ اج. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: كَتْبًا مَصْدَرٌ مُجَرَّدٌ، وَكِتَابَةً وَكِتَابًا مَصْدَرَانِ مَزِيدَانِ، وَالْأَوَّلُ مَزِيدٌ بِحَرْفَيْنِ، وَالثَّانِي بِحَرْفٍ وَقَدَّمَ الْمَزِيدَ بِحَرْفَيْنِ لِشُهْرَتِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (الْمَزِيدَ) وَهُوَ الْكِتَابُ وَالْكِتَابَةُ. قَوْلُهُ: (يُشْتَقُّ مِنْ الْمُجَرَّدِ) وَهُوَ الْكَتْبُ أَيْ يُؤْخَذُ مِنْهُ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَصْدَرَ جَامِدٌ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَاصْطِلَاحًا) أَيْ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ أَيْ فِي عُرْفِهِمْ. وَالِاصْطِلَاحُ اتِّفَاقُ طَائِفَةٍ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ بَيْنَهُمْ مَتَى أُطْلِقَ انْصَرَفَ إلَيْهِمْ، وَعَبَّرَ فِي الْكِتَابَةِ عَنْ مُقَابِلِ اللُّغَوِيِّ بِقَوْلِهِ وَاصْطِلَاحًا، وَفِي الطَّهَارَةِ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ مَا تَلْقَى مَعْنَاهَا مِنْ الشَّارِعِ، وَأَنَّ مَا لَمْ يَتَلَقَّ مِنْ الشَّارِعِ يُسَمَّى اصْطِلَاحًا وَإِنْ كَانَ فِي عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ بِأَنْ اصْطَلَحُوا عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنًى فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَتَلَقَّوْا التَّسْمِيَةَ بِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ، نَعَمْ قَدْ يَسْتَعْمِلُونَ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ فِيمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَلَقًّى مِنْ الشَّارِعِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْعِلْمِ) أَيْ مِنْ دَالِّ الْعِلْمِ فَلَا يُخَالِفُ مَا اخْتَارَهُ السَّيِّدُ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي أَسْمَاءِ الْكُتُبِ وَالْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَخْ) أَيْ هَذَا إنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهَا أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ تُسَمَّى بِأَسْمَاءٍ إذَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهَا إلَخْ. فَهُوَ تَفْصِيلٌ لِلْمُجْمَلِ السَّابِقِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مُخْتَصَّةٍ) مَعْنَى اخْتِصَاصِهَا كَوْنُهَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: (مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَبْوَابٍ إلَخْ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَيْسَتْ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ بَلْ الْكِتَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَا ذُكِرَ، فَلَوْ حَذَفَهَا لَكَانَ أَوْلَى لِإِيهَامِ تَوَقُّفِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهَا، لَكِنْ هَذَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ غَالِبًا كَمَا فِي الْإِطْفِيحِيِّ. بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ يَقْتَضِي أَنَّ التَّرْجَمَةَ هِيَ لَفْظُ الْكِتَابِ فَقَطْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّرَاجِمَ مِنْ قَبِيلِ عَلَمِ الْجِنْسِ أَوْ الشَّخْصِ عَلَى الْخِلَافِ فَيَلْزَمُ إضَافَةُ الْعَلَمِ، وَلَوْ جُعِلَتْ التَّرْجَمَةُ مَجْمُوعَ التَّرْكِيبِ الْإِضَافِيِّ كَانَ أَحْسَنَ، غَيْرَ أَنَّ الشَّارِحَ عَرَّفَ كُلًّا مِنْ الْجُزْأَيْنِ عَلَى حِدَتِهِ لِبَيَانِ حَالِهِمَا قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْآنَ لَا مَعْنَى لِكُلِّ جُزْءٍ عَلَى حِدَتِهِ لِأَنَّهُ جُزْءُ عَلَمٍ. قَوْلُهُ: (وَالْبَابُ لُغَةً مَا يُتَوَصَّلُ) أَيْ فُرْجَةٌ يُتَوَصَّلُ إلَخْ. وَأَمَّا الْخَشَبُ فَتَسْمِيَتُهُ بَابًا مَجَازٌ لِلْمُجَاوَرَةِ أَوْ الْحَالِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ. وَأَلْغَزَ بَعْضُهُمْ فِي بَابِ الْخَشَبِ الَّذِي لَهُ مِصْرَاعَانِ فَقَالَ: خَلِيلَانِ مَمْنُوعَانِ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ ... يَبِيتَانِ طُولَ اللَّيْلِ يَعْتَنِقَانِ هُمَا يَحْفَظَانِ الْأَهْلَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ ... وَعِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَفْتَرِقَانِ قَوْلُهُ: (وَالْكِتَابُ هُنَا) احْتَرَزَ عَمَّا إذَا صَرَّحَ بِالْمُبْتَدَأِ. قَوْلُهُ: (مُضَافٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ خَبَرٍ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ وَإِذْ قَدْ عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فِي كُلِّ كِتَابٍ أَوْ بَابٍ أَوْ فَصْلٍ اخْتِصَارًا. وَالطَّهَارَةُ لُغَةً النَّظَافَةُ وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَانَتْ الْأَنْجَاسُ أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ يُقَالُ طَهُرَ بِالْمَاءِ وَهُمْ قَوْمٌ يَتَطَهَّرُونَ أَيْ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الْعَيْبِ وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهَا وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ إنَّهُ ارْتِفَاعُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ فَيَدْخُلُ فِيهِ غُسْلُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجْنُونَةِ لِيَحِلَّانِ لِحَلِيلِهِمَا الْمُسْلِمِ فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْوَطْءِ   [حاشية البجيرمي] مَرْفُوعًا مُبْتَدَأً خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَوْ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ مَجْرُورًا بِحَرْفِ جَرٍّ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ. وَفِي قَوْلِهِ مُضَافٌ إلَى مَحْذُوفَيْنِ تَسَامُحٌ فَإِنَّهُ مُضَافٌ إلَى بَيَانٍ وَبَيَانٌ مُضَافٌ إلَى أَحْكَامٍ. قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ) لَوْ قَالَ بِحَسَبِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا. قَوْلُهُ: (وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ لِأَنَّ الْخُلُوصَ مِنْ الْأَدْنَاسِ يَشْمَلُ الْحِسِّيَّةَ كَالْأَنْجَاسِ وَالْمَعْنَوِيَّةَ كَالْعُيُوبِ وَالنَّظَافَةُ خَاصَّةٌ بِالْحِسِّيَّةِ، أَوْ عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبِّبٍ، أَوْ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ، أَوْ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِأَنَّ النَّظَافَةَ أَيْضًا تَشْمَلُ الْحِسِّيَّةَ وَالْمَعْنَوِيَّةَ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ نَظِيفٌ أَيْ مُنَزَّهٌ عَنْ النَّقَائِصِ يُحِبُّ النَّظَافَةَ» اهـ. قَرَّرَهُ شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّهَارَةَ قِسْمَانِ عَيْنِيَّةٌ وَحُكْمِيَّةٌ، فَالْعَيْنِيَّةُ هِيَ مَا لَا تَتَجَاوَزُ مَحَلَّ سَبَبِهَا كَمَا فِي غَسْلِ الْيَدِ مَثَلًا عَنْ النَّجَاسَةِ، فَإِنَّ الْغَسْلَ لَا يُجَاوِزُ مَحَلَّ إصَابَةِ النَّجَاسَةِ، وَالْحُكْمِيَّةُ هِيَ الَّتِي تُجَاوِزُ مَحَلَّ مَا ذُكِرَ كَمَا فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ عَنْ الْحَدَثِ فَإِنَّ مَحَلَّ السَّبَبِ الْفَرْجُ مَثَلًا حَيْثُ خَرَجَ مِنْهُ خَارِجٌ، وَقَدْ وَجَبَ غَسْلُ غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَعْضَاءُ. وَلَهَا وَسَائِلُ وَمَقَاصِدُ، فَوَسَائِلُهَا أَرْبَعٌ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْوَسَائِلِ الْمُقَدِّمَاتُ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. وَهِيَ الْمِيَاهُ وَالْأَوَانِي وَالِاجْتِهَادُ وَالنَّجَاسَةُ. وَلَمَّا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مُوجِبَةً لِلطَّهَارَةِ عُدَّتْ مِنْ الْوَسَائِلِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَمَقَاصِدُهَا أَرْبَعٌ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَلَمْ يَعُدُّوا التُّرَابَ مِنْ الْوَسَائِلِ كَالْمِيَاهِ وَلَا الْأَحْدَاثَ مِنْهَا كَالنَّجَاسَةِ، لِأَنَّ التُّرَابَ لَمَّا كَانَ طَهَارَةً ضَرُورَةً لَمْ يُعَدَّ مِنْ الْوَسَائِلِ، وَلَمَّا لَمْ تَتَوَقَّفْ الطَّهَارَةُ عَلَى الْحَدَثِ دَائِمًا بَلْ قَدْ تَجِبُ بِلَا سَبْقِ حَدَثٍ كَالْمَوْلُودِ إذَا أُرِيدَ تَطْهِيرُهُ لِلطَّوَافِ بِهِ لَمْ يَعُدُّوا الْحَدَثَ مِنْهَا أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ع ش إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَالْأَنْجَاسِ) أَيْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ. قَوْلُهُ: (فِي تَفْسِيرِهَا) أَيْ تَعْرِيفِهَا قَوْلُهُ: (وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ إلَخْ) إنَّمَا كَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ لَهَا بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلطَّهَارَةِ قَوْلُهُ (فِيهِ) أَيْ تَعْرِيفِهَا. وَقَوْلُهُ: (أَنَّهُ) أَيْ تَعْرِيفَهَا. قَوْلُهُ: (ارْتِفَاعُ إلَخْ) هَذَا بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ فَإِنَّ لَهَا إطْلَاقَيْنِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ تُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ مَجَازًا عِنْدَهُمْ مِنْ إطْلَاقِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ وَتُطْلَقُ عَلَى الْوَصْفِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ أَثَرُهُ حَقِيقَةً فَتَعْرِيفُهَا الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفُ. وَقَوْلُهُ الْآتِي وَقِيلَ هِيَ فِعْلٌ إلَخْ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ، لَكِنْ كُلٌّ مِنْ تَعْرِيفَيْهِ خَاصٌّ بِالطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ: أَوْ مَا فِيهِ ثَوَابٌ مُجَرَّدٌ لِيَشْمَلَ الْمَنْدُوبَةَ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ حَجَرٍ بِمَا يَعُمُّ الْوَاجِبَةَ وَالْمَنْدُوبَةَ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ وَهُوَ أَخْصَرُ تَعْرِيفٍ وَأَشْمَلُهُ بِقَوْلِهِ: فِعْلُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ أَوْ مَا فِيهِ ثَوَابٌ مُجَرَّدٌ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ إلَى نَحْوِ التَّيَمُّمِ، وَبِقَوْلِهِ أَوْ مَا فِيهِ ثَوَابٌ مُجَرَّدٌ إلَى نَحْوِ الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَإِلَى الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الْمَنْدُوبَيْنِ فَرَاجِعْ. قَوْلُهُ: (غُسْلُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجْنُونَةِ) أَيْ مِنْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَوْلُهُ لِيَحِلَّانِ لِحَلِيلِهِمَا لَيْسَ قَيْدًا وَكَذَا قَوْلُهُ الْمُسْلِمِ وَإِثْبَاتُ النُّونِ فِي لِيَحِلَّانِ فِي غَالِبِ النُّسَخِ لَا وَجْهَ لَهُ، فَالصَّوَابُ حَذْفُهَا لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٌ جَوَازًا بَعْدَ لَامِ التَّعْلِيلِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ مَاءَ هَذَا الْغُسْلِ مُسْتَعْمَلٌ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِمَنْ يَعْتَقِدُ تَوَقُّفَ الْحِلِّ عَلَى الْغُسْلِ، فَخَرَجَ الْحَنَفِيُّ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ تَوَقُّفَ الْحِلِّ عَلَى الْغُسْلِ بَلْ عَلَى الِانْقِطَاعِ فَقَطْ فَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَخَرَجَ مَا لَوْ اغْتَسَلَ الْكَافِرُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ الْجَنَابَةِ فَإِنَّ الْمَاءَ لَا يَكُونُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 قَدْ زَالَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ شَرْعِيًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا وَلَمْ يُزِلْ نَجِسًا وَكَذَا يُقَالُ فِي غَسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ أَزَالَ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُزَلْ بِهِ حَدَثٌ وَلَا نَجَسٌ بَلْ هُوَ تَكْرِمَةٌ لِلْمَيِّتِ وَقِيلَ هِيَ فِعْلُ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ. وَتَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ كَالطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ، وَمُسْتَحَبٍّ كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ، ثُمَّ الْوَاجِبُ يَنْقَسِمُ إلَى بَدَنِيٍّ وَقَلْبِيٍّ، فَالْقَلْبِيُّ كَالْحَسَدِ وَالْعُجْبِ وَالرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: مَعْرِفَةُ حُدُودِهَا وَأَسْبَابِهَا وَطِبِّهَا وَعِلَاجِهَا فَرْضُ عَيْنٍ يَجِبُ تَعَلُّمُهُ،   [حاشية البجيرمي] مُسْتَعْمَلًا لِعَدَمِ تَوَقُّفِ حَالِ التَّمَتُّعِ عَلَيْهِ م د. وَقَوْلُهُ: فَالصَّوَابُ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَالْأَوْلَى لِأَنَّ بَعْضَهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلًا عَلَى مَا قَالَ الشَّاعِرُ: أَنْ تَقْرَآَنِ عَلَى أَسْمَاءَ وَيْحَكُمَا ... مِنِّي السَّلَامَ وَأَنْ لَا تُشْعِرَا أَحَدَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلًا عَلَى ... مَا أُخْتُهَا حَيْثُ اسْتَحَقَّتْ عَمَلَا قَوْلُهُ: (وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ غُسْلٌ شَرْعِيٌّ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ الْمُرَتَّبِ عَلَى حُدُوثِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا يُقَالُ) رَاجِعٌ لِلْمُعْتَمَدِ أَوْ لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ تَكْرِمَةٌ لِلْمَيِّتِ) قَدْ يُقَالُ هُوَ مَعَ كَوْنِهِ تَكْرِمَةً أَزَالَ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْمَوْتِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْحَدَثِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْمُرَادَ ارْتِفَاعُ الْمَنْعِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْحَدَثِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ م د. قَوْلُهُ: (فِعْلُ مَا) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ لِأَنَّ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ فِعْلٌ، أَوْ الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمُضَافِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ التَّطَهُّرُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَشْمَلُ الطَّهَارَةَ الْمَنْدُوبَةَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ أَوْ مَا فِيهِ ثَوَابٌ مُجَرَّدٌ كَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ أَوْ الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ. قَوْلُهُ: (وَتَنْقَسِمُ) لَوْ أَظْهَرَ الْفَاعِلَ وَقَالَ: وَتَنْقَسِمُ الطَّهَارَةُ كَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُنْقَسِمَ لِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ الطَّهَارَةِ الْمُعَرَّفَةِ بِمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْوَاجِبُ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ مَا تَأَكَّدَ طَلَبُهُ فَيَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ بِدَلِيلِ مَا قَرَّرَهُ فِي الْبَدَنِيِّ. أَوْ يُقَالُ غَلَّبَ الْوَاجِبَ لِشَرَفِهِ. قَوْلُهُ: كَالْحَسَدِ أَيْ كَالتَّنَزُّهِ عَنْ الْحَسَدِ بِفَتْحِ السِّينِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ حَسَدْته عَلَى النِّعْمَةِ وَحَسَدْته النِّعْمَةَ حَسَدًا بِفَتْحِ السِّينِ أَكْثَرُ مِنْ سُكُونِهَا يَتَعَدَّى إلَى الثَّانِي بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ إذَا كَرِهْتهَا عِنْدَهُ وَتَمَنَّيْت زَوَالَهَا عَنْهُ وَالْفَاعِلُ حَاسِدٌ وَالْجَمْعُ حُسَّادٌ وَحَسَدَةٌ اهـ. وَيُفَارِقُ الْغِبْطَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ الْغَيْرِ وَهِيَ تَمَنِّي حُصُولِ مِثْلِ مَا لِلْغَيْرِ، وَرُبَّمَا عُبِّرَ عَنْهَا بِالْحَسَدِ مَجَازًا مِثْلُ: «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ» وَسَبَبُ الْحَسَدِ: إمَّا الْكِبْرُ وَإِمَّا الْعَدَاوَةُ وَإِمَّا خُبْثُ النَّفْسِ إذْ يَبْخَلُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ لَهُ فِيهِ، وَمِنْ الْحِكْمَةِ: إنَّ الْحَسُودَ لَا يَسُودُ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَتْ النِّعْمَةُ لِكَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْمَعَاصِي اهـ م د. وَالْمُرَادُ بِنِعْمَةِ الْكَافِرِ الشَّيْءُ الْمُعْطَى لَهُ لِأَنَّ النِّعْمَةَ مُلَائِمٌ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ. قَوْلُهُ: (وَالْعُجْبِ) كَأَنْ يُعْجَبَ الْعَابِدُ بِعِبَادَتِهِ وَالْعَالِمُ بِعِلْمِهِ وَالْمُطِيعُ بِطَاعَتِهِ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالرِّيَاءِ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ. فَعَلَهُ رِيَاءً وَسُمْعَةً أَيْ لِيَرَاهُ غَيْرُهُ وَيَسْمَعَهُ وَهُوَ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلًا فِيهِ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ مِنْ الرِّيَاءِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمُرَائِيَ يُنَادَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ: يَا مُرَائِي يَا غَاوِي يَا فَاجِرُ يَا خَاسِرُ اذْهَبْ فَخُذْ أَجْرَك مِمَّنْ عَمِلْت لَهُ فَلَا أَجْرَ لَك عِنْدَنَا» . وَقَالَ قَتَادَةَ: إذَا رَاءَى الْعَبْدُ يَقُولُ اللَّهُ: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي يَسْتَهْزِئُ بِي. قَوْلُهُ: وَالْكِبْرِ بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ فَوْقَ غَيْرِهِ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ فَيَحْصُلُ فِيهِ نَفْخَةٌ وَهَزَّةٌ مِنْ هَذِهِ الرَّذِيلَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعُوذُ بِك مِنْ الْكِبْرِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الْعَظَمَةُ إزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ نَازَعَنِي فِيهِمَا قَصَمْتُهُ وَلَا أُبَالِي» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ أَوْ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ مَعَ السَّابِقِينَ. وَالْكِبْرُ نَاشِئٌ عَنْ الْعُجْبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ أَنَّ الْعُجْبَ يَتَحَقَّقُ فِي نَفْسِ الْمُعْجَبِ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ شَخْصٌ سِوَاهُ، بِخِلَافِ الْكِبْرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْغَيْرِ. قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ حُدُودِهَا) أَيْ أَسْمَائِهَا بِتَنْزِيلِ مَعَانِيهَا عَلَيْهَا م د. وَالظَّاهِرُ إبْقَاءُ الْحُدُودِ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وَالْبَدَنِيُّ إمَّا بِالْمَاءِ أَوْ بِالتُّرَابِ أَوْ بِهِمَا كَمَا فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا كَالْحِرِّيفِ فِي الدِّبَاغِ أَوْ بِنَفْسِهِ كَانْقِلَابِ الْخَمْرِ خَلًّا، وَقَوْلُهُ: (الْمِيَاهُ) جَمْعُ مَاءٍ، وَالْمَاءُ مَمْدُودٌ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَأَصْلُهُ مَوَهٌ تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً. وَمِنْ عَجِيبِ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَمْ يُحْوِجْ فِيهِ إلَى كَثِيرِ مُعَالَجَةٍ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (الَّتِي يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهَا) أَيْ بِكُلٍّ مِنْهَا عَنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ. وَالْحَدَثُ فِي اللُّغَةِ الشَّيْءُ الْحَادِثُ وَفِي الشَّرْعِ يُطْلَقُ عَلَى أَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ وَعَلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الطُّهْرُ وَعَلَى الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ بِخِلَافِ الْمَنْعِ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ فَهُوَ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْمَنْعَ هُوَ   [حاشية البجيرمي] التَّعَارِيفُ أَيْ مَعْرِفَةُ تَعَارِيفِهَا لِتُجْتَنَبَ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَأَسْبَابِهَا) كَطَلَبِ الْجَاهِ وَالْمَالِ بِالطَّبْعِ وَطَلَبُهَا تَرْكُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَعِلَاجِهَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ. قَوْلُهُ: (الْمِيَاهُ) وَأَصْلُهُ مِوَاهٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرِ الْمِيمِ قَبْلَهَا كَالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ. وَلِهَذَا لَمْ تُقْلَبْ الْوَاوُ فِي أَمْوَاهٍ وَمُوَيْهٍ أَيْ لِعَدَمِ كَسْرِ مَا قَبْلَ الْوَاوِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلطَّهَارَةِ مَقَاصِدُ أَرْبَعٌ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَوَسَائِلُ أَرْبَعٌ: الْمِيَاهُ وَالتُّرَابُ وَالتَّخَلُّلُ وَالدَّابِغُ، وَبَعْضُهُمْ أَبْدَلَ التَّخَلُّلَ بِحَجَرِ الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْأَوَانِي. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْوَجْهُ أَنَّ الِاجْتِهَادَ وَالْأَوَانِيَ وَسِيلَةٌ لِلْوَسِيلَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَمَّا كَانَ أَظْهَرَ وَسَائِلِهَا الْمِيَاهُ قَدَّمَهَا الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَفْصَحِ) وَمُقَابِلُهُ قَصْرُهُ مَعَ التَّنْوِينِ وَتَرْكُهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً) أَيْ فَتَوَالَى عَلَى الْكَلِمَةِ إعْلَالَانِ أَيْ تَغْيِيرَانِ. وَقَدْ أُلْغِزَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَافِرِ الْمَجْزُوءِ: أَبِنْ لِي لَفْظَةً جَاءَتْ ... بِإِعْلَالَيْنِ قَدْ حَصَلَا فَأَجَابَ: نَعَمْ مَاءٌ يَلِيقُ بِأَنْ ... يُجَابَ بِهِ الَّذِي سَأَلَا قَوْلُهُ: (مِنْ عَجِيبِ لُطْفِ اللَّهِ) أَيْ كَثْرَةِ رِفْقِهِ بِعَبِيدِهِ ق ل قَوْلُهُ: (التَّطْهِيرُ) هُوَ مَصْدَرٌ. وَالْمُرَادُ الْحَاصِلُ بِهِ فَإِنَّهُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ سم، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَلَوْ عَلَّلَ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الطَّهَارَةُ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ لَا الْفِعْلِ لَكَانَ أَوْلَى م د. وَقَوْلُهُ: وَفِيهِ أَيْ التَّعْلِيلِ نَظَرٌ، وَفِي هَذَا النَّظَرِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إلَخْ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ سم، فَإِنَّهُ الَّذِي إلَخْ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ حُصُولُ الطَّهَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ فِعْلٍ كَحُصُولِهَا بِالْمَطَرِ. قَوْلُهُ: (أَيْ بِكُلٍّ مِنْهَا) دَفَعَ بِهِ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهَا، وَلَوْ قَالَ بِمَجْمُوعِهَا الصَّادِقِ بِالْفَرْدِ مِنْهَا وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْهَا لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَالْحَدَثُ إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا هُنَا تَعْجِيلًا لِلْفَائِدَةِ، وَإِلَّا فَمَحَلُّ ذِكْرِهِ نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (أَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ) أَيْ غَيْرِ مَحْسُوسٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ أَهْلَ الْبَصَائِرِ تُشَاهِدُهُ ظُلْمَةً عَلَى الْأَعْضَاءِ، وَمَعْنَى قِيَامِهِ بِالْأَعْضَاءِ وَصْفُهَا بِهِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَيْثِيَّةِ لِإِدْخَالِ الصِّحَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحَدَثِ لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ ق ل. قَوْلُهُ: (يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ) أَيْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ فِي الْأَصْغَرِ وَجَمِيعِ الْبَدَنِ فِي الْأَكْبَرِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْأَسْبَابِ) أَيْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ إلَخْ) أَمَّا تَرَتُّبُ الْمَنْعِ عَلَى الْأَسْبَابِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا عَلَى الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمَا مُتَقَارِنَانِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالتَّرَتُّبِ تَوَقُّفُهُ عَلَيْهِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ وَالْأَسْبَابُ، لَكِنَّ تَرَتُّبَهُ عَلَى الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَتَرَتُّبُهُ عَلَى الْأَسْبَابِ بِوَاسِطَةِ الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ، وَخَرَجَ بِهُنَا مَا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَسْبَابُ. وَفِي جَعْلِ الْمَنْعِ صِفَةً لَهُ تَجَوُّزٌ ق ل. وَقَوْلُهُ: (تَجُوزُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقِيقَةً هُوَ الشَّارِعُ، وَالْحَدَثُ إنَّمَا هُوَ سَبَبٌ. وَاعْتُرِضَ قَوْلُهُ: يَمْنَعُ إلَخْ. بِأَنَّهُ حُكْمٌ لِلْحَدَثِ وَإِدْخَالُهُ فِي التَّعْرِيفِ يُوجِبُ الدَّوْرَ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ الْحَدَثِ حِينَئِذٍ عَلَى الْحُكْمِ لِأَخْذِهِ فِي تَعْرِيفِهِ، وَتَوَقُّفِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الْحُرْمَةُ وَهِيَ تَرْتَفِعُ ارْتِفَاعًا مُقَيَّدًا بِنَحْوِ التَّيَمُّمِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْحَدَثِ بَيْنَ الْأَصْغَرِ وَهُوَ مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ، وَالْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ مَا أَوْجَبَ الْغُسْلَ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ إنْزَالٍ، وَالْأَكْبَرِ وَهُوَ مَا أَوْجَبَهُ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ. وَالْخَبَثُ فِي اللُّغَةِ مَا يُسْتَقْذَرُ وَفِي الشَّرْعِ مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُخَفَّفِ كَبَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يُطْعَمْ غَيْرَ لَبَنٍ، وَالْمُتَوَسِّطِ كَبَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ الْكَلْبِ، وَالْمُغَلَّظِ كَبَوْلِ نَحْوِ الْكَلْبِ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْمَاءُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَوْ رَفَعَ غَيْرُ الْمَاءِ لَمَا وَجَبَ التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الْحَدَثِ وَإِزَالَةِ الْخَبَثِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ: «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» وَالذَّنُوبُ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً.   [حاشية البجيرمي] الْحُكْمِ عَلَى الْحَدَثِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ رَسْمٌ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّعْرِيفِ بَلْ زِيدَ لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ كَمَا أَجَابَ بِهِ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ) عِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: لِأَنَّ الْمَنْعَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى ذَلِكَ، وَكَوْنُ التَّيَمُّمِ يَرْفَعُ هَذَا لَا يَرِدُ لِأَنَّهُ رَفْعٌ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ لِفَرْضٍ وَاحِدٍ، وَكَلَامُنَا فِي الرَّفْعِ الْعَامِّ وَهُوَ خَاصٌّ بِالْمَاءِ. قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ التَّيَمُّمِ) كَطَهَارَةِ دَائِمِ الْحَدَثِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِي الْحَدَثِ إلَخْ) كَلَامُهُ هُنَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَسْبَابُ فَيُنَافِي قَوْلَهُ السَّابِقَ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَدَثَ هُنَا غَيْرُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ مَا هُنَا لَا يَرْتَفِعُ، وَأَمَّا ذَاكَ فَيَرْتَفِعُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَظْهَرُ وَلَمْ يَقُلْ وَلَا فَرْقَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (الْأَصْغَرِ) لَيْسَ عَلَى بَابِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ أَيْ أَصْغَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَوَسِّطِ وَالْأَكْبَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَوَسِّطِ. قَوْلُهُ: (وَالْخَبَثُ إلَخْ) ذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادِيٌّ وَإِلَّا فَمَحَلُّهُ بَابُ النَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ) فِيهِ مَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِ الْحَدَثِ. قَوْلُهُ: (كَبَوْلِ صَبِيٍّ) الْكَافُ فِي هَذَا لِلِاسْتِقْصَاءِ وَفِيمَا بَعْدَهُ لِلتَّمْثِيلِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَطْعَمْ) مِنْ بَابِ عَلِمَ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى هَذَا امْتِنَاعَ التَّطْهِيرِ بِغَيْرِ الْمَاءِ كَمَا صَنَعَ فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: إنَّمَا يُطَّهَّرُ مِنْ مَائِعٍ مَاءٌ مُطْلَقُ أَيْ لَا غَيْرُهُ ثُمَّ يُرَتَّبُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْمَاءُ إلَخْ. لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ الْمَتْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ فِيهِ. قَالَ ق ل: هَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ الْمَعْلُومِ عِنْدَهُمْ. قَوْلُهُ: (الْإِجْمَاعَ) هُوَ إجْمَاعٌ مَذْهَبِيٌّ، فَلَا يُنَافِي مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِتَطْهِيرِ غَيْرِ الْمَاءِ مِنْ كُلِّ مَائِعٍ خَالٍ عَنْ الدُّهْنِيَّةِ كَالْخَلِّ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يُطَّهَّرُ الْخَبَثَ لَا الْحَدَثَ لِأَنَّهُ يُحِلُّ الْبَاطِنَ وَالظَّاهِرَ فَلَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ الْمُطْلَقُ وَالْخَبَثُ يُحِلُّ الظَّاهِرَ فَقَطْ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَكْفِي كَشْطُ جِلْدِهِ فَكَفَى فِيهِ غَسْلُ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (الْأَعْرَابِيُّ) وَهُوَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيُّ وَهُوَ مُسْلِمٌ صَحَابِيٌّ لَا التَّمِيمِيُّ، وَاسْمُهُ حُرْقُوصٌ وَهُوَ رَئِيسُ الْخَوَارِجِ، وَقِيلَ هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ. وَالْأَعْرَابِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَعْرَابِ وَهُمْ سُكَّانُ الْبَوَادِي، وَوَقَعَتْ النِّسْبَةُ إلَى الْجَمْعِ دُونَ الْوَاحِدِ فَقِيلَ لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى الْعَلَمِ عَلَى الْقَبِيلَةِ كَأَنْصَارٍ، وَقِيلَ لَوْ نُسِبَ إلَى وَاحِدِهِ وَهُوَ عَرَبٌ لَقِيلَ عَرَبِيٌّ فَيَشْتَبِهُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْعَرَبِيَّ كُلُّ مَنْ وَلَدَهُ إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَوَاءٌ كَانَ سَاكِنًا بِالْبَادِيَةِ أَوْ بِالْقُرَى، وَهَذَا غَيْرُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَزَجْرُ النَّاسِ لَهُ مِنْ بَابِ الْمُبَادَرَةِ إلَى إنْكَارِ الْمُنْكَرِ عِنْدَ مَنْ يَعْتَقِدُهُ مُنْكَرًا وَفِيهِ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْ الْأَنْجَاسِ كُلِّهَا. «وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ عَنْ زَجْرِهِ» ، لِأَنَّهُ إذَا قُطِعَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ أَدَّى إلَى ضَرَرِ بَدَنِهِ، وَالْمَفْسَدَةُ الَّتِي حَصَلَتْ بِبَوْلِهِ لَا يَنْضَمُّ لَهَا مَفْسَدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ ضَرَرُ بَدَنِهِ، لِئَلَّا يَجْتَمِعَ مَفْسَدَتَانِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا زُجِرَ مَعَ جَهْلِهِ الَّذِي ظَهَرَ مِنْهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَنَجُّسِ مَكَان آخَرَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِتَرْشِيشِ الْبَوْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تُرِكَ حَتَّى يَفْرُغَ فَإِنَّ الرَّشَاشَ لَا يَنْتَشِرُ، وَفِي هَذَا الْإِبَانَةُ عَنْ جَمِيلِ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِفْقِهِ وَلُطْفِهِ بِالْجَاهِلِ، وَبَيْنَ الْأَعْرَابِ وَالْعَرَبِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَفْسِيرِ الْأَعْرَابِ بِأَنَّهُمْ سُكَّانُ الْبَوَادِي مِنْ الْعَرَبِ أَوْ الْعَجَمِ، وَتَفْسِيرُ الْعَرَبِ بِأَنَّهُمْ مَنْ وَلَدَهُ إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ سُكَّانِ الْحَضَرِ أَوْ الْبَوَادِي، فَيَجْتَمِعَانِ فِيمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَسَكَنَ الْبَادِيَةَ، وَيَنْفَرِدُ الْعَرَبِيُّ فِيمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَسَكَنَ الْحَضَرَ، وَيَنْفَرِدُ الْأَعْرَابِيُّ فِيمَنْ كَانَ مِنْ الْعَجَمِ وَسَكَنَ الْبَادِيَةَ. قَوْلُهُ: (ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مَظْرُوفَ ذَنُوبٍ حَالَ كَوْنِهِ بَعْضَ الْمَاءِ، فَمِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ وَهِيَ مَعَ مَدْخُولِهَا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَمَجِيءُ الْحَالِ مِنْ النَّكِرَةِ قَلِيلٌ. قَوْلُهُ: (الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً) إذَا كَانَ هَذَا مَعْنَى الذَّنُوبِ فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ بَعْدَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ كَفَى غَيْرُهُ لَمَا وَجَبَ غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ وَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ، لِأَنَّ الطُّهْرَ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ تَعَبُّدِيٌّ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ إذَا أُضِيفَ إلَى الْعُقُودِ كَانَ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ، وَإِذَا أُضِيفَ إلَى الْأَفْعَالِ كَانَ بِمَعْنَى الْحِلِّ وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْأَمْرَيْنِ، لِأَنَّ مَنْ أَمَرَّ غَيْرَ الْمَاءِ عَلَى أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لَا يَصِحُّ وَيَحْرُمُ لِأَنَّهُ تَقَرَّبَ بِمَا لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلتَّقَرُّبِ فَعَصَى لِتَلَاعُبِهِ، (سَبْعُ مِيَاهٍ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ أَحَدُهَا (مَاءُ السَّمَاءِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11]   [حاشية البجيرمي] فِي الْحَدِيثِ مِنْ مَاءٍ وَتَقْيِيدُهُ بِهِ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الذَّنُوبَ يُطْلَقُ أَيْضًا حَقِيقَةً عَلَى الدَّلْوِ الْفَارِغَةِ وَعِبَارَةُ الْقَامُوسِ الذَّنُوبُ الدَّلْوُ أَوْ وَفِيهَا مَاءٌ أَوْ الْمُمْتَلِئَةُ أَوْ الْقَرِيبَةُ مِنْ الْمِلْءِ أَيْ فَيُحْمَلُ الذَّنُوبُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الدَّلْوِ فَقَطْ، وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ قَوْلُهُ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَاءٍ؛ تَأْكِيدٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ التَّجَوُّزِ بِالذَّنُوبِ عَنْ مُطْلَقِ الدَّلْوِ. وَقَوْلُهُ: الْمُمْتَلِئَةُ يُفِيدُ أَنَّ الدَّلْوَ مُؤَنَّثَةٌ، وَفِي الْمُخْتَارِ أَنَّهَا تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ كَمَا نَقَلَهُ ع ش عَلَى م ر. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْغَالِبُ عَلَيْهَا التَّأْنِيثُ، وَقَدْ تُذَكَّرُ وَتَصْغِيرُهَا دُلَيَّةٌ وَجَمْعُ الْقِلَّةِ أَدْلٍ. وَفِي الْكَثْرَةِ دِلَاءٌ وَدُلِيٌّ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَأَدْلَيْت الدَّلْوَ أَيْ أَرْسَلْتهَا فِي الْبِئْرِ، وَدَلَوْتهَا نَزَعْتهَا مِنْهَا اهـ إشَارَاتٌ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَمْرُ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْآيَةِ. قَوْلُهُ: (لَمَا وَجَبَ غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ) فِيهِ بَحْثٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ مَا صَدَقَ الْوَاجِبُ، أَوْ لِأَنَّهُ الْمُتَيَسِّرُ إذْ ذَاكَ، فَلَا يُنَافِي زَوَالَ الْخَبَثِ بِغَيْرِهِ كَالْخَلِّ شَوْبَرِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ نَفْيُ الْقِيَاسِ مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ. اهـ. ق ل. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الْحَدَثِ، وَمَا هُنَا فِي الْخَبَثِ فَمَحَلُّ الْإِجْمَاعِ غَيْرُ مَحَلِّ الْقِيَاسِ الْمَنْفِيِّ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ) لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقَّةِ) أَيْ فَهُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى. قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَرْسُبُ لِلصَّافِي مِنْهُ ثُفْلٌ بِإِغْلَائِهِ بِخِلَافِ الصَّافِي مِنْ غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا لَوْنَ لَهُ وَمَا يَظْهَرُ فِيهِ لَوْنُ ظَرْفِهِ أَوْ مُقَابِلِهِ لِأَنَّهُ جِسْمٌ شَفَّافٌ. وَقَالَ الرَّازِيّ: بَلْ لَهُ لَوْنٌ وَيُرَى وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحْجُبُ عَنْ رُؤْيَةِ مَا وَرَاءَهُ وَعَلَى أَنَّ لَهُ لَوْنًا فَقِيلَ أَبْيَضُ اهـ. قَوْلُهُ: (إذَا أُضِيفَ إلَى الْعُقُودِ) أَيْ إضَافَةً لُغَوِيَّةً وَهِيَ مُجَرَّدُ الْإِسْنَادِ نَحْوُ: يَجُوزُ بَيْعُ كَذَا أَيْ يَصِحُّ، وَقَوْلُهُ: إلَى الْأَفْعَالِ. نَحْوُ: يَجُوزُ أَكْلُ الْبَصَلِ أَيْ يَحِلُّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْأَمْرَيْنِ) أَيْ فَيَكُونُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ نَحْوُ الْمَاءِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهِ وَلَا يَحِلُّ، وَالظَّاهِرُ بَلْ الْمُتَعَيِّنُ أَنْ يَجُوزَ هُنَا بِمَعْنَى يَصِحُّ لِأَجْلِ إدْخَالِ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ وَالْمَغْصُوبِ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمُشْتَرَكِ فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ بِلَا قَرِينَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا حَالِيَّةٌ. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْأَمْرَيْنِ أَيْ أَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ مُسْتَثْنًى وَالْجَوَازُ فِيهِ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ وَالْحِلِّ مَعًا، فَلَا يَرِدُ أَنَّ التَّطْهِيرَ فِعْلٌ فَكَيْفَ يَكُونُ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ اِ هـ. وَقَوْلُهُ: (فَلَا يَرِدُ) أَيْ لِأَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ يَجُوزُ إلَى قَوْلِهِ بِمَعْنَى الْحِلِّ أَيْ فَهِيَ قَاعِدَةٌ أَغْلَبِيَّةٌ. وَأَجَابَ سم عَنْ إيرَادِ الْمُسَبَّلِ وَالْمَغْصُوبِ، بِأَنَّهُمَا يَحِلَّانِ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِمَا وَإِنْ حَرُمَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (فَعَصَى) تَفْرِيعٌ عَلَى تَقَرَّبَ إلَخْ. وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ تَعْلِيلِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ يَحْرُمُ مَعَ تَعْلِيلِهِ الَّذِي هُوَ تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الْعِصْيَانُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا. قَوْلُهُ: (لِتَلَاعُبِهِ) قَالَ ق ل: لَوْ قَالَ لِتَعَاطِيهِ عِبَادَةً فَاسِدَةً كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْعِصْيَانَ قَدْ يُجَامِعُ الصِّحَّةَ اهـ. قَوْلُهُ: (سَبْعُ مِيَاهٍ) الْأَحْسَنُ سَبْعَةٌ بِالتَّاءِ لِأَنَّ مَعْدُودَهُ جَمْعُ مَاءٍ وَهُوَ مُذَكَّرٌ. اهـ. ع ش. قَالَ اج: زَادَ لَفْظَ مِيَاهٍ لِلتَّأَكُّدِ وَالْمُبَادَرَةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَنْوَاعُ لَا الْأَفْرَادُ، وَلَا يَرِدُ تَبَادُرُ الْحَصْرِ لِمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ غَيْرِهَا كَالنَّابِعِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمِيَاهُ الْمَشْهُورَةُ الْعَامَّةُ الْوُجُودِ وَلِأَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ. قَوْلُهُ: (مَاءُ السَّمَاءِ) مِنْ إضَافَةِ الْحَالِ لِلْمَحَلِّ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا مَاتَ مُؤْمِنٌ إلَّا بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَقِيلَ: أَوَ تَبْكِي؟ فَقَالَ: وَمَا لِلْأَرْضِ لَا تَبْكِي عَلَى عَبْدٍ كَانَ يَعْمُرُهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَا لِشَرَفِهَا عَلَى الْأَرْضِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ. وَهَلْ الْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ فِي الْآيَةِ الْجِرْمُ الْمَعْهُودُ أَوْ السَّحَابُ؟ قَوْلَانِ. حَكَاهُمَا النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِ الرَّوْضَةِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَنْزِلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. (وَ) ثَانِيهَا (مَاءُ الْبَحْرِ) الْمَالِحُ لِحَدِيثِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَسُمِّيَ بَحْرًا لِعُمْقِهِ   [حاشية البجيرمي] بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَمَا لِلسَّمَاءِ لَا تَبْكِي عَلَى عَبْدٍ كَانَ تَسْبِيحُهُ وَتَكْبِيرُهُ فِيهَا يُدَوِّي كَدَوِيِّ النَّحْلِ. قِيلَ: بُكَاءُ السَّمَاءِ حُمْرَةُ أَطْرَافِهَا اهـ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا وَلَهُ بَابَانِ بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ وَبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ فَإِذَا مَاتَ بَكَى عَلَيْهِ بَابُ عَمَلِهِ» وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ذَكَرَهُ النَّبِتِيتِيُّ عَلَى الْمِعْرَاجِ. قَوْلُهُ: (لِشَرَفِهَا عَلَى الْأَرْضِ إلَخْ) هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ غَيْرِهِ أَنَّ الْأَرْضَ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا اهـ ق ل. قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَمَكَّةُ أَيْ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْحَرَمِ أَفْضَلُ الْأَرْضِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ النِّزَاعَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، وَأَفْضَلُ بِقَاعِهَا الْكَعْبَةُ الْمُشَرَّفَةُ ثُمَّ بَيْتُ خَدِيجَةَ بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، نَعَمْ التُّرْبَةُ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ مَا مَرَّ حَتَّى مِنْ الْعَرْشِ اهـ. وَقَالَ وَالِدُهُ فِي حَوَاشِي الرَّوْضِ: وَأَفْضَلُ مِنْ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمِنْ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَالْجَنَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُنْقَلُ مِنْ أَفْضَلَ لِمَفْضُولٍ. وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ تِلْكَ التُّرْبَةِ، فَلَوْ كَانَ ثَمَّ أَفْضَلُ مِنْهَا لَخُلِقَ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا قِيلَ «إنَّ صَدْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا شُقَّ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ» ، فَلَوْ كَانَ ثَمَّ أَفْضَلُ مِنْهُ لَغُسِلَ بِذَلِكَ الْأَفْضَلِ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ: «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» فَإِنْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْجَنَّةِ حَقِيقَةً زَالَ الْإِشْكَالُ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْبَيْنِيَّةِ مَا بَيْنَ ابْتِدَاءِ قَبْرِي أَيْ لَا مِنْ آخِرِهِ رَوْضَةٌ، فَيَكُونُ الْقَبْرُ دَاخِلًا فِي الرَّوْضَةِ اهـ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: زَالَ الْإِشْكَالُ يَعْنِي بِأَنْ يُنْقَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْآخِرَةِ إلَى الْجَنَّةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ أَيْضًا فِي مَعْنَاهُ أَيْ كَرَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فِي نُزُولِ الرَّحْمَةِ وَحُصُولِ السَّعَادَةِ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَازَمَةِ حِلَقِ الذِّكْرِ فِيهَا، فَيَكُونُ تَشْبِيهًا بِغَيْرِ أَدَاةٍ، أَوْ الْمَعْنَى أَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهَا تُؤَدِّي إلَى الْجَنَّةِ فَيَكُونُ مَجَازًا هَذَا مُحَصَّلُ مَا أَوَّلَهُ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ قُبُورَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، كَقَبْرِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَلَّذِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ كَشَرْحِ م ر لَمْ تُسْتَثْنَ فِيهِ إلَّا الْبُقْعَةُ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَضِيَّةُ اقْتِصَارِهِمَا عَلَيْهَا اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لَهَا دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا ضَمَّ رُوحَهُ الشَّرِيفَةَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّا ضَمَّ الْأَعْضَاءَ أَوْ مُسَاوِيهِ فِي الْفَضْلِ أَوْ مَا ضَمَّ أَعْضَاءَهُ الشَّرِيفَةَ أَفْضَلُ مِمَّا ضَمَّ رُوحَهُ الشَّرِيفَةَ؟ حَرِّرْهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَجْمُوعِ) اعْتَمَدَهُ الرَّمْلِيُّ قَوْلُهُ: (أَنْ يَنْزِلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ يَنْزِلَ عَلَى التَّعَاقُبِ مِنْ الْجِرْمِ أَوَّلًا وَمِنْ السَّحَابِ ثَانِيًا، فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ الْمَطَرَ ثَمَرُ شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ يَنْفَتِحُ لَهُ أَزْهَارُهَا فَيَخْرُجُ فَسُبْحَانَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» . وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا: «مَا مِنْ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا وَالسَّمَاءُ تُمْطِرُ إلَّا أَنَّ اللَّهَ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ شَاءَ» اهـ. وَأَفْضَلُ السَّمَوَاتِ السَّمَاءُ الَّتِي فِيهَا الْعَرْشُ، وَأَفْضَلُ الْأَرَضِينَ الْأَرْضُ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا. وَسُئِلَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ هَلْ كَانَتْ أَيَّامٌ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ فَأَجَابَ. بِأَنَّ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَلْقَ الْأَيَّامِ كَانَ دُفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفَتَاوَى. قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَحَاصِلُ جَوَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِسَائِلِهِ عَنْ خَلْقِ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ أَيُّهُمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ بَدَأَ خَلْقَ الْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ غَيْرَ مَدْحُوَّةٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ فَسَوَّاهَا فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ بَسَطَهَا وَجَعَلَ فِيهَا الرَّوَاسِيَ وَغَيْرَهَا فِي يَوْمَيْنِ، فَتِلْكَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ لِلْأَرْضِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وَاتِّسَاعِهِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أُطْلِقَ الْبَحْرُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَالِحُ غَالِبًا، وَيَقِلُّ فِي الْعَذْبِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ. فَائِدَةٌ: اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ مَاءٍ مِنْ بَحْرٍ عَذْبٍ أَوْ مَالِحٍ فَالتَّطْهِيرُ بِهِ جَائِزٌ بِأَنَّهُ لَحْنٌ، وَإِنَّمَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (الْمَالِحُ إلَخْ) بِالرَّفْعِ نَعْتٌ لِمَاءٍ وَبِالْجَرِّ نَعْتٌ لِلْبَحْرِ، فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ أَوْ الْمِلْحِ فَقَطْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَكَانُ الْمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ كَمَا فِي ق ل. قَوْلُهُ: (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ إلَخْ) أَوَّلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَالطَّهُورُ هُنَا بِفَتْحِ الطَّاءِ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَالطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ اسْمٌ لِفِعْلِ التَّطَهُّرِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْحِلُّ بِمَعْنَى الْحَلَالِ كَالْحُرْمِ بِمَعْنَى الْحَرَامِ، وَالْمَيْتَةُ هُنَا بِفَتْحِ الْمِيمِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَيْنُ الْمَيْتَةُ، وَأَمَّا الْمِيتَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ فَهِيَ هَيْئَةُ الْمَوْتِ، وَلَا مَعْنَى لَهَا هُنَا إلَّا بِتَكَلُّفٍ، وَالْمَيِّتَةُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ، وَفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا. وَفِي إعْرَابِ الْحَدِيثِ أَوْجُهٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأً، وَالطَّهُورُ مُبْتَدَأً ثَانِيًا خَبَرُهُ مَاؤُهُ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ هَذَا الْمُبْتَدَأِ الثَّانِي وَخَبَرِهِ خَبَرُ الْأَوَّلِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُون هُوَ مُبْتَدَأً، وَالطَّهُورُ خَبَرَهُ، وَمَاؤُهُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ بَحْثٌ دَقِيقٌ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ هُوَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ، وَالطَّهُورُ مَاؤُهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ خَبَرَهُ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا تَقَدُّمُ ذِكْرِ الْبَحْرِ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّهُ إذَا قُصِدَ الِاسْتِئْنَافُ وَعَدَمُ إعَادَةِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ هُوَ عَلَى الْبَحْرِ صَحَّ هَذَا الْوَجْهُ، وَهَذَا كَمَا قَالُوا فِي هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إنَّهُ ضَمِيرُ شَأْنٍ مَعَ مَا رُوِيَ مِنْ تَقَدُّمِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي سُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ قَالُوا اُنْسُبْ لَنَا رَبَّك. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأً، وَالطَّهُورُ خَبَرَهُ، وَمَاؤُهُ فَاعِلٌ لِأَنَّهُ قَدْ اعْتَمَدَ عَامِلَهُ لِكَوْنِهِ خَبَرًا. فَإِنْ قُلْت: مَاءُ الْبَحْرِ هَلْ خُلِقَ مِلْحًا أَوْ كَانَ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ عَذْبًا ثُمَّ صَارَ مِلْحًا لِئَلَّا يَتَعَفَّنَ؟ قُلْت: نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ جَمِيعَ الْمِيَاهِ مِنْ السَّمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21] وَإِنَّمَا قَسَّمَهَا الْفُقَهَاءُ عَلَى مَا يُشَاهَدُ عَادَةً وَالْمَاءُ الْمُنَزَّلُ مِنْ السَّمَاءِ عَذْبٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ: أَنَّ قَابِيلَ لَمَّا قَتَلَ هَابِيلَ وَآدَمُ حِينَئِذٍ بِمَكَّةَ اشْتَاكَ الشَّجَرُ وَتَغَيَّرَتْ الْأَطْعِمَةُ وَحَمُضَتْ الْفَوَاكِهُ وَمُرَّ الْمَاءُ وَاغْبَرَّتْ الْأَرْضُ. وَعَنْ عَلِيٍّ تَغَيَّرَتْ الْأَرْضُ يَوْمَئِذٍ وَطُعُومُ الثِّمَارِ وَضَوْءُ الشَّمْسِ وَنُورُ الْقَمَرِ وَرِيحُ الرَّيَاحِينِ وَعُذُوبَةُ الْمَاءِ وَنَبَتَ الْعَوْسَجُ. وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ النَّجْمُ الْغَيْطِيُّ عَنْ مَاءِ الطُّوفَانِ: هَلْ كَانَ عَذْبًا أَوْ مِلْحًا وَهُوَ الَّذِي أَغْرَقَ اللَّهُ بِهِ قَوْمَ نُوحٍ، وَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَمْ لَا وَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ عَلِّمْنِي مِنْ لَدُنْك عِلْمًا كَانَ حَالَ الْإِغْرَاقِ عَذْبًا، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ لَهُ الْمُلُوحَةُ بَعْدُ وَالْبِحَارُ الْمَلْحَةُ الْآنَ مِنْ بَقَايَا ذَلِكَ، وَاسْتَشْهَدَ بِأَحَادِيثَ لِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ وَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْأَوْحَدُ أَبُو الْحَسَنِ الصِّدِّيقِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ تَسْهِيلِ السَّبِيلِ: إنَّ مَاءَ الطُّوفَانِ كَانَ عَذْبًا وَرَدَ التَّصْرِيحُ فِيهِ فِي الْآثَارِ، وَقِيلَ كَانَ كُلُّهُ مِنْ السَّمَاءِ، وَأَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى مَحَلِّهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْتَ رِجْسٌ وَغَضَبٌ فَعَادَ مِلْحًا، وَقِيلَ إنَّ الْأَرْضَ بَلَعَتْ الْحُلْوَ وَمَا اسْتَعْصَى عَلَيْهَا صَارَ مِلْحًا، وَقَدْ تَضَافَرَ عَلَى مَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ كَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الشَّافِعِيِّ) وَعَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى الْمُزَنِيِّ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَهَا ابْتِدَاءً فِي تَقْرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 يَصِحُّ مِنْ بَحْرٍ مِلْحٍ وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ. قَالَ الشَّاعِرُ: فَلَوْ تَفَلَتْ فِي الْبَحْرِ وَالْبَحْرُ مَالِحٌ ... لَأَصْبَحَ مَاءُ الْبَحْرِ مِنْ رِيقِهَا عَذْبَا وَلَكِنَّ فَهْمَهُ السَّقِيمَ أَدَّاهُ إلَى ذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ: وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ (وَ) ثَالِثُهَا (مَاءُ النَّهْرِ) أَيْ الْعَذْبُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ.   [حاشية البجيرمي] وَقَالَهَا الْمُزَنِيّ بَعْدَهُ، وَالْمُعْتَرِضُ هُوَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الشَّافِعِيِّ مُخْطِئٌ فِي اعْتِرَاضِهِ، وَذِكْرُ الْبَيْتِ مِنْ الشَّارِحِ اسْتِشْهَادٌ عَلَى خَطَئِهِ وَقَرَعَهُ أَيْ وَبَّخَهُ بِسَقَمِ فَهْمِهِ وَرَدَاءَتِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَفَلَتْ إلَخْ) وَقَبْلَهُ: وَلَوْ ظَهَرَتْ فِي الْغَرْبِ يَوْمًا لِرَاهِبٍ ... لَخَلَّى سَبِيلَ الشَّرْقِ وَاتَّبَعَ الْغَرْبَا وَلَوْ أَنَّهَا لِلْمُشْرِكِينَ تَعَرَّضَتْ ... لَاتَّخَذُوهَا بَيْنَ أَصْنَامِهِمْ رَبَّا فَلَوْ تَفَلَتْ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ إلَخْ) وَبَعْدَهُ: وَلَكِنْ تَأْخُذُ الْآذَانُ مِنْهُ ... عَلَى قَدْرِ الْقَرِيحَةِ وَالْفُهُومِ قَوْلُهُ: (أَيْ الْعَذْبُ) بِالرَّفْعِ نَعْتٌ لِمَاءٍ فَإِنَّ النَّهْرَ مَجْرَى الْمَاءِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ) هُمَا مَعَ سَيْحَانَ وَجَيْحَانَ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ. وَمِنْ عَجَائِبِ النِّيلِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَمْتَدُّ فِي أَيَّامِ الزِّيَادَةِ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى شِرَاءِ جَارِيَةٍ وَيُزَيِّنُوهَا وَيُلْبِسُونَهَا حُلَلًا وَيَطْرَحُونَهَا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ مِنْ النِّيلِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أُخْبِرَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ عُمَرُ كِتَابًا يَقُولُ فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنْ كُنْت أَيُّهَا النِّيلُ لَا تَمْتَدُّ إلَّا بِقَتْلِ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيك، وَإِنْ كُنْت تَمْتَدُّ بِأَمْرِ اللَّهِ فَافْعَلْ، وَأَمَرَ بِطَرْحِ الْكِتَابِ فِيهِ، فَلَمَّا طَرَحُوهُ امْتَدَّ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ فِي عَجَائِبِ الْمَلَكُوتِ، وَقَدْ كَانُوا أَقَامُوا بَئُونَةَ وَأَبِيبَ وَمِسْرَى لَا يَجْرِي لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، فَلَمَّا أَلْقَوْا كِتَابَ عُمَرَ أَصْبَحُوا وَقَدْ أَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى سِتَّةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَطَعَ اللَّهُ تِلْكَ السُّنَّةَ السَّيِّئَةَ عَنْ أَهْلِ مِصْرَ إلَى الْيَوْمِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: نِيلُ مِصْرَ سَيِّدُ الْأَنْهَارِ فَسَخَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ كُلَّ نَهْرٍ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَذَلَّلَهُ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُجْرِيَ نِيلَ مِصْرَ أَمَرَ كُلَّ نَهْرٍ يَمُدُّهُ فَتَمُدُّهُ الْأَنْهَارُ بِمَائِهَا وَيُفَجِّرُ اللَّهُ لَهُ الْأَرْضَ عُيُونًا، فَإِذَا انْتَهَى جَرَيَانُهُ إلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إلَى كُلِّ مَاءٍ أَنْ يَرْجِعَ إلَى عُنْصُرِهِ أَيْ أَصْلِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ زُولَاقٍ فِي تَارِيخِ مِصْرَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ: أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ الْجَنَّةِ وَضَعَهَا اللَّهُ فِي الدُّنْيَا فَنَهْرُ مِصْرَ نَهْرُ الْعَسَلِ فِي الْجَنَّةِ، وَالْفُرَاتُ نَهْرُ الْخَمْرِ، وَسَيْحَانُ نَهْرُ الْمَاءِ، وَجَيْحَانُ نَهْرُ اللَّبَنِ، وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ النِّيلَ يَجْرِي مِنْ تَحْتِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى حَالَ نُزُولِهِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ النِّيلَ يَخْرُجُ مِنْ الْجَنَّةِ وَلَوْ أَنَّكُمْ الْتَمَسْتُمْ فِيهِ إذْ مَدَدْتُمْ أَيْدِيَكُمْ لَوَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ» وَلِذَلِكَ نُدِبَ أَكْلُ الْبُلْطِيِّ مِنْ السَّمَكِ لِأَنَّهُ يَتَتَبَّعُ أَوْرَاقَ الْجَنَّةِ فَيَرْعَاهَا. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ الْأَقْفَهْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْخَيْرُومِ فَإِنَّهُ يَرْعَى مِنْ حَشِيشِ الْجَنَّةِ» وَذَكَرَ السُّيُوطِيّ أَنَّهُ كَانَ عَلَى نِيلِ مِصْرَ لِحَفْرِ خُلْجَانِهَا وَإِقَامَةِ جُسُورِهَا وَبِنَاءِ قَنَاطِرِهَا وَقَطْعِ جَزَائِرِهَا مِائَةُ أَلْفٍ وَعِشْرُونَ أَلْفَ فَاعِلٍ، مَعَهُمْ الْأَغْلَاقُ وَالْمَسَاحِي يَتَعَهَّدُونَ ذَلِكَ وَلَا يَدَعُونَهُ صَيْفًا وَلَا شِتَاءً، وَأُجْرَتُهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ إيَاسٍ فِي كِتَابِهِ نَشْقُ الْأَزْهَارِ مَا نَصُّهُ: قَالَ السُّدِّيُّ: وَجَدْت رُمَّانَةً عَلَى بَعْضِ شُطُوطِ الْفُرَاتِ جَاءَ بِهَا الْمَاءُ وَهِيَ خِلْقَةٌ عَظِيمَةٌ، وَكَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَتَوْا بِهَا إلَيْهِ فَوَزَنُوهَا فَوَجَدُوهَا ثَلَاثَةَ قَنَاطِيرَ عِرَاقِيَّةً فَقَسَّمَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا مِنْ رُمَّانِ الْجَنَّةِ اهـ اج. وَقَالَ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى الْمَوَاهِبِ: الْبِحَارُ سَبْعَةٌ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَهْبٍ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَسِيرَةَ الْأَرْضِ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، بُحُورُهَا مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 (وَ) رَابِعُهَا (مَاءُ الْبِئْرِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» لَمَّا سُئِلَ عَنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْهَا وَمِنْ بِئْرِ رُومَةَ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ الْبِئْرَ بِئْرَ زَمْزَمَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مِنْهَا. وَفِي الْمَجْمُوعِ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ الطَّهَارَةِ بِهِ،   [حاشية البجيرمي] سَنَةٍ، وَالْخَرَابُ مِنْهَا مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ وَالْعُمْرَانُ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ اهـ. قَوْلُهُ: (بِئْرُ زَمْزَمَ) كَجَعْفَرٍ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْبُقْعَةُ مُنِعَ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ الْمَعْنَوِيِّ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَكَانُ صُرِفَ لِأَنَّهُ مُذَكَّرٌ، وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَرِيبَةٌ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَعُمْقُهَا إحْدَى عَشْرَةَ قَامَةً وَعُمْقُ الْمَاءِ سَبْعُ قَامَاتٍ، وَدَوْرُ الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ شِبْرًا، وَارْتِفَاعُ سُورِ الْبِئْرِ أَرْبَعَةُ أَشْبَارٍ وَنِصْفٌ. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَتَجْتَمِعُ فِيهَا أَرْوَاحُ الْمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ أَيْ الصَّالِحِينَ، وَغَيْرُ الصَّالِحِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي بِئْرِ مَعُونَةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَسُمِّيَتْ الْبِئْرُ بِزَمْزَمَ لِأَنَّ الْمَاءَ حِينَ خَرَجَ مِنْهَا سَالَ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَزُمَّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ مُنِعَ مِنْ السَّيَلَانِ بِجَمْعِ التُّرَابِ حَوَالَيْهِ، وَأَصْلُهَا مِنْ ضَرْبِ جِبْرِيلَ الْأَرْضَ بِجَنَاحِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ سَيِّدَنَا إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ وَضَعَ أَمَتَهُ هَاجَرَ وَوَلَدَهُ مِنْهَا إسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ فِي الْحِجْرِ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَقِرْبَةً صَغِيرَةً فِيهَا مَاءٌ ثُمَّ ذَهَبَ فَتَبِعَتْهُ هَاجَرُ، فَقَالَتْ: أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَنِيسٌ؟ وَكَرَّرَتْ ذَلِكَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا. فَقَالَتْ: هَلْ أَمَرَك اللَّهُ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ، فَاسْتَقْبَلَ إبْرَاهِيمُ الْبَيْتَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا بِقَوْلِهِ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم: 37] حَتَّى بَلَغَ: {يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37] وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ أَيْ بَعْضُ ذُرِّيَّتِي، فَلَمَّا فَرَغَ الْمَاءُ عَطِشَتْ فَانْقَطَعَ لَبَنُهَا فَعَطِشَ إسْمَاعِيلُ وَبَكَى وَصَارَ يَعْلُو صَوْتُهُ وَيَنْخَفِضُ وَيَضْرِبُ بِعَقِبَيْهِ، فَانْطَلَقَتْ كَرَاهَةَ أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ وَقَالَتْ: يَمُوتُ وَأَنَا غَائِبَةٌ عَنْهُ أَهْوَنُ عَلَيَّ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي مَمْشَايَ خَيْرًا، فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ فَقَامَتْ عَلَيْهِ وَاسْتَغَاثَتْ بِاَللَّهِ وَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا وَالْوَادِي يَوْمَئِذٍ عَمِيقٌ، فَجَاوَزَتْ الْوَادِيَ إلَى الْمَرْوَةِ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَلِذَا شُرِعَ السَّعْيُ سَبْعًا، وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ تَذْهَبُ إلَى إسْمَاعِيلَ وَتَنْظُرُ مَا حَدَثَ لَهُ، فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: أَغِثْنِي فَإِذَا هُوَ جِبْرِيلُ فَقَالَ. مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: هَاجَرُ أُمُّ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ. قَالَ: فَإِلَى مَنْ وَكَّلَكُمَا؟ قَالَتْ: إلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ: وَكَّلَكُمَا إلَى كَافٍ فَخَرَجَ يُصَوِّبُ بَيْنَ يَدَيْهَا حَتَّى انْتَهَى بِهَا عِنْدَ رَأْسِ إسْمَاعِيلَ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهَا حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَضَرَبَ بِعَقِبِهِ أَوْ بِجَنَاحِهِ الْأَرْضَ، فَنَبَعَ زَمْزَمُ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَسَاحَ حَتَّى قَرُبَ مِنْ إسْمَاعِيلَ فَصَارَتْ تَجْمَعُ التُّرَابَ حَوْلَ الْمَاءِ مَخَافَةَ أَنْ يَفُوتَهَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ بِقِرْبَتِهَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ الْمَاءَ فِي سِقَائِهَا وَتَقُولُ: زِمِّي زِمِّي أَيْ اجْتَمِعِي فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا: لَا تَخَافِي الضَّيْعَةَ أَيْ الْهَلَاكَ فَإِنَّ هَاهُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِيه هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ، فَاجْتَمَعَتْ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِزَمْزَمَتِهَا أَيْ اجْتِمَاعِهَا أَوْ لِكَثْرَةِ مَائِهَا، أَوْ لِزَمْزَمَةِ جِبْرِيلَ أَيْ تَكَلُّمِهِ عِنْدَ انْفِجَارِهَا، وَيُقَالُ لَهَا زَمْزَامُ وَشَرَابُ الْأَبْرَارِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلُّوا فِي مُصَلَّى الْأَخْيَارِ، وَاشْرَبُوا مِنْ شَرَابِ الْأَبْرَارِ. قِيلَ: مَا مُصَلَّى الْأَخْيَارِ؟ قَالَ: تَحْتَ الْمِيزَابِ، قِيلَ: مَا شَرَابُ الْأَبْرَارِ؟ قَالَ: مَاءُ زَمْزَمَ، وَأَكْرِمْ بِهِ مِنْ شَرَابٍ، وَأَصْلُهَا زَمَّمَ فَاسْتَثْقَلُوا الْجَمْعَ بَيْنَ ثَلَاثِ مِيمَاتٍ فَأَبْدَلُوا مِنْ الثَّانِيَةِ زَايًا. قَالَ الْعَلَّامَةُ ق ل: وَلَا بَأْسَ بِنَقْلِ مَائِهَا بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ «لِأَنَّ الْمُصْطَفَى كَانَ يَنْقُلُهُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ وَيُهْدِيهِ لِأَصْحَابِهِ وَكَانَ يَسْتَهْدِيهِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ» . وَمَا قِيلَ إنَّهُ يُبَدَّلُ فَمِنْ خُرَافَاتِ الْعَوَامّ اهـ. وَذَكَرَ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ الْخَلِيلُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَزُورُ هَاجَرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الشَّامِ عَلَى الْبُرَاقِ شَغَفًا بِهَا وَقِلَّةَ صَبْرٍ عَنْهَا. وَكَانَ السَّبَبُ فِي إسْكَانِهَا مَكَّةَ مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ سَارَةَ زَوْجَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ مُنِعَتْ الْوَلَدَ وَيَئِسَتْ، وَكَانَتْ هَاجَرُ جَارِيَتُهَا ذَاتَ هَيْئَةٍ وَجَمَالٍ فَوَهَبَتْهَا لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ بِإِسْمَاعِيلَ فَغَضِبَتْ سَارَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ، سِيَّمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْبَوَاسِيرَ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَهَلْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى؟ أَوْجُهٌ حَكَاهَا الدَّمِيرِيُّ وَالطَّيِّبُ النَّاشِرِيُّ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ. وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ، لِأَنَّ أَبَا ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَزَالَ بِهِ الدَّمَ الَّذِي أَدَمْته قُرَيْشٌ حِينَ رَجَمُوهُ كَمَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَغَسَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَلَدَهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - حِينَ قُتِلَ وَتَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ. (وَ) خَامِسُهَا (مَاءُ الْعَيْنِ) الْأَرْضِيَّةِ كَالنَّابِعَةِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ جَبَلٍ، أَوْ الْحَيَوَانِيَّةِ كَالنَّابِعَةِ مِنْ الزُّلَالِ وَهُوَ شَيْءٌ يَنْعَقِدُ مِنْ الْمَاءِ. عَلَى صُورَةِ الْحَيَوَانِ، أَوْ الْإِنْسَانِيَّةِ كَالنَّابِعِ، مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَاتِهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْمِيَاهِ مُطْلَقًا. (وَ) سَادِسُهَا (مَاءُ الثَّلْجِ) بِالْمُثَلَّثَةِ (وَ) سَابِعُهَا (مَاءُ الْبَرَدِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ لِأَنَّهُمَا يَنْزِلَانِ مِنْ السَّمَاءِ ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُمَا الْجُمُودُ فِي الْهَوَاءِ كَمَا يَعْرِضُ لَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ. فَلَا يَرِدَانِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَكَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا رَشْحُ بُخَارِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً وَيَنْقُصُ بِقَدْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ نَازَعَ فِيهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَقَالُوا يُسَمُّونَهُ بُخَارًا أَوْ رَشْحًا لَا مَاءً عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا مَاءُ الزَّرْعِ إذَا قُلْنَا بِطَهُورِيَّتِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَحَدِ الْمِيَاهِ الْمَذْكُورَةِ.   [حاشية البجيرمي] فَحَصَلَتْ لَهَا غَيْرَةٌ فَنَقَلَهَا مِنْ عِنْدَهَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ حَمَلَتْ سَارَةُ بِإِسْحَاقَ وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَبَلَغَ عُمُرُ إسْمَاعِيلَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَعُمُرُ إِسْحَاقَ مِائَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي إلَخْ) صَادِقٌ بِالْإِبَاحَةِ وَهُوَ لَا يُلَائِمُ مَا يَأْتِي مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُزَالَ النَّجَاسَةُ بِهِ اهـ. أَيْ فَيَكُونُ الِانْبِغَاءُ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالنَّدْبِ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ. اهـ. ح ف. قَوْلُهُ: (وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ) ضَعِيفٌ بَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ الْمَاءُ النَّابِعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ع ش. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَبَا ذَرٍّ) هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الْجَوَازِ. قَوْلُهُ: (أَدْمَتْهُ) أَيْ أَسَالَتْهُ. وَقَوْلُهُ: رَجَمُوهُ وَإِنَّمَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُفْعَلُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ. قَوْلُهُ: (قُتِلَ) أَيْ قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ وَصَلَبَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً. قَوْلُهُ: (أَوْصَالُهُ) أَيْ أَعْضَاؤُهُ. وَقَوْلُهُ: بِمَاءِ زَمْزَمَ مُتَعَلِّقٌ ب غَسَلَتْ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْحَيَوَانِيَّةِ) أَيْ صُورَةً. قَوْلُهُ: (مِنْ الزُّلَالِ) بِوَزْنِ غُرَابٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (عَلَى صُورَةِ الْحَيَوَانِ) وَلَيْسَ حَيَوَانًا لِأَنَّهُ يَنْمَاعُ إلَى الْمَاءِ عِنْدَ عُرُوضِ الْحَرَارَةِ لَهُ ق ل. قَالَ اج: وَإِنَّمَا هُوَ جَمَادٌ يُقَالُ لَهُ دُودُ الْمَاءِ وَيُسَمَّى بِالزُّلَالِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَإِنْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ حَيَوَانًا كَانَ مَا فِي بَطْنِهِ نَجِسًا لِأَنَّهُ قَيْءٌ. قَوْلُهُ: (كَالنَّابِعِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهُوَ إيجَادُ مَعْدُومٍ عَلَى الرَّاجِحِ. وَقِيلَ تَكْثِيرُ مَوْجُودٍ يَعْنِي أَنَّهُ هُوَ مِنْ ذَاتِ الْأَصَابِعِ الشَّرِيفَةِ أَوْ مِنْ خَارِجٍ. وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ إيجَادُ مَعْدُومٍ بِالنِّسْبَةِ لِلزِّيَادَةِ عَلَى مَا فِي الْإِنَاءِ وَتَكْثِيرُ مَوْجُودٍ بِالنِّسْبَةِ لَمَّا فِي الْإِنَاءِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَفْضَلُ الْمِيَاهِ مَاءٌ قَدْ نَبَعْ ... مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ الْمُتَّبَعْ يَلِيه مَاءُ زَمْزَمَ فَالْكَوْثَرْ ... فَنِيلُ مِصْرَ ثُمَّ بَاقِي الْأَنْهُرْ قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُمَا الْجُمُودُ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي اتِّحَادَهُمَا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا كِبَرُ حَبَّاتِ الْأَوَّلِ وَصِغَرُ حَبَّاتِ الثَّانِي، وَفِي حَاشِيَةِ الَأُجْهُورِيُّ مَا نَصُّهُ: وَكَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَاءَ يَنْزِلُ مَائِعًا ابْتِدَاءً، لَكِنَّ الثَّلْجَ يَعْرِضُ لَهُ الْجُمُودُ وَيَسْتَمِرُّ، وَالْبَرَدُ يَعْرِضُ لَهُ الْجُمُودُ وَيَنْمَاعُ أَيْ عَقِبَ وُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَرِدَانِ عَلَى الْمُصَنِّفِ) أَيْ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذِكْرُهُمَا مَعَ دُخُولِهِمَا فِي مَاءِ السَّمَاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُمَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ سم. وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: لَا يَرِدَانِ لِأَنَّهُ عَرَضَ لَهُمَا صِفَةٌ غَيَّرَتْهُ أَيْ الْمَاءَ عَنْ حَالَتِهِ وَهِيَ الْجُمُودُ. قَوْلُهُ: (وَلَا مَاءُ الزَّرْعِ) وَهُوَ النَّدَى وَمَا قِيلَ إنَّهُ نَفَسُ دَابَّةٍ فَمَرْدُودٌ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 (ثُمَّ الْمِيَاهُ) الْمَذْكُورَةُ (عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ) . أَحَدُهَا: مَاءٌ (طَاهِرٌ) فِي نَفْسِهِ (مُطَهِّرٌ) لِغَيْرِهِ (غَيْرُ مَكْرُوهٍ) اسْتِعْمَالُهُ (وَهُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ) وَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ بِإِضَافَةٍ كَمَاءِ وَرْدٍ أَوْ بِصِفَةٍ كَمَاءٍ دَافِقٍ، أَوْ فَاللَّامُ عَهْدٍ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» يَعْنِي الْمَنِيَّ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَلَا يُحْتَاجُ لِتَقْيِيدِ الْقَيْدِ بِكَوْنِهِ لَازِمًا لِأَنَّ الْقَيْدَ الَّذِي لَيْسَ بِلَازِمٍ كَمَاءِ الْبِئْرِ مَثَلًا يَنْطَلِقُ اسْمُ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِدُونِهِ، فَلَا حَاجَةَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَيْدِ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِنَا غَيْرُ الْمُطْلَقِ هُوَ الْمُقَيَّدُ بِقَيْدٍ لَازِمٍ اهـ. تَنْبِيهٌ: تَعْرِيفُ الْمُطْلَقِ بِمَا ذَكَرَ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاجِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ الْمُتَغَيِّرُ كَثِيرًا بِمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَطِينٍ وَطُحْلُبٍ، وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَعْرَ عَمَّا ذُكِرَ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَإِنَّمَا أُعْطِيَ حُكْمَهُ فِي جَوَازِ   [حاشية البجيرمي] لِدُخُولِهِ فِي مَاءِ السَّمَاءِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْمِيَاهُ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَقْسِيمِ الْمِيَاهِ بِحَسَبِ مَحَالِّهَا الْمُضَافَةِ هِيَ إلَيْهَا شَرَعَ فِي تَقْسِيمِهَا بِحَسْبِ أَوْصَافِهَا فَقَالَ: ثُمَّ إلَخْ. وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ لَا الْمَعْنَوِيِّ وَأَلْ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورَةُ، وَلَوْ قَالَ ثُمَّ الْمَاءُ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْقَسِمُ إلَى هَذِهِ الْجُزْئِيَّاتِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ فَلَا يَنْقَسِمُ إلَيْهَا بَلْ إلَى مَا سَبَقَ وَهُوَ مَاءُ السَّمَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَلْ جِنْسِيَّةٌ تُبْطِلُ الْجَمْعِيَّةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَى بِمَعْنَى إلَى، لِأَنَّ الْمَعْنَى تَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ وَلَوْ أَسْقَطَهَا الْمُصَنِّفُ لَكَانَ أَخْصَرَ، وَالتَّقْسِيمُ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهَا وَالْكَرَاهَةِ وَنَفْيِهَا، وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ فَقَطْ طَهُورٌ وَطَاهِرٌ وَنَجِسٌ، وَالتَّقْسِيمُ الْمَذْكُورُ مِنْ قَبِيلِ تَقْسِيمِ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ كَتَقْسِيمِ الْكَلِمَةِ إلَى اسْمٍ وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ، لِوُجُودِ شَرْطِ صِحَّتِهِ وَهُوَ صِحَّةُ الْإِخْبَارِ بِالْمُقْسَمِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ وُرُودِ الْقِسْمَةِ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْأَقْسَامِ، فَالْمُقْسَمُ هُنَا الْمَاءُ مُفْرَدُ الْمِيَاهِ، وَقِسْمَةُ أَحَدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ مِثْلُ الطَّاهِرِ الْمُطَّهِر الْغَيْرِ الْمَكْرُوهِ هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمَحَلِّهَا وَهُوَ الْمَاءُ قِسْمٌ، وَبِالنِّسْبَةِ لِأَحَدِ بَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ قَسِيمٌ لِأَنَّ الْقِسْمَ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مَا كَانَ مُنْدَرِجًا تَحْتَ الْقَسْمِ وَأَخَصَّ مِنْهُ، وَالْقِسْمُ مَحَلُّ وُرُودِ الْقِسْمَةِ، وَالْقَسِيمُ مَا كَانَ مُبَايِنًا لِلشَّيْءِ أَيْ مُخَالِفًا وَمُغَايِرًا لَهُ وَمُنْدَرِجًا مَعَهُ تَحْتَ أَصْلٍ كُلِّيٍّ، وَاخْتِيَارُ صِحَّةِ تَقْسِيمِ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ بِجَعْلِ الْقِسْمِ مُبْتَدَأً وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِالْمِقْسَمِ، فَإِنْ صَحَّ الْإِخْبَارُ نَحْوُ الطَّاهِرِ الْمُطَهِّرِ إلَخْ مَاءٌ فَهُوَ مِنْ تَقْسِيمِ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ تَقْسِيمِ الْكُلِّ إلَى أَجْزَائِهِ كَتَقْسِيمِ الْكَلَامِ إلَى الِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ، إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الِاسْمُ كَلَامٌ وَهَكَذَا. وَسَكَتَ عَنْ الْحَرَامِ كَالْمُسَبَّلِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ضَرَرٍ فِيهِ فِي الْبَدَنِ، قَالَ سم: وَهَذَا تَقْسِيمٌ اعْتِبَارِيٌّ فَلَا يُنَافِي تَدَاخُلَ بَعْضِ الْأَقْسَامِ، فَالْمُشَمَّسُ مُطْلَقٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ تَعْرِيفِهِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَاءً بِلَا قَيْدٍ لِإِجْزَاءِ التَّطْهِيرِ بِهِ. قَوْلُهُ: (أَحَدُهَا مَاءٌ إلَخْ) جَعَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ طَاهِرٌ خَبَرًا لِهَذَا الْمُبْتَدَأِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لِجَوَازِ جَرِّهِ بِالْبَدَلِيَّةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَنَصْبِهِ بِمُقَدَّرٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ الرَّسْمُ لِجَوَازِ جَرْيِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ رَسَمَ الْمَنْصُوبَ بِصُورَةِ رَسْمِ الْمَرْفُوعِ ع ش. قَوْلُهُ: (فِي نَفْسِهِ) أَيْ لِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَمٍّ. وَصْفٌ إلَيْهِ كَمَا يُقَالُ قِيمَةُ الْأَمَةِ فِي نَفْسِهَا كَذَا أَيْ: غَيْرُ مَنْظُورٍ فِيهَا إلَى وَصْفٍ زَائِدٍ كَالْحَمْلِ وَاللَّبَنِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (مُطَهِّرٌ) أَيْ مُجْزِئٌ فِي الطَّهَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ رَفْعِ حَدَثٍ وَإِزَالَةِ نَجَسٍ وَغَيْرِهِمَا كَالْأَغْسَالِ الْمَنْدُوبَةِ. قَوْلُهُ: (اسْتِعْمَالُهُ) نَائِبُ فَاعِلِ مَكْرُوهٍ وَقَدَّرَهُ لِأَنَّ ذَاتَ الْمَاءِ لَا يَصِحُّ وَصْفُهَا بِالْكَرَاهَةِ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَمَا قَالَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (بِإِضَافَةٍ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَيْدٍ لِإِفَادَةِ بَيَانِ أَنْوَاعِهِ ق ل. وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ قَيْدٍ، فَمُرَادُ ق ل التَّعَلُّقُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى. قَوْلُهُ: (إذَا رَأَتْ) أَيْ عَلِمَتْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَيْدَ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذَا الْقَيْدِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِدُونِهِ) أَيْ الْقَيْدِ الْغَيْرِ اللَّازِمِ. قَوْلُهُ: (عَنْهُ) أَيْ عَنْ خُرُوجِهِ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ بِدُونِ الْقَيْدِ. قَوْلُهُ: (بِمَا ذُكِرَ) أَيْ قَوْلُهُ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَاءً بِلَا قَيْدٍ. قَوْلُهُ: (وَأُورِدَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُطْلَقِ. الْحَاصِلُ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى التَّعْرِيفِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِعَدَمِ شُمُولِهِ لِلْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِمَا فِي الْمَقَرِّ وَنَحْوِهِ وَغَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ الْمُسْتَعْمَلِ وَالْمَاءِ الْقَلِيلِ الْمُتَنَجِّسِ بِمُجَرَّدِ اتِّصَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يُسَمَّى مَاءً بِلَا قَيْدٍ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ وَاللِّسَانِ الْعَالِمِينَ بِأَحْوَالِ الْمِيَاهِ وَهُمْ يُدْخِلُونَ الْأَوَّلَ وَيُخْرِجُونَ الثَّانِيَ. قَوْلُهُ: (وَطُحْلُبٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَعَ ضَمِّ ثَالِثِهِ أَوْ فَتْحِهِ شَيْءٌ أَخْضَرُ يَعْلُو الْمَاءَ مِنْ طُولِ الْمُكْثِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِمَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ أَوْ لَا، نَعَمْ إنْ أُخِذَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 التَّطْهِيرِ بِهِ لِلضَّرُورَةِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ غَيْرِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ: أَهْلُ اللِّسَانِ وَالْعُرْفِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ إيقَاعِ اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ لَا إيرَادَ، وَلَا يَرِدُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ وَلَا الْمُسْتَعْمَلُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ. (وَ) ثَانِيهَا مَاءٌ (طَاهِرٌ) فِي نَفْسِهِ (مُطَهِّرٌ) لِغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ (مَكْرُوهٌ) اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا تَنْزِيهًا فِي الطَّهَارَةِ (وَهُوَ الْمَاءُ الْمُشَمَّسُ) أَيْ الْمُتَشَمِّسُ، لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ   [حاشية البجيرمي] وَدُقَّ ثُمَّ طُرِحَ ضَرَّ لِكَوْنِهِ مُخَالِطًا مُسْتَغْنًى عَنْهُ. اهـ. م ر. فَرْعٌ: لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ مُخَالِطٌ وَمُجَاوِرٌ مَعًا وَشَكَكْنَا هَلْ التَّغَيُّرُ مِنْ الْمُخَالِطِ أَوْ الْمُجَاوِرِ؟ فَالصَّحِيحُ أَنَّا لَا نَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ بِالشَّكِّ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْرَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ لَمْ يَخْلُ وَأَمَّا بِضَمِّهَا فَبِمَعْنَى يَنْزِلُ قَالَ الشَّاعِرُ: وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاك هِزَّةٌ ... كَمَا انْتَفَضَ الْعُصْفُورُ بَلَّلَهُ الْقَطْرُ قَوْلُهُ: (عَمَّا ذُكِرَ) أَيْ الْقَيْدُ اللَّازِمُ وَهُوَ التَّغَيُّرُ فَإِنَّ مَنْ رَآهُ يَقُولُ هَذَا مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ. قَوْلُهُ: (بِمَنْعِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ) ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ الْمُطْلَقِ) أَيْ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ) إلَخْ. مُعْتَمَدٌ وَأَهْلُ اللِّسَانِ هُمْ أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ هُمْ حَمَلَةُ الشَّرْعِ. قَوْلُهُ: (لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ إيقَاعِ اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ) بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ عِنْدَهُمْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ) الْمُنَاسِبُ يَقُولُ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ عِنْدَ الْعَالِمِ بِحَالِهِ. قَوْلُهُ: (اسْتِعْمَالُهُ) قَدَّرَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ. قَوْلُهُ: (شَرْعًا) أَيْ وَطِبًّا وَمِثْلُهُ الشُّرْبُ قَائِمًا وَسَهَرُ اللَّيْلِ أَيْ مُعْظَمِهِ فِي الْعِبَادَةِ يُكْرَهُ طِبًّا لَا شَرْعًا، وَالنَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ يُكْرَهُ شَرْعًا لَا طِبًّا، وَمِمَّا يُسَنُّ طِبًّا وَشَرْعًا الْفِطْرُ عَلَى التَّمْرِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ شَرْعًا لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ الْكَرَاهَةُ طِبِّيَّةٌ فَقَطْ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ الثَّوَابُ وَعَدَمُهُ، فَإِنْ قُلْنَا: شَرْعِيَّةٌ أُثِيبَ تَارِكُهُ امْتِثَالًا، وَإِنْ قُلْنَا إرْشَادِيَّةٌ أَيْ طِبِّيَّةٌ فَقَطْ فَلَا، وَلِهَذَا قَالَ السُّبْكِيُّ: التَّحْقِيقُ أَنَّ فَاعِلَ الْإِرْشَادِ لِمُجَرَّدِ غَرَضِهِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَلِمُجَرَّدِ الِامْتِثَالِ يُثَابُ وَلَهُمَا يُثَابُ ثَوَابًا أَنْقَصَ مِنْ ثَوَابِ مَنْ مَحَضَ قَصْدَ الِامْتِثَالِ اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَكَرَاهَتُهُ شَرْعِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا الطِّبَّ فَيُثَابُ تَارِكُهَا امْتِثَالًا، وَلِذَلِكَ حَرُمَ عَلَى مَنْ ظَنَّ فِيهِ الضَّرَرَ بِعَدْلٍ، وَلَا تُنْتَظَرُ بُرُودَتُهُ لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ، بَلْ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ ضَرَرَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ، بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَحْتَاجُ إلَى تَسْخِينِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّبْرُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ اهـ. وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّبْرِيدَ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ بِخِلَافِ التَّسْخِينِ. قَوْلُهُ: (تَنْزِيهًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَهُوَ مَا طُلِبَ تَرْكُهُ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ، وَدَفَعَ بِذَلِكَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ. نَعَمْ إنْ ظَنَّ فِيهِ الضَّرَرَ عَادَةً كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، أَوْ بِقَوْلِ طَبِيبٍ عَدْلٍ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَيَعْدِلُ إلَى التَّيَمُّمِ ق ل مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (فِي الطَّهَارَةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا سَيَأْتِي لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ النِّزَاعِ اج. وَهَذِهِ الظَّرْفِيَّةُ مُشْكِلَةٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مَعْنَاهُ الْفِعْلُ، وَالطَّهَارَةُ إمَّا فِعْلُ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ، فَيَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ ظَرْفِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِنَا مَكْرُوهٌ اسْتِعْمَالُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَوْ فِي زَوَالِ الْمَنْعِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْمَظْرُوفَ هُوَ اللُّغَوِيُّ الْعَامُّ فَظَرْفٌ فِي الْخَاصِّ وَهُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْمَخْصُوصُ، وَجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ فِي لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ مَكْرُوهٌ اسْتِعْمَالُهُ لِأَجْلِ زَوَالِ الْمَنْعِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمَاءُ الْمُشَمَّسُ) وَمِثْلُ الْمَاءِ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَاءَ لِأَجْلِ التَّقْسِيمِ أَيْ تَقْسِيمِ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُتَشَمَّسُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَرَاهَةِ فِعْلٌ وَفَاعِلٌ، وَلَا الْقَصْدُ فَيَشْمَلُ مَا تَشَمَّسَ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ دَاوَمَ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ أَمْ لَا خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ الْكَرَاهِيَةَ بِالْمُدَاوَمَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مُغَطًّى أَوْ مَكْشُوفًا لَكِنَّ الْمَكْشُوفَ أَشَدُّ كَرَاهَةً. قَوْلُهُ: (عَنْ عُمَرَ) لَعَلَّ الشَّافِعِيَّ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْهُ عَنْ اجْتِهَادٍ حَتَّى يَتَأَتَّى الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ الشَّارِحُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهَا سَخَّنَتْ مَاءً فِي الشَّمْسِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا ثُمَّ يُقَوِّيه بِخَبَرِ عُمَرَ كَانَ أَوْلَى وَلِضَعْفِهِ لَمْ يَقُلْ بِالْحُرْمَةِ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: يَا حُمَيْرَاءُ تَصْغِيرُ حَمْرَاءَ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَمْرَاءَ ح ف. لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ بَيَاضَهَا مَشُوبٌ بِحُمْرَةٍ. وَفِي الْمِيزَانِ لِلشَّعْرَانِيِّ، وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الِاغْتِسَالَ بِهِ وَقَالَ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ لَكِنْ بِشُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ بِبِلَادٍ حَارَّةٍ أَيْ وَتَنْقُلُهُ الشَّمْسُ عَنْ حَالَتِهِ إلَى حَالَةٍ أُخْرَى كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي آنِيَةٍ مُنْطَبِعَةٍ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَهِيَ كُلُّ مَا طُرِقَ نَحْوُ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ. الثَّالِثُ: أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي حَالِ حَرَارَتِهِ فِي الْبَدَنِ، لِأَنَّ الشَّمْسَ بِحِدَّتِهَا تَفْصِلُ مِنْهُ زُهُومَةً تَعْلُو الْمَاءَ، فَإِذَا لَاقَتْ الْبَدَنَ بِسُخُونَتِهَا خِيفَ أَنْ تَقْبِضَ عَلَيْهِ فَيَحْتَبِسُ الدَّمُ فَيَحْصُلُ الْبَرَصُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْبَدَنِ لِغَيْرِ الطَّهَارَةِ كَشُرْبٍ كَالطَّهَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الْبَدَنِ كَغَسْلِ ثَوْبٍ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَبِخِلَافِ الْمُسَخَّنِ بِالنَّارِ   [حاشية البجيرمي] كَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِهِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ عَدَمُ صِحَّةِ دَلِيلٍ فِيهِ، فَلَوْ أَنَّهُ كَانَ يَضُرُّ الْأُمَّةَ لَبَيَّنَهُ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَالْأَثَرُ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَبَقِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَوَجْهُ الثَّانِي الْأَخْذُ بِالْأَحْوَطِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ خَبَرَ عُمَرَ اُشْتُهِرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا. قَوْلُهُ: (يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ بِهِ) وَقِيسَ بِالِاغْتِسَالِ بَاقِي أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالَاتِ. قَوْلُهُ: (بِبِلَادٍ حَارَّةٍ) فِيهِ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ دُونَ الْقُطْرِ وَمَحَلُّهُ فِي بَلَدٍ خَالَفَتْ وَضْعَ الْقُطْرِ مِثْلُ حَرَّانَ فِي الشَّامِ، وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ الْقُطْرُ كَالْحِجَازِ ق ل. وَهَذَا لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ قَالَ بِبَلَدٍ حَارَّةٍ لِأَنَّ الْبِلَادَ قُطْرٌ، نَعَمْ تَعْبِيرُهُ بِبِلَادٍ دُونَ الْقُطْرِ يُشْعِرُ بِاعْتِبَارِ الْبَلَدِ. قَوْلُهُ: (أَيْ وَتَنْقُلُهُ إلَخْ) لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الِانْتِقَالِ مِنْ الْبُرُودَةِ إلَى الْحَرَارَةِ كَمَا يُوجَدُ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ الزُّهُومَةِ، وَلِذَا قَالَ ق ل أَيْ نَقْلًا يُوجَدُ فِيهِ ظُهُورُ الزُّهُومَةِ لَا مُجَرَّدَ السُّخُونَةِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَضَابِطُ الْمُتَشَمَّسِ أَنْ تُؤَثِّرَ فِيهِ السُّخُونَةُ بِحَيْثُ تُفْصَلُ مِنْ الْإِنَاءِ أَجْزَاءٌ سُمِّيَّةٌ تُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ لَا مُجَرَّدُ انْتِقَالِهِ مِنْ حَالَةٍ لِأُخْرَى بِسَبَبِهَا وَإِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ الِاكْتِفَاءَ بِذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (مُنْطَبِعَةٍ) أَيْ الَّتِي تُمَدُّ بِالْمَطَارِقِ أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تُطْرَقْ بِالْفِعْلِ كَجَبَلٍ أَوْ بِرْكَةٍ مِنْ نَحْوِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ. اهـ. م د وا ج وع ش. قَوْلُهُ: (غَيْرِ النَّقْدَيْنِ) وَالْعِبْرَةُ بِمَا يُلَاقِي الْمَاءَ فَلَا يُكْرَهُ فِي النُّحَاسِ الْمُمَوَّهِ بِهِمَا حَيْثُ مَنَعَ مِنْ انْفِصَالِ الزُّهُومَةِ وَيُكْرَهُ عَكْسُهُ وَالصَّدَأُ كَالنَّقْدِ إنْ مَنَعَ مَا ذُكِرَ. قَالَ اج: فَلَوْ كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَطُلِيَ بِنُحَاسٍ وَشُمِّسَ فِيهِ الْمَاءُ كُرِهَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ حَصَلَ مِنْ النُّحَاسِ شَيْءٌ بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ أَمْ لَا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ نُحَاسٍ وَطُلِيَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُنْطَبِعُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِصَفَاءِ جَوْهَرِهِمَا فَلَا يَنْفَصِلُ مِنْهُمَا شَيْءٌ، وَلَا فَرْقَ فِيهِمَا. وَفِي الْمُنْطَبِعِ مِنْ غَيْرِهِمَا بَيْنَ أَنْ يَصْدَأَ أَوْ لَا. وَأَمَّا الْمُمَوَّهُ بِأَحَدِهِمَا فَالْأَوْجَهُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَثُرَ التَّمْوِيهُ بِحَيْثُ يَمْنَعُ انْفِصَالَ شَيْءٍ مِنْ الْإِنَاءِ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَ حَيْثُ انْفَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ يُؤَثِّرُ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الْإِنَاءِ الْمَغْشُوشِ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي الْبَدَنِ) وَلَوْ بَدَنَ أَبْرَصَ وَإِنْ عَمَّهُ الْبَرَصُ وَمَيِّتٍ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ كَمَا فِي الْحَيَاةِ زي. قَالَ ح ل: أَيْ وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ شُرْبًا وَمِثْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دُهْنِيَّةٌ، بِخِلَافِ الْجَامِدِ كَسَوِيقٍ لُتَّ بِهَذَا الْمَاءِ وَاسْتُعْمِلَ حَالَ سُخُونَتِهِ وَمِنْ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْبَدَنِ غَسْلُ الثَّوْبِ وَلُبْسُهُ حَالَ رُطُوبَتِهِ وَسُخُونَتِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: فِي الْبَدَنِ عُلِمَ مِنْهُ شَرْطٌ رَابِعٌ وَهُوَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْبَدَنِ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا بِأَنْ شَرِبَهُ لَا فِي غَيْرِهِ كَثَوْبٍ إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فِي حَالِ حَرَارَتِهِ، وَيُزَادُ خَامِسٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَشْمِيسُهُ وَقْتَ الْحَرِّ مِنْ النَّهَارِ، وَسَادِسٌ وَهُوَ أَنْ يَجِدَ غَيْرَهُ، وَسَابِعٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا، وَثَامِنٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَخَافَ مِنْهُ ضَرَرًا. وَحَاصِلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ سم أَنَّ الْمُشَمَّسَ وَصْفُهُ الْكَرَاهَةُ، وَتَرْتَفِعُ إذَا فَقَدَ غَيْرَهُ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ، فَيَكُونُ مُبَاحًا وَيَحْرُمُ إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِضَرَرِهِ وَيَجِبُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ عَدْلٌ بِضَرَرِهِ، وَأَمَّا النَّدْبُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (تَعْلُو الْمَاءَ) قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ خَرَقَ الْإِنَاءَ مِنْ أَسْفَلِهِ وَاسْتَعْمَلَ النَّازِلَ وَتَرَكَ الْأَعْلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الزُّهُومَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَاءِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعْلُو الْمَاءَ تَظْهَرُ بِعُلُوِّهِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا مُنْبَثَّةٌ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ. قَوْلُهُ: (فَيَحْصُلُ الْبَرَصُ) أَيْ إمَّا حُدُوثُهُ أَوْ زِيَادَتُهُ أَوْ اسْتِحْكَامُهُ شَوْبَرِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ، فَيُكْرَهُ لِلْأَبْرَصِ أَيْضًا لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 الْمُعْتَدِلِ وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجِسٍ وَلَوْ بِرَوْثِ نَحْوِ كَلْبٍ فَلَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ عَنْهُ، وَلِذَهَابِ الزُّهُومَةِ لِقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي بِلَادٍ بَارِدَةٍ أَوْ مُعْتَدِلَةٍ، وَبِخِلَافِ الْمُشَمَّسِ فِي غَيْرِ الْمُنْطَبِعِ كَالْخَزَفِ وَالْحِيَاضِ أَوْ فِي مُنْطَبِعٍ نَقْدٍ لِصَفَاءِ جَوْهَرِهِ أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ أَنْ بَرُدَ، وَأَمَّا الْمَطْبُوخُ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَائِعًا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَيُكْرَهُ فِي الْأَبْرَصِ لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ، وَكَذَا فِي الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ، وَفِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ مِنْ الْحَيَوَانِ إنْ كَانَ الْبَرَصُ يُدْرِكُهُ كَالْخَيْلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ الْمُشَمَّسُ كَالسُّمِّ لِأَنَّ ضَرَرَهُ مَظْنُونٌ بِخِلَافِ السُّمِّ، وَيَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَيُكْرَهُ أَيْضًا تَنْزِيهًا شَدِيدُ السُّخُونَةِ أَوْ الْبُرُودَةِ فِي الطَّهَارَةِ لِمَنْعِهِ الْإِسْبَاغَ، وَكَذَا مِيَاهُ ثَمُودَ وَكُلُّ مَاءٍ مَغْضُوبٍ عَلَى أَهْلِهِ كَمَاءِ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ وَمَاءِ الْبِئْرِ الَّتِي وُضِعَ فِيهَا السِّحْرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.   [حاشية البجيرمي] يَزِيدُ بَرَصُهُ. قَوْلُهُ: (كَغَسْلِ ثَوْبٍ) أَيْ لَمْ يَلْبَسْهُ حَالَ حَرَارَتِهِ رَطْبًا ق ل. قَوْلُهُ: (لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ) وَهِيَ خَوْفُ الْبَرَصِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجِسٍ) غَايَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُكْرَهُ) أَيْ إذَا سُخِّنَ بِالنَّارِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الْمُشَمَّسِ إذَا سُخِّنَ بِالنَّارِ قَبْلَ تَبْرِيدِهِ فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ بَاقِيَةٌ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ وَهِيَ مَا لَوْ طُبِخَ بِهِ طَعَامٌ مَائِعٌ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ تَنَاوُلُهُ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ زَوَالِ الْكَرَاهَةِ بِالتَّسْخِينِ بِالنَّارِ بَعْدَ تَشْمِيسِهِ وَقَبْلَ تَبْرِيدِهِ، أَمَّا إذَا بَرُدَ ثُمَّ سُخِّنَ بِالنَّارِ فَإِنَّهَا أَيْ الْكَرَاهَةَ تَزُولُ وَلَا تَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. ز ي. وَإِذَا بَرُدَ الْمَاءُ الْمُشَمَّسُ فِي الْإِنَاءِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ شُمِّسَ ثَانِيًا فِي إنَاءٍ مِنْ خَزَفٍ مَثَلًا عَادَتْ الْكَرَاهَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، لِأَنَّ الزُّهُومَةَ لَمْ تَزُلْ بِالتَّبْرِيدِ بَلْ زَالَ تَأْثِيرُهَا لِلشُّرُوطِ بِالسُّخُونَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ، لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّ الزُّهُومَةَ كَامِنَةٌ فِيهِ، فَإِذَا شُمِّسَ ثَانِيًا ظَهَرَتْ مِنْهُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (وَلِذَهَابِ الزُّهُومَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا وُجِدَتْ فِي أَوَّلِ الْحَرَارَةِ، ثُمَّ ذَهَبَتْ بِشِدَّتِهَا. قَوْلُهُ: (تَأْثِيرِهَا) أَيْ النَّارِ. قَوْلُهُ: (بَارِدَةٍ) كَالشَّامِ أَوْ مُعْتَدِلَةٍ كَمِصْرِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمَطْبُوخُ بِهِ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ الْمَطْبُوخِ بِهِ وَأَمَّا إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (كُرِهَ) أَيْ إذَا اُسْتُعْمِلَ حَالَ حَرَارَتِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا فِي الْمَيِّتِ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (كَالْخَيْلِ) أَيْ الْبُلْقِ وَغَيْرِهَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْبُلْقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، فَالْبَرَصُ يُوجَدُ فِي الْخَيْلِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بَعْضُهُمْ بِالْبُلْقِ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْأَبْلَقِ أَكْثَرَ. اهـ. ح ف. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ضَرَرَهُ مَظْنُونٌ) قَضِيَّتُهُ جَوَازُ الِاسْتِعْمَالِ مَعَ الْكَرَاهَةِ إذَا ظَنَّ الضَّرَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ حِينَئِذٍ، فَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالتَّوَهُّمِ إذْ الْكَرَاهَةُ فِي التَّوَهُّمِ فَقَطْ، أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ الضَّرَرَ أَوْ ظَنَّهُ بِمَعْرِفَتِهِ أَوْ عَدْلِ رِوَايَةٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ م د. وَقَوْلُهُ: بِمَعْرِفَتِهِ أَيْ طِبًّا لَا تَجْرِبَةً رَشِيدِيٌّ وع ش. خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ الْقَائِلِ إنَّهُ يَعْمَلُ بِتَجْرِبَةِ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ) أَيْ حَيْثُ لَا ضَرَرَ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ وَيَنْتَقِلُ لِلتَّيَمُّمِ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْوُجُوبِ هَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُكْرَهُ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَالْغُسْلُ الْمَسْنُونُ وَالْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ لِعَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ وَيُتَّجَهُ الْمَنْعُ. اهـ. سم. وَقَوْلُهُ: (وَيُتَّجَهُ الْمَنْعُ) أَيْ مَنْعُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ وَمَا بَعْدَهُ أَيْ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ. قَالَ سم: وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْوُجُوبِ وَكَأَنَّ مُدْرَكَهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ وَالْوُجُوبَ رَاجِعَانِ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الِاسْتِعْمَالُ، وَالشَّيْءُ إذَا كَانَ لَهُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَجْتَمِعُ فِيهِ حُكْمَانِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ فَلَهَا جِهَتَانِ، وَلِذَا كَانَ لَهَا حُكْمَانِ أَيْ الْوُجُوبُ وَالْحُرْمَةُ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَيْضًا إلَخْ) أَيْ فَحَصْرُ الْمُصَنِّفِ الْكَرَاهَةَ فِي الْمُشَمَّسِ غَيْرُ مُرَادٍ لِتَحَقُّقِهَا فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِمَنْعِهِ الْإِسْبَاغَ) أَيْ الْإِتْمَامَ أَيْ كَمَالَ الْإِتْمَامِ، وَإِلَّا فَلَوْ مَنَعَ إتْمَامَ الْوُضُوءِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ، وَيَحْرُمُ سم. وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ: وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ إسْبَاغَ الْوُضُوءِ إكْمَالُهُ وَإِتْمَامُهُ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ، وَفِي الْمُخْتَارِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ إتْمَامُهُ، فَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ مُضَافٍ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى كَلَامِ الْمُخْتَارِ فَيَكُونُ كَلَامُ سم جَارِيًا عَلَيْهِ. قَالَ اج: وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِلَّةِ اخْتِصَاصُ الْكَرَاهَةِ بِالطَّهَارَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ عَلَّلَهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِخَوْفِ الضَّرَرِ وَقَضِيَّتُهُ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا مِيَاهُ ثَمُودَ) إلَّا بِئْرَ النَّاقَةِ فَلَا كَرَاهَةَ لِاسْتِعْمَالِ مَائِهَا، وَالْمِيَاهُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ بَلْ التُّرَابُ وَالْأَحْجَارُ كَذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي شَجَرِهَا، وَالْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ فَيُكْرَهُ أَكْلُ ثَمَرِهِ وَاسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (الَّتِي وُضِعَ فِيهَا السِّحْرُ) وَهِيَ بِئْرُ ذَرْوَانَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا وَالْوَاضِعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَخَ مَاءَهَا حَتَّى صَارَ كَنُقَاعَةِ الْحِنَّاءِ وَمَاءِ دِيَارِ بَابِلَ. (وَ) ثَالِثُهَا مَاءٌ (طَاهِرٌ) فِي نَفْسِهِ (غَيْرُ مُطَهِّرٍ) لِغَيْرِهِ (وَهُوَ) الْمَاءُ الْقَلِيلُ (الْمُسْتَعْمَلُ) فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ عَنْ حَدَثٍ كَالْغَسْلَةِ الْأُولَى؛ أَمَّا كَوْنُهُ طَاهِرًا فَلِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا لَا يَحْتَرِزُونَ عَمَّا يَتَطَايَرُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَ جَابِرًا فِي مَرَضِهِ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ وَضُوئِهِ» . وَأَمَّا كَوْنُهُ غَيْرَ مُطَهِّرٍ لِغَيْرِهِ فَلِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا مَعَ قِلَّةِ مِيَاهِهِمْ لَمْ يَجْمَعُوا الْمُسْتَعْمَلَ لِلِاسْتِعْمَالِ ثَانِيًا بَلْ انْتَقَلُوا إلَى التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَجْمَعُوهُ لِلشُّرْبِ لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَثِمَ الشَّخْصُ بِتَرْكِهِ كَحَنَفِيٍّ تَوَضَّأَ بِلَا نِيَّةٍ أَمْ لَا كَصَبِيٍّ إذْ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمَا   [حاشية البجيرمي] لِلسِّحْرِ هُوَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيُّ، وَكَانَ السِّحْرُ فِي شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِيهِ إحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، فَأَمَرَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقْرَأَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ لِإِبْطَالِ السِّحْرِ، وَكَذَا يُكْرَهُ مَاءُ بِئْرِ بَرَهُوتَ، فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَهِيَ الْمُشَمَّسُ وَشَدِيدُ الْحَرَارَةِ وَشَدِيدُ الْبُرُودَةِ، وَمَاءُ دِيَارِ ثَمُودَ إلَّا بِئْرَ النَّاقَةِ، وَمَاءُ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ، وَمَاءُ بِئْرِ بَرَهُوتَ، وَمَاءُ أَرْضِ بَابِلَ، وَمَاءُ بِئْرِ ذَرْوَانَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَخَ مَاءَهَا) أَيْ وَمَسَخَ طَلْعَ النَّخْلِ الَّذِي حَوْلَهَا حَتَّى صَارَ كَرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (بَابِلَ) هِيَ مَدِينَةُ السِّحْرِ بِالْعِرَاقِ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ) بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ فَإِنْ بَلَغَهُمَا بِمَاءٍ صِرْفٍ وَلَوْ مُسْتَعْمَلًا أَوْ مُتَنَجِّسًا وَلَا تَغَيَّرَ عَادَ طَهُورًا ق ل. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ الظَّرْفَ صِلَةُ الْمُسْتَعْمَلِ فَهُوَ ظَرْفٌ لِغَيْرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَيْ: مَاءٌ حَصَلَ اسْتِعْمَالُهُ فِي فَرْضٍ فَالِاسْتِعْمَالُ مَظْرُوفٌ، وَالْفَرْضُ ظَرْفٌ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ أَيْضًا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ ظَرْفِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْمَظْرُوفَ هُوَ اللُّغَوِيُّ الْعَامُّ وَالظَّرْفُ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الشَّرْعِيُّ الْخَاصُّ فَهُوَ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: (عَنْ حَدَثٍ) أَوْ إزَالَةِ نَجَسٍ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي غَسْلِ مَا نَجُسَ بِنَحْوِ كَلْبٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُسْتَعْمَلُ التُّرَابُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَسْلِ نَجَاسَةِ نَحْوِ كَلْبٍ مَرَّةً ثَانِيَةً عَلَى الْمُرَجَّحِ عِنْدَ شَيْخِنَا م ر. وَإِنْ جَرَى الْمُصَنِّفُ أَعْنِي شَيْخَ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحَيْ الرَّوْضِ وَالْبَهْجَةِ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً كَحَجَرِ الِاسْتِنْجَاءِ بَعْدَ غَسْلِهِ وَجَفَافِهِ وَكَدَوَاءٍ دُبِغَ بِهِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ الدَّبْغَ مِنْ بَابِ الْإِحَالَةِ وَالْحَجَرُ لَيْسَ رَافِعًا فَلْيُتَأَمَّلْ ق ل وا ج. وَذِكْرُ حُكْمِ التُّرَابِ هُنَا اسْتِطْرَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَالْغَسْلَةِ الْأُولَى) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ إذْ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا الْأُولَى، وَإِمَّا تَمْثِيلِيَّةٌ لِتَدْخُلَ الْمَسْحَةُ الْأُولَى كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَقَالَ ق ل: الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ أَوْ تَمْثِيلِيَّةٌ لِإِدْخَالِ الْمَسْحِ، أَوْ مَاءِ غَسْلِ الْجَبِيرَةِ، أَوْ الْخُفِّ بَدَلَ مَسْحِهِمَا، أَوْ بَقِيَّةِ السَّبْعِ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ اهـ. قَوْلُهُ (فِي مَرَضِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَفِيهَا نَظَرٌ لِأَنَّ جَابِرًا عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (مِنْ وَضُوئِهِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجْمَعُوا الْمُسْتَعْمَلَ) . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّ تَحْصِيلَ الْمَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يَجِبُ فَعَدَمُ الْجَمْعِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ فَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ فِعْلِيَّةٍ احْتَمَلَتْ اهـ. أَيْ وَوَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبُ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الِاحْتِمَالَ الْبَعِيدَ لَا يُؤَثِّرُ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ. وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف فِيهِ: إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوهُ لِكَوْنِهِ قَلِيلًا بَعْدَ جَمْعِهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ مَعَ كَثْرَةٍ وَمَعَ كَوْنِهِمْ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَهُوَ مَعَ كَثْرَتِهِ لَمْ يَجْمَعُوهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ لَمْ يَجْمَعُوا مَاءَ الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَاءَهُمَا يُخَالِطُ غَالِبًا مَاءَ الْمَرَّةِ الْأُولَى فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ مُسْتَعْمَلًا فَلَمْ يَجْمَعُوهُ لِذَلِكَ، وَبِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَصِرُونَ فِي أَسْفَارِهِمْ الْقَلِيلَةِ الْمَاءَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ) فَيُكْرَهُ شُرْبُهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَحْرُمُ قَوْلُهُ: (مَا لَا بُدَّ مِنْهُ) وَهُوَ مَا لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ إلَّا بِهِ. قَوْلُهُ: (كَحَنَفِيٍّ تَوَضَّأَ إلَخْ) وَإِنَّمَا مَثَّلَ بِالْحَنَفِيِّ لِأَنَّ وُضُوءَهُ خَالٍ عَنْ النِّيَّةِ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ أَثِمَ بِتَرْكِهِ لِلْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (كَصَبِيٍّ) أَيْ مُمَيِّزٍ تَوَضَّأَ وَنَوَى أَوْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَمَجْنُونٍ كَذَلِكَ كَأَنْ وَضَّأَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 مِنْ وُضُوءٍ، وَلَا أَثَرَ لِاعْتِقَادِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَاءَ الْحَنَفِيِّ فِيمَا ذُكِرَ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا بِخِلَافِ اقْتِدَائِهِ بِحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ لِأَنَّ الرَّابِطَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الِاقْتِدَاءِ دُونَ الطِّهَارَاتِ. تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ مَنْعِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، فَقِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ إنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْقِيقِهِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ مُطْلَقٌ وَلَكِنْ مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ تَعَبُّدًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَعْمَلِ فِي فَرْضٍ الْمُسْتَعْمَلُ فِي نَفْلِ الطَّهَارَةِ كَالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ وَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ عَلَى الْجَدِيدِ. تَنْبِيهٌ: مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ مَاءُ غُسْلٍ بَدَلَ مَسْحٍ مِنْ رَأْسٍ أَوْ خُفٍّ، وَمَاءُ غُسْلِ كَافِرَةِ لِتَحِلَّ لِحَلِيلِهَا الْمُسْلِمِ. وَأُورِدَ   [حاشية البجيرمي] وَلِيَّهُ لِطَوَافٍ حِينَ أَحْرَمَ عَنْهُ فَيَنْوِي عَنْهُ اهـ. قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، قَالَ شَيْخُنَا م ر: وَلَهُ إذَا مَيَّزَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ، وَفِي ع ش عَلَى م ر خِلَافُ ذَلِكَ وَنَصُّهُ: وَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَذَا الْوُضُوءِ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَدَّ بِوُضُوءِ وَلِيِّهِ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ زَالَتْ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا قِيلَ فِي زَوْجِ الْمَجْنُونَةِ إذَا غَسَّلَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ أَنَّهَا إذَا أَفَاقَتْ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِذَلِكَ الطُّهْرِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا) يَقْتَضِي اعْتِقَادُهُ أَيْ الشَّافِعِيِّ أَنْ وُضُوءَهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ لِخُلُوِّهِ عَنْ النِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ اقْتِدَائِهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَلَا جَوَابَ لِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ الْحَنَفِيَّ قَدْ أَتَى بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي اعْتِقَادِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْوُضُوءُ الرَّافِعُ لِحَدَثِهِ، كَمَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَلِذَلِكَ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ إذَا أَتَى بِالْبَسْمَلَةِ فِي الْفَاتِحَةِ، لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَا يَضُرُّ اعْتِقَادُ عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ. اهـ. ق ل. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ بِالْفَرْضِ نَفْلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَكَيْفَ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الشَّافِعِيِّ بِهِ؟ وَأُجِيبَ: بِأَنَّ مَحَلَّ ضَرَرِ اعْتِقَادِ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَقِدًا لِلْفَاعِلِ ع ش. قَوْلُهُ: (مَسَّ فَرْجَهُ) أَوْ أَتَى بِمُخَالِفٍ، وَمِنْهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْوُضُوءَ. قَوْلُهُ: (مُعْتَبَرَةٌ فِي الِاقْتِدَاءِ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ رَبْطِ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ بِالْأُخْرَى بِالنِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (دُونَ الطِّهَارَاتِ) إذْ لَا رَابِطَ بَيْنَ طَهَارَةٍ وَطَهَارَةٍ وَاحْتِيَاطًا فِي الْبَابَيْنِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِعْمَالِ يُوجَدُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ كَمَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَغُسْلِ الْمَجْنُونَةِ وَالْمُمْتَنِعَةِ مِنْ الْغُسْلِ، بِخِلَافِ الِاقْتِدَاءِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَنِيَّةُ الْإِمَامِ الْمَذْكُورِ أَيْ الَّذِي مَسَّ فَرْجَهُ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي ظَنِّ الْمَأْمُومِ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (مَنْعِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ) الْأَوْلَى مَنْعُ التَّطْهِيرِ لِأَنَّهُ الْمَمْنُوعُ لَا مُطْلَقَ اسْتِعْمَالِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَصَحُّ) مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ: (وَقِيلَ مُطْلَقٌ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (كَالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ نَذَرَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَيُلْغَزُ وَيُقَالُ لَنَا غُسْلٌ وَاجِبٌ أَوْ وُضُوءٌ وَاجِبٌ وَمَاؤُهُمَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ، فَإِذَا اغْتَسَلَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا الْمَنْذُورَ، فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الَّذِي اغْتَسَلَ بِهِ وَيُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ، وَعِبَارَةُ ق ل كَالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ وَإِنْ نَذَرَهُ أَوْ كَانَ لِنَحْوِ مَجْنُونٍ بَعْدَ إفَاقَتِهِ وَإِنْ لَزِمَهُ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ عِنْدَ غُسْلِهِ بَعْدَ الْجُنُونِ لِاحْتِمَالِ الْإِنْزَالِ، وَكَذَا وُضُوءُ مَنْ شَكَّ فِي حَدَثِهِ لِعَدَمِ رَفْعِ الطَّهَارَةِ بِالشَّكِّ اهـ. قَوْلُهُ: (بَدَلَ مَسْحٍ) أَيْ لِشَيْءٍ مِنْ رَأْسٍ أَوْ خُفٍّ. قَوْلُهُ: (غُسْلِ كَافِرَةٍ) أَيْ كِتَابِيَّةٍ أَيْ بِنَفْسِهَا أَوْ بِغَيْرِهَا عِنْدَ امْتِنَاعِهَا لِأَنَّ غُسْلَهَا لَيْسَ عِبَادَةً وَنِيَّتُهَا لِلتَّمْيِيزِ، فَلَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ أَحَدُ أُصُولِهَا وَهِيَ مَجْنُونَةٌ بَطَلَ غُسْلُهَا. وَحِينَئِذٍ يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا غُسْلٌ صَحِيحٌ يَبْطُلُ بِكَلَامِ الْمُغْتَسِلِ أَوْ كَلَامِ غَيْرِهِ. اهـ. ح ل. وَفِي مَتْنِ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَغُسْلُ كَافِرَةٍ لِقَصْدِ حِلِّهَا لِمُسْلِمٍ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِغُسْلِهَا، فَيَجِبُ وَلَوْ عَبَّرَ كَالرَّوْضَةِ بِالْكِتَابِيَّةِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ مَا سِوَاهَا مِنْ الْكَافِرَاتِ حَرَامٌ وَكَالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ فِيمَا يَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ بِالْغُسْلِ لَهُ كَالْمُسْلِمَةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: ثُمَّ تَرَجَّحَ عِنْدِي خِلَافُ ذَلِكَ عَمَلًا بِتَقْيِيدِهِمْ الْحُكْمَ بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّخْفِيفِ عَلَيْهِ، وَالْكَافِرُ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا بِأَنْ يُسْلِمَ اهـ. قَوْلُهُ: (لِتَحِلَّ لِحَلِيلِهَا الْمُسْلِمِ) هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ، وَاعْتَمَدَ م ر أَنَّ قَصْدَ الْحِلِّ كَافٍ وَإِنْ كَانَ حَلِيلُهَا صَغِيرًا أَوْ كَافِرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ يَرَى تَوَقُّفَ الْحِلِّ عَلَى الْغُسْلِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَلِيلٌ أَصْلًا، أَوْ قَصَدَتْ الْحِلَّ لِلزِّنَا، فَكُلٌّ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 عَلَى ضَابِطِ الْمُسْتَعْمَلِ مَاءٌ غُسِلَ بِهِ الرِّجْلَانِ بَعْدَ مَسْحِ الْخُفِّ، وَمَاءٌ غُسِلَ بِهِ الْوَجْهُ قَبْلَ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ، وَمَاءٌ غُسِلَ بِهِ الْخَبَثُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي فَرْضٍ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ عَدَمِ رَفْعِهِ لِأَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ الْمُسْتَفَادِ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ أَصَالَةً. فَائِدَةٌ: الْمَاءُ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ مَا بَقِيَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِعْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ   [حاشية البجيرمي] حَلِيلِهَا وَالْمُسْلِمِ لَيْسَ بِقَيْدٍ. نَعَمْ لَوْ قَصَدَتْ حَنَفِيَّةٌ حِلَّ وَطْءِ حَنَفِيٍّ يَرَى حِلَّهَا مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ لَمْ يَكُنْ مَاؤُهَا مُسْتَعْمَلًا وَلَا يَصِحُّ غُسْلُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ مَانِعٍ شَرْعًا، وَلِذَلِكَ فَارَقَ الْكَافِرَةَ لِلْكَافِرِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا شَافِعِيًّا وَاغْتَسَلَتْ لِتَحِلَّ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَاؤُهَا مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّهُ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَيْسَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، أَوْ كَانَتْ شَافِعِيَّةً وَزَوْجُهَا حَنَفِيٌّ وَاغْتَسَلَتْ لِيَحِلَّ لَهَا التَّمْكِينُ كَانَ مَاؤُهَا مُسْتَعْمَلًا، أَوْ لِتَحِلَّ لَهُ كَانَ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ حَرَّرَ ح ل وس ل. قَوْلُهُ: (لِحَلِيلِهَا الْمُسْلِمِ) اقْتَضَى صَنِيعُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ وَطْءَ الصَّبِيِّ قَبْلَ الْغُسْلِ مُمْتَنِعٌ شَرْعًا وَوَلِيُّهُ مُخَاطَبٌ بِمَنْعِهِ مِنْهُ وَبِالْغُسْلِ يَزُولُ هَذَا الْمَنْعُ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (وَأُورِدَ عَلَى ضَابِطِ الْمُسْتَعْمَلِ) حَاصِلُ الْإِيرَادِ أَنَّ هَذِهِ الْمِيَاهَ لَا تَرْفَعُ حَدَثًا وَلَا خَبَثًا مِنْ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَشْمَلُهَا فَيَكُونُ غَيْرَ جَامِعٍ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ عَدَمُ تَسْلِيمِ كَوْنِ الْأَوَّلِ مُسْتَعْمَلًا بَلْ هُوَ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ، وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَهُمَا دَاخِلَانِ فِي الْمُسْتَعْمَلِ فَقَوْلُهُ بِمَنْعِ عَدَمِ رَفْعِهِ أَيْ مَاءِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْخُفِّ لِحَدَثٍ آخَرَ أَيْ بَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ الْآخَرَ إذَا اُسْتُعْمِلَ. وَقَوْلُهُ: لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا لِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ رَفَعَ الْحَدَثَ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا يَزِيدُ بِهَذَا الْغَسْلِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لِلْمُقِيمِ أَوْ الْمُسَافِرِ لِأَنَّهُ فِي حَالِ الْغَسْلِ كَانَ الْحَدَثُ مَرْفُوعًا، فَلَا يُلْتَفَتُ لِمَا بَعْدَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (مَاءٌ غُسِلَ بِهِ الرِّجْلَانِ) أَيْ دَاخِلَ الْخُفِّ. قَوْلُهُ: (وَمَاءٌ غُسِلَ بِهِ الْوَجْهُ) أَيْ وَبَاقِي الْأَعْضَاءِ، وَصُورَتُهُ كَأَنْ تَيَمَّمَ لِضَرُورَةٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَجْهَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، قَوْلُهُ: (قَبْلَ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِيَصِحَّ تَصْوِيرُهُ لِكَوْنِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا فِي أَمْرٍ مُسْتَغْنًى عَنْهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا) أَيْ الْمَاءَاتِ الثَّلَاثَ لَا تَرْفَعُ حَدَثًا آخَرَ. قَوْلُهُ: (بِمَنْعِ عَدَمِ رَفْعِهِ إلَخْ) أَيْ بَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَيْ حَدَثًا آخَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي فَرْضٍ. وَلَا يُشْكِلُ بِتَأْثِيرِ غَسْلِ الْوَجْهِ قَبْلَ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ حَيْثُ رَفَعَ الْحَدَثَ الْمُسْتَفَادِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ فَرِيضَةٍ وَلَمْ يَرْفَعْ هُنَا لِأَنَّ مَسْحَ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ فَأَثَّرَ بَعْدَهُ الْغَسْلُ وَمَسْحُ الْخُفَّيْنِ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ الْغَسْلُ بَعْدَهُ شَيْئًا. اهـ. ق ل. وَبَحَثَ سم أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ بِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مُدَّةِ الْخُفِّ، وَهَذَا الْبَحْثُ مَرْدُودٌ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يُؤَثِّرْ) فَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا اج. قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ) فَقَوْلُ الْمُعْتَرِضِ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي فَرْضٍ غَيْرُ مُسَلَّمٍ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ الثَّالِثِ) وَهُوَ غَسْلُ الْخَبَثِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَيُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِ مَائِهِ نَظَرًا لِجِنْسِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخَبَثِ وُجُوبُ غَسْلِهِ، وَلَا نَظَرَ لِطُرُوِّ الْعَفْوِ عَنْهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْخَبَثِ فِيمَا مَرَّ فَإِيرَادُ هَذِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ق ل. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعُضْوِ إلَخْ) مُرَادُهُ بِالْعُضْوِ مَا يَشْمَلُ بَدَنَ الْجُنُبِ لَا خُصُوصَ عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِمَّا يَأْتِي وَحِينَئِذٍ صَحَّ تَفْرِيعُ قَوْلِهِ: فَلَوْ نَوَى جُنُبٌ إلَخْ وَعَلَيْهِ فَانْدَفَعَ مَا فِي الْحَوَاشِي. قَوْلُهُ: (لَا يَثْبُتُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْعُضْوِ الْمُنْفَرِدِ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، فَلَوْ غَرَفَ بِكَفَّيْهِ مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ وَفَصَلَهُمَا عَنْهُ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا مَثَلًا وَنَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ ارْتَفَعَ حَدَثُ كَفَّيْهِ مَعًا إنْ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَلَهُ أَنْ يَغْسِلَ بِمَا فِيهِمَا مَا شَاءَ مِنْ بَقِيَّةِ يَدَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا وَبَقِيَّةِ بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالِهِ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَصْغَرَ وَكَانَ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُمَا مَعًا ارْتَفَعَ حَدَثُ كَفِّهِ الْيُمْنَى سَوَاءٌ قَصَدَهَا أَوْ أَطْلَقَ نَظَرًا لِطَلَبِ تَقْدِيمِهَا، وَلَهُ إتْمَامُ غَسْلِهَا بِمَا فِي كَفِّهِ بِلَا انْفِصَالٍ، وَإِنْ قَصَدَ الْيُسْرَى وَحْدَهَا ارْتَفَعَ حَدَثُ مَا لَاقَى الْمَاءُ مِنْهَا وَلَهُ إتْمَامُ غَسْلِهَا بِهِ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا مَعًا ارْتَفَعَ الْحَدَثُ عَمَّا لَاقَاهُ الْمَاءُ مِنْهُمَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَرْفَعَ بِهِ بَقِيَّةَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ مَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَعْمَلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُخْرَى ق ل. قَوْلُهُ: (مَا بَقِيَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِعْمَالِ) إنْ أُرِيدَ بَقَاءُ الْحَاجَةِ بِعَدَمِ اسْتِيعَابِ الْعُضْوِ فَالتَّقْيِيدُ بِهِ مُضِرٌّ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ إذَا اسْتَوْعَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 لِلضَّرُورَةِ، فَلَوْ نَوَى جُنُبٌ رَفْعَ الْجَنَابَةِ وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْحَدَثِ، وَكَذَا فِي غَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَلَوْ نَوَى جُنُبَانِ مَعًا بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ طُهْرًا أَوْ مُرَتَّبًا وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فَالْأَوَّلُ فَقَطْ، أَوْ نَوَيَا مَعًا فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُمَا عَنْ بَاقِيهِمَا، وَلَوْ شَكَا فِي الْمَعِيَّةِ فَالظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمَا يَطْهُرَانِ لِأَنَّا لَا نَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ بِالشَّكِّ وَسَلْبُهَا فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا فَقَطْ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَالْمَاءُ الْمُتَرَدِّدُ عَلَى عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ وَعَلَى بَدَنِ الْجُنُبِ وَعَلَى الْمُتَنَجِّسِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَهُورٌ، فَإِنْ جَرَى الْمَاءُ مِنْ عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ إلَى عُضْوِهِ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَأَنْ جَاوَزَ مَنْكِبَهُ أَوْ تَقَاطَرَ مِنْ عُضْوٍ وَلَوْ مِنْ عُضْوِ بَدَنِ الْجُنُبِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، نَعَمْ مَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّقَاذُفُ كَمِنْ الْكَفِّ إلَى السَّاعِدِ وَعَكْسُهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِلْعُذْرِ، وَإِنْ خَرَقَهُ الْهَوَاءُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَلَوْ غَرَفَ بِكَفِّهِ جُنُبٌ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ أَوْ مُحْدِثٌ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ الْغَسْلَةَ الْأُولَى عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ أَوْ الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ أَوْجَهُ إنْ لَمْ يُرِدْ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ وَلَمْ يَنْوِ الِاغْتِرَافَ بِأَنْ نَوَى اسْتِعْمَالًا أَوْ أَطْلَقَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، فَلَوْ غَسَلَ بِمَا فِي كَفِّهِ بَاقِيَ   [حاشية البجيرمي] الْعُضْوَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَوْ نَوَى إلَخْ. وَإِنْ أُرِيدَ بَقَاؤُهَا بَعْدَ انْفِصَالِ الْمَاءِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا مَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّقَاذُفُ لَا مُجَرَّدَ ارْتِفَاعِ حَدَثِهِ كَمَا قَالَهُ ع ش. فَالتَّقْيِيدُ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، لِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ يُغْنِي عَنْهُ تَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: (مَا بَقِيَتْ الْحَاجَةُ) بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْعُضْوَ كَذَا قِيلَ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ نَوَى جُنُبٌ) أَيْ يَغْتَسِلُ بِالِانْغِمَاسِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) لِلرَّدِّ عَلَى الْخِلَافِ كَأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ حَيْضًا، وَالثَّانِي جَنَابَةً بِنُزُولِ الْمَنِيِّ أَيْ إنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ حَالَ انْغِمَاسِهِ ق ل وم ر وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَوَى جُنُبَانِ مَعًا) أَيْ يَقِينًا أَوْ احْتِمَالًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ سِتٌّ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَنْوِيَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا أَوْ يَشُكَّا فِي الْمَعِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ، وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إمَّا بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ أَوْ قَبْلَهُ فَمَتَى نَوَيَا مَعًا بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ أَوْ شَكَا فِي الْمَعِيَّةِ كَذَلِكَ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ عَنْ جَمِيعِ بَدَنِهِمَا أَوْ نَوَيَا مَعًا أَوْ شَكَا فِي الْمَعِيَّةِ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ عَنْ الْجُزْءِ الْمُلَاقِي لِلْمَاءِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَطْ، أَوْ نَوَيَا مُرَتَّبًا بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ أَوْ قَبْلَهُ ارْتَفَعَ حَدَثُ السَّابِقِ، وَلَهُ رَفْعُ حَدَثٍ يَطْرَأُ عَلَيْهِ قَبْلَ رَفْعِ رَأْسِهِ فِي الْأُولَى أَيْ: بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ وَإِتْمَامُ غَسْلِهِ بِالِانْغِمَاسِ دُونَ الِاغْتِرَافِ فِي الثَّانِيَةِ أَيْ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ) أَيْ انْغِمَاسِهِمَا وَإِلَّا ارْتَفَعَ عَنْ الْمُلَاقِي لِلْمَاءِ فَقَطْ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ انْغِمَاسِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَرْتَفِعْ عَنْ بَاقِيهِ وَحْدَهُ فَرَاجِعْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الِانْغِمَاسِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَكَا فِي الْمَعِيَّةِ) أَيْ بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ. قَوْلُهُ: (يَطْهُرَانِ) إلْحَاقًا بِالْمَعِيَّةِ الْمُحَقَّقَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَاءُ الْمُتَرَدِّدُ إلَخْ) هَذَا تَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي قَوْلِهِ الْمَاءُ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا إلَخْ. وَأَعَادَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) رَاجِعٌ لِلْأَخِيرِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (طَهُورٌ) أَيْ مُطَهِّرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ عُضْوِ بَدَنِ الْجُنُبِ) أَخْذُهُ غَايَةٌ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ بَدَنَ الْجُنُبِ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ، فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِعْمَالُ بِالتَّقَاطُرِ. 1 - قَوْلُهُ: (صَارَ مُسْتَعْمَلًا) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ نَزَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَنَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ، ثُمَّ اغْتَرَفَ الْمَاءَ بِإِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ وَصَبَّهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَا تَرْتَفِعُ جَنَابَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ الَّذِي اغْتَرَفَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ انْفَصَلَ اهـ بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ قَوْلُهُ: (التَّقَاذُفُ) وَهُوَ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الِاتِّصَالِ اج. وَفِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ عَلَى الِاتِّصَالِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ وَإِنْ خَرَّقَهُ الْهَوَاءُ. وَكَتَبَ الْمَيْدَانِيُّ عَلَى التَّقَاذُفِ أَيْ التَّدَافُعِ. قَوْلُهُ: (كَمِنْ الْكَفِّ إلَى السَّاعِدِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَوَضِّئِ وَمِنْ الرَّأْسِ إلَى الصَّدْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجُنُبِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَرَّقَهُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ حَرَّكَهُ وَقَطَعَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَرَفَ إلَخْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ إدْخَالُ الْيَدِ فِي الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ غَرْفٍ، وَعِبَارَةُ م ر وَابْنِ حَجَرٍ: وَلَوْ أَدْخَلَ كَفَّهُ جُنُبٌ إلَخْ لَكِنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ قَوْلِهِ بَعْدُ فَلَوْ غَسَلَ بِمَا فِي كَفِّهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يُرِدْ إلَخْ) بِأَنْ أَرَادَ الثَّلَاثَ أَوْ أَطْلَقَ فَالْمُعْتَبَرُ إرَادَتُهُ إنْ وُجِدَتْ وَإِلَّا فَالثَّلَاثُ ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِغَرَفَ. قَوْلُهُ: (صَارَ) أَيْ الْمَاءُ الْبَاقِي مِنْ الْقَلِيلِ مُسْتَعْمَلًا. قَوْلُهُ: (بَاقِيَ يَدِهِ) أَيْ فِي الْمُحْدِثِ أَوْ بَاقِيَ بَدَنِهِ فِي الْجُنُبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 يَدِهِ لَا غَيْرَهَا أَجْزَأَهُ، أَمَّا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ بِأَنْ قَصَدَ نَقْلَ الْمَاءِ مِنْ الْإِنَاءِ وَالْغُسْلَ بِهِ خَارِجَهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا (وَ) مِثْلُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الْمَاءُ (الْمُتَغَيِّرُ) طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ (بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ (خَالَطَهُ مِنْ) الْأَعْيَانِ (الطَّاهِرَاتِ) الَّتِي لَا يُمْكِنُ فَصْلُهَا الْمُسْتَغْنَى عَنْهَا كَمِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ وَمَاءِ شَجَرٍ وَمَنِيٍّ وَمِلْحٍ جَبَلِيٍّ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَاءً، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً أَوْ وَكَّلَ فِي شِرَائِهِ فَشَرِبَ ذَلِكَ أَوْ اشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ لَمْ   [حاشية البجيرمي] ق ل. قَوْلُهُ: (أَجْزَأَهُ) أَيْ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَدْخَلَ إحْدَى يَدَيْهِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ، أَمَّا لَوْ أَدْخَلَهُمَا مَعًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ بِمَا فِيهِمَا بَاقِيَ إحْدَاهُمَا وَلَا بَاقِيَهُمَا، وَذَلِكَ لِرَفْعِ الْمَاءِ حَدَثَ الْكَفَّيْنِ فَمَتَى غَسَلَ بَاقِيَ إحْدَاهُمَا فَقَدْ انْفَصَلَ مَا غَسَلَ بِهِ عَنْ الْأُخْرَى وَذَلِكَ يُصَيِّرُهُ مُسْتَعْمَلًا، وَمِنْهُ يُعْلَمُ وُضُوحُ مَا ذَكَرَهُ سم فِي شَرْحِهِ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ مِنْ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ نِيَّةُ الِاغْتِرَافِ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ بِأَنْ يَقْصِدَ أَنَّ الْيَدَ الْيُسْرَى مُعِينَةٌ لِلْيُمْنَى فِي أَخْذِ الْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ ارْتَفَعَ حَدَثُ الْكَفَّيْنِ مَعًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ بِهِ سَاعِدَ إحْدَاهُمَا بَلْ يَصُبَّهُ ثُمَّ يَأْخُذَ غَيْرَهُ لِغَسْلِ السَّاعِدِ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ إفْتَاءِ م ر مَا يُخَالِفُهُ وَأَنَّ الْيَدَيْنِ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ فَمَا فِي الْكَفَّيْنِ إذَا غَسَلَ بِهِ السَّاعِدَ لَا يُعَدُّ مُنْفَصِلًا عَنْ الْعُضْوِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. وَمِثْلُ الْحَنَفِيَّةِ الْوُضُوءُ بِالصَّبِّ مِنْ إبْرِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ ع ش، وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ م ر. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ إلَخْ) وَمَحَلُّ نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ بَعْدَ نِيَّةِ الْغَسْلِ فِي الْغَسْلِ وَقَبْلَ مَسِّ الْمَاءِ، وَحِينَئِذٍ فَيُشْكِلُ كَوْنُهَا بَعْدَ نِيَّةِ الْغَسْلِ إذْ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْغَسْلِ إلَّا مَعَ مَسِّ الْمَاءِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ نَوَى الْغَسْلَ قَبْلَ الْمَسِّ وَلَكِنْ اسْتَصْحَبَهَا عِنْدَ الْمَسِّ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ قَصَدَ نَقْلَ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ مَسِّ الْمَاءِ فَلْيَحْذَرْ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَلَطٌ سم وَمَرْحُومِيٌّ وَفِي ع ش عَلَى م ر: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ الِاغْتِرَافِ عِنْدَ أَوَّلِ مُمَاسَّةِ الْمَاءِ، فَإِنْ تَأَخَّرَتْ فَلَا أَثَرَ لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ ذَكَرَ خِلَافَ ذَلِكَ. اهـ. سم عَلَى الْبَهْجَةِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ تَقَدَّمَتْ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْهَا عِنْدَ الِاغْتِرَافِ اهـ بِالْحَرْفِ. ثُمَّ قَالَ سم: وَفِي الْجُنُبِ بَعْدَ نِيَّتِهِ لِأَنَّ بَدَنَهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا نَوَى غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الِاغْتِرَافِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ يَدُهُ فِي الْمَاءِ، وَلَوْ اغْتَرَفَ لِنَحْوِ الْمَضْمَضَةِ وَغَسَلَ يَدَهُ خَارِجَ الْإِنَاءِ بِالْمَاءِ الَّذِي اغْتَرَفَهُ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الِاغْتِرَافِ، وَلَوْ غَرَفَ الْمَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ ارْتَفَعَتْ عَنْ كَفَّيْهِ وَلَمْ يَضُرَّ إدْخَالُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ) أَيْ مِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ، إذْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُتَغَيِّرُ عَطْفٌ عَلَى الْمُسْتَعْمَلِ وَالشَّارِحُ غَيَّرَ إعْرَابَ الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ: وَمِثْلُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَا حَاجَةَ لَهُ وَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَتْنَ لِبَقَائِهِ عَلَى رَفْعِهِ. قَوْلُهُ: (طَعْمُهُ إلَخْ) خَرَجَ التَّغَيُّرُ بِالْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ فَلَا يَضُرُّ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ خَالَطَهُ قَيْدٌ أَوَّلٌ وَالطَّاهِرَاتُ قَيْدٌ ثَانٍ وَالْمُسْتَغْنَى عَنْهَا ثَالِثٌ وَيَمْنَعُ إطْلَاقَ إلَخْ رَابِعٌ، وَيَنْبَغِي زِيَادَةُ أَنْ يَكُونَ التَّغَيُّرُ يَقِينًا. قَوْلُهُ: (أَيْ بِشَيْءٍ) خَرَجَ الْمُتَغَيِّرُ بِطُولِ الْمُكْثِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً أَوْ مَصْدَرِيَّةً أَيْ بِاَلَّذِي خَالَطَهُ أَوْ بِمُخَالَطَةِ الطَّاهِرَاتِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَعْيَانِ) خَرَجَ الرَّوَائِحُ كَالْبَخُورِ ق ل. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الرَّوَائِحَ مِنْ الْمُخَالِطَاتِ، وَفِي ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهَا مِنْ الْمُجَاوِرِ اهـ. قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا يُمْكِنُ فَصْلُهَا) تَفْسِيرٌ لِكَوْنِهَا مُخَالِطَةً. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَغْنَى عَنْهَا) شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ طُرِحَ مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ بِمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ عَلَى مَاءٍ غَيْرِ مُتَغَيِّرٍ فَتَغَيَّرَ بِهِ فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ لِاسْتِغْنَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ خَلْطِهِ بِالْآخَرِ. وَيُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: لَنَا مَاءَانِ يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهِمَا انْفِرَادًا لَا اجْتِمَاعًا م ر. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِعَدَمِ سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ طَهُورٌ فَهُوَ كَالْمُتَغَيِّرِ بِالْمِلْحِ الْمَائِيِّ. قَوْلُهُ: (وَمِلْحٍ جَبَلِيٍّ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِمَقَرِّ الْمَاءِ وَمَمَرِّهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ إلَخْ) بِأَنْ يَحْدُثَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ اسْمٌ آخَرُ يَزُولُ بِهِ وَصْفُ الْإِطْلَاقِ م ر. قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَاءً مَا لَوْ قَالَ هَذَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ مُزِجَ بِغَيْرِهِ وَتَغَيَّرَ زِيَادَةً عَمَّا كَانَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: هَذَا الْمَاءَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِهِ إذَا شَرِبَهُ عَلَى حَالَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مُزِجَ بِسُكَّرٍ أَوْ نَحْوِهِ بِحَيْثُ تَغَيَّرَ كَثِيرًا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ يُؤْخَذُ مِمَّا لَوْ حَلَفَ مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ حَيْثُ فَرَّقُوا فِيهِ بَيْنَ مَا لَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ، فَيَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِنْهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ صُورَتِهَا فَصَارَتْ دَقِيقًا أَوْ خُبْزًا، وَمَا لَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 يَحْنَثْ وَلَمْ يَقَعْ الشِّرَاءُ لَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ حِسِّيًّا أَمْ تَقْدِيرِيًّا حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَائِعِ مَائِعٌ يُوَافِقُهُ فِي الصِّفَاتِ كَمَاءِ الْوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَوْ قَدَّرْنَاهُ بِمُخَالِفٍ وَسَطٍ كَلَوْنِ الْعَصِيرِ وَطَعْمِ الرُّمَّانِ وَرِيحِ اللَّاذَنِ لِغَيْرِهِ ضَرَّ بِأَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ جَمِيعُ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا الْمُنَاسِبَ لِلْوَاقِعِ فِيهِ فَقَطْ، وَلَا يُقَدَّرُ بِالْأَشَدِّ كَلَوْنِ الْحِبْرِ وَطَعْمِ الْخَلِّ وَرِيحِ الْمِسْكِ، بِخِلَافِ الْخَبَثِ لِغِلَظِهِ، أَمَّا الْمِلْحُ الْمَائِيُّ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَإِنْ كَثُرَ لِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْمَاءِ، وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ كَمَائِعٍ   [حاشية البجيرمي] بِأَكْلِهِ مِنْهَا إذَا صَارَتْ دَقِيقًا أَوْ خُبْزًا لِزَوَالِ الِاسْمِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَشَرِبَ ذَلِكَ) أَيْ الْمُتَغَيِّرَ الْمَذْكُورَ وَلَوْ تَقْدِيرِيًّا، وَمِنْهُ الْمَمْزُوجُ بِالسُّكَّرِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْنَثْ) لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ ق ل. وَمَحَلُّ عَدَمِ الْحِنْثِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُتَغَيِّرٌ. اهـ. زِيَادِيٌّ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ تَقْدِيرِيًّا وَوَافَقَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقَعْ الشِّرَاءُ لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ مَا دَفَعَهُ لَهُ أَوْ لَا. وَسَوَاءٌ أَنْقَدَهُ فِي الثَّمَنِ أَوْ لَا. وَلَا يَقَعُ الشِّرَاءُ أَيْضًا لِلْوَكِيلِ إنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الثَّمَنِ، فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ، وَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ سَمَّى الْمُوَكِّلَ سم. قَوْلُهُ: (حِسِّيًّا) أَيْ مُدْرَكًا بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَالْبَصَرُ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (كَلَوْنِ الْعَصِيرِ) أَيْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَبْيَضَ أَوْ أَسْوَدَ. قَوْلُهُ: (اللَّاذَنِ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِاللِّبَانِ الذَّكَرِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِأَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ) أَيْ جَوَازًا فَلَوْ هَجَمَ شَخْصٌ وَتَوَضَّأَ بِهِ كَانَ وُضُوءُهُ صَحِيحًا سم. إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّغْيِيرِ وَظَاهِرُهُ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاقِعُ نَجِسًا فِي مَاءٍ كَثِيرٍ اهـ اج. وَقَوْلُ سم: كَانَ وُضُوءُهُ صَحِيحًا لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ شَاكٌّ، وَالشَّكُّ لَا يُؤَثِّرُ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ الْمُتَيَقَّنِ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ هُوَ مُخَالِطٌ أَوْ مُجَاوِرٌ أَوْ فِي كَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ؟ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (جَمِيعُ هَذِهِ الصِّفَاتِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ تُعْرَضُ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِهَا ضَرَّ وَإِلَّا فَتُعْرَضُ أُخْرَى بَعْدَهَا وَهَكَذَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ بِمَجْمُوعِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثِ اهـ اج. قَالَ سم: وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَغَيَّرَ مَاءُ الْقِرَبِ بِقَطَرَانِهَا لِأَنَّهُ مُجَاوِرٌ أَوْ مُخَالِطٌ فِي مَقَرِّ الْمَاءِ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَا الْمُنَاسِبَ لِلْوَاقِعِ فِيهِ فَقَطْ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى عَرْضِ الْمُنَاسِبِ لِلْوَاقِعِ فِي الْمَاءِ فَقَطْ كَأَنْ يَقْتَصِرَ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ مَاءِ الْوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ عَلَى عَرْضِ مُغَيِّرِ الرِّيحِ كَمَاءِ وَرْدٍ لَهُ رِيحٌ ع ش، فَيُشْتَرَطُ عَرْضُ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ لَهُ وُصِفَ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي النَّجِسِ لَا يُفْرَضُ إلَّا مَا يُوَافِقُ وَصْفَ الْوَاقِعِ اهـ ق ل وع ش. وَعَرْضُ مُغَيِّرِ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ كَطَعْمِ الرُّمَّانِ وَلَوْنِ الْعَصِيرِ مَعَ أَنَّهُمَا مَوْجُودَانِ فِي مَاءِ الْوَرْدِ الْمَطْرُوحِ فِي الْمَاءِ، وَلَمْ يُغَيِّرَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُمَا إذَا لَمْ يُغَيِّرَا فَكَيْفَ يَعْرِضُ غَيْرُهُمَا؟ لَكِنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِ سم يُعْتَبَرُ الْمُغَيِّرُ بِغَيْرِ الْجِنْسِ تَدَبَّرْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاقِعَ إنْ كَانَ مَفْقُودَ الصِّفَاتِ كُلِّهَا كَمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ عَرْضِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَفْقُودَ الْبَعْضِ كَمَاءِ وَرْدٍ لَهُ رَائِحَةٌ وَلَا طَعْمَ لَهُ وَلَا لَوْنَ لَهُ يُخَالِفُ لَوْنَ الْمَاءِ فَيُقَدَّرُ فِيهِ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ وَلَا يُقَدَّرُ الرِّيحُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِرِيحِهِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ رِيحٍ غَيْرِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَاقِعُ لَهُ صِفَةً فِي الْأَصْلِ وَقَدْ فُقِدَتْ فَإِنْ كَانَ كَمَاءِ وَرْدٍ مُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرُّويَانِيِّ، فَالرُّويَانِيُّ يَقُولُ يُقَدَّرُ فِيهِ لَوْنُ الْعَصِيرِ وَطَعْمُ الرُّمَّانِ وَرِيحُ مَاءِ الْوَرْدِ، فَيُقَدَّرُ الْوَصْفُ الْمَفْقُودُ فِيهِ لَا رِيحَ اللَّاذَنِ، وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ يَقُولُ يُقَدَّرُ فِيهِ طَعْمُ الرُّمَّانِ وَلَوْنُ الْعَصِيرِ وَرِيحُ اللَّاذَنِ، وَلَا يُقَدَّرُ رِيحُ مَاءِ الْوَرْدِ لِفَقْدِهِ بِالْفِعْلِ، فَيَكُونُ مَاءُ الْوَرْدِ حِينَئِذٍ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ كُلِّهِ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ. قَوْلُهُ: (لِغِلَظِهِ) فَيُقَدَّرُ بِالْأَشَدِّ كَمَا ذَكَرَ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ. ثُمَّ إنْ وَافَقَهُ فِي الصِّفَاتِ قَدَّرْنَاهُ مُخَالِفًا أَشَدَّ فِيهَا كَلَوْنِ الْحِبْرِ وَرِيحِ الْمِسْكِ وَطَعْمِ الْخَلِّ أَوْ فِي صِفَةٍ قَدَّرْنَاهُ مُخَالِفًا فِيهَا فَقَطْ، لِأَنَّ الْمَوْجُودَ إذَا لَمْ يُغَيِّرْ فَلَا فَائِدَةَ فِي فَرْضِهِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمِلْحُ الْمَائِيُّ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْمِلْحَ الْمَائِيَّ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْمَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَهُوَ كَالْجَمَدِ أَيْ الثَّلْجِ، بِخِلَافِ الْجَبَلِيِّ فَإِنَّهُ خَلِيطٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ مِنْ الْمَاءِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ: أَمَّا الْمِلْحُ الْمَائِيُّ إلَخْ. أَيْ إنْ لَمْ يَنْعَقِدْ مِنْ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ، وَإِلَّا كَانَ كَأَصْلِهِ فَيُقَدَّرُ حِينَئِذٍ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ هَكَذَا ظَهَرَ وَهُوَ الْوَجْهُ، وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ انْعَقَدَ الْمِلْحُ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ وَغَيَّرَ تَغَيُّرًا كَثِيرًا ضَرَّ وَعَلَيْهِ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِالتَّغَيُّرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 فَيُفْرَضُ مُخَالِفًا وَسَطًا لِلْمَاءِ فِي صِفَاتِهِ لَا فِي تَكْثِيرِ الْمَاءِ، فَلَوْ ضُمَّ إلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ صَارَ طَهُورًا وَإِنْ أَثَّرَ فِي الْمَاءِ بِفَرْضِهِ مُخَالِفًا. وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ يَسِيرٌ بِطَاهِرٍ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْهُ، وَلِبَقَاءِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّ تَغَيُّرَهُ كَثِيرٌ ثُمَّ شَكَّ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ الْآنَ يَسِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ لَمْ يُطَّهَّرْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْحَالَيْنِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ بِمُكْثٍ وَإِنْ فَحُشَ التَّغَيُّرُ وَطِينٍ وَطُحْلُبٍ وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ كَكِبْرِيتٍ وَزِرْنِيخٍ وَنَوْرَةٍ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ أَوْرَاقُ شَجَرٍ تَنَاثَرَتْ وَتَفَتَّتَتْ وَاخْتَلَطَتْ وَإِنْ كَانَتْ رَبِيعِيَّةً أَوْ بَعِيدَةً عَنْ الْمَاءِ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ   [حاشية البجيرمي] بِصِفَةِ كَوْنِهِ مِلْحًا نَظَرًا لِصُورَتِهِ الْآنَ حَتَّى لَوْ غَيَّرَ بِهَا وَلَمْ يُغَيِّرْ لَوْ فُرِضَ عَصِيرًا مَثَلًا لِسَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ، أَوْ يَفْرِضُ مُخَالِفًا وَسَطًا نَظَرًا لِأَصْلِهِ فَلَا يُسْلَبُ فِيهِ نَظَرٌ؟ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّهُ دَقِيقٌ جِدًّا اهـ. وَقَوْلُهُ: نَظَرًا لِأَصْلِهِ وَهُوَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ أَيْ فَيُقَدَّرُ مُخَالِفًا وَسَطًا، لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ إذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ يَقْذُرُ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ هُوَ التَّغَيُّرُ بِصِفَةِ كَوْنِهِ مِلْحًا فَإِنْ غَيَّرَ بِالْفِعْلِ ضَرَّ، وَإِلَّا فَلَا وَلَا يُقَدَّرُ مُخَالِفًا وَسَطًا نَظَرًا لِأَصْلِهِ وَهُوَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ. قَوْلُهُ: (لَا فِي تَكْثِيرِ الْمَاءِ) أَيْ لَا فِي حَالَةِ تَكْثِيرِ الْمَاءِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ بِأَنْ بَلَغَ بِهِ قُلَّتَيْنِ فَلَا يُفْرَضُ مُخَالِفًا، لِأَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ لَا يَتَأَثَّرُ بِالِاسْتِعْمَالِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ ضُمَّ إلَى مَاءٍ قَلِيلٍ إلَخْ) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَاءَ الْفَسَاقِي الْمُعَدَّةِ الْآنَ لِلْوُضُوءِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ مَثَلًا طَهُورٌ مَعَ كَثْرَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الْوَاقِعِ فِيهَا بِكَثْرَةِ الْمُتَوَضِّئِينَ وَلَا نُقَدِّرُهُ مُخَالِفًا، وَمَا وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ سَهْوٌ أَوْ نِسْيَانٌ م د. قَوْلُهُ: (لَمْ يُطَهِّرْ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْهَاءِ أَيْ لَمْ يُطَهِّرْ شَيْئًا وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْحَالَيْنِ) هُمَا الشَّكُّ ابْتِدَاءً فِي كَثْرَةِ التَّغَيُّرِ، وَالشَّكُّ فِي بَقَاءِ التَّغَيُّرِ الْكَثِيرِ بَعْدَ زَوَالِ بَعْضِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ الْكَثْرَةِ، وَفِي الثَّانِي بَقَاءُ التَّغَيُّرِ. قَوْلُهُ: (قَالَ الْأَذْرَعِيُّ) وَخَالَفَهُ م ر وَقَالَ بِالطَّهَارَةِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إلْحَاقًا لِلشَّكِّ فِي الدَّوَامِ بِالشَّكِّ فِي الِابْتِدَاءِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ بِمُكْثٍ) أَيْ بِسَبَبِهِ وَهُوَ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ مَصْدَرُ مَكَثَ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا أَقَامَ. وَفِي الْمَصْدَرِ لُغَةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ فَتْحُ الْكَافِ وَالْمِيمِ. قِيلَ: وَقَدْ قُرِئَ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مَكَثٍ} وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّ إلَخْ. مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ السَّابِقِ يَسْتَغْنِي الْمَاءُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ فَحُشَ التَّغَيُّرُ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ. قَوْلُهُ: (وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ) أَيْ وَإِنْ كَثُرَ وَلَوْ مَصْنُوعًا، وَمِنْهُ الْقَطْرَانُ الَّذِي لَا دُهْنِيَّةَ فِيهِ إذَا دُبِغَ بِهِ الْقِرَبُ، وَمِنْهُ مَا يُصْنَعُ بِهِ الْفَسَاقِي وَالصَّهَارِيجُ مِنْ الْجِيرِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ وَضْعِ الْمَاءِ فِي جَرَّةٍ وُضِعَ فِيهَا أَوَّلًا نَحْوُ لَبَنٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ زَيْتٍ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْمَاءِ فَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ ع ش عَلَى م ر قَالَ سم: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْهُ التَّغَيُّرُ بِطُونُسَ السَّاقِيَةِ لِلْحَاجَةِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا فِي الْمَقَرِّ فَافْهَمْهُ، فَإِنَّهُ نَفِيسٌ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي الْمَقَرِّ وَالْمَمَرِّ مَا كَانَ خِلْقِيًّا فِي الْأَرْضِ أَوْ مَصْنُوعًا فِيهَا بِحَيْثُ صَارَ يُشْبِهُ الْخِلْقِيَّ بِخِلَافِ الْمَصْنُوعِ فِيهَا لَا بِتِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، فَإِنَّ الْمَاءَ يَسْتَغْنِي عَنْهُ اهـ. وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يَقَعُ مِنْ الْأَوْسَاخِ الْمُنْفَصِلَةِ مِنْ أَرْجُلِ النَّاسِ مِنْ غَسْلِهَا فِي الْفَسَاقِي خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا. وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ بَابِ مَا لَا يَسْتَغْنِي الْمَاءُ عَنْهُ غَيْرَ الْمَمَرِّيَّةِ وَالْمَقَرِّيَّةِ، كَمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُ الشَّيْخِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَوْسَاخِ الَّتِي تَنْفَصِلُ مِنْ أَبْدَانِ الْمُنْغَمِسِينَ فِي الْمَغَاطِسِ اهـ رَشِيدِيٌّ، فَعُلِمَ أَنَّ تَغَيُّرَ الْمَاءِ الْمَوْضُوعِ فِي الْأَوَانِي الَّتِي كَانَ فِيهَا الزَّيْتُ وَنَحْوُهُ لَا يَضُرُّ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ بِهِ تَغَيُّرٌ بِمَا فِي الْمَقَرِّ أَوْ بِمَا لَا يَسْتَغْنِي الْمَاءُ عَنْهُ، فَعِنْدَ ع ش تَغَيُّرٌ بِمَا فِي الْمَقَرِّ، وَعِنْدَ الرَّشِيدِيِّ تَغَيُّرٌ بِمَا لَا يَسْتَغْنِي الْمَاءُ عَنْهُ كَالْقَطْرَانِ الَّذِي فِي الْقِرَبِ. قَوْلُهُ: (لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ مَا لَا يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ رَبِيعِيَّةً) إنَّمَا كَانَتْ غَايَةً لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى رُطُوبَةٍ تَتَحَلَّلُ فِي الْمَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، فَإِنَّهَا شَدِيدَةُ الْيُبُوسَةِ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِهَا الْمَاءُ. اهـ. م د. وَقَالَ اج: أَخْذُ الرَّبِيعِيَّةِ وَالْبَعِيدَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الْمَاءِ عَنْهَا، لَا إنْ طُرِحَتْ وَتَفَتَّتَتْ أَوْ أُخْرِجَ مِنْهُ الطُّحْلُبُ أَوْ الزِّرْنِيخُ وَدُقَّ نَاعِمًا وَأُلْقِيَ فِيهِ فَغَيَّرَهُ فَإِنَّهُ يَضُرُّ؛ أَوْ تَغَيَّرَ بِالثِّمَارِ السَّاقِطَةِ فِيهِ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهَا غَالِبًا. وَاحْتَرَزَ بِقَيْدِ الْمُخَالِطِ عَنْ الْمُجَاوِرِ الطَّاهِرِ كَعُودٍ وَدُهْنٍ وَلَوْ مُطَيَّبَيْنِ وَكَافُورٍ صُلْبٍ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ لِإِمْكَانِ فَصْلِهِ وَبَقَاءِ اسْمِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِتُرَابٍ وَلَوْ مُسْتَعْمَلًا طُرِحَ   [حاشية البجيرمي] غَايَةٌ إشَارَةً لِلْخِلَافِ فِيهِمَا حَيْثُ قِيلَ فِيهِمَا بِالضَّرَرِ. قَوْلُهُ: (لَا إنْ طُرِحَتْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ تَنَاثَرَتْ. قَوْلُهُ: (وَتَفَتَّتَتْ) أَيْ قَبْلَ الطَّرْحِ أَوْ بَعْدَهُ، وَعِبَارَةُ م ر وَبِخِلَافِ طَرْحِ الْوَرَقِ الْمُتَفَتِّتِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ اهـ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَفَتِّتِ إذَا طُرِحَ ثُمَّ تَفَتَّتَ لَا يَضُرُّ، وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ فِيمَا يَضُرُّ وَرَقٌ طُرِحَ ثُمَّ تَفَتَّتَ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَدُقَّ نَاعِمًا) وَلَوْ أُلْقِيَ بِلَا دَقٍّ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَفَتَّتْ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ، وَإِنْ تَفَتَّتَ ضَرَّ فَفِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَدُقَّ تَفْصِيلٌ هَذَا عَلَى مَا فِي شَرْحِ سم عَلَى الْكِتَابِ، لَكِنْ عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَابْنِ حَجَرٍ كَالشَّارِحِ، وَمَفْهُومُهَا أَنَّهُ إذَا طُرِحَ صَحِيحًا مِنْ غَيْرِ دَقٍّ وَلَا تَفَتُّتٍ ثُمَّ تَفَتَّتَ وَغُيِّرَ لَا يَضُرُّ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَوْرَاقِ الْمَطْرُوحَةِ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الضَّرَرُ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الطُّحْلُبَ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يَضُرَّ، بِخِلَافِ الْأَوْرَاقِ أَوْ أَنَّ الطُّحْلُبَ أَبْعَدُ تَفَتُّتًا مِنْهَا اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (وَاحْتَرَزَ إلَخْ) صَرَّحَ فِي هَذَا بِلَفْظِ احْتَرَزَ لِأَنَّهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الْقُيُودِ الَّتِي زَادَهَا هُوَ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِهَذَا الْعُنْوَانِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ قَوْلَهُ كَابْنِ قَاسِمٍ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مِنْ الطَّاهِرَاتِ عَنْ الْمُتَغَيِّرِ بِنَجِسٍ، وَسَيَأْتِي لَكِنَّهُ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ عَنْ الْمُجَاوِرِ الطَّاهِرِ. قَوْلُهُ: (كَعُودٍ وَدُهْنٍ) وَكَذَا مَا فِيهِ دُهْنِيَّةٌ كَأَحَدِ نَوْعَيْ الْقَطْرَانِ. وَمِنْ الْمُتَغَيِّرِ بِالْمُجَاوِرِ الْمُتَغَيِّرُ بِالْبَخُورِ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا أَوْ رِيحًا ح ل وم ر. وَفِي مُبَلَّاتِ الْكَتَّانِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ تَحَقَّقَ انْفِصَالُ عَيْنٍ مِنْهُ حَصَلَ بِهَا التَّغَيُّرُ كَثِيرًا ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ مُجَاوِرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْمَاءِ عَلَى قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا أَوْ يَكُونَ نَجِسًا، وَالطَّاهِرُ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِطًا أَوْ مُجَاوِرًا، وَالْأَوَّلُ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ الْمَاءُ عَنْهُ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّغَيُّرُ بِهِ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا ضَرَّ، وَتُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَوْرَاقُ إذَا تَنَاثَرَتْ بِنَفْسِهَا وَتَفَتَّتَتْ وَغَيَّرَتْ وَالْمِلْحُ الْمَائِيُّ وَالتُّرَابُ الطَّاهِرُ أَوْ الطَّهُورُ، وَإِنْ طُرِحَا فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. وَالْمُجَاوِرُ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ تَتَحَلَّلَ مِنْهُ أَجْزَاءٌ تُمَازِجُ الْمَاءَ وَتُخَالِطُهُ كَالْمِشْمِشِ وَالزَّبِيبِ وَالْعِرْقِسُوسِ وَالْبَقَّمِ فَيَرْجِعُ إلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَيَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ إذَا كَثُرَ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ كَالْعُودِ وَالدُّهْنِ وَلَوْ مُطَيَّبَيْنِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ تَرَوُّحٍ. وَالنَّجِسُ عَلَى قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنَجِّسًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنَجِّسٍ لَمْ يُؤَثِّرْ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ كَالْمَيْتَةِ الَّتِي لَا يَسِيلُ دَمُهَا، وَكَالنَّجِسِ الَّذِي لَا يُدْرِكُهُ بَصَرٌ مُعْتَدِلٌ، وَكَدُخَانِ النَّجَاسَةِ إذَا كَانَ قَلِيلًا، وَكَغُبَارِ السِّرْجِينِ إذَا كَانَ قَلِيلًا، وَكَالْيَسِيرِ مِنْ الشَّعْرِ النَّجِسِ غَيْرِ الْمُغَلَّظِ، وَإِنْ كَانَ النَّجِسُ مُنَجِّسًا نُظِرَ فِي الْمَاءِ تَارَةً يَكُونُ قَلِيلًا وَتَارَةً يَكُونُ كَثِيرًا، فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلَوْ جَارِيًا تَنَجَّسَ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَتَنَجَّسْ إلَّا بِتَغَيُّرِ طَعْمِهِ أَوْ لَوْنِهِ أَوْ رِيحِهِ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُطَيَّبَيْنِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ مُطَيَّبَيْنِ بِغَيْرِهِمَا، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ مُطَيِّبَيْنِ لِغَيْرِهِمَا. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ وَلَوْ مُطَيَّبَيْنِ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ أَوْلَى مِنْ كَسْرِهَا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ الْمَصْنُوعُ فَالْخِلْقِيُّ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (صُلْبٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الصُّلْبِ، فَإِنَّهُ مُخَالِطٌ. فَالْكَافُورُ نَوْعَانِ صُلْبٌ وَغَيْرُهُ. فَالْأَوَّلُ مُجَاوِرٌ، وَالثَّانِي مُخَالِطٌ، وَمِثْلُهُ الْقَطْرَانُ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعًا فِيهِ دُهْنِيَّةٌ فَلَا يَمْتَزِجُ بِالْمَاءِ فَيَكُونُ مُجَاوِرًا وَنَوْعًا لَا دُهْنِيَّةَ فِيهِ فَيَكُونُ مُخَالِطًا وَيُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِإِمْكَانِ فَصْلِهِ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُجَاوِرِ بِمَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ، وَقِيلَ هُوَ مَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، فَالْمُخَالِطُ مَا لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ لَا حَالًا وَلَا مَآلًا، فَخَرَجَ التُّرَابُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فَصْلُهُ بَعْدَ رُسُوبِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، أَوْ مَا لَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، فَدَخَلَ التُّرَابُ فِي الْمُخَالِطِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ. وَالْحَقُّ أَنَّ التُّرَابَ لَهُ حَالَتَانِ: حَالَةُ إلْقَاءٍ وَحَالَةُ رُسُوبٍ. فَفِي حَالَةِ إلْقَائِهِ مُخَالِطٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ، وَفِي حَالَةِ رُسُوبِهِ مُجَاوِرٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فَصْلُهُ، وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا يَشْهَدُ لَهُ ع ن. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ مُجَاوِرًا ابْتِدَاءً وَدَوَامًا كَالْأَحْجَارِ أَوْ دَوَامًا كَالتُّرَابِ أَوْ ابْتِدَاءً لَا دَوَامًا كَوَرَقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ مُجَرَّدُ كُدُورَةٍ فَلَا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ حَتَّى صَارَ لَا يُسَمَّى إلَّا طِينًا رَطْبًا ضَرَّ، وَمَا تَقَرَّرَ فِي التُّرَابِ الْمُسْتَعْمَلِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. (وَ) رَابِعُهَا (مَاءٌ نَجِسٌ) أَيْ مُتَنَجِّسٌ (وَهُوَ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ) أَوْ لَاقَتْهُ (نَجَاسَةٌ) تُدْرَكُ بِالْبَصَرِ (وَهُوَ) قَلِيلٌ (دُونَ الْقُلَّتَيْنِ) بِثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ فَأَكْثَرَ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَمْ لَا، لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ الْآتِي وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» نَهَاهُ عَنْ الْغَمْسِ خَشْيَةَ النَّجَاسَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا إذَا خَفِيَتْ لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ فَلَوْلَا أَنَّهَا تُنَجِّسُهُ بِوُصُولِهَا لَمْ يَنْهَهُ. (أَوْ كَانَ كَثِيرًا) بِأَنْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ (فَتَغَيَّرَ) بِسَبَبِ النَّجَاسَةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الطَّاهِرِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ يَسِيرًا حِسِّيًّا أَوْ   [حاشية البجيرمي] الْأَشْجَارِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ مُجَرَّدُ كُدُورَةٍ) يُفْهَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلتُّرَابِ إلَّا لَوْنٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَوْ وُجِدَ لَهُ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ كَانَ كَذَلِكَ ق ل. وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ كُدُورَةً قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ غَيَّرَ طَعْمَ الْمَاءِ أَوْ رِيحَهُ ضَرَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ قَوْلُهُ: (بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) أَرَادَ بِهِ شَيْخَ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ تَأَدُّبًا. قَوْلُهُ: (أَيْ مُتَنَجِّسٌ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ شَبَّهَ الْمُتَنَجِّسَ بِالنَّجِسِ بِجَامِعِ حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ كُلٍّ فِيمَا مَنَعَ الشَّرْعُ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِ، وَأَطْلَقَهُ أَيْ النَّجِسَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَاقَتْهُ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ وَارِدًا وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْغُسَالَةِ اج. قَوْلُهُ: (نَجَاسَةٌ) أَيْ مُنَجِّسَةٌ جَامِدَةٌ أَوْ مَائِعَةٌ قَلِيلَةٌ أَوْ كَثِيرَةٌ غَيَّرَتْهُ أَوْ لَمْ تُغَيِّرْهُ كَمَا يَأْتِي، وَخَرَجَ النَّجَاسَةُ غَيْرُ الْمُنَجِّسَةِ كَالْمَيْتَةِ الَّتِي لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ. قَوْلُهُ: (تُدْرَكُ بِالْبَصَرِ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهُ الشَّمُّ وَالذَّوْقُ، فَالصَّوَابُ حَذْفُهُ إذْ مَا لَهُ رِيحٌ أَوْ طَعْمٌ كَذَلِكَ فَرَاجِعْهُ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ هُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ عَلَى الْأَوْجَهِ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ أَوْ لَا. يَتَّجِهُ الْعَفْوُ كَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ م ر وسم. وَالْمُرَادُ بِالْبَصَرِ الْمُعْتَدِلُ، فَلَوْ رَأَى قَوِيُّهُ دُونَ غَيْرِهِ لَمْ يَضُرَّ. قَوْلُهُ: (دُونَ الْقُلَّتَيْنِ) وَلَوْ بَلَغَهُمَا بِمَائِعٍ فَإِنَّ حُكْمَ الْقُلَّةِ بَاقٍ، وَدُونَ مِنْ الظُّرُوفِ الَّتِي لَا تَتَصَرَّفُ فَلَا تَكُونُ مُبْتَدَأً عِنْدَ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ، وَإِذَا أُضِيفَتْ لِمَبْنِيٍّ بُنِيَتْ عَلَى الْفَتْحِ عِنْدَ الْأَخْفَشِ، وَجَوَّزَ غَيْرُهُ رَفْعَهَا بِالِابْتِدَاءِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11] بِرَفْعِهَا مُبْتَدَأً وَمَا قَبْلَهَا خَبَرٌ ذَكَرَهُ الرَّحْمَانِيُّ. قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ) بَلْ مَتَى زَادَ النَّقْصُ عَلَى رَطْلَيْنِ ضَرَّ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَطْلَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ الرَّطْلَيْنِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَدُونَهُمَا أَيْ وَالْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ بِأَنْ نَقَصَ عَنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ رَطْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَمْ لَا) أُخِذَ هَذَا التَّعْمِيمُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِيهِ وَتَفْصِيلِهِ فِي لَاحِقِهِ ع ش. قَوْلُهُ: (الْآتِي) وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ. قَوْلُهُ: «أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» الْمُرَادُ بِالْبَيْتُوتَةِ الصَّيْرُورَةُ. أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ صَارَتْ يَدُهُ أَفِي نَجَاسَةٍ أَوْ طَهَارَةٍ؟ . قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ كَثِيرًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَوْ مَحَالَّ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ الِاتِّصَالِ بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَ وَاحِدٌ مِنْهَا تَحْرِيكًا عَنِيفًا تَحَرَّكَ الْآخَرُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَحَرُّكُ الْآخَرِ عَنِيفًا فَهُوَ قَيْدٌ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ كَمَا فِي ع ش خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ، حَيْثُ اشْتَرَطَ التَّحَرُّكَ الْعَنِيفَ فِي الْمُحَرَّكِ وَمَا يَلِيه، وَمِنْهُ حِيَاضُ بُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ الْكَثِيرَةِ إذَا حُرِّكَ أَحَدُهَا تَحَرَّكَ مَا بِجَانِبِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَرُّكِ الْكُلِّ بِتَحْرِيكِ أَحَدِهَا. وَعِبَارَةُ ح ل: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ أَوْ بِمَحَلَّيْنِ وَبَيْنَهُمَا اتِّصَالٌ بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَ الْمَاءُ فِي أَحَدِهِمَا لَتَحَرَّكَ الْآخَرُ تَحْرِيكًا قَوِيًّا وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي حُفْرَتَيْنِ فِي كُلِّ حُفْرَةٍ قُلَّةٌ وَبَيْنَهُمَا اتِّصَالٌ، فَوَقَعَ فِي إحْدَى الْحُفْرَتَيْنِ نَجَاسَةٌ، فَلَسْت أَرَى أَنَّ مَا فِي الْحُفْرَةِ الْأُخْرَى دَافِعًا لِلنَّجَاسَةِ اهـ وَقَوْلُهُ: تَحَرُّكًا قَوِيًّا رَاجِعٌ لِلِاثْنَيْنِ أَيْ قَوْلُهُ حُرِّكَ وَقَوْلُهُ: لَتَحَرَّكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عَمِيرَةُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ، فَمَتَى كَانَ بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَ أَحَدُهُمَا تَحَرُّكًا قَوِيًّا تَحَرَّكَ الْآخَرُ وَلَوْ تَحَرُّكًا ضَعِيفًا كَفَى. قَوْلُهُ: (بِأَنْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ) أَيْ مِنْ مَحْضِ الْمَاءِ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَدْ كَمُلَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَطْلَيْنِ مِنْ مَائِعٍ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ بِهِمَا وَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، فَإِنَّهُ يَنْجُسُ وَلَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ مِنْ مَحْضِ الْمَاءِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 تَقْدِيرِيًّا، فَهُوَ نَجِسٌ بِالْإِجْمَاعِ الْمُخَصِّصِ لِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ الْآتِي وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» كَمَا خَصَّصَهُ مَفْهُومُ خَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ الْآتِي، فَالتَّغَيُّرُ الْحِسِّيُّ ظَاهِرٌ وَالتَّقْدِيرِيُّ بِأَنْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ تُوَافِقُهُ فِي الصِّفَاتِ، كَبَوْلٍ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ وَلَوْ فُرِضَ مُخَالِفًا لَهُ فِي أَغْلَظِ الصِّفَاتِ، كَلَوْنِ الْحِبْرِ وَطَعْمِ الْخَلِّ وَرِيحِ الْمِسْكِ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَطَهُورٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» قَالَ الْحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: «فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ» وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» أَيْ يَدْفَعُ النَّجِسَ وَلَا يَقْبَلُهُ وَفَارَقَ كَثِيرُ الْمَاءِ كَثِيرَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْجَسُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ بِأَنَّ كَثِيرَهُ قَوِيٌّ وَيَشُقُّ حِفْظُهُ عَنْ النَّجِسِ   [حاشية البجيرمي] وَالْمُرَادُ بَلَغَهُمَا وَلَوْ احْتِمَالًا بِأَنْ شَكَّ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (فَتَغَيَّرَ) أَيْ كُلُّهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ أَيْ تَغَيَّرَ عَقِبَ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْفَاءُ، فَلَوْ غَابَ عَنْهُ زَمَنًا ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ نِسْبَةَ تَغَيُّرِهِ إلَيْهَا م د. قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ النَّجَاسَةِ) الْأَوْلَى بِاتِّصَالِ النَّجَاسَةِ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ تَغَيَّرَ بِجِيفَةٍ عَلَى الشَّطِّ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّغَيُّرَ بِسَبَبِهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ اهـ اج. وَلَوْ بَالَ فِي الْبَحْرِ مَثَلًا فَارْتَفَعَتْ مِنْهُ رَغْوَةٌ فَهِيَ طَاهِرَةٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ لِأَنَّهَا بَعْضُ الْمَاءِ الْكَثِيرِ خِلَافًا لِمَا فِي الْعُبَابِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْقَائِلِ بِنَجَاسَتِهَا عَلَى تَحَقُّقِ كَوْنِهَا مِنْ الْبَوْلِ، وَإِنْ طُرِحَتْ فِي الْبَحْرِ بَعْرَةٌ مَثَلًا فَوَقَعَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ بِسَبَبِ سُقُوطِهَا عَلَى شَيْءٍ لَمْ تُنَجِّسْهُ. اهـ. شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ تَقْدِيرِيًّا) بِمُخَالِطٍ أَوْ مُجَاوِرٍ أَوْ مَيْتَةٍ لَا يَسِيلُ دَمُهَا. قَوْلُهُ: (كَمَا خَصَّصَهُ) أَيْ خَبَرَ التِّرْمِذِيِّ، فَإِنَّ عُمُومَهُ صَادِقٌ بِمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَيُخَصُّ بِمَفْهُومِ: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا يَقْبَلُ الْخَبَثَ أَيْ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ خَبَرَ التِّرْمِذِيِّ مُخَصَّصٌ بِأَمْرَيْنِ، فَمَعْنَاهُ الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَمَا لَمْ يَنْقُصْ عَنْ قُلَّتَيْنِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ أَوْ نَقَصَ عَنْ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» . يَعْنِي يَدْفَعُهُ وَلَا يَقْبَلُهُ، وَقِلَالُ هَجَرَ خَمْسُ قِرَبٍ تَحْدِيدًا وَخَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ بَغْدَادِيٍّ تَقْرِيبًا. قَوْلُهُ: (عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ) هُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، لِأَنَّهُمَا الْمُرَادَانِ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَفِي فِقْهِ الشَّافِعِيَّةِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ، وَفِي فِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَالْمُرَادُ بِشَرْطِهِمَا شَرْطُ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ أَخَذَا عَنْهُ كَمَا فِي أَلْفِيَّةِ الْعِرَاقِيِّ وَشُرُوحِهَا، فَشَرْطُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ الْمُعَاصَرَةُ وَاللُّقَى لِمَنْ أَخَذَ عَنْهُ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَرْوِي عَنْ شَيْخٍ إلَّا إذَا عَاصَرَهُ وَلَاقَاهُ، وَكَذَلِكَ شَيْخُهُ لَا يَرْوِي عَنْ شَيْخٍ إلَّا إذَا عَاصَرَهُ وَلَاقَاهُ، وَكَذَا شَيْخُ شَيْخِهِ إلَى آخِرِ السَّنَدِ، وَشَرْطُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ الْمُعَاصَرَةُ فَقَطْ، وَلَا يَشْتَرِطُ اللُّقَى لِمَنْ رَوَى عَنْهُ فَيَجُوزُ لَهُ الرِّوَايَةُ عَنْ شَيْخٍ إذَا عَاصَرَهُ وَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ، وَكَذَا بَقِيَّةُ أَشْيَاخِهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ يَدْفَعُ النَّجَسَ وَلَا يَقْبَلُهُ) عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ لَا يَحْمِلُ الضَّيْمَ، لَا عَلَى قَوْلِهِمْ فُلَانٌ لَا يَحْمِلُ الْحَجَرَ لِثِقَلِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِالْقُلَّتَيْنِ. فَائِدَةٌ ح ل. فَهُوَ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمَعَانِي لَا حَمْلِ الْأَجْرَامِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ إلَخْ. لِأَنَّ الْمَاءَ مُطْلَقًا لَا يَحْمِلُ الْأَجْرَامَ النَّجِسَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فَوْقَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَفَارَقَ كَثِيرُ الْمَاءِ كَثِيرَ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ الْمَائِعَاتِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَاءً، وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ غَيْرِ الْمَاءِ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ حُكْمَ غَيْرِ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ مَعْلُومٌ عِنْدَ حَمَلَةِ الشَّرْعِ، وَعِبَارَةُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا تَنْجُسُ الْقُلَّتَانِ مِنْ الْمَاءِ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِمَا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَوْ وَقَعَتْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ تَنْجُسُ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَيُزِيلُ النَّجَاسَةَ إذَا طَرَأَ عَلَيْهَا، فَاحْتَمَلَ وُرُودَ النَّجَاسَةِ إذَا طَرَأَتْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَلُّ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ إذَا طَرَأَ عَلَيْهَا فَلَا يَحْمِلُ النَّجَاسَةَ إذَا طَرَأَتْ عَلَيْهِ اهـ. وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ بِمُلَاقَاةِ النَّجِسِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَاسْتَدَلُّوا بِخَبَرِ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ» . قَالَ ع ش عَلَى م ر: اخْتَارَ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا لِلتَّسْهِيلِ عَلَى النَّاسِ، وَإِلَّا فَالدَّلِيلُ صَرِيحٌ فِي التَّفْصِيلِ كَمَا تَرَى، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَثِيرٌ الثَّانِي هُوَ الْفَاعِلَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَفْعُولَ وَيَصِحُّ الْعَكْسُ اهـ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَنْجُسُ) جَارِيًا أَوْ رَاكِدًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: لَوْ وُضِعَ كُوزٌ فِيهِ مَاءٌ عَلَى نَجِسٍ وَخَرَجَ مِنْهُ مَا اتَّصَلَ بِهِ لَا يُحْكَمُ بِالتَّنْجِيسِ إلَّا إذَا انْقَطَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَثُرَ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: لَوْ شُكَّ فِي كَوْنِهِ قُلَّتَيْنِ وَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ هَلْ يَنْجَسُ أَوْ لَا يَنْجَسُ؟ رَأْيَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، بَلْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَنْجَسُ إذْ الْأَصْلُ الطَّهَارَةُ، وَشَكَكْنَا فِي نَجَاسَةٍ مُنَجِّسَةٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ. الثَّانِي: لَوْ تَغَيَّرَ بَعْضُ الْمَاءِ فَالْمُتَغَيِّرُ كَنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ لَا يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْهَا بِقُلَّتَيْنِ وَالْبَاقِي إنْ قَلَّ فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، فَلَوْ غَرَفَ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ قُلَّتَيْنِ فَقَطْ وَفِيهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ وَلَمْ يَغْرِفْهَا مَعَ الْمَاءِ فَبَاطِنُ الدَّلْوِ طَاهِرٌ لِانْفِصَالِ مَا فِيهِ عَنْ الْبَاقِي قَبْلَ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ قُلَّتَيْنِ لَا ظَاهِرُهَا لِتَنَجُّسِهِ بِالْبَاقِي الْمُتَنَجِّسِ بِالنَّجَاسَةِ لِقِلَّتِهِ، فَإِنْ دَخَلَتْ مَعَ الْمَاءِ أَوْ قَبْلَهُ فِي الدَّلْوِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ. فَائِدَةٌ: تَأْنِيثُ الدَّلْوِ أَفْصَحُ مِنْ تَذْكِيرِهِ، فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ الْحِسِّيُّ أَوْ التَّقْدِيرِيُّ بِنَفْسِهِ بِأَنْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ شَيْءٌ كَأَنْ زَالَ بِطُولِ الْمُكْثِ أَوْ بِمَاءٍ انْضَمَّ إلَيْهِ بِفِعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَخْذٍ مِنْهُ وَالْبَاقِي قُلَّتَانِ طَهُرَ لِزَوَالِ سَبَبِ التَّنْجِيسِ.   [حاشية البجيرمي] الْخُرُوجُ أَوْ تَرَادَّ، وَعِبَارَةُ اج فَرْعٌ: لَوْ وُضِعَ كُوزٌ فِيهِ مَاءٌ وَقَدْ ثُقِبَ أَسْفَلُهُ عَلَى نَجِسٍ لَمْ يَنْجُسْ مَا فِيهِ مَا دَامَ الْمَاءُ يَخْرُجُ مِنْ ثُقْبِهِ فَإِنْ تَرَاجَعَ الْمَاءُ ضَرَّ اهـ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ) مُتَعَلِّقٌ بِفَارَقَ كَثِيرُهُ أَيْ كَثِيرُ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (أَصَحُّهُمَا الثَّانِي) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (مُنَجِّسَةٍ) أَيْ فِي كَوْنِهَا تُنَجِّسُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (فَالْمُتَغَيِّرُ) أَيْ الْبَعْضُ الْمُتَغَيِّرُ. قَوْلُهُ: (كَنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ) أَيْ فِي الْمَاءِ. وَقَوْلُهُ: جَامِدَةٍ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (لَا يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْهَا) لَوْ أَخَّرَهُ عَمَّا بَعْدَهُ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ فَطَاهِرٌ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا ق ل أَيْ: لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الطَّهَارَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ غَرَفَ) أَتَى بِفَاءِ التَّفْرِيعِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ وَالْمُتَغَيِّرُ كَنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَغْرِفْهَا مَعَ الْمَاءِ) أَيْ لَمْ تَدْخُلْ فِي بَاطِنِ الدَّلْوِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ (انْعَكَسَ الْحُكْمُ) أَيْ لَا بِالْمَعْنَى الْمَنْطِقِيِّ بَلْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَيْ تَغَيَّرَ فَيُحْكَمُ عَلَى مَا فِي بَاطِنِ الدَّلْوِ بِالنَّجَاسَةِ دُونَ مَا انْفَصَلَ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَاءٌ قَلِيلٌ لَا تَغَيُّرَ بِهِ خَالٍ عَنْ نَجَاسَةٍ فِيهِ، فَإِنْ قَطَرَ فِي الْبَاقِي مِنْ بَاطِنِهِ قَطْرَةٌ تَنْجُسُ أَوْ مِنْ ظَاهِرِهِ أَوْ شَكَّ فَلَا، وَإِنْ نَزَلَتْ فِي الْبِئْرِ بَعْدَ نُزُولِهَا فِي الدَّلْوِ فَالْمَاءَانِ نَجِسَانِ عُبَابٌ. فَرْعٌ: اغْتَرَفَ مِنْ دَنَّيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ مَائِعٌ فِي إنَاءٍ فَوَجَدَ فِيهِ فَأْرَةً مَيِّتَةً لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هِيَ، اجْتَهَدَ. فَإِنْ ظَنَّهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَاتَّحَدَتْ الْمِغْرَفَةُ وَلَمْ تُغْسَلْ بَيْنَ الِاغْتِرَافَيْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِمَا، وَإِنْ ظَنَّهَا مِنْ الثَّانِي أَوْ مِنْ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفَتْ الْمِغْرَفَةُ أَوْ اتَّحَدَتْ وَغُسِلَتْ بَيْنَ الِاغْتِرَافَيْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَةِ مَا ظَنَّهَا فِيهِ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّقْدِيرِيُّ) قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُعْرَفُ زَوَالُ تَغَيُّرِهِ التَّقْدِيرِيِّ بِأَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَنٌ لَوْ كَانَ تَغَيَّرَ حِسِّيًّا لَزَالَ تَغَيُّرُهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِجَنْبِهِ إنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ، أَوْ بِمَاءٍ صُبَّ عَلَيْهِ، فَيُعْلَمُ أَنَّ هَذَا أَيْضًا زَالَ تَغَيُّرُهُ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ مَرْحُومِيٌّ. وَيُعْرَفُ أَيْضًا زَوَالُ التَّغَيُّرِ التَّقْدِيرِيِّ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِمَاءٍ انْضَمَّ إلَيْهِ) وَلَوْ مُتَنَجِّسًا أَوْ مُسْتَعْمَلًا بِدَلِيلِ تَنْكِيرِ الْمَاءِ لَا نَجِسًا كَبَوْلٍ. وَقَالَ م ر: وَلَوْ نَجِسًا. وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُتَنَجِّسُ، فَلَوْ كَانَ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِالنَّجَاسَةِ فِي ظَرْفٍ وَنَزَلَ الظَّرْفُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ، فَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ نَاقِصًا أَوْ مُمْتَلِئًا، وَإِنْ كَانَ وَاسِعَ الرَّأْسِ كَالدُّسْتُرَةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ مَكَثَ فِي الْمَاءِ زَمَنًا يُقَدَّرُ فِيهِ زَوَالُ التَّغَيُّرِ طَهُرَ وَإِلَّا فَلَا اهـ إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) كَمَطَرٍ أَوْ سَيْلٍ وَقَعَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَالْبَاقِي قُلَّتَانِ) بِأَنْ كَانَ الْإِنَاءُ مُنْخَنِقًا بِهِ فَزَالَ انْخِنَاقُهُ وَدَخَلَهُ الرِّيحُ وَقَصَرَهُ اهـ ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (طَهُرَ لِزَوَالِ سَبَبِ التَّنْجِيسِ) وَهُوَ التَّغَيُّرُ وَلَا يَضُرُّ عَوْدُ تَغَيُّرِهِ إنْ خَلَا عَنْ نَجِسٍ جَامِدٍ، يَعْنِي لَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ ثُمَّ عَادَ وَلَوْ فَوْرًا، فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ جَامِدَةً وَهِيَ فِيهِ فَنَجِسٌ، وَإِنْ كَانَتْ مَائِعَةً أَوْ جَامِدَةً وَقَدْ أُزِيلَتْ قَبْلَ التَّغَيُّرِ لَمْ يَنْجُسْ اهـ م ل قَالَ ع ش: لَوْ زَالَ تَغَيُّرُهُ ثُمَّ تَطَهَّرَ مِنْهُ جَمْعٌ ثُمَّ عَادَ تَغَيُّرُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ الَّتِي فَعَلُوهَا، وَلَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةِ أَبْدَانِهِمْ وَلَا ثِيَابِهِمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِمِسْكٍ أَوْ نَحْوِهِ كَزَعْفَرَانٍ أَوْ بِتُرَابٍ لَمْ يَطْهُرْ، لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَنَّ أَوْصَافَ النَّجَاسَةِ زَالَتْ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا مَا ذُكِرَ فَاسْتَتَرَتْ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ النَّجَسِ مَيْتَةٌ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ أَصَالَةً بِأَنْ لَا يَسِيلَ دَمُهَا عِنْدَ شَقِّ عُضْوٍ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا كَزُنْبُورٍ وَعَقْرَبٍ وَوَزَغٍ وَذُبَابٍ وَقَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ، لَا نَحْوَ حَيَّةٍ وَضِفْدَعٍ وَفَأْرَةٍ فَلَا تُنَجِّسُ مَاءً أَوْ غَيْرَهُ بِوُقُوعِهَا فِيهِ بِشَرْطِ أَنْ   [حاشية البجيرمي] لِاحْتِمَالِ تَحَلُّلِهَا بَعْدَ طَهَارَتِهِمْ لِأَنَّ كُلَّ حَادِثٍ يُقَدَّرُ بِأَقْرَبِ زَمَنٍ اهـ. قَوْلُهُ (بِمِسْكٍ) أَيْ فِي نَجَاسَةٍ لَهَا رِيحٌ، أَوْ بِزَعْفَرَانٍ فِي نَجَاسَةٍ لَهَا لَوْنٌ، أَوْ بِخَلٍّ فِي نَجَاسَةٍ لَهَا طَعْمٌ، لِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ لَا تَسْتُرُ أُخْرَى فَلَوْ زَالَ الرِّيحُ بِالْخَلِّ أَوْ اللَّوْنُ بِالْمِسْكِ عَادَ طَهُورًا ق ل. قَوْلُهُ: (فَاسْتَتَرَتْ) هَذَا إذَا احْتَمَلَ سِتْرُ التَّغَيُّرِ بِمَا طَرَأَ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى) هَذَا رَاجِعٌ لِلْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَسِيلَ دَمُهَا) . أَيْ عَنْ مَوْضِعِ جُرْحِهَا وَلَوْ احْتِمَالًا بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا دَمٌ أَصْلًا، أَوْ لَهَا دَمٌ لَا يَجْرِي كَالْوَزَغِ وَالزُّنْبُورِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالذُّبَابِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ (عِنْدَ شَقِّ عُضْوٍ مِنْهَا) وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ جَرْحُ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، وَفِيهِ أَنَّ جَرْحَ بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَا يُفِيدُ لِجَوَازِ مُخَالَفَتِهِ جِنْسَهُ لِعَارِضٍ، وَجَرْحُ الْكُلِّ لَا يُمْكِنُ إلَّا أَنْ يُقَالَ جَرْحُ الْبَعْضِ إذَا كَثُرَ يَحْصُلُ بِهِ الظَّنُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّنْجِيسُ بِالشَّكِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ مِنْ وُجُودِ الدَّمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ أَنَّ الْجِنْسَ كَذَلِكَ، وَمُخَالَفَةُ الْأَفْرَادِ لِلْجِنْسِ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْغَالِبِ وَيَتَّجِهُ أَنَّ لَهُ الْإِعْرَاضَ عَنْ ذَلِكَ، وَالْعَمَلُ بِالطَّهَارَةِ حَيْثُ احْتَمَلَ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَسِيلُ دَمُهُ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ هِيَ الْأَصْلُ وَلَا تَنْجُسُ بِالشَّكِّ سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (كَزُنْبُورٍ) الزُّنْبُورُ الدَّبُّورُ. قَوْلُهُ: (وَعَقْرَبٍ) وَسَحَالٍ م ر. وَمِثْلُ هَذِهِ بِإِهَانَتِهَا، فَإِذَا وَقَعَتْ قِشْرَةُ قَمْلَةٍ فِي مَائِعٍ فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ نَجَّسَتْهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَا يَخْفَى. فَلَوْ نَطَّ فَأْرٌ عَلَى بُرَيْصَةٍ فَلِلْوَلَدِ حُكْمُ الْفَأْرِ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ: يَتْبَعُ الْفَرْعُ أَخَسَّ الْأَصْلَيْنِ رِجْسًا. قَوْلُهُ: (وَزَغٍ) أَيْ بُرْصٍ. قَوْلُهُ: (وَقَمْلٍ) وَمِثْلُهُ الْبَقُّ الْمَعْرُوفُ بِمِصْرَ. قَوْلُهُ: (وَضِفْدِعٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ عَلَى الْأَفْصَحِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تُنَجِّسُ) أَيْ مَيْتَةُ مَا لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ فَهُوَ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ الْغَفْلَةِ. قَوْلُهُ: (طَارِحٌ) وَلَوْ بَهِيمَةً لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ طَرْحِ الرِّيحِ، وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يَطْرَحَهَا طَارِحٌ مَيِّتَةً وَتَصِلُ مَيِّتَةً، وَإِنْ أُحْيِيَتْ فِي الْأَثْنَاءِ أَمَّا إذَا طَرَحَهَا حَيَّةً أَوْ أُحْيِيَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا وَلَمْ تَمُتْ فَلَا يَضُرُّ. وَحَاصِلُ تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَطْرَافِهَا أَنْ يُقَالَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَهْجَةِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا أَنَّهَا إنْ طُرِحَتْ حَيَّةً لَمْ يَضُرَّ، سَوَاءٌ كَانَ نَشْؤُهَا مِنْهُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَمَاتَتْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا، إنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ. وَإِنْ طُرِحَتْ مَيِّتَةً وَوَصَلَتْ مَيِّتَةً ضَرَّ سَوَاءٌ أَكَانَ نَشْؤُهَا مِنْهُ أَمْ لَا، وَأَنَّ وُقُوعَهَا بِنَفْسِهَا لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا أَيْ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً فَيُعْفَى عَنْهُ وَلَيْسَ الصَّبِيُّ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَالرِّيحِ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا فِي الْجُمْلَةِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْوَاقِعُ مِنْ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ أَحَدَهَا عَلَى رَأْسِ عُودٍ مَثَلًا فَسَقَطَ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَهَلْ لَهُ إخْرَاجُ الْبَاقِي بِهِ؟ الْأَوْجَهُ نَعَمْ لِأَنَّ مَا عَلَى رَأْسِ الْعُودِ جُزْءٌ مِنْ الْمَائِعِ الْمَحْكُومِ بِطَهَارَتِهِ، وَلَوْ وَضَعَ خِرْقَةً عَلَى إنَاءٍ وَصَفَّى بِهَا هَذَا الْمَائِعَ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمَيِّتَةُ بِأَنْ صَبَّهُ عَلَيْهَا لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ يَضَعُ الْمَائِعَ وَفِيهِ الْمَيِّتَةُ مُتَّصِلَةٌ بِهِ، ثُمَّ يَتَصَفَّى مِنْهَا الْمَائِعُ وَتَبْقَى هِيَ مُنْفَرِدَةً لَا أَنَّهُ طَرَحَ الْمَيِّتَةَ فِي الْمَائِعِ. وَمَا لَا نَفَسَ لَهُ سَائِلَةٌ إذَا اغْتَذَى بِالدَّمِ كَالْحَلَمِ الْكِبَارِ أَيْ الْقُرَادِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْإِبِلِ، ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ بِمُجَرَّدِ الْوُقُوعِ، فَإِنْ مَكَثَ فِي الْمَاءِ حَتَّى انْشَقَّ وَخَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ احْتَمَلَ أَنْ يَنْجُسَ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُفِيَ عَنْ الْحَيَوَانِ دُونَ الدَّمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا يُعْفَى عَمَّا فِي بَطْنِهِ مِنْ الرَّوْثِ إذَا ذَابَ وَاخْتَلَطَ بِالْمَاءِ وَلَمْ يُغَيِّرْ، وَكَذَلِكَ مَا عَلَى مَنْفَذِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ وَجَدَ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَشَكَّ فِي أَنَّهَا أُلْقِيَتْ فِيهِ مَيِّتَةً أَوْ لَا، فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ م ر: بِعَدَمِ الْعَفْوِ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِالْعَفْوِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ. قَالَ سم: وَانْظُرْ لَوْ أَصَابَهُ شَيْءٌ وَشَكَّ هَلْ هُوَ مِمَّا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ أَوْ أَنَّ الْمَيِّتَةَ مِمَّا يَسِيلُ دَمُهَا أَوْ لَا. وَيَتَّجِهُ الْعَفْوُ فِيهِمَا كَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ م ر، لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ وَنَازَعَ فِيهِ ع ش عَلَى م ر بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ هَذَا مُحَصِّلُ مَا ذَكَرَهُ م ر وَالشَّوْبَرِيُّ وع ش. وَيَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا يَضُرُّ طَرْحُ الْمَيِّتَةِ فِي الْمَائِعِ يَضُرُّ طَرْحُ الْمَائِعِ فِي نَحْوِ إنَاءٍ فِيهِ مَيِّتَةٌ، لَكِنْ لَوْ جَهِلَ كَوْنَ الْمَيِّتَةِ فِي الْإِنَاءِ وَطَرَحَ الْمَائِعَ فِيهِ فَهَلْ يَنْجُسُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إذَا كَانَ الطَّرْحُ لِحَاجَةٍ، لَكِنْ قَضِيَّةُ ضَرَرِ الطَّرْحِ بِلَا قَصْدِ الضَّرَرِ هُنَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي زَيْتٍ وَنَحْوِ الْقِنْدِيلِ وَاحْتَاجَ إلَى زِيَادَتِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 لَا يَطْرَحَهَا طَارِحٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً» أَيْ وَهُوَ الْيَسَارُ كَمَا قِيلَ «وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» زَادَ أَبُو دَاوُد «وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ» وَقَدْ يُفْضِي غَمْسُهُ إلَى مَوْتِهِ، فَلَوْ نَجُسَ الْمَائِعُ لَمَا أَمَرَ بِهِ، وَقِيسَ بِالذُّبَابِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ مَيْتَةٍ لَا يَسِيلُ دَمُهَا، فَلَوْ شَكَكْنَا فِي سَيْلِ دَمِهَا اُمْتُحِنَ بِجِنْسِهَا فَتُجْرَحُ لِلْحَاجَةِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ مِمَّا يَسِيلُ دَمُهَا لَكِنْ لَا دَمَ فِيهَا أَوْ فِيهَا دَمٌ لَا يَسِيلُ لِصِغَرِهَا لَهَا حُكْمُ مَا يَسِيلُ دَمُهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا نَجِسٌ لَا يُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ   [حاشية البجيرمي] فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إلْقَاءُ الزِّيَادَةِ فِي الْقِنْدِيلِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا فِيهِ وَلَا يُكَلَّفُ إخْرَاجَهَا قَبْلَ إلْقَاءِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ. اهـ. سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ) قَدَّمَ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ لِعُمُومِهِ. قَوْلُهُ: (إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ إلَخْ) سُمِّيَ ذُبَابًا لِكَثْرَةِ حَرَكَتِهِ وَاضْطِرَابِهِ وَعُمُرُهُ الْغَالِبُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَكُلُّهُ فِي النَّارِ إلَّا النَّحْلَ وَكَوْنُهُ فِي النَّارِ لَيْسَ تَعْذِيبًا لَهُ بَلْ لِيُعَذَّبَ أَهْلُ النَّارِ بِهِ وَهُوَ أَطْمَعُ الْأَشْيَاءِ، حَتَّى إنَّهُ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِ هَلَاكُهُ وَلَا جَفْنَ لِلذُّبَابَةِ لِصِغَرِ حَدَقَتِهَا. وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّ رَجِيعَهُ يَقَعُ عَلَى الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ أَسْوَدَ وَبِالْعَكْسِ، وَأَكْثَرُ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْعُفُونَةِ وَمَبْدَأُ خَلْقِهِ مِنْهَا، ثُمَّ مِنْ التَّوَالُدِ وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ الطُّيُورِ سِفَادًا، وَرُبَّمَا بَقِيَ عَامَّةَ الْيَوْمِ عَلَى الْأُنْثَى. وَحُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ سَأَلَ الشَّافِعِيَّ لِأَيِّ عِلَّةٍ خُلِقَ الذُّبَابُ؟ فَقَالَ: مَذِلَّةٌ لِلْمُلُوكِ وَكَانَتْ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ ذُبَابَةٌ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سَأَلَنِي وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي جَوَابٌ فَاسْتَنْبَطْته مِنْ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ. وَعَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: سَلُونِي عَمَّا دُونَ الْعَرْشِ أُخْبِرْكُمْ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَمْعَاءُ الذُّبَابِ فِي مُقَدَّمِهَا أَمْ مُؤَخَّرِهَا؟ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَفِي تَارِيخِ ابْنِ النَّجَّارِ مُسْنَدًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَقَعُ عَلَى جَسَدِهِ وَثِيَابِهِ ذُبَابٌ أَصْلًا» اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْعَلْقَمِيِّ عَلَى الْجَامِعِ. قَوْلُهُ: (فَلْيَغْمِسْهُ) أَمْرٌ إرْشَادِيٌّ لِمُقَابَلَةِ الدَّاءِ بِالدَّوَاءِ، وَفِي قَوْلِهِ كُلِّهِ دَفْعُ تَوَهُّمِ الْمَجَازِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِغَمْسِ بَعْضِهِ فَلَا يُكْتَفَى بِغَمْسِ الْجَنَاحَيْنِ، وَإِنْ حَصَلَ الشِّفَاءُ بِالْجَنَاحِ الْآخَرِ، وَهَلْ يُكْتَفَى بِانْغِمَاسِهِ بِنَفْسِهِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْغَمْسِ أَوْ اسْتِحْبَابِهِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ التَّغَيُّرُ بِهِ، وَإِلَّا حَرُمَ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَالْغَمْسُ خَاصٌّ بِالذُّبَابِ، أَمَّا غَيْرُهُ فَيَحْرُمُ غَمْسُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ أَحَدُهُمَا لَا غَمْسَ، وَبِالْأَوْلَى إذَا قُطِعَا. كَذَا قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ الْغَمْسُ مُطْلَقًا، وَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجَنَاحَ أَوْ أَصْلَهُ اج. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَعَلَيْهِ فَلَوْ قُطِعَ جَنَاحُهَا الْأَيْسَرُ لَا يُنْدَبُ غَمْسُهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، بَلْ قِيَاسُ مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ حُرْمَةِ غَمْسِ غَيْرِ الذُّبَابِ حُرْمَةُ غَمْسِ هَذِهِ الْآنَ لِفَوَاتِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْغَمْسِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ يَجْعَلُهَا وِقَايَةً أَيْ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي الْوُقُوعِ. قَوْلُهُ: (وَقِيسَ بِالذُّبَابِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ التَّنْجِيسِ لَا مِنْ حَيْثُ الْغَمْسُ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (اُمْتُحِنَ بِجِنْسِهَا) أَيْ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ جِنْسِهَا، لِأَنَّ الْجِنْسَ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَهِيَ لَا تُوجَدُ إلَّا فِي ضِمْنِ أَفْرَادِهَا وَمَحَلُّهُ إذَا وُجِدَ الْجِنْسُ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ إنَّ الْمُتَّجِهَ الْعَفْوُ قَالَ كَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ م ر. لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ، وَقَدْ قَالُوا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَوْ شَكَّ فِي كَثْرَةِ الدَّمِ لَمْ يَضُرَّ اهـ. قَالَ ع ش عَلَى م ر بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ سم. أَقُولُ: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا وَسُقُوطُهُ رُخْصَةٌ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي: فَلَوْ شَكَّ هَلْ وَقَعَ فِي حَالِ الْحَلْبِ أَوْ لَا. فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَنْجُسُ إذْ شَرْطُ الْعَفْوِ لَمْ نَتَحَقَّقْهُ اهـ. وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا تَأْيِيدَ فِيهِ لِمَا هُنَا، لِأَنَّ ذَاكَ تَحَقَّقْنَا فِيهِ أَنَّ الْوَاقِعَ مُنَجِّسٌ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا. فَتَأَمَّلْ، وَقَدْ اسْتَقْرَبَ الْمَحَلِّيُّ الْحُكْمَ بِالنَّجَاسَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ: (قَالَ الْغَزَالِيُّ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (لَا يُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ) أَيْ مَا لَمْ يُطْرَحْ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّعْلِيلُ بِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْبَهِيمَةَ لَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 لِقِلَّتِهِ كَنُقْطَةِ بَوْلٍ وَخَمْرٍ، وَمَا يَعْلَقُ بِنَحْوِ رِجْلِ ذُبَابٍ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ فَأَشْبَهَ دَمَ الْبَرَاغِيثِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَقِيَاسُ اسْتِثْنَاءِ دَمِ الْكَلْبِ مِنْ يَسِيرِ الدَّمِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا مِثْلَهُ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْمَشَقَّةِ وَالْفَرْقُ أَوْجَهُ، وَيُعْفَى أَيْضًا عَنْ رَوْثِ سَمَكٍ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَاءَ وَعَنْ الْيَسِيرِ عُرْفًا مِنْ شَعَرٍ نَجِسٍ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ كَلْبٍ، وَعَنْ كَثِيرِهِ مِنْ مَرْكُوبٍ، وَعَنْ قَلِيلِ دُخَانٍ نَجِسٍ وَغُبَارِ سِرْجِينٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الرِّيحُ كَالذَّرِّ، وَعَنْ حَيَوَانٍ مُتَنَجِّسِ الْمَنْفَذِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ لِلْمَشَقَّةِ فِي   [حاشية البجيرمي] حَرَّكَتْ ذَيْلَهَا أَوْ صُوفَهَا فَتَنَاثَرَ مِنْهُ نَجَسٌ لَا يُدْرِكُهُ طَرْفٌ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّهُ يَضُرُّ طَرْحُهَا لِلْمَيِّتَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّرْحِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ الطَّرْحُ مِنْ خُصُوصِ الْمُكَلَّفِ. وَعِبَارَةُ ش م ر: وَلَوْ رَأَى ذُبَابًا عَلَى دَمٍ ثُمَّ طَارَ وَوَقَعَ عَلَى نَحْوِ ثَوْبٍ اتَّجَهَ الْعَفْوُ جَزْمًا، لِأَنَّا إذَا قُلْنَا بِهِ فِي الدَّمِ الْمُشَاهَدِ فَلَأَنْ نَقُولَ بِهِ فِيمَا لَمْ يُشَاهَدْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ لَا يُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ الْمُعْتَدِلُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ شَمْسٍ. أَيْ مَعَ فَرْضِ لَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلَّوْنِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ ق ل. فَلَوْ شَاهَدَهُ قَوِيُّ الْبَصَرِ أَوْ مُعْتَدِلُهُ فِي الشَّمْسِ دُونَ الظِّلِّ فَلَا يَضُرُّ. قَالَ م ر: وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْعَفْوَ عَمَّا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ مِنْهُ فِي دُفُعَاتٍ مَا يُحَسُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَضُبِطَ فِي الْمَجْمُوعِ ذَلِكَ أَيْ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ بِمَا يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ خَالَفَ لَوْنُهُ لَوْنَ الثَّوْبِ لَمْ يُرَ لِقِلَّتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْعِلْمُ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ فِي الْمَاءِ؟ قُلْت: يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا عَفَّ الذُّبَابُ عَلَى نَجِسٍ رَطْبٍ لَمْ يُشَاهَدْ مَا عَلَقَ بِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، فَإِذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَصَوَّرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَرَاهُ قَوِيُّ الْبَصَرِ دُونَ مُعْتَدِلِهِ بَعْدَ فَرْضِهِ مُخَالِفًا لِلَوْنِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ أَوْ الْمَائِعِ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا كَالثَّوْبِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ عَلَى شَرْحِ الْغَايَةِ. قَوْلُهُ: (لِقِلَّتِهِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ مُشَاهَدَتِهِ بِالْبَصَرِ لَا لِعَدَمِ التَّنْجِيسِ فَهُوَ قَيْدٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِإِخْرَاجِ مَا لَوْ كَانَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ لِنَحْوِ مُمَاثَلَتِهِ لِلَوْنِ الْمَحَلِّ كَمَا قَالَهُ الرَّشِيدِيُّ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ لِقِلَّتِهِ سَوَاءٌ وَقَعَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ وَلَوْ قَصْدًا بِدَلِيلِ إطْلَاقِهِ مَعَ التَّفْصِيلِ فِي الْمَيِّتَةِ، وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ سَوَاءٌ كَانَ وُقُوعُهُ فِي مَحَلٍّ أَوْ مَحَالَّ. نَعَمْ لَوْ كَانَ إذَا جُمِعَ صَارَ كَثِيرًا عُرْفًا لَمْ يُعْفَ عَنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (كَنُقْطَةِ بَوْلٍ) أَوْ نُقَطٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَكِنْ بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَتْ كَانَتْ قَدْرًا يَسِيرًا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ الْمُعْتَدِلُ وَصَارَ مُتَنَجِّسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ، لَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَنَجِّسٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْعَفْوِ أَيْ عَدَمَ التَّنَجُّسِ بِمَا ذَكَرَهُ مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ وَمَا بَعْدَهُ إذَا لَمْ يُغَيِّرْ قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَمَا يُعَلَّقُ) يَحْتَمِلُ عَطْفَهُ عَلَى نُقْطَةِ بَوْلٍ فَهُوَ مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ وَهُوَ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا م ر. وَيَحْتَمِلُ عَطْفَهُ عَلَى نَجَسٍ فَيَعُمُّ مَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ وَغَيْرَهُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ رِجْلِ ذُبَابٍ) أَشَارَ بِنَحْوٍ إلَى أَنَّ الذُّبَابَ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ أَوْجَهُ) مُعْتَمَدٌ أَيْ فَلَا فَرْقَ هُنَا فِيمَا لَا يُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُغَلَّظٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ كَذَلِكَ اج. قَوْلُهُ: (عَنْ رَوْثِ سَمَكٍ) أَيْ صَغِيرٍ إذَا سَقَطَ بِنَفْسِهِ أَوْ وَضَعَهُ فِيهِ لَا عَبَثًا. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ نَحْوِ كَلْبٍ) أَمَّا شَعْرُ نَحْوِ الْكَلْبِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَرْكُوبٍ) وَكَذَا الْقَصَّاصُ يُعْفَى لَهُ عَنْ كَثِيرِهِ أَيْضًا وَتُعْتَبَرُ الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ، وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ كَقَلِيلٍ مِنْ شَعْرٍ نَجِسٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ مُغَلَّظٍ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ قَلِيلِ دُخَانٍ نَجِسٍ) وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَقَيَّدَهُ م ر بِغَيْرِ الْمُغَلَّظِ وَبِعَدَمِ الرُّطُوبَةِ، وَالْأَوْلَى قِرَاءَتُهُ بِالتَّنْوِينِ لِيَشْمَلَ دُخَانَ الْمُتَنَجِّسِ كَحَطَبٍ تَنَجَّسَ بِبَوْلٍ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ كَمَا قَالَهُ ز ي، لِأَنَّهُ إنْ قُرِئَ بِالْإِضَافَةِ لَا يَشْمَلُهُ، وَبِهِ يُعْلَمُ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي الشِّتَاءِ، وَلَوْ نَشَّفَ شَيْئًا رَطْبًا عَلَى اللَّهَبِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الدُّخَانِ لَمْ يَتَنَجَّسْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَخَرَجَ بِالدُّخَانِ الْهَبَابُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْعَنَانِيُّ، وَمَالَ ع ش إلَى طَهَارَةِ اللَّهَبِ الْحَاصِلِ مِنْ الشَّمْعَةِ النَّجِسَةِ وَلَهَبِ الْجَلَّةِ وَالْحَطَبِ الْمُتَنَجِّسِ الْخَالِي عَنْ الدُّخَانِ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ نَجَاسَتَهُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَكَتَبَ اج ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الدُّخَانُ بِفِعْلِهِ أَوْ مِنْ دُخَانٍ مُغَلَّظٍ، وَإِطْلَاقُ م ر كَمَا هُنَا يَقْتَضِي الْعَفْوَ مُطْلَقًا، لَكِنْ قَيَّدَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ أَوْ مِنْ دُخَانٍ مُغَلَّظٍ اهـ. أَيْ فَيُعْمَلُ بِمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ يُقَدَّمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 صَوْنِهِ، وَلِهَذَا لَا يُعْفَى عَنْ آدَمِيٍّ مُسْتَجْمِرٍ، وَعَنْ الدَّمِ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ، وَلَوْ تَنَجَّسَ فَمُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ مِنْ هِرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ غَابَ وَأَمْكَنَ وُرُودُهُ مَاءً كَثِيرًا ثُمَّ وَلَغَ فِي طَاهِرٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ مَعَ حُكْمِنَا بِنَجَاسَةِ فَمِهِ، لِأَنَّ   [حاشية البجيرمي] عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَعَنْ دُخَانٍ نَجِسٍ أَيْ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ وُصُولُهُ لِلْمَاءِ وَنَحْوِهِ بِفِعْلِهِ وَإِلَّا نَجُسَ، وَمِنْهُ الْبَخُورُ بِالنَّجِسِ أَوْ الْمُتَنَجِّسِ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ أَخْذًا مِمَّا لَوْ رَأَى ذُبَابَةً عَلَى نَجَاسَةٍ فَأَمْسَكَهَا حَتَّى أَلْصَقَهَا بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ، إلَّا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْبَخُورَ مِمَّا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَيُغْتَفَرُ الْقَلِيلُ مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الذُّبَابَةُ. وَبُخَارُ النَّجَاسَةِ طَاهِرٌ وَهُوَ الْمُتَصَاعِدُ مِنْهَا بِغَيْرِ وَاسِطَةِ نَارٍ كَرِيحٍ مِنْ الدُّبُرِ، وَيُعْفَى عَنْ ذَرْقِ طَيْرٍ فِي الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ طُيُورِهِ وَعَنْ بَعْرِ نَحْوِ شَاةٍ وَقَعَ مِنْهَا فِي لَبَنٍ حِينَ حَلْبِهَا، وَعَنْ جِرَّةِ بَعِيرٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِمَّا يَجْتَرُّ فَلَا يُنَجِّسُ مَا شَرِبَ مِنْهُ، وَيُعْفَى عَمَّا تَطَايَرَ مِنْ رِيقِهِ الْمُتَنَجِّسِ، وَيُعْفَى عَنْ رَوْثِ ثَوْرِ الدِّيَاسَةِ وَعَمَّا تُلْقِيهِ الْفِئْرَانُ فِي بُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ الطَّرْفُ خِلَافًا لِلْخَطِيبِ، وَعَنْ نَحْوِ زَيْتٍ خُلِطَ بِجُبْنٍ فِيهِ دُودٌ لِلْأَكْلِ، وَعَنْ الْخُبْزِ الْمَخْبُوزِ بِالنَّجَاسَةِ كَالسِّرْجِينِ بِأَكْلِهِ أَوْ ثَرْدِهِ بِمَائِعٍ كَلَبَنٍ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الْفَمِ مِنْهُ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا أَنَّهُ لَا يُسَنُّ أَيْضًا وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ الْخَطِيبُ: وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ حَامِلِهِ وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا م ر اهـ. قَوْلُهُ: (وَغُبَارِ) أَيْ وَعَنْ قَلِيلِ غُبَارِ سِرْجِينٍ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: وَكَغُبَارِ سِرْجِينٍ عَطْفُهُ عَلَى الْقَلِيلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قِلَّتُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ وَكَغُبَارِ سِرْجِينٍ هَلْ وَلَوْ طُرِحَ وَغَيَّرَ أَوْ لَا يُحَرَّرُ اهـ. الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا عَفْوَ حِينَئِذٍ. وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ ع ش: بَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ الْقِلَّةُ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا: وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا ح ف: إلَّا فِي حَقِّ الْفَرَّانِ. قَوْلُهُ: (كَالذَّرِّ) أَيْ صِغَارِ النَّمْلِ أَوْ الْمُرَادُ هُنَا مِقْدَارُ الذَّرِّ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ حَيَوَانٍ) طَاهِرٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ كَطَيْرٍ وَهِرَّةٍ م ر. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَنْفَذَ قَيْدٌ فَيَخْرُجُ بِهِ بَقِيَّةُ أَعْضَائِهِ إذَا كَانَتْ مُتَنَجِّسَةً فَلَا يُعْفَى عَنْهَا، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِرَّةِ الَّتِي أَكَلَتْ نَجَاسَةً وَغَابَتْ غَيْبَةً يُحْتَمَلُ مَعَهَا طَهَارَةُ فَمِهَا، فَإِنَّهَا لَا تُنَجِّسُ مَا شَرِبَتْ مِنْهُ، إذْ لَوْ كَانَتْ بَقِيَّةُ الْأَعْضَاءِ مِثْلَ الْمَنْفَذِ لَمْ يَحْتَجْ لِلتَّقْيِيدِ بِالْغَيْبَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْمَنْفَذَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ بَقِيَّةُ أَعْضَائِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الطُّوخِيُّ، وَعَلَيْهِ يُشْكِلُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْهِرَّةِ تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلُهُ: وَحَيَوَانٍ مُتَنَجِّسِ الْمَنْفَذِ أَيْ مَا لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهُ شَيْءٌ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَاءِ فَقَطْ دُونَ الْمَائِعِ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي مَائِعٍ نَجَّسَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ، وَقَدْ رَجَعَ الشَّيْخُ عَنْ هَذَا، وَسَوَّى بَيْنَ الْمَاءِ وَالْمَائِعِ لِلْمَشَقَّةِ، وَيُعْفَى عَمَّا يَمَسُّهُ الْعَسَلُ مِنْ الْكِوَارَةِ الَّتِي تُجْعَلُ مِنْ رَوْثِ نَحْوِ الْبَقَرِ، وَيُعْفَى عَنْ فَمِ صَبِيٍّ بِالنِّسْبَةِ لِثَدْيِ أُمِّهِ وَغَيْرِهِ كَتَقْبِيلِهِ فِي فَمِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّفَقَةِ مَعَ الرُّطُوبَةِ، فَلَا يَلْزَمُ تَطْهِيرُ الْفَمِ كَذَا قَرَّرَهُ م ر اهـ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ) خَرَجَ الْمَائِعُ كَمَا قَالَهُ ز ي، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ م ر الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ. فَرْعٌ: مَا تُلْقِيهِ الْفِئْرَانُ فِي بُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ يُرْجَعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ فَمَا عَدَّهُ الْعُرْفُ قَلِيلًا عُفِيَ عَنْهُ وَمَا لَا فَلَا وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ وَإِلَّا فَلَا عَفْوَ، وَإِذَا شَكَكْنَا فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَلَا عَفْوَ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ وَلَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ وَلَمْ يَحْصُلْ هُنَا، وَإِذَا شَكَكْنَا فِي أَنَّهُ مِنْ الْفِئْرَانِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَالْأَصْلُ إلْقَاءُ الْفِئْرَانِ وَالْفِئْرَانُ بِالْهَمْزِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (مُسْتَجْمِرٍ) أَيْ بِالْأَحْجَارِ، وَقَوْلُهُ: (عَنْ الدَّمِ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ) صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالدَّمِ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ ذُبِحَتْ شَاةٌ وَقُطِعَ لَحْمُهَا وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَثَرٌ مِنْ الدَّمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ كَمَا يُفْعَلُ فِي الْبَقَرِ الَّتِي تُذْبَحُ فِي الْمَحَلِّ الْمُعَدِّ لِذَبْحِهَا الْآنَ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِإِزَالَةِ الدَّمِ عَنْهَا، فَإِنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الدَّمِ عَلَى اللَّحْمِ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَإِنْ قَلَّ لِاخْتِلَاطِهِ بِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ تَصْوِيرٌ حَسَنٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْعَفْوِ عَمَّا ذُكِرَ بَيْنَ الْمُبْتَلَى بِهِ كَالْجَزَّارِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَوْ شَكَّ فِي الِاخْتِلَاطِ وَعَدَمِهِ لَمْ يَضُرَّ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَدْ يُقَالُ هَذَا الْمَاءُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ ضَرُورِيٌّ، فَالْمُنَاسِبُ عَدَمُ ضَرَرِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا لَمْ يُبَالِغُوا فِي إزَالَةِ الدَّمِ بِالْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَذْكُورُ صَارَ أَجْنَبِيًّا ضَارًّا تَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الْأَصْلَ نَجَاسَتُهُ وَطَهَارَةُ الْمَاءِ وَقَدْ اعْتَضَدَ أَصْلُ طَهَارَةِ الْمَاءِ بِاحْتِمَالِ وُلُوغِهِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فِي الْغَيْبَةِ فَرُجِّحَ. (وَالْقُلَّتَانِ) بِالْوَزْنِ (خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا (بِالْبَغْدَادِيِّ) أَخْذًا مِنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» وَالْقُلَّةُ فِي اللُّغَةِ الْجَرَّةُ الْعَظِيمَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ الْعَظِيمَ يُقِلُّهَا بِيَدَيْهِ أَيْ يَرْفَعُهَا وَهَجْرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ يُجْلَبُ مِنْهَا الْقِلَالُ وَقِيلَ هِيَ بِالْبَحْرَيْنِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ فِي الْخَادِمِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَإِذَا الْقُلَّةُ مِنْهَا تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا أَيْ مِنْ قِرَبِ الْحِجَازِ فَاحْتَاطَ الشَّافِعِيُّ فَحَسَبَ الشَّيْءَ نِصْفًا إذْ لَوْ كَانَ فَوْقَهُ لَقَالَ تَسَعُ ثَلَاثَ قِرَبٍ إلَّا شَيْئًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فَتَكُونُ الْقُلَّتَانِ خَمْسَ قِرَبٍ وَالْغَالِبُ أَنَّ الْقِرْبَةَ لَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةِ رَطْلٍ بَغْدَادِيٍّ وَهُوَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ فِي الْأَصَحِّ فَالْمَجْمُوعُ بِهِ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ تَقْرِيبًا فِي الْأَصَحِّ فَيُعْفَى عَنْ نَقْصِ رَطْلٍ أَوْ رَطْلَيْنِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ قَدْرٍ لَا يَظْهَرُ بِنَقْصِهِ تَفَاوُتٌ فِي التَّغَيُّرِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُغَيِّرَةِ كَأَنْ تَأْخُذَ إنَاءَيْنِ فِي وَاحِدٍ قُلَّتَانِ وَفِي الْآخَرِ دُونَهُمَا ثُمَّ تَضَعَ فِي أَحَدِهِمَا قَدْرًا مِنْ الْمُغَيِّرِ وَتَضَعَ فِي الْآخَرِ قَدْرَهُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي التَّغَيُّرِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ وَإِلَّا ضَرَّ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِضَبْطِهِ وَبِالْمِسَاحَةِ فِي الْمُرَبَّعِ ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا وَفِي الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَانِ طُولًا وَذِرَاعٌ عَرْضًا وَالْمُرَادُ فِيهِ بِالطُّولِ الْعُمْقُ وَبِالْعَرْضِ مَا بَيْنَ حَائِطَيْ الْبِئْرِ مِنْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَالْقُلَّتَانِ) أَيْ مَظْرُوفُهُمَا بِدَلِيلِ خَمْسِمِائَةٍ إلَخْ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: الْقُلَّتَانِ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً اسْمًا لِلْخَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُمَا خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ هُوَ الْأَصَحُّ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُمَا أَلْفُ رَطْلٍ، وَقِيلَ سِتُّمِائَةِ رَطْلٍ، وَقَوْلُهُ: تَقْرِيبًا أَيْ فِي الْأَصَحِّ أَيْضًا، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ تَحْدِيدٌ فَلَا يُغْتَفَرُ نَقْصُ شَيْءٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، فَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ يَرْجِعُ لِلْأَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (بِالْبَغْدَادِيِّ) قَالَ الرَّحْمَانِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَحِكْمَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَغْدَادِيّ فِي غَالِبِ الْكُتُبِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ: «الْوَزْنُ وَزْنُ مَكَّةَ وَالْكَيْلُ كَيْلُ الْمَدِينَةِ» لَعَلَّهُ لِكَوْنِ التَّقْدِيرِ وَقَعَ بِهَا وَفِيهَا لُغَاتٌ لِأَنَّهَا إمَّا بِمُوَحَّدَةٍ أَوْ مِيمٍ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ ذَالٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَوْ مُهْمَلَةٍ أَوْ نُونٍ بَدَلَهَا، فَفِيهَا سِتُّ لُغَاتٍ مِنْ ضَرْبِ الْبَاءِ وَالْمِيمِ فِي أَوَّلِهَا فِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي آخِرُهَا وَهِيَ الدَّالُ الْمُهْمَلَةُ وَالذَّالُ الْمُعْجَمَةُ وَالنُّونُ، وَمِقْدَارُهُمَا عَلَى مُصَحَّحِ النَّوَوِيِّ بِالْمِصْرِيِّ أَرْبَعُمِائَةِ رَطْلٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رَطْلًا، وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ مِنْ رَطْلٍ، وَبِالدِّمَشْقِيِّ مِائَةٌ وَسَبْعَةُ أَرْطَالٍ وَسُبْعُ رَطْلٍ، وَعَلَى مُصَحَّحِ الرَّافِعِيِّ بِالْمِصْرِيِّ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَوَاحِدٌ وَخَمْسُونَ رَطْلًا وَثُلُثُ رَطْلٍ وَثُلُثَا أُوقِيَّةٍ، وَبِالدِّمَشْقِيِّ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رَطْلٍ. قَوْلُهُ: (يُقِلُّهَا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَقَلَّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَشْبَهُ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَوَى) أَيْ الْبَيْهَقِيُّ الْمُتَقَدِّمُ. قَوْلُهُ: (عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ) أَيْ بِالْوَاسِطَةِ إذْ الشَّافِعِيُّ أَخَذَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ، وَهُوَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جِبْرِيلَ، عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَوْلُهُ: (تَقْرِيبًا) هُوَ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ أَيْ: وَالْقُلَّتَانِ تَقْرِيبُ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ أَيْ مُقَرَّبُهَا بِمَعْنَى مَا يَقْرُبُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ رَطْلَيْنِ) كَأَنَّ وَجْهَ اعْتِبَارِ الرَّطْلَيْنِ فَقَطْ أَنَّهُمَا أَمْرٌ وَسَطٌ بَيْنَ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْقِلَّةِ وَهُوَ الْوَاحِدُ، وَأَوَّلِ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ سم: لَا يُقَالُ هَذَا يَرْجِعُ إلَى التَّحْدِيدِ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ تَحْدِيدٌ غَيْرُ التَّحْدِيدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ) أَيْ النَّقْصُ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا أَوْلَى) قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَعْنَى، إذْ مَا زَادَ عَلَى الرَّطْلَيْنِ يَظْهَرُ بِهِ التَّفَاوُتُ وَدُونَهُمَا لَا اهـ اج. قَوْلُهُ: (لِضَبْطِهِ) فِيهِ أَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ ضُبِطَ أَيْضًا بِالرَّطْلِ أَوْ الرَّطْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَبِالْمِسَاحَةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهَذَا عَلَى الْمُرَجَّحِ أَمَّا عَلَى أَنَّهُمَا سِتُّمِائَةِ رَطْلٍ أَوْ أَلْفُ رَطْلٍ فَتَزِيدُ الْمِسَاحَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ كَمَا فِي قُرَّةِ الْعَيْنِ فِي مِسَاحَةِ ظَرْفِ الْقُلَّتَيْنِ لِلشَّنْشُورِيِّ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَانِ) طُولًا بِذِرَاعِ النَّجَّارِ، وَذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (وَبِالْعَرْضِ إلَخْ) . فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ الْمُرَبَّعُ ذِرَاعَيْنِ وَنِصْفًا وَعَرْضُهُ وَعُمْقُهُ كَذَلِكَ يَتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ أَنَّهُ أَرْبَعُ قِلَالٍ لِأَنَّهَا ضِعْفُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 سَائِرِ الْجَوَانِبِ وَبِالذِّرَاعِ فِي الْمُرَبَّعِ ذِرَاعُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ شِبْرَانِ تَقْرِيبًا وَأَمَّا فِي الْمُدَوَّرِ فَالْمُرَادُ بِهِ الطُّولُ ذِرَاعُ النَّجَّارِ الَّذِي هُوَ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ تَقْرِيبًا وَالْمَاءُ الْجَارِي وَهُوَ مَا انْدَفَعَ فِي مُسْتَوٍ أَوْ مُنْخَفِضٍ كَرَاكِدٍ فِيمَا مَرَّ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَفِيمَا اُسْتُثْنِيَ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجَارِي بِالْجِرْيَةِ نَفْسِهَا لَا مَجْمُوعِ الْمَاءِ وَهِيَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الدَّفْعَةُ بَيْنَ حَافَتَيْ النَّهْرِ عَرْضًا وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْمَاءِ عِنْدَ تَمَوُّجِهِ   [حاشية البجيرمي] الْقُلَّتَيْنِ فِيهِ وَهُوَ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ سِتَّةَ عَشَرَ قُلَّةً يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ ضَرْبَ الْقُلَّتَيْنِ بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّك تَجْعَلُ كُلًّا مِنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ قَصِيرَةٍ، وَتَضْرِبُ عَشَرَةَ الطُّولِ فِي عَشَرَةِ الْعَرْضِ، وَالْمِائَةَ الْحَاصِلَةَ فِي عَشَرَةِ الْعُمْقِ يَحْصُلُ أَلْفٌ كُلُّ وَاحِدٍ يَسَعُ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ، فَالْجُمْلَةُ أَرْبَعَةُ آلَافِ رَطْلٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ قُلَّةً فَتَدَبَّرْ، لِأَنَّ كُلَّ أَلْفٍ أَرْبَعُ قُلَلٍ، وَسَكَتَ عَنْ الْمُحِيطِ، وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ الْعَرْضِ وَسُبْعِ مِثْلِهِ، لِأَنَّ مُحِيطَ كُلِّ دَائِرَةٍ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ عَرْضِهَا، وَسُبْعُ مِثْلِهِ، فَلَوْ فُرِضَتْ دَائِرَةٌ عَرْضُهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ كَانَ مُحِيطُهَا اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا فَيُبْسَطُ كُلٌّ مِنْ الْعَرْضِ وَالْمُحِيطِ وَالطُّولِ أَيْ الْعُمْقِ أَرْبَاعًا لِوُجُودِ مَخْرَجِهَا فِي مِقْدَارِ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُرَبَّعِ، فَيَصِيرُ الْعُمْقُ عَشَرَةً. وَالْعَرْضُ أَرْبَعَةً وَالْمُحِيطُ اثْنَيْ عَشْرَ وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعٍ، ثُمَّ يُضْرَبُ نِصْفُ الْعَرْضِ وَهُوَ اثْنَانِ فِي نِصْفِ الْمُحِيطِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسُبْعَانِ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشْرَ وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعٍ، فَيُضْرَبُ فِي بَسْطِ الْعُمْقِ وَهُوَ عَشَرَةٌ تَبْلُغُ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ رُبُعًا مَعَ زِيَادَةِ خَمْسَةِ أَسْبَاعِ رُبُعٍ وَبِهَا حَصَلَ التَّقْرِيبُ. وَصُورَةُ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُثَلَّثِ: أَنْ تَكُونَ الْحُفْرَةُ ثَلَاثَةَ أَرْكَانٍ: رُكْنٌ عَرْضًا وَرُكْنَانِ طُولًا، فَالْعَرْضُ وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، وَالطُّولُ وَهُوَ الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ أَيْضًا، وَالْعُمْقُ ذِرَاعَانِ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ كَذَلِكَ فَتَبْسُطُهَا أَذْرُعًا قَصِيرَةً، وَتَضْرِبُ الطُّولَ فِي الْعَرْضِ يَحْصُلُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ تَأْخُذُ ثُلُثَهَا وَعُشْرَهَا تَجِدُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسِتَّةَ أَعْشَارٍ تَضْرِبُهُ فِي ثَمَانِيَةِ الْعُمْقِ، فَيَحْصُلُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ عُشْرًا مِنْ السِّتَّةِ أَعْشَارٍ مِنْهَا أَرْبَعُونَ بِأَرْبَعَةٍ صَحِيحَةٍ، وَالثَّمَانِيَةُ أَعْشَارٍ بِوَاحِدٍ إلَّا عِشْرِينَ تُضِيفُهَا إلَى الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ يَحْصُلُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ إلَّا عِشْرِينَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَقْرِيبًا. وَقَوْلُهُ: وَسِتَّةُ أَعْشَارٍ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ فَتَضْرِبُهَا بِهَذَا اللَّفْظِ فَيَكُونُ أَسْهَلَ. قَوْلُهُ: (وَالْمَاءُ الْجَارِي إلَخْ) سَكَتَ عَنْ الْمَائِعِ وَحُكْمُ الرَّاكِدِ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، وَأَمَّا الْجَارِي فَالْجِرْيَةُ مِنْهُ تَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ أَيْضًا وَإِنْ كَثُرْت، وَلَا يَنْجُسُ مَا قَبْلَهَا لِانْفِصَالِهَا حُكْمًا وَيَنْجُسُ مَا بَعْدَهَا لِمُرُورِهِ عَلَى مَحَلِّهَا الَّذِي تَنَجَّسَ بِهَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ صُبَّ الْمَائِعُ مِنْ إبْرِيقٍ مَثَلًا مِنْ عُلْوٍ إلَى سُفْلٍ تَنَجَّسَ مَا لَاقَى النَّجَاسَةَ فَقَطْ ق ل. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَنْجُسُ مَا قَبْلَهَا أَيْ إنْ كَانَ بِمَحَلٍّ مُرْتَفِعٍ ارْتِفَاعًا كَثِيرًا. قَالَ شَيْخُنَا ح ف: حَتَّى لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي آخِرِ الْقَنَاةِ الْجَارِي فِيهَا الزَّيْتُ مَثَلًا وَاتَّصَلَ الزَّيْتُ بِهَا تَنَجَّسَ جَمِيعُ مَا فِي الْقَنَاةِ وَلَوْ جُعِلَ حَائِلٌ بَيْنَ النَّجَاسَةِ وَالزَّيْتِ بَعْدَ الِاتِّصَالِ تَنَجَّسَ مَا وَرَاءَ الْحَائِلِ الَّذِي لَمْ يُصِبْ النَّجَاسَةَ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ الْقَنَاةُ مُسْتَوِيَةً أَوْ قَرِيبَةً مِنْ الِاسْتِوَاءِ بِأَنْ كَانَ فِيهَا ارْتِفَاعٌ يَسِيرٌ. فَإِنْ كَانَ فِيهَا ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ كَثِيرٌ فَلَا يَنْجُسُ الْمُرْتَفِعُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ الْمُنْخَفِضِ لِلنَّجَاسَةِ، فَلَوْ جَعَلْنَا حَائِلًا لِلْمُرْتَفِعِ كَانَ طَاهِرًا. قَوْلُهُ: (وَفِيمَا اُسْتُثْنِيَ) الْأَوْلَى وَمِمَّا اُسْتُثْنِيَ أَيْ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا إذْ هَذَا مَرَّ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ وَيُسْتَثْنَى إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ) الْمُرَادُ بِالْمَفْهُومِ مَا يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجَارِي بِالْجِرْيَةِ نَفْسِهَا) . وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْجَارِيَ مِنْ الْمَاءِ وَمِنْ رَطْبٍ غَيْرِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمُسْتَوٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ الِاسْتِوَاءِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْحَدَرًا مِنْ مُرْتَفِعٍ كَالصَّبِّ مِنْ إبْرِيقٍ، فَالْجَارِي مِنْ الْمُرْتَفِعِ جِدًّا لَا يَتَنَجَّسُ مِنْهُ إلَّا الْمُلَاقِي الْمُنَجِّسَ مَاءً أَوْ غَيْرَهُ، وَأَمَّا فِي الْمُسْتَوِي وَالْقَرِيبِ مِنْهُ فَغَيْرُ الْمَاءِ يَنْجُسُ كُلُّهُ بِالْمُلَاقَاةِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْجِرْيَةِ وَهِيَ مَا بَيْنَ حَافَتَيْ النَّهْرِ مِنْ الدُّفُعَاتِ، وَأَمَّا الْمَاءُ فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِالْجَارِيَةِ فَإِنْ كَانَتْ قُلَّتَيْنِ لَمْ تَنْجُسْ هِيَ وَلَا غَيْرُهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَهِيَ الَّتِي تَنَجَّسَتْ وَمَا قَبْلَهَا مِنْ الْجِرْيَاتِ بَاقٍ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 أَيْ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَإِنْ كَثُرَتْ الْجِرْيَةُ لَمْ تَنْجَسْ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَهِيَ فِي نَفْسِهَا مُنْفَصِلَةٌ عَمَّا أَمَامَهَا وَمَا خَلْفَهَا مِنْ الْجِرْيَاتِ حُكْمًا وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِهِمَا حِسًّا إذْ كُلُّ جِرْيَةٍ طَالِبَةٌ لِمَا أَمَامَهَا هَارِبَةٌ عَمَّا خَلْفَهَا مِنْ الْجِرْيَاتِ وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْجِرْيَةِ قُلَّتَيْنِ بِأَنْ يُمْسَحَا وَيُجْعَلَ الْحَاصِلُ مِيزَانًا ثُمَّ يُؤْخَذَ قَدْرُ عُمْقِ الْجِرْيَةِ وَيُضْرَبَ فِي قَدْرِ طُولِهَا ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي قَدْرِ عَرْضِهَا بَعْدَ بَسْطِ الْأَقْدَارِ مِنْ مَخْرَجِ الرُّبُعِ لِوُجُودِهِ فِي مِقْدَارِ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُرَبَّعِ فَمَسْحُ الْقُلَّتَيْنِ بِأَنْ تَضْرِبَ ذِرَاعًا وَرُبُعًا طُولًا فِي مِثْلِهِمَا عَرْضًا فِي مِثْلِهِمَا عُمْقًا يَحْصُلُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ الْمِيزَانُ أَمَّا إذَا كَانَ أَمَامَ الْجَارِي ارْتِفَاعٌ يَرُدُّهُ فَلَهُ حُكْمُ الرَّاكِدِ   [حاشية البجيرمي] طَهُورِيَّتِهِ وَلَوْ الْمُتَّصِلَةَ بِهَا، وَأَمَّا مَا بَعْدَهَا فَهُوَ كَذَلِكَ أَيْ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ إلَّا الْجِرْيَةَ الْمُتَّصِلَةَ بِالْمُتَنَجِّسِ، فَلَهَا حُكْمُ الْغُسَالَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ جَارِيَةً مَعَ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً فِي الْمَمَرِّ فَكُلُّ مَا مَرَّ عَلَيْهَا يَنْجُسُ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهَا وَهُوَ الَّذِي فَوْقَهَا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالْعِبْرَةُ فِي الْجَارِي بِالْجِرْيَةِ نَفْسِهَا لَا مَجْمُوعِ الْمَاءِ، فَإِنَّ الْجِرْيَاتِ مُتَفَاصِلَةٌ حُكْمًا، وَإِنْ اتَّصَلَتْ فِي الْحِسِّ لِأَنَّ كُلَّ جِرْيَةٍ طَالِبَةٌ لِمَا قَبْلَهَا هَارِبَةٌ مِمَّا بَعْدَهَا، فَإِذَا كَانَتْ الْجِرْيَةُ وَهِيَ الدُّفْعَةُ الَّتِي بَيْنَ حَافَتَيْ النَّهْرِ فِي الْعَرْضِ دُونَ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَتْ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَمْ لَا لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ الْمَارِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يُفْصَلْ فِيهِ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ، وَيَكُونُ مَحَلُّ تِلْكَ الْجِرْيَةِ مِنْ النَّهْرِ نَجِسًا وَيَطْهُرُ بِالْجِرْيَةِ بَعْدَهَا، وَتَكُونُ فِي حُكْمِ غُسَالَةِ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْعِ جِرْيَاتٍ عَلَيْهَا. وَمِنْ التَّتْرِيبِ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ هَذَا فِي نَجَاسَةٍ تَجْرِي فِي الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ جَامِدَةً وَاقِفَةً، فَذَلِكَ الْمَحَلُّ نَجِسٌ، وَكُلُّ جِرْيَةٍ تَمُرُّ بِهَا نَجِسَةٌ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ قُلَّتَانِ مِنْهُ فِي مَوْضِعٍ. وَيُلْغَزُ بِهِ: فَيُقَالُ لَنَا مَاءٌ أَلْفُ قُلَّةٍ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ وَهُوَ نَجِسٌ أَيْ لِأَنَّهُ مَا دَامَ لَمْ يَجْتَمِعْ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِنْ طَالَ مَحَلُّ جَرْيِ الْمَاءِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ كُلَّ جِرْيَةٍ أَقَلُّ مِنْ قُلَّتَيْنِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ تَحْقِيقًا إلَخْ) تَفْصِيلٌ لِلتَّمَوُّجِ، فَالْحَقِيقِيُّ أَنْ يُشَاهَدَ ارْتِفَاعُ الْمَاءِ وَانْخِفَاضُهُ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْهَوَاءِ، وَالتَّقْدِيرِيُّ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ ظَاهِرِ التَّمَوُّجِ بِالْجَرْيِ عِنْدَ سُكُونِ الْهَوَاءِ لِأَنَّهُ يَتَمَاوَجُ وَلَا يَرْتَفِعُ. قَوْلُهُ: (حُكْمًا) بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَتَقَوَّى بِمَا قَبْلَهَا وَلَا بِمَا بَعْدَهَا، بِخِلَافِ الرَّاكِدِ فَإِنَّ بَعْضَهَا يُقَوِّي بَعْضًا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُمْسَحَا إلَخْ) هَذَا مَسْحُ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُمَا أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْجِرْيَةِ، وَسَيَأْتِي تَصْوِيرُهُ بِقَوْلِهِ فَمَسْحُ الْقُلَّتَيْنِ إلَخْ. فَهَذَا نَظَرٌ أَوَّلٌ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُؤْخَذُ إلَخْ مَسْحٌ لِلْجِرْيَةِ نَفْسِهَا هَلْ تَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ بِأَنْ بَلَغَتْ الْمِيزَانَ الْآتِيَ وَهُوَ الْمِائَةُ وَالْخَمْسُ وَالْعِشْرُونَ أَوْ لَا، بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ الطُّولُ ذِرَاعًا وَرُبُعًا فِي الْمُرَبَّعِ وَهَذَا نَظَرٌ ثَانٍ. قَوْلُهُ: (فَمَسْحُ الْقُلَّتَيْنِ إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ بِأَنْ يُمْسَحَا أَيْ الْقُلَّتَانِ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عَقِبَهُ، وَإِذَا تَأَمَّلْت لَمْ تَجِدْ فِي كَلَامِهِ تَكْرَارًا خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ. قَوْلُهُ: (فَلَهُ حُكْمُ الرَّاكِدِ) لَوْ قَالَ فَهُوَ مِنْ الرَّاكِدِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَسْلَمَ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: فَلَهُ حُكْمُ الرَّاكِدِ فَلَا يُنْظَرُ فِيهِ لِلْجِرْيَاتِ بَلْ يُنْظَرُ لِجَمِيعِهِ هَلْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَطْهُرُ بِدِبَاغِهِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْآنِيَةِ وَمَا يَمْتَنِعُ] أَيْ: وَمَا لَا يَظْهَرُ. فَفِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءٌ، لِأَنَّ الْفَصْلَ مُنْعَقِدٌ لِأُمُورٍ أَرْبَعَةٍ مَا يَطْهُرُ بِدِبَاغِهِ، وَمَا لَا يَطْهُرُ وَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْآنِيَةِ، وَمَا يَمْتَنِعُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِلشَّارِحِ مِنْ عَدَمِ تَرْجَمَةِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ إلَخْ بِفَصْلٍ. وَقَدْ وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ الْمُحَرَّرَةِ تَرْجَمَتُهُ بِفَصْلٍ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ هَذَا الْفَصْلُ مُنْعَقِدًا لِأَمْرَيْنِ فَقَطْ وَهُمَا مَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَمَا لَا يَطْهُرُ. وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ الدِّبَاغِ عَقِبَ الْمِيَاهِ أَنَّهُ مُطَهِّرٌ، وَأَمَّا مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ الْأَوَانِي عَقِبَهَا فَهِيَ كَوْنُهَا ظُرُوفًا لِلْمِيَاهِ، وَجَمْعُ الْجُلُودِ فِي كَلَامِهِ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ، لِأَنَّ لِكُلِّ حَيَوَانٍ جِلْدًا يُزَالُ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ق ل. وَفِيهِ أَنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ جَمْعًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا اسْمُ جَمْعٍ فَهِيَ جَمْعٌ لُغَوِيٌّ، أَوْ يُقَالَ إنَّ أَلْ لِلْجِنْسِ فَتَصْدُقُ بِالْمُتَعَدِّدِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَطْهُرُ بِدِبَاغِهِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْآنِيَةِ وَمَا يَمْتَنِعُ (وَجُلُودُ) الْحَيَوَانَاتِ (الْمَيِّتَةِ) كُلِّهَا (تَطْهُرُ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (بِالدِّبَاغِ) وَلَوْ بِإِلْقَاءِ الدَّابِغِ عَلَيْهِ بِنَحْوِ رِيحٍ أَوْ بِإِلْقَائِهِ عَلَى الدَّابِغِ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: «هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ» وَالظَّاهِرُ مَا لَاقَى الدَّابِغَ وَالْبَاطِنُ مَا لَمْ يُلَاقِ الدَّابِغَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَيِّتَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ أَمْ لَا. كَمَا يَقْتَضِيه عُمُومُ الْحَدِيثِ. وَالدَّبْغُ نَزْعُ فُضُولِهِ وَهِيَ مَائِيَّتُهُ وَرُطُوبَتُهُ الَّتِي يُفْسِدُهُ بَقَاؤُهَا وَيُطَيِّبُهُ نَزْعُهَا بِحَيْثُ لَوْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ النَّتْنُ وَالْفَسَادُ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِحِرِّيفٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ كَالْقَرَظِ وَالْعَفْصِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الطَّاهِرِ كَمَا ذُكِرَ وَالنَّجِسِ كَذَرْقِ الطُّيُورِ، وَلَا يَكْفِي التَّجْمِيدُ بِالتُّرَابِ وَلَا بِالشَّمْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْزِعُ الْفُضُولَ، وَإِنْ جَفَّ الْجِلْدُ وَطَابَتْ رَائِحَتُهُ لِأَنَّ الْفَضَلَاتِ لَمْ تَزَلْ، وَإِنَّمَا جَمَدَتْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ عَادَتْ إلَيْهِ الْعُفُونَةُ وَيَصِيرُ الْمَدْبُوغُ كَثَوْبٍ مُتَنَجِّسٍ لِمُلَاقَاتِهِ لِلْأَدْوِيَةِ النَّجِسَةِ، أَوْ الَّتِي تَنَجَّسَتْ بِهِ قَبْلَ طُهْرِ عَيْنِهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ لِذَلِكَ، فَلَا يُصَلِّي فِيهِ وَلَا عَلَيْهِ قَبْلَ غَسْلِهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ سَوَاءٌ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (الْمَيِّتَةِ) أَيْ وَكَذَا جُلُودُ الْحَيِّ الَّذِي يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمَيِّتَةِ لِلْغَالِبِ فَلَوْ سُلِخَ جِلْدُهُ مَعَ حَيَاتِهِ طَهُرَ أَيْضًا بِالدِّبَاغِ. اهـ. م د. وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ الْمَيِّتَاتِ، لِأَنَّ جَمْعَ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ مُلْحَقٌ بِجُمُوعِ الْقِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْأَفْصَحُ فِيهَا الْمُطَابَقَةُ كَمَا فِي النَّظْمِ الْمَشْهُورِ فَمَا هُنَا مِنْ غَيْرِ الْأَحْسَنِ. قَوْلُهُ: (كُلُّهَا) تَأْكِيدٌ لِلْجُلُودِ أَوْ لِلْمَيِّتَةِ وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ ق ل. قَوْلُهُ: (ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ، فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَا فِيهِ. وَعَنْ مَالِكٍ لَا تَطْهُرُ جُلُودُ الْمَيِّتَاتِ أَصْلًا، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ الْجُلُودَ كُلَّهَا تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إنَّهُ يُنْتَفَعُ بِجُلُودِ الْمَيِّتَةِ كُلِّهَا مِنْ غَيْرِ دِبَاغٍ، وَحَمْلُ أَحَادِيثِ الدِّبَاغِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْوُجُوبِ، وَتَوْجِيهُ بَاقِي الْأَقْوَالِ مَذْكُورٌ فِي الْمِيزَانِ. قَوْلُهُ: (بِالدِّبَاغِ) بِمَعْنَى الِانْدِبَاغِ كَمَا تَدُلُّ لَهُ الْغَايَةُ الْمَذْكُورَةُ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ بِإِلْقَائِهِ) أَيْ الْجِلْدِ. وَقَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ بِنَحْوِ رِيحٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِعْلٌ وَلَا قَصْدٌ. قَوْلُهُ: (أَيُّمَا إهَابٍ) الْإِهَابُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ كَكِتَابٍ اسْمٌ لِلْجِلْدِ قَبْلَ دَبْغِهِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ أُهْبَةٌ لِلْحَيِّ أَيْ يَنْتَفِعُ بِهِ وَبَقَاءٌ لِحِمَايَةِ جَسَدِهِ كَمَا قِيلَ لَهُ الْمِسْكُ لِإِمْسَاكِهِ مَا وَرَاءَهُ وَمَا زَائِدَةٌ، وَطَهُرَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ. وَأَمَّا الْمُضَارِعُ فَبِالضَّمِّ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ: (وَالْبَاطِنُ مَا لَمْ يُلَاقِ الدَّابِغَ) الْمَحَلُّ لِلْإِضْمَارِ. وَفِي الْخَادِمِ لِلزَّرْكَشِيِّ: وَالْمُرَادُ بِبَاطِنِهِ مَا بَطَنَ وَهُوَ مَا لَوْ شُقَّ لَظَهَرَ، وَبِالظَّاهِرِ مَا ظَهَرَ مِنْ وَجْهَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: إذَا قُلْنَا بِطَهَارَةِ ظَاهِرِهِ فَقَطْ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَا فِيهِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَغْلَطُ فِيهِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ) أَيْ كَالْخَيْلِ وَالْقَنَافِذِ، وَقَوْلُهُ: (أَمْ لَا) كَالذِّئَابِ وَالْفِئْرَانِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ النَّتْنُ) أَيْ عَنْ قُرْبٍ، أَمَّا لَوْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الصُّلْبَةَ إذَا مَكَثَتْ فِي الْمَاءِ مُدَّةً طَوِيلَةً رُبَّمَا حَصَلَ لَهَا الْعُفُونَةُ. قَوْلُهُ: (وَالْفَسَادُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. وَقَالَ ق ل: عَطْفُ مُرَادِفٍ. قَالَ م ر: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ مَا عَدَا النَّتْنَ إنْ قَالَ خَبِيرَانِ إنَّهُ لِفَسَادِ الدَّبْغِ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا. لِأَنَّا نَجِدُ مَا أُتْقِنَ دَبْغُهُ يَتَأَثَّرُ بِالْمَاءِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ لِمُطْلَقِ التَّأَثُّرِ بِهِ بَلْ يُنْظَرُ لِلدَّبْغِ. قَوْلُهُ: (كَالْقَرَظِ) بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ ثَمَرُ السَّنْطِ. قَوْلُهُ: (وَالنَّجِسِ) وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ. لَكِنْ يَحْرُمُ التَّضَمُّخُ بِهِ إذَا وُجِدَ مَا يَقُومُ مُقَامَهُ. قَوْلُهُ: (كَذَرْقِ الطُّيُورِ) هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَبِالزَّايِ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُخْتَارِ قَالَ فِيهِ زَرَقَ الطَّائِرُ زَرْقًا وَبَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَالْمِلْحِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا جَمَدَتْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبَابُهُ نَصَرَ وَدَخَلَ. اهـ. مُخْتَارٌ. قَوْلُهُ: (عَادَتْ إلَيْهِ الْعُفُونَةُ) أَيْ لِأَنَّهَا كَامِنَةٌ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ غَسْلُهُ) وَلَوْ سَبْعًا بِتُرَابٍ إنْ كَانَ الدَّابِغُ نَحْوَ رَوْثِ كَلْبٍ ق ل. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ قَبْلَ الدَّبْغِ نَجَاسَةٌ مُغَلَّظَةٌ فَغُسْلُهُ قَبْلَهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَطْهِيرِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ بِسَبْعٍ إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ، لِأَنَّهُ قَبْلَ الدَّبْغِ لَمْ يَكُنْ قَابِلًا لِلتَّطْهِيرِ، وَأَخَذَ مِنْهُ أَيْ مِنْ التَّعْلِيلِ سم أَنَّ عَظْمَ الْمَيِّتَةِ أَيْ وَشَعْرَهَا إذَا أَصَابَهُ مُغَلَّظٌ لَمْ يَطْهُرْ بِالتَّسْبِيعِ وَالتَّتْرِيبِ، فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا مَعَ الرُّطُوبَةِ نَجَّسَهُ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً اهـ فَتَفْطِنُ لَهُ فَإِنَّهُ فَرْعُ مُهِمٌّ نَفِيسٌ. اهـ. م د، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ ع ش أَنَّهُ يَطْهُرُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَهُوَ أَقْيَسُ. قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِتَنَجُّسِهِ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 كَانَ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّمَا حُرِّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ لِعَدَمِ تَأَثُّرِهِ بِالدَّبْغِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ. (إلَّا جِلْدَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ) فَلَا يُطَهِّرُهُ الدَّبْغُ قَطْعًا، لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي إفَادَةِ الطَّهَارَةِ أَبْلَغُ مِنْ الدَّبْغِ وَالْحَيَاةُ لَا تُفِيدُ طَهَارَتَهُ. (وَ) كَذَا (مَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا) مَعَ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ لِمَا ذُكِرَ، (وَعَظْمُ) الْحَيَوَانَاتِ (الْمَيِّتَةِ وَشَعْرُهَا) وَقَرْنُهَا وَظُفْرُهَا وَظِلْفُهَا (نَجِسٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] وَتَحْرِيمُ مَا لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَالْمَيْتَةُ مَا زَالَتْ حَيَاتُهَا بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ فَيَدْخُلُ فِي الْمَيْتَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ إذَا ذُبِحَ، وَكَذَا مَا يُؤْكَلُ إذَا اخْتَلَّ فِيهِ   [حاشية البجيرمي] يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ) بِأَنْ كَانَ فِيهِ نَجَسٌ يَسُدُّ الْفُرَجَ كَشَعْرٍ لَمْ يُلَاقِ الدَّابِغَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) أَيْ جِلْدِ الْمَيِّتَةِ الْمَدْبُوغِ، أَمَّا جِلْدُ الْمُذَكَّى بَعْدَ دَبْغِهِ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ مَا لَمْ يَضُرَّ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا حَرُمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا) فَهُوَ شَامِلٌ لِجِلْدِهَا وَإِنْ دُبِغَ. وَقَوْلُ ق ل: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ دَلِيلٌ لِدَعْوَاهُ اهـ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، لَكِنْ الْقَلْيُوبِيُّ فَهِمَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْأَكْلِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ قَبْلَ الدِّبَاغِ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ فَلَا يَطْهُرُ بِهِ وَإِنْ أُلْقِيَ فِي الْمَدْبَغَةِ وَعَمَّهُ الدَّابِغُ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، لَكِنْ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَإِنْ قَالَ الشَّيْخُ إنَّهُ يَطْهُرُ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِالدَّبْغِ. قَوْلُهُ: (وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ) فَهُوَ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ طَاهِرٌ تَبَعًا لِلْجِلْدِ كَدَنِّ الْخَمْرِ لِلْفَرْقِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِطَهَارَةِ دَنِّ الْخَمْرَةِ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَوْلَا الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ لَمْ يُوجَدْ طَهَارَةُ خَلٍّ أَصْلًا عَنْ خَمْرٍ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى طَهَارَةِ الشَّعْرِ لِإِمْكَانِ إزَالَتِهِ، وَلِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْجِلْدِ لَا مِنْ جِهَةِ الشَّعْرِ، أَمَّا الْكَثِيرُ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ أَصْلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلنَّصِّ وَجَمْعٍ مِنْ الْأَصْحَابِ طَهَارَةَ الشَّعْرِ وَإِنْ كَثُرَ. وَقَالَ: هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدِي وَهَذَا الَّذِي أَعْتَقِدُهُ وَأُفْتِي بِهِ. اهـ. سم. وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْخِنْزِيرِ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا جِلْدَ لَهُ وَشَعْرُهُ فِي لَحْمِهِ، وَعَلَيْهِ فَذَكَرَهُ لِبَيَانِ حُكْمِهِ لَوْ كَانَ، وَقِيلَ إنَّهُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا لَهُ جِلْدٌ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (أَبْلَغُ) لَعَلَّ وَجْهَ الْأَبْلَغِيَّةِ أَنَّهَا تُفِيدُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ الطَّهَارَةَ بِخِلَافِ الدَّبْغِ إذْ لَا يُفِيدُ إلَّا الْجِلْدُ فَقَطْ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مَعَ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ) أَيْ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَهَذَا مُرَادُ ق ل بِقَوْلِهِ فِي عُمُومِهِ تَقْيِيدٌ يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي إفَادَةِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَقَرْنُهَا) وَكَذَا سِنُّهَا وَحَافِرُهَا، وَقَدْ يَشْمَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ الْعَظْمُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى كُلِّهِ، وَكَذَا لَبَنُهَا وَبَيْضُهَا إنْ لَمْ يَتَصَلَّبْ وَمِسْكُهَا إنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ لِلْوُقُوعِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ: بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ. زَادَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ بِطَهَارَةِ الْقَرْنِ وَالسِّنِّ وَالْعَظْمِ وَالرِّيشِ إذْ لَا رُوحَ فِيهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالنَّعَمِ أَوْ لَا يُؤْكَلُ كَالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ. اهـ. شَعْرَانِيٌّ فِي الْمِيزَانِ. قَوْلُهُ: (وَظِلْفُهَا) الظِّلْفُ اسْمٌ لِحَافِرِ الْغَنَمِ وَنَحْوِهِ كَالْبَقَرِ وَالظُّفْرُ لِلطَّيْرِ وَالْحَافِرُ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (فَيَدْخُلُ فِي الْمَيْتَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ إذَا ذُبِحَ) وَذَبْحُهُ حَرَامٌ وَلَوْ لِأَجْلِ جِلْدِهِ، وَكَذَا ذَبْحُ الْمَأْكُولِ لَا لِأَكْلِهِ وَلَوْ لِأَخْذِ جِلْدِهِ أَوْ لَحْمِهِ لِلصَّيْدِ بِهِ كَمَا فِي عب فَتَلَخَّصَ لَنَا أَنَّ الْحَيَوَانَ إنْ كَانَ مَأْكُولًا لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ إلَّا لِلْأَكْلِ فَقَطْ، وَغَيْرُ الْمَأْكُولِ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ مُطْلَقًا إلَّا إذَا نُصَّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِهِ أَوْ نَدْبِهِ اهـ اج. وَانْظُرْ إذَا ذُبِحَ الْمَأْكُولُ لِأَجْلِ جِلْدِهِ هَلْ يَكُونُ مَيْتَةً أَوْ لَا؟ نُقِلَ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الثَّانِي فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي الْمِيزَانِ لِلشَّعْرَانِيِّ مَا نَصُّهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: إنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ شَيْئًا فِيمَا لَا يُؤْكَلُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: إنَّهَا تَعْمَلُ إلَّا فِي الْخِنْزِيرِ، وَإِذَا ذُكِّيَ عِنْدَهُمَا سَبُعٌ أَوْ كَلْبٌ طَهُرَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ، لَكِنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ خَبِيثٌ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الذَّكَاةُ طَهَارَةً وَلَا طِيبًا، بَلْ حُكْمُ ذَبْحِهِ حُكْمُ مَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ. قَالَ تَعَالَى فِي مَدْحِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ طَهَارَتِهِ حِلُّهُ، فَقَدْ يَحْرُمُ الشَّيْءُ الطَّاهِرُ لِضَرُورَةٍ فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ وَلَحْمُ مَا لَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ قِيلَ طَهَارَتُهُ يَضُرُّ فِي الْبَدَنِ كَمَا جُرِّبَ وَمَنْ شَكَّ فَلْيُجَرِّبْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنَّهُ يُورِثُ آكِلَهُ الْبَلَادَةَ حَتَّى لَا يَكَادَ يَفْهَمُ ظَوَاهِرَ الْأُمُورِ فَضْلًا عَنْ بَوَاطِنِهَا لَكَفَى اهـ بِحُرُوفِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ التَّذْكِيَةِ كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُحْرِمِ لِلصَّيْدِ وَمَا ذُبِحَ بِالْعَظْمِ وَنَحْوِهِ. وَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ كَمَيْتَةِ ذَلِكَ الْحَيِّ إنْ كَانَ طَاهِرًا فَطَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَنَجِسٌ لِخَبَرِ: «مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ كَمَيْتَتِهِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَالْمُنْفَصِلُ مِنْ الْآدَمِيِّ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ طَاهِرٌ وَمِنْ غَيْرِهَا نَجِسٌ. (إلَّا شَعْرَ) أَوْ صُوفَ أَوْ رِيشَ أَوْ وَبَرَ الْمَأْكُولِ فَطَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ نُتِفَ مِنْهَا أَوْ اُنْتُتِفَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أُخِذَ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ أَوْ فِي الْحَيَاةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ، وَلَوْ شَكَكْنَا فِيمَا ذُكِرَ هَلْ انْفَصَلَ مِنْ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ. وَشَكَكْنَا فِي النَّجَاسَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَيْنَا قِطْعَةَ لَحْمٍ وَشَكَكْنَا هَلْ هِيَ مِنْ مُذَكَّاةٍ أَوْ لَا؟   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَالْمُحَرَّمِ لِلصَّيْدِ) أَيْ إذَا كَانَ مَا ذَكَّاهُ صَيْدًا وَحْشِيًّا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ أَمَّا غَيْرُ الْوَحْشِيِّ فَلَا يَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) كَالظُّفْرِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ طَاهِرًا فَطَاهِرٌ) كَانَ الْمُنَاسِبُ إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً أَيْ إنْ كَانَتْ مَيِّتَةً طَاهِرَةً فَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ حَالَ حَيَاتِهِ طَاهِرٌ وَإِنْ نَجِسَةً فَنَجِسٌ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمَيْتَةَ اكْتَسَبَتْ التَّذْكِيرَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَمِنْ الْجُزْءِ ثَوْبُ الثُّعْبَانِ فَهُوَ نَجِسٌ خِلَافًا لِمَنْ أَفْتَى بِطَهَارَتِهِ كَالْعَرَقِ كَمَا فِي م ر: وَانْظُرْ لَوْ اتَّصَلَ الْجُزْءُ الْمَذْكُورُ بِأَصْلِهِ وَحَلَّتْهُ الْحَيَاةُ هَلْ يَطْهُرُ وَيُؤْكَلُ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ أَوْ لَا. وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى الْمَيْتَةَ ثُمَّ ذُكِّيَتْ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي هَذِهِ إلَّا الْحِلُّ فَكَذَا الْأَوَّلُ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَرِدُ عَلَى الْأُولَى مَا لَوْ وَصَلَ عَظْمُهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ وَحَلَّتْهُ الْحَيَاةُ مَعَ حُكْمِهِمْ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ نَجِسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ، وَعَلَى الثَّانِي مَا لَوْ أَحْيَاهُ اللَّهُ بَعْدَ تَيَقُّنِ مَوْتِهِ حَيْثُ لَا تَعُودُ لَهُ زَوْجَاتُهُ وَأَمْوَالُهُ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَظْمَ الْمَوْصُولَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْوَاصِلِ أَصَالَةً وَلَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهِ الْأَصْلِيَّةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ عَوْدِهِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَلَمْ يَكُنْ الْوَصْلُ مُقْتَضِيًا لِطَهَارَتِهِ، بِخِلَافِ جُزْءِ الْحَيَوَانِ فَقَدْ عَادَتْ لَهُ الطَّهَارَةُ بِعَوْدِهِ إلَى أَصْلِهِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ إيرَادِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَيَاةٌ حَقِيقِيَّةٌ مُتَجَدِّدَةٌ فَتُعْطَى حُكْمَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ كَاتِبُهُ إطْفِيحِيٌّ. وَقَوْلُهُ: فَتُعْطَى حُكْمَهَا وَهُوَ الطَّهَارَةُ بِالْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ هُنَا، وَأَمَّا هُنَاكَ فَإِنَّ زَوْجَاتِهِ وَأَمْوَالَهُ حَرُمَتَا عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ فَلَا تُفِيدُهُ الْحَيَاةُ شَيْئًا. 1 - قَوْلُهُ: (فَالْمُنْفَصِلُ مِنْ الْآدَمِيِّ) وَمِنْهُ الْمَشِيمَةُ الَّتِي فِيهَا الْوَلَدُ طَاهِرَةٌ مِنْ الْآدَمِيِّ نَجِسَةٌ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا شَعْرَ أَوْ صُوفَ) هَذَا بِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الشَّرْحِ مَعَ الْمَتْنِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي شَعْرِ الْمَيِّتَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَبَرَ الْمَأْكُولِ) وَمِثْلُهُ لَبَنُهُ وَبَيْضُهُ وَمِسْكُهُ وَفَأْرَتُهُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ، بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ بِالْهَمْزِ فَقَطْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَمَحَلُّ طَهَارَتِهَا إنْ انْفَصَلَتْ فِي حَيَاتِهَا وَلَوْ احْتِمَالًا عَلَى الْأَوْجَهِ أَوْ بَعْدَ ذَكَاتِهَا وَإِلَّا فَهِيَ نَجِسَةٌ ز ي. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهِيَ نَجِسَةٌ أَيْ إنْ لَمْ تَتَهَيَّأْ لِلِانْفِصَالِ، قَالَ ع ش. قَوْلُهُ: وَلَوْ احْتِمَالًا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ رَأَى ظَبْيَةً مَيِّتَةً وَفَأْرَةً عِنْدَهَا، وَاحْتَمَلَ أَنَّ انْفِصَالَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهَا وَهُوَ مُتَّجَهٌ، لِأَنَّهَا كَانَتْ طَاهِرَةً قَبْلَ الْمَوْتِ فَتُسْتَصْحَبُ طَهَارَتُهَا وَلَمْ يَعْلَمْ مَا يُزِيلُ الطَّهَارَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمِسْكُ طَاهِرًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ» اهـ. وَنُقِلَ عَنْ حَجّ أَنَّ الْمِسْكَ التُّرْكِيَّ نَجِسٌ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ فَرْجِ حَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ، وَالْعَنْبَرُ طَاهِرٌ وَهُوَ نَبْتٌ يَلْفِظُهُ الْبَحْرُ. قَالَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: حَدَّثَنِي بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَكِبَ الْبَحْرَ، فَوَقَعَ عَلَى جَزِيرَةٍ فَنَظَرَ إلَى شَجَرَةٍ مِثْلِ عُنُقِ الشَّاةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا عَنْبَرٌ قَالَ: فَتَرَكْنَاهُ حَتَّى يَكْثُرَ ثُمَّ نَأْخُذَهُ، فَهَبَّتْ رِيحٌ فَأَلْقَتْهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَالسَّمَكُ وَدَوَابُّ الْبَحْرِ تَبْتَلِعُهُ أَوَّلَ مَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لَيِّنٌ، فَإِذَا ابْتَلَعَتْهُ قَلَّمَا تَسْلَمُ إلَّا قَتَلَهَا لِفَرْطِ الْحَرَارَةِ الَّتِي فِيهِ، فَإِذَا أَخَذَ الصَّيَّادُ السَّمَكَةَ وَجَدَهُ فِي بَطْنِهَا فَيُقَدِّرُ أَيْ يَظُنُّ أَنَّهَا مِنْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ ثَمَرُ نَبْتٍ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نُتِفَ إلَخْ) وَالنَّتْفُ حَرَامٌ لِلتَّعْذِيبِ، وَمَنْ قَالَ مَكْرُوهٌ يُحْمَلُ عَلَى أَذًى يَحْتَمِلُ عَادَةً. قَوْلُهُ: (أَثَاثًا وَمَتَاعًا) الْأَثَاثُ أَمْتِعَةُ الْبَيْتِ فَعَطْفُ الْمَتَاعِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ التَّفْسِيرِ أَوْ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَكَكْنَا فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالرِّيشِ وَالْوَبَرِ وَكَذَا الْعَظْمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي خِرْقَةٍ أَوْ زِنْبِيلٍ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالشَّعْرُ الْمَجْهُولُ انْفِصَالُهُ هَلْ هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ وَالشَّعْرُ عَلَى الْعُضْوِ الْمُبَانِ نَجِسٌ إذَا كَانَ الْعُضْوُ نَجِسًا تَبَعًا لَهُ وَالشَّعْرُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ (الْآدَمِيِّ) سَوَاءٌ انْفَصَلَ مِنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ طَاهِرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] وَقَضِيَّةُ التَّكْرِيمِ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] فَالْمُرَادُ بِهِ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ أَوْ اجْتِنَابُهُمْ كَالنَّجِسِ لَا نَجَاسَةَ الْأَبْدَانِ وَتَحِلُّ مَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ. السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» . ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ: فَالْجَمَادُ كُلُّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِمَنَافِع الْعِبَادِ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ   [حاشية البجيرمي] فِي حَالِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ أَوْ لَا. أَوْ كَوْنُهُ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرُهُ طَاهِرٌ. اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ) مَا لَمْ تَكُنْ فِي ظَرْفٍ وَعِبَارَةُ م ر. وَلَوْ وَجَدَ قِطْعَةَ لَحْمٍ فِي إنَاءٍ أَوْ خِرْقَةٍ بِبَلَدٍ لَا مَجُوسَ فِيهِ فَطَاهِرَةٌ أَوْ مَرْمِيَّةً مَكْشُوفَةً فَنَجِسَةٌ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِرَمْيِ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ، أَوْ فِي إنَاءٍ أَوْ خِرْقَةٍ وَالْمَجُوسُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ الْمُسْلِمُونَ أَغْلَبَ فَكَذَلِكَ، فَإِنْ غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ فَطَاهِرَةٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالشَّعْرُ عَلَى الْعُضْوِ الْمُبَانِ نَجِسٌ) وَمِنْهُ تَطْرِيفُ أَلْيَةِ الْخَرُوفِ ق ل. أَيْ قَطْعُ طَرَفِ الْأَلْيَةِ وَأَتَى بِذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ إلَّا شَعْرَ الْمَأْكُولِ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطْلَقًا، وَالْعُضْوُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (وَالشَّعْرُ الْمُنْفَصِلُ إلَخْ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ وَهِيَ إلَّا شَعْرَ الْآدَمِيِّ، وَفِي أُخْرَى إلَّا الْآدَمِيَّ وَهِيَ الصَّوَابُ لِاقْتِضَاءِ تِلْكَ أَنَّ مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ نَجِسَةٌ بِخِلَافِ شَعْرِهِ لِشُمُولِ قَوْلِهِ: وَعَظْمُ الْمَيْتَةِ وَشَعْرُهَا نَجِسٌ لِعِظَمِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: بِأَنْ جَعَلَهُمْ يَأْكُلُونَ بِالْأَيْدِي وَغَيْرُهُمْ يَأْكُلُ بِفِيهِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَرِدُ الْقِرَدَةُ لِوَطْءِ النَّجَاسَةِ بِمَا تَأْكُلُ بِهِ، وَقِيلَ بِالْعَقْلِ، وَقِيلَ بِالنُّطْقِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْفَهْمِ، وَقِيلَ بِاعْتِدَالِ الْقَامَةِ، وَقِيلَ بِحُسْنِ الصُّورَةِ، وَقِيلَ الرِّجَالُ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءُ بِالذَّوَائِبِ، وَقِيلَ بِتَسْلِيطِهِمْ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي الْأَرْضِ وَتَسْخِيرِهِ لَهُمْ، وَقِيلَ بِحُسْنِ تَدْبِيرِهِمْ أَمْرَ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَالْمُرَادُ بِهِ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ) فِيهِ أَنَّ الِاعْتِقَادَ أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ لَا يَتَّصِفُ بِنَجَاسَةٍ وَلَا طَهَارَةٍ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِنَجَاسَةِ الِاعْتِقَادِ فَسَادُهُ فَوَصَفَهُ بِالنَّجَاسَةِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّجَوُّزِ اهـ. فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنَّمَا اعْتِقَادُ الْمُشْرِكِينَ فَاسِدٌ، فَيَكُونُ فِي الْآيَةِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ وَاسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ حَيْثُ شَبَّهَ الْفَاسِدَ بِالنَّجِسِ بَعْدَ تَشْبِيهِ الْفَسَادِ بِالنَّجَاسَةِ بِجَامِعِ وُجُوبِ اجْتِنَابِ كُلٍّ وَاسْتَعَارَ النَّجِسَ لِلْفَاسِدِ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ اجْتِنَابُهُمْ كَالنَّجِسِ) فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ أَيْ هُمْ فِي وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ كَالنَّجِسِ، فَعَلَى الْأُولَى يَكُونُ الْمَوْصُوفُ بِالنَّاسِ اعْتِقَادَهُمْ، وَعَلَى الثَّانِي ذَوَاتَهمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ سُلْطَانٌ: أَيْ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ بِالْمَوْتِ لَكَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِغَسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ. لَا يُقَالُ وَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ نُؤْمَرْ بِغَسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ عُهِدَ غَسْلُ الطَّاهِرِ بِدَلِيلِ الْمُحْدِثِ وَلَا كَذَلِكَ نَجِسُ الْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (لَا نَجَاسَةَ الْأَبْدَانِ) قَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُشْرِكِينَ الْأَحْيَاءِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْمَوْتَى ع ش. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْآيَةَ إذَا دَلَّ ظَاهِرُهَا عَلَى نَجَاسَةِ الْأَحْيَاءِ، فَتَكُونُ نَجَاسَةَ الْأَمْوَاتِ بِالْأَوْلَى. وَنَقَلَ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] أَنَّ الْمُرَادَ نَجَاسَةُ الْأَبْدَانِ حَقِيقَةً، فَالْكَافِرُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ نَجِسٌ حَقِيقَةً وَلَوْ فِي حَالِ الْحَيَاةِ. وَفِي الْمِيزَانِ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَرْجَحِ قَوْلَيْهِ بِطَهَارَةِ الْآدَمِيِّ إذَا مَاتَ. وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَرْجُوحُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَجِسٌ لَكِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ شَرَفُ ذَاتِ الْآدَمِيِّ رُوحًا وَجِسْمًا. وَوَجْهُ الثَّانِي شَرَفُ رُوحِهِ فَقَطْ فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ الْجَسَدِ تَنَجَّسَ لِأَنَّهُ مَا كَانَ طَاهِرًا إلَّا بِسَرَيَانِ الرُّوحِ فِيهِ وَهِيَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَأَمْرُ اللَّهِ طَاهِرٌ مُقَدَّسٌ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا مَا جَاوَرَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ بِنَجَاسَةِ الْآدَمِيِّ مَعَ حَدِيثِ: «إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» ؟ فَالْجَوَابُ: يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ بَلَغَهُ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) بِكَسْرِ الطَّاءِ أَيْ وَإِنْ سُحِقَا وَصَارَا كَالدَّمِ ع ش. قَوْلُهُ: (ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 الْوُجُوهِ. قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ أَوْ يَكْمُلُ بِالطَّهَارَةِ إلَّا مَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَهُوَ كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» وَكَذَا الْحَيَوَانُ كُلُّهُ طَاهِرٌ لِمَا مَرَّ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ أَيْضًا وَهُوَ الْكَلْبُ وَلَوْ مُعَلَّمًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» . وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ إمَّا لِحَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ أَوْ تَكْرِمَةً وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ وَلَا تَكْرِمَةَ، فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ الْخَبَثِ   [حاشية البجيرمي] لَفْظٌ يُؤْتَى بِهِ لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِمَا بَعْدَهُ وَقُوَّةِ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ وَالْمُخَاطَبُ بِهِ كُلُّ وَاقِفٍ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (جَمَادٌ) الْمُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ حَيَوَانًا وَلَا أَصْلَ حَيَوَانٍ وَلَا جُزْءَ حَيَوَانٍ وَلَا مُنْفَصِلًا مِنْ حَيَوَانٍ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْفَضَلَاتِ قِسْمٌ ثَالِثٌ فَلَوْ قَالَ وَالْأَعْيَانُ إمَّا جَمَادٌ وَإِمَّا حَيَوَانٌ وَإِمَّا فَضَلَاتٌ ثُمَّ قَسَّمَ الْفَضَلَاتِ إلَى مَا اسْتَحَالَ إلَى فَسَادٍ فَهُوَ نَجِسٌ كَالدَّمِ وَمَا لَا يَسْتَحِيلُ فَطَاهِرٌ كَالْعِرْقِ كَانَ أَوْلَى. اهـ. م د قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ) فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْحَجَرَ لَا يُؤْكَلُ، قَوْلُهُ: (مُسْكِرٍ مَائِعٍ) لَوْ سَكَتَ عَنْ لَفْظِ مَائِعٍ لَطَابَقَ الدَّلِيلَ الْمُدَّعَى لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُسْكِرِ مَا فِيهِ إزَالَةُ الْعَقْلِ وَهُوَ نَجِسٌ وَلَوْ جَامِدًا، وَلَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْحَشِيشِ لِأَنَّهُ مُخَدِّرٌ لَا مُسْكِرٌ فَهُوَ طَاهِرٌ وَلَوْ مَائِعًا ق ل. وَقَوْلُهُ: لَطَابَقَ الدَّلِيلَ إلَخْ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يَقُلْ فِيهِ كُلُّ مَائِعٍ، بَلْ قَالَ فِيهِ كُلُّ مُسْكِرٍ وَهُوَ يَشْمَلُ الْجَامِدَ. وَفِي شَرْحِ م ر وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الْبَنْجَ وَالْحَشِيشَ طَاهِرَانِ مُسْكِرَانِ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ق ل مُخَدِّرٌ. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: وَمِثْلُ الْحَشِيشَةِ وَالْبَنْجِ الْأَفْيُونُ وَجَوْزَةُ الطِّيبِ أَيْ الْكَثِيرُ مِنْهَا وَكَثِيرُ الْعَنْبَرِ وَكَثِيرُ الزَّعْفَرَانِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِسْكَارِ الَّذِي وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ فِي نَحْوِ الْحَشِيشِ وَمَا ضَاهَاهُ مُجَرَّدُ تَغْيِيبِ الْعَقْلِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِأَنَّهَا مُخَدِّرَةٌ مُنَوِّمَةٌ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ، وَمَا ذَكَرْته فِي تَحْرِيمِ جَوْزَةِ الطِّيبِ مِنْ أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَأَنَّهَا حَرَامٌ صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ أَيْ غَيْرَ الْحَنَفِيِّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْبَنْجُ مِثَالُ فَلْسٌ نَبَاتٌ لَهُ حَبٌّ يَخْلِطُ الْعَقْلَ وَيُورِثُ الْخَبَالَ وَرُبَّمَا أَسْكَرَ إذَا شَرِبَهُ الْإِنْسَانُ بَعْدَ ذَوْبِهِ، وَيُقَالُ إنَّهُ يُورِثُ النَّوْمَ اهـ. قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ الْخَمْرِ. وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: 90] إلَى قَوْلِهِ: {رِجْسٌ} [المائدة: 90] أَيْ نَجَسٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ خُلِقَ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ. قَوْلُهُ: (إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَصَحَّ قَوْلُهُ بَعْدُ فَالْخِنْزِيرُ مُسْتَثْنًى حُكْمًا، وَهَذَا عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْكَلْبِ، وَيَصِحُّ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ: إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ، وَعَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكَلُّفٍ. وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدُ: وَالْخِنْزِيرُ هُوَ عَطْفٌ عَلَى الْكَلْبِ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَهُوَ الْكَلْبُ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَقِيسٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الشَّارِعِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ عَلَى الْأَعَمِّ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُعَلَّمًا) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ حِينَئِذٍ اهـ. إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَشْهَرُ فِيهِ ضَمُّ الطَّاءِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ هَكَذَا بِخَطِّ ز ي، وَقَوْلُ الْمَحَلِّيِّ أَيْ مُطَهِّرُهُ ظَاهِرٌ فِي الْفَتْحِ، لِأَنَّ الْمُطَهِّرَ هُوَ الْآلَةُ وَمُحْتَمِلٌ لِلضَّمِّ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ الْفِعْلُ الْمُطَهِّرُ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (أُولَاهُنَّ) وَفِي رِوَايَةٍ: أُخْرَاهُنَّ وَهُمَا مَحْمُولَتَانِ عَلَى ثَالِثَةٍ وَهِيَ إحْدَاهُنَّ لِتَسَاقُطِ الْأُولَيَيْنِ بِتَعَارُضِهِمَا فَعُمِلَ بِالثَّالِثَةِ، أَوْ تُحْمَلُ الْأُولَى عَلَى الْأَكْمَلِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْإِجْزَاءِ وَالثَّالِثَةُ عَلَى الْجَوَازِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» بِمَعْنَى أَنَّ التُّرَابَ يَصْحَبُ السَّابِعَةَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَرَّةٍ ثَامِنَةٍ ق ل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فَثَبَتَتْ نَجَاسَةُ فَمِهِ وَهُوَ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ، بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ فَبَقِيَّتُهَا أَوْلَى، وَالْخِنْزِيرُ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ، وَفَرْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَكَلْبَةٍ تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ، وَأَنَّ الْفَضَلَاتِ مِنْهَا مَا يَسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ نَجِسٌ كَدَمٍ وَلَوْ تَحَلَّبَ مِنْ كَبِدٍ أَوْ طِحَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] أَيْ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَقَيْحٍ لِأَنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ وَقَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ الْمَعِدَةِ لِأَنَّهُ مِنْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ فَمُهُ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ) أَيْ الْكَلْبُ مِنْ حَيْثُ فَمُهُ. وَقَوْلُهُ: (أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ) أَيْ غَيْرَ الْآدَمِيِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ وَلَوْ الْآدَمِيَّ، لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَا لَا يُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ وَبَابُهُ قَطَعَ. وَقَوْلُهُ: (نَكْهَةً) أَيْ رَائِحَةَ الْفَمِ. قَوْلُهُ: (يَلْهَثُ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: لَهَثَ الْكَلْبُ أَخْرَجَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ التَّعَبِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا إلَخْ) اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى نَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] فَإِنَّهُ رِجْسٌ بِنَاءً عَلَى رُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلْخِنْزِيرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَلْ يَحْتَمِلُ رُجُوعُهُ لِلْمُضَافِ وَهُوَ اللَّحْمُ، يَعْنِي أَنَّ لَحْمَهُ نَجِسٌ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَفَرْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ) هُوَ مُسْتَثْنًى حُكْمًا أَيْضًا كَالْخِنْزِيرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفَرْعَ يَتْبَعُ أَخَسَّ أَصْلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَعَ غَيْرِهِ) دَخَلَ فِيهِ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ كَلْبٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَآدَمِيٍّ كَذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ، فَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَتِهِ وَلَوْ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى فَقَطْ فَهُوَ طَاهِرٌ فِي الْعِبَادَاتِ فَيُصَلِّي وَلَوْ إمَامًا وَيَدْخُلُ الْمَسَاجِدَ وَيُخَالِطُ النَّاسَ، وَلَا يُنَجِّسُهُمْ بِمَسِّهِ مَعَ رُطُوبَةٍ، وَلَا يَنْجُسُ بِهِ الْمَاءُ الْقَلِيلُ وَلَا الْمَائِعُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيَتَوَلَّى الْوِلَايَاتِ كَالْقَضَاءِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَخَالَفَهُ الْخَطِيبُ وَلَهُ حُكْمُ النَّجِسِ فِي الْأَنْكِحَةِ وَالتَّسَرِّي وَالذَّبِيحَةِ وَالتَّوَارُثِ، وَجَوَّزَ لَهُ ابْنُ حَجَرٍ التَّسَرِّي إنْ خَافَ الْعَنَتَ. وَقَالَ شَيْخُنَا: يَرِثُ مِنْ أُمِّهِ وَأَوْلَادِهِ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ وَالْمُحَلَّى، وَلَوْ تَوَلَّدَ آدَمِيٌّ بَيْنَ شَاةٍ وَخَرُوفٍ مَثَلًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُكَلَّفِ فِي الْتِزَامِ الْأَحْكَامِ، وَالْكَلْبُ بَيْنَ آدَمِيَّيْنِ طَاهِرٌ، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ صُورَتِهِ كَالْمَسْخِ، وَالْآدَمِيُّ بَيْنَ كَلْبَيْنِ نَجِسٌ قَطْعًا، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِنَا مِنْ إعْطَائِهِ حُكْمَ الطَّاهِرِ فِي الْعِبَادَاتِ اهـ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْآدَمِيَّ بَيْنَ شَاتَيْنِ يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَخْطُبَ وَيَؤُمَّ النَّاسَ، وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ اهـ. وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْآدَمِيَّ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ كَذَلِكَ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ سَمَكٍ وَآدَمِيٍّ لَهُ حُكْمُ الْآدَمِيِّ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَانْظُرْهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَلَوْ تَوَلَّدَ حَيَوَانٌ بَيْنَ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ فَمَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ عَلَى قِيَاسِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَخَسَّ أَبَوَيْهِ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ) كَمَا ذَكَرَ فِي قَاعِدَةِ يَتْبَعُ الْفَرْعُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّ الْفَضَلَاتِ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ أَنَّ الْأَعْيَانَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَدَمٍ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِهَا وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ. قَالَ فِي الْعُبَابِ: كُلُّ سَمَكٍ مُلِّحَ وَلَمْ يُخْرَجْ مَا فِي جَوْفِهِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَعَلَى هَذَا فَالْفَسِيخُ كُلُّهُ نَجِسٌ، وَأَمَّا الدَّمُ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَعِظَامِهِ مِنْ الْمُذَكَّاةِ فَنَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَفْوَ لَا يُنَافِي النَّجَاسَةَ فَمُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِطَهَارَتِهِ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ش م ر. وَقَوْلُهُ: فَنَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالدَّمِ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِشَيْءٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ع ش. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الدَّمِ الْمَنِيُّ إذَا خَرَجَ عَلَى لَوْنِهِ كَمَا قَالَهُ ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَحَلَّبَ) أَيْ سَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْغَايَةَ لِلتَّعْمِيمِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ أَصْلَهُ طَاهِرٌ فَيَكُونُ طَاهِرًا، وَلَوْ سُحِقَ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَصَارَا دَمًا فَهُمَا طَاهِرَانِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَيْ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ) أَيْ السَّائِلُ فَخَرَجَ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْمَسْفُوحُ أَيْ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَلَا يَرِدُ مَا لَوْ جَمَدَ الدَّمُ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ) لَك أَنْ تَقُولَ كَوْنُهُ كَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ بِدَلِيلِ الْمَنِيِّ وَاللَّبَنِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ إلَى فَسَادٍ لَا إلَى صَلَاحٍ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَقَيْءٍ) نَعَمْ مَا خَرَجَ مِنْ حَبٍّ مُتَصَلِّبٍ بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ نَبْتٌ وَمِنْ بَيْضٍ كَذَلِكَ بِحَيْثُ لَوْ حُضِنَ فَرَّخَ مُتَنَجِّسٌ لَا نَجِسٌ، بِخِلَافِ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَحْمٍ لَمْ يَسْتَحِلْ فَهُوَ نَجِسٌ لِأَنَّ شَأْنَ الْمَعِدَةِ الْإِحَالَةُ قَالَهُ م ر فِي شَرْحِهِ. وَلَوْ أَكَلَ لَحْمَ كَلْبٍ لَمْ يَجِبْ تَسْبِيعُ دُبُرِهِ مِنْ خُرُوجِهِ، وَإِنْ خَرَجَ بِعَيْنِهِ قَبْلَ اسْتِحَالَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْبَاطِنَ مُحِيلٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الْفَضَلَاتِ الْمُسْتَحِيلَةِ كَالْبَوْلِ وَجِرَّةٍ وَهِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ مَا يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ أَوْ غَيْرُهُ لِلِاجْتِرَارِ، وَمِرَّةٍ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا فِي الْمَرَارَةِ. وَأَمَّا الزَّبَادُ فَطَاهِرٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِأَنَّهُ إمَّا لَبَنُ سِنَّوْرٍ بَحْرِيٍّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْ عَرَقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ كَمَا سَمِعْته مِنْ ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا، لَكِنْ يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ بِمَا يَتَسَاقَطُ مِنْ شَعْرِهِ فَلْيُحْتَرَزْ عَمَّا وُجِدَ فِيهِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ مَنْعُ أَكْلِ الْبَرِّيِّ، وَيَنْبَغِي الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ شَعْرِهِ، وَأَمَّا الْمِسْكُ فَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفَأْرَتُهُ طَاهِرَةٌ.   [حاشية البجيرمي] أَيْ شَأْنُهُ الْإِحَالَةُ اهـ. فَإِنْ تَقَايَأَهُ فَإِنْ اسْتَحَالَ فَلَا تَسْبِيعَ وَإِلَّا سُبِّعَ اهـ ع ش. وَيَجِبُ تَسْبِيعُ الدُّبُرِ مِنْ خُرُوجِ مَا مِنْ شَأْنِهِ عَدَمُ الِاسْتِحَالَةِ، وَإِنْ اسْتَحَالَ كَالْعَظْمِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مُتَغَيِّرًا وَلَوْ مَاءً فَوْقَ الْقُلَّتَيْنِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ ادَّعَى أَنَّ الْمَاءَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يَكُونُ مُتَنَجِّسًا لَا نَجِسًا يَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ قِيَاسًا عَلَى الْحَبِّ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الْبَاطِنِ فِي الْمَائِعِ فَوْقَ تَأْثِيرِهِ فِي غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ح ل. فَالْغَايَةُ لِلتَّعْمِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِلَّذِي يَبْلُغُ الْقُلَّتَيْنِ، وَلِلرَّدِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَبْلُغُهُمَا وَلَوْ اُبْتُلِيَ شَخْصٌ بِالْقَيْءِ عُفِيَ عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَإِنْ كَثُرَ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ، وَكَذَا مَنْ اُبْتُلِيَ بِسَيَلَانِ الْمَاءِ مِنْ فَمِهِ وَهُوَ نَائِمٌ إنْ عُلِمَتْ نَجَاسَتُهُ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْمَعِدَةِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِتَغَيُّرِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَسَأَلْت الْأَطِبَّاءَ عَنْهُ فَأَنْكَرُوا كَوْنَهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى مَا لَوْ اُبْتُلِيَ بِدَمِ لِثَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالِابْتِلَاءِ بِذَلِكَ أَنْ يَكْثُرَ وُجُودُهُ بِحَيْثُ يَقِلُّ خُلُوُّهُ عَنْهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْقَيْءِ عَسَلُ النَّحْلِ فَهُوَ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ فَمِ النَّحْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ مِنْ دُبُرِهَا فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الرَّوْثِ، وَقِيلَ مِنْ ثَدْيَيْنِ صَغِيرَيْنِ تَحْتَ جَنَاحِهَا فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ لَبَنِ مَا لَا يُؤْكَلُ ق ل وَبِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ الْمَعِدَةِ) وَهِيَ الْمُنْخَسِفُ تَحْتَ الصَّدْرِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَقَيْءٌ وَهُوَ الْخَارِجُ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى الْمَعِدَةِ. قَالَ ح ل: بَلْ إلَى مَخْرَجِ الْحَرْفِ الْبَاطِنِ وَهُوَ الْحَاءُ عِنْدَ شَيْخِنَا م ر. وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ الْخَارِجُ مِنْ الصَّدْرِ مِنْ الْبَلْغَمِ، فَإِنَّ الصَّدْرَ مُجَاوِزٌ لِمَخْرَجِ الْحَاءِ بِكَثِيرٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ، وَقَوْلُهُمْ بِطَهَارَةِ الْبَلْغَمِ مِنْ الصَّدْرِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَاصِلَ إلَى الصَّدْرِ وَمَا فَوْقَهُ إذَا عَادَ قَبْلَ وُصُولِهِ لِلْمَعِدَةِ لَا يَكُونُ نَجِسًا. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: أَمَّا الْخَارِجُ مِنْ الصَّدْرِ أَوْ الْحَلْقِ وَهُوَ النُّخَامَةُ، وَيُقَالُ النُّخَاعَةُ وَالنَّازِلُ مِنْ الدِّمَاغِ فَطَاهِرٌ لِأَنَّهُ كَالْمُخَاطِ قَالَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (كَالْبَوْلِ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ حَيْثُ كَانَ الْقَيْءُ مَقِيسًا عَلَى الْبَوْلِ فَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَجِرَّةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى دَمٍ وَكَذَا مِرَّةٌ ق ل: وَأَمَّا قُلَّةُ الْبَعِيرِ وَهُوَ مَا يُخْرِجُهُ بِجَانِبِ فَمِهِ إذَا حَصَلَ لَهُ مَرَضُ الْهِيَاجِ طَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ اللِّسَانِ اج. وَالْمَشِيمَةُ الْخَارِجَةُ مَعَ الْوَلَدِ طَاهِرَةٌ وَهَلْ هِيَ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ أَوْ مِنْ الْوَلَدِ؟ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا هَلْ يَجِبُ دَفْنُهَا مَعَهُ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَغُسْلُهَا وَتَكْفِينُهَا وَمُوَارَاتُهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَا فِي الْمَرَارَةِ) وَأَمَّا نَفْسُ الْجِلْدَةِ فَمُتَنَجِّسَةٌ إنْ كَانَتْ مِنْ مُذَكًّى. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الزَّبَادُ) بِفَتْحِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ. قَوْلُهُ: (سِنَّوْرٍ) أَيْ قِطٌّ بَحْرِيٌّ أَيْ مِنْ الْبَحْرِ، وَيُقَالُ لَهُ هِرٌّ بِأَنْ يَكُونَ سَمَكٌ عَلَى صُورَةِ الْقِطِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَرَقُ إلَخْ) كَمَا هُوَ عَادَةُ أَهْلِ مِصْرَ مِنْ أَخْذِ الْقِطِّ وَوَضْعِهِ فِي قَفَصٍ، وَيُدَخِّنُونَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَعْرَقَ فَيَأْخُذُونَ عَرَقَهُ بِالْمَحَارَةِ. اهـ. ح ف قَوْلُهُ: (كَمَا سَمِعْته) مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَقَوْلُهُ بِهَذَا أَيْ بِالزَّبَادِ أَيْ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ قَوْلُهُ: (لَكِنْ يَغْلِبُ إلَخْ) هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ عَرَقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَالْأَوَّلُ مَأْكُولٌ قَوْلُهُ: (عَمَّا وُجِدَ فِيهِ) أَيْ مِنْ شَعْرٍ وَغَيْرِهِ. (عَنْ قَلِيلِ شَعْرِهِ) الْعِبْرَةُ بِالْقِلَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَأْخُوذِ إنْ كَانَ جَامِدًا، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْجَمِيعِ إنْ كَانَ مَائِعًا اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمِسْكُ) أَيْ غَيْرُ التُّرْكِيِّ لِأَنَّ التُّرْكِيَّ مِنْ دَمٍ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْغَزَالِ كَالْحَيْضِ فَهُوَ نَجِسٌ كَمَا ذَكَرَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (فَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ) الْمُنَاسِبُ لِسَابِقِهِ أَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا الْمِسْكُ فَطَاهِرٌ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ الطِّيبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّصُّ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ أَطْيَبَ الطِّيبِ طَهَارَتُهُ فَأَطْلَقَ الْمَلْزُومَ وَأَرَادَ اللَّازِمَ، وَعِبَارَةُ الرَّمْلِيِّ: وَالْمِسْكُ طَاهِرٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ؛ إنَّهُ أَطْيَبُ الطِّيبِ. قَوْلُهُ: (وَفَأْرَتُهُ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ، وَقَوْلُهُ: طَاهِرَةٌ إذَا انْفَصَلَتْ حَالَ الْحَيَاةِ أَوْ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وَهِيَ خُرَّاجٌ بِجَانِبِ سُرَّةِ الظَّبْيَةِ كَالسِّلْعَةِ فَتَحْتَكُّ حَتَّى تُلْقِيَهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَنْبَرِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ بَطْنِ دُوَيْبَّةٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ وَيَلْفِظُهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَرَوْثٍ وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ وَجَرَادٍ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جِيءَ لَهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ لِيَسْتَنْجِيَ بِهَا أَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَرَدَّ الرَّوْثَةَ وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ» وَالرِّكْسُ النَّجَسُ وَبَوْلٍ لِلْأَمْرِ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَمَذْيٍ وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ بِلَا شَهْوَةٍ عِنْدَ ثَوَرَانِهَا لِلْأَمْرِ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَوَدْيٍ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ ثَخِينٌ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ أَوْ عِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَالْأَصَحُّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَفَرْعِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ، وَلَبَنِ مَا لَا يُؤْكَلُ غَيْرِ لَبَنِ   [حاشية البجيرمي] مُذَكَّاةٍ وَلَوْ احْتِمَالًا وَإِلَّا فَنَجِسَةٌ كَمَا فِيهَا. قَوْلُهُ: (خُرَّاجُ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ فَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا عَلَى مُقَابِلِهِ. قَوْلُهُ: (سُرَّةِ الظَّبْيَةِ) أَيْ مِنْ نَوْعٍ مِنْ الظِّبَاءِ مَخْصُوصٍ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِنَاحِيَةٍ مِنْ أَقْصَى بِلَادِ التُّرْكِ تُسَمَّى تُبَّتَ بِمُثَنَّاتَيْنِ فَوْقِيَّتَيْنِ أُولَاهُمَا مَضْمُومَةٌ بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ بِوَزْنِ سُكَّرٍ كَمَا فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ. قَوْلُهُ: (مَنْ قَالَ إنَّهُ نَجِسٌ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ طَاهِرٌ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَيَلْفِظُهُ) أَيْ يَرْمِيه مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْتَلِعَهُ حَيَوَانُ الْبَحْرِ وَإِلَّا فَنَجِسٌ لِأَنَّهُ قَيْءٌ. قَوْلُهُ: (وَرَوْثٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى دَمٍ أَيْ وَلَوْ مِنْ الْجِنِّ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ إنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِمَا كُلِّفْنَا بِهِ إلَّا مَا عُلِمَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ، وَكَذَا مِنْ طَيْرٍ مَأْكُولٍ أَوْ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، وَلَمْ يَقُلْ وَغَائِطٍ لِأَنَّهُ أَيْ الرَّوْثَ شَامِلٌ لِلْخَارِجِ مِنْ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ ذَاكَ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ: (لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ إلَخْ) عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَرَوْثٌ كَالْبَوْلِ اهـ. قَالَ ع ش: قَاسَ الرَّوْثَ عَلَى الْبَوْلِ بِجَامِعِ اسْتِحَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْبَاطِنِ لِوُرُودِ الدَّلِيلِ فِي الْبَوْلِ فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ: صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا» وَلَمْ يَسْتَدِلَّ عَلَى نَجَاسَةِ الرَّوْثِ بِمَا وَرَدَ فِيهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ حِينَ «جِيءَ لَهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَرَدَّ الرَّوْثَةَ وَقَالَ: هَذَا رِجْسٌ» أَيْ وَالرِّجْسُ النَّجَسُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا دَلِيلٌ خَاصٌّ فَهِيَ قَضِيَّةٌ شَخْصِيَّةٌ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى عُمُومِ جَمِيعِ الْأَرْوَاثِ، فَالدَّلِيلُ عَلَى نَجَاسَتِهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْبَوْلِ أَوْلَى لِأَجْلِ هَذَا الْإِيهَامِ اهـ. فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ هُنَا أَنْ يَصْنَعَ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (وَرَدَّ الرَّوْثَةَ) وَكَانَتْ رَوْثَةَ حِمَارٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ وَلَكِنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ. قَوْلُهُ: (وَبَوْلٍ) وَالْحَصَاةُ الَّتِي تَخْرُجُ عَقِبَهُ إنْ تَيَقَّنَ انْعِقَادَهَا مِنْهُ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ مُتَنَجِّسَةٌ ح ل. قَوْلُهُ: (بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ بَعْدَ زَوَالِ عَيْنِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَذْيٍ) بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِ الذَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْوَدْيُ. نَعَمْ يُعْفَى عَنْهُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِمَاعِ، وَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ بِحُرْمَةِ جِمَاعِ مَنْ تَنَجَّسَ ذَكَرُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ، وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ السَّلِسِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي لَمْ تَسْتَنْجِ أَوْ تَغْسِلْ فَرْجَهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُ الزَّوْجِ قَبْلَ غَسْلِهِ، وَكَذَا هُوَ لَوْ كَانَ مُسْتَجْمِرًا بِالْحَجَرِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ جِمَاعُهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ، وَلَا تَصِيرُ بِالِامْتِنَاعِ نَاشِزَةً، وَعَلَيْهِ فَلَوْ فَقَدَ الْمَاءَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ، وَلَا يَكُونُ فَقْدُهُ عُذْرًا فِي جَوَازِهِ. نَعَمْ إنْ خَافَ الزِّنَا اتَّجَهَ أَنَّهُ عُذْرٌ فَيَجُوزُ الْوَطْءُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَجْمِرُ بِالْحَجَرِ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ حِينَئِذٍ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُسْتَجْمِرًا بِالْحَجَرِ. وَهِيَ بِالْمَاءِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ق ل وَقَالَ ابْنُ شَرَفٍ: لَوْ فَقَدَ الْمَاءَ جَازَ لَهُ الْجِمَاعُ بِدُونِ غَسْلِ الذَّكَرِ. قَوْلُهُ: (مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَهُوَ مَاءٌ أَصْفَرُ رَقِيقٌ ثُمَّ قَالَ: وَفِي تَعْلِيقِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الشِّتَاءِ أَبْيَضَ ثَخِينًا. وَفِي الصَّيْفِ أَصْفَرَ رَقِيقًا، وَرُبَّمَا لَا يَحِسُّ بِخُرُوجِهِ وَهُوَ أَغْلَبُ فِي النِّسَاءِ مِنْهُ فِي الرِّجَالِ خُصُوصًا عِنْدَ هَيَجَانِهِنَّ اهـ خَضِرٌ. قَوْلُهُ: (يَخْرُجُ بِلَا شَهْوَةٍ) أَيْ بِلَا لَذَّةٍ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ عِنْدَ ثَوَرَانِهَا أَوْ بِلَا شَهْوَةٍ قَوِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ) وَهِيَ: أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْمَذْيِ فَاسْتَحْيَا أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حُكْمِهِ لِمَحَلِّ ابْنَتِهِ مِنْهُ فَقَالَ لِلْمِقْدَادِ ابْنِ الْأَسْوَدِ: اسْأَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأْ» . اهـ. م د. وَقَالَ ق ل: إنَّهُ أَمَرَ الْمُغِيرَةَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» . وَقَوْلُهُ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ أَيْ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَذْيِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ طَهَارَةُ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْفَضْلَةِ. قَوْلُهُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الْآدَمِيِّ كَلَبَنِ الْأَتَانِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْبَاطِنِ كَالدَّمِ، أَمَّا لَبَنُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَلَبَنِ الْفَرَسِ وَإِنْ وَلَدَتْ بَغْلًا فَطَاهِرٌ. قَالَ تَعَالَى: {لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66] . وَكَذَا لَبَنُ الْآدَمِيِّ إذْ لَا يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَنْشَؤُهُ نَجِسًا وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لِلَبَنِ الْمَيْتَةِ، وَبِهِ جُزِمَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَبَنِ الذَّكَرِ وَالصَّغِيرَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمِنْهَا مَا لَا يَسْتَحِيلُ وَهُوَ طَاهِرٌ كَعَرَقٍ وَلُعَابٍ وَدَمْعٍ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ، وَالْعَلَقَةُ وَهِيَ الدَّمُ الْغَلِيظُ الْمُسْتَحِيلُ مِنْ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ وَالْمُضْغَةُ وَهِيَ الْعَلَقَةُ الَّتِي تَسْتَحِيلُ فَتَصِيرُ قِطْعَةَ لَحْمٍ، وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ   [حاشية البجيرمي] أَصْلُ حَيَوَانٍ إلَخْ) وَالْمُرَادُ بِأَصْلِهِ الْبَدَنُ الَّذِي انْفَصَلَ مِنْهُ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فَكَيْفَ يَكُونُ فَرْعًا؟ . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَصْلٌ بِاعْتِبَارِ التَّخَلُّقِ مِنْهُ فَرْعٌ بِاعْتِبَارِ انْفِصَالِهِ عَنْهُ أَيْ الْبَدَنِ. قَالَ ح ل: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ كَوْنُهُ خَارِجًا مِنْ مَحَلٍّ مُعْتَادٍ بَلْ مِثْلُهُ مَا قَامَ مُقَامَهُ مُسْتَحْكِمًا أَوَّلًا. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي طَهَارَةِ الْمَنِيِّ مِنْ خُرُوجِهِ بَعْدَ التِّسْعِ، فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَهَا فَنَجِسٌ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِيهِ صِفَاتُ الْمَنِيِّ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَنِيًّا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْلَ التِّسْعِ، وَتِلْكَ الصِّفَاتُ لَيْسَتْ صِفَاتِ الْمَنِيِّ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ صِفَاتِهِ إذَا وُجِدَ فِي حَدِّ الْإِمْكَانِ، وَالْأَصْلُ فِي الْخَارِجِ مِنْ الْبَطْنِ النَّجَاسَةُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَبَنِ مَا لَا يُؤْكَلُ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى دَمٍ مِنْ قَوْلِهِ كَدَمٍ فَهُوَ مِنْ النَّجَاسَاتِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنِيِّ وَبَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ حَيْثُ حَكَمَ بِطَهَارَتِهِمَا وَبَيْنَ لَبَنِهِ حَيْثُ حَكَمَ بِنَجَاسَتِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَنِيِّ وَالْبَيْضِ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ بِخِلَافِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ مُرَبَّاهُ، وَالْأَصْلُ أَقْوَى مِنْ الْمُرَبَّى. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (غَيْرِ لَبَنِ الْآدَمِيِّ) أَيْ وَالْمَلَكِ وَالْجِنِّ عَلَى مَا بُحِثَ فَلْيُحَرَّرْ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَلَبَنِ الْأَتَانِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ اسْمٌ لِلْأُنْثَى مِنْ الْحَمِيرِ وَالذَّكَرُ حِمَارٌ، وَلَا يُقَالُ أَتَانَةٌ وَلَيْسَتْ الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ مِنْ غَيْرِ الْمُغَلَّظِ نَجِسَةً فِي الْأَصَحِّ وَمُنِعَ أَكْلُهُمَا لِلِاسْتِقْذَارِ اهـ. رَحْمَانِيٌّ وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: وَلَبَنُ الْأَتَانِ، وَفَارَقَ الْمَنِيَّ وَالْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ نَظَرًا لِأَصْلِهَا الْمُتَوَلِّدِ عَنْهَا اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يَجْرِي فِي لَبَنِ مَا يُؤْكَلُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْقِيَاسُ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ بَيَانٌ لِلْجَامِعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِجَامِعِ الِاسْتِحَالَةِ فِي الْبَطْنِ فِي كُلٍّ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ مُسْتَحِيلًا عَنْ الْمَاءِ وَاللَّبَنُ عَنْ الدَّمِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا لَبَنُ مَا يُؤْكَلُ) وَلَوْ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ إنْ انْفَصَلَ مِنْهُ بَعْدَ تَذْكِيَتِهِ أَوْ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ وَلَوْ مِنْ ذَكَرٍ كَالثَّوْرِ أَوْ مِمَّنْ وَلَدَتْ غَيْرَ مَأْكُولٍ كَخِنْزِيرٍ مِنْ شَاةٍ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (لَبَنًا خَالِصًا) أَيْ مِنْ حُمْرَةِ الدَّمِ وَقَذَارَةِ الْفَرْثِ. وَقَوْلُهُ: (سَائِغًا) أَيْ لَذِيذًا هَنِيئًا سَهْلًا لَا يَغَصُّ بِهِ شَارِبُهُ. وقَوْله تَعَالَى فِي أَوَّلِ الْآيَةِ: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ} [النحل: 66] أَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ الدَّابَّةَ إذَا أَكَلَتْ الْعَلَفَ وَاسْتَقَرَّ فِي كِرْشِهَا طَبَخَتْهُ فَكَانَ أَسْفَلُهُ فَرْثًا وَأَوْسَطُهُ لَبَنًا وَأَعْلَاهُ دَمًا، وَالْكَبِدُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ فَيَقْسِمُ الدَّمَ وَيُجْرِيهِ فِي الْعُرُوقِ وَيُجْرِي اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ وَيَبْقَى الْفَرْثُ فِي الْكِرْشِ وَحْدَهُ اهـ. فَتْحُ الْبَارِي عَلَى الْبُخَارِيِّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ مَنْشَؤُهُ) أَيْ مُرَبَّاهُ. قَوْلُهُ: (لِلَبَنِ الْمَيْتَةِ) مِنْ الْآدَمِيَّاتِ وَالصَّغِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَكْمِلْ تِسْعَ سِنِينَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَنِيِّ إذَا خَرَجَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ بُلُوغُهُ حَيْثُ حَكَمُوا بِنَجَاسَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّبَنَ يَصْلُحُ غِذَاءً لِلْوَلَدِ وَالْمَنِيَّ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَصْلًا لِلْوَلَدِ اج. وَعِبَارَةُ م ر: أَمَّا لَبَنُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَلَبَنِ الْفَرَسِ وَإِنْ وَلَدَتْ بَغْلًا فَطَاهِرٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ لَبَنِ الْبَقَرَةِ وَالْعِجْلَةِ وَالثَّوْرِ وَالْعِجْلِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ. وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ لَبَنٌ بِأَنْ يَكُونَ خُنْثَى أَوْ خَلَقَ اللَّهُ لَهُ أَخْلَافًا أَيْ أَبْزَازًا خَرْقًا لِلْعَادَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ أَوْ لَا إنْ وُجِدَتْ فِيهِ خَوَاصُّ اللَّبَنِ كَنَظِيرِهِ فِي الْمَنِيِّ، أَمَّا مَا أُخِذَ مِنْ ضَرْعِ بَهِيمَةٍ مَيِّتَةٍ فَإِنَّهُ نَجِسٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ اهـ مَعَ زِيَادَةٍ لِلزِّيَادِيِّ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا مَا لَا يَسْتَحِيلُ) هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ السَّابِقِ: وَإِنَّ الْفَضَلَاتِ مِنْهَا مَا يَسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ نَجِسٌ. قَوْلُهُ: (وَالْعَلَقَةُ) مُبْتَدَأٌ فَالْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ الْفَضَلَاتِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الدَّمِ) الْأَوْلَى مِنْ الْمَنِيِّ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ الْمَنِيِّ لِأَنَّ أَصْلَهُ دَمٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرَةٌ وَلَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ طَاهِرَةٌ. وَلَا يَطْهُرُ نَجَسُ الْعَيْنِ بِغَسْلٍ وَلَا بِاسْتِحَالَةٍ إلَّا شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا الْجِلْدُ إذَا دُبِغَ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي الْخَمْرَةُ إذَا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا فَتَطْهُرُ وَإِنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسُهُ، فَإِنْ خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فِيهَا لَمْ تَطْهُرْ، وَمَا نَجُسَ بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ كَلْبٍ غُسِلَ سَبْعًا.   [حاشية البجيرمي] وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ كَعَلَقَةٍ. قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّهَا أَصْلُ آدَمِيٍّ وَالْعَلَقَةُ دَمٌ غَلِيظٌ اسْتَحَالَ عَنْ الْمَنِيِّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُلُوقِهِ بِكُلِّ مَا لَامَسَهُ، وَالْمُضْغَةُ قِطْعَةُ لَحْمٍ بِقَدْرِ مَا يُمْضَغُ اسْتَحَالَتْ عَنْ الْعَلَقَةِ وَيُمْتَنَعُ أَكْلُهُمَا مِنْ الْمُذَكَّاةِ. قَوْلُهُ: (وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ) اعْلَمْ أَنَّ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: طَاهِرَةٌ قَطْعًا وَهِيَ النَّاشِئَةُ مِمَّا يَظْهَرُ مِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ قُعُودِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا، وَطَاهِرَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ مَا يَصِلُ إلَيْهَا ذَكَرُ الْمُجَامِعِ، وَنَجِسَةٌ وَهِيَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، لَكِنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ فِي فَرْجِ الْآدَمِيَّةِ لَا فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ، لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَيْسَ لَهَا إلَّا مَنْفَذٌ وَاحِدٌ لِلْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ، لَكِنْ كَيْفَ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ رُطُوبَةُ الْفَرْجِ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرَةٌ. اهـ. م د. وَيُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ الطَّهَارَةِ إذَا كَانَ الْفَرْجُ مَغْسُولًا. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا يُلَاقِيهِ بَاطِنُ الْفَرْجِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ هَلْ يَتَنَجَّسُ بِذَلِكَ فَيَتَنَجَّسُ بِهِ ذَكَرُ الْمُجَامِعِ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ مَا فِي الْبَاطِنِ لَا يَنْجُسُ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَجِسٌ كَالنَّجَاسَاتِ الَّتِي فِي الْبَاطِنِ، فَإِنَّهَا مَحْكُومٌ بِنَجَاسَتِهَا، وَلَكِنَّهَا لَا تُنَجِّسُ مَا أَصَابَهَا إلَّا إذَا اتَّصَلَتْ بِالظَّاهِرِ، وَمَعَ هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَنْجُسُ ذَكَرُ الْمُجَامِعِ لِكَثْرَةِ الِابْتِلَاءِ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَوْ أَدْخَلَتْ أُصْبُعَهَا لِغَرَضٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالْفَاءِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ الِابْتِلَاءُ بِهِ كَالْجِمَاعِ، لَكِنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إلَيْهِ كَأَنْ أَرَادَتْ الْمُبَالَغَةَ فِي تَنْظِيفِ الْمَحَلِّ، وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ طَالَ ذَكَرُهُ وَخَرَجَ عَنْ الِاعْتِدَالِ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ الرُّطُوبَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْبَاطِنِ الَّذِي لَا يَصِلُ إلَيْهِ ذَكَرُ الْمُجَامِعِ الْمُعْتَدِلِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَفُّظِ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اُبْتُلِيَ النَّائِمُ بِسَيَلَانِ الْمَاءِ مِنْ فَمِهِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ أَفَادَهُ ع ش. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى خَرَجَتْ مِنْ مَحَلٍّ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ فَهِيَ نَجِسَةٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ رُطُوبَةٌ جَوْفِيَّةٌ، وَهِيَ إذَا خَرَجَتْ إلَى الظَّاهِرِ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهَا، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ مَحَلٍّ يَجِبُ غَسْلُهُ فَلَا تُنَجِّسُ ذَكَرَ الْمُجَامِعِ لِلْحُكْمِ بِطَهَارَتِهَا، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ مِنْ أُمِّهِ، وَالْأَمْرُ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلَا يُنَجِّسُ مَنِيُّ الْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ) رَاجِعٌ لِلْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ وَرُطُوبَةِ الْفَرْجِ. وَقَوْلُهُ: (طَاهِرَةٌ) خَبَرٌ عَنْ الثَّلَاثَةِ. فَائِدَةٌ: لَا يَجِبُ غَسْلُ الْبَيْضَةِ وَالْوَلَدِ إذَا خَرَجَا مِنْ الْفَرْجِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا رُطُوبَةٌ نَجِسَةٌ رَوْضٌ وَشَرْحُ م ر ع ش. قَوْلُهُ: (إلَّا شَيْئَانِ) هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الِاسْتِحَالَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِذَلِكَ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ إذْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْمِسْكُ وَاللَّبَنُ وَالْمَنِيُّ وَالْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيمَا يَكُونُ فِيهِ صُنْعٌ لِلْإِنْسَانِ فَتَأَمَّلْ ق ل. وَقَوْلُهُ: وَالْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ فَإِنَّ أَصْلَهُمَا الْأَصِيلَ دَمٌ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا الْمَنِيُّ وَالْمَنِيُّ أَصْلُهُ دَمٌ. قَوْلُهُ: (بِنَفْسِهَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ مُصَاحَبَةِ عَيْنٍ لَهَا حِينَ تَخَلُّلِهَا سَوَاءٌ طُرِحَتْ أَوْ لَا. فَالتَّقْيِيدُ بِالطَّرْحِ فِي كَلَامِهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَمِنْ الْعَيْنِ مَا تَحَلَّلَ فِيهَا مِنْ رُطُوبَةِ شَيْءٍ أُلْقِيَ فِيهَا، وَمِنْهَا مَا تَلَوَّثَ مِنْ الدَّنِّ فَوْقَهَا بِغَيْرِ غَلَيَانِهَا بِنَفْسِهَا بِأَنْ كَانَ بِتَحْرِيكِ الدَّنِّ مَثَلًا، أَمَّا مَا كَانَ بِغَلَيَانِهَا بِنَفْسِهَا فَلَا يَضُرُّ، وَلَا يَضُرُّ بَزْرٌ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا صَبُّ شَيْءٍ عَلَيْهَا مِمَّا يَتَخَمَّرُ مَعَهَا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا كَنَبِيذٍ وَعَسَلٍ وَسُكَّرٍ ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ نُقِلَتْ) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ النَّاشِئِ عَنْ النَّقْلِ عَلَى الْقَاعِدَةِ أَنَّ مَنْ اسْتَعْجَلَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ. وَقَالَ ق ل: وَهَذَا النَّقْلُ مَكْرُوهٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِهِ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ فَيَحْرُمُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الرَّهْنِ، وَجَرَى بَعْضُهُمْ عَلَى الْحُرْمَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنٍ أَوْ نُقِلَ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ، وَيَرُدُّ صَرِيحَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ. قَوْلُهُ: (بِطَرْحِ) أَيْ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ فَالْفِعْلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (وَمَا نَجُسَ) بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ. وَهَذَا شُرُوعٌ فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَاتِ الثَّلَاثِ وَمَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْجَامِدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ. قَوْلُهُ: (غُسِلَ) أَيْ يَكْفِي انْغِسَالُهُ وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا لَوْ تَنَجَّسَ حَمَّامٌ بِنَحْوِ كَلْبٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ مُرُورَ الْمَاءِ عَلَيْهِ سَبْعًا مَعَ التَّتْرِيبِ وَلَوْ مِنْ نِعَالٍ دَاخِلِيَّةٍ طَهُرَ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ: أَنَّا تَيَقَّنَّا النَّجَاسَةَ وَشَكَكْنَا فِي رَافِعِهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَيَجِبُ الْغَسْلُ حَالًا عَلَى مَنْ تَضَمَّخَ بِالنَّجَاسَةِ وَفَارَقَ غُسْلَ الزَّانِي بِأَنَّ مَا عَصَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 إحْدَاهَا: بِتُرَابٍ طَهُورٍ يَعُمُّ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ، وَالْخِنْزِيرُ كَالْكَلْبِ، وَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا، وَمَا نَجُسَ بِبَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يَتَنَاوَلْ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ غَيْرَ لَبَنٍ لِلتَّغَذِّي نُضِحَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ: «أَنَّهَا جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ   [حاشية البجيرمي] بِهِ هُنَا بَاقٍ مُسْتَمِرٌّ. قَوْلُهُ: (سَبْعًا) وَلَوْ سَبْعَ جِرْيَاتٍ أَوْ تَحْرِيكُهُ سَبْعًا، وَيُحْسَبُ ذَهَابُهُ فِي الْمَاءِ وَعَوْدُهُ مَرَّتَيْنِ. وَفَارَقَ عَدَدَ ذَهَابِ الْيَدِ وَعَوْدِهَا فِي الصَّلَاةِ مَرَّةً وَاحِدَةً نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَتَحَرُّزًا مِنْ الْمَشَقَّةِ، لِأَنَّ الْيَدَ يُبْتَلَى بِتَحْرِيكِهَا وَلِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ جِنْسُ الْفِعْلِ فِي الصَّلَاةِ. تَنْبِيهٌ: كَوْنُ الْغَسْلِ سَبْعًا وَبِالتُّرَابِ تَعَبُّدِيٌّ ق ل. وَلَوْ اجْتَمَعَ مَاءُ الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ ثُمَّ تَرَشْرَشَ مِنْهُ شَيْءٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ التَّتْرِيبُ فِي أُولَى السَّبْعِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى تَتْرِيبٍ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَيَجِبُ غَسْلُهُ سِتًّا، وَإِلَّا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَخْلُوطٌ بِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ مَاءُ الْأُولَى اهـ. ب ر وح ف. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ غَمَسَ الْمُتَنَجِّسَ بِمَا ذُكِرَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ وَحَرَّكَهُ سَبْعًا وَتَرَّبَهُ طَهُرَ، وَإِنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ فَوَاحِدَةٌ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي انْغِمَاسِ الْمُحْدِثِ مِنْ تَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَالْعَدَدَ ذَوَاتٌ مَقْصُودَةٌ فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (إحْدَاهَا) فِي نُسْخَةٍ إحْدَاهُنَّ وَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّ مَا لَا يَعْقِلُ إنْ كَانَ مُسَمَّاهُ عَشَرَةً فَمَا دُونَ بِأَنْ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ فَالْأَكْثَرُ الْمُطَابَقَةُ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُ الْإِفْرَادُ، وَقَدْ جَاءَ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة: 36] الْآيَةَ فَأَفْرَدَ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا لِرُجُوعِهِ لِاثْنَيْ عَشَرَ، وَجَمَعَ فِي قَوْلِهِ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ لِرُجُوعِهِ لِلْأَرْبَعَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِتُرَابٍ) أَيْ مَصْحُوبَةٍ بِتُرَابٍ، وَالْمُرَادُ بِتُرَابٍ وَلَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ مَا لَوْ غُسِلَ بِقِطْعَةِ طَفْلٍ فَإِنَّهُ يَكْفِي، وَكَذَا الطِّينُ الرَّطْبُ لِأَنَّهُ تُرَابٌ بِالْقُوَّةِ، وَيُجْزِئُ الرَّمْلُ النَّاعِمُ الَّذِي لَهُ غُبَارٌ يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ نَدِيًّا، وَالتُّرَابُ الْمُخْتَلِطُ بِنَحْوِ دَقِيقٍ حَيْثُ كَانَ يُكَدِّرُ الْمَاءَ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَالْوَاجِبُ مِنْ التُّرَابِ مَا يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَيَصِلُ بِوَاسِطَتِهِ إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَحَلِّ اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا وَضَعَ التُّرَابَ عَلَى جِرْمِ النَّجَاسَةِ لَمْ يَكْفِ مُطْلَقًا، وَإِنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ وَوَضَعَ التُّرَابَ كَفَى مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ مَزَجَهُ بِالْمَاءِ أَوَّلًا أَوْ لَا. وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا أَوْ جَافًّا، وَإِنْ بَقِيَتْ الْأَوْصَافُ فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ جَافًّا وَوَضَعَ التُّرَابَ مَمْزُوجًا بِالْمَاءِ أَوْ وَحْدَهُ كَفَى التَّتْرِيبُ إنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ مَعَ الْمَاءِ الْمُصَاحِبِ لِلتَّتْرِيبِ، وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا وَوَضَعَ التُّرَابَ مَمْزُوجًا بِالْمَاءِ وَزَالَتْ الْأَوْصَافُ، وَإِنْ وَضَعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَكْفِ لِتَنَجُّسِهِ اهـ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (وَالْخِنْزِيرُ كَالْكَلْبِ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا خَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، بَلْ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَمَا هُنَا خَرَجَ عَنْهُ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الِاكْتِفَاءُ بِزَوَالِ الْعَيْنِ فَلْيُحَرَّرْ شَوْبَرِيٌّ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ قَوْلَهُ وَالْخِنْزِيرُ كَالْكَلْبِ أَيْ فِي التَّنْجِيسِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ التَّسْبِيعُ لَا فِي التَّسْبِيعِ حَتَّى يَرِدَ مَا ذَكَرَ ح ف. قَوْلُهُ: (بِبَوْلِ إلَخْ) الْبَوْلُ قَيْدٌ وَالصَّبِيُّ أَيْ الذَّكَرُ قَيْدٌ ثَانٍ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ لَبَنٍ لِلتَّغَذِّي قَيْدٌ ثَالِثٌ وَقَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ رَابِعٌ، فَخَرَجَ بِالْبَوْلِ بَقِيَّةُ فَضَلَاتِهِ كَالْقَيْءِ وَبِالصَّبِيِّ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى، وَبِمَا بَعْدَهُ مَنْ بَلَغَ حَوْلَيْنِ مُطْلَقًا وَمَنْ تَغَذَّى بِغَيْرِ اللَّبَنِ لَا لِإِصْلَاحٍ فَيُغْسَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ بِبَوْلِ صَبِيٍّ أَيْ بِبَوْلِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ وَخَرَجَ بِهِ مَا بَعْدَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ لَبَنٍ لِلتَّغَذِّي بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: أَمَّا الرَّضَاعُ بَعْدَهُمَا فَبِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا كَبِرَ غَلُظَتْ مَعِدَتُهُ وَقَوِيَتْ عَلَى الِاسْتِحَالَةِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ تُحِيلُ إحَالَةً مَكْرُوهَةً أَيْ كَرِيهَةً، فَالْحَوْلَانِ أَقْرَبُ مَرَدٍّ فِيهِ أَيْ فِي الْغَسْلِ، وَلِهَذَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَا يَتَنَاوَلُونَ غَيْرَ اللَّبَنِ شَرْحُ م ر، فَلَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ثُمَّ بَالَ بَعْدَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ غَيْرَ اللَّبَنِ فَهَلْ يَكْفِي فِيهِ النَّضْحُ أَوْ يَجِبُ فِيهِ الْغَسْلُ، لِأَنَّ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ أَكْلِ غَيْرِ اللَّبَنِ؟ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ لِلتَّغَذِّي فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ وَصَارَ يَقْتَصِرُ عَلَى اللَّبَنِ فَهَلْ يُقَالُ لِكُلِّ زَمَنٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ» . وَمَا نَجُسَ بِغَيْرِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ اللَّبَنِ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً وَهِيَ مَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهَا وَلَا يُدْرَكُ لَهَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ كَفَى وُصُولُ الْمَاءِ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِحَيْثُ يَسِيلُ عَلَيْهِ زَائِدًا عَلَى النَّضْحِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنِيَّةً وَجَبَ بَعْدَ زَوَالِ عَيْنِهَا إزَالَةُ الطَّعْمِ وَإِنْ عَسُرَ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ كَلَوْنِ الدَّمِ أَوْ رِيحٍ كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ عَسُرَ زَوَالُهُ   [حاشية البجيرمي] حُكْمُهُ أَوْ يُقَالُ يُغْسَلُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَكَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ لِلتَّغَذِّي؟ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي، وَلَوْ شَكَّ هَلْ الْبَوْلُ قَبْلَهُمَا أَوْ بَعْدَهُمَا فَهَلْ يُكْتَفَى بِالرَّشِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ؟ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ سُلْطَانٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ لِأَنَّ الرَّشَّ رُخْصَةٌ وَالرُّخَصُ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ. وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالنَّضْحِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بُلُوغِ الْحَوْلَيْنِ وَعَدَمُ كَوْنِ الْبَوْلِ بَعْدَهُمَا، وَالْحَوْلَانِ تَحْدِيدٌ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ خَضِرٍ عَلَى التَّحْرِيرِ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ تَنَازُعٌ فِيهِ. قَوْلُهُ: (بِبَوْلِ) وَقَوْلُهُ: (لَمْ يَتَنَاوَلْ) فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ لَبَنٍ) كَسَمْنٍ وَلَوْ مِنْ لَبَنِ أُمِّهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ اللَّبَنِ الْقِشْدَةُ أَيْ مِنْ أُمِّهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّبَنَ. وَقَوْلُهُ: (لِلتَّغَذِّي) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ قَلِيلًا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ اللَّبَنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْ فَإِنَّهُ يُغْسَلُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: لَبَنٌ وَلَوْ رَائِبًا أَوْ فِيهِ مِنْفَحَةً أَوْ أَقِطًا أَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ وَإِنْ وَجَبَ تَسْبِيعُ فَمِهِ لَا سَمْنِهِ وَجُبْنِهِ وَقِشْطَتِهِ إلَّا قِشْدَةَ لَبَنِ أُمِّهِ فَقَطْ اهـ. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّ الْجُبْنَ الْخَالِيَ مِنْ الْإِنْفَحَةِ لَا يَضُرُّ، وَكَذَا الْقِشْدَةُ مُطْلَقًا وَلَوْ قِشْدَةُ غَيْرِ أُمِّهِ. قَوْلُهُ: (نُضِحَ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ الْمُعْجَمَةِ بِأَنْ يُغْمَرَ الْمَحَلُّ بِالْمَاءِ بِغَيْرِ سَيَلَانٍ بَعْدَ إزَالَةِ أَوْصَافِهِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْفِيفِهِ أَوْ عَصْرِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ مَاءٌ ق ل. وَقَالَ سم: لَا يَبْعُدُ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِرُطُوبَةٍ فِي الْمَحَلِّ مَثَلًا وَإِلَّا وَجَبَ الْغَسْلُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ ثُمَّ أَصَابَ هَذَا الْمَاءُ شَيْئًا فَإِنَّ مِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ النَّضْحُ اهـ. قَوْلُهُ: (بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ) أَيْ وَلَمْ يَبْلُغْ حَوْلَيْنِ: قِيلَ: إنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ. قَوْلُهُ: (فِي حِجْرِهِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا اهـ مُخْتَارٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَغْسِلْهُ أَتَى بِهِ لِأَنَّ النَّضْحَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْغَسْلِ الْخَفِيفِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ خَاصٌّ بِالنَّجَاسَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجْرِي فِي الْكُلِّ. قَوْلُهُ: (يَسِيلُ) الْمُرَادُ بِالسَّيَلَانِ جَرَيَانُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا انْفِصَالُهُ عَنْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (بَعْدَ زَوَالِ عَيْنِهَا) أَيْ جِرْمِهَا ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ) وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ إلَخْ أَنَّ الْمَحَلَّ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ لَا أَنَّهُ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَلَوْ أَصَابَ بَدَنًا لَا يُنَجِّسُهُ ش م ر. قَوْلُهُ: (كَلَوْنِ الدَّمِ) وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ. قَوْلُهُ: (عَسُرَ زَوَالُهُ) أَيْ الْأَحَدِ أَيْ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ بِالْمُبَالَغَةِ بِنَحْوِ الْحَتِّ وَالْقَرْصِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَرْضُ وَالثَّوْبُ وَالْإِنَاءُ وَسَوَاءٌ أَطَالَ بَقَاءُ الرَّائِحَةِ أَمْ لَا م ر بِالْحَرْفِ. وَعُلِمَ مِنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّعَسُّرِ وَالتَّعَذُّرِ، فَالتَّعَذُّرُ أَنْ لَا يَزُولَ إلَّا بِالْقَطْعِ وَالتَّعَسُّرُ أَنْ لَا يَزُولَ بِالْمُبَالَغَةِ بِنَحْوِ الْحَتِّ وَالْقَرْصِ، فَالطَّعْمُ إذَا تَعَذَّرَتْ إزَالَتُهُ عُفِيَ عَنْهُ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا أَيْ الْإِزَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَتْ، وَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ حَالَةَ الْعُذْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالرِّيحُ أَوْ اللَّوْنُ إذَا عَسُرَتْ إزَالَتُهُ طَهُرَ الْمَحَلُّ وَلَا تَجِبُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ، وَتَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ عَلَى الْإِزَالَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِأُشْنَانٍ أَوْ نَحْوِهِ إنْ تَوَقَّفَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَيَكْفِي فِي الْعُسْرِ قَرْصُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ مَعَ الِاسْتِعَانَةِ اهـ ق ل. وَالْقَرْصُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ الضَّادِ. وَحَاصِلُ صُوَرِ النَّجَاسَةِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ صُورَةً فِي الْعَيْنِيِّ مِنْهَا خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، لِأَنَّ الْحَاصِلَ فِي الْمَحَلِّ إمَّا الْجِرْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ أَوْ الطَّعْمُ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ أَوْ اثْنَتَانِ مِنْهَا، وَفِيهِ سِتُّ صُوَرٍ حَاصِلَةٍ مِنْ أَخْذِ كُلِّ وَاحِدٍ مَعَ مَا بَعْدَهُ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، وَفِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ أَوْ الْجَمِيعُ وَهِيَ صُورَةٌ، وَاحِدَةٌ فَهَذِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ صُورَةً وَكُلُّهَا فِي الْمُغَلَّظَةِ وَالْمُخَفَّفَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَفِي الْحُكْمِيَّةِ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهَا إمَّا مُغَلَّظَةً أَوْ مُخَفَّفَةً أَوْ مُتَوَسِّطَةً، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 لِلْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَهُلَ فَيَضُرُّ بَقَاؤُهُ فَإِنْ بَقِيَا بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ مَعًا ضَرَّا لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ عَلَى الْمَحَلِّ إنْ كَانَ قَلِيلًا لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ لَوْ عُكِسَ. وَالْغُسَالَةُ طَاهِرَةٌ إنْ انْفَصَلَتْ بِلَا تَغَيُّرٍ وَلَمْ يَزِدْ الْوَزْنُ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ. فُرُوعٌ: يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَصْبُوغٌ بِمُتَنَجِّسٍ انْفَصَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَزِدْ الْمَصْبُوغُ وَزْنًا بَعْدَ الْغَسْلِ عَلَى وَزْنِهِ قَبْلَ الصَّبْغِ إنْ بَقِيَ   [حاشية البجيرمي] فَرْعٌ: يَجِبُ غَسْلُ مُصْحَفٍ تَنَجَّسَ وَإِنْ تَلِفَ وَكَانَ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَقِيَا بِمَحَلٍّ) أَيْ مِنْ نَجَاسَةٍ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ) أَيْ الْمَاءُ قَلِيلًا فَذِكْرُ الْمَاءِ بَعْدَهُ مِنْ الْإِظْهَارِ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ. اهـ. ق ل. قَالَ فِي الْخَادِمِ: لَوْ وَضَعَ ثَوْبًا فِي إجَّانَةٍ وَفِيهِ دَمٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَصَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ يَتَنَجَّسُ بِالْمُلَاقَاةِ، لِأَنَّ نَحْوَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ لَا يَزُولُ بِالصَّبِّ فَلَا بُدَّ بَعْدَ زَوَالِهِ مِنْ صَبِّ مَاءٍ طَهُورٍ. قَالَ: وَهَذَا مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ الْوَارِدَ يُنَجِّسُ إنْ لَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ أَيْضًا: لَوْ غَسَلَ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ بِقَصْدِ إزَالَةِ الْوَسَخِ طَهُرَ، وَإِنْ بَقِيَ فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ، وَإِنْ غَسَلَ بِقَصْدِ إزَالَةِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا إذَا أُزِيلَ مَا لَمْ يَعْسُرْ زَوَالُ اللَّوْنِ أَوْ الرِّيحِ وَإِلَّا عُفِيَ عَنْهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْغُسَالَةُ طَاهِرَةٌ) وَلَوْ لِمَصْبُوغِ بِمُتَنَجِّسِ أَوْ نَجِسٍ وَقَدْ زَالَتْ عَيْنُ الصِّبْغِ النَّجِسِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِصَفَاءِ الْغُسَالَةِ. وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَزِيدَ وَزْنُ الثَّوْبِ بَعْدَ الْغَسْلِ عَلَى وَزْنِهِ قَبْلَ الصَّبْغِ فَإِنْ زَادَ ضَرَّ لِأَنَّ الزَّائِدَ مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ اللَّوْنِ لِعُسْرِ زَوَالِهِ شَرْحُ م ر. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَعْمَلَ لِلْمَصْبُوغِ مَا يَمْنَعُ مِنْ انْفِصَالِ الصَّبْغِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ اسْتِعْمَالِ مَا يُسَمُّونَهُ فِطَامًا لِلثَّوْبِ كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَطْهُرْ بِالْغَسْلِ لِلْعِلْمِ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ. اهـ. ع ش. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَلَا بُدَّ مِنْ صَفَاءِ غُسَالَةِ ثَوْبٍ صُبِغَ بِنَجِسٍ، وَيَكْفِي غَمْرُ مَا صُبِغَ بِمُتَنَجِّسٍ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ صَبُّ مَاءٍ قَلِيلٍ عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَيَطْهُرُ هُوَ وَصِبْغُهُ. قَوْلُهُ: (طَاهِرَةٌ) أَيْ غَيْرُ طَهُورَةٍ لِإِزَالَتِهَا لِلْخَبَثِ لِأَنَّ مَا أُزِيلَ بِهِ الْخَبَثُ غَيْرُ طَهُورٍ وَلَوْ كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (بِلَا تَغَيُّرٍ) أَيْ وَبِلَا زِيَادَةِ وَزْنٍ بَعْدَ اعْتِبَارِ مَا يَتَشَرَّبُهُ الْمَغْسُولُ مِنْ الْمَاءِ أَوْ يُلْقِيه مِنْ الْوَسَخِ الطَّاهِرِ. قَالَ حَجّ: وَيَكْتَفِي فِيهِمَا بِالظَّنِّ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالْقَلِيلَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا حِينَئِذٍ. اهـ. ح ف. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَغُسَالَةٌ قَلِيلَةٌ مُنْفَصِلَةٌ بِلَا تَغَيُّرٍ وَبِلَا زِيَادَةٍ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ طَاهِرَةٌ اهـ. قَالَهُ: (وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ بِهِ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ وَلَوْ الْمُغَلَّظَ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: أَحَدُهَا فِي تَطْهِيرِ الْمَصْبُوغِ بِمُتَنَجِّسٍ. ثَانِيهَا فِي تَطْهِيرِ الْأَرْضِ. ثَالِثُهَا فِي تَطْهِيرِ اللَّبِنِ بِكَسْرِ الْبَاءِ. رَابِعُهَا فِي تَطْهِيرِ السِّكِّينِ الْمَسْقِيَّةِ بِمَاءٍ نَجِسٍ أَوْ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِمَاءٍ نَجِسٍ. خَامِسُهَا فِي تَطْهِيرِ الزِّئْبَقِ. سَادِسُهَا فِي الِاكْتِفَاءِ بِتَطْهِيرِ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ مِنْ ثَوْبٍ تَنَجَّسَ لِعَدَمِ سَرَيَانِ النَّجَاسَةِ. سَابِعُهَا فِي تَعَذُّرِ تَطْهِيرِ الدُّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ غَيْرِ الْمَاءِ. ثَامِنُهَا فِي تَطْهِيرِ الْفَمِ. قَوْلُهُ: (يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَصْبُوغٌ) قَالَ م ر: وَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَصْبُوغٌ وَمَخْضُوبٌ بِمُتَنَجِّسٍ أَوْ نَجِسٍ إنْ انْفَصَلَ الصِّبْغُ وَإِنْ بَقِيَ لَوْنُهُ الْمُجَرَّدُ. وَقَوْلُهُ: (بِمُتَنَجِّسٍ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الصِّبْغُ رَطْبًا فِي الْمَحَلِّ فَإِنْ جَفَّ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ بِالْمُتَنَجِّسِ كَفَى صَبُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَصْفُ غُسَالَتُهُ ع ش. وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَتَفَتَّتْ النَّجَاسَةُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالدَّمِ سم. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَصْبُوغَ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ كَالدَّمِ وَالْمَصْبُوغَ بِالْمُتَنَجِّسِ الَّذِي تَفَتَّتَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ أَوْ لَمْ تَتَفَتَّتْ فِيهِ وَكَانَ الْمَصْبُوغُ رَطْبًا فَإِنَّهُ يَطْهُرُ إذَا صَفَتْ الْغُسَالَةُ مِنْ الصِّبْغِ، وَأَمَّا إذَا تَنَجَّسَ بِنَجَاسَةٍ لَمْ تَتَفَتَّتْ فِيهِ كَفَأْرَةٍ لَمْ تَذُبْ فِيهِ وَكَانَ الْمَصْبُوغُ جَافًّا فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِغَمْرِهِ بِالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ تَصْفُ الْغُسَالَةُ كَمَا قَالَهُ سم، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ إذَا تَنَجَّسَ بِالْبَوْلِ وَأَنَّ الْمُتَنَجِّسَ بِهِ بَعْدَ جَفَافِهِ يَطْهُرُ بِغَمْرِهِ بِالْمَاءِ لِأَنَّ صَبْغَهُ بِمَنْزِلَةِ تُرَابٍ عُجِنَ بِبَوْلٍ أَوْ بِمَاءٍ نَجِسٍ. قَوْلُهُ: (بِمُتَنَجِّسٍ) أَيْ أَوْ نَجِسٍ كَدَمٍ. قَوْلُهُ: (انْفَصَلَ) أَيْ الْمُتَنَجِّسُ. وَقَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَصْبُوغِ، وَخَرَجَ مَا إذَا حُبِسَ كَمَا يَقَعُ لِنِسَاءِ الْأَرْيَافِ مِنْ صَبْغِ الثَّوْبِ وَحَبْسِ الصِّبْغِ بِنَحْوِ قَرَظٍ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَزِدْ الْمَصْبُوغُ) هَذَا مَحَلُّهُ فِي الْغُسَالَةِ فِيمَا مَرَّ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ صَفَاءُ الْغُسَالَةِ إلَّا إنْ كَانَ لِلصِّبْغِ جِرْمٌ كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا بَعْدَهُ ق ل. وَقَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا أَيْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّبْغُ مُجَرَّدَ تَمْوِيهٍ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 اللَّوْنُ لِعُسْرِ زَوَالِهِ، فَإِنْ زَادَ وَزْنُهُ ضَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ لِتَعَقُّدِهِ بِهِ لَمْ يَطْهُرْ لِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَلَوْ صُبَّ عَلَى مَوْضِعٍ نَحْوِ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ مِنْ أَرْضٍ مَاءٌ غَمَرَهُ طَهُرَ، أَمَّا إذَا صُبَّ عَلَى نَفْسِ نَحْوِ الْبَوْلِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ، وَاللَّبِنُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ إنْ خَالَطَهُ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ كَالرَّوْثِ لَمْ يَطْهُرْ وَإِنْ طُبِخَ وَصَارَ آجُرًّا لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ، وَإِنْ خَالَطَهُ غَيْرُهَا كَالْبَوْلِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ، وَكَذَا بَاطِنُهُ إنْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ رَخْوًا يَصِلُهُ الْمَاءُ كَالْعَجِينِ، وَلَوْ سُقِيَتْ سِكِّينٌ أَوْ طُبِخَ لَحْمٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ كَفَى غَسْلُهُمَا، وَيَطْهُرُ الزِّئْبَقُ الْمُتَنَجِّسُ بِغَسْلِ ظَاهِرِهِ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ تَنَجُّسِهِ وَغَسْلِهِ تَقَطُّعٌ، وَإِلَّا لَمْ يَطْهُرْ كَالدُّهْنِ.   [حاشية البجيرمي] لَا يَزِيدُ وَزْنُ الثَّوْبِ بِالصَّبْغِ، وَتَحْتَ قَوْلِهِ وَلَمْ يَزِدْ الْوَزْنُ صُورَتَانِ وَهُمَا إذَا تَسَاوَيَا وَنَقَصَ الْوَزْنُ بَعْدَ الصَّبْغِ، لِأَنَّ الصَّبْغَ قَدْ يَأْكُلُ مِنْ الْمَصْبُوغِ كَالشَّالَاتِ فَيَخِفُّ فِي الْوَزْنِ بَعْدَ الصَّبْغِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الصَّبْغِ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْفِعْلُ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَبِكَسْرِهَا مَا يُصْبَغُ بِهِ مِنْ نِيلَةٍ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى مَوْضِعِ نَحْوِ بَوْلٍ) أَيْ بَعْدَ جَفَافِهِ أَوْ تَشَرُّبِهِ بِخِرْقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا بِحَيْثُ لَا تَبْقَى رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ ق ل. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ أَمَّا إذَا صَبَّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (عَلَى نَفْسِ) أَيْ عَيْنٍ، فَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ هُنَا الْعَيْنُ وَالذَّاتُ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْبُلُولَةِ. قَوْلُهُ: (وَاللَّبِنُ) أَيْ الطُّوبُ غَيْرُ الْمُحَرَّقِ، وَقَوْلُ ق ل وَهُوَ الطُّوبُ قَبْلَ حَرْقِهِ أَوْ بَعْدَهُ فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَطْهُرْ) قَالَ شَيْخُنَا يُعْفَى عَنْهُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَفَرْشِهَا وَالْمَشْيِ عَلَيْهِ وَلَوْ مَعَ رُطُوبَةٍ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ أَوَانِي الْخَزَفِ الْمَعْجُونِ طِينُهَا بِالرَّوْثِ وَالرَّمَادِ. (فَرْعٌ) لَوْ تَنَجَّسَ الْجُبْنُ مَعَ مِشِّهِ فِي الزَّلْعَةِ مَثَلًا لَمْ يَطْهُرْ مِشُّهُ بِالْغَسْلِ وَيَطْهُرُ الْجُبْنُ حَيْثُ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى مَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمِشُّ. اهـ. ق ل. وَقَدْ سُئِلَ الزِّيَادِيُّ عَنْ سُؤَالٍ صُورَتُهُ: مَا قَوْلُكُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكُمْ - فِي الْجِرَرِ وَالْأَزْيَارِ وَالْإِجَّانَاتِ وَالْقُلَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَالْبَرَانِيِّ وَالْأَصْحُنِ مِمَّا يُعْجَنُ بِالسِّرْجِينِ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَيُحْكَمُ بِطَهَارَةِ مَا وُضِعَ فِيهَا مِنْ مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ؟ وَفِي الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ بِالْإِنْفَحَةِ الْمُتَنَجِّسَةِ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَيَجُوزُ أَكْلُهُ حَتَّى لَوْ أَصَابَ شَيْءٌ مِنْهُ بَدَنًا أَوْ ثَوْبًا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ، وَكَذَا مَا يَسِيلُ مِنْهُ مِنْ مِشِّ الْحَصِيرِ الْمَعْمُولِ بِهِ لِلْكِشْكِ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ وَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَلَا تَجِبُ الْمَضْمَضَةُ وَلَا غَسْلُ مَا أَصَابَهُ، لِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى؟ وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الطُّوبِ الْمَعْجُونِ بِالزِّبْلِ إذَا حُرِقَ وَبِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَفَرْشُ عَرْصَتِهَا بِهِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا حَائِلٍ، وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي أَوْ مَلْبُوسِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ. فَأَجَابَ: الْخَزَفُ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الطِّينِ وَيُضَافُ إلَى الطِّينِ السِّرْجِينُ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي الْبِلَادِ، فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَطَهَارَةِ مَا وُضِعَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَالْمَائِعَاتِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ، وَالْجُبْنُ الْمَعْمُولُ بِالْإِنْفَحَةِ الْمُتَنَجِّسَةِ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى أَيْضًا فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَأَكْلُهُ وَلَا يَجِبُ تَطْهِيرُ الْفَمِ مِنْهُ، وَإِذَا أَصَابَ شَيْءٌ مِنْهُ ثَوْبَ الْآكِلِ أَوْ بَدَنَهُ لَمْ يَنْجُسْ لِلْمَشَقَّةِ، وَالْآجُرُّ الْمَعْجُونُ بِالسِّرْجِينِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَبِنَاءُ الْمَسَاجِدِ بِهِ وَفَرْشُ عَرْصَتِهَا بِهِ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ بِهِ، وَالْمِشُّ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ بِالْإِنْفَحَةِ الْمُتَنَجِّسَةِ طَاهِرٌ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ حَتَّى لَوْ أَصَابَ شَيْءٌ مِنْهُ بَدَنًا أَوْ ثَوْبًا لَمْ يَجِبْ تَطْهِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْقَوْلُ بِطَهَارَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْآجُرِّ وَالْجِرَرِ مُشْكِلٌ مَعَ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ نَجِسَةً مَعْفُوًّا عَنْهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَطَهُ غَيْرُهَا) أَيْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ الْجَامِدَةِ بِأَنْ خَالَطَهُ نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ كَالْبَوْلِ. قَوْلُهُ: (كَالْعَجِينِ) أَيْ الَّذِي عُجِنَ بِالْبَوْلِ مَثَلًا كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، أَمَّا لَوْ صَارَ الْعَجِينُ مَائِعًا كَعَجِينِ الْكُنَافَةِ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِضَمِّ دَقِيقٍ إلَيْهِ وَصَبِّ مَاءٍ عَلَيْهِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَلَوْ سُقِيَتْ سِكِّينٌ) أَيْ بَعْدَ إحْمَائِهَا بِالنَّارِ اج. قَوْلُهُ: (كَفَى غَسْلُهُمَا) أَيْ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى سَقْيِ السِّكِّينِ وَإِغْلَاءِ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ أَيْ وَيَطْهُرَانِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ السِّكِّينِ وَاللَّبِنِ أَنَّ السِّكِّينَ تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَى تَنَاوُلِهَا فَخُفِّفَ فِيهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَاسْتُشْكِلَ الِاكْتِفَاءُ بِغَسْلِ ظَاهِرِ السِّكِّينِ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِهِ فِي الْآجُرِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَيَكْفِي غَسْلُ مَوْضِعِ نَجَاسَةٍ وَقَعَتْ عَلَى ثَوْبٍ وَلَوْ عَقِبَ عَصْرِهِ، وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ غَيْرُ الْمَاءِ وَلَوْ دُهْنًا تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ إذْ لَا يَأْتِي الْمَاءُ عَلَى كُلِّهِ، وَإِذَا غَسَلَ فَمَهُ الْمُتَنَجِّسَ فَلْيُبَالِغْ فِي الْغَرْغَرَةِ لِيَغْسِلَ كُلَّ مَا فِي حَدِّ الظَّاهِرِ، وَلَا يَبْلَعْ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ آكِلًا لِلنَّجَاسَةِ. (وَلَا يَجُوزُ) لِذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (اسْتِعْمَالُ) شَيْءٍ مِنْ (أَوَانِي الذَّهَبِ) وَأَوَانِي (الْفِضَّةِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ صِحَافِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.   [حاشية البجيرمي] الِانْتِفَاعَ بِهِ مُتَأَتٍّ مِنْ غَيْرِ مُلَابَسَةٍ فَلَا حَاجَةَ لِلْحُكْمِ بِتَطْهِيرِ بَاطِنِهِ مِنْ غَيْرِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ بِخِلَافِ السِّكِّينِ أَيْ لَا يَتَأَتَّى الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِمُلَابَسَتِهَا بِحَمْلٍ أَوْ نَحْوِهِ فَخُفِّفَ فِيهَا لِتَعَذُّرِ وُصُولِ الْمَاءِ لِبَاطِنِهَا. قَوْلُهُ: (الزِّئْبَقُ) بِكَسْرِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ هَمْزَةٍ أَوْ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ مِنْ الْجَامِدِ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِوَضْعِهِ فِي نَجِسٍ إلَّا مَعَ رُطُوبَةٍ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَقِبَ عَصْرِهِ) أَيْ مِنْ النَّجَاسَةِ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَجِفَّ وَهِيَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الثَّوْبَ إذَا كَانَ رَطْبًا وَوَقَعَ عَلَى مَحَلٍّ مِنْهُ نَجَاسَةٌ تَسْرِي إلَى بَاقِي الثَّوْبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ السَّرَيَانِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ) أَيْ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُغَلَّظِ وَالْمُخَفَّفِ وَغَيْرِهِمَا فَفِيهِ تَخْصِيصٌ لَهُ، وَإِنْ جَمَدَ بَعْدَ ذَلِكَ كَعَسَلٍ انْعَقَدَ سُكَّرًا وَلَبَنٍ انْعَقَدَ جُبْنًا بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَدَقِيقٍ عُجِنَ بِهِ، وَلَوْ انْمَاعَ فَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ بَعْدَ تَجْمِيدِهِ بِدَقِيقٍ، وَأَمَّا نَحْوُ السُّكَّرِ فَإِنْ تَنَجَّسَ بَعْدَ جُمُودِهِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ أَوْ بِالْكَشْطِ أَوْ حَالَ انْمِيَاعِهِ لَمْ يَطْهُرْ مُطْلَقًا كَالْعَسَلِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ سم وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَمِنْ الْجَامِدِ الزِّئْبَقُ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِوَضْعِهِ فِي نَحْوِ جِلْدِ كَلْبٍ حَيْثُ لَا رُطُوبَةَ، وَإِلَّا فَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ التَّتْرِيبِ فِي النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ مَا لَمْ يَتَفَتَّتْ وَإِلَّا فَيَتَعَذَّرُ تَطْهِيرُهُ فَلَوْ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ لَمْ تُنَجِّسْهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ. أَيْ حَيْثُ لَا رُطُوبَةَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ دُهْنًا) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ، وَعِبَارَةُ ش م ر وَقِيلَ يَطْهُرُ الدُّهْنُ بِغَسْلِهِ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ بِأَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَيُكَاثِرَهُ ثُمَّ يُحَرِّكَهُ بِخَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ يَظُنُّ وُصُولَهُ لِجَمِيعِهِ ثُمَّ يُتْرَكَ لِيَعْلُوَ ثُمَّ يُثْقَبَ أَسْفَلُهُ، فَإِذَا خَرَجَ الْمَاءُ سَدَّ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ إذَا تَنَجَّسَ بِمَا لَا دُهْنِيَّةَ فِيهِ كَالْبَوْلِ وَإِلَّا لَمْ يَطْهُرْ بِلَا خِلَافٍ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلْيُبَالِغْ) وَلَوْ صَائِمًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَبْلَعْ) مَعْطُوفٌ عَلَى فَلْيُبَالِغْ فَلَا نَاهِيَةٌ أَيْ لَا يَبْلَعُ وُجُوبًا. قَوْلُهُ: (وَلَا شَرَابًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ لِأَنَّ الْمَاءَ بِمُجَرَّدِ مُرُورِهِ عَلَى الْفَمِ يَطْهُرُ مَحَلُّهُ وَيَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، فَيَكُونُ شَارِبًا لِلْمُسْتَعْمَلِ وَهُوَ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ: قَوْلُهُ: (آكِلًا) أَيْ أَوْ شَارِبًا أَوْ يُؤَوَّلُ آكِلًا بِمُتَنَاوَلًا فَيَشْمَلُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَهُوَ حَرَامٌ. (تَنْبِيهٌ) : جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ سَيَأْتِي فِي فَصْلِ النَّجَاسَةِ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) . لَمَّا كَانَ الْمَاءُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ظَرْفٍ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَحِلُّ مِنْ الظُّرُوفِ وَمَا لَا يَحِلُّ فَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ إلَخْ. وَالْحُرْمَةُ هُنَا عَدَّهَا الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهَا مِنْ الصَّغَائِرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَعَلَّ حِكْمَةَ الْبُدَاءَةِ بِهِ أَيْ بِمَا لَا يَجُوزُ أَنَّ لِلْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ، إذْ الْأَصْلُ فِي الْأَوَانِي الْحِلُّ، وَأَيْضًا لَمَّا كَانَتْ أَفْرَادُ الْجَائِزِ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ قَدَّمَ الْحَرَامَ لِيَأْتِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ عَامَّةٍ لِأَفْرَادِ الْجَائِزِ كَمَا قَالَهُ ع ش. وَلَا يَحْرُمُ كَسْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إلَّا إنْ نَقَصَ قِيمَتَهَا وَمَا يَقَعُ مِنْ كَسْرِ نَحْوِ نِصْفِ فِضَّةٍ فِيهِ نُحَاسٌ وَرَمْيِهِ حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ، وَأَمَّا ضَرْبُهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَمَكْرُوهٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غِشٌّ وَإِلَّا فَهُوَ حَرَامٌ. قَوْلُهُ: (لِذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ) وَلَا يَلْتَحِقُ ذَلِكَ بِالْحُلِيِّ لِلنِّسَاءِ حَتَّى يَحِلَّ لَهُنَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّزَيُّنِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُنَّ فِي شَيْءٍ. قَوْلُهُ: (بِالْإِجْمَاعِ) قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَلِعُمُومِهِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي بَعْدَهُ فِيهِ قِيَاسٌ، وَمَحَلُّ حُرْمَةِ الِاسْتِعْمَالِ إذَا وَجَدَ غَيْرَهُمَا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ كَمَا فِي الْإِيعَابِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ، لَكِنْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ تَقْدِيمَ الْفِضَّةِ لِأَنَّهَا أَخَفُّ لِجَوَازِهَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَالْخَاتَمِ دُونَ ذَهَبٍ، وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ مِنْ إنَاءٍ لِلنَّقْدَيْنِ قَطْعًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ حَيْثُ جَرَى فِي صِحَّتِهَا خِلَافٌ بِأَنَّ الْوُضُوءَ وَسِيلَةٌ وَيُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ، وَبِأَنَّ الْحُرْمَةَ هُنَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَسُومِحَ فِيهِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ. قَوْلُهُ: (فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ) جَمْعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وَيُقَاسُ غَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَظْهَرُ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ وَأَغْلَبُهَا، وَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَسْقِيَ الصَّغِيرَ بِمِسْعَطٍ مِنْ إنَائِهِمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِنَاءِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ حَتَّى مَا يُخَلِّلُ بِهِ أَسْنَانَهُ، وَالْمِيلُ الَّذِي   [حاشية البجيرمي] إنَاءٍ كَكِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ، وَهِيَ مَا يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ، وَالْأَوَانِي جَمْعُ الْجَمْعِ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ الْآنِيَةَ مُفْرَدٌ، وَأَصْلُ آنِيَةٍ أَأْنِيَةٌ بِهَمْزَتَيْنِ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ أَلِفًا فَصَارَ آنِيَةً عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ: وَمَدًّا أُبْدِلَ ثَانِي الْهَمْزَيْنِ مِنْ ... كَلِمَةٍ أَنْ يَسْكُنَ كَآثَرَ وَائْتَمِنْ قَوْلُهُ: (فِي صِحَافِهَا) جَمْعُ صَحْفَةٍ وَقَدَّمَ الشُّرْبَ لِكَثْرَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْلِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي صِحَافِهِمَا أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْمُضَافِ وَهُوَ الْآنِيَةُ، وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مِنْ. الثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْفِضَّةِ، أَمَّا الذَّهَبُ فَمَعْلُومٌ بِالْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] الثَّالِثُ: أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْأَفْرَادِ الْكَائِنَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ع ش عَلَى م ر. الصَّحْفَةُ هِيَ مَا دُونَ الْقَصْعَةِ فَهِيَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، لِأَنَّ الْآنِيَةَ تَشْمَلُ الصَّحْفَةَ وَغَيْرَهَا وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِهَا لِإِخْرَاجِ غَيْرِهَا، بَلْ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَادَةِ الْأَكْلُ فِي الصِّحَافِ دُونَ الشُّرْبِ وَقَوْلُهُ: تَشْمَلُ الصَّحْفَةَ وَغَيْرَهَا. الْحَاصِلُ أَنَّ لَهُمْ جَفْنَةً وَقَصْعَةً وَصَحْفَةً وَمِكْيَلَةً وَصُحَيْفَةً بِضَمِّ الصَّادِ، فَالْأُولَى مَا تُشْبِعُ مَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ، وَالثَّانِيَةُ مَا تُشْبِعُ الْعَشَرَةَ، وَالثَّالِثَةُ مَا تُشْبِعُ الْخَمْسَةَ، وَالرَّابِعَةُ مَا تُشْبِعُ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَالْخَامِسَةُ مَا تُشْبِعُ الْوَاحِدَ، وَكُلٌّ مِنْ الْخَمْسَةِ يُقَالُ لَهُ آنِيَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْخَمْسَةَ فِي الْمُخْتَارِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَاسُ غَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَيْهِمَا) أَيْ مِنْ بَاقِي وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَلَوْ كَانَ الِاسْتِعْمَالُ عَلَى غَيْرِ وَجْهٍ مَأْلُوفٍ كَأَنْ كَبَّهُ عَلَى رَأْسِهِ أَيْ رَأْسِ الْإِنَاءِ وَاسْتَعْمَلَ أَسْفَلَهُ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ اهـ ابْنُ حَجَرٍ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَلَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ مَعَ قَوْلِهِ بِإِجْمَاعٍ الدَّالِّ عَلَى حُرْمَةِ جَمِيعِ الِاسْتِعْمَالَاتِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ لِلْقِيَاسِ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْإِجْمَاعَ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ فَقَطْ اهـ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ لِلَّهِ آنِيَةً فِي أَرْضِهِ وَهِيَ قُلُوبُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ وَأَحَبُّهَا إلَيْهِ أَلْيَنُهَا وَأَصْفَاهَا وَأَصْلَبُهَا» . قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَصْلَبُهَا فِي الدِّينِ وَأَصْفَاهَا فِي الْيَقِينِ وَأَرَقُّهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ. وَدَخَلَ فِي الْأَوَانِي طَبَقُ الْكِيزَانِ وَهِيَ صُحَيْفَةٌ فِيهَا ثُقْبٌ لِلْكِيزَانِ، وَالْمُتَّجِهُ الْحُرْمَةُ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ بِجَوَازِهِ، وَفُهِمَ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ، حُرْمَةُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْفِعْلِ وَأَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الصَّنْعَةِ، وَعَدَمُ الْغُرْمِ عَلَى الْكَاسِرِ كَآلَةِ اللَّهْوِ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمُنْكَرَ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْوَلِيِّ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْأَجْنَبِيُّ مِثْلُهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ تَوَلَّى فِعْلَ ذَلِكَ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا. قَوْلُهُ: (بِمِسْعَطٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ الْإِنَاءُ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ السَّعُوطُ بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ الدَّوَاءُ يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ. وَجَمِيعُ أَسْمَاءِ الْآلَاتِ بِكَسْرِ أَوَّلِهَا كَمِقْشَطٍ وَمِزْوَدَةٍ وَمِغْرَفَةٍ وَمِلْعَقَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، إلَّا ثَلَاثَةً فَبِالضَّمِّ وَهِيَ مِسْعَطٌ وَمُكْحُلَةٌ وَمُشْطٌ بِنَاءً عَلَى إحْدَى اللُّغَتَيْنِ فِي مِسْعَطٍ وَمُشْطٍ مِنْ ضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا، وَإِلَّا فَفِيهِمَا لُغَةٌ أُخْرَى بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَأَمَّا مُكْحُلَةٌ فَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ: (مِنْ إنَائِهِمَا) صِفَةٌ لِمِسْعَطٍ أَيْ كَائِنٍ مِنْ إنَائِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِنَاءِ إلَخْ) وَمِنْهُ الْمُكْحُلَةُ وَالْمِبْخَرَةُ وَالْمِلْعَقَةُ وَالصُّنْدُوقُ وَغِطَاءُ الْكُوزِ ح ل. فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ دَقِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَكْلِهِمَا مُفْرَدَيْنِ أَوْ مَعَ انْضِمَامِهِمَا لِغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَدْوِيَةِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوِيَةِ أَمْ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ؟ فَأَجَبْت عَنْهُ بِقَوْلِي: إنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّ الْجَوَازَ لَا شَكَّ فِيهِ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ نَفْعٌ، بَلْ وَكَذَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ فِي الْأَطْعِمَةِ بِأَنَّ الْحِجَارَةَ وَنَحْوَهَا لَا يَحْرُمُ مِنْهَا إلَّا مَا أَضَرَّ بِالْبَدَنِ أَوْ الْعَقْلِ. وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْحُرْمَةِ بِإِضَاعَةِ الْمَالِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْإِضَاعَةَ إنَّمَا تَحْرُمُ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لِغَرَضٍ وَمَا هُنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 يُكْتَحَلُ بِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَأَنْ يَحْتَاجَ إلَى جِلَاءِ عَيْنِهِ بِالْمِيلِ فَيُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ، وَالْوُضُوءُ مِنْهُ صَحِيحٌ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ حَلَالٌ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِلِاسْتِعْمَالِ لَا لِخُصُوصِ مَا ذُكِرَ. وَيَحْرُمُ الْبَوْلُ فِي الْإِنَاءِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَكَمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُمَا يَحْرُمُ أَيْضًا اتِّخَاذُهُمَا مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ، لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ وَلَا لِغَيْرِهِمْ يَحْرُمُ اتِّخَاذُهُ كَآلَةِ الْمَلَاهِي، (وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ كُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ) مَا عَدَا ذَلِكَ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ نُحَاسٍ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ مُوِّهَ غَيْرُ النَّقْدِ كَإِنَاءِ نُحَاسٍ وَخَاتَمٍ وَآلَةِ حَرْبٍ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ نَحْوِهِ بِالنَّقْدِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ أَوْ مُوِّهَ النَّقْدُ بِغَيْرِهِ أَوْ صَدَأٌ مَعَ حُصُولِ شَيْءٍ مِنْ الْمُمَوَّهِ بِهِ أَوْ الصَّدَأِ حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ لِقِلَّةِ الْمُمَوِّهِ فِي الْأُولَى فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَلِعَدَمِ الْخُيَلَاءِ فِي   [حاشية البجيرمي] لِقَصْدِ التَّدَاوِي وَصَرَّحُوا بِجَوَازِ التَّدَاوِي بِاللُّؤْلُؤِ فِي الِاكْتِحَالِ وَغَيْرِهِ، وَرُبَّمَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الذَّهَبِ ع ش عَلَى م ر. وَمِنْ الِاسْتِعْمَالِ الْمُحَرَّمِ الِاحْتِوَاءُ عَلَى الْمِبْخَرَةِ أَوْ بَسْطُ الثَّوْبِ عَلَيْهَا أَوْ شَمُّ الْبَخُورِ مَعَ الْقُرْبِ مِنْهَا بِحَيْثُ يُعَدُّ مُتَطَيِّبًا بِهَا، وَيَحْرُمُ تَبْخِيرُ نَحْوِ الْمَيِّتِ بِهَا أَيْضًا، وَمِنْ الِاسْتِعْمَالِ الْمُحَرَّمِ أَيْضًا أَخْذُ مَاءِ الْوَرْدِ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْآنِيَةِ كَالْقُمْقُمِ لِاسْتِعْمَالِهِ وَلَوْ بِصَبِّ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ النَّقْدُ عَلَى الْبَزْبُوزِ فَقَطْ، نَعَمْ إنْ أَخَذَ مِنْهُ بِشِمَالِهِ ثُمَّ وَضَعَ الْمَاءَ فِي الْيَمِينِ وَاسْتَعْمَلَهُ جَازَ أَيْ مَعَ حُرْمَةِ الْأَخْذِ مِنْهُ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ حِينَئِذٍ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ م ر فِي شَرْحِهِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الطُّوخِيُّ وَقَالَ: وَلَا يُعَدُّ مَا ذَكَرَ اسْتِعْمَالًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَكَذَلِكَ الْحُرْمَةُ عَلَى الصَّابِّ وَحْدَهُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْآخَرِ فِعْلٌ وَهَذِهِ حِيلَةٌ مُبِيحَةٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ هَذِهِ الْحِيلَةُ إنَّمَا تَمْنَعُ حُرْمَةَ مُبَاشَرَةِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ إنَاءِ النَّقْدِ، أَمَّا حُرْمَةُ اسْتِعْمَالِهِ بِوَضْعِ مَظْرُوفِهِ فِيهِ وَحُرْمَةُ اتِّخَاذِهِ فَلَا حِيلَةَ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. وَتَحْرُمُ الْمُكْحُلَةُ وَالْمِرْوَدُ وَالْخِلَالُ وَالْإِبْرَةُ وَالْمِلْعَقَةُ وَالْمُشْطُ وَنَحْوُهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَالْكَرَاسِيُّ الَّتِي تُعْمَلُ لِلنِّسَاءِ مُلْحَقَةٌ بِالْآنِيَةِ كَالصُّنْدُوقِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْبَدْرُ بْنُ شُهْبَةَ، وَالشَّرَارِيبُ الْفِضَّةُ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِنَّ فِيمَا يَظْهَرُ لِعَدَمِ تَسْمِيَتِهَا آنِيَةً. قَالَ الطُّوخِيُّ: وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ اسْتِعْمَالُ سُرْمُوجَةٍ أَوْ قَبْقَابٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَهَا اسْتِعْمَالُ ثَوْبٍ مِنْهُمَا اهـ. وَقَوْلُهُ: وَالْمِلْعَقَةُ مِنْ اللَّعْقِ لِمَا فِيهَا مِنْ لَعْقِ الْآكِلِ بِهَا، وَيُقَالُ مَعْلَقَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ عُلُوقِ الطَّعَامِ بِهَا وَهِيَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ. فَرْعٌ: إذَا حَرَّمْنَا الْجُلُوسَ تَحْتَ سَقْفٍ مُمَوَّهٍ بِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ فَهَلْ يَحْرُمُ الْجُلُوسُ فِي ظِلِّهِ الْخَارِجِ عَنْ مُحَاذَاتِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ إذَا قَرُبَ بِخِلَافِ مَا إذَا بَعُدَ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْمِجْمَرَةِ. اهـ. سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مَحَلٌّ إلَّا هَذَا فَهَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ عُذْرًا فِي عَدَمِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ وَحُضُورُهَا حَاجَةٌ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مَا يُخَلِّلَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ خَلَّلَ، وَفِي جَعْلِ الْخِلَالِ مِنْ الْإِنَاءِ مُسَامَحَةٌ بِخِلَافِ الْمِيلِ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْكُحْلَ فَيُعَدُّ إنَاءً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَقَدْ يُقَالُ الْخِلَالُ أَيْضًا يَحْمِلُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ مِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عَرَفْت أَنَّ الْخِلَالَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَغْبِيَاءُ يُبْدِلُونَهَا هَاءً فَلْيُحْذَرْ. قَوْلُهُ: (جِلَاءِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ. قَوْلُهُ: (فَيُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ) إلَى انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ فَبَعْدَهُ يَحْرُمُ وَيَجِبُ كَسْرُهُ كَمَا فِي الْإِطْفِيحِيِّ نَقْلًا عَنْ ع ش لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. قَوْلُهُ: (لَا لِخُصُوصِ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْأَخْذِ لِلْأَكْلِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ الْبَوْلُ إلَخْ) وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِحِلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِمَا لِأَنَّ الْكَلَامَ ثَمَّ فِي قِطْعَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَمْ تُهَيَّأْ وَلَمْ تُطْبَعْ لِذَلِكَ لَا فِيمَا طُبِعَ وَهُيِّئَ مِنْهَا لِذَلِكَ أَيْ لِلِاسْتِنْجَاءِ، أَمَّا مَا طُبِعَ وَهُيِّئَ مِنْهُمَا لِذَلِكَ كَالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ فَيَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَيُجْزِئُ، قَوْلُهُ: (اتِّخَاذُهُمَا) أَيْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ق ل. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ الْإِطْلَاقُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحَرِيرِ بِأَنَّهُمَا مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِمَا لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَا كَذَلِكَ الْحَرِيرُ. قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ كُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ) هَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الْمُلَائِمَةُ لِقَوْلِ الشَّارِحِ مَا عَدَا ذَلِكَ، وَالنُّسْخَةُ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا الْعَبَّادِيُّ هِيَ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَوَانِي وَهِيَ لَا تُنَاسِبُ قَوْلَ الشَّارِحِ مَا عَدَا ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى هَذَا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَحِلُّ مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ وَإِنْ حَرُمَ لِنَحْوِ غَصْبٍ أَوْ احْتِرَامٍ كَجِلْدِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ مُهْدَرًا كَحَرْبِيٍّ. قَوْلُهُ: (وَخَاتَمٍ) فِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ الْخَاتَمِ مِنْ فِضَّةٍ لِرَجُلٍ وَمُطْلَقًا لِامْرَأَةٍ، وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ فِضَّةٍ وَطُلِيَ بِالذَّهَبِ فَإِنَّهُ فِيهِ التَّفْصِيلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 الثَّانِيَةِ، فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ النَّقْدِ فِي الْأُولَى لِكَثْرَتِهِ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهِ فِي الثَّانِيَةِ لِقِلَّتِهِ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ وَكَذَا اتِّخَاذُهُ، فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ تَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ وَالْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ. وَيَحْرُمُ تَمْوِيهُ سَقْفِ الْبَيْتِ وَجُدْرَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ، وَيَحْرُمُ اسْتِدَامَتُهُ إنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا، وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ وَاِتِّخَاذُ النَّفِيسِ كَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَبِلَّوْرٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ، وَمِرْجَانٍ وَعَقِيقٍ وَالْمُتَّخَذِ مِنْ الطِّيبِ الْمُرْتَفِعِ كَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَعُودٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ مَعْنَى السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ، وَمَا ضُبِّبَ مِنْ إنَاءٍ بِفِضَّةٍ ضَبَّةً كَبِيرَةً وَكُلُّهَا أَوْ   [حاشية البجيرمي] الْآتِي. قَوْلُهُ: (بِالنَّقْدِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُوِّهَ. قَوْلُهُ: (أَوْ صَدَأَ) بِفَتْحِ الدَّالِ م د. وَصَوَابُهُ بِكَسْرِ الدَّالِ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: صَدِئَ مِنْ بَابِ طَرِبَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ) أَيْ مُتَمَوَّلٌ ابْنُ حَجَرٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجْرِي فِي الصَّدَأِ فَلْيُحَرَّرْ. قَوْلُهُ: (مِنْ تَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ إلَخْ) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى فِي الْخَلْوَةِ لِحُصُولِ التَّضْيِيقِ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ خُيَلَاءُ وَكَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ فَتَأَمَّلْ. فَإِنَّ قَوْلَهُ مُرَكَّبَةٌ إلَخْ. رُبَّمَا يُنَافِيهِ حَرَّرَهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَالْخُيَلَاءُ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْمَدِّ مِنْ الِاخْتِيَالِ وَهُوَ التَّفَاخُرُ وَالتَّعَاظُمُ. وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: الِاخْتِيَالُ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّخَيُّلِ وَهُوَ التَّشَبُّهُ بِالشَّيْءِ، فَالْمُخْتَالُ يَتَخَيَّلُ فِي صُورَةِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ تَكَبُّرًا فَالنَّهْيُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَوْ صَدِئَ إنَاءُ الذَّهَبِ بِحَيْثُ سَتَرَ الصَّدَأُ جَمِيعَ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ لِفَوَاتِ الْخُيَلَاءِ، نَعَمْ يَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي الْمُمَوَّهِ بِنَحْوِ نُحَاسٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَعِلَّةُ التَّحْرِيمِ فِي النَّقْدَيْنِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ تَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ وَالْخُيَلَاءِ، وَلَا فَرْقَ فِي حُرْمَةِ مَا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْخَلْوَةِ وَغَيْرِهَا إذْ الْخُيَلَاءُ مَوْجُودَةٌ بِتَقْدِيرِ الْإِطْلَاعِ عَلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ تَمْوِيهُ سَقْفِ الْبَيْتِ) وَمِثْلُهُ الْكَعْبَةُ وَالْمَسَاجِدُ م ر. وَالْجُدْرَانُ، وَالسَّقْفُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ تَزْيِينُ أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَيَحْرُمُ. وَالْكُسْوَةُ الْمَعْرُوفَةُ حَرَامٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفِضَّةِ، وَخَرَجَ بِالتَّمْوِيهِ التَّحْلِيَةُ وَهِيَ قِطَعٌ مِنْ النَّقْدَيْنِ تَسْتَمِرُّ فِي غَيْرِهَا، فَقَالَ شَيْخُنَا ز ي: بِحِلِّهَا فِي نَحْوِ الْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ دُونَ غَيْرِهَا كَالْمُصْحَفِ وَالْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا م ر تَحْرِيمُهَا فِي الْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا أَيْضًا وَهُوَ الْوَجْهُ ق ل. وَقَالَ ع ش عَلَى م ر: وَهَلْ مِنْ التَّحْلِيَةِ مَا يُجْعَلُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي سِتْرِ الْكَعْبَةِ أَمْ مُخْتَصٌّ بِمَا يُجْعَلُ فِي بَابِهَا وَجُدْرَانِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْآنَ الْأَوَّلُ اهـ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ التَّمْوِيهِ أَنَّ فِعْلَهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا حَتَّى فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْمُمَوَّهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ حَلَّ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ يَتَحَلَّلُ حَلَّ لِلنِّسَاءِ فِي حِلْيَتِهِنَّ خَاصَّةً وَحَرُمَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الرَّشِيدِيُّ عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (إنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَيْهَا) أَيْ النَّارِ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ لَا؟ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الْحُرْمَةُ وَلَا يُشْكِلُ بِالضَّبَّةِ عِنْدَ الشَّكِّ لِأَنَّ هَذَا أَضْيَقُ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ الْفِعْلِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الْخَاتَمُ فَقَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ كَالْمُمَوَّهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ وَمُوِّهَ بِفِضَّةٍ فَإِنْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ فِضَّةً وَمُوِّهَ بِذَهَبٍ فَإِنْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (كَيَاقُوتٍ) فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَاحِدُهُ يَاقُوتَةٌ وَجَمْعُهُ يَوَاقِيتُ وَهُوَ أَشْرَفُ الْأَحْجَارِ. وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّ التَّخَتُّمَ بِهِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَمِثْلُهُ الْمَرْجَانُ بِفَتْحِ الْمِيمِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَيْضًا أَنَّ النَّارَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ وَلَا تُغَيِّرُهُ، وَأَنَّ مَنْ تَخَتَّمَ بِهِ أَمِنَ مِنْ الطَّاعُونِ وَتَيَسَّرَتْ لَهُ أُمُورُ الْمَعَايِشِ وَيَقْوَى قَلْبُهُ وَتَهَابُهُ النَّاسُ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَوَائِجِ. اهـ. عَنَانِيٌّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيَحِلُّ الْإِنَاءُ النَّفِيسُ فِي ذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ كَيَاقُوتٍ أَيْ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ وَاِتِّخَاذُهُ فِي الْأَظْهَرِ لِعَدَمِ وُرُودِ نَهْيٍ فِيهِ، وَلِانْتِفَاءِ ظُهُورِ مَعْنَى السَّرَفِ فِيهِ وَالْخُيَلَاءِ. نَعَمْ يُكْرَهُ وَمُقَابِلُهُ يَحْرُمُ لِلْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ. وَرَدَّ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصَّ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ فَصِّ الْخَاتَمِ، أَمَّا هُوَ فَيَجُوزُ قَطْعًا اهـ. وَقَوْلُهُ: نَعَمْ يُكْرَهُ أَيْ إنَاءُ الْيَاقُوتِ وَنَحْوُهُ لِنَفَاسَتِهِ الذَّاتِيَّةِ أَيْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَاِتِّخَاذُهُ أَمَّا إذَا كَانَتْ نَفَاسَتُهُ عَرَضِيَّةً كَإِنَاءٍ مُحْكَمِ الصَّنْعَةِ لِخَرْطٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَلَا اتِّخَاذُهُ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ) أَيْ كَسِنَّوْرٍ، وَيَجُوزُ بَلُّورٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُتَّخَذِ) أَيْ وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ الْمُتَّخَذِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ) أَيْ نَهْيُ تَحْرِيمٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُكْرَهُ نَفِيسُ الذَّاتِ دُونَ نَفِيسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 بَعْضُهَا وَإِنْ قَلَّ لِزِينَةٍ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ وَاِتِّخَاذُهُ، أَوْ صَغِيرَةً بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَلَا تَحْرُمُ لِلصِّغَرِ وَلَا تُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ. وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: «رَأَيْت قَدَحَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَكَانَ قَدْ انْصَدَعَ أَيْ انْشَقَّ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ» أَيْ شَدَّهُ بِخَيْطِ فِضَّةٍ وَالْفَاعِلُ هُوَ أَنَسٌ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَنَسٌ: «لَقَدْ سَقَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا» . أَوْ صَغِيرَةً وَكُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ أَوْ كَبِيرَةً كُلُّهَا لِحَاجَةٍ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِلصِّغَرِ وَكُرِهَ لِفَقْدِ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِلْحَاجَةِ وَكُرِهَ لِلْكِبَرِ، وَضَبَّةُ مَوْضِعِ   [حاشية البجيرمي] الصَّنْعَةِ وَدُونَ الْمُتَّخَذِ مِنْ طِيبٍ غَيْرِ رَفِيعٍ كَصَنْدَلٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَظْهَرُ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ لَكِنَّهُ خَفِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَمَا ضُبِّبَ مِنْ إنَاءٍ بِفِضَّةٍ إلَخْ) . حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِنَاءَ الْمُضَبَّبَ بِالْفِضَّةِ ضَبَّةً كَبِيرَةً حَرَامٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْرُمُ الْمُضَبَّبُ بِالْفِضَّةِ مُطْلَقًا فَالْأَوَّلُ مُشَدَّدٌ وَالثَّانِي مُخَفَّفٌ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ كَمَالُ الشَّفَقَةِ عَلَى دِينِ الْأُمَّةِ، وَالْوَرَعُ التَّبَاعُدُ عَنْ الْإِنَاءِ الْمُضَبَّبِ كَالتَّبَاعُدِ عَنْ الْإِنَاءِ الْكَامِلِ مِنْ الْفِضَّةِ، وَوَجْهُ الثَّانِي الْعَفْوُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ. وَقَوْلُهُ: تَفْصِيلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. حَاصِلُ الصُّوَرِ أَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا لِزِينَةٍ وَإِمَّا لِحَاجَةٍ أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ وَبَعْضُهَا لِحَاجَةٍ، فَهِيَ سِتُّ صُوَرٍ. صُورَتَانِ مُحَرَّمَتَانِ وَهُمَا الْكَبِيرَةُ كُلُّهَا لِزِينَةٍ أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ وَبَعْضُهَا لِحَاجَةٍ، لِأَنَّهُ لَمَّا انْبَهَمَ مَا لِلزِّينَةِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ عَمَّا لِلْحَاجَةِ صَارَ الْمَجْمُوعُ كَأَنَّهُ لِلزِّينَةِ، وَالثَّالِثَةُ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَهِيَ الصَّغِيرَةُ لِحَاجَةٍ. وَتُكْرَهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَهِيَ الصَّغِيرَةُ كُلُّهَا لِزِينَةٍ أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ وَبَعْضُهَا لِحَاجَةٍ وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي كُلُّهَا لِحَاجَةٍ. وَأَصْلُ الضَّبَّةِ مَا يُصْلَحُ بِهِ خَلَلُ الْإِنَاءِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَعَمُّ وَإِنْ اسْتَوْعَبَ غَالِبَ الْإِنَاءِ فَإِنْ تَمَيَّزَ الزَّائِدُ حَرُمَ الزَّائِدُ فَقَطْ إنْ عَدَّهُ الْعُرْفُ كَبِيرًا وَإِلَّا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ. قَوْلُهُ: (ضَبَّةً كَبِيرَةً) تَوَسَّعَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِمَتْنِ الْمِنْهَاجِ بِنَصْبِ ضَبَّةٍ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ إذْ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ مَصْدَرًا وَهُوَ الْحَدَثُ الْجَارِي عَلَى الْفِعْلِ، وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ اسْمُ عَيْنٍ لِأَنَّ الضَّبَّةَ هِيَ الصُّفَيْحَةُ الَّتِي أُصْلِحَ بِهَا الْإِنَاءُ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ) سَكَتَ عَنْ نَفْسِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ التَّضْبِيبُ فَهَلْ يَحْرُمُ مُطْلَقًا كَالتَّمْوِيهِ أَوْ يُفَرَّقُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ حُرْمَةِ التَّمْوِيهِ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ؟ وَلَعَلَّ الثَّانِيَ أَقْرَبُ. اهـ. سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِقَدْرِ الْحَاجَةِ) الْمُرَادُ بِالْحَاجَةِ قَصْدُ الْإِصْلَاحِ لَا الْعَجْزُ عَنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ غَيْرِهِمَا يُبِيحُ اسْتِعْمَالَهُمَا. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (قَدَحَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَاشْتُرِيَ هَذَا الْقَدَحُ مِنْ مِيرَاثِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ بِثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَرُوِيَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ رَآهُ بِالْبَصْرَةِ وَشَرِبَ مِنْهُ قَالَ: وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ نُضَارٌ بِضَمِّ النُّونِ وَهُوَ الْخَالِصُ مِنْ الْعُودِ وَهُوَ خَشَبٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، وَيُقَالُ أَصْلُهُ مِنْ الْأَثْلِ وَلَوْنُهُ يَمِيلُ إلَى الصُّفْرَةِ، وَكَانَ مُتَطَاوِلًا طُولُهُ أَقْصَرُ مِنْ عُمْقِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْ شَدَّهُ بِخَيْطِ فِضَّةٍ أَنَّ الضَّبَّةَ كَانَتْ صَغِيرَةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا كُلَّهَا لِحَاجَةٍ فَهَذِهِ صُورَةُ الْإِبَاحَةِ. قَالَ سم: وَنُوزِعَ فِي هَذَا الدَّلِيلِ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرِبَ فِي هَذَا الْقَدَحِ وَهُوَ مُسَلْسَلٌ بِالْفِضَّةِ، وَإِنَّمَا رُئِيَ هَذَا الْقَدَحُ عِنْدَ أَنَسٍ بَعْدَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - رَأَتْهُ عِنْدَ أَنَسٍ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ فَكَانَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا وَنَصَّ عَلَيْهِ الْبِرْمَاوِيُّ أَيْضًا اهـ. وَأَقُولُ مَا ذَكَرَهُ سم بِقَوْلِهِ لَمْ يَثْبُتْ إلَخْ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا بِقَوْلِهِ قَالَ أَنَسٌ: «لَقَدْ سَقَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْقَدَحِ» إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ عَائِدَةٌ إلَى الْإِنَاءِ بِصِفَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، وَاحْتِمَالُ عَوْدِهَا إلَيْهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ صِفَتِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ. وَنَقَلَ ابْنُ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ: لَا تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُرْأَبُوا اهـ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ) فَإِنْ كَانَتْ لِحَاجَةٍ فَلَا كَرَاهَةَ. قَوْلُهُ: (لِحَاجَةٍ) وَشَمِلَ الضَّبَّةَ لِلْحَاجَةِ مَا لَوْ عَمَّتْ جَمِيعَ الْإِنَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى حِينَئِذٍ ضَبَّةً مَمْنُوعٌ، فَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الْإِنَاءِ ضَبَّاتٌ صِغَارٌ لِزِينَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْمَجْمُوعُ قَدْرَ ضَبَّةٍ كَبِيرَةٍ حَرُمَتْ وَمِنْ الضَّبَّةِ مَسَامِيرُ الْقَبْقَابِ وَالْعَصَا فَيَجْرِي فِيهَا التَّفْصِيلُ اهـ اج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الِاسْتِعْمَالِ لِنَحْوِ شُرْبٍ كَغَيْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مَنْسُوبٌ إلَى الْإِنَاءِ كُلِّهِ. تَنْبِيهٌ: مَرْجِعُ الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ الْعُرْفُ. فَإِنْ شُكَّ فِي كِبَرِهَا فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَخَرَجَ بِالْفِضَّةِ الذَّهَبُ فَلَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُ إنَاءٍ ضُبِّبَ بِذَهَبٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا. لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ فِي الذَّهَبِ أَشَدُّ مِنْ الْفِضَّةِ، وَبِالطَّاهِرِ النَّجِسُ كَالْمُتَّخَذِ مِنْ مَيْتَةٍ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يَنْجَسُ بِهِ كَمَاءٍ قَلِيلٍ وَمَائِعٍ لَا فِيمَا لَا يَنْجَسُ بِهِ كَمَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ الْجَفَافِ. فُرُوعٌ: سَمْرُ الدَّرَاهِمِ فِي الْإِنَاءِ كَالتَّضْبِيبِ فَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ بِخِلَافِ طَرْحِهَا فِيهِ فَلَا يَحْرُمُ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ مُطْلَقًا وَلَا يُكْرَهُ، وَكَذَا لَوْ شَرِبَ بِكَفِّهِ وَفِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ أَوْ فِي فَمِهِ دَرَاهِمُ أَوْ شَرِبَ بِكَفَّيْهِ وَفِيهِمَا دَرَاهِمُ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ إنْ كَانُوا لَا يَتَعَبَّدُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ فَهِيَ كَآنِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ» ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهَا لِعَدَمِ تَحَرُّزِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا يَتَدَيَّنُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ كَطَائِفَةٍ مِنْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَضَبَّةُ مَوْضِعِ الِاسْتِعْمَالِ إلَخْ) كَشَفَةِ الْإِنَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِبَارَةَ مَقْلُوبَةٌ أَيْ وَضَبَّةُ غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِعْمَالِ كَضَبَّتِهِ أَيْ كَضَبَّةِ مَوْضِعِ الِاسْتِعْمَالِ، لِأَنَّ ضَبَّةَ غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِعْمَالِ هِيَ الَّتِي يُتَوَهَّمُ فِيهَا جَوَازُهَا كَمَا يُرْشِدُ لِذَلِكَ تَعْلِيلُهُ شَيْخُنَا. وَأَقُولُ: لَا قَلْبَ فِي الْعِبَارَةِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِاسْتِعْمَالِ يُتَوَهَّمُ فِيهِ حُرْمَةُ تَضْبِيبِهِ لِمُبَاشَرَةِ الْمُسْتَعْمِلِ لِضَبَّتِهِ. قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهِ) لَعَلَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَضَبَّةِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (مَرْجِعُ الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ الْعُرْفُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالْمُرَادُ بِهِ مَا اسْتَقَرَّ فِي الْعُقُولِ وَتَلَقَّتْهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ بِالْقَبُولِ بِرْمَاوِيٌّ. قَالَ الْجَوْجَرِيُّ: وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ إلَّا فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّارِعُ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً» إلَخْ. فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الشَّارِعِ لَهُ، وَالشَّارِعُ لَمْ يُبَيِّنْ الضَّبَّةَ بَلْ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا حَتَّى يُرْجَعَ فِيهَا لِلْعُرْفِ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِوُرُودِ أَصْلِ الضَّبَّةِ وَهُوَ تَسَلْسُلُ الْقَدَحِ وَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْوُرُودَ عَنْهُ إمَّا بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِقْرَارِ عَلَيْهِ. اهـ. ع ش إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَكَّ فِي كِبَرِهَا إلَخْ) هَذَا رَاجِعٌ لِجَمِيعِ الصُّوَرِ أَيْ صُوَرِ الْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ. قَوْلُهُ: (فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ) أَيْ إبَاحَةُ الْإِنَاءِ قَبْلَ تَضْبِيبِهِ. وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا يَأْتِي فِي اللِّبَاسِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي ثَوْبٍ فِيهِ حَرِيرٌ وَغَيْرُهُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ شَكَّ فِي التَّفْسِيرِ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ حَرُمَ اللُّبْسُ فِي الْأُولَى وَمَسُّ الْمُحْدِثِ فِي الْأُخْرَى؟ لِأَنَّا نَقُولُ مُلَابَسَةُ الثَّوْبِ لِلْبَدَنِ أَشَدُّ مِنْ مُلَابَسَةِ الضَّبَّةِ لَهُ فَاحْتِيطَ ثَمَّ مَا لَا يُحْتَاطُ هُنَا، وَأَمَّا التَّفْسِيرُ فَإِنَّمَا حَرُمَ مَعَ الشَّكِّ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ التَّعْظِيمِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ وَمَسِّ الْقُرْآنِ التَّحْرِيمُ. وَلَوْ شَكَّ فِي أَنَّهَا لِلزِّينَةِ أَوْ لِلْحَاجَةِ جَازَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ ع ش عَلَى م ر. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي غَيْرِ الْحَرِيرِ الْمُطَرَّفِ بِهِ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِالضَّبَّةِ. قَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَتَحْتَ هَذِهِ أَيْ صُورَةِ الشَّكِّ صُوَرٌ لِأَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ تَارَةً يُعْلَمُ كَوْنُهَا لِزِينَةٍ أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ وَبَعْضُهَا لِحَاجَةٍ، فَيُحْكَمُ بِالْكَرَاهَةِ فِيهِمَا لِأَنَّ الشَّكَّ إنَّمَا أَسْقَطَ الْحُرْمَةَ، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ كَوْنُهَا لِحَاجَةٍ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ، وَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ هَلْ هِيَ لِلزِّينَةِ أَوْ لِلْحَاجَةِ، فَتَارَةً يُعْلَمُ الْكِبَرُ فَتُكْرَهُ. وَتَارَةً يُعْلَمُ الصِّغَرُ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ، وَكَذَا إذَا شَكَّ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ فَتُضَمُّ هَذِهِ الصُّوَرُ لِبَقِيَّةِ صُوَرِ الضَّبَّةِ. قَوْلُهُ: (وَبِالطَّاهِرِ) أَيْ وَخَرَجَ بِالطَّاهِرِ النَّجِسُ أَيْ غَيْرُ الْمُغَلَّظِ أَمَّا الْمُغَلَّظُ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (كَمَاءٍ قَلِيلٍ) أَيْ إنْ صَحِبَهُ تَضَمُّخٌ، وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ فَقَطْ ق ل. قَوْلُهُ: (مَعَ الْجَفَافِ) وَيَكُونُ الِاسْتِعْمَالُ مَكْرُوهًا. قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) هِيَ ثَلَاثَةٌ. الْأَوَّلُ: فِي سَمْرِ الدَّرَاهِمِ فِي الْإِنَاءِ فَيَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الضَّبَّةِ. وَالثَّانِي: فِي اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ وَمَلْبُوسِهِمْ وَمَا يَلِي جُلُودَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ: فِي أَوَانِي مُدْمِنِي الْخَمْرِ وَالْقَصَّابِينَ. قَوْلُهُ: (سَمْرُ الدَّرَاهِمِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالدَّنَانِيرِ وَالصَّوَابُ سُقُوطُهَا، لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ حَرَامٌ مُطْلَقًا كَضَبَّةِ الذَّهَبِ. قَوْلُهُ: (فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ) أَيْ تَفْصِيلُ الضَّبَّةِ فَيَحْرُمُ فِي الذَّهَبِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (لَا يَحْرُمُ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ فَتْحُ الْفَمِ لِلْمَاءِ النَّازِلِ مِنْ مِيزَابِ الْكَعْبَةِ، وَإِنْ قَصَدَهُ إلَّا إنْ قَرُبَ مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا كَمَا نَقَلَهُ سم عَنْ م ر، وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ ن ز. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الْمَجُوسِ يَغْتَسِلُونَ بِأَبْوَالِ الْبَقَرِ تَقَرُّبًا، فَفِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهَا وَجْهَانِ أَخْذًا مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ، لَكِنْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ أَوَانِيهِمْ وَمَلْبُوسِهِمْ وَمَا يَلِي أَسَافِلَهُمْ، أَيْ مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ أَشَدُّ وَأَوَانِي مَائِهِمْ أَخَفُّ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي أَوَانِي مُدْمِنِي الْخَمْرِ وَالْقَصَّابِينَ الَّذِينَ لَا يَحْتَرِزُونَ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ. فَصْلٌ: فِي السِّوَاكِ   [حاشية البجيرمي] لَا يَحْرُمُ وَإِنْ مَسَّهُ بِفَمِهِ عَلَى نِزَاعٍ فِيهِ اج. قَوْلُهُ: (مِنْ مَزَادَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالزَّايِ قِرْبَةٌ يُزَادُ فِيهَا مِنْ جِلْدِ غَيْرِهَا وَتُسَمَّى أَيْضًا السَّطِيحَةَ، وَالْمُرَادُ بِهَا الظَّرْفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ الْمَاءُ كَالرَّاوِيَةِ، وَالْجَمْعُ الْمَزَاوِدُ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَالْمِيمُ زَائِدَةٌ قِيلَ سُمِّيَتْ مَزَادَةً لِأَنَّهُ يُسْتَزَادُ فِيهَا الْمَاءُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَفِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهَا وَالْغَالِبَ نَجَاسَتُهَا. قَوْلُهُ: (أَشَدُّ) أَيْ كَرَاهَتُهُ أَشَدُّ. قَوْلُهُ: (أَخَفُّ) أَيْ لِعَدَمِ احْتِوَائِهَا عَلَى الْجِلْدِ بِخِلَافِ الْمَلْبُوسِ. قَوْلُهُ: (وَالْقَصَّابِينَ) أَيْ الْجَزَّارِينَ مِنْ الْقَصْبِ وَهُوَ الْقَطْعُ. وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ صِفَةٌ لِلِاثْنَيْنِ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ) أَيْ تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ. قَوْلُهُ: (أَخْذًا مِمَّا مَرَّ) أَيْ لِعَدَمِ تَحَرُّزِهِمْ. [فَصْلٌ فِي السِّوَاكِ] ِ أَيْ فِي حَقِيقَتِهِ وَحُكْمِ اسْتِعْمَالِهِ وَالْأَمَاكِنِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ فِيهَا. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ: نَدْبَهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَكَرَاهَتَهُ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَتَأَكُّدَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ. وَزَادَ الشَّارِحُ مَسَائِلَ: مِنْهَا نَدْبُ كَوْنِهِ فِي عَرْضِ الْأَسْنَانِ، وَتَرْتِيبِ آلَتِهِ، وَفِعْلِهِ بِالْيَمِينِ فِي يَمِينِ الْفَمِ وَفَوَائِدُهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَحْكَامَهُ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا كَأَنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ زَوَالُ النَّجَاسَةِ أَوْ رِيحٍ كَرِيهَةٍ فِي نَحْوِ جُمُعَةٍ، وَتَارَةً يَكُونُ حَرَامًا كَاسْتِعْمَالِ سِوَاكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَيْ وَلَمْ يَعْلَمْ رِضَاهُ، وَتَارَةً يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْكَيْفِيَّةُ كَاسْتِعْمَالِهِ طُولًا فِي غَيْرِ اللِّسَانِ، وَتَارَةً يَكُونُ مَنْدُوبًا وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا تَعْتَرِيهِ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مَا كَانَ أَصْلُهُ النَّدْبَ لَا تَعْتَرِيهِ الْإِبَاحَةُ. وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ مَا نَصُّهُ: سُئِلَ هَلْ يُكْرَهُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمُشْطِ وَالْمِيلِ وَالسِّوَاكِ كَمَا هُوَ شَائِعٌ بَيْنَ الْعَوَامّ يَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ لَيْسَ فِيهَا اشْتِرَاكٌ الْمُشْطُ وَالْمِرْوَدُ وَالسِّوَاكُ أَمْ لَا؟ . أَجَابَ: أَمَّا السِّوَاكُ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَةِ الْقُونَوِيِّ؛ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَمِثْلُهُ الْمُشْطُ وَالْمِيلُ، وَأَمَّا قَوْلُ النَّاسِ بِالْكَرَاهَةِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِكَرَاهَةِ نُفُوسِهِمْ الِاشْتِرَاكَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِئَلَّا تَحْصُلَ النَّفْرَةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ يَعَافُونَ مِنْهُ، فَرُبَّمَا وَقَعَتْ الْكَرَاهَةُ بَيْنَهُمْ بِسَبَبِهِ لَا أَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ خَاصٌّ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ يُوجِبُ مَحْظُورِيَّتَهُ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَاكَ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ؟ بَلْ زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَالْكَرَاهَةُ لَا أَصْلَ لَهَا. اهـ. وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ عَقِبَ الْمِيَاهِ وَالدَّابِغِ أَنَّهُ آلَةٌ فِي إزَالَةِ الْقَذَرِ، وَإِنْ كَانَ أَيْ الْقَذَرُ طَاهِرًا، وَقُدِّمَ عَلَى الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ الْفِعْلِيَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر. فَمَحَلُّهُ قَبْلَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر. وَعِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ مَحَلُّهُ بَعْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْوُضُوءِ تَشْمَلُهُ فَيَكُونُ مِنْ سُنَنِهِ الدَّاخِلَةِ، وَذَكَرَهُ فِي التَّحْرِيرِ تَبَعًا لِلتَّنْقِيحِ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ لِمَا قِيلَ إنَّهُ فِيهَا آكَدُ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ لَهَا، فَقَدْ حُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ أَوْجَبَهُ وَلَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ، وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَتَرْكُهُ عَمْدًا مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ، لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ إِسْحَاقَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ. اهـ. وَالسِّوَاكُ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى آلَتِهِ وَعَلَيْهِمَا مَعًا، وَيَجُوزُ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ حَدِيثِ: «هَذَا سِوَاكِي وَسِوَاكُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» . وَفِي الْأَوَائِلِ أَنَّ أَوَّلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وَهُوَ بِكَسْرِ السِّينِ مُشْتَقٌّ مِنْ سَاكَ إذَا دَلَكَ وَالسِّوَاكُ لُغَةً الدَّلْكُ وَآلَتُهُ وَشَرْعًا اسْتِعْمَالُ عُودٍ مِنْ أَرَاكٍ أَوْ نَحْوِهِ كَأُشْنَانٍ فِي الْأَسْنَانِ وَمَا حَوْلَهَا لِإِذْهَابِ التَّغَيُّرِ وَنَحْوِهِ، وَاسْتِعْمَالُهُ (مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ حَالٍ) مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ   [حاشية البجيرمي] مَنْ اسْتَاك إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِعُودِ الزَّيْتُونِ وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: «سِوَاكِي وَسِوَاكُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» الْمُقْتَضِي شُمُولَهُ لِكُلِّ نَبِيٍّ قَبْلَ إبْرَاهِيمَ لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَنْبِيَاءِ مَجْمُوعُهُمْ لَا كُلُّ وَاحِدٍ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ السِّوَاكَ لَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَلْ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ سَاكَ) أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ وَهُوَ السِّوَاكُ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمَزِيدَ يُشْتَقُّ مِنْ الْمُجَرَّدِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ أَوْ مِنْ الْفِعْلِ نَفْسِهِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْفِعْلِ وَجَمْعُ السِّوَاكِ سُوُكٌ بِضَمِّ السِّينِ وَالْوَاوِ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَقَدْ تُسَكَّنُ الْوَاوُ تَخْفِيفًا قَوْلُهُ لُغَةً الدَّلْكُ أَيْ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْفَمِ كَدَلْكِ الْبَابُوجِ وَمِنْهُ تَسْوِيكُ الْبِكْرِ وَهُوَ دَلْكُ فَرْجِ الْبِكْرِ بَعْدَ إزَالَةِ بَكَارَتِهَا بِخِرْقَةٍ حَتَّى يَحْسُنَ جِمَاعُ الزَّوْجِ لَهَا لِأَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ قَوْلُهُ وَآلَتُهُ أَيْ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ وَمُنْفَرِدَيْنِ قَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ كُلِّ خَشِنٍ طَاهِرٍ كَمَا سَيَأْتِي فَقَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهِ عَطْفٌ عَلَى عُودٍ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ بِقَوْلِهِ كَأُشْنَانٍ لِأَنَّ الْأُشْنَانَ بِزْرُ الْغَاسُولِ وَلَيْسَ بِعُودٍ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَعْوَادٌ رَفِيعَةٌ بِبِلَادِ الشَّامِ وَهُوَ الْجُزْءُ الْأَعْظَمُ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّابُونِ الثَّلَاثَةِ وَبَقِيَّتُهَا الزَّيْتُ وَالْجِيرُ. اهـ. شَيْخُنَا قَوْلُهُ فِي الْأَسْنَانِ الْأَوْلَى فِي الْفَمِ لِيَشْمَلَ مَنْ لَا سِنَّ لَهُ قَوْلُهُ وَمَا حَوْلَهَا الْمُرَادُ بِهِ مَا يَقْرُبُ مِنْهَا فَيَشْمَلُ اللِّسَانَ وَسَقْفَ الْحَلْقِ قَوْلُهُ لِإِذْهَابِ التَّغَيُّرِ قَدْ يَقْتَضِي هَذَا أَنَّ السُّنَّةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى إذْهَابِ التَّغَيُّرِ وَيُنَافِيهِ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ وَأَقَلُّهُ مَرَّةٌ إلَّا إنْ كَانَ لِتَغَيُّرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَيُحْتَمَلُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِإِذْهَابِ بَيَانٌ لِحِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ وَأَقَلُّهُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِأَصْلِ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِتَغَيُّرٍ بِالْفَمِ أَوْ قَلَحٍ بِالْأَسْنَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ إنْ أَرَادَ تَمَامَ السُّنَّةِ اهـ قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ يُحْتَمَلُ عَطْفُهُ عَلَى لِإِذْهَابِ وَيُفَسَّرُ بِتَسْوِيَةِ الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ مِنْ فَوَائِدِ السِّوَاكِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ كَالْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ عَطْفُهُ عَلَى التَّغَيُّرِ وَيُفَسَّرُ بِإِذْهَابِ الْكَسَلِ وَنَحْوِهِ. وَأَرْكَانُ السِّوَاكِ خَمْسَةٌ مُسْتَاكٌ وَمُسْتَاكٌ بِهِ وَمُسْتَاكٌ مِنْهُ وَمُسْتَاكٌ فِيهِ وَنِيَّةٌ اسْتِقْلَالًا أَوْ تَبَعًا. قَوْلُهُ: (وَاسْتِعْمَالُهُ) ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى السِّوَاكِ بِمَعْنَى الْآلَةِ وَكَأَنَّ السِّوَاكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ فَفِيهِ تَغَيُّرُ إعْرَابِهِ وَمَعْنَاهُ تَأَمَّلْ ق ل. قُلْت: بَلْ كَلَامُ الشَّارِحِ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، إذْ قَوْلُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ إشَارَةٌ لِتَفْسِيرِ السِّوَاكِ بِالْفِعْلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْإِعْرَابُ فَلَا تَغْيِيرَ فِيهِ إذْ هُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَتَفْسِيرُ السِّوَاكِ بِالِاسْتِعْمَالِ لَا بُدَّ مِنْهُ إذْ الِاسْتِحْبَابُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ لَا بِالذَّاتِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ الْعَبَّادِيُّ وَالسِّوَاكُ بِمَعْنَى اسْتِيَاكٍ أَوْ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ اسْتِعْمَالِهِ. اهـ. اج. وَقَالَ شَيْخُنَا: الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ وَاسْتِعْمَالُهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ صَحِيحٌ بِدُونِ هَذَا التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ السِّوَاكَ شَرْعًا مَعْنَاهُ الِاسْتِعْمَالُ الْمُتَقَدِّمُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاسْتِعْمَالُ الْعُودِ إلَخْ مُسْتَحَبٌّ إلَخْ. وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالسِّوَاكِ الْآلَةُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ وَاسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تُضَافُ لِلْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْفِقْهِ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ فَالْأَحْكَامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفِعْلِ إذْ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِهِ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ. قَوْلُهُ: (مُسْتَحَبٌّ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لَنَا وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِأَجْلِ التَّهَيُّؤِ لِتَلَقِّي الْوَحْيِ. وَوُجُوبُهُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَيِّ وَقْتٍ هَلْ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُسَنُّ لَنَا فِيهَا أَوْ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَهَيُّئِهِ لِتَلَقِّي الْوَحْيِ فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ مَا نَصُّهُ: قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَهَلْ الْمُرَادُ بِوُجُوبِهِ فِي حَقِّهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ أَمْ النَّافِلَةِ مَعَهَا أَمْ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي حَقِّنَا أَمْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ؟ . لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ. نَعَمْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ» . وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ تَخْصِيصُهُ بِالْمَفْرُوضَةِ. اهـ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ حَالٍ) أَيْ وَزَمَانٍ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ عُمُومَ الْأَوْقَاتِ أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَالْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 عِنْدَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِي اسْتِحْبَابِهِ كُلَّ وَقْتٍ. (إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ زَوَالِ الشَّمْسِ وَهُوَ مَيْلُهَا عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا اسْتِعْمَالُهُ (لِلصَّائِمِ) وَلَوْ نَفْلًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ   [حاشية البجيرمي] عُمُومُ الْأَحْوَالِ وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَحْوَالُ جَمْعُ حَالٍ، وَهِيَ مَا عَلَيْهِ الشَّخْصُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَبَعْدَ الزَّوَالِ زَمَنٌ مَخْصُوصٌ لَيْسَ مِنْ أَحْوَالِ الشَّخْصِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ مُتَّصِلٌ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ حَالٍ وَزَمَانٍ إلَّا إلَخْ. وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا أَيْ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَيَشْمَلُ وَقْتَ الزَّوَالِ. . قَوْلُهُ: (إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ) أَيْ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِيَشْمَلَ أَيَّامَ الدَّجَّالِ؛ لِأَنَّ فِي أَيَّامِهِ يَوْمًا كَسَنَةٍ وَيَوْمًا كَشَهْرٍ وَيَوْمًا كَجُمُعَةٍ فَاعْتِبَارُ الزَّوَالِ فِيهِ تَقْدِيرِيٌّ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ: قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: وَاخْتَصَّ بِجَوَازِ السِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ صَائِمٌ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ وَخُصَّ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ بَعْدَهُ يَتَمَحَّضُ عَنْ الصَّوْمِ لِخُلُوِّ الْمَعِدَةِ. نَعَمْ إنَّ تَغَيُّرَ فَمِهِ بِغَيْرِ الْخُلُوفِ كَأَنْ تَمَحَّضَ تَغَيُّرُهُ بِغَيْرِهِ كَنَوْمٍ لَمْ يُكْرَهْ لِزَوَالِ الْمَعْنَى، نَعَمْ إنْ كَانَ يُدْمِي فِيهِ لِنَحْوِ مَرَضٍ فِي لِثَتِهِ وَخَافَ الْفِطْرَ كُرِهَ كَمَا بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ. قَوْلُهُ: (عَنْ كَبِدِ) أَيْ وَسَطِ. قَوْلُهُ: (يُكْرَهُ) أَيْ إنْ اسْتَاك بِنَفْسِهِ، فَإِنْ سَوَّكَهُ مُكَلَّفٌ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ عَلَى نَظِيرِ إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ فِيهِمَا فَإِنَّهُ إنْ أَزَالَهُ غَيْرُهُ حَرُمَ، وَإِنْ أَزَالَهُ بِنَفْسِهِ كَأَنْ جُرِحَ جُرْحًا يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ مِنْهُ فَأَزَالَ دَمَهُ ثُمَّ مَاتَ كُرِهَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ أَزَالَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِنَفْسِهِ كَرَامَةً وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا حَتَّى يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالْكَرَاهَةِ. وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ الْإِزَالَةِ إذَا أَزَالَهُ بِالسِّوَاكِ الشَّرْعِيِّ لَا بِأُصْبُعِهِ. فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ السِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَوْ لِصَلَاةٍ وَنَحْوِهَا، وَقَالُوا بِطَلَبِهِ فَمَا إذَا حَصَلَ تَغَيُّرُ الْخُلُوفِ فَمَا الْفَرْقُ؟ . قُلْت: يُفَرَّقُ بِأَنَّ السِّوَاكَ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ مِنْ بَابِ جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ وَلِلتَّغَيُّرِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ التَّغَيُّرِ وَدَفْعُ الْمَفَاسِدِ أَهَمُّ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ. فَإِنْ قِيلَ: لِأَيِّ شَيْءٍ كُرِهَ الِاسْتِيَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ، وَلَمْ تُكْرَهْ الْمَضْمَضَةُ مَعَ أَنَّهَا مُزِيلَةٌ لِلْخُلُوفِ بَلْ أَوْلَى كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ حَيْثُ قَالُوا: وَالْمَاءُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ وَلَا كَذَلِكَ الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ؟ . أَجَابَ ق ل فِي حَاشِيَةِ الْجَلَالِ: بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ تُكْرَهْ الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الرِّيحَ بِخِلَافِ السِّوَاكِ اهـ. قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْجَوَابِ شَيْءٌ إذْ الْإِزَالَةُ حَاصِلَةٌ فِي كُلٍّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا بِالسِّوَاكِ أَقْوَى. قَوْلُهُ: (أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ) أَيْ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ الْمَطْلُوبِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ أَيْ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ ثَوَابِ رِيحِ الْمِسْكِ الْمَطْلُوبِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الشَّمَّ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ تَعَالَى، أَوْ مَعْنَى كَوْنِهِ أَطْيَبَ عِنْدَ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَرِضَاهُ بِهِ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَلَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وِفَاقًا لِابْنِ الصَّلَاحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَخْتَصُّ بِهِ لِتَقْيِيدِهِ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ ذِكْرَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْجَزَاءِ قَالَهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ، وَخُصَّ الْمِسْكُ؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ طِيبٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (بِضَمِّ الْخَاءِ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ أَرْبَعَةٌ: خُلُوفٌ بِضَمِّ الْخَاءِ وَخَلُوفٌ بِفَتْحِهَا وَخَلَفٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَاللَّامِ وَخَلْفٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ فَالْخُلُوفُ بِالضَّمِّ هُوَ تَغَيُّرُ الْفَمِ وَالْخَلُوفُ بِفَتْحِ الْخَاءِ هُوَ كَثِيرُ خُلْفِ الْوَعْدِ وَالْخَلَفُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَاللَّامِ هُوَ الذُّرِّيَّةُ الصَّالِحَةُ وَالْخَلْفُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ ذُرِّيَّةُ السُّوءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم: 59] إلَخْ وَيُطْلَقُ الْخَلْفُ أَيْضًا عَلَى مَا قَابَلَ الْأَمَامَ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الثَّانِيَةُ إلَخْ) وَصَدَّرَ الْحَدِيثَ: أَمَّا الْأُولَى: «فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ نَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمْ وَمَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» . وَالْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الْفَمِ، وَالْمُرَادُ الْخُلُوفُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِخَبَرِ: «أُعْطِيت أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا» ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» . وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَطْيَبِيَّةُ الْخُلُوفِ تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ إبْقَائِهِ فَكُرِهَتْ إزَالَتُهُ، وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَائِمٍ الْآنَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ لِعَارِضٍ كَمَنْ نَسِيَ نِيَّةَ الصَّوْمِ لَيْلًا لَا يُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَائِمٍ حَقِيقَةً، وَالْمَعْنَى فِي اخْتِصَاصِهَا بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْفَمِ بِالصَّوْمِ إنَّمَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَنْ تَسَحَّرَ أَوْ تَنَاوَلَ فِي اللَّيْلِ شَيْئًا أَمْ لَا فَيُكْرَهُ لِلْمُوَاصِلِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ فَمُهُ بِأَكْلٍ أَوْ نَحْوِهِ نَاسِيًا بَعْدَ الزَّوَالِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: يُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ طُولُ السِّوَاكِ عَلَى شِبْرٍ. وَيَسْتَحِبُّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ فِي أَوَّلِهِ: اللَّهُمَّ بَيِّضْ   [حاشية البجيرمي] نَظَرَ إلَيْهِ لَا يُعَذِّبُهُ أَبَدًا» . وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ جَنَّتَهُ فَيَقُولُ لَهَا اسْتَعِدِّي وَتَزَيَّنِي لِعِبَادِي أَوْشَكَ أَنْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ تَعَبِ الدُّنْيَا إلَى دَارِ كَرَامَتِي. وَأَمَّا الْخَامِسَةُ: فَإِنَّهُ إذَا كَانَ آخَرُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ غَفَرَ لَهُمْ جَمِيعًا فَقَالَ رَجُلٌ: أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَا. أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْعُمَّالَ يَعْمَلُونَ فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ وُفُّوا أُجُورَهُمْ ". اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ إلَخْ) . فَإِنْ قُلْت: يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاسْتِيَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى طَلَبِ السِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ الشَّامِلَةِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ الَّتِي بَعْدَ الزَّوَالِ فَلِمَ قُدِّمَ عَلَيْهَا. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ قُدِّمَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ دَرْءَ مَفْسَدَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ التَّغَيُّرِ، وَتِلْكَ الْأَحَادِيثُ فِيهَا جَلْبُ مَصْلَحَةٍ، وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ ح ف. قَالَ سم: وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ لَا يُصْبِحُونَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ) وَيَمْتَدُّ لُغَةً إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَمِنْهُ إلَى الزَّوَالِ صَبَاحٌ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَكُرِهَتْ إزَالَتُهُ) الدَّلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ إزَالَتَهُ مَكْرُوهَةٌ حَتَّى بِغَيْرِ السِّوَاكِ مَعَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ خَاصَّةً بِالسِّوَاكِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نَهْيٍ خَاصٍّ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ تَأْكِيدَ الطَّلَبِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى طَلَبِ إبْقَائِهِ أَيْ طَلَبًا مُؤَكَّدًا أَخْذًا مِنْ الْأَطْيَبِيَّةِ قَامَ مَقَامَ النَّهْيِ الْخَاصِّ. وَعِبَارَةُ ع ش: وَالْمُرَادُ إزَالَتُهُ بِالسِّوَاكِ الشَّرْعِيِّ، وَأَمَّا إزَالَتُهُ بِغَيْرِهِ فَلَا تُكْرَهُ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُدْرِكُ يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ التَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَذَلِكَ) ضَعِيفٌ. فَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ لِمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ لَيْلًا وَمِثْلُهُ الْمُمْسِكُ لِغَيْرِ نِسْيَانِ النِّيَّةِ كَمَنْ بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي حُكْمِ الصَّائِمِ لِامْتِنَاعِ تَعَاطِيهِ الْمُفْطِرَاتِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَائِمٍ حَقِيقَةً) لَكِنَّهُ يُعْطَى حُكْمَ الصَّائِمِ. قَوْلُهُ: (فِي اخْتِصَاصِهَا) أَيْ الْكَرَاهَةِ، قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ) أَيْ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَيُحَالُ التَّغَيُّرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَيْلًا. قَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُفَرِّقُوا) مِنْ بَابِ نَصَرَ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَنَاوَلَ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، وَالْمُرَادُ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِمَّا يَقْتَضِي التَّغَيُّرَ لَا نَحْوَ جِمَاعٍ. قَوْلُهُ: (أَمْ لَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمَنْ لَا؛ لِأَنَّ بَيْنَ تَقْتَضِي الْعَطْفَ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُضَافُ إلَّا لِمُتَعَدِّدٍ. قَوْلُهُ: (فَيُكْرَهُ لِلْمُوَاصِلِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي أَيْ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ الْفَمِ قَبْلَ الزَّوَالِ بِالصَّوْمِ لَا بِالطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الزَّوَالِ) أَيْ وَبَعْدَ الْفَجْرِ فَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْغُرُوبِ وَتَعُودُ بِالْفَجْرِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَيُكْرَهُ جَمِيعُ النَّهَارِ وَكَمَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْغُرُوبِ تَزُولُ بِالْمَوْتِ لِبُطْلَانِ الصَّوْمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ لَيْسَ بِصَائِمٍ وَمُمْسِكٍ. اهـ. طُوخِيٌّ وَفِي ع ش: فَرْعٌ: لَوْ مَاتَ الصَّائِمُ هَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْغَاسِلِ إزَالَةُ خُلُوفِهِ بِسِوَاكٍ؟ . قِيَاسُ دَمِ الشَّهِيدِ الْحُرْمَةُ، وَبِهِ قَالَ م ر. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الزَّوَالِ) ظَرْفٌ لِتَغَيُّرٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَكْلُ أَوْ النَّوْمُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ وَهُوَ كَذَلِكَ) مُعْتَمَدٌ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ فَمُهُ بِنَحْوِ نَوْمٍ اسْتَاك لِإِزَالَتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ. اهـ. فَفِي قَوْلِ الَأُجْهُورِيُّ لَكِنَّ عِبَارَةَ م ر فِي الشَّرْحِ قَاضِيَةٌ بِالْكَرَاهَةِ نَظَرٌ فَلَا تَغْتَرَّ بِهِ. وَقَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِحَذْفِ إنَّهُ؛ لِأَنَّ لَا يُكْرَهُ خَبَرُ إنَّ الْأُولَى. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَعَادَهَا تَأْكِيدًا. قَوْلُهُ: (عَلَى شِبْرٍ) أَيْ بِالشِّبْرِ الْمُعْتَدِلِ لَا بِشِبْرِ نَفْسِهِ لِمَا قِيلَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَرْكَبُ عَلَى الزَّائِدِ. وَيُسْتَحَبُّ إمْسَاكُهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى بِأَنْ تَجْعَلَ الْخِنْصَرَ مِنْ يَمِينِك تَحْتَهُ وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ فَوْقَهُ وَاجْعَلْ الْإِبْهَامَ أَسْفَلَ رَأْسِهِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَلَا يَقْبِضُ عَلَى السِّوَاكِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْبَاسُورَ، وَإِنَّمَا كَانَ بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَإِنْ كَانَ لِإِزَالَةِ التَّغَيُّرِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تُبَاشِرُهُ، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِنْتَارِ بِالْمُثَنَّاةِ أَيْ نَتْرِ الذَّكَرِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْلَعَ رِيقَهُ أَوَّلَ مَا يَسْتَاكُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 بِهِ أَسْنَانِي وَشُدَّ بِهِ لِثَاتِي وَثَبِّتْ بِهِ لَهَاتِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ السِّوَاكُ فِي عَرْضِ الْأَسْنَانِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي طُولِ الْفَمِ لِخَبَرِ: «إذَا اسْتَكْتُمْ فَاسْتَاكُوا عَرْضًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، وَيُجْزِئُ طُولًا لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ. نَعَمْ يُسَنُّ أَنْ يَسْتَاكَ فِي اللِّسَانِ طُولًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَيَحْصُلُ بِكُلِّ حَسَنٍ يُزِيلُ الْقَلَحَ كَعُودٍ مِنْ أَرَاكٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ أُشْنَانٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، لَكِنَّ الْعُودَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَالْأَرَاكُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعِيدَانِ، وَالْيَابِسُ الْمُنَدَّى بِالْمَاءِ أَوْلَى مِنْ الرَّطْبِ وَمِنْ الْيَابِسِ الَّذِي لَمْ يُنَدَّ وَمِنْ الْيَابِسِ الْمُنَدَّى بِغَيْرِ الْمَاءِ كَمَاءِ الْوَرْدِ، وَعُودُ النَّخْلِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِ الْأَرَاكِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَيُسَنُّ غَسْلُهُ لِلِاسْتِيَاكِ ثَانِيًا إذَا حَصَلَ عَلَيْهِ وَسَخٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ نَحْوُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا يَكْفِي الِاسْتِيَاكُ بِأُصْبُعِهِ وَإِنْ كَانَتْ خَشِنَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى اسْتِيَاكًا، هَذَا إذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً وَهِيَ خَشِنَةٌ أَجْزَأَتْ إنْ قُلْنَا   [حاشية البجيرمي] وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ وَقْتَ وَضْعِهِ فِي الْفَمِ وَقَبْلَ أَنْ يُحَرِّكَهُ كَثِيرًا لِمَا قِيلَ إنَّهُ أَمَانٌ مِنْ الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَكُلِّ دَاءٍ سِوَى الْمَوْتِ وَلَا يَبْلَعُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا لِمَا قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْوَسْوَاسَ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (لِثَاتِي) بِتَثْلِيثِ اللَّامِ جَمْعُ لِثَةٍ بِتَثْلِيثِهَا أَيْضًا وَهِيَ مَا حَوْلَ الْأَسْنَانِ وَعِبَارَةُ ق ل هِيَ اللَّحْمُ الْمَغْرُوزُ فِيهِ الْأَسْنَانُ وَأَصْلُ لِثَةٍ لِثَى حُذِفَتْ لَامُ الْكَلِمَةِ وَعُوِّضَ عَنْهَا التَّاءُ، وَأَمَّا لَهَاتِي فَمُفْرَدٌ لَا جَمْعٌ وَهِيَ قِطْعَةُ لَحْمٍ فِي أَقْصَى سَقْفِ الْحَلْقِ مُشْرِفَةٌ عَلَى الْقَلْبِ تَرُوحُ عَلَيْهِ وَلَوْلَاهَا احْتَرَقَ الْقَلْبُ. اهـ. شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (قَالَ النَّوَوِيُّ إلَخْ) أَشَارَ النَّوَوِيُّ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي السُّنَّةِ بِخُصُوصِهِ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ طَلَبِ الدُّعَاءِ اج. قَوْلُهُ: (فِي عَرْضِ الْأَسْنَانِ) وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَبْدَأَ بِجَانِبِ فَمِهِ الْأَيْمَنِ فَيَسْتَوْعِبَهُ بِاسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ فِي الْأَسْنَانِ الْعُلْيَا وَالسُّفْلَى ظَهْرًا وَبَطْنًا إلَى الْوَسَطِ ثُمَّ الْأَيْسَرُ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (فِي طُولِ الْفَمِ) تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ السِّوَاكِ فِي عَرْضِ الْأَسْنَانِ أَنْ يَكُونَ فِي طُولِ الْفَمِ. وَقَوْلُهُ: فِي طُولِ الْفَمِ مُتَعَلِّقٌ بِالسِّوَاكِ بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ فِي عَرْضِ الْأَسْنَانِ، فَالْأَوَّلُ تَعَلَّقَ بِهِ وَهُوَ مُطْلَقٌ، وَالثَّانِي تَعَلَّقَ بِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ، فَلَا يُقَالُ فِيهِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (بِكُلِّ خَشِنٍ) أَيْ طَاهِرٍ وِفَاقًا لِلرَّمْلِيِّ وَخِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: يَكْفِي النَّجِسُ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ. وَرَدَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ» وَهَذَا مُنَجِّسَةٌ لَكِنَّهُ أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الطَّهَارَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَخَشِنٍ بِكِسْرَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْأُشْمُونِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ. وَفِعْلُ أَوْلَى وَفَعِيلٌ بِفِعْلٍ لَكِنْ جَوَّزَ الْقَامُوسُ فِيهِ فَتْحَ الْخَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ. قَوْلُهُ: (يُزِيلُ الْقَلَحَ) هُوَ مَا يَتَرَاكَمُ عَلَى الْأَسْنَانِ مِنْ الْوَسَخِ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ خِرْقَةٍ) عَطْفٌ عَلَى عُودٍ. قَوْلُهُ: (وَالْأَرَاكُ أَوْلَى) . حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْأَرَاكُ ثُمَّ جَرِيدُ النَّخْلِ ثُمَّ الزَّيْتُونُ ثُمَّ ذُو الرِّيحِ الطَّيِّبِ ثُمَّ بَقِيَّةُ الْأَعْوَادِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِيهِ خَمْسَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ أَيْضًا وَهِيَ الْيَابِسُ الْمُنَدَّى بِالْمَاءِ، ثُمَّ الْمُنَدَّى بِمَاءِ الْوَرْدِ، ثُمَّ الْمُنَدَّى بِالرِّيقِ ثُمَّ الرَّطْبُ ثُمَّ الْيَابِسُ الْغَيْرُ الْمُنَدَّى، فَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ بِمَرَاتِبِهِ الْخَمْسَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا بَعْدَهُ، وَضَمَّ بَعْضُهُمْ لِهَذِهِ الْخَمْسَةِ الْخِرْقَةَ وَأُصْبُعَ الْغَيْرِ بِشُرُوطِهَا، لَكِنْ لَا تَجْرِي فِيهِمَا الْخَمْسَةُ السَّابِقَةُ بَلْ يَجْرِي فِيهِمَا مَا عَدَا الرَّطْبَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ الدَّيْوِيُّ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّ الْيَابِسَ الْغَيْرَ الْمُنَدَّى مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّطْبِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي إزَالَةِ التَّغَيُّرِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: أَرَاكٌ جَرِيدُ النَّخْلِ زَيْتُونٌ رُتِّبَتْ ... فَطِيبُ رِيحٍ بَاقِي الْأَعْوَادِ كَمُلَا وَكُلُّ مُنَدًّى أَلَمَّا فَمَا الْوَرْدُ رِيقُهُ ... فَذُو الْيُبْسِ رَطْبٌ فِي السِّوَاكِ أَدَرُ وَاعْمَلَا قَوْلُهُ: (بِأُصْبُعِهِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْأُصْبُعُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَيُقَالُ فِيهِ أُصْبُوعٌ وَهُوَ بِتَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ مَعَ تَثْلِيثِ الْبَاءِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: يَا أُصْبُعَ ثُلِّثْنَ مَعَ مِيمِ أُنْمُلَةٍ ... وَثَلِّثْ الْهَمْزَ أَيْضًا وَارْوِ أُصْبُوعَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 بِطَهَارَتِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَاكَ بِالْيُمْنَى مِنْ يُمْنَى فَمِهِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَسِوَاكِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَهُوَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ) أَيْ أَحْوَالٍ (أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا) أَحَدُهَا: (عِنْدَ تَغَيُّرِ) رَائِحَةِ (الْفَمِ) وَقَوْلُهُ: (مِنْ أَزْمٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ هُوَ السُّكُوتُ أَوْ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ. (وَ) مِنْ (غَيْرِهِ) أَيْ الْأَزْمِ كَثُومٍ، وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ. (وَ) ثَانِيهَا (عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ مِنْ النَّوْمِ يَشُوصُ فَاهُ» أَيْ يُدَلِّكُهُ بِالسِّوَاكِ. (وَ) ثَالِثُهَا:   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً وَهِيَ خَشِنَةٌ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجْزِي الِاسْتِيَاكُ بِأُصْبُعِهِ الْمُنْفَصِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ خَشِنَةً عَلَى الرَّاجِحِ وَلَا بِأُصْبُعِ غَيْرِهِ الْمُنْفَصِلَةِ، بَلْ يَحْرُمُ بِهِمَا، وَلَوْ قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ قِيَاسًا عَلَى حُرْمَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِمَا بِجَامِعِ إزَالَةِ الْقَذَرِ بِعُضْوٍ يَجِبُ احْتِرَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ الْمُنْفَصِلَةَ مِنْ الْآدَمِيِّ يَجِبُ احْتِرَامُهَا وَيَمْتَنِعُ امْتِهَانُهَا وَإِنْ أَذِنَ صَاحِبُهَا، إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا بِامْتِهَانِهَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ دَفْنُهَا فَوْرًا مَا دَامَ صَاحِبُهَا حَيًّا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهَا، وَأَمَّا أُصْبُعُ غَيْرِهِ الْمُتَّصِلَةِ فَيَجْزِي السِّوَاكُ بِهَا إذَا كَانَتْ خَشِنَةً وَكَانَ صَاحِبُهَا حَيًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَاعَدَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ، وَالْأَجْزَاءُ الْمُتَّصِلَةُ شَأْنُهَا وَوَضْعُهَا الْعَمَلُ بِهَا. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: يُشْتَرَطُ إذْنُ صَاحِبِ الْأُصْبُعِ هُوَ شَرْطٌ فِي الْحِلِّ لَا فِي الْإِجْزَاءِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا يَجْزِي تَسْوِيكُ الْمَيِّتِ بِأُصْبُعِ الْغَاسِلِ، وَفَارَقَتْ أُصْبُعُهُ الْمُتَّصِلَةُ أُصْبُعَ غَيْرِهِ كَذَلِكَ بِأَنَّ أَجْزَاءَ الْإِنْسَانِ لَا تُسَمَّى سِوَاكًا لَهُ. قُلْت: وَيُفَارِقُ إجْزَاءُ مُتَّصِلَةِ غَيْرِهِ هُنَا عَدَمُ إجْزَائِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِفُحْشِ الِاسْتِنْجَاءِ وَحُرْمَةِ التَّنَجُّسِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْتَزِمَ إجْزَاءَ الِاسْتِنْجَاءِ بِيَدِ غَيْرِهِ، وَإِنْ حَرُمَ. ثُمَّ رَأَيْت م ر جَزَمَ بِالْتِزَامِ الْإِجْزَاءِ فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (مِنْ يُمْنَى فَمِهِ) أَيْ وَيَذْهَبُ إلَى الْوَسَطِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ وَيَذْهَبُ إلَيْهِ م ر. قَوْلُهُ: (كَانَ يُحِبُّ) أَيْ يَخْتَارُ الْبَدْءَ بِالْأَيَامِنِ يَعْنِي فِي الْأُمُورِ الشَّرِيفَةِ مَا اسْتَطَاعَ، أَيْ مُدَّةَ دَوَامِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَقْدِيمِ الْيُمْنَى احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ تَرَكَهُ لِنَحْوِ ضَرُورَةٍ وَعَدَمِ قُدْرَةٍ، فَلَا كَرَاهَةَ فِي تَقْدِيمِ الْيُسْرَى حِينَئِذٍ وَلَوْ فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْكَمَالَاتِ، أَوْ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِاخْتِيَارِ التَّيَمُّنِ مُبَالَغَةً فِي عَدَمِ تَرْكِهِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي نَحْوِهِ. وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ " مَا " مَوْصُولَةٌ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الشَّمَائِلِ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ. وَالتَّقْدِيرُ الَّذِي اسْتَطَاعَهُ. قَوْلُهُ: (التَّيَامُنَ) فِي نُسْخَةٍ التَّيَمُّنَ. قَوْلُهُ: (فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ) مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ التَّيَمُّنَ شُرِعَ فِي أُمُورٍ غَيْرِ هَذِهِ وَلَا يُشْرَعُ لِأُمُورٍ أُخَرَ، فَقَوْلُهُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَيُخَصُّ بِمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَحْوُ لُبْسِ الثَّوْبِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفِّ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ، وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاكْتِحَالِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّارِبِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخَلَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْإِهَانَةِ فَبِالْيَسَارِ كَدُخُولِ الْخَلَاءِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَالِامْتِخَاطِ، وَالِاسْتِنْجَاءِ، وَخَلْعِ الثَّوْبِ، وَالسَّرَاوِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ مِنْهُمَا فَبِالْيَسَارِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَوَضْعِ الْمَتَاعِ. قَوْلُهُ: (فِي طُهُورِهِ) بِضَمِّ الطَّاءِ أَيْ تَطْهِيرِهِ الشَّامِلِ لِلْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ، وَهُوَ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ فَيَبْدَأُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ فِي الْغُسْلِ، وَبِالْيَمِينِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، فَإِنْ قَدَّمَ الْيُسْرَى كُرِهَ وَوُضُوءُهُ صَحِيحٌ، وَأَمَّا الْكَفَّانِ وَالْخَدَّانِ فَيَطْهُرَانِ دَفْعَةً وَاحِدَةً. قَوْلُهُ: (وَتَرَجُّلِهِ) أَيْ تَسْرِيحِهِ الشَّعْرَ مِنْ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَيُنْدَبُ تَقْدِيمُ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْهُمَا وَيُكْرَهُ تَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ. قَوْلُهُ: (وَتَنَعُّلِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ نَعْلِهِ أَيْ لُبْسِهِ النَّعْلَ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْحَصْرِ، بَلْ ذَكَرَ أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِالرَّأْسِ، وَآخَرَ يَتَعَلَّقُ بِالْقَدَمِ إشَارَةً إلَى رِعَايَةِ التَّيَمُّنِ مِنْ فَوْقِهِ لِقَدَمِهِ مُنَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا هُنَا وَإِلَّا فَهِيَ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اج. قَوْلُهُ: (أَيْ أَحْوَالٍ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْأَوْقَاتِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (رَائِحَةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا اللَّوْنُ كَصُفْرَةِ الْأَسْنَانِ وَالطَّعْمِ، وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِالْفَمِ دُونَ السِّنِّ نَدْبَهُ لِتَغَيُّرِ مَنْ لَا سِنَّ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ، إذْ يُسَنُّ لَهُ الِاسْتِيَاكُ مُطْلَقًا وَيَتَأَكَّدُ لَهُ عِنْدَمَا يَتَأَكَّدُ لِغَيْرِهِ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (السُّكُوتُ) أَيْ الطَّوِيلُ. وَفِي الصِّحَاحِ: أَزَمَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْسَكَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (كَثُومٍ) بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَنَوْمٍ. قَوْلُهُ: (وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ إلَخْ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ إنْ قُرِئَ مَا قَبْلَهُ بِالْمُثَلَّثَةِ. قَوْلُهُ: (وَثَانِيهَا عِنْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 (عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ) وَلَوْ نَفْلًا وَلِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ نَحْوِ التَّرَاوِيحِ أَوْ لِمُتَيَمِّمٍ أَوْ لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفَمُ مُتَغَيِّرًا أَوْ اسْتَاك فِي وُضُوئِهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ وَلِخَبَرِ: «رَكْعَتَانِ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ   [حاشية البجيرمي] الْقِيَامِ) أَيْ الْيَقِظَةِ مِنْ النَّوْمِ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَمُهُ حَتَّى يُغَايِرَ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ ق ل؛ وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ شَامِلٌ لِلصَّائِمِ وَغَيْرِهِ. قَوْله: (أَيْ يُدَلِّكُهُ) وَقِيلَ الشَّوْصُ الْغَسْلُ. قَوْلُهُ: (إلَى الصَّلَاةِ) وَلَوْ فِي أَثْنَائِهَا بِفِعْلٍ خَفِيفٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا فِيهَا، لَكِنْ عَارَضَهُ طَلَبُ السِّوَاكِ لَهَا وَتَدَارُكُهُ مُمْكِنٌ. أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّارِعَ طَلَبَ دَفْعَ الْمَارِّ فِيهَا وَالتَّصْفِيقَ بِشَرْطِهِ. وَيُسَنُّ الِاسْتِيَاكُ لِسَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَيَسْتَاكُ لِلسَّجْدَةِ وَإِنْ اسْتَاك لِلْقِرَاءَةِ، وَيَسْتَاكُ لِكُلِّ إحْرَامٍ وَإِنْ وَالَى بَيْنَ الصَّلَوَاتِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. فَائِدَةٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ نَذَرَ السِّوَاكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقُلْتُمْ بِالْوُجُوبِ هَلْ يَجِبُ تَعْمِيمُ الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ أَوْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا؟ . تَرَدَّدَ فِيهِ الْبَابِلِيُّ. وَقَالَ: لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، ثُمَّ مَالَ إلَى تَعْمِيمِ الْأَسْنَانِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَيْلٌ إلَى اللِّسَانِ. اهـ. قَوْلُهُ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّا أُشْكِلَ عَلَى مَا اشْتَهَرَ مِنْ مَعْنَى لَوْلَا، وَهُوَ امْتِنَاعُ الثَّانِي لِوُجُودِ الْأَوَّلِ نَحْوُ: لَوْلَا زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُك. امْتَنَعَ الْإِكْرَامُ لِوُجُودِ زَيْدٍ، إذْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَصِيرُ مُفَادُ الْحَدِيثِ امْتِنَاعَ الْأَمْرِ وَعَدَمَ وُجُودِهِ لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ مَعَ أَنَّ الْمَشَقَّةَ لَمْ تُوجَدْ وَالْأَمْرُ وُجِدَ أَيْ: وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ تَرْغِيبَ الشَّارِعِ فِي شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِهِ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِشَيْخِهِ إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ السِّوَاكَ، فَالْمُمْتَنِعُ الْأَمْرُ إيجَابًا لَا مُطْلَقُ الْأَمْرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ مَخَافَةُ أَنْ أَشُقَّ، فَالْمَوْجُودُ مَخَافَةُ الْمَشَقَّةِ لَا نَفْسُ الْمَشَقَّةِ وَالْمَعْدُومُ الْأَمْرُ الْإِيجَابِيُّ، وَالتَّقْدِيرُ: لَوْلَا مَخَافَةَ أَنْ أَشُقَّ لَأَمَرْتُهُمْ أَمْرَ إيجَابٍ فَامْتَنَعَ الْأَمْرُ إيجَابًا لِوُجُودِ مَخَافَةِ الْمَشَقَّةِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مُفَادُ الْحَدِيثِ نَفْيُ أَمْرِ الْإِيجَابِ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ، وَلَيْسَ مِنْ لَازِمِ ذَلِكَ ثُبُوتُ الطَّلَبِ النَّدْبِيُّ فَمَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَيْهِ؟ . نَعَمْ السِّيَاقُ وَقُوَّةُ الْكَلَامِ تُعْطِي ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَفَادَهُ مِنْ انْتِفَاءِ الْأَمْرِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ الْمُرَادُ مِنْهُ عُمُومُ السَّلْبِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْهُ كَمَا تَرَى سَلْبَ الْعُمُومِ. اهـ. عَمِيرَةُ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَهِيَ ظَرْفُ مَكَان وَزَمَانٍ تَقُولُ عِنْدَ اللَّيْلِ وَعِنْدَ الْحَائِطِ. اهـ. نَوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ أَنْ لَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ دَالٌّ عَلَى الْوُجُوبِ بِجَوْهَرِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ، فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَوْجَبْت عَلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي لَمْ أَشُقَّ فَلَمْ أُوجِبْ عَلَيْهِمْ فَيَبْقَى النَّدْبُ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ إنَّمَا هُوَ صِيغَةُ أَفْعَلَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وَأَمَّا مَادَّةُ أَمَرَ فَلَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبٍ وَلَا نَدْبٍ إلَّا بِالْقَرِينَةِ، فَاحْتَاجَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى التَّأْوِيلِ ع ش إطْفِيحِيٌّ. وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا م ر فِي شَرْحِهِ لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ إلَخْ قَالَ ع ش. فَإِنْ قُلْت: هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْفَرْضِ، وَإِنَّمَا يُبَلِّغُ مَا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى. قُلْنَا: أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ بِأَنْ خَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَمْرَ إيجَابٍ وَأَمْرَ نَدْبٍ، فَاخْتَارَ الْأَسْهَلَ لَهُمْ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَءُوفًا رَحِيمًا. قَوْلُهُ: (رَكْعَتَانِ بِسِوَاكٍ إلَخْ) صَرِيحُ هَذَا أَنَّ رَكْعَةَ السِّوَاكِ تَعْدِلُ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً وَفِي رِوَايَةٍ: «رَكْعَةٌ بِسِوَاكٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ رَكْعَةً» وَيَلْزَمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا زِيَادَةُ فَضْلِهِ عَلَى فَضْلِ الْجَمَاعَةِ مَعَ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً مَعَ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالسِّوَاكُ سُنَّةٌ. وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا: أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَفْضُلُ الْفَرْضَ كَمَا فِي ابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ. وَمِنْهَا: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يُقَاوِمُ خَبَرَ الْجَمَاعَةِ فِي الصِّحَّةِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِلَا سِوَاكٍ» رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَكَمَا يَتَأَكَّدُ فِيمَا ذُكِرَ أَيْضًا لِوُضُوءٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ، وَمَحَلُّهُ فِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ النَّقِيبِ فِي عُمْدَتِهِ بَعْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ يَمِيلُ إلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ الْغَزَالِيُّ كَالْمَاوَرْدِيِّ مَحَلُّهُ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ. وَلِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَلِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِنَوْمٍ وَلِدُخُولِ مَنْزِلٍ وَعِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَيُقَالُ: إنَّهُ يُسَهِّلُ خُرُوجَ الرُّوحِ وَفِي السَّحَرِ وَلِلْأَكْلِ وَبَعْدَ الْوِتْرِ وَلِلصَّائِمِ قَبْلَ وَقْتِ الْخُلُوفِ. فَائِدَةٌ: مِنْ فَوَائِدِ السِّوَاكِ أَنَّهُ يُطَهِّرُ الْفَمَ، وَيُرْضِي الرَّبَّ، وَيُبَيِّضُ الْأَسْنَانَ، وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ وَيُسَوِّي الظَّهْرَ، وَيَشُدُّ اللِّثَةَ وَيُبْطِئُ الشَّيْبَ، وَيُصَفِّي الْخُلُقَ وَيُذَكِّي الْفِطْنَةَ، وَيُضَاعِفُ الْأَجْرَ وَيُسَهِّلُ النَّزْعَ كَمَا مَرَّ، وَيُذَكِّرُ الشَّهَادَةَ   [حاشية البجيرمي] عَلَى مَا إذَا صَلَّى جَمَاعَةً بِسِوَاكٍ وَصَلَّى صَلَاةً مُنْفَرِدَةً بِلَا سِوَاكٍ، فَهَذِهِ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ تِلْكَ بِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَيَكُونُ لِلسِّوَاكِ عَشَرَةٌ وَلِلْجَمَاعَةِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ. وَأُجِيبَ أَيْضًا: بِأَنَّ الدَّرَجَاتِ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَدْ تَعْدِلُ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا كَثِيرًا مِنْ الرَّكَعَاتِ بِسِوَاكٍ. قَوْلُهُ: (وَكَمَا يَتَأَكَّدُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ بِالْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ غَيْرُ مُرَادٍ، وَكَانَ الْوَجْهُ إسْقَاطَ لَفْظِ ثَلَاثٍ. قَوْلُهُ: (لِوُضُوءٍ) أَيْ وَلِغُسْلٍ فَلَوْ اسْتَاكَ لِلْوُضُوءِ الْمَطْلُوبِ لِلْغُسْلِ هَلْ يَسْتَاكُ لِلْغُسْلِ نَظَرًا إلَى طَلَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوَّلًا لِقُرْبِهِ مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا قَالُوا: لَا يُسَنُّ الْغُسْلُ لِمُزْدَلِفَةَ لِمَنْ اغْتَسَلَ، قَالَ سم: الْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ وِفَاقًا لِلرَّمْلِيِّ، وَخِلَافًا لِغَيْرِهِ كَابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ حَيْثُ قَالَ بِالثَّانِي. اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ طَلَبِهِ الَّذِي هُوَ الْأَكْمَلُ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى نِيَّةٍ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي غَسْلِ الْكَفَّيْنِ كَالنِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا وَكَلَامِ الْغَزَالِيِّ الْمَذْكُورِ ق ل. فَكَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ بِالنَّظَرِ لِلْأَكْمَلِ وَالْغَزَالِيِّ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ السُّنَّةِ اهـ. م د. وَقَالَ شَيْخُنَا كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ يُوَافِقُ مَا فِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ، وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ مُوَافِقٌ لِمَا فِي م ر، فَعَلَى كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ يَكُونُ مِنْ السُّنَنِ الدَّاخِلَةِ فِيهِ لِشُمُولِ النِّيَّةِ لَهُ، وَعَلَى كَلَامِ م ر يَكُونُ مِنْ السُّنَنِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ لِعَدَمِ شُمُولِ النِّيَّةِ لَهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْخِلَافُ حَقِيقِيًّا غَيْرَ مُمْكِنِ الْجَمْعِ اهـ. . قَوْلُهُ: (وَلِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ) أَيْ يَسْتَاكُ قَبْلَ الِاسْتِعَاذَةِ وَالْقِرَاءَةُ شَامِلَةٌ لِلْبَسْمَلَةِ، وَمِثْلُ الْقِرَاءَةِ كُلُّ ذِكْرٍ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَنَدْبُهُ لِلذِّكْرِ الشَّامِلِ لِلتَّسْمِيَةِ مَعَ نَدْبِهَا لِكُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ الشَّامِلِ لِلسِّوَاكِ يَلْزَمُهُ دَوْرٌ ظَاهِرٌ لَا مُخَلِّصَ عَنْهُ إلَّا بِمَنْعِ نَدْبِ التَّسْمِيَةِ لَهُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ حَصَلَ مَانِعٌ مِنْهَا هُوَ عَدَمُ التَّأَهُّلِ لِكَمَالِ النُّطْقِ بِهَا أَيْ: لِأَنَّهُ لَا يَتَأَهَّلُ لِذَلِكَ إلَّا بِالسِّوَاكِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلِنَوْمٍ) لَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ مَا مَرَّ، فَإِنَّ الْمُرَادَ هُنَا لِإِرَادَةِ نَوْمٍ وَهُنَاكَ بَعْدَ النَّوْمِ. قَوْلُهُ: (وَلِدُخُولِ مَنْزِلٍ) وَلَوْ لِغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ خَالِيًا، وَقَيَّدَ ابْنُ حَجَرٍ بِغَيْرِ الْخَالِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ حَيْثُ يُسَنُّ السِّوَاكُ لِدُخُولِهِ وَلَوْ خَالِيًا بِأَنَّ مَلَائِكَةَ الْمَسْجِدِ أَشْرَفُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ» . قَالَ الْمُنَاوِيُّ: لِأَجْلِ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ شَرِيفٌ فَاسْتُعْمِلَ السِّوَاكُ لِلْإِتْيَانِ بِهِ أَوْ لِطِيبِ فَمِهِ لِتَقْبِيلِ زَوْجَاتِهِ. اهـ. وَيُسَنُّ أَيْضًا عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الِاحْتِضَارِ) أَيْ فِي الْمَرِيضِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَالُ إنَّهُ) أَيْ السِّوَاكَ مُطْلَقًا، لَكِنْ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ تَبَعًا لِشَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّ التَّسْهِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّوَاكِ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، لَكِنْ فِي بَسْطِ الْأَنْوَارِ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ الْإِطْلَاقُ. قَوْلُهُ: (وَفِي السَّحَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ مَا بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ وَجَمْعُهُ أَسْحَارٌ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ وَقْتِ الْخُلُوفِ) كَمَا يُسَنُّ التَّطَيُّبُ لِلْإِحْرَامِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ: (مِنْ فَوَائِدِ السِّوَاكِ) الَّتِي أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ خَصْلَةً، وَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الْحَشِيشَةِ الَّتِي ذَكَرُوا فِيهَا مِائَةً وَعِشْرِينَ مَضَرَّةً. مِنْهَا: نِسْيَانُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَمِنْهَا: فَسَادُ الْعَقْلِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الشَّخْصِ خَصْلَتَانِ. إحْدَاهُمَا تَذَكُّرُ الشَّهَادَةِ، وَالْأُخْرَى تُنْسِيهَا كَالسِّوَاكِ وَأَكْلِ الْحَشِيشَةِ مَثَلًا هَلْ تَغْلِبُ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ؟ . فِيهِ نَظَرٌ. وَنَقَلَ الْمُنَاوِيُّ تَغْلِيبَ الْأُولَى تَحْسِينًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَيُبَيِّضُ الْأَسْنَانَ) أَيْ يَزِيدُ فِي بَيَاضِهَا إذَا كَانَتْ بَيْضَاءَ. قَوْلُهُ: (وَيُبْطِئُ الشَّيْبَ) فِيهِ أَنَّ أَبْطَأَ لَازِمٌ فَلَا يَتَعَدَّى لِلْمَفْعُولِ، وَعَلَى هَذَا فَالشَّيْبُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ الْبَاءِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 عِنْدَ الْمَوْتِ. وَيُسَنُّ التَّخْلِيلُ قَبْلَ السِّوَاكِ وَبَعْدَهُ وَمِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ وَكَوْنُ الْخِلَالِ مِنْ عُودِ السِّوَاكِ، وَيُكْرَهُ بِالْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ. فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ وَهُوَ بِضَمِّ الْوَاوِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَضَاءَةِ وَهِيَ الْحُسْنُ وَالنَّظَافَةُ وَلِلضِّيَاءِ مِنْ ظُلْمَةِ الذُّنُوبِ وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَهُوَ أَفْعَالٌ   [حاشية البجيرمي] وَعُدَّ لَازِمًا بِحَرْفِ جَرٍّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُبْطِئُ بِالشَّيْبِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَيُصَفِّي الْخُلُقَ) فِي نُسْخَةٍ الْخِلْقَةَ وَهِيَ الصَّوَابُ وَلِذَا عَبَّرَ بِهَا م ر وَعِبَارَتُهُ: وَيُصَفِّي الْخِلْقَةَ. قَالَ ع ش: أَيْ لَوْنَ الْبَدَنِ. اهـ. فَائِدَةٌ: مِنْ فَوَائِدِ السِّوَاكِ رِضَا الرَّحْمَنِ، وَدُخُولُ الْجِنَانِ، وَإِدَامَتُهُ تُورِثُ السَّعَةَ وَالْغِنَى وَتَيَسُّرَ الرِّزْقِ وَتَطَيُّبَ الْفَمِ وَتُسْكِنُ الصُّدَاعَ وَتُذْهِبُ جَمِيعَ مَا فِي الرَّأْسِ مِنْ الْأَذَى وَالْبَلْغَمِ وَتُقَوِّي الْأَسْنَانَ وَتُجْلِي الْبَصَرَ وَتَزِيدُ الرَّجُلَ فَصَاحَةً وَحِفْظًا وَعَقْلًا وَتُطَهِّرُ الْقَلْبَ وَتَزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ وَتَفْرَحُ الْمَلَائِكَةُ وَتُصَافِحُهُ لِنُورِ وَجْهِهِ، وَتُشَيِّعُهُ إذَا خَرَجَ لِلصَّلَاةِ، وَيُعْطَى الْكِتَابَ بِالْيَمِينِ، وَتُذْهِبُ الْجُذَامَ، وَتُنَمِّي الْمَالَ وَالْأَوْلَادَ، وَتُؤَانِسُ الْإِنْسَانَ فِي قَبْرِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكُ الْمَوْتِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ قَبْضِ رُوحِهِ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ. اهـ. ذَكَرَهُ الزَّاهِدُ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ التَّخْلِيلُ) أَيْ تَخْلِيلُ الْأَسْنَانِ أَيْ إزَالَةُ مَا بَيْنَهَا بِالْخِلَالِ مِنْ أَثَرِ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ أَمَانٌ مِنْ تَسْوِيسِهَا. [فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ] ِ أَيْ فِي فُرُوضِهِ وَسُنَنِهِ بِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الْمَتْنِ، وَزَادَ الشَّارِحُ أَرْبَعَةً وَهِيَ حَقِيقَةُ الْوُضُوءِ، وَبَيَانُ وَقْتِ وُجُوبِهِ، وَبَيَانُ مُوجِبِهِ، وَبَيَانُ شُرُوطِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالتَّرْجَمَةُ شَامِلَةٌ لِأُمُورٍ سِتَّةٍ. وَالْوُضُوءُ اسْمُ مَصْدَرٍ سَوَاءٌ كَانَ فِعْلُهُ تَوَضَّأَ أَوْ وَضُؤَ بِضَمِّ الضَّادِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَصْدَرُهُ التَّوَضُّؤُ كَتَجَمَّلَ تَجَمُّلًا وَالثَّانِي مَصْدَرُهُ الْوَضَاءَةُ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فَعُولَةٌ فَعَالَةٌ لَفِعْلَا قَالَهُ ح ف وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَصْدَرُ وَضُؤَ يَكُونُ مَصْدَرًا سَمَاعِيًّا لِزِيَادَتِهِ عَنْ فِعْلِهِ وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ «هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» وَالْخَاصُّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ وَانْظُرْ هَلْ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ عَلَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنْ تَوَضَّأَ بِالْفِعْلِ أَوْ لَا بَلْ عَلَامَةٌ مُمَيِّزَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ غَيْرِهَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا وُضُوءٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ إنَّهُ خَاصٌّ بِمَنْ تَوَضَّأَ بِالْفِعْلِ وَنُقِلَ عَنْ الزَّنَاتِيِّ الْمَالِكِيِّ شَارِحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ هَذِهِ الْمَنْقَبَةُ عَلَامَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ تُمَيِّزُهَا عَنْ غَيْرِهَا تَوَضَّأَتْ أَوْ لَا تَشْرِيفًا لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَلَى قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إذَا وَضَّأَهُ الْغَاسِلُ بَعْدَ مَوْتِهِ هَلْ يُقَالُ إنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْفِعْلِ أَوْ لَا مَحَلُّ نَظَرٍ وَلَا يَبْعُدُ نَعَمْ خُصُوصًا إذَا عَوَّلْنَا عَلَى سَعَةِ الْفَضْلِ اهـ اج وَقُدِّمَ الْوُضُوءُ عَلَى الْغُسْلِ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ وَأُخِّرَ التَّيَمُّمُ عَنْهُمَا لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهُمَا قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ الْوُضُوءُ مِنْ حَيْثُ مَادَّتُهُ أَيْ هَذِهِ الْحُرُوفُ أَعْنِي حُرُوفَ الْوُضُوءِ تَارَةً تَكُونُ بِضَمِّ الْوَاوِ وَتَارَةً تَكُونُ بِفَتْحِهَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ وَهُوَ أَيْ الْوُضُوءُ بِضَمِّ الْوَاوِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ لِمُنَافَاةِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَبِفَتْحِهَا لَهُ وَلَا أَنْ يُقَالَ وَهُوَ أَيْ الْوُضُوءُ بِمَعْنَى اسْمِ الْآلَةِ لِمُنَافَاةِ قَوْلِهِ بِضَمِّ الْوَاوِ لَهُ قَوْلُهُ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ إلَخْ مَقْصُودُهُ تَفْسِيرُ الْفِعْلِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ فَلَيْسَ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ إلَخْ. اهـ. شَيْخُنَا قَوْلُهُ وَبِفَتْحِهَا وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْوُضُوءِ بِهَذِهِ بَلْ هِيَ جَارِيَةٌ فِيمَا كَانَ عَلَى وَزْنِ فَعُولٍ نَحْوُ طَهُورٍ وَسَحُورٍ. اهـ. ع ش قَوْلُهُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ أَيْ يُهَيَّأُ لِلْوُضُوءِ لَا كَالْبَحْرِ قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ لُغَةً إلَخْ قَوْلُهُ وَالضِّيَاءُ مِنْ ظُلْمَةِ إلَخْ كَأَنَّهُ ضَمَّنَهُ مَعْنَى الْخُلُوصِ مِنْ ظُلْمَةِ الذُّنُوبِ أَوْ مِنْ ظُلْمَةِ الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ الَّذِي يَقُومُ بِأَعْضَائِهِ لِأَنَّهُ ظُلْمَةٌ تَزُولُ بِالْوُضُوءِ فَعَدَّاهُ بِمِنْ كَمَا يُشَاهِدُهُ بَعْضُ أَهْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 مَخْصُوصَةٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالنِّيَّةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَسْحًا وَلَا تَنْظِيفَ فِيهِ، وَكَانَ وُجُوبُهُ مَعَ وُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي مُوجِبِهِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: الْحَدَثُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا. ثَانِيهَا: الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوِهَا. ثَالِثُهَا: هُمَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ. وَلَهُ شُرُوطٌ وَفُرُوضٌ وَسُنَنٌ. فَشُرُوطُهُ وَكَذَا الْغُسْلُ: مَاءٌ مُطْلَقٌ، وَمَعْرِفَةٌ أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَلَوْ ظَنًّا، وَعَدَمُ الْحَائِلِ، وَجَرْيُ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ وَعَدَمُ الْمُنَافِي مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ فِي غَيْرِ أَغْسَالِ الْحَجِّ وَنَحْوِهَا. وَمَسُّ ذَكَرٍ،   [حاشية البجيرمي] الْبَصَائِرِ قَوْلُهُ الذُّنُوبِ أَيْ الصَّغَائِرِ لِأَنَّهَا الَّتِي يُكَفِّرُهَا الْوُضُوءُ قَوْلُهُ أَفْعَالٌ مَخْصُوصَةٌ هَذَا التَّعْرِيفُ لَا يَشْمَلُ التَّرْتِيبَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ فِي التَّعْرِيفِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ التَّرْتِيبُ وَأُجِيبَ: بِأَنَّ قَوْلَهُ أَفْعَالٌ مَخْصُوصَةٌ أَيْ ذَاتًا أَوْ صِفَةً وَهِيَ تَقْدِيمُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فَيَدْخُلُ التَّرْتِيبُ ح ف قَوْلُهُ وَهُوَ تَعَبُّدِيٌّ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُنَاجَاةٌ لِلرَّبِّ تَعَالَى فَطُلِبَ التَّنْظِيفُ لِأَجْلِهَا وَإِنَّمَا اُخْتُصَّ الرَّأْسُ بِالْمَسْحِ لِسَتْرِهِ غَالِبًا فَاكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى طَهَارَةٍ وَخُصَّتْ الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَحَلُّ اكْتِسَابِ الْخَطَايَا أَوْ لِأَنَّ آدَمَ مَشَى إلَى الشَّجَرَةِ بِرِجْلَيْهِ وَتَنَاوَلَ مِنْهَا بِيَدِهِ وَأَكَلَ مِنْهَا بِفَمِهِ وَمَسَّ رَأْسُهُ وَرَقَهَا وَالتَّعَبُّدِيُّ أَفْضَلُ مِنْ مَعْقُولِ الْمَعْنَى لِأَنَّ الِامْتِثَالَ فِيهِ أَشَدُّ وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى الْحَدِيثِيَّةِ سُئِلَ هَلْ التَّعَبُّدِيُّ أَفْضَلُ أَوْ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ كَلَامُ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ التَّعَبُّدِيَّ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ لِمَحْضِ الِانْقِيَادِ بِخِلَافِ مَا ظَهَرَتْ عِلَّتُهُ فَإِنَّ مُلَابِسَهُ قَدْ يَفْعَلُهُ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ عِلَّتِهِ وَفَائِدَتِهِ قَوْلُهُ مَعَ وُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَقِيلَ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا وَفُرِضَ أَوَّلًا لِكُلِّ صَلَاةٍ ثُمَّ نُسِخَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ إلَّا مَعَ الْحَدَثِ وَالصَّلَاةُ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ فَرْضِ الْوُضُوءِ هَلْ كَانَ يَتَوَضَّأُ لَهَا أَوْ لَا وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ كَانَ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ هُنَا فُرِضَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَلَمْ يَقُولُوا شُرِعَ قَوْلُهُ: (وَفِي مُوجِبِهِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ سَبَبِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْجُهٌ) لَوْ قَالَ أَقْوَالٌ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَقْوَالَ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ، وَالْأَوْجُهُ لِلْمُجْتَهِدِ اجْتِهَادَ مَذْهَبٍ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ مُوجِبَهُ الْحَدَثُ وَالِانْقِطَاعُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ وَالْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ لِفَوْرِيَّتِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ) وَلَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ مَا إذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَفْعَلْهَا. قَوْلُهُ: (ثَالِثُهَا هُمَا) أَيْ الْحَدَثُ وَالْقِيَامُ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ الِانْقِطَاعُ فَمُوجِبُهُ مَجْمُوعُ أَمْرَيْنِ: الْحَدَثُ بِشَرْطِ الِانْقِطَاعِ، وَالْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (فَشُرُوطُهُ) هِيَ اثْنَا عَشَرَ فِي السَّلِيمِ، وَيَزِيدُ السَّلَسُ بِثَلَاثَةٍ أُخَرَ فَشُرُوطُ وُضُوءِ السَّلَسِ خَمْسَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْغُسْلُ) بِالْجَرِّ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: وَكَذَا شُرُوطُ الْغُسْلِ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَا قَبْلَهُ وَمَاءٌ مُطْلَقٌ مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرُ الْأَوَّلِ أَيْ فَشُرُوطُهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ إلَخْ وَالْغُسْلُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مَاءٌ مُطْلَقٌ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِبَاهِ. قَوْلُهُ: (وَمَعْرِفَةُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَلَوْ ظَنًّا) هَذَا إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ اشْتِبَاهٌ يَكْفِي اسْتِصْحَابُ الْإِطْلَاقِ وَلَا يُشْتَرَطُ ظَنُّهُ اهـ. م د. وَمُرَادُهُ بِالْمَعْرِفَةِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ غَايَةً. قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ الْحَائِلِ) كَدُهْنٍ جَامِدٍ. أَمَّا الْمَائِعُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَسَّ الْمَاءِ لِلْعُضْوِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ شَوْكَةٌ لَوْ أُزِيلَتْ لَمْ يَلْتَئِمْ مَحَلُّهَا وَغُبَارٌ عَلَى عُضْوٍ لَا عَرَقَ مُتَجَمِّدٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ الْقَفَّالُ: تَرَاكُمُ الْوَسَخِ عَلَى الْعُضْوِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوُضُوءِ، وَلَا النَّقْضُ بِلَمْسِهِ يَتَعَيَّنُ فَرْضُهُ فِيمَا إذَا صَارَ جُزْءًا مِنْ الْبَدَنِ، إذْ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ عَنْهُ. وَالْمُرَادُ بِصَيْرُورَتِهِ كَالْجُزْءِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، وَمِنْهُ وَسَخٌ تَحْتَ الْأَظَافِرِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِمَنْعِهِ وُصُولَ الْمَاءِ وَقَشَفٌ مَيِّتٌ مُتَرَاكِمٌ وَرَمَصٌ فِي الْعَيْنِ وَلَيْسَ مِنْهُ طَبُوعٌ عَسَرَ زَوَالُهُ فَيُعْفَى عَنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل. نُكْتَةٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُتَصَوَّرُ صِحَّةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَعَلَى بَدَنِهِ شَيْءٌ لَاصِقٌ بِهِ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَصُورَتُهُ فِي الْوَسَخِ الَّذِي نَشَأَ مِنْ بَدَنِهِ وَهُوَ الْعَرَقُ الَّذِي يَتَجَمَّدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْ الْغُبَارِ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَلَا يَضُرُّ لَوْنُ صِبْغٍ وَحِنَّاءٍ وَلَا دُهْنُ لَا جِرْمَ لَهُ كَشَيْرَجٍ ق ل. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهَا) كَالْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ وَكَغُسْلِ الْعِيدَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَمَسُّ ذَكَرٍ) لَوْ قَالَ فَرْجٍ لَكَانَ أَعَمَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَعَدَمُ الصَّارِفِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِدَوَامِ النِّيَّةِ، وَإِسْلَامٌ وَتَمْيِيزٌ وَمَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي الصَّلَاةِ، وَأَنْ يَغْسِلَ مَعَ الْمَغْسُولِ جُزْءًا يَتَّصِلُ بِالْمَغْسُولِ وَيُحِيطُ بِهِ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ اسْتِيعَابُ الْمَغْسُولِ وَتَحَقُّقُ الْمُقْتَضِي لِلْوُضُوءِ، فَلَوْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَنْ يَغْسِلَ مَعَ الْمَغْسُولِ مَا هُوَ مُشْتَبَهٌ بِهِ، فَلَوْ خُلِقَ لَهُ وَجْهَانِ أَوْ يَدَانِ أَوْ رِجْلَانِ وَاشْتَبَهَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ وَجَبَ غَسْلُ الْجَمِيعِ وَيَزِيدُ وُضُوءُ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ بِاشْتِرَاطِ دُخُولِ الْوَقْتِ وَلَوْ ظَنًّا، وَتَقَدَّمَ الِاسْتِنْجَاءُ وَالتَّحَفُّظُ حَيْثُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوُضُوءِ. وَأَمَّا فُرُوضُهُ؛ فَذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَفُرُوضُ الْوُضُوءِ) جَمْعُ فَرْضٍ وَهُوَ وَالْوَاجِبُ مُتَرَادِفَانِ إلَّا فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْحَجِّ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (بِدَوَامِ النِّيَّةِ) أَيْ حُكْمًا. قَوْلُهُ: (وَإِسْلَامٌ) مُرَادُهُ شُرُوطُ الْغُسْلِ الَّذِي هُوَ عِبَادَةٌ كَامِلَةٌ، فَلَا يَرِدُ غُسْلُ الذِّمِّيَّةِ لِتَحِلَّ لِحَلِيلِهَا. وَقَوْلُهُ: (وَتَمْيِيزٌ) يُسْتَثْنَى غَيْرُ الْمُمَيِّزِ إذَا وَضَّأَهُ وَلِيُّهُ فِي الْحَجِّ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَمَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ) أَيْ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ نَفْلًا شَرَحَ م ر. وَقَدْ يُقَالُ هَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَعْرِفَتِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْرِفُ الْكَيْفِيَّةَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ اهـ. م د. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ؛ لِأَنَّ هَيْئَةَ الشَّيْءِ صِفَتُهُ فَصِفَةُ الْوُضُوءِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي الْوَجْهِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ الرَّأْسِ ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ، لَا أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفَرْضٍ سُنَّةً إذْ هَذَا زَائِدٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْكَيْفِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ أَيْضًا فَتَفْسِيرُ الْهَيْئَةِ بِهِ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُمَيِّزَ فَرَائِضَهُ مِنْ سُنَنِهِ أَوْ يَعْتَقِدَ أَنَّ فِيهِ فَرْضًا وَسُنَّةً وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ، أَوْ يَعْتَقِدَ أَنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا فُرُوضٌ هَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ؛ وَالْمُضِرُّ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ فِيهِ فُرُوضًا وَسُنَنًا، وَيَعْتَقِدَ أَنَّ الْفَرْضَ سُنَّةٌ وَهَذَا تَفْصِيلٌ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ. أَمَّا الْعَالِمُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّمْيِيزِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَغْسِلَ إلَخْ) فِي عَدِّهِ شَرْطًا نَظَرٌ، بَلْ هُوَ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: وَأَنْ يَغْسِلَ مَعَ الْمَغْسُولِ جُزْءًا إلَخْ. رَدَّهُ م ر بِأَنَّهُ بِالرُّكْنِ أَشْبَهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَتَحَقُّقُ الْمُقْتَضِي إلَخْ بِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ عِنْدَ التَّبَيُّنِ أَيْ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَأَنْ يَغْسِلَ مَعَ الْمَغْسُولِ مَا هُوَ مُشْتَبَهٌ بِهِ رَدَّهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ بِالرُّكْنِ أَشْبَهُ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَحَقُّقُ الْمُقْتَضِي إلَخْ) فِي كَوْنِهِ شَرْطًا نَظَرٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوُضُوءِ حَالَ الشَّكِّ، وَتَبَيَّنَ بُطْلَانَهُ عِنْدَ تَبَيُّنِ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا لَا يَقْتَضِي أَنَّ حُصُولَ التَّحَقُّقِ عِنْدَ الْوُضُوءِ شَرْطٌ، فَلَوْ أَبْدَلُوا هَذَا بِأَنْ يَقُولُوا: وَوُجُودُ الْمُقْتَضِي لَكَانَ أَنْسَبَ. وَقَوْلُهُ: (فَلَوْ شَكَّ) إلَخْ. أَيْ فَهُوَ مُتَيَقِّنٌ لِلطَّهَارَةِ وَشَاكٌّ فِي الْحَدَثِ، وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ فَوُضُوءُهُ لِلِاحْتِيَاطِ، وَسَيَأْتِي وُضُوحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ تَوَضَّأَ الشَّاكُّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) أَيْ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ ذَلِكَ صَحَّ وُضُوءُهُ وَيَكُونُ لِلِاحْتِيَاطِ. قَوْلُهُ: (وَاشْتَبَهَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ) وَيُعْرَفُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الزَّائِدِ بِأَنْ يُولَدَ بِهِمَا أَوْ يُولَدَ بِوَاحِدٍ ثُمَّ يُخْلَقُ لَهُ آخَرُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ، فَمَا وُلِدَ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلِيٌّ وَمَا حَدَثَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ هُوَ الزَّائِدُ، وَتَارَةً يُشْتَبَهُ بِالْأَصْلِيِّ، وَتَارَةً لَا فَتَأَمَّلْ، وَرَاجِعْ. وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ: وَيُكْتَفَى بِالنِّيَّةِ عِنْدَ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ أَحَدِهِمَا إنْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ وَعِنْدَ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ اشْتَبَهَ الزَّائِدُ بِالْأَصْلِيِّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ فِي غَسْلِ وَجْهَيْهِ فِي صُورَةِ مَا لَوْ اشْتَبَهَا بِمَاءٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ غَسَلَ أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ بِمَاءٍ، ثُمَّ غَسَلَ بِهِ الثَّانِيَ اكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْأَوَّلَ، فَالثَّانِي بِاعْتِبَارِ نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ فَلَا يَضُرُّ كَوْنُ غَسْلِهِ بِمُسْتَعْمَلٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلِيُّ هُوَ الثَّانِيَ فَغَسْلُ الْأَوَّلِ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا لِانْتِفَاءِ الْأَصَالَةِ عَنْ الْمَغْسُولِ، فَإِذَا غَسَلَ بِهِ الثَّانِي ارْتَفَعَ حَدَثُهُ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ غَسْلُ كُلٍّ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْأَصْلِيِّ. اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (حَيْثُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ) حَيْثِيَّةُ تَقْيِيدٍ؛ لِأَنَّهُ قُيِّدَ فِي التَّحَفُّظِ، وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلِاسْتِنْجَاءِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا كَانَ حَدَثُهُ الدَّائِمُ رِيحًا إذْ لَا اسْتِنْجَاءَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ الْوُضُوءِ) وَكَذَا بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ أَيْضًا، وَهَذَا فِي سَلَسِ نَحْوِ الْبَوْلِ كَالْمَذْيِ أَمَّا سَلَسُ الرِّيحِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ، وَبَيْنَ الصَّلَاةِ لَا بَيْنَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ سم. قَوْلُهُ: (وَفُرُوضُ الْوُضُوءِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوُضُوءُ مَنْدُوبًا أَيْ أَرْكَانُهُ، إذْ الْفَرْضُ وَالرُّكْنُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَآثَرَ الْفَرْضَ هُنَا وَفِي الصَّلَاةِ الْأَرْكَانَ لَعَلَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ تَفْرِيقُ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ كَانَتْ كَحَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 كَمَا سَتَعْرِفُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هُنَاكَ. وَقَوْلُهُ: (سِتَّةٌ) خَبَرُ فُرُوضٍ زَادَ بَعْضُهُمْ سَابِعًا وَهُوَ الْمَاءُ الطَّهُورُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ شَرْطٌ كَمَا مَرَّ، وَاسْتُشْكِلَ بِعَدِّ التُّرَابِ رُكْنًا فِي التَّيَمُّمِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ ضَرُورَةً. الْأَوَّلُ مِنْ الْفُرُوضِ: (النِّيَّةُ) لِرَفْعِ حَدَثٍ عَلَيْهِ أَيْ رَفْعِ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ لَا يَرْتَفِعُ وَذَلِكَ كَحُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ لِمَاسِحِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْوُضُوءِ رَفْعُ الْمَانِعِ، فَإِذَا نَوَاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْمَقْصُودِ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا عَلَيْهِ مَا لَوْ نَوَى غَيْرَهُ، كَأَنْ بَالَ وَلَمْ يَنَمْ فَنَوَى رَفْعَ حَدَثِ النَّوْمِ،   [حاشية البجيرمي] مُرَكَّبَةٍ مِنْ أَجْزَاءٍ، فَنَاسَبَ عَدُّ أَجْزَائِهَا أَرْكَانًا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ مِنْهُ كَغَسْلِ الْوَجْهِ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، وَيَجُوزُ تَفْرِيقُ أَفْعَالِهِ فَلَا تَرْكِيبَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْحَجِّ) يُوهِمُ أَنَّ بَعْضَ أَحْكَامِ الْحَجِّ يَتَّحِدُ فِيهِ الْفَرْضُ، وَالْوَاجِبُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْفَرْضُ مُطْلَقًا هُنَاكَ خِلَافُ الْوَاجِبِ فَالْأَوْلَى حَذْفُ بَعْضَ. قَوْلُهُ: (سِتَّةٌ) أَرْبَعَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاثْنَانِ بِالسُّنَّةِ وَهُمَا النِّيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ، وَعَدُّهَا سِتَّةً عِنْدَنَا خِلَافًا لِلسَّادَةِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَلَمْ يَعُدُّوا الْمَاءَ رُكْنًا هُنَا مَعَ عَدِّ التُّرَابِ رُكْنًا فِي التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ خَاصٍّ بِالْوُضُوءِ بِخِلَافِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالتَّيَمُّمِ. وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ الْمُغَلَّظَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ فِيهَا وَحْدَهُ بَلْ الْمَاءُ بِشَرْطِ امْتِزَاجِهِ بِالتُّرَابِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: إنَّهُ لَا يَحْسُنُ عَدُّ التُّرَابِ رُكْنًا؛ لِأَنَّ الْآلَةَ جِسْمٌ وَالْفِعْلَ عَرَضٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْجِسْمُ جُزْءًا مِنْ الْعَرَضِ شَرَحَ م ر. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الرُّكْنَ اسْتِعْمَالُهُ لَا ذَاتُهُ فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَحْكَامِ إنَّمَا هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ لَا الْأَعْيَانِ. قَوْلُهُ: (خَبَرُ فُرُوضٍ) فَإِنْ قِيلَ: دَلَالَةُ الْعَامِّ كُلِّيَّةٌ مَحْكُومٌ فِيهَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مُطَابَقَةً وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي انْقِسَامَ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى سِتَّةٍ خُصُوصًا، وَقَدْ قِيلَ إنَّ أَفْرَادَ الْجَمْعِ جُمُوعٌ فَيَجْتَمِعُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ. يُقَالُ فِي الْجَوَابِ: إنَّ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ أَوْ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجْمُوعِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: رِجَالُ الْبَلَدِ يَحْمِلُونَ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ أَيْ مَجْمُوعُهُمْ لَا كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ م ر. قَوْلُهُ: (طَهَارَةٌ ضَرُورَةً) أَيْ فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهَا عَلَيْهَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِكَوْنِهَا طَهَارَةً ضَرُورَةً أَنَّهَا تَحْتَاجُ لِلتَّقْوِيَةِ فَجَعَلْنَا التُّرَابَ رُكْنًا تَقْوِيَةً لِطَهَارَةِ الضَّرُورَةِ، وَقَدْ يُقَالُ: كَوْنُهَا طَهَارَةً ضَرُورَةً أَوْ غَيْرَ ضَرُورَةٍ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الرُّكْنِيَّةِ وَعَدَمِهَا، فَالْأَوْلَى الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمَاءَ لَمَّا كَانَ غَيْرَ خَاصٍّ بِطَهَارَةِ الْحَدَثِ لَمْ يُعَدَّ رُكْنًا بِخِلَافِ التُّرَابِ اهـ. سم. قَوْلُهُ: (لِرَفْعِ حَدَثٍ) اللَّامُ زَائِدَةٌ لِلتَّقْوِيَةِ أَيْ نِيَّةُ رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ كَنِيَّةِ الطَّهَارَةِ عَنْهُ أَوَّلَهُ أَوْ لِأَجْلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدَثِ هُنَا السَّبَبُ بِدَلِيلِ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ فِي قَوْلِهِ أَيْ رُفِعَ حُكْمُهُ. وَلَوْ أَرَادَ الْمَعْنَيَيْنِ الْآخَرَيْنِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ كَأَنْ بَالَ وَلَمْ يَنَمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدَثِ هُنَا أَحَدُ الْأَسْبَابِ لَا الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ، وَلَا الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَالَ: نَوَيْت رَفْعَ الْحَدَثِ، فَالْمُرَادُ رَفْعُ حُكْمِهِ وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ هَذَا الْمَعْنَى، فَلَوْ أَرَادَ بِالْحَدَثِ نَفْسَ السَّبَبِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ لَا يَرْتَفِعُ ح ل وَع ش بِالْمَعْنَى. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ صُوَرِ النِّيَّةِ سَبْعَةٌ: نِيَّةُ الرَّفْعِ، وَنِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ، وَنِيَّةُ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ وَنِيَّةُ أَدَاءِ فَرْضِ الْوُضُوءِ، وَنِيَّةُ الْوُضُوءِ فَقَطْ، وَنِيَّةُ أَدَاءِ الْوُضُوءِ، وَنِيَّةُ فَرْضِ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْوَاقِعَ) وَهُوَ السَّبَبُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الْمَنْعُ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمُ قَوْلُهُ: (كَحُرْمَةِ الصَّلَاةِ) أَوْ غَيْرِهَا كَالطَّوَافِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْكَافِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِمَاسِحِ الْخُفِّ) غَايَةٌ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَسْحَ رَافِعٌ لَا مُبِيحٌ فَأَتَى بِهِ لِدَفْعِ أَنَّهُ كَالتَّيَمُّمِ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَيْ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوُضُوءِ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ صَحَّ الْوُضُوءُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لَهُ أَيْ لِلْوُضُوءِ؟ . وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف: لَمَّا كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي يُنْوَى هُوَ الْوُضُوءَ فَيُتَوَهَّمُ أَنَّ نِيَّةَ الرَّفْعِ لَا تَكْفِي دَفْعَ ذَلِكَ بِهَذَا التَّعْلِيلِ. وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ نِيَّةَ الرَّفْعِ تَشْتَمِلُ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْوُضُوءِ، فَإِذَا نَوَى الرَّفْعَ فَقَدْ نَوَى الْوُضُوءَ مِنْ حَيْثُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا نَوَاهُ) أَيْ رَفْعَ الْحَدَثِ. وَقَوْلُ الْمَدَابِغِيِّ أَيْ رَفْعَ الْحُكْمِ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الشَّارِحِ بَعْدُ كَأَنْ بَالَ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (تَعَرَّضَ لِلْمَقْصُودِ) أَيْ وَهُوَ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْمَقْصُودِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مُلَاحَظَةُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فَإِنْ كَانَ عَامِدًا لَمْ يَصِحَّ أَوْ غَالِطًا صَحَّ. وَضَابِطُ مَا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهِ وَمَا لَا يَضُرُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَنَّ مَا يُعْتَبَرُ التَّعَرُّضُ لَهُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا أَوْ جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهِ، وَمَا لَا يَضُرُّ مِنْ الصَّوْمِ إلَى الصَّلَاةِ وَعَكْسُهُ، وَالثَّانِي كَالْغَلَطِ فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ، وَمَا لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا لَا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهِ كَالْخَطَأِ هُنَا. وَفِي تَعْيِينِ الْمَأْمُومِ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ التَّعَرُّضُ لِلْإِمَامَةِ، أَمَّا إذَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لَهَا كَإِمَامِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَيْ الْأَعْمَالُ الْمُعْتَدُّ بِهَا شَرْعًا وَحَقِيقَتُهَا لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا قَصْدًا   [حاشية البجيرمي] قَالَ: نَوَيْت الْوُضُوءَ أَوْ فَرْضَ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ بَالَ وَلَمْ يَنَمْ) تَمْثِيلُهُ بِمَا يَتَأَتَّى لَيْسَ قَيْدًا حَتَّى لَوْ نَوَى مَا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ كَنِيَّةِ رَفْعِ حَدَثِ الْحَيْضِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ غَالِطًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْغَلَطَ يَسْتَدْعِي شُغْلَ الْفِكْرِ بِمَعْهُودٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْهُودٍ فِي حَقِّ الرَّجُلِ؟ . وَأُجِيبَ: بِمَا إذَا كَانَ خُنْثَى وَاتَّضَحَ بِالذُّكُورَةِ، فَأَرَادَ رَفْعَ حَدَثِ الْبَوْلِ فَسَبَقَ فَكُرِهَ لِحَدَثِ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (حَدَثَ النَّوْمِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (فَالْأَوَّلُ كَالْغَلَطِ مِنْ الصَّوْمِ إلَى الصَّلَاةِ) فَإِنَّ الصَّوْمَ يُشْتَرَطُ قَصْدُهُ فَفِيهِ التَّعَرُّضُ جُمْلَةً بِكَوْنِهِ صَوْمًا وَتَفْصِيلًا بِكَوْنِهِ عَنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً. فَإِذَا أَخْطَأَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ ضَرَّ وَمِثْلُهُ الصَّلَاةُ. قَوْلُهُ: (وَعَكْسُهُ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ الصَّلَاةَ يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهَا جُمْلَةً مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. وَقَوْلُهُ: (كَالْغَلَطِ مِنْ الصَّوْمِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الْغَلَطَ لَيْسَ مِثَالًا لِلْأَوَّلِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَالصَّوْمِ إذَا غَلِطَ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ: (كَالْغَلَطِ فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ) فَإِنَّ الْقُدْوَةَ يُعْتَبَرُ التَّعَرُّضُ لَهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِلْمُقْتَدَى بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُ، لَكِنْ لَوْ عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ أَضَرَّ حَيْثُ لَا إشَارَةَ لِرَبْطِهِ صَلَاتَهُ بِغَيْرِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ أَيْضًا: (فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ أَيْ فِي تَعْيِينِ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ كَأَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَبَانَ عَمْرًا. قَوْلُهُ: (كَالْخَطَأِ هُنَا) أَيْ فِي الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا بِكَوْنِهِ حَدَثَ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي نَوَيْت فَرْضَ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (وَفِي تَعْيِينِ الْمَأْمُومِ) مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ أَيْضًا أَيْ تَعْيِينِ الْإِمَامِ الْمَأْمُومِينَ أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ التَّعَرُّضُ لِلْمَأْمُومِينَ لَا إجْمَالًا وَلَا تَفْصِيلًا، فَلَوْ عَيَّنَ الْمَأْمُومِينَ وَتَبَيَّنَ خِلَافُ مَا عَيَّنَهُ لَا يَضُرُّ. وَقَوْلُهُ: (حَيْثُ) هَذِهِ حَيْثِيَّةُ تَقْيِيدٍ. وَقَوْلُهُ: (كَإِمَامِ الْجُمُعَةِ) بِأَنْ قَالَ: نَوَيْت أُصَلِّي بِأَهْلِ سَعْدٍ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَرَامٍ، فَإِنَّهُ يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهِ. وَمِثْلُ الْجُمُعَةِ الْمُعَادَةُ وَالْمَجْمُوعَةُ بِالْمَطَرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ وَالْمَنْذُورُ جَمَاعَتُهَا، وَلَكِنْ تَصِحُّ فُرَادَى مَعَ الْحُرْمَةِ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا الْأَعْمَالُ) أَيْ صِحَّتُهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَيْ كَمَالُهَا فَتَصِحُّ عِنْدَهُ الْوَسَائِلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. وَالْجَوَابُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ تَقْدِيرَ الصِّحَّةِ أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الذَّاتِ مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ مَا انْتَفَتْ صِحَّتُهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا، فَكَأَنَّ ذَاتَهُ مَعْدُومَةٌ بِخِلَافِ مَا انْتَفَى كَمَالُهُ فَيُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا، فَكَانَتْ ذَاتُهُ مَوْجُودَةً ع ش عَلَى م ر. مَعَ زِيَادَةٍ، وَانْظُرْ لِمَ تَرَكَ الشَّارِحُ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] مَعَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ، وَالْحَدِيثُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالتَّقْدِيرِ كَمَا عَلِمْت فَهِيَ حِينَئِذٍ أَحْرَى مَعْنًى فَتَأَمَّلْ وَلَعَلَّهُ تَرَكَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ نَصًّا فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ، وَخُرُوجُ بَعْضِ الْأَعْمَالِ عَنْ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِيهِ إمَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ أَوْ اسْتِحَالَةٍ وَنَحْوِهَا وَكَمُعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَوَقَّفَتْ عَلَى النِّيَّةِ مَعَ أَنَّ النِّيَّةَ قَصْدُ الْمَنْوِيِّ بِالْقَلْبِ وَلَا يُقْصَدُ إلَّا مَا يُعْرَفُ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ عَارِفًا بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ مَعْرِفَتِهِ لَهُ فَيَكُونُ عَارِفًا بِهِ غَيْرَ عَارِفٍ بِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا ثَوَابَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ يَتْبَعُ النِّيَّةَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَرَافِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ فِي إزَالَةِ الْخَبَثِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التُّرُوكِ كَالزِّنَا، فَتَارِكُ الزِّنَا مِنْ حَيْثُ إسْقَاطُ الْعِقَابِ لَا يَحْتَاجُهَا وَمِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُ الثَّوَابِ عَلَى التَّرْكِ يَحْتَاجُهَا، وَكَذَا إزَالَةُ الْخَبَثِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ التَّطَهُّرُ، وَيَحْتَاجُهَا مِنْ حَيْثُ الثَّوَابُ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِ الشَّارِعِ. وَآثَرَ ذِكْرَ الْأَعْمَالِ عَلَى ذِكْرِ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَمَلِ أَخَصُّ مِنْ لَفْظِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 لِشَيْءٍ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ. وَحُكْمُهَا الْوُجُوبُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ. وَالْمَقْصُودُ بِهَا تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ كَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ لِلِاعْتِكَافِ تَارَةً وَلِلِاسْتِرَاحَةِ أُخْرَى، أَوْ تَمْيِيزُ رُتَبِهَا كَالصَّلَاةِ تَكُونُ لِلْفَرْضِ تَارَةً وَلِلنَّفْلِ أُخْرَى. وَشَرْطُهَا إسْلَامُ النَّاوِي وَتَمْيِيزُهُ، وَعِلْمُهُ بِالْمَنْوِيِّ، وَعَدَمُ إتْيَانِهِ بِمَا يُنَافِيهَا بِأَنْ يَسْتَصْحِبَهَا حُكْمًا، وَأَنْ لَا تَكُونَ مُعَلَّقَةً، فَلَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ صَحَّتْ. وَوَقْتُهَا أَوَّلُ الْفُرُوضِ كَأَوَّلِ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبُوا الْمُقَارَنَةَ فِي الصَّوْمِ لِعُسْرِ مُرَاقَبَةِ الْفَجْرِ وَتَطْبِيقِ النِّيَّةِ عَلَيْهِ. وَكَيْفِيَّتُهَا تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَبْوَابِ، فَيَكْفِي هُنَا نِيَّةُ رَفْعِ حَدَثٍ كَمَا مَرَّ، أَوْ نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ شَيْءٍ مُفْتَقِرٍ إلَى وُضُوءٍ كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَمَسِّ   [حاشية البجيرمي] يُنْسَبُ لِلْبَهَائِمِ وَالْجَمَادَاتِ كَمَا يُنْسَبُ إلَى ذَوِي الْعُقُولِ، بِخِلَافِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَصْدُ حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: قُلْت لَفْظُ الْعَمَلِ لَفْظُ الْعِلْمِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَاهُ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ الْعَمَلُ فِي الْحَيَوَانِ إلَّا فِي قَوْلِهِمْ الْبَقَرُ وَالْإِبِلُ الْعَوَامِلُ. وَأَمَّا الصُّنْعُ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ إلَّا لِمَا كَانَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِقَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ بَعْدَ ذِكْرٍ وَتَحَرٍّ. قَوْلُهُ: (بِالنِّيَّاتِ) جَمْعُ نِيَّةٍ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ نَوَى بِمَعْنَى قَصَدَ، وَالْأَصْلُ نَوِيَّةٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ وَتَخْفِيفُهَا لُغَةً مِنْ وَنَى يَنِي إذَا أَبْطَأَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي تَصْحِيحِهَا إلَى نَوْعِ إبْطَاءٍ، وَأَلْ بَدَلٌ عَنْ الضَّمِيرِ أَيْ بُنْيَانُهَا فَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْعَمَلِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (بِفِعْلِهِ) أَيْ الشَّيْءِ فَإِنْ تَرَاخَى أَيْ الْفِعْلُ عَنْهُ أَيْ عَنْ الْقَصْدِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ أَيْ بِأَوَّلِ فِعْلِهِ، أَوْ الْمُرَادُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِهِ لَكِنَّ اقْتِرَانَهَا بِالْأَوَّلِ حَقِيقَةً وَبِمَا سِوَاهُ حُكْمًا. وَفِي قَوْلِهِ بِفِعْلِهِ إضَافَةُ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْهَاءَ عَائِدَةٌ لِلشَّيْءِ وَهُوَ فِعْلٌ أَيْضًا. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُضَافَ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَالْفِعْلُ الْمُضَافُ إلَيْهِ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ، وَاعْتِبَارُ الِاقْتِرَانِ فِي تَعْرِيفِ النِّيَّةِ مُشْكِلٌ لِتَحَقُّقِهَا بِدُونِهِ فِي الصَّوْمِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا رَسْمًا اُعْتُبِرَ فِيهِ لَازِمٌ غَالِبِيٌّ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ حَقِيقَتُهَا لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ، أَوْ يَلْتَزِمُ أَنَّ السَّابِقَ فِي الصَّوْمِ لَيْسَ بِنِيَّةٍ بَلْ هُوَ عَزْمٌ اكْتَفَى بِهِ لِلضَّرُورَةِ سم عَلَى الْبَهْجَةِ ع ش عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَحُكْمُهَا الْوُجُوبُ) أَيْ غَالِبًا، وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً كَمَا فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ) نَعَمْ يُسَنُّ التَّلَفُّظُ بِهَا فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر لِيُسَاعِدَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ. فَائِدَةٌ: فِي الزَّرْقَانِيُّ عَلَى الْمَوَاهِبِ مَا نَصُّهُ: وَذَكَرَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ أَنَّ لِلْقَلْبِ أُذُنَيْنِ يَسْمَعُ بِهِمَا كَمَا أَنَّ فِي الرَّأْسِ أُذُنَيْنِ وَلِلْقَلْبِ عَيْنَيْنِ، كَمَا أَنَّ لِلْبَدَنِ عَيْنَيْنِ قَالَهُ الرَّاغِبُ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْبُوصِيرِيُّ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى بُرْدَتِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَمَا لِعَيْنَيْك إنْ قُلْت اكْفُفَا هَمَّتَا إلَخْ مَا نَصُّهُ: وَيُقَالُ إنَّ الْعَيْنَيْنِ لَا يَبْكِيَانِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكٌ مِنْ اللَّهِ فَيَمْسَحَ الْقَلْبَ بِجَنَاحِهِ فَتَبْكِي عَيْنَا قَلْبِهِ فَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي عَيْنَيْ رَأْسِهِ. قَوْلُهُ: (رَتَّبَهَا) أَيْ الْعِبَادَاتِ. قَوْلُهُ: (تَكُونُ لِلْفَرْضِ تَارَةً إلَخْ) لَوْ قَالَ تَكُونُ تَارَةً فَرْضًا وَتَارَةً نَفْلًا لَكَانَ أَحْسَنَ. اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (إسْلَامُ النَّاوِي) أَيْ إنْ كَانَتْ لِلتَّقَرُّبِ فَإِنْ كَانَتْ لِلتَّمْيِيزِ صَحَّتْ مِنْ الْكَافِرِ كَنِيَّةِ الذِّمِّيَّةِ الْغُسْلَ مِنْ الْحَيْضِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَتَمْيِيزُهُ) إنْ كَانَ هُوَ النَّاوِي فَلَا يَرِدُ وُضُوءُ الْوَلِيِّ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ فِي الْحَجِّ لِيَطُوفَ بِهِ، وَلَا الزَّوْجِ فِي غُسْلِ الْمَجْنُونَةِ مِنْ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَطْلَقَ) بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ إنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَطْلَقَ وَقَعَ أَوْ التَّعْلِيقَ فَلَا. أَيْ فَاحْتَاطُوا فِي الْبَابَيْنِ وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِبَادَةِ. قَوْلُهُ: (أَوَّلُ الْفُرُوضِ) لَوْ قَالَ أَوَّلُ الْعِبَادَاتِ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبُوا الْمُقَارَنَةَ) بَلْ لَمْ يُجَوِّزُوهَا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (لِعُسْرِ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ وَرَاعَى طُلُوعَ الْفَجْرِ وَقَارَنَهُ صَحَّ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيمِ. وَعِبَارَةُ سم، فَإِنْ قُلْت: هَلَّا جَوَّزُوا الْمُقَارَنَةَ؟ . قُلْت: لَمْ يُجَوِّزُوهَا؛ لِأَنَّهَا تُصَيِّرُهَا مَظِنَّةً لِلْخَطَأِ بِالتَّأْخِيرِ فَأَوْجَبُوا التَّقْدِيمَ لِلِاحْتِيَاطِ اهـ. . قَوْلُهُ: (تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَبْوَابِ) وَبَيَانُهُ أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ إنَّمَا يُطْلَبُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَإِذَا نَوَاهَا فَقَدْ نَوَى غَايَةَ الْقَصْدِ أَوْ أَدَاءَ فَرْضِ الْوُضُوءِ أَوْ فَرْض الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ صَبِيًّا أَوْ أَدَاءَ الْوُضُوءِ أَوْ الْوُضُوءَ فَقَطْ لِتَعَرُّضِهِ لِلْمَقْصُودِ، فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ. تَنْبِيهٌ: مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ مَحَلُّهُ فِي الْوُضُوءِ غَيْرُ الْمُجَدَّدِ، أَمَّا الْمُجَدَّدُ فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِنِيَّةِ الرَّفْعِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ.   [حاشية البجيرمي] كَيْفِيَّتَهَا فِي الْوُضُوءِ اسْتِحْضَارُ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَقَصْدُ غَسْلِهَا عِنْدَ مُمَاسَّةِ الْمَاءِ لِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهَا. وَفِي الصَّلَاةِ اسْتِحْضَارُ سُورَتِهَا وَأَرْكَانِهَا وَهَيْئَاتِهَا وَقَصْدُ إيقَاعِ ذَلِكَ عِنْدَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهَا وَهُوَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَكَيْفِيَّتُهَا فِي الْأَوَّلِ غَيْرُهَا فِي الثَّانِي. قَوْلُهُ: (أَوْ نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ إلَخْ) قَرَّرَ الزِّيَادِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُفْتَقِرُ إلَى الْوُضُوءِ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَبِيحَهُ النَّاوِي فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْمَرْأَةِ اسْتِبَاحَةَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (مُفْتَقِرٌ إلَى وُضُوءٍ) أَيْ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا يَفْتَقِرُ إلَى وُضُوءٍ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَيْهِ النَّاوِي فَيَصِحُّ نِيَّةُ صَبِيٍّ اسْتِبَاحَةَ مَسِّ الْمُصْحَفِ مَا لَمْ يَقْصِدْ لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ لِهَذَا الْقَيْدِ، وَيَصِحُّ الْوُضُوءُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَيْ الْكُلِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مُفْتَقِرٍ إلَى وُضُوءٍ أَيْضًا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (كَالصَّلَاةِ إلَخْ) كَأَنْ قَالَ نَوَيْت اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ مَسَّ الْمُصْحَفِ. قَالَ شَيْخُنَا: كَابْنِ حَجَرٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: نَوَيْت اسْتِبَاحَةَ مُفْتَقِرٍ إلَى وُضُوءٍ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ شَيْءٌ مِنْ مُفْرَدَاتِهِ وَكَوْنُ نِيَّتِهِ حِينَئِذٍ تَصْدُقُ بِنِيَّةٍ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِمَّا يَفْتَقِرُ لَهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنٌ لِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ، وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ نَوَى بِوُضُوئِهِ مَا لَا يَتَأَتَّى لَهُ فِعْلُهُ حَالًا كَالطَّوَافِ وَهُوَ بِمِصْرَ مَثَلًا أَوْ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي نَحْوِ رَجَبٍ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِأَنْ يَقُولَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ لِتَلَاعُبِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الْمُتَصَرِّفِينَ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ الصِّحَّةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَاجِزًا وَقْتَ النِّيَّةِ ثُمَّ عَرَضَتْ لَهُ الْقُدْرَةُ بَعْدُ بِأَنْ صَارَ مُتَصَرِّفًا أَوْ اتَّفَقَ لَهُ مَنْ يُوصِلُهُ لَمْ يَصِحَّ لِفَسَادِ النِّيَّةِ عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا وَمَا وَقَعَ بَاطِلًا لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا. وَشَمِلَ أَيْضًا مَا لَوْ نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَلَا يُصَلِّيَ بِهِ غَيْرَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِهِ رَفْعَ حَدَثٍ بِالنِّسْبَةِ لِصَلَاةٍ دُونَ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ لَا يَتَجَزَّأُ إذَا بَقِيَ بَعْضُهُ بَقِيَ كُلُّهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ شَرَحَ. م ر. قَوْلُهُ: (غَايَةَ الْقَصْدِ) أَيْ الْمَقْصُودَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَنِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ غَايَةُ نِيَّةِ الرَّفْعِ وَنِهَايَتُهَا، فَهِيَ نِهَايَةُ الْمَقْصُودِ، فَفِي الْمَقَامِ مَقْصُودٌ وَغَايَةٌ، فَنِيَّةُ الرَّفْعِ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِلْمَقْصُودِ وَالْغَايَةُ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَدَاءُ فَرْضِ الْوُضُوءِ) وَتَدْخُلُ السُّنَنُ تَبَعًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ صَبِيًّا) ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَالْوُضُوءُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ وَلَوْ مِنْ الصَّبِيِّ، وَمَحَلُّهُ إذَا أَرَادَ بِالْفَرْضِ مَا ذُكِرَ أَوْ الْفَرْضَ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ أَرَادَ الْفَرْضَ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهِ فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ لِتَلَاعُبِهِ. قَالَ م ر: وَإِنَّمَا صَحَّ يَعْنِي فَرْضُ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ فِعْلَ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ الْمَشْرُوطِ لِلصَّلَاةِ. وَشَرْطُ الشَّيْءِ يُسَمَّى فَرْضًا، وَأَيْضًا فَهُوَ بِاعْتِبَارِ مَا يَطْرَأُ. أَلَا تَرَى أَنَّ نَاوِيَ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ يَكْفِي مِنْهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ ذَلِكَ الْوَقْتَ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ) أَيْ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ وَمَا مَعَهَا مِنْ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (فِي الْوُضُوءِ غَيْرِ الْمُجَدَّدِ) أَيْ وَغَيْرُ وُضُوءِ دَائِمِ الْحَدَثِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُجَدَّدُ) فِيهِ إظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِأَجْلِ زِيَادَةِ التَّقْرِيرِ وَالتَّوَضُّحِ. قَوْلُهُ: (فَالْقِيَاسُ) مُعْتَمَدٌ أَيْ عَلَى وُضُوءِ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ هَذَا إلَّا بِالنَّظَرِ لِلنِّيَّةِ الْأُولَى، أَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ فَإِنَّهَا لَا تَمْتَنِعُ فِي وُضُوءِ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ) أَوْ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ فَرْضِ الْوُضُوءِ أَوْ يُرِيدُ بِهِ الْفَرْضَ مِنْ حَيْثُ هُوَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْهُ أَوْ الْفَرْضِ الصُّورِيِّ، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ يُكْتَفَى بِهَا كَالصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ مُشْكِلٌ خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَتَخْرِيجُهُ عَلَى الصَّلَاةِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ التَّجْدِيدِ أَنْ يُعِيدَ الشَّيْءَ بِصِفَتِهِ الْأُولَى. انْتَهَى. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ فَرْضُهُ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ؟ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي الْوُضُوءِ فِيمَا عَلِمْت بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ فَقَطْ دُونَ نِيَّةِ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَكُونُ إلَّا عِبَادَةً فَلَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهَا، بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَغُسْلِ النَّجَاسَةِ وَغَيْرِهِمَا. وَلَوْ نَوَى الطَّهَارَةَ عَنْ الْحَدَثِ صَحَّ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَنْ الْحَدَثِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تَكُونُ عَنْ حَدَثٍ، وَقَدْ تَكُونُ عَنْ خَبَثٍ   [حاشية البجيرمي] تَصِحُّ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَصَدَ بِنِيَّتِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةَ مَا هُوَ عَلَى صُورَةِ الرَّافِعِ أَوْ الْمُبِيحِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَمِثْلُ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وُضُوءُ الْجُنُبِ إذَا تَجَرَّدَتْ جَنَابَتُهُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ. قَوْلُهُ: (كَالصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَنْوِي فِيهَا الْفَرْضِيَّةَ مَعَ كَوْنِهَا غَيْرَ فَرْضٍ، فَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا نِيَّةُ مَا لَيْسَ عَلَى النَّاوِي؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُعَادَةِ نَوَى الْفَرْضِيَّةَ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ، وَفِي الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا حَدَثَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ بِدُونِ هَذِهِ النِّيَّةِ، وَالْمُنَاسِبُ لِلْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ فِي النِّيَّةِ أَنْ يَقِيسَ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ عَلَى الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ فِي النِّيَّةِ لَا أَنْ يَقِيسَ نِيَّةَ الرَّفْعِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَوْجُودَيْنِ فِي الْمُعَادَةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُ مِنْ نِيَّةِ الرَّفْعِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ الْمُعَادَةُ أَيْ الِاكْتِفَاءُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِيهَا خَارِجٌ إلَخْ، فَاسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ، لَكِنْ بِهَذَا التَّقْدِيرِ. وَقَوْلُهُ: (فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الرَّفْعِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ هُنَا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْمُعَادَةِ؛ لِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ الْقَوَاعِدِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ) إلَخْ هَذَا رَدٌّ لِكَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ كَمَا فِي م ر. وَمَا زَعَمَهُ الْمُحَشِّي مِنْ أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ، وَمِنْ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْعِمَادِ تَأْيِيدٌ لِكَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ غَفْلَةٌ سَبَبُهَا تَوَهُّمُ أَنَّ قَوْلَهُ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ إلَخْ. لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ، بَلْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ تَوَرُّكًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ إلَخْ مِنْ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ كَمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي م ر وَعِبَارَتُهُ أَمَّا هُوَ أَيْ الْمُجَدَّدُ، فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِنِيَّةِ الرَّفْعِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ، وَإِنْ ذَهَبَ الْإِسْنَوِيُّ إلَى الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ كَالصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ قَالَ: غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ مُشْكِلٌ خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ تَخْرِيجَهُ عَلَى الصَّلَاةِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ. اهـ بِحُرُوفِهِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُحَشِّي أَنَّهُ تَأْيِيدٌ لِصَدْرِ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ هُوَ رَدًّا لِعَجْزِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ إلَخْ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ ابْنَ الْعِمَادِ يُخَالِفُ الْإِسْنَوِيَّ فِي الْقِيَاسِ، وَيُوَافِقُهُ فِي الْحُكْمِ وَابْنُ الْعِمَادِ تِلْمِيذُ الْإِسْنَوِيِّ. قَوْلُهُ: (مُشْكِلٌ) وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَسِيلَةٌ لِلصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ وَلَوْ نَافِلَةً مَقْصِدٌ، وَالْوَسِيلَةُ لَا تُقَاسُ عَلَى الْمَقْصِدِ. وَقَوْلُهُ: خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ مُشْكِلٌ، فَالْخَارِجُ عَنْ الْقَوَاعِدِ هُوَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَتَخْرِيجُهُ) أَيْ قِيَاسُ الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الرَّفْعِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الصَّلَاةِ) أَيْ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ بِبَعِيدٍ يُرَدُّ عَلَيْهِ كَوْنُهُ خَارِجًا عَنْ الْقَوَاعِدِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَمِنْ ثَمَّ كَانَ ضَعِيفًا قَوْلُهُ: (هَلْ فَرْضُهُ الْأُولَى) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهَا) أَيْ الْعِبَادَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يُطْلَقُ إلَخْ) لَوْ قَالَ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَادَةً لَكَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِمَا) كَالتَّنَظُّفِ وَالتَّبَرُّدِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَوَى) أَيْ مُرِيدُ الْوُضُوءِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْكَلَامِ لَا لِلْمُجَدِّدِ، قَوْلُهُ: (الطَّهَارَةَ عَنْ الْحَدَثِ) أَوْ الطَّهَارَةَ الْوَاجِبَةَ أَوْ الطَّهَارَةَ لِلْحَدَثِ، أَوْ لِأَجْلِ الْحَدَثِ أَوْ أَدَاءَ فَرْضِ الطَّهَارَةِ أَوْ الطَّهَارَةَ لِلصَّلَاةِ فَهِيَ سِتُّ صُوَرٍ اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَعَلَّلَهُ) أَيْ عَلَّلَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، قَوْلُهُ: (قَدْ تَكُونُ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ نِيَّةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ لِصِدْقِهَا بِذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ إضَافَتَهَا لِلصَّلَاةِ كَافِيَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ عَنْ الْخَبَثِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ مَا لَوْ نَوَى بِوُضُوئِهِ الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَالشَّهِيدِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 فَاعْتُبِرَ التَّمْيِيزُ، وَمَنْ دَامَ حَدَثُهُ كَمُسْتَحَاضَةٍ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ رِيحٍ كَفَاهُ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ دُونَ نِيَّةِ الرَّفْعِ الْمَارِّ لِبَقَاءِ حَدَثِهِ، وَيُنْدَبُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ لِتَكُونَ نِيَّةُ الرَّفْعِ لِلْحَدَثِ السَّابِقِ، وَنِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ أَوْ نَحْوُهَا لِلَّاحِقِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ إنَّهُ قَدْ جَمَعَ فِي نِيَّتِهِ بَيْنَ مُبْطِلٍ وَغَيْرِهِ، وَيَكْفِيهِ أَيْضًا نِيَّةُ الْوُضُوءِ وَنَحْوُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ نِيَّةِ دَائِمِ الْحَدَثِ فِيمَا يَسْتَبِيحُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا حُكْمُ نِيَّةِ الْمُتَيَمِّمِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا، وَأَغْفَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّيَمُّمِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ تُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ تَوَضَّأَ الشَّاكُّ بَعْدَ وُضُوئِهِ فِي حَدَثِهِ احْتِيَاطًا فَبَانَ مُحْدِثًا لَمْ يُجْزِهِ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ بِلَا ضَرُورَةٍ، كَمَا لَوْ قَضَى فَائِتَةَ الظُّهْرِ مَثَلًا شَاكًّا فِي أَنَّهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا عَلَيْهِ لَمْ يَكْفِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ حَدَثُهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ   [حاشية البجيرمي] الْمَعْرَكَةِ أَوْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ صَلَاةً لَا سَبَبَ لَهَا كَمَا اسْتَوْجَهَهُ سم فِي الصُّورَتَيْنِ. قَالَ: وَالْفَرْضُ أَنَّهُ قَصَدَ تِلْكَ الصَّلَاةَ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا، أَمَّا إذَا نَوَى بِهِ الصَّلَاةَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فِي الْجُمْلَةِ كَاَلَّتِي لَهَا سَبَبٌ وَنَحْوُ الْقَضَاءِ فَيَصِحُّ. اهـ. وَفِي فَتَاوَى م ر الصِّحَّةُ فِيمَا لَوْ نَوَى بِهِ الصَّلَاةَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ صَلَاةٌ لَا سَبَبَ لَهَا. اهـ اج. قَوْلُهُ: (سَلَسُ بَوْلٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ اسْمٌ لِلْمَرَضِ نَفْسِهِ، وَبِكَسْرِهَا اسْمٌ لِصَاحِبِ الْمَرَضِ وَهُوَ الشَّخْصُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ بَوْلٌ سَلَسٌ أَيْ مُتَتَابِعٌ. قَوْلُهُ: (كَفَاهُ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ) أَيْ اسْتِبَاحَةُ مُفْتَقِرٌ إلَى وُضُوءٍ اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (دُونَ نِيَّةِ الرَّفْعِ) أَوْ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ، وَمَحَلُّهُ إنْ نَوَى الرَّفْعَ الْعَامَّ، فَإِنْ نَوَى رَفْعًا خَاصًّا بِالنِّسْبَةِ لِفَرْضٍ وَنَوَافِلَ فَيَصِحُّ زِيٌّ. قَوْلُهُ: (خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ عِنْدَ نَافِي الْمَسْأَلَةِ. وَحَاصِلُهُ: الِاكْتِفَاءُ بِنِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ دُونَ نِيَّةِ الرَّفْعِ. ثَانِيهَا: الِاكْتِفَاءُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. ثَالِثُهَا: لَا يُكْتَفَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الَّذِي رُوعِيَ اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لِكَوْنِ نِيَّةِ الرَّفْعِ لِلْحَدَثِ السَّابِقِ) أَيْ لِرَفْعِ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ السَّابِقِ عَلَى وَقْتِ النِّيَّةِ، لَا أَنَّ الْحَدَثَ ارْتَفَعَ وَخَلَفَهُ حَدَثٌ آخَرُ، وَكَذَا نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوُهَا) كَالطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ. قَوْلُهُ: (وَبِهَذَا) أَيْ بِقَوْلِهِ لِتَكُونَ نِيَّةُ الرَّفْعِ إلَخْ يَنْدَفِعُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ مُبْطِلٍ) وَهُوَ نِيَّةُ الرَّفْعِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ أَيْ: فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ النِّيَّةُ لِتَغْلِيبِ الْمَانِعِ عَلَى الْمُقْتَضِي. وَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِتَكُونَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِيمَا يَسْتَبِيحُهُ) أَيْ فَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرْضٍ اسْتَبَاحَهُ وَمَا دُونَهُ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ، فَالنَّفَلُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَوْ الْوُضُوءُ أَوْ فَرْضُ الْوُضُوءِ، فَكَذَلِكَ أَوْ اسْتِبَاحَةُ مَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ حَمْلِهِ اسْتَبَاحَ مَا عَدَا الصَّلَاةَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ دَائِمَ الْحَدَثِ هُنَا مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ دَامَ حَدَثُهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي حُكْمِ نِيَّتِهِ وَهَذَا فِيمَا يَسْتَبِيحُهُ بِنِيَّتِهِ كَمَا أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ كَذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي حُكْمُهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ الصَّلَوَاتِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا الطَّوَافُ وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ) الْمُرَادُ بِالْإِضَافَةِ هُنَا النِّسْبَةُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَوَضَّأَ الشَّاكُّ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَحَقُّقُ الْمُقْتَضِي وَأَعَادَهَا هُنَا لِأَجْلِ التَّعْلِيلِ وَلِأَجْلِ ذِكْرِ نَظِيرَتِهَا. قَوْلُهُ: (بَعْدَ وُضُوئِهِ) ظَرْفٌ لِلشَّاكِّ. وَقَوْلُهُ: (فِي حَدَثِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالشَّاكِّ وَقَوْلُهُ: (بَعْدَ وُضُوئِهِ) أَيْ الْمُتَيَقِّنُ فَهُوَ مُتَيَقِّنٌ لِلطَّهَارَةِ وَشَاكٌّ فِي الْحَدَثِ فَوُضُوءُهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، بَلْ لَوْ تَرَكَهُ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ. قَوْلُهُ: (فَبَانَ مُحْدِثًا) فَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ هَلْ يَكُونُ تَجْدِيدًا أَوْ لَا. وَكَذَا إذَا بَانَ كَوْنُهُ مُتَطَهِّرًا هَلْ يَكُونُ تَجْدِيدًا، وَهَلْ يَكُونُ الْمَاءُ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ مُسْتَعْمَلًا نَظَرًا لِلتَّرَدُّدِ أَوْ لَا؟ حَرِّرْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ تَجْدِيدًا، وَمَاؤُهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ. قَوْلُهُ: (لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ) أَيْ لِشَكِّهِ فِي الْحَدَثِ. قَوْلُهُ: (بِلَا ضَرُورَةٍ) أَيْ بِلَا دَوَامِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ انْقَطَعَتْ بِتَبَيُّنِ حَدَثِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ قَضَى فَائِتَةً) لَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ لَهُ حَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَحَقَّقَ اسْتِقْرَارُ الصَّلَاةِ فِي ذِمَّتِهِ وَيَشُكَّ هَلْ قَضَاهَا أَوْ لَا؟ وَيَتَحَقَّقُ الْحَدَثُ وَيَشُكُّ هَلْ تَطَهَّرَ أَوْ لَا؟ . وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الْأُولَى وَالْوُضُوءُ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِذَا انْكَشَفَ الْحَالُ بِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ، وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَشُكَّ هَلْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ أَمْ لَا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الشَّاكُّ وُجُوبًا بِأَنْ شَكَّ بَعْدَ حَدَثِهِ فِي وُضُوئِهِ فَتَوَضَّأَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَدَثِ، بَلْ لَوْ نَوَى هَذِهِ الْحَالَةَ إنْ كَانَ مُحْدِثًا فَعَنْ حَدَثِهِ، وَإِلَّا فَتَجْدِيدٌ صَحَّ أَيْضًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَمَنْ نَوَى بِوُضُوئِهِ تَبَرُّدًا أَوْ شَيْئًا يَحْصُلُ بِدُونِ قَصْدٍ كَتَنَظُّفٍ وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ مَعَ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ أَيْ مُسْتَحْضِرًا عِنْدَ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ نَحْوِهِ نِيَّةَ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، كَمُصَلٍّ نَوَى الصَّلَاةَ وَدَفَعَ الْغَرِيمَ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ عَنْ الْغَرِيمِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، فَإِنْ فُقِدَتْ النِّيَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ كَأَنْ نَوَى التَّبَرُّدَ وَقَدْ غَفَلَ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ غَسْلُ مَا غَسَلَهُ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَنَحْوِهِ، وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ دُونَ اسْتِئْنَافِ الطَّهَارَةِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلصِّحَّةِ، أَمَّا الثَّوَابُ فَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: الظَّاهِرُ عَدَمُ حُصُولِهِ. وَقَدْ اخْتَارَ الْغَزَالِيُّ فِيمَا إذَا شَرِكَ فِي الْعِبَادَةِ غَيْرَهَا مِنْ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ اعْتِبَارَ الْبَاعِثِ عَلَى الْعَمَلِ، فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ الدُّنْيَوِيُّ هُوَ الْأَغْلَبَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَجْرٌ، وَإِنْ   [حاشية البجيرمي] كَمَا لَوْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ كَجُنُونٍ أَوْ حَيْضٍ انْقَطَعَ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ ذَلِكَ الِانْقِطَاعُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَوَجَبَتْ الصَّلَاةُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَمْ تَجِبْ فَصَلَّى احْتِيَاطًا، ثُمَّ اتَّضَحَ الِانْقِطَاعُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَا تُجْزِيهِ. وَمِثْلُهُ هُنَا مَا لَوْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ مَعَ تَيَقُّنِهِ صُدُورَهَا مِنْهُ، لَكِنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَوْ لَا، فَتَوَضَّأَ احْتِيَاطًا ثُمَّ اتَّضَحَ لَهُ الْحَدَثُ؟ فَإِنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَكْفِيهِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ صُورَتَيْ الطَّهَارَةِ، وَاقْتَصَرَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَى الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (شَاكًّا فِي أَنَّهَا عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا مَثَلًا، وَشَكَّ هَلْ انْقَطَعَ جُنُونُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ فَتَجِبُ أَمْ بَعْدَهُ فَلَا. قَوْلُهُ: (يُجْزِئُهُ لِلضَّرُورَةِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ مَعَ اسْتِصْحَابِ الطَّهَارَةِ بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ الَأُجْهُورِيُّ قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ لِلضَّرُورَةِ أَيْ بِأَنْ كَانَ مُحْدِثًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا فَصَلَاتُهُ بِالْأَوَّلِ اسْتِصْحَابًا لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ، قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ اُنْظُرْ أَيَّ ضَرُورَةٍ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ لَهُ الصَّلَاةَ بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهَا الْحَاجَةُ وَهِيَ الِاحْتِيَاطُ بِاعْتِبَارِ بَذْلِهِ مَا فِي وُسْعِهِ. قَوْلُهُ: (وُجُوبًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ وُضُوءًا وَاجِبًا. قَوْلُهُ: (بَلْ لَوْ نَوَى إلَخْ) هَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عَدَمِ تَعْلِيقِ النِّيَّةِ أَوْ مِنْ التَّرَدُّدِ فِيهَا ق ل. قَوْلُهُ: (وَمَنْ نَوَى بِوُضُوئِهِ تَبَرُّدًا إلَخْ) وَلَوْ طَرَأَتْ نِيَّةُ التَّبَرُّدِ أَوْ التَّنَظُّفِ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ، فَإِنْ كَانَ مُتَذَكِّرًا لِلنِّيَّةِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ إذَا طَرَأَتْ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ صَارِفَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهَا لِصِيَانَةِ الْمَاءِ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ. اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (نَوَى الصَّلَاةَ وَدَفَعَ الْغَرِيمُ) أَيْ كَمَا لَوْ لَاحَظَ حَالَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَلَاحَظَ مَعَ ذَلِكَ دَفْعَ الْغَرِيمِ عَنْهُ، فَمُلَاحَظَتُهُ لِذَلِكَ لَا تَضُرُّ مَعَ النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ. قَوْلُهُ: (غَفَلَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ بَابِ دَخَلَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ خَطَأٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ اللَّازِمِ قِيَاسُ مَصْدَرِهِ فَعُولٌ عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ: وَفِعْلُ اللَّازِمِ مِثْلُ قَعَدَا ... لَهُ فُعُولٌ بِاطِّرَادٍ كَغَدَا قَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ) أَيْ إعَادَةُ مَا قَارَنَ تِلْكَ النِّيَّةَ الصَّارِفَةَ وَمَا بَعْدَهُ بِأَنْ يَنْوِيَ نِيَّةً مُعْتَبَرَةً مِنْ نِيَّاتِ الْوُضُوءِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَ إعَادَةِ غَسْلِ مَا ذُكِرَ اهـ. ق ل. بِخِلَافِ نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ إذَا طَرَأَتْ عَلَى نِيَّةِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ مَعَهَا نِيَّةَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهَا لِإِصْلَاحِ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (دُونَ اسْتِئْنَافٍ لِلطَّهَارَةِ) أَيْ إنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الطَّهَارَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي ابْتِدَائِهَا فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ أَصْلِهَا. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهُ هَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ التَّشْرِيكِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ اخْتَارَ الْغَزَالِيُّ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ نِسْبَةٌ إلَى الْغَزْلِ؛ لِأَنَّ وَالِدَهُ كَانَ يُكْثِرُ مِنْ غَزْلِ الصُّوفِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ نِسْبَةٌ إلَى غَزَالَةَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى طُوسٍ. اهـ. اج مُلَخَّصًا. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَأَمَّا إذَا نَوَى الْعِبَادَةَ وَخَالَطَهَا بِشَيْءٍ مِمَّا يُغَيِّرُ الْإِخْلَاصَ، فَقَدْ نَقَلَ أَبُو جَعْفَرٍ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالِابْتِدَاءِ فَإِنْ كَانَ فِي ابْتِدَائِهِ فِيهَا مُخْلَصًا لَمْ يَضُرَّهُ مَا عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ إعْجَابٍ وَغَيْرِهِ. اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ) أَيْ غَيْرِ الرِّيَاءِ أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ مُحْبِطٌ لِلثَّوَابِ مُطْلَقًا لِلْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «أَنَا أَغْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 كَانَ الْقَصْدُ الدِّينِيُّ أَغْلَبَ فَلَهُ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا تَسَاقَطَا. وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا أَجْرَ فِيهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَسَاوَى الْقَصْدَانِ أَمْ اخْتَلَفَا. وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِذَا بَطَلَ وُضُوءُهُ فِي أَثْنَائِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الرُّويَانِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُثَابَ عَلَى الْمَاضِي كَمَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ يُقَالُ إنْ بَطَلَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا، أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَنَعَمْ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا ثَوَابَ لَهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ مُرَادٌ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. اهـ. وَالْأَوْجَهُ التَّفْصِيلُ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ. وَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ التَّيَمُّمُ وَنِيَّةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. وَلَوْ نَوَى قَطْعَ الْوُضُوءِ انْقَطَعَتْ النِّيَّةُ فَيُعِيدُهَا لِلْبَاقِي. وَلَوْ نَوَى بِوُضُوئِهِ مَا يُنْدَبُ لَهُ وُضُوءٌ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ الْحَدِيثِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مَعَ الْحَدَثِ فَلَا يَتَضَمَّنُ قَصْدُهُ قَصْدَ رَفْعِ   [حاشية البجيرمي] الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ» . وَالْمُرَادُ بِالْقَصْدِ الدُّنْيَوِيِّ مِثْلُ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَالتَّنَظُّفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) هَذَا مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ فَقَوْلُهُ الْآتِي. اهـ أَيْ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ جَارٍ عَلَى رَأْيِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ جَازِمٌ، وَالزَّرْكَشِيُّ غَيْرُ جَازِمٍ بَلْ مُسْتَظْهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ هُوَ الظَّاهِرُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر فِي شَرْحِهِ، بَلْ اعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ حُصُولَ الثَّوَابِ فِي التَّسَاوِي أَيْضًا. اهـ. ق ل. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْأَوْجَهُ أَنَّ قَصْدَ الْعِبَادَةِ يُثَابُ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ مِمَّا عَدَا الرِّيَاءَ وَنَحْوَهُ مُسَاوِيًا بَلْ أَوْ رَاجِحًا اهـ. ع ش. فَعَلَى كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ يَحْصُلُ ثَوَابٌ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مَتَى وُجِدَ قَصْدُ الْعِبَادَةِ وَلَوْ مَغْلُوبًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) كَأَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَنَا صُورَةٌ يَبْطُلُ بِهَا الْوُضُوءُ بِغَيْرِ الْحَدَثِ إلَّا هَذِهِ اج. وَبِخَطِّ الشَّنَوَانِيِّ بِهَامِشِ شُرُوحِ الرَّوْضِ يُصَوِّرُ غَيْرَ الْحَدَثِ بِمَا إذَا لَمْ يُوَالِ بَيْنَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ دَائِمُ الْحَدَثِ، وَبِمَا إذَا ارْتَدَّ نَحْوُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ، فَقَدْ جَرَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا سَبَقَ تَبَعًا لِبَحْثِ الْإِسْنَوِيِّ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ وُضُوءَ نَحْوِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَالَ أَيْضًا وَيَجْرِي التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي غَيْرِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ. اهـ بِالْحَرْفِ. لَكِنْ فِي التَّصْوِيرِ الْأَخِيرِ أَنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ ثَوَابَ مَا مَضَى مُطْلَقًا. اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوُضُوءَ مُرَادٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الصَّلَاةِ) فَإِنَّهَا مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا. قَوْلُهُ: (التَّفْصِيلُ) أَيْ إنْ قَطَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أُثِيبَ، وَبِهَذَا أَفْتَى شَيْخُهُ م ر فِي الْوُضُوءِ. قَالَ ق ل: وَالْكَلَامُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ كَغَسْلِ الْوَجْهِ بِخِلَافِ الْأَذْكَارِ وَنَحْوِهَا فَيُثَابُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةِ) أَيْ وَالصَّوْمِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (التَّيَمُّمُ) أَيْ وَكَذَا وُضُوءُ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ مَرْحُومِيٌّ، وَيَسْتَأْنِفُ كُلٌّ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ وَصَاحِبِ الضَّرُورَةِ إذَا عَادَ لِلْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ. . قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَوَى قَطْعَ الْوُضُوءِ إلَخْ) وَفَارَقَ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ، وَفَارَقَ عَدَمَ بُطْلَانِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التُّرُوكِ وَعَدَمِ بُطْلَانِ النُّسُكِ؛ لِأَنَّهُ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ، وَلِذَلِكَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِفَسَادِهِ وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ق ل مَعَ زِيَادَةٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ نَوَى قَطْعَ وُضُوئِهِ انْقَطَعَتْ نِيَّتُهُ فَيُعِيدُهَا لِلْبَاقِي، وَحَيْثُ بَطَلَ فِي أَثْنَائِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ أُثِيبَ عَلَى مَا مَضَى إنْ بَطَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ. قَالَ ع ش عَلَيْهِ: وَهَلْ مَنْ قَطَعَهَا مَا لَوْ عَزَمَ عَلَى الْحَدَثِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ؟ . فِيهِ نَظَرٌ: وَقِيَاسُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِمُبْطِلٍ كَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ لَمْ تَبْطُلْ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِيهِ أَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ هُنَا بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ الْمَذْكُورِ، فَلَا يَحْتَاجُ لِإِعَادَةِ مَا غَسَلَهُ بَعْدَ الْعَزْمِ اهـ. . قَوْلُهُ: (مَا يُنْدَبُ لَهُ وُضُوءٌ) أَيْ كَأَنْ نَوَى الْوُضُوءَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهَا بِأَنْ قَصَدَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالْوُضُوءِ إلَّا لِأَجْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلَا يُقَاسُ أَنَّ نِيَّةَ الْوُضُوءِ كَافِيَةٌ لِرَفْعِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا عَلَّقَهَا بِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُضُوءٍ فَضَرَّ، يَعْنِي أَنَّ رَبْطَهَا بِالْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ كُلِّ مَا يُنْدَبُ لَهُ الْوُضُوءُ صَيَّرَهَا مُعَلَّقَةً عَلَيْهِ، وَالتَّعْلِيقُ بِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُضُوءِ يُبْطِلُهُ اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ الْحَدِيثِ) كَأَنْ قَالَ: نَوَيْت اسْتِبَاحَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ. اهـ. مَيْدَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْحَدِيثِ) هُوَ وَإِنْ كَانَ الْوُضُوءُ لَهُ سُنَّةً كَالْقُرْآنِ لَكِنَّهُ لَا ثَوَابَ فِي مُجَرَّدِ الْقِرَاءَةِ وَالسَّمَاعِ لِلْحَدِيثِ، بَلْ لَا بُدَّ فِي حُصُولِ ذَلِكَ مِنْ قَصْدِ حِفْظِ أَلْفَاظِهِ وَتَعَلُّمِ أَحْكَامِهِ، وَكَذَا الصَّلَاةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الْحَدَثِ، فَلَوْ نَوَاهُ مَعَ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ يَنْبَغِي أَنَّهُ يَكْفِي كَمَا لَوْ نَوَى التَّبَرُّدَ مَعَ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَتَاوَى وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا. فُرُوعٌ: لَوْ نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ بِوُضُوئِهِ وَلَا يُصَلِّيَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ لِتَلَاعُبِهِ وَتَنَاقُضِهِ، وَكَذَا لَوْ نَوَى بِهِ الصَّلَاةَ بِمَكَانٍ نَجِسٍ وَلَوْ نَسِيَ لُمْعَةً فِي وُضُوئِهِ أَوْ غَسَلَهُ فَانْغَسَلَتْ فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ بِنِيَّةِ التَّنَفُّلِ أَوْ فِي إعَادَةِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ لِنِسْيَانٍ لَهُ أَجْزَأَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ انْغَسَلَتْ فِي تَجْدِيدِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ مُسْتَقِلٌّ بِنِيَّةٍ لَمْ تَتَوَجَّهْ لِرَفْعِ الْحَدَثِ أَصْلًا. وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ (عِنْدَ) أَوَّلِ (غُسْلٍ) أَيْ مَغْسُولٍ مِنْ أَجْزَاءِ (الْوَجْهِ) لِتَقْتَرِنَ بِأَوَّلِ الْفَرْضِ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ   [حاشية البجيرمي] عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاتِّصَالُ السَّنَدِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْعِمَادِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاق فِي شَرْحِ اللُّمَعِ، وَرُدَّ بِهِ عَلَى مَنْ قَالَ بِحُصُولِ الثَّوَابِ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ. وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ حَجَرٍ حُصُولَ الثَّوَابِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ لَا يَخْلُو عَنْ فَائِدَةٍ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا عَوْدُ بَرَكَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ لَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا، وَمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ يُوَافِقُهُ إطْلَاقُ الشَّارِحِ وَلَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: لَا يُثَابُ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ. قَوْلُهُ: (يَنْبَغِي أَنَّهُ يَكْفِي) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (فِي الْفَتَاوَى) أَيْ فَتَاوَى شَيْخِهِ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا) أَيْ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ نَوَى مَا يُنْدَبُ لَهُ الْوُضُوءُ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ أَوْ مَعَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُضُوءِ صَحَّ. قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) أَيْ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: (لَوْ نَوَى إلَخْ) أَيْ بِأَنْ قَالَ هَذَا اللَّفْظَ، وَهُوَ قَوْلُهُ نَوَيْت الْوُضُوءَ لِأُصَلِّيَ بِهِ، وَلَا أُصَلِّي بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَا أُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ وَلَا أُصَلِّي بِهِ الْعَصْرَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ الصَّلَوَاتِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى رَفْعَ حَدَثِهِ بِالنِّسْبَةِ لِصَلَاةٍ دُونَ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ لَا يَتَجَزَّأُ إذَا بَقِيَ بَعْضُهُ بَقِيَ كُلُّهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ. شَرَحَ م ر. قَوْلُهُ: (وَكَذَا) فَرْعٌ ثَانٍ. قَوْلُهُ: (بِمَكَانٍ نَجِسٍ) أَيْ نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا بِلَا حَائِلٍ. قَوْلُهُ: (الثَّانِيَةُ أَوْ الثَّالِثَةُ) أَيْ فِي ظَنِّهِ أَوْ اعْتِقَادِهِ لَا فِي الْوَاقِعِ بَلْ هَذِهِ هِيَ الْأَوْلَى لِعَدَمِ تَطْهِيرِ الْعُضْوِ، إذْ لَا يُقَالُ ثَانِيَةٌ وَلَا ثَالِثَةٌ حَتَّى تَتِمَّ الْأُولَى، أَوْ يُقَالُ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ بِحَسَبِ الصُّورَةِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْأُولَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ التَّنَفُّلِ) أَيْ بِقَصْدِ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ، فَتَكُونُ نَافِلَةً لَا بِقَصْدِ أَنَّهُمَا مُكَمِّلَانِ لِلْأُولَى عِنْدَ شَكِّهِ فِي تَعْمِيمِ الْمَاءِ لِلْوَجْهِ، فَالْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْقَصْدُ. قَوْلُهُ: (لِنِسْيَانٍ لَهُ) أَيْ لِلْأَوَّلِ أَيْ بِأَنَّهُ تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ، فَأَعَادَ الْوُضُوءَ أَوْ الْغُسْلَ جَازِمًا بِأَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ أَوْ الْغُسْلَ الَّذِي عَلَيْهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ فِي النِّسْيَانِ نَاوٍ لِرَفْعِ الْحَدَثِ بِخِلَافِهِ فِي التَّجْدِيدِ، وَتَسْمِيَةُ هَذَا الْوُضُوءِ مُجَدَّدًا تَجَوُّزٌ لِعَدَمِ تَمَامِ الْأُولَى لِبَقَاءِ اللُّمْعَةِ الَّتِي نَسِيَهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ. . قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِدَادُ لَا أَنَّهُ إذَا غَسَلَ شَيْئًا قَبْلَ النِّيَّةِ حَرُمَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ بِمَعْنَى مَعَ. قَوْلُهُ: (أَوَّلِ غَسْلٍ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ شَعْرًا خَارِجًا عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ أَوْ بَاطِنِ شَعْرٍ كَثِيفٍ لِدُخُولِهِ فِي حَدِّ الْوَجْهِ، بِخِلَافِ جَوَانِبِ الرَّأْسِ، فَلَا يَكْفِي قَرْنُ النِّيَّةِ بِهَا، وَإِنْ وَجَبَ غَسْلُهَا تَبَعًا أَيْ لِلْوَجْهِ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ ق ل مِنْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي قَرْنُهَا بِبَاطِنِ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ. قَالَ ق ل: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَصَّ الشَّعْرَ الَّذِي نَوَى مَعَهُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ أَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةٌ عِنْدَ الْوَجْهِ أَوْ الشَّعْرِ الْبَاقِي فَرَاجِعْهُ. وَفِي ع ش عَلَى م ر: يَنْبَغِي جَوَازُ اقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِغَسْلِ شَعْرِ الْوَجْهِ قَبْلَ غَسْلِ بَشَرَتِهِ؛ لِأَنَّ غَسْلَهُ أَصْلِيٌّ لَا بَدَلَ لَهُ وِفَاقًا لِلرَّمْلِيِّ. أَيْ وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَطَعَ الشَّعْرَ قَبْلَ غَسْلِ الْوَجْهِ لَا يَحْتَاجُ لِتَجْدِيدِ النِّيَّةِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي النِّيَّةِ بِغَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِمُقَارَنَتِهَا بَعْضَ التَّكْبِيرِ عِنْدَ م ر؛ لِأَنَّ الْأُولَى يُسَمَّى غَسْلًا بِخِلَافِ الثَّانِي، فَإِنَّ الْبَعْضَ لَا يُسَمَّى تَكْبِيرًا. اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ مَغْسُولٍ) لَوْ أَبْقَى الْمَتْنُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ؛ لِأَنَّهَا قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ وَلَا تَقْتَرِنُ بِالْمَغْسُولِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مِنْ أَجْزَاءِ الْوَجْهِ) أَيْ مَا يُسَمَّى وَجْهًا فَيَخْرُجُ عَنْهُ مَا لَوْ اقْتَرَنَتْ بِمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ ع ش. قَوْلُهُ: (بِأَوَّلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الْعِبَادَاتِ مَا عَدَا الصَّوْمَ، فَلَا يَكْفِي اقْتِرَانُهَا بِمَا بَعْدَ الْوَجْهِ قَطْعًا لِخُلُوِّ أَوَّلِ الْمَغْسُولِ وُجُوبًا عَنْهَا. وَلَا بِمَا قَبْلَهُ مِنْ السُّنَنِ، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَرْكَانُهَا وَالسُّنَنُ تَوَابِعُ، هَذَا إذْ عَزَبَتْ قَبْلَ غَسْلِ شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ، فَإِنْ بَقِيَتْ إلَى غَسْلِ شَيْءٍ مِنْهُ كَفَى، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ لِيُثَابَ عَلَى السُّنَنِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا خَلَتْ عَنْ النِّيَّةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ثَوَابُهَا، وَلَوْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِالْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ وَانْغَسَلَ مَعَهُ جُزْءٌ مِنْ الْوَجْهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ عَزَبَتْ النِّيَّةُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ أَغَسَلَهُ بِنِيَّةِ الْوَجْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَمْ لَا لِوُجُودِ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ، لَكِنْ يَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِ الْجُزْءِ مَعَ الْوَجْهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ، وَلَا تُجْزِئُ الْمَضْمَضَةُ وَلَا الِاسْتِنْشَاقُ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ تَقَدُّمِهِمَا عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ قَالَهُ الْقَاضِي مُجَلَّيْ   [حاشية البجيرمي] الْفَرْضِ) وَلَوْ جَبِيرَةً فَيَنْوِي عِنْدَ مَسْحِهَا كَأَنْ عَمَّتْ الْجِرَاحَةُ وَجْهَهُ، أَمَّا إذَا عَمَّتْ الْوَجْهَ وَلَا جَبِيرَةَ، فَمَحَلُّ النِّيَّةِ عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، وَحِينَئِذٍ تَعْبِيرُهُمْ بِالْغَسْلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ أَوْ مُرَادُهُمْ بِالْغَسْلِ مَا يَشْمَلُهُ أَوْ بَدَلُهُ وَهُوَ الْمَسْحُ. قَالَ ق ل: وَأَلْ فِي الْفَرْضِ لِلْجِنْسِ أَيْ بِأَوَّلِ الْفُرُوضِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَلَا بِمَا قَبْلَهُ) أَيْ وَلَمْ يَنْغَسِلْ مِنْ الْوَجْهِ شَيْءٌ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِمَا قَبْلَ الْوَجْهِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ غَسْلِ شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ) بِأَنْ غَفَلَ عَنْهَا وَلَمْ يَسْتَحْضِرْهَا بِالْفِعْلِ، فَقَوْلُهُ: فَإِنْ بَقِيَتْ إلَخْ. مَعْنَاهُ بِأَنْ كَانَ مُسْتَحْضِرًا لَهَا بِالْفِعْلِ وَهُوَ الِاسْتِحْضَارُ الذِّكْرِيُّ بِضَمِّ الذَّالِ أَيْ الْقَلْبِيُّ، فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِصْحَابِهَا مِنْ ابْتِدَاءِ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ أَيْ إذَا نَوَى عِنْدَهُمَا إلَى غَسْلِ شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ، وَبَعْدَ هَذَا يَكْفِي الِاسْتِصْحَابُ الْحُكْمِيُّ بِأَنْ لَا يَصْرِفَهَا عَنْهُ بِنِيَّةِ قَطْعِ أَوْ قَصْدِ تَبَرُّدٍ أَوْ نَحْوِهِمَا كَتَنْظِيفٍ، وَمِنْهُ مَا إذَا تَوَضَّأَ عَلَى الْفَسْقِيَّةِ فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ انْتَقَلَ قَبْلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا بِقَصْدِ التَّنْظِيفِ فَإِنَّهُ صَارِفٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَحْضِرَ نِيَّةَ الْوُضُوءِ، وَالْمُرَادُ مِنْ اسْتِصْحَابِهَا إلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وُجُودُهَا عِنْدَهُ أَيْ حُكْمًا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ثَوَابُهَا) ظَاهِرُهُ حُصُولُ السُّنَّةِ بِمَعْنَى سُقُوطِ الطَّلَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَنْفِ إلَّا حُصُولَ الثَّوَابِ وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ثَوَابُهَا بِخِلَافِ مَنْ نَوَى صَوْمَ نَفْلٍ قَبْلَ الزَّوَالِ حَيْثُ يُثَابُ مِنْ أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَتَبَعَّضُ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَأَفْعَالٌ مُتَفَاصِلَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اقْتَرَنَتْ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا إيضَاحًا لِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا لَمْ يُغْسَلْ مَعَ الْمَضْمَضَةِ شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ، وَهَذَا مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا انْغَسَلَ. وَقَوْلُهُ: (أَجْزَأَهُ) أَيْ الِاقْتِرَانُ الْمَفْهُومُ مِنْ اقْتَرَنَتْ قَالَ ق ل: لَوْ قَالَ أَجْزَأَتْهُ لَكَانَ وَاضِحًا. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَغَسَلَهُ بِنِيَّةِ الْوَجْهِ إلَخْ) . الْحَاصِلُ أَنَّ هُنَا أَرْبَعَ صُوَرٍ قَصْدُ الْوَجْهِ فَقَطْ قَصْدُ الْمَضْمَضَةِ فَقَطْ قَصْدُهُمَا مَعًا أَطْلَقَ، فَالنِّيَّةُ يُكْتَفَى بِهَا فِي الْجَمِيعِ، وَسُنَّةُ الْمَضْمَضَةِ تَفُوتُ فِي الْجَمِيعِ، وَكَذَا سُنَّةُ الِاسْتِنْشَاقِ لِتَقَدُّمِ بَعْضِ غَسْلِ الْوَجْهِ عَلَيْهِمَا، وَتَقَدُّمُهُمَا عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ شَرْطٌ لِحُصُولِهِمَا، وَتَجِبُ إعَادَةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ وَالْإِطْلَاقِ كَالصَّارِفِ دُونَ الْأُولَى. وَهَذَا حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر وع ش خِلَافًا لِلْحَوَاشِي كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْجُزْءَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ إعَادَتِهِ فِيهَا فَمُقْتَضَاهُ حُصُولُ سُنَّتِهِمَا، وَالصُّورَةُ أَنَّهُ قَرَنَ النِّيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ بِمَا قَبْلَ الْوَجْهِ، فَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَأْلُوفَةِ مُسْتَحْضِرًا لِلنِّيَّةِ فَاتَتْهُ سُنَّتُهُمَا إنْ غَسَلَ مَعَهُمْ أَجْزَاءً مِنْ الْوَجْهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْصُلَانِ إلَّا إنْ غَفَلَ عَنْ النِّيَّةِ عِنْدَهُمَا أَوْ فَرَّقَ النِّيَّةَ بِأَنْ نَوَى الْمَضْمَضَةَ مَثَلًا وَحْدَهَا، أَوْ نَوَى سُنَنَ الْوُضُوءِ أَوْ أَدْخَلَ الْمَاءَ فِي مَحَلِّهِمَا مِنْ الْأُنْبُوبَةِ حَتَّى لَا يَنْغَسِلَ مَعَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ. وَقَالَ الَأُجْهُورِيُّ: يُعِيدُ غَسْلَ الْجُزْءِ إنْ قَصَدَ الْمَضْمَضَةَ أَوْ الِاسْتِنْشَاقَ فَقَطْ، وَإِنْ قَصَدَ الْوَجْهَ فَقَطْ أَوْ مَعَهُمَا أَوْ أَطْلَقَ فَلَا إعَادَةَ. اهـ. وَكَوْنُ النِّيَّةِ يُكْتَفَى بِهَا عِنْدَ قَصْدِ الْمَضْمَضَةِ فَقَطْ أَوْ الْإِطْلَاقِ مُشْكِلًا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَمْ تَقْتَرِنْ بِغَسْلِ الْوَجْهِ، وَكَذَا فَوَاتُ سُنَّةِ الْمَضْمَضَةِ عِنْدَ قَصْدِهَا مُشْكِلٌ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَمْ لَا) بِأَنْ نَوَى الْمَضْمَضَةَ أَوْ الِاسْتِنْشَاقَ أَوْ نَوَاهُمَا مَعَ الْوَجْهِ أَوْ أَطْلَقَ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ إلَخْ) هُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي وَهُوَ أَمْ لَا أَيْ: بِالنَّظَرِ لِلصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ. قَوْلُهُ: (لِوُجُودِ الصَّارِفِ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَدَخَلَتْ صُورَةُ الْإِطْلَاقِ. قَوْلُهُ: (فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا قَصَدَ الْوَجْهَ، وَكَذَا فِي الشِّقِّ الثَّانِي. وَعِبَارَةُ سم: فَرْعٌ حَيْثُ أَجْزَأَتْ النِّيَّةُ فَاتَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 فَالنِّيَّةُ لَمْ تَقْتَرِنْ بِمَضْمَضَةٍ وَلَا اسْتِنْشَاقٍ حَقِيقَةً، وَلَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِي أَثْنَاءِ غَسْلِ الْوَجْهِ دُونَ أَوَّلِهِ كَفَتْ وَوَجَبَ إعَادَةُ الْمَغْسُولِ مِنْهُ قَبْلَهَا، فَوُجُوبُهَا عِنْدَ أَوَّلِ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْهُ لِيُعْتَدَّ بِهِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي الِاسْتِصْحَابِ الذِّكْرِيِّ. أَمَّا الْحُكْمِيُّ وَهُوَ أَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا وَلَا يَأْتِيَ بِمَا يُنَافِيهَا كَالرِّدَّةِ فَوَاجِبٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَلَهُ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، بِأَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَفْرِيقُ أَفْعَالِهِ، فَكَذَلِكَ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ عَلَى أَفْعَالِهِ وَهَلْ تَنْقَطِعُ النِّيَّةُ بِنَوْمٍ مُمْكِنٍ؟ . وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا لَا وَالْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لَا يَحِلُّ كُلَّ الْبَدَنِ بَلْ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ خَاصَّةً كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَاسِّ أَنْ يَكُونَ مُطَهَّرًا وَيَرْتَفِعَ حَدَثُ كُلِّ عُضْوٍ بِمُجَرَّدِ غَسْلِهِ. . (وَ) الثَّانِي مِنْ الْفُرُوضِ (غَسْلُ) ظَاهِرِ كُلِّ (الْوَجْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] وَلِلْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَادُ   [حاشية البجيرمي] الْمَضْمَضَةُ. قَوْلُهُ: (مُجَلَّى) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ. قَوْلُهُ: (الذِّكْرِيُّ) بِضَمِّ الذَّالِ أَيْ الْقَلْبِيُّ؛ لِأَنَّ الذُّكْرَ بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعَلَّمُ أَيْ حُضُورُهَا فِي الْقَلْبِ بِأَنْ يَسْتَمِرَّ مُلَاحِظًا لَهَا. قَوْلُهُ: (كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ ذِكْرِ الشُّرُوطِ أَيْ فِي قَوْلِهِ، وَعَدَمُ الصَّارِفِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِدَوَامِ النِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ) أَيْ الْمُتَوَضِّئُ وَلَوْ دَائِمَ الْحَدَثِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَفْرِيقُ أَفْعَالِهِ. وَفَائِدَةُ تَفْرِيقِ النِّيَّةِ عَدَمُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِإِدْخَالِ الْيَدِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ قَبْلَ نِيَّةِ رَفْعِ حَدَثِهَا أَيْ لَهُ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ بِسَائِرِ صُوَرِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ كَأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الْوُضُوءَ مَثَلًا عَنْ غَسْلِ الْوَجْهِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُ. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ النِّيَّةِ: عِنْدَ الْمَسْنُونِ كَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فَمِنْهَا نَوَيْت مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ عَنْ سُنَّةِ الْوُضُوءِ، وَتَفْرِيقُ النِّيَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِرَفْعِ الْحَدَثِ وَلَا بِالطَّهَارَةِ عَنْهُ، بَلْ يَأْتِي فِي جَمِيعِ النِّيَّاتِ الْمُعْتَبَرَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَظَاهِرٌ أَنَّ التَّفْرِيقَ يَأْتِي فِي الْغُسْلِ. اهـ. وَلَمْ يَنْظُرُوا فِيهِ لِكَوْنِ الْبُدْنِ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ، فَيَنْوِي رَفْعَ جَنَابَةِ رَأْسِهِ فَقَطْ ثُمَّ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ أَسْفَلِهِ. وَانْظُرْ عَلَى قِيَاسِهِ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ النِّيَّةَ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ حَدَثِ كَفِّهِ ثُمَّ سَاعِدِهِ؟ . حَرِّرْهُ. أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ الصِّحَّةُ كَمَا نَقَلَهُ الْإِطْفِيحِيُّ عَنْ ع ش. وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ تَفْرِيقِهَا بَيْنَ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا نَحْوُ نِيَّةِ تَبَرُّدٍ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَنْفِيَ غَيْرَ ذَلِكَ الْعُضْوِ كَأَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُ لَا غَيْرِهِ أَوْ لَا. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُ، وَعِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَلَمْ يَقُلْ عَنْهُمَا كَفَاهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْتَجْ لِلنِّيَّةِ عِنْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ وَغَسْلِ رِجْلَيْهِ إذْ نِيَّتُهُ عِنْدَ يَدَيْهِ الْآنَ كَنِيَّتِهِ عِنْدَ وَجْهِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَالَ ع ش عَلَيْهِ: وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ نَوَى عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ رَفْعَ الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ فَهَلْ يَصِحُّ وَتَكُونُ كُلُّ نِيَّةٍ مُؤَكِّدَةً لِمَا قَبْلَهَا أَوْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِيَّةٍ تَقْطَعُ النِّيَّةَ السَّابِقَةَ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ فِي أَثْنَائِهَا بِأَنْ نَوَى صَلَاةَ الظُّهْرِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْهُ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَاطِعًا قَدْ يُتَّجَهُ الْأَوَّلُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ أَضْيَقُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَفْرِيقُ نِيَّتِهَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ الصَّلَاةَ لِكَوْنِهَا هَيْئَةً وَاحِدَةً إذَا نَوَى قَطْعَهَا بَطَلَتْ مِنْ أَصْلِهَا، وَالْوُضُوءُ إذَا نَوَى قَطْعَهُ بَطَلَتْ نِيَّتُهُ دُونَ مَا مَضَى مِنْهُ فَلَا يَبْطُلُ. اهـ. قَوْلُهُ: (رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُ) الظَّرْفُ أَعْنِي قَوْلَهُ عَنْهُ قَيْدٌ، فَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ التَّفْرِيقِ لِشُمُولِ النِّيَّةِ لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَفْرِيقُ أَفْعَالِهِ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَفْرِيقَ النِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ، بِخِلَافِ تَفْرِيقِ أَفْعَالِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ كَمَا لَهُ تَفْرِيقُ الْوُضُوءِ. اهـ. قَالَ الْبُرُلُّسِيُّ: هَذَا خَاصٌّ بِالسَّلِيمِ أَمَّا السَّلِسُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْمُوَالَاةِ فِي حَقِّهِ. وَأَمَّا تَفْرِيقُ النِّيَّةِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ السَّلِيمِ وَالسَّلِسِ. اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْجَهُهُمَا لَا) وَإِنْ طَالَ اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (بَلْ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ خَاصَّةً) وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْأَيْمَانِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا حَدَثَ بِظَهْرِهِ مَثَلًا. فَإِنْ قُلْنَا: الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ يَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ حَنِثَ أَوْ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ فَقَطْ لَمْ يَحْنَثْ اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِمُجَرَّدِ غَسْلِهِ) وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ بِذَلِكَ الْعُضْوِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَسِّ الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرِ كُلِّ الْوَجْهِ إلَخْ) فِي فَتَاوَى م ر لَوْ اُبْتُلِيَ بِالْكُحْلِ وَغَيَّرَ مَاءَ غَسْلِ الْوَجْهِ لَمْ يَضُرَّ. اهـ. قَالَ بَعْضُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 بِالْغَسْلِ الِانْغِسَالُ، سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ الْمُتَوَضِّئِ أَمْ بِغَيْرِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. وَحَدُّ الْوَجْهِ طُولًا مَا بَيْنَ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَتَحْتِ مُنْتَهَى لَحْيَيْهِ وَهُمَا بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْعَظْمَاتُ اللَّذَانِ تَنْبُتُ عَلَيْهِمَا الْأَسْنَانُ السُّفْلَى وَعَرْضًا مَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ لِأَنَّ الْوَجْهَ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَهِيَ تَقَعُ بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِظَاهِرٍ دَاخِلُ الْأَنْفِ وَالْفَمِ وَالْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا   [حاشية البجيرمي] شُيُوخِنَا: وَمِثْلُ الْكُحْلِ التُّرَابُ دُونَ غَيْرِهِ كَحِبْرٍ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِي الِاحْتِرَازِ عَنْهُ. اهـ. قُلْت: قَضِيَّةُ تَشْبِيهِ التُّرَابِ بِالْكُحْلِ أَنَّ اعْتِبَارَ عَدَمِ الضَّرَرِ فِي مُقَيَّدٍ بِالِابْتِلَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَبَقَ فِي الْمِيَاهِ أَنَّ التُّرَابَ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا إلَّا إذَا صَارَ الْمَاءُ يُسَمَّى طِينًا. اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَالتُّرَابِ) أَيْ إذَا كَانَ عَلَى الْوَجْهِ وَغَيَّرَ الْمَاءَ عِنْدَ غَسْلِهِ. قَوْله: (كُلِّ) زَادَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الِاكْتِفَاءِ بِغَسْلِ الْبَعْضِ الْمُحْتَمِلِ لَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ كُلِّ مِنْ أَلْفَاظِ التَّأْكِيدِ، وَأَنَّهُ يُؤَكَّدُ بِهِ مَا يَتَجَزَّأُ بِنَفْسِهِ كَالْجَيْشِ أَوْ بِعَامِلِهِ كَالْعَبْدِ فِي نَحْوِ: اشْتَرَيْت الْعَبْدَ كُلَّهُ وَمَا هُنَا مِنْ الثَّانِي اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلَخْ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: 6] إلَخْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى سَبْعَةِ أُصُولٍ كُلِّهَا مَثْنًى طَهَارَتَانِ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ، وَمُطَهِّرَانِ: الْمَاءُ وَالتُّرَابُ، وَحُكْمَانِ: الْمَسْحُ وَالْغُسْلُ، وَمُوجِبَانِ: الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ، وَمُبِيحَانِ: الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ، وَكِنَايَتَانِ: الْغَائِطُ وَالْمُلَامَسَةُ، وَكَرَامَتَانِ: تَطْهِيرُ الذُّنُوبِ وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَاسْتُشْكِلَ: كَيْفَ صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهَا مَعَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ أَيْ الْوُضُوءُ شُرِعَ بِمَكَّةَ؟ وَأُجِيبَ: بِأَنَّهَا نَزَلَتْ مُقَرِّرَةً لِمَا عَلَّمَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ بِمَكَّةَ فَلَا إشْكَالَ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالْغَسْلِ الِانْغِسَالُ) وَلَوْ بِغَسْلِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ أَوْ سُقُوطِهِ فِي نَحْوِ نَهْرٍ إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلنِّيَّةِ فِيهِمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِفِعْلِهِ كَتَعَرُّضِهِ لِلْمَطَرِ وَمَشْيِهِ فِي الْمَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ أَيْ تَذَكُّرُ النِّيَّةِ اكْتِفَاءً بِالْأُولَى اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (أَمْ بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ فِعْلِ الْمُتَوَضِّئِ، وَهُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ بِأَنْ كَانَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلٍ أَصْلًا كَأَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْمَطَرُ. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا الْحُكْمُ) أَيْ الْمُرَادُ بِالْغَسْلِ الِانْغِسَالُ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ أَيْ بَاقِيهَا. وَفِيهِ أَنَّ بَاقِيَهَا شَامِلٌ لِلرَّأْسِ، فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْغَسْلِ مَا يَشْمَلُ الْمَسْحَ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْمَسْحِ فِي الرَّأْسِ الِانْمِسَاحُ فَتَأَمَّلْ. . قَوْلُهُ: (طُولًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ، وَالْأَصْلُ وَحَدُّ طُولِ الْوَجْهِ إلَخْ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عَرْضًا قَوْلُهُ مَا بَيْنَ مَنَابِتِ إلَخْ الْمَنَابِتُ جَمْعُ مَنْبِتٍ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الْقَامُوسِ مَنْبِتٌ كَمَجْلِسٍ مَوْضِعُهُ أَيْ النَّبَاتُ شَاذٌّ وَالْقِيَاسُ كَمَقْعَدٍ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ نَبَتَ يَنْبُتُ بِالضَّمِّ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَصْدَرُهُ عَلَى وَزْنِ مَفْعَلٍ بِالْفَتْحِ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا بَيْنَ مَنَابِتِ أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْبُتَ عَلَيْهِ الشَّعْرُ الْمَذْكُورُ، فَلِذَلِكَ اسْتَغْنَى الشَّارِحُ عَنْ زِيَادَةِ بَعْضِهِمْ غَالِبًا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا إذَا أُرِيدَ النَّابِتُ بِالْفِعْلِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُرِيدَ مَا مِنْ شَأْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ. قَوْلُهُ: (شَعْرِ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ فَيُجْمَعُ عَلَى شُعُورٍ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَبِفَتْحِهَا فَيُجْمَعُ عَلَى أَشْعَارٍ كَسَبَبٍ وَأَسْبَابٍ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ الْوَاحِدَةُ شَعْرَةٌ، وَإِنَّمَا جُمِعَ الشَّعْرُ تَشْبِيهًا لِاسْمِ الْجِنْسِ بِالْمُفْرَدِ مُنَاوِيٌّ عَلَى الشَّمَائِلِ. قَوْلُهُ: (وَتَحْتِ مُنْتَهَى) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَنَابِتِ أَيْ وَهُوَ مَا بَيْنَ رَأْسِهِ وَمَا تَحْتَ إلَخْ. فَالْمُنْتَهَى دَاخِلٌ فِي الْوَجْهِ، أَمَّا لَوْ قَالَ مَا بَيْنَ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ. وَالْمُنْتَهَى أَيْ وَبَيْنَ الْمُنْتَهَى بِدُونِ تَحْتَ لَأَفَادَ أَنَّ الْمُنْتَهَى خَارِجٌ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ دُخُولُهُ. قَوْلُهُ: (وَعَرْضًا مَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ) تَثْنِيَةُ أُذُنٍ بِضَمِّ الذَّالِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا تَخْفِيفًا وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ عَلَى فُعُلٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَيَجُوزُ إسْكَانُ ثَانِيهِ كَعُنُقٍ وَكُتُبٍ وَرُسُلٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ الْأَذَنِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ وَتَصْغِيرُهَا أُذَيْنَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ قَطْعًا، وَإِنْ انْفَتِحَا بِقَطْعِ جَفْنٍ أَوْ شَفَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ، وَلَا يُشْكَلُ ذَلِكَ بِمَا لَوْ سَلَخَ جَلْدَةَ الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ مَحَلِّ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فَكَانَ بَدَلًا، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُهُ قَبْلَ إزَالَةِ مَا ذُكِرَ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ بَعْدَ إزَالَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يُسَنُّ غَسْلُ دَاخِلِ الْعَيْنِ وَلَكِنْ يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ إنْ تَنَجَّسَ وَالْفَرْقُ غِلَظُ النَّجَاسَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُزَالُ عَنْ الشَّهِيدِ إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ دَمِ الشَّهَادَةِ، أَمَّا مَاقُ الْعَيْنِ فَيُغْسَلُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْمَحَلِّ الْوَاجِبِ كَالرَّصَاصِ وَجَبَتْ إزَالَتُهُ، وَغَسْلُ مَا تَحْتَهُ، وَبِمَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ الْأَصْلَعِ وَهُوَ مَنْ انْحَسَرَ الشَّعْرُ عَنْ نَاصِيَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُهُمَا، وَدَخَلَ مَوْضِعُ الْغَمَمِ فَإِنَّهُ مِنْ الْوَجْهِ لِحُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ بِهِ وَهُوَ مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ الشَّعْرُ مِنْ الْجَبْهَةِ وَالْغَمَمُ أَنْ يَسِيلَ الشَّعْرُ حَتَّى تَضِيقَ الْجَبْهَةُ وَالْقَفَا يُقَالُ رَجُلٌ أَغَمُّ وَامْرَأَةٌ غَمَّاءُ وَالْعَرَبُ تَذُمُّ بِهِ وَتَمْدَحُ بِالنَّزَعِ لِأَنَّ الْغَمَمَ يَدُلُّ عَلَى الْبَلَادَةِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالنَّزَعُ   [حاشية البجيرمي] وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ كَمَا فِي إشَارَاتِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ. قَالَ اج: وَلَوْ تَأَخَّرَتْ أُذُنَاهُ عَنْ مَحَلِّهِمَا أَوْ تَقَدَّمَتَا لَا يَجِبُ غَسْلُ الْوَجْهِ إلَيْهِمَا فِي الْأُولَى وَيَجِبُ غَسْلُهُمَا فِي الثَّانِيَةِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَالُوهُ فِي الْمَرْفِقَيْنِ وَالْكَعْبِ وَالْحَشَفَةِ حَيْثُ أَنَاطُوا الْحُكْمَ بِهَا، وَلَوْ خَرَجَتْ عَنْ حَيِّزِ الِاعْتِدَالِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا غَسْلُ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ فَأَنَاطُوا الْحُكْمَ بِهِ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِخِلَافِهَا، وَأَمَّا الْمَرْفِقَانِ وَالْكَعْبَانِ وَالْحَشَفَةُ فَإِنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْهَا فَاعْتُبِرَ. اهـ اج. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْوَجْهَ) تَعْلِيلٌ لِتَحْدِيدِ الْوَجْهِ بِمَا ذُكِرَ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ الْمَأْخُوذُ مِنْهَا الْوَجْهُ تَقَعُ بِذَلِكَ، فَقَوْلُهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهَا الْوَجْهُ أَيْ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ فِي تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ لَا بِمَعْنَى الِاشْتِقَاقِ النَّحْوِيِّ، فَلَا حَاجَةَ لِمَا شَنَّعَ بِهِ بَعْضُهُمْ هُنَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (دَاخِلَ الْأَنْفِ وَالْفَمِ) أَيْ الدَّاخِلُ أَصَالَةً وَهُوَ الْفُرْجَةُ فِي الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَبَاطِنِ الْعَيْنِ، وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ انْفَتَحَا) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا مَحَلُّ الْقَطْعِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ. قَوْلُهُ: (لَا يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ) بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُ بَاطِنِ الْعَيْنِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ لِضَرَرِهِ إنْ تَوَهَّمَ الضَّرَرَ، وَمُقْتَضَاهُ الْحُرْمَةُ إنْ تَحَقَّقَ الضَّرَرُ. اهـ طَبَلَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ انْفَتَحَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَإِنْ انْفَتَحَتْ لِيَشْمَلَ الْأَنْفَ أَيْ وَكَأَنْ يَزِيدَ أَوْ أَرْنَبَةً بِالنِّسْبَةِ لِلْأَنْفِ، أَوْ يَقُولُ وَإِنْ انْفَتَحَ أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ انْفَتَحَتْ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ لَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ أَرْنَبَةً بِالنِّسْبَةِ لِلْأَنْفِ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ. وَعَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي فِيهَا وَإِنْ انْفَتَحَا يُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ انْفَتَحَتْ أَيْ: الْأَنْفُ وَالْفَمُ وَالْعَيْنُ؛ لِأَنَّ الْأَنْفَ مَفْتُوحٌ أَبَدًا فَالضَّمِيرُ لِلْفَمِ وَالْعَيْنِ فَقَطْ كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ غَسْلِ مَحَلِّ انْفِتَاحِ الشَّفَةِ وَمَا مَعَهَا. قَوْلُهُ: (فَكَانَ بَدَلًا) قَدْ يُقَالُ بَاطِنُ الْأَنْفِ وَالْفَمِ وَالْعَيْنِ بَدَلٌ عَنْ ظَاهِرِهَا أَيْضًا. قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُهُ) وَلَمْ يُوجِبُوهُ فَعَدَمُ إيجَابِهِمْ لِغَسْلِهِ قَبْلَ الْإِزَالَةِ مَعَ إمْكَانِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (مَاقُ الْعَيْنِ) الْمَاقُ لُغَةً فِي الْمُوقِ وَهُوَ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَجُوزُ التَّخْفِيفُ وَقِيلَ الْمُوقُ الْمُؤْخِرُ وَالَمَاقُ بِالْأَلِفِ الْمُقَدَّمُ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَجْمَعَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الْمُوقَ وَالَمَاقَ لُغَتَانِ بِمَعْنَى الْمُؤَخَّرِ وَهُوَ مَا يَلِي الصُّدْغَ اهـ اج وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ مُوقُ الْعَيْنِ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأَنْفَ وَاللِّحَاظُ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأُذُنَ وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَبِكَسْرِهَا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمُلَاحَظَةِ اهـ مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ أَيْ إلَّا عُقَدًا فِي الشَّعْرِ تَعَقَّدَ بِنَفْسِهِ فَيُعْفَى عَنْهُ وَمِثْلُهُ مَنْ اُبْتُلِيَ بِنَحْوِ طَبُوعٍ لَصِقَ بِأُصُولِ شَعْرِهِ حَتَّى مَنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهَا وَلَمْ تُمْكِنْهُ إزَالَتُهُ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ وُجُوبُ حَلْقِهِ حَيْثُ لَا مُثْلَةَ وَإِلَّا فَيُعْفَى عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ يَتَيَمَّمُ عَنْهُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ كَالرِّمَاصِ الَّذِي فِي الْمِصْبَاحِ وَالصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ الرَّمَصُ بِالتَّحْرِيكِ أَيْ بِلَا أَلِفٍ وَسَخٌ يَجْتَمِعُ فِي الْمُوقِ. قَوْلُهُ: (وَبِمَنَابِتِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَبِمَا بَيْنَ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ إلَخْ. وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِظَاهِرٍ. قَوْلُهُ: (الْأَصْلَعِ) أَيْ خَرَجَ مَحَلُّ الصَّلَعِ، فَالْمُرَادُ خَرَجَ الْأَصْلَعُ مِنْ حَيْثُ مَحَلُّ الصَّلَعِ أَيْ خَرَجَ عَنْ الْوَجْهِ. قَوْلُهُ: (وَالْقَفَا) هُوَ مَقْصُورٌ ذُكِرَ لِبَيَانِ مَعْنَى الْغَمَمِ لُغَةً ق ل. أَيْ فَلَا يَعْتَرِض عَلَيْهِ بِأَنَّ الْقَفَا لَيْسَ مَحَلَّ غَسْلٍ هُنَا. وَأَمَّا مَعْنَى الْغَمَمِ شَرْعًا فَهُوَ الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الْجَبْهَةِ خَاصَّة كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ. وَالْقَفَا يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَجَمْعُهُ أَقْفَاءُ وَأَقْفٌ وَأَقْفِيَةٌ وَقُفِيٌّ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ. اهـ. نَوَوِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِالنَّزَعِ) بِفَتْحِ الزَّايِ أَيْ بِالنَّزَعَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِيمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (الْبَلَادَةِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 بِضِدِّ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: مُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَأَمَّا مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ فَمِنْ الرَّأْسِ لِاتِّصَالِ شَعْرِهِ بِشَعْرِ الرَّأْسِ وَهُوَ مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ الشَّعْرُ الْخَفِيفُ بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْعِذَارِ وَالنَّزَعَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ وَالْأَشْرَافَ يَحْذِفُونَ الشَّعْرَ عَنْهُ لِيَتَّسِعَ الْوَجْهُ. وَضَابِطُهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَنْ يَضَعَ طَرَفَ خَيْطٍ عَلَى رَأْسِ الْأُذُنِ، وَالطَّرَفَ الثَّانِيَ عَلَى أَعْلَى الْجَبْهَةِ، وَيُفْرَضُ هَذَا الْخَيْطُ مُسْتَقِيمًا فَمَا نَزَلَ عَنْهُ إلَى جَانِبِ الْوَجْهِ فَهُوَ مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ، وَمِنْ الرَّأْسِ أَيْضًا النَّزَعَتَانِ وَهُمَا بَيَاضَانِ يَكْتَنِفَانِ النَّاصِيَةَ وَهُوَ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ مِنْ أَعْلَى الْجَبِينِ وَالصُّدْغَانِ وَهُمَا فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ مُتَّصِلَانِ بِالْعِذَارَيْنِ لِدُخُولِهِمَا فِي تَدْوِيرِ الرَّأْسِ، وَيُسَنُّ غَسْلُ مَوْضِعِ الصَّلَعِ وَالتَّحْذِيفِ وَالنَّزَعَتَيْنِ وَالصُّدْغَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا فِي غَسْلِهِ وَيَجِبُ   [حاشية البجيرمي] ضِدُّ الذَّكَاءِ وَالْجُبْنُ ضِدُّ الشُّجَاعَةِ الَّتِي هِيَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْمَخَاوِفِ فَالْجَبَانُ هُوَ الَّذِي يَخَافُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَقْدُمُ عَلَى الْمَخَاوِفِ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْجُبْنِ عَارٌ وَفِي الْإِقْدَامِ مَكْرُمَةٌ ... وَالْمَرْءُ بِالْجُبْنِ لَا يَنْجُو مِنْ الْقَدَرِ. قَوْلُهُ: (وَالنَّزَعُ بِضِدِّ ذَلِكَ) قَالَ الشَّاعِرُ: أَقَلِّيّ عَلَيَّ النُّوحَ وَارْعَيْ لِمَنْ رَعَى ... وَلَا تَجْزَعِي مِمَّا أَصَابَ وَأَوْجَعَا وَلَا تَنْكِحِي إنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا ... أَغَمَّ الْقَفَا وَالْوَجْهُ لَيْسَ بِأَنْزَعَا. قَوْلُهُ: (كَمَا تَقَرَّرَ) أَيْ قَوْلُهُ وَتَحْتَ مُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَزِدْت تَحْتَ لِيَدْخُلَ مُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ) مِنْ الْحَذْفِ وَهُوَ الْإِزَالَةُ وَالْعَامَّةُ تُبْدِلُ الذَّالَ بِالْفَاءِ. قَوْلُهُ: (الْعِذَارُ) بِذَالِ مُعْجَمَةٍ الشَّعْرُ النَّابِتُ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنِ أَيْ لِبَعْضِهَا بَيْنَ الصُّدْغِ وَالْعَارِضُ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ لِلْأَمْرَدِ غَالِبًا شَرَحَ م ر. وَالْعَارِضُ مَا يَنْحَطُّ عَنْ الْأُذُنِ إلَى أَوَّلِ الْمُنْخَسِفِ مِنْ عَظْمِ اللِّحْيَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ أَيْ الْعِذَارُ مَا يَنْبُتُ عَلَى الْعَظْمِ النَّاتِئِ فَوْقَ الْعَارِضِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَشْرَافَ) أَيْ الْأَكَابِرَ لَا خُصُوصَ أَوْلَادِ فَاطِمَةَ، فَالْمُرَادُ بِالْأَشْرَافِ مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرِيفًا. قَوْلُهُ: (عَلَى رَأْسِ الْأُذُنِ) وَرَأْسُهَا هُوَ أَصْلُهَا الَّذِي يَعْلُوهُ بَيَاضٌ مَسْتُورٌ بِالْمُرْتَفِعِ مِنْهَا فَهُوَ فَوْقَ الْوَتَدِ قَرِيبٌ مِنْهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَاصِلٌ إلَّا الْجُزْءَ الْمُنْخَفِضَ فَالْجُزْءُ الَّذِي فَوْقَ هَذَا الْمُنْخَفِضِ هُوَ الْمُسَمَّى بِرَأْسِ الْأُذُنِ كَمَا قَالَهُ ع ش وَعِبَارَةُ اج قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْمُرَادُ بِرَأْسِ الْأُذُنِ الْجُزْءُ الْمُحَاذِي لِأَعْلَى الْعِذَارِ قَرِيبًا مِنْ الْوَتَدِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَعْلَى الْأُذُنِ مِنْ جِهَةِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحَاذِيًا لِمَبْدَأِ الْعِذَارِ. اهـ. وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مِنْ الْوَجْهِ لَا مِنْ الرَّأْسِ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَدَبَّرَ ذَلِكَ بَلْ ذَلِكَ يُدْرَكُ بِالْمَحْسُوسِ، فَالْمُتَعَيَّنُ إبْقَاءُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّهُ إذَا وَضَعَ الْخَيْطَ عَلَى أَعْلَى الْأُذُنِ كَانَ مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ مِنْ الرَّأْسِ قَطْعًا. اهـ. وَعَلَى كَلَامِهِمَا يَكُونُ بَعْضُ التَّحْذِيفِ مِنْ الْوَجْهِ. قَوْلُهُ: (وَيَفْرِضُ هَذَا الْخَيْطَ إلَخْ) اُنْظُرْ لِمَ عَبَّرَ بِالْفَرْضِ أَيْ التَّقْدِيرُ مَعَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يُقَالَ وَيَجْعَلُ هَذَا الْخَيْطَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إلَى جَانِبِ الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ الْمُلَاصِقِ لِلنَّزَعَةِ. قَوْلُهُ: (النَّزَعَتَانِ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ النَّاصِيَةُ وَذَكَرَهُ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ مُقَدَّمُ، وَيَجُوزُ تَأْنِيثُهُ أَيْضًا، وَالتَّذْكِيرُ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى مُرَاعَاةُ الْخَبَرِ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَعْلَى الْجَبِينِ) حَالٌ مِنْ مُقَدَّمٍ. قَوْلُهُ: (وَالصُّدْغَانِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَالنَّزَعَتَانِ أَيْ وَمِنْ الرَّأْسِ أَيْضًا الصُّدْغَانِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ سم بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا انْحَطَّ عَنْ مَنْبَتِ الْأُذُنَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ وَبَعْضُ الصُّدْغِ مُنْحَطٌّ عَنْ مُحَاذَاتِهِمَا قَطْعًا، فَيَكُونُ مِنْ الْوَجْهِ لَا مِنْ الرَّأْسِ. قَالَ الْمَرْحُومِيُّ، قَالَ الشِّهَابُ الصُّدْغُ مَا بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَهُمَا فَوْقَ الْأُذُنِ) أَيْ مُلَاقِيَانِ لِلْأُذُنَيْنِ وَمُحَاذِيَانِ لَهُمَا لَا مُطْلَقُ الْفَوْقِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَشْمَلُ وَسَطَ الرَّأْسِ. وَقَوْلُهُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ وَمِنْ الْحَلْقِ وَمِنْ تَحْتِ الْحَنَكِ وَمِنْ الْأُذُنَيْنِ وَمِنْ الْوَجْهِ الْبَيَاضِ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ لِدُخُولِهِ فِي حَدِّهِ وَمَا ظَهَرَ مِنْ حُمْرَةِ الشَّفَتَيْنِ وَمِنْ الْأَنْفِ بِالْجَدْعِ. وَيَجِبُ غَسْلُ كُلِّ هُدْبٍ وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى أَجْفَانِ الْعَيْنِ، وَحَاجِبٍ وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى أَعْلَى الْعَيْنِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْجُبُ عَنْ الْعَيْنِ شُعَاعَ الشَّمْسِ، وَعِذَارٍ وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنِ بَيْنَ الصُّدْغِ وَالْعَارِضِ؛ وَشَارِبٍ وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُلَاقَاتِهِ فَمَ الْإِنْسَانِ عِنْدَ الشُّرْبِ وَشَعْرٍ نَابِتٍ عَلَى الْخَدِّ وَعَنْفَقَةٍ وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ السُّفْلَى أَيْ يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِنْ كَثُفَ الشَّعْرُ؛ لِأَنَّ كَثَافَتَهُ نَادِرَةٌ فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ. وَاللِّحْيَةُ مِنْ الرَّجُلِ وَهِيَ بِكَسْرِ اللَّامِ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى   [حاشية البجيرمي] فِي غَسْلِهِ) أَيْ مَعَ غَسْلِهِ فَفِي بِمَعْنَى مَعَ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ) إلَّا إذَا سَقَطَ غَسْلُ الْوَجْهِ. قَالَ ع ش: وَلَوْ سَقَطَ غَسْلُ الْوَجْهِ مَثَلًا لَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ الْمَتْبُوعُ سَقَطَ التَّابِعُ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْوَجْهِ الْبَيَاضُ إلَخْ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْأَنْفِ بِالْجَدْعِ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْقَطْعُ وَالْمُرَادُ مَا بَاشَرَتْهُ السِّكِّينُ بِالْقَطْعِ لَا مَا كَانَ مَسْتُورًا بِالْأَنْفِ لِئَلَّا يُنَافِيَ قَوْلَهُ السَّابِقَ، وَخَرَجَ بِظَاهِرِ بَاطِنِ الْأَنْفُ وَالْفَمُ وَالْعَيْنُ، وَإِنْ انْفَتَحَا بِقَطْعِ جَفْنٍ أَوْ شَفَةٍ إذًا لَا فَرْقَ بَيْنَ بَاطِنِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ إذَا قُطِعَ سَاتِرُهُمَا وَلَوْ اتَّخَذَ لَهُ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ وَالْتَحَمَ وَجَبَ غَسْلُهُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ أَنْفِهِ بِالْقَطْعِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ لِلْعُذْرِ فَصَارَ الْأَنْفُ الْمَذْكُورُ فِي حَقِّهِ كَالْأَصْلِيِّ. م ر. وَهَلْ تَكْفِي النِّيَّةُ عِنْدَهُ أَمْ لَا؟ . قَالَ بِالْأَوَّلِ ق ل، وَبِالثَّانِي س ل. وَقَوْلُ م ر وَجَبَ غَسْلُهُ أَيْ يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ غَسْلِ مَا فِي مَحَلِّ الِالْتِحَامِ؛ لِأَنَّهُ الْبَدَلُ دُونَ مَا زَادَ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَيَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ نَحْوِ أَنْفٍ مِنْ نَقْدٍ الْتَحَمَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ حُكْمُ الْوَجْهِ، وَتَكْفِي النِّيَّةُ عِنْدَهُ وَلَا يُنْقَضُ لَمْسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَشَرَةِ وَإِنْ أُعْطِيَ حُكْمَهَا. اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ غَسْلُ كُلِّ هُدْبٍ إلَخْ) ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ الثَّانِي غَسْلُ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَجْزَاءٌ لِلْوَجْهِ اهـ ع ش. وَقَوْلُهُ: (كُلِّ هُدْبٍ) هُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَبِضَمِّهِمَا وَفَتْحِهِمَا مَعًا ش م ر. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ جَمْعٌ مُفْرَدُهُ هُدْبَةٌ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَهْدَابٌ، وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ، وَالْأَشْفَارُ جَمْعُ شَفْرٍ بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْفَاءِ كَفَلْسٍ جَفْنُ الْعَيْنِ أَمَّا بِضَمِّ الشِّينِ فَحَرْفُ الْفَرْجِ أَقُولُ لَيْسَ جَمْعًا بَلْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ. قَوْلُهُ: (النَّابِتُ عَلَى أَجْفَانِ الْعَيْنِ) خَرَجَ بِهِ النَّابِتُ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَإِنْ طَالَ جِدًّا ع ش. قَوْلُهُ: (وَعِذَارٍ إلَخْ) وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ لِلْأَمْرَدِ غَالِبًا وَسِبَالٍ وَهُوَ مَا طَالَ مِنْ الشَّارِبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَشَارِبٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ السِّبَالَيْنِ بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا فَأَدْرَجَهُمَا فِي الشَّارِبِ، فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُمَا. قَوْلُهُ: (لِمُلَاقَاتِهِ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لِمُلَاقَاتِهِ لِلْمَاءِ عِنْدَ الشُّرْبِ إذْ الشَّارِبُ مُلَاقٍ لِلْفَمِ دَائِمًا. قَوْلُهُ: (أَيْ يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ. وَقَوْلُهُ: (ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا وَإِنْ كَثُفَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ م ر. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ شُعُورَ الْوَجْهِ إنْ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَدِّهِ وَكَانَتْ نَادِرَةَ الْكَثَافَةِ كَالْهُدْبِ وَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ وَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى، فَيَجِبُ غَسْلُهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا خَفَّتْ أَوْ كَثُفَتْ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّهِ وَكَانَتْ كَثِيفَةً وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهَا فَقَطْ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، وَإِنْ خَفَّتْ وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا أَوْ غَيْرَ نَادِرَةِ الْكَثَافَةِ وَهِيَ لِحْيَةُ الذَّكَرِ وَعَارَضَاهُ، فَإِنْ خَفَّتْ بِأَنْ تُرَى الْبَشَرَةُ مِنْ تَحْتِهَا فِي مَجْلِسِ التَّخَاطُبِ، وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا مُطْلَقًا، وَإِنْ كَثُفَتْ وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهَا فَقَطْ مُطْلَقًا، فَإِنْ خَفَّ بَعْضُهَا وَكَثُفَ بَعْضُهَا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ إنْ تَمَيَّزَ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ إفْرَادُهُ بِالْغَسْلِ كَأَنْ كَانَ الْكَثِيفُ مُتَفَرِّقًا بَيْنَ أَجْزَاءِ الْخَفِيفِ وَجَبَ غَسْلُ الْجَمِيعِ، وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا يُخَالِفُ مَا تَقَرَّرَ فَاحْذَرْهُ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ الْإِيهَامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الذَّقَنِ خَاصَّةً وَهِيَ مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ إنْ خِفْت وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا، وَإِنْ كَثُفَتْ وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَلَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهَا لِعُسْرِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ مَعَ الْكَثَافَةِ الْغَيْرِ النَّادِرَةِ وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَغَرَفَ غَرْفَةً غَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ» وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ الْكَرِيمَةُ كَثِيفَةً. وَبِالْغَرْفَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى ذَلِكَ غَالِبًا فَإِنْ خَفَّ بَعْضُهَا وَكَثُفَ بَعْضُهَا وَتَمَيَّزَ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ بِأَنْ كَانَ الْكَثِيفُ مُتَفَرِّقًا بَيْنَ أَثْنَاءِ الْخَفِيفِ وَجَبَ غَسْلُ الْكُلِّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ إفْرَادَ الْكَثِيفِ بِالْغَسْلِ يَشُقُّ، وَإِمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى الْخَفِيفِ لَا يُجْزِئُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَالشَّعْرُ الْكَثِيفُ مَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ عَنْ الْمُخَاطَبِ بِخِلَافِ الْخَفِيفِ، وَالْعَارِضَانِ وَهُمَا الْمُنْحَطَّانِ عَنْ الْقَدْرِ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنِ كَاللِّحْيَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ، وَخَرَجَ بِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ فَيَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ مِنْهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِنْ كَثُفَ لِنُدْرَةِ كَثَافَتِهَا وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَيَجِبُ غَسْلُ سِلْعَةٍ نَبَتَتْ فِي الْوَجْهِ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّهِ لِحُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ بِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي شُعُورِ الْوَجْهِ إذَا كَانَ فِي حَدِّهِ أَمَّا الْخَارِجُ عَنْهُ فَيَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا مُطْلَقًا إنْ خَفَّتْ كَمَا فِي الْعُبَابِ،   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَبَاطِنًا) وَهُوَ مَا يَلِي الصَّدْرَ مِنْ اللِّحْيَةِ وَمَا بَيْنَ الشَّعْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِحْيَةَ الذَّكَرِ وَعَارِضَيْهِ وَمَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ وَلَوْ مِنْ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى إنْ كَثُفَ وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهِ فَقَطْ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ يَجِبُ غَسْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَوْ كَثِيفًا. هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي شُعُورِ الْوَجْهِ فَاعْتَمِدْهُ ع ش. قَوْلُهُ: (فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ) أَيْ وَهُوَ الشَّعْرُ الْخَفِيفُ. قَوْلُهُ: (وَاللِّحْيَةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ إنْ خَفَّتْ إلَخْ م د. قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ الْكَرِيمَةُ كَثِيفَةً) أَيْ كَثِيرَةَ الشَّعْرِ بِحَيْثُ تَمْلَأُ صَدْرَهُ أَيْ مَا يُقَابِلُهُ مَعَ قِصَرٍ فِيهِ أَيْ فِي الشَّعْرِ وَانْبِسَاطٍ، إذْ كَانَ يَأْخُذُ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ وَرُبَّمَا كَانَ يَأْخُذُ مِنْ أَطْرَافِهَا أَيْضًا، وَالْأَوْلَى إبْدَالُ كَثِيفَةٍ بِعَظِيمَةٍ لِمَا فِي التَّعْبِيرِ بِالْكَثِيفَةِ مِنْ الْبَشَاعَةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْكَثِيفَةَ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهَا الْعَظِيمَةُ الشَّعْرِ، فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الشَّارِحِ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْكَثِيفَةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَوْسَجًا وَهُوَ الَّذِي لِحْيَتُهُ عَلَى ذَقَنِهِ لَا عَلَى عَارِضَيْهِ وَلَا خَفِيفَ اللِّحْيَةِ غَيْرَ نَازِلَةٍ إلَى صَدْرِهِ. وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ عَارِضَيْهِ» وَيُرْوَى لِحْيَتِهِ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ طَوِيلَةً فَوْقَ الطُّولِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا طَالَتْ لِحْيَةُ إنْسَانٍ قَطُّ إلَّا وَنَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ مِقْدَارُ مَا طَالَ مِنْ لِحْيَتِهِ» وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: إذَا كَبُرَتْ لِلْفَتَى لِحْيَةٌ ... فَطَالَتْ وَصَارَتْ إلَى سُرَّتِهْ فَنُقْصَانُ عَقْلِ الْفَتَى عِنْدَنَا ... بِمِقْدَارِ مَا طَالَ مِنْ لِحْيَتِهْ ذَكَرَهُ مُلَّا عَلِيٌّ قَارِي عَلَى الشِّفَاءِ. فِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ كَثِيفَ اللِّحْيَةِ وَكَانَ يُسَرِّحُهَا بِالْمَاءِ، وَكَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْطٌ مِنْ الْعَاجِ، وَقِيلَ شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنْ ظَهْرِ السُّلَحْفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ وَهِيَ التِّرْسَةُ، وَيُقَالُ لِعَظْمِ الْفِيلِ عَاجٌ أَيْضًا أَيْ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا، وَكَانَ لَهُ مِقْرَاضٌ أَيْ مِقَصٌّ يَقُصُّ بِهِ أَطْرَافَ شَارِبِهِ» . وَفِي الْمِشْكَاةِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا» . وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُ بِالْمِقْرَاضِ مِنْ عَرْضِ لِحْيَتِهِ وَطُولِهَا، وَقَدْ لَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا جَاءَ: «أَمَرَنِي رَبِّي بِإِعْفَاءِ لِحْيَتِي وَقَصِّ شَارِبِي» وَقَالَ: «مِنْ الْفِطْرَةِ قَصُّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ» . اهـ. قَوْلُهُ: (فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ) الْمُرَادُ بِالتَّمَيُّزِ أَنْ يَسْهُلَ إفْرَادُ كُلٍّ بِالْغَسْلِ اهـ. قَوْلُهُ: (عَنْ الْقَدْرِ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنِ) أَيْ إلَى أَوَّلِ الْمُنْخَسِفِ مِنْ عَظْمِ اللِّحْيَةِ. اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت الْمُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ ع ش وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْخَارِجُ عَنْهُ) الْمُرَادُ بِخُرُوجِهِ أَنْ يَلْتَوِيَ بِنَفْسِهِ إلَى غَيْرِ جِهَةِ اسْتِرْسَالِهِ كَأَنْ يَلْتَوِيَ شَعْرُ الذَّقَنِ إلَى الشَّفَةِ أَوْ إلَى الْحَلْقِ، أَوْ يَلْتَوِيَ الْحَاجِبُ إلَى جِهَةِ الرَّأْسِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ حَدِّهِ فِي جِهَةِ اسْتِرْسَالِهِ؛ لِأَنَّ مَنْبَتَ اللِّحْيَةِ عَلَيْهِ يَكُونُ خَارِجًا بِمُجَرَّدِ طُلُوعِهِ، فَعَلَيْهِ إذَا وَصَلَ شَعْرُ الذَّقَنِ إلَى السُّرَّةِ لَا يُقَالُ لَهُ خَارِجٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا عَنْ ابْنِ قَاسِمٍ. قَوْلُهُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَظَاهِرُهَا فَقَطْ مُطْلَقًا إنْ كَثُفَتْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَبَعْضُهُمْ قَرَّرَ فِي هَذِهِ الشُّعُورِ خِلَافَ ذَلِكَ فَاحْذَرْهُ. . تَنْبِيهٌ: مَنْ لَهُ وَجْهَانِ وَكَانَ الثَّانِي مُسَامِتًا لِلْأَوَّلِ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُمَا كَالْيَدَيْنِ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ أَوْ رَأْسَانِ كَفَى مَسْحُ بَعْضِ أَحَدِهِمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْوَجْهِ غَسْلُ جَمِيعِهِ فَيَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِ مَا يُسَمَّى وَجْهًا، وَفِي الرَّأْسِ مَسْحُ بَعْضِ مَا يُسَمَّى رَأْسًا وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِبَعْضِ أَحَدِهِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَجْمُوعِ. (وَ) الثَّالِثُ مِنْ الْفُرُوضِ (غَسْلُ) جَمِيعِ (الْيَدَيْنِ) مِنْ كَفَّيْهِ وَذِرَاعَيْهِ (إلَى) أَيْ مَعَ (الْمَرْفِقَيْنِ) أَوْ قَدْرِهِمَا إنْ فُقِدَ الْمَاءُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ   [حاشية البجيرمي] غَسْلُ ظَاهِرِهَا) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ ظَاهِرُهُ، وَالْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَسْمُ وَجْهِ الشَّعْرِ الْأَعْلَى مِنْ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا وَبِالْبَاطِنِ مَا بَيْنَ الطَّبَقَاتِ وَمَا يَلِي الصَّدْرَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ مِنْ اللِّحْيَةِ وَالْعَارِضِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى. قَوْلُهُ: (مَنْ لَهُ وَجْهَانِ إلَخْ) تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ مَنْ خُلِقَ لَهُ وَجْهَانِ تَارَةً يَكُونَانِ أَصْلِيَّيْنِ، بِأَصَالَتِهِمَا أَنْ يُنَزَّلَ الْوَلَدُ بِهِمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُمَا إنْ تَسَاوَيَا فِي جَمِيعِ الْحَوَاسِّ، فَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَالْعِبْرَةُ بِهِ، وَتَارَةً يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَنْبُتُ بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ، وَعَلَى هَذَا إمَّا أَنْ يَتَمَيَّزَ الزَّائِدُ عَنْ الْأَصْلِيِّ أَوْ يَتَشَبَّهَ بِهِ وَالتَّمَيُّزُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَامِتًا لِلْأَصْلِيِّ أَمْ لَا. فَإِنْ سَامَتْ وَجَبَ غَسْلُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُسَامِتْ فَالْأَصْلِيُّ فَقَطْ يَجِبُ غَسْلُهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَنْبَغِي تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ فِيهَا وَلَا الِاشْتِغَالُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُقُوعُهَا جِدًّا، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحَادِثَةُ بَحَثَ عَنْهَا فَالْمُشْتَغِلُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَنْ أَوْقَدَ تَنُّورًا فِي بَلْدَةٍ خَرِبَةٍ لَا يَسْكُنُ فِيهَا أَحَدٌ مُنْتَظِرًا مَنْ يَخْبِزُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (مُسَامِتًا) شَامِلٌ لِلْأَصْلِيِّ وَالْمُشْتَبَهِ وَالزَّائِدِ الْغَيْرِ الْمُشْتَبَهِ. وَعِبَارَةُ اج. قَوْلُهُ: مُسَامِتًا أَيْ عَلَى سُنَنِهِ وَمُحَاذَاتِهِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ قُبُلِهِ، وَالْآخَرُ مِنْ جِهَةِ دُبُرِهِ وَجَبَ غَسْلُ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَكُنْ فَاقِدَ الْحَوَاسِّ، وَالثَّانِي فِيهِ ذَلِكَ، فَالْعَامِلُ هُوَ الْوَاجِبُ غَسْلُهُ. قَالَ م ر: وَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا إذَا اسْتَوَيَا عَمَلًا، أَوْ كَانَ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْقُبُلِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَكْثَرُ عَمَلًا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْعَامِلُ أَوْ الْأَكْثَرُ عَمَلًا الَّذِي مِنْ جِهَةِ الدُّبُرِ فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِلْأَوَّلِ) أَيْ وَلَوْ زَائِدًا مُتَمَيِّزًا. قَوْلُهُ: (وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُمَا) أَيْ إذَا كَانَا أَصْلِيَّيْنِ، وَيَكْفِي قَرْنَ النِّيَّةِ بِأَحَدِهِمَا حِينَئِذٍ أَوْ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا وَاشْتَبَهَ، أَمَّا إذَا تَمَيَّزَ الزَّائِدُ فَيَجِبُ غَسْلُ الْأَصْلِيِّ دُونَ الزَّائِدِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَمْتِهِ، وَإِلَّا يَجِبْ غَسْلُهُ أَيْضًا، وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الرَّأْسَيْنِ فَيُقَالُ: إنْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ اكْتَفَى بِمَسْحِ بَعْضِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا، وَاشْتَبَهَ تَعَيَّنَ مَسْحُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ تَمَيَّزَ الْأَصْلِيُّ مِنْ الزَّائِدِ تَعَيَّنَ مَسْحُ بَعْضِ الْأَصْلِيِّ. قَوْلُهُ: (مِنْ كَفَّيْهِ) الْكَفُّ تَذْكِيرُهَا قَلِيلٌ وَالتَّأْنِيثُ هُوَ الْكَثِيرُ كَمَا قَالَهُ ع ش. وَأَتَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَدِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ فَدَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: مِنْ كَفَّيْهِ إلَخْ أج. وَعَطَفَ الذِّرَاعَيْنِ عَلَى الْكَفَّيْنِ مِنْ عَطْفِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ مِنْ الْمَرْفِقِ إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (مَعَ الْمَرْفِقَيْنِ) يُفِيدُ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْيَدَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ بِالنَّظَرِ لِمَا يُرَادُ هُنَا، وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ تُطْلَقُ إطْلَاقًا لُغَوِيًّا عَلَى مَا هُوَ مِنْ الْأَصَابِعِ لِلْمَنْكِبِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرِهِمَا إنْ فُقِدَا) أَيْ خِلْقَةً. وَالْمُرَادُ بِاعْتِبَارِ الْقَدْرِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَنْ تُسَاوِي يَدُهُ خِلْقَةً يَدَ مَنْ فَقَدَ مَرْفِقَهُ. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ عَلَى الْغَزِّيُّ: لَوْ فُقِدَ الْكَعْبُ أَوْ الْمَرْفِقُ اُعْتُبِرَ قَدْرُهُ مِنْ غَالِبِ أَمْثَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِمَا الْمُعْتَادِ كَأَنْ لَاصَقَ الْمَرْفِقُ الْمَنْكِبَ وَالْكَعْبُ الرُّكْبَةَ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي التُّحْفَةِ خِلَافًا لِجَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ اعْتَبَرُوا قَدْرَهُ مِنْ غَالِبِ النَّاسِ. اهـ. وَمِثْلُهُ أُجْهُورِيٌّ. قَوْلُهُ: (تَوَضَّأَ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَرَادَ الْوُضُوءَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا مَحْمَلٌ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ نَظِيرُ مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} [الأعراف: 4] حَيْثُ قَالُوا أَرَدْنَا إهْلَاكَهَا. قَوْلُهُ: (فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ) أَيْ أَجْرَى وَأَسَالَ الْوَضُوءَ بِفَتْحِ الْوَاوِ مَيْدَانِيٌّ وَقِيلَ بِضَمِّ الْوَاوِ، وَالْمُرَادُ بِهِ غَسْلُ الْوَجْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ ثُمَّ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ» إلَى آخِرِهِ. وَلِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] ، وَإِلَى بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52] أَيْ مَعَ اللَّهِ. وقَوْله تَعَالَى: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52] فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الْيَدَيْنِ وَجَبَ غَسْلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ؛ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أَوْ قَطَعَ مِنْ مَرْفِقَيْهِ   [حاشية البجيرمي] فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ) إلَخْ. وَالْمُرَادُ بِإِسْبَاغِهِ إتْمَامُ غَسْلِهِ. اهـ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى) فِي نُسْخَةٍ إسْقَاطُ ثُمَّ وَهِيَ أَوْلَى فَيَكُونُ بَيَانًا لِقَوْلِهِ فَأَسْبَغَ الْوَضُوءَ. قَوْلُهُ: (حَتَّى أَشْرَعَ) بِمَعْنَى شَرَعَ أَيْ غَسَلَ أَوَّلَ الْعَضُدَيْنِ ق ل. قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَانْتَهَى فِي قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ إلَى آخِرِهِ وَبَقِيَّتِهِ ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ» اهـ اج. لَعَلَّ الْمُرَادَ بَعْدَ ذِكْرِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَأَيْدِيَكُمْ) الْأَيْدِي جَمْعُ الْيَدِ الَّتِي هِيَ الْجَارِحَةُ، وَالْأَيَادِي جَمْعُ الْيَدِ الَّتِي هِيَ النِّعْمَةُ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدْ أَخْرَجَهُمَا عَوَامُّ الْعُلَمَاءِ بِاللُّغَةِ عَنْ أَصْلِهِمَا، فَاسْتَعْمَلُوا الْأَيَادِيَ فِي جَمْعِ الْيَدِ لِلْجَارِحَةِ، وَتَجِدُ أَكْثَرَ النَّاسِ يَكْتُبُ لِصَاحِبِهِ الْمَمْلُوكُ يُقَبِّلُ الْأَيَادِي الْكَرِيمَةَ أَوْ الْكِرَامَ وَهُوَ لَحْنٌ، وَالصَّوَابُ الْأَيْدِيَ الْكَرِيمَةَ قَالَهُ الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ شَوْبَرِيٌّ، وَفِي الْفَنَارِيِّ عَلَى الْمُطَوَّلِ مَا يُخَالِفُ هَذَا وَنَصُّهُ: وَالْأَيَادِي جَمْعُ الْأَيْدِي وَالْأَيْدِي جَمْعُ الْيَدِ وَهِيَ الْجَارِحَةُ الْمَخْصُوصَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي النِّعْمَةِ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ الْفَاعِلِيَّةِ أَوْ الصُّورِيَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ وَهُوَ النِّعْمَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهَا الشَّيْخُ فِي الْبَيَانِ وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَمَا قِيلَ إنَّ الْيَدَ بِمَعْنَى الْجَارِحَةِ تُجْمَعُ عَلَى الْأَيْدِي وَبِمَعْنَى النِّعْمَةِ عَلَى الْأَيَادِي يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ أَصْلَ يَدٍ يَدَيَّ وَمَا كَانَ عَلَى وَزْنِ فَعَلَ لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفَاعِلَ. قَوْلُهُ: (إلَى الْمَرَافِقِ) ذَكَرَ الْمَرَافِقَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالْكَعْبَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ، وَلِكُلِّ يَدٍ مَرْفِقٌ فَصَحَّتْ الْمُقَابَلَةُ، وَلَوْ قِيلَ الْكِعَابُ لَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ لِكُلِّ رِجْلٍ كَعْبٌ وَاحِدٌ، فَذَكَرَ الْكَعْبَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ لِيَتَنَاوَلَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا غَسْلُ يَدٍ وَاحِدَةٍ وَرِجْلٍ وَاحِدَةٍ. قُلْنَا: صَدَّنَا عَنْهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّ مَا كَانَ وَاحِدًا وَهُوَ هُنَا الْمَرْفِقُ مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ هُنَا الْيَدُ، فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ. وَلِكُلِّ يَدٍ مَرْفِقٌ وَاحِدٌ، فَلِذَلِكَ جَمْعٌ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] . وَلَمْ يَقُلْ قَلْبَاكُمَا أَيْ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ، وَمَا كَانَ اثْنَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ، فَلَمَّا قَالَ إلَى الْكَعْبَيْنِ عُلِمَ أَنَّ لِكُلِّ رِجْلٍ كَعْبَيْنِ، طُوخِيٌّ. وَالْمُرَادُ بِالِاثْنَيْنِ الْكَعْبَانِ وَبِالْوَاحِدِ الرِّجْلُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَى بِمَعْنَى مَعَ) هَذَا جَوَابٌ اج عَمَّا يُقَالُ الْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى دُخُولِ الْمَرْفِقَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُغَيَّا بِإِلَى لَا يَشْمَلُ الْغَايَةَ. فَأَجَابَ: بِأَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ إلَى بِمَعْنَى مَعَ، وَفِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِجْمَاعُ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ هُنَا فِي الْمُغَيَّا. فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ ذِكْرِ الْغَايَةِ فِي الْآيَةِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ دُونَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ حَقِيقَةُ الْيَدِ لُغَةً مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ، وَالرِّجْلُ إلَى آخِرِ السَّاقِ نَصَّ عَلَى مَحَلِّ الْوُجُوبِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْغَسْلُ إلَى الْمَنْكِبِ، وَإِلَى الرُّكْبَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحْدُودٌ لَا يُتَوَهَّمُ دُخُولُ شَيْءٍ فِيهِمَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الِاسْتِدْلَالِ الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّهُ أَبْيَنُ وَأَنَصُّ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَأَخَّرَ عَنْهُ الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ، وَأَخَّرَ الْآيَةَ لِلِاحْتِيَاجِ فِيهَا إلَى جَعْلِ إلَى بِمَعْنَى مَعَ. قَوْلُهُ: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52] أَيْ مَعَ اللَّهِ أَيْ مَنْ يُعِينُنِي عَلَى نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ. قَوْلُهُ: {إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52] أَيْ يَزِدْكُمْ قُوَّةً بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ مَعَ قُوَّتِكُمْ، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي حَقِّ قَوْمِ هُودٍ حَيْثُ قَالَ لَهُمْ: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: 52] إلَخْ. وَكَانُوا قَحَطُوا الْمَطَرَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَأَعْقَمَتْ نِسَاؤُهُمْ ثَلَاثِينَ سَنَةً. قَوْلُهُ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ» أَيْ مَأْمُورٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 بِأَنْ سَلَّ عَظْمَ الذِّرَاعِ وَبَقِيَ الْعَظْمَاتُ الْمُسَمَّيَانِ بِرَأْسِ الْعَضُدِ، فَيَجِبُ غَسْلُ رَأْسِ عَظْمِ الْعَضُدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَرْفِقِ، أَوْ قَطَعَ مِنْ فَوْقِ الْمَرْفِقِ نُدِبَ غَسْلُ بَاقِي عَضُدِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ سَلِيمَ الْيَدِ، وَإِنْ قَطَعَ مِنْ مَنْكِبِهِ نُدِبَ غَسْلُ مَحَلِّ الْقَطْعِ بِالْمَاءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ. وَيَجِبُ غَسْلُ شَعْرٍ عَلَى الْيَدَيْنِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِنْ كَثُفَ لِنُدْرَتِهِ وَغَسْلُ ظُفُرٍ، وَإِنْ طَالَ، وَغَسْلُ بَاطِنِ ثَقْبٍ وَشُقُوقٍ فِيهِمَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَوْرٌ فِي اللَّحْمِ، وَإِلَّا وَجَبَ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ فَقَطْ، وَيَجْرِي هَذَا فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ كَمَا   [حاشية البجيرمي] وَقَوْلُهُ: «فَأْتُوا مِنْهُ» أَيْ مِنْ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الْمَأْمُورِ بِهِ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ غَسْلُ رَأْسِ عَظْمِ الْعَضُدِ) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْفِقَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْعَظَمَتَيْنِ وَالْإِبْرَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. أَمَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى مُقَابِلِهِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرْفِقَ طَرَفُ عَظْمِ السَّاعِدِ فَلَا يَجِبُ. اهـ اج. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مِنْ الْمَرْفِقِ) إذْ الْمَرْفِقُ مَجْمُوعُ الْعِظَامِ الثَّلَاثِ أَيْ الْعَظْمَاتُ الْمُسَمَّيَاتُ رَأْسَ الْعَضُدِ وَالْإِبْرَةُ الدَّاخِلَةُ بَيْنَهُمَا اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (نُدِبَ غَسْلُ بَاقِي عَضُدِهِ) الْعَضُدُ مَا بَيْنَ الْمَرْفِقِ إلَى الْكَتِفِ وَفِيهِ خَمْسُ لُغَاتٍ وِزَانُ رَجُلٍ وَبِضَمَّتَيْنِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ وَقَرَأَ بِهَا الْحَسَنُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: 51] وَمِثَالُ كَبِدٍ فِي لُغَةِ بَنِي أَسَدٍ وَمِثَالُ فَلْسٍ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ وَبَكْرٍ وَالْخَامِسَةُ مِثَالُ قُفْلٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ أَهْلُ تِهَامَةَ يُؤَنِّثُونَ الْعَضُدَ وَبَنُو تَمِيمٍ يُذَكِّرُونَهُ وَالْجَمْعُ أَعْضُدُ وَأَعْضَادُ مِثْلُ أَفْلُسُ وَأَفْلَاسُ اهـ. مِصْبَاحٌ ع ش. فَإِنْ قُلْت: هَلَّا سَقَطَ غَسْلُ هَذَا الْقَدْرِ وَلَمْ يُنْدَبْ مِثْلُ سُقُوطِ الرَّوَاتِبِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ بِنَحْوِ جُنُونٍ؟ . قُلْت: لِأَنَّ سُقُوطَهَا تَمَّ رُخْصَةً وَالتَّابِعُ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَهَذَا فِيهِ سُقُوطُ الْمَتْبُوعِ لِعُذْرٍ فَحَسُنَ بَقَاءُ التَّابِعِ مُحَافَظَةً عَلَى الْعِبَادَةِ مَا أَمْكَنَ كَإِمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْمُحْرِمِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا شَعْرٌ وَلِأَنَّ التَّابِعَ ثَمَّ شُرِعَ تَكْمِلَةً لِنَقْصِ الْمَتْبُوعِ أَيْ بِتَرْكِ سُنَّةٍ أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَتْبُوعٌ فَلَا تَكْمِلَةَ بِخِلَافِهِ هُنَا لَيْسَ تَكْمِلَةً لِلْمَتْبُوعِ؛ لِأَنَّهُ كَامِلٌ بِالْمُشَاهَدَةِ أَيْ: قَبْلَ الْقَطْعِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا لِنَفْسِهِ اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ. {فَائِدَةٌ} : قَالَ م ر: كُلُّ مَا ثُنِّيَ مِنْ الْإِنْسَانِ مِنْ الْأَعْضَاءِ كَالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ فَهُوَ مُؤَنَّثٌ بِخِلَافِ الْأَنْفِ وَالْقَلْبِ وَنَحْوِهِمَا أَيْ كَالْبَطْنِ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ: «كَذَبَ بَطْنُ أَخِيك» بِالتَّذْكِيرِ. اهـ. قَوْلُهُ: (بِالْمَاءِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ كَسَابِقِهِ وَلَاحِقِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ غَسْلُ شَعْرٍ إلَخْ) وَيَجِبُ غَسْلُ عَظْمٍ وَضَحَ بِكَشْطِ مَا فَوْقَهُ وَمَوْضِعَ شَوْكَةٍ بَقِيَ مَفْتُوحًا، وَإِلَّا يَصِحَّ الْوُضُوءُ مَعَ بَقَائِهَا بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَتْ لَمْ يَنْضَمَّ مَوْضِعُهَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ، وَإِلَّا صَحَّ الْوُضُوءُ مَعَ بَقَائِهَا م ر. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَثُفَ لِنُدْرَتِهِ) أَيْ الشَّعْرُ الْكَثِيفُ أَيْ: وَإِنْ خَرَجَ عَنْ حَدِّهِمَا أَيْضًا. وَتَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ أَنَّ الْكَثِيفَ الْخَارِجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ يُكْتَفَى بِغَسْلِ ظَاهِرِهِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُنَا وَالْفَرْقُ نُدْرَةُ مَا هُنَا. اهـ. قَوْلُهُ: (وَغَسْلُ ظُفُرٍ) فِيهِ خَمْسُ لُغَاتٍ ضَمُّ الظَّاءِ مَعَ سُكُونِ الْفَاءِ وَضَمُّهَا وَكَسْرُهَا مَعَ سُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرُهَا وَأُظْفُورٌ كَعُصْفُورٍ وَاَلَّذِي قُرِئَ بِهِ الْقُرْآنُ ضَمُّ الظَّاءِ وَالْفَاءِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِمَّا جَازَ لُغَةً أَنْ يَجُوزَ قِرَاءَةً عَمَلًا بِقَوْلِ الشَّاطِبِيِّ وَمَا لِقِيَاسٍ فِي الْقِرَاءَةِ مَدْخَلُ. قَوْلُهُ: (وَغَسْلُ بَاطِنِ ثُقْبٍ) أَيْ بَعْدَ إخْرَاجِ مَا بِهَا، فَلَوْ دَخَلَتْ نَحْوُ شَوْكَةٍ فِي نَحْوِ يَدِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُهَا وَجَبَ قَلْعُهُ وَغَسْلُ مَا تَحْتَهُ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قُلِعَ بَقِيَ مَفْتُوحًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَلْتَئِمُ بَعْدَ قَلْعِهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَغُرْ فِي اللَّحْمِ، وَإِلَّا فَإِنْ غَارَتْ أَيْ صَارَتْ مِنْ اللَّحْمِ فَلَا تُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا تَصِحُّ مَعَهَا إنْ كَانَتْ قَدْ اخْتَلَطَتْ بِدَمٍ كَثِيرٍ حَيْثُ كَانَتْ رَأْسُهَا ظَاهِرَةً بِخِلَافِهَا مَعَ الْقَلِيلِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِقِلَّتِهِ. هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا وَجَبَ غَسْلُ مَا ظَهَرَ) هِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ إنْ الشَّرْطِيَّةِ وَلَا النَّافِيَةِ الْمَحْذُوفِ مَدْخُولُهُمَا، وَلَيْسَتْ حَرْفَ اسْتِثْنَاءٍ كَمَا قِيلَ، وَإِلَّا لَمْ تُجْمَعْ مَعَ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْفَاءِ بَعْدَهَا مَسَاغٌ. اهـ بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ) أَيْ بَاقِيهَا الْمُرَادُ بِهِ الرَّجُلَانِ إذْ مَا ذُكِرَ بِتَمَامِهِ لَا يَأْتِي فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ. وَغَسْلُ يَدٍ زَائِدَةٍ إنْ نَبَتَتْ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ وَلَوْ مِنْ الْمَرْفِقِ كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَسِلْعَةٍ، سَوَاءٌ جَاوَزَتْ الْأَصْلِيَّةَ أَمْ لَا. وَإِنْ نَبَتَتْ بِغَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُ مَا حَاذَى مِنْهَا مَحَلَّهُ لِوُقُوعِ اسْمِ الْيَدِ عَلَيْهِ مَعَ مُحَاذَاتِهِ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ؛ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُحَاذِهِ فَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ الزَّائِدَةُ عَنْ الْأَصْلِيَّةِ بِأَنْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا زَائِدَةٌ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ بِنَحْوِ فُحْشِ قِصَرٍ وَنَقْصِ أَصَابِعَ وَضَعْفِ بَطْشٍ غَسَلَهُمَا وُجُوبًا، سَوَاءٌ أَخَرَجَتَا مِنْ الْمَنْكِبِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ لِيَتَحَقَّقَ إتْيَانُ الْفَرْضِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ السَّرِقَةِ تُقْطَعُ إحْدَاهُمَا فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهَا؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ مَبْنَاهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْحَدُّ مَبْنَاهُ عَلَى الدَّرْءِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ، وَتَجْرِي هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَإِنْ تَدَلَّتْ جِلْدَةُ الْعَضُدِ مِنْهُ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ شَيْءٍ مِنْهَا لَا الْمُحَاذِي وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا مَعَ خُرُوجِهَا عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، أَوْ   [حاشية البجيرمي] الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ. قَوْلُهُ: (زَائِدَةٍ) أَيْ مُتَمَيِّزَةٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ فَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ الزَّائِدَةُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إنْ نَبَتَتْ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ سَامَتَتْ أَمْ لَا لِنَبَاتِهَا فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَصَارَتْ كَالسِّلْعَةِ الَّتِي فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ. قَوْلُهُ: (وَسِلْعَةٍ) السِّلْعَةُ بِكَسْرِ السِّينِ لِلْخُرَّاجِ الْبَارِزِ مِنْ الْبَدَنِ أَمَّا بِالْفَتْحِ فَاسْمٌ لِمَا يُبَاعُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ الرَّحْمَانِيُّ السِّلْعَةُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ غُدَّةٌ تَظْهَرُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ إذَا غُمِزَتْ بِالْيَدِ لَانَتْ وَمَبْدَؤُهَا مِنْ الْحِمِّصَةِ وَمُنْتَهَاهَا إلَى الْبِطِّيخَةِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ، وَلِهَذَا أَشَارَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: سِلْعَةُ الْمَتَاعِ سِلْعَةُ الْجَسَدِ ... كُلٌّ بِكَسْرِ السِّينِ هَكَذَا وَرَدَ أَمَّا الَّتِي بِالْفَتْحِ فَهِيَ الشَّجَّةُ ... عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ فَاسْلُكْ نَهْجَهُ قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَبَتَتْ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا مُتَمَيِّزَةٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ) كَأَنْ نَبَتَتْ فِي الْعَضُدِ وَهُوَ مَا فَوْقَ الْمَرْفِقَيْنِ وَتَدَلَّتْ لِلذِّرَاعِ. قَوْلُهُ: (مَا حَاذَى مِنْهُ مَحَلَّهُ) أَيْ مَحَلَّ الْفَرْضِ. وَالْمُحَاذِي هُوَ الْمُرَادُ بِالسِّمَاتِ فِي كَلَامِهِمْ فَالتَّفْضِيلُ بَيْنَ الْمُسَامِتِ وَغَيْرِهِ فِيمَا لَمْ يَنْبُتْ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ بِخِلَافِ مَا نَبَتَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَمَّا نَبَتَتْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ كَانَتْ كَالسِّلْعَةِ فَيَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ تِلْكَ، لَكِنْ أَطْلَقَ م ر أَنَّ الزَّائِدَةَ لَوْ طَالَتْ فَجَاوَزَتْ أَصَابِعُهَا أَصَابِعَ الْأَصْلِيَّةِ اتَّجَهَ وُجُوبُ غَسْلِ الزَّائِدِ عَلَى الْأَصْلِيَّةِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ. اهـ. فَظَاهِرُهُ شُمُولِ ذَلِكَ لِمَا لَمْ يَنْبُتْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا وُجُوبَ غَسْلِ مَا حَاذَى الْيَدَيْنِ مِنْ يَدٍ زَائِدَةٍ نَبَتَتْ فَوْقَ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِوُقُوعِ اسْمِ الْيَدِ عَلَيْهِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ جِلْدَةِ الْعَضُدِ إذَا لَمْ يَصِلْ تَقَلُّصُهَا إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ وَكَانَتْ مُحَاذِيَةً لَهُ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَمْ يُحَاذِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْعُلُوِّ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُحَاذِهِ مِنْ جِهَةِ السُّفْلِ كَأَنْ طَالَتْ الزَّائِدَةُ فَجَاوَزَتْ أَصَابِعُهَا أَصَابِعَ الْأَصْلِيَّةِ فَيُتَّجَهُ وُجُوبُ غَسْلِ الزَّائِدِ عَلَى الْأَصْلِيَّةِ كَمَا فِي م ر. فَالْمَفْهُومُ فِيهِ تَفْصِيلٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ إلَخْ) هَذِهِ سَالِبَةٌ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ فَصَحَّ قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَتْ إلَخْ قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَخَرَجَتَا إلَخْ) بِهَذَا التَّعْمِيمِ فَارَقَتْ مَا قَبْلَهَا، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ وُجُوبُ غَسْلِ الْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الدَّرْءِ) أَيْ التَّرْكِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَدَلَّتْ جِلْدَةُ الْعَضُدِ مِنْهُ) أَيْ بِأَنْ انْكَشَطَتْ وَلَمْ يَبْلُغْ كَشْطُهَا إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي لَكِنَّهَا بَلَغَتْهُ بِالتَّدَلِّي. قَوْلُهُ: (أَوْ تَقَلَّصَتْ) أَيْ انْكَشَطَتْ جِلْدَةُ الذِّرَاعِ وَلَمْ يَبْلُغْ كَشْطُهَا إلَى الْعَضُدِ، وَإِنْ بَلَغَتْ بِالتَّدَلِّي إلَى الْعَضُدِ فَيَجِبُ الْخَارِجُ أَيْضًا، وَمَحَلُّ عَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الْمُتَدَلِّي لِمَحَلِّ الْفَرْضِ فِي الْأُولَى، وَوُجُوبِ غَسْلِ الْخَارِجِ عَنْهُ فِي الثَّانِيَةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ الْتِصَاقٌ، وَإِلَّا وَجَبَ فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَجِبْ فِي الثَّانِي، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ الْتَصَقَتْ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَطْ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَا الْمُحَاذِي وَلَا غَيْرُهُ) وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْيَدِ الزَّائِدَةِ النَّابِتَةِ بِغَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ حَيْثُ يَجِبُ غَسْلُ الْمُحَاذِي بِمُشَارَكَتِهَا لِلْيَدِ فِي الِاسْمِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ إلَخْ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ يَدِ الزَّائِدَةِ النَّابِتَةِ فِي الْعَضُدِ الْمُحَاذِيَةِ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 تَقَلَّصَتْ جِلْدَةُ الذِّرَاعِ مِنْهُ وَجَبَ غَسْلُهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْهُ، وَإِنْ تَدَلَّتْ جِلْدَةُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ بِأَنْ تَقَلَّعَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَبَلَغَ التَّقَلُّعُ إلَى الْآخَرِ ثُمَّ تَدَلَّتْ مِنْهُ فَالِاعْتِبَارُ بِمَا انْتَهَى إلَيْهِ تَقَلُّعُهَا، لَا بِمَا مِنْهُ تَقَلُّعُهَا، فَيَجِبُ غَسْلُهَا فِيمَا إذَا بَلَغَ تَقَلُّعُهَا مِنْ الْعَضُدِ إلَى الذِّرَاعِ دُونَ مَا إذَا بَلَغَ مِنْ الذِّرَاعِ إلَى الْعَضُدِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ جُزْءًا مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَلَوْ الْتَصَقَتْ بَعْدَ تَقَلُّعِهَا مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَجَبَ غَسْلُ مُحَاذِي الْفَرْضِ مِنْهَا دُونَ غَيْرِهِ، ثُمَّ إنْ تَجَافَتْ عَنْهُ وَجَبَ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا أَيْضًا لِنُدْرَتِهِ، وَإِنْ سَتَرَتْهُ اكْتَفَى بِغَسْلِ ظَاهِرِهَا وَلَا يَجِبُ فَتْقُهَا، فَلَوْ غَسَلَهُ ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ تَحْتِهَا؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى ظَاهِرِهَا كَانَ لِلضَّرُورَةِ، وَقَدْ زَالَتْ. وَلَوْ تَوَضَّأَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ تَثَقَّبَتْ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَا ظَهَرَ إلَّا   [حاشية البجيرمي] كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَقَلَّصَتْ) أَيْ تَقَلَّعَتْ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْ انْكَشَطَتْ خِلَافًا لِلْمُحَشِّيِّ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَقَلَّعَتْ) أَيْ انْكَشَطَتْ وَاسْتَمَرَّتْ فِي الذِّرَاعِ. وَلَمَّا كَانَ فِي الْعِبَارَةِ غُمُوضٌ شَرَحَهَا بِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (لَا بِمَا مِنْهُ تَقَلُّعُهَا إلَخْ) . فَإِنْ قُلْت: لِمَا اعْتَبَرُوا هُنَا الْمَحَلَّ الْمُنْتَقَلَ إلَيْهِ التَّقَلُّعَ، وَفِي الشَّجَرَةِ الْحِلِّيَّةَ وَالْحُرْمِيَّةَ الْمَحَلَّ الَّذِي مِنْهُ التَّقَلُّعُ. قُلْت: لِأَنَّ الْمَدَارَ ثَمَّ عَلَى وَصْفِ الِاحْتِرَامِ وَعَدَمِهِ، وَهُمَا مِنْ الْأُمُورِ الذَّاتِيَّةِ فَاعْتُبِرَ مَحَلُّهَا الْأَصْلِيُّ دُونَ الطَّارِئِ، وَأَمَّا هُنَا فَلَيْسَ الْمَدَارُ إلَّا عَلَى مَا هُوَ فِي الْفَرْضِ فَنَظَرُوا إلَيْهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ هُنَا وَعَدَمَهُ مِنْ الْأُمُورِ الْعَرْضِيَّةِ، فَنَاسَبَ النَّظَرَ فِيهِمَا لِلْعَوَارِضِ دُونَ الْأُصُولِ اهـ. إيعَابٌ. وَأَوْضَحُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ الْعِبْرَةُ هُنَاكَ بِاحْتِرَامِ الْمَكَانِ وَعَدَمِهِ فَاتُّبِعَ وَهُنَا بِمَحَلِّ الْفَرْضِ فَاتُّبِعَ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ غَسْلُهَا إلَخْ) أَيْ غَسْلُ جَمِيعِهَا وَلَوْ لَمْ يُحَاذِ الْفَرْضَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ الْتَصَقَتْ إلَخْ) . عِبَارَةُ م ر وَلَوْ انْكَشَطَتْ مِنْ سَاعِدِهِ وَالْتَصَقَ رَأْسُهَا بِعَضُدِهِ مَعَ تَجَافِي بَاقِيهَا وَجَبَ غَسْلُ مُحَاذِي الْفَرْضِ مِنْهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا دُونَ مَا فَوْقَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَلَا نَظَرَ لِأَصْلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا إلَيْهِ التَّكَشُّطُ لَا بِمَا مِنْهُ ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْبِيرِهِمْ بِالْمُحَاذَاةِ أَنَّ الزَّائِدَةَ لَوْ نَبَتَتْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ بَعْدَ قَطْعِ الْأَصْلِيَّةِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ شَيْءٍ مِنْهَا لِانْتِفَاءِ الْمُحَاذَاةِ حِينَئِذٍ، وَيَحْتَمِلُ خِلَافُهُ بِنَاءَ خِلَافِهِ بِنَاءً عَلَى شُمُولِ الْمُحَاذَاةِ لِمَا كَانَ قُوَّةً أَيْ بِالْقُوَّةِ أَيْ تَقْدِيرًا وَهُوَ أَقْرَبُ اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مِنْ أَحَدِهِمَا) أَيْ وَالْتَحَمَتْ. قَوْلُهُ: (بِالْآخَرِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْتَصَقَتْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَتَرَتْهُ) أَيْ وَخِيفَ مِنْ إزَالَتِهَا حُصُولُ ضَرَرٍ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ فَتْقُهَا) أَيْ إنْ لَزِمَ عَلَيْهِ مَحْذُورٌ تَيَمَّمَ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ غَسَلَهُ) أَيْ ظَاهِرَهَا ق ل. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ تَحْتِهَا) لَعَلَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ الْتَحَمَتْ عَلَى الْمُتَّجَهِ فَرَاجِعْهُ. ق ل. أَيْ؛ لِأَنَّهَا إذَا الْتَحَمَتْ فَقَدْ أَتَى بِوَاكِبِهَا، فَإِذَا انْفَكَّتْ صَارَ كَمَا لَوْ أَزَالَ الشَّعْرَ الَّذِي اكْتَفَى بِغَسْلِ ظَاهِرِهِ عَنْ الْبَشَرَةِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ غَسْلَ مَا ظَهَرَ فَكَذَا هَذَا. قَوْلُهُ (فَقُطِعَتْ يَدُهُ إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ انْتَقَلَ لِغَسْلِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ نَبَتَتْ لَهُ يَدٌ قَبْلَ تَمَامِ طُهْرِهِ هَلْ يَجِبُ غَسْلُهَا وَمَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ غَسْلِهَا لِعَدَمِهَا، وَقَدْ زَالَ أَوَّلًا لِفَوَاتِ مَحَلِّ غَسْلِهَا؟ . فِيهِ نَظَرٌ. وَأَقُولُ: قَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ كَغَيْرِهِ فَقَطَعْت وُجُوبَ غَسْلِهَا لِجَعْلِهِ الْقَطْعَ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ، إذًا لَا يُقَالُ لَهُ وُضُوءٌ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ طُهْرُ ذَلِكَ الْعُضْوِ بِأَنْ قُطِعَ بَعْدَ تَطْهِيرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اج. وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ حَالَ شُرُوعِهِ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ نَبَتَتْ لَهُ يَدٌ، فَإِنْ نَبَتَتْ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَقَبْلَ مَسْحِ الرَّأْسِ وَجَبَ غَسْلُهَا لِوُجُودِهَا قَبْلَ الِانْتِقَالِ عَنْ مَحَلِّ فَرْضِهَا، أَمَّا لَوْ نَبَتَتْ بَعْدَ تَمَامِ الطَّهَارَةِ لَمْ يَجِبْ الْعَوْدُ لِغَسْلِهَا مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الطَّهَارَةِ لِوُجُودِهَا بَعْدَ تَمَامِهَا، وَبَقِيَ مَا لَوْ نَبَتَتْ بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ وَقَبْلَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، فَهَلْ يَعُودُ إلَى طَهَارَتِهَا بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ لِوُجُودِهَا قَبْلَ تَمَامِ الطَّهَارَةِ أَوْ لَا لِوُجُودِهَا بَعْدَ الِانْتِقَالِ عَنْ مَحَلِّهَا؟ . مَحَلُّ نَظَرٍ وَاحْتِمَالٍ حَرِّرْهُ. اهـ. قُلْتُ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: أَمَّا لَوْ نَبَتَ إلَخْ. لَا يَعُودُ لِطَهَارَتِهَا لِمَا عَلَّلَ بِهِ بِقَوْلِهِ لِوُجُودِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 لِحَدَثٍ فَيَجِبُ غَسْلُهُ كَالظَّاهِرِ أَصَالَةً. وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْوُضُوءِ لِقَطْعِ يَدِهِ مَثَلًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُحَصِّلَ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ، وَالنِّيَّةُ مِنْ الْآذَانِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَأَعَادَ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ. (وَ) الرَّابِعُ مِنْ الْفُرُوضِ (مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ) بِمَا يُسَمَّى مَسْحًا وَلَوْ لِبَعْضِ بَشَرَةِ رَأْسِهِ أَوْ بَعْضِ شَعْرَةٍ وَلَوْ وَاحِدَةً أَوْ بَعْضُهَا فِي حَدِّ الرَّأْسِ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ بِالْمَدِّ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ نُزُولِهِ، فَلَوْ خَرَجَ بِهِ عَنْهُ مِنْهَا لَمْ يَكْفِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَجَعِّدًا بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ لَخَرَجَ عَنْ الرَّأْسِ لَمْ يَكْفِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] .   [حاشية البجيرمي] بَعْدَ تَمَامِهَا، فَانْظُرْ نَقْلًا صَرِيحًا فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: أَوَّلًا اعْتَمَدَهُ ع ش وس ل خِلَافًا ل ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ) فَاضِلَةٍ عَنْ دَيْنِهِ وَعَنْ كِفَايَةِ مُؤْنَةِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، وَكَتَبَ الْمَيْدَانِيُّ عَلَى قَوْلِهِ فَاضِلَةٍ عَنْ دَيْنِهِ: ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (أَعَادَ) أَيْ عِنْدَ وُجُودِ أُجْرَةِ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَقَوْلُهُ: (لِنُدْرَةِ ذَلِكَ) أَيْ التَّعَذُّرِ. قَوْلُهُ: (وَمَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ) أَيْ، وَإِنْ تَعَدَّدَ مَعَ الْأَصَالَةِ، وَإِلَّا فَالْأَصْلِيُّ إنْ عُلِمَ، وَإِلَّا فَالْكُلُّ. اهـ ابْنُ شَرَفٍ. قَوْلُهُ: (بِمَا يُسَمَّى) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ وَيُصَوَّرُ ذَلِكَ الْمَسْحُ بِمَا يُسَمَّى مَسْحًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِبَعْضِ بَشَرَةِ رَأْسِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِمَّا وَجَبَ غَسْلُهُ مَعَ الْوَجْهِ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ، فَهُوَ وَاجِبٌ فَيَكْفِي مَسْحُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ الرَّأْسِ، وَإِنْ سَبَقَ لَهُ غَسْلُهُ مَعَ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ غَسْلَهُ أَوَّلًا كَانَ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ غَسْلَ الْوَجْهِ، لَا لِكَوْنِهِ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ، وَبِهِ يُجَابُ عَنْ تَوَقُّفِ الشَّوْبَرِيِّ. قَالَ الَأُجْهُورِيُّ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ خَرَجَتْ الْبَشَرَةُ بِالْمَدِّ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ كَسِلْعَةٍ نَبَتَتْ وَخَرَجَتْ بِالْمَدِّ عَنْهُ بِدَلِيلِ إطْلَاقِهِمْ فِي الْبَشَرَةِ وَتَقْيِيدِهِمْ الشَّعْرَ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ بِالْمَدِّ عَنْهُ فَيُرَاجَعُ رَاجَعْنَاهُ، فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ: وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِالشَّعْرِ إخْرَاجُ السِّلْعَةِ فَظَاهِرُهُ إجْزَاءُ الْمَسْحِ عَلَيْهَا، وَإِنْ طَالَتْ وَخَرَجَتْ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ، وَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَى شَعْرِ السِّلْعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ: يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ تَفْصِيلُ الشَّعْرِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا لَوْ خُلِقَ لَهُ سِلْعَةٌ بِرَأْسِهِ وَتَدَلَّتْ. اهـ. قَوْلُهُ: (فِي حَدِّ الرَّأْسِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ بَعْضِ شَعْرَةٍ، وَالْمُرَادُ فِي حَدِّهِ حَالَةُ مَسْحِهِ فَلَا يَضُرُّ إزَالَتُهُ بِالْحَلْقِ بَعْدَهُ كَقَطْعِ الْيَدِ بَعْدَ غَسْلِهَا وَلَا خُرُوجُهُ عَنْ الْحَدِّ بِطُولِهِ بَعْدَ الْمَسْحِ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ جِلْدَةٌ تَدَلَّتْ فَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَى مَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ مِنْهَا كَمَا فِي ق ل. وَالرَّأْسُ مُذَكَّرٌ كَكُلِّ مَا لَمْ يُثَنَّ مِنْ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ نَحْوُ الْأَنْفِ وَالْقَلْبِ، بِخِلَافِ مَا ثُنِّيَ كَالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ فَإِنَّهُ يُؤَنَّثُ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَخْرُجَ بِالْمَدِّ عَنْهُ) وَلَوْ تَقْدِيرًا بِأَنْ كَانَ مَعْقُوصًا وَمُتَجَعِّدًا بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ مَحَلَّ الْمَسْحِ مِنْهُ وَخَرَجَ عَنْ الرَّأْسِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَةِ نُزُولِهِ) أَيْ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ خَرَجَ بِهِ) أَيْ بِالْمَدِّ عَنْهُ أَيْ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ مِنْهَا أَيْ مِنْ جِهَةِ نُزُولِهِ: قَوْلُهُ: (لَمْ يَكْفِ) إنْ مَسَحَ عَلَى الْقَدْرِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَأْسًا وَيَكْفِي عَلَى بَقِيَّتِهِ الدَّاخِلَةِ اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] . فَإِنْ قُلْت: صِيغَةُ الْأَمْرِ بِمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ وَاحِدَةٌ فَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ التَّعْمِيمَ أَيْضًا؟ . قُلْنَا: الْمَسْحُ ثَمَّ بَدَلٌ لِلضَّرُورَةِ، وَهُنَا الْأَصْلُ وَاحْتَرَزْنَا بِالضَّرُورَةِ عَنْ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ، فَإِنَّهُ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: قُلْنَا الْمَسْحُ ثَمَّ بَدَلٌ فَأُعْطِيَ حُكْمَ مُبْدَلِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَكُونُ خَرْمًا لِقَاعِدَةِ أَنَّ الْبَاءَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مُتَعَدِّدٍ تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ، وَهِيَ هُنَا دَخَلَتْ عَلَى مُتَعَدِّدٍ فِي قَوْلِهِ {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة: 6] . وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ صَدَّنَا عَنْ الْأَخْذِ بِالْقَاعِدَةِ أَنَّ الْمَسْحَ أَيْ مَسْحَ الْوَجْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ» . وَاكْتَفَى بِمَسْحِ الْبَعْضِ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمَسْحِ عِنْدَ إطْلَاقِهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ خُصُوصِ النَّاصِيَةِ وَهِيَ الشَّعْرُ الَّذِي بَيْنَ النَّزَعَتَيْنِ، وَالِاكْتِفَاءُ بِهَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الِاسْتِيعَابِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ التَّقْدِيرِ بِالرُّبُعِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهَا دُونَهُ، وَالْبَاءُ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مُتَعَدِّدٍ كَمَا فِي الْآيَةِ تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] تَكُونُ لِلْإِلْصَاقِ.   [حاشية البجيرمي] فِي التَّيَمُّمِ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِهِ، فَأُعْطِيَ حُكْمَ مُبْدَلِهِ وَهُوَ التَّعْمِيمُ وَلِثُبُوتِ التَّعْمِيمِ فِي التَّيَمُّمِ فِي السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ) أَيْ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ بَدَلٌ. وَقِيلَ: إنَّهُ أَصْلٌ. وَأُجِيبَ أَيْضًا: بِأَنَّ الشَّارِعَ نَاظِرٌ لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ وَفِي تَعْمِيمِ الْخُفِّ نَقْصٌ لَهُ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: أَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ التَّعْمِيمُ فِي التَّيَمُّمِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ فَاعْتُبِرَ حُكْمُ مُبْدَلِهِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ أَصْلٌ فَاعْتُبِرَ بَعْضُهُ وَصَدَّ عَنْ وُجُوبِهِ فِي الْخُفِّ الْإِجْمَاعُ؛ وَلِأَنَّ التَّعْمِيمَ يُفْسِدُهُ مَعَ أَنَّ مَسْحَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ لِجَوَازِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْغَسْلِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ. قَالَ شَيْخُنَا: فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ اسْتِيعَابُهُ وَمَا جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ حَيْثُ وَجَبَ، بَلْ كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ الْعَكْسَ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ مَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فِيهِ مَانِعٌ مِنْ اسْتِيعَابٍ وَهُوَ فَسَادُهُ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ. ح ل. وَلَيْسَ الْمَانِعُ مِنْ وُجُوبِ التَّعْمِيمِ مُجَرَّدَ الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (وَرَوَى مُسْلِمٌ) لَك أَنْ تَقُولَ إنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ تَطَرَّقَ إلَيْهَا احْتِمَالُ أَنَّهُ لِلضَّرُورَةِ، فَيَجُوزُ مَسْحُ النَّاصِيَةِ أَوْ قَدْرِهَا، وَالتَّكْمِيلُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا فَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ الِاكْتِفَاءُ بِالْبَعْضِ مُطْلَقًا. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الرَّاوِيَ فَهِمَ تَكَرُّرَ ذَلِكَ وَكَثْرَةَ وُقُوعِهِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَطْلَقَهُ فَأَخَذَ بِمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: كَانَ يَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ مُتَكَرِّرًا حَتَّى كَانَتْ هَذِهِ عَادَتَهُ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ الرَّاوِي، ذَكَرَهُ فِي بَيَانِ وُضُوئِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى عِمَامَتِهِ) أَيْ وَتَمَّمَ عَلَى عِمَامَتِهِ. قَالَ ع ش: وَلَوْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ أَوْ خِرْقَةً عَلَى رَأْسِهِ فَوَصَلَ الْبَلَلُ لِلرَّأْسِ، فَالْوَجْهُ أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلَ الْجُرْمُوقِ بَلْ يَتَعَيَّنُ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ: يَكْفِي مُطْلَقًا قَصَدَ أَمْ لَا، بِخِلَافِ الْجُرْمُوقِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُرْمُوقِ بِأَنْ ثَمَّ صَارِفًا وَهُوَ مُمَاثَلَةُ غَيْرِ الْمَسْمُوحِ عَلَيْهِ لَهُ فَاحْتَاجَ لِقَصْدِ مُمَيِّزٍ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا. قَوْلُهُ: (وَاكْتَفَى بِمَسْحِ الْبَعْضِ) أَيِّ بَعْضٍ كَانَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ النَّاصِيَةِ. قَوْلُهُ: (فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ غَسْلَهَا جَمِيعِهَا لَمَا اكْتَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَسْحِ النَّاصِيَةِ فَقَطْ وَلَا بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، فَأُخِذَ دَلِيلُنَا عَلَى مَسْحِ الْبَعْضِ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إلَخْ) هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْلِيلِ أَيْ إذْ لَمْ يَقُلْ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (وُجُوبُ الِاسْتِيعَابِ) أَيْ الْقَائِلُ بِهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. وَقَوْلُهُ: (بِالرُّبُعِ) هُوَ رَأْيُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ أَكْثَرَ) هُوَ رَأْيُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَقَدْ سَأَلْت بَعْضَ الْحَنَابِلَةِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَذْهَبُنَا وُجُوبُ التَّعْمِيمِ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ. وَأَخْبَرَنِي أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ عِنْدَهُمْ فَرْضٌ لَا وَاجِبٌ، وَأَنَّهُ يُفَرَّقُ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَسْقُطُ عَمْدًا وَلَا جَهْلًا وَلَا سَهْوًا، وَأَنَّ الثَّانِيَ يَسْقُطُ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الشَّعْرُ) فِيهِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّاصِيَةَ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ مِنْ أَعْلَى الْجَبِينِ، فَكَيْفَ فَسَّرَهَا هُنَا بِالشَّعْرِ الَّذِي بَيْنَ النَّزَعَتَيْنِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ مَجَازٌ وَالْعَلَاقَةُ الْحَالِيَّةُ. قَوْلُهُ: (لِلْإِلْصَاقِ) أَيْ الْمَشُوبُ بِتَعْمِيمٍ فَتُفِيدُ تَعْمِيمَ الْبَيْتِ بِالطَّوَافِ وَاسْتِيعَابِهِ إذْ لَا يُقَالُ طَوْفَةٌ إلَّا إذَا عَمَّ الدَّوْرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 فَإِنْ قِيلَ: لَوْ غَسَلَ بَشَرَةَ الْوَجْهِ وَتَرَكَ الشَّعْرَ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يُجْزِهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمَّى الرَّأْسِ عُرْفًا إذْ الرَّأْسُ اسْمٌ لِمَا رَأَسَ وَعَلَا وَالْوَجْهُ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَهِيَ تَقَعُ عَلَى الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ مَعًا. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا اُكْتُفِيَ بِالْمَسْحِ عَلَى النَّازِلِ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ كَمَا اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ لِلتَّقْصِيرِ فِي النُّسُكِ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَاسِحَ عَلَيْهِ غَيْرُ مَاسِحٍ عَلَى الرَّأْسِ، وَالْمَأْمُورُ بِهِ فِي التَّقْصِيرِ إمَّا هُوَ شَعْرُ الرَّأْسِ وَهُوَ صَادِقٌ بِالنَّازِلِ، وَيَكْفِي غَسْلُ بَعْضِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ بِلَا مَدٍّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ إلَيْهِ، وَلَوْ قَطَرَ الْمَاءُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ تَعَرَّضَ لِلْمَطَرِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمَسْحَ أَجْزَأَهُ لِمَا مَرَّ وَيُجْزِئُ مَسْحٌ بِبَرَدٍ وَثَلْجٍ لَا يَذُوبَانِ لِمَا ذُكِرَ، وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ مَسْحِهِ لَمْ يُعِدْ الْمَسْحَ لِمَا مَرَّ فِي قَطْعِ الْيَدِ. (وَ) الْخَامِسُ مِنْ الْفُرُوضِ (غَسْلُ) جَمِيعِ (الرِّجْلَيْنِ) بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ (مَعَ الْكَعْبَيْنِ) مِنْ كُلِّ رِجْلٍ أَوْ قَدْرِهِمَا إنْ فُقِدَ كَمَا مَرَّ فِي الْمَرْفِقَيْنِ وَهُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ فَفِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَانِ، لِمَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَرَأَيْت الرَّجُلَ مِنَّا يَلْصَقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْوُجُوهِ لَفْظًا فِي   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ: لَوْ غَسَلَ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ اُكْتُفِيَ فِيهِ بِمَسْحِ الشَّعْرِ أَوْ الْبَشَرَةِ، وَاشْتُرِطَ فِي غَيْرِهِ الْغَسْلُ شَعْرًا وَبَشَرًا. قَوْلُهُ (رَأَسَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. وَقَوْلُهُ: (وَعَلَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ قِيلَ هَلَّا اُكْتُفِيَ) . هَذَا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ بَعْضَ شَعْرٍ فِي حَدٍّ. قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي غَسْلُ بَعْضِ الرَّأْسِ) أَشَارَ بِقَوْلِهِ يَكْفِي الْمُسَاوِي لِلْجَوَازِ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ إلَى نَفْيِ كُلٍّ مِنْ اسْتِحْبَابِهِ وَكَرَاهَتِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ أَيْ: مِنْ حَيْثُ زِيَادَتُهُ عَلَى وَاجِبِ الْمَسْحِ، وَأَحَدُ مَاصَدَقَاتِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى حُصُولِ الْبَلَلِ الْمُحَصِّلِ لِلْمَقْصُودِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ) صَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَسْحِ فِيهِ، إذْ لَيْسَ الْمَسْحُ جُزْءًا مِنْ الْغَسْلِ ق ل. وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَسْحِ هُوَ وُصُولُ الْبَلَلِ. قَوْلُهُ: (إذْ لَيْسَ الْمَسْحُ إلَخْ) أَيْ بَلْ هُوَ ضِدُّ الْغَسْلِ فَكَيْفَ يُحَصِّلُهُ مَعَ زِيَادَةٍ؟ . وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ أَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِمَقْصُودِ الْمَسْحِ مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ لِلرَّأْسِ، لَا أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ مَسْحٌ وَغَسْلٌ. اهـ. أَيْ فَهُوَ مُبَاحٌ حَصَلَ فِي ضِمْنِهِ ذَلِكَ الْوَاجِبُ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْمَسْحِ غَيْرُ حَقِيقَةِ الْغَسْلِ، إذْ هُوَ السَّيَلَانُ دُونَ الْمَسْحِ. وَبِهِ يُلْغَزُ وَيُقَالُ لَنَا مُبَاحٌ قَامَ مَقَامَ الْوَاجِبِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَطَرَ) بِتَخْفِيفِ الطَّاءِ يُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا كَمَا هُنَا وَلَازِمًا م د. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) مِنْ حُصُولِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ وُصُولُ الْبَلَلِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لَا يَذُوبَانِ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا رُطُوبَةٌ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الْيَدَيْنِ تَعْلِيلٌ حَتَّى يُحِيلَ عَلَيْهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَمَا مَرَّ بِالْكَافِ أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ تَوَضَّأَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ إلَخْ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: (بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ) أَشَارَ بِذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى الشِّيعَةِ الْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي مَسْحُ الرِّجْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ اسْتِدْلَالًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ عَلَى قِرَاءَةِ الْجَرِّ، فَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَارَ إلَى هَذَا ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ. قَوْلُهُ: (مَعَ الْكَعْبَيْنِ) وَلَوْ كَانَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمَا الْمُعْتَادِ. قَوْلُهُ: (مَفْصِلِ) عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ الْمَفْصِلُ بِوَزْنِ الْمَجْلِسِ وَاحِدُ مَفَاصِلِ الْأَعْضَاءِ وَالْمِفْصَلُ بِوَزْنِ الْمِبْضَعِ اللِّسَانُ. اهـ بِحُرُوفِهِ ع ش. وَالسَّاقُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ مَا بَيْنَ الْقَدَمِ وَالرُّكْبَةِ وَيُؤَنَّثُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُجْمَعُ عَلَى أَسْوُقٍ وَسِيقَانٍ وَسُوقٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَوْقِهَا لِلْجَسَدِ. اهـ. بَرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (لِمَا رَوَى إلَخْ) دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِ الْكَعْبَيْنِ هُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ الْكَعْبُ هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ لِمَا رَوَى إلَخْ دَلِيلًا لِقَوْلِهِ: فَفِي كُلٍّ كَعْبَانِ حَتَّى يُرَدَّ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّلِيلَ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِلْصَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبَارِزِ الْمُرْتَفِعِ، فَالْإِلْصَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جِهَةٍ، وَأَمَّا الْجِهَةُ الْأُخْرَى فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْإِلْصَاقُ. قَوْلُهُ: (لَفْظًا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ وَمَعْنًى أَيْضًا كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الْأَوَّلِ وَمَعْنًى فِي الثَّانِي لِجَرِّهِ عَلَى الْجِوَارِ، وَدَلَّ عَلَى دُخُولِ الْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ مَا دَلَّ عَلَى دُخُولِ الْمَرْفِقَيْنِ فِيهِ وَقَدْ مَرَّ. تَنْبِيهٌ: مَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ هُنَا مِنْ أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَرْضٌ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى غَيْرِ لَابِسِ الْخُفِّ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْغَسْلُ، وَالْمَسْحُ بَدَلٌ عَنْهُ، وَيَجِبُ إزَالَةُ مَا فِي شُقُوقِ الرِّجْلَيْنِ مِنْ عَيْنٍ كَشَمْعٍ وَحِنَّاءٍ. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: إنْ لَمْ يَصِلْ إلَى اللَّحْمِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي اللَّحْمِ غَوْرٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَلَا أَثَرَ لِدُهْنٍ ذَائِبٍ وَلَوْنِ نَحْوِ حِنَّاءٍ، وَيَجِبُ إزَالَةُ مَا تَحْتَ الْأَظْفَارِ مِنْ وَسَخٍ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ، وَلَوْ قُطِعَ بَعْضُ الْقَدَمِ وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي، وَإِنْ قُطِعَ فَوْقَ الْكَعْبِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ وَيُسَنُّ غَسْلُ الْبَاقِي كَمَا مَرَّ فِي الْيَدِ. (وَ) السَّادِسُ مِنْ الْفُرُوضِ (التَّرْتِيبُ) (عَلَى) حُكْمِ (مَا ذَكَرْنَاهُ) مِنْ الْبُدَاءَةِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ مَسْحِ الرَّأْسِ ثُمَّ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنِ لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَمْسُوحًا   [حاشية البجيرمي] هُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: وَمَعْنًى فِي الثَّانِي أَيْ وَلَفْظًا أَيْضًا مَرْحُومِيٌّ؛ لِأَنَّ جَرَّهُ لِلْجِوَارِ أَيْ بِفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى آخِرِهِ مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا اشْتِغَالُ الْمَحَلِّ بِحَرَكَةِ الْجِوَارِ، فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ الِاحْتِبَاكُ وَهُوَ أَنْ يُحْذَفَ مِنْ كُلِّ مَا أُثْبِتَ نَظِيرُهُ فِي الْآخَرِ. وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى وُجُوبُ الْغَسْلِ عَلَى كَلَامِ الْمَرْحُومِيِّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِالْمَعْنَى التَّقْدِيرُ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلُ اللَّفْظِ، وَلَا يَكُونُ فِي كَلَامِهِ احْتِبَاكٌ لَا بِعَطْفِهِ لَفْظًا عَلَى الرُّءُوسِ بَلْ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْوُجُوهِ، وَإِلَّا لَكَانَ مَعْطُوفًا مَعْنًى أَيْضًا عَلَى الرُّءُوسِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُشْرَكُ فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، بَلْ تُشْرَكُ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْفَتْحَةُ ظَاهِرَةً فِي الْأَوَّلِ مُقَدَّرَةً فِي الثَّانِي غَايَرُوا بَيْنَهُمَا. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ: وَيَجُوزُ عَطْفُ قِرَاءَةِ الْجَرِّ عَلَى الرُّءُوسِ، وَيُحْمَلُ النَّسْخُ عَلَى مَسْحِ الْخُفِّ أَوْ عَلَى الْغَسْلِ الْخَفِيفِ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ مَسْحًا، وَعَبَّرَ بِهِ فِي الْأَرْجُلِ طَلَبًا لِلِاقْتِصَادِ أَيْ التَّوَسُّطِ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْإِسْرَافِ لِغَسْلِهَا بِالصَّبِّ عَلَيْهَا، وَتُجْعَلُ الْبَاءُ الْمُقَدَّرَةُ عَلَى هَذَا لِلْإِلْصَاقِ لَا لِلتَّبْعِيضِ، وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الظَّاهِرَةِ فِي إيجَابِ الْغَسْلِ اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِجَرِّهِ عَلَى الْجِوَارِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ اهـ. مُخْتَارٌ. وَحَرَكَةُ الْجِوَارِ لَيْسَتْ إعْرَابِيَّةً فَتَكُونُ حَرَكَةُ الْإِعْرَابِ وَهِيَ الْفَتْحَةُ مُقَدَّرَةً عَلَى قِرَاءَةِ الْجَرِّ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْجَرُّ فِي الْآيَةِ عَلَى الْجِوَارِ بِنَاءً عَلَى مَا شَرَطَهُ هَذَا الزَّاعِمُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ نَحْوُ: هَذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، وَهُنَا بِعَاطِفٍ وَالْمُقَرَّرُ فِي الْعَرَبِيَّةِ خِلَافُ زَعْمِهِ. قَوْلُهُ: (مَا دَلَّ إلَخْ) وَهُوَ أَنَّ إلَى بِمَعْنَى مَعَ، أَوْ بَاقِيَةٌ عَلَى مَعْنَاهَا، وَدَلَّ عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ الِاتِّبَاعُ وَالْإِجْمَاعُ اهـ. م د. قَوْلُهُ: (كَشَمْعٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا. قَوْلُهُ: (وَحِنَّاءٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَبِالْمَدِّ وَالصَّرْفِ، وَمِثْلُ مَا ذُكِرَ الْحِبْرُ وَالنِّيلَةُ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ اللَّوْنِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كُلَّ مَا مَنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ بِلَا عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ضَرَّ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (الْجُوَيْنِيُّ) مَنْسُوبُ إلَى جُوَيْنٍ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْعَجَمِ وَهُوَ أَبُو إمَامِ الْحَرَمَيْنِ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَصِلْ) أَيْ مَا فِي الشُّقُوقِ إلَى اللَّحْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ فَلَا يَضُرُّ مَا وَصَلَ إلَيْهِ اهـ. م د. وَعِبَارَةُ ع ش أَيْ حَيْثُ كَانَ فِيمَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الشِّقِّ وَهُوَ ظَاهِرُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَلَ إلَى اللَّحْمِ بِبَاطِنِ الْجُرْحِ فَلَا يَجِبُ إزَالَتُهُ وَلَوْ كَانَ يُرَى. وَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّوْكَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَيَتَوَسَّعُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَيُحْمَلُ) أَيْ كَلَامُ الْجُوَيْنِيِّ أَيْ مَا فُهِمَ مِنْهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِزَالَةُ إنْ وَصَلَ إلَى اللَّحْمِ. قَوْلُهُ: (عَلَى حُكْمِ) أَيْ طِبْقِ. قَوْلُهُ: «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» أَيْ الشَّامِلُ لِلْوُضُوءِ، وَإِنْ وَرَدَ فِي الْحَجِّ، إذْ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ وَكِلَاهُمَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ. قَوْلُهُ: (بِعُمُومِ اللَّفْظِ) وَهُوَ مَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ فَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ: تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، وَلَا يُعَارِضُهَا قَاعِدَةُ: وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال؛ لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 بَيْنَ مَغْسُولَاتٍ، وَتَفْرِيقُ الْمُتَجَانِسِ لَا تَرْتَكِبُهُ الْعَرَبُ إلَّا لِفَائِدَةٍ وَهِيَ هُنَا وُجُوبُ التَّرْتِيبِ لَا نَدْبُهُ بِقَرِينَةِ الْأَمْرِ فِي الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ الْآيَةَ بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ الْوَاجِبِ، فَلَوْ اسْتَعَانَ بِأَرْبَعَةٍ غَسَلُوا أَعْضَاءَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَنَوَى حَصَلَ لَهُ غَسْلُ الْوَجْهِ فَقَطْ، وَلَوْ اغْتَسَلَ مُحْدِثٌ حَدَثًا أَصْغَرَ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ نَحْوِهِ وَلَوْ مُتَعَمِّدًا أَوْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ غَالِطًا صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ قَدْرَ التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي لِرَفْعِ أَعْلَى الْحَدَثَيْنِ فَلِلْأَصْغَرِ أَوْلَى، وَلِتَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ فِي لَحَظَاتٍ لَطِيفَةٍ، وَلَوْ أَحْدَثَ، وَأَجْنَبَ أَجْزَأَهُ   [حاشية البجيرمي] الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى الْقَوْلِيَّةِ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ، وَقَرَّرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَا نَصُّهُ: فِيهِ أَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْبُدَاءَةِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ. وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فِيمَا بَعْدَهُ فَلَمْ يُسْتَفَدْ مِنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِعَدَمِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَخْذًا مِنْ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَتَّبُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ ابْدَءُوا عَلَى الِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ كَغَسْلِ الْوَجْهِ وَالْإِضَافِيِّ كَالْيَدَيْنِ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ) الْأَوْلَى بَيَانٌ لِوَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّرْتِيبَ لَا يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ الْمَنْدُوبِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اسْتَعَانَ بِأَرْبَعَةٍ غَسَلُوا أَعْضَاءَهُ) وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَيْثُ نَوَى كَمَا ذُكِرَ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ أَوْ غُصِبَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهَا كَنَذْرٍ، وَحَجَّ اثْنَانِ عَنْهُ فِي سَنَةٍ حَيْثُ قَالُوا بِالْإِجْزَاءِ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ غَيْرُهَا، وَذَلِكَ يَصْدُقُ بِالْمَعِيَّةِ وَلَا كَذَلِكَ الْوُضُوءُ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ فَلَوْ اسْتَعَانَ إلَخْ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (حَصَلَ لَهُ غَسْلُ الْوَجْهِ فَقَطْ) وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ بِعَكْسِ التَّرْتِيبِ، فَإِنْ أَعَادَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ حَصَلَ لَهُ تَمَامُ الْوُضُوءِ لِحُصُولِ عُضْوٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اغْتَسَلَ إلَخْ) لَوْ قَالَ انْغَمَسَ أَوْ زَادَ عَلَى قَوْلِهِ اغْتَسَلَ بِالْغَمْسِ لَكَانَ أَوْلَى، وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ: وَلَوْ انْغَمَسَ مُحْدِثٌ أَجْزَأَهُ. قَالَ الْإِطْفِيحِيُّ: أَفْهَمَ أَنَّ الِانْغِمَاسَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَا يَكْفِي الِاغْتِسَالُ بِدُونِهِ لَكِنْ أَلْحَقَ الْقَمُولِيُّ مَا لَوْ رَقَدَ تَحْتَ مِيزَابٍ وَانْصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بِأَنْ عَمَّ جَمِيعَ بَدَنِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَارْتَضَاهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ. اهـ. وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ هُنَا حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ اغْتَسَلَ إلَخْ. اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَوْ اغْتَسَلَ وَلَوْ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ. قَوْلُهُ: (رَفْعِ الْحَدَثِ) أَيْ الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أُطْلِقَ انْصَرَفَ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهِ) كَالطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ أَوْ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُتَعَمِّدًا) رَاجِعٌ لِلْغُسْلِ أَيْ عَدَلَ عَنْ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ إلَى الْغَسْلِ بِالِانْغِمَاسِ عَمْدًا اج. وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ لِلنِّيَّةِ فَإِنَّهُ مُقَابِلُ قَوْلِهِ بَعْدَهُ غَالِطًا فَلْيُتَأَمَّلْ. م د. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ، قَوْلُهُ: وَلَوْ مُتَعَمِّدًا أَيْ وَلَوْ كَانَ اغْتِسَالُهُ بِالْغَمْسِ مُتَعَمِّدًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُلَائِمُهُ الْمُقَابَلَةُ بِمَا بَعْدَهُ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ نَحْوِهِ، إذْ لَا يُلَائِمُهُ التَّعْمِيمُ بِالْغَايَةِ الشَّامِلَةِ لِلْغَلَطِ، إذْ لَا يَتَأَتَّى الْغَلَطُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ بِهِ حَدَثًا أَصْغَرَ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ مُتَعَمِّدًا. قَوْلُهُ: (صَحَّ) وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ عِنْدَ مُمَاسَّةِ الْمَاءِ لِلْوَجْهِ أَوْ قَبْلَهَا وَاسْتَحْضَرَهَا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، فَلَوْ انْغَمَسَ أَيْ نَزَلَ فِي الْمَاءِ وَنَوَى عِنْدَ نُزُولِ الْمَاءِ إلَى صَدْرِهِ مَثَلًا، ثُمَّ تَمَّمَ الِانْغِمَاسَ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ النِّيَّةَ عِنْدَ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْوَجْهِ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَالْمُرَادُ بِالِانْغِمَاسِ النُّزُولُ فِي الْمَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ثُمَّ تَمَّمَ الِانْغِمَاسَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي فِي الْكَثِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ عِنْدَ مُمَاسَّةِ الْمَاءِ الْوَجْهَ وَخِلَافًا لَهُ فِي الْقَلِيلِ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا الْوَجْهُ إذَا انْغَمَسَ فِيهِ عِنْدَهُ اهـ ز ي. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهَا تَصِحُّ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ) غَايَةً لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْمُفَصَّلِ بَيْنَ أَنْ يَمْكُثَ قَدْرَ التَّرْتِيبِ فَيَصِحُّ أَوْ لَا فَلَا. وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْغَمْسِ مُطْلَقًا اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَكْفِي لِرَفْعِ أَعْلَى الْحَدَثَيْنِ) اُعْتُرِضَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا غَسَلَ أَسَافِلَهُ قَبْلَ أَعَالِيهِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ، بَلْ يَحْصُلُ لَهُ الْوَجْهُ فَقَطْ، فَالْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ هِيَ الثَّانِيَةُ اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (فَلِلْأَصْغَرِ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ قِيَامَ غَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ مَقَامَ غَسْلِ بَعْضِهِ أَقْوَى وَأَحَقُّ بِالِاعْتِبَارِ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَلِتَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ) وَتَقْدِيرُ التَّرْتِيبِ بِمَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ هَذِهِ اللَّحَظَاتِ اللَّطِيفَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ فَرْضِهِ وَتَقْدِيرِهِ فَرْضًا غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ، فَهُوَ اعْتَرَفَ بِانْتِفَاءِ اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّقْدِيرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ الْحَقِيقِيِّ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الرَّافِعِيَّ يَشْتَرِطُ زَمَنًا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّرْتِيبُ الْحَقِيقِيُّ لَوْ وُجِدَ، وَالنَّوَوِيُّ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ اهـ. ح ل. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ وُضِعَ الْمُتَنَجِّسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الْغُسْلُ عَنْهُمَا لِانْدِرَاجِ الْأَصْغَرِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ فِي الْأَكْبَرِ، فَلَوْ اغْتَسَلَ إلَّا رِجْلَيْهِ أَوْ إلَّا يَدَيْهِ مَثَلًا ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ غَسَلَهُمَا لِارْتِفَاعِ حَدَثِهِمَا بِغَسْلِهِمَا عَنْ الْجَنَابَةِ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَجِبْ إعَادَةُ غَسْلِهِمَا عَنْ الْجَنَابَةِ. وَهَذَا وُضُوءٌ خَالٍ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْيَدَيْنِ وَهُمَا مَكْشُوفَتَانِ بِلَا عِلَّةٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: وَعَنْ التَّرْتِيبِ، وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ غَيْرُ خَالٍ عَنْهُ بَلْ وُضُوءٌ لَمْ يَجِبْ فِيهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْيَدَيْنِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ إنْكَارٌ صَحِيحٌ وَلَوْ غَسَلَ بَدَنَهُ إلَّا أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ لَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُهَا، وَلَوْ شَكَّ فِي تَطْهِيرِ عُضْوٍ قَبْلَ الْفَرَاغِ طَهَّرَهُ وَمَا بَعْدَهُ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ يُؤَثِّرْ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ شَرَعَ فِي سُنَنِهِ فَقَالَ: (وَسُنَنُهُ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ) بِالْمَدِّ غَيْرُ مَصْرُوفٍ جَمْعُ شَيْءٍ   [حاشية البجيرمي] بِالنَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ حَيْثُ لَا يَقْدِرُ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَيْهَا سَبْعًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْرِيكِهَا سَبْعًا؟ . قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّرْتِيبَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ، وَأَمَّا الْعَدَدُ فَهُوَ ذَوَاتٌ مَقْصُودَةٌ وَيُغْتَفَرُ فِي الصِّفَةِ التَّابِعَةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الذَّوَاتِ الْمَقْصُودَةِ اهـ. م ر ع ش. قَوْلُهُ: (وَأَجْنَبَ) عَطْفٌ بِالْوَاوِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّرْتِيبِ وَالْمَعِيَّةِ فِيهِمَا اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ) بَلْ، وَإِنْ نَفَاهُ ق ل. قَوْلُهُ: (فِي الْأَكْبَرِ) مُتَعَلِّقٌ بِانْدِرَاجٍ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اغْتَسَلَ) أَيْ عَنْ الْجَنَابَةِ. قَوْلُهُ: (تَوَضَّأَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ غَسَلَ بَاقِي الْأَعْضَاءِ مُرَتَّبَةً لِلْأَصْغَرِ، وَلَهُ تَأْخِيرُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَتَوْسِيطُهُ شَرَحَ م ر. قَوْلُهُ: (ابْنُ الْقَاصِّ) وَاسْمُهُ أَحْمَدُ وَسُمِّيَ أَبُوهُ بِالْقَاصِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُصُّ الْأَخْبَارَ عَلَى النَّاسِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ خِلِّكَانَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْقَاضِي وَكُلٌّ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ خَالٍ عَنْهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ وَهُوَ الْبَاقِي يَقَعُ مُرَتَّبًا، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ لِوُجُوبِهِ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ، وَلَعَلَّ ابْنَ الْقَاصِّ نَظَرَ إلَى أَنَّ غَسْلَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ عَنْ الْوُضُوءِ الدَّاخِلِ فِي غَسْلِهِمَا عَنْ الْجَنَابَةِ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ مَثَلًا، وَبَدَّلَ لَهُ مَا بَعْدَهُ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (وَهُوَ إنْكَارٌ صَحِيحٌ) الْأَوْلَى قِرَاءَتُهُ بِالْإِضَافَةِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى وَهُوَ إنْكَارُ قَوْلٍ صَحِيحٍ لِابْنِ الْقَاصِّ، وَيَكُونُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْيَدَيْنِ أَوَّلًا وَآخِرًا أَوْ فِي الْوَسَطِ كَانَ خَالِيًا عَنْ التَّرْتِيبِ، وَإِنْ غَسَلَ عُضْوًا بَعْدَ عُضْوٍ اهـ. شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ، وَبَعْدَ هَذَا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ تَغْلِيظٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَسَلَ) أَيْ الْجُنُبُ بَدَنَهُ بِالنُّونِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْفَرَاغِ) أَيْ مِنْ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ يُؤَثِّرْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ شَكَّ فِي النِّيَّةِ أَيْ هَلْ نَوَى الْوُضُوءَ أَوْ لَمْ يَنْوِ ضَرَّ مُطْلَقًا قَبْلَ الْفَرَاغِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ إلَّا إنْ شَكَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَيْ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ الَّذِي صَلَّى بِهِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي شَرْطِهَا بَعْدَهَا وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اسْتِثْنَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى بِهَذَا الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (عَشَرَةُ أَشْيَاءَ) أَيْ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي شَيْئَيْنِ، وَبَعْدَ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ وَالْأَصَابِعِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَاتُهَا مُخْتَلِفَةً. قَوْلُهُ: (غَيْرُ مَصْرُوفٍ) وَالْمَانِعُ لَهُ مِنْ الصَّرْفِ أَلِفُ التَّأْنِيثِ الْمَمْدُودَةُ. قَوْلُهُ: (جَمْعُ شَيْءٍ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ لِشَيْءٍ كَطُرَفَاءَ اسْمُ جَمْعٍ لِطَرَفِهِ وَهِيَ شَجَرُ الْأَثْلِ لَا جَمْعَ لَهُ، وَالرَّاجِحُ فِي تَصْرِيفِهِ أَنَّ أَصْلَهُ شَيْئَاءُ عَلَى وَزْنِ حَمْرَاءَ فَنُقِلَتْ هَمْزَتُهُ الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ فِي الْمُفْرَدِ وَهِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ إلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ هَمْزَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ، فَوَزْنُهُ لَفْعَاءُ فَمُنِعَتْ مِنْ الصَّرْفِ لِأَلِفِ التَّأْنِيثِ الْمَمْدُودَةِ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ فِي وَزْنِهَا فَقَالَ: فِي وَزْنِ أَشْيَاءَ بَيْنَ الْقَوْمِ أَقْوَالُ ... قَالَ الْكِسَائِيُّ إنَّ الْوَزْنَ أَفْعَالُ وَقَالَ يَحْيَى بِحَذْفِ اللَّامِ فَهِيَ إذَنْ ... أَفْعَاءُ وَزْنًا وَفِي الْقَوْلَيْنِ إشْكَالُ وَسِيبَوَيْهِ يَقُولُ الْقَلْبُ صَيَّرَهَا ... لَفْعَاءَ فَافْهَمْ فَذَا تَحْصِيلُ مَا قَالُوا وَلِلشِّهَابِ الْخَفَاجِيِّ: أَشْيَاءُ لَفْعَاءُ فِي وَزْنٍ وَقَدْ قَلَبُوا ... لَامًا لَهَا وَهِيَ قَبْلَ الْقَلْبِ شَيْئَاءُ وَقِيلَ أَفْعَالُ لَمْ تُصْرَفْ بِلَا سَبَبٍ ... مِنْهُمْ وَهَذَا لِوَجْهِ الرَّدِّ إيمَاءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَحْصُرْ السُّنَنَ فِيمَا ذَكَرَهُ. وَسَنَذْكُرُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ: الْأُولَى: (التَّسْمِيَةُ) أَوَّلَ الْوُضُوءِ لِخَبَرِ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «طَلَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُضُوءًا فَلَمْ يَجِدُوا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءً؟   [حاشية البجيرمي] أَوْ أَشْيَاءُ وَحَذْفُ اللَّامِ مِنْ ثِقَلٍ ... وَشَيْءٌ أَصْلُ شَيْءٍ وَهِيَ آرَاءُ وَأَصْلُ أَسْمَاءَ أَسْمَا وَكَمِثْلِ كَسَا ... فَاصْرِفْهُ حَتْمًا وَلَا تَغْرُرْك أَسْمَاءُ وَاحْفَظْ وَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي الْعُلَا سَفَهًا ... حَفِظْت شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْك أَشْيَاءُ قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْصُرْ) صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَالسُّنَنُ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ سَبْقُ قَلَمٍ، إذْ كَيْفَ يُقَالُ بِعَدَمِ الِانْحِصَارِ مَعَ ذِكْرِ الْعَدَدِ فَتَأَمَّلْ ق ل. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْعَدَدَ لَمَّا كَانَ لَا مَفْهُومَ لَهُ كَانَ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ حَاصِلٍ لِلسُّنَنِ، وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ لَمْ يَحْصُرْ أَيْ لَمْ يَقْصِدْ الْحَصْرَ الْحَقِيقِيَّ، بَلْ صُورَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي الْخُطْبَةِ لَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَحَصَرَ الْخِصَالَ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الشَّارِحِ، قَوْلُهُ: (التَّسْمِيَةُ أَوَّلُ الْوُضُوءِ) وَلَوْ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ، وَيُسَنُّ التَّعَوُّذُ قَبْلَهَا وَالتَّسْمِيَةُ صَارَتْ عَلَمًا عَلَى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَإِلَّا فَالتَّسْمِيَةُ مَصْدَرُ سَمَّى تَسْمِيَةً فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْبِيرِ بِالتَّسْمِيَةِ. قَالَ م ر: وَيَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَحْرِيمُهَا لِمُحْرِمٍ أَيْ لِذَاتِهِ أَيْ كَالزِّنَا وَالرِّبَا، فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا تُسَنُّ لِمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ كَمَا مَرَّ. اهـ. وَهُنَّ سُنَّةُ عَيْنٍ فِي نَحْوِ الْوُضُوءِ وَلَوْ الْجَمَاعَةُ، بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ فَسُنَّةُ كِفَايَةٍ، وَلَا تَحْصُلُ مِنْ وَاحِدٍ جَالِسٍ لَا لِلْأَكْلِ بَلْ لِشَيْءٍ آخَرَ كَالْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الدُّعَاءِ لِلْوَلِيمَةِ، وَلَا يَكْفِي مِنْ أَحَدِ جَمَاعَةٍ حَضَرَ كُلٌّ بِطَعَامِهِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ وَحْدَهُ، وَفَعَلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَضَرُوا لِيَأْكُلُوا مَعًا عَلَى الْإِشَاعَةِ، وَوَقَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أَكَلَ مِمَّا يَلِيهِ اتِّفَاقًا، وَانْظُرْ مَا لَوْ جَلَسُوا لِيَأْكُلُوا وَأَكَلُوا وَسَمُّوا، ثُمَّ إنَّهُمْ قَامُوا وَجَلَسَ غَيْرُهُمْ هَلْ تَطْلُبُ مِنْ الْآخَرِينَ أَوْ يَكْفِي مَا حَصَلَ مِنْ الْأَوَّلِينَ، وَانْظُرْ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ وَيَقُومُ وَيَجْلِسُ مَكَانَهُ آخَرُ وَالْمَجْمُوعُ لَا يَخْلُو الْمَكَانُ عَنْهُ. حَرَّرَهُ وَكَتَبَ تَحْتَهُ بِخَطِّهِ مَا نَصُّهُ: وَالْأَوْجَهُ فِي الْأَوَّلِ الطَّلَبُ مِنْ الْآخَرِينَ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ الْأَوَّلِينَ بِانْصِرَافِهِمْ، وَفِي الثَّانِي الطَّلَبُ مِمَّنْ جَلَسَ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ إنَّمَا يَسْقُطُ بِقَوْلِ الْبَعْضِ عَمَّنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ الْبَعْضِ عَمَّنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ الْبَعْضِ عِنْدَ قَوْلِ مَا أُمِرَ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوَّلُ الْوُضُوءِ) هِيَ أَوَّلُ سُنَنِ الْوُضُوءِ الْقَوْلِيَّةِ الدَّاخِلَةِ فِيهِ، وَلَهُ سُنَّةٌ قَوْلِيَّةٌ خَارِجَةٌ عَنْهُ أَيْ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ وَهِيَ الذِّكْرُ الْمَشْهُورُ عَقِبَهُ وَلَيْسَ لَهُ سُنَّةٌ قَوْلِيَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهِ خَارِجَةٌ عَنْهُ، وَأَوَّلُ سُنَنِ الْوُضُوءِ الْفِعْلِيَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ السِّوَاكُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ وَالدَّاخِلَةُ فِيهِ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ وَالْخَارِجَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ حَالَةَ قِرَاءَةِ الذِّكْرِ الْمَشْهُورِ عَقِبَهُ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ السُّنَنَ الْفِعْلِيَّةَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهِ، وَمُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ، وَدَاخِلَةٌ فِيهِ، وَهِيَ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الذِّكْرِ الَّذِي فِي آخِرِهِ وَالْقَوْلِيَّةُ لَهَا حَالَتَانِ فَقَطْ، وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَوَّلَ سُنَنِ الْوُضُوءِ الْفِعْلِيَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ السِّوَاكُ، وَإِنَّمَا كَانَ السِّوَاكُ خَارِجًا؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ، وَالسِّوَاكُ لَيْسَ اسْتِعْمَالًا لِلْمَاءِ، وَأَوَّلُ سُنَنِهِ الْفِعْلِيَّةِ الدَّاخِلَةِ هُوَ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ، وَأَوَّلُ سُنَنِهِ الْقَوْلِيَّةِ التَّسْمِيَةُ، وَلَمْ نَقُلْ أَوَّلُ سُنَنِهِ الْقَوْلِيَّةِ الِاسْتِعَاذَةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً بِالذَّاتِ بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ فَحِينَئِذٍ كَانَتْ أَوَّلَ السُّنَنِ الْقَوْلِيَّةِ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ قِيلَ إنَّ أَوَّلَ سُنَنِ الْوُضُوءِ الْفِعْلِيَّةِ الْخَارِجَةِ هُوَ السِّوَاكُ، وَلِمَ يَقُولُوا إنَّ أَوَّلَهَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ أَوْ الْجُلُوسُ عَلَى مَكَان عَالٍ مَعَ أَنَّهُمَا مُتَقَدِّمَانِ عَلَى السِّوَاكِ أَيْضًا؟ . اُنْظُرْ جَوَابًا شَافِيًا. اهـ. قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ) عِبَارَةُ الْقُطْبِ الرَّبَّانِيُّ سَيِّدِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ بُسْتَانُ الْوَاعِظِينَ: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وَأَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ وَقَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا إلَّا مَا فِي رِكْوَتِك، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ الْمُبَارَكَةَ فِي الرِّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ مِثْلُ الْعُيُونِ فَشَرِبُوا مِنْهُ وَتَوَضَّئُوا. قَالَ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: كُنَّا خَمْسَ عَشَرَةَ مِائَةً وَلَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا» . قَالَ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ الْيَافِعِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 فَأُتِيَ بِمَاءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ ثُمَّ قَالَ: تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ أَيْ قَائِلِينَ ذَلِكَ. فَرَأَيْت الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّأَ نَحْوُ سَبْعِينَ رَجُلًا» . وَلِخَبَرِ: «تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِآيَةِ الْوُضُوءِ الْمُبَيِّنَةِ لِوَاجِبَاتِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ: «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ» فَضَعِيفٌ. وَأَقَلُّهَا بِسْمِ اللَّهِ، وَأَكْمَلُهَا كَمَالُهَا، ثُمَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَنِعْمَتِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ طَهُورًا وَزَادَ الْغَزَالِيُّ بَعْدَهَا: {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} [المؤمنون: 97] {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 98] . وَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ لِكُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ أَيْ حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ مِنْ عِبَادَةٍ وَغَيْرِهَا، كَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَذَبْحٍ وَجِمَاعٍ وَتِلَاوَةٍ وَلَوْ مِنْ أَثْنَاءِ سُورَةٍ لَا لِصَلَاةٍ وَحَجٍّ وَذِكْرٍ، وَتُكْرَهُ لِمُحَرَّمٍ وَمَكْرُوهٌ. وَالْمُرَادُ بِأَوَّلِ الْوُضُوءِ أَوَّلُ   [حاشية البجيرمي] فِي سِيرَتِهِ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي الْجَيْشِ إذْ لَحِقَهُمْ عَطَشٌ كَادَ أَنْ يَقْطَعَ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ وَالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ عَطَشًا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرِكْوَةٍ فِيهَا مَاءٌ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهَا، فَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَاسْتَقَى النَّاسُ وَفَاضَ الْمَاءُ حَتَّى رَوَوْا خَيْلَهُمْ وَرِكَابَهُمْ أَيْ إبِلَهُمْ، وَكَانَ فِي الْمُعَسْكَرِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَعِيرٍ وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ خَيْلٍ وَالنَّاسُ ثَلَاثُونَ أَلْفًا» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَدَدُ فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ) أَيْ لِلْبَعْضِ الَّذِي لَمْ يَطْلُبْ أَوْ يُقَالُ هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ أَيْ قَلِيلٌ؟ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ كَيْفَ يَقُولُ لَهُمْ: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ مَعَ أَنَّهُمْ طَلَبُوهُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: «هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ» وَعَدَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ طَلَبِ إنَاءٍ فَارِغٍ تَأَدُّبًا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (فَرَأَيْت الْمَاءَ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إيجَادُ مَعْدُومٍ لَا تَكْثِيرُ مَوْجُودٍ، وَنَبْعُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْلَغُ مِنْ نَبْعِ الْمَاءِ مِنْ الْحَجَرِ لِمُوسَى؛ لِأَنَّهُ شُوهِدَ نَبْعُهُ مِنْ بَعْضِ الْأَحْجَارِ إذَا وُضِعَ عَلَى نَارٍ، بِخِلَافِ نَبْعِهِ مِنْ بَيْنِ لَحْمٍ وَدَمٍ فَسُبْحَانَ الْقَادِرِ اهـ. ح ف. قَوْلُهُ: (فَضَعِيفٌ) أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَامِلِ أَيْ كَمَا فِي خَبَرِ: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» أَيْ كَامِلَةٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْإِسْلَامِ) عَلَى لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلِ إعْطَاءِ الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ: (وَنِعْمَتِهِ) أَيْ النِّعَمِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ أَيْ ثَمَرَاتِهِ كَعِصْمَةِ دَمِهِ وَمَالِهِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ. قَوْلُهُ: {هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} [المؤمنون: 97] أَيْ وَسَاوِسِهِمْ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ: لِإِذْهَابِ الْوَسْوَاسِ سَوَاءٌ كَانَ فِي وُضُوءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يَضَعَ الشَّخْصُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى صَدْرِهِ مِنْ جِهَةِ الْيَسَارِ الَّذِي فِيهِ الْقَلْبُ وَيَقُولُ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْخَلَّاقِ الْفَعَّالِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [إبراهيم: 19] {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: 20] . قَوْلُهُ: (كَغُسْلٍ إلَخْ) مَثَّلَ بِخَمْسَةِ أَمْثِلَةٍ، لَكِنْ مِنْهَا مَا هُوَ عِبَادَةٌ فَقَطْ، وَهُوَ التِّلَاوَةُ وَالتَّيَمُّمُ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْعِبَادَةِ وَلِلْعَادَةِ أَيْ تَارَةً يَكُونُ عِبَادَةً وَتَارَةً يَكُونُ عَادَةً وَهُوَ الْغُسْلُ وَالذَّبْحُ وَالْجِمَاعُ. قَوْلُهُ: (وَذَبْحٍ) بِأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الذَّبَائِحِ، وَالْأَفْضَلُ تَكْمِيلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقَصَّابَ إذَا سَمَّى اللَّهَ عِنْدَ الذَّبْحِ قَالَتْ الذَّبِيحَةُ: أَخْ أَخْ وَذَلِكَ أَنَّهَا تَسْتَطِيبُ الذَّبْحَ أَيْ تَعُدُّهُ طَيِّبًا حَسَنًا مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ سَيِّدِي عَلِيٌّ الَأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَزِيدُ الذَّابِحُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ؛ لِأَنَّ فِي الذَّبْحِ تَعْذِيبًا وَقَطْعًا، وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ اسْمَانِ رَقِيقَانِ، وَلَا قَطْعَ مَعَ الرِّقَّةِ، وَلَا عَذَابَ مَعَ الرَّحْمَةِ لَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَصَحِّ فِي الْمَذْهَبِ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِهِ وَلِقَوْلٍ عِنْدَنَا. قَوْلُهُ: (وَجِمَاعٍ) أَيْ أَوَّلُهُ وَتُكْرَهُ فِي أَثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ فِيهِ السُّكُوتُ أَيْ فِي غَيْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ مِنْ الْمَرْأَةِ كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: تَقَدَّمِي أَوْ تَأَخَّرِي فَلَا يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَأَمَّا الْغُنْجِ بِالْغَيْنِ وَالنُّونِ وَالْجِيمِ فَلَيْسَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش رَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَإِنَّهُ إنْ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا» وَالْجَامِعُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَنْظُرْ إلَى الْفَرْجِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى وَلَا يُكْثِرْ الْكَلَامَ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْخَرَسَ» اهـ. ابْنُ الْقَيِّمَةِ عَلِيٌّ الْبَيْضَاوِيِّ. قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ لِمُحَرَّمٍ) ضَعِيفٌ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَحْرُمُ فِي الْحَرَامِ أَيْ لِذَاتِهِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَكْرُوهِ، وَلْيَنْظُرْ لَوْ أَكَلَ مَغْصُوبًا هَلْ هُوَ مِثْلُ الْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ الْحُرْمَةُ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 غَسْلِ الْكَفَّيْنِ فَيَنْوِي الْوُضُوءَ وَيُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَهُ بِأَنْ يَقْرُنَ النِّيَّةَ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ أَوَّلِ غَسْلِهِمَا، ثُمَّ يَتَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ، ثُمَّ يُكْمِلَ غَسْلَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ سُنَّةٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا أَوْ عَمْدًا أَوْ فِي أَوَّلِ طَعَامٍ كَذَلِكَ أَتَى بِهَا فِي أَثْنَائِهِ فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ لِخَبَرِ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَيُقَاسُ بِالْأَكْلِ الْوُضُوءُ، وَبِالنِّسْيَانِ الْعَمْدُ، وَلَا يُسَنُّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ لِانْقِضَائِهِ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ   [حاشية البجيرمي] ذَاتِيَّةٌ؟ . وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. وَحِينَئِذٍ فَصُورَةُ الْمُحَرَّمِ الَّذِي تَحْرُمُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا أَوْ يَأْكُلَ مَيْتَةً لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَكْلِ الْمَغْصُوبِ أَنَّ الْغَصْبَ أَمْرٌ عَارِضٌ عَلَى حِلِّ الْمَأْكُولِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ بِخِلَافِ هَذَا. اهـ. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَبَقِيَ الْمُبَاحَاتُ الَّتِي لَا شَرَفَ فِيهَا كَنَقْلِ مَتَاعِ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ، وَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا وَلَا ذَا بَالٍ. قَوْلُهُ: (فَيَنْوِي الْوُضُوءَ) أَيْ بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ مِنْ كَيْفِيَّاتِ النِّيَّةِ السَّابِقَةِ حَتَّى نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ أَنَّ السُّنَنَ الْمُتَقَدِّمَةَ لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ لِأَنَّ السُّنَنَ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ تَنْدَرِجُ فِي نِيَّتِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ، وَاعْتَمَدَ ذَلِكَ م ر. وَأَقُولُ: نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ مَعْنَاهَا قَصْدُ رَفْعِهِ بِمَجْمُوعِ أَعْمَالِ الْوُضُوءِ وَهُوَ رَافِعٌ بِلَا شُبْهَةٍ. اهـ سم. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَقْرُنَ النِّيَّةَ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ، فَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا. وَأَشَارَ بِهِ إلَى حَمْلِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَلَى النِّيَّةِ الْقَلْبِيَّةِ، فَلَا إشْكَالَ فِي كَوْنِ النِّيَّةِ مَعَ التَّسْمِيَةِ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ لَوْ أُرِيدَ النِّيَّةُ اللَّفْظِيَّةُ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ يَتَلَفَّظُ إلَخْ) زَائِدٌ عَلَى التَّصْوِيرِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ التَّلَفُّظَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: ثُمَّ يَتَلَفَّظُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَتَى بِهَا فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الْوُضُوءِ وَهُوَ جَمْعُ ثِنْيٍ بِكَسْرِ الثَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ كَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ، بِخِلَافِ الْجِمَاعِ إذَا تَرَكَهَا فِي أَوَّلِهِ لَا يَأْتِي بِهَا فِي أَثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ مَكْرُوهٌ وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَلَاءِ إذَا دَخَلَهُ، وَلَمْ يَتَعَوَّذْ قَبْلَهُ أَوْ يَتَعَوَّذْ بِقَلْبِهِ، وَلَا مَانِعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْصِنُهُ، فَكَذَلِكَ هُنَا وَمِثْلُهُ دُعَاءُ التَّجَنُّبِ مِنْ الشَّيْطَانِ. وَقَالَ شَيْخُنَا ع ش: لَا يَأْتِي بِهَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ حَالَ الْجِمَاعِ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْ الْكَلَامِ فِي الْخَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ خِلَافٌ هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ الْأَعَمِّ؟ . بَرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ: أَتَى بِهَا أَيْ بِصِيغَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ فَيَقُولُ: إلَخْ ع ش. قَوْلُهُ: (أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الْجَيِّدُ النَّصْبُ فِيهِمَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَ أَوَّلِهِ وَعِنْدَ آخِرِهِ فَحَذَفَ عِنْدَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَيَجُوزُ الْجَرُّ عَلَى تَقْدِيرِ فِي أَيْ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْآخَرِ مَا عَدَا الْأَوَّلَ فَيَشْمَلُ الْوَسَطَ. قَالَ م ر: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّسْمِيَةُ حِينَئِذٍ إلَّا إذَا أَتَى بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ. قَوْلُهُ: (فَلْيَقُلْ) أَيْ حِينَ يَتَذَكَّرُ بِسْمِ اللَّهِ أَيْ آكِلٌ مُتَبَرِّكًا بِاسْمِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ الْأَكْلِ وَآخِرِهِ، وَالتَّبَرُّكُ بِاسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِ الْأَكْلِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا فِي الْوَسَطِ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْإِخْبَارُ بِهِ لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ) اُنْظُرْ هَلْ هُوَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ أَوْ الذِّكْرُ الَّذِي بَعْدَهُ سم عَلَى الْمَنْهَجِ. قَالَ شَيْخُنَا: يَنْبَغِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِهِ، وَيَطْرُدُ وَسْوَسَةَ الشَّيْطَانِ عَنْ الذِّكْرِ الَّذِي طُلِبَ لِلْوُضُوءِ، لَكِنْ يُعَارِضُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا مَا أَفْتَى بِهِ م ر. حِينَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْمُرَادُ بِالْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِهِ. اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ م ر مِنْ أَفْعَالِهِ أَيْ وَمُتَعَلَّقَاتِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ قَوْلُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ، الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ. اهـ. وَاعْتَمَدَ الزِّيَادِيُّ وع ش عَلَى م ر: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذِّكْرُ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عَوْدُ الْبَرَكَةِ عَلَى جَمِيعِ مَا فَعَلَهُ وَمِنْهُ الذِّكْرُ، وَانْظُرْ لَوْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّشَهُّدِ وَطَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْفَرَاغِ وَالتَّشَهُّدِ، فَهَلْ يُسَنُّ الْإِتْيَانُ بِالتَّسْمِيَةِ حِينَئِذٍ أَيْ إنْ تَرَكَهَا فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ؟ . فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُسَنُّ؛ لِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مَا لَمْ يَطُلْ زَمَنٌ يُعَدُّ بِهِ مُعْرِضًا عَنْ التَّشَهُّدِ. اهـ. وَفِي الْإِطْفِيحِيِّ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا مِنْ مُتَعَلَّقَاتِهِ مِنْ الذِّكْرِ الْآتِي بَعْدُ مِنْ قَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ إلَخْ. وَالدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِرَاءَةُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُطْلَبُ تَثْلِيثُ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْهَا إلَّا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيمَا ذُكِرَ أَوْ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ أَتَى بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِتْيَانِ عَوْدُ الْبَرَكَةِ عَلَى جَمِيعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 فَرَاغِهِ مِنْ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا لِيَتَقَيَّأَ الشَّيْطَانُ مَا أَكَلَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشُّرْبُ كَالْأَكْلِ. (وَ) الثَّانِيَةُ (غَسْلُ الْكَفَّيْنِ) إلَى كُوعَيْهِ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ طُهْرَهُمَا أَوْ تَوَضَّأَ مِنْ نَحْوِ إبْرِيقٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. فَإِنْ شَكَّ فِي طُهْرِهِمَا غَسَلَهُمَا (قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ) الَّذِي فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ مَائِعٌ، وَإِنْ كَثُرَ (ثَلَاثًا) فَإِنْ أَدْخَلَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ كُرِهَ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»   [حاشية البجيرمي] فِعْلِهِ وَمِنْهُ الذِّكْرُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالذِّكْرُ الْمَشْهُورُ عَقِبَهُ الْمُقْتَضِي أَنَّ الشَّهَادَةَ وَمَا مَعَهَا لَيْسَتْ مِنْهُ لِحَمْلِهِ الْعَقَبِيَّةَ عَلَى الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ السُّنَنِ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. قَوْلُهُ: (لِيَتَقَيَّأَ الشَّيْطَانُ مَا أَكَلَهُ) وَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ لَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَعَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلَ الْإِنَاءِ فَيَجُوزُ وُقُوعُهُ خَارِجَهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِيَةُ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ) أَيْ كَمَالُ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوَّلًا، وَالْمُرَادُ أَوَّلُ الْوُضُوءِ أَوَّلُ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَالْمُرَادُ بِتَقْدِيمِ التَّسْمِيَةِ عَلَى غَسْلِهِمَا تَقْدِيمهَا عَلَى الْفَرَاغِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (إلَى كُوعَيْهِ) الْكُوعُ بِضَمِّ الْكَافِ وَيُقَالُ لَهُ الْكَاعُ هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي فِي مَفْصِلِ الْكَفِّ مِمَّا يَلِي الْإِبْهَامَ أَمَّا الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ فَكُرْسُوعٌ، وَأَمَّا الْبُوعُ فَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ كُلِّ رِجْلٍ وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: وَعَظْمٌ يَلِي الْإِبْهَامَ كُوعٌ وَمَا يَلِي ... بِخِنْصَرِهِ الْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ مَا وَسَطَ وَعَظْمٌ يَلِي إبْهَامَ رِجْلٍ مُلَقَّبُ ... بِبُوعٍ فَخُذْ بِالْعِلْمِ وَاحْذَرْ مِنْ الْغَلَطِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَكَّ فِي طُهْرِهِمَا) أَيْ كُلِّهِمَا، فَإِنْ شَكَّ فِي طُهْرِ الْبَعْضِ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ فَقَطْ سَمِّ. قَالَ م ر: خَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي طُهْرِهِمَا مَنْ تَيَقَّنَ نَجَاسَتَهُمَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ غَمْسُهُمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ كَرَاهَةِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ حُصُولُ تَنَجُّسِ مَا كَانَ طَاهِرًا مِنْ بَدَنِهِ بِإِدْخَالِهِمَا الْمَذْكُورِ بِخِلَافِ الْبَوْلِ. قَوْلُهُ: (أَحَدُكُمْ) أَضَافَهُ إلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِهِمْ، وَلَا يَتَنَاوَلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ تَنَامُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا) ، وَإِنَّمَا «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا قَبْلَ الْغَمْسِ» ، وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ تَطْهُرُ بِالْمَرَّةِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَى الْيَدِ عِبَادَاتٌ إحْدَاهَا الْغَسْلُ مِنْ تَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ، وَالْأُخْرَى الْغَسْلُ قَبْلَ الْغَمْسِ لِأَجْلِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ تَحَقَّقَ طَهَارَةُ يَدِهِ، وَالْغَسْلَةُ الثَّالِثَةُ لِطَلَبِ الْإِيتَارِ، فَإِنَّ تَثْلِيثَ الْغَسْلِ مُسْتَحَبٌّ. اهـ مِنْ رِسَالَةِ ابْنِ الْعِمَادِ فِي نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ. فَرْعٌ: لَوْ تَرَدَّدَ فِي نَجَاسَةٍ مُخَفَّفَةٍ هَلْ يُكْتَفَى فِيهَا بِالرَّشِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا ثَلَاثًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الرَّشُّ فِيهَا كَافِيًا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَاسْتَوْجَهَ سم الْأَوَّلَ. اهـ. قَالَ اج: وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ إذْ هَذِهِ الْغَسَلَاتُ الثَّلَاثُ هِيَ الْمَطْلُوبَةُ لِلْوُضُوءِ، وَقَدْ شُرِطَ السَّيَلَانُ فِي كُلِّ عُضْوٍ طُلِبَ غَسْلُهُ وُجُوبًا فِي الْوَاجِبِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ، نَعَمْ يَظْهَرُ مَا قَالَهُ سم فِيمَا إذَا أَرَادَ غَيْرَ الْوُضُوءِ كَإِدْخَالِ يَدَيْهِ فِي نَحْوِ مَائِعٍ فَتَأَمَّلْ. اهـ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَلَوْ تَيَقَّنَ النَّجَاسَةَ وَشَكَّ أَهِيَ مُخَفَّفَةٌ أَوْ مُتَوَسِّطَةٌ أَوْ مُغَلَّظَةٌ؟ فَمَا الَّذِي يَأْخُذُ بِهِ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيرُهَا مُخَفَّفَةً؛ لِأَنَّ الرَّشَّ فِيهَا رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ سَبَبِهَا، وَحِينَئِذٍ فَهَلْ تُجْعَلُ مُتَوَسِّطَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا التَّغْلِيظُ أَوْ مُغَلَّظَةً؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ الْأَوَّلُ أَيْ حَمْلًا عَلَى الْأَغْلَبِ إذْ الْأَغْلَبُ فِي الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ قِسْمِ الْمُتَوَسِّطَةِ فَيَكْفِي فِيهَا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ كَالْمُخَفَّفَةِ. قَوْلُهُ: «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» أَيْ صَارَتْ سَوَاءً كَانَ النَّوْمُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَلَعَلَّهَا وَقَعَتْ عَلَى نَجَاسَةٍ مِنْ جِرَاحَةٍ أَوْ مَحَلِّ اسْتِنْجَاءٍ بِحَجَرٍ مَعَ رُطُوبَتِهَا مِنْ نَحْوِ عَرَقٍ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ عَلِمَ طَهَارَتَهَا بِلَفِّ شَيْءٍ عَلَيْهَا وَوَجَدَهَا كَذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الْغَمْسُ، نَعَمْ لَيْسَ الْمَبِيتُ وَلَا النَّوْمُ قَيْدًا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى عَدَمِ تَيَقُّنِ طُهْرِهِمَا فَيَشْمَلُ التَّرَدُّدَ فِيهِ وَنَوْمَ النَّهَارِ. قَالَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ: يَنْبَغِي عِنْدَ سَمَاعِ أَقْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ وَدَفْعِ الْخَوَاطِرِ الرَّدِيئَةِ عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا وَقَعَ لِمَنْ شَكَّ فِي هَذَا وَكَانَ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إلَّا لَفْظَ ثَلَاثًا؛ فَلِمُسْلِمٍ فَقَطْ، أَشَارَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ فِيهِ إلَى احْتِمَالِ نَجَاسَةِ الْيَدِ فِي النَّوْمِ كَأَنْ تَقَعَ عَلَى مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ التَّرَدُّدُ، وَعَلَى هَذَا حُمِلَ الْحَدِيثُ لَا عَلَى مُطْلَقِ النَّوْمِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ فَمَنْ لَمْ يَنَمْ وَاحْتُمِلَ نَجَاسَةُ يَدِهِ كَانَ فِي مَعْنَى النَّائِمِ، وَهَذِهِ الْغَسَلَاتُ الثَّلَاثُ هِيَ الْمَنْدُوبَةُ أَوَّلَ الْوُضُوءِ، لَكِنْ نُدِبَ تَقْدِيمُهَا عِنْدَ الشَّكِّ عَلَى غَمْسِ يَدِهِ وَلَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ إلَّا بِغَسْلِهِمَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا غَيَّا حُكْمًا بِغَايَةٍ فَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ عُهْدَتِهِ بِاسْتِيفَائِهَا، فَسَقَطَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي زَوَالُ الْكَرَاهَةِ بِوَاحِدَةٍ لِتَيَقُّنِ الطُّهْرِ بِهَا كَمَا لَا كَرَاهَةَ إذَا تَيَقَّنَ طُهْرَهُمَا ابْتِدَاءً، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ تَيَقُّنِ طُهْرِهِمَا إذَا كَانَ مُسْتَنِدًا لِيَقِينٍ غَسَلَهُمَا ثَلَاثًا، فَلَوْ غَسَلَهُمَا فِيمَا مَضَى مِنْ نَجَاسَةِ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَشْكُوكَةٍ   [حاشية البجيرمي] الْيَهُودِ فَأَصْبَحَ وَيَدُهُ فِي دُبُرِهِ، فَأَسْلَمَ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْحِفْظَ مِنْ ذَلِكَ اهـ. رَحْمَانِيٌّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا وُجِدَ فِي زَمَانِنَا وَتَوَاتَرَتْ الْأَخْبَارُ بِهِ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُسِيءُ الِاعْتِقَادَ فِي أَهْلِ الْخَيْرِ وَابْنُهُ يَعْتَقِدُهُمْ، فَجَاءَ مِنْ عِنْدِ شَيْخٍ صَالِحٍ وَمَعَهُ مِسْوَاكٌ فَقَالَ لَهُ مُسْتَهْزِئًا: أَعْطَاك شَيْخُك هَذَا الْمِسْوَاكَ، فَأَخَذَهُ وَأَدْخَلَهُ فِي دُبُرِهِ أَيْ دُبُرِ نَفْسِهِ اسْتِحْقَارًا لَهُ فَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ وَلَدَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي اسْتَدْخَلَ السِّوَاكَ جَرْوًا قَرِيبَ الشَّبَهِ بِالسَّمَكَةِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ حَالًا أَوْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لَا عَلَى مُطْلَقِ النَّوْمِ) أَيْ الَّذِي لَا تَرَدُّدَ مَعَهُ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْحَدِيثَ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ أَيْ بِالنَّوْمِ الَّذِي مَعَهُ تَرَدُّدٌ. وَقَوْلُهُ بَعْدُ: وَإِذَا كَانَ هَذَا. . . إلَخْ. أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَعْنًى عَمَّمَهُ فَقَدْ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ وَالتَّعْمِيمُ. قَوْلُهُ: (هِيَ الْمَنْدُوبَةُ أَوَّلَ الْوُضُوءِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ زِيَادَةٌ عَلَى الثَّلَاثِ بَلْ هِيَ كَافِيَةٌ لِلنَّجَاسَةِ الْمَشْكُوكَةِ وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ، وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الْغَسْلِ عَنْ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي لِلْحَدَثِ وَالنَّجِسِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ هُنَا سِتُّ غَسَلَاتٍ، وَإِنْ كَفَتْ الثَّلَاثِ فِي أَصْلِ السُّنَّةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الِاكْتِفَاءُ بِالثَّلَاثِ هُنَا مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ لَا مِنْ حَيْثُ كَرَاهَةُ الْغَمْسِ قَبْلَ الطَّهَارَةِ ثَلَاثًا اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (إلَّا بِغَسْلِهِمَا ثَلَاثًا) أَيْ إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي نَجَاسَةٍ غَيْرِ مُغَلَّظَةٍ، فَإِنْ كَانَ الشَّكُّ فِيهَا فَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْكَرَاهَةِ إلَّا بِغَسْلِهِمَا سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ طَهُورٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا غَيَّا حُكْمًا) الْحُكْمُ هُنَا كَرَاهَةُ الْغَمْسِ، وَالْغَايَةُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا» . وَقَوْلُهُ: (فَإِنَّمَا يَخْرُجُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا وَاضِحٌ حَيْثُ لَمْ يُعَلِّلْهُ، وَهُنَا قَدْ عَلَّلَهُ بِمَا يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي إلَخْ الدَّالُّ عَلَى احْتِمَالِ نَجَاسَةِ الْيَدِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ يَزُولُ بِمَرَّةٍ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّا لَوْ عَمِلْنَا بِذَلِكَ الْمُقْتَضِي لَزِمَ عَلَيْهِ اسْتِنْبَاطُ مَعْنًى مِنْ النَّصِّ يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ؛ لِأَنَّ اسْتِنْبَاطَ الِاكْتِفَاءِ بِمَرَّةٍ يُبْطِلُ قَوْلَهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا» اهـ. ع ش. وَفِيهِ أَنَّهُمْ نَظَرُوا لِلتَّعْلِيلِ فِي صُورَةِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةٍ مُغَلَّظَةٍ حِينَ حَكَمُوا بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَزُولُ إلَّا بِسَبْعٍ مَعَ التَّتْرِيبِ قَبْلَ إدْخَالِ الْكَفَّيْنِ الْإِنَاءَ، فَقَدْ اسْتَنْبَطُوا مِنْ النَّصِّ مَعْنًى أَبْطَلَهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ الِاسْتِنْبَاطِ اسْتِيفَاءُ مَا غَيَّا بِهِ الشَّارِعُ مَعَ زِيَادَةٍ فِيهَا احْتِيَاطٌ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ إبْطَالٌ، صَحَّ هَذَا الِاسْتِنْبَاطُ وَعُوِّلَ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ تَرْجِيحُ الرَّشِّ ثَلَاثًا فِي النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ كَمَا ذَكَرَهُ سم خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ ع ش مِنْ غَسْلِهِمَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ اسْتِنْبَاطُ مَعْنًى مِنْ النَّصِّ يُبْطِلُهُ بِالْمَرَّةِ، وَلَمْ يُوجَدْ احْتِيَاطٌ فِي الْغَسْلِ ثَلَاثًا عَنْ الرَّشِّ ثَلَاثًا لِتَسَاوِي الْغَسْلِ وَالرَّشِّ فِي إزَالَةِ الْمُخَفَّفَةِ فَحَرِّرْ، لَكِنْ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي فِي بَابِ النَّجَاسَةِ سُنَّ الْغَسْلُ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ الرَّشِّ فِي الْمُخَفَّفَةِ إلَّا أَنَّ هَذَا فِي النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ، وَأَمَّا الشُّكُوكُ فِيهَا فَلَا يَتَوَقَّفُ الْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَةِ الْكَرَاهَةِ مِنْهَا عَلَى الْغَسْلِ، بَلْ يَكْفِي الرَّشُّ ثَلَاثًا فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا كَمَا ذَكَرَهُ سم. اهـ مِنْ خَطِّ ح ف. قَوْلُهُ: (فَإِنَّمَا يُخْرَجُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ فَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْمُكَلَّفُ لِلْفَاعِلِ وَقَوْلُهُ: (بِاسْتِيفَائِهَا) بِالْفَاءِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِاسْتِيعَابِهَا بِالْعَيْنِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ بَرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ هُنَا إلَخْ) أَيْ مِنْ قَوْلِنَا إنَّ الشَّارِعَ إذَا غَيَّا إلَخْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ كُرِهَ غَمْسُهُمَا قَبْلَ إكْمَالِ الثَّلَاثِ، وَمِثْلُ الْمَائِعِ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَأْكُولٍ رَطْبٍ كَمَا فِي الْعُبَابِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الصَّبُّ لِكِبَرِ الْإِنَاءِ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَغْرِفُ بِهِ مِنْهُ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ أَوْ أَخَذَهُ بِطَرَفِ ثَوْبٍ نَظِيفٍ أَوْ بِفِيهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أَمَّا إذَا تَيَقَّنَ نَجَاسَتَهُمَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إدْخَالُهُمَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهِمَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ، وَخَرَجَ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ الْكَثِيرُ فَلَا يُكْرَهُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِهِ. (وَ) الثَّالِثَةُ (الْمَضْمَضَةُ) وَهِيَ جَعْلُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ إدَارَةٍ فِيهِ وَمَجٍّ مِنْهُ (وَ) الرَّابِعَةُ (الِاسْتِنْشَاقُ) بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَهُوَ جَعْلُ الْمَاءِ فِي الْأَنْفِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْخَيْشُومِ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَأَمَّا خَبَرُ: «تَمَضْمَضُوا وَاسْتَنْشِقُوا» فَضَعِيفٌ. تَنْبِيهٌ: تَقْدِيمُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْمَضْمَضَةِ، وَهِيَ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ مُسْتَحَقٌّ لَا مُسْتَحَبٌّ عَكْسُ تَقْدِيمِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَفَرَّقَ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّ الْيَدَيْنِ مَثَلًا عُضْوَانِ مُتَّفِقَانِ اسْمًا وَصُورَةً بِخِلَافِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ. وَجَبَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا كَالْيَدِ وَالْوَجْهِ: فَلَوْ أَتَى بِالِاسْتِنْشَاقِ مَعَ الْمَضْمَضَةِ حُسِبَتْ دُونَهُ، وَإِنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهَا، فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْمُؤَخَّرَ يُحْسَبُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَوْ قَدَّمَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ عَلَى غَسْلِ الْكَفِّ لَمْ يُحْسَبْ الْكَفُّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَصَوَابُهُ لِيُوَافِقَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ لَمْ تُحْسَبْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الرَّوْضَةِ لِقَوْلِهِمْ فِي الصَّلَاةِ الثَّالِثَ عَشَرَ: تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ خَرَجَ السُّنَنُ فَيُحْسَبُ مِنْهَا مَا أَوْقَعَهُ أَوَّلًا، فَكَأَنَّهُ تَرَكَ غَيْرَهُ فَلَا يُعْتَدُّ بِفِعْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ تَعَوَّذَ ثُمَّ أَتَى بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ. وَمِنْ فَوَائِدِ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَوَّلًا مَعْرِفَةُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَمِثْلُ الْمَائِعِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي كَرَاهَةِ الْغَمْسِ قَبْلَ غَسْلِهِمَا ثَلَاثًا عِنْدَ الشَّكِّ فِي طُهْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (بِطَرَفِ ثَوْبٍ نَظِيفٍ) أَوْ كَمِنْشَفَةٍ ثُمَّ يَرْفَعُ الثَّوْبَ مَثَلًا بِنَحْوِ عَصًا، ثُمَّ يَتَلَقَّى بِيَدِهِ الْمَاءَ النَّازِلَ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ) كَاللِّحْيَةِ الْكَبِيرَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ) قُدِّمَتْ الْمَضْمَضَةُ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ لِشَرَفِ مَنَافِعِ الْفَمِ، فَإِنَّهُ مَدْخَلُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ اللَّذَيْنِ بِهِمَا قِوَامُ الْحَيَاةِ وَهُوَ مَحَلُّ الْأَذْكَارِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالِاسْتِنْشَاقُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَضْمَضَةِ؛ لِأَنَّ أَبَا ثَوْرٍ مِنَّا قَالَ بِوُجُوبِهِ، وَالْمَضْمَضَةُ مُجْمَعٌ عَلَى نَدْبِهَا أَيْ عِنْدَنَا، وَإِنْ قَالَ الْحَنَابِلَةُ بِوُجُوبِهَا وَمَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَى نَدْبِهِ عِنْدَنَا وَكَذَا مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ. فَرْعٌ: لَوْ خُلِقَ لَهُ فَمَانِ هَلْ تُسْتَحَبُّ الْمَضْمَضَةُ فِيهِمَا، وَهَلْ الْمَطْلُوبُ تَقْدِيمُ مَضْمَضَتِهِمَا جَمِيعًا عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ؟ . الْوَجْهُ نَعَمْ فِيهِمَا إنْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ، أَوْ أَصْلِيٌّ وَزَائِدٌ وَاشْتَبَهَ أَوْ سَامَتْ. اهـ. قَوْلُهُ: (إلَى الْخَيْشُومِ) أَيْ أَقْصَى الْأَنْفِ. قَوْلُهُ: (مُسْتَحَقٌّ) أَيْ مُسْتَحَقُّ التَّقْدِيمِ لِلِاعْتِدَادِ بِالْجَمِيعِ، فَلَوْ قَدَّمَ الْمَضْمَضَةَ عَلَى غَسْلِ الْكَفَّيْنِ حَصَلَتْ دُونَهُ، وَإِنْ أَتَى بِهِ بَعْدَهَا وَلَوْ قَدَّمَ الِاسْتِنْشَاقَ عَلَى الْمَضْمَضَةِ حَصَلَ هُوَ دُونَ الْمَضْمَضَةِ، وَإِنْ أَتَى بِهَا بَعْدُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي ز ي. قَوْلُهُ: (عَكْسُ تَقْدِيمِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى) مُرَادُهُ بِالْعَكْسِ الْمُخَالِفُ، فَإِنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى حُسِبَتَا جَمِيعًا، وَهُنَا إذَا قَدَّمَ الْمَضْمَضَةَ عَلَى الْكَفَّيْنِ حُسِبَتْ الْمَضْمَضَةُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (فَوَجَبَ) الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ هُنَا التَّأَكُّدُ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي قَوْلِهِ كَالْيَدِ وَالْوَجْهِ الْوُجُوبُ الْحَقِيقِيُّ فَهُوَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ اهـ. شَيْخُنَا. فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الْمُحَشِّي وَعِبَارَتُهُ. قَوْلُهُ: (كَالْيَدِ وَالْوَجْهِ) لَيْسَ هَذَا التَّمْثِيلُ صَحِيحًا فَإِنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْيَدَ عَلَى الْوَجْهِ إنَّمَا يُحْسَبُ الْوَجْهُ، وَهُنَا عَلَى الْعَكْسِ كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (حُسِبَتْ) أَيْ الْمَضْمَضَةُ دُونَ الِاسْتِنْشَاقِ أَيْ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا فُعِلَ؛ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَقَعَتْ فِي مَرْكَزِهَا فَلَا يَضُرُّ مُقَارَنَةُ غَيْرِهَا لَهَا، فَإِنْ أَتَى بِالِاسْتِنْشَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ حَصَلَ، بَلْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِحُصُولِهِمَا فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ سم فِي شَرْحِ الْكِتَابِ: فِيمَا إذَا وَقَعَا مَعًا حَصَلَ الِاسْتِنْشَاقُ وَفَاتَتْ الْمَضْمَضَةُ، وَمُقْتَضَى شَرْحِ م ر مُوَافَقَةُ الشَّرْحِ. اهـ اج قَوْلُهُ: (أَنَّ الْمُؤَخَّرَ) وَهُوَ الْمَضْمَضَةُ. وَالْمُرَادُ الْمُؤَخَّرُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الرُّتْبَةِ. قَوْلُهُ: (يُحْسَبْ) أَيْ وَالْمُقَدَّمُ مَلْغِيٌّ فَيُعِيدُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمَحْسُوبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 أَوْصَافِ الْمَاءِ وَهِيَ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ هَلْ تَغَيَّرَتْ أَوْ لَا؟ . وَيُسَنُّ أَخْذُ الْمَاءِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، وَيُسَنُّ أَنْ يُبَالِغَ فِيهِمَا غَيْرُ الصَّائِمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رِوَايَةٍ، صَحَّحَ ابْنُ الْقَطَّانِ إسْنَادَهَا: «إذَا تَوَضَّأْت فَأَبْلِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مَا لَمْ تَكُنْ صَائِمًا» وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يَبْلُغَ الْمَاءُ إلَى أَقْصَى الْحَنَكِ وَوَجْهَيْ الْأَسْنَانِ وَاللِّثَاتِ، وَيُسَنُّ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَمَجُّهُ، وَإِمْرَارُ أُصْبُعِ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يُصْعِدَ الْمَاءَ بِالنَّفَسِ إلَى الْخَيْشُومِ، وَيُسَنُّ الِاسْتِنْثَارُ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ بَعْدَ الِاسْتِنْشَاقِ مَا فِي أَنْفِهِ مِنْ مَاءٍ وَأَذًى بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى، وَإِذَا بَالَغَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ فَلَا يَسْتَقْصِي فَيَصِيرُ سَعُوطًا لَا اسْتِنْشَاقًا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. أَمَّا الصَّائِمُ فَلَا تُسَنُّ لَهُ الْمُبَالَغَةُ بَلْ تُكْرَهُ لِخَوْفِ الْإِفْطَارِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا بِتَحْرِيمِ الْقُبْلَةِ إذَا خَشِيَ الْإِنْزَالَ مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا خَوْفُ الْفَسَادِ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ الْقُبْلَةَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ بَلْ دَاعِيَةٌ لِمَا يُضَادُّ الصَّوْمَ مِنْ الْإِنْزَالِ، بِخِلَافِ الْمُبَالَغَةِ فِيمَا ذُكِرَ، وَبِأَنَّهُ هُنَا يُمْكِنُهُ إطْبَاقُ الْحَلْقِ وَمَجُّ الْمَاءِ وَهُنَاكَ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ الْمَنِيِّ إذَا خَرَجَ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ دَافِقٌ، وَبِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ فِي الْقُبْلَةِ إفْسَادٌ لِعِبَادَةِ اثْنَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ تَفْضِيلُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ عَلَى الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْفَصْلِ شَيْءٌ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ، وَكَوْنُ الْجَمْعِ بِثَلَاثِ غُرَفٍ يَتَمَضْمَضُ مِنْ كُلٍّ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ أَفْضَلَ مِنْ الْجَمْعِ بِغَرْفَةٍ يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا ثَلَاثًا، أَوْ يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مَرَّةً، ثُمَّ كَذَلِكَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ   [حاشية البجيرمي] هُوَ الْمُقَدَّمُ وَهُوَ الِاسْتِنْشَاقُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُعْتَمَدُ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ أَيْضًا م ر فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ تَعَوَّذَ ثُمَّ أَتَى بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ) أَيْ فَإِنَّ التَّعَوُّذَ يَحْصُلُ دُونَ الِافْتِتَاحِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ بِفَوَاتِ اسْمِ الِافْتِتَاحِ هُنَا كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ الصَّائِمِ) وَكَذَا الْمُلْحَقُ بِهِ كَالْمُمْسِكِ لِتَرْكِ النِّيَّةِ عَلَى الْأَوْجَهِ فِيهِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَبْلُغَ الْمَاءُ) يَبْلُغُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ فَمُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ فَلَامٌ مَضْمُومَةٌ وَآخِرُهُ غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ مِنْ بَلَغَ الثُّلَاثِيِّ، وَالْمَاءُ فَاعِلُهُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ الرُّبَاعِيِّ وَهُوَ بَلَغَ يَبْلُغُ، وَالْفَاعِلُ هُوَ أَيْ الشَّخْصُ وَالْمَاءُ مَفْعُولُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِمْرَارُ أُصْبُعِ يَدِهِ الْيُسْرَى) أَيْ السَّبَّابَةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَكُونُ فِيهَا الْمَاءُ إذَا جُمِعَ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُصْعِدَ) يَجُوزُ فِي يَصْعَدُ أَيْضًا فَتْحُ الْيَاءِ وَسُكُونِ الصَّادِ وَتَخْفِيفُ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَاءُ فَاعِلٌ كَمَا فِي يَبْلُغُ وَمِنْهُ: قَوْلُهُ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] الْآيَةُ: قَوْلُهُ: (لِلْأَمْرِ بِهِ) عِبَارَةُ شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَمَضْمَضُ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ فَيَسْتَنْثِرُ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَخَيَاشِيمِهِ» اج. قَوْلُهُ: (فَلَا يَسْتَقْصِي) أَيْ بِأَنْ يُجَاوِزَ أَقْصَى الْأَنْفِ. وَقَوْلُهُ: (فَيَصِيرُ) أَيْ لِئَلَّا يَصِيرُ، فَالْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ. وَانْظُرْ حُكْمَهُ اج. قَوْلُهُ: (سُعُوطُهُ) بِضَمِّ السِّينِ أَيْ إدْخَالُ الْمَاءِ فِي أَقْصَى الْأَنْفِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَبِفَتْحِهَا دَوَاءٌ يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ اهـ مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (لَا اسْتِنْشَاقًا) ظَاهِرُهُ فَوَاتُ سُنَّةِ الِاسْتِنْشَاقِ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَدْ يُقَالُ بِعَدَمِ الْفَوَاتِ كَمَا قَالَ: لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلُ مَسْحِهَا أَنَّهُ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَزِيَادَةٌ اهـ. طُوخِيٌّ. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ لَا اسْتِنْشَاقًا كَامِلًا. اهـ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الصَّائِمُ) وَكَذَا الْمُلْحَقُ بِهِ كَالْمُمْسِكِ لِتَرْكِ النِّيَّةِ عَلَى الْأَوْجَهِ. اهـ اج. قَوْلُهُ: (مِنْ الْإِنْزَالِ) أَيْ مَثَلًا أَيْ أَوْ الْجِمَاعِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْإِنْزَالِ أَنَّهُ مُفْطِرٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَأَمَّا الْوَطْءُ فَالْإِفْطَارُ بِهِ مُخْتَلِفٌ، فَالْمَفْعُولُ بِهِ بِدُخُولِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ وَالْفَاعِلُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ جَمِيعِهَا، فَفِي مَفْهُومِ الْإِنْزَالِ تَفْصِيلٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى مَنْ قَيَّدَ بِذَلِكَ اهـ. طُوخِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُبَالَغَةِ فِيمَا ذُكِرَ) فَإِنَّهَا مَطْلُوبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ لِغَيْرِ الصَّائِمِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا ثَلَاثًا) جَعَلَ هَذِهِ مِنْ كَيْفِيَّاتِ الْوَصْلِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِلْغَرْفَةِ اهـ. ع ش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وَفِي الْفَصْلِ كَيْفِيَّتَانِ أَفْضَلُهُمَا يَتَمَضْمَضُ بِغَرْفَةٍ ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأُخْرَى ثَلَاثًا. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، وَهَذِهِ أَنْظَفُ الْكَيْفِيَّاتِ وَأَضْعَفُهَا، وَالسُّنَّةُ تَتَأَدَّى بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْهَا. فَائِدَةٌ: فِي الْغَرْفَةِ لُغَتَانِ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ فَإِنْ جُمِعَتْ عَلَى لُغَةِ الْفَتْحِ تَعَيَّنَ فَتْحُ الرَّاءِ وَإِنْ جُمِعَتْ عَلَى لُغَةِ الضَّمِّ جَازَ إسْكَانُ الرَّاءِ وَضَمُّهَا وَفَتْحُهَا فَتَلَخَّصَ فِي غَرَفَاتٍ أَرْبَعُ لُغَاتٍ. (وَ) الْخَامِسَةُ (مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَالسُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّتِهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عُلُوَّ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيَلْصَقُ سَبَّابَتَهُ بِالْأُخْرَى، وَإِبْهَامَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ ثُمَّ يَذْهَبُ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ إنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ يَنْقَلِبُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الذَّهَابُ وَالرَّدُّ مَسْحَةً وَاحِدَةً لِعَدَمِ تَمَامِ الْمَسْحَةِ بِالذَّهَابِ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَلِبْ شَعْرُهُ لِضَفْرِهِ أَوْ لِقِصَرِهِ أَوْ عَدَمِهِ لَمْ يَرُدَّ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَإِنْ رَدَّهُمَا لَمْ تُحْسَبْ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُشْكِلٌ بِمَنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَاوِيًا رَفْعَ الْحَدَثِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَهُوَ مُنْغَمِسٌ، ثُمَّ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ فِي حَالِ انْغِمَاسِهِ فَإِنَّ حَدَثَهُ يَرْتَفِعُ ثَانِيًا؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ مَاءَ الْمَسْحِ تَافِهٌ فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ كَقُوَّةِ هَذَا، وَلِذَلِكَ لَوْ أَعَادَ مَاءَ غَسْلِ الذِّرَاعِ مَثَلًا ثَانِيًا لَمْ يُحْسَبْ لَهُ غَسْلَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ تَافِهٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَاءِ الِانْغِمَاسِ. تَنْبِيهٌ: إذَا مَسَحَ كُلَّ رَأْسِهِ هَلْ يَقَعُ كُلُّهُ فَرْضًا أَوْ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَالْبَاقِي سُنَّةٌ؟ . وَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ، وَإِخْرَاجِ الْبَعِيرِ عَنْ خَمْسٍ فِي الزَّكَاةِ، وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي كُتُبِهِمَا فِي التَّرْجِيحِ فِي ذَلِكَ، وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْعُبَابِ أَنَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فِي الرَّأْسِ فَرْضٌ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ مَا أَمْكَنَ فِيهِ التَّجَزُّؤُ كَالرُّكُوعِ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُمْكِنْ كَبَعِيرِ الزَّكَاةِ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ نَحْوُ عِمَامَةٍ كَخِمَارٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَلَمْ يُرِدْ رَفْعَ ذَلِكَ كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَبِسَهَا عَلَى حَدَثٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (كَيْفِيَّتَانِ) بَلْ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ إلَخْ) وَبَقِيَ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْتَنْشِقَ بِأُخْرَى، وَهَكَذَا فَهِيَ سِتُّ كَيْفِيَّاتٍ. قَوْلُهُ: (وَأَضْعَفُهَا) أَيْ فِي الثَّوَابِ. قَوْلُهُ: (فَتْحُ الرَّاءِ) أَيْ وَالْغَيْنُ كَسَجْدَةٍ وَسَجَدَاتٍ. قَوْلُهُ: (مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا زَادَ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ مَسْحَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَرْضٌ. قَوْلُهُ: (لِلِاتِّبَاعِ) أَيْ لِلْأَمْرِ بِالِاتِّبَاعِ؛ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ فِعْلُنَا وَهُوَ لَا يَكُونُ دَلِيلًا. وَقَوْلُهُ: (وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) أَيْ وَهُوَ الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (لِضَفْرِهِ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ. قَوْلُهُ: (صَارَ مُسْتَعْمَلًا) لِاسْتِعْمَالِهِ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ مَسْحُ الْبَعْضِ الْوَاجِبِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَرْدِيدَ مَاءِ الْمَرَّةِ الْأُولَى فِي سَائِرِ الطَّهَارَاتِ لَا يَحْصُلُ بِهِ تَثْلِيثٌ لِاسْتِعْمَالِهِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ أَيْ: إذَا رَدَّدَهَا يَحْصُلُ التَّثْلِيثُ بِتَرَدُّدِهَا ق ل. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ عَدَمُ الْحُسْبَانِ مَعَ تَعْلِيلِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ تَافِهٌ) أَيْ يَسِيرٌ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ التَّافِهُ الْحَقِيرُ الْيَسِيرُ وَبَابُهُ طَرِبٌ. اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ وَلِذَلِكَ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَلِذَلِكَ وَأَعَادَهُ لِأَجْلِ التَّوْضِيحِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ. قَوْلُهُ: (بِالنِّسْبَةِ إلَى مَاءِ الِانْغِمَاسِ) وَلِذَلِكَ لَوْ تَحَرَّكَ الْمُنْغَمِسُ فِي الْمَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَصَلَ لَهُ التَّثْلِيثُ لِتَوَقُّفِ الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِهِ عَلَى انْفِصَالِهِ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ مَسْحُ كُلِّ الرَّأْسِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ) أَيْ تَجَزُّؤُهُ. قَوْلُهُ: (كَبَعِيرِ الزَّكَاةِ) فِيهِ نَظَرٌ بِمَا قَالُوهُ فِي تَجَزُّؤِ بَعِيرِ الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ بَعِيرَ الزَّكَاةِ قِيلَ: إنَّهُ أَصْلٌ، وَقِيلَ هُوَ بَدَلٌ عَنْ الشَّاةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ اهـ. ق ل. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَجَزُّؤُهُ فِي الزَّكَاةِ. قَوْلُهُ: (وَقَلَنْسُوَةٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَهِيَ عِرْقِيَّةٌ مُحَشِّيَةٌ بِقُطْنٍ تُوضَعُ فَوْقَ الرَّأْسِ وَقِيلَ الْمُجَوِّزَةُ. قَوْلُهُ: (كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا) بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ. أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ نَحْوُ دَمِ بَرَاغِيثَ مِنْ نَجَاسَةٍ مَعْفُوٍّ عَنْهَا. الثَّانِي: أَنْ لَا يَمْسَحَ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 عِمَامَتِهِ» ، وَسَوَاءٌ أَعَسُرَ تَنْحِيَتُهَا أَمْ لَا. وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ كَمَّلَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَنَحْوِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ. (وَ) السَّادِسَةُ (مَسْحُ) جَمِيعِ (أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ) ، «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ فِي وُضُوئِهِ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا، وَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ» وَيَأْخُذُ لِصِمَاخَيْهِ أَيْضًا مَاءً جَدِيدًا. وَكَيْفِيَّةُ الْمَسْحِ أَنْ يُدْخِلَ مُسَبِّحَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِ وَيُدِيرَهُمَا فِي الْمَعَاطِفِ، وَيُمِرَّ إبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ ثُمَّ يُلْصِقَ كَفَّيْهِ وَهُمَا مَبْلُولَتَانِ بِالْأُذُنَيْنِ اسْتِظْهَارًا. وَالصِّمَاخُ بِكَسْرِ الصَّادِ وَيُقَالُ بِالسِّينِ هُوَ خَرْقُ الْأُذُنِ، وَتَأْخِيرُ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ عَنْ الرَّأْسِ مُسْتَحَقٌّ كَمَا هُوَ   [حاشية البجيرمي] الْعِمَامَةِ مَا حَاذَى الْقَدْرَ الْمَمْسُوحَ مِنْ الرَّأْسِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَرْفَعَ يَدَهُ عَنْ رَأْسِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَوْ رَفَعَهَا ثُمَّ رَدَّهَا صَارَ مُسْتَعْمِلًا. الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ عَاصِيًا بِاللُّبْسِ لِذَاتِهِ كَأَنْ لَبِسَهَا مُحْرِمٌ لَا لِعُذْرٍ بِخِلَافِهِ لِعَارِضٍ كَغَاصِبٍ. الْخَامِسُ: أَنْ يَبْدَأَ بِمَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: وَكَمَّلَ عَلَى عِمَامَتِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى الْعِمَامَةِ طَيْلَسَانُ كَفَى الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَلَا يُنَافِي الْجُرْمُوقَ حَيْثُ لَمْ يَكْفِ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَى إذَا كَانَا قَوِيَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ بَدَّلَ عَنْ وَاجِبٍ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَلَوْ كَانَتْ الْعِمَامَةُ مَسْرُوقَةً أَوْ مَغْصُوبَةً كَفَى الْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْخُفِّ الْمَسْرُوقِ أَوْ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ اللُّبْسِ لِعَارِضٍ وَهُوَ كَوْنُهُ مِلْكًا لِلْغَيْرِ. قَالَ الْحِفْنِيُّ: وَأَمَّا اشْتِرَاطُ بَعْضِهِمْ أَنْ لَا يَمْسَحَ مِنْ الْعِمَامَةِ مَا قَابَلَ الْجُزْءَ مِنْ الرَّأْسِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ حَقِيقَةَ الِاشْتِرَاطِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَأْدِيَةِ السُّنَّةِ لَا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مَسْحُهُ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ م ر اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَمَسْحُ جَمِيعِ أُذُنَيْهِ) بِضَمِّ الذَّالِ أَفْصَحُ مِنْ إسْكَانِهَا، قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: لَا مَسْحُ الرَّقَبَةِ فَلَا يُسَنُّ قَالَ النَّوَوِيُّ: بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ. قَالَ: وَأَمَّا خَبَرُ «مَسْحِ الرَّقَبَةِ أَمَانٌ مِنْ الْغُلِّ» فَمَوْضُوعٌ وَالْغُلُّ بِضَمِّ الْغَيْنِ هُوَ الطَّوْقُ الَّذِي يُجْعَلُ فِي الْعُنُقِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ وَبِالْكَسْرِ مَعْنَاهُ الْحِقْدُ، وَأَثَرُ ابْنِ عُمَرَ مَنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عُنُقَهُ وُقِيَ الْغُلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. اهـ اج. قَوْلُهُ: (ظَاهِرَهُمَا) أَيْ وَهُوَ مَا يَلِي الرَّأْسَ وَبَاطِنَهُمَا وَهُوَ مَا يَلِي الْوَجْهَ؛ لِأَنَّ الْأُذُنَ كَانَتْ مَطْبُوقَةً كَالْبَيْضَةِ، فَلِهَذَا كَانَ مَا يَلِي الْوَجْهَ هُوَ الْبَاطِنُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَسْتُورًا. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: وَهَلْ تَعْمِيمُ الْأُذُنَيْنِ شَرْطٌ لِكَمَالِ السُّنَّةِ حَتَّى لَوْ مَسَحَ الْبَعْضَ فَقَطْ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ أَوْ لِأَصْلِهَا فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ الْأَوْجَهَ الْأَوَّلُ كَذَا فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ. قَوْلُهُ: (بِمَاءٍ جَدِيدٍ) أَيْ غَيْرِ مَاءِ بَلَلِ الرَّأْسِ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَيْ لِكُلٍّ مِنْ الْأُذُنَيْنِ وَالصِّمَاخَيْنِ، فَإِنَّ الصِّمَاخَ مِنْ الْأُذُنِ كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ مِنْ الْوَجْهِ س ل. قَوْلُهُ: (وَيَأْخُذُ لِصِمَاخَيْهِ) كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ الصِّمَاخَيْنِ دَاخِلَانِ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا، وَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بَعْدَ الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ يَبُلُّ سَبَّابَتَيْهِ وَيُدْخِلُهُمَا فِي صِمَاخَيْهِ، فَهَذَا مَاءٌ غَيْرُ مَاءِ الْأُذُنَيْنِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَأْخُذُ لِصِمَاخَيْهِ إنْ لَمْ يَمْسَحْهُمَا مَعَ الْأُذُنَيْنِ وَهِيَ كَيْفِيَّةٌ أُخْرَى، وَغَيْرُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ، وَقَوْلُهُ: (وَكَيْفِيَّةُ الْمَسْحِ) أَيْ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ مَعَ الصِّمَاخَيْنِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مَاءً جَدِيدًا) أَيْ غَيْرَ مَاءِ الْأُذُنَيْنِ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ طَهُورٌ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَكْمَلُ لَا أَصْلُ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِمَاءِ الْأُذُنَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُدْخِلَ مُسَبِّحَتَيْهِ) أَيْ رَأْسَهُمَا وَالْمُسَبِّحَةُ هِيَ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ التَّسْبِيحِ أَيْ التَّنْزِيهِ وَتُسَمَّى السَّبَّابَةُ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ السَّبِّ وَالْمُخَاصَمَةِ وَتُسَمَّى الشَّاهِدُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ. فَائِدَةٌ: «كَانَتْ سَبَّابَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْوَلَ مِنْ الْوُسْطَى، وَالْوُسْطَى أَطْوَلَ مِنْ الْبِنْصِرِ، وَالْبِنْصِرُ أَطْوَلَ مِنْ الْخِنْصَرِ» اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَلْصَقُ كَفَّيْهِ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ مَسْحِهِمَا بَلْ هُوَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ اسْتِظْهَارًا، وَيُسَنُّ غَسْلُهُمَا ثَلَاثًا مَعَ الْوَجْهِ لِمَا قِيلَ إنَّهُمَا مِنْهُ، وَمَسْحُهُمَا مَعَ الرَّأْسِ ثَلَاثًا لِمَا قِيلَ إنَّهُمَا مِنْهُ وَثَلَاثًا اسْتِقْلَالًا وَثَلَاثًا اسْتِظْهَارًا، فَجُمْلَةُ مَا فِيهِمَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَرَّةً، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ الْأُذُنَيْنِ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ ق ل. قَوْلُهُ: (اسْتِظْهَارًا) أَيْ طَلَبًا لِظُهُورِ الْمَسْحِ لِلْكُلِّ اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَالصِّمَاخُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ بِكَسْرِ الصَّادِ إلَخْ. عَلَى نُسْخَةٍ وَهُوَ خَرْقٌ بِالْوَاوِ، وَأَمَّا عَلَى نُسْخَةٍ هُوَ خَرْقٌ بِلَا وَاوٍ، فَالْخَبَرُ هُوَ قَوْلُهُ هُوَ خَرْقُ الْأُذُنِ قَوْلُهُ: (وَتَأْخِيرُ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ عَنْ الرَّأْسِ مُسْتَحَقٌّ) فَلَوْ قَدَّمَ لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 الْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ أَخَذَ بِأَصَابِعِهِ مَاءً لِرَأْسِهِ فَلَمْ يَمْسَحْهُ بِمَاءِ بَعْضِهَا وَمَسَحَ بِهِ الْأُذُنَيْنِ كَفَى؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ جَدِيدٌ. فَائِدَةٌ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي نَهْرًا يُقَالُ لَهُ الْكَوْثَرُ فِي الْجَنَّةِ لَا يُدْخِلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ إلَّا سَمِعَ خَرِيرَ ذَلِكَ النَّهْرِ. قَالَتْ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَدْخِلِي أُصْبُعَيْك فِي أُذُنَيْك وَسُدِّي فَاَلَّذِي تَسْمَعِينَ فِيهِمَا مِنْ خَرِيرِ الْكَوْثَرِ» وَهَذَا النَّهْرُ يَتَشَعَّبُ مِنْهُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [حاشية البجيرمي] يَكْفِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِحْبَابَ مَسْحِهِمَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِاسْتِيعَابِ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَمَنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مُتَمَسِّكًا بِذِكْرِ ذَلِكَ عَقِبَ مَسْحِ كُلِّهَا فَقَدْ وَهَمَ م ر. قَوْلُهُ: (مَاءً لِرَأْسِهِ) وَصَوَّرُوهُ بِأَنَّهُ بَلَّ أَصَابِعَهُ لِمَسْحِ رَأْسِهِ، فَعَنَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَهُ بِبَعْضِ الْأَصَابِعِ وَتَرَكَ بَعْضَهَا لِلْأُذُنَيْنِ فَيَكْفِي؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ جَدِيدٌ. قَوْلُهُ: (خَرِيرَ ذَلِكَ النَّهْرِ) أَيْ مِثْلَ صَوْتِ خَرِيرِ الْكَوْثَرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا حَاجَةَ لِجَعْلِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. قَوْلُهُ: (وَكَيْفَ ذَلِكَ) أَيْ الْإِدْخَالُ أَيْ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ يَكُونُ هَلْ مَعَ السَّدِّ أَوْ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ كَيْفَ لِلْأَحْوَالِ. قَوْلُهُ: (أَدْخِلِي أُصْبُعَيْك) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ. وَقَوْلُهُ: (وَسُدِّي) أَيْ أُذُنَيْك بِأَنْ تُبَالِغِي فِي إدْخَالِ أُصْبُعَيْك فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِنَبِيِّنَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْخَصَائِصِ وَشَرْحُهَا لِلْمُنَاوِيِّ وَخُصَّ بِالْكَوْثَرِ أَيْ بِنَهْرِهِ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] وَلِخَبَرِ أَبِي نُعَيْمٍ وَغَيْرِهِ: «أُوتِيتُ الْكَوْثَرَ آنِيَتُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ» زَادَ أَبُو سَعِيدٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَابْنُ سُرَاقَةَ: وَبِالْحَوْضِ. قُلْتُ لَكِنْ يَرُدُّهُ مَا وَرَدَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا. «إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا: «إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى حَوْضِهِ بِيَدِهِ عَصًا يَدْعُو مَنْ عَرَفَهُ مِنْ أُمَّتِهِ، أَلَا، وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ تَبَعًا، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَبَعًا» وَفِي حَدِيثٍ فِي خَصَائِصِهِ «، وَإِنَّ حَوْضَهُ أَعْرَضُ الْحِيَاضِ» أَيْ حِيَاضِ الْأَنْبِيَاءِ " وَأَكْثَرُهَا وُرَّادًا ". قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَوْلُ الْبَكْرِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْوَاسِطِيِّ: لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضٌ إلَّا صَالِحًا، فَإِنَّ حَوْضَهُ ضَرْعُ نَاقَتِهِ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْ يَشْهَدُ لَهُ. اهـ. فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَرِيحًا أَنَّ الْحَوْضَ لَيْسَ مِنْ الْخَصَائِصِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُخْتَصُّ بِنَبِيِّنَا الْكَوْثَرُ الَّذِي يُصَبُّ مِنْ مَائِهِ فِي حَوْضِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ نَظِيرُهُ لِغَيْرِهِ، وَأَنَّ حَوْضَهُ أَكْبَرُ الْحِيضَانِ، وَأَكْثَرُ وُرَّادًا، وَأَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا. قَالَ الْقَابِسِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْحَوْضَ قَبْلَ الْمِيزَانِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْكَشْفِ: حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْحَوْضَ بَعْدَ الصِّرَاطِ وَهُوَ غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ عِطَاشًا فَنَاسَبَ تَقْدِيمُهُ، وَخَالَفَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهُ بَعْدَ الْحِسَابِ وَالنَّجَاةِ مِنْ النَّارِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ وَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ فِيهِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَيْفَ يَعُودُ لِلْحِسَابِ أَوْ يَذُوقُ نَكَالَ الْعَذَابِ؟ . فَالْقَوْلُ بِهِ أَوْهَى مِنْ السَّرَابِ. وَقَالَ فِي تَذْكِرَتِهِ: ذَهَبَ صَاحِبُ الْقُوتِ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ الْحَوْضَ يَكُونُ بَعْدَ الصِّرَاطِ وَعَكَسَ آخَرُونَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ حَوْضَيْنِ. أَحَدُهُمَا فِي الْمَوْقِفِ قَبْلَ الصِّرَاطِ، وَالْآخَرُ جَنْبَ الْجَنَّةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى كَوْثَرًا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَوْثَرَ نَهْرٌ دَاخِلُ الْجَنَّةِ كَمَا فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ: «الْكَوْثَرُ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ تُرَابُهُ مِسْكٌ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ، تَرِدُهُ طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا مِثْلُ أَعْنَاقِ الْجَزُورِ آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا» وَهَذَا النَّهْرُ هُوَ الَّذِي يَصُبُّ فِي الْحَوْضِ فَهُوَ مَادَّةُ الْحَوْضِ كَمَا جَاءَ صَرِيحًا فِي الْبُخَارِيِّ فَلِذَا سُمِّيَ الْحَوْضُ كَوْثَرًا؛ لِأَنَّ مَاءَهُ مِنْهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] هُوَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ عُمْقُهُ سَبْعُونَ أَلْفَ فَرْسَخٍ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ، شَاطِئَاهُ مِنْ اللُّؤْلُؤِ أَوْ الزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ، خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ قَبْلَ الْأَنْبِيَاءِ. وَمَا ذُكِرَ فِي عُمْقِهِ قَدْ يُخَالِفُ مَا أَخْرَجَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا وَعَلَى مُحِبِّينَا بِالشُّرْبِ مِنْهُ، فَإِنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا. (وَ) السَّابِعَةُ (تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ) وَكُلُّ شَعْرٍ يَكْفِي غَسْلُ ظَاهِرِهِ بِالْأَصَابِعِ مِنْ أَسْفَلِهِ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ الْكَرِيمَةَ» ؛ وَلِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» أَمَّا مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ ذَلِكَ كَالْخَفِيفِ وَالْكَثِيفِ الَّذِي فِي حَدِّ الْوَجْهِ مِنْ لِحْيَةِ غَيْرِ الرَّجُلِ وَعَارِضَيْهِ، فَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَمَنَابِتِهِ بِتَخْلِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي سَنِّ التَّخْلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي خَادِمِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي، لَكِنَّ الْمُحْرِمَ يُخَلِّلُ بِرِفْقٍ لِئَلَّا يَتَسَاقَطَ مِنْهُ شَعْرٌ كَمَا قَالُوهُ فِي تَخْلِيلِ شَعْرِ الْمَيِّتِ.   [حاشية البجيرمي] ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ سِمَاكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ لِابْنِ عَبَّاسٍ: «فَمَا أَنْهَارُ الْجَنَّةِ فِي أُخْدُودٍ؟ قَالَ: لَا، لَكِنَّهَا تَجْرِي عَلَى أَرْضِهَا مُسْتَمْسِكَةً لَا تَفِيضُ هَهُنَا وَلَا هَهُنَا» . وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي أُخْدُودٍ كَالْجَدَاوِلِ وَمَجَارِي الْأَنْهَارِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ، بَلْ سَائِحَةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَعَ عِظَمِهَا وَارْتِفَاعِ حَافَّاتِهَا، فَلَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ فِي عُمْقِهَا. قَالَ الْقَاضِي: الْحَوْضُ عَلَى ظَاهِرِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَحَدِيثُهُ مُتَوَاتِرٌ فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، وَتَرَدَّدَ الْبَعْضُ فِي تَكْفِيرِ مُنْكَرِهِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِنَبِيِّنَا، الْمُخْتَصُّ بِنَبِيِّنَا إنَّمَا هُوَ الْحَوْضُ الَّذِي بِجَنْبِ الْجَنَّةِ النَّازِلِ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ الْكَوْثَرِ، وَإِلَّا فَكُلُّ نَبِيٍّ لَهُ حَوْضٌ. قَوْلُهُ: (نَسْأَلُ اللَّهَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي حَوْضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي هُوَ خَارِجُ الْجَنَّةِ الَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَوْ قَبْلَ النَّارِ، فَذَكَرَهُ فِي الْكَوْثَرِ الَّذِي هُوَ فِي الْجَنَّةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ ظَمَأٌ. اهـ. ق ل: وَأُجِيبَ: بِأَنَّ مَاءَ الْحَوْضِ مِنْ مَاءِ الْكَوْثَرِ؛ لِأَنَّ لَهُ مِيزَانًا مُتَّصِلًا بِالْكَوْثَرِ يَصُبُّ فِي الْحَوْضِ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْ الْحَوْضِ فَقَدْ شَرِبَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الْكَوْثَرِ، فَقَوْلُهُ: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَاءِ الْمَصْبُوبِ مِنْهُ فِي الْحَوْضِ. أَوْ يُقَالُ: أَرَادَ بِالشُّرْبِ لَازِمَهُ وَهُوَ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَهُوَ لَا يَظْمَأُ بَعْدَ تِلْكَ الشَّرْبَةِ. اهـ اج قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ: الْمُرَادُ بِالْكَوْثَرِ الْحَوْضُ، وَعِبَارَتُهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: هُوَ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي وَهُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي آنِيَتُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ» . وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: يُطْلَقُ عَلَى الْحَوْضِ كَوْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَمُدُّ مِنْهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَوْضَ بَعْدَ الصِّرَاطِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الصِّرَاطِ لَحَالَتْ النَّارُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ الَّذِي يَنْصَبُّ فِيهِ مِنْ الْكَوْثَرِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَوْضَ إذَا كَانَ عِنْدَ الْجَنَّةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الشُّرْبِ مِنْهُ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُمْ يُحْبَسُونَ هُنَاكَ لِأَجْلِ الْمَظَالِمِ الَّتِي بَيْنَهُمْ حَتَّى يَتَحَالَوْا مِنْهَا، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِمَوْقِفِ الْقِصَاصِ أَيْ يُسَامِحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقِيلَ: لَهُ حَوْضَانِ حَوْضٌ قَبْلَ الصِّرَاطِ وَحَوْضٌ بَعْدَهُ. اهـ. شَرْحُ الْجَوْهَرَةِ لِلْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ إلَخْ) أَيْ إلَّا الْمُحْرِمَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُخَلِّلُ بِرِفْقٍ م ر. وَيُفَارِقُ سَنَّ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لِلصَّائِمِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُؤَدِّي لِلْوُصُولِ لِلْجَوْفِ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيلَ أَقْرَبُ لِنَتْفِ الشَّعْرِ اهـ. سم ع ش. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ شَعْرٍ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. قَوْلُهُ: (بِالْأَصَابِعِ) أَيْ مِنْ الْيَدِ الْيُمْنَى. قَوْلُهُ: (مِنْ أَسْفَلِهِ) الْأَوْلَى مِنْ أَسْفَلِهَا. إذْ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ مُؤَنَّثٌ وَهِيَ اللِّحْيَةُ ق ل. وَأَقُولُ: بَلْ الْأَوْلَى التَّذْكِيرُ إذْ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ مُذَكَّرٌ وَهُوَ الشَّعْرُ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ. اهـ اج. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ أَسْفَلِهِ أَيْ عَلَى الْأَفْضَلِ، وَيَحْصُلُ بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ كَانَتْ، وَكَذَا يُقَالُ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: «أَمَرَنِي رَبِّي» أَيْ أَمْرَ نَدْبٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ لِحْيَةِ غَيْرِ الرَّجُلِ) الْأَوْلَى مِنْ غَيْرِ لِحْيَةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَشْمَلُ غَيْرَ اللِّحْيَةِ وَالْعَارِضَيْنِ مِنْ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ الدَّاخِلِ فِي حَدِّ الْوَجْهِ وَلَوْ مِنْ الرَّجُلِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) هُوَ رَأْيٌ ضَعِيفٌ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَ م ر، وَتَبِعَهُ ز ي عَدَمُ التَّخَيُّلِ لِلْمُحْرِمِ. اهـ اج، وَبَعْدَ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ التَّخْلِيلُ مَكْرُوهًا أَوْ حَرَامًا؟ . فِيهِ تَفْصِيلٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 (وَ) مِنْ السَّابِعَةِ (تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ) أَيْضًا لِخَبَرِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ. وَالتَّخْلِيلُ فِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ بِالتَّشْبِيكِ بَيْنَهُمَا، فِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُسْرَى، وَيُخَلِّلُ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى أَوْ الْيُمْنَى، كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ أَسْفَلِ الرِّجْلَيْنِ. وَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَاجِبٌ بِتَخْلِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا كَانَتْ مُلْتَفَّةً لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهَا إلَّا بِالتَّخْلِيلِ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مُلْتَحِمَةً لَمْ يَجُزْ فَتْقُهَا، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ النَّوَوِيُّ وَلَا غَيْرُهُ إلَى تَثْلِيثِ التَّخْلِيلِ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَنَّهُ «تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ بَيْنَ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَمَا فَعَلْت» . وَمُقْتَضَى هَذَا اسْتِحْبَابُ تَثْلِيثِ التَّخْلِيلِ. انْتَهَى وَهَذَا ظَاهِرٌ. (وَ) الثَّامِنَةُ (تَقْدِيمُ) غَسْلِ (الْيُمْنَى عَلَى) غَسْلِ (الْيُسْرَى) مِنْ كُلِّ عُضْوَيْنِ لَا يُسَنُّ غَسْلُهُمَا مَعًا كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِخَبَرِ: «، وَإِذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» رَوَاهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحِهِمَا، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ   [حاشية البجيرمي] وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَدَّى إلَى تَسَاقُطِ شَعْرِهِ حَرُمَ وَلَزِمَتْهُ فِدْيَةٌ، وَإِلَّا كُرِهَ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ السَّابِعَةِ إلَخْ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَدَّ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ وَالْأَصَابِعِ وَاحِدًا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: عَشْرَةُ أَشْيَاءَ، وسم جَعَلَهُمَا اثْنَيْنِ لَكِنَّهُ عَدَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَاحِدًا فَتَأَمَّلْ. وَمَا صَنَعَهُ الشَّارِحُ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (أَصَابِعِ) جَمْعُ أُصْبُعٍ وَفِيهِ عَشْرُ لُغَاتٍ كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَضَمُّهَا وَفَتْحُهَا مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَالْعَاشِرَةُ أُصْبُوعٌ وَأَفْصَحُهَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الْغَزِّيِّ وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ بِأُصْبُعٍ ثُلِّثْنَ مَعَ مِيمِ أُنْمُلَةٍ ... وَثَلِّثْ الْهَمْزَ أَيْضًا وَارْوِ أُصْبُوعًا. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ لَقِيطِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَهَا طَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَصَبِرَةُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْبَاءِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَكَسَرَهَا الْعُقَيْلِيُّ الصَّحَابِيِّ وَلَفْظُ الْخَبَرِ: «أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ» اهـ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ الْإِتْيَانُ بِهِ تَامًّا بِمَنْدُوبَاتِهِ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إذَا تَوَضَّأْت فَخَلِّلْ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْك وَرِجْلَيْك» اهـ. رَحْمَانِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (بِالتَّشْبِيكِ) أَيْ الْأَكْمَلُ فِيهِ ذَلِكَ، وَلَا يُنَافِي كَرَاهَةَ التَّشْبِيكِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا فِيمَنْ بِالْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ بِالتَّشْبِيكِ أَيْ بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ وَقَعَ سَوَاءٌ أَجَعَلَ بَطْنًا لِبَطْنٍ أَمْ بَطْنًا لِظَهْرٍ، لَكِنَّ الْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ فِي تَخْلِيلِ الْيَدِ الْيُمْنَى أَنْ يَجْعَلَ بَطْنَ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ الْيُمْنَى، وَفِي تَخْلِيلِ الْيَدِ الْيُسْرَى بِالْعَكْسِ خُرُوجًا مِنْ فِعْلِ الْعِبَادَةِ عَلَى صُورَةِ الْعَادَةِ فِي التَّشْبِيكِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ مَحَلُّ الصَّلَاةِ وَلَوْ مَدْرَسَةً تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ أَوْ غَيْرُهَا كَمَا فِي اج. قَوْلُهُ: (يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ) أَيْ الْأَكْمَلُ فِيهِ ذَلِكَ شَوْبَرِيٌّ، فَيَكُونُ التَّخْلِيلُ بِخِنْصَرٍ مِنْ خِنْصَرٍ إلَى خِنْصَرٍ أَيْ: فَيَكُونُ التَّخْلِيلُ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى، وَيَبْدَأُ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى. قَوْلُهُ: (أَوْ الْيُمْنَى) ضَعِيفٌ أَوْ مُرَادُهُ عِنْدَ فَقْدِ الْيُسْرَى. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ فَتْقُهَا) أَيْ إنْ لَزِمَ عَلَيْهِ مَحْذُورٌ تَيَمَّمَ. قَوْلُهُ: (قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلَخْ) وَفِي كَوْنِهِمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، إذْ قَوْلُهُمْ وَالطَّهَارَةُ ثَلَاثًا. وَقَوْلُ الْبَهْجَةِ وَثَلِّثْ الْكُلَّ بَعْدَ ذِكْرِ التَّخْلِيلِ وَغَيْرُهُ صَرِيحٌ فِي تَثْلِيثِهِ وَسَائِرِ عِبَارَاتِهِمْ كَذَلِكَ اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَقَالَ) أَيْ عُثْمَانُ رَأَيْت إلَخْ. وَأَتَى الشَّارِحُ بِذَلِكَ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى تَثْلِيثِ التَّخْلِيلِ إنَّمَا هُوَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بِفِعْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ فِعْلَ الصَّحَابِيِّ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِقَوْلِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ: كَيْفَ آخُذُ بِقَوْلِ مَنْ لَوْ عَاصَرَنِي وَحَاجَجَنِي لَحَجَجْته. قَوْلُهُ: (كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ بِالنَّظَرِ لِلسَّلِيمِ، أَمَّا نَحْوُ الْأَقْطَعِ فَالْكَافُ لِلتَّمْثِيلِ وَلَوْ عَكَسَ التَّرْتِيبَ أَوْ طُهْرَهُمَا مَعًا كُرِهَ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالرِّجْلَيْنِ) دَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ لَابِسَ خُفٍّ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَمْسَحُهُمَا مَعًا م ر. قَوْلُهُ: (كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ) هَذَا أَعَمُّ مِنْ الْمَدْلُولِ فَالْأَوْلَى دَلِيلٌ خَاصٌّ بِالْوُضُوءِ، وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 كُلِّهِ» أَيْ مِمَّا هُوَ لِلتَّكْرِيمِ كَالْغُسْلِ وَاللُّبْسِ وَالِاكْتِحَالِ وَالتَّقْلِيمِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَالسِّوَاكِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَتَحْلِيلِ الصَّلَاةِ وَمُفَارَقَةِ الْخَلَاءِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُصَافَحَةِ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ. وَالتَّيَاسُرَ فِي ضِدِّهِ، كَدُخُولِ الْخَلَاءِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَالِامْتِخَاطِ وَخَلْعِ اللِّبَاسِ، وَإِزَالَةِ الْقَذِرِ وَكَرِهَ عَكْسَهُ. أَمَّا مَا يُسَنُّ غَسْلُهُمَا مَعًا كَالْخَدَّيْنِ وَالْكَفَّيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ، فَلَا يُسَنُّ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى فِيهِمَا. نَعَمْ مَنْ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهَا ذَلِكَ كَأَنْ قُطِعَتْ إحْدَى يَدَيْهِ فَيُسَنُّ لَهُ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى. (وَ) التَّاسِعَةُ (الطَّهَارَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمَغْسُولُ وَالْمَمْسُوحُ وَالتَّخْلِيلُ الْمَفْرُوضُ وَالْمَنْدُوبُ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الثَّلِيثُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» .   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ) أَيْ فَيُقَدِّمُ الْيَمِينَ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَيَتَخَيَّرُ عِنْدَ دُخُولِهِ لِلْآخَرِ ابْنُ حَجَرٍ وَعَلَى قِيَاسِهِ يُقَدِّمُ الْيَسَارَ عِنْدَ خُرُوجِهِ. وَفَائِدَةٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ جُعِلَ الْمَسْجِدُ مَوْضِعَ مَكْسٍ مَثَلًا وَيُتَّجَهُ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى دُخُولًا وَالْيُسْرَى خُرُوجًا؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ذَاتِيَّةٌ فَيُقَدِّمُ عَلَى الِاسْتِقْذَارِ الْعَارِضِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ دَنِيءٍ إلَى مَكَان جَهِلَ أَنَّهُ دَنِيءٌ أَوْ شَرِيفٌ، فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الشَّرِيفِ. اهـ سم عَلَى الْبَهْجَةِ. قُلْت: بَقِيَ مَا لَوْ اُضْطُرَّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَهَلْ يُقَدِّمُ الْيَسَارَ لِمَوْضِعِ قَضَائِهَا أَوْ يَتَخَيَّرُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْحُرْمَةِ الذَّاتِيَّةِ؟ . فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ذَاتِيَّةٌ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَالتَّيَاسُرُ فِي ضِدِّهِ) تَبِعَ فِيهِ الْمَجْمُوعُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَا لَا تَكْرِمَةَ فِيهِ وَلَا خِسَّةَ يَكُونُ بِالْيَسَارِ وَهُوَ الرَّاجِحُ اهـ شَوْبَرِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِثَالًا لِمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَمَثَّلَ لِضِدِّهِ بِخَمْسَةِ أَمْثِلَةٍ، وَضِدُّ مَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ مَا لَا تَكْرِمَةَ فِيهِ وَلَا إهَانَةَ وَمَا فِيهِ إهَانَةٌ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَمْثِلَةِ الضِّدِّ مِنْ الَّذِي فِيهِ إهَانَةٌ وَمِثَالُ مَا لَا تَكْرِمَةَ فِيهِ وَلَا إهَانَةَ كَوَضْعِ مَتَاعٍ وَأَخْذِهِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ عَكْسُهُ) أَيْ تَقْدِيمُ الْيُسْرَى فِيمَا طُلِبَ فِيهِ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى كَأَنْ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى، فَلَوْ غَسَلَهُمَا مَعًا كُرِهَ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا مَرَّ. وَهَلْ يُكْرَهُ التَّيَمُّنُ فِي نَحْوِ خَدَّيْهِ مِمَّا يَطْهُرُ دَفْعَةً وَاحِدَةً قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ أَوْ يُفَرَّقَ بِوُرُودِ الْأَمْرِ بِالتَّيَمُّنِ، ثُمَّ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَعِيَّةُ هُنَا كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي اهـ. شَوْبَرِيٌّ. (أَمَّا مَا يُسَنُّ غَسْلُهُمَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تَطْهِيرُهُمَا بَدَلُ غَسْلِهِمَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُسَنُّ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى) وَلَوْ رَتَّبَ السَّلِيمَ فِيمَا ذُكِرَ فَهَلْ يُكْرَهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ سم. وَقَدْ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهُ يُكْرَهُ اهـ. مَرْحُومِيٌّ وَفِي الشَّوْبَرِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَا فِي قَوْلِهِ: أَمَّا مَا يُسَنُّ إلَخْ. بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْعُضْوَيْنِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ كَلَامُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِي غَسْلِهِمَا اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مَنْ بِهِ عِلَّةٌ) لَيْسَ قَيْدًا حَتَّى لَوْ كَانَ سَلِيمًا وَلَمْ يَتَأَتَّ لَهُ إلَّا بِالتَّرْتِيبِ كَأَنْ أَرَادَ غَسْلَ كَفَّيْهِ بِالصَّبِّ مِنْ إبْرِيقٍ فَيُتَّجَهُ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى. اهـ سم. قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ الْمَعِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ. قَوْلُهُ: (وَالطَّهَارَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) أَيْ تَثْلِيثُ الطَّهَارَةِ، وَلَوْ قَالَ وَالتَّثْلِيثُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ ق ل. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا قُيِّدَ بِالطَّهَارَةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا، فَقَدْ مَالَ ابْنُ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيُّ إلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ تَكْرَارِ غَيْرِ الطَّهَارَةِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ كَادْخُلُوا بَابًا بَابًا. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَسُئِلَ شَيْخُنَا عَمَّا لَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ مَرَّتَيْنِ هَلْ يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ أَمْ لَا. فَأَجَابَ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (الْمَغْسُولُ وَالْمَمْسُوحُ) وَلَوْ لِذِي سَلَسٍ عَلَى الْأَوْجَهِ ز ي؛ لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِالتَّثْلِيثِ لَا يُنَافِي الْمُوَالَاةَ. قَوْلُهُ: (الْمَفْرُوضُ وَالْمَنْدُوبُ) هُمَا صِفَتَانِ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُمَا. وَقَوْلُهُ: (الْمَفْرُوضُ) بِأَنْ كَانَ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَّا بِالتَّخْلِيلِ. قَوْلُهُ: (تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً إلَخْ) أَيْ تَوَضَّأَ فِي وَقْتٍ مَرَّةً مَرَّةً. وَفِي وَقْتٍ آخَرَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً أَيْ اقْتَصَرَ فِي كُلِّ عُضْوٍ عَلَى مَرَّةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ تَثْلِيثِ الْقَوْلِ كَالتَّسْمِيَةِ وَالتَّشَهُّدِ آخِرَ الْوُضُوءِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، فَقَدْ رَوَى التَّثْلِيثَ فِي الْقَوْلِ فِي التَّشَهُّدِ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَظَاهِرٌ أَنَّ غَيْرَ التَّشَهُّدِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ كَالتَّسْمِيَةِ مِثْلُهُ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَنَّهُ يُكْرَهُ تَثْلِيثُ مَسْحِ الْخُفِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالظَّاهِرُ إلْحَاقُ الْجَبِيرَةِ وَالْعِمَامَةِ إذَا كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهِمَا بِالْخُفِّ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ وَالنَّقْصُ عَنْهَا إلَّا لِعُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ صَحِيحٌ. قَالَ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ: فَمَنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ نَقَصَ عَنْهَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ فِي كُلٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ إسَاءَةً وَظُلْمًا وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. فَكَانَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبٌ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ فِي الزِّيَادَةِ إذَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (سَكَتَ إلَخْ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّهَارَةِ أَفْعَالُهَا، فَإِنْ أُرِيدَ مَا يُطْلَبُ فِي الطَّهَارَةِ شَمِلَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ ق ل. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالتَّكْرَارُ وَهِيَ أَوْلَى لِشُمُولِهَا لِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (كَالتَّسْمِيَةِ) وَكَذَا النِّيَّةُ الْوَاجِبَةُ وَالْمَنْدُوبَةُ، وَيَكُونُ مَا بَعْدَ الْأُولَى مُؤَكِّدًا لَهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَكْرَارِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالُوا: يَخْرُجُ بِالْأَشْفَاعِ وَيَدْخُلُ بِالْأَوْتَارِ بِأَنَّهُ عُهِدَ فِي الْوُضُوءِ فِعْلُ النِّيَّةِ بَعْدَ أَوَّلِهِ فِيمَا لَوْ فَرَّقَ النِّيَّةَ أَوْ عَرَضَ مَا يُبْطِلُهَا كَالرِّدَّةِ وَلَمْ يُعْهَدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ ع ش عَلَى م ر. وَفِيهِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ تَكْرِيرُ التَّكْبِيرِ لَا النِّيَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ التَّكْبِيرُ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ لَزِمَ مِنْ تَكْرَارِهِ تَكْرِيرُ النِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْقَوْلِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّثْلِيثِ. وَقَوْلُهُ فِي التَّشَهُّدِ مُتَعَلِّقٌ بِرُوِيَ أَيْ التَّشَهُّدُ آخِرُ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ إلْحَاقُ الْجَبِيرَةِ وَالْعِمَامَةِ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ نَدْبُ تَثْلِيثِهِمَا أَيْضًا. وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ خَضِرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالتَّثْلِيثُ، وَهَلْ يُثَلِّثُ الْجَبِيرَةَ وَالْعِمَامَةَ أَوْ لَا كَالْخُفِّ؟ . الْأَشْبَهُ نَعَمْ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا كُرِهَ فِيهِ مَخَافَةَ تَعْيِيبِهِ وَلَا كَذَلِكَ هُمَا. اهـ. قَوْلُهُ: (إلَّا لِعُذْرٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّقْصِ. وَقَوْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي أَيْ فِي كَلَامِهِ فِي قَوْلِهِ تَنْبِيهٌ قَدْ يُطْلَبُ تَرْكُ التَّثْلِيثِ. قَوْلُهُ: «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ.» قَالَ شَارِحُهُ: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كَانَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْعَالًا مُخْتَلِفَةً فِي أَحْوَالٍ شَتَّى هَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى طَرِيقَةِ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا بِدْعَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ فَإِنَّ مَنْ تَوَضَّأَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِوُضُوئِهِ صَلَاةً اهـ. خَضِرٌ. قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْأَحَادِيثِ أَنَّ سُنَّةَ التَّثْلِيثِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ فِي كُلِّ الْأَعْضَاءِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَثْلِيثِ مَا قَبْلَ الْعُضْوِ وَلَا مَا بَعْدَهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ حَتَّى وَلَوْ ثَلَّثَ فِي الْوَجْهِ دُونَ الْيَدَيْنِ حَصَلَتْ سُنَّةُ التَّثْلِيثِ فِيهِ دُونَهُمَا، وَبِالْعَكْسِ يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ فَلَا تَوَقُّفَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَأَنَّ الْغُسَالَةَ الثَّانِيَةَ مَطْلُوبَةٌ فِي حَدِّ ذَاتِهَا لَا تَوَقُّفَ لَهَا عَلَى مَا بَعْدَهَا مِنْ الثَّالِثَةِ فِي كُلِّ الْأَعْضَاءِ. اهـ. قَوْلُهُ: (هَكَذَا الْوُضُوءُ) أَيْ الْكَامِلُ. قَوْلُهُ: (وَظَلَمَ) عَطْفٌ مُرَادِفٌ. قَوْلُهُ: (فِي كُلٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ) وَقِيلَ أَسَاءَ فِي النَّقْصِ وَظَلَمَ فِي الزِّيَادَةِ إذْ الظُّلْمُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَقِيلَ عَكْسُهُ إذْ الظُّلْمُ مُفَسَّرٌ بِالنَّقْصِ أَيْضًا قَالَ تَعَالَى: {آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] أَيْ لَمْ تَنْقُصْ. قَوْلُهُ: (كَيْفَ يَكُونُ) أَيْ النَّقْصُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فَكَانَ) أَيْ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْحَالِ أَيْ حَالِ الْبَيَانِ. وَقَوْلُهُ: (أَفْضَلَ) بِالنَّصْبِ خَبَرُ كَانَ أَيْ أَفْضَلَ مِنْ التَّثْلِيثِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ق ل: وَهَذَا مُنَافٍ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَاجِبٌ فَتَأَمَّلْهُ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مُتَعَيِّنًا بَدَلَ قَوْلِهِ أَفْضَلَ، ثُمَّ رَأَيْت لِبَعْضِهِمْ مَا نَصُّهُ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاجِبَ يُوصَفُ بِكَوْنِهِ أَفْضَلَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ ثَوَابَهُ أَفْضَلُ مِنْ ثَوَابِ الْمَنْدُوبِ فَانْدَفَعَ التَّنَافِي الَّذِي ذَكَرَهُ ق ل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 أَتَى بِهَا عَلَى قَصْدِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ، أَيْ أَوْ أَطْلَقَ فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ مَعَ قَطْعِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَنْهَا لَمْ يُكْرَهْ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَمْلُوكٍ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ مَوْقُوفٍ عَلَى مَنْ يَتَطَهَّرُ بِهِ أَوْ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ كَالْمَدَارِسِ وَالرُّبَطِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهَا اهـ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُطْلَبُ تَرْكُ التَّثْلِيثِ كَأَنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهِ لَخَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّثْلِيثُ، أَوْ قَلَّ الْمَاءُ بِحَيْثُ لَا يَكْفِيهِ إلَّا لِلْفَرْضِ فَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهَا تُحْوِجُهُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي التُّحْفَةِ، أَوْ احْتَاجَ إلَى الْفَاضِلِ عَنْهُ لِعَطَشٍ بِأَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لِلشُّرْبِ لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ مَرَّةً مَرَّةً، وَلَوْ ثَلَّثَ لَمْ يَفْضُلْ لِلشُّرْبِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّثْلِيثُ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ فِي الْإِعْجَازِ، وَإِدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَثْلِيثِ الْوُضُوءِ وَسَائِرِ آدَابِهِ، وَلَا يُجْزِئُ تَعَدُّدٌ قَبْلَ تَمَامِ الْعُضْوِ نَعَمْ لَوْ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ ثَلَاثًا حَصَلَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَوْ مَعَ قَطْعِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ) عَطَفَهُ عَلَى نِيَّةِ التَّبَرُّدِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ إمَّا بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ التَّنَظُّفِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْعَلْقَمِيُّ: يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوُضُوءُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ الْفَسَاقِي فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ فِيهَا فَلَيْسَ فِيهِ إتْلَافُ طُوخِيٍّ. وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ، وَإِنْ رَجَعَتْ لِمَحَلِّهَا خِلَافًا لِلْعَلْقَمِيِّ. اهـ. لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إتْلَافٌ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ جُزْءٍ مِنْهَا فَلَا يَعُودُ الْكُلُّ إلَى مَحَلِّهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْحُرْمَةِ مَا لَوْ أَخَذَ غَرْفَةً كَبِيرَةً بِيَدِهِ بِحَيْثُ تَزِيدُ عَلَى غَسْلِ وَجْهِهِ مَثَلًا، وَيَنْزِلُ بَاقِيهَا عَلَى نَحْوِ مَلْبُوسِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهَا أَيْضًا، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ فِي قَدْرِ مَا يَعُمُّ عُضْوَهُ فَقَطْ، وَيَحْرُمُ أَيْضًا تَزْوِيدُ الدَّوَاةِ مَثَلًا وَبَلُّ الْقَرَاقِيشِ وَالِاسْتِنْجَاءُ فِي الْمِيضَأَةِ الْمَوْقُوفَةِ لِلْوُضُوءِ كَمِيضَأَةِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ،، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شَرْطَ الْوَاقِفِ فَيَرْجِعُ لِلْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمِيضَأَةَ لِلْوُضُوءِ وَالْمَغْطِسَ لِلْغُسْلِ وَبُيُوتَ الْأَخْلِيَةِ لِلِاسْتِنْجَاءِ، نَعَمْ إنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ لِلِاسْتِنْجَاءِ مِنْهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِبُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ مَاءٌ جَازَ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْوَاقِفَ عَمَّمَ الِانْتِفَاعَ حَتَّى بِغَيْرِ مَا أُعِدَّ لَهُ جَازَ، وَمِنْهُ صِهْرِيجُ قَايِتْبَايَ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ بِالْقُرْبِ مِنْ حَارَّةِ التُّرْكِ فَقَدْ قَرَّرَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ عَمَّمَ الِانْتِفَاعَ بِهِ حَتَّى تُغْسَلَ خِرَقُ الْحَيْضِ مِنْهُ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَكْفِي بَعْضَ السُّنَنِ هَلْ يَفْعَلُ مِنْهَا مَا أَرَادَ أَوْ يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ؟ أَوْ يَفْعَلُ مَا هُوَ أَحَقُّ بِالتَّنْظِيفِ كَمَا إذَا كَانَ فِي فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَذًى؟ . وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ يُقَدِّمُ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ، ثُمَّ مَا أُجْمِعَ عَلَى طَلَبِهِ ثُمَّ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ فَلْيُحَرَّرْ. وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَكْفِي تَثْلِيثَ عُضْوٍ وَاحِدٍ وَبَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً مَرَّةً فَهَلْ يَخُصُّ بِهِ الْوَجْهَ أَوْ يَغْسِلُهُ مَرَّتَيْنِ؟ . وَالْيَدَيْنِ كَذَلِكَ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ تَكْرِيرِ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى تَكْرِيرِ الْغَسْلِ فِي أَعْضَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِخِلَافِ التَّكْرِيرِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (فِي التُّحْفَةِ) مُرَادُهُ بِهِ شَرْحُ التَّنْبِيهِ لِلنَّوَوِيِّ الْمُسَمَّى بِالتُّحْفَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ (قَوْلُهُ وَلَوْ ثَلَّثَ لَمْ يَفْضُلْ) فَلَوْ ثَلَّثَ تَيَمَّمَ وَلَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ فِي غَرَضِ التَّثْلِيثِ وَكَذَا لَا يُعِيدُ لَوْ أَتْلَفَهُ بِلَا غَرَضٍ، وَإِنْ أَثِمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ بِحَضْرَةِ مَاءٍ مُطْلَقٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ الْآتِي فِي التَّيَمُّمِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَاءٌ. . . إلَخْ وَإِنْ أَتْلَفَهُ بَعْدَهُ لِغَرَضٍ كَتَبَرُّدٍ وَتَنْظِيفِ ثَوْبٍ فَلَا قَضَاءَ أَيْضًا، وَكَذَا لِغَيْرِ غَرَضٍ فِي الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ، لَكِنَّهُ آثِمٌ فِي الشِّقِّ الْأَخِيرِ اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَإِدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ) بِأَنْ لَا يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَخَرَجَ بِهِ إدْرَاكُ بَعْضِ الرَّكَعَاتِ أَوْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ق ل. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ وَقَدْ يُنْدَبُ تَرْكُهُ بِأَنْ خَافَ فَوْتَ جَمَاعَةٍ لَمْ يُرْجَ غَيْرُهَا. قَوْلُهُ: (وَسَائِرِ آدَابِهِ) مَا لَمْ يَقُلْ الْمُخَالِفُ وُجُوبَهَا كَمَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ: (تَعَدُّدُ) عَبَّرَ بِالتَّعَدُّدِ لِيَشْمَلَ التَّثْنِيَةَ وَالتَّثْلِيثَ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى التَّعَدُّدِ قَبْلَ تَمَامِ الْعُضْوِ. قَوْلُهُ: (لَوْ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ ثَلَاثًا) أَيْ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَأَمَّا لَوْ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ ثَلَاثًا فِي مَحَالَّ مُتَعَدِّدَةٍ، فَنُقِلَ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 التَّثْلِيثُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ تَثْلِيثُ الْمَمْسُوحِ شَامِلٌ لِذَلِكَ، وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فَمَحَلُّهُ فِي عُضْوٍ يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ بِالتَّطْهِيرِ وَلَا بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ، فَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَانِيًا وَثَالِثًا كَذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ التَّثْلِيثُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَفِي فُرُوقِ الْجُوَيْنِيِّ مَا يَقْتَضِيهِ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْإِمَامِ خِلَافَهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنَّ التَّثْلِيثَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، فَجَارٍ ذَلِكَ فِيهِمَا كَالْيَدَيْنِ بِخِلَافِ الْوَجْهِ وَالْيَدِ مَثَلًا لِتَبَاعُدِهِمَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْرُغَ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ يَنْتَقِلَ إلَى الْآخَرِ، وَيَأْخُذُ الشَّاكُّ بِالْيَقِينِ فِي الْمَفْرُوضِ وُجُوبًا وَفِي الْمَنْدُوبِ نَدْبًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا زَادَ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، فَإِذَا شَكَّ هَلْ غَسَلَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ وَغَسَلَ أُخْرَى. (وَ) الْعَاشِرَةُ (الْمُوَالَاةُ) بَيْنَ الْأَعْضَاءِ فِي التَّطْهِيرِ بِحَيْثُ لَا يَجِفُّ الْأَوَّلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ   [حاشية البجيرمي] الشِّهَابِ م ر أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ التَّثْلِيثُ، وَرَدَّهُ وَلَدُهُ الشَّمْسُ م ر وَالرَّدُّ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ ثَلَاثًا. قَوْلُهُ: (وَلَا بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعُضْوِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً) أَيْ اقْتَصَرَ فِي كُلِّ عُضْوٍ عَلَى مَرَّةٍ ع ش. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْصُلْ التَّثْلِيثُ) بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ قَبْلَ فِعْلِ صَلَاةٍ أَيْ تَنْزِيهًا لَا تَحْرِيمًا خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَعَلَّلَ الْحُرْمَةَ بِأَنَّهُ تَعَاطِي عِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ، وَرَدَّهُ م ر، بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ النَّظَافَةُ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَمْ يَحْرُمْ نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِحُصُولِ التَّثْلِيثِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ وَلَوْ رَكْعَةً وَاحِدَةً إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لَا سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ لِعَدَمِ كَوْنِهِمَا صَلَاةً، وَكَذَا الطَّوَافُ أَوْ صَلَاةُ جِنَازَةٍ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مُلْحَقًا بِالصَّلَاةِ، وَكَذَا خُطْبَةُ جُمُعَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْإِمَامِ خِلَافَهُ) وَهُوَ حُصُولُ التَّثْلِيثِ. قَوْلُهُ: (يَحْصُلُ بِذَلِكَ) أَيْ بِنَظِيرِ ذَلِكَ أَيْ فَيُجْزِئُ التَّعَدُّدُ قَبْلَ تَمَامِ الْعُضْوِ اهـ. م د. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ إلَخْ. وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُجْزِئُ تَعَدُّدٌ إلَخْ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ، فَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً إلَخْ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ عِبَارَةُ م ر حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ كَذَلِكَ لَمْ تَحْصُلْ فَضِيلَةُ التَّثْلِيثِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ وَالْفُورَانِيِّ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِأَنَّ الْوَجْهَ وَالْيَدَ إلَخْ. اهـ. قَوْلُهُ: (أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَمَ إلَخْ) وَمُقْتَضَى عِلَّتِهِمْ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ الْيَمِينَ مِنْ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ مَرَّةً ثُمَّ الْيُسْرَى كَذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْيُمْنَى مَرَّةً ثَانِيَةً ثُمَّ إلَى الْيُسْرَى كَذَلِكَ، وَهَكَذَا فِي الثَّالِثَةِ حَصَلَتْ فَضِيلَةُ التَّثْلِيثِ؛ لِأَنَّ الْيَدَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ الرِّجْلَانِ بَلْ أَوْلَى مِمَّا تَقَرَّرَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لِاتِّفَاقِهِمَا اسْمًا وَصُورَةً بِخِلَافِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ. اهـ. فَلَوْ غَسَلَ يَدَيْهِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ وَحَرَّكَهُمَا حَصَلَ التَّثْلِيثُ عِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْبَغَوِيِّ، وَأَفْتَى الشَّيْخُ بِمُخَالَفَتِهِمَا رِعَايَةً لِصُورَةِ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ عَنْ الْمَحَلِّ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُ أَيْ الْعَدَدِ فَلَا يَحْصُلُ الْعَدَدُ بِهِ م ر. وَقَوْلُهُ: وَأَفْتَى الشَّيْخُ أَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَأْخُذُ الشَّاكُّ) أَيْ فِي الْعَدَدِ بِالْيَقِينِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا يَزِيدُ رَابِعَةً وَهِيَ بِدْعَةٌ وَتَرْكُ سُنَّةٍ أَسْهَلُ مِنْ اقْتِحَامِ بِدْعَةٍ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِدْعَةً إذَا عُلِمَ أَنَّهَا رَابِعَةٌ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَفْرُوضِ) أَيْ فِي التَّثْلِيثِ الْمَفْرُوضِ. وَقَوْلُهُ: (وُجُوبًا) لَا يَخْفَى أَنَّ الْغَسْلَ الْمَفْرُوضَ لَا تَعَدُّدَ فِيهِ، وَإِرَادَةُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ هُنَا بَعِيدٌ مَرْحُومِيٌّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا نَذَرَ التَّثْلِيثَ اهـ. مَيْدَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْأَعْضَاءِ) وَكَذَا بَيْنَ الْغَسَلَاتِ، وَكَذَا فِي أَجْزَاءِ كُلِّ عُضْوٍ اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ) بِالْمَدِّ اسْمٌ لِلرِّيَاحِ الَّتِي تَهُبُّ وَتَسِيرُ بِهَا السُّفُنُ وَبِالْقَصْرِ مَيْلُ النَّفْسِ إلَى مَا لَا يَلِيقُ شَرْعًا، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَيْلِ النَّفْسِ الْمَحْمُودِ كَمَحَبَّةِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَقَدْ اجْتَمَعَ الْهَوَاءَانِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: جُمِعَ الْهَوَاءُ مَعَ الْهَوَى فِي مُهْجَتِي ... فَتَكَامَلَتْ فِي أَضْلُعِي نَارَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وَمِزَاجِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَيُقَدَّرُ الْمَمْسُوحُ مَغْسُولًا. هَذَا فِي غَيْرِ وُضُوءِ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، وَإِلَّا فَتَجِبُ وَالِاعْتِبَارُ بِالْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَلَا يَحْتَاجُ التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ عِنْدَ عُزُوبِهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا بَاقٍ. ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَحْصُرْ سُنَنَ الْوُضُوءِ فِيمَا ذَكَرَهُ، فَلْنَذْكُرْ مِنْهَا شَيْئًا مِمَّا تَرَكَهُ، فَمِنْ السُّنَنِ تَرْكُ الِاسْتِعَانَةِ بِالصَّبِّ عَلَيْهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ التَّنَعُّمِ وَالتَّكَبُّرِ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالْمُتَعَبِّدِ وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ، وَهِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى. أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ فَلَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ، بَلْ قَدْ تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّطَهُّرُ إلَّا بِهَا وَلَوْ بِبَذْلِ أُجْرَةِ مِثْلٍ، وَالْمُرَادُ بِتَرْكِ الِاسْتِعَانَةِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْأَفْعَالِ لَا طَلَبُ الْإِعَانَةِ فَقَطْ حَتَّى لَوْ أَعَانَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَمِنْهَا تَرْكُ نَفْضِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّبَرِّي مِنْ الْعِبَادَةِ   [حاشية البجيرمي] فَقَصُرْت بِالْمَمْدُودِ عَنْ نَيْلِ الْمُنَى ... وَمَدَدْت بِالْمَقْصُورِ فِي أَكْفَانِي اهـ. قَوْلُهُ: (وَمِزَاجِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ) وَمِزَاجُ الشَّخْصِ مَا تَرَكَّبَ مِنْهُ وَهُوَ الطَّبَائِعُ الْأَرْبَعُ السَّوْدَاءُ وَالصَّفْرَاءُ وَالْبَلْغَمُ وَالدَّمُ فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَيْ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهَا لَكِنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَتَجِبُ) أَيْ الْمُوَالَاةُ وَمُرَادُهُ بِالْوُجُوبِ مَا يَشْمَلُ الشَّرْطَ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ: (وَالِاعْتِبَارُ بِالْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ) أَيْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعُضْوِ الَّذِي يُغْسَلُ بَعْدَهَا فَلَا تُعْتَبَرُ أَوَّلُ الْغَسَلَاتِ مَعَ الْعُضْوِ الَّذِي يُغْسَلُ بَعْدَهَا، وَتُعْتَبَرُ أَيْضًا الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْغَسْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا أَيْ قَوْلُنَا وَتُعْتَبَرُ أَيْضًا الْمُوَالَاةُ إلَخْ. قَوْلُ الشَّارِحِ كَابْنِ قَاسِمٍ الْغَزِّيِّ عَلَى الْكِتَابِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِهَا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعُضْوِ الَّذِي يُغْسَلُ بَعْدَهَا كَمَا تَقَرَّرَ وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِرَاضِ ق ل عَلَى عِبَارَةِ ابْنِ قَاسِمٍ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (تَرْكُ الِاسْتِعَانَةِ) وَلَوْ كَانَ الْمُعِينُ كَافِرًا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ سم عَنْ حَجّ ع ش. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلِاسْتِعْمَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى الِاسْتِعْمَالُ مِنْهَا عَلَى غَيْرِهِ، فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوُضُوءِ مِنْهَا مُجَرَّدُ التَّرَفُّهِ، بَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهَا الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ الْوُضُوءَ مِنْ الْفَسَاقِي الصَّغِيرَةِ وَنَظَافَةُ مَائِهَا فِي الْغَالِبِ عَنْ مَاءِ غَيْرِهَا اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَتَعْبِيرُهُ كَغَيْرِهِ بِتَرْكِ الِاسْتِعَانَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّهُ لَوْ أَعَانَهُ غَيْرُهُ مَعَ قُدْرَتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَنْعِهِ كَانَ كَطَلَبِهَا، وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالْإِعَانَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ السِّينُ فِيهَا لِلطَّلَبِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ كَالصَّيْرُورَةِ كَمَا فِي اسْتَحْجَرَ الطِّينُ أَيْ صَارَ حَجَرًا فَلَا جَرْيَ عَلَى مَا ذُكِرَ أَفَادَهُ الشَّوْبَرِيُّ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (بِالصَّبِّ) اُنْظُرْ لِمَ قَيَّدَ بِذَلِكَ وَهَلَّا تَرَكَهُ لِيَشْمَلَ تَرْكَ الِاسْتِعَانَةِ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ أَيْضًا. وَأَجَابَ شَيْخُنَا ح ف: بِأَنَّهُ إنَّمَا قُيِّدَ بِذَلِكَ بِالنَّظَرِ لِلْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى، فَلَوْ أُطْلِقَ فِي الِاسْتِعَانَةِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ فِي الْغَسْلِ خِلَافُ الْأَوْلَى مَعَ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فَدُفِعَ ذَلِكَ بِالتَّقْيِيدِ وَلَوْ أُطْلِقَ أَيْضًا لَاقْتَضَى أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ فِي إحْضَارِ الْمَاءِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَتَرْكُهَا سُنَّةٌ مَعَ أَنَّهَا وَتَرْكَهَا مُبَاحَانِ. اهـ. وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: خَرَجَ الِاسْتِعَانَةُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ بِلَا عُذْرٍ فَمَكْرُوهَةٌ. وَالِاسْتِعَانَةُ فِي إحْضَارِ الْمَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهَا أَيْ مُبَاحَةٌ، فَإِنْ اسْتَعَانَ فِي الصَّبِّ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقِفَ الصَّابُّ عَنْ يَسَارِ الْمُتَوَضِّئِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَأَحْسَنُ أَدَبًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّرْكَ الْأَكْثَرَ إلَخْ. أَيْ، وَإِلَّا فَقَدْ وَقَعَ «فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبَّ عَلَى غَيْرِهِ» . قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ التَّنَعُّمِ) وَلَيْسَ مِنْ التَّرَفُّهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْعِبَادَةِ عُدُولُهُ مِنْ الْمَاءِ الْمِلْحِ إلَى الْعَذْبِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. بَرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ) أَيْ الْمَشَقَّةِ. قَوْلُهُ (أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الِاسْتِعَانَةِ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ قَصَدَ بِهَا تَعْلِيمَ الْمُعِينِ لَمْ تَكُنْ خِلَافَ الْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ حَجّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَكُونُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِعَانَةِ. قَوْلُهُ: (أُجْرَةِ مِثْلٍ) أَيْ فَاضِلَةٌ عَنْ مَئُونَةِ مَمُونِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا صَلَّى وَأَعَادَ اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (لَا طَلَبُ الْإِعَانَةِ) أَيْ لَا تَرْكُ طَلَبِ الْإِعَانَةِ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْقِيقِ، وَإِنْ رَجَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضِ أَنَّهُ مُبَاحٌ. وَمِنْهَا تَرْكُ تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ بِلَا عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ أَثَرَ الْعِبَادَةِ، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ غَسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَتَتْهُ مَيْمُونَةُ بِمِنْدِيلٍ فَرَدَّهُ، وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَنْفُضُهُ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِإِبَاحَةِ النَّفْضِ، فَقَدْ يَكُونُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ الْجَوَازِ، أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ الْتِصَاقِ نَجَاسَةٍ فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا، أَوْ كَأَنْ يَتَيَمَّمَ عَقِبَ الْوُضُوءِ لِئَلَّا يَمْنَعَ الْبَلَلَ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ التَّيَمُّمَ، وَإِذَا نَشَّفَ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ بِذَيْلِهِ وَطَرَفِ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: فَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْفَقْرَ. وَمِنْهَا أَنْ يَضَعَ الْمُتَوَضِّئُ إنَاءَ الْمَاءِ عَنْ يَمِينِهِ إنْ كَانَ يَغْتَرِفُ مِنْهُ، وَعَنْ يَسَارِهِ إنْ كَانَ يَصُبُّ مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ كَإِبْرِيقٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْكَنُ فِيهِمَا، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَمِنْهَا تَقْدِيمُ النِّيَّةِ مَعَ أَوَّلِ السُّنَنِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْوَجْهِ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُهَا كَمَا مَرَّ. وَمِنْهَا التَّلَفُّظُ بِالْمَنْوِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: سِرًّا مَعَ النِّيَّةِ بِالْقَلْبِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَلْبِ كَفَى أَوْ التَّلَفُّظِ فَلَا. أَوْ   [حاشية البجيرمي] لَيْسَتَا لِلطَّلَبِ بَلْ زَائِدَتَانِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى) مُعْتَمَدٌ وَكَذَا التَّنْشِيفُ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ مُبَاحٌ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (تَنْشِيفِ) قِيلَ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِنَشْفٍ عَلَى زِنَةِ ضَرْبٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يُنَشِّفُ بِكَسْرِ الشِّينِ عَلَى الْأَشْهَرِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْنُونَ تَرْكُ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ وَلَيْسَ مُرَادًا. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ التَّنْشِيفَ أَخْذُ الْمَاءِ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالتَّعْبِيرُ بِالتَّنْشِيفِ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْنُونَ تَرْكُهُ إنَّمَا هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ إذْ هُوَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَخْذُ الْمَاءِ بِخِرْقَةٍ. اهـ. قَالَ شَيْخُنَا م د فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ وَمَحَلُّهُ أَيْ تَرْكُ التَّنْشِيفِ فِي غَيْرِ الْمَيِّتِ أَمَّا الْمَيِّتُ فَيُسَنُّ تَنْشِيفُهُ عَقِبَ غُسْلِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ يُسْرِعُ إلَى بَلَاءِ كَفَنِهِ. قَوْلُهُ: (بِمِنْدِيلٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتُفْتَحُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْدَلُّ أَيْ يُزِيلُ الْوَسَخَ وَغَيْرَهُ. وَفِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ: «وَكَانَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِرْقَةٌ إذَا تَوَضَّأَ يَمْسَحُ بِهَا» ، هَذَا وَفِي سَفَرِ السَّعَادَةِ لَمْ يَكُنْ يُنَشِّفُ أَعْضَاءَهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ بِمِنْدِيلٍ وَلَا مِنْشَفَةٍ، وَإِنْ أَحْضَرُوا لَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَبْعَدَهُ، وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَتْ لَهُ نَشَّافَةٌ يُنَشِّفُ بِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ» ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَعْنَاهُ كِلَاهُمَا ضَعِيفٌ وَقَالَ: تَنْشِيفُ الْأَعْضَاءِ مِنْ الْوُضُوءِ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ حَدِيثٌ. قَوْلُهُ: (وَجَعَلَ) أَيْ شَرَعَ وَقَوْلُهُ: (يَقُولُ) أَيْ يَفْعَلُ. قَوْلُهُ: (هَكَذَا) مَفْعُولٌ لِيَقُولَ أَيْ يَفْعَلُ كَهَذَا الْفِعْلِ. وَقَوْلُهُ: (يَنْفُضُهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ وَالضَّادِ بَدَلٌ مِنْ اسْمِ الْإِشَارَةِ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ وَفَعَلَهُ النَّبِيُّ بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَإِلَّا فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (كَحَرٍّ) اُنْظُرْ وَجْهَ كَوْنِهِ عُذْرًا فِي تَرْكِ التَّنْشِيفِ، وَرُبَّمَا يُصَوَّرُ بِمَا إذَا كَانَ شَخْصٌ يَتَضَرَّرُ بِالرُّطُوبَةِ فِي زَمَنِ الْحَرِّ أَوْ يُصَوَّرُ بِمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ حَارًّا وَالزَّمَانُ حَارًّا. قَوْلُهُ: (أَوْ الْتِصَاقِ نَجَاسَةٍ) أَيْ خَوْفِ الْتِصَاقِهَا. قَوْلُهُ: (وَإِذَا نَشَّفَ إلَخْ) وَيُنَشِّفُ الْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ أَثَرَ الْعِبَادَةِ، فَيَنْبَغِي الْبُدَاءَةُ فِيهِ بِالْيُسْرَى لِيَبْقَى أَثَرُهَا عَلَى الْأَشْرَفِ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَطَرَفِ ثَوْبِهِ) عَامٌّ فَيَشْمَلُ طَرَفَ الْكُمِّ. قَوْلُهُ: (يُورِثُ الْفَقْرَ) أَيْ لِلْغَنِيِّ أَوْ زِيَادَتَهُ لِمَنْ هُوَ فَقِيرٌ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إلَّا الْبِرُّ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» فَثَبَتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ارْتِكَابَ الذَّنْبِ سَبَبٌ لِحِرْمَانِ الرِّزْقِ خُصُوصًا الْكَذِبُ، وَكَثْرَةُ النَّوْمِ تُوجِبُ الْفَقْرَ، وَكَذَلِكَ النَّوْمُ عُرْيَانًا إذَا لَمْ يَسْتَتِرْ بِشَيْءٍ وَالْأَكْلُ جُنُبًا وَالتَّهَاوُنُ بِسِقَاطَةِ الْمَائِدَةِ، وَحَرْقُ قِشْرِ الْبَصَلِ وَقِشْرِ الثُّومِ، وَكَنْسُ الْبَيْتِ بِاللَّيْلِ وَتَرْكُ الْقُمَامَةِ فِي الْبَيْتِ، وَالْمَشْيُ أَمَامَ الْمَشَايِخِ، وَنِدَاءُ الْوَالِدَيْنِ بِاسْمِهِمَا، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ بِالطِّينِ، وَالتَّهَاوُنُ بِالصَّلَاةِ، وَخِيَاطَةُ الثَّوْبِ وَهُوَ عَلَى بَدَنِهِ، وَتَرْكُ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ فِي الْبَيْتِ، وَإِسْرَاعُ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَالتَّبْكِيرُ بِالذَّهَابِ إلَى الْأَسْوَاقِ، وَالْبُطْءُ فِي الرُّجُوعِ، وَتَرْكُ غَسْلِ الْأَوَانِي، وَشِرَاءُ كَسْرِ الْخُبْزِ مِنْ فُقَرَاءِ السُّؤَالِ، وَإِطْفَاءُ السِّرَاجِ بِالنَّفَسِ، وَالْكِتَابَةُ بِالْقَلَمِ الْمَعْقُودِ وَالِامْتِشَاطُ بِمُشْطٍ مَكْسُورٍ، وَتَرْكُ الدُّعَاءِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالتَّعْمِيمُ قَاعِدًا، وَالتَّسَرْوُلُ قَائِمًا، وَالْبُخْلُ وَالتَّقْتِيرُ وَالْإِسْرَافُ. اهـ. قَوْلُهُ: (تَقْدِيمُ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ سُنَنِ الْوُضُوءِ أَوْ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَيَتَمَضْمَضُ مِنْ نَحْوِ أُنْبُوبَةٍ مَثَلًا لِئَلَّا تَفُوتَهُ سُنَّةُ الْمَضْمَضَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 تَلَفَّظَ بِخِلَافِ مَا نَوَى فَالْعِبْرَةُ بِالنِّيَّةِ. وَمِنْهَا اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ ذِكْرًا إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ. وَمِنْهَا التَّوَجُّهُ لِلْقِبْلَةِ. وَمِنْهَا دَلْكُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَيُبَالِغُ فِي الْعَقِبِ خُصُوصًا فِي الشِّتَاءِ فَقَدْ وَرَدَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» . وَمِنْهَا الْبُدَاءَةُ بِأَعْلَى الْوَجْهِ، وَأَنْ يَأْخُذَ مَاءَهُ بِكَفَّيْهِ مَعَهَا. وَمِنْهَا أَنْ يَبْدَأَ فِي غَسْلِ يَدَيْهِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَإِنْ صَبَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي تَحْقِيقِهِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْمَرْفِقِ إذَا صَبَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَمِنْهَا أَنْ يَقْتَصِدَ فِي الْمَاءِ فَيُكْرَهُ السَّرَفُ فِيهِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِلَا حَاجَةٍ، وَأَنْ لَا يَلْطِمَ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ. وَمِنْهَا أَنْ يَتَعَهَّدَ مُؤْقَهُ وَهُوَ طَرَفُ الْعَيْنِ الَّذِي يَلِي الْأَنْفَ بِالسَّبَّابَةِ الْأَيْمَنَ بِالْيُمْنَى وَالْأَيْسَرَ بِالْيُسْرَى، وَمِثْلُهُ اللِّحَاظُ وَهُوَ الطَّرَفُ الْآخَرُ وَمَحَلُّ سَنِّ غَسْلِهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا رَمَصٌ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى مَحَلِّهِ، وَإِلَّا فَغَسْلُهُمَا وَاجِبٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ   [حاشية البجيرمي] وَالِاسْتِنْشَاقِ. قَوْلُهُ: (سِرًّا) أَيْ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ. قَوْلُهُ: (ذُكْرًا) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ اسْتِحْضَارًا فَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَأَمَّا حُكْمًا بِأَنْ لَا يَصْرِفَهَا صَارِفٌ كَنِيَّةِ التَّبَرُّدِ فَوَاجِبٌ. فَائِدَةٌ: الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ ضِدُّ الْإِنْصَاتِ وَذَالُهُ مَكْسُورَةٌ وَبِالْقَلْبِ ضِدُّ النِّسْيَانِ وَذَالُهُ مَضْمُومَةٌ قَالَ الْكِسَائِيُّ. قَوْلُهُ: (دَلَّكَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ) أَيْ بَعْدَ إفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهَا اسْتِظْهَارًا وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ. قَوْلُهُ: (وَيْلٌ) كَلِمَةُ عَذَابٍ وَهَلَاكٍ مَرْفُوعَةٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْمُسَوِّغُ كَوْنُهَا بِمَعْنَى الدُّعَاءِ كَمَا فِي سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ لِلْأَعْقَابِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ وَيْلٌ لِأَصْحَابِ الْأَعْقَابِ الْمُقَصِّرِينَ فِي غَسْلِهَا، فَتَكُونُ أَلْ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّ الْعَقِبَ يَخْتَصُّ بِالْعَذَابِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ أَيْ الْقَذَرِ كَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَسَدَ يُعَذَّبُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمِنْ لِلْبَيَانِ. أَيْ الْوَيْلُ هُوَ النَّارُ أَوْ بِمَعْنَى فِي كَمَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. قَوْلُهُ: (بِأَعْلَى الْوَجْهِ) لِكَوْنِهِ أَشْرَفَ وَلِكَوْنِهِ مَحَلَّ السُّجُودِ. شَرْحُ الرَّوْضِ. وَأَيْضًا لِانْحِدَارِ الْمَاءِ بِسُهُولَةٍ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَاءَهُ) أَيْ الْوَجْهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ صَبَّ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (الصَّيْمَرِيُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا. قَوْلُهُ: (مِنْ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْمَرْفِقِ) أَيْ وَبِالْكَعْبِ إذَا صَبَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُلْحَقُ بِمَا لَوْ صَبَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مَا لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ نَحْوِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْمَرْفِقِ فِي الْيَدِ وَبِالْكَعْبِ فِي الرِّجْلِ. اهـ اج. قَوْلُهُ: (أَنْ يَقْتَصِدَ فِي الْمَاءِ) الِاقْتِصَادُ هُوَ التَّوَسُّطُ فِي الشَّيْءِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ لَا يُسْرِفَ فِي الْمَاءِ وَأَنْ لَا يَقْتُرَهُ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ الِاقْتِصَادُ التَّوَسُّطُ بَيْنَ السَّرَفِ وَالتَّقْتِيرِ. قَوْلُهُ: (فَيُكْرَهُ السَّرَفُ) وَيُكْرَهُ التَّقْتِيرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعُمُّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، قَالَ فِي الزَّبَدِ: مَكْرُوهُهُ فِي الْمَاءِ حَيْثُ أَسْرَفَا ... وَلَوْ مِنْ الْبَحْرِ الْكَبِيرِ اغْتَرَفَا أَوْ قَدَّمَ الْيُسْرَى عَلَى الْيَمِينِ ... أَوْ جَاوَزَ الثَّلَاثَ بِالْيَقِينِ قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِلَا حَاجَةٍ) وَانْظُرْ هَلْ شُرِعَ السَّلَامُ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِالْوُضُوءِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ أَوْ لَا؟ . قَالَ شَيْخُنَا: وَالْحَقُّ الْحَقِيقُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ شُرِعَ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ، بِخِلَافِ الْمُشْتَغِلِ بِالْغُسْلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَوَضِّئِ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَنْكَشِفُ مِنْهُ مَا يَسْتَحِي مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ فَلَا يَلِيقُ مُخَاطَبَتُهُ حِينَئِذٍ ع ش. قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يَلْطِمَ) هُوَ بِكَسْرِ الطَّاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَاللَّطْمُ خِلَافُ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (مُؤْقَهُ) وَيُقَالُ مَأْقُ بِالْهَمْزِ فِيهِمَا وَتُبْدَلُ فِي الْأُولَى وَاوًا، وَفِي الثَّانِيَةِ أَلِفًا. اهـ اج: قَوْلُهُ: (اللَّحَاظِ) بِفَتْحِ اللَّام أَمَّا بِكَسْرِهَا فَهُوَ مَصْدَرُ لَاحَظَ أَيْ الْمُلَاحَظَةَ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ غَزَالٌ غَزَانِي بِاللَّحَاظِ الْبَوَاتِرِ ... وَصَادَ فُؤَادِي بِالْخُدُودِ النَّوَاضِرِ. قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّ سَنِّ غَسْلِهِمَا) أَيْ مَحَلُّ سَنِّ تَعَهُّدِ غَسْلِهِمَا، وَإِلَّا فَغَسْلُهُمَا وَاجِبٌ. وَقَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَغَسْلُهُمَا) أَيْ فَتَعَهُّدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وَكَذَا كُلُّ مَا يُخَافُ إغْفَالُهُ كَالْغُضُونِ. وَمِنْهَا أَنْ يُحَرِّكَ خَاتَمًا يَصِلُ الْمَاءُ تَحْتَهُ. وَمِنْهَا أَنْ يَتَوَقَّى الرَّشَاشَ. وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ كَمَا قَالَهُ فِي الْعُبَابِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَى آخِرِهِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ» ، «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ» .   [حاشية البجيرمي] غَسْلِهِمَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (رَمَصٌ) بِالتَّحْرِيكِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (كَالْغُضُونِ) أَيْ مُكَاسِرِ الْجِلْدِ أَيْ طَيَّاتِهِ النَّاشِئَةِ عَنْ السِّمَنِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا أَنْ يُحَرِّكَ إلَخْ) وَمِنْهَا أَيْضًا: أَنْ يُقَدِّمَ السَّلِيمُ الِاسْتِنْجَاءَ عَلَى وُضُوئِهِ، وَمِنْهَا الشُّرْبُ مِنْ فَضْلِ وُضُوئِهِ شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِابْنِ حَجَرٍ. وَمِنْهَا أَيْضًا دُعَاءُ الْأَعْضَاءِ، وَإِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَتْنِ الْمِنْهَاجِ: وَحَذَفْت دُعَاءَ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: أَيْ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، بَلْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ، وَهِيَ يُعْمَلُ بِهَا فِي مِثْلِهِ أَيْ فَيُسْتَحَبُّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْعُ شِدَّةِ ضَعْفِ أَحَادِيثِهِ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ: «اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ» . وَعِنْدَ غَسْلِ الْيَدِ الْيُمْنَى: «اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا» . وَعِنْدَ غَسْلِ الْيُسْرَى: «اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» . وَعِنْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ: «اللَّهُمَّ حَرِّمْ شَعْرِي وَبَشَرِي عَلَى النَّارِ» . وَعِنْدَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ» . وَعِنْدَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ» . زَادَ م ر قَبْلَ مَا ذُكِرَ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ غَسْلِ كَفَّيْهِ: «اللَّهُمَّ احْفَظْ بَدَنِي مِنْ مَعَاصِيكَ كُلِّهَا» . وَعِنْدَ الْمَضْمَضَةِ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك» . وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ: «اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» . قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَوَقَّى الرَّشَاشَ) فَلَا يَتَوَضَّأُ فِي مَوْضِعٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ رَشَاشُ الْمَاءِ. شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ) أَيْ عَقِبَهُ بِحَيْثُ لَا يَطُولُ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ عُرْفًا فِيمَا يَظْهَرُ، لَكِنْ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَتَحْصُلُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيمَا يَظْهَرُ شَوْبَرِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (رَافِعًا يَدَيْهِ) أَيْ وَبَصَرَهُ وَلَوْ نَحْوَ أَعْمَى كَمَنْ فِي ظُلْمَةٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدُّعَاءِ وَالطَّالِبُ لِشَيْءٍ يَبْسُطُ كَفَّيْهِ لِأَخْذِهِ وَالدَّاعِي طَالِبٌ، وَلِأَنَّ حَوَائِجَ الْعِبَادِ فِي خِزَانَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ فَالدَّاعِي يَمُدُّ يَدَيْهِ لِحَاجَتِهِ. قَوْلُهُ: (أَشْهَدُ إلَخْ) وَيُقَدِّمُ الذِّكْرَ الْمَشْهُورَ عَلَى إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَبَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ يُجِيبُ الْمُؤَذِّنَ، وَإِنْ فَرَغَ مِنْ الْأَذَانِ. قَوْلُهُ: «فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ» وَهِيَ بَابُ الصَّدَقَةِ، وَبَابُ الصَّلَاةِ، وَبَابُ الصَّوْمِ، وَيُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، وَبَابُ الْجِهَادِ، وَبَابُ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ، وَبَابُ الرَّاحِمِينَ، وَبَابُ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَبَابُ التَّوْبَةِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ بَابَ التَّوْبَةِ زَائِدٌ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْجَنَّةِ بَابًا زَائِدًا وَهُوَ بَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بَابُ الرَّحْمَةِ وَبَابُ التَّوْبَةِ، فَهُوَ مُنْذُ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَفْتُوحٌ لَا يُغْلَقُ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا أُغْلِقَ فَلَمْ يُفْتَحْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَسَائِرُ أَبْوَابِ الْأَعْمَالِ مَقْسُومَةٌ عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ، ثُمَّ قَالَ: فَأَمَّا بَابُ التَّوْبَةِ مِنْ الْجَنَّةِ الزَّائِدُ عَلَى الْأَبْوَابِ، فَلَيْسَ هُوَ بَابُ عَمَلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بَابُ الرَّحْمَةِ الْعُظْمَى، وَإِنَّمَا فُتِحَتْ الثَّمَانِيَةُ تَكْرِمَةً لَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ إذَا اتَّصَفَ بِصِفَةٍ مِنْ هَذِهِ إنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِهَا، فَلَوْ اتَّصَفَ بِصِفَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ أَوْ يُقَالُ يَدْخُلُ مِنْ الْبَابِ الَّذِي لَازِمُ صِفَتِهِ أَكْثَرُ اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ الَأُجْهُورِيُّ مَعَ زِيَادَةٍ. وَقَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَهَلْ هَذَا الْفَتْحُ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ أَوْ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ؟ وَقَائِلُ هَذَا الذِّكْرِ كَثِيرٌ فَهَلْ تُفْتَحُ لِلْجَمِيعِ فِي آنٍ وَاحِدٍ بِحَيْثُ يَظُنُّ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهَا إنَّمَا فُتِحَتْ لِأَجْلِهِ؟ . فِي كُلِّ ذَلِكَ نَظَرٌ، وَهَذِهِ تَرَدُّدَاتٌ حَرَّرَهَا الْفَهْمُ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ لِخَبَرِ الْمَعْصُومِ، وَقَدْ أَنْهَى الْقُرْطُبِيُّ أَبْوَابَهَا إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الثَّمَانِيَةَ أَبْوَابُ السُّورِ وَهِيَ الْكِبَارُ، وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ دَاخِلُ السُّورِ وَأَفْضَلُهَا جَنَّةُ عَدْنٍ وَهِيَ مَسْكَنُ نَبِيِّنَا لَكِنْ يُعَارِضُهُ رِوَايَةُ: «اسْأَلُوا اللَّهَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْجِنَانِ وَأَعْلَاهَا» . اهـ. وَالْجَنَّةُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ لِمَا وَرَدَ: «أَنَّ سَقْفَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 زَادَهُ التِّرْمِذِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك، وَأَتُوبُ إلَيْك» لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ: «مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ إلَى آخِرِهِ كُتِبَ فِي رِقٍّ ثُمَّ طُبِعَ بِطَابِعٍ» وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا الْخَاتَمُ. «فَلَمْ يُكْسَرْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أَيْ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ إبْطَالٌ. وَيُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عَقِبَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: «مِنْ التَّوَّابِينَ» أَيْ مِنْ الذُّنُوبِ وَالرَّاجِعِينَ عَنْ الْعُيُوبِ، وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ صَرِيحًا وَلَا لُزُومًا بِإِكْثَارِ وُقُوعِ الذَّنْبِ مِنْهُ، بَلْ بِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ مِنْهُ ذَنْبٌ أُلْهِمَ التَّوْبَةَ مِنْهُ، وَإِنْ كَثُرَ تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ كَمَا وَرَدَ. وَقَوْلُهُ: «وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ» أَيْ بِالْإِخْلَاصِ عَنْ تَبَعَاتِ الذُّنُوبِ السَّابِقَةِ وَعَنْ التَّلَوُّثِ بِالسَّيِّئَاتِ اللَّاحِقَةِ، أَوْ مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ مِنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، فَيَكُونُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ طَهَارَةَ الْأَعْضَاءِ لَمَّا كَانَتْ بِيَدِنَا طَهَّرْنَاهَا، وَأَمَّا طَهَارَةُ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ فَإِنَّمَا هِيَ بِيَدِك فَأَنْتَ تُطَهِّرُهَا بِفَضْلِك. اهـ. مُلَّا عَلِيٌّ قَارِي عَلَى الْمِشْكَاةِ، وَقِيلَ قَوْلُهُ مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ أَيْ الْمُتَنَزِّهِينَ مِنْ الذُّنُوبِ. قَوْلُهُ: (زَادَهُ التِّرْمِذِيُّ) أَيْ زَادَ قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي إلَخْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زَادَ التِّرْمِذِيُّ بِلَا هَاءٍ وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ: سُبْحَانَك إلَخْ، زِيَادَةُ التِّرْمِذِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَاكِمِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. اهـ شَيْخُنَا، وَكَلَامُ الْمَنْهَجِ صَرِيحٌ فِيهِ. اهـ. قَوْلُهُ: (سُبْحَانَك) اسْمُ مَصْدَرٍ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ وُجُوبًا تَقْدِيرُهُ أُسَبِّحُك أَيْ أُنَزِّهُك عَمَّا لَا يَلِيقُ بِك أُقِيمَ مَقَامَ فِعْلِهِ لِيَدُلَّ عَلَى التَّنْزِيهِ الْبَلِيغِ، فَهُوَ عَلَمٌ لِلتَّسْبِيحِ بِمَعْنَى التَّنْزِيهِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي اللَّهِ وَمُضَافًا فَيُقْصَدُ تَنْكِيرُهُ، ثُمَّ يُضَافُ؛ لِأَنَّ الْعَلَمَ لَا يُضَافُ وَلَا يُثَنَّى إلَّا إذَا قُصِدَ تَنْكِيرُهُ رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ) أَصْلُهُ يَا اللَّهُ حُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ وَعُوِّضَ عَنْهُ الْمِيمُ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إلَّا شُذُوذًا وَهُوَ عَلَمٌ مُنَادًى، فَيُبْنَى عَلَى الضَّمِّ الَّذِي عَلَى الْهَاءِ وَالْوَاوُ عَاطِفَةُ جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ عَلَى مِثْلِهَا أَيْ: أُسَبِّحُك سُبْحَانَك وَسَبَّحْتُك بِحَمْدِك أَوْ زَائِدَةٌ، وَالْكَلَامُ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ رَحْمَانِيٌّ. وَالتَّاءُ فِي بِحَمْدِك لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ نَزَّهْتُك مُتَلَبِّسًا بِحَمْدِك أَيْ بِالثَّنَاءِ عَلَيْك. قَوْلُهُ: (أَسْتَغْفِرُك) ظَاهِرُهُ وَلَوْ صَبِيًّا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَنْبٌ أَيْ أَطْلُبُ مِنْك الْمَغْفِرَةَ وَهِيَ سَتْرُ الذَّنْبِ مِنْ غَيْرِ مُصَاحَبَةِ عُقُوبَةٍ، وَالْأَلْفَاظُ قَرِيبَةُ الْمَعْنَى، وَلِذَا جُمِعَتْ فِي آيَةٍ: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا} [التغابن: 14] الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ: (وَلِذَا جُمِعَتْ) إلَخْ. جَمْعُهَا لَا يَقْتَضِي تَقَارُبَ مَعْنَاهَا لِاحْتِمَالِ التَّغَايُرِ بِالْعَطْفِ، إذْ هُوَ يَنْصَرِفُ لَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَيَقْتَضِيهِ، وَأَيْضًا ذَكَرُوا أَنَّ الْعَفْوَ مَحْوُ أَثَرِ الذَّنْبِ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْمَغْفِرَةُ سَتْرُهُ مَعَ بَقَائِهِ وَعَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُولَاقِيُّ فِي آخِرِ حَاشِيَةِ الشِّنْشَوْرِيِّ. قَوْلُهُ: (وَأَتُوبُ إلَيْك) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَلَبِّسًا بِالتَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مَقْصُودُهُ الْإِنْشَاءُ أَيْ أَسْأَلُك أَنْ تَتُوبَ عَلَيَّ، أَوْ الْمُرَادُ أَتَى بِصُورَةِ التَّائِبِ الْخَاضِعِ الذَّلِيلِ، فَلَا يُقَالُ إنَّهُ كَذِبٌ كَمَا فِي أَذْكَارِ الْحَجِّ. اهـ رَحْمَانِيٌّ. وَيَأْتِي فِي وَجَّهْت وَجْهِي وَخَشَعَ لَك سَمْعِي مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ. اهـ. قَوْلُهُ: (كُتِبَ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ لِيَبْقَى ثَوَابُهُ. قَالَ ع ش: وَيَتَجَدَّدُ ذَلِكَ بِتَعَدُّدِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَالَهَا ثَلَاثًا عَقِبَ الْوُضُوءِ كُتِبَ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: 20] . قَوْلُهُ: (فِي رَقٍّ) بِفَتْحِ الرَّاءِ هُوَ الْجِلْدُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ وَتُكْسَرُ الرَّاءُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: 3] كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (أَيْ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ) أَيْ يَصُونُ صَاحِبَهُ مِنْ تَعَاطِي مُبْطِلٍ بِأَنْ يَرْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا الْإِبْطَالُ بِالرِّدَّةِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ شَيْخُنَا: لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ بُطْلَانِ ثَوَابِهِ، وَفِيهِ بُشْرَى بِأَنَّ مَنْ قَالَهُ لَا يَرْتَدُّ وَأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْإِيمَانِ. اهـ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَهُ ثَلَاثًا وَيَقْرَأَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر: 1] ثَلَاثًا وَيُقَدِّمَهُ عَلَى إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ؛ لِأَنَّهُ لِعِبَادَةٍ فُرِغَ مِنْهَا لِمَا وَرَدَ أَنَّ مَنْ قَرَأَ فِي إثْرِ وُضُوئِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] مَرَّةً وَاحِدَةً كَانَ مِنْ الصِّدِّيقِينَ، وَمَنْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ كُتِبَ فِي دِيوَانِ الشُّهَدَاءِ، وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثًا حَشَرَهُ اللَّهُ مَحْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ. وَيُسَنُّ بَعْدَ قِرَاءَةِ السُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ فِي رِزْقِي، وَلَا تَفْتِنِّي بِمَا زَوَيْت عَنِّي اهـ. ع ش عَلَى م ر. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ. تَتِمَّةٌ: يُنْدَبُ إدَامَةُ الْوُضُوءِ، وَيُسَنُّ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ سَمَاعِهِ أَوْ الْحَدِيثِ أَوْ سَمَاعِهِ أَوْ رِوَايَتِهِ أَوْ حَمْلِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ إذَا كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ أَوْ الْحَدِيثِ أَوْ الْفِقْهِ وَكِتَابَتِهِمَا، وَلِقِرَاءَةِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ إقْرَائِهِ، وَلِأَذَانٍ وَجُلُوسٍ فِي مَسْجِدٍ أَوْ دُخُولِهِ، وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلِلسَّعْيِ، وَلِزِيَارَةِ قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ غَيْرِهِ وَلِنَوْمٍ أَوْ يَقِظَةٍ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (عَقِبَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ) وَلَوْ مُجَدَّدًا. وَالْمُرَادُ بِالْعَقِبِ فِيمَا يَظْهَرُ أَنْ لَا يَطُولَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَا تُنْسَبُ الصَّلَاةُ إلَيْهِ عُرْفًا، وَبَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ امْتِدَادَ وَقْتِهَا مَا بَقِيَ الْوُضُوءُ، وَحُمِلَ قَوْلُهُمْ عَقِبَهُ عَلَى سَنِّ الْمُبَادَرَةِ لَا أَنَّ الْوَقْتَ مُنْحَصِرٌ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ مَا قُلْنَاهُ. وَفِي ع ش عَلَى م ر: وَهَلْ تَفُوتُ سُنَّةُ الْوُضُوءِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، أَوْ بِالْحَدَثِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، أَوْ بِطُولِ الْفَصْلِ عُرْفًا؟ احْتِمَالَاتٌ. أَوْجَهُهَا ثَالِثُهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي رَوْضِهِ، وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَوَضَّأَ أَنْ يُصَلِّيَ عَقِبَهُ. اهـ. وَيَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 64] إلَى {رَحِيمًا} [النساء: 64] وَفِي الثَّانِيَةِ {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} [النساء: 110] إلَى {رَحِيمًا} [النساء: 110] وَمِثْلُهُ الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. [تَتِمَّةٌ يُنْدَبُ إدَامَةُ الْوُضُوءِ] قَوْلُهُ: (يُنْدَبُ إدَامَةُ الْوُضُوءِ) لِمَا قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «يَا مُوسَى إذَا أَصَابَتْك مُصِيبَةٌ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَلَا تَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَك» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «دُمْ عَلَى طَهَارَةٍ يُوَسَّعُ عَلَيْك الرِّزْقُ» ذَكَرَهُ سَيِّدِي مُصْطَفَى الْبَكْرِيُّ فِي الْوَصِيَّةِ الْجَلِيَّةِ فِي طَرِيقِ الْخَلْوَتِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُسَنُّ فِيهَا الْوُضُوءُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ. قَالَ فِي مَتْنِ الْعُبَابِ: وَهُوَ سُنَّةٌ فِي أَرْبَعِينَ مَحَلًّا، وَفِي جَمِيعِهَا يَأْتِي بِنِيَّةٍ مِنْ نِيَّاتِ الْوُضُوءِ، وَلَا يَكْفِي نِيَّةُ السَّبَبِ عَنْهَا كَأَنْ نَوَى الْوُضُوءَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ نِيَّةُ أَسْبَابِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ مُعْظَمَ مَقْصُودِهَا النَّظَافَةُ وَمَقْصُودُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ ذَكَرَهُ الرَّحْمَانِيُّ. وَإِذَا تَوَضَّأَ بِنِيَّةِ سُجُودِ تِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْفَرْضَ وَلَوْ تَوَضَّأَ بِنِيَّةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْفَرْضَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تُشْتَرَطُ لِلْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ، فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ الطَّهَارَةَ، فَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْفَرِيضَةَ كَمَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَيُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ وَكَذَا الْوُضُوءُ لِقِرَاءَةِ حَدِيثٍ، وَرِوَايَتُهُ، وَإِسْمَاعُهُ وَالطِّيبُ أَيْ التَّطَيُّبُ لِذَلِكَ، وَلَا تُرْفَعُ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ الْأَصْوَاتُ وَيُقْرَأُ عَلَى كُلِّ مَكَان عَالٍ أَدَبًا، وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا لِقَارِئِهِ أَنْ يَقُومَ لِأَحَدٍ حَالَ قِرَاءَتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَظِيمًا وَمُسْتَمِعُهُ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا أَرَادَ الْجُلُوسَ لِلْحَدِيثِ اغْتَسَلَ وَتَطَيَّبَ وَلَبِسَ ثِيَابًا جُدُدًا وَتَعَمَّمَ وَقَعَدَ عَلَى مِنَصَّةٍ بِخُشُوعٍ وَخُضُوعٍ وَوَقَارٍ، وَيُبَخِّرُ الْمَجْلِسَ بِعُودٍ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى فَرَاغِهِ أَدَبًا مَعَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَلَغَ مِنْ تَعْظِيمِهِ أَنَّهُ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ وَهُوَ يُحَدِّثُ سِتَّ عَشْرَةَ مَرَّةً فَصَارَ يَصْفَرَّ وَيَتَلَوَّى حَتَّى فَرَغَ الْمَجْلِسُ وَقَالَ: صَبَرْت إجْلَالًا لِلْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (وَلِقِرَاءَةِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ) هُوَ التَّفْسِيرُ وَالْفِقْهُ وَالْحَدِيثُ، وَأَمَّا غَيْرُ الشَّرْعِيِّ فَلَا يُطْلَبُ لَهُ ذَلِكَ. قَوْله: (وَلِنَوْمٍ) أَيْ لِيَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ، فَرُبَّمَا قُبِضَتْ رُوحُهُ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ يَقِظَةٍ) أَيْ عِنْدَ اسْتِيقَاظِهِ لِمَا قِيلَ: " إنَّ الشَّيْطَانَ يَعْقِدُ عَلَى قَفَا رَأْسِ النَّائِمِ ثَلَاثَ عُقَدٍ وَيَقُولُ نَمْ لَيْلًا طَوِيلًا، فَإِذَا قَامَ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ ثَانِيَةٌ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ الثَّالِثَةُ " اهـ. م ر. وَقَوْلُهُ: لَمَّا قِيلَ إنَّ الشَّيْطَانَ إلَخْ. هُوَ حَدِيثٌ مَذْكُورٌ فِي الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وَيُسَنُّ مِنْ حَمْلِ مَيِّتٍ وَمَسِّهِ، وَمِنْ فَصْدٍ وَحَجْمٍ وَقَيْءٍ، وَأَكْلِ لَحْمِ جَزُورٍ وَقَهْقَهَةِ مُصَلٍّ، وَمِنْ لَمْسِ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ بَدَنَ الْخُنْثَى أَوْ أَحَدَ قُبُلَيْهِ وَعِنْدَ الْغَضَبِ وَكُلِّ كَلِمَةٍ قَبِيحَةٍ، وَلِمَنْ قَصَّ شَارِبَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَلِخُطْبَةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ، وَلَا يُنْدَبُ لِلُبْسِ ثَوْبٍ وَصَوْمٍ وَعَقْدِ نِكَاحٍ وَخُرُوجٍ لِسَفَرِ وَلِقَاءِ قَادِمٍ وَزِيَارَةِ وَالِدٍ وَصَدِيقٍ وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ، وَلَا لِدُخُولِ سُوقٍ، وَلَا لِدُخُولٍ عَلَى نَحْوِ أَمِيرٍ. فَصْلٌ: فِي الِاسْتِنْجَاءِ   [حاشية البجيرمي] يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَيُصْبِحُ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ» . اهـ. وَقَوْلُهُ: (يَعْقِدُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَالشَّيْطَانُ أَيْ إبْلِيسُ أَوْ أَحَدُ أَعْوَانِهِ. وَقَوْلُهُ: قَافِيَةِ هُوَ مُؤْخِرُ الْعُنُقِ وَهُوَ الْقَفَا، وَقَوْلُهُ: إذَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِيَعْقِدُ، وَقَوْلُهُ: يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ أَيْ لِحَجْبِ الْحِسِّ وَالْإِدْرَاكِ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى لَا يَسْتَيْقِظَ أَيْ وَقَوْلُهُ: مَكَانَهَا بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي مَكَانِهَا أَيْ الْقَافِيَةِ، وَقَوْلُهُ: عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ أَيْ قَائِلًا بَاقٍ عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَلَيْلٌ: مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَبَاقٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ أَوْ عَلَيْك إغْرَاءٌ وَالتَّقْدِيرُ عَلَيْك بِالنَّوْمِ، وَقَوْلُهُ: لَيْلٌ طَوِيلٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ أَمَامَك لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَالْكَلَامُ جُمْلَتَانِ وَالْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ تَعْلِيلٌ لِلْأُولَى، فَلَوْ نَامَ مُتَمَكِّنًا ثُمَّ انْتَبَهَ فَصَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ انْحَلَّتْ عُقَدُهُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْوُضُوءِ وَالذِّكْرِ. وَقَوْلُهُ: فَيُصْبِحُ نَشِيطًا أَيْ لِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وَظَائِفِ الطَّاعَةِ خَالِصًا مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْ الثَّلَاثَ الْمَذْكُورَةَ. اهـ. ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْبُخَارِيِّ إلَى هُنَا، وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إلَّا وَلَهُ شَيْطَانٌ. قَالُوا: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَأَنَا إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُ إلَّا بِالْخَيْرِ» . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فُضِّلْت عَلَى آدَمَ بِخَصْلَتَيْنِ. كَانَ شَيْطَانِي كَافِرًا فَأَعَانَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ، وَكُنَّ أَزْوَاجِي عَوْنًا لِي وَكَانَ شَيْطَانُ آدَمَ كَافِرًا وَزَوْجَتُهُ عَوْنًا عَلَى خَطِيئَتِهِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُنَاوِلُهُ مِنْ الشَّجَرَةِ» . فَهَذَا صَرِيحٌ فِي إسْلَامِ قَرِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخْتَصًّا بِإِسْلَامِ قَرِينِهِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ آكَامِ الْمَرْجَانِ فِي أَحْكَامِ الْجَانِّ. وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ عِنْدَ إرَادَةِ الْجُنُبِ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا فَإِنَّهُ أَنْشَطُ فِي الْعَوْدِ» . قَوْلُهُ: (مِنْ حَمْلِ مَيِّتٍ) أَيْ مِنْ إرَادَةِ حَمْلِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَحَدِ قُبُلَيْهِ) أَيْ إذَا مَسَّ كُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرَ مَا لَهُ. أَمَّا إذَا مَسَّ مِثْلَ مَا لَهُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ وَلَا مَانِعَ هُنَاكَ مِنْ نَحْوِ مَحْرَمِيَّةٍ وَنَحْوِهَا فَيُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُ فَقَدْ مَسَّ فَرْجَهُ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاسُّ مُشْكِلًا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ إلَّا بِلَمْسِ الْقُبُلَيْنِ إمَّا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ. اهـ. وَالضَّابِطُ أَنَّهُ يُسَنُّ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ خِلَافٌ أَنَّهُ يُنْقَضُ كَمَسِّ الْمَيِّتِ أَيْ إذَا كَانَ الْمَاسُّ ذَكَرًا وَالْمَيِّتُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَالْمَيِّتُ أُنْثَى وَمَسُّ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ وَالْمُنْفَتِحِ فَوْقَ الْمَعِدَةِ وَفَرْجِ الْبَهِيمَةِ، وَكَالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ وَالْقَيْءِ وَرَفْعِ اللُّصُوقِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الِانْدِمَالِ، فَرَآهُ لَمْ يَنْدَمِلْ، وَالرِّدَّةُ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الْغَضَبِ) وَلَوْ لِلَّهِ لِخَبَرِ: «إنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ» . اهـ. قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْغَضَبُ ثَوَرَانُ دَمِ الْقَلْبِ عِنْدَ إرَادَةِ الِانْتِقَامِ وَسَبَبُهُ هُجُومُ مَا تَكْرَهُ النَّفْسُ مِمَّنْ هُوَ دُونَهَا أَوْ مِثْلُهَا. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ) أَيْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. قَوْلُهُ: (لَا اللُّغَوِيُّ) الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُنْدَبُ لِلُبْسِ ثَوْبٍ) جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا. [فَصْلٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ] ِ أَيْ: وَآدَابِ قَاضِي الْحَاجَةِ وَلَا يُعَدُّ خَلَلًا لِأَنَّهُ تَرْجَمَ لِشَيْءٍ وَزَادَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا م د، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَتْ التَّرْجَمَةُ وَالزِّيَادَةُ لِوَاحِدٍ، وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ التَّرْجَمَةُ لِلشَّارِحِ وَالزِّيَادَةُ لِلْمُصَنِّفِ وَهِيَ الْآدَابُ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: شُرِعَ الِاسْتِنْجَاءُ لِوَطْءِ الْحَوَرِ الْعَيْنِ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ لِلْأَكْلِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وَهُوَ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَخَّرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْوُضُوءِ إعْلَامًا بِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَارْتِفَاعُهُ يَحْصُلُ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ، وَمُقْتَضَاهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: عَدَمُ صِحَّةِ وُضُوءِ دَائِمِ الْحَدَثِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ، لِكَوْنِهِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ الْمَاءَ أَصْلٌ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ التُّرَابِ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ أَصْلًا. (وَالِاسْتِنْجَاءُ) اسْتِفْعَالٌ مِنْ طَلَبِ النَّجَاءِ وَهُوَ الْخَلَاصُ مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَجَوْت الشَّجَرَةَ وَأَنْجَيْتهَا إذَا قَطَعْتهَا لِأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ يَقْطَعُ بِهِ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ يُتَرْجَمُ هَذَا الْفَصْلُ بِالِاسْتِطَابَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِطَابَةَ طَلَبُ   [حاشية البجيرمي] مَوَائِدِ الْجَنَّةِ، وَالْمَضْمَضَةُ لِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالِاسْتِنْشَاقُ لِرَوَائِحِ الْجَنَّةِ، وَغَسْلُ الْوَجْهِ لِلنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ لِلْأَسَاوِرِ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ لِلتَّاجِ وَالْإِكْلِيلِ وَهُوَ شَيْءٌ يُوضَعُ فَوْقَ الْعِمَامَةِ الَّتِي هِيَ التَّاجُ، وَالْإِكْلِيلُ كَالشَّالِ. وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ لِسَمَاعِ كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ لِلْمَشْيِ فِي الْجَنَّةِ. اهـ. . وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ الْآدَابِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، إلَّا تَرْكَ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ فِي غَيْرِ مُعَدٍّ بِدُونِ السَّاتِرِ فَوَاجِبَانِ. وَكَذَا الِاسْتِنْجَاءُ بِشُرُوطِهِ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِنَا كَمَا فِي سم. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِالْمَاءِ أَوْ بِالْحَجَرِ وَيُعَارِضُهُ مَا نَقَلَهُ طب أَنَّ الْخُصُوصِيَّةَ بِالْحَجَرِ لَا بِالْمَاءِ. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: إنَّهُ بِالْمَاءِ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، وَبِالْحَجَرِ مِنْ خُصُوصِيَّتِنَا، وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ الْأَعْرَابَ كَانَتْ تَسْتَنْجِي بِالْأَحْجَارِ كَانَ مِنْ غَيْرِ شَرْعٍ، بَلْ كَانَ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْهُ، وَشُرِعَ مَعَ الْوُضُوءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. وَقِيلَ: أَوَّلُ الْمَبْعَثِ وَهُوَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ كَمَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا جَازَ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ لِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِيهِ مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا فِي غَيْرِهِ مِنْ الرُّخَصِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ) أَيْ فَلِذَلِكَ عَقَدَ لَهُ فَصْلًا. وَقَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصَحِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: مُسْتَقِلَّةٌ أَيْ، فَلَيْسَ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ مِنْهَا أَيْ فِي قَوْلِهِ إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ إزَالَتَهُ لَيْسَتْ عَلَى طَرِيقِ إزَالَتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْجَامِدُ فَهُوَ مُسَلَّمٌ. وَأَرْكَانُ الِاسْتِنْجَاءِ أَرْبَعَةٌ: مُسْتَنْجٍ وَمُسْتَنْجًى بِهِ وَمُسْتَنْجًى مِنْهُ وَمُسْتَنْجًى فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَأَخَّرَهُ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) وَمَنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ كَالْمِنْهَاجِ نَظَرَ إلَى تَعْيِينِ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْوُضُوءِ فِي حَقِّ مَنْ ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ النَّجَاسَةُ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ مُبِيحٌ وَلَا تَحْصُلُ الْإِبَاحَةُ مَعَ الْمَانِعِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ. وَمَا فِي حَاشِيَةِ اج غَلَطٌ، تَبِعَ فِي ق ل وَعِبَارَةُ اج قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ اعْتَمَدَ م ر وَأَتْبَاعُهُ وَخِلَافَهُ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ. ق ل، وَهَذَا وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ م ر أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ تَقْدِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى وُضُوئِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (فَكَانَ أَقْوَى) هُوَ مِنْ تَتْمِيمِ التَّعْلِيلِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ التَّيَمُّمِ وَلَا عَنْ وُضُوءِ الضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِنْجَاءُ اسْتِفْعَالٌ) أَيْ عَلَى وَزْنِهِ قَوْلُهُ مِنْ طَلَبِ النَّجَاءِ يَقْتَضِي أَنَّ السِّينَ وَالتَّاءِ لِلطَّلَبِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَا زَائِدَتَيْنِ وَأَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَجَوْت أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ وَهُوَ النَّجْوُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ بَيَانِيَّةٌ أَيْ وَهُوَ طَلَبُ النَّجَاءِ بِالْمَدِّ أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْمَضَارِّ دُنْيَا وَأُخْرَى وَقَدْ يُقْصَرُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَهَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً وَأَمَّا شَرْعًا فَهُوَ إزَالَةُ الْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ عَنْ الْفَرْجِ بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ بِشَرْطِهِ الْآتِي وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ أَيْ أَنَّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ مُجْزِئٌ وَحْدَهُ وَلَوْ مَعَ تَيَسُّرِ الْآخَرِ وَلَيْسَتْ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ لِأَنَّ الْجَمْعَ جَائِزٌ. قَوْلُهُ: (إذَا قَطَعْتَهَا) بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ فِي الْمُفَسَّرِ بِإِذَا دُونَ الْمُفَسَّرِ بِأَيِّ فَإِنَّهُ بِضَمِّ التَّاءُ قَالَ فِي الْمُغْنِي: إذَا كَنَيْتَ بِأَيٍّ فِعْلًا تُفَسِّرُهُ ... فَضُمَّ تَاءَك فِيهِ ضَمَّ مُعْتَرِفِ وَإِنْ تَكُنْ بِإِذَا يَوْمًا تُفَسِّرُهُ ... فَفَتْحَةُ التَّاءِ فِيهِ غَيْرُ مُخْتَلِفِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الطِّيبِ فَكَأَنَّ قَاضِيَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُ طِيبَ نَفْسِهِ بِإِخْرَاجِ الْأَذَى وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِاسْتِجْمَارِ مِنْ الْجِمَارِ وَهُوَ الْحَصَى الصِّغَارُ وَتُطْلَقُ الثَّلَاثَةُ عَلَى إزَالَةِ مَا عَلَى الْمَنْفَذِ لَكِنْ الْأَوَّلَانِ يَعُمَّانِ الْحَجَرَ وَالْمَاءَ وَالثَّالِثُ يَخْتَصُّ بِالْحَجَرِ. (وَاجِبٌ) مِنْ خُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَغَيْرِهِمَا، مِنْ كُلِّ خَارِجٍ مُلَوَّثٍ وَلَوْ نَادِرًا كَدَمٍ وَوَدْيٍ إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ لَا عَلَى الْفَوْرِ بَلْ   [حاشية البجيرمي] أَيْ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ عَلَى فَتْحِ اللَّامِ وَعَلَى كَسْرِهَا بِمَعْنَى أَنَّ الْفَتْحَةَ لَا تَخْتَلِفُ. وَمَحَلُّ فَتْحِ التَّاءِ بَعْدَ إذْ إنْ كَانَ الْعَامِلُ فِيهَا الْمُقَدَّرَ يَقُولُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ أَقُولُ فَتَضُمُّ التَّاءُ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ تَقْدِيرُ تَقُولُ قَبْلَ إذَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمُحَشِّي بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ يَقْطَعُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَغَيْرِهِ فَكَانَ إلَخْ. لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي ذِي الْأَجْزَاءِ الَّتِي فِيهَا شِدَّةُ اتِّصَالٍ فَمَا هُنَا شَبِيهٌ بِالْقَطْعِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَكَأَنَّ قَاضِيَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُ إلَخْ) لَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِكَأَنَّ؛ لِأَنَّ قَاضِيَ الْحَاجَةِ قَدْ لَا يُلَاحِظُ بِإِخْرَاجِ الْأَذَى طِيبَ نَفْسِهِ، أَوْ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ مِنْ الْعِطْرِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، وَقَاضِي الْحَاجَةِ لَا يَطْلُبُ طِيبَ نَفْسِهِ بِالْعِطْرِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الِاسْتِطَابَةُ الِاسْتِنْجَاءُ. يُقَالُ اسْتَطَابَ وَأَطَابَ إطَابَةً؛ لِأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ تُطَيَّبُ نَفْسُهُ بِإِزَالَةِ الْخُبْثِ عَنْ الْمَخْرَجِ. قَوْلُهُ: (وَتُطْلَقُ الثَّلَاثَةُ) وَهِيَ الِاسْتِنْجَاءُ وَالِاسْتِطَابَةُ وَالِاسْتِجْمَارُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَاجِبٌ) خَبَرُ قَوْلِهِ: وَالِاسْتِنْجَاءُ أَيْ الْفِعْلُ وَهُوَ الْإِزَالَةُ فَغَيَّرَهُ الشَّارِحُ وَجَعَلَ قَوْلَهُ اسْتِفْعَالٌ خَبَرًا لَهُ فَيُقَدَّرُ حِينَئِذٍ لِقَوْلِهِ وَاجِبٍ وَمُبْتَدَأٌ بِأَنْ يُقَالَ وَهُوَ وَاجِبٌ، وَيَصِحُّ إبْقَاءُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى حَالِهِ وَيُقَدَّرُ لِقَوْلِ الشَّارِحِ اسْتِفْعَالٌ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَالِاسْتِنْجَاءُ وَوَزْنُهُ اسْتِفْعَالٌ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَاجِبٌ فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ لِطَهَارَةِ فَضَلَاتِهِمْ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ تَنْبِيهٌ: فَضَلَاتُ الْأَنْبِيَاءِ طَاهِرَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَاسْتِنْجَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا مُبَالَغَةٌ فِي الطَّهَارَةِ لِأَجْلِ التَّشْرِيعِ وَالتَّنْزِيهِ عَنْهَا لِقَذَارَتِهَا وَتَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ: الْأَوَّلُ: الْوُجُوبُ وَهُوَ مِنْ كُلِّ خَارِجٍ مُلَوَّثٍ. الثَّانِي: الِاسْتِحْبَابُ وَهُوَ مِنْ دُودٍ وَبَعْرٍ بِلَا لَوْثٍ. الثَّالِثُ: الْكَرَاهَةُ وَهُوَ مِنْ الرِّيحِ. الرَّابِعُ: الْحَرَامُ وَهُوَ بِالْمَطْعُومِ الْمُحْتَرَمِ. الْخَامِسُ: الْإِبَاحَةُ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَتَوَقَّفَ ع ش فِي كَوْنِ الْأَصْلِ فِيهِ الْإِبَاحَةَ، وَقَالَ: وَانْظُرْ مَا وَجْهُهُ وَمَا صُورَتُهُ، إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ مُبَاحٌ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَوُجُوبُهُ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ، بَلْ عِنْدَ إرَادَةِ نَحْوِ الصَّلَاةِ أَوْ خَوْفِ الِانْتِشَارِ أَيْ انْتِشَارِ النَّجَاسَةِ. أَيْ وَإِنْ كَانَ يُجْزِئُ فِيهِ الْجَامِدُ؛ لِأَنَّ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ التَّضَمُّخِ الَّذِي هُوَ اسْتِعْمَالُ النَّجَاسَةِ فِي بَدَنِهِ فَغَيْرُ عُذْرٍ إلَّا أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ كَمَا فِي ح ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الِاسْتِنْجَاءُ وَاجِبٌ فَوْرًا عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ دَخَلَ وَقْتُهَا وَلَمْ يُرِدْ فِعْلَهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَجَبَ الِاسْتِنْجَاءُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا بِسَعَةِ الْوَقْتِ وَمُضَيَّقًا بِضِيقِهِ كَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ، وَلَوْ اقْتَضَى الْحَالُ تَأْخِيرَ الِاسْتِنْجَاءِ فَخَفَّفَ بَوْلَهُ فِي يَدِهِ حَتَّى لَا يُصِيبَهُ جَازَ اهـ. م ر سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ مَا يُجَفِّفُ بِهِ الْمَحَلَّ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (مِنْ كُلِّ خَارِجٍ مُلَوَّثٍ) وَإِنْ كَانَ قَذَرًا لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ أَوْ صِغَارُ الْخَزَفِ، وَيَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ، وَإِنْ لَمْ يُزِلْ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ صِغَارِ الْخَزَفِ الْمُزِيلَةِ ح ف. وَصَرَّحَ بِهِ الزِّيَادِيُّ. وَقَوْلُهُ: (مُلَوَّثٍ) أَيْ خَارِجٍ مِنْ الْفَرْجِ وَلَوْ قَلِيلًا يُعْفَى عَنْهُ بَعْدَ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَيَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ، وَإِنْ لَمْ يُزِلْ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَدْ يُقَالُ مَا فَائِدَتُهُ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ نَظِيرُهُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ اهـ. رَحْمَانِيٌّ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمُلَوَّثِ الْمَنِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَادِرًا) الْغَايَةُ تَقْتَضِي أَنَّ النَّادِرَ فِيهِ خِلَافٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ أَمْ لَا؟ . نَعَمْ يَكْفِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ ع ش، فَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ بِالنَّظَرِ لِلْحَجَرِ وَلِلتَّعْمِيمِ بِالنَّظَرِ لِلْمَاءِ. قَوْلُهُ: (إزَالَةً) قِيلَ إنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْفَاعِلَ لَمْ يَتَّحِدْ؛ لِأَنَّ فَاعِلَ الْإِزَالَةِ الشَّخْصُ، وَفَاعِلَ الْوُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْفَاعِلُ اتَّحَدَ بِالْمَعْنَى وَالتَّأْوِيلِ وَالتَّقْدِيرِ، وَيَسْتَنْجِي الشَّخْصُ وُجُوبًا إزَالَةً أَوْ يُقَالُ إنَّهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الِاتِّحَادَ فِي الْفَاعِلِ. وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إزَالَةٌ أَيْضًا فَكَأَنَّهُ قَالَ تَجِبُ الْإِزَالَةُ لِأَجْلِ الْإِزَالَةِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مِنْ تَعْلِيلِ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إزَالَةٌ خَاصَّةٌ. وَقَوْلُهُ: إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ عَامٌّ لِكُلِّ نَجَاسَةٍ. وَأَجَابَ ح ف: بِأَنَا نُجَرِّدُ الِاسْتِنْجَاءَ عَنْ مَعْنَى إزَالَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ) أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا. (ثُمَّ يَتْبَعُهَا بِالْمَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَزُولُ بِالْحَجَرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَالْأَثَرُ يَزُولُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى مُخَامَرَةِ النَّجَاسَةِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ طَهَارَةُ الْحَجَرِ، وَأَنَّهُ يُكْتَفَى بِدُونِ الثَّلَاثَ مَعَ الْإِنْقَاءِ، وَبِالْأَوَّلِ صَرَّحَ الْجِيلِيُّ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الثَّانِي: الْمَعْنَى وَسِيَاقُ كَلَامِهِمْ يَدُلَّانِ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ بِهَذَا يَحْصُلَ أَصْلُ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ، وَأَمَّا كَمَالُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَقِيَّةِ شُرُوطِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ أَفَضِيلَةَ الْجَمْعِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَبِهِ صَرَّحَ سُلَيْمٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ جَزَمَ الْقَفَّالُ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْغَائِطِ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَشَمَلَ إطْلَاقَهُ حِجَارَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَالِعًا وَحِجَارَةُ الْحَرَمِ، فَيَحُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ. (وَيَحُوزُ) لَهُ (أَنْ يَقْتَصِرَ) فِيهِ (عَلَى الْمَاءِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (أَوْ) يَقْتَصِرُ (عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ)   [حاشية البجيرمي] النَّجَاسَةِ أَيْ أَنَّهُ بِمَعْنَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ الْحَجَرِ فِي مَحَلِّ الْخَارِجِ. وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَفِيهِ أَنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ لَا يَشْمَلُ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ مُخَفَّفٌ كَمَا يَأْتِي، فَلَعَلَّ فِيهِ حَذْفًا، وَالتَّقْدِيرُ إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ أَوْ تَخْفِيفًا لَهَا أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَعْنَى إزَالَةً لَعَيْنِ النَّجَاسَةِ وَأَثَرِهَا أَوْ لِعَيْنِهَا فَقَطْ. قَوْلُهُ: (بَلْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) أَيْ إذَا لَزِمَ تَضَمُّخٌ بِالنَّجَاسَةِ أَوْ عِنْدَ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ أَوْ ضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِمَكَانٍ لَا مَاءَ فِيهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ وَقَدْ دَخَلَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ فَوْرًا الِاسْتِجْمَارُ قَبْلَ الْجَفَافِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى حَاجَتَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ الشَّرْعِيِّ حَقِيقَةً عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عِنْدَهُمْ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْحَجَرِ حَقِيقَتَهُ الْأَصْلِيَّةَ ق ل. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَتْبَعُهَا) ثُمَّ هُنَا لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ أَيْ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمُهْلَةِ ع ش. قَوْلُهُ: (بِالْمَاءِ) وَلَوْ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَيُجْزِئُ إجْمَاعًا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَمَشَى فِي الْعُبَابِ عَلَى التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِجْزَاءِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَمْتَنِعُونَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، وَيُشَنِّعُونَ التَّشْنِيعَ الْبَلِيغَ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَمَقْصُودُهُمْ بِهَذَا مَزِيدُ تَعْظِيمِهَا، وَيُلْحَقُ بِهِ مَا نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَاءُ الْكَوْثَرِ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ بَلْ قَدْ يَجِبُ بِالنَّجَسِ إنْ لَمْ يَكْفِهِ الْمَاءُ إلَّا مَعَهُ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (الْمَعْنَى) أَيْ الْعِلَّةُ يَعْنِي قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَزُولُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ أَنَّ بِهَذَا) أَيْ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ وَالِاكْتِفَاءِ بِدُونِ الثَّلَاثِ، وَاسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَبِهَذَا مُتَعَلِّقٌ بِالْخَبَرِ. قَوْلُهُ: (حِجَارَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) خَرَجَ بِالْحِجَارَةِ الْمَطْبُوعُ أَوْ الْمُهَيَّأُ مِنْهُمَا لِلِاسْتِنْجَاءِ فَيَحْرُمُ وَيُجْزِئُ، وَشَمِلَ غَيْرُ الْمُهَيَّأِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْمَضْرُوبَةَ، فَإِنَّهَا لَمْ تُطْبَعْ لِلِاسْتِنْجَاءِ بَلْ لِلتَّعَامُلِ بِهَا، فَيَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَحِجَارَةَ الْحَرَمِ) وَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا. وَالْمُرَادُ بِالْحَرَمِ غَيْرُ الْمَسْجِدِ أَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِأَحْجَارِهِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ مَعَ الْبُطْلَانِ مَا لَمْ تُبَعْ وَيْحُكُمْ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا حَاكِمٌ، وَإِلَّا أَجْزَأَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا. نَعَمْ يُكْرَهُ مِنْ حِجَارَةِ أَرْضٍ مَغْضُوبٍ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا مَرَّ فِي الْمَاءِ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ فِي الْقَذَرِ. اهـ. ق ل. وَاسْتَظْهَرَ الشَّوْبَرِيُّ الْكَرَاهَةَ فِي حِجَارَةِ الْحَرَمِ إنْ وَجَدَ غَيْرَهَا. وَفِي سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ وَفِي إجْزَاءِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ نَظَرٌ. اهـ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ عَدَمُ إجْزَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ لِلْحَرَمِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ هُوَ مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ بِوَجْهٍ وَلَهُ شَرَفٌ لَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ، بَلْ احْتِرَامُهُ أَقْوَى مِنْ احْتِرَامِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمُ صَالِحٍ مِنْ صُلَحَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَقَلَ عَنْ ز ي بِالدَّرْسِ مَا يُوَافِقُهُ. اهـ. وَيُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِفَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ غَيْرِ بَوْلِهِ، أَمَّا هُوَ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَلَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ طَهَارَتِهَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَنْ يَقْتَصِرَ فِيهِ) أَيْ الِاسْتِنْجَاءُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَالثَّانِيَ لِلْوُجُوبِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَّزَهُ بِهَا حَيْثُ فَعَلَهُ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَمَرَ بِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ: «وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» الْمُوَافِقُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ. وَيَجِبُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا: ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ بِأَنْ يَعُمَّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ الْمَحَلَّ وَلَوْ كَانَتْ بِأَطْرَافِ حَجَرٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «عَنْ سَلْمَانَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» وَفِي مَعْنَاهَا ثَلَاثَةُ أَطْرَافِ حَجَرٍ، بِخِلَافِ رَمْيِ الْجِمَارِ، فَلَا يَكْفِي حَجَرٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَطْرَافِ عَنْ ثَلَاثِ رَمَيَاتٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ عَدَدُ الرَّمْيِ، وَهَاهُنَا عَدَدُ الْمَسَحَاتِ، وَلَوْ غَسَلَ الْحَجَرَ وَجَفَّ جَازَ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ ثَانِيًا كَدَوَاءٍ دُبِغَ بِهِ. ثَانِيهِمَا: نَقَاءُ الْمَحَلِّ كَمَا قَالَ: (يُنَقِّي بِهِنَّ) أَيْ بِالْأَحْجَارِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا (الْمَحَلَّ) فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ بِالثَّلَاثِ وَجَبَ الْإِنْقَاءُ بِرَابِعٍ فَأَكْثَرَ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ أَوْ صِغَارُ الْخَزَفِ. وَسُنَّ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ يُوتِرُ الْإِيتَارَ بِوَاحِدَةٍ كَأَنْ حَصَلَ بِرَابِعَةٍ فَيَأْتِي بِخَامِسَةٍ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا» وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَهِيَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» .   [حاشية البجيرمي] وَالثَّالِثَ لِعَدَمِ جَوَازِ النَّقْصِ عَنْ الثَّلَاثِ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ق ل. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: إنَّمَا جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ فِعْلَهُ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ لَا أَنَّهُ جَوَّزَهُ بِالْقَوْلِ. وَقَوْلُهُ: (وَأَمَرَ بِهِ) إلَخْ. أَتَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ لَنَا وَلَهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَلِذَا أَتَى بِالثَّالِثِ. قَوْلُهُ: (جَوَّزَهُ) أَيْ شَرَعَهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ وَاجِبٌ. قَوْلُهُ: (حَيْثُ فَعَلَهُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ فَهِيَ لِلتَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ: (بِقَوْلِهِ) الْبَاء بِمَعْنَى فِي، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَمْرٍ فَلَا يَلْزَمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنَى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ. وَفِي شَرْحِ السَّعْدِ عَلَى الْبُرْدَةِ تَخْصِيصُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَصِحَّ إبْدَالُ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنْ صَحَّ فَلَا امْتِنَاعَ كَمَا هُنَا، فَيَصِحُّ التَّرْكِيبُ وَلَوْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ الثَّانِيَةِ بِمَعْنَى فِي، أَوْ يُقَالُ إنَّ الْأَوَّلَ تَعَلَّقَ بِهِ وَهُوَ مُطْلَقٌ وَالثَّانِي وَهُوَ مُقَيَّدٌ. قَوْلُهُ: (أَمْرَانِ) عَدَّ فِي الْمَنْهَجِ قَوْلَهُ بِأَنْ يَعُمَّ شَرْطًا فَتَكُونُ الشُّرُوطُ ثَلَاثَةً. قَوْلُهُ: (بِأَطْرَافِ حَجَرٍ) فَإِنْ لَمْ يَتَلَوَّثُ فِي الثَّانِيَةِ فَتَجُوزُ هِيَ وَالثَّالِثَةُ بِطَرَفٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَفَّفَ النَّجَاسَةَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الِاسْتِعْمَالُ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَلِكَوْنِ التُّرَابِ بَدَلَهُ أُعْطِيَ حُكْمَهُ حَجّ. قَوْلُهُ: (عَنْ سَلْمَانَ) أَيْ الْفَارِسِيِّ، قِيلَ لَهُ مَنْ أَبُوك يَا سَلْمَانَ؟ فَقَالَ أَبِي الْإِسْلَامُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ الْجَنَّةَ لَتَشْتَاقُ إلَى سَلْمَانَ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّهِ: «سَلْمَانُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ» . قَوْلُهُ: (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ إلَخْ) وَصِيغَةُ النَّهْيِ لَا يَسْتَنْجِ أَحَدُكُمْ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ. اهـ. قَوْلُهُ: (يُنَقِّي بِهِنَّ الْمَحَلَّ) فَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ هَلْ مَسَحَ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ، أَوْ هَلْ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ أَوْ لَا لَمْ يَضُرَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي ع ش. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ وَلَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، قَالَ شَيْخُنَا ح ف: مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الرُّخْصَةِ قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَخْ. فَإِذَا شَكَّ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ هَلْ هَذَا الْحَجَرُ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الِاسْتِنْجَاءِ أَوْ لَا؟ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الرُّخْصَةُ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّوْبَرِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّكُّ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ فَوَافَقَ مَا قَالَهُ ح ف. وَلَا يُخَالِفُ كَلَامَ ع ش. قَوْلُهُ: (أَيْ بِالْأَحْجَارِ) خَصَّ الْحَجَرَ بِذِكْرِ الْإِنْقَاءِ مَعَهُ لِكَوْنِ الْإِنْقَاءِ بِالْمَاءِ أَمْرُهُ ظَاهِرٌ ع ش. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُنَقِّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ الشَّخْصُ وَيَصِحُّ فَتْحُ الْيَاءِ وَالْقَافِ أَيْ الْمَحَلِّ. قَوْلُهُ: (إلَى أَنْ لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ إزَالَةُ هَذَا الْأَثَرِ بِصِغَارِ الْخَزَفِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ وَبَقَاءُ مَا لَا يُزِيلُهُ إلَّا صِغَارُ الْخَزَفِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَلَوْ خَرَجَ هَذَا الْقَدْرُ ابْتِدَاءً وَجَبَ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ، وَفَرْقٌ مَا بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الِاسْتِنْجَاءُ بِصِغَارِ الْخَزَفِ الْمُزِيلَةِ بَلْ يَكْفِي إمْرَارُ الْحَجَرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَوَّثْ كَمَا اكْتَفَى بِهِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَلَوَّثْ فِي الثَّانِيَةِ ذَكَرَهُ ح ل وع ش عَلَى م ر. فَإِنْ قُلْت: إنَّ فِي الْعِبَارَةِ طُولًا وَهَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ إلَى أَنْ يَبْقَى أَثَرٌ لَا يُزِيلُهُ إلَخْ؟ . أَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْإِطْفِيحِيُّ نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ الْبَابِلِيِّ: بِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ لَتَوَهَّمَ أَنَّ بَقَاءَ هَذَا الْأَثَرِ مَطْلُوبٌ فَتَأَمَّلْ. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ الْوَارِدِ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَخَشَبٍ وَخَزَفٍ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ كَالْحَجَرِ فَخَرَجَ بِالْجَامِدِ الْمَائِعُ غَيْرُ الْمَاءِ الطَّهُورِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَالْخَلِّ، وَبِالطَّاهِرِ النَّجَسُ كَالْبَعْرِ وَالْمُتَنَجِّسُ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَبِالْقَالِعِ نَحْوُ الزُّجَاجِ وَالْقَصَبِ الْأَمْلَسِ، وَبِغَيْرِ مُحْتَرَمٍ الْمُحْتَرَمُ كَمَعْطُومِ آدَمِيٍّ كَالْخُبْزِ أَوْ جِنِّيٍّ كَالْعَظْمِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ: أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ وَقَالَ: إنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ» أَيْ مِنْ الْجِنِّ، فَمَطْعُومُ الْآدَمِيِّ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي. وَأَمَّا مَطْعُومُ الْبَهَائِمِ كَالْحَشِيشِ، فَيَجُوزُ وَالْمَطْعُومُ لَهَا وَلِلْآدَمِيِّ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَغْلَبُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهِ. وَالْأَصَحُّ وَالثُّبُوتُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَإِنَّمَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ) أَيْ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (كُلُّ جَامِدٍ) أَيْ خَالٍ عَنْ الرُّطُوبَةِ. وَقَوْلُهُ: (قَالِعٍ) وَلَوْ بِالْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِهِنَّ دُونَهُمْ، فَيُبَاحُ لِلرِّجَالِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ امْتِهَانٍ، وَكَذَا يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ مَغْصُوبٍ كَنَظِيرِهِ فِي الْمَاءِ وَالْخُفِّ، وَمِثْلُهُ الْمَوْقُوفُ وَجِدَارُ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ ذَلِكَ لِأَمْرٍ عَارِضٍ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَبِالطَّاهِرِ النَّجِسِ) ، وَإِنَّمَا جَازَ الدَّبْغُ بِنَجَسٍ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الزَّكَاةِ الْجَائِزَةِ بِمُدْيَةٍ نَجِسَةٍ بِخِلَافِ الْحَجَرِ. اهـ شَرْحُ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (وَالْمُتَنَجِّسُ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ خَرَجَ بِالْجَامِدِ، وَبِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِالْقَلِيلِ، إذْ الْكَثِيرُ الْمُتَنَجِّسُ مِثْلُهُ قَالَهُ شَيْخُنَا م د وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، قَوْلُهُ: كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، فَغَرَضُهُ الْقِيَاسُ لَا التَّمْثِيلُ فَانْدَفَعَ مَا لِلْمُحَشِّي. قَوْلُهُ: (وَبِالْقَالِعِ نَحْوَ الزُّجَاجِ) مِمَّا لَا يُقْلَعُ لِمَلَاسَتِهِ كَالْقَصَبِ الْأَمْلَسِ، أَوْ رَخَاوَتِهِ كَالْفَحْمِ الرَّخْوِ، أَوْ تَنَاثُرِ أَجْزَائِهِ كَالتُّرَابِ الْمُتَنَاثِرِ. قَوْلُهُ: (وَالْقَصَبِ الْأَمْلَسِ) مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَهِيَ النُّعُومَةُ أَيْ الْبُوصُ النَّاعِمُ، وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ ذِي أَنَابِيبَ أَيْ عُقَدٍ فَيَشْمَلُ الْبُوصَ وَالذُّرَةَ وَالْخَيْزُرَانَ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ، وَمَحَلُّ عَدَمِ إجْزَائِهِ فِي غَيْرِ جُذُورِهِ، وَفِيمَا لَمْ يَشُقَّ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَبِغَيْرِ مُحْتَرَمٍ الْمُحْتَرَمُ) أَيْ فَيَحْرُمُ وَلَا يُجْزِئُ وَمِنْهُ جُزْءُ مَسْجِدٍ. قَوْلُهُ: (كَالْخُبْزِ) إلَّا إذَا حُرِقَ فَيَجُوزُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمَطْعُومِ بِحَرْقِهِ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَظْمِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَإِنْ حُرِقَ وَدَخَلَ فِي الْعَظْمِ السِّنُّ وَالظُّفُرُ وَالْقَرْنُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. قَالَ شَيْخُنَا: وَالتَّعْلِيلُ بِاكْتِسَاءِ اللَّحْمِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ لِيَشْمَلَ السِّنَّ وَغَيْرَهُ. قَالَ سم: وَيَجُوزُ حَرْقُ الْعَظْمِ بِخِلَافِ حَرْقِ الْخُبْزِ؛ لِأَنَّهُ ضَيَاعُ مَالٍ، وَيَجُوزُ إلْقَاءُ الْخُبْزَ أَوْ الْعَظْمَ لِلْكِلَابِ، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ تَنَجُّسُهُ؛ لِأَنَّ الرَّامِيَ لَمْ يَقْصِدْ تَنْجِيسَهُ، وَلَوْ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، بَلْ لَوْ قَصَدَهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ حُرْمَةِ التَّنْجِيسِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ، وَهَذَا لِحَاجَةٍ أَيِّ حَاجَةٍ وَهِيَ إزَالَةُ ضَرُورَةِ الْكِلَابِ، وَإِبْقَاءُ أَرْوَاحِهَا. وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْجَوَازِ إلْقَاءُ نَحْوَ قُشُورِ الْبِطِّيخِ لِلدَّوَابِّ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَنْجِيسِهَا، وَالْعَظْمُ لِلْهِرَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي يُرْمَى عَلَيْهَا نَجِسَةً اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ غَيْرُ مُذَكَّى، وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِالْمُذَكَّى أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: إخْوَانُكُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِمَا كُلِّفْنَا بِهِ تَفْصِيلًا إلَّا مَا وَرَدَ النَّصُّ بِاسْتِثْنَائِهِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (زَادُ إخْوَانِكُمْ) وَهَلْ نَفْسُ الْعَظْمِ وَهُوَ الْمَطْعُومُ لَهُمْ أَوْ يَعُودُ لَهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَيَأْكُلُونَهُ مَعَهُ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (أَيْ مِنْ الْجِنِّ) أَيْ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّادَ، فَقَالَ: «كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ أَوْفَرُ مَا كَانَ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ» زَادَ ابْنُ سَلَّامٍ: «إنَّ الْبَعْرَ يَعُودُ خَضْرَاءَ أَوْ تِبْنًا لِدَوَابِّكُمْ» . وَكُفَّارُهُمْ يَأْكُلُونَ عَظْمَ الْمَيِّتَةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْجِنَّ يَأْكُلُونَ، وَبِهِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ يَتَغَذَّوْنَ بِالشَّمِّ. وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبَّهٍ: أَنَّ خَوَاصَّ الْجِنِّ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يُشْرِبُونَ وَلَا يَتَنَاكَحُونَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ) فِي كَوْنِهِ مِنْ الرُّخَصِ نَظَرٌ، إذْ يُعْتَبَرُ فِيهَا تَغَيُّرُ الْحُكْمِ إلَى سُهُولَةِ لِأَجْلِ عُذْرٍ وَهُنَا لَا عُذْرَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، إذْ يَجُوزُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَلَا سُهُولَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ مِنْ وُجُوبٍ إلَى وُجُوبٍ، وَمَيْلُ النَّفْسِ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالرُّخْصَةِ مُطْلَقَ السُّهُولَةِ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهَا لُغَةً. قَوْلُهُ: (كَالْحَشِيشِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ: الْحَشِيشُ مَا يَبِسَ مِنْ الْكَلَأِ، وَلَا يُقَالُ لِلرَّطْبِ حَشِيشٌ بَلْ كَلَأٌ. قَوْلُهُ: (بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرِّبَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 جَازَ بِالْمَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَطْعُومٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالْفَوَاكِهُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ أَوْ عِلْمٌ كَحَدِيثٍ أَوْ فِقْهٍ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْعِلْمِ بِالْمُحْتَرَمِ سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْعِيًّا كَمَا مَرَّ أَمْ لَا. كَحِسَابٍ وَنَحْوٍ وَطِبٍّ وَعَرُوضٍ فَإِنَّهَا تَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَفَلْسَفَةٍ وَمَنْطِقٍ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهَا فَلَا، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. أَمَّا غَيْرُ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ. وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ جَوَّزَهُ، وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي بِوَرَقِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا عُلِمَ تَبْدِيلُهُ مِنْهُمَا. وَخَلَا عَنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَحْوِهِ، وَأُلْحِقَ بِمَا بِهِ عِلْمٌ مُحْتَرَمٌ جِلْدُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ دُونَ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ، بِخِلَافِ جِلْد الْمُصْحَفِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ مُطْلَقًا. وَشَرْطُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ؛ لَأَنْ يُجْزِئَ أَنْ لَا يَجِفَّ النَّجَسُ الْخَارِجُ، فَإِنْ جَفَّ تَعَيَّنَ الْمَاءُ نَعَمْ لَوْ بَالَ   [حاشية البجيرمي] فِيهِ) أَيْ وَعَدَمِهِ، فَالثُّبُوتُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَعَدَمُهُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْإِجْزَاءُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ) أَيْ لَا يَتَنَجَّسُ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ يَعْنِي بِالنَّظَرِ لِلْمَاءِ " الْكَثِيرِ أَوْ الْقَلِيلِ الْوَارِدِ. قَوْلُهُ: (وَالْفَوَاكِهُ) عَطْفٌ خَاصٌّ. قَوْلُهُ: (فَفِيهَا تَفْصِيلٌ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَقْلًا عَنْ الْمَجْمُوعِ: وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالْفَوَاكِهُ فَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا لَا يَابِسًا كَالْيَقْطِينِ، فَيَجُوزُ بِهِ يَابِسًا إذَا كَانَ مُزِيلًا لَا رَطْبًا. وَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَيَابِسًا. وَهُوَ أَقْسَامٌ: أَحَدُهَا: مَأْكُولُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَالتِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ، فَلَا يَجُوزُ بِرَطْبِهِ وَلَا يَابِسِهِ. وَالثَّانِي: مَأْكُولٌ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ كَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَكُلِّ ذِي نَوًى فَلَا يَجُوزُ بِظَاهِرِهِ وَيَجُوزُ بِنَوَاهُ الْمُنْفَصِلِ. وَالثَّالِثُ: مَا لَهُ قِشْرٌ وَمَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ، فَلَا يَجُوزُ بِلُبِّهِ، وَأَمَّا قِشْرُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا كَالرُّمَّانِ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ حَبُّهُ فِيهِ أَوْ لَا. فَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا وَيَابِسًا كَالْبِطِّيخِ لَمْ يَجُزْ فِي الْحَالَيْنِ، فَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا فَقَطْ كَالْجَوْزِ وَالْبَاقِلَّا جَازَ يَابِسًا لَا رَطْبًا. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ إلَخْ) وَجُزْءُ آدَمِيٍّ وَلَوْ مُهْدَرًا كَحَرْبِيٍّ وَلَوْ مُنْفَصِلًا، وَجُزْءُ حَيَوَانٍ وَلَوْ مِنْ نَحْوِ صُوفٍ وَشَعْرٍ مُتَّصِلًا، وَمِنْهُ شَعْرُ الْقُنْفُذِ فَيَجُوزُ بِهِ مُنْفَصِلًا مِنْ مُذَكَّى أَوْ حَيٍّ، وَإِلَّا فَلَا. هَكَذَا رَأَيْتُ التَّفْصِيلَ بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ م د. وَفِي حَاشِيَةِ الَأُجْهُورِيُّ: التَّرَدُّدُ فِي شَعْرِ الْقُنْفُذِ هَلْ يُلْحَقُ بِالشَّعْرِ أَوْ الْعَظْمِ؟ . وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ وَلَا يُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِحَيَوَانٍ أَوْ جُزْئِهِ الْمُتَّصِلِ أَوْ الْمُنْفَصِلِ، نَعَمْ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَرْبِيِّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِصْمَةِ نَفْسِهِ وَتَرْكِهَا، وَلَا بِمَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ أَوْ مَنْسُوخٌ لَمْ يُعْلَمْ تَبْدِيلُهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ عَالِمٍ مُسْتَبْحِرٍ مُطَالَعَةُ التَّوْرَاةِ إنْ عَلِمَ تَبْدِيلَهَا أَوْ شَكَّ فِيهِ، وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ أَيْضًا كُتُبُ عِلْمٍ مُحْتَرَمٍ كَمَنْطِقٍ وَطِبٍّ خَلَيَا مِنْ مَحْذُورٍ كَالْمَوْجُودِينَ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّ تَعَلُّمَهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لِعُمُومِ نَفْعِهِمَا وَلَيْسَ لِلْمَحْرُوقِ احْتِرَامٌ لِذَاتِهِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (اسْمٌ مُعَظَّمٌ) كَاسْمِ نَبِيٍّ كُتِبَ بِقَصْدِ اسْمِهِ، أَوْ أُطْلِقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كُتِبَ بِقَصْدِ غَيْرِهِ، وَلَا يَلْحَقُ بِعَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ عَوَامُّ الْبَشَرِ، وَإِنْ كَانُوا أَفْضَلَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ عَوَامَّ الْمَلَائِكَةِ مَعْصُومُونَ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَا لَا يُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ) أَمَّا مَنْفَعَةُ الطِّبِّ فِيهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلطَّبِيبِ فِي الْأَمْرَاضِ إذَا أَخْبَرَ الْمَرِيضَ بِأَنَّ الْمَاءَ يَضُرُّهُ تَيَمَّمَ، وَأَمَّا مَنْفَعَةُ الْعَرُوضِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِشِعْرٍ؛ لِأَنَّ الشِّعْرَ كَلَامٌ مَوْزُونٌ مُقَفًّى عَنْ قَصْدٍ، وَمَا وُجِدَ مِنْ الْآيَاتِ مَوْزُونًا فَلَيْسَ مَقْصُودًا بِهِ الشِّعْرُ. قَوْلُهُ: (مُشْتَمِلٌ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْفَلْسَفَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا) أَيْ فَلَا يَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) أَيْ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْ هَذَا التَّفْصِيلِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ انْفَصَلَ أَوْ لَا. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ انْقَطَعَتْ نِسْبَتُهُ عَنْهُ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَيُفَارِقُ الْمَسَّ حَيْثُ جُوِّزَ إنْ انْقَطَعَتْ نِسْبَتُهُ لَهُ بِغِلَظِ الِاسْتِنْجَاءِ دُونَ الْمَسِّ. اهـ. وَعَلَى قِيَاسِهِ كِسْوَةُ الْكَعْبَةِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُصْحَفَ أَشَدُّ حُرْمَةً اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ الِاسْتِنْجَاءِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ خَمْسَةٌ وَتَرَكَ سَادِسًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَنْقَطِعُ الْخَارِجُ، وَحُكْمُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 ثَانِيًا بَعْدَ جَفَافِ بَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَوَصَلَ إلَى مَا وَصَلَ إلَيْهِ الْأَوَّلُ كَفَى فِيهِ الْحَجَرُ. وَحُكْمُ الْغَائِطِ الْمَائِعِ كَالْبَوْلِ فِي ذَلِكَ وَأَنْ لَا يَنْتَقِلَ عَنْ الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ، وَأَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ نَجِسًا كَانَ أَوْ طَاهِرًا رَطْبًا وَلَوْ بِبَلَلِ الْحَجَرِ، أَمَّا الْجَافُّ الطَّاهِرُ فَلَا يُؤَثِّرُ فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ، نَعَمْ الْبَلَلُ بِعَرَقِ الْمَحَلِّ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ، وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ الْمَذْكُورُ مِنْ فَرْجٍ مُعْتَادٍ فَلَا يُجْزِئُ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِ، كَالْخَارِجِ بِالْفَصْدِ وَلَا فِي مُنْفَتِحٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَلَوْ كَانَ الْأَصْلِيُّ مُنْسَدًّا؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا فِي بَوْلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِ قُبُلَيْهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ آلَةٌ فَقَطْ لَا تُشْبِهُ آلَةَ الرِّجَالِ وَلَا آلَةَ النِّسَاءِ أَجْزَأَ الْحَجَرُ فِيهَا، وَلَا فِي بَوْلِ ثَيِّبٍ تَيَقَّنَتْهُ دَخَلَ مَدْخَلَ الذَّكَرِ لِانْتِشَارِهِ عَنْ مَخْرَجِهِ بِخِلَافِ الْبِكْرِ؛ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ تَمْنَعُ نُزُولَ الْبَوْلِ مَدْخَلَ الذَّكَرِ، وَلَا فِي بَوْلِ الْأَقْلَفِ إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى الْجِلْدَةِ، وَيُجْزِئُ فِي دَمِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا وَعَجَزَتْ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَاسْتَنْجَتْ بِالْحَجَرِ، ثُمَّ تَيَمَّمَتْ لِنَحْوِ مَرَضٍ فَإِنَّهَا تُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهَا، وَلَوْ نَدَرَ الْخَارِجُ كَالدَّمِ وَالْوَدْيِ وَالْمَذْيِ أَوْ انْتَشَرَ فَوْقَ عَادَةِ النَّاسِ، وَقِيلَ عَادَةِ نَفْسِهِ. وَلَمْ يُجَاوِزْ فِي الْغَائِطِ صَفْحَتَهُ وَهِيَ مَا انْضَمَّ مِنْ الْأَلْيَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ وَفِي   [حاشية البجيرمي] كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَاءُ وَالْمُتَّصِلُ بِمَا عَلَى الْمَنْفَذِ يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَ لِلْحَجَرِ شُرُوطًا مِنْ حَيْثُ اسْتِعْمَالُهُ، وَهُمَا شَرْطَانِ تَقَدَّمَا فِي قَوْلِهِ: وَيَجِبُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ أَمْرَانِ إلَخْ. وَشُرُوطًا فِي الْمَحَلِّ مِنْ حَيْثُ الْخَارِجُ وَهِيَ مَا ذُكِرَ هَهُنَا، وَشُرُوطًا مِنْ حَيْثُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي فَرْجٍ مُعْتَادٍ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي، وَلَهُ شُرُوطٌ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جَامِدًا طَاهِرًا قَالِعًا غَيْرَ مُحْتَرَمٍ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَجِفَّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا. قَوْلُهُ: (النَّجِسُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ الْخَارِجِ إذْ لَا يَكُونُ إلَّا نَجِسًا اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ بَالَ ثَانِيًا) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا كَانَ الثَّانِي مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ، فَلَوْ بَالَ وَجَفَّ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ أَوْ قَيْحٌ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ اهـ. ز ي. وَمِثْلُ الدَّمِ أَوْ قَيْحٍ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ. اهـ. ز ي. وَمِثْلُ الدَّمِ فِي ذَلِكَ الْوَدْيُ وَالْمَذْيُ، نَعَمْ يُغْتَفَرُ الْوَدْيُ وَالدَّمُ الْخَارِجُ عَقِبَ الْبَوْلِ فَيَكْفِي الْحَجَرُ، وَنُقِلَ عَنْ تَقْرِيرِ الزِّيَادِيِّ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْوَدْيَ وَالْمَذْيَ كَالْبَوْلِ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ ع ش اهـ. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ م ر تَعَيَّنَ الْمَاءُ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ. اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَوَصَلَ إلَى مَا وَصَلَ إلَيْهِ الْأَوَّلُ) أَيْ، وَإِنْ زَادَ عَلَى مَحَلِّ الْأَوَّلِ اهـ اج. فَالشَّرْطُ عَدَمُ نُقْصَانِ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يَنْتَقِلَ) أَيْ مَعَ الِاتِّصَالِ، وَأَمَّا قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ فَلَا يَضُرُّ الِانْتِقَالُ إلَّا إذَا جَاوَزَ الصَّفْحَةَ وَالْحَشَفَةَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَالَ ع ش عَلَى الْغَزِّيِّ: وَلَمْ يَذْكُرْ التَّقَطُّعَ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالِانْتِقَالِ مَا يَشْمَلُهُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الِانْتِقَالِ الِاسْتِقْرَارُ، ثُمَّ السَّيَلَانُ بِتَقَطُّعِ أَوَّلًا وَالتَّقَطُّعُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْخَارِجِ تَقَطُّعُ ابْتِدَاءٍ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَا يَطْرَأُ) الطُّرُوُّ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مَوْجُودًا قَبْلُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (نَجِسًا كَانَ) أَيْ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (أَوْ طَاهِرًا أَوْ رَطْبًا) هَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ الْمَحَلِّ فِيمَا إذَا اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ ثُمَّ قَضَى حَاجَتَهُ أَيْضًا قَبْلَ جَفَافِهِ، ثُمَّ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ، فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَى حَجّ. وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ تَعَيُّنَ الْمَاءِ إذْ لَمْ يَسْتَثْنُوا إلَّا الْعَرَقَ. اهـ اج. فَقَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي بِعَرَقِ الْمَحَلِّ قَيْدٌ. قَوْلُهُ: (مُعْتَادٌ) لَوْ قَالَ أَصْلِيٌّ لَكَانَ أَوْلَى ق ل. أَيْ: وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِالْمُعْتَادِ الْأَصْلِيَّ. قَوْلُهُ: (مُنْسَدًّا) أَيْ انْسِدَادًا عَارِضًا، وَإِلَّا كَفَى فِيهِ الْحَجَرُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ لَهُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ لَهُ آلَةٌ فَقَطْ) أَيْ يَخْرُجُ مِنْهَا الْبَوْلُ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي بَوْلِ ثَيِّبٍ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ، وَأَنْ لَا يَنْتَقِلَ عَنْ الْمَحَلِّ إلَخْ فَالْمُنَاسِبُ تَفْرِيعُهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (تَيَقَّنَتْهُ) أَمَّا إذَا لَمْ تَتَيَقَّنْ دُخُولَهُ فَيُجْزِيهَا الْحَجَرُ وَمِثْلُهَا الْبِكْرُ. قَوْلُهُ: (عَنْ مَخْرَجِهِ) أَيْ مَحَلِّ خُرُوجِهِ الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ) أَيْ يَقِينًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ الْحَجَرُ. قَوْلُهُ: (وَيُجْزِئُ فِي دَمِ حَيْضٍ إلَخْ) وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غُسْلِهَا فَلَا تَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، وَرُدَّ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَفَائِدَتُهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِيمَنْ انْقَطَعَ) مُتَعَلِّقٌ بِالْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ. قَوْلُهُ: (وَعَجَزَتْ) أَيْ حِسًّا أَوْ شَرْعًا. قَوْلُهُ: (لِنَحْوِ مَرَضٍ) كَسَفَرٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَدَرَ إلَخْ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَوْ نَادِرًا كَدَمٍ وَوَدْيٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَتَى بِهِ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ أَمَّا النَّادِرُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَلْيَيْنِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الْبَوْلِ حَشَفَتَهُ وَهِيَ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ جَازَ الْحَجَرُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ. أَمَّا النَّادِرُ فَلِأَنَّ انْقِسَامَ الْخَارِجِ إلَى مُعْتَادٍ وَنَادِرٍ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وَيَعْسُرُ الْبَحْثُ عَنْهُ، فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِالْمَخْرَجِ، وَأَمَّا الْمُنْتَشِرُ فَوْقَ الْعَادَةِ فَلِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَلَمَّا صَحَّ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ أَكَلُوا التَّمْرَ لَمَّا هَاجَرُوا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَادَتَهُمْ وَهُوَ مِمَّا يَرِقُّ الْبُطُونَ، وَمَنْ رَقَّ بَطْنُهُ انْتَشَرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُؤَمَّرُوا بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ ضَبْطُهُ فَنِيطَ الْحُكْمُ بِالصَّفْحَةِ وَالْحَشَفَةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَإِنْ جَاوَزَ الْخَارِجُ مَا ذُكِرَ مَعَ الِاتِّصَالِ لَمْ يَجُزْ الْحَجَرُ لَا فِي الْمُجَاوِزِ وَلَا فِي غَيْرِهِ لِخُرُوجِهِ عَمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَلَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ لِدُودٍ وَبَعْرٍ بِلَا لَوْثٍ لِفَوَاتِ مَقْصُودِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ تَخْفِيفِهَا وَلَكِنْ يُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. وَالْوَاجِبُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ النَّجَاسَةِ وَلَا يَضُرُّ شَمُّ رِيحِهَا بِيَدِهِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا عَلَى الْمَحَلِّ، وَإِنْ حَكَمْنَا عَلَى يَدِهِ بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّ مَحَلَّ الرِّيحِ بَاطِنُ الْأُصْبُعِ الَّذِي كَانَ مُلَاصِقًا لِلْمَحَلِّ لِاحْتِمَالِ   [حاشية البجيرمي] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ تَثْنِيَةُ أَلْيَةٍ. قَوْلُهُ: (أَمَّا النَّادِرُ) أَيْ أَمَّا الْإِجْزَاءُ فِي النَّادِرِ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ أَمَّا النَّادِرُ فَيَتَكَرَّرُ وَيَعْسُرُ الْبَحْثُ عَنْهُ فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ، وَهِيَ أَخْصَرُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَيْ فَأُلْحِقَ النَّادِرُ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ. قَوْلُهُ: (فَلِأَنَّ انْقِسَامَ الْخَارِجِ) أَيْ نَوْعَ الْخَارِجِ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي خَرَجَ لَا يَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ حَتَّى يَحْصُلَ التَّكَرُّرُ. قَوْلُهُ: (وَيَعْسُرُ الْبَحْثُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْخَارِجِ هَلْ هُوَ نَادِرٌ أَوْ لَا؟ قَوْلُهُ: (فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِالْمَخْرَجِ) أَيْ بِخُرُوجِ الْمَخْرَجِ مُطْلَقًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِالْخَارِجِ. قَوْلُهُ: (فَلِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ) أَيْ الِانْتِشَارِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مِمَّا يَرِقُّ الْبُطُونَ) أَيْ مَا فِي الْبُطُونِ فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ، وَإِرَادَةِ الْحَالِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ رَقَّ بَطْنُهُ إلَخْ) رَقَّ الثَّلَاثِيُّ لَازِمٌ وَالْمُتَعَدِّي مِنْهُ رُبَاعِيٌّ، وَهُوَ أَرَقَّ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْخَارِجَ يَتَعَذَّرُ ضَبْطُهُ أَيْ حِفْظُهُ عَنْ الِانْتِشَارِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا) أَيْ الْحَشَفَةِ. وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا وَهِيَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ إذْ لَمْ يَقُمْ مَقَامَ الصَّفْحَةِ شَيْءٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَقُومُ مَقَامَهَا جَوَانِبُ الثَّقْبِ الَّذِي أُقِيمَ مَقَامَ الْمُنْسَدِّ حُرِّرَ. قَوْلُهُ: (مَعَ الِاتِّصَالِ) فَإِنْ تَقَطَّعَ تَعَيَّنَ فِي الْمُنْفَصِلِ الْمَاءُ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ صَفْحَةً وَلَا حَشَفَةً، فَإِنْ تَقَطَّعَ وَجَاوَزَ بِأَنْ صَارَ بَعْضُهُ بَاطِنَ الْأَلْيَةِ أَوْ فِي الْحَشَفَةِ وَبَعْضُهُ خَارِجَهَا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ. وَفِي شَرْحِ م ر: أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ مُجَاوِزِ الصَّفْحَةِ وَالْحَشَفَةِ فِيمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ دَائِمًا بِشَرْطِ أَنْ يَفْقِدَ الْمَاءَ. اهـ م د. قَوْلُهُ: (مِنْ إزَالَةِ) بَيَانٌ لِمَقْصُودٍ، وَالْمُرَادُ إزَالَتُهَا بِالْمَاءِ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ تَخْفِيفُهَا) أَيْ بِالْحَجَرِ. قَوْلُهُ: (وَالْوَاجِبُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ) أَيْ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ إلَى أَنْ يَغْلِبَ إلَخْ. وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ اسْتِعْمَالُ قَدْرٍ مِنْ الْمَاءِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُهُ، إذْ عِبَارَتُهُ فِيهَا إبْهَامٌ. قَالَ ق ل: وَعَلَامَتُهُ ظُهُورُ الْخُشُونَةِ بَعْدَ النُّعُومَةِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَثْلِيثٌ، وَإِنْ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا م ر فَرَاجِعْهُ اهـ. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: أَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ فَيُسَنُّ فِيهِ التَّثْلِيثُ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. قَالَ ع ش: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَ مَاءً حَتَّى غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ النَّجَاسَةِ فَهِيَ كَالْغَسْلَةِ الْوَاحِدَةِ فَيُسَنُّ أَنْ يَأْتِيَ بِثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ شَمُّ رِيحِهَا بِيَدِهِ) . فَائِدَةٌ: إذَا أَرَدْت أَنْ لَا يَظْهَرَ لِلنَّجَاسَةِ رِيحٌ فِي يَدِك فَبُلَّهَا بِالْمَاءِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ اهـ ح ف. قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَكَمْنَا عَلَى يَدِهِ بِالنَّجَاسَةِ) أَيْ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَبْلَ غَسْلِهَا وَيَتَنَجَّسُ مَا أَصَابَهَا مَعَ الرُّطُوبَةِ إنْ عَلِمَ مُلَاقَاتَهَا الْعَيْنَ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ عَلَى الْإِصَابَةِ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّا لَا نُنَجَّسُ بِالشَّكِّ اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ إلَخْ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إلَّا أَنَّ شَمَّهَا مِنْ الْمُلَاقِي لِلْمَحَلِّ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَتِهِمَا. قُلْت: وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّا لَا نُنَجَّسُ بِالشَّكِّ، وَأَمَّا التَّعْلِيلُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ خُفِّفَ فِيهِ يَقْتَضِي عَدَمَ تَنَجُّسِ الْمَحَلِّ سَوَاءٌ شَمَّهَا مِنْ الْمُلَاقِي أَمْ لَا. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَإِطْلَاقُهُمْ يُخَالِفُهُ أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشُمَّهَا مِنْ الْمُلَاقِي أَوْ لَا لِلْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ. اهـ اج: وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: مُقْتَضَى الْعِلَّةِ الْأُولَى الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الْمَوْضِعِ حَيْثُ تَحَقَّقَ أَنَّ الرِّيحَ مِنْ الْمَحَلِّ الْمُلَاقِي لِلنَّجَاسَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمَوْضِعِ، وَإِنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 أَنَّهُ مِنْ جَوَانِبِهِ فَلَا تَنْجُسُ بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ خُفِّفَ فِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ فَخُفِّفَ فِيهِ هُنَا فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِغَلَبَةِ ظَنِّ زَوَالِ النَّجَاسَةِ. (فَإِذَا أَرَادَ) الْمُسْتَنْجِي (الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ (فَالْمَاءُ أَفْضَلُ) مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ، بِخِلَافِ الْحَجَرِ وَلَا اسْتِنْجَاءَ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ، فَقَدْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ النَّوْمِ وَالرِّيحِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ إذَا كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا لَمْ يَبْعُدْ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي دُخَانِ النَّجَاسَةِ، وَهَذَا مَرْدُودٌ فَقَدْ قَالَ الْجُرْجَانِيِّ: إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ. وَصَرَّحَ الشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ بِتَأْثِيمِ فَاعِلِهِ، وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: يَقُولُ بَعْدَ فَرَاغِ الِاسْتِنْجَاءِ: اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنْ النِّفَاقِ وَحَصِّنْ فَرْجِي مِنْ الْفَوَاحِشِ. (وَيَجْتَنِبُ) قَاضِي الْحَاجَةِ (اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارَهَا) نَدْبًا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ مَعَ سَاتِرٍ مُرْتَفِعٍ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ   [حاشية البجيرمي] وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ إلَى إلَخْ. فَتُسْتَصْحَبُ غَلَبَةُ ظَنِّ زَوَالِ النَّجَاسَةِ، وَكَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ بَعْدَ تَيَقُّنِ أَنَّ رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ فِي الْمَحَلِّ الْمُلَاقِي لِلدُّبُرِ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ: (خُفِّفَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ إزَالَةُ الرَّائِحَةِ عَلَى أُشْنَانٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَنْجِي) فِيهِ حُذِفَ الْفَاعِلُ فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي جُوِّزَ حَذْفُهُ فِيهَا. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْفَاعِلِ الْمُسْتَتِرِ فِي الْفِعْلِ بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ. قَوْلُهُ: (وَلَا اسْتِنْجَاءَ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْخَارِجِ الْمُلَوَّثِ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَمَا قِيلَ بِهِ) أَيْ بِنَظِيرِهِ. أَيْ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا أَصَابَ دُخَانُ النَّجَاسَةِ مَحَلًّا رَطْبًا فَإِنَّهُ يَتَنَجَّسُ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّ دُخَانَ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ وَالرِّيحُ طَاهِرٌ، وَعِبَارَةُ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُكْرَهُ مِنْ الرِّيحِ إلَّا إنْ خَرَجَ وَالْمَحَلُّ رَطْبٌ. اهـ. أَيْ فَلَا يُكْرَهُ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ خُرُوجِ الدُّودِ وَالْبَعْرِ الْخَالِيَيْنِ عَنْ الرُّطُوبَةِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الرُّطُوبَةِ اهـ. إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ) أَيْ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنْ النِّفَاقِ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ نِفَاقُ الِاعْتِقَادِ أَيْ الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ كَاعْتِقَادِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَدِمْ تَطْهِيرَهُ مِنْهُ، أَوْ نِفَاقُ الْعَمَلِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ قَطِّعْ أُصُولَهُ مِنْ الْقُوَّةِ الشَّهَوِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ. قَوْلُهُ: (وَيَجْتَنِبُ إلَخْ) لَوْ قُدِّمَ هَذَا عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ لَوَافَقَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ، وَلَعَلَّهُ خَالَفَ ذَلِكَ اهْتِمَامًا بِالْوَاجِبِ ق ل. أَيْ؛ لِأَنَّ غَالِبَ هَذَا مَنْدُوبٌ، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْعُ مُوَلِّيهِ مِمَّا يَحْرُمُ وَيُنْدَبُ مَنْعُهُ مِمَّا يُكْرَهُ ق ل. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا حُرْمَةُ شِرَاءِ آلَةِ اللَّهْوِ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرَةِ، فَقَوْلُهُ: وَيَجْتَنِبُ أَيْ الْمُكَلَّفُ وَوَلِيُّ غَيْرِهِ، وَكَلَامُ الْمَتْنِ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ وَنَدْبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَفِي الصَّحْرَاءِ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِسَاتِرٍ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَالِاجْتِنَابُ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ فَالِاجْتِنَابُ وَاجِبٌ. وَكَلَامُ الشَّارِحِ لَا يَأْبَى هَذَا وَلَيْسَ قَوْلُهُ نَدْبًا تَخْصِيصًا لِلنَّدْبِ بِإِحْدَى الصُّورَتَيْنِ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ وَتَفْصِيلٌ لِلْمُرَادِ مِنْهُ فَبَيَّنَهُ بِقَوْلِ نَدْبًا، وَبِقَوْلِهِ يَحْرُمَانِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (قَاضِي الْحَاجَةِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ مُرِيدُ قَضَائِهَا. اهـ. وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْقَاضِي عَلَى الْقَاضِي بِالْفِعْلِ، وَعَلَى مُرِيدِ قَضَائِهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ السُّنَنِ الْآتِيَةِ خَاصٌّ بِالْقَاضِي بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: (اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ) أَيْ عَيْنَ الْكَعْبَةِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا، قَالَ فِي الْخَادِمِ، مِنْ الْمُهِمِّ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالْقِبْلَةِ هُنَا هَلْ هُوَ الْعَيْنُ أَوْ الْجِهَةُ فَيُحْتَمَلُ الْعَيْنُ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ حَيْثُ أُطْلِقَ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ، وَيُحْتَمَلُ الْجِهَةُ لِقَوْلِهِ: «وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» اهـ. وَلَعَلَّ الْمُتَّجَهَ الثَّانِي ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا م ر قَالَهُ ثُمَّ اعْتَمَدَ الْأَوَّلَ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (مَعَ سَاتِرٍ) قَالَ شَيْخُنَا م ر: عَرِيضٌ بِحَيْثُ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَخَالَفَهُ حَجّ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوَافِقُهُ وَلَوْ كَفَاهُ دُونَ ثُلُثِ ذِرَاعٍ كَفَى، أَوْ احْتَاجَ إلَى زِيَادَةٍ وَجَبَتْ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيُشْتَرَطُ فِي عَرْضِ السَّاتِرِ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ مَا تَوَجَّهَ بِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْقَائِمُ وَالْجَالِسُ. اهـ. قَوْلُهُ: (مُرْتَفِعٌ) أَيْ فِي حَقِّ الْجَالِسِ، وَعَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتُرُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ، وَأَخَذَ مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 تَقْرِيبًا فَأَكْثَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، وَإِرْخَاءُ ذَيْلِهِ كَافٍ فِي ذَلِكَ فَهُمَا حِينَئِذٍ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَيَحْرُمَانِ فِي الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَ (فِي الصَّحْرَاءِ) بِدُونِ السَّاتِرِ الْمُتَقَدِّمِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» . وَفِيهِمَا: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» . وَقَالَ جَابِرٌ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْته قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، فَحَمَلُوا الْخَبَرَ الْأَوَّلَ الْمُفِيدَ لِلْحُرْمَةِ عَلَى الْقَضَاءِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ لِسُهُولَةِ اجْتِنَابِ الْمُحَاذَاةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ مَعَ الصَّحْرَاءِ، فَيَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَنَا تَرْكَهُ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْمُعَدُّ لِذَلِكَ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ وَلَا كَرَاهَةَ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى   [حاشية البجيرمي] وَالِدُ شَيْخِنَا أَنَّهُ لَوْ قَضَى حَاجَتَهُ قَائِمًا لَا بُدَّ أَنْ يَسْتُرَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ صِيَانَةً لِلْقِبْلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَوْرَةُ تَنْتَهِي لِلرُّكْبَةِ اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (فَهُمَا) أَيْ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذْ كَانَ الْبِنَاءُ غَيْرَ مُعَدٍّ مَعَ السَّاتِرِ خِلَافَ الْأَوْلَى وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَفِي الصَّحْرَاءِ) وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ ذَلِكَ فَقِيلَ؛ لِأَنَّ الصَّحْرَاءَ لَا تَخْلُو عَنْ مُصَلٍّ مِنْ مَلَكٍ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ إنْسِيٍّ، فَرُبَّمَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى فَرْجِهِ فَيَتَأَذَّى، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مُعَظَّمَةٌ فَوَجَبَ صِيَانَتُهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَرَخَّصَ فِي الْبُنْيَانِ لِلْمَشَقَّةِ. قَوْله: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْجَوَازِ وَالتَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَسْتَقْبِلُوا) الْمُرَادُ بِالِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَوْ يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ بِعَيْنِ الْخَارِجِ لَا بِالصَّدْرِ حَتَّى لَوْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَبَالَ أَوْ اسْتَقْبَلَهَا وَثَنَى ذَكَرَهُ لِغَيْرِ جِهَتِهَا وَبَالَ، فَلَا حُرْمَةَ اهـ. ق ل خِلَافًا لِلزِّيَادِيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاسْتِدْبَارِهَا كَشْفُ دُبُرِهِ إلَى جِهَتِهَا حَالَ خُرُوجِ الْخَارِجِ مِنْهُ بِأَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَهُ إلَيْهَا كَاشِفًا لِدُبُرِهِ حَالَ خُرُوجِ الْخَارِجِ، وَأَنَّهُ إذَا اسْتَقْبَلَ أَوْ اسْتَدْبَرَ مِنْ جِهَتِهَا لَا يَجِبُ الِاسْتِتَارُ أَيْضًا عَنْ الْجِهَةِ الْمُقَابِلَةِ لِجِهَتِهَا، وَإِنْ كَانَ الْفَرْجُ مَكْشُوفًا إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ حَالَ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْفَرْجِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ لَيْسَ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَلَا مِنْ اسْتِدْبَارِهَا خِلَافًا لَمَّا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ) عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ أَيْ لَا تَسْتَقْبِلُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِغَائِطٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ جَعْلُ الشَّيْءِ قُبَالَةَ الْوَجْهِ، وَالِاسْتِدْبَارُ جَعْلُ الشَّيْءِ جِهَةَ دُبُرِهِ. قَوْلُهُ: «وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» فَإِنْ قُلْت: إنْ شَرَّقْنَا اسْتَقْبَلْنَا، وَإِنْ غَرَّبْنَا اسْتَدْبَرْنَا. قُلْت: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ دَانَاهُمْ، فَإِنَّهُمْ إذَا شَرَّقُوا لَمْ يَسْتَقْبِلُوا، وَإِذَا غَرَّبُوا لَمْ يَسْتَدْبِرُوا اهـ. زِيَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ مَعَ السَّاتِرِ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ. قَوْلُهُ: (مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ) هَذَا هُوَ مَحَلُّ الدَّلِيلِ. قَوْلُهُ: (فَرَأَيْته قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي النَّسْخِ فَيَقْتَضِي الْجَوَازَ مُطْلَقًا. قُلْت: هَذَا مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ فِي بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ أَيْ رَآهُ فِي الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَآهُ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ مَعَ السَّاتِرِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُبَالَغَتِهِ فِي السِّتْرِ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ. قَوْلُهُ: (فَحَمَلُوا الْخَبَرَ الْأَوَّلَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: إذَا أَتَيْتُمْ إلَخْ. أَيْ وَحَمَلُوا الْخَبَرَ الثَّانِي وَهُوَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّامِلُ لِاسْتِقْبَالِهِ الَّذِي رَوَاهُ جَابِرٌ، وَاسْتِدْبَارُهُ الَّذِي فَعَلَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ عَلَى غَيْرِ الْمُعَدِّ مَعَ السَّاتِرِ وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى، لَكِنَّ فِعْلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ كَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانًا لِلْجَوَازِ. اهـ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ) وَهُوَ الْبِنَاءُ غَيْرُ الْمُعَدِّ مَعَ السَّاتِرِ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ الْمَذْكُورِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَيَحْرُمَانِ فِي الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَفِي الصَّحْرَاءِ بِدُونِ السَّاتِرِ، وَغَيْرَ الْمَذْكُورِ تَحْتَهُ صُورَتَانِ: أَنْ يَكُونَ مُعَدًّا مُطْلَقًا، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُعَدٍّ مَعَ السَّاتِرِ، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بَعْدُ: أَمَّا الْمُعَدُّ إلَخْ. يَقْتَضِي أَنَّهُ خَاصٌّ بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الثَّانِيَةُ، وَمِنْ ثَمَّ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمُحَشِّي. قَوْلُهُ: (مَعَ الصَّحْرَاءِ) أَيْ وَمَعَ السَّاتِرِ م د. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُعَدُّ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الرِّيحُ تَهُبُّ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَشِمَالِهَا، فَإِنَّهُمَا لَا يُحَرَّمَانِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ تَعَيَّنَ الِاسْتِدْبَارُ وَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَلَا اسْتِدْبَارُهَا حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ أَوْ الْجِمَاعِ أَوْ إخْرَاجِ الرِّيحِ، إذْ النَّهْيُ عَنْ اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الثَّلَاثَةِ. (وَيُجْتَنَبُ) نَدْبًا (الْبَوْلُ) وَالْغَائِطُ (فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) لِلنَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِيهِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَمِثْلُهُ الْغَائِطُ بَلْ أَوْلَى،   [حاشية البجيرمي] مُشَوَّشٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَلَاءَ تَارَةً يُعَبِّرُ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ بِالْمُعَدِّ، وَتَارَةً يُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِمَأْوَى الْجِنِّ، فَالْإِعْدَادُ يَحْصُلُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ بِالتَّهْيِئَةِ لِلْمَحَلِّ كَبُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ، وَإِنْ لَمْ تُقْضِ فِيهَا الْحَاجَةُ بِالْفِعْلِ، وَبِقَضَاءِ الْحَاجَةِ بِالْفِعْلِ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَهْيِئَةٌ لِلْمَحَلِّ. قَوْلُهُ: (وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى) أَيْ وَلَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَيَصِحُّ نَصْبُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِيَكُونَ مَحْذُوفَةً، وَأَمَّا كَوْنُهُ مَعْمُولًا لِلَا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ بِالْإِضَافَةِ، وَهِيَ إنَّمَا تُعْمَلُ فِي النَّكِرَاتِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ: عَمَلٌ إنْ اجْعَلْ لِلَا فِي نَكِرَهْ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُمَا لَا يَحْرُمَانِ لِلضَّرُورَةِ) أَيْ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَنَجُّسُهُ بِالْخَارِجِ، وَإِلَّا رَاعَى الْقِبْلَةَ. اهـ. طَبَلَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَعَارَضَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا ق ل: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعَارُضَ لَا يُتَصَوَّرُ، وَإِنْ ذَكَرَهُ جَمْعٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَالْعُلَمَاءِ. اهـ. وَأَقُولُ: يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِأَنْ يَكُونَ بِمَحَلِّ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِمَا كَأَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مُسْتَطِيلًا لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ كَاللَّحْدِ، فَلَا يَدْخُلُهُ الشَّخْصُ إلَّا مُنْحَرِفًا بِجَنْبِهِ. فَإِمَّا أَنْ يَسْتَقْبِلَ، وَإِمَّا أَنْ يَسْتَدْبِرَ، وَكَانَ الْجِدَارُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ ذِرَاعٍ، وَلَا يُمْكِنُهُ الِانْحِرَافُ إلَى غَيْرِهِمَا وَيُقَرِّبُ ذَلِكَ أَوْ يُعَيِّنُهُ مَا قَالَهُ سم أَنَّهُ لَوْ قَضَى الْحَاجَتَيْنِ لَمْ يَجِبْ السِّتْرُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَقَطْ. اهـ اج. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: وَإِذَا تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ أَيْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا، وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُمَكَّنًا وَصَوَّرُوهُ بِحُفْرَةٍ ضَيِّقَةٍ يَتَعَذَّرُ فِيهَا غَيْرُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ، وَيُمْكِنُ فِيهَا كُلٌّ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ كَاللَّحْدِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْمَيِّتُ، فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَهُ بِقَدْرِ وَضْعِ جَنْبِ الْمَيِّتِ فِيهِ، فَيَتَأَتَّى فِيهِ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ غَيْرُهُمَا أَيْ: وَكَانَ جِدَارُهُ غَيْرَ عَرِيضٍ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ السَّتْرُ الْمَطْلُوبُ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِذَا تَعَارَضَ إلَخْ. وَلَيْسَ مَعْنَى تَعَارُضِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمَا. اهـ. فَرْعٌ: أَشْكَلَ عَلَى بَعْضِ ضَعَفَةِ الطَّلَبَةِ قَوْلُهُمْ: لَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَشِمَالِهَا جَازَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ، فَلَوْ تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ قُدِّمَ الِاسْتِدْبَارُ، فَتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ جَازَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا مَعَ إمْكَانِهِمَا، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِتَعَارُضِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيمِ الِاسْتِدْبَارِ وَهُوَ خَطَأٌ وَاضِحٌ، بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ جَازَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمُمْكِنُ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَمْكَنَا فَهُوَ مَعْنَى تَعَارُضِهِمَا، وَهَذَا وَاضِحٌ. لَكِنَّ الزَّمَانَ أَحْوَجُ إلَى التَّعَرُّضِ لِذَلِكَ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (تَعَيَّنَ الِاسْتِدْبَارُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ أَفْحَشُ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ التَّقْيِيدُ بِالْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَوْلُهُ: (مُنْتَفٍ فِي الثَّلَاثَةِ) وَمَحَلُّ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ مِنْ الْآدَابِ مَا لَمْ يَغْلِبُهُ الْخَارِجُ أَوْ يَضُرُّهُ كَتْمُهُ، وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ. وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْغَضُّ مَا لَوْ احْتَاجَ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ عِنْدَ حُضُورِ مَنْ ذُكِرَ، وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِنْجَاءُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَلَا يُخَالِفُ مَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُ شَيْخِنَا فِيمَنْ خَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ؛ لِأَنَّ لِلْجُمُعَةِ بَدَلًا وَلَا كَذَلِكَ الْوَقْتُ قَالَهُ ح ل. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَيَنْبَغِي أَنَّ كَشْفَهَا وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ مُجَوِّزٌ لِلتَّرْكِ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَعْذَارِ أَنَّهَا مُسْقِطَةٌ لِلْإِثْمِ فَقَطْ، وَتَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ مَعَهَا أَوْلَى، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالُوا: لَوْ عُلِمَ مِنْ قَوْمٍ عَدَمُ رَدِّ السَّلَامِ سُنَّ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَثِمُوا فَمَا هُنَا كَذَلِكَ. اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَيُجْتَنَبُ) أَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا دُونَ مَا بَعْدَهُ إشَارَةً إلَى مُغَايَرَةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ اجْتِنَابُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ لِلْحُكْمِ الثَّانِي وَهُوَ اجْتِنَابُ الْبَوْلِ فِي الرَّاكِدِ وَمَا بَعْدَهُ اهـ. ع ش؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وَالنَّهْيُ فِي ذَلِكَ لِلْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ بِالْكَثْرَةِ وَفِي اللَّيْلِ أَشَدُّ كَرَاهَةً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بِاللَّيْلِ مَأْوَى الْجِنِّ، أَمَّا الْجَارِي فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ الْكَرَاهَةُ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ دُونَ الْكَثِيرِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ فِي اللَّيْلِ لِمَا مَرَّ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرَّمَ فِي الْقَلِيلِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ وَبِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ، فَهُوَ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِخِرْقَةٍ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَحْرِيمِهِ، وَلَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ النَّجِسِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هُنَاكَ اسْتِعْمَالًا بِخِلَافِهِ هُنَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ الْمَاءُ لَهُ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الطُّهْرُ بِهِ بِأَنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَمَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ أَوْ مُسَبَّلٍ أَوْ لَهُ وَتَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ بِأَنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَاءُ الْعَذْبُ رِبَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ فَلَا يَحِلُّ الْبَوْلُ فِيهِ. أُجِيبَ: بِمَا تَقَدَّمَ، وَيُكْرَهُ أَيْضًا قَضَاءُ الْحَاجَةِ بِقُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي يُكْرَهُ قَضَاؤُهَا فِيهِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَوَارِدِ، وَصَبُّ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ كَالْبَوْلِ فِيهِ. (وَ) يُجْتَنَبُ ذَلِكَ نَدْبًا (تَحْتَ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ) وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ مُبَاحًا فِي غَيْرِ وَقْتِ الثَّمَرَةِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّلْوِيثِ   [حاشية البجيرمي] وَالْغَائِطُ) وَهُوَ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا إلَّا أَنْ يَسْتَبْحِرَ بِحَيْثُ لَا تَعَافُهُ الْأَنْفُسُ بِحَالٍ، وَيُكْرَهُ فِي اللَّيْلِ مُطْلَقًا جَارِيًا كَانَ أَوْ رَاكِدًا، سَوَاءٌ اسْتَبْحَرَ أَمْ لَا م ر. فَالتَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي الْمَاءِ نَهَارًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي اللَّيْلِ مُطْلَقًا وَكَذَا فِي النَّهَارِ إلَّا فِي الرَّاكِدِ الْمُسْتَبْحِرِ وَالْجَارِي الْكَثِيرِ. فَرْعٌ: يُنْدَبُ اتِّخَاذُ إنَاءٍ لِلْبَوْلِ فِيهِ لَيْلًا لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّ دُخُولَ الْحَشِّ يُخْشَى مِنْهُ لَيْلًا، وَالنَّهْيُ عَنْ نَقْعِ الْبَوْلِ فِي الْبَيْتِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ مُنَقَّعٌ، كَمَا لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ جُنُبٌ أَوْ صُورَةٌ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِالِانْتِفَاعِ طُولُ الْمُكْثِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الِاتِّخَاذِ أَوْ النَّهْيِ خَاصٌّ بِالنَّهَارِ، وَرَخَّصَ فِيهِ لَيْلًا فَتَأَمَّلْهُ طَبَلَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ يُكْرَهُ فِي اللَّيْلِ) أَيْ الْبَوْلُ فِي الْكَثِيرِ الْجَارِي. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ إنَّ الْمَاءَ مَأْوَى الْجِنِّ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) جَارِيًا أَوْ رَاكِدًا. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ إنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ مَمْلُوكًا لَهُ. قَوْلُهُ: (بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ) أَيْ إمْكَانُ طُهْرِهِ بِالْكَثْرَةِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِخِرْقَةٍ) أَيْ فِي أَنَّهُ يُمْكِنُ تَطْهِيرهَا بَعْدَ تَنَجُّسِهَا فَلَا يَرِدْ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لِحَاجَةٍ بِخِلَافِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ هُنَاكَ اسْتِعْمَالًا) لَوْ قَالَ بِأَنَّ هُنَاكَ تَضَمُّخًا لَكَانَ صَوَابًا. ق ل. وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ تَضَمُّخٌ بِالنَّجَاسَةِ بَلْ اسْتِعْمَالٌ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ الْمَاءُ لَهُ) أَوْ مُبَاحًا. قَوْلُهُ: (أَوْ مُسَبَّلٍ) أَوْ مَوْقُوفٍ وَلَوْ كَانَ مُسْتَبْحِرًا كَمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ سم فِي الْحِلِّ فِي الْمُسْتَبْحِرِ، وَصُورَةُ الْمَوْقُوفِ أَنْ يَقِفَ إنْسَانٌ ضَيْعَةً مَثَلًا لِيَمْلَأَ مِنْ رِيعِهَا نَحْوَ صِهْرِيجٍ أَوْ فَسْقِيَّةٍ، أَوْ أَنْ يَقِفَ بِئْرًا فَيَدْخُلُ فِيهِ مَاؤُهُ الْمَوْجُودُ وَالْمُتَجَدِّدُ تَبَعًا، وَإِلَّا فَالْمَاءُ لَا يَقْبَلُ الْوَقْفَ قَصْدًا اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر وع ش. وَيَحْرُمُ أَيْضًا الِاسْتِنْجَاءُ فِي جِدَارٍ مَوْقُوفٍ أَوْ مَمْلُوكٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ الْبُصَاقُ وَالْمُخَاطُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِي النَّاسَ لِاسْتِقْذَارِهِمْ ذَلِكَ طَبَلَاوِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَهُ وَتَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَلَوْ كَثِيرًا لِاحْتِمَالِ تَنَجُّسِهِ بِتَغَيُّرِهِ، وَعِبَارَةُ اج ظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ مُسْتَبْحِرًا بِحَيْثُ لَا تَعَافُهُ الْأَنْفُسُ بِحَالٍ لَا حَالًا وَلَا مَآلًا مَعَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ، لَكِنْ قَالَ سم: فِي تَحْرِيمِهِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ نَظَرٌ وَلَوْ عَافَتْهُ نَفْسُ الْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ، فَالْوَجْهُ اعْتِبَارُهُ دُونَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (أُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ عَنْ نَفْسِهِ وَلِإِمْكَانِ طُهْرِ الْقَلِيلِ مِنْهُ بِالْكَثْرَةِ. قَوْلُهُ: (يَدْفَعُ النَّجَسَ) أَيْ بِاعْتِبَارِ جِنْسِهِ أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ، وَعِبَارَةُ الطَّبَلَاوِيَّ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَاءَ الْعَذْبَ فَلَا يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ رِبَوِيًّا وَفَارَقَ الطَّعَامَ بِأَنَّ لَهُ مَعَ إمْكَانِ طُهْرِهِ قُوَّةَ دَفْعِ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ بِاعْتِبَارِ جِنْسِهِ أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لَا يَدْفَعُ النَّجَسَ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُنَجَّسُ بِهِ. قَوْلُهُ: (تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الْمُرَادُ بِالتَّحْتِيَّةِ مَا تَصِلُ بِهِ الثَّمَرَةُ السَّاقِطَةُ غَالِبًا عَادَةً سم. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 عِنْدَ الْوُقُوعِ فَتَعَافُهَا النَّفْسُ وَلَمْ يُحَرِّمُوهُ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيسَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا ثَمَرٌ وَكَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ تُثْمِرَ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا لَوْ بَالَ تَحْتَهَا، ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَاءً طَهُورًا، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ. (وَ) يُجْتَنَبُ ذَلِكَ نَدْبًا (فِي الطَّرِيقِ) الْمَسْلُوكِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ. قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» تَسَبَّبَا بِذَلِكَ فِي لَعْنِ النَّاسِ لَهُمَا كَثِيرًا عَادَةً فَنُسِبَ إلَيْهِمَا بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، إذْ أَصْلُهُ اللَّاعِنَانِ فَحَوَّلَ الْإِسْنَادَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْمَعْنَى احْذَرُوا سَبَبَ اللَّعْنِ الْمَذْكُورِ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ» وَالْمَلَاعِنُ مَوَاضِعُ اللَّعْنِ وَالْمَوَارِدُ طُرُقُ   [حاشية البجيرمي] الثَّمَرَةِ الْمَمْلُوكَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ التَّنْجِيسُ أَمَّا مِنْ حَيْثُ دُخُولُ مِلْكِ الْغَيْرِ فَحَرَامٌ إنْ لَمْ يَرْضَ أَوْ يَعْتَقِدْ رِضَاهُ، وَالْمُرَادُ بِالثَّمَرَةِ مَا يُقْصَدُ الِانْتِقَاعُ بِهِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ كَشَمٍّ وَدَبْغٍ وَلَوْ نَحْوَ وَرَقٍ مِمَّا تَعَافُ الْأَنْفُسُ الِانْتِفَاعَ بِهِ بَعْدَ تَلْوِيثِهِ اج. وَهَذَا فِي شَجَرَةٍ فِي مِلْكِهِ أَوْ بِأَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ، وَأَذِنَ مَالِكُهَا أَوْ عُلِمَ رِضَاهُ، وَإِلَّا حَرُمَ، فَلَوْ كَانَتْ لَهُ وَالثَّمَرَةُ لِغَيْرِهِ اتَّجَهَ عَدَمُ الْحُرْمَةِ شَوْبَرِيٌّ، وَيُكْرَهُ مِنْ جِهَةِ الثَّمَرَةِ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ وَالْأَرْضُ لَهُ أَوْ كَانَا مُبَاحَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ دُونَ الْأَرْضِ فَإِنْ جَازَ لَهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهَا بِأَنْ كَانَ الْمَالِكُ يَرْضَى بِذَلِكَ، فَالْكَرَاهَةُ مِنْ جِهَةِ الثَّمَرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ جَاءَتْ الْحُرْمَةُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ دُونَ الثَّمَرَةِ، فَالْكَرَاهَةُ إنْ كَانَ بِإِذْنِ مَالِكِهَا، وَإِلَّا فَالْحُرْمَةُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَإِنْ جَازَ لَهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ، فَالْكَرَاهَةُ لِلثَّمَرَةِ أَيْضًا. قَالَ الْعَبَّادِيُّ: وَسَقْيُ الشَّجَرِ بِالْمَاءِ النَّجَسِ كَالْبَوْلِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ فَرَاجِعْهُ اهـ. قَوْلُهُ: (الْمُثْمِرَةِ) أَيْ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُثْمِرَ وَلَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الثَّمَرَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مُثْمِرَةً بِالْفِعْلِ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَالْمُرَادُ بِمَا يُثْمِرُ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوَانُ الْإِثْمَارِ عَادَةً كَالْوَدْيِ الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ) يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَلَا مَظْنُونَ سم. قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْغَائِطِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الْبَوْلِ خِلَافًا لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ يَطْهُرُ بِمَاءٍ وَبِجَفَافِهِ فِي الشَّمْسِ وَالرِّيحِ فِي قَوْلٍ. بِخِلَافِ الْغَائِطِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ مَكَانُهُ إلَّا بَعْدَ النَّقْلِ، وَلَا يَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فِي الْغَائِطِ أَخَفُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُرَى فَيُجْتَنَبُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِطُهْرِهِ قَبْلَ الثَّمَرَةِ بِنَحْوِ سَيْلٍ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ م ر فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (فِي الطَّرِيقِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ مُبَاحٌ. أَمَّا الْمُسَبَّلُ وَالْمَوْقُوفُ وَمِلْكُ الْغَيْرِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (الْمَسْلُوكِ) ، وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ طَارِقُوهُ طب، وَلَوْ زَلَقَ أَحَدٌ فِي الْغَائِطِ فِي الطَّرِيقِ وَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْفَاعِلِ، وَإِنْ غَطَّاهُ بِتُرَابٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِي التَّلَفِ فِعْلًا أَيْ غَيْرَ جَائِزٍ وَمَا فَعَلَهُ جَائِزٌ لَهُ ع ش عَلَى م ر. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَالُوهُ مِنْ الضَّمَانِ بِإِلْقَاءِ الْقُمَامَاتِ كَقُشُورِ الْبِطِّيخِ فِي الطَّرِيقِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ وُجُودَ الْغَائِطِ فِي الطَّرِيقِ إنَّمَا هُوَ عَنْ ضَرُورَةٍ قَامَتْ بِفَاعِلِهِ، بِخِلَافِ الْقُمَامَاتِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَالْعَشْمَاوِيُّ، وَمِثْلُهُ فِي ع ش عَلَى م ر. وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ ز ي عَمَّا لَوْ تَغَوَّطَ فِي الطَّرِيقِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُغَطِّيَهُ بِتُرَابٍ مَثَلًا أَمْ لَا؟ . فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يُغَطِّيهِ بَلْ يُبْقِيهِ بِحَالِهِ لِيُجْتَنَبَ. اهـ. قَوْلُهُ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» أَيْ اجْتَنِبُوا فِعْلَ اللَّعَّانَيْنِ أَيْ اتَّقُوا تَخَلِّي اللَّعَّانَيْنِ. «قَالُوا: وَمَا تَخَلِّي اللَّعَّانَيْنِ؟ قَالَ: تَخَلِّي الَّذِي» إلَخْ. فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَجَازًا بِالْحَذْفِ أَيْ فِعْلُ اللَّعَّانَيْنِ، وَمَجَازًا عَقْلِيًّا مِنْ بَابِ الْإِسْنَادِ إلَى السَّبَبِ كَبَنَى الْأَمِيرُ الْمَدِينَةَ؛ لِأَنَّهُمَا مَلْعُونَانِ لَا لَاعِنَانِ، لَكِنْ لَمَّا تَسَبَّبَا فِي اللَّعْنِ نُسِبَ اللَّعْنُ إلَيْهِمَا، فَالْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ فِي لَفْظِ اللَّعَّانَيْنِ، وَالْمَجَازُ بِالْحَذْفِ فِي «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» ، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِعْلُ اللَّعَّانَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ بِقَوْلِهِ تَسَبَّبَا بِذَلِكَ إلَخْ. وَأَشَارَ إلَى الْمَجَازِ بِالْحَذْفِ بِقَوْلِهِ وَالْمَعْنَى احْذَرُوا إلَخْ. قَوْلُهُ: (الَّذِي يَتَخَلَّى إلَخْ) الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى الْمُفْرَدِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69] مَرْحُومِيٌّ. وَقَالَ ع ش: كَانَ الظَّاهِرُ اللَّذَانِ يَتَخَلَّيَانِ لِيُطَابِقَ قَوْلَ السَّائِلِ وَمَا اللَّعَّانَانِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ فِي مَجَالِسِهِمْ فَيَكُونُ شَامِلًا لِمَوَاضِع الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ. قَوْلُهُ: (إذْ أَصْلُهُ اللَّاعِنَانِ) أَيْ أَصْلُهُ الثَّانِي فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَصْلَهُ الْأَوَّلُ الْمَلْعُونَيْنِ. قَوْلُهُ: (الْمَذْكُورِ) نَعْتٌ لِسَبَبٍ ق ل وَلَا يَتَعَيَّنُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُ نَعْتًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 الْمَاءِ وَالتَّخَلِّي التَّغَوُّطِ وَكَذَا الْبِرَازُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقِيسَ بِالْغَائِطِ الْبَوْلُ كَمَا صَرَّحَ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَرَاهَتُهُ، وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَلِإِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى. وَالْمُعْتَمَدُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ أَعْلَاهُ وَقِيلَ صَدْرُهُ وَقِيلَ مَا بَرَزَ مِنْهُ أَمَّا الطَّرِيقُ الْمَهْجُورُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ. (وَ) يُتَجَنَّبُ ذَلِكَ نَدْبًا فِي (الظِّلِّ) لِلنَّهْيِ عَنْ التَّخَلِّي فِي ظِلِّهِمْ أَيْ فِي الصَّيْفِ، وَمِثْلُهُ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ (وَ) فِي الثُّقْبِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ الْمُسْتَدِيرِ النَّازِلِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ لِمَا قِيلَ إنَّهُ مَسْكَنُ الْجِنِّ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ حَيَوَانٌ ضَعِيفٌ فَيَتَأَذَّى أَوْ قَوِيٌّ فَيُؤْذِيهِ أَوْ يُنَجِّسُهُ وَمِثْلُهُ السَّرَبُ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ الشِّقُّ الْمُسْتَطِيلُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَنْبَغِي تَحْرِيمُ ذَلِكَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُعَدَّ لِذَلِكَ أَيْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيمِ. (وَلَا يَتَكَلَّمُ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) أَيْ يَسْكُتُ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا يَتَكَلَّمُ بِذِكْرٍ وَلَا غَيْرِهِ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَإِنْذَارِ أَعْمَى فَلَا يُكْرَهُ، بَلْ قَدْ يَجِبُ لِخَبَرِ: «لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفِينَ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَمَعْنَى يَضْرِبَانِ يَأْتِيَانِ وَالْمَقْتُ الْبُغْضُ، وَهُوَ إنْ كَانَ عَلَى الْمَجْمُوعِ   [حاشية البجيرمي] لِلَعَنَ لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ. قَوْلُهُ: (الْبِرَازَ) بَدَلٌ مِنْ الْمَلَاعِنِ فَهُوَ مَوْضِعٌ مَجَازًا اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كَرَاهَتُهُ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ صَدْرُهُ) أَيْ أَوَّلُهُ. وَهَذَا الْخِلَافُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مَيْدَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَا بَرَزَ مِنْهُ) أَيْ مَا ظَهَرَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْلَاهُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الطَّرِيقُ الْمَهْجُورُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الْمَسْلُوكِ. قَوْلُهُ: (فِي الظِّلِّ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ الظِّلِّ أَوْ الشَّمْسِ مَحَلًّا لِلْمَعْصِيَةِ كَقَبْضِ الْمَكْسِ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ. اهـ اج. قَوْلُهُ: (مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهِمْ) أَيْ لِنَحْوِ حَدِيثٍ مُبَاحِ أَمَّا الْحَرَامُ فَلَا يُكْرَهُ بَلْ وَقِيلَ بِنَدْبِهِ تَنْفِيرًا لَهُمْ لَمْ يَبْعُدْ، وَقَدْ يَجِبُ إنْ لَزِمَ عَلَيْهِ دَفْعُ مَعْصِيَةٍ وَلَا يُكْرَهُ فِي الِاجْتِمَاعِ لِمَكْرُوهِ إنْ تَيَقَّنَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ، وَيَنْبَغِي فِي الشَّكِّ الْكَرَاهَةُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاجْتِمَاعِ الْإِبَاحَةُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ) أَيْ أَوْ فَتْحِهَا، بَلْ اقْتَصَرَ فِي الْمِصْبَاحِ عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ فَتْحُ الْمُثَلَّثَةِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا، وَشَمِلَ قَوْلُهُ الثَّقْبَ مَا حَصَلَ بِحَفْرِهِ فِي الْحَالِ وَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ، وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ سم. قَوْلُهُ: (النَّازِلُ) وَيُقَالُ لَهُ الْحُجْرُ. قَوْلُهُ: (مَسْكَنُ الْجِنِّ) وَفِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ قَتَلُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا بَالَ فِيهِ وَمِثْلُهُ الْغَائِطُ. قَوْلُهُ: (يَنْبَغِي تَحْرِيمُ ذَلِكَ) عِبَارَةُ ق ل. نَعَمْ إنْ حُمِلَ عَلَى ظَنِّ الْإِيذَاءِ لَهُ أَوْ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا يُنْدَبُ قَتْلُهُ لَمْ يَبْعُدْ تَحْرِيمُهُ. اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ) لَيْسَ قَيْدًا فَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ وَلَوْ لِغَيْرِ قَضَائِهَا، كَأَنْ دَخَلَ لِوَضْعِ إبْرِيقٍ مَثَلًا أَوْ لِسِرَاجٍ أَوْ طَالَ دِهْلِيزُهُ. وَفِي شَرْحِ ابْنِ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيِّ عَلَى الْمَتْنِ مَا يُوَافِقُ كَلَامَ الشَّارِحِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ كَمَا عَلِمْت اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ الْكَلَامُ. وَقَوْلُهُ: (بَلْ قَدْ يَجِبُ) إذَا خَشِيَ وُقُوعَ مَحْذُورٍ بِمُحْتَرَمٍ كَأَعْمَى يَقَعُ فِي نَحْوِ بِئْرٍ، وَقَدْ يُسَنُّ إنْ رَجَحَتْ مَصْلَحَتُهُ عَلَى السُّكُوتِ كَأَنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِصَدَقَةٍ وَخَشِيَ مِنْ حَيْلُولَةِ الشَّيْطَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَيُسَنُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْأَمْرِ بِالْإِعْطَاءِ، وَقَدْ يُبَاحُ لِحَاجَةٍ لَمْ تَتَرَجَّحْ الْمَصْلَحَةُ فِيهَا وَلَا يَحْرُمُ فِي حَالٍ وَلَوْ بِقُرْآنٍ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ حَيْثُ قَالَ بِتَحْرِيمِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا لِضَرُورَةٍ) وَهَلْ مِنْ الْكَلَامِ مَا يَأْتِي بِهِ قَاضِي الْحَاجَةِ مِنْ التَّنَحْنُحِ عِنْدَ طَرْقِ بَابِ الْخَلَاءِ مِنْ الْغَيْرِ لِيَعْلَمَ هَلْ فِيهِ أَحَدٌ أَمْ لَا؟ . فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُسَمَّى كَلَامًا، وَبِتَقْدِيرِهِ فَهُوَ لِحَاجَةِ وَهِيَ دَفْعُ دُخُولِ مَنْ يَطْرُقُ الْبَابَ عَلَيْهِ لِظَنِّهِ خُلُوَّ الْمَحَلِّ. اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَهُوَ إنْ كَانَ عَلَى الْمَجْمُوعِ إلَخْ) أَيْ الَّذِي هُوَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ يَصْدُقُ بِالْكُلِّ كَالْبَعْضِ، وَقَوْلُهُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فَبَعْضُ مُوجِبَاتِهِ مَكْرُوهٌ، فَلَوْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِهِ وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ أَيْ بِكَلَامٍ يُسْمِعُ بِهِ نَفْسَهُ، إذْ لَا يُكْرَهُ الْهَمْسُ وَلَا التَّنَحْنُحُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَحْرُمُ حِينَئِذٍ، وَقَوْلُ ابْنُ كَجٍّ إنَّهَا لَا تَجُوزُ أَيْ جَوَازًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَتُكْرَهُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ اللَّائِقُ بِالتَّعْظِيمِ الْمَنْعُ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهِ وَلَا إلَى الْخَارِجِ مِنْهُ وَلَا إلَى السَّمَاءِ وَلَا يَعْبَثُ بِيَدِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا. (وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ، وَ) لَا (الْقَمَرَ) بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ (وَلَا يَسْتَدْبِرُهُمَا) وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاسْتِقْبَالُ دُونَ الِاسْتِدْبَارِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ إنَّهُ لَا أَصْلَ لِلْكَرَاهَةِ فَالْمُخْتَارُ إبَاحَتُهُ، وَحُكْمُ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتِدْبَارِهِ حُكْمُ اسْتِقْبَالِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاسْتِدْبَارِهِمَا. وَيُسَنُّ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ النَّاسِ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الْبُنْيَانِ إلَى حَيْثُ لَا يُسْمَعُ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ وَلَا يُشَمُّ   [حاشية البجيرمي] فَبَعْضُ مُوجِبَاتِهِ) وَهُوَ التَّحَدُّثُ مَكْرُوهٌ، وَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ تُسْتَفَادُ كَرَاهَةُ التَّحَدُّثِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ قَوْلُهُ: وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَجْمُوعِ إلَخْ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْكَلَامِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ مَا الدَّلِيلُ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَقَطْ؟ . قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَطَسَ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ، وَإِنَّمَا أُمِرَ الْعَاطِسُ بِالْحَمْدِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِخُرُوجِ مَا احْتَقَنَ أَيْ اجْتَمَعَ فِي دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ. قَوْلُهُ: (حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِهِ) أَيْ وَيُثَابُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُمْ: الذِّكْرُ الْقَلْبِيُّ لَا ثَوَابَ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يُطْلَبْ بِخُصُوصِهِ، وَهَذَا مَطْلُوبٌ فِيهِ بِخُصُوصِهِ ع ش عَلَى م ر. قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّادَةُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ جَوَازِ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ وَالثَّوَابِ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللِّسَانِ لِخُلُوصِهِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَوَابٌ لَمَا أَمَرَ السَّادَةُ الْفُقَهَاءُ بِالْحَمْدِ بِهِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ فِيهِ ذِكْرُ اللِّسَانِ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِقَادُهُ. وَفِيهِ أَنَّ مَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُكْرَهُ فِيهِ ذِكْرُ اللِّسَانِ. وَأَجَابَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى الْحَدِيثِيَّةِ بِقَوْلِهِ: الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ ذِكْرًا مُتَعَبَّدًا بِلَفْظِهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ فَضِيلَةٌ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْضَارُهُ لِمَعْنَاهُ مِنْ تَنْزِيهِ اللَّهِ وَإِجْلَالِهِ بِقَلْبِهِ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ذِكْرُ اللِّسَانِ مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ الْقَلْبِ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا ثَوَابَ فِيهِ، فَمَنْ نَفَى عَنْهُ الثَّوَابَ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ لَفْظُهُ، وَمَنْ أَثْبَتَ فِيهِ ثَوَابًا أَرَادَ مِنْ حَيْثُ حُضُورُهُ بِقَلْبِهِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ، وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قُلْت: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ إذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ إلَى مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيكَ إذَا لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ لَا أَثَرَ لَهُ حَتَّى لَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يُجْزِيهِ فِي الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ لَا يُسَمَّى قِرَاءَةً وَلَا ذِكْرًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَمِثْلُهُ فِي ابْنِ حَجَرٍ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَتُكْرَهُ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (إلَى فَرْجِهِ) أَيْ بِلَا حَاجَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَعْبَثُ) هُوَ مِنْ بَابِ فَرِحَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ) أَيْ حَيْثُ لَا سَاتِرَ، وَعِبَارَةُ ز ي قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ أَيْ عِنْدَ طُلُوعِهَا أَوْ غُرُوبِهَا، هَكَذَا أَفْهَمَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ هِيَ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الِاسْتِقْبَالُ بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَتْ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْبَالُهَا إلَّا إذَا نَامَ عَلَى قَفَاهُ، وَحِينَئِذٍ يَبُولُ عَلَى نَفْسِهِ هَكَذَا أَفْهَمَ وَهَكَذَا الْقَمَرُ لَيْلًا. اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ) أَيْ بِعَيْنِهِمَا لَا بِصَدْرِهِ أَوْ ظَهْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (لَا أَصْلَ لِلْكَرَاهَةِ) أَيْ لِكَرَاهَةِ الِاسْتِقْبَالِ. قَوْلُهُ: (بَيْتِ الْمَقْدِسِ) الْمُرَادُ صَخْرَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. قَوْلُهُ: (حُكْمُ اسْتِقْبَالِ إلَخْ) ضَعِيفٌ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتِدْبَارَهُ بِمَا ذُكِرَ مَكْرُوهٌ بِلَا سَاتِرٍ، أَمَّا مَعَ السَّاتِرِ فَلَا كَرَاهَةَ فَإِنْ أَرَادَ الشَّارِحُ حُكْمَهُمَا الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ فَهُوَ مُعْتَمَدٌ، وَإِنْ أَرَادَ حُكْمَهُمَا الَّذِي ذَكَرَهُ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَانَ هَذَا ضَعِيفًا اهـ. م د. قَوْلُهُ: (أَنْ يَبْعُدَ عَنْ النَّاسِ) أَيْ وَلَوْ فِي الْبَوْلِ إنْ كَانَ ثَمَّ أَحَدٌ غَيْرُهُ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَفِي مَعْنَى الْإِبْعَادِ فِي الصَّحْرَاءِ اتِّخَاذُ الْكُنُفِ فِي الْبُيُوتِ، وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَالِاسْتِتَارِ بِنَحْوِ صَخْرَةٍ أَوْ رَاحِلَةٍ فِي الصَّحْرَاءِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْإِبْعَادُ فِي الْمُعَدِّ، وَهُوَ مَا نُقِلَ عَنْ الْحَلِيمِيِّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي عب، وَعَلَّلَهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 لَهُ رِيحٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِبْعَادُ عَنْهُمْ سُنَّ لَهُمْ الْإِبْعَادُ عَنْهُ كَذَلِكَ، وَيَسْتَتِرُ عَنْ أَعْيُنِهِمْ بِمُرْتَفِعِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ. مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ» وَيَحْصُلُ السِّتْرُ بِرَاحِلَةٍ أَوْ وَهْدَةٍ أَوْ إرْخَاءِ ذَيْلِهِ. هَذَا إذَا كَانَ بِصَحْرَاءَ أَوْ بُنْيَانٍ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ كَأَنْ جَلَسَ فِي وَسَطِ مَكَان وَاسِعٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَكَان يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ أَيْ لَا يَغُضُّ عَادَةً كَفَى كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ لَا يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ نَظَرِ عَوْرَتِهِ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُهَا، وَإِلَّا وَجَبَ الِاسْتِتَارُ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ فِي الْخَلْوَةِ كَحَالَةِ الِاغْتِسَالِ وَالْبَوْلِ وَمُعَاشَرَةِ الزَّوْجَةِ، أَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَيَحْرُمُ   [حاشية البجيرمي] شَرْحِهِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِي غَالِبًا مِنْ فِعْلِهَا فِيهِ مَعَ عَدَمِ الْإِبْعَادِ، وَأَطْلَقَ فِي الْإِمْدَادِ فَشَمِلَ كَلَامُهُ الْأَخْلِيَةَ الْمُعَدَّةَ بِأَنْ يَدْخُلَ أَبْعَدُهَا مِنْ الْحَاضِرِينَ إنْ سَهُلَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: إنَّهُ فِي غَايَةِ الْمَتَانَةِ وَالِاتِّجَاهِ اهـ. طَبَلَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (سُنَّ لَهُمْ الْإِبْعَادُ عَنْهُ كَذَلِكَ) أَيْ إلَى حَيْثُ لَا يُسْمَعْ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَيَسْتَتِرُ عَنْ أَعْيُنِهِمْ بِمُرْتَفِعٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا نَاشِئٌ عَنْ تَوَهُّمِ اتِّحَادِ السِّتْرِ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَالسِّتْرُ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ الْمَدَارُ هُنَا عَلَى مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ عَمَّنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ وُجِدَ فِيهِ سَاتِرُ الْقِبْلَةِ أَوْ لَا. فَلَعَلَّ الشَّارِحَ تَبِعَ فِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبَ الرَّوْضِ، وَحِينَئِذٍ فَذِكْرُ إمْكَانِ تَسْقِيفِ الْمَكَانِ وَعَدَمِهِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ ق ل. قَالَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ: وَاعْتِرَاضُهُ ظَاهِرٌ فَقَدْ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ مَا نَصُّهُ: نَعَمْ إنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ مُسَقَّفٍ أَوْ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ كَفَى السِّتْرُ بِنَحْوِ جِدَارٍ، وَإِنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَلَا يَكْفِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقِبْلَةِ، وَبَعْضُهُمْ تَوَهَّمَ اتِّحَادَ الْمَوْضِعَيْنِ فَاحْذَرْهُ. اهـ. قَوْلُهُ: (يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ) أَيْ أَنَّهُ يَحْضُرُ أَمْكِنَةَ الِاسْتِنْجَاءِ وَيَرْصُدُهَا بِالْأَذَى وَالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهَا مَوَاضِعُ يُهْجَرُ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَتُكْشَفُ فِيهَا الْعَوْرَاتُ فَأَمَرَ بِسَتْرِهَا اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَحَيْثُ امْتَثَلَ الْأَمْرَ وَفَعَلَ السِّتْرَ مُنِعَ عَنْهُ الشَّيْطَانُ وَأَذِيَّتُهُ، وَالْمَقَاعِدُ جَمْعُ مَقْعَدٍ اسْمُ مَكَان أَيْ يَلْعَبُ فِي مَوَاضِعِ قُعُودِ بَنِي آدَمَ أَيْ الَّتِي تَنْكَشِفُ بِهَا عَوْرَاتُهُمْ أَيْ يُوَسْوِسُ لَهُ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهِ لِيَنْظُرَ هَلْ هُوَ كَبِيرٌ مَثَلًا أَوْ صَغِيرٌ، أَوْ يُحَدِّثُهُ لِيَفْعَلَ بِفَرْجِهِ الْفَحْشَاءَ وَنَحْوَ ذَلِكَ اهـ. إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَنْ فَعَلَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْأَدَبَ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ، وَوَجْهُهُ عَدَمُ تَحَقُّقِ نَظَرِ عَوْرَتِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ إرْخَاءِ ذَيْلِهِ) وَمِنْهُ سِلْعَةٌ فَوْقَ عَوْرَتِهِ وَشَعْرٌ كَذَلِكَ كَلِحْيَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ سِتْرٌ إلَّا بِإِرْخَاءِ ذَيْلِهِ لَمْ يُكَلَّفْ بِهِ إنْ أَدَّى إلَى تَنَجُّسِهِ؛ لِأَنَّ فِي تَنَجُّسِ ثَوْبِهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ وَالشَّرْطُ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ بِبُنْيَانٍ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ) كَبُسْتَانٍ. قَوْلُهُ: (كَفَى) أَيْ الْبِنَاءُ عَلَى السَّاتِرِ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَغُضُّ بَصَرَهُ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُ عَوْرَتِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَحَدٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا سَالِبَةٌ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ. الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ يَغُضُّ بَصَرَهُ إلَخْ.؛ لِأَنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ هَذَا النَّفْيَ صَادِقٌ بِصُوَرٍ ثَلَاثَةٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَصْلًا، أَوْ كَانَ وَيَغُضُّ نَظَرَهُ، أَوْ لَا يَغُضُّ، وَلَكِنْ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فَالسِّتْرُ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ مَنْدُوبٌ. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُهَا) وَمِثْلُ مَنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ الصَّبِيُّ إذَا كَانَ يَحْكِي الْعَوْرَةَ فَيَحْرُمُ كَشْفُهَا عِنْدَهُ اهـ. ع ن. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ) أَيْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إلَخْ. فَقَوْلُهُ: يَجُوزُ كَشْفُ إلَخْ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ لَا يَغُضُّ بَصَرَهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (إمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ) إلَخْ. أَيْ إذَا كَانُوا يَحْرُمُ نَظَرُهُمْ وَلَا يَغُضُّونَ، فَالْحَمْلُ فِي الشِّقَّيْنِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا فِي تَعْبِيرِهِ بِالْجَوَازِ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى الْمَفْهُومِ مِنْ كَوْنِ الِاسْتِتَارِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُسْتَحَبًّا. قَوْلُهُ: (فِي الْخَلْوَةِ) بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْبِنَاءُ الْمُسَقَّفُ أَوْ الَّذِي يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ شَيْخُنَا. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهَا مَا لَيْسَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَلَوْ صَحْرَاءُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَمُعَاشَرَةِ) أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 كَشْفُهَا. وَلَا يَبُولُ فِي مَوْضِعِ هُبُوبِ الرِّيحِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَابَّةً إذْ قَدْ تَهُبُّ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْبَوْلِ فَتَرُدُّ عَلَيْهِ الرَّشَاشَ وَلَا فِي مَكَان صَلْبٍ لِمَا ذُكِرَ وَلَا يَبُولُ قَائِمًا لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: " مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ " أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى، وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ بَوْلَةً فِي الْحَمَّامِ فِي الشِّتَاءِ قَائِمًا خَيْرٌ مِنْ شَرْبَةِ دَوَاءٍ وَلَا يَدْخُلُ الْخَلَاءَ حَافِيًا وَلَا مَكْشُوفَ الرَّأْسِ لِلِاتِّبَاعِ. .   [حاشية البجيرمي] مُخَالَطَةِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ) أَيْ الَّذِينَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ النَّظَرُ وَلَا يَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ، وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الْحَمْلِ. قَوْلُهُ: (فَيَحْرُمُ كَشْفُهَا) وَوُجُوبُ غَضِّ الْبَصَرِ لَا يَمْنَعُ الْحُرْمَةَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ ح ل. قَوْلُهُ: (وَلَا يَبُولُ قَائِمًا) مِثْلُهُ الْغَائِطُ الْمَائِعُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَابَّةً) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ وَقْتُ هُبُوبِهَا. وَالْحَاصِلُ: كَمَا فِي الْإِيعَابِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَبُولُ وَيَتَغَوَّطُ مَائِعًا كُرِهَ لَهُ اسْتِقْبَالُهَا أَيْ الرِّيحُ وَاسْتِدْبَارُهَا، أَوْ يَبُولُ فَقَطْ كُرِهَ لَهُ اسْتِقْبَالُهَا أَوْ يَتَغَوَّطُ مَائِعًا فَقَطْ كُرِهَ لَهُ اسْتِدْبَارُهَا كَمَا فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيلِ بِخَوْفِ عَوْدِ الرَّشَاشِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ اسْتِدْبَارِهَا عِنْدَ التَّغَوُّطِ بِغَيْرِ مَائِعٍ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ عَلَى الْأَوْجُهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ عَوْدِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ اهـ. م د. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَمَهَبُّ رِيحٍ أَيْ مَحَلُّ هُبُوبِهَا وَقْتَ هُبُوبِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ، بَلْ يَسْتَدْبِرُهَا فِي الْبَوْلِ وَيَسْتَقْبِلُهَا فِي الْغَائِطِ الْمَائِعِ لِئَلَّا يَتَرَشْرَشُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْبَوْلِ) أَيْ أَوْ الْغَائِطِ الْمَائِعِ. وَقَوْلُهُ: (فَتَرُدُّ عَلَيْهِ الرَّشَاشَ) أَيْ مِنْهُمَا وَعِبَارَةُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ لِئَلَّا يُصِيبَهُ رَشَاشٌ مِنْ الْخَارِجِ أَيْ بَوْلًا أَوْ غَائِطًا رَقِيقًا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيُّ عَلَى الْأَوَّلِ كَالشَّارِحِ هُنَا. قَوْلُهُ: (صُلْبٌ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الصَّادِ. بَلْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ حَيْثُ قَالَ صَلْبٌ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تُصَدِّقُوهُ) أَيْ مَنْ قَالَ كَانَ عَادَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَوْلَ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا» . وَالسُّبَاطَةُ كَالْكُنَاسَةِ لَفْظًا وَمَعْنَى، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَا بُلْت قَائِمًا مُنْذُ أَسْلَمْت، وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْعُذْرِ لِمَا رَوَى «النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا لِعُذْرٍ» ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ قَائِمًا مِنْ جُرْحٍ كَانَ بِمَأْبَضِهِ» بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ ضَادٌ مُعْجَمَةٌ مَكْسُورَةٌ وَهُوَ بَاطِنُ الرُّكْبَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ ثَلَاثَةٌ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ لِمَرَضٍ مَنَعَهُ مِنْ الْقُعُودِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْتَشْفَى بِذَلِكَ مِنْ مَرَضٍ وَهُوَ وَجَعُ الصُّلْبِ جَرْيًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْعَرَبُ تَسْتَشْفِي بِالْبَوْلِ قِيَامًا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقُعُودِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لِكَثْرَةِ النَّجَاسَةِ، فَكَأَنَّهُ بَالَ قَائِمًا مِنْ عُلُوٍّ إلَى أَسْفَلَ. قَوْلُهُ: (فِي الشِّتَاءِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الصَّيْفُ بِالْأَوْلَى ح ف. لِمَا قِيلَ إنَّ بَوْلَةً فِي الْحَمَّامِ فِي الصَّيْفِ قَائِمًا خَيْرٌ مِنْ شُرْبِ الدَّوَاءِ عَشْرَ مَرَّاتٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْخُلُ الْخَلَاءَ حَافِيًا) وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُنَحِّيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ مُعَظَّمٍ فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا أَنْ يَحْمِلَ فِي الْخَلَاءِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ مِنْ اسْمِ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ، وَشَمِلَ الْمُعَظَّمُ اسْمَ نَفْسِهِ كَأَنْ نَقَشَ اسْمَهُ وَكَانَ مُعَظَّمًا عَلَى خَاتَمٍ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْمَحَلَّاتِ الْمُسْتَقْذَرَةِ بِمَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي اسْتِحْبَابِ تَنْحِيَةِ مَا ذُكِرَ كَالصَّاغَةِ وَمَحَلِّ الْمَكْسِ وَنَحْوِهَا؛ لِجَرَيَانِ الْعِلَّةِ فِيهَا وَهِيَ صَوْنُهُ عَنْ الْمَحَلَّاتِ الْقَذِرَةِ، فَلَوْ دَخَلَ بِهِ وَلَوْ عَمْدًا غَيَّبَهُ نَدْبًا بِنَحْوِ ضَمَّ كَفِّهِ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ فِي يَسَارِهِ خَاتَمٌ فِيهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ نَزْعُهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ لِحُرْمَةِ تَنَجُّسِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَسُئِلَ أَيْضًا عَمَّا لَوْ خُلِقَ عَلَى يَسَارِهِ صُورَةُ جَلَالَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ اسْمٍ مُعَظَّمٍ هَلْ يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ أَوْ بِالْيَسَارِ؟ . فَأَجَابَ: إنَّهُ يَتَخَيَّرُ حَيْثُ لَمْ يُخَالِطْ الِاسْمَ بِنَجَاسَةٍ، وَإِلَّا فَبِالْيَمِينِ. اهـ. أَقُولُ: وَلَوْ خُلِقَ ذَلِكَ فِي الْكَفَّيْنِ مَعًا فَهَلْ يُكَلَّفُ لَفَّ خِرْقَةٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ تَكْلِيفِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ م ر: فَبِالْيَمِينِ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ يَجِبُ؛ لِأَنَّ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ مَشَقَّةً فِي الْجُمْلَةِ ع ش عَلَيْهِ الظَّاهِرُ وُجُوبُ الِاسْتِنْجَاءِ حِينَئِذٍ بِالْيَمِينِ صِيَانَةً لِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي فِي الْيَسَارِ عَنْ مُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وَيَعْتَمِدُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ يَسَارَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَرْفَعَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ثَوْبَهُ عَنْ عَوْرَتِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَ تَنَجُّسَ ثَوْبِهِ فَيَرْفَعَهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَيُسْبِلَهُ شَيْئًا قَبْلَ انْقِضَاءِ قِيَامِهِ وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَاءٍ فِي مَجْلِسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِذَلِكَ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَيْهِ الرَّشَاشُ فَيُنَجِّسُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ وَالْمُعَدِّ لِذَلِكَ، وَالْمَشَقَّةُ فِي الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَلِفَقْدِ الْعِلَّةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي الْمُغْتَسَلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ» وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْفَذٌ يَنْفُذُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالْمَاءُ وَعِنْدَ قَبْرٍ مُحْتَرَمٍ احْتِرَامًا لَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ، قَالَ: وَالظَّاهِرُ تَحْرِيمُهُ بَيْنَ الْقُبُورِ الْمُتَكَرِّرِ نَبْشُهَا لِاخْتِلَاطِ تُرْبَتِهَا بِأَجْزَاءِ الْمَيِّتِ انْتَهَى. وَهُوَ حَسَنٌ وَيُحْرَمُ عَلَى الْقَبْرِ، وَكَذَا فِي إنَاءٍ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ. .   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيَعْتَمِدُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ يَسَارَهُ) سَوَاءٌ فِي الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، لَكِنْ هَذَا فِي حَقِّ الْقَاعِدِ، أَمَّا الْقَائِمُ فَيُفَرِّجُ بَيْنَهُمَا، وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ، وَمِثْلُ الْبَوْلِ فِيمَا ذُكِرَ الْغَائِطُ الْمَائِعُ بِخِلَافِ الْجَامِدِ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَى يَسَارِهِ، وَهَذَا مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَخْشَ التَّنَجُّسَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ) هَذِهِ الْعِلَّةُ قَاصِرَةٌ عَلَى حَالِ خُرُوجِ الْغَائِطِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَيَعْتَمِدُ يَسَارَهُ نَاصِبًا يُمْنَاهُ بِأَنْ يَضَعَ أَصَابِعَهَا عَلَى الْأَرْضِ وَيَرْفَعُ بَاقِيَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ وَلِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ هُنَا اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: إنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَأَنْ يَعْتَمِدَ يَسَارَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ) إلَخْ. عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ نَاصِبًا يُمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَيُسْبِلَهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَسْبَلَ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: أَسْبَلَ إزَارَهُ أَرْخَاهُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُعَدُّ لِذَلِكَ) نَعَمْ إنْ كَانَ فِي الْأَخْلِيَةِ هَوَاءٌ مَعْكُوسٌ كُرِهَ ذَلِكَ فِيهَا كَمَا يُكْرَهُ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ، فَالْمَدَارُ عَلَى خَوْفِ عَوْدِ الرَّشَاشِ وَعَدَمِهِ شَرْحُ م ر وح ل. قَوْلُهُ: (فِي الْمُغْتَسَلِ) بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ مَحَلِّ اغْتِسَالِهِ ق ل. أَيْ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ مُبَاحًا، وَإِلَّا حَرُمَ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ عَامَّةَ) أَيْ أَكْثَرُهُ. وَقَالَ م د: أَيْ جَمِيعُ، وَالْوِسْوَاسُ بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمَصْدَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الشَّيْطَانَ الَّذِي هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ وَسْوَسَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَسْوَسَةً وَوِسْوَاسًا بِكَسْرِ الْوَاوِ وَأَمَّا الْوَسْوَاسُ بِالْفَتْحِ هُوَ الِاسْمُ مِثْلُ الزِّلْزَالِ. اهـ بِحُرُوفِهِ. فَالْمُنَاسِبُ هُنَا قِرَاءَتُهُ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمَصْدَرُ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ قَبْرٍ) أَيْ يُكْرَهُ عِنْدَ قَبْرٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَحْرُمَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ) بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ كُفْرًا إنْ قَصَدَ إهَانَتَهُمْ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى الْقَبْرِ) أَيْ فِيمَا يُحَاذِي الْمَيِّتَ وَلَوْ غَيْرَ نَبِيٍّ وَشَهِيدٍ ق ل. قَوْلُهُ: (وَكَذَا) أَيْ يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِي إنَاءٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ أَمِنَ التَّلْوِيثَ بِخِلَافِ نَحْوَ الْفَصْدِ لِلْعَفْوِ عَنْ جِنْسِ الدَّمِ ق ل. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَحَثَ بَعْضُهُمْ حِلَّ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِمُسْتَبْرِئٍ يَدُهُ عَلَى ذَكَرِهِ لِمَنْعِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ سَوَاءٌ السَّلَسُ وَغَيْرُهُ، وَأَقَرَّهُ سم. وَمُرَادُ ابْنُ حَجَرٍ بِالدُّخُولِ مَا يَشْمَلُ الْمُكْثَ، وَمِثْلُ الْمُسْتَبْرِئِ بِالْأَوْلَى الْمُسْتَنْجِي بِالْأَحْجَارِ. وَقَوْلُهُ: يَدُهُ عَلَى ذَكَرِهِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ نَحْوِ خِرْقَةٍ عَلَى ذَكَرِهِ أَمْ لَا. ع ش عَلَى م ر. فَرْعٌ: يَحْرُمُ إلْقَاءُ الْقَمْلِ مَيِّتًا فِي الْمَسْجِدِ، وَكَذَا حَيًّا؛ لِأَنَّهُ يَمُوتُ وَيَصِيرُ نَجَاسَةً، وَمِنْهُ إلْقَاءُ الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ بِالْمَسْجِدِ وَفِيهِ الْقَمْلُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا أَلْقَاهُ زَمَنًا يَمُوتُ فِيهِ الْقَمْلُ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ تَعْذِيبٌ مِنْ الْجُوعِ حَرُمَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِإِلْقَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ. وَاخْتَارَ الْعَلَّامَةُ الْبُرُلُّسِيُّ فِي إلْقَاءِ الْقَمْلِ حَيًّا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُؤْذِي أَحَدًا؛ لِأَنَّ التَّعْذِيبَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ. وَنَقَلَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ عَنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّهُ يَحْرُمُ إلْقَاؤُهُ فِي الْمَسْجِدِ حَيًّا وَمَيِّتًا، بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبُرْغُوثَ يَعِيشُ بِأَكْلِ التُّرَابِ دُونَهُ، فَفِي طَرْحِهِ حَيًّا تَعْذِيبٌ لَهُ بِالْجُوعِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُلْقِيَ ثِيَابَهُ وَفِيهَا قَمْلٌ قَبْلَ قَتْلِهِ، وَأَمَّا قَتْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلَوِّثَ أَرْضَهُ فَجَائِزٌ، كَأَنْ يَكُونَ عَلَى نَحْوِ شَفَقَةٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُقْتَلُ فِيهِ وَدَفْنُهُ فِيهِ حَرَامٌ، بِرْمَاوِيٌّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَبْرِئَ مِنْ الْبَوْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ بِنَحْوِ تَنَحْنُحٍ وَنَتْرِ ذَكَرٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْقَصْدُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِمَجْرَى الْبَوْلِ شَيْءٌ يَخَافُ خُرُوجَهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْصُلُ هَذَا بِأَدْنَى عَصْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَكَرُّرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَنَحْنُحٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَا قَالَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَجَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَدَمُ عَوْدِهِ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِمُقْتَضَى عَادَتِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَبْرِئْ خَرَجَ مِنْهُ، وَيُكْرَهُ حَشْوُ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ بِنَحْوِ قُطْنٍ، وَإِطَالَةُ الْمُكْثِ فِي مَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ أَنَّهُ يُورِثُ وَجَعًا فِي الْكَبِدِ. وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَى مَكَانِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ أَيْ أَتَحَصَّنُ مِنْ الشَّيْطَانِ، اللَّهُمَّ أَيْ يَا اللَّهُ إنِّي أَعُوذُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَبْرِئَ مِنْ الْبَوْلِ) قَالَ شَيْخُنَا م ر: وَكَذَا مِنْ الْغَائِطِ ق ل. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَانْظُرْ بِمَاذَا يَحْصُلُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَقِيَاسُ مَا فِي الْمَرْأَةِ أَنَّهُ يَضَعُ الْيُسْرَى عَلَى مَجْرَى الْغَائِطِ وَيَتَحَامَلُ عَلَيْهِ لِيَخْرُجَ مَا فِيهِ مِنْ الْفَضَلَاتِ إنْ كَانَتْ، وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ فِي جُمْلَةِ الصُّوَرِ الْمُحَصِّلَةِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَمَسْحِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مَجَامِعَ الْعُرُوقِ بِيَدِهِ. اهـ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ انْقِطَاعِهِ) أَيْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَنَتْرِ ذَكَرٍ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَكَيْفِيَّةُ النَّتْرِ أَنْ يَمْسَحَ بِيُسْرَاهُ مِنْ دُبُرِهِ إلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ، وَيُعِيدُهُ بِلُطْفٍ لِيَخْرُجَ مَا بَقِيَ إنْ كَانَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهِمَا مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالذَّكَرِ، وَتَضَعُ الْمَرْأَةُ أَصَابِعَ يَدِهَا الْيُسْرَى عَلَى عَانَتِهَا. اهـ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَنْتَهِيَ) أَيْ فِي الْخِصَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الْعَصْرِ وَالتَّنَحْنُحِ. قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْوُجُوبِ الْمَنْفِيِّ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الظَّاهِرَ) إلَخْ عِلَّةٌ لِنَفْيِ الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ عَامَّةَ) أَيْ جَمِيعَ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ حَشْوُ إلَخْ) أَيْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا يَرِدُ السَّلِسُ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي حَقِّهِ مَعَ الْعَصَبِ، وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ حَشْوُ إلَخْ. بَلْ يَحْرُمُ إنْ بَقِيَ بَعْضُهُ خَارِجًا؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَقَدْ يَجِبُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ كَمَا فِي السَّلِسِ بِهَذَا الشَّرْطِ. قَوْلُهُ: (وَإِطَالَةُ الْمُكْثِ) أَيْ بِلَا حَاجَةٍ. قَوْلُهُ: (لِمَا رُوِيَ إلَخْ) وَلَمَا قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْبَاسُورَ ق ل. فَائِدَةٌ: مِنْ أَدَامَ نَظَرَهُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ اُبْتُلِيَ بِصُفْرَةِ الْوَجْهِ، وَمَنْ تَفَلَ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ اُبْتُلِيَ بِصُفْرَةِ الْأَسْنَانِ، وَمَنْ تَمَخَّطَ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ التَّلَفُّتِ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ الْكَلَامِ خُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَانِّ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَمَخَّطُوا عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَإِنَّ مِنْهُ يَكُونُ الْبَاسُورُ» وَمِثْلُ الْمُخَاطِ الْبُصَاقُ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ وُصُولِهِ إلَى مَكَانِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ) وَهُوَ مَحَلٌّ جُلُوسِهِ فِي الْفَضَاءِ، وَمَحَلُّ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ كَبَابِهِ، وَإِنْ بَعُدَ مَحَلُّ الْجُلُوسِ كَدِهْلِيزٍ طَوِيلٍ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَإِذَا غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ قَالَهُ بِقَلْبِهِ، وَلَا مَانِعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحَصِّنَهُ كَمَا إذَا تَلَفَّظَ بِهِ، فَلَوْ كَانَ الْجِنِّيُّ أُطْرُوشًا فَلَا مَانِعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلْهِمُهُ أَنَّ هَذَا ذَكَرَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ، وَلَوْ دَخَلَ الْخَلَاءَ مَثَلًا بِطِفْلٍ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الطِّفْلِ، فَهَلْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْ الطِّفْلِ بِاسْمِ اللَّهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك، أَوْ يَقُولُ إنَّهُ تَعَوَّذَ بِك وَفِي ظَنِّيِّ أَنَّ الْغَاسِلَ لِلْمَيِّتِ يَقُولُ بَعْدَ الْغُسْلِ مَا يَقُولُهُ الْمُغْتَسِلُ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْ التَّوَّابِينَ إلَخْ. أَوْ اجْعَلْنَا، وَإِيَّاهُ إلَخْ. فَلْيُرَاجَعْ شَرْحُ الْعُبَابِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَمِنْ ذَلِكَ إرَادَةُ أُمِّ الطِّفْلِ وَضْعَ الطِّفْلِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَمِنْهُ إجْلَاسُهُ عَلَى مَا يُسَمُّونَهُ بِالْقَصْرِيَّةِ فِي عُرْفِهِمْ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِاسْمِ اللَّهِ) يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ بَعْدَ الْبَاءِ فِي الرَّسْمِ فِي هَذَا النَّحْلِ، وَإِنَّمَا حُذِفَتْ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهَا، وَكَذَا لَفْظُ اللَّهِ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، فَإِنْ أُضِيفَ إلَيْهِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ حُذِفَتْ لِمَا ذُكِرَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ الْقُرْآنَ فَإِنْ فَعَلَهُ كُرِهَ، وَقِيلَ يَحْرُمُ، وَلَا يَزِيدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ اقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَيْسَ مَحَلُّ الذِّكْرِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 بِك أَيْ أَعْتَصِمُ بِك مِنْ الْخُبُثِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْبَاءِ جَمْعُ خَبِيثٍ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ وَالْمُرَادُ ذُكُورُ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثُهُمْ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُمْ فِي الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْوَاهُمْ، وَفِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ مَأْوًى لَهُمْ بِخُرُوجِ الْخَارِجِ وَيَقُولُ نَدْبًا عَقِبَ انْصِرَافِهِ «غُفْرَانَك الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي» لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ " أَنَّ نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ وَأَبْقَى فِي مَنْفَعَتَهُ وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ ". فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ   [حاشية البجيرمي] الْبَسْمَلَةُ هُنَا عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ التَّعَوُّذَ هُنَاكَ لِلْقِرَاءَةِ، وَالْبَسْمَلَةُ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَدَّمَ التَّعَوُّذَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ لِلسِّتْرِ عَنْ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَالتَّعَوُّذُ مِنْ شَرِّهِمْ بِلَا ارْتِبَاطٍ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمْعٍ لَا يَحْصُلُ تَأْدِيَةُ السُّنَّةِ إلَّا بِتَأْخِيرِ الِاسْتِعَاذَةِ عَنْ الْبَسْمَلَةِ، وَيُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي تَأْخِيرِ الْحَمْدِ عَنْ سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ. اهـ شَرْحُ م ر مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبْثِ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: هَذَا الذِّكْرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إبْلِيسَ نَجِسُ الْعَيْنِ، لَكِنْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: أَنَّهُ طَاهِرُ الْعَيْنِ كَالْمُشْرِكِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْسَكَ إبْلِيسَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْطَعْهَا وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أَمْسَكَهُ فِيهَا، وَلَكِنَّهُ نَجِسُ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ الطَّبْعُ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (غُفْرَانَك) مَنْصُوبٌ بِمَحْذُوفٍ وُجُوبًا، إذْ هُوَ بَدَلٌ مِنْ اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ أَيْ: اغْفِرْ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ أَيْ أَسْأَلُك، وَيَصِحُّ الرَّفْعُ أَيْ الْمَطْلُوبُ غُفْرَانُك، وَيُسَنُّ أَنْ يُكَرِّرَ غُفْرَانَك وَمَا بَعْدَهُ ثَلَاثًا كَمَا فِي الدُّعَاءِ عَقِبَ الْوُضُوءِ، وَهَذَا اللَّفْظُ أَعْنِي قَوْلَهُ غُفْرَانَك يَقُولُهُ الْخَارِجُ لَوْ دَخَلَ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مَعَ مَا يُنَاسِبُ، وَأَمَّا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إلَخْ. فَخَاصٌّ بِقَاضِي الْحَاجَةِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: غُفْرَانَك الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إلَخْ. هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِقَاضِي الْحَاجَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَقُولُ مَا يُنَاسِبُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَسَبَبُ سُؤَالِهِ الْمَغْفِرَةَ عِنْدَ انْصِرَافِهِ تَرْكُهُ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، أَوْ خَوْفُهُ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ هَضَمَهُ ثُمَّ سَهَّلَ خُرُوجَهُ. اهـ. فَإِنْ قِيلَ: تَرْكُ الذِّكْرِ عَلَى الْخَلَاءِ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنْ تَرْكِهِ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ سَبَبَهُ مِنْ قِبَلِهِ فَالْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ لَمَّا تَسَبَّبَ فِيهِ. اهـ. قَوْلُهُ: (أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ) أَيْ لَذَّةَ أَصْلِهِ أَيْ الْمَأْكُولِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. وَمِنْ الْآدَابِ مَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَفَقُّهًا: أَنْ لَا يَأْكُلَ وَلَا يَشْرَبَ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَسْتَاكَ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ شَرْحُ الرَّوْضِ مَعَ زِيَادَةٍ. فَائِدَةٌ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " إنَّ ابْنَ آدَمَ إذَا جَلَسَ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ يَبُولُ أَوْ يَتَغَوَّطُ جَاءَهُ مَلَكٌ وَقَامَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ اُنْظُرْ إلَى اللُّقْمَةِ الَّتِي أَكَلْتهَا كَيْفَ تَغَيَّرْت عَنْ حَالِهَا بِصُحْبَتِك، فَانْظُرْ إلَى عَاقِبَتِك وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ حَالُك فِي الْقَبْرِ ". اهـ. مِنْ الشَّيْخِ عَبْدِ السَّلَامِ اللَّقَانِيِّ عَلَى الْجَزَائِرِيَّةِ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءِ] ِ. أَيْ فِي بَيَانِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الْوُضُوءُ، فَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْأَسْبَابِ أَيْ تَنْتَهِي بِهَا مُدَّةُ الْوُضُوءِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَإِلَّا فَالْوُضُوءُ لَا يَنْتَهِي بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا يَنْتَهِي بِالْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِهِ، وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ تَنْتَهِي بِهَا الْمُدَّةُ الَّتِي مَكَثَ فِيهَا مُتَوَضِّئًا كَمَا عَلِمْت. قَالَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ: وَتَعْبِيرُ الشَّارِحِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمَتْنِ، إذْ النَّقْضُ رَفْعُ الشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ بُطْلَانُ الْعِبَادَةِ الْوَاقِعَةِ حَالَةَ وُضُوئِهِ لِرَفْعِهِ مِنْ أَصْلِهِ. اهـ. وَيُجَابُ عَنْ الْمَتْنِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالنَّاقِضِ. النَّاقِضُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَهُوَ مَا يَنْقُضُ الشَّيْءَ مِنْ وَقْتِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ، وَتَفْسِيرُ النَّاقِضِ بِأَنَّهُ مَا نَقَضَ الشَّيْءَ مِنْ أَصْلِهِ تَفْسِيرٌ لُغَوِيٌّ. وَأَمَّا مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ فَهُوَ نَقْضُ الشَّيْءِ مِنْ وَقْتِ خُرُوجِهِ فَقَطْ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيهٌ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ. اهـ. وَاعْتَرَضَ ق ل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 (وَاَلَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) أَيْ يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ (خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) فَقَطْ وَلَا يُخَالِفُ مَنْ جَعَلَهَا أَرْبَعَةً كَالْمِنْهَاجِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنِ مَقْعَدَهُ هُوَ مَنْطُوقُ الثَّانِي هُنَا فَتَوَافَقَا فَتَأَمَّلْهُ. وَعِلَّةُ النَّقْضِ بِهَا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَلَا نَقْضَ بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ، وَلَا بِمَسِّ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ، وَلَا بِمَسِّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ، وَلَا بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ الْأَخِيرَ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ ثُمَّ أَجَابَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ فَقَالَ: أَقْرَبُ مَا يُسْتَرْوَحُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَجَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ،   [حاشية البجيرمي] التَّعْبِيرَ بِمَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَاصِرٌ إذْ لَا يَشْمَلُ الْحَدَثَ الثَّانِيَ وَلَا الثَّالِثَ مَثَلًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْتَهِ بِهِ الْوُضُوءُ بَلْ انْتَهَى بِالْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الطَّهَارَةِ أَصْلٌ فِي الْإِنْسَانِ، فَالطِّفْلُ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُ طَهَارَةٌ لَا يُقَالُ فِي حَدَثِهِ انْتَهَتْ بِهِ طَهَارَتُهُ. وَأَجَابَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ. اهـ. م د. وَذَكَرَهُ عَقِبَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ يَطْرَأُ عَلَيْهِ فَيُبْطِلُهُ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ مُحْدِثًا، وَلِأَنَّ الْمُتَوَضِّئُ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ كَمَا مَرَّ، فَيَحْتَاجُ لِمَعْرِفَةِ مَا يَنْوِيهِ وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَدَثًا إلَّا مَا كَانَ عَقِبَ طَهَارَةٍ ق ل. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) هَلْ النَّقْضُ بِهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخُصُوصِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ إلَخْ) أَيْ مَفْهُومَ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِ الْمِنْهَاجِ، وَهِيَ قَوْلُهُ مُمْكِنٌ. قَالَ ق ل: لَوْ قَالَ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ هُنَا مِنْ أَفْرَادِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ لِمَكَانِ الشَّرْطِ فِيهِ لَكَانَ أَنْسَبَ، بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ إذْ مَا ذَكَرَهُ لَا يُفِيدُ إسْقَاطَهُ. اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّ نَوْمَ غَيْرِ الْمُمَكِّنِ نَاقِضٌ فَمَنْ عَدَّهَا أَرْبَعَةً اسْتَثْنَى مِنْ الثَّانِي وَهُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ أَيْ الشُّعُورُ نَوْمَ الْمُمَكِّنِ فَلَا نَقْضَ بِهِ، وَالْمُصَنِّفُ أَخَذَ مَفْهُومَ هَذَا الْمُسْتَثْنَى فَعَدَّهُ نَاقِضًا آخَرَ حَيْثُ قَالَ الثَّانِي النَّوْمُ عَلَى غَيْرِ هَيْئَةِ الْمُتَمَكِّنِ أَيْ فَيَنْقُضُ، وَاسْتَعْمَلَ الثَّالِثَ وَهُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ فِي حَقِيقَتِهِ لَا مُطْلَقُ زَوَالِ الشُّعُورِ الصَّادِقِ بِالنَّوْمِ. قَوْلُهُ: (وَعِلَّةُ النَّقْضِ إلَخْ) صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَاخْتِصَاصُ النَّقْصِ بِهَا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى أَوْ تَعَبُّدِيٌّ، إذْ إثْبَاتُ عِلَّةٍ غَيْرِ مَعْقُولَةٍ غَيْرُ مَعْقُولِ فَتَأَمَّلْ. وَحَاصِلُهُ: الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّارِحِ بِأَنَّ فِيهِ تَنَاقُضًا. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى لَهُ عِلَّةٌ فِي الْوَاقِعِ، وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى) فِيهِ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْعِلَّةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْعِلَّةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ الْمَعْنَى كَمَا فَعَلَ م ر فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهَا غَيْرُهَا) أَيْ نَوْعٌ آخَرُ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْخَمْسَةِ سَادِسٌ كَلَمْسِ الْأَمْرَدِ، وَإِنْ قِيسَ عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا كَمَا قَاسُوا عَلَى النَّوْمِ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ بِجَامِعِ الْغَلَبَةِ عَلَى الْعَقْلِ. قَوْلُهُ: (فَلَا نَقْضَ بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ إلَخْ) . حَاصِلُ الْفُرُوعِ الَّتِي فَرَّعَهَا الشَّارِحُ ثَمَانِيَةٌ: الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ مِنْهَا مُقَابِلُهَا قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ إمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ: مُقَابِلُهُمَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَأَمَّا السَّابِعُ وَالثَّامِنُ: فَلَمْ يُعْلَمْ الْمُقَابِلُ فِيهِمَا مِنْ مَذْهَبِنَا وَلَا مِنْ مَذْهَبِ غَيْرِنَا فَلْيُرَاجَعْ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي فِي تَعْلِيلِ الثَّامِنِ عَلَى الْأَصَحِّ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ خِلَافًا فِي مَذْهَبِنَا، وَالشَّارِحُ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ مُطَّلِعٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِمَسِّ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ) لَا نَقْضَ بِهِ وَلَكِنَّهُ حَرَامٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَهْوَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ م ر حَيْثُ قَالَ: وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ أَيْ لِلْأَمْرَدِ فَيَحْرُمُ، وَإِنْ حَلَّ أَيْ النَّظَرُ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ وَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ) أَيْ الْبَعِيرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ع ش. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْأَرْبَعَةِ) هُوَ الْمُعْتَمَدِ، وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ إضَافَةُ رَفْعِ الْحَدَثِ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا اتِّفَاقًا ق ل. قَوْلُهُ: (الْأَخِيرَ) أَيْ النَّقْضَ بِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ) أَيْ وَهُوَ مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ «رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: إنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ. قَالَ: أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ تَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» . وَعَنْ «الْبَزَّارِ سُئِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَأَمَرَ بِهِ» اهـ. م د. قَوْلُهُ: (أَقْرَبُ مَا يُسْتَرْوَحُ إلَيْهِ) أَرْوَحُ وَاسْتَرْوَحَ وَاسْتَرَاحَ كُلٌّ بِمَعْنًى أَيْ: فَالْمَعْنَى هُنَا أَقْرَبُ مَا يُشَمُّ رِيحُهُ مِنْ الْجَوَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وَمِمَّا يُضَعِّفُ النَّقْضَ بِهِ أَنَّ الْقَائِلَ بِهِ لَا يُعَدِّيهِ إلَى شَحْمِهِ وَسَنَامِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَلَا بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا لَمَا اخْتَصَّ النَّقْضُ بِهَا كَسَائِرِ النَّوَاقِضِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهَا تَنْقُضُ فَضَعِيفٌ، وَلَا بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَسَا الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَقَامَ أَحَدُهُمَا يُصَلِّي فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْكُفَّارِ بِسَهْمٍ فَنَزَعَهُ وَصَلَّى وَدَمُهُ يَجْرِي، وَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ» . وَأَمَّا صَلَاتُهُ مَعَ الدَّمِ فَلِقِلَّةِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ وَلَا بِشِفَاءِ دَائِمِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ فَكَيْفَ يَصِحُّ عَدُّ الشِّفَاءِ سَبَبًا لَهُ مَعَ   [حاشية البجيرمي] عَنْ الْمَذْهَبِ اج. أَيْ أَقْرَبُ مَا يُمَالُ إلَيْهِ وَيُسْتَنَدُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِهِ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي عَدَمِ النَّقْضِ. قَوْلُهُ: (قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ) أَيْ بِعَدَمِ النَّقْضِ فَمَقُولُ الْقَوْلِ مَحْذُوفٌ أَيْ فَهُوَ إجْمَاعٌ، وَالْإِجْمَاعُ مُقَدَّمٌ عَلَى تِلْكَ الْأَحَادِيثِ لِاحْتِمَالِ نَسْخِهَا، أَوْ؛ لِأَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى سَبَبٍ كَمَا فِي م ر. وَقَوْلُهُ: (وَمِمَّا يُضَعِّفُ) إلَخْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ لَا مَقُولِ قَوْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلَخْ. لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ مَحْذُوفٌ، وَأَمَّا خَبَرٌ: «مَنْ أَكَلَ لَحْمَ جَزُورٍ فَلْيَتَوَضَّأْ» فَمَنْسُوخٌ بِمَا رَوَاهُ جَابِرٌ: «تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوُضُوءَ مِمَّا غَيَّرَتْهُ النَّارُ» . الشَّامِلُ لِلَّحْمِ الْجَزُورِ. وَاعْتُرِضَ هَذَا بِأَنَّهُ عَامٌّ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ الْخَاصَّ الَّذِي هُوَ لَحْمُ الْجَزُورِ، فَيَكُونُ مَنْ أَكَلَ لَحْمَ جَزُورٍ فَلْيَتَوَضَّأْ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ، وَرَدَّهُ سم بِأَنَّهُ لَيْسَ عَامًّا؛ لِأَنَّ إعْرَاضَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتْهُ النَّارُ لَا يُسَمَّى عَامًّا؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ لَفْظٌ، وَإِنَّمَا حَصَلَ مِنْهُ إعْرَاضٌ. وَحَكَى ذَلِكَ جَابِرٌ عَنْهُ فَلَا عُمُومَ أَصْلًا، وَهَذَا كَلَامٌ وَجِيهٌ، وَإِنْ اعْتَرَضَهُ الَأُجْهُورِيُّ. اهـ. قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ) أَيْ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَالسَّنَامِ. قَالَ م ر: وَرَدُّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمَا لَا يُسَمَّيَانِ لَحْمًا كَمَا فِي الْأَيْمَانِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِ النَّصِّ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ عَمَّمَ عَدَمَ النَّقْضِ بِالشَّحْمِ مَعَ شُمُولِهِ لِشَحْمِ الظَّهْرِ، وَالْجَنْبُ الَّذِي حَكَمَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَيْمَانِ بِشُمُولِ اللَّحْمِ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ) خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ: وَيُبْطِلُهُ قَهْقَهَةُ مُصَلٍّ بَالِغٍ صَلَاةً كَامِلَةً حَتَّى لَا تَكُونَ نَقْضًا فِي الْجِنَازَةِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمُصَلِّي، وَبِقَوْلِهِ بَالِغٌ عَنْ غَيْرِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِجِنَايَةٍ فِي حَقِّهِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَمْدُ وَالنِّسْيَانُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ مُطْلَقًا. اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا لَمَا اخْتَصَّ النَّقْضُ بِهَا) أَيْ بِالصَّلَاةِ أَيْ إنْ قُلْنَا إنَّ الْقَهْقَهَةَ نَاقِضَةٌ سَاوَتْ النَّوَاقِضَ، وَالنَّاقِضُ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ ق ل: لَا مَحَلَّ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِلْمُنَافَاةِ اج. وَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ اللَّامِ مِنْ لَمَا؛ لِأَنَّ إنْ الشَّرْطِيَّةَ لَا يَقْتَرِنُ جَوَابُهَا بِاللَّامِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي " لَوْ " فَهُوَ خَطَأٌ حَصَلَ لِلْمُؤَلِّفِينَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، أَوْ أَنَّهُمْ حَمَلُوا إنْ الشَّرْطِيَّةَ عَلَى " لَوْ "، وَإِنْ الشَّرْطِيَّةُ هُنَا مُدْغَمَةٌ فِي " لَا " وَأَصْلُهَا: وَإِنْ لَا. قَوْلُهُ: (وَلَا بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ) خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ وَشَرْحِهِ: وَيَنْقُضُهُ كُلُّ خَارِجٍ نَجِسٍ مِنْهُ أَيْ الْمُتَوَضِّئِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِيَادِ أَوْ لَمْ يَكُنْ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي غَيْرِ الْمُعْتَادِ. وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُنْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَنَزَعَهُ) أَسْقَطَ كَلِمَةً مِنْ الْحَدِيثِ هُنَا وَجُمَلًا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ: «فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ، ثُمَّ رَمَاهُ بِآخَرَ ثُمَّ بِثَالِثٍ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَدِمَاؤُهُ تَجْرِي، وَعَلِمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . الْحَدِيثَ. وَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ فِيهِ أَفْعَالًا كَثِيرَةً لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَوَالِيهَا، فَفِي الْحَدِيثِ إشْكَالَانِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَصَلَّى) أَيْ اسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ. قَوْلُهُ: (فَلِقِلَّةِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ) أَيْ أَوْ أَنَّ دَمَ الشَّخْصِ نَفْسِهِ يُعْفَى عَنْهُ، وَإِنْ كَثُرَ إنْ كَانَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ ع ش. قَالَ ق ل: وَفِي حَمْلِ الدَّمِ عَلَى الْقَلِيلِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ يَجْرِي بُعْدٌ كَبِيرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِشِفَاءِ دَائِمِ الْحَدَثِ) فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ مَعَهُ بَطَلَ الْوُضُوءُ بِشِفَائِهِ، وَحِينَئِذٍ فَبُطْلَانُهُ بَعْدَ خُرُوجِ ذَلِكَ بِشِفَائِهِ مَنْسُوبٌ إلَى ذَلِكَ الْخَارِجِ الَّذِي كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَقَدْ زَالَتْ، فَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ النَّوَاقِضِ الْمَذْكُورَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ) أَيْ رَفْعًا عَامًّا، وَإِلَّا فَيَرْتَفِعُ رَفْعًا مُقَيَّدًا. قَوْلُهُ: (فَكَيْفَ يَصِحُّ عَدُّ الشِّفَاءِ) أَيْ فَنِسْبَةُ الْحَدَثِ لِلْخَارِجِ لَا لِلشِّفَاءِ اج. قَوْلُهُ: (سَبَبًا لَهُ) أَيْ إنْ أُرِيدَ بِالْحَدَثِ السَّبَبُ، وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْأَسْبَابِ. فَلَا شَكَّ أَنَّ شِفَاءَ الْحَدَثِ سَبَبٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالشِّفَاءِ مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَتَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ، وَلَا بِنَزْعِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ نَزْعَهُ يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ عَلَى الْأَصَحِّ. أَحَدُهَا: (مَا) أَيُّ شَيْءٍ (خَرَجَ مِنْ) أَحَدِ (السَّبِيلَيْنِ) أَيْ مِنْ قِبَلِ الْمُتَوَضِّئِ الْحَيِّ الْوَاضِحِ وَلَوْ مَنْ مَخْرَجِ الْوَلَدِ أَوْ أَحَدِ ذَكَرَيْنِ يَبُولُ بِهِمَا أَوْ أَحَدِ فَرْجَيْنِ يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَيَحِيضُ بِالْآخِرِ، فَإِنْ بَالَ بِأَحَدِهِمَا أَوْ حَاضَ بِهِ فَقَطْ فَقَدْ اخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ. أَمَّا الْمُشْكِلُ فَإِنْ خَرَجَ الْخَارِجُ مِنْ فَرْجَيْهِ جَمِيعًا فَهُوَ مُحْدِثٌ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا نَقْضَ، أَوْ مِنْ دُبُرِ الْمُتَوَضِّئِ الْحَيِّ سَوَاءٌ أَكَانَ الْخَارِجُ عَيْنًا أَمْ رِيحًا طَاهِرًا أَمْ نَجِسًا جَافًّا أَمْ رَطْبًا مُعْتَادًا كَبَوْلٍ أَوْ نَادِرًا كَدَمٍ انْفَصَلَ أَمْ لَا   [حاشية البجيرمي] ضَابِطٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: لَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ بِطَهَارَةٍ إلَّا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَالسَّلِسِ إذَا شُفِيَا أَيْ فَإِنَّ الشِّفَاءَ طَهَارَةٌ مِنْ الْبَوْلِ وَالدَّمِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ الْإِسْنَوِيُّ بِقَوْلِهِ لَنَا طَهَارَةٌ لَا تَبْطُلُ بِوُجُودِ الْحَدَثِ وَتَبْطُلُ بِعَدَمِهِ وَهِيَ طَهَارَةُ دَائِمِ الْحَدَثِ مُنَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ نَزْعَهُ يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ وَلَوْ كَانَ نَاقِضًا لَوَجَبَ الْوُضُوءُ كَامِلًا ق ل. قَوْلُهُ: (مَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) أَيْ خُرُوجُ مَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ، فَإِنَّ النَّاقِضَ الْخُرُوجُ لَا الْخَارِجُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ خُرُوجُ غَيْرِ مَنِيِّهِ. قَوْلُهُ: (الْمُتَوَضِّئِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، أَوْ الْمُرَادُ لَوْ كَانَ مُتَوَضِّئًا وَخَرَجَ بِالْحَيِّ الْمَيِّتُ ق ل. وَقَالَ شَيْخُنَا: إنَّمَا قَيَّدَ بِالْمُتَوَضِّئِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخَارِجِ النَّاقِضِ لِلْوُضُوءِ، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْمُتَوَضِّئِ، وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ الْمُحْدِثِ فَلَيْسَ بِنَاقِضٍ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. قَوْله: (وَلَوْ مِنْ مَخْرَجِ الْوَلَدِ) تَعْمِيمٌ فِي الْقُبُلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَحَدُ ذَكَرَيْنِ يَبُولُ بِهِمَا) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْحَقِيقَةِ مَنُوطٌ بِالْأَصَالَةِ لَا الْبَوْلِ حَتَّى لَوْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ وَيَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَيَطَأُ بِالْآخَرِ نَقَضَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا، وَتَمَيَّزَ نَقْضُ الْأَصْلِيِّ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ بِهِمَا، وَيَنْقُضُ الْبَوْلُ مِنْ الزَّائِدِ إذَا كَانَ عَلَى سُنَنِ الْأَصْلِيِّ وَكَذَا إذَا اشْتَبَهَ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر فَائِدَةٌ: لَوْ خُلِقَ لَهُ فَرْجَانِ أَصْلِيَّانِ نُقِضَ بِالْخَارِجِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ، أَوْ أَصْلِيٌّ وَزَائِدٌ وَاشْتَبَهَا فَلَا نَقْضَ بِالْخَارِجِ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلشَّكِّ، وَلَا نَقْضَ إلَّا بِالْخَارِجِ مِنْهُمَا مَعًا، فَلَوْ انْسَدَّ أَحَدُهُمَا وَانْفَتَحَ ثُقْبَهُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ فَلَا نَقْضَ بِالْخَارِجِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ انْسِدَادَ الْأَصْلِيِّ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِانْسِدَادِهِمَا مَعًا، وَيَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْ الْفَرْجِ الَّذِي لَمْ يَنْسَدَّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَصْلِيًّا فَالنَّقْضُ بِهِ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ زَائِدًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثُّقْبَةِ الْمُنْفَتِحَةِ مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ، فَالنَّقْضُ بِهِ مُتَحَقِّقٌ سَوَاءٌ كَانَ زَائِدًا أَوْ أَصْلِيًّا بِخِلَافِ الثُّقْبَةِ. اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَيَحِيضُ بِالْآخَرِ) أَوْ يَبُولُ بِهِمَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَالَ) أَيْ الشَّخْصُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ حَاضَ) لَوْ قَالَ أَوْ حَاضَتْ لَكَانَ أَنْسَبَ ق ل إلَّا أَنْ يُقَالَ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الشَّخْصِ كَمَا ذَكَرَهُ هُوَ. اهـ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُشْكِلُ) وَهُوَ مَنْ لَهُ آلَةُ النِّسَاءِ وَآلَةُ الرِّجَالِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ فَقَدْ أَحَدَهُمَا فَهُوَ أُنْثَى اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ فَرْجَيْهِ جَمِيعًا) لَا مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهُ بَدِيهِيٌّ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ صَنِيعِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخُنْثَى الَّذِي لَهُ آلَتَانِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَلْبِهِ كَانَ أَوْضَحَ إذْ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا فَرْجٌ وَاحِدٌ وَتَسْمِيَةُ الْآخَرِ فَرْجًا تَجَوُّزٌ سَوَّغَتْهُ الْقَرِينَةُ ع ش. قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ دُبُرِ الْمُتَوَضِّئِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مِنْ قُبُلِ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ الْخَارِجُ عَيْنًا أَمْ رِيحًا) يَقْتَضِي أَنَّ الرِّيحَ لَيْسَ عَيْنًا مَعَ أَنَّهُ عَيْنٌ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ الْعَيْنُ الْعُرْفِيَّةُ وَالرِّيحُ لَيْسَ عَيْنًا عُرْفِيَّةً، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي الْوَاقِعِ. وَقَوْلُهُ: (أَمْ رِيحًا) هُوَ قِسْمٌ بِرَأْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا طَاهِرًا فَقَوْلُهُ طَاهِرًا إلَى قَوْلِهِ قَلِيلًا تَعْمِيمٌ فِي الْعَيْنِ. وَيَتَحَصَّلُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ ثَمَانٌ وَسِتُّونَ صُورَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَاهِرًا أَمْ نَجِسًا جَافًّا أَوْ رَطْبًا فِيهِ صُوَرٌ أَرْبَعٌ، وَقَوْلُهُ: مُعْتَادًا أَمْ نَادِرًا انْفَصَلَ أَمْ لَا صُوَرٌ أَرْبَعٌ أَيْضًا، فَتُضْرَبُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْأَرْبَعَةِ يَحْصُلُ سِتَّةَ عَشَرَ، ثُمَّ تُضِيفُ إلَيْهَا الرِّيحَ الَّذِي هُوَ قِسْمٌ بِرَأْسِهِ كَمَا عَرَفْت تَصِيرُ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَقَوْلُهُ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا صُورَتَانِ. تُضْرَبُ السَّبْعَةَ عَشَرَ فِيهِمَا يَحْصُلُ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ صُورَةً. وَقَوْلُهُ: طَوْعًا أَمْ كُرْهًا صُورَتَانِ أَيْضًا تُضْرَبُ فِيهِمَا الْأَرْبَعَةُ وَالثَّلَاثُونَ يَحْصُلُ ثَمَانٌ وَسِتُّونَ صُورَةً. قَوْلُهُ: (طَاهِرًا) وَمِنْهُ الرِّيحُ عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بُخَارِ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ نَارٍ ق ل. وَنَصَّ م ر عَلَى أَنَّ الْبُخَارَ الْخَارِجَ مِنْ الْكَنِيفِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا طَوْعًا أَمْ كَرْهًا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] الْآيَةَ وَالْغَائِطُ الْمَكَانُ الْمُطَمْئِنُ مِنْ الْأَرْضِ تُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ سُمِّيَ بِاسْمِهِ الْخَارِجِ لِلْمُجَاوَرَةِ، وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمَذْيِ:   [حاشية البجيرمي] طَاهِرٌ، وَكَذَا الرِّيحُ الْخَارِجُ مِنْ الدُّبُرِ كَالْجُشَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مِنْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ الْمَوْجُودَةُ فِيهِ لِمُجَاوَرَةِ النَّجَاسَةِ لَا أَنَّهُ مِنْ عَيْنِهَا. تَنْبِيهٌ: الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ إذَا أَخْبَرَ الْقَوَابِلُ بِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا أَصْلَ آدَمِيٍّ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ مِنْ إلْقَائِهِمَا بَلْ الْوُضُوءُ فَقَطْ، كَمَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ النَّقْضُ بِخُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَقِيقَةِ الْمَنِيِّ لِحَقِيقَةٍ أُخْرَى وَمُسَمَّى الْوِلَادَةِ لَمْ تُوجَدْ حَتَّى يَجِبَ الْغُسْلُ. اهـ. قَوْلُهُ: (جَافًّا) وَمِنْهُ حَصَاةٌ، وَإِنْ عَلِمَ أَنْ لَا رُطُوبَةَ مَعَهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ الظَّاهِرُ أَنَّ الِانْتِقَاضَ بِنَحْوِ الْحَصَاةِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ رُطُوبَةٍ تَصْحَبُهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَبَوْلٍ) مِثْلُهُ مَا لَوْ رَأَى بَلَلًا عَلَى الْقُبُلِ، وَلَمْ يَحْتَمِلْ كَوْنَهُ مِنْ خَارِجٍ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَمِنْ الْمُعْتَادِ الْمَذْيُ وَالْوَدْيُ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (أَمْ نَادِرًا كَدَمٍ) وَمِنْهُ خُرُوجُ مَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِ السَّبِيلَيْنِ مِنْ الْآخَرِ كَأَنْ خَرَجَ الْبَوْلُ مِنْ دُبُرِهِ وَالْغَائِطُ مِنْ قُبُلِهِ. قَوْلُهُ: (كَدَمٍ) وَمِنْهُ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الْبَاسُورِ وَهُوَ دَاخِلُ الدُّبُرِ لَا خَارِجُهُ، وَكَدْمِ الْبَاسُورِ نَفْسِهِ إذَا كَانَ دَاخِلَ الدُّبُرِ وَخَرَجَ أَوْ زَادَ خُرُوجُهُ. قَوْلُهُ: (انْفَصَلَ أَمْ لَا) فِي غَيْرِ نَحْوِ وَلَدٍ لَمْ يَنْفَصِلْ فَلَا نَقْضَ بِهِ لِاحْتِمَالِ انْفِصَالِ جَمِيعِهِ فَوَاجِبُهَا الْغُسْلُ لَا الْوُضُوءُ، وَالْمُعْتَمَدُ النَّقْضُ لِخُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ كَمَا قَالَهُ م ر. قَوْلُهُ: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] اُعْتُرِضَ بِأَنَّ نَظْمَ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ حَدَثٌ وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَأَجَابَ الْأَزْهَرِيُّ: بِأَنَّ أَوْ فِي قَوْلِهِ أَوْ جَاءَ بِمَعْنَى الْوَاوُ وَهِيَ لِلْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] مُحْدِثِينَ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلَخْ. {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6] وَالْحَالُ أَنَّهُ {جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] . وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَكَانَ مِنْ الْعَالِمِينَ بِالْقُرْآنِ: أَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا أَيْ وَحَذْفًا، وَالتَّقْدِيرُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَاغْسِلُوا. . . إلَخْ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ح ل. قَوْلُهُ: (وَالْغَائِطُ. . . إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَائِطَ لَهُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَحَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَحَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ، فَحَقِيقَتُهُ اللُّغَوِيَّةُ الْمَكَانُ الْمُطَمْئِنُ مِنْ الْأَرْضِ، وَحَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ مُطْلَقُ الْفَضْلَةِ الصَّادِقَةِ بِكُلٍّ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَحَقِيقَتُهُ الْعُرْفِيَّةُ الْفَضْلَةُ الْغَلِيظَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الدُّبُرِ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الْمُطَمْئِنُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا وَأَصْلُهُ الْمُطْمَأَنُّ فِيهِ فَحُذِفَ الْجَارُ فَاتَّصَلَ الضَّمِيرُ وَاسْتَكَنَّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَفِي الْإِطْفِيحِيِّ الْمُطَمْئِنُ أَيْ الْمُنْخَفِضُ مِنْ الْأَرْضِ النَّازِلُ فِيهَا مِنْ غَاطَ يَغُوطُ إذَا أَنْزَلَ سُمِّيَ الْخَارِجُ مِنْ الدُّبُرِ بِاسْمِهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ كَالرِّوَايَةِ، فَإِنَّهَا فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْبَعِيرِ سُمِّيَ ظَرْفُ الْمَاءِ بِاسْمِهَا مَجَازًا مَا ذُكِرَ، ثُمَّ صَارَ لَفْظُ الْغَائِطِ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْخَارِجِ مِنْ الدُّبُرِ كَمَا صَارَ لَفْظُ الرِّوَايَةِ كَذَلِكَ فِي الْجِلْدِ الَّذِي هُوَ الظَّرْفُ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (تُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ) مِنْ تَتِمَّةِ مَعْنَى الْغَائِطِ الْمُرَادُ مِنْ الْآيَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لَا اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْمُنْخَفِضُ، وَتُقْضَى أَيْ تَخْرُجُ، وَالْمُرَادُ بِالْحَاجَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَى خُرُوجِهِ الْمُتَضَرِّرُ بِبَقَائِهِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي تُقْضَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ الِاسْمِ أَنْ تُقْضَى فَهِيَ الْحَاجَةُ بِالْفِعْلِ، لَكِنْ هَلْ يَكْفِي صَلَاحِيَّتُهُ لِقَضَائِهِ أَوْ وَلَا بُدَّ مِنْ إعْدَادِهِ لَهُ؟ . فِيهِ نَظَرٌ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (سُمِّيَ بِاسْمِهِ الْخَارِجِ) أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً. قَوْلُهُ: (الْخَارِجُ) أَيْ مِنْ الدُّبُرِ أَوْ الْقُبُلِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ. وَحُكْمُهُ اشْتِهَارُهُ فِي الْخَارِجِ مِنْ الدُّبُرِ دُونَ الْقُبُلِ أَنَّهُ جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا أَرَادَ الْبَوْلَ يَبُولُ فِي أَيِّ مَكَان، وَإِذَا أَرَادَ الْفَضْلَةَ الْمَخْصُوصَةَ يَذْهَبُ إلَى مَحَلٍّ يَتَوَارَى فِيهِ عَنْ النَّاسِ قَالَهُ ع ش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» وَفِيهِمَا: «اشْتَكَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» . وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ بِخُرُوجِهِ لَا سَمْعُهُ وَلَا شَمُّهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ النَّاقِضِ فِي الصَّوْتِ وَالرِّيحِ بَلْ نَفْيَ وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ، وَيُقَاسَ بِمَا فِي الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ كُلُّ خَارِجٍ مِمَّا ذَكَرَ، وَإِنْ لَمْ تَدْفَعْهُ الطَّبِيعَةُ كَعُودٍ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: التَّعْبِيرُ بِالسَّبِيلَيْنِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، إذْ لِلْمَرْأَةِ ثَلَاثُ مَخَارِجَ اثْنَانِ فِي قُبُلِهَا وَوَاحِدٌ مِنْ دُبُرِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ خُلِقَ لِلرَّجُلِ ذَكَرَانِ فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْخَارِجِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ خُلِقَ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَفِيهِمَا) أَيْ الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ: (اشْتَكَى) هَذَا مَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: شَكَا بِدُونِ أَلْفِ أَوَّلِهِ وَبِدُونِ تَاءٍ بَعْدَ السِّينِ، فَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ ذَكَرَهُ بِالْمَعْنَى. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَام فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: شَكَا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي مَنْصُوبٌ وَبِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، فَاَلَّذِي نَائِبُ فَاعِلٍ وَحِينَئِذٍ فَالْفَاعِلُ مَجْهُولٌ. اهـ اج. وَلَفْظُ الْحَدِيثِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ «عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ: أَنَّهُ شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلَ الَّذِي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا يَنْتَقِلُ أَوْ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» . اهـ. فَقَوْلُهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلشَّأْنِ، وَأَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى عَمِّهِ. وَقَوْلُهُ: شَكَا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَالرَّجُلُ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ، وَبِالرَّفْعِ نَائِبُ فَاعِلٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ ضَمِيرٌ أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْعَمِّ وَعَلَى الثَّانِي فَهُوَ لِلشَّأْنِ، وَيُحْتَمَلُ بِنَاءُ شَكَا لِلْفَاعِلِ وَرَفْعُ الرَّجُلِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُهُ، وَضَمِيرُ أَنَّهُ لِلشَّأْنِ أَيْ أَنَّ الْحَالَ وَالشَّأْنُ شَكَا الرَّجُلُ إلَخْ. فَالشَّاكِي هُوَ الرَّجُلُ. وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالشَّاكِي، وَإِلَّا اُتُّبِعَ. وَقَوْلُهُ الَّذِي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَيْ يُوهَمُ إلَيْهِ أَيْ يُوقَعُ فِي وَهْمِهِ. وَقَوْلُهُ: أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ أَيْ الْحَدَثَ. وَقَوْلُهُ فِي الصَّلَاةِ حَالٌ مِنْ الشَّيْءِ. وَقَوْلُهُ لَا يَنْتَقِلُ بِفَتْحِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْقَافِ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَنْفَتِلُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يَنْصَرِفُ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي، وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ، وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ أَحَدُ رِجَالِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ؛ لِأَنَّ الرُّوَاةَ غَيْرُهُ رَوَوْهُ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ: لَا يَنْصَرِفُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَالْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَهُوَ عَدَمُ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْفِعْلُ مَجْزُومٌ عَلَى الْمَنْهِيِّ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنْ " لَا " نَافِيَةٌ. وَقَوْلُهُ: حَتَّى يَسْمَعَ أَيْ مِنْ الدُّبُرِ وَهُوَ الضُّرَاطُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ يَجِدَ رِيحًا أَيْ يَشُمُّهُ وَهُوَ الْفُسَاءُ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا إذَا تَحَقَّقَ الْحَدَثُ قَوْلُهُ: (الَّذِي) أَيْ حَالَ الَّذِي إذَا جَعَلَ شَكَا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (يَجِدُ الشَّيْءَ) أَيْ يَتَوَهَّمُ خُرُوجَ رِيحٍ مِنْ دُبُرِهِ لِمَا قِيلَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي إلَى دُبُرِ الْمُصَلِّي وَيَجْذِبُ شَعْرَةً فَيَحْصُلُ صَوْتٌ خَفِيفٌ لِيُبْطِلَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ بِتَوَهُّمِهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ. اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ يَجِدَ رِيحًا) أَيْ يَشُمُّهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ دَخَلَ مِنْ الْفَمِ وَخَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ. قَوْلُهُ: (جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ) يَقْتَضِي أَنَّ الرِّجَالَ أَكْثَرُ مِنْ النِّسَاءِ فَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّ النِّسَاءَ أَكْثَرُ. قَوْلُهُ: (إذْ لِلْمَرْأَةِ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: إذْ لِلْإِنْسَانِ إلَخْ. لِأَنَّ الرَّجُلَ كَذَلِكَ، فَلَهُ اثْنَانِ فِي الْقُبُلِ وَوَاحِدٌ لِلْبَوْلِ، وَمِنْهُ يَخْرُجُ الْمَذْيُ وَالْوَدْيُ، وَقِيلَ لَهُمَا مَخْرَجٌ مُسْتَقِلٌّ كَمَا نُقِلَ عَنْ عُلَمَاءِ التَّشْرِيحِ، وَعَلَيْهِ فَفِي الْقُبُلِ وَحْدَهُ ثَلَاثُ مَخَارِجَ، وَهَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَالتَّعْبِيرُ بِالسَّبِيلَيْنِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ الْمَجَارِي الَّتِي فِي الذَّكَرِ تَجْتَمِعُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الثُّقْبَةِ الَّتِي فِي آخِرِ الْحَشَفَةِ كَانَ فِي الذَّكَرِ مَخْرَجٌ وَاحِدٌ، وَمَخْرَجُ مَنِيِّ الْأُنْثَى هُوَ مَدْخَلُ الذَّكَرِ، وَمَخْرَجُ الْوَلَدِ وَالْحَيْضِ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ، وَفِي ح ل مَا نَصُّهُ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ عُلَمَاءُ التَّشْرِيحِ أَنَّ فِي الذَّكَرِ ثُلَاثَ مَجَارِي: مَجْرَى لِلْمَنِيِّ، وَمَجْرَى لِلْبَوْلِ وَالْوَدْيِ، وَمَجْرَى بَيْنَهُمَا لِلْمَذْيِ. اهـ. 1 - قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ لَوْ خُلِقَ لِلرَّجُلِ ذَكَرَانِ) أَيْ أَصْلِيَّانِ بِخِلَافِ الزَّائِدِ فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ بِالْخَارِجِ مِنْهُ أَيْ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّهُ زَائِدٌ، وَمِنْهُ مَا لَوْ خُلِقَ لَهُ ذَكَرَانِ وَكَانَ يُمْنِي بِأَحَدِهِمَا وَيَبُولُ بِالْآخَرِ، فَمَا أَمْنَى بِهِ هُوَ الزَّائِدُ وَمَا يَبُولُ بِهِ هُوَ الْأَصْلِيُّ، أَمَّا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَائِدًا وَالْآخَرُ أَصْلِيًّا وَاشْتَبَهَا، فَقِيَاسُ مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّقْضَ مَنُوطٌ بِهِمَا لَا بِأَحَدِهِمَا أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ خُرُوجُ مَنِيِّ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الْخَارِجِ مِنْهُ أَوَّلًا، كَأَنْ أَمْنَى بِمُجَرَّدِ نَظَرٍ أَوْ احْتِلَامٍ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ فَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الْغُسْلُ بِخُصُوصِهِ، فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا وَهُوَ الْوُضُوءُ بِعُمُومِهِ كَزِنَا الْمُحْصَنِ لَمَّا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْحَدَّيْنِ لِكَوْنِهِ زِنَا الْمُحْصَنِ، فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا لِكَوْنِهِ زِنًا، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مَعَ إيجَابِهِمَا الْغُسْلَ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ فَلَا يُجَامِعَانِهِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ يَصِحُّ مَعَهُ الْوُضُوءُ فِي صُورَةِ سَلَسِ   [حاشية البجيرمي] هُنَا إنَّمَا يَنْقُضُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُمَا لَا مِنْ أَحَدِهِمَا. وَعِبَارَةُ حَجّ هُنَا: نَعَمْ مَا تَحَقَّقَتْ زِيَادَتُهُ أَوْ اُحْتُمِلَتْ حُكْمَ مُنْفَتِحٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ اهـ. سم ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ خُرُوجِ مَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ. قَوْلُهُ: (خُرُوجُ مَنِيِّ الشَّخْصِ) خَرَجَ بِالْمَنِيِّ الْوَلَدُ وَلَوْ عَلَقَةٌ وَمُضْغَةٌ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَعَ إيجَابِهِ الْغُسْلَ مُطْلَقًا. وَقَالَ شَيْخُنَا م ر: لَا يَنْقُضُ لَوْ كَانَ جَافًّا كَالْمَنِيِّ وَلِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا عَقِبَهُ قَبْلَ الْغُسْلِ وَتُفْطِرُ بِهِ لَوْ كَانَتْ صَائِمَةً، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. وَفِي ذَلِكَ تَبْعِيضُ الْأَحْكَامِ فَرَاجِعْهُ. وَأَمَّا خُرُوجُ بَعْضِ الْوَلَدِ فَيَنْقُضُ وَلَا يَلْزَمُهَا بِهِ غُسْلٌ حَتَّى يَتِمَّ جَمِيعُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا تُعِيدُ مَا فَعَلْته مِنْ الْعِبَادَةِ قَبْلَ تَمَامِهِ. وَقِيلَ: يَجِبُ الْغُسْلُ بِكُلِّ عُضْوٍ لِانْعِقَادِهِ مِنْ مَنِيِّهِمَا وَدُفِعَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ. وَقَالَ الْخَطِيبُ: تُخَيَّرُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فِي كُلِّ جُزْءٍ. وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ أَنَّ الْوِلَادَةَ بِلَا بَلَلٍ، وَإِلْقَاءِ نَحْوِ الْقَلْعَةِ كَخُرُوجِ الْمَنِيِّ، فَلَا تَنْقُضُ بِخِلَافِ خُرُوجِ عُضْوٍ مُنْفَصِلٍ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ وَلَا يُوجِبُ الْغُسْلَ قَالَ الشَّيْخُ: وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ النَّقْضِ بِخُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ مَعَ اسْتِتَارِ بَاقِيهِ فَهَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ اتِّصَالَ الْمُسْتَتِرِ مِنْهُ بِنَجَاسَةٍ أَوْ لَا، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخَيْطِ؟ . فِيهِ نَظَرٌ. وَمَالَ شَيْخُنَا لِلْأَوَّلِ وَهُوَ مُتَّجَهُ اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (الْخَارِجُ مِنْهُ أَوَّلًا) فَخَرَجَ بِهِ مَنِيُّهُ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَأَنْ اسْتَدْخَلَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَيَنْقُضُ كَمَا فِي ح ل. قَوْلُهُ: (كَأَنْ أَمْنَى بِمُجَرَّدِ نَظَرٍ أَوْ احْتِلَامٍ) أَوْ فِكْرٍ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَوْلَجَ فِي بَهِيمَةٍ فَأَمْنَى، أَوْ أَوْلَجَ مَعَ سِتْرِ ذَكَرِهِ بِخِرْقَةٍ، أَوْ أَوْلَجَ فِي ذَكَرٍ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِذَلِكَ) وَمِنْ فَوَائِدِ عَدَمِ النَّقْضِ بِالْمَنِيِّ: صِحَّةُ صَلَاةِ الْمُغْتَسِلِ بِدُونِ وُضُوءٍ قَطْعًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ، وَلَوْ قُلْنَا بِالنَّقْضِ لَكَانَ فِيهَا بِدُونِ وُضُوءٍ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا قَوْلًا بِعَدَمِ انْدِرَاجِ الْأَصْغَرِ فِي الْأَكْبَرِ، وَنِيَّةُ السُّنِّيَّةِ بِوُضُوئِهِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَلَوْ نُقِضَ لِنَوَى بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ. قَوْلُهُ: (بِخُصُوصِهِ) أَيْ خُصُوصِ كَوْنِهِ مَنِيًّا. قَوْلُهُ: (بِعُمُومِهِ) أَيْ عُمُومِ كَوْنِهِ خَارِجًا. قَوْلُهُ: (كَزِنَا الْمُحْصَنِ) فَإِنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الرَّجْمُ بِخُصُوصِ كَوْنِهِ زِنَا مُحْصَنٍ وَلَمْ يُوجِبْ أَدْوَنَهُمَا، وَهُوَ الْحَدُّ وَالتَّغْرِيبُ بِعُمُومِ كَوْنِهِ زِنًا ح ل. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ قَدْ يُوجِبُ الْأَمْرَيْنِ، بَلْ أَكْثَرَ كَالْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ يُوجِبُ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ بِخُصُوصِ كَوْنِهِ جِمَاعًا وَأَدْوَنَهُمَا وَهُوَ الْقَضَاءُ بِعُمُومِ كَوْنِهِ فِطْرًا وَأَدْوَنَ مِنْهُمَا وَهُوَ التَّعْزِيرُ بِعُمُومِ كَوْنِهِ مَعْصِيَةً. وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالطَّهَارَةِ أَوْ الْحَدِّ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَكُونُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا أَصَالَةُ الْعِتْقِ فَتَأَمَّلْ. قَالَهُ شَيْخُنَا فِي الْفَيْضِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَالَ ع ش عَلَى م ر: قُلْت: عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ أَعْظَمُ مِنْ الْقَضَاءِ، بَلْ قَدْ يُدَّعَى أَنَّ الْقَضَاءَ أَعْظَمُ مِنْ الْكَفَّارَةِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ، فَلَا يُتَوَجَّهُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ) أَيْ الْأَدْوَنُ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ. قَوْلُهُ: (الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ) أَيْ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ) أَيْ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِمَا. وَقَوْلُهُ: (فَلَا يُجَامِعَانِهِ) أَيْ فَلَيْسَ لَنَا صُورَةٌ يُجَامِعُ فِيهَا الْوُضُوءُ الْحَيْضَ الْمُحَقَّقَ فَلَا تَرِدُ الْمُتَحَيِّرَةُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ) أَيْ الْوَاجِبُ أَوْ الْمُبِيحُ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ فَلَا يَرِدُ الْوُضُوءُ مِنْهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبِيحٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ النَّظَافَةُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ الْوُضُوءَ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: (فَلَا يُجَامِعَانِهِ) فِيهِ تَفْرِيعُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ؛ أَيْ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ انْتَفَى مُجَامَعَتُهُمَا لَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِعَدَمِ فَائِدَةِ بَقَائِهِ مَعَهُمَا م د. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا يُجَامِعَانِهِ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ، وَالْمَعْنَى فَلَا يُجَامِعَانِهِ مُطْلَقًا أَيْ فِي أَيِّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَيْسَ فِيهِ تَفْرِيعُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ. اهـ. قَوْلُهُ: (فِي صُورَةِ سَلَسِ الْمَنِيِّ) . مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُجَامِعَهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا لَوْ نَزَلَ مَنِيُّ غَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 الْمَنِيِّ فَيُجَامِعُهُ، أَمَّا مَنِيُّ غَيْرِهِ أَوْ مَنِيُّهُ إذَا عَادَ فَيَنْقُضُ خُرُوجُهُ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ، نَعَمْ لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا انْتَقَضَ وُضُوءُهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مُنْعَقِدٌ مِنْ مَنِيِّهَا وَمَنِيِّ غَيْرِهَا، وَأَمَّا خُرُوجُ بَعْضُ الْوَلَدِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا تُخَيَّرُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَنِيِّهَا فَقَطْ أَوْ مِنْ مَنِيِّهِ فَقَطْ، وَلَوْ انْسَدَّ فَرْجُهُ الْأَصْلِيُّ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ وَانْفَتَحَ مَخْرَجٌ بَدَلُهُ تَحْتَ مَعِدَتِهِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْأَفْصَحِ مُسْتَقَرُّ الطَّعَامِ وَهِيَ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الصَّدْرِ كَمَا قَالَهُ الْأَطِبَّاءُ وَالْفُقَهَاءُ وَاللُّغَوِيُّونَ هَذِهِ حَقِيقَتُهَا. وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا السُّرَّةُ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمُعْتَادُ خُرُوجُهُ كَبَوْلٍ، أَوْ النَّادِرُ كَدُودٍ وَدَمٍ نَقَضَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَصْلِيِّ، فَكَمَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ الْمُعْتَادَ وَالنَّادِرَ فَكَذَلِكَ هَذَا أَيْضًا، وَإِنْ انْفَتَحَ فِي السُّرَّةِ أَوْ فَوْقَهَا وَالْأَصْلِيُّ مُنْسَدٌّ أَوْ تَحْتَهَا وَالْأَصْلِيُّ مُنْفَتِحٌ فَلَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعِدَةِ أَوْ   [حاشية البجيرمي] السَّلِسِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ وُضُوءٌ مَعَ جَنَابَةٍ وَهُوَ يَصِحُّ مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الْغُسْلِ مِنْهَا. وَقَالَ الرَّشِيدِيُّ: إنَّمَا قُصِرَ التَّصْوِيرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ بِخِلَافِ مَنِيِّ السَّلِيمِ، فَإِنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِلْزَامُ، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ. اهـ. وَقَرَّرَ مَشَايِخُنَا. أَنَّ قَوْلَهُ (فِي صُورَةِ سَلَسِ الْمَنِيِّ) لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (لِفَقْدِ الْعِلَّةِ) أَيْ إنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ وَلَدَتْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيُسْتَثْنَى إلَخْ. وَغَرَضُهُ تَقْيِيدُ قَوْلِهِ إنَّ نُزُولَ الْمَنِيِّ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَصِرْ الْمَنِيُّ حَيَوَانًا جَافًّا، وَإِلَّا فَيُوجِبُ الْغُسْلَ وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَيْضًا وَهُوَ ضَعِيفٌ، الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ وَلَوْ اسْتَحَالَ حَيَوَانًا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (انْتَقَضَ وُضُوءُهَا) أَيْ مَعَ إيجَابِ الْغُسْلِ وَتُفْطِرُ بِهِ لَوْ كَانَتْ صَائِمَةً اتِّفَاقًا. وَقَالَ شَيْخُنَا م ر: لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهَا وَلِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا عَقِبَهُ قَبْلَ غُسْلِهَا ق ل وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ أَلْقَتْ وَلَدًا جَافًّا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلَ وَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَهُوَ وَإِنْ انْعَقَدَ مِنْ مَنِيِّهَا وَمَنِيِّهِ لَكِنَّهُ اسْتَحَالَ إلَى الْحَيَوَانِيَّةِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُعْطَى سَائِرَ أَحْكَامِهِ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَدًا جَافًّا) أَيْ أَوْ مُضْغَةً جَافَّةً كَمَا فِي ع ش. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا خُرُوجُ بَعْضِ الْوَلَدِ إلَخْ) وَقَالَ شَيْخُنَا م ر: يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ إلَّا إذَا تَمَّ خُرُوجُهُ، وَقِيلَ لَزِمَهَا الْغُسْلُ مُطْلَقًا. اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَنِيِّهَا فَقَطْ) فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ الْوَلَدِ إلَّا وَهُوَ مِنْ مَنِيِّهَا، وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ أَلْقَتْ بَعْضَ وَلَدٍ كَيَدٍ انْتَقَضَ وُضُوءُهَا وَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا. اهـ. أَيْ: فَإِنْ أَلْقَتْ بَاقِيَهُ، وَنُسِبَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ وَتَبَيَّنَ وُجُوبُ الْغُسْلِ، وَعَدَمُ بُطْلَانِ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا لَوْ خَرَجَتْ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ مُتَفَاصِلَةً بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَإِنَّ خُرُوجَ كُلَّ مِنْهَا نَاقِضٌ وَيَجِبُ الْغُسْلُ بِالْأَخِيرِ لِتَمَامِ انْفِصَالِهِ، وَلَوْ خَرَجَ نَاقِصًا عُضْوًا نَقْصًا عَارِضًا كَأَنْ انْقَطَعَتْ يَدُهُ وَتَخَلَّفَتْ عَنْ خُرُوجِهِ وَتَوَقَّفَ الْغُسْلُ عَلَى خُرُوجِهَا كَذَا قَرَّرَهُ م ر. وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْأَخِيرَةِ عَدَمَ تَوَقُّفِ الْغُسْلِ عَلَى خُرُوجِهَا؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْوِلَادَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَنِيِّهَا) أَيْ فَيَجِبُ الْغُسْلُ. قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ مَنِيِّهِ) أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ انْسَدَّ) أَيْ انْسِدَادًا عَارِضًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْبِيرِهِمْ بِالِانْسِدَادِ، وَحِينَئِذٍ يُعْطَى الثَّقْبُ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ النَّقْضُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَجَوَازُ وَطْءِ الزَّوْجَةِ فِيهِ وَعَدَمُ النَّقْضِ بِنَوْمِهِ مُمَكِّنًا لَهُ اهـ. ح ل وح ف. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَا بِإِيلَاجٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالِانْسِدَادِ الِالْتِحَامَ لَمْ يَتَأَتَّ الْإِيلَاجُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَانْفَتَحَ مَخْرَجٌ) أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ فَيَشْمَلُ الْمُتَعَدِّدَ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الصَّدْرِ) عِبَارَةُ: م ر: وَالْمَعِدَةُ مُسْتَقَرُّ الطَّعَامِ مِنْ الْمَكَانِ الْمُنْخَسِفِ تَحْتَ الصَّدْرِ إلَى السُّرَّةِ. اهـ. وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْإِنْسَانِ رَأْسُهُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا السُّرَّةُ) أَيْ وَمَا حَاذَاهَا مِنْ بَدَنِهِ فَهُوَ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ، وَشَمِلَ الْمَخْرَجُ الْمُنْفَتِحُ مَا لَوْ تَعَدَّدَتْ مِنْ أَمَامٍ أَوْ خَلْفٍ ق ل. قَوْلُهُ: (الْخَارِجُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ فَوْقَهَا) بَقِيَ مَا لَوْ انْفَتَحَ وَاحِدٌ تَحْتَهَا وَآخَرُ فَوْقَهَا. وَالْوَجْهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا تَحْتَهَا وَلَوْ انْفَتَحَ اثْنَانِ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْسَدٌّ فَهَلْ يَنْقُضُ خَارِجُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا أَوْ لَا؟ . إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْآخَرِ أَوْ أَقْرَبَ إلَى الْأَصْلِيِّ مِنْ الْآخَرِ، فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ اُنْظُرْ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا تَنْزِيلًا لَهُمَا مَنْزِلَةَ الْأَصْلِيَّيْنِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ حَوَاشِي الْبَهْجَةِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ فِي الثُّقْبِ فَيَشْمَلُ الْمُتَحَاذِيَةَ وَمَا بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلِيُّ مُنْسَدٌّ) أَيْ انْسِدَادًا عَارِضًا. قَوْلُهُ: (فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 فَوْقَهَا لَا يَكُونُ مِمَّا أَحَالَتْهُ الطَّبِيعَةُ؛ لِأَنَّ مَا تُحِيلُهُ تُلْقِيهِ إلَى أَسْفَلَ فَهُوَ بِالْقَيْءِ أَشْبَهُ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى جَعْلِ الْحَادِثِ مُخْرِجًا مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ وَحَيْثُ أَقَمْنَا الْمُنْفَتِحَ كَالْأَصْلِيِّ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُ، فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ، وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ، وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ، وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ حَيْثُ كَانَ فَوْقَ الْعَوْرَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا فِي الِانْسِدَادِ الْعَارِضِ، أَمَّا الْخِلْقِيُّ فَيَنْقُضُ مَعَهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمُنْفَتِحِ مُطْلَقًا وَالْمُنْسَدُّ حِينَئِذٍ كَعُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ الْخُنْثَى لَا وُضُوءَ بِمَسِّهِ وَلَا غُسْلَ بِإِيلَاجِهِ وَالْإِيلَاجِ فِيهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ إنَّ تَعْبِيرَهُمْ بِالِانْسِدَادِ يُشْعِرُ بِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَخَرَجَ بِالْمُنْفَتِحِ مَا لَوْ خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الْمَنَافِذِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْفَمِ وَالْأُذُنِ فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. (وَالثَّانِي) مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. (النَّوْمُ) وَهُوَ اسْتِرْخَاءُ أَعْصَابُ الدِّمَاغِ بِسَبَبِ رُطُوبَاتِ الْأَبْخِرَةِ الصَّاعِدَةِ مِنْ الْمَعِدَةِ، وَإِنَّمَا يَنْقُضُ إذَا كَانَ (عَلَى   [حاشية البجيرمي] يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ) وَعَلَى هَذَا إذَا نَامَ مُتَمَكِّنًا لِذَلِكَ وَخَرَجَ مِنْهُ الْخَارِجُ وَكَانَ مُتَوَضِّئًا، وَمَكَثَ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ لَا يَمَسُّ فِيهَا فَرْجًا وَلَا امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً، فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ بِذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا: شَخْصٌ مَكَثَ نَحْوَ سِتِّينَ سَنَةً يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَخْرُجُ مِنْهُ الْخَارِجُ وَيَنَامُ وَلَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ. وَصُورَتُهُ: مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ انْفَتَحَ فِي السُّرَّةِ أَوْ فَوْقَهَا، وَالْأَصْلِيُّ مُنْسَدٌّ انْسِدَادًا عَارِضًا أَوْ تَحْتَهَا، وَالْأَصْلِيُّ مُنْفَتِحٌ فَلَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ. اهـ خ ض. وَانْظُرْ وَجْهَ التَّقْيِيدِ بِالتَّمْكِينِ لِلْمُنْفَتِحِ مِنْ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُ لَا يَنْقُضُ وَالْأَصْلِيُّ مُنْسَدٌّ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا غَيْرَهُ) كَالْحَدِّ. قَوْلُهُ: (بِإِيلَاجٍ فِيهِ) أَيْ مَعَ جَوَازِهِ. وَيُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا زَوْجٌ وَطِئَ وَطْئًا جَائِزًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْغُسْلُ اط ف. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ: وَلَا يَحْرُمُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُنْفَتِحَ فَوْقَ الْعَوْرَةِ يَنْقُضُ الْخَارِجَ مِنْهُ، وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ مَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ التَّابِعِ لِشَيْخِهِ الْمَحَلِّيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُ التَّفْرِيعُ عَلَى الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ. وَلَنَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ قَائِلٌ بِأَنَّ الثُّقْبَ إذَا كَانَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ وَكَانَ الِانْسِدَادُ عَارِضًا يَنْقُضُ، فَلَا تَثْبُتُ لَهُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ لِلْأَصْلِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. فَرْعٌ: لَوْ خُلِقَ إنْسَانُ بِلَا دُبُرٍ وَلَمْ يَنْفَتِحْ لَهُ بَدَلُهُ فَهَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ؟ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ؛ لِأَنَّ نَفْسَ النَّوْمِ نَاقِضٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَقَضَ النَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ اسْتَقْرَبَ ع ش الثَّانِي فَرَاجِعْهُ. اهـ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ وَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْأَصْلِيِّ مِنْ الْفِطْرِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ بِهِ، وَحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَوُجُوبِ سَتْرِهِ عَنْ الْأَجَانِبِ وَفِي الصَّلَاةِ وَلَوْ فِي الْجَبْهَةِ وَتَبْطُلُ بِكَشْفِهِ ق ل. وَعِبَارَةُ ح ل: وَلَوْ كَانَ فِي جَبْهَتِهِ وَقُلْنَا بِوُجُوبِ سِتْرِهِ هَلْ يَجِبُ كَشْفُهُ عِنْدَ السُّجُودِ أَوْ لَا؟ فَيَسْجُدُ عَلَيْهِ مَسْتُورًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ السُّجُودُ مَعَ الْحَائِلِ بِعُذْرٍ كَجِرَاحَةٍ يَشُقُّ إزَالَةُ عِصَابَتِهَا الْأَقْرَبُ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْمُنْفَتِحِ) أَيْ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ لِيَصِحَّ الْحَمْلُ فِي قَوْلِهِ مَا لَوْ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ بِذَلِكَ) خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْقُضَ مُجَرَّدُ التَّنَفُّسِ وَالْجُشَاءِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ، وَكَذَا رِيقٌ وَبَلْغَمٌ نَزَلَ مِنْ الدِّمَاغِ أَوْ خَرَجَ مِنْ الصَّدْرِ لِعَدَمِ خُرُوجِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعِدَةِ ح ل. فَائِدَةٌ: وُجِدَ بِخَطِّ النَّاصِرِ الطَّبَلَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: «أَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ الْإِنْسَانِ الْفَرْجَ وَقَالَ: هَذِهِ أَمَانَتِي عِنْدَك فَلَا تَضَعْهَا إلَّا فِي حَقِّهَا» . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْوَرَعِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. قَوْلُهُ: (النَّوْمُ إلَخْ) إفْرَادُهُ عَنْ زَوَالِ الْعَقْلِ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ، وَلِمُخَالَفَةِ حُكْمِهِ لِمَا عَدَاهُ مِنْ النَّوَاقِضِ حَيْثُ كَانَتْ لَهُ حَالَتَانِ: حَالَةُ نَقْضٍ وَحَالَةُ عَدَمِهِ ع ش مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ اسْتِرْخَاءُ أَعْصَابِ الدِّمَاغِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَحَقِيقَةُ النَّوْمِ رِيحٌ أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 غَيْرِ هَيْئَةِ الْمُتَمَكِّنِ) مِنْ الْأَرْضِ مَقْعَدُهُ أَيْ أَلْيَيْهِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. السَّهُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَاءٍ حَلَقَةُ الدُّبُرِ وَالْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الشَّيْءُ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْيَقَظَةَ هِيَ الْحَافِظَةُ لِمَا يَخْرُجُ، وَالنَّائِمُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ، فَكَيْفَ عَدَلَ عَنْهُ وَقِيلَ بِالنَّقْضِ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ مَظِنَّةً لِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ أُقِيمَ مَقَامَ الْيَقِينِ، كَمَا أُقِيمَتْ الشَّهَادَةُ الْمُفِيدَةُ لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ، أَمَّا إذَا نَامَ وَهُوَ مُمَكِّنٌ أَلْيَيْهِ مِنْ مَقَرِّهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى مَا لَوْ زَالَ لَسَقَطَ لَأَمِنَ خُرُوجَ شَيْءٍ حِينَئِذٍ مِنْ دُبُرِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ رِيحٍ مِنْ قُبُلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَلِقَوْلِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: " يَنَامُونَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ الْأَرْضَ ".   [حاشية البجيرمي] بِسَبَبِ رِيحٍ لَطِيفَةٍ تَصْعَدُ مِنْ الطَّعَامِ إلَى الدِّمَاغِ فَتَحْصُلُ فِيهِ بُرُودَةٌ يَنْشَأُ عَنْهَا سُكُونُ الْجَوَارِحِ وَالْإِغْمَاءِ كَالنَّوْمِ، لَكِنَّ رِيحَهُ أَغْلَظُ. وَلِهَذَا لَا يَنْتَبِهُ لَوْ نُبِّهَ بِخِلَافِ النَّوْمِ. وَعِبَارَةُ اج قَوْلُهُ: وَهُوَ اسْتِرْخَاءُ أَعْصَابِ الدِّمَاغِ أَيْ فَيُغَطَّى الْقَلْبُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ النَّوْمُ رِيحٌ لَطِيفَةٌ تَأْتِي مِنْ قِبَلِ الدِّمَاغِ فَتُغَطِّي الْقَلْبَ، فَإِنْ لَمْ تَصِلْ إلَى الْقَلْبِ بَلْ غَطَّتْ الْعَيْنَ فَقَطْ كَانَ نُعَاسًا. وَمِنْ عَلَامَاتِ النَّوْمِ الرُّؤْيَا. وَمِنْ عَلَامَاتِ النُّعَاسِ سَمَاعُ كَلَامِ الْحَاضِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ فَلَوْ رَأَى رُؤْيَا وَشَكَّ هَلْ نَامَ أَوْ نَعَسَ انْتَقَضَ. اهـ. قَوْلُهُ: (مَقْعَدُهُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ الْمُتَمَكِّنِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُمَكَّنِ فَمَقْعَدُهُ بِالنَّصْبِ مَفْعُولُهُ وَالْفَاعِلُ ضَمِيرُ الْمُتَوَضِّئِ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَلْيَيْهِ يُعَيِّنُ الثَّانِيَ وَلَا يَصِحُّ مَعَهُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَلْيَيْهِ مُثَنَّى أَلْيَةٍ بِالتَّاءِ لَكِنْ سُمِعَ مَحْذُوفُ التَّاءِ عِنْدَ التَّثْنِيَةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وِكَاءُ السَّهِ) هُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ أَيْ الْيَقِظَةُ كَرِبَاطِ الدُّبُرِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَصْلُهُ سَتَهٌ بِوَزْنِ فَرَسٍ وَجَمْعُهُ أَسْتَاهٌ كَأَفْرَاسٍ فَحُذِفَتْ الْهَاءُ وَعُوِّضَ عَنْهَا الْهَمْزَةُ فَقِيلَ اسْتٌ، فَإِنْ رُدَّتْ الْهَاءُ وَهِيَ لَامُهَا وَحُذِفَتْ الْعَيْنُ الَّتِي هِيَ التَّاءُ انْحَذَفَتْ الْهَمْزَةُ الَّتِي جِيءَ بِهَا عِوَضًا مِنْ الْهَاءِ، فَقِيلَ سَهْ. وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ حَيْثُ شَبَّهَ السَّهَ بِفَمِ قِرْبَةٍ مَثَلًا، وَإِثْبَاتُ الْوِكَاءِ تَخْيِيلٌ وَاسْتِعْمَالُ الْعَيْنَيْنِ فِي الْيَقِظَةِ كِنَايَةٌ أَوْ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ التَّلَازُمُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَم مِنْ انْفِتَاحِهِمَا الْيَقِظَةُ. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا نَامَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ إلَخْ) نَعَمْ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ أَوْ مَعْصُومٌ بِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ انْتَقَضَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فِي الْمَعْصُومِ إذَا أَخْبَرَ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ فِي غَيْرِ الْمُتَمَكِّنِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ النَّقْضَ بِالنَّوْمِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ نَاقِضٌ، نَعَمْ لَوْ أَمَرَهُ سَيِّدُنَا عِيسَى بَعْدَ نُزُولِهِ بِصَلَاةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ امْتَثَلَ أَمْرَهُ أَيْ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَذْهَبٍ؛ لِأَنَّ الْمَذَاهِبَ حِينَئِذٍ قَدْ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ مَعَ النَّصِّ أَيْ: لَا اجْتِهَادَ لِغَيْرِ عِيسَى مَعَ وُجُودِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ نَصٌّ فِي الْحَقِّ اهـ. ابْنُ شَرَفٍ. وَقَالَ عَبْدُ الْبَرِّ: وَلَوْ نَامَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ وَقَالَ لَهُ نَبِيٌّ قُمْ فَصَلِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ تَرْكُ مَذْهَبِهِ، وَطَاعَتُهُ فَيُصَلِّي بِغَيْرِ وُضُوءٍ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ. وَنُوزِعُ فِيهِ فَصَمَّمَ وَلَمْ يَرْجِعْ لِمَنْ نَازَعَهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ تُحَقِّقُ نَوْمًا أَوْ رُؤْيَا، فَإِنْ احْتَمَلَ التَّمَكُّنَ لَمْ يُنْتَقَضْ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا حَاصِلُ الرَّاجِحِ شَرْحُ م ر شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ نَادِرٌ) قَضِيَّةُ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ اعْتَادَهُ نُقِضَ سم. وَقَالَ ابْنُ شَرَفٍ نَقْلًا عَنْ م ر: لَا نَقْضَ، وَإِنْ اعْتَادَهُ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُ النُّدُورَ، وَلِمَا قَالَهُ ابْنُ شَرَفٍ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنَا تَحَقَّقْنَا الطَّهَارَةَ وَشَكَّكْنَا فِي رَافِعِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّفْعِ اهـ اج. وَفِي الْإِطْفِيحِيِّ قَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِالنُّدْرَةِ أَنَّ مَنْ تَكَرَّرَ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ قُبُلِهِ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَمَكُّنٍ إنْ تُصَوِّرَ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ. فَقَدْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ م ر عَدَمَ النَّقْضِ بِنَوْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَمَكُّنٍ. أَقُولُ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا نَامَ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ لَا نَقْضَ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ، وَلَا نَظَرَ لِاعْتِيَادِ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَتَخَلَّفُ خُصُوصًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ فَإِنْ تَحَقَّقَ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ الْقُبُلِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، فَقَدْ صَرَّحَ إمَامُنَا فِي الْأُمِّ بِأَنَّ خُرُوجَ الرِّيحِ مِنْ الْقُبُلِ نَاقِضٌ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وَحُمِلَ عَلَى نَوْمِ الْمُمَكِّنِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا لَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّحِيفِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. نَعَمْ إنْ كَانَ بَيْنَ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ تَجَافٍ نُقِضَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ وَلَا تَمْكِينَ لِمَنْ نَامَ عَلَى قَفَاهُ مُلْصِقًا مَقْعَدَهُ بِمَقَرِّهِ، وَمِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ مُضْطَجِعًا، وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ النَّوْمِ مُمَكِّنًا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (وَ) الثَّالِثُ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (زَوَالُ الْعَقْلِ) الْغَرِيزِيِّ بِجُنُونٍ أَوْ (بِسُكْرٍ) ، وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِهِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلِقَوْلِ أَنَسٍ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ لَا مِنْ. قَوْلُهُ: (حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ) أَيْ يَقْرُبَ خَفَقَانُ رُءُوسِهِمْ إذْ لَوْ خَفَقَتْ رُءُوسُهُمْ الْأَرْضَ حَقِيقَةً أَيْ وَصَلَتْ إلَيْهَا ارْتَفَعَ الْأَلْيَانِ. قَوْلُهُ: (وَحُمِلَ) أَيْ حَدِيثُ أَنَسٍ. وَقَوْلُهُ: (جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ) أَيْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَدَخَلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُرِئَ بِفَتْحِهَا كَانَ الْمَعْنَى، وَدَخَلَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ. وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ فِعْلٌ وَالتَّقْدِيرُ، وَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ. وَلَوْ زَالَتْ إحْدَى أَلْيَيْ نَائِمٍ مُتَمَكِّنٍ أَوْ سَقَطَ إحْدَى ذِرَاعَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ لَهُ أَرْبَعُ حَالَاتٍ، فَإِنْ زَالَتْ إحْدَى أَلْيَيْهِ عَنْ الْأَرْضِ أَوْ وَصَلَ ذِرَاعُهُ إلَى الْأَرْضِ قَبْلَ انْتِبَاهِهِ انْتَقَضَ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ شَكَّ فِي تَقَدُّمِهِ أَوْ فِي أَنَّهُ نَائِمٌ أَوْ نَاعِسٌ، أَوْ فِي أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ أَوْ لَا. أَوْ أَنَّ مَا خَطَرَ بِبَالِهِ رُؤْيَا أَوْ حَدِيثُ نَفْسٍ فَلَا. اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ كَانَ بَيْنَ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ تَجَافٍ نَقَضَ) وَلَوْ سُدَّ التَّجَافِي بِشَيْءٍ لَا يَنْتَقِضُ اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَمِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ مُضْطَجِعًا) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ حَتَّى سُمِعَ غَطِيطُهُ بِالْغَيْنِ أَوْ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَقَالَ: إنَّ عَيْنِيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ دَائِمَةُ الْيَقِظَةِ لَا يَعْتَرِيهَا غَفْلَةٌ وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا شَائِبَةُ نَوْمٍ تَمْنَعُهَا مِنْ إشْرَاقِ الْأَنْوَارِ الْإِلَهِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِفَيْضِ الْمَطَالِبِ السُّنِّيَّةِ عَلَيْهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «أَنَّهُ نَامَ فِي الْوَادِي عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ» . وَأُجِيبَ: بِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ وَظَائِفِ الْعَيْنِ وَهِيَ نَائِمَةٌ، وَالْحَدَثُ مِنْ وَظَائِفِ الْقَلْبِ وَهُوَ يَقْظَانُ كَمَا فِي ع ش. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ لَهُ نَوْمَتَيْنِ تَنَامُ فِيهَا عَيْنُهُ وَقَلْبُهُ وَنَوْمَةٌ تَنَامُ فِيهَا عَيْنُهُ دُونَ قَلْبِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: فَاسِدٌ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تَنَامُ أَعْيُنُنَا وَلَا تَنَامُ قُلُوبُنَا» . وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَعَالَى مَنَعَهُ إدْرَاكَ الشَّمْسِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمَقْضِيِّ بِعُذْرٍ اهـ. م د. قَوْلُهُ: (زَوَالُ الْعَقْلِ) كَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ أَيْ الْغَلَبَةُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ سم. قَالَ ع ش: هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ السُّكْرُ وَالْإِغْمَاءُ لَا يَزُولُ بِهِمَا الْعَقْلُ، وَإِنَّمَا يَنْغَمِرُ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ هُوَ الْقُوَّةُ الْغَرِيزِيَّةُ، وَإِنَّمَا يُزِيلُهَا الْجُنُونُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْلِ التَّمْيِيزُ. اهـ بِحُرُوفِهِ. وَهُوَ وَجِيهٌ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْعَقْلَ يُطْلَقُ عَلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ صِفَةٌ يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ وَهَذَا يُزِيلُهُ الْإِغْمَاءُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْغَرِيزِيِّ وَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ صِفَةٌ غَرِيزِيَّةٌ يَتْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ أَيْ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، وَهَذَا لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْجُنُونُ وَهُوَ مُطْلَقًا زَوَالُ الشُّعُورِ مِنْ الْقَلْبِ، ثُمَّ إنْ كَانَ مَعَ قُوَّةِ حَرَكَةِ الْأَعْضَاءِ بِلَا طَرَبٍ فَهُوَ الْجُنُونُ أَوْ مَعَ طَرَبٍ فَهُوَ السُّكْرُ أَوْ مَعَ فُتُورِ الْأَعْضَاءِ فَهُوَ الْإِغْمَاءُ أَوْ مَعَ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ فَهُوَ النَّوْمُ وَيُعَرَّفُ النَّوْمُ بِأَنَّهُ رِيحٌ لَطِيفَةٌ تَأْتِي مِنْ الدِّمَاغِ إلَى الْقَلْبِ فَتُغَطِّي الْعَيْنَ، فَإِنْ لَمْ تَصِلْ إلَى الْقَلْبِ فَهُوَ النُّعَاسُ وَلَا نَقْضَ بِهِ. قَوْلُهُ: (الْغَرِيزِيِّ) وَمَحَلُّهُ الْقَلْبُ عَلَى الرَّاجِحِ وَأَوَّلُ وُجُودِهِ عِنْدَ نَفْخِ الرُّوحِ، فَيَأْخُذُ فِي الزِّيَادَةِ لِبُلُوغِ الْأَرْبَعِينَ وَعَلَيْهِ مَدَارُ التَّكْلِيفِ، وَقِيلَ هُوَ نُورٌ فِي الْقَلْبِ تُدْرَكُ بِهِ الْعُلُومُ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهَا مَجَازٌ لِكَوْنِهَا ثَمَرَتَهُ، وَالشَّيْءُ قَدْ يُعَرَّفُ بِثَمَرَتِهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَهُوَ يَعْنِي الْعَقْلَ الْغَرِيزِيَّ أَفْضَلَ مِنْ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مَنْبَعُهُ وَأُسُّهُ؛ وَلِأَنَّ الْعِلْمَ يَجْرِي مِنْهُ مَجْرَى النُّورِ مِنْ الشَّمْسِ وَالرُّؤْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ، وَمَنْ عَكَسَ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ اسْتِلْزَامُهُ لَهُ، وَأَنَّهُ تَعَالَى يُوصَفُ بِهِ لَا بِالْعَقْلِ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 (أَوْ) بِعَارِضِ (مَرَضٍ) كَإِغْمَاءٍ أَوْ بِتَنَاوُلِ دَوَاءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ النَّوْمِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا أَمْ لَا. فَائِدَةٌ: قَالَ الْغَزَالِيُّ: الْجُنُونُ يُزِيلُ الْعَقْلَ، وَالْإِغْمَاءُ يَغْمُرُهُ، وَالنَّوْمُ يَسْتُرُهُ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ أَوَائِلَ السُّكْرِ الَّذِي لَا يَزُولُ بِهِ الشُّعُورُ لَا يَنْقُضُ وَهُوَ كَذَلِكَ.   [حاشية البجيرمي] وَهُوَ فِي الْإِنْسَانِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَكِ، لَكِنَّهُ فِي النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ أَكْمَلُ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ: عِلْمُ الْعَلِيمِ وَعَقْلُ الْعَاقِلِ اخْتَلَفَا ... مَنْ ذَا الَّذِي مِنْهُمَا قَدْ أَحْرَزَ الشَّرَفَا فَالْعِلْمُ قَالَ أَنَا قَدْ حُزْتُ غَايَتَهُ ... وَالْعَقْلُ قَالَ أَنَا الرَّحْمَنُ بِي عُرِفَا فَأَفْصَحَ الْعِلْمُ إفْصَاحًا وَقَالَ لَهُ ... بَأَيِّنَا اللَّهُ فِي تَنْزِيلِهِ اتَّصَفَا فَأَيْقَنَ الْعَقْلُ أَنَّ الْعِلْمَ سَيِّدُهُ ... وَقَبَّلَ الْعَقْلُ رَأْسَ الْعِلْمِ وَانْصَرَفَا وَكَانَ الشَّيْخُ مُحْيِيَ الدِّينِ الْكَافِيجِيُّ يَقُولُ: الْعِلْمُ أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الْإِفْضَاءِ إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَالْعَقْلُ أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَنْبَعًا لِلْعِلْمِ وَأَصْلًا لَهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ فَضِيلَةَ الْعِلْمِ بِالذَّاتِ وَفَضِيلَةَ الْعَقْلِ بِالْوَسِيلَةِ إلَى الْعِلْمِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: " أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَهَبَطَ آدَمَ إلَى الْأَرْضِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْضَرَ لَك ثَلَاثَ خِصَالٍ لِتَخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَتَتَخَلَّى عَنْ اثْنَتَيْنِ. فَقَالَ: وَمَا هُنَّ؟ . فَقَالَ: الْحَيَاءُ وَالدِّينُ وَالْعَقْلُ، فَقَالَ: اخْتَرْت الْعَقْلَ. فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلْحَيَاءِ وَالدِّينِ: ارْتَفَعَا فَقَدْ اخْتَارَ غَيْرَكُمَا. فَقَالَا: لَا نَرْتَفِعُ. قَالَ: أَعَصَيْتُمَا؟ قَالَا: لَا، وَلَكِنْ أُمِرْنَا أَنْ لَا نُفَارِقَ الْعَقْلَ ". قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَهَلْ الْعَقْلُ مِنْ قَبِيلِ الْأَعْرَاضِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الْجَوَاهِرِ أَوْ لَا؟ . وَالْجَوَابُ: هُوَ عِنْدَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ عَرْضٌ قَائِمٌ بِالْقَلْبِ مُتَّصِلٌ بِالدِّمَاغِ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ عَنْ الْمَادَّةِ مُقَارِنٌ لَهَا فِي الْفِعْلِ. اهـ. قَوْلُهُ: (كَإِغْمَاءٍ) وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِوَلِيِّ حَالَةِ الذَّكَرِ فَيُنْقَضُ طُهْرُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ، وجَوَّزَ النَّوَوِيُّ وُقُوعَ الْإِغْمَاءِ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَقَيَّدَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ بِغَيْرِ الطَّوِيلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْوُضُوءُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَيْسَ كَإِغْمَاءِ غَيْرِهِمْ لِعَدَمِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى بَوَاطِنِهِمْ؛ لِأَنَّهَا إذَا عُصِمَتْ مِنْ الْأَخَفِّ وَهُوَ النَّوْمُ فَمِنْ هَذَا أَوْلَى، وَعَلَى هَذَا لَا تُنْتَقَضُ بِهِ طَهَارَتُهُمْ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (يَغْمُرُهُ) أَيْ مَعَ تَخْدِيرٍ فِي الْأَعْضَاءِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ نُبِّهَ لَمْ يَتَنَبَّهْ بِخِلَافِ النَّوْمِ فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ مَعَ اسْتِرْخَاءٍ فِي أَعْصَابِ الدِّمَاغِ، أَوْ مَعَ كَوْنِهِ إذَا نُبِّهَ انْتَبَهَ فَافْتَرَقَا، وَسَكَتَ عَنْ السُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ مِنْ قَوْلِ زَوَالِ الْعَقْلِ قَوْلُهُ: (الَّذِي) الْأَوْلَى الَّتِي؛ لِأَنَّهُ نَعْتُ أَوَائِلَ. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ أَوَائِلَ لَمَّا أُضِيفَتْ إلَى السُّكْرِ اكْتَسَبَتْ مِنْهُ التَّذْكِيرَ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ أَيْضًا عَلَيْهِ مُذَكَّرًا. قَوْلُهُ: (لَمْسُ الرَّجُلِ) أَيْ يَقِينًا اعْتَرَضَهُ ق ل. بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كَغَيْرِهِ الْتِقَاءِ بَشَرَتَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اللَّمْسَ إمَّا مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ أَوْ مَفْعُولِهِ، وَعَلَى كُلٍّ لَا يَشْمَلُ الْآخَرَ وَهُوَ الْمَلْمُوسُ مَعَ أَنَّهُ يُوهِمُ اعْتِبَارَ الْقَصْدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ اللَّمْسَ يَنْقُضُ وُضُوءَ اللَّامِسِ أَوْ الْمَلْمُوسِ أَوْ هُمَا بِخِلَافِ الِالْتِقَاءِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُتَلَاقِيَيْنِ يَقْتَضِي نَقْضَهُمَا مَعًا فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَوْ الشَّارِحِ أَنْ يَزِيدَ: وَالْمَلْمُوسُ كَلَامِسٍ لِإِفَادَةِ اشْتِرَاكَهُمَا فِي النَّقْضِ. وَأَجَابَ ع ش بِأَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّمْسِ حُصُولُ أَثَرِهِ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بِلَا قَصْدٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّمْسَ نَاقِضٌ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ ذُكُورَةً وَأُنُوثَةً. ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ بِالْبَشَرَةِ دُونَ الشَّعْرِ وَالسِّنِّ وَالظُّفُرِ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ بِدُونِ حَائِلٍ. رَابِعُهَا أَنْ يَبْلُغَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَدًّا يُشْتَهَى فِيهِ فَلَوْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا حَدًّا يُشْتَهَى وَلَمْ يَبْلُغْهُ الْآخَرُ لَا نَقْضَ. خَامِسُهَا: عَدَمُ الْمَحْرَمِيَّةِ، وَمَحَلُّ كَوْنِ اللَّمْسِ نَاقِضًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ: وَاخْتَصَّ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِاللَّمْسِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بَلْ يُصَلِّي بِذَلِكَ الطُّهْرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ تَبَعًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِخَبَرِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ» . وَبِقَضِيَّتِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: لَا وُضُوءَ مِنْ اللَّمْسِ وَلَا مِنْ الْمُبَاشَرَةِ إلَّا إنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 (وَ) الرَّابِعُ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (لَمْسُ الرَّجُلِ) بِبَشَرَتِهِ (الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ) أَيْ بَشَرَتَهَا. (مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] أَيْ لَمَسْتُمْ كَمَا قُرِئَ بِهِ فَعَطَفَ اللَّمْسَ عَلَى الْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا الْأَمْرَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَدَثٌ لَا جَامَعْتُمْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ إذْ اللَّمْسُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ. قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَلَّك لَمَسْت» وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ وَإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ، أَوْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَمْسُوحًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا، أَوْ الْمَرْأَةُ عَجُوزًا شَوْهَاءَ، أَوْ كَافِرَةً بِتَمَجُّسٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ حُرَّةً أَوْ رَقِيقَةً أَوْ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا، لَكِنْ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَيِّتِ، وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مَظِنَّةُ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بَاقِي   [حاشية البجيرمي] فَحُشَتْ بِأَنْ يَتَجَرَّدَا مُتَعَانِقِينَ مُتَمَاسَّيْ الْفَرْجِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَمَسَ غَيْرِ الْمَحَارِمِ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. وَأُجِيبَ عَنْ الْحَدِيثِ: بِأَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ أَوْ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ: نُزُولِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَقُولَ الْأَصْلُ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَعَدَمُ النَّسْخِ حَتَّى يَثْبُتَ، وَالْحَدِيثُ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ: لَا أَعْلَمُ لِلْحَدِيثِ عِلَّةً تُوجِبُ تَرْكَهُ. اهـ. فَرْعٌ: لَوْ تَوَلَّدَ شَخْصٌ بَيْنَ آدَمِيٍّ وَبَهِيمَةٍ لَمْ يَنْقُضْ مَسُّهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ. فَرْعٌ: جِلْدُ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ إذَا سُلِخَ وَحُشِيَ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَوِّ لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى آدَمِيًّا، وَلَوْ سُلِخَ الذَّكَرُ وَحُشِيَ فَلَا نَقْضَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ذَكَرًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ الَأُجْهُورِيُّ، وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ تَصَوَّرَ وَلِيٌّ بِصُورَةِ امْرَأَةٍ أَوْ مُسِخَ رَجُلٌ امْرَأَةً هَلْ يَنْقُضُ أَوْ لَا؟ فَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ النَّقْضِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ عَيْنَهُ لَمْ تَنْقَلِبْ، وَإِنَّمَا انْخَلَعَ مِنْ صُورَةٍ إلَى صُورَةٍ مَعَ بَقَاءِ صِفَةِ الذُّكُورَةِ، وَأَمَّا الْمَسْخُ فَالنَّقْضُ بِهِ مُحْتَمَلٌ لِقُرْبِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ فِيهِ بِعَدَمِ النَّقْضِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ تَبَدُّلِ الصِّفَةِ دُونَ الْعَيْنِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (كَمَا قُرِئَ بِهِ) قِرَاءَةٌ سَبُعِيَّةٌ لِحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ فِي النِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ. قَوْلُهُ: (فَعَطَفَ) الْفَاءَ لِلتَّعْلِيلِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (فَدَلَّ) هُوَ النَّتِيجَةُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوَافُقُ الْقِرَاءَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (إذْ اللَّمْسُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ) أَيْ: بَلْ هُوَ شَامِلٌ لِلْجِمَاعِ وَلِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّمْسُ هُوَ الْجَسُّ بِالْيَدِ وَبِغَيْرِهَا، وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَعَمِّ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى خُصُوصِ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَمْلِ، بِخِلَافِ حَمْلِهِ عَلَى الْأَخَصِّ لَيْسَ لَهُ قِرَاءَةٌ أُخْرَى تُؤَيِّدُهُ، فَقَوْلُهُ إذْ اللَّمْسُ أَيْ الَّذِي قُرِئَ بِهِ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ أَيْ فَتَكُونُ الْمُلَامَسَةُ غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِالْجِمَاعِ لِأَجْلِ تَوَافُقِ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى فَتَأَمَّلْ. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إذْ الْمُلَامَسَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الرَّدُّ عَلَى الْخَصْمِ الَّذِي هُوَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ كَوْنَ اللَّمْسِ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ. قَوْلُهُ: (لَمَسْت) لَمَسَ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَضَرَبَ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ إلَخْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ بَيْنَ لَا تُضَافُ إلَّا لِمُتَعَدِّدٍ وَالْعَطْفُ بِأَوْ لَا يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ فِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءً، فَقَوْلُهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ أَيْ وَبِغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ: أَوْ إكْرَاهٌ أَيْ وَبِغَيْرِهِ وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: (أَوْ خَصِيًّا) ضَبْطُهُ ابْنُ شَرَفٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ. قَوْلُهُ: (شَوْهَاءَ) أَيْ قَبِيحَةً. قَوْلُهُ: (أَوْ كَافِرَةً بِتَمَجُّسٍ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِعَارِضٍ يَزُولُ بِالْإِسْلَامِ، وَيُحْتَرَزُ بِذَلِكَ عَنْ الْمَحْرَمِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ فِي وَقْتٍ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ) أَيْ وَأُلْحِقَ بِهَا غَيْرُهَا، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْجَمِيعِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِيهِ) أَيْ فِي النَّقْضِ بِهِ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ مَظِنَّةُ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ) أَيْ بِحَسَبِ أَصْلِهِ، وَإِنْ انْتَفَتْ ق ل. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ إلَخْ) هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِاللَّمْسِ الْجَسَّ بِالْيَدِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِعِ، لَكِنْ يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: لَمَسَ الرَّجُلُ بِبَشَرَتِهِ إلَخْ. فَبَيْنَ كَلَامَيْهِ مُضَارَبَةٌ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ اللَّمْسَ الْجَسُّ بِالْيَدِ وَبِغَيْرِهَا، وَقِيلَ الْجَسُّ بِالْيَدِ وَأُلْحِقَ غَيْرُهَا بِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَقَدْ جَرَى فِي الْمَتْنِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَجَرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 صُوَرُ الِالْتِقَاءِ فَأُلْحِقَ بِهِ بِخِلَافِ النَّقْضِ بِمَسِّ الْفَرْجِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِبَطْنِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ إنَّمَا يُثِيرُ الشَّهْوَةَ بِبَطْنِ الْكَفِّ، وَاللَّمْسُ يُثِيرُهَا بِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ وَفِي مَعْنَاهَا اللَّحْمُ كَلَحْمِ الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ وَاللِّثَةِ وَبَاطِنِ الْعَيْنِ، وَخَرَجَ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْبَشَرَةِ حَائِلٌ وَلَوْ رَقِيقًا. نَعَمْ لَوْ كَثُرَ الْوَسَخُ عَلَى الْبَشَرَةِ مِنْ الْعَرَقِ فَإِنَّ لَمْسَهُ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْجُزْءِ مِنْ الْبَدَنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غُبَارٍ، وَالسِّنُّ وَالشَّعْرُ وَالظُّفُرُ كَمَا سَيَأْتِي وَبِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الرَّجُلَانِ وَالْمَرْأَتَانِ وَالْخُنْثَيَانِ وَالْخُنْثَى مَعَ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ، لِانْتِفَاءِ مَظِنَّتِهَا وَلِاحْتِمَالِ النَّوَافِلِ فِي صُورَةِ الْخُنْثَى، وَالْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الذَّكَرُ إذَا بَلَغَ حَدًّا يَشْتَهِي لَا الْبَالِغُ، وَبِالْمَرْأَةِ الْأُنْثَى إذَا بَلَغَتْ كَذَلِكَ لَا الْبَالِغَةُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ لَمَسَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا جِنِّيًّا أَوْ الرَّجُلُ امْرَأَةً جِنِّيَّةً هَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْآدَمِيِّ أَوْ لَا؟ يَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ مُنَاكَحَتِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ يَأْتِي فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَنْقُضُ لَمْسُ مَحْرَمٍ لَهُ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ   [حاشية البجيرمي] فِي الشَّارِحِ ثَانِيًا عَلَى الثَّانِي. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِبَطْنِ الْكَفِّ) . الْحَاصِلُ: أَنَّ اللَّمْسَ يُفَارِقُ الْمَسَّ فِي أُمُورٍ سِتَّةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّمْسَ لَا يَخْتَصُّ بِعُضْوٍ بِخِلَافِ الْمَسِّ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ. ثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي اللَّمْسِ مِنْ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْمَسِّ يَحْصُلُ بِمَسِّ فَرْجِ نَفْسِهِ. ثَالِثُهَا: أَنَّ الْفَرْجَ الْمُبَانَ يَنْقُضُ مَسُّهُ بِخِلَافِ الْعُضْوِ الْمُبَانِ. رَابِعُهَا: أَنْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ اللَّامِسِ وَالْمَلْمُوسِ، بِخِلَافِ الْمَسِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَاسِّ. خَامِسُهَا: أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَسِّ فَرْجِ الْمَحْرَمِ وَلَا يَنْتَقِضُ بِلَمْسِهَا. سَادِسُهَا: اشْتِرَاطُ الْكِبَرِ فِي اللَّمْسِ دُونَ الْمَسِّ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرُ الْجِلْدِ) خَرَجَ بِهِ السِّنُّ وَالظُّفُرُ وَالشَّعْرُ الْآتِي وَلَيْسَ الْمُرَادُ إخْرَاجَ بَاطِنِ الْجِلْدِ مَعَ اتِّصَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَفِي مَعْنَاهَا) أَيْ الْبَشَرَةِ اللَّحْمُ أَيْ، وَإِنْ كُشِطَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَاللِّثَةِ) عَطْفُ جُزْءٍ عَلَى كُلٍّ إذْ اللِّثَةُ بَعْضُ لَحْمِ الْأَسْنَانِ إذْ هِيَ مَا عَلَى الثَّنَايَا وَمَا حَوْلَهَا فَقَطْ ع ش. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ اللَّحْمُ الَّذِي نَبَتَتْ عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ فَعَطْفُهُ عَلَى لَحْمِ الْأَسْنَانِ عَطْفُ مُرَادِفٍ. قَوْلُهُ: (وَبَاطِنِ الْعَيْنِ) هَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّهُ لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَظِنَّةً لِلشَّهْوَةِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ م ر. وَأَمَّا الْعَظْمُ إذَا وَضَحَ فَيَنْقُضُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَشَرَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَرْحُومِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ كَثُرَ الْوَسَخُ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ حَائِلٍ أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَسَخَ إذَا كَانَ مِنْ الْعَرَقِ يَصِيرُ جُزْءًا مِنْ الْبَدَنِ لَا يَمْنَعُ الْإِحْسَاسَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْغُبَارِ فَإِنَّهُ جِرْمٌ مُنْفَصِلٌ يَمْنَعُ فَافْتَرَقَا وَسَقَطَ قَوْلُ ق ل: لَا يَخْفَى أَنَّ الْوَسَخَ مِنْ الْغُبَارِ فَقَوْلُهُمْ بِالنَّقْضِ فِي الْوَسَخِ مِنْ الْعَرَقِ دُونَ الْغُبَارِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، بَلْ إنْ صَارَ حَائِلًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَنْقُضُ، وَإِلَّا نَقَضَ وَكَالْعَرَقِ بِالْأَوْلَى فِي النَّقْضِ مَا يَمُوتُ مِنْ جِلْدِ الْإِنْسَانِ بِحَيْثُ لَا يُحِسُّ بِلَمْسِهِ، وَلَا يَتَأَثَّرُ بِنَحْوِ غَرْزِ إبْرَةٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ حَقِيقَةً فَهُوَ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهَا تَنْقُضُ اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَالسِّنُّ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى فَاعِلٍ خَرَجَ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا مَا إذَا كَانَ مِنْ غُبَارٍ، وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ بِلَمْسِهَا كَمَا ذَكَرِهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَيْ خُرُوجًا مِنْ الْقَوْلِ بِالنَّقْضِ بِهَا. قَوْلُهُ: (وَالْمَرْأَتَانِ) وَلَوْ الْتَذَّتَا بِاللَّمْسِ وَكَانَ عَادَتُهُمَا السِّحَاقَ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَالْخُنْثَيَانِ إلَخْ) . نَعَمْ لَوْ اتَّضَحَ الْخُنْثَى مِمَّا يَقْتَضِي النَّقْضَ عُمِلَ بِهِ وَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ لَامَسَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْخُنْثَى) أَلِفُهُ لِلتَّأْنِيثِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَالضَّمَائِرُ الْعَائِدَةُ عَلَيْهِ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى بِهَا مُذَكَّرَةً، وَإِنْ اتَّضَحَتْ أُنُوثَتُهُ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَهُ شَخْصٌ صِفَتُهُ كَذَا. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الذَّكَرُ إلَخْ) أَيْ لَا خُصُوصُ الْبَالِغِ كَمَا هُوَ أَحَدُ إطْلَاقَيْهِ وَلَا الذَّكَرُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ إطْلَاقُهُ الْآخَرُ ع ش. قَوْلُهُ: (عَلَى صِحَّةِ مُنَاكَحَتِهِمْ) وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ شَيْخِنَا م ر جَوَازُ النِّكَاحِ فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ لِلْآدَمِيِّ وَالْجِنِّيِّ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْجِنِّيُّ عَلَى صُورَةِ الْبَهِيمَةِ فَلَا نَقْضَ بِلَمْسِهِ كَمَا مَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا اهـ. ق ل. قَالَ الْمَدَابِغِيُّ: الْمُعْتَمَدُ صِحَّةُ مُنَاكَحَتِهِمْ وَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِهِمْ إذَا تَحَقَّقَتْ الذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ، وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ حَتَّى لَوْ تَصَوَّرَتْ عَلَى صُورَةِ كَلْبَةٍ نَقَضَ لَمْسُهَا وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا بِالتَّصَوُّرِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَقِيقَتِهَا وَيَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ تَصَوَّرَتْ فِي صُورَةِ كَلْبَةٍ مَثَلًا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ سم. وَإِذَا قُلْت بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْجِنِّ هَلْ يُجْبِرُهَا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 مُصَاهَرَةٍ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَظِنَّةً لِلشَّهْوَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالرَّجُلِ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ مُحْرِمَةٌ بِأَجْنَبِيَّاتٍ غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ.   [حاشية البجيرمي] مُلَازَمَةِ الْمَسْكَنِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ التَّشَكُّلِ فِي غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ النَّفْرَةُ أَوْ لَا؟ . وَهَلْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ مِنْ أَمْرِ وَلِيِّهَا وَخُلُوِّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ، وَهَلْ يَجُوزُ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْ قَاضِيهِمْ؟ . وَهَلْ إذَا رَآهَا فِي صُورَةٍ غَيْرِ الَّتِي يَأْلَفُهَا فَادَّعَتْ أَنَّهَا هِيَ فَهَلْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَيَجُوزُ وَطْؤُهَا أَوْ لَا؟ . وَهَلْ يُكَلَّفُ الْإِتْيَانَ بِمَا يَأْلَفُونَهُ مِنْ قُوتِهِمْ كَالْعَظْمِ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَ الْإِتْيَانُ بِغَيْرِهِ أَوْ لَا؟ الْأَصَحُّ نَعَمْ فِي الْجَمِيعِ. اهـ. م ر فِي حَاشِيَتِهِ الرَّوْضِ. وَلَوْ مُسِخَتْ الْأُنْثَى حَيَوَانًا كَقِرْدٍ أَوْ حِمَارَةٍ فَهَلْ يَنْقُضُ لَمْسُهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَسَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ ذَكَرُ اخْتِلَافٍ فِيمَا لَوْ مُسِخَ حَيَوَانٌ مَأْكُولٌ غَيْرَ مَأْكُولٍ أَوْ بِالْعَكْسِ هَلْ يُنْظَرُ لِمَا كَانَ فِيهِ أَكْلُهُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي أَوْ لِمَا صَارَ إلَيْهِ فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ وَيُتَّجَهُ تَخْرِيجُ مَا هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا مَا كَانَ حَصَلَ النَّقْضُ، وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَى الثَّانِي فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَسْخِ وَالتَّصَوُّرِ بِأَنَّ الْمُتَصَوِّرَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَقِيقَتِهِ بِخِلَافِ الْمَمْسُوخِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ مُسِخَتْ حَجَرًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزَمَ بِعَدَمِ النَّقْضِ وَلَوْ مُسِخَ نِصْفُهَا حَجَرًا مَعَ بَقَاءِ الْحَيَاةِ وَالْإِحْسَاسِ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ فَيُتَّجَهُ النَّقْضُ بِمَسِّ النِّصْفِ الْبَاقِي، وَأَمَّا النِّصْفُ الْمَمْسُوخُ فَإِنْ قُلْنَا فِيمَا لَوْ مُسِخَتْ كُلُّهَا حَجَرًا بِالنَّقْضِ بِلَمْسِهَا فَالنَّقْضُ بِلَمْسِ النِّصْفِ يَجْرِي هُنَا بِالْأَوْلَى أَوْ بِعَدَمِهِ فَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ النِّصْفَ الْحَجَرِيَّ يُعَدُّ مِنْ أَجْزَائِهَا تَبَعًا لِلْبَاقِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ النِّصْفُ بِمَنْزِلَةِ الظُّفُرِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. سم. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ مُسِخَ جَمَادًا فَلَا نَقْضَ، وَإِنْ مُسِخَ حَيَوَانًا مَعَ بَقَاءِ الْإِدْرَاكِ نَقَضَ، وَإِنْ زَالَ الْإِدْرَاكُ فَلَا نَقْضَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْقُضُ لَمْسُ مَحْرَمٍ) وَلَوْ احْتِمَالًا فَلَوْ شَكَّ هَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَةٍ رَضَاعُ مَحْرَمٍ جَازَ لَهُ نِكَاحُهَا لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِمِنْ نَفَاهَا بِلِعَانٍ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَالْمَحْرَمُ مَنْ حُرِّمَ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا، فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ أُخْتُ الزَّوْجَةِ وَبِالثَّانِي أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتُهَا؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ حُرِّمَتَا عَلَى التَّأْبِيدِ لَكِنْ بِسَبَبٍ لَا يَتَّصِفُ بِإِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَبِالثَّالِثِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِهِنَّ لِحُرْمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ لَا لِحُرْمَتِهِنَّ ح ل. وَاعْلَمْ أَنَّ زَوْجَاتِ نَبِيِّنَا يَحْرُمْنَ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ حَتَّى عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهُنَّ بِالْعَقْدِ صِرْنَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53] وَأَمَّا إمَاؤُهُ فَإِنْ لَمْ يَطَأْهُنَّ لَمْ يَحْرُمْنَ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِلَّا حَرُمْنَ. وَأَمَّا زَوْجَاتُ بَاقِي الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ عَلَى الْأُمَمِ فَقَطْ وَيَحِلُّ نِكَاحُهُنَّ لِلْأَنْبِيَاءِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَمِثْلُهُ فِي الْإِطْفِيحِيِّ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ أَنَّ نَفَقَةَ أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ زَوْجِيَّتَهُنَّ لَمْ تَنْقَطِعْ وَلَمْ يَجُزْ لَهُنَّ نِكَاحُ غَيْرِهِ لِبَقَاءِ زَوْجِيَّتِهِ فَلَمْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهُنَّ بِمَوْتِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَكَّ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ) كَأَنْ تَحَقَّقَ أَنَّ امْرَأَةً أَرْضَعَتْهُ وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ أَرْضَعَتْهُ رَضْعَةً أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَحْرَمِ، فَلَوْ نَكَحَهَا هَلْ نَقُولُ بِعَدَمِ النَّقْضِ لِاحْتِمَالِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَتَتَبَعَّضُ الْأَحْكَامُ أَوْ بِالنَّقْضِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى عَدَمِ ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ؟ فِي شَرْحِ م ر الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ مَجْهُولَةً فَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيهَا فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِالنَّقْضِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى عَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ لَا يَعُودُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ النَّقْضِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَلَطَتْ إلَخْ) وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَلْمِسْ عَدَدًا أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ مَحَارِمِهِ، وَإِلَّا انْتَقَضَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لِتَحَقُّقِ لَمْسِهِ غَيْرَ مَحْرَمٍ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ النَّقْضِ، بَلْ وَإِنْ كُنَّ مَحْصُورَاتٍ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا وَقَيَّدَ بِذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 نَعَمْ إنْ تَزَوَّجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَنْبَغِي عَدَمُ النَّقْضِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِصَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مَجْهُولَةِ النَّسَبِ وَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ، فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ وَتَصِيرُ أُخْتًا لَهُ وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا لِمَا تَقَدَّمَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَيْسَ لَنَا مَنْ يَنْكِحُ أُخْتَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَّا هَذَا وَلَا يَنْقُضُ صَغِيرٌ وَلَا صَغِيرَةٌ لَمْ يَبْلُغْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَدًّا يُشْتَهَى عُرْفًا لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَاهَا، وَإِنْ انْتَفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَحْوِ هَرَمٍ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَا شَعْرَ وَسِنَّ وَظُفُرَ وَعَظْمَ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الِالْتِذَاذِ فِي هَذِهِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ دُونَ اللَّمْسِ، وَلَا يَنْقُضُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ غَيْرُ الْفَرْجِ وَلَوْ قُطِعَتْ الْمَرْأَةُ نِصْفَيْنِ هَلْ يَنْقُضُ كُلٌّ مِنْهُمَا   [حاشية البجيرمي] لِلِاسْتِدْرَاكِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ إلَّا إذَا كُنَّ غَيْرَ مَحْصُورَاتٍ. قَوْلُهُ: (انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَبَعَّضُ) أَيْ وَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّ لَمْسَهَا لَا يَنْقُضُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَبْعِيضُ الْحُكْمِ حَيْثُ حَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِهَا مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى حِلِّ نِكَاحِهَا النَّقْضُ بِلَمْسِهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا يَتَبَعَّضُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) هُوَ شَيْخُهُ الشِّهَابُ م ر. قَوْلُهُ: (عَدَمُ النَّقْضِ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا) ضَعِيفٌ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بِرَجْعَةٍ إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً وَلَا بِتَجْدِيدِ عَقْدٍ إنْ كَانَتْ بَائِنًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّزَوُّجِ عِلْمُ الْحِلِّ يَقِينًا. قَوْلُهُ: (لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَبَعَّضُ وَقَدْ عَرَفْت ضَعْفَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْقُضُ صَغِيرٌ) أَيْ لَمْسُهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا صَغِيرَةٌ) إلَخْ خِلَافًا لِلْإِمَامِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ الْقَائِلِ بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ بِلَمْسِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمِيزَانِ: وَقَدْ أَطْلَعَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ طَرِيقِ الْإِلْهَامِ عَلَى دَلِيلٍ لِقَوْلِ الْإِمَامِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ بِلَمْسِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى. وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ اسْمَ النِّسَاءِ عَلَى الْأَطْفَالِ فِي قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ فِرْعَوْنَ: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} [القصص: 4] وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِرْعَوْنَ إنَّمَا كَانَ يَسْتَحْيِي الْأُنْثَى عَقِبَ وِلَادَتِهَا فَكَمَا أَطْلَقَ الْحَقُّ تَعَالَى اسْمَ النِّسَاءِ عَلَى الْأُنْثَى عَقِبَ وِلَادَتِهَا فِي قِصَّةِ الذَّبْحِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] بِالْقِيَاسِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَهُوَ اسْتِنْبَاطُ حَسَنٌ لَمْ أَجِدُهُ لِغَيْرِي، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ عِلَّةَ النَّقْضِ الْأُنُوثَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهَا تُشْتَهَى أَوْ لَا تُشْتَهَى، فَقِسْ عَلَيْهِ يَا أَخِي كُلَّ مَا لَمْ تَطَّلِعْ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ عَلَى دَلِيلٍ صَرِيحٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَرُدَّ كَلَامَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ تُضَعِّفَهُ بِفَهْمِك، فَإِنَّ فَهْمَ مِثْلِك إذَا قُرِنَ بِفَهْمِ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ كَانَ كَالْهَبَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. قَوْلُهُ: (كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ) أَيْ فِي التَّمْثِيلِ بِالْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ. قَوْلُهُ (وَلَا شَعْرَ) ، وَإِنْ نَبَتَ عَلَى الْفَرْجِ. قَالَ فِي الْمِيزَانِ: الشَّعْرَانِيَّةُ وَفِي كَلَامِ الْقَوْمِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ إلَّا إنْ كَانَ أَحْوَطَ فِي الدِّينِ مِنْ الْقَوْلِ الْأَرْجَحِ بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِلَمْسِ الصَّغِيرَةِ وَالشَّعْرِ وَالظُّفُرِ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ ضَعِيفًا فَهُوَ أَحْوَطُ فِي الدِّينِ فَكَانَ الْوُضُوءُ مِنْهُ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَلَا شَعْرَ وَسِنَّ) أَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ قَدْ تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَظُفُرَ) بِضَمِّ الظَّاءِ مَعَ سُكُونِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا، وَأُظْفُورٌ كَعُصْفُورٍ وَيُجْمَعُ عَلَى أَظْفَارٍ وَأَظَافِيرَ. فَائِدَةٌ: الْأَظَافِيرُ حُلَّةٌ مِنْ نُورٍ كَانَتْ تَحْتَ حُلَلِ آدَمَ الْحَرِيرِ فِي الْجَنَّةِ، فَلَمَّا أَكَلَ مِنْ الشَّجَرَةِ تَطَايَرَ عَنْهُ لِبَاسُ الْجَنَّةِ وَبَقِيَتْ حُلَّةُ النُّورِ فَانْقَبَضَتْ مِنْ وَسَطِهَا وَتَقَلَّصَتْ وَانْعَقَدَتْ عَلَى رُءُوسِ أَصَابِعِهِ فَصَارَتْ ظُفُرًا، فَكَانَ إذَا نَظَرَ إلَى أَظَافِيرِهِ بَكَى وَصَارَ عَادَةً فِي أَوْلَادِهِ إذَا هَجَمَ الضَّحِكُ عَلَى أَحَدِهِمْ، فَنَظَرَ إلَى أَظَافِيرِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ سَكَنَ عَنْهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعَظْمَ) هَذَا عَلَى طَرِيقَةٍ قَالَ بِهَا ابْنُ حَجَرٍ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعَظْمَ إذَا وَضَحَ نَقَضَ كَمَا قَالَهُ م ر. قَوْلُهُ: (الْعُضْوُ الْمُبَانُ) أَيْ مَا لَمْ يَلْتَصِقْ بِحَرَارَةِ الدَّمِ وَيُخْشَى مِنْ فَصْلِهِ مَحْذُورٌ تَيَمَّمَ وَإِنْ لَمْ تَحِلَّهُ الْحَيَاةُ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ ح ل. أَيْ حَيْثُ قَيَّدَ بِحُلُولِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَتَبِعَهُ ق ل. وَالِاعْتِبَارُ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ لَا بِمَا انْفَصَلَ عَنْهُ، فَإِذَا اتَّصَلَ ذِرَاعُ امْرَأَةٍ بِرَجُلٍ صَارَ لَهُ حُكْمُ الرَّجُلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ. وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ. قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ أَعْظَمَ نَقَضَ دُونَ غَيْرِهِ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ امْرَأَةٍ نَقَضَ، وَإِلَّا فَلَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتَةِ، وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ رَجَّحَ عَدَمَ النَّقْضِ بِلَمْسِ الْمَيِّتَةِ وَالْمَيِّتِ وَعُدَّ مِنْ السَّهْوِ. (وَ) الْخَامِسُ وَهُوَ آخِرُ النَّوَاقِضِ (مَسُّ) شَيْءِ مِنْ (فَرْجِ الْآدَمِيِّ) مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مُتَّصِلًا أَوْ   [حاشية البجيرمي] وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعُضْوَ الْمُبَانَ مَتَى الْتَصَقَ وَحَلَّتْهُ الْحَيَاةُ نَقَضَ، وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِلْحَلَبِيِّ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ حُلُولَ الْحَيَاةِ وَاكْتَفَى بِالِاتِّصَالِ بِحَرَارَةِ الدَّمِ، وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِابْنِ سم وَابْنِ حَجَرٍ وَالشَّيْخِ سُلْطَانٍ شَيْخِنَا. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ الْعُضْوُ الْمُبَانِ غَيْرُ الْفَرْجِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِذَلِكَ الْعُضْوِ إنَّهُ عُضْوُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ الْبَصَرِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ الْفَرْجِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ كَمَا حَذَفَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ أَنَّهُ لَوْ لَمَسَ الْفَرْجَ بِغَيْرِ بَطْنِ الْكَفِّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ امْرَأَةٍ. نَعَمْ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ بِبَطْنِ الْكَفِّ مِنْ مُسَمَّى الْفَرْجِ، وَهَذَا لَيْسَ مُرَادًا هُنَا، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ م ر نَقْلًا عَنْ غَيْرِهِ إنَّهُ لَوْ لَمَسَ نِصْفَ الْآدَمِيِّ الْأَسْفَلَ لَا نَقْضَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى امْرَأَةً. اهـ م د. قَوْلُهُ: (نِصْفَيْنِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِشَقٍّ أَوْ بِقَطْعٍ مِنْ الْوَسَطِ. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يَظْهَرُ) يُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِكَلَامِ النَّاشِرِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لَهُ وَلِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْمَدَارُ عَلَى انْطِلَاقِ الِاسْمِ لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِ نِصْفًا أَوْ أَكْثَرَ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ امْرَأَةٍ) ، وَإِنْ شُقَّ نِصْفَيْنِ طُولًا لَمْ يَنْقُضْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِزَوَالِ الِاسْمِ عَنْ كُلٍّ مِنْهَا. اج. قَوْلُهُ: (وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِ الْمَيِّتِ) وَأَعَادَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ. قَوْلُهُ: (فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ) هُوَ اسْمٌ لِفَتَاوَى النَّوَوِيِّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ آخِرُ النَّوَاقِضِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَالْخَامِسُ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ أَتَى بِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يُعَدُّ قَوْلُهُ وَمَسَّ حَلَقَةَ دُبُرِهِ. سَادِسًا أَيْ فَلَا يُعَدُّ سَادِسًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. قَوْلُهُ: (وَمَسُّ فَرْجِ الْآدَمِيِّ) التَّقْدِيرُ أَنْ يَمَسَّ الْمُشْكِلُ أَوْ الْوَاضِحُ فَرْجَ الْوَاضِحِ فَيُعَمَّمُ فِي الْأَوَّلِ وَيُخَصَّصُ فِي الثَّانِي فَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُمَاسَّةُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِعْلٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا حَتَّى لَوْ وَضَعَ زَيْدٌ ذَكَرَهُ فِي كَفِّ عَمْرٍو بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْ عَمْرٍو، وَلَا اخْتِيَارَ انْتَقَضَ وُضُوءُ عَمْرٌو. لَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ الْآتِي لِهَتْكِ حُرْمَةِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ غَالِبًا أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ انْتِهَاكُهُ كَمَا فِي س ل وَالْإِطْفِيحِيِّ وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ السِّقْطَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ. وَفِي فَتَاوَى الشَّارِحِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ هَلْ يَنْقُضُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ جَمَادٌ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ يَنْقُضُ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ. وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِشُمُولِ الِاسْمِ لَهُ، وَقَدْ يُقَالُ بِعَدَمِ النَّقْضِ لِتَعْلِيقِهِمْ النَّقْضَ بِمَسِّ فَرْجِ الْآدَمِيِّ وَهَذَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ أَصْلُ آدَمِيٍّ أَفَادَهُ ع ش عَلَى م ر. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ فَرْجَ السِّقْطِ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ إلَّا إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُقَالُ لَهُ آدَمِيٌّ وَسُمِّيَ الْفَرْجُ فَرْجًا لِانْفِرَاجِهِ وَانْفِتَاحِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ثُقْبَةً مَفْتُوحَةً. قَوْلُهُ: (فَرْجِ الْآدَمِيِّ) وَالْجِنِّيُّ كَالْآدَمِيِّ إذَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى) بِخِلَافِ الْخُنْثَى فَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَاسَّ وَالْمَمْسُوسَ إمَّا أَنْ يَكُونَا وَاضِحَيْنِ أَوْ مُشْكِلَيْنِ أَوْ الْمَاسُّ وَاضِحًا وَالْمَمْسُوسُ مُشْكِلًا أَوْ بِالْعَكْسِ، فَأَمَّا الْوَاضِحَانِ فَحُكْمُهُمَا وَاضِحٌ، وَأَمَّا الْخُنْثَيَانِ فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ أَحَدِهِمَا بِمَسِّهِ أَحَدَ الْفَرْجَيْنِ فَقَطْ لِاحْتِمَالِ تَوَافُقِهِمَا ذُكُورَةً إنْ مَسَّ آلَةَ النِّسَاءِ وَأُنُوثَةً إنْ مَسَّ آلَةَ الرِّجَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَسَّ الْفَرْجَيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّهُمَا إنْ كَانَ ذَكَرَيْنِ فَقَدْ مَسَّ آلَةَ الذُّكُورِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَقَدْ مَسَّ آلَةَ النِّسَاءِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَالِاخْتِلَافُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَسِّ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ وَهِيَ مَا لَوْ مَسَّ الْفَرْجَيْنِ جَمِيعًا أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ وَلَا صِغَرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَاسُّ وَاضِحًا وَالْمَمْسُوسُ خُنْثَى فَيُشْتَرَطُ لِنَقْضِ وُضُوءِ الْمَاسِّ أَنْ يَمَسَّ مِنْ الْخُنْثَى مِثْلَ مَا لَهُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالصِّغَرِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاسُّ ذَكَرًا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِمَسِّ آلَةِ الْفَرْجِ مِنْ الْخُنْثَى، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَبِمَسِّ آلَةِ النِّسَاءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَمْسُوسَ إنْ كَانَ فِي الْأُولَى ذَكَرًا فَوَاضِحٌ، أَوْ أُنْثَى حَصَلَ النَّقْضُ بِاللَّمْسِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَفِي الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَالنَّقْضُ بِاللَّمْسِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَاسُّ خُنْثَى وَالْمَمْسُوسُ وَاضِحًا فَالنَّقْضُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 مُنْفَصِلًا (بِبَطْنِ الْكَفِّ) مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ لِخَبَرِ: " مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ: «إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ» . وَالْإِفْضَاءُ لُغَةً الْمَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ فَثَبَتَ النَّقْضُ فِي فَرْجِ نَفْسِهِ بِالنَّصِّ، فَيَكُونُ فِي فَرْجِ غَيْرِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ لِهَتْكِ حُرْمَةِ غَيْرِهِ، بَلْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ «مَنْ مَسَّ ذَكَرًا فَلْيَتَوَضَّأْ» وَهُوَ شَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، وَأَمَّا خَبَرُ عَدَمِ النَّقْضِ بِمَسِّ الْفَرْجِ فَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ إنَّهُ مَنْسُوخٌ. وَالْمُرَادُ بِبَطْنِ الْكَفِّ الرَّاحَةُ مَعَ بُطُونِ الْأَصَابِعِ، وَالْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ إنْ كَانَتْ   [حاشية البجيرمي] فَالنَّقْضُ بِالْمَسِّ أَوْ أُنْثَى فَالنَّقْضُ بِهِمَا إنْ كَانَ الْمَسُّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أُنْثَى؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى إنْ كَانَ أُنْثَى فَالنَّقْضُ بِالْمَسِّ أَوْ ذَكَرًا فَالنَّقْضُ بِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ مَسَّ أَحَدُ مُشْكِلَيْنِ فَرْجَ صَاحِبِهِ فَمَسَّ صَاحِبُهُ ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ انْتَقَضَ لِمَاسِّ الذَّكَرِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَلِمَاسِّ الْفَرْجِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَلِكِلَيْهِمَا بِاللَّمْسِ، إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَفَائِدَةُ الِانْتِقَاضِ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَتْ بِأَحَدِهِمَا امْرَأَةٌ لَا تَقْتَدِي بِالْآخِرِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْبُطْلَانِ، وَكَذَلِكَ لَا يَقْتَدِي أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُنْفَصِلًا) أَيْ بِحَيْثُ يُسَمَّى ذَكَرًا أَوْ فَرْجًا كَمَا يَأْتِي. نَعَمْ لَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ خُنْثَى فَلَا نَقْضَ كَمَا لَوْ مَسَّ شَخْصًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ خُنْثَى. ق ل. قَوْلُهُ: (مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ) . إنْ قُلْت: لِمَ قَدَّمَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ الَّذِي بَعْدَهُ نَصٌّ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِفْضَاءَ هُوَ الْجَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ بِخِلَافِ الْمَسِّ؟ . قُلْت: كَأَنَّهُ لِكَثْرَةِ مُخَرِّجِيهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ أَصَحُّ شَيْء فِي الْبَابِ، وَأَيْضًا فَلِلتَّرَقِّي، وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي بَعْدَهُ كَالتَّفْسِيرِ لَهُ حَيْثُ عَبَّرَ فِيهِ بِالْإِفْضَاءِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَسِّ، وَالتَّفْسِيرُ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا سم. قَوْلُهُ: (سِتْرُ) بِفَتْحِ السِّينِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ وَبِكَسْرِهَا إنْ أُرِيدَ بِهِ السَّاتِرُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي وَعَطْفُ الْحِجَابِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِشُمُولِ الْحِجَابِ نَحْوَ الْقَزَازِ، فَإِنَّهُ حَاجِبٌ وَلَيْسَ بِسَاتِرٍ. وَعِبَارَةُ م ر قَوْلُهُ سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالسِّتْرِ مَا يَسْتُرُ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الرُّؤْيَةَ كَالزُّجَاجِ وَبِالْحِجَابِ مَا يَسْتُرُ وَيَمْنَعُ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ السِّتْرِ، فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. قَوْلُهُ: (وَالْإِفْضَاءُ لُغَةً الْمَسُّ) وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ بِيَدِهِ تَأْكِيدًا عَلَى حَدِّ أَبْصَرَ بِعَيْنِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا بَلْ قَوْلُهُ بِيَدِهِ قَيْدٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمُخْتَارِ وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ وَالْإِفْضَاءُ أَيْ الْمَعْهُودُ وَهُوَ الْإِفْضَاءُ بِالْيَدِ لَا مُطْلَقُ الْإِفْضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ. قَالَ فِي التَّهْذِيبِ: وَحَقِيقَةُ الْإِفْضَاءِ الِانْتِهَاءُ، وَأَفْضَى إلَى امْرَأَتِهِ بَاشَرَهَا أَوْ جَامَعَهَا. قَوْلُهُ: (لُغَةً الْمَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ) وَحِينَئِذٍ يُقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُ الْمَسِّ فِي بَقِيَّةِ الْأَخْبَارِ. وَاعْتَرَضَهُ الْقُونَوِيُّ بِأَنَّ الْمَسَّ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهُ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْمَسِّ بِبَطْنِ الْكَفِّ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَالْإِفْضَاءُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ، وَذِكْرُ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، ثُمَّ أَجَابَ فَقَالَ الْأَقْرَبُ ادِّعَاءُ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْمَسِّ بِمَفْهُومِ خَبَرِ الْإِفْضَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ أَفْهَمَ أَنَّ غَيْرَ الْإِفْضَاءِ لَا يَكُونُ نَاقِضًا فَنَأْخُذُ هَذَا الْمَفْهُومَ وَنُخَصِّصُ بِهِ عُمُومَ قَوْلِهِ مَنْ مَسَّ، أَوْ يُقَالُ إنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ مُطْلَقٌ فَيُقَيَّدُ بِخَبَرِ الْإِفْضَاءِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: (مَنْ مَسَّ ذَكَرًا) وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ سم ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا خَبَرُ عَدَمِ النَّقْضِ) وَهُوَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ؟ . فَقَالَ: هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْك» . قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِبَطْنِ الْكَفِّ الرَّاحَةُ) قَالَ م ر فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: لَوْ خُلِقَ بِلَا كَفٍّ لَمْ يُقَدَّرْ قَدْرَهَا مِنْ الذِّرَاعِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ خُلِقَ بِلَا مَرْفِقٍ أَوْ كَعْبٍ قُدِّرَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ ثَمَّ ضَرُورِيٌّ بِخِلَافِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا هُوَ مَظِنَّةٌ لِلشَّهْوَةِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْكَفِّ لَا مَظِنَّةَ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ خُلِقَ لَهُ أُصْبُعٌ فِي وَسَطِ كَفِّهِ فَإِنْ سَامَتَ نَقَضَ الْبَاطِنُ دُونَ الظَّاهِرِ، وَإِنْ لَمْ يُسَامِتْ فَهُوَ كَالسِّلْعَةِ يَنْقُضُ ظَاهِرُهَا وَبَاطِنُهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 عَلَى سُنَنِ الْأَصَابِعِ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالْمَسِّ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا: وَسُمِّيَتْ كَفًّا؛ لِأَنَّهَا تَكُفُّ الْأَذَى عَنْ الْبَدَنِ وَبِفَرْجِ الْمَرْأَةِ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ عَلَى الْمَنْفَذِ، فَلَا نَقْضَ بِمَسِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا بِالْأَلْيَيْنِ وَلَا بِمَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَلَا بِالْعَانَةِ. (وَ) يَنْقُضُ (مَسُّ حَلْقَةِ دُبُرِهِ) أَيْ الْآدَمِيِّ (عَلَى الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْجٌ وَقِيَاسًا عَلَى الْقُبُلِ بِجَامِعِ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ بِهَا مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ لَا مَا وَرَاءَهُ، وَلَامُ حَلْقَةٍ سَاكِنَةٌ. وَحُكِيَ فَتْحُهَا، وَيَنْقُضُ بَعْضُ الذَّكَرِ الْمُبَانِ كَمَسِّ كُلِّهِ إلَّا مَا قُطِعَ فِي الْخِتَانِ، إذْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَمَّا قُبُلُ الْمَرْأَةِ وَالدُّبُرُ، فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ اسْمُهُمَا   [حاشية البجيرمي] وَإِذَا كَانَ فِي ظَهْرِ كَفِّهِ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا سَامَتَ أَوْ لَا عِنْدَ م ر وع ش. وَفِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ سُئِلَ عَمَّنْ انْقَلَبَتْ بَوَاطِنُ أَصَابِعِهِ إلَى ظَهْرِ الْكَفِّ، فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِمَا سَامَتَ بَطْنَ الْكَفِّ أَوْ بِالْبَاطِنِ، وَإِنْ سَامَتَ ظَهْرَ الْيَدِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ بَاطِنُهَا؛ لِأَنَّهُ ظَهْرُ الْكَفِّ وَلَا ظَاهِرُهَا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْبَاطِنِ. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ يَنْقُضُ الْبَاطِنُ نَظَرًا لِأَصْلِهِ. قَوْلُهُ: (انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالْمَسِّ بِهَا) أَيْ بِبَاطِنِهَا إنْ كَانَتْ نَبَتَتْ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ بِجَنْبِ الْأَصَابِعِ. قَوْلُهُ: (وَبِفَرْجِ إلَخْ) أَيْ وَالْمُرَادُ بِفَرْجِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَنْفَذِ) لَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ صَوَابًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُلْتَقِي يَنْقُضُ وَلَا يَنْقُضُ النَّظَرُ وَهُوَ اللَّحْمَةُ فِي أَعْلَى الْفَرْجِ ق ل، وَفِي م ر أَنَّهُ يَنْقُضُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا أَمَّا مَحَلُّهُ إذَا قُطِعَ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَاَلَّذِي قَالَهُ اج لَا مَحِيصَ عَنْهُ نَقْلًا عَنْ م ر النَّقْضُ أَيْضًا، فَقَوْلُهُ عَلَى الْمَنْفَذِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، قَالَ الشَّيْخُ سُلْطَانُ: الْمُرَادُ بِمُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ جَمِيعُ الشَّفْرَيْنِ مِنْ أَوَّلِهِمَا إلَى آخِرِهِمَا اهـ. أَيْ ظَهْرًا وَبَطْنًا، وَالْمُرَادُ بِبَاطِنِهِمَا مَا يَظْهَرُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْقُعُودِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا وَيَنْطَبِقُ عِنْدَ الْقِيَامِ، وَبِالظَّاهِرِ مَا عَدَا ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ إضَافَةُ مُلْتَقَى لِلشَّفْرَيْنِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ الشَّفْرَانِ الْمُلْتَقِيَانِ، وَبِهَذَا يَزُولُ تَوَقُّفُ سم وَنَصُّهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُلْتَقِي لَهُ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْمُشَاهَدُ، وَبَاطِنٌ وَهُوَ الْمُنْطَبِقُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَهَلْ النَّقْضُ بِالْمَسِّ يَعُمُّ الْأَمْرَيْنِ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ؟ وَعَلَى الِاخْتِصَاصِ فَهَلْ مِنْ الْأَوَّلِ مَا يَظْهَرُ بِالِاسْتِرْخَاءِ الْوَاجِبِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ؟ . فِيهِ نَظَرٌ. اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَا نَقْضَ بِمَسِّ الْأُنْثَيَيْنِ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالنَّقْضِ لِمَسِّهِمَا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ عُرْوَةُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا بِالْعَانَةِ) الْمُرَادُ بِالْعَانَةِ مَحَلُّ الشَّعْرِ وَالشَّعْرُ يُقَالُ لَهُ شُعْرَةٌ كَذَا قِيلَ وَسَيَأْتِي عَنْ الرَّحْمَانِيِّ فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ أَنَّ الْعَانَةَ اسْمٌ لِلشَّعْرِ الَّذِي فَوْقَ الذَّكَرِ وَحَوْلَهُ وَحَوْلَ قُبُلِ الْأُنْثَى وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ مِنْ حَلْقِ الْعَانَةِ وَمِنْ نَبَاتِ الْعَانَةِ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْجَدِيدِ) أَمَّا عَلَى الْقَدِيمِ فَلَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْتَذُّ بِمَسِّهِ شَرْحُ م ر. وَالْجَدِيدُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ، وَالْقَدِيمُ مَا قَالَهُ قَبْلَ دُخُولِهَا سم. قَوْلُهُ: (لَا مَا وَرَاءَهُ) أَيْ مَسَّ دَاخِلَ الْفَرْجِ فَلَيْسَ نَاقِضًا م د. قَوْلُهُ: (وَيَنْقُضُ بَعْضُ الذَّكَرِ الْمُبَانِ) مَحَلُّهُ إذَا كَانَ هَذَا الْبَعْضُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ، وَإِلَّا فَلَا يَنْقُضُ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ق ل بِقَوْلِهِ صَوَابُهُ إسْقَاطُ بَعْضٍ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَذِكْرُ الْقُلْفَةِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ الِاتِّصَالِ تَنْقُضُ وَبَعْدَ الِانْفِصَالِ لَا تُسَمَّى ذَكَرًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إلَّا مَا قُطِعَ فِي الْخِتَانِ) قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي الذَّكَرِ يُسَمَّى قُلْفَةً وَفِي الْأُنْثَى بَظْرًا. اهـ. فَلَا يَنْقُضُ كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَ قَطْعِهِ، أَمَّا حَالُ اتِّصَالِهِ فَقَالَ م ر فِي شَرْحِهِ شَمِلَ مَا يُقْطَعُ فِي خِتَانِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ بَارِزًا حَالَ اتِّصَالِهِ، أَمَّا مَحَلُّهُ إذَا قُطِعَ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ م ر فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وسم عَلَى الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا نَقْضَ، لَكِنْ فِي حَوَاشِي الرَّوْضِ لِلشِّهَابِ م ر النَّقْضُ. قَالَ بَعْضُ شُيُوخِي: وَلَا مَحِيصَ عَنْهُ. اهـ اج. قُلْت: مَا فِي حَوَاشِي الرَّوْضِ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ؛ لِأَنَّ مَحَلُّ الْبَظْرِ إذَا قُطِعَ يَكُونُ دَاخِلَ الْفَرْجِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللُّغَوِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشِّهَابُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ فِي بَابِ الْغُسْلِ: إنَّ الْمَقْطُوعَ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ فَإِنَّهُ كَعُرْفِ الدِّيكِ بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ وَهُمَا يُحِيطَانِ بِهِ وَبِمَخْرَجِ الْبَوْلِ وَالْحَيْضِ، وَفِي حَاشِيَةِ الشِّهَابِ ق ل عَلَى الْمُحَلَّى مَا نَصُّهُ، مَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا م ر: أَنَّ مَحَلَّ الْبَظْرِ بَعْدَ قَطْعِهِ نَاقِضٌ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ، وَإِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ شَرْحِهِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ لِلْحَافِظِ السُّيُوطِيّ: الْبَظْرُ مَجْمَعُ أَعْلَى الشَّفْرَيْنِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْبَظْرُ لُحْمَةٌ بَيْنَ شَفْرَيْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الْخِتَانِ. اهـ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ مَجْمُوعِ النَّصَّيْنِ إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي مُسَمَّى الْبَظْرِ لُغَةً، وَعَلَيْهِ فَيُحْمَلُ الْقَوْلُ بِالنَّقْضِ عَلَى الْأُولَى وَهُوَ مَجْمَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 بَعْدَ قَطْعِهِمَا نَقَضَ مَسُّهُمَا، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِالِاسْمِ، وَمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ نَقَضَ الْمَسُّ بِكُلِّ مِنْهُمَا، سَوَاءُ أَكَانَا عَامِلَيْنِ أَمْ غَيْرَ عَامِلَيْنِ لَا زَائِدَ مَعَ عَامِلٍ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عَنْ الْفُورَانِيِّ: إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَامِتًا لِلْعَامِلِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ مُسَامِتَةٍ لِلْبَقِيَّةِ فَيَنْقُضُ، وَمَنْ لَهُ كَفَّانِ نُقِضَتَا بِالْمَسِّ سَوَاءٌ أَكَانَتَا عَامِلَتَيْنِ أَمْ غَيْرَ عَامِلَتَيْنِ لَا زَائِدَةً مَعَ عَامِلَةٍ، فَلَا نَقْضَ إذَا كَانَ الْكَفَّانِ عَلَى مِعْصَمَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتَا عَلَى مِعْصَمٍ وَاحِدٍ وَكَانَتْ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، فَإِنَّهَا يَنْقُضُ الْمَسُّ بِهَا وَيَنْقُضُ فَرْجُ الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ، وَمَحَلُّ الْجَبِّ وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَخَرَجَ بِبَطْنِ الْكَفِّ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا وَحَرْفُهَا وَحَرْفُ الْكَفِّ فَلَا نَقْضَ بِذَلِكَ لِخُرُوجِهَا عَنْ سَمْتِ الْكَفِّ وَضَابِطُ   [حاشية البجيرمي] أَعْلَى الشَّفْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَارَ مِنْ الظَّاهِرِ، وَعَدَمُ النَّقْضِ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ اللَّحْمَةُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ حِينَئِذٍ مِنْ دَاخِلِ الْفَرْجِ، وَقَدْ تَقْطَعُ الْخَاتِنَةُ جُزْءًا مِنْ أَعْلَى الشَّفْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَارَ مِنْ الظَّاهِرِ وَعَدَمُ النَّقْضِ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ اللَّحْمَةُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ الشَّفْرَيْنِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُ الْقَوْلِ بِالنَّقْضِ عَلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ جَدِيرٌ بِالِاعْتِمَادِ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ) يَقْتَضِي أَنَّ الْحَشَفَةَ إذَا قُطِعَتْ لَا نَقْضَ بِهَا إذْ لَا تُسَمَّى ذَكَرًا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ) أَيْ أَصْلِيَّانِ وَيُعْرَفُ عَمَلُ الذَّكَرِ بِالْبَوْلِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ ذَكَرَانِ يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَجَبَ الْغُسْلُ بِإِيلَاجِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْآخَرِ حُكْمٌ، فَإِنْ بَالَ بِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَهُمَا أَصْلِيَّانِ كَمَا قَالَهُ م ر فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (نَقَضَ الْمَسُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا) الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ نَقَضَ مَسُّهُمَا. قَوْلُهُ: (لَا زَائِدَ) أَيْ يَقِينًا أَوْ احْتِمَالًا، فَالزَّائِدُ إنْ لَمْ يُسَامَتْ لَا نَقْضَ بِهِ وَلَوْ اشْتَبَهَ بِالْأَصْلِيِّ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَامَتًا) وَلَا نَقْضَ بِالْمَشْكُوكِ فِي أَصَالَتِهِ سم. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ زَائِدًا مُسَامَتًا لِلْعَامِلِ. قَوْلُهُ: (فَيَنْقُضُ) وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ النَّقْضُ بِالْمَشْكُوكِ فِي أَصَالَتِهِ، وَبِهِ قَالَ شَيْخُنَا، لَكِنْ قَالَ سم: لَا نَقْضَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الْبَابِ وَهُوَ الْوَجْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَهُ كَفَّانِ) أَيْ أَصْلِيَّانِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْجَمِيعُ إلَّا زَائِدًا يَقِينًا لَيْسَ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيِّ كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا أَيْضًا، وَفِي الْمَشْكُوكِ مَا تَقَدَّمَ ق ل. قَوْلُهُ: (لَا زَائِدَةً) أَيْ وَلَوْ احْتِمَالًا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ مُسَامَتَةٌ بَيْنَ الْأَصْلِيَّةِ وَالزَّائِدَةِ لَا نَقْضَ بِالزَّائِدَةِ وَلَوْ كَانَ مَشْكُوكًا فِي أَصَالَتِهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى مِعْصَمَيْنِ) أَيْ ذِرَاعَيْنِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مِعْصَمٍ) الَّذِي فِي شَرْحِ م ر الْعِبْرَةُ بِالْمُسَامَتَةِ وَعَدَمِهَا لَا بِالْمِعْصَمَيْنِ وَعَدَمِهِمَا خِلَافًا لِلشَّارِحِ كَمَا قَالَهُ م ر. قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيَّةِ) قَضِيَّتُهُ عَدَمُ النَّقْضِ بِهَا إنْ لَمْ تُسَامِتْ، وَهُوَ كَذَلِكَ، إذْ الْعِبْرَةُ بِالْمُسَامَتَةِ لَا بِمَحَلِّ النَّبَاتِ حَتَّى لَوْ نَبَتَتْ عَلَى مِعْصَمٍ آخَرَ وَسَامَتَتْ حَصَلَ النَّقْضُ بِهَا اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّ الْجَبِّ) لَوْ قَالَ وَمَحَلُّ الْفَرْجِ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى، وَالْمُرَادُ بِالْمَحَلِّ فِي الذَّكَرِ مَا حَاذَى قَصَبَتَهُ إلَى دَاخِلٍ، وَفِي الْفَرْجِ مَا حَاذَى الشَّفْرَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَفِي الدُّبُرِ مَا حَاذَى الْمَقْطُوعَ مِنْ دَائِرِ الْحَلَقَةِ ق ل. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَمَسُّ فَرْجِ آدَمِيٍّ أَوْ مَحَلِّ قَطْعِهِ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: شَامِلٌ لِفَرْجِ الْمَرْأَةِ وَالدُّبُرِ، وَقَيَّدَ فِي الرَّوْضِ مَحَلَّ الْقَطْعِ بِالذَّكَرِ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: إنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ خَاصٌّ بِالذَّكَرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ، وَمَحَلُّ الْجَبِّ فَلَا يَنْقُضُ مَحَلُّ الدُّبُرِ، وَمَحَلُّ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ، وَالْمُرَادُ بِفَرْجِ الْمَرْأَةِ النَّاقِضِ مُلْتَقَى شَفْرَيْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُرَادَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: (كَمَا يُؤْخَذُ) إلَخْ. فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي حَالِ الْقَطْعِ، فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا إذْ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا فِي حَالِ وُجُودِهِ. وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ مَحَلَّ قَطْعِ الْفَرْجِ يَنْقُضُ مَسُّهُ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ دُبُرًا أَوْ قُبُلًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، كَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْحَوَاشِي، وَمَا قَالَهُ الْعَزِيزِيُّ تَبِعَ فِيهِ الْجَلَالَ. قَوْلُهُ: (وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ) هُوَ مُنْقَبِضٌ لَا يَنْبَسِطُ وَعَكْسُهُ، وَقَوْلُهُ: (وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ) الشَّلَلُ بُطْلَانُ الْعَمَلِ فَهُوَ يُبْسٌ فِي الْعُضْوِ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: الْعُضْوُ الْأَشَلُّ حَيٌّ وَقِيلَ مَيِّتٌ. اهـ. قُلْت: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا ذُكِّيَ الْمَأْكُولُ هَلْ يُؤْكَلُ أَيْ الْعُضْوُ الْأَشَلِّ أَوْ لَا؟ رَحْمَانِيٌّ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ: وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ مَا لَوْ قُطِعَتْ وَصَارَتْ مُعَلَّقَةً بِجِلْدَةٍ كَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ، وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ خَرَجَ بِهَا الْمَقْطُوعَةُ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِبَعْضِ جِلْدِهَا إلَّا إنْ كَانَتْ الْجِلْدَةُ كَبِيرَةً بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ انْفِصَالُهَا فَرَاجِعْهُ، وَخَرَجَ بِهَا الْيَدُ مِنْ نَحْوِ نَقْدٍ فَلَا نَقْضَ بِمَسِّهَا أَيْضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 مَا يَنْقُضُ مَا يَسْتَتِرُ عِنْدَ وَضْعِ أَحَدِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ، وَبِفَرْجِ الْآدَمِيِّ فَرْجُ بَهِيمَةٍ أَوْ طَيْرٍ فَلَا نَقْضَ بِمَسِّهِ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سِتْرِهِ وَعَدَمِ تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ. تَتِمَّةٌ: مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ اسْتِصْحَابُ الْأَصْلِ وَطَرْحُ الشَّكِّ،، وَإِبْقَاءُ   [حاشية البجيرمي] اهـ. قَوْلُهُ: (وَمَا بَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَهُوَ النَّقْرُ الَّتِي بَيْنَهَا خَاصَّةً. وَقَوْلُهُ: (وَحُرُوفُهَا) أَيْ جَوَانِبِهَا أَيْ مَا عَدَا حَرْفَ الْخِنْصَرِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ أَيْ؛ لِأَنَّ حُرُوفَ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي حَرْفِ الْكَفِّ. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: الْمُرَادُ حَرْفُ الْخِنْصَرِ وَالسَّبَّابَةِ، وَضَمَّ إلَيْهِمَا ح ل حَرْفَ الْإِبْهَامِ. اهـ. فَالْمُرَادُ جَوَانِبُهَا الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَهَا. وَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَهَا أَرَادَ بِمَا بَيْنَهَا النَّقْرَ وَالْجَوَانِبَ. اهـ. فَالْمُرَادُ جَوَانِبُهَا الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَهَا أَرَادَ بِمَا بَيْنَهَا النَّقْرَ وَالْجَوَانِبَ. اهـ. وَقَالَ ق ل قَوْلُهُ: وَمَا بَيْنَهَا وَهُوَ مَا يَسْتَتِرُ مِنْ جَوَانِبِهَا عِنْدَ ضَمِّهَا، وَحَرْفُهَا وَهُوَ مَا لَا يَسْتَتِرُ الَّذِي هُوَ جَانِبِ السَّبَّابَةِ وَالْخِنْصَرِ وَجَانِبَا الْإِبْهَامِ، وَحَرْفُ الْكَفِّ بِمَعْنَى جَوَانِبِ الرَّاحَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحَلَبِيِّ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: وَمَا بَيْنَهَا أَيْ الْأَصَابِعِ وَهُوَ مَا يَسْتَتِرُ عِنْدَ انْضِمَامِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ لَا خُصُوصَ النَّقْرِ. وَقَوْلُهُ: (وَحَرْفِهَا) أَيْ حَرْفِ الْأَصَابِعِ وَهُوَ حَرْفُ الْخِنْصَرِ وَحَرْفُ السَّبَّابَةِ وَحَرْفُ الْإِبْهَامِ. وَقَوْلُهُ: وَحَرْفُ الرَّاحَةِ وَهُوَ مِنْ أَصْلِ الْخِنْصَرِ إلَى رَأْسِ الزَّنْدِ، ثُمَّ مِنْهُ إلَى أَصْلِ الْإِبْهَامِ، وَمِنْ أَصْلِ الْإِبْهَامِ إلَى أَصْلِ السَّبَّابَةِ. قَوْلُهُ: (وَحَرْفِ الْكَفِّ) لَوْ قَالَ وَحَرْفِ الرَّاحَةِ لَكَانَ أَوْلَى، وَالتَّعْلِيلُ بِخُرُوجِهَا عَنْ سَمْتِ الْكَفِّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ) فِيهِ قُصُورٌ بِالنَّظَرِ إلَى بَطْنِ الْإِبْهَامِ ح ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: (مَا يَسْتَتِرُ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا فَدَخَلَ بَطْنُ الْإِبْهَامِ. قَالَ ق ل: وَقَيَّدَ بِالْيَسِيرِ لِيَقِلَّ غَيْرُ النَّاقِضِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ، وَلَوْ قَالَ الرَّاحَتَيْنِ بَدَلَ الْيَدَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (فَرْجُ بَهِيمَةٍ) وَمِنْهَا الطُّيُورُ سَمَّيْت بِذَلِكَ لِعَدَمِ نُطْقِهَا وَسَوَاءٌ الْأَصْلِيَّةُ وَالْمُعَارِضَةُ كَالْمَسْخِ وَمَا تَصَوَّرَ مِنْ الْجِنِّ كَمَا مَرَّ، وَلِذَلِكَ مَالَ شَيْخُنَا إلَى حُرْمَةِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ الْمَمْسُوخَةِ حَيَوَانًا؛ لِأَنَّهُ كَالطَّلَاقِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْعِدَدِ وَهُوَ وَجِيهٌ. اهـ. ق ل. وَتَقَدَّمَ جَوَازُ وَطْءِ الْجِنِّيَّةِ عَلَى غَيْرِ الْمُصَوَّرَةِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَائِحٌ بِإِمْكَانِ عَدَمِ الْعَوْدِ فِي الْمَمْسُوخَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَلَّى لَا فَرْجَ بَهِيمَةٍ أَيْ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ فِي الْجَدِيدِ، إذْ لَا حُرْمَةَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالْقَدِيمِ، وَحَكَاهُ جَمْعٌ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَنْقُضُ كَفَرْجِ الْآدَمِيِّ، وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ حَكَى الْخِلَافَ فِي قُبُلِهَا وَقَطَعَ فِي دُبُرِهَا بِعَدَمِ النَّقْضِ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ فَلَمْ يَخُصُّوا بِهِ الْقُبُلَ، وَالْبَهِيمَةُ كُلُّ ذَاتِ أَرْبَعٍ مِنْ دَوَابِّ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَكُلُّ حَيَوَانٍ لَا يُمَيِّزُ فَهُوَ بَهِيمَةُ وَالْجَمْعُ الْبَهَائِمُ عِ ش عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ) أَيْ فَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (اسْتِصْحَابُ الْأَصْلِ إلَخْ) ذَكَرَ مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ خَمْسَ مَسَائِلَ: لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَوْ لَا؟ الْأَصْلُ عَدَمُ الطَّلَاقِ. لَوْ شَكَّ هَلْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ لَا؟ الْأَصْلُ عَدَمُ تَزَوُّجِهَا. لَوْ شَكَّ هَلْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْ لَا؟ الْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْضِ. لَوْ شَكَّ الْمُحْدِثُ هَلْ تَوَضَّأَ أَوْ لَا؟ الْأَصْلُ عَدَمُ الْوُضُوءِ. مَنْ نَامَ وَانْتَبَهَ وَكَانَ مُتَمَكِّنًا فَانْتَبَهَ مَائِلًا وَشَكَّ هَلْ الْمَيْلُ حَالَ النَّوْمِ أَوْ عِنْدَ الِانْتِبَاهِ؟ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ الِانْتِبَاهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْضِ م د. وَقَوْلُهُ: خَمْسَ مَسَائِلَ لَعَلَّهُ يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ شَكَّ هَلْ مَا رَآهُ رُؤْيَا أَوْ حَدِيثَ نَفْسٍ أَوْ هَلْ لَمَسَ إلَخْ. أَمَّا بِالنَّظَرِ لَهُ فَتَزِيدُ عَلَى الْخَمْسَةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِعِبَارَاتٍ ثَلَاثٍ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ، فَعَطْفُ طَرْحِ الشَّكِّ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَمْ لَا، أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا، وَأَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي امْرَأَةٍ هَلْ تَزَوَّجَهَا أَوْ لَا، لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ يَقِينُ طُهْرٍ أَوْ حَدَثٍ بِظَنِّ ضِدِّهِ، فَلَوْ تَيَقَّنَ الطُّهْرَ وَالْحَدَثَ كَأَنْ وُجِدَا مِنْهُ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَجَهِلَ السَّابِقَ مِنْهُمَا أَخَذَ بِضِدِّ مَا قَبْلِهِمَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ سَوَاءٌ اعْتَادَ تَجْدِيدَ الطُّهْرِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الطُّهْرَ وَشَكَّ فِي رَافِعِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، أَوْ مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ إنْ اعْتَادَ التَّجْدِيدَ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي رَافِعِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ بِخِلَافٍ مَا إذَا لَمْ يَعْتَدْهُ فَلَا يَأْخُذُ بِهِ بَلْ يَأْخُذُ بِالطُّهْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَأَخُّرُ طُهْرِهِ عَنْ حَدَثِهِ بِخِلَافِ مَنْ اعْتَادَهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ مَا قَبْلَهُمَا فَإِنْ اعْتَادَ التَّجْدِيدَ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ لِتَعَارُضِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ) الْمُنَاسِبُ فَقَدْ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ يَقِينُ طُهْرٍ) أَيْ لَا يَرْفَعُ حُكْمُ ذَلِكَ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ مَثَلًا أَيْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْيَقِينِ حَقِيقَتَهُ، إذْ مَعَ ظَنِّ الضِّدِّ لَا يَقِينَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَقِينٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، أَوْ يُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ لَا يَرْفَعُ اسْتِصْحَابُ يَقِينٍ إلَخْ أَيْ حُكْمِهِ. قَوْلُهُ: (طُهْرٍ) شَامِلٌ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ حَدَثٌ شَامِلٌ لِلْأَكْبَرِ. عَمِيرَةٌ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ اعْتَادَ تَجْدِيدَ الطُّهْرِ أَمْ لَا) وَتَثْبُتُ عَادَةُ التَّجْدِيدِ بِمَرَّةٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ م ر. وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ وَلَدُهُ. قَوْلُهُ: (وَشَكَّ فِي رَافِعِهِ) وَهُوَ تَأَخُّرُ الْحَدَثِ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ الرَّافِعِ أَيْ عَدَمُ تَأَخُّرِ الْحَدَثِ عَنْ الطُّهْرِ، وَهَذَا يُعَارَضُ بِالْمِثْلِ فَيُقَالُ وَتَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي رَافِعِهِ، وَهُوَ تَأَخُّرُ الطُّهْرِ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَمَا الْمُرَجَّحُ؟ . وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي تَيَقَّنَهُ تَحَقَّقَ رَفْعُهُ لِلْحَدَثِ قَطْعًا إمَّا لِمَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ لِمَا بَعْدَهُ وَلَا كَذَلِكَ الْحَدَثُ فَقَوِيَ جَانِبُهُ. وَإِيضَاحُهُ أَنَّ أَحَدَ حَدَثَيْهِ رُفِعَ يَقِينًا، وَالْآخَرَ يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ قَبْلَ الطَّهَارَةِ فَيَكُونُ مَرْفُوعًا أَيْضًا، وَبَعْدَهَا فَيَكُونُ نَاقِضًا لَهَا فَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ وَشَكَّ فِي نَاقِضِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ح ل. قَوْلُهُ: (إنْ اعْتَادَ التَّجْدِيدَ) ؛ لِأَنَّ اعْتِيَادَ التَّجْدِيدِ يُقَوِّي كَوْنَ الطَّهَارَةِ الثَّانِيَةِ تَجْدِيدًا لِلْأُولَى. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي رَافِعِهِ) وَهُوَ تَأَخُّرِ الطُّهْرِ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ الرَّافِعِ أَيْ عَدَمُ تَأَخُّرِ الطُّهْرِ عَنْ الْحَدَثِ، وَيُعَارَضُ بِالْمِثْلِ فَيُقَالُ وَتَيَقَّنَ الطُّهْرَ وَشَكَّ فِي رَافِعِهِ أَيْضًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَمَا الْمُرَجَّحُ؟ . وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَجَّحَ اعْتِيَادُ التَّجْدِيدِ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِ الطَّهَارَةِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْتَدْهُ) أَيْ التَّجْدِيدَ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ذَلِكَ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (فَلَا يَأْخُذُ بِهِ) أَيْ بِالضِّدِّ وَهُوَ الْحَدَثُ بَلْ يَأْخُذُ بِالْمِثْلِ وَهُوَ الطُّهْرُ كَمَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَخْ) هَذَا مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا إنْ تَذَكَّرَ مَا قَبْلَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَخْ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ) شَيْئًا فَالْوُضُوءُ أَيْ فَالْوَاجِبُ الْوُضُوءُ. بَقِيَ مَا لَوْ عَلِمَ قَبْلَهُمَا حَدَثًا وَطُهْرًا وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا فَيَنْظُرُ مَا قَبْلَهُمَا، فَإِنْ تَذَكَّرَ طُهْرًا فَقَطْ أَوْ حَدَثًا كَذَلِكَ أَخَذَ بِمِثْلِهِ أَوْ ضِدِّهِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ، فَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا فِيهِ أَيْضًا وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا أَخَذَ بِضِدِّ مَا قَبْلَهُمَا إنْ ذَكَرَ أَحَدَهُمَا فِيهِ، وَهَكَذَا أَيْ أَخَذَ فِي الْوِتْرِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ بِضِدِّهِ إذَا ذَكَرَهُ فِي الْوِتْرِ، وَيَأْخُذُ فِي الشَّفْعِ الَّذِي فِيهِ الِاشْتِبَاهُ بِمِثْلِ الْعَدَدِ الَّذِي قَبْلَهُ مَعَ اعْتِبَارِ عَادَةِ تَجْدِيدِهِ وَعَدَمِهَا، فَإِذَا تَيَقَّنَهُمَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَهُ وَقَبْلَ الْعِشَاءِ وَعَلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ مُحْدِثٌ أَخَذَ فِي الْوِتْرِ، وَهُوَ مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ، إذْ هُوَ أَوَّلُ أَوْقَاتِ الِاشْتِبَاهِ بِضِدِّ الْحَدَثِ فَيَكُونُ فِيهِ مُتَطَهِّرًا، وَفِي الشَّفْعِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ يَلِيهَا بِمِثْلِهِ فَيَكُونُ فِيهِ مُحْدِثًا إنْ اعْتَادَ تَجْدِيدًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِيمَا بَعْدَ الْفَجْرِ مُتَطَهِّرًا فَإِنْ لَمْ يَعْتَدْهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا فِيمَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَفِيمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ مُتَطَهِّرًا أَخَذَ فِي الْوِتْرِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ بِضِدِّهِ، فَيَكُونُ مُحْدِثًا إلَخْ فَرَاجِعْهُ. اهـ. وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ إذَا تَيَقَّنَ طُهْرًا وَحَدَثًا بَعْدَ الشَّمْسِ مَثَلًا وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا، وَتَيَقَّنَهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ كَذَلِكَ وَتَيَقُّنَهُمَا قَبْلَ الْعِشَاءِ كَذَلِكَ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ، أُولَاهَا مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَرَاتِبِ الشَّكِّ، وَمَا قَبْلَ الْفَجْرِ هُوَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الِاحْتِمَالَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ التَّرَدُّدِ الْمَحْضِ فِي الطُّهْرِ، وَإِلَّا أَخَذَ بِالطُّهْرِ، وَمِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا إذَا شَكَّ مَنْ نَامَ قَاعِدًا مُمَكِّنًا، ثُمَّ مَالَ وَانْتَبَهَ وَشَكَّ فِي أَيِّهِمَا أَسْبَقُ أَوْ شَكَّ هَلْ مَا رَآهُ رُؤْيَا أَوْ حَدِيثُ نَفْسٍ، أَوْ هَلْ لَمَسَ الشَّعْرَ أَوْ الْبَشَرَةَ فَلَا نَقْضَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. فَصْلٌ: فِي مُوجِبِ الْغُسْلِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمُّهَا لُغَةٌ سَيَلَانُ الْمَاءِ عَلَى الشَّيْءِ مُطْلَقًا وَالْفَتْحُ أَشْهُرُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَلَكِنَّ   [حاشية البجيرمي] وَمَا بَعْدَ الشَّمْسِ هُوَ الثَّالِثَةُ، فَيَنْظُرُ إلَى مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ كَالْمَغْرِبِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ إذْ ذَاكَ مُحْدِثًا فَهُوَ قَبْلَ الْعِشَاءِ مُتَطَهِّرٌ أَوْ مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ إنْ اعْتَادَ التَّجْدِيدَ، وَإِلَّا فَمُتَطَهِّرٌ، ثُمَّ تَنَقَّلَ الْكَلَامُ إلَى الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ، فَإِنْ كَانَ حَكَمَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعِشَاءِ بِالْحَدَثِ فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ إلَى آخَرِ مَا سَبَقَ، ثُمَّ تَنَقَّلَ الْكَلَامُ إلَى مَا بَعْدَ الشَّمْسِ مِثْلُ مَا سَبَقَ، فَقَوْلُ الزِّيَادِيِّ يَأْخُذُ فِي الْوِتْرِ بِالضَّادِ، وَفِي الشَّفْعِ بِالْمِثْلِ مُرَادُهُ الضِّدُّ وَالْمِثْلُ بِالنِّسْبَةِ لِأَوَّلِ الْمَرَاتِبِ. اهـ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْوُضُوءُ) ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ بَطَلَ يَقِينًا وَمَا بَعْدَهُ مُتَعَارِضٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ طُهْرٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَظْنُونٍ اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (الِاحْتِمَالَيْنِ) أَيْ الطُّهْرُ وَالْحَدَثُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَدْ تَجْدِيدًا. فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَاضِي: لَا يُرْفَعُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ: أَحَدُهَا: الشَّكُّ فِي خُرُوجِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ فَيُصَلُّونَ ظُهْرًا. الثَّانِيَةُ: الشَّكُّ فِي بَقَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ فَيَغْسِلُ. الثَّالِثَةُ: الشَّكُّ فِي وُصُولِ مَقْصِدِهِ فَيُتِمُّ. الرَّابِعَةُ: الشَّكُّ فِي نِيَّةِ الْإِتْمَامِ فَيُتِمُّ أَيْضًا. قَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ هَذِهِ رُخَصٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْيَقِينِ، وَحِينَئِذٍ فَكُلُّ رُخْصَةٍ كَذَلِكَ وَلَا تَخْتَصُّ بِالْمَذْكُورَاتِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَالَ وَانْتَبَهَ) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَلَوْ زَالَتْ إحْدَى أَلْيَيْهِ أَيْ النَّائِمِ الْمُتَمَكِّنِ قَبْلَ انْتِبَاهِهِ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِرًّا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَإِنْ لَمْ تَقَعُ يَدُهُ عَلَى الْأَرْضِ لِمُضِيِّ لَحْظَةٍ وَهُوَ نَائِمٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، أَوْ زَالَتْ مَعَ انْتِبَاهِهِ أَوْ بَعْدَهُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى أَوْ شَكَّ فِي أَنَّ زَوَالَهَا بَعْدَ انْتِبَاهِهِ أَوْ لَا. أَوْ فِي أَنَّهُ مُمَكِّنٌ مَقْعَدَهُ أَوْ لَا. أَوْ فِي أَنَّهُ نَامَ أَوْ نَعَسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَلَا نَقْضَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ اهـ. مَرْحُومِيٌّ. خَاتِمَةٌ: قَالَ الشَّارِحُ عَلَى الْمِنْهَاجِ: قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: مَبْنَى الْفِقْهِ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ: الْيَقِينُ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ، وَالضَّرَرُ يُزَالُ، وَالْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ، وَالْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: خَمْسٌ مُقَرَّرَةٌ قَوَاعِدُ مَذْهَبٍ ... لِلشَّافِعِيِّ بِهَا تَكُونُ خَبِيرَا ضَرَرٌ يُزَالُ وَعَادَةٌ قَدْ حُكِّمَتْ ... وَكَذَا الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَا وَالشَّكُّ لَا تَرْفَعُ بِهِ مُتَيَقَّنًا ... وَالنِّيَّةَ أَخْلِصْ إنْ قَصَدْتَ أَمُورَا قَوْلُهُ: (أَيُّهُمَا أَسْبَقُ) أَيْ الْمَيْلُ وَالِانْتِبَاهُ. [فَصْلٌ فِي مُوجِبِ الْغُسْلِ] ِ. هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ مَا يَقْتَضِيهِ مِنْ جَنَابَةٍ وَوِلَادَةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَبِفَتْحِهَا مَا يَتَسَبَّبُ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ اسْتِبَاحَةٍ مَا كَانَ مُمْتَنِعًا قَبْلَهُ كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا م د. وَعِبَارَةُ ق ل: الْمُوجِبُ بِكَسْرِ الْجِيمِ هُوَ السَّبَبُ كَالْجَنَابَةِ وَبِفَتْحِهَا الْمُسَبَّبُ وَهُوَ تَعْمِيمُ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ هَذَا مُسَبَّبٌ عَنْ الْحَدَثِ، وَمَا قَالَهُ م د مُسَبَّبٌ عَنْ الْغُسْلِ، وَتَقْدِيمُ مُوجِبِ الْغُسْلِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، وَالنُّكْتَةُ فِي ذَلِكَ مَعَ الْعَكْسِ فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ حَيْثُ أَخَّرَهُ عَنْ الْوُضُوءِ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَقْدِيمِ سَبَبِهِ كَالْإِنْزَالِ وَدُخُولِ الْحَشَفَةِ مَثَلًا، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُطْلَبُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سَبَبُهُ، وَهُوَ الْحَدَثُ كَالْوَلَدِ إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَرَادَ وَلِيُّهُ أَنْ يَطُوفَ بِهِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْدِثٍ لَكِنَّهُ فِي حُكْمِهِ. قَوْلُهُ: (سَيَلَانُ الْمَاءِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْغُسْلَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَالسَّيَلَانُ صِفَةٌ لِلْمَاءِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّيَلَانُ بِمَعْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 الْفُقَهَاءَ أَوْ أَكْثَرَهُمْ إنَّمَا تَسْتَعْمِلُهُ بِالضَّمِّ وَشَرْعًا سَيَلَانُهُ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ مَعَ النِّيَّةِ وَالْغِسْلُ بِالْكَسْرِ مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ نَحْوِ سِدْرٍ وَخِطْمِيٍّ. (وَاَلَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ سِتَّةُ أَشْيَاءَ) مِنْهَا (ثَلَاثَةٌ تَشْتَرِكُ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ) مَعًا (وَهِيَ) أَيْ الْأُولَى (الْتِقَاءُ   [حاشية البجيرمي] الْإِسَالَةِ أَوْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْفِعْلُ. قَوْلُهُ: (عَلَى الشَّيْءِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَدَنًا أَوْ غَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِنِيَّةٍ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ) أَيْ وَأَفْصَحُ أَيْ لُغَةً، وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَالضَّمُّ أَشْهَرُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَلَكِنْ إلَخْ. وَإِنْكَارُ الضَّمِّ غَلَطٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ غُسْلِ الثَّوْبِ أَمَّا فِيهِ فَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِالْفَتْحِ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ أَشْهَرُ أَيْ وَأَفْصَحُ؛ لِأَنَّ الْفَتْحَ هُوَ الْمَصْدَرُ الْقِيَاسِيُّ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَعْلُ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى ... مِنْ ذِي ثَلَاثَةٍ كَرَدَّ رَدَّا وَأَمَّا الْأَشْهَرُ شَرْعًا فَهُوَ الضَّمُّ إذَا أُرِيدَ بِهِ السَّيَلَانُ عَلَى الْبَدَنِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غُسْلِ نَحْوِ النَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ: (مَعَ النِّيَّةِ) وَلَوْ مَنْدُوبَةٌ فَيَشْمَلُ غُسْلَ الْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: (مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ) أَيْ مَا هُيِّئَ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى بِالْغُسْلِ دَائِمًا، وَالرَّأْسُ لَيْسَ قَيْدًا، وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ لَوْ قَالَ مَا يُضَافُ إلَى مَاءِ الْغُسْلِ لَكَانَ صَوَابًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَخِطْمِيٍّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ. اهـ. مُخْتَارٌ. وَنُقِلَ عَنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْخِطْمِيَّ هُوَ بِزْرُ الْخَبِيزَةِ وَقِيلَ هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ اهـ. ح ف. قَوْلُهُ: (سِتَّةُ أَشْيَاءَ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَعَدَّهَا فِي الْمَنْهَجِ وَأَصْلِهِ خَمْسَةً بِجَعْلِ الْجَنَابَةِ بِصُورَتَيْهَا شَيْئًا وَاحِدًا، وَعَدَّهَا فِي الرَّوْضَةِ أَرْبَعَةً بِجَعْلِهِ النِّفَاسَ دَمَ حَيْضٍ مُجْتَمَعٍ. وَاعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ الْحَصْرَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ بِتَنَجُّسِ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ بَعْضِهِ مَعَ الِاشْتِبَاهِ. وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِمَنْعِ أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ بَلْ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ فَرَضَ كَشْطَ جِلْدِهِ حَصَلَ الْغَرَضُ. قَالَ: وَبِهِ وَيَتَبَيَّنُ أَنْ لَا تَعَبُّدَ عَلَى الْبَدَنِ فِي غُسْلِ النَّجَاسَةِ أَصْلًا اهـ. سم. قَالَ الْإِطْفِيحِيُّ: أَقُولُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَجْهُ عَدَمِ وُرُودِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْغُسْلِ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي الْبَدَنِ بِنِيَّةٍ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ، وَكَانَ الْغُسْلُ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي عَدَمِ بَيَانِ الْغُسْلِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ كَوْنُ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ كَانَ مَعْلُومًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ بَقِيَّةً مِنْ دَيْنِ إبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] فَلَمْ يَحْتَاجُوا إلَى تَفْسِيرِهِ، وَأَمَّا رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ، فَلَمْ يَقُلْ، وَإِنْ كُنْتُمْ مُحْدِثِينَ فَتَوَضَّئُوا بَلْ قَالَ فَاغْسِلُوا الْآيَةَ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَمَا قِيلَ إنَّهُ كَانَ يَجِبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نُسِخَ لَمْ يَثْبُتْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ أَوْ أَثَرٍ أَوْ نَقْلٍ مُعْتَبَرٍ. اهـ. وَأَقُولُ: يُخَالِفُ ذَلِكَ مَا فِي النُّورِ الْوَهَّاجِ فِي الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ لِلْعَلَّامَةِ سَيِّدِي عَلِيٍّ الَأُجْهُورِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ التَّخْفِيفُ فِي كُلٍّ مِنْ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ وَغُسْلِ الثَّوْبِ، فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَتْ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَغُسْلُ الثَّوْبِ مِنْ الْبَوْلِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُ حَتَّى جَعَلَ الصَّلَاةَ خَمْسًا، وَغُسْلَ الْجَنَابَةِ مَرَّةً، وَغُسْلَ الثَّوْبِ مَرَّةً» ، وَهَلْ غُسْلُ غَيْرِ الْجَنَابَةِ مِنْ الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ كَذَلِكَ، وَكَذَا الْغُسْلُ مِنْ غَيْرِ الْبَوْلِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ أَمْ لَا؟ . هُوَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّؤَالَ فِي تَخْفِيفِ الْغُسْلِ لَمْ يَكُنْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (تَشْتَرِكُ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مُطْلَقُ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَلَوْ مِنْ الْجِنِّ اهـ. ق ل. وَقَالَ ع ش قَوْلُهُ: تَشْتَرِكُ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ أَيْ يَكُونَانِ مَحَلًّا لَهَا، وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ تَشْتَرِكُ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ النِّسْبَةُ لِلْعَارِضِ لَا الْمَعْرُوضِ، وَالْعَارِضُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 الْخِتَانَيْنِ) بِإِدْخَالِ الْحَشَفَةِ وَلَوْ بِلَا قَصْدٍ، أَوْ كَانَ الذَّكَرُ أَشَلَّ أَوْ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ أَوْ قَدَّرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فَرْجًا مِنْ امْرَأَةٍ وَلَوْ مَيِّتَةً، أَوْ كَانَ عَلَى الذَّكَرِ خِرْقَةٌ مَلْفُوفَةٌ وَلَوْ غَلِيظَةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِنْزَالِ كَخَبَرِ: «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَمَنْسُوخَةٌ.   [حاشية البجيرمي] هُوَ الثَّلَاثَةُ، وَالْمَعْرُوضُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الثَّلَاثَةُ فَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ لِلضَّمِيرِ بِقَوْلِهِ أَيْ الْأُولَى غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ق ل. قَوْلُهُ: (الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ) أَيْ خِتَانُ الرِّجَالِ وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ أَيْ تَحَاذِيهِمَا، وَهَذَا كِنَايَةً عَنْ لَازِمِ التَّحَاذِي مِنْ دُخُولِ حَشَفَةِ الرَّجُلِ سم. قَوْلُهُ: (بِإِدْخَالِ) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِدْخَالِ الدُّخُولُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُحَاذَاةُ، وَحَقِيقَتُهُ اللُّغَوِيَّةُ الِانْضِمَامُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ انْضِمَامَهُمَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ لَازِمُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ دُخُولُ الْحَشَفَةِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ هُنَا، وَهُوَ أَنَّ التَّحَاذِيَ يَلْزَمُ مِنْهُ عُرْفًا وَغَالِبًا دُخُولُ الْحَشَفَةِ، فَالْمُرَادُ هُنَا لَازِمُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَيْ لَازِمُهُ الْعُرْفِيُّ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكِنَايَةِ أَنْ يَكُونَ اللُّزُومُ عَقْلِيًّا، بَلْ وَلَوْ كَانَ عُرْفِيًّا كَمَا هُنَا، فَلِذَلِكَ كَانَتْ الْبَاءُ لِتَصْوِيرِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ الذَّكَرُ أَشَلَّ) أَوْ مُبَانًا، وَكَذَا الْفَرْجُ حَيْثُ بَقِيَ اسْمُهُمَا. اهـ. ق ل. وَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَفْعُولِ فِي الْأَوَّلِ وَعَلَى الْفَاعِلِ فِي الثَّانِي. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا فَإِذَا قُطِعَتْ حَشَفَتُهُ كُلُّهَا أَوْ قُطِعَ بَعْضُهَا يُقَدَّرُ لَهُ حَشَفَةٌ قَدْرَ حَشَفَتِهِ الْمَقْطُوعَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فَهَلْ تُعْتَبَرُ الْمُعْتَدِلَةُ حِينَئِذٍ أَوْ يَكُونُ كَمَنْ لَمْ يُخْلَقْ لَهُ حَشَفَةٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ قَدْرُ الْغَالِبِ مِنْ أَمْثَالِ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَوْ يَجْتَهِدُ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ عَمِلَ بِالْأَحْوَطِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَخِيرُ. وَأَمَّا إذَا خُلِقَ لَهُ ذَكَرٌ مِنْ غَيْرِ حَشَفَةٍ اُعْتُبِرَ لَهُ حَشَفَةٌ مِنْ عَادَةِ أَمْثَالِهِ فَيُقَدَّرُ لَهُ حَشَفَةٌ بِالنِّسْبَةِ، فَإِذَا كَانَتْ حَشَفَةُ الْغَيْرِ رُبْعَ ذَكَرِهِ جَعَلْنَا حَشَفَةَ هَذَا رُبْعَ ذَكَرِهِ، وَلَوْ دَخَلَ الرَّجُلُ كُلُّهُ فَرْجًا، فَاَلَّذِي مَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا عَدَمُ وُجُوبِ الْغُسْلِ فَرَاجِعْهُ ق ل. وَعِبَارَةُ الَأُجْهُورِيُّ مَسْأَلَةُ لَوْ دَخَلَ رَجُلٌ بِجُمْلَتِهِ فِي فَرْجٍ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحَشَفَةَ دَخَلَتْ فَرْجًا أَوْ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحَشَفَةَ دَخَلَتْ تَابِعَةً؟ . لَا نَقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ. وَنُقِلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ الثَّانِي. وَقَالَ شَيْخُنَا بِالْأَوَّلِ. اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَعَيَّنُ الْغُسْلُ وَلَا مَحِيصَ عَنْهُ، فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ قَالَ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مِنْ مَقْطُوعِهَا) لَوْ قَالَ مِنْ فَاقِدِهَا لَكَانَ أَشْمَلَ لِشُمُولِهِ الَّذِي لَا حَشَفَةَ لَهُ أَصْلًا مِنْ الْآدَمِيّ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي ذِكْرُ حُكْمِ مَا لَيْسَ لَهُ حَشَفَةٌ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ أَوْلَجَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَرْجًا) وَالْفَرْجُ يُطْلَقُ عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُنْفَرِجٌ أَيْ مُنْفَتِحٌ، فَالْفَرْجُ مَأْخُوذٌ مِنْ الِانْفِرَاجِ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ عُرْفًا فِي الْقُبُلِ. قَوْلُهُ: (مِنْ امْرَأَةٍ) قَيَّدَ بِهَا لِأَجْلِ ذِكْرِ الْخِتَانِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ غَيْرِهَا ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَيِّتَةً) وَلَا جَنَابَةَ عَلَى الْمَيِّتَةِ فَلَا يُعَادُ غُسْلُهَا لِانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ بِالْمَوْتِ، وَلَا حَدَّ عَلَى الْوَاطِئِ لَهَا وَلَا مَهْرَ، لَكِنْ تَفْسُدُ عِبَادَتُهُ وَحَجُّهُ وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فِي رَمَضَانَ كَوَطْءِ الْبَهِيمَةِ اهـ. ق ل وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إذَا أَتَى الْبَهِيمَةَ وَلَمْ يُنْزِلْ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ غَسْلُ آلَتِهِ إنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا، وَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَا يُحَدُّ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ، وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ عِنْدَنَا فِي الْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ عَلَى الذَّكَرِ خِرْقَةٌ) وَلَوْ كَانَتْ كَثِيفَةً، بَلْ وَلَوْ كَانَ فِي قَصَبَةٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ، وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) لَيْسَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ الْحَدِيثِ، وَيَدُلُّ لَهُ الْإِتْيَانُ بِأَيٍّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، هَذَا وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهَا مِنْ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ عَقِبَ قَوْلِهِ «فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِنْزَالِ فَمَنْسُوخَةٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْحَصْرُ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ كَمَا قَالَهُ م د. وَقَوْلُهُ: (أَيْ مِنْ حَيْثُ الْحَصْرُ) أَيْ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وَأَجَابَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالِاحْتِلَامِ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ، وَذِكْرُ الْخِتَانِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، فَلَوْ أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي فَرْجِ بَهِيمَةٍ أَوْ فِي دُبُرٍ، كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ فِي فَرْجٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ انْضِمَامَهُمَا لِعَدَمِ إيجَابِهِ الْغُسْلَ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ تَحَاذِيهِمَا يُقَالُ: الْتَقَى الْفَارِسَانِ إذَا تَحَاذَيَا، وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّا، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِدْخَالِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، إذْ الْخِتَانُ مَحَلُّ الْقَطْعِ فِي الْخِتَانِ، وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ فَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ، وَمَخْرَجُ الْبَوْلِ فَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ، وَلَوْ أَوْلَجَ حَيَوَانٌ قِرْدًا أَوْ غَيْرَهُ فِي آدَمِيٍّ وَلَا حَشَفَةَ لَهُ فَهَلْ يُعْتَبَرُ إيلَاجُ كُلِّ ذَكَرِهِ أَوْ   [حاشية البجيرمي] حَيْثُ أَحَدُ شِقَّيْ الْحَصْرِ الَّذِي هُوَ النَّفْيُ وَهُوَ قَوْلُنَا: وَلَا يَجِبُ بِغَيْرِ الْمَاءِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِشِقِّ الْإِثْبَاتِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ خُرُوجِ الْمَاءِ فَلَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، فَقَدْ أَقَامَهُ دَلِيلًا عَلَى إنْزَالِ الْمَنِيِّ فِيمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَجَعَلَ الْحَصْرَ إضَافِيًّا أَيْ نِسْبِيًّا أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلِاحْتِلَامِ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّسْخِ يَصِحُّ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِنْزَالِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالِاحْتِلَامِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَأَجَابَ ابْنُ عَبَّاسٍ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّسْخِ. وَحَاصِلُ جَوَابِهِ أَنَّ الْحَصْرَ إضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلِاحْتِلَامِ. قَوْلُهُ: (جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ) وَيَرْتَكِبُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِثْلَ هَذَا تَبَرُّكًا بِالْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (بَهِيمَةٍ) وَلَوْ سَمَكَةً وَلَوْ مَيِّتَةً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي دُبُرٍ) أَيْ دُبُرِ رَجُلٍ مَثَلًا وَلَوْ فِي دُبُرِ نَفْسِهِ وَتَجْرِي عَلَيْهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْجِمَاعِ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ امْرَأَةٍ لَيْسَ قَيْدًا، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ وَشَمِلَ إدْخَالَهُ فِي دُبُرِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَهِي دُبُرَ نَفْسِهِ، بَلْ هَذَا الْمَحَلُّ لَا يُشْتَهَى طَبْعًا، وَأَمَّا اللُّوطِيَّةُ فَقَدْ انْحَرَفَتْ طِبَاعُهُمْ عَنْ حَيِّزِ الِاعْتِدَالِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدَّانِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فَاعِلًا وَمَفْعُولًا أَوْ لَا. قِيَاسًا عَلَى تَدَاخُلِ الْحُدُودِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؟ . الْأَقْرَبُ الثَّانِي، بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَلْ تَحَاذِيهِمَا) وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ لَازِمِ التَّحَاذِي مِنْ دُخُولِ الْحَشَفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ سم. قَوْلُهُ: (فِي الْخِتَانِ) صَوَابُهُ فِي الْخَتْنِ أَيْ الْقَطْعِ ق ل. أَيْ: وَتَكُونُ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ بِالْخَتْنِ أَيْ الْقَطْعِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْلَجَ إلَخْ) وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الذَّكَرُ مُبَانًا، فَقِيلَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُولِجَهُ مِنْ جِهَةِ الْحَشَفَةِ أَوْ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ الْحَشَفَةَ مَتَى وُجِدَتْ فَالْعِبْرَةُ بِهَا وَلَوْ مِنْ الذَّكَرِ الْمُبَانِ، وَاعْتَمَدَهُ م ر آخِرًا، وَأَمَّا لَوْ قُطِعَ الْفَرْجُ وَبَقِيَ اسْمُهُ وَأُولِجَ فِيهِ، هَلْ يَجِبُ الْغُسْلُ قِيَاسًا عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِ أَوْ يُفَرَّقُ؟ قَرَّرَ م ر الْفَرْقَ، إذْ لَا يُسَمَّى جِمَاعًا ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ الْغُسْلُ وَيُمْنَعُ تَوَقُّفُهُ عَلَى مَا يُسَمَّى جِمَاعًا، بَلْ يَكْفِي فِيهِ مُسَمَّى الْإِيلَاجِ فِي فَرْجٍ وَقَدْ وُجِدَ، وَبِهِ جَزَمَ ق ل فَقَالَ قَوْلُهُ فَرْجًا وَلَوْ مُبَانًا حَيْثُ بَقِيَ اسْمُهُ. اهـ. وَلَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الْفَرْجِ الْمُبَانِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ الضَّعِيفِ الْفَهْمِ السَّقِيمِ الْإِدْرَاكِ، وَقَدْ أَحْوَجَ الدَّهْرُ إلَى ذِكْرِ هَذَا. اهـ. وَأَمَّا لَوْ شُقَّ الذَّكَرُ نِصْفَيْنِ فَلَا تَحْصُلُ الْجَنَابَةُ بِإِدْخَالِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ مَعَ أَكْثَرِ الذِّكْرِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَالَ سم: فَلَوْ أَدْخَلَ مَجْمُوعَ شِقَّيْ الْحَشَفَةِ مِنْ الذَّكَرِ الْمَشْقُوقِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤَثِّرَ كَإِدْخَالِهَا مِنْ الذَّكَرِ الْأَشَلِّ، وَهَلْ يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَوْ يَشْمَلُ مَا لَوْ أَدْخَلَ شِقًّا فِي الْقُبُلِ وَشِقًّا فِي الدُّبُرِ؟ يَنْبَغِي أَنَّهُ كَذَلِكَ لَكِنْ لَوْ أَدْخَلَ الشِّقَّيْنِ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا غُسْلَ؛ لِأَنَّ كُلَّ شِقٍّ مِنْهُمَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ إدْخَالُ حَشَفَةٍ. وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَأُجْهُورِيُّ: وَبَقِيَ مَا لَوْ شُقَّ وَأَدْخَلَ أَحَدَ شِقَّيْهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَأَدْخَلَ الشِّقَّ الْآخَرَ عَلَى التَّعَاقُبِ. قَالَ الشَّيْخُ حَمْدَانَ: أَمَّا الْفَاعِلُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ جَزْمًا، وَأَمَّا الْمَفْعُولُ فَإِنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ فَالْغُسْلُ، وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْ الِاتِّحَادِ مَا لَوْ أَدْخَلَ أَحَدَهُمَا فِي الْقُبُلِ وَالْآخَرَ فِي الدُّبُرِ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ الذَّكَرُ كُلُّهُ بِصُورَةِ الْحَشَفَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَى إدْخَالِ جَمِيعِهِ، بَلْ تُقَدَّرُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، نَعَمْ إنْ تَحَزَّزَ مِنْ أَسْفَلِهِ بِصُورَةِ تَحْزِيزِ الْحَشَفَةِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْجَمِيعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ فِي ذَكَرِ آخَرَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ أَمْ لَا؟ أَفْتَى م ر أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 إيلَاجُ قَدْرِ حَشَفَةٍ مُعْتَدِلَةٍ؟ . قَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ نَظَرٌ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْفَقِيهِ. انْتَهَى. وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ الثَّانِي: وَيَجْنَبُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ أَوْلَجَا أَوْ أُولِجَ فِيهِمَا وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ بَعْدَ الْكَمَالِ، وَصَحَّ مِنْ مُمَيِّزٍ وَيُجْزِئُهُ وَيُؤْمَرُ بِهِ كَالْوُضُوءِ، وَإِيلَاجُ الْخُنْثَى وَمَا دُونَ الْحَشَفَةِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْغُسْلِ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَيَجِبُ عَلَى الْمُولَجِ فِيهِ بِالنَّزْعِ مِنْ دُبُرِهِ وَمِنْ قُبُلِ أُنْثَى، وَإِيلَاجُ الْحَشَفَةِ بِالْحَائِلِ جَارٍ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَإِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَيُخَيَّرُ الْخُنْثَى بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِإِيلَاجِهِ فِي   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرَهُ) شَمِلَ الْآدَمِيَّ الَّذِي لَا حَشَفَةَ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ الثَّانِي) عِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ وَفِيمَا لَوْ خُلِقَ بِلَا حَشَفَةٍ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمُعْتَدِلَةِ بِغَالِبِ أَمْثَالِهِ، وَكَذَا فِي ذَكَرِ الْبَهِيمَةِ يُعْتَبَرُ قَدْرٌ تَكُونُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ مُعْتَدِلِ ذَكَرِ الْآدَمِيِّ إلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (وَيَجْنُبُ صَبِيٌّ) وَلَوْ غَيْرُ مُمَيِّزٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَجْنَبَ الرَّجُلُ وَجُنُبٌ بِالضَّمِّ اهـ. فَعَلَى هَذَا إنْ اعْتَبَرْت الْمُضَارِعَ مِنْ أَجْنَبَ كَانَ مِثْلَ أَكْرَمَ يُكْرِمُ، وَإِنْ اعْتَبَرْته مِنْ جَنَبَ كَانَ مِثْلَ شَرُفَ يَشْرُفُ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ بَعْدَ الْكَمَالِ) بِالْبُلُوغِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، وَالْإِفَاقَةِ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ أَيْ إنْ لَمْ يَغْتَسِلَا قَبْلَهُ بِنَفْسِهِمَا أَوْ بِغَيْرِهِمَا اهـ. ق ل. وَهُوَ وَاضِحٌ فِي غُسْلِهِمَا بِنَفْسِهِمَا لِاسْتِدْعَائِهِ تَمْيِيزِهِمَا، وَأَمَّا بِغَيْرِهِمَا فَصُورَتُهُ أَنْ يَغْسِلَهُمَا الْوَلِيُّ فِي نُسُكٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِخِلَافِ غَيْرِ النُّسُكِ فَلَا يَصِحُّ، إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ إنْ اسْتَمَرَّ بَعْدَ الْغُسْلِ فِي النُّسُكِ لَمْ يَجْنَبْ حَتَّى كَمُلَ كَفَاهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَنَابَتَهُ ارْتَفَعَتْ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةٌ. م د. قَوْلُهُ: (وَصَحَّ مِنْ مُمَيِّزٍ) أَيْ وَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ إذَا بَلَغَ، بِخِلَافِ مَا إذَا غَسَّلَهُ وَلِيُّهُ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ فَلَا يَكْفِيهِ إذَا اسْتَمَرَّ حَتَّى كَمُلَ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةٌ كَمَا مَرَّ آنِفًا. قَوْلُهُ: (وَإِيلَاجِ الْخُنْثَى) أَيْ فِي دُبُرِ ذَكَرٍ أَوْ قُبُلِ أُنْثَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بِالنَّزْعِ مِنْ دُبُرِهِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْغُسْلِ) أَيْ فِي إيجَابِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَمَا يَأْتِي. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْخُنْثَى إمَّا أَنْ يَكُونَ مُولِجًا أَوْ مُولَجًا فِيهِ، وَإِذَا كَانَ مُولِجًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي دُبُرِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، أَوْ قُبُلِ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، فَهَذِهِ خَمْسُ صُوَرٍ. وَإِذَا كَانَ مُولَجًا فِيهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُولِجُ وَاضِحًا أَوْ خُنْثَى، وَتَارَةً يُولِجُ ذَلِكَ الْخُنْثَى الْمُولَجُ فِيهِ فِي وَاضِحٍ آخَرَ، وَتَارَةً فِي نَفْسِ الرَّجُلِ الْمُولِجُ؛ فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ فَمَتَى كَانَ مُولِجًا فَقَطْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا إنْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ ذَكَرٍ، وَلَا مَانِعَ مِنْ النَّقْضِ. أَوْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ خُنْثَى وَكَانَ ذَلِكَ الْخُنْثَى أَوْلَجَ فِي قُبُلِهِ، فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَتَخَيَّرُ الْخُنْثَى الْمُولِجِ بِكَسْرِ اللَّامِ فِي الدُّبُرِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَكَذَلِكَ الْمُولَجُ فِي دُبُرِهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْلَجَ فَقَطْ فِي دُبُرِ خُنْثَى أَوْ فِي قُبُلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى الْمُولَجِ فِي دُبُرِهِ بِالنَّزْعِ مِنْهُ، وَمَتَى كَانَ الْخُنْثَى مُولَجًا فِي قُبُلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا رَجُلَانِ مَا لَمْ يُولِجْ الْخُنْثَى الَّذِي أَوْلَجَ فِيهِ فِي وَاضِحٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ يَجْنَبُ يَقِينًا وَيُحْدِثُ الْوَاضِحُ بِالنَّزْعِ، فَإِنْ أَوْلَجَ فِي الرَّجُلِ الْمُولِجِ أَجْنَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا. وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ يَسْهُلَ حَفِظَهُ فَقُلْت: وَبَيْنَ غُسْلٍ وَوُضُوءٍ خُيِّرَ ... خُنْثَى إذَا لَاطَ بِدُبُرِ ذَكَرٍ أَوْ دُبُرِ خُنْثَى مُولِجٌ ذَكَرَهُ ... فِي قُبُلِ الْمُولِجِ فَافْهَمْ سِرَّهُ وَمُولَجٌ فِي دُبُرِهِ يَنْتَقِضُ ... بِخَارِجٍ حِينَئِذٍ مِنْهُ الْوُضُوء وَذَكَرًا خَيَّرَهُ إنْ خُنْثَى فَعَلَ ... بِدُبُرِهِ لِخَارِجٍ مِنْهُ حَصَلَ مُجَرَّدُ الْإِيلَاجِ فِي خُنْثَى جَرَى ... مِنْ مِثْلِهِ فَمَا عَلَيْهِ شَيْءٌ يُرَى كَذَاك لَا شَيْءَ إذَا مَا رَجُلٌ ... بِقُبُلِ خُنْثَى قَدْ أَتَاهُ يَأْفُلُ فَإِنْ أَتَى الْخَنَى لِفَرْجِ امْرَأَةٍ ... أَوْ دُبُرٍ فَاخْصُصْهُ بِالْجَنَابَةِ وَمُولِجٌ فِي دُبُرِهِ أَوْ فَرْجٍ ... قَدْ نَقَضُوا مِنْهُ الْوُضُوءَ بِالْخَارِجِ وَإِنْ أَتَى الْخُنْثَى لِمُولَجِ رَجُلٍ ... قَدْ حَصَلَتْ حَقًّا جَنَابَةٌ لِكُلٍّ اهـ م د الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 دُبُرِ ذَكَرٍ لَا مَانِعَ مِنْ النَّقْضِ بِلَمْسِهِ، أَوْ فِي دُبُرِ خُنْثَى أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ الْمُولِجِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا جُنُبٌ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ فِيهِمَا أَوْ أُنُوثَتِهِ وَذُكُورَةِ الْآخَرِ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ مُحْدِثٌ بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ فِيهِمَا مَعَ أُنُوثَةِ الْآخَرِ فِي الثَّانِيَة: فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا لِمَا سَيَأْتِي فِيمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْمَنِيُّ بِغَيْرِهِ، وَكَذَا يُخَيَّرُ الذَّكَرُ إذَا أَوْلَجَ الْخُنْثَى فِي دُبُرِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ النَّقْضِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ. أَمَّا إيلَاجُهُ فِي قُبُلِ خُنْثَى أَوْ فِي دُبُرِهِ وَلَمْ يُولِجْ الْآخَرُ فِي قُبُلِهِ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَوْ أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي قُبُلِ خُنْثَى فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا غُسْلٌ وَلَا وُضُوءٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ، فَإِنْ أَوْلَجَ ذَلِكَ الْخُنْثَى فِي وَاضِحٍ آخَرَ أَجْنَبَ يَقِينًا وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ جَامَعَ أَوْ جُومِعَ بِخِلَافِ الْآخَرَيْنِ لَا جَنَابَةَ عَلَيْهِمَا، وَأَحْدَثَ الْوَاضِحُ الْآخَرُ بِالنَّزْعِ مِنْهُ، أَمَّا إذَا أَوْلَجَ الْخُنْثَى فِي الرَّجُلِ الْمُولَجِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجْنَبُ، وَمَنْ أَوْلَجَ أَحَدَ ذَكَرَيْهِ أَجْنَبَ إنْ كَانَ يَبُولُ بِهِ وَحْدُهُ وَلَا أَثَرَ لِلْآخَرِ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سُنَنِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى سُنَنِهِ أَوْ كَانَ يَبُولُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ لَا يَبُولُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ كَانَ الِانْسِدَادُ عَارِضًا أَجْنَبَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. .   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (بِإِيلَاجِهِ فِي دُبُرِ ذَكَرٍ) أَيْ: وَأَمَّا الذَّكَرُ فَيَأْتِي أَنَّهُ يُخَيَّرُ بِقَوْلِهِ وَكَذَا يُخَيَّرُ إلَخْ. وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (لَا مَانِعَ مِنْ النَّقْضِ بِلَمْسِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَحْرَمِيَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الذَّكَرِ حَائِلٌ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي دُبُرِ خُنْثَى) الشَّارِحُ تَكَفَّلَ بِبَيَانِ حَالِ الْمُولِجِ. وَأَمَّا الْمُولَجُ فِيهِ فَيُخَيَّرُ أَيْضًا بَيْنَ الْغُسْلِ وَعَدَمِهِ وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِالنَّزْعِ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ؛ لِأَنَّهُ إمَّا جُنُبٌ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِمَا، أَوْ أُنُوثَتِهِ وَذُكُورَةِ الْآخَرِ، أَوْ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَةِ الْآخَرِ، أَوْ غَيْرُ جُنُبٍ بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِمَا. قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَجَ فِي الدُّبُرِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (وَذُكُورَةِ الْآخَرِ فِي الثَّانِيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ أَوْلَجَ فِي قُبُلِهِ. قَوْلُهُ: (بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ فِيهِمَا) أَيْ اللَّمْسُ فِي الْأُولَى، وَالنَّزْعُ مِنْهُ فِي الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (لِمَا سَيَأْتِي) أَيْ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمُعَلَّلِ بِهِ هُنَاكَ وَفِي نُسْخَةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا يُخَيَّرُ الذَّكَرُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَبِتَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ يَكُونُ أَيْ الذَّكَرُ جُنُبًا، وَبِتَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ يَكُونُ مُحْدِثًا. اج. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَعَدَمِهِ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَيَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ بِالنَّزْعِ مِنْهُ، فَعِبَارَةُ الشَّارِحِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ. وَقَوْلُهُ: لَا مَانِعَ مِنْ النَّقْضِ إلَخْ. الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ أَنَّ النَّقْضَ بِالنَّزْعِ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ، وَعَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ يَكُونُ النَّقْضُ بِاللَّمْسِ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الْمَانِعِ يَكُونُ النَّقْضُ بِالنَّزْعِ، وَعَلَى عَدَمِهِ يَكُونُ النَّقْضُ بِاللَّمْسِ. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: وَلَا مَانِعَ مِنْ النَّقْضِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا لِانْتِقَاضِ وُضُوئِهِ بِالنَّزْعِ مِنْهُ بِخِلَافِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ بِالْمُلَامَسَةِ فَيُحْتَاجُ إلَى هَذَا الْقَيْدِ هُنَاكَ لَا هُنَا. قَوْلُهُ: (أَمَّا إيلَاجُهُ إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ دُبُرُ خُنْثَى إلَخْ. فَمَفْهُومُ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تَحْتَهُ صُورَتَانِ، وَتَقَدَّمَ الصُّورَتَانِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ صُوَرَ الْخُنْثَى أَرْبَعَةٌ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا) أَيْ عَلَى الْمُولِجِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ، وَيُتَّجَهُ أَنْ يَتَخَيَّرَ الْمُولَجُ فِيهِ فِي الثَّانِيَةِ ق ل. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: وَأَمَّا الْمُولَجُ فِي دُبُرِهِ فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِالْخُرُوجِ. اهـ. أَيْ: وَأَمَّا الْمُولَجُ فِي قُبُلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ فَاحْفَظْ. قَوْلُهُ: (فِي وَاضِحٍ) أَيْ فِي دُبُرِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، أَوْ فِي دُبُرِ خُنْثَى، بِخِلَافِ الْآخَرَيْنِ أَيْ الْوَاضِحَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا أَوْلَجَ الْخُنْثَى فِي الرَّجُلِ الْمُولَجِ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ آخَرَ مِنْ قَوْلِهِ فِي وَاضِحٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا) يَجْنَبُ أَيْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْخُنْثَى أُنْثَى فَقَدْ أُولِجَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ أَوْلَجَ فِي الذَّكَرِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَوْلَجَ إلَخْ) حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الذَّكَرُ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْأَصْلِيِّ، وَبِالزَّائِدِ الْمُسَامَتِ لَهُ، وَسَكَتَ عَنْ الْمُشْتَبَهِ، وَيَظْهَرُ تَوَقُّفُ الْغُسْلِ عَلَى إيلَاجِ الْجَمِيعِ ق ل. قَوْلُهُ: (فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ) أَيْ الْكَامِلَةِ، وَهِيَ الْغُسْلُ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) الْمَدَارُ عَلَى الْأَصَالَةِ أَوْ الْمُسَامَتَةِ فَقَطْ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ لَا بِالْبَوْلِ، وَعَدَمِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ عَلَى سُنَنِهِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ إنْ بَالَ بِأَحَدِهِمَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ فَقَطْ حَيْثُ لَمْ يُسَامِتْ الْآخَرَ، فَإِنْ سَامَتَ تَعَلَّقَ بِهِ أَيْضًا، وَكَذَا إنْ بَالَ بِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَسَامَتَا، أَوْ لَا يَبُولُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَانَ الِانْسِدَادُ عَارِضًا اج. قَوْلُهُ: (أَوْ لَا يَبُولُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) بِأَنْ كَانَ لَهُ ثُقْبَةٌ يَبُولُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ الِانْسِدَادُ عَارِضًا) الْأَوْلَى وَكَانَ كَمَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 (وَ) الثَّانِيَةُ (إنْزَالُ) أَيْ خُرُوجُ (الْمَنِيِّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَسُمِعَ تَخْفِيفُهَا أَيْ مَنِيُّ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الْخَارِجُ مِنْهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ فَرْجَ الثَّيِّبِ بَلْ وَصَلَ إلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، أَمَّا الْبِكْرُ فَلَا بُدَّ مِنْ بُرُوزِهِ إلَى الظَّاهِرِ كَمَا أَنَّهُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لَا بُدَّ مِنْ بُرُوزِهِ عَنْ الْحَشَفَةِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ: «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» . أَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ.   [حاشية البجيرمي] شَرْحِ الرَّوْضِ وَعَلَيْهَا، فَهُوَ قَيْدٌ فِي الْأَخِيرِ. . قَوْلُهُ: (أَيْ خُرُوجُ الْمَنِيِّ) أَيْ وَلَوْ عَلَى صُورَةِ الدَّمِ لِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ وَنَحْوِهِ، فَيَكُونُ طَاهِرًا مُوجِبًا لِلْغُسْلِ، فَقَبْلَ خُرُوجِهِ وَإِنْ مَنَعَهُ بِرَبْطِهِ مَثَلًا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ، بَلْ وَلَا يَصِحُّ فَلَوْ قُطِعَ الذَّكَرُ وَفِيهِ الْمَنِيُّ قَبْلَ بُرُوزِهِ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ إلَّا إنْ بَرَزَ مِنْ الْبَاقِي الْمُتَّصِلِ شَيْءٌ، وَفَارَقَ الْحُكْمُ بِالْبُلُوغِ لِوُجُودِ الْعِلْمِ قَالَهُ ق ل. وَفِي اج: فَلَوْ قُطِعَ الذَّكَرُ وَالْمَنِيُّ فِيهِ لَكِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمُنْفَصِلِ شَيْءٌ فَلَا غُسْلَ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ كَالْبَازِرِيِّ، وَتَابَعَهُمَا م ر فِي الْفَتَاوَى. قَالَ سم: وَفِيهِ نَظَرٌ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْبَدَنِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا فِي الْجُزْءِ الْمُنْفَصِلِ فَلَا يُتَّجَهُ حِينَئِذٍ إلَّا وُجُوبُ الْغُسْلِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ انْفِصَالَهُ عَنْ الْبَدَنِ تَابِعٌ لِانْفِصَالِ الذَّكَرِ. اهـ. وَقَوْلُ الْمُحَشِّي: لَكِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمُنْفَصِلِ شَيْءٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُتَّصِلِ. وَهَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الظَّاهِرَةُ، وَقَدْ نَقَلَ ع ش عَلَى م ر أَنَّ لِابْنِ سم عِبَارَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَيْ مَنِيِّ الشَّخْصِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ أَلْ فِي الْمَنِيِّ لِلْعَهْدِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْبِكْرُ إلَخْ) ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ أَوْ إلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ الثَّيِّبِ عِنْدَ جُلُوسِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا. قَوْلُهُ: «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» هَذَا الْحَدِيثُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِنْزَالِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِمَا عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ مَنْسُوخٌ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ لَا بِاعْتِبَارِ مَنْطُوقِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) وَاسْمُهَا هِنْدٌ وَهِيَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (أُمُّ سُلَيْمٍ) بِنْتُ مِلْحَانَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالِدَةُ أَنَسٍ، وَاسْمُهَا سَهْلَةُ أَوْ رُمَيْلَةُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَيُقَالُ لَهَا الْغُمَيْصَاءُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، أَوْ الرُّمَيْصَاءُ اُشْتُهِرَتْ بِكُنْيَتِهَا. قَوْلُهُ: (إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ) يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَأْمُرَ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْ الْحَقِّ أَوْ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذِكْرِهِ امْتِنَاعُ الْمُسْتَحْيِي، فَكَذَلِكَ أَنَا. وَإِنَّمَا قَدَّمَتْ ذَلِكَ عَلَى سُؤَالِهَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ أَمْرٌ يُسْتَحْيَا مِنْهُ فَهُوَ نَوْعُ بَرَاعَةِ اسْتِهْلَالِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَدِيعِ شَوْبَرِيٌّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ هُنَا السُّؤَالُ عَنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَقَالَتْ لَهُ أَيْضًا: " هَلْ لِلْمَرْأَةِ مَاءٌ؟ . فَقَالَ لَهَا: تَرِبَتْ يَدَاك بِأَيِّ شَيْءٍ يُشْبِهُ الْوَلَدُ أُمَّهُ ". فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَلَدَ مُنْعَقِدٌ مِنْ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَمَنِيِّ الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ) بِضَمِّ الْغَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِفَتْحِهَا وَهُمَا مَصْدَرَانِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ بِالضَّمِّ الِاسْمُ وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَحَرْفُ الْجَرِّ زَائِدٌ كَمَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ. قَوْلُهُ: (إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ) أَيْ رَأَتْ فِي مَنَامِهَا أَنَّهَا تُجَامَعُ. قَوْلُهُ: (إذَا رَأَتْ) أَيْ حِينَ رَأَتْ الْمَاءَ أَيْ الْمَنِيَّ إذَا اسْتَيْقَظَتْ، فَإِذَا ظَرْفِيَّةٌ وَجَعْلُ رُؤْيَةِ الْمَنِيِّ شَرْطًا لِلْغُسْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إذَا لَمْ تَرَ الْمَاءَ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا. فَائِدَةٌ: قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٍ: الِاحْتِلَامُ بِصُورَةٍ مُحَرَّمَةٍ عُقُوبَةٌ مُعَجَّلَةٌ، وَبِغَيْرِ صُورَةٍ نِعْمَةٌ، وَبِصُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَرَامَةٌ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ فَقَالَ: مَنْ يَحْتَلِمُ بِصُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ ... فَإِنَّهُ كَرَامَةٌ مَرْضِيَّةُ وَإِنْ يَكُنْ بِصُورَةٍ قَدْ حُرِّمَتْ ... فَهُوَ إذًا عُقُوبَةٌ تَعَجَّلَتْ أَوْ لَا بِصُورَةٍ فَذَاكَ نِعْمَةُ ... حَكَاهُ زَرُّوقٌ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ وَذَكَرَ أَيْضًا: أَنَّهُ يُنْهَى عَنْ إتْيَانِ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْجُنُونَ فِي الْوَلَدِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ فِي حَرْفِ الْخَاءِ وَالنُّونِ خَنَثَ خُنَثًا فَهُوَ خَنِثٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا كَانَ فِيهِ لِينٌ وَتَكَسُّرٌ وَيَتَعَدَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 فَإِنْ أَمْنَى مِنْهُمَا أَوْ مَنْ أَحَدِهِمَا وَحَاضَ مِنْ الْآخَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحْكَمًا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ مُسْتَحْكَمًا مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ، وَخَرَجَ مِنْ تَحْتِ الصُّلْبِ، فَالصُّلْبُ هُنَا كَالْمَعِدَةِ فِي فَصْلِ الْحَدَثِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الِانْسِدَادِ الْعَارِضِ وَالْخِلْقِيِّ كَمَا فَرَّقَ هُنَاكَ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَالصُّلْبُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِلرَّجُلِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَمَا بَيْنَ تَرَائِبِهَا وَهِيَ عِظَامُ الصَّدْرِ. قَالَ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] أَيْ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ، فَإِنْ خَرَجَ غَيْرُ الْمُسْتَحْكَمِ مِنْ غَيْرِ الْمُعْتَادِ كَأَنْ خَرَجَ لِمَرَضٍ، فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلَا يَجِبُ بِخُرُوجِ مَنِيِّ غَيْرِهِ مِنْهُ وَلَا بِخُرُوجِ مَنِيِّهِ مِنْهُ بَعْدَ اسْتِدْخَالِهِ، وَيُعْرَفُ الْمَنِيُّ بِتَدَفُّقِهِ بِأَنْ يَخْرُجَ بِدَفَعَاتٍ قَالَ تَعَالَى: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] وَسُمِّيَ مَنِيًّا؛ لِأَنَّهُ يُمْنَى أَيْ يُصَبُّ. أَوْ لَذَّةٍ بِخُرُوجِهِ مَعَ فُتُورِ الذَّكَرِ وَانْكِسَارِ الشَّهْوَةِ عَقِبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَدَفَّقْ لِقِلَّتِهِ أَوْ خَرَجَ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ أَوْ رِيحِ عَيْنِ حِنْطَةٍ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ رِيحِ طَلْعٍ رَطْبًا أَوْ رِيحِ بَيَاضِ بَيْضِ دَجَاجٍ أَوْ نَحْوِهِ جَافًّا، وَإِنْ لَمْ يَلْتَذَّ أَوْ يَتَدَفَّقْ كَأَنْ خَرَجَ بَاقِي مَنِيِّهِ بَعْدَ غُسْلِهِ، أَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ مَنِيُّ جِمَاعِهَا بَعْدَ غُسْلِهَا فَلَا تُعِيدُ الْغُسْلَ إلَّا إنْ قَضَتْ شَهْوَتَهَا،   [حاشية البجيرمي] بِالتَّضْعِيفِ فَيُقَالُ خَنَّثَهُ غَيْرُهُ إذَا جَعَلَهُ كَذَلِكَ وَاسْمُ الْفَاعِلِ مُخَنِّثٌ بِالْكَسْرِ وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ خَنَّثَ الرَّجُلُ كَلَامَهُ بِالتَّثْقِيلِ إذَا شَبَّهَهُ بِكَلَامِ النِّسَاءِ لِينًا وَرَخَاوَةً فَالرَّجِل مُخَنِّثٌ بِالْكَسْرِ وَالْخُنْثَى الَّذِي خُلِقَ لَهُ فَرْجُ الرَّجُلِ وَفَرْجُ الْمَرْأَةِ وَالْجَمْعُ خِنَاثٌ مِثْلُ كِتَابٍ وَخَنَاثَى مِثْلُ حُبْلَى وَحَبَالَى. اهـ. وَمَعْنَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَيْ الْمُلْتَبِسِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَتْ فِيهِ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ وَعَلَامَاتُ النِّسَاءِ الْتَبَسَ أَمْرُهُ فَسُمِّيَ مُشْكِلًا. قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي أَوَّلِ الزَّكَاةِ يُقَالُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ خُنْثَى إلَّا الْآدَمِيَّ وَالْإِبِلَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَيَكُونُ فِي الْبَقَرِ جَاءَنِي جَمَاعَةٌ أَثِقُ بِهِمْ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَقَالُوا إنَّ عِنْدَهُمْ بَقَرَةً خُنْثَى لَيْسَ لَهَا فَرْجُ الْأُنْثَى وَلَا ذَكَرُ الثَّوْرِ وَإِنَّمَا لَهَا خَرْقٌ عِنْدَ ضَرْعِهَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَسَأَلُوا عَنْ جَوَازِ التَّضْحِيَةِ بِهِ فَقُلْت لَهُمْ إنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَكِلَاهُمَا يُجْزِئُ وَلَيْسَ فِيهَا نَقْصُ اللَّحْمِ وَأَفْتَيْتُهُمْ فِيهِ. اهـ. قَوْلُهُ فَإِنْ أَمْنَى مِنْهُمَا وَأَمَّا إذَا أَمْنَى مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحْكَمًا وَقَوْلُنَا إنَّ الْمَنِيَّ إذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ وَكَانَ مُسْتَحْكَمًا وَجَبَ الْغُسْلُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَصْلِيُّ مُنْسَدًّا وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ مُنْفَتِحًا فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَهُنَا فِي صُورَةِ الْخُنْثَى مُنْفَتِحٌ فَتَأَمَّلْ قَوْلُهُ مُسْتَحْكَمًا بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَهُوَ الْخَارِجُ لَا لِعِلَّةٍ فَإِنْ خَرَجَ لِأَجْلِ عِلَّةٍ كَمَرَضٍ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحْكَمٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ خَرَجَ مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يُسْتَحْكَمْ وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ الِاسْتِحْكَامُ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تُوجَدَ فِيهِ بَعْضُ خَوَاصِّهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ الْخَالِصِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَوَاصِّهِ فَلَيْسَ بِمَنِيٍّ كَمَا عُرِفَ قَوْلُهُ وَخَرَجَ مِنْ تَحْتِ الصُّلْبِ أَوْ مِنْ نَفْسِ الصُّلْبِ قَوْلُهُ فَالصُّلْبُ هُنَا كَالْمَعِدَةِ صَوَابُهُ كَتَحْتِ الْمَعِدَةِ إذْ الْخَارِجُ مِنْ نَفْسِ الصُّلْبِ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ مَعْدِنَ الْمَنِيِّ س ل وَالصُّلْبُ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى مُنْتَهَى الظَّهْرِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ كَأَنْ خَرَجَ لِمَرَضٍ الْأَوْلَى بِأَنْ خَرَجَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ م ر لِأَنَّهُ تَصْوِيرٌ لِغَيْرِ الْمُسْتَحْكَمِ وَلَا فَرْدَ لَهُ غَيْرُهُ قَوْلُهُ بِدَفَعَاتٍ جَمْعُ دَفْعَةٍ بِالْعَيْنِ قَوْلُهُ مَعَ فُتُورِ الذَّكَرِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ق ل قَوْلُهُ أَوْ خَرَجَ عُطِفَ عَلَى الْغَايَةِ قَوْلُهُ رَطْبًا هُوَ وَجَافًّا حَالَانِ مِنْ الْمَنِيِّ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَلْتَذَّ أَوْ يَتَدَفَّقْ هَذَا رَدٌّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُمْ أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ إلَّا بِقَيْدَيْنِ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَشَرْحِهِ وَعِبَارَتُهُ وَفُرِضَ الْغُسْلُ عِنْدَ خُرُوجِ مَنِيٍّ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ حَالَةُ النَّوْمِ وَالْيَقِظَةِ وَلَكِنْ بِقَيْدَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّدَفُّقُ وَالْآخَرُ الشَّهْوَةُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ خُرُوجُهُ كَيْفَمَا كَانَ يُوجِبُ الْغُسْلَ قَوْلُهُ مَنِيُّ جِمَاعِهَا التَّقْيِيدُ بِالْجِمَاعِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ حَتَّى لَوْ قَضَتْ وَطَرَهَا بِمَعْنَى اسْتَدْخَلَتْهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ م ر قَوْلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَهْوَةٌ كَصَغِيرَةٍ، أَوْ كَانَتْ وَلَمْ تَقْضِ كَنَائِمَةٍ لَا إعَادَةَ عَلَيْهَا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا قَضَتْ شَهْوَتَهَا لَمْ تَتَيَقَّنْ خُرُوجُ مَنِيِّهَا وَيَقِينُ الطَّهَارَةِ لَا يُرْفَعُ بِظَنِّ الْحَدَثِ، أَيْ إذْ حَدَثُهَا وَهُوَ خُرُوجُ مَنِيِّهَا غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَقَضَاءُ شَهْوَتِهَا لَا يَسْتَدْعِي خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْ مَنِيِّهَا كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْشِيحِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ قَضَاءَ شَهْوَتِهَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ نَوْمِهَا فِي خُرُوجِ الْحَدَثِ فَنَزَّلُوا الْمَظِنَّةَ مَنْزِلَةَ الْمَئِنَّةِ، وَخَرَجَ بِقُبُلِ الْمَرْأَةِ مَا لَوْ وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إعَادَةُ الْغُسْلِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَإِنْ فُقِدَتْ الصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْخَارِجِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنِيٍّ، فَإِنْ اُحْتُمِلَ كَوْنُ الْخَارِجِ مَنِيًّا أَوْ غَيْرَهُ كَوَدْيٍ أَوْ مَذْيٍ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ جَعَلَهُ مَنِيًّا اغْتَسَلَ أَوْ غَيْرَهُ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ مَا أَصَابَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ مِنْهُ يَقِينًا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْآخَرِ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ، بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ فِعْلُهُمَا لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ بِهِمَا جَمِيعًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا وَفَعَلَهُ اُعْتُدَّ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَفَعَلَ الْآخَرَ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ.   [حاشية البجيرمي] فَلَا تُعِيدُ الْغُسْلَ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَهْوَةٌ لِصِغَرٍ أَوْ كَانَتْ وَلَمْ تَقْضِهَا كَنَائِمَةٍ وَهَذَا عَيْنٌ قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَهْوَةٌ إلَخْ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ لِلْوُضُوحِ قَوْلُهُ وَلَمْ تَقْضِ أَيْ شَهْوَتَهَا قَوْلُهُ كَنَائِمَةٍ أَيْ أَوْ مُكْرَهَةٍ قَالَ فِي الْبَهْجَةِ وَبَعْدَ غُسْلِ وَطْئِهَا إنْ لَفَظَتْ ... مَاءً تُعِيدُ حَيْثُ شَهْوَةٌ قَضَتْ وَلَا تُعِيدُ طِفْلَةٌ وَرَاقِدَةٌ ... أَوْ أُكْرِهَتْ وَمِنْ شِفَاءِ فَاقِدِهِ أَيْ عَادِمَةِ الشِّفَاءِ وَهِيَ الْمَرِيضَةُ قَوْلُهُ الْمَئِنَّةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ وَبَعْدهَا نُونٌ مُشَدَّدَةٌ أَيْ الْيَقِينُ قَوْلُهُ فَإِنْ فُقِدَتْ الصِّفَاتُ لَوْ قَالَ الْخَوَاصُّ لَكَانَ أَوْلَى إذْ صِفَاتُهُ كَوْنُهُ أَبْيَضَ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ ثَخِينًا وَهَذِهِ لَا دَخْلَ لَهَا فِي الْمَعْرِفَةِ قَوْلُهُ فِي الْخَارِجِ أَيْ فِي الْمَاءِ الْخَارِجِ قَوْلُهُ فَلَا غُسْلَ أَيْ مَطْلُوبٌ فَيَحْرُمُ لِأَنَّهُ تَعَاطَى عِبَادَةً فَاسِدَةً وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَشُكَّ أَمَّا إذَا شَكَّ فَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّخْيِيرِ الْآتِيَةِ قَوْلُهُ تَخَيَّرَ أَيْ بِالتَّشَهِّي لَا بِالِاجْتِهَادِ وَإِذَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَمَّا اخْتَارَهُ سَوَاءً فَعَلَهُ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَا يُعِيدُ مَا صَلَّاهُ نَعَمْ إنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَا اخْتَارَهُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى صَلَوَاتٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَوَاتِ الَّتِي فَعَلَهَا فَإِنْ تَيَقَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْغُسْلِ فِي صُورَتِهِ لِجَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مُقَابِلُهُ أَنَّهُ يَحْتَاطُ فَيَغْتَسِلُ وَيَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ فَإِنْ جَعَلَهُ مَنِيًّا اغْتَسَلَ فَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ مِنْ حُرْمَةِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّا لَا نُحَرِّمُ بِالشَّكِّ وَلِهَذَا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ بِفِعْلِ مُقْتَضَى الْحَدَثَيْنِ أَيْ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م ر قَوْلُهُ بَرِئَ مِنْهُ يَقِينًا فَلَوْ اخْتَارَ كَوْنَهُ مَنِيًّا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ اخْتَارَ بَعْدَ ذَلِكَ كَوْنَهُ وَدْيًا انْعَكَسَ الْحُكْمُ مِنْ حِينَئِذٍ فَيَغْسِلُهُ وَلَا يُعِيدُ مَا صَلَّاهُ وَكَذَا لَوْ اخْتَارَ ابْتِدَاءَ كَوْنِهِ وَدْيًا فَغَسَلَهُ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى مُدَّةً ثُمَّ اخْتَارَ كَوْنَهُ مَنِيًّا وَجَبَ الْغُسْلُ وَلَا تَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ كَمَا رَجَّحَهُ سم وَإِنْ قَالَ حَجّ فِيهِ احْتِمَالَانِ اج وَعِبَارَةُ ق ل وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ إلَى الْآخَرِ وَلَا يُعِيدُ مَا فَعَلَهُ بِالْأَوَّلِ قَوْلُهُ وَلَا مُعَارِضَ أَيْ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَقَوْلُهُ لَهُ أَيْ لِلْأَصْلِيِّ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ إلَخْ هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْآخَرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا مُعَارِضَ فَلَمْ يَأْخُذْ مُحْتَرَزَهُ وَلَعَلَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ بَوْلِ الظَّبْيَةِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فَتَغَيَّرَ فَإِنَّ الْأَصْلَ هُنَا وَهُوَ الطَّهَارَةُ عَارَضَهُ عَارِضٌ وَهُوَ بَوْلُ الظَّبْيَةِ. اهـ. عَزِيزِيٌّ قَوْلُهُ وَفَعَلَهُ أَيْ وَفَعَلَ مُقْتَضَاهُ مِنْ اغْتِسَالٍ أَوْ وُضُوءٍ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا ق ل قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ الصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ فَعَلَ مُقْتَضَاهُ وَيَعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ بِالْأَوَّلِ فَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا مَقْطُوعًا أَوْ قَدْرَ الْحَشَفَةِ مِنْهُ لَزِمَهَا الْغُسْلُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِدْخَالِهِ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ أَصْلِهِ أَوْ وَسَطِهِ بِجَمْعِ طَرَفَيْهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ الْحَشَفَةُ حَيْثُ وُجِدَتْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ يُعْرَفُ بِالْخَوَاصِّ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ. وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّلَذُّذِ. وَقَالَ ابْنُ صَلَاحٍ: لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّلَذُّذِ وَالرِّيحِ، وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ. وَيُؤَيِّدُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَوْلُ الْمُخْتَصَرِ: وَإِذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الْمَاءَ الدَّافِقَ. فَرْعٌ: لَوْ رَأَى فِي فِرَاشِهِ أَوْ ثَوْبِهِ وَلَوْ بِظَاهِرِهِ مَنِيًّا لَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ، وَإِعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ لَا يُحْتَمَلُ خُلُوُّهَا عَنْهُ، وَيُسَنُّ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ اُحْتُمِلَ خُلُوُّهَا عَنْهُ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنْ آخَرَ نَامَ مَعَهُ فِي فِرَاشِهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُمَا الْغُسْلُ وَالْإِعَادَةُ، وَلَوْ أَحَسَّ بِنُزُولِ الْمَنِيِّ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ فَلَمْ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. (وَ) الثَّالِثَةُ (الْمَوْتُ) لِمُسْلِمٍ غَيْرِ شَهِيدٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَنَائِزِ لِحَدِيثِ «الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ   [حاشية البجيرمي] صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِهِ مَثَلًا وَإِذَا اغْتَسَلَ فَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَقَالَ الْعَلَّامَةُ سم لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ مُلْزَمٌ بِهِ عَنْ اخْتِيَارِهِ أَيْ وَجَازِمٌ بِالنِّيَّةِ لِرَفْعِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَلَيْسَ كَوُضُوءِ الِاحْتِيَاطِ فَإِنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ كَوُضُوءِ الِاحْتِيَاطِ ق ل وَإِذَا اخْتَارَ كَوْنَهُ مَنِيًّا وَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثُمَّ انْجَلَى لَهُ الْحَالُ بِأَنَّهُ وَدْيٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ لِتَبَيُّنِ أَنَّ صَلَاتَهُ وَقَعَتْ مَعَ نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيَلْزَمُهُ غُسْلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ مِنْ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ لِتَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ بِانْجِلَاءِ الْحَالِ أَوْ لَا لِعَدَمِ وُجُوبِ غُسْلِهِ قَبْلَ تَبَيُّنِ الْحَالِ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ انْكَشَفَ لَهُ الْحَالُ م د قَوْلُهُ: (وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ الْمُوجِبِ الْأَوَّلِ فَكَانَ ذِكْرُهَا مَعَهُ أَنْسَبَ ق ل. قَوْلُهُ: (مَقْطُوعًا) بَقِيَ اسْمُهُ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهَا الْغُسْلُ) خَرَجَ بِالْغُسْلِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فَقَدْ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْمَقْطُوعِ إحْصَانٌ وَلَا تَحْلِيلٌ وَلَا مَهْرٌ وَلَا حَدٌّ وَلَا عِدَّةٌ وَلَا مُصَاهَرَةٌ وَلَا إبْطَالُ إحْرَامٍ، وَيُفَارِقُ الْغُسْلَ بِأَنَّهُ أَوْسَعَ بَابًا مِنْهَا نَقَلَهُ حَجّ فِي الْإِيعَابِ وَمَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى الشِّهَابِ م ر مِمَّا يُخَالِفُهُ مَمْنُوعٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الذَّكَرِ الْمُبَانِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْحَشَفَةِ) خَبَرُ أَنَّ أَيْ كَائِنٌ وَدَائِرٌ عَلَى الْحَشَفَةِ حَيْثُ وُجِدَتْ. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِالتَّلَذُّذِ وَالرِّيحِ) أَيْ رِيحِ الْعَجِينِ وَطَلْعِ النَّخْلِ رَطْبًا وَبَيَاضِ الْبَيْضِ جَافًّا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَدَفُّقٌ ح ل قَوْلُهُ: (وَيُؤَيِّدُهُ إلَخْ) الشَّاهِدُ فِي تَعْبِيرِ الْإِمَامِ بِالدَّافِقِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَسَاوِيَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. قَوْلُهُ: (الدَّافِقَ) أَيْ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّيحَ وَالتَّلَذُّذَ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (لَوْ رَأَى فِي فِرَاشِهِ) أَيْ مَنْ يُتَصَوَّرُ إنْزَالُهُ كَابْنِ تِسْعِ سِنِينَ وَمَتَى أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْغُسْلَ حَكَمْنَا بِبُلُوغِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ اج. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِظَاهِرِهِ) هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِظَاهِرِهِ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا بُدَّ، فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ لَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَعِبَارَةُ م ر: وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ صِحَّةُ مَا قَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ الْمَسْأَلَةَ بِهِ فِيمَا إذَا رَأَى الْمَنِيَّ فِي بَاطِنِ الثَّوْبِ، فَإِنْ رَآهُ فِي ظَاهِرِهِ فَلَا غُسْلَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ النَّائِمِ فِي وَقْتٍ آخَرَ أَوْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَأَنْ مَرَّ عَلَيْهِ طَائِرٌ وَهُوَ نَائِمٌ. اهـ. قَوْلُهُ: (لَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ) بِأَنْ نَامَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَنْ لَا يُتَصَوَّرُ إنْزَالُهُ كَالْمَمْسُوحِ. وَقَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْغُسْلُ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنْ آخَرَ) أَيْ أَوْ مِنْ نَحْوِ وَطْوَاطٍ. ق ل قَوْلُهُ: (وَالْمَوْتُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: الْمَوْتُ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْحَيَاةُ وَقِيلَ عَرَضٌ يُضَادُّ الْحَيَاةَ فَيَكُونُ وُجُودِيًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَعْنَى قُدِّرَ وَالْعَدَمُ مُقَدَّرٌ فَيَكُونُ التَّقَابُلُ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ تَقَابُلَ الْعَدَمِ وَالْمُمْكِنِ وَعَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 فَقَالَ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَالْوَقْصُ كَسْرِ الْعُنُقِ. (وَثَلَاثَةٌ) مِنْهَا (تَخْتَصُّ بِهَا النِّسَاءُ وَهِيَ) أَيْ الْأُولَى (الْحَيْضُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] أَيْ الْحَيْضِ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: «إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» . (وَ) الثَّانِيَةُ (النِّفَاسُ) ؛ لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ مُجْتَمَعٌ، وَيُعْتَبَرُ مَعَ خُرُوجِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَانْقِطَاعِهِ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ أَيْ أَوْ   [حاشية البجيرمي] الثَّانِي تَقَابُلَ التَّضَادِّ وَالثَّانِي مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُبْقُونَ الْآيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ. قَالَ الْإِطْفِيحِيُّ، وَإِنَّمَا وَجَبَ غُسْلُ الْمَيِّتِ تَنْظِيفًا، وَإِكْرَامًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ شَهِيدٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِمْ: «لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . فَإِنْ قِيلَ: لِمَ كَانَ خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَدَمُ الشَّهِيدِ رِيحُهُ كَرِيحِ الْمِسْكِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ الْعَظِيمَةِ بِالنَّفْسِ وَبَذْلِ الرُّوحِ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ أَثَرُ الصَّوْمِ أَطْيَبَ مِنْ أَثَرِ الْجِهَادِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» الْحَدِيثَ. وَبِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَالصَّوْمُ فَرْضُ عَيْنٍ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي السُّنَنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «دِينَارٌ تُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِك وَدِينَارٌ تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُهُمَا الَّذِي تُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِك» . وَلِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى بِخِلَافِ الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُخَاطَرَةٌ بِالنَّفْسِ لَكِنْ قَدْ يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَكَانَ أَثَرُ الصَّوْمِ أَطْيَبَ. قَوْلُهُ: (الْمُحْرِمِ) لَمْ يُعْرَفْ اسْمُهُ. قَوْلُهُ: (وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ) أَيْ رَمَتْهُ فَكَسَرَتْ عُنُقَهُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ الْوَقْصُ كَسْرُ الْعُنُقِ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ اج. قَوْلُهُ: (وَهِيَ أَيْ الْأَوْلَى) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيُّ الثَّلَاثَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] الْأُولَى لِآيَةٍ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] إلَخْ. كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا تَمْكِينُ الْحَلِيلِ مِنْ الْوَطْءِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِالْغُسْلِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. ز ي مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَحِيضِ) الْمَحِيضُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ يَصْلُحُ لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، لَكِنْ لَا يَصْلُحُ اعْتِبَارهُمَا هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي مَكَانِ الْحَيْضِ لَاقْتَضَى وُجُوبَ اعْتِزَالِهِنَّ حَتَّى فِي حَالِ طُهْرِهِنَّ لِوُجُوبِ الِاعْتِزَالِ عَنْ مَكَانِ الْحَيْضِ وَهُوَ الْفَرْجُ، أَوْ كَانَ الْمَعْنَى فِي زَمَانِ الْحَيْضِ لَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ وُجُوبُ اعْتِزَالِهِنَّ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِنَّ إلَّا أَنْ يَخُصَّ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ الْمُرَادَ زَمَانُ الْحَيْضِ احْتَجْنَا إلَى أَنْ نَقُولَ وَمَكَانُهُ، وَلَوْ قُلْنَا: الْمُرَادُ بِهِ مَكَانَ الْحَيْضِ احْتَجْنَا إلَى أَنْ نَقُولَ وَزَمَانُهُ، فَالْمُخَلِّصُ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ الْحَيْضُ وَتُجْعَلُ فِي سَبَبِيَّةً. وَقَالَ الرَّشِيدِيُّ قَوْلُهُ: أَيْ الْحَيْضُ اللَّائِقُ أَنْ يَقُولَ أَيْ زَمَنَ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ نَفْسَ الْحَيْضِ فِيمَا قَبْلَهُ بِلَفْظِ الْأَذَى، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَحِيضِ الْحَيْضَ لَكَانَ الْمَقَامُ لِلْإِضْمَاءِ وَمَا ذَكَرَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّفْسِيرِ بِالْحَيْضِ يُحْوِجُ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَهُوَ لَفْظُ زَمَنٍ. قَوْلُهُ: (وَالنِّفَاسُ) إنْ قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى بِهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نَلْتَزِمُ؛ لِأَنَّهَا إذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ، ثُمَّ طَرَأَ الدَّمُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَهَذَا الدَّمُ يَجِبُ لَهُ الْغُسْلُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ مُجْتَمِعٌ) هُوَ ظَاهِرٌ فِيمَنْ لَمْ تَحِضْ وَهِيَ حَامِلٌ. أَمَّا هِيَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مِنْهَا حَالَ الْحَمْلِ الْبَعْضَ لَا الْكُلَّ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ النُّفَسَاءَ لَوْ نَوَتْ رَفْعَ حَدَثِ الْحَيْضِ كَفَتْ النِّيَّةُ وَلَوْ عَمْدًا وَهُوَ كَذَلِكَ. اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ مَعَ خُرُوجِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَانْقِطَاعِهِ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ) الْحَقُّ أَنَّ الْقِيَامَ لِلصَّلَاةِ شَرْطٌ لِفَوْرِيَّةِ الْغُسْلِ لَا لِأَصْلِ وُجُوبِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 نَحْوِهَا كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ، وَالتَّحْقِيقِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ مُوجِبَهُ الِانْقِطَاعُ فَقَطْ. (وَ) الثَّالِثَةُ (الْوِلَادَةُ) وَلَوْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً وَلَوْ بِلَا بَلَلٍ؛ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بَلَلٍ غَالِبًا فَأُقِيمَ مَقَامَهُ كَالنَّوْمِ مَعَ الْخَارِجِ وَتُفْطِرُ بِهِ الْمَرْأَةُ عَلَى   [حاشية البجيرمي] قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَيَجِبُ عَلَى الزَّانِي الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَوْرًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَإِنْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ لِانْقِضَاءِ الْمَعْصِيَةِ بِالْفَرَاغِ مِنْ الزِّنَا، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عَصَى بِالنَّجَاسَةِ لِبَقَاءِ الْعِصْيَانِ بِهَا مَا بَقِيَتْ فَوَجَبَ إزَالَتُهَا فَوْرًا شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْوِلَادَةُ) أَيْ انْفِصَالُ جَمِيعِ الْوَلَدِ. قَالَ سم: الْوَجْهُ فِيمَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ ثُمَّ رَجَعَ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَيَجِبُ الْوُضُوءُ. اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ وَكَانَ الْبَعْضُ دَاخِلًا وَالْبَعْضُ خَارِجًا هَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ اتِّصَالُهُ بِنَجِسٍ مَعَ قَوْلِهِمْ بِطَهَارَةِ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ أَوْ لَا يَصِحُّ؟ . مَحَلُّ نَظَرٍ. اهـ اح. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِاتِّصَالِهِ بِنَجِسٍ. فَرْعٌ: سُئِلَ عَمَّا لَوْ عَضَّ كَلْبٌ رَجُلًا فَخَرَجَ مِنْ فَرْجِهِ حَيَوَانٌ صَغِيرٌ عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا، فَهَلْ هَذَا الْحَيَوَانُ نَجِسٌ نَظَرًا لِصُورَتِهِ؟ وَهَلْ يَجِبُ الْغُسْلُ نَظَرًا لِكَوْنِهِ وِلَادَةً؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ غَيْرُ نَجِسٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ مَاءِ الْكَلْبِ. نَعَمْ مَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ وَلَا كَلَامَ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْهُ غُسْلٌ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلْغُسْلِ هِيَ الْوِلَادَةُ الْمُعْتَادَةُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ نَحْوَ دُودٍ مِنْ الْجَوْفِ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ بِسَبَبِهِ، مَعَ أَنَّهُ حَيَوَانٌ تَوَلَّدَ مِنْ الْجَوْفِ وَخَرَجَ مِنْهُ، فَلْيُتَأَمَّلْ. سم عَلَى حَجّ. وَشَمِلَتْ الْوِلَادَةُ وِلَادَةَ أَحَدِ تَوْأَمَيْنِ فَيَجِبُ بِهَا الْغُسْلُ وَيَصِحُّ قَبْلَ وِلَادَةِ الْآخَرِ أَيْ: حَيْثُ لَمْ تَرَ دَمًا مُعْتَبَرًا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهَا وِلَادَةٌ تَامَّةٌ، وَالدَّمُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَسْبُوقُ بِحَيْضٍ قَبْلَهُ. وَإِذَا وَلَدَتْ آخَرَ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ، وَهَكَذَا قَالَ الشَّوْبَرِيُّ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْمَنْهَجِ: وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ وُجُوبُ الْغُسْلِ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ مِنْ ثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ بِهِ، وَمِمَّا بَحَثَهُ م ر فِيمَا لَوْ قَالَ: إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَلْقَتْهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ حَيْثُ يَقَعُ فَلْيُحَرَّرْ. وَقَدْ يُتَّجَهُ عَدَمُ وُجُوبِ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ عَلَّتْهُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ وَلَا عِبْرَةَ بِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ. اهـ مَا قَالَهُ ق ل اج. وَقَوْلُهُ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ أَيْ بَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَبَيْنَ ثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ. وَصُورَةُ الْفَرْقِ: أَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ مَنُوطَةٌ بِالْوِلَادَةِ، وَقَدْ حَصَلَتْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهَا الْمُعْتَادِ، وَوُجُوبُ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَمْ يُوجَدْ. قُلْت: وَقَدْ يَرِدُ الْفَرْقُ وَيُقَالُ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ هُنَا لِلْوِلَادَةِ لَا لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ بِقَيْدِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَالْوِلَادَةُ غَيْرُ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَالْغُسْلُ يَجِبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِذَا كَانَ الْخَارِجُ مَنِيًّا تَقَيَّدَ بِمَحَلِّهِ كَمَا ذَكَرَ وَالْوِلَادَةُ لَا تَتَقَيَّدُ، إذْ الْمَقْصُودُ خُرُوجُ الْوَلَدِ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ فَلْيُتَأَمَّلْ. ذَكَرَ ذَلِكَ م د. وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي انْسِدَادِ الْفَرْجِ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِ فَإِنْ كَانَ الِانْسِدَادُ أَصْلِيًّا قِيلَ لَهَا وِلَادَةٌ وَكَانَتْ مُوجِبَةً لِلْغُسْلِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَلَدِ مِنْ جَنْبِهَا مَثَلًا مَعَ انْفِتَاحِ فَرْجِهَا لَا يُسَمَّى وِلَادَةً، وَشَمِلَتْ الْوِلَادَةُ مَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّهُ أَصْلُ آدَمِيٍّ اهـ. وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ وِلَادَةِ مَرْيَمَ لِعِيسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلْ هِيَ مِنْ الطَّرِيقِ الْمُعْتَادِ أَمْ لَا؟ فَرَأَيْت الشَّيْخَ عَلِيًّا الْعَدَوِيَّ صَرَّحَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُعْجِزَاتِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الطَّرِيقِ الْمُعْتَادِ، وَعِبَارَتُهُ: وَوِلَادَةُ عِيسَى مِنْ الْمَحَلِّ الْمُعْتَادِ وَلَأَمَ اللَّهُ الْمَحَلَّ وَأَعَادَهُ كَمَا كَانَ، وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ مِنْ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْ جَنْبِهَا لَا عَلَى طَرِيقِ الْوِلَادَةِ الْمُعْتَادَةِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. اهـ بِحُرُوفِهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرْت ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فَاحْفَظْهُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مُدَّةِ حَمْلِ مَرْيَمَ بِعِيسَى، فَقِيلَ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ ثَمَانِيَةٌ، وَقِيلَ سِتَّةٌ، وَقِيلَ سَاعَةٌ، وَقِيلَ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَصَرَّحَ ابْنُ دِحْيَةَ فِي فَوَائِدِ الْمَشْرِقَيْنِ وَالْمَغْرِبَيْنِ بِأَنَّهُ خُلِقَ لِوَقْتِهِ وَسَاعَتِهِ الرَّاهِنَةِ، وَوَضَعَتْهُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَهِيَ بِنْتُ عَشْرِ سِنِينَ، وَكَانَتْ حَاضَتْ قَبْلَهُ حَيْضَتَيْنِ وَقِيلَ كَانَتْ بِنْتَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقِيلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَيَتَزَوَّجُ بِهَا نَبِيُّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْجَنَّةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الَأُجْهُورِيُّ الْمَالِكِيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً) أَيْ أَخْبَرَ الْقَوَابِلُ بِأَنَّهَا أَصْلُ آدَمِيٍّ وَلَوْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ. تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْهُ، وَشَيْئَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا: الْمُكْثُ لِمُسْلِمٍ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَسْجِدِ أَوْ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]   [حاشية البجيرمي] وَيَتَعَلَّقُ بِالْعَلَقَةِ أَحْكَامٌ ثَلَاثَةٌ: وُجُوبُ الْغُسْلِ، وَإِفْطَارُ الصَّائِمَةِ، وَتَسْمِيَةُ الْخَارِجِ عَقِبَهَا نِفَاسًا، وَتَزِيدُ الْمُضْغَةُ عَلَى الْعَلَقَةِ بِأَنَّهَا تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ، وَيَحْصُلُ بِهَا الِاسْتِبْرَاءُ وَأُمِّيَّةُ الْوَلَدِ، وَإِذَا وَلَدَتْ الصَّائِمَةُ وَلَدًا جَافًّا فَإِنَّهَا تُفْطِرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وم ر. وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ مِنْ نَحْوِ الْوِلَادَةِ لَا مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ إنَّمَا تُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى التَّامِّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِلَا بَلَلٍ) لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تُوجِبُ الْغُسْلَ مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَأَكْثَرُ مَا تَكُونُ الْوِلَادَةُ بِلَا بَلَلٍ فِي نِسَاءِ الْأَكْرَادِ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْوِلَادَةِ لَا أَنَّ نَفْسَ الْوِلَادَةِ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: (لَا يَخْلُو عَنْ بَلَلٍ) وَالْبَلَلُ هُوَ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ الَّذِي انْعَقَدَ مِنْهُ الْوَلَدُ، فَإِنَّهُ يَبْقَى مِنْهُ بَقِيَّةُ فِي الْكِيسِ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْهُ الْوَلَدُ. وَقَوْلُهُ: (فَأُقِيمَ) أَيْ الْوَلَدُ. وَقَوْلُهُ: (مَقَامَهُ) أَيْ الْبَلَلِ. وَقَوْلُهُ: (لَا يَخْلُو عَنْ بَلَلٍ غَالِبًا) قَالَ سم: يَنْبَغِي التَّأَمُّلُ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ بَلَلٍ فَإِنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا بِالْبَلَلِ الَّذِي لَا تَخْلُو عَنْهُ مَا لَيْسَ دَمًا، فَهَذَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ أَوْ مَا هُوَ دَمٌ، فَإِنْ أَرَادُوا مَا يَخْرُجُ مَعَ الْوَلَدِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، أَوْ مَا يَخْرُجُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ فَهَذَا مُوجِبٌ آخَرُ غَيْرَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا نِفَاسٌ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ أَوْ حَيْضٌ كَالْخَارِجِ عَقِبَ أَوَّلِ تَوْأَمَيْنِ، وَالْكَلَامُ لَيْسَ إلَّا فِي الْإِيجَابِ بِمُجَرَّدِ الْوِلَادَةِ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ حَمَلَ الْبَلَلَ عَلَى بَقِيَّةِ الْمَنِيِّ الْمُنَجَّسِ فِي خَرِيطَةِ الْوَلَدِ مَعَهُ لِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ: إنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ مُصَاحَبَتِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ انْعِقَادِ الْوَلَدِ حُصُولَ مَنِيِّهَا. [تَتِمَّةٌ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ] قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) أَيْ مُنَاسَبَةٌ لِهَذَا الْفَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ سَبَبَ الْجَنَابَةِ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ حُكْمَهَا، وَكَانَ الْأَوْلَى عَدَمَ ذِكْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَتَأْخِيرُ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ حَرُمَ بِهِمَا الشَّيْئَانِ الْآخَرَانِ الْمَذْكُورَانِ هُنَا يَحْرُمُ بِهِمَا أَيْضًا أَشْيَاءُ أُخَرُ غَيْرَ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ. وَقَوْلُهُ: (بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ) قَدْ يُقَالُ فِيهِ حَوَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ سَيَأْتِي يُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِمَا يَحْرُمُ فِيهِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ هَذِهِ التَّتِمَّةَ هُنَا تَبَعًا لِلْمِنْهَاجِ وَالْمَنْهَجِ، وَإِلَّا فَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (الْمُكْثُ) وَأَقَلُّهُ قَدْرُ الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ. قَوْلُهُ: (لِمُسْلِمٍ) أَيْ بَالِغٍ. أَمَّا الصَّبِيُّ فَيَجُوزُ لَهُ الْمُكْثُ جُنُبًا كَالْقِرَاءَةِ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ وَيُمْنَعُ الْبَالِغُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (بِالْمَسْجِدِ) وَلَوْ شَائِعًا وَتَجِبُ قِسْمَتُهُ فَوْرًا، وَيُسْتَحَبُّ لِدَاخِلِهِ التَّحِيَّةُ وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي. وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِلْحُرْمَةِ تَحَقُّقُ الْمَسْجِدِيَّةِ، أَوْ يُكْتَفَى بِالْقَرِينَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ فَالِاسْتِفَاضَةُ كَافِيَةٌ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَصْلَهُ كَالْمَسَاجِدِ الْمُحْدَثَةِ بِمِنَى شَرْحُ م ر. وَمِنْ ذَلِكَ الْمَسَاجِدِ الْمُحْدَثَةِ بِسَاحِلِ بَحْرِ بُولَاقَ وَمِصْرَ الْقَدِيمَةِ، فَإِنَّ وَقْفَهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِكَوْنِهَا فِي حَرِيمِ الْبَحْرِ انْتَهَى. اج. وَمِثْلُ الْمَسْجِدِ رَحْبَتُهُ وَهَوَاؤُهُ وَجَنَاحٌ بِجِدَارِهِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ. انْتَهَى مَرْحُومِيٌّ. وَمِنْهُ شَجَرَةٌ أَصْلُهَا فِيهِ، وَإِنْ جَلَسَ عَلَى فَرْعِهَا الْخَارِجِ عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَصْلُهَا خَارِجًا عَنْهُ وَفَرْعُهَا فِيهِ، وَمَكَثَ عَلَى فَرْعِهَا فِي هَوَائِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى فَرْعِ شَجَرَةٍ أَصْلُهَا خَارِجٌ عَنْ أَرْضِ عَرَفَاتِ وَفَرْعُهَا فِي هَوَائِهَا؛ لِأَنَّ هَوَاءَهَا لَا يُسَمَّى عَرَفَاتٍ بِرْمَاوِيٌّ. وَلَا يَكْفِي الْوُقُوفُ إلَّا إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا، وَالْفَرْعُ فِي هَوَائِهَا ع ش. قَوْلُهُ: (أَوْ التَّرَدُّدِ فِيهِ) بِخِلَافِ الْعُبُورِ كَمَا يَأْتِي، وَمِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ لِأَخْذِ حَاجَةٍ وَيَخْرُجَ مِنْ الْبَابِ الْآخَرِ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ الرُّجُوعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ خَارِجَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْغُسْلُ إلَّا فِي الْحَمَّامِ لِشِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ إلَّا مِنْهُ كَخِزَانَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهَا لَهُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فَيَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ وَيَمْكُثُ بِقَدْرِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ فُسْحَةٌ عَظِيمَةٌ. وَنَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ. وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ جَوَازُ الْمُكْثِ لِلْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عُبُورُ سَبِيلٍ، بَلْ فِي مَوَاضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} [الحج: 40] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إنَّهُ حَسَنٌ وَخَرَجَ بِالْمُكْثِ وَالتَّرَدُّدِ الْعُبُورُ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَمَا لَا يَحْرُمُ لَا يُكْرَهُ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدُ أَقْرَبَ طَرِيقَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ كُرِهَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَحَيْثُ عَبَرَ لَا يُكَلَّفُ الْإِسْرَاعَ فِي الْمَشْيِ بَلْ يَمْشِي عَلَى الْعَادَةِ، وَبِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي   [حاشية البجيرمي] بِالْوُضُوءِ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَيَجِبُ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَهُ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَمَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَالدَّلْكُ وَالْمُوَالَاةُ فَوَاجِبَاتُ الْوُضُوءِ عِنْدَهُ عَشَرَةٌ فَرَاجِعْهُ. وَيَجُوزُ النَّوْمُ فِيهِ لِغَيْرِ الْجُنُبِ وَلَوْ لِغَيْرِ أَعْزَبَ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ. نَعَمْ إنْ ضَيَّقَ عَلَى الْمُصَلِّينَ أَوْ شَوَّشَ عَلَيْهِمْ حَرُمَ، وَيَحْرُمُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَتْ بِنَعْلِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَكَذَا الْبَوْلُ فِيهِ فِي إنَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَالْحِجَامَةُ وَالْفَصْدُ فِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى لِانْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ، وَلَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» . اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا جُنُبًا) حَالٌ مِنْ الْوَاوِ فِي لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الْجُنُبَ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ) هَذَا الْمُضَافُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ: وَلَا جُنُبًا. وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا لَا مِنْ مَوَاضِعِهَا، وَالْأَوْلَى حَمْلُ الصَّلَاةِ فِي الْآيَةِ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَمَجَازِهَا. وَهُوَ الْمَوَاضِعُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَنَظِيرُهُ) أَيْ فِي تَقْدِيرِ الْمُضَافِ فِي قَوْلِهِ وَصَلَوَاتٌ أَيْ وَمَوَاضِعُ صَلَوَاتٍ. قَوْلُهُ: (الْعُبُورُ) أَيْ الْمُرُورُ بِهِ بِأَنْ كَانَ لَهُ بَابَانِ، فَدَخَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَخَرَجَ مِنْ الْآخَرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ بَابٌ وَاحِدٌ فَيَمْتَنِعُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ الْمُرُورُ، إذْ الْحُرْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ لَا لِلْمُرُورِ، وَلَوْ دَخَلَ عَلَى عَزْمِ أَنَّهُ مَتَى وَصَلَ لِلْبَابِ الْآخَرَ رَجَعَ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّرَدُّدَ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَاءً إلَّا فِيهِ جَازَ لَهُ الْمُكْثُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَيَتَيَمَّمُ لِذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَمِنْ الْعُبُورِ السَّابِحِ فِي نَهْرٍ فِيهِ أَوْ رَاكِبٍ دَابَّةً تَمُرُّ فِيهِ أَوْ عَلَى سَرِيرٍ يَحْمِلُهُ مَجَانِينُ أَوْ مَعَ عُقَلَاءَ، وَالْعُقَلَاءُ مُتَأَخِّرُونَ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ حِينَئِذٍ مَنْسُوبٌ إلَيْهِمْ، أَمَّا لَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ عُقَلَاءَ أَوْ الْبَعْضُ عُقَلَاءَ وَالْبَعْضُ مَجَانِينَ وَتَقَدَّمَ الْعُقَلَاءُ حَرُمَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ السَّيْرُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِمْ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مَاكِثٌ. انْتَهَى اج. قَالَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الَأُجْهُورِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الزَّهَرَاتِ الْوَرْدِيَّةِ: سُئِلَ عَنْ بِئْرِ زَمْزَمَ هَلْ هِيَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ . وَهَلْ الْبَوْلُ فِيهَا كَالْبَوْلِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: لَيْسَتْ زَمْزَمُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالْبَوْلُ فِيهَا أَوْ حَرِيمِهَا لَيْسَ بَوْلًا فِي الْمَسْجِدِ وَلِلْجُنُبِ الْمُكْثُ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ؛ لِأَنَّ بِئْرَ زَمْزَمَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى إنْشَاءِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي وَقْفِيَّتِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمُهُ، وَكَذَلِكَ الْكَعْبَةُ لَيْسَ مِنْهُ لِبِنَاءِ الْمَلَائِكَةِ لَهَا قَبْلَ آدَمَ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مُكْثُ الْجُنُبِ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهَا إلَّا بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهَا فِي وَسَطِهِ مُقَابِلَةً لِلْكَعْبَةِ مِنْ الْجِهَةِ الشَّرْقِيَّةِ؟ . قُلْت: يُصَوَّرُ ذَلِكَ بِمَنْ نَامَ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ فَحَصَلَتْ لَهُ جَنَابَةٌ، فَيَجُوزُ لَهُ الْمُكْثُ، أَوْ بِمَنْ عَبَرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِيَغْتَسِلَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَخَرَجَ بِالْمُكْثِ وَالتَّرَدُّدِ الْعُبُورُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ كُرِهَ) ظَاهِرُهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي الْأَوَّلِ إنْ أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إلَخْ) لَكِنْ لَيْسَ لَهُ وَلَوْ غَيْرَ جُنُبٍ دُخُولُ الْمَسْجِدِ إلَّا لِحَاجَةٍ مَعَ إذْنِ مُسْلِمٍ بَالِغٍ أَوْ جُلُوسِ قَاضٍ فِيهِ لِلْحُكْمِ أَوْ مُفْتٍ لِلْإِفْتَاءِ ابْنُ حَجَرٍ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّمْكِينِ، أَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَبِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ. قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: ذُكِرَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ جُنُبًا، وَبِالْمَسْجِدِ الْمَدَارِسُ وَالرُّبَطُ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَبِلَا عُذْرٍ مَا إذَا حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ كَأَنْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِإِغْلَاقِ بَابِهِ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ أَوْ مَنْفَعَةِ ذَلِكَ أَوْ عَلَى مَالِهِ، فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إنْ وَجَدَ غَيْرَ تُرَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِهِ، فَلَوْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ بِهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، وَالْمُرَادُ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ الدَّاخِلُ فِي وَقْفِهِ لَا الْمَجْمُوعُ مِنْ رِيحٍ وَنَحْوِهِ، وَثَانِيهِمَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِاللَّفْظِ فِي حَقِّ النَّاطِقِ، وَبِالْإِشَارَةِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ هُنَا، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ   [حاشية البجيرمي] عَلَيْهِ الْجُلُوسُ مَعَ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ خِطَابَ عِقَابٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقِرَاءَةُ أَيْ يُمَكَّنُ مِنْهَا إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ مَعَ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ مُقْتَضَى الْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ شَيْئًا مُقَدَّرًا هَذَا مُحْتَرَزُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَكَثَ مُسْلِمٌ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُمَكَّنُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ خَصَائِصِهِ) وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ. قَوْلُهُ: (دُخُولَهُ) أَيْ مُكْثَهُ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ جَوَازَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ) فَلَوْ مَكَثَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ لِعُذْرٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُجَامَعَتُهَا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَهُمَا مَارَّانِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ) وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَغْسِلَ مَا يُمْكِنُهُ غَسْلُهُ مِنْ بَدَنِهِ، إذْ الْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ بِرْمَاوِيٌّ. قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَمَا يَقَعُ لِلشَّخْصِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ مِنْ أَنَّهُ يَنَامُ عِنْدَ نِسَاءٍ أَوْ أَوْلَادٍ مُرْدٍ وَيَحْتَلِمُ وَيَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي عِرْضِهِ إذَا اغْتَسَلَ، فَإِنَّهُ لَا يَتَغَسَّلُ: وَهَذَا عُذْرٌ مُبِيحٌ لِلتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ أَشَقُّ مِنْ الْخَوْفِ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ، لَكِنْ يَغْسِلُ مِنْ بَدَنِهِ مَا يُمْكِنُهُ غَسْلَهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَيَقْضِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِثْلُ التَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ. قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ) الَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الْجَوَازَ ق ل. وَعِبَارَةُ م ر: يَتَيَمَّمُ حَتْمًا لَا بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ الدَّاخِلُ فِي وَقْفِهِ فَيَحْرُمُ، وَهَذَا التَّيَمُّمُ لَا يُبْطِلُهُ إلَّا جَنَابَةٌ أُخْرَى. انْتَهَى مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَثَانِيهِمَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِاللَّفْظِ) الْمُنَاسِبِ وَثَانِيهِمَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. قَوْلُهُ: (قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ غَيْرُ نَبِيٍّ، وَهَلْ التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ لِإِخْرَاجِ الْكَافِرِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي لَمْ يُكَلَّفْ بِهَا كَالْجِهَادِ قِيلَ بِهِ. وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِالْمُسْلِمِ رَحْمَانِيٌّ. وَقَالَ ع ش عَلَى م ر: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَغَيْرِهِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ الْمُكْثِ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْ حُرْمَتِهَا بِعَدَمِ قَصْدِ الْقُرْآنِ، فَكَانَ لِلتَّحْرِيمِ مِنْهُ وَجْهٌ وَلَا كَذَلِكَ الْمَسْجِدُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ذَاتِيَّةٌ فَلَا يَنْفَكُّ تَحْرِيمُ الْمُكْثِ فِيهِ بِحَالٍ، فَاغْتُفِرَ لَهُ تَوْسِعَةً عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ قَوْلُهُ مُسْلِمٌ غَيْرَ نَبِيٍّ لَيْسَا بِقَيْدَيْنِ. اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ شَرَفٍ قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ قُرْآنٍ أَيْ مِنْ مُسْلِمٍ بَالِغٍ، أَمَّا الْكَافِرُ الْمَرْجُوُّ إسْلَامُهُ فَلَنَا تَمْكِينُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ لَا مِنْ الْمَسِّ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ آكِدٌ. اهـ. فَإِنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ مُنِعَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَنْعِ كَوْنُهُ مِنْ الْإِمَامِ، بَلْ يَجُوزُ مِنْ الْآحَادِ؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَالَ الشَّيْخُ خ ض: وَشَمِلَ قَوْلُهُ قِرَاءَةَ قُرْآنٍ مَا لَوْ قَرَأَ آيَةً لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا فَيَحْرُمُ قِرَاءَتُهَا؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الْقُرْآنَ لِلِاحْتِجَاجِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: (مَنْزِلَةُ النُّطْقِ هُنَا) وَلِبَعْضِهِمْ: إشَارَةُ الْأَخْرَسِ مِثْلُ نُطْقِهِمْ ... فِيمَا عَدَا ثَلَاثَةً لِصَدْقِهِ فِي الْحِنْثِ وَالصَّلَاةِ وَالشَّهَادَةِ ... تِلْكَ ثَلَاثَةُ بِلَا زِيَادَةٍ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ الْبَسِيطِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وَغَيْرِهِ: «لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» . وَلِمَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ إجْرَاءُ الْقُرْآنِ عَلَى قَلْبِهِ وَنَظَرٌ فِي الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَتَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَهَمْسُهُ بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِرَاءَةِ قُرْآنِ، وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وُجُوبًا فَقَطْ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا أَمَّا خَارِجُ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا وَلَا أَنْ تُوطَأَ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا، وَيَحِلُّ لِمَنْ ذُكِرَ أَذْكَارُ الْقُرْآنِ وَغَيْرُهَا كَمَوَاعِظِهِ وَأَخْبَارِهِ وَأَحْكَامِهِ لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ كَقَوْلِهِ عِنْدَ الرُّكُوبِ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] أَيْ مُطِيقِينَ وَعِنْدَ الْمُصِيبَةِ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] فَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الذِّكْرِ حَرُمَ، وَإِنْ   [حاشية البجيرمي] إشَارَةُ الْخُرْسِ تَجْرِي مِثْلُ نَظْمِهَا ... إلَّا الصَّلَاةَ شَهَادَاتٍ وَحِنْثَهُمْ فَإِذَا أَشَارَ بِكَلَامٍ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِشَارَتُهُ بِالْكَلَامِ فِي صَلَاتِهِ لَا تُبْطِلُهَا، وَإِشَارَتُهُ بِالشَّهَادَةِ لَا تُقْبَلُ. قَوْلُهُ: (لَا يَقْرَأُ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى النَّهْيِ وَبِضَمِّهَا عَلَى الْخَبَرِ الْمُرَادِ بِهِ النَّهْيُ، هَذَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ الرِّوَايَةُ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ اتِّبَاعُهَا. قَوْلُهُ: (وَقِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) أَيْ الْإِجْرَاءَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ) أَيْ الْجُنُبُ. قَوْلُهُ: (لِلصَّلَاةِ) أَيْ الْمَفْرُوضَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي النَّوَافِلَ، وَالضَّابِطُ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ إلَّا وَاجِبًا وَلَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَمِنْهُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنْ الْقُرْآنِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَأَجْنَبَ وَفَقَدَ الطَّهُورَيْنِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ مَا نَذَرَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ كَمَا فِي الَأُجْهُورِيُّ، فَالْمُمْتَنِعُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ التَّنَفُّلُ بِالْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْإِرْشَادِ فَهُوَ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ حَيْثُ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ صَلَاةَ الْفَرْضِ وَقِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِيهِ فَالْقِرَاءَةُ الْمَنْذُورَةُ هُنَا كَالْفَاتِحَةِ ثُمَّ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَمِنْ ثَمَّ يَجِبُ إعَادَتُهَا، وَالنَّذْرُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ شَرْعِيٌّ أَصَالَةً حَتَّى يُرَاعَى كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَسَامِعُ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ يُثَابُ، وَإِنْ حَرُمَتْ الْقِرَاءَةُ؛ لِأَنَّهُ سَامِعٌ لِلْقِرَاءَةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الْحُرْمَةُ عَلَى الْقَارِئِ، وَانْظُرْ هَلْ يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ الْمَنْذُورَةَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ لَا. وَمِثْلُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بَدَلُهَا الْقُرْآنِيُّ لِمَنْ عَجَزَ عَنْهَا وَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ الْقِرَاءَةَ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَكَذَا قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا) وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا شَخْصٌ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوقِعَهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَلَا أَنْ تُوطَأَ الْحَائِضُ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُوطَأَ الْحَائِضُ إذَا فَقَدَتْ الطَّهُورَيْنِ، وَأَتَى الشَّارِحُ بِهِ دَفْعًا لِمَا يُقَالُ: إنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ عَلَيْهَا تَمْكِينُ زَوْجِهَا كَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ إذَا فَقَدَتْ الطَّهُورَيْنِ. فَقَالَ: وَلَا أَنْ تُوطَأَ إلَخْ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالتَّمْكِينِ أَنَّ الصَّلَاةَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ التَّمْكِينِ إذْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ. قَوْلُهُ: (أَذْكَارَ الْقُرْآنِ إلَخْ) سَوَاءٌ وَجَدَ نَظْمَهُ فِي الْقُرْآنِ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ) بِأَنْ كَانَ يَقْصِدُ الذِّكْرَ أَوْ أَطْلَقَ. قَوْلُهُ: (كَمَوَاعِظِهِ) وَجُمْلَةُ أَنْوَاعِهِ تِسْعَةٌ مَنْظُومَةٌ فِي قَوْلِهِ: أَلَا إنَّمَا الْقُرْآنُ تِسْعَةُ أَحْرُفٍ ... فَخُذْهَا بِبَيْتٍ قَدْ أَتَاك بِلَا جَدَلٍ حَلَالٌ حَرَامٌ مُحْكَمٌ مُتَشَابِهٌ ... بَشِيرٌ نَذِيرٌ قِصَّةٌ عِظَةٌ مَثَلٌ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ قِيلَ إنَّهُمَا لِلسُّيُوطِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْأَحْرُفِ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ التِّسْعَةُ. قَوْلُهُ: (سُبْحَانَ) عِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الشَّمَائِلِ: لَمَّا كَانَ تَسْخِيرُ الدَّوَابِّ لَنَا مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ تَعَالَى نَاسَبَ كُلَّ الْمُنَاسَبَةِ أَنْ نُنَزِّهَهُ عَنْ الشَّرِيكِ حَيْثُ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: 13] وَقِيلَ: هُوَ تَنْزِيهٌ لَهُ عَنْ الِاسْتِوَاءِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى مَكَان كَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] مُطِيقِينَ لَوْلَا تَسْخِيرُهُ، وَلَمَّا كَانَ رُكُوبُ الدَّابَّةِ مِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ، فَقَدْ يَنْقَلِبُ عَنْهَا فَيَهْلِكُ تَذَكَّرَ الِانْقِلَابَ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 أَطْلَقَ فَلَا، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الدَّقَائِقِ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِحُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيُسَنُّ لِلْجُنُبِ غُسْلُ الْفَرْجِ، وَالْوُضُوءُ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَالْجِمَاعِ، وَلِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهِمَا. فَصْلٌ: فِي أَحْكَامِ الْغُسْلِ (وَفَرَائِضُ الْغُسْلِ) وَلَوْ مَسْنُونًا (ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِغَسْلَةٍ عَنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، وَفَرْضَانِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي كُتُبِهِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ لَهُمَا بِغَسْلَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. الْأَوَّلُ (النِّيَّةُ) لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَيَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ أَيْ رَفْعَ حُكْمِهَا إنْ كَانَ جُنُبًا وَرَفْعَ حَدَثِ الْحَيْضِ إنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ لِتُوطَأَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا، أَوْ الْغُسْلَ مِنْ الْحَيْضِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، فَلَوْ نَوَى شَخْصٌ رَفْعَ الْجَنَابَةِ وَحَدَثُهُ الْحَيْضُ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ نَوَى رَفْعَ جَنَابَةِ الْجِمَاعِ وَجَنَابَتُهُ بِاحْتِلَامٍ أَوْ عَكْسِهِ صَحَّ مِنْ الْغَلَطِ دُونَ   [حاشية البجيرمي] رَبِّ الْأَرْبَابِ فَقَالَ: {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 14] رَاجِعُونَ إلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، فَيَنْبَغِي لِمَنْ اتَّصَلَ بِهِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ أَنْ يَكُونَ حَامِلًا لَهُ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ فِي رُكُوبِهِ وَمَسِيرِهِ. اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْآنًا) أَيْ لَا تَحْرُمُ قِرَاءَتُهُ مَعَ وُجُودِ الصَّارِفِ إلَّا بِالْقَصْدِ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ قُرْآنٌ وَالْجَنَابَةُ صَارِفَةٌ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِالْقَصْدِ) أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الصَّارِفِ فَقَطْ كَالْجَنَابَةِ أَيْ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْقُرْآنِ إلَّا بِالْقَصْدِ أَيْ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ غَيْرِهِ. قَالَ الْإِطْفِيحِيُّ: وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي قَصْدِ الذِّكْرِ بِالْقِرَاءَةِ مُلَاحَظَةُ الذِّكْرِ فِي جَمِيعِ الْقِرَاءَةِ قِيَاسًا عَلَى تَكْبِيرِ الِانْتِقَالَاتِ، أَوْ يَكْفِي قَصْدُ الذِّكْرِ فِي الْأَوَّلِ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ فِي الْأَثْنَاءِ؟ . فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي. وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ فَعَدَمُ مُلَاحَظَةِ الذِّكْرِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ مُبْطِلٌ لَهَا لِشَبَهِهِ بِالْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ. وَعِنْدَ قَصْدِ الذِّكْرِ يَحْرُمُ اللَّحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ لَمْ تَخْرُجْ بِهِ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ اهـ. . قَوْلُهُ: (وَلِلْحَائِضِ) أَيْ وَيُسَنُّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهِمَا غَسْلُ الْفَرْجِ وَمَا بَعْدَهُ. [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْغُسْلِ] ِ مِنْ فَرَائِضَ وَسُنَنٍ قَوْلُهُ: (فَيَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ إلَخْ) جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ النِّيَّاتِ لِلْجُنُبِ خَمْسَةَ عَشْرَ. أَرْبَعٌ مِنْهَا تَصِحُّ مَعَ الْغَلَطِ، وَالْبَاقِي يَصِحُّ مَعَ الْعَمْدِ، وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ النِّيَّاتِ لِلْحَائِضِ سَبْعَةَ عَشْرَ. وَاحِدَةٌ مِنْهَا تَصِحُّ مَعَ الْغَلَطِ، وَالْبَاقِي يَصِحُّ مَعَ الْعَمْدِ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَيْ رَفْعَ حُكْمِهَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِهَذَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ، وَلَا تُطْلَقُ عَلَى السَّبَبِ كَخُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ نِيَّةُ رَفْعِ الْجَنَابَةِ بِمَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ لَهَا، وَهُوَ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ الَّذِي يَقُومُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ. وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ: أَيْ رَفْعُ حُكْمِ ذَلِكَ أَيْ إذَا نَوَى الْمُغْتَسِلُ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ رَفْعَ الْجَنَابَةِ، بِأَنْ قَالَ: نَوَيْت رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ نَوَيْت رَفْعَ الْجَنَابَةِ، كَانَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ رَفْعَ حُكْمِ الْحَدَثِ وَرَفْعَ حُكْمِ الْجَنَابَةِ، لَا رَفْعَ نَفْسِ الْحَدَثِ وَلَا رَفْعَ نَفْسِ الْجَنَابَةِ، لِأَنَّ الْحَدَثَ هُنَا وَالْجَنَابَةَ مَحْمُولٌ كُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى نَفْسِ الْمُوجِبَاتِ لِلْغُسْلِ، وَهِيَ لَا تَرْتَفِعُ، وَإِنَّمَا يَرْتَفِعُ حُكْمُهُمَا فَكَانَ قَوْلُ الْمُغْتَسِلِ نَوَيْت رَفْعَ الْحَدَثِ، أَوْ نَوَيْت رَفْعَ الْجَنَابَةِ. الْمُرَادُ مِنْهُ رَفْعُ حُكْمِهِ وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ هَذَا الْمَعْنَى حَتَّى لَوْ أَرَادَ بِالْحَدَثِ أَوْ بِالْجَنَابَةِ نَفْسَ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْغُسْلِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنَّمَا كَانَ رَفْعُ حُكْمِ الْحَدَثِ هُوَ الْمُرَادَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْغُسْلِ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا أَيْ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْغُسْلِ، فَإِذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ رَفْعَ الْجَنَابَةِ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْقَصْدِ أَيْ لِلْمَقْصُودِ مِنْ الْغُسْلِ، وَهُوَ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْحَدَثِ، وَحُكْمُ الْجَنَابَةِ الَّذِي نَوَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ اهـ. ح ل. فَإِذَا أَرَادَ بِالْمُوجِبِ الْأَمْرَ الِاعْتِبَارِيَّ فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الِاعْتِبَارِيَّ يَرْتَفِعُ بِالْغُسْلِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ حَائِضًا) أَيْ بَعْدَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ لِتُوطَأَ) أَيْ أَوْ الْغُسْلَ لِتُوطَأَ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ مُحَرَّمًا، وَهُوَ كَذَلِكَ شَرْحُ م ر. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ أَوْ الْغُسْلَ مِنْ الْحَيْضِ أَوْ الْغُسْلَ لِتُوطَأَ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْغُسْلَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى رَفْعَ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَكْسَهُ) بِأَنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثِ الْحَيْضِ أَيْ وَإِنْ كَانَ مَا نَوَاهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ مِنْهُ كَنِيَّةِ الرَّجُلِ رَفْعَ حَدَثِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الْعَمْدِ كَنَظِيرِهِ فِي الْوُضُوءِ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ. وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ إيجَابَ الْغُسْلِ فِي النِّفَاسِ بِكَوْنِهِ دَمَ حَيْضٍ مُجْتَمِعٍ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَوْ مَعَ الْعَمْدِ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَيَانِ، وَيَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ الْبَدَنِ، وَكَذَا مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ لِاسْتِلْزَامِ رَفْعِ الْمُطْلَقِ رَفْعَ الْمُقَيَّدِ، وَلِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى حَدَثِهِ لِوُجُودِ الْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ. فَلَوْ نَوَى الْأَكْبَرَ كَانَ تَأْكِيدًا، وَلَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ عَمْدًا لَمْ تَرْتَفِعْ جَنَابَتُهُ لِتَلَاعُبِهِ أَوْ غَلَطًا ارْتَفَعَتْ عَنْ أَعْضَاءِ الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّ غُسْلَهَا وَاجِبٌ فِي الْحَدَثَيْنِ، وَقَدْ غَسَلَهَا بِنِيَّتِهِ إلَّا الرَّأْسَ فَلَا تَرْتَفِعُ عَنْهُ، لِأَنَّ غُسْلَهُ وَقَعَ عَنْ مَسْحِهِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ فِي الْأَصْغَرِ، وَهُوَ إنَّمَا نَوَى الْمَسْحَ، وَهُوَ لَا يُغْنِي عَنْ الْغُسْلِ، بِخِلَافِ بَاطِنِ لِحْيَةِ الرَّجُلِ الْكَثِيفَةِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي لِأَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ هُوَ الْأَصْلُ، فَإِذَا غَسَلَهُ   [حاشية البجيرمي] الْحَيْضِ غَلَطًا كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَمْرٌ خَاصٌّ، وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ تَنْوِيَ الْحَيْضَ إذَا كَانَ عَلَيْهَا نِفَاسٌ وَبِالْعَكْسِ وَعِبَارَةُ م ر. نَعَمْ يَرْتَفِعُ الْحَيْضُ بِنِيَّةِ النِّفَاسِ وَعَكْسِهِ مَعَ الْعَمْدِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُمْ إيجَابَ الْغُسْلِ فِي النِّفَاسِ بِكَوْنِهِ دَمَ حَيْضٍ مُجْتَمِعٍ، وَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ اسْمَ النِّفَاسِ مِنْ أَسْمَاءِ الْحَيْضِ اهـ. فَلَعَلَّ فِي الْكَلَامِ هُنَا حَذْفًا، وَالتَّقْدِيرُ تَعْلِيلُهُمْ إيجَابَ الْغُسْلِ إلَخْ، وَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ النِّفَاسَ مِنْ أَسْمَاءِ الْحَيْضِ إلَخْ. وَيَكُونُ بِالْجَرِّ مَعْطُوفًا عَلَى تَعْلِيلِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا لِأَجْلِ قَوْلِهِ: إنَّهُ يَصِحُّ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَتَأَمَّلْ. وَظَاهِرُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَصِحُّ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَإِنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ وَقِ ل. وَقَالَا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ حَيْثُ قَصَدَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ لِلتَّلَاعُبِ، وَأَقَرَّهُ ع ش. وَذَكَرَ الطَّبَلَاوِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَإِنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ، ثُمَّ إنَّهُ حَصَلَ مِنْ قَوْلِهِ: نِيَّةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ صُورَتَانِ مِنْ صُوَرِ النِّيَّةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مُجْتَمِعٍ) صِفَةٌ لِدَمٍ وَجُرَّ لِلْمُجَاوِرَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ نَوَى الْأَكْبَرَ كَانَ تَأْكِيدًا) وَهُوَ أَفْضَلُ. فَالصُّوَرُ ثَلَاثَةٌ: أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ أَوْ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَرْتَفِعْ جَنَابَتُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ حَدَثَهُ الْأَصْغَرُ يَرْتَفِعُ، وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَلَطًا) قَالَ طب عَلَى الْمَنْهَجِ: أَوْ غَلَطًا مِنْ الْأَكْبَرِ إلَيْهِ أَيْ الْأَصْغَرِ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ حَدَثُهُ فَيَرْتَفِعُ الْأَكْبَرُ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غَيْرِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ وَقَعَ بَدَلًا عَنْ مَسْحِهِ الَّذِي هُوَ فَرْضُهُ أَصَالَةً. قَالَ الشَّيْخُ أَيْ ابْنُ سم: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنْ لَا أَصْغَرَ عَلَيْهِ كَمَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْ التَّصْوِيرِ فَمَا تَقَرَّرَ وَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ أَعَمَّ بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ أَصْغَرُ وَأَكْبَرُ فَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَاهُ أَيْ الْأَصْغَرُ فَقَدْ نَوَى مَا عَلَيْهِ، فَالْقِيَاسُ ارْتِفَاعُهُ دُونَ شَيْءٍ مِنْ الْجَنَابَةِ سَوَاءٌ أَنَوَاهُ عَمْدًا أَمْ غَلَطًا بَلْ لَا يَتَحَقَّقُ غَلَطٌ حِينَئِذٍ كَمَا لَا يَتَحَقَّقُ تَلَاعُبٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَى شَيْئًا مُعَيَّنًا هُوَ عَلَيْهِ؛ إذْ لَا مَانِعَ وَلَا يَرْتَفِعُ شَيْءٌ مِمَّا عَدَاهُ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَا تَصْلُحُ لَهُ وَلَا تَتَضَمَّنُهُ بَلْ تُصْرَفُ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْ. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا قَوْلَهُ: أَوْ غَلَطًا أَيْ نِسْيَانًا أَوْ ظَنًّا أَنَّ حَدَثَهُ الْأَصْغَرَ، وَإِلَّا فَالْغَلَطُ بِمَعْنَى سَبْقِ اللِّسَانِ مِنْ الْأَكْبَرِ إلَى الْأَصْغَرِ لَا أَثَرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمَنْوِيِّ فِي الْقَلْبِ. وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: أَوْ غَلَطًا أَيْ جَهْلًا بِأَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ عَنْ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ تَكْفِي عَنْ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ عَنْ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ بِأَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نِيَّةِ رَفْعِ هَذَا رَفْعُ الْأَكْبَرِ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ. قَوْلُهُ: (بِنِيَّتِهِ) أَيْ الْغُسْلِ، فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الْغُسْلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّ غَسْلَهَا وَاجِبٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إلَّا الرَّأْسَ إلَخْ) وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْغَسْلُ، وَالْمَسْحُ رُخْصَةٌ فَغَسْلُهُ غَيْرُ مَنْدُوبٍ بِخِلَافِ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ غَسْلُهُ، وَالْمَنْدُوبُ يَقَعُ عَنْ الْوَاجِبِ بِدَلِيلِ مَا مَرَّ مِنْ انْغِسَالِ اللُّمْعَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَالَ حَجّ: وَمِنْهُ أَيْ مَنْ نَدْبِ غَسْلِ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ يُؤْخَذُ ارْتِفَاعُ جَنَابَةِ مَحَلِّ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَا كَذَلِكَ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ اهـ اج. وَكَوْنُ الْغَسْلِ غَيْرَ مَنْدُوبٍ مَعَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ الْأَصْلُ فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ لَا يُغْنِي عَنْ الْغَسْلِ) قَالَ حَجّ: وَلِأَنَّ غَسْلَ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ، وَهَلْ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ عَنْ رَأْسِهِ لِإِتْيَانِهِ بِنِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْوُضُوءِ. قَالَ م ر: أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِارْتِفَاعِهِ أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِمْ: إنَّ جَنَابَتَهُ لَا تَرْتَفِعُ عَنْ رَأْسِهِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ) أَيْ غَسْلَ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ. وَقَوْلُهُ: قَوْلُهُ: (يَكْفِي) أَيْ عَنْ الْأَكْبَرِ أَيْ مَعَ أَنَّ الْغَسْلَ لَيْسَ وَاجِبَهَا فِي الْأَصْغَرِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي عَنْ الْأَكْبَرِ كَمَا لَا يَكْفِي الْغَسْلُ النَّائِبُ عَنْ الْمَسْحِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ غَسْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 فَقَدْ أَتَى بِالْأَصْلِ أَمَّا غَيْرُ أَعْضَاءِ الْأَصْغَرِ فَلَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلُ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ كَفَتْ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا قَطْعًا أَوْ يَنْوِي اسْتِبَاحَةَ مُفْتَقِرٍ إلَى غُسْلٍ كَأَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى غُسْلٍ، فَإِنْ نَوَى مَا لَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ كَالْغُسْلِ لِيَوْمِ الْعِيدِ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ يَنْوِيَ أَدَاءَ فَرْضِ الْغُسْلِ أَوْ فَرْضِ الْغُسْلِ أَوْ الْغُسْلِ الْمَفْرُوضِ أَوْ أَدَاءَ الْغُسْلِ، وَكَذَا الطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ، أَمَّا إذَا نَوَى الْغُسْلَ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي. وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ فِي فَصْلِهِ، وَتَكُونُ النِّيَّةُ مَقْرُونَةً بِأَوَّلِ مَا يُغْسَلُ مِنْ الْبَدَنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَعْلَاهُ أَمْ مِنْ أَسْفَلِهِ؛ إذْ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ. فَلَوْ نَوَى بَعْدَ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْهُ وَجَبَ إعَادَةُ غَسْلِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِذَا اغْتَسَلَ مِنْ إنَاءٍ كَإِبْرِيقٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ غَسْلِ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُ، أَوْ يَحْتَاجُ إلَى الْمَسِّ فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، أَوْ إلَى كُلْفَةٍ فِي لَفِّ خِرْقَةٍ عَلَى يَدِهِ. (وَ) الثَّانِي (إزَالَةُ النَّجَاسَةِ إنْ كَانَتْ عَلَى) شَيْءٍ مِنْ (بَدَنِهِ) عَلَى الْمُصَحَّحِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ.   [حاشية البجيرمي] الْوَجْهِ) أَيْ الَّذِي انْغَسَلَ مَعَهُ بَاطِنُ اللِّحْيَةِ هُوَ الْأَصْلُ فَصَحَّ التَّعْلِيلُ أَيْ: وَأَمَّا غَسْلُ الرَّأْسِ فَهُوَ بَدَلٌ عَنْ مَسْحِهَا، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ؛ إذْ يُغْتَفَرُ فِي الْأَصْلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْبَدَلِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا غَسَلَهُ) أَيْ مَعَ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ. [فَرْعٌ اجْتَمَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلُ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ] قَوْلُهُ: (وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلُ حَيْضٍ إلَخْ) . فَرْعٌ: لَوْ حَلَفَتْ الْحَائِضُ أَنْ لَا تَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَكَانَ عَلَيْهَا حَدَثُ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ وَنَوَتْ رَفْعَ حَدَثِ الْحَيْضِ وَقُلْنَا بِانْدِرَاجِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ، هَلْ تَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا تَعَرَّضَتْ لِرَفْعِ مَا عَلَيْهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ فِي الْجُمْلَةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْوِ إلَّا رَفْعًا خَاصًّا، الْمَيْلُ إلَى الثَّانِي أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ حَدَثَ الْجَنَابَةِ يَرْتَفِعُ ضِمْنًا، وَإِنْ اسْتَثْنَتْهُ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَنْوِي اسْتِبَاحَةَ إلَخْ) هُوَ عَطْفٌ عَلَى فَيَنْوِي رَفْعَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مِمَّا يَتَوَقَّفُ) بَيَانٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَالْغُسْلِ) أَيْ كَنِيَّةِ الْغُسْلِ لِيَوْمِ الْعِيدِ، وَهُوَ تَصْوِيرٌ لِنِيَّةِ مَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْغَسْلِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ) فِيهِ أَنَّهَا تَصْدُقُ بِالْوُضُوءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَرِينَةَ حَالِهِ تُخَصِّصُ كَمَا أَنَّهَا خَصَّصَتْ الْحَدَثَ فِي كَلَامِهِ بِالْأَكْبَرِ، وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ قَوْلُهُ وَالطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ، أَوْ الْغُسْلُ لَهَا فِيمَا يَظْهَرُ م ر. وَانْظُرْ هَلْ مِثْلُهُ الطُّهْرُ عَنْ الْجَنَابَةِ أَوْ عَنْ الْحَيْضِ أَوْ عَنْ النِّفَاسِ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ) وَهُوَ أَنَّ الْغُسْلَ يَكُونُ عِبَادَةً وَعَادَةً بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عِبَادَةً هَذَا هُوَ الْفَرْقُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَدَّمَهُ أَنَّهُ يَكُونُ عَنْ حَدَثٍ وَعَنْ خَبَثٍ اهـ م د. قَوْلُهُ: (يَنْبَغِي لَهُ) أَيْ يُنْدَبُ إلَخْ. وَتَرْتَفِعُ الْجَنَابَةُ عَنْ كَفِّهِ وَعَنْ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ أَيْ: إذَا نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ عَنْهُمَا أَمَّا الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى كَفِّهِ بِمَسِّهِ حَالَ النِّيَّةِ النَّاقِضِ اهـ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَيَحْتَاجُ إلَى غَسْلِ كَفِّهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ بَعْدَ رَفْعِ حَدَثِ الْوَجْهِ بِنِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ مِنْ نِيَّاتِ الْوُضُوءِ لِتَعَذُّرِ الِانْدِرَاجِ حِينَئِذٍ، فَإِنَّ جَنَابَةَ الْيَدِ ارْتَفَعَتْ ثُمَّ طَرَأَ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ عَلَيْهَا بِالْمَسِّ أَيْ: فَالشَّرْطُ أَنْ لَا يُقَدِّمَ غَسْلَ كَفَّيْهِ عَلَى الْوَجْهِ فَلَوْ أَخَّرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ غَسْلِ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، وَنَوَى كَفَى فَتَأَمَّلْ م د. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى بِالدَّقِيقَةِ أَوْ دَقِيقَةِ الدَّقِيقَةِ، فَالدَّقِيقَةُ النِّيَّةُ عِنْدَ غَسْلِ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ، وَدَقِيقَةُ الدَّقِيقَةِ بَقَاءُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ عَلَى كَفِّهِ، وَهَذَا إذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ عَنْ الْمَحَلِّ وَالْيَدِ مَعًا أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ عَنْ الْمَحَلِّ فَقَطْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ رَفْعِ حَدَثٍ أَصْغَرَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَمْ تَرْتَفِعْ عَنْهَا فَهَذَا مُخَلِّصٌ لَهُ مِنْ غَسْلِ يَدِهِ ثَانِيًا اهـ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ. قَوْلُهُ: (قَدْ غَفَلَ) بَابُهُ نَصَرَ قَالَ تَعَالَى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ} [النساء: 102] اهـ. قَوْلُهُ: (إزَالَةُ النَّجَاسَةِ) أَيْ زَوَالُ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهَا؛ إذْ الْفِعْلُ لَيْسَ شَرْطًا. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُصَحَّحِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وَقَدْ عَرَفْت مِمَّا تَقَدَّمَ ضَعْفَهُ، وَأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَتْ مِنْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ، وَلِأَنَّ وَاجِبَهُمَا غَسْلُ الْعُضْوِ، وَقَدْ حَصَلَ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ النَّجَسُ حُكْمِيًّا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَيَرْفَعُهُمَا الْمَاءُ مَعًا، وَلِلسَّابِعَةِ فِي الْمُغَلَّظَةِ حُكْمُ هَذِهِ الْغَسْلَةِ، فَإِنْ كَانَ النَّجَسُ عَيْنِيًّا وَلَمْ يَزُلْ بَقِيَ الْحَدَثُ، أَمَّا غَيْرُ السَّابِعَةِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ فَلَا يَرْتَفِعُ حَدَثُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِبَقَاءِ نَجَاسَتِهِ. (وَ) الثَّالِثُ (إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِ) أَجْزَاءِ (الشَّعْرِ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِنْ كَثُفَ وَيَجِبُ نَقْضُ الضَّفَائِرِ إنْ لَمْ يَصِلْ   [حاشية البجيرمي] لَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ بَلْ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ النَّوَوِيِّ بِأَنْ يُرَادَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ مَعَ تَعْمِيمِ الْبَدَنِ وَلَوْ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ: (يَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ) وَالْمُرَادُ بِهَا فِي الْحُكْمِيَّةِ الْأُولَى مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَطْلُوبَةِ، وَفِي الْمُغَلَّظَةِ السَّابِعَةُ مَعَ التُّرَابِ وَلَا يُعْتَدُّ بِالنِّيَّةِ إلَّا حِينَئِذٍ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخُ، وَفِي الْعَيْنِيَّةِ مُزِيلَةُ الْعَيْنِ اهـ طب عَلَى الْمَنْهَجِ فَقَوْلُهُ: وَفِي الْعَيْنِيَّةِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي الْحُكْمِيَّةِ. قَوْلُهُ: (حُكْمِيًّا) أَيْ أَوْ عَيْنِيًّا وَكَانَ مَاءُ الْغَسْلَةِ الْوَاحِدَةِ يُزِيلُهَا وَيَصِلُ إلَى الْمَحَلِّ بِشَرْطِهِ أَيْ الْمَاءِ أَيْ بِأَنْ لَا يَتَغَيَّرَ الْمَاءُ اهـ اج بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَيَرْفَعُهُمَا الْمَاءُ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ تَكْفِي لَهُمَا فِيمَا إذَا كَانَ النَّجَسُ حُكْمِيًّا، وَأَمَّا النَّجَاسَةُ الْعَيْنِيَّةُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ. فَإِنْ كَانَ النَّجِسُ. قَوْلُهُ: (حُكْمُ هَذِهِ الْغَسْلَةِ) أَيْ فَيَكْفِي غَسْلَةٌ لَهَا وَلِلنَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ: (بَقِيَ الْحَدَثُ) أَيْ عَلَى مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَلَوْ كَلْبِيَّةً وَارْتَفَعَ عَمَّا عَدَاهُ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ فِي الْمُغَلَّظَةِ إلَّا بِالسَّابِعَةِ مَعَ التَّتْرِيبِ. وَبِهِ يُلْغَزُ وَيُقَالُ: جُنُبٌ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ طَهُورٍ أَلْفَ مَرَّةٍ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ وَلَيْسَ بِبَدَنِهِ مَانِعٌ حِسِّيٌّ وَلَمْ يَطْهُرْ طَبَلَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَرْتَفِعُ) الْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهَا أَيْ بِغَيْرِ السَّابِعَةِ. قَوْلُهُ: (إيصَالُ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْوُصُولَ وَلَوْ بِغَيْرِ فِعْلِ فَاعِلٍ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ وَجَبَ تَعْمِيمُ الْبَدَنِ بِالْغَسْلِ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مَعَ أَنَّهُ دُونَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فِي الْقَدْرِ بِيَقِينٍ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ تَعْمِيمَ الْبَدَنِ بِخُرُوجِهِ أَوْ بِالْجِمَاعِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجِهِ لَيْسَ هُوَ لِلْقَذَرِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَا فِيهِ مِنْ اللَّذَّةِ الَّتِي تَسْرِي فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ حَتَّى تُمِيتَهُ وَتُنْسِيَهُ ذِكْرَ رَبِّهِ وَالنَّظَرَ إلَيْهِ، فَلِذَلِكَ أَمَرَنَا الشَّارِعُ بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَى سَطْحِ الْبَدَنِ كُلِّهِ بِحَسَبِ سَرَيَانِ اللَّذَّةِ، فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ فَرْعًا عَنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَهُوَ أَقْوَى لَذَّةً مِنْ أَصْلِهِ، فَلِذَلِكَ أُمِرْنَا بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ الْمُنْعِشِ لِلْبَدَنِ مِنْ ضَعْفِهِ أَوْ فُتُورِهِ أَوْ مَوْتِهِ، فَيَقُومُ أَحَدُنَا بَعْدَ الْغُسْلِ يُنَاجِي رَبَّهُ بِبَدَنٍ حَيٍّ فَكُلُّ مَوْضِعٍ لَمْ يَمَسَّهُ الْمَاءُ فَهُوَ كَالْعُضْوِ الْمَيِّتِ أَوْ الْمُشْرِفِ عَلَى الْمَوْتِ، أَوْ كَبَدَنِ السَّكْرَانِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَلَا يَكَادُ يَحْضُرُ ذَلِكَ الْمَحَلُّ مَعَ رَبِّهِ فِي صَلَاتِهِ أَبَدًا، وَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ إذْ الصَّلَاةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِجَمِيعِ الْبَدَنِ كَمَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ خَارِجَ حَضْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَبَدًا. وَسَمِعْت سَيِّدِي عَلِيًّا الْخَوَّاصَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّمَا وَجَبَ تَعْمِيمُ الْبَدَنِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ لِأَنَّ الْغَفْلَةَ فِيهِ عَنْ اللَّهِ أَكْثَرَ مِنْ الْغَفْلَةِ فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا مِنْ شَخْصٍ غَافِلٍ عَنْ شُهُودِ نَظَرِ رَبِّهِ إلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ، وَذَلِكَ مُبْطِلٌ عِنْدَ أَهْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا وُجُوبُ تَعْمِيمِ الْبَدَنِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهُمَا فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِزِيَادَةِ الْقَذَرِ الْحَاصِلِ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، لَا سِيَّمَا إنْ عَرَفَتْ مَثَلًا وَانْتَشَرَ دَمُهَا وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى دَمَ الْحَيْضِ أَذًى وَأَبْطَلَ صَلَاةَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَعَ وُجُودِهِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ حَتَّى تَغْسِلَ أَثَرَ ذَلِكَ الدَّمِ فَقَطْ أَوْ بَعْدَ تَعْمِيمِ بَدَنِهَا أَوْ تَتَيَمَّمَ، وَقَدْ جَوَّزَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَطْءَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا وَغَسَلَتْ فَرْجَهَا فَقَطْ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ إلَى الْوَطْءِ وَخَافَ مِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي اهـ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الْمَاءُ إلَى بَاطِنِهَا إلَّا بِالنَّقْضِ، لَكِنْ يُعْفَى عَنْ بَاطِنِ الشَّعْرِ الْمَعْقُودِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْأَنْفِ، وَإِنْ كَانَ يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ لِغِلَظِهَا. (وَ) إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ (الْبَشَرَةِ) حَتَّى الْأَظْفَارِ وَمَا يَظْهَرُ مِنْ صِمَاخَيْ الْأُذُنَيْنِ وَمِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ قُعُودِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَمَا تَحْتَ الْقُلْفَةِ وَمَوْضِعِ شَعْرٍ نَتَفَهُ قَبْلَ غُسْلِهِ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَمِنْ بَاطِنِ جُدَرِيٍّ اتَّضَحَ.   [حاشية البجيرمي] وَرُوِيَ: «أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا لِمَاذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَهُمَا أَقْذَرُ مِنْ النُّطْفَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَكَلَ حَبَّاتٍ مِنْ الشَّجَرَةِ وَتَحَوَّلَ سَرَيَانُهَا فِي عُرُوقِهِ وَشَعْرِهِ وَسُرَّتِهِ، فَإِذَا جَامَعَ الْإِنْسَانُ نَزَلَ الْمَنِيُّ مِنْ أَصْلِ كُلِّ شَعْرَةٍ فَافْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ اللَّذَّةِ الَّتِي يُصِيبُهَا مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَنِيِّ قَالُوا لَهُ صَدَقْت يَا مُحَمَّدُ» . كَذَا رَأَيْته لِبَعْضِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَثُفَ) إنَّمَا وَجَبَ غَسْلُ الْكَثِيفِ هُنَا دُونَ الْوُضُوءِ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ هُنَا لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ، بَلْ رُبَّمَا تَكَرَّرَ كُلَّ وَقْتٍ فَخُفِّفَ فِيهِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (لَكِنْ يُعْفَى عَنْ بَاطِنِ الشَّعْرِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَا تَعَقَّدَ بِنَفْسِهِ يُعْفَى حَتَّى عَنْ كَثِيرِهِ، وَأَمَّا مَا تَعَقَّدَ بِفِعْلِهِ فَقَالَ حَجّ وسم: لَا يُعْفَى عَنْهُ أَصْلًا. وَقَالَ ق ل: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَيُعْفَى أَيْضًا عَمَّا تَحْتَ طُبُوعٍ عَسُرَ زَوَالُهُ، أَوْ حَصَلَتْ لَهُ بِإِزَالَتِهِ مُثْلَةٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ عَنْ مَحَلِّهِ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْإِطْفِيحِيِّ مَا نَصُّهُ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ عُقَدِهِ إنْ تَعَقَّدَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَثُرَ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصَّرَ صَاحِبُهُ بِأَنْ لَمْ يُتَعَهَّدْ بِدُهْنٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ تَعَهُّدَهُ، أَمَّا إذَا تَعَقَّدَ بِفِعْلِهِ فَلَا يَبْعُدُ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنْهُ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِتَعَدِّيهِ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِهِ ع ش. قَالَ ق ل: وَلَوْ بَقِيَ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَثَلًا شَيْءٌ، وَلَوْ وَاحِدَةً بِلَا غَسْلٍ، ثُمَّ أَزَالَهَا بِقَصٍّ أَوْ نَتْفٍ مَثَلًا لَمْ يَكْفِ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ مَوْضِعِهَا. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: فَلَوْ غَسَلَ أُصُولَ شَعْرِهِ دُونَ أَطْرَافِهِ بَقِيَتْ الْجَنَابَةُ فِيهَا وَارْتَفَعَتْ عَنْ أُصُولِهَا، فَلَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ الْآنَ أَوْ قَصَّ مِنْهُ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا لَمْ يَغْسِلْهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَغْسِلْ الْأُصُولَ، أَوْ غَسَلَ ثُمَّ قَصَّ مِنْ الْأَطْرَافِ مَا يَنْتَهِي لِحَدِّ الْمَغْسُولِ بِلَا زِيَادَةٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْحَلْقِ أَوْ الْقَصِّ لِبَقَاءِ جَنَابَتِهِ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَجْزَاءُ الْبَشَرَةِ) أَيْ ظَاهِرُهَا. قَوْلُهُ: (حَتَّى الْأَظْفَارِ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْبَشَرَةِ مَا يَشْمَلُ الْأَظْفَارَ بِخِلَافِ نَقْضِ الْوُضُوءِ، فَالْبَشَرَةُ هُنَا أَعَمُّ مِنْ النَّاقِضِ فِي الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ) وَلَوْ بِكْرًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا حَيْثُ عُدَّ مِنْ الظَّاهِرِ وَبَيْنَ دَاخِلِ الْفَمِ حَيْثُ عُدَّ مِنْ الْبَاطِنِ بِأَنَّ بَاطِنَ الْفَمِ لَيْسَ لَهُ حَالَةٌ يَظْهَرُ فِيهَا تَارَةً وَيَسْتَتِرُ فِيهَا أُخْرَى، وَمَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ جَلَسَتْ عَلَى قَدَمَيْهَا، وَيَسْتَتِرُ فِيمَا لَوْ قَامَتْ، أَوْ قَعَدَتْ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، فَكَانَ كَمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَهُوَ مِنْ الظَّاهِرِ فَعُدَّتْ مِنْهُ فَوَجَبَ غَسْلُهَا دَائِمًا كَمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ بِخِلَافِ دَاخِلِ الْفَمِ ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (وَمَا تَحْتَ الْقُلْفَةِ مِنْ الْأَقْلَفِ) لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةُ الْإِزَالَةِ، وَلِهَذَا لَوْ أَزَالَهَا إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْهَا فَمَا تَحْتَهَا كَالظَّاهِرِ لِوُجُوبِ إزَالَتِهَا شَرْحُ الرَّوْضِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْقُلْفَةُ بِضَمِّ الْقَافِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِفَتْحِهِمَا مَا يَقْطَعُهُ الْخَاتِنُ مِنْ ذَكَرِ الْغُلَامِ، وَيُقَالُ لَهَا: غُرْلَةُ بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ شَرْحُ الرَّوْضِ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ غَسْلِ مَا تَحْتَ الْقُلْفَةِ إنْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا وَجَبَ إزَالَتُهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ صَلَّى كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَلَا يَتَيَمَّمُ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَإِذَا مَاتَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ م ر. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يُغَسَّلُ وَيُيَمَّمُ بَدَلًا عَنْ مَحَلِّ الْقُلْفَةِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (نَتْفُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ) أَوْ شَوْكَةٌ لَوْ قُلِعَتْ بَقِيَ لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 فَائِدَةٌ: لَوْ اتَّخَذَ لَهُ أُنْمُلَةً أَوْ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ مِنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ وَمِنْ نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ الْأُصْبُعِ وَالْأَنْفِ بِالْقَطْعِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ لِلْمُعَذِّرِ فَصَارَتْ الْأُنْمُلَةُ وَالْأَنْفُ كَالْأَصْلِيِّينَ، وَلَا يَجِبُ فِي الْغُسْلِ مَضْمَضَةٌ، وَلَا اسْتِنْشَاقٌ، بَلْ يُسَنُّ كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَغَسْلِ الْمَيِّتِ. (وَسُنَنُهُ) أَيْ الْغُسْلِ كَثِيرَةٌ الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) . وَسَأَذْكُرُ مِنْهَا أَشْيَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ: الْأُولَى (التَّسْمِيَةُ) مَقْرُونَةً بِالنِّيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَجْمُوعُ هُنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ أَكْمَلُهَا. (وَ) الثَّانِيَةُ (الْوُضُوءُ) كَامِلًا (قَبْلَهُ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ: وَسَوَاءٌ أَقَدَّمَ الْوُضُوءَ كُلَّهُ أَمْ بَعْضَهُ أَمْ أَخَّرَهُ أَمْ فَعَلَهُ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَهُوَ مُحَصِّلٌ لِلسُّنَّةِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُهُ. ثُمَّ إنْ تَجَرَّدَتْ الْجَنَابَةُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ كَأَنْ احْتَلَمَ، وَهُوَ جَالِسٌ مُتَمَكِّنٌ نَوَى سُنَّةَ الْغُسْلِ، وَإِلَّا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ.   [حاشية البجيرمي] غَوْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (جُدَرِيٍّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَبِفَتْحِهِمَا. قَوْلُهُ: (اتَّضَحَ) بِأَنْ صَارَ بَاطِنُهُ مُثَقَّبًا. قَوْلُهُ: (أُنْمُلَةً أَوْ أَنْفًا) وَكَذَا لَوْ اتَّخَذَ رِجْلًا أَوْ يَدًا مِنْ خَشَبٍ ق ل. قَوْلُهُ: (وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ) أَيْ إنْ الْتَحَمَ. قَوْلُهُ: (كَالْأَصْلِيَّيْنِ) أَيْ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِمَا لَا فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِ ذَلِكَ وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ عِنْدَهُمَا اج مَعَ زِيَادَةٍ لِسُلْطَانٍ. وَقَالَ م ر: تَكْفِي اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ فِي الْغُسْلِ مَضَمْضَةٌ) أَيْ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمَا وَلَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى الْوُجُوبِ. قَالَ م ر: لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ إلَّا إنْ كَانَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ أَيْ: بَلْ الثَّابِتُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفِعْلُ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ لِشَيْءٍ. قَوْلُهُ: (بَلْ يُسَنُّ) أَيْ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً، وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي الْوُضُوءِ الْمَسْنُونِ لِلْغُسْلِ وَلَمْ يُغْنِ الْوُضُوءُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ لَنَا قَوْلًا بِوُجُوبِ كِلَيْهِمَا كَمَا فِي ابْنِ حَجَرٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ مَطْلُوبَانِ لِلْغُسْلِ زِيَادَةً عَلَى الْوُضُوءِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِمَا، وَتَرْكُهُمَا مَكْرُوهٌ كَتَرْكِ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (وَسُنَنُهُ أَيْ الْغُسْلِ) فِيهِ تَغْيِيرٌ لِإِعْرَابِ الْمَتْنِ لِأَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ: كَثِيرَةٌ الَّذِي قَدَّرَهُ خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ: وَسُنَنُهُ، وَجَعَلَ: " خَمْسَةٌ " خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَالشَّارِحُ يَرْتَكِبُ مِثْلَ هَذَا كَثِيرًا. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا حَلُّ مَعْنَى لَا حَلُّ إعْرَابٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْإِعْرَابَ وَهُوَ تَغْيِيرُ أَوَاخِرِ الْكَلِمِ لَمْ يَتَغَيَّرْ لِأَنَّ الرَّفْعَ عَلَى حَالِهِ. قَوْلُهُ: (التَّسْمِيَةُ) وَيُقْصَدُ بِهَا الذِّكْرُ. قَوْلُهُ: (مَقْرُونَةٌ بِالنِّيَّةِ) أَيْ الْقَلْبِيَّةِ، وَإِلَّا فَيُتَعَذَّرُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالنِّيَّةِ اللَّفْظِيَّةِ مَعًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ بَيَانُ أَكْمَلِهَا أَيْ وَهُوَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَقَلُّهَا بِسْمِ اللَّهِ، وَقِيلَ: تُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّهَا قُرْآنٌ اهـ سم نَقْلًا عَنْ الْجَوَاهِرِ اج. وَيُسَنُّ لَهُ الذِّكْرُ بَعْدَهَا كَالْوُضُوءِ م د. وَمَا نَقَلَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ ضَعِيفٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهَا قُرْآنٌ فِيهِ شَيْءٌ إذَا كَانَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْحُرْمَةَ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (كَامِلًا) وَقِيلَ: يُؤَخِّرُ غَسْلَ قَدَمَيْهِ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ إلَّا رِجْلَيْهِ أَخَّرَهُمَا عَنْ الْغُسْلِ» م ر. وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِ الشَّارِحِ كَامِلًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ أَقَدَّمَ الْوُضُوءَ كُلَّهُ) لَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَهَلْ يَنْوِي بِالْوُضُوءِ الْفَرِيضَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَضَّأْ قَبْلَهُ أَوْ يَنْوِي بِهِ السُّنَّةَ لِأَنَّ وُضُوءَهُ انْدَرَجَ فِي الْغُسْلِ. الْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ نَوَى بِهِ الْفَرِيضَةَ، وَإِلَّا نَوَى بِهِ السُّنَّةَ فَيَقُولُ: نَوَيْت سُنَّةَ الْوُضُوءِ لِلْغُسْلِ، وَكَذَا يَقُولُ: إذَا قَدَّمَهُ إنْ تَجَرَّدَتْ جَنَابَتُهُ عَنْ الْحَدَثِ وَإِلَّا فَنِيَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ. اهـ. ابْنُ شَرَفٍ. قَوْلُهُ: (نَوَى سُنَّةَ الْغُسْلِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الْوُضُوءَ لِسُنَّةِ الْغُسْلِ، أَوْ الْوُضُوءَ الْمَسْنُونَ لِلْغُسْلِ، أَوْ يَقُولَ: نَوَيْت الْوُضُوءَ سُنَّةَ الْغُسْلِ، وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ سُنَّةَ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ وُضُوءٍ، وَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الطَّهَارَةَ لِسُنَّةِ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ وُضُوءٍ، وَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الطَّهَارَةَ لِسُنَّةِ الْغُسْلِ أَوْ أَدَاءِ الطَّهَارَةِ لِسُنَّةِ الْغُسْلِ، وَالْمَمْنُوعُ إنَّمَا هُوَ نِيَّةُ رَفْعِ الْمَنْعِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ، وَهَذَا مَحَلُّهُ إذَا قَدَّمَهُ عَلَى الْغُسْلِ أَمَّا إذَا أَخَّرَهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ، وَإِلَّا نَوَى سُنَّةَ الْغُسْلِ كَمَا قَالَهُ ح ل. وزي وَفَائِدَةُ بَقَاءِ الْوُضُوءِ مَعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بَعْدَ رَفْعِ الْحَدَثِ بِنِيَّتِهِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وَإِنْ قُلْنَا يَنْدَرِجُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ فَإِنْ تَرَكَ الْوُضُوءَ أَوْ الْمَضْمَضَةَ أَوْ الِاسْتِنْشَاقَ كُرِهَ لَهُ، وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَتَدَارَكَ ذَلِكَ. (وَ) الثَّالِثَةُ (إمْرَارُ الْيَدِ) فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ (عَلَى) مَا أَمْكَنَهُ مِنْ (الْجَسَدِ) فَيَدْلُكُ مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ يَدُهُ مِنْ بَدَنِهِ   [حاشية البجيرمي] خِلَافٍ ع ش. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ أَخَّرَ الْوُضُوءَ عَنْ الْغُسْلِ، وَهُوَ كَذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَهُوَ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الِانْدِرَاجِ. قَالَ سم: وَلَا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ وُضُوئِهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ اعْتِقَادُ زَوَالِهِ أَيْ زَوَالِ الْوُضُوءِ بِالْغُسْلِ نَظَرًا لِمُرَاعَاةِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ زَوَالِهِ، فَتَكُونُ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ مُجَوِّزَةً لِهَذِهِ النِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ الْمُخَالِفُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسَنُّ لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ التَّيَمُّمُ عَلَى نَحْوِ صَخْرَةٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ جَوَّزَهُ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ هَذَا عَلَى تَقْلِيدِ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ تَقْلِيدِهِ لَا يَكُونُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِي شَيْءٍ بَلْ لَا يَصِحُّ الْقَوْلُ حِينَئِذٍ بِالسُّنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ مُقَلِّدًا لِذَلِكَ الْقَائِلِ يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ الْمَذْكُورُ. قَوْلُهُ: (نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ) أَوْ غَيْرَهُ مِنْ نِيَّاتِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَقَبْلَ الْغُسْلِ لَا تُنْدَبُ لَهُ إعَادَتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر. لِأَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ لَا يُبْطِلُهُ الْحَدَثُ، وَإِنَّمَا يُبْطِلُهُ الْجِمَاعُ. وَبِهِ يُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا وُضُوءٌ لَا يُبْطِلُهُ الْحَدَثُ، وَقَدْ نَظَمَ السُّيُوطِيّ ذَلِكَ فَقَالَ: قُلْ لِلْفَقِيهِ وَلِلْمُفِيدْ ... وَلِكُلِّ ذِي بَاعٍ مَدِيدْ مَا قُلْت فِي مُتَوَضِّئٍ ... قَدْ جَاءَ بِالْأَمْرِ السَّدِيدْ لَا يَنْقُضُونَ وُضُوءَهُ ... مَهْمَا تَغَوَّطَ أَوْ يَزِيدْ وَوُضُوءُهُ لَمْ يُنْتَقَضْ ... إلَّا بِإِيلَاجٍ جَدِيدْ وَنَظَمَ الْجَوَابَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: يَا مُبْدِيَ اللُّغْزِ السَّدِيدْ ... يَا وَاحِدَ الْعَصْرِ الْفَرِيدْ هَذَا الْوُضُوءُ هُوَ الَّذِي ... لِلْغُسْلِ سُنَّ كَمَا تُفِيدْ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُنْتَقَضْ ... إلَّا بِإِيلَاجٍ جَدِيدْ وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَعْنِي الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قُلْنَا يَنْدَرِجُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَحْصُلُ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ إلَّا بِنِيَّتِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْغُسْلِ، وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ كَالصَّرِيحِ فِي هَذَا. اهـ. سم فِي شَرْحِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (مَنْ أَوْجَبَهُ) أَيْ الْوُضُوءَ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمَضْمَضَةَ أَوْ الِاسْتِنْشَاقَ) أَيْ اللَّتَانِ هُمَا سُنَّتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ لِلْغُسْلِ غَيْرُ اللَّتَيْنِ فِي الْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ لَهُ أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّتَانِ فِي الْغُسْلِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ كَذَلِكَ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَاجِبَانِ فِيهِمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَرْضَانِ فِي الْغُسْلِ، سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَتَدَارَكَ ذَلِكَ) ظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْغُسْلِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا تَفُوتُ سُنَنُ الْغُسْلِ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لِاعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ فِي أَفْعَالِ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ. قَوْلُهُ: (إمْرَارُ الْيَدِ) وَغَيْرُ الْيَدِ مِثْلُهَا وَلَوْ نَحْوَ عُودٍ فِي الْأَمَاكِنِ الضَّيِّقَةِ كَطَيَّاتِ السُّرَّةِ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ مِنَّا بِوُجُوبِهِ مُطْلَقًا كَمَالِكٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ الْمُزَنِيِّ: هُوَ وَاجِبٌ فِي الْأَزَبِّ فَقَطْ، وَالْأَزَبُّ بِالزَّايِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ كَثِيرُ الشَّعْرِ وَالْأَصَحُّ نَدْبُهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ) أَيْ الْمَطْلُوبَةِ شَرْعًا، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ. لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ قَبْلَ هَذَا سَنَّ التَّثْلِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ يَدُهُ) لَيْسَ قَيْدًا فَيَسْتَعِينُ عَلَى بَقِيَّةِ بَدَنِهِ بِخِرْقَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى مَا أَمْكَنَهُ لَكَانَ أَوْلَى ق ل. أَيْ لِأَنَّ مَنْ أَوْجَبَهُ أَوْجَبَهُ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَحْصُلُ جَعْلُ قَوْلِهِ خُرُوجًا إلَخْ عِلَّةً لَهُ اهـ شَيْخُنَا ح ف. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا أَنَّ قَوْلَهُ: مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ يَدُهُ إحْدَى طَرِيقَتَيْنِ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعَانَةٌ فِي غَيْرِ مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ يَدُهُ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا وَهِيَ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ سَحْنُونَ، وَهِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 احْتِيَاطًا وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْآيَةَ وَالْأَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهِمَا تَعَرُّضٌ لِوُجُوبِهِ. وَيَتَعَهَّدُ مَعَاطِفَهُ كَأَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ فَيَجْعَلَهُ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا انْعِطَافٌ وَالْتِوَاءٌ كَالْإِبْطِ وَالْأُذُنَيْنِ وَطَبَقَاتِ الْبَطْنِ وَدَاخِلِ السُّرَّةِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الثِّقَةِ بِوُصُولِ الْمَاءِ، وَيَتَأَكَّدُ فِي الْأُذُنِ فَيَأْخُذُ كَفًّا مِنْ مَاءٍ وَيَضَعُ الْأُذُنَ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَعَاطِفِهِ وَزَوَايَاهُ. (وَ) الرَّابِعَةُ (الْمُوَالَاةُ) وَهِيَ غَسْلُ الْعُضْوِ قَبْلَ جَفَافِ مَا قَبْلَهُ كَمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ. (وَ) الْخَامِسَةُ (تَقْدِيمُ) غَسْلِ جِهَةِ (الْيُمْنَى) مِنْ جَسَدِهِ ظَهْرًا وَبَطْنًا (عَلَى) غَسْلِ جِهَةِ (الْيُسْرَى) بِأَنْ يَفِيضَ الْمَاءُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي طَهُورِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ سُنَنَ الْغُسْلِ كَثِيرَةٌ: فَمِنْهَا التَّثْلِيثُ تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْوُضُوءِ. وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَتَعَهَّدَ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ يَغْسِلَ رَأْسَهُ وَيَدْلُكَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ بَاقِيَ جَسَدِهِ كَذَلِكَ بِأَنْ يَغْسِلَ، وَيَدْلُكَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ   [حاشية البجيرمي] الْمُعْتَمَدَةُ عِنْدَهُمْ فَكَلَامُ الشَّارِحِ صَحِيحٌ، وَمَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ نَظَرَ لِلطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا خَلِيلٌ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَمَدَةٍ عِنْدَهُمْ. قَوْلُهُ: (مِنْ بَدَنِهِ) . تَنْبِيهٌ: الْأَجْسَامُ وَالْأَجْسَادُ سَوَاءٌ وَالْجِسْمُ وَالْجَسَدُ جَمِيعُ الشَّخْصِ، وَالْأَجْسَامُ أَعَمُّ مِنْ الْأَبَدَانِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ مِنْ الْجَسَدِ مَا سِوَى الرَّأْسِ وَالْأَطْرَافِ، وَقِيلَ الْبَدَنُ أَعَالِي الْجَسَدِ دُونَ أَسَافِلِهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) وَهُوَ الْإِمَامُ مَالِكٌ الْقَائِلُ بِوُجُوبِ إمْرَارِ الْيَدِ عَلَى الْبَدَنِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ. وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: إنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: الْمُبَالَغَةُ فِي إنْعَاشِ الْبَدَنِ مِنْ الضَّعْفِ الْحَاصِلِ لَهُ مِنْ سَرَيَانِ لَذَّةِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَالْجِمَاعِ. وَوَجْهُ الثَّانِي الِاكْتِفَاءُ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَى سَطْحِ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ يُحْيِي بِالطَّبْعِ كُلَّ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الْبَدَنِ اهـ ذَكَرَهُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ. قَوْلُهُ: (وَيَتَعَهَّدُ مَعَاطِفَهُ) هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ شَرْحِ الْمَتْنِ بَلْ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ ذَلِكَ، وَيَذْكُرُهُ فِي السُّنَنِ الَّتِي زَادَهَا. قَوْلُهُ: (كَالْإِبْطِ) بِسُكُونِ الْبَاءِ. قَوْلُهُ: (وَطَبَقَاتِ الْبَطْنِ) بِسُكُونِ الطَّاءِ وَبِكَسْرِهَا أَيْ الْعَظِيمِ الْبَدَنِ شَرْحُ الْبَهْجَةِ وَهِيَ أَعَمُّ أَيْ بِكَسْرِ الطَّاءِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الطَّبَقَاتُ فِي الْبَطْنِ أَوْ فِي غَيْرِهَا، وَالطَّبَقَاتُ هِيَ الطَّيَّاتُ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَاءٍ وَيَضَعُ الْأُذُنَ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَيُمِيلُ رَأْسَهُ عِنْدَ غَسْلِ أُذُنَيْهِ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِيهَا الْمَاءُ فَيَضُرَّهُ أَوْ يُفْطِرَ بِهِ لَوْ كَانَ صَائِمًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَيَجُوزُ لَهُ الِانْغِمَاسُ وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ. وَإِنْ أَمْكَنَ الْإِمَالَةَ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ إذَا وَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الصِّمَاخَيْنِ بِسَبَبِ الِانْغِمَاسِ مَعَ إمْكَانِ الْإِمَالَةِ يَبْطُلُ صَوْمُهُ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُمْ: يَتَأَكَّدُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِ أَوَّلًا. لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْذُونٍ فِيهِ فِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ الْفِطْرِ: لَوْ وَصَلَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ إذَا بَالَغَ الْفِطْرَ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَحَلَّ الْفِطْرِ إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ أُذُنَيْهِ لَوْ انْغَمَسَ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فَلَا يَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الطَّلَبِ بِخِلَافِ الْوُصُولِ مِنْ غُسْلِ تَبَرُّدٍ أَوْ تَنَظُّفٍ فَيَضُرُّ لِعَدَمِ تَوَلُّدِهِ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ. قَوْلُهُ: (إلَى مَعَاطِفِهِ) أَيْ الْأُذُنِ وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْعُضْوِ وَإِلَّا فَالْأُذُنُ مُؤَنَّثَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إلَى مَعَاطِفِهِ أَيْ الرَّجُلِ، فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى فَاعِلِ يَتَعَهَّدُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَزَوَايَاهُ) مُرَادِفٌ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ غَسْلُ الْعُضْوِ) وَالْمُرَادُ بِالْعُضْوِ هُنَا الْجُزْءُ مِنْ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ الْجُنُبَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (ظَهْرًا وَبَطْنًا) أَيْ مُقَدَّمًا وَمُؤَخَّرًا فَيُقَدِّمُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مُقَدَّمَهُ ثُمَّ مُؤَخَّرَهُ ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ غُسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ مُقَدَّمَهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ ثُمَّ الْمُؤَخَّرَ كَذَلِكَ لِمَشَقَّةِ تَحْرِيفِهِ، فَلَوْ فَعَلَ هُنَا مَا يَأْتِي كَانَ آتِيًا بِأَصْلِ السُّنَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ بِالنَّظَرِ لِمُقَدَّمِ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ دُونَ مُؤَخَّرِهِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْ مُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: «كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ» أَيْ يَخْتَارُ الْبَدْءَ بِالْأَيَامِنِ. قَوْلُهُ: (وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ) أَيْ كَيْفِيَّةُ الْغُسْلِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى أَوَّلًا ثُمَّ يُزِيلَ مَا عَلَى جَسَدِهِ مِنْ قَذَرٍ كَمَنِيٍّ ثُمَّ يَتَعَهَّدَ مَعَاطِفَهُ ثُمَّ يَغْسِلَ رَأْسَهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الْمُؤَخَّرَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ مَرَّةً ثُمَّ ثَانِيَةً ثُمَّ ثَالِثَةً، كَذَلِكَ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ، فَإِنْ كَانَ جَارِيًا كَفَى فِي التَّثْلِيثِ أَنْ يُمِرَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَ جِرْيَاتٍ، لَكِنْ قَدْ يَفُوتُهُ الدَّلْكُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ غَالِبًا تَحْتَ الْمَاءِ؛ إذْ رُبَّمَا يَضِيقُ نَفَسُهُ، وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا انْغَمَسَ فِيهِ ثَلَاثًا بِأَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ وَيَنْقُلَ قَدَمَيْهِ أَوْ يَنْتَقِلَ فِيهِ مِنْ مَقَامِهِ إلَى آخَرَ ثَلَاثًا، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى انْفِصَالِ جُمْلَتِهِ، وَلَا رَأْسِهِ كَمَا فِي التَّسْبِيعِ مِنْ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ، فَإِنَّ حَرَكَتَهُ تَحْتَ الْمَاءِ كَجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، فَيُسَنُّ تَجْدِيدُهُ إذَا صَلَّى بِالْأُولَى صَلَاةً كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ النَّذْرِ مِنْ زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» .   [حاشية البجيرمي] مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ هُوَ الْكَيْفِيَّةَ الْكَامِلَةَ بَلْ الْكَيْفِيَّةُ الْكَامِلَةُ مَا ذُكِرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْمُحَشِّينَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ رَاجِعٌ لِلتَّثْلِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَوْهَمَهُ فِي ذَلِكَ عِبَارَةُ الشَّارِحِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُرْ السُّنَنَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَحْصُرَهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَمَا فَعَلَ م ر. وَغَيْرُهُ، هَذَا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ مَرَّةً ثُمَّ ثَانِيَةً كَذَلِكَ ثُمَّ ثَالِثَةً بِذَلِكَ أَوْ دُونَهُ لَا تَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ التَّثْلِيثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَحْصُلُ بِخِلَافِ تَكْرِيرِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ بَدَنَ الْمُغْتَسِلِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ م د. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا تَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ التَّثْلِيثِ أَيْ الْأَكْمَلُ أَيْ لَا يَحْصُلُ بِهِ أَكْمَلُ فَضِيلَةِ التَّثْلِيثِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ أَصْلُ السُّنَّةِ. قَوْلُهُ: (مَا ذُكِرَ) أَيْ الْمَعَاطِفُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ) أَيْ بِالصَّبِّ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَلَا يُطْلَبُ فِيهِ تَيَامُنٌ. نَعَمْ يُسَنُّ ذَلِكَ لِنَحْوِ أَقْطَعَ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الْإِفَاضَةُ، وَفِي التَّخْلِيلِ فَيُخَلِّلُ شَعْرَ الْجَبْهَةِ الْيُمْنَى أَوَّلًا. قَوْلُهُ: (وَيَدْلُكُ شِقَّهُ) بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ جَنْبَهُ، وَالشِّقُّ نِصْفُ الشَّيْءِ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الشَّمَائِلِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ) أَيْ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الْمُؤَخَّرَ، وَصَرِيحُ كَلَامِ التَّحْرِيرِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَغْسِلُ الرَّأْسَ ثَلَاثًا، ثُمَّ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِنْ مُقَدَّمِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مِنْ مُؤَخَّرِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ مُقَدَّمِهِ الْأَيْسَرِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مُؤَخَّرِهِ ثَلَاثًا، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى شِقٍّ حَتَّى يُثَلِّثَ مَا قَبْلَهُ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَحَدُ كَيْفِيَّاتِهِ، وَإِلَّا فَلَوْ غَسَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مَرَّةً ثُمَّ أَعَادَ الْغُسْلَ ثَانِيَةً كَذَلِكَ ثُمَّ ثَالِثَةً، كَذَلِكَ حَصَلَ التَّثْلِيثُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الِانْغِمَاسِ كَمَا مَرَّ، وَاسْتُفِيدَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ تَثْلِيثُ وَاحِدٍ أَيْ مِنْ الْمَغْسُولِ عَلَى تَثْلِيثِ مَا قَبْلَهُ، وَفَارَقَ الْوُضُوءَ بِعَدَمِ التَّرْتِيبِ أَيْ فِي الْغُسْلِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا يُوَافِقُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ هِيَ كَمَالُ السُّنَّةِ، وَأَمَّا الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي تُحَصِّلُ أَصْلَ السُّنَّةِ فَهِيَ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيَنْقُلُ قَدَمَيْهِ) أَيْ لِأَجْلِ تَثْلِيثِ بَاطِنِ قَدَمَيْهِ بِأَنْ يُفَرِّقَهُمَا بَعْدَ أَنْ كَانَا مُنْضَمَّيْنِ مَعَ بَقَائِهِ فِي مَكَانِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَنْتَقِلُ فِيهِ) أَيْ فِي حَالِ انْغِمَاسِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْتَاجُ إلَى انْفِصَالِ جُمْلَتِهِ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الرَّاكِدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا رَأْسِهِ) أَيْ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي التَّسْبِيعِ) أَيْ فِي الْكَيْفِيَّةِ الثَّانِيَةِ بَلْ يُسَبِّعُ تَحْتَ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ حَرَكَتَهُ) أَيْ الْمُنْتَقِلِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلصُّورَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُ الْغُسْلِ) بَلْ يُكْرَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ جَدَّدَ وُضُوءَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ صَلَاةً مَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا غَيْرُ مَشْرُوعٍ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوُضُوءِ) أَيْ لِأَنَّ مُوجِبَ الْوُضُوءِ أَغْلَبُ وُقُوعًا. وَاحْتِمَالُ عَدَمِ الشُّعُورِ بِهِ أَقْرَبُ فَيَكُونُ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ أَهَمَّ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (إذَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا) وَلَوْ رَكْعَةً أَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ لَا غَيْرُ ذَلِكَ كَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ لِعَدَمِ كَوْنِهِمَا صَلَاةً، وَكَذَا الطَّوَافُ وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالصَّلَاةِ، وَكَذَا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ فَلَوْ لَمْ يُصَلِّ بِهِ كَانَ مَكْرُوهًا، وَيَصِحُّ، وَقِيلَ حَرَامٌ. وَالْكَلَامُ فِي الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ أَوْ الْمُبَاحِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (صَلَاةً مَا) أَيْ وَلَوْ سُنَّةَ الْوُضُوءِ، وَفِي كَلَامِ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَكْرِيّ غَيْرُ سُنَّةِ الْوُضُوءِ فِيمَا يَظْهَرُ أَيْ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّسَلْسُلُ إلَّا إذَا قُلْنَا: لَا سُنَّةَ لِلْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ بِلَالٍ اهـ. وَقَوْلُهُ: لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّسَلْسُلُ: أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا مُفَوَّضٌ إلَيْهِ فَلَهُ قَطْعُهُ بِتَرْكِ سُنَّةِ الْوُضُوءِ. وَقَوْلُهُ: (كَانَ مَكْرُوهًا) أَيْ تَنْزِيهًا لَا تَحْرِيمًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَعَلَّلَ الْحُرْمَةَ بِأَنَّهُ تَعَاطِي عِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ، وَرَدَّهُ م ر بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ النَّظَافَةُ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَقَدْ يُقَالُ: قِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ حُرْمَةِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ لَا فِي جَمَاعَةِ الْحُرْمَةِ هُنَا، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ غَايَةَ تَجْدِيدِهِ أَنَّهُ كَالْغَسْلَةِ الرَّابِعَةِ، وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَنُسِخَ الْوُجُوبُ وَبَقِيَ أَصْلُ الطَّلَبِ. وَيُسَنُّ أَنْ تُتْبِعَ الْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُحْرِمَةِ وَالْمُحِدَّةِ لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَثَرِ الدَّمِ مِسْكًا فَتَجْعَلُهُ فِي قُطْنَةٍ وَتُدْخِلَهَا الْفَرْجَ بَعْدَ غُسْلِهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَثَرِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ وَالْمِسْكُ فَارِسِيُّ مُعَرَّبٌ الطِّيبُ الْمَعْرُوفُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الْمِسْكَ أَوْ لَمْ تَمْسَحْ بِهِ فَنَحْوَهُ مِمَّا فِيهِ حَرَارَةٌ كَالْقِسْطِ وَالْأَظْفَارِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ طِيبًا فَطِينًا فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ كَفَى الْمَاءُ أَمَّا الْمُحْرِمَةُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الطِّيبُ بِأَنْوَاعِهِ. وَالْمُحِدَّةُ تَسْتَعْمِلُ قَلِيلَ قِسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ مَاءُ الْوُضُوءِ فِي مُعْتَدِلِ الْجَسَدِ عَنْ مُدٍّ تَقْرِيبًا وَهُوَ   [حاشية البجيرمي] فَإِنْ قُلْت: قِيَاسُ قَوْلِهِمْ يَحْرُمُ التَّلَبُّسُ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ حُرْمَتُهُ وَحُرْمَةُ الرَّابِعَةِ. قُلْت: الْقَصْدُ مِنْ التَّجْدِيدِ، وَالرَّابِعَةُ مَزِيدُ النَّظَافَةِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَقْصُودَ الْوُضُوءِ فَكَانَ مُؤَكَّدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً أُخْرَى مُغَايِرَةً حَتَّى يَحْرُمَ التَّلَبُّسُ بِهَا عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَعَاطِي الْعِبَادَةِ الْفَاسِدَةِ فِي شَيْءٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الصَّلَاةَ بِالْأَوَّلِ شَرْطٌ لِنَدْبِ الثَّانِي لَا لِجَوَازِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ فَسُومِحَ فِيهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مَقْصُودَةٌ بِالذَّاتِ فَفِي تَكْرَارِهَا اخْتِرَاعُ عِبَادَةٍ لَمْ تَرِدْ شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ بِالْأَوَّلِ صَلَاةً كُرِهَ التَّجْدِيدُ، نَعَمْ إنْ عَارَضَهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ قُدِّمَتْ عَلَى التَّجْدِيدِ؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى مِنْهُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ. قَالَ ع ش: وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الصَّلَاةُ الْكَامِلَةُ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا ثُمَّ فَسَدَتْ لَمْ يُسَنَّ لَهُ التَّجْدِيدُ اهـ. وَلَوْ تَوَضَّأَ الْجُنُبُ لِلْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ مَثَلًا، ثُمَّ أَرَادَ الْغُسْلَ فِي الْحَالِ، فَهَلْ يُسَنُّ الْوُضُوءُ لِلْغُسْلِ أَوْ لَا. اكْتِفَاءً بِوُضُوءِ نَحْوِ الْأَكْلِ، كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ عَنْ غُسْلِ دُخُولِهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الثَّانِي أَعْنِي الِاكْتِفَاءَ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ كَانَ إلَخْ) لَوْ سَكَتَ عَنْ هَذِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ كَانَ كَذَلِكَ اهـ ق ل. لَكِنْ نُسِخَ مِنْ أَصْلِهِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَصْلٌ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّ الْمَنْسُوخَ وُجُوبُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَأَصْلُ الطَّلَبِ بَاقٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ نِفَاسٍ) لَا اسْتِحَاضَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيّ الْمُسْتَحَاضَةَ أَيْضًا فَقَالَ: يَنْبَغِي لَهَا أَنْ لَا تَسْتَعْمِلَ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِخُرُوجِ الدَّمِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ فَلَا يَبْقَى لَهُ فَائِدَةٌ. قَوْلُهُ: (وَتُدْخِلُهَا الْفَرْجَ) أَيْ الْمَحَلَّ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ فَيُطْلَبُ لِلصَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفْطِرٍ ق ل. عَلَى الْمَحَلِّيّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ م ر. أَمَّا الصَّائِمَةُ فَلَا تَسْتَعْمِلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بَعْدَ غُسْلِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْغُسْلُ قَوْلُهُ: (بِالْأَثَرِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: أَثَرِ الدَّمِ. قَوْلُهُ: (مُعَرَّبٌ) وَهُوَ لَفْظٌ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي مَعْنًى وُضِعَ لَهُ فِي غَيْرِ لُغَتِهِمْ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ كَمَا فِي مَتْنِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ. وَقِيلَ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِثْلُ قِسْطَاسٍ. وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا تَوَافَقَتْ فِيهِ اللُّغَاتُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الطِّيبُ الْمَعْرُوفُ) وَهُوَ أَفْضَلُ الطِّيبِ وَأَحَبُّهُ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (كَالْقِسْطِ وَالْأَظْفَارِ) نَوْعَانِ مِنْ الطِّيبِ، وَالْأَظْفَارُ شَيْءٌ مِنْ الطِّيبِ أَسْوَدُ عَلَى شَكْلِ ظُفُرِ الْإِنْسَانِ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ تَجِدْ طِيبًا) التَّرْتِيبُ لِكَمَالِ السُّنَّةِ لَا لِأَصْلِهَا شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَفَى الْمَاءُ) أَيْ مَاءُ الْغُسْلِ فِي دَفْعِ الرَّائِحَةِ لَا عَنْ السُّنَّةِ مَرْحُومِيٌّ. وَقِيلَ: مَاءٌ آخَرُ غَيْرُ مَاءِ الْغُسْلِ عِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. فَالْمَاءُ كَافٍ أَيْ مَاءُ الْغُسْلِ فِي دَفْعِ الْكَرَاهَةِ أَوْ مَاءٌ آخَرُ فِي حُصُولِ السُّنَّةِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَ الطِّينِ نَوَى الزَّبِيبِ ثُمَّ مُطْلَقُ النَّوَى. ثُمَّ مَا لَهُ رِيحٌ طَيِّبٌ، ثُمَّ الْمِلْحُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُحِدَّةُ تَسْتَعْمِلُ) أَيْ يُسَنُّ لَهَا ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ م ر خِلَافًا لِمَا فِي ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ، وَعِبَارَةُ م ر: وَتُتْبِعُ الْأُنْثَى غَيْرُ الْمُحْرِمَةِ وَالْمُحِدَّةِ لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَلَوْ خَلِيَّةً أَوْ بِكْرًا أَوْ عَجُوزًا أَوْ ثُقْبَةَ أُنْثَى انْسَدَّ فَرْجُهَا أَوْ خُنْثَى حُكِمَ بِأُنُوثَتِهِ إثْرَهُ أَيْ الدَّمِ مِسْكًا تَطْيِيبًا لِلْمَحَلِّ لَا لِسُرْعَةِ الْعُلُوقِ، فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ أَمَّا الْمُحْرِمَةُ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ مُطْلَقًا، وَكَذَا الْمُحِدَّةُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا تَطْيِيبُ الْمَحَلِّ بِقَلِيلِ قِسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ، وَلَوْ لَمْ تَجِدْ سِوَى الْمَاءِ كَفَى فِي دَفْعِ الْكَرَاهَةِ لَا عَنْ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ تَطْيِيبُ مَا أَصَابَهُ دَمُ الْحَيْضِ مِنْ بَقِيَّةِ بَدَنِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 رِطْلٌ وَثُلُثٌ بَغْدَادِيٌّ، وَالْغُسْلُ عَنْ صَاعٍ تَقْرِيبًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ سَفِينَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُغَسِّلُهُ الصَّاعُ وَيُوَضِّئُهُ الْمُدُّ» وَيُكْرَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَإِنْ كَثُرَ وَبِئْرٍ مُعَيَّنَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُسْتَبْحِرِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَلِّمَ أَوْ يَسْتَحِدَّ أَوْ يُخْرِجَ دَمًا أَوْ يُبَيِّنَ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا وَهُوَ جُنُبٌ؛ إذْ يُرَدُّ إلَيْهِ سَائِرُ أَجْزَائِهِ فِي الْآخِرَةِ فَيَعُودُ جُنُبًا، وَيُقَالُ: إنَّ كُلَّ شَعْرَةٍ تُطَالِبُ بِجَنَابَتِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْكَشِفَ لِلْغُسْلِ فِي خَلْوَةٍ   [حاشية البجيرمي] أَمَّا الصَّائِمَةُ فَلَا تَسْتَعْمِلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَشَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِأَثَرِ الدَّمِ الْمُسْتَحَاضَةَ إذَا شَفِيَتْ، وَهُوَ مَا تَفَقَّهَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَفْتَى الْوَالِدُ بِحُرْمَةِ جِمَاعِ مَنْ تَنَجَّسَ ذَكَرُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ، وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ السَّلَسِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِحِلِّ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ مَعَ جَرَيَانِ دَمِهَا اهـ. وَفِي اج عَلَى مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ: تَتِمَّةٌ فِعْلُهَا لِلطِّيبِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ، وَهَلْ يُطْلَبُ لِذَوَاتِ الزَّوْجِ أَوْ مُطْلَقًا؟ يُنْظَرُ. فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ طُلِبَ مُطْلَقًا، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مُعَلَّلٌ فَمَا تِلْكَ الْعِلَّةُ؟ فَقِيلَ: إنَّمَا ذَلِكَ لِأَجْلِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ نَتِنٌ، وَتَبْقَى الْأَيَّامُ الْمُتَوَالِيَةُ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ، فَيُكْتَسَبُ مِنْهُ رَائِحَةٌ، فَرُبَّمَا يَتَأَذَّى مِنْهَا الزَّوْجُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: إنَّ الْمَحَلَّ يَلْحَقُهُ مِنْ الدَّمِ رِخْوٌ وَإِنْ الطِّيبُ يَصْلُحُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا يُنْدَبُ لِذَاتِ الزَّوْجِ وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي غَيْرِهَا، وَيَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ يُحَرِّكُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ مِنْهَا فَلَا تَفْعَلُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحَرِّكُ عِنْدَهَا ذَلِكَ فَحَسَنٌ أَنْ تَفْعَلَ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ مِنْ السُّنَّةِ لَا سِيَّمَا لِمَنْفَعَةٍ تَلْحَقُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَنْقُصَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مُتَعَدِّيًا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] وَقَاصِرًا وَإِنْ اخْتَلَفَ الْفَاعِلُ عَلَيْهِمَا، فَقَوْلُهُ مَاءُ الْوُضُوءِ يَجُوزُ فِي لَفْظِ مَاءِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ يَنْقُصُ، وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُهُ، وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ نِسْبَةَ النَّقْصِ إلَى الْمُغْتَسِلِ أَوْلَى. قَالَ الشَّيْخُ سُلْطَانُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ عَدَمُ النَّقْصِ لَا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُدِّ وَالصَّاعِ، وَعَبَّرَ آخَرُونَ بِأَنَّهُ يُنْدَبُ الْمُدُّ وَالصَّاعُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا، قَالَ الْخَطِيبُ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الرِّفْقَ مَحْبُوبٌ اهـ. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا م د أَفْهَمَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا بَأْسَ بِهَا مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الْإِسْرَافِ. قَوْلُهُ: (رِطْلٌ وَثُلُثٌ بَغْدَادِيٌّ) وَهُوَ بِالْمِصْرِيِّ رِطْلٌ تَقْرِيبًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (عَنْ سَفِينَةَ) بِوَزْنِ مَدِينَةٍ وَهُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْمُهُ مِهْرَانُ، وَقِيلَ عِيسَى فَسَفِينَةُ لَقَبُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ الشَّيْءَ الثَّقِيلَ، فَلَقَّبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَفِينَةَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي طَهُورِ ذَلِكَ الْمَاءِ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (مَعِينَةٍ) أَيْ جَارِيَةٍ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ أَوْ بِبِئْرٍ مَعِينَةٍ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَسْتَحِدُّ) أَيْ بِحَلْقِ الْعَانَةِ. قَوْلُهُ: (إذْ يُرَدُّ إلَيْهِ سَائِرُ أَجْزَائِهِ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الَّذِي يُرَدُّ إلَيْهِ مَا مَاتَ عَلَيْهِ لَا جَمِيعُ أَظْفَارِهِ الَّتِي قَلَّمَهَا فِي عُمُرِهِ، وَلَا شَعْرِهِ كَذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. اهـ. ق ل. أَيْ لِأَنَّهَا لَوْ رُدَّتْ إلَيْهِ جَمِيعُهَا لَتَشَوَّهَتْ خِلْقَتُهُ مِنْ طُولِهَا. وَعِبَارَةُ م د إذْ يُرَدُّ إلَيْهِ سَائِرُ أَجْزَائِهِ أَيْ الْأَصْلِيَّةُ فَقَطْ كَالْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ، فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ مُنْفَصِلًا عَنْ بَدَنِهِ لِتَبْكِيتِهِ أَيْ تَوْبِيخِهِ حَيْثُ أُمِرَ بِأَنْ لَا يُزِيلَهُ حَالَةَ الْجَنَابَةِ أَوْ نَحْوِهَا اهـ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكُونُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ثُمَّ عِنْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ يَصِيرُونَ طِوَالًا. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: «إنَّهُمْ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَطُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ أَبْنَاءُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَإِنَّهُمْ جُرْدٌ مُرْدٌ» . فَإِنْ قُلْت: فَبِمَ يُعْرَفُ الرِّجَالُ مِنْ النِّسَاءِ؟ قُلْت عَلَى الرِّجَالِ إكْلِيلٌ وَعَلَى النِّسَاءِ حُلَّةٌ كَالْمِقْنَعَةِ. [فَرْعٌ قُطِعَ عُضْوُ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّ] 1 فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ قُطِعَ عُضْوُ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّا هَلْ تَعُودُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُعَذَّبَ وَلَوْ كَانَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 أَوْ بِحَضْرَةِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُهُ إلَى عَوْرَتِهِ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ. وَمَنْ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ وَنَحْوِهَا كَحَيْضٍ وَجُمُعَةٍ وَنَحْوِهَا كَعِيدٍ حَصَلَ غُسْلُهُمَا، كَمَا لَوْ نَوَى الْفَرْضَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، أَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا حَصَلَ فَقَطْ اعْتِبَارًا بِمَا نَوَاهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْدَرِجْ النَّفَلُ فِي الْفَرْضِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فَأَشْبَهَ سُنَّةَ الظُّهْرِ مَعَ فَرْضِهِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ دُونَ التَّحِيَّةِ حَصَلَتْ التَّحِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ إشْغَالُ الْبُقْعَةِ بِصَلَاةٍ وَقَدْ حَصَلَ، وَلَيْسَ الْقَصْدُ هُنَا النَّظَافَةَ فَقَطْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ. وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ كَغُسْلِ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ كَفَاهُ الْغُسْلُ لِأَحَدِهِمَا، وَكَذَا لَوْ سُنَّ فِي حَقِّهِ سُنَّتَانِ كَغُسْلَيْ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ، وَلَا يَضُرُّ التَّشْرِيكُ بِخِلَافِ نَحْوِ الظُّهْرِ مَعَ سُنَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. وَلَوْ أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ أَوْ أَجْنَبَ ثُمَّ أَحْدَثَ أَوْ أَجْنَبَ   [حاشية البجيرمي] انْفَصَلَتْ حَالَةَ الْإِسْلَامِ، وَفِيمَا لَوْ قُطِعَ مِنْ كَافِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ مُسْلِمًا فَهَلْ تَعُودُ لَهُ يَدُهُ وَتُنَعَّمُ، وَإِنْ كَانَتْ انْفَصَلَتْ حَالَةَ الْكُفْرِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالظَّاهِرُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهَا تَعُودُ وَتُنَعَّمُ فِيمَا لَوْ قُطِعَتْ فِي الْكُفْرِ، وَتُعَذَّبُ فِيمَا لَوْ قُطِعَتْ قَبْلَ الرِّدَّةِ. لَا يُقَالُ: تَعْذِيبُ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَنْعِيمُ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فِي الْكُفْرِ تَعْذِيبٌ لِلْأُولَى، وَقَدْ قُطِعَتْ مُتَّصِفَةً بِالْإِسْلَامِ وَتَنْعِيمُ الثَّانِيَةِ وَقَدْ قُطِعَتْ فِي الْكُفْرِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَقْطُوعَةُ فِي الْإِسْلَامِ سُلِبَتْ الْأَعْمَالُ الصَّادِرَةُ مِنْهَا بِارْتِدَادِ صَاحِبِهَا، وَالْمَقْطُوعَةُ فِي الْكُفْرِ سَقَطَتْ الْمُؤَاخَذَةُ لَهَا بِمَا صَدَرَ مِنْهَا لِإِسْلَامِ صَاحِبِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَمَنْ اغْتَسَلَ إلَخْ) وَلَوْ طُلِبَ مِنْهُ أَغْسَالٌ مُسْتَحَبَّةٌ كَعِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَجُمُعَةٍ وَنَوَى أَحَدَهَا حَصَلَ الْجَمِيعُ لِمُسَاوَاتِهَا لِمَنْوِيِّهِ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَسْبَابُ أَغْسَالٍ وَاجِبَةٍ وَنَوَى أَحَدَهَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ ح ل. وَالْمُرَادُ بِحُصُولِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ سُقُوطُ طَلَبِهِ. قَوْلُهُ: (حَصَلَ غُسْلُهُمَا) حَاصِلُهُ أَنْ يُقَالَ: إمَّا أَنْ يَكُونَا وَاجِبَيْنِ شَرْعًا، أَوْ مَنْدُوبَيْنِ ذَلِكَ أَوْ يَكُونَا وَاجِبَيْنِ جَعْلًا أَوْ أَحَدُهُمَا جَعْلًا وَالْآخَرُ شَرْعًا، أَوْ أَحَدُهُمَا شَرْعًا، وَالْآخَرُ مَنْدُوبًا كَذَلِكَ، فَالْأَوَّلُ بِقِسْمَيْهِ تَكْفِي لَهُمَا نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَالثَّانِي بِقِسْمَيْهِ لَا بُدَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ نِيَّةٍ، وَالثَّالِثُ هُوَ كَلَامُ الشَّارِحِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ إلَخْ. وَوَجْهُ وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوَاجِبَيْنِ جَعْلًا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ النَّذْرُ أَسْبَابُهُ مُخْتَلِفَةٌ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَوَجْهُ وُجُوبِ النِّيَّةِ لَهُمَا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا وَاجِبًا شَرْعًا، وَالْآخَرُ جَعْلًا أَنَّ نِيَّةَ أَحَدِهِمَا لَا تَتَضَمَّنُ الْآخَرَ بِخِلَافِ الْوَاجِبَيْنِ شَرْعًا فَإِنَّ الْمَنْعَ وَاحِدٌ أَيْ الْمَمْنُوعُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ مِنْ الْآخَرِ، وَوَجْهُهُ فِيمَا لَوْ طُلِبَ مِنْهُ أَغْسَالٌ مُسْتَحَبَّةٌ كَعِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ، وَنَوَى أَحَدَهَا مِنْ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْجَمِيعُ لِمُسَاوَاتِهَا لِمَنْوِيِّهِ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ إطْفِيحِيٌّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ لَلْجُمُعَة. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ: لَوْ نَوَى إلَخْ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا حَصَلَ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (إشْغَالُ الْبُقْعَةِ) التَّعْبِيرُ بِهِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: شَغْلُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ شَغَلَ قَالَ تَعَالَى: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا} [الفتح: 11] وَالْجَمْعُ أَشْغَالٌ، وَشَغَلَهُ مِنْ بَابِ قَطَعَ فَهُوَ شَاغِلٌ، وَلَا تَقُلْ: أَشْغَلَ لِأَنَّهُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ الْقَصْدُ هُنَا) أَيْ فِي نَحْوِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: (فَرْضَانِ) أَيْ أَوْ أَكْثَرُ وَكَذَا قَوْلُهُ سَنَتَانِ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِحُصُولِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ سُقُوطُ طَلَبِهِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْجَمِيعِ إلَّا إذَا نَوَاهَا بِخِلَافِ التَّحِيَّةِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهَا إنْ نَوَاهَا، أَوْ أَطْلَقَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (كَفَاهُ الْغُسْلُ لِأَحَدِهِمَا) لَيْسَ هَذَا تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ إلَخْ. لِأَنَّ ذَاكَ فِي النِّيَّةِ، وَهَذَا فِي الْغُسْلِ وَأَيْضًا هَذَا أَعَمُّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ التَّشْرِيكُ) أَيْ فِي الْغُسْلِ لَا فِي النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكَلَامِ أَنَّهُ نَوَى إحْدَى الْفَرِيضَتَيْنِ أَوْ السُّنَّتَيْنِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالتَّشْرِيكِ حَصَّلَ الْغُسْلَيْنِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْآخَرَ الَّذِي لَمْ يَنْوِ وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ م ر فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ نَحْوِ الظُّهْرِ مَعَ سُنَنِهِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَأَحْدَثَ مَعًا كَفَى الْغُسْلُ لِانْدِرَاجِ الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ. تَتِمَّةٌ: يُبَاحُ لِلرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ وَصَوْنُ عَوْرَاتِهِمْ عَنْ الْكَشْفِ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُمْ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَقَدْ رُوِيَ: «أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ عَارِيًّا لَعَنَهُ مَلَكَاهُ» . رَوَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11] {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 12] وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ إلَّا بِمِئْزَرٍ» . أَمَّا النِّسَاءُ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ بِلَا عُذْرٍ لِخَبَرِ: «مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّ أَمْرَهُنَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي السَّتْرِ، وَلِمَا فِي خُرُوجِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِنَّ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ. وَيَجِبُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمَاءِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَا الْعَادَةِ. (وَآدَابُهُ) : أَنْ يَقْصِدَ التَّطْهِيرَ وَالتَّنْظِيفَ لَا التَّرَفُّهَ وَالتَّنَعُّمَ، وَأَنْ يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ دُخُولِهِ، وَأَنْ يُسَمِّيَ لِلدُّخُولِ ثُمَّ يَتَعَوَّذَ كَمَا فِي دُخُولِ الْخَلَاءِ، وَأَنْ يَذْكُرَ بِحَرَارَتِهِ حَرَارَةَ نَارِ جَهَنَّمَ لِشَبَهِهِ بِهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ عَافَاكَ اللَّهُ وَلَا بِالْمُصَافَحَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَالِطَ النَّاسَ وَالتَّنْظِيفُ وَالسِّوَاكُ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَإِزَالَةُ رِيحٍ كَرِيهَةٍ وَحُسْنُ الْأَدَبِ مَعَهُمْ.   [حاشية البجيرمي] فَالتَّشْرِيكُ فِيهِ يَضُرُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ) أَيْ إذَا كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَحْدَثَ إلَخْ) هَذَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَجْنَبَ وَأَحْدَثَ مَعًا) أَيْ بِأَنْ وَطِئَ بِلَا حَائِلٍ. قَوْلُهُ: (يُبَاحُ لِلرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ) وَأَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَهُ سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِلْقِيسَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِهَا شَعْرٌ فَنَفَرَ مِنْهَا فَسَأَلَ الْجِنَّ فَقَالُوا: نَحْتَالُ لَك بِحِيلَةٍ حَتَّى تَكُونَ كَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ، فَصَنَعُوا لَهَا الْحَمَّامَ لِيَذْهَبَ الشَّعْرُ فِيهِ بِالنُّورَةِ وَصَنَعُوا لَهُ أَيْضًا الْقَزَازَ وَالصَّابُونَ وَالطَّاحُونَ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: حَمَّامُ طَاحُونٍ قَزَازُ نُورَةٍ ... صَابُونُ صُنْعِ الْجِنِّ هَذَا ثَابِتٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَّامَاتٌ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ. وَقَالَ: «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَبْوَابٌ يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا تَدْخُلُوهَا إلَّا بِمِئْزَرٍ» . وَقِيلَ: كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي زَمَنِهِ وَلَمْ يَدْخُلْهَا. فَائِدَةٌ: إذَا دَخَلَ إنْسَانٌ الْحَمَّامَ وَغَرَفَ عَلَى رَأْسِهِ سَبْعَ طَاسَاتٍ مِنْ الْمَاءِ الْحَارِّ أَمِنَ مِنْ الدَّوْخَةِ، وَإِذَا شَرِبَ خَمْسَ جَرَعَاتٍ مِنْ الْمَاءِ الْحَارِّ أَمِنَ مِنْ وَجَعِ الْقَلْبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمِصْرِيُّ عَلَى الْأَزْهَرِيَّةِ. قَوْلُهُ: (لَعَنَهُ مَلَكَاهُ) أَيْ الْحَافِظَانِ قَوْلُهُ: (أَمَّا النِّسَاءُ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ) أَيْ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ عَوْرَاتِهِنَّ لِأَحَدٍ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا ح ف. أَنَّ دُخُولَ النِّسَاءِ الْحَمَّامَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ مِنْهُنَّ كَشْفُ عَوْرَاتِهِنَّ وَعَدَمُ تَسَتُّرِهِنَّ حَتَّى فِي الطُّرُقِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى، الزَّوْجِ أَنْ يَأْذَنَ لِزَوْجَتِهِ فِي الذَّهَابِ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ) لَعَلَّ صُورَتَهُ مَعَ السَّتْرِ وَعَدَمِ الْخَلْوَةِ فَهُنَّ حِينَئِذٍ كَالنِّسَاءِ فِي كَرَاهَةِ دُخُولِ الْحَمَّامِ إلَّا لِعُذْرٍ، فَإِنَّ اخْتِلَاءَ الْخُنْثَى بِالْخُنْثَى حَرَامٌ لِاحْتِمَالِ اخْتِلَافِهِمَا أَوْ يُصَوَّرُ بِدُخُولِ كُلِّ خُنْثَى وَحْدَهُ أَوْ أَنَّ الْخَنَاثَى مَحَارِمُ كَإِخْوَةٍ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَآدَابُهُ) أَيْ. الْحَمَّامِ أَيْ آدَابُ دَاخِلِهِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُسَمِّيَ لِلدُّخُولِ) وَأَنْ يَمْكُثَ فِي كُلِّ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِ زَمَنًا لَطِيفًا دُخُولًا وَخُرُوجًا، وَأَنْ يَغْتَسِلَ عِنْدَ خُرُوجِهِ بِمَاءٍ مُعْتَدِلٍ إلَى الْبُرُودَةِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ اهـ ق ل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 فَصْلٌ: فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ (وَالِاغْتِسَالَاتُ الْمَسْنُونَةُ) كَثِيرَةٌ الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (سَبْعَةَ عَشَرَ غُسْلًا) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ وَسَأَذْكُرُ الْأَوَّلَ مِنْ السَّبْعَةَ عَشَرَ (غُسْلُ الْجُمُعَةِ) لِمَنْ يُرِيدُ حُضُورَهَا وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ» . وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ» . وَرُوِيَ: «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» أَيْ مُتَأَكِّدٌ وَصَرَفَ هَذَا عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ عَلَّقَتْهُ بِالْيَوْمِ   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ] ِ قَوْلُهُ: (فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ) اُنْظُرْ لِمَ غَيَّرَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَقُلْ فِي الِاغْتِسَالَاتِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَمْعُ قِلَّةٍ، وَلَعَلَّهُ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ. قَوْلُهُ: (الْمَسْنُونَةُ) الْأَوْلَى الْمَسْنُونَاتُ؛ لِأَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ لِمَا لَا يَعْقِلُ الْأَفْصَحُ فِيهِ الْمُطَابَقَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَجَمْعُ كَثْرَةٍ لِمَا لَا يَعْقِلُ ... الْأَفْصَحُ الْإِفْرَادُ فِيهِ يَأْفُلُ فِي غَيْرِهِ فَالْأَفْصَحُ الْمُطَابَقَةْ ... نَحْوُ هِبَاتٍ وَافِرَاتٍ لَائِقَةْ وَاسْتَعْمَلَ هُنَا جَمْعَ الْقِلَّةِ فِي الْكَثْرَةِ. قَوْلُهُ: (سَبْعَةَ عَشَرَ) أَيْ بَعْدَ غَسْلِ الطَّوَافِ غُسْلَيْنِ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ أَوْ بَعْدَ غُسْلِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ غُسْلَيْنِ نَظَرًا لِلتَّعْجِيلِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّهَا سِتَّةَ عَشَرَ فَقَطْ. وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ لِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَغْسَالِ، كَمَا يُسَنُّ لِلْوَاجِبِ، وَيُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ، وَلَوْ فَاتَتْ هَذِهِ الْأَغْسَالُ لَمْ تُقْضَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (لِمَنْ يُرِيدُ حُضُورَهَا) وَإِنْ حَرُمَ حُضُورُهُ كَامْرَأَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ حَلِيلِهَا. قَالَ ع ش: وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَلَّفِ وَمَنُوطٌ بِوَلِيِّ غَيْرِهِ لَكِنْ هَلْ الْعِبْرَةُ بِإِرَادَةِ الْوَلِيِّ الْحُضُورَ أَوْ الصَّبِيِّ أَوْ هُمَا، وَالْأَقْرَبُ النَّظَرُ إلَى حُضُورِ الْوَلِيِّ وَإِرَادَةِ حُضُورِ الصَّبِيِّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ) كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ. قَوْلُهُ: (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَخْ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ إذَا جَاءَ فَلْيَغْتَسِلْ أَنَّ الْغُسْلَ يَعْقُبُ الْمَجِيءَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا التَّقْدِيرُ: إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ وَلَفْظُهُ: «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمَا أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ» وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَأَخُّرِ الرَّوَاحِ عَنْ الْغُسْلِ وَذُكِرَ الْمَجِيءُ فِي قَوْلِهِ: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ» الْجُمُعَةَ لِلْغَالِبِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ شَامِلٌ لِمُجَاوِرِ الْجَامِعِ وَمَنْ هُوَ مُقِيمٌ بِهِ وَالْمَجِيءُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ فِي الْجَامِعِ يَحْصُلُ بِأَنْ يَتَهَيَّأَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَالَهُ الْبَابِلِيُّ، وَفِي قَوْلِهِ: أَحَدُكُمْ تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ بِدَلِيلِ خَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ: «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ» . قَوْلُهُ: (وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ إلَخْ) أَتَى بِالْحَدِيثِ الثَّانِي لِشُمُولِهِ سَنَّ الْغُسْلِ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلِمَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ، وَلِأَجْلِ قَوْلِهِ فِيهِ: وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا؛ إذْ الْأَوَّلُ مَخْصُوصٌ بِالرِّجَالِ، وَفِيهِ أَمْرٌ فَاحْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْحَدِيثِ الثَّانِي لِيُبَيِّنَّ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (وَرُوِيَ: غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ) وَعِنْدَ مَالِكٍ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ، وَبِهِ قَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ. قَوْلُهُ: (وَصَرْفُ هَذَا) أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ. وَضَابِطُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ مَا يُشْرَعُ لِسَبَبٍ مَاضٍ كَانَ وَاجِبًا كَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْمَوْتِ، وَمَا شُرِعَ لِمَعْنًى فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ مُسْتَحَبًّا كَاغْتِسَالِ الْحَجِّ وَاسْتَثْنَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ الثَّانِي الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَكَذَا الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْإِسْلَامُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (مَنْ تَوَضَّأَ إلَخْ) وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ تَيَمَّمَ تَيَمُّمًا عَنْ الْحَدَثِ وَتَيَمُّمًا عَنْ الْغُسْلِ، وَهَلْ يَكْفِي عَنْهُمَا وَاحِدٌ بِنِيَّتِهِمَا كَالْغُسْلِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَيَمُّمَيْنِ؟ فِيهِ نَظَرٌ سم قَالَ ق ل: وَيَظْهَرُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْغُسْلِ. قَوْلُهُ: (فَبِهَا) أَيْ فَبِالسُّنَّةِ أَيْ بِمَا جَوَّزَتْهُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوُضُوءِ أَخَذَ أَيْ عَمِلَ وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ الْوُضُوءُ، فَالضَّمِيرُ فِي بِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى» الْحَدِيثَ، وَتَقْرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ إلَى الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ انْتِفَاءِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، لَوْ تَعَارَضَ الْغُسْلُ وَالتَّبْكِيرُ فَمُرَاعَاةُ الْغُسْلِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ   [حاشية البجيرمي] عَائِدٌ عَلَى مَعْلُومٍ بِالْقَرِينَةِ، وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُقَدَّرٍ، وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ، وَاجِبٌ. قَوْلُهُ: (فَالْغُسْلُ) أَيْ مَعَ الْوُضُوءِ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوُضُوءِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: كَيْفَ يَكُونُ الْغُسْلُ الْمَنْدُوبُ أَفْضَلَ مِنْ الْوُضُوءِ الْوَاجِبِ وَيُنْدَبُ لِصَائِمٍ خَشِيَ مُفْطِرًا تَرْكُ الْغُسْلِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ) وَقِيلَ: وَقْتُهُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَيَنْتَهِي بِجُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَهُ ق ل. وَالصَّوَابُ بِفَرَاغِ صَلَاتِهَا بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَلَا يُبْطِلُهُ طُرُوُّ حَدَثٍ، وَلَوْ أَكْبَرَ، وَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهُ عِنْدَ طُرُوُّ مَا ذُكِرَ كَمَا تُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا فِي الْعُبَابِ كَالتَّجْرِيدِ، قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. وَاعْتَمَدَ ع ش سُنَّ إعَادَتُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالرَّوَاحِ هَلْ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ طَالَ الْمَشْيُ مِنْ الْمَنْزِلِ إلَى الْمَسْجِدِ بِزَمَانٍ كَثِيرٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الرَّوَاحُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الرَّوَاحَ اسْمٌ لِلذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ إلَخْ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَكْتُبُونَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِمْ، وَنُقِلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ مَا يُوَافِقُ. نَعَمْ الْمَشْيُ لَهُ ثَوَابٌ آخَرُ زَائِدٌ عَلَى مَا يُكْتَبُ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غَيْرِهِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (الْحَدِيثَ) بِالنَّصْبِ أَيْ اقْرَأْ الْحَدِيثَ وَتَتِمَّتُهُ: «فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ أَيْ الْخُطْبَةَ أَيْ طَوَوْا الصُّحُفَ فَلَمْ يَكْتُبُوا أَحَدًا» وَهَؤُلَاءِ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ وَاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ: «فِي الْخَامِسَةِ كَاَلَّذِي يُهْدِي عُصْفُورًا وَفِي السَّادِسَةِ بَيْضَةً» . فَمَنْ جَاءَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْهَا، وَمَنْ جَاءَ فِي آخِرِهَا مُشْتَرِكَانِ فِي تَحْصِيلِ الْبَدَنَةِ مَثَلًا، لَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ الْآخَرِ، وَبَدَنَةُ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَالَ ح ل: وَفِيهِ أَنَّ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَيَّامِ الشِّتَاءِ لَا يَبْلُغُ سِتَّ سَاعَاتٍ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ السَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ مِقْدَارَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً، بَلْ تَرْتِيبُ دَرَجَاتِ السَّابِقِينَ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فِي الْفَضِيلَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي يَوْمِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ حَتَّى لَوْ حَضَرُوا كُلُّهُمْ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى كَانَ الْأَوَّلُ أَفْضَلَ مِنْ الثَّانِي، وَالثَّانِي أَفْضَلَ مِنْ الثَّالِثِ وَهَكَذَا اهـ. وَقَوْلُهُ: لَا يَبْلُغُ سِتَّ سَاعَاتٍ مِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر. قَالَ سم: وَلِي فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ أَقَلُّ أَيَّامِ الشِّتَاءِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دَرَجَةً وَهِيَ عَشْرُ سَاعَاتٍ فَلَكِيَّةٍ، وَابْتِدَاءُ الْيَوْمِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَلَكِ مِنْ الشَّمْسِ فَمِنْ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ يَخُصُّهُ خَمْسُ سَاعَاتٍ وَابْتِدَاءُ الْيَوْمِ عَلَى الرَّاجِحِ هُنَا مِنْ الْفَجْرِ فَمَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ يَبْلُغُ سِتَّ سَاعَاتٍ فِي أَقَلِّ أَيَّامِ الشِّتَاءِ فَتَأَمَّلْ اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ ذَهَابِهِ) بِفَتْحِ الذَّالِ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18] . قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ انْتِفَاءِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ) أَيْ فِي أَصْلِ طَلَبِهِ، فَلَا يُنَافِي طَلَبُ التَّيَمُّمِ بَدَلَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ ق ل. وَقَالَ شَيْخُنَا: هَذَا التَّعْلِيلُ خَاصٌّ بِالْغُسْلِ فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُسَنُّ قُرْبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى الْغُسْلِ، ثُمَّ رَأَيْت؛ سم؛ ذَكَرَ مَا نَصُّهُ: وَانْظُرْ لَوْ تَيَمَّمَ بَدَلًا عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ هَلْ يَكُونُ تَقْرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ أَفْضَلَ أَيْضًا كَالْغُسْلِ الظَّاهِرُ؟ نَعَمْ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ) وَلِتَعَدِّي أَثَرِهِ إلَى الْغَيْرِ وَهُوَ دَفْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَلِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ بِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْفَاضِلِ عَلَى بَقِيَّةِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَمِنْ ثَمَّ انْفَرَدَتْ الْجُمُعَةُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ بِخِلَافِ التَّبْكِيرِ فَإِنَّ نَفْعَهُ قَاصِرٌ عَلَى الْمُبَكِّرِ. وَوَقْتُ جَوَازِهِ مِنْ الْفَجْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصِحُّ الْغُسْلُ إلَّا عِنْدَ الرَّوَاحِ إلَيْهَا. وَنَقَلَ الْبِرْمَاوِيُّ عَلَى الْغَزِّيِّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا بِالْوُجُوبِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وَلَا يَبْطُلُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ بِالْحَدَثِ وَلَا بِالْجَنَابَةِ فَيَغْتَسِلُ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَ) الثَّانِي وَالثَّالِثُ (غُسْلُ الْعِيدَيْنِ) الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ، فَالْغُسْلُ لَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ. وَيَدْخُلُ وَقْتُ غُسْلِهِمَا بِنِصْفِ اللَّيْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِعْلَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السَّوَادِ يُبَكِّرُونَ إلَيْهِمَا مِنْ قُرَاهُمْ، فَلَوْ لَمْ يَكْفِ الْغُسْلُ لَهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَعُلِّقَ بِالنِّصْفِ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنْ الْيَوْمِ كَمَا قِيلَ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ. (وَ) الرَّابِعُ: غُسْلُ صَلَاةِ (الِاسْتِسْقَاءِ) عِنْدَ الْخُرُوجِ لَهَا (وَ) الْخَامِسُ غُسْلُ صَلَاةِ (الْخُسُوفِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لِلْقَمَرِ (وَ) السَّادِسُ غُسْلُ صَلَاةِ (الْكُسُوفِ) بِالْكَافِ لِلشَّمْسِ وَتَخْصِيصُ الْخُسُوفِ بِالْقَمَرِ وَالْكُسُوفِ بِالشَّمْسِ هُوَ الْأَفْصَحُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَحُكِيَ عَكْسُهُ. وَقِيلَ الْكُسُوفُ بِالْكَافِ أَوَّلُهُ فِيهِمَا وَالْخُسُوفُ آخِرُهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (وَ) السَّابِعُ (الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْغَاسِلُ طَاهِرًا أَمْ لَا كَحَائِضٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا   [حاشية البجيرمي] وَنُقِلَ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اغْتَسِلُوا، وَلَوْ كَأْسًا بِدِينَارٍ» اهـ. أَيْ اغْتَسِلُوا لِلْجُمُعَةِ، وَلَوْ بَلَغَ ثَمَنُ مِلْءِ الْكَأْسِ مَاءً دِينَارًا، وَانْظُرْ لَوْ تَعَارَضَ الْبُكُورُ وَالتَّيَمُّمُ بَدَلَ الْغُسْلِ، وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْبُكُورِ شَوْبَرِيٌّ. وَفِي ع ش عَلَى م ر: وَإِذَا تَعَارَضَ التَّبْكِيرُ وَالتَّيَمُّمُ قُدِّمَ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُعْطَى حُكْمَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا قُدِّمَ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ، وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَفِي سَنِّهِ خِلَافٌ فَضْلًا عَنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى سِنِّهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَيَغْتَسِلُ) أَيْ لِلْجَنَابَةِ أَيْ وَيَتَوَضَّأُ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَفِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءٌ؛ إذْ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ) . قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْعُهُودِ: أُخِذَ عَلَيْنَا الْعَهْدُ أَنْ لَا نَتَهَاوَنَ بِتَرْكِ السُّنَنِ الشَّرْعِيَّةِ، وَنَقُولُ: الْأَمْرُ سَهْلٌ كَمَا عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَهَوِّنِينَ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ مَثَلًا وَالتَّطَيُّبِ وَالتَّزَيُّنِ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْبُدَاءَةِ بِخَلْعِ النَّعْلِ، فَقَدْ كَانَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْخَوَّاصُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنْ لِكُلِّ سُنَّةٍ مِنْ السُّنَنِ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ، فَلَا يَنَالُ تِلْكَ الدَّرَجَةَ إلَّا فَاعِلُ تِلْكَ السُّنَّةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَغُسْلُ الْعِيدَيْنِ) وَلَوْ لِحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ. وَقَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ وَقْتُهُمَا بِنِصْفِ اللَّيْلِ أَيْ وَيَخْرُجُ بِغُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لِلْيَوْمِ، وَلَا نَظَرَ إلَى خُرُوجِ وَقْتِ صَلَاتِهِ بِالزَّوَالِ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ لَيْسَ لِلصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَهْلَ السَّوَادِ) الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِي الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ، سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَضِيئُونَ غَالِبًا لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ قُرًى أَوْ لِكَوْنِ مَحَلِّهِمْ يُرَى سَوَادًا مِنْ بُعْدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَضْرَةِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ لَمْ تَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ كَالْقَاطِنِينَ فِي بِلَادِ الْمُدُنِ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ غُسْلِهِمْ لِلْعِيدِ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا حِكْمَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ لَا عِلَّةُ الْحُكْمِ كَمَا قَالُوا فِي الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدُ شَيْءٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْخُرُوجِ لَهَا) وَسَيَأْتِي أَنَّهُ بِإِرَادَةِ فِعْلِهَا لِمَنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا وَبِاجْتِمَاعِ مَنْ يَغْلِبُ فِعْلُهُ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً وَيَخْرُجُ الْيَوْمُ بِفِعْلِهَا ق ل. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ هُنَا أَنَّهُ يَدْخُلُ بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ غَالِبُ النَّاسِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِرَادَةِ الْخُرُوجِ وَقْتُ الِاجْتِمَاعِ فِي الْعَادَةِ م د. قَوْلُهُ: (غُسْلُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ) وَيَدْخُلُ وَقْتُهُمَا بِأَوَّلِ التَّغَيُّرِ وَيَخْرُجُ بِالِانْجِلَاءِ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوَّلُهُ) أَيْ التَّغَيُّرُ الْمَفْهُومُ مِنْ الْخُسُوفِ وَالْكُسُوفِ. وَقَوْلُهُ: (فِيهِمَا) أَيْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ) هُوَ عَكْسُ مَا قَبْلَهُ م د. وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ مِنْ جُمْلَةِ الْغَيْرِ الْكُسُوفَانِ وَالْخُسُوفَانِ. قَوْلُهُ: (مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ) وَلَوْ عَصَى بِهِ كَأَنْ غَسَّلَ شَهِيدًا أَوْ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً أَخْذًا بِإِطْلَاقِهِمْ، وَكَذَا يُطْلَبُ لِمُغَسِّلِ الْجُزْءِ اج. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْغُسْلَ سُنَّةٌ وَلَوْ عَصَى بِهِ مُطْلَقًا هُوَ مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا ح ف، خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ لِأَجْلِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِذَاتِهِ كَالشَّهِيدِ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ، أَوْ لِعَارِضٍ كَتَغْسِيلِ الْأَجْنَبِيَّةِ نُدِبَ لَهُ، وَتَعْبِيرُهُ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَلَوْ يَمَّمَ الْمَيِّتَ لِلْعَجْزِ عَنْ غُسْلِهِ وَلَوْ شَرْعًا سُنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إذَا غَسَّلْتُمُوهُ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ. (وَ) الثَّامِنُ (غُسْلُ الْكَافِرِ) وَلَوْ مُرْتَدًّا (إذَا أَسْلَمَ) تَعْظِيمًا لِلْإِسْلَامِ، وَقَدْ أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ بِهِ لَمَّا أَسْلَمَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً أَسْلَمُوا، وَلَمْ يَأْمُرُهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغُسْلِ، هَذَا إنْ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ كُفْرِهِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَإِلَّا وَجَبَ   [حاشية البجيرمي] الْغُسْلُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالتَّيَمُّمُ. وَقَالَ الرَّحْمَانِيُّ: فَإِنْ يَمَّمَهُ سُنَّ لَهُ الْوُضُوءُ وَيَفُوتُ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ إمَّا بِالْإِعْرَاضِ، أَوْ بِطُولِ الْفَصْلِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِطُولِ الْفَصْلِ. وَفِي ع ش عَلَى م ر. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ لَا تُقْضَى لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ لِلْوَقْتِ فَقَدْ فَاتَ أَوْ لِلسَّبَبِ فَقَدْ زَالَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غُسْلِ الْكُسُوفِ وَنَحْوِهِ. أَمَّا غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ فَلَا يَظْهَرُ فِيهَا الْفَوَاتُ، بَلْ الظَّاهِرُ طَلَبُ الْغُسْلِ فِيهَا وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ خُصُوصًا، وَسَبَبُ الْغُسْلِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ احْتِمَالُ الْإِنْزَالِ، نَعَمْ إنْ عَرَضَتْ لَهُ جَنَابَةٌ بَعْدَ نَحْوِ الْجُنُونِ فَاغْتَسَلَ مِنْهَا اُحْتُمِلَ فَوَاتُهُ، وَانْدِرَاجُهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ اهـ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَلَوْ غَسَّلَ مَوْتَى فَقَدْ نَقَلَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُلَقِّنِ أَنَّ الْأَوْجَهَ طَلَبُ غُسْلٍ وَاحِدٍ عَنْ الْمُتَعَدِّدِ؛ لِأَنَّ الْأَغْسَالَ الْمَنْدُوبَةَ تَتَدَاخَلُ، وَإِنْ نَوَى بَعْضَهَا اهـ. وَلَوْ تَعَدَّدَ الْغَاسِلُ سُنَّ الْغُسْلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حَيْثُ بَاشَرُوا كُلُّهُمْ الْغُسْلَ بِخِلَافِ الْمُعَاوِنِينَ بِمُنَاوَلَةِ الْمَاءِ أَوْ نَحْوِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ كُلٌّ جَمِيعَ بَدَنِهِ أَوْ بَعْضَهُ كَيَدِهِ مَثَلًا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْجُودُ مِنْهُ إلَّا الْعُضْوَ الْمَذْكُورَ وَغَسَّلُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَأَصْلُ طَلَبِهِ إزَالَةُ ضَعْفِ بَدَنِ الْغَاسِلِ بِمُخَالَطَةِ جَسَدٍ خَالٍ عَنْ الرُّوحِ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا أَمْ لَا إلَخْ) لَوْ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ كَافِرًا لَكَانَ أَخْصَرَ، وَأَوْلَى لِأَنَّ بَعْضَ أَئِمَّتِنَا قَالَ بِنَجَاسَةِ مِيتَةِ الْكَافِرِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا م د فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَمَلَهُ) أَيْ أَوْ مَسَّهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ حَمَلَهُ أَيْ أَرَادَ حَمْلَهُ لِيَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ، الْأَوْلَى بَقَاءُ الْحَمْلِ عَلَى حَالِهِ. قَوْلُهُ: (فَلْيَتَوَضَّأْ) أَيْ قَبْلَ حَمْلِهِ وَبَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ إلَخْ) وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا كَمَا قِيلَ بِوُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: (فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ) وَقِيسَ بِمَيِّتِنَا مَيِّتُ غَيْرِنَا. وَقَوْلُهُ: (غُسْلُ) أَيْ وَاجِبٌ. قَوْلُهُ: (الْكَافِرِ) أَيْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: (إذَا أَسْلَمَ) أَيْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ بِذَلِكَ لِيَشْمَلَ الصَّغِيرَ التَّابِعَ لِأَحَدِ أُصُولِهِ أَوْ لِسَابِيهِ، كَمَا بَحَثَهُ سم الْعَبَّادِيُّ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْمَحَلِّ، وَعِبَارَةُ الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ تَبِعَ صَغِيرٌ أَحَدَ أُصُولِهِ وَلَوْ أُنْثَى فِي الْإِسْلَامِ أَمَرَهُ بِالْغُسْلِ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا، وَغَسَّلَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَكَذَا لَوْ تَبِعَ سَابِيهِ الْكَامِلَ؛ إذْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ كَالْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ كَامِلٍ لَا وَلِيَّ لَهُ فَفِي مَنْ يَأْمُرُ، أَوْ يُغَسِّلُ نَظَرٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، فَالْمُسْلِمُونَ كَمَا فِي أَمْرِ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ بِالصَّلَاةِ وَضَرَبَهُ عَلَيْهَا قَالَهُ الشَّيْخُ. وَيُسَنُّ لَهُ أَيْضًا إزَالَةُ شَعْرِ جَمِيعِ بَدَنِهِ مِنْ رَأْسِهِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ» اهـ. إلَّا لِحْيَةَ ذَكَرٍ، وَكَوْنُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْلَى إنْ كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ لِيَنْفَصِلَ الشَّعْرُ مِنْهُ وَهُوَ طَاهِرٌ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ نَحْوِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ فَقِيلَ: الْغُسْلُ أَوْلَى لِيُزِيلَ مَاؤُهُ دَنَسَ أَثَرِ الشَّعْرِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْنِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا فِي خ ض. قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هُوَ فِي قُوَّةِ التَّعْلِيلِ، فَالْمَعْنَى وَلِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ أَمَرَهُ بِالْغُسْلِ الَّذِي لِأَجْلِ الْإِسْلَامِ لِحَمْلِهِمْ الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ لَا بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لَا حَاجَةَ لِلْأَمْرِ بِهِ فَسَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّ قَيْسًا كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا، فَالْأَمْرُ إنَّمَا كَانَ بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ لَا بِغُسْلِ الْإِسْلَامِ كَمَا ذَكَرَهُ ق ل فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (هَذَا إنْ لَمْ يَعْرِضْ إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ كَفَاهُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ عَنْ غُسْلِ الْإِسْلَامِ. قَالَ ق ل، وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُطْلَبُ مِنْهُ غُسْلَانِ غُسْلٌ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَغُسْلٌ لِلْإِسْلَامِ أَوْ يَنْوِيهِمَا مَعًا. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا وَجَبَ) قَالَ سم: وَكَانَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ حَيْثُ سَقَطَتْ عَنْهُ دُونَهُ قِلَّةُ الْمَشَقَّةِ فِيهِ لِعَدَمِ تَعَدُّدِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ) أَيْ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا عِبْرَةَ بِالْغُسْلِ فِي الْكُفْرِ عَلَى الْأَصَحِّ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ وَقْتَ الْغُسْلِ بَعْدَ إسْلَامِهِ لِتَصِحَّ النِّيَّةُ، وَلِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَهُ بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ تَكْفِيرُ مَنْ قَالَ لِكَافِرٍ جَاءَهُ لِيُسْلِمَ: اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ ثُمَّ أَسْلِمْ لِرِضَاهُ بِبَقَائِهِ عَلَى الْكُفْرِ تِلْكَ اللَّحْظَةَ. (وَ) التَّاسِعُ غُسْلُ (الْمَجْنُونِ) وَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ (وَ) الْعَاشِرُ غُسْلُ (الْمُغْمَى عَلَيْهِ) وَلَوْ لَحْظَةً (إذَا أَفَاقَا) وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُمَا إنْزَالٌ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْإِغْمَاءِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي مَعْنَاهُ الْجُنُونُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُقَالُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَلَّ مَنْ جُنَّ إلَّا وَأَنْزَلَ. (وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ (الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا، وَلَوْ فِي حَالِ حَيْضِ الْمَرْأَةِ وَنِفَاسِهَا. (وَ) الثَّانِي عَشَرَ الْغُسْلُ (لِدُخُولِ مَكَّةَ) الْمُشَرَّفَةِ وَلَوْ كَانَ حَلَالًا عَلَى الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَغْسَالِ الْحَجِّ إلَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِعُمْرَةٍ مِنْ مَحَلٍّ قَرِيبٍ كَالتَّنْعِيمِ وَاغْتَسَلَ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ. (وَ) الثَّالِثَ عَشَرَ الْغُسْلُ (لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) وَالْأَفْضَلُ كَوْنُهُ بِنَمِرَةَ وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ فِي غَيْرِهَا، وَقَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ الْفَجْرِ، لَكِنَّ تَقْرِيبَهُ لِلزَّوَالِ أَفْضَلُ كَتَقْرِيبِهِ مِنْ ذَهَابِهِ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلِهِ: وَالْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ. قَوْلُهُ: (تَكْفِيرُ مَنْ قَالَ إلَخْ) هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ، أَمَّا هُوَ فَلَا. وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِهَا إذَا سَأَلَهُ أَنْ يُلَقِّنَهُ الشَّهَادَةَ قِيَاسًا عَلَى إنْقَاذِ الْغَرِيقِ، بَلْ هَذَا أَعْظَمُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إنْقَاذًا مِنْ الْخُلُودِ فِي النَّارِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْعَزِيزِيُّ، وَأَمَّا إذَا جَاءَهُ شَخْصٌ لِيَتُوبَ فَأَمَرَهُ بِالتَّأْخِيرِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ الذَّنْبِ وَاجِبَةٌ فِي الْحَالِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ) وَإِنْ تَكَرَّرَ الْإِغْمَاءُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ تَعَمَّدَهُ. وَغَيْرِهِ وَفِي حَاشِيَةِ ع ش عَلَى م ر: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهِ السَّكْرَانُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَجَازًا اهـ. وَيُقَيَّدُ الْإِغْمَاءُ بِغَيْرِ إغْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ، وَإِنْ جَازَ عَلَيْهِمْ وَوَقَعَ لَهُمْ لَا يَنْقُضُ طَهَارَتَهُمْ فَلَا يُسَنُّ مِنْهُ الْغُسْلُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: «إنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُغْمَى عَلَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ» وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى نَدْبِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَحَقَّقْ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي عَدَمِ نَدْبِ الْغُسْلِ لِلْجُنُونِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْإِنْزَالِ، وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي غُسْلِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فَيُطْلَبُ مِنْهُ حِينَئِذٍ غُسْلَانِ. قَوْلُهُ: (قَلَّ مَنْ جُنَّ) قَلَّ مَعْنَاهَا النَّفْيُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ كَالْمَعْدُومِ، وَالتَّقْدِيرُ مَا شَخْصٌ جُنَّ إلَّا اشْتَهَى، وَأَنْزَلَ أَيْ غَالِبًا، فَقَوْلُهُ: وَأَنْزَلَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: قَلَّ مَنْ جُنَّ، وَلَمْ يُنْزِلْ. قَوْلُهُ: (إلَّا وَأَنْزَلَ) . فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ وَاجِبًا عَمَلًا بِالْمَظِنَّةِ كَالْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الرِّيحِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ إنْ لَمْ يُعْلَمْ عَدَمُ خُرُوجِ الْمَنِيِّ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَا عَلَامَةَ عَلَى خُرُوجِ الرِّيحِ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ لِمُشَاهَدَتِهِ أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْجُنُونَ قَدْ يَطُولُ زَمَنُهُ ح ل. وَلَمْ يُسَنَّ الْغُسْلُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ مِنْ النَّوْمِ لِكَثْرَةِ تَكْرَارِهِ. فَخَفَّفَ فِيهِ لِلْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْإِحْرَامِ) أَيْ عِنْدَ إرَادَتِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِهِمَا) أَوْ مُطْلَقًا فَإِنْ فَقَدْت الْمَاءَ تَيَمَّمْت مَعَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّظَافَةَ إذَا فَاتَتْ بَقِيَتْ الْعِبَادَةُ. قَوْلُهُ: (وَلِدُخُولِ مَكَّةَ) أَيْ وَلِدُخُولِ الْكَعْبَةِ أَيْضًا اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَالَ الرَّشِيدِيُّ عَلَى م ر بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلِدُخُولِ مَكَّةَ أَيْ إذَا لَمْ يَغْتَسِلْ لِدُخُولِ الْحَرَمِ مِنْ مَحَلٍّ قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (يَقَعُ فِيهِ) أَيْ قَدْ يَقَعُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ إلَخْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ إذَا اغْتَسَلَ لِنَحْوِ جُمُعَةٍ أَوْ كُسُوفٍ أَوْ عِيدٍ. وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ غُسْلَيْنِ قَرُبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ لَا يُنْدَبُ الثَّانِي مَا لَمْ يَحْصُلْ لِبَدَنِهِ تَغَيُّرُ رِيحٍ، وَإِلَّا نُدِبَ. قَوْلُهُ: (كَالتَّنْعِيمِ) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا أَحْرَمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ الْجِعْرَانَةِ فَيَغْتَسِلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ. قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ الزَّوَالِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِنَمِرَةَ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ تَقْرِيبَهُ إلَخْ) وَيَنْتَهِي الْغُسْلُ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 (وَ) الرَّابِعَ عَشَرَ الْغُسْلُ (لِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ) عَلَى طَرِيقَةٍ ضَعِيفَةٍ لِبَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْمَذْهَبُ فِي الرَّوْضَةِ وَحَكَاهُ فِي الزَّوَائِدِ عَنْ الْجُمْهُورِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ اسْتِحْبَابَهُ لِلْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ صُبْحِ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. (وَ) الْخَامِسَ عَشَرَ الْغُسْلُ (لِرَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ) لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَا غُسْلَ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: اكْتِفَاءً بِغُسْلِ الْعِيدِ وَلِأَنَّ وَقْتَهُ مُتَّسِعٌ بِخِلَافِ رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. (وَ) السَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ الْغُسْلُ (لِلطَّوَافِ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ. وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: إنَّ الِاغْتِسَالَ لِلْحَلْقِ مَسْنُونٌ لَكِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِكَثِيرٍ. قَالَ: وَزَادَ فِي الْقَدِيمِ ثَلَاثَةَ أَغْسَالٍ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ وَلِلْحَلْقِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَدِيدَ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، بَلْ مِنْهَا الْغُسْلُ مِنْ الْحِجَامَةِ وَمِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ   [حاشية البجيرمي] بِفَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ. قَوْلُهُ: (عَلَى طَرِيقَةٍ ضَعِيفَةٍ) وَعَلَيْهَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالْغُرُوبِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَهُوَ فِي آخِرِ الْمُزْدَلِفَةِ. قَالَ ق ل: وَلَوْ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ لَوَافَقَ الرَّاجِحَ اهـ. أَقُولُ: هَذَا الْحَمْلُ لَا يَتَأَتَّى؛ إذْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَبِيتِ. وَهَذَا فِي الْوُقُوفِ فَمَا صَنَعَهُ الشَّارِحُ أَوْلَى اهـ اج. وَيَدْخُلُ وَقْتُ هَذَا الْغُسْلِ بِنِصْفِ اللَّيْلِ سم. قَوْلُهُ: (وَلِرَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ) أَيْ فَيُسَنُّ ثَلَاثَةُ أَغْسَالٍ إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ فِي يَوْمَيْنِ وَإِلَّا فَغُسْلَانِ، وَالْمُتَّجَهُ دُخُولُهُ بِالْفَجْرِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ لَا بِدُخُولِ وَقْتِهِ وَهُوَ الزَّوَالُ سم. قَالَ ق ل: وَفِيهِ بَحْثٌ وَالْأَوْلَى دُخُولُهُ بِالزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ مُوَسَّعٌ بِبَقِيَّةِ الْيَوْمِ، بَلْ وَبَقِيَّةِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَرَاجِعْهُ اهـ م د. وَقَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى دُخُولُهُ بِالزَّوَالِ ضَعِيفٌ، وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: وَيُنْدَبُ الْغُسْلُ لِرَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثَةِ كُلَّ يَوْمٍ، وَالْأَفْضَلُ كَوْنُ الْغُسْلِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالْفَجْرِ اهـ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْجِمَارُ جِمَارًا؛ لِأَنَّ آدَمَ كَانَ يَرْمِي إبْلِيسَ فَيُجْمِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَالْإِجْمَارُ الْإِسْرَاعُ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. قَوْلُهُ: (اكْتِفَاءً بِغُسْلِ الْعِيدِ) أَيْ إنْ رَمَاهَا يَوْمَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ وَقْتَهُ مُتَّسِعٌ) أَيْ فَيَجُوزُ فِعْلُهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَكْتَفِي بِالْغُسْلِ فِيهَا لِلرَّمْيِ عَنْ الْغُسْلِ لَهَا أَيْ لِجَمْرِ الْعَقَبَةِ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ رَمْيِ) إلَخْ أَيْ فَإِنَّ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ الثَّانِيَةُ فَقَطْ. قَالَ شَيْخُنَا م د: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ اكْتِفَاءً بِغُسْلِ الْعِيدِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ لِلْعِيدِ، وَلَا لِلْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ نُدِبَ الْغُسْلُ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَالسَّادِسَ عَشَرَ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ التَّفْصِيلَ لَا يُطَابِقُ الْإِجْمَالَ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوَّلًا: سَبْعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ عَدَّ سِتَّةَ عَشَرَ فَجَعَلَ الشَّارِحُ الطَّوَافَ اثْنَيْنِ لِلْمُطَابَقَةِ. وَيُجَابُ أَيْضًا: بِأَنْ يُجْعَلَ الطَّوَافُ فِي أَصْلِهِ وَاحِدًا، وَأَنَّ السَّابِعَ عَشَرَ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَدِينَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ اهـ. قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِأَنْ يَجْعَلَ غُسْلَ رَمْيِ الْجِمَارِ غُسْلَيْنِ لِلْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ نَظَرًا لِلتَّعْجِيلِ أَيْ لِمَنْ عَجَّلَ النَّفْرَ قَبْلَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، وَعَدَّهُ لِلرَّمْيِ غُسْلَيْنِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ لِكُلِّ يَوْمٍ إلَخْ اج اهـ. قَوْلُهُ: (هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (تَبَعًا لِكَثِيرٍ) أَيْ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْكَثِيرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ. وَقَوْلُهُ: قَالَ أَيْ النَّوَوِيُّ. وَقَوْلُهُ: وَحَاصِلُهُ أَيْ حَاصِلُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَزَادَ فِي الْقَدِيمِ، فَإِنَّ هَذَا يُفْهِمُ أَنَّ الْجَدِيدَ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ، وَوَجْهُهُ اتِّسَاعُ وَقْتِهَا فَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّاسِ لَهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حَتَّى يُطْلَبَ التَّنْظِيفُ لَهَا، فَهَذَا تَوْجِيهُ الْقَوْلِ الْجَدِيدِ، أَمَّا طَوَافُ الْقُدُومِ فَلَا يُسَنُّ لَهُ عَلَيْهِمَا أَيْ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ اكْتِفَاءً بِغُسْلِ دُخُولِ مَكَّةَ، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ عِنْدَ دُخُولِهَا. قَوْلُهُ: (مِنْ الْحِجَامَةِ) أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وَلِلِاعْتِكَافِ، وَلِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ. وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَنْ يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِدُخُولِ الْحَرَمِ وَلِحَلْقِ الْعَانَةِ. وَلِبُلُوغِ الصَّبِيِّ بِالسِّنِّ وَلِدُخُولِ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، فَيَكُونُ هُوَ السَّابِعَ عَشَرَ، وَعِنْدَ سَيْلَانِ الْوَادِي وَلِتَغَيُّرِ رَائِحَةِ الْبَدَنِ، وَعِنْدَ كُلِّ اجْتِمَاعٍ مِنْ مَجَامِعِ الْخَيْرِ، أَمَّا الْغُسْلُ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَلَا يُسَنُّ لَهَا لِمَا   [حاشية البجيرمي] وَالْفَصْدِ أَيْ بَعْدَهُمَا، وَالْأَقْرَبُ نَدْبُ الْغُسْلِ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بَدَنُهُ لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةُ التَّغَيُّرِ. وَقَوْلُ م ر تَغَيُّرُ بَدَنٍ لَا مَفْهُومَ لَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ إلَخْ) أَيْ وَكَذَا لِدُخُولِهِ فَيُسَنُّ لِدَاخِلِهِ الْغُسْلُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِلْأَثَرِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْهَقِيّ، وَمَعْنَاهُ إذَا دَخَلَهُ فَعَرِقَ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يَغْتَسِلَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ خ ض. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيُسَنُّ الْغُسْلُ عِنْدَ دُخُولِ الْحَمَّامِ لِلتَّنْظِيفِ مِنْ الْأَعْرَاقِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِهِ، وَيُسَنُّ الْغُسْلُ أَيْضًا عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ مِنْهُ بَعْدَ الْغُسْلِ الْأَوَّلِ فَهُمَا غُسْلَانِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غُسْلُ إرَادَةِ الْخُرُوجِ بِمَاءٍ بَيْنَ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ، بَلْ إلَى الْبُرُودَةِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ فَيَقْوَى عَلَى مُلَاقَاةِ الْهَوَاءِ بَعْدَ خُرُوجِهِ لَا بِصِرْفِ الْبَارِدِ، لَا سِيَّمَا زَمَنَ الشِّتَاءِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَوْقَعَ فِي مَرَضٍ مَخُوفٍ، وَأَفْتَى الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ بِكَوْنِ الْمَاءِ الْمُغْتَسَلِ بِهِ بَعْدُ بَارِدًا صِرْفًا. قَالَ: لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُنْعِشُ الْبَدَنَ فَحَرِّرْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِيمَا تَقَدَّمَ شَيْئًا مِنْ آدَابِ الْحَمَّامِ، وَمِنْهَا تَرْكُ مَسِّ الْمَاءِ الْحَارِّ قَبْلَ الْعَرَقِ وَالصَّمْتُ، وَإِذَا خَرَجَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا سُنَّةَ الْخُرُوجِ مِنْهُ، وَكُرِهَ دُخُولُهُ قُبَيْلَ الْمَغْرِبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِشَارِ الشَّيَاطِينِ، وَهُوَ مَأْوَاهَا غَالِبًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَكُرِهَ أَيْضًا صَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الرَّأْسِ دَاخِلَهُ، وَشُرْبُهُ عَقِبَهُ؛ وَفِيهِ لَا دَلْكُ غَيْرِهِ لِمُبَاحٍ مِنْ بَدَنِهِ. قَوْلُهُ: (لِلِاعْتِكَافِ) وَإِنْ تَكَرَّرَ لَكِنْ إنْ طَالَ زَمَنُهُ عُرْفًا وَيَدْخُلُ وَقْتُ غُسْلِهِ بِإِرَادَتِهِ أَوْ بَعْدَ نِيَّتِهِ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (بِمَنْ يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ) أَيْ جَمَاعَةَ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُسَنُّ لِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ إنْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. أَمَّا الْغُسْلُ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَغَيْرُ مُسْتَحَبٍّ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِشِدَّةِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ فِيهِ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (وَلِدُخُولِ الْحَرَمِ) أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ وَحَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَحَرَمُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْسَعُ مِنْ بَلْدَتِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَفِي ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ وَلِدُخُولِهِ الْمَدِينَةَ أَيْ لَا لِدُخُولِ حَرَمِهَا، فَاعْتَمَدَ عَدَمَ النَّدْبِ لِدُخُولِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ فَلْيُحَرَّرْ، وَفِيهِ عَلَى الشَّرْحِ قَوْلُهُ وَلِدُخُولِ الْمَدِينَةِ بَعْدَ دُخُولِهَا كَمَا فِي الْحَرَمِ، وَقِيلَ عِنْدَ إرَادَةِ دُخُولِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَلِحَلْقِ الْعَانَةِ) وَكَذَا حَلْقُ الرَّأْسِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ق ل. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلِإِزَالَةِ الْعَانَةِ لِيَشْمَلَ إزَالَتَهَا بِغَيْرِ الْحَلْقِ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ق ل. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَحَلْقُ الْعَانَةِ أَيْ إزَالَتُهَا، وَلَوْ بِغَيْرِ حَلْقٍ، وَالْأَفْضَلُ لِلذَّكَرِ الْحَلْقُ وَلِغَيْرِهِ النَّتْفُ، وَقَالُوا فِي حِكْمَتِهِ، إنَّهُ يُضْعِفُ الشَّهْوَةَ، وَالْحَلْقُ يُقَوِّيهَا وَعَكَسَ الْمَالِكِيَّةُ. وَقَالُوا: لِأَنَّ نَتْفَهَا يُرْخِي الْفَرْجَ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَغَيْرِهَا أَمَّا هِيَ فَتَنْتِفُ وَغَيْرُهَا فَتَحْلِقُ، وَالْعَانَةُ اسْمٌ لِلشَّعْرِ الَّذِي فَوْقَ الذَّكَرِ وَحَوْلَهُ وَحَوْلَ قُبُلِ الْأُنْثَى وَالْغَالِبُ نَبَاتُهَا قَبْلَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً رَحْمَانِيٌّ، وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْمُعْتَدَّةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِدَّةِ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ. قَوْلُهُ: (وَلِبُلُوغِ الصَّبِيِّ بِالسِّنِّ) اُنْظُرْ وَجْهَهُ، وَلَعَلَّهُ لِاحْتِمَالِ بُلُوغِهِ بِالْإِنْزَالِ قَبْلُ، وَالْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلصَّبِيَّةِ كَمَا قَالُوا: إنَّ ذَلِكَ مِنْ أَسْرَارِ اللُّغَةِ، وَأَنَّ بُلُوغَهُ بِالِاحْتِلَامِ فَيُطْلَبُ مِنْهُ غُسْلَانِ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ ق ل. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ سَيْلَانِ الْوَادِي) أَيْ مِنْ الْمَطَرِ، وَكَذَا مِنْ النِّيلِ فِي أَيَّامِ الزِّيَادَةِ كُلَّ يَوْمٍ ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ مَجَامِعِ الْخَيْرِ) أَوْ مُبَاحٌ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْإِيعَابِ. قَالَ: لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى مَعْصِيَةٍ لَا حُرْمَةَ لَهُ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَنْعَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ، فَيَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ طَاعَةً فِي نَفْسِهِ كَحُضُورِ نَحْوِ الشَّابَّةِ لِلْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْأَمْنِ، وَحَرَامٌ مَعَ عَدَمِهِ أَوْ مَعَ عَدَمِ إذْنِ الزَّوْجِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِاسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِخَارِجٍ فَيُطْلَبُ مِنْ حَيْثُ مُطْلَقُ الِاجْتِمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ مَصْلَحَةِ الْغَيْرِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْرُبُ، وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْحُضُورِ فَلَا تُؤْمَرُ بِمَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْحُضُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَآكَدُ هَذِهِ الِاغْتِسَالَاتِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ ثُمَّ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا أَرَادَ الْغُسْلَ لِلْمَسْنُونَاتِ نَوَى أَسْبَابَهَا إلَّا الْغُسْلَ مِنْ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ يَنْوِي الْجَنَابَةَ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ انْتَهَى. وَمَحَلُّ هَذَا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: قَلَّ مَنْ جُنَّ إلَّا وَأَنْزَلَ، أَمَّا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ ثُمَّ أَفَاقَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَنْوِي السَّبَبَ كَغَيْرِهِ. فَصْلٌ: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ   [حاشية البجيرمي] قَالَ الشَّيْخُ: وَهُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ لِي الْآنَ، وَوَافَقَهُ شَيْخُنَا. لَكِنَّ الْأَقْرَبَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَمِعٌ مُبَاحٌ، وَدَفْعُ التَّغَيُّرِ لِمَصْلَحَتِهِمْ لَا لِمَصْلَحَتِهَا، وَمَا عَلَّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ طَلَبُ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ) ثُمَّ بَعْدَهُ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ، ثُمَّ مَا صَحَّ حَدِيثُهُ أَيْ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ ثُمَّ مَا كَثُرَتْ أَخْبَارُهُ الصَّحِيحَةُ، ثُمَّ مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ أَوْ كَثُرَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مَسْنُونَيْنِ ضَعُفَ دَلِيلُهُمَا فَيُقَدَّمُ مَا نَفْعُهُ أَكْثَرُ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ خ ض: وَمِنْ فَوَائِدِ مَعْرِفَةِ الْآكَدِ تَقْدِيمُهُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى أَوْ وَكَّلَ بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَنْوِي الْجَنَابَةَ) أَيْ رَفْعَهَا إنْ كَانَ صَبِيًّا نَظَرًا لِحِكْمَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ احْتِمَالُ الْإِنْزَالِ، وَاحْتِمَالُ أَنْ يُوطَأُ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ، فَلَوْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْغُسْلِ أَنَّهُ أَنْزَلَ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ السَّابِقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفِيهِ أَنَّهُ كَيْفَ يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ مَعَ أَنَّ غُسْلَهُ مَنْدُوبٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْجُنُبِ. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى ذَلِكَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَيُغْتَفَرُ عَدَمُ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَكَنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ فِيمَا يَظْهَرُ كُلُّ نِيَّةٍ تَصْلُحُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. وَهَلْ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ مَعَ غُسْلِهِ لِلْإِفَاقَةِ مِنْ الْجُنُونِ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَجَنَابَتُهُ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ؟ أَفْتَى م ر بِعَدَمِ ارْتِفَاعِ حَدَثِهِ الْأَصْغَرِ مَعَ هَذَا الْغُسْلِ، وَيُؤَيِّدُهُ حُكْمُنَا عَلَى مَاءِ الْغُسْلِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ بِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَنْوِي السَّبَبَ كَغَيْرِهِ) أَيْ: وَهُوَ الْوَجْهُ الْوَجِيهُ. وَقَوْلُ شَيْخِنَا م ر: يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَتَأَمَّلْهُ هَكَذَا قَالَهُ ق ل. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ م د كَلَامَ الرَّمْلِيِّ، وَضَعَّفَ كَلَامَ الشَّارِحِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَنْوِي السَّبَبَ بَلْ يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْلَجَ أَوْ أُولِجَ فِيهِ، وَعِبَارَةُ اج قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْوِي السَّبَبَ. قَالَ غَالِبٌ مَشَايِخُنَا: اعْتَمَدَ م ر خِلَافَهُ فَسَوَّى بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ فِي نِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ اهـ. قُلْت: قَدْ يُقَالُ إنَّ شَرْحَ م ر لَيْسَ صَرِيحًا فِيمَا يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ عِبَارَتِهِ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِي طَلَبِ الْغُسْلِ مِنْ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ لَا التَّسْوِيَةُ فِي النِّيَّةِ، وَنَصُّ عِبَارَتِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَمِلَ الصَّبِيَّ وَالْبَالِغَ اهـ. أَيْ فِي سَنِّ الْغَسْلِ لَهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِيَّتُهُمَا. أَفَادَنَا ذَلِكَ شَيْخُنَا مُحَقِّقُ عَصْرِهِ وَهُوَ بِمَكَانٍ مِنْ الدِّقَّةِ. نَعَمْ إنْ وَرَدَ نَصٌّ صَرِيحٌ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ اهـ. [فَصْلٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] ِ أَيْ فِي حُكْمِهِ وَشُرُوطِهِ وَمُدَّتِهِ وَمُبْطِلَاتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ، فَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ جَائِزٌ، وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ ثَلَاثَةُ شَرَائِطَ، وَلِلثَّالِثِ بِقَوْلِهِ وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ إلَخْ. وَلِلرَّابِعِ بِقَوْلِهِ وَيَبْطُلُ إلَخْ وَلِلْخَامِسِ بِقَوْلِهِ وَيُسَنُّ مَسْحٌ إلَخْ. وَهُوَ رُخْصَةٌ وَلَوْ لِلْمُقِيمِ، وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأَمَةِ. وَاعْتُرِضَ كَوْنُهُ رُخْصَةً بِأَنَّهَا تَكُونُ لِعُذْرٍ، وَيَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الرُّخْصَةَ هُنَا بِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَهُوَ مُطْلَقُ السُّهُولَةِ وَهُوَ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ الرِّجْلَيْنِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بِهِ بَيْنَ فَرَائِضَ، وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْهُ لَامْتَنَعَ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ، وَكَانَ ذِكْرُهُ عَقِبَ الْوُضُوءِ أَنْسَبَ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَاعَى كَوْنَهُ مَسْحًا كَالتَّيَمُّمِ فَضَمَّهُ إلَيْهِ وَقَدَّمَهُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ بِالْمَاءِ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ التَّيَمُّمِ. وَشُرِعَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمِنْهَاجِ وَقَدْ يُنَافِيهِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ قِرَاءَةَ {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بِالْجَرِّ إشَارَةٌ لِلْمَسْحِ، فَإِنَّ نُزُولَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ أَيْ عَلَى السُّنَّةِ التَّاسِعَةِ. وَالرُّخَصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ ثَمَانِيَةٌ. أَرْبَعَةٌ خَاصَّةٌ بِالطَّوِيلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وَأَخْبَارُهُ كَثِيرَةٌ كَخَبَرِ ابْنَيْ خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهَا» . وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عُلُوَّ الْخُفَّيْنِ» . وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّ قِرَاءَةَ الْجَرِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] لِلْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ (وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ) فِي الْوُضُوءِ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، فَالْوَاجِبُ عَلَى لَابِسِهِ الْغُسْلُ أَوْ الْمَسْحُ،   [حاشية البجيرمي] وَهِيَ مَسْحُ الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالْقَصْرُ، وَالْجَمْعُ وَفِطْرُ رَمَضَانَ، وَأَرْبَعَةٌ عَامَّةٌ وَهِيَ أَكْلُ الْمَيِّتَةِ وَالنَّافِلَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ، وَإِسْقَاطُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ بِرْمَاوِيٌّ وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: تَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ مِنْ أَسْفَارِ ... أَرْبَعَةٌ أَتَتْ بِلَا إنْكَارِ قَصْرٌ وَجَمْعٌ ثُمَّ فِطْرٌ بِالرَّشَدْ ... وَمَسْحُ خُفٍّ جَاءَ يَا ذَا بِالسَّنَدْ وَبِالْقَصِيرِ أَكْلُ مَيْتَةٍ أَتَى ... كَذَاك تَرْكُ جُمُعَةٍ قَدْ ثَبَتَا يَلِيهِ نَفَلٌ رَاكِبًا بِيُسْرِ ... فَذِي ثَلَاثَةٌ بِدُونِ نُكْرِ وَمَا أَتَاكَ زَائِدًا فَفِيهِ ... تَسَمُّحٌ قَدْ جَاءَ مِنْ فَقِيهِ وَكَذَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ. وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ فِي عَدِّ إسْقَاطِ الصَّلَاةِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ تَسَمُّحًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ بَلْ قَدْ يَكُونُ فِي الْحَضَرِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرُوهُ. قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) هَذَا كُنْيَتُهُ، وَاسْمُهُ نُفَيْعٌ بِالْفَاءِ مُصَغَّرُ نَفْعِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بِفَتْحَتَيْنِ كُنِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَدَلَّى مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَكْرَةٍ، فَإِنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ وَعَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ الطَّائِفِ، وَلَمْ يُمْكِنْ خُرُوجُهُ إلَّا هَكَذَا، وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ. وَبَكَرَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِهَا كَمَا فِي شُرَّاحِ مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمَسْكُونِ وَتُجْمَعُ عَلَى بَكَرٍ بِفَتْحِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُخْتَارِ. قَالَ فِيهِ: وَبَكْرَةُ الْبِئْرِ مَا يُسْتَقَى عَلَيْهَا، وَجَمْعُهَا بَكَرٌ، وَهُوَ مِنْ شَوَاذِّ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ فَعْلَةَ لَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ فَعَلٌ إلَّا أَحْرُفَ أَيْ كَلِمَاتٍ مِثْلَ حَلْقَةٍ وَحَلَقٍ وَحَمَاةٍ وَحَمَى وَبَكْرَةٍ وَبَكَرٍ وَتُجْمَعُ عَلَى بَكَرَاتٍ أَيْضًا اهـ. وَجَمْعُهَا الْقِيَاسِيُّ بِكَارٌ عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ: فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا أَوْ بَكْرٌ مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مَسْحَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَانْتَصَبَ انْتِصَابَهُ. وَقَوْلُهُ: (أَنْ يَمْسَحَ) أَيْ مَسَحَ فَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ ثَلَاثٍ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ بَدَلَ الِاشْتِمَالِ يَحْتَاجُ إلَى ضَمِيرٍ وَلَا ضَمِيرَ هُنَا إلَّا أَنْ يُقَدِّرَ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا فِيهَا، أَوْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ضَمِيرٍ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ مَالِكٍ فِي الْكَافِيَةِ، وَمِثْلُهُ بَدَلُ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ قَالَ فِيهَا: وَكَوْنُ ذِي اشْتِمَالٍ أَوْ بَعْضٍ صُحِبْ ... بِمُضْمَرٍ أَوْلَى وَلَكِنْ لَا يَجِبْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " ثَلَاثَةَ " مَعْمُولًا لِيَمْسَحَ لِأَنَّ مَعْمُولَ صِلَةِ الْحَرْفِ الْمَصْدَرِيِّ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " ظَرْفًا لِأَرْخَصَ لِفَسَادِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَظْرُوفَ يَكُونُ حَاصِلًا فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الظَّرْفِ كَمَا إذَا قُلْت: سَافَرْت يَوْمَ الْخَمِيسِ مَثَلًا، وَالتَّرْخِيصُ الْوَاقِعُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَظْرُوفًا فِي جَمِيعِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي جَرٍّ، وَمِنْهَا هُوَ وَقْتُ تَكَلُّمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ رُخْصَةٌ حَتَّى فِي الْمُقِيمِ. قَوْلُهُ: (جَائِزٌ) أَيْ الْعُدُولُ عَنْ الْغَسْلِ إلَى الْمَسْحِ جَائِزٌ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَسْحِ إذَا حَصَلَ. قَوْلُهُ: (بَدَلًا) بِمَعْنَى أَنَّهُ كَافٍ عَنْ الْغَسْلِ لَا حَقِيقَةَ الْبَدَلِيَّةِ ق ل. أَيْ فَهُوَ بَدَلٌ صُورِيٌّ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ لَا يَقَعُ بَيْنَ أَصْلٍ وَبَدَلٍ حَقِيقِيٍّ. قَوْلُهُ: (عَلَى لَابِسِهِ) خَرَجَ غَيْرُ لَابِسِهِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْغَسْلُ عَيْنًا م د. قَوْلُهُ: (الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ) فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخَرِ بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ. نَعَمْ إنْ تَرَكَ الْمَسْحَ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ أَوْ شَكًّا فِي جَوَازِهِ أَيْ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ إلَيْهِ لَا أَنَّهُ شَكَّ هَلْ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ أَوْ لَا، أَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ أَوْ عَرَفَةَ أَوْ إنْقَاذَ أَسِيرٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؟ فَالْمَسْحُ أَفْضَلُ بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ فِي الْأُولَى، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الرُّخَصِ، وَاللَّائِقُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ الْوُجُوبُ، وَخَرَجَ بِالْوُضُوءِ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَالْغُسْلُ وَلَوْ مَنْدُوبًا فَلَا مَسْحَ فِيهِمَا. وَبِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَسْحُ خُفِّ رِجْلٍ مَعَ غَسْلِ الْأُخْرَى   [حاشية البجيرمي] الْمُخَيَّرِ وَجَرَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَصْلٌ، وَالْآخَرُ بَدَلٌ. وَفِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ لَا يَكُونُ بَيْنَ الرُّخْصَةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ) أَيْ إعْرَاضًا عَمَّا جَاءَتْ بِهِ أَيْ لِنُفْرَةِ النَّفْسِ مِنْهُ وَعَدَمِ طَلَبِ النَّفْسِ لَهُ أَيْ: لَا مِنْ حَيْثُ نِسْبَتُهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا كَانَ كُفْرًا. وَقَالَ ز ي: أَيْ لِإِيثَارِهِ الْغَسْلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ سَوَاءٌ وُجِدَ فِيهِ كَرَاهِيَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ النَّظَافَةِ مَثَلًا أَمْ لَا. فَعُلِمَ أَنَّ الرَّغْبَةَ أَعَمُّ مِنْ الْكَرَاهَةِ. وَالْحَاصِلُ؛ أَنَّهُ آثَرَ الْغَسْلَ مِنْ حَيْثُ نَظَافَتُهُ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَفْضَلَ شَرْعًا. وَقَالَ شَيْخُنَا: الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ هُنَا الطَّرِيقَةُ، وَهِيَ مَسْحُ الْخُفَّيْنِ أَيْ لَمْ تَأْلَفْهُ نَفْسُهُ لِعَدَمِ التَّنْظِيفِ فِيهِ بَلْ أَلِفَتْ الْغَسْلَ لِلنَّظَافَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَكًّا) أَيْ أَوْ تَرَكَ الْمَسْحَ شَكًّا فِي دَلِيلِ جَوَازِهِ لِنَحْوِ مُعَارِضٍ كَآيَةِ الْوُضُوءِ الدَّالَّةِ عَلَى الْغَسْلِ فَهِيَ مُعَارِضَةٌ لِدَلِيلِ الْمَسْحِ فَيَشُكُّ هَلْ دَلِيلُ الْمَسْحِ مُتَقَدِّمٌ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا بِدَلِيلِ الْغَسْلِ أَوْ لَا. وَهَلْ أَحَدُهُمَا أَرْجَحُ مِنْ الْآخَرِ، وَالتَّعَارُضُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّرْجِيحِ كَالنَّوَوِيِّ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِوُجُوبِ عَمَلِهِ بِقَوْلِ إمَامِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ الدَّلِيلِ. قَوْلُهُ: (أَيْ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ إلَيْهِ) بِأَنْ خَيَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ الْقَاصِرَةُ شُبْهَةً فِي الدَّلِيلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا. وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ تَوَقَّفَ الشِّعَارُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْمَسْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ع ش. وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً غَيْرَهَا، وَإِلَّا كَانَ الْغَسْلُ أَفْضَلَ. وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةَ الْجُمُعَةِ، وَإِلَّا وَجَبَ الْمَسْحُ اج. قَوْلُهُ: (أَوْ عَرَفَةَ) أَيْ أَوْ فَوْتُ عَرَفَةَ، وَانْظُرْ مَا صُورَتُهُ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الْمُحْرِمَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ لُبْسُ الْمَخِيطِ، وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ لِعُذْرٍ كَبَرْدٍ اهـ اج عَلَى الْمَنْهَجِ، أَوْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا كَانَ وَقْتُ الْمَسْحِ حَلَالًا، وَمُرَادُهُ الْإِحْرَامُ إذَا وَصَلَ عَرَفَةَ وَوُصُولُهَا يَفُوتُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْغَسْلِ وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ قَوْلُهُ: أَوْ خَافَ فَوْتَ عَرَفَةَ بِأَنْ كَانَ لَوْ اشْتَغَلَ بِغَسْلِ قَدَمَيْهِ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ خَافَ فَوْتَ عَرَفَةَ أَوْ إنْقَاذِ أَسِيرٍ أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ، وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالْغَسْلِ خَرَجَ الْوَقْتُ، أَوْ خَشِيَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي فِي الْجُمُعَةِ، أَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ عَلَى مَيِّتٍ خِيفَ انْفِجَارُهُ لَوْ غَسَلَ وَجَبَ الْمَسْحُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (أَوْ إنْقَاذِ) أَيْ أَوْ فَوْتَ إنْقَاذِ فَهُوَ بِالْجَرِّ، وَلَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ فَوْتُ عَرَفَةَ وَإِنْقَاذُ غَرِيقٍ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْغَرِيقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إنْقَاذَ رُوحٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِطْفِيحِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَسِيرِ بِضِيقِ الْوَقْتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ مَسَحَ أَنْقَذَ الْأَسِيرَ، أَمَّا عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ فَلَا نُوجِبُ عَلَيْهِ الْغَسْلَ وَلَا الْمَسْحَ، بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إنْقَاذُ الْأَسِيرِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) كَضِيقِ وَقْتِ الصَّلَاةِ عَنْ الْغَسْلِ وَضِيقِ الْمَاءِ عَنْهُ، فَتَكُونُ الصُّوَرُ سَبْعًا قَوْلُهُ: (بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ) لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ فَالْمَسْحُ أَفْضَلُ أَنَّ مُقَابِلَ الْمَسْحِ وَهُوَ الْغَسْلُ خِلَافُ الْأَوْلَى أَضْرَبَ عَنْهُ وَقَالَ: بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَتَرْكُهُ يَتَحَقَّقُ بِالْغَسْلِ. قَوْلُهُ: (فِي الْأُولَى) أَيْ وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَيَجِبُ الْمَسْحُ فِيمَا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (إزَالَةُ النَّجَاسَةِ) كَأَنْ دَمِيَتْ رِجْلُهُ فِي الْخِلَافِ، فَأَرَادَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ بَدَلًا مِنْ غَسْلِهَا. وَقَوْلُهُ: (وَالْغَسْلُ) بِأَنْ أَجْنَبَ مَثَلًا وَأَرَادَ أَنْ يَمْسَحَ بَدَلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَنْدُوبًا) . فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَقُلْ: وَلَوْ مَنْدُوبِينَ لِيَشْمَلَ النَّجَاسَةَ الْمَعْفُوَّ عَنْهَا؛ إذْ تُنْدَبُ إزَالَتُهَا؟ قُلْت: لَمَّا كَانَتْ النَّجَاسَةُ الْأَصْلُ فِي إزَالَتِهَا الْوُجُوبُ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ بَعْضِهَا تَسْهِيلًا عَلَى الْعِبَادِ، وَلَا كَذَلِكَ الْغَسْلُ، فَإِنَّ أَصْلَهُ يَكُونُ وَاجِبًا، وَيَكُونُ مَنْدُوبًا قَالَ ذَلِكَ اهـ م د. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ مَنْدُوبًا رَاجِعٌ لِلْقِسْمَيْنِ بِتَأْوِيلِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْحَ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ أَيْ الْعُدُولُ عَنْ الْغَسْلِ إلَيْهِ، فَالْجَوَازُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ، وَقَدْ يَجِبُ فِيمَا إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَكْفِيهِ لِلْمَسْحِ وَهُوَ لَابِسٌ لِلْخُفِّ عَلَى طَهَارَةٍ وَلَا يَكْفِي لِلْغَسْلِ، وَقَدْ يَحْرُمُ مَعَ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِأَنْ كَانَ لَابِسُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 فَلَا يَجُوزُ. وَلِلْأَقْطَعِ لُبْسُ خُفٍّ فِي السَّالِمَةِ إلَّا إنْ بَقِيَ بَعْضُ الْمَقْطُوعَةِ فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ حَتَّى يُلْبِسَ ذَلِكَ الْبَعْضَ خُفًّا، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلِيلَةً لَمْ يَجُزْ إلْبَاسُ الْأُخْرَى الْخُفَّ لِلْمَسْحِ عَلَيْهِ؛ إذْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْعَلِيلَةِ فَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْمَسْحُ، (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) وَتَرَكَ رَابِعًا كَمَا سَتَعْرِفُهُ، الْأَوَّلُ: (أَنْ يَبْتَدِئَ) مُرِيدُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ (لُبْسَهُمَا بَعْدَ كَمَالِ) أَيْ تَمَامِ (الطَّهَارَةِ) مِنْ الْحَدَثَيْنِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، فَلَوْ لَبِسَهُمَا قَبْلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ، وَغَسَلَهُمَا فِي الْخُفَّيْنِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ إلَّا أَنْ يَنْزِعَهُمَا مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ، ثُمَّ يَدْخُلَهُمَا فِي الْخُفَّيْنِ. وَلَوْ أَدْخَلَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ غَسْلِهَا ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَأَدْخَلَهَا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ إلَّا أَنْ يَنْزِعَ الْأُولَى مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ ثُمَّ   [حاشية البجيرمي] مُحْرِمًا، وَمَعَ الْإِجْزَاءِ فِي الْخُفِّ الْمَغْصُوبِ، وَقَدْ يُنْدَبُ إذَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ أَيْ فِي دَلِيلِهِ، وَقَدْ يُكْرَهُ فِيمَا إذَا كَانَ ضَيِّقًا لَا يَتَّسِعُ عَنْ قُرْبٍ فَكَمَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بِهِ يُكْرَهُ لُبْسُهُ م د. قَوْلُهُ: (مَعَ غَسْلِ الْأُخْرَى) فَلَا يَجُوزُ أَيْ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الشَّارِعَ إذَا خَيَّرَ مُكَلَّفًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْتَكِبَ خَصْلَةً ثَالِثَةً. قَوْلُهُ: (إذْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى إلْبَاسِ الصَّحِيحَةِ، وَيُقَالُ: إنَّ الْعَلِيلَةَ كَالْمَفْقُودَةِ، فَقَوْلُهُ: إذْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْعَلِيلَةِ أَيْ إلَّا إذَا تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَغَسَلَهَا وَأَلْبَسهَا الْخُفَّ كَالصَّحِيحَةِ فَيَمْسَحُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ لِلتَّيَمُّمِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ) أَيْ فِي وُجُوبِ التَّطْهِيرِ، فَكَمَا أَنَّ الصَّحِيحَةَ لَا يَصِحُّ إلْبَاسُهَا إلَّا بَعْدَ طُهْرِهَا بِالْمَاءِ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ لَا يَصِحُّ إلْبَاسُهَا إلَّا بَعْدَ الطُّهْرِ عَنْهَا بِالتَّيَمُّمِ فَيَجِبُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْعَلِيلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: بِثَلَاثِ مِنْ غَيْرِ تَاءٍ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ جَمْعُ شَرِيطَةٍ فَهُوَ مُؤَنَّثٌ فَيَكُونُ مَعْدُودُهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ مِنْ غَيْرِ تَاءٍ. وَأَجَابَ سم: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرَائِطِ هُنَا الشُّرُوطُ جَمْعُ شَرْطٍ فَشَرَائِطُ مُذَكَّرٌ تَأْوِيلًا وَإِنْ كَانَ مُؤَنَّثًا لَفْظًا. قَوْلُهُ: (مُرِيدُ الْمَسْحِ) . اعْتَرَضَهُ ق ل بِأَنَّ فِيهِ حَذْفَ الْفَاعِلِ مِنْ الْمَتْنِ. قَالَ: وَلَوْ بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ وَكَانَ اللُّبْسُ نَائِبَ فَاعِلٍ كَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ مَا لَوْ أَلْبَسهَا غَيْرُهُ لَهُ؛ إذْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ اللُّبْسِ بِفِعْلِهِ اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِتَسَامُحِ الشَّارِحِ فِي حَذْفِ أَدَاةِ التَّفْسِيرِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْفَاعِلِ الْمُضْمَرِ لَا الْمَحْذُوفِ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ قَوْلَهُ: " مَرِيدُ " بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ اهـ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ) وَلَوْ بِالتَّيَمُّمِ الْمَحْضِ لَا لِفَقْدِ الْمَاءِ بِأَنْ تَيَمَّمَ لِنَحْوِ مَرَضٍ كَجِرَاحَةٍ ثُمَّ تَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفِّ مَعَ كَوْنِ الْمَاءِ يَضُرُّهُ وَهُوَ حَرَامٌ اهـ اج. وَأَمَّا إذَا كَانَ التَّيَمُّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ، فَإِنَّ الْمَسْحَ لَا يَصِحُّ وَلَا يُوجَدُ حِينَئِذٍ طُهْرٌ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ لِبُطْلَانِهَا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ تَمَامِ) فَسَّرَ الْكَمَالَ بِالتَّمَامِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ إرَادَةِ مُكَمِّلَاتِ الطَّهَارَةِ، وَهِيَ الْمَنْدُوبَاتُ كَالتَّثْلِيثِ وَالدَّلْكِ أَيْ وَيَسْتَمِرُّ الطُّهْرُ إلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ الْقَدَمُ فِي مَحَلِّهِ، وَهَذَا الْقَيْدُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي وَلَوْ ابْتَدَأَ اللُّبْسَ بَعْدَ غَسْلِهِمَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ لَبِسَهُمَا) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَاضِيَ فِي الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا الْمُضَارِعُ فَبِفَتْحِهَا. قَالَ تَعَالَى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا} [الكهف: 31] وَاحْتُرِزَ بِالْمَحْسُوسَةِ عَنْ الْمَعْنَوِيَّةِ فَإِنَّهُ فِي الْمَاضِي بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَفِي الْمُضَارِعِ بِكَسْرِهَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَلَبَسْنَا} [الأنعام: 9] أَيْ خَلَطْنَا {عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: بِعَيْنِ مُضَارِعٍ فِي لُبْسِ ثَوْبٍ ... أَتَى حَذْفٌ وَفِي الْمَاضِي بِكَسْرِ وَفِي خَلْطِ الْأُمُورِ أَتَى بِعَكْسٍ ... لِعَيْنِهِمَا فَخُذْهُ بِغَيْرِ عُسْرِ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَنْزِعَ الْأُولَى مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ) كَانَ الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: إلَّا أَنْ يَنْزِعَ الْأُولَى كَذَلِكَ ثُمَّ يُدْخِلَهَا كَمَا عَبَّرَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قُطِعَتْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى فَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْمَسْحِ مِنْ نَزْعِ الْأُولَى وَعَوْدِهَا، وَأَمَّا لَوْ لَبِسَ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى بَعْدَ طُهْرِهَا فَقُطِعَتْ الْيُمْنَى، فَلَا يُكَلَّفُ نَزْعُ خُفِّ الْيُسْرَى لِوُقُوعِهِ بَعْدَ كَمَالِ الطُّهْرِ ع ش. قَالَ الْعَلَّامَةُ ز ي. فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 يُدْخِلَهَا فِي الْخُفِّ. وَلَوْ غَسَلَهُمَا فِي سَاقِ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا مَوْضِعَ الْقَدَمِ جَازَ الْمَسْحُ. وَلَوْ ابْتَدَأَ اللُّبْسَ بَعْدَ غَسْلِهِمَا ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ وُصُولِهِمَا إلَى مَوْضِعِ الْقَدَمِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدَثَانِ فَغَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ عَنْهُمَا وَلَبِسَ الْخُفَّ قَبْلَ غَسْلِ بَاقِي بَدَنِهِ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَهُ قَبْلَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ فَإِنْ قِيلَ: لَفْظَةُ: " كَمَالِ " لَا حَاجَةَ إلَيْهَا، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطُّهْرِ أَنْ يَكُونَ كَامِلًا، وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ عَلَى الْوَجِيزِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَيْدِ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا يَنْتَظِمُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ عَلَى طُهْرٍ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ تَأْكِيدًا أَوْ لِاحْتِمَالِ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْبَعْضِ. (وَ) الثَّانِي مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ يَكُونَا) أَيْ الْخُفَّانِ (سَاتِرَيْنِ لِمَحَلِّ غَسْلِ الْفَرْضِ مِنْ الْقَدَمَيْنِ) فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ الْقَدَمُ بِكَعْبَيْهِ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ لَا مِنْ الْأَعْلَى، فَلَوْ رُئِيَ الْقَدَمُ مِنْ أَعْلَاهُ كَأَنْ كَانَ وَاسِعَ الرَّأْسِ لَمْ يَضُرَّ عَكْسُ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ،   [حاشية البجيرمي] قُلْت: هَلَّا اكْتَفَى بِاسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ كَالِابْتِدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ؟ قُلْت: إنَّمَا يَكُونُ كَالِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ الِابْتِدَاءُ صَحِيحًا، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَسَلَهُمَا فِي سَاقِ الْخُفَّيْنِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَارِدَةٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " أَنْ يَبْتَدِئَ " وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي بَعْدَهَا وَارِدَةٌ عَلَى مَنْطُوقِهِ؛ إذْ يَصْدُقُ أَنَّهُ ابْتَدَأَ اللُّبْسَ بَعْدَ كَمَالِ الطُّهْرِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ لِنَقْضِ الْوُضُوءِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ. قَوْلُهُ: (فِي سَاقِ الْخُفَّيْنِ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ غَسَلَهُمَا فِي قَدَمِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ابْتَدَأَ اللُّبْسَ بَعْدَ غَسْلِهِمَا إلَخْ) يُشِيرُ إلَى بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ الِابْتِدَاءِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ الْإِجْزَاءُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. اهـ. ع ش عَلَى الْغَزِّيِّ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ وُصُولِهِمَا) خَرَجَ مَا لَوْ كَانَ بَعْدَ الْوُصُولِ أَوْ مَعَهُ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ فِي الْمُقَارَنَةِ بِأَنْ يُنَزَّلَ وُصُولُهُمَا لِمَحَلِّ الْقَدَمِ مَعَ الْحَدَثِ مَنْزِلَةَ الْوُصُولِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْحَدَثِ لِقُوَّةِ الطَّهَارَةِ، وُجِدَ فِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ خِلَافُهُ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ ع ش. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِ الْمَسْحُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ أَيْ لَمْ يَصِحَّ نَظَرًا لِأَصْلِ عَدَمِ اللُّبْسِ، وَفَارَقَ مَا لَوْ كَانَ لَابَسَ الْخُفَّ بِشَرْطِهِ ثُمَّ أَزَالَهُمَا مِنْ مَقَرِّهِمَا إلَى سَاقِ الْخُفِّ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ شَيْءٌ. قَالُوا: لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ لِاسْتِصْحَابِهِمْ الْأَصْلَ وَهُوَ اللُّبْسُ الصَّحِيحُ فَتَلَخَّصَ أَنَّهُمْ نَظَرُوا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ لِأَصْلِهَا اهـ اج. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطُّهْرِ إلَخْ) قَالَ ق ل: هَذَا السُّؤَالُ نَاشِئٌ عَنْ اتِّحَادِ مَعْنَى الطَّهَارَةِ وَالطُّهْرِ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ اهـ. قُلْت: هُمَا مُتَلَازِمَانِ إنْ لَمْ يَكُونَا مُتَّحِدَيْنِ، وَلَكِنْ كَانَ الْأَنْسَبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطَّهَارَةِ لِيُلَائِمَ الْمَتْنَ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِاحْتِمَالِ تَوَهُّمِ إلَخْ) ؛ أَيْ لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ الْمُحْتَمَلِ أَيْ الَّذِي تَحْتَمِلُهُ الْعِبَارَةُ، وَلَوْ قَالَ: لِدَفْعِ تَوَهُّمِ إلَخْ كَانَ أَوْضَحَ. وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ إشَارَةً لِرَدِّ قَوْلِ الْمُزَنِيِّ: إنَّهُ إذَا غَسَلَ رِجْلًا فَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى كَذَلِكَ، وَأَدْخَلَهَا، فَإِنَّ لُبْسَهُ صَحِيحٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَعَ لُبْسِهِ لِلْأُولَى قَبْلَ كَمَالِ الطُّهْرِ. هَذَا، وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ أَوْ فَيَقُولُ: تَأْكِيدًا لِاحْتِمَالِ أَيْ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ التَّأَكُّدَ إنَّمَا يَأْتِي لِدَفْعِ الْمَجَازِ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْخُفَّانِ) التَّعْبِيرُ بِهِمَا جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ فِيمَا لَوْ خَلِقَ لَهُ أَزْيَدَ مِنْ رِجْلَيْنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي إجْزَاءِ الْمَسْحِ مِنْ لُبْسِ خُفٍّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِمَّا يَجِبُ غَسْلُهَا فِي الْوُضُوءِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُبَيَّنِ ثَمَّ وَالْمَسْحُ عَلَيْهِ وَالسَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ فِيمَا لَوْ كَانَ لَهُ فِي كُلِّ جَانِبٍ قَدَمَانِ عَلَى سَاقٍ أَنَّهُ لَا يَكْفِي جَمْعُ كُلِّ قَدَمَيْنِ فِي الْخُفِّ، نَعَمْ إنْ الْتَصَقَا اتَّجَهَتْ كِفَايَةُ ذَلِكَ سم. قَوْلُهُ: (مِنْ الْقَدَمَيْنِ) هَكَذَا فِي نُسَخِ الْمَتْنِ، وَمِنْ فِيهِ بَيَانِيَّةٌ أَيْ: مَحَلُّ غَسْلِ الْفَرْضِ هُوَ الْقَدَمَانِ لَكِنَّهُ يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ، وَهُوَ الْقَدَمُ بِكَعْبَيْهِ إلَخْ. وَلِذَا رَأَيْنَا فِي عِدَّةِ نُسَخٍ مِنْ الشَّارِحِ إسْقَاطُ لَفْظَةِ: " مِنْ الْقَدَمَيْنِ " فَتَأَمَّلْ م د. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيَانُ مَحَلِّ غَسْلِ الْفَرْضِ بِالْقَدَمَيْنِ فِيهِ قُصُورٌ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْكَعْبَيْنِ بَيَّنَ الشَّارِحُ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ إلَخْ. فَلَا تَكْرَارَ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْقَدَمُ بِكَعْبَيْهِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ لِمَحَلِّ غَسْلِ الْفَرْضِ، وَإِضَافَةُ غَسْلٍ لِلْفَرْضِ لِلْبَيَانِ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ) مُتَعَلِّقٌ بِسَائِرِينَ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الشَّمْسُ ح ف أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا وَقَوِيًّا عِنْدَ اللُّبْسِ، فَإِذَا كَانَ غَيْرَ سَاتِرٍ عِنْدَ اللُّبْسِ ثُمَّ صَارَ سَاتِرًا بَعْدَهُ لَمْ يَكْفِ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْخُفِّ، فَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا عِنْدَ اللُّبْسِ اهـ. وَاعْتَبَرَ ابْنُ حَجَرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 فَإِنَّهُ مِنْ الْأَعْلَى وَالْجَوَانِبِ لَا مِنْ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّ الْقَمِيصَ مَثَلًا فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ يُتَّخَذُ لِسَتْرِ أَعْلَى الْبَدَنِ، وَالْخُفُّ يُتَّخَذُ لِسَتْرِ أَسْفَلِ الرِّجْلِ، فَإِنْ قَصُرَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ أَوْ كَانَ بِهِ تَخَرُّقٌ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ ضَرَّ وَلَوْ تَخَرَّقَتْ الْبِطَانَةُ أَوْ الظِّهَارَةُ وَالْبَاقِي صَفِيقٌ لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا ضَرَّ، وَلَوْ تَخَرَّقَتَا مِنْ مَوْضِعَيْنِ غَيْرِ مُتَحَاذِيَيْنِ لَمْ يَضُرَّ، وَالْمُرَادُ بِالسَّتْرِ هُنَا الْحَيْلُولَةُ لَا مَا يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ فَيَكْفِي الشَّفَّافُ عَكْسَ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا مَنْعُ نُفُوذِ الْمَاءِ وَثَمَّ مَنْعُ الرُّؤْيَةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْخُفِّ عُسْرُ غَسْلِ الرِّجْلِ بِسَبَبِ السَّاتِرِ، وَقَدْ حَصَلَ، وَالْمَقْصُودُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ سَتْرُهَا بِجِرْمٍ عَنْ الْعُيُونِ، وَلَمْ يَحْصُلْ، وَلَا يُجْزِي مَنْسُوجٌ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ إلَى الرِّجْلِ مِنْ غَيْرِ مَحَلِّ الْخَرَزِ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ صَفَاقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الْخِفَافِ أَنَّهَا تَمْنَعُ النُّفُوذَ فَتَنْصَرِفُ إلَيْهَا النُّصُوصُ. الدَّالَّةُ عَلَى التَّرَخُّصِ فَيَبْقَى الْغُسْلُ وَاجِبًا فِيمَا عَدَاهَا. (وَ) الثَّالِثُ مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ يَكُونَا) مَعًا (مِمَّا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ عَلَيْهِمَا) لِتَرَدُّدِ مُسَافِرٍ لِحَاجَتِهِ عِنْدَ الْحَطِّ   [حاشية البجيرمي] ذَلِكَ وَقْتَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْمُدَّةِ اهـ. فَإِنْ كَانَ وَقْتَ اللُّبْسِ مُتَنَجِّسًا وَطَهُرَ قَبْلَ الْحَدَثِ كَفَى، وَعِبَارَةُ م ر وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي وَمَنْ تَبِعَهُ فِي أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَسْتَفِيدُ بِهِ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ بَعْدَهُ اهـ بِحُرُوفِهِ، وَقَوْلُهُ: وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ أَيْ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الْمَسْحِ قَبْلَ غَسْلِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي أَيْ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَهُ الْمَسْحُ مَعَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فَاللُّبْسُ صَحِيحٌ بِاتِّفَاقٍ، وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي صِحَّةِ الْمَسْحِ وَعَدَمِهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ م ر. وَإِنْ كَانَ جُعِلَ طَاهِرًا فِي عِبَارَةِ الْمَنْهَجِ حَالًا يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ اللُّبْسِ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَالَ الرَّشِيدِيُّ قَوْلُهُ: فَلَا يَكْفِي نَجِسٌ إلَى قَوْلِهِ: وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ أَيْ لَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ فَلَيْسَتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا لِلُّبْسِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَخَرَّقَتْ الْبِطَانَةُ أَوْ الظِّهَارَةُ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (الشَّفَّافُ) كَالزُّجَاجِ وَالْبِلَّوْرِ أَيْ: لَوْ فُرِضَ تَتَابُعُ الْمَشْيِ عَلَيْهِمَا. قَالَ خ ض: وَمِنْ نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ رُؤْيَةُ الْمَبِيعِ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ، وَهِيَ لَا تَكْفِي؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ نَفْيُ الضَّرَرِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِهَا؛ إذْ الشَّيْءُ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ يُرَى غَالِبًا عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (مَنَعَ نُفُوذَ الْمَاءِ) أَيْ بِنَفْسِهِ فَلَوْ كَانَ مُشَمَّعًا وَمَنَعَ الشَّمْعُ نُفُوذَ الْمَاءِ لَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِمَنْعِ نُفُوذِهِ عَنْ قُرْبٍ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ) أَيْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْخُفِّ وَسَاتِرِ الْعَوْرَةِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ حَصَلَ) أَيْ بِالشَّفَّافِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَحْصُلْ) أَيْ بِالشَّفَّافِ. قَوْلُهُ: (مَنْسُوجٌ) لَوْ أَسْقَطَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَعَمَّ ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ مَحَلِّ الْخَرَزِ) أَيْ فَلَا يَضُرُّ نُفُوذُ الْمَاءِ مِنْ مَحَلِّ الْخَرَزِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ وُصُولِ الْمَاءِ مِنْ مَحَلِّهِ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (لَوْ صُبَّ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَاءِ الَّذِي يَمْنَعُ الْخُفُّ نُفُوذَهُ مَاءُ الصَّبِّ أَيْ وَقْتَ الصَّبِّ فَلَا يَضُرُّ نُفُوذُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ خِلَافًا لِلْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ حَيْثُ قَالَ: الَّذِي أَقَرَّنِي عَلَيْهِ شَيْخِي وَوَالِدِي أَنَّ الْمُرَادَ مَاءُ الْمَسْحِ، وَرُدَّ بِأَنَّ أَدْنَى شَيْءٍ يَمْنَعُ مَاءَ الْمَسْحِ. وَفِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ: وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَاءِ الْغَسْلِ لَا بِمَاءِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَبِتَقْدِيرِ نُفُوذِهِ فَالْعِبْرَةُ بِهِمَا مَعًا لَا بِمَاءِ الْمَسْحِ فَقَطْ كَمَا قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ اهـ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ صَفَاقَتِهِ) أَيْ قُوَّتِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْغَالِبَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا يُجْزِئُ مَنْسُوجٌ؛ الْمُعَلَّلُ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ صَفَاقَتِهِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْمُعَلَّلِ بِعِلَّتِهِ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّحَّاتِ رَغِيفٌ لِلَّهِ كَرَامَةً لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَوْلُهُ: (أَنَّهَا تَمْنَعُ النُّفُوذَ) أَيْ بِذَاتِهَا لَا بِوَاسِطَةِ نَحْوِ شَمْعٍ كَزِفْتٍ، وَمِمَّا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ الْجُوخُ الثَّقِيلُ فَلَوْ جُعِلَ خُفٌّ مِنْهُ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. 1 - فَائِدَةٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ خُفٌّ قَوِيٌّ وَهُوَ أَسْفَلُ الْكَعْبَيْنِ، وَلَكِنْ خِيطَ عَلَيْهِ السَّرَاوِيلُ الْجُوخُ الْمَانِعُ مِنْ الْمَاءِ هَلْ يَكْفِي الْمَسْحُ حِينَئِذٍ أَوْ لَا؟ نَظَرًا لِصُورَةِ الْخُفِّ قَبْلَ وَصْلِهِ بِالسَّرَاوِيلِ، فَأَفْتَيْت بِجَوَازِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ الْآنَ لَابِسٌ لِخُفٍّ شَرْعِيٍّ سَاتِرٍ لِمَحَلِّ الْكَعْبَيْنِ؛ إذْ لَا يَتَقَاعَدُ ذَلِكَ عَنْ خُفٍّ مُلَفَّقٍ مِنْ قِطَعِ جُلُودٍ خِيطَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَإِنْ صَغُرَتْ الْقِطَعُ اهـ اج. قَوْلُهُ: (مِمَّا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْإِمْكَانِ هُنَا السُّهُولَةُ لَا ضِدُّ الِامْتِنَاعِ، وَإِلَّا لَوَرَدَ الضِّيقُ وَغَيْرُهُ مِمَّا لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 وَالتَّرْحَالِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَلَوْ كَانَ لَابِسُهُ مُقْعَدًا. وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الْمُتَرَدَّدِ فِيهَا، فَضَبَطَهُ الْمَحَامِلِيُّ بِثَلَاثِ لَيَالٍ فَصَاعِدًا. وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الْمُعْتَمَدُ مَا ضَبَطَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ تَقْرِيبًا انْتَهَى. وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِحَوَائِجِ سَفَرِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ وَنَحْوِهِ، وَسَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ سَفَرَ قَصْرٍ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَجِبُ نَزْعُهُ، فَقُوَّتُهُ تُعْتَبَرُ بِأَنْ يُمْكِنَ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِذَلِكَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُتَّخَذُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ كَلِبَدٍ وَخِرَقٍ مُطَبَّقَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ لِمَا ذُكِرَ لِثِقَلِهِ كَالْحَدِيدِ، أَوْ لِتَحْدِيدِ رَأْسِهِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ الثُّبُوتِ أَوْ ضَعْفِهِ كَجَوْرَبِ الصُّوفِيَّةِ وَالْمُتَّخَذِ مِنْ جِلْدٍ ضَعِيفٍ، أَوْ لِغِلَظِهِ كَالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ، أَوْ لِفَرْطِ سَعَتِهِ أَوْ ضِيقِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ إذْ لَا حَاجَةَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، وَلَا فَائِدَةَ فِي إدَامَتِهِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الضَّيِّقُ يَتَّسِعُ بِالْمَشْيِ فِيهِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي عَنْ قُرْبٍ: كَفَى الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: الَّذِي أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَا طَاهِرَيْنِ فَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ اُتُّخِذَ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ قَبْلَ   [حاشية البجيرمي] يَسْهُلُ فِيهِ التَّتَابُعُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: مِمَّا يُمْكِنُ أَيْ يَسْهُلُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدَ الْمَشْيُ بِالْفِعْلِ، وَالْمُرَادُ الْأَرْضُ الَّتِي يَغْلِبُ الْمَشْيُ فِي مِثْلِهَا لَا نَحْوُ شَدِيدَةِ الْوَعْرِ. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِمَا) أَيْ فِيهِمَا كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْوَجْهُ اعْتِبَارُ الْقُوَّةِ مِنْ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّ بِهِ دُخُولَ وَقْتِ الْمَسْحِ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ تَرَدُّدُ الْمُقِيمِ فِيهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ لَا مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ لَمْ يَكْفِ قَالَهُ م ر سم. قَوْلُهُ: (وَالتَّرْحَالِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَشْيُ وَالتَّرَدُّدُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا الْمَشْيُ فِي قَطْعِ الْمَسَافَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ لَابِسُهُ مُقْعَدًا) أَيْ عَاجِزًا. قَوْلُهُ: (وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ) مُعْتَمَدٌ قَوْلُهُ: (التَّرَدُّدُ فِيهِ) أَيْ عَلَى الِانْفِرَادِ مِنْ غَيْرِ إعَانَةٍ بِغَيْرِهِ كَمَدَاسٍ. اهـ. ق ل. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الْمُقِيمِ حَاجَاتُ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ حَاجَاتِ الْإِقَامَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْخِفَافِ الضَّعِيفَةِ؛ خِلَافًا لِلْعَبَّادِيِّ. وَأَيْضًا لِأَنَّ حَاجَاتِ الْمُقِيمِ لَا تَنْضَبِطُ بِخِلَافِ حَاجَاتِ الْمُسَافِرِ؛ إذْ قَدْ يَمْكُثُ الْمُقِيمُ طُولَ نَهَارِهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّ حَوَائِجَهُ مَضْبُوطَةٌ أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ مَعَ زِيَادَةٍ. قَالَ سم: وَلَوْ أَرَادَ الْمُسَافِرُ مَسْحَ مُدَّةِ الْمُقِيمِ، وَكَانَ يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ مُدَّتَهَا فَقَطْ كَفَى، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَالْمُعْتَبَرُ حَاجَاتُ الْمُسَافِرِ الْغَالِبَةُ فِي الْأَرْضِ الْغَالِبَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا لِلْمُسَافِرِ، خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ فِي اعْتِبَارِهِ فِي الْمُقِيمِ حَاجَاتِ الْإِقَامَةِ، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْقُوَّةِ بِأَوَّلِ الْمُدَّةِ لَا عِنْدَ كُلِّ مَسْحٍ وَلَوْ قَوِيَ عَلَى دُونِ مُدَّةِ الْمُسَافِرِ، وَفَوْقَ مُدَّةِ الْمُقِيمِ أَوْ قَدْرَهَا فَلَهُ الْمَسْحُ بِقَدْرِ قُوَّتِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ) مُحْتَرَزُ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (لَمَا ذَكَرَ) أَيْ لِلتَّرَدُّدِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِتَحْدِيدِ رَأْسِهِ) أَيْ بِأَنْ جُعِلَتْ رَأْسُهُ أَيْ أَعْلَاهُ مِنْ نَحْوِ حَدِيدٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَوْ ضِعْفُهُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الضَّعْفُ بِفَتْحِ الضَّادِ لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَبِضَمِّهَا لُغَةُ قُرَيْشٍ خِلَافُ الْقُوَّةِ وَالصِّحَّةِ فَالْمَضْمُومُ مَصْدَرُ ضَعُفَ مِثْلُ قَرُبَ قُرْبًا وَالْمَفْتُوحُ مَصْدَرُ ضَعَفَ مِنْ بَابِ قَتَلَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْمَفْتُوحَ فِي الرَّأْيِ وَالْمَضْمُومَ فِي الْجَسَدِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْجَمْعُ ضُعَفَاءُ وَضِعَافٌ أَيْضًا وَجَاءَ ضَعَفَةٌ وَضَعْفَى قَوْلُهُ: (كَجَوْرَبِ الصُّوفِيَّةِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْوَاوِ السَّاكِنَةِ وَالرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ مَا يُلْبَسُ مَعَ النَّعْلِ كَخِفَافِ الْقُضَاةِ رَحْمَانِيٌّ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ الَّذِي يُلْبَسُ مَعَ الْمُكَعَّبِ أَيْ الْبَابُوجِ وَمِنْهُ خِفَافُ الْفُقَهَاءِ وَالْقُضَاةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْمُزِّ. اهـ. . قَوْلُهُ: (وَالْمُتَّخَذِ مِنْ جِلْدٍ ضَعِيفٍ) عَطْفٌ عَلَى جَوْرَبِ الصُّوفِيَّةِ عَطْفَ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِفَرْطِ سَعَتِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ الضِّيقُ يَتَّسِعُ) أَيْ أَوْ يَضِيقَ الْمُتَّسِعُ أَيْضًا عَنْ قُرْبٍ كَأَنْ غَسَلَهُ فِي الْمَاءِ مَثَلًا ع ش. قَوْلُهُ: (عَنْ قُرْبٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَتَّسِعُ. قَوْلُهُ: (كَفَى الْمَسْحُ عَلَيْهِ) هَذَا عُلِمَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ أَوْ يَأْتِي بِهِ مُفَرَّعًا بِأَنْ يَقُولَ: فَيَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَا طَاهِرَيْنِ) أَيْ حَالَةَ اللُّبْسِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ ق ل. وَعِبَارَةُ سم عَلَى الْمَتْنِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الدِّبَاغِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَفَائِدَةُ الْمَسْحِ، وَإِنْ لَمْ تَنْحَصِرْ فِيهَا فَالْقَصْدُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ الصَّلَاةُ، وَغَيْرُهَا تَبَعٌ لَهَا؛ وَلِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ، وَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ وَهِيَ لَا تَطْهُرُ عَنْ الْحَدَثِ مَا لَمْ تَزُلْ نَجَاسَتُهَا، فَكَيْفَ يُمْسَحُ عَنْ الْبَدَلِ وَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الْمَسْحِ، وَمَا عَدَاهَا مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ، كَالتَّابِعِ لَهَا كَمَا مَرَّ. نَعَمْ لَوْ كَانَ عَلَى الْخُفِّ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا، وَمَسَحَ مِنْ أَعْلَاهُ مَا لَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ صَحَّ مَسْحُهُ، فَإِنْ مَسَحَ عَلَى النَّجَاسَةِ زَادَ التَّلْوِيثُ وَلَزِمَهُ حِينَئِذٍ غَسْلُهُ وَغَسْلُ يَدِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.   [حاشية البجيرمي] وَالظَّاهِرُ أَنَّ طَهَارَتَهُمَا غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ فِي صِحَّةِ لُبْسِهِمَا حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِمَا نَجَاسَةٌ لَا يُعْفَى عَنْهَا حَالَ اللُّبْسِ، ثُمَّ أَزَالَهَا قَبْلَ الْمَسْحِ أَجْزَأَ، نَعَمْ تَعَبُّدُ صِحَّةِ لُبْسِ نَجَسِ الْعَيْنِ كَالْمُتَّخَذِ مِنْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ حَالَ لُبْسِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: قَبْلَ الْمَسْحِ ظَاهِرُهُ، وَإِنْ أَحْدَثَ قَبْلَ غَسْلِهِ، لَكِنْ فِي ابْنِ حَجَرٍ مَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الْغَسْلِ قَبْلَ الْحَدَثِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَاحْفَظْهُ وَلَا تَأْخُذْ بِعُمُومِ عِبَارَةٍ إلَّا إذَا لَمْ تَرَ الْمَنْقُولَ اهـ اج. وَمِثْلُهُ ع ش عَلَى م ر. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ فَاعْتَبَرَ ح ف وُجُودُهَا عِنْدَ اللُّبْسِ، وَسَوَّى بَعْضُهُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّهَارَةِ فَقَالَ: يَكْفِي وُجُودُهَا قَبْلَ الْحَدَثِ وَإِنْ فُقِدَتْ عِنْدَ اللُّبْسِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ) أَيْ مِمَّا مَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ لَا نَحْوُ سَمَكٍ وَآدَمِيٍّ وَإِنْ حَرُمَ فِيهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ. بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ أَغْلَظُ مِنْ اللُّبْسِ م د. قَوْلُهُ: (وَفَائِدَةُ الْمَسْحِ وَإِنْ لَمْ تَنْحَصِرْ فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ أَيْ فَلَا يُعْتَرَضُ بِعَدَمِ اطِّرَادِ التَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ عَدَمُ صِحَّةِ مَسْحِ الْخُفِّ إذَا كَانَ عَلَى الرِّجْلِ حَائِلٌ. مِنْ نَحْوِ شَمْعٍ، أَوْ تَحْتَ أَظْفَارِهَا وَسَخٌ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ عَنْ الْحَدَثِ مَعَ وُجُودِ مَا ذُكِرَ، وَالْمُعْتَمَدُ صِحَّةُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مَعَ وُجُودِ الْحَائِلِ ز ي وسم وَا ج. وَنَقَلَهُ ع ش عَلَى م ر عَنْ سم عَلَى الْمَنْهَجِ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَائِلِ وَنَجَاسَةِ الرِّجْلِ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ مُنَافِيَةٌ لِلصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودُ بِالْوُضُوءِ وَلَا كَذَلِكَ الْحَائِلُ هُنَا اهـ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَلَوْ كَانَ فِي الرِّجْلِ نَجَسٌ لَا يُعْفَى عَنْهُ أَوْ شَوْكَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ وَسَخٌ تَحْتَ الْأَظْفَارِ امْتَنَعَ الْمَسْحُ اهـ. وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالنَّظَرِ لِلنَّجَاسَةِ وَعِبَارَةُ غَيْرِ الشَّارِحِ: وَلِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلُ الرِّجْلِ وَهِيَ لَا تُغْسَلُ فِي الْوُضُوءِ مَا لَمْ تَزُلْ نَجَاسَتُهَا، فَكَذَا بَدَلُهَا، وَهِيَ أَظْهَرُ وَأَخْصَرُ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ لَا تَطْهُرُ عَنْ الْحَدَثِ) فَأَعْطَى الْخُفَّ حُكْمَ الرِّجْلِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ) أَيْ مَا لَمْ يَغْسِلْهُ قَبْلَ الْحَدَثِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الصَّلَاةَ) عِلَّةٌ لِلْمُتَنَجِّسِ وَمَا تَقَدَّمَ عِلَّةٌ لِلنَّجِسِ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (كَالتَّابِعِ لَهَا) فِيهِ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا وَغَيْرُهَا تَبَعٌ لَهَا وَلَمْ يَأْتِ بِالْكَافِ، وَلَعَلَّ الْعِبَارَةَ الثَّانِيَةَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (مَا لَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ) فَإِنْ مَسَحَ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ لَمْ يَعْفُ عَنْهَا، وَقَوْلُهُمْ: مَاءُ الطَّهَارَةِ إذَا أَصَابَ النَّجَاسَةَ الْمَعْفُوَّ عَنْهَا لَمْ يَضُرَّ مَحَلُّهُ إذَا أَصَابَهَا لَا قَصْدًا ح ل. قَوْلُهُ: (صَحَّ مَسْحُهُ) وَإِنْ سَالَ إلَيْهَا، نَعَمْ إنْ عَمَّتْ النَّجَاسَةُ الْمَعْفُوُّ عَنْهَا الْخُفَّ لَمْ يَبْعُدْ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهَا قَالَهُ م ر. قَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَلَا يُكَلَّفُ الْمَسْحَ بِخِرْقَةٍ بَلْ لَهُ الْمَسْحُ بِيَدِهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بِالْكَيْفِيَّةِ الْآتِيَةِ، وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا م د وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْجَوَازِ هَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى أَقَلِّ مُجْزِئٍ أَوْ يَفْعَلُ الْمَطْلُوبَ؟ قَالَ شَيْخُنَا: كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي. وَبَقِيَ مَا لَوْ عَمَّتْ النَّجَاسَةُ الْمَعْفُوُّ عَنْهَا الْعِمَامَةَ هَلْ يَجُوزُ التَّكْمِيلُ عَلَيْهَا كَالْخُفِّ إذَا عَمَّتْهُ أَوْ لَا؟ وَيُفَرَّقُ. قَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا: الْأَوْجَهُ الثَّانِي وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ فِي الْخُفِّ ضَرُورِيٌّ لِعُمُومِ النَّجَاسَةِ، فَلَا مَحِيدَ عَنْ الْمَسْحِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعِمَامَةُ فَإِنَّ مَسْحَهَا لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، بَلْ تَابِعٌ لِمَسْحِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ وَهُوَ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ، وَهُوَ فَرْقٌ جَلِيٌّ اهـ اج. وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ شُرُوطَ التَّكْمِيلِ عَلَى الْعِمَامَةِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا اهـ. وَقَوْلُهُ: بَلْ لَهُ الْمَسْحُ بِيَدِهِ؛ إذْ فِي تَكْلِيفِهِ نَحْوَ الْخِرْقَةِ مَشَقَّةٌ خُصُوصًا مَعَ تَكَرُّرِ الطَّهَارَةِ، وَلِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ غَسْلَ يَدِهِ بَعْدَ الْمَسْحِ بِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ أَيْضًا، وَيُعْفَى عَنْهَا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ وَمَسِّ ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَائِعِ وَالْمَاءِ الْقَلِيلِ إلَّا أَنَّ قِيَاسَ الْعَفْوِ عَنْ إصْلَاحِ نَحْوِ فَتِيلَةٍ زَيْتُهَا مُتَنَجِّسٌ بِأُصْبُعِهِ، وَإِخْرَاجِ طَعَامٍ بِيَدٍ تَنَجَّسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 فَرْعٌ: لَوْ خَرَزَ خُفَّهُ بِشَعْرٍ نَجِسٍ، وَالْخُفُّ أَوْ الشَّعْرُ رَطْبٌ طَهُرَ بِالْغُسْلِ ظَاهِرُهُ دُونَ مَحَلِّ الْخَرَزِ وَيُعْفَى عَنْهُ، فَلَا يُنَجِّسُ الرِّجْلَ الْمُبْتَلَّةَ وَيُصَلِّي فِيهِ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأَطْعِمَةِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّحْقِيقِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهِ. (وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ) وَلَوْ عَاصِيًا بِإِقَامَتِهِ وَالْمُسَافِرُ سَفَرًا قَصِيرًا أَوْ طَوِيلًا وَهُوَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ، وَكَذَا كُلُّ سَفَرٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقَصْرُ (يَوْمًا وَلَيْلَةً) كَامِلَيْنِ فَيَسْتَبِيحُ بِالْمَسْحِ مَا يَسْتَبِيحُهُ بِالْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، (وَ) يَمْسَحُ (الْمُسَافِرُ) سَفَرَ قَصْرٍ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ) فَيَسْتَبِيحُ بِالْمَسْحِ مَا يَسْتَبِيحُهُ بِالْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ الْخَبَرُ السَّابِقُ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ: سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ فَقَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» . وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهِنَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ مُتَّصِلَةٍ بِهَا سَوَاءٌ أَسَبَقَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ لَيْلَتُهُ أَمْ لَا. فَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ أَوْ الْيَوْمِ   [حاشية البجيرمي] بَعْضُهَا بِنَجَاسَةٍ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، الْعَفْوُ هُنَا أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَائِعِ وَالْمَاءِ الْقَلِيلِ نَقَلَهُ الْإِطْفِيحِيُّ عَنْ ع ش. قَوْلُهُ: (بِشَعْرٍ نَجِسٍ) وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَالْخُفُّ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَجْرِي الْعَفْوُ أَيْضًا فِي نَحْوِ الْقُرَبِ وَالرَّوَايَا وَالدِّلَاءِ الْمَخْرُوزَةِ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ شَعْرَهُ كَالْإِبَرِ مَثَلًا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ خَرَزَ خُفَّهُ بِشَعْرٍ نَجَسٍ مَعَ رُطُوبَتِهِ أَوْ رُطُوبَةِ الْخُفِّ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِغَسْلِهِ دُونَ مَحَلِّ الْخَرَزِ، وَيُعْفَى عَنْهُ فَلَا يُحْكَمُ بِتَنَجُّسِ رِجْلِهِ الْمُبْتَلَّةِ، وَيُصَلِّي فِيهِ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (طَهُرَ بِالْغُسْلِ) وَفِي الْمُغَلَّظِ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ الطَّهُورِ وَيُصَلِّي فِيهِ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَلَكِنَّ الْأَحْوَطَ تَرَكَهُ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَاصِيًا بِإِقَامَتِهِ) كَعَبْدٍ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِالسَّفَرِ فَأَقَامَ، وَلَمَّا كَانَتْ الْإِقَامَةُ لَيْسَتْ سَبَبًا لِلْمَسْحِ صَحَّ مَعَ الْعِصْيَانِ بِهَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ) أَيْ ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً فَيَشْمَلُ الْعَاصِيَ بِالسَّفَرِ فِي السَّفَرِ، كَأَنْ أَنْشَأَهُ طَاعَةً ثُمَّ قَلَبَهُ مَعْصِيَةً فَيَقْتَصِرُ حِينَئِذٍ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ عَصَى بَعْدَ كَمَالِهِمَا نَزَعَ حَالًا. قَوْلُهُ: (وَكَذَا كُلُّ سَفَرٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقَصْرُ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا كَالْهَائِمِ. قَوْلُهُ: (فَيَسْتَبِيحُ بِالْمَسْحِ) وَغَايَةُ مَا يَسْتَبِيحُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ سَبْعُ صَلَوَاتٍ إنْ جَمَعَ بِالْمَطَرِ، وَإِلَّا فَسِتَّ صَلَوَاتٍ كَأَنْ أَحْدَثَ يَوْمَ الْأَحَدِ مَثَلًا بَعْدَ الزَّوَالِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْعِشَاءَ ثُمَّ الصُّبْحَ ثُمَّ الظُّهْرَ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، ثُمَّ فِي حَالِ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ فَجَمَعَ الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، فَهَذِهِ سَبْعَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ فَهِيَ سِتَّةٌ. وَقَوْلُهُ: وَيَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَخْ. وَغَايَةُ مَا يَسْتَبِيحُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ سَبْعَ عَشْرَةَ إنْ جَمَعَ بِالسَّفَرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، وَإِلَّا فَسِتَّ عَشْرَةَ وَالْمِثَالُ كَالْأَوَّلِ بِحَالِهِ فَتَقُولُ: كَأَنْ أَحْدَثَ يَوْمَ الْأَحَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيَتَطَهَّرُ وَيَمْسَحُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَبَقِيَّةَ صَلَوَاتِ يَوْمِ الْأَحَدِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ عَشَرَةً ثُمَّ صُبْحَ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ وَظُهْرَهَا ثُمَّ جَمَعَ عَصْرَهَا مَعَ الظُّهْرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ لِأَجْلِ السَّفَرِ، فَهَذِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ صَلَاةً فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ كَانَتْ سِتَّ عَشْرَةَ، وَمَحَلُّ هَذَا فِي كُلٍّ مِنْ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمُؤَدَّاةِ، أَمَّا الْمَقْضِيَّاتُ فَلَا حَصْرَ لَهَا وَالْجَمْعُ بِالْمَطَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقِيمِ وَبِالسَّفَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسَافِرِ، وَهُوَ جَمْعُ تَقْدِيمٍ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (مَا يَسْتَبِيحُهُ بِالْوُضُوءِ) أَيْ الْكَامِلِ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ) أَيْ وَلَوْ ذَهَابًا وَإِيَابًا شَرْحُ م ر. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ قَوْلُهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ مَقْصِدَهُ، يُقَالُ فِي تَصْوِيرِ ذَلِكَ بِأَنْ يُسَافِرَ إلَى غَيْرِ مَحَلِّ إقَامَتِهِ، وَإِذَا وَصَلَ وَلَمْ يَنْوِ إقَامَةً تَقْطَعُ السَّفَرَ فَإِنَّهُ يَتَرَخَّصُ ذَهَابًا وَإِيَابًا مُدَّةَ الثَّلَاثَةِ اهـ اج. وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا بِعَائِدٍ مِنْ سَفَرِهِ لِغَيْرِ وَطَنِهِ لِحَاجَةٍ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهِنَّ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِقَوْلِهِ كَالْحَدِيثِ " وَلَيَالِيهِنَّ " تَغْلِيبٌ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ أَحْدَثَ وَقْتَ الْفَجْرِ اهـ م د. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهِنَّ إلَخْ. جَوَابٌ عَنْ اعْتِرَاضٍ وَهُوَ أَنَّ لَيْلَةَ الْيَوْمِ هِيَ السَّابِقَةُ عَلَيْهِ لَا الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْهُ، وَالْمُسَافِرُ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ مُطْلَقًا كَمَا يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَذَلِكَ، وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِلَيَالِيِهِنَّ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَا إذَا كَانَ عِنْدَ الْفَجْرِ فَلَا يَمْسَحُ سِوَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 اُعْتُبِرَ قَدْرُ الْمَاضِي مِنْهُ مِنْ اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ أَوْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ يُقَالُ فِي مُدَّةِ الْمُقِيمِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ دَائِمَ الْحَدَثِ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فَيَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى لُبْسِهِ وَالِارْتِفَاقِ بِهِ كَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الصَّلَاةَ بِطَهَارَتِهِ فَيَسْتَفِيدُ الْمَسْحَ أَيْضًا، لَكِنْ لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِهِ غَيْرَ حَدَثِهِ الدَّائِمِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِوُضُوءِ اللُّبْسِ فَرْضًا مَسَحَ لِفَرِيضَةٍ فَقَطْ، وَلِنَوَافِلَ وَإِنْ أَحْدَثَ، وَقَدْ صَلَّى بِوُضُوءِ اللُّبْسِ فَرْضًا لَمْ يَمْسَحْ إلَّا لِنَفْلٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مَسْحَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى طُهْرِهِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ فَرِيضَةً أُخْرَى وَجَبَ نَزْعُ الْخُفِّ، وَالطُّهْرُ الْكَامِلُ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا زَادَ عَلَى فَرِيضَةٍ وَنَوَافِلَ، فَكَأَنَّهُ لَبِسَ عَلَى حَدَثٍ حَقِيقَةً فَإِنَّ طُهْرَهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى الْمَذْهَبِ. أَمَّا حَدَثُهُ الدَّائِمُ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى اسْتِئْنَافِ طُهْرٍ، نَعَمْ إنْ أَخَّرَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الطُّهْرِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا   [حاشية البجيرمي] وَلَيْلَتَيْنِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ لِلْيَوْمِ الرَّابِعِ لِسَبْقِهَا عَلَيْهِ. فَأَجَابَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا ذُكِرَ وَفَارَقَ الْخِيَارَ فِي أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا يَسْتَفِيدَانِ اللَّيْلَةَ الْمَذْكُورَةَ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِيَ لِلُّبْسِ مَوْجُودٌ فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ، بِخِلَافِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْخِيَارِ، وَهُوَ التَّرَوِّي، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُهُ إلَى تِلْكَ اللَّيْلَةِ، بَلْ الْغَالِبُ حُصُولُهُ قَبْلَهَا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى إدْخَالِهَا وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ نَصَّ عَلَيْهَا فَلْيُحَرَّرْ. قَوْلُهُ: (أَمْ لَا) أَيْ لَمْ يَسْبِقْ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ لَيْلَتَهُ بِأَنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ وَتَسْمِيَتُهَا لَيْلَتَهُ لِاتِّصَالِهَا بِهِ، وَإِلَّا فَهِيَ لَيْلَةُ الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ سَابِقُ النَّهَارِ فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَحْدَثَ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَنْهَجِ عَدَمَ التَّفْرِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَمَا أُلْحِقَ بِهِ) الظَّاهِرُ: وَمِنْ أُلْحِقَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا أَصْلُ وَضْعِهَا لِمَا لَا يَعْقِلُ. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) الْمُرَادُ مِنْ هَذَا التَّنْبِيهِ أَنَّ دَائِمَ الْحَدَثِ إنَّمَا يُبَاحُ لَهُ الْمَسْحُ لِفَرْضٍ وَاحِدٍ فَمَسْحُهُ كَطَهَارَةِ الْمُتَيَمِّمِ أَيْ كَتَيَمُّمِ الْمُتَيَمِّمِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ مَسْحًا يُغْنِيهِ عَنْ الْغَسْلِ مُدَّةَ الْمُقِيمِ. قُلْنَا: بَلْ لِذَلِكَ فَائِدَةٌ، وَهِيَ الْعِلْمُ بِأَنَّ لَهُ الْمَسْحَ فِي الْجُمْلَةِ وَأَنَّهُ يُغْنِيهِ عَنْ الْغَسْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّوَافِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَمِرًّا جَمِيعَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (شَمِلَ إطْلَاقُهُ) أَيْ فِي الْمَاسِحِ وَالْمُدَّةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَمْسَحُ تِلْكَ الْمُدَّةَ لِلنَّوَافِلِ بِأَنْ تَرَكَ الْفَرَائِضَ. قَوْلُهُ: (كَالْمُسْتَحَاضَةِ) أَيْ غَيْرَ مُتَحَيِّرَةٍ. أَمَّا الْمُتَحَيِّرَةُ فَإِنْ اغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ الْخُفَّ مَسَحَتْ لِلنَّوَافِلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ. قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ) وَيُشْتَرَطُ فِي خُفِّهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ فِيهِ التَّرَدُّدُ لِحَوَائِجِ سَفَرِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ وَثَلَاثَةٍ لِلْمُسَافِرِ سَفَرَ قَصْرٍ، وَإِنْ كَانَ يُجَدِّدُ اللُّبْسَ لِكُلِّ فَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ وَمَسَحَ لِلنَّوَافِلِ اسْتَوْفَى الْمُدَّةَ بِكَامِلِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا شَمِلَهُ الْإِطْلَاقُ الْمَذْكُورُ. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ دَائِمِ الْحَدَثِ الْوُضُوءُ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ التَّيَمُّمُ لِنَحْوِ جُرْحٍ وَمَحْضُ التَّيَمُّمِ لَا لِفَقْدِ الْمَاءِ، بَلْ لِنَحْوِ مَرَضٍ بِأَنْ تَكَلَّفَ الثَّانِي غَسْلَ أَعْضَائِهِ غَيْرَ الرِّجْلَيْنِ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ يَضُرُّهُ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَضُرَّ، لَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِحُصُولِ الشِّفَاءِ، وَهَذَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى خَلْفِ مَلْبُوسٍ عَلَى تَيَمُّمٍ مَحْضٍ بِغَيْرِ فَقْدِ الْمَاءِ. اهـ. ح ل. أَيْ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي لَبِسَ عَلَيْهِ الْخُفَّ هُوَ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَبِيحُ بِهِ فَرْضًا وَنَوَافِلَ، أَوْ نَوَافِلَ فَقَطْ، ثُمَّ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ عَلَى التَّيَمُّمِ تَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفِّ فَإِنَّ وُضُوءَهُ هَذَا يَسْتَبِيحُ بِهِ فَرْضًا وَنَوَافِلَ إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ الَّذِي لَبِسَ عَلَيْهِ الْخُفَّ فَرْضًا أَوْ نَوَافِلَ فَقَطْ إنْ كَانَ صَلَّى بِهِ فَرْضًا، وَقَدْ يُقَالُ: لَا فَائِدَةَ فِي لُبْسِ الْخُفِّ عَلَى التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لُبْسُهُ لِدَفْعِ بَرْدٍ مَثَلًا، أَوْ لِيَمْسَحْ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إذَا شَفِيَ وَتَوَضَّأَ أَوْ إذَا تَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ وَتَوَضَّأَ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ) الْمُرَادُ بِالْحَدَثِ هُنَا الْمَنْعُ أَيْ مَمْنُوعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَكَأَنَّهُ) الْأَوْلَى فَهُوَ كَمَا يَدُلُّ لَهُ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ طُهْرَهُ إلَخْ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ اسْتَعْمَلَ كَأَنَّ فِي الْأَمْرِ الْمُحَقَّقِ. قَوْلُهُ: (لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدَثِ الْمَنْعَ كَانَ الْمَعْنَى لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ رَفْعًا عَامًّا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَمْرَ الِاعْتِبَارِيَّ كَانَ الْمَعْنَى لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَصْلًا لَا رَفْعًا عَامًّا وَلَا خَاصًّا شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (أَمَّا حَدَثُهُ الدَّائِمُ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى اسْتِئْنَافِ طُهْرٍ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفْلِ فَقَطْ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ نَفْلًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وَحَدَثُهُ يَجْرِي بَطَلَ طُهْرُهُ. (وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ) لِلْمَسْحِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ (مِنْ حِينِ) انْقِضَاءِ الزَّمَنِ الَّذِي (يُحْدِثُ) فِيهِ (بَعْدَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ) لِأَنَّ وَقْتَ جَوَازِ الْمَسْحِ يَدْخُلُ بِذَلِكَ فَاعْتُبِرَتْ مُدَّتُهُ مِنْهُ فَإِذَا أَحْدَثَ وَلَمْ يَمْسَحْ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ لُبْسًا عَلَى طَهَارَةٍ، أَوْ لَمْ يُحْدِثْ لَمْ تُحْسَبْ الْمُدَّةُ، وَلَوْ بَقِيَ شَهْرًا مَثَلًا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ فَكَانَ ابْتِدَاءُ وَقْتِهَا مِنْ حِينِ جَوَازِ فِعْلِهَا كَالصَّلَاةِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُدَّةَ لَا تُحْسَبُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْتَغْرِقُ غَالِبًا الْمُدَّةَ، وَأَشْكَلَ إطْلَاقُهُمْ الْحَدَثَ الْحَدَثُ بِالنَّوْمِ وَاللَّمْسِ وَالْمَسِّ وَهُوَ كَذَلِكَ. (فَإِنْ) (مَسَحَ) بَعْدَ الْحَدَثِ الْمُقِيمُ (فِي الْحَضَرِ) عَلَى خُفَّيْهِ (ثُمَّ سَافَرَ) سَفَرَ قَصْرٍ (أَوْ) (مَسَحَ) الْمُسَافِرُ عَلَى خُفَّيْهِ (فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ) قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ (أَتَمَّ) كُلٌّ مِنْهُمَا (مَسْحَ مُقِيمٍ) تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ لِأَصَالَتِهِ، فَيُقْتَصَرُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى مُدَّةِ حَضَرٍ، وَكَذَا فِي الثَّانِي إنْ أَقَامَ قَبْلَ مُدَّتِهِ كَمَا مَرَّ، وَإِلَّا وَجَبَ النَّزْعُ وَيَجْزِيهِ مَا زَادَ عَلَى مُدَّةِ الْمُقِيمِ وَلَوْ مَسَحَ إحْدَى رِجْلَيْهِ حَضَرًا ثُمَّ سَافَرَ وَمَسَحَ الْأُخْرَى سَفَرًا أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ مَسَحَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَهُوَ عَاصٍ ثُمَّ الْأُخْرَى بَعْدَ تَوْبَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ.   [حاشية البجيرمي] مَا شَاءَ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِفَرْضٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِطُهْرِهِ إلَّا فَرْضًا وَاحِدًا فَقَطْ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ حَدَثَهُ غَيْرَ الدَّائِمِ كَحَدَثِهِ الدَّائِمِ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بِهِ إلَّا فَرْضًا وَاحِدًا فَقَطْ. قَوْلُهُ: (بَطَلَ طُهْرُهُ) ظَاهِرُهُ حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفْلِ أَيْ فَيَسْتَأْنِفُ طَهَارَةً، وَيَمْسَحُ وَلَا يَنْزِعُ الْخُفَّ إلَّا إذَا صَلَّى فَرْضًا، وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ آخَرَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَأْخِيرَهُ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ لَا لِمَصْلَحَتِهَا بِمَنْزِلَةِ حَدَثِهِ غَيْرِ الدَّائِمِ، فَيَبْطُلُ طُهْرُهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ أَحْدَثَ غَيْرَ حَدَثِهِ الدَّائِمِ اهـ شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ حِينِ يُحْدِثُ) حِينَ مِنْ أَسْمَاءِ الزَّمَانِ يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الْجُمْلَةِ، وَيَجُوزُ فِيهِ حِينَئِذٍ الْإِعْرَابُ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَتْحِ، ثُمَّ تَارَةً يَكُونُ الْبِنَاءُ أَرْجَحَ وَبِالْعَكْسِ، فَالْأَوَّلُ إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً فِعْلُهَا مَبْنِيٌّ وَالثَّانِي إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً فِعْلُهَا مُعْرَبٌ كَمَا هُنَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَاخْتَرْ بِنَا مَتْلُوِّ فِعْلٍ بُنِيَا ... وَقَبْلَ فِعْلٍ مُعْرَبٍ أَوْ مُبْتَدَا أَعْرِبْ وَمَنْ بَنَى فَلَنْ يُفَنَّدَا أَيْ لَنْ يُغَلَّطَ فَإِنْ أُضِيفَ لِمُفْرَدٍ وَجَبَ إعْرَابُهُ كَمَا فِي حَلِّ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ وَقْتَ جَوَازِ الْمَسْحِ) أَيْ الرَّافِعِ لِلْحَدَثِ فَلَا يُنَافِي جَوَازَ التَّجْدِيدِ وَالْمَسْحِ قَبْلَ الْحَدَثِ ق ل. قَوْلُهُ: (يَدْخُلُ بِذَلِكَ) أَيْ بِانْقِضَاءِ الزَّمَنِ الَّذِي يُحْدِثُ فِيهِ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَمْسَحْ إلَخْ) بِأَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فِي الْمُدَّةِ لِعُذْرٍ كَجُنُونٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَذَلِكَ) هَذَا ضَعِيفٌ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُدَّةَ تُحْسَبُ مِنْ ابْتِدَاءِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ شَأْنَهَا أَنْ تَقَعَ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْخَارِجِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ، وَمِثْلُهُ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ، فَإِنَّ الْمُدَّةَ تُحْسَبُ مِنْ آخِرِهِ لِأَنَّ شَأْنَهُ أَنْ لَا يَقَعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ مُبْتَلًى بِإِطَالَةِ نَحْوِ الْغَائِطِ. اهـ. م د. فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَوَّلَ الْمُدَّةِ مِنْ آخِرِ الْحَدَثِ إنْ كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ، وَمِنْ أَوَّلِهِ إنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ كَاللَّمْسِ وَالْمَسِّ وَالنَّوْمِ كَمَا ذَكَرَهُ م ر. وَلْيُنْظَرْ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَنْ اعْتَادَ نُزُولَ النُّقْطَةِ الْمَعْرُوفَةِ حَيْثُ أَلْزَمُوهُ بِذَلِكَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ انْقِطَاعُهَا هَلْ تُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ الِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا تُحْسَبُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الِاسْتِبْرَاءِ؟ قَالَ ع ش: الْعِبْرَةُ بِالِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ فَتُحْسَبُ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَّةِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ تَقَارَنَ اللَّمْسُ وَخُرُوجُ الْخَارِجِ هَلْ تُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ انْتِهَاءِ الثَّانِي؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ لَحُسِبَتْ مِنْ ابْتِدَائِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ) قَصَرَهُ عَلَى ذَلِكَ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ، فَلِمَ لَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ كَأَنْ أَقَامَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَمْ يُكْمِلْ مُدَّةَ سَفَرٍ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ كَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهَا مَا لَوْ أَقَامَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ. قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ أَيْ ابْتِدَاءً بِالنِّسْبَةِ لِلصُّورَةِ الْأُولَى وَانْتِهَاءً بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ. قَوْلُهُ: (إنْ أَقَامَ قَبْلَ مُدَّتِهِ) أَيْ الْحَضَرِ قَوْلُهُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَسْحِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْحَدَثِ حَضَرًا، وَإِنْ تَلَبَّسَ بِالْمُدَّةِ وَلَا بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ حَضَرًا، وَعِصْيَانُهُ إنَّمَا هُوَ بِالتَّأْخِيرِ لَا بِالسَّفَرِ الَّذِي بِهِ الرُّخْصَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْخُفِّ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا؛ لِأَنَّ الْخُفَّ تُسْتَوْفَى بِهِ الرُّخْصَةُ لَا أَنَّهُ الْمُجَوِّزُ لِلرُّخْصَةِ، بِخِلَافِ مَنْعِ الْقَصْرِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ؛ إذْ الْمُجَوِّزُ لَهُ السَّفَرُ فَيَكْفِي الْمَسْحُ عَلَى الْمَغْصُوبِ وَالدِّيبَاجِ الصَّفِيقِ وَالْمُتَّخَذِ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ لِلرَّجُلِ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، وَاسْتَثْنَى فِي الْعُبَابِ مَا لَوْ كَانَ اللَّابِسُ لِلْخُفِّ مُحْرِمًا بِنُسُكٍ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْصُوبِ أَنَّ الْمُحْرِمَ مَنْهِيٌّ عَنْ اللُّبْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لُبْسٌ فَصَارَ كَالْخُفِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ لُبْسِ الْمَغْصُوبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي اسْتِعْمَالِ مَالِ الْغَيْرِ، وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ جِلْدَ الْآدَمِيِّ إذَا اتَّخَذَ مِنْهُ خُفًّا،، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ ، وَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى جُرْمُوقٍ وَهُوَ خُفٌّ فَوْقَ خُفٍّ إنْ كَانَ فَوْقَ قَوِيٍّ ضَعِيفًا كَانَ أَوْ قَوِيًّا لِوُرُودِ الرُّخْصَةِ فِي الْخُفِّ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَالْجُرْمُوقُ لَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَإِنْ دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ أَمْكَنَهُ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ بَيْنَهُمَا، وَيَمْسَحَ الْأَسْفَلَ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ضَعِيفٍ كَفَى إنْ كَانَ قَوِيًّا؛ لِأَنَّهُ الْخُفُّ، وَالْأَسْفَلُ كَاللِّفَافَةِ، وَإِلَّا فَلَا كَالْأَسْفَلِ إلَّا أَنْ يَصِلَ إلَى الْأَسْفَلِ الْقَوِيِّ مَاءٌ فَيَكْفِي إنْ كَانَ بِقَصْدِ مَسْحِ الْأَسْفَلِ   [حاشية البجيرمي] وَمِثْلُ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْعَاصِيَ بِالسَّفَرِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِقَامَةِ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا لَوْ مَسَحَ فِي سَفَرِ طَاعَةٍ ثُمَّ عَصَى بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَصَى فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَخْ) كَأَنْ أَحْدَثَ الْمُتَهَيِّئُ لِلسَّفَرِ وَقْتَ الظُّهْرِ مَثَلًا وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ، ثُمَّ إنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ سَفَرًا فَإِنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ. فَإِنْ قُلْت: هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَاصٍ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا وَالْعَاصِي لَا يَمْسَحُ إلَّا مَسْحَ مُقِيمٍ. قُلْت: قَدْ أَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَعِصْيَانُهُ إنَّمَا هُوَ بِالتَّأْخِيرِ إلَخْ. وَالْمُصِرُّ إنَّمَا هُوَ الْعِصْيَانُ بِالسَّفَرِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَا بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْقَائِلِ إذَا مَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ حَضَرًا يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ لِعِصْيَانِهِ. قَوْلُهُ: (فَيَكْفِي الْمَسْحُ عَلَى الْمَغْصُوبِ) وَكَذَا الرِّجْلُ الْمَغْصُوبَةُ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ رِجْلَ غَيْرِهِ غَصْبًا وَلَصَقَهَا بِعُضْوِ نَفْسِهِ وَحَلَّتْهَا الْحَيَاةُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِحُلُولِ الْحَيَاةِ وَيُكْتَفَى بِاتِّصَالِ مَا وَصَلَهُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ لِحَوَائِجِهِ لِتَنْزِيلِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَنْزِلَةَ الرِّجْلِ الْأَصْلِيَّةِ ع ش. قَوْلُهُ: (الصَّفِيقِ) أَيْ الْقَوِيِّ. قَوْلُهُ: (لِلرِّجْلِ) وَاسْتَظْهَرَ فِي الْإِيعَابِ تَحْرِيمَهُ مِنْ نَقْدٍ عَلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِالْآنِيَةِ أَشْبَهُ بِهَا مِنْ الْحُلِيِّ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ حُلِيٌّ فَهُوَ غَالِبًا إنَّمَا يَأْتِي مِنْ مِئَاتٍ فَلَا يَجُوزُ لِلسَّرَفِ كَمَا فِي خَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا مِثْقَالٍ اهـ طب. فَقَوْلُ الشَّارِحِ لِلرِّجْلِ لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ كَانَ اللَّابِسُ لِلْخُفِّ مُحْرِمًا) فَلَوْ أُبِيحَ لَهُ لُبْسُ الْخُفِّ لِعُذْرٍ كَبَرْدٍ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ فِيمَا يَظْهَرُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَوَجْهُهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ خُفِّ الْمُحْرِمِ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ، وَبَيْنَ الْمَغْصُوبِ. وَقَوْلَهُ: وَالْفَرْقُ هُوَ وَجْهُ الظُّهُورِ. قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ صَاحِبِ الْعُبَابِ. قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ) أَيْ فَيَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر. لَا يُقَالُ هَلَّا قِيلَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ هُنَا كَمَا مَنَعُوا صِحَّةَ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَشْرُوعُ هُنَا اللُّبْسُ وَهُوَ لَا يَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ لُبْسًا وَهُنَاكَ الْمَسْحُ، وَقَدْ حَرُمَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَسْحًا عَلَى الْفَرْجِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى جُرْمُوقٍ) وَأَصْلُهُ بِلُغَةِ الْفُرْسِ جُرْمُوكُ فَغَيَّرَهُ الْعَرَبُ وَقَالُوا جُرْمُوقٌ فَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ قَوْلُهُ وَهُوَ خُفٌّ فَوْقَ خُفٍّ فَهُوَ اسْمٌ لِلْأَعْلَى. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ فَوْقَ قَوِيٍّ) هُوَ قَيْدٌ لِلْحُكْمِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْجُرْمُوقِ أَنَّ الْخُفَّيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَا قَوِيَّيْنِ أَوْ ضَعِيفَيْنِ، أَوْ الْأَعْلَى قَوِيٌّ وَالْأَسْفَلُ ضَعِيفٌ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنْ كَانَا ضَعِيفَيْنِ فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى قَوِيًّا فَهُوَ الْخُفُّ وَالْأَسْفَلُ كَاللِّفَافَةِ، وَإِنْ كَانَا قَوِيَّيْنِ أَوْ كَانَ الْأَسْفَلُ قَوِيًّا فَقَطْ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الشَّرْحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ وَالْمَدَابِغِيُّ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْأَعْلَى ضَعِيفًا أَيْضًا فَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الْأَسْفَلِ، وَلَوْ خَاطَ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ كَانَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ لَهُ ظِهَارَةٌ وَبِطَانَةٌ ق ل. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَصِلَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 فَقَطْ أَوْ بِقَصْدِ مَسْحِهِمَا مَعًا أَوْ لَا بِقَصْدِ مَسْحِ شَيْءٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إسْقَاطَ الْفَرْضِ بِالْمَسْحِ، وَقَدْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ لَا بِقَصْدِ مَسْحِ الْجُرْمُوقِ فَقَطْ، فَلَا يَكْفِي لِقَصْدِهِ مَا لَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِ فَقَطْ، وَيُتَصَوَّرُ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى الْأَسْفَلِ فِي الْقَوِيَّيْنِ بِصَبِّهِ فِي مَحَلِّ الْخَرْزِ. فَرْعٌ: لَوْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى جَبِيرَةٍ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ فَوْقَ مَمْسُوحٍ كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَسُنَّ مَسْحُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ وَحَرْفِهِ خُطُوطًا بِأَنْ يَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ الْعَقِبِ، وَالْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ الْأَصَابِعِ، ثُمَّ يُمِرُّ الْيُمْنَى إلَى آخِرِ سَاقِهِ وَالْيُسْرَى إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ مِنْ تَحْتُ مُفَرِّجًا بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، فَاسْتِيعَابُهُ بِالْمَسْحِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ: لَا يُنْدَبُ اسْتِيعَابُهُ وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهُ وَغَسْلُ الْخُفِّ، وَيَكْفِي مُسَمَّى مَسْحٍ كَمَسْحِ الرَّأْسِ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ بِظَاهِرِ أَعْلَى الْخُفِّ لَا بِأَسْفَلِهِ وَبَاطِنِهِ وَعَقِبِهِ وَحَرْفِهِ؛ إذْ لَمْ يَرِدْ الِاقْتِصَارُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا   [حاشية البجيرمي] يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى جُرْمُوقٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَا بِقَصْدِ مَسْحِ شَيْءٍ مِنْهُمَا) أَيْ وَقَدْ قَصَدَ أَصْلَ الْمَسْحِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ اج. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ قَصَدَ إسْقَاطَ الْمَسْحِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِمَسْحِ الْخُفِّ مِنْ قَصْدِ الْمَسْحِ، وَهُوَ كَذَلِكَ زي. قَوْلُهُ: (لَا بِقَصْدِ مَسْحِ الْجُرْمُوقِ) أَيْ أَوْ بِقَصْدِ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ كَمَا قَالَهُ ع ش أَيْ: فَلَا يَكْفِي لِصِدْقِهِ بِالْأَعْلَى فَالصُّورَةُ خَمْسَةٌ يُجْزِئُ الْمَسْحُ فِي ثَلَاثَةٍ، وَلَا يُجْزِئُ فِي اثْنَيْنِ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ لَا بِقَصْدِ الْجُرْمُوقِ فَقَطْ وَمِنْهُ مَا لَوْ قَصَدَ هَذَا أَوْ هَذَا أَيْ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ أَيْ قَصَدَ هَذَا الْمَفْهُومَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى مَا بَحَثَهُ الطَّبَلَاوِيُّ وَارْتَضَاهُ شَيْخُنَا زي اهـ. وَلَوْ شَكَّ هَلْ مَسَحَ الْأَسْفَلَ أَوْ الْأَعْلَى؟ نُظِرَ إنْ كَانَ بَعْدَ مَسْحِهِمَا أَيْ الْخُفَّيْنِ جَمِيعًا اُعْتُدَّ بِمَسْحِهِ فَلَا يُكَلَّفُ إعَادَتَهُ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ لَا يُؤَثِّرُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَسْحٍ وَاحِدٍ وَجَبَ إعَادَةُ مَسْحِهِمَا؛ لِأَنَّ الشَّكَّ قَبْلَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ يُؤَثِّرُ. اهـ. ع ش م د. قَوْلُهُ: (لَوْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى جَبِيرَةٍ) أَيْ وَاجِبُهَا الْمَسْحُ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ أَعْنِي قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ إلَخْ. وَذَلِكَ إنْ أَخَذْت مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا حَتَّى لَوْ غَسَلَ مَا تَحْتَهَا، ثُمَّ وَضَعَهَا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْخُفِّ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِمَسْحِهَا عِنْدَ الطُّهْرِ الثَّانِي، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ مَسْحُهَا بِأَنْ لَمْ تَأْخُذْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا لَمْ يَمْتَنِعْ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهَا اج. نَقْلًا عَنْ م ر وز ي وَقَالَ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَوْقَ مَمْسُوحٍ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَمْسَحَ فَيَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَتْ الْجَبِيرَةُ لَا يَجِبُ مَسْحُهَا لِعَدَمِ أَخْذِهَا شَيْئًا مِنْ الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الشِّهَابُ م ر. فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ مُطْلَقًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ الْجَبِيرَةَ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُحَرَّرْ سم. لِأَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ عِوَضٌ عَنْ غَسْلِ مَا تَحْتَهَا مِنْ الصَّحِيحِ، فَكَأَنَّهُ غَسَلَ رِجْلًا وَمَسَحَ خُفَّ الْأُخْرَى وَقَدْ تَقَدَّمَ عَدَمُ إجْزَائِهِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ) فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ الْوَاجِبِ لِأَنَّهَا مَلْبُوسٌ فَوْقَ مَمْسُوحٍ، وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ. قَوْلُهُ: كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهِ لَوْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ وَضَعَ الْجَبِيرَةَ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ لِانْتِفَاءِ مَا ذُكِرَ، وَبِهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الزِّيَادِيُّ تَبَعًا لِلْعَلَامَةِ سم، لَكِنْ أَفْتَى الشِّهَابُ م ر بِخِلَافِهِ، وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا ع ش. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِ سَاقِهِ) أَيْ الشَّخْصِ، وَآخِرُهُ هُوَ الْكَعْبَانِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ وَضْعُهُ عَلَى الِانْتِصَابِ كَالْإِنْسَانِ فَأَوَّلُهُ مِنْ أَعْلَى كَالرَّأْسِ فِي الْإِنْسَانِ، وَآخِرُهُ مِنْ الْأَسْفَلِ، فَآخِرُ السَّاقِ أَسْفَلُهُ، وَهُوَ الْكَعْبَانِ لَا أَعْلَاهُ، وَأَوَّلُهُ أَعْلَاهُ، وَهُوَ مَا يَلِي الرُّكْبَةَ، فَمَا أَخَذَهُ ق ل وز ي مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ فِي مَسْحِ الْخُفِّ التَّحْجِيلُ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، وَمَنْشَأُ ذَلِكَ فَهْمُهُمَا أَنَّ ضَمِيرَ سَاقِهِ لِلْخُفِّ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر عَدَمُ سَنِّ التَّحْجِيلِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ) حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْإِبَاحَةُ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهُ وَغَسْلُ الْخُفِّ) عَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ يَعِيبُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ نَحْوِ حَدِيدٍ كَزُجَاجٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ شَرْحُ م ر. وَفِي قَوْلِهِ غَسْلُ الْخُفِّ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ لِلْإِيضَاحِ. فَإِنْ قُلْت: التَّعْيِيبُ فِيهِ إتْلَافُ مَالٍ فَهَلَّا حَرُمَ التَّكْرَارُ وَالْغَسْلُ؟ قُلْت: لَيْسَ التَّعْيِيبُ مُحَقَّقًا، وَلَوْ سُلِّمَ فَقَدْ يُقَالُ: لَمَّا كَانَ هُنَا الْغَرَضُ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ كَانَ مُغْتَفَرًا وَلَمْ يَحْرُمْ ع ش. قَوْلُهُ: (كَمَسْحِ الرَّأْسِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَسْحِ الشَّعْرِ إذَا كَانَ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 كَمَا وَرَدَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَعْلَى فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وُقُوفًا عَلَى مَحَلِّ الرُّخْصَةِ، وَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمِرَّهَا أَوْ قَطَرَ عَلَيْهِ أَجْزَأَ وَلَا مَسْحَ لِشَاكٍّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ كَأَنْ نَسِيَ ابْتِدَاءَهَا، أَوْ أَنَّهُ مَسَحَ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ بِشُرُوطٍ مِنْهَا الْمُدَّةُ، فَإِذَا شَكَّ فِيهَا رَجَعَ لِلْأَصْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ. (وَيَبْطُلُ) حُكْمُ الْمَسْحِ فِي حَقِّ لَابِسِ الْخُفِّ (بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (بِخَلْعِهِمَا) أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ بِظُهُورِ بَعْضِ الرِّجْلِ وَشَيْءٍ مِمَّا سَتَرَ بِهِ مِنْ رِجْلٍ وَلِفَافَةٍ وَغَيْرِهِمَا. (وَ) الثَّانِي (انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ) الْمَحْدُودَةِ فِي حَقِّهِمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ وَهُوَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ فِي الْحَالَيْنِ (وَ) الثَّالِثُ (مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ) مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ وِلَادَةٍ فَيَنْزَعُ وَيَتَطَهَّرُ ثُمَّ يَلْبَسُ، حَتَّى لَوْ اغْتَسَلَ لَابِسًا لَا يَمْسَحُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ صَفْوَانَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَوْ سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» . رَوَاهُ   [حاشية البجيرمي] الْخُفِّ، وَبِهِ قَالَ حَجّ. وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فَقَدْ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ لَمْ يَكْفِهِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ جَزْمًا بِخِلَافِ الرَّأْسِ فَإِنَّ الشَّعْرَ مِنْ مُسَمَّاهُ؛ إذْ الرَّأْسُ اسْمٌ لِمَا رَأَسَ وَعَلَا وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الشَّعْرِ بِخِلَافِ شَعْرِ الْخُفِّ فَلَا يُسَمَّى خُفًّا. اهـ. نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ تَفْصِيلُ الْجُرْمُوقِ، وَمَا قَالَهُ م ر اعْتَمَدَهُ ز ي اج. وَيَظْهَرُ الِاكْتِفَاءُ بِمَسْحِ أَزْرَارِهِ وَعُرَاهُ وَخَيْطُهُ الْمُحَاذِي لِظَاهِرِ الْأَعْلَى. قَوْلُهُ: (بِظَاهِرِ أَعْلَى الْخُفِّ) هَلْ الْمُرَادُ مَا هُوَ ظَاهِرٌ بِالْأَصَالَةِ أَوْ مَا هُوَ ظَاهِرٌ الْآنَ بِأَنْ انْقَلَبَتْ رِجْلُهُ فَجَعَلَ أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا يُحَرَّرُ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَا بِأَسْفَلِهِ وَبَاطِنِهِ) لَوْ مَسَحَ بَاطِنَهُ فَنَفِدَ الْمَاءُ مِنْ مَوَاضِعِ الْخَرَزِ إلَى ظَاهِرِهِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْزِئَ إنْ قَصَدَ الظَّاهِرَ أَوْ وَالْبَاطِنَ أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الْبَاطِنَ فَقَطْ ع ش عَلَى م ر. قَوْلِهِ: (وَعَقِبِهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا مُؤَخَّرُ الرِّجْلِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَجَمْعُهَا أَعْقَابٌ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (وَيَبْطُلُ حُكْمُ الْمَسْحِ إلَخْ) فِيهِ تَغْيِيرٌ لِإِعْرَابِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اللَّفْظِيِّ وَهُوَ مَعِيبٌ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: وَالثَّانِي انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ، وَحُكْمُ الْمَسْحِ هُوَ جَوَازُهُ، وَصِحَّةُ الصَّلَاةِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ بَعْضَهُمْ جَوَّزَ تَغْيِيرَ إعْرَابِ الْمَتْنِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمَتْنُ وَالشَّرْحُ لِاثْنَيْنِ أَوْ لِوَاحِدٍ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ. قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةٍ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ أَحَدِهِمَا) فِيهِ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَخْفُوضِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْخَافِضِ جَرْيًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ: وَلَيْسَ عِنْدِي لَازِمًا إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَيْءٍ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِأَوْ. وَقَوْلُهُ: (فِي حَقِّهِمَا) أَيْ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ. قَوْلُهُ: (مِمَّا سَتَرَ بِهِ) أَيْ بِالْخُفِّ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ وَاقِفًا فِي مَاءٍ وَقَصَدَ غَسْلَهُمَا، وَلَا بُدَّ فِي غَسْلِهِمَا مِنْ نِيَّةِ الْوُضُوءِ الْمُعْتَبَرَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَالَيْنِ) أَيْ حَالَةِ السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ، وَقِيلَ حَالَ الْخَلْعِ وَانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: (مِنْ جَنَابَةٍ) خَرَجَ بِذَلِكَ نَذْرُ الْغُسْلِ الْمَنْدُوبِ فَلَا يَقْطَعُ الْمُدَّةَ إذَا غَسَلَ الرِّجْلَيْنِ فِي دَاخِلِ الْخُفِّ، وَكَذَا الْغُسْلُ الْمَنْدُوبُ ق ل. وَقَوْلُهُمْ: النَّذْرُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ مَعْنَاهُ يَحْرُمُ تُرْكُهُ، لَا أَنَّ الصِّحَّةَ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي جَمَاعَةٍ فَصَلَّاهَا مُنْفَرِدًا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَعَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ اج. قَوْلُهُ: (كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ صَفْوَانَ) هُوَ ابْنُ غَسَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غَزَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً. وَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ اهـ. تَهْذِيبُ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَانَ يَأْمُرُنَا) هَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ كَمَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ شَرَفٍ مُخَالِفًا لِمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ مِنْ قَوْلِهِ: أَمَرَنَا بِلَفْظٍ اهـ اج. قَوْلُهُ: (أَوْ سَفْرًا) هُوَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ، فَإِنَّ سَفْرًا جَمْعُ سَافِرٍ بِمَعْنَى مُسَافِرٍ كَرَكْبٍ وَرَاكِبٍ، وَقِيلَ اسْمُ جَمْعٍ لَهُ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّفْيِ لَا مِنْ " يَأْمُرُنَا " فَكُلٌّ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَوْرِدٌ وَمَحَلٌّ لِلطَّلَبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ يَأْمُرُنَا فَيَكُونُ الْإِثْبَات الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ مَطْوِيًّا وَمَأْمُورًا بِهِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [يوسف: 40] إلَخْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ. وَقِيسَ بِالْجَنَابَةِ مَا فِي مَعْنَاهَا وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَكَرَّرُ تَكْرَارَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَفَارَقَ الْجَبِيرَةَ مَعَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَسْحًا بِأَعْلَى سَاتِرٍ لِحَاجَةٍ مَوْضُوعَةٍ عَلَى طُهْرٍ بِأَنَّ الْحَاجَةَ ثَمَّ أَشَدُّ، وَالنَّزْعَ أَشَقُّ وَمَنْ فَسَدَ خُفُّهُ، أَوْ ظَهَرَ شَيْءٌ مِمَّا سُتِرَ بِهِ مِنْ رِجْلٍ وَلِفَافَةٍ وَغَيْرِهِمَا أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ فِي الثَّلَاثِ لَزِمَهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ فَقَطْ لِبُطْلَانِ طُهْرِهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ طُهْرُ الْغَسْلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِ قَدَمَيْهِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ تَنَجَّسَتْ رِجْلُهُ فِي الْخُفِّ بِدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَأَمْكَنَهُ غَسْلُهَا فِي الْخُفِّ غَسَلَهَا وَلَمْ يَبْطُلْ مَسْحُهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَجَبَ النَّزْعُ وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ وَبَطَل مَسْحُهُ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْمَسْحِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً، أَوْ اعْتَقَدَ طَرَيَانَ حَدَثٍ غَالِبٍ فَأَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ فِي الْحَالِ وَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُقْتَدِي بِحَالِهِ   [حاشية البجيرمي] بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورَ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِخَبَرِ صَفْوَانَ إلَخْ. وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى أَنَّ مَنْ لَزِمَهُ غُسْلٌ لَا يَمْسَحُ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ عَنْ الْجَنَابَةِ فِي الْخُفِّ، وَأَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَثًا أَصْغَرَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْسَحَ عَنْهُ، وَلَيْسَ الْمُدَّعَى أَنَّ مَنْ لَزِمَهُ غَسْلٌ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ بَدَلًا عَنْ غَسْلِهِمَا عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ كَمَا يَقْتَضِيهِ هَذَا التَّعْلِيلُ. وَقَوْلُهُ: وَفَارَقَ الْجَبِيرَةَ الضَّمِيرُ فِي فَارَقَ يَعُودُ عَلَى الْمَسْحِ بَدَلًا عَنْ الْجَنَابَةِ أَيْ: فَارَقَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ بَدَلًا عَنْ غَسْلِهِمَا عَنْ الْجَنَابَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ. وَقَوْلُهُ: (الْجَبِيرَةُ) أَيْ مَسَحَهَا عَنْ الْجَنَابَةِ حَيْثُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ، مَعَ أَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَتَكَرَّرُ تَكَرُّرَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَقَدْ جَازَ فِيهَا الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ دُونَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَعَ أَنْ كُلًّا مِنْهُمَا مَسْحٌ عَلَى سَاتِرٍ. قَوْلُهُ: (مَوْضُوعَةٍ عَلَى طُهْرٍ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلَّفِ، وَالْمُنَاسِبُ مَوْضُوعٌ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِسَاتِرٍ وَهُوَ مُذَكَّرٌ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِمَوْضُوعَةٍ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِ السَّاتِرِ بِالْجَبِيرَةِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ فَسَدَ خُفُّهُ) هَذَا تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَيَبْطُلُ الْمَسْحُ إلَخْ. وَمَا رَتَّبَهُ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ فَتَأَمَّلْ ق ل. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَزِمَهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ أَيْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُمَا، وَذَلِكَ لَمْ يُسْتَفَدْ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: لَزِمَهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ لَزِمَهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ أَيْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَيْ: لِأَنَّهُ حَدَثٌ جَدِيدٌ لَمْ تَشْمَلْهُ النِّيَّةُ السَّابِقَةُ. قَوْلُهُ: (فَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِ قَدَمَيْهِ) أَيْ إذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ بِطُهْرِ الْغُسْلِ كَأَنْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ الْخُفَّ، ثُمَّ فَسَدَ الْخُفُّ أَوْ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ الرِّجْلِ أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ بِذَلِكَ الطُّهْرِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ قَدَمَيْهِ اهـ اج. وَفِي قَوْلِهِ أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَصْوِيرِهِ لَمْ تَدْخُلْ الْمُدَّةُ، فَكَيْفَ يُقَالُ: انْقَضَتْ إلَّا أَنْ يُصَوِّرَ بِأَنَّهُ بَعْدَ الْحَدَثِ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ فِي الْخُفِّ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَهُوَ بِطُهْرِ ذَلِكَ الْغَسْلِ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلَيْنِ: وَأَمَّا انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ، وَهُوَ بِطُهْرِ الْغَسْلِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ الْحَدَثِ. اهـ. وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (بِنَجَاسَةٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ مِنْ نَجَاسَةٍ فَلَعَلَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مِنْ أَوْ يُجْعَلُ بَدَلًا مِمَّا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) فَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا زَادَهُ الشَّارِحُ أَنَّ الْمَسْحَ يَبْطُلُ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، وَبِهَا صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَقِيَ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَنْعَقِدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَعْنِي مَا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَقَطْ وَأَحْرَمَ بِأَكْثَرَ، وَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ، وَأَمَّا إذَا اعْتَقَدَ طَرَيَانَ حَدَثٍ غَالِبٍ كَخُرُوجِ رِيحٍ، وَمِثْلُهُ كُلُّ مُبْطِلٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ كَانْكِشَافِ عَوْرَتِهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَنْعَقِدُ، وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَطْرَأُ كَمَا فِي م ر. وَقَوْلُهُ: (الْمُعْتَمَدُ) إلَخْ وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا لَوْ كَانَتْ عَوْرَتُهُ تَنْكَشِفُ فِي رُكُوعِهِ حَيْثُ قَالُوا بِانْعِقَادِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ طَرَأَ الْمُبْطِلُ بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ يُقْطَعُ بِالْبُطْلَانِ فِيهَا أَيْ: لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الصِّحَّةِ فِيهَا، وَمَسْأَلَةُ الْعَوْرَةِ لَا يُقْطَعُ فِيهَا بِالْبُطْلَانِ لِإِمْكَانِ تَدَارُكِ الصِّحَّةِ فِيهَا بِسِتْرِهَا بِشَيْءٍ قَبْلَ رُكُوعِهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ لَابِسُ الْخُفِّ فِي نَفْلٍ مُطْلَقٍ يُدْرِكُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَصِحُّ لَهُ فِعْلُهُ انْعَقَدَتْ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ اعْتَقَدَ طَرَيَانَ حَدَثٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَابِسًا لِلْخُفِّ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وَيُفَارِقُهُ عِنْدَ عُرُوضِ الْمُبْطِلِ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ أَنْ يَنْفُضَهُ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ حَيَّةٌ أَوْ عَقْرَبٌ أَوْ شَوْكَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ خُفَّيْهِ حَتَّى يَنْفُضَهُمَا» . فَصْلٌ: فِي التَّيَمُّمِ هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ يُقَال تَيَمَّمَتْ فُلَانًا وَيَمَّمْته وَتَأَمَّمْته وَأَمَّمْته أَيْ قَصَدْته وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] وَشَرْعًا إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، وَخُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ فُرِضَ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ رُخْصَةٌ، وَعَلَى الْأَصَحِّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ   [حاشية البجيرمي] لَا. قَوْلُهُ: (قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُفِّ يَجْرِي فِي لُبْسِ النَّعْلِ وَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَغَيْرِهَا ق ل. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَنْفُضَهُمَا) وَسَبَبُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ خُفًّا فَجَاءَ طَائِرٌ أَخَذَهُ وَارْتَفَعَ بِهِ، فَسَقَطَتْ مِنْهُ حَيَّةٌ فَقَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ. . .» إلَخْ. [فَصْلٌ فِي التَّيَمُّمِ] ِ أَيْ: أَسْبَابِهِ: وَكَيْفِيَّتِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَحْكَامِهِ وَمُبْطِلَاتِهِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْأَرْكَانُ. وَأَخَّرَهُ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهُمَا، وَأَخَّرَهُ عَنْ مَسْحِ الْخُفِّ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طَهَارَةٍ، لَكِنْ تُبَاحُ بِهِ صَلَوَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَبِمَسْحِهِ يَتِمُّ رَفْعُ الْحَدَثِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَيُبَاحُ بِهِ فَرْضٌ وَنَوَافِلُ أَوْ نَوَافِلُ فَقَطْ، وَمَنْ قَدَّمَهُ عَلَى مَسْحِ الْخُفَّيْنِ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ بَعْضُ طَهَارَةٍ إطْفِيحِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ، وَقَدَّمَهُ عَلَى النَّجَاسَةِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مَعَهَا. قَوْلُهُ: (يُقَالُ: تَيَمَّمْت فُلَانًا إلَخْ) حَاصِلُ الْأَفْعَالِ الْمَاضِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَرْبَعَةٌ. وَالْأَوَّلَانِ مِنْهُمَا مَصْدَرُهُمَا تَيَمُّمًا وَمَصْدَرُ الثَّالِثِ تَأَمُّمًا وَمَصْدَرُ الرَّابِعِ تَأْمِيمًا. قَوْلُهُ: (وَأَمَمْته) بِوَزْنِ ضَرَبْته اهـ كَذَا قَالَهُ م د وَفِي الْمُخْتَارِ أَمَّهُ مِنْ بَابِ رَدَّ وَأَمَّمَهُ تَأْمِيمًا وَأَمَّمَهُ إذَا قَصَدَهُ اهـ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ وَأَمَّمْته بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ لَا بِتَخْفِيفِهَا كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَالْمِصْبَاحِ وَغَيْرِهِمَا وَأَمَّا أَمَمْته مُخَفَّفًا فَمَعْنَاهُ ضَرَبْت أُمَّ رَأْسِهِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ أَمَمْته بِالْعَصَا أُمَمًا مِنْ بَابِ طَلَبَ إذَا ضَرَبْت أُمَّ رَأْسِهِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى إلَخْ) وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: تَيَمَّمْتُكُمْ لَمَّا فَقَدْت أُولِي النُّهَى ... وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ بِالتُّرْبِ قَوْلُهُ: (تُنْفِقُونَ) حَالٌ مِنْ الْوَاوِ فِي: وَلَا تَيَمَّمُوا. قَوْلُهُ: (إيصَالُ التُّرَابِ) أَيْ بِنِيَّةٍ وَتَرْتِيبٍ، أَوْ أَنَّ مُرَادَهُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَشْمَلُ الرُّكْنَ وَتَعْبِيرُهُ بِإِيصَالِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ فِي التَّحْرِيرِ بِمَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، لِأَنَّ هَذَا يُشْعِرُ بِالنَّقْلِ بِخِلَافِ عِبَارَتِهِ. قَوْلُهُ: (فُرِضَ سَنَةَ سِتٍّ) عِبَارَةُ ح ل: وَفُرِضَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ، وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ رُخْصَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْفَقْدُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِأَنَّ الرُّخْصَةَ هِيَ الْحُكْمُ الْمُتَغَيِّرُ إلَى السَّهْلِ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ، وَقِيلَ عَزِيمَةٌ. وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ. قَالَ: وَالرُّخْصَةُ إنَّمَا هِيَ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ. قَالَ سم: وَجَعَلُوا مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ التَّيَمُّمَ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، فَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ وَعَلَى الْأَوَّلِ فِيهِ وَجْهَانِ اهـ. أَيْ: وَالرَّاجِحُ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْفَقْدُ حِسًّا فَعَزِيمَةٌ، وَإِلَّا فَرُخْصَةٌ، وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْأَوْفَقُ بِمَا يَأْتِي مِنْ صِحَّةِ تَيَمُّمِ الْعَاصِي بِالسَّفَرِ قَبْلَ التَّوْبَةِ إنْ فَقَدَ الْمَاءَ حِسًّا، وَبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ قَبْلَهَا إنْ فَقَدَهُ شَرْعًا كَأَنْ تَيَمَّمَ لِنَحْوِ مَرَضٍ. اهـ. ع ش إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ) وَأَبْدَى الْقُطْبُ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمِيزَانِ مَعْنًى لَطِيفًا فِي عَدَمِ مَسْحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 أَكْبَرَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6] إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] أَيْ تُرَابًا طَهُورًا، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ: «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» .   [حاشية البجيرمي] الرَّأْسِ فِي التَّيَمُّمِ فَقَالَ: لِأَنَّ نُكْتَةَ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ الْإِشَارَةُ إلَى مَسْحِ الْكِبْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ. وَفِي التَّيَمُّمِ لَمَّا مَسَحَ وَجْهَهُ بِالتُّرَابِ كَانَ فِيهِ أَشَدَّ مَذَلَّةً فَلَا يَزِيدُ مَسْحُ الرَّأْسِ لَهُ شَيْئًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى) جَمْعُ مَرِيضٍ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَعْلَى لِوَصْفٍ كَقَتِيلٍ وَزَمِنٍ إلَخْ أَيْ بِأَنْ خِفْتُمْ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَحْذُورًا بِقَرِينَةِ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَرْضَى بِالْجَرْحَى. قَوْلُهُ: (جُعِلَتْ لَنَا) أَيْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ كَانَ قَبْلَنَا مِنْ الْأُمَمِ لَمْ تُبَحْ لَهُمْ الصَّلَاةُ إلَّا فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ، هَذَا فِي حَالِ إقَامَتِهِمْ، أَمَّا الْمُسَافِرُونَ فَيُصَلُّونَ فِي أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ بِدَلِيلِ قِصَّةِ سَارَةَ لَمَّا أَخَذَهَا الْمَلِكُ حَيْثُ هَمَّ بِهَا وَحَجَبَ عَنْهَا تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ ع ش. وَفِي رِوَايَةٍ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ» قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَكَّدَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي لِلْإِشَارَةِ إلَى رَدِّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ السَّابِقَةُ مِنْ قَصْرِ صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ عَلَى مَكَان مُعَيَّنٍ كَالْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ، فَامْتَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِأَنْ صَحَّتْ صَلَاتُنَا فِي أَيْ مَحَلٍّ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: قَدْ كَانَ عِيسَى يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَيُصَلِّي حِينَ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَجُعِلَتْ لِغَيْرِي مَسْجِدًا، وَلَمْ تُجْعَلْ لَهُ طَهُورًا، أَوْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأُمَمِ لَا فِي أَنْبِيَائِهَا أَوْ إلَّا لِعُذْرٍ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ح ل فِي حَاشِيَةِ الْمِعْرَاجِ لِلْغَيْطِيِّ. قَوْلُهُ: (وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا) أَيْ تُرَابُهَا مُطَهِّرًا. وَانْظُرْ هَلْ الْأُمَمُ السَّابِقَةُ لَمَّا كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَفْقِدُ الْمَاءَ هَلْ يُصَلِّي كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، وَيُعِيدُ أَوْ لَا يُعِيدُ أَوْ لَا يُصَلِّي أَصْلًا حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ؟ فَرَاجِعْهُ. اهـ. م د. قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ الْقَيْرَوَانِيَّةِ: كَانَ مَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَمِ إنَّمَا يُصَلُّونَ بِالْوُضُوءِ فِي مَوَاضِعَ اتَّخَذُوهَا وَسَمَّوْهَا بِيَعًا وَكَنَائِسَ وَصَوَامِعَ فَمَنْ غَابَ مِنْهُمْ عَنْ مَوَاضِعِ صَلَاتِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ ثُمَّ يَقْضِيَ كُلَّ مَا فَاتَهُ، وَكَذَا إذَا عَدِمَ الْمَاءَ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَجِدَهُ ثُمَّ يَقْضِيَ مَا فَاتَهُ وَخُصَّتْ الْيَهُودُ بِرَفْعِ الْمَاءِ الْجَارِي لِلْحَدَثِ دُونَ غَيْرِهِ نَقَلَهُ الزَّرْقَانِيُّ. قَالَ ق ل فِي حَاشِيَةِ الْجَلَالِ: وَلَفْظُ التُّرْبَةِ دَلِيلٌ لِتَخْصِيصِ التَّيَمُّمِ بِالتُّرَابِ، وَبِهَا تُقَيَّدُ كُلُّ رِوَايَةٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا، وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ صِحَّتِهِ بِغَيْرِ التُّرَابِ، وَمَا قِيلَ إنَّ لَفْظَ التُّرْبَةِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَأَنَّهُ ذَكَرَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ فَلَا يُخَصِّصُهُ، وَلِذَلِكَ جَوَّزَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ بِمَا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ كَالشَّجَرِ وَالزَّرْعِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبُهُ مُحَمَّدٌ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالزِّرْنِيخِ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا لَا غُبَارَ فِيهِ كَالْحَجَرِ الصُّلْبِ. أُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعَامِّ بَلْ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ كَمَا فِي تَقْيِيدِ الرَّقَبَةِ وَإِطْلَاقِهَا فِي الْكَفَّارَةِ، وَبِأَنَّ الْآيَةَ الشَّرِيفَةَ دَالَّةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ: مِنْ إلَّا التَّبْعِيضُ نَحْوُ: مَسَحْت الرَّأْسَ مِنْ الدُّهْنِ وَهُوَ الْغُبَارُ، وَالْغَالِبُ أَنْ لَا غُبَارَ لِغَيْرِ التُّرَابِ فَتَعَيَّنَ وَجَعْلُ مِنْ لِلِابْتِدَاءِ خِلَافُ الْحَقِّ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ مِنْ الْمِرَاءِ. {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4] . وَقَوْلُهُ بِحُكْمِ الْعَامِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا» كَمَا فِي رِوَايَةٍ. وَقَالَ الْحَكِيمُ وَإِنَّمَا جُعِلَ تُرَابُ الْأَرْضِ طَهُورًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَمَّا أَحَسَّتْ بِمَوْلِدِ نَبِيِّنَا انْبَسَطَتْ وَتَمَدَّدَتْ وَازْدَهَتْ وَافْتَخَرَتْ عَلَى السَّمَاءِ وَسَائِرِ الْخَلْقِ بِأَنَّهُ مِنِّي خُلِقَ، وَعَلَى ظَهْرِي تَأْتِيه كَرَامَةُ اللَّهِ، وَعَلَى بِقَاعِي يَسْجُدُ بِجَبْهَتِهِ لِلَّهِ، وَفِي بَطْنِي مَدْفِنُهُ فَلَمَّا جَرَّتْ رِدَاءَ فَخْرِهَا بِذَلِكَ جُعِلَ تُرَابُهَا طَهُورًا لِأُمَّتِهِ، وَجُعِلَتْ تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ مَسْجِدًا، فَالتَّيَمُّمُ هَدِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَاصَّةً لِتَدُومَ لَهُمْ الطَّهَارَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ. وَاسْتَدَلَّ الْقُرْطُبِيُّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ لِتَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فِي قَوْلِهِ: طَهُورًا وَهُوَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِمَالِكٍ. وَمَشْهُورُ مَذْهَبِهِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ، كَذَا فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 (وَشَرَائِطُ التَّيَمُّمِ) جَمْعُ شَرِيطَةٍ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَالْمَعْدُودُ فِي كَلَامِهِ سِتَّةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الشَّيْءُ الْأَوَّلُ (وُجُودُ الْعُذْرِ) هُوَ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ؛ وَلِلْعَجْزِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ: أَحَدُهَا: فَقْدُهُ (بِ) سَبَبِ (سَفَرٍ) وَلِلْمُسَافِرِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ يَتَيَقَّنَ عَدَمَ الْمَاءِ فَيَتَيَمَّمُ حِينَئِذٍ بِلَا طَلَبٍ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَمْ لَا. وَفَقْدُهُ فِي السَّفَرِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَتَيَقَّنَ الْعَدَمَ، بَلْ جَوَّزَ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهُ فِي الْوَقْتِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ، وَلَوْ بِمَأْذُونِهِ مِمَّا جَوَّزَهُ فِيهِ مِنْ رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ الْمَنْسُوبِينَ   [حاشية البجيرمي] [شَرَائِطُ التَّيَمُّمِ] قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُ التَّيَمُّمِ) أَيْ شَرَائِطُ صِحَّتِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا شَرْطٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ دُخُولُ الْوَقْتِ وَالْبَقِيَّةُ أَسْبَابٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ السَّبَبُ الثَّانِي. وَيُجَابُ: بِأَنَّهُ غَلَّبَ الْأَقَلَّ عَلَى الْأَكْثَرِ وَأَطْلَقَ عَلَى الْجَمِيعِ شَرَائِطَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ شَيْئَانِ. شَرْطٌ وَهُوَ الْوَقْتُ وَسَبَبٌ وَهُوَ الْعُذْرُ الَّذِي هُوَ الْفَقْدُ لِلْمَاءِ وَهَذَا السَّبَبُ لَهُ أَسْبَابٌ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: (جَمْعُ شَرِيطَةٍ) بِمَعْنَى مَشْرُوطَةٍ. قَوْلُهُ: (كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ) وَفِي بَعْضِهَا إبْدَالُ أَشْيَاءَ بِخِصَالٍ. فَالتَّعْبِيرُ بِالْخَمْسِ فِي كُلٍّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (سِتَّةٌ) بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهِ الْإِعْوَازَ بِالِاحْتِيَاجِ، فَيَكُونُ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا، وَجَعَلَهُ ابْنُ قَاسِمٍ مِنْ تَتِمَّةِ الثَّالِثِ وَهُوَ الطَّلَبُ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهِ بِفَقْدِ الْمَاءِ فَرَاجِعْهُ، وَبِعِبَارَةِ قَوْلِهِ: وَالْمَعْدُودُ فِي كَلَامِهِ سِتَّةٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِعْوَازَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ دَاخِلٌ فِي الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالتُّرَابُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْخَمْسَةِ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ) وَعَدَّهَا فِي الرَّوْضَةِ سَبْعَةً وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: يَا سَائِلِي أَسْبَابَ حِلِّ تَيَمُّمٍ ... هِيَ سَبْعَةٌ بِسَمَاعِهَا تَرْتَاحُ فَقْدٌ وَخَوْفُ حَاجَةٍ إضْلَالُهُ ... مَرَضٌ يَشُقُّ جَبِيرَةٌ وَجِرَاحُ قَوْلُهُ: (سَفَرٌ) أَرَادَ بِهِ لَازِمَهُ غَالِبًا مِنْ فَقْدِ الْمَاءِ وَالْفَقْدُ إمَّا حِسِّيٌّ أَوْ شَرْعِيٌّ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلِلْمُسَافِرِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلِلْفَاقِدِ إلَخْ. كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَيَقَّنَ عَدَمَ الْمَاءِ) وَلَوْ بِخَبَرِ عَدْلٍ أَيْ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ طَلَبُهُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ عَدْلَ رِوَايَةٍ أَفَادَ إخْبَارُهُ الظَّنَّ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ تَرَدُّدٌ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَأَنَّ خَبَرَ الْعَدْلِ بِمُجَرَّدِهِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ حَصَلَ فِي نَفْسِهِ ظَنٌّ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ لِشَيْءٍ فَلَا أُقِرُّ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِطْفِيحِيُّ، وَمِنْ الْفَقْدِ أَيْ الشَّرْعِيِّ خَوْفُ غَرَقٍ لِمَنْ فِي سَفِينَةٍ، وَتَأْخِيرُ نَوْبَةِ مُزْدَحِمِينَ عَلَى نَحْوِ بِئْرٍ، وَحَيْلُولَةُ نَحْوِ سَبْعٍ، وَتَخَلُّفٌ عَنْ رُفْقَةٍ، وَلَوْ عَلِمَ ذُو النَّوْبَةِ مِنْ مُزْدَحِمِينَ عَلَى نَحْوِ بِئْرٍ أَوْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ مَحَلِّ صَلَاةٍ أَنَّهَا لَا تَنْتَهِي إلَيْهِ النَّوْبَةُ، إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ صَلَّى فِيهِ أَيْ فِي الْوَقْتِ بِلَا إعَادَةٍ، وَلَا تَلْزَمُهُ النَّقْلَةُ عَنْ مَحَلِّهِ إلَى مَحَلٍّ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ أَصْلًا لِيَكُونَ فَاقِدًا لَهُ حِسًّا ز ي. قَوْلُهُ: (بِلَا طَلَبٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ ح ل. قَوْلُهُ: (إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّلَبِ. قَوْلُهُ: (وَفَقْدُهُ فِي السَّفَرِ) أَيْ وَتَقْيِيدُ فَقْدِهِ بِالسَّفَرِ جَرْيٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَتَيَقَّنَ الْعَدَمَ) هَذَا صَادِقٌ بِتَيَقُّنِ الْوُجُودِ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَلِذَا عَقَّبَهُ بِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهُ فِي الْوَقْتِ) أَيْ لِكُلِّ تَيَمُّمٍ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ الْعَدَمَ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (طَلَبُهُ فِي الْوَقْتِ) لِحُصُولِ الضَّرُورَةِ لِلتُّرَابِ حِينَئِذٍ، فَلَوْ طَلَبَ شَاكًّا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ صَادَفَهُ. قَالَ ق ل: وَلَا يَجِبُ الطَّلَبُ قَبْلَهُ وَإِنْ عَلِمَ اسْتِغْرَاقَ الْوَقْتِ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا م ر. وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ فِي شَرْحِهِ وَفَارَقَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ حَيْثُ يُطْلَبُ قَبْلَ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ بِخِلَافِهَا، وَبِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ، وَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ قَطَعَ الطَّلَبَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، نَعَمْ لَوْ طَلَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ لِعَطَشٍ، أَوْ فَائِتَةٍ كَفَى وَخَرَجَ بِالطَّلَبِ الْإِذْنُ فِيهِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَيَجُوزُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِمَأْذُونِهِ) أَيْ الثِّقَةِ فَخَرَجَ الْفَاسِقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ، وَخَرَجَ غَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ إذَا طَلَبَهُ لَهُ. وَفِي حَاشِيَةِ ز ي بِمَأْذُونِهِ الثِّقَةُ أَيْ وَلَوْ وَاحِدًا عَنْ جَمْعٍ، فَلَوْ بَعَثَ النَّازِلُونَ ثِقَةً يَطْلُبُ لَهُمْ كَفَى اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ رَحْلِهِ) بَيَانٌ لِمَا، وَرَحْلُ الشَّخْصِ مَسْكَنُهُ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ، وَيُجْمَعُ فِي الْكَثْرَةِ عَلَى رِحَالٍ، وَفِي الْقِلَّةِ عَلَى أَرْحُلٍ أَيْ: بِأَنْ يُفَتِّشَ فِيهِ ثُمَّ إطْلَاقُ الطَّلَبِ عَلَى مُجَرَّدِ التَّفْتِيشِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ. الْمُتَبَادِرُ إلَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ، وَأَنَّ الطَّلَبَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ التَّفْتِيشِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 إلَيْهِ وَيَسْتَوْعِبُهُمْ كَأَنْ يُنَادِيَ فِيهِمْ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَجُودُ بِهِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فِي ذَلِكَ نَظَرَ حَوَالَيْهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَأَمَامًا وَخَلْفًا إلَى الْحَدِّ الْآتِي، وَخَصَّ مَوْضِعَ الْخُضْرَةِ وَالطَّيْرِ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَهْدَةٌ أَوْ جَبَلٌ يُرَدِّدُ إنْ أَمِنَ مَعَ مَا يَأْتِي اخْتِصَاصًا، وَمَا لَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِمَاءِ طَهَارَتِهِ إلَى حَدٍّ يَلْحَقُهُ فِيهِ غَوْثُ رُفْقَتِهِ لَوْ اسْتَغَاثَ بِهِ   [حاشية البجيرمي] وَالسُّؤَالِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَسْعَى بِهِ فِي تَحْصِيلِ مُرَادِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي حَاشِيَةِ الْبَيْضَاوِيِّ عَنْ الطِّيبِيِّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 102] مِنْ أَنَّ الطَّلَبَ وَالسُّؤَالَ وَالِاسْتِخْبَارَ وَالِاسْتِفْهَامَ وَالِاسْتِعْلَامَ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ، وَأَنَّهَا مُتَرَتِّبَةٌ فَالطَّلَبُ أَعَمَّهَا قَالَ: لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الطَّلَبَ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَالسُّؤَالُ خَاصٌّ بِالطَّلَبِ مِنْ الْغَيْرِ إلَى آخِرِ مَا بَيَّنَ بِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَبَ مِنْ النَّفْسِ لَيْسَ عِبَارَةً إلَّا عَنْ التَّأَمُّلِ فِي الشَّيْءِ لِيَظْهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ فَهُوَ كَالْبَحْثِ وَالتَّفْتِيشِ فِي الرَّحْلِ عَنْ الْمَاءِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَرُفْقَتُهُ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ سُمُّوا بِذَلِكَ لِارْتِفَاقِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ. قَوْلُهُ: (الْمَنْسُوبِينَ إلَيْهِ) أَيْ عَادَةً لَا كُلَّ قَافِلَةٍ تَفَاحَشَ كِبَرُهَا. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ مَنْسُوبِينَ إلَيْهِ اتِّحَادُهُمْ مَنْزِلًا وَرَحِيلًا. قَوْلُهُ: (وَيَسْتَوْعِبُهُمْ) أَيْ مَا دَامَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا ز ي، وَلَمَّا كَانَ هَذَا صَادِقًا بِاسْتِيعَابِ جَمِيعِ آحَادِهِمْ فَرْدًا فَرْدًا وَلَيْسَ مُرَادًا دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: كَأَنْ يُنَادِيَ فِيهِمْ إلَخْ. أَيْ: فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِيعَابِ سُؤَالَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ، بَلْ يَكْفِي نِدَاءٌ يَعُمُّ جَمِيعَهُمْ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَجُودُ بِهِ أَيْ وَمَنْ يَبِيعُهُ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَهَبُهُ وَيَبِيعُهُ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَنْ يَجُودُ بِهِ سَكَتَ مَنْ لَا يَبْذُلُهُ مَجَّانًا، أَوْ عَلَى إطْلَاقِ النِّدَاءِ سَكَتَ مَنْ يُظَنُّ اتِّهَابَهُ وَلَا يَسْمَحُ بِهِ شَرْحُ م ر اط ف مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (يَجُودُ بِهِ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ بِالثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إلَخْ) لَيْسَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ وَاجِبًا، فَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ فَقَطْ، وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى النَّظَرِ إلَّا بَعْدَ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْتِيشِ وَالطَّلَبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَسْهَلَ مَا ذُكِرَ، وَرُبَّمَا تُوهِمُ عِبَارَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ اهـ. بَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَدِّمَ النَّظَرَ وَالتَّرَدُّدَ الْآتِيَ عَلَى الطَّلَبِ مِنْ رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ. قَوْلُهُ: (نَظَرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ مَشْيٍ حَجّ. قَوْلُهُ: (حَوَالَيْهِ) جَمْعٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْمُثَنَّى؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّكْثِيرُ وَهُوَ جَمْعُ حَوْلَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ اهـ، قَوْلُهُ: (إلَى الْحَدِّ الْأَتْي) أَيْ حَدِّ الْغَوْثِ. قَوْلُهُ: (وَخَصَّ مَوْضِعَ الْخُضْرَةِ) أَيْ وُجُوبًا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَتَوَقَّفَ ظَنُّ الْفَقْدِ عَلَيْهِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ: نَظَرَ حَوَالَيْهِ فَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِهِ، فَالْجُمْلَةُ الَّتِي بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضَةٌ. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ نَظَرَ حَوَالَيْهِ إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَهْدَةٌ) أَيْ وَطَيَّةٌ. قَوْلُهُ: (تَرَدَّدَ) بِأَنْ يَصْعَدَ عَلَى الْجَبَلِ أَوْ يَنْزِلَ الْوَهْدَةَ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطَّ بِشَيْءٍ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ إذَا صَعَدَ نَحْوَ الْجَبَلِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَرَدَّدَ وَيَمْشِيَ فِي كُلِّ جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ إلَى حَدِّ الْغَوْثِ، وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ هَذَا رُبَّمَا يَزِيدُ عَلَى حَدِّ الْبُعْدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَتَرَدَّدُ وَيَمْشِي فِي مَجْمُوعِهَا إلَى حَدِّ الْغَوْثِ، لَا فِي كُلِّ جِهَةٍ ح ل. بِأَنْ يَمْشِيَ فِي كُلِّ جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ بِحَيْثُ يُحِيطُ نَظَرُهُ بِحَدِّ الْغَوْثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَجْمُوعُ الَّذِي يَمْشِيهِ فِي الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ يَبْلُغُ حَدَّ الْغَوْثِ خِلَافًا لِلْحَلَبِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِحَاطَةُ بِحَدِّ الْغَوْثِ وَإِنْ لَمْ يَمْشِ أَصْلًا فَقَوْلُهُ إلَى حَدِّ غَوْثٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَنَظَرَ إلَى حَدِّ غَوْثِ مَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (إنْ أَمِنَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنْ يَأْمَنَ أَمْنًا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ هُنَا مُجَوِّزُ الْمَاءِ لَا مُتَيَقِّنُهُ كَمَا يَأْتِي. وَقَوْلُهُ: (مَعَ مَا يَأْتِي) وَهُوَ النَّفْسُ وَالْعُضْوُ وَالزَّائِدُ عَلَى مَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِلْمَاءِ، وَالِانْقِطَاعُ عَنْ الرُّفْقَةِ، وَخُرُوجُ الْوَقْتِ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَأْتِي أَمْنُ الْوَقْتِ، وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِهِ فِيمَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، أَمَّا مَنْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْنُ الْوَقْتِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ نِزَاعٍ طَوِيلٍ اهـ. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ الْآتِيَةِ فِي حَدِّ الْقُرْبِ، وَأَمَّا مَا هُنَا أَيْ فِي حَدَثِ الْغَوْثِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (اخْتِصَاصًا) أَيْ مُحْتَرَمًا. قَوْلُهُ: (وَمَالًا) أَيْ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (يَجِبُ بَذْلُهُ) الصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ هُنَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ شَرْطٌ، فَالْمَالُ، وَإِنْ قَلَّ أَوْلَى، وَمَا أَجَابَ بِهِ ق ل غَيْرُ ظَاهِرٍ. قَوْلُهُ: (يَلْحَقُهُ فِيهِ غَوْثٌ) وَلِأَجْلِ هَذَا سَمَّوْهُ حَدَّ الْغَوْثِ أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 فِيهِ مَعَ تُشَاغِلْهُمْ بِأَشْغَالِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ لِظَنِّ فَقْدِهِ. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَعْلَمَ مَاءً بِمَحَلٍّ يَصِلُهُ مُسَافِرٌ لِحَاجَتِهِ كَاحْتِطَابٍ وَاحْتِشَاشٍ، وَهَذَا فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ الْمُتَقَدِّمِ وَيُسَمَّى حَدَّ الْقُرْبِ فَيَجِبُ طَلَبُهُ مِنْهُ إنْ أَمِنَ غَيْرَ اخْتِصَاصٍ وَمَالٍ يَجِبُ بَذْلُهُ لِمَاءِ طَهَارَتِهِ ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً مِنْ نَفْسٍ وَعُضْوٍ وَمَالٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِلْمَاءِ، وَانْقِطَاعٍ عَنْ رُفْقَةٍ وَخُرُوجِ وَقْتٍ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ طَلَبُهُ بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ، وَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ خَرَجَ الْوَقْتُ، فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ هُنَا   [حاشية البجيرمي] حَدًّا فِيهِ الْغَوْثُ، أَوْ الْمُرَادُ فِيهِ الْغَوْثُ وَسَكَتَ عَنْ الْعِلْمِ بِالْمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِّ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مَعَهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَى حَدٍّ إلَخْ. أَيْ مَعَ اعْتِدَالِ أَسْمَاعِهِمْ وَمَعَ اعْتِدَالِ صَوْتِهِ وَابْتِدَاءُ هَذَا الْحَدِّ مِنْ آخِرِ رُفْقَةِ الْمَنْسُوبِينَ إلَيْهِ لَا مِنْ آخِرِ الْقَافِلَةِ ح ل. وَفِي الْإِطْفِيحِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ ابْتِدَاءُ هَذَا الْحَدِّ مِنْ آخِرِ الرُّفْقَةِ الَّذِينَ يَلْزَمُهُ سُؤَالُهُمْ وَهُمْ الْمَنْسُوبُونَ إلَيْهِ، لَا مِنْ آخِرِ الْقَافِلَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْقَافِلَةَ قَدْ تَتَّسِعُ جِدًّا بِحَيْثُ تَأْخُذُ قَدْرَ فَرْسَخٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ الْحَدُّ مِنْ آخِرِهَا لَزِمَهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، وَرُبَّمَا تَزِيدُ عَلَى حَدِّ الْقُرْبِ اهـ سم. وَفِي الْمِصْبَاحِ. أَغَاثَهُ إغَاثَةً نَصَرَهُ فَهُوَ مُغِيثُهُ اسْمٌ مِنْهُ أَيْ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْإِغَاثَةِ فَالْإِضَافَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ يَلْحَقُهُ فِيهِ رُفْقَتُهُ الْمُسْتَغَاثُ بِهِمْ اهـ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ بَعْدَ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ اط ف. قَوْلُهُ: (لِظَنِّ فَقْدِهِ) أَيْ الظَّنُّ الْمُسْتَنِدُ لِلطَّلَبِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ مُجَوِّزٌ لِلْفَقْدِ، فَهَلَّا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ؟ وَعِبَارَةُ اط ف: لِظَنِّ فَقْدِهِ إنْ لَمْ يَحْدُثْ سَبَبٌ يُحْتَمَلُ مَعَهُ وُجُودُ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَعْلَمَ مَاءً) أَيْ الْمُسَافِرُ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَلَوْ بِخَبَرِ عَدْلٍ رِوَايَةً بَلْ أَوْ فَاسِقٍ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فِي صِدْقِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِّ، وَخَرَجَ بِالْمُسَافِرِ الْحَاضِرُ فَيَطْلُبُهُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ كَمَا قَالَهُ الْإِطْفِيحِيُّ. قَوْلُهُ: (هَذَا فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ الَّذِي سَعَى إلَيْهِ فِي حَالَةِ تَوَهُّمِ الْمَاءِ اهـ اط ف. وَعِبَارَةُ ع ش: وَهَذَا فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ أَيْ بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ، وَإِلَّا فَالْحُدُودُ الثَّلَاثَةُ مُشْتَرَكَةٌ فِي الْمَبْدَأِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَمَّى حَدَّ الْقُرْبِ) وَقَدَّرُوهُ بِنِصْفِ فَرْسَخٍ وَقُدِّرَ نِصْفُ الْفَرْسَخِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ الْمُعْتَدِلَةِ إحْدَى عَشْرَةَ دَرَجَةً وَرُبْعَ دَرَجَةٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَقَدْرُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ دَرَجَةً، وَمَسَافَةُ الْقَصْرِ سِتَّةَ عَشْرَ فَرْسَخًا، فَإِذَا قَسَّمْته عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ الدَّرَجِ خَصَّ كُلَّ فَرْسَخٍ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَنِصْفٌ ع ش عَلَى م ر. قَالَ شَيْخُنَا: وَأَخْصَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ مِقْدَارُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً، فَإِذَا قَسَمْتهَا عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا خَصَّ كُلَّ فَرْسَخٍ سَاعَةٌ وَنِصْفٌ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ فَهُوَ حَدُّ الْبُعْدِ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ طَلَبُهُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ إذَا سَعَى إلَيْهِ لِشُغْلِهِ الدُّنْيَوِيِّ فَالدِّينِيُّ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ حَجّ. وَالْمُرَادُ بِالطَّلَبِ هُنَا غَيْرُ الْمُرَادِ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ هُنَاكَ الْتِمَاسُهُ وَهُنَا قَصْدُهُ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ. قَوْلُهُ: (وَمَالٌ يَجِبُ بَذْلُهُ إلَخْ) أَيْ وَكَانَ الْمَاءُ لَا مُقَابِلَ لَهُ، وَإِلَّا فَتَضَاعُفُ الْغُرْمِ بَعِيدٌ عَنْ الْغُنْمِ اهـ شَوْبَرِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً) مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ الْمُضَافِ أَيْ ثَمَنِ مَاءِ طَهَارَتِهِ إلَخْ أَوْ أُجْرَةِ آلَةِ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (مِنْ نَفْسٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْغَيْرِ، وَيُشْتَرَطُ فِيمَا يَأْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسٍ وَعُضْوٍ وَمَالٍ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا، وَإِلَّا لَمْ يُؤَثِّرْ الْخَوْفُ عَلَيْهِ زي. قَوْلُهُ: (وَعُضْوٌ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا أَيْ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَانْقِطَاعٍ عَنْ رُفْقَةٍ) وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْحِشْ لِتَكَرُّرِهِ وَفَارَقَ الْجُمُعَةَ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي جَوَازِ التَّخَلُّفِ لَهَا لِإِيحَاشٍ عَنْ الرُّفْقَةِ إذَا سَافَرُوا بَعْدَ الْفَجْرِ بِأَنَّهَا لَا بَدَلَ لَهَا ز ي. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجُمُعَةَ مَقْصِدٌ، وَالْمَاءُ هُنَا وَسِيلَةٌ. قَوْلُهُ: (لَا بَدَلَ لَهَا) أَيْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَبَدَلُهَا الظُّهْرُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ؛ لِأَنَّهَا خَامِسَةُ يَوْمِهَا أَيْ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الْخَمْسَةِ، وَلَيْسَ الظُّهْرُ بَدَلًا عَنْهَا بَلْ يُغْنِي عَنْهَا. قَوْلُهُ: (وَخُرُوجِ وَقْتٍ) أَيْ كُلِّهِ، فَلَوْ كَانَ يُدْرِكُ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ لِلْمَاءِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ سم اج. وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِأَنَّ كُلَّ الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ فِيهِ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ، وَإِلَّا وَجَبَ السَّعْيُ إلَى الْمَاءِ. وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ عَلَى الْوَقْتِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُغْنِي عَنْ الْقَضَاءِ شَوْبَرِيٌّ. فَرْعٌ: لَوْ خَافَ بَرْدَ الْمَاءِ وَعَجَزَ عَنْ تَسْخِينِهِ فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ يَعْلَمُ وُجُودَ حَطَبٍ بِمَكَانٍ لَوْ ذَهَبَ لَهُ لَا يَرْجِعُ مِنْهُ إلَّا، وَقَدْ خَرَجَ الْوَقْتُ الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ م ر. أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَصْدُ الْحَطَبِ وَالتَّسْخِينِ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَسَيَأْتِي مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي التَّتِمَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّ وَاجِدَ الْمَاءِ يَسْعَى فِيهِ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَخَرَجَ بِالتَّسْخِينِ التَّبْرِيدُ فَلَا يَجِبُ انْتِظَارُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 الْأَمْنُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، وَلَا عَلَى الْمَالِ الَّذِي يَجِبُ بَذْلُهُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ لِتَيَقُّنِ وُجُودِ الْمَاءِ. الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ فَوْقَ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَيُسَمَّى حَدَّ الْبُعْدِ فَيَتَيَمَّمُ، وَلَا يَجِبُ قَصْدُ الْمَاءِ لِبُعْدِهِ، فَلَوْ تَيَقَّنَهُ آخِرَ الْوَقْتِ، فَانْتِظَارُهُ   [حاشية البجيرمي] لَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّبْرِيدَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَلَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ، بِخِلَافِ التَّسْخِينِ كَمَا فِي ع ش قَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَهُوَ الَّذِي تَلَقَّيْنَاهُ خِلَافًا لَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ التَّبْرِيدِ وَالتَّسْخِينِ اهـ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ وَخَافَ غَرَقًا لَوْ أَخَذَ الْمَاءَ مِنْ الْبَحْرِ تَيَمَّمَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ نَاقِلًا عَنْ م ر. وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ عَنْ ز ي. وَقَوْلُهُ: وَلَا إعَادَةَ. أَيْ وَإِنْ قَصُرَ السَّفَرُ. قَالَ سم عَلَى الْمَنْهَجِ: وَمَحَلُّ عَدَمِ الْإِعَادَةِ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ مِمَّا لَا يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا فِي السَّفِينَةِ. أَمَّا لَوْ غَلَبَ وُجُودُ الْمَاءِ فِيهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا ذُكِرَ وَجَبَ الْقَضَاءُ اهـ. بِالْمَعْنَى. وَقَوْلُهُ: بِقَطْعِ النَّظَرِ إلَخْ. يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ الْغَالِبُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وُجُودُ الْمَاءِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَاتَّفَقَ احْتِيَاجُهُ إلَى النُّزُولِ فِي السَّفِينَةِ فِي وَقْتٍ مُنِعَ فِيهِ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ لِمَا سَبَقَ، فَيَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ فِي غَالِبِ السَّنَةِ، لَكِنْ اتَّفَقَ وُجُودُهُ مِنْ سَيْلٍ مَثَلًا فِي بَعْضِ أَيَّامِ السَّنَةِ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا تَعَذَّرَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ إلَخْ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَعْلَمَ وُجُودَهُ فِي حَدِّ الْغَوْثِ كَمَا مَرَّ ق ل. وَعِبَارَةُ اط ف قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ أَيْ: مُحَصَّلٌ عِنْدَهُ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّهُ مَعَهُ مَاءٌ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ، بِخِلَافِ مَا يُحَصِّلُهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْمَنَ فَلْيُحَرَّرْ شَوْبَرِيٌّ، إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى تَحْصِيلِهِ مِنْ حَدِّ الْغَوْثِ لَا مِنْ فَوْقِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ مَعَهُ قَالَهُ بَعْضُهُمْ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَرَاتِبَ ثَلَاثَةٌ: حَدُّ الْغَوْثِ يَجِبُ فِيهِ الطَّلَبُ بِشَرْطِ الْأَمْنِ حَتَّى عَلَى الِاخْتِصَاصِ، وَالْمَالُ الَّذِي يَجِبُ بَذْلُهُ لِمَاءِ طَهَارَتِهِ مَعَ مَا يَأْتِي، وَحَدُّ الْقُرْبِ يَجِبُ طَلَبُهُ فِيهِ إنْ أَمِنَ عَلَى غَيْرِ الِاخْتِصَاصِ، وَالْمَالُ الَّذِي يَجِبُ بَذْلُهُ لِمَاءِ طَهَارَتِهِ، وَحَدُّ الْبُعْدِ لَا يَجِبُ فِيهِ الطَّلَبُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ) أَيْ وَلَا يَكُونُ خُرُوجُ الْوَقْتِ مُجَوِّزًا لِلْعُدُولِ إلَى التَّيَمُّمِ اط ف. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ) أَيْ بِالْفِعْلِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَوَّلَ أَيْضًا وَاجِدٌ لِلْمَاءِ لَكِنْ بِالْقُوَّةِ. اهـ. عَزِيزِيٌّ. قَوْلُهُ: (هُنَا) أَيْ فِي حَدِّ الْقُرْبِ. وَقَوْلُهُ: (لِلْأَمْنِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ) أَيْ إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ اُعْتُبِرَ الْأَمْنُ عَلَيْهِ أَيْضًا كَمَا فِي ع ش. قَوْلِهِ: (وَلَا عَلَى الْمَالِ الَّذِي يَجِبُ بَذْلُهُ) وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ الَّذِي لَا يَجِبُ الذَّبُّ عَنْهُ، أَمَّا لَوْ وَجَبَ الذَّبُّ عَنْهُ كَوَدِيعَةٍ وَمَرْهُونٍ اُشْتُرِطَ الْأَمْنُ عَلَيْهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّيْخَانِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ: هَذَا فِي الْمُسَافِرِ أَمَّا الْمُقِيمُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ سَعَى إلَى الْمَاءِ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ اهـ. وَفِيهِ تَصْرِيحُ امْتِنَاعِ تَيَمُّمِهِ وَوُجُوبُ السَّعْيِ إلَى الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يُعَدَّ سَعْيُهُ إلَى الْمَاءِ سَفَرًا، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ السَّعْيُ إلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ أَقَامَ بِبَادِيَةٍ لَا مَاءَ بِهَا: إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ عَنْهَا. قَوْلُهُ: (فَوْقَ ذَلِكَ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ كَقَدَمٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعَدُّ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا عَلِمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ عُرْفًا. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَيَقَّنَهُ آخِرَ الْوَقْتِ) الْمُنَاسِبُ، وَلَوْ تَيَقَّنَهُ؛ إذْ هَذَا لَا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَا قَبْلَهُ بَلْ مَسَائِلُ أُخْرَى مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَابِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَلَوْ تَيَقَّنَهُ بِوُصُولِهِ إلَيْهِ أَوْ بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ، وَالْمُرَادُ تَيَقَّنَهُ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهُ مِنْهُ، وَهُوَ حَدُّ الْغَوْثِ أَوْ الْقُرْبِ، فَهَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فِي حَدِّ الْغَوْثِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ، وَلِقَوْلِهِ: الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَعْلَمَ مَاءً بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ عَلَى مَا ذُكِرَ تَيَمَّمَ أَيْ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْهُ آخِرَ الْوَقْتِ، وَلَوْ اقْتَرَنَ التَّقْدِيمُ أَوْ التَّأْخِيرُ بِفَضِيلَةٍ كَالْجَمَاعَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ فَهُوَ أَوْلَى مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (آخِرَ الْوَقْتِ) بِأَنْ يَبْقَى مِنْهُ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ كُلَّهَا وَطُهْرَهَا. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ، وَإِلَّا وَجَبَ التَّأْخِيرُ. وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ. اهـ. عَنَانِيٌّ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ ثُمَّ أَعَادَهَا آخِرَهُ مَعَ الْمَاءِ فَهُوَ الْغَايَةُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 أَفْضَلُ مِنْ تَعْجِيلِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ، وَلَوْ آخِرَ الْوَقْتِ أَبْلُغُ مِنْهَا بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَهُ، وَإِنْ ظَنَّهُ أَوْ ظَنَّ أَوْ تَيَقَّنَ عَدَمَهُ، أَوْ شَكَّ فِيهِ آخِرَ الْوَقْتِ، فَتَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ أَفْضَلُ لِتَحَقُّقِ فَضِيلَتِهِ دُونَ فَضِيلَةِ الْوُضُوءِ. السَّبَبُ الثَّانِي: خَوْفُ مَحْذُورٍ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِسَبَبِ بُطْءِ بُرْءٍ (أَوْ مَرَضٍ) أَوْ زِيَادَةِ أَلَمٍ أَوْ شَيْنٍ فَاحِشٍ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ لِلْعُذْرِ، وَلِلْآيَةِ السَّابِقَةِ. وَالشَّيْنُ الْأَثَرُ الْمُسْتَكْرَهُ مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنٍ أَوْ نُحُولٍ وَاسْتِحْشَافٍ وَثُغْرَةٍ تَبْقَى وَلَحْمَةٍ تَزِيدُ، وَالظَّاهِرُ: مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ غَالِبًا كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ، وَذَكَرَ فِي الْجِنَايَاتِ مَا حَاصِلُهُ؛ أَنَّهُ مَا لَا يُعَدُّ كَشْفُهُ هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ، وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ، وَخَرَجَ بِالْفَاحِشِ الْيَسِيرُ كَقَلِيلِ سَوَادٍ، وَبِالظَّاهِرِ الْفَاحِشُ فِي الْبَاطِنِ فَلَا أَثَرَ لِخَوْفِ ذَلِكَ، وَيُعْتَمَدُ فِي   [حاشية البجيرمي] إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ. وَقَوْلُهُمْ: الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا بِالْوُضُوءِ مَحَلُّهُ فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْمَاءَ بَعْدُ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ كَلَامِهِمْ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْفَرْضَ الْأَوْلَى، وَلَمْ تَشْمَلْهَا فَضِيلَةُ الْوُضُوءِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَمَّا كَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى كَانَتْ جَابِرَةً لِنَقْصِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ يَرْجُو، وَمَنْ لَا يَرْجُو أَنَّ تَعَاطِيَ الصَّلَاةِ مَعَ رَجَاءِ الْمَاءِ، وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ فِيهِ نَقْصٌ، فَنُدِبَتْ الْإِعَادَةُ بِخِلَافِ تَعَاطِيهَا مَعَ عَدَمِ رَجَاءِ الْمَاءِ أَصْلًا فَلَا نَقْصَ فِيهِ فَلَمْ يُطْلَبْ لَهُ إعَادَةٌ وَتَلَخَّصَ أَنَّ مَحَلَّ أَفْضَلِيَّةِ التَّأْخِيرِ مَشْرُوطٌ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: أَنْ يَتَيَقَّنَ الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ بِحَيْثُ يَسَعُ الطُّهْرَ وَالصَّلَاةَ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ، أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ، وَأَنْ يُرِيدَ الِاقْتِصَارَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنْ لَا يَقْتَرِنَ التَّقْدِيمُ بِنَحْوِ جَمَاعَةٍ. قَوْلُهُ: (فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) وَلَا يَجِبُ، وَإِنْ تَيَقَّنَهُ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. قَوْلُهُ: (أَبْلَغُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَهُ أَيْ أَكْثَرُ ثَوَابًا؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ جَائِزٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَائِهَا أَوَّلَهُ. وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوُضُوءِ شَرْحُ الْبَهْجَةِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ ظَنَّهُ) أَيْ وُجُودَ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (عَدَمَهُ) تَنَازَعَهُ ظَنَّ وَتَيَقَّنَ. قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ بُطْءِ بُرْءٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَبُطْءِ بُرْءٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ، لِأَنَّهُ مَحْذُورٌ لَا سَبَبَ لَهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، أَوْ أَنْ يُعَبِّرَ بِمِنْ بَدَلَ سَبَبٍ وَتَكُونُ بَيَانًا لِلْمَحْذُورِ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: بُطْءِ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا فِيهِمَا. فَائِدَةٌ: تَقُولُ بَرَأَ بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ بُرْءًا بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا وَمَفْتُوحُ الْبَاءِ هُنَا أَفْصَحُ وَهُوَ مَصْدَرٌ لِمَفْتُوحِ الرَّاءِ أَيْضًا وَأَمَّا الْمَضْمُومُ فَمَصْدَرٌ لِلْمَضْمُومِ وَالْمَكْسُورُ شَوْبَرِيٌّ، وَبُطْءُ الْبُرْءِ هُوَ طُولُ مُدَّتِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ قَدْرُ وَقْتِ صَلَاةٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَقَلُّهُ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَقَلُّهُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (أَوْ زِيَادَةِ أَلَمٍ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً بِخِلَافِ الْيَسِيرِ فَلَا أَثَرَ لَهُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (فِي عُضْوٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَتَحَتَّمْ قَطْعُهُ فِي السَّرِقَةِ أَوْ الْمُحَارَبَةِ بِخِلَافِ مَا اُسْتُحِقَّ قَطْعُهُ قَوَدًا لِرَجَاءِ الْعَفْوِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (لِلْعُذْرِ) إنَّمَا قَدَّمَ الْعُذْرَ عَلَى الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ وَالْعُذْرُ عَامٌّ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنٍ) كَصُفْرَتِهِ أَوْ سَوَادِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نُحُولٍ) النُّحُولُ هُزَالٌ مَعَ رُطُوبَةٍ فِي الْبَدَنِ، وَالِاسْتِحْشَافُ هُوَ هُزَالٌ مَعَ يُبُوسَةٍ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَثُغْرَةٍ) أَيْ نُقْرَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَحْمَةٍ تَزِيدُ) كَسِلْعَةٍ. وَظَاهِرُهُ وَإِنْ صَغُرَ كُلٌّ مِنْ اللَّحْمَةِ وَالثُّغْرَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَسْمِيَتِهِ شَيْنًا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِهِمَا فِي الْعُضْوِ يُورِثُ شَيْنًا، وَلَكِنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، بَلْ إنْ كَانَ فَاحِشًا تَيَمَّمَ أَوْ يَسِيرًا فَلَا. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (الْمَهِنَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَوَّلَهُ مَعَ كَسْرِ ثَانِيَةٍ وَحُكِيَ كَسْرُهَا مَعَ سُكُونِ الْهَاءِ وَهِيَ الْخِدْمَةُ. قَوْلُهُ: (لِلْمُرُوءَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَهِيَ صِفَةٌ يُمْدَحُ الْمُتَخَلِّقُ بِهَا وَهِيَ التَّخَلُّقُ بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ وَهِيَ الْآنُ إمَّا قَلِيلَةٌ جِدًّا أَوْ مَعْدُومَةٌ قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ مَرَرْت عَلَى الْمُرُوءَةِ وَهِيَ تَبْكِي ... فَقُلْت عَلَامَ تَنْتَحِبُ الْفَتَاةُ فَقَالَتْ كَيْفَ لَا أَبْكِي وَأَهْلِي ... جَمِيعًا دُونَ خَلْقِ اللَّهِ مَاتُوا قَوْلُهُ: (رَدَّهُ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ بِأَنْ يُقَالَ مَا لَا يُعَدُّ كَشْفُهُ هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ هُوَ مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمَهِنَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْبَاطِنِ) وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 خَوْفِ مَا ذُكِرَ قَوْلُ عَدْلٍ فِي الرِّوَايَةِ. السَّبَبُ الثَّالِثُ: حَاجَتُهُ إلَيْهِ لِعَطَشِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ وَلَوْ كَانَتْ حَاجَتُهُ إلَيْهِ لِذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبِلِ صَوْنًا لِلرُّوحِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ التَّلَفِ، فَيَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ وَلَا يُكَلَّفُ الطُّهْرَ بِهِ، ثُمَّ جَمْعَهُ وَشُرْبَهُ لِغَيْرِ دَابَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ عَادَةً، وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ   [حاشية البجيرمي] مَا عَدَا الظَّاهِرَ الْمَذْكُورَ، وَلَوْ فِي أَمَةٍ حَسْنَاءَ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا بِذَلِكَ نَقْصًا فَاحِشًا، لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ السَّيِّدِ بِدَلِيلِ قَتْلِهَا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (عَدْلٌ فِي الرِّوَايَةِ) وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الَّذِي لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَةً وَلَمْ يُصِرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، وَلَا تَكْفِي التَّجْرِبَةُ وَكَذَا فِي الْعَطَشِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ وَتَكْفِي مَعْرِفَةُ نَفْسِهِ إنْ كَانَ عَارِفًا، وَيَكْفِي تَصْدِيقُ غَيْرِ الْعَدْلِ كَالْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبٍ صِدْقُهُ، فَالْمَدَارُ عَلَى التَّصْدِيقِ لَا الْعَدَالَةِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى بِدُونِ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ وُجِدَ الطَّبِيبُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَهُ بِجَوَازِهِ قَبِلَهَا، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إخْبَارِ الطَّبِيبِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ مَثَلًا مَا لَمْ يَحْتَمِلْ فِيهِ عَدَمَ الضَّرَرِ فَيَجِبُ سُؤَالُهُ، فَلَوْ تَعَارَضَ طَبِيبَانِ فَأَكْثَرُ قُدِّمَ الْأَوْثَقُ، فَإِنْ تَسَاوَوْا تَسَاقَطُوا كَمَا فِي الْإِخْبَارِ بِتَنْجِيسِ الْمَاءِ. اهـ. سم عَلَى الْبَهْجَةِ، وَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ طَبِيبًا إنْ جَرَّبَ نَفْسَهُ لِاخْتِلَافِ الْمِزَاجِ بِالْأَزْمِنَةِ، وَبِهَذَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ اكْتَفَى بِالتَّجْرِبَةِ كَابْنِ حَجَرٍ وَفَارَقَ الْمُضْطَرَّ حَيْثُ يَسْتَقِلُّ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَوْلِ طَبِيبٍ لِأَجْلِ وِقَايَةِ النَّفْسِ عَنْ التَّلَفِ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِلطُّهْرِ بِهِ بِدَلِيلِ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَكْلِهِ لِلْمُضْطَرِّ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى الِاضْطِرَارِ فَهِيَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، فَانْدَفَعَ قِيَاسُ الْإِسْنَوِيِّ عَلَيْهِ. اهـ. ابْنُ شَرَفٍ. قَوْلُهُ: (لِعَطَشِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ) وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا أَوْ مُعَاهَدًا أَوْ بَهِيمَةً، فَخَرَجَ الْمُرْتَدُّ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ وَالْحَرْبِيُّ وَالْخِنْزِيرُ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْمَاءِ إلَيْهِمْ. وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ صَرْفِهِ إلَى غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ إنْ احْتَاجَ الْمُحْتَرَمُ إلَيْهِ كَأَنْ يَكُونَ خَادِمُهُ، وَلَمْ يَسْتَغْنِ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: مُحْتَرَمٌ الْمُرَادُ بِالْمُحْتَرَمِ مَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَبِغَيْرِ الْمُحْتَرَمِ مَا لَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ كَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ وَتَارِكِ صَلَاةٍ. قَالَ شَيْخُنَا: لَوْ كَانَ غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ هُوَ الَّذِي مَعَهُ الْمَاءُ مُحْتَاجًا إلَى شُرْبِهِ، فَهَلْ يَكُونُ كَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِينَ فِي أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ فِي الطَّهَارَةِ، وَإِنْ مَاتَ عَطَشًا أَوْ يَشْرَبُهُ وَيَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِمُبَاشَرَةِ قَتْلِ نَفْسِهِ، الْمُتَّجَهُ الثَّانِي شَرْحُ م ر. وَالْكَلْبُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ عَقُورٌ: هَذَا لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ احْتِرَامِهِ، وَالثَّانِي مُحْتَرَمٌ بِلَا خِلَافٍ، وَهُوَ مَا فِيهِ نَفْعٌ مِنْ صَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةٍ، وَالثَّالِثُ: مَا فِيهِ خِلَافٌ، وَهُوَ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ، وَلَا ضَرَرَ، وَقَدْ تَنَاقَضَ فِيهِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ شَيْخِنَا م ر أَنَّهُ مُحْتَرَمٌ يَحْرُمُ قَتْلُهُ اهـ خ ض. وَفِي ق ل: نَعَمْ لَوْ احْتَاجَهُ الزَّانِي الْمُحْصَنُ لِعَطَشِ نَفْسِهِ شَرِبَهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ مُحْتَرَمَةٌ عَلَيْهِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (مُحْتَرَمٍ) وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صَاحِبُ الْمَاءِ وَلَا يَتَيَمَّمُ لِعَطَشِ عَاصٍ بِسَفَرِهِ حَتَّى يَتُوبَ. وَقَوْلُهُ: حَيَوَانٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، وَمِثْلُ الْمَاءِ الْأَكْلُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ الْأَطْعِمَةَ أَنَّ لَهُ ذَبْحَ شَاةِ الْغَيْرِ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِكَلْبِهِ الْمُحْتَرَمِ الْمُحْتَاجِ لِلْإِطْعَامِ، وَعَلَى الْمَالِكِ بَذْلُهَا. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (فِي الْمُسْتَقْبَلِ) فَلَهُ أَنْ يَدَّخِرَهُ: بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيَحْرُمُ الْوُضُوءُ بِهِ، سَوَاءٌ ظَنَّ وُجُودَهُ فِي غَدِهِ أَمْ لَا. حَيْثُ لَمْ يَتَحَقَّقْهُ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ وَإِنْ رَجَا الْمَاءَ فِي غَدِهِ، فَلَوْ وَصَلُوا إلَى الْمَاءِ، وَفَضَلَتْ مَعَهُمْ فَضْلَةٌ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي مَعَهُمْ لِلشُّرْبِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ أَوْ لَا؟ يُنْظَرُ إنْ قَتَّرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَسْرَعُوا السَّيْرَ، وَلَوْ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ لَمْ يَقْضُوا، وَإِلَّا بِأَنْ سَارُوا عَلَى الْعَادَةِ، وَلَمْ يُقَتِّرُوا قَضَوْا أَيْ الصَّلَاةَ الْأَخِيرَةَ بِنَاءً عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ م ر، لَكِنْ قَالَ ق ل: وَالْوَجْهُ الْوَجِيهُ أَنَّهُ يَقْضِي كُلَّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَيَمَّمَ لَهَا مَعَ وُجُودِ مَاءٍ، هَذَا إذَا كَانَ الْمَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ، وَإِلَّا قَضَى صَاحِبُ الْمَاءِ فَقَطْ اهـ م د. قَوْلُهُ: (صَوْنًا لِلرُّوحِ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ الِاحْتِيَاجِ سَبَبًا لِلْعَجْزِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَوْفِ تَلَفِ النَّفْسِ وَالْعُضْوِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي: وَالْعَطَشُ الْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ يُعْتَبَرُ بِالْخَوْفِ إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ تَلَفِ النَّفْسِ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ قَوْلَهُ صَوْنًا لِلرُّوحِ أَوْ غَيْرِهَا عَنْ التَّلَفِ أَيْ مَثَلًا. اهـ. ح ف. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهَا) كَالْعُضْوِ وَالْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ: (فَيَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ) أَيْ الْمَاءِ وَسَكَتَ عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: وَيَحْرُمُ تَطْهِيرُهُ إلَخْ. وَهُوَ شَامِلٌ لِلِاسْتِنْجَاءِ بِهِ فَيُعَيَّنُ الْحَجْرُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرُمُ أَيْضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وَالْعَطَشُ الْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ مُعْتَبَرٌ بِالْخَوْفِ فِي السَّبَبِ الثَّانِي، وَلِلْعَطْشَانِ أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ مَالِكِهِ قَهْرًا بِبَدَلِهِ إنْ لَمْ يَبْذُلْهُ لَهُ (وَ) الشَّيْءُ الثَّانِي (دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ) فَلَا يَتَيَمَّمُ لِمُؤَقَّتٍ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا قَبْلَ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ بَلْ يَتَيَمَّمُ لَهُ فِيهِ، وَلَوْ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِشَرْطِهِ كَسَتْرٍ وَخُطْبَةِ جُمُعَةٍ، إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ زَوَالِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ لِلتَّضَمُّخِ بِهَا مَعَ كَوْنِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةً ضَعِيفَةً، لَا لِكَوْنِ زَوَالِهَا شَرْطًا لِلصَّلَاةِ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ زَوَالِهَا عَنْ الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ، وَالْوَقْتُ شَامِلٌ لِوَقْتِ الْجَوَازِ وَوَقْتِ الْعُذْرِ، وَيَدْخُلُ وَقْتُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِانْقِضَاءِ الْغُسْلِ أَوْ بَدَلِهِ   [حاشية البجيرمي] فَيُصَلِّي بِحَالِهِ وَيُعِيدُ اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَلَّفُ الطُّهْرَ بِهِ) بَلْ يَحْرُمُ التَّطَهُّرُ بِالْمَاءِ، وَإِنْ قَلَّ إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ وُجُودَ مُحْتَرَمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْقَافِلَةِ، وَإِنْ كَبِرَتْ وَخَرَجَتْ عَنْ الضَّبْطِ ح ل. وَكَثِيرٌ يَجْهَلُونَ فَيَتَوَهَّمُونَ أَنَّ التَّطَهُّرَ بِالْمَاءِ قُرْبَةٌ وَهُوَ خَطَأٌ قَبِيحٌ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (لِغَيْرِ دَابَّةٍ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يُكَلَّفُ الطُّهْرَ بِهِ ثُمَّ جَمْعَهُ وَشُرْبَهُ لِلدَّابَّةِ فَيَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَعَافُهُ، بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ وَمِثْلُهَا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْرِفُونَ الِاسْتِقْذَارَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ. قَالَ ق ل: وَيُعْتَبَرُ فِي الْعَطَشِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ مَا فِي الْمَرَضِ مِنْ خَبَرِ الطَّبِيبِ الْمُسْلِمِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ وُجِدَ الطَّبِيبُ حَاضِرًا، وَإِلَّا فَلَيْسَ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ مَنْعُهُ مِنْ الشُّرْبِ حَتَّى يُوجَدَ الطَّبِيبُ خُصُوصًا فِي مَفَازَةٍ مَثَلًا فَلْيُنْظَرْ حُكْمُهُ وَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ هُوَ مَالِكَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّا لَا نَأْمُرُهُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهَا. نَعَمْ إنْ كَانَ إهْدَارُهُ يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ كَتَرْكِهِ الصَّلَاةَ بِشَرْطِهِ، وَهُوَ أَمْرُ الْإِمَامِ بِهَا لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ كَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ إلَّا إنْ تَابَ. قَوْلُهُ: (وَلِلْعَطْشَانِ) هَذَا التَّقْدِيمُ يُفِيدُ الْحَصْرَ، فَخَرَجَ مُحْتَاجُ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ وَالثَّوْبِ لِلسِّتْرِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي عَارِيًّا. قَوْلُهُ: (مِنْ مَالِكِهِ) أَيْ غَيْرِ الْعَطْشَانِ فَإِنْ كَانَ مَالِكُ الْمَاءِ عَطْشَانًا لَمْ يُهْدَرْ بَلْ يَضْمَنُهُ قَاتِلُهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. بِخِلَافِ الْمَالِكِ غَيْرِ الْعَطْشَانِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى قَاتِلِهِ إذَا كَانَ عَطْشَانًا، وَكَنَفْسِهِ عَطَشُ آدَمِيٍّ مَعَهُ مُحْتَرَمٍ يَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِبَدَلِهِ) أَيْ وَأَمَّا بِدُونِ بَذْلِهِ فَلَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ دُخُولُ الْوَقْتِ وَلَوْ ظَنًّا فَقَالَ الشَّارِحُ الْآتِي: وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْوَقْتِ أَيْ أَوْ ظَنُّهُ. اهـ. م د بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ وَقْتِهِ) فَلَوْ نَقَلَ التُّرَابَ قَبْلَهُ وَمَسَحَ بِهِ الْوَجْهَ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَجْدِيدُ نِيَّةِ نَقْلٍ قُبَيْلَ الْمَسْحِ، وَإِلَّا صَحَّ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرُوهُ فِيمَا لَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ النَّقْلِ وَالْمَسْحِ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ نَقَلَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ فَإِنْ صَادَفَ أَنَّهُ نَقَلَ فِيهِ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ التَّيَمُّمِ فِي الْوَقْتِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ فَيُصَلِّي بِهِ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بِخِلَافِ طُهْرِ دَائِمِ الْحَدَثِ لِتَجَدُّدِ حَدَثِهِ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ. قَوْلُهُ: (لَهُ) أَيْ لِلْمُؤَقَّتِ. وَقَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي وَقْتِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِشَرْطِهِ) أَيْ الْمُؤَقَّتِ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلْخِطْبَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ صَحَّ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا، أَوْ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ جَازَ، لِأَنَّ وَقْتَهَا دَخَلَ بِالزَّوَالِ، وَتَقَدُّمُ الْخُطْبَةِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ فِعْلِهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ تَيَمَّمَ الْخَطِيبُ، أَوْ غَيْرُهُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَدَدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ. قَوْلُهُ: (لِلتَّضَمُّخِ بِهَا) التَّضَمُّخُ التَّلَطُّخُ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ اهـ. قَوْلُهُ: (مَعَ كَوْنِ التَّيَمُّمِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مُرَكَّبَةٌ، وَهِيَ لَمْ تُوجَدْ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ قَوِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدَمُ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ قَبْلَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ لِكَوْنِ زَوَالِهَا شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ لَمَا صَحَّ التَّيَمُّمُ إلَخْ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ خَاصَّةً لِلتَّضَمُّخِ بِهَا مَعَ ضَعْفِهِ بِخِلَافِهَا إذَا كَانَتْ عَلَى الثَّوْبِ أَوْ الْمَكَانِ فَلَا تَضَمُّخَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ سَوَاءٌ تَيَمَّمَ لِمَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ كَالصَّلَاةِ أَمْ لَا كَمَسِّ مُصْحَفٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَبْلَ زَوَالِهَا. وَعِبَارَةُ ابْنِ شَرَفٍ عَلَى التَّحْرِيزِ قَوْلُهُ: (وَتُقَدَّمَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ) أَيْ غَيْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا مَا لَمْ تَكُنْ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ، وَإِلَّا وَجَبَتْ إزَالَتُهَا أَيْضًا. وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْإِبَاحَةِ وَلَا إبَاحَةَ مَعَ الْمَانِعِ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، خِلَافًا لِمَا فِيهَا هُنَا وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَاءً يَسْتَنْجِي بِهِ أَوْ يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ لَمْ يَتَيَمَّمْ، بَلْ هُوَ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ الْعُذْرِ) فَيَتَيَمَّمُ لِلْعَصْرِ وَقْتَ الظُّهْرِ إذَا أَرَادَ جَمْعَ التَّقْدِيمِ وَلِلْعِشَاءِ وَقْتَ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى دَخَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وَيَتَيَمَّمُ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَرَادَهُ إلَّا وَقْتَ الْكَرَاهَةِ إذَا أَرَادَ إيقَاعَ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْوَقْتِ فَلَوْ تَيَمَّمَ شَاكًّا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ صَادَفَهُ (وَ) الشَّيْءُ الثَّالِثُ (طَلَبُ الْمَاءِ) بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَأْذُونِهِ كَمَا مَرَّ. (وَ) الشَّيْءُ الرَّابِعُ (تَعَذُّرُ اسْتِعْمَالِهِ) شَرْعًا، فَلَوْ وَجَدَ خَابِيَةً مُسَبَّلَةً بِطَرِيقٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْوُضُوءُ مِنْهَا كَمَا فِي الزَّوَائِدِ، أَوْ حِسًّا كَأَنْ   [حاشية البجيرمي] وَقْتُ الْعَصْرِ أَوْ الْعِشَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَيَمُّمٌ آخَرُ لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَبَاحَهَا بِوَصْفِ كَوْنِهَا مَجْمُوعَةً، وَقَدْ فَاتَ هَذَا الْوَصْفُ فَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ كَمَا عُرِفَ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ نَفْلًا أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَيَمَّمَ لِفَائِتَةٍ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ حَاضِرَةٍ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْحَاضِرَةَ بِتَيَمُّمِهِ. وَيُلْغَزُ بِهِ وَيُقَالُ: لَنَا شَخْصٌ صَلَّى صَلَاةَ تَيَمُّمٍ نَوَى بِهِ اسْتِبَاحَةَ غَيْرِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الْحَقِيقِيِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ تَيَمَّمَ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا الْحَقِيقِيِّ، بِخِلَافِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ ثَمَّةَ اسْتَبَاحَ مَا نَوَى فَاسْتَبَاحَ غَيْرَهُ بَدَلًا، وَهُنَا لَمْ يَسْتَبِحْ مَا نَوَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي نَوَى فَلَمْ يَسْتَبِحْ غَيْرَهُ اهـ. قَالَ: وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ الْجَمْعَ تَأْخِيرًا فَتَيَمَّمَ لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِخِلَافِ تَيَمُّمِهِ فِيهِ لِلْعَصْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ لَهُ فِي وَقْتِهِ م د. قَوْلُهُ: (بِانْقِضَاءِ الْغُسْلِ) أَيْ الْوَاجِبِ أَوْ بَدَلِهِ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَإِنْ لَمْ يُكَفَّنْ. وَبِهِ يُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا شَخْصٌ يَتَوَقَّفُ تَيَمُّمُهُ عَلَى طُهْرِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (إذَا أَرَادَ إيقَاعَ إلَخْ) هُوَ قَيْدٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ فِيهِ أَيْ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ بِنِيَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وَكَذَا قَبْلَهُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ فَيَخْرُجُ مَا لَوْ تَيَمَّمَ فِيهِ لِيُصَلِّيَ بَعْدَهُ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ. وَلَا يُقَالُ: يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ الْمُطْلَقَ لَا وَقْتَ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ) أَيْ أَوْ ظَنُّهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَلَوْ تَيَمَّمَ شَاكًّا إلَخْ. قَوْلُهُ: (طَلَبُ الْمَاءِ) اعْلَمْ أَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ لَا يَجِبُ إلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ لَا يَتَيَقَّنَ عَدَمَ وُجُودِهِ، وَأَنْ يَكُونَ تَيَمُّمُهُ لِلْفَقْدِ لَا لِلْمَرَضِ، وَأَنْ لَا يَحْتَاجَ الْمَاءَ لِلْعَطَشِ م د. قَوْلُهُ: (بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ) فَلَوْ طَلَبَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يُعَوَّلْ عَلَى ذَلِكَ الطَّلَبِ، نَعَمْ إنْ حَصَلَ بِهِ تَيَقُّنُ الْعَدَمِ كَانَ كَافِيًا سم. وَفِي حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ: فَلَوْ طَلَبَ شَاكًّا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنَّ صَادَفَ الْوَقْتَ، نَعَمْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْإِذْنِ فِي الطَّلَبِ قَبْلَ الْوَقْتِ إنْ قَالَ فِيهِ أَوْ أَطْلَقَ. وَفِي شَرْحِ م ر: نَعَمْ الْأَقْرَبُ الِاكْتِفَاءُ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ بِطَلَبِهِ فِي الْوَقْتِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ الْمُحْرِمُ حَلَالًا لِيَعْقِدَ لَهُ النِّكَاحَ، وَأَطْلَقَ فَعَقَدَ لَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِيهِ: وَلَوْ طَلَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ لِفَائِتَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ فَدَخَلَ الْوَقْتُ عَقِبَ طَلَبِهِ تَيَمَّمَ لِصَاحِبَةِ الْوَقْتِ بِذَلِكَ الطَّلَبِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ طَلَبَهُ لِعَطَشِ نَفْسِهِ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ كَذَلِكَ، وَقَدْ يَجِبُ الطَّلَبُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْخَادِمِ، أَوْ فِي أَوَّلِهِ كَوْنُ الْقَافِلَةِ عَظِيمَةً لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهَا إلَّا إذَا بَادَرَ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَعْجِيلُ الطَّلَبِ فِي أَظْهَرِ احْتِمَالَيْنِ لِابْنِ الْأُسْتَاذِ اهـ. شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (تَعَذُّرُ اسْتِعْمَالِهِ) هَذَا الشَّرْطُ يُغْنِي عَنْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ وُجُودُ الْعُذْرِ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، فَفِي عَدِّهِمَا شَرْطَيْنِ مُسَامَحَةٌ، وَكَذَا فِي عَدِّ الطَّلَبِ وَالْإِعْوَازِ شَرْطَيْنِ، بَلْ الْإِعْوَازُ مِنْ تَتِمَّةِ الطَّلَبِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الطَّلَبِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَوَازُ التَّيَمُّمِ؛ إذْ قَدْ يَجِبُ الْمَاءُ بَعْدَهُ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ، بَلْ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الطَّلَبِ جَوَازُ التَّيَمُّمِ؛ إذْ لَمْ يَجِدْهُ أَوْ وَجَدَهُ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِإِعْوَازِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ فَهُمَا شَرْطٌ وَاحِدٌ، بَلْ التَّحْقِيقُ أَنَّ الطَّلَبَ لَيْسَ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا فَإِنَّهُ مُحَقِّقٌ لِفَقْدِ الْمَاءِ الدَّاخِلِ تَحْتَ قَوْلِهِ (تَعَذُّرُ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا، فَإِذَنْ الشُّرُوطُ عَلَى التَّحْقِيقِ ثَلَاثَةٌ: الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا، وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَالتُّرَابُ الطَّهُورُ، وَهَكَذَا حَقَّقَهُ سم فِي شَرْحِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ الْمَعْدُودُ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ سِتَّةٌ فِيهِ مُسَامَحَةٌ. قَوْلُهُ (فَلَوْ وَجَدَ خَابِيَةً) مَحَلُّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا مُسَبَّلَةٌ لِلشُّرْبِ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا مُسَبَّلَةٌ لِلِانْتِفَاعِ مُطْلَقًا اسْتَعْمَلَهَا فِي الطَّهَارَةِ فَإِنْ شَكَّ حَكَّمَ الْعُرْفَ وَالْقَرَائِنَ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ مِنْ مَحَلِّهِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ إلَّا إذَا عَلِمَ أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ مُسَبِّلَهُ يَسْمَحُ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَبَاحَ لِأَحَدٍ طَعَامًا لِيَأْكُلَهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ حَمْلُ الْحَبَّةِ مِنْهُ، وَلَا صَرْفُهُ إلَى غَيْرِ الْأَكْلِ، إلَّا إذَا عَلِمَ رِضَا مُبِيحِهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ شَكَّ حَكَّمَ الْعُرْفَ وَالْقَرِينَةَ، وَمِنْ التَّعَذُّرِ الشَّرْعِيِّ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ وَدِيعَةً أَوْ غَصْبًا أَوْ رَهْنًا، وَمِنْ الشَّكِّ أَيْ التَّرَدُّدِ فَيَشْمَلُ الظَّنُّ غَالِبَ الصَّهَارِيجِ الْمَوْجُودَةِ بِمِصْرِنَا، فَإِنَّا لَمْ نَعْلَمْ فِيهَا حَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبُعٌ أَوْ عَدُوٌّ، وَمِنْ صُوَرِ التَّعَذُّرِ خَوْفُهُ سَارِقًا أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَتِهِ. (وَ) الشَّيْءُ الْخَامِسُ (إعْوَازُهُ) أَيْ الْمَاءِ أَيْ احْتِيَاجُهُ إلَيْهِ (بَعْدَ الطَّلَبِ) لِعَطَشِهِ أَوْ عَطَشِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ كَمَا مَرَّ وَهُوَ مَا لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ. وَالشَّيْءُ السَّادِسُ (التُّرَابُ) بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ (الطَّاهِرُ) الَّذِي (لَهُ غُبَارٌ) قَالَ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] أَيْ تُرَابًا طَاهِرًا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَالْمُرَادُ بِالطَّاهِرِ الطَّهُورُ فَلَا يَجُوزُ بِالْمُتَنَجِّسِ وَلَا بِمَا لَا غُبَارَ لَهُ، وَلَا بِالْمُسْتَعْمَلِ، وَهُوَ مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ أَوْ تَنَاثَرَ مِنْهُ   [حاشية البجيرمي] الْوَاقِفِ، وَالْغَالِبُ قَصْرُهَا عَلَى الشُّرْبِ، ثُمَّ قَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهَا خَاصٌّ بِمَوَاضِعِهَا فَيَمْتَنِعُ نَقْلُهَا لِلشُّرْبِ مِنْهَا فِي الْبُيُوتِ، وَقَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهَا غَيْرُ خَاصٍّ بِمَوْضِعِهَا فَيُنْقَلُ مَاؤُهَا لِلشُّرْبِ مِنْهَا فِي الْبُيُوتِ وَيَخْتَصُّ بِهِ مَنْ أَخَذَهُ بِمُجَرَّدِ حِيَازَتِهِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الطَّلَبِ) أَيْ بَعْدَ حُصُولِهِ مَعَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (لِعَطَشِهِ إلَخْ) لَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ احْتِيَاجَهُ لِثَمَنِهِ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ) يَشْمَلُ الْمَأْكُولَ وَغَيْرَهُ، وَمِنْهُ الْكَلْبُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ. قَوْلُهُ (التُّرَابُ) اسْمُ جِنْسٍ إفْرَادِيٍّ وَقِيلَ جَمْعِيٌّ وَاحِدُهُ تُرَابَةٌ؛ وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ التُّرَابِ، فَعَلَى الْأُولَى طَلْقَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي ثَلَاثَةٌ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْهُمَا. وَقَالَهُ السُّيُوطِيّ: فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ لِأَنَّ أَصْلَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ التُّرَابِ وَأَصْلُك مِنْ الْمَاءِ، وَأَنَّهُمَا أَوْسَعُ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وُجُودًا فَأَمَرَك بِالتَّطَهُّرِ بِهِمَا لِئَلَّا تَعْتَذِرَ بِفِقْدَانِهِمَا فَالْآنَ لَيْسَ لَك عُذْرٌ اهـ. وَاسْمُ التُّرَابِ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا سِتُّونَ نَوْعًا، وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ سِتِّينَ نَوْعًا فَجَاءَتْ أَوْلَادُهُ عَلَى أَلْوَانٍ وَصُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَمَّا الرَّمْلُ فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ، فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ الرَّمْلِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا قَوْلًا وَاحِدًا اهـ. قَوْلُهُ: (حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ) كَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ فِيهِمَا نِسْبَةً إلَى إرْمِينْيَةَ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فَإِنَّ النَّاسَ يَتَدَاوَوْنَ بِهِ فِي زَمَنِ الْكُبَّةِ بِوَضْعِهِ عَلَى الْكُبَّةِ، وَمَا فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِحَتَّى أَيْ حَتَّى النَّوْعِ الَّذِي يُدَاوَى بِهِ، وَكَذَلِكَ السَّبَخُ إذَا لَمْ يَعْلُهُ مِلْحٌ وَمَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرَضُ مِنْ مَدَرٍ وَإِنْ اخْتَلَطَ بِلُعَابِهَا كَطِينٍ عُجِنَ بِنَحْوِ خَلٍّ حَتَّى تَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ وَجَفَّ، وَكَانَ لَهُ غُبَارٌ كَمَا قَالَهُ ح ل وَلَوْ دَقَّ الْحَجَرَ حَتَّى صَارَ لَهُ غُبَارٌ لَمْ يَكْفِ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّمَلِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ بِخِلَافِ الرَّمْلِ ع ش. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالطَّاهِرِ الطَّهُورُ) أَيْ وَإِنْ أَخَذَ مِنْ ظَهْرِ كَلْبٍ لَمْ يَعْلَمْ اتِّصَالَهُ مَعَ تَرَطُّبِ أَحَدِهِمَا سم. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ بِالْمُتَنَجِّسِ) كَتُرَابِ مَقْبَرَةٍ عُلِمَ نَبْشُهَا، وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهَا الْمَطَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِذَلِكَ لِاخْتِلَاطِهِ بِصَدِيدِ الْمَوْتَى الَّذِي لَا يُزِيلُهُ الْمَطَرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا عُلِمَ عَدَمُهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ سم. قَوْلُهُ: (وَلَا بِالْمُسْتَعْمَلِ) أَيْ فِي نَحْوِ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ بِأَنْ اُسْتُعْمِلَ فِي مُغَلَّظٍ. وَكَوْنُ التُّرَابِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِالِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ الْمَاءِ يُرَدُّ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَيْسَ هُوَ خُصُوصُ رَفْعِ الْحَدَثِ بَلْ زَوَالُ الْمَانِعِ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَاءَ السَّلَسِ مُسْتَعْمَلٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ حَدَثًا فَاسْتَوَيَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَا بِتُرَابٍ مُسْتَعْمَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ أُدِّيَ بِهِ فَرْضٌ وَعِبَادَةٌ فَكَانَ مُسْتَعْمَلًا كَالْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَتْ بِهِ الْمُسْتَحَاضَةُ، وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ انْتَقَلَ إلَى التُّرَابِ لِأَنَّهُ أَبَاحَ الْمَحْذُورَ قَالَ ع ش إنَّ تُرَابَ السَّابِعَةِ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيُّ قَالَ شَيْخُنَا: وَلَيْسَ مِنْهُ حَجَرُ الِاسْتِنْجَاءِ إذَا غَسَلَهُ وَدَقَّهُ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّ وَصْفَ الْمَنْعِ زَالَ بِالْغَسْلِ فَلَيْسَ هُوَ كَالتُّرَابِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَإِنْ طَهَّرَهُ لِأَنَّ وَصْفَ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَزُولُ بِالْغَسْلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَنَاثَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعُضْوِ أَيْ بَعْدَ أَنْ مَسَّ بَشَرَةَ الْعُضْوِ الْمَمْسُوحِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 حَالَةَ التَّيَمُّمِ كَالْمُتَقَاطِرِ مِنْ الْمَاءِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ حَصْرِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي ذَلِكَ صِحَّةُ تَيَمُّمِ الْوَاحِدِ وَالْكَثِيرِ مِنْ تُرَابٍ يَسِيرٍ مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ رَفَعَ يَدَهُ فِي أَثْنَاءِ مَسْحِ الْعُضْوِ ثُمَّ وَضَعَهَا صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، أَمَّا مَا تَنَاثَرَ مِنْ غَيْرِ مَسِّ الْعُضْوِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ، وَدَخَلَ فِي التُّرَابِ الْمَذْكُورِ الْمُحَرَّقُ مِنْهُ، وَلَوْ اسْوَدَّ مَا لَمْ يَصِرْ رَمَادًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْأَعْفَرُ وَالْأَصْفَرُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ الْمَأْكُولُ سَفَهًا، وَخَرَجَ بِالتُّرَابِ النُّورَةُ وَالزِّرْنِيخُ وَسُحَاقَةُ الْخَزَفِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. (فَإِنْ خَالَطَهُ) أَيْ التُّرَابَ الطَّهُورَ (جِصٌّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيه الْعَامَّةُ الْجِبْسَ أَوْ دَقِيقٌ أَوْ نَحْوُهُ. (أَوْ) اخْتَلَطَ بِهِ (رَمْلٌ) نَاعِمٌ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ (لَمْ يَجُزْ) التَّيَمُّمُ بِهِ، وَإِنْ قَلَّ الْخَلِيطُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ، أَمَّا الرَّمَلُ الَّذِي لَا يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ إذَا كَانَ لَهُ غُبَارٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ وَالتُّرَابُ جِنْسٌ لَهُ وَلَوْ وَجَدَ مَاءً   [حاشية البجيرمي] هَذَا الْقَيْدِ بِدَلِيلِ أَخْذِ مُحْتَرَزِهِ فِي قَوْلِهِ: أَمَّا مَا تَنَاثَرَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (حَالَةَ التَّيَمُّمِ) الْمَرَادُ بِهَا مَا اُسْتُعْمِلَ فِي التَّيَمُّمِ سَوَاءٌ تَنَاثَرَ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالَ م د قَوْلُهُ: حَالَةَ التَّيَمُّمِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ عَلَى وَجْهِهِ تُرَابًا فَأَخَذَهُ بِخِرْقَةٍ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى وَجْهِهِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي. وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ قَوْلُهُ: حَالَةَ التَّيَمُّمِ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ أَوْ تَنَاثَرَ مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَيُؤْخَذُ مِنْ حَصْرِ الْمُسْتَعْمَلِ إلَخْ. أَيْ: لِأَنَّ مَقَامَ الْبَيَانِ يُفِيدُهُ وَحِينَئِذٍ سَقَطَ مَا قَبْلَ الْحَصْرِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا مَوْصُولَةٌ فَإِنْ جُعِلَتْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً فَلَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَتَنَاثَرْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ شَرْحُ م ر. وَلَا يُقَدَّرُ بِمُخَالِفٍ كَمَا فِي الْمَاءِ قَالَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ) . فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا رَفَعَ يَدَهُ عَلَى الْعُضْوِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْمَاءَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِذَا انْفَصَلَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا. وَأَجَابَ س ل: بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَحْتَاجُ لِرَفْعِ الْيَدِ لِيَنْظُرَ عَلَيْهَا تُرَابٌ أَوْ لَا؟ اُغْتُفِرَ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِيهِ لِقُوَّةِ الْمَاءِ. وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ قَوْلُهُ: صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ ظَاهِرُهُ وَلَوْ وَضَعَهَا عَلَى غَيْرِ مَحَلِّ الْمَسْحِ فَيُعْذَرُ فِي ذَلِكَ كَمَا يُعْذَرُ فِي التَّقَاذُفِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ إلَّا إذَا انْفَصَلَ عَنْ الْيَدِ الْمَاسِحَةِ وَالْمَمْسُوحَةِ جَمِيعًا. قَوْلُهُ: (الْمُحَرَّقِ مِنْهُ) أَيْ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ قُوَّةِ الْإِنْبَاتِ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْهَا لَمْ يَجُزْ ع ش. قَوْلُهُ: (وَالْأَعْفَرُ) الْعُفْرَةُ بَيَاضٌ غَيْرُ خَالِصٍ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْفَرُ) مِنْهُ الطَّفْلُ الْمَعْرُوفُ إذَا دُقَّ وَصَارَ لَهُ غُبَارٌ، وَفِي حَاشِيَةِ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ: الطَّفْلُ لَا يَكْفِي فِي التَّيَمُّمِ كَمَا فِي فَتَاوَى م ر، وَيَكْفِي التَّيَمُّمُ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ حَجّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ اهـ. وَكُلٌّ مِنْ النَّقْلَيْنِ صَحِيحٌ؛ إذْ يُحْمَلُ كَلَامُ م ر عَلَى مَا إذَا كَانَ مُسْتَحْجَزًا لَا غُبَارَ لَهُ، وَكَلَامُ حَجّ مَا إذَا دُقَّ وَصَارَ لَهُ غُبَارٌ اهـ اج. قَوْلُهُ: (النُّورَةُ) وَهِيَ الْجِيرُ قَبْلَ الطَّفْيِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَالزِّرْنِيخُ) بِكَسْرِ الزَّايِ هُوَ حَجَرٌ مَعْرُوفٌ مِنْهُ أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ وَأَصْفَرُ. قَوْلُهُ: (وَسُحَاقَةُ الْخَزَفِ) الْخَزَفُ مَا اُتُّخِذَ مِنْ الطِّينِ وَشُوِيَ فَصَارَ فَخَّارًا وَاحِدَتُهُ خَزَفَةٌ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَالَطَهُ) أَيْ اخْتَلَطَ بِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْأَنْسَبِ لِإِفَادَتِهِ عَدَمَ الصِّحَّةِ ق ل. وَعَلَى الضَّبْطِ الْآخَرِ يُقَالُ: الْأَصْلُ فِيمَا لَمْ يُجْزِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَلَّ الْخَلِيطُ) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ. قَوْلُهُ: (لَا يُلْصَقُ) بِفَتْحِ الصَّادِ فِي الْمُضَارِعِ وَكَسْرِهَا فِي الْمَاضِي. وَيُقَالُ بِالصَّادِ وَالزَّايِ وَالسِّينِ وَهُوَ مِنْ بَابِ عَلِمَ يَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: (لَا يَلْصَقُ) أَيْ الرَّمَلُ بِالْعُضْوِ بِأَنْ يَصِلَ التُّرَابُ لِلْعُضْوِ مِنْ غَيْرِ لُصُوقِ رَمْلٍ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ خَشِنًا أَوْ نَاعِمًا. وَفِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ: لَوْ سَحَقَ الرَّمَلَ وَصَارَ لَهُ غُبَارٌ أَجْزَأَ أَيْ بِأَنْ صَارَ كُلُّهُ بِالسَّحْقِ غُبَارًا. أَوْ بَقِيَ مِنْهُ خَشِنٌ لَا يَمْنَعُ لُصُوقَ الْغُبَارِ بِالْعُضْوِ ذَكَرَهُ الْإِطْفِيحِيُّ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ) قَالَ ق ل: عِبَارَةٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ فَتَأَمَّلْ، وَبَيَانُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ بِغُبَارِ الرَّمْلِ لَا بِهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَمَّا الرَّمْلُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى غُبَارٍ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِغُبَارِهِ. قَوْلُهُ: (وَالتُّرَابُ جِنْسٌ لَهُ) فَيَشْمَلُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ تُرَابٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ تَرْكِيبُ قِيَاسٍ وَهُوَ الرَّمْلُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ، وَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ تُرَابٌ يُنْتِجُ لَنَا الرَّمْلُ تُرَابٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جَهْمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبَلَ إلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ» ، فَمَحْمُولٌ عَلَى جِدَارٍ عَلَيْهِ غُبَارٌ لِأَنَّ جُدْرَانَهُمْ مِنْ الطِّينِ، فَالظَّاهِرُ حُصُولُ الْغُبَارِ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَجَدَ مَاءً إلَخْ) شُرُوعٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 صَالِحًا لِلْغُسْلِ لَا يَكْفِيهِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ مُرَتَّبًا إنْ كَانَ حَدَثُهُ أَصْغَرَ، أَوْ مُطْلَقًا إنْ كَانَ غَيْرَهُ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يَغْسِلُ كُلَّ بَدَنِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ عَنْ الْبَاقِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَهَذَا وَاجِدٌ أَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِلْغُسْلِ كَثَلْجٍ أَوْ بَرَدٍ لَا يَذُوبُ، فَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُ الرَّأْسِ بِهِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ هُنَا تَقْدِيمُ مَسْحِ الرَّأْسِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا تُرَابًا لَا يَكْفِيهِ، فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ وَمَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ وَوَجَدَ مَا يَغْسِلُ بِهِ بَعْضَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، أَوْ وَجَدَ مَاءً وَعَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ أَوْ أَكْبَرُ، وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَلَا يَكْفِي إلَّا لِأَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ لِلنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ إزَالَتَهَا لَا بَدَلَ لَهَا، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَيَجِبُ شِرَاءُ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ، وَكَذَا التُّرَابُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ عَلَى الْأَصَحِّ مَا تَنْتَهِي إلَيْهِ الرَّغَبَاتُ فِي ذَلِكَ   [حاشية البجيرمي] فِي فُرُوعٍ عَشَرَةٍ إلَى قَوْلِهِ: وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ التُّرَابِ إلَخْ. وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ قَوْلِهِ: وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ التُّرَابِ إلَخْ عَلَيْهَا قَالَ الْعَلَّامَةُ ح ل وَلَوْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَائِهِ، وَتُرَابًا كَافِيًا لِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ التُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ، وَيَكُونُ كَالْمَاءِ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبُعٌ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهِ اهـ. فَإِنْ قُلْت: مَا قَالَهُ ح ل مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ: مَتَى وَجَدَ مَاءً صَالِحًا لِلْغُسْلِ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَى التُّرَابِ، وَلَوْ لَمْ يَكْفِ إلَّا جُزْءًا مِنْ الْوَجْهِ. قُلْت: لَا مُخَالَفَةَ لِإِمْكَانِ تَصْوِيرِ مَا قَالَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ فِي مِلْكِهِ، بَلْ رَآهُمَا يُبَاعَانِ، وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا ثَمَنُ أَحَدِهِمَا فَيُقَدِّمُ شِرَاءَ التُّرَابِ عَلَى الْمَاءِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ) لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِيه وَتُرَابٌ لَا يَكْفِيه وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا لِنُقْصَانِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ ع ش. قَوْلُهُ: (مُرَتِّبًا) أَيْ بَيْنَ الْأَعْضَاءِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ اسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَيَكُونُ التَّيَمُّمُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ) أَيْ الْحَدَثُ غَيْرَهُ أَيْ غَيْرَ الْأَصْغَرِ بِأَنْ كَانَ أَكْبَرَ أَوْ مُتَوَسِّطًا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَالرَّأْسِ، ثُمَّ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يَغْسِلُ كُلَّ بَدَنِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يَغْسِلُ كُلَّ بَدَنِهِ) أَيْ كَوَاجِدِ الْمَاءِ الَّذِي يَكْفِيهِ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْتِيبٌ. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ» ) الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْمَأْمُورُ. وَقَوْلُهُ: «فَأْتُوا مِنْهُ» ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمَأْمُورِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ شِرَاءُ بَعْضِ رَقَبَةٍ فِي الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ رَقَبَةً وَبَعْضُ الْمَاءِ مَاءٌ اهـ مُنَاوِيٌّ. فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ) فَلَا يُقَدَّمُ التَّيَمُّمُ لِئَلَّا يَتَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ. قَوْلُهُ: (أَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِلْغُسْلِ) أَيْ وَالْوَاجِدُ لَهُ حَدَثُهُ أَصْغَرُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَوَهَّمُ فِيهِ كِفَايَةُ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ لِبَعْضِ أَعْضَائِهِ وَهُوَ الرَّأْسُ، أَمَّا مَنْ وَاجِبُهُ الْغُسْلُ وَهُوَ ذُو الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَوُجْدَانُهُ الْبَرَدَ وَالثَّلْجَ كَالْعَدَمِ قَطْعًا؛ إذْ لَا دَخْلَ لَهُمَا فِي رَفْعِ حَدَثِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَسْحَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ إلَخْ) وَمُقَابِلُهُ وُجُوبُ الْمَسْحِ بِهِ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ عَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ عَنْ الرِّجْلَيْنِ. عَزِيزِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَا يَجِبُ مَسْحُ الرَّأْسِ بِهِ) أَيْ إذَا لَمْ يَغْسِلْ مَا قَبْلَهُ، وَإِلَّا وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِنْ ذَابَ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ عَزِيزِيٌّ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا يُمْكِنُ هُنَا) أَيْ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ تَقْدِيمُ مَسْحِ الرَّأْسِ، قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ مَا يَكْفِي وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ تَعَيَّنَ الْمَسْحُ بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَلَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ عَنْ الرَّأْسِ وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ يَسْتَعْمِلُهُ فِي الرَّأْسِ وَيَتَيَمَّمُ عَنْ الرِّجْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ إلَخْ) قَالَ ق ل: هَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَهُوَ مُضِرٌّ اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ ذُكِرَ تَوْطِئَةً لِلصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مَا لَوْ احْتَاجَ لِلْمَاءِ لِإِزَالَةِ خَبَثٍ وَحَدَثٍ، وَكَانَ لَا يَكْفِي إلَّا أَحَدُهُمَا، فَإِنَّهُ يَصْرِفُهُ لِلْخَبَثِ وَيَتَيَمَّمُ عَنْ الْحَدَثِ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ شِرَاءُ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ) وَمِثْلُهُ شِرَاءُ الْآلَةِ أَوْ اسْتِئْجَارُهَا. قَوْلُهُ: (وَكَذَا التُّرَابُ) أَيْ وَلَوْ بِمَحَلٍّ يَلْزَمُهُ فِيهِ الْقَضَاءُ فِيمَا يَظْهَرُ م ر. قَوْلُهُ: (بِثَمَنِ مِثْلِهِ) رَاجِعٌ لِلْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَلَا يَجِبُ شِرَاؤُهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْت: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 الْمَوْضِعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَالْأَقْرَبُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْحَالَةُ الَّتِي لَا يَنْتَهِي فِيهَا الْأَمْرُ إلَى سَدِّ الرَّمَقِ، فَإِنَّ الشَّرْبَةَ قَدْ تُشْتَرَى حِينَئِذٍ بِدَنَانِيرَ أَيْ: وَيَبْعُدُ فِي الرُّخَصِ إيجَابُ ذَلِكَ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الثَّمَنِ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ أَوْ لِنَفَقَةِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ، سَوَاءٌ كَانَ آدَمِيًّا أَمْ غَيْرَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ وَكَالنَّفَقَةِ سَائِرُ الْمُؤَنِ حَتَّى الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ، وَلَوْ احْتَاجَ وَاجِدُ ثَمَنِ الْمَاءِ إلَى شِرَاءِ سُتْرَةٍ لِلصَّلَاةِ قَدَّمَهَا لِدَوَامِ النَّفْعِ بِهَا، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ، وَيَحْتَاجُ إلَى ثَمَنِهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَاءٌ أَوْ أُقْرِضَهُ أَوْ أُعِيرَ دَلْوًا أَوْ نَحْوَهُ مِنْ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ فِي الْوَقْتِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَبُولُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَحْصِيلُ ذَلِكَ بِشِرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَامَحَةَ بِذَلِكَ غَالِبَةٌ فَلَا تَعْظُمُ فِيهِ الْمِنَّةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ لَهُ ثَمَنَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ التُّرَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] أَيْ اقْصِدُوهُ فَلَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ فَرَدَّدَهُ عَلَيْهِ   [حاشية البجيرمي] نَعَمْ إنْ بِيعَ مِنْهُ لِأَجَلٍ بِزِيَادَةٍ لَائِقَةٍ بِذَلِكَ الْأَجَلِ وَكَانَ مُمْتَدًّا إلَى وُصُولِهِ مَحَلًّا يَكُونُ غَنِيًّا فِيهِ وَجَبَ الشِّرَاءُ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ قُلْت وَإِنَّمَا سُومِحَ بِالْغَبَنِ الْيَسِيرِ فِي نَحْوِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ، لِأَنَّ مَا هُنَا لَهُ بَدَلٌ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمَاءِ لَا فِي التُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ. وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر قَوْلُهُ: وَإِنْ قُلْت الزِّيَادَةُ وَلَوْ بِمَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ عَادَةً؛ لِأَنَّ لِلْمَاءِ بَدَلًا مُتَيَسِّرًا، فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْإِخْلَالِ بِمَقْصُودِ الشَّارِعِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالطُّهْرِ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بِأَنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءٍ مُعَيَّنٍ، فَوَجَدَهُ الْوَكِيلُ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ بِمَا يُتَغَابَنُ بِهِ فَلَهُ شِرَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ مُنِعَ مِنْ شِرَائِهِ لَأَدَّى إلَى الْإِخْلَالِ بِمَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ؛ إذْ لَا بُدَّ لِمَا عَيَّنَهُ الْمُوَكِّلُ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّ بَدَلَهُ، وَهُوَ التُّرَابُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا إخْلَالَ بِمَقْصُودِ الشَّارِعِ اهـ. وَيُسَنُّ لَهُ شِرَاؤُهُ إذَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فِي تِلْكَ الْحَالَةِ) أَيْ حَالَةِ الشِّرَاءِ. قَوْلُهُ: (فِي الرُّخَصِ) أَيْ الَّتِي مِنْهَا التَّيَمُّمُ. قَوْلُهُ (لِدَيْنٍ عَلَيْهِ) وَلَوْ مُؤَجَّلًا يَحِلُّ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى وَطَنِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا مَالَ لَهُ فِيهِ، وَإِلَّا وَجَبَ شِرَاؤُهُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ أَوْ بِعَيْنِ مَالِهِ كَعَيْنٍ رَهَنَهَا عَلَى دَيْنٍ. قَوْلُهُ: (مُحْتَرَمٍ) سَوَاءٌ كَانَ آدَمِيًّا أَمْ غَيْرَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ احْتِيَاجِهِ لِذَلِكَ حَالًا أَوْ مَآلًا، وَلَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ رَقِيقِهِ وَرُفْقَتِهِ وَزَوْجَتِهِ، سَوَاءٌ فِيهِ الْكُفَّارُ وَالْمُسْلِمُونَ شَرْحُ م ر. وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ كَلْبٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَكَذَا مَا لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَخَرَجَ نَحْوُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ لَمْ يَجِبْ أَيْ: وَلَمْ يَجُزْ. قَوْلُهُ: (حَتَّى الْمَسْكَنِ) أَيْ اللَّائِقِ بِهِ، فَلَوْ كَانَ مَالِكًا لِمَسْكَنٍ غَيْرِ لَائِقٍ بِهِ وَجَبَ بَيْعُهُ وَإِبْدَالُهُ بِلَائِقٍ وَيَشْتَرِي مِنْ الزَّائِدِ الْمَاءَ قِيَاسًا عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ، وَمِثْلُهُ الْخَادِمُ. قَوْلُهُ: (مِمَّا سَبَقَ) كَنَفَقَةِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ وَالْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ وَالسُّتْرَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَاءٌ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْهِبَةِ، وَمَا مَعَهَا مَا يَعُمُّ الْقَبُولَ وَالسُّؤَالَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَإِعَارَةُ الْمَاءِ وَإِجَارَتُهُ كَذَلِكَ قَالَ ق ل. وَفِيمَا قَالَهُ آخِرًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمُعَارِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَكَذَا الْمُؤَجِّرِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا قَالَ لَهُ الْمُعِيرُ أَوْ الْمُؤَجِّرُ: تَوَضَّأْ بِهِ وَاجْمَعْهُ لِي، فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا بُعْدَ فِيهِ، وَعِبَارَةُ سم: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَاءَ يَجِبُ فِيهِ خَمْسَةُ أُمُورٍ: الشِّرَاءُ وَالْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ وَالْهِبَةُ وَالْقَرْضُ، وَفِي الْآلَةِ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَقَطْ، وَأَمَّا الثَّمَنُ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الِاقْتِرَاضُ، وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ مِنَّةٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ التُّرَابِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا رُكْنٌ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ التُّرَابُ رُكْنٌ، وَأَنَّ قَصْدَهُ رُكْنٌ، وَنَقْلَهُ رُكْنٌ، فَالْأَرْكَانُ سَبْعَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَشُرُوطُ التُّرَابِ خَمْسَةٌ: أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا طَهُورًا نَاشِفًا لَهُ غُبَارٌ لَمْ يَخْتَلِطْ بِغَيْرِهِ، وَمَعْنَى قَصْدِ التُّرَابِ قَصْدُ تَحْوِيلِهِ عَلَى الْعُضْوِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَرَدَّدَهُ) أَيْ لِيَتَحَقَّقَ وُصُولُهُ إلَى وَجْهِهِ، فَلَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا فِيهِ نَقْلٌ وَخَرَجَ مَا لَوْ أَخَذَهُ عَنْ الْعُضْوِ وَأَعَادَهُ، فَإِنَّهُ يَكْفِي ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَصَدَ بِوُقُوفِهِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ تَبَرَّزَ لِلْمَطَرِ فِي الطُّهْرِ بِالْمَاءِ أَوْ أَصَابَهُ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ بُرُوزٍ لَهُ فَانْغَسَلَتْ أَعْضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِيهِ الْغَسْلُ، وَاسْمُهُ مُطْلَقٌ، وَلَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ كَمَا قَالَهُ س ل. وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى السُّبْكِيّ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وَنَوَى لَمْ يَكْفِ، وَإِنْ قَصَدَ بِوُقُوفِهِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ التَّيَمُّمَ لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ مِنْ جِهَتِهِ بِانْتِفَاءِ النَّقْلِ الْمُحَقِّقِ لَهُ، وَلَوْ يُمِّمَ بِإِذْنِهِ بِأَنْ نَقَلَ الْمَأْذُونُ التُّرَابَ إلَى الْعُضْوِ وَرَدَّدَهُ عَلَيْهِ جَازَ عَلَى النَّصِّ كَالْوُضُوءِ وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْآذِنِ عِنْدَ النَّقْلِ، وَعِنْدَ مَسْحِ الْوَجْهِ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمُتَيَمِّمَ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا كَمَا لَوْ يَمَّمَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عُذْرٌ لِإِقَامَةِ فِعْلِ مَأْذُونِهِ مَقَامَ فِعْلِهِ، لَكِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّمِيرِيُّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَفَرَائِضُهُ أَيْ التَّيَمُّمِ جَمْعُ فَرِيضَةٍ أَيْ أَرْكَانُهُ هُنَا: (أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) وَعَدَّهَا فِي الْمِنْهَاجِ خَمْسَةً، فَزَادَ عَلَى مَا هُنَا النَّقْلَ، وَعَدَّهَا فِي الرَّوْضَةِ سَبْعَةً، فَجَعَلَ التُّرَابَ وَالْقَصْدَ رُكْنَيْنِ، وَأَسْقَطَ فِي الْمَجْمُوعِ التُّرَابَ، وَعَدَّهَا سِتَّةً، وَجَعَلَ التُّرَابَ شَرْطًا، وَالْأَوْلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ؛ إذْ لَوْ حَسُنَ عَدُّ التُّرَابِ رُكْنًا لَحَسُنَ عَدُّ الْمَاءِ رُكْنًا فِي الطَّهَارَةِ، وَأَمَّا الْقَصْدُ فَدَاخِلٌ فِي النَّقْلِ الْوَاجِبِ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ. الرُّكْنُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الَّذِي أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا نَقْلُ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ الْمَمْسُوحِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَأْذُونِهِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ) أَيْ الْمُعْتَبَرِ وَهُوَ الْمُقَارِنُ لِلنَّقْلِ، وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِانْتِفَاءِ النَّقْلِ، لِأَنَّ الْمَفْقُودَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ النَّقْلُ لَا الْقَصْدُ. وَعِبَارَةُ م ر وَمُجَرَّدُ الْقَصْدِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ كَافٍ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التُّرَابَ، وَإِنَّمَا التُّرَابُ أَتَاهُ لَمَّا قَصَدَ الرِّيحَ اهـ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ التُّرَابَ بِوُقُوفِهِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ كَفَى. وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْرِيكِ وَجْهِهِ لِيَتَحَقَّقَ نَقْلُ التُّرَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ م ر. قَوْلُهُ: (بِإِذْنِهِ) وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ صَبِيًّا أَوْ كَافِرًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ حَيْثُ لَا نَقْضَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَنْ فَلَا يَصِحُّ لِانْتِفَاءِ قَصْدِهِ م ر. وَلَوْ عَلَّمَ قِرْدًا مَثَلًا فَأَشَارَ إلَيْهِ وَيَمَّمَهُ وَنَوَى صَحَّ، وَكَانَتْ إشَارَتُهُ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ إذْنِهِ، فَقَوْلُ ق ل: وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لِذَلِكَ الْغَيْرِ إلَخْ ضَعِيفُ. قَالَ م ر: فَلَوْ نَوَى الْآذِنُ وَنَقَلَ الْمَأْذُونُ فَأَحْدَثَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ أَخْذِ التُّرَابِ، وَقَبْلَ الْمَسْحِ لَمْ يَضُرَّ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. أَمَّا الْآذِنُ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ نَافِلٍ، وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَيَمِّمٍ، وَكَذَا لَا يَضُرُّ حَدَثُهُمَا فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَضُرَّ قَالَ ع ش: وَلَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَقَلَ بِنَفْسِهِ وَأَحْدَثَ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ عُذْرٌ) وَلَكِنَّهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَكْرُوهٍ كَمَا فِي الِاسْتِعَانَةِ فِي الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (لِإِقَامَةِ فِعْلِ مَأْذُونِهِ إلَخْ) ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ اشْتِرَاطُ التَّمْيِيزِ، لَكِنْ قَالَ م ر: لَا يُشْتَرَطُ وَإِطْلَاقُهُ فِي الشَّارِحِ يَشْهَدُ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ. [فَرَائِضُ التَّيَمُّمِ] قَوْلُهُ: (جَمْعُ فَرِيضَةٍ) بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ. قَوْلُهُ: (هُنَا) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ. قَوْلُهُ: (وَعَدَّهَا فِي الرَّوْضَةِ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (سَبْعَةٌ) وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: تُرَابٌ وَنَقْلٌ ثُمَّ قَصْدٌ وَنِيَّةٌ ... وَمَسْحٌ لِوَجْهٍ ثُمَّ أَيْدٍ مُرَتِّبًا فَالتَّرْتِيبُ هُوَ السَّابِعُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهَا سَبْعَةٌ فَالتُّرَابُ وَقَصْدُهُ وَنَقْلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُكْنٌ. قَوْلُهُ: (لِحُسْنِ عَدِّ الْمَاءِ رُكْنًا) أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَدَّ التُّرَابَ رُكْنًا لِكَوْنِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةً ضَعِيفَةً. قَوْلُهُ: (فَدَاخِلٌ إلَخْ) أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَازِمًا لِلْقَصْدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِاللُّزُومِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الِالْتِزَامِ لَا تَكْفِي فِي مِثْلِ هَذَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 كَانَ عَلَى الْعُضْوِ تُرَابٌ فَرَدَّدَهُ عَلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ لَمْ يَكْفِ، وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْقَصْدِ مَعَ أَنَّ النَّقْلَ الْمَقْرُونَ بِالنِّيَّةِ مُتَضَمِّنٌ لَهُ رِعَايَةً لِلَفْظِ الْآيَةِ، فَلَوْ تَلَقَّى التُّرَابَ مِنْ الرِّيحِ بِكُمِّهِ أَوْ يَدِهِ وَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ أَوْ تَمَسَّكَ فِي التُّرَابِ، وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَجْزَأَهُ أَوْ نَقَلَهُ مِنْ وَجْهٍ إلَى يَدٍ بِأَنْ حَدَثَ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ تُرَابٍ مَسَحَهُ عَنْهُ تُرَابٌ، أَوْ نُقِلَ مِنْ يَدٍ إلَى وَجْهٍ، أَوْ مِنْ يَدٍ إلَى أُخْرَى، أَوْ مِنْ عُضْوٍ وَرَدَّهُ إلَيْهِ وَمَسَحَهُ بِهِ كَفَى ذَلِكَ لِوُجُودِ مُسَمَّى النَّقْلِ. وَالرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: (النِّيَّةُ) أَيْ نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا تَفْتَقِرُ اسْتِبَاحَتُهُ إلَى طَهَارَةٍ كَطَوَافٍ وَحَمْلِ مُصْحَفٍ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ؛ إذْ الْكَلَامُ الْآنَ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ، وَأَمَّا مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ فَسَيَأْتِي وَلَوْ تَيَمَّمَ بِنِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ ظَانًّا أَنَّ حَدَثَهُ أَصْغَرُ فَبَانَ أَكْبَرَ أَوْ عَكْسَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُمَا وَاحِدٌ، وَإِنْ تَعَمَّدَ لَمْ يَصِحَّ لِتَلَاعُبِهِ وَلَوْ أَجْنَبَ فِي سَفَرِهِ وَنَسِيَ وَكَانَ يَتَيَمَّمُ وَقْتًا وَيَتَوَضَّأُ وَقْتًا أَعَادَ صَلَوَاتِ الْوُضُوءِ فَقَطْ لِمَا مَرَّ وَلَا يَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (الرُّكْنُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الَّذِي أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ) سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ الْأَوْلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ زِيَادَةِ النَّقْلِ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (نَقْلُ التُّرَابِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ وُجُودُ النِّيَّةِ، وَالتُّرَابُ عَلَى الْيَدِ مَثَلًا قَبْلَ مُمَاسَّتِهَا لِلْوَجْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ ضَرْبٍ أَوْ لَا. ق ل. قَوْلُهُ: (لَمْ يَكْفِ) عَدْلٌ عَنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ لَمْ يُجْزِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِلْإِجْزَاءِ ع ش. وَإِنْ قُرِئَ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ لَمْ يُجْزِ بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ سَاوَى قَوْلَهُ: لَمْ يَكْفِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْقَصْدِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْقَصْدَ دَاخِلٌ فِي النَّقْلِ فَيَكُونُ مُغْنِيًا عَنْهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْحَابَ صَرَّحُوا بِالْقَصْدِ مَعَ النَّقْلِ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا صَرَّحُوا إلَخْ مُؤَخَّرٌ مِنْ تَقْدِيمٍ، فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَذْكُرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ: الْوَاجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ، وَكَانَ يَذْكُرُ قَوْلَهُ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ إلَخْ عَقِبَ قَوْلِهِ رِعَايَةً لِلَفْظِ الْآيَةِ. وَقَوْلُهُ: رِعَايَةً لِلَفْظِ الْآيَةِ أَيْ لَا لِاحْتِيَاجِ الْعِبَارَةِ إلَيْهِ عَلَى كَلَامِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (الْمَقْرُونُ بِالنِّيَّةِ) مِنْ الْمَقْرُونِ بِهَا مَا لَوْ ضَرَبَ بِيَدِهِ وَرَفَعَهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، ثُمَّ نَوَى قَبْلَ مُمَاسَّةِ التُّرَابِ لِوَجْهِهِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي لِأَنَّ هَذَا نَقْلٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْقُلْ ابْتِدَاءً إلَّا مِنْ هَذَا الْحَدِّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ عَلِيلَةً وَنَوَى عِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ احْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ عِنْدَ التَّيَمُّمِ بَدَلًا عَنْ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْدَرِجْ فِي النِّيَّةِ الْأُولَى أَوْ نَوَى الِاسْتِبَاحَةَ فَلَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (مُتَضَمِّنٌ لَهُ) أَيْ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّضَمُّنَ الْمَنْطِقِيَّ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُخَاطَبَاتِ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الدَّلَالَةِ الْمُطَابِقِيَّةِ ز ي. قَوْلُهُ: (رِعَايَةً لِلَفْظِ الْآيَةِ) فَإِنَّهَا آمِرَةٌ بِالتَّيَمُّمِ وَهُوَ الْقَصْدُ؛ وَالنَّقْلُ طَرِيقُهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ عُضْوٍ وَرَدَّهُ إلَيْهِ وَمَسَحَهُ بِهِ كَفَى) بَلْ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ نَقَلَهُ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ الْآخَرِ سم قَوْلُهُ: (إذْ الْكَلَامُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَيْ نِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ عِلَّةٌ لِلتَّعْمِيمِ. قَوْلُهُ: (فَبَانَ أَكْبَرَ) بِالنَّصْبِ خَبَرُ بَانَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَخَوَاتِ كَانَ كَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مُوجَبَهُمَا) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ مُقْتَضَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِالتُّرَابِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَجْنَبَ فِي سَفَرِهِ إلَخْ) الْمَقَامُ لِلْفَاءِ لِأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الشِّقِّ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ ظَانًّا أَنَّ حَدَثَهُ أَصْغَرُ فَبَانَ أَكْبَرَ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَلَوْ أَجْنَبَ إلَخْ كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ. وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ السُّيُوطِيّ مُلْغِزًا قَالَ: أَلَيْسَ عَجِيبًا أَنَّ شَخْصًا مُسَافِرًا ... إلَى غَيْرِ عِصْيَانٍ تُبَاحُ لَهُ الرُّخَصْ إذَا مَا تَوَضَّا لِلصَّلَاةِ أَعَادَهَا ... وَلَيْسَ مُعِيدًا لِلَّتِي بِالتُّرَابِ خُصّْ وَالْجَوَابُ: لَقَدْ كَانَ هَذَا لِلْجَنَابَةِ نَاسِيًا ... وَصَلَّى مِرَارًا بِالْوُضُوءِ أَتَى بِنَصّْ كَذَاك مِرَارًا بِالتَّيَمُّمِ يَا فَتَى ... عَلَيْك بِكُتَبِ الْعِلْمِ يَا خَيْرَ مَنْ فَحَصْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 أَوْ الطَّهَارَةِ عَنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُهُ، وَلَوْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ، أَوْ فَرْضَ الطَّهَارَةِ، أَوْ التَّيَمُّمَ الْمَفْرُوضَ لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهِ عَنْ ضَرُورَةٍ فَلَا يُجْعَلُ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، وَلِهَذَا اُسْتُحِبَّ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِالنَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْأَرْكَانِ، وَاسْتِدَامَتُهَا إلَى مَسْحِ شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ، فَلَوْ عَزَبَتْ قَبْلَ الْمَسْحِ لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ، وَإِنْ كَانَ رُكْنًا فَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِاسْتِحْضَارِهَا عِنْدَهُمَا وَإِنْ عَزَبَتْ بَيْنَهُمَا، وَتَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ يُفْهِمُهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِدَامَةِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ هَذَا الزَّمَنَ سَيْرٌ لَا تَعْزُبُ فِيهِ النِّيَّةُ غَالِبًا. وَلَوْ ضَرَبَ يَدَيْهِ عَلَى بَشَرَةِ امْرَأَةٍ تَنْقُضُ وَعَلَيْهَا تُرَابٌ، فَإِنْ مَنَعَ الْتِقَاءَ الْبَشَرَتَيْنِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا مَا يُبَاحُ لَهُ بِنِيَّتِهِ فَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ أُبِيحَا لَهُ   [حاشية البجيرمي] قَضَاءُ الَّتِي فِيهَا تَوَضَّأَ وَاجِبٌ ... وَلَيْسَ مُعِيدًا لِلَّتِي بِالتُّرَابِ خُصَّ لِأَنَّ مَقَامَ الْغُسْلِ قَامَ تَيَمُّمٌ ... خِلَافُ وُضُوءٍ هَاكَ فَرْقًا بِهِ تُخَصُّ قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) وَهُوَ أَنَّ مُوجِبَ الْأَصْغَرِ هُوَ مُوجِبُ الْأَكْبَرِ، فَلِذَا أَغْنَى عَنْهُ وَهُوَ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ دُونَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ حَدَثٍ إلَخْ) هُوَ أَشْمَلُ لِمَا لَوْ كَانَ مَعَ التَّيَمُّمِ غَسْلُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَرْفَعُهُ حِينَئِذٍ م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُهُ) أَيْ وَلَا يَطْهُرُ بَلْ يُبِيحُ، وَالْمُرَادُ لَا يَرْفَعُهُ رَفْعًا عَامًّا فَلَوْ نَوَى رَفْعًا خَاصًّا بِفَرْضٍ وَنَوَافِلَ أَجْزَأَ. وَعِبَارَةُ م د: نَعَمْ لَوْ نَوَى بِالْحَدَثِ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ وَبِرَفْعِهِ رَفْعًا خَاصًّا بِالنِّسْبَةِ لِفَرْضٍ وَنَوَافِلَ جَازَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ نَوَى الْوَاقِعَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِبَاحَةِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ التَّيَمُّمَ الْمَفْرُوضَ لَمْ يَكْفِ) قَوْلُهُ: (مَحَلُّهُ) مَا لَمْ يُضِفْهُ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ، وَمَا لَمْ يَرُدَّ الْفَرْضَ الْبَدَلِيَّ، فَإِنَّ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ لِلصَّلَاةِ، أَوْ التَّيَمُّمَ الْمَفْرُوضَ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ نَوَى الْفَرْضَ الْبَدَلِيَّ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ لَكِنْ لَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ، أَوْ نَوَى التَّيَمُّمَ بَدَلًا عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ صَحَّ، لَكِنْ لَا يَسْتَبِيحُ بِهِ شَيْئًا كَمَا إذَا اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ. مَسْأَلَةٌ: عَلَيْهِ حَدَثَانِ أَصْغَرُ وَأَكْبَرُ فَإِنْ نَوَاهُمَا ارْتَفَعَا أَوْ أَحَدُهُمَا مُعِينًا لَهُ ارْتَفَعَ دُونَ الْآخَرِ، وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ ارْتَفَعَ الْأَصْغَرُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ فِي نِيَّتِهِ بَلْ وَإِنْ نَفَاهُ سم. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ) أَيْ فَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ بَلْ يُكْرَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَزَبَتْ قَبْلَ الْمَسْحِ لَمْ يَكْفِ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِدَامَةِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ) بَلْ لَوْ لَمْ يَنْوِ إلَّا عِنْدَ إرَادَةِ مَسْحِ الْوَجْهِ أَجْزَأَهُ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ: يَجِبُ قَرْنُهَا بِالنَّقْلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّقْلِ النَّقْلُ الْمُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْيَدَيْنِ إلَى الْوَجْهِ، وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا) لَعَلَّهُ مُصَوَّرٌ بِالنَّقْلَةِ الثَّانِيَةِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلَا يَضُرُّ غَايَتُهُ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ قَبْلَ مُمَاسَّةِ الْوَجْهِ وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: تَنْقُضُ أَيْ، وَلَمْ يَنْوِ بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ عَنْهَا وَقَبْلَ مَسْحِ وَجْهِهِ، وَإِلَّا كَفَى اهـ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا مَا يُبَاحُ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ أَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إلَخْ، وَقَوْلُهُ: (لَهُ) أَيْ الشَّخْصِ، وَقَوْلُهُ: (بِنِيَّتِهِ) أَيْ التَّيَمُّمِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرْضٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِ تُبِيحُ الْكُلَّ، وَنِيَّةُ النَّفْلِ أَوْ الصَّلَاةِ أَوْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ تُبِيحُ مَا عَدَا الْفَرْضَ الْعَيْنِيَّ، وَنِيَّةُ غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مِمَّا يَحْتَاجُ لِلتَّيَمُّمِ تُبِيحُ مَا عَدَا الصَّلَاةَ مِنْ نَحْوِ مَسِّ الْمُصْحَفِ، وَحَمْلِهِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْحِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا عَيْنِيًّا كَتَعَلُّمِ الْفَاتِحَةِ فَيَسْتَبِيحُهُ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا كَانَ لَهُ فِعْلُ الْبَقِيَّةِ شَوْبَرِيٌّ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَخْطُبْ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ بِمَثَابَةِ رَكْعَتَيْنِ فَأَشْبَهَتْ الْفُرُوضَ الْعَيْنِيَّةَ اهـ ع ش. وَيَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتِهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ تَيَمَّمَ لِلْجُمُعَةِ أَمْ لِلْخُطْبَةِ، وَإِنْ كَانَتْ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ فَرْضَ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، كَمَا قِيلَ وَالْقَائِلُ بِالصَّحِيحِ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الضَّعِيفِ ز ي. وَمَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بِالتَّيَمُّمِ لَوْ لَزِمَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ صَلَّاهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 عَمَلًا بِنِيَّتِهِ أَوْ فَرْضًا فَقَطْ فَلَهُ النَّفَلُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ تَابِعٌ لَهُ، فَإِذَا صَلَحَتْ طَهَارَتُهُ لِلْأَصْلِ فَلِلتَّابِعِ أَوْلَى أَوْ نَفْلًا فَقَطْ، أَوْ نَوَى الصَّلَاةَ وَأَطْلَقَ صَلَّى بِهِ النَّفَلَ وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَصْلٌ، وَالنَّفَلُ تَابِعٌ كَمَا مَرَّ، فَلَا يُجْعَلُ الْمَتْبُوعُ تَابِعًا. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَنْعَقِدُ نَفْلًا وَلَوْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ حَمْلَ الْمُصْحَفِ أَوْ سُجُودَ التِّلَاوَةِ أَوْ الشُّكْرِ أَوْ نَوَى نَحْوُ الْجُنُبِ الِاعْتِكَافَ أَوْ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَوْ الْحَائِضِ اسْتِبَاحَةَ الْوَطْءِ، كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَنِيَّةِ النَّفْلِ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرْضَ، وَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ النَّفَلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ آكَدُ مِنْ ذَلِكَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى إذَا تَيَمَّمَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا جَازَ لَهُ فِعْلُ الْبَقِيَّةِ. وَلَوْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالتَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ. (وَ) الرُّكْنُ الثَّالِثُ وَهُوَ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (مَسْحُ الْوَجْهِ) حَتَّى ظَاهِرِ مُسْتَرْسِلِ لِحْيَتِهِ وَالْمُقْبِلِ مِنْ أَنْفِهِ عَلَى شَفَتَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: 6] .   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَوْ فَرْضًا فَقَطْ إلَخْ) مَحَلُّهُ إذَا أَضَافَهُ لِلصَّلَاةِ أَمَّا لَوْ نَوَى فَرْضًا، وَأَطْلَقَ كَأَنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرْضٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُ مَا عَدَا الصَّلَاةَ لِتَنْزِيلِهِ عَلَى أَقَلِّ دَرَجَاتِ الْفَرْضِ، وَهُوَ تَمْكِينُ الْحَلِيلِ، وَحَمْلُ نَحْوِ الْمُصْحَفِ لِمَنْ نَذَرَهُ، أَوْ خَافَ عَلَيْهِ مِنْ أَخْذِ كَافِرٍ اهـ سم. وَهَذَا هُوَ الْأَحْوَطُ فَلَا يُقَالُ: إنَّ التَّنْوِينَ يَكُونُ لِلتَّعْظِيمِ، وَهَذَا إذَا نَكَّرَ الْفَرْضَ كَمَا ذُكِرَ، أَمَّا لَوْ عَرَّفَهُ كَأَنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى فَرْضِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ أَلْ لِلْكَمَالِ. قَوْلُهُ: (فَلَهُ النَّفَلُ مَعَهُ) وَإِنْ نَفَى فِعْلَهُ فَإِنْ نَوَى عَدَمَ اسْتِبَاحَتِهِ لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ نَوَى الصَّلَاةَ وَأَطْلَقَ إلَخْ) . فَإِنْ قِيلَ: الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِأَلْ يُفِيدُ الْعُمُومَ، فَلِمَاذَا إذَا قَالَ: نَوَيْت اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ عَدَمَ صَلَاتِهِ الْفَرْضَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَةِ كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (صَلَّى بِهِ النَّفَلَ) وَكَذَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ النَّفَلَ فِي جَوَازِ تَرْكِهَا، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحُهُ: أَوْ نَوَى نَفْلًا وَالصَّلَاةَ فَلَهُ غَيْرُ فَرْضٍ عَيْنِيٍّ مِنْ النَّوَافِلِ وَفُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَغَيْرِهَا كَمَسِّ الْمُصْحَفِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ) أَيْ غَيْرَ الْكِفَائِيِّ. قَوْلُهُ: (أَمَّا فِي الْأُولَى) أَيْ نِيَّةِ النَّفْلِ. قَوْلُهُ: (فَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَصْلٌ) أَيْ لِلنَّفْلِ أَيْ أَصْلٌ لَهُ فِي التَّكْلِيفِ، وَالْمَشْرُوعِيَّةِ أَيْ: لَوْ لَمْ يُكَلَّفْ بِالْفَرْضِ لَمْ يُكَلَّفْ بِالنَّفْلِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُكَلَّفْ الصَّبِيُّ بِالنَّفْلِ لِانْتِفَاءِ تَكْلِيفِهِ بِالْفَرْضِ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْمُرَادُ أَنَّ الْخِطَابَ وَقَعَ أَوَّلًا بِالْفَرْضِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. وَأَمَّا السُّنَنُ فَسَنَّهَا النَّبِيُّ بَعْدُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْفَرْضَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَلَوْ بِالنَّذْرِ مَرْتَبَةٌ أُولَى، وَأَنَّ نَفْلَهُمَا وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ مَرْتَبَةٌ ثَانِيَةٌ، وَأَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ، وَلَوْ مَنْذُورًا مَرْتَبَةٌ ثَالِثَةٌ، وَلَهُ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ اسْتِبَاحَةُ مَا فِيهَا وَمَا دُونَهَا. 1 - تَنْبِيهٌ: يَكْفِي فِي نَذْرِ الْوِتْرِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا الضُّحَى، وَنَحْوُ ذَلِكَ ق ل. وَقَالَ الشَّيْخُ الْبَابِلِيُّ نَقْلًا عَنْ مَشَايِخِهِ: لَوْ نَذَرَ التَّرَاوِيحَ وَجَبَ عَلَيْهِ عَشْرُ تَيَمُّمَاتٍ لِوُجُوبِ السَّلَامِ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْسَ الْجَمِيعُ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَلَوْ نَذَرَ الضُّحَى أَوْ الْوِتْرَ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ حَيْثُ لَمْ يَنْذِرْ السَّلَامَ مِنْ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ نَذَرَهُ وَجَبَ التَّيَمُّمُ بِعَدَدِهِ. وَفِي فَتَاوَى م ر مَا يُوَافِقُهُ خِلَافًا لحج فِي شَرْحِ الْعُبَابِ. قَوْلُهُ: (جَازَ لَهُ فِعْلُ الْبَقِيَّةِ) وَلَوْ مُكَرَّرًا. قَوْلُهُ: (صَلَاةَ الْجِنَازَةِ) وَإِنْ تَعَيَّنَتْ ح ل. قَوْلُهُ: (كَالتَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ) أَيْ فَلَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ الْعَيْنِيَّ. قَوْلُهُ: (مَسْحُ الْوَجْهِ) أَيْ جِنْسُهُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى ظَاهِرِ مُسْتَرْسَلِ) أَيْ وَهُوَ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَيَقُّنُ وُصُولِ التُّرَابِ إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْعُضْوِ بَلْ يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ قَوْلُهُ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة: 6] . إنْ قُلْت: إنَّ الْبَاءَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مُتَعَدِّدٍ تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ بِرُءُوسِكُمْ. قُلْت: نَعَمْ؛ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَسْحُ الْوَجْهِ بَدَلًا عَنْ غَسْلِهِ، وَالْبَدَلُ يُعْطَى حُكْمَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ خَالَفْنَا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَأَيْدِيكُمْ) ذِكْرُ الْأَيْدِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 (وَ) الرُّكْنُ الرَّابِعُ وَهُوَ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (مَسْحُ) كُلِّ (الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ) لِلْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ طَهَارَةَ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْوُضُوءِ أَوَّلَ الْآيَةِ، ثُمَّ أَسْقَطَ مِنْهَا عُضْوَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ فِي آخِرِ الْآيَةِ، فَبَقِيَ الْعُضْوَانِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى مَا ذُكِرَا فِي الْوُضُوءِ؛ إذْ لَوْ اخْتَلَفَا لَبَيَّنَهُمَا كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ. (وَ) الرُّكْنُ الْخَامِسُ وَهُوَ الرَّابِعُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (التَّرْتِيبُ) بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ التَّيَمُّمِ عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ أَوْ غُسْلٍ مَسْنُونٍ أَوْ وُضُوءٍ مُجَدَّدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُطْلَبُ لَهُ التَّيَمُّمُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ فِي الْغُسْلِ وَوَجَبَ فِي التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ بَدَلُهُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْغُسْلَ لَمَّا وَجَبَ فِيهِ تَعْمِيمُ جَمِيعِ الْبَدَنِ صَارَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَالتَّيَمُّمُ وَجَبَ فِي عُضْوَيْنِ فَقَطْ، فَأَشْبَهَ الْوُضُوءَ، وَلَا يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَنْبَتِ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، فَالْكَثِيفُ أَوْلَى وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي نَقْلِ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوَيْنِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ، فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ التُّرَابَ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ ضَرَبَ الْيَمِينَ قَبْلَ الْيَسَارِ وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وَبِيَسَارِهِ يَمِينَهُ أَوْ عَكَسَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْأَصْلِيَّ الْمَسْحُ، وَالنَّقْلُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ. وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ   [حاشية البجيرمي] مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الدَّلِيلِ عَلَى الْمَدْلُولِ. قَوْلُهُ: (لِلْآيَةِ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ مَسْحُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَانٌ لِوَجْهِ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ: لِلْآيَةِ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: مَسْحُ الْيَدَيْنِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَقَصْدُهُ بِهِ الرَّدُّ عَلَى الْقَدِيمِ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مَسْحُ الْكَفَّيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَفِي عِبَارَتِهِ سُقُوطُ الْعَاطِفِ قَبْلَ قَوْلِهِ: لِأَنَّ اللَّهَ فَتَأَمَّلْ. وَقِيلَ: إنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ وَهُوَ بَيَانٌ لِوَجْهِ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى مَسْحِ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ، مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى مَسْحِ الْيَدَيْنِ فَقَطْ فَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إلَخْ. أَنَّ الْمُرَادَ الْيَدَانِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ، أَوْ يُقَالُ: حَمْلُ الْمُطْلَقِ هُنَا عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْوُضُوءِ، وَهَذَا جَوَابٌ آخَرُ غَيْرُ جَوَابِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا ذُكِرَا) أَيْ مِنْ الصِّفَةِ وَالتَّرْتِيبِ وَالْمُرَادُ بِالصِّفَةِ التَّعْمِيمُ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الِاتِّبَاعِ، وَقَوْلُهُ: ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي وُجُوبِ التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (أَوْ وُضُوءٍ مُجَدَّدٍ) فِيهِ نَظَرٌ، فَلَعَلَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ التَّيَمُّمُ بَدَلًا عَنْ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ م ر كَمَا فِي عِبَارَةِ الشَّرْحِ أَيْ مِنْ نَدْبِ التَّيَمُّمِ بَدَلًا عَنْ تَحْدِيدِ الْوُضُوءِ، وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ تَعَدَّدَ مِنْهُ ذَلِكَ مِرَارًا كَأَنْ بَقِيَ وُضُوءُهُ وَحَضَرَتْهُ صَلَوَاتٌ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ تَيَمُّمُهُ عَنْ حَدَثٍ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ بَقَاءِ وُضُوئِهِ وَبَقَائِهِ عَلَى تَيَمُّمِهِ حَيْثُ طُلِبَ مِنْهُ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ مَعَ بَقَاءِ الْوُضُوءِ، وَلَمْ يُطْلَبْ مَعَ بَقَاءِ التَّيَمُّمِ عَنْ الْحَدَثِ أَنَّهُ هُنَا بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ الْمَطْلُوبِ، فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ مِنْ فِعْلِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَعَ بَقَاءِ الطَّهَارَةِ، وَأَمَّا التَّيَمُّمُ عَنْ الْحَدَثِ فَهُوَ تَكْرَارٌ لِمَا فَعَلَهُ مُسْتَقِلًّا، وَهُوَ رُخْصَةٌ طُلِبَ تَخْفِيفُهَا فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: (فَلَعَلَّ الرَّاجِحَ) إلَخْ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ) كَالتَّيَمُّمِ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ لِلْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَأَشْبَهَ الْوُضُوءَ) أَيْ أَشْبَهَ التَّيَمُّمُ الْوُضُوءَ فِي مُطْلَقِ تَعَدُّدِ أَعْضَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَلِذَا وَجَبَ التَّرْتِيبُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (إلَى مَنْبِتِ الشَّعْرِ) أَيْ وَإِنْ طُلِبَتْ إزَالَتُهُ كَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ وَخَرَجَ بِهِ مَا تَحْتَ الْأَظَافِرِ، فَيَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَيْهِ كَالْوُضُوءِ ق ل. وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ إيصَالِ التُّرَابِ إلَى مَنَابِتِ الشَّعْرِ الْخَفِيفَةِ بِأَنَّ الْأَظَافِرَ مَطْلُوبَةُ الْإِزَالَةِ بِخِلَافِ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ ع ش: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لِحْيَةَ امْرَأَةٍ، لَكِنْ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ لِمَا تَحْتَ الْأَظْفَارِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِزَالَتِهَا أَنَّهُ يَجِبُ فِي لِحْيَةِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِإِزَالَتِهَا، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إيصَالُهُ، وَلَوْ فِي لِحْيَةِ الْمَرْأَةِ لِلْعُسْرِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي نَقْلِ التُّرَابِ إلَخْ) هَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالتَّرْتِيبُ، فَبَيَّنَ الشَّارِحُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّرْتِيبُ فِي الْمَسْحِ لَا فِي النَّقْلِ. وَقَوْلُهُ: (فِي نَقْلِ التُّرَابِ) أَيْ تَحْوِيلِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ قَبْلَهُ، وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ تَرْتِيبٌ بَيْنَ النَّقْلَتَيْنِ مِنْ الْأَرْضِ، وَعَدَمُ التَّرْتِيبِ فِي الثَّانِيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَكْسِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ عَكَسَ هُوَ مَحَلَّ الشَّاهِدِ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ التُّرَابِ) ضَعِيفٌ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 التُّرَابِ لِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ يَمْسَحُهُ أَوْ يُطْلَقُ، فَلَوْ أَخَذَ التُّرَابَ لِيَمْسَحَ بِهِ وَجْهَهُ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ مَسَحَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ بِذَلِكَ التُّرَابِ يَدَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ لِيَدَيْهِ ظَانًّا أَنَّهُ مَسَحَ وَجْهَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ بِهِ وَجْهَهُ ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ وَيَجِبُ مَسْحُ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ بِضَرْبَتَيْنِ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ: «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَمَّمَ بِضَرْبَتَيْنِ مَسَحَ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى ذِرَاعَيْهِ» . وَلِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ غَالِبًا لَا يَتَأَتَّى بِدُونِهِمَا فَأَشْبَهَا الْأَحْجَارَ الثَّلَاثَةَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَلَا يَتَعَيَّنُ الضَّرْبُ فَلَوْ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى تُرَابٍ نَاعِمٍ وَعَلِقَ بِهِمَا غُبَارٌ كَفَى. ثُمَّ شَرَعَ فِي سُنَنِ التَّيَمُّمِ فَقَالَ: (وَسُنَنُهُ) : أَيْ التَّيَمُّمِ (ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ثَلَاثُ خِصَالٍ بَلْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (التَّسْمِيَةُ) أَوَّلَهُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَلَوْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَكْبَرَ. (وَ) الثَّانِي (تَقْدِيمُ الْيُمْنَى) مِنْ الْيَدَيْنِ (عَلَى الْيُسْرَى) مِنْهُمَا (وَ) الثَّالِثُ (الْمُوَالَاةُ) كَالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةٌ   [حاشية البجيرمي] لَا يُشْتَرَطُ. قَوْلُهُ: (أَوْ يُطْلِقُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ مُعَيَّنٍ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ) ضَعِيفٌ كَمَا عَلِمْت. وَقَوْلُهُ: (ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ) أَيْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ، وَلَكِنْ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الصُّورَتَيْنِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (بِضَرْبَتَيْنِ) أَيْ وَإِنْ أَمْكَنَ بِضَرْبَةٍ بِخِرْقَةٍ، وَصُورَتُهَا بِأَنْ يَضَعَ الْخِرْقَةَ الَّتِي عَلِقَ بِهَا التُّرَابُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يُرَتِّبُ تَرْدِيدَهَا عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ؛ فَهَذِهِ الصُّورَةُ صَدَقَ عَلَيْهِ فِيهَا أَنَّهُ تَيَمَّمَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ التَّرْتِيبِ، وَلَكِنْ لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ لِعَدَمِ تَعَدُّدِ الضَّرْبِ نَبَّهَ عَلَى هَذَا التَّصْوِيرِ سم فِي حَوَاشِي ابْنِ حَجَرٍ. فَلَا حَاجَةَ لِمَا أَطَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ التَّصَاوِيرِ الْفَاسِدَةِ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا إلَّا لِحَاجَةٍ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ الضَّرْبَتَيْنِ إذَا حَصَلَ الِاسْتِيعَابُ بِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ تَعَيَّنَتْ الزِّيَادَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ اج. قَوْلُهُ: (التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ) وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ، فَلَوْ مَسَحَ بِبَعْضِ وَاحِدَةٍ وَجْهَهُ وَبِبَعْضِهَا الْآخَرِ مَعَ الْأُخْرَى الْيَدَيْنِ أَوْ عَكَسَهُ كَفَى ق ل. فَقَوْلُهُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (كَفَى) فَالتَّعْبِيرُ بِالضَّرْبِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (بَلْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ فَمِنْهَا السِّوَاكُ، وَمَحَلُّهُ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالنَّقْلِ، كَمَا أَنَّهُ فِي الْوُضُوءِ بَيْنَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ اهـ ابْنُ حَجَرٍ. أَقُولُ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا يُسْتَحَبُّ مُقَارَنَتُهَا لِلنَّقْلِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ اسْتِحْبَابِ مُقَارَنَتِهَا لِغَسْلِ الْكَفَّيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وَقِيَامُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ فِي الْغَسْلِ فَيُسَنُّ التَّسْمِيَةُ لَهُ ثُمَّ السِّوَاكُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَعَلَى قِيَاسِ الْوُضُوءِ مِنْ مُقَارَنَةِ التَّسْمِيَةِ لِغَسْلِ الْكَفَّيْنِ يَنْبَغِي أَنْ تُقَارِنَ هُنَا أَوَّلَ النَّقْلِ، فَيَكُونُ السِّوَاكُ قَبْلَ النَّقْلِ وَالتَّسْمِيَةِ ع ش عَلَى م ر. وَيُسَنُّ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ عَقِبَهُ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ م ر فِي فَتَاوِيهِ نَقْلًا عَنْ الْبُلْقِينِيُّ اهـ. قَوْله: (كَالْوُضُوءِ) يُسْتَفَادُ مِنْهُ طَلَبُ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي التَّيَمُّمِ وَهُوَ كَذَلِكَ ق ل. وَفِي هَذِهِ الِاسْتِفَادَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَاسَ عَلَى الْوُضُوءِ سَنُّ التَّسْمِيَةِ لَهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ يُؤْخَذُ إلَخْ. فِيهِ نَظَرٌ لِذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: كَالْوُضُوءِ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى التَّسْمِيَةِ الِاسْتِعَاذَةَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوُضُوءِ، لَكِنْ بِإِبْدَالِ الْمَاءِ بِالتُّرَابِ بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَهُ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي اسْتِحْبَابُ الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَهُ، وَمِثْلُهُمَا إنَّا أَنْزَلْنَاهُ ثَلَاثًا كَطَلَبِهَا عَقِبَ الْوُضُوءِ قَرَّرَهُ ح ف. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِمُحْدِثٍ حَدَثًا أَكْبَرَ) أَيْ إذَا قَصَدَ الذِّكْرَ بِهَا أَوْ أَطْلَقَ، أَمَّا إذَا قَصْدَ الْقُرْآنَ، وَلَوْ مَعَ الذِّكْرِ فَحَرَامٌ كَمَا مَرَّ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ الْجُنُبَ يَقْتَصِرُ عَلَى أَقَلِّ التَّسْمِيَةِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَأْتِي الْأَكْمَلَ. قَوْلُهُ: (وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى) وَيُسَنُّ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى كَيْفِيَّتِهِ الْمَشْهُورَةِ، وَهِيَ أَنْ يَضَعَ بُطُونَ أَصَابِعِ الْيُسْرَى سِوَى الْإِبْهَامِ تَحْتَ أَطْرَافِ أَنَامِلِ الْيُمْنَى بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ أَنَامِلُ الْيُمْنَى عَنْ مُسَبِّحَةِ الْيُسْرَى، وَلَا مُسَبِّحَةُ الْيُمْنَى عَنْ أَنَامِلِ الْيُسْرَى، وَيُمِرُّهَا عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُمْنَى، فَإِذَا بَلَغَ الْكُوعَ ضَمَّ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ إلَى حَرْفِ الذِّرَاعِ، وَيُمِرُّهَا إلَى الْمِرْفَقِ، ثُمَّ يُدِيرُ بَطْنَ كَفِّهِ إلَى بَطْنِ الذِّرَاعِ فَيُمِرُّهَا عَلَيْهِ رَافِعًا إبْهَامَهُ، فَإِذَا بَلَغَ الْكُوعَ أَمَرَّ إبْهَامَ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَفْعَلُ بِالْيُسْرَى كَذَلِكَ، ثُمَّ يَمْسَحُ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُمَا حَصَلَ بِضَرْبِهِمَا بَعْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 عَنْ حَدَثٍ، وَإِذَا اعْتَبَرْنَا هُنَاكَ الْجَفَافَ اعْتَبَرْنَاهُ هُنَا أَيْضًا بِتَقْدِيرِهِ مَاءً، وَمِنْ سُنَنِهِ أَيْضًا الْمُوَالَاةُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا، وَتَجِبُ الْمُوَالَاةُ بِقِسْمَيْهَا فِي تَيَمُّمٍ دَائِمِ الْحَدَثِ كَمَا تَجِبُ فِي وُضُوئِهِ تَخْفِيفًا لِلْمَانِعِ. وَمِنْ سُنَنِهِ الْبُدَاءَةُ بِأَعْلَى وَجْهِهِ، وَتَخْفِيفُ الْغُبَارِ مِنْ كَفَّيْهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا، وَتَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ فِي أَوَّلِ الضَّرْبَتَيْنِ، وَتَخْلِيلُ أَصَابِعِهِ بَعْدَ مَسْحِ الْيَدَيْنِ، وَأَنْ لَا يَرْفَعَ الْيَدَ عَنْ الْعُضْوِ قَبْلَ تَمَامِ مَسْحِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ فَقَالَ: (وَاَلَّذِي يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ) بَعْدَ صِحَّتِهِ (ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (مَا) أَيْ الَّذِي (أَبْطَلَ الْوُضُوءَ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ (وَ) الثَّانِي (رُؤْيَةُ الْمَاءِ) الطَّهُورِ (فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ) وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا   [حاشية البجيرمي] مَسْحِ وَجْهِهِ، وَجَازَ مَسْحُ ذِرَاعِهِ بِتُرَابِهِمَا لِعَدَمِ انْفِصَالِهِ مَعَ الْحَاجَةِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ مَسْحُ الذِّرَاعِ بِكَفِّهَا فِصَالٌ كَنَقْلِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَالْمُوَالَاةُ) هَذَا مَحَلُّهُ فِي السَّلِيمِ، أَمَّا صَاحِبُ الضَّرُورَةِ فَتَجِبُ الْمُوَالَاةُ فِي طُهْرِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (بِتَقْدِيرِهِ) أَيْ التُّرَابِ مَاءً. قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ الْمُوَالَاةُ إلَخْ) وَتَجِبُ أَيْضًا فِي وُضُوءِ السَّلِيمِ وَتَيَمُّمِهِ وَغُسْلِهِ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ. قَوْلُهُ: (بِقِسْمَيْهَا) أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الشَّرْحِ، وَهُوَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَتَخْفِيفُ الْغُبَارِ) أَيْ بِنَفْضِهِ أَمْ نَفْضِ الْيَدِ إذَا كَانَ كَثِيرًا، وَأَمَّا مَسْحُ التُّرَابِ عَنْ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ فَالْأَحَبُّ كَمَا فِي الْأُمِّ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا) أَيْ الْكَفَّيْنِ مِنْ خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ ضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ لِلتَّخْفِيفِ وَجِنْسِ الْكَفَّيْنِ، فَالْقَائِمُ مَقَامَ التَّخْفِيفِ النَّفْخُ وَمَقَامَ الْكَفَّيْنِ الْخِرْقَةُ اهـ اج. قَوْلُهُ: (فِي أَوَّلِ الضَّرْبَتَيْنِ) أَيْ فِي أَوَّلِ كُلٍّ مِنْ الضَّرْبَتَيْنِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِزِيَادَةِ إثَارَةِ الْغُبَارِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِيَسْتَغْنِيَ بِالْوَاصِلِ لِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ مِنْ التُّرَابِ عَنْ الْمَسْحِ بِمَا عَلَى الْكَفِّ اهـ. م د بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَتَخْلِيلُ أَصَابِعِهِ) أَيْ إذَا فَرَّقَ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يُفَرِّقْ فِيهِمَا، أَوْ فَرَّقَ فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَيُسَنُّ نَزْعُ خَاتَمِهِ فِي الْأُولَى لِيَكُونَ مَسْحُ الْوَجْهِ بِجَمِيعِ الْيَدِ، وَيَجِبُ نَزْعُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى مَحَلِّهِ، وَلَا يَكْفِي تَحْرِيكُهُ بِخِلَافِهِ فِي الطُّهْرِ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِيجَابُ نَزْعِهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْمَسْحِ لَا عِنْدَ النَّقْلِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِي تَحْرِيكُهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَصِلْ وَقَوْلُهُ فَإِيجَابُ نَزْعِهِ إلَخْ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَإِيجَابُهُ لَيْسَ لِعَيْنِهِ بَلْ لِإِيصَالِ التُّرَابِ لِمَا تَحْتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى غَالِبًا إلَّا بِالنَّزْعِ، حَتَّى لَوْ حَصَلَ الْفَرْضُ بِتَحْرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِسَعَتِهِ كَفَى، كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ ضَيِّقًا بِحَيْثُ يَعْلَمُ عَدَمَ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ فِي الطُّهْرِ بِهِ إلَّا بِتَحْرِيكِهِ أَوْ نَزْعِهِ وَجَبَ اهـ بِاخْتِصَارٍ. قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: وَسَقَطَ فَرْضُ الرَّاحَتَيْنِ، وَمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ حِينَ ضَرَبَهُمَا. قَالُوا، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَارَ التُّرَابُ مُسْتَعْمَلًا فَكَيْفَ يَمْسَحُ بِهِ الذِّرَاعَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَاءِ الَّذِي غُسِلَتْ بِهِ إحْدَى الْيَدَيْنِ إلَى الْأُخْرَى؟ فَالْجَوَابُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْيَدَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، فَلَا يُحْكَمُ بِالِاسْتِعْمَالِ إلَّا بِالِانْفِصَالِ، وَالْمَاءُ يَنْفَصِلُ بِخِلَافِ التُّرَابِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ إذْ لَا يُمْكِنُهُ مَسْحُ الذِّرَاعِ بِكَفِّهَا بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى كَفِّ الْأُخْرَى، فَصَارَ كَنَقْلِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ ذَكَرَهُ كُلَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي أَنَّ انْتِقَالَ الْمَاءِ مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ إلَى الْأُخْرَى مَعَ الِاتِّصَالِ لَا يُصَيِّرُهُ مُسْتَعْمَلًا شَرْحُ التَّنْقِيحِ. قَوْلُهُ: (مَنْ أَوْجَبَهُ) أَيْ عَدَمَ الرَّفْعِ. [مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ] قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ) أَيْ يَنْتَهِي بِهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةٌ) الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ جَارِيَانِ فِي التَّيَمُّمِ لِفَقْدِ الْمَاءِ وَلِغَيْرِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَخَاصٌّ بِمَنْ يَتَيَمَّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (مَا أَبْطَلَ الْوُضُوءَ) أَيْ إنْ كَانَ التَّيَمُّمُ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ، أَمَّا لَوْ كَانَ التَّيَمُّمُ عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ. وَيُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا رَجُلٌ مُتَيَمِّمٌ بَالَ وَتَغَوَّطَ وَنَامَ غَيْرَ مُمَكِّنٍ، وَلَوْ مَسَّ وَجُنَّ وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ، وَصُورَتُهُ مَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (رُؤْيَةُ الْمَاءِ) لَيْسَ الْمُرَادُ رُؤْيَةُ الْبَصَرِ فَقَطْ، بَلْ الْمُرَادُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «التُّرَابُ كَافِيك وَلَوْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ حِجَجٍ، فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَك» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْمَقْصُودِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَآهُ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ، وَوُجُودُ ثَمَنِ الْمَاءِ عِنْدَ إمْكَانِ شِرَائِهِ كَوُجُودِ الْمَاءِ وَكَذَا تَوَهُّمُ الْمَاءِ وَإِنْ زَالَ سَرِيعًا لِوُجُوبِ طَلَبِهِ بِخِلَافِ تَوَهُّمِ سُتْرَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ وُجْدَانِهَا بِالطَّلَبِ لِلْبُخْلِ بِهَا، وَمِنْ التَّوَهُّمِ رُؤْيَةُ سَرَابٍ، وَهُوَ مَا يُرَى نِصْفَ النَّهَارِ كَأَنَّهُ مَاءٌ أَوْ رُؤْيَةُ غَمَامَةٍ مُطْبِقَةٍ بِقُرْبِهِ، أَوْ رُؤْيَةُ رَكْبٍ طَلَعَ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ الْمَاءُ، فَلَوْ سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ: عِنْدِي مَاءٌ لِغَائِبٍ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِعِلْمِهِ بِالْمَاءِ   [حاشية البجيرمي] الْعِلْمُ فَدَخَلَ الْأَعْمَى، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا، وَإِنْ لَمْ يَكْفِ لِطَهَارَتِهِ وَلَوْ عَمَّتْ الْجِرَاحَةُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَرَأْسَهُ، وَرِجْلَاهُ سَلِيمَتَانِ وَفَقَدَ الْمَاءَ وَتَيَمَّمَ تَيَمُّمًا وَاحِدًا، ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى رِجْلَيْهِ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ عَنْهُمَا لِفَقْدِ الْمَاءِ، وَقَدْ وَرَدَ عَلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ عَنْهَا لِلْعِلَّةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ؛ إذْ بُطْلَانُ بَعْضِ الطَّهَارَةِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْمَاءِ أَوْ بِالتُّرَابِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (الطَّهُورِ) لَا حَاجَةَ لِتَقْيِيدِهِ بِالطَّهُورِ؛ إذْ رُؤْيَةُ الْمَاءِ مُضِرَّةٌ مُطْلَقًا كَذَا قِيلَ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ) أَيْ وَقْتِ التَّلَبُّسِ بِهَا أَيْ: قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالرَّاءِ مِنْ أَكْبَرَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ اج. قَوْلُهُ: (وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ) أَيْ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ حَجّ أَيْ إذَا كَانَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ حِينَئِذٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي سم مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ أَمْ لَا. أَيْ: إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي حَدِّ الْغَوْثِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا غَايَةٌ فِي التَّيَقُّنِ الَّذِي هُوَ الرُّؤْيَةُ أَيْ الْعِلْمُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بِخِلَافِ التَّوَهُّمِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى ضِيقِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَوْ تَوَضَّأَ خَرَجَ الْوَقْتُ لِانْتِفَاءِ الْمُبِيحِ فِي التَّيَقُّنِ ز ي. وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُفَسِّرَ الضِّيقَ بِمَا إذَا تَوَضَّأَ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا. قَوْلُهُ: (حِجَجٍ) أَيْ سِنِينَ جَمْعُ حِجَّةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ كَسِدْرَةٍ. قَوْلُهُ: (رَوَاهُ الْحَاكِمُ) أَيْ أَيْضًا فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد. وَفِي حَجّ: وَرَوَاهُ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا تَوَهُّمُ الْمَاءِ) وَمِثْلُهُ الْآلَةُ وَالرِّشَاءُ أَيْ: يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي حَدِّ الْغَوْثِ نَظَرًا لِلْعِلَّةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: لِوُجُودِ طَلَبِهِ؛ إذْ لَا يَجِبُ طَلَبُهُ إذَا تَوَهَّمَهُ فِي حَدِّ الْقُرْبِ، وَالرِّشَاءُ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَهُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يَسْتَقِي بِهِ، فَعَطَفَهُ عَلَى الْآلَةِ عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَمِنْهُ أَيْ التَّوَهُّمِ مَا لَوْ تَوَهَّمَ زَوَالَ الْمَانِعِ الْحِسِّيِّ كَأَنْ تَوَهَّمَ زَوَالَ السَّبْعِ فَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِوُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ تَوَهُّمِ زَوَالِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ كَتَوَهُّمِ الشِّفَاءِ فَلَا يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ اهـ. قَوْلُهُ: (رُؤْيَةُ سَرَابٍ) أَيْ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ عِنْدَ رُؤْيَةِ ابْتِدَائِهِ أَنَّهُ سَرَابٌ، وَإِلَّا فَلَا بُطْلَانَ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ وَاحِدٌ لِجَمْعٍ مُتَيَمِّمِينَ أَبَحْتُكُمْ هَذَا الْمَاءَ أَوْ وَهَبْته لَكُمْ وَهُوَ يَكْفِي وَاحِدًا فَقَطْ بَطَلَ تَيَمُّمُ الْكُلِّ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ تَوَقُّفِ الْبُطْلَانِ عَلَى الْقَبُولِ سم. فَرْعٌ: نَامَ مُتَيَمِّمٌ مُتَمَكِّنًا وَمَرَّ بِهِ مَاءٌ حَالَ نَوْمِهِ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى وَصَلَ أَيْ الْمَاءُ إلَى مَحَلٍّ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ هَلْ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِتَقْصِيرِهِ أَوْ لَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ؟ اخْتَارَ م ر عَدَمَ الْبُطْلَانِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ بِئْرٌ خَفِيَّةٌ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُقَالُ بِالْبُطْلَانِ وَيُفَرَّقُ بِتَقْصِيرِ النَّائِمِ بِخِلَافِ الْبِئْرِ الْخَفِيَّةِ اهـ اج وَجَزَمَ م ر بِالْأَوَّلِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ» . فَرْعٌ: هَلْ مُجَرَّدُ تَوَهُّمِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ التُّرَابَ فِي الصَّلَاةِ يُبْطِلُهَا، كَمَا لَوْ تَوَهَّمَ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ خَارِجَ الصَّلَاةِ حَيْثُ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَانْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا وَنُقْصَانِهَا أَيْ الصَّلَاةِ حَتَّى قِيلَ إنَّهَا غَيْرُ صَلَاةٍ شَرْعِيَّةٍ أَوْ لَا. فِيهِ نَظَرٌ. وَمَالَ م ر إلَى الْبُطْلَانِ. قَالَ: إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ. اهـ. سم ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (غَمَامَةٍ مُطْبِقَةٍ بِقُرْبِهِ) أَيْ بِحَدِّ الْغَوْثِ فَمَا دُونَهُ فِيمَا يَظْهَرُ قَالَ حَجّ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ سَمِعَ قَائِلًا إلَخْ) هَذِهِ فُرُوعٌ خَمْسَةٌ غَيْرُ مُتَفَرِّعَةٍ عَلَى مَا قَبْلَهَا، فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهَا وَذِكْرَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنَّمَا يُبْطِلُهُ وُجُودُ الْمَاءِ إلَخْ. كَمَا فَعَلَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَإِنَّهَا مُتَفَرِّعَةٌ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ، قَوْلُهُ: (عِنْدِي لِغَائِبٍ مَاءٌ) أَيْ وَهُوَ يَعْلَمُ غَيْبَتَهُ وَعَدَمَ رِضَاهُ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ حُضُورَهُ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِوُجُوبِ السُّؤَالِ عَنْهُ، وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ: عِنْدِي مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ مَاءٌ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِوُجُوبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 قَبْلَ الْمَانِعِ، أَوْ يَقُولُ: عِنْدِي لِغَائِبٍ مَاءٌ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ لِمُقَارَنَةِ الْمَانِعِ وُجُودَ الْمَاءِ، وَلَوْ قَالَ: عِنْدِي لِحَاضِرٍ مَاءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ مَاءٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ السَّامِعُ غَيْبَتَهُ، وَلَا حُضُورَهُ وَجَبَ السُّؤَالُ عَنْهُ أَيْ: وَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الطَّلَبِ يُبْطِلُهُ، وَلَوْ سَمِعَهُ يَقُولُ: عِنْدِي مَاءُ وَرْدٍ بَطَلَ أَيْضًا، وَوُجُودُ مَا ذُكِرَ قَبْلَ تَمَامِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَوُجُودِهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَإِنَّمَا يُبْطِلُهُ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ تَوَهُّمُهُ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ كَعَطَشٍ وَسَبْعٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَالْعَدَمِ. فَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَلَاةٍ لَا يَسْقُطُ قَضَاؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ بِأَنْ صَلَّى فِي مَكَان يَغْلِبُ   [حاشية البجيرمي] الْبَحْثِ عَنْ صَاحِبِ الْمَاءِ، فَيُحْتَمَلُ كُفْرُهُ وَهُوَ يَرَى لِلْخَمْرِ ثَمَنًا فَيَكُونُ مَانِعًا لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ ثَمَنٌ عِنْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخَمْرُ لِمُسْلِمٍ فَعِنْدَهُ لَا ثَمَنَ لِلْخَمْرِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ، وَالضَّابِطُ أَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ الْمَانِعُ لَمْ يَبْطُلْ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِ تَأَخُّرِهِ كَعِنْدِي مَاءٌ لِلْعَطَشِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (لِمُقَارَنَةِ الْمَانِعِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَارَنَةِ عَدَمُ التَّأَخُّرِ فَيَصْدُقُ بِالْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (أَيْ وَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ إلَخْ) أَيْ هُنَا لَيْسَتْ تَفْسِيرِيَّةً، وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى أَيْضًا أَيْ وَبَطَلَ التَّيَمُّمُ أَيْضًا أَيْ كَمَا وَجَبَ السُّؤَالُ بَطَلَ التَّيَمُّمُ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُهُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لِلْفَصْلِ بَيْنَ كَلَامَيْنِ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ الَّذِي بَعْدَهَا لِغَيْرِ الْقَائِلِ لِمَا قَبْلَهَا فَلَا يَظْهَرُ أَنَّهَا بِمَعْنَى أَيْضًا. قَوْلُهُ: (عِنْدِي مَاءُ وَرْدٍ) وَكَذَا عِنْدِي مَاءٌ نَجِسٌ أَوْ مُسْتَعْمَلٌ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا) أَيْ التَّكْبِيرَةِ وَالْمَعِيَّةُ كَالْقَبْلِيَّةِ. قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ) وَمِثْلُ الْمَانِعِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَا لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ وَخَافَ غَرَقًا كَمَا قَالَ حَجّ. وَيَصِحُّ أَنْ يُلْغَزَ بِذَلِكَ وَيُقَالَ: لَنَا رَجُلٌ سَلِيمُ الْأَعْضَاءِ غَيْرُ فَاقِدٍ لِلْمَاءِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَصُورَتُهُ: مَا لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ وَخَافَ غَرَقًا لَوْ أَخَذَ الْمَاءَ مِنْ الْبَحْرِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَمَا رَجُلٌ لِلْمَاءِ لَيْسَ بِفَاقِدٍ ... سَلِيمٌ لِعُضْوٍ مِنْ مُبِيحِ تَيَمُّمِ تَيَمَّمَ لَا يَقْضِي صَلَاةً وَهَذِهِ لَعَمْرِي ... حَقٌّ فِي كِتَابٍ مُفَخَّمِ أَجَابَ كَاتِبُهُ مُضَمِّنًا الشَّطْرَ الْأَخِيرَ فِي السُّؤَالِ: لَقَدْ كَانَ هَذَا فِي السَّفِينَةِ رَاكِبًا ... وَخَافَ سُقُوطًا لَوْ تَوَضَّأَ فَافْهَمْ يُصَلِّي وَلَا يَقْضِي وَهَذَاكَ جَائِزٌ ... لَعَمْرِي جَزْمًا فِي كِتَابٍ مُعَظَّمِ قَوْلُهُ: (كَعَطَشٍ) مَانِعٌ شَرْعِيٌّ. وَقَوْلُهُ: (وَسَبُعٌ) مَانِعٌ حِسِّيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ وُجُودَهُ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّوَهُّمَ كَالْعَدَمِ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَلَاةٍ إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمَتْنِ الْمَارِّ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَالْمُرَادُ وَجَدَهُ، وَلَوْ فِي حَدِّ الْقُرْبِ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي وُجُوبِ الطَّلَبِ فِي حَدِّ الْقُرْبِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَمْنُ خُرُوجِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالتَّيَمُّمِ، بِخِلَافِ مَا لَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالتَّيَمُّمِ فَيَجِبُ الطَّلَبُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ مَرْحُومِيٌّ وَخَرَجَ بِوُجُودِهِ تَوَهُّمُهُ أَيْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا، وَيَبْطُلُ بِهِ غَيْرُهَا كَقِرَاءَةٍ وَطَوَافٍ وَوَطْءٍ ق ل. وَانْظُرْ لَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ وَشَكَّ هَلْ هَذَا الْمَحَلُّ مِمَّا يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ أَوْ الْوُجُودُ فَهَلْ تَبْطُلُ لِتَرَدُّدِهِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا الِانْعِقَادَ وَشَكَكْنَا فِي الْمُبْطِلِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهُ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ إنْ قَارَنَ شَكُّهُ التَّحَرُّمَ، وَظَاهِرُهُ بُطْلَانُهَا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ وَتَوَهُّمَهُ وَالْقُدْرَةَ عَلَى ثَمَنِهِ وَزَوَالَ الْعِلَّةِ تَارَةً تَكُونُ مَعَ حَائِلٍ وَتَارَةً تَكُونُ بِلَا حَائِلٍ، وَإِذَا كَانَتْ مَعَ حَائِلٍ فَتَارَةٌ يَتَقَدَّمُ عِلْمُهُ وَتَارَةً يَتَأَخَّرُ وَتَارَةً يُقَارِنُ، فَهَذِهِ سِتَّ عَشَرَةَ صُورَةً حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا وَهِيَ تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ أَوْ لَا. فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ صُورَةً فَإِنْ تَقَدَّمَ عِلْمُ الْحَائِلِ أَوْ قَارَنَ فَلَا بُطْلَانَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِلَا حَائِلٍ أَوْ بِحَائِلٍ مُتَأَخِّرٍ فَتَارَةً يَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ، وَتَارَةً يَكُونُ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهَا بَطَلَ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّلَبُّسِ لَهَا لَمْ يَبْطُلْ فِي التَّوَهُّمِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَيَنْظُرُ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ يَسْقُطُ فَرْضُهَا بِالتَّيَمُّمِ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ لِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ بِالِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا، وَإِنْ أَسْقَطَ التَّيَمُّمُ قَضَاءَهَا لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الْمَقْصُودِ فَكَانَ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُكَفِّرُ الرَّقَبَةَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَلِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ لَيْسَ حَدَثًا لَكِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ التَّيَمُّمِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صَلَاةِ الْفَرْضِ كَظُهْرٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَالنَّفَلِ كَعِيدٍ وَوِتْرٍ وَلَوْ رَأَى الْمُسَافِرُ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاصِرٌ، ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ أَوْ نَوَى الْقَاصِرُ الْإِتْمَامَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ تَغْلِيبًا، لِحُكْمِ الْإِقَامَةِ فِي الْأُولَى، وَلِحُدُوثِ مَا لَمْ يَسْتَبِحْهُ فِيهَا. وَفِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ كَافْتِتَاحِ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَشِفَاءُ الْمَرِيضِ مِنْ مَرَضِهِ فِي الصَّلَاةِ كَوِجْدَانِ الْمُسَافِرِ الْمَاءَ فِيهَا، فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ مِمَّا يَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ لَمْ يَبْطُلْ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ كَأَنْ تَيَمَّمَ، وَقَدْ وَضَعَ الْجَبِيرَةَ عَلَى حَدَثٍ بَطَلَتْ وَقَطَعَ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ لِيَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ بَدَلَهَا أَفْضَلَ مِنْ إتْمَامِهَا كَوُجُودِ الْمُكَفِّرِ الرَّقَبَةَ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لَا يَسْقُطُ قَضَاؤُهَا) أَيْ فِعْلُهَا، وَالْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا لَا يُقَالُ لَهُ قَضَاءٌ فِي الِاصْطِلَاحِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ صَلَّى إلَخْ) عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَحَلِّ الصَّلَاةِ لَا بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ، وَالْعِبْرَةُ أَيْضًا بِزَمَنِ الصَّلَاةِ فَقَطْ لَا جَمِيعِ الْعَامِّ سم، وَالْعِبْرَةُ أَيْضًا بِتَحَرُّمِهَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ) وَيَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ سَلَامِهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَاءَ تَلِفَ كَمَا يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ أَنْ يُدْخِلَ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ لِسُجُودِ السَّهْوِ بِخِلَافِهِ لِتَذَكُّرِ رُكْنٍ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الْمَقْصُودِ) إنْ قُلْت: هَذَا التَّعْلِيلُ يَأْتِي فِي الصَّلَاةِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ التَّيَمُّمَ يَبْطُلُ بِوُجُودِ الْمَاءِ فِيهَا. قُلْت: قَدْ أَشَارَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ فِي التَّعْلِيلِ لِتَلَبُّسِهِ بِالْمَقْصُودِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ إتْمَامِهِ أَيْ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ وَهُوَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُكَفِّرُ الرَّقَبَةَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا وَجَدَ الرَّقَبَةَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ لَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ قَطْعُ الصَّوْمِ، وَإِعْتَاقُهَا وَكَالصَّوْمِ الْإِطْعَامُ، فَإِنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لَا يَجِبُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ ذَلِكَ، وَهَلْ يَقَعُ الصَّوْمُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا إذَا عَدَلَ إلَى الْإِعْتَاقِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ نَوَى بِهِ الْفَرْضَ، وَبَقِيَ مَا لَوْ انْقَطَعَ تَتَابُعُ الْمُكَفِّرِ هَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ حَيْثُ وَجَدَ الرَّقَبَةَ أَمْ يَسْتَأْنِفُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ اهـ اط ف. قَوْلُهُ: (لَيْسَ حَدَثًا) أَيْ حَتَّى يَبْطُلَ بِهِ التَّيَمُّمُ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ التَّيَمُّمِ) أَيْ لَا مِنْ دَوَامِهِ وَيُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، فَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الضَّمَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْبُطْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ فَيَسْقُطُ طَلَبُهَا فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ. قَوْلُهُ: (وَالنَّفَلُ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّفَلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقَضَاءُ وَعَدَمُهُ وَفِيهِ بُعْدٌ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَسْقُطُ طَلَبُهُ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ. قَوْلُهُ: (فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ) أَيْ الَّتِي تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ بِأَنْ كَانَتْ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَلَيْسَ قَيْدًا، بَلْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ مَعَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ كَذَلِكَ فِي الْأَوْجَهِ سم. وَظَاهِرُهُ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ تَضُرُّ هُنَا سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقِلًّا مَاكِثًا أَمْ لَا. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي فِي قَطْعِ السَّفَرِ حَيْثُ اشْتَرَطُوا فِيهِ الِاسْتِقْلَالَ بِسَعَةِ بَابِ السَّفَرِ عَنْ بَابِ التَّيَمُّمِ؛ إذْ الْقَصْرُ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةً، وَهُنَا لَا يَتَيَمَّمُ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ فَأَدْنَى شَيْءٍ يُبْطِلُهُ اهـ اج. قَوْلُهُ: (عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ) أَيْ مَعَ الرُّؤْيَةِ وَبِالْأَوْلَى نِيَّةُ الْإِتْمَامِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ اهـ اج. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْإِقَامَةَ بِالْفِعْلِ وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ، وَنِيَّةُ الْإِتْمَامِ إنْ كَانَتْ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ، أَوْ مَعَهَا أَبْطَلَتْ التَّيَمُّمَ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ فَلَا تُبْطِلُهُ. قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِقَامَةِ فِي الْأَوْلَى) أَيْ أَنَّهُ اجْتَمَعَ سَفَرٌ بِاعْتِبَارِ أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَإِقَامَةٌ بِاعْتِبَارِ آخِرِهَا فَغَلَّبْنَا الْإِقَامَةَ وَقُلْنَا بِالْبُطْلَانِ. قَوْلُهُ: (لِحُكْمِ الْإِقَامَةِ) أَيْ وَهُوَ الْإِتْمَامُ، وَالْإِتْمَامُ كَافْتِتَاحِ صَلَاةٍ أُخْرَى. وَقَوْلُهُ: (وَلِحُدُوثِ) إلَخْ الْمُرَادُ بِالْحُدُوثِ مَا يَشْمَلُ الْمُقَارَنَةَ، وَإِنْ كَانَ الْحُدُوثُ ظَاهِرًا فِي غَيْرِ الْمُقَارَنَةِ. قَوْلُهُ: (فِيهَا وَفِي الثَّانِيَةِ) أَيْ فَالْأُولَى مُعَلَّلَةٌ بِعِلَّتَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ مُعَلَّلَةٌ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ: (كَوِجْدَانِ الْمُسَافِرِ) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَمِثْلُهُ الْحَاضِرُ. قَوْلُهُ: (عَلَى حَدَثٍ) أَيْ وَأَخَذْت مِنْ الصَّحِيحِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِمْسَاكِ. قَوْلُهُ: (وَقَطَعَ الصَّلَاةَ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي جَمَاعَةٍ تَفُوتُ بِالْقَطْعِ. وَقَالَ م ر: لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَ إتْمَامَهَا، إلَّا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ فَيَحْرُمُ قَطْعُهَا، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ. وَلَوْ يُمِّمَ مَيِّتٌ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ثُمَّ وُجِدَ الْمَاءُ وَجَبَ غَسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَمْ بَعْدَهَا. ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ، وَمَا قَالَهُ مَحَلُّهُ فِي الْحَضَرِ أَمَّا فِي السَّفَرِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَالْحَيِّ جَزَمَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي تَلْقِينِهِ، لَكِنْ فَرَضَهُ فِي الْوُجْدَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَعُلِمَ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ كَغَيْرِهَا، وَأَنَّ تَيَمُّمَ الْمَيِّتِ كَتَيَمُّمِ الْحَيِّ، وَلَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ الَّتِي تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ بِسَلَامِهِ مِنْهَا، وَإِنْ عُلِمَ تَلَفُهُ قَبْلَ سَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَعُفَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ، وَكَانَ مُقْتَضَاهُ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، لَكِنْ خَالَفْنَاهُ لِحُرْمَتِهَا، وَيُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ   [حاشية البجيرمي] يَقْطَعُهَا حِينَئِذٍ وَعِبَارَتُهُ: وَمَحَلُّ قَطْعِهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأُولَى فَضِيلَةٌ خَلَتْ عَنْهَا الثَّانِيَةُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى فَضِيلَةٌ كَذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ جَمَاعَةً وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ خَالِيَةً عَنْ الْجَمَاعَةِ فَإِتْمَامُهَا بِالْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ، وَمَحَلُّ كَوْنِ قَطْعِهَا أَفْضَلَ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: لِيَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ. أَمَّا إذَا جَوَّزَهُ فِيهَا فَلَا يَقْطَعُهَا؛ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُهَا حِينَئِذٍ م ر اهـ اط ف. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ تَقْتَضِي اسْتِوَاءَ قَطْعِهَا وَقَلْبِهَا نَفْلًا كَمَا قَالَهُ اج خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ قَلْبُهَا نَفْلًا ذَكَرَهُ م د. وَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّ قَطْعَهَا أَفْضَلُ مِنْ قَلْبِهَا نَفْلًا، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ وَقَطَعَ الصَّلَاةَ إلَخْ. مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ أَسْقَطَ التَّيَمُّمُ قَضَاءَهَا لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عَقِبَهُ فَهُوَ مُؤَخَّرٌ مِنْ تَقْدِيمٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ لَوْ تَوَضَّأَ، وَقَعَ جُزْءٌ مِنْهَا خَارِجَهُ س ل عَلَى الْمَنْهَجِ تَبَعًا لِلْحَلَبِيِّ، وَمَالَ م ر إلَى أَنَّ الْمُرَادَ ضِيقُ الْوَقْتِ عَنْ وُقُوعِهَا أَدَاءً حَتَّى لَوْ كَانَ إذَا قَطَعَهَا وَتَوَضَّأَ أَدْرَكَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ قَطَعَهَا سم وع ش وَرَجَعَ عَنْهُ، وَمَالَ إلَى الْأَوَّلِ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ وَالشَّيْخُ س ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ يُمِّمَ مَيِّتٌ إلَخْ) . حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ يُمِّمَ الْمَيِّتُ وَكَانَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ وَوُجِدَ الْمَاءُ، فَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا يَجِبُ غُسْلُهُ وَلَا إعَادَةُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الصَّلَاةِ بَطَلَ التَّيَمُّمُ وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَرُئِيَ الْمَاءُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدَّفْنِ وَجَبَ الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ أَوْ بَعْدَ الدَّفْنِ فَلَا يَجِبُ نَبْشُهُ وَغُسْلُهُ إنْ تَغَيَّرَ وَتَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى قَبْرِهِ بِالْوُضُوءِ. وَقَوْلُهُ: بِالْوُضُوءِ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَيَمُّمِ الْمَيِّتِ لَا فِي تَيَمُّمِ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ قُيِّدَ بِالْوُضُوءِ لِكَوْنِ الْمَاءِ مَوْجُودًا، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ نُبِشَ وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى دُفِنَ لَا يُنْبَشُ مُطْلَقًا بَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ عَلَى الْقَبْرِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: (صُلِّيَ عَلَيْهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ صَلَّى فِيمَا يَشْمَلُ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ) أَيْ الْوُجُودُ. قَوْلُهُ: (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ) مَحْمُولٌ عَلَى السَّفَرِ. قَوْلُهُ: (وَمَا قَالَهُ) أَيْ الْبَغَوِيّ أَيْ مَا قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ وُجُوبِ إعَادَةِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَالْمُرَادُ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، فَالْمُرَادُ بِالْحَضَرِ لَازِمُهُ وَهُوَ غَلَبَةُ وُجُودِ الْمَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّفَرِ لَازِمُهُ أَيْضًا وَهُوَ غَلَبَةُ فَقْدِ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَعُلِمَ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صَلَاةِ الْفَرْضِ إلَخْ. وَمِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَمَا بَعْدَهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ يُمِّمَ مَيِّتٌ إلَخْ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَلَوْ رَأَى الْمَاءَ إلَخْ. هَذَا رَاجِحٌ لِلْحَيِّ، فَلَوْ ذَكَرَهُ قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ لَكَانَ أَنْسَبَ اهـ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ فَعُلِمَ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا قَالَهُ مَحَلُّهُ فِي الْحَضَرِ إلَخْ. فَقَوْلُهُ: وَأَنَّ تَيَمُّمَ الْمَيِّتِ كَتَيَمُّمِ الْحَيِّ أَيْ فِي أَنَّهُ إذَا يَمَّمَ فِي الْحَضَرِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ فِي السَّفَرِ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ، لَكِنْ هَذَا الَّذِي عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا يَمَّمَ فِي الْحَضَرِ إنَّمَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ إذَا كَانَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ الْوُجُودُ، وَإِذَا يَمَّمَ فِي السَّفَرِ مَحَلُّ عَدَمِ الْإِعَادَةِ إذَا كَانَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَعَبَّرَ بِالْحَضَرِ وَالسَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْأَوَّلِ وُجُودُ الْمَاءِ وَفِي الثَّانِي عَدَمُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ مُقْتَضَاهُ) أَيْ التَّعْلِيلِ. وَقَوْلُهُ: (لَكِنْ خَالَفْنَاهُ) أَيْ هَذَا الْمُقْتَضَى. قَوْلُهُ: (وَيُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 الصَّلَاةِ كَمَا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ، وَلَوْ رَأَتْ حَائِضٌ تَيَمَّمَتْ لِفَقْدِ الْمَاءِ الْمَاءَ وَهُوَ يُجَامِعُهَا حَرُمَ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ، وَوَجَبَ النَّزْعُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لِبُطْلَانِ طُهْرِهَا، وَلَوْ رَآهُ هُوَ دُونَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ النَّزْعُ لِبَقَاءِ طُهْرِهَا. وَلَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةٍ قَدْ تَيَمَّمَ لَهَا بَطَلَ تَيَمُّمُهُ بِالرُّؤْيَةِ، سَوَاءٌ نَوَى قِرَاءَةَ قَدْرٍ مَعْلُومٍ أَمْ لَا، لِبُعْدِ ارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَلَا يُجَاوِزُ الْمُتَنَفِّلُ الَّذِي وَجَدَ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ الَّذِي لَمْ يَنْوِ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ بَلْ يُسَلِّمُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ الْأَحَبُّ وَالْمَعْهُودُ فِي النَّفْلِ، هَذَا إذَا رَأَى الْمَاءَ قَبْلَ قِيَامِهِ لِلثَّالِثَةِ فَمَا فَوْقَهَا، وَإِلَّا أَتَمَّ مَا هُوَ فِيهِ، فَإِنْ نَوَى رَكْعَةً أَوْ عَدَدًا أَتَمَّهُ لِانْعِقَادِ نِيَّتِهِ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمَكْتُوبَةَ الْمُقَدَّرَةَ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ كَافْتِتَاحِ نَافِلَةٍ بِدَلِيلِ افْتِقَارِهَا إلَى قَصْدٍ جَدِيدٍ. وَلَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. (وَ) الثَّالِثُ مِنْ الْمُبْطِلَاتِ (الرِّدَّةُ) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لِقُوَّتِهِ وَضَعْفِ بَدَلِهِ، لَكِنْ تَبْطُلُ نِيَّتُهُ فَيَجِبُ تَجْدِيدُ نِيَّةِ الْوُضُوءِ (وَصَاحِبُ الْجَبَائِرِ) جَمْعُ جَبِيرَةٍ وَهِيَ خَشَبَةٌ أَوْ نَحْوُهَا كَقَصَبَةٍ تُوضَعُ عَلَى الْكَسْرِ وَيُشَدُّ عَلَيْهَا لِيَنْجَبِرَ الْكَسْرُ يَمْسَحُ بِالْمَاءِ (عَلَيْهَا) حَيْثُ عَسِرَ نَزْعُهَا لِخَوْفِ مَحْذُورٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَكَذَا اللَّصُوقُ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَالشُّقُوقُ الَّتِي   [حاشية البجيرمي] يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ سَلَامِهِ وَلَوْ نَاسِيًا، وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ بِالسَّلَامِ. اهـ. حَجّ. وَأَقَرَّهُ ع ش. وَقَالَ م ر: يَسْجُدُ وَأَقَرَّهُ الْبَابِلِيُّ ب ر. قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ النَّزْعُ) أَيْ إنْ عَلِمَ وَلَوْ بِإِعْلَامِهَا لَهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهَا، فَإِنْ كَذَّبَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ النَّزْعُ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ النَّزْعُ) وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُهَا بِالْمَاءِ إنْ رَآهُ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةِ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةٍ. قَوْلُهُ: (لِبُعْدِ ارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ) وَإِنْ كَانَ مَا انْتَهَى إلَيْهِ يَحْرُمُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ لَا مُسْتَمِرٌّ حَتَّى يَحْرُمَ الْوَقْفُ كَمَنْ أَجْنَبَ عِنْدَمَا يَحْرُمُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَقْفُ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ. وَكَذَا الطَّوَافُ لِجَوَازِ تَفْرِيقِهِ. قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ أَثْنَاءَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ أَتَمَّهَا؛ إذْ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (الَّذِي لَمْ يَنْوِ قَدْرًا) بِأَنْ أَطْلَقَ فِي نِيَّتِهِ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الَّذِي الْأَوَّلُ، وَفِي نُسْخَةٍ الَّتِي فَيَكُونُ صِفَةً لِلصَّلَاةِ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فِيهَا أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ قَدْرًا. قَوْلُهُ: (رَكْعَتَيْنِ) مَفْعُولُ يُجَاوِزُ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ وَالْمُتَنَفِّلُ الْوَاجِدُ لِلْمَاءِ فِي صَلَاتِهِ إنْ نَوَى قَدْرًا أَتَمَّهُ، وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ رَكْعَتَيْنِ، وَخَرَجَ بِالْوَاجِدِ لِلْمَاءِ الْمُجَوِّزُ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا شَاءَ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ قِيَامِهِ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا رَآهُ بَعْدَ نُهُوضِهِ لِنَحْوِ ثَالِثَةٍ أَتَمَّهَا، لَكِنْ قَالَ ق ل: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِهَا بِأَنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَحَلٍّ تُجْزِئُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَوَى رَكْعَةً) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الَّذِي لَمْ يَنْوِ قَدْرًا، وَعَطْفُ قَوْلِهِ: أَوْ عَدَدًا عَلَى قَوْلِهِ: رَكْعَةً يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُقَالُ لَهُ عَدَدٌ، وَهُوَ طَرِيقَةُ الْحِسَابِ. وَذَكَرَ م ر فِي شَرْحِهِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ طَرِيقَةَ الْفُقَهَاءِ إطْلَاقُ الْعَدَدِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْوَاحِدَ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ) يُفْهَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّقْصُ بِالنِّيَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ) أَيْ مُطْلَقًا، وَلَا يَتَأَنَّى التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ فَقْدُهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِنَاءً إلَخْ) مُعْتَمَدٌ، وَإِذَا تَطَهَّرَ بَنَى عَلَى مَا مَضَى كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ. قَوْلُهُ: (الرِّدَّةُ) وَلَوْ صُورَةً كَالْوَاقِعَةِ مِنْ الصَّبِيِّ، وَإِنَّمَا بَطَلَ التَّيَمُّمُ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِبَاحَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ مَعَ الرِّدَّةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوُضُوءِ) أَيْ وُضُوءِ السَّلِيمِ وَكَذَا غُسْلُهُ، أَمَّا وُضُوءُ وَغُسْلُ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ فَكَالتَّيَمُّمِ فَيَبْطُلَانِ بِالرِّدَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. ز ي. [الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَة] قَوْلُهُ: (وَصَاحِبُ الْجَبَائِرِ) أَيْ أَوْ الْجَبِيرَةُ أَوْ اللَّامُ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ اج. وَالْجَبَائِرُ جَمْعُ جَبِيرَةٍ، وَالْجَبِيرَةُ فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَجْبُرُ، فَلِذَا لَحِقَتْهَا التَّاءُ كَفَقِيرٍ وَفَقِيرَةٍ؛ لِأَنَّ فَعِيلًا إذَا كَانَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ تَلْحَقُهُ التَّاءُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ كَجَرِيحٍ وَقَتِيلٍ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَمِنْ فَعِيلٍ كَقَتِيلٍ إنْ تَبِعْ ... مَوْصُوفَهُ غَالِبًا التَّا تَمْتَنِعْ وَسُمِّيَتْ جَبِيرَةً تَفَاؤُلًا بِأَنَّهَا تَجْبُرُ. قَوْلُهُ: (وَيُشَدُّ عَلَيْهَا) أَيْ يَقَعُ الشَّدُّ عَلَيْهَا فَعَلَيْهَا نَائِبُ فَاعِلِ يُشَدُّ. وَقَوْلُهُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 فِي الرِّجْلِ إذَا احْتَاجَ إلَى تَقْطِيرِ شَيْءٍ فِيهَا يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ، وَيَجِبُ مَسْحُ كُلِّهَا بِالْمَاءِ اسْتِعْمَالًا لَهُ مَا أَمْكَنَ بِخِلَافِ التُّرَابِ لَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فَلَا يُؤَثِّرُ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ، وَلَا يُقَدَّرُ الْمَسْحُ بِمُدَّةٍ بَلْ لَهُ الِاسْتِدَامَةُ إلَى الِانْدِمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَأْقِيتٌ، وَلِأَنَّ السَّاتِرَ لَا يُنْزَعُ لِلْجَنَابَةِ بِخِلَافِ الْخُفِّ فِيهِمَا، وَيَمْسَحُ الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ مَتَى شَاءَ وَالْمُحْدِثُ وَقْتَ غَسْلِ عَلِيلِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ لِيَكْفِيَ مَا ذُكِرَ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ الصَّحِيحِ إلَّا مَا لَا بُدَّ   [حاشية البجيرمي] لِخَوْفٍ) إلَخْ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ حَيْثُ عَسِرَ نَزْعُهَا، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ وَجَبَ النَّزْعُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إنْ أَمْكَنَ غَسْلُ الْجُرْحِ أَوْ أَخَذَتْ بَعْضَ الصَّحِيحِ، أَوْ كَانَتْ بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ، وَأَمْكَنَ مَسْحُ الْعَلِيلِ بِالتُّرَابِ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي وُجُوبِ النَّزْعِ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَالشُّقُوقُ) أَيْ وَكَذَا الشُّقُوقُ فِي تَنْزِيلِ مَا يَدْخُلُ فِيهَا مِنْ الدُّهْنِ مَنْزِلَةَ الْجَبِيرَةِ حَتَّى يَجِبَ الْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِهِ بِالْمَاءِ لِمَنْعِ مَا قُطِّرَ فِيهَا مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (إذَا احْتَاجَ إلَى تَقْطِيرِ شَيْءٍ) أَيْ وَقَطَّرَ بِالْفِعْلِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاحْتِيَاجِ إلَى التَّقْطِيرِ التَّقْطِيرُ بِالْفِعْلِ أَيْ: فَيَكُونُ هَذَا الشَّيْءُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا تَحْتَهُ جَبِيرَةً يَأْتِي فِيهِ تَفْصِيلُهَا، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَمَا قُطِّرَ فِي الشُّقُوقِ أَيْ إنْ أَخَذَ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ مَسْحُ كُلِّهَا) أَيْ الْجَبِيرَةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ إنْ أَخَذْت مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا كَمَا يَأْتِي، وَلَا يَكْفِي مَسْحُ بَعْضِهَا ق ل. قَالَ حَجّ: كَانَ قِيَاسُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُ الزَّائِدِ عَلَى مَا أَخَذْته مِنْ الصَّحِيحِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَسْحَهَا إنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْهُ لَا عَنْ مَحَلِّ الْجُرْحِ، لِأَنَّ بَدَلَهُ التَّيَمُّمُ لَا غَيْرُ فَوُجُوبُ مَسْحِ كُلِّهَا مُشْكِلٌ. إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ تَجْدِيدَ ذَلِكَ لَمَّا شَقَّ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَأَوْجَبُوا الْكُلَّ احْتِيَاطًا، وَيَجِبُ مَسْحُ السَّاتِرِ، وَلَوْ كَانَ بِهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ يُعْفَى عَنْ مَاءِ الطَّهَارَةِ، وَمَسْحُهُ بَدَلٌ عَمَّا أَخَذَهُ مِنْ الصَّحِيحِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا أَوْ أَخَذَ شَيْئًا وَغَسَلَهُ لَمْ يَجِبْ مَسْحُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَيُعْفَى عَنْ الدَّمِ الَّذِي عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَطَ بِمَاءِ الْمَسْحِ قَصْدًا لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ، وَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْمَسْحِ عَلَيْهِ وَلَوْ سَقَطَتْ جَبِيرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَرِئَ أَمْ لَا، كَانْقِلَاعِ الْخُفِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ رُفِعَ السَّاتِرُ لِتَوَهُّمِ الْبُرْءِ فَبَانَ خِلَافَهُ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ التُّرَابِ إلَخْ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْجَبِيرَةَ لَوْ عَمَّتْ أَعْضَاءَ التَّيَمُّمِ سَقَطَ التَّيَمُّمُ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِمَسْحِهَا بِالتُّرَابِ فَيُصَلِّي كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَيُعِيدُ فَاحْفَظْهُ مد. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ فِي مَحَلِّهِ) لَكِنْ يُسَنُّ سم. قَوْلُهُ: (فَلَا يُؤَثِّرُ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ) بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ مِنْ وَرَائِهِ فِي نَحْوِ مَسْحِ الْخُفِّ م ر. قَوْلُهُ: (لَا يُنْزَعُ لِلْجَنَابَةِ) وَعَدَمُ نَزْعِهِ لِلْجَنَابَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّقْدِيرِ بِمُدَّةٍ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْخُفِّ فِيهِمَا) أَيْ عَدَمُ وُرُودِ التَّأْقِيتِ وَعَدَمُ النَّزْعِ لِلْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ التَّأْقِيتُ وَيَجِبُ فِيهِ النَّزْعُ لِلْجَنَابَةِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُ) كَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَذَاتِ وِلَادَةٍ. قَوْلُهُ: (مَتَى شَاءَ) أَيْ قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِيُزِيلَ الْمَاءُ أَثَرَ التُّرَابِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَقْتَ غَسْلُ عَلِيلِهِ) وَلَهُ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ وَهُوَ أَوْلَى لِمَا ذُكِرَ ق ل. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ لِيَكْفِيَ مَا ذُكِرَ) أَيْ وَهُوَ الِاعْتِدَادُ بِالْمَسْحِ مَعَ عَدَمِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ، فَمَتَى أُخِذَتْ بِقَدْرِ الِاسْتِمْسَاكِ وَوَضَعَهَا عَلَى طُهْرٍ، وَغَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْجَرِيحِ، وَمَسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ بِشَرْطِهِ صَحَّ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا اج. وَقَالَ ع ش: الْأَوْلَى يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ مَسْحِ السَّاتِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا، نَعَمْ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ الصَّحِيحِ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِمْسَاكِ، لَكِنْ لَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ. وَقَوْلُهُ: لِيَكْفِيَ مَا ذُكِرَ أَيْ الْمَسْحُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ كَافٍ، وَإِنْ أُخِذَتْ مِنْ الصَّحِيحِ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ الِاسْتِمْسَاكِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَيُشْتَرَطُ فِي عَدَمِ الْقَضَاءِ فِي صُورَةِ الْمَسْحِ عَلَى السَّاتِرِ أَيْ وَكَانَ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ وَيَذْكُرُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ: وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ لِيَكْفِيَ مَا ذُكِرَ مُقَدَّمٌ عَنْ مَحَلِّهِ وَحَيْثُ قَدَّمَهُ الشَّارِحُ، فَقَوْلُهُ لِيَكْفِيَ مَا ذُكِرَ أَيْ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ لِيَصِحَّ كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَخْ) لَوْ قَالَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا كَمَا مَرَّ لَكَانَ أَوْلَى بَلْ هُوَ الصَّوَابُ، وَالتَّقْيِيدُ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 مِنْهُ لِلِاسْتِمْسَاكِ، وَيَجِبُ غُسْلُ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَاعْتُبِرَ الْإِتْيَانُ فِيهَا بِأَقْصَى الْمُمْكِنِ (وَيَتَيَمَّمُ) وُجُوبًا لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ كُلُّ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ عَنْ جَابِرٍ فِي الْمَشْجُوجِ الَّذِي احْتَلَمَ وَاغْتَسَلَ فَدَخَلَ الْمَاءُ شَجَّتَهُ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِبَ عَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» وَالتَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الْعُضْوِ الْعَلِيلِ، وَمَسْحُ السَّاتِرِ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ مَا تَحْتَ أَطْرَافِهِ مِنْ الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّاتِرُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ فَقَطْ أَوْ بِأَزْيَدَ وَغَسَلَ الزَّائِدَ كُلَّهُ لَا يَجِبُ الْمَسْحُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِطْلَاقُهُمْ وُجُوبَ الْمَسْحِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ السَّاتِرَ يَأْخُذُ زِيَادَةً عَلَى مَحَلِّ الْعِلَّةِ، وَالْفَصْدُ كَالْجُرْحِ الَّذِي يُخَافُ مِنْ غَسْلِهِ مَا مَرَّ، فَيَتَيَمَّمُ لَهُ إنْ خَافَ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ، وَعِصَابَتُهُ كَاللَّصُوقِ، وَلِمَا بَيْنَ حَبَّاتِ الْجُدَرِيِّ حُكْمُ الْعُضْوِ الْجَرِيحِ إنْ خَافَ مِنْ غَسْلِهِ مَا مَرَّ وَإِذَا ظَهَرَ دَمُ الْفَصَادَةِ مِنْ اللَّصُوقِ وَشَقَّ عَلَيْهِ نَزْعُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ مَسْحُهُ وَيُعْفَى عَنْ هَذَا الدَّمِ الْمُخْتَلِطِ بِالْمَاءِ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ عَلَى دَفْعِ مَفْسَدَةِ الْحَرَامِ كَوُجُوبِ تَنَحْنُحِ مُصَلِّي الْفَرْضِ حَيْثُ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ وَإِذَا تَيَمَّمَ الَّذِي غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْبَاقِي وَأَدَّى فَرِيضَةً لِفَرْضٍ ثَانٍ وَثَالِثٍ وَهَكَذَا، وَلَمْ يُحْدِثْ بَعْدَ طَهَارَتِهِ الْأُولَى لَمْ يُعِدْ الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ غَسْلًا لِمَا غَسَلَهُ، وَلَا مَسْحًا لِمَا مَسَحَهُ، وَالْمُحْدِثُ كَالْجُنُبِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ غَسْلِ مَا بَعْدَ عَلِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَوْ بَطَلَتْ طَهَارَةُ الْعَلِيلِ، وَطَهَارَةُ الْعَلِيلِ بَاقِيَةٌ؛ إذْ يَتَنَفَّلُ بِهَا، وَإِنَّمَا يُعِيدُ التَّيَمُّمَ   [حاشية البجيرمي] لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِعَدَمِ الْإِعَادَةِ كَمَا يَأْتِي ق ل. قَوْلُهُ: (بِأَقْصَى الْمُمْكِنِ) لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الْأَقْصَى، بَلْ هُوَ مُضِرٌّ لِلْمُتَأَمِّلِ؛ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ لَيْسَ مَقُولًا بِالتَّشْكِيكِ. اهـ. ق ل. بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وُجُوبًا) عَائِدٌ لِيَمْسَحَ وَيَغْسِلَ وَيَتَيَمَّمَ بِدَلِيلِ الدَّلِيلِ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِلثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ التَّيَمُّمُ وَالْمَسْحُ وَالْغَسْلُ اهـ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَمْسَحُ) بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا أَيْ أَخَذَتْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا أَمْ لَمْ تَأْخُذْ، مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا أَخَذَتْ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْخِطَابَاتِ الْوَاقِعَةَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الْغَالِبِ، وَالْغَالِبُ الْأَخْذُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (مَا تَحْتَ أَطْرَافِهِ) أَيْ السَّاتِرِ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلُهُ وَمَسَحَ كُلَّ السَّاتِرِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لَا يَجِبُ) الْأَوْلَى لَمْ يَجِبْ لِيُطَابِقَ جَوَابَ لَوْ شَرَطَهَا فِي الْمُضِيِّ. قَوْلُهُ: (وَالْفَصْدُ) أَيْ وَمَحَلُّ الْفَصْدِ. قَوْلُهُ: (وَعِصَابَتُهُ كَاللَّصُوقِ) فَيُقَالُ فِيهَا: يَجِبُ مَسْحُهَا بِالْمَاءِ بَدَلًا عَمَّا أَخَذَتْهُ حَيْثُ كَانَ بِقَدْرِ الِاسْتِمْسَاكِ، وَلَا قَضَاءَ إنْ وُضِعَ عَلَى طُهْرٍ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَلِمَا بَيْنَ) إلَخْ. مَعْلُومٌ أَنَّ مَا بَيْنَ الْحَبَّاتِ صَحِيحٌ، لَكِنْ إذَا خَافَ مِنْ غَسْلِهِ مَحْذُورًا تَيَمَّمَ كَفَى التَّيَمُّمُ عَنْهُ وَعَنْ الْحَبَّاتِ، فَإِنْ وَضَعَ عَلَيْهِ سَاتِرًا مَسَحَهُ بِالْمَاءِ. قَوْلُهُ: (وَلِمَا بَيْنَ) إلَخْ أَيْ وَهُنَاكَ سَاتِرٌ؛ إذْ مَا لَا سَاتِرَ عَلَيْهِ سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (مِنْ اللَّصُوقِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: مِنْ الْعِصَابَةِ. قَوْلُهُ: (نَزَعَهُ) أَيْ اللَّصُوقَ. قَوْلُهُ: (مَسَحَهُ) أَيْ اللَّصُوقَ. قَوْلُهُ: (وَيُعْفَى عَنْ هَذَا الدَّمِ) وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَمِ حَلْقِ الرَّأْسِ إذَا اخْتَلَطَ بِأَجْنَبِيٍّ، وَهُوَ مَاءُ الْحَلْقِ الثَّانِي بِأَنَّ هَذَا مَاءُ طَهَارَةٍ فَاغْتُفِرَ بِخِلَافِ ذَاكَ. قَوْلُهُ: (لِمَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ) وَهُوَ مَسْحُ اللَّصُوقِ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ بَيَانِيَّةٌ وَقَوْلُهُ عَلَى دَفْعِ مَفْسَدَةِ الْحَرَامِ وَهُوَ تَنْجِيسُ الْمَحَلِّ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ خُولِفَ هُنَا احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ مَعَ أَنَّ جِنْسَ الدَّمِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَيَمَّمَ) أَيْ وَمَسَحَ السَّاتِرَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لِفَرْضٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: تَيَمَّمَ الْأَوَّلُ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَرْضٍ آخَرَ وَلَمْ يُحْدِثْ لَمْ يُعِدْ غَسْلًا وَلَا مَسْحًا. قَوْلُهُ: (لَمْ يُعِدْ الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ) كَائِنٌ. قَوْلُهُ: (وَالْمُحْدِثُ إلَخْ) أَيْ ابْتِدَاءً الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ، أَنَّهُ أَحْدَثَ بَعْدَ فِعْلِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، إذْ هَذِهِ الصُّورَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يُحْدِثْ بَعْدَهَا فَتَأَمَّلْ. وَفَصْلُهُ عَنْ الْجُنُبِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا لَعَلَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ كَثِيرًا مَا يُرَاعِي مَتْنَ الْمِنْهَاجِ وَهُوَ يَحْكِي الْخِلَافَ. قَوْلُهُ: (مَا بَعْدَ عَلِيلِهِ) وَكَذَا مَا قَبْلَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَنْهَجِ لِأَنَّهَا شَامِلَةٌ لِلْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَوَهَّمُ وُجُوبَ إعَادَتِهِ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 لِضَعْفِهِ عَنْ أَدَاءِ فَرْضٍ ثَانٍ بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ لُمْعَةً فَإِنَّ طَهَارَةَ ذَلِكَ الْعُضْوِ لَمْ تَحْصُلْ. وَإِذَا امْتَنَعَ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي عُضْوٍ مِنْ مَحَلِّ الطَّهَارَةِ لِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ جُرْحٍ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَاتِرٌ وَجَبَ التَّيَمُّمُ لِئَلَّا يَبْقَى مَوْضِعُ الْعِلَّةِ بِلَا طَهَارَةٍ، فَيُمِرُّ التُّرَابَ مَا أَمْكَنَ عَلَى مَوْضِعِ الْعِلَّةِ إنْ كَانَ بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ، وَيَجِبُ غَسْلُ الصَّحِيحِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: " أَنَّهُ غَسَلَ مَعَاطِفَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ ". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ غَسَلَ مَا أَمْكَنَهُ وَتَوَضَّأَ وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي، وَيَتَلَطَّفُ فِي غَسْلِ الصَّحِيحِ الْمُجَاوِرِ لِلْعَلِيلِ فَيَضَعُ خِرْقَةً   [حاشية البجيرمي] لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي يَدَيْهِ وَتَيَمَّمَ لِفَرْضٍ آخَرَ وَلَمْ يُحْدِثْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يُعِيدُ مَسْحَ الرَّأْسِ وَغَسْلَ الرِّجْلَيْنِ مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يُعِيدُ التَّيَمُّمَ) مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، وَيَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مُتَعَدِّدًا كَمَا إذَا كَانَ فِي وَجْهِهِ جِرَاحَةٌ وَفِي يَدَيْهِ، وَفِي رِجْلَيْهِ وَعَمَّتْ رَأْسُهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْبَعُ تَيَمُّمَاتٍ، فَإِذَا أَرَادَ فَرْضًا آخَرَ تَيَمَّمَ تَيَمُّمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّعَدُّدِ أَوَّلًا مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّرْتِيبُ الْآنَ سَاقِطٌ فَاحْفَظْهُ اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ لُمْعَةً) فَإِنَّهُ يَغْسِلُهَا وَيُعِيدُ غَسْلَ مَا بَعْدَهَا وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ غَسْلِ مَا بَعْدَ عَلِيلِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا امْتَنَعَ وُجُوبُ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ أَوْ نَدْبِهِ، وَإِنْ حَصَلَ بِهِ ضَرَرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَيْفُ يُجَامِعُ جَوَازُ الْمَاءِ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ وُجُوبِ قَوْلِهِ الْآتِي وَجَبَ التَّيَمُّمُ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَإِذَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ إلَخْ أَيْ حَرُمَ فَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ الْوُجُوبِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ ق ل. وَانْظُرْ هَلْ يَحْرُمُ الِاسْتِعْمَالُ عِنْدَ خَوْفِ بُطْءِ الْبُرْءِ الْقِيَاسُ الْحُرْمَةُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِ م ر حَيْثُ قَالَ: وَيَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَحْرِيمَهُ عِنْدَ غَلَبَةِ حُصُولِ الْمَحْذُورِ بِالطَّرِيقِ الشَّامِلِ لِبُطْءِ الْبُرْءِ. اهـ. . قَوْلُهُ: (وَجَبَ التَّيَمُّمُ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْمَنْهَجِ وَجَبَ تَيَمُّمٌ، وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمِنْهَاجِ كَالشَّارِحِ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَعَرَّفَ التَّيَمُّمَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إشَارَةً لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يُمِرُّ التُّرَابَ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالتَّيَمُّمِ إمْرَارَ التُّرَابِ عَلَى الْمَحَلِّ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ) أَيْ مَوْضِعُ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) عِبَارَةُ م ر لِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: احْتَلَمْت فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَشْفَقْت أَيْ خِفْت أَنْ أَغْتَسِلَ فَأَهْلِكَ فَتَيَمَّمْت وَصَلَّيْت بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «يَا عَمْرُو صَلَّيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ فَأَخْبَرْتُهُ الَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الِاغْتِسَالِ وَقُلْت: إنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فَضَحِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا» . اهـ قَالَ حَجّ، قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرٍو: صَلَّيْت صَرِيحٌ فِي تَقْرِيرِهِ عَلَى إمَامَتِهِ، فَإِنْ قِيلَ بِلُزُومِ الْإِعَادَةِ أَشْكَلَ بِأَنَّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ أَوْ بِعَدَمِ لُزُومِهَا أَشْكَلَ بِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لِلْبَرْدِ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ صِحَّةَ صَلَاتِهِ، وَأَمَّا صِحَّةُ صَلَاتِهِمْ خَلْفَهُ فَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ مُحْتَمِلَةٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ حَالَةَ الِاقْتِدَاءِ، فَجَازَ اقْتِدَاؤُهُمْ لِذَلِكَ. وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا، وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ الْعَاصِ يَعْرِفُ الْحُكْمَ، أَيْ أَنَّهُ أَخَّرَ الْأَمْرَ إلَى وُجُودِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ. قَوْلُهُ: (وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) وَكَانَ جُنُبًا وَتَيَمَّمَ لِلْبَرْدِ وَصَلَّى إمَامًا. قَوْلُهُ: (قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ إلَّا بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ أَنَّ هُنَاكَ تَيَمُّمًا أَيْضًا، وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا تَيَمُّمَ أَصْلًا، فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِهِ؟ وَهَذَا تَيَمُّمٌ لِلْبَرْدِ أَيْ وَالْبَرْدُ كَالْمَرَضِ وَالْجُرْحِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَيَتَلَطَّفُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولُ أَيْ يَتَرَفَّقُ. وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي وَيَتَحَامَلُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَلَطَّفُ وُجُوبًا إنْ أَدَّى تَرْكُ التَّلَطُّفِ إلَى دُخُولِ الْمَاءِ إلَى الْجِرَاحَةِ. وَقَدْ أَخْبَرَهُ الطَّبِيبُ بِضَرَرِ الْمَاءِ إذَا وَصَلَ إلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ ع ش. فَإِنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ، وَأَمْكَنَهُ مَسُّ الْمَاءِ بِلَا إفَاضَةٍ وَجَبَ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا مَسْحُهُ بِالْمَاءِ فَلَا يَجِبُ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَسْلِ. وَقَوْلُهُ: وَجَبَ أَيْ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمِسُّهُ مَاءً بِلَا إفَاضَةٍ وَلَا يَكْفِي مَسْحُهُ بِالْمَاءِ، وَمَا قِيلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 مَبْلُولَةً بِقُرْبِهِ، وَيَتَحَامَلُ عَلَيْهَا لِيَغْسِلَ بِالْمُتَقَاطِرِ مِنْهَا مَا حَوَالَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسِيلَ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ اسْتَعَانَ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يَقْضِي وَلَوْ جُرِحَ عُضْوَا الْمُحْدِثِ أَوْ امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِيهِمَا لِغَيْرِ جِرَاحَةٍ فَيَجِبُ تَيَمُّمَانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ اشْتِرَاطُ التَّيَمُّمِ وَقْتَ غَسْلِ الْعَلِيلِ لِتَعَدُّدِ الْعَلِيلِ، وَكُلٌّ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدَةٍ كَعُضْوٍ، فَإِنْ كَانَ فِي أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَةِ جِرَاحَةٌ، وَلَمْ تَعُمَّهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِ تَيَمُّمَاتٍ: الْأَوَّلُ لِلْوَجْهِ، وَالثَّانِي لِلْيَدَيْنِ، وَالثَّالِثُ لِلرِّجْلَيْنِ، وَالرَّأْسُ يَكْفِي فِيهِ مَسْحُ مَا قَلَّ مِنْهُ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ عَمَّتْ الرَّأْسَ فَأَرْبَعَةٌ وَإِنْ عَمَّتْ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا فَتَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْ الْجَمِيعِ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِسُقُوطِ الْغُسْلِ (وَيُصَلِّي) صَاحِبُ الْجَبِيرَةِ إذَا مَسَحَ عَلَيْهَا وَغَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ (وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ وَضَعَهَا عَلَى طُهْرٍ) لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْمَسْحِ عَلَى   [حاشية البجيرمي] إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: مَسْحُهُ بِمَاءٍ فَهُوَ خَطَأٌ وَتَحْرِيفٌ فِي عِبَارَةِ الْإِمَامِ السَّابِقَةِ، وَفَارَقَ الِاكْتِفَاءَ بِمَسْحِ الْجَبِيرَةِ عَنْهُ لِأَنَّ مَسْحَهَا بَدَلٌ عَنْ غَسْلِهِ وَمَا هُنَا أَصْلٌ، وَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ أَقْوَى. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيْ غَسْلُ الصَّحِيحِ وَلَا يَجِبُ نَزْعُ سَاتِرٍ خَفِيفٍ مِنْ نَزَعَهُ، وَإِلَّا وَجَبَ النَّزْعُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ جُرِحَ عُضْوَا الْمُحْدِثِ) بِالتَّثْنِيَةِ أَصْلُهُ عُضْوَانِ لِلْمُحْدِثِ حُذِفَتْ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ وَاللَّامُ لِلتَّخْفِيفِ، وَالْأَلْفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالْأَلِفِ الْمَحْذُوفَةِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ عَلَى النِّيَابَةِ عَنْ الْفَاعِلِ لِجُرِحَ أَيْ: مَا تَقَدَّمَ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ وَهُنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ فِي عُضْوَيْنِ. قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) أَيْ فِي بَعْضِهِمَا لَا فِي كُلِّهِمَا، وَإِلَّا وَجَبَ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ تَيَمُّمَانِ) هَذَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ عَمَّتِهِمَا، وَكَانَا غَيْرَ مُتَوَالِيَيْنِ كَالْوَجْهِ وَالرِّجْلِ، أَمَّا إذَا عَمَّتْهُمَا وَكَانَا مُتَوَالِيَيْنِ فَيَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (لِتَعَدُّدِ الْعَلِيلِ) كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ، وَكَذَا لَوْ عَمَّتْ الْوَجْهَ وَبَعْضَ الْيَدَيْنِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ مَتَى وَجَبَ التَّرْتِيبُ تَعَدَّدَ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَكُلٌّ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إلَخْ) فَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ تَيَمَّمَ عَنْ الْوَجْهِ قَبْلَ الِانْتِقَالِ إلَى يَدَيْهِ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ يَدَيْهِ قَبْلَ الِانْتِقَالِ لِمَسْحِ الرَّأْسِ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدَةٍ إلَخْ) . فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَغَسَلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ أَوَّلًا جَازَ تُوَالِي تَيَمُّمِهِمَا فَلِمَ لَا يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ كَمَنْ عَمَّتْ الْجِرَاحَةُ أَعْضَاءَهُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ التَّيَمُّمَ هُنَا فِي طُهْرٍ تَحَتَّمَ فِيهِ التَّرْتِيبُ فَلَوْ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ حَصَلَ تَطْهِيرُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ عَنْ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِسُقُوطِ الْغَسْلِ ز ي وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَأَرْبَعَةٌ) وَلَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ نِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَكْرِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ فَأَرْبَعَةٌ أَيْ فِي الطَّهَارَةِ الْأُولَى، فَلَوْ صَلَّى فَرْضًا، وَلَمْ يُحْدِثْ، وَأَرَادَ آخَرَ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِسُقُوطِ الْغَسْلِ) أَيْ وَغَسَلَ الصَّحِيحَ، فَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرُ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَ مَحَالُّ الْعِلَّةِ وَتَعَدَّدَتْ الْجَبَائِرُ؛ إذْ لَا تَرْتِيبَ فِي طُهْرِهِ سم. حَادِثَةٌ: تَقَعُ كَثِيرًا تَتَعَلَّقُ بِالْحِمَّصَةِ الَّتِي تُوضَعُ فِي الذِّرَاعِ مَثَلًا بَعْدَ الْكَيِّ. وَحُكْمُهَا: أَنَّهُ إنْ قَامَ غَيْرُهَا مَقَامَهَا فِي مُدَاوَاةِ الْجُرْحِ لَمْ يُعْفَ عَنْهَا، فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ غَيْرُهَا مَقَامَهَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ مَعَهَا، وَلَا يَضُرُّ انْتِفَاخُهَا فِي الْمَحَلِّ مَا دَامَتْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَيْهَا، وَبَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ يَجِبُ نَزْعُهَا، فَإِنْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ ضَرَّ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ. اهـ. ع ش فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ وَضْعُهَا عَلَى طُهْرٍ) أَيْ كَامِلٍ مِنْ الْحَدَثَيْنِ كَالْخُفِّ لَا طُهْرِ الْعُضْوِ وَحْدَهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ عَلَى طُهْرٍ أَيْ: وَلَمْ يَسْهُلْ نَزْعُهَا وَكَانَتْ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ، وَلَمْ تَأْخُذْ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الِاسْتِمْسَاكِ، فَعَدَمُ الْإِعَادَةِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ أَرْبَعَةٍ. فَإِنْ وُضِعَتْ عَلَى حَدَثٍ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ: مَا إذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ وَلَمْ تَأْخُذْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْجَبِيرَةَ إنْ كَانَتْ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ لَمْ تَأْخُذْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا فَلَا إعَادَةَ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَخَذَتْ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الِاسْتِمْسَاكِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَخَذَتْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 الْخُفِّ لِلضَّرُورَةِ هُنَا، هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْجَبِيرَةُ عَلَى مَحَلِّ التَّيَمُّمِ، وَإِلَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: بِلَا خِلَافٍ لِنُقْصَانِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ جَمِيعًا، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ كَالرَّافِعِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَالَ: وَإِطْلَاقُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ انْتَهَى. وَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَوْجَهُ لِمَا ذُكِرَ وَإِنْ وَضَعَهَا عَلَى حَدَثٍ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ أَوْ فِي غَيْرِهَا مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ وَجَبَ نَزْعُهَا إنْ أَمْكَنَ بِلَا ضَرَرٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ عَلَى سَاتِرٍ، فَاشْتَرَطَ فِيهِ الْوَضْعَ عَلَى طُهْرٍ كَالْخُفِّ، فَإِنْ تَعَذَّرَ نَزْعُهُ وَمَسَحَ وَصَلَّى قَضَى لِفَوَاتِ شَرْطِ الْوَضْعِ عَلَى طَهَارَةٍ فَانْتَفَى نَهْجُهُ حِينَئِذٍ بِالْخُفِّ وَكَذَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إنْ أَمْكَنَهُ النَّزْعُ وَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ وَضَعَهَا عَلَى طُهْرٍ. وَلَوْ تَيَمَّمَ عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ ثُمَّ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ انْتَقَضَ طُهْرُهُ الْأَصْغَرُ لَا الْأَكْبَرُ، كَمَا لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ غُسْلِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ، وَيَسْتَمِرُّ تَيَمُّمُهُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ بِلَا مَانِعٍ، فَلَوْ وَجَدَ خَابِيَةَ مَاءٍ مُسَبَّلٍ تَيَمَّمَ، وَلَا يَجُوزُ الطُّهْرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا وُضِعَتْ لِشُرْبٍ نَظَرًا لِلْغَالِبِ وَلَمْ يَقْضِ صَلَاتَهُ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَاءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعَطَشٍ وَصَلَّى بِهِ وَلَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ أَوْ أَضَلَّهُ فِيهِ فَلَمْ يَجِدْهُ بَعْدَ إمْعَانِ الطَّلَبِ   [حاشية البجيرمي] لِلِاسْتِمْسَاكِ فَإِنْ وَضَعَهَا عَلَى طُهْرٍ، وَلَمْ يَسْهُلْ نَزْعُهَا فَلَا قَضَاءَ، وَإِلَّا بِأَنْ وَضَعَهَا عَلَى حَدَثٍ أَوْ سَهُلَ النَّزْعُ وَجَبَ الْقَضَاءُ اهـ شَوْبَرِيٌّ. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: فَلَا تَعْدُو السِّتْرَ قَدْرَ الْعِلَّةِ ... أَوْ قَدْرَ الِاسْتِمْسَاكِ فِي الطَّهَارَةِ وَإِنْ يَزِدْ عَنْ قَدْرٍ فَأَعِدْ ... أَوْ مُطْلَقًا وَهُوَ بِوَجْهِ أَوْ يَدِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ. لِأَنَّهُ أَيْ عَدَمَ الْإِعَادَةِ أَوْلَى إلَخْ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَحَلِّ التَّيَمُّمِ) أَيْ فِي الْوَجْهِ أَوْ الْيَدَيْنِ. قَوْلُهُ: (لِنُقْصَانِ الْبَدَلِ) وَهُوَ التَّيَمُّمُ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَمُرُّ عَلَى جَمِيعِ الْعُضْوِ لِوُجُودِ السَّاتِرِ الْمَانِعِ مِنْ وُصُولِهِ: وَقَوْلُهُ: (وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ) أَيْ: وَهُوَ الطُّهْرُ بِالْمَاءِ. قَوْلُهُ: (يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ) أَيْ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ بَيْنَ كَوْنِ الْجَبِيرَةِ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ أَوْ فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ ضَعِيفٌ. وَالْمُعْتَمَدُ التَّفْصِيلُ فَقَوْلُهُ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَوْجَهُ مُعْتَمَدٌ. وَقَوْلُهُ: (لِمَا ذُكِرَ) أَيْ لِنَقْصِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَضَعَهَا عَلَى حَدَثٍ إلَخْ) مَفْهُومُ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ) لَوْ قَالَ مِنْ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ أَوْ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَجَبَ نَزْعُهَا إلَخْ) أَيْ إنْ أَخَذَتْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا أَوْ كَانَتْ بِأَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ، وَإِنْ لَمْ تَأْخُذْ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ الْمَعْلُومَ مِنْ الْمَقَامِ، قَوْلُهُ: (لِفَوَاتِ شَرْطِ الْوَضْعِ) بِالْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ أَيْ: شَرْطٌ هُوَ الْوَضْعُ م د. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِلْبَيَانِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ الْبَيَانِيَّةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ كَخَاتَمِ حَدِيدٍ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إنْ أَمْكَنَهُ النَّزْعُ) أَيْ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْمَسْحِ أَيْ؛ لِأَنَّ وَاجِبَهُ الْغَسْلُ وَحِينَئِذٍ فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَفِي تَسْمِيَتِهِ قَضَاءً تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَصِحَّ حِينَئِذٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَالَ م د. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ صِحَّةُ التَّيَمُّمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَعَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ وَجَبَ الْقَضَاءُ لِفَسَادِ تَيَمُّمِهِ حَيْثُ وَجَبَ النَّزْعُ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ وَضْعُهَا عَلَى طُهْرٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَهَا عَلَى حَدَثٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ أَيْضًا بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (نَظَرًا لِلْغَالِبِ) عُلِمَ مِنْهُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ فِي الْمَنْعِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْقِيقِ كَوْنِهِ لِلشُّرْبِ. قَالَ م ر: وَأَمَّا الصَّهَارِيجُ الْمُسَبَّلَةُ لِلشُّرْبِ، فَالْوُضُوءُ مِنْهَا حَرَامٌ لِقَصْرِ الْوَاقِفِ لَهَا عَلَى الشُّرْبِ، أَوْ لِلِانْتِفَاعِ فَيَجُوزُ مِنْهَا الْوُضُوءُ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ شَكَّ فِيهَا اجْتَنَبَ الْوُضُوءَ مِنْهَا قَالَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْخَابِيَةِ وَالصِّهْرِيجِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ فِي الْخَوَابِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الشُّرْبِ بِخِلَافِ الصَّهَارِيجِ، وَالْأَوْجَهُ تَحْكِيمُ الْعُرْفِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَالِ. قَوْلُهُ: (وَصَلَّى بِهِ) أَيْ بِتَيَمُّمِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَسِيَ الْمَاءَ إلَخْ) الْمَاءُ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهُ إضْلَالُ ثَمَنِ الْمَاءِ وَنِسْيَانُ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ وَإِضْلَالُهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا الشَّارِحُ عَدَمَ الْإِعَادَةِ مُتَمِّمَةٌ، وَمُنَاسِبَةٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ فِي الْجَبِيرَةِ وَلَا إعَادَةَ وَمَا فِيهِ الْإِعَادَةُ فَهُوَ اسْتِطْرَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَضَلَّهُ فِيهِ) أَيْ تَسَبَّبَ فِي ضَيَاعِهِ فِيهِ، وَفِي الْمُخْتَارِ وَأَضَلَّهُ أَضَاعَهُ وَأَهْلَكَهُ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَضْلَلْت بَعِيرِي إذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وَتَيَمَّمَ فِي الْحَالَيْنِ وَصَلَّى، ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي النِّسْيَانِ، وَوَجَدَهُ فِي الْإِضْلَالِ قَضَى لِأَنَّهُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَاجِدٌ لِلْمَاءِ، لَكِنَّهُ قَصَرَ فِي الْوُقُوفِ عَلَيْهِ فَيَقْضِي كَمَا لَوْ نَسِيَ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ عُذْرٌ نَادِرٌ لَا يَدُومُ، وَلَوْ أَضَلَّ رَحْلَهُ فِي رِحَالٍ بِسَبَبِ ظُلْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَتَيَمَّمَ، وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ، وَفِيهِ الْمَاءُ، فَإِنْ لَمْ يُمْعِنْ فِي الطَّلَبِ قَضَى لِتَقْصِيرِهِ، وَإِنْ أَمْعَنَ فِيهِ فَلَا قَضَاءَ؛ إذْ لَا مَاءَ مَعَهُ حَالَ التَّيَمُّمِ وَفَارَقَ إضْلَالَهُ فِي رَحْلِهِ بِأَنْ مُخَيَّمَ الرُّفْقَةِ أَوْسَعُ مِنْ مُخَيَّمِهِ فَلَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا، وَلَوْ أَدْرَجَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِبِئْرٍ خَفِيَّةٍ هُنَاكَ، فَلَا إعَادَةَ. وَلَوْ تَيَمَّمَ لِإِضْلَالِهِ عَنْ الْقَافِلَةِ أَوْ عَنْ الْمَاءِ أَوْ لِغَصْبِ مَائِهِ فَلَا إعَادَةَ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ . فُرُوعٌ: لَوْ أَتْلَفَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ لِغَرَضٍ كَتَبَرُّدِ وَتَنَظُّفِ وَتَحَيُّرِ مُجْتَهِدٍ لَمْ يَعْصِ لِلْعُذْرِ، أَوْ أَتْلَفَهُ عَبَثًا فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ عَصَى لِتَفْرِيطِهِ بِإِتْلَافِهِ مَاءً تَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إذَا تَيَمَّمَ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ، وَهُوَ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ، أَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا يَعْصِي مِنْ حَيْثُ إتْلَافُ مَاءِ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ يَعْصِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِلَا غَرَضٍ، وَلَا   [حاشية البجيرمي] ذَهَبَ مِنْك، وَضَلَلْت الْمَسْجِدَ وَالدَّارَ إذَا لَمْ تَعْرِفْ مَوْضِعَهُمَا، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ مُقِيمٍ لَا يُهْتَدَى لَهُ، فَعَلَى هَذَا يُقْرَأُ رَحْلُهُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ مَا لَوْ أَضَلَّ رَحْلَهُ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ إمَّعَانِ الطَّلَبِ) فَيَقْضِي إذَا لَمْ يُمْعِنْ فِي الطَّلَبِ بِالْأَوْلَى ق ل. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ قَصْرٌ فِي الْوُقُوفِ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أُدْرِجَ لَهُ مَاءٌ فِي رَحْلِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ أَوْ وَرِثَهُ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إذَا تَيَمَّمَ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا مَعَهُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ شَيْخُنَا. وَقَوْلُهُ: لَكِنَّهُ قَصَّرَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِوُجُودِ الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا مَعَهُ. وَنِسْبَتُهُ فِي إهْمَالِهِ حَتَّى نَسِيَهُ أَوْ أَضَلَّهُ إلَى تَقْصِيرِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ حُكْمًا) أَيْ فِيمَا إذَا نَسِيَ ثَمَنَهُ أَوْ آلَتَهُ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ نَسِيَ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ) أَيْ فَصَلَّى عُرْيَانًا ثُمَّ تَذَكَّرَهَا وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ حَدِيثِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» كَمَا اسْتَثْنَى مِنْهُ غَرَامَةَ الْمُتْلَفِ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَفِي الثَّانِيَةِ) أَيْ وَالشَّخْصُ فِي الثَّانِيَةِ عُذْرٌ نَادِرٌ أَيْ ذُو عُذْرٍ نَادِرٍ، وَالْعُذْرُ النَّادِرُ إذَا وَقَعَ لَا يَدُومُ. وَحِينَئِذٍ تَجِبُ الْإِعَادَةُ بِخِلَافِ الْعُذْرِ الْعَامِّ إذَا وَقَعَ دَامَ فَلَا إعَادَةَ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ مُخَيَّمَ الرُّفْقَةِ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمُخَيَّمُ الرُّفْقَةِ أَيْ خِيَامُهُمْ، وَالْخِيَامُ لَيْسَ قَيْدًا لِأَنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ، وَفِيهِ أَنَّ مُخَيَّمَ بِمَعْنَى الْخِيَامِ لَمْ نَجِدْهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَلَا فِي الْمُخْتَارِ وَلَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (أَوْسَعَ مِنْ مُخَيَّمِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ اتَّسَعَ مُخَيَّمُهُ كَمَا فِي مُخَيَّمِ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ كَانَ كَمُخَيَّمِ الرُّفْقَةِ أَيْ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الِاتِّسَاعِ وَعَدَمِهِ الِاتِّسَاعُ بِالْفِعْلِ لَا الشَّأْنِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (لِإِضْلَالِهِ) بِأَنْ تَاهَ عَنْهَا. قَوْلُهُ: (وَفُرُوعٌ) هِيَ خَمْسَةٌ: الْأَوَّلُ: إتْلَافُ الْمَاءِ. الثَّانِي: التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ. الثَّالِثُ: مُرُورُهُ بِهِ الرَّابِعُ: تَعَارُضُ حَاجَةِ الْعَطْشَانِ وَحَاجَةِ الْمَيِّتِ، وَالْمَاءُ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ. الْخَامِسُ: الْإِيصَاءُ، وَهَذِهِ الْفُرُوعُ مُنَاسِبَةٌ لِكَلَامِ الشَّارِحِ وَالْمَاتِنِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ جِهَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْإِعَادَةِ تَارَةً وَعَدَمِ الْإِعَادَةِ تَارَةً أُخْرَى. قَوْلُهُ: (لَوْ أَتْلَفَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ) هَذَا هُوَ الْفَرْعُ الْأَوَّلُ وَصُوَرُهُ سِتَّةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُتْلِفَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِغَرَضٍ أَوْ لَا بِأَنْ كَانَ عَبَثًا وَلَا إعَادَةَ فِي الصُّوَرِ السِّتَّةِ وَيَعْصِي فِي ثَلَاثٍ مِنْهَا، وَهِيَ مَا إذَا أَتْلَفَهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ عَبَثًا. قَوْلُهُ: (فِي الْوَقْتِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْوَقْتِ كَمَا فِي م ر. وَقَوْلُهُ لِغَرَضٍ أَيْ دُنْيَوِيٍّ أَوْ دِينِيٍّ، وَمِثْلُ الْأَوَّلِ بِمِثَالَيْنِ وَهُمَا التَّبَرُّدُ وَالتَّنَظُّفُ، وَمِثْلُ الثَّانِي بِمِثَالٍ وَاحِدٍ وَهُوَ تَحَيُّرُ الْمُجْتَهِدِ أَيْ بِأَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَاءَانِ طَهُورُهُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَتَحَيُّرِ مُجْتَهِدٍ) أَيْ فِي الْمَاءِ فَلَمْ يَدْرِ الطَّهُورَ مِنْ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَ الْمَاءَيْنِ لِصِحَّةِ تَيَمُّمِهِ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ وُجُودِ مَاءٍ مَعَهُ. قَوْلُهُ: (لِلْعُذْرِ) وَيُصَوَّرُ بِمَا إذَا كَانَ عَدَمُ التَّبَرُّدِ وَالتَّنَظُّفِ يَضُرُّهُ فَيُقَدِّمُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا، وَهُوَ التَّيَمُّمُ تَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ عَبَثًا أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ مَتَى كَانَ عَبَثًا عَصَى سَوَاءٌ كَانَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ، فَقَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْوَقْتِ الْوَاقِعِ بَعْدَ قَوْلِهِ عَبَثًا، وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ الْوَقْتُ الْأَدَائِيُّ كَمَا يُعْلَمُ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِهِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 إعَادَةٍ أَيْضًا لِمَا مَرَّ. وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ فِي الْوَقْتِ بِلَا حَاجَةٍ لَهُ وَلَا لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْمُتَّهِبِ كَعَطَشٍ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا لِتَعَيُّنِهِ لِلطُّهْرِ، وَبِهَذَا فَارَقَ صِحَّةَ هِبَةِ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ، أَوْ دُيُونٌ فَوَهَبَ مَا يَمْلِكُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِرْدَادِهِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَقَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ الَّتِي فَوَّتَ الْمَاءَ فِي وَقْتِهَا لِتَقْصِيرِهِ دُونَ مَا سِوَاهَا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْمَاءَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا. وَلَا يَقْضِي تِلْكَ الصَّلَاةَ بِتَيَمُّمٍ فِي الْوَقْتِ بَلْ يُؤَخِّرُ الْقَضَاءَ إلَى وُجُودِ الْمَاءِ أَوْ حَالَةٍ يَسْقُطُ الْفَرْضُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَاءَ فِي يَدِ الْمُتَّهِبِ أَوْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، لِمَا سَلَفَ وَيَضْمَنُ الْمَاءَ الْمُشْتَرِي دُونَ الْمُتَّهِبِ؛ لِأَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ   [حاشية البجيرمي] أَيْ لَا لِغَرَضٍ أَصْلًا بَلْ عَبَثًا، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ عَبَثًا فِي الْوَقْتِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا لِغَرَضٍ قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ يَعْصِي إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ وَهُوَ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَاعَهُ إلَخْ) . حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا مَحْذُورَ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ بَعْدَ الْوَقْتِ لِاحْتِيَاجٍ، فَكَذَلِكَ، أَوْ بِلَا احْتِيَاجٍ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَلَا تَيَمُّمُهُ مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى اسْتِرْدَادِهِ وَهُوَ بَاقٍ، فَإِنْ تَلِفَ وَتَيَمَّمَ بَعْدَ تَلَفِهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ وَلَا قَضَاءَ، وَإِنْ عَجَزَ صَحَّ تَيَمُّمُهُ وَقَضَى الصَّلَاةَ الَّتِي فَوَّتَهُ أَيْ الْمَاءَ فِي وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ تَفْوِيتٌ لَهُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ مَاءٍ مَثَلًا يَحْتَاجُ مِنْهَا لِلطَّهَارَةِ قَدْرَ رِطْلَيْنِ فَقَطْ بَاعَ الْخَمْسَةَ هَلْ يَأْتِي فِيهِ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فَيَصِحُّ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَيَبْطُلُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، أَوْ لَا يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ بِالثَّانِي نَظَرًا إلَى أَنَّ مَاءَ الطَّهَارَةِ لَا يَنْضَبِطُ. وَقَالَ شَيْخُنَا بِالْأَوَّلِ لِأَنَّ مَاءَ الطَّهَارَةِ مُنْضَبِطٌ اج م د. قَوْلُهُ: (كَعَطَشٍ) مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ الْحَاجَةُ. قَوْلُهُ: (عَنْ تَسْلِيمِهِ) فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الصِّحَّةِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الشَّارِحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَنَى هَذِهِ الْعِلَّةَ عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ عَجَزَ فِيهِ عَنْ التَّسْلِيمِ يَكُونُ مَعْجُوزًا عَنْ تَسْلِيمِهِ، وَالْعَجْزُ هُنَا شَرْعِيٌّ لَا حِسِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهِ التَّسْلِيمَ حِسًّا. قَوْلُهُ: (وَبِهَذَا) أَيْ بِتَعَيُّنِهِ لِلطُّهْرِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ لَا يَتَعَيَّنُ لَهَا أَعْيَانُ مَالِهِ، وَالدُّيُونُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ بَلْ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَمِ اهـ. أَقُولُ: لَعَلَّ هَذَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، أَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَتَعَلَّقُ بِهَا أَيْ بِالْأَعْيَانِ لِيُلَائِمَ قَوْلَهُمْ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ كَمَرْهُونٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَارَقَ) أَيْ عَدَمَ الصِّحَّةِ هُنَا. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، وَلَا هِبَتُهُ فَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ) هَذَا صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ الَّتِي فَوَّتَهُ فِي وَقْتِهَا وَمَا بَعْدَهَا كَمَا هُوَ صَرِيحُ عَدَمِ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ وَوُجُوبِ الِاسْتِرْدَادِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكْفِيَ لِوُضُوءِ وَاحِدٍ فَقَطْ أَوْ أَكْثَرَ، وَوُجُودُهُ مَعَهُ عِنْدَ كُلِّ تَيَمُّمٍ سم. قَوْلُهُ: (مَا قَدَرَ عَلَيْهِ) وَكَانَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ، فَإِنْ كَانَ بِحَدٍّ الْبُعْدِ صَحَّ التَّيَمُّمُ وَلَا قَضَاءَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِرْدَادِهِ) وَالْحَالُ أَنَّهُ بَاقٍ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ أَتْلَفَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا) أَيْ وَقْتِ مَا سِوَاهَا كَأَنْ بَاعَهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مَثَلًا وَعَجَزَ عَنْ اسْتِرْدَادِهِ فِي عَشَرَةِ أَوْقَاتٍ مَثَلًا بَعْدَ هَذَا الظُّهْرِ الَّذِي بَاعَهُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِهَذَا الظُّهْرِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ لِإِتْلَافِهِ الْمَاءَ الَّذِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الطُّهْرُ بِهِ، أَمَّا الْعَصْرُ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْ الْمَغْرِبُ مَثَلًا فَيَتَيَمَّمُ، وَلَا يَقْضِيهَا مَا دَامَ عَاجِزًا عَنْ الِاسْتِرْدَادِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْضِي تِلْكَ الصَّلَاةَ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَا يُؤَدِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ إلَخْ. لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ خَارِجَ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُؤَدِّيهَا فِي الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْقَضَاءِ مَعْنَاهُ عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ، وَهُوَ الْأَدَاءُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَاءَ إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَيْدٍ مَلْحُوظٍ عِنْدَ قَوْلِهِ قَبْلُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ. تَقْدِيرُ هَذَا إذَا كَانَ بَاقِيًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَلَوْ أَتْلَفَ إلَخْ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ، وَوُجِدَ التَّعْبِيرُ بِهَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهِيَ أَظْهَرُ، أَوْ كَانَ يَقُولُ أَمَّا لَوْ أَتْلَفَ الْمَاءَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَاءَ) أَيْ الْبَائِعُ أَوْ الْوَاهِبُ بِدَلِيلِ قَوْلِ ق ل. وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ وَلِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ: ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّى. اهـ. م د. لَكِنْ هَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَيَضْمَنُ الْمَاءَ، إذْ لَا مَعْنَى لِضَمَانِ الْمُشْتَرِي لِلْمَاءِ حَيْثُ كَانَ الْمُتْلِفُ هُوَ الْبَائِعَ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ، وَيَكُونُ الْمُتْلِفُ غَيْرَ الْبَائِعِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: (لِمَا سَلَفَ) أَيْ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ، وَهُوَ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ. قَوْلُهُ: (وَيَضْمَنُ الْمَاءَ الْمُشْتَرِي) أَيْ ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ يَضْمَنُ ضَمَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وَلَوْ مَرَّ بِمَاءٍ فِي الْوَقْتِ وَبَعُدَ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ عَطِشُوا، وَلِمَيِّتٍ مَاءٌ شَرِبُوهُ وَيَمَّمُوهُ وَضَمِنُوهُ لِلْوَارِثِ بِقِيمَتِهِ لَا بِمِثْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِثْلِيًّا إذَا كَانُوا بِبَرِّيَّةٍ لِلْمَاءِ فِيهَا قِيمَةٌ، ثُمَّ رَجَعُوا إلَى وَطَنِهِمْ وَلَا قِيمَةَ لَهُ فِيهِ، وَأَرَادَ الْوَارِثُ تَغْرِيمَهُمْ؛ إذْ لَوْ رَدُّوا الْمَاءَ لَكَانَ إسْقَاطًا لِلضَّمَانِ، فَإِنْ فَرَضَ الْغُرْمَ بِمَكَانِ الشُّرْبِ أَوْ بِمَكَانٍ آخَرَ لِلْمَاءِ فِيهِ قِيمَةٌ وَلَوْ دُونَ قِيمَتِهِ بِمَكَانِ الْمَشْرَبِ وَزَمَانِهِ غَرِمَ مِثْلَهُ كَسَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ وَلَوْ أَوْصَى بِصَرْفِ مَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْعَطْشَانِ الْمُحْتَرَمِ حِفْظًا لِمُهْجَتِهِ ثُمَّ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ، فَإِنْ مَاتَ اثْنَانِ وَوُجِدَ الْمَاءُ قَبْلَ مَوْتِهِمَا قُدِّمَ الْأَوَّلُ لِسَبْقِهِ فَإِنْ مَاتَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ أَوْ وُجِدَ الْمَاءُ بَعْدَهُمَا قُدِّمَ الْأَفْضَلُ لِأَقَلِّيَّتِهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الرَّحْمَةِ لَا بِالْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْوَارِثِ لَهُ كَالْكَفَنِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِ ثُمَّ الْمُتَنَجِّسِ؛ لِأَنَّ طُهْرَهُ لَا بَدَلَ لَهُ ثُمَّ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِعَدَمِ خُلُوِّهِمَا عَنْ النَّجَسِ غَالِبًا وَلِغِلَظِ حَدَثِهِمَا، فَإِنْ اجْتَمَعَا   [حاشية البجيرمي] الْمَغْصُوبِ أَيْ بِأَقْصَى الْمُقِيمِ فِي الْمُتَقَوِّمِ، وَبِالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ، فَيَضْمَنُهُ هُنَا بِالْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِثْلِيٌّ، وَمَحَلُّ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْمُتْلِفُ غَيْرَ الْبَائِعِ، وَإِلَّا صَارَ آخِذًا لِحَقِّهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَرَّ بِمَاءٍ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَاءٍ. هَذَا هُوَ الْفَرْعُ الثَّالِثُ. قَوْلُهُ: (وَبَعُدَ عَنْهُ) بِأَنْ صَارَ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ، وَهُوَ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ؛ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَيَطْلُبَ الْمَاءَ مِنْ الْمَحَلِّ الْبَعِيدِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَطِشُوا) بِكَسْرِ الطَّاءِ، وَالْجَمْعُ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (لَا بِمِثْلِهِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ الْغُرْمُ بِمَحَلٍّ لَا قِيمَةَ لِلْمَاءِ فِيهِ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ بِمَحَلِّ الشُّرْبِ أَوْ بِمَحَلٍّ لَهُ فِيهِ قِيمَةٌ وَجَبَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ. اهـ. ق ل. أَيْ: لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ إلَى مَحَلِّ التَّلَفِ كَأَرْضِ الْحِجَازِ مَئُونَةٌ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ بِمَحَلِّ التَّلَفِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر فِي بَابِ الْغَصْبِ، وَخَرَجَ بِعَطَشِهِمْ مَا لَوْ احْتَاجُوا لِلطَّهَارَةِ، وَلَوْ لِلصَّلَاةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَيِّتِ فَالْمَيِّتُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ كِفَايَتِهِ شَيْءٌ وَجَبَ حِفْظُهُ لِلْوَارِثِ وَيَتَيَمَّمُونَ، فَإِنْ تَطَهَّرُوا بِهِ أَثِمُوا وَضَمِنُوهُ لِلْوَارِثِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ مِثْلِيًّا) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ، فَالْوَاوُ لِلْحَالِ، وَلَوْ وَصِيَّةً. قَوْلُهُ: (بِبَرِّيَّةٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الثَّانِيَةِ نِسْبَةً إلَى الْبَرِّ، وَهُوَ مَا قَابَلَ الْبَحْرَ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَجَعُوا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَانُوا بِبَرِيَّةٍ. وَقَوْلُهُ: إذْ لَوْ رَدُّوا الْمَاءَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: لَا بِمِثْلِهِ أَوْ لِقَوْلِهِ: ضَمِنُوهُ بِقِيمَتِهِ. قَوْلُهُ: (إلَى وَطَنِهِمْ) لَيْسَ قَيْدًا، فَالْمُرَادُ رَجَعُوا إلَى مَحَلٍّ لَا قِيمَةَ لِلْمَاءِ قِيهِ. قَوْلُهُ: (غَرِمَ) أَيْ الشَّارِبُ، وَالْمُنَاسِبُ غَرِمُوا. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مَئُونَةٌ، وَإِلَّا غَرِمَ الْقِيمَةَ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْصَى إلَخْ) هَذَا خَامِسُ الْفُرُوعِ، وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ مَا فِيهِ بِقَوْلِهِ: أَوْصِ لِأَوْلَى النَّاسِ بِالْمَا ... قَدَّمَا عَطْشَانَ ثُمَّ مَيِّتٍ قَدْ عُلِمَا يَلِيهِ ذُو نَجَاسَةٍ فَالنُّفَسَا ... فَحَائِضٌ فَجُنُبٌ لَا تَنْسَى فَمُحْدِثٌ فَإِنْ كَفَى هَذَا فَقَطْ ... قَدِّمْ عَلَى السِّوَى حُفِظْت مِنْ غَلَطِ وَقَوْلُهُ: (بِصَرْفٍ) أَيْ دَفْعٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْغُسْلَ. وَعِبَارَةُ م ر ثُمَّ مَيِّتٌ، وَإِنْ احْتَاجَهُ الْحَيُّ لِطُهْرِهِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ إمَامًا أَوْ تَعَيَّنَتْ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ، كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، إذْ غُسْلُ الْمَيِّتِ مُتَأَكِّدٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَدَارُكِهِ مَعَ كَوْنِهِ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ تَدَارُكِهَا عَلَى قَبْرِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ. فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ ذَلِكَ إلَخْ جُزْءُ الْعِلَّةِ. وَقَوْلُهُ: (مُتَأَكِّدٌ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِغُسْلِ الْحَيِّ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ وَاجِبٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَاتَ اثْنَانِ) أَيْ مُرَتَّبًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بِغَلَبَةِ الظَّنِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: الْأَفْضَلُ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِأَفْضَلِيَّتِهِ. وَقَوْلُهُ: لَا بِالْحُرِّيَّةِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: بِغَلَبَةِ الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ. وَقَوْلُهُ: (وَنَحْوُ ذَلِكَ) أَيْ كَالسِّنِّ وَالذُّكُورَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ فِي الشَّرَفِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْوَارِثِ) أَيْ لَفْظًا، وَأَمَّا قَبُولُهُ مَعْنًى، وَهُوَ عَدَمُ الرَّدِّ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْمُتَنَجِّسُ بَعْدَ الْمَيِّتِ) أَيْ سَوَاءٌ ذُو النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ إذْ مَانِعُ النَّجَاسَةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ تَقْدِيمِ نَحْوِ حَائِضٍ عَلَى جُنُبٍ إذْ مَانِعُ الْحَيْضِ زَائِدٌ عَلَى مَانِعِ الْجَنَابَةِ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اجْتَمَعَا) أَيْ الْحَائِضُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 قُدِّمَ أَفْضَلُهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الْجُنُبُ؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِ الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ، نَعَمْ إنْ كَفَى الْمُحْدِثَ دُونَهُ فَالْمُحْدِثُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ بِكَمَالِهِ دُونَ الْجُنُبِ. (وَيَتَيَمَّمُ) الْمَعْذُورُ وُجُوبًا (لِكُلِّ فَرِيضَةٍ) فَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ لِكُلِّ فَرْضٍ قَوْله تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] وَالتَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْهُ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ» ، فَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ " وَلِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَمِثْلُ فَرْضِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ فَرْضُ الطَّوَافِ، وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ، فَيَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ بَيْنَ طَوَافَيْنِ مَفْرُوضَيْنِ، وَبَيْنَ طَوَافِ فَرْضٍ وَفَرْضِ صَلَاةٍ، وَبَيْنَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتِهَا عَلَى مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ؛ إذْ قِيلَ: إنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ وَالصَّبِيُّ لَا يُؤَدِّي بِتَيَمُّمِهِ غَيْرَ فَرْضٍ كَالْبَالِغِ؛ لِأَنَّ مَا يُؤَدِّيهِ كَالْفَرْضِ فِي النِّيَّةِ وَغَيْرِهَا. نَعَمْ لَوْ تَيَمَّمَ   [حاشية البجيرمي] وَالنُّفَسَاءُ، وَكَانَ الْمُوَافِقُ لِلْعَرَبِيَّةِ: اجْتَمَعَتَا كَقَامَتَا وَقَعَدَتَا بِتَاءِ التَّأْنِيثِ. وَقَوْلُهُ: قُدِّمَ أَفْضَلُهُمَا يَصِحُّ أَفْضَلُهُمَا، وَفُضْلَاهُمَا عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ: وَمَا لِمَعْرِفَةٍ أُضِيفَ ذُو وَجْهَيْنِ عَنْ ذِي مَعْرِفَةِ قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ كَفَى إلَخْ) وَكَذَا لَوْ تَعَدَّدَ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ أَوْ الْمَيِّتُ فَمَنْ يَكْفِيهِ قُدِّمَ، وَكَذَا لَوْ كَفَى أَحَدُ الْمَيِّتَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ الْآخَرُ الَّذِي لَا يَكْفِيهِ أَفْضَلَ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُحْدِثِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَتَيَمَّمُ الْمَعْذُورُ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عُذْرُهُ حِسِّيًّا أَوْ شَرْعِيًّا، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الْبَحْثِ الْخَامِسِ مِنْ مَبَاحِثِ التَّيَمُّمِ وَهُوَ خِتَامُهَا. قَوْلُهُ: (لِكُلِّ فَرِيضَةٍ) عَيْنِيَّةٍ، وَلَوْ مَنْذُورَةً مِنْ الصَّلَوَاتِ أَوْ إلَّا طَوْفَةً، وَلَوْ صَبِيًّا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: إذَا قُمْتُمْ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ، وَالْمَعْنَى إذَا وُجِدَ مِنْكُمْ قِيَامٌ، وَهَذَا يَصْدُقُ بِكُلِّ قِيَامٍ لِلصَّلَاةِ. اهـ. عَزِيزِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيفٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي التَّيَمُّمِ لِكُلِّ فَرْضٍ. قَوْلُهُ: (فَرْضُ الطَّوَافِ) فَالطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ، فَإِذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَوْ الْوَدَاعِ صَلَّى بِهِ فَرْضًا أَيْ إنْ لَمْ يَطُفْ، وَإِذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ نَفْلِ طَوَافٍ صَلَّى بِهِ نَفْلًا. قَوْلُهُ: (بَيْنَ طَوَافَيْنِ) كَطَوَافِ إفَاضَةٍ وَوَدَاعٍ، أَوْ طَوَافِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ. قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) أَيْ وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ الْفُرُوضِ. فَرْعٌ: لَوْ تَيَمَّمَ لِلْخُطْبَةِ، وَخَطَبَ وَلَمْ يُصَلِّ بِمَحَلِّ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ انْتَقَلَ لِمَحَلٍّ آخَرَ هَلْ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ فِيهِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ؟ قَالَ سم: لَهُ أَنْ يَخْطُبَ إنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي الْمَحَلِّ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فِي الْأَوَّلِ اهـ اج. وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ ح ل أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَخْطُبَ فِي الْمَحَلِّ الْآخَرِ بِالتَّيَمُّمِ الَّذِي فَعَلَ بِهِ الْخُطْبَةَ الْأُولَى مُطْلَقًا قَالَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَيْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ الَّتِي بَعْدَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ، مَعَ أَنَّهُمَا فَرْضَانِ لِكَوْنِهِمَا فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ لِتَلَازُمِهِمَا، فَلَمَّا كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ صَارَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَاكْتُفِيَ لَهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، بَلْ الظَّاهِرُ امْتِنَاعُ إفْرَادِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِتَيَمُّمٍ لِعَدَمِ وُرُودِهِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (إذْ قِيلَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لَكِنَّهُ قِيلَ: إنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ، وَعِبَارَةُ م د: لَا وَجْهَ لِلْإِتْيَانِ بِإِذَا اهـ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ خَبَرَ أَنَّ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ قَدْ اُلْتُحِقَتْ بِفَرَائِضِ الْأَعْيَانِ، وَتَجْعَلُ إذْ عِلَّةً لِهَذَا الْخَبَرِ الْمُقَدَّرِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ م ر وَنَصُّهَا: لِأَنَّ الْخُطْبَةَ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ قَدْ الْتَحَقَتْ بِفَرَائِضِ الْأَعْيَانِ لِمَا قِيلَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَالصَّبِيُّ لَا يُؤَدِّي بِتَيَمُّمِهِ غَيْرَ فَرْضٍ إلَخْ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا صَلَاتَهُ بِالْفَرَائِضِ حَيْثُ لَمْ يُجَوِّزُوهَا مِنْ قُعُودٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَوْ فَاتَهُمَا صَلَوَاتٌ، وَأَرَادَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ قَضَاءَ مَا فَاتَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْجُنُونِ قَضَاهُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَالْبُلُوغِ عَمَلًا بِالسُّنَّةِ فِيهِمَا، وَوَجَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 لِلْفَرْضِ ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يَصِلْ بِهِ الْفَرْضُ لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَفْلٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جُعِلَ كَالْبَالِغِ فِي أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بِتَيَمُّمٍ فَرْضَيْنِ، وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ إذَا بَلَغَ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ ذَلِكَ احْتِيَاطٌ لِلْعِبَادَةِ فِي أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِلْفَرْضِ الثَّانِي، وَيَتَيَمَّمُ إذَا بَلَغَ. وَهَذَا فِي غَايَةِ الِاحْتِيَاطِ وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ تَمْكِينُ الْحَائِضِ مِنْ الْوَطْءِ مِرَارًا وَجَمْعُهُ: بَيْنَ فَرْضٍ آخَرَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُمَا جَائِزَانِ، وَالنَّذْرُ كَفَرْضٍ عَيْنِيٍّ لِتَعَيُّنِهِ عَلَى النَّاذِرِ فَأَشْبَهَ الْمَكْتُوبَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهُ مَعَ فَرِيضَةٍ أُخْرَى مُؤَدَّاةً كَانَتْ أَوْ مَقْضِيَّةً بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ. وَلَوْ تَعَيَّنَ عَلَى ذِي حَدَثٍ أَكْبَرَ تَعَلُّمُ فَاتِحَةٍ أَوْ حَمْلُ مُصْحَفٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَحَائِضٍ انْقَطَعَ حَيْضُهَا، وَأَرَادَ الزَّوْجُ وَطْأَهَا، وَتَيَمَّمَ مَنْ ذُكِرَ لِفَرِيضَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ مَعَهَا، وَكَذَا لَهُ مَعَهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ فَهِيَ كَالنَّفْلِ فِي جَوَازِ التَّرْكِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْقِيَامُ قِوَامَهَا لِعَدَمِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِيهَا، فَتَرْكُهُ يَمْحِي صُورَتَهَا وَلَوْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْجِنَازَةَ لِمَا ذُكِرَ.   [حاشية البجيرمي] عَلَيْهِمَا التَّيَمُّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ مَعَ وُقُوعِهِ نَفْلًا لَهُمَا لِلْعِلَّةِ السَّابِقَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فِي النِّيَّةِ) أَيْ عِنْدَ شَيْخِنَا م ر ق ل. فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَغَيْرُهَا فَمُعْتَمَدٌ أَيْ غَيْرُ النِّيَّةِ كَالْقِيَامِ لِأَنَّ صَلَاتَهُ وَإِنْ وَقَعَتْ نَفْلًا لَا يَصِحُّ فِعْلُهَا مِنْ قُعُودٍ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ كَالْبَالِغِ. قَوْلُهُ: (إذَا بَلَغَ) أَيْ إذَا شَرَعَ فِيهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَلَوْ بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا أَجْزَأَتْهُ لِأَنَّ فَرْضِيَّتَهَا طَارِئَةٌ. اهـ. م ر. وَعِبَارَةُ ح ل: وَلَوْ تَيَمَّمَ الصَّبِيُّ لِلْفَرْضِ ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يُصَلِّ بِهِ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ نَفْلٌ، فَلَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ عَنْ الْفَرْضِ، وَبِهَذَا فَارَقَ صِحَّةَ جَمْعِ الْأَصْلِيَّةِ مَعَ الْمُعَادَةِ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ) أَيْ بِتَقْيِيدِ الْفَرِيضَةِ بِالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ وَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: (مِرَارًا) أَيْ مَعَ أَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ مِنْ التَّمْكِينِ فَرْضٌ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا مَانِعٌ. قَوْلُهُ: (وَجَمْعُهُ) أَيْ التَّمْكِينِ حَيْثُ لَمْ تَتَيَمَّمْ لَهُ ح ل. قَوْلُهُ: (بَيْنَ فَرْضٍ) عِبَارَةُ م ر وَجَمْعُهُ مَعَ فَرْضٍ إلَخْ. وَهِيَ لِأَنَّ بَيْنَ الصَّوَابُ لَا تُضَافُ إلَّا لِمُتَعَدِّدٍ اهـ. وَيُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى التَّمْكِينِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ تَمْكِينَ الْحَلِيلِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مُبْطِلٌ لِتَيَمُّمِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّمْكِينِ وَأَنَّ التَّمْكِينَ وَإِنْ تَكَرَّرَ يُعَدُّ شَيْئًا وَاحِدًا. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّهَا نَوَتْ اسْتِبَاحَةَ فَرْضِ الصَّلَاةِ. أَمَّا لَوْ نَوَتْ اسْتِبَاحَةَ تَمْكِينِ الْحَلِيلِ فَتُمَكِّنُهُ مِرَارًا وَلَا تُصَلِّي بِهِ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا. اهـ. ع ش قَالَ م ر. وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ جِمَاعُ أَهْلِهِ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ الْمَاءِ وَقْتَ الصَّلَاةِ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ كَانَا مُسْتَنْجِيَيْنِ بِالْمَاءِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ جِمَاعُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ، وَلِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ بُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَاءً فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْغُسْلِ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ غَسْلَ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا فَتَرَتْ شَهْوَتُهُ عَنْ جِمَاعٍ يُرِيدُهُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِمَاعِ لَا لِمَا أَصَابَ بَدَنَهُ مِنْهُ أَوْ ثَوْبَهُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ بَعْدَ الْجِمَاعِ، فَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ إذَا كَانَ الْجِمَاعُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ، فَلَا يَحْرُمُ لِعَدَمِ مُخَاطَبَتِهِ بِالصَّلَاةِ الْآنَ، وَهُوَ لَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلَ شُرُوطِ الصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا اهـ اط ف. قَوْلُهُ: (وَالنَّذْرُ) أَيْ لِلصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ دُونَ غَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كَفَرْضِ الْعَيْنِ، فَلَوْ نَذَرَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ مَثَلًا وَسَجْدَةَ الشُّكْرِ، وَتِلَاوَةَ سُورَةٍ وَالْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ لَهُ جَمْعُ الْجَمِيعِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ اهـ اج. وَلَوْ نَذَرَ التَّرَاوِيحَ أَوْ الْوِتْرَ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ اكْتَفَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهَا تُسَمَّى صَلَاةً وَاحِدَةً مَنْذُورَةً وَإِنْ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ اهـ اط ف. وَمَحَلُّهُ فِي الْوِتْرِ وَالضُّحَى إنْ لَمْ يَنْذِرْ السَّلَامَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ س ل. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي التَّرَاوِيحِ الْمَنْذُورَةِ عَشْرُ تَيَمُّمَاتٍ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ حِينَئِذٍ كَصَلَاةٍ مُسْتَقِلَّةٍ. قَوْلُهُ: (كَحَائِضٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَتَمْكِينِ حَائِضٍ انْقَطَعَ حَيْضُهَا إلَخْ؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ عَلَيْهَا، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَأَرَادَ الزَّوْجُ وَطْأَهَا) أَيْ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا حَيْثُ أَرَادَ الزَّوْجُ وَطْأَهَا، وَهَذَا مِثَالٌ لِلنَّحْوِ، وَفِيهِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ قَرِيبًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَعَادَهُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ) أَيْ التَّعَلُّمَ وَمَا بَعْدَهُ أَيْ: وَالْفَرْضُ أَنَّهُ تَيَمَّمَ لِلْفَرِيضَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْقِيَامُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 (وَيُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ) لِأَنَّ النَّوَافِلَ تَكْثُرُ فَيُؤَدِّي إيجَابُ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا إلَى التَّرْكِ أَوْ إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ فَخَفَّفَ فِي أَمْرِهَا كَمَا خَفَّفَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَبِتَرْكِ الْقِبْلَةِ فِي السَّفَرِ. وَلَوْ نَذَرَ إتْمَامَ كُلِّ صَلَاةٍ دَخَلَ فِيهَا فَلَهُ جَمْعُهَا مَعَ فَرْضٍ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا نَفْلٌ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ. وَلَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ أَرَادَ إعَادَتَهَا جَمَاعَةً جَازَ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ الْأُولَى، ثُمَّ كُلُّ صَلَاةٍ أَوْجَبْنَا فِي الْوَقْتِ، وَأَوْجَبْنَا إعَادَتَهَا كَمَرْبُوطٍ عَلَى خَشَبَةٍ فَفَرْضُهُ الثَّانِيَةُ، وَلَهُ أَنْ يُعِيدَهَا بِتَيَمُّمِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأُولَى، وَإِنْ وَقَعَتْ نَفْلًا فَالْإِتْيَانُ بِهَا فَرْضٌ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَمَعَهُمَا بِتَيَمُّمٍ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْضٌ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا كَالْمَنْسِيَّةِ فِي خَمْسٍ يَجُوزُ جَمْعُهُمَا بِتَيَمُّمٍ، وَإِنْ كَانَتْ فُرُوضًا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ بِالذَّاتِ وَاحِدَةٌ. وَمَنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ، وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهَا كَفَاهُ لَهُنَّ تَيَمُّمٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ وَاحِدٌ وَمَا سِوَاهُ وَسِيلَةٌ لَهُ، فَلَوْ تَذَكَّرَ الْمَنْسِيَّةَ بَعْدُ لَمْ يَجِبْ إعَادَتُهَا كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَوْ نَسِيَ مُخْتَلِفَتَيْنِ   [حاشية البجيرمي] فِيهَا) هَذَا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ فَهِيَ كَالنَّفْلِ. قَوْلُهُ: (قِوَامُهَا) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ أَيْ لَا تَقُومُ وَلَا تُوجَدُ إلَّا بِهِ. قَوْلُهُ: (يَمْحِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ مَحَى إنْ قُلْت فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ. {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [الرعد: 39] بِالْوَاوِ. قُلْت: نَعَمْ هِيَ بَعْضُ لُغَاتِهَا فَفِي الصِّحَاحِ مَحَى لَوْحَهُ يَمْحُوهُ مَحْوًا وَيَمْحِيهِ مَحْيًا اهـ. قَوْلُهُ: (مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ) أَيْ وَالْجَنَائِزِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ النَّوَافِلَ إلَخْ) وَلِأَنَّهَا فِي حُكْمِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَةٍ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا مِائَةَ رَكْعَةٍ بِالنِّيَّةِ، وَبِالْعَكْسِ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ م د أَيْ: إذَا نَوَى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رَكْعَةٍ بِالنِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا نَفْلٌ) يَقْتَضِي أَنَّ انْتِهَاءَهَا فَرْضٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهَا كُلَّهَا نَفْلٌ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ فِيهَا الْإِتْمَامُ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَةِ الصَّلَاةِ، وَعِبَارَةُ م ر إذْ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْلٌ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ كَالْحَجِّ النَّفْلِ اهـ وَقَالَ ق ل بَلْ كُلُّهَا نَفْلٌ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فَرْضَهُ الْأُولَى) أَيْ وَالثَّانِيَةُ نَفْلٌ أَيْ فَقَدْ جَمَعَ فِي تَيَمُّمِهِ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ. فَإِنْ قُلْت: إذَا صَلَّى أَوَّلًا وَأَحْدَثَ، وَأَرَادَ أَنْ يُعِيدَ، وَقُلْتُمْ: إنَّهَا نَافِلَةٌ هَلْ يَكْفِي فِي نِيَّةِ التَّيَمُّمِ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ فَرْضِ الصَّلَاةِ؟ قُلْت: قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ مُحَاكَاةً لِلصُّورَةِ الْأُولَى اهـ اج. قَوْلُهُ: (فَالْإِتْيَانُ بِهَا فَرْضٌ) أَيْ فَالتَّيَمُّمُ لِلْفَرْضِ لَا لِلنَّفْلِ، وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَ الْإِتْيَانُ بِهَا فَرْضًا فَهِيَ وَاقِعَةٌ نَفْلًا، فَفِي الْعِبَارَةِ قَلْبٌ وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأُولَى إلَخْ. جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا وَقَعَتْ صَلَاتُهُ الْأُولَى نَافِلَةً كَانَ مُتَيَمِّمًا لِنَفْلٍ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرْضًا. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْأُولَى إلَخْ. قَوْلُهُ: (أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا) أَيْ الْفَرْضَ الَّذِي أَعَادَهُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ. وَعِبَارَةُ م ر بِأَنَّ هَذِهِ إلَخْ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْقَلْيُوبِيُّ: هَذَا الْجَوَابُ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ اهـ وَقَوْلُهُ: (هَذَا الْجَوَابُ) إلَخْ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَا قَبْلَهُ جَوَابٌ آخَرُ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ. وَحَاصِلُ السُّؤَالِ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّتْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ بِهَذَا التَّيَمُّمِ مَعَ أَنَّ الْأُولَى وَقَعَتْ نَفْلًا، وَالثَّانِيَةُ هِيَ الْفَرِيضَةُ. وَلَا يَصِحُّ صَلَاةُ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْأُولَى وَإِنْ وَقَعَتْ نَفْلًا فَالْإِتْيَانُ بِهَا فَرْضٌ أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالتَّيَمُّمُ لِفَرْضٍ لَا لِنَفْلٍ فَصَحَّ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَهُوَ الثَّانِيَةُ بِهِ. وَأَمَّا هَذَا الْجَوَابُ فَعَنْ السُّؤَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ النَّاشِئُ مِنْ جَوَابِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ. وَحَاصِلُ هَذَا السُّؤَالِ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَرْضًا، فَكَيْفَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ؟ وَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أُجِيبُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ إلَخْ) وَهَذِهِ مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ: فَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنْ أَدَّى بِهِ فُرُوضًا عَدِيدَةً ظَاهِرًا تَوَصُّلًا لِذَلِكَ الْفَرْضِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْفَرْضَ وَاحِدٌ) وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بِالتَّيَمُّمِ لَوْ لَزِمَهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهُمَا صَلَّى كُلًّا مِنْهُنَّ بِتَيَمُّمٍ أَوْ صَلَّى أَرْبَعًا كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِتَيَمُّمٍ، وَأَرْبَعًا لَيْسَتْ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا أَيْ: الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ بِتَيَمُّمٍ آخَرَ، فَيَبْرَأُ بِيَقِينٍ أَوْ نَسِيَ مِنْهُنَّ مُتَّفِقَتَيْنِ، أَوْ شَكَّ فِي اتِّفَاقِهِمَا، وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهُمَا، وَلَا تَكُونُ الْمُتَّفِقَتَانِ إلَّا مِنْ يَوْمَيْنِ فَيُصَلِّي الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ لِيَبْرَأَ بِيَقِينٍ. تَتِمَّةٌ: عَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، وَهُمَا الْمَاءُ وَالتُّرَابُ كَمَحْبُوسٍ بِمَحَلٍّ لَيْسَ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ، يَلْزَمُهُ الْوَقْتُ، وَيُعِيدُ إذَا وَجَدَ أَحَدَهُمَا، وَإِنَّمَا يُعِيدُ بِالتَّيَمُّمِ فِي مَحَلٍّ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ بِهِ فِي مَحَلٍّ لَا   [حاشية البجيرمي] صَلَّاهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ نَسِيَ مُخْتَلِفَتَيْنِ) أَيْ فِي الِاسْمِ، وَإِنْ تَوَافَقَا عَدَدًا كَظُهْرٍ وَعَصْرٍ. وَقَوْلُهُ: (صَلَّى كُلًّا مِنْهُنَّ) أَيْ الْخَمْسِ بِتَيَمُّمٍ أَيْ فَيُصَلِّي الْخَمْسَ بِخَمْسِ تَيَمُّمَاتٍ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ يَتَيَمَّمْنَ وَيَبْرَأُ بِيَقِينٍ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ الْقَاصِّ بِالتَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُصُّ الْقَصَصَ. وَقَوْلُهُ: أَوْ صَلَّى أَرْبَعًا إلَخْ هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ الْحَدَّادِ، وَاسْتَحْسَنَهَا الْأَصْحَابُ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا أَدَقُّ مِنْ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى لِعَدَمِ إعَادَةِ الصَّلَوَاتِ فِيهَا بِخِلَافِ طَرِيقَةِ ابْنِ الْقَاصِّ فَإِنَّ فِيهَا الْإِعَادَةَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَيَبْرَأُ بِيَقِينٍ) وَوَجْهُ الْبَرَاءَةِ بِيَقِينٍ أَنَّ الْمَنْسِيَّتَيْنِ إمَّا الظُّهْرُ وَالصُّبْحُ، أَوْ إحْدَاهُمَا مَعَ إحْدَى الثَّلَاثِ الْأُخَرِ، أَوْ هُمَا مِنْ الثَّلَاثِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ صَلَّى كُلًّا مِنْهُمَا بِتَيَمُّمٍ، وَفِي ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ يَتَيَمَّمُ ثَلَاثَ تَيَمُّمَاتٍ وَيُصَلِّي بِكُلٍّ مِنْهَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ ضَابِطَهَا أَنْ يَتَيَمَّمَ بِعَدَدِ الْمَنْسِيِّ وَيُصَلِّيَ بِكُلِّ تَيَمُّمٍ عَدَدَ غَيْرِ الْمَنْسِيِّ مَعَ زِيَادَةِ صَلَاةٍ وَيَتْرُكَ الْمَبْدُوءَ بِهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ، فَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ بِتَيَمُّمٍ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِتَيَمُّمٍ ثَانٍ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِآخَرَ، وَالضَّابِطُ فِي مَسْأَلَةِ الشَّارِحِ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِقَدْرِ الْمَنْسِيِّ وَيُصَلِّيَ بِعَدَدِ مَا يَبْقَى بَعْدَ ضَرْبِ الْمَنْسِيِّ فِي الْمَنْسِيِّ فِيهِ، وَزِيَادَةِ عَدَدِ الْمَنْسِيِّ عَلَى ذَلِكَ الْحَاصِلِ وَضَرْبِ الْمَنْسِيِّ فِي نَفْسِهِ وَإِسْقَاطِ الْحَاصِلِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ، فَفِي مَسْأَلَتِنَا، وَهِيَ نِسْيَانُ صَلَاتَيْنِ تَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي خَمْسَةٍ يَحْصُلُ عَشَرَةٌ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ اثْنَيْنِ ثُمَّ تَضْرِبُهُمَا فِي نَفْسِهِمَا يَحْصُلُ أَرْبَعَةٌ، وَتُسْقِطُ هَذَا الْحَاصِلَ مِنْ ذَلِكَ الْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ اثْنَا عَشَرَ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ، وَهِيَ عَدَدُ مَا يُصَلَّى. اهـ. م ر. [تَتِمَّةٌ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ] قَوْلُهُ: (وَهُمَا الْمَاءُ وَالتُّرَابُ) لَوْ قَدَّمَ لَفْظَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ عَلَى الطَّهُورَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ صَنِيعَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا طَهُورَانِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُمَا قَدْ يَكُونَانِ مُسْتَعْمَلَيْنِ أَوْ مُتَنَجِّسَيْنِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَعَلَى فَاقِدِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ الطَّهُورَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُصَلِّيَ) أَيْ، عِنْدَ يَأْسِهِ مِنْهُمَا وَلَوْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهِيَ صَلَاةٌ حَقِيقِيَّةٌ يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَيُبْطِلُهَا مَا يُبْطِلُ غَيْرَهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا بِلَا عُذْرٍ، نَعَمْ تَبْطُلُ بِتَوَهُّمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ طَلَبُهُمَا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْقُطُ فِيهِ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (الْفَرْضُ) أَيْ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ الْمُؤَقَّتَةُ وَلَوْ بِالنَّذْرِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَلَهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ مِنْهَا إلَّا نَحْوَ السُّورَةِ لِلْجُنُبِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَصْدُ الْقِرَاءَةِ فِي الْفَاتِحَةِ، وَلَا تَجُوزُ الْمَنْدُوبَاتُ فِيهَا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَلَوْ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَسُجُودِ السَّهْوِ إلَّا تَبَعًا لِإِمَامِهِ فِيهِمَا، وَدَخَلَ فِي الْفَرْضِ الْجُمُعَةُ فَتَلْزَمُهُ، وَإِنْ وَجَبَ إعَادَتُهَا ظُهْرًا، وَلَا يَتِمُّ بِهِ الْعَدَدُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ فَائِتَةٍ تَذَكَّرَهَا وَإِنْ فَاتَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ. اهـ. ق ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا لِكَوْنِهِ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَا فِيهِ أَوْ وَجَدَهُمَا، وَمَنَعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِمَا مَانِعٌ مِنْ نَحْوِ عَطَشٍ فِي الْمَاءِ أَوْ نَدَاوَةٍ فِي التُّرَابِ مَانِعَةٍ مِنْ وُصُولِ الْغُبَارِ لِلْعُضْوِ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ بِنَحْوِ نَارٍ لَزِمَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ الْأَدَاءَ، وَيُعِيدَ، وَلَوْ جُمُعَةً فِي الْأَظْهَرِ، لَكِنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْأَرْبَعِينَ لِنَقْصِهِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَصَلَاتُهُ مُتَّصِفَةٌ بِالصِّحَّةِ فَتَبْطُلُ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ غَيْرُهَا مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَلَوْ سَبَقَ الْحَدَثُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ ضِيقُ الْوَقْتِ، بَلْ إنَّمَا تَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مَا دَامَ يَرْجُو أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ، وَالثَّانِي تَجِبُ الصَّلَاةُ بِلَا إعَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ. أَمَّا فَاقِدُ السُّتْرَةِ فَلَهُ التَّنَفُّلُ لِعَدَمِ لُزُومِ الْإِعَادَةِ لَهُ كَدَائِمِ الْحَدَثِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِ الْمُنَافِي، وَمُرَادُهُ بِالْإِعَادَةِ هُنَا الْقَضَاءُ اهـ بِاخْتِصَارِ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ أَيْ فَإِنْ أَمْكَنَهُ وَجَبَ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ جِرَاحَةٌ فِي يَدَيْهِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَرَادَ التَّيَمُّمَ عَنْ جِرَاحَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ فَلَا يَفْعَلُ وَيَقْضِي وُجُوبًا مُتَيَمِّمٌ، وَلَوْ فِي سَفَرٍ لِبَرْدٍ لِنُدْرَةِ فَقْدِ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ أَوْ يُدَثِّرُ بِهِ أَعْضَاءَهُ، وَمُتَيَمِّمٌ لِفَقْدِ مَاءٍ بِمَحَلٍّ يَنْدُرُ فِيهِ فَقْدُهُ وَلَوْ مُسَافِرًا لِنُدْرَةِ فَقْدِهِ بِخِلَافِهِ بِمَحَلٍّ لَا يَنْدُرُ فِيهِ ذَلِكَ وَلَوْ مُقِيمًا، وَمُتَيَمِّمٌ لِعُذْرٍ كَفَقْدِ مَاءٍ وَجُرْحٍ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ كَآبِقٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ رُخْصَةٌ فَلَا يُنَاطُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ.   [حاشية البجيرمي] الْيَدَيْنِ أَنَّهُ يُكَلَّفُ تَنْشِيفَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ قَبْلَ أَخْذِ التُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ مَعَ بَلَلِ يَدَيْهِ صَارَ كَالتُّرَابِ الْمُنَدَّى الْمَأْخُوذِ مِنْ الْأَرْضِ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ تَكْلِيفِهِ تَنْشِيفُ الْوَجْهِ مَا لَمْ يَقِفْ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ فَإِنْ وَقَفَ فِيهِ وَحَرَّكَ وَجْهَهُ لِأَخْذِ التُّرَابِ مِنْ الْهَوَاءِ فَلَا يُكَلَّفُ تَنْشِيفَهُ لِوُصُولِ التُّرَابِ إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْوَجْهِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَيُعِيدُ) مُرَادُهُ بِالْإِعَادَةِ مَا يَشْمَلُ الْقَضَاءَ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ وَجَبَتْ فِيهِ الْإِعَادَةُ، فَإِنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْمُعَادُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا فَرْضٌ وَهُوَ الْأَفْقَهُ، وَقِيلَ: الْأُولَى، وَقِيلَ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَائِتَةَ بِتَيَمُّمِ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ الْأُولَى أَوْ كُلًّا مِنْهُمَا صَحَّ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يُعِيدُ إلَخْ) هَذَا إنْ وَجَدَهُ خَارِجَ الْوَقْتِ. أَمَّا إذَا وَجَدَ التُّرَابَ فِي الْوَقْتِ أَعَادَ مُطْلَقًا اج. أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ تَسْقُطُ بِهِ أَوْ لَا. وَإِذَا لَمْ تَسْقُطْ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا أَيْضًا فِي مَحَلٍّ تَسْقُطُ بِهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ) فَلَا يَفْعَلُ سَوَاءٌ الْمُؤَقَّتُ وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَلَا تَجُوزُ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ فَيُدْفَنُ الْمَيِّتُ بِلَا صَلَاةٍ، وَمِثْلُهُ قِرَاءَةُ الْجُنُبِ الْقُرْآنَ بِقَصْدِهِ وَمُكْثُهُ بِالْمَسْجِدِ وَتَمْكِينُ الْحَلِيلِ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْهَا ق ل. قَوْلُهُ: (بِمَحَلِّ يَنْدُرُ فِيهِ) صَوَابُهُ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ؛ إذْ لَا قَضَاءَ فِيمَا إذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ ق ل. وَقَوْلُهُ: صَوَابُهُ يَغْلِبُ الْمُرَادُ بِغَلَبَةِ وُجُودِ الْمَاءِ، وَفَقْدُهُ فِي وَقْتِ التَّحَرُّمِ لِلصَّلَاةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِبَعْضِ ضَعَفَةِ الطَّلَبَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ غَلَبَةَ الْوُجُودِ بِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا فِي السَّنَةِ، وَغَلَبَةَ الْفَقْدِ بِأَرْبَعَةٍ مَثَلًا، فَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَوْ كَانَ الْمَاءُ يَسْتَمِرُّ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا فِي الْوَادِي، وَفِي غَالِبِ السِّنِينَ يَفْقِدُ فِي شَهْرٍ، فَإِذَا تَيَمَّمَ شَخْصٌ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ وَصَلَّى بِهِ فِيهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ يَوْمٌ فَقَطْ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ فِي أَكْثَرِ السِّنِينَ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا فِي السَّنَةِ بِتَمَامِهَا إلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ فِيهِ، فَالْعِبْرَةُ بِالْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ، فَإِنْ كَانَ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِأَكْثَرِ أَوْقَاتِ السَّنَةِ وَجَبَ الْقَضَاءُ، وَإِنْ غَلَبَ الْفَقْدُ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَلَا قَضَاءَ م ر سم. وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَالْحَفْنَاوِيُّ وَالْعَشْمَاوِيُّ، وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: وَالْعِبْرَةُ فِي سُقُوطِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ بِمَحَلِّهَا دُونَ مَحَلِّ التَّيَمُّمِ عَلَى الْأَوْجَهِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ بِمَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَصَلَّى بِمَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ الْعَدَمُ فَلَا قَضَاءَ، وَلَوْ انْعَكَسَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَالْعِبْرَةُ فِي مَحَلِّهَا بِمَحَلِّ تَحْرِيمِهَا. قَوْلُهُ: (لَا يَنْدُرُ فِيهِ ذَلِكَ) بِأَنْ غَلَبَ فِيهِ الْفَقْدُ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ بِمَحَلٍّ يَنْدُرُ فِيهِ فَقْدُهُ أَيْ يَقِلُّ فِيهِ فَقْدُهُ بِأَنْ كَانَ الْغَالِبُ الْوُجُودَ وَحِينَئِذٍ، فَحَالَةُ الِاسْتِوَاءِ لَمْ تَدْخُلْ فِي هَذِهِ فَانْدَفَعَ مَا لِلْقَلْيُوبِيِّ هُنَا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ نُدْرَةَ فَقْدِ الْمَاءِ فِيهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ غَلَبَةُ وُجُودِهِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا لَا يَنْدُرُ فَقْدُهُ فَفِيهِ صُورَتَانِ: غَلَبَةُ الْفَقْدِ وَاسْتِوَاءُ الْأَمْرَيْنِ. وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ أَيْ التَّيَمُّمِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ، وَهُوَ قَوْلُ حَجّ، وَاعْتَمَدَ م ر أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَحَلِّ الصَّلَاةِ وَبِتَحَرُّمِهَا أَيْضًا، وَلَوْ شَكَّ هَلْ الْمَحَلُّ الَّذِي صَلَّى بِهِ تَسْقُطُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ لَا لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا. اهـ. ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَمُتَيَمِّمٌ لِعُذْرٍ إلَخْ) هُوَ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْفَقْدِ بِخِلَافِهِ لِنَحْوِ مَرَضٍ وَعَطَشٍ، فَلَا يَصِحُّ حَتَّى يَتُوبَ فَرَاجِعْهُ ق ل. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ: فَقَدَ وَجُرِحَ، وَظَاهِرُهُ اسْتِوَاؤُهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ تَيَمُّمَهُ لِلْفَقْدِ صَحِيحٌ مَعَ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَلِلْحَرَجِ بَاطِلٌ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَفِي الْإِطْفِيحِيِّ مَا نَصُّهُ: وَجُرْحٌ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ إنْ فَقَدَ الْمَاءَ حِسًّا أَمَّا إذَا فَقَدَهُ شَرْعًا لِنَحْوِ مَرَضٍ وَحَرَجٍ وَعَطَشٍ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يَتُوبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 فَصْلٌ: فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ   [حاشية البجيرمي] لِقُدْرَتِهِ عَلَى زَوَالِ مَانِعِهِ بِالتَّوْبَةِ اهـ وَقَرَّرَهُ ح ف. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ رُخْصَةٌ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ فَاقِدَ الْمَاءِ شَرْعًا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ مَا دَامَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ بِخِلَافِ الْفَاقِدِ حِسًّا الْعَاصِي فَيَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فِي الْمَكَانِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْفَقْدِ الْحِسِّيِّ عَزِيمَةٌ وَلِلشَّرْعِيِّ رُخْصَةٌ ح ل. وَلْيُنْظَرْ مَا وَجْهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ ضَابِطَ الرُّخْصَةِ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِمَا. فَلْتُرَاجَعْ كُتُبُ الْأُصُولِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُنَاطُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ) . تَنْبِيهٌ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الرُّخْصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي أَنَّ فِعْلَ الرُّخْصَةِ مَتَى تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ نُظِرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَإِنْ كَانَ تَعَاطِيهِ فِي نَفْسِهِ حَرَامًا امْتَنَعَ مَعَهُ فِعْلُ الرُّخْصَةِ، وَإِلَّا فَلَا. وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْصِيَةِ بِالسَّفَرِ وَالْمَعْصِيَةِ فِيهِ فَالْعَبْدُ الْآبِقُ وَالنَّاشِزَةُ وَالْمُسَافِرُ لِلْمَكْسِ، وَنَحْوِهِ عَاصٍ بِالسَّفَرِ فَالسَّفَرُ نَفْسُهُ مَعْصِيَةٌ وَالرُّخْصَةُ مَنُوطَةٌ بِهِ أَيْ مَعْرُوفَةٌ بِهِ وَمُعَلَّقَةٌ وَمُرَتَّبَةٌ عَلَيْهِ تَرَتُّبَ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، فَلَا يُبَاحُ لَهُ التَّرَخُّصُ. وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا فَشَرِبَ الْخَمْرَ فِي سَفَرِهِ فَهُوَ عَاصٍ فِيهِ أَيْ: مُرْتَكِبٌ الْمَعْصِيَةَ فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ فَنَفْسُ السَّفَرِ لَيْسَ مَعْصِيَةً وَلَا آثِمًا بِهِ فَتُبَاحُ فِيهِ الرُّخَصُ؛ لِأَنَّهَا مَنُوطَةٌ بِالسَّفَرِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ، وَلِهَذَا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الْمَغْصُوبِ بِخِلَافِ خُفِّ الْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ مَنُوطَةٌ بِاللُّبْسِ وَهُوَ لِلْمُحْرِمِ مَعْصِيَةٌ، وَفِي الْمَغْصُوبِ لَيْسَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ أَيْ لِكَوْنِهِ لُبْسًا بَلْ لِلِاسْتِيلَاءِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ، وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَ اللُّبْسَ لَمْ تَزُلْ الْمَعْصِيَةُ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ اهـ مِنْ الْأَشْبَاهِ لِلسُّيُوطِيِّ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. فَقَوْلُهُ الرُّخْصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي أَيْ لَا يَكُونُ سَبَبُهَا الْمُجَوِّزُ لَهَا مَعْصِيَةً. 1 - خَاتِمَةٌ: التَّيَمُّمُ يُخَالِفُ الْوُضُوءَ فِي سَبْعٍ وَعِشْرِينَ صُورَةً لَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهُ، وَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ، وَلَا يَجِبُ الْإِيصَالُ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهُ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا لِمُحْتَاجٍ، وَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَلَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَلَا لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَهُ فِيهِ، وَلَا لِمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهَا عَلَى النَّصِّ، وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَيَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَلَا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ فَرْضَيْنِ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاتِهَا وَالْجِنَازَةُ كَالنَّفْلِ وَلَا يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ وَيُعِيدُ الْمُصَلِّي بِهِ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَإِذَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ صَلَاةً، فَرَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ إنْ كَانَتْ لَا يَسْقُطُ فَرْضُهَا بِالتَّيَمُّمِ وَيُعِيدُ الْعَاصِي بِالسَّفَرِ لِفَقْدِ الْمَاءِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ إذَا كَانَ مَعَهُ مَا يَحْتَاجُهُ لِلْعَطَشِ وَيُقَالُ لَهُ: إنْ ثَبَتَ اسْتَبَحْته، وَإِلَّا فَلَا. كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَلَا يَمْسَحُ بِطَهَارَتِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا كَانَ لِفَقْدِ الْمَاءِ، وَيَجِبُ فِيهِ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ إنْ لَمْ يُفَرِّقْهَا حَالَ الضَّرْبِ، وَيَجِبُ تَعْدَادُهُ بِحَسَبِ تَعْدَادِ الْأَعْضَاءِ الْمَفْرُوضَةِ الْمَجْرُوحَةِ فِي الْوُضُوءِ إذَا بَقِيَ مِنْهَا مَا يُغْسَلُ، وَيُسَنُّ تَعْدَادُهُ بِحَسَبِ تَعْدَادِ الْأَعْضَاءِ الْمَسْنُونَةِ أَيْضًا كَالْكَفَّيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إذَا كَانَ بِمَحَلِّهِمَا عِلَّةٌ تَمْنَعُ مِنْ الْمَاءِ فَيَتَيَمَّمُ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ الْمَسْنُونِ إذَا كَانَ بِهِمَا عِلَّةٌ وَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ تَيَمَّمَ تَيَمُّمًا وَاجِبًا لِلْعِلَّةِ الَّتِي فِي الْكَفَّيْنِ. وَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَبِرُؤْيَةِ الْمَاءِ بِلَا حَائِلٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَيُتَوَهَّمُ الْمَاءُ وَبِوِجْدَانِ ثَمَنِهِ، وَبِأَنْ يَسْمَعَ شَخْصًا يَقُولُ: عِنْدِي مَاءٌ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الشِّهَابِ م ر عَلَى شَرْحِ الرَّوْضِ. [فَصْلٌ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ] ِ أَيْ فِي حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ حُكْمَهَا الْوُجُوبُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُغَلَّظَةً أَوْ مُتَوَسِّطَةً أَوْ مُخَفَّفَةً، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْكَيْفِيَّةُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّجَاسَةِ الْوَصْفُ الْمُلَاقِي لِلْمَحَلِّ، سَوَاءٌ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَيْنِيَّةً أَوْ حُكْمِيَّةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْأَعْيَانَ حَتَّى تَكُونَ قَاصِرَةً عَلَى النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي بَيَانِ النَّجَاسَةِ وَإِزَالَتِهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَقْصُودُ الْإِزَالَةُ وَمَا عَدَاهَا تَابِعٌ لَهَا كَمَا قَرَّرَهُ الْعَزِيزِيُّ. وَقَالَ م د: إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْإِزَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهَا بَيَانُ النَّجَاسَةِ. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَإِزَالَتُهَا بِالْمَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 هِيَ لُغَةً كُلُّ مَا يُسْتَقْذَرُ وَشَرْعًا مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ   [حاشية البجيرمي] مِنْ خُصُوصِيَّاتِنَا، فَكَانَتْ قَبْلَنَا تُقْطَعُ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْخَازِنُ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286] يَعْنِي الْيَهُودَ فَمَعْنَاهُ لَا تُشَدِّدْ عَلَيْنَا كَمَا شَدَّدْت عَلَى الْيَهُودِ مِنْ قَبْلِنَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِأَدَاءِ رُبُعِ أَمْوَالِهِمْ زَكَاةً، وَمَنْ أَصَابَ ثَوْبَهُ مِنْهُمْ نَجَاسَةٌ قَطَعَهَا، وَمَنْ أَصَابَ ذَنْبًا أَصْبَحَ وَذَنْبُهُ مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَثْقَالِ، فَسَأَلَ الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُمْ بِرَحْمَتِهِ، وَخَفَّفَ عَنْهُمْ بِفَضْلِهِ وَكَرْمِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَمَا فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مِنْ قَطْعِ جُلُودِهِمْ يُحْمَلُ عَلَى جِلْدِ الْفَرْوَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى أَحَدِهِمْ أَوْ جِلْدِهِمْ، وَلَعَلَّهُ خَاصٌّ بِغَيْرِ مَحَلِّ النَّجْوِ مِنْهُمْ، كَمَا أَنَّ قَبُولَ تَوْبَتِهِمْ بِقَتْلِهِمْ، وَلَهُ تَعَالَى تَكْلِيفُ الْعَبْدِ بِمَا لَا يُطِيقُ. قَالَ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ: إذْ يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمْ قَطْعُ مَحَلِّ خُرُوجِ الْحَاجَةِ عِنْدَ قَضَاءِ كُلِّ حَاجَةٍ اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُجُوبِ إزَالَتِهَا هَلْ هُوَ فَوْرًا أَوْ هُوَ مَعَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ إرَادَةِ نَحْوِ الصَّلَاةِ؟ فَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ إنْ لَمْ يَعْصِ كَأَنْ تَضَمَّخَ بِهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَمِنْهُ التَّضَمُّخُ بِدَمِ الضَّحِيَّةِ وَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ مِنْ تَزْوِيقِ الْأَبْوَابِ بِهِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِزَالَتُهُ وَاجِبَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَخَرَجَ بِغَيْرِ الْحَاجَةِ مَنْ بَالَ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَلَهُ تَنْشِيفُ ذَكَرِهِ بِيَدِهِ، وَمَسْكُهُ بِهَا، وَمَنْ يَنْزَحُ الْأَخْلِيَةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالنَّجِسِ حَيْثُ احْتَاجَ الْأَوَّلُ إلَى النِّيَّةِ دُونَ الثَّانِي؟ قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ الْأُولَى فِعْلٌ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ تَرْكٌ كَتَرْكِ نَحْوِ الزِّنَا، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الصَّوْمُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ تَرْكًا لِإِلْحَاقِهِ بِالْأَفْعَالِ لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ كَفَّ النَّفْسِ وَقَمْعَ الشَّهْوَةِ وَمُخَالَفَةَ الْهَوَى. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. وَعِبَارَةُ ابْنِ شَرَفٍ: وَإِزَالَتُهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ إنْ عَصَى بِسَبَبِهَا بِأَنْ تَضَمَّخَ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا عَصَى بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ فَوْرًا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا عَصَى بِهِ فِي النَّجَاسَةِ أَثَرُهُ بَاقٍ، وَلَا كَذَلِكَ الْجَنَابَةُ اهـ. وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَهَا عَلَى التَّيَمُّمِ كَمَا صَنَعَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّ إزَالَتَهَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ، وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ طَبْعًا فَحَقُّهُ أَنْ يُقَدَّمَ وَضْعًا. وَيُجَابُ: بِأَنَّهُ إنَّمَا اخْتَارَ هَذَا وَأَخَّرَهَا عَنْ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَقُدِّمَ لِلْمُنَاسِبَةِ بِخِلَافِهَا. وَالنَّجَاسَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْمَاءِ، وَقِسْمٌ يُعْفَى عَنْهُ فِيهِمَا، وَقِسْمٌ يُعْفَى عَنْهُ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْمَاءِ وَقِسْمٌ بِالْعَكْسِ؛ فَالْأَوَّلُ مَعْرُوفٌ، وَالثَّانِي مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ فَيُعْفَى عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْمَاءِ، وَالثَّالِثُ قَلِيلُ الدَّمِ يُعْفَى عَنْهُ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْمَاءِ وَفَرَّقَ الرُّويَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَاءَ يُمْكِنُ صَوْنُهُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ. الثَّانِي: أَنَّ غَسْلَ الثَّوْبِ كُلَّ سَاعَةٍ يَقْطَعُهُ بِخِلَافِ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ، وَالرَّابِعُ الْمَيْتَةُ الَّتِي لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ يُعْفَى عَنْهَا فِي الْمَاءِ دُونَ الثَّوْبِ، وَكَذَلِكَ زِبْلُ الْفِئْرَانِ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْمَاءِ الَّذِي فِي بُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ دُونَ الثَّوْبِ حَتَّى لَوْ صَلَّى حَامِلًا لَهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَوْ قِشْرَةَ قَمْلَةٍ، وَأَثَرُ التَّجْمِيرِ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ حَتَّى لَوْ سَالَ مِنْهُ عَرَقٌ وَأَصَابَ الثَّوْبَ أَيْ: فِي الْمَحَلِّ الْمُحَاذِي لِلتَّجْمِيرِ عُفِيَ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ دُونَ الْمَاءِ عَكْسُ مَنْفَذِ الطَّيْرِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَوَقَعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يُنَجِّسْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ حَمَلَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ ذَكَرَهُ، ابْنُ شَرَفٍ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ. . . إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ الْقَلْيُوبِيُّ: النَّجَاسَةُ لَهَا إطْلَاقَانِ تُطْلَقُ عَلَى الْجُرْمِ، وَعَلَى الْوَصْفِ الْقَائِمِ بِالْمَحَلِّ الْمَانِعِ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ، وَشُمُولُ تَعْرِيفِ الشَّارِحِ لِهَذَا بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، فَقَوْلُهُ: مُسْتَقْذَرٌ أَيْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ جُرْمًا أَوْ وَصْفًا. قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ. . . إلَخْ) . إنْ قُلْت: هَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النَّجَاسَةِ، وَإِدْخَالُ الْأَحْكَامِ فِي التَّعْرِيفِ يُوجِبُ الدَّوْرَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ، فَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا وَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ تَعْرِيفِهَا. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ رَسْمٌ وَالرَّسْمُ لَا يَضُرُّ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 (وَكُلُّ مَائِعٍ خَرَجَ مِنْ) أَحَدِ (السَّبِيلَيْنِ) أَيْ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُعْتَادًا كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ أَمْ نَادِرًا كَالْوَدْيِ وَالْمَذْيِ (نَجِسٌ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ أَمْ لَا. لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ، «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جِيءَ لَهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ لِيَسْتَنْجِيَ بِهَا أَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَرَدَّ الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ» وَالرِّكْسُ النَّجِسُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْقَبْرَيْنِ: «أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقِيسَ بِهِ سَائِرُ الْأَبْوَالِ، وَأَمَّا «أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُرَنِيِّينَ   [حاشية البجيرمي] ذَلِكَ. اهـ. شَيْخُنَا. وَاعْتِبَارُ الِاسْتِقْذَارِ هُنَا يُنَافِيهِ اعْتِبَارُ عَدَمِهِ فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: كُلُّ عَيْنٍ حُرِّمَ تَنَاوُلُهَا إلَى أَنْ قَالَ: لَا لِحُرْمَتِهَا وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا اهـ سم. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ حُرْمَةَ تَنَاوُلِهَا لَا لِكَوْنِهَا مُسْتَقْذَرَةً بَلْ لِلنَّجَاسَةِ الَّتِي هِيَ أَبْلَغُ مِنْ الِاسْتِقْذَارِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهَا مُسْتَقْذَرَةً. اهـ. ح ف. قَوْلُهُ: (حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ) الْقَيْدُ لِلْإِدْخَالِ فَيَدْخُلُ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ أَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ مَحْكُومٌ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ بِالتَّنْجِيسِ إلَّا أَنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ، وَيَدْخُلُ أَيْضًا حِلُّ أَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ مَثَلًا، فَإِنَّهُ، وَإِنْ حُلَّ مَحْكُومٌ عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ لَكِنَّهُ أُبِيحَ لَهُ التَّنَاوُلُ لِلضَّرُورَةِ، وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ، وَهُوَ النَّوَوِيُّ عَلَى مَا قِيلَ بِأَنَّهَا كُلُّ عَيْنٍ حُرِّمَ تَنَاوُلُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ مَعَ سُهُولَةِ التَّمْيِيزِ لَا لِحُرْمَتِهَا وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا وَلَا لِضَرَرِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ، فَخَرَجَ بِالْإِطْلَاقِ مَا يُبَاحُ قَلِيلُهُ كَبَعْضِ النَّبَاتَاتِ السُّمِّيَّةِ، فَإِنَّ قَلِيلَهَا يُبَاحُ بِلَا ضَرَرٍ، الِاخْتِيَارِ حَالَةُ الضَّرُورَةِ فَيُبَاحُ فِيهَا تَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ وَبِسُهُولَةِ التَّمْيِيزِ دُودُ الْفَاكِهَةِ وَنَحْوُهَا، فَيُبَاحُ تَنَاوُلُهُ مَعَهَا، وَإِنْ سَهُلَ تَمْيِيزُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ نَظَرًا إلَى أَنَّ شَأْنَهُ عُسْرُ التَّمْيِيزِ، وَلَا يَنْجُسُ فَمُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهُ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّ مَا خُبِزَ بِالسِّرْجِينِ وَنَحْوِهِ لَا يَنْجُسُ الْفَمُ بِأَكْلِهِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْهُ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنَجُّسُ. وَهَذَا الْقَيْدُ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَهُمَا: قَوْلُهُ: حَالَةَ الِاخْتِيَارِ مَعَ سُهُولَةِ التَّمْيِيزِ لِلْإِدْخَالِ لَا لِلْإِخْرَاجِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ أَيْ خَرَجَ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي تَأْثِيرِ الْحُرْمَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ وَخَرَجَ بِلَا لِحُرْمَتِهَا لَحْمُ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ وَإِنْ حُرِّمَ تَنَاوُلُهُ مُطْلَقًا أَيْ كَثُرَ أَوْ قَلَّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ. . . إلَخْ. لَكِنْ لَا لِنَجَاسَتِهِ بَلْ لِحُرْمَتِهِ أَيْ: احْتِرَامِهِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ لَحْمُ الْحَرْبِيِّ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ مَعَ عَدَمِ احْتِرَامِهِ؛ إذْ الْحُرْمَةُ تَنْشَأُ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْأَوْصَافِ الذَّاتِيَّةِ أَوْ الْعَرْضِيَّةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأُولَى لَازِمَةٌ لِلْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَالْحُرْمَةُ الذَّاتِيَّةُ ثَابِتَةٌ لِلْحَرْبِيِّ فَكَانَ طَاهِرًا حَيًّا وَمَيِّتًا حَتَّى يَمْتَنِعَ اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ مِنْهُ، فَالِاسْتِنْجَاءُ كَمَا مَرَّ دُونَ الْحُرْمَةِ الْعَرْضِيَّةِ بِسَبَبِ الْإِيمَانِ وَنَحْوِهِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ فَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ، وَلِذَا لَمْ يُحْتَرَمْ وَلَمْ يُعَظَّمْ، فَلِهَذَا جَازَ إغْرَاءُ الْكِلَابِ عَلَى جِيفَتِهِ، وَخَرَجَ بِلَا لِاسْتِقْذَارِهَا مَا حُرِّمَ تَنَاوُلُهُ لَا لِمَا تَقَدَّمَ بَلْ لِاسْتِقْذَارِهِ كَمُخَاطٍ وَمَنِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ بِنَاءً عَلَى حُرْمَةِ أَكْلِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِلَا لِضَرَرِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ مَا ضَرَّ الْعَقْلَ كَالْأَفْيُونِ وَالزَّعْفَرَانِ أَوْ الْبَدَنَ كَالسُّمَيَّاتِ وَالتُّرَابِ وَسَائِرِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ ضَرَّهُ ذَلِكَ، وَلَوْ شَكَّ فِي شَيْءٍ هَلْ هُوَ ضَارٌّ أَوْ لَا؟ يَنْبَغِي الْحِلُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّهْيِ م ر وع ش. قَوْلُهُ: (مَائِعٍ) خَرَجَ بِالْمَائِعِ الرِّيحُ فَطَاهِرٌ، وَالْجَامِدُ فَقَدْ يَكُونُ نَجِسًا كَالْغَائِطِ الْجَامِدِ وَالْبَعْرِ، وَقَدْ يَكُونُ طَاهِرَ الْعَيْنِ كَالْحَصَى وَالدُّودِ وَالْبَيْضِ، فَفِي مَفْهُومِ مَائِعٍ تَفْصِيلٌ فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَرَوْثَةٍ) وَكَانَتْ رَوْثَةَ حِمَارٍ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ. قَوْلُهُ: (لِيَسْتَنْجِيَ بِهَا) أَيْ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (وَرَدَّ الرَّوْثَةَ) ثُمَّ بَعْدَ أَنْ رَدَّهَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ جِيءَ لَهُ بِحَجَرٍ ثَالِثٍ أَوْ كَانَ أَحَدُ الْحَجَرَيْنِ لَهُ طَرَفَانِ. قَوْلُهُ: «هَذَا رِكْسٌ» ) وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ رِكْسَةٌ إشَارَةٌ إلَى جِنْسِ هَذِهِ الرَّوْثَةِ، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ رِكْسَةٌ لَتُوُهِّمَ أَنَّهُ قَدْ لَا يَشْمَلُ غَيْرَهَا. اهـ. م د. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ هَذَا أَيْ نَوْعُ هَذَا فَيَشْمَلُ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْوَاثِ اهـ. وَلَمْ يَسْتَدِلَّ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِذَلِكَ، بَلْ قَاسَ الرَّوْثَةَ عَلَى الْبَوْلِ بِجَامِعِ اسْتِحَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْبَاطِنِ لِوُرُودِ الدَّلِيلِ فِي الْبَوْلِ فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ: صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا» قَالَ بَعْضُ حَوَاشِيهِ: وَلَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى نَجَاسَةِ الرَّوْثِ بِمَا وَرَدَ فِيهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ حِينَ جَاءَ لَهُ بِحَجَرَيْنِ. . . إلَخْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا دَلِيلٌ خَاصٌّ فَهِيَ قَضِيَّةٌ شَخْصِيَّةٌ، فَلَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ دَلِيلًا عَلَى عُمُومِ جَمِيعِ الْأَرْوَاثِ، فَالدَّلِيلُ عَلَى نَجَاسَتِهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْبَوْلِ أَوْلَى لِأَجْلِ هَذَا الْإِيهَامِ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلَهُ: (وَقَوْلُهُ) عَطْفٌ عَلَى الْأَحَادِيثِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. قَوْلُهُ: (فِي حَدِيثِ الْقَبْرَيْنِ) اللَّذَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ» ، فَكَانَ لِلتَّدَاوِي وَالتَّدَاوِي بِالنَّجِسِ جَائِزٌ عِنْدَ فَقْدِ الطَّاهِرِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» فَمَحْمُولٌ عَلَى الْخَمْرِ. وَالْمَذْيُ وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ بِلَا شَهْوَةٍ قَوِيَّةٍ عِنْدَ ثَوَرَانِهَا. وَالْوَدْيُ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ ثَخِينٌ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ أَوْ عِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ. تَنْبِيهٌ: فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ: وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ بِإِسْقَاطِ مَائِعٍ فَمَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ أَيْ كُلُّ شَيْءٍ. فَائِدَةٌ: هَذِهِ الْفَضَلَاتُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَاهِرَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ   [حاشية البجيرمي] يُعَذَّبُ مَنْ فِيهِمَا. «قَالَ النَّبِيُّ: وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ» أَيْ مِنْ شَيْءٍ كَبِيرٍ عِنْدَ النَّاسِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا أَحَدُهُمَا) أَيْ صَاحِبُ الْقَبْرَيْنِ أَيْ: وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. قَوْلُهُ: (وَقِيسَ بِهِ) أَيْ بِالْبَوْلِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ بَوْلُ الْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَقِيسَ بِهِ، وَالْعُرَنِيِّينَ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ تَحْتِيَّتَيْنِ جَمْعُ عُرَنِيٍّ نِسْبَةً إلَى بَطْنٍ مِنْ تَمِيمٍ يُقَالُ لَهَا عُرَنَةُ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ «أَتَوْا الْمَدِينَةَ فَاسْتَوْخَمُوهَا فَكَرِهُوا الْإِقَامَةَ بِهَا لِتَمَرُّضِهِمْ فِيهَا، فَأَمَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ فَشَرِبُوهَا فَشُفُوا مِنْ أَمْرَاضِهِمْ، فَقَتَلُوا الرُّعَاةَ وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ وَذَهَبُوا بِهَا، فَأَرْسَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطْلُبُهُمْ فَجِيءَ بِهِمْ وَفَعَلَ بِهِمْ مِثْلَ مَا فَعَلُوا بِالرُّعَاةِ مِنْ التَّمْثِيلِ، وَرَمَاهُمْ بِالْحَرَّةِ وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ» . قَوْلُهُ: (وَالتَّدَاوِي بِالنَّجِسِ) وَلَوْ صِرْفًا مَا لَمْ يَكُنْ خَمْرًا فَلَا يَجُوزُ بِالصِّرْفِ مِنْهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (فَمَحْمُولٌ عَلَى الْخَمْرِ) أَيْ الصِّرْفُ. أَمَّا الْمُمْتَزِجَةُ بِغَيْرِهَا فَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا بِشَرْطِهِ كَمَا قَالَهُ اج. وَهُوَ إزَالَةُ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَالْمَذْيُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَاءٌ وَقَوْلُهُ وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ قَوْلُهُ أَبْيَضُ عِبَارَةُ حَجّ أَصْفَرُ غَالِبًا اهـ وَقِيلَ أَبْيَضُ ثَخِينٌ فِي الشِّتَاءِ وَأَصْفَرُ رَقِيقٌ فِي الصَّيْفِ قَوْلُهُ ثَخِينٌ أَيْ غَالِبًا. وَفِي كُلٍّ مِنْ الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ سِتُّ لُغَاتٍ إهْمَالُ الدَّالِ السَّاكِنَةِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَمَكْسُورَةٌ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا، وَإِعْجَامُ الذَّالِ مَعَ الثَّلَاثَةِ. وَحَاصِلُ مَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِمَاعِ، وَأَفْتَى م ر بِحُرْمَةِ جِمَاعِ مَنْ تَنَجَّسَ ذَكَرُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ، وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ السَّلَسِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إذَا لَمْ تَسْتَنْجِ أَوْ تَغْسِلْ فَرْجَهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا تَمْكِينُ الزَّوْجِ قَبْلَ غَسْلِهِ، وَكَذَا هُوَ لَوْ كَانَ مُسْتَجْمِرًا بِالْحَجَرِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ جِمَاعُهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ، وَلَا تَصِيرُ بِالِامْتِنَاعِ نَاشِزَةً، وَعَلَيْهِ فَلَوْ فَقَدَ الْمَاءَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ، وَلَا يَكُونُ فَقْدُهُ عُذْرًا فِي جَوَازِهِ، نَعَمْ إنْ خَافَ الزِّنَا اتَّجَهَ أَنَّهُ عُذْرٌ فَيَجُوزُ الْوَطْءُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَجْمِرُ بِالْحَجَرِ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُسْتَجْمِرًا بِالْحَجَرِ وَهِيَ بِالْمَاءِ كَمَا قَالَهُ ع ش وَقِ ل. قَوْلُهُ: (ثَخِينٌ) أَيْ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (بِإِسْقَاطِ مَائِعٍ) الْأَوْلَى كَمَا قَالَ ق ل. أَنْ يَقُولَ بَدَلَ مَائِعٍ أَيْ لِإِيهَامِ الْجَمْعِ فِي النُّسَخِ الْأُخْرَى بَيْنَ كُلٍّ مِنْ مَاءٍ وَمَائِعٍ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ مَا لَا يَجْتَمِعُ مَعَ مَائِعٍ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِالْإِسْقَاطِ التَّرْكُ أَيْ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِهِ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (هَذِهِ الْفَضَلَاتُ) أَيْ الْمَأْخُوذَةُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَجِسٌ. . . إلَخْ. وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا تَقْيِيدُ عُمُومِ الْمَتْنِ فِي قَوْلِهِ: وَكُلُّ مَائِعٍ خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَجِسٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ تَشْرِيفًا لِمَقَامِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا إذَا وُجِدَتْ فِيهَا شُرُوطُ الْحَجَرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِ الْبَوْلِ، وَلَا يَجُوزُ أَكْلُهَا، وَيَجُوزُ وَطْؤُهَا بِالرِّجْلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ زَمَنِ النُّبُوَّةُ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَكْلُهَا) أَيْ إذَا اسْتَقْذَرَهَا. وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ لِلتَّبَرُّكِ فَلَا يَحْرُمُ كَمَا وَقَعَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ شُرْبِهِ دَمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ: وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْمُتَتَبِّعِينَ لِأَخْبَارِهِ وَشَمَائِلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ «أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَغَوَّطَ انْشَقَّتْ الْأَرْضُ فَابْتَلَعَتْ غَائِطَهُ وَبَوْلَهُ، وَفَاحَتْ لِذَلِكَ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ الْعَلَّامَةُ مُلَّا عَلِيٌّ قَارِي فِي شَرْحِهِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا: ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ: إنَّهُ مَوْضُوعٌ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ مِنْ مَوْضُوعَاتِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلْوَانَ. قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَالتَّحْقِيقِ مِنْ النَّجَاسَةِ «لِأَنَّ بَرَكَةَ الْحَبَشِيَّةَ شَرِبَتْ بَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَنْ تَلِجَ النَّارَ بَطْنُك» صَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ: دَمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ «أَبَا طَيْبَةَ شَرِبَهُ وَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ غُلَامٌ حِينَ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَ حِجَامَتِهِ لِيَدْفِنَهُ فَشَرِبَهُ، فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ خَالَطَ دَمُهُ دَمِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ» . فَائِدَةٌ أُخْرَى: اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي حَصَاةٍ تَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَتُسَمَّى عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالْحَصْيَةِ هَلْ هِيَ نَجِسَةٌ أَمْ مُتَنَجِّسَةٌ تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهَا مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ إنْ أَخْبَرَ طَبِيبٌ عَدْلٌ بِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ مِنْ الْبَوْلِ فَهِيَ نَجِسَةٌ، وَإِلَّا فَمُتَنَجِّسَةٌ، (إلَّا) (الْمَنِيَّ) فَطَاهِرٌ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَفَرْعَ أَحَدِهِمَا: أَمَّا مَنِيُّ الْآدَمِيِّ   [حاشية البجيرمي] الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ: وَقَدْ وَقَعَ لِوَاعِظٍ ذِكْرُ صِفَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَهُ لِمَنْ يَعِظُهُمْ إنَّ بَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكُمْ اهـ. وَهُوَ صَحِيحٌ وَصَوَابٌ وَيُوَجَّهُ بِأُمُورٍ مِنْهَا: أَنَّ هَذَا الْوَاعِظَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ أَرْبَابِ الْكَشْفِ، وَقَدْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رِيَاءٍ فِي صَلَاتِهِمْ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ بَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْتَشْفَى بِهِ فَهُوَ نَافِعٌ وَصَلَاتُهُمْ غَيْرُ مُحَقِّقَةٍ الْقَبُولَ، فَبِهَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ صَارَ بَوْلُهُ خَيْرًا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَخْيَرِيَّةَ بِاعْتِبَارِ النِّسْبَةِ، فَبَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ النِّسْبَةُ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهِمْ مِنْ حَيْثُ نِسْبَتُهَا إلَيْهِمْ اهـ اج. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بَرَكَةَ الْحَبَشِيَّةَ) وَهِيَ جَارِيَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ وَاسْمُهَا أُمُّ أَيْمَنَ. قَوْلُهُ: (لَنْ تَلِجَ) أَيْ تَدْخُلَ؛ لِأَنَّ الْوُلُوجَ الدُّخُولُ أَيْ: وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَنَهَاهَا عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهَا بِغَسْلِ فَمِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا عَلَى خَطَأٍ، وَهَذَا وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَبَا طَيْبَةَ) هُوَ حَاجِمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (عَدْلٌ) أَيْ عَدْلٌ رِوَايَةً، وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) تَحْتَهَا صُورَتَانِ أَخْبَرَ بِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ مِنْ غَيْرِ الْبَوْلِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ. قَوْلُهُ: (إلَّا الْمَنِيَّ فَطَاهِرٌ) وَلَوْ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ إنْ خَرَجَ مِنْ طَرِيقِهِ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ فَيَكُونُ نَجِسًا. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ بِنَجَاسَةِ الْمَنِيِّ مِنْ الْآدَمِيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: إنَّهُ طَاهِرٌ. زَادَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَا مَنِيُّ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٌ؛ وَأَمَّا حُكْمُ التَّنَزُّهِ عَنْهُ فَيَجِبُ غَسْلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ رَطْبًا وَيَابِسًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُغْسَلُ رَطْبًا وَيُفْرَكُ يَابِسًا كَمَا وَرَدَ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ كَوْنُهُ يَخْرُجُ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ اللَّهِ غَالِبًا، فَلَا يَكَادُ الشَّخْصُ يَذْكُرُ أَنَّهُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ تَعُمُّ جَسَدَهُ الْغَفْلَةُ تَبَعًا لِعُمُومِ اللَّذَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّذَّةَ النَّفْسَانِيَّةَ تُمِيتُ كُلَّ مَحَلٍّ مَرَّتْ عَلَيْهِ، وَمِنْ هُنَا أَمَرَنَا الشَّارِعُ بِالْغُسْلِ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ لِكُلِّ الْبَدَنِ إنْعَاشًا لِلْبَدَنِ الَّذِي فَتَرَ وَضَعُفَ مِنْ شِدَّةِ الْحِجَابِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَكُلُّ مَا حَجَبَ عَنْ اللَّهِ فَهُوَ رِكْسٌ عِنْدَ الْأَكَابِرِ بِخِلَافِ الْأَصَاغِرِ، فَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ خَاصٌّ بِالْأَكَابِرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ خَاصٌّ بِعَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ، فَلِذَلِكَ غَسَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَارَةً وَفَرَكَهُ أُخْرَى تَشْرِيعًا لِلْأَكَابِرِ وَالْأَصَاغِرِ، فَافْهَمْ، شَعْرَانِيٌّ فِي الْمِيزَانِ. وَيَنْجُسُ الْمَنِيُّ مِنْ الْمُسْتَنْجِي بِالْأَحْجَارِ، وَلِهَذَا حَرُمَ عَلَى الْمُسْتَنْجِي الْمَذْكُورِ أَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (أَمَّا مَنِيُّ الْآدَمِيِّ) أَيْ الَّذِي يُمْكِنُ بُلُوغُهُ بِأَنْ اسْتَكْمَلَ تِسْعَ سِنِينَ أَيْ تَحْدِيدِيَّةٍ، أَمَّا مَنْ لَمْ يُمْكِنْ بُلُوغُهُ بِأَنْ رَآهُ دُونَ التِّسْعِ فَنَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنِيٍّ، وَلَا فَرْقَ فِي طَهَارَةِ مَنِيِّ الْآدَمِيِّ بَيْنَ مَنِيِّ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَالْخُنْثَى بِشَرْطِ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ مَنِيًّا اهـ اج. وَأَمَّا اللَّبَنُ فَطَاهِرٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَلَوْ بِنْتَ يَوْمٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ اللَّبَنِ وَالْمَنِيِّ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللَّبَنِ التَّغَذِّي، وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَمَا بَعْدَهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَنِيِّ الِانْعِقَادُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْبُلُوغِ. فَائِدَةٌ: اللَّبَنُ أَفْضَلُ مِنْ عَسَلِ النَّحْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ، وَاللَّحْمُ أَفْضَلُ مِنْهُ كَمَا اعْتَمَدَهُ ابْنُ الرَّمْلِيِّ خِلَافًا لِوَالِدِهِ شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ: وَاللَّحْمُ. . . إلَخْ أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَيِّدُ أُدُمِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ» وَلِقَوْلِهِ أَيْضًا: «أَفْضَلُ طَعَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ» اهـ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ. وَلِلْقَلْبِ فَرْحَةٌ عِنْدَ أَكْلِهِ، وَفِي الْإِحْيَاءِ لِلْغَزَالِيِّ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ مُدَاوَمَةَ أَكْلِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تُورِثُ قَسْوَةَ الْقَلْبِ وَتَرْكُهُ فِيهَا يُورِثُ سُوءَ الْخُلُقِ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الَأُجْهُورِيُّ بِقَوْلِهِ: وَأَكْلُك لَحْمًا أَرْبَعِينَ عَلَى الْوِلَايَة ... يُقَسِّي فُؤَادًا بِالسُّرُورِ الَّذِي حَصَلْ وَيُورِثُ سُوءَ الْخُلْقِ تَرْكٌ لَهُ بِهَا ... وَخَوْفُ جُذَامٍ ذَا بِالْإِحْيَاءِ قَدْ نُقِلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 فَلِحَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: أَنَّهَا كَانَتْ تَحُكُّ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنِيُّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَلِأَنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فَأَشْبَهَ مَنِيَّ الْآدَمِيِّ. وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْمَنِيِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَالْبَيْضُ الْمَأْخُوذُ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ طَاهِرٌ، وَكَذَا الْمَأْخُوذُ مِنْ مَيْتَةٍ إنْ تَصَلَّبَ وَبَزْرُ الْقَزِّ وَهُوَ الْبَيْضُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ دُودُ الْقَزِّ، وَلَوْ اسْتَحَالَتْ الْبَيْضَةُ دَمًا فَهِيَ طَاهِرَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَنْقِيحِهِ هُنَا، وَصَحَّحَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْهُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ، وَالْأَوْجُهُ حَمْلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا لَمْ تَسْتَحِلْ حَيَوَانًا وَالْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ. وَقَوْلُهُ: وَغَسْلُ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ وَاجِبٌ أَيْ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ أَرَادَ بِهِ النَّجَاسَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ النَّجَاسَةَ الْمُخَفَّفَةَ وَالْمُغَلَّظَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَكْفِي غَسْلُ ذَلِكَ مَرَّةً لِحَدِيثِ: «كَانَتْ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْبَوْلِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُ اللَّهَ حَتَّى جُعِلَتْ الصَّلَاةُ خَمْسًا، وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ مَرَّةً وَغُسْلُ الْبَوْلِ مَرَّةً» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ، وَأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَبِّ ذَنُوبٍ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيُّ، وَذَلِكَ فِي حُكْمِ غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ حُجَّةُ الْوُجُوبِ. تَنْبِيهٌ: النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ حُكْمِيَّةٍ وَعَيْنِيَّةٍ، فَالْحُكْمِيَّةُ كَبَوْلٍ جَفَّ، وَلَمْ يُدْرَكْ لَهُ صِفَةٌ، يَكْفِي جَرْيُ الْمَاءِ عَلَيْهَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (تَحُكُّ الْمَنِيَّ) أَيْ مَنِيَّهَا أَوْ الْمُخْتَلَطَ مَنِيُّهُمَا مَعًا ق ل؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْصُومًا مِنْ الِاحْتِلَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ مَنِيِّ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَاهِرَةٌ. وَفِي الْخَصَائِصِ: وَمَا احْتَلَمَ نَبِيٌّ قَطُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تُلَاعِبُ الشَّيْطَانِ، وَلَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ سَبْعٍ: مِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَمَطَّى؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) أَيْ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ. قَوْلُهُ: (غَسْلُ الْمَنِيِّ) أَيْ غَسْلُ مُصَابِهِ. وَقَوْلُهُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ أَيْ فِي الْغُسْلِ. قَوْلُهُ: (وَالْبَيْضُ) وَلَوْ مِنْ الْقَمْلِ وَبَيْضَةُ الضِّئْبَانِ وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ إلَّا مِنْ النَّمْلِ فَهُوَ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ) كَحِدَأَةٍ وَغُرَابٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْبَيْضَةُ الْخَالِيَةُ عَنْ الرُّطُوبَةِ طَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَبَزْرُ الْقَزِّ) لَوْ قَالَ وَمِنْهُ بَزْرُ الْقَزِّ لَكَانَ حَسَنًا. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ هَذَا) أَيْ الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهَا عَلَى مَا إذَا لَمْ تَسْتَحِلْ حَيَوَانًا أَيْ لَمْ تَصْلُحْ لِلتَّخَلُّقِ بِأَنْ فَسَدَتْ. وَقَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ) أَيْ وَحَمْلُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِطَهَارَتِهَا عَلَى خِلَافِهِ أَيْ عَلَى مَا إذَا صَلَحَتْ لِلتَّخَلُّقِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَلَوْ اسْتَحَالَتْ الْبَيْضَةُ دَمًا وَصَلَحَ لِلتَّخَلُّقِ فَطَاهِرَةٌ وَإِلَّا فَلَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَرَادَ بِهِ النَّجَاسَةَ وَأَنَّ فِي قَصْرِ الشَّارِحِ كَلَامَ الْمَاتِنِ عَلَى النَّجَاسَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ، وَقَدْ قَالَ فِيمَا يَأْتِي إلَّا بَوْلَ الصَّبِيِّ أَيْ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ، بَلْ يَكْفِي النَّضْحُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ لَا مَدْلُولِ الْعِبَارَةِ، وَعُذْرُ الشَّارِحِ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ بَيَانُ غَسْلِ الْمُغَلَّظَةِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَا يَأْتِي تَفْصِيلٌ لِمَا أَجْمَلَ هُنَا م د. قَوْلُهُ: (وَغَسْلُ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ. . . إلَخْ) . إنْ قُلْت: الْأَبْوَالُ وَالْأَرْوَاثُ أَعْيَانٌ نَجِسَةٌ وَهِيَ لَا تُغْسَلُ. قُلْت: التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ وَغَسْلُ مُصَابِ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ. . . إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَاجِبٌ) أَيْ فَوْرًا إنْ عَصَى بِالتَّنْجِيسِ كَأَنْ يُلَطِّخَ الْمُكَلَّفُ بِشَيْءٍ مِنْهَا بَدَنَهُ بِلَا حَاجَةٍ خُرُوجًا مِنْ الْمَعْصِيَةِ، وَإِلَّا كَأَنْ أَصَابَهُ بِلَا قَصْدٍ وَلَوْ مُغَلَّظًا كَمَا اقْتَضَاهُ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ، أَوْ مِنْ نَحْوِ فَصْدٍ أَوْ وَطْءِ مُسْتَحَاضَةٍ، وَلَوْ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ أَوْ لَبِسَ ثَوْبًا مُتَنَجِّسًا وَعَرَقَ فِيهِ فَعِنْدَ إرَادَةِ نَحْوِ الصَّلَاةِ أَوْ الطَّوَافِ يَجِبُ الْغُسْلُ اهـ سم. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِ) يَشْمَلُ الْغَيْرُ الْآدَمِيَّ، لَكِنَّ إطْلَاقَ الرَّوْثِ عَلَى عَذِرَتِهِ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ. قَوْلُهُ: (أَرَادَ بِهِ النَّجَاسَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ) أَيْ فَذِكْرُ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ مِثَالٌ، وَلِذَا عَطَفَ سم عَلَيْهَا قَوْلَهُ: وَكُلُّ نَجِسٍ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ قَالَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ. . . إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَأَمْرِهِ) عَطْفٌ عَلَى حَدِيثٍ مِنْ قَوْلِهِ لِحَدِيثِ: كَانَتْ الصَّلَاةُ. . . إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِصَبِّ ذَنُوبِ) أَيْ مَظْرُوفِ ذَنُوبٍ. قَوْلُهُ: (الْأَعْرَابِيِّ) اسْمُهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ لَا الْيَمَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْخَوَارِجِ ضِئْضِئًا أَيْ رَئِيسًا كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الْبَوْلِ حُجَّةُ الْوُجُوبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ: كَانَتْ الصَّلَاةُ إلَخْ. فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى النَّدْبِ. [تَنْبِيهٌ النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ حُكْمِيَّةٍ وَعَيْنِيَّةٍ] قَوْلُهُ: (كَبَوْلٍ جَفَّ) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 مَرَّةً وَالْعَيْنِيَّةُ يَجِبُ إزَالَةُ صِفَاتِهَا مِنْ طَعْمٍ وَلَوْنٍ وَرِيحٍ إلَّا مَا عَسِرَ زَوَالُهُ مِنْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، فَلَا يَجِبُ إزَالَتُهُ بَلْ يَطْهُرُ الْمَحَلُّ، أَمَّا إذَا اجْتَمَعَا فَتَجِبُ إزَالَتُهُمَا مُطْلَقًا لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا بَقَاءُ الطَّعْمِ وَحْدَهُ وَإِنْ عَسِرَ زَوَالُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنْ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا بَقِيَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَإِنْ بَقِيَا مُتَفَرِّقَيْنِ لَمْ يَضُرَّ، وَلَا تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ فِي زَوَالِ الْأَثَرِ بِغَيْرِ الْمَاءِ إلَّا إنْ تَعَيَّنَتْ، وَشَرْطُ وُرُودِ الْمَاءِ إنْ قَلَّ لَا إنْ كَثُرَ عَلَى الْمَحَلِّ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ لَوْ   [حاشية البجيرمي] بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُدْرَكْ لَهُ صِفَةٌ) مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، سَوَاءٌ كَانَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ لِخَفَاءِ أَثَرِهَا بِالْجَفَافِ كَبَوْلٍ جَفَّ، وَلَا أَثَرَ لَهُ وَلَا رِيحَ تُذْهِبُ وَصْفَهُ، أَمْ لَا، لِكَوْنِ الْمَحَلِّ صَقِيلًا لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ كَالْمِرْآةِ وَالسَّيْفِ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (يَكْفِي جَرْيُ الْمَاءِ عَلَيْهَا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ كَمَطَرٍ. قَوْلُهُ: (مَرَّةً) وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ أَنَّ انْتِصَابَ مَرَّةً فِي مِثْلِ قَوْلِنَا ضَرَبْته مَرَّةً عَلَى الظَّرْفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ اهـ اط ف. قَوْلُهُ: (يَجِبُ إزَالَةُ صِفَاتِهَا) أَيْ بَعْدَ إزَالَةِ جُرْمِهَا ق ل. وَإِزَالَةُ الصِّفَاتِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِبَارُهَا بِالشَّمِّ وَالْبَصَرِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا عَلَى الْأَعْمَى، وَمَنْ بِعَيْنِهِ رَمَدٌ أَنْ يَسْأَلَ بَصِيرًا هَلْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ أَوْ لَا؟ كَمَا فِي ح ل. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَلَوْ زَالَ شَمُّهُ أَوْ بَصَرُهُ خِلْقَةً أَوْ لِعَارِضٍ لَمْ يَلْزَمْهُ سُؤَالُ غَيْرِهِ أَنْ يَشُمَّ أَوْ يَنْظُرَ لَهُ. قَوْلُهُ: (إلَّا مَا عَسِرَ زَوَالُهُ) وَضَابِطُ الْعُسْرِ قَرْضُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مَعَ الِاسْتِعَانَةِ الْآتِيَةِ. اهـ. ق ل. وَالْقَرْضُ هُوَ الْحَتُّ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ لَوْنٍ) كَلَوْنِ الدَّمِ أَوْ رِيحٍ كَرِيحِ الْخَمْرِ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ بِالْمُبَالَغَةِ بِنَحْوِ الْحَتِّ وَالْقَرْضِ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظَةٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الثَّوْبُ وَالْأَرْضُ وَالْإِنَاءُ. وَقَوْلُهُ: (بَلْ يَطْهُرُ الْمَحَلُّ) أَيْ طُهْرًا حَقِيقِيًّا لَا أَنَّهُ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ حَتَّى لَوْ أَصَابَهُ بَلَلٌ لَمْ يَتَنَجَّسْ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِلْغُسْلِ إلَّا الطَّهَارَةُ وَالْأَثَرُ الْبَاقِي مِمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا، فَلَوْ عَسِرَتْ إزَالَةُ لَوْنِ نَحْوِ دَمٍ مُغَلَّظٍ أَوْ رِيحِهِ طَهُرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي خَادِمِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْفَ عَنْ قَلِيلِ دَمِهِ لِسُهُولَةِ إزَالَةِ جُرْمِهِ. اهـ. شَرْحُ م ر بِحُرُوفِهِ، وَا ط ف. وَخَرَجَ مَا سَهُلَ زَوَالُهُ فَلَا يَطْهُرُ مَعَ بَقَائِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ. وَحَاصِلُ صُوَرِ النَّجَاسَةِ: ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ صُورَةً فِي الْعَيْنِيِّ، مِنْهَا خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ فِي الْمَحَلِّ إمَّا الْجُرْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ أَوْ الطَّعْمُ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، أَوْ اثْنَانِ مِنْهَا. وَفِيهِ سِتُّ صُوَرٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا، وَفِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ أَوْ الْجَمِيعُ وَهِيَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ؛ فَهَذِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ صُورَةً، وَكُلُّهَا فِي الْمُغَلَّظَةِ وَالْمُخَفَّفَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ. وَفِي الْحُكْمِيَّةِ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهَا إمَّا مُغَلَّظَةٌ أَوْ مُخَفَّفَةٌ أَوْ مُتَوَسِّطَةٌ؛ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (فَتَجِبُ إزَالَتُهُمَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَسِرَ أَوْ لَمْ يَعْسَرْ وَمَعْنَى الْوُجُوبِ فِيمَا إذَا عَسِرَ أَنَّهُ إذَا تَيَسَّرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إزَالَتُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعِلَاجُ، وَأَمَّا الْمَحَلُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيُعْفَى عَنْهُ إنْ تَعَذَّرَتْ الْإِزَالَةُ لِلضَّرُورَةِ وَيُصَلِّي بِهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا قَطْعُ الْمَحَلِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَقَوْلُهُ: وَيُصَلِّي بِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ أَوْ فِي الثَّوْبِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْبَدَنِ، فَالْحُكْمُ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الثَّوْبِ وَجَبَ نَزْعُهُ وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ، بَلْ يُصَلِّي بِدُونِهِ وَلَوْ عَارِيًّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ اهـ. قَوْلُهُ: (لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا. . . إلَخْ) لَكِنْ إذَا تَعَذَّرَ عُفِيَ عَنْهُمَا مَا دَامَ التَّعَذُّرُ وَتَجِبُ إزَالَتُهُمَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَلَا تَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ مَعَهُمَا، وَكَذَا يُقَالُ فِي الطَّعْمِ ق ل. وَيَحِلُّ ذَوْقُ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُ طَعْمِهَا لِلْحَاجَةِ مُنَاوِيٌّ. وَسُئِلَ م ر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ صَبَّاغٍ يَصْبُغُ الْغَزْلَ بِمَاءِ الْفُوَّةِ وَدَمِ الْمَعْزِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَغْسِلُهُ غَسْلًا جَيِّدًا حَتَّى يَصْفُوَ مَاؤُهُ وَتَبْقَى الْحُمْرَةُ فِي الْغَزْلِ، فَهَلْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يُعْفَى عَنْ لَوْنٍ عَسِرَ زَوَالُهُ أَوْ لَا؟ . فَأَجَابَ: نَعَمْ يُعْفَى عَنْ لَوْنٍ عَسِرَ زَوَالُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (بَقَاءُ الطَّعْمِ) وَتَقَدَّمَ فِي الْأَوَانِي أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِيهَا جَوَازُ الذَّوْقِ، وَأَنَّ مَحَلَّ مَنْعِهِ إذَا تَحَقَّقَ وُجُودُهَا فِيمَا يُرِيدُ ذَوْقَهُ أَوْ انْحَصَرَتْ فِيهِ شَرْحُ م ر. فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ كَيْفَ يُعْرَفُ بَقَاءُ الطَّعْمِ مَعَ حُرْمَةِ ذَوْقِ النَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ: (فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ) أَيْ وَمِنْ نَجَاسَةٍ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ فِي زَوَالِ الْأَثَرِ) أَيْ مِنْ الطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الرِّيحِ، أَوْ هُمَا بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنْ نَحْوِ صَابُونٍ أَوْ أُشْنَانٍ إلَّا إنْ تَعَيَّنَتْ أَيْ: الِاسْتِعَانَةُ بِأَنْ تَوَقَّفَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 عَكَسَ فَلَا يَطْهُرُ الْمَحَلُّ، وَالْغُسَالَةُ الْقَلِيلَةُ الْمُنْفَصِلَةُ بِلَا تَغَيُّرٍ وَبِلَا زِيَادَةِ وَزْنٍ بَعْدَ اعْتِبَارِ مَا يَتَشَرَّبُهُ الْمَحَلُّ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ،   [حاشية البجيرمي] إزَالَةُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذُكِرَ وَالتَّوَقُّفُ بِحَسَبِ ظَنِّ الْمُطَهِّرِ إنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ، وَإِلَّا سَأَلَ خَبِيرًا. فَإِنْ قُلْت: حَيْثُ أَوْجَبْتُمْ الِاسْتِعَانَةَ فِي زَوَالِ الْأَثَرِ بِمَا تَوَقَّفَ زَوَالُهَا عَلَيْهِ، فَمَا مَحَلُّ قَوْلِهِمْ: يُعْفَى عَنْ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ دُونَ الطَّعْمِ مَعَ اسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي وُجُوبِ إزَالَةِ الْأَثَرِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى غَيْرِ الْمَاءِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ بِمَا ذَكَرَ فِي الْجَمِيعِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَزُلْ بِذَلِكَ وَبَقِيَ اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ حَكَمْنَا بِالطَّهَارَةِ، وَإِنْ بَقِيَا مَعًا أَوْ بَقِيَ الطَّعْمُ وَحْدَهُ عُفِيَ عَنْهُ فَقَطْ إنَّ تَعَذَّرَ لَا أَنَّهُ يَصِيرُ طَاهِرًا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِالطَّهَارَةِ، وَقَدَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى إزَالَتِهِ لَمْ تَجِبْ وَإِنْ قُلْنَا بِالْعَفْوِ وَجَبَتْ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ إلَخْ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ جُرْمُ النَّجَاسَةِ مَوْجُودًا فِي نَحْوِ الثَّوْبِ، وَإِلَّا فَيَتَنَجَّسُ الْمَاءُ بِمُجَرَّدِ وُرُودِهِ عَلَى الْمَحَلِّ، وَهَذَا بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْمَحَلِّ مُتَعَلِّقٌ بِوُرُودِهِ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ مَاءٍ قَلَّ أَيْ: عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْضًا وَعِبَارَةُ شَرْحُ م ر. وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ عَلَى مَحَلِّهَا إنْ كَانَ قَلِيلًا لَا الْعَصْرُ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيمَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ ثَوْبٌ فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ وَوَضَعَهُ فِي الْإِنَاءِ لِيَغْسِلَهُ وَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَالْحَالُ أَنَّ دَمَ الْبَرَاغِيثِ لَهُ جُرْمٌ فَلَا يَطْهُرُ ذَلِكَ الثَّوْبُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَتَنَجَّسُ بِوَضْعِهِ عَلَى عَيْنِ النَّجَاسَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ عَيْنِ الدَّمِ ثُمَّ صَبِّ مَاءٍ عَلَيْهِ يَغْمُرُهُ، وَهَذَا إذَا أُرِيدَ تَطْهِيرُ الثَّوْبِ مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ فَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ اللَّوْنِ إنْ عَسِرَ زَوَالُهُ، أَمَّا إذَا أُرِيدَ تَنْظِيفُهُ مِنْ الْوَسَخِ فَلَا يَضُرُّ وَضْعُ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَقِيَ لَوْنُ الدَّمِ شَوْبَرِيٌّ. مُلَخَّصًا. وَعِبَارَةُ ع ش، فَرْعٌ: إذَا غَسَلَ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ لِأَجْلِ تَنْظِيفِهِ مِنْ الْأَوْسَاخِ، وَلَوْ نَجِسَةً لَمْ يَضُرَّ بَقَاءُ الدَّمِ فِيهِ، وَيُعْفَى عَمَّا أَصَابَهُ مِنْ هَذَا الدَّمِ، وَأَمَّا إذَا قَصَدَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ الَّتِي هِيَ دَمُ الْبَرَاغِيثِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ أَثَرِ الدَّمِ إلَّا إذَا تَعَسَّرَ فَيُعْفَى عَنْ اللَّوْنِ. قَوْلُهُ: (لَا إنْ كَثُرَ) ذَكَرَهُ لِلْإِيضَاحِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَحَلِّ) كَإِنَاءٍ مُتَنَجِّسٍ كُلِّهِ فَوُضِعَ فِيهِ مَاءٌ وَأُدِيرَ عَلَيْهِ فَيَطْهُرُ كُلُّهُ مَا لَمْ تَكُنْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَلَوْ مَائِعَةً وَاجْتَمَعَتْ مَعَ الْمَاءِ، وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ حَجّ: وَإِفْتَاءُ بَعْضِهِمْ بِطَهَارَةِ مَاءٍ صُبَّ عَلَى بَوْلٍ فِي إجَّانَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى بَوْلٍ لَا جُرْمَ لَهُ، وَقَوْلُهُ وَأُدِيرَ عَلَيْهِ فَيَطْهُرُ كُلُّهُ. قَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَلَا بُدَّ مِنْ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى أَعْلَاهُ إلَى أَسْفَلِهِ، فَلَوْ صَبَّهَا فِي أَسْفَلِهِ ثُمَّ أَدَارَهَا حَوَالَيْهِ لَمْ يَكْفِ اهـ. وَعِبَارَةُ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ فِي الْمِيَاهِ بَعْدَ كَلَامٍ قَدَّمَهُ نَصُّهَا: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُمْ: إنَّ الْقَلِيلَ يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْإِنَاءَ يَطْهُرُ حَالًا بِإِدَارَةِ الْمَاءِ عَلَى جَوَانِبِهِ أَيْ وَلَوْ بَعْدَ أَنْ مَكَثَ الْمَاءُ فِيهِ مُدَّةً قَبْلَ الْإِدَارَةِ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ. أَيْ: لِأَنَّ إيرَادَهُ مَعَ تَنَجُّسِهِ بِالْمُلَاقَاةِ فَلَا يَضُرُّ تَأْخِيرُ الْإِدَارَةِ عَنْهَا مَحَلُّهُ فِي وَارِدٍ عَلَى حُكْمِيَّةٍ أَوْ عَيْنِيَّةٍ أَزَالَ جَمِيعَ أَوْصَافِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا وَرَدَ عَلَى عَيْنِيَّةٍ بَقِيَ بَعْضُ أَوْصَافِهَا كَنُقْطَةِ دَمٍ أَوْ مَاءٍ مُتَنَجِّسٍ، وَلَمْ يَبْلُغْهُمَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْغُسَالَةُ الْقَلِيلَةُ) وَلَوْ لِمَصْبُوغٍ مُتَنَجِّسٍ أَوْ نَجِسٍ، وَقَدْ زَالَتْ عَيْنُ الصَّبْغِ النَّجِسِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِصَفَاءِ الْغُسَالَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَزِيدَ وَزْنُ الثَّوْبِ بَعْدَ الْغَسْلِ عَلَى وَزْنِهِ قَبْلَ الصَّبْغِ، فَإِنْ زَادَ ضَرَّ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ اللَّوْنِ لِعُسْرِ زَوَالِهِ شَرْحُ م ر. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ اُسْتُعْمِلَ لِلْمَصْبُوغِ مَا يَمْنَعُ مِنْ انْفِصَالِ الصَّبْغِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ اسْتِعْمَالِ مَا يُسَمُّونَهُ فِطَامًا لِلثَّوْبِ كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَطْهُرْ بِالْغُسْلِ لِلْعِلْمِ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ اُشْتُرِطَ زَوَالُهَا بِأَنْ كَانَتْ رَطْبَةً أَوْ مَخْلُوطَةً بِنَجِسِ الْعَيْنِ، أَمَّا حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ زَوَالُهَا بِأَنْ جَفَّتْ فَلَا يَضُرُّ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ ع ش. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَلَا بُدَّ مِنْ صَفَاءِ غُسَالَةِ ثَوْبٍ صُبِغَ بِنَجِسٍ وَيَكْفِي غَمْرُ مَا صُبِغَ بِمُتَنَجِّسٍ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ، أَوْ صَبُّ مَاءٍ قَلِيلٍ عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَيَطْهُرُ هُوَ وَصَبْغُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَبِلَا زِيَادَةِ وَزْنٍ) هُوَ فِي الْغُسَالَةِ الْقَلِيلَةِ وَلَا يَضُرُّ فِي الْكَثِيرَةِ إلَّا التَّغَيُّرُ ق ل. قَوْلُهُ: (مَا يَتَشَرَّبُهُ الْمَحَلُّ) أَيْ وَيُلْقِيهِ مِنْ الْوَسَخِ الطَّاهِرِ. قَالَ حَجّ: وَيُكْتَفَى فِيهِمَا بِالظَّنِّ. وَقَوْلُهُ: وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ بِأَنْ لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ مَا كَانَ مُتَّصِلًا، وَقَدْ فُرِضَ طُهْرُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ؛ إذْ الْبَلَلُ بَعْضُ الْمُنْفَصِلِ، وَقَدْ فُرِضَ طُهْرُهُ، وَلَكِنْ يُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَلَمْ تَتَغَيَّرْ أَوْ لَمْ تَنْفَصِلْ فَطَاهِرَةٌ أَيْضًا، وَإِنْ انْفَصَلَتْ مُتَغَيِّرَةً أَوْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ وَزَادَ وَزْنُهَا بَعْدَمَا ذُكِرَ أَوْ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ فَنَجِسَةٌ. فَرْعٌ: مَاءٌ نُقِلَ مِنْ الْبَحْرِ فَوُجِدَ فِيهِ طَعْمُ زِبْلٍ، أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: لَا يُحَدُّ بِرِيحِ الْخَمْرِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قَرْيَةٍ جَائِفَةٍ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.   [حاشية البجيرمي] يَكُنْ بِهِ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ فِي الْمُغَلَّظَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (طَاهِرَةٌ) أَيْ غَيْرُ مُطَهِّرَةٍ لِإِزَالَتِهَا لِلْخَبَثِ؛ لِأَنَّ مَا أُزِيلَ بِهِ الْخَبَثُ غَيْرُ طَهُورٍ، وَلَوْ كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ ح ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ. . . إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ يُعْطِي أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ طَهَارَةِ أَحَدِهِمَا طَهَارَةُ الْآخَرِ وَمِنْ نَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا نَجَاسَةُ الْآخَرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ شَرْحِ الرَّوْضِ. وَذَكَرَ ق ل مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَجَاسَةِ الْغُسَالَةِ نَجَاسَةُ الْمَحَلِّ، لَعَلَّ الْأَوَّلَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْغَسْلُ فِي نَحْوِ إجَّانَةٍ، وَالثَّانِي فِيمَا إذَا كَانَ الْغَسْلُ بِالصَّبِّ وَالْمَغْسُولُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا فِي نَحْوِ إجَّانَةٍ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَقَدْ فُرِضَ طُهْرُهُ) أَيْ الْمُتَّصِلُ. وَقَوْلُهُ: ثَانِيًا طُهْرُهُ أَيْ الْمُنْفَصِلُ. وَقَوْلُهُ: فَطَاهِرَةٌ أَيْضًا أَيْ إنْ طَهُرَ الْمَحَلُّ. وَقَوْلُهُ: فَنَجِسَةٌ أَيْ وَالْمَحَلُّ نَجِسٌ؛ إذْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ مَتَى حُكِمَ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ حُكِمَ بِطَهَارَةِ الْغُسَالَةِ، وَمَتَى حُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْغُسَالَةِ وَلَوْ بِزِيَادَةِ الْوَزْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْمَحَلِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ يُسَنُّ) أَيْ فِيمَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ فَخَرَجَ نَحْوُ الْآنِيَةِ. قَوْلُهُ: (خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ) أَيْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَتَغَيَّرْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ تَنْفَصِلْ) أَيْ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ، وَلَمْ يَزِدْ الْوَزْنُ بِتَقْدِيرِ انْفِصَالِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ طُهْرَ الْغُسَالَةِ يَسْتَلْزِمُ طُهْرَ الْمَحَلِّ دُونَ الْعَكْسِ، كَأَنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ، وَكَانَتْ الْغُسَالَةُ مُتَغَيِّرَةً أَوْ زَادَ وَزْنُهَا. قَوْلُهُ: (فَطَاهِرَةٌ) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ حُكْمَ الْمَفْهُومِ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَفْهُومَ فِيهِ تَفْصِيلٌ تَارَةً يَكُونُ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ وَتَارَةً يَكُونُ مُخَالِفًا لَهُ، وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مَاءٌ نُقِلَ مِنْ الْبَحْرِ) مُرَادُهُ الْمَاءُ الْمَنْقُولُ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ مِنْ الْبَحْرِ أَوْ غَيْرِهِ. وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ هَذَا الْمَنْقُولَ مِنْ الْبَحْرِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: تَارَةً يَكُونُ مَنْقُولًا مِنْ مَحَلٍّ يَكْثُرُ فِيهِ بَوْلُ جِمَالِ السَّقَّائِينَ مَثَلًا وَالْمَعْزِ وَيَكْثُرُ بَعْرُهُمْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَعَلِمَ الشَّخْصُ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ مَنْقُولٌ مِنْ هَذَا الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ فَهُوَ نَجِسٌ بِاتِّفَاقٍ، وَتَارَةً يُنْقَلُ مِنْ مَحَلٍّ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، فَهُوَ طَاهِرٌ طَهُورٌ بِاتِّفَاقٍ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَرَ الْبَعْرَةَ مَثَلًا فِي الْإِنَاءِ، وَإِلَّا فَنَجِسٌ بِاتِّفَاقٍ اهـ. شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ) أَيْ إنْ تَيَقَّنَ أَنَّ تِلْكَ الرَّائِحَةَ أَوْ اللَّوْنَ أَوْ الطَّعْمَ مِنْ الزِّبْلِ، وَإِلَّا لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ كَمَا يُعْلَمْ مِمَّا بَعْدَهُ ق ل. وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ اج: أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الزِّيرِ إذَا وُجِدَ فِيهِ طَعْمٌ أَوْ رِيحُ بَوْلٍ مَثَلًا يُحْكَمُ بِالطَّهَارَةِ إلَّا إنْ وُجِدَ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ فَاحْفَظْهُ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَأَفْتَى وَالِدُ شَيْخِنَا بِنَجَاسَةِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْبَحْرِ فَيُوجَدُ فِيهِ رِيحُ الزِّبْلِ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ أَيْ: لَكِنْ يُعْفَى عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ اهـ. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: لَا يُحْكَمُ بِالنَّجَاسَةِ بِغَيْرِ تَحَقُّقِ سَبَبِهَا، فَالْمَاءُ الْمَنْقُولُ مِنْ الْبَحْرِ لِلْأَزْيَارِ فِي الْبُيُوتِ مَثَلًا إذَا وُجِدَ فِيهِ وَصْفُ النَّجَاسَةِ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ لِلشَّكِّ قَالَهُ شَيْخُنَا م ر. وَأَجَابَ عَمَّا نُقِلَ عَنْ وَلَدِهِ مِنْ الْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا وُجِدَ سَبَبُهَا. قَوْلُهُ: (لِوُضُوحِ الْفَرْقِ) وَهُوَ أَنَّ هُنَا سَبَبًا يُحَالُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ، وَهُوَ أَنَّهُ عُهِدَ بَوْلُ الْإِبِلِ فِي الْمَاءِ عِنْدَ بُرُوكِهَا لِلِاسْتِقَاءِ بِخِلَافِ رِيحِ الْخَمْرِ، فَقَدْ يَكُونُ بِدُونِ وُصُولِهِ لِلْجَوْفِ أَوْ بِإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ. قَوْلُهُ: (جَائِفَةٍ) أَيْ مُنْتِنَةٍ. قَوْلُهُ: (وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ) أَيْ مَسْأَلَةُ الْمَاءِ الْمَنْقُولِ مِنْ الْبَحْرِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: (مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى) فِيهِ إشَارَةٌ لِلْعَفْوِ اهـ اج. أَيْ فَيُعْفَى عَنْ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ تِلْكَ الْأَوْصَافَ مِنْ الزِّبْلِ مَا لَمْ تَكُنْ عَيْنُ الزِّبْلِ مَوْجُودَةً كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا نَقْلًا عَنْ ع ش. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْمَاءِ، وَعَدَمُ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، فَالْحُكْمُ مَعَ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ فَقَالَ (إلَّا بَوْلَ الصَّبِيِّ الَّذِي يَأْكُلُ الطَّعَامَ) أَيْ لِلتَّغَذِّي قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ (فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ) بِأَنْ يَرُشَّ عَلَيْهِ مَاءً يَعُمُّهُ وَيَغْمُرُهُ بِلَا سَيَلَانٍ، بِخِلَافِ الصَّبِيَّةِ وَالْخُنْثَى لَا بُدَّ فِي بَوْلِهِمَا مِنْ الْغَسْلِ عَلَى الْأَصْلِ، وَيَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ وَذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ: «أَنَّهَا جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ» . وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ: «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ» . وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِائْتِلَافَ بِحَمْلِ الصَّبِيِّ يَكْثُرُ فَخُفِّفَ فِي بَوْلِهِ، وَبِأَنَّ بَوْلَهُ أَرَقُّ مِنْ بَوْلِهَا فَلَا يَلْصَقُ بِالْمَحَلِّ لُصُوقَ   [حاشية البجيرمي] بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ حُكِمَ بِهَا بِالشَّكِّ أَيْ مَعَ الشَّكِّ. [حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ] قَوْلُهُ: (إلَّا بَوْلَ. . . إلَخْ) الْبَوْلُ قَيْدٌ أَوَّلُ، وَالصَّبِيُّ أَيْ الذَّكَرُ الْمُحَقَّقُ قَيْدٌ ثَانٍ، وَاَلَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ قَيْدٌ ثَالِثٌ، وَقَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ قَيْدٌ رَابِعٌ، وَالْمُرَادُ بِبَوْلِ الصَّبِيِّ: الْخَالِصُ، وَإِلَّا بِأَنْ اخْتَلَطَ بِمَاءٍ ثُمَّ تَطَايَرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الطُّوخِيِّ، وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ وَلَوْ مُخْتَلَطًا بِأَجْنَبِيٍّ أَوْ كَانَ مُتَطَايِرًا مِنْ ثَوْبِ أُمِّهِ وَخَرَجَ بِالْبَوْلِ غَيْرُهُ كَقَيْءٍ وَغَائِطٍ، وَذَهَبَ لِطَهَارَةِ بَوْلِ الصَّبِيِّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَأَمَّا حِكَايَتُهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَبَاطِلَةٌ: رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (الطَّعَامَ) الْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ اللَّبَنِ حَتَّى الْمَاءُ بَلْ يَشْمَلُهُ لَفْظُ الطَّعَامِ، وَعِبَارَةُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَمْ يَطْعَمْ وَلَمْ يَشْرَبْ سِوَى اللَّبَنِ اهـ. قَالَ سم: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أُمِّهِ وَغَيْرِهَا خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ فِي لَبَنِ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا بَيْنَ اللَّبَنِ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَالنَّجِسُ، وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَإِنْ وَجَبَ تَسْبِيعُ فَمِهِ لَا سَمْنِهِ وَجُبْنِهِ. اهـ. ق ل. قَالَ ح ل: وَمِنْ الطَّعَامِ السَّمْنُ وَلَوْ مِنْ لَبَنِ أُمِّهِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْجُبْنَ الْخَالِيَ مِنْ الْإِنْفَحَةِ لَا يَضُرُّ وَكَذَا الْقِشْطَةُ وَلَوْ قِشْطَةَ غَيْرِ أُمِّهِ. اهـ. ح ف. قَوْلُهُ: (أَيْ لِلتَّغَذِّي) بِأَنْ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ أَصْلًا أَوْ أَكَلَهُ لَا لِلتَّغَذِّي بَلْ لِلْإِصْلَاحِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ) أَيْ مَعَهُ أَوْ فَالْمَعِيَّةُ مُلْحَقَةٌ بِالْقَبَلِيَّةِ اهـ. قَالَ ابْنُ شَرَفٍ: فَلَا يَضُرُّ نَحْوُ زِيَادَةِ يَوْمَيْنِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ الضَّرَرُ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَيْنِ تَحْدِيدِيَّةٌ هِلَالِيَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ ق ل وَمَا فِي حَاشِيَةِ اج مِنْ قَوْلِهِ: فَلَا يَضُرُّ نَقْصُ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ سَهْوًا وَتُحْسَبُ مِنْ انْفِصَالِهِ فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ اجْتِنَانِهِ أَيْ صَيْرُورَتِهِ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ انْفِصَالِهِ كُلِّهِ وَلَوْ خَرَجَ الْبَعْضُ وَقَعَدَ هَكَذَا سِنِينَ، وَالظَّرْفُ أَعْنِي قَوْلَهُ قَبْلَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَوْلٍ وَلَمْ يَأْكُلْ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ أَيْ بَوْلُهُ الْكَائِنِ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ، فَلَوْ بَالَ بَعْدَهُمَا لَمْ يَكْفِ النَّضْحُ وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا وَلَوْ أَصَابَهُ بَوْلُ صَبِيٍّ وَشَكَّ هَلْ هُوَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدَهُ؟ فَهَلْ يَكْتَفِي بِالرَّشِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ؟ اعْتَمَدَ الشَّيْخُ سُلْطَانٌ الثَّانِيَ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الرَّشَّ رُخْصَةٌ، وَالرُّخْصَةُ لَا يُصَارُ إلَيْهِمَا إلَّا بِيَقِينٍ. وَفِي حَاشِيَةِ ع ش عَلَى م ر خِلَافُهُ، وَعِبَارَتُهُ لَوْ شَكَّ هَلْ الْبَوْلُ قَبْلَهُمَا أَوْ بَعْدَهُمَا أَوْ أَنَّ الْبَوْلَ مِمَّا بَعْدَهُمَا أَوْ قَبْلَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِالنَّضْحِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بُلُوغِ الْحَوْلَيْنِ، وَعَدَمُ كَوْنِ الْبَوْلِ بَعْدَهُمَا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَرُشَّ عَلَيْهِ) وَلَا يَضُرُّ طَرَاوَةُ مَحَلِّهِ بِلَا رُطُوبَةٍ تَنْفَصِلُ مِنْهُ، وَتَكْفِي إزَالَةُ الْأَوْصَافِ مَعَ الرَّشِّ ق ل وَبِرْمَاوِيٌّ، وَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ عَلَى الْأَوْجَهِ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ. قَوْلُهُ: (وَيَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ) بِأَنْ يُفَارِقَ الْمَاءُ مَوْضِعَ إصَابَتِهِ سم. قَوْلُهُ: (فَأَجْلَسَهُ) وَهُوَ أَحَدُ صِبْيَةٍ وَقَعَ مِنْهُمْ ذَلِكَ نَظَمَهُمْ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: قَدْ بَالَ فِي حِجْرِ النَّبِيِّ أَطْفَالُ ... حَسَنٌ حُسَيْنٌ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَالُوا فَكَذَا سُلَيْمَانُ بَنِي هِشَامِ ... وَابْنُ أُمِّ قَيْسٍ جَاءَ فِي الْخِتَامِ قَوْلُهُ: (فِي حِجْرِهِ) الْحِجْرُ بِالْكَسْرِ مُقَدَّمُ الثَّوْبِ وَبِالْفَتْحِ التَّرْبِيَةُ، وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ هُنَا بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَغْسِلْهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ النَّضْحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْغَسْلِ الْخَفِيفِ ع ش. قَوْلُهُ: (فَدَعَا) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ فَنَضَحَهُ أَيْ بَعْدَ عَصْرِهِ أَوْ جَفَافِهِ، وَالْفَاءُ لَا تَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ هُنَا ق ل. قَوْلُهُ: (وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ ذِكْرِ الْمُحَقَّقِ وَغَيْرِهِ، وَسَوَّى الْإِمَامَانِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ بَيْنَهُمَا فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ مِنْ بَوْلِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلَا الطَّعَامَ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ الِائْتِلَافَ. . . إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ يَأْلَفُونَ حَمْلَ الصِّبْيَانِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى فَإِنَّمَا يَأْلَفُهَا غَالِبًا الْإِنَاثُ. قَوْلُهُ: (وَبِأَنَّ بَوْلَهُ أَرَقُّ) ؛ لِأَنَّ بَوْلَ الذَّكَرِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 بَوْلِهَا بِهِ وَأُلْحِقَ بِهَا الْخُنْثَى وَخَرَجَ بِقَيْدِ التَّغَذِّي تَحْنِيكُهُ بِنَحْوِ تَمْرٍ وَتَنَاوُلُهُ نَحْوَ سَفُوفٍ لِإِصْلَاحٍ، فَلَا يَمْنَعَانِ النَّضْحَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَبِ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ مَا بَعْدَهُمَا؛ إذْ الرَّضَاعُ حِينَئِذٍ كَالطَّعَامِ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ وَلَا بُدَّ مَعَ النَّضْحِ مِنْ إزَالَةِ أَوْصَافِهِ كَبَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ، وَإِنَّمَا سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ سُهُولَةُ زَوَالِهَا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ مِنْ أَنَّ بَقَاءَ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ لَا يَضُرُّ (وَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ) كُلِّهَا مِمَّا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ (إلَّا الْيَسِيرَ) فِي الْعُرْفِ (مِنْ الدَّمِ وَالْقَيْحِ) الْأَجْنَبِيَّيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ كَأَنْ انْفَصَلَ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ غَيْرَ دَمِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ جِنْسَ الدَّمِ   [حاشية البجيرمي] مَاءٍ وَطِينٍ وَبَوْلُهَا مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ؛ لِأَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ الْقَصِيرِ، وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَهُوَ الْمَنِيُّ وَبُلُوغُهَا بِمَائِعٍ كَذَلِكَ وَبِنَجِسٍ وَهُوَ الْحَيْضُ جَازَ أَنْ يَفْتَرِقَا فِي حُكْمِ الْبَوْلِ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي بِأَنَّ الْمَخْلُوقَ مِنْ تُرَابٍ هُوَ آدَم وَمِنْ ضِلْعٍ هِيَ حَوَّاءُ، وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمَا فَالْكُلُّ مَخْلُوقٌ مِنْ النُّطْفَةِ، وَمُغَذًّى بِدَمِ الْحَيْضِ فَكَيْفَ يُقَالُ: يُرْجَعُ إلَى الْأَصْلِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ لُوحِظَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَصْلُهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَلْصَقُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ لَصَقَ يَلْصَقُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (سَفُوفٍ) بِالْفَتْحِ وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ وَكُلُّ مَا يُؤْخَذُ غَيْرُ مَعْجُونٍ فَهُوَ سَفُوفٌ بِفَتْحِ السِّينِ ع ش عَلَى م ر. وَأَمَّا بِضَمِّهَا فَهُوَ الْفِعْلُ وَهُوَ التَّنَاوُلُ. قَوْلُهُ: (لِإِصْلَاحٍ) وَإِنْ حَصَلَ بِهِ التَّغَذِّي كَمَا فِي سم وَقِ ل. قَوْلُهُ: (كَالطَّعَامِ) وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا كَبُرَ غَلُظَتْ مَعِدَتُهُ وَقَوِيَتْ عَلَى الِاسْتِحَالَةِ وَرُبَّمَا كَانَتْ تُحِيلُ إحَالَةً مَكْرُوهَةً، فَالْحَوْلَانِ أَقْرَبُ مَرَدًّا فِيهِ، وَلِهَذَا يَغْسِلُ مِنْ بَوْلِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَا يَتَنَاوَلُونَ إلَّا اللَّبَنَ شَرْحُ م ر، فَلَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ثُمَّ بَالَ بَعْدَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ غَيْرَ اللَّبَنِ، فَهَلْ يَكْفِي فِيهِ النَّضْحُ أَوْ يَجِبُ فِيهِ الْغَسْلُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ أَكْلِ غَيْرِ اللَّبَنِ؟ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الطَّنْدَتَائِيُّ، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ لِلتَّغَذِّي فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ وَصَارَ يَقْتَصِرُ عَلَى اللَّبَنِ، فَهَلْ يُقَالُ لِكُلِّ زَمَنٍ حُكْمُهُ، أَوْ يُقَالُ يَغْسِلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ لِلتَّغَذِّي؟ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي، وَتَقَدَّمَ مَا فِي صُورَةِ الشَّكِّ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (مِنْ إزَالَةِ أَوْصَافِهِ) أَيْ: وَلَوْ بِالنَّضْحِ الْمَذْكُورِ أَمَّا الْجُرْمُ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (كَبَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الدَّلِيلَ الْقِيَاسُ، وَلَمْ يُسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَعَا بِمَاءٍ، فَنَضَحَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعَ إزَالَةِ الْأَوْصَافِ أَوْ قَبْلَهَا، وَبِذَلِكَ أَخَذَ الزَّرْكَشِيّ بِظَاهِرِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ زَوَالَ الْأَوْصَافِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (إلَّا الْيَسِيرِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ شَيْءٍ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الدَّمِ) . حَاصِلُ مَسَائِلِ الدَّمِ وَالْقَيْحِ بِالنَّظَرِ لِلْعَفْوِ وَعَدَمِهِ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. الْأَوَّلُ: مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا أَيْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَهُوَ الْمُغَلَّظُ وَمَا تَعَدَّى بِتَضَمُّخِهِ وَمَا اخْتَلَطَ بِأَجْنَبِيٍّ عَلَى مَا يَأْتِي. وَالثَّانِي: مَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ وَهُوَ الدَّمُ الْأَجْنَبِيُّ وَالْقَيْحُ الْأَجْنَبِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُغَلَّظٍ وَلَمْ يَتَعَدَّ بِتَضَمُّخِهِ. وَالثَّالِثُ: الدَّمُ وَالْقَيْحُ غَيْرُ الْأَجْنَبِيَّيْنِ كَدَمِ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ وَالْبَثَرَاتِ وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ بَعْدَ سَدِّهِ بِنَحْوِ قُطْنَةٍ، فَيُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ كَمَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ، وَإِنْ انْتَشَرَ لِلْحَاجَةِ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ أَوْ يُجَاوِزُ مَحَلَّهُ، وَإِلَّا عُفِيَ عَنْ قَلِيلِهِ. وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ وَمِنْهُ مَا يَقَعُ مِنْ وَضْعِ لُصُوقٍ عَلَى الدُّمَّلِ لِيَكُونَ سَبَبًا فِي فَتْحِهِ وَإِخْرَاجِ مَا فِيهِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ، وَأَمَّا مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَفْتَحُ رَأْسَ الدُّمَّلِ بِآلَةٍ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ فِيهِ مَعَ صَلَابَةِ الْمَحَلِّ ثُمَّ تَنْتَهِي مُدَّتُهُ بَعْدُ فَيَخْرُجُ مِنْ الْمَحَلِّ الْمُنْفَتِحِ دَمٌ كَثِيرٌ وَنَحْوُ قَيْحٍ، فَهَلْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ بِفِعْلِهِ لِتَأَخُّرِ خُرُوجِهِ عَنْ وَقْتِ الْفَتْحِ أَوْ لَا؟ ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْفَتْحِ السَّابِقِ، فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ يُجَاوِزُ مَحَلَّهُ قَالَ سم الْعَبَّادِيُّ: الْمُرَادُ بِمَحَلِّهِ مَحَلُّ خُرُوجِهِ وَمَا انْتَشَرَ إلَى مَا يَغْلِبُ إلَيْهِ التَّقَاذُفُ كَمِنَ الرُّكْبَةِ إلَى قَصَبَةِ الرِّجْلِ فَعُفِيَ عَنْهُ حِينَئِذٍ إذَا لَاقَى ثَوْبَهُ مَثَلًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ جِنْسَ الدَّمِ) فِيهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى الْعَفْوُ عَنْ الْقَلِيلِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ جِنْسُ الدَّمِ وَالْجِنْسُ يَصْدُقُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَصَارَتْ الدَّعْوَى خَاصَّةً وَالدَّلِيلُ عَامًّا فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا م د الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْعَفْوُ فَيَقَعُ الْقَلِيلُ مِنْهُ فِي مَحَلِّ الْمُسَامَحَةِ. قَالَ فِي الْأُمِّ: وَالْقَلِيلُ مَا تَعَافَاهُ النَّاسُ أَيْ عَدُّوهُ عَفْوًا وَالْقَيْحُ دَمٌ اسْتَحَالَ إلَى نَتِنٍ وَفَسَادٍ وَمِثْلُهُ الصَّدِيدُ، أَمَّا دَمُ نَحْوِ الْكَلْبِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِغِلَظِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ دَمًا أَجْنَبِيًّا وَلَطَّخَ بِهِ بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ حَرَامٌ، وَأَمَّا دَمُ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الَّذِي لَمْ يَنْفَصِلْ كَدَمِ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ انْتَشَرَ بِعِرْقٍ أَمْ لَا، وَيُعْفَى عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَالْقَمْلِ وَالْبَقِّ وَوَنِيمِ الذُّبَابِ، وَعَنْ قَلِيلِ بَوْلِ الْخُفَّاشِ، وَعَنْ رَوْثِهِ وَبَوْلِ الذُّبَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ وَالْقَمْلِ رَشَحَاتٌ تَمُصُّهَا مِنْ الْإِنْسَانِ وَلَيْسَ لَهَا دَمٌ فِي نَفْسِهَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمِثْلُهَا الْقَمْلُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْعَفْوِ مِنْ سَائِرِ الدِّمَاءِ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ اخْتَلَطَ بِهِ، وَلَوْ دَمَ نَفْسِهِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ دَمٌ أَوْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، نَعَمْ يُعْفَى عَنْ مَاءِ الطَّهَارَةِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ وَضْعَهُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ: لَوْ تَنَجَّسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ بِمَعْفُوٍّ عَنْهُ لَا يُمْسَحُ عَلَى أَسْفَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَهُ زَادَ التَّلْوِيثُ وَلَزِمَهُ حِينَئِذٍ غَسْلُهُ وَغَسْلُ الْيَدِ انْتَهَى. وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا لَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (يَتَطَرَّقُ) أَيْ يَنْجَرُّ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ الصَّدِيدُ) وَهُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ مُخْتَلَطٌ بِدَمٍ قَبْلَ أَنْ تُغَلَّظَ الْمُدَّةُ وَعِبَارَةُ ق ل. وَمِثْلُهُ أَيْ الدَّمِ الْيَسِيرِ الصَّدِيدُ وَمَاءُ الْجُرُوحِ وَنَحْوُ الْقُرُوحِ وَالنِّفَاطَاتِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ أَخَذَ دَمًا أَجْنَبِيًّا) أَيْ لِكَوْنِ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ تَعَدِّيًا وَخَرَجَ بِهِ دَمُ الْبَثَرَاتِ وَنَحْوِهَا فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ بِفِعْلِهِ كَمَا يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا بِغَيْرِ فِعْلِهِ. وَفِي شَرْحِ م ر: لَوْ لَطَّخَ نَفْسَهُ بِدَمِ أَجْنَبِيٍّ عَبَثًا لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا فَلَا يُنَاسِبُهُ الْعَفْوُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ. قَوْلُهُ: (وَيُعْفَى عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ) وَإِنْ كَثُرَ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ نَعَمْ لَا يُعْفَى عَنْ حَمْلِ ثَوْبٍ فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ كَثِيرٌ وَلَا يُعْفَى عَنْ افْتِرَاشِهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا عَنْهُ مُطْلَقًا فِي نَحْوِ مَائِعٍ وَمَاءٍ قَلِيلٍ. قَوْلُهُ: (وَوَنِيمِ الذُّبَابِ) أَيْ رَوْثِهِ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ قَلِيلِ بَوْلِ الْخُفَّاشِ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ الْعَفْوَ " عَنْ " كَثِيرِهِ أَيْضًا، فَالْقَلِيلُ لَيْسَ قَيْدًا، وَالْخُفَّاشُ لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ بَقِيَّةُ الطُّيُورِ كَذَلِكَ كَمَا فِي ق ل. قَوْلُهُ: (وَعَنْ رَوْثِهِ) مُقْتَضَى إعَادَةِ عَنْ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الْكَثِيرِ. وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ خِلَافُهُ، وَالنُّسَخُ الصَّحِيحَةُ لَيْسَ فِيهَا إعَادَةُ " عَنْ " فَيَكُونُ مُسَلَّطًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ: وَعَنْ رَوْثِهِ أَيْ الْقَلِيلِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَقِيلَ بِالْعَفْوِ عَنْ الْكَثِيرِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (تَمُصُّهَا) أَيْ ثُمَّ تَمُجُّهَا فَهُوَ مِنْ الْقَيْءِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهَا الْقَمْلُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فِي نَفْسِهَا وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهَا تَمُجُّهُ كَالْبَرَاغِيثِ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (بِأَجْنَبِيٍّ) أَيْ، غَيْرِ الدَّمِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ. وَقَدْ أَلْغَزَ فِي هَذَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: حَيِّ الْفَقِيهَ الشَّافِعِيَّ وَقُلْ لَهُ ... مَا ذَلِكَ الْحُكْمُ الَّذِي يُسْتَغْرَبُ نَجِسٌ عُفِيَ عَنْهُ وَلَوْ خَالَطَهُ ... نَجِسٌ طَرَا فَالْعَفْوُ بَاقٍ يُصْحَبُ وَإِذَا طَرَا بَدَلَ النَّجَاسَةِ طَاهِرُ ... لَا عَفْوَ يَا أَهْلَ الذَّكَاءِ تَعَجَّبُوا أَجَابَهُ بَعْضُهُمْ: حُيِّيتَ إذْ حَيَّيْتَنَا وَسَأَلَتْنَا ... مُسْتَغْرِبًا مِنْ حَيْثُ لَا يُسْتَغْرَبُ الْعَفْوُ فِي نَجِسٍ عَرَاهُ مِثْلُهُ ... مِنْ جِنْسِهِ لَا مُطْلَقًا فَاسْتَوْعِبُوا وَالشَّيْءُ لَيْسَ يُصَانُ عَنْ أَمْثَالِهِ ... لَكِنَّهُ لِلْأَجْنَبِيِّ يُجَنَّبُ وَأَرَاك قَدْ أَطْلَقْتَ مَا قَدْ قَيَّدُوا ... وَهُوَ الْعَجِيبُ وَفَهْمُ ذَاكَ الْأَعْجَبُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ دَمَ نَفْسِهِ) صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ نَفْسِهِ كَرُطُوبَةِ الْمَنَافِذِ وَهَذَا مَا قَالَهُ شَيْخُنَا م ر. وَخَالَفَهُ حَجّ وَقَالَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ ق ل. قَوْلُهُ: (نَعَمْ يُعْفَى عَنْ مَاءِ الطَّهَارَةِ. . . إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا م د. وَخَرَجَ التَّنَظُّفُ وَالتَّبَرُّدُ فَلَا يَلْحَقَانِ بِالطَّهَارَةِ وَقِيلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وَبَدَنُهُ رَطْبٌ، فَقَالَ الْمُتَوَلِّي: يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَلْوِيثِ بَدَنِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَفَقُّهًا وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الرُّطُوبَةُ بِمَاءِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ مَطْلُوبٍ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِعَرَقٍ، وَالثَّانِي فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَمَاءٍ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِمَاءِ الطَّهَارَةِ مَا يَتَسَاقَطُ مِنْ الْمَاءِ حَالَ شُرْبِهِ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ حَالَ أَكْلِهِ أَوْ جَعْلِهِ عَلَى جُرْحِهِ دَوَاءً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَأَمَّا مَا لَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ فَيُعْفَى عَنْهُ وَلَوْ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ فِي حَصْرِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَرَّرَ، وَتَقَدَّمَ فِي الْمِيَاهِ بَعْضُ صُوَرٍ مِنْهَا يُعْفَى عَنْهَا. (وَمَا) أَيْ وَيُعْفَى عَنْ الَّذِي (لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ) مِنْ الْحَيَوَانَاتِ عِنْدَ شِقِّ عُضْوٍ مِنْهَا كَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (إذَا) (وَقَعَ فِي الْإِنَاءِ) الَّذِي فِيهِ مَائِعٌ (وَمَاتَ فِيهِ) (لَا يُنَجِّسُهُ) أَيْ الْمَائِعَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطْرَحَهُ طَارِحٌ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً. أَيْ وَهُوَ الْيَسَارُ كَمَا قِيلَ وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» زَادَ أَبُو دَاوُد: «وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ» وَقَدْ يُفْضِي غَمْسُهُ إلَى مَوْتِهِ فَلَوْ نَجَّسَ الْمَاءَ لَمَا أَمَرَ بِهِ، وَقِيسَ بِالذُّبَابِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ مَيْتَةٍ لَا يَسِيلُ دَمُهَا، فَلَوْ شَكَكْنَا فِي سَيْلِ دَمِهَا اُمْتُحِنَ بِمِثْلِهَا فَيُجْرَحُ لِلْحَاجَةِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ. وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْحَيَوَانَاتُ مِمَّا يَسِيلُ دَمُهَا، لَكِنْ لَا   [حاشية البجيرمي] يَلْحَقَانِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ) كَمَاءٍ تَنَظَّفَ أَوْ تَبَرَّدَ. قَوْلُهُ: (كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ. قَوْلُهُ: (بِمَاءِ الطَّهَارَةِ) أَيْ: يَلْحَقُ بِهَا فِي الْعَفْوِ الْمُتَقَدِّمِ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ جَعْلُهُ عَلَى جُرْحِهِ دَوَاءً) عَطْفٌ عَلَى مَا يَتَسَاقَطُ أَيْ: وَيَلْحَقُ بِمَاءِ الطَّهَارَةِ جَعْلُهُ عَلَى جُرْحِهِ دَوَاءً أَيْ: فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَاطُهُ بِالدَّمِ وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ الدَّوَاءُ سَبَبًا فِي فَتْحِهِ وَخُرُوجِ الدَّمِ كَانَ مِنْ قَبِيلِ مَا خَرَجَ بِفِعْلِهِ فَيُعْفَى عَنْ الْقَلِيلِ فَقَطْ، وَيَلْحَقُ أَيْضًا بِمَاءِ الطَّهَارَةِ مَاءُ الطِّيبِ كَمَاءِ الْوَرْدِ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ مَقْصُودٌ شَرْعًا خُصُوصًا فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي هُوَ مَطْلُوبٌ فِيهَا كَالْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْعَفْوِ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرُوهُ خِلَافًا: لع ش اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر. وَمِمَّا يُعْفَى عَنْهُ أَيْضًا مَا لَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ الْمُبْتَلَّ بِطَرَفِهِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ) يَشْمَلُ ذَلِكَ الدَّمَ، وَصَرَّحَ بِهِ ق ل. لَكِنْ قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ دَمِهِ وَعِبَارَةُ م ر يَشْمَلُهُ. قَوْلُهُ: (مَا ذَكَرَهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ إلَّا الْيَسِيرَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ. قَوْلُهُ: (وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ. . . إلَخْ) مُبْتَدَأٌ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَالشَّارِحُ غَيَّرَ إعْرَابَهُ فَجَعَلَهُ مَعْطُوفًا عَلَى الْيَسِيرِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى فَيَكُونُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ ثَلَاثَةً. وَقَوْلُهُ: لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ صِفَةٌ لِمَا أَوْ صِلَةٌ لَهَا، وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الدَّمُ أَيْ لَا دَمَ لَهُ وَسُمِّيَ نَفْسًا؛ لِأَنَّ بِهِ قِوَامَ النَّفْسِ. وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا مَاتَتْ فِيمَا نَشَأَتْ مِنْهُ، أَوْ وَصَلَتْ إلَى الْمَائِعِ مَثَلًا حَيَّةً، وَإِنْ طُرِحَتْ بِقَصْدِ مَوْتِهَا فِيهِ ثُمَّ مَاتَتْ فِيهِ لَمْ تُنَجِّسْهُ، وَأَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ مَيِّتَةً بِنَفْسِهَا أَوْ بِرِيحٍ أَوْ وَصَلَتْ إلَيْهِ مَيِّتَةً بَعْدَ طَرْحِهَا حَيَّةً لَمْ تُنَجِّسْهُ أَيْضًا، وَأَنَّهَا إذَا طَرَحَهَا مَيِّتَةً مُمَيِّزٌ قَصْدًا نَجَّسَتْهُ اتِّفَاقًا، وَأَنَّهُ إذَا طَرَحَهَا غَيْرُ مُمَيِّزٍ أَوْ مُمَيِّزٌ لَا بِقَصْدِ وُقُوعِهَا فِيهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ لَمْ تُنَجِّسْهُ عِنْدَ الشَّارِحِ، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ، نَعَمْ يُعْفَى عَنْ تَصْفِيَةِ مَا هِيَ فِيهِ بِنَحْوِ خِرْقَةٍ وَعَنْ وُقُوعِهَا عِنْدَ نَزْعِهَا بِأُصْبُعٍ أَوْ عُودٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ. اهـ. ق ل. وَبَقِيَ مَا لَوْ طُرِحَتْ مَيِّتَةً ثُمَّ أُحْيِيَتْ ثُمَّ مَاتَتْ هَلْ تُنَجِّسُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِلَا قَصْدٍ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ ظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ الطَّرْحُ سَهْوًا وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ طُرِحَتْ حَيَّةً ثُمَّ مَاتَتْ ثُمَّ أُحْيِيَتْ هَلْ تُنَجِّسُ أَمْ لَا؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَهُوَ وَجِيهٌ مُتَعَيَّنٌ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّهَا لَا تَضُرُّ إلَّا بِطَرْحِهَا مَيِّتَةً وَوُصُولِهَا مَيِّتَةً. قَوْلُهُ: (عَنْ الَّذِي) أَيْ عَنْ الْمَيْتَةِ الَّتِي وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (عِنْدَ شِقِّ) مُتَعَلِّقٌ بِ (سَائِلَةٌ) . قَوْلُهُ: (الَّذِي فِيهِ مَائِعٌ) لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ. . . إلَخْ) زِيَادَةُ إيضَاحٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَقَعَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ مِنْ غَيْرِ طَرْحٍ. قَوْلُهُ: (وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 دَمَ فِيهَا أَوْ فِيهَا دَمٌ لَا يَسِيلُ لِصِغَرِهَا، فَلَهَا حُكْمُ مَا يَسِيلُ دَمُهَا، فَإِنْ غَيَّرَتْهُ الْمَيْتَةُ لِكَثْرَتِهَا أَوْ طُرِحَتْ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهَا قَصْدًا تَنَجَّسَ جَزْمًا، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرَيْنِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِمَا بَعْدَ مَوْتِهَا قَصْدًا أَنَّهُ لَوْ طَرَحَهَا شَخْصٌ بِلَا قَصْدٍ أَوْ قَصَدَ طَرْحَهَا عَلَى مَكَان آخَرَ، فَوَقَعَتْ فِي الْمَائِعِ أَوْ طَرَحَهَا مَنْ لَا يُمَيِّزُ أَوْ قَصَدَ طَرْحَهَا فِيهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ، وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَاتَتْ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ " وَمَاتَتْ فِيهِ "، فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا طُرِحَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ فَيُفَصَّلُ فِيهَا بَيْنَ أَنْ تَقَعَ بِنَفْسِهَا أَوْ لَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ، فَالْجَمَادُ كُلُّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ أَوْ يَكْمُلُ بِالطَّهَارَةِ إلَّا مَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَهُوَ الْمُسْكِرُ الْمَائِعُ، وَكَذَا الْحَيَوَانُ كُلُّهُ طَاهِرٌ لِمَا مَرَّ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ أَيْضًا، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:   [حاشية البجيرمي] نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ وَهُوَ حَيٌّ، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا وَقَعَ وَهُوَ مَيِّتٌ. قَوْلُهُ: (يَتَّقِي) أَيْ يَسْتَعِينُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ غَيَّرَتْهُ) هُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ مَوْتِهَا قَصْدًا) كَانَ الْمُنَاسِبُ حَذْفَ قَوْلِهِ قَصْدًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ وَأَخَذَ مُحْتَرَزَهُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ، وَمَا ذَكَرَهُ فِيهَا مِنْ عَدَمِ التَّنْجِيسِ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ التَّنْجِيسُ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ حَيَّةٌ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَهُوَ قَيْدٌ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَذَلِكَ) ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَمُعْتَمَدٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَخِيرَةِ. قَالَ سم: لَوْ طَرَحَهَا طَارِحٌ حَيَّةً فَمَاتَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا الْمَائِعَ أَوْ مَيِّتَةً فَحَيِيَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا لَمْ يَضُرَّ فِي الْحَالَيْنِ أَفَادَهُ الطَّبَلَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ) أَيْ الْمَتْنِ. . . إلَخْ هَذَا كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ أَوْ قَصَدَ طَرْحَهَا فِيهِ. . . إلَخْ فَهُوَ غَايَةٌ لَهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ التَّفْصِيلُ أَيْ: فَهَذَا التَّفْصِيلُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الضَّرَرِ فَقَصَدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ. . . إلَخْ. الِاعْتِرَاضَ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي فِيهَا وَمَاتَتْ فِيهِ وَالتَّقْوِيَةَ لِلْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: الْحُكْمُ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ عَدَمِ الضَّرَرِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْمَتْنِ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَقْتَضِي الضَّرَرَ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ وَقَعَ أَنَّهَا إذَا طُرِحَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ وَمَاتَتْ فِيهِ أَنَّهَا تُنَجِّسُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا طُرِحَتْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَقَعَتْ؛ لِأَنَّ الطَّرْحَ يَكُونُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ فَلَا يُفَصِّلُ فِيهَا حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ بِنَفْسِهَا أَوْ لَا شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَيُفَصَّلُ. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى التَّفْصِيلُ، فَلَوْ قَالَ: وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ وَقَعَ أَنَّهُ لَوْ طَرَحَهَا طَارِحٌ ضَرَّ. . . إلَخْ. لَكَانَ أَوْلَى هَذَا مُرَادُ الشَّارِحِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي اقْتَضَتْهُ النُّسْخَةُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ حَيَّةً فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ بِنَفْسِهَا أَوْ بِطَرْحِ طَارِحٍ، فَلَا يَتِمُّ لِلشَّارِحِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ إلَّا بِهَذَا التَّقْرِيرِ، وَأَمَّا إذَا جَعَلْنَا الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَيُفَصَّلُ فِيهَا أَيْ: فِي مَفْهُومِ الْحَيَّةِ وَهِيَ الْمَيْتَةُ، وَيُقَالُ إنْ طُرِحَتْ الْمَيْتَةُ ضَرَّ وَإِنْ وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا لَمْ يَضُرَّ فَلَا يَتِمُّ لِلشَّارِحِ مَقْصُودُهُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تِلْكَ النُّسْخَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَا) أَيْ مَعَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهَا إذَا طُرِحَتْ حَيَّةً لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا إلَّا إنْ غَيَّرَتْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ غَالِبَ مَا ذَكَرَ هُنَا مُكَرَّرٌ فَلَا تَغْفُلْ اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَغَيْرَهُمَا كَفَضَلَاتِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّ الْجَمَادَ مَا لَيْسَ حَيَوَانًا وَلَا أَصْلَ حَيَوَانٍ وَلَا خَرَجَ مِنْ حَيَوَانٍ ثُمَّ يَقُولَ أَمَّا فَضَلَاتُ الْحَيَوَانِ فَإِنْ اسْتَحَالَتْ إلَى فَسَادٍ فَنَجِسَةٌ وَإِلَّا فَطَاهِرَةٌ م د وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْجَمَادِ مَا لَا رُوحَ فِيهِ فَدَخَلَتْ الْفَضَلَاتُ لَكِنَّهُ يَشْمَلُ الْمَيِّتَ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ جَمَادٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهِ مَا خَلَا عَنْ الرُّوحِ أَصْلًا وَلَوْ فِي الْمَاضِي اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ) أَيْ كَالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْبِنَاءِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (بِالطَّهَارَةِ) فِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ بِذِي الطَّهَارَةِ وَهُوَ الطَّاهِرُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالطَّاهِرِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُسْكِرُ الْمَائِعُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْقَلْيُوبِيُّ: لَوْ سَكَتَ عَنْ لَفْظِ مَائِعٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَا الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ نَجِسٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 (وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ طَاهِرٌ) أَيْ طَاهِرُ الْعَيْنِ حَالَ حَيَاتِهِ (إلَّا الْكَلْبَ) وَلَوْ مُعَلَّمًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ إمَّا لِحَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ أَوْ تَكْرُمَةٍ وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ، وَلَا تَكْرُمَةً، فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ الْخَبَثِ فَثَبَتَتْ نَجَاسَةُ فَمِهِ وَهُوَ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ، بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ فَبَقِيَّتُهَا أَوْلَى. (وَالْخِنْزِيرَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَنَى بِحَالٍ، وَنُقِضَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِالْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ، لَكِنْ ادَّعَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَتِهِ،   [حاشية البجيرمي] سَوَاءٌ كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا اهـ. وَفِيهِ أَنَّ عِبَارَتَهُ أَيْ عِبَارَةَ الْقَلْيُوبِيِّ تَشْمَلُ الْحَشِيشَةَ وَالْكَشْكَ مَعَ أَنَّهُمَا طَاهِرَانِ، فَالْأَوْلَى عِبَارَةُ الشَّارِحِ وَلَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ مَائِعُ الْخَمْرَةِ الْجَامِدَةِ نَظَرًا لِأَصْلِهَا كَمَا فِي عِبَارَةِ اج. وَنَصِّهَا، قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُسْكِرُ الْمَائِعُ أَيْ أَصَالَةً فَلَا تَرِدُ الْخَمْرَةُ الْمُنْعَقِدَةُ، وَأَرَادَ بِالْمُسْكِرِ هُنَا الْمُغَطِّيَ لِلْعَقْلِ لَا ذَا الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، فَاحْتَاجَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَائِعِ، وَعِبَارَةُ ز ي قَوْلُهُ: وَلَا تَرِدُ الْخَمْرَةُ الْمُنْعَقِدَةُ فَإِنَّهَا جَامِدَةٌ وَهِيَ نَجِسَةٌ، وَالْحَشِيشَةُ الْمُذَابَةُ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَةَ الْمُنْعَقِدَةَ مَائِعَةٌ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْحَشِيشَةِ الْمُذَابَةِ أَيْ: فَإِنَّهَا جَامِدَةٌ فِي الْأَصْلِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ أَيْ: إنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ اهـ. وَقَدْ سُئِلَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْكَشْكِ هَلْ هُوَ نَجِسٌ إذَا أَسْكَرَ كَالْبُوظَةِ، وَهَلْ يَكُونُ جَفَافُهُ كَالتَّخَلُّلِ فِي الْخَمْرِ فَيَطْهُرُ أَوْ يَكُونُ كَالْخَمْرَةِ الْمُنْعَقِدَةِ فَلَا يَطْهُرُ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ، فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ كَوْنُهُ مُسْكِرًا لَكَانَ طَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَائِعٍ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْبُوظَةَ نَجِسَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ إذْ لَوْ نَظَرَ إلَى جُمُودِهَا قَبْلَ إسْكَارِهَا لَوَرَدَ عَلَى ذَلِكَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْجَامِدَاتِ، فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ حَالَ إسْكَارِهَا مَعَ أَنَّ أَصْلَهَا جَامِدٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ. وَفِي ح ل مَا نَصُّهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ نَجِسٌ سَوَاءٌ كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا، فَالْكَشْكُ الْجَامِدُ لَوْ صَارَ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ كَانَ نَجِسًا، وَقَدْ يُقَالُ مَا فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ وَهُوَ جَامِدٌ إنْ كَانَ مُسْكِرًا قَبْلَ جُمُودِهِ كَانَ نَجِسًا كَالْخَمْرَةِ الْمُنْعَقِدَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ طَاهِرٌ كَالْكَشْكِ، وَمَا لَا شِدَّةَ فِيهِ غَيْرُ نَجِسٍ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا فَإِسْقَاطُ مَائِعٍ مُتَعَيَّنٌ إنْ أُرِيدَ بِالْمُسْكِرِ مَا فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ لَا الْمُغَطِّي لِلْعَقْلِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ. قَوْلُهُ: (إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ) أَيْ حَقِيقَةً كَالْكَلْبِ أَوْ حُكْمًا كَالْخِنْزِيرِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِهِ الشَّارِعُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ مَقِيسٌ عَلَى الْكَلْبِ. قَوْلُهُ: (كُلُّهُ طَاهِرٌ) لَفْظُ كُلٍّ ذُكِرَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ؛ إذْ الْأَلْفُ وَاللَّامُ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (إلَّا الْكَلْبَ) . فَائِدَةٌ: نَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ كُلَّ الْكِلَابِ نَجِسَةٌ إلَّا كَلْبَ أَهْلِ الْكَهْفِ ثُمَّ تَوَقَّفَ فِي مَعْنَى طَهَارَتِهِ هَلْ أَوْجَدَهُ اللَّهُ طَاهِرًا أَوْ سَلَبَهُ أَوْصَافَ النَّجَاسَةِ اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُعَلَّمًا) رَدٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِطَهَارَتِهِ اط ف. وَقَدْ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: مَا الْحِكْمَةُ فِي تَنْجِيسِ الْكَلْبِ؟ فَأَجَابَ: الْحِكْمَةُ فِي تَنْجِيسِ الْكَلْبِ التَّنْفِيرُ مِمَّا كَانَ يَعْتَادُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْقَبَائِحِ كَمُؤَاكَلَةِ الْكِلَابِ وَزِيَادَةِ إلْفِهَا وَمُخَالَطَتِهَا مَعَ مَا فِيهَا مِنْ الدَّنَاءَةِ وَالْخِسَّةِ الْمَانِعَةِ لِذَوِي الْمُرُوآت وَأَرْبَابِ الْعُقُولِ مِنْ مُعَاشَرَةِ وَمُخَالَطَةِ مَنْ خَالَطَهَا. قَوْلُهُ: (طَهُورُ) أَيْ تَطْهِيرُهُ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: أَنْ يَغْسِلَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: طَهُورٌ الْأَفْصَحُ فِيهِ ضَمُّ الطَّاءِ، وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ اهـ اط ف عَلَى الْمَنْهَجِ. وَمِثْلُهُ فِي ع ش، لَكِنْ عَلَى الْفَتْحِ يُؤَوَّلُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ مُطَهِّرُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إذَا وَلَغَ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَلَغَ الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ يَلَغُ وَلْغًا مِنْ بَابِ وَقَعَ وَوُلُوغًا شَرِبَ بِلِسَانِهِ فَالْوُلُوغُ تَنَاوُلُ الْمَائِعِ بِاللِّسَانِ. قَوْلُهُ: (وَجْهُ الدَّلَالَةِ إلَخْ) هَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي الِاسْتِدْلَالِ يُقَالُ لَهَا طَرِيقَةُ السَّبْرِ وَهِيَ أَنْ يَحْصُرَ الْعِلَلَ وَيُبْطِلَ مِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ وَهُوَ هُنَا الْحَدَثُ وَالتَّكْرِمَةُ، وَيَتَعَيَّنُ مَا يَصْلُحُ كَمَا قَالُوا فِي عِلَّةِ الرِّبَا لَا جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْقُوتَ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ التُّفَّاحُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقْتَاتٍ بَلْ لِلتَّفَكُّهِ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْكَيْلَ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْبِرْسِيمُ فَإِنَّهُ مَكِيلٌ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ رِبَوِيٍّ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ الطَّعْمَ. قَوْلُهُ: (طَهَارَةُ الْخَبَثِ) أَيْ الطَّهَارَةُ لِلْخَبَثِ فَيَكُونُ هُوَ الْعِلَّةَ فَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَكْرُمَةٍ) كَغُسْلِ الْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: (أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ) أَيْ غَيْرَ الْآدَمِيِّ نَكْهَةً أَيْ رَائِحَةَ الْفَمِ لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ أَيْ: يُخْرِجُ لِسَانَهُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهَا) أَيْ مِنْ كُلِّ مَا لَا يُقْتَنَى مِنْ الْحَيَوَانَاتِ كَالنِّمْسِ وَنَحْوِهِ فَخَرَجَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وَعُورِضَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَيُرَدُّ النَّقْضُ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَمْلِ شَيْءٍ عَلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَشَرَاتُ فِيهِمَا. (وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ جِنْسِ كُلٍّ مِنْهُمَا (أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا) مَعَ الْآخَرِ، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ، وَلَوْ آدَمِيًّا كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَكَلْبَةٍ تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ لِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا،   [حاشية البجيرمي] الْهِرَّةُ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ إلَخْ) وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] فَالضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلَّحْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَجَاسَتِهِ نَجَاسَتُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. قَوْلُهُ: (وَيُرَدُّ النَّقْضُ) أَيْ نَقْضُ التَّعْلِيلِ بِالْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا كَالسِّبَاعِ، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّا نَزِيدُ فِي التَّعْلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُقْتَنَى أَيْ مَعَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ مَعَ تَأَتِّي الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَشَرَاتُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْدَبُ قَتْلُ الْمُؤْذِي مِنْهَا، وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا. قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ) أَيْ مَدْعُوٌّ إلَخْ. يَعْنِي أَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِنْ الْعِلَّةِ فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ. وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ بَلْ يَجِبُ قَتْلُهُ إنْ كَانَ عَقُورًا، وَإِلَّا جَازَ اهـ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْكَلْبِ الَّذِي لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وُجُوبَ قَتْلِهِ مُطْلَقًا. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ مُطْلَقًا اهـ. وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِاسْتِحْبَابِ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَمَا ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْعُبَابِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ قَتْلِهِ مَمْنُوعٌ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقٌ لِدَفْعِ نَحْوِ عَقُورٍ صَالٍ اهـ. قَوْلُهُ: (بِلَا ضَرَرٍ فِيهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ أَيْ بِخِلَافِ الْحَشَرَاتِ فَلَا يُنْدَبُ قَتْلُهَا، إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا ضَرَرٌ كَالْحَيَّةِ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ق ل. بِقَوْلِهِ قَوْلُهُ، وَيُرَدُّ النَّقْضُ إلَخْ. فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ فِي الْحَشَرَاتِ مَا يُنْدَبُ قَتْلُهُ، وَعَدَمُ الْحَمْلِ عَلَيْهَا لِضَعْفِهَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ: وَلَمْ يُجَوِّزُوهُ فَعَدَمُ تَجْوِيزِهِ مَعَ إمْكَانِهِ بِحَمْلِ شَيْءٍ عَلَى ظَهْرِهِ مَعَ تَحْرِيمِ اقْتِنَائِهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ ابْنِ حَجَرٍ أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (أَيْ مِنْ جِنْسِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُتَوَلِّدِ مِنْهُمَا الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ كَلْبٍ وَخِنْزِيرَةٍ، أَوْ عَكْسَهُ، بَلْ بَيْنَ كَلْبٍ وَكَلْبَةٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَخِنْزِيرَةٍ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ السَّابِقَةَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ مَعَ الْآخَرِ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ: وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا عَلَى هَذَا مَعَ دُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ شُمُولُهُ لِمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِ صُورَتِهِمَا، بِأَنْ كَانَ عَلَى صُورَةِ شَاةٍ أَوْ ظَبْيٍ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ، قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ جِنْسِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَائِدَتُهُ بَيَانُ مَا يَنْشَأُ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّدْ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ كَأَنْ أَلْقَتْ الْكَلْبَةُ حَيَوَانًا بِلَا إنْزَاءٍ عَلَيْهَا، وَقُدْرَةُ اللَّهِ صَالِحَةٌ كَمَا يَقَعُ أَنَّ الْفَرْخَةَ تَبِيضُ مِنْ غَيْرِ دِيكٍ، وَبِهَذَا سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ آدَمِيًّا) لَكِنَّ مَحَلَّهُ أَيْ مَحَلَّ كَوْنِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ نَجِسًا إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ أَصْلَيْهِ آدَمِيًّا، أَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَصْلَيْهِ آدَمِيًّا وَكَانَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ فِي نِصْفِهِ الْأَعْلَى فَقَطْ، فَقَالَ شَيْخُنَا م ر: هُوَ طَاهِرٌ وَيُعْطَى أَحْكَامَ الْآدَمِيِّينَ مُطْلَقًا، وَقَاعِدَةُ يَتْبَعُ الْفَرْعُ أَخَسَّ أَصْلَيْهِ فِي النَّجَاسَةِ أَغْلَبِيَّةٌ وَالتَّمَسُّكُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ الْقَاعِدَةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ يُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرِ فِي الطَّهَارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْوِلَايَاتِ وَغَيْرِهَا إلَّا فِي عَدَمِ حِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَمُنَاكَحَتِهِ وَإِرْثِهِ وَقَتْلِ قَاتِلِهِ، وَمَنَعَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْوِلَايَاتِ أَيْضًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا أَنَّهُ يُعْطَى حُكْمَ النَّجِسِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا ق ل. وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ وَلَوْ آدَمِيًّا غَايَةٌ فِي الْغَيْرِ وَصَرِيحُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ نَجِسٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَبِهِ قَالَ حَجّ. وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر أَنَّهُ طَاهِرٌ فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَيَمَسُّ النَّاسَ وَلَوْ رَطْبًا، وَيَؤُمُّهُمْ وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّ فِي أَحَدِ أَصْلَيْهِ مَا لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ وَلَوْ لِمِثْلِهِ وَيُقْتَلُ بِالْحُرِّ لَا عَكْسُهُ وَيَتَسَرَّى وَيُزَوِّجُ أَمَتَهُ لَا عَتِيقَتَهُ اهـ اج. وَزِيَادِيٌّ. وَلَوْ كَانَ أَحَدُ شِقَّيْهِ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ دُونَ الْآخَرِ، فَقَدْ اسْتَظْهَرَ ع ش أَنَّهُ طَاهِرُ الْعَيْنِ تَغْلِيبًا لِصُورَةِ الْآدَمِيِّ، وَالْآدَمِيُّ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ كَلْبَيْنِ نَجِسٌ، وَالْكَلْبُ بَيْنَ آدَمِيِّينَ طَاهِرٌ، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ الصُّورَةِ فِي نَجَاسَةٍ أَوْ طَهَارَةٍ. وَفِي رِسَالَةِ الْبِرْمَاوِيِّ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ آدَمِيِّينَ عَلَى صُورَةِ نَحْوِ الْكَلْبِ فَطَاهِرٌ اتِّفَاقًا، وَإِذَا كَانَ يَنْطِقُ وَيَعْقِلُ فَهَلْ يُكَلَّفُ أَمْ لَا؟ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يُكَلَّفُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مَنَاطُهُ أَيْ مُتَعَلِّقُهُ الْعَقْلُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ، وَأَمَّا مَيْتَتُهُ فَطَاهِرَةٌ، وَأَمَّا مُتَوَلَّدٌ بَيْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 وَالْفَرْعُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي النَّسَبِ، وَالْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَأَشْرَفَهُمَا فِي الدِّينِ وَإِيجَابِ الْبَدَلِ وَتَقْرِيرِ الْجِزْيَةِ، وَأَخَفَّهُمَا فِي   [حاشية البجيرمي] كَلْبَيْنِ مَثَلًا فَنَجِسٌ اتِّفَاقًا، وَإِذَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ وَيَنْطِقُ وَيَفْهَمُ، فَهَلْ يُكَلَّفُ نَظَرًا لِلصُّورَةِ؟ قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْقَلْيُوبِيُّ: الْقِيَاسُ التَّكْلِيفُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ شَاتَيْنِ مَثَلًا وَهُوَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ فَطَاهِرٌ وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ، وَإِنْ صَارَ خَطِيبًا وَإِمَامًا. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي قَتْلِهِ قِيمَتُهُ، وَمَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّ مَيْتَةَ أَصْلَيْهِ كَذَلِكَ، وَيُكَلَّفُ إذَا كَانَ عَاقِلًا، وَلِذَلِكَ قَالَ فِيهِ الشَّمْسُ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: لَنَا خَطِيبٌ يُذْبَحُ وَيُؤْكَلُ. قَالَ شَيْخُنَا النُّورُ ع ش: وَأَنَّهُ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْآدَمِيِّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا فِي الْحَيَاةِ وَلَا فِي الْمَمَاتِ، وَإِذَا صَارَ خَطِيبًا مَثَلًا وَصَلَّى وَأَتَى بِالْعِبَادَاتِ الْمَنُوطَةِ بِالْعَقْلِ ثُمَّ مَاتَ، فَهَلْ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُرَابًا نَظَرًا لِأَصْلَيْهِ أَوْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَظَرًا إلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ؟ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ ع ش، ثُمَّ اسْتَقْرَبَ دُخُولَ الْجَنَّةِ نَظَرًا لِلْعَقْلِ بِأَنَّهُ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، فَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْمَرْأَةِ هَلْ يَنْقُضُ بِمَسِّهِ أَوْ لَا؟ حَرِّرْهُ اعْتَمَدَ ع ش النَّقْضَ. وَأَمَّا مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ سَمَكٍ وَغَيْرِهِ هَلْ تَكُونُ مَيْتَتُهُ نَجِسَةً؟ قَدْ يُقَالُ نَعَمْ عَلَى قِيَاسِ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ يَتْبَعُ أَخَسَّ أَصْلَيْهِ فِي النَّجَاسَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. قَالَ حَجّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ وَطِئَ آدَمِيٌّ بَهِيمَةً فَوَلَدُهَا الْآدَمِيُّ مِلْكٌ لِمَالِكِهَا اهـ. وَهُوَ نَفِيسٌ، وَعَلَى قَاتِلِهِ قِيمَتُهُ وَلَا يُؤْكَلُ نَظَرًا لِأَحَدِ أَصْلَيْهِ وَمَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ سم فِي الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ خَرُوفٍ وَآدَمِيَّةٍ وَكَانَ عَلَى صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْخَرُوفِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً فَهُوَ حُرٌّ تَبَعًا، وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً فَهُوَ مِلْكٌ لِمَالِكِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُجْزِئَ فِي الْكَفَّارَةِ تَبَعًا لِأَخَسِّ أَصْلَيْهِ، كَمَا لَا يُجْزِئُ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهِ فِيهَا، بَلْ لَعَلَّ هَذَا أَوْلَى مِنْهُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ لِانْتِفَاءِ اسْمِيَّةِ الْآدَمِيِّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَتِهِ، وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ يُخَالِفُهُ، فَإِنَّهُ دَقِيقٌ قَالَهُ شَيْخُنَا النُّورُ ع ش اهـ بِحُرُوفِهِ. وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ قَاسِمٍ: وَلَوْ مُسِخَ الْكَلْبُ آدَمِيًّا، فَيَنْبَغِي اسْتِصْحَابُ نَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّا لَا نُطَهِّرُ مَا كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ بِالشَّكِّ، وَلَوْ مُسِخَ الْآدَمِيُّ كَلْبًا فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ) أَيْ عَلَى الطَّهَارَةِ. قَوْلُهُ: (لِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا) عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ لَكِنَّ تَوَلُّدَهُ مِنْهَا بِمُجَرَّدِهِ لَا يَقْتَضِي النَّجَاسَةَ إلَّا بِضَمِيمَةٍ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْعُ يَتْبَعُ) إلَخْ فَقَوْلُهُ: وَالْفَرْعُ إلَخْ مِنْ تَتِمَّةِ الْعِلَّةِ فَالْوَاوُ لِلْحَالِ. قَوْلُهُ: (لِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا) أَيْ مَعَ النَّجَاسَةِ أَيْ مِنْ ذِي النَّجَاسَةِ فَكَانَ مِثْلَهَا، وَلَا يُنْتَقَضُ بِالدُّودِ الْمُتَوَلِّدِ؛ لِأَنَّنَا نَمْنَعُ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا تَوَلَّدَ فِيهَا كَدُودِ الْخَلِّ لَا يُخْلَقُ مِنْ نَفْسِ الْخَلِّ بَلْ يَتَوَلَّدُ فِيهِ، وَالْخَرَزَةُ الْبَقَرِيَّةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الْبَقَرِ نَجِسَةٌ لِخَلْقِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ ارْتَضَعَ جَدْيٌ مِنْ كَلْبَةٍ أَوْ خِنْزِيرَةٍ فَنَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ لَبَنِهَا لَمْ يَنْجُسْ عَلَى الْأَصَحِّ شَرْحُ الْبَهْجَةِ قَوْلُهُ: (وَأَشْرَفَهُمَا) أَيْ الْأَشْرَفَ مِنْهُمَا، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِقَوْلِهِ: يَتْبَعُ الْفَرْعُ فِي انْتِسَابٍ أَبَاهُ ... وَالْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّهْ وَالزَّكَاةِ الْأَخَفَّ وَالدِّينِ الْأَعْلَى ... وَاَلَّذِي اشْتَدَّ فِي جَزَاءٍ وَدِيَهْ وَأَخَسَّ الْأَصْلَيْنِ رِجْسًا وَذَبْحًا ... وَنِكَاحًا وَالْأُكُلَ وَالْأُضْحِيَّهْ وَقَوْلُهُ: وَلَامٌ بِلَامٍ مَكْسُورَةٍ فَهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمِيمٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ؛ لِأَنَّ النَّظْمَ مِنْ الْخَفِيفِ وَدَخَلَ فِيهِ الْخَبْنُ وَالتَّقْدِيرُ وَهُوَ تَابِعُ لَامٍ، قَوْلُهُ: (فِي الرِّقِّ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يَظُنَّ الْوَاطِئُ فِي حَالِ وَطْئِهِ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَخَرَجَ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْحُرَّةُ أَوْ غُرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ، فَإِنَّ وَلَدَهَا حُرٌّ. وَقَوْلُهُ: وَاَلَّذِي اشْتَدَّ فِي جَزَاءٍ فَإِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مُتَوَلِّدًا بَيْنَ بَقَرٍ وَحْشِيٍّ وَنَعَامَةٍ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ. وَقَوْلُهُ وَدِيَّةٍ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ كِتَابِيِّ وَمَجُوسِيِّ دِيَتُهُ دِيَةُ كِتَابِيٍّ. وَقَوْلُهُ: وَأَخَسَّ الْأَصْلَيْنِ رِجْسًا كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ كَلْبَةٍ وَشَاةٍ فَهُوَ نَجِسٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْآدَمِيُّ الَّذِي تَوَلَّدَ بَيْنَ آدَمِيٍّ وَكَلْبَةٍ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَ م ر. وَقَوْلُهُ: وَذَبْحًا فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا نِكَاحُهُ إنْ كَانَ أُنْثَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَنِكَاحًا. وَقَوْلُهُ: وَالْأُكُلَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ الْمَأْكُولُ قَالَ تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25] وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ رِجْسًا، فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَأَخَسَّهُمَا فِي النَّجَاسَةِ وَتَحْرِيمِ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ. (وَالْمَيْتَةَ) وَهِيَ مَا زَالَتْ حَيَاتُهَا لَا بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُحْرِمِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَمَا ذُبِحَ بِالْعَظْمِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ إذَا ذُبِحَ (كُلُّهَا نَجِسَةٌ) بِالْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمُهَا لِحُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا قَالَ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَتَحْرِيمُ مَا لَيْسَ بِمُحْتَرَمٍ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَخَرَجَ بِالتَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ الْجَنِينُ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَالصَّيْدُ الَّذِي لَمْ تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ، وَالْمُتَرَدِّي إذَا مَاتَا بِالسَّهْمِ وَدَخَلَ فِي نَجَاسَةِ الْمَيْتَةِ جَمِيعُ أَجْزَائِهَا مِنْ عَظْمٍ وَشَعْرٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا تَحِلُّهُ الْحَيَاةُ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَيْتَةُ نَحْوِ دُودِ خَلٍّ وَتُفَّاحٍ، فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ، لَكِنْ لَا تُنَجِّسُهُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا وَيَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ. (إلَّا) مَيْتَةَ (السَّمَكِ وَ) مَيْتَةَ (الْجَرَادِ) فَطَاهِرَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» . وَالْمُرَادُ بِالسَّمَكِ كُلُّ مَا أُكِلَ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ، وَإِنْ   [حاشية البجيرمي] يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَالْأُضْحِيَّةُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَمَا لَا يُجْزِئُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا. قَوْلُهُ: (وَإِيجَابِ الْبَدَلِ) كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ صَيْدٍ بَرِّيٍّ وَحْشِيٍّ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ وَجَبَ بَدَلُهُ مِنْ الْمَأْكُولِ كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ. وَقَوْلُهُ: (وَتَقْرِيرِ الْجِزْيَةِ) فَإِنْ كَانَ أَبُوهُ يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ بِأَنْ كَانَ لَهُ كِتَابٌ أَوْ شُبْهَةُ كِتَابٍ أَقَرَّ هُوَ بِهَا أَيْضًا، وَإِلَّا فَلَا، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَأَخَسَّهُمَا فِي النَّجَاسَةِ) هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْمُحْرِمِ) أَيْ فِي ذَبْحِ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ الْوَحْشِيِّ الْمَأْكُولِ لَا مُطْلَقًا، فَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَلَا يَحْرُمُ مَذْبُوحُهُ، فَلَوْ صَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ صَيْدٌ بَرِّيٌّ مَأْكُولٌ وَقَتَلَهُ فَلَا يَكُونُ مَيْتَةً. وَيُلْغَزُ: وَيُقَالُ لَنَا مُحْرِمٌ يُؤْكَلُ صَيْدُهُ، فَمَذْبُوحُ الْمُحْرِمِ لِصَيْدِ الْحَرَمِ الْوَحْشِيِّ مَيْتَةٌ مَا لَمْ يَصِلْ عَلَيْهِ وَإِلَّا حَلَّ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الْمَأْكُولِ إذَا ذُبِحَ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ ذَبْحَهُ حَرَامٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمُهَا) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ مَيْتَةً مَا لَا يَسِيلُ دَمُهُ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ فِي قَوْلِهِ بِطَهَارَتِهَا. قَوْلُهُ: (جَمِيعُ أَجْزَائِهَا مِنْ عَظْمٍ وَشَعْرٍ إلَخْ) وَالشَّعْرُ الْمَجْهُولُ انْفِصَالُهُ هَلْ هُوَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ أَوْ لَا؟ أَوْ كَوْنِهِ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَهُ؟ طَاهِرٌ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَمِثْلُ الشَّعْرِ الْمَجْهُولُ حَالُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي مِصْرِنَا مِنْ الْفِرَاءِ الَّتِي تُبَاعُ، وَلَا يُعْرَفُ أَصْلُ حَيَوَانِهَا الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ هَلْ هُوَ مَأْكُولُ اللَّحْمِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ أُخِذَتْ مِنْهُ بَعْدَ تَذْكِيَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ؟ وَمِثْلُ الشَّعْرِ اللَّبَنُ إذَا شَكَكْنَا فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ انْفَصَلَ قَبْلَ التَّذْكِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا؟ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي ظَرْفٍ أَوْ لَا. وَعِبَارَةُ سم: لَوْ شَكَّ فِي اللَّبَنِ أَوْ فِي الشَّعْرِ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ لَا فَهُوَ طَاهِرٌ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ، وَإِنْ كَانَ مُلْقَى فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِحِفْظِ مَا يُلْقَى مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَيْنَا قِطْعَةَ لَحْمٍ وَشَكَكْنَا هَلْ هِيَ مِنْ مُذَكَّاةٍ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ مَا لَمْ تَكُنْ فِي ظَرْفٍ أَيْ: فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي مَحَلٍّ غَلَبَ فِيهِ الْمَجُوسُ، وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِرَمْيِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَعْنِي نَحْوَ الشَّعْرِ وَاللَّبَنِ، وَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً وَلِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِرَمْيِ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ، وَمِثْلُ الشَّعْرِ الْجِلْدُ وَالْعَظْمُ إذَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ مِنْ مُذَكَّى الْمَأْكُولِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ سم فِي شَرْحِ الْغَايَةِ اط ف. وَمِثْلُهُ فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَالْقَرْنِ وَالظِّلْفِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ) وَإِنْ سَهُلَ تَمْيِيزُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ نَظَرًا إلَى أَنَّ شَأْنَهُ عُسْرُ التَّمْيِيزِ وَلَا يَتَنَجَّسُ فَمُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهُ. اهـ. شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (إلَّا مَيْتَةَ السَّمَكِ إلَخْ) مَا صَنَعَهُ الشَّارِحُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِإِعْرَابِ الْمَتْنِ اللَّفْظِيِّ وَهُوَ مَعِيبٌ م د: وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ فِيهِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ وَهُوَ مَيْتَةٌ فَحُذِفَ، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَانْتَصَبَ انْتِصَابَهُ. قُلْت: فِيمَا كَتَبَهُ ع ش عَلَى الْمُغْنِي أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ فِي ذَلِكَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا، يَجُوزُ إنْ كَانَ الْمَتْنُ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَالطِّحَالُ) بِكَسْرِ الطَّاءِ، فَلَوْ سُحِقَ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَصَارَا دَمًا فَهُمَا طَاهِرَانِ فِيمَا يَظْهَرُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: «الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ) الْمُرَادُ بِهَا حَيَوَانَاتُ الْبَحْرِ الَّتِي يَجُوزُ أَكْلُهَا وَإِنْ لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 لَمْ يُسَمَّ سَمَكًا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَطْعِمَةِ، وَالْجَرَادُ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدُهُ جَرَادَةٌ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. (وَ) إلَّا مَيْتَةَ (الْآدَمِيِّ) فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] وَقَضِيَّةُ التَّكْرِيمِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] فَالْمُرَادُ بِهِ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ أَوْ اجْتِنَابُهُمْ كَالنَّجِسِ لَا نَجَاسَةُ الْأَبْدَانِ وَأَمَّا خَبَرُ الْحَاكِمِ: «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا أَوْ مَيِّتَا» فَجَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ بِالْمَوْتِ لَكَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرْ بِغُسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ.   [حاشية البجيرمي] يُسَمَّ سَمَكًا؛ إذْ هُوَ الْمُحْدَثُ عَنْهُ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ، وَفِيهَا عَنْ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ أَكْلُ سَمَكٍ مُمَلَّحٍ لَمْ يُنْزَعْ مَا فِي جَوْفِهِ أَيْ مِنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ، لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الصَّيْدِ جَوَازَ أَكْلِ الصَّغِيرِ مَعَ مَا فِي جَوْفِهِ لِعُسْرِ تَنْقِيَةِ مَا فِيهِ أَيْ: وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ نَجَاسَتَهُ كَمَا يَأْتِي، وَأَلْحَقَ فِي الرَّوْضَةِ الْجَرَادَ بِالسَّمَكِ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى الْعُبَابِ. قَوْلُهُ: (كُلُّ مَا أُكِلَ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ) لَوْ قَالَ كُلُّ مَا لَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ ق ل أَيْ: لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ حَوَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ. قَالَ الْعِمْرِيطِيُّ فِي نَظْمِ التَّحْرِيرِ: وَكُلُّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ حَيٍّ يَحِلّْ ... وَإِنْ طَفَا أَوْ مَاتَ أَوْ فِيهِ قُتِلْ فَإِنْ يَعِشْ فِي الْبَرِّ أَيْضًا فَامْنَعْ ... كَالسَّرَطَانِ مُطْلَقًا وَالضُّفْدَعِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ طَفَا أَيْ عَلَا. قَوْلُهُ: (وَاحِدُهُ جَرَادَةٌ) وَالتَّاءُ فِي جَرَادَةٍ لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ؛ لِأَنَّ جَرَادَةً يُقَالُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ يُطْلَقُ إلَخْ وَفِي الْخَبَرِ: «لَا تَقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ جُنْدُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ» أَيْ إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِفْسَادِ نَحْوِ الزَّرْعِ وَالْجُنْدُ الْعَسْكَرُ، وَمَكْتُوبٌ عَلَى جَنَاحِهِ جُنْدُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ لِلْوَاحِدَةِ مِنَّا تِسْعٌ وَتِسْعُونَ بَيْضَةً، وَلَوْ تَمَّتْ لَنَا الْمِائَةُ لَأَكَلْنَا الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا رَبُّ الْجَرَادِ وَرَازِقُهَا أَبْعَثُهَا رِزْقًا لِقَوْمٍ يَأْكُلُونَهُ وَبَلَاءً لِآخَرِينَ» . وَقَالَ عُمَرُ: أَوَّلُ هَلَاكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ الْجَرَادِ اهـ مِنْ الدَّمِيرِيِّ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ) وَمِثْلُهُ الْجِنُّ وَالْمَلَائِكَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا أَجْسَامٌ وَلَهَا مَيْتَةٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أَشْبَاحٌ نُورَانِيَّةٌ تَنْعَدِمُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهَا كَالْفَتِيلَةِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَنْعَدِمُ طَاهِرَةً. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ) أَيْ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا قَالَهُ الْمَحَلِّيُّ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ نَجِسٌ، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَعَلَيْهِ يُسْتَثْنَى الْأَنْبِيَاءُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالشُّهَدَاءُ. وَهَلْ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ؟ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا: إنَّهُ يَطْهُرُ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: بِأَنْ جَعَلَهُمْ يَأْكُلُونَ بِالْأَيْدِي، وَغَيْرُهُمْ يَأْكُلُ بِفِيهِ مِنْ الْأَرْضِ، وَقِيلَ بِالْعَقْلِ، وَقِيلَ بِالنُّطْقِ وَالتَّمْيِيزِ بِالْفَهْمِ، وَقِيلَ بِاعْتِدَالِ الْقَامَةِ، وَقِيلَ بِحُسْنِ الصُّورَةِ، وَقِيلَ الرِّجَالُ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءُ بِالذَّوَائِبِ، وَقِيلَ بِتَسْلِيطِهِمْ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي الْأَرْضِ وَتَسْخِيرِهِ لَهُمْ، وَقِيلَ بِحُسْنِ تَدْبِيرِهِمْ أَمْرَ الْمَعَاشِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ) أَيْ فَالْمَعْنَى إنَّمَا اعْتِقَادُ الْمُشْرِكِينَ كَالنَّجَاسَةِ فِي وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ، فَفِي الْآيَةِ حَذْفُ مُضَافٍ عَلَى هَذَا وَتَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ فِيهَا اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً بِأَنْ شَبَّهَ الْفَاسِدَ بِالنَّجِسِ وَاسْتُعِيرَ النَّجِسُ لِلْفَاسِدِ بِجَامِعِ وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ فِي كُلٍّ، فَالْمَعْنَى إنَّمَا اعْتِقَادُ الْمُشْرِكِينَ فَاسِدٌ، قَالَ ع ش: قَدْ يُقَالُ: الْآيَةُ وَارِدَةٌ فِي الْمُشْرِكِينَ الْأَحْيَاءِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْأَمْوَاتِ. اهـ. م ر. فَالْآيَةُ حِينَئِذٍ تَكُونُ غَيْرَ وَارِدَةٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ ثَابِتَةً لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ تَكُونُ ثَابِتَةً لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ بِالْأَوْلَى وَبَعْدَ جَوَابِ الشَّارِحِ تَكُونُ الطَّهَارَةُ ثَابِتَةً لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُهَا لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِقَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ بِنَجَاسَةِ الْآدَمِيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: (فَجَرَى عَلَى الْغَالِبِ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذِكْرِ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ إلَّا الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ الْكُفَّارُ قَدْ يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْحُكْمِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (لَكَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ لَمَا أَمَرَ بِغُسْلِهِ، لَكِنَّهُ أَمَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 فَإِنْ قِيلَ: وَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِغُسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ عُهِدَ غَسْلُ الطَّاهِرِ بِدَلِيلِ الْمُحْدِثِ بِخِلَافِ نَجِسِ الْعَيْنِ. (وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ) وَكُلُّ جَامِدٍ، وَلَوْ مَعْضًا مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وُجُوبًا. (مِنْ وُلُوغِ) كُلٍّ مِنْ (الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ) وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وَكَذَا بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ لُعَابُهُ وَبَوْلُهُ وَسَائِرُ رُطُوبَاتِهِ وَأَجْزَائِهِ الْجَافَّةِ إذَا لَاقَتْ رَطْبًا (سَبْعَ مَرَّاتٍ) بِمَاءٍ طَهُورٍ (إحْدَاهُنَّ) فِي غَيْرِ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ (بِتُرَابٍ طَهُورٍ) يَعُمُّ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ بِأَنْ   [حاشية البجيرمي] بِغُسْلِهِ فَلَا يَكُونُ نَجِسَ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ نَقِيضِ التَّالِي يُنْتِجُ نَقِيضَ الْمُقَدَّمِ؛ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى قِيَاسٍ اسْتِثْنَائِيٍّ حُذِفَتْ فِيهِ الِاسْتِثْنَائِيَّة وَالنَّتِيجَةُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ قِيلَ وَلَوْ كَانَ طَاهِرًا إلَخْ. وَهَذَا السُّؤَالُ وَارِدٌ مِنْ طَرَفِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِالْمِثْلِ مِنْ طَرَفِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: لَوْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ لَمْ يُؤْمَرْ بِغُسْلِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ) ذِكْرُ الْإِنَاءِ لَيْسَ قَيْدًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِلتَّبَرُّكِ بِالْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَيْ غَسْلُ الْإِنَاءِ إذَا أُرِيدَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ نَحْوِ نَقْلِ الْمَاءِ لِإِطْفَاءِ نَارٍ اج. وَمِثْلُ الْغَسْلِ الِانْغِسَالُ بِغَيْرِ فِعْلٍ ق ل، فَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَكْفِي انْغِسَالُهُ وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا لَوْ تَنَجَّسَ حَمَّامٌ بِنَحْوِ كَلْبٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا اُحْتُمِلَ مُرُورُ الْمَاءِ عَلَيْهِ سَبْعًا مَعَ التَّتْرِيبِ، وَلَوْ مِنْ نِعَالِ دَاخِلِيهِ طَهُرَ، وَلِهَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: فَائِدَةٌ حَمَّامٌ إلَخْ لِيُفِيدَ مَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ جَامِدٍ) أَيْ غَيْرُ نَجِسِ الْعَيْنِ، فَلَوْ بَالَ كَلْبٌ عَلَى عَظْمِ مَيْتَةِ نَحْوِ حِمَارٍ فَغُسِلَ سَبْعًا. إحْدَاهَا بِتُرَابٍ لَمْ يَطْهُرْ أَيْ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةُ الْمُغَلَّظَةُ حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبًا رَطْبًا مَثَلًا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْبِيعِهِ سم اج. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: يَطْهُرُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ فَلَا يُسَبَّعُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ، وَأَمَّا الْمَائِعُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَاءٍ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَإِنْ كَانَ مَاءً أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ بِالْمُكَاثَرَةِ وَلَا يَحْتَاجُ لِتَتْرِيبِهِ إنْ كَانَتْ نَجَاسَتُهُ مُغَلَّظَةً. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَحَوَاشِيهِ وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ أَيْ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُغَلَّظِ وَالْمُخَفَّفِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ جَمَدَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَعَسَلٍ انْعَقَدَ سُكْرًا، وَلَبَنٍ انْعَقَدَ جُبْنًا تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَدَقِيقٍ عُجِنَ بِهِ، وَلَوْ انْمَاعَ فَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَأَمَّا نَحْوُ السُّكْرِ فَإِنْ تَنَجَّسَ بَعْدَ جُمُودِهِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ أَوْ بِالْكَشْطِ أَوْ حَالَ انْمِيَاعِهِ لَمْ يَطْهُرْ مُطْلَقًا كَالْعَسَلِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ سم وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعْضًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْمَكَانِ أَيْ مَكَانَ عَضٍّ، وَذَلِكَ الْمَكَانُ مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّيْدِ وَلِلتَّعْمِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ؛ إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ يَجِبُ تَقْوِيرُهُ وَلَا يُطَهِّرُ الْغَسْلُ، وَقِيلَ يُعْفَى عَنْهُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ أَصْلًا، وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُ سَبْعًا مِنْ غَيْرِ تَتْرِيبٍ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. وَالْخَامِسُ غَسْلُهُ سَبْعًا بِتُرَابٍ كَمَا حَكَاهَا م ر فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الصَّيْدُ. قَوْلُهُ: (مِنْ وُلُوغِ) وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ لِسَانَهُ فِي الْمَائِعِ وَيُحَرِّكَهُ وَالشُّرْبُ أَعَمُّ مِنْهُ فَكُلُّ وُلُوغٍ شُرْبٌ وَلَا عَكْسَ سم. قَوْلُهُ: (وَكَذَا بِمُلَاقَاةِ إلَخْ) أَيْ فَالْوُلُوغُ لَيْسَ قَيْدًا، نَعَمْ إنْ مَسَّ شَيْئًا دَاخِلَ مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ يَنْجُسْ إذَا عَدَّ الْمَاءَ حَائِلًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَ بِيَدِهِ عَلَى نَحْوِ رِجْلِ الْكَلْبِ دَاخِلَ الْمَاءِ قَبْضًا شَدِيدًا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَاءٌ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا التَّنْجِيسُ، وَقَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ التَّنْجِيسِ بِمُمَاسَّتِهِ دَاخِلَ الْمَاءِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ حِينَئِذٍ وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ مُلَاقَاةَ النَّجَاسَاتِ مُبْطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَجَّسْ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى نَجِسٍ جَافٍّ سم شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَجْزَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَيُقَاسُ الْفَرْعُ أَيْ مَعَ تَوَسُّطِ رُطُوبَةٍ. قَوْلُهُ: (سَبْعَ مَرَّاتٍ) وَلَوْ سَبْعَ جِرْيَاتٍ أَوْ تَحْرِيكَهُ سَبْعَ حَرَكَاتٍ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَيُحْسَبُ ذَهَابِ الْعُضْوِ وَعَوْدُهُ مَرَّتَيْنِ، وَفَارَقَ عِنْدَ ذَهَابِ الْعُضْوِ وَعَوْدِهِ فِي الصَّلَاةِ مَرَّةً وَاحِدَةً نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَتَحَرُّزًا مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَلِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ جِنْسُ الْفِعْلِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْغَسْلُ سَبْعًا وَبِالتُّرَابِ تَعَبُّدِيٌّ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ غَمَسَ الْمُتَنَجِّسَ بِمَا ذُكِرَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ وَحَرَّكَهُ سَبْعًا وَتَرَّبَهُ طَهُرَ، وَإِنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ فَوَاحِدَةٌ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي انْغِمَاسِ الْمُحْدِثِ مِنْ تَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ، وَالْعَدَدُ ذَوَاتٌ مَقْصُودَةٌ، فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ اهـ اط ف. قَوْلُهُ: (إحْدَاهُنَّ) لَمْ يَقُلْ إحْدَاهَا، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا لَا يُفْعَلُ إنْ كَانَ مُسَمَّاهُ عَشَرَةً فَمَا دُونَ فَالْأَكْثَرُ الْمُطَابَقَةُ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُ الْإِفْرَادُ، وَقَدْ جَاءَ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} [التوبة: 36] الْآيَةَ فَأَفْرَدَ فِي قَوْلِهِ " مِنْهَا " لِرُجُوعِهِ لِاثْنَيْ عَشَرَ وَجَمَعَ فِي قَوْلِهِ: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ} [التوبة: 36] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 يَكُونَ قَدْرًا يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَيَصِلُ بِوَاسِطَتِهِ إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَحَلِّ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَزْجِهِ بِالْمَاءِ إمَّا قَبْلَ وَضْعِهِمَا عَلَى الْمَحَلِّ أَوْ بَعْدَهُ بِأَنْ يُوضَعَا، وَلَوْ مُرَتَّبَيْنِ ثُمَّ يُمْزَجَا قَبْلَ الْغُسْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا؛ إذْ الطَّهُورُ الْوَارِدُ عَلَى الْمَحَلِّ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي اشْتِرَاطِ الْمَزْجِ قَبْلَ الْوَضْعِ عَلَى الْمَحَلِّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» أَيْ بِأَنْ يُصَاحِبُ السَّابِعَةَ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: «السَّابِعَةَ بِالتُّرَابِ» وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا التِّرْمِذِيُّ: «أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَبَيْنَ رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ تَعَارُضٌ فِي مَحَلِّ التُّرَابِ فَيَتَسَاقَطَانِ فِي   [حاشية البجيرمي] لِرُجُوعِهِ لِلْأَرْبَعَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِتُرَابٍ) أَيْ مَصْحُوبَةٍ بِتُرَابٍ، وَالْمُرَادُ بِتُرَابٍ وَلَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ مَا لَوْ غَسَلَ بِقِطْعَةِ طِينٍ أَوْ طَفْلٍ، فَإِنَّهُ يَكْفِي وَكَذَا الطِّينُ الرَّطْبُ؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ بِالْقُوَّةِ وَيُجْزِئُ الرَّمَلُ النَّاعِمُ الَّذِي لَهُ غُبَارٌ يُكَدِّرُ الْمَاءَ، وَإِنْ كَانَ نَدِيًّا وَالتُّرَابُ الْمُخْتَلَطُ بِنَحْوِ دَقِيقٍ حَيْثُ كَانَ يُكَدِّرُ الْمَاءَ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ. قَوْلُهُ: (إمَّا قَبْلَ وَضْعِهِمَا) وَهُوَ الْأَوْلَى خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُوضَعَا وَلَوْ مُرَتَّبَيْنِ) بِأَنْ يَضَعَ أَوَّلًا الْمَاءَ ثُمَّ التُّرَابَ مُطْلَقًا أَوْ يَضَعَ التُّرَابَ أَوَّلًا بَعْدَ زَوَالِ الْجُرْمِ وَالْأَوْصَافِ. قَالَ شَيْخُنَا ح ف: الْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ وَضَعَ التُّرَابَ عَلَى جُرْمِ النَّجَاسَةِ لَمْ يَكْفِ مُطْلَقًا، وَإِنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ. وَوَضَعَ التُّرَابَ كَفَى مُطْلَقًا، سَوَاءٌ مَزَجَهُ بِالْمَاءِ أَوَّلًا أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا أَوْ جَافًّا، وَإِنْ بَقِيَتْ الْأَوْصَافُ فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ جَافًّا وَوَضَعَ التُّرَابَ مَمْزُوجًا بِالْمَاءِ أَوْ وَجَدَهُ كَفَى إنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ مَعَ الْمَاءِ الْمُصَاحِبِ لِلتَّتْرِيبِ، وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا وَوَضَعَ التُّرَابَ مَمْزُوجًا بِالْمَاءِ وَزَالَتْ الْأَوْصَافُ، وَإِنْ وَضَعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَكْفِ لِتَنَجُّسِهِ. قَوْلُهُ: (بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ) أَيْ ابْتِدَاءً، وَإِلَّا فَهُوَ إذَا امْتَزَجَ بِالنَّجَاسَةِ تَنَجَّسَ وَلَا يَطْهُرُ إلَّا فِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ. وَعِبَارَةُ سم: وَكَانَ مُرَادُهُمْ بِكَوْنِ الطَّهُورِ الْوَارِدِ بَاقِيًا عَلَى طَهُورِيَّتِهِ أَنَّهُ يَكْفِي طَهُورِيَّتُهُمَا حَالَ الْوُرُودِ، وَإِلَّا فَهِيَ قَطْعًا لَا تَبْقَى؛ إذْ بِمُخَالَطَتِهِمَا الرُّطُوبَةَ يَتَنَجَّسَانِ، بَلْ الْمَاءُ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ مَا عَدَا السَّابِعَةَ يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ الْمَحَلِّ لِبَقَاءِ نَجَاسَتِهِ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي طُهْرِ الْمَحَلِّ عِنْدَ السَّابِعَةِ. قَوْلُهُ: (الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ) مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ عَفِّرُوهُ بِالتُّرَابِ فِي الثَّامِنَةِ، فَكَانَ التُّرَابُ ثَامِنَةً فَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ خَمْسُ رِوَايَاتٍ: رِوَايَتَانِ لِمُسْلِمٍ، وَرِوَايَةٌ لِلتِّرْمِذِيِّ، وَرِوَايَةٌ لِلدَّارَقُطْنِيِّ، وَرِوَايَةٌ لِأَبِي دَاوُد، وَذَكَرَ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد لِتَفْسِيرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْأُولَى، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ أَصَحُّ، ثُمَّ لَمَّا تَعَارَضَتْ رِوَايَتَا مُسْلِمٍ مِنْ حَيْثُ مَحَلُّ التُّرَابِ تَسَاقَطَتَا وَاكْتُفِيَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ السَّبْعِ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ الدَّارَقُطْنِيِّ سَنَدًا لِهَذَا التَّسَاقُطِ وَالِاكْتِفَاءِ الْمَذْكُورِ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ سَنَدًا وَدَلِيلًا عَلَى أَنَّ الرِّوَايَاتِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي. قَوْلُهُ: (السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ) وَمَعَ ذَلِكَ تُسْتَحَبُّ ثَامِنَةً جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ اج. وَلَوْ اجْتَمَعَتْ غَسَلَاتُ النَّجَاسَةِ الْكُلِّيَّةِ فِي إنَاءٍ فَأَفْتَى ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ بِأَنَّ الْإِنَاءَ الَّذِي جُمِعَتْ فِيهِ الْغَسَلَاتُ يُغْسَلُ سَبْعًا. إحْدَاهَا بِتُرَابٍ. وَخَالَفَ سم وَقَالَ: إنْ كَانَ التَّتْرِيبُ فِي أُولَى السَّابِعِ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْأُولَى، وَكُلٌّ مِمَّا بَعْدَهَا لَا يُحْوِجُ لِلتَّتْرِيبِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا كَلَامَ ابْنِ أَبِي شَرِيفٍ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَجَاسَةً مُسْتَقِلَّةً، فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا سَبْعًا وَتَتْرِيبِهَا ع ش. وَاعْتَمَدَهُ الْحِفْنِيُّ وَلَوْ أَصَابَ شَيْءٌ مِنْ غُسَالَةِ الْكَلْبِ شَيْئًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُنْتَقِلِ عَنْهُ: فَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَتْرِيبِهِ غَسَلَهُ قَدْرَ مَا بَقِيَ مِنْ السَّبْعِ وَلَمْ يُتَرَّبْ، وَإِلَّا فَقَدْرُ مَا بَقِيَ مَعَ التَّتْرِيبِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ تَعَارُضٌ فِي مَحَلِّ التُّرَابِ فَيَتَسَاقَطَانِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى بِمَعْنَى الْوَاحِدَةِ وَالْأُخْرَى كَذَلِكَ فَهُمَا مُتَرَادِفَانِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ مَا مُلَخَّصُهُ: وَالْأَوَّلُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ، وَالْأُولَى بِمَعْنَى الْوَاحِدَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْآخَرِ أَنَّهُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ، وَالْأُخْرَى بِمَعْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 تَعْيِينِ مَحَلِّهِ، وَيُكْتَفَى بِوُجُودِهِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ السَّبْعِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ: «إحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ» ، فَنَصَّ عَلَى اللُّعَابِ، وَأَلْحَقَ بِهِ مَا سِوَاهُ وَلِأَنَّ لُعَابَهُ أَشْرَفُ فَضَلَاتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ نَجَاسَتُهُ فَغَيْرُهُ مِنْ بَوْلٍ وَرَوْثٍ وَعَرَقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: إذَا لَمْ تُزَلْ النَّجَاسَةُ إلَّا بِسِتِّ غَسَلَاتٍ مَثَلًا حُسِبَتْ وَاحِدَةً كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَلَوْ أَكَلَ لَحْمَ نَحْوِ كَلْبٍ لَمْ يَجِبْ تَسْبِيعُ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ. فَائِدَةٌ: حَمَّامٌ غُسِلَ دَاخِلَهُ كَلْبٌ وَلَمْ يُعْهَدْ تَطْهِيرُهُ وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ عَلَى دُخُولِهِ وَالِاغْتِسَالُ فِيهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَانْتَشَرَتْ النَّجَاسَةُ فِي حُصُرِ الْحَمَّامِ وَفُوَطِهِ فَمَا تَيَقَّنَ إصَابَةَ شَيْءٍ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، لِأَنَّا لَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ وَيَطْهُرُ الْحَمَّامُ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. إحْدَاهُنَّ بِطَفْلٍ لِأَنَّ الطَّفْلَ يَحْصُلُ بِهِ التَّتْرِيبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ بِوَاسِطَةِ الطِّينِ الَّذِي فِي نِعَالِ دَاخِلِيهِ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً وَغَابَتْ غَيْبَةً يُحْتَمَلُ فِيهَا طَهَارَةُ   [حاشية البجيرمي] الْوَاحِدَةِ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ: «يُغْسَلُ سَبْعًا» فِي رِوَايَةٍ «أُولَاهُنَّ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «أُخْرَاهُنَّ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «إحْدَاهُنَّ» ، الْكُلُّ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ، فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ وَاسْتَغْنِ بِهَا عَمَّا قِيلَ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ، فَإِنَّهَا إذَا عُرِضَتْ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ يَقْبَلُهَا الذَّوْقُ السَّلِيمُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فَإِنَّمَا جَعَلَ التُّرَابَ ثَامِنَةً بِاعْتِبَارِ مُغَايِرَتِهِ لِلْمَاءِ. قَوْلُهُ: (فَيَتَسَاقَطَانِ فِي تَعْيِينِ مَحَلِّهِ) أَيْ فَيُكْتَفَى بِهِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِحَمْلِ رِوَايَةِ أُولَاهُنَّ عَلَى الْأَكْمَلِ، وَأُخْرَاهُنَّ عَلَى الْإِجْزَاءِ، وَإِحْدَاهُنَّ عَلَى الْجَوَازِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وا ج. قَوْلُهُ: (بِالْبَطْحَاءِ) الْمُرَادُ بِهِ التُّرَابُ، وَأَصْلُهُ مَسِيلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَى اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (فَنَصَّ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْمُنَاسِبُ عَلَى الْوُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَأُلْحِقَ بِهِ مَا سِوَاهُ) إنْ قِيلَ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الدَّعْوَى فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ لُعَابَهُ) الْمُنَاسِبُ حَذْفُ الْوَاوِ. وَقَوْلُهُ: وَإِذَا ثَبَتَ الْأَوْلَى، فَإِذَا بِفَاءِ التَّفْرِيعِ، وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: وَقِيسَ عَلَى الْوُلُوغِ غَيْرُهُ كَبَوْلِهِ وَعَرَقِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ مَا ذُكِرَ فِي فَمِهِ مَعَ أَنَّهُ أَطْيَبُ مَا فِيهِ، بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْحَيَوَانِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى اهـ. قَالَ ق ل: عَلَيْهِ يُشِيرُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ إلَخْ. إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ لَزِمَ الْغَسْلُ سَبْعًا بِالتُّرَابِ؛ إذْ لَا فَارِقَ بَيْنَ فَضَلَاتِهِ فَسَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّهُ لَا قِيَاسَ فِي التَّعَبُّدِيَّاتِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْغَسْلِ سَبْعًا أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ، وَأَيْضًا الشَّيْءُ إذَا خَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَتَسْبِيعُ الْغَسْلِ بِالنَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ الْقِيَاسَ فِي التَّنْجِيسِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ التَّسْبِيعُ لَا فِي التَّسْبِيعِ، وَالْمُرَادُ بِاللُّعَابِ مَا خَرَجَ مِنْ رِيقِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ تَزُلْ النَّجَاسَةُ) أَيْ عَيْنُهَا كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى تَقْيِيدِ الْمَتْنِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا تُحْسَبُ الْمَرَّةُ الْأُولَى مِنْهَا إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ هُنَا مَا قَابَلَ الْحُكْمِيَّةَ فَيَشْمَلُ الْجُرْمَ وَالْوَصْفَ، بِخِلَافِ الْعَيْنِ الَّتِي لَا يَصِحُّ التَّتْرِيبُ مَعَهَا، فَإِنَّهَا الْجُرْمُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ، وَقَيَّدَ بِالسِّتِّ رَدًّا عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّهَا تُحْسَبُ سِتًّا فَيَحْتَاجُ إلَى وَاحِدَةٍ، وَإِلَّا فَالسِّتُّ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (لَحْمَ نَحْوِ كَلْبٍ) وَمِثْلُهُ الْعَظْمُ اللَّيِّنُ الَّذِي يُؤْكَلُ مَعَ اللَّحْمِ ع ش. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ تَسْبِيعُ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ) وَلَوْ خَرَجَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ الِاسْتِحَالَةَ وَيَجِبُ التَّسْبِيعُ مِنْ خُرُوجِ الْعَظْمِ، وَإِنْ اسْتَحَالَ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ عَدَمَ الِاسْتِحَالَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَمِثْلُهُ الشَّعْرُ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَسْبِيعُ الدُّبُرِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَقَايَأَهُ أَيْ اللَّحْمَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْبِيعُ فَمِهِ مَعَ التَّتْرِيبِ ز ي وا ج. قَالَ ع ش: لَا يَجِبُ التَّسْبِيعُ مِنْ الْقَيْءِ إذَا اسْتَحَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (حَمَّامٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي فَمَا تَيَقَّنَ إلَخْ. وَجُمْلَةُ: " غَسَلَ دَاخِلَهُ كَلْبٌ " إلَخْ صِفَةٌ لِحَمَّامٍ؛ لِأَنَّ الْجُمَلَ بَعْدَ النَّكِرَاتِ صِفَاتٌ، وَدَاخِلَهُ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي دَاخِلِهِ أَيْ غَسَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَسْلِ غَيْرِهِ لَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ ذَلِكَ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مِنْهُ، وَفِي م ر إسْقَاطُ قَوْلِهِ مِنْهُ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لِلْفُوَطِ وَالْحُصُرِ، وَقَوْلُهُ: إصَابَةُ شَيْءٍ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُحْكَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 فَمِهَا، وَيَتَعَيَّنُ التُّرَابُ وَلَوْ غُبَارَ رَمْلٍ وَإِنْ أَفْسَدَ الثَّوْبَ جَمْعًا بَيْنَ نَوْعَيْ الطَّهُورِ، فَلَا يَكْفِي غَيْرُهُ كَأُشْنَانٍ وَصَابُونٍ، وَيُسَنُّ جَعْلُ التُّرَابِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ، وَالْأُولَى أَوْلَى لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَتْرِيبِ مَا يَتَرَشْرَشُ مِنْ جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ، وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ وَلَا مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ، وَلَا يَجِبُ تَتْرِيبُ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ فَيَكْفِي تَسْبِيعُهَا بِمَاءٍ وَحْدَهُ وَلَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ مَثَلًا مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ تَمَامِ التَّسْبِيعِ لَمْ يَجِبْ تَتْرِيبُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِ الْأَرْضِ بَعْدَ تَتْرِيبِهِ، وَلَوْ وَلَغَ نَحْوُ الْكَلْبِ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ ثُمَّ كُوثِرَ حَتَّى بَلَغَ قُلَّتَيْنِ طَهُرَ الْمَاءُ دُونَ الْإِنَاءِ كَمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ وَأَقَرَّهُ فَإِنْ كَانَ فِي الْإِنَاءِ مَاءٌ كَثِيرٌ وَلَمْ يَنْقُصْ بِوُلُوغِهِ عَنْ الْقُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ وَلَا الْإِنَاءُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ جُرْمَهُ الَّذِي لَمْ يَصِلْهُ الْمَاءُ مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ مَا وَصَلَهُ الْمَاءُ مِمَّا هُوَ فِيهِ لَمْ   [حاشية البجيرمي] بِنَجَاسَتِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ مُنَجِّسًا لِدَاخِلِيهِ، وَأَمَّا بَلَاطُهُ فَهُوَ مُتَنَجِّسٌ فَقِيَاسُهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْهِرَّةِ صَحِيحٌ، فَحَكَمْنَا بِعَدَمِ التَّنَجُّسِ لِدَاخِلِيهِ لِاحْتِمَالِ طَهَارَتِهِ، وَأَمَّا هُوَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ فَنَجِسٌ فَهُوَ كَفَمِ الْهِرَّةِ، وَتَوَهَّمَ ق ل أَنَّ الْبَلَاطَ يَطْهُرُ حِينَئِذٍ أَيْ: حِينَ مَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ. وَقَالَ مُعْتَرِضًا عَلَى الشَّارِحِ: الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ كَمَا عَرَفْت، وَقَوْلُهُ: (لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ) الْأَوْلَى حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْهِرَّةِ لَا يَسْتَقِيمُ فَتَأَمَّلْ ق ل. وَدَفَعَهُ اج بِأَنَّ قِيَاسَهُ عَلَى الْهِرَّةِ مِنْ حَيْثُ عَدَمِ تَنَجُّسِ مَا يُصِيبُهُ مِنْ فَمِهَا، وَلَوْ حَكَمْنَا عَلَى الْفَمِ بِالنَّجَاسَةِ كَمَا مَرَّ، هَذَا وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْمَرْحُومِيِّ أَنَّ تَشْبِيهَ الْحَمَّامِ بِفَمِ الْهِرَّةِ الْمَذْكُورَةِ صَحِيحٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَالْمُرَادُ أَنَّ الْحَمَّامَ لَا يُنَجِّسُ دَاخِلَهُ حَيْثُ اُحْتُمِلَ طَهَارَتُهُ وَهُوَ نَجِسٌ فِي نَفْسِهِ كَفَمِ الْهِرَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُ مَا أَصَابَهُ وَهُوَ نَجِسٌ فِي نَفْسِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ أَيْ بِكَوْنِهَا مُنَجِّسًا لِدَاخِلِيهِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَيَتَعَيَّنُ التُّرَابُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِتُرَابٍ ق ل. قَوْلُهُ: (جَمْعًا بَيْنَ نَوْعَيْ الطَّهُورِ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ هُنَا أَيْ: فَلَا يَكْفِي الصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَوْعَيْ الطَّهُورِ أَيْ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ هُنَا، وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّبْغِ مِنْ أَنَّهُ قِيسَ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ حَرِّيفٍ، فَإِنَّهُ لَمْ تُذْكَرْ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَّةُ وَهِيَ قَوْلُهُ جَمْعًا بَيْنَ نَوْعَيْ الطَّهُورِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَأُشْنَانٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُهَا لُغَةٌ مِصْبَاحٌ وَهُوَ الْغَاسُولُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ) الْمُرَادُ بِالنَّجِسِ هُنَا الْمُتَنَجِّسُ. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمِنْهَاجِ: وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ فِي الْأَصَحِّ فَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْمُتَنَجِّسِ وَالْمُسْتَعْمَلِ يَكْفِي، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَافٍ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ أَيْ النَّجِسَ يَكْفِي كَالدِّبَاغِ بِشَيْءٍ نَجِسٍ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي حَدَثٍ) زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَوْ خَبَثٍ كَالْمَاءِ اهـ. لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ خَبَثٍ قَوْلُهُمْ: التُّرَابُ شَرْطٌ فِي الْمُغَلَّظَةِ لَا شَطْرٌ م ر وَمَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ تَتْرِيبُ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ) هَلْ يُسَنُّ لَا مَانِعَ. اهـ. ع ش. وَشَمِلَ التُّرَابُ الْمُسْتَعْمَلَ وَالْمُتَنَجِّسَ كَمَا قَالَهُ سم. قَوْلُهُ: (إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ) قَدْ يُقَالُ: لَهُ مَعْنًى وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُطَهِّرَيْنِ يَعْنِي الْمَاءَ وَالتُّرَابَ الطَّهُورَ، وَالتُّرَابُ الطَّهُورُ مَفْقُودٌ هُنَا؛ لِأَنَّ التُّرَابَ الَّذِي فِي الْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ مُتَنَجِّسٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَهَذَا بَحْثٌ مِنْهُ وَالْحُكْمُ مُسَلَّمٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ تَتْرِيبُهُ قِيَاسًا إلَخْ) هَذَا ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّيْخِ م ر التَّتْرِيبُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ أَصَابَ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ ثَوْبًا قَبْلَ تَمَامِ السَّبْعِ اُشْتُرِطَ فِي تَطْهِيرِهِ تَتْرِيبُهُ، وَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ فِيهَا، وَهُوَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ، وَأَيْضًا فَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ تَتْرِيبِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ إلَّا الْأَرْضَ التُّرَابِيَّةَ، كَذَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ إلَخْ) أَيْ إصَابَةً خَفِيفَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ الْإِصَابَةُ قَوِيَّةً بِحَيْثُ مَنَعَ سَرَيَانَ الْمَاءِ بَيْنَ الْمُتَمَاسَّيْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْمَوْضِعِ كَذَا قَرَّرُوهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ حَائِلًا فَلَا إصَابَةَ فَتَأَمَّلْ. أَقُولُ: إذَا مَنَعَ سَرَيَانَ الْمَاءِ بَيْنَ الْمُتَمَاسَّيْنِ فَيَكُونُ الْمَاءُ غَيْرَ حَائِلٍ بَيْنَهُمَا: فَيُحْكَمُ بِالتَّنْجِيسِ حِينَئِذٍ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ لَاقَى بَدَنُهُ شَيْئًا مِنْ الْكَلْبِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمْسَكَهُ بِيَدِهِ وَتَحَامَلَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَمْ يَصِرْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَدِهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْبَلَلِ، فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ ع ش عَلَى م ر. وَقَرَّرَ الشَّيْخُ الْخَلِيفِيُّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 يَنْجُسْ، وَتَكُونُ كَثْرَةُ الْمَاءِ مَانِعَةً مِنْ تَنَجُّسِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: هَلْ يَجِبُ إرَاقَةُ الْمَاءِ الَّذِي تَنَجَّسَ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ أَوْ يَنْدُبُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَحَدِيثُ الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ، وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَإِنْ خَرَجَ فَمُهُ جَافًّا لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ أَوْ رَطْبًا فَكَذَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَرُطُوبَتُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِنْ لُعَابِهِ. (وَيُغْسَلُ مِنْ سَائِرِ) أَيْ بَاقِي (النَّجَاسَاتِ) الْمُخَفَّفَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ (مَرَّةً) وُجُوبًا (تَأْتِي عَلَيْهِ) وَقَدْ مَرَّ دَلِيلُ ذَلِكَ، وَكَيْفِيَّةُ الْغُسْلِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَغَسْلُ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ وَاجِبٌ (وَالثَّلَاثُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالثَّلَاثَةُ بِالتَّاءِ (أَفْضَلُ) أَيْ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَرَّةٍ، فَيُنْدَبُ أَنْ يُغْسَلَ غَسْلَتَيْنِ بَعْدَ الْغَسْلَةِ الْمُزِيلَةِ لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ لِتَكْمُلَ الثَّلَاثُ، فَإِنَّ الْمُزِيلَةَ لِلنَّجَاسَةِ وَاحِدَةٌ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ كَمَا مَرَّ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّكِّ فِي النَّجَاسَةِ لِحَدِيثِ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ» فَعِنْدَ تَحَقُّقِهَا أَوْلَى وَشَمِلَ ذَلِكَ الْمُغَلَّظَةَ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الشَّامِلِ الصَّغِيرِ فَيُنْدَبُ مَرَّتَانِ بَعْدَ طُهْرِهَا. وَقَالَ الْجِيلِيُّ: لَا يُنْدَبُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكَبَّرَ لَا يُكَبَّرُ كَمَا أَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ أَيْ فَتُثَلَّثُ النَّجَاسَةُ الْمُخَفَّفَةُ وَالْمُتَوَسِّطَةُ دُونَ الْمُغَلَّظَةِ وَهَذَا أَوْجَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِي إزَالَتِهَا نِيَّةٌ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ كَتَرْكِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ. وَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الصَّوْمِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَقْصُودًا لِقَمْعِ الشَّهْوَة، وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى اُلْتُحِقَ بِالْفِعْلِ، وَيَجِبُ أَنْ يُبَادِرَ بِغَسْلِ الْمُتَنَجِّسِ عَاصٍ بِالتَّنْجِيسِ كَأَنْ اسْتَعْمَلَ النَّجَاسَةَ فِي بَدَنِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ خُرُوجًا مِنْ الْمَعْصِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِهِ فَلِنَحْوِ الصَّلَاةِ وَيُنْدَبُ أَنْ يُعَجِّلَ بِهِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ بِالْمُغَلَّظَةِ مُطْلَقًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْعَاصِي بِالْجَنَابَةِ   [حاشية البجيرمي] أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ أُصْبُعَهُ مَثَلًا بَيْنَ أَسْنَانِ الْكَلْبِ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ رُطُوبَةً لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِتَنْجِيسٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَدْخَلَ) أَيْ الْكَلْبُ رَأْسَهُ أَيْ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ إصَابَتَهُ لِلْمَاءِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَرُطُوبَتُهُ) أَيْ رُطُوبَةُ فَمِهِ. قَوْلُهُ: (وَيُغْسَلُ) أَيْ الْإِنَاءُ وَهُوَ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا الْغَسْلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ إذْ الْمُرَادُ الِانْغِسَالُ وَلَوْ بِغَيْرِ فِعْلٍ وَلَا قَصْدٍ اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ سَائِرِ) أَيْ مِنْ أَجْلِ إصَابَةِ شَيْءِ سَائِرِ إلَخْ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْمُخَفَّفَةِ) لَا يَخْفَى مِمَّا مَرَّ أَنَّ وَاجِبَهَا الرَّشُّ، فَالْحُكْمُ بِغَسْلِهَا هُنَا لَا يُلَائِمُهُ اهـ ق ل. إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْغَسْلِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الرَّشَّ أَيْ: فَغَلَبَ الْغَسْلُ عَلَى النَّضْحِ وَأُطْلِقَ عَلَى الْكُلِّ غَسْلًا. قَوْلُهُ: (وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَالثَّلَاثَةُ بِالتَّاءِ) أَيْ وَعَلَيْهِ، فَوَجْهُ جَرَيَانِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ حَذْفُ الْمَعْدُودِ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ حَيْثُ حُذِفَ الْمَعْدُودُ جَازَ تَذْكِيرُ الْعَدَدِ وَتَأْنِيثُهُ. قَوْلُهُ: (لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ) أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْوَصْفِ. قَوْلُهُ: (قَوْلُهُ لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَالثَّلَاثُ أَفْضَلُ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَأْخُوذٌ بِالْقِيَاسِ الْأَوْلَوِيِّ. قَوْلُهُ: (وَشَمِلَ ذَلِكَ) أَيْ التَّثْلِيثُ الْمُغَلَّظَةَ إلَخْ. فِي كَلَامِهِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ سَائِرَ بِمَعْنَى: بَاقِيَ، وَبِهِ تَخْرُجُ الْمُغَلَّظَةُ؛ إذْ وَاجِبُهَا التَّسْبِيعُ، فَفِي الشُّمُولِ نَظَرٌ، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ أَيْضًا مُخْرِجَةٌ لِلْمُغَلَّظَةِ لِقَوْلِهِ: وَالثَّلَاثُ أَفْضَلُ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ فِيمَا وَاجِبُهُ التَّسْبِيعُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُكَبَّرَ لَا يُكَبَّرُ) أَيْ أَنَّ الشَّارِعَ بَالَغَ فِي تَكْبِيرِهِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ الشَّيْءَ إذَا صُغِّرَ مَرَّةً لَا يُصَغَّرُ أُخْرَى، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: الشَّيْءُ إذَا انْتَهَى نِهَايَتَهُ فِي التَّغْلِيظِ لَا يَقْبَلُ التَّغْلِيظَ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَكَقَتْلِ الْعَمْدِ وَشَبَهِهِ لَا تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهَا مُغَلَّظَةٌ وَإِنْ غُلِّظَتْ فِي الْخَطَأِ. قَوْلُهُ: (كَمَا أَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ) وَذَلِكَ كَبَوْلِ الصَّبِيِّ، فَإِنَّهُ صُغِّرَ مَرَّةً حَيْثُ كَانَ وَاجِبُهُ النَّضْحَ فَقَطْ فَلَا يُصَغَّرُ مَرَّةً أُخْرَى بِأَنْ يَكُونَ وَاجِبُهُ شَيْئًا آخَرَ أَقَلَّ مِنْ النَّضْحِ، وَأَدْنَى مِنْهُ كَالْمَسْحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ. قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَغَسْلُ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ وَاجِبٌ فَقَطْ وَلَمْ يَقُلْ بِنِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ) أَيْ مِنْ قِسْمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 يَحْتَمِلُ إلْحَاقُهُ بِالْعَاصِي بِالتَّنْجِيسِ، وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَصَى بِهِ هُنَا مُتَلَبِّسٌ بِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، وَإِذَا غَسَلَ فَمَهُ الْمُتَنَجِّسَ فَلْيُبَالِغْ فِي الْغَرْغَرَةِ لِغَسْلِ كُلِّ مَا فِي حَدِّ الظَّاهِرِ، وَلَا يَبْلَعُ طَعَامًا، وَلَا شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ آكِلًا لِلنَّجَاسَةِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَأَقَرَّهُ. (وَإِذَا تَخَلَّلَتْ الْخَمْرَةُ) أَيْ الْمُحْتَرَمَةُ وَغَيْرُهَا وَالْمُحْتَرَمَةُ هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ أَوْ هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى (بِنَفْسِهَا طَهُرَتْ) لِأَنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ الْإِسْكَارُ وَقَدْ زَالَ، وَلِأَنَّ الْعَصِيرَ غَالِبًا لَا يَتَخَلَّلُ إلَّا بَعْدَ التَّخَمُّرِ، فَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِالطَّهَارَةِ لَتَعَذَّرَ اتِّخَاذُ خَلٍّ مِنْ الْخَمْرِ وَهُوَ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَيَطْهُرُ دَنُّهَا مَعَهَا، وَإِنْ غَلَتْ حَتَّى ارْتَفَعَتْ وَتَنَجَّسَ بِهَا مَا فَوْقَهَا مِنْهُ وَتُشْرَبُ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ، وَكَذَا تَطْهُرُ إنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ أَوْ فُتِحَ رَأْسُ الدَّنِّ لِزَوَالِ الشِّدَّةِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَّفَتْهَا. (وَإِنْ تَخَلَّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فِيهَا) كَالْبَصَلِ وَالْخُبْزِ الْحَارِّ وَلَوْ قَبْلَ   [حاشية البجيرمي] التُّرُوكِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ غَسْلِهَا بُعْدُهَا عَنْهُ وَتَرْكُهَا، فَالْمُرَادُ بِالْبَابِ الْقِسْمُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَصَى بِالتَّنْجِيسِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (وَالْعَاصِي بِالْجَنَابَةِ) بِأَنْ كَانَتْ مِنْ زِنًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الَّذِي عَصَى بِهِ هُنَا مُتَلَبِّسٌ بِهِ) ؛ إذْ التَّضَمُّخُ بِالنَّجَاسَةِ مَوْجُودٌ، وَفِعْلُهُ النَّاشِئُ عَنْهُ الْجَنَابَةُ انْقَطَعَ. هَذَا وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْفِعْلَ فِي التَّنْجِيسِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ أَثَرُهُ كَالْجَنَابَةِ، فَاتُّجِهَ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ غَيْرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُمْ الْفَرْقُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَلْيُبَالِغْ) أَيْ وُجُوبًا. قَوْلُهُ: (وَلَا شَرَابًا) أَيْ غَيْرَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ: (فِي حَدِّ الظَّاهِرِ) الْبَاطِنُ مِنْ الْحَلْقِ مَخْرَجُ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ دُونَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ ز ي. قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَخَلَّلَتْ الْخَمْرَةُ) لَمَّا ذَكَرَ زَوَالَ النَّجَاسَةِ بِالْغَسْلِ ذَكَرَ زَوَالَهَا بِغَيْرِهِ. فَقَالَ: وَإِذَا تَخَلَّلَتْ إلَخْ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ الْخَمْرَةَ بِالتَّاءِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ بِلَا تَاءٍ عَلَى الْأَفْصَحِ. قَوْلُهُ: (عُصِرَتْ) أَيْ عُصِرَ أَصْلُهَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَةَ لَا تُعْصَرُ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى) أَيْ لِدُخُولِ صُورَةِ الْإِطْلَاقِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ أَمَّا مِنْ الْكَافِرِ فَمُحْتَرَمَةٌ مُطْلَقًا وَلَا تُرَاقُ مَا لَمْ يُطَهِّرْهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ إلَخْ) وَالدَّلِيلُ عَلَى طُهْرِ الْخَمْرَةِ إذَا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا الْإِجْمَاعُ، وَلَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَا " فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ لَهُ: «أَنَتَّخِذُ الْخَمْرَةَ خَلًّا؟ قَالَ: لَا» ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ إذَا لَمْ تُعَالَجْ تَكُونُ طَاهِرَةً إذَا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّ جَوَابَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «لَا» مُخْرَجٌ عَلَى جَوَابِ السُّؤَالِ الَّذِي سَأَلَهُ لَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، وَالْجَوَابُ إذَا خَرَجَ عَلَى سُؤَالٍ لَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (وَالتَّحْرِيمِ) هَذَا اللَّفْظُ دَخِيلٌ هُنَا؛ إذْ الْكَلَامُ الْآنَ فِي نَجَاسَتِهَا لَا فِي حُرْمَتِهَا. قَوْلُهُ: (غَالِبًا) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ خَمْسِ مَسَائِلَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ ذَكَرَهُمَا فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ اخْتَلَطَ عَصِيرٌ بِخَلٍّ غَالِبٍ أَوْ مُسَاوٍ وَالثَّلَاثَةُ مَذْكُورَةٌ فِي التَّتِمَّةِ. قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّنِّ. وَقَوْلُهُ: (وَيُشْرَبُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: مَا فَوْقَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِلدَّنِّ. وَقَوْلُهُ: (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْخَمْرَةِ. وَقَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَيَطْهُرُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا تَطْهُرُ إنْ نُقِلَتْ إلَخْ) فَصَّلَهُ بِكَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ، فَقَدْ قِيلَ إنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ النَّاشِئِ عَنْ النَّقْلِ عَلَى الْقَاعِدَةِ أَنَّ مَنْ اسْتَعْجَلَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ، وَهَذَا النَّقْلُ قِيلَ حَرَامٌ، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ. وَفِي الصُّورَتَيْنِ لَمْ يَحْصُلْ هُبُوطٌ لِلْخَمْرَةِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَإِلَّا تَنَجَّسَتْ لِاتِّصَالِهَا بِمَوْضِعِ الدَّنِّ النَّجِسِ بِسَبَبِ الْهُبُوطِ، وَكَذَا لَوْ نُقِلَتْ مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ وَضْعِ الْعَصِيرِ مَوْضِعَ دَنِّ الْخَمْرِ، فَإِنَّ الْخَلَّ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا دَوَامٌ، وَذَاكَ ابْتِدَاءٌ وَيُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ. قَوْلُهُ: (لِزَوَالِ الشِّدَّةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: تَطْهُرُ. قَوْلُهُ: (خَلَّفَتْهَا) أَيْ خَلَّفَتْ الشِّدَّةَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَخَلَّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فِيهَا إلَخْ) وَلَيْسَ مِنْ الْعَيْنِ فِيمَا يَظْهَرُ الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْعَصِيرِ فَلَا يَضُرُّ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ تَخَمَّرَ مَا فِي أَجْوَافِ الْحَبَّاتِ، ثُمَّ تَخَلَّلَ حَيْثُ قَالُوا بِطَهَارَتِهِ، وَمِمَّا تَسَاقَطَ مِنْ الْعِنَبِ عِنْدَ الْعَصِيرِ مِنْ النَّوَى، فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ ذَلِكَ أَسْهَلُ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَنْ الدُّودِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ لَوْ عُصِرَ الْعِنَبُ إلَخْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 التَّخَمُّرِ (لَمْ تَطْهُرْ) لِتَنَجُّسِ الْمَطْرُوحِ فِيهَا فَيُنَجِّسُهَا بَعْدَ انْقِلَابِهَا خَلًّا. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالْوُقُوعِ بَدَلَ الطَّرْحِ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يَرُدّ عَلَيْهِ مَا لَوْ وَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ بِغَيْرِ طَرْحٍ كَإِلْقَاءِ رِيحٍ، فَإِنَّهَا لَا تَطْهُرُ مَعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، نَعَمْ لَوْ عُصِرَ الْعِنَبُ وَوَقَعَ مِنْهُ بَعْضُ حَبَّاتٍ فِي عَصِيرِهِ لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا يَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تَضُرُّ، وَلَوْ نُزِعَتْ الْعَيْنُ الطَّاهِرَةُ مِنْهَا قَبْلَ التَّخَلُّلِ لَمْ يَضُرَّ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ النَّجِسَةِ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ يَقْبَلُ التَّنْجِيسَ فَلَا تَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ، وَلَوْ ارْتَفَعَتْ بِلَا غَلَيَانٍ بَلْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ لَمْ يَطْهُرْ الدَّنُّ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ وَلَا الْخَمْرَ لِاتِّصَالِهَا بِالْمُرْتَفِعِ النَّجِسِ، فَلَوْ غُمِرَ الْمُرْتَفِعُ بِخَمْرٍ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ لَوْ بَعْدَ جَفَافِهِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ فِي تَقْيِيدِهِ بِ قَبْلَ الْجَفَافِ، وَلَوْ نُقِلَتْ مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُخْرِجَتْ مِنْهُ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ. وَالْخَمْرُ هِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا أَنَّ النَّبِيذَ، وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ غَيْرِ مَاءِ الْعِنَبِ كَالتَّمْرِ لَا يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِهِ حَالَةَ الِاشْتِدَادِ فَيُنَجِّسُهُ بَعْدَ الِانْقِلَابِ خَلًّا. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يَطْهُرُ. وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ خَلَّ تَمْرٍ بِخَلِّ عِنَبٍ أَوْ خَلَّ زَبِيبٍ بِخَلِّ رُطَبٍ صَحَّ، وَلَوْ اخْتَلَطَ عَصِيرٌ بِخَلٍّ مَغْلُوبٍ ضَرَّ؛ لِأَنَّهُ لِقِلَّةِ الْخَلِّ فِيهِ يَتَخَمَّرُ فَيَتَنَجَّسُ بِهِ بَعْدَ تَخَلُّلِهِ أَوْ بِخَلٍّ غَالِبٍ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ التَّخَمُّرِ، وَأَمَّا الْمُسَاوِي فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْخَلِّ الْغَالِبِ لِمَا ذَكَرَ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَرِدَ) أَيْ لِيَنْتَفِيَ وُرُودُ مَا ذَكَرَ فَلَيْسَتْ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِئَلَّا عِلَّةً لِمَجِيءِ الْإِيرَادِ، كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ بَلْ هِيَ عِلَّةٌ لِنَفْيِ الْإِيرَادِ. وَأَجَابَ عَنْهُ ع ش: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّرْحِ لَازِمُهُ، وَهُوَ السُّقُوطُ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " بِطَرْحِ " بِمَعْنَى مَعَ لَا سَبَبِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُفِيدُ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَى عَيْنٍ تُؤْثِرُ التَّخَلُّلَ عَادَةً اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَضُرَّ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَمْ تَهْبِطْ الْخَمْرَةُ بِنَزْعِهَا وَإِلَّا فَلَا تَطْهُرُ ق ل. قَوْلُهُ: (لِفَقْدِ الْعِلَّةِ) وَهِيَ قَوْلُهُ: لِتَنَجُّسِ الْمَطْرُوحِ فِيهَا إلَخْ فَيُنَجِّسُهَا بَعْدَ انْقِلَابِهَا خَلًّا، لَكِنَّ الْمَفْقُودَ هُنَا إنَّمَا هُوَ جُزْءُ الْعِلَّةِ الْأَخِيرُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَيُنَجِّسُهَا بَعْدَ انْقِلَابِهَا وَأَمَّا الْجُزْءُ الْأَوَّلُ فَمَوْجُودٌ هُنَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بَلْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ) كَنَقْلِهَا الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ غُمِرَ الْمُرْتَفِعُ) بِأَنْ زِيدَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِخَمْرٍ) أَوْ نَبِيذٍ أَوْ بِسُكْرٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ نَحْوِهَا كَمَا قَالَهُ ق ل. فَالْخَمْرُ لَيْسَ قَيْدًا وَلَيْسَ فِيهِ تَخْلِيلٌ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ الْعَسَلَ وَنَحْوَهُ يَتَخَمَّرُ. اهـ. م د. قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَلَا يُقَالُ إنَّ النَّبِيذَ فِيهِ مَاءٌ وَهُوَ تَضُرُّ مُصَاحَبَتُهُ لِلْخَمْرَةِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَهَذَا فِي الدَّوَامِ. وَيُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ. وَعِبَارَةُ س ل: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعَصِيرِ بَيْنَ الْمُتَّخَذِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ جَعَلَ فِيهِ عَسَلًا أَوْ سُكَّرًا أَوْ اتَّخَذَهُ مِنْ نَحْوِ عِنَبٍ وَرُمَّانٍ أَوْ بُرٍّ وَزَبِيبٍ طَهُرَ بِانْقِلَابِهِ خَلًّا، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَيْسَ فِيهِ تَخَلُّلٌ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَسَلِ أَوْ الْبُرِّ أَوْ نَحْوِهِمَا يَتَخَمَّرُ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَكَذَا السُّكَّرُ فَلَا يَصْحَبُ الْخَمْرَ عَيْنٌ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (طَهُرَتْ) أَيْ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ جَفَافِهِ) قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ بَالَ ثُمَّ جَفَّ الْبَوْلُ ثُمَّ بَالَ ثَانِيًا وَعَمَّ مَا عَمَّهُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ الْحَجَرُ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَابِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَنَّهُ مَحَلُّ تَخْفِيفٍ فَاغْتَفَرُوا فِيهِ بِخِلَافِهِ هُنَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (فَتَخَمَّرَ) لَيْسَ قَيْدًا لِتَنْجِيسِ الْعَصِيرِ بِوَضْعِهِ فِي الدَّنِّ الْمُتَنَجِّسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُؤْخَذُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْخَمْرَةِ. قَوْلُهُ: (لَا يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ) ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُ: وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يَطْهُرُ مُعْتَمَدٌ وَلَوْ جُعِلَ مَعَ نَحْوِ زَبِيبٍ طِيبًا وَنُقِعَ ثُمَّ صُفِّيَ وَصَارَتْ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الطِّيبُ أَقَلَّ مِنْ الزَّبِيبِ فَنَجِسٌ، وَإِلَّا فَلَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ أُلْقِيَ عَلَى عَصِيرٍ خَلٌّ دُونَهُ فَنَجِسٌ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ التَّخَمُّرِ وَلَا عِبْرَةَ بِالرَّائِحَةِ حِينَئِذٍ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ اهـ شَرْحُ م ر. أَيْ فَيَكُونُ الطِّيبُ طَاهِرًا مُطْلَقًا اهـ اج. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ) أَيْ فَلَا يُحْكَمُ بِتَنَجُّسِهِ كَالدَّنِّ خِلَافًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (وَيَدُلُّ لَهُ) أَيْ لِلطُّهْرِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ خَلَّ تَمْرٍ، فَإِنَّ صِحَّةَ بَيْعِ خَلِّ التَّمْرِ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا صَحَّ بَيْعُهُ. قَوْلُهُ: (مَغْلُوبٍ) أَيْ قَلِيلٍ. وَقَوْلُهُ: غَالِبٍ أَيْ كَثِيرٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ التَّخَمُّرِ) فَلَوْ تَيَقَّنَ التَّخَمُّرَ ضَرَّ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمُسَاوِي فَيَنْبَغِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 فَائِدَةٌ: الْخَمْرُ مُؤَنَّثَةٌ كَمَا اسْتَعْمَلَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ تُذَكَّرُ عَلَى ضَعْفٍ، وَيُقَالُ فِيهَا خَمْرَةٌ بِالتَّاءِ عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ. تَتِمَّةٌ: قَالَ الْحَلِيمِيُّ: قَدْ يَصِيرُ الْعَصِيرُ خَلًّا مِنْ غَيْرِ تَخَمُّرٍ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ. الْأُولَى: أَنْ يُصَبَّ فِي الدَّنِّ الْمُعَتَّقِ بِالْخَلِّ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُصَبَّ الْخَلُّ فِي الْعَصِيرِ فَيَصِيرُ بِمُخَالَطَتِهِ خَلًّا مِنْ غَيْرِ تَخَمُّرٍ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَصِيرُ غَالِبًا. الثَّالِثَةُ: إذَا تَجَرَّدَتْ حَبَّاتُ الْعِنَبِ مِنْ عَنَاقِيدِهِ وَيُمْلَأُ مِنْهَا الدَّنُّ وَيُطَيَّنُ رَأْسُهُ وَيَجُوزُ إمْسَاكُ ظُرُوفِ الْخَمْرِ، وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَاسْتِعْمَالُهَا إذَا غُسِلَتْ وَإِمْسَاكُ الْمُحْتَرَمَةِ لِتَصِيرَ خَلًّا، وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ يَجِبُ إرَاقَتُهَا، فَلَوْ لَمْ يُرِقْهَا فَتَخَلَّلَتْ طَهُرَتْ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ. فَصْلٌ: فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَقَالَ: (وَ) الَّذِي (يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ) أَيْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الدِّمَاءِ   [حاشية البجيرمي] إلْحَاقُهُ إلَخْ) اعْتَمَدَ م ر فِي شَرْحِهِ خِلَافَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَخْبَرَ الْعَارِفُ بِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ تَخَلُّلٌ لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا ضَرَّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْغَالِبِ أَيْ إنْ أَخْبَرَ بِهِ عَدْلَانِ يَعْرِفَانِ مَا يَمْنَعُ التَّخَمُّرَ وَعَدَمَهُ، أَوْ عَدْلٌ وَاحِدٌ فِيمَا يَظْهَرُ. أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ خَبِيرٌ أَوْ وُجِدَ وَشَكَّ، فَالْأَوْجَهُ إدَارَةُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَالِبِ حِينَئِذٍ اهـ. قَوْلُهُ: (الْخَمْرُ مُؤَنَّثَةٌ) أَيْ تَأْنِيثًا مَعْنَوِيًّا كَزَيْنَبِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا مُؤَنَّثَةً إلْحَاقَ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ بِهَا بَلْ عَوْدَ الضَّمَائِرِ الْمُؤَنَّثَةِ عَلَيْهَا وَإِسْنَادَ الْأَفْعَالِ الْمُؤَنَّثَةِ إلَيْهَا. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ. فَائِدَةٌ: الْخَمْرُ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَمُذَكَّرَةٌ عَلَى ضَعْفٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَخْمِيرِهَا الْعَقْلَ أَيْ تَغْطِيَتهَا إيَّاهُ، أَوْ؛ لِأَنَّهَا تُخَمَّرُ أَيْ تُغَطَّى لِئَلَّا يَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ يُفْسِدُهَا، أَوْ؛ لِأَنَّهَا تُرِكَتْ فَاخْتَمَرَتْ أَيْ تَغَيَّرَتْ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (الْمُعَتَّقُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُطَيَّنُ) أَيْ يُسْدَرُ رَأْسُهُ بِطِينٍ. قَوْلُهُ: (إذَا غُسِلَتْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا قَبْلَ الْغَسْلِ إذَا كَانَتْ جَافَّةً فِي غَيْرِ مَائِعٍ وَمَاءٍ قَلِيلٍ. قَوْلُهُ: (يَجِبُ إرَاقَتُهَا) أَيْ فَوْرًا شَرْحُ م ر. [فَصْلٌ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ] ِ حِكْمَةُ تَأْخِيرِ هَذَا الْفَصْلِ عَمَّا قَبْلَهُ لِكَوْنِ مَا فِيهِ مُخْتَصًّا بِالنِّسَاءِ، وَمَا قَبْلَهُ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَمَا يَتْبَعُهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَهُوَ أَشْرَفُ اج، أَيْ: فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ أَخَّرَهُ عَنْ الْغُسْلِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ قَبْلَهُ عِنْدَ مُوجِبَاتِهِ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّهُ أَخَّرَهُ لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَلِتَعَلُّقِهِ بِالنِّسَاءِ فَكَانَ مُؤَخَّرَ الرُّتْبَةِ. قِيلَ: أَوَّلُ مَنْ حَاضَ أُمُّنَا حَوَّاءُ لَمَّا كَسَرَتْ شَجَرَةَ الْحِنْطَةِ وَأَدْمَتْهَا. قَالَ اللَّهُ: " وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُدْمِيَنَّكِ كَمَا أَدْمَيْت هَذِهِ الشَّجَرَةَ " م ر. قِيلَ: وَكَانَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ حَاضَ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَمُرَادُهُ أَنَّهُ أَوَّلُ مِنْ ظَهَرَ مِنْهُنَّ. وَلَمَّا أَدْمَتْ الشَّجَرَةَ عَاقَبَ اللَّهُ بَنَاتِهَا بِالْحَيْضِ وَالْوِلَادَةِ، وَالنِّفَاسِ، وَفِرَاقِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا، وَالتَّزَوُّجِ بِالْأَجْنَبِيِّ، وَبِأَنَّ الزَّوْجَ يَحْجُرُ عَلَيْهَا، وَيَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا، وَبِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ، وَعِصْمَتِهَا بِيَدِ غَيْرِهَا، وَالْعِدَّةِ، وَنَقْصِ مِيرَاثِهَا، وَعَدَمِ طَلَبِ صَلَاةِ جُمُعَةٍ، وَعِيدٍ وَجِنَازَةٍ، وَعَدَمِ حَجِّهَا إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ، وَعَدَمِ الْجِهَادِ، وَعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا لِتَوَلِّيَةِ الْقَضَاءِ وَالنِّكَاحِ وَمُلَازَمَةِ الْمَسْكَنِ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْإِحْدَادَ عَلَى زَوْجِهَا. «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا دَاوُد أَنَا الرَّبُّ الْمَعْبُودُ أُعَامِلُ الذُّرِّيَّةَ بِمَا فَعَلَ الْجُدُودُ» وَقَوْلُهُ: وَعَدَمِ طَلَبِ صَلَاةِ جُمُعَةٍ إلَخْ. إنَّمَا كَانَ هَذَا عُقُوبَةً مَعَ أَنَّهُ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ حُرِمْنَ مِنْ ثَوَابِهِنَّ، وَأَتَى بِالْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ: كَيْفَ تُعَاقَبُ بَنَاتُهَا بِفِعْلِهَا. قَوْلُهُ: (فِي الْحَيْضِ إلَخْ) أَيْ فِي حَقَائِقِهَا وَأَحْكَامِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْكُلَّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى أَحْكَامِ الِاسْتِحَاضَةِ فَتَكَلَّمَ الشَّارِحُ عَلَيْهَا تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُزَادَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ) فِي تَقْدِيرِ الشَّارِحِ لَفْظَةَ الَّذِي تُغَيِّرُ إعْرَابَ الْمَتْنِ، وَهُوَ مَعِيبٌ لَكِنَّ الْخَطْبَ سَهْلٌ، كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ الْإِعْرَابَ وَهُوَ تَغْيِيرُ أَوَاخِرِ الْكَلِمِ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ نَوْعُ الْمُعْرَبَاتِ وَعَلَى مَا قَدَّرَهُ فَفَاعِلُ يَخْرُجُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ عَائِدٌ عَلَى الْمَوْصُولِ. قَوْلُهُ: (أَيْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ) أَيْ الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 (ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ) فَقَطْ ، وَأَمَّا دَمُ الْفَسَادِ الْخَارِجِ قَبْلَ التِّسْعِ، وَدَمُ الْآيِسَةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: دَمُ اسْتِحَاضَةٍ وَدَمُ فَسَادٍ: الْأَوَّلُ (دَمُ الْحَيْضِ وَ) الثَّانِي دَمُ (النِّفَاسِ وَ) الثَّالِثُ دَمُ (الِاسْتِحَاضَةِ) وَلِكُلٍّ مِنْهَا حَدٌّ يُمَيِّزُهُ. (فَالْحَيْضُ) لُغَةً السَّيَلَانُ تَقُولُ الْعَرَبُ حَاضَتْ الشَّجَرَةُ إذَا سَالَ صَمْغُهَا وَحَاضَ الْوَادِي إذَا سَالَ وَشَرْعًا دَمُ جِبِلَّةٍ أَيْ تَقْضِيهِ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ (وَهُوَ) الدَّمُ (الْخَارِجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ) أَيْ مِنْ أَقْصَى رَحِمِهَا (عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ) احْتِرَازًا عَنْ   [حاشية البجيرمي] تَحْتَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَهُوَ مَخْرَجُ الْوَلَدِ وَالْمَنِيِّ وَمَدْخَلُ الذَّكَرِ ق ل. قَوْلُهُ: (مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ. حَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ مِنْ الدِّمَاءِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثَةِ، بَلْ هُنَاكَ غَيْرُهَا كَدَمِ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ. فَأَجَابَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ الدِّمَاءُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَحْكَامُ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعْتَرَضُ عَلَى الشَّارِحِ، وَيُقَالُ: مَا مُرَادُك بِالْأَحْكَامِ الَّتِي نَفَيْتَهَا عَنْ دَمِ الصَّغِيرِ وَالْآيِسَةِ؟ إنْ أَرَدْت أَحْكَامَ الْحَيْضِ أَيْ الْأَحْكَامَ الْمُحَرَّمَةَ بِالْحَيْضِ فَهِيَ مَنْفِيَّةٌ أَيْضًا عَنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ الَّتِي فِي الْمَتْنِ فَكَأَنَّ الْمَتْنَ يُسْقِطُهُ أَيْضًا. وَإِنْ أَرَدْتَ أَحْكَامَ الِاسْتِحَاضَةِ فَهِيَ لَيْسَتْ مَنْفِيَّةً عَنْ دَمِ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ، بَلْ ثَابِتَةً لَهُمَا كَمَا هِيَ ثَابِتَةٌ لِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ، وَحَذْفَ قَوْلِهِ: وَأَمَّا دَمُ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ إلَخْ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ: مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ، هَذَا الْقَيْدُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقُيُودِ أَنْ تَكُونَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْ الِاسْتِحَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا حَدَثٌ دَائِمٌ كَالْبَوْلِ، فَلَا تَمْنَعُ صَلَاةً، وَلَا صَوْمًا فَيَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ، وَهُوَ عَدَمُ مَنْعِهَا الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ. قَوْلُهُ: (مِنْ الدِّمَاءِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثَةِ، بَلْ يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ. فَأَجَابَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الدِّمَاءِ فَهُوَ حَصْرٌ إضَافِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَدَمُ الْآيِسَةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَى عُمُومِهِ قَوْلُهُمْ: إنَّ اسْتِقْرَاءَ سِنِّ الْيَأْسِ نَاقِصٌ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ خَوَاصُّ الْحَيْضِ أَيْ مِنْ كَوْنِهِ مُحْتَدِمًا لَذَّاعًا فِي دَمِهَا بَعْدَ سِنِّهِ أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى هَذَا الدَّمِ لَتَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيْضٌ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَمُهَا أَقَلَّ الْحَيْضِ أَوْ جَاوَزَ أَكْثَرَهُ أَيْ بَعْدَ سِنِّ الْيَأْسِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ. [دَمُ الْحَيْضِ] قَوْلُهُ: (فَالْحَيْضُ) لَمْ يَقُلْ فَدَمُ الْحَيْضِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ كَمَا يُسَمَّى دَمَ الْحَيْضِ يُسَمَّى حَيْضًا سم. قَوْلُهُ: (لُغَةً السَّيَلَانُ) وَمِنْهُ الْحَوْضُ لِحَيْضِ الْمَاءِ أَيْ سَيَلَانِهِ فِيهِ، وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ يَتَعَاقَبَانِ أَيْ يَأْتِي أَحَدُهُمَا بَدَلَ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (إذَا سَالَ) أَيْ مَاؤُهُ. قَوْلُهُ: (دَمِ جِبِلَّةً) أَيْ سَيَلَانُ دَمِ جِبِلَّةٍ لِيَكُونَ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ مُنَاسَبَةٌ، ثُمَّ إنْ كَانَ تَعْرِيفًا آخَرَ غَيْرَ مَا فِي الْمَتْنِ، فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ النِّفَاسَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ تَمَامِ تَعْرِيفِ الْمَتْنِ فَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ، وَأَيْضًا يَمْنَعُ مِنْهُ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ إلَّا أَنْ يُقَالَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِدَمِ الْجِبِلَّةِ اهـ تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ اج: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ إيضَاحٌ؛ إذْ قَوْلُهُ: " جِبِلَّةٍ " يُغْنِي عَنْهُ اهـ. وَالْإِضَافَةُ فِي دَمِ جِبِلَّةٍ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ أَيْ دَمٌ مُسَبَّبٌ وَنَاشِئٌ عَنْ الطَّبِيعَةِ. قَوْلُهُ: (الْمَرْأَةُ) أَيْ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ وَلَوْ حَامِلًا كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ حَيْضٌ. قَالُوا: وَسَبَبُ خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الْحَامِلِ ضَعْفُ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ يَتَغَدَّى بِدَمِ الْحَيْضِ، فَإِذَا ضَعُفَ الْوَلَدُ فَاضَ الدَّمُ، وَخَرَجَ ثُمَّ إنَّ الضَّعْفَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا فِي الْأَشْفَاعِ مِنْ الشُّهُورِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يَقْوَى فِي الْفَرْدِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مَنْ وُلِدَ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ يَعِيشُ وَمَنْ وُلِدَ لِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ لَا يَعِيشُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ذَكَرَهُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ. فَائِدَةٌ: قَالَ مُجَاهِدٌ: إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي حَمْلِهَا كَانَ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِي وَلَدِهَا، فَإِنْ زَادَتْ عَلَى التِّسْعَةِ كَانَ ذَلِكَ تَمَامًا لِمَا نَقَصَ. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَيْ مِنْ أَقْصَى رَحِمِهَا) وَالرَّحِمُ جِلْدَةٌ دَاخِلَ الْفَرْجِ يَدْخُلُ فِيهَا الْمَنِيُّ ثُمَّ تَنْكَمِشُ عَلَيْهِ فَلَا تَقْبَلُ مَنِيًّا غَيْرَهُ وَلِهَذَا جَرَتْ عَادَةُ اللَّهِ لَا يَخْلُقُ وَلَدًا مِنْ مَاءَيْنِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنْ أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ أَيْ مِنْ عِرْقٍ فَمُهُ فِي أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ وَالرَّحِمُ وِعَاءُ الْوَلَدِ وَهُوَ جِلْدَةٌ وَهِيَ مُعَلَّقَةٌ بِعِرْقٍ عَلَى صُورَةِ الْجَرَّةِ الْمَقْلُوبَةِ فَبَابُهُ الضَّيِّقُ مِنْ جِهَةِ الْفَرْجِ وَوَاسِعُهُ مِنْ أَعْلَاهُ وَيُسَمَّى بِأُمِّ الْأَوْلَادِ شَيْخُنَا. ثُمَّ رَأَيْت فِي نُزْهَةِ الْمُتَأَمِّلِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا صِفَةُ رَحِمِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ خِلْقَتَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 الِاسْتِحَاضَةِ (مِنْ غَيْرِ سَبَبِ الْوِلَادَةِ) فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ احْتِرَازًا عَنْ النِّفَاسِ. وَالْأَصْلُ فِي الْحَيْضِ آيَةُ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]   [حاشية البجيرمي] مِنْ الْمَرْأَةِ كَالْكِيسِ، وَهِيَ عَضَلَةٌ وَعُرُوقٌ وَرَأْسٌ عَصَبُهَا فِي الدِّمَاغِ، وَلَهَا فَمٌ، وَلَهَا قَرْنَانِ شِبْهُ الْخَنَاجِرِ تَجْذِبُ بِهِمَا النُّطْفَةَ لِقَبُولِهَا، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْدَعَ فِيهَا قُوَّتَيْنِ قُوَّةَ انْبِسَاطٍ تَنْبَسِطُ بِهَا عِنْدَ وُرُودِ مَنِيِّ الرَّجُلِ عَلَيْهَا فَتَأْخُذُهُ يَخْتَلِطُ مَعَ مَنِيِّهَا، وَقُوَّةَ انْقِبَاضٍ تَقْبِضُهَا لِئَلَّا يَنْزِلَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنَّ الْمَنِيَّ ثَقِيلٌ بِطَبْعِهِ، وَفَمُ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ، وَأَوْدَعَ فِي مَنِيِّ الرَّجُلِ قُوَّةَ الْفِعْلِ، وَفِي مَنِيِّ الْمَرْأَةِ قُوَّةَ الِانْفِعَالِ فَعِنْدَ الِامْتِزَاجِ يَصِيرُ مَنِيُّ الرَّجُلِ كَالْإِنْفَحَةِ الْمُمْتَزِجَةِ بِاللَّبَنِ. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وُقُوعِ النُّطْفَةِ فِي رَحِمِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: النُّطْفَةُ إذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا طَارَتْ فِي بَشَرَةِ الْمَرْأَةِ تَحْتَ كُلِّ ظُفُرٍ وَشَعْرَةٍ، ثُمَّ تَمْكُثُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ تَنْزِلُ دَمًا فِي الرَّحِمِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ فِي الْأَرْحَامِ يَأْخُذُ النُّطْفَةَ مِنْ الرَّحِمِ فَيَضَعُهَا عَلَى كَفِّهِ ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ مُخَلَّقَةٌ أَمْ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ؟ فَإِنْ قَالَ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ لَمْ تَكُنْ نَسَمَةً وَقَذَفَتْهَا الْأَرْحَامُ، وَإِنْ قَالَ مُخَلَّقَةٌ قَالَ: يَا رَبِّ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ فَمَا الْأَجَلُ؟ فَيُقَالُ: اُنْظُرْ فِي أُمِّ الْكِتَابِ فَتَجِدُ فِيهِ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ التُّرَابَ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] الْآيَةَ ثُمَّ يُحَرِّكُ النُّطْفَةَ بِالْيَدِ الْيُمْنَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَصَارَتْ عَلَقَةً وَيُحَرِّكُ بِالْيَدِ الْيُسْرَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَصَارَتْ عِظَامًا، وَأَوَّلُ مَا يَظْهَرُ عَظْمُ الْعَجُزِ وَهُوَ آخِرُ مَا يَبْلَى فِي التُّرَابِ، وَتَظْهَرُ سَبَّابَتُهُ الْيُمْنَى وَكَفُّهُ الْيُمْنَى فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي الثَّانِي يَظْهَرُ رَأْسُهُ، وَفِي الثَّالِثِ يَدُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ رِجْلَاهُ، وَفِي الرَّابِعِ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ عَظْمًا وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ عَصَبًا وَثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ عِرْقًا نِصْفُهَا سَاكِنٌ، وَنِصْفُهَا مُتَحَرِّكٌ، فَفِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ دَمٌ، وَفِي النِّصْفِ الثَّانِي رِيحٌ وَفِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ الْجِلْدَةُ، وَفِي الْيَوْمِ السَّادِسِ الشَّعْرُ وَالْأَظَافِرُ، وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَنْفُهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ لِسَانُهُ، وَفِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ أُذُنَاهُ، وَفِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ مِنْ طَرَفِ الْهَامَّةِ، وَآخِرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِسَانُهُ، فَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَوَجْهُهُ إلَى صَدْرِ رَأْسِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى فَوَجْهُهَا إلَى بَطْنِ أُمِّهَا وَيَدَاهُ عَلَى وَجْهِهِ وَذَقَنُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُنْقَبِضًا فِي الْمَشِيمَةِ فِي أَحْشَاءِ أُمِّهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا تَحِيضُ الْمَرْأَةُ إلَّا قَلِيلًا» . وَقَدْ صَحَّ أَنَّ مِنْ الْحَوَامِلِ مَنْ تَحِيضُ لِكَثْرَةِ الدَّمِ، فَإِذَا تَمَّ لَهُ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ خَرَجَ الْوَلَدُ مِنْ الرَّحِمِ إلَى دَارِ الدُّنْيَا، وَدَفَعَتْ الطَّبِيعَةُ ذَلِكَ الدَّمَ الَّذِي كَانَ يَتَغَذَّاهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَقَدْ يُولَدُ الْمَوْلُودُ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَعِيشُ وَيُولَدُ إلَى ثَمَانِيَةٍ فَلَا يَعِيشُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُلِدَ فِي ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، وَقَدْ يُولَدُ الْجَنِينُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ كَثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَذَكَرَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: أَنَّ امْرَأَةً حَمَلَتْ خَمْسَ سِنِينَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ دَاخِلَ الرَّحِمِ خَشِنٌ كَالسَّفِنْجِ وَجُعِلَ فِيهِ قَبُولٌ لِلْمَنِيِّ كَطَلَبِ الْأَرْضِ الْعَطْشَى لِلْمَاءِ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ طَالِبًا لِلْمَاءِ مُشْتَاقًا إلَيْهِ بِالطَّبْعِ، فَيُمْسِكُهُ، وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وَلَا يَزْلِقُهُ بَلْ يَنْضَمُّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُفْسِدَهُ الْهَوَاءُ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ لِلرَّحِمِ أَفْوَاهًا وَأَبْوَابًا، فَإِذَا دَخَلَ الْمَنِيُّ لِلْمَاءِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَنِينًا وَاحِدًا، وَإِذَا دَخَلَ مِنْ بَابَيْنِ خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُ وَلَدَيْنِ، وَإِنْ دَخَلَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ فَيَكُونُ عَدَدُ الْأَجِنَّةِ فِي الرَّحِمِ بِعَدَدِ دُخُولِ الْمَنِيِّ فِي الرَّحِمِ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ) وَلِذَا كَانَ عَدَمُهُ عَيْبًا فِي الْأَمَةِ فَتُرَدُّ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَيْبًا فِي الْحُرَّةِ فَلَا تُرَدُّ بِهِ إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا فَوُجِدَتْ لَا تَحِيضُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُيُوبِ النِّكَاحِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ عُيُوبَ الْبَيْعِ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ، وَعُيُوبُ النِّكَاحِ مَحْصُورَةٌ. قَوْلُهُ: (فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ) بِأَنْ تَبْلُغَ سِنَّ الْحَيْضِ، وَأَنْ لَا يُجَاوِزَ أَكْثَرَهُ، وَلَا يَنْقُصَ عَنْ أَقَلِّهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي الْحَيْضِ) أَيْ فِي وُجُودِهِ وَبَعْضِ أَحْكَامِهِ، فَالْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَمْرَيْنِ أَيْ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] وَقَوْلُهُ: {فَاعْتَزِلُوا} [البقرة: 222] وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالسَّائِلُ لَهُ هُوَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ، وَقِيلَ السَّائِلُ عَنْهُ هُوَ الدَّحْدَاحُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَوْلُهُ: أَيْ الْحَيْضِ أَيْ عَنْ حُكْمِهِ، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِالْحَيْضِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ بَعْدَهُ أَذًى؛ لِأَنَّ الْمَحِيضَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ يُطْلَقُ عَلَى مَحَلِّ الْحَيْضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 أَيْ الْحَيْضِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: «هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» قَالَ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ: وَاَلَّذِي يَحِيضُ مِنْ الْحَيَوَانِ أَرْبَعَةٌ الْآدَمِيَّاتُ وَالْأَرْنَبُ وَالضَّبُعُ وَالْخُفَّاشُ وَجَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: أَرَانِبُ يَحِضْنَ وَالنِّسَاءُ ... ضَبُعٌ وَخُفَّاشٌ لَهَا دَوَاءٌ وَزَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَرْبَعَةً أُخَرَ وَهِيَ: النَّاقَةُ وَالْكَلْبَةُ وَالْوَزَغَةُ وَالْحِجْرُ أَيْ الْأُنْثَى مِنْ الْخَيْلِ. وَلَهُ عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ حَيْضٌ وَطَمْثٌ بِالْمُثَلَّثَةِ وَضَحِكٌ وَإِكْبَارٌ وَإِعْصَارٌ وَدِرَاسٌ وَعِرَاكٌ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفِرَاكٌ بِالْفَاءِ وَطَمْسٌ بِالسِّينِ   [حاشية البجيرمي] وَعَلَى زَمَانِهِ وَعَلَى الدَّمِ، وَالْمَحَلُّ وَالزَّمَانُ لَا يَتَّصِفَانِ بِالْأَذَى، وَإِنَّمَا يَتَّصِفُ بِهِ الدَّمُ فَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ بِهِ. وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ «أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنْ الْبُيُوتِ وَلَمْ يُسَاكِنُوهَا وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا، فَسَأَلَتْ الصَّحَابَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» ، بِرْمَاوِيٌّ. فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا حُضُورُ الْمُحْتَضَرِ، وَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَا مَسَّتْهُ بِطَبْخٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا فِعْلُهَا لَهُ، وَلَا غَسْلُ الثِّيَابِ، وَفِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ: كَانَتْ النَّصَارَى يُجَامِعُونَ الْحَائِضَ وَالْيَهُودُ يُحَرِّمُونَ مُخَالَطَتَهَا، وَيَعْتَزِلُونَهُنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْقَصْدَ أَيْ التَّوَسُّطَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ تَحْرِيمُ الْجِمَاعِ، وَجَوَازُ الْمُخَالَطَةِ. قَوْلُهُ: (كَتَبَهُ اللَّهُ) أَيْ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ وَلَوْ حُكْمًا، فَتَدْخُلُ حَوَّاءُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ بِنْتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِهِ الْأَيْسَرِ، بِأَنْ سُلَّ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَأَلُّمٍ وَخُلِقَتْ مِنْهُ، وَلِهَذَا كَانَ كُلُّ إنْسَانٍ نَاقِصًا ضِلْعًا مِنْ جِهَةِ يَسَارِهِ فَأَضْلَاعُ جِهَةِ الْيَمِينِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَأَضْلَاعُ جِهَةِ الْيَسَارِ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ يَقُولُونَ: إنَّهَا خُلِقَتْ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ ح ف. وَالْمُرَادُ بِبَنَاتِ آدَمَ غَالِبُهُنَّ فَلَا يُنَافِي عَدَمُ الْحَيْضِ فِي بَعْضِهِنَّ كَسَيِّدَتِنَا فَاطِمَةَ بِنْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِذَلِكَ وُصِفَتْ بِالزَّهْرَاءِ، وَحِكْمَتُهُ عَدَمُ فَوَاتِ زَمَنٍ عَلَيْهَا بِلَا عِبَادَةٍ. وَرُوِيَ أَنَّهَا وَلَدَتْ وَقْتَ غُرُوبِ الشَّفَقِ وَطَهُرَتْ مِنْ النِّفَاسِ وَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا، وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ لَحْظَةٌ، وَإِنَّمَا لَمْ تَحِضْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ خِلْقَتِهَا كَانَ مِنْ تُفَّاحِ الْجَنَّةِ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْجَنَّةَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، فَلَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ أَعْطَاهُ رِضْوَانُ تُفَّاحَةً مِنْ تُفَّاحِ الْجَنَّةِ كَانَ رِيحُهَا أَطْيَبَ مِنْ الْمِسْكِ وَأَلْيَنَ مِنْ الزُّبْدِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ، فَلَمَّا أَكَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقَوَّى بِهَا وَتَفَرَّقَتْ الْقُوَّةُ فِي جَمِيعِ أَعْضَائِهِ، فَجَامَعَ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَرَاحَ مَعَهَا رِيحُ الْمِسْكِ مِنْ تُفَّاحِ الْجَنَّةِ، وَكَانَ لَهَا نُورٌ يُضِيءُ مِنْهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -» ، حَتَّى رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْت أَسْلُكُ السِّلْكَ أَيْ أُدْخِلُ الْخَيْطَ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ مِنْ نُورِ وَجْهِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ زَهْرَاءَ. ذَكَرَهُ فِي تُحْفَةِ السَّائِلِ. اهـ. وَمِثْلُ بَنَاتِ آدَمَ الْجِنُّ. قَوْلُهُ: (قَالَ الْجَاحِظُ) لَقَبٌ لِعَالِمٍ مَشْهُورٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ جَحَظَتْ عَيْنُهُ كَمَنْ جُرِحَتْ مُقْلَتُهُ أَوْ عَظُمَتْ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ بَحْرِ بْنِ مَحْبُوبٍ أَبُو عُثْمَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. قِيلَ: وَهُوَ جُحَا الْمَشْهُورِ. وَقَالَ الشَّعْرَانِيُّ: لَيْسَ هُوَ جُحَا؛ لِأَنَّ جُحَا وَلِيٌّ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَكَانَ مِنْ التَّابِعِينَ وَمَا حُكِيَ عَنْهُ كَذِبٌ. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يَحِيضُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِحَيْضِ غَيْرِ النِّسَاءِ رُؤْيَةُ دَمٍ لَهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ زَمَنٍ لَهَا وَلَا غَيْرِهِ فَهُوَ حَيْضٌ لُغَوِيٌّ. قَالَ الْعَلَّامَةُ سم وَلَا أَثَرَ لِحَيْضِ غَيْرِ النِّسَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يَقَعْ، إلَّا إنْ أَرَادَ مُجَرَّدَ خُرُوجِ الدَّمِ مِنْهَا؛ إذْ لَا وَقْتَ لَهُ مُعَيَّنٌ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا فِي النِّسَاءِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا بَعْضُ مَنْ نَظَمَهَا مِنْ الطَّوِيلِ بِقَوْلِهِ: ثَمَانِيَةٌ مِنْ جِنْسِهَا الْحَيْضُ يَثْبُتُ ... وَلَكِنْ فِي غَيْرِ النَّسَا لَا يُؤَقَّتُ نِسَاءٌ وَخُفَّاشٌ وَضَبُعٌ وَأَرْنَبٌ ... وَنَاقَةٌ مَعَ وَزَغٍ وَحِجْرٍ وَكَلْبَةٍ وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَنَاتِ وَرْدَانَ وَالْقِرَدَةِ، وَزَادَ الْمُنَاوِيُّ الْحِدَأَةَ وَزَادَ غَيْرُهُ السَّمَكَ. قَوْلُهُ: (وَالْخُفَّاشُ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ. قَوْلُهُ: (لَهَا دَوَاءٌ) أَيْ لِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ دَوَاءٌ بِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُبِسَ فِيهَا لَضَرَّهَا فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى سَلَامَةِ طَبَائِعِهَا. قَوْلُهُ: (وَالْحِجْرُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَرَاءٍ وَلَا تَلْحَقُهَا تَاءٌ اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَلَهُ عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ) أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَ هُنَا وَإِلَّا فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ لَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ اسْمًا نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 الْمُهْمَلَةِ وَنِفَاسٌ. (وَلَوْنُهُ) أَيْ الدَّمِ الْأَقْوَى (أَسْوَدُ) ثُمَّ أَحْمَرُ فَهُوَ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَسْوَدِ وَقَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَشْقَرِ، وَالْأَشْقَرُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْفَرِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْأَكْدَرِ وَمَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَقْوَى مِمَّا لَا رَائِحَةَ لَهُ، وَالثَّخِينُ أَقْوَى مِنْ الرَّقِيقِ وَالْأَسْوَدِ، (مُحْتَدِمٌ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ بَيْنَهُمَا مُثَنَّاةٌ فَوْقُ، أَيْ حَارٌّ مَأْخُوذٌ مِنْ احْتِدَامِ النَّهَارِ، وَهُوَ اشْتِدَادُ حَرِّهِ. (لَذَّاعٌ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ مُوجِعٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ خُلِقَ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الْأَحْدَاثِ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا حَيْضًا، وَلَوْ حَاضَ الْمُشْكَلُ مِنْ الْفَرْجِ وَأَمْنَى مِنْ الذَّكَرِ حَكَمْنَا بِبُلُوغِهِ وَإِشْكَالِهِ أَوْ حَاضَ مِنْ الْفَرْجِ خَاصَّةً فَلَا يَثْبُتُ لِلدَّمِ حُكْمُ الْحَيْضِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا، وَالْخَارِجُ دَمُ فَسَادٍ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. (وَالنِّفَاسُ) لُغَةً الْوِلَادَةُ وَشَرْعًا هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عَقِبَ الْوِلَادَةِ أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ   [حاشية البجيرمي] لِلْحَيْضِ عَشْرُ أَسْمَاءٍ وَخَمْسَتُهَا ... حَيْضٌ مَحِيضٌ مَحَاضٌ طَمْثٌ إكْبَارُ طَمْسٌ عِرَاكٌ فِرَاكٌ مَعَ أَذًى ضَحِكٌ ... دَرْسٌ دِرَاسٌ نِفَاسٌ قُرْءٌ إعْصَارُ قَوْلُهُ: (وَضَحِكٍ) وَمِنْهُ: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود: 71] فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِ حَاضَتْ قَالَ م ر: وَلَا كَرَاهَةَ فِي تَسْمِيَتِهِ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَيْ: لِأَنَّ غَالِبَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالْأَحَادِيثِ. قَوْلُهُ: (وَنِفَاسٌ) وَمِنْهُ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ: أَنَفِسْتِ» بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ السِّينِ أَيْ حِضْتِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَلِدْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْنُهُ أَسْوَدُ إلَخْ) لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنَّ اللَّوْنَ لَا يَنْحَصِرُ فِي السَّوَادِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ اللَّوْنُ الْأَقْوَى غَالِبًا، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ أَقْوَى. وَأَجَابَ سم أَيْ اللَّوْنُ الْأَصْلِيُّ. وَالْحَاصِلُ؛ أَنَّ الصُّوَرَ لِأَلْوَانِ الدِّمَاءِ وَصِفَاتِهَا أَلْفٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَلْوَانَ خَمْسَةٌ وَهِيَ: أَسْوَدُ وَأَحْمَرُ وَأَشْقَرُ وَأَصْفَرُ وَأَكْدَرُ، وَالصِّفَاتُ أَرْبَعَةٌ: إمَّا ثَخِينٌ أَوْ مُنْتِنٌ أَوْ هُمَا أَوْ مُجَرَّدٌ عَنْهُمَا، فَإِذَا ضُرِبَتْ صِفَاتُ الْأَوَّلِ فِي صِفَاتِ الثَّانِي ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي صِفَاتِ الثَّالِثِ، وَهَكَذَا بَلَغَتْ مَا ذَكَرَ، فَإِنْ اسْتَوَى دَمَانِ قُدِّمَ السَّابِقُ كَأَسْوَدَ ثَخِينٍ وَأَحْمَرَ ثَخِينٍ مُنْتِنٍ بِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ تَجْبُرُ ضَعْفَهُ، وَالْأُخْرَى تُقَابِلُ الْأُخْرَى، فَيَسْتَوِيَانِ. وَكَأَحْمَرَ مُنْتِنٍ أَوْ ثَخِينٍ مَعَ أَسْوَدَ مُجَرَّدٍ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَسْوَدُ) أَيْ ذُو سَوَادٍ وَهُوَ نَفْسُهُ مُحْتَدِمٌ لَذَّاعٌ، أَوْ الْمَعْنَى وَصِفَتُهُ أَنَّهُ أَسْوَدُ مُحْتَدِمٌ لَذَّاعٌ. اهـ. سم. وَقَوْلُهُ: أَيْ ذُو سَوَادٍ إنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّوْنَ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ أَسْوَدَ، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِهِ الدَّمُ وَاللَّوْنُ يُوصَفُ بِالسَّوَادِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ مُحْتَدِمٌ إلَخْ. فَهُوَ وَصْفٌ لِلدَّمِ لَا لِلَّوْنِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ سم بِقَوْلِهِ: وَهُوَ نَفْسُهُ مُحْتَدِمٌ إلَخْ اهـ. قَوْلُهُ: (بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ) وَيُقَالُ لِذَوَاتِ السَّمُومِ لَدْغٌ بِمُهْمَلَةٍ فَمُعْجَمَة، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الَأُجْهُورِيُّ فَقَالَ: وَلَدْغٌ لِذِي سُمٍّ بِإِهْمَالِ أَوَّلَ ... وَفِي النَّارِ بِالْإِهْمَالِ لِلثَّانِ فَاعْرِفَا وَالْإِعْجَامُ فِي كُلٍّ وَالْإِهْمَالُ فِيهِمَا ... مِنْ الْمُهْمَلِ الْمَتْرُوكِ حَقًّا بِلَا خَفَا وَقَوْلُهُ: لِلثَّانِ أَيْ مَعَ إعْجَامِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ فِي كُلٍّ أَيْ إعْجَامِ الْحَرْفَيْنِ وَإِهْمَالِهِمَا فِي ذِي سُمٍّ، وَالنَّارُ مُهْمَلٌ. قَوْلُهُ: (فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الْأَحْدَاثِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَا أَصْلِيَّيْنِ، أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا، وَالْآخَرُ زَائِدًا وَتَمَيَّزَ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا خَرَجَ مِنْ الْأَصْلِيِّ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرَ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَصْلِيٌّ وَزَائِدٌ، وَاشْتَبَهَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يَحْكُمَ بِالْحَيْضِ، وَلِيَنْظُرَ فِيمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا، وَالْآخَرُ زَائِدًا مُسَامَتًا، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِيَّيْنِ أَيْ: فَيَكْفِي مِنْ أَحَدِهِمَا فَتَأَمَّلْ شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْأَصْلِيِّ لَا الزَّائِدِ الْمُسَامَتِ [دَمُ النِّفَاسُ] قَوْلُهُ: (أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ الرَّحِمِ) إنَّمَا فَسَّرَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ يَشْمَلُ الدَّمَ الْخَارِجَ بَعْدَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وَسُمِّيَ نِفَاسًا لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَقِبَ نَفْسٍ فَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ دَمُ الطَّلْقِ وَالْخَارِجُ مَعَ الْوَلَدِ فَلَيْسَا بِحَيْضٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ الْوِلَادَةِ وَلَا نِفَاسَ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى خُرُوجِ الْوَلَدِ بَلْ ذَلِكَ دَمُ فَسَادٍ نَعَمْ الْمُتَّصِلُ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْضِهَا الْمُتَقَدِّمِ حَيْضٌ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ عَقِبَ حَذْفُ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ هُوَ الْأَفْصَحُ، وَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَرَاخِيًا عَمَّا قَبْلَهُ (وَالِاسْتِحَاضَةُ هُوَ) الدَّمُ (الْخَارِجُ) لِعِلَّةٍ مِنْ عِرْقٍ مِنْ أَدْنَى الرَّحِمِ يُقَالُ لَهُ الْعَاذِلُ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَيُقَالُ بِمُهْمَلَةٍ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ وَفِي الصِّحَاحِ بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ (فِي غَيْرِ أَيَّامِ) أَكْثَرِ (الْحَيْضِ وَ) غَيْرِ أَيَّامِ أَكْثَرِ (النِّفَاسِ) سَوَاءٌ أَخَرَجَ إثْرَ حَيْضٍ أَمْ لَا، وَالِاسْتِحَاضَةُ حَدَثٌ دَائِمٌ فَلَا تَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ لِلضَّرُورَةِ فَتَغْسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَرْجَهَا قَبْلَ   [حاشية البجيرمي] فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُسَمَّى نِفَاسًا مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى نِفَاسًا، بَلْ إنْ كَانَ قَبْلَهُ حَيْضٌ بِأَنْ حَاضَتْ قَبْلَ الْوَلَدِ وَلَمْ يَزِدْ الْمَجْمُوعُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَانَ حَيْضًا وَإِلَّا كَانَ دَمَ فَسَادٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْحَمْلِ) أَيْ وَلَوْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً. وَهَذَانِ لَا يُسَمِّيَانِ وِلَادَةً إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُمَا فِي حُكْمِهَا. وَقَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدَ فَرَاغِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ. وَيَتَعَلَّقُ بِالْعَلَقَةِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ. تَسْمِيَةُ الدَّمِ عَقِبَهَا نِفَاسًا، وَوُجُوبُ الْغُسْلِ، وَيُفْطِرُ بِهَا الصَّائِمُ، وَتَزِيدُ عَلَيْهَا الْمُضْغَةُ بِأَمْرَيْنِ: انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، وَثُبُوتُ الِاسْتِيلَادِ إنْ كَانَ فِيهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَقِبَ الْوِلَادَةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ الْوِلَادَةِ، وَإِلَّا فَلَا نِفَاسَ لَهَا، فَإِذَا رَأَتْهُ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَابْتِدَاؤُهُ أَيْ: ابْتِدَاءُ أَحْكَامِهِ مِنْ رُؤْيَةِ الدَّمِ، وَزَمَنُ النَّقَاءِ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ لَا نِفَاسَ فِيهِ، لَكِنَّهُ مَحْسُوبٌ مِنْ السِّتِّينَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ حَقَّقَهُ. قَالَ ز ي: فَلَا تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ إلَّا مِنْ حِينِ خُرُوجِ الدَّمِ. قُلْت: وَقَضِيَّتُهُ حِلُّ التَّمَتُّعِ قَبْلَ نُزُولِ الدَّمِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ م ر: وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا جَازَ وَطْؤُهَا قَبْلَ غُسْلِهَا؛ إذْ هُوَ كَالْجَنَابَةِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَقِبَ نَفْسٍ) أَوْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ النَّفْسِ أَيْ الدَّمِ يُقَالُ فِي فِعْلِهِ نُفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ فِيهِمَا وَالضَّمُّ أَفْصَحُ، وَفِي فِعْلِ الْحَيْضِ أَيْ إذَا كَانَ نَفَسَ بِمَعْنَى حَاضَ نَفِسَتْ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَا بِحَيْضٍ) مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِحَيْضٍ مُتَقَدَّمٍ عَلَى الطَّلْقِ، وَإِلَّا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْخَارِجِ مَعَ الطَّلْقِ أَوْ الْوِلَادَةِ حَيْضًا أَيْضًا، حَتَّى لَوْ اسْتَمَرَّ الْخَارِجُ مَعَ الطَّلْقِ وَخُرُوجِ الْوَلَدِ إلَى أَنْ اتَّصَلَ الْخَارِجُ بِالنِّفَاسِ بَعْدَ تَمَامِ الْوِلَادَةِ كَانَ جَمِيعُهُ حَيْضًا، وَإِنْ لَزِمَ اتِّصَالُ النِّفَاسِ بِالْحَيْضِ بِدُونِ فَاصِلِ طُهْرٍ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاوَزَ دَمُ النِّفَاسِ سِتِّينَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ اسْتِحَاضَةً، وَلَا يُجْعَلُ مَا بَعْدَ السِّتِّينَ حَيْضًا مُتَّصِلًا بِالنِّفَاسِ، وَاعْتِبَارُ الْمُتَّصِلِ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا تَأَخَّرَ النِّفَاسُ دُونَ مَا إذَا تَقَدَّمَ. اهـ. ع ش. عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَرَاخِيًا عَمَّا قَبْلَهُ) وَضَابِطُ التَّرَاخِي بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِحَاضَةُ هُوَ الدَّمُ) هَذَا التَّعْرِيفُ اتَّحَدَ فِيهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَالشَّرْعِيُّ، وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحَاضَةُ هُوَ لُغَةً السَّيَلَانُ وَشَرْعًا الدَّمُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَدْنَى الرَّحِمِ) وَهُوَ مُسْتَقَرُّ الْوَلَدِ، وَمِنْ الطُّرُقِ الَّتِي تَعْرِفُ بِهَا الْمَرْأَةُ كَوْنَ الْخَارِجِ دَمَ حَيْضٍ، أَوْ اسْتِحَاضَةٍ أَنْ تَأْخُذَ مَنْ قَامَ بِهَا مَا ذُكِرَ مَاسُورَةً مَثَلًا وَتَضَعَهَا فِي فَرْجِهَا، فَإِنْ دَخَلَ الدَّمُ فِيهَا فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى جَوَانِبِهَا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، وَهَذِهِ عَلَامَةٌ ظَنِّيَّةٌ فَقَطْ لَا قَطْعِيَّةٌ، وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ لَنَا مُسْتَحَاضَةٌ مُتَحَيِّرَةٌ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَخَرَجَ إثْرَ الْحَيْضِ إلَخْ) شَامِلٌ لِمَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ، وَقِيلَ إنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ هِيَ الَّتِي يُجَاوِزُ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَيَسْتَمِرُّ، وَعَلَيْهِ فَدَمُ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ يُسَمَّى دَمَ فَسَادٍ لَا اسْتِحَاضَةٍ اهـ اج. وَخَصَّهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا خَرَجَ إثْرَ حَيْضٍ، وَمَا عَدَاهُ يُقَالُ لَهُ: دَمُ فَسَادٍ. قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِحَاضَةُ حَدَثٌ دَائِمٌ) هَذَا بَيَانٌ لِحُكْمِهَا الْإِجْمَالِيِّ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَمْنَعُ) إلَخْ بَيَانٌ لِحُكْمِهَا التَّفْصِيلِيِّ. قَوْلُهُ: (لِلضَّرُورَةِ) وَيَجُوزُ وَطْؤُهَا وَإِنْ كَانَ دَمُهَا جَارِيًا فِي زَمَنٍ يُحْكَمُ لَهَا فِيهِ بِكَوْنِهَا طَاهِرَةً وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ شَرْحُ م ر وَقِ ل وح ل. قَوْلُهُ: (فَتَغْسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَرْجَهَا) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ، فَيَجِبُ أَنْ تَغْسِلَ مُسْتَحَاضَةٌ فَرْجَهَا فَتَحْشُوَهُ بِنَحْوِ قُطْنَةٍ فَتَعْصِبَهُ بِأَنْ تَشُدَّهُ بَعْدَ حَشْوِهِ بِذَلِكَ بِخِرْقَةٍ مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ تُخْرِجُ أَحَدَهُمَا أَمَامَهَا، وَالْآخَرَ وَرَاءَهَا وَتَرْبِطُهُمَا بِخِرْقَةٍ تَشُدُّ بِهَا وَسَطَهَا كَالتِّكَّةِ بِشَرْطِهِمَا أَيْ الْحَشْوِ وَالْعَصْبِ أَيْ: بِشَرْطِ وُجُوبِهِمَا بِأَنْ احْتَاجَتْهُمَا وَلَمْ تَتَأَذَّ بِهِمَا، وَلَمْ تَكُنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 الْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّمِ إنْ كَانَتْ تَتَيَمَّمُ وَبَعْدَ ذَلِكَ تَعْصِبُهُ وَتَتَوَضَّأُ بَعْدَ عَصْبِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ وَقْتَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الْوَقْتِ كَالتَّيَمُّمِ، وَبَعْدَ مَا ذُكِرَ تُبَادِرُ بِالصَّلَاةِ تَقْلِيلًا لِلْحَدَثِ، فَلَوْ أَخَّرَتْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَسِتْرِ عَوْرَةٍ وَانْتِظَارِ جَمَاعَةٍ وَاجْتِهَادٍ فِي قِبْلَةٍ وَذَهَابٍ إلَى مَسْجِدٍ وَتَحْصِيلِ سُتْرَةٍ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ بِذَلِكَ مُقَصِّرَةً، وَإِذَا أَخَّرَتْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ ضَرَّ فَيَبْطُلُ وُضُوءُهَا وَيَجِبُ إعَادَتُهُ، وَإِعَادَةُ الِاحْتِيَاطِ لِتَكَرُّرِ الْحَدَثِ وَالنَّجِسِ مَعَ اسْتِغْنَائِهَا عَنْ احْتِمَالِ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهَا عَلَى الْمُبَادَرَةِ، وَيَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرْضٍ وَلَوْ مَنْذُورًا كَالتَّيَمُّمِ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ، وَكَذَا يَجِبُ لِكُلِّ فَرْضٍ تَجْدِيدُ الْعِصَابَةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ غَسْلٍ قِيَاسًا عَلَى تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَمْ تَعْتَدْ   [حاشية البجيرمي] فِي الْحَشْوِ صَائِمَةً. وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ بَلْ يَجِبُ عَلَى الصَّائِمَةِ تَرْكُ الْحَشْوِ نَهَارًا، وَلَوْ خَرَجَ الدَّمُ بَعْدَ الْعَصَبِ لِكَثْرَتِهِ لَمْ يَضُرَّ أَوْ لِتَقْصِيرِهَا فِيهِ ضَرَّ اهـ. وَقَوْلُهُ: تَغْسِلُ مُسْتَحَاضَةٌ أَيْ إنْ أَرَادَتْهُ، وَإِلَّا اسْتَعْمَلَتْ الْأَحْجَارَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِهَا فِي النَّادِرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَتَعْبِيرُهُ بِالْغُسْلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ بِشَرْحِ م ر. وَيَجِبُ فِي الْحَشْوِ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا عَنْ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بَارِزًا عَنْهُ لِئَلَّا تَصِيرَ حَامِلًا لِمُتَّصِلٍ بِنَجَسٍ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ تَتَأَذَّ بِهِمَا. قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَيُتَّجَهُ أَنْ يَكْتَفِيَ فِي التَّأَذِّي بِالْحُرْقَانِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُبِيحُ تَيَمُّمٍ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ تَكُنْ فِي الْحَشْوِ صَائِمَةً، وَإِنَّمَا حَافَظُوا عَلَى صِحَّةِ الصَّوْمِ لَا عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَكْسَ مَا فَعَلُوهُ فِيمَنْ ابْتَلَعَ بَعْضَ خَيْطٍ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَطَلَعَ الْفَجْرُ وَطَرَفُهُ خَارِجٌ حَيْثُ حَافَظُوا عَلَى الصَّلَاةِ بِوُجُوبِ نَزْعِهِ مَعَ إكْرَاهٍ أَوْ نَوْمٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ، فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا، فَلَوْ رَاعَيْنَا الصَّلَاةَ لَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ لِلْحَشْوِ، وَلِأَنَّ الْمَحْذُورَ هُنَا لَا يَنْتَفِي بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّ الْحَشْوَ يَتَنَجَّسُ، وَهِيَ حَامِلَةٌ لَهُ بِخِلَافِهِ هُنَاكَ ز ي وَرَدَّهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَنَصُّهُ: تَنْبِيهٌ، عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ صَلَاةَ الصَّائِمَةِ مَعَ تَرْكِ الْحَشْوِ صَحِيحَةٌ كَصَوْمِهَا، فَمُرَاعَاةُ الصَّوْمِ إنَّمَا حَصَلَتْ بِتَرْكِ الْحَشْوِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ سُقُوطُ اسْتِشْكَالِ مَا هُنَا بِمَسْأَلَةِ الْخَيْطِ الْآتِيَةِ فِي الصَّوْمِ الَّتِي فِيهَا لُزُومُ بُطْلَانِ أَحَدِهِمَا، وَهِيَ مَا لَوْ ابْتَلَعَ خَيْطًا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَصْبَحَ صَائِمًا، وَطَرَفُهُ خَارِجٌ حَيْثُ رَاعَوْا فِيهَا الصَّلَاةَ بِنَزْعِهِ لِصِحَّتِهَا لَا الصَّوْمَ بِبَقَائِهِ وَبُطْلَانِهَا، فَلَا حَاجَةَ لِلْجَوَابِ عَنْهَا بِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ رُبَّمَا يَتَعَذَّرُ مَعَهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتَتَوَضَّأُ) أَوْ تَتَيَمَّمُ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ فَتَتَطَهَّرُ. قَوْلُهُ: (تُبَادِرُ بِالصَّلَاةِ) أَيْ الْفَرْضِ، أَمَّا النَّفَلُ فَلَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِهِ لِجَوَازِ فِعْلِهِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ ز ي. قَوْلُهُ: (لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ) وَهَلْ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ النَّافِلَةُ، وَلَوْ مُطْلَقَةً، وَإِنْ طَالَ زَمَنُ ذَلِكَ أَوْ لَا، حَرِّرْ. قُلْت: وَفِي الْإِيعَابِ وَلَهَا التَّأْخِيرُ لِلرَّاتِبَةِ الْقَبْلِيَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضِ، فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ فِعْلَهَا لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ مُضِرٌّ اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَانْتِظَارِ جَمَاعَةٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْجَمَاعَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَإِنْ طَالَ وَاسْتَغْرَقَ غَالِبَ الْوَقْتِ، وَإِنْ حُرِّمَ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا وَاضِحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلسِّتْرِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا فَلْيُحَرَّرْ ح ل. وَقَالَ ع ش: أَيْ حَيْثُ عُذِرَتْ فِي التَّأْخِيرِ لِغَيْمٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا سَعَةُ الْوَقْتِ، وَلَا ضِيقُهُ فَبَالَغَتْ فِي الِاجْتِهَادِ، أَوْ طَلَبِ السُّتْرَةِ، وَإِلَّا بِأَنْ عَلِمَتْ ضِيقَ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّأْخِيرُ، وَالْقِيَاسُ حِينَئِذٍ امْتِنَاعُ صَلَاتِهَا بِذَلِكَ الطُّهْرِ، وَقَيَّدَ الْإِطْفِيحِيُّ الْجَمَاعَةَ بِالْمَطْلُوبَةِ، وَإِلَّا كَاقْتِدَاءٍ بِإِمَامٍ فَاسِقٍ وَجَدَتْ غَيْرَهُ فَيَضُرُّ التَّأْخِيرُ لَهَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَحْصِيلِ سُتْرَةٍ) وَإِجَابَةِ مُؤَذِّنٍ أَمَّا الْأَذَانُ فَلَيْسَ لَهَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَضُرَّ) وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ. قَوْلُهُ: (لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ) كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ. قَوْلُهُ: (وُضُوءُهَا) أَوْ تَيَمُّمُهَا. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرْضٍ إلَخْ) وَلَهَا أَنْ تَتَنَفَّلَ مَا شَاءَتْ بِوُضُوءٍ فِي الْوَقْتِ إنْ تَوَضَّأَتْ لِلْفَرْضِ، وَلَا تَتَنَفَّلُ خَارِجَهُ أَيْ إنْ كَانَ غَيْرَ رَاتِبَةِ ذَلِكَ الْفَرْضِ أَمَّا رَاتِبَةُ ذَلِكَ الْفَرْضِ فَتُصَلِّيهِ وَلَوْ خَارِجَ الْوَقْتِ، وَبِهِ جَمَعَ م ر بَيْنَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْمُتَنَاقِضِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي سم وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ بِتَجَدُّدِ حَدَثِهَا اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَكَذَا يَجِبُ لِكُلِّ فَرْضٍ تَجْدِيدُ الْعِصَابَةِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَزُلْ عَنْ مَحَلِّهَا، وَلَمْ يَظْهَرْ الدَّمُ عَلَى جَوَانِبِهَا، وَمَحَلُّ وُجُوبِ. تَجْدِيدِهَا عِنْدَ تَلْوِيثِهَا بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ تَتَلَوَّثْ أَوْ تَلَوَّثَتْ بِمَا يُعْفَى عَنْهُ لِقِلَّتِهِ، فَالْوَاجِبُ فِيمَا يَظْهَرُ تَجْدِيدُ رِبَاطِهَا لِكُلِّ فَرْضٍ لَا تَغْيِيرُهَا بِالْكُلِّيَّةِ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ غَسْلٍ إلَخْ) أَيْ وَحَشْوٍ. قَوْلُهُ: (قِيَاسًا عَلَى تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ) أَيْ إعَادَةِ الْوُضُوءِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 انْقِطَاعَهُ وَعَوْدَهُ، أَوْ اعْتَادَتْ ذَلِكَ وَوَسِعَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَجَبَ الْوُضُوءُ، وَإِزَالَةُ مَا عَلَى الْفَرْجِ مِنْ الدَّمِ. (وَأَقَلُّ الْحَيْضِ) زَمَنًا (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) أَيْ مِقْدَارُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً فَلَكِيَّةً (وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) بِلَيَالِيِهَا وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الدِّمَاءُ، وَالْمُرَادُ خَمْسَةَ عَشَرَ لَيْلَةً، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ دَمُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِلَيْلَتِهِ كَأَنْ رَأَتْ الدَّمَ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلِاسْتِقْرَاءِ، وَأَمَّا خَبَرُ: «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ» فَضَعِيفٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. (وَغَالِبُهُ) أَيْ الْحَيْضِ (سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ) وَبَاقِي الشَّهْرِ غَالِبُ الطُّهْرِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: تَحَيَّضِي   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَجَبَ الْوُضُوءُ) أَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَظَاهِرٌ لِلْعَادَةِ، وَأَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ انْقِطَاعِهِ عَدَمُ عَوْدِهِ، فَلَوْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ تَبَيَّنَ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْمَنْهَجِ، وَعِبَارَتُهُ: وَيَجِبُ طُهْرٌ إنْ انْقَطَعَ دَمُهَا بَعْدَهُ، أَوْ فِيهِ لَا إنْ عَادَ قَرِيبًا. وَقَالَ ق ل حَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ وَسِعَ زَمَنُ انْقِطَاعِهِ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَجَبَ الْوُضُوءُ وَمَا مَعَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا عِبْرَةَ بِعَادَةٍ، وَلَا عَدَمِهَا. قَوْلُهُ: (زَمَنًا) قَدَّرَهُ دَفْعًا لِمَا وَرَدَ عَلَى الْمَتْنِ مِنْ أَنَّ فِيهِ الْإِخْبَارَ بِالزَّمَنِ عَنْ الْجُثَّةِ وَهُوَ الدَّمُ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (أَيْ مِقْدَارَ) أَتَى بِذَلِكَ لِيَدْخُلَ مَا لَوْ رَأَتْهُ أَثْنَاءَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ بُلُوغُ مِثْلِهِ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْ اللَّيْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ أَنْ يَتَّصِلَ دِمَاؤُهُ بِحَيْثُ لَوْ وَضَعَتْ الْقُطْنَةَ لَتَلَوَّثَتْ اهـ اج وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ الْمُضَافِ أَيْ: أَقَلُّ زَمَنِهِ يَوْمٌ إلَخْ، وَإِنَّمَا آثَرَ ذَلِكَ التَّمْيِيزَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِصَارِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَدَّرَهُ بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ فَقَالَ: وَأَقَلُّ زَمَنِهِ فَصَلَ بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ، وَإِنْ أَخَّرَ الْبَيَانَ عَنْ الْمَتْنِ فَقَالَ أَيْ: أَقَلُّ زَمَنِهِ بَعْدَ، وَأَقَلُّ أَدَّى إلَى طُولٍ فَمَا ذَكَرَهُ أَخَصْرُ وَأَوْلَى ع ش. وَفِيهِ أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ هُنَا لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الْفَاصِلَ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ بَلْ هُوَ أَخْصَرُ، وَأَظْهَرُ مِمَّا صَنَعَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (أَيْ مِقْدَارُ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ وُجُودَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بِمَعْنَاهُمَا اللُّغَوِيِّ غَيْرُ مُرَادٍ، وَأَسْقَطَ الشَّارِحُ لَفْظَ مُتَّصِلًا، وَزَادَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: أَيْ قَدْرُهُمَا مُتَّصِلًا قَالَ ح ل: هُوَ قَيْدٌ فِي تَحَقُّقِ الْأَقَلِّ فَقَطْ أَيْ لَا يُتَصَوَّرُ الْأَقَلُّ فَقَطْ إلَّا إذَا رَأَتْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَاعَةً عَلَى الِاتِّصَالِ، وَأَمَّا لَوْ رَأَتْهَا مُتَفَرِّقَةً فِي أَيَّامٍ لَا يَكُونُ أَقَلَّ فَقَطْ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ شَيْخِنَا. رَأَتْ دِمَاءً مُتَقَطِّعَةً يَنْقُصُ كُلٌّ مِنْهَا عَنْ يَوْمٍ، وَإِذَا جُمِعَ بَلَغَ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى الِاتِّصَالِ، فَيَكُونُ كَافِيًا فِي حُصُولِ أَقَلِّ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ لَهُ صُورَتَانِ: أَقَلُّ فَقَطْ، وَأَقَلُّ مَعَ غَيْرِهِ إمَّا مَعَ الْغَالِبِ أَوْ مَعَ الْأَكْثَرِ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (وَأَكْثَرُهُ) أَيْ زَمَنًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الدِّمَاءُ) فِي إسْنَادِ الْفِعْلِ لِلدِّمَاءِ إشَارَةٌ إلَى قِرَاءَةِ الْفِعْلِ بِفَوْقِيَّتَيْنِ، وَيَجُوزُ بِتَحْتِيَّةٍ فَفَوْقِيَّةٍ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: وَكَانَ وَقْتُ الدِّمَاءِ مَجْمُوعُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً كَمَا قَالَهُ ح ل. وَيُقَالُ لِهَذَا أَقَلُّ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ إلَخْ) لَوْ قَالَ سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ اللَّيَالِيُ عَلَى الْأَيَّامِ أَوْ تَأَخَّرَتْ لَكَانَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ، وَلَوْ طَرَأَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ اُعْتُبِرَ قَدْرُ الْمَاضِي مِنْهُمَا مِنْ السَّادِسَ عَشَرَ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (لِلِاسْتِقْرَاءِ) ؛ إذْ لَا ضَابِطَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لُغَةً وَلَا شَرْعًا فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْمُتَعَارَفِ بِالِاسْتِقْرَاءِ. وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِقْرَاءِ النَّاقِصُ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ فَيُفِيدُ الظَّنَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَتَبُّعٌ لِأَكْثَرِ الْجُزْئِيَّاتِ بَلْ يُكْتَفَى بِتَتَبُّعِ الْبَعْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ كَمَا هُنَا، وَهَذَا مَا انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ سم فِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ. وَفِي ع ش عَلَى م ر نَقْلًا عَنْ عَمِيرَةَ مَا نَصُّهُ قَالُوا: لِأَنَّ مَا لَا ضَابِطَ لَهُ فِي اللُّغَةِ وَلَا الشَّرْعِ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَ اللُّغَةِ عَلَى الْعُرْفِ وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ: إنَّ اللَّفْظَ يُحْمَلُ أَوَّلًا عَلَى الشَّرْعِيِّ ثُمَّ الْعُرْفِيِّ ثُمَّ اللُّغَةِ اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْعُرْفَ يُقَدَّمُ عَلَى اللُّغَةِ فِي بَيَانِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ، وَمَا هُنَا لَيْسَ مِنْهُ بَلْ مِنْ بَيَانِ الضَّابِطِ الْمُطَّرِدِ الَّذِي هُوَ كَالْقَاعِدَةِ، وَيَجُوزُ أَنَّ أَهْلَ الْأُصُولِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ أَيْ لِلضَّابِطِ، وَلَوْ أَخَّرَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ لِلِاسْتِقْرَاءِ عَنْ ذِكْرِ الْغَالِبِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ فَلَوْ أَخَّرَ هَذَا إلَى هُنَا لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَ غَالِبُ الْحَيْضِ، خُصُوصًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ مُعْتَادَةٌ فَرُدَّتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ» أَيْ الْتَزِمِي الْحَيْضَ وَأَحْكَامَهُ فِيمَا أَعْلَمَكِ اللَّهُ مِنْ عَادَةِ النِّسَاءِ مِنْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ، وَالْمُرَادُ غَالِبُهُنَّ لِاسْتِحَالَةِ اتِّفَاقِ الْكُلِّ عَادَةً، وَلَوْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ امْرَأَةٍ بِأَنْ تَحِيضَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتَّبَعْ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ بَحْثَ الْأَوَّلِينَ أَتَمُّ، وَاحْتِمَالُ عُرُوضِ دَمِ فَسَادٍ لِلْمَرْأَةِ أَقْرَبُ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَتُسَمَّى الْمُجَاوِزَةُ لِلْخَمْسَةِ عَشَرَ بِالْمُسْتَحَاضَةِ فَيُنْظَرُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَهِيَ الَّتِي ابْتَدَأَهَا الدَّمُ مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دَمًا قَوِيًّا وَفِي بَعْضِهَا دَمًا ضَعِيفًا فَالضَّعِيفُ اسْتِحَاضَةٌ، وَالْقَوِيُّ مِنْهُ حَيْضٌ إنْ لَمْ يَنْقُصْ الْقَوِيُّ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا جَاوَزَ أَكْثَرَهُ، وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ بِأَنْ رَأَتْهُ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فَقَدَتْ شَرْطَ تَمْيِيزٍ مِنْ شُرُوطِهِ   [حاشية البجيرمي] لِعَادَتِهَا. وَقَدْ يُقَالُ: قَوْلُهُ: مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَ هُوَ الْغَالِبُ. قَوْلُهُ: (لِحَمْنَةَ) هِيَ أُخْتُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ اج. وَاسْمُ أُمِّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. وَكَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيَّزَةٍ. اهـ. م ر. أَيْ وَكَانَتْ عَادَتُهَا مُخْتَلِفَةً فَتَارَةً سِتَّةٌ وَتَارَةً سَبْعَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، أَيْ؛ لِأَنَّهَا تُرَدُّ لِلْعَادَةِ وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. قَوْلُهُ: (تَحَيَّضِي) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ. قَوْلُهُ: «فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً» أَيْ وَتَطْهُرِي بَقِيَّةَ الشَّهْرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ، فَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ كَمَا قَرَّرَهُ م ر. وَالْمُرَادُ بِعِلْمِ اللَّهِ مَعْلُومُهُ أَيْ فِيمَا أَعْلَمَكِ اللَّهُ وَأَوْ فِي قَوْلِهِ أَوْ سَبْعَةً لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ. قَوْلُهُ: (كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ) أَيْ غَالِبُهُنَّ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. وَالْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: تَحِيضُ أَنْ يُضْبَطَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ كَمَا فِي ع ش. قَوْلُهُ: (مِيقَاتَ) بَدَلٌ مِنْ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً أَيْ: وَمِنْ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ تَحَيَّضِي سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً وَتَطَهَّرِي بَقِيَّةَ الشَّهْرِ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَذَلِكَ مِيقَاتُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَيْ الْتَزِمِي) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ تَحَيَّضِي. وَقَوْلُهُ: (وَأَحْكَامَهُ) تَفْسِيرٌ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَحْرُمُ بِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بَحْثَ الْأَوَّلِينَ) أَيْ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُ أَتَمُّ فَهُوَ إجْمَاعٌ ق ل. قَوْلُهُ: (وَاحْتِمَالُ عُرُوضِ دَمِ إلَخْ) أَيْ وَالْحُكْمُ عَلَى دَمِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِالْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ حَيْضًا خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ. اهـ. ق ل. وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ طُرُوءِ الدَّمِ أَيْ يُحْكَمُ بِوُقُوعِهِ ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْثَرَ اسْتَمَرَّ الْحُكْمُ بِالْوُقُوعِ. وَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَانَ عَدَمُهُ، فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهَلْ يَسْتَمِرُّ حُكْمُ الطَّلَاقِ لِلْحُكْمِ بِهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافُهُ أَوَّلًا نَظَرًا لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ. سم. قُلْت: وَاَلَّذِي يَأْتِي لَمْ ر فِي بَابِ الطَّلَاقِ اسْتِمْرَارُهُ. وَعِبَارَتُهُ: لَوْ عَلَّقَ بِالْحَيْضِ وَقَعَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ حَتَّى لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أُجْرِيَتْ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الطَّلَاقِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَإِنْ احْتَمَلَ كَوْنُهُ دَمَ فَسَادٍ اهـ اج. قَوْلُهُ: (بِالْمُسْتَحَاضَةِ) وَهِيَ سَبْعَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهَا إمَّا مُبْتَدَأَةٌ أَوْ مُعْتَادَةٌ كُلٌّ مِنْهُمَا مُمَيِّزَةٌ أَوْ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ وَالْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ إمَّا ذَاكِرَةٌ الْوَقْتَ وَالْقَدْرَ أَوْ نَاسِيَةٌ لَهُمَا أَوْ نَاسِيَةٌ لِأَحَدِهِمَا ذَاكِرَةٌ لِلْآخَرِ. قَوْلُهُ: (فَالضَّعِيفُ اسْتِحَاضَةٌ) أَيْ وَإِنْ طَالَ، فَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ مُسْتَمِرًّا سِنِينَ كَثِيرَةً، فَإِنَّ الضَّعِيفَ كُلَّهُ طُهْرٌ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ لَا حَدَّ لَهُ ز ي. وَقَوْلُهُ: وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ أَيْ مَعَ ضَعِيفٍ أَوْ نَقَاءٍ تَخَلَّلَهُ كَأَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَوَادًا ثُمَّ كَذَلِكَ حُمْرَةً أَوْ نَقَاءً ثُمَّ سَوَادًا، وَهَكَذَا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ. اهـ. ز ي. وَعِبَارَةُ اط ف قَوْلُهُ: وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ أَيْ وَإِنْ اخْتَلَفَ كَأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا وَخَمْسَةً حُمْرَةً وَخَمْسَةً شُقْرَةً، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ فَمَا قَبْلَ الصُّفْرَةِ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِمَّا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ) إلَخْ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ) قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: لَا يُحْتَاجُ لَهُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الْقَوِيَّ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَ أَنْ لَا يَنْقُصَ الضَّعِيفُ عَنْهَا، وَرَدَّهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ الدَّوْرُ ثَلَاثِينَ فَيُحْتَاجُ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ: (فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ دَوْرُهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ فَيَكُونُ الْقَوِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالضَّعِيفُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتَكُونُ فَاقِدَةً شَرْطًا. وَبَقِيَ شَرْطٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الضَّعِيفُ مُتَوَالِيًا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا أَسْوَدَ وَيَوْمَيْنِ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 السَّابِقَةِ فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. وَطُهْرُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ تَتِمَّةُ الشَّهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ بِأَنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ، وَهِيَ تَعْلَمُهُمَا قَدْرًا وَوَقْتًا فَتَرُدُّ إلَيْهِمَا قَدْرًا وَوَقْتًا، وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا ذُكِرَ إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ بِمَرَّةٍ وَيُحْكَمُ لِمُعْتَادَةٍ مُمَيِّزَةٍ بِتَمْيِيزٍ لَا عَادَةٍ مُخَالِفَةٍ لَهُ، وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ طُهْرٍ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ أَقْوَى مِنْ الْعَادَةِ لِظُهُورِهِ، فَإِنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا وَهِيَ   [حاشية البجيرمي] يَوْمًا أَحْمَرَ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَهِيَ فَاقِدَةٌ شَرْطًا مِمَّا ذُكِرَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَهُوَ أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَمَحَلُّ الشَّرْطِ الثَّالِثِ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ إلَخْ. إنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فَلَا يَرِدُ مَا إذَا رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ أَوْ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً أَسْوَدَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ، ثُمَّ انْقَطَعَ الدَّمُ فَإِنَّ حَيْضَهَا هُوَ الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ طُهْرٌ مَعَ نَقْصِهِ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ز ي. قَوْلُهُ: (فَقَدَتْ) بِفَتْحِ الْقَافِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} اهـ اج. قَوْلُهُ: (فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) أَيْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ إنْ عَرَفَتْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الدَّمِ، وَإِلَّا فَمُتَحَيِّرَةٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَالَ ح ل: لِأَنَّ سُقُوطَ الصَّلَاةِ عَنْهَا فِي هَذَا الْقَدْرِ أَعْنِي الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ مُتَيَقَّنٌ، وَفِيمَا عَدَاهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يُتْرَكُ الْيَقِينُ إلَّا بِمِثْلِهِ أَوْ أَمَارَةٍ ظَاهِرَةٍ مِنْ تَمْيِيزٍ أَوْ عَادَةٍ، لَكِنَّهَا فِي الدَّوْرِ الْأَوَّلِ تُمْهَلُ حَتَّى يَعْبُرَ الدَّمُ أَكْثَرَهُ فَتَغْتَسِلُ وَتَقْضِي عِبَادَةَ مَا زَادَ عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَفِي الدَّوْرِ الثَّانِي تَغْتَسِلُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إنْ اسْتَمَرَّتْ عَلَى فَقْدِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ ح ل وم ر. قَوْلُهُ: (تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) إنَّمَا حَذَفَ التَّاءَ مِنْ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَهُوَ يَوْمًا أَوْ تَغْلِيبًا لِلَّيَالِيِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ التَّأْنِيثَ فِي أَسْمَاءِ الْعَدَدِ إذَا أَرَادَتْ ذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ طُهْرَهَا أَقَلُّ الطُّهْرِ أَوْ غَالِبُهُ، وَيُحْتَاطُ فِيمَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلَمْ يَقُلْ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ مَعَ أَنَّهُ أَخَصْرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ مَا ذُكِرَ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهْرِ الْهِلَالِيُّ الصَّادِقُ بِتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَيَكُونُ بَقِيَّتُهُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّهْرَ مَتَى أُطْلِقَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْهِلَالِيُّ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْمُمَيِّزَةِ الْفَاقِدَةِ شَرْطًا، وَفِي الْمُتَحَيِّرَةِ، وَفِي الْحَمْلِ بِالنَّظَرِ لِأَقَلِّهِ وَغَالِبِهِ، فَإِنَّ الشَّهْرَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَدَدِيٌّ أَعْنِي ثَلَاثِينَ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (قَدْرًا وَوَقْتًا) أَيْ وَإِنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْيَأْسِ أَوْ زَادَ دَوْرُهَا عَلَى تِسْعِينَ يَوْمًا كَأَنْ لَمْ تَحِضْ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، فَهِيَ الْحَيْضُ وَبَاقِي السَّنَةِ طُهْرٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ) هِيَ تَكَرُّرُ الشَّيْءِ عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ لَكِنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى قَوْلِ الشَّرْحِ وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فَلَعَلَّ تَسْمِيَةَ الْفُقَهَاءِ لِمِثْلِ هَذَا عَادَةً مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ وَإِلَّا فَفِي اللُّغَةِ مَا يَقْتَضِي مِثْلَ مَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ فَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْعَادَةُ مَعْرُوفَةٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يُعَاوِدُهَا أَيْ يَرْجِعُ إلَيْهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. اهـ. . قَوْلُهُ: (بِمَرَّةٍ) ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِابْتِدَاءِ، وَمَحَلُّ ثُبُوتِهَا بِمَرَّةٍ إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ فَمَنْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَفِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَنَّهَا إنْ انْتَظَمَتْ وَلَمْ تَنْسَ انْتِظَامَهَا لَمْ تَثْبُتْ إلَّا مَرَّتَيْنِ كَأَنْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَفِي ثَانِيهِ خَمْسَةً، وَفِي ثَالِثِهِ سَبْعَةً، وَفِي رَابِعِهِ ثَلَاثَةً، وَفِي الْخَامِسِ خَمْسَةً، وَفِي السَّادِسِ سَبْعَةً، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي السَّابِعِ فَتَجْرِي عَلَى هَذَا الِانْتِظَامِ بِأَنْ تَجْعَلَ حَيْضَهَا فِي السَّابِعِ ثَلَاثًا، وَفِي الثَّامِنِ خَمْسَةً، وَفِي التَّاسِعِ سَبْعَةً وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا) أَيْ التَّمْيِيزِ وَالْعَادَةِ، فَإِنْ تَخَلَّلَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا عَمِلَ بِالتَّمْيِيزِ وَالْعَادَةِ جَمِيعًا اج. فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَبَقِيَّتُهُ طُهْرٌ، فَرَأَتْ عَشَرَةً أَسْوَدَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَبَقِيَّتُهُ أَحْمَرَ حُكِمَ بِأَنَّ حَيْضَهَا الْعَشَرَةُ لَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْهَا. أَمَّا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ كَأَنْ رَأَتْ بَعْدَ خَمْسَتِهَا عِشْرِينَ ضَعِيفًا ثُمَّ خَمْسَةً قَوِيًّا، فَقَدْرُ الْعَادَةِ حَيْضٌ لِلْعَادَةِ، وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ آخَرُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ أَيْ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا طُهْرًا كَامِلًا. قَوْلُهُ: (لِظُهُورِهِ) الْمُرَادُ بِظُهُورِهِ: مُشَاهَدَةُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. 1 - قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا) . هَذِهِ تُسَمَّى مُتَحَيِّرَةً تَحَيُّرًا مُطْلَقًا، وَأَمَّا الذَّاكِرَةُ لِأَحَدِهِمَا فَتُسَمَّى مُتَحَيِّرَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 مُمَيِّزَةٌ فَكَحَائِضٍ فِي أَحْكَامِهَا السَّابِقَةِ لِاحْتِمَالِ كُلِّ زَمَنٍ يَمُرُّ عَلَيْهَا الْحَيْضُ، لَا فِي طَلَاقٍ وَعِبَادَةٍ تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ كَصَلَاةٍ، وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ إنْ جَهِلَتْ وَقْتَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَتَصُومُ رَمَضَانَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً ثُمَّ شَهْرًا كَامِلًا، فَيَحْصُلُ لَهَا   [حاشية البجيرمي] تَحَيُّرًا نِسْبِيًّا. وَقَوْلُهُ: مُتَحَيِّرَةٌ وَتُسَمَّى أَيْضًا مُحَيِّرَةً؛ لِأَنَّهَا عَلَى الْأَوَّلِ تَحَيَّرَتْ فِي أَمْرِهَا، وَعَلَى الثَّانِي حَيَّرَتْ الْفَقِيهَ فِي أَمْرِهَا إنْ قُرِئَتْ بِكَسْرِ الْيَاءِ أَوْ حَيَّرَهَا الْفَقِيهُ إنْ قُرِئَتْ بِفَتْحِهَا، وَهَذَا قَبْلَ تَدْوِينِ أَحْكَامِهَا فِي الْكُتُبِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ) الْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ. قَوْلُهُ: (فَكَحَائِضٍ) وَيَسْتَمِرُّ وُجُوبُ نَفَقَتِهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا مُتَوَقَّعٌ، وَعِدَّتُهَا إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْحَالِ م ر. قَوْلُهُ: (فِي أَحْكَامِهَا السَّابِقَةِ) . كَتَمَتُّعٍ وَقِرَاءَةٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ أَيْ كَحُرْمَةِ تَمَتُّعٍ وَقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَاءَةَ لَيْسَا حُكْمًا، فَتَحْرُمُ عَلَيْهَا الْقِرَاءَةُ وَإِنْ خَافَتْ نِسْيَانَ الْقُرْآنِ لِتَمَكُّنِهَا مِنْ إجْرَائِهِ عَلَى قَلْبِهَا، أَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَجَائِزَةٌ مُطْلَقًا أَيْ فَاتِحَةٌ وَغَيْرُهَا، وَلَوْ جَمِيعَ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهَا غَيْرُ مُحَقَّقٍ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ ح ل وَقِ ل، وَالْمُرَادُ بِالتَّمَتُّعِ التَّمَتُّعُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا كَالْحَائِضِ فِي التَّمَتُّعِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ، وَكَالطَّاهِرِ فِي الطَّلَاقِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالطَّوَافِ، وَمَحَلُّ جَوَازِ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ إذَا كَانَ لِعِبَادَةٍ مُتَوَقِّفَةٍ عَلَى دُخُولِهِ كَالطَّوَافِ وَالِاعْتِكَافِ، وَلَوْ مَنْدُوبَيْنِ، وَإِذَا أَجْرَتْ الْقُرْآنَ عَلَى قَلْبِهَا فَتُثَابُ عَلَى ذَلِكَ لِعُذْرِهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف قَالَ ع ش عَلَى م ر: فَلَوْ لَمْ يَكْفِ فِي دَفْعِ النِّسْيَانِ إجْرَاؤُهُ عَلَى قَلْبِهَا وَلَمْ يَتَّفِقُ لَهَا قِرَاءَتُهُ فِي الصَّلَاةِ لِمَانِعٍ قَامَ بِهَا كَاشْتِغَالِهَا بِصَنْعَةٍ تَمْنَعُهَا مِنْ تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ وَالنَّافِلَةِ جَازَ لَهَا الْقِرَاءَةُ، وَيَجُوزُ لَهَا الْقِرَاءَةُ لِلتَّعَلُّمِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّمَ الْقِرَاءَةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَيَنْبَغِي جَوَازُ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ إنْ تَوَقَّفَتْ قِرَاءَتُهَا، عَلَيْهِمَا، وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْقِرَاءَةِ خَوْفَ النِّسْيَانِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَقْصِدَ بِتِلَاوَتِهَا الذِّكْرَ أَوْ تُطْلِقَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ دَفْعِ النِّسْيَانِ مَعَ ذَلِكَ؟ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ لَهَا قَصْدُ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهَا غَيْرُ مُحَقَّقٍ، وَالْعُذْرُ قَائِمٌ بِهَا، فَلَا تُمْنَعُ مِنْ قَصْدِ الْقِرَاءَةِ الْمُحَصِّلِ لِلثَّوَابِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهَا مَشْرُوعَةً سُنَّ لِلسَّامِعِ لَهَا سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَإِلَّا فَلَا. كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: السَّابِقَةِ كَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُبَدِّلَ قَوْلَهُ: السَّابِقَةِ بِاللَّاحِقَةِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهَا سَتَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَيَحْرُمُ بِالْحَيْضِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ سَرَتْ لَهُ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِ كُلِّ زَمَنٍ يَمُرُّ عَلَيْهَا الْحَيْضُ) وَإِنَّ بَلَغَتْ سِنَّ الْيَأْسِ خِلَافًا لِلْمَحَامِلِيِّ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ) بِخِلَافِ مَا لَا تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ خَارِجَ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (كَصَلَاةٍ) أَيْ وَلَوْ مَنْذُورَةً وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ، وَتَكْفِي مِنْهَا وَيَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ وَلَوْ بِحَضْرَةِ غَيْرِهَا مِنْ مُتَطَهِّرٍ كَامِلٍ خِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ الْخَطِيبِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَقَالَ حَجّ: كَصَلَاةٍ وَلَوْ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ وَسَطَهُ، وَمَا فِي الْحَاوِي عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ تَعَيُّنِ آخِرِهِ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ، وَلَا يَلْزَمُهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ، بَلْ يَجُوزُ لَهَا الْإِتْيَانُ بِسُنَنِ الصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهَا خِلَافًا لِمَا فِي الْعُبَابِ، وَتُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ، لَكِنْ لَهَا دُخُولُهُ لِلِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُهُ إلَّا لِعِبَادَةٍ لَا تَحْصُلُ إلَّا فِيهِ كَالطَّوَافِ وَالِاعْتِكَافِ، وَمَحَلُّ دُخُولِهَا الْمَسْجِدُ لَهُ إنْ أَمِنَتْ تَلْوِيثَهُ، وَإِنَّمَا جَازَ الدُّخُولُ لَهُ مَعَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ خَارِجَهُ بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، فَلَا يَجُوزُ لَهَا الدُّخُولُ لِفِعْلِهَا إلَّا إذَا دَخَلَتْ لِفَرْضٍ غَيْرِهَا كَالِاعْتِكَافِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَوْ أَرَادَتْ فِعْلَ الْجُمُعَةِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا الِاقْتِدَاءُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَيَجُوزُ لَهَا دُخُولُهُ لِفِعْلِهَا، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَ فَرْضًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْمَسْجِدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْعِبَادَةِ الَّتِي تَدْخُلُ لِفِعْلِهَا فَرْضًا بِدَلِيلِ دُخُولِهَا لِلطَّوَافِ وَالِاعْتِكَافِ الْمَنْدُوبَيْنِ نَقَلَهُ اط ف عَنْ ع ش. وَإِنَّمَا طُلِبَ مِنْهَا النَّفَلُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ فَلَا وَجْهَ لِحِرْمَانِهَا مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ) وَلَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُتَيَمِّمِ حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ يُزِيلُ الْمَانِعَ، غَايَتُهُ أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ أَدَاءِ فَرْضَيْنِ، بِخِلَافِ الْمُتَحَيِّرَةِ، فَإِنَّهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ تَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْغَسْلُ بِالصَّبِّ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ وَاجِبَهَا الْوُضُوءُ وَتَنْوِي نِيَّةً مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ م ر عَزِيزِيٌّ. قَالَ ق ل: وَاكْتِفَاؤُهُمْ بِالْغُسْلِ صَرِيحٌ فِي انْدِرَاجِ وُضُوئِهَا فِيهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَبْقَى عَلَيْهَا يَوْمَانِ إنْ لَمْ تَعْتَدْ الِانْقِطَاعَ لَيْلًا، فَإِنْ اعْتَادَتْهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهَا يَوْمَانِ فَتَصُومُ لَهُمَا مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثَلَاثَةً أَوَّلَهَا، وَثَلَاثَةً آخِرَهَا، فَيَحْصُلَانِ فَإِنْ ذَكَرَتْ الْوَقْتَ دُونَ الْقَدْرِ، أَوْ   [حاشية البجيرمي] وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ غُسْلُهَا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فِي الْوَاقِعِ فَهُوَ مُنْدَرِجٌ فِيهِ قَطْعًا، وَإِلَّا فَهُوَ وُضُوءٌ بِصُورَةِ الْغُسْلِ، فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِعَدَمِ انْدِرَاجِهِ فِي غُسْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لِلِاحْتِيَاطِ، غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَيَرُدُّهُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ: إنَّهَا لَوْ نَوَتْ فِيهِ الْأَكْبَرَ كَفَاهَا؛ لِأَنَّ جَهْلَ حَدَثِهَا جَعَلَهَا كَالْغَالِطَةِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ: وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ أَيْ فِي وَقْتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، قَالَ سم: وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ، وَاحْتِمَالُهُ قَائِمٌ فِي كُلِّ زَمَنٍ فَلِمَ قَيَّدَ الْغُسْلَ بِالْوَقْتِ. وَأَجَابَ ع ش بِأَنَّ احْتِمَالَ الِانْقِطَاعِ قَائِمٌ فِي كُلِّ زَمَنٍ وَبِفَرْضِ وُجُودِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ بَعْدَهُ فَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ، وَأَمَّا لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعٍ بَعْدَ الْغُسْلِ إذَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ فَلَا حِيلَةَ فِي رَفْعِهِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي وَقْتِهِ أَنَّهَا إذَا اغْتَسَلَتْ لِفَائِتَةٍ وَأَرَادَتْ أَنْ تُصَلِّيَ بِهِ حَاضِرَةً بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا امْتِنَاعُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ لِفَائِتَةٍ ثُمَّ دَخَلَ الْوَقْتُ صَلَّى بِهِ الْحَاضِرَةَ بِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ مَا يُزِيلُ طَهَارَتَهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ كَمَا ذَكَرَهُ اط ف. قَوْلُهُ: (إنْ جَهِلَتْ إلَخْ) فَإِنْ عَلِمَتْهُ كَ عِنْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا عِنْدَ الْغُرُوبِ وَتُصَلِّي بِهِ الْمَغْرِبَ وَتَتَوَضَّأُ لِبَاقِي الْفَرَائِضِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ عِنْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَا عَدَاهُ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَقَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِيهِ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا عَلِمَتْ الِانْقِطَاعَ عِنْدَ الْغُرُوبِ فَلِمَ عَبَّرَ بِالِاحْتِمَالِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِهِ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ عَادَتِهَا لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِالظَّنِّ لَا بِالِاحْتِمَالِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَصُومُ رَمَضَانَ) أَيْ وُجُوبًا وَكَذَا صَوْمُ كُلِّ فَرْضٍ وَلَوْ نَذْرًا مُوَسَّعًا وَلَهَا صَوْمُ النَّفْلِ بِالْأَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْفِدَاءُ إنْ أَفْطَرَتْ لِرَضَاعٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا حَائِضًا، وَيُقْرَأُ رَمَضَانُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِمَنْعِ الصَّرْفِ كَمَا هُوَ الْمَحْفُوظُ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الصَّرْفِ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ رَمَضَانُ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا، وَهَذَا لَمْ يُرَدْ بِهِ ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ رَمَضَانُ مِنْ أَيِّ سَنَةٍ كَانَتْ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَانِعُ لِرَمَضَانَ مِنْ الصَّرْفِ الْعَلَمِيَّةُ وَالزِّيَادَةُ وَالْعَلَمِيَّةُ بَاقِيَةٌ، وَإِنْ أُرِيدَ مِنْ أَيِّ سَنَةٍ فَهُوَ مَعْرِفَةٌ دَائِمًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا بَيْنَ شَعْبَانَ وَشَوَّالٍ مِنْ جَمِيعِ السِّنِينَ فَيَكُونُ عَلَمَ جِنْسٍ ع ش عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْبِرْمَاوِيِّ. قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً) أَيْ فِي جَمِيعِهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَهْرًا كَامِلًا) لَمْ يَقُلْ كَامِلَيْنِ؛ لِأَنَّ رَمَضَانَ، قَدْ لَا يَكُونُ كَامِلًا وَلَوْ قَالَ كَامِلَيْنِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا لِأَجْلِ قَوْلِهِ فَيَحْصُلُ لَهَا مِنْ كُلِّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ النَّاقِصَ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَقَطْ فَتَأَمَّلْ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. فَالْكَمَالُ فِي رَمَضَانَ قَيْدٌ لِفَرْضِ حُصُولِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ لَا لِبَقَاءِ الْيَوْمَيْنِ، فَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا حَصَلَ لَهَا مِنْهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَالْمُقْضَى مِنْهُ بِكُلِّ حَالٍ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا اهـ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ تَعْتَدْ) أَيْ قَبْلَ التَّحَيُّرِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ إنْ لَمْ تَعْتَدْ الِانْقِطَاعَ لَيْلًا بِأَنْ اعْتَادَتْهُ نَهَارًا أَوْ شَكَّتْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَحِيضَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَيَطْرَأَ الدَّمُ فِي يَوْمٍ وَيَنْقَطِعَ فِي آخَرَ فَيَفْسُدَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ كُلٍّ مِنْ الشَّهْرَيْنِ اهـ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَبْقَ عَلَيْهَا شَيْءٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ رَمَضَانَ إنْ كَانَ تَامًّا فَقَدْ حَصَلَ لَهَا مِنْ كُلٍّ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْآخَرِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) هِيَ تُكْتَبُ بِالْأَلِفِ إنْ كَانَ فِيهَا تَاءُ التَّأْنِيثِ كَمَا هُنَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا بِأَنْ كَانَ الْمَعْدُودُ مُؤَنَّثًا نُظِرَ إنْ أَتَيْت بِالْيَاءِ فَقُلْت ثَمَنِي عَشْرَةَ فَبِغَيْرِ أَلِفٍ، وَإِلَّا فَبِالْأَلِفِ نَحْوَ ثَمَانِ عَشْرَةَ، قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي أَدَبِ الْكَاتِبِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ، وَيُنَافِيهِ قَوْلُ الْمِصْبَاحِ إذَا أَضَفْت الثَّمَانِيَةَ إلَى مُؤَنَّثٍ ثَبَتَتْ الْيَاءُ ثُبُوتَهَا فِي الْقَاضِي، وَأُعْرِبَ إعْرَابَ الْمَنْقُوصِ تَقُولُ: جَاءَنِي ثَمَانِي نِسْوَةٍ وَثَمَانِي مِائَةٍ، وَرَأَيْت ثَمَانِيَ نِسْوَةٍ تَظْهَرُ الْفَتْحَةُ عَلَى الْيَاءِ، وَإِذَا لَمْ تُضِفْ قُلْت عِنْدِي مِنْ النِّسَاءِ ثَمَانٍ وَمَرَرْت مِنْهُنَّ بِثَمَانٍ، وَرَأَيْت ثَمَانِي، وَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْمُرَكَّبِ تَخَيَّرْت بَيْنَ سُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ يُقَالُ: عِنْدِي مِنْ النِّسَاءِ ثَمَانِي عَشْرَةَ امْرَأَةً وَتُحْذَفُ الْيَاءُ فِي لُغَةٍ بِشَرْطِ فَتْحِ النُّونِ، فَإِنْ كَانَ الْمَعْدُودُ مُذَكَّرًا قُلْت عِنْدِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بِإِثْبَاتِ الْهَاءِ اهـ. فَلَمْ يُفَرِّقْ فِي ثُبُوتِ الْأَلْفِ بَيْنَ ثُبُوتِ الْيَاءِ وَحَذْفِهَا، وَقَدْ يُقَالُ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي حَذْفِ الْأَلْفِ خَطَأٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ حَذْفُهَا فِي اللَّفْظِ، وَكَلَامُ الْمِصْبَاحِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُنْطَقُ بِهِ فِيهَا مِنْ الْحُرُوفِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَيَحْصُلَانِ) ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ إنْ طَرَأَ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا فَغَايَتُهُ أَنْ يَنْقَطِعَ فِي السَّادِسَ عَشَرَ فَيَصِحُّ لَهَا الْيَوْمَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 بِالْعَكْسِ فَلِلْيَقِينِ مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ حُكْمُهُ، وَهِيَ فِي الزَّمَنِ الْمُحْتَمِلِ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ كَنَاسِيَةٍ لَهُمَا فِيمَا مَرَّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ حَيْضٌ إنْ وَلَدَتْ مُتَّصِلًا بِآخِرِهِ بِلَا تَخَلُّلِ نَقَاءٍ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَالْأَخْبَارِ، وَالنَّقَاءُ بَيْنَ دِمَاءِ أَقَلِّ الْحَيْضِ فَأَكْثَرُ حَيْضٌ تَبَعًا لَهَا بِشُرُوطٍ، وَهِيَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَمْ تَنْقُصْ الدِّمَاءُ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَأَنْ يَكُونَ النَّقَاءُ مُحْتَوِشًا بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ، فَإِذَا كَانَتْ تَرَى وَقْتًا دَمًا وَوَقْتًا نَقَاءً، وَاجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ حَكَمْنَا عَلَى الْكُلِّ بِأَنَّهُ حَيْضٌ، وَهَذَا يُسَمَّى قَوْلَ السَّحْبِ، وَقِيلَ إنَّ النَّقَاءَ طُهْرٌ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إذَا دَلَّ عَلَى الْحَيْضِ وَجَبَ أَنْ يَدُلَّ النَّقَاءُ عَلَى الطُّهْرِ، وَهَذَا يُسَمَّى قَوْلَ اللَّقْطِ. (وَأَقَلُّ) دَمِ (النِّفَاسِ) (مَجَّةٌ) أَيْ دَفْعَةٌ. وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ لَحْظَةٌ، وَهُوَ زَمَنُ الْمَجَّةِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ أَيْ: لَا يَتَقَدَّرُ بَلْ مَا وُجِدَ مِنْهُ، وَإِنْ قَلَّ يَكُونُ نِفَاسًا وَلَا يُوجَدُ أَقَلُّ مِنْ مَجَّةٍ، فَالْمُرَادُ مِنْ الْعِبَارَاتِ كَمَا قَالَهُ فِي الْإِقْلِيدِ وَاحِدٌ وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُ النِّفَاسِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا. وَيُقَالُ لِذَاتِ النِّفَاسِ نُفَسَاءُ. بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ   [حاشية البجيرمي] الْأَخِيرَانِ، وَإِنْ طَرَأَ فِي الثَّانِي صَحَّ الطَّرَفَانِ أَيْ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ أَوْ فِي الثَّالِثِ صَحَّ الْأَوَّلَانِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ السَّادِسَ عَشَرَ صَحَّ الثَّانِي وَالثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُمَا أَوَّلُ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ الطُّهْرِ مَعَ الْيَوْمِ الْمُلَفَّقِ مِنْ الْأَوَّلِ وَالسَّادِسَ عَشَرَ بِنَاءً عَلَى انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَطُرُوئِهِ نَهَارًا، فَإِذَا طَرَأَ فِي أَثْنَاءِ الْأَوَّلِ يَنْقَطِعُ آخِرُهُ فِي أَثْنَاءِ السَّادِسَ عَشَرَ وَلَمْ يَصِحَّ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْحَيْضَ طَرَأَ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ فِي السَّابِعَ عَشَرَ صَحَّ السَّادِسَ عَشَرَ وَالثَّالِثُ أَوْ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ صَحَّ اللَّذَانِ قَبْلَهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ ذَكَرَتْ الْوَقْتَ إلَخْ) وَالذَّاكِرَةُ لِلْوَقْتِ كَأَنْ تَقُولَ كَانَ حَيْضِي يَبْتَدِئُ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَنِصْفُهُ الثَّانِي طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالِانْقِطَاعَ شَرْحُ الْمَنْهَجِ أَيْ: فَتَغْتَسِلُ فِيهِ لِكُلِّ فَرْضٍ. وَالذَّاكِرَةُ لِلْقَدْرِ كَأَنْ تَقُولَ كَانَ حَيْضِي خَمْسَةً فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ الشَّهْرِ لَا أَعْلَمُ ابْتِدَاءَهَا، وَأَعْلَمُ أَنِّي فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ طَاهِرٌ فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَالْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ كَالْعَشَرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، وَالثَّانِي إلَى آخِرِ الْخَامِسِ مُحْتَمِلٌ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ أَيْ: فَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرْضٍ وَلَا تَغْتَسِلُ، وَالسَّابِعُ إلَى آخِرِ الْعَاشِرِ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا وَلِلِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّهُ إنْ طَرَأَ الْحَيْضُ فِي الثَّانِي فَيَنْقَطِعُ فِي السَّابِعِ، وَإِنْ طَرَأَ فِي الثَّالِثِ انْقَطَعَ فِي الثَّامِنِ، وَإِنْ طَرَأَ فِي الرَّابِعِ انْقَطَعَ فِي التَّاسِعِ، وَإِنْ طَرَأَ فِي الْخَامِسِ، يَنْقَطِعُ فِي الْعَاشِرِ، فَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَغْتَسِلُ إلَّا عِنْدَ احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ حَيْضٌ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَرْجَحِ قَوْلَيْهِمَا أَنَّهَا تَحِيضُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ: إنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ وَمَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهَا عَلَى الْأَوَّلِ لَا تَصُومُ وَلَا تَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ، وَعَلَى الثَّانِي تَصُومُ وَتُصَلِّي. قَوْلُهُ: (وَالنَّقَاءُ بَيْنَ دِمَاءٍ أَقَلُّ الْحَيْضِ) أَيْ قَدْرُ أَقَلِّهِ؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ هُنَا أَقَلُّهُ مَعَ النَّقَاءِ ق ل، وَمُرَادُهُ الْأَقَلُّ فِي ضِمْنِ الْأَكْثَرِ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الِاتِّصَالُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ النَّقَاءُ حِينَئِذٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ: وَالنَّقَاءُ بَيْنَ دِمَاءٍ أَقَلُّ الْحَيْضِ إلَخْ مُسَامَحَةٌ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْأَقَلَّ يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاتِّصَالُ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقَاءٌ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالنَّقَاءُ بَيْنَ دِمَاءٍ أَكْثَرُ الْحَيْضِ أَوْ غَالِبُهُ إلَخْ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْأَكْثَرَ، وَالْغَالِبَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الِاتِّصَالُ فَيُتَصَوَّرُ فِيهِمَا النَّقَاءُ بَيْنَ دَمِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ إلَخْ) أَيْ لَا يُجَاوِزَ النَّقَاءُ مَعَ الْحَيْضِ الَّذِي مَعَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ لَا النَّقَاءُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَكُونُ اسْتِحَاضَةً لَا حَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إنَّ النَّقَاءَ طُهْرٌ) ضَعِيفٌ وَعَلَيْهِ فَتَصُومُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ وَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِتَكَرُّرِهِ. قَوْلُهُ: (اللَّقْطِ) بِالْقَافِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ كَالنَّصْرِ وَيُقَالُ فِي فِعْلِهِ لَقَطَ كَنَصَرَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّ النِّفَاسِ مَجَّةٌ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَإِلَّا فَهُوَ حَيْضٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ دُفْعَةٌ) بِضَمِّ الدَّالِ إنْ أُرِيدَ الْمَدْفُوعُ وَبِفَتْحِهَا إنْ أُرِيدَ الْمَرَّةُ مِنْ الدَّفَعَاتِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي النِّفَاسِ الَّذِي هُوَ الدَّمُ لَا خُرُوجِهِ. قَوْلُهُ: (لَحْظَةٌ) وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا إلَخْ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ زَمَنٌ بِخِلَافِ قَوْلِ الْمَتْنِ مَجَّةٌ أَيْ دَفْعَةٌ لَا يُنَاسِبُ؛ لِأَنَّهَا ذَاتٌ وَمَا بَعْدَهَا زَمَانٌ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ح ل: وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ هَذَا الْأَنْسَبِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرٌ لِحَقِيقَةِ النِّفَاسِ الَّتِي هِيَ الدَّمُ لَا زَمَنِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا قَالَهُ فِي الْإِقْلِيدِ) كِتَابٌ لِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ. قَوْلُهُ: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 4] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وَجَمْعُهَا نِفَاسٌ وَلَا نَظِيرَ لَهُ إلَّا نَاقَةٌ عُشَرَاءُ فَجَمْعُهَا عِشَارُ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 4] وَيُقَالُ فِي فِعْلِهِ نَفُسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَبِكَسْرِ الْفَاءِ فِيهِمَا وَالضَّمُّ أَفْصَحُ. وَأَمَّا الْحَائِضُ فَيُقَالُ فِيهَا نَفِسَتْ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. (وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا) بِلَيَالِيِهَا (وَغَالِبًا أَرْبَعُونَ يَوْمًا) بِلَيَالِيِهَا اعْتِبَارًا بِالْوُجُودِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ يَوْمًا» فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ. وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِهِ فَقِيلَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ، وَقِيلَ أَقَلُّ الطُّهْرِ، فَأَوَّلُهُ فِيمَا إذَا تَأَخَّرَ خُرُوجُهُ عَنْ الْوِلَادَةِ مِنْ الْخُرُوجِ لَا مِنْهَا وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَمَوْضِعٍ مِنْ الْمَجْمُوعِ عَكْسُ مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَمَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمَجْمُوعِ، وَقَضِيَّةُ الْأَخْذِ بِالْأَوَّلِ أَنَّ زَمَنَ النَّقَاءِ لَا يُحْسَبُ مِنْ السِّتِّينَ، لَكِنْ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِهِ فَقَالَ: ابْتِدَاءُ السِّتِّينَ مِنْ الْوِلَادَةِ وَزَمَنُ النَّقَاءِ لَا نِفَاسَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَحْسُوبًا مِنْ السِّتِّينَ وَلَمْ أَرَ مَنْ حَقَّقَ هَذَا اهـ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا   [حاشية البجيرمي] يَعْنِي النُّوقَ الْحَوَامِلَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا عَشَرَةُ أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا وَاحِدَتُهَا عُشَرَاءُ، عُطِّلَتْ تُرِكَتْ هَمَلًا بِلَا رَاعٍ وَقَدْ كَانُوا مُلَازِمِينَ لِأَذْنَابِهَا وَلَمْ يَكُنْ مَالٌ أَعْجَبَ إلَيْهِمْ مِنْهَا لِمَا جَاءَهُمْ مِنْ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ. اهـ. خَازِنٌ، وَقَوْلُهُ لِمَا جَاءَهُمْ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ عُطِّلَتْ. قَوْلُهُ: (وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ الْغَالِبِ اعْتَمَدَ شَيْخُنَا كَابْنِ حَجَرٍ أَنَّ أَوَّلَ الْمُدَّةِ مِنْ رُؤْيَةِ الدَّمِ لَا مِنْ الْوِلَادَةِ قَالَ وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ رُؤْيَةُ الدَّمِ عَنْ الْوِلَادَةِ أَيْ: دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَانَ زَمَنُ النَّقَاءِ نِفَاسًا فَيَجِبُ عَلَيْهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ وَقَدْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يَصِحُّ غُسْلُهَا عَقِبَ وِلَادَتِهَا أَيْ الْخَالِيَةِ عَنْ الدَّمِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا تُصَلِّي حِينَئِذٍ، وَفِي كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ ابْتِدَاءُ السِّتِّينَ أَيْ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَزَمَنُ النَّقَاءِ لَا نِفَاسَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْسُوبًا مِنْهُمَا أَيْ عَدَدًا لَا حُكْمًا أَيْ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ فِيهِ قَالَ: لَمْ أَرَ مَنْ حَقَّقَ هَذَا أَيْ: فَالْأَحْكَامُ تَثْبُتُ مِنْ رُؤْيَةِ الدَّمِ وَالْمُدَّةِ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَسَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ. قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ رَدًّا عَلَى الْبُلْقِينِيُّ: حِسَابُ النَّقَاءِ مِنْ السِّتِّينَ أَيْ أَوْ الْأَرْبَعِينَ مِنْ غَيْرِ جَعْلِهِ نِفَاسًا فِيهِ تَدَافُعٌ بِخِلَافِ جَعْلِ ابْتِدَاءِ النِّفَاسِ مِنْ الدَّمِ. اهـ. ح ل. النَّقَاءِ مِنْ السِّتِّينَ عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ؛ إذْ كَيْفَ تَقْضِي بَعْضَ مُدَّةِ النِّفَاسِ اهـ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ أَكْثَرَهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ. قَوْلُهُ: (بِالْوُجُودِ) أَيْ اسْتِقْرَاءُ مَا وُجِدَ مِنْ نِفَاسِ النُّفَسَاءِ ق ل. قَوْلُهُ: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) هِيَ زَوْجَةُ النَّبِيِّ كُنِّيَتْ بِابْنِهَا سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ كَانَتْ قَبْلَ النَّبِيِّ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ. قَوْلُهُ: (تَجْلِسُ) أَيْ تَدُومُ. قَوْلُهُ: (فَقِيلَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ خِلَافًا إذَا نَزَلَ الدَّمُ عَقِبَ الْوَلَدِ مَعَ أَنَّهُ أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي قَوْلِهِ وَأَوَّلُهُ فِيمَا تَأَخَّرَ خُرُوجُهُ إلَخْ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ فَقِيلَ إلَخْ. وَيَقُولُ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِهِ فِيمَا إذَا تَأَخَّرَ الدَّمُ عَنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَقِيلَ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَقِيلَ مِنْ نُزُولِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْ لِقَوْلِهِ فَقِيلَ إلَخْ. مُقَابِلًا، وَأَيْضًا قَوْلُهُ وَقِيلَ: أَقَلُّ الطُّهْرِ يَصْدُقُ بِتَأَخُّرِ الدَّمِ عَنْ نُزُولِ الْوَلَدِ فَيَقْتَضِي أَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَيُنَافِي قَوْلُهُ فَأَوَّلُهُ إلَخْ. تَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ الْبُلْقِينِيُّ بِكَسْرِ الْقَافِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ نِسْبَةً إلَى بُلْقِينَةَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَهَا نُونٌ: قَرْيَةٌ بِمِصْرَ اهـ اج. قَوْلُهُ: (لَكِنْ صَرَّحَ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ فَزَمَنُ النَّقَاءِ نِفَاسٌ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ. قَوْلُهُ: (وَزَمَنُ النَّقَاءِ لَا نِفَاسَ فِيهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَالْأَحْكَامُ مِنْ حِينِ رُؤْيَةِ الدَّمِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَ مَنْ حَقَّقَ هَذَا) مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ. قَوْلُهُ: (وَمُقْتَضَى هَذَا) أَيْ قَوْلِ الْبُلْقِينِيُّ أَيْ قَوْلُهُ: وَزَمَنُ النَّقَاءِ لَا نِفَاسَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يَلْزَمُهَا) اعْتَمَدَ هَذَا شَيْخُنَا م ر وَجَوَّزَ وَطْءَ زَوْجِهَا لَهَا. وَاعْتَمَدَ فِطْرَهَا مِنْ الصَّوْمِ وَخَالَفَهُ الشَّارِحُ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَهُوَ الْوَجْهُ الْوَجِيهُ خُصُوصًا مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ تَبْعِيضِ الْأَحْكَامِ ق ل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 قَضَاءُ مَا فَاتَهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ. وَمُقْتَضَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا بَطَلَ صَوْمُهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ عَلَى حَلِيلِهَا أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ قَبْلَ غُسْلِهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَمَّا إذَا لَمْ تَرَ الدَّمَ إلَّا بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ فَلَا نِفَاسَ لَهَا أَصْلًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَعَلَى هَذَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا قَبْلَ غُسْلِهَا كَالْجُنُبِ. وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي بَابِ الصِّيَامِ: إنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهَا بِالْوَلَدِ الْجَافِّ مَحَلُّهُ إذَا رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. فَائِدَةٌ: أَبْدَى أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ مَعْنًى لَطِيفًا فِي كَوْنِ أَكْثَرِ النِّفَاسِ سِتِّينَ يَوْمًا أَنَّ الْمَنِيَّ يَمْكُثُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يَتَغَيَّرُ ثُمَّ يَمْكُثُ مِثْلَهَا عَلَقَةً ثُمَّ مِثْلَهَا مُضْغَةً ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: وَالْوَلَدُ يَتَغَذَّى بِدَمِ   [حاشية البجيرمي] وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْوِلَادَةِ عَدَدًا وَحُكْمًا. الثَّانِي ابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْخُرُوجِ عَدَدًا وَحُكْمًا. الثَّالِثُ: ابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ حَيْثُ أَحْكَامُ النِّفَاسِ، وَأَمَّا الْعَدَدُ فَمَحْسُوبٌ مِنْ الْوِلَادَةِ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ فِيمَا إذَا تَأَخَّرَ خُرُوجُهُ عَنْ الْوَلَدِ وَكَانَ بَيْنَهُمَا نَقَاءٌ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ الدَّمُ عَقِبَ الْوَلَدِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْأَقْوَالِ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَحْرُمُ التَّمَتُّعُ بِهَا فِي زَمَنِ النَّقَاءِ، وَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَيَجُوزُ التَّمَتُّعُ بِهَا فِي مُدَّةِ النَّقَاءِ وَيَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ فِي مُدَّةِ النَّقَاءِ، وَكَذَا عَلَى الثَّالِثِ. قَوْلُهُ: (فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةِ النَّقَاءِ. قَوْلُهُ: (وَمُقْتَضَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ إلَخْ) هَذَا ضَعِيفٌ. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْبُطْلَانِ لِكَوْنِ الْوِلَادَةِ مَظِنَّةَ خُرُوجِ الدَّمِ وَعَدَمِ جَرَيَانِ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ تَأَمَّلْ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر جَوَازُ الْوَطْءِ بِلَا غُسْلٍ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْجَنَابَةِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (كَالْجُنُبِ) أَيْ كَالْمَرْأَةِ الْجُنُبِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ. قَوْلُهُ: (مَحَلُّهُ إذَا رَأَتْ الدَّمَ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْوِلَادَةَ مُبْطِلَةٌ لِلصَّوْمِ مُطْلَقًا، وَعِبَارَةُ ق ل هَذَا الْمَحَلُّ لَا مَحَلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ مُفْطِرَةٌ لِذَاتِهَا اهـ قَالَ م ر فِي بَابِ الصَّوْمِ: وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا بَطَلَ صَوْمُهَا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَرَاهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَا. فَالْمُعْتَمَدُ بُطْلَانُ الصَّوْمِ بِالْوَلَدِ الْجَافِّ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا نِفَاسٌ أَوْ لَا م د. قَوْلُهُ: (أَبْدَى أَبُو سَهْلٍ إلَخْ) وَهَذِهِ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِيمَنْ تَحِيضُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَتَنْفَسُ أَكْثَرَ النِّفَاسِ وَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا لَا تَظْهَرُ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَبُو سَهْلٍ هَذَا كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الشَّافِعِيَّةِ وَكَانَ فِي زَمَنِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَكَانَ يُنَاظِرُهُ فَكَانَ إذَا طَلَعَ لِمُنَاظَرَتِهِ يَلْبَسُ قَمِيصَ زَوْجَتِهِ، فَاتُّفِقَ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا حِمَارًا مَعْرُورِيًّا مِنْ غَيْرِ بَرْذَعَةٍ وَعَلَيْهِ قَمِيصُ زَوْجَتِهِ فَكَلَّمَهُ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو سَهْلٍ: أَمَّا رُكُوبِي الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا لُبْسُ قَمِيصِ زَوْجَتِي فَلِعَدَمِ قَمِيصٍ عِنْدِي غَيْرِهِ فَرَاوَدَهُ الْمَلِكُ فِي شَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَمْ يُوَافِقْ وَتَرَكَهُ. اهـ. . قُلْت: وَهَذِهِ سِيمَةُ الْمُتَوَكِّلِينَ وَسِيمُ الصَّالِحِينَ اهـ اج. قَوْلُهُ: (أَنَّ الْمَنِيَّ يَمْكُثُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يَتَغَيَّرُ) وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ إذَا لَاقَى مَاءَ الْمَرْأَةِ فِي الْجِمَاعِ وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهُ جَنِينًا هَيَّأَ أَسْبَابَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي رَحِمِ الْمَرْأَةِ قُوَّتَيْنِ: قُوَّةُ انْبِسَاطٍ عِنْدَ وُرُودِ مَاءِ الرَّجُلِ حَتَّى يَنْتَشِرَ فِي جَسَدِهَا، وَقُوَّةُ انْقِبَاضٍ بِحَيْثُ لَا يَسِيلُ مِنْ فَرْجِهَا مَعَ كَوْنِهِ مَنْكُوسًا. وَفِي مَنِيِّ الرَّجُلِ قُوَّةُ الْفِعْلِ، وَفِي مَنِيِّ الْمَرْأَةِ قُوَّةُ الِانْفِعَالِ، فَعِنْدَ الِامْتِزَاجِ يَصِيرُ مَنِيُّ الرَّجُلِ كَالْإِنْفَحَةِ لِلَّبَنِ، وَقِيلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةُ فِعْلٍ وَانْفِعَالٍ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ فِي الرَّجُلِ أَكْثَرُ، وَالْمَرْأَةُ بِالْعَكْسِ، وَزَعَمَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ التَّشْرِيحِ أَنَّ مَنِيَّ الرَّجُلِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْوَلَدِ إلَّا فِي عَقْدِهِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ عِظَامَ الْجَنِينِ وَغَضَارِيفَهُ مِنْ مَنِيِّ الرَّجُلِ» ، وَقَوْلُهُ وَغَضَارِيفَهُ أَيْ أَعْصَابَهُ «وَشَحْمَهُ وَلَحْمَهُ مِنْ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ» ثُمَّ إنَّهُ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى لَا يَخْتَلِطُ مَاءُ الرَّجُلِ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ بَلْ يَكُونَا مُتَجَاوِرَيْنِ لَا يُغَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ يَخْتَلِطُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَفِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ تُصَوَّرُ أَعْضَاءُ الْجَنِينِ. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ. وَيَثْبُتُ لِلْعَلَقَةِ مِنْ أَحْكَامِ الْوِلَادَةِ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَفِطْرُ الصَّائِمَةِ وَتَسْمِيَةُ الدَّمِ عَقِبَهَا نِفَاسًا وَيَثْبُتُ لِلْمُضْغَةِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَحُصُولُ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ لَمْ يَقُولُوا فِيهَا صُورَةٌ أَصْلًا، فَإِنْ قَالُوا: فِيهَا صُورَةٌ خَفِيَّةٌ وَجَبَ فِيهَا مَعَ ذَلِكَ غُرَّةٌ وَتَثْبُتُ بِهَا أُمِّيَّةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 الْحَيْضِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجْتَمِعُ الدَّمُ مِنْ حِينِ النَّفْخِ لِكَوْنِهِ غِذَاءً لِلْوَلَدِ. وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَيَكُونُ أَكْثَرُ النِّفَاسِ سِتِّينَ يَوْمًا. (وَأَقَلُّ) زَمَنِ (الطُّهْرِ) الْفَاصِلِ (بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ) (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) لِأَنَّ الشَّهْرَ غَالِبًا لَا يَخْلُو عَنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الطُّهْرِ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ الطُّهْرُ بَيْنَ الْحَيْضِ   [حاشية البجيرمي] الْوَلَدِ، وَيَجُوزُ أَكْلُهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ عِنْدَ شَيْخِنَا م ر ذَكَرَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالْوَلَدُ يَتَغَذَّى بِدَمِ الْحَيْضِ) وَذَكَرُوا أَنَّ الْجُدَرِيَّ الَّذِي يَطْلُعُ لِلْأَطْفَالِ سَبَبُهُ التَّغْذِيَةُ بِدَمِ الْحَيْضِ. وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَا يَتَشَكَّلُ مِنْ الْجَنِينِ فَقِيلَ: قَلْبُهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَسَاسُ، وَقِيلَ الدِّمَاغُ؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَوَّلَ مَا يَتَشَكَّلُ مِنْهُ مِنْ الْبَاطِنِ الْقَلْبُ، وَمِنْ الظَّاهِرِ الدِّمَاغُ، وَقِيلَ أَوَّلُ مَا يَتَشَكَّلُ مِنْهُ السُّرَّةُ، وَقِيلَ الْكَبِدُ؛ لِأَنَّ مِنْهُ النُّمُوَّ الْمَطْلُوبَ أَوَّلًا وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ، وَفِي إيجَادِهِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ الْعَجِيبِ وَانْتِقَالِهِ مِنْ طَوْرٍ إلَى طَوْرٍ مَعَ قُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَى إيجَادِهِ كَامِلًا كَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ فَوَائِدُ: الْأُولَى: أَنَّهُ لَوْ خَلَقَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَشَقَّ عَلَى الْأُمِّ لِكَوْنِهَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً لِذَلِكَ، وَرُبَّمَا لَمْ تُطِقْهُ فَجُعِلَ أَوَّلًا نُطْفَةً لِتَعْتَادَهَا مُدَّةً ثُمَّ عَلَقَةً مُدَّةً وَهَلُمَّ جَرَّا. إلَى الْوِلَادَةِ، وَلِذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْحِكْمَةُ فِي تَأْخِيرِ كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَنْ يَعْتَادَهُ الرَّحِمُ؛ إذْ لَوْ خُلِقَ دَفْعَةً لَشَقَّ عَلَى الْأُمِّ وَرُبَّمَا تَظُنُّهُ عِلَّةً. الثَّانِيَةُ: إظْهَارُ قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَتَعْلِيمُهُ لِعِبَادِهِ التَّأَنِّي فِي أُمُورِهِمْ. الثَّالِثَةُ: إعْلَامُ الْإِنْسَانِ بِأَنَّ حُصُولَ الْكَمَالِ الْمَعْنَوِيِّ لَهُ تَدْرِيجِيٌّ نَظِيرُ حُصُولِ الْكَمَالِ الظَّاهِرِ لَهُ اهـ شَبْرَخِيتِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ فَمَ الْوَلَدِ لَا يُفْتَحُ أَصْلًا مَا دَامَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَشِيمَةَ مُغَطِّيَةٌ لَهُ كُلِّهِ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّهُ يَتَغَذَّى. إلَّا أَنْ يُقَالَ يَتَغَذَّى مِنْ السُّرَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَفْتُوحَةٌ. قَالَ ع ش: وَأَجِنَّةُ الْبَهَائِمِ يَجُوزُ أَنْ تَتَغَذَّى بِغَيْرِ دَمِ الْحَيْضِ لِانْتِفَائِهِ فِي حَقِّهِنَّ اهـ. وَالْمَشِيمَةُ الْخَارِجَةُ مَعَ الْوَلَدِ طَاهِرَةٌ وَهَلْ هِيَ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ أَوْ مِنْ الْوَلَدِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا يَجِبُ دَفْنُهَا مَعَهُ، وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَغُسْلُهَا وَتَكْفِينُهَا وَمُوَارَاتُهَا فِيهِ نَظَرٌ اهـ رَحْمَانِيٌّ. فَائِدَةٌ: رَأَيْت بِخَطِّ الْأَزْرَقِ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ تَلِدَ امْرَأَتُهُ ذَكَرًا فَإِنَّهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى بَطْنِهَا فِي أَوَّلِ الْحَمْلِ وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إنِّي أُسَمِّي مَا فِي بَطْنِهَا مُحَمَّدًا فَاجْعَلْهُ لِي ذَكَرًا فَإِنَّهُ يُولَدُ ذَكَرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» مُجَرَّبٌ اهـ. وَقَدْ جَرَّبْنَاهُ كَثِيرًا لِغَيْرِ وَاحِدٍ فَصَدَقَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ، وَقِيلَ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا جُومِعَتْ وَهِيَ قَائِمَةٌ فَإِنْ شَالَتْ رِجْلَهَا الْيُمْنَى أَذْكَرَتْ وَإِنْ شَالَتْ رِجْلَهَا الْيُسْرَى أَنَّثَتْ. قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ: جَرَّبْت ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَصَحَّ اهـ. فَائِدَةٌ: لَوْ وُضِعَ الْحَمْلُ يُكْتَبُ فِي إنَاءٍ جَدِيدٍ: اُخْرُجْ أَيُّهَا الْوَلَدُ مِنْ بَطْنٍ ضَيِّقَةٍ إلَى سَعَةِ هَذِهِ الدُّنْيَا، اُخْرُجْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ الَّذِي جَعَلَك: {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المرسلات: 21] {إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ - لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ} [الحشر: 22 - 21] إلَى آخِرِ السُّورَةِ. {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] وَتُمْحَى بِمَاءٍ، وَتَشْرَبُ النُّفَسَاءُ أَوْ يُرَشُّ عَلَى وَجْهِهَا مُجَرَّبٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا) هَذِهِ الْحِكْمَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى كَوْنِ الْحَامِلِ لَا تَحِيضُ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) أَيْ وَالْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا تَخْلُو عَنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ فَتَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، فَيَكُونُ أَكْثَرُ النِّفَاسِ سِتِّينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَيْضٌ، وَهِيَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ . قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَجُوزُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وَالنِّفَاسِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْحَيْضُ عَلَى النِّفَاسِ إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَمْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَكَانَ طُرُوءُهُ بَعْدَ بُلُوغِ النِّفَاسِ أَكْثَرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، أَمَّا إذَا طَرَأَ قَبْلَ بُلُوغِ النِّفَاسِ أَكْثَرُهُ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا إلَّا إذَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ الطُّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ لَا تَحِيضُ الْمَرْأَةُ فِي عُمُرِهَا إلَّا مَرَّةً وَقَدْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا. (وَأَقَلُّ زَمَنٍ) أَيْ سِنٍّ (تَحِيضُ فِيهِ الْمَرْأَةُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْجَارِيَةُ (تِسْعُ سِنِينَ) قَمَرِيَّةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَلَوْ بِالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ لِلْوُجُودِ، لِأَنَّ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ لَا ضَابِطَ لَهُ شَرْعِيٌّ وَلَا لُغَوِيٌّ يُتَّبَعُ فِيهِ الْوُجُودُ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَعْجَلُ مَنْ سَمِعْت مِنْ النِّسَاءِ يَحِضْنَ نِسَاءُ تُهَامَةَ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ أَيْ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا فَيُتَسَامَحُ قَبْلَ تَمَامِهَا بِمَا لَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا دُونَ مَا يَسَعُهُمَا، وَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ أَيَّامًا، بَعْضُهَا قَبْلَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ، وَبَعْضُهَا فِيهِ جُعِلَ الثَّانِيَ حَيْضًا إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ الْمَارَّةُ. (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ السِّنِّ لِجَوَازِ أَنْ لَا تَحِيضَ أَصْلًا كَمَا مَرَّ (وَأَقَلُّ) زَمَنِ (الْحَمْلِ) (سِتَّةُ أَشْهُرٍ) وَلَحْظَتَانِ لَحْظَةٌ لِلْوَطْءِ وَلَحْظَةٌ لِلْوَضْعِ مِنْ إمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ (وَأَكْثَرُهُ) أَيْ زَمَنِ   [حاشية البجيرمي] أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) وَكَذَا بَيْنَ نِفَاسَيْنِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَهِيَ نُفَسَاءُ فَتَحْمِلُ إنْ قُلْنَا إنَّ النِّفَاسَ لَا يَمْنَعُ الْعُلُوقَ وَيَسْتَمِرُّ النِّفَاسُ مِنْ مُدَّةٍ يَكُونُ الْحَمْلُ فِيهَا عَلَقَةً ثُمَّ يَنْقَطِعُ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَنْزِلُ عَقِبَهُ النِّفَاسُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ الطُّهْرِ لَا يُقَيَّدُ كَوْنُهُ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمُقَيَّدِ بِدُونِ قَيْدِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّ زَمَنِ حَيْضٍ إلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ رَأَى جَدَّةً بِنْتَ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَأَنَّهَا حَاضَتْ لِاسْتِكْمَالِ تِسْعٍ، وَوَضَعَتْ بِنْتًا لِاسْتِكْمَالِ عَشْرٍ، وَوَقَعَ لِبِنْتِهَا مِثْلُ ذَلِكَ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (قَمَرِيَّةٍ) هُوَ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِتِسْعٍ وَبِالْجَرِّ صِفَةٌ لِسِنِينَ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ الْجَائِزِ لَا الْمُمْتَنِعِ، وَالسَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَخُمُسُ يَوْمٍ وَسُدُسُهُ بِخِلَافِ الْعَدَدِيَّةِ فَإِنَّهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا لَا تَنْقُصُ يَوْمًا وَلَا تَزِيدُ. اهـ. ز ي. قَالَ عَبْدُ الْبَرِّ: لَمْ تُفَرِّقُ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ السَّنَةِ وَالْعَامِ وَجَعَلُوهُمَا بِمَعْنًى. قَالَ ابْنُ الْجَوَالِيقِيِّ: وَهُوَ غَلَطٌ؛ إذْ السَّنَةُ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ عَدَدْته إلَى مِثْلِهِ، وَالْعَامُ لَا يَكُونُ إلَّا شِتَاءً وَصَيْفًا وَنَحْوُهُ فِي التَّهْذِيبِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: اسْتِعْمَالُ السَّنَةِ فِي الْحَوْلِ الَّذِي فِيهِ الشِّدَّةُ وَالْجَدْبُ وَالْعَامُ لِمَا فِيهِ الرَّخَاءِ وَالْخِصْبِ، وَبِهَذَا تَظْهَرُ النُّكْتَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] حَيْثُ عَبَّرَ عَنْ الْمُسْتَثْنَى بِالْعَامِ وَعَنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِالسَّنَةِ اهـ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ قَوْلُهُ: (لِلْوُجُودِ) أَيْ لِلِاسْتِقْرَاءِ، وَعَبَّرَ بِهِ لِلتَّفَنُّنِ أَوْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَا وَرَدَ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ زَمَنَ الْحَيْضِ يَرْجِعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَرْجِعُهُ الِاسْتِقْرَاءُ مِنْ الْأَئِمَّةِ. قَوْلُهُ: (كَالْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ الْمَبِيعِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُودِ هُنَا الْعُرْفُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ هُنَا الِاسْتِقْرَاءُ، وَالتَّتَبُّعُ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَعَلَّ الشَّارِحَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَحَلٌّ بِمَحَلٍّ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْحِرْزِ) أَيْ حِرْزِ الْمَاءِ فِي السَّرِقَةِ، فَإِنَّهُ يُرْجَعُ فِيهِمَا لِلْعُرْفِ. قَوْلُهُ: (بِمَا لَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا) كَأَنْ رَأَتْهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلُّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ) كَأَنْ رَأَتْهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ التِّسْعِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَامْتَدَّ الدَّمُ إلَى أَنْ بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ مَثَلًا اهـ اج. فَيَكُونُ الدَّمُ اسْتَمَرَّ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ الثَّلَاثَةُ الْأُولَى مِنْهَا دَمُ فَسَادٍ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ زَمَنِ إمْكَانِ الْحَيْضِ، وَالْخَمْسَةُ الْأَخِيرَةُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَكَأَنْ رَأَتْ الدَّمَ عِشْرِينَ يَوْمًا بَقِيَتْ مِنْ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى دَمُ فَسَادٍ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ. قَوْلُهُ: (شُرُوطُهُ الْمَارَّةُ) أَيْ لَا يَنْقُصُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يُجَاوِزُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَمُرَادُهُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) وَأَمَّا غَالِبُ سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ الْمَرْأَةُ فَعِشْرُونَ سَنَةً، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْخِيَارِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا لَمْ تَحِضْ، فَإِنْ كَانَ سِنُّهَا دُونَ الْعِشْرِينَ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ عِشْرِينَ فَأَكْثَرَ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ وُجُودَهُ فِيهَا هُوَ الْغَالِبُ ز ي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 الْحَمْلِ (أَرْبَعُ سِنِينَ) وَغَالِبُهُ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لِلِاسْتِقْرَاءِ كَمَا أَخْبَرَ بِوُقُوعِهِ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَا الْإِمَامُ مَالِكٌ. حُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ امْرَأَةُ صِدْقٍ وَزَوْجُهَا رَجُلُ صِدْقٍ حَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً تَحْمِلُ كُلَّ بَطْنٍ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ غَيْرِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ فَقَالَ: (وَيَحْرُمُ بِالْحَيْضِ) وَلَوْ أَقَلَّهُ (ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (الصَّلَاةُ) فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا، وَكَذَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ (وَ) الثَّانِي (الصَّوْمُ) فَرْضُهُ وَنَفْلُهُ وَيَجِبُ قَضَاءُ صَوْمِ الْفَرْضِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّ زَمَنِ الْحَمْلِ إلَخْ) ذِكْرُ الْحَمْلِ هُنَا اسْتِطْرَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (رَجُلُ صِدْقٍ) أَيْ صَادِقٌ أَوْ ذُو صِدْقٍ أَوْ هُوَ نَفْسُ الصِّدْقِ مُبَالَغَةً. وَعِبَارَةُ ح ل فِي السِّيرَةِ ذُكِرَ أَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَكَثَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ سَنَتَيْنِ، وَكَذَا الضَّحَّاكُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّابِعِيُّ مَكَثَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ سَنَتَيْنِ. وَفِي الْمُحَاضَرَاتِ لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ أَنَّ مَالِكًا مَكَثَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ثَلَاثَ سِنِينَ. [أَحْكَامِ الْحَيْضِ] قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ بِالْحَيْضِ) وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ، وَسَيَأْتِي أَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: وَهِيَ أَنَّ الْحَيْضَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبُلُوغُ وَالْعِدَّةُ وَتَسْقُطُ بِأَقَلِّهِ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ النِّفَاسِ. قَوْلُهُ: (ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءُ) أَيْ يُعَدُّ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَاحِدًا أَمَّا إذَا عُدَّ كُلُّ مِنْهُمَا وَاحِدًا كَانَتْ تِسْعَةً، وَهَذَا بِحَسَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَحْرُمُ بِالْحَيْضِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَمِنْ ذَلِكَ طَلَاقُهَا، وَطُهْرُهَا بِالْمَاءِ أَوْ بِالتَّيَمُّمِ قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ إلَّا فِي أَغْسَالِ الْحَجِّ، فَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ م ر: وَمِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَيْ الْحَائِضِ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ بِقَصْدِ التَّعَبُّدِ مَعَ عِلْمِهَا بِالْحُرْمَةِ لِتَلَاعُبِهَا، فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ النَّظَافَةَ كَأَغْسَالِ الْحَجِّ لَمْ يَمْتَنِعْ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ حُضُورُ الْمُحْتَضَرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا فِي الْعُبَابِ وَالرَّوْضِ وَعَلَّلَهُ بِتَضَرُّرِهِ بِامْتِنَاعِ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ مِنْ الْحُضُورِ عِنْدَهُ بِسَبَبِهَا. قَوْلُهُ: (الصَّلَاةُ) ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَتَعَمُّدُ الصَّلَاةِ مِنْهَا وَمِنْ الْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ كَبِيرَةٌ وَاسْتِحْلَالُهُ كُفْرٌ بِخِلَافِ نَحْوِ مَسِّ مُصْحَفٍ وَحَمْلِهِ ق ل. قُلْت: مَحَلُّ الْكُفْرِ بِالِاسْتِحْلَالِ إذَا كَانَ الْحَدَثُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَخُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَإِلَّا كَلَمْسٍ وَمَسٍّ فَلَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ اهـ اج. أَيْ فَإِنَّ اللَّمْسَ وَالْمَسَّ لَا يَنْقُضَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ. قَوْلُهُ: (فَرْضُهَا) وَمِنْهُ الْجِنَازَةُ اج. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ قَالَ ق ل عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْمَلُهَا الصَّلَاةُ عُرْفًا، وَلِذَلِكَ لَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي، وَرَدًّا عَلَى الشَّعْبِيِّ وَالطَّبَرِيِّ الْقَائِلَيْنِ بِصِحَّتِهَا مَعَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ، وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ) فَصْلُ مَدْخُولِهَا لِكَوْنِهِ لَيْسَ صَلَاةً حَقِيقِيَّةً، وَسَكَتَ عَنْ سُجُودِ السَّهْوِ لِكَوْنِهِ فِي ضِمْنِ الصَّلَاةِ، هَذَا، وَالْمُرَادُ الْحُرْمَةُ، وَعَدَمُ الِانْعِقَادِ ع ش. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا يَفْعَلُهُ عَوَامُّ الْفُقَرَاءِ وَشَبَهُهُمْ مِنْ سُجُودِهِمْ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ بِطَهَارَةٍ وَتَوَجُّهٍ إلَى الْقِبْلَةِ، وَقَدْ يُتَخَيَّلُ أَنَّ ذَلِكَ تَوَاضُعٌ وَتَقَرُّبٌ وَكَسْرُ نَفْسٍ وَهُوَ خَطَأٌ فَاحِشٌ، فَكَيْفَ يُتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ بِمَا حَرَّمَهُ وَلَرُبَّمَا اغْتَرَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100] . وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ، أَوْ مُؤَوَّلَةٌ بِالرُّكُوعِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ غَيْرَ حَرَامٍ فِي شَرِيعَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: هَذَا السُّجُودُ مِنْ عَظَائِمِ الذُّنُوبِ، وَيُخْشَى أَنْ يَكُونَ كُفْرًا وَمِثْلُهُ بُلُوغُ حَدِّ الرُّكُوعِ عِنْدَ الْأُمَرَاءِ. قُلْت: وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ تَقْبِيلُ أَعْتَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَتَوَابِيتِهِمْ بِقَصْدِ التَّبَرُّكِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الشَّوْبَرِيُّ تَبَعًا لِفَتْوَى شَيْخِهِ م ر. وَبِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَإِنْ جَزَمَ بِهَا حَجّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُطْبَةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ الْحُرْمَةَ، بَلْ بَالَغَ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيُّ فَجَعَلَهُ مُكَفِّرًا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرُونَ، فَقَدْ رَدَّهُ السُّبْكِيُّ أَشْنَعَ رَدٍّ فِي كِتَابِ شِفَاءِ الْأَسْقَامِ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَرَحْمَةً اهـ رَحْمَانِيٌّ. وَإِنَّمَا قَالَ وَيُخْشَى إلَخْ. وَلَمْ يَجْعَلْهُ كُفْرًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ السُّجُودِ بَيْنَ يَدِي الْمَشَايِخِ لَا يَقْتَضِي تَعْظِيمَ الشَّيْخِ كَتَعْظِيمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِحَيْثُ يَكُونُ مَعْبُودًا، وَالْكُفْرُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا قَصَدَ ذَلِكَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَالصَّوْمُ) ابْتِدَاءً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَدَوَامًا بِمَعْنَى مُلَاحَظَةِ الصَّوْمِ، فَالشَّرْطُ حِينَئِذٍ أَنْ تُلَاحِظَ أَنَّهَا صَائِمَةٌ وَلَا يَجِبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ أَيْ الْحَيْضُ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ مِنْ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَكْثُرُ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَهَلْ يَحْرُمُ قَضَاؤُهَا، أَوْ يُكْرَهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ فَنَقَلَ فِيهَا عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيِّ عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ، أَنَّهُ يَحْرُمُ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - نَهَتْ السَّائِلَةَ عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ مَحَلُّهُ فِيمَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ. وَعَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالرُّويَانِيِّ وَالْعِجْلِيِّ، أَنَّهُ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَيُسَنُّ لَهُمَا الْقَضَاءُ انْتَهَى.   [حاشية البجيرمي] عَلَيْهَا بَعْدَ طُرُوقِ دَمِ الْحَيْضِ تَنَاوُلُ مُفْطِرٍ ع ش وَيَحْرُمُ الصَّوْمُ إجْمَاعًا وَلِخَبَرِ: «أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» . وَالْأَوْجَهُ أَنَّ عَدَمَ انْعِقَادِهِ مِنْهَا مَعْقُولُ الْمَعْنَى خِلَافًا لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ مُضْعِفٌ وَالصَّوْمُ مُضْعِفٌ أَيْضًا، فَلَوْ أُمِرَتْ بِالصَّوْمِ لَاجْتَمَعَ عَلَيْهَا مُضْعِفَانِ وَالشَّارِعُ نَاظِرٌ إلَى حِفْظِ الْأَبَدَانِ وَلَا تُثَابُ عَلَى التَّرْكِ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ إذَا تَرَكَ النَّوَافِلَ حَيْثُ يُثَابُ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْمَرِيضَ يَنْوِي أَنْ يَفْعَلَ إنْ كَانَ صَحِيحًا مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَائِضُ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: لَا تُثَابُ عَلَى التَّرْكِ أَيْ مَا لَمْ تَقْصِدْ امْتِثَالَ الشَّارِعِ، وَإِلَّا فَتُثَابُ اهـ اج. وَالْمُنَاسِبُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَرِيضِ أَنَّهَا لَا تُثَابُ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ لَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى عَزْمِهِ عَلَى فِعْلِ النَّوَافِلِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا، وَقَوْلُهُ: أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ وَهُوَ جَوَابُ سُؤَالِ مَنْ قَالَتْ حِينَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ» أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَمُشَاهَدٌ، وَأَمَّا نُقْصَانُ الدِّينِ فَبَيَّنَ وَجْهَهُ بِقَوْلِهِ: «أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ» إلَخْ. وَقَوْلُهُ: «نَاقِصَاتُ عَقْلٍ» الْمُرَادُ بِالْعَقْلِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ. وَقِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْلِ تَحَمُّلُ الدِّيَةِ عَنْ الْجَانِي. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّحَمُّلَ مُنْتَفٍ أَصْلًا لَا أَنَّهُ مَوْجُودٌ وَنَاقِصٌ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ عَلَى الْعَقْلِ الْغَرِيزِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلْمَقَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامَ الذَّمِّ لِلنِّسَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَدِينٍ اُنْظُرْ وَجْهَ كَوْنِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي حَالِ الْحَيْضِ نَقْصًا مِنْ الدِّينِ مَعَ أَنَّ التَّرْكَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَتُثَابَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا آتِيَةٌ بِوَاجِبٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُنَّ نَاقِصَاتُ دِينٍ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا الزَّمَنَ لَا يَتَعَبَّدُونَ فِيهِ، فَأَطْلَقَ عَلَيْهِنَّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ قَضَاءُ صَوْمِ الْفَرْضِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ) وَتَسْمِيَتُهُ قَضَاءً مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لِفِعْلِهِ مُقْتَضٍ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِصُورَةِ فِعْلِهِ خَارِجَ الْوَقْتِ كَمَا قَالَهُ حَجّ. أَيْ فَلَا يَرِدَ أَنَّ الْقَضَاءَ مَا سَبَقَ لِفِعْلِهِ مُقْتَضٍ فِي الْوَقْتِ. وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَضَاءً حَقِيقَةً، وَاَلَّذِي فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ يُسَمَّى بِذَلِكَ حَقِيقَةً اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْحَيْضُ) مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (وَالنَّوَوِيِّ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ، فَكُلُّ مِنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيِّ نَقَلَ عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ م د قَوْلُهُ: وَالنَّوَوِيُّ أَيْ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْجَرِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ) هُوَ غَيْرُ الْمُفَسِّرِ؛ لِأَنَّهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَاسْمُ الْمُفَسِّرِ نَاصِرُ الدِّينِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الشَّيْخَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْضَاوِيِّ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِمَا م د. قَوْلُهُ: (وَعَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَعَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَهِيَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ (وَالْعِجْلِيِّ) بِفَتْحَتَيْنِ نِسْبَةً إلَى عَمَلِ الْعَجَلِ الَّتِي تَجُرُّهَا الدَّوَابُّ، وَلَعَلَّ بَعْضَ أَجْدَادِهِ كَانَ يَعْمَلُهَا فَنُسِبَ إلَيْهِ، وَأَمَّا الْعِجْلِيُّ بِالْكَسْرِ وَالسُّكُونِ فَنَسَبُهُ إلَى عِجْلِ بْنِ وَائِلٍ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ اهـ اج. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ مَكْرُوهٌ) مُعْتَمَدٌ وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ بِأَنَّ إسْقَاطَ الصَّلَاةِ عَنْهَا عَزِيمَةٌ وَعَنْهُمَا رُخْصَةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْعَزِيمَةِ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْحَائِضِ تَغَيُّرٌ مِنْ صُعُوبَةٍ، وَهُوَ وُجُوبُ الْفِعْلِ إلَى سُهُولَةٍ، وَهُوَ وُجُوبُ التَّرْكِ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِهِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَمِثْلُهَا النُّفَسَاءُ، فَكُلٌّ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ الَّذِي هُوَ عُذْرٌ فِي التَّرْكِ مَانِعٌ مِنْ الْفِعْلِ لِكَوْنِهَا مَأْمُورَةً بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالرُّخْصَةِ فِي حَقِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 وَالْأَوْجُهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ نَهْيُ عَائِشَةَ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ مُنْتَقَضٌ بِقَضَاءِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا هَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهَا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْجُهُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً عَدَمُ الِانْعِقَادِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا فِي الصَّوْمِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا حَالَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ وَالْمَنْعُ وَالْوُجُوبُ لَا يَجْتَمِعَانِ. (وَ) الثَّالِثُ (قِرَاءَةُ) شَيْءٍ مِنْ (الْقُرْآنِ) بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ، فَإِنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ هُنَا وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ لِلْإِخْلَالِ بِالتَّعْظِيمِ، سَوَاءٌ أَقَصَدَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرَهَا أَمْ لَا لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: «لَا يَقْرَأْ   [حاشية البجيرمي] الْمَجْنُونِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ السُّهُولَةُ وَالْخِفَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ جُنُونِهِ حَتَّى يُقَالُ: إنَّهُ أَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ التَّرْكِ، فَلِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ دُونَهُمَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالرُّخْصَةِ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ مَعْنَاهَا الِاصْطِلَاحِيُّ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُتَغَيَّرُ إلَيْهِ السَّهْلُ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ، وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ مُكَلَّفًا حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ كَذَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ اهـ اط ف. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ) مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ وَلَا يُؤَثِّرُ أَيْ وَلَا يَقْدَحُ. وَقَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي عَدَمِ التَّحْرِيمِ. وَقَوْلُهُ: (التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ) أَيْ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ مَحَلُّهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ) هَذِهِ طَرِيقَةٌ تَبِعَ فِيهَا الشَّيْخَ ابْنَ حَجَرٍ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر أَنَّهَا تَنْعَقِدُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَتُثَابُ عَلَيْهَا ثَوَابَ النَّافِلَةِ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَجْمَعَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ فَرْضٍ اط ف. وَقَالَ ع ش. إنَّهَا لَا تُثَابُ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا مَنْهِيَّةً عَنْهَا لِذَاتِهَا، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ لِذَاتِهِ لَا ثَوَابَ فِيهِ. وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر وَتَجْمَعُهَا مَعَ فَرْضٍ آخَرَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَافِرِ حَيْثُ لَا تَنْعَقِدُ مِنْهُ إذَا أَسْلَمَ وَقَضَاهَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ فِي كُفْرِهِ بِأَنْ يُسْلِمَ، وَيَأْتِيَ بِهَا، فَلَمَّا أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ لِلْإِخْبَارِ بِغُفْرَانِ مَا سَلَفَ فَإِذَا قَضَاهَا كَانَ مُرَاغِمًا لِلشَّرْعِ فَلَا تَصِحُّ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَائِضُ فَإِنَّهَا سَقَطَتْ عَنْهَا فِي زَمَنِ الْحَيْضِ عَزِيمَةٌ، وَالْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَثْبُتْ، فَلَمْ يَكُنْ فِي قَضَائِهَا مَا يُشْبِهُ الْمُرَاغَمَةَ لِعَدَمِ وُرُودِ شَيْءٍ عَنْ الشَّارِعِ، وَبِأَنَّهَا أَهْلٌ لِلصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالنَّهْيُ عَنْهَا لِلْحَيْضِ، وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الثَّوَابِ عَلَيْهَا اهـ. فَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ ع ش فِي ذَلِكَ فَقَالَ: مَرَّةً بِالثَّوَابِ وَمَرَّةً بِعَدَمِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَنْعُ وَالْوُجُوبُ لَا يَجْتَمِعَانِ) أَيْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُنَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) وَعَنْ مَالِكٍ: يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ يُبَاحُ لَهَا مَا دُونَ الْآيَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ. قَوْلُهُ: (هُنَا) وَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ إلَّا فِي الْحِنْثِ وَالصَّلَاةِ وَالشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ) صَادِقٌ بِالْحَرْفِ الْوَاحِدِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِكَوْنِ صُورَتِهِ فِي الْحَرْفِ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْقُرْآنَ فَيَأْثَمَ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَعْصِيَةً وَشَرَعَ فِيهَا، فَالتَّحْرِيمُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسَمَّى قُرْآنًا كَمَا فِي حَاشِيَةِ م ر عَلَى الرَّوْضِ، وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ أَيْ وَلَوْ حَرْفًا بِنِيَّةِ كَوْنِهِ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ إذَا قَرَأَهُ غَيْرُ جُنُبٍ كَذَلِكَ، لَكِنْ إذَا عَاقَهُ عَائِقٌ عَنْ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ مِنْهُ مَا يُصَيِّرُهُ جُمْلَةً مُفِيدَةً بِخِلَافِ مَا لَمْ يَضُمَّ إلَيْهِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الْحَرْفِ أَنَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَعَ النِّيَّةِ يُثَابُ كَمَا أَنَّهُ يَأْثَمُ هُنَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لِتَعْظِيمِ الْقُرْآنِ مَعَ الْجَنَابَةِ الْمُنَافِيَةِ لَهُ مَا لَا يُحْتَاطُ لَهُ مِنْ حَيْثُ الثَّوَابُ اهـ حَجّ. وَعَدَدُ حُرُوفِ الْقُرْآنِ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ حَرْفٍ وَثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ حَرْفٍ وَسِتُّمِائَةِ حَرْفٍ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ حَرْفًا. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَحْرُفَ الْقُرْآنِ فِي اللَّوْحِ كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا بِقَدْرِ جَبَلِ قَافٍ، وَأَنَّ تَحْتَ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا مَعَانِيَ لَا يُحِيطُ بِهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَنِصْفُ حُرُوفِهِ النُّونُ مِنْ نُكْرًا فِي الْكَهْفِ، وَالْكَافُ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي، وَقِيلَ إنَّ النِّصْفَ بِالْحُرُوفِ الْكَافُ مِنْ نُكْرًا، وَقِيلَ الْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ وَلْيَتَلَطَّفْ، وَعَدَدُ آيَاتِهِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَخَمْسُمِائَةِ آيَةٍ، وَقِيلَ سِتَّةُ آلَافٍ وَمِائَتَانِ وَأَرْبَعُ آيَاتٍ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَقَصَدَ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ الْقِرَاءَةِ غَيْرَهَا أَمْ لَا. هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تَحْسُنُ إلَّا لَوْ قَالَ: أَوْ لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ ثُمَّ يُعَمِّمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَيَقْرَأُ رُوِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى النَّهْيِ وَبِضَمِّهَا عَلَى الْخَبَرِ الْمُرَادِ بِهِ النَّهْيُ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَضَعَّفَهُ، لَكِنْ لَهُ مُتَابَعَاتٍ تُجْبِرُ ضَعْفَهُ وَلِمَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ إجْرَاءُ الْقُرْآنِ عَلَى قَلْبِهِ وَنَظَرٌ فِي الْمُصْحَفِ، وَقِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَتَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَهَمْسُهُ بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وُجُوبًا فَقَطْ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ لَهُ قِرَاءَتُهَا كَغَيْرِهَا، أَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا، وَلَا أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ مُطْلَقًا، وَلَا أَنْ تُوطَأَ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا، وَأَمَّا فَاقِدُ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ فَيَجُوزُ لَهُ إذَا تَيَمَّمَ أَنْ يَقْرَأَ وَلَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. وَهَذَا فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْمُسْلِمِ. أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَمَّا تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ فَيَجُوزُ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ، وَإِلَّا فَلَا.   [حاشية البجيرمي] وَيَقُولُ: سَوَاءٌ قَصَدَ مَعَ الْقِرَاءَةِ غَيْرَهَا أَمْ لَا. مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ. قَوْلُهُ: (لَهُ مُتَابَعَاتٍ) أَيْ مُقَوَّيَاتٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَابَعَةِ وَالشَّاهِدِ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ هِيَ أَنْ يَجْتَمِعَ السَّنَدَانِ فِي وَاحِدٍ كَأَنْ يُقَالَ مَثَلًا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَحْمَدَ وَحَدَّثَنَا مَثَلًا عَنْ حَسَنٍ عَنْ أَحْمَدَ فَالسَّنَدَانِ اجْتَمَعَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَحْمَدُ فِي الْمِثَالِ، وَأَمَّا الشَّاهِدُ فَهُوَ تَعَدُّدُ الرِّوَايَةِ مَعَ عَدَمِ اجْتِمَاعِ السَّنَدَيْنِ كَأَنْ يُقَالَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ مَثَلًا عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ خَلِيلٍ مَثَلًا فَالرِّوَايَةُ تَعَدَّدَتْ مَعَ عَدَمِ اجْتِمَاعِ السَّنَدِ فِي وَاحِدٍ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَهُ مُتَابَعَاتٌ وَشَوَاهِدُ تُجْبِرُ ضَعْفَهُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إجْرَاءُ الْقُرْآنِ) هَذَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ: قِرَاءَةُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَنَظَرٌ فِي الْمُصْحَفِ. وَقَوْلُهُ: (وَقِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ) إلَخْ هَذَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ: " قُرْآنٍ ". وَقَوْلُهُ: (وَتَحْرِيكُ لِسَانِهِ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ بِاللَّفْظِ وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْخَمْسَةَ. قَوْلُهُ: (وَهَمْسُهُ) أَيْ الْقِرَاءَةُ سِرًّا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إنَّمَا تَحْصُلُ بِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى الذِّكْرِ إلَّا إنْ أَسْمَعَ نَفْسَهُ، وَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ أَجَرْت الْمُسْتَحَاضَةُ الْقُرْآنَ عَلَى قَلْبِهَا فَتُثَابُ عَلَى ذَلِكَ دُونَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مَعْذُورَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، لِدَوَامِ حَدَثِهَا. قَوْلُهُ: (وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) أَيْ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الرُّكْنُ إلَّا كَذَلِكَ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ لَهُ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ يَعْدِلُ لِلذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ شَرْعًا شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهَا) أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ اتِّفَاقًا، لَكِنْ عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ هَلْ يُصَلِّي وَيَقِفُ سَاكِتًا بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ أَوْ يَقْرَأُ بِقَدْرِهَا مِنْ الذِّكْرِ، أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ يَعْدِلُ لِلذِّكْرِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ) بِنَصْبِ خَارِجٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَرْفًا فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَالْمَعْنَى أَمَّا فِي خَارِجِ الصَّلَاةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ظَرْفَ مَكَان؛ لِأَنَّ ظَرْفَ الْمَكَانِ لَا يَكُونُ إلَّا مُبْهَمًا وَمَا هُنَا مُعَيَّنٌ لَا مُبْهَمٌ، فَلِذَا قُلْنَا: إنَّهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ لَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا دَاخِلَهَا، وَفِيهِ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَكَيْفَ هَذَا التَّعْمِيمُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ لِلدِّرَاسَةِ أَوْ غَيْرِهَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: مُطْلَقًا رَاجِعًا لِمَسِّ الْمُصْحَفِ فَقَطْ. وَانْظُرْ لَوْ لَمْ يَحْفَظْ الْفَاتِحَةَ وَاحْتَاجَ لِحَمْلِ الْمُصْحَفِ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَمْ لَا؟ الظَّاهِرُ الْجَوَازُ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا فَاقِدُ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ) وَكَذَا فِي السَّفَرِ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى فَفِيهِ التَّنْبِيهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى لَا التَّقْيِيدُ، وَقَوْلُهُ بِالْأَوْلَى رَاجِعٌ لِلسَّفَرِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ الْحَضَرَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ. فَرُبَّمَا يُقَالُ إنَّ الْمُتَيَمِّمَ الْمَذْكُورَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فَهُوَ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ فَمَا الْفَرْقُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا مُتَطَهِّرٌ دُونَ ذَاكَ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ تَحْرِيمُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْمُسْلِمِ وَيُمْنَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ أَيْضًا فَقَوْلُهُ: أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُمْنَعُ إلَخْ مُقَابِلٌ لِهَذَا الْمُقَدَّرِ، وَإِلَّا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْحُرْمَةُ حَاصِلَةً لَهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْكَافِرُ) أَيْ أَمَّا الشَّخْصُ الْكَافِرُ فَيَشْمَلُ الْكَافِرَةَ. وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ هُنَا وَتَقْيِيدِهِ فِيمَا بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ يُرْجَى إسْلَامُهُ أَوْ لَا. وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي تَقْيِيدَهُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (فَلَا يُمْنَعُ) أَيْ لَا تَتَعَرَّضْ لَهُ إذَا قَرَأَ، وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ؛ إذْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ، وَلَوْ مُعَانِدًا لَا يُرْجَى إسْلَامُهُ بِدَلِيلِ إطْلَاقِهِ وَتَقْيِيدِهِ مَا بَعْدَهُ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ، لَكِنْ قَيَّدَ سم عَدَمَ الْمَنْعِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُعَانِدًا وَيُرْجَى إسْلَامُهُ اهـ اج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 تَنْبِيهٌ: يَحِلُّ لِمَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ أَذْكَارُ الْقُرْآنِ وَغَيْرُهَا كَمَوَاعِظِهِ وَأَخْبَارِهِ وَأَحْكَامِهِ لَا بِقَصْدِ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ عِنْدَ الرُّكُوبِ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] أَيْ مُطِيقِينَ، وَعِنْدَ الْمُصِيبَةِ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] وَمَا جَرَى بِهِ لِسَانُهُ بِلَا قَصْدٍ فَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الذِّكْرِ حُرِّمَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا. كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِهِ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِحُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِيمَا يُوجَدُ نَظْمُهُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ كَالْآيَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ، وَفِيمَا لَا يُوجَدُ نَظْمُهُ إلَّا فِيهِ كَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِ مَا لَا يُوجَدُ نَظْمُهُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلَ الرَّوْضَةِ، أَمَّا إذَا قَرَأَ شَيْئًا مِنْهُ لَا عَلَى قَصْدِ الْقُرْآنِ فَيَجُوزُ. (وَ) الرَّابِعُ (مَسُّ) شَيْءٍ مِنْ (الْمُصْحَفِ) بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ لَكِنَّ الْفَتْحَ غَرِيبٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَرَقُهُ الْمَكْتُوبُ فِيهِ وَغَيْرُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وَيَحْرُمُ أَيْضًا مَسُّ جِلْدِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ، وَلِهَذَا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) هَذَا التَّنْبِيهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَحَلُّ حُرْمَةِ الْقِرَاءَةِ إذَا كَانَتْ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ أَوْ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ. قَوْلُهُ: (يَحِلُّ إلَخْ) كَلَامُهُ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَدُخُولُ غَيْرِهِمَا مَعَهُمَا اسْتِطْرَادِيٌّ تَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (كَمَوَاعِظِهِ) أَيْ مَا فِيهِ تَرْغِيبٌ أَوْ تَرْهِيبٌ. قَوْلُهُ: (وَأَخْبَارِهِ) أَيْ عَنْ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَحْكَامِهِ) أَيْ مَا تَعَلَّقَ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ. قَوْلُهُ: (وَمَا جَرَى بِهِ لِسَانُهُ بِلَا قَصْدٍ) بِأَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا) كَمَا لَا يَحْرُمُ إذَا قَصَدَ الذِّكْرَ فَقَطْ، فَالصُّوَرُ أَرْبَعَةٌ يَحِلُّ فِي ثِنْتَيْنِ، وَيَحْرُمُ فِي ثِنْتَيْنِ وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ الدَّائِرَ صَادِقٌ بِالْقُرْآنِ فَيَحْرُمُ لِصِدْقِهِ بِهِ. قَوْلُهُ: (لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَخْ) أَيْ لَا يَكُونُ قُرْآنًا تَحْرُمُ قِرَاءَتُهُ عِنْدَ وُجُودِ الصَّارِفِ إلَّا بِالْقَصْدِ، وَإِلَّا فَهُوَ قُرْآنٌ مُطْلَقًا، أَوْ الْمَعْنَى لَا يُعْطَى حُكْمَ الْقُرْآنِ إلَّا بِالْقَصْدِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ كَأَنْ أَجْنَبَ وَفَقَدَ الطَّهُورَيْنِ وَصَلَّى لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ بِلَا طُهْرٍ، وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ، فَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْقُرْآنِ، بَلْ يَكُونُ قُرْآنًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَلَا صَارِفَ فَاحْفَظْهُ وَاحْذَرْ خِلَافَهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَرَفٍ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: (كَالْآيَتَيْنِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ إذْ الْمَذْكُورُ هُنَا مِنْ كُلٍّ بَعْضُ آيَةٍ. قَوْلُهُ: (كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ إلَخْ) هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مَسُّ الْمُصْحَفِ) حَتَّى حَوَاشِيهِ وَمَا بَيْنَ سُطُورِهِ وَالْوَرَقِ الْبَيَاضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِلْدِهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ، وَيَحْرُمُ الْمَسُّ وَلَوْ بِحَائِلٍ، وَلَوْ كَانَ ثَخِينًا حَيْثُ يُعَدُّ مَاسًّا لَهُ عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالتَّعْظِيمِ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْفَتْحَ غَرِيبٌ) أَيْ وَأَصْلُهُ الضَّمُّ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: وَالْمُصْحَفُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَأَصْلُهُ الضَّمُّ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَصْحَفَ أَيْ جُمِعَتْ فِيهِ الصُّحُفُ وَالصَّحِيفَةُ الْكِتَابُ وَالْجَمْعُ صُحُفٌ وَصَحَائِفُ اهـ بِحُرُوفِهِ أَيْ: لِأَنَّهُ مَجْمُوعٌ فِيهِ الْكُتُبُ وَهَلْ يَحْرُمُ تَصْغِيرُهُ بِأَنْ يُقَالَ فِيهِ مُصَيْحِفٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْخَطُّ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ كَلَامَ اللَّهِ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ. قَوْلُهُ: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَيَجُوزُ إبْقَاؤُهُ عَلَى خَبَرِيَّتِهِ، وَنَقُولُ: لَا خُلْفَ فِي خَبَرِهِ تَعَالَى؛ إذْ يُرَادُ لَا يَمَسُّهُ مَسًّا مَشْرُوعًا وَالْمُطَهَّرُونَ بِمَعْنَى الْمُتَطَهِّرُونَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَعْرِضُ لَهُ الْحَدَثُ، ثُمَّ الطُّهْرُ لَا مَنْ هُوَ مَوْجُودٌ مُطَهَّرًا وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ؛ إذْ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ نَفْيُ مَسِّ غَيْرِ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ وَالْمُشَاهَدِ اج. وَفِي حَاشِيَةِ خَضِرٍ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْخُلْفُ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَطَهِّرِ يَمَسُّهُ. فَإِنْ قُلْت: بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْقُرْآنِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ وبالمطهرون الْمَلَائِكَةُ، قُلْت: الْوَصْفُ بِالتَّنْزِيلِ عَقِبَ الْآيَةِ ظَاهِرٌ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي عِنْدَنَا وَالنَّهْيُ لَا يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ لِلْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُطَهَّرُونَ، فَلَا يَصْدُقُ فِيهِمْ النَّفْيُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَيَانِ حِلُّ مَسِّهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرْمَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ أَفْحَشُ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيّ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ أَيْضًا، وَلَمْ يَنْقُلْ مَا يُخَالِفُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ إبْقَاءً لِحُرْمَتِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْ الْمُصْحَفِ، فَإِنْ انْقَطَعَتْ كَأَنْ جَعَلَ جِلْدَ كِتَابٍ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُ قَطْعًا (وَ) كَذَا يَحْرُمُ (حَمْلُهُ) أَيْ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الْمَسِّ، نَعَمْ يَجُوزُ حَمْلُهُ لِضَرُورَةٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرَقٍ أَوْ نَجَاسَةٍ، أَوْ وُقُوعِهِ فِي يَدِ كَافِرٍ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الطَّهَارَةِ، بَلْ يَجِبُ أَخْذُهُ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ وَجَبَ وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ غَيْرُهُ كَتَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَمَنْسُوخِ تِلَاوَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، وَإِنْ لَمْ يُنْسَخْ حُكْمُهُ فَلَا يَحْرُمُ، وَيَحِلُّ حَمْلُهُ فِي مَتَاعٍ تَبَعًا لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ وَلَوْ مَعَ الْأَمْتِعَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ   [حاشية البجيرمي] وَالْإِثْبَاتُ اهـ. وَلَوْ كَمَّلَ الشَّارِحُ الْآيَةَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي وَصْفِهِ بِالتَّنْزِيلِ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ الْمُرَادُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وَقَالَ الْجَلَالُ: الْمُطَهَّرُونَ الَّذِينَ طَهَّرُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ الْأَحْدَاثِ. قَوْلُهُ: (مَسُّ جِلْدِهِ) وَأَمَّا الظَّرْفُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَإِنْ أُعِدَّ لَهُ، وَكَانَ لَائِقًا بِهِ عَادَةً كَصُنْدُوقٍ، وَخَرِيطَةٍ وَعِلَاقَتِهَا حُرِّمَ مَسُّهُ مَا دَامَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ مَسُّ ظَرْفِ الْمُصْحَفِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُعَدًّا لَهُ وَحْدَهُ أَيْ عَادَةً فَلَا يَحْرُمُ مَسُّ الْخِزَانَةِ الَّتِي فِيهَا الْمُصْحَفُ، وَإِنْ أُعِدَّتْ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِدَادَ لَيْسَ عَادَةً كَمَا فِي ق ل. وَابْنِ شَرَفٍ، وَكَذَا كُرْسِيٌّ وُضِعَ عَلَيْهِ فَيَحْرُمُ مِنْهُ مَا حَاذَاهُ. وَقَالَ ز ي: يَحْرُمُ مَسُّ جَمِيعِهِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا أُعِدَّ لَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ عَلَى حَجْمِهِ أَوْ لَا. وَإِنْ لَمْ يُعَدَّ مِثْلُهُ عَادَةً، وَهُوَ قَرِيبٌ. قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهِ كَالْجُزْءِ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: (بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ أَفْحَشُ) يُرَدُّ بِأَنَّ الْأَفْحَشِيَّةَ لَا أَثَرَ لَهَا فِي ذَلِكَ؛ إذْ لَا سَبَبَ لِحُرْمَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ إلَّا احْتِرَامُهُ بِنِسْبَتِهِ لِلْمُصْحَفِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْمَسِّ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَنْقُلْ) أَيْ الزَّرْكَشِيّ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ جُعِلَ جِلْدُ كِتَابٍ) قَالَ ع ش: ظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ: لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ وَقَوْلُهُ: جِلْدُ كِتَابٍ أَيْ وَحْدَهُ، أَمَّا لَوْ جُعِلَ الْمُصْحَفُ مَعَ كِتَابٍ فِي جِلْدٍ وَاحِدٍ، فَحُكْمُهُ فِي الْحَمْلِ حُكْمُ الْمُصْحَفِ مَعَ الْمَتَاعِ فَيَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُهُ أَمَّا مَسُّ الْجِلْدِ فَيَحْرُمُ مَسُّ السَّاتِرِ لِلْمُصْحَفِ دُونَ مَا عَدَاهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ م ر. وَضَابِطُ الِانْقِطَاعِ أَنْ يُجْعَلَ جِلْدَ كِتَابٍ وَحْدَهُ وَلَيْسَ مِنْ انْقِطَاعِهَا مَا لَوْ جُلِّدَ الْمُصْحَفُ بِجِلْدٍ جَدِيدٍ وَتُرِكَ الْقَدِيمُ فَيَحْرُمُ مَسُّهُ. وَقَضِيَّةُ تَفْصِيلِهِ فِي الْجِلْدِ بَيْنَ الِانْفِصَالِ وَعَدَمِهِ، وَسُكُوتُهُ عَنْ الْوَرَقِ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ مُطْلَقًا مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، وَلَوْ هَوَامِشَهُ الْمَقْصُوصَةَ، لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ أَنَّهُ اسْتَقْرَبَ جَرَيَانَ تَفْصِيلِ الْجِلْدِ فِي الْوَرَقِ قَالَهُ ع ش. وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ: وَلَوْ قَطَعْنَا الْهَوَامِشَ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهَا مُطْلَقًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجْرِي فِيهَا تَفْصِيلُ الْجِلْدِ، وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْجِلْدِ الْمُنْفَصِلِ لِكَافِرٍ؛ لِأَنَّ قَصْدَ بَيْعِهِ قَطْعُ نِسْبَتِهِ عَنْهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَمَالَ م ر إلَى الْجَوَازِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الطَّهَارَةِ) وَلَوْ بِالتَّيَمُّمِ أَيْ وَلَا مِنْ إيدَاعِهِ مُسْلِمًا. قَوْلُهُ: (بَلْ يَجِبُ أَخْذُهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ؛ إذْ خَافَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ ضَيَاعًا جَازَ حَمْلُهُ، وَلَا يَجِبُ وَلَوْ حَالَ تَغَوُّطِهِ كَمَا فِي الشَّرْحِ م ر، وَعِنْدَ تَعَارُضِ إلْقَائِهِ فِي قَاذُورَةٍ وَوُقُوعِهِ فِي يَدِ كَافِرٍ يُقَدَّمُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ غَيْرُ مُحَقِّقٍ الْإِهَانَةَ بِخِلَافِ الْإِلْقَاءِ الْمَذْكُورِ اهـ اج. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَلْ لِلِانْتِقَالِ لَا لِلْإِبْطَالِ فَلَا يُعْتَرَضُ بِذَلِكَ أَيْ: انْتَقَلَ مِنْ بَعْضِ صُوَرِ الْجَوَازِ إلَى بَعْضِ صُوَرِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَرَقِ وَالْحَرْقِ فِيهِ إتْلَافٌ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ فِي الضَّيَاعِ فَإِنَّ عَيْنَهُ بَاقِيَةٌ قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَتَوَسُّدُهُ كَحَمْلِهِ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لَا لِنَحْوِ ضَيَاعٍ، وَيَجُوزُ تَوَسُّدُ كُتُبِ الْعِلْمِ لِخَوْفِ الضَّيَاعِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ غَيْرُهُ كَتَوْرَاةٍ إلَخْ) نَعَمْ يُكْرَهُ إنْ عَلِمَ عَدَمَ التَّبْدِيلِ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ وَإِنْ تَحَقَّقَهَا جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمُبَدَّلِ فَقَطْ إنْ خَلَا عَنْ اسْمٍ مُعَظَّمٍ رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَحْرُمُ) أَيْ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ. قَوْلُهُ: (فِي مَتَاعٍ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يُعَدَّ مَاسًّا، وَالظَّرْفِيَّةُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ أَوْ فِي بِمَعْنَى مَعَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعَ الْأَمْتِعَةِ) ضَعِيفٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رُبَاعِيَّةٌ قَصْدُهُ وَحْدَهُ حَرَامٌ وَمَا عَدَاهَا لَا حُرْمَةَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر خِلَافًا لِلشَّارِحِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَعِيَّةِ، وَعِبَارَةُ م ر الْأَصَحُّ حِلُّ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِي الْحِلَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا لَوْ قَصَدَ الْجُنُبُ الْقِرَاءَةَ وَغَيْرَهَا، وَيَحِلُّ حَمْلُهُ فِي تَفْسِيرٍ سَوَاءٌ تَمَيَّزَتْ أَلْفَاظُهُ بِلَوْنٍ أَمْ لَا إذَا كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ مِنْ الْقُرْآنِ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِهِ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ، أَوْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ التَّحْقِيقِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحِلِّ فِيمَا إذَا اسْتَوَى الْحَرِيرُ مَعَ غَيْرِهِ أَنَّ بَابَ الْحَرِيرِ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ جَوَازِهِ لِلنِّسَاءِ، وَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِلرِّجَالِ كَبَرْدٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ حَيْثُ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُصْحَفٍ أَيْ   [حاشية البجيرمي] إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ وَحْدَهُ بِأَنْ قَصَدَ الْأَمْتِعَةَ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَوْ قَصَدَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَهُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ قَصَدَ الْجُنُبُ الْقِرَاءَةَ وَغَيْرَهَا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ يَحْرُمُ، وَهُوَ مُعْتَمَدٌ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَقِيسِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَتَاعَ جُرْمٌ يُسْتَتْبَعُ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ. فَرْعٌ: يَحِلُّ حَمْلُ حَامِلِ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَامِلٍ لَهُ عُرْفًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الْأَمْتِعَةِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ حَمَلَ حَامِلَ الْمُصْحَفِ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ قَصَدَ الْمُصْحَفَ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَامِلٍ لَهُ عُرْفًا، وَلَوْ حَمَلَ مُصْحَفًا مَعَ كِتَابٍ فِي جِلْدٍ وَاحِدٍ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُصْحَفِ فِي الْمَتَاعِ فِي التَّفْصِيلِ، وَأَمَّا مَسُّ الْجِلْدِ فَيَحْرُمُ مَسُّ السَّاتِرِ لِلْمُصْحَفِ دُونَ مَا عَدَاهُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لَكِنْ قَيَّدَهُ أَيْ الشَّخْصَ الْمَحْمُولَ الطَّبَلَاوِيُّ بِغَيْرِ نَحْوِ صَغِيرٍ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ حَمْلٌ أَيْ: فَيَحْرُمُ حَمْلُ الصَّغِيرِ الَّذِي هُوَ حَامِلٌ لِلْمُصْحَفِ، وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ شَرْحَ الْإِرْشَادِ كَلَامَ م ر. وَقَالَ: إنَّهُ يَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الْمَتَاعِ مَعَ الْمُصْحَفِ، وَلَوْ وَضَعَ نَحْوَ مِخَدَّةٍ تَحْتَ الْمُصْحَفِ وَجَرَّهَا بِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَمْلِ فَيَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الْحَمْلِ فِي الْأَمْتِعَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَهَا بِهِ بِلَا قَبْضٍ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَمْلًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ اهـ اج. وَفِي ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: فِي مَتَاعٍ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لِلِاسْتِتْبَاعِ خِلَافًا لِلْخَطِيبِ وَمَحَلُّ عَدَمِ الْحُرْمَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْحَمْلِ مَسٌّ وَإِلَّا حُرِّمَ الْمَسُّ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ وَلَوْ بِحَائِلٍ حَيْثُ يُعَدُّ مَاسًّا لَهُ عُرْفًا. وَمِنْ الْمَتَاعِ كِتَابُ جِلْدٍ مَعَ الْمُصْحَفِ فِي جِلْدٍ وَاحِدٍ، فَيَحْرُمُ مَسُّ جِهَةِ الْمُصْحَفِ وَكَعْبِهِ وَمَا حَاذَاهُ مِنْ لِسَانِهِ عِنْدَ انْطِبَاقِهِ، فَإِنْ كَانَ مَفْتُوحًا مِنْ جِهَةِ الْمُصْحَفِ حُرِّمَ كُلُّهُ أَوْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ حَلَّ كُلُّهُ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يُحَاذِي الْمُصْحَفَ إذَا طُبِّقَ؛ لِأَنَّهُ مُحَاذٍ بِالْقُوَّةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَانْظُرْ لَوْ جُعِلَ الْمُصْحَفُ بَيْنَ كِتَابَيْنِ وَجُعِلَ لِلثَّلَاثَةِ جِلْدٌ وَاحِدٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي فِي الْمَتَاعِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمْلِ، وَأَمَّا الْمَسُّ فَيَحْرُمُ مَسُّ مَا حَاذَاهُ وَلَوْ جُعِلَ بَيْنَ الْمُصْحَفِ كِتَابٌ بِأَنْ جُعِلَ بَعْضُ الْمُصْحَفِ مِنْ جِهَةٍ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ مُطْلَقًا، وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي تَفْسِيرٍ) سَوَاءٌ كَانَ الْقُرْآنُ فِي خِلَالِ التَّفْسِيرِ أَوْ وَحْدَهُ كَأَنْ كُتِبَ الْقُرْآنُ فِي وَسَطِ الْوَرَقَةِ وَالتَّفْسِيرُ حَوْلَهَا. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ تَمَيَّزَتْ أَلْفَاظُهُ) صَوَابُهُ حُرُوفُهُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ أَعْرَاضٌ لَا لَوْنَ لَهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ دَالُّ أَلْفَاظِهِ، وَهُوَ الْحُرُوفُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ) أَيْ يَقِينًا فَفِي صُورَةِ الشَّكِّ يَحْرُمُ وَالْعِبْرَةُ بِالْكَثْرَةِ فِي الْحُرُوفِ الرَّسْمِيَّةِ بِالرَّسْمِ الْعُثْمَانِيِّ فِي الْقُرْآنِ، وَيُرْسَمُ الْخَطُّ فِي التَّفْسِيرِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَنَقَلَهُ عَنْ شَيْخِنَا م ر. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي فِي بَدَلِ الْفَاتِحَةِ بِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَهِيَ إنَّمَا تَرْتَبِطُ بِاللَّفْظِ دُونَ الرَّسْمِ. وَهُنَا عَلَى الْمَحْمُولِ، وَهُوَ إنَّمَا يَرْتَبِطُ بِالْحُرُوفِ الْمَكْتُوبَةِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَبَّادِيُّ: الْعِبْرَةُ بِاللَّفْظِ مُطْلَقًا ق ل مَعَ زِيَادَةٍ، وَعِبَارَةُ م ر: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ بِاعْتِبَارِ الْحُرُوفِ لَا الْكَلِمَاتِ، وَأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْكَثْرَةِ وَعَدَمِهَا فِي الْمَسِّ بِحَالَةِ مَوْضِعِهِ، وَفِي الْحَمْلِ بِالْجَمِيعِ اهـ. وَلَوْ كَتَبَ بِهَامِشِ مُصْحَفٍ تَفْسِيرًا فَهُوَ كَالتَّفْسِيرِ الْمُمَازَجِ؛ لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا التَّفْسِيرَ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُتَمَيِّزِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ ق ل خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالْحُرْمَةِ، وَقَالَ: إنَّهُ مُصْحَفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى قُرْآنٍ وَتَفْسِيرٍ فَهُوَ كَالْحَمْلِ اهـ. قَالَ اط ف: هَلْ، وَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ؟ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ، نَعَمْ وَانْظُرْ الْفَرْقَ عَلَى هَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ حَيْثُ حُرِّمَ مَعَ قَصْدِهِ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ تَمْيِيزُهُ عَنْ الْمَتَاعِ بِأَخْذِهِ أَيْ الْمُصْحَفِ مِنْهُ أَيْ الْمَتَاعِ بِخِلَافِ التَّفْسِيرِ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 وَلَا فِي مَعْنَاهُ، وَحَيْثُ لَمْ يَحْرُمْ حَمْلُ التَّفْسِيرِ، وَلَا مَسُّهُ بِلَا طَهَارَةٍ كَرْهًا. (وَ) الْخَامِسُ (دُخُولُ الْمَسْجِدِ) بِمُكْثٍ أَوْ تَرَدُّدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: أَيْ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عُبُورُ سَبِيلٍ بَلْ فِي مَوَاضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ، وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -. وَخَرَجَ بِالْمُكْثِ وَالتَّرَدُّدِ الْعُبُورُ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا لَمْ تَخَفْ الْحَائِضُ تَلْوِيثَهُ، وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ الْمَدَارِسُ وَالرُّبُطُ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَكَذَا مَا وُقِفَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ الْحِلِّ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَيْنَ اسْتِوَاءِ الْحَرِيرِ مَعَ غَيْرِهِ حَتَّى حَلَّ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الِاسْتِوَاءَيْنِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ التَّفْسِيرَ أَوْ الْقُرْآنَ. وَقَالَ ق ل: أَيْ لَا يَحْرُمُ مَسُّ حُرُوفِ الْقُرْآنِ فِي التَّفْسِيرِ وَلَا مَسُّ حُرُوفِ التَّفْسِيرِ وَلَا هُمَا مَعًا. وَقَالَ شَيْخُنَا م ر: إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى شَيْءٍ حُرِّمَ إذَا لَمْ يَكُنْ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ اهـ. وَكَلَامُ الشَّارِحِ ضَعِيفٌ عَلَى هَذَا م د. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ م ر أَنَّهُ إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ حَرُمَ، وَإِنْ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَرَدُّدٍ) أَيْ أَوْ عُبُورٍ إنْ خَافَتْ التَّلْوِيثَ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ لَكِنْ يُكْرَهُ. قَوْلُهُ: {وَلا جُنُبًا} [النساء: 43] إلَخْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَيْضِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى الْجَنَابَةِ لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ: وَقِيسَ بِالْجَنَابَةِ الْحَيْضُ وَجُنُبًا حَالٌ مِنْ الْوَاوِ فِي لَا تَقْرَبُوا؛ لِأَنَّ الْجُنُبَ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ؛ لِأَنَّ جُنُبًا مَعْطُوفٌ عَلَى وَأَنْتُمْ سُكَارَى وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْحَالِ حَالٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ) هَذَا التَّقْدِيرُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا فِي قَوْلِهِ: وَلَا جُنُبًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَلَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ جُنُبًا، فَيُحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْمَوَاضِعِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى السُّكَارَى فَلَا يُحْتَاجُ لِلتَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ السُّكَارَى لَا يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ فَالصَّلَاةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي حَقِيقَتِهَا وَمَجَازِهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَقَالَ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ: جَزَمَ الْأُسْتَاذُ الْحَلِيمِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ بِتَحْرِيمِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى السَّكْرَانِ، وَاسْتَثْنَاهُ مِنْ جَوَازِهِ لِلْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الِاعْتِكَافِ السَّكْرَانُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمَسْجِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] أَيْ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (بَلْ فِي مَوَاضِعِهَا) أَيْ الْمَعْهُودَةِ كَمَا ذَكَرَهُ، وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى أَنَّ الْحَائِضَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْمُكْثُ فِي سَائِرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ عَامٌّ شَامِلٌ لِجَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ أَيْ: فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالْمَسَاجِدِ يُؤْخَذُ تَخْصِيصُهُ بِالْمَسَاجِدِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يُبَيِّنُ الْكِتَابَ. قَوْلُهُ: (وَنَظِيرُهُ) أَيْ فِي تَقْدِيرِ الْمُضَافِ، وَقَوْلُهُ: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} [الحج: 40] هِيَ مَعْبَدُ الرُّهْبَانِ وَالْبِيَعُ كَنَائِسُ النَّصَارَى وَالصَّلَوَاتُ كَنَائِسُ الْيَهُودِ كَمَا فِي الْجَلَالَيْنِ. وَقَالَ الْخَازِنُ: لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ أَيْ مَعَابِدُ الرُّهْبَانِ الْمُتَّخَذَةِ فِي الصَّحْرَاءِ وَبِيَعٌ وَهِيَ مَعَابِدُ النَّصَارَى فِي الْبَلَدِ وَقِيلَ الصَّوَامِعُ لِلصَّابِئَيْنِ، وَالْبِيَعُ لِلنَّصَارَى، وَصَلَوَاتٌ يَعْنِي كَنَائِسَ الْيَهُودِ وَيُسَمُّونَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ صَلَوَاتٌ، وَمَسَاجِدُ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ: {يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40] يَعْنِي فِي الْمَسَاجِدِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، أَيْ بِالْجِهَادِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ لَهُمْ فِي شَرِيعَةِ كُلِّ نَبِيٍّ مَكَانَ صَلَوَاتِهِمْ لَهُدِّمَ فِي زَمَنِ مُوسَى الْكَنَائِسُ، وَفِي زَمَنِ عِيسَى الْبِيَعُ وَالصَّوَامِعُ، وَفِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسَاجِدُ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ تَخَفْ الْحَائِضُ تَلْوِيثَهُ) أَيْ وَلَوْ بِالتَّوَهُّمِ أَيْ: وَيُكْرَهُ لَهَا دُخُولُهُ مَعَ أَمْنِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ، فَإِنَّ مُرُورَهُ فِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَدَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ هَوَاؤُهُ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ نَحْوِ رَوْشَنٍ وَغُصْنِ شَجَرَةٍ أَصْلُهَا خَارِجَهُ لَا عَكْسُهُ. قَالَ ع ش: بَلْ عَكْسُهُ كَذَلِكَ، وَرَحْبَتُهُ لَا حَرِيمُهُ، وَيَكْفِي فِي كَوْنِهِ مَسْجِدًا ظَنُّهُ، وَلَوْ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ مِنْ عَلَامَاتِهِ وُجُودُ الْمِنْبَرِ وَالتَّزْوِيقِ وَالْمَنَارَةِ وَالشَّرَارِيفِ وَنَحْوِهَا. ق ل. وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَتَثْبُتُ الْمَسْجِدِيَّةُ بِالْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لِلصَّلَاةِ، وَبِالِاسْتِفَاضَةِ، وَمَعْنَاهَا أَنْ يَتَكَرَّرَ صَلَاةُ النَّاسِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 بَعْضُهُ مَسْجِدًا شَائِعًا، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ إلْحَاقُهُ بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ، وَفِي التَّحِيَّةِ لِلدَّاخِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ، وَكَذَا صِحَّةُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِلْمَأْمُومِ إذَا تَبَاعَدَ عَنْ إمَامِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ. (وَ) السَّادِسُ (الطَّوَافُ) فَرْضُهُ وَوَاجِبُهُ وَنَفْلُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي ضِمْنِ نُسُكٍ أَمْ لَا. لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطَّوَافُ صَلَاةٌ إلَّا   [حاشية البجيرمي] نَكِيرٍ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَصْلَهُ، وَإِلَّا كَأَنْ كَانَ بِقَرَافَةِ مِصْرَ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ بِمَسْجِدٍ وَهُوَ مَا وُقِفَ لِلصَّلَاةِ، وَتُحَقِّقَ ذَلِكَ أَوْ ظُنَّ بِنَحْوِ اسْتِفَاضَةٍ أَوْ كَوْنِهِ عَلَى صُورَتِهِ وَلَوْ مُشَاعًا، وَتَجِبُ قِسْمَتُهُ فَوْرًا، وَتَصِحُّ فِيهِ التَّحِيَّةُ لَا الِاعْتِكَافُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. نَعَمْ نَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّنَا إذَا رَأَيْنَا صُورَةَ مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ حَكَمْنَا بِوَقْفِيَّتِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ مُشَاعًا أَيْ فِي أَرْضٍ بَعْضُهَا مَمْلُوكٌ، وَإِنْ قَلَّ غَيْرُ الْمِلْكِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيُفَارِقُ التَّفْصِيلَ السَّابِقَ فِي التَّفْسِيرِ مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْقُرْآنِ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ بِأَنَّ الْمَسْجِدِيَّةَ لَمَّا انْبَهَمَتْ فِي كُلٍّ مِنْ أَجْزَاءِ تِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْمُكْثُ كَانَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَاكِثٌ فِي مَسْجِدٍ شَائِعٍ، بِخِلَافِ الْقُرْآنِ مَعَ التَّفْسِيرِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنْبَهِمٍ فِيهِ بَلْ مُتَمَيِّزٌ عَنْهُ فَلَمْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَسَّ مُصْحَفًا شَائِعًا، وَأَيْضًا فَاخْتِلَاطُ الْمَسْجِدِ بِالْمِلْكِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ يُسَمَّى مَسْجِدًا، وَلَا كَذَلِكَ الْمُصْحَفُ إذَا اخْتَلَطَ بِالتَّفْسِيرِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ يُسَمَّى مُصْحَفًا إنْ زَادَ عَلَيْهِ التَّفْسِيرُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (تَلْوِيثَهُ) بِالْمُثَلَّثَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْمُثَلَّثَةِ خَوْفًا مِنْ قِرَاءَتِهِ بِالنُّونِ؛ إذْ الْحُرْمَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّلْوِيثِ بَلْ مَتَى لُوِّثَ حُرِّمَ وَإِنْ لَمْ يُلَوَّثْ، وَمِثْلُهَا كُلُّ ذِي نَجَاسَةٍ يُخْشَى تَلْوِيثُهُ بِهَا كَسَلَسِ بَوْلٍ أَوْ مَذْيٍ أَوْ مُسْتَحَاضَةٍ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُرُورُ فِيهِ، فَإِنْ أَمِنَهُ جَازَ وَلَا يُكْرَهُ بِخِلَافِ الْحَائِضِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهَا لِغِلَظِ حَدَثِهَا أَيْ: إنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةً كَقُرْبِ طَرِيقٍ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ. اهـ. سم مَعَ زِيَادَةٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَحَثَ بَعْضُهُمْ حِلَّ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِمُسْتَبْرِئٍ يَدُهُ عَلَى ذَكَرِهِ لِمَنْعِ مَا يَخْرُجُ سَوَاءٌ السَّلَسُ وَغَيْرُهُ اهـ. وَأَقَرَّهُ سم، وَمُرَادُ ابْنِ حَجَرٍ بِالدُّخُولِ مَا يَشْمَلُ الْمُكْثَ، وَمِثْلُ الْمُسْتَبْرِئِ بِالْأَوْلَى الْمُسْتَنْجِي بِالْأَحْجَارِ. وَقَوْلُهُ: (يَدُهُ عَلَى ذَكَرِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ نَحْوِ خِرْقَةٍ عَلَى ذَكَرِهِ أَمْ لَا. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ مَعَ خَشْيَةِ التَّلْوِيثِ وَيُتَّجَهُ وِفَاقًا لَمْ ر أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَدْرَسَةً أَوْ رِبَاطًا، وَلَكِنْ يَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ وَلَا ظَنَّ رِضَاهُ سم. قَوْلُهُ: (وَالرُّبُطُ) هِيَ الثُّغُورُ وَمِثْلُهَا الْخَانِقَاهُ وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُ ذَلِكَ أَيْ كَالْمَحَالِّ الَّتِي بُنِيَتْ لِذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَا وُقِفَ) أَيْ لَا يَحْرُمُ الْمُكْثُ وَالتَّرَدُّدُ فِيمَا وُقِفَ بَعْضُهُ مَسْجِدًا، هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ غَيْرِهِ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ وَفِي التَّحِيَّةِ، وَإِنْ قَلَّ مِقْدَارُ الْمَسْجِدِ ق ل. قَوْلُهُ: (إلْحَاقُهُ بِالْمَسْجِدِ) وَالْحَالُ أَنَّهُ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ ع ش. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِيهِ لِلْمَأْمُومِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ: (وَالطَّوَافُ) أَيْ بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ حَرَامًا فَالطَّوَافُ أَوْلَى فَمَا الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِهِ؟ قُلْت: لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهَا الْوُقُوفُ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَأَنْ يَجُوزُ لَهَا الطَّوَافُ أَوْلَى اهـ مِنْ شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ. قَوْلُهُ: (فَرْضُهُ) وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ. قَوْلُهُ: (وَوَاجِبُهُ) وَهُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ. قَوْلُهُ: (وَنَفْلُهُ) كَطَوَافِ الْقُدُومِ. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ كَانَ فِي ضِمْنِ نُسُكٍ أَمْ لَا) رَاجِعٌ لِلنَّفْلِ أَمَّا الْفَرْضُ، فَلَا يَكُونُ إلَّا فِي نُسُكٍ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَلَا يَكُونُ إلَّا خَارِجَ النُّسُكِ، فَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ تَصْبِرُ حَتَّى يَنْقَطِعَ حَيْضُهَا ثُمَّ تَتَطَهَّرُ وَتَطُوفُ، فَإِنْ خَافَتْ التَّخَلُّفَ عَنْ الرُّفْقَةِ خَرَجَتْ مَعَهُمْ إلَى مَحَلٍّ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهَا لَهُ، ثُمَّ تَتَحَلَّلُ كَالْحَصْرِ أَيْ بِذَبْحٍ فَحَلْقٍ مَعَ النِّيَّةِ، وَإِذَا عَادَتْ إلَى مَكَّةَ وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ طَافَتْ بِلَا إحْرَامٍ. اهـ. م ر وع ش. قَوْلُهُ: (الطَّوَافُ صَلَاةٌ) أَيْ كَصَلَاةٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الطَّوَافُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ أَيْ فِي السَّتْرِ وَالطَّهَارَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَا يُبْطِلُهَا يُبْطِلُهُ؛ إذْ نَحْوُ الْأَكْلِ وَتَوَالِي الْأَفْعَالِ لَا يُبْطِلُهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ مُبْطِلَاتِهَا، وَلَيْسَ بِمَنْزِلَتِهَا أَيْضًا فِي امْتِنَاعِهِ حَالَ الْخُطْبَةِ بَلْ هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْكَلَامَ فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَتَكَلَّمْ إلَّا بِخَيْرٍ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. (وَ) السَّابِعُ (الْوَطْءُ) وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَوَطْؤُهَا فِي   [حاشية البجيرمي] جَائِزٌ. قَالَ حَجّ: وَمِثْلُهُ سَجْدَتَا التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَخَالَفَهُ م ر فِيهِمَا. وَفَرَّقَ بِأَنَّهُمَا فِعْلٌ وَاحِدٌ يَمْتَنِعُ قَطْعُهُ بِخِلَافِ الطَّوَافِ رَحْمَانِيٌّ. قَالَ اط ف: وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مُسْتَحَبَّاتُهَا مِنْ نَحْوِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْخُشُوعِ وَمَكْرُوهَاتُهَا كَضَمِّ الشُّعُورِ وَالثِّيَابِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ مِنْ السُّجُودِ مَعَهُ لَا تَتَأَتَّى هُنَا. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْكَلَامَ) فِيهِ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ غَيْرَ الْكَلَامِ أَيْضًا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ الْكَلَامِ إلَّا أَنْ يُقَالَ خَصَّهُ لِأَجْلِ مَا بَعْدَهُ. وَقَالَ ع ش عَلَى م ر: لَعَلَّهُ إنَّمَا خَصَّهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ حُرِّمَ اهـ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ إلَخْ اسْتِثْنَاءُ حِلِّ الْكَلَامِ فَقَطْ يَقْتَضِي حُرْمَةَ غَيْرِهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالرُّكُوبِ وَالِاسْتِدْبَارِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ ذَلِكَ أَيْ الْأَكْلُ وَمَا بَعْدَهُ. وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّ غَيْرَ الْكَلَامِ مَقِيسٌ عَلَيْهِ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ كَانَ لِفَائِدَةٍ، وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِالْكَلَامِ الْقَبِيحِ حَالَةَ الطَّوَافِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ إذَا كَانَ لِنُكْتَةٍ لَا مَفْهُومَ لَهُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ فَتَأَمَّلْ اهـ. قَوْلُهُ: (الْوَطْءُ) وَلَوْ بِحَائِلٍ ثَخِينٍ كَأُنْبُوبَةٍ، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يَخَفْ الزِّنَا فَإِنْ خَافَهُ جَازَ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقٌ لِدَفْعِهِ كَمَا قَالَهُ م ر. بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ؛ لِأَنَّهُ يَرْتَكِبُ أَخَفَّ الْمَفْسَدَتَيْنِ، وَقِيَاسُهُ حِلُّ الِاسْتِمْنَاءِ إنْ تَعَيَّنَ لِلدَّفْعِ سم، فَلَوْ كَانَ يَنْدَفِعُ بِكُلٍّ مِنْ الزِّنَا وَالِاسْتِمْنَاءِ تَعَيَّنَ الِاسْتِمْنَاءُ لِخِفَّتِهِ اج. وَلَوْ تَعَارَضَ الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ وَالِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِهِ قُدِّمَ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ حِلٌّ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلِأَنَّ حُرْمَتَهُ لِعَارِضٍ، وَهُوَ مُجَاوَرَتُهُ لِلنَّجَاسَةِ وَكَوْنُهُ يُورِثُ عِلَّةً مُؤْلِمَةً لِلْمُجَامِعِ، وَإِجْذَامُ الْوَلَدِ لَيْسَ أَمْرًا مُحَقَّقًا، بِخِلَافِ الِاسْتِمْنَاءِ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِذَاتِهِ، وَيُحْتَمَلُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ خِلَافُهُ. اهـ. ع ش. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الْحَيْضِ مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرَةٌ بِخِلَافِ الِاسْتِمْنَاءِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا اهـ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدُ قَالَ بِجَوَازِهِ عِنْدَ هَيَجَانِ الشَّهْوَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ صَغِيرَةٌ، قَالَ النَّسَّابَةُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الْأَنْكِحَةِ لِابْنِ الْعِمَادِ فَرْعٌ: الِاسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ حَرَامٌ، وَعِنْدَ ابْنِ كَجٍّ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْمَذْهَبُ الْجَزْمُ بِتَحْرِيمٍ وَفِي الْجَدِيدِ: نَاكِحُ يَدِهِ مَلْعُونٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ أَقْوَامًا يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْدِيهِمْ حَبَالَى» ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُبَاحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْنِيَ بِيَدِ زَوْجَتِهِ وَجَارِيَتِهِ كَمَا يَسْتَمْتِعُ بِسَائِرِ جَسَدِهَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي اهـ قَالَ ع ش: وَبَقِيَ مَا لَوْ دَارَ الْحَالُ بَيْنَ وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا وَبَيْنَ الزِّنَا هَلْ يُقَدَّمُ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ أَوْ الزِّنَا؟ الْأَقْرَبُ أَنَّ لَهُ وَطْأَهَا فِي الدُّبُرِ؛ لِأَنَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الزِّنَا، وَبَقِيَ مَا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا فِي الدُّبُرِ وَالِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِدَفْعِ الزِّنَا، وَالْأَقْرَبُ أَيْضًا حِلُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ، وَيَنْبَغِي كُفْرُ مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الِاسْتِمْنَاءَ بِيَدِهِ عَلَى وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا. قَالَ السَّيِّدُ النَّسَّابَةُ: وَكَمَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ يَحْرُمُ فِي الدُّبُرِ أَيْضًا سَوَاءٌ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا» وَفِي لَفْظٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» . وَإِتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا مِنْ الْعَظَائِمِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ أَيْضًا، وَإِذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فِي دُبُرِهَا، فَالْمَذْهَبُ أَنَّ وَاجِبَهُ التَّعْزِيرُ، وَقِيلَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ قَوْلَانِ كَوَطْءِ الْأُخْتِ الْمَمْلُوكَةِ، وَالْمَذْهَبُ لَا حَدَّ بِوَطْءِ الْأُخْتِ الْمَمْلُوكَةِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، لَكِنْ لَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِسُقُوطِ الْإِحْصَانِ بَلْ وَاجِبُهُ التَّعْزِيرُ، فَإِنَّ الْمُحْصِنَ هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَفِيفُ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ، وَلَوْ مَكَّنَ امْرَأَتَهُ وَأَمَتَهُ مِنْ اللَّعِبِ بِذِكْرِهِ فَأَنْزَلَ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي أَوَّلِ فَتَاوِيهِ: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعَزْلِ. وقَوْله تَعَالَى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الْفَرْجِ كَبِيرَةٌ مِنْ الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ الْمُخْتَارِ وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَالْمُكْرَهِ لِخَبَرِ: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُسَنُّ لِلْوَاطِئِ الْمُتَعَمِّدِ الْمُخْتَارِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ فِي أَوَّلِ الدَّمِ وَقُوَّتِهِ التَّصَدُّقُ بِمِثْقَالٍ إسْلَامِيٍّ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ، وَفِي آخِرِ الدَّمِ وَضَعْفِهِ بِنِصْفِ مِثْقَالٍ لِخَبَرِ: «إذَا وَاقَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إنْ كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَيُقَاسُ النِّفَاسُ عَلَى الْحَيْضِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْوَاطِئِ   [حاشية البجيرمي] {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: مُسْتَقْبِلَاتٍ وَمُسْتَدْبِرَاتٍ فِي فُرُوجِهِنَّ وَاتَّقُوا الْحَيْضَةَ وَالدُّبُرَ اهـ. فَرْعٌ: الْعَزْلُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يُجَامِعَ فَإِذَا قَارَبَ الْإِنْزَالَ نَزَعَ فَأَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرْجِ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ كَرَاهَتَهُ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي السُّرِّيَّةِ صِيَانَةً لِلْمِلْكِ وَلَا يَحْرُمُ فِي الزَّوْجَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ بِالْإِذْنِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ فِي الْحُرَّةِ وَأَمَّا الْمُسْتَوْلَدَةُ فَأَوْلَى بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ رَاسِخَةٍ فِي الْفِرَاشِ؛ وَلِهَذَا لَا يَقْسِمُ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ) هَذَا يَجْرِي فِي جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ غَيْرَ الصَّوْمِ فَلَوْ ذَكَرَهُ فِيهِ، لَكَانَ أَوْلَى ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: أَتَى بِهِ هُنَا لِلرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِجَوَازِهِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ. قَوْلُهُ: (وَوَطْؤُهَا فِي الْفَرْجِ كَبِيرَةٌ) أَيْ حَالَ نُزُولِ الدَّمِ. قَوْلُهُ: (وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ) أَيْ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فَلَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ حِينَئِذٍ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَكَذَا لَا يَكْفُرُ إنْ كَانَ الْوَطْءُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْمَعٍ عَلَى حُرْمَتِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ، فَالدَّمُ الزَّائِدُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ غَيْرُ حَيْضٍ، وَاعْتُرِضَ كُفْرُهُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. وَعِبَارَةُ سم فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا مَعَ كَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَلَا يَخْلُو عَنْ وَقْفَةٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعَامَّةِ يَجْهَلُونَهُ أَمَّا اعْتِقَادُ حِلِّهِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ مَعَ صُفْرَةٍ فِي الدَّمِ أَوْ كُدْرَةٍ فَلَا كُفْرَ بِهِ لِلْخِلَافِ سم م د. أَيْ: لِأَنَّهُ قِيلَ: إنَّهُمَا لَيْسَا حَيْضًا. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَخْلُو عَنْ وَقْفَةٍ. قَالَ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ: لَكِنْ يُنْظَرُ لِلْبَلَدِ الْوَاقِعِ فِيهَا ذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِهَا أَنَّهُ عِنْدَهُمْ صَارَ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ لِكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ بِهَا كَمِصْرِ فَيَكُونُ اسْتِحْلَالُهُ كُفْرًا، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ بِبِلَادِ الْأَرْيَافِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ بِهَا عُلَمَاءُ فَلَا كُفْرَ لِلْعَامَّةِ بِاسْتِحْلَالِهِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ النَّاسِي) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ خَرَجَ بِالْعَامِدِ وَالْجَاهِلَ خَرَجَ بِالْعَالِمِ وَالْمُكْرَهَ خَرَجَ بِالْمُخْتَارِ أَيْ فَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِمْ أَصْلًا. قَوْلُهُ: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ» أَيْ عَفَا وَسَامَحَ وَصَفَحَ فَتَفَاعَلَ بِمَعْنَى فَعَلَ، وَقَوْلُهُ: (عَنْ أُمَّتِي) أَيْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ مُتَجَاوَزًا عَنْهُمَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286] إلَخْ؟ قُلْت: أَشَارَ الْبَيْضَاوِيُّ إلَى الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا أَدَّى بِنَا إلَى نِسْيَانٍ أَوْ خَطَأٍ مِنْ تَفْرِيطٍ أَوْ قِلَّةِ مُبَالَاةٍ أَوْ بِأَنْفُسِهِمَا؛ إذْ لَا تُمْتَنَعُ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِمَا عَقْلًا فَإِنَّ الذُّنُوبَ كَالسُّمُومِ فَكَمَا أَنَّ تَنَاوُلَهَا يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَتَعَاطِي الذُّنُوبِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُفْضِيَ إلَى الْعِقَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَزِيمَةً لَكِنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ التَّجَاوُزَ عَنْهُ رَحْمَةً وَفَضْلًا، فَيَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ الْإِنْسَانُ بِهِ اسْتِدَامَةً وَاعْتِدَادًا بِالنِّعْمَةِ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي إلَخْ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَقَوْلُهُ بِمَا أَدَّى فُسِّرَ بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ إنَّمَا هِيَ بِالْمَقْدُورِ، وَالنِّسْيَانُ وَالْخَطَأُ غَيْرُ مَقْدُورَيْنِ اهـ. وَقَوْلُهُ: (اسْتِدَامَةً) أَيْ لِلنِّعْمَةِ، وَهِيَ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِمَا. قَوْلُهُ: (فِي أَوَّلِ الدَّمِ) لَوْ قَالَ فِي إقْبَالِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّتِهِ وَيُقَابِلُهُ إدْبَارُهُ اهـ قَوْلُهُ: (وَقُوَّتِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ قُرْبُ عَهْدِهِ بِالْجِمَاعِ، وَفِي الثَّانِي بُعْدُهُ وَانْظُرْ حِكْمَةَ تَخْصِيصِهِ بِالدِّينَارِ أَيْ بِمِثْقَالٍ أَيْ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. قَوْلُهُ:؛ (أَهْلَهُ) أَيْ زَوْجَتَهُ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ غَيْرَ الزَّوْجِ مَقِيسٌ عَلَى الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (فَلْيَتَصَدَّقْ إلَخْ) وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْوَطْءِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَاسُ النِّفَاسُ عَلَى الْحَيْضِ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ لِمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 بَيْنَ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ، فَغَيْرُ الزَّوْجِ مَقِيسٌ عَلَى الزَّوْجِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ، وَالْوَطْءُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ إلَى الطُّهْرِ كَالْوَطْءِ فِي آخِرِ الدَّمِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيَكْفِي التَّصَدُّقُ، وَلَوْ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لِلْأَذَى، فَلَا يَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ كَاللِّوَاطِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَا كَفَّارَةَ بِوَطْئِهَا وَإِنْ حَرُمَ، وَلَوْ أَخْبَرَتْهُ بِحَيْضِهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهَا لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا، وَإِنَّ أَمْكَنَ وَصَدَّقَهَا حُرِّمَ وَطْؤُهَا وَإِنْ كَذَّبَهَا فَلَا لِأَنَّهَا رُبَّمَا عَانَدَتْهُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ بِخِلَافِ مَنْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقَهَا، وَأَخْبَرَتْهُ بِهِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ. وَإِنْ كَذَّبَهَا لِتَقْصِيرِهِ فِي تَعْلِيقِهِ بِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا، وَلَا اسْتِعْمَالُ مَا مَسَّتْهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ عَجِينٍ أَوْ نَحْوِهِ. (وَ) الثَّامِنُ (الِاسْتِمْتَاعُ) بِالْمُبَاشَرَةِ بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ) وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ:   [حاشية البجيرمي] وَأَجْرَاهُ بَعْضُهُمْ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ. اهـ. ق ل. وَقَالَ اج. وَقَوْلُهُ أَوْ نِصْفَهُ أَيْ إنْ تَرَكَهَا بِعُذْرٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِي الْوَاطِئِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ إلَخْ) أَيْ كَالْوَاطِئِ بِالْمِلْكِ وَالزَّانِي؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حُرْمَةً أُخْرَى غَيْرَ حُرْمَةِ الزِّنَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ. قَوْلُهُ: (وَالْوَطْءُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ) هَكَذَا مُكَرَّرٌ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ عَقِبَ كَلَامِ الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذَكَرَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَيْثُ الْحُرْمَةُ، وَذَكَرَهُ هُنَا مِنْ التَّصَدُّقِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ) أَيْ: لِأَنَّ الْحَيْضَ مُسْتَقْذَرٌ مُنْتِنٌ يُلَوِّثُ ذَكَرَ الْوَاطِئِ، وَمِثْلُهُ اللِّوَاطُ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ، وَهُوَ الْوَطْءُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ بِشُرُوطِهِ. قَوْلُهُ: (لِلْأَذَى) أَيْ لِلِاسْتِقْذَارِ، وَفِي نُسْخَةٍ لِلْإِيذَاءِ وَالْأُولَى هِيَ الصَّوَابُ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] قَوْلُهُ: (كَاللِّوَاطِ) وَوَطْءِ الْمَجُوسِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا كَفَّارَةَ بِوَطْئِهَا) أَيْ فَلَا تَصَدُّقَ بِدِينَارٍ وَلَا نِصْفِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِوَطْئِهَا بَلْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَإِنْ وَطِئَ بَهِيمَةً كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهَا) بِأَنْ لَمْ يَمْضِ مِنْ طُهْرِهَا زَمَنٌ يُمْكِنُ حُدُوثُ الْحَيْضِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَذَّبَهَا فَلَا) وَإِنْ حَلَفَتْ، وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْهَا، وَلَمْ يُصَدِّقْهَا فَالْأَوْجَهُ حِلُّ وَطْئِهَا لِلشَّكِّ شَرْحُ الرَّوْضِ. فَرْعٌ: لَوْ وَافَقَهَا عَلَى الْحَيْضِ فَادَّعَتْ بَقَاءَهُ وَعَدَمَ انْقِطَاعِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ م د سم. عَلَى الْمَنْهَجِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ خَالَفَتْ عَادَتُهَا اهـ ع ش قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِيهِ أَيْ فِي الْحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الْغَائِصَةَ وَالْمُغَوِّصَةَ» وَالْغَائِصَةُ الَّتِي لَا تُعْلِمُ زَوْجَهَا أَنَّهَا حَائِضٌ لِيَجِيئَهَا فَيُجَامِعَهَا وَهِيَ حَائِضٌ وَالْمُغَوِّصَةُ الَّتِي لَا تَكُونُ حَائِضًا فَتَكْذِبُ عَلَى زَوْجِهَا وَتَقُولُ إنِّي حَائِضٌ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ وَا ج. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا) وَكَانَتْ الْيَهُودُ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُسَاكِنُوهَا فِي الْبُيُوتِ، وَالنَّصَارَى يَسْتَبِيحُونَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْوَطْءَ فَخَلَتْ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ مِنْ الْإِفْرَاطِ الْوَاقِعِ مِنْ الْيَهُودِ وَالتَّفْرِيطِ الْوَاقِعِ مِنْ النَّصَارَى، وَمِنْ الْبِدَعِ تَرْكُ مُوَاكِلَةِ الصِّبْيَانِ لِتَوَهُّمِ نَجَاسَتِهِمْ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ سَلَامَتِهِمْ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَالثَّامِنُ الِاسْتِمْتَاعُ إلَخْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُبَاشَرَةِ بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ، ذِكْرُهُ بَعْدَ الْوَطْءِ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ وَبَيْنَ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْمُبَاشَرَةِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ يَجْتَمِعَانِ فِي مُبَاشَرَةٍ بِشَهْوَةٍ، وَيَنْفَرِدُ الْأَوَّلُ فِي النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ، وَالثَّانِي فِي لَمْسٍ بِلَا شَهْوَةٍ وَالتَّحْرِيمُ مَنُوطٌ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ، بِخِلَافِ النَّظَرِ، وَلَوْ بِشَهْوَةٍ؛ إذْ لَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ. اهـ. م د. وَفِي كَوْنِ النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ اسْتِمْتَاعًا نَظَرٌ تَأَمَّلْ. وَالنُّسْخَةُ الَّتِي فِيهَا الْمُبَاشَرَةُ أَوْلَى كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ وَبِالْمُبَاشَرَةِ الِاسْتِمْتَاعُ بِالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ إلَخْ. قَالَ سم: لَوْ خُلِقَتْ السُّرَّةُ فِي مَحَلٍّ أَعْلَى مِنْ مَحَلِّهَا الْغَالِبِ أَوْ الرُّكْبَةُ أَسْفَلَ مِنْ مَحَلِّهَا الْغَالِبِ، فَالْوَجْهُ اعْتِبَارُهُمَا دُونَ مَحَلِّهِمَا الْغَالِبِ، وَلَوْ لَمْ يُخْلَقْ لَهُ سُرَّةٌ أَوْ رُكْبَةٌ قُدِّرَا لَهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ} [البقرة: 222] وَقَبْلَهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] وَالْمُرَادُ بِهِ أَذًى لِلْوَلَدِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» وَخَصَّ بِمَفْهُومِهِ عُمُومَ خَبَرِ مُسْلِمٍ: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» وَلِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ يَدْعُو إلَى الْجِمَاعِ فَحُرِّمَ لِخَبَرِ: «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ» بِالْكَسْرِ أَفْصَحُ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي رِيَاضِهِ: «أَنْ يَقَعَ فِيهِ» وَخُرِّجَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ هُمَا وَبَاقِي الْجَسَدِ فَلَا يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَبِالْمُبَاشَرَةِ الِاسْتِمْتَاعُ بِالنَّظَرِ، وَلَوْ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ إذْ لَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ مُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ لِلزَّوْجِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ مَسَّهَا لِلذَّكَرِ وَنَحْوَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةُ حُكْمُهُ حُكْمُ تَمَتُّعَاتِهِ بِهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ انْتَهَى. وَالصَّوَابُ فِي نَظْمِ الْقِيَاسِ أَنْ تَقُولَ كُلُّ مَا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ نَمْنَعُهَا أَنْ تَمَسَّهُ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْمِسَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ سَائِرَ بَدَنِهَا إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ لَمْسِهِ بِمَا بَيْنَهُمَا، وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لِزَمَنِ إمْكَانِهِ ارْتَفَعَ عَنْهَا سُقُوطُ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَحِلَّ بِمَا حُرِّمَ بِهِ قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ غَيْرُ الصَّوْمِ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالْحَيْضِ لَا بِالْحَدَثِ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْجُنُبِ وَقَدْ زَالَ، وَغَيْرُ الطَّلَاقِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ، وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَغَيْرُ الطُّهْرِ. فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِهِ، وَمَا عَدَا   [حاشية البجيرمي] فَإِنَّ وَطْءَ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ يُورِثُ الْجُذَامَ فِي الْوَلَدِ. وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِغُلَامٍ أَسْوَدَ فَنَفَاهُ عَنْهُ فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَنَظَرَ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ وَطِئْتهَا، وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَلْحَقَهُ بِهِ، وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ سَوَّدَ وَجْهَ ابْنَيْكُمَا عُقُوبَةً لَكُمَا. اهـ. نَسَّابَةٌ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَحِيضِ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ زَمَنَ الْحَيْضِ فَيَقْتَضِي حُرْمَةَ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَلَا يَشْمَلُ حَالَةَ الِانْقِطَاعِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَكَانَهُ وَهُوَ الْفَرْجُ فَفِيهِ قُصُورٌ، فَلَمَّا كَانَتْ الْآيَةُ غَيْرَ ظَاهِرَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ أَتَى بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي الْمَقْصُودِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَخُصَّ بِمَفْهُومِهِ) وَهُوَ تَحْرِيمُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عُمُومُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالْقِيَاسُ أَنَّ مَسَّهَا لِلذَّكَرِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِثَلَاثِ اعْتِرَاضَاتٍ: أَوَّلِهَا: أَنَّ حُرْمَةَ مَسِّ الرَّجُلِ لِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا لِأَجْلِ الْأَذَى وَهُوَ الْحَيْضُ، وَهَذَا أَيْ الْأَذَى لَيْسَ مَوْجُودًا فِي الرَّجُلِ، فَجَازَ لَهَا أَنْ تَسْتَمْتِعَ بِهِ، وَلَوْ فِيمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ بِغَيْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، وَإِلَّا كَانَ مُسْتَمْتِعًا بِمَحَلِّ الْأَذَى. ثَانِيهَا: أَنَّ مَسَّهَا بِيَدِهَا أَوْ غَيْرِهَا لِلذَّكَرِ، وَنَحْوِهِ مِنْ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ بِمَا فَوْقَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا. الثَّالِثُ: مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَالصَّوَابُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَيْ قِيَاسًا عَلَى الرَّجُلِ، وَقَوْلُهُ: (وَنَحْوَهُ) أَيْ الْمَسِّ كَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ فَقَوْلُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَنَحْوَهُ، وَالنَّحْوُ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الْمَسِّ بِدَلِيلِ بَيَانِهِ بِقَوْلِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالذَّكَرِ قُبُلُ الرَّجُلِ. قَوْلُهُ: (وَالصَّوَابُ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ عُمُومَ عِبَارَةِ الْإِسْنَوِيِّ فِيهَا خَطَأٌ لِصِدْقِهَا بِمَسِّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ بِالْيَدِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ. م د. أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ لَمْسِهِ) الْأَوْلَى وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا لَمْسُهُ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّ مَا مَنَعَ مِنْ مَسِّهِ يَمْنَعُهَا أَنْ تَمَسَّهُ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ التَّمْكِينِ عَلَيْهَا حُرْمَةُ مَسِّهَا بِهِ. قَوْلُهُ: (لِزَمَنِ إمْكَانِهِ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ عَادَتِهَا، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا انْقَطَعَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنِ الْعَادَةِ بِأَنْ كَانَتْ ذَاتَ تَقَطُّعٍ كَأَنْ كَانَ يَنْزِلُ يَوْمًا، وَيَنْقَطِعُ يَوْمًا فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ. قَوْلُهُ: (ارْتَفَعَ عَنْهَا سُقُوطُ الصَّلَاةِ) أَيْ فَيَلْزَمُهَا فِعْلُهَا أَوْ قَضَاؤُهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَكَانَ أَنْسَبَ بِأَنْ يَقُولَ: وَجَبَ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ لِزَمَنِ إمْكَانِهِ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِزَمَنِ إمْكَانِهِ فَرَاغَ عَادَتِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ مُضِيِّ عَادَتِهَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مِمَّا حُرِّمَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَذْكُورًا فِي هَذَا الْكِتَابِ أَمْ لَا. فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ حُرْمَةَ الطَّلَاقِ وَالطُّهْرِ حَتَّى يَسْتَثْنِيَهُمَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ لِلْحَيْضِ جِهَتَيْنِ: جِهَةُ خُصُوصِ كَوْنِهِ حَيْضًا، وَعُمُومِ كَوْنِهِ حَدَثًا وَحُرْمَةُ الصَّوْمِ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْأُولَى، وَقَدْ زَالَتْ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ زَالَ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بِالْحَيْضِ أَيْ زَالَ الْحَيْضُ الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْمَنْعِ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الطَّلَاقِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مَوْطُوءَةً تَعْتَدُّ بِأَقْرَاءِ مُطَلَّقَةٍ بِلَا عِوَضٍ مِنْهَا مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الطُّهْرِ) وَهُوَ الْغُسْلُ أَوْ التَّيَمُّمُ الْمَذْكُورَانِ قَبْلَهُ، وَحِينَئِذٍ فَتَنْحَلُّ الْعِبَارَةُ إلَى أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الطُّهْرِ غَيْرُ الطُّهْرِ أَوْ لَمْ يَحِلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَهُوَ بَاقٍ إلَى أَنْ تَطْهُرَ بِمَاءٍ أَوْ تَيَمُّمٍ، أَمَّا مَا عَدَا الِاسْتِمْتَاعَ فَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْحَدَثِ، وَالْحَدَثُ بَاقٍ، وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَقَدْ قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، أَمَّا قِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِيمَا ذُكِرَ، وَأَمَّا التَّخْفِيفُ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَيْضًا الِاغْتِسَالَ كَمَا قَالَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ لِقَرِينَةِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَهُ شَرْطًا آخَرَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] فَلَا بُدَّ مِنْهُمَا مَعًا. فَائِدَةٌ: حَكَى الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْوَطْءَ قَبْلَ الْغُسْلِ يُورِثُ الْجُذَامَ فِي الْوَلَدِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَعَلُّمُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عَالِمًا لَزِمَهُ تَعْلِيمُهَا، وَإِلَّا فَلَهَا الْخُرُوجُ لِسُؤَالِ الْعُلَمَاءِ، بَلْ يَجِبُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَنْعُهَا إلَّا أَنْ يَسْأَلَ هُوَ وَيُخْبِرَهَا فَتَسْتَغْنِيَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى مَجْلِسِ ذِكْرٍ أَوْ تَعْلِيمِ خَيْرٍ إلَّا بِرِضَاهُ، وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ النِّفَاسِ أَوْ الْحَيْضِ وَتَطَهَّرَتْ، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. (وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) وَهِيَ (الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ) عَلَى الْحُكْمِ   [حاشية البجيرمي] قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ غَيْرُ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّهَافُتِ لِحِلِّ الشَّيْءِ قَبْلَ نَفْسِهِ، وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَا فِي الْمَنْهَجِ ق ل. وَأَجَابَ ع ش بِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَوَّلَ خَاصٌّ وَهُوَ الرَّافِعُ لِحَدِّ الْحَيْضِ، وَالثَّانِي عَامٌّ كَالْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ أَيْ فَيَحِلُّ مَا ذَكَرَ قَبْلَ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ، وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: فِي عِبَارَةِ الْمَنْهَجِ تَهَافُتٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الطُّهْرَ مِنْ نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الطُّهْرِ إلَّا الطُّهْرُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ عُمُومِ مَا حُرِّمَ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّهْرِ الْأَوَّلِ النَّاشِئُ عَنْ الْمَصْدَرِ وَهُوَ التَّطَهُّرُ، وَبِالثَّانِي الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ وَهُوَ الْفِعْلُ. قَوْلُهُ: (أَمَّا مَا عَدَا الِاسْتِمْتَاعَ) كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ تَعْلِيمُهَا) أَيْ إنْ انْفَرَدَ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَوْ سَأَلَتْهُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّوَاكُلِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِرِضَاهُ) وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَخْرُجُ لِلْحَجِّ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا إذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الزَّوْجِ لَا تَجِبُ فِي الْفُرُوضِ. اهـ. ح ف وم د. قَوْلُهُ: (فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا فِي الْحَالِ) مَا لَمْ تَخَفْ عَوْدَهُ أَيْ الدَّمِ، فَإِنْ خَافَتْ عَوْدَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّوَقُّفُ فِي الْوَطْءِ احْتِيَاطًا شَرْحُ م ر مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ) أَيْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، وَذَكَرَ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ، وَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ. هُنَا اسْتِطْرَادٌ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْجُنُبِ بَابُ الْغُسْلِ، وَالْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْحَدَثِ بَابُ النَّوَاقِضِ. قَوْلُهُ: (خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَدَّ سِتَّةً، اللَّهُمَّ أَنْ يُقَالَ: مَفْهُومُ الْعَدَدِ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَعَلِّقُ الْمَسِّ وَالْحَمْلِ، وَهُوَ الْمُصْحَفُ وَاحِدًا عَدَّهُمَا وَاحِدًا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (الصَّلَاةُ) مَحَلُّ الْحُرْمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَلَا يَرِدُ مَنْ خَشِيَ أَنْ يُظَنَّ بِهِ سُوءٌ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَفْعَالِهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ رَحْمَانِيٌّ. قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَمَا يَقَعُ لِلشَّخْصِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ مِنْ أَنَّهُ يَنَامُ عِنْدَ نِسَاءٍ وَأَوْلَادٍ مُرْدٍ، وَيَحْتَلِمُ وَيَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي عِرْضِهِ إذَا اغْتَسَلَ، فَإِنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ. وَهَذَا عُذْرٌ مُبِيحٌ لِلتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ أَشَقُّ مِنْ الْخَوْفِ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ لَكِنْ يَغْسِلُ مِنْ بَدَنِهِ مَا يُمْكِنُهُ غَسْلُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَيَقْضِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِثْلُ التَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ، وَمِثْلُ الصَّلَاةِ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَسَجْدَتَا التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ أَيْ: فَيَحْرُمُ وَلَوْ دَاخِلَ الصَّلَاةِ كَأَنْ قَرَأَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ آيَةَ سَجْدَةٍ بَدَلَ الْفَاتِحَةِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ السُّجُودُ، كَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَتَعَمُّدُ الصَّلَاةِ وَنَحْوُهَا مَعَ الْحَدَثِ كَبِيرَةٌ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ فِي الْحَدَثِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لَا كَمَسٍّ وَلَمْسٍ كَمَا مَرَّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ الْأَرْكَانُ الْخَمْسَةُ لَا الْمُسْتَحَبُّ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَتَى بِالْأَرْكَانِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ، وَأَحْدَثَ بَعْدَهَا وَتَوَضَّأَ عَنْ قُرْبٍ بِحَيْثُ لَا يَفُوتُ الْوَلَاءُ الْمَشْرُوطُ صَحَّ فِيمَا يَظْهَرُ قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ سَابِقًا (وَ) الْخَامِسُ (اللُّبْثُ) أَيْ الْمُكْثُ لِمُسْلِمٍ غَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي الْمَسْجِدِ) أَوْ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَالْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَخَرَجَ بِالْمُكْثِ وَالتَّرَدُّدِ الْعُبُورُ لِمُسْلِمٍ وَالْكَافِرُ، فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ وَلَوْ غَيْرَ جُنُبٍ دُخُولُ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ كَإِسْلَامٍ وَسَمَاعِ قُرْآنٍ لَا كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَنْ يَأْذَنَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الدُّخُولِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ، وَقَدْ قَعَدَ الْحَاكِمُ لِلْحُكْمِ فَفِيهِ وَلِهَوَاءِ الْمَسْجِدِ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ، نَعَمْ لَوْ قَطَعَ بُصَاقُهُ هَوَاءَ الْمَسْجِدِ وَوَقَعَ خَارِجَهُ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) أَيْ لِمُسْلِمٍ غَيْرِ نَبِيٍّ عَلَى مَا يَأْتِي ق ل. وَتَقَدَّمَ عَنْ ع ش حُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى النَّبِيِّ حَالَ الْجَنَابَةِ. وَنَصُّهُ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَوْ لِنَبِيٍّ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي نَصُّهُ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي حَاجَتَهُ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ، وَرُبَّمَا قَالَ يَحْجِزُهُ عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ» اهـ. وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ الْمُكْثِ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْ حُرْمَتِهَا بِعَدَمِ قَصْدِ الْقُرْآنِ فَكَانَ لِلتَّحْرِيمِ مِنْهُ وَجْهٌ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَسْجِدُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ذَاتِيَّةٌ فَلَا يَنْفَكُّ تَحْرِيمُ الْمُكْثِ فِيهِ بِحَالٍ فَاغْتُفِرَ لَهُ تَوْسِعَةً عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ الْجَنَابَةَ بِنَصْبِ الْجَنَابَةِ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ لَيْسَ وَاسْمُهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الشَّيْءِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ إلَخْ) وَهُوَ التَّعْمِيمُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الْحُرْمَةَ لِتَصْرِيحِ الْمَتْنِ بِهَا. قَوْلُهُ: (اللُّبْثُ أَيْ الْمُكْثُ لِمُسْلِمٍ) أَيْ بَالِغٍ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ النَّبِيِّ) مُرَادُهُ الْجِنْسُ فَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي شَرِيعَتِنَا، وَلَا يُعْلَمُ حُكْمُهُ فِيمَا قَبْلَهَا، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْأَحْكَامِ هُنَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ أَوْ غَالِبُهُ ق ل. قَالَ ح ل: وَيَحْصُلُ الْمُكْثُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ أَقَلُّ مُجْزِئٍ فِي الطُّمَأْنِينَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ) وَمِنْهُ رَحْبَتُهُ، وَالرَّحْبَةُ السَّاحَةُ الْمُنْبَسِطَةُ لِصِيَانَتِهِ عَنْ الْقَاذُورَاتِ. قَوْلُهُ: (أَوْ التَّرَدُّدُ فِيهِ) مِنْ التَّرَدُّدِ الْمُغَيِّرِ أَنْ يَدْخُلَ لِأَخْذِ حَاجَةٍ وَيَخْرُجَ مِنْ الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ دُونَ وُقُوفٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ الْآخَرِ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ الرُّجُوعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ اهـ سم. قَوْلُهُ: (الْعُبُورُ) وَهُوَ الدُّخُولُ مِنْ بَابٍ وَالْخُرُوجُ مِنْ آخَرَ، فَهُوَ جَائِزٌ لَكِنَّهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ كَقُرْبِ طَرِيقٍ خِلَافُ الْأَوْلَى بِخِلَافِ عُبُورِ الْحَائِضِ مَعَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ فَمَكْرُوهٌ لِغِلَظِ حَدَثِهَا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ) لَمْ يَقُلْ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلِاحْتِرَازِ لِبَقَاءِ الْحُرْمَةِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَبِعِبَارَةِ قَوْلِهِ: فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ هَذَا مُحْتَرَزُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمُكْثُ مُسْلِمٍ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ: فَيُمَكَّنُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ) وَإِنَّمَا حُرِّمَ تَمْلِيكُهُ الطَّعَامَ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الصَّوْمِ، وَأَخْطَأَ فِي تَعْيِينِ وَقْتِهِ وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا السُّؤَالُ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ إعْطَاءِ السَّائِلِ فِيهِ فَيُنْدَبُ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ، وَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ سم عَنْ السُّيُوطِيّ رَحْمَانِيٌّ وع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ) فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطَيْنِ الْحَاجَةِ وَالْإِذْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ ق ل مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ دَخَلَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَلَا حَاجَةٍ عُزِّرَ، وَدُخُولُنَا أَمَاكِنَهُمْ كَذَلِكَ أَيْ الَّتِي يَتَعَبَّدُونَ فِيهَا. قَوْلُهُ: (لَا كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ) أَيْ وَتَعَلُّمِ حِسَابٍ وَلُغَةٍ فَلَا يَجُوزُ سم. قَوْلُهُ: (مُسْلِمٌ) مُكَلَّفٌ وَلَوْ فَاسِقًا؛ بِخِلَافِ الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ، فَيَكْفِي إذْنُ الصَّبِيِّ إذَا أَذِنَ لَهُ أَبُوهُ تَعْظِيمًا لِلْمَسْجِدِ م د. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (لِمُسْلِمٍ والْكَافِرُ) أَيْ إنْ دَخَلَ لِحَاجَةٍ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ أَوْ جُلُوسِ قَاضٍ أَوْ مُفْتٍ فِيهِ، فَيَجُوزُ تَمْكِينُهُ مَعَ حُرْمَةِ مُكْثِهِ لِخِطَابِهِ بِالْفُرُوعِ اهـ. وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِذْنُ فِي دُخُولِهَا مُطْلَقًا تَعْظِيمًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْمَسْجِدِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (وَلِهَوَاءِ الْمَسْجِدِ) كَأَنْ طَارَ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا فَوْقَهُ إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَمَا تَحْتَهُ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، نَعَمْ إنْ كَانَ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ عُلُوٌّ أَوْ سُفْلٌ قَبْلَ وَقْفِيَّتِهِ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ أَيْ: لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمَسْجِدُ مَحَلَّهُ فَلَا يَشْمَلُ مَا فَوْقَهُ أَوْ مَا تَحْتَهُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ، وَإِنْ أُعِيدَ اهـ ق ل. وَأَقَرَّهُ اج. وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ: إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ أَنَّهُ إذَا أُزِيلَ حُكْمٌ بِالْمَسْجِدِيَّةِ لِذَلِكَ الْهَوَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَصْرِ الْحُكْمِ عَلَى مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 لَوْ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ أَوْ فِي طَرَفِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَبِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ. قَالَ صَاحِبُ التَّخْلِيصِ: ذُكِرَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ جُنُبًا وَمَالَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَبِالْمَسْجِدِ الْمَدَارِسُ وَنَحْوُهَا، وَبِلَا عُذْرٍ إذَا حَصَلَ لَهُ عَارِضٌ كَأَنْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِإِغْلَاقِ بَابٍ أَوْ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ أَوْ مَنْفَعَةِ ذَلِكَ أَوْ عَلَى مَالِهِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إنْ وَجَدَ غَيْرَ تُرَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِهِ، فَلَوْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ بِهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، وَالْمُرَادُ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ الدَّاخِلُ فِي وَقْفِيَّتِهِ لَا الْمَجْمُوعُ مِنْ رِيحٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ الْمَاءَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ وَجَدَ تُرَابًا تَيَمَّمَ وَدَخَلَ وَاغْتَرَفَ وَخَرَجَ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِلَّا اغْتَسَلَ فِيهِ وَلَا يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ، وَإِطْلَاقُ الْأَنْوَارِ جَوَازَ الدُّخُولِ لِلِاسْتِقَاءَةِ وَالْمُكْثِ لَهَا بِقَدْرِهَا فَقَطْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْجُنُبِ وَلَوْ لِغَيْرِ أَعْزَبَ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ وَغَيْرَهُمْ كَانُوا   [حاشية البجيرمي] عَدَا ذَلِكَ الْمَكَانِ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَاكَ لِمَانِعٍ وَقَدْ زَالَ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي طَرَفِهِ) أَيْ أَوْ طَرَفِ ثَوْبِهِ. قَوْلُهُ: (دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ) أَيْ مُكْثُهُ فِيهِ جُنُبًا لَكِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ) أَيْ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدُ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى مَالِهِ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ كَدِرْهَمٍ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ الْمَاءَ) مِثْلُ الْمَاءِ ثَمَنُهُ فِيمَا تَقَرَّرَ. قَوْلُهُ: (تَيَمَّمَ وَدَخَلَ) وَفَائِدَةُ التَّيَمُّمِ تَجْوِيزُ الدُّخُولِ لَهُ أَيْ الْمُكْثِ وَلَوْ صَلَّى بِهِ صَلَاةً قَبْلَ الدُّخُولِ صَحَّ أَيْضًا، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ تَيَمَّمَ أَيْ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تُبَاحُ لَهُ بِهِ صَلَاةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْبَغَوِيِّ: فَالتَّيَمُّمُ بَدَلًا عَنْ الْغُسْلِ فَلَهُ الصَّلَاةُ بِهِ، وَلَا يَضُرُّهُ وُجُودُ الْمَاءِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاغْتِسَالِ فِيهِ فَوُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ كَالْعَدَمِ، وَإِذَا تَيَمَّمَ كَانَ لَهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالصَّلَاةُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَأَنْ لَمْ يَجِدْ إنَاءً يَغْرِفُ بِهِ، وَلَا مَنْ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَقَوْلُهُ: (اغْتَسَلَ فِيهِ) أَيْ وَيُغْتَفَرُ الْمُكْثُ حِينَئِذٍ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْثٌ جَازَ قَطْعًا ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ) أَيْ بَدَلًا عَنْ الْغُسْلِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ) لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ فِي الْمَسْجِدِ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْجُنُبِ لَهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ مُكْثِهِ فِيهِ حَالَ غُسْلِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْبَغَوِيَّ قَالَ: إنَّهُ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ لِصَلَاةٍ مَثَلًا وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاغْتِسَالِ وَوُجُودُ الْمَاءِ فِيهِ كَالْعَدَمِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (جَوَازِ الدُّخُولِ) أَيْ بَعْدَ التَّيَمُّمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ق ل. قَوْلُهُ: (لِلِاسْتِقَاءَةِ) أَيْ الشُّرْبِ. وَقَالَ م د: لِيَغْتَسِلَ بِهِ أَوْ لِلشُّرْبِ وَفِي نُسَخٍ لِلِاسْتِقَاءِ وَصَوَّبَهَا الَأُجْهُورِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِاسْتِقَاءَةٍ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ، وَهُوَ خَطَأٌ يُدْرَكُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ اهـ. وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهَا طَلَبُ الْقَيْءِ. قَوْلُهُ: (عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) أَيْ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إنْ وَجَدَ تُرَابًا تَيَمَّمَ وَدَخَلَ، وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ مُكْثِهِ جُنُبًا فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي حَاشِيَةِ م د: الْمُرَادُ التَّفْصِيلُ الثَّانِي أَيْ بِأَنْ يُقَالُ: إذَا تَيَمَّمَ وَدَخَلَ إنْ أَمْكَنَهُ نَقْلُ الْمَاءِ، وَشُرْبُهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَعَلَ وَإِلَّا شَرِبَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَمَكَثَ بِقَدْرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ الثَّانِيَ الْمُشَارَ إلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ: وَاغْتَرَفَ وَخَرَجَ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ إلَخْ فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا؛ إذْ هُوَ تَفْصِيلٌ فِي الْمُكْثِ لَا فِي الدُّخُولِ فَتَأَمَّلْ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إنْ لِلْجُنُبِ أَنْ يَمْكُثَ فِي الْمَسْجِدِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ يُمْكِنُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ اهـ ش ع عَلَى م ر: وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَحَاصِلُ التَّفْصِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ إنْ وَجَدَ تُرَابًا وَيَتَيَمَّمُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: «أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ وَهُمْ زُهَّادٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فُقَرَاءُ عُزَبَاءُ جَمْعُ أَعْزَبُ يَأْوُونَ مَسْجِدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَرِيفَهُمْ، وَكَانَ النَّاسُ يَعَافُونَهُمْ لِفَقْرِهِمْ فَاقْتَطَعَ لَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِطْعَةً مِنْ آخِرِ مَسْجِدِهِ وَمَكَثُوا فِيهَا وَظُلِّلَتْ عَلَيْهِمْ وَكَانُوا يَقِلُّونَ وَيَكْثُرُونَ، فَإِذَا كَثُرُوا بَلَغُوا أَرْبَعَمِائَةٍ، وَإِذَا قَلُّوا بَلَغُوا سَبْعِينَ وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَكْرَهُونَهُمْ حَتَّى اجْتَمَعَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، وَأَتَوْا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 يَنَامُونَ فِيهِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نَعَمْ إنْ ضَيَّقَ عَلَى الْمُصَلَّيْنَ أَوْ شَوَّشَ عَلَيْهِمْ حَرُمَ النَّوْمُ فِيهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ: وَلَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» . (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ) حَدَثًا أَصْغَرَ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ غَالِبًا (ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ مُخْتَصَّانِ بِهَا، وَأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ بِغَسْلِهِ فِي الْمَغْسُولِ وَبِمَسْحِهِ فِي الْمَمْسُوحِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِذَلِكَ الْعُضْوِ بَعْدَ غَسْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَطَهِّرًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وَهِيَ: (الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ) عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا يَحْرُمُ بِالْحَيْضِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَقْسِيمُ الْحَدَثِ إلَى أَكْبَرَ وَمُتَوَسِّطٍ وَأَصْغَرَ، وَبِهِ صَرَّحَ كُلٌّ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالزَّرْكَشِيِّ فِي قَوَاعِدِهِ. خَاتِمَةٌ: فِيهَا مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ مُهِمَّةٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَلَوْ أَصْغَرَ مَسُّ خَرِيطَةٍ وَصُنْدُوقٍ فِيهِمَا مُصْحَفٌ،   [حاشية البجيرمي] وَقَالُوا لَهُ: اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا فِي الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَهُمْ يَوْمًا، وَأَرَادُوا إخْرَاجَهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَنَزَلَ فِي شَأْنِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَوْلُهُ {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 52] إلَى قَوْلِهِ: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 52] » وَرُوِيَ، «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: أَبْشِرُوا يَا أَهْلَ الصُّفَّةِ مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى نَعْتِكُمْ كَانَ مِنْ رُفَقَائِي فِي الْجَنَّةِ» فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمْ رُفَقَاؤُهُ فِيهَا مِنْ بَابٍ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (حُرِّمَ النَّوْمُ فِيهِ) أَيْ فِي وَقْتِ التَّضْيِيقِ فَقَطْ وَيَجِبُ حِينَئِذٍ تَنْبِيهُهُ. وَيُنْدَبُ تَنْبِيهُ مَنْ نَامَ فِي نَحْوِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ أَمَامَ الْمُصَلِّينَ، وَلَا يَنْبَغِي التَّصَدُّقُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَلْزَمُ مَنْ رَآهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ إنْ قَدَرَ، وَيُكْرَهُ السُّؤَالُ فِيهِ بَلْ يَحْرُمُ إنْ شَوَّشَ عَلَى الْمُصَلِّينَ أَوْ مَشَى أَمَامَ الصُّفُوفِ أَوْ تَخَطَّى رِقَابَهُمْ، وَيَحْرُمُ الرَّقْصُ فِيهِ، وَلَوْ لِغَيْرِ نَحْوِ شَابَّةٍ، وَيَحْرُمُ النَّطُّ فِيهِ، وَلَوْ بِالذِّكْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ حُصُرِهِ وَإِيذَاءِ غَيْرِهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَيَحْرُمُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ جَافَّةً وَيَحْرُمُ تَقْذِيرُهُ، وَلَوْ بِالطَّاهِرَاتِ كَإِلْقَاءِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فِيهِ، وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ مَاؤُهُ لِعَدَمِ تَقْذِيرِهِ وَعَدَمِ إهَانَتِهِ، وَأَمَّا طَرْحُ الْقَمْلِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا حُرِّمَ لِنَجَاسَتِهِ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا فَكَذَلِكَ لِتَعْذِيبِهِ بِالْجُوعِ، بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ التُّرَابَ، وَالْمَشْهُورُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقَمْلِ وَالْبُرْغُوثِ فِي جَوَازِ رَمْيِهِمَا فِي الْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ أَوْ خَارِجَهُ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ م ر: وَأَمَّا طَرْحُ الْأَشْيَاءِ الْجَافَّةِ كَقِشْرِ اللُّبِّ وَغَيْرِهِ فَمَكْرُوهٌ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ تَعْفِيشٌ لَا تَقْذِيرٌ ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر وَقَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحِفْنِيُّ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ) فَإِخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَهَذَا عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالْحُرْمَةِ كَالسَّادَةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: «تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» هَذَا يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ حَاسَّةِ الشَّمِّ لَهُمْ، وَمُقْتَضَاهُ الْحُرْمَةُ لَكِنْ صَدَّ عَنْهَا الْجُمْهُورُ، وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْحَفَظَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْعَبْدَ. قَوْلُهُ: (إلَى أَكْبَرَ) أَيْ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ أَفْرَادِهِ وَأَوْسَطَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ كَذَا قِيلَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْغَرَ أَكْثَرُ أَفْرَادًا، وَأَيْضًا الْجَنَابَةُ تُوجَدُ فِي النِّسَاءِ فَلَيْسَ الْحَيْضُ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ أَكْبَرَ أَفْرَادًا، فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَكْبَرِ الْأَغْلَظُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَوْسَطِ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ. قَوْلُهُ: (وَصُنْدُوقٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّهَا، وَيُقَالُ بِالسِّينِ وَالزَّاي فَفِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ وَمِثْلُهُ كُرْسِيٌّ وُضِعَ عَلَيْهِ ز ي أَيْ: فَيَحْرُمُ مَسُّ جَمِيعِ الْكُرْسِيِّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْمُصْحَفُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لسم وح ل. وَهَذَا الْكُرْسِيُّ الصَّغِيرُ الْمُعَدُّ لِلْمُصْحَفِ، أَمَّا الْكُرْسِيُّ الْكَبِيرُ الَّذِي يَقْعُدُ عَلَيْهِ الْقَارِئُ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا مَسُّ الدَّفَّتَيْنِ السَّاتِرَتَيْنِ لِلْمُصْحَفِ وَهُوَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَالصُّنْدُوقِ، وَمِنْ الصُّنْدُوقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَيْتُ الرَّبْعَةِ الْمَعْرُوفَةِ فَيَحْرُمُ مَسُّهُ إذَا كَانَتْ أَجْزَاءُ الرَّبْعَةِ أَوْ بَعْضُهَا فِيهِ، وَأَمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وَالْخَرِيطَةُ وِعَاءُ الْكِيسِ مِنْ أَدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُعَدَّيْنِ لِلْمُصْحَفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مُعَدَّيْنِ لَهُ كَانَا كَالْجِلْدِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلَا فِي بَيْعِهِ، وَالْعِلَاقَةُ كَالْخَرِيطَةِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُصْحَفُ فِيهِمَا أَوْ هُوَ فِيهِمَا وَلَمْ يُعَدَّا لَهُ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُمَا، وَيَحْرُمُ مَسُّ مَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ كَلَوْحٍ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ أُثْبِتَ فِيهِ لِلدِّرَاسَةِ فَأَشْبَهَ الْمُصْحَفَ، أَمَّا مَا كُتِبَ لِغَيْرِ الدِّرَاسَةِ كَالتَّمِيمَةِ وَهِيَ وَرَقَةٌ يُكْتَبُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَتُعَلَّقُ عَلَى الرَّأْسِ مَثَلًا لِلتَّبَرُّكِ   [حاشية البجيرمي] الْخَشَبُ الْحَائِلُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا وَأَقَرَّهُ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَدَمٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ جِلْدٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُعَدَّيْنِ لِلْمُصْحَفِ) أَيْ وَحْدَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا أُعِدَّ لَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ عَلَى حَجْمِهِ أَوْ لَا. وَهُوَ قَرِيبٌ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: (أُعِدَّ لَهُ) أَيْ عُرْفًا لِيَخْرُجَ نَحْوُ الْخَزَائِنِ اج اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مُعَدَّيْنِ لَهُ إلَخْ) أَيْ فَتَكُونُ حُرْمَةُ مَسِّ الْخَرِيطَةِ وَالصُّنْدُوقِ ثَابِتَةً بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى الْجِلْدِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فَتَأَمَّلْ عَزِيزِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْعِلَاقَةُ) أَيْ اللَّائِقَةُ لَا طَوِيلَةٌ جِدًّا أَيْ فَلَا يَحْرُمُ مَسُّ الزَّائِدِ حَيْثُ كَانَ طُولُهَا مُفْرِطًا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُمَا) إنْ لَمْ يَكُنْ مَاسًّا لِلْمُصْحَفِ. قَوْلُهُ (لِدَرْسِ) أَيْ وَلَوْ عَلَى جِدَارٍ فَيَحْرُمُ مَسُّهُ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَحْرُمُ مَسُّ الْمَوْضِعِ الْخَالِي مِنْ الْجِدَارِ كَمَا فِي اللَّوْحِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ سم اهـ اج. قَوْلُهُ: (كَلَوْحٍ) وَيَحْرُمُ مَسُّ جَمِيعِهِ وَكَذَا عِلَاقَتُهُ وَلَا يَحْرُمُ مَحْوُهُ بِرِيقِهِ وَلَوْ بِالْبَصْقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إهَانَةً وَلَا يَحْرُمُ مَدُّ نَحْوِ رِجْلِهِ إلَى جِهَةِ الْمُصْحَفِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: بِالْحُرْمَةِ ق ل. وَعِبَارَةُ سم فِي شَرْحِ الْمَتْنِ: اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي مَحْوِ لَوْحِ الْقُرْآنِ بِالْبُصَاقِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْمَكَاتِبِ، فَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْعِمَادِ وَبَعْضُهُمْ جَوَازَهُ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَبْصُقَ عَلَى اللَّوْحِ، فَيَحْرُمَ، وَأَنْ يَبْصُقَ عَلَى خِرْقَةٍ ثُمَّ يَمْحُوَهُ بِهَا فَيَحِلَّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَوْ جَعَلَهُ مِرْوَحَةً لَمْ يَحْرُمْ لِقِلَّةِ الِامْتِهَانِ اهـ. وَلَوْ قِيلَ بِالْحُرْمَةِ فِي جَعْلِهِ مِرْوَحَةً لَمْ يَبْعُدْ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ كَلَوْحٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُكْتَبُ عَلَيْهِ عَادَةً حَتَّى لَوْ كَتَبَ عَلَى عَمُودٍ أَوْ بَابٍ قُرْآنًا لِلدِّرَاسَةِ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّ غَيْرِ الْكِتَابَةِ. أَيْ الْخَالِي فِيهِ عَنْ الْقُرْآنِ، وَقَيَّدَ الْعَلْقَمِيُّ الْخَالِيَ عَنْهُ بِمَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِلْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ وَرَقَةٌ) أَيْ مَثَلًا فَالْأَوْرَاقُ كَذَلِكَ حَيْثُ عُدَّتْ تَمِيمَةً عُرْفًا، وَإِنْ كَثُرَ الْمَكْتُوبُ فِيهَا بَلْ نُقِلَ عَنْ الشَّارِحِ وَلَوْ جَمِيعَ الْقُرْآنِ ق ل. وَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّارِحِ ضَعِيفٌ. قَالَ الَأُجْهُورِيُّ: وَعَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الشَّارِحِ فَتَكُونُ مِنْ فِي قَوْلِهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِلْبَيَانِ لَا لِلتَّبْعِيضِ غَيْرَ أَنَّ كَوْنَهَا لِلتَّبْعِيضِ أَظْهَرُ فِي الْعُرْفِ. قَوْلُهُ: (لِلتَّبَرُّكِ) وَالْعِبْرَةُ فِي قَصْدِ الدِّرَاسَةِ وَالتَّبَرُّكِ بِحَالِ الْكِتَابَةِ دُونَ مَا بَعْدَهَا، وَبِقَصْدِ الْكَاتِبِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ مُتَبَرِّعًا، وَإِلَّا فَآمِرِهِ أَوْ مُسْتَأْجِرِهِ. وَلَوْ قَصَدَ التَّمِيمَةَ بِمَا لِلدِّرَاسَةِ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ وَعَكْسُهُ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ قَصَدَ التَّمِيمَةَ؟ فَلَا يَحْرُمُ أَوْ الدِّرَاسَةَ فَيَحْرُمُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِالْأَوَّلِ نُظِرَ إلَى تَعَارُضِ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَبْقَى أَصْلُ الْحَالِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْحُرْمَةُ فَقَدْ قَالُوا: لَوْ شَكَّ فِي التَّفْسِيرِ هَلْ هُوَ أَكْثَرُ أَوْ لَا؟ إنَّهُ يَحْرُمُ؛ إذْ هِيَ الْأَصْلُ وَلَا يُصَارُ لِلْحِلِّ إلَّا بِيَقِينٍ اج مُلَخَّصًا. وَهَلْ يَجُوزُ كِتَابَةُ التَّمَائِمِ لِلْكُفَّارِ أَوْ لَا يَجُوزُ؟ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَظِّمُوهُ وَقِيلَ يَجُوزُ كِتَابَتُهَا لَهُمْ إنْ عُلِمَ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهَا. وَفِي شَرْحِ م ر: وَيَحْرُمُ مَدُّ الرِّجْلِ إلَى جِهَةِ الْمُصْحَفِ وَوَضْعُهُ تَحْتَ يَدِ كَافِرٍ وَمِثْلُهُ التَّمَائِمُ، وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهَا؛ إذْ لَيْسَ هُوَ كَتَعْظِيمِنَا وَيُسَنُّ الْقِيَامُ لَهُ وَتَقْبِيلُهُ وَيَحْرُمُ مَسُّهُ بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ أَيْضًا حَالَةَ الْحَدَثِ، بِخِلَافِ الْيَدِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ، فَلَا حُرْمَةَ بِالْمَسِّ بِهَا. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: فَخَرَجَتْ التَّمِيمَةُ وَلَوْ لِكَافِرٍ، نَعَمْ فِي ابْنِ قَاسِمٍ مَا يَقْتَضِي مَنْعَهَا لَهُ، وَعِبَارَتُهُ: وَيَحْرُمُ تَمْلِيكُهُ مَا فِيهِ قُرْآنٌ وَيَنْبَغِي الْمَنْعُ مِنْ التَّمِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ عَنْ آثَارِ السَّلَفِ بَلْ تَزِيدُ، وَلَا يَرِدُ إرْسَالُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْكُتُبَ لَهُمْ مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ لِقَصْدِ التَّآلُفِ، وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فَيُمْنَعُ، وَإِنْ قَصَدْنَاهُ انْتَهَتْ. قَالَ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ نَقْلًا عَنْ مَشَايِخِهِ: يُشْتَرَطُ فِي كَاتِبِ التَّمِيمَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَكَان طَاهِرٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ تَرَدُّدٌ فِي صِحَّتِهَا، وَأَنْ لَا يَقْصِدَ بِكِتَابَتِهَا تَجْرِبَتَهَا، وَأَنْ يَتَلَفَّظَ بِمَا يَكْتُبُ، وَأَنْ يَحْفَظَهَا عَنْ الْأَبْصَارِ بَلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وَالثِّيَابُ الَّتِي يُكْتَبُ عَلَيْهَا وَالدَّرَاهِمُ فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهَا وَلَا حَمْلُهَا، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ كِتَابًا إلَى هِرَقْلَ وَفِيهِ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] الْآيَةَ وَلَمْ يَأْمُرْ حَامِلَهَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَيُكْرَهُ كِتَابَةُ الْحُرُوزِ وَتَعْلِيقُهَا إلَّا إذَا جَعَلَ عَلَيْهَا شَمْعًا أَوْ نَحْوَهُ، وَيُنْدَبُ التَّطَهُّرُ لِحَمْلِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَمَسِّهَا، وَيَحِلُّ لِلْمُحْدِثِ قَلْبُ وَرَقِ الْمُصْحَفِ بِعُودٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ وَلَا مَاسٍّ، وَيُكْرَهُ كَتْبُ الْقُرْآنِ عَلَى حَائِطٍ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ وَثِيَابٍ وَطَعَامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ هَدْمُ الْحَائِطِ وَلُبْسُ الثَّوْبِ وَأَكْلُ الطَّعَامِ، وَلَا تَضُرُّ مُلَاقَاتُهُ مَا فِي الْمَعِدَةِ بِخِلَافِ ابْتِلَاعِ قِرْطَاسٍ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُكْرَهُ كَتْبُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي إنَاءٍ لِيُسْقَى مَاؤُهُ لِلشِّفَاءِ، خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَأَكْلُ الطَّعَامِ كَشُرْبِ الْمَاءِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَيُكْرَهُ إحْرَاقُ خَشَبٍ نُقِشَ بِالْقُرْآنِ إلَّا إنْ قُصِدَ بِهِ صِيَانَتُهُ فَلَا يُكْرَهُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَحْرِيقُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَصَاحِفَ وَيَحْرُمُ   [حاشية البجيرمي] وَعَنْ بَصَرِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَبَصَرِ مَا لَا يَعْقِلُ، وَأَنْ يَحْفَظَهَا عَنْ الشَّمْسِ، وَأَنْ يَكُونَ قَاصِدًا وَجْهَ اللَّهِ فِي كِتَابَتِهَا، وَأَنْ لَا يُشَكِّلَهَا وَأَنْ لَا يَطْمِسَ حُرُوفَهَا، وَأَنْ لَا يَنْقُطَهَا، وَأَنَّ لَا يُتَرِّبَهَا، وَأَنْ لَا يَمَسَّهَا بِالْحَدِيدِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكْتُبَهَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَشَرْطًا لِلْجَوْدَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا تُفِدْ بَعْدَ عُصَيْرِ الْيَوْمِ ... وَالصَّوْمُ أَجْوَدُ فِيهِ عِنْدَ الْقَوْمِ قَوْلُهُ: (وَالثِّيَابِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى التَّمِيمَةِ. قَوْلُهُ: (إلَى هِرَقْلَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ، وَهُوَ مَلِكُ الرُّومِ، وَأَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّنَانِيرَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (الْحُرُوزِ) جَمْعُ حِرْزٍ وَهُوَ الْحِجَابُ، وَالْمُرَادُ الْحُرُوزُ مِنْ الْقُرْآنِ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا جَعَلَ عَلَيْهَا شَمْعًا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ التَّعْلِيقِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: (شَمْعًا) أَيْ خِرْقَةً مُشَمَّعَةً؛ لِأَنَّهَا تَحْفَظُهُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَهُ كَجِلْدٍ وَالْمَكْرُوهُ وَضْعُهَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَصُونُهَا. قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ لِلْمُحْدِثِ قَلْبُ وَرَقِ الْمُصْحَفِ بِعُودٍ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَقَةُ قَائِمَةً وَأَضْجَعَهَا أَمْ كَانَتْ مُضْطَجِعَةً، خِلَافًا لِابْنِ الْأُسْتَاذِ وَمَنْ تَبِعَهُ شَرْحُ م ر. قَالَ سم: بِخِلَافِ مَا لَوْ لَفَّ كُمَّهُ عَلَى يَدِهِ وَقَلَّبَ بِهَا لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَمُتَّصِلٌ بِهِ، فَكَانَ لَهُ حُكْمُ أَجْزَائِهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْمَسِّ بِمَا زَادَ مِنْ كُمِّهِ عَلَى يَدِهِ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَيَحْرُمُ الِاسْتِنَادُ لِمَا كُتِبَ مِنْهُ عَلَى جِدَارٍ. اهـ. سم. بِأَنْ جُعِلَ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَمَّا إنْ كَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الِاسْتِنَادُ إلَى الْجِدَارِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَلُبْسُ الثَّوْبِ) وَلَوْ مَعَ الْجَنَابَةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ ابْتِلَاعِ قِرْطَاسٍ إلَخْ) أَيْ وَرَقَةٍ أَيْ مَا لَمْ يَمْضُغْهُ بِحَيْثُ تَذْهَبُ حُرُوفُهُ ق ل. أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ الْعَدْلُ بِنَفْعِهِ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. قَوْلُهُ: (وَأَكْلُ الطَّعَامِ) كَالرَّغِيفِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَأَكْلُ الطَّعَامِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَشُرْبِ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (لَا كَرَاهَةَ فِيهِ) أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى الطَّعَامِ مَكْرُوهَةٌ بِخِلَافِهَا عَلَى إنَاءِ الشُّرْبِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إحْرَاقُ إلَخْ) مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَضْيِيعُ مَالٍ بِلَا غَرَضٍ، وَإِلَّا حُرِّمَ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي السِّيَرِ مِنْ مَنْعِ حَرْقِ كُتُبِ الْكُفَّارِ لِمَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ اهـ. وَقَوْلُهُ: (إحْرَاقُ خَشَبٍ) أَيْ مَثَلًا فَالْوَرَقُ كَذَلِكَ وَيَحْرُمُ وَطْءُ ذَلِكَ ق ل. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَحْرِيقُ عُثْمَانَ إلَخْ) وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَنْ وَجَدَ وَرَقَةً فِيهَا الْبَسْمَلَةُ وَنَحْوُهَا لَا يَجْعَلْهَا فِي شِقٍّ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْقُطُ فَتُوطَأُ وَطَرِيقُهُ أَنْ يَغْسِلَهَا بِالْمَاءِ أَوْ يُحْرِقَهَا بِالنَّارِ صِيَانَةً لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ تَعَرُّضِهِ لِلِامْتِهَانِ شَرْحُ الرَّوْضِ، وَإِذَا تَيَسَّرَ الْغَسْلُ وَلَمْ يَخْشَ وُقُوعَ الْغُسَالَةِ عَلَى الْأَرْضِ فَهُوَ أَوْلَى، وَإِلَّا فَالتَّحْرِيقُ أَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ تَمْزِيقُ الْوَرَقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ الْحُرُوفِ وَتَفْرِيقِ الْكَلِمِ، وَفِي ذَلِكَ إزْرَاءٌ بِالْمَكْتُوبِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 كَتْبُ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِنَجِسٍ أَوْ عَلَى نَجِس، وَمَسُّهُ بِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ لَا بِطَاهِرٍ مِنْ مُتَنَجِّسٍ، وَيَحْرُمُ الْمَشْيُ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ خَشَبٍ نُقِشَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَوْ خِيفَ عَلَى مُصْحَفٍ تَنَجُّسٌ أَوْ كَافِرٌ، أَوْ تَلَفٌ بِنَحْوِ غَرَقٍ أَوْ ضَيَاعٍ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَطَهُّرِهِ جَازَ لَهُ حَمْلُهُ مَعَ الْحَدَثِ فِي الْأَخِيرَةِ وَوَجَبَ فِي غَيْرِهَا صِيَانَةً لَهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَيَحْرُمُ السَّفَرُ بِهِ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إنْ خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَتَوَسُّدُهُ، وَإِنْ خَافَ سَرِقَتَهُ وَتَوَسُّدُ كُتُبِ عِلْمٍ إلَّا لِخَوْفٍ مِنْ نَحْوِ سَرِقَةٍ، نَعَمْ إنْ خَافَ عَلَى الْمُصْحَفِ مِنْ تَلَفٍ بِنَحْوِ غَرَقٍ أَوْ تَنَجُّسٍ أَوْ كَافِرٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُنْدَبُ كَتْبُهُ وَإِيضَاحُهُ وَنَقْطُهُ وَشَكْلُهُ وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ مَسِّهِ لَا سَمَاعِهِ، وَيَحْرُمُ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ إنْ كَانَ   [حاشية البجيرمي] عَلَى نَجِسٍ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ كِتَابَةَ الْفِقْهِ، وَالْحَدِيثِ بِالنَّجِسِ مِثْلُ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (لَا بِطَاهِرٍ مِنْ مُتَنَجِّسٍ) أَيْ لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ بِعُضْوٍ طَاهِرٍ مِنْ بَدَنٍ مُتَنَجِّسٍ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، فَإِذَا تَنَجَّسَ كَفُّهُ إلَّا أُصْبُعًا مِنْهُ فَمَسَّ بِهَذَا الْأُصْبُعِ الْمُصْحَفَ وَهُوَ طَاهِرٌ مِنْ الْحَدَثِ جَازَ. قَوْلُهُ: (أَوْ ضَيَاعٍ) أَيْ بِغَيْرِ الْحَرْقِ وَالتَّلَفِ كَأَخْذِ سَارِقٍ مُسْلِمٍ، فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ نَحْوَ الْغَرَقِ ضَيَاعٌ أَيْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كُتُبَ عِلْمٍ) أَيْ مُحْتَرَمٍ فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ سَرِقَةً أَوْ غَيْرَهَا جَازَ تَوَسُّدُهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ) أَيْ يَجْعَلَهُ وِسَادَةً أَيْ مِخَدَّةً. فَائِدَةٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى مَأْكُولٍ، وَكَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِشَيْءٍ يَضَعُهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا الْمُصْحَفُ هَلْ يَجُوزُ وَضْعُهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَمْ لَا؟ فَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْجَوَازُ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ مُقَدَّمٌ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ عَلَى غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ فِيهَا مُصْحَفٌ وَحَيَوَانٌ عَلَى الْغَرَقِ، وَاحْتِيجَ إلَى إلْقَاءِ أَحَدِهِمَا لِتَخْلُصَ السَّفِينَةُ أُلْقِيَ الْمُصْحَفُ حِفْظًا لِلرُّوحِ الَّتِي فِي السَّفِينَةِ. لَا يُقَالُ: وَضْعُ الْمُصْحَفِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ امْتِهَانٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: فِعْلُ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ مَانِعٌ مِنْ كَوْنِهِ امْتِهَانًا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ السُّجُودُ لِلصَّنَمِ، وَالتَّصَوُّرُ بِصُورَةِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى الرُّوحِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ إنْقَاذُهُ الرُّوحَ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ وَضْعُهُ، وَحِينَئِذٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْقُوتَ بِيَدِ كَافِرٍ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ إلَّا بِدَفْعِ الْمُصْحَفِ لَهُ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ، لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْمَيْتَةِ، وَلَوْ مُغَلَّظَةً إنْ وَجَدَهَا عَلَى دَفْعِهِ لِلْكَافِرِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ كَتْبُهُ وَإِيضَاحُهُ) أَيْ تَبْيِينُ حُرُوفِهِ، وَاسْتَدَلَّ السُّبْكِيُّ عَلَى جَوَازِ تَقْبِيلِ الْمُصْحَفِ بِالْقِيَاسِ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيَدِ الْعَالِمِ وَالصَّالِحِ وَالْوَالِدِ؛ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا كَرَاهَةُ أَخْذِ الْفَأْلِ مِنْهُ. وَقَالَ ق ل: يَجُوزُ أَخْذُ الْفَأْلِ مِنْهُ، وَذَكَرَ الْعَبَّادِيُّ: أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ كِتَابًا فَوَجَدَ فِيهِ غَلَطًا لَمْ يَجُزْ إصْلَاحُهُ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ أَوْ مُصْحَفًا وَجَبَ وَقَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْ: قَيَّدَ قَوْلَهُ لَمْ يَجُزْ بِالْمَمْلُوكِ أَمَّا الْمَوْقُوفُ فَيَجُوزُ إصْلَاحُهُ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ: وَقَعَ السُّؤَالُ لِشَيْخِنَا فِي رَجُلٍ كَتَبَ مُصْحَفًا وَدَفَعَهُ لِفَقِيهٍ يُصَحِّحُهُ، وَإِذَا رَأَى لَحْنًا يُعَلِّمُ فِيهِ بِشَمْعٍ وَلَا يُصْلِحُهُ مَا الْحُكْمُ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْهَادِي لِلصَّوَابِ يَجِبُ إصْلَاحُهُ فَوْرًا أَوْ إعْلَامُ النَّاهِي فَوْرًا لِيُصْلِحَهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْفَوْرِيَّةِ فِيهِ تَقْرِيرُ الْخَطَأِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّوْبَرِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَأَفْتَى م ر بِأَنَّ لَحْنَ الْأَطْفَالِ بِحَضْرَةِ الْكَامِلِ فِي الْقُرْآنِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ فِي حَقِّهِ الرَّدُّ فَقَطْ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الرَّدِّ قِيَاسًا عَلَى وُجُوبِ مَنْعِ الصَّبِيِّ إنْ رَأَيْنَاهُ يَزْنِي بِصَبِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِصْيَانِ اهـ. وَعِبَارَةُ اط ف نَقْلًا عَنْ ع ش فَرْعٌ ذَكَرَ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَارَ كِتَابًا، وَرَأَى فِيهِ خَطَأً وَكَانَ مَمْلُوكًا غَيْرَ مُصْحَفٍ لَا يُصْلِحُ فِيهِ شَيْئًا مُطْلَقًا إلَّا إنْ ظَنَّ رِضَا مَالِكِهِ بِهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ إصْلَاحُ الْمُصْحَفِ، لَكِنْ إنْ لَمْ يُنْقِصْ خَطُّهُ قِيمَتَهُ لِرَدَاءَتِهِ أَيْ: وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَهُ لِمَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 مُعَانِدًا، وَغَيْرُ الْمُعَانِدِ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ جَازَ تَعْلِيمُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بِفَمٍ مُتَنَجِّسٍ وَتَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ بِحَمَّامٍ وَطَرِيقٍ إنْ لَمْ يَلْتَهِ عَنْهَا، وَإِلَّا كُرِهَتْ، وَلَا يَجِبُ مَنْعُ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ مِنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ وَاللَّوْحِ لِلتَّعَلُّمِ إذَا كَانَ مُحْدِثًا وَلَوْ حَدَثًا أَكْبَرَ كَمَا فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ لِحَاجَةِ عِلْمِهِ وَمَشَقَّةِ اسْتِمْرَارِهِ مُتَطَهِّرًا، بَلْ يُنْدَبُ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنْ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي الْحَمْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالدِّرَاسَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ مُنِعَ مِنْهُ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْعِمَادِ أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَيَحْرُمُ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ، وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرٍ لَمْ يُخَصَّ بِمَحَلٍّ، فَإِنْ خُصَّ بِهِ بِأَنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِيهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَعَوَّذَ لَهَا جَهْرًا إنْ جَهَرَ بِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَيُسِرُّ مُطْلَقًا   [حاشية البجيرمي] يُصْلِحُهُ حَيْثُ كَانَ خَطُّهُ مُنَاسِبًا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَةُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَلَمْ يَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ فِي سُؤَالِهِ، وَأَنَّ الْوَقْفَ يَجِبُ إصْلَاحُهُ إنْ تَعَيَّنَ الْخَطَأُ وَكَانَ خَطُّهُ مُسْتَصْلِحًا سَوَاءٌ الْمُصْحَفُ وَغَيْرُهُ، وَأَنَّهُ مَتَى تَرَدَّدَ فِي عَيْنِ لَفْظٍ أَوْ فِي الْحُكْمِ لَا يُصْلِحُ شَيْئًا، وَمَا اُعْتِيدَ مِنْ كِتَابَةِ لَعَلَّهُ كَذَا إنَّمَا يَجُوزُ فِي مِلْكِ الْكَاتِبِ اهـ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَأَنَّ الْوَقْفَ يَجِبُ إصْلَاحُهُ، كِتَابَةُ الْحَوَاشِي بِهَوَامِشِهِ، فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ الْكِتَابِ عَنْ أَصْلِهِ وَلَا نَظَرَ لِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ بِفِعْلِهِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ. وَفِيهِ بَحْثٌ وَتَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ الْكِتَابِ مَمْنُوعٌ. قَوْلُهُ: (وَنَقْطُهُ وَشَكْلُهُ) أَيْ صِيَانَةً لَهُ مِنْ اللَّحْنِ وَالتَّحْرِيفِ، وَيَجُوزُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ بِخِلَافِ قِرَاءَتِهِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فَيُمْتَنَعُ، وَهَلْ يَجُوزُ كِتَابَتُهُ بِالرِّجْلِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى كِتَابَتِهِ بِالْيَدِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِذَلِكَ إلَّا مُجَرَّدُ الْفِرَاسَةِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْجَوَازُ عَلَى مَا إذَا اُضْطُرَّ لِنَحْوِ نَفَقَةٍ، وَانْحَصَرَتْ فِي اكْتِسَابِهِ بِكِتَابَةِ الْقُرْآنِ بِمَا ذُكِرَ، وَفَائِدَةُ كِتَابَتِهِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ حُرْمَةِ الْقِرَاءَةِ بِهَا أَنَّهُ قَدْ يُحْسِنُهَا مَنْ يَقْرَؤُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَيْ: وَيَحْرُمُ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ، وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مُسَمَّيَاتُهَا وَدَوَالُّهَا إنَّمَا هُوَ الْقُرْآنُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِمَنْ كَتَبَهُ بِالْهِنْدِيِّ: انْطِقْ بِمَا كَتَبَهُ نَطَقَ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ، نَقَلَهُ اط ف عَنْ ع ش. وَفِيهِ عَلَى م ر نَقْلًا عَنْ سم عَلَى حَجّ فَرْعٌ، وَأَفْتَى شَيْخُنَا م ر بِجَوَازِ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ بِالْقَلَمِ الْهِنْدِيِّ وَقِيَاسُهُ جَوَازُهُ بِنَحْوِ التُّرْكِيِّ أَيْضًا. فَرْعٌ آخَرُ: الْوَجْهُ، جَوَازُ تَقْطِيعِ حُرُوفِ الْقُرْآنِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي التَّعْلِيمِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَسِّهِ) وَكَذَا حَمْلُهُ بِالْأَوْلَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ وُجُودُ الِامْتِهَانِ فِيهِمَا وَالِاسْتِيلَاءِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ. قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بِفَمٍ مُتَنَجِّسٍ) وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ حَالَ خُرُوجِ الرِّيحِ لَا مَعَ نَحْوِ مَسٍّ أَوْ لَمْسٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ عَادَةً. اهـ. سم. وَقِيلَ تَحْرُمُ الْقِرَاءَةُ بِفَمٍ مُتَنَجِّسٍ. قَوْلُهُ: (بِحَمَّامٍ) أَيْ فِي حَمَّامٍ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا كُرِهَتْ) هَذَا شَامِلٌ لِمَا يَفْعَلُهُ السَّائِلُ فِي الطَّرِيقِ، وَعَلَى الْأَعْتَابِ فَفِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ أَيْ: فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْهَا كُرِهَتْ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ؛ إذْ لَيْسَ الْقَصْدُ إهَانَةَ الْقُرْآنِ، وَإِلَّا حُرِّمَ بَلْ رُبَّمَا كَانَ كُفْرًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ مَنْعُ الصَّغِيرِ إلَخْ) وَلَا يُمْنَعُ الصَّبِيُّ الْجُنُبُ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَفَارَقَ مَنْعُ مَسِّ الْمُصْحَفِ لِغَيْرِ حَاجَةِ تَعَلُّمِهِ بِأَنَّ بَابَ الْمُكْثِ وَالْقِرَاءَةِ أَوْسَعُ كَمَا مَرَّ فِي الْكَافِرِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ لِحَاجَةٍ هِيَ تَعَلُّمُهُ أَوْ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ لِذَلِكَ كَحَمْلِهِ لِلْمَكْتَبِ وَالْإِتْيَانِ بِهِ لِلْمُعَلِّمِ لِيُفْهِمَهُ مِنْهُ. قَالَ شَيْخُنَا كَابْنِ حَجَرٍ: وَلَوْ كَانَ حَافِظًا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ ح ل. قَوْلُهُ: (بَلْ يُنْدَبُ) أَيْ الْمَنْعُ قَوْلُهُ: (الْمُتَعَلِّقِ بِالدِّرَاسَةِ) وَلَوْ لِلْمَكْتَبِ. قَوْلُهُ (أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ) وَلَوْ لِلتَّبَرُّكِ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ سم. قَوْلُهُ (فَيَحْرُمُ تَمْكِينُهُ إلَخْ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ تَعَلُّمُهُ مِنْهُ فَإِنْ تَأَتَّى تَعَلُّمُهُ مِنْهُ لَمْ يَبْعُدْ تَمْكِينُهُ إذَا رَاقَبَهُ الْوَلِيُّ أَوْ نَائِبُهُ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مِنْ امْتِهَانِهِ سم اج. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَبْعُدُ تَمْكِينُهُ أَيْ: وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ مُكْثُهُ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ: يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ تَمْكِينُ الصَّبِيِّ مِنْ الْمُكْثِ وَالْقِرَاءَةِ، وَلَوْ مَعَ الْجَنَابَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ قَوْلُهُ: (بِأَنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ) أَيْ بِالذِّكْرِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ أَيْ فِي الْمَحَلِّ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ أَفْضَلُ) أَيْ فَالذِّكْرُ أَفْضَلُ أَيْ الِاشْتِغَالُ بِالذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَالْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ الِاشْتِغَالَيْنِ لَا بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَفْضَلُ مِنْهُ مَثَلًا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طُلِبَتْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَالِاشْتِغَالُ بِهَا أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِقِرَاءَةٍ لَمْ تُطْلَبْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (بِهَا) أَيْ بِالْقِرَاءَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وَيَكْفِيهِ تَعَوُّذٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَقْطَعْ قِرَاءَتَهُ بِكَلَامٍ أَوْ فَصْلٍ طَوِيلٍ كَالْفَصْلِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ، وَأَنْ يَجْلِسَ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ وَأَنْ يَقْرَأَ بِتَدَبُّرٍ وَخُشُوعٍ، وَأَنْ يُرَتِّلَ وَأَنْ يَبْكِيَ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ إلَّا إنْ زَادَ خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ فِي الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، فَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَتَحْرُمُ بِالشَّاذِّ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا وَهُوَ مَا نُقِلَ آحَادًا قُرْآنًا كَأَيْمَانِهِمَا فِي قَوْله تَعَالَى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ أَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَعِنْدَ آخَرِينَ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ السَّبْعَةُ السَّابِقَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَإِذَا قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ مِنْ السَّبْعِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُتِمَّ الْقِرَاءَةَ بِهَا، فَلَوْ قَرَأَ بَعْضَ الْآيَاتِ بِهَا وَبَعْضَهَا بِغَيْرِهَا مِنْ السَّبْعِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا قَرَأَهُ بِالثَّانِيَةِ مُرْتَبِطًا بِالْأُولَى، وَتَحْرُمُ   [حاشية البجيرمي] وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَذْكَارَ الْمَطْلُوبَةَ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا فِيهِ أَيْضًا بِالْأَوْلَى مِمَّا ذُكِرَ، وَلَوْ تَعَارَضَ خَاصَّانِ كَالتَّكْبِيرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ عِيدٍ هِيَ لَيْلَةُ جُمُعَةٍ رُوعِيَ الْأَقَلُّ وُقُوعًا فَيُقَدَّمُ التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَعَوَّذَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَظَاهِرُ أَنَّهُ سُنَّةُ عَيْنٍ، فَلَا يَكْفِي تَعَوُّذٌ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ عَنْ آخَرَ، وَفَارَقَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْأَكْلِ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ حُصُولُ الْبَرَكَةِ وَمَنْعُ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُنَا الْقَصْدُ اعْتِصَامُ الْقَارِئِ وَاحْتِجَابُهُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (كَالْفَصْلِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ قَدْرُ رَكْعَةٍ بِأَرْكَانِهَا وَسُنَنِهَا وَإِلَّا فَلَا يُطْلَبُ تَعَوُّذَتَانِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَجْلِسَ) الْمُرَادُ بِالْجُلُوسِ مَا عَدَا الِاضْطِجَاعَ فَيَشْمَلُ الْقِيَامَ، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ تَعْظِيمًا لَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ) أَيْ الْقِبْلَةَ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَبْكِيَ) أَيْ يَتَبَاكَى عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الْعَارِفِينَ قَالَ تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] وَطَرِيقُهُ فِي تَحْصِيلِهِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَا يَقْرَأُ مِنْ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ، ثُمَّ يَتَفَكَّرُ فِي تَقْصِيرِهِ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ حُزْنٌ وَبُكَاءٌ فَلْيَبْكِ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَصَائِبِ. قَالَ فِي الْأَذْكَارِ: وَيُنْدَبُ التَّبَاكِي لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْبُكَاءِ. شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَالْقِرَاءَةُ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ، وَهُوَ عِبَادَةٌ أُخْرَى. قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَيُنْدَبُ إصْغَاءٌ إلَيْهِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْرَأُ عَلَيْك وَعَلَيْك أُنْزِلَ؟ قَالَ إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأَتْ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى جِئْت إلَى هَذِهِ الْآيَةِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] قَالَ: حَسْبُك الْآنَ فَالْتَفَتُّ إلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ» اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَقَالَ الشَّعْرَانِيُّ: أَخَذَ عَلَيْنَا الْعُهُودَ إذَا كُنَّا فِي تِلَاوَةِ قُرْآنٍ أَوْ قِرَاءَةِ حَدِيثٍ، أَوْ كُنَّا نُكَلِّمُ أَحَدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، أَوْ مِنْ الْعُلَمَاءِ، فَلَا نَقْطَعُ ذَلِكَ الْكَلَامَ لِكَلَامِ مَنْ هُوَ دُونَهُمْ إلَّا بَعْدَ أَنْ نَأْخُذَ إجَازَةً بِقَوْلِنَا: " دُسْتُورٌ يَا اللَّهُ أَوْ دُسْتُورٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَدُسْتُورٌ يَا سَيِّدِي فُلَانٌ فِي كَلَامِ فُلَانٍ، فَمَنْ وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ أَثْمَرَ لَهُ الْحُضُورَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَمَالَ الْمُرَاقَبَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كُنَّا فِي صَلَاةٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ ذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ ثُمَّ حَصَلَ لَنَا نُعَاسٌ أَنْ نَسْكُتَ مِمَّا كُنَّا فِيهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَدَبِ أَنْ لَا نُنَاجِيَ الْحَقَّ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا إذَا اجْتَمَعَتْ حَوَاسُّنَا وَلَمْ تَتَخَلَّفْ عَنْ التَّوَجُّهِ مِنَّا شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ بِالشَّاذِّ) وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ إنْ تَعَمَّدَ وَغَيَّرَ الْمَعْنَى ق ل. قَوْلُهُ: (مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ) اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ م ر. قَوْلُهُ: (أَبُو عَمْرٍو) بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَبِالْجَرِّ بَدَلًا عَنْ السَّبْعَةِ. قَوْلُهُ: (وَنَافِعٌ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُ نَافِعٍ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ كَمَا قَالَهُ ح ف. قَوْلُهُ: (وَابْنُ كَثِيرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ. قَوْلُهُ: (وَابْنُ عَامِرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ. قَوْلُهُ: (وَالْكِسَائِيُّ) اسْمُهُ عَلِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ السَّبْعِ) الْأَوْلَى لِرَاوٍ مِنْ السَّبْعِ ق ل؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقُرَّاءِ رِوَايَاتٍ. قَوْلُهُ: (مُرْتَبِطًا بِالْأُولَى) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَعَلُّقٌ وَارْتِبَاطٌ وَذَلِكَ كَنَصْبِ آدَمَ وَكَلِمَاتٍ فِي {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] أَوْ رَفْعِهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 الْقِرَاءَةُ بِعَكْسِ الْآيِ لَا بِعَكْسِ السُّوَرِ، وَلَكِنْ تُكْرَهُ إلَّا فِي تَعْلِيمٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِلتَّعْلِيمِ، وَيَحْرُمُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِلَا عِلْمٍ وَنِسْيَانُهُ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ كَبِيرَةٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ: أُنْسِيت كَذَا لَا نَسِيته؛ إذْ لَيْسَ هُوَ فَاعِلُ النِّسْيَانِ، وَيُنْدَبُ خَتْمُهُ أَوَّلَ نَهَارٍ أَوْ لَيْلٍ وَالدُّعَاءُ بَعْدَهُ وَحُضُورُهُ وَالشُّرُوعُ بَعْدَهُ فِي خَتْمَةٍ أُخْرَى، وَكَثْرَةُ تِلَاوَتِهِ، وَقَدْ أَفْرَدَ الْكَلَامَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ   [حاشية البجيرمي] قَالَهُ م د وَقَوْلُهُ كَنَصْبِ آدَمَ وَكَلِمَاتٍ مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ وَنَصْبُ آدَمَ مِنْ الْقِرَاءَةِ الَّتِي فِيهَا نَصْبُ آدَمَ وَرَفْعُ كَلِمَاتٍ وَنَصْبُ كَلِمَاتٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ فَنَصَبُهُمَا مُلَفَّقٌ مِنْ الْقِرَاءَتَيْنِ وَكَذَلِكَ رَفْعُهُمَا، فَرَفْعُ آدَمَ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَرَفْعُ كَلِمَاتٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ مُرْتَبِطًا بِالْأُولَى، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ أَيْ فَيُكْرَهُ. قَوْلُهُ: (بِعَكْسِ الْآيِ) وَمِثْلُهُ عَكْسُ الْكَلِمَاتِ أَوْ عَكْسُ الْحُرُوفِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ إعْجَازَهُ وَيُزِيلُ حِكْمَةَ التَّرْتِيبِ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِلتَّعْلِيمِ) وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ يَقَعُ مُتَفَرِّقًا. قَوْلُهُ: (بِلَا عِلْمٍ) بِأَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى أَلْفَاظِهِ أَوْ مَعْنَى كَلِمَاتِهِ أَوْ مَعْنَى تَرَاكِيبِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ق ل. قَوْلُهُ: (وَنِسْيَانُهُ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ كَبِيرَةٌ) أَيْ إنْ كَانَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِنْ حَفِظَهُ قَبْلَهُ ق ل. وَضَابِطُهُ أَنْ يَنْقُصَ عَمَّا كَانَ يَقْرَؤُهُ، وَلَوْ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ، وَلَوْ كَانَ بِعُذْرٍ كَمَرَضٍ بِهِ، وَاشْتِغَالٍ بِصَنْعَةٍ رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالدُّعَاءُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ خَتْمِهِ وَيَتَأَكَّدُ الصَّوْمُ يَوْمَ خَتْمِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَيَجُوزُ وَضْعُ الْمُصْحَفِ فِي رَفِّ خِزَانَةٍ وَوَضْعُ نَحْوِ تَرْجِيلٍ فِي رَفٍّ أَعْلَى مِنْهُ وَيَحْرُمُ وَضْعُ الْمُصْحَفِ عَلَى الْأَرْضِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رَفْعِهِ عُرْفًا وَلَوْ قَلِيلًا اهـ. كَذَا بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ م د. قَوْلُهُ: (وَحُضُورُهُ) أَيْ الْخَتْمِ أَيْ حُضُورُ مَجْلِسِهِ. 1 - خَاتِمَةٌ: تَعَلُّمُ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِأَنْ تَحْفَظَهُ عَلَى ظَهْرِ قَلْبٍ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ، تَعَلُّمُ وَاحِدٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ جَمْعٍ بِحَيْثُ يَظْهَرُ حُفَّاظُهُ، أَوْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ بَلَدٍ مِنْ ذَلِكَ مَحَلُّ نَظَرٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْقَاضِي وَالْمُفْتِي قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَلَا يَكْفِي فِي الْإِقْلِيمِ مُفْتٍ بَلْ يَجِبُ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَ كُلِّ مُفْتِيَيْنِ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ، وَفِي كُلِّ مَسَافَةِ عَدْوَى قَاضٍ وَحَافِظُ الْقُرْآنِ، وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِحِفْظِهِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ سَائِرِ الْعُلُومِ دُونَ فَرْضِ الْعَيْنِ مِنْهَا، وَأُجْرَةُ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لِلصَّبِيِّ فِي مَالِهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ فِي تَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ مَصْلَحَةٌ، فَلَوْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي تَعْلِيمِهِ صَنْعَةً يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهَا مَعَ احْتِيَاجِهِ لِذَلِكَ، وَعَدَمِ تَيَسُّرِ النَّفَقَةِ لَهُ إذَا اشْتَغَلَ بِالْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ شُغْلُهُ بِهِ وَلَا بِتَعْلِيمِ الْعِلْمِ، بَلْ يُشْغِلُهُ بِمَا يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَصْلَحَةٌ وَإِنْ كَانَ ذَكِيًّا وَظَهَرَتْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ النَّجَابَةِ، نَعَمْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ عِبَادَتِهِ يَجِبُ تَعْلِيمُهُ لَهُ وَلَوْ بَلِيدًا، وَأُجْرَةُ التَّعْلِيمِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا فَفِي مَالِ وَلِيِّهِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ فَقِيهًا كَمَا أَفَادَهُ ع ش عَلَى م ر. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْبَيْتَ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ خَيْمَةٌ مِنْ نُورٍ يَهْتَدِي بِهَا أَهْلُ السَّمَاءِ كَمَا يُهْتَدَى بِالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ وَفِي الْأَرْضِ الْقَفْرَاءِ، فَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ رُفِعَتْ تِلْكَ الْخَيْمَةُ فَتَنْظُرُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ السَّمَاءِ فَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ النُّورَ فَتَتَلَقَّاهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ، فَتُصَلِّي عَلَى رُوحِهِ ثُمَّ تَسْتَغْفِرُ لَهُ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَعْلَمُ كِتَابَ اللَّهِ، ثُمَّ صَلَّى سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا أَوْصَتْ بِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةُ الْمَاضِيَةُ اللَّيْلَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ أَنْ نَبِّهِيهِ لِسَاعَتِهِ، وَأَنْ تَكُونِي عَلَيْهِ خَفِيفَةً، فَإِذَا مَاتَ جَاءَ الْقُرْآنُ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ جَمِيلَةٍ فَوَقَفَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَتَدَرَّجَ فِي أَكْفَانِهِ فَيَكُونُ الْقُرْآنُ عَلَى صَدْرِهِ دُونَ الْكَفَنِ، فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَسُوِّيَ عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَتْ عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَتَاهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فَيُجْلِسَانِهِ فِي قَبْرِهِ، فَيَجِيءُ الْقُرْآنُ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فَيَقُولَانِ لَهُ: إلَيْك عَنْهُ أَيْ تَنَحَّ عَنْهُ حَتَّى نَسْأَلَهُ، فَيَقُولُ: لَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ إنَّهُ لَصَاحِبِي وَخَلِيلِي، فَإِنْ كُنْتُمَا أُمِرْتُمَا بِشَيْءٍ فَامْضِيَا لِمَا أُمِرْتُمَا وَدَعَانِي مَكَانِي، فَإِنِّي لَسْت أُفَارِقُهُ حَتَّى أُدْخِلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 بِالتَّصَانِيفِ، وَفِيمَا ذَكَرْته تَذْكِرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ.   [حاشية البجيرمي] الْجَنَّةَ» . وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ. وَوَرَدَ: «أَنَّ دَرَجَ الْجَنَّةِ بِعَدَدِ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ يُقَالُ لِصَاحِبِهِ اقْرَأْ وَارْقَ فَآخِرُ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ يَقْرَؤُهَا» . وَلَمْ يَرِدْ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا خُصُوصِيَّةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُقْرَأُ فِي الْجَنَّةِ إلَّا كِتَابُهُ أَيْ النَّبِيِّ، وَلَا يُتَكَلَّمُ فِي الْجَنَّةِ إلَّا بِلِسَانِهِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْخَصَائِصِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 كِتَابُ الصَّلَاةِ جَمْعُهَا صَلَوَاتٌ وَهِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ وَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى التَّعَطُّفِ عُدِّيَتْ بِعَلَى   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ الصَّلَاةِ] ِ أَيْ بَيَانُ حَقِيقَتِهَا وَعَدَدِهَا وَحُكْمِهَا. وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ حَيْثُ جَمْعُ الْخَمْسِ وَالْكَيْفِيَّةُ الْآتِيَةُ، وَهِيَ أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ الظَّاهِرَةِ، فَفَرْضُهَا أَفْضَلُ الْفَرَائِضِ وَنَفْلُهَا أَفْضَلُ النَّوَافِلِ وَأَفْضَلُهَا الْجُمُعَةُ، ثُمَّ عَصْرُهَا ثُمَّ عَصْرُ غَيْرِهَا، ثُمَّ صُبْحُهَا ثُمَّ صُبْحُ غَيْرِهَا، ثُمَّ الْعِشَاءُ، ثُمَّ الظُّهْرُ، ثُمَّ الْمَغْرِبُ وَبَعْدَهَا الصَّوْمُ، ثُمَّ الْحَجُّ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَمَا يَأْتِي ق ل مَعَ زِيَادَةٍ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَأَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ طَلَبُ الْعِلْمِ الْعَيْنِيِّ وَأَهَمُّهُ مَا يَحْتَاجُهُ الْمُكَلَّفُ حَالًا ثُمَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ الصَّوْمُ وَسَائِرُ الشَّرِيعَةِ فُرِضَتْ بِوَاسِطَةِ الْوَحْيِ إلَّا الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا مِنْ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْفَرِجَةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ: الْعِبَادَةُ مَا تُعُبِّدَ بِهِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَمَعْرِفَةُ الْمَعْبُودِ وَالْقُرْبَةُ مَا تُقُرِّبَ بِهِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَالطَّاعَةُ غَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّهَا امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. قَالَ: وَالطَّاعَةُ تُوجَدُ بِدُونِهِمَا فِي النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ، إذْ مَعْرِفَتُهُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالنَّظَرِ، وَالْقُرْبَةُ تُوجَدُ بِدُونِ الْعِبَادَةِ فِي الْقُرَبِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ بَيْنَ الثَّلَاثِ تَبَايُنًا بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، وَأَمَّا بِحَسَبِ التَّحْقِيقِ فَبَيْنَ الطَّاعَةِ وَكُلٍّ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبَةِ عُمُومٌ مُطْلَقٌ، فَكُلُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ أَوْ قُرْبَةٌ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَاعَةٌ وَلَا عَكْسَ، وَالطَّاعَةُ أَعَمُّ الثَّلَاثِ وَالْعِبَادَةُ أَخَصُّهَا وَالْقُرْبَةُ أَعَمُّ مِنْ الْعِبَادَةِ وَأَخَصُّ مِنْ الطَّاعَةِ فَهِيَ أَوْسَطُهَا اهـ. وَهِيَ اسْمُ مَصْدَرٍ. وَأَمَّا الْمَصْدَرُ فَهُوَ التَّصْلِيَةُ وَأَلِفُهَا أَصْلُهَا وَاوٌ بِدَلِيلِ الْجَمْعِ عَلَى صَلَوَاتٍ قُلِبَتْ أَلِفًا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَرُسِمَتْ وَاوًا تَفْخِيمًا وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ صَلَيْت الْعُودَ بِالنَّارِ إذَا عَطَفْته لِانْعِطَافِ أَعْضَاءِ الْمُصَلِّي أَوْ مِنْ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي جَانِبَيْ الْخَاصِرَةِ يَنْحَنِيَانِ عِنْدَ انْحِنَاءِ الْمُصَلِّي. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَيَاةَ إذَا لَمْ تُضَفْ تُكْتَبُ بِالْوَاوِ عَلَى الْأَشْهَرِ اتِّبَاعًا لِلْمُصْحَفِ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَكْتُبُهَا بِالْأَلِفِ أَمَّا إذَا أُضِيفَتْ فَلَا يَجُوزُ كِتَابَتُهَا إلَّا بِالْأَلِفِ، سَوَاءٌ أُضِيفَتْ إلَى ظَاهِرٍ أَوْ مُضْمَرٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ) وَتُطْلَقُ أَيْضًا لُغَةً عَلَى مَا مَرَّ أَوْ الْكِتَابُ، وَهُوَ أَنَّهَا مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ غَيْرِهِمَا تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مَعْنًى شَرْعِيٌّ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ اسْتِغْفَارٌ أَيْ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ اغْفِرْ كَارْحَمْ وَاعْفُ. تَنْبِيهٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ لِبَعْضِ الْفُضَلَاءِ عَنْ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى النَّبِيِّ وَصَلَاةِ الْآدَمِيِّينَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: صَلَاةُ الْآدَمِيِّينَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْجَوَابَ مَا نَقَلَهُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ بِقَوْلِهِ: وَمِنْهَا أَنَّ طَاعَاتِ الْبَشَرِ أَكْمَلُ مِنْ طَاعَاتِ الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَهُمْ بِهَا مَعَ وُجُودِ صَوَارِفَ عَنْهَا قَائِمَةٍ بِهِمْ وَخَارِجَةٍ عَنْهُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِعْلَ الشَّيْءِ مَعَ مَشَقَّةٍ وَوُجُودِ الصَّارِفِ عَنْهُ أَبْلَغُ مِنْ الطَّاعَةِ وَالْإِذْعَانِ مِنْ فِعْلِهِ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ، إذْ لَا امْتِحَانَ فِيهِ بِوَجْهٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلِتَضَمُّنِهَا إلَخْ) فَعَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ أَوْ بَاقِيَةٌ عَلَى مَعْنَاهَا لِتَضَمُّنِ الصَّلَاةِ مَعْنَى التَّعَطُّفِ فَقَوْلُهُ وَلِتَضَمُّنِهَا جَوَابٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 وَشَرْعًا أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ وَلَا تَرِدُ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْغَالِبِ فَتَدْخُلُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ غَيْرَ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ لِقَوْلِهِمْ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ إطْلَاقًا لِاسْمِ   [حاشية البجيرمي] ثَانٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ لِتَضَمُّنِهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ) وَالْأَقْوَالُ الْوَاجِبَةُ خَمْسَةٌ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى وَالْأَفْعَالُ الْوَاجِبَةُ ثَمَانِيَةٌ: النِّيَّةُ وَالْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالِاعْتِدَالُ وَالسُّجُودُ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ وَلِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَالتَّرْتِيبُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَقْوَالِ هُنَا وَالْأَفْعَالِ مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَفْعَالِ مَا يَشْمَلُ الْفِعْلَ الْقَلْبِيَّ فَدَخَلَتْ النِّيَّةُ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ. قَوْلُهُ: (بِشَرَائِطَ) هَذَا لَيْسَ مِنْ بَقِيَّةِ أَجْزَاءِ التَّعْرِيفِ، إذْ الْمَاهِيَّةُ تَتَحَقَّقُ فِي الذِّهْنِ بِدُونِهَا كَمَا أَنَّهَا تُوجَدُ فِي الْخَارِجِ بِدُونِهَا كَمَنْ صَلَّى مُحْدِثًا غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ. اهـ. ع ش عَلَى الْغَزِّيِّ. قَوْلُهُ: (فَتَدُلُّ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ) الْأُولَى وَتَدْخُلُ بِالْوَاوِ. وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فَتَدْخُلُ. قَوْلُهُ (يَشْمَلُ الْوَاجِبَ) إلَخْ وَالْأَفْعَالُ الْوَاجِبَةُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ هِيَ الْقِيَامَاتُ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ لِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ فِعْلٍ مُسْتَقِلٍّ. وَقَوْلُهُ: لِقَوْلِهِمْ إلَخْ. عِلَّةٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ غَيْرَ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ أَيْ: وَالشَّيْءُ قَدْ يُفْتَتَحُ بِمَا هُوَ مِنْهُ كَافْتِتَاحِ الْقُرْآنِ بِالْفَاتِحَةِ وَكَمَا هُنَا وَقَدْ يُفْتَتَحُ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ. وَحَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ التَّعْرِيفَ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ صَلَاةِ الْأَخْرَسِ وَغَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ صَلَاةَ الْأَخْرَسِ لَا تَرِدُ لِنُدْرَتِهَا وَسَجْدَتِي التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ خَارِجَتَانِ بِلَفْظِ أَفْعَالٍ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا فِعْلٌ وَاحِدٌ مُفْتَتَحٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمٌ بِالتَّسْلِيمِ هَكَذَا أَجَابَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِابْنِ الْعِمَادِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ لَيْسَتَا فِعْلًا وَاحِدًا لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى النِّيَّةِ وَالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ: وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَفْعَالٌ مَخْصُوصَةٌ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ فَتَدْخُلُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ أَيْ بِقَوْلِهِ فِي الْغَالِبِ، إذَا لَا أَفْعَالَ فِيهَا وَكَذَا صَلَاةُ الْمَرِيضِ وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ فِي الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْأَخْرَسِ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ الْأَقْوَالِ وَهُوَ الْإِشَارَةُ بِلِسَانِهِ وَشَفَتَيْهِ إلَيْهَا، لَكِنَّ هَذَا خَاصٌّ بِمَنْ عَرَضَ خَرَسُهُ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَالْقِيَامَاتُ فِيهَا أَفْعَالٌ، وَصَلَاةُ الْمَرِيضِ فِيهَا إجْرَاءُ الْأَرْكَانِ عَلَى قَلْبِهِ فَفِيهَا فِعْلُ الْقَلْبِ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْغَالِبِ يُدْخِلُ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، فَالْمُرَادُ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ وَلَوْ حُكْمًا، وَالتَّعْرِيفُ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ الصَّلَاةِ شَرْعًا فَلَا يَضُرُّ عُرُوضُ مَانِعٍ كَخَرَسٍ وَمَرَضٍ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ) تَعْرِيفُهُ عَلَى كَوْنِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لِلْغَالِبِ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي إدْخَالَهُمَا لَا إخْرَاجَهُمَا، وَكَانَ الصَّوَابُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ بِخِلَافِ إلَخْ. وَكَأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ صَلَاةَ الْأَخْرَسِ لَمَّا كَانَ فِيهَا أَفْعَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِيهَا أَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ كَفَى فِي إدْخَالِهِمَا النَّظَرُ لِلْغَالِبِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ لَمَّا كَانَا فِعْلًا وَاحِدًا عُرْفًا خَرَجَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ التَّكْبِيرِ الْمَقْرُونِ بِهِ النِّيَّةُ وَالتَّسْلِيمُ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ إلَخْ. فَبَقِيَ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَجْدَةِ إلَخْ. لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ الْخَلَلِ وَالتَّنَاقُضِ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى. وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الْوَاجِبَةِ فَقَطْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَتَدْخُلُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَتَخْرُجُ السَّجْدَتَانِ اهـ بِالْحَرْفِ. وَفِي دُخُولِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَرِدُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ قَوْلَهُمْ) الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ. وَقَوْلُهُمْ أَقْوَالٌ إلَخْ. فَيَجْعَلُهُ فَائِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عِلَّةً لِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ إلَخْ. اقْتَضَى إدْخَالَهُمَا لَا إخْرَاجَهُمَا، وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَحَطَّ الْعِلَّةِ وَالْمَقْصُودَ مِنْهَا هُوَ قَوْلُهُ غَيْرَ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ، إذْ الْمَقْصُودُ إنَّهُمَا لَمْ يَشْتَمِلَا إلَّا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ بَعْدَ إخْرَاجِ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ مِنْهُمَا، فَلَمْ يَدْخُلَا فِي التَّعْرِيفِ، وَإِنْ كَانَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ فَتَدْخُلُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ صَحَّ لَكِنْ كَانَ الْمُتَبَادِرُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ وَتَدْخُلُ صَلَاةٌ بِوَاوِ الِاسْتِئْنَافِ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ التَّكْبِيرِ) صِفَةٌ لِلْوَاجِبِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مُفْتَتَحًا بِهِ الشَّيُّ أَوْ مُخْتَتَمًا بِهِ لَيْسَ مِنْهُ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ النِّيَّةِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ أَرْكَانِ الْعِبَادَاتِ وَالتَّسْلِيمَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رُكْنُ الشَّيْءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 الْجُزْءِ عَلَى اسْمِ الْكُلِّ وَقَدْ بَدَأَ بِالْمَكْتُوبَاتِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ وَأَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ أَيْ الْعَيْنِيَّةُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ   [حاشية البجيرمي] خَارِجًا عَنْ حَقِيقَتِهِ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَسُمِّيَتْ) أَيْ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ. وَقَوْلُهُ: بِذَلِكَ أَيْ بِالصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (لِاسْمِ الْجُزْءِ إلَخْ) يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَزِيَّةٌ كَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَالدُّعَاءُ هُنَا هَيْئَةٌ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يَشْمَلُ الدُّعَاءَ الَّذِي فِي الْفَاتِحَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] إلَخْ. قَوْلُهُ: (عَلَى اسْمِ الْكُلِّ) صَوَابُهُ إسْقَاطُ لَفْظِ اسْمٍ مَعَ أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ لَامُ التَّعْرِيفِ فِي الْفَصِيحِ ق ل. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ الْكُلُّ الْمُسَمَّى، كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ فَاسِدٌ، وَكَذَا قَوْلُ اج إنَّهُ مِنْ الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ اهـ. نَعَمْ إنْ أُرِيدَ بِالِاسْمِ الْمُسَمَّى صَحَّ. قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُ) عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ. قَوْلُهُ: (وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الصَّلَوَاتُ إلَخْ) وَهِيَ أَوْلَى لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ خَمْسٌ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى جَعْلِ اللَّامِ فِي الصَّلَاةِ لِلْجِنْسِ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْعَيْنِيَّةُ) أَيْ الْمَطْلُوبَةُ مِنْ كُلِّ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ خَرَجَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ م ر فِي شَرْحِ الزُّبَدِ: فَرْضُ الْعَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِشِدَّةِ اعْتِنَاءِ الشَّارِعِ بِهِ لِقَصْدِهِ حُصُولَهُ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ فِي الْأَغْلَبِ، وَإِنْ زَعَمَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَالِدُهُ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُصَانُ بِقِيَامِ الْبَعْضِ بِهِ الْكَافِي فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ عَنْ الْإِثْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى تَرْكِهِمْ لَهُ، وَفَرْضُ الْعَيْنِ إنَّمَا يُصَانُ بِالْقِيَامِ بِهِ عَنْ الْإِثْمِ الْقَائِمِ فَقَطْ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ اهـ. فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ عَلَى سُقُوطِهِ بِوَاحِدٍ أَنْ لَا يَصِحَّ فِعْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ صُدُورِهِ مِنْ آخَرَ لِسُقُوطِ الْخِطَابِ فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ ذَلِكَ فِي نَحْوِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَمَا الْجَمْعُ؟ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَسُنَّتِهَا خِطَابَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يُقْصَدُ بِهِ حُصُولُ الْفِعْلِ بِدَفْعِ الْإِثْمِ فِي الْأَوَّلِ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى أَوْ الْكَرَاهَةُ فِي الثَّانِي، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَسْقُطُ بِالْوَاحِدِ. وَالثَّانِي: يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ الْفِعْلِ لِأَجْلِ مُصْلِحَةِ حُصُولِ الثَّوَابِ وَهَذَا الَّذِي لَا يَسْقُطُ بِالْوَاحِدِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ بِعَيْنِهِ. فَإِنْ قُلْت: يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةُ الْكِفَايَةِ مُتَضَمِّنَةً سُنَّةَ الْعَيْنِ. قُلْت: لَك أَنْ تُلْزِمَهُ لَكِنْ سُنَّةُ الْعَيْنِ الَّتِي تَتَضَمَّنُهَا سُنَّةُ الْكِفَايَةِ لَيْسَتْ كَسُنَّةِ الْعَيْنِ الْمَطْلُوبَةِ بِخُصُوصِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ فِي تَرْكِهَا كَرَاهَةٌ وَلَا خِلَافُ الْأَوْلَى، بِخِلَافِهِ تِلْكَ وَلَك أَنْ تَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّ هُنَا الْمُتَضَمَّنُ لَا يُسَمَّى سُنَّةَ عَيْنٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ سُنَّةَ الْعَيْنِ هِيَ الَّتِي طُلِبَتْ مَعَ النَّظَرِ لِفَاعِلِهَا بِالذَّاتِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَيَلْزَمُ عَلَى تَرْتِيبِ الثَّوَابِ عَلَى حُصُولِهَا كَوْنُهَا تُسَمَّى سُنَّةَ عَيْنٍ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ اهـ شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) وَلَوْ تَقْدِيرًا فَشَمِلَ أَيَّامَ الدَّجَّالِ وَصَبِيحَةَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا اهـ. وَحِكْمَةُ اخْتِصَاصِ الْخَمْسِ بِهَذِهِ الْأَوْقَاتِ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، وَكَذَا خُصُوصُ عَدَدِ كُلٍّ مِنْهَا وَمَجْمُوعُ عَدَدِهَا مِنْ كَوْنِهِ سَبْعَةَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. وَأَبْدَى بَعْضُهُمْ لِذَلِكَ حِكَمًا. مِنْهَا تَذَكُّرُ الْإِنْسَانِ بِهَا نَشْأَتَهُ إذْ وِلَادَتُهُ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَنَشْؤُهُ كَارْتِفَاعِهَا وَشَبَابُهُ كَوُقُوفِهَا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ، وَكُهُولَتُهُ كَمَيْلِهَا وَشَيْخُوخَتُهُ كَقُرْبِهَا مِنْ الْغُرُوبِ وَمَوْتُهُ كَغُرُوبِهَا، زَادَ بَعْضُهُمْ وَفَنَاءُ جِسْمِهِ كَانْمِحَاقِ أَثَرِهَا وَهُوَ مَغِيبُ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ فَوَجَبَتْ الْعِشَاءُ حِينَئِذٍ تَذْكِيرًا لِذَلِكَ، كَمَا أَنَّ كَمَالَهُ فِي الْبَطْنِ وَتَهَيُّؤُهُ لِلْخُرُوجِ كَطُلُوعِ الْفَجْرِ الَّذِي هُوَ مُقَدِّمَةٌ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ الْمُشَبَّهِ بِالْوِلَادَةِ فَوَجَبَتْ الصُّبْحُ حِينَئِذٍ، وَمِنْهَا: حِكْمَةُ كَوْنِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ بَقَاءُ كَسَلِ النَّوْمِ وَالْعَصْرَيْنِ أَيْ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ أَرْبَعًا تَوَفُّرُ النَّشَاطِ عِنْدَهُمَا بِمُعَانَاةِ الْأَسْبَابِ وَالْمَغْرِبُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ وَلَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا بُتَيْرَاءُ تَصْغِيرُ بَتْرَاءَ مِنْ الْبَتْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَأُلْحِقَتْ الْعِشَاءُ بِالْعَصْرَيْنِ لِيَنْجَبِرَ نَقْصُ اللَّيْلِ عَنْ النَّهَارِ، إذْ فِيهِ فَرْضَانِ وَفِي النَّهَارِ ثَلَاثَةٌ لِكَوْنِ النَّفْسِ عَلَى الْحَرَكَةِ فِيهِ أَقْوَى. وَمِنْهَا: حِكْمَةُ كَوْنِ عَدَدِهَا سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] أَيْ حَافِظُوا عَلَيْهَا دَائِمًا بِإِكْمَالِ وَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]   [حاشية البجيرمي] سَاعَاتِ الْيَقِظَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْهَا النَّهَارُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً وَنَحْوُ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ أَوَّلُ اللَّيْلِ وَسَاعَتَيْنِ آخِرَهُ، فَكُلُّ رَكْعَةٍ تُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَاعَةٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَامَ يُصَلِّي أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَوُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى عَاتِقِهِ فَكُلَّمَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ تَسَاقَطَتْ عَنْهُ» . اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (خَمْسٌ) وَلَا يَرِدُ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّهَا خَامِسَةُ يَوْمِهَا وَإِيرَادُ بَعْضِهِمْ لَهَا مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ: كُلَّ يَوْمٍ مَعَ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِوُجُوبِ الْخَمْسِ وَقَعَ قَبْلَ فَرْضِهَا وَحِينَ فُرِضَتْ لَمْ تُجْمَعْ مَعَ الظُّهْرِ. قَالَ ح ل: وَقَدْ يَجِبُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَنَّ بَعْضَ أَيَّامِ الدَّجَّالِ كَسَنَةٍ وَهُوَ أَوَّلُهَا، وَثَانِيهَا كَشَهْرٍ، وَثَالِثُهَا كَجُمُعَةٍ» . وَسُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ هَلْ يَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟ فَقَالَ: «لَا اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» وَالْأَمْرُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِالتَّقْدِيرِ وَيُقَاسُ بِهِ الْأَخِيرَانِ بِأَنْ يُقَدِّرَ قَدْرَ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَتُصَلَّى وَهُوَ جَارٍ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَإِقَامَةِ الْأَعْيَادِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ فَيُصَلِّي الْوِتْرَ وَالتَّرَاوِيحَ، وَيُسِرُّ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ وَمَوَاقِيتُ الْحَجِّ وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَأَيَّامُ مِنًى، وَكَذَا الْعِدَّةُ. وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا امْرَأَةٌ مَاتَ زَوْجُهَا وَلَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَكَثَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ قَوْمٍ مُدَّةً. قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ تَكَرَّرَتْ الصَّلَاةُ عِنْدَنَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ؟ فَالْجَوَابُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِنَا لِنَتَذَكَّرَ ذُنُوبَنَا عِنْدَ طَهَارَتِنَا وَيَحْصُلَ لَنَا الرِّضَا وَالشَّرَفُ كُلَّمَا وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَجْبُرَ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْخَلَلَ الْوَاقِعَ مِنَّا بِالْمَعَاصِي وَالْغَفَلَاتِ بَيْنَ كُلِّ صَلَاةٍ وَصَلَاةٍ فَيَتُوبُ أَحَدُنَا، وَيَسْتَغْفِرُ مِمَّا جَنَاهُ مِنْ الْمُخَالَفَاتِ عَلَى حَسَبِ مَقَامِ ذَلِكَ الْمُتَطَهِّرِ مِنَّا أَوْ الْمُصَلِّي، كَمَا أَنَّهُ إذَا قَالَ أَذْكَارَ الْوُضُوءِ الْوَارِدَةَ يُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ الْخَاصَّةُ بِالْوُضُوءِ، ثُمَّ إنَّهُ يَقُومُ لِلصَّلَاةِ فَيُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ الْخَاصَّةُ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ كُلَّ مَأْمُورٍ شَرْعِيٍّ إنَّمَا شُرِعَ كَفَّارَةً لِفِعْلٍ وَقَعَ الْعَبْدُ فِيهِ مِمَّا يُسْخِطُ اللَّهَ تَعَالَى، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَتِهِ كَفَّارَةً لَهُ كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ أَهْلُ الْكَشْفِ، فَلَوْ كُشِفَ لِلْعَبْدِ لَرَأَى ذُنُوبَهُ تَتَسَاقَطُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَفِيهِ كَلَامٌ يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ. قَالَ ح ل فِي السِّيرَةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ الصَّلَوَاتِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسًا أَنَّ الْحَوَاسَّ لَمَّا كَانَتْ خَمْسَةً وَالْحَوَاسُّ تَقَعُ بِوَاسِطَتِهَا الْمَعَاصِي كَانَتْ كَذَلِكَ لِتَكُونَ مَاحِيَةً لِمَا يَقَعُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ الْمَعَاصِي أَيْ: بِسَبَبِ تِلْكَ الْحَوَاسِّ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ بِبَابِ أَحَدِكُمْ نَهْرٌ يَغْتَسِلُ مِنْهُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَكَانَ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ أَيْ وَسَخِهِ شَيْئًا. قَالُوا: لَا؟ قَالَ: فَذَاكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا» قِيلَ: وَجُعِلَتْ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ لِتُوَافِقَ أَجْنِحَةَ الْمَلَائِكَةِ كَأَنَّهَا جُعِلَتْ أَجْنِحَةً لِلشَّخْصِ يَطِيرُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ. قَوْلُهُ: (مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ إلَخْ) أَيْ عِلْمُهَا مِنْ الدِّينِ صَارَ كَالضَّرُورِيِّ وَهُوَ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ مَا لَا تَجْهَلُهُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ فَلَا يَرِدُ مَا يُقَالُ. إنَّ الضَّرُورِيَّ خَاصٌّ بِالْمُدْرَكِ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَيْ بَعْدَ ثُبُوتِهَا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهَا إلَخْ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَيْ اُشْتُهِرَتْ اشْتِهَارًا يُقَرِّبُهَا مِنْ الضَّرُورِيِّ لَا أَنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ فِي نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ الضَّرُورِيَّ مَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَهِيَ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا بِالدَّلِيلِ اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ الدِّينِ) أَيْ مِنْ أَدِلَّةِ الدِّينِ. 1 - قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهَا) أَيْ فِي فَرْضِهَا وَعَدَدِهَا، وَكَانَتْ مَشْرُوعِيَّتُهَا رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ الْخَمْسِ ثُمَّ زِيدَ فِي الظُّهْرِ. اثْنَانِ ثُمَّ فِي الْعَصْرِ كَذَلِكَ ثُمَّ فِي الْمَغْرِبِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ فِي الْعِشَاءِ اثْنَانِ ثُمَّ بَقِيَتْ الصُّبْحُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا قَبْلُ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ غَالِبًا فِي وَقْتِ الْكَسَلِ، وَاخْتِصَاصُهَا بِهَذِهِ الْأَوْقَاتِ تَعَبُّدِيٌّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (أَيْ حَافِظُوا) فِيهِ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْآيَةِ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ السُّنَنَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ لِلْوُجُوبِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْ ائْتُوا بِهَا م د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 أَيْ مُحَتَّمَةً مُؤَقَّتَةً وَأَخْبَارٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» «وَقَوْلُهُ لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ وَهَلْ   [حاشية البجيرمي] وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْإِقَامَةِ لُغَةً، فَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَقَامَ الصَّلَاةَ أَدَامَ فِعْلَهَا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدَّوَامَ يَسْتَلْزِمُ الْمُحَافَظَةَ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ دَائِمًا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَعْمَلُ فِي مُطْلَقِ الطَّلَبِ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ. قَوْلُهُ: (قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ} [النساء: 103] إلَخْ) أَتَى بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ لِأَجْلِ بَيَانِ الْوَقْتِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مَعَ قَوْلِهِ آيَاتٌ لِاشْتِهَارِهِمَا، وَأَمَّا الْأَخْبَارُ فَذَكَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةً كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا قَوْلُهُ: (أَيْ مُحَتَّمَةً مُؤَقَّتَةً) وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ: كِتَابًا مَوْقُوتًا أَيْ مَفْرُوضًا مَكْتُوبًا مُقَدَّرًا وَقْتُهَا فَلَا تُؤَخَّرُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي» ) وَفِي رِوَايَةٍ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي، وَالْمُرَادُ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ وَهُمْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] الْآيَةَ. وَالْمُرَادُ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يُعْطَوْا فَضِيلَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلِذَا يَحْرِصُونَ عَلَى اسْتِمَاعِهِ مِنْ الْإِنْسِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ كَرَامَةٌ أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا الْإِنْسَ غَيْرَ أَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْجِنِّ يَقْرَءُونَهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ لَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَوْ لَا جَمِيعُهُ. قَوْلُهُ: (خَمْسِينَ صَلَاةً) أَيْ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَشَرُ صَلَوَاتٍ وَكَانَتْ كُلُّ صَلَاةٍ رَكْعَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ: (فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ) أَيْ بِإِرْشَادٍ مِنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْمُرَاجَعَةُ تِسْعُ مَرَّاتٍ وَفِي كُلِّهَا يَرَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَأْمُرْهُ إبْرَاهِيمُ بِالرُّجُوعِ لِرَبِّهِ فِي شَأْنِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ قَبْلَ مُوسَى؟ أُجِيبَ: بِأَنَّهُ خَلِيلُ اللَّهِ وَالْخَلِيلُ شَأْنُهُ التَّسْلِيمُ وَمُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ وَالْكَلِيمُ شَأْنُهُ الْكَلَامُ. وَالْحِكْمَةُ فِي وُقُوعِ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ لَمَّا قُدِّسَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حِينَ غُسِلَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِالْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ، وَمِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا الطُّهْرُ نَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ تُفْرَضَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلِيَظْهَرَ شَرَفُهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُصَلِّيَ بِمَنْ سَلَفَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَلِيُنَاجِيَ رَبَّهُ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا. وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ عِبَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَاةِ مَا هِيَ وَفِي أَيْ مَكَان كَانَ يَتَعَبَّدُ، وَهَلْ وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَبَّدُ بِشَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ لَا؟ وَمَا كَانَتْ شَرِيعَتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ؟ وَمَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ هَلْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ كَانَ يَقْرَأُ فِي عِبَادَتِهِ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَأَجَابَ شَيْخُنَا: بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَبَّدْ بِشَرِيعَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مُطْلَقًا، وَعِبَادَتُهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانَتْ شَهْرًا فِي السَّنَةِ فِي غَارِ حِرَاءَ بِالْمَدِّ يَتَفَكَّرُ فِي آلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُكْرِمُ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ الضِّيفَانِ، ثُمَّ بَعْدَ الْبَعْثَةِ كَانَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَانِ بِالْعَشِيِّ كَمَا قِيلَ: وَلَمْ يَثْبُتْ مَا كَانَ يَقْرَؤُهُ فِيهِمَا وَالرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ صَلَّاهُمَا بِالْأَنْبِيَاءِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتَا مِمَّا عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا قَرَأَهُ فِيهِمَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُزْهَةِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَ فِيهِمَا سُورَةَ الْإِخْلَاصِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ: سُورَةَ الْإِخْلَاصِ أَيْ زِيَادَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهَا مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ. وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ: وَلَمْ يُحْفَظْ فِي الْإِسْلَامِ صَلَاةٌ بِغَيْرِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اهـ. قَوْلُهُ: (حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا) أَيْ حَتَّى فِي حَقِّهِ ع ش خِلَافًا لِلسُّيُوطِيِّ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخَمْسِينَ صَلَاةً نُسِخَتْ فِي حَقِّنَا وَفِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَكِنْ كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَى وَجْهِ النَّفْلِيَّةِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ النَّسْخِ قَبْلَ تَبْلِيغِ الْمَنْسُوخِ لِلْأُمَّةِ، وَقِيلَ لَا يُسَمَّى نَسْخًا حِينَئِذٍ بَلْ تَخْفِيفٌ. قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَفُرِضَتْ أَوَّلًا رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّيهَا كَذَلِكَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ أُمِرَ بِالزِّيَادَةِ إلَّا فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ اهـ. وَنُقِلَ عَنْ ح ل أَنَّهُ قَالَ حَتَّى الْمَغْرِبُ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ زِيدَتْ رَكْعَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَضَبَطَ السُّيُوطِيّ فِي الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا، فَبَلَغَتْ مِائَةَ رَكْعَةٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَيْ: وَهِيَ مِقْدَارُ الْخَمْسِينَ صَلَاةً. وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ: الَّذِي تَلَقَّيْنَاهُ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْحَوَاشِي أَنَّ الْخَمْسِينَ لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» «وَقَوْلُهُ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» وَأَمَّا وُجُوبُ قِيَامِ اللَّيْلِ فَنُسِخَ فِي حَقِّنَا وَهَلْ نُسِخَ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَا وَالصَّحِيحُ نَعَمْ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الْعَيْنِيَّةُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَكِنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ الْمَفْرُوضَاتِ الْعَيْنِيَّةِ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي كَلَامِهِ إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ وَهُوَ رَأْيٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَكَانَ فَرْضُ الْخَمْسِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ كَمَا مَرَّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَقِيلَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَائِدَةٌ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ لِلرَّافِعِيِّ أَنَّ الصُّبْحَ كَانَتْ صَلَاةَ آدَمَ وَالظُّهْرَ كَانَتْ صَلَاةَ دَاوُد وَالْعَصْرَ كَانَتْ صَلَاةَ سُلَيْمَانَ وَالْمَغْرِبَ كَانَتْ صَلَاةَ يَعْقُوبَ وَالْعِشَاءَ كَانَتْ صَلَاةَ يُونُسَ   [حاشية البجيرمي] تُنْسَخْ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ فَمَا فِي ع ش خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ. وَمِثْلُ ع ش الْبِرْمَاوِيُّ وَلَمْ يُرَاجِعْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَحَطَّ عَنْهُ الْخَمْسَ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: هِيَ فِي عِلْمِ اللَّهِ فِي الْأَزَلِ خَمْسٌ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِهَا لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ ثُمَّ نَسْخِهَا إلَى الْخَمْسِ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ إنَّمَا فَرَضَهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَمْسِينَ مَعَ عِلْمِهِ فِي الْأَزَلِ أَنَّهَا خَمْسٌ لِيُظْهِرَ شَرَفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَبُولِ شَفَاعَتِهِ فِي التَّخْفِيفِ. وَأُجِيبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ لِلْأَعْرَابِيِّ) أَتَى بِهَذَا الْحَدِيثِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ذُكِرَ فِيهِ الْعَدَدُ وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَيُفِيدُ الْحَصْرَ، وَلَمَّا كَانَ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ نَسْخِ الْعَدَدِ نَسْخُ الْفَرْضِيَّةِ أَيْضًا أَتَى بِالْحَدِيثِ الثَّالِثِ فِي قَوْلِهِ وَقَوْلُهُ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (قَالَ: لَا) لَا حَاجَةَ لَقَالَ؛ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهَا قَوْلُهُ لِلْأَعْرَابِيِّ لَا؛ لِأَنَّ " لَا " مَقُولُ الْقَوْلِ. قَالَ ق ل: لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا اسْتِفْهَامٌ عَنْ الْوَاجِبِ فَقَوْلُهُ لَا كَافٍ فِي جَوَابِهِ. وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ الْوَاجِبِ لِكَوْنِهِ أَيْضًا غَيْرَ وَاجِبٍ، لَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَلَ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ. وَيَجِبُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، وَقِيلَ إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ بِالنَّذْرِ بِأَنْ تَنْذُرَ نَافِلَةً كَالْوِتْرِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا وُجُوبُ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ خَمْسٌ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَدْخُلْ فِي كَلَامِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الظُّهْرَ فَقَوْلُ ق ل لَا حَاجَةَ لِلِاسْتِدْرَاكِ؛ لِأَنَّهَا خَامِسَةُ يَوْمِهَا اتِّفَاقًا لَا يُفِيدُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِيرَادِ؛ لِأَنَّ مِنْ بَيْنِ الْخَمْسِ بِالظُّهْرِ وَمَا بَعْدَهُ وَرَدَّتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ فَلَا يَحْسُنُ الْجَوَابُ عَنْهُ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ بِتَنْزِيلِ الْبَدَلِ مَنْزِلَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ» إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ قَبْلَهَا، بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا سَنَةٍ وَنِصْفٍ ق ل. وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فِي رَجَبٍ. وَلَمْ تُعَيَّنْ اللَّيْلَةُ أَهِيَ لَيْلَةُ جُمُعَةٍ أَوْ خَمِيسٍ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ حَرِّرْ. قَوْلُهُ: (فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ) الشَّرْحُ لِلرَّافِعِيِّ، وَالْمُسْنَدُ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مُجَلَّدَانِ ضَخْمَانِ، وَاسْمُ الرَّافِعِيِّ عَبْدُ الْكَرِيمِ. وَقَوْلُهُ: وَأَوْرَدَ أَيْ عَبْدُ الْكَرِيمِ. قَوْلُهُ: (وَالْعِشَاءُ كَانَتْ صَلَاةَ يُونُسَ) قَالَ السُّيُوطِيّ الثَّابِتُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ الْعِشَاءَ خَصِيصَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لَمْ يُصَلِّهَا أَحَدٌ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ سم: الْأَصَحُّ أَنَّ الْعِشَاءَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِنَا، وَلَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ قَوْلَ جِبْرِيلَ فِي خَبَرِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْخَمْسِ: هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك: لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ وَقْتُهُمْ عَلَى الْإِجْمَالِ وَإِنْ اخْتَصَّ كُلٌّ مِمَّنْ ذَكَرَ مِنْهُمْ بِوَقْتٍ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ مَا ذُكِرَ فِي اخْتِصَاصِ كُلِّ نَبِيٍّ بِصَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ فِي بَيْتَيْنِ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ فَقَالَ: لِآدَمَ صُبْحٌ وَالْعِشَاءُ لِيُونُسِ ... وَظُهْرٌ لِدَاوُدَ وَعَصْرٌ لِنَجْلِهِ وَمَغْرِبُ يَعْقُوبِ كَذَا شَرْحُ مُسْنَدٍ ... لِعَبْدِ كَرِيمٍ فَاشْكُرَنَّ لِفَضْلِهِ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ هُوَ اسْمُ الرَّافِعِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّبْحَ لِآدَمَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهَا، وَالظُّهْرَ لِدَاوُدَ، وَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وَأَوْرَدَ فِي ذَلِكَ خَبَرًا فَجَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَمِيعَ ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلِأُمَّتِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَلِكَثْرَةِ الْأُجُورِ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ وَلَمَّا كَانَتْ الظُّهْرُ أَوَّلَ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهَا فَقَالَ. (الظُّهْرُ) أَيْ صَلَاتُهُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ أَيْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ وَسَطَ النَّهَارِ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، فَلِمَ لَمْ يَبْدَأْ بِالصُّبْحِ؟ أُجِيبَ: بِجَوَابَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ حَصَلَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ أَوَّلَ وُجُوبِ الْخَمْسِ مِنْ الظُّهْرِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. الثَّانِي: أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالصَّلَاةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى بَيَانِهَا وَلَمْ تُبَيَّنْ إلَّا عِنْدَ الظُّهْرِ. وَلَمَّا صَدَّرَ الْأَكْثَرُونَ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْبَابَ بِذِكْرِ الْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِهَا تَجِبُ الصَّلَاةُ وَبِخُرُوجِهَا تَفُوتُ.   [حاشية البجيرمي] وَالْعَصْرَ لِسُلَيْمَانَ وَقِيلَ لِيُونُسَ وَقِيلَ لِلْعُزَيْرِ، وَالْمَغْرِبَ لِعِيسَى وَقِيلَ كَانَتْ لِدَاوُدَ وَقِيلَ لِيَعْقُوبَ، وَالْعِشَاءَ لِمُوسَى وَقِيلَ لِيُونُسَ وَقِيلَ خُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. [وَقْتَ الظُّهْرِ] قَوْلُهُ: (وَقَدْ بَدَأَ إلَخْ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ. أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى كَانَتْ، فَالْبُدَاءَةُ بِالظُّهْرِ مُعَلَّلَةٌ بِعِلَّةٍ مُرَكَّبَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ مُعَلَّلَةٌ بِعِلَّتَيْنِ عَلَى الثَّانِي، وَتَقْدِيرُ الْعِبَارَةِ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالظُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ، وَالْحَالُ أَنَّ اللَّهَ بَدَأَ بِهَا، أَوْ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ بَدَأَ بِهَا، وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ أَيْضًا بَدَأَ بِالصُّبْحِ فِي قَوْلِهِ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} [ق: 39] إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ نَزَلَتْ أَوَّلًا لِبَيَانِ الْأَوْقَاتِ. قَوْلُهُ: (لِدُلُوكِ) أَيْ عِنْدَ زَوَالِ إلَخْ. وَالدُّلُوكُ الْمَيْلُ. قَوْلُهُ: (أَيْ صَلَاتُهُ) كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي، وَفِيهِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ اسْمٌ لِلصَّلَاةِ، وَكَذَا مَا يَأْتِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَسُمِّيَتْ إلَخْ. وَبِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَوَقْتُهَا إلَخْ. فَلَوْ سَكَتَ عَنْ هَذَا التَّفْسِيرِ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ تَفْسِيرٌ بِالْأَوْضَحِ، وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَى الِاسْمِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا كَانَ الظُّهْرُ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى وَقْتِ الزَّوَالِ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ صَلَاتُهُ. قَوْلُهُ: (سُمِّيَتْ إلَخْ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ الْحَالِيَّةُ، وَقِيلَ إنَّ التَّسْمِيَةَ بِالْوَضْعِ وَالْوَاضِعُ هُوَ اللَّهُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي بَاقِي الصَّلَوَاتِ. قَوْلُهُ: (ظَهَرَتْ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ كَانَتْ لِدَاوُدَ. قَوْلُهُ: (فَلِمَ لَمْ يَبْدَأْ) أَيْ النَّبِيُّ أَوْ جِبْرِيلُ لَا الْمُصَنِّفُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ. قَوْلُهُ: (الْأَوَّلُ أَنَّهُ حَصَلَ التَّصْرِيحُ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُفِيدُ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِمَا ذُكِرَ قَدْ وَرَدَ وَعِبَارَةُ م ر: وَإِنَّمَا بَدَأَ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ أَوَّلَ صَلَاةٍ حَضَرَتْ الصُّبْحُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ لَهُ التَّصْرِيحُ. قَوْلُهُ: (الْبَابُ) الْأُولَى الْكِتَابُ. قَوْلُهُ: (الْمَوَاقِيتُ) جَمْعُ مِيقَاتٍ أَصْلُهُ مِوْقَاتٌ مِنْ الْوَقْتِ وَهُوَ لُغَةً مُطْلَقُ الزَّمَنِ وَاصْطِلَاحًا جُزْءٌ مِنْ الزَّمَنِ مَحْدُودُ الطَّرَفَيْنِ وَإِنَّمَا بَدَءُوا بِالْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ شُرُوطِهَا؛ لِأَنَّ بِدُخُولِهَا تَجِبُ إلَخْ م د. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بِدُخُولِهَا) اسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهَا إنْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَّلِهِ، وَهَذَا غَيْرُ الْعَزْمِ الْعَامِّ عِنْدَ الْبُلُوغِ أَنَّهُ يَفْعَلُ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ وَيَتْرُكُ جَمِيعَ الْمُحْرِمَاتِ ق ل. وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ. قَوْلُهُ: (تَجِبُ الصَّلَاةُ) أَيْ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُهَا. فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَهَا إلَى أَثْنَاءِ وَقْتِهَا لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. وَتَجِبُ الصَّلَاةُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا أَيْ إنْ عَزَمَ فِي أَوَّلِهِ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهَا، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُهَا، وَالْحَجُّ مُوَسَّعٌ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ بِالْمَوْتِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ وَقْتِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَأُبِيحَ لَهُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُبَادِرَهُ الْمَوْتُ، فَإِنْ بَادَرَهُ كَانَ مُقَصِّرًا بِخِلَافِ آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ كَأَنْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَطَالَبَهُ وَلِيُّ الدَّمِ بِاسْتِيفَائِهِ فَأَمَرَهُ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ تَعَيَّنَتْ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِهِ فَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِحِينَ تُمْسُونَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَبِحِينَ تُصْبِحُونَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَبِعَشِيًّا صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَبِحِينَ تُظْهِرُونَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَخَبَرُ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ الْفَيْءُ قَدْرَ الشِّرَاكِ، وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ أَيْ الشَّيْءِ مِثْلَهُ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ أَيْ دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ، وَالْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَالْفَجْرَ حِينَ حُرِّمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمَ وَالْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَالْفَجْرَ فَأَسْفَرَ وَقَالَ:   [حاشية البجيرمي] عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ تَضِيقُ بِظَنِّهِ، وَقِيَامُ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الشَّكّ كَالظَّنِّ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ لَوْ لَمْ يَمُتْ فِي أَثْنَائِهِ كَأَنْ عَفَا عَنْهُ وَلِيُّ الدَّمِ لَا تَصِيرُ بِفِعْلِهَا فِي بَاقِي الْوَقْتِ قَضَاءً نَظَرًا إلَى أَنَّهُ فَعَلَهَا فِي الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَبِخُرُوجِهَا تَفُوتُ) أَيْ أَدَاؤُهَا. قَوْلُهُ: (وَعَشِيًّا) عَطْفٌ عَلَى حِينَ تُمْسُونَ قَوْلُهُ: وَلَهُ الْحَمْدُ جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَرَادَ بِحِينَ تُمْسُونَ إلَخْ) هُوَ الْمَشْهُورُ وَبَعْضُهُمْ عَكَسَ فِي الْمَسَاءِ وَالْعَشِيِّ فَقَالَ: أَرَادَ بِحِينَ تُمْسُونَ الْعَصْرَ وَبِعَشِيًّا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. قَالَ ق ل: وَهُوَ الْأَنْسَبُ، هَذَا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَرَادَ بِالتَّسْبِيحِ حِينَ تُمْسُونَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إلَخْ. وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الْبَاقِي، فَالْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ الصَّلَاةُ فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ يُطْلَقُ عَلَى الصَّلَاةِ لُغَةً كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ هَيْئَةٌ مِنْهَا، وَشَرْطُ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ أَنْ يَكُونَ لِلْجُزْءِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [ق: 40] اهـ ح ف. قَوْلُهُ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ» ) أَيْ صَارَ إمَامًا لِي. فَإِنْ قُلْت: إنَّ جِبْرِيلَ لَا يُوصَفُ بِذُكُورَةٍ وَلَا بِأُنُوثَةٍ، فَكَيْفَ صَحَّتْ إمَامَتُهُ لِلنَّبِيِّ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ شَرْطَ الْإِمَامِ عَدَمُ الْأُنُوثَةِ لَا خُصُوصُ الذُّكُورَةِ. فَإِنَّ قُلْت: يَرِد الْخُنْثَى فَإِنَّ الْأُنُوثَةَ مَعْدُومَةٌ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِلرَّجُلِ. قُلْت: الشَّرْطُ عَدَمُ الْأُنُوثَةِ يَقِينًا وَالْخُنْثَى مَعْدُومَةٌ فِيهِ احْتِمَالًا وَيُمْكِنُ وُجُودُهَا فِيهِ. قَالَ م د: وَلَا يُنَافِي أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَؤُمَّ الْمَفْضُولُ الْفَاضِلَ. وَذَكَرَ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتْ بِرُكُوعٍ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَعْرُوفَةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهَا كَانَتْ بِلَا رُكُوعٍ، وَأَتَى بِخَبَرِ جِبْرِيلَ بَعْدَ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُبَيِّنْ أَوَّلَ الْأَوْقَاتِ وَلَا آخِرَهَا، بَلْ أَشَارَتْ لَهَا. وَقَوْلُهُ: مَرَّتَيْنِ، وَانْظُرْ هَلْ كَانَ مُسْتَمِرًّا عِنْدَ الْبَيْتِ لَمَّا صَلَّى الْمَرَّتَيْنِ أَوْ كَانَ يُفَارِقُهُ وَيَأْتِي لَهُ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي رَاجِعْ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْبَيْتِ) أَيْ الْكَعْبَةِ أَيْ عِنْدَ الْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ بِالْمِعْجَنَةِ قَرِيبًا مِنْ الْبَابِ. قَوْلُهُ: (حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ) أَيْ عَقِبَ زَوَالِ الشَّمْسِ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ الْفَيْءُ) أَيْ الظِّلُّ. قَوْلُهُ: (قَدْرَ الشِّرَاكِ) أَيْ: سَيْرِ النَّعْلِ، وَذَلِكَ قَدْرُ عَرْضِ إصْبَعٍ أَوْ أَقَلَّ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ غَيْرُ الْوَقْتِ الَّذِي يُعْدَمُ فِيهِ الظِّلُّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهْرِ بِحُدُوثِ ظِلِّ وَلَوْ يَسِيرًا. قَوْلُهُ: (حِينَ كَانَ ظِلُّهُ) أَيْ: عَقِبُهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ) إنَّمَا قَدَّرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إذْ ذَاكَ لَمْ يُفْرَضْ اج؛ لِأَنَّهُ فُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ أَيْ: وَكَانَ هَذَا الْوَقْتُ مَعْلُومًا كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ أَوَّلَ الْغَدِ الصُّبْحُ. قُلْت: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ بِدَلِيلِ «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ» اج. فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَوَّلَ الْغَدِ الصُّبْحُ وَالْمَرَّةُ كِنَايَةٌ عَنْ فِعْلِ الْخَمْسِ مُبْتَدِئًا بِالظُّهْرِ وَخَاتِمًا بِالصُّبْحِ. قَوْلُهُ: (إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) أَيْ مُؤَخَّرَةً إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، أَوْ أَنَّ إلَى بِمَعْنَى عِنْدَ وَلَا حَذْفَ. قَوْلُهُ: (فَأَسْفَرَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ فَرَغَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: «صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ» أَيْ فَرَغَ مِنْهَا حِينَئِذٍ كَمَا شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَافِيًا بِهِ اشْتِرَاكَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ: «وَقْتُ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ» . تَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ: (وَأَوَّلُ وَقْتِهَا) أَيْ الظُّهْرِ (زَوَالُ الشَّمْسِ) أَيْ وَقْتُ زَوَالِهَا يَعْنِي يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالزَّوَالِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ الْمُسَمَّى بُلُوغُهَا إلَيْهِ بِحَالَةِ الِاسْتِوَاءِ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ لَا فِي الْوَاقِعِ، بَلْ فِي الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ ظِلِّ الشَّيْءِ عَلَى ظِلِّهِ   [حاشية البجيرمي] مِنْ الصَّلَاةِ فَدَخَلَ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْهَا فِي الْإِسْفَارِ، وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَوْقَعَهَا فِيهِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ إلَى الْإِسْفَارِ أَيْ: الْإِضَاءَةِ غَزِّيٌّ أَيْ فَأَسْفَرَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ وَهُوَ فَرَغَ، وَالظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى جِبْرِيلَ، وَمَعْنَى أَسْفَرَ دَخَلَ فِي السَّفَرِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْفَاءِ وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ، وَيَحْتَمِلُ عَوْدُهُ عَلَى الصُّبْحِ أَيْ: فَأَسْفَرَ الصُّبْحُ فِي وَقْتِ صَلَاتِهِ، وَيُوَافِقُهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ: «صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتْ الْأَرْضُ» . قَوْلُهُ: (وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ) أَيْ عَلَى الْإِجْمَالِ وَإِنْ اُخْتُصَّ كُلٌّ مِنْهُمْ بِوَقْتٍ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ اج وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ أَيْ: مَجْمُوعُهُمْ أَيْ هَذِهِ أَوْقَاتُ الْأَنْبِيَاءِ فَهُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ. فَيَعُمُّ. قَالَ السُّيُوطِيّ: صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ أُمَّةٌ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ أَوْ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ يُونُسُ صَلَّاهَا دُونَ أُمَّتِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْوَقْتُ إلَخْ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْمَرَّتَيْنِ. وَقَوْلُهُ: (مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ) أَيْ مَا بَيْنَ مُلَاصِقِ أَوَّلِ الْأَوَّلِ مِمَّا قَبْلَهُ وَمُلَاصِقِ آخِرِ الثَّانِي مِمَّا بَعْدَهُ، وَهَذَا مِنْ التَّقْدِيرِ الَّذِي تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ خُصُوصًا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُخْرِجُ نَفْسَ الْوَقْتَيْنِ. قَوْلُهُ: (كَمَا شُرِعَ) يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَ الْفَرَاغِ مِنْ الظُّهْرِ ثَانِي يَوْمٍ وَهُوَ وَقْتُ الشُّرُوعِ فِي الْعَصْرِ أَوَّلَ يَوْمٍ فَلَا يُطَابِقُ الْمُدَّعِيَ وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاكِهِمَا فِي وَقْتٍ. قَالَ ق ل: فَلَوْ قَالَ كَمَا شُرِعَ فِي الْعَصْرِ عَقِبَ ذَلِكَ كَانَ مُسْتَقِيمًا اهـ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ اشْتَدَّ بَيْنَهُمَا الِاتِّصَالُ حَتَّى صَارَ آخِرُ أَوَّلِهِمَا كَأَنَّهُ وَقْتُ أَوَّلِ ثَانِيهِمَا؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ هَذَا الْإِمَامِ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِتَوْجِيهِهَا مَا أَمْكَنَ م د. قَوْلُهُ: (نَافِيًا إلَخْ) قَالَ سم عَلَى التُّحْفَةِ: مَا الْمَانِعُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ لَا يَخْرُجُ بِهِ وَقْتُ الظُّهْرِ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ قَدْرِ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ أَيْضًا وَهُوَ قَدْرٌ يَسَعُ الظُّهْرَ؟ فَلْيُتَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُقَالَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ أَيْ غَيْرُ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ لَا بِهِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَيَدُلُّ لَهُ) أَيْ لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ. قَوْلُهُ: (تَبِعَهُمْ) جَوَابٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ وَلَمَّا صَدَّرَ الْأَكْثَرُونَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَيْ وَقْتُ زَوَالِهَا) هَذَا بَيَانٌ لِصِحَّةِ الْإِخْبَارِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ لَيْسَ وَقْتًا. قَوْلُهُ: (يَعْنِي يَدْخُلُ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ وَقْتَ الزَّوَالِ لَيْسَ مِنْ الْوَقْتِ خِلَافًا لِمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ق ل. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: وَقْتُ ظُهْرٍ بَيْنَ وَقْتَيْ زَوَالٍ وَزِيَادَةِ مَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ غَيْرِ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الزَّوَالُ. قَوْلُهُ: (إلَيْهِ) أَيْ الْوَسَطُ. قَوْلُهُ: (إلَى جِهَةِ الْغَرْبِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَيْلٍ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: «أَنَّهَا إذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا تَسِيرُ إلَى وَسَطِ السَّمَاءِ ثُمَّ تَرْجِعُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ كَعَادَتِهَا» . وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهْرِ بِرُجُوعِهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ زَوَالِهَا وَوَقْتُ الْعَصْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَالْمَغْرِبُ بِغُرُوبِهَا، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: «أَنَّ لَيْلَةَ طُلُوعِهَا مِنْ مَغْرِبِهَا تَطُولُ بِقَدْرِ ثَلَاثِ لَيَالٍ» . لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهَا لِانْبِهَامِهَا عَلَى النَّاسِ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْخَمْسِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ لَيْلَتَانِ فَيُقَدَّرَانِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَوَاجِبُهُمَا الْخَمْسُ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (بَلْ فِي الظَّاهِرِ) وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ جِبْرِيلُ: إنَّ حَرَكَةَ الْفَلَكِ بِقَدْرِ النُّطْقِ بِالْحَرْفِ الْمُحَرَّكِ قَدْرِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ ق ل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ أَوْ بِحُدُوثِهِ إنْ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ ظِلٌّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: كَأَصْلِهَا وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَمَكَّةَ وَصَنْعَاءِ الْيَمَنِ فِي أَطْوَلِ أَيَّامِ السَّنَةِ. فَلَوْ شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّوَالِ ثُمَّ ظَهَرَ الزَّوَالُ عَقِبَ التَّكْبِيرِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَصِحَّ الظُّهْرُ، وَإِنْ كَانَ التَّكْبِيرُ حَاصِلًا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الْفَجْرِ وَغَيْرِهِ. (وَآخِرُهُ) أَيْ وَقْتُ الظُّهْرِ (إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ) أَيْ سِوَى (ظِلِّ الزَّوَالِ) الْمَوْجُودِ عِنْدَ الزَّوَالِ، وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ الزَّوَالِ فَاعْتَبِرْهُ بِقَامَتِك أَوْ شَاخِصٍ تُقِيمُهُ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ وَعَلِّمْ عَلَى رَأْسِ الظِّلِّ، فَمَا زَالَ الظِّلُّ يَنْقُصُ مِنْ الْخَطِّ فَهُوَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِنْ وَقَفَ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَهُوَ وَقْتُ الِاسْتِوَاءِ، وَإِنْ أَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ عُلِمَ أَنَّ الشَّمْسَ زَالَتْ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَقَامَةُ كُلِّ إنْسَانٍ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٌ بِقَدَمِهِ. وَالشَّمْسُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَرْبَابِ عِلْمِ الْهَيْئَةِ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ.   [حاشية البجيرمي] عَلَى الْجَلَالِ. وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْقَسْطَلَّانِيِّ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي الْقُوتِ: وَالزَّوَالُ ثَلَاثَةٌ: زَوَالٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَزَوَالٌ تَعْلَمُهُ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ، وَزَوَالٌ يَعْلَمُهُ النَّاسُ. قَالَ: وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ جِبْرِيلَ هَلْ زَالَتْ الشَّمْسُ؟ قَالَ: لَا نَعَمْ. قَالَ: مَا مَعْنَى لَا نَعَمْ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَطَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ فَلَكِهَا بَيْنَ قَوْلِي لَا نَعَمْ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» اهـ. وَقَوْلُهُ بَيْنَ قَوْلِي لَا نَعَمْ فِيهِ حَذْفُ الْعَاطِفِ وَالْمَعْطُوفِ أَيْ بَيْنَ قَوْلِي لَا وَقَوْلِي نَعَمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] أَيْ بَيْنَ أَحَدٍ وَأَحَدٍ؛ لِأَنَّ بَيْنَ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى مُتَعَدِّدٍ. وَالظِّلُّ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ يَخْلُقُهُ اللَّهُ لِنَفْعِ الْبَدَنِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ هُوَ عَدَمَ الشَّمْسِ، كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ أَنَّ لِلْجَنَّةِ ظِلًّا مَمْدُودًا مَعَ أَنَّهُ لَا شَمْسَ بِهَا وَالْفَيْءُ أَخَصُّ مِنْ الظِّلِّ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ إلَخْ) أَيْ الْمَيْلُ فِي الظَّاهِرِ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ) أَيْ وَحُدُوثُ الظِّلِّ بَعْدَ عَدَمِهِ يُوجَدُ إلَخْ. ق ل. قَوْلُهُ: (فِي أَطْوَلِ أَيَّامِ السَّنَةِ) فِيهِ تَجَوُّزٌ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَكَّةَ قَبْلَهُ بِنَيِّفٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَبَعْدَهُ كَذَلِكَ ق ل. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ السُّيُوطِيّ لِظِلِّ الِاسْتِوَاءِ فِي الْإِقْلِيمِ الْمِصْرِيِّ أَقْدَامًا مُرَتَّبَةً عَلَى الشُّهُورِ الْقِبْطِيَّةِ لِكَوْنِهَا لَا تَخْتَلِفُ فِي قَوْلِهِ: جَمَعْتهَا فِي قَوْلِي الْمَشْرُوحِ ... جُمْلَتُهَا طزه جبا أبدوحي فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ حَرْفًا كُلُّ حَرْفٍ بِشَهْرٍ مِنْ الشُّهُورِ الْقِبْطِيَّةِ، فَأَوَّلُ الْأَحْرُفِ الطَّاءُ وَلَهَا تِسْعَةٌ مِنْ الْعَدَدِ، وَالْأَوَّلُ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ طُوبَى لِمُنَاسِبَةِ حَرْفِهِ بِعَدَدِهِ وَهُوَ تِسْعَةُ أَقْدَامٍ، وَهَكَذَا الْبَقِيَّةُ فَيُزَادُ الْقَامَةُ عَلَيْهَا لِدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ: (طُوبَهْ، أَمْشِيرْ، بَرَمْهَاتْ، بَرْمُودَةَ، بَشَنْسْ، بَئُونَةَ، أَبِيبَ، مَسْرَى، تُوتْ، بَابَةَ، هَاتُورَ، كَيْهَكْ 9 7 5 3 2 1 1 2 4 6 8 10) . قَوْلُهُ: (فَلَوْ شَرَعَ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الظَّاهِرِ. قَوْلُهُ (قَبْلَ ظُهُورِ الزَّوَالِ) أَوْ مَعَهُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ) صَوَابُهُ الِاسْتِوَاءُ، وَكَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ تَسَمُّحٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي لَا ظِلَّ لَهُ، بَلْ الظَّالُّ إنَّمَا هُوَ لِلشَّيْءِ عِنْدَهُ، فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ سَاغَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَاخِصٌ) كَعُودٍ مُسْتَقِيمِ الْقَامَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْخَطِّ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ق ل. قَوْلُهُ: (سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٌ) أَيْ غَيْرُ ظِلٍّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 وَقَالَ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ فِي السَّادِسَةِ: وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَمَرِ لِكَثْرَةِ نَفْعِهَا. قَالَ الْأَكْثَرُونَ: وَلِلظُّهْرِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ، وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلُهُ. وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى آخِرِهِ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَهُوَ وَقْتُ الْعَصْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهَا أَرْبَعَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلُهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَ رُبُعِهِ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى أَنْ يَصِيرَ مِثْلَ نِصْفِهِ، وَوَقْتُ جَوَازٍ إلَى آخِرِهِ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ الْعَصْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ وَلَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَسَيَأْتِي، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ، وَهُوَ آخِرُ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَسَعُهَا وَلَا عُذْرَ وَإِنْ وَقَعَتْ أَدَاءً، وَيَجْرِيَانِ فِي سَائِرِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.   [حاشية البجيرمي] الِاسْتِوَاءِ. قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِهِ) أَيْ آخِرِ الْوَقْتِ وَابْتِدَاؤُهُ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا مِنْ آخِرِ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ عَلَى الرَّاجِحِ. قَوْلُهُ: (مِثْلُ رُبُعِهِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ بِقَدْرِ اشْتِغَالِهِ بِمَا طُلِبَ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ وَفِعْلِهَا وَفِعْلِ سُنَنِهَا هـ اج. وَوَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُهَا. قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ) أَيْ الْوَقْتُ الَّذِي يُخْتَارُ عَدَمُ التَّأْخِيرِ عَنْهُ شَرْعًا. اهـ. مُنَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ) وَحِينَئِذٍ فَفِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَالْقَاضِي إلَخْ. تَسَمُّحٌ وَوَجْهُ التَّسَامُحِ أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا وَقْتَ الضَّرُورَةِ وَالْحُرْمَةِ فِي وَقْتِ الْجَوَازِ وَالِاخْتِيَارِ. قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ حُرْمَةٍ) أَيْ وَقْتٌ يَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: وَوَقْتُ حُرْمَةٍ نُوزِعَ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ التَّأْخِيرُ إلَيْهَا لَا إيقَاعُهَا فِيهِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ تَسْمِيَتَهُ وَقْتَ حُرْمَةٍ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِوَقْتِ الْحُرْمَةِ مِنْ حَيْثُ التَّأْخِيرُ لَا مِنْ حَيْثُ الصَّلَاةُ، وَنَظِيرُهُ يَجْرِي فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ أَيْضًا. سم عَلَى الْبَهْجَةِ: وَكَأَنَّ هَذَا الْمُنَازِعَ مَا فَهِمَ قَطُّ مَعْنَى الْإِضَافَةِ وَهُوَ تَعَلُّقُ مَا بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَا خَفَاءَ فِي ثُبُوتِ هَذَا التَّعَلُّقِ هُنَا، فَإِنَّ الْحُرْمَةَ وَصْفٌ لِلتَّأْخِيرِ إلَيْهِ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُرْمَةِ مُلَابَسَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ عِنْدَ التَّأْخِيرِ إلَيْهِ اهـ فَلَهَا سِتَّةُ أَوْقَاتٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَقَعَتْ أَدَاءً) بِأَنْ وَقَعَ مِنْهَا رَكْعَةٌ فِي الْوَقْتِ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي السَّفَرِ كَمَا إذَا سَافَرَ وَقَدْ أَدْرَكَ مِنْ الْوَقْتِ رَكْعَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنَّهُ يَقْصُرُهَا؛ لِأَنَّهَا مُؤَدَّاةٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُؤَدَّاةً بِأَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُ رَكْعَةً فَلَا يَصِحُّ قَصْرُهَا؛ لِأَنَّهَا فَائِتَةُ حَضَرٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ. قَالَ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَفِي الْأَنْوَارِ لَوْ أَدْرَكَ آخِرَ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَوْ أَدَّى الْفَرِيضَةَ بِسُنَنِهَا يَفُوتُ الْوَقْتُ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَرْكَانِ تَقَعُ فِي الْوَقْتِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ السُّنَنَ اهـ. وَحَاصِلُهُ: إنْ كَانَ الْبَاقِي يَسَعُ جَمِيعَ أَرْكَانِهَا وَلَا يَسَعُ مَعَ ذَلِكَ سُنَنَهَا، فَيَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِالسُّنَنِ وَإِنْ لَزِمَ إخْرَاجُ بَعْضِهَا عَنْ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمَدِّ بَلْ الْأَفْضَلُ الْإِتْيَانُ بِالسُّنَنِ؛ لِأَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ فِيهَا وَلَا مَحْذُورَ فِي الْإِتْيَانِ بِهَا وَلَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَخْرُجَ بَعْضُهَا وَهُوَ جَائِزٌ بِالْمَدِّ. قَالَ م د: لَا يُقَالُ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ الْمَدِّ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَدَّ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ وَهَذَا مَطْلُوبٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ يُشْبِهُ الْمَدَّ مِنْ جِهَةٍ دُونَ أُخْرَى، فَلِشَبَهِهِ بِالْمَدِّ جَازَ وَلِكَوْنِهِ فِيهِ مُحَافَظَةٌ عَلَى سُنَنِ الصَّلَاةِ كَانَ أَفْضَلَ قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ لَا يَسَعُ جَمِيعَ أَرْكَانِهَا، فَلَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِالسُّنَنِ، وَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ سم عَلَى التُّحْفَةِ. وَلَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا وَمَدَّ بِالتَّطْوِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ ذِكْرٍ أَوْ سُكُوتٍ فِيمَا يَظْهَرُ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ جَازَ بِلَا حُرْمَةٍ وَلَا كَرَاهَةٍ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يُوقِعْ فِي الْوَقْتِ رَكْعَةً خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ كَابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ أَمَّا الْجُمُعَةُ فَيَمْتَنِعُ تَطْوِيلُهَا إلَى مَا بَعْدَ وَقْتِهَا بِلَا خِلَافٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا تَوَقُّفُ صِحَّتِهَا عَلَى وُقُوعِ جَمِيعِهَا فِي وَقْتِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا، لَكِنَّهُ إنْ أَوْقَعَ رَكْعَةً أَيْ فِي صُورَةِ الْمَدِّ الْجَائِزِ كَانَتْ أَدَاءً وَإِلَّا كَانَتْ قَضَاءً لَا إثْمَ فِيهِ، وَتَلَخَّصَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَدَّ هُوَ التَّطْوِيلُ بِغَيْرِ السُّنَنِ، بَلْ هُوَ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ زِيَادَةً عَلَى مَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ أَوْ الذِّكْرُ أَوْ بِالسُّكُوتِ فِي رُكْنٍ طَوِيلٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَجْرِيَانِ) أَيْ وَقْتُ الضَّرُورَةِ وَوَقْتُ الْحُرْمَةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَوْقَاتَ مِنْهَا مَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَهُوَ الْفَضِيلَةُ وَالِاخْتِيَارُ وَالْجَوَازُ بِلَا كَرَاهَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 (وَالْعَصْرُ) أَيْ صَلَاتُهَا وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمُعَاصَرَتِهَا وَقْتَ الْغُرُوبِ، (وَأَوَّلُ وَقْتِهَا الزِّيَادَةُ عَلَى ظِلِّ التَّلِّ) وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَزَادَ أَدْنَى زِيَادَةٍ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: فَإِنْ جَاوَزَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ بِأَقَلِّ زِيَادَةٍ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُدُوثُ زِيَادَةٍ فَاصِلَةٍ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ إلَّا بِهَا وَهِيَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَقِيلَ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَقِيلَ فَاصِلَةٌ. (وَآخِرُهُ فِي) وَقْتِ (الِاخْتِيَارِ إلَى ظِلِّ الْمِثْلَيْنِ) بَعْدَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ إنْ كَانَ؛ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ الْمَارِّ وَسُمِّيَ مُخْتَارًا لِمَا فِيهِ مِنْ الرُّجْحَانِ عَلَى مَا بَعْدَهُ. وَفِي الْإِقْلِيدِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاخْتِيَارِ جِبْرِيلَ إيَّاهُ، وَقَوْلُ جِبْرِيلَ فِي الْحَدِيثِ: «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» . مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ. (وَ) آخِرُهُ فِي وَقْتِ (الْجَوَازِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِحَدِيثِ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ   [حاشية البجيرمي] وَالْحُرْمَةُ وَالضَّرُورَةُ، وَأَمَّا وَقْتُ الْكَرَاهَةِ فَخَاصٌّ بِمَا عَدَا الظُّهْرَ وَانْظُرْ حِكْمَتَهُ وَوَقْتُ الْعُذْرِ خَاصٌّ بِمَا عَدَا الصُّبْحَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجْمَعُ أَصْلًا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْجَوَازِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ تَدْخُلُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَتَخْرُجُ مُتَعَاقِبَةً إلَّا فِي الْمَغْرِبِ، فَإِنَّهَا مُتَّحِدَةٌ فِيهِ دُخُولًا وَخُرُوجًا، وَإِلَّا فِي الظُّهْرِ فَإِنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ وَالِاخْتِيَارِ يَتَّحِدَانِ خُرُوجًا أَيْضًا. وَجُمْلَةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ إمَّا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَقْتًا أَوْ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَقْتًا إذَا اعْتَبَرْنَا مَفْهُومَ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَالِاخْتِيَارِ فِي الْمَغْرِبِ كَذَا نُقِلَ عَنْ الطُّوخِيِّ. [وَقْتُ الْعَصْرِ] قَوْلُهُ: (أَيْ صَلَاتُهَا) كَذَا فَعَلَ فِي سَابِقِهِ وَلَاحِقِهِ، وَذَكَرَ الضَّمِيرَ فِي بَعْضِهَا مُرَاعَاةً لِلَفْظِ الْوَقْتِ، وَكَوْنِ مَعْنَاهُ الزَّمَانَ وَأَنَّثَ فِي بَعْضِهَا نَظَرًا لِكَوْنِ الْوَقْتِ بِمَعْنَى اللَّحْظَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَارَتْ فِي الشَّرْعِ أَسْمَاءً لِهَذِهِ الصَّلَوَاتِ، وَإِلَى هَذَا يُومِئُ كَلَامُ شَارِحِهِ الْعَبَّادِيِّ، وَيُمْكِنُ رُجُوعُ ذَلِكَ إلَيْهِ بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ لِلْبَيَانِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (لِمُعَاصَرَتِهَا) أَيْ مُقَارِبَتِهَا وَقْتَ الْغُرُوبِ كَذَا قِيلَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْمُعَاصَرَةَ هِيَ الْمُقَارَنَةُ بِالنُّونِ كَمَا يُقَالُ: مُعَاصِرٌ لِفُلَانٍ أَيْ مُقَارِنٌ لَهُ، وَالْعَصْرُ لَيْسَتْ مُقَارِنَةً لِلْغُرُوبِ، وَلَوْ قِيلَ لَتَنَاقَصَ ضَوْءُ الشَّمْسِ مِنْهَا حَتَّى يَفْنَى تَشْبِيهًا بِتَنَاقُصِ الْغُسَالَةِ مِنْ الثَّوْبِ بِالْعَصْرِ حَتَّى تَفْنَى أَيْ الْغُسَالَةُ لَكَانَ أَوْضَحَ كَمَا قَالَهُ فِي التُّحْفَةِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى وَهَذَا قَوْلٌ مِنْ أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ؛ لِأَنَّهَا بَيْنَ النَّهَارِيَّةِ وَاللَّيْلِيَّةِ فَهِيَ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا الْوُسْطَى مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» . فَائِدَةٌ: حُبِسَتْ الشَّمْسُ مَرَّتَيْنِ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَاهُمَا: يَوْمَ الْخَنْدَقِ حِينَ شُغِلُوا عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَرَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَالثَّانِيَةُ: صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ حِينَ انْتَظَرَ الْعِيرَ الَّتِي أَخْبَرَ بِوُصُولِهَا مَعَ شُرُوقِ الشَّمْسِ اهـ. قَوْلُهُ: (الزِّيَادَةُ) أَيْ وَقْتُ الزِّيَادَةِ عَلَى ظِلِّ الْمِثْلِ لِلشَّيْءِ بَعْدَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ إنْ كَانَ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ سم. قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ) لَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا؛ لِأَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِعِبَارَةِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ يَصْدُقُ بِأَدْنَى زِيَادَةٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ التَّنْبِيهِ أَصْرَحُ فِي الْأَدْنَى بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمَتْنِ، فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ) أَيْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ جَاوَزَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تَصِحُّ الْجُمُعَةُ حِينَئِذٍ أَيْ: إنْ أَمْكَنَ إيقَاعُهَا فِي هَذَا الزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَعَلَى الثَّالِثِ لَا تَصِحُّ أَيْضًا لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ نِيَّةُ الْعَصْرِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَصِحُّ حِينَئِذٍ لِدُخُولِ وَقْتِهَا، وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ لَا تَصِحُّ لِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِهَا فَالْخُلْفُ مَعْنَوِيٌّ كَمَا قَالَهُ حَجّ. قَوْلُهُ: (فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ) أَيْ الَّذِي يُخْتَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، وَعَلَى وَقْتِ الْجَوَازِ فِي الظُّهْرَيْنِ إذْ لَا يُسَمَّى مَا بَيْنَهُمَا. اخْتِيَارًا كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ فِي مُسْلِمٍ: «وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ» . تَنْبِيهٌ: لِلْعَصْرِ سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ، وَوَقْتُ عُذْرٍ، وَقْتُ الظُّهْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَوَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ، وَهُوَ آخِرُ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَسَعُهَا. وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا أَدَاءٌ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثَامِنًا وَهُوَ وَقْتُ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا عَمْدًا، فَإِنَّهَا تَصِيرُ قَضَاءً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ، وَلَكِنَّ هَذَا رَأْيٌ ضَعِيفٌ. (وَالْمَغْرِبُ) أَيْ صَلَاتُهَا (وَوَقْتُهَا وَاحِدٌ) أَيْ لَا اخْتِيَارَ فِيهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ (وَهُوَ) أَيْ أَوَّلُهُ يَدْخُلُ بَعْدَ (غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِفِعْلِهَا عَقِبَ الْغُرُوبِ، وَأَصْلُ الْغُرُوبِ الْبُعْدُ يُقَالُ: غَرَبَ بِفَتْحِ الرَّاءِ   [حاشية البجيرمي] فِيهِ تَسَمُّحٌ حَيْثُ أَدْخَلَ وَقْتَ الْحُرْمَةِ وَالضَّرُورَةِ فِي وَقْتِ الْجَوَازِ قَوْلُهُ: (فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ) أَيْ مُؤَدَّاةً. قَوْلُهُ: (رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلَهُ أَدْرَكَ الْعَصْرَ اسْتِمْرَارُ الْوَقْتِ إلَى تَمَامِهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ، أَوْ دَفَعَ تَوَهُّمَ أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَ دُونَ رَكْعَةٍ خَرَجَ الْوَقْتُ فَنَصَّ عَلَى بَقَائِهِ إلَى الْغُرُوبِ شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (بِلَا كَرَاهَةٍ) أَيْ إلَى الِاصْفِرَارِ وَبِهَا إلَى الْغُرُوبِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ) أَيْ إلَى الْغُرُوبِ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا أَدَاءٌ) أَيْ بِأَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً فَأَكْثَرَ فِي الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: (وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثَامِنًا إلَخْ) وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا وَقْتًا تَاسِعًا يَجْرِي فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ يُسَمَّى وَقْتَ إدْرَاكٍ، وَهُوَ مَا لَوْ طَرَأَ الْمَانِعُ كَالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ بَعْدَ إدْرَاكِ زَمَنٍ مِنْ الْوَقْتِ يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ اج. قَوْلُهُ: (وَلَكِنَّ هَذَا رَأْيٌ ضَعِيفٌ) وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَدَاءٌ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا. اهـ. م ر. [وَقْتُ الْمَغْرِب] قَوْلُهُ: (وَالْمَغْرِبُ) هُوَ لُغَةً زَمَانُ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ زَمَانٍ، وَاصْطِلَاحًا الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ الَّتِي تُفْعَلُ عَقِبَهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (أَيْ صَلَاتُهَا) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَغْرِبَ اسْمٌ لِزَمَنِ الْغُرُوبِ بِدَلِيلِ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ. وَقَوْلُهُ بَعْدُ: قَوْلُهُ: (سُمِّيَتْ بِذَلِكَ) إلَخْ. يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَغْرِبَ اسْمٌ لِلصَّلَاةِ فَفِيهِ تَنَاقُضٌ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَغْرِبُ لُغَةً زَمَنَ الْغُرُوبِ فَسَّرَهُ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ هُنَا وَهُوَ الصَّلَاةُ بِقَوْلِهِ أَيْ: صَلَاتُهَا. وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً فِي قَوْلِهِ صَلَاتُهَا. وَقَوْلُهُ: بَعْدُ: سُمِّيَتْ إلَخْ. بَيَانٌ لِوَجْهِ التَّسْمِيَةِ فَلَا مُنَافَاةَ تَأَمَّلْ، وَكَذَا يُقَالُ فِي غَيْرِهِ مِمَّا يَأْتِي مِنْ الْأَوْقَاتِ. قَوْلُهُ: (أَيْ لَا اخْتِيَارَ فِيهِ) أَيْ لَا اخْتِيَارَ فِيهِ زَائِدٌ عَلَى وَقْتِ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَهُوَ بِقَدْرِ الِاخْتِيَارِ فَهُوَ مُرَادِفٌ لَهُ هُنَا كَمَا يَأْتِي، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا وَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْحَوَاشِي كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ غُرُوبِ إلَخْ) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَصْحِيحِ كَلَامِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ مَعَ أَنَّهُ بَعْدَهُ، وَالْمُرَادُ الْغُرُوبُ الْكَامِلُ الَّذِي لَا عَوْدَ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (غُرُوبُ الشَّمْسِ) وَلَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ كَرَامَةً لِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ، فَلَوْ عَادَتْ بَعْدَ الْغُرُوبِ عَادَ الْوَقْتُ وَوَجَبَ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ إنْ كَانَ صَلَّاهَا، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي الصَّوْمِ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ أَفْطَرَ نَهَارًا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعَصْرَ يُصَلِّيهَا أَدَاءً وَهَلْ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْغُرُوبِ الْأَوَّلِ أَوْ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ إثْمِهِ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي وَيَشْهَدُ لَهُ قِصَّةُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهِيَ كَمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ، فَكَرِهَ أَنْ يُوقِظَهُ فَفَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك فَرُدَّهَا عَلَيْهِ فَرَجَعَتْ الشَّمْسُ حَتَّى صَلَّى عَلِيٌّ الْعَصْرَ» . وَعَلَى ذَلِكَ يُقَالُ رَجُلٌ أَحْرَمَ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ قَضَاءً عَالِمًا بِفَوَاتِ الْوَقْتِ فَوَقَعَتْ أَدَاءً. وَصُورَتُهُ: أَحْرَمَ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ طَلَعَتْ. قَالَ ح ل: وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فِي بَلَدٍ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ ثُمَّ سَافَرَ إلَى بَلَدٍ فَوَجَدَ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ كَمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُ شَيْخِنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 أَيْ بَعُدَ، وَالْمُرَادُ تَكَامُلُ الْغُرُوبِ وَيُعْرَفُ فِي الْعُمْرَانِ بِزَوَالِ الشُّعَاعِ عَنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ وَإِقْبَالِ الظَّلَّامِ مِنْ الْمَشْرِقِ. (وَ) يَمْتَدُّ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ (بِمِقْدَارِ مَا يُؤَذِّنُ) لِوَقْتِهَا (وَيَتَوَضَّأَ وَيَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ) وَبِمِقْدَارِ خَمْسِ رَكَعَاتٍ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَرُدَّ بِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا بَيَّنَ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ، وَأَمَّا الْوَقْتُ الْجَائِزُ وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لَهُ، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى قَدْرَ هَذِهِ الْأُمُورِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَمْسِ الْمَغْرِبُ وَسُنَّتُهَا الْبَعْدِيَّةُ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ سَبْعَ رَكَعَاتٍ فَزَادَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ رَكْعَتَانِ قَبْلَهَا، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَالِاعْتِبَارُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ كَذَا أَطْلَقَهُ الرَّاهِنُ وَقَالَ الْقَفَّالُ: يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ الْوَسَطُ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ، وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا قَدْرُ أَكْلِ لُقَمٍ يَكْسِرُ بِهَا حِدَةَ الْجُوعِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ. لَكِنْ صَوَّبَ فِي التَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِ اعْتِبَارَ الشِّبَعِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَلَا تَعْجَلُوا عَلَى عِشَائِكُمْ» . وَحُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى الشِّبَعِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَ لُقَيْمَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، وَالْعَشَاءُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا أَيْضًا. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَتَحْسَبُونَهُ عَشَاءَكُمْ الْخَبِيثَ إنَّمَا كَانَ أَكْلُهُمْ لُقَيْمَاتٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالطُّهْرِ بَدَلَ الْوُضُوءِ لِيَشْمَلَ الْغُسْلَ وَالتَّيَمُّمَ وَإِزَالَةَ الْخَبَثِ لَكَانَ أَوْلَى وَعَبَّرَ جَمَاعَةٌ بِلُبْسِ الثِّيَابِ بَدَلَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِتَنَاوُلِهِ التَّعَمُّمَ وَالتَّقَمُّصَ وَالِارْتِدَاءَ وَنَحْوَهَا، فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلصَّلَاةِ وَيَمْتَدُّ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِفِعْلِهَا عَقِبَ الْغُرُوبِ) هَذَا تَوْجِيهٌ لِلتَّسْمِيَةِ. قَوْلُهُ: (بِزَوَالِ الشُّعَاعِ) هَذَا فِيمَا فِيهِ جِبَالٌ أَوْ فِيهِ بِنَاءٌ فَعَلَامَتُهُ زَوَالُ الشُّعَاعِ مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ وَأَعَالِي الْحِيطَانِ، وَأَمَّا الصَّحَارِي فَيَكْفِي فِيهَا تَكَامُلُ سُقُوطِ الْقُرْصِ وَإِنْ بَقِيَ الشُّعَاعُ. قَوْلُهُ: (وَيَمْتَدُّ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ إلَخْ) . لَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى الْجَدِيدِ امْتِنَاعُ جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَيْ تَقْدِيمِ الْعِشَاءِ مَعَهَا، إذْ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ وُقُوعُ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ الْمَتْبُوعَةِ وَقَدْ حَضَرَ وَقْتُهَا فِيمَا ذَكَرَ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِعَدَمِ لُزُومِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَسَعُ الصَّلَاتَيْنِ، لَا سِيَّمَا فِي حَالَةِ تَقَدُّمِ الشَّرَائِطِ عَلَى الْوَقْتِ وَاسْتِجْمَاعِهَا، فَإِنْ فُرِضَ ضِيقُهُ عَنْهُمَا لِاشْتِغَالِهِ بِالْأَسْبَابِ امْتَنَعَ الْجَمْعُ. اهـ. م ر مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِمِقْدَارِ مَا يُؤَذِّنُ) لَوْ قَالَ بِمِقْدَارِ الْأَذَانِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْأُنْثَى كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ. قُلْت: لَا أَوْلَوِيَّةَ إذْ قِرَاءَةُ الْمَتْنِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ تُفِيدُ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يُنَاسِبُ قَوْلُهُ بَعْدُ وَيُقِيمُ إذْ الْمُنَاسِبُ لَهُ أَنْ يُقَالَ وَيُقَامُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُسَمَّى بِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَغْرِبِ خَاصَّةً لِاتِّحَادِهِمَا كَمَا مَرَّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ جِبْرِيلَ وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لَا يَصِحُّ فِيهَا ق ل. وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ) أَيْ بَيْنَ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي خَبَرِ جِبْرِيلَ. قَوْلُهُ: (بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ) أَيْ بِغَالِبِ النَّاسِ وَهُوَ الرَّاجِحُ ق ل. قَوْلُهُ: (كَذَا أَطْلَقَهُ الرَّافِعِيُّ) أَيْ كَالْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ فِي اعْتِبَارِ فِعْلِ نَفْسِهِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ اخْتِلَافِ وَقْتِهِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ. اهـ. م ر اهـ مَرْحُومِيٌّ. إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ خُرُوجُ الْوَقْتِ فِي حَقِّ شَخْصٍ دُونَ آخَرَ وَهَذَا غَيْرُ مَعْهُودٍ. قَوْلُهُ (وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيَّ وَقَدْ تَعَجَّبَ مِنْهُ الزَّرْكَشِيّ بِأَنَّهُ وَجْهٌ آخَرَ مُغَايِرٌ لَهُ فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ. وَلَمْ يَرْتَضِ هَذَا الْحَمْلَ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَرَدَّ كَلَامَ الْقَفَّالِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَعْجَلُوا عَلَى عِشَائِكُمْ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا أَيْ بِأَنْ تُقَدِّمُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ أَوْ الْمَعْنَى: لَا تَسْتَعْجِلُوا فِي عَشَائِكُمْ بَلْ اشْبَعُوا الشِّبَعَ الشَّرْعِيَّ، وَهَذَا أَقْرَبُ بِسِيَاقِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الشِّبَعُ الشَّرْعِيُّ اهـ م د. فَالتَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ عَلَى كَسْرِهَا وَالتَّفْسِيرُ الثَّانِي عَلَى فَتْحِهَا. قَوْلُهُ: (وَإِزَالَةُ الْخَبَثِ) أَيْ مِنْ بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ وَمَكَانِهِ وَالْمُعْتَبَرُ مَا تَتَّفِقُ إصَابَتُهُ مِنْ النَّجَسِ غَالِبًا، وَإِلَّا وَرَدَ أَنَّ النَّجَسَ الْمُغَلَّظَ قَدْ لَا يَزُولُ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ إلَّا بِحَتٍّ وَقَرْصٍ وَاسْتِعَانَةٍ بِنَحْوِ أُشْنَانٍ، وَرُبَّمَا يَسْتَغْرِقُ ذَلِكَ وَقْتَ الْمَغْرِبِ عَلَى الْقَدِيمِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. قَوْلُهُ: (لِتَنَاوُلِهِ التَّعَمُّمَ) ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّيَابِ الْمَلْبُوسُ فَيَشْمَلُ مَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ) أَيْ بِالْقَدِيمِ. قَوْلُهُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وَقْتُهَا عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ. قَالَ النَّوَوِيُّ قُلْت: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: بَلْ هُوَ جَدِيدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَهُوَ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِ أَحَادِيثُ فِي مُسْلِمٍ مِنْهَا: «وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ» . وَأَمَّا حَدِيثُ صَلَاةِ جِبْرِيلَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ كَمَا مَرَّ، وَأَيْضًا أَحَادِيثُ مُسْلِمٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ بِمَكَّةَ؛ وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ رُوَاةً وَأَصَحُّ إسْنَادًا مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا لِلْمَغْرِبِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَوَقْتُ جَوَازٍ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَوَقْتُ الْعِشَاءِ لِمَنْ يَجْمَعُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عَنْ التِّرْمِذِيِّ: وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ وَهُوَ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْجَدِيدِ اهـ. وَمَعْنَاهُ وَاضِحٌ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَهَا أَيْضًا وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَوَقْتُ حُرْمَةٍ. (وَالْعِشَاءُ وَ) يَدْخُلُ أَوَّلُ (وَقْتِهَا إذَا غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ) لِمَا سَبَقَ وَخَرَجَ بِالْأَحْمَرِ الْأَصْفَرِ وَالْأَبْيَضِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْأَحْمَرِ لِانْصِرَافِ الِاسْمِ إلَيْهِ لُغَةً؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الشَّفَقَ هُوَ الْأَحْمَرُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ لَا عِشَاءَ لَهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا بِنَوَاحٍ لَا يَغِيبُ فِيهَا شَفَقُهُمْ يُقَدِّرُونَ قَدْرَ مَا يَغِيبُ فِيهِ الشَّفَقُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ   [حاشية البجيرمي] فِيهِ) أَيْ فِي الْقَدِيمِ. قَوْلُهُ: (رُوَاةً) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ اسْمِ أَنَّ أَيْ؛ وَلِأَنَّ رُوَاتَهَا أَكْثَرُ وَإِسْنَادَهَا أَصَحُّ. قَوْلُهُ: (وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ) وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا وَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ، فَالثَّلَاثَةُ مُشْتَرَكَةٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَسَيَأْتِي لَهَا أَرْبَعَةُ أَوْقَاتٍ فَالْمَجْمُوعُ سَبْعَةٌ قَالَ حَجّ فِي التُّحْفَةِ: تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ مَا يَزِيدُ بِهِ الثَّوَابُ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ وَبِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ مَا فِيهِ ثَوَابٌ دُونَ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: ظَاهِرُ مَا ذَكَرَ تَغَايُرُهُمَا وَقَدْ صَرَّحُوا بِاتِّحَادِهِمَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَفِي قَوْلِهِمْ فِي نَحْوِ الْعَصْرِ وَقْتُ اخْتِيَارِهَا مِنْ مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَهُ إلَى الْمِثْلَيْنِ وَفَضِيلَتُهَا أَوَّلُ الْوَقْتِ. قُلْت: الِاخْتِيَارُ لَهُ إطْلَاقَانِ: إطْلَاقٌ يُرَادِفُ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ، وَإِطْلَاقٌ يُخَالِفُهُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ الْمُتَبَادِرُ فَلَا تَنَافِي. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ) فِيهِ تَسَاهُلٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ وَقْتَ الْحُرْمَةِ وَالضَّرُورَةِ وَالْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَهَا أَيْضًا وَقْتُ ضَرُورَةٍ) فَيَكُونُ لَهَا سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ. [وَقْتُ الْعِشَاء] قَوْلُهُ: (لِمَا سَبَقَ) أَيْ فِي حَدِيثِ أَمَّنِي جِبْرِيلُ حَيْثُ قَالَ فِيهِ «وَالْعِشَاءُ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ» . قَوْلُهُ: (الْأَصْفَرُ وَالْأَبْيَضُ) أَيْ فَلَا يَتَوَقَّفُ دُخُولُ الْوَقْتِ عَلَى غَيْبُوبَتِهِمَا، لَكِنْ يَنْبَغِي تَأْخِيرُهَا لِزَوَالِهِمَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُشَاهَدُ غُرُوبُ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ الَّذِي قَدَّرَهُ الْمُؤَقِّتُونَ فِيهَا وَهُوَ عِشْرُونَ دَرَجَةً، فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِمَا قَدَّرُوهُ أَوْ بِالْمُشَاهَدِ؟ وَقَاعِدَةُ الْبَابِ وَكَذَا الْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّانِي وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ مَضَى مَا قَدَّرُوهُ وَلَمْ يَغِبْ الْأَحْمَرُ. اهـ. فَتْحُ الْجَوَادِ لِابْنِ حَجَرٍ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالشَّفَقِ لَا بِالدَّرَجِ وَلَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوَاقِيتَ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ ارْتِفَاعًا، فَقَدْ يَكُونُ زَوَالُ الشَّمْسِ فِي بَلَدٍ طُلُوعَهَا بِبَلَدٍ آخَرَ وَعَصْرًا بِآخَرَ وَمَغْرِبًا بِآخَرَ وَعِشَاءً بِآخَرَ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ لَهُ) أَيْ لِلْأَحْمَرِ. قَوْلُهُ: (لَا يَغِيبُ فِيهَا شَفَقُهُمْ) أَيْ أَوْ لَا شَفَقَ لَهُمْ اج. قَوْلُهُ: (يُقَدِّرُونَ) أَيْ يُقَدِّرُونَ وَقْتَ مَغْرِبِهِمْ وَدُخُولَ وَقْتِ عِشَائِهِمْ فَمَفْعُولُ يُقَدِّرُونَ مَحْذُوفٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (قَدْرَ مَا يَغِيبُ) أَيْ بِقَدْرِ مَا يَغِيبُ وَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ مُضِيِّ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ طُلُوعِ شَمْسِهِمْ، وَقِيَاسُهُ أَنَّ وَقْتَ صُبْحِهِمْ يَحْصُلُ بِمُضِيِّ زَمَنٍ يَطْلُعُ فِيهِ فَجْرُ أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (بِأَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ) بَقِيَ مَا لَوْ اسْتَوَى فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 كَعَادِمِ الْقُوتِ الْمُجَزِّئِ فِي الْفِطْرَةِ بِبَلَدِهِ أَيْ: فَإِنْ كَانَ شَفَقُهُمْ يَغِيبُ عِنْدَ رُيْعِ لَيْلِهِمْ مَثَلًا اُعْتُبِرَ مِنْ لَيْلِ هَؤُلَاءِ بِالنِّسْبَةِ لَا أَنَّهُمْ يَصْبِرُونَ بِقَدْرِ مَا يَمْضِي مِنْ لَيْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَغْرَقَ لَيْلَهُمْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْخَادِمِ. (وَآخِرُهُ فِي) وَقْتِ (الِاخْتِيَارِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ. وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ لِخَبَرِ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَكَلَامُهُ فِي الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا، فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، (وَ) آخِرُهُ (فِي) وَقْتِ (الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) أَيْ الصَّادِقِ لِحَدِيثِ: «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ   [حاشية البجيرمي] الْقُرْبِ إلَيْهِمْ بَلَدَانِ ثُمَّ كَانَ الشَّفَقُ يَغِيبُ فِي إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى، فَهَلْ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِئَلَّا. يُؤَدِّيَ إلَى فِعْلِ الْعِشَاءِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا عَلَى احْتِمَالٍ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (اُعْتُبِرَ مِنْ لَيْلِ هَؤُلَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَخْ) مِثَالُهُ إذَا كَانَ مَنْ يَغِيبُ شَفَقُهُمْ أَوْ مَنْ لَا شَفَقَ لَهُمْ لَيْلُهُمْ عِشْرُونَ دَرَجَةً مَثَلًا وَلَيْلُ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ الَّذِينَ لَهُمْ شَفَقٌ يَغِيبُ ثَمَانُونَ دَرَجَةً مَثَلًا وَشَفَقُهُمْ يَغِيبُ بَعْدَ مُضِيِّ عِشْرِينَ، فَإِذَا نُسِبَ عِشْرُونَ إلَى ثَمَانِينَ. كَانَتْ رُبْعًا فَيُعْتَبَرُ لِمَنْ لَا يَغِيبُ شَفَقُهُمْ مُضِيُّ رُبْعِ لَيْلِهِمْ، وَهُوَ فِي مِثَالِنَا خَمْسُ دَرَجٍ فَنَقُولُ لَهُمْ: إذَا مَضَى مِنْ لَيْلِكُمْ خَمْسُ دَرَجٍ دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ ذَكَرَهُ اج. قَالَ الْحَلَبِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ: مَحَلُّ اعْتِبَارِ النِّسْبَةِ إذَا كَانَ اعْتِبَارُ مَغِيبِ شَفَقِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ يُؤَدِّي إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَهُمْ، وَإِلَّا فَلَا تُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ بَلْ يَصْبِرُونَ بِقَدْرِ مَغِيبِ شَفَقِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَا أَنَّهُمْ يَصْبِرُونَ بِقَدْرِ مَا يَمْضِي لَيْسَ مُسَلَّمًا عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَوْ عُدِمَ وَقْتُ الْعِشَاءِ كَأَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ لَمَّا غَرَبَتْ وَجَبَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ اخْتِلَافٍ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ز ي: وَلَوْ لَمْ يَسَعْ أَيْ اللَّيْلُ عِنْدَهُمْ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَأَكْلَ الصَّائِمِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ الْغُرُوبِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَا يَسَعُ إلَّا قَدْرَ الْمَغْرِبِ، أَوْ أَكْلَ الصَّائِمِ قُدِّمَ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ عَلَيْهِ وَاجِبَانِ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ وَاجِبٌ فِرَارًا مِنْ الْوِصَالِ فَيُقَدَّمُ الْأَهَمُّ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. فَإِنْ انْعَدَمَ اللَّيْلُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ بِأَنْ كَانَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ عَقِبَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ وَجَبَ قَضَاءُ الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ قَالَ حَجّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا صَوْمَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيرِ، وَالْأَخْذُ بِالنِّسْبَةِ لَا يَكُونُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَضَاءً. اهـ. ح ل. وَكَوْنُ أَكْلِ الصَّائِمِ وَاجِبًا تَحَرُّزٌ مِنْ الْوِصَالِ الْمُحَرَّمِ. قَوْلُهُ: (يَصْبِرُونَ) أَيْ عَنْ فِعْلِ الْعِشَاءِ. قَوْلُهُ: (إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) أَيْ إلَى تَمَامِ ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ سم. قَوْلُهُ: (أَيْ الصَّادِقُ) وَسُمِّيَ صَادِقًا؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَنْ الصُّبْحِ وَيُبَيِّنُهُ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: سُمِّيَ الْأَوَّلُ كَاذِبًا؛ لِأَنَّهُ يَكْذِبُ عَنْ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ يُضِيءُ ثُمَّ يَسْوَدُّ وَيَذْهَبُ، وَالثَّانِي صَادِقًا؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَنْ الصُّبْحِ وَيُبَيِّنُهُ اهـ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ إطْلَاقُ الْكَذِبِ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ وَهُوَ: «صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك» لِمَا أَوْهَمَهُ مِنْ عَدَمِ وُصُولِ الشِّفَاءِ بِشُرْبِ الْعَسَلِ م ر أَيْ حِينَ سَأَلَهُ «وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ بَطْنَ أَخِي وَجِعَةٌ فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَشْرَبَ الْعَسَلَ فَشَرِبَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ شِفَاءٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شِفَاءٌ» ، فَقَالَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك» . قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: أَهْلُ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَ الْكَذِبَ فِي مَوْضِعِ الْخَطَأِ. يُقَالُ كَذَبَ سَمْعُك أَيْ زَلَّ فَلَمْ يُدْرِكْ حَقِيقَةَ مَا قِيلَ لَهُ، فَمَعْنَى كَذَبَ بَطْنُهُ أَيْ لَمْ يَصْلُحْ لِقَبُولِ الشِّفَاءِ بَلْ زَلَّ عَنْهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ: لَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِنُورِ الْوَحْيِ أَنَّ ذَلِكَ الْعَسَلَ سَيَظْهَرُ نَفْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ نَفْعُهُ فِي الْحَالِ مَعَ كَوْنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ سَيَظْهَرُ نَفْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ جَارِيًا مَجْرَى الْكَذِبِ، فَلِذَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظَ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَوَاهِبِ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ) فِي لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ لَيْسَ بِسَبَبِ النَّوْمِ تَفْرِيطٌ أَيْ: إنْ نَامَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ وَلَوْ جُمُعَةً قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ ق ل وع ش. وَكَذَا إنْ نَامَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ إنْ وَثِقَ بِيَقَظَتِهِ، وَالصَّلَاةُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ حَرُمَ أَيْ: يَأْثَمُ إثْمَيْنِ إثْمَ تَرْكِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ خَرَجَتْ الصُّبْحُ بِدَلِيلِ فَبَقِيَ عَلَى مُقْتَضَاهُ فِي غَيْرِهَا وَخَرَجَ بِالصَّادِقِ الْكَاذِبُ. وَالصَّادِقُ هُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْءُهُ مُعْتَرِضًا بِنَوَاحِي السَّمَاءِ، بِخِلَافِ الْكَاذِبِ فَإِنَّهُ يَطْلُعُ مُسْتَطِيلًا يَعْلُوهُ ضَوْءٌ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ وَهُوَ بِكَسْرِ السِّينِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ الذِّئْبُ، ثُمَّ تَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ وَشُبِّهَ بِذَنَبِ السِّرْحَانِ لِطُولِهِ   [حاشية البجيرمي] الصَّلَاةِ وَإِثْمَ النَّوْمِ، فَإِنْ اسْتَيْقَظَ عَلَى خِلَافِ ظَنِّهِ وَصَلَّى فِي الْوَقْتِ لَمْ يَحْصُلْ إثْمُ تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْإِثْمُ الَّذِي حَصَلَ بِسَبَبِ النَّوْمِ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالِاسْتِغْفَارِ، وَيَجِبُ إيقَاظُ مَنْ نَامَ بَعْدَ الْوُجُوبِ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَيُسَنُّ إيقَاظُ مَنْ نَامَ قَبْلَ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يَخْشَ ضَرَرًا لِيَنَالَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَلَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَعَزْمِهِ عَلَى الْفِعْلِ وَأَزَالَ تَمْيِيزَهُ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ مُطْلَقًا وَلَا كَرَاهَةَ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ إلَخْ) عَدَّاهُ بِعَلَى مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَدَّى بِفِي؛ لِأَنَّ فِي تَتْمِيمِ الْكَلَامِ حَذْفًا أَيْ: إثْمُ التَّفْرِيطِ اهـ اط ف. قَوْلُهُ: (بِدَلِيلِ) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَقْتُ الصُّبْحِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ» قَوْلُهُ: (فَبَقِيَ) أَيْ وَقْتُ الْعِشَاءِ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى مُقْتَضَاهُ) وَهُوَ اسْتِمْرَارُ وَقْتِهَا إلَى وَقْتِ الْأُخْرَى. قَوْلُهُ: (هُوَ الْمُنْتَشِرُ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (مُعْتَرِضًا) أَيْ بِعَرْضِ الْأُفُقِ وَهُوَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَشِرَ هُوَ الْمُعْتَرِضُ. قَوْلُهُ: (بِعُلُوِّهِ) بِالْوَاوِ مِنْ بَابِ سَمَا يَسْمُو سُمُوًّا، وَأَمَّا عَلَى يَعْلَى مِنْ بَابِ رَضِيَ يَرْضَى فَهُوَ فِي الشَّرَفِ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا قَوْلُهُ: (كَذَنَبِ السِّرْحَانِ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ مُسْتَطِيلًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَعَقَّبَهُ) أَيْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَقَدْ يَتَّصِلُ بِالصَّادِقِ قَالَ: وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ الرُّومِيِّ: وَكَاذِبُ الْفَجْرِ يَبْدُو قَبْلَ صَادِقِهِ ... وَأَوَّلُ الْغَيْثِ قَطْرٌ ثُمَّ يَنْسَكِبُ وَمِثْلُ ذَلِكَ وَجْدُ الْعَاشِقِينَ هَوًى ... بِالْمَزْحِ يَبْدُو وَبِالْإِدْمَانِ يَلْتَهِبُ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ إمَامُ الْفَاضِلِيَّةِ: وَهُوَ يَطْلُعُ إذَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ السُّبْعُ اهـ عَنَانِيٌّ. ثُمَّ قَالَ: وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إذَا غَرَبَا هَلْ يَسِيرَانِ تَحْتَ الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ أَمْ لَا؟ وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُمَا إذْ غَرَبَا يَسِيرَانِ تَحْتَ الْأَرْضِ، وَهَذَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يُنَافِي مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِمَّا ظَاهِرُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَهَذَا أَوْلَى فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ مَعَ زِيَادَةٍ. ثُمَّ رَأَيْت فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ لِابْنِ الْعِمَادِ مَا نَصُّهُ: سُؤَالٌ، الشَّمْسُ إذَا غَرَبَتْ أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ يَبْتَلِعُهَا حُوتٌ، وَقِيلَ تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى. وَالْحَمِئَةُ بِالْهَمْزِ ذَاتُ حَمْأَةٍ وَطِينٍ وَقُرِئَ حَامِيَةٍ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَيْ حَارَّةٍ سَاخِنَةٍ. قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَقِيلَ إنَّهَا تَطْلُعُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ وَتَقُولُ: يَا رَبِّ إنَّ أَقْوَامًا يَعْصُونَك. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْت فَتَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَطْلُعَ مِنْ الْمَشْرِقِ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: لَا خِلَافَ أَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ عِنْدَ قَوْمٍ وَتَطْلُعُ عَلَى آخَرِينَ، وَاللَّيْلُ يَطُولُ عِنْدَ قَوْمٍ وَيَقْصُرُ عِنْدَ آخَرِينَ، وَعِنْدَ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ يَكُونُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مُسْتَوِيَيْنِ أَبَدًا. وَسُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ بِلَادِ بُلْغَارَ كَيْفَ يُصَلُّونَ فَإِنَّهُ ذُكِرَ أَنَّ الشَّمْسَ لَا تَغْرُبُ عِنْدَهُمْ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ثُمَّ تَطْلُعُ فَقَالَ: يُعْتَبَرُ صَوْمُهُمْ وَصَلَاتُهُمْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ، وَالْأَحْسَنُ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ ذَلِكَ وَيَعْتَبِرُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ الدَّجَّالِ الَّذِي كَسَنَةٍ وَكَشَهْرٍ: «اُقْدُرُوا لَهُ» حِينَ سَأَلَهُ الصَّحَابِيُّ عَنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ، وَبُلْغَارُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي آخِرِهِ: أَقْصَى بِلَادِ التَّرْكِ، وَذَكَرَ لِي بَعْضُهُمْ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ الشَّمْسَ إذَا غَرَبَتْ عِنْدَهُمْ مِنْ هَهُنَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَارَ يَمْشِي قَلِيلًا، ثُمَّ تَطْلُعُ الشَّمْسُ، وَبِهَذَا الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ تَرَدُّدٍ أَبْدَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] الْقَرَافِيُّ فِي قَوْمٍ لَا تَغِيبُ الشَّمْسُ عِنْدَهُمْ إلَّا مِقْدَارَ الصَّلَاةِ، فَهَلْ يَشْتَغِلُونَ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَوْ يَشْتَغِلُونَ بِالْأَكْلِ حَتَّى يَقْوَوْنَ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ إذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ. وَإِذَا عَلِمْت مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ اللَّيْلَ يَقْصُرُ عِنْدَ قَوْمٍ وَيَطُولُ عِنْدَ آخَرِينَ ظَهَرَ لَك وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْوَارِدَةِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَذْهَبُ ثُلُثُ اللَّيْلِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «حِينَ يَذْهَبُ نِصْفُ اللَّيْلِ وَيَقُولُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ، مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ» الْحَدِيثَ وَكَذَا أَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْجَوَابِ، وَهُوَ أَنَّ نُزُولَ الْمَلَكِ يَكُونُ دَائِمًا نِصْفَ اللَّيْلِ. قَالَ: وَنِصْفُ اللَّيْلِ يَكُونُ نِصْفًا عَنْ قَوْمٍ وَثُلُثًا عِنْدَ آخَرِينَ، فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ: وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الشَّمْسَ إذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَحْدَثَتْ فِي الْعَالَمِ حَرَكَةً بِطَبْعِهَا وَحَرَارَتِهَا فَلَا يَبْقَى حَيَوَانٌ نَائِمٌ إلَّا وَتَحَرَّكَ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَقْرُبُ مِنْ الْأَرْضِ فَإِذَا تَحَرَّكَ اسْتَيْقَظَ فِي الْغَالِبِ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ يَلْقَاهُ الْمُنَادِي وَنَشَّطَهُ إلَى الْقِيَامِ لِلطَّاعَةِ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ تَائِبٍ هَلْ مِنْ طَالِبِ حَاجَةٍ؟ وَفِي هَذِهِ أَسْرَارٌ غَرِيبَةٌ وَمَعَانٍ لَطِيفَةٌ فَسُبْحَانَ مَنْ هَذَا عَطَاؤُهُ وَجَلَّ مَنْ هَذَا قَضَاؤُهُ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَذَكَر الْكِسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ " عَجَائِبُ الْمَلَكُوتِ فِي قُدْرَةِ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ". قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الشَّمْسَ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ وَخَلَقَ الْقَمَرَ مِنْ نُورِ حِجَابِهِ الَّذِي يَلِيهِ، وَكَانَ كَعْبٌ يَقُولُ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يُؤْتَى بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقْذَفَانِ فِي النَّارِ فَقِيلَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ. فَقَالَ: كَذَبَ كَعْبٌ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [إبراهيم: 33] فَكَيْفَ يَقْذِفُهُمَا؟ قَالَ وَهْبٌ: وَقَدْ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِمَا جَمِيعًا مَلَائِكَةً يُرْسِلُونَهُمَا بِمِقْدَارٍ وَيَقْبِضُونَهُمَا بِمِقْدَارٍ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحج: 61] فَمَا نَقَصَ مِنْ أَحَدِهِمَا زَادَ فِي الْآخَرِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ أَحَدُهُمَا أَصْغَرُ مِنْ الْآخَرِ وَطَمَسَ أَصْغَرَهُمَا؛ وَلَوْ كَانَ تَرَكَهُمَا عَلَى خِلْقَتِهِمَا لَمْ يُعْرَفْ اللَّيْلُ مِنْ النَّهَارِ وَلَا الْأَزْمِنَةُ، فَأَمَرَ جِبْرِيلَ فَمَرَّ بِجَنَاحِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَمَرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَطَمَسَ عَنْهُ الضَّوْءَ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] فَالسَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ شَبَهُ الْخُطُوطِ آثَارَ الْمَمْحُوِّ مِنْهُ، ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ لِلشَّمْسِ عَجَلَةً لَهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ عُرْوَةً وَوَكَّلَ بِالشَّمْسِ وَالْعَجَلَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَلَكًا قَدْ تَعَلَّقَ كُلُّ مَلَكٍ بِعُرْوَةٍ مِنْ تِلْكَ الْعُرَى، خَلَقَ لِلْقَمَرِ مِثْلَ ذَلِكَ وَخَلَقَ لَهُمَا مَشَارِقَ وَمَغَارِبَ فِي قُطْرِ الْأَرْضِ وَلِلسَّمَاءِ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ عَيْنًا فِي الْمَغْرِبِ مِنْ طِينَةٍ سَوْدَاءَ تَفُورُ غَلْيًا كَغَلْيِ الْقِدْرِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمَشْرِقِ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ مِنْ مَطْلَعٍ جَدِيدٍ وَتَغْرُبُ فِي مَغْرِبٍ جَدِيدٍ، وَخَلَقَ بَحْرًا دُونَ سَمَاءِ الدُّنْيَا لَهُ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ فَتَجْرِي فِيهِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ فِي لُجَّةِ ذَلِكَ، وَلَوْ بَدَتْ الشَّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْبَحْرِ لَأَحْرَقَتْ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ بَدَا الْقَمَرُ مِنْ ذَلِكَ الْبَحْرِ لَافْتُتِنَ الْعَالَمُونَ بِحُسْنِهِ حَتَّى يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ طَلَعَتْ وَمَعَهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ مَلَكًا نَاشِرُو أَجْنِحَتِهِمْ يَجُرُّونَهَا بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّهْلِيلِ عَلَى قَدْرِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ رُفِعَ بِهَا مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَبْلُغَ إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ حَتَّى تَكُونَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَتَسْجُدُ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِهَا، ثُمَّ يَتَحَدَّرُونَ بِهَا مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَبْلُغَ بِهَا إلَى فَلَكِهَا، وَذَلِكَ حِينَ يَنْفَجِرُ الْفَجْرُ فَلَا تَزَالُ تُضِيءُ حَتَّى تَغْرُبَ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْغُرُوبِ أَقْبَلَ مَلَكٌ قَدْ وُكِّلَ بِاللَّيْلِ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ ظُلْمَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ عِنْدَ الْمَغْرِبِ، وَلَا يُزَالُ يُرْسِلُ تِلْكَ الظُّلْمَةَ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَنْشُرَ جَنَاحَيْهِ فَيَبْلُغَانِ قُطْرَ الْأَرْضِ وَكَنَفَيْ السَّمَاءِ فَلَا يَزَالُ يَسُوقُ الظُّلْمَةَ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَغْرِبَ، فَإِذَا بَلَغَ الْمَغْرِبَ انْفَجَرَ الصُّبْحُ مِنْ الْمَشْرِقِ وَلَا يُزَالُ يَقْبِضُ الظُّلْمَةَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ حَتَّى يُضِيءَ النَّهَارُ فَذَلِكَ مَسِيرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ» اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 فَلَهَا سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ، وَوَقْتُ جَوَازٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَوَقْتُ عُذْرٍ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ لِمَنْ يَجْمَعُ، وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ وَهُوَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ. (وَالصُّبْحُ) أَيْ صَلَاتُهُ وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا لُغَةً أَوَّلَ النَّهَارِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ بِهِ هَذِهِ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ بَعْدَ الْفَجْرِ الَّذِي يَجْمَعُ بَيَاضًا وَحُمْرَةً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: وَجْهٌ صَبِيحٌ لِمَا فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ. (وَأَوَّلُ وَقْتِهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ   [حاشية البجيرمي] فَإِنْ قِيلَ: مَا هَذَا السَّوَادُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْقَمَرِ؟ قِيلَ سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ أَثَرُ مَسْحِ جَنَاحِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ نُورَ الْقَمَرِ سَبْعِينَ جُزْءًا وَكَذَلِكَ نُورُ الشَّمْسِ، ثُمَّ أَتَى جِبْرِيلُ فَمَسَحَهُ بِجَنَاحِهِ فَمَحَا مِنْ الْقَمَرِ تِسْعَةً وَسِتِّينَ جُزْءًا فَحَوَّلَهَا إلَى الشَّمْسِ، فَأَذْهَبَ عَنْهُ الضَّوْءَ وَأَبْقَى فِيهِ النُّورَ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت السَّوَادَ الَّذِي فِي الْقَمَرِ وَجَدْته حُرُوفًا أَوَّلُهَا الْجِيمُ وَثَانِيهَا الْمِيمُ وَثَالِثُهَا الْيَاءُ، وَاللَّامُ أَلِفٍ آخِرَ الْكُلِّ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ جَمِيلًا، وَقَدْ شَاهَدْت ذَلِكَ وَقَرَأْته مَرَّاتٍ فَسُبْحَانَ مَنْ خَلَقَهُ جَمِيلًا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا جَاءَ اللَّيْلُ أَيْنَ يَذْهَبُ النَّهَارُ، وَإِذَا جَاءَ النَّهَارُ أَيْنَ يَذْهَبُ اللَّيْلُ؟ قِيلَ: إنَّهُمَا فِي كَفَّيْ مَلَكٍ فِي إحْدَى يَدَيْهِ نُورٌ وَفِي الْأُخْرَى ظُلْمَةٌ، فَالظُّلْمَةُ دَائِمَةٌ وَالنُّورُ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ. وَفِي سِيرَةِ الْحَلَبِيِّ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37] إنَّ اللَّيْلَ ذَكَرٌ وَالنَّهَارَ أُنْثَى فَاللَّيْلُ كَآدَمَ وَالنَّهَارُ كَحَوَّاءَ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ اللَّيْلَ مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّهَارَ مِنْ النَّارِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأُنْسُ بِاللَّيْلِ أَكْثَرَ اهـ. قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الدُّرَرِ قُلْت لِشَيْخِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ اللَّيْلَ ذَكَرٌ وَالنَّهَارَ أُنْثَى هَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ؟ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نَعَمْ. فَلَمَّا تَغَشَّى اللَّيْلُ النَّهَارَ تَوَالَدَا فَظَهَرَتْ الْكَائِنَاتُ مِنْ غَشَيَانِ الزَّمَانِ فَالْمُوَلَّدَاتُ كُلُّهَا أَوْلَادُ الزَّمَانِ، فَقُلْت لَهُ: فَإِذًا اسْتِخْرَاجُ النَّهَارِ الَّذِي هُوَ أُنْثَى كَاسْتِخْرَاجِ حَوَّاءَ مِنْ آدَمَ فَقَالَ نَعَمْ. {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} [يس: 37] كَمَا أَنَّ اسْتِخْرَاجَ اللَّيْلِ الَّذِي هُوَ ذَكَرٌ كَاسْتِخْرَاجِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. وَهُنَا أَسْرَارٌ لَا تُذْكَرُ إلَّا مُشَافَهَةً فَإِذَا خَاطَبَ أَبْنَاءَ اللَّيْلِ قَالَ: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} [الحج: 61] وَإِذَا خَاطَبَ أَبْنَاءَ النَّهَارِ قَالَ: {وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحج: 61] فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: 40] فَنَزِّلْ ذَلِكَ عَلَيْهِ تَجِدْهُمَا سَوَاءً بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. فَإِنْ قِيلَ: اللَّيْلُ أَفْضَلُ أَمْ النَّهَارُ؟ قِيلَ، قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: اللَّيْلُ أَفْضَلُ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّيْلَ رَاحَةٌ وَالرَّاحَةُ مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّهَارَ تَعَبٌ وَالتَّعَبُ مِنْ النَّارِ، وَأَيْضًا اللَّيْلُ حَظُّ الْفِرَاشِ وَالنَّهَارُ حَظُّ اللِّبَاسِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى لَيْلَةً خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَلَيْسَ فِي الْأَيَّامِ مِثْلُهَا؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَتْ مَفْرُوضَةً أَيْ فَهُوَ وَقْتٌ فَاضِلٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ صَلَاةِ اللَّيْلِ نُسِخَ فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا فِي الْحَلَبِيِّ عَلَى مِعْرَاجِ الْغَيْطِيِّ. وَقِيلَ: النَّهَارُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ نُورٌ، وَأَيْضًا لَا يَكُونُ فِي الْجَنَّةِ لَيْلٌ، وَأَيْضًا النَّهَارُ لِلْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ؟ قِيلَ: هُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ كَفَّيْ مَلَكٍ فِي إحْدَى يَدَيْهِ نُورٌ، وَفِي الْأُخْرَى ظُلْمَةٌ فَيُقَالُ الظُّلْمَةُ دَائِمَةٌ وَالنَّهَارُ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ. قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ نُورَ الْفَجْرِ لَيْسَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ. قَوْلُهُ: (فَلَهَا سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ) لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَّا ثَلَاثَةٌ فَكَانَ الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ لِإِبْقَاءِ التَّفْرِيعِ. [وَقْتُ الْفَجْرِ] قَوْلُهُ: (وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا) ظَاهِرُهُ اسْتِوَاءُ اللُّغَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الْكَسْرَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ وَحُكِيَ كَسْرُهَا. قَوْلُهُ: (سُمِّيَتْ بِهِ) فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ وَهُوَ الصَّلَاةُ مَجَازًا وَلَهَا خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ الصُّبْحُ وَالْفَجْرُ وَالْبَرْدُ وَالْوُسْطَى عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 الثَّانِي) أَيْ الصَّادِقُ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، وَيَحْرُمَانِ بِالصَّادِقِ (وَآخِرُهُ فِي) وَقْتِ (الِاخْتِيَارِ إلَى الْإِسْفَارِ) وَهُوَ الْإِضَاءَةُ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا: «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ (وَ) آخِرُهُ (فِي) وَقْتِ (الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ» وَالْمُرَادُ بِطُلُوعِهَا هُنَا طُلُوعُ بَعْضِهَا بِخِلَافِ غُرُوبِهَا فِيمَا مَرَّ إلْحَاقًا لِمَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ يُشْمَلُ بِطُلُوعِ بَعْضِ الْفَجْرِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَخْرُجَ بِطُلُوعِ بَعْضِ الشَّمْسِ فَلَهَا سِتَّةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَى الْأَحْمَرِ، ثُمَّ وَقْتُ كَرَاهَةٍ وَوَقْتُ حُرْمَةٍ وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَهِيَ نَهَارِيَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 187] الْآيَةَ. وَلِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَصْحَابِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] الْآيَةَ إذْ لَا قُنُوتَ إلَّا فِي الصُّبْحِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِمَنْ يَكْتُبُ مُصْحَفًا: اُكْتُبْ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ قَالَتْ: سَمِعْتهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إذْ الْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ قَالَ النَّوَوِيُّ عَنْ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: صَحَّتْ   [حاشية البجيرمي] وَالْغَدَاةُ. قَوْلُهُ: (يَجْمَعُ بَيَاضًا وَحُمْرَةً) أَمَّا الْبَيَاضُ فَهُوَ الْفَجْرُ الصَّادِقُ، وَأَمَّا الْحُمْرَةُ فَمِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ قَبْلَ طُلُوعِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَجْرَ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَصَحَّ قَوْلُهُ الَّذِي يَجْمَعُ بَيَاضًا وَحُمْرَةً م د. قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ يَجْمَعُ بَيَاضًا وَحُمْرَةً فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ إنَّمَا يَجْمَعُ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ كَثِيرٍ مِنْ وَقْتِهَا فَيَقْتَضِي أَنَّهَا تُؤَخَّرُ لِذَلِكَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا تُفْعَلُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْفَجْرُ حِينَئِذٍ بَيَاضٌ لَا حُمْرَةَ فِيهِ، فَلَوْ قَالَ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ عَقِبَ الْفَجْرِ وَالْفَجْرُ فِيهِ بَيَاضٌ حِينَئِذٍ وَالشَّيْءُ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ يُقَالُ لَهُ صُبْحٌ كَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (عَلَّقَهُ عَلَى الْوَقْتِ) أَيْ قَيَّدَهُ بِالْوَقْتِ إلَخْ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِطُلُوعِهَا هُنَا) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بَعْضُهَا صَلَّى لِلْبَاقِي فَلَمْ يُلْحِقُوا مَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ ح ل. قَوْلُهُ: (إلْحَاقًا لِمَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ) فَكَأَنَّهَا كُلَّهَا طَلَعَتْ بِخِلَافِ غُرُوبِهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ جَمِيعِ الْقُرْصِ، فَإِذَا غَابَ الْبَعْضُ أُلْحِقَ مَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (فَلَهَا سِتَّةُ أَوْقَاتٍ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ، وَلَيْسَ لَهَا وَقْتُ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجْمَعُ مَعَ مَا قَبْلَهَا وَلَا مَعَ مَا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ نَهَارِيَّةٌ) أَيْ شَرْعًا وَلَيْلِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلِذَلِكَ طُلِبَ فِيهَا الْجَهْرُ اهـ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ دَلِيلٌ لِمَا ادَّعَاهُ ق ل. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَنَّهَا نَهَارِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا قُنُوتَ إلَخْ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَانِتِينَ فِي الْآيَةِ مَنْ يَأْتِي بِقُنُوتِ الصُّبْحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْعِبَادَةُ وَالطَّاعَةُ مُطْلَقًا فَرَاجِعْهُ ق ل. أَيْ وَقُومُوا لِلَّهِ مُطِيعِينَ شَرْحُ مُسْلِمٍ. قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) بِالْجَرِّ أَيْ: اُكْتُبْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] بِالْجَرِّ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ بِالْجَرِّ أَيْضًا، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ قُرْآنٌ عِنْدَ عَائِشَةَ بِدَلِيلِ قَوْلِهَا سَمِعْتهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، إلَّا أَنَّهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ عِنْدَ غَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ تُقْرَأْ عِنْدَ غَيْرِ عَائِشَةَ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِالْعَطْفِ كَالْبَيْضَاوِيِّ. وَصَرِيحُ كَلَامِ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ عَدَمُ الْعَطْفِ وَنَصُّهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَقْصِدُ مِنْ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ تَفْسِيرُ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَتَبْيِينُ مَعَانِيهَا كَقِرَاءَةِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ: وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ اهـ وَلَعَلَّهَا رِوَايَتَانِ، لَكِنْ عَلَى حَذْفِ الْوَاوِ تَكُونُ نَصًّا فِي أَنَّ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ اهـ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ كُتُبِ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ قَوْلَهُ: وَالصَّلَاةَ الْوُسْطَى يُقْرَأُ بِالنَّصْبِ حَمْلًا عَلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ وَاحْفَظُوا الصَّلَاةَ الْوُسْطَى. قَوْلُهُ: (سَمِعْتهَا) أَيْ هَذِهِ الْآيَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَهَذَا كَانَ قَبْلَ تَحْرِيرِ الْمَصَاحِفِ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ. قَوْلُهُ: (إذْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 الْأَحَادِيثُ أَنَّهَا الْعَصْرُ كَخَبَرِ: «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ فَصَارَ هَذَا مَذْهَبَهُ وَلَا يُقَالُ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا وَهَمَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْأَصَحُّ أَنَّهَا الْعَصْرُ، كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الصُّبْحِ غَدَاةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَالْأَوْلَى عَدَمُ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ وَتُسَمَّى صُبْحًا وَفَجْرًا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَهُ بِالثَّانِيَةِ، وَالسُّنَّةَ بِهِمَا مَعًا. وَيُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً، وَتَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً. هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمِنْهَاجِ وَزَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى بِذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ يُكْرَهُ اهـ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ. وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا فِي خَيْرٍ، كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ وَمُذَاكَرَةِ فِقْهٍ وَإِينَاسِ ضَيْفٍ وَزَوْجَةٍ عِنْدَ زِفَافِهَا، وَتَكَلُّمٍ بِمَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ كَحِسَابٍ وَمُحَادَثَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ   [حاشية البجيرمي] الْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ) أَيْ فَيُفِيدُ أَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُغَايِرَةٌ لِلْوُسْطَى، لَكِنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُسْطَى هِيَ الصُّبْحُ، وَالشَّارِحُ ذَكَرَهُ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهَا الصُّبْحَ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفِيدُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ الْعَصْرَ، وَأَمَّا كَوْنُهَا الصُّبْحَ فَلَمْ يُسْتَفَدْ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا غَيْرُهَا اهـ وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: إذْ الْعَطْفُ إلَخْ وَقَدْ يُرَدُّ بِجَعْلِهِ عَطْفَ تَفْسِيرٍ فَلَا يُخَالِفُ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقَالُ فِيهِ قَوْلَانِ) عِبَارَةٌ م ر. وَلَا يُقَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ فَقَوْلُهُ هُنَا فِيهِ أَيْ فِي مَذْهَبِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ قَدْ حُكِيَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً) وَإِنْ قُيِّدَتْ بِالْأُولَى إلَّا مَعَ التَّغْلِيبِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ق ل. قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا عِشَاءَانِ اهـ وَهَذَا هُوَ التَّغْلِيبُ وَمَا وَرَدَ مِنْ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ أَوْ خِطَابٌ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا بِهِ كَمَا قَالَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (وَتَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً) لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَشَاعَةِ وَالِاسْتِهْجَانِ مِنْ حَيْثُ إضَافَةُ الصَّلَاةِ لِلْعَتَمَةِ الَّتِي هِيَ ذَهَابُهُمْ لِحِلَابِ الْإِبِلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَرُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّ الصَّلَاةَ لِهَذَا الْمَعْنَى. قَوْلُهُ: (نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ) أَيْ فَالتَّسْمِيَةُ خِلَافُ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ) أَيْ الْكَرَاهَةُ هُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ النَّوْمُ إلَخْ) مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِيَقِظَتِهِ فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا حَرُمَ وَغَيْرُ الْعِشَاءِ مِثْلُهَا، وَلَا يَحْرُمُ النَّوْمُ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ اسْتِيقَاظِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، بَلْ وَإِنْ قَصَدَ عَدَمَ فِعْلِهَا فِي وَقْتِهَا كَمَا إذَا نَامَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ قَاصِدًا تَرْكَهَا فَلَا يَحْرُمُ أَيْ: وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ السَّعْيِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَعِيدَ الدَّارِ لَا يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ إلَى الْجُمُعَةِ إلَّا بِالسَّعْيِ قَبْلَهَا نُزِّلَ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ السَّعْيُ مَنْزِلَةَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ لَأَدَّى إلَى عَدَمِ طَلَبِهَا مِنْهُ، وَالنَّوْمُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَلْزِمًا لِتَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ اُعْتُبِرَ لِحُرْمَتِهِ أَيْ النَّوْمِ خِطَابُهُ بِالْجُمُعَةِ وَهُوَ لَا يُخَاطَبُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ أَنَّ حُرْمَةَ النَّوْمِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ هُوَ قِيَاسُ وُجُوبِ السَّعْيِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعِيدَ الدَّارِ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ النَّوْمُ الْمُفَوِّتُ، لِذَلِكَ السَّعْيِ الْوَاجِبِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ) وَمِثْلُهَا بَقِيَّةُ الصَّلَوَاتِ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ النَّوْمِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَ فِعْلِهَا) إلَّا إذَا جَمَعَهَا تَقْدِيمًا مَعَ الْمَغْرِبِ فَلَا يُكْرَهُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ وَمُضِيِّ وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْهَا غَالِبًا شَوْبَرِيٌّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ، وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا ح ف قَالَ سم: وَفَارَقَ الْكَرَاهَةَ فِيمَا إذَا جَمَعَ الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ تَقْدِيمًا حَيْثُ كُرِهَتْ الصَّلَاةُ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ بِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كُرِهَ الْحَدِيثُ بَعْدَهَا مَفْقُودٌ وَكَرَاهَةُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَنُوطَةٌ بِفِعْلِهَا وَقَدْ وُجِدَ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ اهـ. إنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ الْحَدِيثُ قَبْلَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ بَاعِثٌ عَلَى تَرْكِهِ بِطَلَبِ الْفِعْلِ فِيهِ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَأُلْحِقَ بِالْحَدِيثِ نَحْوُ الْخِيَاطَةِ، وَلَعَلَّهُ لِغَيْرِ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَمِثْلُ الْخِيَاطَةِ الْكِتَابَةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ لِلْقُرْآنِ أَوْ لِعِلْمٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ح ل. وَالْمُرَادُ الْحَدِيثُ الْمُبَاحُ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ أَمَّا الْمَكْرُوهُ ثَمَّ فَهُوَ هُنَا أَشَدُّ كَرَاهَةً وَكَذَا الْمُحَرَّمُ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي خَيْرٍ) أَيْ وَإِلَّا الْمُسَافِرُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَهَا مُطْلَقًا سَوَاءً كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا أَمْ لَا. وَسَوَاءً كَانَ فِي خَيْرٍ أَمْ لِحَاجَةِ السَّفَرِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَإِينَاسُ ضَيْفٍ) أَيْ غَيْرِ فَاسِقٍ أَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ إينَاسُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْجُلُوسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 لِمُلَاطَفَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ نَاجِزٌ. فَلَا يُتْرَكُ لِمُفْسِدَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ. وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُنَا عَامَّةَ لَيْلِهِ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ» . فَائِدَةٌ: رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّجَّالَ وَلُبْثَهُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا   [حاشية البجيرمي] مَعَ الْفُسَّاقِ ز ي. وَذَكَرَ حَجّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ الْحُرْمَةِ وَبِوَجْهِ قَوْلِهِمْ بِحُرْمَةِ إينَاسِهِمْ بِالْجُلُوسِ مَعَهُمْ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» يَشْمَلُ الْفَاسِقَ. وَيَحْتَمِلُ الْحُرْمَةَ رَدْعًا وَزَجْرًا. وَقَدْ قَيَّدَ ح ل وَع ش عَلَى م ر: سُنَّ إينَاسُ الضَّيْفِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ فَاسِقٍ، أَمَّا هُوَ فَلَا يُسَنُّ إينَاسُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَانْظُرْ هَلْ إينَاسُهُ حَرَامٌ رَدْعًا وَزَجْرًا أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ سَنِّ إينَاسِهِ صَادِقٌ بِذَلِكَ حَرِّرْ. وَفِي ع ش عَلَى م ر أَنَّ إينَاسَهُ لِكَوْنِهِ فَاسِقًا حَرَامٌ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُلَاحِظْ فِي إينَاسِهِ شَيْئًا، وَأَمَّا إينَاسُهُ لِكَوْنِهِ شَيْخَهُ أَوْ مُعَلِّمَهُ فَيَجُوزُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (عِنْدَ زِفَافِهَا) لَيْسَ قَيْدًا، وَلِذَا عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَمُحَادَثَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ لِمُلَاطَفَةٍ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ فَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ وَزَوْجَةٍ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يُغْنِي عَنْهُ. وَعِبَارَةُ اط ف قَوْلُهُ: وَمُحَادَثَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ لِمُلَاطِفَةٍ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ فَاسِقَةً وَأَطْلَقَ فِي مُحَادِثَةِ الْأَهْلِ فَيَشْمَلُ وَقْتَ الزِّفَافِ وَغَيْرَهُ، إذْ مُلَاطَفَةُ الزَّوْجَةِ مَطْلُوبَةٌ مُطْلَقًا زُفَّتْ أَوْ لَا. خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَهُ بِوَقْتِ الزِّفَافِ. قَوْلُهُ: (لِمَفْسَدَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ) وَهِيَ خَوْفُ فَوْتِ الصُّبْحِ. لَا يُقَالُ دَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إلَّا فِي خَيْرٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ مُحَقَّقَةً. قَوْلُهُ: (عَامَّةَ لَيْلِهِ) أَيْ أَكْثَرَهُ. قَوْلُهُ: (عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ) أَيْ عَنْ عُبَّادِهِمْ وَزُهَّادِهِمْ لِيَحْمِلَ ذَلِكَ الصَّحَابَةَ عَلَى التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِمْ. قَوْلُهُ: (ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّجَّالَ) فَعَّالٌ بِفَتْحٍ فَتَشْدِيدٍ مِنْ الدَّجْلِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ أَوْ الْخَلْطُ لِكَثْرَةِ خَلْطِهِ الْبَاطِلَ بِالْحَقِّ، وَهُوَ بَشَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمَوْجُودٌ الْآنَ وَاسْمُهُ صَافٍ بْنُ صَيَّادٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ يَهُودِيٌّ كَمَا نَقَلَهُ ع ش عَلَى م ر عَنْ الْمُنَاوِيِّ. وَفِي اط ف: أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ يَخْرُجُ آخِرَ الزَّمَانِ يَبْتَلِي اللَّهُ عِبَادَهُ بِهِ وَيُقْدِرُهُ عَلَى أَشْيَاءَ تُدْهِشُ الْعُقُولَ وَتُحَيِّرُ الْأَلْبَابَ يَعْثُرُ بِهَا بَعْضُ الْعِبَادِ، وَيُثَبِّتُ اللَّهُ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ. قَالَ الْبِسْطَامِيُّ: وَالدَّجَّالُ رَجُلٌ قَصِيرٌ كَهْلٌ بَرَّاقُ الثَّنَايَا مَهْدِيُّ الْيَهُودِ وَيَنْتَظِرُونَهُ كَمَا يَنْتَظِرُ الْمُؤْمِنُونَ الْمَهْدِيَّ. وَنُقِلَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ رَجُلٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ مَعَهُ جَبَلٌ مِنْ خُبْزٍ وَجَبَلٌ مِنْ أَجْنَاسِ الْفَوَاكِهِ. وَأَرْبَابُ الْمَلَاهِي جَمِيعًا يَضْرِبُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالطُّبُولِ وَالْعِيدَانِ فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إلَّا تَبِعَهُ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: وَمِنْ أَمَارَاتِ خُرُوجِهِ يَهُبُّ رِيحٌ كَرِيحِ قَوْمِ عَادٍ وَيَسْمَعُونَ صَيْحَةً عَظِيمَةً وَذَلِكَ عِنْدَ تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَكَثْرَةِ الزِّنَا وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَرُكُونِ الْعُلَمَاءِ إلَى الظَّلَمَةِ، وَالتَّرَدُّدِ إلَى أَبْوَابِ الْمُلُوكِ، وَيَخْرُجُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ مِنْ قَرْيَةٍ تُسَمَّى وسرابادين وَمَدِينَةِ الْعَوَازَانِ وَمَدِينَةِ أَصْبَهَانَ، وَيَكُونُ خُرُوجُهُ إذَا غَلَا السُّعُورُ، وَيَخْرُجُ عَلَى حِمَارٍ وَيَتَنَاوَلُ السَّحَابَ بِيَدِهِ وَيَخُوضُ الْبَحْرَ إلَى كَعْبَيْهِ وَيَسْتَظِلُّ فِي أُذُنِ حِمَارِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ تَطْلُعُ الشَّمْسُ يَوْمًا حَمْرَاءَ وَيَوْمًا صَفْرَاءَ. ثُمَّ يَصِلُ الْمَهْدِيُّ بِعَسْكَرِهِ إلَيْهِ فَيَلْقَاهُ وَيَقْتُلُ مِنْ أَصْحَابِهِ ثَلَاثِينَ أَلْفًا فَيَنْهَزِمُ الدَّجَّالُ، ثُمَّ يَهْبِطُ عِيسَى إلَى الْأَرْضِ وَهُوَ مُتَعَمِّمٌ بِعِمَامَةٍ خَضْرَاءَ مُتَقَلِّدٌ بِسَيْفٍ رَاكِبٌ عَلَى فَرَسٍ وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ، فَيَأْتِي إلَيْهِ فَيَطْعَنُهُ بِهَا فَيَقْتُلُهُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَمَّا خُرُوجُ الدَّجَّالِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَجَزْمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ، وَفِي أُخْرَى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ أَصْبَهَانَ. وَأَمَّا الَّذِي يَدَّعِيهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ أَوَّلًا فَيَدْعُو النَّاسَ إلَى الْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ ثُمَّ يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ. فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي خُرُوجَهُ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ أَصْبَهَانَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ: " أَنَّ الدَّجَّالَ تَلِدُهُ أُمُّهُ بِقُوصٍ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ ". قُلْت: لَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُولَدَ فِيهَا ثُمَّ يَرْحَلَ إلَى الْمَشْرِقِ وَيَنْشَأَ فِيهَا ثُمَّ يَخْرُجَ، وَقَالَ الْبِسْطَامِيِّ فِي كِتَابِ الْجَفْرِ الْأَكْبَرِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِيمَا بَيْنَ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ يَخْرُجُ مَعَهُ أَصْحَابُ الْعَقْدِ وَيَتَّبِعُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ نِسَائِهِمْ، يَخْرُجُ مِنْ أَصْبَهَانَ وَحْدَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا، وَيَمُرُّ الدَّجَّالُ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ.   [حاشية البجيرمي] فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، وَمَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ، فَجَنَّتُهُ خَضِرَةٌ وَنَارُهُ دُخَانٌ، وَمَعَهُ جَبَلٌ مِنْ خُبْزٍ وَهُوَ جَبَلُ الْبَصْرَةِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَنَامٌ، وَمَعَهُ مُهْلٌ مِنْ مَاءٍ فَمَنْ آمَنَ بِهِ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ وَإِلَّا قَتَلَهُ وَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ اهـ. قَالَ عِيَاضٌ: وَمَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ حُجَّةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي صِحَّةِ وُجُودِ الدَّجَّالِ، وَأَنَّهُ رَجُلٌ مُعَيَّنٌ ابْتَلَى اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ وَيُقْدِرُهُ عَلَى أَشْيَاءَ كَإِحْيَاءِ الْمَيِّتِ الَّذِي يَقْتُلُهُ، وَظُهُورُ الْخِصْبِ وَالْأَنْهَارِ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِتْبَاعِ كُنُوزِ الْأَرْضِ، وَأَمْرِهِ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، ثُمَّ يُبْطِلُ أَمْرَهُ وَيَقْتُلُهُ عِيسَى، وَقَدْ خَالَفَ فِي خُرُوجِهِ بَعْضُ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ، فَأَنْكَرُوا وُجُودَهُ وَرَدُّوا الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَمَا زَعَمُوهُ يَرُدُّهُ الْأَخْبَارُ الْمُفِيدَةُ لِلْقَطْعِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: شَأْنُ الدَّجَّالِ فِي ذَاتِهِ عَظِيمٌ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيهِ أَعْظَمُ، وَقَدْ انْتَهَى الْخِذْلَانُ بِمَنْ لَا تَوْفِيقَ عِنْدَهُ إلَى أَنْ قَالَ: إنَّهُ بَاطِلٌ كَذَا فِي الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ مَعَ زِيَادَةٍ. وَيُرْوَى: " أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ تَخْرُجُ امْرَأَةٌ مِنْ الْبَحْرِ فَتَدْعُو الْخَلَائِقَ إلَى نَفْسِهَا فَلَا يَأْتِيهَا أَحَدٌ إلَّا كَفَرَ، فَيَمْكُثُ النَّاسُ أَعْوَامًا بَعْدَ ذَلِكَ فَيُمْسِكُ اللَّهُ عَنْهُمْ الْغَيْثَ، وَيَتَوَالَى الْقَحْطُ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ السَّمَاءِ دُخَانٌ عَظِيمٌ يَغْشَى أَهْلَ الْأَرْضِ، فَبَيْنَمَا النَّاسُ كَذَلِكَ فِي الْجَهْدِ الْعَظِيمِ إذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ الدَّجَّالُ لَعَنْهُ اللَّهُ جَعْدٌ قَطِطٌ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَأُ ذَلِكَ كُلُّ مُؤْمِنٍ ". وَيُرْوَى: " أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي الزَّمَنِ الْخَالِي كَانَ فِي سَفِينَةٍ مَعَ قَوْمٍ قَامَتْ بِهِمْ إلَى جَزِيرَةٍ فَوَجَدَ فِيهَا الدَّجَّالَ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فِي دَيْرٍ عَظِيمٍ، قَدْ أُدْخِلَ فِي مَوْضِعٍ تَحْتَ الْأَرْضِ وَهُوَ مُغَلْغَلٌ مُسَلْسَلٌ مُقَيَّدٌ، وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ رَجُلٌ عَظِيمُ الْخَلْقِ بِيَدِهِ عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّكَ ضَرَبَهُ فَسَكَنَ، وَجُعِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُعْبَانٌ عَظِيمٌ يَهُمُّ بِأَكْلِهِ كُلَّمَا تَنَفَّسَ، فَلَمَّا دَخَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَرَآهُ فَزِعَ مِنْهُ فَصَاحَهُ الدَّجَّالُ وَسَأَلَهُ مِنْ أَيْنَ هُوَ؟ فَأَخْبَرَهُ. فَسَأَلَهُ عَنْ الزَّمَنِ وَمَا حَالُهُ وَمَا حَالُ أَهْلِهِ؟ فَوَصَفَ لَهُ ذَلِكَ، فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ تَنَفَّسَ وَهَمَّ بِالْخُرُوجِ، وَكَانَ قَدْ تَعَاظَمَ طُولُ مَا وَصَفَ لَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَجَاءَهُ الْمُوَكَّلُ بِهِ فَضَرَبَهُ بِذَلِكَ الْعَمُودِ وَقَالَ لَهُ: اهْدَأْ فَلَيْسَ هَذَا أَوَانُك إذَا أَرَادَ اللَّهُ إنْجَازَ وَعْدِهِ وَإِنْفَاذَ حُكْمِهِ، وَتَمَّ انْقِضَاءُ الدُّنْيَا أَذِنَ لَهُ بِالْخُرُوجِ فَيَخْرُجُ عِنْدَ شِدَّةِ الْجُوعِ وَمَعَهُ قَصْعَةٌ يَظُنُّ النَّاسُ أَنَّ فِيهَا طَعَامًا لِشِدَّةِ مَا بِهِمْ مِنْ الْجَهْدِ وَالْبَلَاءِ، وَيَتَّبِعُهُ يَوْمَئِذٍ الْيَهُودُ، وَيَقُودُ وَرَاءَهُ نَهْرَيْنِ مِنْ مَاءٍ وَيَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ، وَيَقْتُلُ رَجُلًا ثُمَّ يُحْيِيهِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ يَقْتُلُ الْخَضِرَ بِالسَّيْفِ نِصْفَيْنِ وَيَمْشِي بِالْحِمَارِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُحْيِيهِ، وَيَقُولُ لَهُ: أَلَمْ تَزْدَدْ بِي إيمَانًا: فَيَقُولُ لَهُ: مَا ازْدَدْت إلَّا تَكْذِيبًا لَك وَتَصْدِيقًا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ، وَيَفْعَلُ مَعَهُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَيْ يُحْيِيهِ وَيَقْتُلُهُ وَيُحْيِيهِ وَيَقْتُلُهُ زِيَادَةً عَلَى الْمَرَّةِ الْأُولَى، كُلُّ ذَلِكَ فِتْنَةٌ وَبَلَاءٌ مُبِينٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُفْتَتَنُ بِهِ النَّاسُ وَيَرْتَدُّونَ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى دَيْنِهِ دَيْنِ الْيَهُودِيَّةِ. وَيُرْوَى: أَنَّ الدَّجَّالَ لَعَنْهُ اللَّهُ يَخْتَرِقُ الْأَرْضَ كُلَّهَا سَهْلَهَا وَوَعْرَهَا وَقَفْرَهَا وَعُمْرَانَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا حَرَمَ مَكَّةَ وَحَرَمَ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُهُمَا، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ هَلَاكَهُ وَهَلَاكَ مَنْ مَعَهُ دَفَعَ إلَى نَاحِيَةِ دِمَشْقَ، فَبَيْنَمَا النَّاسُ يَمْرُجُونَ خَوْفًا مِنْ قُدُومِهِ، إذْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَيُقِيمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهَا الْأَعْظَمِ فَيُصَلِّيهَا فَإِذَا هَمَّ الدَّجَّالُ بِدُخُولِهَا عَرَفَ النَّاسُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَيَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ فَيَخْرُجُ بِهِمْ إلَى الدَّجَّالِ، فَإِذَا رَأَى الدَّجَّالُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ وَيَتَصَاغَرُ لِعَظَمَتِهِ، فَيَرْمِيهِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْحَرْبَةِ فَيَقْتُلُهُ وَيَنْهَزِمُ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْيَهُودِ وَيُقْتَلُونَ قَتْلًا عَظِيمًا. وَيُرْوَى: " أَنَّ الْمُسْلِمَ يَطْلُبُ الْيَهُودِيَّ فَيَسْتَتِرُ بِحَجَرٍ أَوْ شَجَرَةٍ فَيُنَادِيهِ الْحَجَرُ وَالشَّجَرَةُ يَا وَلِيَّ اللَّهِ هَلُمَّ هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ مُسْتَتِرٌ بِي فَاقْتُلْهُ، فَإِذَا هَلَكَ الدَّجَّالُ يَحْكُمُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْأَرْضِ وَيَتَزَوَّجُ وَيَكُونُ لَهُ الْوَلَدُ، وَيَحُجُّ الْبَيْتَ، وَتَغْرِسُ النَّاسُ الْأَشْجَارَ، وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ بَرَكَتَهَا، وَتَطِيبُ الدُّنْيَا لِأَهْلِهَا، وَتَكْثُرُ الْأَرْزَاقُ، وَيَصْحَبُهُمْ الْأَمْنُ، وَيُقِيمُونَ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَهُوَ مُقَامُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْأَرْضِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 قُلْنَا: فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ يَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ لَا اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» . قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيُسْتَثْنَى هَذَا الْيَوْمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمَوَاقِيتِ وَيُقَاسُ بِهِ الْيَوْمَانِ التَّالِيَانِ لَهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ سَيُحْتَاجُ إلَيْهَا نَصَّ عَلَى حُكْمِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ مُوَسَّعٌ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا وَإِذَا أَرَادَ الْمُصَلِّي تَأْخِيرَهَا إلَى أَثْنَاءِ وَقْتِهَا لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى ذَلِكَ وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يَسَعُهَا لَمْ يَعْصِ، بِخِلَافِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ وَلَمْ يُقَصِّرْ بِإِخْرَاجِهَا عَنْهُ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَقَدْ قَصَّرَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ وَقْتِهِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا إذَا تَيَقَّنَهُ وَلَوْ عِشَاءً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي   [حاشية البجيرمي] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَنْزِلُ ابْنُ مَرْيَمَ فَيَتَزَوَّجُ وَيُولَدُ لَهُ وَيَمْكُثُ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيُدْفَنُ مَعِي فِي قَبْرِي، وَأَقُومُ أَنَا وَعِيسَى مِنْ قَبْرٍ وَاحِدٍ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» . وَيُقَالُ: إنَّهُ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ بَعْدَمَا يَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَتَلِدُ لَهُ بِنْتًا فَتَمُوتُ، ثُمَّ يَمُوتُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا يَعِيشُ سِنِينَ، ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَخَالَفَهُ كَعْبٌ فِي هَذَا وَأَنَّهُ يُولَدُ لَهُ وَلَدَانِ يُسَمَّى أَحَدُهُمَا أَحْمَدَ وَالْآخَرُ مُوسَى، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي تَسْمِيَتِهِمَا بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ بُعِثَ بَيْنَهُمَا يَعْنِي بَيْنَ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُقَالُ: إنَّ مِنْ صَلَاحِ الدُّنْيَا فِي زَمَنِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الصِّبْيَانَ يَلْعَبُونَ بِالْحَيَّاتِ فِي الْأَزِقَّةِ وَلَا تَضُرُّهُمْ وَأَنَّ الذِّئْبَ يَرْعَى مَعَ الْغَنَم فَلَا يَعْدُو، فَإِذَا تُوُفِّيَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَرْجِعُ النَّاسُ إلَى كُفْرِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ وَضَلَالِهِمْ وَعِصْيَانِهِمْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَلَا تُقْبَلُ لِأَحَدٍ عِنْدَ ذَلِكَ تَوْبَةٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] الْآيَةَ. قَوْلُهُ: (اُقْدُرُوا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ. وَقَوْلُهُ: (قَدْرَهُ) أَيْ مِنْ أَيَّامِكُمْ. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ إلَخْ) هَذَا التَّنْبِيهُ يَشْتَمِلُ عَلَى فُرُوعٍ سِتَّةٍ: الْأَوَّلُ: فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ. وَالثَّانِي: فِي نَدْبِ الْإِبْرَادِ بِشُرُوطِهِ. وَالثَّالِثُ: فِي ضَابِطِ وُقُوعِ الصَّلَاةِ أَدَاءً وَوُقُوعِهَا قَضَاءً. وَالرَّابِعُ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْوَقْتِ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ وَوُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ. وَالْخَامِسُ: فِي قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ هَلْ هُوَ فَوْرِيٌّ أَوْ لَا؟ وَالسَّادِسُ: فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَهَذَا السَّادِسُ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فَذِكْرُهُ هُنَا مَحْضُ تَكْرَارٍ اهـ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا) أَيْ وَلَوْ سُنَّ الْإِبْرَادُ؛ لِأَنَّ سَنَّ التَّأْخِيرِ حِينَئِذٍ عَارِضٌ فَلَمْ يَرْفَعْ حُكْمَ الْوُجُوبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ تَوَقُّفُ جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَلَى الْعَزْمِ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَخَّرَهَا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى ذَلِكَ وَمَاتَ إلَخْ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ مَوْتَهُ فِيهِ بِهَذَا الْقَيْدِ وَإِلَّا وَجَبَ الْفِعْلُ حَالًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الصَّلَاةَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ يُوجَدُ فِيهَا الْإِثْمُ فِي الْحَيَاةِ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا وَلَا كَذَلِكَ الْحَجُّ، فَلَوْ لَمْ يَأْثَمْ فِيهِ بِالْمَوْتِ لَزِمَ عَدَمُ الْإِثْمِ أَصْلًا فَتَأَمَّلْ ق ل. أَيْ: فَيَفُوتُ مَعْنَى الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (فَقَدْ قَصَّرَ بِإِخْرَاجِهِ) أَيْ فَيَمُوتُ عَاصِيًا وَالْعِصْيَانُ مِنْ السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا لَا مِنْ وَقْتِ اسْتِطَاعَتِهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ فَسَادُ الْعَقْدِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الْعَدَالَةُ إذَا فَعَلَهُ حَالَ عِصْيَانِهِ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهَا. قَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا) وَلَا يُمْنَعُ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ لَوْ اشْتَغَلَ أَوَّلَهُ بِأَسْبَابِهَا مِنْ طَهَارَةٍ وَأَذَانٍ وَسَتْرٍ وَأَكْلِ لُقَمٍ وَتَقْدِيمِ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ، بَلْ لَوْ أَخَّرَ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا حَصَلَ فَضِيلَةُ أَوَّلِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ السُّرْعَةَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَلَوْ فَعَلَ مَعَ ذَلِكَ شَغْلًا خَفِيفًا أَوْ أَتَى بِكَلَامٍ قَصِيرٍ أَوْ أَخْرَجَ حَدَثًا يُدَافِعُهُ أَوْ حَصَلَ مَاءٌ وَنَحْوُهُ لَمْ يَمْنَعْهَا أَيْضًا شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَغَلَ لَوْ هُنَا مَصْدَرِيَّةٌ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرِ فَاعِلٍ قَوْلُهُ يُمْنَعُ وَمِثْلُهَا فِي أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ قَوْله تَعَالَى: [ {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} [القلم: 9]] . قَوْلُهُ: (وَلَوْ عِشَاءً) لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ» . فَجَوَابُهُ أَنَّ تَعْجِيلَهَا هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَا يَرِدُ أَيْضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 جَوَابِ: «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ، نَعَمْ يُسَنُّ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يَمْشِي فِيهِ طَالِبُ الْجَمَاعَةِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِبَلَدٍ حَارٍّ كَالْحِجَازِ لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً   [حاشية البجيرمي] خَبَرُ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْفَارِ ظُهُورُ الْفَجْرِ الَّذِي بِهِ يُعْلَمُ طُلُوعُهُ فَالتَّأْخِيرُ إلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ تَعْجِيلِهِ عِنْدَ ظَنِّ طُلُوعِهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَفِي آخِرِهِ عَفْوُ اللَّهِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رِضْوَانُ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ عَفْوِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّ رِضْوَانَ اللَّهِ يَكُونُ لِلْمُحْسِنَيْنِ وَعَفْوَهُ يَكُونُ لِلْمُقَصِّرِينَ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُقَصِّرِ. وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ الْحِرْصُ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ، لَكِنْ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَفِعْلِهِمْ لِأَسْبَابِهَا عَادَةً وَبَعْدَهُ يُصَلِّي بِمَنْ حَضَرَ وَإِنْ قَلَّ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الْقَلِيلَةَ أَوَّلَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْكَثِيرَةِ آخِرَهُ وَلَا يَنْتَظِرُ وَلَوْ نَحْوَ شَرِيفٍ وَعَالِمٍ فَإِنْ انْتَظَرَهُ كُرِهَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (نَعَمْ يُسَنُّ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الظُّهْرِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْإِبْرَادِ أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ مَحَلَّ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ، فَإِنْ عَارَضَهُ كَإِبْرَادٍ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ. قَالَ م ر: وَذَلِكَ فِي نَحْوِ أَرْبَعِينَ صُورَةً مِنْهَا التَّأْخِيرُ لِمَنْ يَرْمِي الْجِمَارَ وَلِمُسَافِرٍ سَائِرُ وَقْتِ الْأُولَى وَلِلْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ، وَإِنْ كَانَ نَازِلًا وَقْتَهَا لِيَجْمَعَهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ وَلِمَنْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ أَوْ السُّتْرَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ، نَعَمْ الْأَفْضَلُ كَمَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً أَوَّلَ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ فِي الْجَمَاعَةِ. وَالضَّابِطُ: أَنَّ كُلَّ مَا تَرَجَّحَتْ مَصْلَحَةُ فِعْلِهِ وَلَوْ أُخِّرَ فَاتَتْ يُقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَأَنَّ كُلَّ كَمَالٍ كَالْجَمَاعَةِ اُقْتُرِنَ بِالتَّأْخِيرِ وَخَلَا عَنْهُ التَّقْدِيمُ يَكُونُ التَّأْخِيرُ مَعَهُ أَفْضَلُ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ الصُّوَرَ الْمَطْلُوبَ فِيهَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فَقَالَ: يُؤَخَّرُ الظُّهْرُ لِحَرٍّ عِنْدَنَا ... أَعْنِي إذَا اشْتَدَّ وَرَمْيٍ بِمِنَى وَأُخِّرَ الْمَغْرِبُ لِلْمُزْدَلِفَهْ ... لِجَمْعِهَا لِنَفَرِهِ مِنْ عَرَفَهْ وَإِنْ يَكُنْ مُسَافِرًا فِي الْأُولَى ... أَخَّرَهَا لِلْجَمْعِ وَهُوَ أَوْلَى وَأَخَّرَ الَّذِي يُدَافِعُ الْحَدَثْ ... وَلِطَعَامٍ قَبْلَ فِعْلِهَا حَدَثْ إنْ يَأْتِ تَائِقًا كَذَاك مَنْ عَلِمْ ... قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ مَائِيًا فُهِمْ أَوْ سُتْرَةٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ تُرَى ... أَوْ قُدْرَةٍ عَلَى الْقِيَامِ آخِرًا بِحَيْثُ كُلُّ الْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ يَقَعْ ... وَذَاتِ تَقْطِيعٍ تُرَجِّيهِ انْقَطَعْ فِي آخَرِ الْوَقْتِ وَيَوْمِ الْغَيْمِ ... إلَى الْيَقِينِ مِثْلُ مَا فِي الصَّوْمِ وَلِاشْتِغَالِهِ بِنَحْوِ غَرَقٍ ... يُنْقِذُهُ وَدَفْعِ مَائِلٍ بِحَقٍّ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَمَيِّتِ ... خِيفَ انْفِجَارَهُ لَدَى ذِي الْفَطِنَةِ لِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ هَيَجَانِهَا بِسَبَبِ تَنَفُّسِهَا. فَإِنْ قُلْت: لِمَ يُسَنُّ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِّ دُونَ الْبَرْدِ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ جَهَنَّمَ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ الْبَرْدَ إنَّمَا يَكُونُ سُلْطَانُهُ غَالِبًا بَعْدَ الصُّبْحِ فِي الْحَرِّ وَلَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَوْ أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ إلَى ذَلِكَ لَزِمَ خُرُوجُهَا عَنْ وَقْتِهَا. بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي الْحَرِّ. اهـ. ح ف. وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ نَعَمْ إلَخْ. إلَى أَنَّ مَحَلَّ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ، فَإِنْ عَارَضَهُ كَإِبْرَادٍ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ الْوَقْتِ. وَقَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: فَرْعٌ سَأَلَ سَائِلٌ: هَلْ يُسَنُّ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ إلَى أَنْ يَخِفَّ الْبَرْدُ السَّالِبُ لِلْخُشُوعِ قِيَاسًا عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَرِّ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ م ر: بِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَادَ فِي الْحَرِّ رُخْصَةٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَخَرَجَ بِالظُّهْرِ أَذَانُهَا وَالْجُمُعَةُ كَمَا قَالَهُ ق ل، فَالظُّهْرُ قَيْدٌ أَوَّلُ وَفِي شِدَّةِ الْحَرِّ قَيْدٌ ثَانٍ. قَوْلُهُ: (إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ إلَخْ) لَوْ لَمْ يُوجَدْ ظِلٌّ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمَحَلُّ فِيهِ شَيْءٌ لَهُ ظِلٌّ، فَهَلْ يُسَنُّ الْإِبْرَادُ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 بِمُصَلًّى يَأْتُونَهُ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ بِمَشَقَّةٍ فِي طَرِيقِهِمْ إلَيْهِ وَمَنْ وَقَعَ مِنْ صَلَاتِهِ فِي وَقْتِهَا رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ، فَالْكُلُّ أَدَاءٌ. وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ لِنَحْوِ غَيْمٍ اجْتَهَدَ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ، وَإِلَّا فَوُجُوبًا بِنَحْوِ وِرْدٍ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ صَلَاتَهُ بِالِاجْتِهَادِ وَقَعَتْ   [حاشية البجيرمي] يَنْكَسِرُ فِيهِ شِدَّةُ الْحَرِّ أَوْ لَا يُسَنُّ لِعَدَمِ الظِّلِّ. قَالَ سم يُسَنُّ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ اج؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا ظِلٌّ يَمْشِي فِيهِ طَالِبُ الْجَمَاعَةِ تَنْكَسِرُ شِدَّةُ الْحَرِّ اهـ. قَوْلُهُ: (بِبَلَدٍ حَارٍّ) قَيْدٌ ثَالِثٌ. قَوْلُهُ: (كَالْحِجَازِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْبَلَدَ لَوْ خَالَفَتْ قُطْرَهَا فِي أَصْلِ وَضْعِهَا بِأَنْ كَانَ شَأْنُهُ الْحَرَارَةَ دَائِمًا أَوْ شَأْنُهَا أَيْ الْبَلَدُ الْبُرُودَةُ، كَذَلِكَ كَالطَّائِفِ بِالنِّسْبَةِ لِقُطْرِ الْحِجَازِ أَوْ عَكْسِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ الْقُطْرُ هُنَا، بَلْ تِلْكَ الْبَلَدُ الَّذِي هُوَ فِيهَا. وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَنْ عَبَّرَ بِبَلَدٍ وَمَنْ عَبَّرَ بِقُطْرٍ، فَالْأَوَّلُ فِي بَلَدٍ خَالَفَتْ وَضْعَ الْقُطْرِ، وَالثَّانِي فِي بَلَدٍ لَمْ تُخَالِفْهُ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَعِبَارَةُ ق ل بِبَلَدٍ حَارٍّ لَا مُعْتَدِلٍ كَمِصْرِ وَلَا بَارِدٍ كَالشَّامِ، وَمَحَلُّ اعْتِبَارِ الْبَلَدِ إنْ خَالَفَتْ وَضْعَ الْقُطْرِ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْقُطْرِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا حَرَارَةُ الزَّمَنِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً) أَيْ مُطْلَقًا. وَكَذَا فُرَادَى بِمَسْجِدٍ فَالْجَمَاعَةُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسْجِدِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ الْإِبْرَادُ لِمُنْفَرِدٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (بِمَشَقَّةٍ) الْمُرَادُ بِهَا مَا تُذْهِبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ لِتَأَثُّرِهِ بِالشَّمْسِ اج. وَحِينَئِذٍ تَكُونُ صَلَاتُهُمْ مَعَ هَذَا التَّأْخِيرِ أَفْضَلَ مِنْ صَلَاةِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ جَمَاعَةً فِي بَيْتِهِ ح ل. وَهَلْ يُعْتَبَرُ خُصُوصُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ مِنْ الْمُصَلِّينَ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مَرِيضًا أَوْ شَيْخًا يَزُولُ خُشُوعُهُ بِمَجِيئِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَلَوْ مِنْ قُرْبٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِبْرَادُ وَالْعِبْرَةُ بِغَالِبِ النَّاسِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِمَنْ ذُكِرَ. فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الثَّانِي. ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ حَجَرٍ صَرَّحَ بِهِ ع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ ق ل بِحَيْثُ تَحِلُّ لَهُمْ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ غَالِبًا لِغَالِبِ النَّاسِ، وَقِيلَ لِلشَّخْصِ نَفْسِهِ اهـ. وَإِمَامُ مَحَلِّ الْجَمَاعَةِ الْمُقِيمِ يُسَنُّ لَهُ تَبَعًا لَهُمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقُيُودَ سِتَّةٌ فَالظُّهْرُ قَيْدٌ أَوَّلُ، وَفِي شِدَّةِ الْحَرِّ قَيْدٌ ثَانٍ، وَبِبَلَدٍ حَارٍّ قَيْدٌ ثَالِثٌ لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً رَابِعٌ بِمُصَلًّى خَامِسٌ يَأْتُونَهُ سَادِسٌ، وَمَحَلُّ سَنِّ الْإِبْرَادِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الدَّجَّالِ، أَمَّا هِيَ فَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرْجَى فِيهَا زَوَالُ الْحَرِّ فِي وَقْتٍ يَذْهَبُ فِيهِ لِمَحَلِّ الْجَمَاعَةِ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ مُعَلِّلًا لَهُ بِانْتِفَاءِ الظِّلِّ، وَقَدْ يَجِبُ إخْرَاجُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا كَمَا نَبَّهَ إذَا خِيفَ انْفِجَارُ الْمَيِّتِ أَوْ فَوْتُ الْحَجِّ أَوْ فَوْتُ إنْقَاذِ الْأَسِيرِ أَوْ الْغَرِيقِ لَوْ شَرَعَ فِيهَا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَقَعَ إلَخْ) أَصْلُهُ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا بِقَدْرٍ يَسَعُ جَمِيعَهَا فَأَكْثَرَ فَلَهُ الْإِتْيَانُ بِمَنْدُوبَاتِهَا، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَدِّ الْجَائِزِ وَيَنْوِي فِيهَا الْأَدَاءَ، ثُمَّ إنْ أَوْقَعَ مِنْهَا رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ فَهِيَ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ لَا يَسَعُ جَمِيعَ فَرَائِضِهَا وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاجِبَاتِهَا، ثُمَّ إنْ وَقَعَ مِنْهَا رَكْعَةٌ فِي الْوَقْتِ فَهِيَ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ مَعَ الْإِثْمِ فِيهِمَا وَيَنْوِي الْأَدَاءَ إنْ كَانَ الْوَقْتُ يَسَعُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ، وَإِلَّا وَجَبَتْ نِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَلَوْ أَدْرَكَ آخِرَ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَوْ أَدَّى الْفَرِيضَةَ بِسُنَّتِهَا يَفُوتُ الْوَقْتُ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَرْكَانِ أَدْرَكَهَا فِي الْوَقْتِ، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ السُّنَنَ وَالنَّفْسُ إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاجِبَاتِ أَمْيَلُ؛ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ، وَهَذَا غَيْرُ الْمَدِّ الْجَائِزِ؛ لِأَنَّ الْمَدَّ فِيهَا إذَا أَحْرَمَ وَبَقِيَ مَا يَسَعُهَا بِسُنَنِهَا فَالْأَحْوَالُ ثَلَاثَةٌ تَارَةً يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا بِسُنَنِهَا، وَتَارَةً يَبْقَى مَا يَسَعُ وَاجِبَاتِهَا فَقَطْ وَتَارَةً يَبْقَى مَا لَا يَسَعُ وَاجِبَاتِهَا فَتَأَمَّلْ م د. بِبَعْضِ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (رَكْعَةٌ) بِأَنْ يُحَصِّلَهَا جَمِيعَهَا بِسَجْدَتَيْهَا بِأَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى حَدٍّ تُجْزِئُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَوْ قَارَنَ الرَّفْعُ خُرُوجَ الْوَقْتِ كَانَ قَضَاءً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الزَّحْمَةِ فِي الْجُمُعَةِ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا قَضَاءً أَوْ أَدَاءً اج وع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَالْكُلُّ أَدَاءٌ) نَعَمْ الْجُمُعَةُ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِهَا جَمِيعِهَا فِيهِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ فِي شَرْطِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ مُنَاسِبَةٌ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا إذَا تَيَقَّنَهُ نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَهُ هُنَا. قَوْلُهُ: (لِنَحْوِ غَيْمٍ) أَيْ لِغَيْمٍ وَنَحْوِهِ كَحَبْسٍ فِي مَكَان مُظْلِمٍ. قَوْلُهُ: (اجْتَهَدَ) أَيْ إنْ لَمْ يُخْبِرْهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ، وَإِلَّا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَأَذَانُ عَدْلٍ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ غَيْرُ الْفَاسِقِ عَارِفٌ بِالْمَوَاقِيتِ فِي صَحْوٍ كَالْإِخْبَارِ عَنْ عِلْمٍ وَلَهُ تَقْلِيدُهُ فِي غَيْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] عَادَةً إلَّا فِي الْوَقْتِ م ر. مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ أَذَانَهُ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَإِلَّا فَلَا يُقَلِّدُهُ لَا فِي الصَّحْوِ وَلَا فِي الْغَيْمِ كَغَالِبِ مُؤَذِّنِي مِصْرَ فَإِنَّهُمْ مُقَلِّدُونَ، وَالْمَزَاوِلُ وَالْمَنَاكِيبُ الْمُعْتَمَدَةُ بِأَنْ كَانَتْ بِبَلَدٍ كَبِيرٍ أَوْ مَكَان يَكْثُرُ طَارِقُوهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ فَيَمْتَنِعُ مَعَهَا الِاجْتِهَادُ فَلَوْ وَضَعَ الْمِزْوَلَةَ فَاسِقٌ لَمْ يُعَوَّلْ عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ سم. وَمَحَلُّ عَدَمِ التَّعْوِيلِ مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا غَيْرُ الْفَاسِقِ وَيُقِرَّهَا، وَإِلَّا فَيُعَوَّلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ حِينَئِذٍ بِتَقْرِيرِ غَيْرِ الْفَاسِقِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَرَاتِبَ الْوَقْتِ ثَلَاثَةٌ. الْأَوَّلُ: الْعَمَلُ بِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ أَوْ خَبَرِ ثِقَةٍ. الثَّانِي: الِاجْتِهَادُ. الثَّالِثُ: التَّقْلِيدُ. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: قَدِّمْ لِنَفْسِك عِلْمَ الْوَقْتِ وَاجْتَهِدَا ... مِنْ بَعْدِ ذَا ثُمَّ قَلِّدْ فِيهِ مُجْتَهِدَا وَالْمِزْوَلَاتُ وَبَيْتُ الْإِبْرَةِ إنْ صَدَقَا ... إخْبَارُ عَدْلٍ بِمَعْنَى الْعِلْمِ فَاعْتَقِدَا قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ وِرْدٍ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى اجْتَهِدْ بِسَبَبٍ نَحْوِ وِرْدٍ وَحِينَئِذٍ فَتُجْعَلُ هَذِهِ الْعَلَامَاتُ دَلَائِلَ كَالرَّشَاشِ فِي الْأَوَانِي بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ اجْتَهَدَ هَلْ دَخَلَ الْوَقْتُ أَوْ لَا؟ . وَهَلْ اسْتَعْجَلَ فِي قِرَاءَتِهِ أَوْ لَا؟ وَتَعْبِيرُهُ بِاجْتَهِدْ يُسَاعِدُهُ. وَقِيلَ لِلْآلَةِ أَيْ فَنَحْوُ الْوَرْدِ آلَةٌ لِلِاجْتِهَادِ فَيُصَلِّي بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ مِنْ ذَلِكَ وَالْوِرْدُ مَا كَانَ بِنَحْوِ قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرْمَاوِيٌّ. وَقَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: لَفْظُ نَحْوٍ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ مَا دَخَلَ تَحْتَهُ مِنْ الْوَرْدِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُشِيرُ إلَى رَدِّهِ؛ لِأَنَّ الْوِرْدَ مَا كَانَ بِنَحْوِ ذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ، وَنَحْوِهِ مَا كَانَ بِنَحْوِ صِنَاعَةٍ وَمِنْهُ سَمَاعُ صَوْتِ دِيكٍ مُجَرَّبٍ وَسَمَاعُ مَنْ لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَتُهُ، وَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ أَذَانَهُ أَوْ خَبَرَهُ عَنْ عِلْمٍ وَسَمَاعُ أَذَانِ ثِقَةٍ عَارِفٍ فِي الْغَيْمِ، لَكِنْ لَهُ فِي هَذِهِ تَقْلِيدُهُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ دِيكٌ أَبْيَضُ» وَكَانَتْ الصَّحَابَةُ تُسَافِرُ وَمَعَهُمْ الدِّيَكَةُ لِتُعَرِّفَهُمْ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُصَلِّي بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ صَوْتِ الدِّيكِ وَنَحْوِهِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ عَلَامَةً يَجْتَهِدُ بِهَا كَأَنْ يَتَأَمَّلَ فِي الْخِيَاطَةِ الَّتِي فَعَلَهَا مَنْ أَسْرَعَ فِيهَا عَنْ عَادَتِهِ أَوَّلًا. وَهَلْ أَذَّنَ الدِّيكُ قَبْلَ عَادَتِهِ بِأَنْ كَانَ ثَمَّ عَلَامَةٌ يَعْرِفُ بِهَا وَقْتَ أَذَانِهِ الْمُعْتَادِ ح ل وع ش. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ آدَمَ قَدْ اشْتَغَلَ بِأَمْرِ مَعِيشَتِهِ عَنْ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ لَا يَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ دِيكًا وَدَجَاجَةً مِنْ الْجَنَّةِ، أَمَّا الدِّيكُ فَكَانَ أَبْيَضَ أَفْرَقَ أَصْفَرَ الرِّجْلَيْنِ، وَكَانَ قَدْرُهُ كَالثَّوْرِ الْعَظِيمِ فَكَانَ يَضْرِبُ بِجَنَاحَيْهِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، يَا آدَم الصَّلَاةَ يَرْحَمُك اللَّهُ، فَكَانَ آدَم يَقُومُ إلَى وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَحَبُّ الطُّيُورِ إلَى اللَّهِ الدِّيكُ، وَأَحَبُّ الطُّيُورِ إلَى إبْلِيسَ الطَّاوُوسُ، فَأَكْثِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ الدِّيَكَةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ دِيكٌ أَبْيَضُ. قَالَ وَهْبٌ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى دِيكًا إذَا سَبَّحَ فِي السَّمَاءِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ الْجَبَّارِ أَيْنَ السَّامِعُونَ أَيْنَ الرَّاكِعُونَ أَيْنَ السَّاجِدُونَ أَيْنَ الْمُسْتَغْفِرُونَ أَيْنَ الْمُوَحِّدُونَ؟ قَالَ: فَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُ ذَلِكَ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ عَلَى صُورَةِ الدِّيكِ لَهُ رِيشٌ وَزَغَبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ تَحْتَ أَبْوَابِ الرَّحْمَةِ وَرِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِينَ السُّفْلَى وَجَنَاحَاهُ مَنْشُورَانِ، فَإِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَضْرِبُ بِجَنَاحَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ فِي صَوْتِهِ: سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الرَّحْمَةَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ. قَالَ: فَإِذَا سَمِعَتْ دُيُوكُ الْأَرْضِ تَسْبِيحَ هَذَا الْمَلَكِ سَبَّحَتْ فِي الْأَرْضِ وَهَرَبَتْ الشَّيَاطِينُ وَبَطَلَ كَيْدُهُمْ، فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَشْتُمُ الدِّيكَ. قَالَ وَهْبٌ: فَاخْتَارَ آدَم مِنْ الطُّيُورِ الدِّيكَ وَالْحَمَامَةَ، وَمِنْ الْمَوَاشِي النَّعْجَةَ وَالنَّاقَةَ. قَالَ: وَأَخَذَ آدَم فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ حَتَّى غَرَسَ جَمِيعَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَاكِهَةِ، وَكَانَ آدَم يَأْكُلُ مِنْ بِقَوْلِ الْأَرْضِ وَنَبَاتِهَا، وَأَوَّلُ بَقْلَةٍ زَرَعَهَا الْهِنْدَبَا، وَمِنْ الرَّيَاحِينِ الْحِنَّاءُ وَالْآسُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْكَفُورِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ. وَرُوِيَ: " إنَّ لِلَّهِ دِيكًا أَبْيَضَ جَنَاحَاهُ مُوَشَّيَانِ بِالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ جَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ وَجَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ، رَأْسُهُ وَفِي لَفْظٍ عُنُقُهُ تَحْتَ الْعَرْشِ وَقَوَائِمُهُ فِي الْهَوَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَرِجْلَاهُ فِي تُخُومِ الْأَرْضِ يُؤَذِّنُ فِي كُلِّ سَحَرٍ فَيَسْمَعُ تِلْكَ الصَّيْحَةَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تُجِيبُهُ دُيُوكُ الْأَرْضِ، فَإِذَا دَنَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ: ضُمَّ جَنَاحَيْك وَغُضَّ صَوْتَك فَيَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا الثَّقَلَيْنِ أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ اقْتَرَبَتْ ". وَفِي رِوَايَةٍ " إذَا كَانَ مِنْ اللَّيْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 قَبْلَ وَقْتِهَا أَعَادَهَا وُجُوبًا. وَيُبَادَرُ بِفَائِتٍ وُجُوبًا إنْ فَاتَ بِلَا عُذْرٍ. وَنَدْبًا إنْ فَاتَ بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ. وَيُسَنُّ تَرْتِيبُ الْفَائِتِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يُخَافُ فَوْتُهَا. وَكُرِهَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ   [حاشية البجيرمي] صَاحَ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ " وَرُوِيَ: " يَقُولُ فِي تَسْبِيحِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ رَبِّنَا الرَّحْمَنِ لَا إلَه غَيْرُهُ، اهـ. وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ الدِّيكَ يُؤَذِّنُ عِنْدَ أَذَانِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ يَقُولُ فِي صِيَاحِهِ: يَا غَافِلُونَ اُذْكُرُوا اللَّهَ. وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي كِتَابِ الْحَبَائِكُ فِي أَخْبَارِ الْمَلَائِكِ: إنَّ لِلَّهِ مَلَكًا فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ يُقَالُ لَهُ الدِّيكُ فَإِذَا سَبَّحَ فِي السَّمَاءِ سَبَّحَتْ الدُّيُوكُ يَقُولُ: سُبْحَانَ السُّبُوحِ الْقُدُّوسِ الرَّحْمَنِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ، فَمَا قَالَهَا مَكْرُوبٌ أَوْ مَرِيضٌ إلَّا كَشَفَ اللَّهُ هَمَّهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَلِمَ) وَلَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ مَقْبُولِ الرِّوَايَةِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ م ر. قَوْلُهُ: (وَقَعَتْ قَبْلَ وَقْتِهَا) أَيْ أَوْ بَعْضُهَا وَلَوْ بِتَكْبِيرَةِ التَّحَرُّمِ وَمَا فَعَلَهُ يَقَعُ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ مِنْ جِنْسِهَا، وَإِلَّا وَقَعَ عَنْهُ اج. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ أَوْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا إعَادَةَ. قَوْلُهُ: (أَعَادَهَا) أَيْ إنْ كَانَ الْعِلْمُ فِي وَقْتِهَا أَوْ قَبْلَ دُخُولِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ قَضَاهَا فِي الْأَظْهَرِ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ لَا يُعِيدُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي ظَنِّهِ وَالْوَاقِعَةُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَاءٌ لَا إثْمَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَيُبَادَرُ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا بِفَائِتٍ إنْ فَاتَ بِلَا عُذْرٍ تَعْجِيلًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: (إنْ فَاتَ بِلَا عُذْرٍ) مَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ فَوَاتُ التَّرْتِيبِ كَأَنْ فَاتَهُ الظُّهْرُ بِعُذْرٍ وَالْعَصْرُ بِلَا عُذْرٍ، فَيَبْدَأُ بِالظُّهْرِ نَدْبًا لَا بِالْعَصْرِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ قِيَاسُ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَوْرًا أَنْ تَجِبَ الْبُدَاءَةُ بِهِ وَإِنْ فَاتَ التَّرْتِيبُ الْمَحْبُوبُ. وَعُورِضَ بِأَنَّ خِلَافَ التَّرْتِيبِ خِلَافٌ فِي الصِّحَّةِ وَمُرَاعَاتُهُ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْكَمَالَاتِ الَّتِي تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا وَهِيَ الْمُبَادَرَةُ ح ل وَشَرْحُ م ر وَمِنْ غَيْرِ الْعُذْرِ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ فِي مَرَضِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا فَوْرًا بِأَنْ يَشْتَغِلَ جَمِيعَ الزَّمَنِ بِقَضَائِهَا مَا عَدَا مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَمُؤَنِ مَمُونِهِ، بَلْ يَحْرُمُ فِعْلُ التَّطَوُّعِ مَا دَامَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ وَلَوْ عَلَى حَاضِرَةٍ إنْ اتَّسَعَ وَقْتُهَا، بَلْ لَا يَجُوزُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَنْ يَصْرِفَ زَمَنًا لِغَيْرِ قَضَائِهَا كَالتَّطَوُّعِ إلَّا مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ لِنَحْوِ نَوْمٍ أَوْ مَئُونَةٍ أَوْ لِفِعْلِ وَاجِبٍ مَضِيقٍ يَخْشَى فَوْتَهُ اهـ تُحْفَةٌ قَالَ ع ش. وَمِثْلُهُ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ نِسْيَانُ الْقُرْآنِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِفِسْقِهِ بِهِ اهـ. فَيُصْرَفُ الزَّمَنُ الْمُتَقَدِّمُ فِي حِفْظِهِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ وَيَكْفِي فِي صِحَّةِ تَوْبَتِهِ الْعَزْمُ عَلَى الْحِفْظِ مَعَ الشُّرُوعِ فِيهِ اهـ اط ف. قَوْلُهُ: (بِعُذْرٍ) مِنْ الْعُذْرِ مَا لَوْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الْفَرْضِ مَا لَا يَسَعُ إلَّا الْوُضُوءَ أَوْ بَعْضَهُ فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر ز ي. قَوْلُهُ: (كَنَوْمٍ) وَنِسْيَانٍ أَيْ عُذِرَ فِيهِ أَمَّا إذَا لَمْ يُعْذَرْ فِيهِ، كَأَنْ نَشَأَ عَنْ لَعِبِ نَحْوِ شِطْرَنْجٍ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ لِلْقَضَاءِ شَوْبَرِيٌّ. أَيْ: لِأَنَّ لَعِبَ الشِّطْرَنْجِ مَكْرُوهٌ وَبَقِيَ مَا لَوْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَعَزَمَ عَلَى الْفِعْلِ، ثُمَّ تَشَاغَلَ فِي مُطَالَعَةٍ أَوْ صَنْعَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ غَافِلٌ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ هَذَا نِسْيَانٌ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ تَقْصِيرٍ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ تَرْتِيبُ الْفَائِتِ) أَيْ فَيَقْضِي الصُّبْحَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَهَكَذَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَأَطْلَقَ الْأَصْحَابُ تَرْتِيبَ الْفَوَائِتِ فَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَفُوتَ كُلُّهَا بِعُذْرٍ أَوْ عَمْدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ح ل. قَوْلُهُ: (عَلَى الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يُخَافُ فَوْتُهَا) أَيْ فَوْتُ جَمِيعِهَا بِأَنْ تَصِيرَ قَضَاءً، فَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا وَجَبَ تَقْدِيمُ الْحَاضِرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ تَعَيَّنَ لَهَا، وَلِئَلَّا تَصِيرَ الْأُخْرَى قَضَاءً وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْفَائِتَةِ إنْ أَمْكَنَهُ إدْرَاكُ رَكْعَةٍ مِنْ الْحَاضِرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَفُتْ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكِفَايَةِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُحَرَّرِ وَالتَّحْقِيقُ وَالرَّوْضُ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ، إذْ هُوَ خِلَافٌ فِي الصِّحَّةِ كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ فِيهِ نَظَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ إخْرَاجِ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَحَلَّ تَحْرِيمِ إخْرَاجِ بَعْضِهَا عَنْ وَقْتِهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَوْ شَرَعَ فِي الْحَاضِرَةِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ الْفَائِتَةَ وَهُوَ فِيهَا وَجَبَ إتْمَامُ الْحَاضِرَةِ ضَاقَ وَقْتُهَا أَوْ اتَّسَعَ، ثُمَّ يَقْضِي الْفَائِتَةَ وَيُسَنُّ لَهُ إعَادَةُ الْحَاضِرَةِ، وَلَوْ دَخَلَ فِي الْفَائِتَةِ مُعْتَقِدًا سَعَةَ الْوَقْتِ فَبَانَ ضِيقُهُ وَجَبَ قَطْعُ الْفَائِتَةِ أَيْ: أَوْ قَلْبُهَا نَفْلًا وَالشُّرُوعُ فِي الْحَاضِرَةِ، وَمَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ لَا يَقْضِي الْوِتْرَ حَتَّى يَقْضِيَهَا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ صَلَاةٌ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَعِنْدَ طُلُوعِهَا وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ، وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَدَاءً وَلَوْ مَجْمُوعَةً فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَعِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ حَتَّى تَغْرُبَ إلَّا صَلَاةً لِسَبَبٍ غَيْرِ مُتَأَخِّرٍ عَنْهَا كَفَائِتَةٍ لَمْ يَقْصِدْ تَأْخِيرَهَا إلَيْهَا وَصَلَاةَ كُسُوفٍ وَتَحِيَّةٍ لَمْ يَدْخُلْ إلَيْهِ بِنِيَّتِهَا فَقَطْ، وَسَجْدَةِ شُكْرٍ فَلَا تُكْرَهُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَخَرَجَ بِحَرَمِ مَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ كَغَيْرِهِ. فَصْلٌ: فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَفِي بَيَانِ النَّوَافِلِ وَقَدْ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (الْإِسْلَامُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ   [حاشية البجيرمي] الْأَوْجَهِ، وَمَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ لَا يَعْرِفُ عَدَدَهَا. قَالَ الْقَفَّالُ: يَقْضِي مَا تَحَقَّقَ تَرْكُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: يَقْضِي مَا زَادَ عَلَى مَا تَحَقَّقَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ هَلْ فَعَلَهَا أَوْ لَا؟ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا كَمَا لَوْ شَكَّ فِي النِّيَّةِ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ وَقْتِهَا هَلْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ شَرْحِ م ر. وَفَرَّقَ ابْنُ حَجَرٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا بِأَنَّ الشَّكَّ فِي اللُّزُومِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْفِعْلِ شَكٌّ فِي اسْتِجْمَاعِ شُرُوطِ اللُّزُومِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ بِخِلَافِهِ فِي الْفِعْلِ، فَإِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِتَيَقُّنِ اللُّزُومِ، وَالشَّكُّ فِي الْمُسْقِطِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ اهـ. وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ اللُّزُومِ إذَا تَبَرَّعَ بِصَلَاتِهَا هَلْ تَصِحُّ؟ نَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ سم أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ قَالَ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ اهـ اج. قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا يُخَافُ فَوْتُهَا) بِأَنْ يُدْرِكَ مِنْهَا رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ إلَخْ) سَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَذِكْرُهُ هُنَا تَكْرَارٌ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ) وَلَا تَنْعَقِدُ لَوْ نَذَرَ إيقَاعَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَلَا يَكْفُرُ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ أَشْبَهَتْ مُرَاغَمَةَ الشَّرْحِ وَمُعَانَدَتَهُ لَمْ تُوجَدْ فِيهَا حَقِيقَتُهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قِيلَ لَهُ قُصَّ أَظْفَارَك فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ حَيْثُ كَفَّرُوهُ لِوُجُودِ مُرَاغَمَةِ الشَّرْعِ وَمُعَانَدَتِهِ بِذَلِكَ حَقِيقَةً، فَانْدَفَعَ بِهَذَا الْفَرْقِ الْإِشْكَالُ كَمَا حَقَّقَهُ حَجّ فِي شَرْحِهِ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَكْرُوهِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَبَيْنَ الْحَرَامِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفِيدُ الْإِثْمَ؟ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ الْمَكْرُوهَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَالْحَرَامُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْلَوِيٍّ أَوْ مُسَاوٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ تَنْعَقِدْ الصَّلَاةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالزَّمَانِ بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَكَانِ كَالصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الصَّلَاةِ بِالزَّمَانِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْمَكَانِ لِأَخْذِهَا جُزْءًا مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ الْوَاقِعَةُ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَكَانِ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ) أَمَّا هُوَ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَالْمُرَادُ بِحَرَمِ مَكَّةَ الْمَسْجِدُ وَغَيْرُهُ فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ، لَكِنْ الْأَوْلَى تَرْكُ الْفِعْلِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ كَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، وَالشَّيْخُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ) وَلَوْ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ طُلُوعِهَا) أَيْ سَوَاءً صَلَّى الصُّبْحَ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (وَبَعْدَ الصُّبْحِ) أَيْ أَدَاءً مُغْنِيَةً عَنْ الْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: (وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَدَاءً) وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُغْنِيَةً عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ التَّنَفُّلُ. وَعِبَارَةُ خ ض عَلَى التَّحْرِيرِ وَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ الْفِعْلُ الْمُغْنِي عَنْ الْقَضَاءِ لَا مُطْلَقُ الْفِعْلِ حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ صَلَاةُ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَصَلَاةُ الْمُتَيَمِّمِ لِفَقْدِ الْمَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْقُطُ فِيهِ الْفَرْضُ بِالتَّيَمُّمِ أَيْ: فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُمَا النَّافِلَةَ الْمُطْلَقَةَ هَلْ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَالْمُعْتَمَدُ لَا. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (غَيْرَ مُتَأَخِّرٍ عَنْهَا) أَيْ الصَّلَاةِ بِأَنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا كَالْفَائِتَةِ أَوْ مُقَارِنًا كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ فَهِيَ مُقَارِنَةٌ بِالنَّظَرِ لِلدَّوَامِ، وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاؤُهَا غَيْرَ مُقَارَنٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَأَخَّرَ السَّبَبُ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَالْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ: (كَفَائِتَةٍ) فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَدْخُلْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ: (وَسَجْدَةِ شُكْرٍ) فِي التَّمْثِيلِ بِهَا مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَلَاةً، لَكِنْ يُسَوِّغُ ذَلِكَ كَوْنُهَا مُلْحَقَةً بِهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا [فَصْلٌ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَفِي بَيَانِ النَّوَافِلِ] [شَرَائِطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ] فَصْلٌ: فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ. . . إلَخْ قَوْلِهِ (فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ فِي شُرُوطِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا تَجِبُ الْأَوَّلُ بِالْمَنْطُوقِ وَالثَّانِي بِالْمَفْهُومِ. قَوْلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 أَصْلِيٍّ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ بِهَا فِي الدُّنْيَا لِعَدَمِ صِحَّتهَا مِنْهُ، لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ عِقَابٍ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهَا بِالْإِسْلَامِ. (وَ) الثَّانِي: (الْبُلُوغُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى صَغِيرٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ. (وَ) الثَّالِثُ: (الْعَقْلُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ لِمَا ذُكِرَ. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الرَّابِعِ وَهُوَ: النَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، فَلَا تَجِبُ   [حاشية البجيرمي] الْإِسْلَامُ) وَلَوْ فِيمَا مَضَى فَيَدْخُلُ الْمُرْتَدُّ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ وَهَذَا لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ عَبَّرَ بِمُسْلِمٍ كَمَا عَبَّرَ الْمَنْهَجُ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَلَبِّسِ بِالْإِسْلَامِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ، بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْجَمِيعَ أَيْ الْإِسْلَامَ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَيُوجَدُ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَتْنِ عَقِبَ قَوْلِهِ وَالْعَقْلُ وَهُوَ حَدُّ التَّكْلِيفِ. قَالَ سم: وَهُوَ أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ مَجْمُوعِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ الْأَخِيرَانِ مِنْهَا. وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ الصَّحِيحَ مُخَاطَبَةُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّكْلِيفُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْ الَّذِي يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الدُّنْيَا بِثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ فِيهَا مِنَّا. وَقَوْلُهُ: (حَدُّ التَّكْلِيفِ) أَيْ ضَابِطُهُ وَمَدَارُهُ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ جُعِلَ الْإِسْلَامُ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ وَلَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ مَعَ أَنَّ الصِّحَّةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَيْهِ أَيْضًا؟ أُجِيبُ بِأَنَّ الصِّحَّةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا فَرْعٌ عَنْهُ، فَلَمَّا كَانَ الْوُجُوبُ مُتَقَدِّمًا جُعِلَ الْإِسْلَامُ شَرْطًا لَهُ. فَرْعٌ: لَنَا شَخْصٌ مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ قَادِرٌ لَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا تَرَكَهَا. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَشْتَبِهَ صَغِيرَانِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ ثُمَّ يَبْلُغَا وَيَسْتَمِرَّ الِاشْتِبَاهُ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ مِنْهُمَا بَالِغٌ عَاقِلٌ قَادِرٌ لَا يُؤْمَرُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُهُ. اهـ. م ر سم. أَيْ: إذَا اخْتَلَطَ ابْنُ الْمُسْلِمِ بِابْنِ الْكَافِرِ بَعْدَ مَوْتِ أَبَوَيْهِمَا فَلَا يُؤْمَرَانِ وُجُوبًا وَلَا يُنْهَيَانِ وَلَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَيُسْتَحَبُّ أَمْرُهُمَا وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا، فَلَوْ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْبُلُوغِ إلَى الْإِسْلَامِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ إسْلَامِهِ قَبْلُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ لَهُمَا الْقَضَاءُ وَلَوْ مَاتَا صَلَّى عَلَيْهِمَا بِتَعْلِيقِ النِّيَّةِ سَوَاءٌ مَاتَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا أَيْ، فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ صِغَارِ الْمَمَالِيكِ حَيْثُ قُلْنَا بِعَدَمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّابِي لَهُمْ كَافِرًا بِتَحَقُّقِ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَشْبَهَ مَا لَوْ اخْتَلَطَ مُسْلِمٌ مَيِّتٌ بِكَافِرٍ مَيِّتٍ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ) مِنْ إضَافَةِ السَّبَبِ لِلْمُسَبِّبِ أَيْ وُجُوبًا يَنْشَأُ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ أَيْ مِنَّا إذْ لَوْ طَالَبْنَاهُ لَزِمَ نَقْضُ عَهْدِهِ إنْ كَانَ مُؤْمِنًا وَإِبْطَالُ الْجِزْيَةِ إنْ كَانَ مُلْتَزِمًا لَهَا. وَإِنَّمَا الطَّلَبُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ إذْ لَوْ لَمْ يُطَالَبْ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِلْعِقَابِ عَلَيْهَا اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ) يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّيَانِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُمَا مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ، لَكِنَّ الْحَرْبِيَّ مُطَالَبٌ بِالْإِسْلَامِ وَيَلْزَمُهُ كَوْنُهُ مُطَالَبًا بِفُرُوعِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مُخَاطَبٌ بِهَا خِطَابَ مُطَالَبَةٍ بِاعْتِبَارِ اللُّزُومِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ عَلَى كُفْرِهِ لَا يُطَالَبُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ. اهـ. حَجّ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ كَالذِّمِّيِّ يُطَالَبُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِالْجِزْيَةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَقَالَ أَيْضًا قَوْلُهُ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ أَيْ مَعَ تَلَبُّسِهِ بِمَانِعٍ لَا يُطَالَبُ مِنْهُ رَفْعُهُ، بِخُصُوصِهِ، وَمَعَ عَدَمِ قَصْدِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ لَا يُطَالَبُ بِرَفْعِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْكُفْرُ بِخُصُوصِهِ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَلَوْ كَانَ حَرْبِيًّا فَلَا يَرِدُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمُرْتَدُّ وَالْمُحْدِثُ؛ لِأَنَّهُمَا يُطَالَبَانِ بِرَفْعِ الْمَانِعِ بِخُصُوصِهِ، فَيُطَالَبُ الْأَوَّلُ بِالْإِسْلَامِ بِخُصُوصِهِ، وَالثَّانِي بِالطَّهَارَةِ، وَكَذَا لَا يَرِدُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمَجْنُونُ الْمُتَعَدِّي وَالسَّكْرَانُ لِقَصْدِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَسْلَمَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يَقْصِدُ حِينَئِذٍ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ وَلَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ: (لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَتَجِبُ بِالْوَاوِ إذْ لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ قَوْلِهِ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ (لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ عِقَابٍ) أَيْ وُجُوبًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِقَابُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ الْأَدَاءُ لِلصَّلَاةِ وَالْمُطَالَبَةُ مِنَّا وَالْعِقَابُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 عَلَى حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُمَا، فَمَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] نَعَمْ الْمُرْتَدُّ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ زَمَنَ الرِّدَّةِ بَعْدَ إسْلَامِهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالْإِسْلَامِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِالْجُحُودِ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ وَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ قَضَى   [حاشية البجيرمي] تَرْكِهَا، فَإِذَا انْتَفَى الْإِسْلَامُ أَصَالَةً انْتَفَى الْأَوَّلَانِ وَبَقِيَ الثَّالِثُ قَوْلُهُ: (فَلَا تَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ) مَا لَمْ يَتَعَدَّ بِجُنُونِهِ سم. وَالْأَوْلَى إبْقَاءُ الْمَجْنُونِ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ مُتَعَدِّيًا وَأَمَّا وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُتَعَدِّي وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ قَوْلُهُ: (لِمَا ذُكِرَ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ تَكْلِيفِهِ وَلَوْ خُلِقَ أَعْمَى أَصَمُّ أَخْرَسُ فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ شَرَحَ م ر وَمِثْلُهُ مَنْ خُلِقَ أَصَمُّ أَعْمَى نَاطِقًا؛ لِأَنَّ النُّطْقَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ طَرِيقًا لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِخِلَافِ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ ع ش. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا شَرْطَانِ لِلْوُجُوبِ، وَهُمَا أَنْ يَكُونَ سَلِيمَ الْحَوَاسِّ وَبَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَلَوْ وُجِدَتْ حَوَاسُّهُ بَعْدَ مُدَّةٍ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إذَا بَلَغَتْهُ؟ قَالَ سم: تَجِبُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ اهـ. قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَالْفَرْقُ فِيهِ وُجُودُ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَنْ لَمْ تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ دُونَ الْآخَرُ اهـ. قُلْت: هَذَا الْفَرْقُ فِيهِ شَيْءٌ إذْ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ كَافِرٌ أَوْ فِي حُكْمِهِ وَالْآخَرُ مُسْلِمٌ، فَكَيْفَ يَلْزَمُ غَيْرَ الْمُسْلِمِ دُونَ الْمُسْلِمِ اهـ اج. وَقَدْ يُقَالُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ لَيْسَ كَافِرًا وَلَا فِي حُكْمِهِ بَلْ فِي حُكْمِ مُسْلِمٍ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، فَهُوَ أَهْلٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَالْكَلَامُ فِي الْأَخْرَسِ الْأَصْلِيِّ. أَمَّا الطَّارِئُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّمْيِيزِ فَكَالْأَصْلِيِّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّمْيِيزِ وَلَوْ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَعَرَفَ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا سُكُوتَ لِذِكْرِهِ لَهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ. بِقَوْلِهِ وَيَحْرُمُ بِالْحَيْضِ الصَّلَاةُ، وَذَكَرَ فِيمَا يَأْتِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ طَهَارَةُ الْأَعْضَاءِ، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إنَّ النَّقَاءَ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، وَكَأَنَّ حِكْمَةَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِهِ هُنَا مُرَاعَاةُ قَوْلِهِ: وَهُوَ حَدُّ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّهَارَاتِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَقَوْلُ الْمُحَشِّي قَدْ يُقَالُ إلَخْ. رُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا مِمَّا سَيَأْتِي إلَّا الْحُرْمَةُ، وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْكَافِرِ) أَيْ لَا تُطْلَبُ مِنْهُ فَلَوْ قَضَاهَا لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ وسم مِنْ نَدْبِ الْقَضَاءِ لَهُ م د. وَعِبَارَةُ ز ي وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْكَافِرِ أَيْ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا، فَلَوْ خَالَفَ وَقَضَى فَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُمَا قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي أَيَّامِ الصِّبَا الْكَائِنِ بَعْدَ التَّمْيِيزِ وَالْجُنُونِ، بَلْ يُنْدَبُ لَهُمَا الْقَضَاءُ اهـ. قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَلَى الْخَصَائِصِ: وَهَلْ يُثَابُ الْكَافِرُ عَلَى الْحَسَنَاتِ الَّتِي قَبْلَ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ بَلْ حُكِيَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ قُرْبَةً كَصَدَقَةٍ وَصِلَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ أُثِيبَ عَلَيْهَا. وَقَالَ حَجّ: يَحْتَمِلُ أَنَّ الْقَبُولَ مُعَلَّقٌ عَلَى إسْلَامِهِ فَإِنْ أَسْلَمَ أُثِيبَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَسُئِلَ الشَّيْخُ م ر: هَلْ يُثَابُ الْكَافِرُ عَلَى الْقُرَبِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْهِبَةِ؟ فَأَجَابَ: بِنَعَمْ يُخَفِّفُ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ أَيْ عَذَابَ غَيْرِ الْكُفْرِ كَمَا خَفَّفَ عَنْ أَبِي لَهَبٍ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ بِسَبَبِ سُرُورِهِ بِوِلَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِعْتَاقِهِ ثُوَيْبَةَ حِينَ بَشَّرَتْهُ بِوِلَادَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ الْمُرْتَدُّ) لَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَ تَقْيِيدِ الْكَافِرِ بِالْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ أَيْ؛ لِأَنَّ أَلْ فِي الْكَافِرِ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ وَالْمُتَقَدِّمُ هُوَ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (كَحَقِّ الْآدَمِيِّ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالْجُحُودِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ. قَوْلُهُ: (قَضَى أَيَّامَ الْجُنُونِ) مَحَلُّهُ مَا لَمْ يُسْلِمْ أَحَدُ أُصُولِهِ حَالَ جُنُونِهِ، وَإِلَّا فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ مِنْ حِينَئِذٍ وَيَسْقُطُ الْقَضَاءُ لِزَمَنِ الْجُنُونِ مِنْ وَقْتِ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ اهـ سم. قَوْلُهُ: (تَغْلِيظًا عَلَيْهِ) وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ كَسَرَ رِجْلَيْهِ تَعَدَّيَا وَصَلَّى قَاعِدًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِانْتِهَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 أَيَّامَ الْجُنُونِ مَعَ مَا قَبْلَهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ. وَلَوْ سَكِرَ مُتَعَدِّيًا ثُمَّ جُنَّ قَضَى الْمُدَّةَ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا سُكْرُهُ لَا مُدَّةَ جُنُونِهِ بَعْدَهَا، بِخِلَافِ مُدَّةِ جُنُونِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ مَنْ جُنَّ فِي رِدَّتِهِ مُرْتَدٌّ فِي جُنُونِهِ حُكْمًا، وَمَنْ جُنَّ فِي سُكْرِهِ لَيْسَ بِسَكْرَانَ فِي دَوَامِ جُنُونِهِ قَطْعًا، وَلَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ سَكِرَتْ ثُمَّ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ لَمْ تَقْضِ زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَفَارَقَتْ الْمَجْنُونَ بِأَنَّ إسْقَاطَ الصَّلَاةِ عَنْهَا عَزِيمَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِالتَّرْكِ، وَعَنْهُ رُخْصَةٌ، وَالْمُرْتَدُّ وَالسَّكْرَانُ لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، وَمَا وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ قَضَاءِ الْحَائِضِ الْمُرْتَدَّةِ زَمَنَ الْجُنُونِ نُسِبَ فِيهِ إلَى السَّهْوِ. وَلَا قَضَاءَ عَلَى الطِّفْلِ إذَا بَلَغَ وَيَأْمُرُهُ الْوَلِيُّ بِهَا إذَا مَيَّزَ وَلَوْ قَضَاءً لِمَا فَاتَهُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ، وَالتَّمْيِيزُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ سَبْعِ سِنِينَ وَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهَا بَعْدَ عَشَرِ سِنِينَ لِخَبَرِ: «مُرُوا الصَّبِيَّ أَيْ وَالصَّبِيَّةَ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» أَيْ عَلَى تَرْكِهَا كَمَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلضَّرْبِ تَمَامُ الْعَاشِرَةِ، لَكِنْ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: إنَّهُ يُضْرَبُ فِي أَثْنَائِهَا، وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْبُلُوغِ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ التَّمْيِيزَ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي فِي الْأَمْرِ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ السَّبْعِ.   [حاشية البجيرمي] مَعْصِيَتِهِ بِانْتِهَاءِ كَسْرِهِ وَلِإِتْيَانِهِ بِالْبَدَلِ حَالَةَ الْعَجْزِ شَرْحُ الرَّوْضِ أَيْ لَا يَقْضِي بَعْدَ شِفَاءِ الْكَسْرِ. قَوْله: (ثُمَّ جُنَّ) أَيْ بِلَا تَعَدٍّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِسْمَةَ الْعَقْلِيَّةَ تَقْتَضِي سِتًّا وَثَلَاثِينَ صُورَةً مِنْ ضَرْبِ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ فِي نَفْسِهَا وَضَرْبِ التِّسْعَةِ الْحَاصِلَةِ فِي الْوُقُوعِ فِي الرِّدَّةِ، وَالْوُقُوعِ فِي غَيْرِهَا، وَضَرْبِ الثَّمَانِيَةِ عَشَرَ الْحَاصِلَةِ فِي اثْنَيْنِ التَّعَدِّي وَعَدَمِهِ، فَالْجُمْلَةُ مَا ذُكِرَ فَالْوَاقِعُ فِي الرِّدَّةِ يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا، وَالْوَاقِعُ فِي غَيْرِهَا يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ مَعَ التَّعَدِّي، وَلَا يَجِبُ مَعَ عَدَمِهِ وَغَيْرُ الْمُتَعَدِّي بِهِ الْوَاقِعُ فِي الْمُتَعَدِّي بِهِ يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ مُدَّةَ الْمُتَعَدِّي بِهِ فَقَطْ اهـ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: (مِنْ ضَرْبِ الْجُنُونِ) إلَخْ أَيْ بِأَنْ طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ عَلَى سُكْرٍ أَوْ إغْمَاءٍ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ أَوْ طَرَأَ سُكْرٌ عَلَى سُكْرٍ أَوْ عَلَى إغْمَاءٍ أَوْ عَلَى جُنُونٍ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ أَوْ طَرَأَ إغْمَاءٌ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ عَلَى سُكْرٍ أَوْ جُنُونٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ سَكِرَتْ) أَيْ تَعَدِّيًا؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَقْضِ زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ) وَإِنْ طَرَأَ فِيهِمَا جُنُونٌ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ وَمَا وَقَعَ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْسُنُ الْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِهَذَا التَّعْمِيمِ قَالَ م د قَوْلُهُ: لَمْ تَقْضِ زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَقْضِي زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَلَوْ وَقَعَ فِي الرِّدَّةِ. وَبِهَذَا يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا مُرْتَدٌّ لَا يَقْضِي الصَّلَاةَ زَمَنَ الرِّدَّةِ مَعَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ. قَوْلُهُ: (عَزِيمَةٌ) وَالْعَزِيمَةُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْعَاصِي وَالطَّائِعِ. قَوْلُهُ: (رُخْصَةٌ) أَيْ وَالرُّخْصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي؛ لِأَنَّ الْعَاصِيَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. قَوْلُهُ: (نُسِبَ فِيهِ إلَى السَّهْوِ) أَيْ؛ لِأَنَّ انْسِحَابَ حُكْمِ الرِّدَّةِ عَلَى زَمَنِ الْجُنُونِ عَارَضَهُ كَوْنُ الْحَائِضِ مُكَلَّفَةً بِالتَّرْكِ فَالتَّغْلِيظُ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ فَالْحَيْضُ مَانِعٌ وَالرِّدَّةُ مُقْتَضٍ فَيَغْلِبُ الْمَانِعُ. وَأَجَابَ م ر: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَائِضِ فِي كَلَامِ الْمَجْمُوعِ مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ لَا مَنْ نَزَلَ عَلَيْهَا الْحَيْضُ. وَرُدَّ بِأَنَّ حَائِضًا اسْمُ فَاعِلٍ حَقِيقَةً فِي الْمُتَلَبِّسِ بِالْفِعْلِ اج. قَوْلُهُ: (وَلَا قَضَاءَ عَلَى الطِّفْلِ إلَخْ) نَعَمْ يُنْدَبُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ زَمَنَ التَّمْيِيزِ فَقَطْ دُونَ مَا قَبْلَهُ فَلَا يَنْعَقِدُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قَضَاءً لِمَا فَاتَهُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ، فَلَوْ فَعَلَهُ كَانَ حَرَامًا وَلَا يَنْعَقِدُ خِلَافًا لِجَهَلَةِ الصُّوفِيَّةِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَا قَضَاءَ أَيْ: وُجُوبًا وَحُكْمُ قَضَائِهِ كَأَدَائِهِ مِنْ تَعَيُّنِ الْقِيَامِ فِيهِ وَعَدَمِ جَمْعِهِ فَرْضَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَعَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ عِنْدَ م ر. قَوْلُهُ: (وَيَأْمُرُهُ) أَيْ لِيَعْتَادَهَا إذَا بَلَغَ قَوْلُهُ: (بَعْدَ اسْتِكْمَالِ سَبْعِ سِنِينَ) أَيْ يُعْتَبَرُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَيْ وَالصَّبِيَّةَ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَشْمَلُ الصَّبِيَّةَ كَمَا قَالَهُ اج وَجَعَلَهُ مِنْ غَرَائِبِ اللُّغَةِ. قَوْلُهُ: «وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» ) أَخَّرَ الضَّرْبَ لِلْعَشْرِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَالْعَشْرُ زَمَنُ احْتِمَالِ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ مَعَ كَوْنِهِ حِينَئِذٍ يَقْوَى وَيَحْتَمِلُهُ حِينَئِذٍ. اهـ. حَجّ. قَوْلُهُ: (قَالَ الصَّيْمَرِيُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا نِسْبَةً إلَى صَيْمَرَةَ بَلَدٌ صَغِيرٌ بِعِرَاقِ الْعَجَمِ. وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: وَضَمُّ الْمِيمِ خَطَأٌ ذَكَرَهُ فِي الْمِصْبَاحِ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي أَثْنَائِهَا) الْمُرَادُ بِالْأَثْنَاءِ مَا بَعْدَ التَّاسِعَةِ فَيَصْدُقُ بِأَوَّلِ الْعَاشِرَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَتَى مَضَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي حَدِّ التَّمْيِيزِ أَنَّهُ يَصِيرُ الطِّفْلُ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ أَبِي دَاوُد: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ مَتَى يُصَلِّي الصَّبِيُّ؟ قَالَ: إذَا عَرَفَ شِمَالَهُ مِنْ يَمِينِهِ» قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالْمُرَادُ إذَا عَرَفَ مَا يَضُرُّهُ وَمَا يَنْفَعُهُ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْأَمْرُ وَالضَّرْبُ وَاجِبَانِ عَلَى الْوَلِيِّ أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي. وَفِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْمُلْتَقِطُ وَمَالِكُ الرَّقِيقِ فِي مَعْنَى مَنْ ذُكِرَ، وَكَذَا الْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَنَحْوُهُمَا. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى مُجَرَّدِ صِيغَتِهِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ التَّهْدِيدِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَالشَّرَائِعَ. وَلَا قَضَاء عَلَى الْحَائِضِ أَوْ النُّفَسَاءِ إذَا طَهُرَتَا وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا أَوْ يُكْرَهُ؟ وَجْهَانِ. أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَا لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ   [حاشية البجيرمي] جُزْءٌ مِنْهَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي أَثْنَائِهَا. قَوْلُهُ: (وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَعْلِيمِهِ كَيْفِيَّةَ الِاسْتِنْجَاءِ وَإِلَّا فَقَبْلَ تَعْلِيمِهِ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِهِ، فَكَيْفَ يَعْرِفُهُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَمْرُ وَالضَّرْبُ وَاجِبَانِ) أَيْ وُجُوبًا عَيْنِيًّا عَلَى الْوَلِيِّ أَيْ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَمِثْلُهُ الْأُمُّ كَمَا فِي الرَّوْضِ وحج وَقَدْرُهُ ثَلَاثُ ضَرَبَاتٍ فَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْوَلِيِّ كَفَى، وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ وَالْآمِرُ وَالضَّارِبُ أُصُولُهُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ عَلَى سَبِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَلِلْمُعَلِّمِ أَيْضًا الْأَمْرُ لَا الضَّرْبُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَمِثْلُهُ الزَّوْجُ فِي زَوْجَتِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَشَرَائِعُ الدِّينِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّوْمِ لِمَنْ أَطَاقَهُ وَنَحْوِ السِّوَاكِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَمْرِ وَالضَّرْبِ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ التَّمْرِينُ عَلَى الْعِبَادَةِ فَلَا يَتْرُكُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُجَاوِزُ الضَّارِبُ ثَلَاثًا، وَكَذَا الْمُعَلِّمُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الثَّلَاثَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمِرْدَاسٍ الْمُعَلِّمِ: «إيَّاكَ وَأَنْ تَضْرِبَ فَوْقَ الثَّلَاثِ فَإِنَّك إنْ تَضْرِبَ فَوْقَهَا أَقْتَصُّ مِنْك» . تَنْبِيهٌ: فَقِيهُ الْأَوْلَادِ إذَا ضَرَبَهُمْ الضَّرْبَ الْمُعْتَادَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً وَضَرَبَهَا الضَّرْبَ الْمُعْتَادَ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنْ الْأُولَى يَحْصُلُ التَّأْدِيبُ فِيهَا بِالْكَلَامِ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَأَيْضًا الْأُولَى مَشْرُوطٌ فِيهَا سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُمَا) كَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَكَالْأَمِينِ الَّذِي رَأَى مَنْ لَا يَهْتَدِي إلَى مَنْزِلِ أَهْلِهِ أَوْ سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُ كَالْمُودِعِ وَالْمُسْتَعِيرِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَأْمُرُهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّ تَعْلِيمَ الطَّهَارَةِ وَالشَّرَائِعِ سَابِقٌ عَلَى الْأَمْرِ. قَوْلُهُ: (يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ) أَيْ وَإِنْ عَلَوْا وَظَاهِرُهُ ثُبُوتُ مَا ذُكِرَ لِلْأُمَّهَاتِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْآبَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَلَا يَبْعُدُ ثُبُوتُ هَذِهِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ لِلْأُمَّهَاتِ مَعَ وُجُودِ الْآبَاءِ أَيْ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَتَكْفِي الْجَدَّةُ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ وَيُقَدَّمُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ حَيْثُ النَّدْبُ عَلَى غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ وَلَا يَضْرِبُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَمُؤْنَةُ تَعْلِيمِهِمْ لَفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ فِي مَالِهِمْ ثُمَّ آبَائِهِمْ ثُمَّ أُمَّهَاتِهِمْ ثُمَّ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّغِيرَةُ ذَاتُ الزَّوْجِ وَالْأَبَوَيْنِ تَعْلِيمُهَا عَلَى أَبَوَيْهَا فَإِنْ عُدِمَا، فَالزَّوْجُ أَحَقُّ أَيْ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ وَزَوْجَةُ الصَّغِيرِ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا فَرْضُ تَعْلِيمِهِ كَمَا قَالَهُ سم. وَقَوْلُهُ: وَالْأُمَّهَاتِ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةُ تَأْدِيبٍ لَا وِلَايَةُ مَالٍ ح ل قَوْلُهُ: (تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ سَبْعٍ وَضَرْبِهِمْ عَلَيْهَا بَعْدَ عَشْرٍ وَيُؤْمَرُ بِالصَّوْمِ إنْ أَطَاقَهُ كَمَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ اج قَوْلُهُ: (وَالشَّرَائِعَ) أَيْ الْأَحْكَامَ الْمَشْرُوعَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا كَالسِّوَاكِ وَالْبُدَاءَةِ بِالْيُمْنَى فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْرِمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا فَهُوَ عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ. قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: يَجِبُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ كِفَايَةُ تَعْلِيمِ الصَّبِيِّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ بِمَكَّةَ وَدُفِنَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُذْكَرَ لَهُ مِنْ أَوْصَافِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ مَا يُمَيِّزُهُ وَلَوْ بِوَجْهٍ فَيَجِبُ بَيَانُ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا الَّذِي هُوَ مِنْ قُرَيْشٍ وَاسْمُ أَبِيهِ كَذَا وَأُمِّهِ كَذَا وَبُعِثَ بِكَذَا وَدُفِنَ بِكَذَا نَبِيُّ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَيَتَعَيَّنُ أَيْضًا ذِكْرُ لَوْنِهِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَنْ زَعَمَ كَوْنَهُ أَسْوَدَ كَفَرَ، وَالْمُرَادُ بِتَعْلِيمِ اللَّوْنِ أَنْ لَا يَزْعُمَ أَنَّهُ أَسْوَدُ فَيُكْرَه لَا أَنَّ الشَّرْطَ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ خُصُوصُ كَوْنِهِ أَبْيَضَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي جَمِيعِ مَا إنْكَارُهُ كُفْرٌ فَتَأَمَّلْهُ اهـ كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: (أَوْجُهُهُمَا الثَّانِي) مُعْتَمَدٌ أَيْ وَتَنْعَقِدُ نَفْلًا عِنْدَ م ر خِلَافًا لِلشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ إلَخْ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا بَلْ يُسْتَحَبُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ» فَوَرَدَ النَّصُّ فِي الْمَجْنُونِ وَقِيسَ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ. وَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ الْمَانِعَةُ مِنْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ فَأَكْثَرَ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِيجَابُ يَسْتَوِي فِيهِ قَدْرُ الرَّكْعَةِ وَدُونِهَا، وَيَجِبُ الظُّهْرُ مَعَ الْعَصْرِ بِإِدْرَاكِ قَدْرِ زَمَنِ تَكْبِيرَةِ آخَرِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَتَجِبُ الْمَغْرِبُ مَعَ الْعِشَاءِ بِإِدْرَاكِ ذَلِكَ آخَرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ لِاتِّحَادِ وَقْتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَوَقْتَيْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْعُذْرِ، فَفِي الضَّرُورَةِ أَوْلَى، وَيُشْتَرَطُ لِلْوُجُوبِ أَنْ يَخْلُوَ الشَّخْصُ عَنْ الْمَوَانِعِ قَدْرَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ أَخَفَّ مَا يُجْزِئُ كَرَكْعَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ بَلَغَ الشَّخْصُ فِي الصَّلَاةِ بِالسِّنِّ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْوُجُوبَ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، فَلَزِمَهُ إتْمَامُهَا كَمَا لَوْ بَلَغَ بِالنَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَأَجْزَأَتْهُ وَلَوْ جُمُعَةٌ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى الْوَاجِبَ بِشَرْطِهِ، وَوُقُوعُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (هَذِهِ الْأَسْبَابُ) أَيْ الصِّبَا وَالْكُفْرُ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، وَفِي إطْلَاقِ الْأَسْبَابِ عَلَى الْمَوَانِعِ تَجُوزُ، وَلَعَلَّ عَلَاقَةَ الْمَجَازِ الضِّدْيَةُ فَإِنَّ الْمَانِعَ مُضَادُّ لِلسَّبَبِ ع ش، وَكَوْنُ الصِّبَا مَانِعًا مِنْ الْفِعْلِ فِيهِ نَظَرٌ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ زَالَتْ الْأُمُورُ أَوْ الْأَشْيَاءُ الْمَانِعَةُ إلَخْ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَلَوْ زَالَتْ الْمَوَانِعُ وَبَقِيَ قَدْرُ تَحَرُّمٍ وَخَلَا مِنْهَا قَدْرُ الطُّهْرِ وَالصَّلَاةِ لَزِمَتْ مَعَ فَرْضٍ قَبْلَهَا إنْ صَلَحَ لِجَمْعِهِ مَعَهَا وَخَلَا قَدْرُهُ أَيْضًا اهـ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا إنْ خَلَا مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ قَدْرُ الْمُؤَدَّاةِ فَإِنْ خَلَا قَدْرُهَا وَقَدْرُ الطُّهْرِ فَقَطْ تَعَيَّنَتْ أَوْ مَعَ ذَلِكَ قَدْرُ مَا يَسَعُ الَّتِي قَبْلَهَا تَعَيَّنَتَا. قَوْلُهُ: (وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ) وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى بِوَقْتِ الضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ: (وَجَبَتْ الصَّلَاةُ) أَيْ صَاحِبَةُ الْوَقْتِ. وَالْحَاصِلُ: إنْ أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ قَدْرَ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَاسْتَمَرَّ النَّقَاءُ زَمَنَ الْمَغْرِبِ بِقَدْرٍ يَسَعُ الْمَغْرِبَ وَطُهْرَهَا وَجَبَتْ وَتَجِبُ الْعَصْرُ إذَا خَلَا بِقَدْرِهِ أَيْضًا، وَأَمَّا لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً آخِرَ الْعَصْرِ مَثَلًا فَعَادَ الْمَانِعُ بَعْدَمَا يَسَعُ الْمَغْرِبَ وَجَبَتْ فَقَطْ لِتَقَدُّمِهَا لِكَوْنِهَا صَاحِبَةَ الْوَقْتِ وَمَا فَضَلَ لِلْعَصْرِ لَا يَكْفِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، سَوَاءٌ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَمْ لَا خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَوْ أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ وَمِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا وَجَبَتْ الْعَصْرُ فَقَطْ، وَلَوْ وَسِعَ الْمَغْرِبُ قَدْرَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلْمُقِيمِ بَعْدَ قَدْرِ مَا يَسَعُ الْمَغْرِبَ وَالظُّهْرَ أَوْ رَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ، فَيَتَعَيَّنُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعَصْرِ؛ لِأَنَّهَا الْمَتْبُوعَةُ لَا الظُّهْرُ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ، وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي إدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ، ثُمَّ خَلَا مِنْ الْمَوَانِعِ قَدْرًا يَسَعُ تِسْعَ رَكَعَاتٍ لِلْمُقِيمِ أَوْ سَبْعًا لِلْمُسَافِرِ فَتَجِبُ الصَّلَوَاتُ الثَّلَاثُ وَهِيَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ أَوْ سِتًّا لَزِمَ الْمُقِيمَ الصُّبْحُ وَالْعِشَاءُ فَقَطْ، أَوْ خَمْسًا فَأَقَلَّ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى الصُّبْحِ، وَلَوْ أَدْرَكَ ثَلَاثًا مِنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ لَمْ تَجِبْ هِيَ وَلَا الْمَغْرِبُ عَلَى الْأَوْجَهِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (فَفِي الضَّرُورَةِ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهَا فَوْقَ الْعُذْرِ. قَوْلُهُ: (قَدْرَ الطَّهَارَةِ) أَيْ طَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ السَّلِيمِ وَبِعَدَدِ الصَّلَوَاتِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ وَالْمُتَيَمِّمِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ اعْتَبَرُوا وَقْتَ الطَّهَارَةِ وَسَكَتُوا عَنْ وَقْتِ السَّتْرِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِ الصَّلَاةِ إلَى الطَّهَارَةِ دُونَ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالسَّتْرُ وَالِاجْتِهَادُ ابْنُ شَرَفٍ. وَقَالَ ق ل قَوْلُهُ: وَالصَّلَاةِ أَيْ لِصَاحِبَةِ الْوَقْتِ وَمَا يَجْمَعُ قَبْلَهَا وَالْمُؤَدَّاةُ وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً آخِرَ الْعَصْرِ مَثَلًا، وَخَلَا مِنْ الْمَوَانِعِ مَا يَسَعُهَا وَطُهْرَهَا فَعَادَ الْمَانِعُ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِ مَا يَسَعُهَا أَيْ الْمَغْرِبَ، فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى الْمَغْرِبِ وَمَا فَضَلَ لَا يَكْفِي لِلْعَصْرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَصْرِ أَوْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. م ر. فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَصْرَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَرَكْعَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ) هَذَا مِثَالٌ لِقَوْلِهِ أَخَفُّ مَا يُجْزِئُ لَا تَقْيِيدٌ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَةَ لَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَهَا تَامَّةً بِأَخَفَّ مَا يُجْزِئُ بِحَيْثُ لَا يَطُولُ سُنَنُهَا شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (بِالسِّنِّ) هُوَ قَيْدٌ لِلْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَلَوْ أَحَسَّ بِنُزُولِ الْمَنِيِّ مِنْ قَصَبَةِ الذَّكَرِ فَمَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ق ل. وَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ عِنْدَ م ر حِينَئِذٍ. وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ بُرُوزِهِ. قَوْلُهُ: (وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى الْفَرِيضَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 أَوَّلِهَا نَفْلًا لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ آخِرِهَا وَاجِبًا كَصَوْمِ مَرِيضٍ شُفِيَ فِي أَثْنَائِهِ، وَإِنْ بَلَغَ بَعْدَ فِعْلِهَا بِالسِّنِّ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ إذَا بَلَغَ بَعْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ فَاشْتَرَطَ وُقُوعُهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَلَوْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَجَبَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ إنْ أَدْرَكَ مَنْ ذُكِرَ قَدْرَ الْفَرْضِ أَخَفَّ مَا يُمْكِنُ، وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ فِي ذِمَّتِهِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي فَقَالَ: (وَالصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ) وَالْمَسْنُونُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالنَّفَلُ وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى الْفَرَائِضِ. وَأَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ الصَّلَاةُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: " أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا " وَقِيلَ:   [حاشية البجيرمي] عَلَى طَرِيقَةِ شَيْخِنَا م ر. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْهَا قَبْلَ بُلُوغِهِ ثَوَابَ النَّفْلِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ) وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (كَصَوْمِ مَرِيضٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ لُزُومُ الْإِتْمَامِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْمَرِيضِ كُلَّهُ فَرْضٌ إذْ شَرَعَ فِيهِ وَهُوَ كَامِلٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ أَوَّلَهَا نَفْلٌ إذْ شَرَعَ فِيهَا وَهُوَ غَيْرُ كَامِلٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَاضَتْ إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِي وَقْتٍ يُسَمَّى وَقْتَ الْإِدْرَاكِ وَهُوَ مَا إذَا طَرَأَتْ الْمَوَانِعُ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ دُخُولِهِ فَإِنْ كَانَ طُرُوُّهَا بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ قَدْرَ الصَّلَاةِ لَزِمَتْ وَإِلَّا فَلَا. وَالْمَوَانِعُ الَّتِي يُمْكِنُ طُرُوُّهَا خَمْسَةٌ مَا عَدَا الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ وَالصِّبَا. وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَوْ حَاضَتْ إلَخْ عَكْسُ مَا قَبْلَهُ وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا طَرَيَانُ بَقِيَّةِ الْمَوَانِعِ كَالصِّبَا وَالْكُفْرِ كَمَا عَلِمْت. وَاعْلَمْ أَنَّ مَوَانِعَ الْوُجُوبِ الْكُفْرُ الْأَصْلِيُّ وَالصِّبَا وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالسُّكْرُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَلَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ، وَهَذِهِ الْمَوَانِعُ كَمَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ تَمْنَعُ الصِّحَّةَ إلَّا الصِّبَا، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ لَكِنْ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ. قَوْلُهُ: (أَوَّلَ الْوَقْتِ) أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُ الصَّلَاةَ وَالطُّهْرَ الَّذِي لَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ إنْ أَدْرَكَ مَنْ ذُكِرَ قَدْرَ الْفَرْضِ إلَخْ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ لِيَشْمَلَ مَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (إنْ أَدْرَكَ مَنْ ذُكِرَ) أَيْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (قَدْرَ الْفَرْضِ) أَيْ قَبْلَ عُرُوضِ الْمَوَانِعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إدْرَاكُ زَمَنِ طَهَارَةٍ يَصِحُّ تَقْدِيمُهَا كَوُضُوءِ السَّلِيمِ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَلَوْ طَرَأَ مَانِعٌ فِي الْوَقْتِ وَأَدْرَكَ قَدْرَ صَلَاةٍ وَطُهْرٍ لَا يُقَدَّمُ لَزِمَتْ مَعَ فَرْضٍ قَبْلَهَا إنْ صَلَحَ لِجَمْعِهِ مَعَهَا، وَأَدْرَكَ قَدْرَهُ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْفَرْضَ طُرُوُّ الْمَانِعِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَثَلًا فَيَكُونُ سَالِمًا مِنْ الْمَوَانِعِ وَقْتَ الظُّهْرِ فَلَا حَاجَةَ لِإِدْرَاكِ قَدْرِهِ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ. قُلْت: يُصَوَّرُ ذَلِكَ بِمَا إذَا وُجِدَ مَانِعٌ وَقْتَ الظُّهْرِ كَجُنُونٍ ثُمَّ زَالَ وَقْتَ الْعَصْرِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَا ذُكِرَ بِأَنْ اسْتَغْرَقَ الْمَانِعُ جَمِيعَ الْوَقْتِ اج. [الصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ] قَوْلُهُ: (الْمَسْنُونَةُ) أَيْ الْمَسْنُونُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ لِإِخْبَارِهِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ خَمْسٌ بِدَلِيلِ إفْرَادِ التَّابِعَةِ لِلْفَرَائِضِ بِقَوْلِهِ الْآتِي: وَالسُّنَنُ التَّابِعَةُ لِلْفَرَائِضِ سَبْعَةُ عَشَرَ، وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَالنَّوَافِلُ الْمُؤَكَّدَةُ ثَلَاثَةٌ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالضُّحَى وَالتَّرَاوِيحُ. وَقَوْلُهُ: الْمَسْنُونُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الصَّلَوَاتُ الْمَسْنُونَةُ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسٍ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ مُرَادَهُ الصَّلَاةُ الْمَسْنُونُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ، فَلِذَا صَحَّ الْإِخْبَارُ عَنْهَا بِخَمْسٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مُطْلَقَ الصَّلَوَاتِ الْمَسْنُونَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَا تُطْلَبُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَالتَّابِعُ لِلْفَرَائِضِ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَسْنُونُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالنَّفَلُ إلَخْ) . وَقِيلَ إنَّ الْمَسْنُونَ مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَاظَبَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحَبُّ مَا فَعَلَهُ وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ وَالنَّفَلُ مَا يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَسَكَتَ عَنْ الْمُرَغَّبِ فِيهِ لِشُمُولِهِ لِكُلِّهَا هَذَا حَاصِلُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ) أَيْ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى الْفَرَائِضِ، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ رَاجِعًا لِهَذَا الْمُقَدَّرِ وَيُمْكِنُ أَنَّ الْمَعْنَى وَهُوَ أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ. قَوْلُهُ: (عِبَادَاتِ الْبَدَنِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِيُخْرِجَ عِبَادَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 الصَّوْمُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ فَفَرْضُهَا أَفْضَلُ الْفُرُوضِ وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ وَهُوَ: (خَمْسٌ الْعِيدَانِ وَالْكُسُوفَانِ وَالِاسْتِسْقَاءُ) وَرَتَّبْتهَا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى حُكْمِ تَرْتِيبِهَا الْمَذْكُورِ وَلَهَا أَبْوَابٌ تُذْكَرُ فِيهَا وَقِسْمٌ لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ. (وَ) مِنْهُ (السُّنَنُ) الرَّوَاتِبُ وَهِيَ عَلَى الْمَشْهُورِ التَّابِعَةُ لِلْفَرَائِضِ وَقِيلَ هِيَ مَا لَهُ وَقْتٌ. وَالْحِكْمَةُ فِيهَا تَكْمِيلُ   [حاشية البجيرمي] الْقَلْبِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ. قَالَ سم: ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ كَتَفَكُّرِ سَاعَةٍ مَعَ صَلَاةِ أَلْفِ رَكْعَةٍ وَعِبَادَاتُ الْقَلْبِ كَالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ وَالرِّضَا وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ وَالتَّوْبَةِ وَأَفْضَلُهَا الْإِيمَانُ اهـ شَرَحَ م ر. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلَخْ) فِي نُسْخَةٍ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ قَلْبٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْبَدَنِ وَأَمَّا نُسْخَةُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَفِيهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ جُمْلَةِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ جَعَلَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فِي الْفَضْلِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ كَوْنُ الشَّيْءِ بَعْدَ نَفْسِهِ وَقَبْلَهَا. وَيُجَابُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِيمَانُ فَرَجَعَ لِلْأُولَى. وَيُجَابُ أَيْضًا: بِأَنْ يُرَادَ بِالْإِسْلَامِ خُصُوصُ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا الْمُرَكَّبُ مِنْ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ، وَهَذَا الْجَوَابُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ النُّطْقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا بَعْدَهُ مَعَ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهُ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ النُّطْقُ بِهِمَا مِنْ الْكَافِرِ لَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ النَّجَاةُ مِنْ الْخُلُودِ فِي النَّارِ فَنَفْعُهُ مُحَقَّقٌ وَلَا كَذَلِكَ الصَّلَاةُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ نَفْعِهَا لِاحْتِمَالِ عَدَمِ قَبُولِهَا. قَوْلُهُ: «إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي» ) فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا لِلَّهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ غَيْرَ الصَّوْمِ يَتَمَكَّنُ فِيهِ الشَّخْصُ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَعَدَمِهِ، فَنُسِبَ لِابْنِ آدَمَ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الرِّيَاءُ؛ لِأَنَّهُ خَفِيٌّ فَأُضِيفَ لِلَّهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ تُمْكِنُ الْمُرَاءَاةُ بِالصَّوْمِ بِأَنْ يَقُولَ أَنَا صَائِمٌ وَيَقْصِدُ الشُّهْرَةَ مَثَلًا. وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ رِيَاءٌ بِالْقَوْلِ وَالْإِخْبَارُ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ. قَوْلُهُ: «أَجْزِي» ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَزَى يَجْزِي قَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا} [الإنسان: 12] قَوْلُهُ: (وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ) لَا يَرِدُ عَلَيْهِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَحِفْظُ الْقُرْآنِ حَيْثُ قَالُوا: إنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. اهـ. سم. أَيْ: لِأَنَّهُمَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ. اهـ. ز ي. وَقَوْلُهُ: وَحِفْظُ الْقُرْآنِ الْمُرَادُ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ. وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِحِفْظِهِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ سَائِرِ الْعُلُومِ دُونَ فَرْضِ الْعَيْنِ مِنْهَا، وَالْمُرَادُ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ عَلَى ظَهْرِ قَلْبٍ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ تَعَلُّمُ وَاحِدٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ جَمْعٍ بِحَيْثُ يَظْهَرُ ذَلِكَ، أَوْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ بَلَدٍ مِنْ ذَلِكَ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْقَاضِي وَالْمُفْتِي كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَرَفٍ عَلَى التَّحْرِيرِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (الْعِيدَانِ) أَيْ صَلَاتُهُمَا فَفِيهِ حَذْفٌ مُضَافٌ أَوْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْعِيدَ فِي صَلَاتِهِ كَمَا فِي ش قَوْلُهُ: (وَرُتْبَتُهَا إلَخْ) هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَرْتَبَةَ الْعِيدَيْنِ وَاحِدَةٌ وَكَذَا الْكُسُوفَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ صَلَاةُ الْأَضْحَى أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفِطْرِ وَصَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ ق ل. وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَرُتْبَتُهَا أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْعِيدَانِ ثُمَّ الْكُسُوفَانِ ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ، أَمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ فَالْمَرَاتِبُ خَمْسٌ، فَالْأَفْضَلُ صَلَاةُ عِيدِ الْأَضْحَى لِثُبُوتِهَا بِالنَّصِّ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ صَنِيعُهُ أَنَّهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ، ثُمَّ صَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ، ثُمَّ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ) أَيْ بَلْ تُسَنُّ فُرَادَى فَلَوْ قَالَ: وَقِسْمٌ يُسَنُّ فُرَادَى لَكَانَ أَحْسَنَ لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ مِنْ إبَاحَةِ صَلَاتِهَا فُرَادَى اهـ اج. قَوْلُهُ: (التَّابِعَةُ لِلْفَرَائِضِ) أَيْ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ فَيَشْمَلُ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةَ وَهِيَ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِتَقْيِيدِ الشَّارِحِ السُّنَنَ بِالرَّوَاتِبِ وَبِالنَّظَرِ لِلْمَتْنِ وَحْدَهُ تَكُونُ صِفَةً مُخَصِّصَةً. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَمَشْرُوعِيَّةُ النَّفْلِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْفَرْضِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَعِبَارَةُ خ ض وَهَلْ شُرِعَتْ رَوَاتِبُ الْفَرَائِضِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَوْ تَرَاخَى ذَلِكَ عَنْهَا أَفَادَ شَيْخُنَا م ر الثَّانِي اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْحِكْمَةُ فِيهَا إلَخْ) أَيْ فِي حَقِّنَا أَمَّا فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ فَهِيَ لِكَثْرَةِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَا تَقُومُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرَائِضِ بِنَقْصٍ نَحْوُ خُشُوعٍ كَتَرْكِ تَدَبُّرِ قِرَاءَةٍ. (وَهِيَ سَبْعَةُ عَشَرَ رَكْعَةٍ: رَكْعَتَا الْفَجْرِ) قَبْلَ الصُّبْحِ (وَأَرْبَعٌ) أَيْ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ (قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَثَلَاثٌ بَعْدَ سَنَةِ الْعِشَاءِ يُوتَرُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الْمُؤَكَّدَ مِنْ غَيْرِهِ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُؤَكَّدَ مِنْ الرَّوَاتِبِ عَشَرُ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَكَذَا بَعْدَهَا وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ» . وَغَيْرُ الْمُؤَكَّدِ أَنْ يَزِيدَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَزِيدُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا لِحَدِيثِ: «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى   [حاشية البجيرمي] مُقَامَ الْفَرْضِ. وَفِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّ كُلَّ سَبْعِينَ رَكْعَةٍ مِنْ النَّفْلِ تَقُومُ مُقَامَ رَكْعَةٍ مِنْ الْفَرْضِ لِزِيَادَةِ فَضْلِهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ، وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ شُرِعَ النَّفَلُ لِتَكْمِيلِ الْفَرْضِ اهـ بِحُرُوفِهِ وَجَمِيعُ نَوَافِلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ فَرْضًا بِمَعْنَى أَنَّهَا تَقَعُ كَذَلِكَ فَيُثَابُ عَلَيْهَا ثَوَابَ الْفَرْضِ لَا أَنَّهَا فَرْضٌ أَصَالَةً؛ لِأَنَّ النَّفَلَ إنَّمَا هُوَ لِلْجَبْرِ وَلَا نَقَصَ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى تُجْبَرَ بِالنَّوَافِلِ، فَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ عَلَى الْأُمَّةِ لَا الْأَنْبِيَاءِ كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: (سَبْعَةَ عَشَرَ رَكْعَةً) وَفِي نُسْخَةٍ تِسْعَةَ عَشَرَ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ وَهِيَ أَقْرَبُ إلَى جَعْلِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ مِنْهَا، وَعَلَى كُلٍّ فَكَلَامُهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمُؤَكَّدِ وَهُوَ عَشْرَةٌ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْمُؤَكَّدَ وَغَيْرَهُ وَهُوَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ رَكْعَةً غَيْرُ الْوِتْرِ ق ل. وَقَوْلُهُ: سَبْعَةَ عَشَرَ بِعَدِّ سُنَّةِ الْعِشَاءِ الْبَعْدِيَّةِ وَرَكْعَةِ وِتْرٍ وَعَلَى كَوْنِهَا تِسْعَةَ عَشَرَ بِعَدِّ ثَلَاثَةٍ وِتْرًا بَعْدَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ، هَذَا وَكَانَ الْأَوْلَى سَبْعَ عَشْرَةَ لِإِجْرَاءِ السَّبْعَةِ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ، وَالْعَشَرَةُ عَلَيْهِ. وَقَدْ تُؤَوَّلُ الرَّكْعَةُ بِالْأَمْرِ الْمَطْلُوبِ. قَوْلُهُ: (رَكْعَتَا الْفَجْرِ) وَلَهُ فِي نِيَّتِهَا عَشَرُ كَيْفِيَّاتٍ: سُنَّةُ الصُّبْحِ سُنَّةُ الْفَجْرِ سُنَّةُ الْبَرَدِ سَنَةُ الْوُسْطَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا الْوُسْطَى سُنَّةُ الْغَدَاةِ وَلَهُ أَنْ يَحْذِفَ السُّنَّةَ وَيُضِيفَ فَيَقُولُ: رَكْعَتَيْ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ رَكْعَتَيْ الْبَرَدِ رَكْعَتَيْ الْوُسْطَى رَكْعَتَيْ الْغَدَاةِ اهـ خ ض. وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 136] إلَى آخِرِ آيَةِ الْبَقَرَةِ. وَ {أَلَمْ نَشْرَحْ} [الشرح: 1] وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ آيَةُ آلِ عِمْرَانَ {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ} [آل عمران: 84] إلَى آخِرِهَا و {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} [الفيل: 1] وَ {الْإِخْلَاصِ} وَلَا يُنَافِي هَذَا طَلَبُ التَّخْفِيفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَارِدٌ وَالتَّطْوِيلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ بِغَيْرِ مَا وَرَدَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَسَنَّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْفَرْضِ بِضَجْعَةٍ، وَالْأَفْضَلُ كَوْنُهُ عَلَى الْأَيْمَنِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَبِحَدِيثٍ غَيْرِ دُنْيَوِيٍّ، أَمَّا بِالدُّنْيَوِيِّ فَيُكْرَهُ أَوْ يَتَحَوَّلُ. قَالَ م ر: وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْمَقْضِيَّةِ وَفِيمَا لَوْ أَخَّرَ سُنَّةَ الصُّبْحِ عَنْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ. قَوْلُهُ: (يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى إفْرَادِهَا بِالْإِحْرَامِ لَا أَنَّ مَا قَبْلَهُ لَيْسَ مِنْ الْوِتْرِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ أَيْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَإِلَّا فَالثَّلَاثُ وِتْرٌ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى وُجُوبِ تَأَخُّرِ الْوَاحِدَةِ إذَا فَصَلَ أَوْ إلَى فَصْلِهَا عَنْ الثِّنْتَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ وَصْلِ الثَّلَاثِ لِبُطْلَانِهِ عِنْدَ الْقَفَّالِ وَمَفْضُولِيَّتِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ سم. وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ قَوْلُهُ: وَثَلَاثٌ بَعْدَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ يُوتِرُ إلَخْ. يَقْتَضِي أَنَّ الثِّنْتَيْنِ قَبْلَ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتَا مِنْ الْوِتْرِ وَلَا سُنَّةَ الْعِشَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَثَلَاثٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَعَلَيْهَا لَا إشْكَالَ اهـ. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ) لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّأَكُّدِ الْمُدَّعَى وَلَوْ قَالَ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ) أَيْ فَعَلْت مِثْلَ فِعْلِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ هَذِهِ الرَّوَاتِبَ جَمَاعَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ اقْتِدَاءٌ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ م د. قَوْلُهُ: (رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ) وَانْظُرْ هَلْ الْقَبْلِيَّةُ أَفْضَلُ أَمْ الْبَعْدِيَّةُ؟ أَفْتَى م ر بِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْقَبْلِيَّةَ كَالْمُقَدِّمَةِ وَتِلْكَ تَابِعَةٌ لِلْفُرَصِ حَقِيقَةً وَالتَّابِعُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَتْبُوعِهِ أَيْضًا، فَاعْتِنَاءُ الشَّارِعِ بِهَا أَكْثَرُ وَلَا يَصِحُّ فِعْلُهَا قَبْلَ فِعْلِ الْفَرْضِ، فَاعْتَبَرَ الشَّارِعُ لَهَا وَقْتًا شَرْعِيًّا يَخُصُّهَا، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَبِهِ صَرَّحَ سم عَلَى الْبَهْجَةِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَيَزِيدُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُلَاحَظَةُ التَّأْكِيدِ فَتَنْصَرِفُ إلَيْهِ النِّيَّةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْإِحْرَامِ بِرَكْعَتَيْنِ، وَتَجُوزُ الْأَرْبَعَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 النَّارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ لِخَبَرِ عُمَرَ، أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» . رَوَاهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ، وَمِنْ غَيْرِ الْمُؤَكَّدِ رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: " أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ لَهُمَا أَيْ لِلرَّكْعَتَيْنِ إذَا أَذَّنَ الْمَغْرِبُ ". وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِخَبَرِ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» وَالْمُرَادُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ. وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ فِيمَا مَرَّ فَيُصَلِّي قَبْلهَا أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلِيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا» ، وَخَبَرُ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا تُسَنُّ لَهُ جَمَاعَةٌ الْوِتْرُ وَأَنَّ أَقَلَّهُ رَكْعَةٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ: «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ» . وَلَا كَرَاهَةَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا خِلَافًا لِمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ   [حاشية البجيرمي] الْقَبْلِيَّةُ مَثَلًا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ بَلْ لَوْ أَخَّرَ الْقَبْلِيَّةَ عَنْ الْفَرْضِ جَازَ أَنْ يُحْرِمَ بِالثَّمَانِيَةِ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ اهـ ق ل. وَيَكْفِي فِي تَصْحِيحِ نِيَّةِ قَبْلِيَّةِ الْجُمُعَةِ غَلَبَةُ ظَنِّ وُقُوعِهَا وَمَعَ الشَّكِّ يَمْتَنِعُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَالُ، وَتَرَدَّدَ " سم " فِي أَنَّهَا هَلْ هِيَ كَالْجُمُعَةِ شَرْطُهَا الْوَقْتُ فَلَا تَصِحُّ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَلَا تُقْضَى أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تُقْضَى كَالْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: (مَنْ حَافَظَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَدَارَ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَقَوْلُهُ: حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَيْ مَنَعَهُ مِنْ دُخُولِهَا ع ش. قَوْلُهُ: (وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ) بِرَفْعِ أَرْبَعٌ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَزِيدَ أَيْ: وَغَيْرُ الْمُؤَكَّدِ أَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ إلَخْ. قَوْلُهُ: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً» إلَخْ) هَذَا دُعَاءٌ لِلْمُصَلِّي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا وَهُوَ لَا يَتَخَلَّفُ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْمَغْرِبِ) وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِمَا إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ وَيُؤَخِّرُهُمَا إنْ أُقِيمَتْ الْمَغْرِبُ. اهـ. ق ل. أَيْ: إذَا أَسْرَعَ الْإِمَامُ بِالْفَرْضِ عَقِبَ الْأَذَانِ وَمِثْلُ رَاتِبَةِ الْمَغْرِبِ غَيْرُهَا، فَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا بَعْدَ إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ عِنْدَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْأَذَانِ الْمُفَوِّتِ لِإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَلِفِعْلِ الرَّاتِبَةِ قَبْلَ الْفَرْضِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي، بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ وَالْمُكْثِرِينَ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قَوْلُهُ: (يَبْتَدِرُونَ) أَيْ يُسْرِعُونَ إلَى السَّوَارِي أَيْ الْأَعْمِدَةِ لِيَجْعَلُوهَا سُتْرَةً. قَوْلُهُ: (إذَا أَذَّنَ الْمَغْرِبُ) أَيْ مُؤَذِّنُ الْمَغْرِبِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. قَوْلُهُ: (وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ) فَيُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا أَيْ: إذَا كَانَتْ تُغْنِي عَنْ الظُّهْرِ، وَإِلَّا فَيَنْوِي سُنَّةَ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةِ بَعْدَ فِعْلِ الظُّهْرِ وَلَا بَعْدِيَّةَ لِلْجُمُعَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ م ر. أَيْ: وَيُصَلِّي حِينَئِذٍ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا أَرْبَعًا وَأَمَّا مَا بَعْدَهَا فَقَدْ أَمَرَ بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ الشَّارِحِ مِنْ رُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلْأَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (الَّذِي لَا تُسَنُّ لَهُ جَمَاعَةٌ الْوِتْرُ) أَيْ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّ أَقَلَّهُ رَكْعَةٌ) أَيْ حَيْثُ قَالَ وَثَلَاثٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَجَعَلَ اثْنَيْنِ سُنَّةَ الْعِشَاءِ وَوَاحِدَةً لِلْوِتْرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ، وَأَمَّا نُسْخَةُ وَثَلَاثٌ بَعْدَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ فَلَا يَظْهَرُ وَيَكُونُ مَعْنَى يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَيْهَا يُفْرِدُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، فَيَكُونُ الْوِتْرُ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْإِفْرَادُ كَحَدِيثِ؛ «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» أَيْ وَإِلَّا فَالثَّلَاثَةُ وِتْرٌ، فَإِنْ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَوَصَلَ نَوَى الْوِتْرَ وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهَا بَيْنَ نِيَّةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَمُقَدَّمَةِ الْوِتْرِ وَسُنَّتِهِ هِيَ أَوْلَى أَوْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَفِي الْفَصْلِ أَرْبَعُ نِيَّاتٍ، وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ يَنْوِي لِكُلِّ اثْنَتَيْنِ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَوْ مُقَدِّمَةَ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّتَهُ وَهُوَ أَوْلَى أَوْ رَكْعَتَيْنِ مِنْهُ وَيَقُولُ فِي نِيَّةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُهُ حَقِيقَةً وَإِضَافَةُ سُنَّةِ لِلْوِتْرِ بَيَانِيَّةٌ اهـ. وَلَوْ صَلَّى مَا عَدَا الْأَخِيرَةِ وَتَرَكَ الْأَخِيرَةَ مِنْ الْوِتْرِ أُثِيبَ عَلَى مَا أَتَى بِهِ ثَوَابَ كَوْنِهِ مِنْ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَحَدِ عَشَرَ، وَمِثْلُهُ مَنْ أَتَى بِبَعْضِ التَّرَاوِيحِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَلَا كَرَاهَةَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا) بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَلَوْ نَوَى وَأَطْلَقَ تَخَيَّرَ عِنْدَ الشَّارِحِ بَيْنَ ثَلَاثٍ أَوْ خَمْسٍ، وَهَكَذَا. وَاعْتَمَدَ م ر الِاقْتِصَارَ عَلَى ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى الْكَمَالِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْكُسُوفِ بِأَنَّ مَا هُنَا اخْتِلَافٌ فِي الذَّاتِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَدْنَى الْكَمَالِ، وَمَا فِي الْكُسُوفِ اخْتِلَافٌ فِي الصِّفَةِ فَسُومِحَ فِيهِ حَتَّى يَتَخَيَّرَ بَيْنَ أَقَلِّهِ وَأَدْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وَأَكْمَلُ مِنْهُ خَمْسٌ ثُمَّ سَبْعٌ ثُمَّ تِسْعٌ ثُمَّ إحْدَى عَشْرَةَ، وَهِيَ أَكْثَرُهُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مِنْهَا خَبَرُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةٍ» . فَلَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الرَّوَاتِبِ، وَلِمَنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ الْفَصْلُ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ بِالسَّلَامِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْوَصْلِ بِتَشَهُّدٍ فِي الْأَخِيرَةِ أَوْ بِتَشَهُّدَيْنِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْوَصْلِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَوَقْتُهُ بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ الْوِتْرُ فَجَعَلَهَا لَكُمْ مِنْ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ   [حاشية البجيرمي] الْكَمَالِ وَهُوَ كَوْنُهُ بِرُكُوعَيْنِ قَصِيرَيْنِ وَبَيْنَ أَعْلَى الْكَمَالِ، وَلَوْ صَلَّى ثَلَاثًا ثُمَّ أَرَادَ تَكْمِيلَ الْإِحْدَى عَشْرَةَ أَوْ جَعْلَهُ خَمْسًا مَثَلًا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى رَكْعَةَ الْوِتْرِ، فَالْوَاقِعُ بَعْدَهَا لَيْسَ مِنْ الْوِتْرِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ، وَتَعْلِيلُ الثَّانِي مَمْنُوعٌ. اهـ. حَجّ. وَقَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ الَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر خِلَافُهُ وَعَلَّلَهُ بِالْحَدِيثِ: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» ح ف. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمَا فِي الْكِفَايَةِ) حَمَلَ م ر مَا فِي الْكِفَايَةِ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى فَلَا تَضْعِيفٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا) فَيَبْطُلُ الْإِحْرَامُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ، فَإِذَا أَحْرَمَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ وَكَانَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَ الْجَمِيعُ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا وَقَعَ نَفْلًا مُطْلَقًا، وَإِنْ أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ زِيَادَةً عَلَى الْأَحَدَ عَشَرَ بَطَلَا إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا وَإِلَّا وَقَعَا نَفْلًا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ مِنْ الْوَصْلِ بِتَشَهُّدٍ) أَيْ لِزِيَادَةِ الْأَفْعَالِ فِيهِ وَعِبَارَةُ م ر. وَالْوَصْلُ بِتَشَهُّدٍ أَفْضَلُ مِنْهُ بِتَشَهُّدَيْنِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ، وَلِلنَّهْيِ عَنْ تَشِبِّيهِ الْوِتْرِ بِالْمَغْرِبِ اهـ. فَإِنْ قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ إذَا صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، فَإِذَا صَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ مَثَلًا انْتَفَى التَّشْبِيهُ الْمَذْكُورُ. قُلْت: الْمُرَادُ التَّشْبِيهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ تَشَهُّدَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُصَلِّيهِ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا مَثَلًا اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. ثُمَّ مَحَلُّ أَفَصْلِيَّةِ الْفَصْلِ عَلَى الْوَصْلِ إنْ سَاوَاهُ عَدَدًا بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ الْوَصْلُ عَلَى الْفَصْلِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ اهـ قَالَ فِي الْإِيعَابِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسَعْ الْوَقْتُ إلَّا ثَلَاثَةً مَوْصُولَةً كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ثَلَاثَةٍ مَفْصُولَةٍ؛ لِأَنَّ فِي قَضَاءِ النَّوَافِلِ خِلَافًا وَبِأَنَّ ثَوَابَ الْأَدَاءِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ الْقَضَاءِ اهـ قَالَ سم وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْجَمِيعِ وَأَدْرَكَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ أَدَاءً؛ لِأَنَّهُ صَارَ صَلَاةً وَاحِدَةً. اهـ. م ر. وَلَا يُقَالُ: بَلْ الْوَصْلُ أَفْضَلُ مُرَاعَاةً لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَة؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ شُرُوطٌ مِنْهَا أَنْ لَا تَقَعَ مُرَاعَاتُهُ فِي خِلَافٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ لَا يُجِيزُ الْوَصْلَ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. وَقَوْلُهُ: مُرَاعَاةً لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ حَيْثُ أَوْجَبَ الْوَصْلَ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ فِي الْوَصْلِ غَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ إذَا أَحْرَمَ بِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، أَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدَ عَشَرَ مَثَلًا وَأَرَادَ تَأْخِيرَ ثَلَاثَةٍ يُحْرِمُ بِهِنَّ دَفْعَةً وَأَحْرَمَ بِالثَّمَانِيَةِ قَبْلَهَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ جَازَ لَهُ التَّشَهُّدُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَقَدْ زَادَ فِي الْوَصْلِ عَلَى تَشَهُّدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً اهـ ز ي. قَوْلُهُ: «أَمَدَّكُمْ» ) أَيْ زَادَكُمْ عَلَى مَا اسْتَعْمَلَكُمْ بِهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ أَوْ أَتْحَفَكُمْ قَوْلُهُ: ( «مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» ) بِسُكُونِ الْمِيمِ جَمْعِ أَحْمَرَ أَيْ الْإِبِلِ الْحُمْرِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَخَصَّهَا لِأَنَّهَا أَشْرَفُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ عِنْدَهُمْ وَالْمُرَادُ التَّصَدُّقُ بِهَا وَأَمَّا بِضَمِّ الْمِيمِ فَهُوَ جَمْعُ حِمَارٍ ق ل. وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ تَشْبِيهَ أُمُورِ الْآخِرَةِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّقْرِيبِ إلَى الْأَفْهَامِ، وَإِلَّا فَذَرَّةٌ مِنْ الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْ الْأَرْضِ بِأَسْرِهَا وَأَمْثَالِهَا مَعَهَا لَوْ تُصُوِّرَتْ ح ف. قَوْلُهُ: (فَجَعَلَهَا لَكُمْ مِنْ الْعِشَاءِ) أَيْ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ وَكَمَا يُعْتَبَرُ دُخُولُ الْعِشَاءِ يُعْتَبَرُ صَلَاتُهَا أَيْضًا فَحَمَلَ الْعِشَاءَ عَلَى الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ وَقْتُهَا، وَأَرَادَ فِعْلَهُ قَضَاءً قَبْلَ فِعْلِهَا كَانَ مُمْتَنِعًا كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ اهـ ر. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: مِنْ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ أَيْ بَيْنَهُمَا وَلَوْ جَمَعَهَا أَعْنِي الْعِشَاءَ مَعَ الْمَغْرِبِ تَقْدِيمًا جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُنَّتَهَا، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهُ عَنْ سُنَّةِ الْعِشَاءِ اهـ سم. وَقَوْلُهُ أَيْ م د وَلَوْ جَمَعَهَا إلَخْ. فَلَوْ صَارَ مُقِيمًا بَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ وَقَبْلَ فِعْلِ الْوِتْرِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ حِينَئِذٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَأْخِيرِهِ إلَى وَقْتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 الْفَجْرِ» ، وَيُسَنُّ جَعْلُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وِتْرًا» فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ أَخَّرَ الْوِتْرَ إلَى أَنْ يَتَهَجَّدَ وَإِلَّا أَوْتَرَ بَعْدَ فَرِيضَةِ الْعِشَاءِ وَرَاتِبَتِهَا هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِمَا إذَا لَمْ يَثِقْ بِيَقِظَتِهِ آخِرَ اللَّيْلِ وَإِلَّا فَتَأْخِيرُهُ أَفْضَلُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ آخِرَ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ» وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُهُ أَيْضًا: «بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ» فَإِنْ أَوْتَرَ ثُمَّ تَهَجَّدَ لَمْ تُنْدَبْ لَهُ إعَادَتُهُ لِخَبَرِ: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» وَيُنْدَبُ الْقُنُوتُ آخِرَ وِتْرِهِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ فِي لَفْظِهِ، وَمَحَلِّهِ وَالْجَهْرِ بِهِ وَيُسَنُّ جَمَاعَةً فِي وِتْرِ رَمَضَانَ. (وَالنَّوَافِلُ الْمُؤَكَّدَةُ) بَعْدَ الرَّوَاتِبِ (ثَلَاثَةٌ) الْأُولَى: (صَلَاةُ اللَّيْلِ) وَهُوَ التَّهَجُّدُ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] وقَوْله تَعَالَى {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] وَهُوَ لُغَةً رَفْعُ   [حاشية البجيرمي] الْحَقِيقِيِّ؟ الَّذِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَأْخِيرِهِ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ، وَإِنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَأَوْتَرَ فَبَانَ بُطْلَانُ عِشَائِهِ بِأَنْ تَذَكَّرَ تَرْكَ رُكْنٍ مِنْهَا بَعْدَ فِعْلِهِ لَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ وَكَانَ نَافِلَةً. اهـ. رَوْضٌ. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: اجْعَلُوا آخِرِ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وِتْرًا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَا يَفْعَلُهُ آخِرَ اللَّيْلِ أَقَلَّ مِمَّا يَفْعَلُهُ أَوَّلَهُ، أَوْ كَانَ يَفْعَلُهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فِي جَمَاعَةٍ دُونَ آخِرِ اللَّيْلِ وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى الشَّيْخُ سُلْطَانُ وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ ع ش، لَكِنْ ظَاهِرُ السُّنَّةِ مَعَ الشَّيْخِ سُلْطَانَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا فِيهِ؛ لِأَنَّ جَعَلَ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولٍ أَيْ: عَلَى تَأْوِيلِ اجْعَلُوا بِافْعَلُوا وَإِلَى مَفْعُولَيْنِ بِتَأْوِيلِهِ بِصَيِّرُوا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى كَوْنِهِ مَفْعُولًا فِيهِ ظَرْفِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْوِتْرَ هُوَ آخِرُ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَوْله: (مَشْهُودَةٌ) أَيْ تَشْهَدُهَا الْمَلَائِكَةُ أَيْ تَحْضُرُهَا أَيْ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ تَشْهَدُهَا الْمَلَائِكَةُ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ أَفْضَلُ) أَيْ تَأْخِيرُهُ أَفْضَلُ أَيْ جَمِيعُهُ، فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهُ كُلُّهُ، وَإِنْ صَلَّى بَعْضَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فِي جَمَاعَةٍ وَكَانَ لَا يُدْرِكُهَا آخِرَ اللَّيْلِ، وَلِهَذَا أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَنْ يُصَلِّي بَعْدَ وِتْرِ رَمَضَانَ جَمَاعَةً وَيُكْمِلُهُ بَعْدَ تَهَجُّدِهِ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ كُلِّهِ، فَقَدْ قَالُوا: إنَّ مَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ لَمْ يُوتِرْ مَعَ الْجَمَاعَةِ بَلْ يُؤَخِّرُهُ إلَى اللَّيْلِ، فَإِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ صَلَّى نَافِلَةً مُطْلَقَةً وَأَوْتَرَ آخِرَ اللَّيْلِ شَرْحُ م ر. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: وَذَلِكَ أَيْ الْمَشْهُودُ أَفْضَلُ وَهُوَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَمْ تُنْدَبْ لَهُ إعَادَتُهُ) أَيْ لَمْ تُشْرَعْ الْإِعَادَةُ فَلَا تَجُوزُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَقَالَ اج: قَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْإِعَادَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَكَانَ مِنْ حَقِّ الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ لَمْ تُطْلَبْ إعَادَتُهُ، وَالْأَصْلُ فِي الْعِبَادَةِ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُطْلَبْ لَمْ تَصِحَّ قَالَ م ر: فَإِنَّ أَعَادَهُ بِنِيَّةِ الْوِتْرِ عَامِدًا عَالِمًا حُرِّمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِخَبَرِ: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَحَقِيقَةُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ؛ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ النَّهْيِ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إنْ رَجَعَ إلَى عَيْنِهِ أَوْ جُزْئِهِ أَوْ لَازِمِهِ وَالنَّهْيُ هُنَا رَاجِعٌ إلَى كَوْنِهِ وِتْرًا، وَلِلْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ زَادَ فِي الْوِتْرِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ، نَعَمْ إنْ أَعَادَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا وَقَعَ نَفْلًا مُطْلَقًا، وَلَا يُكْرَهُ التَّهَجُّدُ بَعْدَ الْوِتْرِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْهُ قَلِيلًا اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَسُنَّ تَأْخِيرُهُ عَنْ صَلَاةِ لَيْلٍ وَلَا يُعَادُ وَلَوْ وِتْرَ رَمَضَانَ وَلَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَ صَلَّاهُ أَوَّلًا فُرَادَى فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ أَنَّ النَّفَلَ الَّذِي تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ تُسَنُّ إعَادَتُهُ جَمَاعَةً كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» ) أَيْ أَدَاءً أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَدَاءً وَالْآخَرُ قَضَاءً فَلَا يُمْتَنَعُ بَلْ يُنْدَبُ، وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ لَا وِتْرَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُلْزِمُ الْمَثْنَى الْأَلِفَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، فَيَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى فَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الْأَلِفِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ كَالْمَقْصُورِ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ جَعْلِهَا عَامِلَةً عَمَلَ لَيْسَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ لَا الْعَامِلَةِ عَمَلَ إنْ وَالْعَامِلَةِ عَمَلَ لَيْسَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُفْرَدِ لَا فِي الْمَثْنَى وَالْجَمْعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 النَّوْمِ بِالتَّكَلُّفِ وَاصْطِلَاحًا صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ النَّوْمِ، وَيُسَنُّ لِلْمُتَهَجِّدِ الْقَيْلُولَةُ، وَهِيَ النَّوْمُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السَّحُورِ لِلصَّائِمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اسْتَعِينُوا بِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَّ الْمُتَهَجِّدَ يَشْفَعُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَرُوِيَ أَنْ الْجُنَيْدَ رُئِيَ فِي النَّوْمِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ فَقَالَ: طَاحَتْ تِلْكَ الْإِشَارَاتُ، وَغَابَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ، وَفَنِيَتْ تِلْكَ الْعُلُومُ وَنَفِدَتْ تِلْكَ الرُّسُومُ، وَمَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَالنَّوَافِلُ الْمُؤَكَّدَةُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَثَلَاثُ نَوَافِلِ مُؤَكَّدَاتٍ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الرَّوَاتِبِ) أَيْ غَيْرِ الرَّوَاتِبِ. قَوْلُهُ: (صَلَاةُ اللَّيْلِ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي أَيْ صَلَاةٌ فِي اللَّيْلِ. قَوْلُهُ: (لَكَانَ أَوْلَى) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ صَلَاةً اللَّيْلِ شَامِلَةٌ لِلتَّهَجُّدِ وَغَيْرِهِ مَعَ أَنْ الْمُؤَكَّدَ إنَّمَا هُوَ التَّهَجُّدُ اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَلِقَوْلِهِ إلَخْ) لَا يَظْهَرُ دَلِيلًا عَلَى التَّأَكُّدِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الطَّلَبِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} [الإسراء: 79] قَالَ بَعْضُهُمْ: الْبَاءُ لِلظَّرْفِيَّةِ أَيْ فَتَهَجَّدْ فِيهِ، وَفِي التَّفْسِيرِ فَتَهَجَّدْ أَيْ صَلِّ بِهِ أَيْ بِالْقُرْآنِ أَيْ اقْرَأْهُ فِي صَلَاتِك فَرِيضَةً نَافِلَةً لَك أَيْ: زَائِدَةً عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَا فِي الْجَلَالِ، فَنَافِلَةً صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ وَاقِعٌ مَفْعُولًا لَتَهَجَّدَ، وَهُوَ فَرِيضَةٌ؛ لِأَنَّ التَّهَجُّدَ كَانَ وَاجِبًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ: وَاخْتُصَّ بِوُجُوبِ التَّهَجُّدِ أَيْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَإِنْ قُلْت؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِقِيَامِ أَكْثَرِ اللَّيْلِ بِقَوْلِهِ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] وَلِخَبَرِ الطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ: «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ سُنَّةٌ الْوِتْرُ وَالسِّوَاكُ وَقِيَامُ اللَّيْلِ» هَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ، ثُمَّ قَالَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّ عَلَى أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ كَانَ وَاجِبًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ، ثُمَّ نُسِخَ عَنْهُ بِمَا فِي آخِرِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ وَعَنْ أُمَّتِهِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ. وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْرِي فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ هَذَا، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] أَيْ عِبَادَةً زَائِدَةً عَلَى فَرَائِضِك؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَفِي مَعْنَاهُ زِيَادَةٌ خَالِصَةٌ لَك؛ لِأَنَّ تَطَوُّعَ غَيْرِهِ يُكَفِّرُ ذَنْبَهُ وَتَطَوُّعَهُ خَالِصٌ لَهُ لِكَوْنِهِ لَا ذَنْبَ لَهُ، فَجَمِيعُ تَطَوُّعِهِ لِمَحْضِ زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ وَالْقُرْبِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ» فَتَعْلِيمٌ لِأُمَّتِهِ اهـ. قَوْلُهُ: {كَانُوا قَلِيلا} [الذاريات: 17] أَيْ فِي زَمَنٍ قَلِيلٍ وَمَا زَائِدَةٌ، وَيَهْجَعُونَ: يَنَامُونَ وَهُوَ خَبَرُ كَانَ أَيْ كَانُوا يَنَامُونَ فِي زَمَنٍ قَلِيلٍ مِنْ اللَّيْلِ أَيْ وَيُصَلُّونَ أَكْثَرَهُ كَمَا فِي الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ لُغَةً رَفْعُ النَّوْمِ) أَيْ إزَالَتُهُ. وَقَوْلُهُ: بِالتَّكَلُّفِ أَيْ بِالْمَشَقَّةِ. قَوْلُهُ: (صَلَاةُ التَّطَوُّعِ) هَذَا بَيَانُ أَصْلِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ يَحْصُلُ بِفَرْضٍ وَلَوْ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا وَنَفْلٍ مُؤَقَّتٍ كَذَلِكَ وَلَوْ سُنَّةَ الْعِشَاءِ أَوْ الْوِتْرِ، حَيْثُ كَانَ بَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ وَبَعْدَ نَوْمٍ، وَلَوْ كَانَ النَّوْمُ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ فَالتَّطَوُّعُ لَيْسَ بِقَيْدٍ ق ل. وَيَتَلَخَّصُ أَنَّ بَيْنَ الْوِتْرِ وَالتَّهَجُّدِ عُمُومًا وَخُصُوصًا وَجْهَيْنِ: يَجْتَمِعَانِ فِيمَا لَوْ فَعَلَ الْوِتْرَ بَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ وَالنَّوْمِ، وَيَنْفَرِدُ الْوِتْرُ فِيمَا لَوْ فَعَلَهُ قَبْلَ النَّوْمِ وَيَنْفَرِدُ التَّهَجُّدُ فِيمَا لَوْ صَلَّى نَفْلًا غَيْرَ الْوِتْرِ بَعْدَ نَوْمٍ اهـ اج. قَوْلُهُ: (بِمَنْزِلَةِ السَّحُورِ) أَيْ فَكَمَا أَنَّ السَّحُورَ يُقَوِّي عَلَى الصَّوْمِ كَذَلِكَ نَوْمُ الْقَيْلُولَةِ يُعِينُ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ. قَوْلُهُ (اسْتَعِينُوا بِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ) تَتِمَّتُهُ: «وَبِالسَّحُورِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ عَلَى بَرْدِ الشِّتَاءِ» اهـ. وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا عَبْدِي جَعَلْتُ النَّهَارَ لِمَعَاشِك وَجَعَلْتُ اللَّيْلَ لِلسَّمَرِ مَعِي فَاشْتَغَلْتَ عَنِّي بِالنَّهَارِ وَنِمْتَ عَنِّي بِاللَّيْلِ فَمَاذَا حَصَّلْتَ» اهـ. قَوْلُهُ: (أَنَّ الْجُنَيْدَ) هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ شَيْخُ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ وَالطَّرِيقَةِ، وَكَانَ شَيْخُهُ وَأُسْتَاذُهُ فِيهَا خَالَهُ السَّرِيَّ السَّقَطِيَّ. تُوُفِّيَ الْجُنَيْدُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَتُوُفِّيَ خَالُهُ السَّرِيُّ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَالسَّرِيُّ لُغَةُ الْخِيَارِ وَكَانَ السَّرِيُّ تِلْمِيذًا لِمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ نَفَّعْنَا اللَّهُ بِهِمْ أَجْمَعِينَ. قَوْلُهُ: (طَاحَتْ إلَخْ) طَاحَتْ وَغَابَتْ وَفَنِيَتْ وَنَفِدَتْ الْمُرَادُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 نَفَعَنَا إلَّا رَكَعَاتٍ كُنَّا نَرْكَعُهَا عِنْدَ السَّحَرِ. وَيُكْرَهُ تَرْكُ التَّهَجُّدِ لِمُعْتَادِهِ بِلَا عُذْرٍ، وَيُكْرَهُ قِيَامٌ بِلَيْلٍ يَضُرُّ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرَو بْنِ الْعَاصِ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ فَقُلْت: بَلَى. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ صُمْ وَأُفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا» إلَى آخِرِهِ. أَمَّا قِيَامٌ لَا يَضُرُّ وَلَوْ فِي لَيَالٍ كَامِلَةٍ فَلَا يُكْرَهُ، فَقَدْ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ أَحْيَا اللَّيْلَ كُلَّهُ» ، وَيُكْرَهُ تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ بِصَلَاةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِيِ» أَمَّا إحْيَاؤُهَا بِغَيْرِ صَلَاةٍ فَلَا يُكْرَهُ خُصُوصًا بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ فِيهَا. (وَ) الثَّانِيَةُ: (صَلَاةُ الضُّحَى) وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَصَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ   [حاشية البجيرمي] بِهَا ذَهَبَتْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ النَّفْعِ بِهَا. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: نَفِدَ يَنْفَدُ مِنْ بَابِ تَعِبَ يَتْعَبُ نَفَادًا فَنِيَ، وَانْقَطَعَ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْإِشَارَاتِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْعِبَارَةُ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ مِنْ الْمَعَانِي الْخَفِيَّةِ الَّتِي كَانَ يُشِيرُ بِهَا فِي الْجَوَابِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ قَائِلٌ: يَا سَيِّدِي مَا شِفَاءُ النَّفْسِ؟ فَيَقُولُ: هُوَ أَنْ يَصِيرَ دَاؤُهَا دَوَاءَهَا وَيُشِيرُ بِقَوْلِهِ دَوَاءَهَا إلَى الصَّبْرِ. قَوْلُهُ: (الْعِبَارَاتُ) الْمُرَادُ بِهَا الْأَلْفَاظُ الَّتِي كَانَ يَعِظُ بِهَا النَّاسَ اهـ اج. قَوْلُهُ: (الْعُلُومُ) أَيْ عُلُومُ التَّصَوُّفِ الدَّالَّةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ: الَّتِي كَانَ يُفِيدُهَا لِأَتْبَاعِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ نَظْمًا بَعْدً كَلَامٍ: بَلْ التَّصَوُّفُ أَنْ تَصْفُوَ بِلَا كَدَرٍ ... وَتَتَّبِعَ الْحَقَّ وَالْقُرْآنَ وَالدِّينَا وَأَنْ تُرَى خَاشِعًا لِلَّهِ مُكْتَئِبًا ... عَلَى ذُنُوبِك طُولَ الدَّهْرِ مَحْزُونَا قَوْلُهُ: (وَنَفِدَتْ) أَيْ ذَهَبَتْ قَوْلُهُ: (تِلْكَ الرُّسُومُ) الْمُرَادُ بِهَا الْكُتُبُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى تِلْكَ الْعُلُومِ قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ قِيَامٌ بِلَيْلٍ يَضُرُّ) أَيْ سَهَرٌ شَوْبَرِيٌّ وَلَوْ بِعِبَادَةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كُلِّ اللَّيْلِ أَوْ بَعْضِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَبِهِ صَرَّحَ م ر وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَضُرُّ أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْفِعْلِ كَمَا قَالَهُ ح ف أَيْ إنْ كَانَ كُلُّ اللَّيْلِ، وَبِالْفِعْلِ إنْ كَانَ بَعْضُ اللَّيْلِ فَفَرَّقَ بَيْنَ قِيَامِ الْكُلِّ فَيُكْرَهُ مُطْلَقًا أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُ الضَّرَرُ فَرُبَّمَا يَفُوتُ بِهِ مَصَالِحُ النَّهَارِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْرَاكٍ، وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَدْرِكُ بِاللَّيْلِ مَا فَاتَهُ بِالنَّهَارِ وَقِيَامُ الْبَعْضِ، فَيُكْرَهُ إنْ ضَرَّ بِالْفِعْلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ ح ل وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (أَلَمْ أُخْبَرْ) اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ بِمَا بَعْدَ النَّفْيِ، وَقَوْلُهُ: وَأَفْطِرْ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ. قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِهِ) تَتِمَّتُهُ: «وَلِزَوْجِك عَلَيْك حَقًّا وَلِزُوَّارِك عَلَيْك حَقًّا» . وَالْمُرَادُ بِالزُّوَّارِ الزَّائِرُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الضَّيْفِ مَطْلُوبٌ. قَوْلُهُ: (فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إلَخْ) فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (أَحْيَا اللَّيْلَ) أَيْ بِصَلَاةٍ، وَالْمُرَادُ أَحْيَاهُ كُلَّهُ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ تَخْصِيصُ إلَخْ) أَفْهَمَ لَفْظُ تَخْصِيصِ عَدَمَ كَرَاهَةِ إحْيَائِهَا مَضْمُومَةً لِمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا نَظِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي صَوْمِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ وَقْفَةٌ ق ل. وَالنَّهْيُ عَنْهَا تَعَبُّدِيٌّ، وَقِيلَ لَهُ حِكْمَةٌ هِيَ أَنَّ فِي نَهَارَهَا وَظَائِفُ كَالتَّبْكِيرِ وَالْغُسْلِ وَقِرَاءَةِ الْكَهْفِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فَبِالسَّهَرِ رُبَّمَا يَضْعُفُ عَنْهَا، لَكِنَّ هَذِهِ لَا تُنَاسِبُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا ضَمَّ فِيهَا لَيْلَةَ السَّبْتِ انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ. قَوْلُهُ: (بِقِيَامٍ بِصَلَاةٍ) أَيْ لَا بِذِكْرٍ وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ لَهَا لِمَا وَرَدَ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ بِأُذُنِهِ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِهَا وَيُبَلِّغُهُ الْمَلَكُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ سَمَاعَ الْعِبَادِ ق ل وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْجَوْزِيُّ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ بِأُذُنِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ قَرِيبًا لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا اهـ طُوخِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِيَةُ صَلَاةُ الضُّحَى) بِضَمِّ الضَّادِ وَالْمَدِّ وَالْقَصْر أَيْ الصَّلَاةُ الْمَفْعُولَةُ فِي وَقْتِ الضُّحَى وَهُوَ أَوَّلُ النَّهَارِ، وَالضُّحَى اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ، فَأُضِيفَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ لِذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُهَا فَوَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى النِّصْفُ الْأَوَّلُ مِنْ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَفِي الْمِنْهَاجِ أَنَّ أَكْثَرَهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: أَفْضَلُهَا ثَمَانٍ وَأَكْثَرُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ، وَيُسَنُّ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَوَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ وَالِاخْتِيَارُ فِعْلُهَا عِنْدَ مُضِيِّ رُبْعِ النَّهَارِ. (وَ) الثَّالِثَةُ (صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ) وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى سُنِّيَّتِهَا وَعَلَى أَنَّهَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُهُ: إيمَانًا أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حَقٌّ مُعْتَقِدًا أَفْضَلِيَّتَهُ،   [حاشية البجيرمي] وَقْتَهَا يَخْرُجُ بِالزَّوَالِ. قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ إضَافَةَ الصَّلَاةِ إلَى الضُّحَى بِمَعْنًى فِي كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ النَّهَارِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ عَلَى الشَّمَائِلِ. قَالَ م ر: سُمِّيَتْ بِاسْمِ وَقْتِ فِعْلِهَا وَهِيَ صَلَاةُ الْإِشْرَاقِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقِيلَ غَيْرُهَا. وَعَلَى هَذَا تَحْصُلُ صَلَاةُ الْإِشْرَاقِ بِرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ، وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّنَا إذَا قُلْنَا إنَّهَا غَيْرُهَا تَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْنِ فَقَطْ وَلَا تَتَقَيَّدُ بِالْعَدَدِ الَّذِي لِصَلَاةِ الضُّحَى، وَأَيْضًا تَفُوتُ بِمُضِيِّ وَقْتِ شُرُوقِ الشَّمْسِ وَارْتِفَاعِهَا وَلَا تَمْتَدُّ لِلزَّوَالِ، وَذَكَرَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي مُقَدِّمَةٍ لَهُ بِخُصُوصِ صَلَاةِ الضُّحَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ الْإِنْسَانُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةَ وَالشَّمْسِ بِتَمَامِهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةَ وَالضُّحَى لِلْمُنَاسَبَةِ، وَلِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ لَكِنَّ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ م ر، وَاعْتَمَدَهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى الْكَافِرُونَ وَالثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا قَالَ: لِفَضْلِ ذَلِكَ فَإِنَّ السُّورَةَ الْأُولَى تَعْدِلُ رُبْعَ الْقُرْآنِ وَالثَّانِيَةَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى بِأَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى سُورَةَ وَالشَّمْسِ وَالْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَالضُّحَى وَالْإِخْلَاصَ، ثُمَّ فِي بَاقِي الرَّكَعَاتِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ اهـ. قَوْلُهُ: (هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) فَلَوْ زَادَ عَلَى الثَّمَانِيَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِحْرَامُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى زِيَادَةٍ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا وَإِلَّا وَقَعَ نَفْلًا مُطْلَقًا ح ل. قَوْلُهُ: (أَفْضَلُهَا ثَمَانٍ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الثَّمَانِيَ أَفْضَلُ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَة لَا يُنَافِي قَاعِدَةَ أَنَّ الْعَمَلَ كُلَّمَا كَثُرَ وَشَقَّ كَانَ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهَا أَغْلَبِيَّةٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ يَفْضُلُ الْكَثِيرَ فِي صُوَرٍ كَالْقَصْرِ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ إنْ بَلَغَ سَفَرُهُ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي قَصْرِهِ، وَمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الْجِنَّ يُؤْذُونَ أَوْلَادَ مُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَى لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ هِيَ تُحَرِّقُ أَوْلَادَ الشَّيَاطِينِ، وَصَلَاةُ الضُّحَى وَاجِبَةٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: اُخْتُصَّ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوُجُوبِ صَلَاةِ الضُّحَى عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ مُضِيِّ رُبْعِ النَّهَارِ) لِيَصِيرَ فِي كُلِّ رُبْعٍ مِنْهُ صَلَاةً وَلِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «صَلَاةُ الضُّحَى حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» جَمْعُ فَصِيلٍ وَهُوَ وَلَدُ النَّاقَةِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَسْتَكْمِلْ سَنَةً بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ تَبْرُكُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي خِفَافِهَا، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ الطُّلُوعِ، وَيُسَنُّ أَنْ تُؤَخَّرَ إلَى الِارْتِفَاعِ كَالْعِيدِ وَهَذَا زَعْمٌ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْ أَنَّ وَقْتَهَا مِنْ الطُّلُوعِ وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا إلَى الِارْتِفَاعِ. قَوْلُهُ: (صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ) سُمِّيَتْ بِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الرَّاحَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ ق ل. قَوْلُهُ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ) أَيْ مَنْ صَلَّى تَرَاوِيحَهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ عُمَرَ) هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَمْ تُقَمْ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ ق ل قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ فِي حَقِّ عُمَرَ: نَوَّرَ اللَّهُ قَبْرَهُ كَمَا نَوَّرَ مَسَاجِدَنَا. وَوَرَدَ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ لَيَالِيَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَلَّاهَا وَصَلَّوْهَا مَعَهُ ثُمَّ تَأَخَّرَ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ بَاقِي الشَّهْرِ وَقَالَ: خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجَزُوا عَنْهَا» . شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: لَيَالِيَ أَيْ لَيْلَةَ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ وَالْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، وَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ اهـ اج. وَقَوْلُهُ: خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ لَا يُنَافِيهِ مَا فِي قِصَّةِ فَرْضِ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْرَضُ عَلَيْهِمْ مِنْ الصَّلَوَاتِ غَيْرُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُفْرَضُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ غَيْرُ الْخَمْسِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْقِصَّةِ. وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُفْرَضُ عَلَيْهِمْ فِي السُّنَّةِ غَيْرُ الْخَمْسِ. وَقَالَ ق ل: خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ جَمَاعَتُهَا كَمَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَعَ تَقَرُّرِ أَنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِمْ غَيْرُ الْخَمْسِ؛ لِأَنَّهُ فِي زَمَنِ التَّشْرِيعِ وَرُبَّمَا يَحْدُثُ فَرْضٌ آخَرُ أَوْ جَمَاعَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا إيرَادَ وَلَا إشْكَالَ اهـ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَوْضِعًا حَوْلَ الْعَرْشِ يُسَمَّى حَظِيرَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وَاحْتِسَابًا أَيْ إخْلَاصًا، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْغُفْرَانَ مُخْتَصٌّ بِالصَّغَائِرِ، وَتُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا؛ لِأَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: الرِّجَالَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَالنِّسَاءَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَسُمِّيَتْ كُلُّ أَرْبَعٍ مِنْهَا تَرْوِيحَةً؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّحُونَ عَقِبَهَا أَيْ يَسْتَرِيحُونَ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَالسِّرُّ فِي كَوْنِهَا عِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الرَّوَاتِبَ أَيْ: الْمُؤَكَّدَاتِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ عَشَرُ رَكَعَاتٍ فَضُوعِفَتْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِدٍّ وَتَشْمِيرٍ اهـ. وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ فِعْلُهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ، فَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، فَجَعَلَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ بَدَلَ كُلِّ أُسْبُوعٍ تَرْوِيحَةً لِيُسَاوُوهُمْ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ كَمَا قَالَهُ   [حاشية البجيرمي] الْقُدْسِ وَهُوَ مِنْ النُّورِ وَفِيهِ مَلَائِكَةٌ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعَالَى عِبَادَةً لَا يَفْتَرُونَ سَاعَةً، فَإِذَا كَانَ لَيَالِيَ رَمَضَان اسْتَأْذَنُوا رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَنْزِلُوا إلَى الْأَرْضِ وَيَحْضُرُوا مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ، فَكُلُّ مَنْ مَسَّهُمْ أَوْ مَسُّوهُ سَعِدَ سَعَادَةً لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا، فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا قَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِهَذَا الْفَضْلِ وَالْأَجْرِ، فَجَمَعَ النَّاسَ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَقُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ حِينِ شُرِعَتْ إلَّا مَرَّةً وَشُرِعَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ لِمُضِيِّ إحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، «فَخَرَجَ النَّبِيُّ وَصَلَّى بِهِمْ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. ثُمَّ خَرَجَ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِهِمْ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِهِمْ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ إلَى قُرْبِ الْفَجْرِ، ثُمَّ انْتَظَرُوا لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَلَمْ يَخْرُجْ لَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ صَبِيحَتُهَا: خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجَزُوا» ، وَإِنَّمَا لَمْ يَخْرُجْ لَهُمْ مُتَوَالِيًا شَفَقَةً عَلَيْهِمْ. فَإِنْ قُلْت: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّرَاوِيحَ عِشْرُونَ رَكْعَةً وَالْوَارِدُ مِنْ فِعْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِ رَكَعَاتٍ. قُلْت: أُجِيبُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُتَمَّمُونَ الْعِشْرِينَ فِي بُيُوتِهِمْ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ إذَا انْطَلَقُوا إلَى مَنَازِلِهِمْ يُسْمَعُ لَهُمْ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الدَّبَابِيرِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الثَّمَانِ فِي صَلَاتِهِ بِهِمْ وَلَمْ يُصَلِّ بِهِمْ الْعِشْرِينَ تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ اهـ اج. قَوْلُهُ: (الرِّجَالَ) بَدَلٌ مِنْ النَّاسِ قَوْلُهُ: (ابْنِ أَبِي حَثْمَهْ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَاءٍ سَاكِنَةٍ كَذَا ضَبَطَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فَهُوَ مِثْلُ مَنْدَهْ وَمَاجَهْ وَسِيدَهْ وَبَرْدَزَيْهْ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرُوهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ يَسْتَرِيحُونَ) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الرَّوَاتِبَ إلَخْ) أَيْ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا كَالرَّوَاتِبِ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُهَا أَيْ التَّرَاوِيحُ، وَقَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِ الْعِشَاءِ وَالرَّوَاتِبُ الْبَعْدِيَّةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى فِعْلِ الْفَرْضِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: صَوَابُهُ حَذْفُ اللَّامِ مِنْ لِأَنَّ كَمَا فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَضُوعِفَتْ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ التَّضْعِيفَ أَنْ يُزَادَ عَلَى الشَّيْءِ مِثْلُهُ فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّرَاوِيحَ عَشَرُ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا زِيدَ عَلَى الْعَشْرِ رَكَعَاتٍ الْمُؤَكَّدَاتِ مِثْلُهَا صَارَتْ عِشْرِينَ عَشَرَةً مِنْهَا هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ مِنْ الرَّوَاتِبِ، وَالْعَشَرَةُ الْأُخْرَى هِيَ التَّرَاوِيحُ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّضْعِيفِ هُنَا أَنْ يُزَادَ عَلَى الشَّيْءِ مِثْلَاهُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. فَقَوْلُهُ: فَضُوعِفَتْ أَيْ زِيدَ عَلَيْهَا مِثْلَاهَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) أَيْ بِاجْتِهَادٍ مِمَّنْ كَانَ فِيهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ كِبَارِهَا وَعُلَمَائِهَا وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ صَلَّوْهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ فِي آخِرِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ لَا فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ كَمَا قَالَهُ حَجّ اهـ. قَوْلُهُ: (فِعْلُهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ) وَمَعَ ذَلِكَ، فَالْأَفْضَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَى عِشْرِينَ وَفِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَإِذَا فَعَلُوهَا كَذَلِكَ فَهَلْ يُثَابُونَ عَلَيْهَا ثَوَابَ الْعِشْرِينَ كَغَيْرِهِمْ أَوْ يُثَابُونَ عَلَى الْعِشْرِينَ ثَوَابَ التَّرَاوِيحِ، وَعَلَى السِّتَّةَ عَشْرَ ثَوَابَ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُمْ يُثَابُونَ عَلَى الْعِشْرِينَ ثَوَابَ التَّرَاوِيحِ، وَعَلَى السِّتَّةِ عَشَرَ أَكْثَرَ مِنْ ثَوَابِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهَا أَرْقَى مِنْهُ اهـ. قَوْلُهُ (يَطُوفُونَ) وَإِنَّمَا لَمْ تَطُفْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالْقَبْرِ الشَّرِيفِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ: (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) الْأُولَى أَنْ يَقُولَ سَبْعًا؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الطَّوَافِ شَوْطًا، وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ بِهَا حِينَ فِعْلِ التَّرَاوِيحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَطِّنًا وَلَا مُقِيمًا وَمَنْ فَعَلَهَا خَارِجَهَا بِحَيْثُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 الشَّيْخَانِ؛ لِأَنَّ لِأَهْلِهَا شَرَفًا بِهِجْرَتِهِ وَدَفْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلُهَا بِالْقُرْآنِ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَوَقْتُهَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَلَوْ تَقْدِيمًا، وَطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطَلَّقَةٍ، بَلْ يَنْوِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ أَوْ مِنْ قِيَامِ رَمَضَانَ، وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّرَاوِيحَ بِمَشْرُوعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ فَلَا تُغَيَّرُ عَمَّا وَرَدَتْ. تَنْبِيهٌ: يَدْخُلُ وَقْتُ الرَّوَاتِبِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرْضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ، وَاَلَّتِي بَعْدَهُ بِفِعْلِهِ، وَيَخْرُجُ وَقْتُ النَّوْعَيْنِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لَهُ، وَلَوْ فَاتَ النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ نُدِبَ قَضَاؤُهُ. وَمِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا تُنْدَبُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ.   [حاشية البجيرمي] يَجُوزُ لَهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ تَكُونَ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعِشْرِينَ إنْ كَانَ مِنْ مُتَوَطِّنِيهَا أَوْ الْمُقِيمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، هَذَا مَا انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ سم يَعْنِي: أَنَّ الْمُتَوَطِّنَ أَوْ الْمُقِيمَ بِالْمَدِينَةِ إذَا خَرَجَ فِي مَحَلٍّ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّرَاوِيحَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ، وَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ بِمَحَلِّ الْأَدَاءِ فَلَوْ فَاتَتْهُ فِي الْمَدِينَةِ قَضَاهَا وَلَوْ فِي غَيْرِهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ فَاتَتْهُ فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا عِشْرِينَ وَلَوْ بِالْمَدِينَةِ هَذَا مَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِ شُيُوخِنَا النُّورِ الزِّيَادِيِّ وَأَقَرَّهُ مَشَايِخُنَا اهـ اج. قَوْلُهُ: (أُسْبُوعٍ) أَيْ طَوَافٍ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ أُسْبُوعٌ؛ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ يُكَرِّرُ سَبْعَ مَرَّاتٍ. قَوْلُهُ: (بِالْقُرْآنِ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ) بِأَنْ يَقْرَأَ كُلَّ لَيْلَةٍ حِزْبَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عُشْرُ حِزْبٍ ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ تَكْرِيرِ إلَخْ) وَمِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى قِرَاءَةِ سُورَةِ الرَّحْمَنِ أَوْ نَحْوِهَا. قَوْلُهُ: (بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ) أَيْ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى فِعْلِ الْعِشَاءِ كَمَا أَنَّ الْوِتْرَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَقْدِيمًا) عِبَارَةُ غَيْرِهِ م ر كَذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ لِلسَّفَرِ وَحَصَلَتْ إقَامَةٌ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ، لَكِنْ نَقَلَ السُّيُوطِيّ عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي تَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِمَا إذَا لَمْ تَحْصُلْ إقَامَةٌ فَإِنْ حَصَلَتْ إقَامَةٌ بَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَجَبَ تَأْخِيرُ التَّرَاوِيحِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ لِزَوَالِ الْوَقْتِ، وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ اهـ قَالَ شَيْخُنَا: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الرَّاتِبَةُ وَالْوِتْرُ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَلَهُ فِعْلُهَا عَقِبَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ قَدْرِ زَمَنِ فِعْلِ الْعِشَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ اهـ اج. وَلَوْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعِشَاءِ وَقَعَ مَا صَلَّاهُ نَفْلًا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (بَلْ يَنْوِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ) أَوْ يَنْوِي سُنَّةَ التَّرَاوِيحِ بِإِضَافَةِ الْأَعَمِّ لِلْأَخَصِّ أَوْ بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ) وَتَقَعُ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا إذَا نَسِيَ أَوْ جَهِلَ كَمَا لَوْ زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ: (الَّتِي قَبْلَ الْفَرْضِ) الصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمُتَأَخِّرَةِ يَدْخُلُ كَذَلِكَ، وَفِعْلُ الْفَرْضِ شَرْطٌ فِي جَوَازِ فِعْلِهَا، وَإِنَّمَا اُمْتُنِعَ فِعْلُهَا قَبْلَ الْفَرْضِ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهَا وَهُوَ فِعْلُ الْفَرْضِ، وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ وَيَخْرُجُ وَقْتُ النَّوْعَيْنِ، وَلَوْ أُرِيدَ فِي كَلَامِهِ بِالْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَقْتُ الْفِعْلِ، وَبِالثَّانِي الْوَقْتُ الزَّمَّانِيُّ لَكَانَ صَحِيحًا، لَكِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ عَنْ الْوَقْتِ الزَّمَانِيِّ فِي الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ ق ل. فَلَوْ لَمْ يُصَلِّ الْفَرْضَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهُ فَإِنَّ سُنَّتَهُ الْبَعْدِيَّةَ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ أَيْ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ. وَلِهَذَا يُلْغَزُ فَيُقَالُ لَنَا صَلَاةٌ فَيَخْرُجُ وَقْتُهَا وَلَمْ يَدْخُلْ اج. أَيْ خَرَجَ وَقْتُ أَدَائِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ فِعْلِهَا. قَوْلُهُ: (الْمُؤَقَّتُ) أَيْ سَوَاءٌ طُلِبَتْ فِيهِ الْجَمَاعَةُ أَمْ لَا، قَالَ شَيْخُنَا: وَيُلْحَقُ بِهِ التَّهَجُّدُ لِمَنْ اعْتَادَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) قَالَ الزَّرْكَشِيّ كَابْنِ الْعِمَادِ: وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ غَيْرُ حَقِيقِيَّةٍ، إذْ الْمُرَادُ تَحِيَّةٌ لِرَبِّ الْمَسْجِدِ تَعَظُّمًا لَهُ لَا لِلْبُقْعَةِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ تَحِيَّةُ رَبِّ الْمَسْجِدِ، فَلَوْ قَصَدَ سُنَّةَ الْبُقْعَةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْبُقْعَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ بُقْعَةٌ لَا تُقْصَدُ بِالْعِبَادَةِ شَرْعًا، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ إيقَاعُ الْعِبَادَةِ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى اهـ. إيعَابٌ. بَلْ لَوْ قَصَدَ اسْتِحْقَاقَهَا لِذَلِكَ لِذَاتِهَا كَفَرَ وَشَمِلَ ذَلِكَ الْمَسَاجِدَ الْمُتَلَاصِقَةَ فَتُطْلَبُ التَّحِيَّةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا لِأَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ، وَشَمِلَ الْمُشَاعَ أَيْ مَا بَعْضُهُ مَسْجِدٌ وَبَعْضُهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ قَلَّ الْبَعْضُ الَّذِي جُعِلَ مَسْجِدًا بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ جِنْسَ الصَّلَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَسْجِدٍ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْجُلُوسِ لِكُلِّ دَاخِلٍ وَتَحْصُلُ لِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ، وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ عَلَى قُرْبٍ وَتَفُوتُ   [حاشية البجيرمي] قَالَ الرَّحْمَانِيُّ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي طَلَبِ التَّحِيَّةِ تَحَقُّقُ الْمَسْجِدِيَّةِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ فَتُطْلَبُ لِمَا هُوَ كَصُورَتِهِ كَالزَّوَايَا فِي الْقُرَى اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ الرِّبَاطُ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَمَا بُنِيَ فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ عَلَى صُورَةِ الْمَسْجِدِ وَأَذِنَ بَانِيهِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَشَمِلَ الْمَسْجِدُ الْمُتَيَقَّنَ وَالْمَظْنُونَ وَلَوْ بِالِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ مِنْ عَلَامَاتِهِ الْمَنَارَةُ وَلَا الشُّرُفَاتُ وَلَا الْمِنْبَرُ وَلَا نَحْوَ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِهِ الْمَدَارِسُ وَالرِّبَاطَاتُ وَمَا فِي الْأَرَاضِيِ الْمُحْتَكَرَةِ وَمَا فِي سَوَاحِلِ الْأَنْهَارِ وَمَا فِي الْأَرَاضِيِ الْمَوْقُوفَةِ أَوْ الْمُسَبَّلَةِ كَمَسَاجِدِ الْقَرَافَةِ لِدَفْنِ الْمَوْتَى مَثَلًا. نَعَمْ إنْ فَرَشَ نَحْوَ بَلَاطٍ وَآجُرٍّ فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ لَهُ وَوَقَفَهُ مَسْجِدًا صَحَّ وَقْفُهُ وَطُلِبَتْ فِيهِ التَّحِيَّةُ، والسُّنَانِيَّةُ الْمَعْلُومَةُ مَسْجِدٌ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ وَتُعْطَى أَحْكَامَ الْمَسَاجِدِ مِنْ صِحَّةِ التَّحِيَّةِ فِيهَا وَغَيْرِهَا لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَنَامِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِصِحَّةِ الْوَقْتِ وَلُزُومِهِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْوَاقِعَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ وَحِينَئِذٍ فَاسْتِثْنَاءُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لَهَا كَغَيْرِهَا مِمَّا شَابَهَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى حُدُوثِهَا وَأَنَّهَا وُضِعَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ إلَّا بِحَقٍّ وَأَنَّ مَسْجِدِيَّتَهَا صَارَتْ مُحَقَّقَةً لَا نِزَاعَ فِيهَا وَقَدْ رَجَعْتُ عَمَّا كُنْتُ أُقَرِّرُهُ فِيهَا مِنْ كَوْنِهَا لَا تُعْطَى حُكْمَ الْمَسَاجِدِ تَبَعًا لِبَعْضِ مَشَايِخِي وَهُوَ الشَّيْخُ مَنْصُورٌ الطُّوخِيُّ وَأَظُنُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى صُورَةِ وَقُفْيَةِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ لَرَجَعَ عَمَّا قَالَهُ وَوَافَقَ عَلَى مَا قُلْنَا اهـ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الدَّيْرَبِيُّ فِي رِسَالَتِهِ تُحْفَةِ الْمُرِيدِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ وَذَكَرَ فِيهَا صُورَةَ الْوَقْفِيَّةِ فَانْظُرْهَا إنْ شِئْت وَشَمِلَ دَاخِلَهُ مَنْ هُوَ فِي هَوَائِهِ مِمَّنْ تَحْتَهُ أَوْ فَوْقَهُ وَلَوْ مَحْمُولًا أَوْ رَاكِبًا اهـ بِالْحَرْفِ. وَانْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ مُلَاحَظَةُ كَوْنِهَا لِرَبِّ الْمَسْجِدِ أَوْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ؟ وَاَلَّذِي يَسْتَقِرُّ بِهِ شَيْخُنَا الثَّانِي فَلْيُحَرَّرْ. وَلَا بُدَّ أَنْ تَقَعَ فِيهِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا، فَلَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَنَوَى التَّحِيَّةَ ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهَا فَلَا تَصِحُّ، أَوْ كَانَتْ خَارِجَهُ ثُمَّ نَوَى رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَا يَصِحُّ. اهـ. م ر عَلَى التَّحْرِيرِ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ غَيْرُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَمَّا هُوَ فَيُبْتَدَأُ فِيهِ بِالطَّوَافِ الَّذِي هُوَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا مَسْجِدٌ يُسْتَحَبُّ لِدَاخِلِهِ تَرْكُ تَحِيَّتِهِ، وَكَتَبَ أَيْضًا أَمَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، فَإِنْ كَانَ دَاخِلُهُ يُرِيدُ الطَّوَافَ فَالسُّنَّةُ لَهُ الطَّوَافُ وَهُوَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ، فَإِنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الطَّوَافِ حَصَلَتْ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ صَلَّاهُمَا دَاخِلَ الْبَيْتِ فَتُوُقِّفَ فِيهِ بِأَنَّ الْبَيْتَ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ لِكَوْنِ وَقْفِيَّتِهِ لَمْ تَشْمَلْهُ لِتَقَدُّمِ بِنَائِهِ عَلَى وَقْفِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَعَدَمِ مِلْكِ أَحَدٍ لَهُ فَتَحِيَّةُ الْبَيْتِ الطَّوَافُ، فَلَوْ صَلَّى مَرِيدُ الطَّوَافِ التَّحِيَّةَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ دَاخِلَهُ الطَّوَافَ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ اهـ. وَقَوْلُهُ: لِكَوْنِ وَقْفِيَّتِهِ لَمْ تَشْمَلْهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ وُقُوعِ السُّؤَالِ عَنْ الْبَيْتِ الْحَرَامِ هَلْ وَقَفَ بِصِيغَةٍ أَوْ هُوَ وَقْفٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وَقْفِيَّةِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِبِنَائِهِ الْمَلَائِكَةَ فَالْأَنْبِيَاءَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ رَكْعَتَانِ) أَيْ أَقَلُّهَا ذَلِكَ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ ق ل. وَاقْتِصَارُهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ فَإِنْ سَلَّمَ ثُمَّ أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ لَمْ تَنْعَقِدْ إلَّا مِنْ جَاهِلٍ فَتَنْعَقِدُ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (لِكُلِّ دَاخِلٍ) أَيْ وَلَوْ مُعْتَكِفًا بِأَنْ خَرَجَ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ، سَوَاءٌ قُلْنَا اعْتِكَافُهُ بَاقٍ أَمْ لَا لِوُجُودِ الدُّخُولِ مِنْهُ فَقَدْ شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ شَوْبَرِيٌّ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ لَا يَقْطَعُ اعْتِكَافَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. فَرْعٌ: لَوْ صَلَّى ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ يُصَلِّي بَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ كَرَاهَةَ التَّحِيَّةِ إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى مُنْفَرِدًا وَإِلَّا فَلَا. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (وَتَحْصُلُ بِفَرْضٍ) أَيْ يَحْصُلُ فَضْلُهَا سَوَاءٌ نُوِيَتْ مَعَ ذَلِكَ أَمْ لَا. نَعَمْ إنْ نَفَاهَا فَاتَ فَضْلُهَا، وَإِنْ سَقَطَ الطَّلَبُ ق ل. وَعَلَى حُصُولِ فَضْلِهَا، وَإِنْ لَمْ تَنْوِ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ عَمَلِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَابِعَةٌ وَدَاخِلَةٌ فِيهِ فَكَأَنَّهَا نُوِيَتْ حُكْمًا ز ي بِإِيضَاحٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا نَوَاهَا حَصَلَ الثَّوَابُ اتِّفَاقًا، وَإِذَا نَفَاهَا فَلَا يَحْصُلُ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَطْلَقَ حَصَلَ الثَّوَابُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (عَلَى قُرْبٍ) عِبَارَةُ التَّحْرِيرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 بِجُلُوسِهِ قَبْلَ فِعْلِهَا، وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ إلَّا إنْ جَلَسَ سَهْوًا وَقَصُرَ الْفَصْلُ، وَتَفُوتُ بِطُولِ الْوُقُوفِ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: التَّحِيَّاتُ أَرْبَعٌ: تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ وَالْبَيْتِ بِالطَّوَافِ وَالْحَرَمِ بِالْإِحْرَامِ وَمِنًى بِالرَّمْيِ، وَزِيدَ عَلَيْهِ تَحِيَّةُ عَرَفَةَ بِالْوُقُوفِ وَتَحِيَّةُ لِقَاءِ الْمُسْلِمِ بِالسَّلَامِ.   [حاشية البجيرمي] وَلَوْ عَلَى قُرْبٍ فَهِيَ غَايَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا لَا تُسَنُّ لِلدُّخُولِ عَنْ قُرْبٍ لِلْمَشَقَّةِ. قَوْلُهُ: (وَتَفُوتُ بِجُلُوسِهِ) أَيْ وَلَوْ لِلشُّرْبِ عَمْدًا كَذَا فِي شَرْحِ م ر. وَلَكِنْ قَيَّدَ الْفَوَاتَ فِي الْفَتَاوَى لَهُ بِمَا إذَا أَلْصَقَ مِقْعَدَتَهُ بِالْأَرْضِ أَوْ طَالَ الْفَصْلُ، أَمَّا إذَا جَلَسَ لِلشُّرْبِ عَلَى سَاقَيْهِ وَلَمْ يُلْصِقْ مِقْعَدَتَهُ بِالْأَرْضِ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فَلَهُ فِعْلُهَا. تَنْبِيهٌ: إذَا نَذَرَ سُنَّةَ الْوُضُوءِ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ هَلْ يَكْفِيهِ رَكْعَتَانِ يَنْوِي بِهِمَا النَّذْرَيْنِ؟ وَالظَّاهِرُ لَا يَكْفِيهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ صَارَتْ نَذْرًا وَحْدَهُ. فَرْعٌ: إذَا اغْتَسَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدَثَانِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ، وَقُلْنَا بِالِانْدِرَاجِ هَلْ لَهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ غَيْرَ سُنَّةِ الْغُسْلِ عَنْ الْوُضُوءِ أَوَّلًا لِعَدَمِ فِعْلِهِ وَهَلْ يُثَابُ عَلَى الْوُضُوءِ مَا لَمْ يَنْفِهِ كَالتَّحِيَّةِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. وَقَوْلُهُ بِجُلُوسِهِ أَيْ مُتَمَكِّنًا لَا مُسْتَوْفِزًا اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (إلَّا إنْ جَلَسَ) سَهْوًا أَوْ جَهْلًا. قَوْلُهُ: (وَتَفُوتُ بِطُولِ الْوُقُوفِ) وَلَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصُرَ الْوُقُوفُ فَإِنَّهَا لَا تَفُوتُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَمْدًا، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُلُوسِ، فَإِنَّهَا تَفُوتُ بِهِ عَمْدًا وَلَوْ قَصُرَ، وَالْمُرَادُ بِالطُّولِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى رَكْعَتَيْنِ ع ش عَلَى م ر. وَيُكْرَهُ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بِلَا طَهَارَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ، وَيُنْدَبُ لِمَنْ لَمْ يَأْتِ بِالتَّحِيَّةِ لِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ كَأَنْ لَمْ يُرْدِهَا وَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا أَوْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ آخَرَ أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدِ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. زَادَ بَعْضُهُمْ: وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، فَإِنَّهَا تَعْدِلُ رَكْعَتَيْنِ فِي الْفَضْلِ فَتَنْدَفِعُ الْكَرَاهَةُ بِذَلِكَ اهـ. قَالَ ع ش: وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، وَإِلَّا فَلَا تَحْصُلُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْوُضُوءِ مَعَ تَيَسُّرِهِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ خ ض: وَفِي فَوَاتِهَا لِلْمُقْعَدِ وَالْمُضْطَجِعِ وَالْمُسْتَلْقِي كَلَامٌ حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ الْإِعْرَاضَ فَاتَتْ، وَإِلَّا فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ فَاتَتْ، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ الْإِعْرَاضَ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بِذَلِكَ فَلَا تَفُوتُ بِذَلِكَ ز ي. قَوْلُهُ: (كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) هُوَ الشِّهَابُ م ر خِلَافًا لِلشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: لَا تَفُوتُ بِطُولِ الْوُقُوفِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَائِمًا ثُمَّ أَرَادَ الْقُعُودَ لِإِتْمَامِهَا، فَالْأَوْجَهُ الْجَوَازُ وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا جَالِسًا، فَالْأَوْجَهُ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ الْجَوَازُ حَيْثُ جَلَسَ لِيَأْتِيَ بِهَا، إذْ لَيْسَ لَنَا نَافِلَةٌ يَجِبُ التَّحَرُّمُ بِهَا قَائِمًا وَحَدِيثُهَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَلَا تَفُوتُ بِجُلُوسٍ قَصِيرٍ نَسِيَانَا أَوْ جَهْلًا، وَإِنْ جَرَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى خِلَافِهِ شَرْحُ م ر. وَلَا تَفُوتُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَإِذَا تَعَارَضَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالتَّحِيَّةِ قُدِّمَ السُّجُودُ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ الطَّوِيلِ وَبِالْوُقُوفِ كَذَلِكَ مُطْلَقًا فِيهِمَا وَبِالْجُلُوسِ الْقَصِيرِ عَمْدًا. قَوْلُهُ: (أَرْبَعُ) الْمُرَادُ بِتَحِيَّةِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ تَعْظِيمُهَا. قَوْلُهُ: (وَتَحِيَّةُ لِقَاءِ الْمُسْلِمِ بِالسَّلَامِ) وَيَحْرُمُ بَدْءُ ذِمِّيٍّ بِالسَّلَامِ، فَإِنْ بَانَ ذِمِّيًّا اُسْتُحِبَّ لَهُ اسْتِرْدَادُ سَلَامِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: اسْتَرْجَعْتُ سَلَامِي أَوْ رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ الْمُقْرِي وُجُوبُ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ، وَإِنْ تَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ، فَإِنْ سَلَّمَ الذِّمِّيُّ عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ لَهُ وُجُوبًا: وَعَلَيْكَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مُجَرَّدُ الرَّدِّ عَلَيْهِ فَقَطْ لَا السَّلَامُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ خَبَرَ: «إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُونَ السَّامُ عَلَيْكُمْ وَالسَّامُ الْمَوْتُ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَكَانَ سُفْيَانُ يَرْوِي عَلَيْكُمْ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَذَفَهَا صَارَ قَوْلُهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ، وَإِذَا ذَكَرَهَا وَقَعَ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ وَالدُّخُولُ فِيمَا قَالُوهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَعْنَى وَنَحْنُ نَدْعُو عَلَيْكُمْ بِمَا دَعَوْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا فَسَّرْنَا السَّامَّ بِالْمَوْتِ فَلَا إشْكَالَ لَاشْتَرَاك الْخَلْقِ فِيهِ، وَيَجِبُ اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَوْ بِقَلْبِهِ لَوْ كَانَ مَعَ مُسْلِمٍ وَيَحْرُمُ بَدْؤُهُ بِتَحِيَّةٍ غَيْرِ السَّلَامِ بَلْ يَحْرُمُ بِكُلِّ كَلَامٍ أَشْعَرَ بِتَعْظِيمِهِ لِآيَةِ: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الْآيَةَ، وَمِنْ التَّعْظِيمِ خِطَابُهُ بِلَفْظِ يَا مُعَلِّمٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سَيِّدِي عَلِيٌّ الَأُجْهُورِيُّ، وَلَوْ قَامَ عَنْ جَلِيسٍ لَهُ فَسَلَّمَ وَجَبَ الرَّدُّ وَمَنْ دَخَلَ دَارِهِ سَلَّمَ نَدْبًا عَلَى أَهْلِهِ أَوْ مَوْضِعًا خَالِيًا فَلِيَقُلْ نَدْبًا السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَيُسَمِّي اللَّهَ قَبْلَ دُخُولِهِ وَشَرْطُ السَّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا سَمَاعُهُ لَهُ، وَاتِّصَالُ الرَّدِّ كَاتِّصَالِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ، فَإِنْ شَكَّ فِي سَمَاعِهِ زَادَ فِي الرَّفْعِ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ نِيَامٌ خَفَضَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ لَا يُوقِظُهُمْ، وَالْقَارِئُ كَغَيْرِهِ فِي اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ وَوُجُوبِ الرَّدِّ بِاللَّفْظِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ عَلَى مَنْ رَدَّ عَلَى أَصَمَّ وَتُجْزِئُ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ مِنْ ابْتِدَاءٍ وَرَدٍّ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَاءِ حَائِطٍ أَوْ سَتْرٍ أَوْ فِي كِتَابٍ أَوْ مَعَ رَسُولٍ، وَبَلَغَهُ لَزِمَهُ الرَّدُّ. وَالْإِشَارَةُ بِالسَّلَامِ مِنْ النَّاطِقِ بِلَا لَفْظٍ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَلَا يَجِبُ لَهَا رَدٌّ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّفْظِ أَوْلَى، وَصِيغَتُهُ رَدًّا عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ لِلْوَاحِدِ أَيْضًا كَالْجَمْعِ، فَإِنْ عَكَسَ جَازَ وَإِنَّ سَلَّمَ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ مَعًا لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا الرَّدُّ أَوْ مُرَتَّبًا كَفَى الثَّانِي سَلَامُهُ رَدًّا، وَيُنْدَبُ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْوَاقِفِ وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ فِي حَالِ التَّلَاقِي فَلَوْ عَكَسَ لَمْ يُكْرَهْ، وَيُسَلِّمْ الْوَارِدُ مُطْلَقًا عَلَى مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الزُّبْدِ لِلرَّمْلِيِّ، وَإِذَا لَقِيَ شَخْصٌ رَجُلَيْنِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا فَقَالَ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَقَصَدَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ وَالِابْتِدَاءَ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ كَفَى، وَلَوْ رَدَّتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَجْزَأَ إنْ شُرِعَ السَّلَامُ عَلَيْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَجُوزًا أَوْ مَحْرَمًا لِلْمُسْلِمِ، وَإِلَّا فَلَا. أَوْ رَدَّ صَبِيٌّ أَوْ مَنْ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُمْ لَمْ يَسْقُطْ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ الدُّعَاءَ وَهُوَ مِنْهُ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ السَّلَامِ الْأَمَانُ، وَلَا أَمَانَ مِنْ الصَّبِيِّ، وَلَوْ سَلَّمَ جَمَاعَةٌ مُتَفَرِّقُونَ عَلَى وَاحِدٍ فَقَالَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَقَصَدَ الرَّدَّ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْجَمِيعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَإِنَّهُ يَأْثَمُ فَلَوْ أَطْلَقَ هَلْ يَكْفِي أَوْ لَا؟ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ ذَلِكَ وَيُتَصَوَّرُ وُجُوبُ رَدِّ ابْتِدَاءِ السَّلَامِ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ، وَهُوَ مَا لَوْ أَرْسَلَ إلَى غَائِبٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إنْ أَتَى الْمُسَلِّمُ أَوْ الرَّسُولُ بِصِيغَةِ سَلَامٍ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: فُلَانٌ يَقُولُ لَك السَّلَامُ عَلَيْك أَيْ: وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ بِأَنْ نَسِيَ ذَلِكَ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ الرَّدُّ حِينَئِذٍ، وَلَا يُكْرَهُ عَلَى جَمْعِ نِسْوَةٍ وَلَا عَلَى عَجُوزٍ لِانْتِفَاءِ الْفِتْنَةِ، بَلْ يُنْدَبُ الِابْتِدَاءُ مِنْهُنَّ عَلَى غَيْرِهِنَّ وَعَكْسُهُ، وَيَجِبُ الرَّدُّ كَذَلِكَ وَيَحْرُمُ مِنْ الشَّابَّةِ ابْتِدَاءً وَيُكْرَهَانِ عَلَيْهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ابْتِدَاءً وَرَدًّا وَالْخُنْثَى مَعَ الْخُنْثَى يَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ابْتِدَاءً وَرَدًّا احْتِيَاطًا وَلَوْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي، فَاَلَّذِي قَالَهُ الْجَوْجَرِيُّ وُجُوبُ الرَّدِّ، وَاَلَّذِي قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ صِيغَةً شَرْعِيَّةً، وَلَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصِّيَغِ الشَّرْعِيَّةِ أَيْضًا، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: 47] فَهُوَ خَاصٌّ بِالْمُرَاسِلَاتِ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ. فَرْعٌ: لَوْ أَرْسَلَ السَّلَامَ مَعَ غَيْرِهِ إلَى آخَرَ فَإِنْ قَالَ لَهُ سَلِّمْ لِي عَلَى فُلَانٍ فَقَالَ الرَّسُولُ لِفُلَانٍ فُلَانٌ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْك مِنْ فُلَانٍ وَجَبَ الرَّدُّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ فَبَلِّغْهُ عَنِّي فَقَالَ الرَّسُولُ زَيْدٌ يُسَلِّمُ عَلَيْك وَجَبَ الرَّدُّ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ وَوُجُوبُ الرَّدِّ مِنْ صِيغَةٍ مِنْ الْمُرْسِلِ أَوْ الرَّسُولِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تُوجَدْ مِنْ وَاحِدٍ، كَأَنْ قَالَ الْمُرْسِلُ سَلِّمْ لِي عَلَى فُلَانٍ فَقَالَ لِفُلَانٍ زَيْدٌ يُسَلِّمُ عَلَيْك فَلَا اعْتِدَادَ بِهِ وَلَا يَجِبُ الرَّدُّ كَذَا نَقَلَهُ م ر عَنْ وَالِدِهِ وَاعْتَمَدَهُ. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: وَإِذَا مَرَّ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ إمَّا لِتَكَبُّرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] الْمَمْرُورِ عَلَيْهِ، وَإِمَّا لِإِهْمَالِهِ الْمَارَّ أَوْ السَّلَامَ، وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَلِّمَ وَلَا يَتْرُكَهُ لِهَذَا الظَّنِّ، فَإِنَّ السَّلَامَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَاَلَّذِي أُمِرَ بِهِ الْمَارُّ أَنْ يُسَلِّمَ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يُحَصِّلَ الرَّدَّ مَعَ أَنَّ الْمَمْرُورَ عَلَيْهِ قَدْ يُخْطِئُ الظَّنَّ فِيهِ وَيَرُدُّ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ إنَّ سَلَامَ الْمَارِّ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْإِثْمِ فِي حَقِّ الْمَمْرُورِ عَلَيْهِ فَهُوَ جَهَالَةٌ ظَاهِرَةٌ وَغَبَاوَةٌ بَيِّنَةٌ، فَإِنَّ الْمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهَا بِمِثْلِ هَذِهِ الْخَبَالَاتِ، وَلَوْ نَظَرْنَا إلَى هَذَا الْخَبَالِ الْفَاسِدِ لَتَرَكْنَا إنْكَارَ الْمُنْكَرِ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ جَاهِلًا كَوْنَهُ مُنْكَرًا أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ بِقَوْلِنَا، فَإِنَّ إنْكَارَنَا عَلَيْهِ وَتَعْرِيفَنَا لَهُ قُبْحَهُ يَكُونُ سَبَبًا لِإِثْمِهِ إذَا لَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّا لَا نَتْرُكُ الْإِنْكَارَ بِمِثْلِ هَذَا وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ وَمَعْرُوفَةٌ. وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ وَأَسْمَعَهُ سَلَامَهُ وَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِشُرُوطِهِ فَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُحَلِّلَهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ: أَبْرَأْتُهُ مِنْ حَقِّي فِي رَدِّ السَّلَامِ أَوْ جَعَلْته فِي حِلٍّ مِنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَيَتَلَفَّظُ بِهَذَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ هَذَا الْآدَمِيِّ. وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعِبَارَةٍ لَطِيفَةٍ: رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ، فَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ لِيَسْقُطَ عَنْك الْفَرْضُ. وَقَدْ أَطَالَ النَّوَوِيُّ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأَذْكَارِ بِمَا يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي لَا يَجِبُ رَدُّ السَّلَامِ فِيهَا عِشْرُونَ كَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ نَظْمًا حَيْثُ قَالَ: رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ ... إلَّا عَلَى مَنْ فِي صَلَاةٍ أَوْ بِأَكْلٍ شُغِلَا أَوْ فِي قِرَاءَةٍ كَذَاك الْأَدْعِيَهْ ... أَوْ ذِكْرٍ أَوْ فِي خُطْبَةٍ أَوْ تَلْبِيَهْ أَوْ فِي قَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ ... أَوْ فِي إقَامَةٍ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ حَاجِمٍ أَوْ نَاعِسٍ أَوْ نَائِمٍ ... وَحَالَةِ الْجِمَاعِ وَالتَّحَاكُمِ أَوْ سَلَّمَ الطِّفْلُ أَوْ السَّكْرَانُ ... أَوْ شَابَّةٌ يُخْشَى بِهَا افْتِتَانُ أَوْ كَانَ فِي الْحَمَّامِ أَوْ مَجْنُونًا ... فَهَذِهِ مَجْمُوعُهَا عِشْرُونَا فَائِدَةٌ: الْأَذْكَارُ الْمَطْلُوبَةُ عَقِبَ الصَّلَاةِ قَبْل التَّكَلُّمِ هَلْ يُسَنُّ لَهَا السَّلَامُ وَيَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِهَا أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالثَّانِي غَيْرُ بَعِيدٍ إذْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الرَّدُّ مَشَقَّةً شَدِيدَةً لِتَفْوِيتِهِ الثَّوَابَ الْمُرَتَّبَ عَلَيْهَا، وَاحْتِمَالُ أَنْ لَا يَفُوتَ لِعُذْرِهِ بِالرَّدِّ يُعَارِضُهُ الِاحْتِيَاطُ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ الثَّوَابِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْذُورًا بِالرَّدِّ فِي الْوَاقِعِ. اهـ. سم عَلَى حَجّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَتُسَنُّ الْمُصَافَحَةُ عِنْدَ التَّلَاقِي سَوَاءٌ فِيهِ الْحَاضِرُ وَالْقَادِمُ مِنْ سَفَرٍ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي فَضْلِهَا وَالْحَثِّ عَلَيْهَا، وَأَمَّا مَا اعْتَادَهُ النَّاس مِنْ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، فَلَا أَصْلَ لِتَخْصِيصِهِ، لَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْيَنَابِيعِ. وَذَكَرَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ فِي كِتَابِ التَّحِيَّاتِ: أَنَّ سَلَامَ الْيَهُودِ كَانَ بِالْأَكُفِّ وَالْأَصَابِعِ وَالْأَكَاسِرَةِ بِالسُّجُودِ لِلْمَلَكِ وَتَقْبِيلِ الْأَرْضِ، وَالْفُرْسِ طَرْحُ الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ أَمَامَ الْمَلِكِ، وَالْحَبَشَةِ عَقْدُ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّدْرِ مَعَ السَّكِينَةِ، وَالرُّومِ بِكَشْفِ الرَّأْسِ وَتَنْكِيسِهَا وَالنُّوبَةِ الْإِيمَاءُ بِفَمِهِ مَعَ جَعْلِ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَحِمْيَرَ بِالْإِيمَاءِ بِالدُّعَاءِ بِالْأَصَابِعِ، وَتَحِيَّةُ مَلِكِ الْيَمَامَةِ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى كَتِفِ الْمُحَيَّا فَإِنْ بَالَغَ رَفْعَهَا وَوَضَعَهَا مِرَارًا، وَتَحِيَّةُ الْعَرَبِ بِالسَّلَامِ وَهُوَ أَفْضَلُ التَّحِيَّاتِ وَهُوَ تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ بَيْنَهُمْ، وَتَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ قَالَ تَعَالَى: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [يونس: 10] أَيْ يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إذَا قُلْت: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَوْ سَلَّمْت عَلَى أَحَدٍ فِي الطَّرِيقِ فَقُلْت: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَأَحْضِرْ فِي قَلْبِك كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ لِلَّهِ مِنْ عِبَادِهِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَمَيِّتٍ وَحَيٍّ، فَإِنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَقَامِ يَرُدُّ عَلَيْك فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ يَبْلُغُهُ سَلَامُك إلَّا وَيَرُدُّ عَلَيْك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 تَتِمَّةٌ: مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ وَهِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ يَقُولُ فِيهَا ثَلَاثمِائَةِ مَرَّةٍ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ بَعْدَ التَّحَرُّمِ، وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ مَرَّةً، وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ عَشْرًا، وَفِي الرُّكُوعِ عَشْرًا، وَكَذَلِكَ فِي الرَّفْعِ مِنْهُ وَفِي السُّجُودِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَالسُّجُودِ الثَّانِي، فَهَذِهِ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي أَرْبَعٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ. وَصَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَتُسَمَّى صَلَاةُ الْغَفْلَةِ لِغَفْلَةِ النَّاسِ عَنْهَا بِسَبَبِ عَشَاءٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَتَبَ اللَّهُ   [حاشية البجيرمي] وَهُوَ دُعَاءٌ، فَيُسْتَجَابُ فِيك فَتُفْلِحُ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ سَلَامُك مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْمُهَيْمِنِ فِي جَلَالِهِ الْمُشْتَغَلِ بِهِ، فَإِنَّك قَدْ سَلَّمْت عَلَيْهِ بِهَذَا الشُّمُولِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْك وَكَفَى بِهَذَا شَرَفًا. قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) هَذِهِ التَّتِمَّةُ تَشْتَمِلُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ نَوْعًا مِنْ النَّوَافِلِ. قَوْلُهُ: (صَلَاةُ التَّسْبِيحِ) أُضِيفَتْ إلَيْهِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ كَثِيرًا؛ وَلِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَلَا شَكَّ فِي اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ ذَاتَ وَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ اَ هـ. وَتُسَنُّ مَرَّةً كُلَّ يَوْمٍ فَأَكْثَرَ وَإِلَّا فَجُمُعَةً وَإِلَّا فَشَهْرًا وَإِلَّا فَسَنَةً وَإِلَّا فَمَرَّةً فِي الْعُمْرِ وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ سُنِّيَّتِهَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَحَدِيثُهَا حَسَنٌ، وَكَذَا النَّوَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اج. قَوْلُهُ: (وَهِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ) بِنِيَّةِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ وَلَوْ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فِيمَا يَظْهَرُ حَجّ شَوْبَرِيٌّ وخ ض. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ لَيْسَتْ ذَاتَ وَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ تَسَابِيحَ أَيْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ اهـ. وَتَكُونُ بِتَسْلِيمَةٍ وَهُوَ الْأَحْسَنُ نَهَارًا، وَبِتَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ الْأَحْسَنُ لَيْلًا كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ لِحَدِيثِ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» وَرَاوِيَةُ النَّهَارِ لَمْ تَصِحَّ. قَوْلُهُ: (سُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ) زَادَ فِي الْإِحْيَاءِ: وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّحَرُّمِ وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ) هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا أَنَّهُ لَا يُسَبِّحُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَأَنَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ، وَأَنَّ الْعَشَرَةَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ السُّجُودِ الثَّانِي قَبْلَ الْقِيَامِ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَوْ قَبْلَ التَّشَهُّدِ قَالَهُ ق ل. وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ السُّجُودِ خَبَرُ أَنَّ قَالَ حَجّ فَلَوْ تَرَكَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ، وَلَا يَقُولُهُ فِي الِاعْتِدَالِ؛ لِأَنَّهُ يَطُولُ وَهُوَ رُكْنٌ قَصِيرٌ وَإِنَّمَا يَقُولُهُ فِي السُّجُودِ. قَوْلُهُ: (وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ) أَيْ لِلْفَاتِحَةِ وَكَذَا لِلسُّورَةِ إنْ قَرَأَهَا، وَالْأَوْلَى فِيهَا أَوَائِلُ سُوَرِ التَّسْبِيحِ لِلْمُنَاسَبَةِ فَيَقْرَأُ: الْحَدِيدَ وَالْحَشْرَ وَالصَّفَّ وَالْجُمُعَةَ أَوْ التَّغَابُنَ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَهَا فِي الِاسْمِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَسُورَةُ الزَّلْزَلَةِ وَالْعَادِيَاتِ وَأَلْهَاكُمْ وَالْإِخْلَاصِ ق ل وم د. عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (فَهَذِهِ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ) . تَنْبِيهٌ: لَوْ سَهَا بِمَا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ وَسَجَدَ وَلَمْ يُسَبِّحْ فِي السُّجُودِ أَوْ فَاتَهُ التَّسْبِيحُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَتَدَارَكْهُ وَلَا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ، وَفَاتَ كَوْنُهَا صَلَاةَ التَّسْبِيحِ، وَإِذَا شَكَّ فِي عَدَدِ مَرَّاتِ التَّسْبِيحِ أَخَذَ بِالْيَقِينِ، وَيُقَدِّمُ ذِكْرَ كُلِّ رُكْنٍ عَلَى تَسْبِيحِهِ ق ل. وَقَوْلُهُ لَمْ يُسَبِّحْ فِي السُّجُودِ أَيْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَيْ تَسْبِيحَ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَتَدَارَكْهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ تَدَارُكُهُ فِيمَا بَعْدَهُ رَحْمَانِيٌّ، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَكَ عَشْرَةَ الرُّكُوعِ امْتَنَعَ الْعَوْدُ لَهَا وَفَعَلَهَا فِي الِاعْتِدَالِ، بَلْ فِي السُّجُودِ ثُمَّ قَالَ أَيْضًا وَمَنْ نَسِيَ تَسْبِيحَ رُكْنٍ امْتَنَعَ الْعَوْدُ لَهُ وَتَدَارَكَهُ فِيمَا بَعْدَهُ فَتَسْبِيحُ الرُّكُوعِ يَتَدَارَكُ بَعْضَهُ فِي الِاعْتِدَالِ وَبَعْضَهُ فِي السُّجُودِ. وَعِبَارَةُ خ ض: وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الِاعْتِدَالِ تَرَكَ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ حَرُمَ عَلَيْهِ عَوْدُهُ لَهَا وَقَضَاؤُهَا فِي الِاعْتِدَالِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ قَصِيرٌ فَلَا يَطُولُ عَلَى مَا وَرَدَ وَيَقْضِيهَا فِي السُّجُودِ لِاسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِهِ انْتَهَتْ. قَالَ حَجّ: وَيُكَبِّرُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ دُونَ الْقِيَامِ مِنْهَا. اهـ. رَحْمَانِيٌّ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَصَلَاةُ الْأَوَّابِينَ) أَيْ التَّوَّابِينَ مِنْ آبَ بِالْمَدِّ إذَا رَجَعَ عَنْ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ أَوْ إلَى التَّوْبَةِ مِنْ الذَّنْبِ ق ل. فَالْمَعْنَى شَدِيدُ الْحِرْصِ عَلَى التَّوْبَةِ إذَا أَذْنَبَ اهـ. قَوْلُهُ: (عِشْرُونَ رَكْعَةً) أَيْ غَايَتُهَا ذَلِكَ وَقِيلَ: سِتُّ رَكَعَاتٍ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْآتِي فَهُوَ دَلِيلٌ لَهَا عَلَى بَعْضِ التَّفَاسِيرِ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِعْلُهَا قَبْلَ فِعْلِ الْمَغْرِبِ وَلَوْ جَمَعَهَا تَأْخِيرًا، وَيَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ إذَا جَمَعَهَا مَعَ الْمَغْرِبِ تَقْدِيمًا. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَتَفُوتُ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ فَتُقْضَى حِينَئِذٍ نَدْبًا اج. قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ) هَذَا لَا يُنْتِجُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 لَهُ عِبَادَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» . وَرَكْعَتَا الْإِحْرَامِ. وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ. وَرَكْعَتَا الْوُضُوءِ. وَرَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ. وَرَكْعَتَا الْحَاجَةِ وَرَكْعَتَا التَّوْبَةِ. وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ وَعِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَ مُرُورِهِ   [حاشية البجيرمي] الْمُدَّعَى. قَوْلُهُ: (مَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ) هَذَا لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهَا عِشْرِينَ رَكْعَةً وَعِبَارَةُ م ر: وَصَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَهِيَ عِشْرُونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَرُوِيَتْ سِتًّا وَأَرْبَعًا وَرَكْعَتَيْنِ، فَهُمَا أَقَلُّهَا انْتَهَتْ، وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ هُنَا لِتَصْرِيحِهَا بِأَنَّ كُلًّا مِنْ أَقَلِّهَا وَأَكْثَرِهَا وَأَوْسَطِهَا ثَابِتٌ بِالدَّلِيلِ وَالرِّوَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَأْتِيَ بِرِوَايَةِ الرَّكْعَتَيْنِ كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَرَكْعَتَا الْإِحْرَامِ) أَيْ الْأَفْضَلُ ذَلِكَ فَلَوْ صَلَّى أَكْثَرَ جَازَ، لَكِنْ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ إحْرَامٍ مَعَ الْعَمْدِ وَالْعِلْمِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَا بَعْدَهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ سُنَّةُ الْوُضُوءِ وَالتَّحِيَّةُ وَالِاسْتِخَارَةُ. وَقَوْلُهُ: (الْإِحْرَامِ) أَيْ قَبْلَهُ بِحَيْثُ تُنْسَبُ إلَيْهِ عُرْفًا وَتَكُونُ رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ. وَقَوْلُهُ: (الطَّوَافِ) أَيْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَرَكْعَتَا الْوُضُوءِ) أَيْ عَقِبِ فَرَاغِهِ وَقَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ أَوْ الْإِعْرَاضِ وَهَذَا أَقَلُّهَا، وَإِلَّا فَتَحْصُلُ بِمَا تَحْصُلُ بِهِ التَّحِيَّةُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَمَعَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ، سَوَاءٌ نُوِيَتْ أَمْ لَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «دَخَلْت الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ بِلَالًا فِيهَا فَقُلْت لَهُ بِمَ سَبَقَتْنِي إلَى الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ لَا أَعْرِفُ شَيْئًا إلَّا أَنِّي مَا أَحْدَثْتُ وُضُوءًا إلَّا صَلَّيْتُ عَقِبَهُ رَكْعَتَيْنِ» اهـ خ ض م د عَلَى التَّحْرِيرِ. وَفِيهِ أَيْضًا: وَسُنَّةُ وُضُوءٍ أَيْ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَلَوْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ دَخَلَهُ فِي الْحَالِ فَهَلْ يُطْلَبُ مِنْهُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْ التَّحِيَّةِ وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ عَنْ الْأُخْرَى وَلَا تَفُوتُ الْمُؤَخَّرَةُ بِالْمُتَقَدِّمَةِ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ قِصَرِ الْفَصْلِ أَوْ لَا يُطْلَبُ الْإِفْرَادُ، بَلْ الْمَطْلُوبُ رَكْعَتَانِ يَنْوِي بِهِمَا كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ سم وَالْأَخِيرُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اشْتَغَلَ بِأَحَدِهِمَا كَانَ مُعْرِضًا عَنْ الْآخَرِ فَيَفُوتُ تَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (وَرَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ) سُمِّيَتْ بِمَا يُطْلَبُ بَعْدَهَا مِنْ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مَثَلًا فَيُحْرِمُ بِهَا بِنِيَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ؛ لِأَنَّهَا لِسَبَبٍ. اهـ. ق ل وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ وَرَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ أَنَّهَا لَا تَحْصُلُ بِرَكْعَةٍ وَلَا سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَلَا صَلَاةِ جِنَازَةٍ وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا مُتَأَخِّرٌ وَفِي التِّرْمِذِيِّ خَبَرُ: «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ كَثْرَةُ اسْتِخَارَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاهُ بِمَا رَضِيَ اللَّهُ لَهُ، وَمِنْ شَقَاوَتِهِ تَرْكُ اسْتِخَارَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُخْطِهِ بِمَا قَضَى اللَّهُ» وَالِاسْتِخَارَةُ تَكُونُ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ فَلَا يُسْتَخَارُ فِي فِعْلِهِمَا، وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ فَلَا يُسْتَخَارُ فِي تَرْكِهِمَا فَانْحَصَرَتْ فِي الْمُبَاحِ أَوْ الْمُسْتَحَبِّ إذَا تَعَارَضَ فِيهِ أَمْرَانِ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِهِ أَوْ يَقْصُرُ عَلَيْهِ؟ وَأَلْحَقَ بِهِ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ وَفِيمَا كَانَ مُوَسَّعًا كَالْحَجِّ فِي هَذَا الْعَامِ وَتَكُونُ فِي الْعَظِيمِ وَالْحَقِيرِ. وَتَحْرُمُ فِي الْمَكْرُوهِ وَالْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِبَادَةِ إذَا لَمْ تَطْلُبْ بُطْلَانَهَا كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (وَرَكْعَتَا الْحَاجَةِ) أَيْ عِنْدَ اللَّهِ أَوْ عِنْدَ مَخْلُوقٍ وَهِيَ قَبْلَهَا وَتَحْصُلُ بِالْفَرْضِ وَالنَّفَلِ. قَوْلُهُ: (وَرَكْعَتَا التَّوْبَةِ) أَيْ مِنْ الذَّنْبِ وَلَوْ صَغِيرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَقِبَهَا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَرَكْعَتَا التَّوْبَةِ أَيْ مَنْ يُرِيدُهَا فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ كَمَا قَالَهُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ هَذِهِ تَكُونُ قَبْلَ التَّوْبَةِ؟ وَيُسَنُّ أَيْضًا رَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَتَابَ مِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَقِبَ تَوْبَتِهِ رَكْعَتَيْنِ شُكْرًا عَلَى حُصُولِهَا وَطَلَبًا لِقَبُولِهَا وَدَوَامِهَا نَقَلَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ: الصَّلَاةُ قَبْلَ التَّوْبَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّلَاةَ وَسِيلَةٌ لِقَبُولِ التَّوْبَةِ وَالْوَسِيلَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَقْصِدِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى التَّوْبَةِ وَاجِبَةٌ فَكَيْفَ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمَّا كَانَتْ وَسِيلَةً كَانَ الْمُصَلِّي شَارِعًا فِيهَا اهـ. قُلْت: فَالْحَاصِلُ أَنَّ صَلَاةَ التَّوْبَةِ رَكْعَتَانِ قَبْلَهَا أَمَّا الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ بَعْدَهَا وَإِنْ سُنَّتْ، فَلَا يُقَالُ لَهَا صَلَاةُ التَّوْبَةِ. وَفَائِدَةُ التَّوْبَةِ: أَنَّهَا حَيْثُ صَحَّتْ كَفَّرَتْ الذَّنْبَ قَطْعًا فِي الْكُفْرِ وَظَنًّا فِي غَيْرِهِ وَلَوْ كَبِيرَةً، نَعَمْ الصَّغِيرَةُ يُكَفِّرُهَا غَيْرُ التَّوْبَةِ مِنْ فِعْلٍ نَحْوَ وُضُوءٍ وَهِيَ وَاجِبَةٌ وَلَوْ مِنْ صَغِيرَةٍ وَمِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 بِأَرْضٍ لَمْ يَمُرَّ بِهَا قَطُّ. وَرَكْعَتَانِ عَقِبَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ. وَرَكْعَتَانِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ. وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ الْقَتْلِ إنْ أَمْكَنَهُ. وَرَكْعَتَانِ إذَا عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَزُفَّتْ إلَيْهِ، إذْ يُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَبْلَ الْوِقَاعِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَأَدِلَّةُ هَذِهِ السُّنَنِ مَشْهُورَةٌ لَا يَحْتَمِلُهَا شَرْحُ هَذَا الْكِتَابِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ صَلَاةُ الرَّغَائِبِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، وَصَلَاةُ لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ مِائَة رَكْعَةٍ وَلَا يُغْتَرُّ بِمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَأَفْضَلُ الْقِسْمِ الَّذِي لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ الْوِتْرُ ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ بَاقِي رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ ثُمَّ الضُّحَى ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ غَيْرِ سُنَّةِ الْوُضُوءِ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَالْإِحْرَامِ وَالتَّحِيَّةِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ سَوَاءٌ؛ وَالْقِسْمُ الَّذِي تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ، نَعَمْ تَفْضُلُ رَاتِبَةُ الْفَرَائِضِ عَلَى التَّرَاوِيحِ، وَأَفْضَلُ الْقِسْمِ الَّذِي تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تُسَاوِي الْعِيدَيْنِ فِي الْفَضِيلَةِ قَالَ فِي   [حاشية البجيرمي] تَأْخِيرِهَا أَيْ التَّوْبَةِ فَتَأْخِيرُ التَّوْبَةِ يَجِبُ فِيهِ التَّوْبَةُ، وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ وَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُهَا عِنْدَ تَذَكُّرِ الذَّنْبِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَوُجُودُ أَرْكَانِهَا مِنْ النَّدَمِ وَالتَّرْكِ وَالْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ، وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ كَمَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ أَوْ لِسَانُهُ وَيُزَادُ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: بَادِرْ إلَى التَّوْبَةِ فِي وَقْتِهَا ... فَالْمَرْءُ مَرْهُونٌ بِمَا قَدْ جَنَاهُ وَانْتَهِزْ الْفُرْصَةَ إنْ أَمْكَنَتْ ... مَا فَازَ بِالْكَرْمِ سِوَى مَنْ جَنَاهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ مُرُورِهِ بِأَرْضٍ) عِبَارَةُ م ر وَلِمَنْ دَخَلَ أَرْضًا لَمْ يَعْبُدْ اللَّهَ فِيهَا. وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ تَشْمَلُهَا اهـ. قَوْلُهُ: (عَقِبَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ) أَيْ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي أَيْ مَكَان كَانَ لِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ) لَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِالْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ لَا لِلتَّخْصِيصِ، وَيَكْتَفِي بِهِمَا عَنْ رَكْعَتَيْ دُخُولِهِ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (مِنْ سَفَرِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ قَصِيرًا فَرَاجِعْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْقَتْلِ) بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (إذْ يُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا) هَذَا أَعَمُّ مِنْ الْمُدَّعَى وَهُوَ جَائِزٌ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ) أَيْ بِأَنْ قَصَدَ خُصُوصَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ أَفْرَادِ الصَّلَوَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مُطْلَقًا ق ل. وَهِيَ تَنْعَقِدُ إذَا لَا مَانِعَ مِنْ انْعِقَادِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ. قَوْلُهُ: (صَلَاةُ الرَّغَائِبِ) جَمْعُ رَغِيبَةٍ كَصَحَائِفَ جَمْعُ صَحِيفَةٍ أَيْ مَرْغُوبٌ فِيهَا أَيْ مَحْبُوبَةٌ. قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُ الْقِسْمِ الَّذِي لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ الْوِتْرُ) أَيْ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ رَكْعَةَ وِتْرٍ خَيْرٌ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِ الْقَلِيلِ أَفْضَلَ مِنْ الْكَثِيرِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ: (لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ ذَهَبُوا إلَى وُجُوبِ الْوِتْرِ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ عَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا «الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» فَحَمَلُوا قَوْلَهُ حَقٌّ عَلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَجِيءُ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ وَالْوُجُوبِ وَحَمَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الثُّبُوتِ أَيْ هُوَ ثَابِتٌ فِي السُّنَّةِ وَالشَّرْعِ. قَوْلُهُ: (وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ) أَيْ: وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ أَيْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ بِاللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِالنَّهَارِ. قَالَ م ر: وَالْمُرَادُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ تَفْضِيلُ جِنْسٍ عَلَى جِنْسٍ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُفَضِّلُ عَدَدًا قَلِيلًا عَلَى عَدَدٍ كَثِيرٍ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ سُنَّةُ الظُّهْرِ أَفْضَلَ مِنْ الصَّلَاةِ الْكَثِيرَةِ فِي اللَّيْلِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَحَاصِلُ التَّفْضِيلِ أَنْ تَقُولَ أَفْضَلُ النَّفْلِ صَلَاةُ عِيدِ الْأَضْحَى، ثُمَّ الْفِطْرُ، ثُمَّ كُسُوفُ الشَّمْسِ، ثُمَّ خُسُوفُ الْقَمَرِ، ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ، ثُمَّ الْوِتْرُ، ثُمَّ بَقِيَّةُ الرَّوَاتِبِ الْمُؤَكَّدَةِ، ثُمَّ الرَّوَاتِبُ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ، ثُمَّ التَّرَاوِيحُ، ثُمَّ الضُّحَى، ثُمَّ رَكْعَتَا الطَّوَافِ، ثُمَّ التَّحِيَّةُ، ثُمَّ الْإِحْرَامُ، وَقِيلَ: الثَّلَاثَةُ سَوَاءٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، ثُمَّ سُنَّةُ الْوُضُوءِ، ثُمَّ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ فِي النَّهَارِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَاقِي رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ) ظَاهِرُهُ اسْتِوَاءُ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ سم لَكِنْ فِي فَتَاوَى م ر يَظْهَرُ تَفْضِيلُ الْبَعْدِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَبْلِيَّةَ كَالْمُقَدِّمَةِ وَتِلْكَ تَابِعَةٌ لِلْفَرْضِ حَقِيقَةً وَالتَّابِعُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَتْبُوعِهِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (نَعَمْ تَفْضُلُ رَاتِبَةَ الْفَرَائِضِ) أَيْ وَلَوْ غَيْرِ مُؤَكَّدَةٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهَا أَيْ: عَلَى جِنْسِهَا الصَّادِقِ بِالْمُؤَكَّدِ مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 الْخَادِمِ: لَكِنَّ الْأَرْجَحَ فِي النَّظَرِ تَرْجِيحُ عِيدِ الْأَضْحَى، فَصَلَاتُهُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفِطْرِ، وَتَكْبِيرُ الْفِطْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَكْبِيرِهِ ثُمَّ بَعْدَ الْعِيدِ فِي الْفَضِيلَةِ كُسُوفُ الشَّمْسِ ثُمَّ خُسُوفُ الْقَمَرِ ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ ثُمَّ التَّرَاوِيحُ، وَلَا حَصَرَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ مَا لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي ذَرٍّ: «الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ اسْتَكْثِرْ أَوْ أَقِلَّ» فَإِنْ نَوَى فَوْقَ رَكْعَةٍ تَشَهَّدَ آخِرًا فَقَطْ أَوْ آخِرَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَا يَتَشَهَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَإِذَا نَوَى قَدْرًا فَلَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَالنَّقْصُ عَنْهُ إنْ نُوِيَا وَإِلَّا بَطَلَتْ   [حاشية البجيرمي] دُونَ التَّرَاوِيحِ، فَإِنَّهُ صَلَّاهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ. اهـ. م د. فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى بَعْضَهَا، وَهُوَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ جَمَاعَةً وَصَلَّى بَاقِيهَا فِي بَيْتِهِ. قَوْلُهُ: (وَتَكْبِيرُ الْفِطْرِ) أَيْ الْمُرْسَلِ إذْ لَيْسَ لِعِيدِ الْفِطْرِ تَكْبِيرٌ مُقَيَّدٌ أَمَّا تَكْبِيرُ الْأَضْحَى الْمُقَيَّدِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ التَّابِعَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَتْبُوعِهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ التَّرَاوِيحُ) فَإِنْ قُلْت: قَالَ جَمْعٌ إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْوُجُوبِ يَدُلُّ عَلَى التَّأْكِيدِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ أَيْضًا. قُلْت: إنَّمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْوُجُوبِ الْمَذْهَبِيِّ كَالِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِ الْعِيدَيْنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَوُجُوبِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَالتَّرَاوِيحُ لَمْ يُحْفَظْ فِيهَا ذَلِكَ فِي مَذْهَبِنَا، عَلَى أَنَّ مُوجِبَهَا مُدْرَكُهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدٍ وَلَا أَفْضَلِيَّةٍ وَتَفْضِيلُ الْوِتْرِ لَيْسَ لِرِعَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَطْ بَلْ لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ عِنْدَنَا عِدَّةُ أَخْبَارٍ مِنْهَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَالَ لَهُ: هَلْ عَلِيَّ غَيْرُهَا؟ : لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَإِلَّا لَقَيَّدَ أَيْ الْوُجُوبَ بِثَلَاثٍ، إذْ هُوَ لَا يُجِيزُ أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْثَرَ مِنْهَا اهـ إيعَابٌ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (خَيْرُ مَوْضُوعٍ) أَيْ خَيْرُ شَيْءٍ وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِلتَّعَبُّدِ بِهِ وَهَذَا عَلَى إضَافَةِ خَيْرٍ لِمَا بَعْدَهُ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ تَنْوِينِهِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تُعَيِّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: خَيْرُ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ فَيَكُونَ فِيهِ تَفْضِيلُ الصَّلَاةِ عَلَى مَا عَدَاهَا بِخِلَافِ الْوَصْفِيَّةِ، فَلَا تُعَيِّنُ ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى مَا عَدَاهَا لَمْ تُدَّعَ هُنَا، وَإِنْ كَانَتْ حَاصِلَةً وَيَلْزَمُ عَلَى التَّنْوِينِ فَوَاتُ التَّرْغِيبِ فِيهَا الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ اسْتَكْثِرْ أَوْ أَقِلَّ، وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ هُوَ بِالْإِضَافَةِ لَا الْوَصْفِيَّةِ لِإِفَادَةِ التَّرْغِيبِ فِيهِ أَيْ خَيْرُ شَيْءٍ طُلِبَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَطْلُوبَةِ عَلَى سَبِيلِ السُّنِّيَّةِ، فَلَا يُعَارِضُ قَوْلَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ اهـ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَوَى فَوْقَ رَكْعَةٍ) فَوْقَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ عَدَدًا أَوْ قَدْرًا فَوْقَ أَيْ نَوَى الزِّيَادَةَ عَلَى رَكْعَةٍ سَوَاءٌ عَيَّنَ قَدْرًا أَوْ لَا. وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ سَيَقُولُ وَإِذَا نَوَى قَدْرًا فَلَهُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَوْ آخِرَ كُلِّ إلَخْ) نُسْخَةٌ أَوْ آخِرًا وَكُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَهِيَ الصَّوَابُ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ تَشَهَّدَ آخِرًا أَوْ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ اهـ. وَقَوْلُهُ: تَشَهَّدَ آخِرًا وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا بَعْدَهُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكُلِّ ثَلَاثٍ وَكُلِّ أَرْبَعٍ، وَهَكَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَأَكْثَرَ أَيْ فَكُلِّ أَكْثَرَ سَوَاءٌ الْأَوْتَارُ وَالْأَشْفَاعُ، وَلَا يُشْتَرَطُ تُسَاوِي الْأَعْدَادِ قَبْلَ كُلِّ تَشَهُّدٍ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ وَيَتَشَهَّدَ ثُمَّ ثَلَاثًا وَيَتَشَهَّدَ ثُمَّ أَرْبَعًا وَهَكَذَا اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَتَشَهَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُوقِعُ رَكْعَةً غَيْرَ الْأَخِيرَةِ بَيْنَ تَشَهُّدَيْنِ. قَالَ شَيْخُنَا م ر: وَهَذَا مُبْطِلٌ فِي النَّفْلِ وَالْفَرْضِ، وَخَالَفَهُ حَجّ فِي الْفَرْضِ ق ل أَيْ: إذَا لَمْ يُطِلْ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ بِأَنَّ كَيْفِيَّةَ الْفَرْضِ اسْتَقَرَّتْ فَلَمْ يُنْظَرْ لِإِحْدَاثِ مَا لَمْ يَعْهَدْ فِيهَا بِخِلَافِ النَّفْلِ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت أَنْ الْمُعْتَمَدَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا حَتَّى فِي الْفَرْضِ اج. وَقَوْلُهُ: فَلَا يَتَشَهَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَيْ ابْتِدَاءً وَقَصْدًا، فَلَوْ نَوَى رَكْعَةً وَتَشَهَّدَ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ فَأَتَى بِهَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ ثَالِثَةٍ فَأَتَى بِهَا وَتَشَهَّدَ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ رَابِعَةٍ وَهَكَذَا فَلَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا نَوَى قَدْرًا) أَيْ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَا يُتَصَوَّرُ النَّقْصُ فِي الرَّكْعَةِ وَلَا يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا ق ل. قَوْلُهُ: (فَلَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ) أَيْ وَالْإِتْيَانُ بِمَنْوِيِّهِ أَفْضَلُ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالنَّقْصُ عَنْهُ) وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ حِينَئِذٍ عِنْدَ السَّلَامِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَيْسَ لَنَا صُورَةُ يَجِبُ فِيهَا نِيَّةُ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَّا هَذِهِ. قَوْلُهُ: (إنْ نُوِيَا) أَيْ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ، وَهَذَا مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ مُتَيَمِّمٍ لِفَقْدِ الْمَاءِ، وَقَدْ وَجَدَهُ فِي أَثْنَاءِ عَدَدٍ نَوَاهُ أَمَّا هُوَ فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ كَافْتِتَاحِ صَلَاةٍ أُخْرَى ح ل. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ بِلَا نِيَّةٍ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ أَوْ جَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ فِي مَسْأَلَةِ النَّقْصِ. وَقَوْلُهُ: سَهْوًا فَتَذَكَّرَ أَوْ جَهْلًا فَعَلِمَ ح ل. وَقَوْلُهُ: إنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 صَلَاتُهُ، فَإِنْ قَامَ لِزَائِدٍ سَهْوًا فَتَذَكَّرَ قَعَدَ ثُمَّ قَامَ لِلزَّائِدِ إنْ شَاءَ، وَالنَّفَلُ الْمُطْلَقُ بِلَيْلٍ أَفْضَلُ مِنْهُ بِالنَّهَارِ، وَبِأَوْسَطِهِ أَفْضَلُ مِنْ طَرَفَيْهِ إنْ قَسَّمَهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ ثُمَّ آخِرُهُ أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ إنْ قَسَّمَهُ قِسْمَيْنِ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ، وَيُسَنُّ السَّلَامُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ نَوَاهَا أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ. وَيُسَنُّ أَنْ يَفْعَلَ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالْفَرِيضَةِ بِاضْطِجَاعٍ عَلَى يَمِينِهِ لِلِاتِّبَاعِ وَأَنْ يَقْرَأَ فِي أَوَّلِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالِاسْتِخَارَةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وَفِي الثَّانِيَةِ:   [حاشية البجيرمي] أَقْرَبَ. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: تَبْطُلُ بِشُرُوعِهِ فِي الْقِيَامِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَامَ لِزَائِدٍ) أَوْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ أَوْ مُسَاوِيًا. قَوْلُهُ: (قَعَدَ) أَيْ وُجُوبًا وَلَا تَكْفِيهِ نِيَّةُ الزِّيَادَةِ حَالَةَ قِيَامِهِ أَيْ: وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ آخِرَ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ تَعَمُّدَ قِيَامِهِ مُبْطِلٌ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ الزِّيَادَةَ قَعَدَ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَامَ) أَيْ أَوْ فَعَلَهُ مِنْ قُعُودِ بِرْمَاوِيٍّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ آخِرِهِ) أَيْ ثُمَّ مَا هُوَ بِآخِرِهِ فَهُوَ بِالْجَرِّ أَيْ: نِصْفُهُ الْآخِرُ أَفْضَلُ مِنْ نِصْفِهِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (إنْ قَسَمَهُ قِسْمَيْنِ) أَيْ نِصْفَيْنِ وَكَذَا لَوْ قَسَّمَهُ أَثْلَاثًا أَوْ أَرْبَاعًا عَلَى نِيَّةِ أَنَّهُ يَقُومُ ثُلُثًا وَاحِدًا أَوْ رُبْعًا وَاحِدًا وَيَنَامُ الْبَاقِيَ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ مَا يَقُومُهُ آخِرًا. قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ النِّصْفِ الثَّانِي السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ إذَا قَسَّمَهُ أَسْدَاسًا كَمَا فِي ح ل. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: أَيْ مِنْ الْوَسَطِ وَالْآخِرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ مِنْ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ لِجَوْفِهِ وَآخِرِهِ لِاشْتِمَالِ السُّدُسَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى بَعْضِ الْجَوْفِ وَبَعْضِ الْآخِرِ. وَقَوْلُهُ: (السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ) لِيَنَامَ السُّدُسَ السَّادِسَ فَيَكُونُ أَنْشَطَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى صَلَاةُ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ اهـ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ) وَلَوْ قَضَاءً، وَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ ابْتِدَاءً ثُمَّ صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ بَعْدَهُ لَا يَضْطَجِعُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يَضْطَجِعُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اهـ اج، فَإِنْ لَمْ يَضْطَجِعْ فَصَلَ بِكَلَامٍ غَيْرِ دُنْيَوِيٍّ فَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ بِكَلَامٍ انْتَقَلَ مِنْ مَحَلِّ السُّنَّةِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِاضْطِجَاعٍ عَلَى يَمِينِهِ) أَيْ أَوْ يَسَارِهِ وَالْيَمِينُ أَفْضَلُ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ تَذَكُّرِ ضَجْعَةِ الْقَبْرِ أَوَّلَ النَّهَارِ لِيَكُونَ بَاعِثًا لَهُ عَلَى أَعْمَالِ الْآخِرَةِ أَوْ لِإِظْهَارِ الْعَجْزِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ق ل. وَيَقُولُ فِي حَالِ اضْطِجَاعِهِ: اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَعِزْرَائِيلَ وَرَبَّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَرَنِي مِنْ النَّارِ ثَلَاثًا. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَقْرَأَ فِي أَوَّلِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إلَخْ) وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: يُنْدَبُ فِي أَوَّلِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَلَمْ نَشْرَحْ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَلِذَلِكَ قِيلَ مَنْ صَلَّاهُمَا بِأَلَمْ وَأَلَمْ لَمْ يُصِبْهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَلَمٌ رَحْمَانِيٌّ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ وَسَائِلِ الْحَاجَاتِ: بَلَغَنَا مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّالِحِينَ وَمِنْ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ أَنَّ مَنْ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَك، وَأَلَمْ تَرَ كَيْفَ قُصِرَتْ عَنْهُ يَدُ كُلِّ عَدُوٍّ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلًا. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ مُجَرَّبٌ بِلَا شَكٍّ اهـ. فَائِدَةٌ: عَنْ التِّرْمِذِيِّ الْحَكِيمِ قَالَ: رَأَيْت اللَّهَ فِي الْمَنَامِ مِرَارًا فَقُلْت لَهُ: يَا رَبُّ إنِّي أَخَافُ زَوَالَ الْإِيمَانِ فَأَمَرَنِي بِهَذَا الدُّعَاءِ بَيْنَ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَالْفَرِيضَةِ أَحَدًا وَأَرْبَعِينَ مَرَّةً، وَهُوَ هَذَا " يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْأَلُك أَنْ تُحْيِيَ قَلْبِي بِنُورِ مَعْرِفَتِك يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ". وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالدَّلَالَةِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ سَيِّدِنَا أَبِي الْعَبَّاسِ الْخَضِرِ عَنْ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «سَأَلْتُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ نَبِيٍّ عَنْ اسْتِعْمَالِ شَيْءٍ يَأْمَنُ الْعَبْدُ بِهِ مِنْ سَلْبِ الْإِيمَانِ فَلَمْ يُجِبْنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ، حَتَّى اجْتَمَعْت بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ حَتَّى أَسْأَلَ رَبَّ الْعِزَّةِ عَنْ ذَلِكَ، فَسَأَلَ رَبَّ الْعِزَّةِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ وَاظَبَ عَلَى قِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَآمَنَ الرَّسُولُ إلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَشَهِدَ اللَّهُ إلَى قَوْلِهِ الْإِسْلَامُ، وَقُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ إلَى قَوْلِهِ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَسُورَةَ الْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَالْفَاتِحَةَ عَقِبَ كُلِّ صَلَاةٍ أَمِنَ سَلْبَ الْإِيمَانِ» اهـ. وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت رَبَّ الْعِزَّةِ فِي الْمَنَامِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ مَرَّةً فَقُلْت فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 الْإِخْلَاصَ، وَيَتَأَكَّدُ إكْثَارُ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارُ فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَفِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ آكَدُ. وَعِنْدَ السَّحَرِ أَفْضَلُ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَنَذْكُرُهُ مُخْتَصَرًا لِتَتِمَّ بِهِ الْفَائِدَةُ لِحَافِظِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ. تُسَنُّ سَجَدَاتُ تِلَاوَةٍ لِقَارِئٍ وَسَامِعٍ قَصَدَ السَّمَاعَ أَمْ لَا؟ قِرَاءَةً لِجَمِيعِ آيَةِ السَّجْدَةِ مَشْرُوعَةً وَتَتَأَكَّدُ لِلسَّامِعِ بِسُجُودِ   [حاشية البجيرمي] نَفْسِي: إنْ رَأَيْته تَمَامَ الْمِائَةِ لَأَسْأَلَنَّهُ بِمَ يَنْجُو الْخَلَائِقُ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: فَرَأَيْته فَقُلْت يَا رَبُّ عَزَّ جَارُك وَجَلَّ ثَنَاؤُك وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُك بِمَ يَنْجُو عِبَادُك يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَذَابِك؟ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: مَنْ قَالَ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ: " سُبْحَانَ الْأَبَدِيِّ الْأَبَدْ، سُبْحَانَ الْوَاحِدِ الْأَحَدْ، سُبْحَانَ الْفَرْدِ الصَّمَدْ، سُبْحَانَ مَنْ رَفَعَ السَّمَاءَ بِغَيْرِ عَمَدْ، سُبْحَانَ مَنْ بَسَطَ الْأَرْضَ عَلَى مَاءٍ جَمَدْ، سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الْخَلْقَ وَأَحْصَاهُمْ عَدَدْ، سُبْحَانَ مَنْ قَسَمَ الرِّزْقَ وَلَمْ يَنْسَ أَحَدْ، سُبْحَانَ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدْ، سُبْحَانَ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدْ نَجَا مِنْ عَذَابِي ". ذَكَرَهُ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْأَحْبَابِ اهـ. وَاَلَّذِي فِيهِ إضَافَةُ سُبْحَانَ لِلَّفْظِ الْجَلَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ. وَنَصُّهَا فِيهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ رَافِعِ السَّمَاءِ إلَخْ وَفِي التَّاسِعَةِ وَنَصُّهَا فِيهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ إلَخْ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِهِ لِحِزْبِ الْبَحْرِ: قَدْ ذَكَرَ النَّاسُ وُجُوهًا وَأَذْكَارًا لِطَلَبِ الْغِنَى وَفِي الْحَدِيثِ: " مَنْ قَالَ بَيْنَ الْفَجْرِ وَالصُّبْحِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، وَسُبْحَانَ مَنْ يَمُنُّ وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِ، سُبْحَانَ مِنْ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ، سُبْحَانَ مَنْ لَا يُبْرَأُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إلَّا إلَيْهِ، سُبْحَانَ مَنْ التَّسْبِيح مِنَّةٌ مِنْهُ عَلَى مَنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ، سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ كُلُّ شَيْءِ بِحَمْدِهِ، سُبْحَانَك لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ يَا مَنْ يُسَبِّحُ لَهُ الْجَمِيعُ تَدَارَكْنِي بِعَفْوِك فَإِنِّي جَزُوعٌ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا إلَّا وَقَدْ أَتَتْهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا ". هُوَ مُجَرَّبُ الْإِفَادَةِ بِشَرْطِ التَّقْوَى كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ اهـ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ السَّحَرِ) هُوَ سُدُسُ اللَّيْلِ الْأَخِيرُ ق ل عَلَى الْمُحَلَّى. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: هُوَ مَا بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَوَاتِ وَالسَّجَدَاتِ لَيْسَتْ صَلَاةً وَذِكْرُهُمَا هُنَا أَنْسَبُ مِنْ ذِكْرِهِمَا مَعَ سُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُمَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْلَالِ كَمَا يَأْتِي. اهـ. ق ل. وَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي نِيَّتُهَا بِالْقَلْبِ إذَا كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا لَا إذَا كَانَ مَأْمُومًا شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَنَذْكُرُهُ) أَيْ مَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لَهُ. قَوْلُهُ: (تُسَنُّ سَجَدَاتُ تِلَاوَةٍ) أَيْ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ وَوَاجِبَةٌ عِنْدَ التِّلَاوَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا تَفُوتُ عِنْدَهُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ وَدَلِيلُ نَدْبِهِ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلَتِي أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرَتْ بِالسُّجُودِ فَعَصَيْتُ فَلِيَ النَّارُ» وَخَبَرُ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ شَرْحُ م ر. وَدَلِيلُنَا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ «أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُورَةَ وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهَذَا مِنْهُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ الْعَظِيمِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَأَمَّا ذَمُّهُ تَعَالَى مَنْ لَمْ يَسْجُدْ بِقَوْلِهِ: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] فَوَارِدٌ فِي الْكُفَّارِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قَالُوا سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَلَمْ يَقُولُوا سُجُودُ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ أَخَصُّ مِنْ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ لَا تَكُونُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْقِرَاءَةُ تَكُونُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا تَقُولُ فُلَانٌ قَرَأَ اسْمَهُ وَلَا تَقُولُ تَلَا اسْمَهُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التِّلَاوَةِ مِنْ قَوْلِك: تَلَا الشَّيْءَ يَتْلُوهُ إذَا تَبِعَهُ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْكَلِمَةُ تَتْبَعُ أُخْتَهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِيهَا التِّلَاوَةُ وَتُسْتَعْمَلُ فِيهَا الْقِرَاءَةُ،؛ لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 الْقَارِئِ، وَهِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةٍ: سَجْدَتَا الْحَجِّ، وَثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ فِي النَّجْمِ وَالِانْشِقَاقِ وَاقْرَأْ، وَالْبَقِيَّةُ فِي   [حاشية البجيرمي] الْقِرَاءَةَ اسْمٌ لِجِنْسِ هَذَا الْفِعْلِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ كُفْرِ مَنْ أَنْكَرَ مَشْرُوعِيَّةَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّين بِالضَّرُورَةِ أَيْ يَعْرِفُهُ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ، وَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ عَلَى الشَّيْخِ خَلِيلِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِقَارِئٍ وَسَامِعٍ) وَلَا فَرْقَ فِي الْقَارِئِ أَيْ الَّذِي يَسْجُدُ السَّامِعُ لِقِرَاءَتِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا وَلَوْ جُنُبًا مُعَانِدًا؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ وَلَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ م ر سم. أَوْ مَلِكًا أَوْ جُنُبًا أَوْ قَرَأَ آيَةً بَيْنَ يَدَيْ مُدَرِّسٍ لِيُفَسِّرهَا لَهُ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التِّلَاوَةَ فَلَا سُجُودَ لَهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: بَلْ قَصَدَ تِلَاوَتَهَا لِتَقْرِيرِ مَعْنَاهَا لَا لِقِرَاءَةِ جُنُبٍ مُسْلِمٍ بَالِغٍ وَسَكْرَانَ وَسَاهٍ وَنَائِمٍ وَلَا لِقِرَاءَةٍ فِي جِنَازَةٍ أَوْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ. وَلَا فِي نَحْوِ رُكُوعٍ لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا شَرْحُ م ر. وَالْمُرَادُ بِالْمَشْرُوعَةِ أَنْ لَا تَكُونَ مُحَرَّمَةً وَلَا مَكْرُوهَةً لِذَاتِهَا، وَأَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً وَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ مَشْرُوعَةٌ الْقِرَاءَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَالْمَكْرُوهَةُ، فَالْأُولَى كَقِرَاءَةِ الْمُسْلِمِ الْجُنُبِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ تَحْرِيمُهَا لِعَارِضٍ وَهُوَ الْجَنَابَةُ لَا لِذَاتِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ الْجَنَابَةُ قَائِمَةً بِالْقَارِئِ كَانَ تَحْرِيمُهَا لِذَاتِهَا، وَالثَّانِيَةُ كَقِرَاءَةِ الْمُصَلِّي فِي غَيْرِ الْقِيَامِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَقْصُودَةُ قِرَاءَةِ السَّكْرَانِ وَالسَّاهِي، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَكُونَ آيَتُهَا بَدَلًا عَنْ الْفَاتِحَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (قَصَدَ السَّمَاعَ) وَيُقَالُ لَهُ مُسْتَمِعٌ. قَوْلُهُ: (قِرَاءَةً) تَنَازَعَهُ قَارِئٌ وَسَامِعٌ. قَوْلُهُ: (لِجَمِيعِ آيَةِ السَّجْدَةِ) أَيْ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ سِتَّةٌ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ مَشْرُوعَةً مَقْصُودَةً مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِجَمِيعِ الْآيَةِ. وَأَنْ لَا تَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْفَاتِحَةِ هَذِهِ عَامَّةٌ فَإِنْ كَانَ مُصَلِّيًا لَا بُدَّ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِقِرَاءَتِهِ السُّجُودَ فِي غَيْرِ صُبْحِ الْجُمُعَةِ بِ الم تَنْزِيلُ، فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا شَرَطَ أَنْ لَا يَسْجُدَ إلَّا لِسُجُودِ إمَامِهِ. وَفِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ الْمُصَلِّي بِقِرَاءَتِهِ السُّجُودَ، وَإِلَّا حَرُمَ وَبَطَلَتْ بِهِ الصَّلَاةُ أَيْ غَيْرِ صُبْحِ الْجُمُعَةِ، أَمَّا هُوَ فَلَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ آيَةِ السَّجْدَةِ عِنْدَ حَجّ وَخَصَّ م ر. عَدَمَ الْبُطْلَانِ بِآيَةِ السَّجْدَةِ. قَوْلُهُ: (مَشْرُوعَةً) أَيْ وَلَوْ مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ، وَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ امْرَأَةٍ وَلَوْ بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهَا مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ كَانَ خَطِيبًا أَمْكَنَتْهُ عَلَى مِنْبَرِهِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ أَوْ أَسْفَلِهِ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، وَلَا يَجُوزُ سُجُودُ سَامِعِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْخُطْبَةِ أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ، فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَ مَعَ سُجُودِهِ، أَوْ كَانَ مُصَلِّيًا بِأَنْ قَرَأَ فِي قِيَامٍ وَسَجَدَ لِلْقِرَاءَةِ فِي السُّوقِ وَالْحَمَّامِ وَالْخَلَاءِ وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً؛ لِأَنَّهَا أَيْ الْكَرَاهَةَ لِخَارِجٍ كَمَا قَالَهُ سم وَلَا تَرِدُ قِرَاءَةُ الرُّكُوعِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ لَا يُطْلَبُ لَهَا سُجُودٌ مَعَ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ؛ لِأَنَّ نَحْوَ الرُّكُوعِ لَمَّا طُلِبَ فِيهِ ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ صَارَتْ الْقِرَاءَةُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ غَيْرَ مَشْرُوعَةٍ. وَانْظُرْ لَوْ قَرَأَ غَيْرُ الْمَيِّتِ هَلْ هُوَ كَقِرَاءَةِ النَّائِمِ لَا يَسْجُدُ لَهَا أَوْ لَا فَلْيُحَرَّرْ اج. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ قَرَأَ الْمَيِّتُ آيَةَ سَجْدَةٍ كَرَامَةً فَهَلْ يَسْجُدُ السَّامِعُ لَهُ أَمْ لَا. قَالَ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ لَا تَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِمْ فَلَا مَانِعَ أَنْ يَقْرَأَ الْمَيِّتُ قِرَاءَةً حَسَنَةً يَلْتَذُّ بِهَا، فَحِينَئِذٍ يُشْرَعُ لِسَامِعِهِ السُّجُودُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُكَلَّفًا إذْ هِيَ مِنْ الْمُمَيِّزِ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ الْمَيِّتُ كَالسَّاهِي وَالْجَمَادِ وَنَحْوِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ مُسِخَ وَقَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْمَسْخُ الْحَاصِلُ تَبَدُّلِ صِفَةٍ سَجَدَ السَّامِعُ لِقِرَاءَتِهِ آيَتَهَا؛ لِأَنَّ الْمَمْسُوخَ كَمَا ذُكِرَ آدَمِيٌّ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ تَبَدُّلُ ذَاتٍ فَلَا؛ لِأَنَّهُ إمَّا حَيَوَانٌ كَالدُّرَّةِ الْمَعْلُومَةِ فَهُوَ فَاقِدٌ لِلتَّمْيِيزِ، وَإِمَّا جَمَادٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَسْجُدُ لِقِرَاءَتِهِ اهـ. وَتَأَكُّدِهَا لِلْمُسْتَمِعِ أَقْوَى مِنْ تَأَكُّدِهَا لِلسَّامِعِ وَالْمُسْتَمِعِ هُوَ مَنْ قَصَدَ السَّمَاعَ وَالسَّامِعُ هُوَ مِنْ يَسْمَعُ سَوَاءٌ قَصَدَ السَّمَاعَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ فَكُلُّ مُسْتَمِعٍ سَامِعٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ. قَالَ م ر: وَالْأَوْجَهُ فِي قَارِئٍ وَسَامِعٍ وَمُسْتَمِعٍ لَهَا قَبْلَ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ أَنَّهُ يَسْجُدُ ثُمَّ يُصَلِّيهَا؛ لِأَنَّهُ جُلُوسٌ قَصِيرٌ لِعُذْرٍ فَلَا تَفُوتُ بِهِ فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَالسُّجُودُ أَفْضَلُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ. قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ فِي التَّحِيَّةِ مِنْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ، إذَا كَانَ الْقَارِئُ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً) وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: فَائِدَةٌ فِي سُوَرِ السُّجُودِ ... نَظَمْتهَا كَالدُّرِّ فِي الْعُقُودِ فِي الِانْشِقَاقِ سَجْدَةٌ وَالْإِسْرَا ... وَسَجْدَةُ التَّنْزِيلِ ثُمَّ اقْرَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 الْأَعْرَافِ وَالرَّعْدِ وَالنَّحْلِ وَالْإِسْرَاءِ وَمَرْيَمَ وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ والم تَنْزِيلُ وحم السَّجْدَةِ، وَمَحَالُّهَا مَعْرُوفَةٌ لَيْسَ مِنْهَا سَجْدَةُ (ص) بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ.   [حاشية البجيرمي] وَالرَّعْدِ ثُمَّ النَّجْمِ ثُمَّ النَّحْلِ ... وَمَرْيَمَ فُرْقَانِ ثُمَّ النَّمْلِ فِي الْحَجِّ ثِنْتَانِ وَفِي الْأَعْرَافِ ... وَسَجْدَةٌ فِي فُصِّلَتْ تُوَافِي أَيْ تُكْمِلُ الْعَدَدَ. وَاعْلَمْ أَنَّ ثُمَّ فِي النَّظْمِ لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ فَقَطْ. تَنْبِيهٌ: إنْ قِيلَ لِمَا اُخْتُصَّتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُ عَشْرَةَ بِالسُّجُودِ عِنْدَهَا مَعَ ذِكْرِ السُّجُودِ. وَالْأَمْرُ بِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَآخِرِ الْحِجْرِ وَهَلْ أَتَى. قُلْنَا: لِأَنَّ تِلْكَ فِيهَا مَدْحُ السَّاجِدِينَ صَرِيحًا وَذَمُّ غَيْرِهِمْ تَلْوِيحًا أَوْ عَكْسُهُ، فَشُرِعَ لَنَا السُّجُودُ حِينَئِذٍ لِغُنْمِ الْمَدْحِ تَارَةً وَالسَّلَامَةِ مِنْ الذَّمِّ أُخْرَى، وَأَمَّا مَا عَدَاهَا فَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، بَلْ نَحْوُ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدًا مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا دَخْلَ لَنَا فِيهِ فَلَمْ يُطْلَبْ مِنَّا سُجُودٌ عِنْدَهُ فَتَأَمَّلْهُ سَبْرًا وَفَهْمًا يَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ، وَأَمَّا: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113] فَهُوَ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ ذِكْرِ فَضِيلَةٍ لِمَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَجّ. أَيْ: فَهُوَ مَدْحٌ لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَكَلَامُنَا فِي مَدْحٍ عَامٍّ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ {كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لَهَا مَعَ أَنَّ فِيهَا أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (سَجْدَتَا الْحَجِّ) الْأُولَى عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] وَالثَّانِيَةُ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وَفِي الْأَعْرَافِ آخِرَهَا وَالرَّعْدِ بَعْدَ قَوْلِهِ: {بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الرعد: 15] وَالنَّحْلِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] وَقِيلَ: " يَسْتَكْبِرُونَ " وَالْإِسْرَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] وَمَرْيَمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] وَالْفُرْقَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60] وَالنَّمْلِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] والم تَنْزِيلُ {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] وَفُصِّلَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] وَالنَّجْمِ آخِرَهَا، وَالِانْشِقَاقِ {لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] . وَقِيلَ آخِرَهَا. وَفِي صَ (وَأَنَابَ) وَقِيلَ (مَآبَ) اهـ. عَنَانِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَعِبَارَةُ م د عَلَيْهِ. وَمَحَالُّ السَّجَدَاتِ مَعْرُوفَةٌ، نَعَمْ الْأَصَحُّ أَنَّ أَخِرَ آيَاتِهَا فِي النَّحْلِ يُؤْمَرُونَ وَفِي النَّمْلِ الْعَظِيمِ، وَفِي فُصِّلَتْ يَسْأَمُونَ وَفِي الِانْشِقَاقِ لَا يَسْجُدُونَ اهـ. وَالْبَقِيَّةُ لَا خِلَافَ فِيهَا، وَإِنَّمَا نَصَّ أَوَّلًا عَلَى سَجْدَتَيْ الْحَجِّ لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمُفَصَّلَ عَلَى مَا بَعْدَهُ مَعَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ لِلرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْمُفَصَّلَ لَا سَجْدَةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ مِنْهَا سَجْدَةُ صَ) قِرَاءَةُ صَ بِالْإِسْكَانِ وَبِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِينٍ وَبِهِ مَعَ التَّنْوِينِ، وَإِذَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ تُكْتَبْ حَرْفًا وَاحِدًا، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَمِنْهُمْ مِنْ يَكْتُبُهَا كَذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَكْتُبُهَا بِاعْتِبَارِ رَسْمِهَا ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ) أَيْ فَيُنْوَى بِهَا سُجُودُ الشُّكْرِ عَلَى تَوْبَةِ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَجَدَهَا شُكْرًا عَلَى قَبُولِ تَوْبَتِهِ أَيْ: مِنْ خِلَافِ الْأُولَى الَّذِي ارْتَكَبَهُ وَهُوَ إضْمَارُهُ أَنَّ وَزِيرَهُ إنْ مَاتَ تَزَوَّجَ بِزَوْجَتِهِ، لَكِنَّ قَبُولَ تَوْبَةِ دَاوُد مِنْ النِّعَمِ الْمُسْتَمِرَّةِ، فَلَعَلَّ السُّجُودَ لَهَا مُسْتَثْنًى مِنْ تَجَدُّدِ النِّعْمَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ وُجِدَ بَعْدَ إنْ لَمْ يَكُنْ تَأَمَّلْ بِلُطْفٍ سم وَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةِ التِّلَاوَةِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " صَ لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ ". أَيْ: لَيْسَتْ مِنْ مُؤَكَّدَاتِهِ اهـ خ ض. وَلَوْ قَرَأَهَا نَحْوَ حَنَفِيٍّ وَسَجَدَهَا فِي الصَّلَاةِ تَخَيَّرَ الشَّافِعِيُّ الْمُقْتَدِيَ بِهِ بَيْنَ الْمُفَارَقَةِ وَالِانْتِظَارِ، فَإِنْ تَابَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لَكِنَّ سُجُودَ الْإِمَامِ لَهَا وَلَوْ اعْتِقَادًا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ السَّهْوِ فَيُسَنُّ وَلَا يُنَافِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا لَا يَرَى الْمَأْمُومُ جِنْسَهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي م ر وَعِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ فِي سُورَةِ صَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} [ص: 24] ابْتَلَيْنَاهُ بِالذَّنْبِ أَوْ امْتَحَنَّاهُ بِالْحُكُومَةِ هَلْ تَنَبَّهَ بِهَا {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} [ص: 24] لِذَنْبِهِ {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: 24] أَيْ سَاجِدًا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 تُسَنُّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَيَسْجُدُ مُصَلٍّ لِقِرَاءَتِهِ إلَّا مَأْمُومًا، فَلِسَجْدَةِ إمَامِهِ فَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ إمَامِهِ أَوْ سَجَدَ هُوَ دُونَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيُكَبِّرُ الْمُصَلِّي كَغَيْرِهِ نَدْبًا لِهَوِيٍّ وَلِرَفْعٍ مِنْ السَّجْدَةِ بِلَا رَفْعِ يَدٍ فِي الرَّفْعِ. مِنْ السَّجْدَةِ كَغَيْرِ الْمُصَلِّي، وَأَرْكَانُ السَّجْدَةِ لِغَيْرِ مُصَلٍّ تَحَرُّمٌ وَسُجُودٌ وَسَلَامٌ وَشُرُوطُهَا كَصَلَاةٍ، وَأَنْ لَا يَطُولَ فَصْلٌ عُرْفًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ قِرَاءَةِ الْآيَةِ،   [حاشية البجيرمي] تَسْمِيَةِ السُّجُودِ رُكُوعًا؛ لِأَنَّهُ مَبْدَؤُهُ أَوْ خَرَّ لِلسُّجُودِ رَاكِعًا كَأَنَّهُ أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْ الِاسْتِغْفَارِ، وَأَنَابَ أَيْ رَجَعَ إلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ قَوْلُهُ: وَأَقْصَى مَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْإِشْعَارُ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا لِغَيْرِهِ وَكَانَ لَهُ أَمْثَالُهُ، فَنَبَّهَهُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ فَاسْتَغْفَرَ وَأَنَابَ عَنْهُ؛ وَمَا رُوِيَ أَنْ بَصَرَهُ وَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ فَعِشْقَهَا وَسَعَى حَتَّى تَزَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ مِنْهُ سُلَيْمَانَ إنْ صَحَّ فَلَعَلَّهُ خَطَبَ مَخْطُوبَتَهُ أَوْ اسْتَنْزَلَهُ عَنْ زَوْجَتِهِ وَكَانَ ذَلِكَ مُعْتَادًا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَقَدْ وَاسَى الْأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَمَا قِيلَ إنَّهُ أَرْسَلَ أُورْيَا إلَى الْجِهَادِ مِرَارًا وَأَمَرَ أَنْ يُقَدَّمَ لِلْقِتَالِ حَتَّى قُتِلَ فَتَزَوَّجَهَا فَهُوَ افْتِرَاءٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثِ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا يَرْوِيهِ الْقُصَّاصُ جَلَدْته مِائَةً وَسِتِّينَ جَلْدَةً قَالَ م ر وَإِنَّمَا خَصَّ دَاوُد بِذَلِكَ مَعَ وُقُوعِ نَظِيرِهِ لِآدَمَ وَأَيُّوبَ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكِ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَقِيَ مِمَّا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ حَتَّى نَبَتَ مِنْ دُمُوعِهِ الْعُشْبُ وَالْقَلَقُ الْمُزْعِجُ مَا لَقِيَهُ، فَجُوزِيَ بِأَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَعُلُوِّ قُرْبِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ سَجَدَ لِتَوْبَتِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (تُسَنُّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) أَيْ وَتَحْرُمُ فِيهَا وَتَبْطُلُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ انْضَمَّ لِقَصْدِ الشُّكْرِ قَصْدُ التِّلَاوَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُبْطِلُ وَغَيْرُهُ غَلَبَ الْمُبْطِلُ كَمَا قَالَهُ الرَّحْمَانِيُّ وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ التِّلَاوَةَ وَحْدَهَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ قَصْدَ التِّلَاوَةِ إنَّمَا يَكُونُ مَانِعًا لَلْبُطْلَانِ حَيْثُ كَانَ مِنْ السَّجَدَاتِ الْمَشْرُوعَةِ وَهُوَ هُنَا لَيْسَ مَشْرُوعًا وَكُلٌّ مِنْ قَصْدِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ مُبْطِلٌ قَالَهُ ع ش. وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ أَيْ فِي قَوْلِهِ تُسَنُّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ الطَّوَافُ وَإِلْحَاقُهُ بِالصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهَا، وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ وَالْبُطْلَانِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْعَالِمِ الْعَامِدِ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ إمَامِهِ) أَيْ قَاصِدًا عَدَمَ السُّجُودِ بَطَلَتْ بِهَوِيِّ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَبِرَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ) أَيْ إنْ لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ قَوْلُهُ: (وَيُكَبِّرُ الْمُصَلِّي إلَخْ) أَيْ وَيَنْوِي سُجُودَ التِّلَاوَةِ حَتْمًا مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ وَلَا تَكْبِيرٍ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لَمْ تَشْمَلْهَا وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَرَأَ لَا يَقْصِدُ السُّجُودَ. أَمَّا لَوْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ آيَةَ سَجْدَةٍ أَوْ سُورَتَهَا بِقَصْدِ السُّجُودِ فِي غَيْرِ الم تَنْزِيلُ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ. أَمَّا صُبْحُ الْجُمُعَةِ فَلَا يَضُرُّ قَصْدُ الم لِلسُّجُودِ. قَوْلُهُ: (تَحَرُّمٌ) أَيْ تَكْبِيرُهُ التَّحَرُّمَ مَعَ النِّيَّةِ، فَالْأَرْكَانُ أَرْبَعَةٌ، فَإِنْ عُدَّتْ الطُّمَأْنِينَةُ فِي السُّجُودِ رُكْنًا فَخَمْسَةٌ وَإِنْ عُدَّ الْقُعُودُ لِلسَّلَامِ رُكْنًا فَهِيَ سِتَّةٌ، وَمِثْلُ الْقُعُودِ الِاضْطِجَاعُ إنْ سَجَدَهَا مِنْ اضْطِجَاعٍ كَمَا فِي م ر. وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ النِّيَّةِ لِدُخُولِهَا فِي التَّحَرُّمِ؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ مَعَهُ. قَوْلُهُ: (وَسُجُودٌ) وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ الَّذِي فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَك أَجْرًا وَضَعْ بِهَا عَنِّي وِزْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَك ذُخْرًا وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتهَا مِنْ عَبْدِك دَاوُد قَالَهُ ق ل. وَظَاهِرُهُ، أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ مِنْ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ، وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الرَّحْمَانِيِّ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ خَاصٌّ بِسَجْدَةِ صَ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ الظَّاهِرُ، وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ: سَجْدَةُ صَ بَعْدَ وَأَنَابَ يُسَنُّ فِيهَا مَعَ ذِكْرِهَا الْمَشْرُوعِ فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ اُكْتُبْ إلَى آخِرِهِ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَيَقُولُ فِيهَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلْقَهُ إلَى آخِرِهِ، وَلَوْ سَجَدَ بِقَصْدِ الشُّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ لَا يَضُرُّ فَقَدْ قَالَ م ر: إنَّهَا مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ سَجْدَةِ مَحْضِ التِّلَاوَةِ وَسَجْدَةِ الشُّكْرِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَسَلَامٌ) أَيْ بَعْدَ جُلُوسِهِ كَمَا قَالَهُ م ر. قَالَ قَالَ: وَسَكَتَ عَنْ الْجُلُوسِ قَبْلَ السَّلَامِ. وَلَعَلَّهُ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ كَابْنِ حَجَرٍ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا م ر وُجُوبَ أَحَدِ أَمْرَيْنِ الْجُلُوسِ أَوْ الِاضْطِجَاعِ. قَوْلُهُ: (وَشَرْطُهَا كَصَلَاةٍ) فَيُعْتَبَرُ لِصِحَّتِهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ كَالطَّهَارَةِ وَالسَّتْرِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَتَرْكٍ نَحْوَ كَلَامٍ، وَوَضْعِ الْجَبْهَةِ مَكْشُوفَةً بِتَحَامُلٍ عَلَى غَيْرِ مَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ وَوَضْعِ جُزْءٍ مِنْ بَاطِنِ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَمِنْ الرُّكْبَتَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَا دُخُولُ وَقْتِهَا. وَهُوَ فِي حَقِّ الْقَارِئِ وَسَامِعِهِ إتْمَامُ آيَتِهَا، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ إتْمَامِ حُرُوفِهَا أَوْ سَمَاعِ ذَلِكَ اتِّفَاقًا اهـ. خ ض. قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يَطُولَ فَصْلٌ عُرْفًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ قِرَاءَةِ الْآيَةِ) فَإِنْ طَالَ لَمْ يَسْجُدْ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا بِالتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْآيَةِ ، وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا تَدْخُلُ صَلَاةً وَتُسَنُّ لِهُجُومِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ، أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلَى أَوْ فَاسِقٍ مُعْلِنٍ، وَيُظْهِرُهَا لِلْفَاسِقِ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرَهُ لَا لِمُبْتَلًى لِئَلَّا يَتَأَذَّى وَهِيَ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَلِمُسَافِرٍ فِعْلُهُمَا كَنَافِلَةٍ، وَيُسَنُّ مَعَ   [حاشية البجيرمي] الْقِرَاءَةِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ فِيهَا لِتَعَلُّقِهَا بِسَبَبٍ عَارِضٍ كَالْكُسُوفِ، فَإِنْ لَمْ يُطِلْ أَتَى بِهَا وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا وَتَطَهَّرَ عَنْ قُرْبٍ شَرْحُ م ر وَمَحَلُّ عَدَمِ دُخُولِ الْقَضَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ السُّجُودُ وَاجِبًا بِأَنْ نَذْرَهُ فَقَدْ قَالَ سم: لَوْ نَذَرَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَطَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالسُّجُودِ هَلْ تَفُوتُ وَيَأْثَمُ أَوْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ؟ ، وَوَافَقَ م ر عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ يَجِبُ قَضَاؤُهَا اهـ اج. وَعِبَارَةُ ق ل أَيْ: فَتَفُوتُ بِطُولِ الْفَصْلِ عُرْفًا وَلَوْ سَهْوًا وَجَهْلًا وَبِالْإِعْرَاضِ وَلَا تُقْضَى. قَوْلُهُ: (وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْآيَةِ) سَوَاءٌ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ أَوْ الرَّكْعَةُ أَوْ لَا. وَلَهُ أَنْ يَسْجُدَ فِي كُلِّ مَرَّة عَقِبَهَا أَوْ يُؤَخِّرَ السُّجُودَ. وَحِينَئِذٍ إذَا سَجَدَ وَقَصَدَ السُّجُودَ عَنْ الْكُلِّ أَجْزَأَهُ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَصَدَ بِكُلِّ سَجْدَةٍ مَرَّةً جَازَ سَوَاءٌ رَتَّبَ أَوْ لَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَقْصُودِ وَسُجُودِهَا ق ل. وَعِبَارَتُهُ عَلَى التَّحْرِيرِ: فَلَوْ كَرَّرَ الْآيَةَ سَجَدَ لِكُلِّ مَرَّةٍ عَقِبَهَا فَإِنْ أَخَّرَ السُّجُودَ فَاتَ لِمَا طَالَ فِيهِ الْفَصْلُ وَيَسْجُدُ لِغَيْرِهِ بِعَدَدِهِ إنْ شَاءَ وَيَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُ إنْ قَصَدَهُ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَصَدَ بَعْضَهُ فَاتَ بَعْضُهُ. قَوْلُهُ: (لِهُجُومِ نِعْمَةٍ) ظَاهِرَةٍ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ فَخَرَجَ بِالْهُجُومِ النِّعْمَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ كَالْعَافِيَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ فَلَا سُجُودَ لَهَا، وَبِالظَّاهِرَةِ وَهِيَ مَا لَهَا وَقْعٌ مَا لَا وَقْعَ لَهُ كَدِرْهَمٍ وَبِمَا بَعْدَهُ مَا لَوْ تَسَبَّبَ فِيهَا كَرِبْحٍ بَعْدَ التِّجَارَةِ، فَالْمُرَادُ بِهُجُومِ النِّعْمَةِ وُجُودُهَا فِي وَقْتٍ لَمْ يَتَيَقَّنْ وُجُودَهَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَقِّعًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ النِّعْمَةُ لَهُ أَوْ لِوَالِدَيْهِ أَوْ لِأَهْلِهِ أَوْ لِصَدِيقِهِ أَوْ لِمَنْ يَعُمُّ النَّفْعُ بِهِ كَعَالِمٍ أَوْ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ كَالْمَطَرِ عِنْدَ الْقَحْطِ؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْمَعْمُولِ يُؤْذِنُ بِالْعُمُومِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ خَاصَّةً بِمُسْلِمٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ فَلَا يَسْجُدُ لَهَا، وَتَفْسِيرُنَا الظَّاهِرَةَ بِمَا لَهَا وَقْعٌ أَوْلَى مِمَّا قَالَهُ خ ض حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ بِكَوْنِهِمَا ظَاهِرَتَيْنِ لِيُخْرِجَ الْبَاطِنَتَيْنِ كَالْمَعْرِفَةِ وَسَتْرِ الْمَسَاوِئِ، فَلَا يَسْجُدُ لَهُمَا وَهُوَ ضَعِيفٌ تَابِعٌ فِيهِ لِشَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَاعْتَمَدَ الْحَلَبِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ السُّجُودَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّاهِرَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا وَقْعٌ لَا مُقَابِلَ الْبَاطِنَتَيْنِ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (أَوْ انْدِفَاعُ نِقْمَةٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَدْخُولِ هُجُومٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْهُجُومِ فِيهَا أَيْضًا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ التُّحْفَةِ، وَشَرْحِ الْبَهْجَةِ، وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلُهُ: أَوْ انْدِفَاعُ نِقْمَةٍ عَنْهُ أَوْ عَنْ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاءٌ كَانَ يَتَوَقَّعُهَا أَمْ لَا لِأَنَّ حَذْفَ الْمُتَعَلِّقِ يُؤْذِنُ بِالْعُمُومِ، وَانْظُرْ لَوْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْمُقْتَضَيَاتُ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي آنٍ وَاحِدٍ، فَهَلْ يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الِاكْتِفَاءُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ لِحُصُولِ أَصْلِ السُّنَّةِ، وَأَمَّا كَمَالُهَا فَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّعَدُّدِ فَلْيُرَاجَعْ بَابِلِيٌّ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ رُؤْيَةُ مُبْتَلًى) أَوْ عَاصٍ أَيْ: وَإِنْ كَانَ الرَّائِي كَذَلِكَ، نَعَمْ إنْ اتَّحَدَا نَوْعًا وَصِفَةً وَمَحَلًّا لَمْ يَسْجُدْ أَحَدُهُمَا لِرُؤْيَةِ الْآخَرِ، وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ وَلَوْ مِنْ بُعْدٍ وَإِنْ لَمْ يُعَدَّ مُجْتَمِعًا مَعَهُ عُرْفًا كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ أَيْضًا مَا يَشْمَلُ الْعِلْمَ بِهِ لِيَدْخُلَ الْأَعْمَى إذَا سَمِعَ صَوْتَهُ وَمَنْ فِي ظُلْمَةٍ مَثَلًا وَشَمِلَ الْمُبْتَلَى وَلَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَإِنَّمَا يَسْجُدُ لِلْعِلْمِ بِمُبْتَلًى بِغَيْرِ بَلَائِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ، لَكِنَّهُ أَعْظَمُ إنْ كَانَ لِلْمُعَافَاةِ مِنْ بَلَائِهِ، فَإِنْ كَانَ لِزَجْرِهِ بِأَنْ حَصَلَ مِنْ حَدٍّ سَجَدَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ بَلَائِهِ. وَقَيَّدَ سم نَدْبَ سُجُودِ الْفَاسِقِ لِمِثْلِهِ بِمَا إذَا أَرَادَ زَجْرَهُ لَا الْمُعَافَاةَ مِنْ بَلَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ عَمِيرَةُ: وَلَوْ هَجَمَتْ النِّعْمَةُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمُبْتَلَى وَالْعَاصِي كَفَاهُ سُجُودُ وَاحِدٍ كَنَظِيرِهِ مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ قَالَ م د فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ. وَالْمُعْتَمَدُ، أَنَّهُ يَكْفِي سُجُودٌ وَاحِدٌ إذَا تَعَدَّدَتْ الْأَسْبَابُ. قَوْلُهُ: (أَوْ فَاسِقٍ) وَمِنْهُ الْكَافِرُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْصِيَةِ أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً، فَالْفَاسِقُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ الْعَاصِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا كَمُرْتَكِبِ الصَّغِيرَةِ مِنْ غَيْرِ إصْرَارٍ، فَالْمُعْتَمَدُ اسْتِحْبَابُ السُّجُودِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَمْ لَا. فَسَقَ أَمْ لَمْ يَفْسُقْ. كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَيُظْهِرُهَا) أَيْ السَّجْدَةَ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرَهُ أَيْ إنْ أَمِنَ نَفْسًا وَمَالًا وَعِرْضًا، وَإِلَّا أَخْفَاهَا وَيَقْصِدُ بِهَا التَّعْيِيرَ لَهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ، فَإِنْ لَمْ يَتَجَاهَرْ بِمَعْصِيَتِهِ فَلَا سُجُودَ لِرُؤْيَتِهِ. قَوْلُهُ: (لَا لِمُبْتَلًى لِئَلَّا يَتَأَذَّى) بِالْإِظْهَارِ، نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ كَمَقْطُوعٍ فِي سَرِقَةٍ أَوْ مَجْلُودٍ فِي زِنًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِتَوْبَتِهِ أَظْهَرَهَا لَهُ وَإِلَّا فَيُسِرُّ بِهَا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ كَسَجْدَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 سَجْدَةِ الشُّكْرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الصَّدَقَةُ، وَلَوْ تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ بِسَجْدَةٍ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ حَرُمَ. وَمِمَّا يَحْرُمُ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ مِنْ السُّجُودِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ وَلَوْ إلَى الْقِبْلَةِ، أَوْ قَصَدَهُ لِلَّهِ تَعَالَى. وَفِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. فَصْلٌ: فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا وَسُنَنِهَا السُّنَنُ أَبْعَاضٌ وَهِيَ الَّتِي تُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَهَيْئَاتٌ وَهِيَ لَا تُجْبَرُ. وَالرُّكْنُ كَالشَّرْطِ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيُفَارِقُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَيَجِبُ اسْتِمْرَارُهُ فِيهَا كَالطُّهْرِ وَالسِّتْرِ. وَالرُّكْنُ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَالرُّكُوعِ   [حاشية البجيرمي] التِّلَاوَةِ) وَتَفُوتُ بِطُولِ الْفَصْلِ وَالْإِعْرَاضِ وَلَوْ مَعَ قِصَرِهِ وَلَا تُقْضَى إنْ فَاتَتْ وَلَوْ مَنْذُورَةً وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ السَّبَبِ وَلَوْ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ كَعَاصٍ فَيَسْجُدُ كُلَّمَا رَآهُ وَلَهُ جَمْعُ أَسْبَابٍ فِي سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ فِي سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَصِحُّ، وَفَارَقَ الطَّهَارَةَ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّدَاخُلِ قَالَهُ ق ل. وَالْحَلَبِيُّ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاك بِهِ وَفَضَلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ تَفْضِيلًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سِرًّا، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ طُولَ عُمْرِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَفْرَحُونَ بِالْمَصَائِبِ نَظَرًا إلَى ثَوَابِهَا، فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَفْرَحَ بِالْمَرَضِ كَمَا يَفْرَحُ بِالصِّحَّةِ وَيَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي أَيَّامِ الْبَلَاءِ وَأَيَّامِ الرَّخَاءِ، فَمَا قَضَى اللَّهُ لِعَبْدٍ أَمْرًا إلَّا وَكَانَتْ لَهُ الْخِيرَةُ فِيهِ وَالشُّكْرُ قَيْدُ النِّعَمِ الْمَوْجُودَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُهَا وَصَيْدُ النِّعَمِ الْمَفْقُودَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وَأَوْحَى اللَّهُ إلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ: أَنْزَلْت بِعَبْدِي بَلَائِي فَدَعَانِي فَمَاطَلْته بِالْإِجَابَةِ فَشَكَانِي فَقُلْت عَبْدِي كَيْفَ أَرْحَمُك مِنْ شَيْءٍ بِهِ أَرْحَمُك؟ وَلِذَا قِيلَ: وَإِذَا بُلِيت بِعُسْرَةٍ فَاصْبِرْ لَهَا ... صَبْرَ الْكِرَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْزَمُ لَا تَشْكُوَنَّ إلَى الْعِبَادِ فَإِنَّمَا ... تَشْكُو الرَّحِيمَ إلَى الَّذِي لَا يَرْحَمُ قَوْلُهُ: (وَلِمُسَافِرٍ فِعْلُهُمَا) أَيْ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا. قَوْلُهُ: (بِسَجْدَةٍ) أَيْ أَوْ بِرُكُوعٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ) أَيْ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا وَهِيَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَالسَّهْوِ. قَوْلُهُ: (حَرُمَ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ السَّجْدَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَمِثْلُ السَّجْدَةِ رُكُوعٌ مُنْفَرِدٌ وَنَحْوُهُ فَيَحْرُمُ التَّقَرُّبُ بِهِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (مِنْ السُّجُودِ إلَخْ) هَلْ مِثْلُهُ مَا يَقَعُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ الِانْحِنَاءِ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ، أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَقْرُبُ إلَى السُّجُودِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مِثْلُهُ اهـ ع ش بِحُرُوفِهِ. وَأَمَّا تَقْبِيلُ أَعْتَابِ الْمَشَايِخِ فَمُسْتَحَبٌّ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَصَدَهُ لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ؛ لِأَنَّهَا سَجْدَةٌ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ. قَوْلُهُ: (مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ) أَيْ إذَا قَصَدَ تَعْظِيمَهُ كَتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. ق ل وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ] فَصْلٌ: فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَيْ شُرُوطِ أَدَائِهَا؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلِ: شُرُوطُ وُجُوبٍ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ السَّابِقَةُ فِي قَوْلِهِ: وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْخُلُوُّ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. وَالثَّانِي: شُرُوطُ أَدَاءً وَهُوَ شُرُوطُ صِحَّةِ الْمُبَاشَرَةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِمَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الشَّرَائِطُ؛ لِأَنَّ الشَّرَائِطَ جَمْعُ شَرِيطَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ اهـ. ع ش عَلَى الْغَزِّيِّ. قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانِهَا وَسُنَنِهَا) اعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيُتَرْجِمُ كُلًّا مِنْهُمَا بِفَصْلٍ مُسْتَقِلٍّ، فَهَذَا الْفَصْلُ خَاصٌّ بِالشُّرُوطِ فَكَانَ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ هُنَا مُطْلَقُ الصَّلَاةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا عَكْسُ مَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ فَصْلٌ وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ إلَخْ. فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَاكَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَتَقَدَّمَ لَهُ نَظِيرٌ فِي قَوْلِهِ: وَاَلَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وَالسُّجُودِ فَخَرَجَ بِتَعْرِيفِ الشَّرْطِ التَّرْكُ كَتَرْكِ الْكَلَامِ، فَلَيْسَتْ بِشُرُوطٍ، كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بَلْ مُبْطِلَةٌ لِلصَّلَاةِ كَقَطْعِ النِّيَّةِ، وَقِيلَ إنَّهَا شُرُوطٌ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ. وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ أَنَّ الْكَلَامَ الْيَسِيرَ نَاسِيًا لَا يَضُرُّ وَلَوْ كَانَ تَرْكُهُ مِنْ الشُّرُوطِ لَضَرَّ. فَائِدَةٌ: قَدْ شُبِّهَتْ الصَّلَاةُ بِالْإِنْسَانِ، فَالرُّكْنُ كَرَأْسِهِ، وَالشَّرْطُ كَحَيَاتِهِ، وَالْبَعْضُ كَأَعْضَائِهِ، وَالْهَيْئَةُ كَشَعْرِهِ. وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَشَرَائِطُ الصَّلَاةِ) جَمْعُ شَرْطٍ وَالشَّرْطُ بِسُكُونِ الرَّاءِ لُغَةً الْعَلَّامَةُ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا وَاصْطِلَاحًا   [حاشية البجيرمي] وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَفَرَائِضُ الْغُسْلِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْغُسْلِ الْأَوَّلِ الْوَاجِبُ فَقَطْ وَبِالثَّانِي مَا هُوَ أَعَمُّ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ الشَّرْطَ إلَخْ) أَوْ يُقَالُ الشَّرْطُ مَا قَارَنَ كُلَّ مُعْتَبَرٍ سِوَاهُ كَالطُّهْرِ وَالسَّتْرِ، فَإِنَّهُمَا يُعْتَبَرَانِ لِلرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ، وَالرُّكْنُ مَا اُعْتُبِرَ فِيهَا لَا بِهَذَا الْوَجْهِ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهَذَا يُخْرِجُ التَّوَجُّهَ لِلْقِبْلَةِ فِي كَوْنِهِ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ شَرْطٌ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا حَاصِلٌ فِي غَيْرِهِمَا أَيْضًا عُرْفًا، إذْ يُقَالُ عَلَى الْمُصَلِّي حِينَئِذٍ إنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهَا لَا مُنْحَرِفٌ عَنْهَا مَعَ أَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا بِبَعْضِ الْبَدَنِ حَقِيقَةً أَيْضًا، وَذَلِكَ كَافٍ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ) الْمُرَادُ بِالتَّقَدُّمِ عَدَمُ التَّأَخُّرِ، وَإِلَّا فَالشَّرْطُ الْمُقَارَنَةُ حَتَّى لَوْ وُجِدَ السَّتْرُ مَثَلًا مُقَارِنًا لِأَوَّلِ التَّكْبِيرِ كَفَى. قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ بِتَعْرِيفِ الشَّرْطِ إلَخْ) أَيْ التَّعْرِيفِ الَّذِي تَضْمَنَّهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالرُّكْنِ. قَوْلُهُ: (التُّرُوكُ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمَوَانِعِ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَتْ بِشُرُوطٍ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا وُجُودِيًّا وَهُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ الْمَانِعِ إذْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِعْدَامِ. قَوْلُهُ: (بَلْ مُبْطِلَةٌ) صَوَابُهُ بَلْ مُتَعَلِّقَاتُهَا وَهِيَ الْمُضَافُ إلَيْهِ كَالْكَلَامِ وَنَحْوِهِ، فَالْمُرَادُ بِالْمُتَعَلِّقَاتِ الْمَعْمُولَاتُ مُبْطِلَةٌ، فَإِنَّ تَرْكَ الْكَلَامِ وَنَحْوَهُ لَيْسَ هُوَ الْمُبْطِلُ بَلْ الْمُبْطِلُ الْكَلَامُ وَنَحْوُهُ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إنَّهَا شُرُوطٌ) أَيْ تَجَوُّزًا بِأَنْ يُرَادَ بِالشَّرْطِ مَا يَتَوَقَّفُ الشَّيْءُ عَلَيْهِ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا. قَوْلُهُ: (وَيَشْهَدُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ قَدْ عُفِيَ عَنْ بَعْضِ النَّجَاسَاتِ، وَعَنْ وُقُوعِهَا عَلَيْهِ إذَا أَزَالَهَا حَالًا وَعَنْ كَشْفِ عَوْرَةٍ سَتَرَهَا حَالًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَالسَّتْرَ مِنْ الشُّرُوطِ اتِّفَاقًا ق ل. قَوْلُهُ: (نَاسِيًا) إسْنَادُ النِّسْيَانِ إلَى الْكَلَامِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ نَاسِيًا صِفَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ لَا لِلْكَلَامِ، وَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْكَلَامَ مَعَ النِّسْيَانِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ تَرْكُهُ مِنْ الشُّرُوطِ لَضَرَّ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي مِنْ الشُّرُوطِ تَرْكُ الْكَلَامِ الْيَسِيرِ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْكَلَامُ الْيَسِيرُ عَمْدًا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَالشَّرْطُ كَحَيَاتِهِ) الْحَيَاةُ صِفَةُ تَصَحُّحٍ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ أَنْ يَتَّصِفَ بِالْإِدْرَاكِ فَهِيَ غَيْرُ الْحَيَوَانِيَّةِ فَصَحَّ تَشْبِيهُ الشَّرْطِ بِهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ م د. قَوْلُهُ: (كَشَعْرِهِ) أَيْ الَّذِي يَتَزَيَّنُ بِهِ كَشَعْرِ اللِّحْيَةِ فَخَرَجَ شَعْرٌ نَحْوَ الْعَانَةِ وَالْإِبْطِ. قَوْلُهُ: (جَمْعُ شَرْطٍ) صَوَابُهُ جَمْعُ شَرِيطَةٍ بِمَعْنَى خَصْلَةٍ مَشْرُوطَةٍ لِأَنَّ شَرْطًا جَمْعُهُ شُرُوطٌ عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ وَبِفَعُولٍ فَعِلْ نَحْوَ كَبِدْ إلَى أَنْ قَالَ فِي فَعِلْ اسْمًا مُطْلَقٌ أَلِفَا ... كَذَاك يَطَّرِدُ لِأَنَّ جَمْعَهُ شَرَائِطُ تَأَمَّلْ لِأَنَّ شَرَائِطَ جَمْعُ شَرِيطَةٍ لِأَنَّ فَعِيلَةَ تُجْمَعُ عَلَى فَعَائِلَ كَكَرِيمَةٍ وَكَرَائِمَ قَوْلُهُ لُغَةً الْعَلَامَةُ وَيُطْلَقُ لُغَةً أَيْضًا عَلَى تَعْلِيقِ أَمْرٍ بِأَمْرِ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْمُسْتَقْبِلِ أَيْ يَقَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ عَلَّقَ الشَّارِعُ هُنَا صِحَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى وُجُودِ شَرَائِطِهَا فَكَأَنَّهُ يَقُولُ إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ صَحَّتْ الصَّلَاةُ كَمَا لَوْ عَلَّقَ الْإِنْسَانُ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ وَيُعَبِّرُ عَنْهُ أَيْضًا بِإِلْزَامِ الشَّيْءِ وَالْتِزَامِهِ وَالْإِلْزَامُ مِنْ جِهَةِ الشَّارِطِ وَالِالْتِزَامُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ فَالشَّارِعُ أَلْزَمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ، وَالْمَانِعُ لُغَةً الْحَائِلُ وَاصْطِلَاحًا مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ كَالْكَلَامِ فِيهَا عَمْدًا، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الشُّرُوطِ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ (قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا) أَيْ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهَا (خَمْسٌ) الْأَوَّلُ: (طَهَارَةُ الْأَعْضَاءِ مِنْ الْحَدَثِ) الْأَصْغَرُ وَغَيْرُهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا عِنْدَ إحْرَامِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ مُتَطَهِّرًا فَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ غَيْرُ الدَّائِمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ، وَلَوْ صَلَّى نَاسِيًا لِلْحَدَثِ أُثِيبَ عَلَى قَصْدِهِ لَا عَلَى فِعْلِهِ إلَّا الْقِرَاءَةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَفِي إثَابَتِهِ عَلَى الْقِرَاءَةِ إذَا كَانَ جُنُبًا نَظَرٌ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِثَابَةِ، وَالْحَدَثُ لُغَةً هُوَ الشَّيْءُ الْحَادِثُ وَاصْطِلَاحًا أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَعْنًى يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ بِتَبْعِيضِهِ وَارْتِفَاعِهِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ (وَ) طَهَارَةُ (النَّجَسِ) الَّذِي لَا   [حاشية البجيرمي] الْمُكَلَّفَ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا إلَخْ قَوْلُهُ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ إلَخْ أَيْ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ إلَخْ فَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَشْمَلُ الرُّكْنَ فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ الْمَانِعُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ شَيْءٌ وَبِالثَّانِي السَّبَبُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَبِالثَّالِثِ أَعْنِي قَوْلَنَا لِذَاتِهِ اقْتِرَانُ الشَّرْطِ بِالسَّبَبِ كَوُجُودِ الْحَوْلِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ مَعَ النِّصَابِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ بِالْمَانِعِ كَالدَّيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَانِعٌ لِوُجُوبِهَا لِلُزُومِ الْوُجُودِ فِي الْأَوَّلِ وَالْعَدَمُ فِي الثَّانِي لَكِنْ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَالْمَانِعِ لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ وَهَذَا التَّعْرِيفُ لِلشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَأَمَّا شَرْطُ الصَّلَاةِ خَاصَّةً فَهُوَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهَا مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اهـ. قَوْلُهُ لِذَاتِهِ رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ فَلَا يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ وَلَا عَلَى الثَّانِي مَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَلَا عَلَى الثَّالِثِ الْمَانِعُ كَحُصُولِ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي ق ل قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الشُّرُوطِ يُتَأَمَّلُ مَا فِيهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْخَمْسِ مِنْ الشُّرُوطِ لَا يُعْتَبَرُ لِلصِّحَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مِنْ بَيَانِيَّةٌ أَيْ وَالْمُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ الشُّرُوطُ خَمْسٌ إلَخْ وَالْحَصْرُ إضَافِيٌّ وَالْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ هُنَاكَ غَيْرُ الْخَمْسِ م د قَوْلُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا أَيْ مَعَ اسْتِمْرَارِهَا فِيهَا كَمَا مَرَّ وَاعْتِبَارُ الْقَبْلِيَّةِ لَتَحَقُّقِ الْمُقَارَنَةِ فَلَوْ أَمْكَنَتْ الْمُقَارَنَةُ كَفَتْ كَسُتْرَةٍ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مُقَارِنَةً لِأَوَّلِ التَّكْبِيرَةِ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِتَمَامِهَا دُخُولُهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا وَلَوْ قَارَنَتْهَا نَجَاسَةٌ وَأُزِيلَتْ قَبْلَ تَمَامِهَا لَمْ تَصِحَّ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَنْسُوبِينَ إلَى الْعِلْمِ ق ل وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ الدُّخُولِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَتَقَدَّمَ أَوْ تُقَارِنَ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ الشُّرُوطِ قَوْلُهُ فَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ التَّقْيِيدُ بِالسَّبْقِ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بَلْ يَتَطَهَّرُ عَنْ قُرْبٍ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ لِعُذْرِهِ وَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ فَلَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ بَطَلَتْ قَطْعًا وَقَوْلُهُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَوْضِعَ الْوُضُوءِ أَوْ لَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مَوْضِعَ الْوُضُوءِ مَا لَمْ يَكُنْ إمَامًا لِأَنَّهُ إنَّمَا اُغْتُفِرَ لَهُ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَبْنِي مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَعَلَّهُ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَنْ يَنْوِيَ بِقَلْبِهِ قَوْلُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَيْ وَلَوْ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ اج قَوْلُهُ أُثِيبَ إلَخْ وَهَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ فَوْرًا أَوْ عَلَى التَّرَاخِي قِيَاسُ مَنْ نَامَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَغْرَقَ نَوْمُهُ الْوَقْتَ عَدَمُ وُجُوبِ الْفَوْرِيَّةِ وَقَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُضُوءِ لَوْ قَالَ عَلَى الطُّهْرِ لَكَانَ أَعَمَّ قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِثَابَةِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقُرْآنِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ أَوَّلُ الْعِبَارَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُثَابُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ ذِكْرًا. اهـ. ق ل وَقَدْ يُقَالُ مَحَلُّ حَمْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ الْجُنُبِ عَلَى الذِّكْرِ إذَا عَلِمَ بِجَنَابَتِهِ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا فِي النَّاسِي فَهُوَ قَاصِدُ الْقُرْآنِ وَقَدْ يُقَالُ قَصْدُ الْقُرْآنِ مَعَ الْجَنَابَةِ لَاغٍ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ فَيُثَابُ عَلَى الذِّكْرِ وَهُوَ الَّذِي انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ مَعْنَى أَيْ مَعْنًى وُجُودِيٍّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ الْأَمْرَ الْعَدَمِيَّ الَّذِي يَعْتَبِرُهُ الْعَقْلُ بَلْ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ لَا الْحِسُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 يُعْفَى عَنْهُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ حَتَّى دَاخِلَ أَنْفِهِ أَوْ فَمِهِ أَوْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ مَكَانِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ مَعَ جَهْلِهِ بِوُجُودِهِ أَوْ بِكَوْنِهِ مُبْطِلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَإِنَّمَا جَعَلَ دَاخِلَ الْأَنْفِ وَالْفَمِ هُنَا كَظَاهِرِهِمَا بِخِلَافِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِغِلَظِ أَمْرِ النَّجَاسَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي عَيْنِهِ وَجَبَ غَسْلُهَا وَلَا يَجِبُ غَسْلُهَا فِي الطَّهَارَةِ، فَلَوْ أَكَلَ مُتَنَجِّسًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَغْسِلْ فَمَه، وَلَوْ رَأَيْنَا فِي ثَوْبِ مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ بِهَا لَزِمَنَا إعْلَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِصْيَانِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. كَمَا لَوْ رَأَيْنَا صَبِيًّا يَزْنِي بِصَبِيَّةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا مَنْعُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِصْيَانٌ، وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمَكَانِ مَا لَوْ كَثُرَ ذَرْقُ الطُّيُورِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ فِي   [حاشية البجيرمي] قَوْله مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ بَلْ قِيلَ إنَّ أَهْلَ الْبَصَائِرِ تُشَاهِدُهُ ظُلْمَةً ق ل قَوْلُهُ بِتَبْعِيضِهِ الْمُرَادُ بِهِ التَّبْعِيضُ فِي أَجْزَاءِ الْعُضْوِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (وَطَهَارَةُ النَّجَسِ) أَيْ وَالطَّهَارَةُ مِنْ النَّجَسِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَمِنْ النَّجَسِ عَطْفًا عَلَى الْحَدَثِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَعْضَاءِ أَجْزَاءَ الْبَدَنِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَعْضَاءً أَوْ لَا. وَحَمَلَ الشَّارِحُ عَلَى مَا صَنَعَهُ قَصْدُ التَّعْمِيمِ فِي النَّجَسِ بِكَوْنِهِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّكْرَارُ؛ وَلِأَنَّهُ سَيَأْتِي طَهَارَةُ الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ بِقَوْلِهِ بِلِبَاسٍ طَاهِرٍ وَالْوُقُوفُ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ، فَلَا وَجْهَ لِمَا صَنَعَهُ، فَالْأَوْلَى إبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (حَتَّى دَاخِلِ أَنْفِهِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بَدَنِهِ عَلَى أَنَّ حَتَّى عَاطِفَةً أَوْ هُوَ مَجْرُورٌ بِهَا عَلَى أَنَّهَا حَرْفُ جَرٍّ اهـ م د. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حَتَّى الْجَارَّةَ تَكُونُ بِمَعْنَى إلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] وَهُوَ لَا يَظْهَرُ هُنَا. قَوْلُهُ: (أَوْ مَكَانِهِ) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَقَالَ ق ل: ذِكْرُ الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ هُنَا مُسْتَدْرَكٌ. قَوْلُهُ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَعْنَاهَا الطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَسِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ لِلطَّهَارَةِ فِي الْبَدَنِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ. قَوْلُهُ: (بِدَلِيلِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ هُوَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فَفِيهِ مُصَادَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بَعْضَ الدَّعْوَى فِي الدَّلِيلِ، وَلَوْ قَالَ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُزَالُ عَنْ الشَّهِيدِ إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ دَمِ الشَّهَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ لَكَانَ أَوْلَى. وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى وُجُوبِ غَسْلٍ دَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ بِوُجُوبِ غَسْلِ دَاخِلِ الْعَيْنِ فَلَا مُصَادَرَةَ تَأَمَّلْ. اهـ. م د. وَفِيهِ أَنَّ وُجُوبَ غَسْلِ الْعَيْنِ مِنْ جُمَلِ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ دَاخِلِ الْأَنْفِ. قَوْلُهُ: (مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ) وَكَذَلِكَ مِنْ صَلَّى بِالْفِعْلِ بِالْأَوْلَى، فَقَوْلُهُ فِي ثَوْبِ مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (لَزِمَنَا إعْلَامُهُ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَتْ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ، وَعَلِمْنَا بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا لِجَوَازِ كَوْنِهِ صَلَّى مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِ الْبُطْلَانَ مَعَهُ ع ش عَلَى م ر. كَمَا لَوْ رَأَيْنَا مَالِكِيًّا يُصَلِّي وَعَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ غَائِطٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُنَا إعْلَامُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَيْنَا رَوْثَ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلَا يَلْزَمُنَا إعْلَامُهُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِصْيَانِ) أَيْ عِصْيَانِ الشَّخْصِ الْمَأْمُورِ. وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الَّذِي عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهَا فَلَا يَكُونُ عَاصِيًا حِينَئِذٍ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ رَأَيْنَا صَبِيًّا) وَمِثْلُهُ مَجْنُونٌ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمَكَانِ إلَخْ) مِثْلُ الْمَكَانِ الْفُرُشُ فَيُعْفَى عَنْهُ بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمَكَانِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمَكَانِ مَا لَوْ انْتَشَرَ ذَرْقُ الطُّيُورِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْأَرْضِ، وَكَذَا الْفُرُشُ فِيمَا يَظْهَرُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا فِيمَا يَظْهَرُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهِ كَمَا قَيَّدَ الْعَفْوَ بِذَلِكَ فِي الْمَطْلَبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ قَيْدٌ مُتَعَيَّنٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ رَطْبًا أَوْ رِجْلُهُ مُبْتَلَّةً كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُكَلَّفُ تَحَرِّي غَيْرَ مَحَلِّهِ اهـ بِالْحَرْفِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ مَعَ الرُّطُوبَةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَعْدِلًا عَنْهُ وَلَا طَرِيقًا غَيْرَهُ كَالْمَمْشَاةِ فِي مَطْهَرَةِ الْمَسْجِدِ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ الْعَفْوُ، وَهُوَ قَرِيبٌ لِلْمَشَقَّةِ ع ش. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ ذَرْقِ الطُّيُورِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ إمْسَاسَهُ، وَأَنْ لَا تَكُونَ رُطُوبَةٌ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَقَيَّدَ فِي الْمَطْلَبِ الْعَفْوَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَشْيَ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ قَيْدٌ مُتَعَيَّنٌ وَزَادَ غَيْرُهُ أَنْ لَا يَكُونَ رَطْبًا أَوْ رِجْلُهُ مَبْلُولَةً. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُهُ بِهِ وَجَبَ قَطْعُ مَوْضِعِهَا إنْ لَمْ تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ ثَوْبٍ يُصَلِّي فِيهِ لَوْ اكْتَرَاهُ هَذَا مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ لَوْ اشْتَرَاهُ مَعَ أُجْرَةِ غَسْلِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ وَجَبَ تَحْصِيلُهُ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَيَّدَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وُجُوبَ الْقَطْعِ بِحُصُولِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِالطَّاهِرِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُتَوَلِّي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ وَنَجَسٌ مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ بَيْتَيْنِ اجْتَهَدَ فِيهِمَا لِلصَّلَاةِ وَصَلَّى فِيمَا ظَنَّهُ الطَّاهِرَ   [حاشية البجيرمي] وَأَنْ يَشُقَّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَأَمَّا عُمُومُهُ الْمَحَلَّ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَلَبِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ وَالْمُرَادُ بِعُمُومِهِ عِنْدَ مَنْ شَرْطُهُ مَشَقَّةُ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ اهـ. قَوْلُهُ: (لِلْمَشَقَّةِ) وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْعُمُومِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ شَرْطُ الْعَفْوِ عُمُومُ الْبَلْوَى بِهِ، فَقَدْ قَالَ م ر فِي فَتَاوِيهِ: الْمُرَادُ بِعُمُومِ الْبَلْوَى كَثْرَتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمَقْصُودِ عَادَةً بِحَيْثُ لَوْ كَلَّفْنَاهُ الْعُدُولَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَشْيَ عَلَيْهِ) صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ ثُمَّ يَرَاهُ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ، وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا صَلَّى فِي ظُلْمَةٍ أَوْ لَيْلٍ، وَصَوَّرَهُ م ر فِي الْفَتَاوَى بِالْمَشْيِ كَيْفَ اتَّفَقَ. فَإِنْ قُلْت: إنْ أُرِيدَ الْمَشْيُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَهُوَ حَالُ الْجَفَافِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُنَجِّسُ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَإِنْ أُرِيدَ الْمَشْيُ فِي الصَّلَاةِ فَلَيْسَ فِيهَا مَشْيٌ، وَقَوْلُهُ: حَالَ الْجَفَافِ إلَخْ، هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ، إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْوُضُوءِ قَرِيبًا. قُلْت: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَشْيِ وَضْعُ الرَّجُلِ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا م د وَا ج. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ ذَرْقِ الطُّيُورِ الْوَاقِعِ فِي مَمَرِّ الْفَسَاقِيِ إذَا ذَابَ وَاضْمَحَلَّتْ عَيْنُهُ قِيَاسًا عَلَى طِينِ الشَّارِعِ الْمُتَنَجِّسِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ الظَّاهِرَةِ. قَالَ ع ش: وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ مَعْنَى عُمُومِهِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَحَلٌّ خَالٍ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَحَلٌّ خَالٍ أَصْلًا، أَوْ هُنَاكَ مَحَلٌّ خَالٍ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِمَشَقَّةٍ. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) ذَكَرَ فِيهِ فُرُوعًا ثَمَانِيَةً مُتَعَلِّقَةً بِهَذَا الشَّرْطِ. قَوْلُهُ: (أَكْثَرَ) بِأَنْ كَانَ النَّقْصُ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيًا. قَوْلُهُ: (مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْأَمْرَيْنِ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لَأُجْرَةِ ثَوْبِ مَا يُصَلِّي فِيهِ لَوْ اكْتَرَاهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا أُجْرَةُ الثَّوْبِ وَثَمَنُ الْمَاءِ إلَخْ. فَقَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَنِ إلَخْ كُلُّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ، فَمَعْنَى كَلَامِ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ يَنْظُرُ بَيْنَ أُجْرَةِ الثَّوْبِ، وَثَمَنِ الْمَاءِ الَّذِي يَشْتَرِيهِ لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ مَعَ أُجْرَةِ الْغَاسِلِ، وَيَنْظُرُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ وَيَأْخُذُهُ وَيُقَابِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَقْصِ قِيمَةِ الثَّوْبِ بِالْقَطْعِ، فَلَوْ كَانَ نَقْصُ قِيمَةِ الثَّوْبِ خَمْسَةً وَأُجْرَةُ الثَّوْبِ ثَلَاثَةُ، وَثَمَنُ الْمَاءِ مَعَ أُجْرَةِ الْغَاسِلِ أَرْبَعَةُ، فَإِنَّ الْإِسْنَوِيَّ يُقَابِلُ بَيْنَ نَقْصِ الْقِيمَةِ وَبَيْنَ ثَمَنِ الْمَاءِ مَعَ أُجْرَةِ الْغَاسِلِ أَيْ: فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ نَقْصَ الْقِيمَةِ زَادَ عَلَى أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ سَاوَى وَجَبَ الْقَطْعُ. قَوْلُهُ: (مَعَ أُجْرَةِ غَسْلِهِ) أَيْ الثَّوْبِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْحَاجَةِ) أَيْ بِأَنْ اُحْتِيجَ فِي غَسْلِهِ إلَى مُبَالَغَةٍ كَحَتٍّ بِأَنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَيْنِيَّةً، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حُكْمِيَّةً، فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِلْغَسْلِ حِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لَأُجْرَةِ الْغَسْلِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اشْتَبَهَ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْ هُنَا إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي سِتَّةَ فُرُوعٍ: الْأَوَّلُ: مَسْأَلَةُ الِاشْتِبَاهِ. الثَّانِي: فِي كَيْفِيَّةِ تَطْهِيرِ مَا نَجُسَ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُمْتَنَعُ صَلَاةُ قَابِضٍ عَلَى مُتَّصِلٍ بِنَجَسٍ. الرَّابِعُ: تَفْصِيلُ الْوَصْلِ. الْخَامِسُ: فِي الْعَفْوِ عَنْ مَحَلِّ الِاسْتِجْمَارِ وَمَا عُسِرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إلَخْ. السَّادِسُ: لَوْ صَلَّى بِنَجَسٍ لَا يَعْلَمُهُ إلَخْ. قَوْله: (أَوْ بَيْتَيْنِ) أَيْ ضَيِّقِينَ عُرْفًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَإِلَّا فَلَهُ الصَّلَاةُ فِي الْوَاسِعِ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُ الْمُتَنَجِّسِ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُ الشَّارِحِ أَنَّ بَيْتًا طَاهِرًا وَبَيْتًا مُتَنَجِّسًا كُلَّهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهَا) أَيْ الْمِيَاهُ لِكُلِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 مِنْ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْبَيْتَيْنِ، فَإِذَا صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ يُشْكِلُ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْمِيَاهِ فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهَا لِكُلِّ فَرْضٍ. أُجِيبُ: بِأَنَّ بَقَاءَ الثَّوْبِ أَوْ الْمَكَانِ كَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ، فَلَوْ اجْتَهَدَ فَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ عَمِلَ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي فَيُصَلِّي فِي الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ كَمَا لَا يَجِبُ إعَادَةُ الْأُولَى، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَقْضُ اجْتِهَادٍ بِاجْتِهَادٍ، بِخِلَافِ الْمِيَاهِ وَلَوْ غَسَلَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِمَا وَلَوْ جَمَعَهُمَا عَلَيْهِ، وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْبَيْتَيْنِ فَلَمْ يَظْهَرُ لَهُ شَيْءٌ صَلَّى عَارِيًّا أَوْ فِي أَحَدِ الْبَيْتَيْنِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَأَعَادَ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ إدْرَاكِ الْعَلَامَةِ؛ وَلِأَنَّ مَعَهُ ثَوْبًا فِي الْأُولَى وَمَكَانًا فِي الثَّانِيَةِ طَاهِرًا بِيَقِينٍ، وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بَدَنَانِ يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ بِأَحَدِهِمَا اجْتَهَدَ فِيهِمَا وَعَمِلَ بِاجْتِهَادِهِ، فَإِنْ صَلَّى خَلْفَ وَاحِدٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ ظَنُّهُ إلَى الْآخَرِ صَلَّى خَلْفَهُ وَلَا يُعِيدُ الْأُولَى، كَمَا لَوْ صَلَّى بِاجْتِهَادٍ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ تَغَيَّرَ ظَنُّهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ تَحَيَّرَ صَلَّى مُنْفَرِدًا وَلَوْ نَجُسَ بَعْضُ ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ مَكَان ضَيِّقٍ وَجَهِلَ ذَلِكَ الْبَعْضَ وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ لِتَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ وَاسِعًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فِيهِ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِلَا اجْتِهَادٍ، وَسَكَتُوا عَنْ ضَبْطِ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ وَالْأَحْسَنُ فِي ضَبْطِ ذَلِكَ الْعُرْفُ، وَلَوْ غَسَلَ بَعْضَ نَجَسٍ كَثَوْبٍ ثُمَّ غَسَلَ بَاقِيهِ، فَإِنْ غَسَلَ مَعَهُ مُجَاوِرُهُ طَهُرَ كُلُّهُ، وَإِلَّا فَغَيْرُ الْمُجَاوِرِ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ نَحْوِ   [حاشية البجيرمي] فَرْضٍ أَيْ حَيْثُ انْتَقَضَ طُهْرُهُ الَّذِي فَعَلَهُ بِالِاجْتِهَادِ، أَمَّا إذَا بَقِيَ طُهْرُهُ وَلَوْ شَهْرًا فَلَا اجْتِهَادَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْجَوَابِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (كَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ) أَيْ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَوْ اشْتَبَهَ أَحَدُ مَاءَيْنِ بِآخَرَ وَلَمْ تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ أَيْ: فَيَسْتَغْنِيَ بِذَلِكَ عَنْ تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ وَحِينَئِذٍ فَالْمَسْأَلَتَانِ مُسْتَوِيَتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَهِدُ مَا بَقِيَتْ طَهَارَتُهُ، وَمَا بَقِيَ فِي أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْمَكَانَيْنِ، فَإِذَا انْتَقَلَ مِنْ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْمَكَانَيْنِ إلَى غَيْرِهِمَا اجْتَهَدَ، كَمَا أَنَّهُ إذَا انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ اجْتَهَدَ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اجْتَهَدَ إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ. قَوْلُهُ: (بِالِاجْتِهَادِ) خَرَجَ مَا لَوْ هَجَمَ وَغَسَلَ أَحَدَهُمَا، فَلَيْسَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ) أَيْ لِمَا صَلَّاهُ فِي الثَّانِي. قَوْلُهُ: (إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَقْضُ اجْتِهَادٍ بِاجْتِهَادٍ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ كَمَا لَا يَجِبُ إعَادَةُ الْأُولَى، وَوَجْهُهُ أَنَّ آثَارَ الْأَوَّلِ مِنْ الصَّلَاةِ بِهِ مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يُبْطِلُهُ، فَلِذَلِكَ عَمِلَ بِالثَّانِي، بِخِلَافِ الْمِيَاهِ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ لَا يَعْمَلُ بِالثَّانِي بَلْ يُتْلِفُ الْمَاءَيْنِ وَيَتَيَمَّمُ وَلَا يُعِيدُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إنْ غَسَلَ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ بِمَاءِ الثَّانِي، فَقَدْ نُقِضَ الِاجْتِهَادُ الْأَوَّلُ أَيْ آثَارُهُ الْبَاقِيَةُ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي، وَهُمَا ظَنَّانِ مُتَسَاوِيَانِ، فَيَكُونُ تَحَكُّمًا، وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ بِيَقِينٍ، وَإِلَّا فَيَعْمَلُ بِالثَّانِي حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَضْ الِاجْتِهَادُ الْأَوَّل بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي، بَلْ نَقَضَهُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ بِيَقِينٍ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمِيَاهِ) أَيْ فَإِنَّهُ فِيهَا لَا يَعْمَلُ بِالثَّانِي أَيْ: وَلَا بِالْأَوَّلِ بَلْ يَتَيَمَّمُ بَعْدَ تَلَفٍ. قَوْلُهُ: (لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ إدْرَاكِ الْعَلَامَةِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَوْرًا، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ فَأَفْطَرُوا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَعَلَّلُوهُ بِتَقْصِيرِهِمْ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ ع ش عَلَى م ر. وَالتَّعْلِيلُ بِالتَّقْصِيرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُشْكِلٌ لِبَذْلِهِمْ مَا فِي وُسْعِهِمْ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بَدَنَانِ) أَيْ تَنَجَّسَ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يُعِيدُ الْأُولَى) أَيْ وَلَا الثَّانِيَةَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَجُسَ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا بَابُ النَّجَاسَةِ، فَذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادِيٌّ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَوْ غَسَلَ بَعْضَ نَجَسٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِتَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهِ) أَيْ أَوْ مَعَهُ لِيَشْمَلَ الْبَدَنَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْوَاسِعَ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَالضَّيِّقُ مَا كَانَ بِقَدْرِ بَدَنِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ) لَكِنْ يُسَنُّ م ر. قَوْلُهُ: (فَلَهُ أَنْ يُصَلِّي فِيهِ) أَيْ إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَحْسَنُ فِي ضَبْطِ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ مَا يُقَالُ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي ضَبْطِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالْعُرْفِ عُرْفُ حَمَلَةِ الشَّرْعِ. قَوْلُهُ: (مُجَاوِرُهُ) وَهُوَ جُزْءٌ مِمَّا غَسَلَهُ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: (طَهُرَ كُلُّهُ) أَيْ حَيْثُ غَسَلَهُ بِالصَّبِّ فِي غَيْرِ إنَاءٍ أَمَّا لَوْ غَسَلَهُ بِالصَّبِّ فِي الْإِنَاءِ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِغَسْلِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا وَضَعَ بَعْضَهُ وَصَبَّ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 قَابِضِ طَرَفٍ مُتَّصِلٍ بِنَجَسٍ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، وَلَا يَضُرُّ جَعْلُ طَرَفِهِ تَحْتَ رِجْلِهِ وَلَا نَجَسٌ يُحَاذِيهِ، وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ لِحَاجَةٍ بِنَجَسٍ مِنْ عَظْمٍ لَا يَصْلُحُ لِلْوَصْلِ غَيْرُهُ عُذِرَ فِي ذَلِكَ، فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهُ إذَا وُجِدَ الطَّاهِرُ   [حاشية البجيرمي] الْمَاءَ صَارَ مَا فَوْق الْمَاءِ وَهُوَ مُجَاوِرٌ الْمَغْسُولَ وَارِدًا عَلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَيُنَجِّسُهُ (ز ي) ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى مَوْضِعٍ مِنْ الثَّوْبِ مُرْتَفِعٌ عَنْ الْإِنَاءِ وَانْحَدَرَ عَنْهُ الْمَاءُ حَتَّى اجْتَمَعَ فِي الْإِنَاءِ وَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى مَا فَوْقِ الْمَغْسُولِ مِنْ الثَّوْبِ طَهُرَ. نَقَلَ ذَلِكَ سم عَنْ الشَّارِحِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَغَيْرُ الْمُجَاوِرِ) يَطْهُرُ وَالْمُجَاوِرُ نَجِسٌ وَهُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِمَّا غَسَلَهُ أَوَّلًا، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مُحَقَّقَةً، فَلَوْ تَنَجَّسَ بَعْضُ الثَّوْبِ وَاشْتَبَهَ فَغَسَلَ نِصْفَهُ ثُمَّ بَاقِيَهُ طَهُرَ كُلُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ الْمُجَاوِرَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ نَجَاسَةِ الْبَعْضِ الَّذِي غَسَلَ أَوَّلًا. أَيْ: حَتَّى يَسْرِي إلَى مُجَاوِرِهِ مِمَّا غَسَلَ أَوَّلًا. ع ش عَلَى م ر بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (نَحْوِ قَابِضٍ) كَشَادٍّ بِيَدٍ أَوْ نَحْوِهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَمُرَادُهُ بِالشَّادِّ الرَّابِطِ. قَوْلُهُ: (طَرَفٍ مُتَّصِلٍ بِنَجَسٍ) سَوَاءٌ كَانَ اتِّصَالُهُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الرَّبْطِ أَوْ لَا. وَسَوَاءٌ كَانَ النَّجَسُ يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ أَوْ لَا. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مُتَّصِلٌ بِنَجَسٍ مَا لَوْ كَانَ الطَّرَفُ الْآخَرُ مُتَّصِلًا بِشَيْءٍ طَاهِرٍ، وَذَلِكَ الطَّاهِرُ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَسِ فَيَفْصِلُ، وَيُقَالُ: إنْ كَانَ النَّجَسُ يَنْجَرُّ بِجَرِّ الْمُصَلِّي وَاتَّصَلَ الطَّرَفُ الْآخَرُ بِالْمُتَّصِلِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الرَّبْطِ ضَرَّ، وَإِنْ لَمْ يَنْجَرَّ بِجَرِّهِ أَوْ كَانَ الِاتِّصَالُ لَا عَلَى وَجْهِ الرَّبْطِ لَمْ يَضُرَّ. مِثَالُ ذَلِكَ إذَا رَبَطَ حَبْلًا بِطَوْقِ كَلْبٍ أَوْ بِوَتَدِ سَفِينَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ، وَكَانَتْ تَنْجَرُّ بِجَرِّهِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَبْلُ مَرْمِيًّا عَلَى طَوْقِ الْكَلْبِ مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ أَوْ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ الطَّاهِرِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. وَقَدْ أَشَارَ شَارِحُ الْمَنْهَجِ لِلْمَفْهُومِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَ طَرَفُهُ مُتَّصِلًا بِسَاجُورِ كَلْبٍ إلَخْ. لَكِنَّ كَلَامَهُ فِيهِ إجْمَالٌ لِعَدَمِ إفَادَتِهِ لِلتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، هَكَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ شَرْحِ م ر شَوْبَرِيٌّ. مَعَ زِيَادَةٍ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْآخِذِ بِزِمَامِ الدَّابَّةِ إنْ كَانَ بِهَا نَجَاسَةٌ، وَلَوْ عَلَى غَيْرِ مَخْرَجِهَا وَإِذَا وَطِئَتْ نَجَاسَةً رَطْبَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَا جَافَّةٌ لَمْ تُفَارِقْهَا حَالًا بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ) وَعِبَارَةُ اج وَفَارَقَ صِحَّةُ سُجُودِهِ عَلَى مَا لَمْ يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ بِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ شُرِعَ لِلتَّعْظِيمِ، وَهَذَا يُنَافِيهِ وَالْمَطْلُوبُ فِي السُّجُودِ الِاسْتِقْرَارُ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ جَعْلُ طَرَفِهِ تَحْتَ رِجْلِهِ) أَيْ: وَإِنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ لِعَدَمِ حَمْلِهِ لَهُ أَمَّا لَوْ جَعَلَهُ فَوْقَ ظَهْرِ رِجْلِهِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ نَحْوَ قَابِضٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا نَجَسٌ يُحَاذِيهِ) أَيْ وَلَا يَضُرُّ نَجَسٌ يُحَاذِي شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ لِعَدَمِ مُلَاقَاتِهِ لَهُ، فَصَارَ كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ طَرَفُهُ نَجَسٌ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ شَرْحُ الْبَهْجَةِ فَلَوْ عَرَقَ قَدَمُهُ، فَالْتَصَقَ الْبِسَاطُ الَّذِي طَرَفُهُ نَجَسٌ أَوْ الْمَفْرُوشُ عَلَى أَرْضٍ مُتَنَجِّسَةٍ بِبَاطِنِ قَدَمِهِ وَصَارَ مُتَعَلِّقًا بِهِ عُدَّ حَامِلًا لَهُ، فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَفْصِلْهُ عَنْهُ حَالًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ م ر نَعَمْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ مُحَاذَاةِ النَّجَسِ كَاسْتِقْبَالِ مُتَنَجِّسٍ أَوْ نَجَسٍ وَلَوْ حُبِسَ بِمَحَلٍّ نَجَسٍ صَلَّى وَتَجَافَى عَنْ النَّجَسِ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ وَضْعُ جَبْهَتِهِ بِالْأَرْضِ، بَلْ يَنْحَنِي بِالسُّجُودِ إلَى قَدْرٍ لَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَاقَى النَّجَسَ ثُمَّ يُعِيدُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ شَرْحُ م ر. فَرْعٌ: لَوْ تَعَلَّقَ بِالْمُصَلِّي صَبِيٌّ أَوْ هِرَّةٌ لَمْ يَعْلَمْ نَجَاسَةَ مَنْفَذِهِمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَعَارَضَ فِيهِ الْأَصْلُ، وَالْغَالِبُ إذْ الْأَصْلُ الطَّهَارَةُ وَالْغَالِبُ النَّجَاسَةُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا لَمْ يَعْلَمْ نَجَاسَةَ مَنْفَذِهِمَا مَا لَوْ عِلْمَهُ، ثُمَّ غَابَتْ الْهِرَّةُ أَوْ الطِّفْلُ زَمَنًا لَا يُمْكِنُ فِيهِ غَسْلُ مَنْفَذِهِمَا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْمُصَلِّي، وَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَا أَصَابَ مَنْفَذَهُمَا كَالْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ فَأْرَةً ثُمَّ غَابَتْ غَيْبَةً يُمْكِنُ طُهْرُ فَمِهَا فِيهَا اهـ عِ ش عَلَى م ر. فَلَا تُنَجِّسُ مَا أَصَابَهُ فَمُهَا، وَقَدْ يُقَالُ النَّجَاسَةُ مُتَيَقَّنَةٌ، وَالطُّهْرُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَمُقْتَضَاهُ نَجَاسَةُ مَا أَصَابَهُ فَمُهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ) أَيْ الْمُكَلَّفُ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْجَبْرِ أَنَّهُ إنْ فَعَلَهُ مُخْتَارًا مَعَ فَقْدِ الطَّاهِرِ الصَّالِحِ لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا، وَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ وُجُودِ الطَّاهِرِ الصَّالِحِ وَجَبَ نَزْعُهُ إلَّا إنْ خَافَ ضَرَرًا، وَإِنْ فَعَلَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَإِنْ فَعَلَ بِهِ حَالَ عَدَمِ تَكْلِيفِهِ كَصِغَرِهِ لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَحَيْثُ وَجَبَ نَزْعُهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَا طَهَارَتُهُ مَا دَامَ الْعَظْمُ النَّجَسُ مَكْشُوفًا لَمْ يَشْتَرِطْ بِالْجِلْدِ وَحَيْثُ لَا يَجِبُ نَزْعُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَطَهَارَتُهُ، وَلَمْ يُنَجَّسُ الْمَاءُ بِمُرُورِهِ عَلَى الْعَظْمِ وَلَوْ قَبْلَ اكْتِسَائِهِ بِاللَّحْمِ وَالْجِلْدِ وَلَا الرَّطْبِ إذَا لَاقَاهُ سم، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِوَصْلِهِ أَوْ وَجَدَ صَالِحًا غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَجَبَ عَلَيْهِ نَزْعُهُ إنْ أَمِنَ مِنْ نَزْعِهِ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَلَمْ يَمُتْ، وَمِثْلُ الْوَصْلِ بِالْعَظْمِ فِيمَا ذُكِرَ الْوَشْمُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ وَعُفِيَ عَنْ مَحِلِّ اسْتِجْمَارِهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ عَرِقَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الصَّفْحَةَ وَالْحَشَفَةَ فِي حَقِّهِ، لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَعَمَّا عَسِرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَالِبًا مِنْ طِينِ   [حاشية البجيرمي] فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِحَاجَةٍ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَ الْوَصْلِ طَاهِرًا فِي مَحَلٍّ يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ فِي التَّيَمُّمِ ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ عَظْمٍ) وَلَوْ مُغَلَّظًا ح ل قَوْلُهُ: (لَا يَصْلُحُ لِلْوَصْلِ غَيْرُهُ) أَيْ وَقْتَ إرَادَتِهِ حَتَّى لَوْ وَصَلَ غَيْرَهُ، وَلَكِنْ كَانَ هَذَا أَصْلَحَ أَوْ أَسْرَعَ إلَى الْجَبْرِ لَمْ يَجُزْ الْوَصْلُ بِهِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ، وَيُقَدَّمُ عَظْمُ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْكَلْبَ أَغْلَظُ، وَهَذَا يُخَالِفُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ فِي قِيَاسِ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْكَلْبِ حَيْثُ قَالُوا فِي تَوْجِيهِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، إذْ لَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ بِحَالٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْخِنْزِيرَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ أَكْلِهِ بِخِلَافِ الْكَلْبِ، فَفِيهِ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَيُقَدَّمُ غَيْرُ الْمُغَلَّظِ، وَلَوْ كَانَ بَطِيءَ الْبُرْءِ عَلَى الْمُغَلَّظِ، وَلَوْ كَانَ سَرِيعُهُ وَيُقَدَّمُ الْمُغَلَّظُ عَلَى الْآدَمِيِّ بِرْمَاوِيٌّ وح ل. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ) فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ إلَّا عَظْمُ الْآدَمِيِّ قُدِّمَ عَظْمُ الْحَرْبِيِّ كَالْمُرْتَدِّ ثُمَّ الذِّمِّيِّ ثُمَّ الْمُسْلِمِ. قَوْلُهُ: (وَجَبَ عَلَيْهِ نَزْعُهُ إنْ أَمِنَ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ اكْتَسَى لَحْمًا وَلَا مُبَالَاةَ بِأَلَمِهِ فِي الْحَالِ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ فِي الْمَآلِ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمُ، وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ مَعَهُ لِحَمْلِهِ نَجَاسَةً فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا لَا ضَرُورَةَ إلَى تَبْقِيَتِهَا اهـ مَتْنُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَمُتْ) فَإِنْ مَاتَ حَرُمَ نَزْعُهُ لِزَوَالِ التَّعَبُّدِ عَنْهُ وَلِهَتْكِ حُرْمَتَهُ، وَقِيلَ يُنْزَعُ عَنْهُ لِئَلَّا يَلْقَى اللَّهَ مَعَ النَّجَاسَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْعَائِدَ هُوَ الْأَجْزَاءُ الْأَصْلِيَّةُ أَيْ الَّتِي نَزَلَ بِهَا مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ز ي. قَوْلُهُ: (الْوَشْمُ) وَهُوَ غَرْزُ الْإِبْرَةِ فِي الْجِلْدِ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ ثُمَّ يَذُرَّ عَلَيْهِ نَحْوَ نِيلَةٍ لِيَخْضَرَّ أَوْ يَزْرَقَّ اهـ اج. قَوْلُهُ: (فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ) وَهُوَ أَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ بِلَا حَاجَةٍ وَقَدْرَ عَلَى إزَالَتِهِ لَزِمَتْهُ، وَإِلَّا فَلَا. فَإِذَا فُعِلَ بِهِ فِي صِغَرِهِ أَوْ فَعَلَهُ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ أَوْ لِحَاجَةٍ وَخَافَ مِنْ إزَالَتِهِ مَحْذُورَ تَيَمُّمٍ فَلَا تَلْزَمُهُ إزَالَتُهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْوَشْمَ بِرِضَاهُ فِي حَالِ تَكْلِيفِهِ، وَلَمْ يَخَفْ مِنْ إزَالَتِهِ مَحْذُورَ تَيَمُّمٍ مَنَعَ ارْتِفَاعَ الْحَدَثِ عَنْ مَحَلِّهِ لِتَنَجُّسِهِ وَإِلَّا عُذِرَ فِي بَقَائِهِ مُطْلَقًا وَحَيْثُ لَمْ يُعْذَرْ فِيهِ وَلَاقَى مَاءً قَلِيلًا أَوْ مَائِعًا أَوْ رَطْبَا نَجَّسَهُ، كَذَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ شَرْحُ م ر. قَالَ سم: وَلَا يَبْعُدُ عُذْرُ مَنْ وَشَمَ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ وِفَاقًا لِلرَّمْلِيِّ اهـ. وَلَا عُذْرَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَلَوْ وَشَمَ بِاخْتِيَارِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ إزَالَتِهِ لِتَعَدِّيهِ وَهُوَ مُكَلَّفٌ. اهـ. سم وَا ج وَفِي ع ش عَلَى م ر خِلَافُهُ. وَنَصُّهُ: فَرْعٌ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ ذِمِّيٍّ اسْتَعْمَلَ الْوَشْمَ بَعْدَ بُلُوغِهِ بِلَا حَاجَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إزَالَةُ الْوَشْمِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي إزَالَتِهِ أَمْ لَا؟ كَمَنْ فُعِلَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَيْثُ لَمْ يُكَلَّفْ إزَالَتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ فِي الْأَصْلِ وَيُعْفَى عَنْهُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ، وَلَا يَنْجُسُ مَاءٌ قَلِيلٌ بِمُلَاقَاةِ مَحَلِّ الْوَشْمِ لَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَالظَّاهِرُ الْعَفْوُ لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِ حُرْمَتَهُ فِي الْأَصْلِ فَلَا تَعَدِّي مِنْهُ حَالَ الْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ مُخَاطَبًا بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ اهـ. بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَعُفِيَ عَنْ مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ إلَخْ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَعُفِيَ عَنْ أَثَرِ مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ إلَخْ. وَعِبَارَةُ التَّحْرِيرِ وَعَنْ أَثَرِ اسْتِنْجَاءٍ فِي الصَّلَاةِ اهـ زَادَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ رُخْصَةً. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا عَاصِيًا لَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَلَيْسَ كُلٌّ كَذَلِكَ اهـ قَالَهُ عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (فِي الصَّلَاةِ) أَيْ لَا فِي تَنَجُّسِ مَاءٍ وَتَنَجُّسِ ثَوْبٍ لَاقَاهُ مَعَ رُطُوبَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ ق ل. وَقَالَ الْحَلَبِيُّ: وَيُعْفَى عَمَّا يُلَاقِيهِ مِنْ الثَّوْبِ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَمِثْلُهُ الْبَدَنُ وَلَوْ بِرُكُوبٍ أَوْ جُلُوسٍ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْبِرْمَاوِيُّ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي التَّحْرِيرِ وَحَوَاشِيهِ. وَنَصُّهُ: وَعُفِيَ عَنْ أَثَرِ اسْتِنْجَاءٍ وَإِنْ عَرِقَ فَتَلَوَّثَ بِهِ غَيْرُ مَحَلِّهِ وَإِنْ جَاوَزَ الْبَدَنَ إلَى الثَّوْبِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُجَاوِزْ) وَإِلَّا وَجَبَ غَسْلُ الْمُجَاوِزِ قَالَ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: ثُمَّ إنْ جَاوَزَ مَعَ الِاتِّصَالِ وَجَبَ غَسْلُ الْكُلِّ، وَإِلَّا وَجَبَ غَسْلُ مَا جَاوَزَ فَقَطْ دُونَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ. وَقَوْلُهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَجَبَ غَسْلُ مَا سَالَ إلَيْهِ ضَعِيفٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى السَّيْلَانِ مَعَ التَّقَطُّعِ. قَوْلُهُ: (فِي حَقِّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِعُفِيَ فَلَوْ حَمَلَ مُسْتَجْمَرًا فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِهِ فِيهَا، فَلَوْ قَبَضَ فِي يَدِ مُصَلٍّ أَوْ فِي ثَوْبِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَمِثْلُهُ كُلُّ مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ م ر. وَمِثْلُ الْحَمْلِ مَا لَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 شَارِعٍ نَجَسٍ يَقِينًا لِعُسْرِ تَجَنُّبِهِ، وَيَخْتَلِفُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ وَقْتًا وَمَحَلًّا مِنْ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ، وَعَنْ دَمِ نَحْوِ بَرَاغِيثَ وَدَمَامِيلَ   [حاشية البجيرمي] تَعَلَّقَ الْمُسْتَجْمَرُ بِالْمُصَلِّي أَوْ الْمُصَلِّي بِالْمُسْتَجْمَرِ، فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فِيهِمَا اتِّصَالُ الْمُصَلِّي بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ إذَا أَمْسَكَ مُصَلِّيًا مُسْتَجْمِرًا بُطْلَانُ صَلَاةِ الْمُسْتَجْمِرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ بَدَنِهِ مُتَّصِلٌ بِيَدِ الْمُسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، وَيَدُهُ مُتَّصِلَةٌ بِيَدِ الْمُصَلِّي الْمُسْتَجْمِرِ بِالْحَجَرِ، فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمُتَّصِلٍ بِنَجَسٍ وَهُوَ نَفْسُهُ لَا ضَرُورَةَ لِاتِّصَالِهِ بِهِ. لَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ ثَوْبَ نَفْسِهِ بَطَلَتْ صَلَاته؛ لِأَنَّا نَقُولُ: اتِّصَالُ الثِّيَابِ بِهِ ضَرُورِيٌّ وَمِثْلُهَا السَّجَّادَةُ وَنَحْوُهَا لِتَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ الثِّيَابِ قَالَهُ الْإِطْفِيحِيُّ نَقْلًا عَنْ ع ش. قَالَ الرَّشِيدِيُّ: هُوَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، إذْ هُوَ مُغَالَطَةٌ إذْ لَا خَفَاءَ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الطَّاهِرِ الْمُتَّصِلِ بِالْمُصَلِّي مُتَّصِلًا بِنَجَسٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَلِّي، وَهُنَا النَّجَسُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُمْسِكِ الَّذِي هُوَ مَنْشَأُ التَّوَهُّمِ. وَفِي حَجّ: وَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً مَثَلًا بِبَدَنِهِ أَوْ انْغَرَزَتْ فَغَابَتْ أَوْ وَصَلَتْ لِدَمٍ قَلِيلٍ لَمْ يَضُرَّ أَوْ لِدَمٍ كَثِيرٍ أَوْ لِجَوْفٍ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ لِاتِّصَالِهَا بِنَجَسٍ اهـ. قَالَ سم: عَلَيْهِ وَمَحَلُّ عَدَمِ الصِّحَّةِ حَيْثُ كَانَ طَرَفُهَا بَائِنًا ظَاهِرًا اهـ. أَقُولُ: وَمَا قَيَّدَ بِهِ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فَغَابَتْ. وَقَوْلُهُ: لَمْ تَصِحَّ إلَخْ. يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْ نَزْعِهَا ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَأَنْ مَحَلَّهُ أَيْضًا إذَا غَرَزَهَا لِغَرَضٍ، أَمَّا إذَا غَرَزَهَا عَبَثًا فَتَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ عَمْدًا، وَهُوَ يَضُرُّ قَالَ ع ش عَلَى م ر، وَلَوْ وَقَّعَ الطَّائِرُ الَّذِي عَلَى مَنْفَذِهِ نَجَاسَةً فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ لَمْ يُنَجَّسْ عَلَى الْأَصَحِّ لِعُسْرِ صَوْنِهِ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَجْمَرِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ شَرْحَ م ر. قَالَ حَجّ: مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فُتُورٌ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ وَيَجِبُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ. قَوْلُهُ: (نَجَسٌ يَقِينًا) أَيْ وَلَيْسَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ مُتَمَيِّزَةً وَمَاءُ الشَّارِعِ مِثْلُ طِينِهِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ أَيْ: إذَا وَصَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ الشَّارِعِ بِنَفْسِهِ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ تَلَطَّخَ كَلْبٌ بِطِينِ الشَّارِعِ وَانْتَفَضَ عَلَى إنْسَانٍ، وَمَا لَوْ رَشَّ السَّقَّاءُ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةَ أَوْ رَشَّهُ عَلَى ظَهْرِ كَلْبٍ فَطَارَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى شَخْصٍ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِالْعَفْوِ فِيمَا ذُكِرَ لَاقْتَضَى أَنَّهُ لَوْ وَصَلَ إلَيْهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَضُرَّ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالشَّارِعِ مَحَلُّ الْمُرُورِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَارِعًا كَالْمَحَلَّاتِ الَّتِي عَمَّتْ الْبَلْوَى بِاخْتِلَاطِهَا بِالنَّجَاسَةِ كَدِهْلِيزِ الْحَمَّامِ وَمَا حَوْلَ الْفَسَاقِيِ مِمَّا لَا يُعْتَادُ تَطْهِيرُهُ إذَا تَنَجَّسَ، أَمَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ وَتَطْهِيرِهِ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ بَلْ مَتَى تَيَقَّنَ نَجَاسَتَهُ وَجَبَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَمِنْهُ مَمْشَاةُ الْفَسَاقِي فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَلَا يُغْتَرُّ بِمُخَالِفَتِهِ وَضَابِطُ الْعَفْوِ فِيهِ أَنْ لَا يُنْسَبَ إلَى سَقْطَةٍ أَوْ كَبْوَةٍ أَوْ قِلَّةِ تَحَفُّظٍ اهـ ق ل. وَشَمِلَ النَّجَاسَةَ الْمُغَلَّظَةَ خُصُوصًا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا الْكِلَابُ، وَخَرَجَ بِالطِّينِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ إذَا تَفَتَّتَ فِي الطَّرِيقِ، فَلَا يُعْفَى عَنْهَا مَا لَمْ تَعُمُّهَا عَلَى مَا مَالَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ، وَإِذَا مَشَى فِي الشَّارِعِ الَّذِي بِهِ طِينٌ مُتَيَقَّنُ النَّجَاسَةِ وَأَصَابَهُ وَمَشَى فِي مَكَان آخَرَ وَتَلَوُّثَ مِنْهُ عُفِيَ عَنْهُ فِي الْمَكَانِ الثَّانِي إذَا كَانَ غَيْرَ مَسْجِدٍ، وَإِلَّا فَلَا يُعْفَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُصَانُ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَيُمْتَنَعُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ بِهَا وَيُعْفَى فِي حَقِّ الْأَعْمَى مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي حَقِّ الْبَصِيرِ. قَوْلُهُ: (وَيَخْتَلِفُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ وَقْتًا إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ تَلَوُّثَ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ وَاسْتَمَرَّ إلَى الصَّيْفِ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ نَظَرًا إلَى الزَّمَنِ الْوَاقِعِ فِيهِ أَوْ لَا نَظَرًا إلَى زَوَالِ الْمَشَقَّةِ حِينَئِذٍ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالزَّمَنِ اهـ بَابِلِيٌّ أَمَّا إذَا بَقِيَ إلَى الشِّتَاءِ الثَّانِي فَيُعْفَى عَنْهُ نَظَرًا لِلزَّمَنِ طُوخِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ دَمِ نَحْوِ بَرَاغِيثَ) جَمْعُ بُرْغُوثٍ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحُ قَلِيلٌ، وَيُقَالُ لَهُ طَامِرُ بْنُ طَامِرٍ. رَوَى أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَسُبُّ بُرْغُوثًا فَقَالَ: لَا تَسُبُّهُ فَإِنَّهُ أَيْقَظَ نَبِيًّا لِصَلَاةِ الْفَجْرِ» . وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ رَشَحَاتٌ تَمُصُّهَا مِنْ الْإِنْسَانِ ثُمَّ تَمُجُّهَا وَلَيْسَ لَهَا دَمٌ فِي نَفْسِهَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. فَالْإِضَافَةُ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ لِلْمُلَابَسَةِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَعَنْ دَمِ نَحْوِ بَرَاغِيثَ أَيْ يُعْفَى عَنْهَا فِي مَلْبُوسِهِ وَلَوْ مَعَ رُطُوبَةِ بَدَنِهِ مِنْ عَرَقٍ وَنَحْوَ مَاءِ وُضُوءٍ، أَوْ غُسْلٍ مَطْلُوبٍ، أَوْ مَا تَسَاقَطَ مِنْ الْمَاءِ حَالَ شُرْبِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 كَقَمْلٍ، وَعَنْ دَمِ فَصْدٍ وَحَجْمٍ بِمَحَلِّهِمَا، وَعَنْ رَوْثِ ذُبَابٍ وَإِنْ كَثُرَ مَا ذُكِرَ وَلَوْ بِانْتِشَارِ عَرَقٍ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ لَا إنْ كَثُرَ بِفِعْلِهِ، فَإِنْ كَثُرَ بِفِعْلِهِ كَأَنْ قَتَلَ بَرَاغِيثَ أَوْ عَصَرَ الدَّمَ لَمْ يُعْفَ عَنْ الْكَثِيرِ عُرْفًا، كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ   [حاشية البجيرمي] أَوْ مِنْ الطَّعَامِ حَالَ أَكْلِهِ، أَوْ بُصَاقٍ فِي ثَوْبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَا يُكَلَّفُ تَنْشِيفَ الْبَدَنِ لِعُسْرِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ: يَجُوزُ الْمُكْثُ فِيهِ مَعَ حَمْلِهِ دَمَ الْبَرَاغِيثِ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُ النَّجَاسَةِ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامًا، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ مَعَ طُهْرٍ مُعْتَدٍّ بِهِ لَا نَحْوَ مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ قَلِيلٍ، فَلَوْ وَقَعَ الْمُلَوَّثُ بِذَلِكَ فِي مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا. وَفِي مَعْنَى الْبَرَاغِيثِ كُلُّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ وَخَرَجَ بِدَمِ الْبَرَاغِيثِ جِلْدُهَا فَلَا يُعْفَى عَنْهُ م د. قَوْلُهُ: (كَقَمْلٍ) وَيُعْفَى عَنْ دَمِ قَمْلَةٍ اخْتَلَطَ بِجِلْدِهَا وَكَذَا لَوْ اخْتَلَطَ دَمُهَا بِدَمِ قَمْلَةٍ أُخْرَى لِلْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَطَ جِلْدُ قَمْلَةٍ بِدَمِ قَمْلَةٍ أُخْرَى فَلَا يُعْفَى عَنْهُ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. كَأَنْ قَتَلَ وَاحِدَةً فِي الْمَحَلِّ الَّذِي قَتَلَ فِيهِ الْأُولَى، وَاخْتَلَطَ دَمُ الْأُولَى بِقِشْرَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ، وَلَوْ وَجَدَ شَخْصٌ بَعْدَ صَلَاتِهِ قِشْرَ قَمْلٍ فِي طَيِّ عِمَامَتِهِ أَوْ فِي غَرْزِ خَيَّاطَةِ ثَوْبه لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِالتَّفْتِيشِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف وَالْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (بِمَحَلِّهِمَا) أَيْ الدَّمَيْنِ أَيْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَدَمِ الْفَصْدِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَ تَخْصِيصَ مَحَلِّهِمَا بِدَمِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ شَرْحُ م ر. وَالْمُرَادُ بِمَحَلِّهِمَا هُوَ مَا يَغْلِبُ سَيَلَانُهُمَا إلَيْهِ أَيْ عَادَةً وَمَا حَاذَاهُ مِنْ الثَّوْبِ، لَكِنْ رُجُوعُ الْقَيْدِ لِدَمِ الْبَرَاغِيثِ لَا يَظْهَرُ لَهُ مُحْتَرَزٌ، فَالْأَوْلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلدَّمَيْنِ أَيْ دَمِ الدَّمَامِلِ وَنَحْوِهَا وَدَمِ الْفَصْدِ وَالْحَجْمِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَالْمُرَادُ بِمَحَلِّهِمَا مَا يَغْلِبُ السَّيْلَانِ إلَيْهِ عَادَةً وَمَا حَاذَاهُ مِنْ الثَّوْبِ، فَإِنْ جَاوَزَهُ عُفِيَ عَنْ الْمُجَاوِزِ إنْ قَلَّ فَإِنْ كَثُرَ الْمُجَاوِزُ فَقِيَاسُ مَا قَدَّمَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ أَنَّهُ إنْ اتَّصَلَ الْمُجَاوِزُ بِغَيْرِ الْمُجَاوَزِ وَجَبَ غَسْلُ الْجَمِيعِ، وَإِنْ تَقَطَّعَ أَوْ انْفَصَلَ عَنْهُ وَجَبَ غَسْلُ الْمُجَاوِزِ فَقَطْ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ) وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى حُصُولُ دَمِ الْبَرَاغِيثِ فِي خِرْقَةٍ يَضَعُهَا بَعْضُ النَّاسِ تَحْتَ عِمَامَتِهِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ فَيُعْفَى عَنْهُ، وَإِنْ كَثُرَ فِيهَا كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ شَرَفٍ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مَا يَتَخَلَّلُ فِي خَيَّاطَةِ الثَّوْبِ مِنْ نَحْوِ الصِّئْبَانِ وَهُوَ بَيْضُ الْقَمْلِ يُعْفَى عَنْهُ، وَإِنْ فُرِضَتْ حَيَاتُهُ ثُمَّ مَوْتُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِعُمُومِ الِابْتِلَاءِ بِهِ مَعَ مَشَقَّةِ فَتَقِ الْخِيَاطَةِ لِإِخْرَاجِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ ع ش عَلَى م ر فَاحْفَظْهُ. قَوْلُهُ: (لَا إنْ كَثُرَ) أَيْ نَحْوَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَدَمِ الدَّمَامِيلِ كَمَا قَصَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ تَشْمَلُ دَمَ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ. وَقَوْلُهُ: (بِفِعْلِهِ) وَلَوْ بِإِكْرَاهٍ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِعْلُ غَيْرِهِ بِرِضَاهُ كَفِعْلِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُشْكَلُ حِينَئِذٍ دَمُ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، وَمَشَى م ر عَلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ دَمِ الْفَصْدِ وَالْحَجْمِ، وَإِنْ كَثُرَ أَيْ: إنْ كَانَ بِفِعْلِ مَأْذُونِهِ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ مَحَلَّهُ، وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ الدَّمِ الْكَثِيرِ إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ مَأْذُونِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا. فَرْعٌ: إذَا اخْتَلَطَ دَمُ الْحِلَاقَةِ بِبَلَلِ الرَّأْسِ، قَالَ الزِّيَادِيُّ: يُعْفَى عَنْهُ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْعَفْوِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَدَمُ الْعَفْوِ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَطَ بِبَلَلِ التَّنْظِيفِ بَعْدَ الْحِلَاقَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ. فَرْعٌ: يُسَنُّ التَّعَرِّي عَنْ ثَوْبِهِ عِنْدَ النَّوْمِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ يَعْتَادُهُ عِنْدَ النَّوْمِ. أَمَّا أَهْلُ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ الَّذِينَ لَا يَعْتَادُونَهُ، فَلَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَلَوْ نَامَ فِي الثَّوْبِ وَكَثُرَ الدَّمُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ انْتَشَرَ بِعَرَقٍ بِخِلَافِ مَنْ لَا يُعْتَادُ النَّوْمُ فِيهِ إذَا كَثُرَ الدَّمُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ كَمَا لَوْ لَبِسَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ اهـ خ ض. قَالَ الْمُنَاوِيُّ: لَكِنْ مَحَلُّ الْعَفْوِ حَيْثُ لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ وَحَيْثُ كَانَ فِي مَلْبُوسٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ إصَابَتَهُ لَهُ، إلَّا كَأَنْ قَتَلَ قَمْلًا فَأَصَابَهُ مِنْهُ دَمٌ أَوْ حَمْلَ ثَوْبًا فِيهِ دَمٌ نَحْوَ بَرَاغِيثَ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ لَمْ يُعْفَ إلَّا عَنْ الْقَلِيلِ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وَالْمَجْمُوعِ. وَعَنْ قَلِيلِ دَمٍ أَجْنَبِيٍّ لَا عَنْ قَلِيلِ دَمٍ نَحْوَ كَلْبٍ لِغِلَظِهِ، وَكَالدَّمِ فِيمَا ذُكِرَ قَيْحٌ وَصَدِيدٌ وَمَاءُ قُرُوحٍ وَمُتَنَقَّطٌ لَهُ رِيحٌ. وَلَوْ صَلَّى بِنَجَسٍ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ لَمْ يَعْلَمْهُ أَوْ عِلْمَهُ ثُمَّ نَسِيَ فَصَلَّى ثُمَّ تَذَكَّرَ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ، وَيَجِبُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ تَيَقَّنَ فِعْلُهَا مَعَ النَّجَسِ. بِخِلَافِ مَا احْتَمَلَ حُدُوثَهُ بَعْدَهَا. (وَ) الثَّانِي: (سَتْرُ الْعَوْرَةِ) عَنْ الْعُيُونِ وَلَوْ كَانَ خَالِيًا فِي ظُلْمَةٍ عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:   [حاشية البجيرمي] وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ دَمِ نَحْوِ الْبَرَاغِيثِ، وَإِنْ كَثُرَ وَتَفَاحَشَ وَانْتَشَرَ لِعَرَقٍ أَوْ نَحْوِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ لَا يَكُونَ بِفِعْلِهِ، وَأَنْ لَا يُخْلَطَ بِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَلْبُوسٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَوْ لِلتَّجَمُّلِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ غَيْرُهُ خَالِيًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُكَلَّفُ لُبْسَهُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا عَفَى عَمَّا فِيهِ مِنْ الدَّمِ صَارَ كَالطَّاهِرِ، فَإِنْ اخْتَلَطَ بِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ عُفِيَ عَنْ قَلِيلِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَلْبُوسِ الْمَذْكُورِ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ شَكَّ فِي شَيْءٍ أَقَلِيلٌ هَذَا أَمْ كَثِيرٌ فَلَهُ حُكْمُ الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ النَّجَاسَاتِ الْعَفْوُ إلَّا إذَا تَيَقَّنَّا الْكَثِيرَ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ع ش. قَوْلُهُ: (وَعَنْ قَلِيلِ دَمٍ إلَخْ) جَمْعُهُ قُلُلٌ كَسَرِيرِ وَسُرُرٌ قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ. وَحَاصِلُ مَا فِي الدِّمَاءِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهَا وَلَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ نَحْوِ كَلْبٍ وَكَثِيرِهَا مِنْ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ أَوْ يُجَاوِزُ مَحَلَّهُ فَيُعْفَى حِينَئِذٍ عَنْ قَلِيلِهَا فَقَطْ م ر ثُمَّ قَالَ: وَمَحَلُّ الْعَفْوِ عَنْ الْقَلِيلِ إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ لِغَرَضٍ كَعَصْرِ الدُّمَّلِ أَمَّا لَوْ فَعَلَهُ عَبَثًا كَأَنْ لَطَّخَ نَفْسَهُ بِدَمٍ أَجْنَبِيٍّ عَبَثًا لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِارْتِكَابِهِ مَحْرَمًا فَلَا يُنَاسِبُهُ الْعَفْوُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثُمَّ قَالَ: وَمَحَلُّ الْعَفْوِ عَنْ سَائِرِ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ اخْتَلَطَ بِهِ وَلَوْ مِنْ نَفْسِهِ كَالْخَارِجِ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ لِثَتِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ. اهـ. م ر. وَقَالَ حَجّ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلَطَ بِهِ ضَرُورِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَكَالدَّمِ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي التَّفْصِيلِ السَّابِقِ قَيْحٌ. قَوْلُهُ: (وَمُتَنَقَّطٌ) وَهُوَ الْبَقَابِيقُ الَّتِي تَطْلُعُ فِي الْبَدَنِ. وَقَوْلُهُ: لَهُ رِيحٌ قَيْدٌ فِي مَاءِ الْجُرُوحِ وَمَا بَعْدَهُ وَمِثْلُ تَغَيُّرِ الرِّيحِ تَغَيُّرِ اللَّوْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَلَّى بِنَجَسٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ لَمْ يَعْلَمْهُ) أَيْ حَالَ ابْتِدَائِهَا. وَقَوْلُهُ: (أَوْ عَلِمَهُ) أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ تَذَكَّرَ) أَيْ بَعْدَ صَلَاتِهِ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَطَهَارَةُ النَّجَسِ أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا فِي اعْتِقَادِهِ فَقَطْ وَقَوْلُهُ: فَصَلَّى لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ صَلَّى. قَوْلُهُ: (وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ) لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ التَّطَهُّرِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ؛ وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فَلَا تَسْقُطُ بِالْجَهْلِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَالْمُرَادُ بِالْإِعَادَةِ مَا يَشْمَلُ الْقَضَاءَ كَمَا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَفِي إطْلَاقِ الْإِعَادَةِ عَلَى مَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَغْلِيبٌ أَيْ غَلَّبَ الْإِعَادَةَ عَلَى الْقَضَاءِ فَسَمَّاهَا إعَادَةً، إذْ الْإِعَادَةُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ ثَانِيًا فِي الْوَقْتِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَعْنِي هَذِهِ وَمَا بَعْدَهَا عَلَى التَّرَاخِي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا لَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي الصَّوْمِ مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فِيهِ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ يَقَعُ كَثِيرًا كَمَا نَقَلَهُ الْإِطْفِيحِيُّ عَنْ ع ش، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّذَكُّرِ فَالْمَرْجُوُّ مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ لِرَفْعِهِ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا) أَيْ صَلَاةٍ وَقَوْلُهُ: (اُحْتُمِلَ حُدُوثُهُ) أَيْ النَّجَسُ بَعْدَهَا أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ حَادِثٍ تَقْدِيرُهُ بِأَقْرَبِ زَمَنٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِهِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: اُحْتُمِلَ حُدُوثُهُ أَيْ بِرَاجِحِيَّةٍ أَوْ مَرْجُوحِيَّةٍ أَوْ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ بِرْمَاوِيٌّ أَيْ: فَلَا يَجِبُ إعَادَتُهَا لَكِنْ يُسَنُّ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَفَارَقَ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَنْ فَاتَهُ صَلَوَاتٌ حَيْثُ قَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا زَادَ عَلَى مَا تَيَقَّنَ فِعْلُهُ، وَسَوَاءٌ تَيَقَّنَ تَرْكُهُ أَوْ شَكَّ فَيُخَالِفُ مَسْأَلَةَ الشَّكِّ هُنَا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ ذَاكَ شَكٌّ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ، وَهَذَا شَكٌّ فِي شَرْطِهِ فَكَانَ أَخَفَّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي سَتْرُ الْعَوْرَةِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ بَعْدَ حَذْفِ الْفَاعِلِ أَيْ: أَنْ يَسْتُرَ الْمُصَلِّي عَوْرَتَهُ وَالْعَوْرَةُ لُغَةً النُّقْصَانُ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْبَحُ وَمِنْهُ كَلِمَةُ عَوْرَاءُ أَيْ قَبِيحَةٌ وَيُسَمَّى بِهَا الْقَدْرُ الْآتِي لِقُبْحِ ظُهُورِهِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَنْ الْعُيُونِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] .   [حاشية البجيرمي] أَيْ مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ، وَأَفَادَ أَنَّ الثَّوْبَ يَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَةِ الْجِنِّ وَالْمَلَكِ ع ش. وَقَدْ يُؤَيِّدُ عَدَمُ رُؤْيَةِ الْمَلَكِ مَعَ الثَّوْبِ قِصَّةُ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَيْثُ أَلْقَتْ الْخِمَارَ عَنْ رَأْسِهَا لِتَخْتَبِرَ حَالَ جِبْرِيلَ لَمَّا كَانَ يَأْتِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ الْمَبْعَثِ هَلْ هُوَ مَلَكٌ أَوْ لَا؟ فَإِنَّ الْمَلَكَ لَا يَرَى الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ مَعَ عَدَمِ السَّتْرِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْهَمَزِيَّةِ بِقَوْلِهِ: فَأَمَاطَتْ عَنْهَا الْخِمَارَ لِتَدْرِي ... أَهُوَ الْوَحْيُ أَمْ هُوَ الْإِغْمَاءُ فَاخْتَفَى عِنْدَ كَشْفِهَا الرَّأْسَ جِبْرِي ... لُ فَمَا عَادَ أَوْ أُعِيدَ الْغِطَاءُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَنْ الْعُيُونِ الزُّجَاجِ فَلَا يَكْفِي. فَرْعٌ: لَوْ طَالَ ذَكَرُهُ أَوْ نَبَتَتْ سَلْعَةٌ أَصْلُهَا فِي الْعَوْرَةِ أَوْ طَالَ شَعْرُ الْعَانَةِ، وَجَاوَزَ الرُّكْبَتَيْنِ وَجَبَ سَتْرُ مَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الرُّكْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَمِثْلُهُ الْأُنْثَيَانِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ خَالِيًا فِي ظُلْمَةٍ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ خَالِيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ. قَوْلُهُ: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] أَيْ يَا فُرُوعَ آدَمَ الشَّامِلَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَذَكَرَ الذُّكُورَ فِي قَوْلِهِ: يَا بَنِي لِشَرَفِهِمْ، وَفِي الْآيَةِ مَجَازَانِ: الْأَوَّلُ: إطْلَاقُ الزِّينَةِ عَلَى الثِّيَابِ تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ وَهُوَ الثِّيَابُ بِاسْمِ الْحَالِ فِيهِ وَهُوَ الزِّينَةُ. وَالثَّانِي: إطْلَاقُ الْمَسْجِدِ عَلَى الصَّلَاةِ تَسْمِيَةً لِلْحَالِ وَهُوَ الصَّلَاةُ بِاسْمِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَسْجِدُ، وَأَطْلَقَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الثِّيَابِ زِينَةً وَالزِّينَةُ عَرَضٌ قَائِمٌ بِالثِّيَابِ لِكَوْنِهَا أَيْ الثِّيَابُ يُتَزَيَّنُ بِهَا، وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ نَظْمًا، وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ: حَسِّنْ ثِيَابَك مَا اسْتَطَعْت فَإِنَّهَا ... زَيْنُ الرِّجَالِ بِهَا تَعُزُّ وَتُكْرَمُ وَدَعْ التَّخَشُّنَ فِي الثِّيَابِ تَوَاضُعًا ... فَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّ وَتَكْتُمُ فَجَدِيدُ ثَوْبِك لَا يَضُرُّك بَعْدَمَا ... تَخْشَى الْإِلَهَ وَتَتَّقِي مَا يَحْرُمُ وَرَثِيثُ ثَوْبِك لَا يَزِيدُك رِفْعَةً ... عِنْدَ الْإِلَهِ وَأَنْتَ عَبْدٌ مُجْرِمُ فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالسَّتْرُ بِأَنْ كَانَتْ عَوْرَتُهُ تَنْكَشِفُ عِنْدَ قِيَامِهِ دُونَ قُعُودِهِ هَلْ يُقَدَّمُ. الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ مُرَاعَاةُ السَّتْرِ. وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالِاسْتِقْبَالُ قُدِّمَ الِاسْتِقْبَالُ قَالَ: لِأَنَّهُ أَيْ السَّتْرُ لَمْ يَسْقُطْ فِي الصَّلَاةِ بِحَالٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَهَذَا مَثَلٌ، فَإِنَّ السَّتْرَ لَا يَسْقُطُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْقِيَامِ ع ش عَلَى م ر وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَفِيهِ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ يَسْقُطُ أَيْضًا فِي النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وَنَصُّهُ: فَرْعٌ لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالسَّتْرُ بِأَنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَائِمًا انْكَشَفَ بَعْضُ عَوْرَتِهِ، وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا أَمْكَنَهُ سَتْرُ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ الْقِيَامِ دُونَ السَّتْرِ. قَوْلُهُ: (الْمُرَادُ بِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الزِّينَةِ وَالْمَسْجِدِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ بِهِمَا أَيْ الزِّينَةِ وَالْمَسْجِدِ. تَتِمَّةٌ قَالَ فِي الْمَطَامِحِ: اللِّبَاسُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَهُ صِفَتَانِ. صِفَةُ إجْزَاءٍ وَصِفَةُ كَمَالٍ، فَصِفَةُ الْإِجْزَاءِ كَوْنُهُ مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ، وَالصِّفَةُ الْكَمَالِيَّةُ كَوْنُهُ مَسْتُورًا مُتَزَيِّنًا فِي أَحْسَنِ زِيٍّ وَأَكْمَلِ هَيْئَةٍ اهـ. وَفِي خَبَرِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: «الِارْتِدَاءُ لُبْسَةُ الْعَرَبِ وَالِالْتِفَاعُ لُبْسَةُ أَهْلِ الْإِيمَانِ» يَعْنِي أَنَّ الِارْتِدَاءَ وَهُوَ وَضْعُ الرِّدَاءِ عَلَى الْكَتِفَيْنِ لُبْسَةُ الْعَرَبِ تَوَارَثُوهَا عَنْ آبَائِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كُلُّهُمْ يَلْبَسُونَ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ وَيُسَمُّونَهَا حُلَّةً وَالِالْتِفَاعُ وَهُوَ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَأَكْثَرُ الْوَجْهِ لُبْسَةُ أَهْلِ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَاهُمْ مِنْ الْحَيَاءِ مِنْ رَبِّهِمْ مَا أَخْجَلَهُمْ اُضْطُرُّوا إلَى مَزِيدِ السَّتْرِ، فَرَأَوْا أَنَّ الِالْتِفَاعَ أَسْتَرُ لِسَتْرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُرَادُ بِهِ الثِّيَابُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ عَجَزَ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَارِيًّا وَيُتِمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلَوْ فِي الْخَلْوَةِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَاغْتِسَالٍ، وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ: يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ لِأَدْنَى غَرَضٍ. قَالَ وَمِنْ الْأَغْرَاضِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِلتَّبْرِيدِ وَصِيَانَةِ الثَّوْبِ مِنْ الْأَدْنَاسِ وَالْغُبَارِ عِنْدَ كَنْسِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ السَّتْرُ فِي الْخَلْوَةِ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِالسَّتْرِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقَّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ. وَلَا يَجِبُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ يُكْرَهُ نَظَرُهُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَعَوْرَةُ الذَّكَرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرَكِبَتْهُ.   [حاشية البجيرمي] مَا فِيهِ الْحَيَاءُ وَهُوَ الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ؛ لِأَنَّ الْحَيَاءَ مِنْ عَمَلِ الرُّوحِ وَسُلْطَانُ الرُّوحِ فِي الرَّأْسِ، وَلِهَذَا قَالَ الصِّدِّيقُ: إنِّي لِأَدْخُل الْخَلَاءَ فَأَتَقَنَّعُ حَيَاءً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانُوا فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي فِيهَا حِشْمَةٌ يَعْلُوهُمْ الْحَيَاءُ كَمَا يَعْلُوهُمْ فِي غَيْرِهَا، وَكَانَ الِالْتِفَاعُ لُبْسَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَرِثُوهُ عَنْ آبَائِهِمْ وَهَذِهِ الْأُمَّةُ أُيِّدَتْ بِالْيَقِينِ النَّافِذِ لِحَجْبِ الْقُلُوبِ فَمَنْ تَقَنَّعَ فَمِنْ الْحَيَاءِ تَقَنَّعَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ عِلْمَ يَقِينٍ لَا عِلْمَ تَعَلُّمٍ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ) الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْرُمُ كَشْفُهَا حَتَّى فِي الْخَلْوَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا يَأْتِي وَلَا يَجِبُ سَتْرُهَا عَنْ نَفْسِهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مَعْنَى مَا يَأْتِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ، لَكِنْ مِنْ طَوْقِهِ لَا مَعَ كَشْفِهَا فَاجْتَمَعَتْ الْعِبَارَتَانِ. تَنْبِيهٌ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِنَا وَكَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ أَيْ: لِكَوْنِهِ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِمْ وَإِلَّا لَمَا أَقَرَّهُمْ مُوسَى عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِأَدْنَى غَرَضٍ) أَيْ بِلَا كَرَاهَةٍ أَيْضًا، وَلَيْسَ مِنْ الْغَرَضِ حَالَةُ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهِ أَنْ يَكُونَا مُسْتَتِرِينَ قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَرَدَّهُ الرَّشِيدِيُّ وَجَعَلَ حَالَةَ الْجِمَاعِ مِنْ الْحَاجَةِ، وَنَصُّهُ: وَمِنْ الْغَرَضِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ غَرَضُ الْجِمَاعِ، وَسَنُّ السَّتْرِ عِنْدَهُ لَا يَقْتَضِي حُرْمَتَهُ، كَمَا لَا يَخْفَى وَإِلَّا لَكَانَ السَّتْرُ وَاجِبًا خِلَافًا لِمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِمِثْلِهِ فِي قَضَاءِ حَاجَةِ الْبَشَرِ وَلَا قَائِلَ بِهِ اهـ. وَلَا يَرِدُ عَلَى جَوَازِ كَشْفِهَا لِأَدْنَى غَرَضٍ تَعْلِيلُهُمْ وُجُوبَ السَّتْرِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَى الْمَسْتُورَ مُتَأَدِّبًا وَغَيْرَهُ تَارِكًا لِلْأَدَبِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ انْتِسَابِهِ إلَى تَرْكِ الْأَدَبِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْغَرَضِ. قَوْلُهُ: (وَالْغُبَارُ) عَطْفٌ خَاصٌّ عَلَى عَامٍّ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْكَنْسِ كَأَنْ كَانَ هُنَاكَ غُبَارٌ مِنْ هَوَاءٍ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ عَقْلِيَّةٌ، وَفِي م ر مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْضُ حَدِيثٍ وَلَفْظُهُ «اللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ» . فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ السَّتْرِ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحْجَبُ عَنْ بَصَرِهِ شَيْءٌ؟ أُجِيبُ: بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَى عَبْدَهُ الْمُسْتَتِرَ مُتَأَدِّبًا دُونَ غَيْرِهِ اهـ شَرْحُ الشَّارِحِ عَلَى الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ) أَيْ السَّوْأَتَيْنِ لِلذَّكَرِ وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِلْمَرْأَةِ حُرَّةً أَوْ أَمَةً. وَقَوْلُهُ: عَنْ نَفْسِهِ أَيْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَمَّا فِيهَا فَوَاجِبٌ، فَلَوْ رَأَى عَوْرَةَ نَفْسِهِ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّظَرُ حَرَامًا، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَرْحُ م ر وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ تَنْبِيهٌ: الْعَوْرَةُ الَّتِي يَجِبُ سَتْرُهَا فِي الْخَلْوَةِ السَّوْأَتَانِ فَقَطْ مِنْ الرَّجُلِ وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (عَنْ نَفْسِهِ) وَمِثْلُ نَفْسِهِ حَلِيلَتُهُ. قَوْلُهُ: (بَلْ يُكْرَهُ نَظَرُهُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ) وَلَوْ لِلرَّجُلِ. وَحَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَوْرَةِ أَنْ يُقَالَ هِيَ لِلرِّجَالِ فِي الْخَلْوَةِ السَّوْأَتَانِ وَلِغَيْرِهِ مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى فِيهَا أَيْ الْخَلْوَةِ، وَبِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَعَوْرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَبِحَضْرَةِ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَبِحَضْرَةِ النِّسَاءِ جَمِيعُ بَدَنِهِ وَشَعْرِهِ وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ فِي الصَّلَاةِ مَا عَدَا الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَبِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ جَمِيعُ بَدَنِهَا. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ. يَجُوزُ النَّظَرُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَكَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ. أَمَّا الْأَمَةُ فَهِيَ كَالرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي خَارِجِهَا كَالْحُرَّةِ فَعَوْرَتُهَا فِي الصَّلَاةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَخَارِجُهَا جَمِيعُ بَدَنِهَا، وَفِي الْخَلْوَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ اهـ اج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ: «وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا تَنْظُرْ» . أَيْ الْأَمَةُ «إلَى عَوْرَتِهِ» . وَالْعَوْرَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَمِثْلُ الذَّكَرِ مَنْ بِهَا رِقٌّ بِجَامِعِ أَنَّ رَأْسَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ فَلَيْسَا مِنْ الْعَوْرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَائِدَةٌ: السُّرَّةُ مَوْضِعُ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْ الْمَوْلُودِ وَالسُّرَّةُ مَا يُقْطَعُ مِنْ سُرَّتِهِ مَا يُقَالُ لَهُ سُرَّةٌ لِأَنَّ السُّرَّةَ لَا تُقْطَعُ وَالرُّكْبَةُ مَوْصِلُ مَا بَيْنَ الْأَطْرَافِ الْفَخْذِ وَأَعَالِي السَّاقِ وَكُلُّ حَيَوَانٍ ذِي أَرْبَعٍ رُكْبَتَاهُ فِي يَدَيْهِ وَعُرْقُوبَاهُ فِي رِجْلَيْهِ. وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ (لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ: وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ) لَعَلَّ الْوَاوَ عَاطِفَةً عَلَى شَيْءٍ قَبْلَهُ وم ر. ذَكَرَ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ. قَوْلُهُ (عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ) أَيْ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَالْعَوْرَةُ) أَيْ عَوْرَةُ الْأَحَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ السَّيِّدُ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِيهِ الذَّكَرُ، فَلِذَلِكَ احْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى قِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَمِثْلُ الذَّكَرِ إلَخْ فَقَوْلُهُ: وَالْعَوْرَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّلِيلِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَدِيثِ لَمَا ثَبَتَ الْحُكْمُ وَتَخْصِيصُ الْعَوْرَةِ فِي قَوْلِهِ: وَالْعَوْرَةُ مَا بَيْنَ إلَخْ. بِعَوْرَةِ الْأَحَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ لِأَجْلِ قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدُ وَمِثْلُ الذَّكَرِ إلَخْ. وَإِلَّا فَلَفْظُ الْعَوْرَةِ عَامٌّ يَشْمَلُ الرَّجُلَ وَغَيْرَهُ وَالْأُنْثَى الْحُرَّةُ خَرَجَتْ عَنْهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَلِذَا أُعِيدَتْ الْعَوْرَةُ بِلَفْظِهَا: وَيَكُونُ الْقِيَاسُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَلِذَا كَتَبَ الشَّوْبَرِيُّ عَلَى قَوْلِ الْمَنْهَجِ وَقِيسَ بِالرَّجُلِ إلَخْ مَا نَصُّهُ: لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَوْرَةِ عَامٌّ يَشْمَلُ الرَّجُلَ وَغَيْرَهُ وَالْأُنْثَى الْحُرَّةُ خَرَجَتْ عَنْهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَأُبْقِيَ هَذَا الْعَامُّ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ وَالْأَمَةِ عَلَى حَالِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (بِجَامِعِ أَنَّ رَأْسَ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ مِثْلَ الرَّأْسِ الصَّدْرُ مَثَلًا، فَإِنَّهُ غَيْرُ عَوْرَةٍ مِنْهُمَا فَلِمَاذَا خَصَّ الرَّأْسَ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الْجَامِعَ الرَّأْسَ؛ لِأَنَّ الْجَامِعَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَكَوْنُ الرَّأْسِ مِنْهُمَا غَيْرُ عَوْرَةٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِخِلَافِ مَا عَدَاهَا فَفِيهِ خِلَافٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ حَتَّى يَصِحَّ جَعْلُهُ جَامِعًا. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ فِي الْجُمْلَةِ كَقِيَاسِ الْبِغَالِ عَلَى الْخَيْلِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِجَامِعِ الشَّبَهِ الصُّورِيِّ لَا مِنْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ، وَأَيْضًا فَهُوَ جَامِعٌ إقْنَاعِيٌّ يُقْنِعُ بِهِ الْخَصْمَ وَهُوَ الْحَنَفِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا رَأْسَهَا فَنَقُولُ لَهُ قِيَاسُهَا عَلَى الرَّجُلِ بِهَذَا الْجَامِعِ الَّذِي تُسَلِّمُهُ أَوْلَى اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَا مِنْ الْعَوْرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ) لَكِنْ يَجِبُ سَتْرُ بَعْضِهِمَا مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. قَوْلُهُ: (مَوْضِعُ الَّذِي يُقْطَعُ) أَيْ مَوْضِعُ الْجُزْءِ الَّذِي يُقْطَعُ. وَعِبَارَةُ م د: وَالسُّرَّةُ مَحَلُّ السُّرِّ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْ الْمَوْلُودِ فَالسُّرُّ مَا يُقْطَعُ وَالسُّرَّةُ مَحَلُّهُ وَجَمْعُهَا سُرَرٌ وَسَرَائِرُ اهـ قَوْلُهُ مَوْصِلُ بِوَزْنِ مَسْجِدِ أَيْ مَحَلُّ وَصْلِ الْفَخْذِ بِالسَّاقِ قَوْلُهُ رُكْبَتَاهُ فِي يَدَيْهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ (وَعُرْقُوبَاهُ) هُمَا الْعَظْمَاتُ الْبَارِزَانِ فِي وَسَطِ رِجْلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ. أَمَّا عَوْرَتُهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ لِنَظَرِ الْأَجْنَبِيِّ إلَيْهَا فَهِيَ جَمِيعُ بَدَنِهَا حَتَّى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَلَوْ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ، وَلَوْ رَقِيقَةً فَيَحْرُمُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا وَلَوْ قُلَامَةَ ظُفْرٍ مُنْفَصِلًا مِنْهَا، وَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ النَّظَرِ، وَإِنْ انْفَصَلَ مِنْهَا ذَلِكَ حَالَةَ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ وَعَوْرَتُهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَحَارِمِهَا وَمِثْلُهَا فِي الْخَلْوَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، فَلِكُلٍّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ، وَلَهَا عَوْرَةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ مَا عَدَا مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ النِّسَاءِ الْكَافِرَاتِ، وَوَجْهُ احْتِمَالِ حِكَايَةِ مَا رَأَتْهُ مِنْهَا لِلْكَافِرِ وَاغْتُفِرَ مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ لِاحْتِيَاجِهَا لِكَشْفِ ذَلِكَ غَالِبًا، وَكَذَا الرَّجُلُ لَهُ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ: عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَهِيَ أَيْضًا عَوْرَتُهُ عِنْدَ الرِّجَالِ وَمَحَارِمِهِ مِنْ النِّسَاءِ، وَعَوْرَةُ النَّظَرِ وَهِيَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ، وَعَوْرَةُ الْخَلْوَةِ السَّوْأَتَانِ فَقَطْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، فَلَوْ عَلِمَ الرَّجُلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَنْظُرُ إلَيْهِ حَرُمَ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهَا سَتْرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ عَنْهَا حَتَّى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ كَذَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا ز ي، وَانْتَشَرَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ، فَنَازَعُوهُ فِي ذَلِكَ أَشَدَّ الْمُنَازَعَةِ وَقَالُوا: سَبَرْنَا كُتُبَ الْحَدِيثِ فَلَمْ نَجِدْ فِيهَا أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَتْ لَهُمْ بَرَاقِعُ فَبَلَغَتْ الْمَسْأَلَةُ الشَّيْخَ م ر. فَأَفْتَى مَا أَفْتَى بِهِ ز ي فَبَطَلَتْ الْمُنَازَعَةُ اهـ اج عَلَى الْمَنْهَجِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 غَيْرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ظَهْرًا وَبَطْنًا إلَى الْكُوعَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُونَا عَوْرَةً؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِهِمَا، وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى رِقًّا وَحُرِّيَّةً فَإِنْ اقْتَصَرَ الْخُنْثَى الْحُرُّ عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْأَفْقَهِ فِي الْمَجْمُوعِ لِلشَّكِّ فِي السَّتْرِ، وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ الصِّحَّةَ، وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَكَثِيرٍ الْقَطْعَ بِهِ لِلشَّكِّ فِي عَوْرَتِهِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ إنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِلشَّكِّ فِي الِانْعِقَادِ، وَإِنْ دَخَلَ مَسْتُورًا كَالْحُرَّةِ وَانْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لَمْ يَضُرَّ لِلشَّكِّ فِي الْبَطَلَانِ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي الْجُمُعَةِ إنَّ الْعَدَدَ لَوْ كَمُلَ بِخُنْثَى لَمْ تَنْعَقِدْ الْجُمُعَةُ لِلشَّكِّ فِي الِانْعِقَادِ، وَإِنْ انْعَقَدَتْ الْجُمُعَةُ بِالْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ وَهُنَاكَ خُنْثَى زَائِدٌ عَلَيْهِ ثُمَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَكَمُلَ الْعَدَدُ بِالْخُنْثَى لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا الِانْعِقَادَ وَشَكَكْنَا فِي الْبُطْلَانِ، وَهَذَا فُتُوحٌ مِنْ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ فَتْحَ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَلَقَّاهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. وَشَرْطُ السَّاتِرِ جِرْمٌ يَمْنَعُ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ لَا حَجْمَهَا، وَلَوْ بِطِينٍ وَنَحْوِ مَاءِ كَدِرٍ كَمَاءٍ صَافٍ مُتَرَاكِمٍ بِخَضِرَةٍ، وَيَجِبُ التَّطْيِينُ عَلَى فَاقِدِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (غَيْرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) دَخَلَ فِي الْغَيْرِ بَاطِنُ الْقَدَمَيْنِ فَيَجِبُ سَتْرُهُمَا وَلَوْ بِالْأَرْضِ حَالَةَ الْقِيَامِ. قَوْلُهُ: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] فِيهِ أَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَلَا يُظْهِرْنَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَهُوَ تَحْصِيلُ حَاصِلٍ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّ مَعْنَى إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا أَيْ إلَّا مَا غَلَبَ ظُهُورُهُ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِهِمَا قَدْ يُقَالُ الْحَاجَةُ تَدْعُو إلَى إبْرَازِهِمَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِيهَا. قَوْلُهُ: (رِقًّا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ق ل أَيْ: لِأَنَّ الْخُنْثَى الرَّقِيقَ لَا يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) وَعَلَيْهِ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ بَانَ ذَكَرًا لِلشَّكِّ حَالَ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ شُغْلُ ذِمَّتِهِ بِهَا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ م ر. قَوْلُهُ: (الْقَطْعِ بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ مِنْ الصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: (وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ إلَخْ) فِي هَذَا الْجَمْعِ نَظَرٌ، إذْ أَصْلُ الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ اقْتَصَرَ الْخُنْثَى الْحُرُّ عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ فَقَطْ، وَالْبَغَوِيُّ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ دَخَلَ مَسْتُورًا كَالْحُرَّةِ حَتَّى يَقُولَ الشَّارِحُ: وَإِنْ دَخَلَ مَسْتُورًا كَالْحُرَّةِ إلَخْ. إذْ الْبَغَوِيّ لَمْ يَقُلْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فَتَأَمَّلْ. قَالَ ز ي: وَضَعَّفَ شَيْخُنَا هَذَا الْجَمْعَ وَاعْتَمَدَ الْبُطْلَانَ مُطْلَقًا وَلَسْنَا مَعَهُ نَحْنُ مَعَ الَّذِي جَمْعَ وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنْ التَّضْعِيفِ اهـ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ م ر. قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ) هُمَا إنْ اقْتَصَرَ الْخُنْثَى عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَمُقَابِلُهَا إنْ اقْتَصَرَ الْخُنْثَى الْحُرُّ عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، فَتُحْمَلُ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا كَانَ الِاقْتِصَارُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْأَثْنَاءِ، وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي الْجُمُعَةِ) خَالَفَ م ر فَقَالَ بِالْبُطْلَانِ هُنَا مُطْلَقًا وَفَرْقٌ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَمَا هُنَا بِأَنَّ الشَّكَّ هُنَا فِي شَرْطٍ رَاجِعٍ لِذَاتِ الْمُصَلِّي، وَهُوَ السَّتْرُ، وَمَا سَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ شَكٌّ فِي شَرْطٍ رَاجِعٍ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ تَمَامُ الْعُذْرِ، فَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ مُعْتَمَدٌ، وَالْمَقِيسُ ضَعِيفٌ وَيُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الذَّاتِيِّ اهـ. وَاعْتَمَدَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (عَلَى مَنْ تَلَقَّاهُ إلَخْ) قَالَ اج تَلَقَّيْنَاهُ بِقَبُولٍ وَانْشِرَاحِ صَدْرٍ كَمَا تَلَقَّاهُ مَشَايِخُنَا عَنْ شَيْخِهِمْ النُّورِ الزِّيَادِيِّ. قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ) أَيْ لِمُعْتَدِلِ الْبَصَرِ عَادَةً كَمَا فِي نَظَائِرِهِ كَذَا نَقَلَ بِالدَّرْسِ عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ ع ش عَلَى م ر. فَلَا يَضُرُّ رُؤْيَةُ حَدِيدِ الْبَصَرِ، وَكَذَا إذَا رَآهَا فِي الشَّمْسِ دُونَ الظِّلِّ ع ش. وَقَدَّرَ الشَّارِحُ لَوْنًا لِيُفِيدَ الِاكْتِفَاءَ بِمَا يَمْنَعُ اللَّوْنَ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الْجُرْمَ كَالسَّرَاوِيلِ الضَّيِّقَةِ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِلْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَخِلَافُ الْأَوْلَى لِلرَّجُلِ قَالَ عَمِيرَةُ: وَفِيهِ وَجْهٌ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي الرَّجُلِ وَنَحْوَ الْمَرْأَةِ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الظَّاهِرُ الْكَرَاهَةَ فِي الرَّجُلِ وَنَحْوَ الْمَرْأَةِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ شَاذٌّ وَلَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ يُرَاعَى. اهـ. إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِطِينٍ) أَيْ وَلَوْ سَتَرَهَا بِطِينٍ. قَوْلُهُ: (كَمَاءٍ صَافٍ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى إتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ فِي الشَّطِّ وَجَبَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِثَلَاثِ خُطُوَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَشْقَةٌ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الشَّطِّ عَارِيًّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ لِمَنْ هُوَ خَارِجُ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ أَعْلَاهَا وَجَوَانِبِهَا لَا مِنْ أَسْفَلِهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي امْرَأَةً فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ طَوْقِ قَمِيصِهِ لَسَعَتِهِ فِي رُكُوعِهِ أَوْ غَيْرِهِ ضَرَّ. وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا بِيَدِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ السَّتْرِ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْ السُّتْرَةِ مَا يَكْفِي قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ تَعَيَّنَ لَهُمَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُمَا عَوْرَةٌ؛ وَلِأَنَّهُمَا أَفْحَشُ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَكْفِيهِمَا قَدَّمَ قُبُلَهُ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ بِهِ لِلْقِبْلَةِ وَبَدَلُ الْقِبْلَةِ كَالْقِبْلَةِ كَمَا لَوْ صَلَّى صَوْبَ مَقْصِدِهِ، وَيَسْتُرُ الْخُنْثَى قُبُلَيْهِ، فَإِنْ كَفَى لِأَحَدِهِمَا تَخَيَّرَ، وَالْأَوْلَى لَهُ سَتْرُ آلَةِ الرَّجُلِ إنْ كَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ وَآلَةُ النِّسَاءِ إنْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ.   [حاشية البجيرمي] أَوْ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الشَّطِّ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَصَلَاةُ الْإِيمَاءِ فَلَا يَأْتِي فِيهِمَا هَذَا التَّفْصِيلُ سم وح ل. قَوْلُهُ: (فَلَوْ رُئِيَتْ) أَيْ كَانَتْ بِحَيْثُ تُرَى وَإِنْ لَمْ تُرَ بِالْفِعْلِ اهـ اج، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: فَلَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ تُرَى مِنْ طَوْقِهِ مَثَلًا لَسِعَتِهِ بَطَلَتْ عِنْدَ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَإِنْ لَمْ تُرَ بِالْفِعْلِ كَمَا لَوْ كَانَ ذَيْلُهُ قَصِيرًا بِحَيْثُ لَوْ رَكَعَ يَرْتَفِعُ عَنْ بَعْضِ الْعَوْرَةِ، فَتَبْطُلُ إذَا لَمْ يَتَدَارَكْهُ بِالسَّتْرِ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَلَا يَضُرُّ رُؤْيَتُهَا مِنْ أَسْفَلَ كَأَنْ صَلَّى فِي عُلُوٍّ وَتَحْتَهُ مِنْ يَرَى عَوْرَتَهُ مِنْ ذَيْلِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ طَوْقِ قَمِيصِهِ) أَوْ كُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَعْلَى اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا بِيَدِهِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَعَدَمِ حُرْمَةِ سَتْرِ رَأْسِ الْمَحْرَمِ بِيَدِهِ، فَلَمْ يَعْتَبِرُوا السَّتْرَ بِالْيَدِ فِي الْإِحْرَامِ فَلَمْ يُوجِبُوا الْفِدْيَةَ أَنَّ الْمَدَارَ ثَمَّ عَلَى مَا فِيهِ تَرَفُّهٌ، وَلَا تَرَفُّهَ فِي السَّتْرِ بِيَدِهِ، وَهُنَا عَلَى مَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْيَدِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا) أَيْ: بَلْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي سَاتِرِ عَوْرَتِهِ خَرْقٌ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَسُدُّهُ غَيْرَ يَدِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ع ش عَلَى م ر، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ أَصْلًا يَسْتَتِرُ بِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى أَحَدِ سَوْأَتَيْهِ بِلَا مَسٍّ نَاقِضٍ كَمَا اعْتَمَدَهُ سم وع ش. وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا أَيْ: يَجِبُ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ عَارِيًّا وَفِي شَرْحِ م ر: وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا أَيْ مِنْ غَيْرِ السَّوْأَتَيْنِ أَوْ مِنْهُمَا بِلَا مَسٍّ نَاقِضٍ اهـ. وَإِذَا تَعَارَضَ عَلَيْهِ السُّجُودُ وَالسَّتْرُ بِيَدِهِ قِيلَ يُقَدِّمُ السُّجُودَ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَالسَّتْرَ شَرْطٌ، وَقِيلَ يُقَدِّمُ السَّتْرَ لِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السُّجُودِ؛ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ يَقُولُ بِعَدَمِ وُجُوبِ وَضْعِ يَدِهِ فِي السُّجُودِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ وَضْعُ الْجَبْهَةِ فَقَطْ وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وَإِذَا تَعَارَضَ السُّجُودُ وَالسَّتْرُ قَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ يَدِهِ وَيَتْرُكُ السَّتْرَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ وَضْعُ الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ فَصَارَ حِينَئِذٍ عَاجِزًا عَنْ السَّتْرِ، وَالسَّتْرُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَلَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إتْمَامُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ بِأَذْكَارِهِمَا بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ فِيمَا سَبَقَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ صَلَّى عَارِيًّا وَأَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ ق ل وع ش وخ ض. قَوْلُهُ: (لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ السَّتْرِ) وَأَمَّا سَتْرُهَا بِيَدِ غَيْرِهِ فَيَكْفِي قَطْعًا اهـ اط ف قَوْلُهُ: (قَدَّمَ) أَيْ الشَّخْصُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ وَجَدَ سُتْرَةً تَسْتُرُ بَعْضَ قُبُلِهِ وَتَسْتُرُ جَمِيعَ دُبُرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ سَتْرُ الدُّبُرِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْبِشْبِيشِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَانْظُرْ لَوْ وُجِدَ كَافِي الْقُبُلِ وَزَادَ قَدْرًا يَكْفِي الدُّبُرَ أَوْ بَعْضَهُ هَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ قَالَ شَيْخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ نَقَصَ بِالْقَطْعِ عَنْ أُجْرَةِ مَا يَسْتُرُ بِهِ الدُّبُرَ لَا يَجِبُ وَإِلَّا وَجَبَ قِيَاسًا عَلَى الثَّوْبِ الَّذِي تَنَجَّسَ بَعْضُهُ اهـ اج قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ بِهِ لِلْقِبْلَةِ) قَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَجِبُ سَتْرُ الْقُبُلِ مُطْلَقًا فَقَدْ عَلَّلُوا بَعْلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُمْ؛ وَلِأَنَّ الدُّبُرَ مَسْتُورٌ بِالْأَلْيَتَيْنِ غَالِبًا قَالَ ز ي قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ وَالثَّانِي عَدَمُهُ، وَهُوَ الْأَوْجُهُ اهـ اج. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ هُنَا رَجُلٌ) أَيْ وَيُخَيَّرُ عِنْدَ الْخُنْثَى أَوْ الْفَرِيقَيْنِ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ تَخَيَّرَ، قَوْلُهُ: (فَقَطْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَحْوَ الطِّينِ وَيَفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ لَمْ يُصَلِّ فِي الْحَرِيرِ وَبِهِ أَجَابَ م ر سَائِلَهُ عَنْهُ وَيَنْبَغِي كَمَا وَقَفَ عَلَيْهِ م ر جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِيرِ مَعَ وُجُودِ نَحْوِ الطِّينِ إذَا أَخَلَّ بِمُرُوءَتِهِ وَحِشْمَتِهِ فَلْيُرَاجَعْ كُلُّ ذَلِكَ وَلْيُحَرَّرْ سم عَلَى الْمَنْهَجِ. أَقُولُ وَيَنْبَغِي أَنَّ نَحْوَ الطِّينِ الْحَشِيشُ وَالْوَرَقُ حَيْثُ أَخَلَّ بِمُرُوءَتِهِ فَيَجُوزُ لَهُ لَيْسَ الْحَرِيرُ أَمَّا لَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بِهِ إلَّا نَحْوَ الطِّينِ وَكَانَ يَخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ فَهَلْ يَجِبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 تَنْبِيهٌ: لَوْ وَجَدَ الرَّجُلُ ثَوْبَ حَرِيرٍ فَقَطْ لَزِمَهُ السَّتْرُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ مَا زَادَ مِنْ عَلَى الْعَوْرَةِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ لِلصَّلَاةِ وَيُقَدَّمُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى طَهَارَةِ الثَّوْبِ، وَلَوْ صَلَّتْ أَمَةٌ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ فَعَتَقَتْ فِي صَلَاتِهَا وَوَجَدَتْ سُتْرَةً وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَ رَأْسَهَا بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَا تَسْتُرُ بِهِ رَأْسَهَا بَنَتْ عَلَى صَلَاتِهَا، وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ لِلصَّلَاةِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَأَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] وَالثَّوْبَانِ أَهَمُّ الزِّينَةِ وَلِخَبَرِ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُزَيَّنَ لَهُ» وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ فِيهِ صُورَةٌ، وَأَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَلَثِّمًا وَالْمَرْأَةُ مُنْتَقِبَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي مَكَان، وَهُنَاكَ أُجَانِبُ لَا يَحْتَرِزُونَ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهَا رَفْعُ النِّقَابِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ السَّتْرُ (بِلِبَاسٍ طَاهِرٍ) حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أَوْ وَجَدَهُ مُتَنَجِّسًا وَعَجَزَ عَمَّا يُطَهِّرُهُ بِهِ أَوْ حُبِسَ فِي مَكَان نَجَسٍ وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا ثَوْبٌ لَا يَكْفِيهِ لِلْعَوْرَةِ، وَلِلْمَكَانِ صَلَّى عَارِيًّا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا لِغَيْرِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ لُبْسُهُ وَأَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا، وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ هِبَتِهِ لِلْمِنَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، بَلْ يُصَلِّي عَارِيًّا   [حاشية البجيرمي] عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ لَا. فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ وَلِأَنَّهُ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ السَّتْرُ بِهِ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَعِنْدَ الْأَجَانِبِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ وَلَوْ نَجَسًا أَوْ طِينًا ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ) أَيْ إنْ نَقَصَ وَلَوْ يَسِيرًا فِي الْأَوْجَهِ م ر سم اج قَوْلُهُ: (وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَ رَأْسَهَا) أَيْ فَوْرًا مِنْ غَيْرِ أَفْعَالٍ مُبْطِلَةٍ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ أَوْ لَزِمَ عَلَى تَنَاوُلِهِ وَالسَّتْرُ بِهِ أَفْعَالٌ مُبْطِلَةٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا اهـ اج قَوْلُهُ: (لِلرَّجُلِ) وَكَذَا لِلْمَرْأَةِ لَا بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ ق ل فَالْمَفْهُومُ فِيهِ تَفْصِيلٌ. قَوْلُهُ: (أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) وَأَنْ يَتَقَمَّصَ وَيَتَعَمَّمَ وَيَتَطَيْلَسَ وَيَرْتَدِيَ وَيَتَّزِرَ أَوْ يَتَسَرْوَلَ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ: قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَفِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْأَرْضَ تَسْتَغْفِرُ لِلْمُصَلِّي بِالسَّرَاوِيلِ» اهـ اج. قَوْلُهُ (فِي ثَوْبٍ فِيهِ صُورَةٌ) أَيْ طَاهِرَةٌ وَلَوْ أَعْمَى، أَوْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، أَوْ مُلَاقِيَةً لِلْأَرْضِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا إذَا صَلَّى عَلَيْهِ تَبَاعُدًا عَمَّا فِيهِ الصُّورَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: (فِيهِ صُورَةٌ) أَيْ مَثَلًا، وَالْمُرَادُ مَا فِيهِ شَيْءٌ يُلْهِي كَمَا فِي ق ل فَشَمِلَ مَا فِيهِ خُطُوطٌ قَوْلُهُ: (مُتَلَثِّمًا) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: اللِّثَامُ مَا كَانَ عَلَى الْفَمِ مِنْ النِّقَابِ وَاللِّفَامِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْنَبَةِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ لَهَا رَفْعُ النِّقَابِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ جَبْهَتُهَا مَكْشُوفَةً عِنْدَ السُّجُودِ. قَوْلُهُ: (وَعَجَزَ عَمَّا يُطَهِّرَهُ بِهِ) فَلَوْ قَدَرَ عَلَى مَا يُطَهِّرُهُ بِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَأَتَّ غَسْلُهُ إلَّا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَجَبَ وَيُصَلِّي بَعْدَ الْوَقْتِ، وَلَا يُصَلِّي عَارِيًّا فِي الْوَقْتِ كَمَا حَكَى الطَّبَرِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ اهـ سم. قَوْلُهُ: (صَلَّى عَارِيًّا) أَيْ الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ ع ش عَلَى م ر. أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ فِيمَا يَظْهَرُ وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (صَلَّى) أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ الْيَأْسِ عَادَةً مِنْ حُصُولِ سَاتِرٍ مُعْتَبَرٍ فِيمَا يَظْهَرُ. وَقَوْلُهُ: عَارِيًّا. وَأَتَمَّ الْأَرْكَانَ وَلَوْ اُضْطُرَّ لِلُبْسِ مَا تَعَذَّرَ غَسْلُهُ لِنَحْوِ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ صَلَّى أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ الْيَأْسِ كَمَا ذَكَرَ فِيمَا يَظْهَرُ أَيْضًا فِيهِ، وَأَعَادَ سم فِي شَرْحِ الْغَايَةِ وَعِبَارَتُهُ فِي الصَّلَاةِ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ ضِيقُ الْوَقْتِ، بَلْ إنَّمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مَا دَامَ يَرْجُو أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ شَرْحُ م ر. وَلَا يَعْرِفُ مِنْ يُبَاحُ لَهُ فَرْضٌ دُونَ نَفْلٍ إلَّا مِنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ أَوْ عَدِمَ السُّتْرَةَ أَوْ كَانَ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ وَعَجَزَ عَنْ إزَالَتِهَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي عَدَمِ السَّتْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ فَيُبَاحُ لَهُ النَّفَلُ أَيْضًا، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّنَوَانِيِّ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ نَادِرٌ وَإِنْ وَقَعَ لَا يَدُومُ. قَوْلُهُ: (هِبَتِهِ) أَيْ الثَّوْبِ، أَمَّا لَوْ كَانَ السَّاتِرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَعَارَهُ لَهُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ لِضَعْفِ الْمِنَّةِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لَقَدَرْته عَلَى السُّتْرَةِ وَلَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ أَوْ آجَرَهُ فَهُوَ كَالْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ. (وَ) الثَّالِثُ: (الْوُقُوفُ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ) فَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ شَخْصٍ يُلَاقِي بَعْضَ بَدَنِهِ أَوْ لِبَاسِهِ نَجَاسَةٌ فِي قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ. (وَ) الرَّابِعُ: (الْعِلْمُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ) الْمَحْدُودِ شَرْعًا، فَإِنَّ جَهْلَهُ لِعَارِضٍ كَغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ وَعَدِمَ ثِقَةً يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ اجْتَهَدَ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ بِالصَّبْرِ أَوْ الْخُرُوجِ وَرُؤْيَةِ الشَّمْسِ مَثَلًا، وَإِلَّا فَوُجُوبًا بِوِرْدٍ مِنْ قُرْآنٍ   [حاشية البجيرمي] طِينًا وَجَبَ قَبُولُهُ كَمَا فِي مَتْنِ الرَّوْضِ، وَكَرَهُ الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ عَلَيْهِ قَبُولُ نَحْوِ الطِّينِ مِمَّا لَا مِنَّةَ فِيهِ اهـ. قَوْلُهُ: (بَلْ يُصَلِّي عَارِيًّا) وَلَوْ إمَامًا وَخَطِيبًا كَمَا فِي فَتَاوَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَعَارَهُ) أَيْ وَلَوْ أَعَارَ شَخْصٌ الثَّوْبَ لِمُرِيدِ الصَّلَاةِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَيَظْهَرُ وُجُوبُ سُؤَالِ الْعَارِيَّةِ كَقَبُولِهَا اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (فَهُوَ كَالْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ) فَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلثَّمَنِ فَاضِلًا عَنْ مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ مُمَوِّنِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قَالَهُ م د؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْبَائِعَ غَيْرُ مَرِيدِ الصَّلَاةِ وَالْمُشْتَرِي مَرِيدُهَا كَمَا فَهِمَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (الْوُقُوفُ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ) الْوُقُوفُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ الْقُعُودُ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ: (يُلَاقِي بَعْضَ بَدَنِهِ أَوْ لِبَاسِهِ نَجَاسَةٌ) خَرَجَ بِالْمُلَاقِي غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. نَعَمْ يُغْتَفَرُ مُلَاقَاةُ نَجَاسَةٍ جَافَّةٍ فَارَقَهَا حَالًا أَوْ رَطْبَةٍ وَأَلْقَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ حَالًا مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ، وَلَوْ فِي مَسْجِدٍ، لَكِنْ إنْ لَزِمَ عَلَى إلْقَائِهَا تَنَجُّسُ الْمَسْجِدِ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ وَجَبَ عَلَيْهِ إلْقَاؤُهَا خَارِجَهُ، وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَلْقَاهَا فِي الْمَسْجِدِ وَكَمَّلَ صَلَاتَهُ، ثُمَّ يَغْسِلُ الْمَسْجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْعِلْمُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ) الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ وَلَوْ بِالِاجْتِهَادِ ق ل، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَقْتَ أَهَمُّ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِهِ تَجِبُ الصَّلَاةُ وَبِخُرُوجِهِ تَفُوتُ كَمَا قَالَهُ خ ض وز ي. قَوْلُهُ: (وَعَدِمَ ثِقَةً إلَخْ) جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ مَاضَوِيَّةٌ حَالِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ، فَإِنْ وَجَدَ ثِقَةً يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ وَلَوْ عَدْلَ رِوَايَةٍ أَوْ سَمِعَ أَذَانَهُ فِي صَحْوٍ أَوْ أَذَانَ مَأْذُونِهِ أَيْ الثِّقَةِ بِأَنْ أَذِنَ الْمِيقَاتِيُّ الثِّقَةَ الْمُؤَذِّنَ وَلَوْ صَبِيًّا مَأْمُونًا فِي ذَلِكَ، أَوْ رَأَى مِزْوَلَةً وَضَعَهَا عَارِفٌ ثِقَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ وَمِثْلُهَا مِنْكَابٌ مُجَرَّبٌ، وَأَقْوَى مِنْهُمَا بَيْتُ الْإِبْرَةِ الْمَعْرُوفِ لِعَارِفٍ فَلَا يَجْتَهِدُ مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ اج نَقْلًا عَنْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (اجْتَهَدَ) نَعَمْ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ مَعَ بَيْتِ الْإِبْرَةِ الْمَعْرُوفِ وَلَا مَعَ الْمَزَاوِلِ الَّتِي وَضَعَهَا الْعَارِفُونَ أَوْ أَقَرُّوهَا ق ل. وَمِثْلُهَا مِنْكَابٌ مُجَرَّبٌ، فَلَوْ اجْتَهَدَ وَصَلَّى فَبَانَ خِلَافُهُ وَقَعَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا مُطْلَقًا، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِهَا، فَإِنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ عَيَّنَ صَلَاةً. قَالَ م ر فِي الشَّرْحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ نِيَّةُ الْأَدَاءِ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ حَيْثُ جَهِلَ الْحَالَ لِغَيْمَةٍ وَنَحْوِهِ فَظَنَّ بَقَاءَ وَقْتِهَا، فَنَوَاهَا أَدَاءً فَتَبَيَّنَ خُرُوجُهُ، إذْ يُسْتَعْمَلُ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] أَيْ أَدَّيْتُمُوهَا. وَلَوْ نَوَى الْأَدَاءَ عَنْ الْقَضَاءِ وَعَكْسِهِ عَالِمًا عَامِدًا لَمْ تَصِحَّ لِتَلَاعُبِهِ، نَعَمْ إنْ قَصْدَ بِذَلِكَ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ لَمْ يَضُرَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْوَقْتِ كَالْيَوْمِ، إذْ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلشُّرُوطِ فَلَوْ عَيَّنَ الْيَوْمَ، وَأَخْطَأَ صَحَّ فِي الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الْمُتَعَيِّنَ لِلْفِعْلِ بِالشَّرْعِ يُلْغَى خَطْؤُهُ فِيهِ، وَكَذَا فِي الْقَضَاءِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمَا فِي التَّيَمُّمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى لِلْبَازِرِيِّ أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي مَوْضِعٍ مُدَّةَ عِشْرِينَ سَنَةً يَتَرَاءَى لَهُ الْفَجْرُ فَيُصَلِّي الصُّبْحَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 وَدَرْسٍ وَمُطَالَعَةٍ وَصَلَاةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَخِيَاطَةٍ وَصَوْتِ دِيكٍ مُجَرَّبٍ، وَسَوَاءٌ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى وَعَمِلَ عَلَى الْأَغْلَبِ فِي   [حاشية البجيرمي] خَطَؤُهُ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ كُلِّ يَوْمٍ تَكُونُ قَضَاءً عَنْ صَلَاةِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَازِرِيُّ أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قَصَدَ فَرْضَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي ظَنَّ دُخُولَهُ أَمْ لَا؟ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الَأُجْهُورِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى خ ط عَنْ شَيْخِهِ. وَاعْتَمَدَهُ خِلَافًا لسم عَلَى حَجّ وَلِمَا فِي فَتَاوَى م ر قَالَ: وَيُصَرِّحُ بِهِ أَيْ بِالظَّاهِرِ الْمَذْكُورِ قَوْلُ م ر. وَسُئِلَ أَيْ الْوَالِدُ أَيْضًا عَمَّنْ عَلَيْهِ ظُهْرُ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ فَقَطْ فَصَلَّى ظُهْرًا نَوَى بِهِ قَضَاءَ ظُهْرِ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَهَلْ تَقَعُ عَمَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ مَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ وَأَخْطَأَ فِيهِ أَوْ لَا؟ كَمَا فِي الْإِمَامِ وَالْجِنَازَةِ. فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ اهـ قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْإِمَامِ وَالْجِنَازَةِ أَيْ: إذَا عَيَّنَ الْمَأْمُومُ وَأَخْطَأَ وَلَمْ يُشِرْ لَهُ، أَوْ عَيَّنَ الْمُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ شَخْصًا فَقَالَ: نَوَيْت أُصَلِّي عَلَى زَيْدٍ الْمَيِّتِ فَبَانَ عَمْرًا وَلَمْ يُشِرْ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ. قَوْلُهُ: (بِوِرْدٍ) وَمِنْهُ الْمِنْكَابُ الَّذِي لَمْ تَتَيَقَّنْ صِحَّتُهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِ ذَلِكَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِوِرْدٍ لَا عَلَى الْأَمْثِلَةِ، إذْ الْخِيَاطَةُ وَمَا بَعْدَهَا لَيْسَا مِنْ الْوَرْدِ. قَوْلُهُ: (دِيكٍ) يَحْتَمِلُ أَوْ حَيَوَانٍ آخَرَ مُجَرَّبٍ سم عَلَى حَجّ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ: وَهُوَ يَعْنِي الدِّيكَ أَبْلَهُ الطَّبْعِ لَمْ يَأْلَفْ زَوْجَةً وَاحِدَةً وَلَا حُنُوَّ لَهُ عَلَى فِرَاخِهِ، وَإِذَا سَقَطَ مِنْ حَائِطٍ انْتَوَلَ وَلَمْ يَهْتَدِ لِدَارِ أَهْلِهِ، وَمِنْ خِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ مَعْرِفَةُ الْأَوْقَاتِ فَيُسْقِطُ صِيَاحَهُ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ طَالَتْ أَوْ قَصُرَتْ، حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَفْتَى بِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَيَقَظَتُهُ لَيْلًا وَرُؤْيَتُهُ الْمَلَائِكَةَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهَا تَرَى مَلَكًا» وَبَرَكَتُهَا فِي الدَّارِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْتَنِيهِ فِي الْبَيْتِ، وَغَيْرَتُهُ عَلَى إنَاثِهِ، فَإِذَا رَأَى مَعَهَا دِيكًا غَيْرَهُ قَاتَلَهُ قِتَالًا شَدِيدًا يَقْرَبُ مِنْ الْهَلَاكِ، وَقَدْ يَأْتَلِفُ الدِّيكَانِ مِنْ الصِّغَرِ، لَكِنْ لَا يَسْفِدُ أَحَدُهُمَا بِحَضْرَةِ الْآخِرِ، وَمَتَى فَعَلَ قَاتَلَهُ، وَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ مِرَارًا وَحُنُوَّهُ عَلَيْهَا، فَلَوْ رَأَى حَبَّةً آثَرَهَا بِهَا وَتَسْوِيَتُهُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُؤْثِرُ وَاحِدَةً عَلَى أُخْرَى، بَلْ الْعَتِيقَةُ الرَّفِيعَةُ النَّاشِفَةُ وَالصَّغِيرَةُ السَّمِينَةُ الطَّرِيَّةُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، لَكِنْ هَذَا مِنْ بَلَاهَةِ طَبْعِهِ قِيلَ: إنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ دِيكٌ خُصُوصًا الْأَبْيَضُ الْأَفْرَقُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الدِّيكُ الْأَفْرَقُ حَبِيبِي وَحَبِيبُ حَبِيبِي جِبْرِيلُ يَحْرُسُ بَيْتَهُ وَسِتَّةَ عَشَرَ بَيْتًا مِنْ جِيرَانِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَهُ دِيكٌ أَبْيَضُ. وَقَالَ الْحَافِظُ: زَعَمَ أَهْلُ التَّجْرِبَةِ أَنَّ مَنْ ذَبَحَ دِيكًا أَبْيَضَ أَفْرَقَ لَمْ يَزَلْ يَنْكَبُّ أَيْ يُصَابُ فِي مَالِهِ. وَرُوِيَ: «إنَّ لِلَّهِ دِيكًا أَبْيَضَ جَنَاحَاهُ مَشُوبَانِ بِالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ جَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ وَجَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ رَأْسُهُ» . وَفِي لَفْظٍ: «عُنُقُهُ تَحْتَ الْعَرْشِ وَقَوَائِمُهُ فِي الْهَوَاءِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «رِجْلَاهُ فِي تُخُومِ الْأَرْضِ يُؤَذِّنُ فِي كُلِّ سَحَرٍ فَيَسْمَعُ تِلْكَ الصَّيْحَةَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا الثِّقْلَيْنِ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ فَعِنْدَ ذَلِكَ تُجِيبُهُ دُيُوكُ الْأَرْضِ، فَإِذَا دَنَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ: ضُمَّ جَنَاحَيْك وَغُضَّ صَوْتَك، فَيَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا الثَّقَلَيْنِ أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ اقْتَرَبَتْ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «إذَا كَانَ مِنْ اللَّيْلِ صَاحَ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ» . وَرُوِيَ يَقُولُ فِي سَحَرِ كُلِّ لَيْلَةٍ: «سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ رَبِّنَا الرَّحْمَنِ لَا إلَهَ غَيْرُهُ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ دِيكٍ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ وَعُنُقُهُ مُثَبَّتَةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ يَقُولُ: سُبْحَانَك مَا أَعْظَمَ شَأْنَك» . وَرَوَى الْغَزَالِيُّ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: " بَلَغَنِي أَنَّ تَحْتَ الْعَرْشِ مَلَكًا فِي صُورَةِ دِيكٍ، فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ضَرَبَ بِجَنَاحَيْهِ وَقَالَ: لِيَقُمْ الْقَائِمُونَ، وَإِذَا مَضَى نِصْفُ اللَّيْلِ قَالَ: لِيَقُمْ الْمُصَلَّوْنَ، وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ: لِيَقُمْ الْغَافِلُونَ وَعَلَيْهِمْ أَوْزَارُهُمْ ". وَرَوَى الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثَةُ أَصْوَاتٍ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ صَوْتُ الدِّيكِ وَصَوْتُ الْقَارِئِ وَصَوْتُ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ» . وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 ظَنِّهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ بِالصَّبْرِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْخُرُوجِ لِرُؤْيَةِ الْفَجْرِ، وَلِلْأَعْمَى كَالْبَصِيرِ الْعَاجِزِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ لِعَجْزِهِ فِي الْجُمْلَةِ، أَمَّا إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَلَوْ رَقِيقًا بِدُخُولِهِ عَنْ عِلْمٍ أَيْ مُشَاهَدَةٍ كَأَنْ قَالَ: رَأَيْت الْفَجْرَ طَالِعًا أَوْ الشَّفَقَ غَارِبًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ: إنْ لَمْ يُمْكِنُهُ الْعِلْمُ بِنَفْسِهِ وَجَازَ إنْ أَمْكَنَهُ، وَفِي الْقِبْلَةِ لَا يَعْتَمِدُ الْمُخْبِرَ عَنْ عِلْمٍ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِتَكَرُّرِ الْأَوْقَاتِ فَيَعْسُرُ الْعِلْمُ بِكُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ عَيْنَهَا مَرَّةً اكْتَفَى بِهَا مَا دَامَ مُقِيمًا بِمَحَلِّهِ فَلَا عُسْرَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ أَنَّ صَلَاتَهُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَتُهَا، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْبَصِيرِ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ الثِّقَةِ الْعَارِفِ أَوْ لَا.   [حاشية البجيرمي] يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ» إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَفِي لَفْظٍ: «فَإِنَّهُ يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ» . قَالَ الْإِمَامُ الْحَلِيمِيُّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ خَيْرٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَبَّ بَلْ حَقُّهُ أَنْ يُكَرَّمَ وَيُشْكَرَ وَيُتَلَقَّى بِالْإِحْسَانِ، وَلَيْسَ مَعْنَى دُعَاءِ الدِّيكِ إلَى الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَقُولُ بِصُرَاخِهِ حَقِيقَةً الصَّلَاةُ وَقَدْ حَانَتْ الصَّلَاةُ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِأَنَّهُ يَصْرُخُ صَرَخَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَعِنْدَ الزَّوَالِ فِطْرَةٌ فَطَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا، فَيُذَكِّرُ النَّاسَ بِصُرَاخِهِ الصَّلَاةَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِصُرَاخِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ سِوَاهُ إلَّا مَنْ جُرِّبَ مِنْهُ مَا لَا يُخْلَفُ فَيَصِيرُ ذَلِكَ لَهُ إشَارَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُرْوَى: «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَلَكًا تَحْتَ الْعَرْشِ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْوَجْهِ أَلْفُ عَامٍ. الْأَوَّلُ: يَنْظُرُ بِهِ إلَى الْجَنَّةِ وَيَقُولُ طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ. وَالثَّانِي: يَنْظُرُ بِهِ إلَى النَّارِ وَيَقُولُ وَيْلٌ لِمَنْ دَخَلَكِ. وَالثَّالِثُ يَنْظُرُ بِهِ إلَى الْعَرْشِ وَيَقُولُ سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَكَ. وَالرَّابِعُ: يَخِرُّ بِهِ سَاجِدًا وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَلَهُ خَمْسُ حَرَكَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عِنْدَ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، فَيُقَالُ لَهُ: اُسْكُنْ. فَيَقُولُ: كَيْفَ أَسْكُنُ وَقَدْ جَاءَ وَقْتُ فَرِيضَتِك عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيُقَالُ لَهُ: اُسْكُنْ فَقَدْ غَفَرْت لِمَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَقِيلَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا مُحَمَّدُ أَنَا وَضَعْت عَلَى عِبَادِي الْفَرَائِضَ وَأَنْتَ وَضَعْت النَّوَافِلَ، فَالضَّمَانُ عَلَيْك فَمِنْك الشَّافِعَةُ وَمِنَّا الرَّحْمَةُ، وَإِذَا صَلَّى الْمُؤْمِنُ صَلَاةً وَتَقَبَّلَهَا اللَّهُ مِنْهُ خَلَقَ اللَّهُ مِنْ صَلَاتِهِ صُورَةً فِي الْمَلَكُوتِ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَكُونُ ثَوَابُ ذَلِكَ لِمَنْ صَلَّى» . اهـ ذَكَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي لَطَائِفِ الْمِنَنِ. تَنْبِيهٌ: مَرَاتِبُ الْوَقْتِ ثَلَاثَةٌ: الْعِلْمُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِخَبَرِ الثِّقَةِ عَنْ عِلْمٍ أَوْ بَيْتِ الْإِبْرَةِ أَوْ الْمَزَاوِلِ الْمُجَرَّبَةِ أَوْ السَّاعَاتِ الصَّحِيحَةِ، هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فِي مَرْتَبَةِ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ، ثُمَّ الِاجْتِهَادُ تَمَّ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: قَدِّمْ لِنَفْسِك عِلْمَ الْوَقْتِ وَاجْتَهَدَا ... مِنْ بَعْدِ ثَمَّتْ قَلِّدْ فِيهِ مُجْتَهِدَا وَالْمُزَوِّلَاتُ وَبَيْتُ الْإِبْرَةِ إنْ صَدَقَا ... إخْبَارُ عَدْلٍ بِمَعْنَى الْعِلْمِ فَاعْتَقَدَا وَمَرَاتِبُ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ أَرْبَعَةٌ الْعِلْمُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِقَوْلِ الثِّقَةِ ثُمَّ الِاجْتِهَادُ ثُمَّ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ. قَوْلُهُ: (وَلِلْأَعْمَى إلَخْ) أَيْ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ لَعَجْزِهِ أَيْ الْأَعْمَى فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْأَعْمَى عَاجِزًا. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ) إخْبَارُهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ إمْكَانُ سُؤَالِهِ، فَإِذَا أَمْكَنَ سُؤَالُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِخْبَارِ الْإِخْبَارُ بِالْفِعْلِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إذَا عَلِمَ) أَيْ تَيَقَّنَ عِلْمَهَا وَفِي نُسْخَةٍ عَلِمَ عَيْنَهَا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ الْبَصِيرِ الْقَادِرِ: قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَنْ عِلْمٍ، فَإِنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي الصَّحْوِ دُونَ الْغَيْمِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ مُجْتَهِدٌ وَهُوَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا وَفِي الصَّحْوِ مُخْبِرٌ عَنْ عِيَانٍ، وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ جَوَازَ تَقْلِيدِهِ فِيهِ أَيْضًا، وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ فِي الْعَادَةِ إلَّا فِي الْوَقْتِ فَلَا يَتَقَاعَدُ عَنْ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَلَعَلَّهُ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ إصَابَتُهُمْ جَازَ اعْتِمَادُهُمْ مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ صَلَّى بِلَا اجْتِهَادٍ أَعَادَ مُطْلَقًا لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَعَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُ الْوَقْتِ وَتَأْخِيرُهُ إلَى خَوْفِ الْفَوَاتِ أَفْضَلُ، وَيَعْمَلُ الْمُنَجِّمُ بِحِسَابِهِ جَوَازًا وَلَا يُقَلِّدُهُ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَالْحَاسِبُ وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ النُّجُومِ وَتَقْدِيرَ سَيْرِهَا فِي مَعْنَى الْمُنَجِّمِ وَهُوَ مَنْ يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ كَمَا يُؤْخَذ مِنْ نَظِيرِهِ فِي الصَّوْمِ. (وَفِي) الْخَامِسِ (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) بِالصَّدْرِ لَا بِالْوَجْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ} [البقرة: 144] أَيْ: " نَحْوَ الْمَسْجِدِ   [حاشية البجيرمي] تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ: قَوْلُهُ: (قَالَ الرَّافِعِيُّ) ضَعِيفٌ قَوْلُهُ: (عِيَانٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَوْلُهُ: (وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ جَوَازَ تَقْلِيدِهِ) مُعْتَمَدٌ قَوْلُهُ: (فَلَا يَتَقَاعَدُ عَنْ الدِّيكِ) أَيْ لَا تَقْصُرُ رُتْبَتُهُ عَنْ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ. وَفِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ، فَإِنَّ صَوْتَ الدِّيكِ لَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ، بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى اجْتِهَادٍ فِي تَقْلِيدِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ تَأَمَّلْ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ، فَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مُسَاهَلَةٌ. قَوْلُهُ: (الْبَنْدَنِيجِيُّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ تَحْتِيَّةٌ وَجِيمٌ، نِسْبَةٌ إلَى بَنْدَنِيجَيْنِ بِلَفْظِ الْمُثَنَّى بَلْدَةٌ قُرْبَ بَغْدَادَ اهـ مِنْ اللُّبِّ لِلسُّيُوطِيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ) أَيْ وَلَمْ يُقَلِّدْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، لَا سِيَّمَا بِمِصْرَ، أَمَّا إذَا قَلَّدَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَهُمْ وَإِنْ كَثُرُوا كَالْوَاحِدِ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَوْ كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ تَقْيِيدٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكْثُرْ الْمُؤَذِّنُونَ، فَإِنْ كَثَرُوا وَكَانُوا ثِقَاتٍ عَارِفِينَ جَازَ تَقْلِيدُهُمْ مُطْلَقًا فِي الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. قَوْلُهُ: (أَعَادَ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لِمَا عَلِّلَ بِهِ هُوَ، قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمُجْتَهِدِ) أَيْ وُجُوبًا لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّ دُخُولِ الْوَقْتِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ حَيْثُ حَمَلَهُ عَلَى الْجَوَازِ. قَوْلُهُ: (وَيَعْمَلُ الْمُنَجِّمُ) وُجُوبًا لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ أَخْبَرَهُ وَصَدَّقَهُ فَقَوْلُهُ جَوَازًا بِمَعْنَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَنْعِ وَيُصَرِّحُ بِهِ تَشْبِيهُهُ بِالصَّوْمِ ق ل. قَوْلُهُ: (كَمَا يُؤْخَذُ إلَخْ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ وَيَعْمَلُ الْمُنَجِّمُ. قَوْلُهُ: (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) أَيْ مُوَاجَهَةُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَأَلْ فِي الْقِبْلَةِ لِلْعَهْدِ، وَلَا يَكْفِي اسْتِقْبَالُ الشَّاذَرْوَانِ وَلَا الْحِجْرِ بِكَسْرِ الْحَاءِ مُنَاوِيٌّ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالتَّوَجُّهُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَسُمِّيَتْ قِبْلَةً؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّي يُقَابِلُهَا وَكَعْبَةً لِقُرْبِهَا مِنْ التَّرْبِيعِ الْمُسَمَّى بِالْمُكَعَّبِ ق ل. وَقِيلَ: لِتَكَعُّبِهَا أَيْ تَرَبُّعِهَا وَهِيَ مُرْتَفِعَةٌ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا وَطُولُ الْبَابِ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَعَشْرَةُ أَصَابِعَ وَعَرْضُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَأَحْجَارُهَا مِنْ خَمْسَةِ جِبَالٍ طُورِ سِينَا وَالْجُودِيِّ وَحِرَاءَ وَأَبِي قُبَيْسٍ وَثَبِيرٍ، وَالْمُرَادُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا يَقِينًا مَعَ الْقُرْبِ وَظَنًّا مَعَ الْبُعْدِ عِنْدَ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ، وَدَلِيلُهُ الشَّطْرُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ الْعَيْنُ لُغَةً وَتَفْسِيرُهُ بِالْجِهَةِ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوَّلُ أَمْرِهِ يَسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قِيلَ بِأَمْرٍ، وَقِيلَ بِرَأْيِهِ. وَكَانَ يَجْعَلُ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَيَقِفَ بَيْنَ الْيَمَانِيَّيْنِ، فَلَمَّا هَاجَرَ اسْتَدْبَرَهَا فَشَقَّ عَلَيْهِ فَسَأَلَ جِبْرِيلَ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ التَّحَوُّلَ إلَيْهَا فَنَزَلَ {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 144] الْآيَةَ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ فَتَحَوَّلَ وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ: «إنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ لِلْكَعْبَةِ الْعَصْرُ» . أَيْ: كَامِلَةٍ. وَكَانَ التَّحَوُّلُ فِي رَجَبٍ بَعْدِ الْهِجْرَة بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ السُّيُوطِيّ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: نَسَخَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ مَرَّتَيْنِ أَيْ مَرَّةً نُسِخَتْ الْكَعْبَةُ لِبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، وَمَرَّةً نُسِخَ بَيْتُ الْمُقَدَّسِ بِالْكَعْبَةِ، فَالنَّسْخُ لِلْقِبْلَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ مَرَّتَيْنِ، وَلُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أَحْفَظُ رَابِعًا. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْعَوْفِيُّ: رَابِعُهَا الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ، وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ فَقُلْت: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 الْحَرَامِ " وَالِاسْتِقْبَالُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَهُوَ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ الْأَنْصَارِيُّ: «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.   [حاشية البجيرمي] وَأَرْبَعٌ تَكَرَّرَ النَّسْخُ لَهَا ... جَاءَتْ بِهَا النُّصُوصُ وَالْآثَارُ لِقِبْلَةٍ وَمُتْعَةٍ وَحُمُرِ كَذَا ... الْوُضُوءُ مِمَّا تَمَسُّ النَّارُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَخَمْرَةٍ بَدَلُ حُمُرِ، فَقَدْ قَالَ سَيِّدِي عَلِيُّ الَأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ: وَلَيْسَتْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ مِمَّا تَكَرَّرَ نَسْخُهَا كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَوْلُهُ: لِقِبْلَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَاءَتْ، أَمَّا الِاسْتِقْبَالُ فَقَدْ بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142] أَيْ أَوَّلًا وَهِيَ الْكَعْبَةُ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إلَيْهَا، فَلَمَّا هَاجَرَ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمُقَدَّسِ تَأْلِيفًا لِلْيَهُودِ وَصَلَّى إلَيْهِ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حُوِّلَ إلَى الْكَعْبَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] مُتَطَلِّعًا إلَى الْوَحْيِ مُتَشَوِّقًا لِلْأَمْرِ بِالِاسْتِقْبَالِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَكَانَ يَوَدُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ إبْرَاهِيمَ؛ وَلِأَنَّهُ أَدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ أَيْ إسْلَامِ الْعَرَبِ: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] تُحِبُّهَا {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] أَيْ الْكَعْبَةِ. فَائِدَةٌ: كُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْحَرَمِ إلَّا قَوْلَهُ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 144] إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِالصَّدْرِ) حَقِيقَةً فِي الْوَاقِفِ وَالْجَالِسِ وَنَحْوِهِمَا وَحُكْمًا فِي الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ: وَلَوْ صَلَّى مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا، فَالِاسْتِقْبَالُ بِمُقَدَّمِ الْبَدَنِ أَيْ الصَّدْرِ وَالْوَجْهِ، وَالْمُسْتَلْقِي لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ أَخْمَصَاهُ مَعَ وَجْهِهِ لِلْقِبْلَةِ، فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ بِالصَّدْرِ بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ، وَكَذَا قَوْلُهُ لَا بِالْوَجْهِ فَالِالْتِفَاتُ بِالْوَجْهِ غَيْرُ مُبْطِلٍ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ: (لَا بِالْوَجْهِ) أَيْ لَا يَكْفِي الْوَجْهُ وَحْدَهُ بِدُونِ الصَّدْرِ وَلَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ، نَعَمْ يَجِبُ مَعَ غَيْرِهِ فِي الْمُضْطَجِعِ فَيَجِبُ بِالْوَجْهِ وَمُقَدَّمِ الْبَدَنِ وَالْمُسْتَلْقِي كَذَلِكَ مَعَ أَخْمَصَيْهِ، وَيَجِبُ رَفْعُ رَأْسِهِ قَلِيلًا إنْ أَمْكَنَ، وَالْمُرَادُ بِالصَّدْرِ جَمِيعُ عَرْضِ الْبَدَنِ، فَلَوْ اسْتَقْبَلَ طَرَفَهَا فَخَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الْعَرْضِ عَنْ مُحَاذَاتِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ حَجّ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ لَا بِالْوَجْهِ أَيْ مَثَلًا أَيْ: وَلَا بِالْيَدِ مَثَلًا وَإِنَّمَا خَصَّ الْوَجْهَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ. قَوْلُهُ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 144] أَيْ ذَاتَك مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعَيُّنُ الِاسْتِقْبَالِ بِالْوَجْهِ اج. وَالْمُرَادُ بِالذَّاتِ بَعْضُهَا كَالصَّدْرِ فَهُوَ مَجَازٌ مَبْنِيٌّ عَلَى مَجَازٍ. قَوْلُهُ: (أَيْ نَحْوَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أَيْ عَيْنِهِ. وَفِي الْخَادِمِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَيْنِ الْجِدَارَ بَلْ أَمْرٌ اصْطِلَاحِيٌّ، أَيْ: وَهُوَ سَمْتُ الْبَيْتِ وَهَوَاؤُهُ إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالْأَرْضِ السَّابِعَةِ حَجّ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ ز ي: وَالْجِهَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْعَيْنِ وَإِطْلَاقُهَا عَلَى غَيْرِهَا مَجَازٌ، بَلْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهَا لَا تُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْعَيْنِ اهـ أَيْ وَهُوَ الَّذِي نُقِلَ عَنْ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ ق ل قَوْلُهُ: أَيْ نَحْوَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَقُلْ عَيْنَهُ مَعَ أَنَّهُ مَعْنَى الشَّطْرِ لُغَةً لِأَجْلِ الْإِجْمَاعِ الْآتِي اهـ. وَفِي ع ش عَلَى الْمَوَاهِبِ مَا نَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى أَوَّلًا إلَى الْكَعْبَةِ، ثُمَّ صُرِفَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ هَاجَرَ فَصَلَّى إلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ إلَى الْكَعْبَةِ وَلَيْسَتْ صَلَاتُهُ بِاجْتِهَادٍ بَلْ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِقْبَالُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ أَيْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّلَاةُ، فَالْكَلَامُ فِيهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلٍ وَالِاسْتِقْبَالُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (الْأَنْصَارِيُّ) النِّسْبَةُ إلَى الْجَمْعِ إنَّمَا تَصِحُّ بِاعْتِبَارِ الْفَرْدِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ النَّاصِرِيُّ شَوْبَرِيٌّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا الْجَمْعَ صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فَصَحَّتْ النِّسْبَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُفْرَدًا كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قِبَلِ الْكَعْبَةِ» أَيْ وَجْهَهَا. «وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ» مَعَ خَبَرِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ إجْمَاعًا وَالْفَرْضُ فِي الْقِبْلَةِ إصَابَةُ الْعَيْنِ فِي الْقُرْبِ يَقِينًا وَفِي الْبُعْدِ ظَنًّا فَلَا تَكْفِي إصَابَةُ الْجِهَةِ لِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ، فَلَوْ خَرَجَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ بِأَنْ وَقَفَ بِطَرَفِهَا وَخَرَجَ عَنْهُ بِبَعْضِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ امْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُحَاذَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقْبِلًا لَهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ إذَا بَعُدُوا عَنْهَا حَاذَوْهَا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ طَالَ الصَّفُّ؛ لِأَنَّ صَغِيرَ الْحَجْمِ كُلَّمَا زَادَ بُعْدُهُ زَادَتْ مُحَاذَاتُهُ كَغَرَضِ الرُّمَاةِ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُحَصَّلُ مَعَ الِانْحِرَافِ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِلْبِنَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلرُّكْنِ، وَإِنْ   [حاشية البجيرمي] وَالْوَاحِدُ اُذْكُرْ نَاسِبًا لِلْجَمْعِ ... إنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِدًا بِالْوَضْعِ قَوْلُهُ: (إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ) أَيْ أَرَدْت الْقِيَامَ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَرُوِيَ إلَخْ) أَيْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَأَتَى بِهَذَا لِيُبَيِّنْ الْمُرَادَ مِنْ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ عَامٌّ ز ي، فَيَكُونُ مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ إرَادَةَ الْجُزْءِ وَقَوْلُهُ مَعَ خَبَرِ صَلُّوا إلَخْ. أَتَى بِهَذَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ الْقِبْلَةُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ لِعَدَمِ وُجُودِ صِيغَةِ أَمْرٍ فِيهِ، وَأَيْضًا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (قُبُلِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَعًا وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مُقَابِلُهَا ق ل. قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ إجْمَاعًا) فِيهِ أَنَّ إجْمَاعًا الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ إجْمَاعُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّوَجُّهَ لِلْعَيْنِ، بَلْ اكْتَفَى بِالتَّوَجُّهِ لِلْجِهَةِ وَهُوَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَوْلٌ عِنْدَنَا حَكَاهُ فِي التَّنْبِيهِ وَالضَّمِيرُ فِي بِدُونِهِ رَاجِعٌ لِلتَّوَجُّهِ لِلْعَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ شِبْهَ اسْتِخْدَامٍ فَذَكَرَ التَّوَجُّهَ أَوَّلًا بِمَعْنَى، وَهُوَ الْعَيْنُ، وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ فِي بِدُونِهِ بِمَعْنًى آخَرَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَوَجُّهًا لِلْعَيْنِ أَوْ لِلْجِهَةِ، وَحِينَئِذٍ فَصَحَّ قَوْلُهُ إجْمَاعًا بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ بِإِجْمَاعِ الْمَذَاهِبِ كُلِّهَا، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْجِهَةِ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ: بِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ إجْمَاعًا أَيْ مَذْهَبِيًّا وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ لَنَا قَوْلًا حَكَاهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ أَنَّهُ يَكْفِي اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْضُ) بِالْفَاءِ وَالرَّاءِ السَّاكِنَةِ. قَوْلُهُ: (يَقِينًا) أَيْ بِرُؤْيَةٍ أَوْ مَسٍّ ق ل. أَوْ لِعَرْصَتِهَا عِنْدَ انْهِدَامِهَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ هَوَاءَ الْبَيْتِ فِي حَقِّ الْخَارِجِ عَنْهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى أَعْلَى مِنْهُ كَجَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ. اهـ. ز ي. وَهُمَا أَعْنِي قَوْلَهُ يَقِينًا وَظَنَّا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ خَرَجَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ) أَيْ حَرَمِهَا أَوْ هَوَائِهَا ق ل. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الطَّرَفِ. قَوْلُهُ: (بِبَعْضِهِ) أَيْ بِبَعْضِ بَدَنِهِ. قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ إنْ وَقَعَ فِي أَثْنَائِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي ابْتِدَائِهَا، فَلَا تَنْعَقِدُ فَمُرَادُهُ بِالْبُطْلَانِ مَا يَشْمَلُ عَدَمَ الِانْعِقَادِ كَمَا فِي اج. قَوْلُهُ: (بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ) وَلَوْ بِأُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا شَكَّ إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ، فَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ أَمَّا إذَا بَعُدُوا. قَوْلُهُ: (حَاذَوْهَا) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. قَوْلُهُ: (إنْ طَالَ الصَّفُّ جِدًّا) . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا امْتَدَّ الصَّفُّ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ، لَكِنْ مَعَ انْحِرَافِ مَنْ بِطَرَفَيْهِ، أَمَّا إذَا بَعُدَ وَلَوْ كَثِيرًا وَلَمْ يَبْلُغْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ قَدْرُ سَمْتِهَا أَيْ: الْكَعْبَةِ مِرَارًا مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَمِنْ جِهَةِ شِمَالِهِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ وَلَا يَنْحَرِفُ اهـ هَذَا مَا انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ م ر وَمُتَابَعِيهِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَاسْتُشْكِلَ) أَيْ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ مَعَ الْبُعْدِ وَإِنْ طَالَ الصَّفُّ، وَقَوْلُهُ: (بِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْمُحَاذَاةَ الْمَذْكُورَةَ وَالْمُسْتَشْكِلُ هُوَ الْفَارِقِيُّ، وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ الْخَارِجِينَ عَنْ سَمْتِهَا لَا يَكُونُونَ مُحَاذِينَ لَهَا إلَّا مَعَ الِانْحِرَافِ، فَإِذَا لَمْ يَنْحَرِفُوا لَمْ يَكُونُوا مُحَاذِينَ لَهَا فَمُقْتَضَاهُ بُطْلَانُ صَلَاتِهِمْ مَعَ حُكْمِهِمْ بِصِحَّتِهَا، وَالْإِشْكَالُ جَارٍ فِي الْخَارِجِينَ عَنْ سَمْتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَمْتَدُّوا إلَى الْمَشْرِقِ خِلَافًا لِلْأُجْهُورِيِّ. وَأَجَابَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: بِأَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهَا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ نَظِيرُ مَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ، وَلَا بُطْلَانَ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ الْبُطْلِ م ر. وَالْمُرَادُ بِالْمُخْطِئِ غَيْرُ الْمُحَاذِي لَسَمْتِهَا. وَقَوْلُهُ: غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُصَلِّينَ مَعَ الْبُعْدِ عَنْهَا يَظُنُّ أَنَّهُ مُحَاذٍ لَهَا لِعَدَمِ مُشَاهَدَتِهِ لَهَا وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ مَكَّةَ وَسَطَ الْبِلَادِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الرُّكْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَقْبَلَ الْحِجْرَ بِكَسْرِ الْحَاءِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْبَيْتِ مَظْنُونٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْآحَادِ. تَنْبِيهٌ: أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ شَرْطًا سَادِسًا وَهُوَ الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَعْلَمَ فَرْضِيَّتَهَا وَيُمَيِّزَ فَرْضَهَا مِنْ سُنَنِهَا، نَعَمْ إنْ اعْتَقَدَهَا كُلَّهَا فَرْضًا أَوْ بَعْضَهَا وَلَمْ يُمَيِّزْ وَكَانَ عَامِّيًّا وَلَمْ يَقْصِدْ فَرْضًا بِنَفْلٍ صَحَّتْ. (وَيَجُوزُ) لِلْمُصَلِّي (تَرْكُ) اسْتِقْبَالِ (الْقِبْلَةِ فِي حَالَتَيْنِ) الْحَالَةُ الْأُولَى (فِي) صَلَاةِ (شِدَّةِ الْخَوْفِ) فِيمَا يُبَاحُ مِنْ قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، فَلَيْسَ التَّوَجُّهُ بِشَرْطٍ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: نَعَمْ إنْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَرَاكِبًا إلَى الْقِبْلَةِ وَجَبَ الِاسْتِقْبَالُ رَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ بِخِلَافِ   [حاشية البجيرمي] فَالْخَارِجُ عَنْ الْوَسَطِ كَيْفَ يَكُونُ مُحَاذِيًا لِلْكَعْبَةِ. قَوْلُهُ: (خَارِجًا عَنْ الرُّكْنِ) ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ الرُّكْنِ لَكِنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِبِنَائِهَا، وَالْمُضِرُّ إنَّمَا هُوَ خُرُوجُهُ عَنْ بِنَائِهَا، وَأَلْ فِي الرُّكْنِ لِلْجِنْسِ أَيْ أَيُّ رُكْنٍ كَانَ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ شَرْطًا سَادِسًا) لَوْ أَخَّرَ هَذَا التَّنْبِيهَ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا يُدْرِكُهُ أَهْلُ الذَّوْقِ وَالْكَمَالِ وَوَجْهُ إسْقَاطِهِ لَهُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ) كَيْفِيَّةُ الشَّيْءِ صِفَتُهُ فَكَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ صِفَتُهَا، وَهِيَ تَرْتِيبُ أَرْكَانِهَا فَقَوْلُهُ بِأَنْ يَعْلَمَ فَرْضِيَّتِهَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى كَيْفِيَّتِهَا لَا حَقِيقَةَ كَيْفِيَّتِهَا لَكِنَّهُ قَيَّدَ فِي الْعِلْمِ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَوْلُهُ: وَكَانَ عَامِّيًّا فَسَّرَ الْعَامِّيَّ هُنَا بِأَنَّهُ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَالِمُ يُخَالِفُهُ قَالَهُ الرَّمْلِيُّ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ: وَكَانَ عَامِّيًّا ضَائِعًا بَعْدَ قَوْلِهِمْ وَلَمْ يُمَيِّزْ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ، وَذَكَرَهُ م ر أَيْضًا بِمَنْ لَمْ يُحَصِّلْ مِنْ الْفِقْهِ طَرَفًا يَهْتَدِي بِهِ إلَى الْبَاقِي، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ وَارْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّيِّ هُنَا مِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالْعِلْمِ زَمَنًا يُمْكِنُهُ فِيهِ مَعْرِفَةُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ، وَالْعَالِمُ بِخِلَافِهِ. وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِعَدَمِ إيرَادِ شَيْءٍ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (إنْ اعْتَقَدَهَا كُلَّهَا فَرْضًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَقَوْلُهُ، وَكَانَ عَامِّيًّا رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، كَمَا فِي ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقْصِدْ فَرْضًا بِنَفْلٍ) أَيْ لَمْ يَعْتَقِدْ فَرْضًا نَفْلًا فَالْبَاءُ زَائِدَةٌ وَلَوْ قَدَّمَ الْبَاءَ فَوَصَلَهَا بِلَفْظِ الْفَرْضِ كَانَ أَوْلَى بِأَنْ يَقُولَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِفَرْضٍ نَفْلًا كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ. قَوْلُهُ: (فِي حَالَتَيْنِ) وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الصُّوَرَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ سِتًّا فَقَالَ: الِاسْتِقْبَالُ شَرْطٌ إلَّا فِي شِدَّةِ خَوْفٍ، وَنَفْلِ سَفَرٍ وَغَرِيقٍ عَلَى لَوْحٍ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَمَرْبُوطٍ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَعَاجِزٍ لَمْ يَجِدْ مُوَجِّهًا وَخَائِفٍ مِنْ نُزُولِهِ عَنْ رَاحِلَتِهِ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَةٍ مُنَاوِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ) مِنْ الْخَوْفِ الْمُجَوِّزِ لِتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، وَخَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ وَيَتَوَجَّهَ لِلْخُرُوجِ وَيُصَلِّيَ بِالْإِيمَاءِ حِينَئِذٍ م ر. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْقَضَاءِ لِلتَّقْصِيرِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ النَّاشِرِيِّ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (فَمَا يُبَاحُ مِنْ قِتَالٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْخَوْفِ. وَفِي لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ مَا يُبَاحُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ مِمَّا يُبَاحُ وَقَوْلُهُ مِنْ قِتَالٍ أَيْ: مِمَّا يُبَاحُ لَهُ فِعْلُهُ كَقِتَالٍ وَدَفْعِ صَائِلٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِرَارُ مِنْ سَبُعٍ أَوْ نَارٍ أَوْ سَيْلٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُبَاحُ الْفِرَارُ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ ع ش. وَمِثْلُهُ مِنْ خُطِفَ نَعْلُهُ، فَلَهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاحِ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ. قَالَ سم: وَإِنَّمَا يُصَلِّي عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ كَمَا شَرَطَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ التَّوَجُّهُ بِشَرْطٍ فِيهَا) نَعَمْ إنْ أَمِنَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ رَاكِبًا وَأَمِنَ، وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي نُزُولِهِ، فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ) زَائِدٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ. قَوْلُهُ: (فِي التَّفْسِيرِ) أَيْ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ فِي الْبُخَارِيِّ فَسَّرَ فِيهِ بَعْضَ آيَاتٍ. قَوْلُهُ: (قَائِمًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ يَأْمَنُ الْعَدُوَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَرَاكِبًا إلَى الْقِبْلَةِ) أَيْ مَعَ الْقُعُودِ بِأَنْ كَانَ يَأْمَنُ الْعَدُوَّ حَالَةَ الرُّكُوبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 الِاسْتِقْبَالِ. (وَ) الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ فِي (النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ) الْمُبَاحِ لِقَاصِدِ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يُتَوَسَّعُ فِيهِ كَجَوَازِهِ قَاعِدًا لِلْقَادِرِ فَلِلْمُسَافِرِ الْمَذْكُورِ التَّنَفُّلُ مَاشِيًا، وَكَذَا (عَلَى الرَّاحِلَةِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ» . أَيْ: فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ «فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَجَازَ لِلْمَاشِي قِيَاسًا عَلَى الرَّاكِبِ بَلْ أَوْلَى. وَالْحِكْمَةُ فِي التَّخْفِيفِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنَّ النَّاس مُحْتَاجُونَ إلَى الْأَسْفَارِ، فَلَوْ شَرْطَ فِيهَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (النَّافِلَةِ) وَلَوْ عَمْدًا وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَفِي حُكْمِهَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ. قَوْلُهُ: (فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي النَّافِلَةِ بِشُرُوطٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَا يُسَمَّى سَفَرًا وَلَوْ قَصِيرًا. ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مُبَاحًا. ثَالِثُهَا: أَنْ يَقْصِدَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الْمُسَمَّى قَطْعُهَا سَفَرًا. رَابِعُهَا: تَرْكُ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ كَرَكْضٍ وَعَدْوٍ بِلَا حَاجَةٍ. خَامِسُهَا: دَوَامُ السَّفَرِ فَلَوْ صَارَ مُقِيمًا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا. سَادِسُهَا: دَوَامُ السَّيْرِ فَلَوْ نَزَلَ أَثْنَاءَ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا لِلْقِبْلَةِ قَبْلَ رُكُوبِهِ أَيْ إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَالْخُرُوجُ مِنْ النَّافِلَةِ لَا يَحْرُمُ. سَابِعُهَا: عَدَمُ وَطْءِ النَّجَاسَةِ مُطْلَقًا عَمْدًا وَكَذَا نِسْيَانًا فِي نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَلَوْ وَقَفَ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ لِانْتِظَارِ رُفْقَةٍ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ مَا دَامَ وَاقِفًا وَلَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأَرْكَانِ. اهـ. ح ل وَفِي شَرْحِ م ر. وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ انْتِظَارِ رُفْقَةٍ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ مَا دَامَ وَاقِفًا، فَإِنْ سَافَرَ لِأَجْلِ سَيْرِ الْقَافِلَةِ أَتَمَّهَا إلَى جِهَةِ سَفَرِهِ وَإِنْ سَارَ مُخْتَارًا لِلسَّيْرِ بِلَا ضَرُورَةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسِيرَ حَتَّى تَنْتَهِيَ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ بِالْوُقُوفِ لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ أَيْ إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لِقَاصِدِ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ مِنْ حَيْثُ الْمَسَافَةُ بِأَنْ يَقْصِدَ قَطْعَ مَسَافَةٍ يُسَمَّى فِيهَا مُسَافِرًا عُرْفًا كَالشَّامِ أَوْ الصَّعِيدِ لَا خُصُوصُ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ كَدِمَشْقَ مَثَلًا شَوْبَرِيٌّ، فَتَعَيُّنُ الْمَحَلِّ لَيْسَ شَرْطًا، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَقْصِدَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا قَالَهُ ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ. وَتَلَخَّصَ أَنْ جُمْلَةَ الشُّرُوطِ سَبْعَةٌ: أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ نَحْوَ مِيلٍ فَأَكْثَرَ بِأَنْ خَرَجَ إلَى مَحَلٍّ لَا يَسْمَعُ فِيهِ نِدَاءَ الْجُمُعَةِ وَأَنْ يَكُونَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا، وَأَنْ يَقْصِدَ مَحَلًّا مُعَيَّنًا وَدَوَامَ السَّيْرِ وَدَوَامَ السَّفَرِ وَتَرْكَ الْفِعْلِ الْكَثِيرِ بِلَا حَاجَةٍ. قَوْلُهُ: (فَلِلْمُسَافِرِ الْمَذْكُورِ) أَيْ سَفَرًا مُبَاحًا قَوْلُهُ: (عَلَى الرَّاحِلَةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُرَادُ الدَّابَّةُ رَاحِلَةً أَوْ غَيْرَهَا، لِأَنَّ الرَّاحِلَةَ الْبَعِيرُ الَّذِي يُرْحَلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهَا الْمُصَنِّفُ تَبَرُّكًا بِالْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ) أَيْ فِي السَّفَرِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَعِبَارَةُ م ر وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ فِي السَّفَرِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَزِيدَهَا الشَّارِحُ لِيَتِمَّ الِاسْتِدْلَال، وَقَدْ يُقَالُ تَرَكَهُ لِظُهُورِهِ. قَوْلُهُ: (حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ) قِيلَ، وَهَذَا مَحْمَلُ قَوْله تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: اخْتَصَّ بِجَوَازِ صَلَاةِ الْوَتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ مَعَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ اهـ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ) أَيْ فَيَكْفِي اسْتِقْبَالُ جِهَةِ الْمَقْصِدِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ فَتُوُسِّعَ فِيهِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهَا أَصْلٌ. اهـ. م د. وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ، وَالْقَرِينَةُ عَلَيْهِ أَنَّ تَرْكَ الدَّابَّةِ تَمُرُّ إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَتْ لَا يَلِيقُ بِحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ عَبَثًا، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا يُسَيِّرُهَا جِهَةَ مَقْصِدِهِ قَالَ م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ يُمْكِنُهُ الِاسْتِقْبَالُ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَسَلَكَ الْآخَرَ لَا لِغَرَضٍ، فَلَهُ التَّنَفُّلُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ جِهَةَ مَقْصِدِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ تَوْسِعَةً فِي النَّوَافِلِ، وَتَكْثِيرًا لَهَا، وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْعَ الْقَصْرِ فِي نَظِيرِهِ، وَكَالنَّفْلِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ. قَوْلُهُ: (وَجَازَ لِلْمَاشِي قِيَاسًا عَلَى الرَّاكِبِ) لِأَنَّ الْمَشْيَ أَحَدُ السَّفَرَيْنِ وَأَيْضًا اسْتَوَيَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، فَكَذَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 الِاسْتِقْبَالَ لِلنَّفْلِ لَأَدَّى إلَى تَرْكِ أَوْرَادِهِمْ أَوْ مَصَالِحِ مَعَايِشِهِمْ، فَخَرَجَ بِذَلِكَ النَّفَلُ فِي الْحَضَرِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ اُحْتِيجَ لِلتَّرَدُّدِ كَمَا فِي السَّفَرِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ تَرْكُ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالرَّكْضِ وَالْعَدْوِ، وَلَا يُشْتَرَطُ طُولُ سَفَرِهِ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ قِيَاسًا عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ قَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ: مِثْلُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَان لَا تَلْزَمُهُ فِيهِ الْجُمُعَةُ لِعَدَمِ سَمَاعِ النِّدَاءِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: مِثْلُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى ضَيْعَةٍ مَسِيرَتُهَا مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، فَإِنْ سَهُلَ تَوَجُّهُ رَاكِبٍ غَيْرِ مَلَّاحٍ بِمَرْقَدٍ كَهَوْدَجٍ وَسَفِينَةٍ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَإِتْمَامِ الْأَرْكَانِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ لِتَيَسُّرِهِ   [حاشية البجيرمي] النَّافِلَةِ. قَوْلُهُ: (إلَى تَرْكِ أَوْرَادِهِمْ) أَيْ صَلَاةِ النَّفْلِ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ مَصَالِحِ مَعَايِشِهِمْ) أَيْ إنْ فُرِضَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا وَاسْتَقْبَلُوا، لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ تَعَطُّلٌ فِي السَّفَرِ حِينَئِذٍ، فَفِيهِ إعَانَةٌ لِلنَّاسِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ مَصْلَحَتَيْ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ. قَوْلُهُ: (مَعَايِشِهِمْ) بِالْيَاءِ لَا بِالْهَمْزَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} [الأعراف: 10] . قَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ) أَيْ فِعْلُهُ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا. قَوْلُهُ: (يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ تَرْكُ الْأَفْعَالِ إلَخْ) . قَدْ يُقَالُ: هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ الْآتِيَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ هُنَا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ ذُكِرَ هُنَا لَدُفِعَ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ هُنَا. قَوْلُهُ: (كَالرَّكْضِ) أَيْ الْكَثِيرِ وَالرَّكْضُ تَحْرِيكُ الرِّجْلِ مِمَّنْ فَوْقَ الدَّابَّةِ، وَأَمَّا الْعَدْوُ فَهُوَ الْجَرْيُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَالرَّكْضِ وَالْعَدْوِ أَيْ: بِلَا حَاجَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَلَهُ الرَّكْضُ لِلدَّابَّةِ وَالْعَدْوُ لِحَاجَةِ السَّفَرِ لِخَوْفِ تَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَتَعَلُّقِهِ بِصَيْدٍ يُرِيدُ إمْسَاكَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (قِيَاسًا إلَخْ) عِبَارَةُ م ر وَقِيَاسًا بِالْوَاوِ وَهِيَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (قَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ) وَرُجِّحَ هَذَا فَبِمُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ السُّورِ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْعُمْرَانِ الْمُلَاصِقِ لِلسُّورِ ح ل. كَمَا إذَا ذَهَبَ لِزِيَارَةِ قَبْرِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، أَوْ تَوَجَّهَ إلَى تُرْبَةِ الْمُجَاوِرِينَ مِنْ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ ع ش. عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ فَارَقَ حُكْمَ الْمُقِيمِينَ فِي الْبَلَدِ، وَلَعَلَّ كَلَامَ غَيْرِهِ رَاجِعٌ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْبَغَوِيَّ اعْتَبَرَ الْحِكْمَةَ وَغَيْرُهُ اعْتَبَرَ الْمَظِنَّة اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحِكْمَةَ هِيَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ وَالْمَظِنَّةُ أَيْ مَظِنَّةُ عَدَمِ سَمَاعِ النِّدَاءِ هِيَ الْمِيلُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَهُلَ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ فِي الْمَرْقَدِ أَوْ الْهَوْدَجِ أَوْ الْمِحَفَّةِ أَوْ الشُّقْدُفِ أَوْ نَحْوِهَا إنْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِقْبَالُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَإِتْمَامُ جَمِيعِ الْأَرْكَانِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ فَيَجِبُ تَرْكُهَا، وَأَمَّا الرَّاكِبُ عَلَى نَحْوِ سَرْجٍ أَوْ بَرْذعَةٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ فِيمَا سَهُلَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ أَوْ بَعْضِهَا وَإِتْمَامُ مَا سَهُلَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْكَانِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا ق ل. وَقَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهَا كَالسَّفِينَةِ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: فَإِنْ سَهُلَ إلَخْ تَفْصِيلٌ لِمَا أَجْمَلَهُ أَوَّلًا كَمَا قَالَهُ ح ل. وَهُوَ قَوْلُهُ فَلِلْمُسَافِرِ التَّنَفُّلُ إلَخْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً. لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ، أَوْ لَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، أَوْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ فِي التَّحَرُّمِ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ دُونَهُ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعِ إمَّا أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ إتْمَامُ كُلِّ الْأَرْكَانِ، أَوْ لَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا، أَوْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ. فَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ الثَّلَاثَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً فَفِي قَوْلِهِ: فَإِنْ سَهُلَ إلَخْ. صُورَتَانِ هُمَا صُورَةُ التَّوَجُّهِ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، سَوَاءٌ سَهُلَ عَلَيْهِ إتْمَامُ كُلِّ الْأَرْكَانِ أَوْ بَعْضِهَا وَتَحْتَ قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ إلَخْ عَشَرُ صُوَرٍ فَمَفْهُومُ الْقَيْدِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ سُهُولَةُ التَّوَجُّهِ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ فِيهِ تِسْعُ صُوَرٍ، وَهِيَ أَنْ لَا يَسْهُلَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ، أَوْ يَسْهُلَ فِي التَّحَرُّمِ دُونَ غَيْرِهِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ دُونَهُ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ إتْمَامُ كُلِّ الْأَرْكَانِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ لَا يَسْهُلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا، فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ، وَمَفْهُومُ الْقَيْدِ الثَّانِي، وَهُوَ إتْمَامُ الْأَرْكَانِ فِيهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ سُهُولَةُ التَّوَجُّهِ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ مَعَ عَدَمِ سُهُولَةِ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَالتَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ إلَّا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا تَوَجُّهٌ فِي تَحَرُّمِهِ إنْ سَهُلَ بِأَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً وَأَمْكَنَ انْحِرَافُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَحْرِيفُهَا   [حاشية البجيرمي] وَأَمَّا التَّوَجُّهُ فِي بَعْضِهَا فَهُوَ فِي التَّحَرُّمِ فَقَطْ، وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ أَرْبَعٍ دَاخِلَةٍ تَحْتَ قَوْلِهِ: إلَّا تَوَجَّهَ فِي تَحَرُّمِهِ وَهِيَ أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ فِي التَّحَرُّمِ سَوَاءٌ سَهُلَ عَلَيْهِ إتْمَامُ كُلِّ الْأَرْكَانِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ لَمْ يَسْهُلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَالرَّابِعَةُ: أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، وَلَمْ يَسْهُلْ عَلَيْهِ إتْمَامُ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ. وَهَذَا مَفْهُومُ الْقَيْدِ الثَّانِي مَعَ مَنْطُوقِ الْأَوَّلِ فَلَا يَلْزَمُهُ فِيهَا إلَّا التَّوَجُّهُ فِي التَّحَرُّمِ. وَفِي الْمُدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ: حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ فِيهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ الْمَذْكُورَ، إمَّا أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا، وَالرَّاكِبُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ كَسَفِينَةٍ لِغَيْرِ مَلَّاحٍ، أَوْ فِي غَيْرِهِ كَسَرْجٍ أَوْ يَكُونَ مَلَّاحًا، فَإِنْ كَانَ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ كَالسَّفِينَةِ لِغَيْرِ الْمَلَّاحِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ إتْمَامُ كُلِّ الْأَرْكَانِ وَالتَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَعَلَهُ، وَإِلَّا بِأَنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَرَكَ التَّنَفُّلَ رَأْسًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ نَحْوِ هَوْدَجٍ كَالسَّرْجِ أَوْ كَانَ مَلَّاحًا وَهُوَ مَنْ لَهُ دَخْلٌ فِي تَسْيِيرِ السَّفِينَةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كُلُّ مَا يَسْهُلُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَكْفِيه الْإِيمَاءُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ مَاشِيًا، فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي أَرْبَعَةٍ يَسْتَقْبِلُ فِيهَا جِهَةَ مَقْصِدِهِ، وَلَا يَمْشِي فِي أَرْبَعَةٍ بَلْ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيُتِمُّ الْأَرْكَانَ، فَالْأَرْبَعَةُ الَّتِي يَمْشِي فِيهَا الْقِيَامُ وَالِاعْتِدَالُ وَالتَّشَهُّدُ وَالسَّلَامُ، وَاَلَّتِي يَسْتَقْبِلُ فِيهَا وَلَا يَمْشِي تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (وَسَفِينَةٍ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ رَاكِبَ السَّفِينَةِ غَيْرَ الْمَلَّاحِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ، وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَ أَنْ يَسْهُلَ أَوْ لَا. فَقَوْلُهُ وَسَفِينَةٍ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ إلَخْ. كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ قَوْلِهِ وَسَفِينَةٍ، لِأَنَّ ذِكْرَهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْهُلْ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ، وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ لَا يَجِبُ إلَّا فِي التَّحَرُّمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا فِي س ل عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا) قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ سَهُلَ الِاسْتِقْبَالُ فِي الْجَمِيعِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ سِوَى إتْمَامِ الرُّكُوعِ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الْجَمِيعِ، وَإِتْمَامُ ذَلِكَ الرُّكُوعِ وَهُوَ كَلَامٌ لَا وَجْهَ لَهُ عَمِيرَةٌ ع ش. لِأَنَّ حُكْمَهُ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ إلَخْ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ مَعًا لَا أَحَدُهُمَا. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ ذَلِكَ لِتَيَسُّرِهِ عَلَيْهِ) وَشَمَلَ مَا لَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً أَيْ: فَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ عَلَيْهَا لِعِصْيَانِهِ خ ض. قَوْلُهُ (فِي تَحَرُّمِهِ) فَلَا يَجِبُ فِيمَا سِوَاهُ لِوُقُوعِ أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ التَّوَجُّهُ، ثُمَّ يُجْعَلُ مَا بَعْدَهُ تَابِعًا لَهُ، «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَافَرَ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ، فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ» أَيْ مَرْكُوبُهُ إلَى صَوْبِ مَقْصِدِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَلِيَدْخُلَ فِيهَا عَلَى أَتَمِّ كُلِّ الْأَحْوَالِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَمَا ذَكَرْته مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَخِيرِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ فِي غَيْرِ التَّحَرُّمِ، وَإِنْ سَهُلَ، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الِانْعِقَادَ يُحْتَاطُ لَهُ مَا لَا يُحْتَاطُ لِغَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْح م ر. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ سَهْلَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فِي غَيْرِ التَّحَرُّمِ وَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً أَيْضًا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ مَهْمَا دَامَ وَاقِفًا لَا يُصَلِّي إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ اهـ فَفَرْضُ كَلَامِهِ فِي الْوُقُوفِ، فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَاقِفًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا التَّوَجُّهُ فِي التَّحَرُّمِ فَقَطْ. اهـ. فَإِنْ أَحْرَمَ فِي نَفْلٍ مُطْلَقٍ مُقَيَّدٍ بِعَدَدٍ، ثُمَّ نَوَى الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ عِنْدَ النِّيَّةِ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا إنْشَاءٌ، وَلِهَذَا لَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ النَّافِلَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي النِّيَّةِ أَوْ لَا يَجِبُ نَظَرًا لِلدَّوَامِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُعْطُوهَا حُكْمَ الِابْتِدَاءِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَهَا دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ قَالَ م ر: هَذَا مِمَّا تَرَدَّدَ فِيهِ النَّظَرُ، وَالْوَجْهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً) وَمَا دَامَتْ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأَرْكَانِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 أَوْ سَائِرَةً وَبِيَدِهِ زِمَامُهَا وَهِيَ سَهْلَةٌ فَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ ذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ صَعْبَةً أَوْ مَقْطُورَةً وَلَمْ يُمْكِنْهُ انْحِرَافُهُ عَلَيْهَا وَلَا تَحْرِيفُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَحْرِيفٌ لِلْمَشَقَّةِ وَاخْتِلَالِ أَمْرِ السَّيْرِ عَلَيْهِ، أَمَّا مَلَّاحُ السَّفِينَةِ وَهُوَ مُسَيِّرُهَا فَلَا يَلْزَمُهُ تَوَجُّهٌ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ ذَلِكَ يَقْطَعُهُ عَنْ النَّفْلِ أَوْ عَمَلِهِ وَلَا يَنْحَرِفُ عَنْ صَوْبِ طَرِيقِهِ إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، فَإِنْ انْحَرَفَ إلَى غَيْرِهَا عَالِمًا مُخْتَارًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَا النِّسْيَانُ أَوْ خَطَأُ طَرِيقٍ أَوْ جِمَاحُ دَابَّةٍ إنْ طَالَ الْفَصْلُ وَإِلَّا فَلَا. وَلَكِنْ يُسَنُّ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّ عَمْدَ ذَلِكَ يُبْطِلْ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَيَكْفِيهِ إيمَاءٌ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَيَكُونُ سُجُودُهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ لِلِاتِّبَاعِ وَالْمَاشِي يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا، وَفِي تَحَرُّمِهِ وَجُلُوسِهِ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ وَلَوْ صَلَّى فَرْضًا عَيْنِيًّا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ وَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ وَأَتَمَّ الْفَرْضَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ سَيْرَ   [حاشية البجيرمي] فَلَهُ أَنْ يُتِمَّهَا بِالْإِيمَاءِ كَمَا نَقَلَهُ سم عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، ثُمَّ إنْ سَارَ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ سَارَ تَبَعًا لِلرُّفْقَةِ بَنَى وَأَتَمَّهَا لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ، وَإِنْ سَارَ مُخْتَارًا بِلَا ضَرُورَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسِيرَ حَتَّى تَنْتَهِيَ صَلَاتُهُ إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَالْخُرُوجُ مِنْ النَّافِلَةِ لَا يَحْرُمُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لَمْ يَلْزَمْهُ تَحْرِيفٌ) الْمُنَاسِبُ لَمْ يَلْزَمْهُ تَوَجُّهٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُسَيِّرُهَا) أَيْ مَنْ لَهُ دَخْلٌ فِي تَسْيِيرِهَا بِحَيْثُ يَخْتَلُّ أَمْرُهُ لَوْ اشْتَغَلَ عَنْهَا ح ل قَالَ ع ش. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُعَدِّينَ لِتَسْيِيرِهَا، كَمَا لَوْ عَاوَنَتْ بَعْضُ الرُّكَّابِ أَهْلَ الْعَمَلِ فِيهَا فِي بَعْضِ أَعْمَالِهِمْ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَلْزَمُهُ تَوَجُّهٌ) أَيْ وَلَا إتْمَامٌ أَيْ: وَإِنْ سَهُلَ وَلَوْ فِي حَالَةِ التَّحَرُّمِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَاعْتَمَدَ الْعَنَانِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ فِي التَّحَرُّمِ فَقَطْ إنْ سَهُلَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (يَقْطَعُهُ عَنْ النَّفْلِ) أَيْ إنْ اشْتَغَلَ بِعَمَلِهِ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ عَمَلُهُ) أَيْ إنْ اشْتَغَلَ بِالنَّفْلِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْحَرِفُ إلَخْ) أَيْ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ مَضَى فِي صَلَاتِهِ، فَإِنْ انْحَرَفَ لِقَطْعِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ لَهُ تَرْكَهَا. قَوْلُهُ: (إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ) وَإِنْ كَانَتْ خَلْفَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ (عَالِمًا مُخْتَارًا) لَا يَتَقَيَّدُ الْبُطْلَانُ بِالِاخْتِيَارِ، وَعِبَارَةُ م ر: فَإِنْ انْحَرَفَ إلَى غَيْرِهَا عَامِدًا عَالِمًا وَلَوْ قَهْرًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ إلَى مَقْصِدِهِ فَقَوْلُهُ مُخْتَارًا لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ الْمُكْرَهُ. قَوْلُهُ: (إنْ طَالَ الْفَصْلُ) أَيْ الزَّمَنُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بِأَنْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ، وَكَذَا لَوْ انْحَرَفَ الْمُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ عَنْ الْقِبْلَةِ نَاسِيًا وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ فَلَا يَضُرُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْرَفَهُ غَيْرُهُ قَهْرًا وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ لِنُدُورِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا أَنْ يَنْفُذَ شَخْصٌ بَيْنَ مُصَلِّيَيْنِ فَيَحْرِفَهُمَا، أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ يَمُرَّ بِجَنْبِ مُصَلٍّ فَيَحْرِفَهُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَفِي ذَلِكَ) أَيْ فِي سَنِّ السُّجُودِ وَعَدَمِهِ وَالْمُعْتَمَدُ السَّنُّ. قَوْلُهُ: (وَيَكْفِيهِ) أَيْ الرَّاكِبَ إيمَاءٌ إلَخْ. وَلَا يَلْزَمُهُ وَضْعُ جَبْهَتِهِ عَلَى نَحْوِ عُرْفِ الدَّابَّةِ أَيْ شَعْرِ رَقَبَتِهَا أَوْ سَرْجِهَا، وَلَا بَذْلُ وُسْعِهِ فِي الِانْحِنَاءِ، وَإِنْ سَهُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ الْمَشَقَّةَ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ سُجُودُهُ إلَخْ) أَيْ يَكُونُ سُجُودُهُ أَخْفَضَ وُجُوبًا حَيْثُ أَمْكَنَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَنْحَنِيَ لِلسُّجُودِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ أَكْمَلِ رُكُوعِ الْقَاعِدِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْأَكْمَلِ فَقَطْ لَمْ يَلْزَمْهُ جَعْلُهُ لِلسُّجُودِ، وَالْأَقَلُّ لِلرُّكُوعِ نَظِيرُ مَا يَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْقِيَامِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ شَوْبَرِيٍّ. قَوْلُهُ: (وَالْمَاشِي يُتِمُّ رُكُوعَهُ) أَيْ وُجُوبًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، نَعَمْ يَكْفِيهِ الْإِيمَاءُ حَيْثُ كَانَ يَمْشِي فِي وَحْلٍ وَنَحْوِهِ أَوْ مَاءٍ أَوْ ثَلْجٍ لِمَا فِي الْإِتْمَامِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ وَتَلْوِيثِ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ بِالطِّينِ وَنَحْوِهِ كَمَا قَالَهُ ق ل وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ) لِسُهُولَتِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّاكِبِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَلَهُ الْمَشْيُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِيَامُ وَالتَّشَهُّدُ وَالِاعْتِدَالُ وَالسَّلَامُ لِطُولِ زَمَنِهِ أَوْ لِسُهُولَةِ الْمَشْيِ فِيهِ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يَمْشِي فِي أَرْبَعٍ فِي قِيَامِهِ وَاعْتِدَالِهِ وَتَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ. وَيَتْرُكُ الْمَشْيَ فِي أَرْبَعٍ فِي إحْرَامِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَجُلُوسِهِ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ، وَقَوْلُهُ وَتَشَهُّدُهُ وَلَوْ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (عَيْنِيًّا أَوْ غَيْرَهُ) بِحَسَبِ الْأَصْلِ أَوْ عَارِضًا، فَيَشْمَلُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُعَادَةِ وَالْمَنْذُورَةِ، وَخَرَجَ النَّفَلُ وَإِنْ نَذَرَ إتْمَامَهُ لِجَوَازِهِ قَاعِدًا وَعَدَمِ وُجُوبِ قَضَائِهِ لَوْ فَسَدَ وَقَوْلُ شَيْخِنَا م ر. إنَّهُ كَالْفَرْضِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرَهُ) مِنْ مَنْذُورَةٍ أَوْ جِنَازَةٍ م ر. قَوْلُهُ: (وَاقِفَةٍ) أَيْ وَزِمَامُهَا بِيَدِ مُمَيِّزٍ ق ل. قَوْلُهُ: (وَأَتَمَّ الْفَرْضَ) هَذَا شَرْطٌ ثَالِثٌ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ سَائِرَةً أَوْ لَمْ يَتَوَجَّهْ، أَوْ لَمْ يَتِمَّ الْفَرْضُ. وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ إلَخْ عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ سَائِرَةً أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 الدَّابَّةِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ. وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَوْ عَلَى سَطْحِهَا وَتَوَجَّهَ شَاخِصًا مِنْهَا كَعَتَبَتِهَا ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا جَازَ مَا صَلَّاهُ. وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لَمْ يَعْمَلْ   [حاشية البجيرمي] زِمَامُهَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ أَوْ وَطِئَتْ نَجَاسَةً لَمْ يَضُرَّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ زِمَامُهَا بِيَدِهِ، وَلَوْ دَمِيَ فَمُهَا، وَفِي يَدِهِ لِجَامُهَا أَوْ اتَّصَلَتْ بِهَا نَجَاسَةٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ضَرَّ، كَمَا لَوْ صَلَّى وَبِيَدِهِ حَبْلٌ طَاهِرٌ مُتَّصِلٌ بِنَجَاسَةٍ وَلَا يُكَلَّفُ الْمَاشِي التَّحَفُّظَ وَالِاحْتِيَاطَ فِي مَشْيِهِ، فَلَوْ وَطِئَ نَجَاسَةً جَاهِلًا بِهَا، وَكَانَتْ يَابِسَةً وَفَارَقَهَا حَالًا لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ تَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهَا وَلَوْ يَابِسَةً، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَنْهَا مَعْدِلًا وَلَوْ فَارَقَهَا حَالًا ضَرّ. اهـ. ح ل. وَقَالَ اج: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَ لَهَا قَائِدٌ يَلْزَمُ زِمَامَهَا يُسَيِّرُهَا بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْجِهَةُ جَازَ ذَلِكَ كَالسَّرِيرِ وَالصَّلَاةِ فِي الْمِحَفَّةِ السَّائِرَةِ لِمُرَاعَاةِ مَنْ بِيَدِهِ زِمَامُ الدَّابَّةِ الْقِبْلَةَ شَرْحُ م ر. تَنْبِيهٌ: لَوْ مَشَتْ الدَّابَّةُ الْوَاقِفَةُ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوْ وَثَبَتَ وَثْبَةً فَاحِشَةً وَلَوْ سَهْوًا مِنْهُ بِأَنْ سَهَا فِي إحْكَامِ زِمَامِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ زِمَامُهَا بِيَدِهِ وَلَا يَضُرُّ تَحْرِيكُ أُذُنَيْهَا وَرَأْسِهَا وَرِجْلِهَا ق ل. قَوْلُهُ: (وَتَوَجَّهَ شَاخِصًا) وَلَوْ كَانَ الشَّاخِصُ مَمْلُوكًا لِشَخْصٍ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، وَلَوْ زَالَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ بِخِلَافِ زَوَالِ الرَّابِطَةِ ز ي. لِأَنَّ أَمْرَ الِاسْتِقْبَالِ فَوْقَ أَمْرِ الرَّابِطَةِ سم، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَوَجَّهْ الشَّاخِصُ، فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى فِيهِ أَيْ فِي الْبَيْتِ لَا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِقْبَالُ هَوَائِهَا لِمَنْ هُوَ خَارِجَهَا لِأَنَّهُ يُسَمَّى عُرْفًا مُسْتَقْبِلًا لَهَا، بِخِلَافِ مَنْ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ فِي هَوَائِهَا فَلَا يُسَمَّى عُرْفًا مُسْتَقْبِلًا لَهَا. اهـ. حَجّ. قَوْلُهُ: (كَعَتَبَتِهَا) أَوْ بَابِهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ أَوْ خَشَبَةٍ مَبْنِيَّةٍ أَوْ مُسَمَّرَةٍ فِيهَا، أَوْ تُرَابٍ جُمِعَ مِنْهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: كَعَتَبَتِهَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَةِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مُسَمَّرَةٍ لَوْ سَمَّرَهَا هُوَ لِيُصَلِّيَ إلَيْهَا ثُمَّ يَأْخُذَهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، وَمَالَ م ر إلَى هَذَا الْخِلَافِ وَارْتَضَاهُ سم. وَفِي حَجّ أَنَّهُ يَكْفِي اسْتِقْبَالُ الْوَتَدِ الْمَغْرُوزِ فَتَقْيِيدُ الْخَشَبَةِ بِالْمُسَمَّرَةِ وَالْمَبْنِيَّةِ لَيْسَ لِلتَّخْصِيصِ، بَلْ يَكْفِي ثُبُوتُهَا وَلَوْ بِغَيْرِ بِنَاءٍ وَتَسْمِيرٍ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ح ل وز ي وَعِبَارَةُ م ر: وَلَا تَكْفِي الْعَصَا الْمَغْرُوزَةُ هُنَا وَلَا حَشِيشٌ نَبَتَ لِكَوْنِهِ لَا يُعَدّ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَيُخَالِفُ الْعَصَا الْأَوْتَادُ الْمَغْرُوزَةُ فِي الدَّارِ حَيْثُ تُعَدُّ مِنْهَا بِدَلِيلِ دُخُولِهَا فِي بَيْعِهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِغَرْزِهَا لِلْمَصْلَحَةِ فَعُدَّتْ مِنْ الدَّارِ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: أَوْ تُرَابٍ جُمِعَ مِنْهَا أَيْ: دُونَ مَا يُلْقِيهِ الرِّيحُ، وَانْظُرْ لَوْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا وَوَقَفَ خَارِجَهَا مُسْتَقْبِلًا هَوَاءَ الْمُنْهَدِمِ دُونَ شَيْءٍ مِنْ الْبَاقِي هَلْ يَكْفِي لَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلًا كَمَا لَوْ انْهَدَمَتْ كُلُّهَا، أَوْ لَا؛ لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْبَاقِي. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ ارْتَفَعَ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، وَاسْتَقْبَلَ هَوَاءَهَا مَعَ إمْكَانِ الِانْخِفَاضِ بِحَيْثُ يَسْتَقْبِلُ نَفْسَهَا سم ع ش. اط ف. قَوْلُهُ: (ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا) أَيْ فَأَكْثَرَ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، وَإِنْ بَعُدَ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ فَأَكْثَرَ، وَفَارَقَ نَظِيرَهُ فِي سُتْرَةِ الْمُصَلِّي وَقَاضِي الْحَاجَةِ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ سَتْرُهُ عَنْ الْكَعْبَةِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا مَعَ الْقُرْبِ، وَهُنَا إصَابَةُ عَيْنِهَا، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْبُعْدِ كَالْقُرْبِ. اهـ. شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَمْكَنَهُ) أَيْ سَهُلَ عَلَيْهِ عِلْمُ الْقِبْلَةِ أَيْ الْكَعْبَةِ وَمِثْلُهَا مَحَارِيبُ الْمُسْلِمِينَ الْمُعْتَمَدَةُ، أَوْ الْمُرَادُ بِالْقِبْلَةِ الْأَعَمُّ، وَالْمُرَادُ أَمْكَنَهُ عِلْمُهَا بِلَا مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ قَالَ سم: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأَعْمَى إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدًا مِحْرَابُهُ مُعْتَمَدٌ وَشَقَّ عَلَيْهِ مَسُّ الْكَعْبَةِ فِي الْأَوَّلِ وَالْمِحْرَابِ فِي الثَّانِي لِامْتِلَاءِ الْمِحْرَابِ بِالنَّاسِ وَامْتِدَادِ الصُّفُوفِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ الْمَسِّ وَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ اهـ. وَفِي فَتَاوَى م ر: يَكْفِي مَسُّ بَعْضِ الْمُصَلِّينَ عِنْدَ عَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ مَسِّ الْقِبْلَةِ وَمَشَقَّةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ اهـ اج مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (عِلْمُ الْقِبْلَةِ) أَيْ وَمَا فِي مَعْنَاهَا كَالْقُطْبِ وَمَوْقِفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أُثْبِتَ بِالتَّوَاتُرِ فَإِنْ ثَبَتَ بِالْآحَادِ فَكَالْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ قَالَهُ ح ل. وَقَوْلُ ح ل كَالْقُطْبِ أَيْ بَعْدَ الِاهْتِدَاءِ إلَيْهِ وَمَعْرِفَتِهِ يَقِينًا، وَكَيْفِيَّةِ الِاسْتِقْبَالِ بِهِ فِي كُلِّ قُطْرٍ، وَأَمَّا إذَا فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي يَجْتَهِدُ مَعَهَا وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ أَيْ: كَلَامِ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَمَنْ جَعَلَهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَهُوَ بَيْنَ الْفَرْقَدَيْنِ فِي بَنَاتِ نَعْشِ الصُّغْرَى شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) الْوَاوُ لِلْحَالِ وَحَائِلُ اسْمُ لَا. وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ: مَوْجُودٌ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 بِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ اعْتَمَدَ ثِقَةً يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ كَقَوْلِهِ: أَنَا أُشَاهِدُ الْكَعْبَةَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ مَعَ وُجُودِ إخْبَارِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ رُؤْيَةُ مَحَارِيبَ الْمُسْلِمِينَ بِبَلَدٍ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ يَكْثُرُ طَارِقُوهُ، فَإِنْ فَقَدَ الثِّقَةَ الْمَذْكُورَ وَأَمْكَنَهُ اجْتِهَادٌ اجْتَهَدَ لِكُلِّ فَرْضٍ إنْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّلِيلَ الْأَوَّلَ. فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الِاجْتِهَادِ أَوْ تَحَيَّرَ صَلَّى إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ وَأَعَادَ وُجُوبًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاجْتِهَادِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَعَلُّمٌ كَأَعْمَى الْبَصَرِ أَوْ الْبَصِيرَةِ قَلَّدَ ثِقَةً عَارِفًا بِأَدِلَّتِهَا وَمَنْ أَمْكَنَهُ تَعَلُّمُ أَدِلَّتِهَا لَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا، وَتَعَلُّمُهَا   [حاشية البجيرمي] الْمَفْعُولِ فِي قَوْلِهِ أَمْكَنَهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي عِلْمِهَا بِخِلَافِ الْأَعْمَى مَثَلًا إذَا أَمْكَنَهُ التَّحْسِيسُ عَلَيْهَا لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ لِكَثْرَةِ الصُّفُوفِ وَالزِّحَامِ، فَيَكُونُ كَالْحَائِلِ فَيُقَلِّدُ مُخْبِرًا عَنْ عِلْمٍ، هَكَذَا ظَهَرَ وَعَرَضْته عَلَى شَيْخِنَا الطَّبَلَاوِيِّ، فَوَافَقَ سم، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَعْمَى مُسْتَفَادٌ مِنْ تَفْسِيرِهِمْ الْإِمْكَانَ بِالسُّهُولَةِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْمَلْ بِغَيْرِهِ) أَيْ مِنْ قَبُولِ خَبَرٍ أَوْ اجْتِهَادٍ. قَوْلُهُ: (اعْتَمَدَ ثِقَةً) أَيْ بَصِيرًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ مِمَّنْ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ إذَا كَانَ مَنْ بِمَكَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ حَائِلٌ لَا يُكَلَّفُ الصُّعُودَ، لِأَنَّ السُّؤَالَ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ بِخِلَافِ الصُّعُودِ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ عَلَيْهِ فِي السُّؤَالِ مَشَقَّةً لِبُعْدٍ الْمَكَانِ أَوْ نَحْوِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا فِي تِلْكَ س ل. قَوْلُهُ: (كَقَوْلِهِ أَنَا أُشَاهِدُ الْكَعْبَةَ) أَوْ الْمِحْرَابَ الْمُعْتَمَدَ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ) أَيْ فِي الْجِهَةِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَفِي مَعْنَاهُ رُؤْيَةُ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ تَقَدُّمُ ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَإِلَّا فَالْإِخْبَارُ الْمَذْكُورُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَحَارِيبِ إذَا تَعَارَضَا. وَمِثْلُ ذَلِكَ بَيْتُ الْإِبْرَةِ الْمَعْرُوفُ لِعَارِفٍ بِهِ ق ل. وَعِبَارَتُهُ عَلَى الْجَلَالِ قَالَ السُّبْكِيُّ: مَحَلُّ جَوَازِ تَقْلِيدِ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهَا الْخَطَأُ بِاجْتِهَادِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهَا. قَوْلُهُ: (يَكْثُرُ طَارِقُوهُ) أَيْ الْعَارِفُونَ حَيْثُ أَقَرُّوهُ وَأَخْبَرُوا بِصِحَّتِهِ ق ل أَيْ: وَسَلِمَتْ مِنْ الطَّعْنِ، بِخِلَافِ مَا لَمْ تَسْلَمْ مِنْهُ كَمَحَارِيبِ الْقَرَافَةِ وَأَرْيَافِ مِصْرَ، فَلَا يَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ مَعَ وُجُودِهَا، بَلْ يَجِبُ لِامْتِنَاعِ اعْتِمَادِهَا، وَيَكْفِي الطَّعْنُ مِنْ وَاحِدٍ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمِيقَاتِ أَوْ ذَكَرَ لَهُ مُسْتَنَدًا. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (فَإِنْ فُقِدَ الثِّقَةُ) أَيْ حِسًّا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ شَرْعًا بِأَنْ كَانَ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (لِكُلِّ فَرْضٍ) أَيْ عَيْنِيٍّ لَا صَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَلَا نَفْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَوْضِعِهِ، بَلْ يَجِبُ الِاجْتِهَادُ لِلْفَرْضِ الْوَاحِدِ إذَا فَسَدَ وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَوْضِعِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَحَيَّرَ صَلَّى) أَيْ عِنْدَ ضِيقِهِ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ ز ي: سَوَاءٌ أَضَاقَ الْوَقْتُ أَمْ لَا. وَقَالَ الْحَلَبِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: أَوْ تَحَيَّرَ صَلَّى ظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَإِنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عَطْفِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ إنْ جَوَّزَ زَوَالَ التَّحَيُّرِ صَبَرَ لِضِيقِ الْوَقْتِ وَإِلَّا صَلَّى أَوَّلَهُ اهـ. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا كَلَامَ ح ل إذْ لَوْلَا رُجْحَانُهُ لَمَا عَدَلَ عَنْ كَلَامِ شَيْخِهِ ز ي، فَلْيُحْفَظْ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (قَلَّدَ ثِقَةً) بَصِيرًا وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً فَلَا يُقَلِّدُ أَعْمَى أَقْوَى إدْرَاكًا. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَرَاتِبَ الْقِبْلَةِ أَرْبَعَةٌ: الْأُولَى الْمُشَاهَدَةُ. الثَّانِيَةُ اعْتِمَادُ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ وَاعْتِمَادُ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ لَيْسَ تَقْلِيدًا لَهُ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ إنَّمَا يَكُونُ لِإِخْبَارِ الْمُجْتَهِدِ، وَفِي مَعْنَاهُ بَيْتُ الْإِبْرَةِ الصَّحِيحُ. الثَّالِثَةُ: الِاجْتِهَادُ، الرَّابِعَةُ التَّقْلِيدُ فَلَا يَنْتَقِلُ لِلْمُتَأَخِّرَةِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الَّتِي قَبْلَهَا، وَكُلُّهَا فِي الشَّرْحِ، وَيَكْفِي إخْبَارُ رَبِّ الْمَنْزِلِ الثِّقَةِ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّ إخْبَارَهُ عَنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَإِلَّا لَمْ يُقَلِّدْهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر أَيْ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ اجْتِهَادٍ أَوْ شَكَّ فِي أَمْرِهِ ع ش، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ سُؤَالُهُ عَنْ مُسْتَنَدِهِ كَمَا قَالَهُ ح ل. فَإِخْبَارُهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (بِأَدِلَّتِهَا) وَهِيَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا هُوَ لَيْلِيٌّ كَالْقَمَرِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ نَهَارِيٌّ كَالشَّمْسِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَرْضِيٌّ كَالْجِبَالِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ هَوَائِيٌّ كَالرِّيَاحِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ سَمَاوِيٌّ كَالنُّجُومِ، وَكُلُّ نَجْمَةٍ قَدْرُ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ لِأَنَّهَا لَوْ صَغَرَتْ لَمْ تُرَ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُعَلَّقَةٌ فِي الْكُرْسِيِّ بِسِلْسِلَةٍ مِنْ ذَهَبٍ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ خ ض عَنْ مَشَايِخِهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5] لِأَنَّ نُورَهَا وَصَلَ إلَيْهَا. وَأَقْوَى أَدِلَّتِهَا الْقُطْبُ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقَالِيمِ، فَفِي الْعِرَاقِ يَجْعَلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 فَرْضُ عَيْنٍ لِسَفَرٍ فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ تَعَلُّمِهَا صَلَّى كَيْفَ كَانَ وَأَعَادَ وُجُوبًا وَفَرْضُ كِفَايَةٍ لِحَضَرٍ وَقَيَّدَ السُّبْكِيُّ السَّفَرَ بِمَا يَقِلُّ فِيهِ الْعَارِفُ بِالْأَدِلَّةِ فَإِنْ كَثُرَ كَرَكْبِ الْحَاجِّ فَكَالْحَضَرِ وَمَنْ صَلَّى بِاجْتِهَادٍ فَتَيَقَّنَ خَطَأً مُعَيَّنًا أَعَادَ صَلَاتَهُ وُجُوبًا فَإِنْ   [حاشية البجيرمي] الْمُصَلِّي خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَفِي مِصْرَ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُسْرَى، وَفِي الْيَمَنِ قُبَالَتَهُ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ. وَفِي الشَّامِ وَرَاءَهُ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ، وَفِي نَجْرَانَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ اهـ ح ل. وَقَدْ نَظَمَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ أَمَاكِنَ اخْتِلَافِهَا فَقَالَ: بِمِصْرِنَا الْقُطْبُ الْمُصَلِّي جُعِلَا ... لِأُذُنِهِ الْيُسْرَى حَقِيقًا نَقْلَا وَلِآذَانِهِ الْيُمْنَى فَفِي الْعِرَاقِ ... وَالشَّامِ خَلْفَ الظَّهْرِ بِاتِّفَاقِ وَبِالْيَمَنِ تُجَاهَ وَجْهٍ جُعِلَا ... فَخُذْ هُدِيت مُحْكَمًا مُفَصَّلَا وَنَظَمَهَا أَيْضًا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: مَنْ وَاجَهَ الْقُطْبَ بِأَرْضِ الْيَمَنِ ... وَعَكْسُهُ الشَّامُ وَخَلْفَ الْأُذُنِ يُمْنَى عِرَاقٍ ثُمَّ يُسْرَى مِصْر ... قَدْ صَحَّحُوا اسْتِقْبَالَهُ فِي الْعُمْر وَاعْلَمْ أَنَّ تَعَلُّمَ الْقِبْلَةِ فَرْضُ عَيْنٍ لِمُنْفَرِدٍ سَفَرًا أَوْ حَضَرًا وَكِفَايَةٍ لِغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ م ر: وَيَحْرُمُ تَعَلُّمُهَا مِنْ كَافِرٍ وَلَا يَعْتَمِدُهَا مِنْهُ وَإِنْ وَافَقَ عَلَيْهَا مُسْلِمٌ. قَوْلُهُ: (فَرْضُ عَيْنٍ لِسَفَرٍ) أَيْ لِإِرَادَتِهِ. لَا يُقَالُ حَيْثُ اكْتَفَوْا بِتَعَلُّمٍ وَاحِدٍ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ عَنْ الْبَاقِي لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهُ فَرْضَ عَيْنٍ، إذْ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ كُلُّ مُكَلَّفٍ طَلَبًا حَازِمًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ فَرْضَ عَيْنٍ عَدَمُ جَوَازِ التَّقْلِيدِ لِكُلِّ أَحَدٍ، بَلْ كُلُّ فَرْدٍ مُخَاطَبٌ بِالتَّعْلِيمِ حَيْثُ كَانَ أَهْلًا لَهُ وَيُرْشِدُ لِذَلِكَ قَوْلُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَلَا يُقَلِّدُ إلَخْ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِفَرْصِ الْعَيْنِ مَعْنَاهُ الْأُصُولِيُّ الْمَذْكُورُ بَلْ هُوَ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ الْكُلُّ فَتَسْمِيَتُهُ فَرْضَ عَيْنٍ فِيهِ تَجَوُّزٌ لِمُشَابَهَتِهِ لَهُ فِي إثْمِ الْجَمِيعِ بِتَرْكِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، فَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْعَارِفِ أَنْ يُقَلِّدَهُ، وَلَا يُكَلَّفُ التَّعَلُّمَ لِيَجْتَهِدَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّقْلِيدِ وَالتَّعَلُّمِ لِيَجْتَهِدَ، فَيَكُونُ الْمُخَاطَبُ بِهِ عَلَى هَذَا الْبَعْضِ، فَيَكُونُ التَّقَابُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ هُوَ تَقَابُلُ الْقَوْلَيْنِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ. أَعْنِي كَوْنَ الْمُخَاطَبِ بِهِ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (وَأَعَادَ وُجُوبًا) فَلَا يُقَلِّدُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَلِجَوَازِ زَوَالِ التَّحَيُّرِ فِي صُورَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَفَرْضُ كِفَايَةٍ لِحَضَرٍ) أَيْ يَكْثُرُ فِيهِ الْعَارِفُونَ. : (فَتَيَقَّنَ) أَخْرَجَ الظَّنَّ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَالْمُرَادُ بِتَيَقُّنِهِ مَا يُمْنَعُ مَعَهُ الِاجْتِهَادُ فَيَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُ الثِّقَةِ عَنْ مُعَايَنَةٍ اهـ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَإِذَا كَانَ قَبْلَهَا فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ يَتَقَيَّنَ الْخَطَأَ وَيَظْهَرَ لَهُ الصَّوَابُ يَقِينًا، أَوْ ظَنًّا فَيَعْمَلُ بِالثَّانِي وَأَنْ يَظُنَّ الْخَطَأَ فِي مَحَلٍّ وَالصَّوَابُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ فَيَعْمَلُ بِالثَّانِي أَيْضًا إنْ كَانَ أَرْجَحَ، وَإِلَّا تَخَيَّرَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ، وَظَنَّ الصَّوَابَ اسْتَأْنَفَ وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ وَالصَّوَابَ قِيلَ يَتَحَوَّلُ، وَالْمُعْتَمَدُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ وَظَنَّ الصَّوَابَ أَعَادَ وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ وَالصَّوَابَ لَمْ يُؤَثِّرْ. اهـ. ز ي. فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنْ تَيَقَّنَ أَوْ ظَنَّ، وَكَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ عَمِلَ بِالثَّانِي فِيهِمَا، وَإِنْ اسْتَوَيَا تَخَيَّرَ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ تَيَقَّنَ عَمِلَ بِالثَّانِي أَوْ ظَنَّ، وَكَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ، فَإِنْ اسْتَوَيَا اسْتَمَرَّ عَلَى الْعَمَلِ بِالْأَوَّلِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا أَعَادَ فِي الْيَقِينِ دُونَ مَسْأَلَتَيْ الظَّنِّ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا فَالْجُمْلَةُ تِسْعَةٌ. اهـ. م د. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ صُورَةً، لِأَنَّ الْخَطَأَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا فِي الْجِهَةِ أَوْ التَّيَامُنِ أَوْ التَّيَاسُرِ، فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ قَلَّدَ غَيْرَهُ أَوْ لَا. فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا، فَهَذِهِ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ صُورَةً. وَقَوْلُهُ: (فَتَيَقَّنَ خَطَأً مُعَيَّنًا) إلَخْ التَّعْقِيبُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْفَاءِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَهُوَ قَيْدٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 تَيَقَّنَ فِيهَا اسْتَأْنَفَهَا وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ ثَانِيًا عَمِلَ بِالثَّانِي وُجُوبًا إنْ تَرَجَّحَ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِمَا فَعَلَهُ بِالْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالِاجْتِهَادِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ مُؤَدَّاةٌ بِاجْتِهَادٍ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهَا الْخَطَأُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَلَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا، إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا عَمِلَ بِالْأَوَّلِ وُجُوبًا كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَفَارَقَ حُكْمَ التَّسَاوِي قَبْلَهَا بِأَنَّهُ هُنَا الْتَزَمَ بِدُخُولِهِ فِيهَا جِهَةً فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَّا بِأَرْجَحَ وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالثَّانِي فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَظُنَّ الصَّوَابَ مُقَارِنًا لِظُهُورِ الْخَطَأِ فَإِنْ لَمْ يَظُنَّهُ مُقَارِنًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الصَّوَابِ عَلَى قُرْبٍ لِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ وَلَا يَجْتَهِدُ فِي مَحَارِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِهَةً وَلَا يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً وَلَا فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ جِهَةً.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَيَقَّنَهُ فِيهَا) خَرَجَ بِتَيَقُّنِ الْخَطَأِ ظَنُّهُ، وَالْمُرَادُ بِتَيَقُّنِهِ مَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الِاجْتِهَادُ فَيَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُ الثِّقَةِ عَنْ مُعَايَنَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ ثَانِيًا) أَيْ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا أَوْ فِيهَا بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ الصَّوَابُ فِي جِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْجِهَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (إنْ تَرَجَّحَ) فَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِمَا فَعَلَهُ بِالْأَوَّلِ) لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ وَالْخَطَأُ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ أَيْ: فَقَدْ عَمِلَ هُنَا بِالِاجْتِهَادَيْنِ، وَفَارَقَ مَا فِي الْمِيَاهِ مِنْ عَدَمِ عَمَلِهِ فِيهَا بِالثَّانِي بِلُزُومِ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ، إنْ غَسَلَ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ، وَالصَّلَاةُ بِنَجِسٍ إنْ لَمْ يَغْسِلْهُ، وَهُنَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الصَّلَاةُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَقِينًا؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ هُنَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَالْخَطَأُ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ) وَكَذَا أَكْثَرُ فِي أَكْثَرَ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَطَأٌ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا فِي جِهَةٍ مِنْهَا، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَتَيَقَّنُ خَطَأً مُعَيَّنًا أَيْ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ هُنَا لَيْسَ مُعَيَّنًا بَلْ هُوَ مُبْهَمٌ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْفَاءِ وَقَالَ كَغَيْرِهِ: فَلَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إلَخْ. لَكَانَ أَظْهَرَ، لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ فِي ذَلِكَ لِمَتْنِ الْمِنْهَاجِ. قَالَ حَجّ: وَصَلَّى الْأَرْبَعَ إلَى الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِمَا إذَا صَلَّى كُلَّ رَكْعَةٍ لِجِهَةٍ بِنِيَّةٍ وَلَيْسَ مُرَادًا اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَا إعَادَةَ) أَيْ لِكَوْنِ الْخَطَأِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. قَوْلُهُ: (مُقَارِنًا) الْمُرَادُ بِالْمُقَارَنَةِ أَنْ يَكُونَ عَقِبَهُ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْتَهِدُ فِي مَحَارِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى فِيهَا بِإِخْبَارِ جَمْعٍ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَا ح ل. وَقَالَ سم: مَحَارِيبُ النَّبِيِّ أَيْ الَّتِي ثَبَتَتْ صَلَاتُهُ فِيهَا وَلَوْ بِإِخْبَارٍ وَاحِدٍ اهـ. وَأَقَرَّهُ اج وَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَحَارِيبُ الصَّحَابَةِ وَعِبَارَةُ ق ل مِحْرَابُ النَّبِيِّ مَا صَلَّى فِيهِ أَوْ طَلَعَ عَلَيْهِ اهـ. وَالْمِحْرَابُ لُغَةً صَدْرُ الْمَجْلِسِ وَاصْطِلَاحًا مَقَامُ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْمُصَلِّي يُحَارِبُ فِيهِ الشَّيْطَانَ، وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَلَا بِمَنْ فِيهِ خِلَافًا لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمِحْرَابَ الْمُعْتَادَ الْآنَ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا زَمَنِ أَصْحَابِهِ؛ وَمَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ فِي جَامِعِ عَمْرٍو وَنَحْوِهِ، فَهُوَ حَادِثٌ بَعْدَهُمْ، وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ وقَوْله تَعَالَى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} [سبأ: 13] لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا هَذَا الْمِحْرَابَ الْمَعْرُوفَ، وَإِنَّمَا هِيَ الْغُرَفُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً) بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا أَيْ جِهَةَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَنَقَلَهُ شَيْخُنَا عَنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ الْمَوْثُوقِ بِهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَمَحَارِيبِ الْقَرَافَةِ وَأَرْيَافِ مِصْرَ، فَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهَا وَلَا يَلْحَقُ بِهَا مَحَارِيبُ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (جِهَةً) أَيْ لَا يَجْتَهِدُ فِي الْجِهَةِ بِخِلَافِ التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فَيَجْتَهِدُ فِيهِمَا، وَذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ الْخَطَأِ فِي الْجِهَةِ دُونَهُمَا، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الِاجْتِهَادُ وَلَوْ فِي نَحْوِ قِبْلَةِ الْكُوفَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالشَّامِ وَجَامِعِ مِصْرَ الْعَتِيقِ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنَصِّبُوهَا إلَّا عَنْ اجْتِهَادٍ. اهـ. اج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الرُّكْنِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ (وَأَرْكَانُ الصَّلَاةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رُكْنًا) وَهَذَا مَا فِي التَّنْبِيهِ بِجَعْلِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي السَّجْدَتَيْنِ وَنِيَّةِ الْخُرُوجِ أَرْكَانًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَالتَّحْقِيقِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ نِيَّةَ الْخُرُوجِ لَا تَجِبُ، وَجَعَلَهَا فِي الْمِنْهَاجِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ بِجَعْلِ الطُّمَأْنِينَةِ كَالْهَيْئَةِ التَّابِعَةِ، وَجَعَلَهَا فِي الْحَاوِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَزَادَ الطُّمَأْنِينَةَ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهَا فِي الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ رُكْنًا وَاحِدًا، وَالْخُلْفُ بَيْنَهُمْ لَفْظِيٌّ، فَمَنْ لَمْ يَعُدَّ الطُّمَأْنِينَةَ رُكْنًا جَعَلَهَا فِي كُلِّ رُكْنٍ كَالْجُزْءِ مِنْهُ وَكَالْهَيْئَةِ   [حاشية البجيرمي] [فَصَلِّ فِي أَرْكَان الصَّلَاة] عَبَّرَ هُنَا بِالْأَرْكَانِ، وَفِي الْوُضُوءِ بِالْفُرُوضِ لِأَنَّ الْفُرُوضَ يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا بِخِلَافِ الْأَرْكَانِ قَوْلُهُ: (وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الرُّكْنِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَعْنَى الرُّكْنِ لُغَةً وَفِي الْمِصْبَاحِ رُكْنُ الشَّيْءِ جَانِبُهُ فَأَرْكَانُ الشَّيْءِ أَجْزَاءُ مَاهِيَّتِه وَالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ فُهِمَ مِنْ الْفَرْقِ وَهُوَ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَكَانَ جُزْءًا مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْنًى، أَيْ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ قَوْلُهُ وَالرُّكْنُ كَالشَّرْطِ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيُفَارِقُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ وَيَجِبُ اسْتِمْرَارُهُ فِيهَا كَالطُّهْرِ وَالسِّتْرِ. وَالرُّكْنُ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَكَانَ جُزْءًا مِنْهَا، وَلَا يَجِبُ اسْتِمْرَارُهُ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اهـ. فَفِيهِ الْفَرْقُ دُونَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ صَحِيحٌ، وَكَذَا تَقَدَّمَ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ لِفَهْمِهِ مِنْ الْفَرْقِ، وَأَمَّا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ. قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُ الصَّلَاةِ) مِنْ إضَافَةِ الْأَجْزَاءِ لِلْكُلِّ. قَوْلُهُ: (رُكْنًا) تَمْيِيزٌ غَيْرُ مُحَوَّلٍ لِأَنَّهُ تَمْيِيزٌ مُفْرَدٌ، وَهُوَ تَمْيِيزٌ مُؤَكِّدٌ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ الْمُبْتَدَأِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَأَرْكَانُ الصَّلَاةِ " قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ لَمْ يَذْكُرْ نِيَّةَ الْخُرُوجِ. قَوْلُهُ: (وَجَعَلَهَا فِي الْمِنْهَاجِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ) وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُنَاسِبُ لِأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ بِالْهَيْئَةِ أَلْيَقُ، وَمِثْلُهَا فَقْدُ الصَّارِفِ وَكَذَا الْمُصَلِّي، وَفَارَقَ نَحْوَ الْبَيْعِ وَالصَّوْمِ حَيْثُ عَدُّوا الْبَائِعَ وَالصَّائِمَ رُكْنَيْنِ بِعَدَمِ وُجُودِ صُورَةٍ مَحْسُوسَةٍ فِي الْخَارِجِ فِيهِمَا، وَعَلَى عَدِّهِمَا أَيْ فَقْدِ الصَّارِفِ وَالْمُصَلِّي رُكْنَيْنِ تَكُونُ الْأَرْكَانُ عِشْرِينَ، وَعَلَى عَدِّ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ تَكُونُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (بِجَعْلِ الطُّمَأْنِينَةِ كَالْهَيْئَةِ) أَيْ الصِّفَةِ، وَانْظُرْ لِمَ أَتَى بِالْكَافِ مَعَ أَنَّهَا هَيْئَةٌ وَجَعَلَهَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ هَيْئَةً تَابِعَةً لِلرُّكْنِ. قَوْلُهُ: (وَالْخُلْفُ بَيْنَهُمْ لَفْظِيٌّ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَعَدَمُهُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهَذَا فِي غَيْرِ نِيَّةِ الْخُرُوجِ، أَمَّا الْخِلَافُ فِيهَا فَمَعْنَوِيٌّ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَوِيًّا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي السُّجُودِ فِي طُمَأْنِينَةِ الِاعْتِدَالِ مَثَلًا، فَإِنْ جَعَلْنَاهَا تَابِعَةً لَمْ يُؤَثِّرْ شَكُّهُ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا مَقْصُودَةً لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِلِاعْتِدَالِ فَوْرًا كَمَا فِي أَصْلِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَعُودُ كَمَا يَأْتِي اهـ اج. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ شَكُّهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَدَارُكِهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّكِّ فِي بَعْضِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا بِأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا ذَلِكَ فِيهَا لِكَثْرَةِ حُرُوفِهَا وَغَلَبَةِ الشَّكِّ فِيهَا، وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْعَوْدِ لِلطُّمَأْنِينَةِ إنْ كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمُتَابَعَةُ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ، وَيَتَدَارَكُ بَعْدَ السَّلَامِ رَكْعَةً. قَوْلُهُ: (فَمَنْ لَمْ يَعُدَّ الطُّمَأْنِينَةَ) تَفْرِيعٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ وَلَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِهِ وَالْخُلْفُ بَيْنَهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 التَّابِعَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُهُمْ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ بِرُكْنٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَبِهِ يُشْعِرُ خَبَرُ: «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ» الْآتِي. وَمَنْ عَدَّهَا أَرْكَانًا فَذَاكَ لِاسْتِقْلَالِهَا، وَصِدْقِ اسْمِ السُّجُودِ وَنَحْوِهِ بِدُونِهَا، وَجُعِلَتْ أَرْكَانًا لِتَغَايُرِهَا بِاخْتِلَافِ مَحَالِّهَا، وَمَنْ جَعَلَهَا رُكْنًا وَاحِدًا فَلِكَوْنِهَا جِنْسًا وَاحِدًا كَمَا عَدُّوا السَّجْدَتَيْنِ رُكْنًا لِذَلِكَ. الْأَوَّلُ (النِّيَّةُ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ أَوَّلُهَا لَا فِي جَمِيعِهَا، فَكَانَتْ رُكْنًا كَالتَّكْبِيرِ وَالرُّكُوعِ. وَقِيلَ: هِيَ شَرْطٌ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدِ فِعْلِ الصَّلَاةِ فَتَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: هِيَ بِالشَّرْطِ أَشْبَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْإِخْلَاصُ فِي كَلَامِهِمْ النِّيَّةُ.   [حاشية البجيرمي] لَفْظِيٌّ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ. قَوْلُهُ: (وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُهُمْ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَعُدُّوا التَّقَدُّمَ بِالرُّكُوعِ مَثَلًا تَقَدُّمًا بِرُكْنَيْنِ بَلْ بِرُكْنٍ مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ لِأَنَّهَا هَيْئَةٌ تَابِعَةٌ. قَوْلُهُ: (الْآتِي) لِأَنَّهُ قَالَ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، وَلَمْ يَقُلْ وَاطْمَئِنَّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا تَابِعَةٌ قَوْلُهُ: (وَصِدْقِ اسْمِ السُّجُودِ) عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ اسْتِقْلَالِهَا صِدْقُ اسْمِ السُّجُودِ بِدُونِهَا قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَعَلَهَا رُكْنًا وَاحِدًا إلَخْ) يُقَالُ عَلَيْهِ فَمَا بَالُ الْمُصَنِّفِ عَدَّهَا أَرْكَانًا لِتَغَايُرِهَا بِاخْتِلَافِ مَحَالِّهَا وَلَمْ يُجْرِ عَلَى ذَلِكَ فِي السَّجْدَتَيْنِ، فَعَدَّهُمَا رُكْنًا وَاحِدًا، فَمَا وَجَّهَ بِهِ صَنِيعَهُ فِي الطُّمَأْنِينَةِ يَخْدِشُهُ صَنِيعُهُ فِي السَّجْدَتَيْنِ قَوْلُهُ: (رُكْنًا لِذَلِكَ) لِكَوْنِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ: (لَا فِي جَمِيعِهَا) قَصْدُهُ الرَّدُّ عَلَى الْقَائِلِ بِالشَّرْطِيَّةِ قَوْلُهُ: (عَنْ قَصْدِ فِعْلِ الصَّلَاةِ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ فِي شَرْحِهِ: وَيُرَدُّ بِأَنَّ خُرُوجَ الْقَصْدِ عَنْ الْفِعْلِ لَا يَمْنَعُ أَنَّ مَجْمُوعَهُمَا هُوَ مُسَمَّى الصَّلَاةِ شَرْعًا وَهُوَ الْمُدَّعَى اهـ. عَلَى أَنَّهَا مُقَارِنَةٌ بِالتَّكْبِيرِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ رُكْنُ تَأَمُّلٍ ق ل. قَوْلُهُ: (هِيَ بِالشَّرْطِ أَشْبَهُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجِبُ اسْتِمْرَارُهَا حُكْمًا بِأَنْ لَا يَأْتِيَ بِمَا يُنَافِيهَا، فَلَوْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهَا حَالًا أَوْ بَعْدَ نَحْوِ رُكُوعِهِ أَوْ تَرَدَّدَ فِي الْخُرُوجِ وَالِاسْتِمْرَارِ أَوْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَطَعَ بِحُصُولِهِ أَوْ جَوَّزَ حُصُولَهُ وَعَدَمَ حُصُولِهِ ضَرَّ، وَلَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْوُضُوءِ وَالِاعْتِكَافِ لَمْ يَضُرَّ سم. وَقَوْلُهُ بِالشَّرْطِ أَشْبَهُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ افْتَتَحَهَا مَعَ مُقَارَنَةِ مُفْسِدٍ مِنْ نَجَاسَةٍ أَوْ اسْتِدْبَارٍ وَتَمَّتْ النِّيَّةُ وَلَا مَانِعَ لَمْ تَصِحَّ عَلَى الرُّكْنِيَّةِ وَصَحَّتْ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ أَيْ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمَاهِيَّةِ. قَالَ م ر: وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ قِيلَ إنَّهَا شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ لِمُقَارَنَةِ الْمُفْسِدِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ رُكْنِيَّتُهَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَتَعَلَّقُ بِمَا عَدَاهَا مِنْ الْأَرْكَانِ وَلَا تَفْتَقِرُ إلَيَّ نِيَّةٍ وَلَك أَنْ تَقُولَ: يَجُوزُ تَعَلُّقُهَا بِنَفْسِهَا أَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ كُلُّ صِفَةٍ تَتَعَلَّقُ وَلَا تُؤَثِّرُ يَجُوزُ تَعَلُّقُهَا بِنَفْسِهَا وَبِغَيْرِهَا كَالْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ بِعِلْمِهِ أَنَّ لَهُ عِلْمًا وَإِنَّمَا لَمْ تَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهَا شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ فَتُحَصِّلُ نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا كَالشَّاةِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ تُزَكِّي نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا شَرْحُ م ر. وَقَالَ فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: أَرْكَانُهَا نِيَّةٌ بِقَلْبٍ لِفِعْلِهَا أَيْ الصَّلَاةِ وَلَوْ نَفْلًا وَهِيَ هُنَا مَا عَدَا النِّيَّةَ لِأَنَّهَا لَا تُنْوَى اهـ. وَقَوْلُهُ: وَهِيَ هُنَا أَيْ الصَّلَاةُ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تُنْوَى وَإِلَّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ لِأَنَّ كُلَّ نِيَّةٍ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَهَذَا لَا يَأْتِي إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَنْوِي كُلَّ فَرْدٍ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَنْوِي الْمَجْمُوعَ أَيْ يُلَاحِظُ مَجْمُوعَ الصَّلَاةِ بِالنِّيَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَيُمْكِنُ أَنْ تُنْوَى بِأَنْ تُلَاحَظَ مِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَيَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا تُنْوَى أَيْ لَا تَجِبُ نِيَّتُهَا أَيْ وَحْدَهَا، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُلَاحِظَ النِّيَّةَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُلَاحِظَ النِّيَّةَ أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُلَاحِظَ أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ: {وَمَا أُمِرُوا} [البينة: 5] أَيْ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إذَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. وَاسْتُشْكِلَ تَفْسِيرُ الْإِخْلَاصِ بِالنِّيَّةِ بِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى نَاوِينَ لَهُ الدِّينَ وَالدِّينُ لَا يُنْوَى إذْ هُوَ الْأَحْكَامُ وَلَا مَعْنَى لِنِيَّتِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ مُتَعَلِّقَاتِ الدِّينِ. وَهِيَ الْأَفْعَالُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ قَوْلُهُ: (قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ) لَعَلَّ وَجْهَ إسْنَادِهِ لِلْمَاوَرْدِيِّ إشَارَةٌ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَتِهِ، فَقَدْ فَسَّرَ الْبَيْضَاوِيُّ الْإِخْلَاصَ بِعَدَمِ الْإِشْرَاكِ. قَوْلُهُ: (فِي كَلَامِهِمْ) أَيْ الْمُفَسِّرِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ، وَبَدَأَ بِهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِهَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضًا وَلَوْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً أَوْ كِفَايَةً وَجَبَ قَصْدُ فِعْلِهَا لِتَتَمَيَّزَ عَنْ سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَتَعْيِينُهَا لِتَتَمَيَّزَ عَنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَتَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ النَّفْلِ، وَلَا تَجِبُ فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، لِأَنَّ صَلَاتَهُ تَقَعُ نَفْلًا، فَكَيْفَ يَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ؟ وَلَا تَجِبُ الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لَهُ تَعَالَى وَتُسْتَحَبُّ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ. وَتُسْتَحَبُّ نِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَلَوْ غَيَّرَ الْعَدَدَ كَأَنْ نَوَى الظُّهْرَ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا لَمْ تَنْعَقِدْ. وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْأَدَاءِ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ عِنْدَ جَهْلِ الْوَقْتِ لِغَيْمٍ أَوْ نَحْوِهِ كَأَنْ ظَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَصَلَّاهَا قَضَاءً فَبَانَ وَقْتُهُ، أَوْ ظَنَّ بَقَاءَ الْوَقْتِ فَصَلَّاهَا أَدَاءً فَبَانَ خُرُوجُهُ لِاسْتِعْمَالِ كُلٍّ بِمَعْنَى الْآخَرِ تَقُولُ: قَضَيْت الدَّيْنِ وَأَدَّيْته بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] أَيْ أَدَّيْتُمْ أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَالِمًا فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ تَصْرِيحِهِمْ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْوَقْتِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضًا إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَرَاتِبَ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: الْفَرْضُ بِأَقْسَامِهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الْقَصْدُ، وَالتَّعْيِينُ، وَنِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ. الثَّانِي: النَّفَلُ ذُو الْوَقْتِ وَالسَّبَبِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْرَانِ: الْقَصْدُ وَالتَّعْيِينُ. وَلَا حَاجَةَ لِنِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ لِلُزُومِ النَّفْلِيَّةِ لَهُ بِخِلَافِ الْعَصْرِ وَنَحْوِهَا أَيْ إذَا نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَلَمْ يَقُلْ فَرْضًا فَلَا تَكْفِي لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ نَفْلًا كَالْمُعَادَةِ. الثَّالِثُ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ فَيَكْفِي فِيهِ قَصْدُ الصَّلَاةِ وَلَا حَاجَةَ لِلتَّعْيِينِ وَلَا النَّفْلِ لِمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (قَصْدُ فِعْلِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ، الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ الْإِضَافَةِ بَيَانِيَّةً قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ) أَيْ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ، وَفَارَقَتْ الْمُعَادَةَ بِأَنَّ صَلَاتَهُ تَقَعُ نَفْلًا اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْمُعَادَةِ فَقِيلَ فِيهَا إنَّ الْفَرْضَ هُوَ الثَّانِيَةُ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَضَى مَا فَاتَهُ فِي زَمَنِ التَّمْيِيزِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعَادَةَ كَالْأَصْلِيَّةِ إلَّا فِي جَوَازِ تَرْكِهَا ابْتِدَاءً. قَوْلُهُ: (فَكَيْفَ يَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ) فَإِيجَابُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ عَلَيْهِ إيجَابُ نِيَّةٍ خِلَافِ الْوَاقِعِ. قَالَ سم: لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِهَا فِي حَقِّهِ نِيَّةُ مَا هُوَ فَرْضٌ فِي نَفْسِهِ. وَفِي ع ش أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ مِنْ النِّيَّاتِ الْمُجْزِئَةِ فَلَا تَكْفِي نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ إذْ الْقِيَامُ فِيهَا لَا بُدَّ مِنْهُ قَوْلُهُ: (لَمْ تَنْعَقِدْ) سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا لِتَلَاعُبِهِ أَوْ غَالِطًا عَلَى الرَّاجِحِ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ مَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لَهُ جُمْلَةً أَوْ تَفْصِيلًا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ شَرْحُ م ر: وَعَدَدُ الرَّكَعَاتِ يَتَعَرَّضُ لَهَا جُمْلَةً فِي ضِمْنِ التَّعْيِينِ. قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ) أَيْ بَدَلِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى بَدَلٍ لِتَوَافُقِ عِبَارَةِ الْمَنْهَجِ وَهِيَ وَصَحَّ أَدَاءٌ بِنِيَّةِ قَضَاءٍ وَعَكْسِهِ وَهِيَ أَظْهَرُ قَوْلُهُ: (كَأَنْ ظَنَّ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوِّشٌ قَوْلُهُ: (فَبَانَ وَقْتُهُ) أَيْ بَقَاءُ وَقْتِهِ قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ قَصَدَ حَقِيقَةَ أَحَدِهِمَا الشَّرْعِيَّةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ عَامِدًا كَمَا قَالَهُ ق ل. وَيَدُلُّ لَهُ مَا بَعْدَهُ بِأَنْ قَصَدَ أَنَّ الْأَدَاءَ مَا كَانَ دَاخِلَ الْوَقْتِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّ الْوَقْتَ قَدْ فَاتَ أَوْ قَصَدَ أَنَّ الْقَضَاءَ مَا كَانَ خَارِجَهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ م د. قَوْلُهُ: (إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ) أَيْ أَوْ أَطْلَقَ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَفِي ع ش أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَضُرُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ: (لَمْ يَضُرَّ) سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً. وَفِي فَتَاوَى الْبَارِزِيِّ أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي مَوْضِعٍ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً يَتَرَاءَى لَهُ الْفَجْرُ فَيُصَلِّي ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ صَلَاةَ كُلِّ يَوْمٍ تَكُونُ قَضَاءً عَنْ صَلَاةِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُمْ لَوْ أَحْرَمَ بِفَرِيضَةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا ظَانًّا دُخُولَهُ انْعَقَدَتْ نَفْلًا مَحَلُّهُ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَقْضِيَّةٌ نَظِيرُ مَا نَوَاهُ شَرْحُ م ر. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قَصَدَ فَرْضَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي ظَنَّ دُخُولَهُ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لسم هُنَا. وَعِبَارَتُهُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 فَلَوْ عَيَّنَ الْيَوْمَ وَأَخْطَأَ لَمْ يَضُرَّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَمَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا بَلْ يَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ، وَالنَّفَلُ ذُو الْوَقْتِ أَوْ ذُو السَّبَبِ كَالْفَرْضِ فِي اشْتِرَاطِ قَصْدِ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَتَعْيِينِهَا كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَرَاتِبَةِ الْعِشَاءِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَكَسُنَّةِ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ الَّتِي بَعْدَهَا، وَالْوِتْرُ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا يُضَافُ إلَى الْعِشَاءِ، فَإِنْ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِأَكْثَرَ وَوَصَلَ نَوَى الْوِتْرَ، وَإِنْ فَصَلَ نَوَى بِالْوَاحِدَةِ الْوِتْرَ. وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهَا بَيْنَ نِيَّةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ أَوْ مُقَدَّمَةِ الْوِتْرِ وَسُنَّتِهِ وَهِيَ أَوْلَى أَوْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ عَلَى الْأَصَحِّ هَذَا إذَا نَوَى عَدَدًا فَإِنْ قَالَ: أُصَلِّي الْوِتْرَ وَأَطْلَقَ صَحَّ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْ رَكْعَةٍ إلَى إحْدَى عَشْرَةَ وِتْرًا، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ   [حاشية البجيرمي] حَوَاشِي حَجّ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قَصَدَ بِالصَّلَاةِ فَرْضَ الْوَقْتِ الَّذِي ظَنَّ دُخُولَهُ بِخُصُوصِهِ فَالْوَجْهُ عَدَمُ وُقُوعِهَا عَنْ الْفَائِتَةِ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَذْكُورَ صَارِفٌ عَنْ الْفَائِتَةِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ مَا ذَكَرَ فَالْوَجْهُ الْوُقُوعُ عَنْ الْفَائِتَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ لَكِنَّ فِي فَتَاوَى م ر نَحْوَ مَا قَالَهُ سم لَكِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِهِ وَإِفْتَاءُ وَالِدِهِ هُوَ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا. اهـ. أُجْهُورِيٌّ قَوْلُهُ: (بَلْ يَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ) وَسُئِلَ الْوَالِدُ عَمَّنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ ظُهْرِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ فَقَطْ فَصَلَّى ظُهْرًا نَوَى بِهِ قَضَاءَ ظُهْرِ يَوْمِ الْخَمِيسِ غَالِطًا هَلْ يَقَعُ عَمَّا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَيَّنَ مَا لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا وَأَخْطَأَ فِيهِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْإِمَامِ؟ وَالْجِنَازَةِ أَيْ إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَبَانَ عَمْرًا وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَكَذَا إذَا نَوَى فِي الْجِنَازَةِ الصَّلَاةَ عَلَى زَيْدٍ فَبَانَ عَمْرًا وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ لِمَا ذُكِرَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَالنَّفَلُ ذُو الْوَقْتِ إلَخْ) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ السَّابِقِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضًا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَوْ أَرَادَ نَفْلًا ذَا وَقْتٍ إلَخْ قَوْلُهُ: (وَكَسُنَّةِ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا إلَخْ) فَإِنْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ نَوَى سُنَّةَ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةَ مَثَلًا وَأَطْلَقَ قَالَ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ. وَقَالَ زي وَنُقِلَ عَنْ م ر: إنَّهَا تَنْصَرِفُ لِرَكْعَتَيْنِ وَكَذَلِكَ الضُّحَى. وَقَوْلُهُ الَّتِي قَبْلَهَا وَإِنْ قَدَّمَهَا قَالَ سم: وَكَذَا كُلُّ صَلَاةٍ لَهَا قَبْلِيَّةٌ وَبَعْدِيَّةٌ اهـ فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْعَصْرُ وَالْفَجْرُ فَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ صَلَاةِ سُنَّتِهِمَا عَلَى نِيَّةِ الْقَبْلِيَّةِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (فَلَا يُضَافُ إلَى الْعِشَاءِ) أَيْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَ فِيهِ سُنَّةَ الْعِشَاءِ أَوْ رَاتِبَهَا ق ل وَأَمَّا إذَا قَالَ: نَوَيْت وِتْرَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ م د. وَعِبَارَةُ الْمُدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْوِتْرُ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ رَوَاتِبِ الْعِشَاءِ. وَفِي الرَّوْضَةِ عَدَّةُ مِنْهَا وَتَقَدَّمَ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ إضَافَتِهِ إلَيْهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَ فِي سُنَّةِ الْعِشَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى تَوَقُّفِ فِعْلِهِ عَلَيْهَا كَسُنَّتِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهَا اهـ قَوْلُهُ: (وَوَصَلَ نَوَى الْوِتْرَ) أَوْ سُنَّةَ الْوِتْرِ أَوْ رَاتِبَةَ الْوِتْرِ أَوْ مِنْ سُنَّةِ الْوِتْرِ أَوْ مِنْ رَاتِبَةِ الْوِتْرِ أَوْ مِنْ الْوِتْرِ، وَتَقَعُ مِنْ لِلِابْتِدَاءِ لَا لِلتَّبْعِيضِ كَمَا أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي نَحْوِ رَاتِبَةِ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةِ الْوِتْرِ لِلْبَيَانِ ق ل قَوْلُهُ: (نَوَى بِالْوَاحِدَةِ الْوِتْرَ) أَوْ مِنْ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةَ الْوِتْرِ ق ل قَوْلُهُ: (وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْوَاحِدَةِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ مِنْ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةِ الْوِتْرِ أَيْضًا عَلَى الْمُتَّجَهِ ق ل قَوْلُهُ: (بَيْنَ نِيَّةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ) هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الشَّارِحُ، وَيُتَّجَهُ فِيهَا عَدَمُ صِحَّتِهَا لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْوِتْرِ ق ل لَكِنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ الْبَحْثُ فِيهِ مُنْقَدِحًا م د قَوْلُهُ: (أَوْ مُقَدِّمَةِ الْوِتْرِ) أَوْ الْوِتْرِ أَيْضًا عَلَى الْمُتَّجَهِ ق ل قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ فَإِنْ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ إلَخْ قَوْلُهُ (وَيُحْمَلُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْ رَكْعَةٍ) الَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر أَنَّ نِيَّتَهُ تُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهَا أَدْنَى الْكَمَالِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا وَلَا النَّقْصُ عَنْهَا، وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِيمَنْ نَذَرَ الْوِتْرَ وَأَطْلَقَ فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَعِبَارَتُهُ، وَرَجَّحَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَمْلَ عَلَى ثَلَاثٍ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَطْلُبُهُ الشَّارِعُ فِيهِ فَصَارَ بِمَثَابَةِ أَقَلِّهِ إذْ الرَّكْعَةُ قِيلَ يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً بِنَفْسِهَا. اهـ. أُجْهُورِيٌّ قَوْلُهُ: (وِتْرًا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ) أَيْ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ بِأَنْوَاعِهِ ق ل فَهَذَا رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ) أَيْ أَقَلُّ مَا يَكْفِي فِيهِ ذَلِكَ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ غَيْرُهُ م د وَهَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ سَابِقًا، فَإِنْ أَرَادَ فَرْضًا مَعَ قَوْلِهِ وَالنَّفَلُ ذُو الْوَقْتِ إلَخْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 الَّذِي لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ. (وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا الْقَصْدُ، فَلَا يَكْفِي النُّطْقُ مَعَ غَفْلَةِ الْقَلْبِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ كَذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ النُّطْقُ بِخِلَافِ مَا فِي الْقَلْبِ كَأَنْ قَصَدَ الصُّبْحَ وَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الظُّهْرِ، وَيُنْدَبُ النُّطْقُ بِالْمَنْوِيِّ قُبَيْلَ التَّكْبِيرِ لِيُسَاعِدَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْوِسْوَاسِ، وَلَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِلَفْظِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ نَوَاهَا وَقَصَدَ بِذَلِكَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ الْفِعْلَ وَاقِعٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّ أَوْ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ لِلْمُنَافَاةِ. (فَائِدَةٌ) لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: صَلِّ فَرْضَك وَلَك عَلَيَّ دِينَارٌ فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الدِّينَارَ وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ نَوَى الصَّلَاةَ وَدَفْعَ الْغَرِيمِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ دَفْعَهُ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ فَرْضًا وَنَفْلًا غَيْرَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (نِيَّةِ فِعْلِ الصَّلَاةِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ، وَبِالصَّلَاةِ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ الْمُجْتَمِعَةُ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالسُّنَنِ وَالْمُكَلَّفُ بِهِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا الْقَصْدُ) أَيْ وَالْقَصْدُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَلْبِ قَوْلُهُ: (وَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الظُّهْرِ) أَيْ وَكَذَا لَوْ تَعَمَّدَهُ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ وَقَصَدَ مَا نَوَاهُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ع ش عَلَى م ر أَيْ لِأَنَّ التَّلَاعُبَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ، أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا إلَّا بِالتَّكْبِيرَةِ أَيْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ لَمْ تُوجَدْ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: (عَنْ الْوِسْوَاسِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِكَسْرِ الْوَاوِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَسْوَسَةُ. وَأَمَّا الْمَفْتُوحُ فَاسْمٌ لِلشَّيْطَانِ قَالَ تَعَالَى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} [الناس: 4] قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ إلَخْ) وَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " لَيْسَ مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَبْلَ انْعِقَادِهَا لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ قَوْلُهُ: (أَوْ نَوَاهَا) أَيْ الْمَشِيئَةَ قَوْلُهُ: (أَوْ التَّعْلِيقَ إلَخْ) وَمِثْلُهُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ وَالتَّرَدُّدِ فِيهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَظَاهِرُهُ الْبُطْلَانُ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ خُرُوجَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى أَمْرٍ لَا يُوجَدُ عَادَةً أَوْ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ وَلَوْ عَقْلًا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ سم عَلَى الْبَهْجَةِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ شَارِحُ الْكِتَابِ مِنْ عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِالتَّعْلِيقِ بِمَا يَقْطَعُ عَقْلًا بِعَدَمِ حُصُولِهِ اج قَوْلُهُ: (أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ حَمْلًا لِلْإِطْلَاقِ عَلَى التَّعْلِيقِ لِأَنَّ حَرْفَ الشَّرْطِ وَهُوَ " إنْ " صَرِيحٌ فِيهِ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَّا بِقَصْدِ التَّبَرُّكِ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْمَلْ الْإِطْلَاقُ عَلَى التَّعْلِيقِ فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ طَلَّقْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَطْلَقَ وَقَعَ لِأَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوَهُ صَرِيحٌ فِي الْوُقُوعِ فَلَا يُقَوِّي صَرْفَهُ عَنْ الْوُقُوعِ إلَّا قَصْدُ التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْإِطْلَاقِ لِضَعْفِهَا، وَلَوْ فَرَّقَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْبَابَيْنِ لَكَانَ أَوْضَحَ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي صُورَةِ نِيَّةِ الْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ التَّلَفُّظِ بِالْمَشِيئَةِ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ وَقَعَ بَعْدَ التَّحَرُّمِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ ع ش، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ ضَرَّ بَدَلَ قَوْلِهِ لَمْ يَصِحَّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَسَائِلَ الْمَشِيئَةِ صُوَرُهَا ثَمَانِيَةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ، وَهُمَا قَوْلُهُ: عَلَّقَ النِّيَّةَ بِلَفْظِ الْمَشِيئَةِ أَوْ نَوَاهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدُ وَكُلُّهَا فِي الشَّارِحِ قَوْلُهُ: (لِلْمُنَافَاةِ) أَيْ بَيْنَ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ الْمُشْتَرَطِ وَالتَّعْلِيقِ. قَوْلُهُ: (فَرْضَك) أَيْ مَثَلًا إذْ مِثْلُهُ الضُّحَى وَالْعِيدُ مَثَلًا قَوْلُهُ: (فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ) أَيْ مُنْضَمَّةٌ إلَى النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ ق ل كَأَنْ قَالَ: أُصَلِّي فَرْضَ الظُّهْرِ وَلِي عَلَى فُلَانٍ دِينَارٌ. اهـ. م د. وَكَيْفَ تُجْزِيهِ صَلَاتُهُ مَعَ قَوْلِهِ وَلِي عَلَى فُلَانٍ دِينَارٌ مَعَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ لَهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ أَتَى بِهِ فِي قَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّلَفُّظَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْعِقَادِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ قَوْلُهُ: (لَمْ يَسْتَحِقَّ) أَيْ لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ لَمْ تَعُدْ الْمَنْفَعَةُ فِيهَا عَلَى الْمُجَاعِلِ، وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ قَوْلُهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الدِّينَارَ أَيْ لِأَنَّ الِالْتِزَامَ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ أَوْ يُطْلَبُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ أَدِّ دَيْنِي وَأَنَا أُوَفِّيك، أَمَّا مَا يَلْزَمُ الْمُخَاطَبَ إذَا جَعَلَ الْآمِرُ لَهُ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَوْلُهُ: (صَحَّتْ صَلَاتُهُ) بِخِلَافِ نِيَّةِ الطَّوَافِ وَدَفْعِ الْغَرِيمِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُدْفَعُ بِهِ الْغَرِيمُ عَادَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 تَحِيَّةٍ وَسُنَّةِ وُضُوءٍ لِتَشْرِيكِهِ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ لَا تَنْدَرِجُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى. وَلَوْ قَالَ: أُصَلِّي لِثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْهَرَبِ مِنْ عِقَابِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ خِلَافًا لِلْفَخْرِ الرَّازِيِّ. (وَ) الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الْقِيَامُ) فِي الْفَرْضِ (مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ وَلَوْ بِمُعِينٍ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَنْ مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ   [حاشية البجيرمي] بِخِلَافِ الصَّلَاةِ اهـ م د قَوْلُهُ: (وَنَفْلًا) أَيْ مَقْصُودًا مِمَّا لَا يَحْصُلُ مَعَ غَيْرِهِ، فَاسْتِثْنَاءُ التَّحِيَّةِ وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ لَيْسَ قَيْدًا كَمَا يَدُلُّ لَهُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ، بَلْ مِثْلُهُمَا سُنَّةُ الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافُ وَالِاسْتِخَارَةُ ق ل بِزِيَادَةٍ وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ تَنْبِيهٌ: يَمْتَنِعُ جَمْعُ صَلَاتَيْنِ بِنِيَّةٍ وَلَوْ نَفْلًا مَقْصُودًا أَمَّا غَيْرُ الْمَقْصُودِ كَتَحِيَّةٍ وَاسْتِخَارَةٍ وَإِحْرَامٍ وَطَوَافٍ وَسُنَّةِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ أَوْ غَفْلَةٍ وَسُنَّةِ الْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ لَهُ وَرَكْعَتَيْ الْحَاجَةِ وَالزِّفَافِ فَهَذِهِ الْعَشَرَةُ نَصَّ عَلَيْهَا الرَّمْلِيُّ فَيَجُوزُ جَمْعُهَا مَعَ فَرْضٍ أَوْ نَفْلِ غَيْرِهَا قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ أُصَلِّي إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ لِأَجْلِ الْخَوْفِ مِنْ عَذَابِهِ أَوْ لِأَجْلِ رَجَاءِ ثَوَابِهِ لَمْ يَضُرَّ فِي صِحَّةِ عِبَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَوْلَا الْخَوْفُ أَوْ الرَّجَاءُ لَمَا عَبَدَهُ حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ مُسْتَحِقٌّ لَهَا بِذَاتِهِ وَأَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الرَّاجِحِ الْمَفْهُومِ مِنْ تَرْغِيبَاتِ الشَّرْعِ وَتَرْهِيبَاتِهِ، فَإِنْ اعْتَقَدَ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ تَعَالَى لَهَا فَلَا خِلَافَ فِي كُفْرِهِ ق ل، فَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ اسْتِحْقَاقَهُ تَعَالَى بِأَنْ كَانَ غَافِلًا كَبَعْضِ الْعَوَامّ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ بَلْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَلِلْإِمَامِ الْجُنَيْدِ: كُلُّهُمْ يَعْبُدُونَك مِنْ خَوْفِ نَارٍ ... وَيَرَوْنَ النَّجَاةَ حَظًّا جَزِيلًا أَوْ بِأَنْ يَسْكُنُوا الْجِنَانَ ... فَيَحْظَوْا بِقُصُورٍ وَيَشْرَبُوا سَلْسَبِيلَا لَيْسَ لِي بِالْجِنَانِ وَالنَّارِ حَظٌّ ... أَنَا لَا أَبْتَغِي بِحِبِّي بَدِيلًا بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَحْبُوبِي. وَهَذِهِ حَالَةُ الْكَمَالِ، وَالْوُسْطَى أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ خَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ وَطَمَعًا فِي ثَوَابِهِ، وَالدُّنْيَا أَنْ يَعْبُدَهُ حَيَاءً مِنْ النَّاسِ قَوْلُهُ: (الرَّازِيِّ) نِسْبَةٌ إلَى الرَّيِّ بِالْفَتْحِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَهِيَ مِنْ عِرَاقِ الْعَجَمِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. وَقَوْلُهُ خِلَافًا لِلْفَخْرِ الرَّازِيِّ أَيْ حَيْثُ نَقَلَ إجْمَاعَ الْمُتَكَلِّمِينَ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْ أَئِمَّتِنَا، عَلَى أَنَّ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ أَوْ صَلَّى لِأَجْلِ خَوْفِ الْعِقَابِ وَطَلَبِ الثَّوَابِ لَمْ تَصِحَّ عِبَادَتُهُ. قَالَ م ر وَمِثْلُهُ ابْنُ حَجَرٍ وسم: يُمْكِنُ لِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى مَنْ مَحَضَ عِبَادَتَهُ لِذَلِكَ وَحْدَهُ، وَلَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي بَقَاءِ إسْلَامِهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ مَحَطُّ نَظَرِهِمْ لِمُنَافَاتِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ تَعَالَى الْعِبَادَةَ مِنْ الْخَلْقِ لِذَاتِهِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يُمْحِضْهَا فَلَا شُبْهَةَ فِي صِحَّةِ عِبَادَتِهِ. زَادَ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ: بِأَنَّ عَمَلَ الْعِبَادَةِ لَهُ تَعَالَى مَعَ الطَّمَعِ فِي ذَلِكَ وَطَلَبِهِ فَتَصِحُّ جَزْمًا وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ تَجْرِيدَ الْعِبَادَةِ عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا مَحْمَلُ قَوْله تَعَالَى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16] بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ يَدْعُونَ بِيَعْبُدُونَ، وَإِلَّا لَمْ يَرِدْ إذْ شَرْطُ قَبُولِ الدُّعَاءِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ اهـ. فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف: 56] يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِالدُّعَاءِ لِهَذَا الْغَرَضِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ فَسَادُهُ فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا يُقَرَّرُ مِنْ طَلَبِ الْعِبَادَةِ مُطْلَقًا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ وَادْعُوهُ مَعَ الْخَوْفِ مِنْ وُقُوعِ التَّقْصِيرِ فِي بَعْضِ الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي قَبُولِ ذَلِكَ الدُّعَاءِ، وَمَعَ الطَّمَعِ فِي حُصُولِ تِلْكَ الشَّرَائِطِ بِأَسْرِهَا. وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فَالسُّؤَالُ زَائِلٌ اهـ اج. قَوْلُهُ: (الْقِيَامُ) وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ ثُمَّ السُّجُودُ ثُمَّ الرُّكُوعُ. اهـ. ق ل. ثُمَّ الِاعْتِدَالُ وَعِبَارَةُ تِلْمِيذِهِ الرَّحْمَانِيِّ: وَالْقِيَامُ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ فِيمَا إذَا اسْتَوَى الزَّمَانُ. قُلْت: وَلِي نَظَرٌ فِي تَفْضِيلِهِ عَلَى النِّيَّةِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ فِعْلَ الْقَلْبِ أَفْضَلُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِأَفْعَالِ غَيْرِ الْقَلْبِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 مُمَوِّنِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ فَيَجِبُ حَالَةَ الْإِحْرَامِ بِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» زَادَ النَّسَائِيُّ «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا» . وَأَجْمَعَ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ وَبِالْقَادِرِ الْعَاجِزُ. وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ الْفَرْضَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ خِلَافُهُ. وَمِثْلُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ الصَّلَاةُ الْمُعَادَةُ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ: الْأُولَى: مَا لَوْ خَافَ رَاكِبُ السَّفِينَةِ غَرَقًا أَوْ دَوَرَانَ رَأْسٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: مَا لَوْ كَانَ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ لَوْ قَامَ سَالَ بَوْلُهُ وَإِنْ قَعَدَ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ عَلَى الْأَصَحِّ بِلَا إعَادَةٍ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ طَبِيبٌ ثِقَةٌ لِمَنْ بِعَيْنِهِ مَاءٌ: إنْ صَلَّيْت مُسْتَلْقِيًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُك، فَلَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَمْكَنَ الْمَرِيضُ الْقِيَامَ مُنْفَرِدًا بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا بِأَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَهَا   [حاشية البجيرمي] فَرْعٌ: التَّطْوِيلُ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ ثُمَّ فِي السُّجُودِ ثُمَّ فِي الِاعْتِدَالِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِمُعِينٍ إلَخْ) عِبَارَةُ ر م أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ إلَّا بِمُعِينٍ إلَخْ اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ الْغَايَةَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَوْ بِمُعِينٍ لِلتَّعْمِيمِ لَا لِلرَّدِّ عَلَى أَحَدٍ بِدَلِيلِ عِبَارَةِ م ر. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ حَالَةَ الْإِحْرَامِ بِهِ) قَالَ ق ل: وَكَذَا فِي دَوَامِ الْقِيَامِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى احْتَاجَ لِلْمُعِينِ فِي دَوَامِ قِيَامِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ. وَعِبَارَةُ سم حَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْمُعِينِ وَالْعُكَّازَةُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي النُّهُوضِ فَقَطْ أَيْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي دَوَامِ قِيَامِهِ لَزِمَهُ وَإِلَّا بِأَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ فِي النُّهُوضِ وَدَوَامِ الْقِيَامِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ عَاجِزٌ الْآنَ، أَيْ فَيُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ اهـ. وَفَرَّقَ ع ش بَيْنَ الْمُعِينِ وَالْعُكَّازَةِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَجِبُ إلَّا فِي الِابْتِدَاءِ وَالثَّانِي يَجِبُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ لِلْمَشَقَّةِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ قَوْلَهُ: (لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) وَكَانَ عِمْرَانُ مِنْ أَكَابِرِ أَعْيَانِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قِيلَ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ جِهَارًا، فَلَمَّا شُفِيَ مِنْ مَرَضِهِ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَبَتْ عَنْهُ الْمَلَائِكَةُ فَشَكَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتِجَابَ الْمَلَائِكَةِ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ: «احْتِجَابُهُمْ عَنْك بِسَبَبِ شِفَائِك فَقَالَ لَهُ: اُدْعُ اللَّهَ بِعَوْدِ الْمَرَضِ» . فَلَمَّا عَادَ لَهُ مَرَضُهُ عَادَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ فَيُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِهِ كَرَامَةً لَهُ. قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ: وَاخْتُصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَوَازِ صَلَاةِ الْفَرْضِ قَاعِدًا وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي الْخَادِمِ قَوْلُهُ: (وَأَجْمَعَ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى رُكْنِيَّةِ الْقِيَامِ لِلْقَادِرِ قَوْلُهُ: (وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ، وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ، وَوَجْهُ إفْهَامِهِ أَنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ تَقَعُ نَافِلَةً لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ مَا يُسَمَّى فَرْضًا عَلَى الْمُكَلَّفِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ فَاعِلِهِ، فَلَا إفْهَامَ فِيهِ لِمَا قَالَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ م ر وَابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ الْقِيَامُ فِي فَرْضٍ شَمِلَ فَرْضَ الصَّبِيِّ وَالْعَارِي، وَالْفَرِيضَةَ الْمُعَادَةَ وَالْمَنْذُورَةَ فَجَعَلَا الْفَرْضَ شَامِلًا لِصَلَاةِ الصَّبِيِّ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِيهِ وَفِي الْمُعَادَةِ ق ل قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ وُجُوبِ الْقِيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. قَالَ ق ل: لَا حَاجَةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعَجْزِ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ: (وَلَا إعَادَةَ) بِخِلَافِ مَا لَوْ مَنَعَهُ مِنْ الْقِيَامِ الزَّحْمَةُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ اهـ م د. زَادَ فِي الْكِفَايَةِ: وَإِنْ أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْأَرْضِ أَيْ بِأَنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ رَاسِيَةً عَلَى الْبَرِّ فَلَا يُكَلَّفُ الْخُرُوجَ لِيُصَلِّيَ عَلَى الْأَرْضِ قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ، وَالْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ الْأُولَى إلَخْ أَنْ يَقُولَ هُنَا الثَّالِثَةُ مَا لَوْ قَالَ إلَخْ. وَيَقُولُ بَدَلَ قَوْلِهِ الْآتِي الثَّالِثَةُ الرَّابِعَةُ وَهُوَ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِعِبَارَةِ غَيْرِهِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ عَدَدٍ بَلْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ مِنْهَا فِي جَمِيعِهَا، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي مِنْهَا رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُشْبِهُهَا جَعَلَهُ مِنْهَا تَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (فَلَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ لَهُ عَدْلَ رِوَايَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ، أَوْ كَانَ عَارِفًا م ر وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عُذْرٌ عَامٌّ أَيْ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ، قَالَ الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ: يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْعُذْرَ الْعَامَّ مَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالنَّادِرِ دَامَ أَوْ لَا، وَأَنَّ الْعُذْرَ الدَّائِمَ مَا لَا يَزُولُ بِسُرْعَةٍ غَالِبًا أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ عَمَّ أَوْ لَا. وَنُقِلَ عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 قَاعِدًا فَالْأَفْضَلُ الِانْفِرَادُ، وَتَصِحُّ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ قَعَدَ فِي بَعْضِهَا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. الثَّالِثَةُ: مَا لَوْ كَانَ لِلْغُزَاةِ رَقِيبٌ يَرْقُبُ الْعَدُوَّ وَلَوْ قَامَ لَرَآهُ الْعَدُوُّ، أَوْ جَلَسَ الْغُزَاةُ فِي مَكْمَنٍ وَلَوْ قَامُوا لَرَآهُمْ الْعَدُوُّ وَفَسَدَ تَدْبِيرُ الْحَرْبِ صَلَّوْا قُعُودًا، وَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ لَا إنْ خَافُوا قَصْدَ الْعَدُوِّ لَهُمْ فَلَا تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَةُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ أَنَّ الْعُذْرَ هُنَا أَعْظَمُ مِنْهُ ثَمَّ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا اسْتِثْنَاءَ لِأَنَّ مَنْ ذُكِرَ عَاجِزٌ إمَّا لِضَرُورَةِ التَّدَاوِي أَوْ خَوْفِ الْغَرَقِ أَوْ الْخَوْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَخَّرَ الْقِيَامَ عَنْ النِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهَا رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَهُوَ رُكْنٌ فِي الْفَرِيضَةِ   [حاشية البجيرمي] الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ زَالَ مَا يَدُومُ بِسُرْعَةٍ أَوْ دَامَ غَيْرُهُ اُعْتُبِرَ الْجِنْسُ إلْحَاقًا لِشَاذِّهِ بِهِ، فَالْعَامُّ لِعَامٍّ كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، وَالْعُذْرُ الدَّائِمُ كَالسَّلَسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ، وَالْمُتَرَدِّدُ بَيْنَهُمَا كَفَقْدِ السُّتْرَةِ فَهُوَ عُذْرٌ عَامٌّ أَيْ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ أَوْ نَادِرٌ إذَا وَقَعَ دَامَ أَيْ لَا يَزُولُ بِسُرْعَةٍ، وَالنَّادِرُ الْغَيْرُ الدَّائِمِ كَفَقْدِ الطَّهُورَيْنِ وَالْعَجْزِ عَمَّا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءُ، فَإِنَّ كُلًّا نَادِرٌ لَا يَدُومُ اهـ فَلْيُحْفَظْ. قَوْلُهُ: (فَالْأَفْضَلُ الِانْفِرَادُ) هَذَا مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ: وَلَوْ أَمْكَنَ الْمَرِيضَ الْقِيَامُ بِلَا مَشَقَّةٍ يَقْتَضِي فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي النَّافِلَةِ حَتَّى يُقَالَ: الِانْفِرَادُ الْمُحَصِّلُ لِلْقِيَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمُحَصِّلَةِ لَهُ فِي بَعْضِهَا فَقَطْ وَإِلَّا لَكَانَ الِانْفِرَادُ وَاجِبًا لِتَحْصِيلِ الْقِيَامِ فِي جَمِيعِهَا، لَكِنَّ عِبَارَةَ الرَّمْلِيِّ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ أَيْضًا فِي الْفَرْضِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي الْفَرْضِ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ فَالْأَفْضَلُ الِانْفِرَادُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي نَفْلٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ فِي فَرْضٍ، وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَامَ فِي الْفَرْضِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ حُصُولَ الثَّوَابِ بِالْجَمَاعَةِ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي جَوَازِ تَرْكِ الْقِيَامِ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ مَعَ الْجَمَاعَةِ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا أَشْغَلَ نَفْسَهُ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي عَدَمِ وُجُوبِ صَلَاتِهِ الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا م ر. وَقَوْلُهُ: وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَيْ وَجْهَ صِحَّةِ صَلَاتِهِ الْفَرْضَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ فَقَعَدَ فِي أَثْنَائِهَا، وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى هَذَا الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا لَمْ يَقْعُدْ فِيهِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا مِنْ أَنَّهُ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَعَدَ فِي بَعْضِهَا) وَلَوْ شَرَعَ فِي السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ عَجَزَ فِي أَثْنَائِهَا قَعَدَ وَكَمَّلَهَا وَلَا يُكَلَّفُ قَطْعَهَا لِيَرْكَعَ، وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ أَحَبَّ وَإِذَا قَعَدَ لِإِكْمَالِ السُّورَةِ ثُمَّ أَرَادَ الرُّكُوعَ وَأَمْكَنَهُ مِنْ قِيَامٍ لَزِمَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ش م ر. وَلَوْ كَانَ لَوْ صَلَّى قَائِمًا تَرَكَ الْفَاتِحَةَ لِعَدَمِ حِفْظِهِ إيَّاهَا وَعَدَمِ مُلَقِّنٍ أَوْ نَحْوِ مُصْحَفٍ، وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا نَظَرَ فِي أَصْلِ جِدَارٍ كُتِبَتْ فِيهِ لَا يُمْكِنُ مُشَاهَدَتُهَا عَلَيْهِ إلَّا لِلْقَاعِدِ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا لِأَنَّ فَرْضَ الْفَاتِحَةِ آكَدُ إذْ لَا تَسْقُطُ فِي النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ سم عَلَى الْمَتْنِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَتَمَّ الْقِرَاءَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ لِيَرْكَعَ مِنْهُ كَمَا سَبَقَ نَظِيرُهُ اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ الرَّقِيبُ وَالْكَمِينُ قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا) أَيْ مِنْ عَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي حَقِّ قَصْدِ الْعَدُوِّ وَبَيْنَ مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِي حَقِّ رُؤْيَةِ الْعَدُوِّ وَفَسَادِ التَّدْبِيرِ قَوْلُهُ: (أَنَّ الْعُذْرَ هُنَا) فِي نُسْخَةٍ أَنَّ الْعَدُوَّ إلَخْ. وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ضَرَرُ الْعَدُوِّ لِأَجْلِ الْإِخْبَارِ، إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ عَظَمَةَ الْعَدُوِّ بَلْ الْمُرَادُ عَظَمَةُ الضَّرَرِ النَّاشِئِ عَنْهُ، وَعِبَارَةُ م ر وَالْفَرْقُ عَنْ الْأَوَّلِ شِدَّةُ الضَّرَرِ فِي قَصْدِ الْعَدُوِّ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) أَيْ خَوْفَ الْبَوْلِ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَائِمًا حَصَلَ لَهُ ثَلَاثُ حَرَكَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَ الْقِيَامَ لِأَنَّهَا صَارَتْ طَبِيعَتَهُ كَمَا قَالَهُ سم. قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الْقِيَامَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ رُكْنًا. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ رُكْنٌ فِي الْفَرِيضَةِ أَيْ الْقِيَامُ بِقَيْدِ كَوْنِهِ رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ فَفِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامُ قَوْلِهِ: (أُجِيبَ بِأَنَّهَا رُكْنٌ إلَخْ) نَازَعَ فِيهِ ق ل بِأَنَّ الْقِيَامَ قَبْلَ النِّيَّةِ شَرْطٌ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا لَا رُكْنٌ حَتَّى لَوْ فُرِضَ مُقَارَنَتُهُ لَهَا كَفَى. قَالَ: وَكَانَ الظَّاهِرُ فِي الْإِشْكَالِ أَنْ يَقُولَ: لِمَ أَخَّرَ التَّكْبِيرَةَ عَنْ الْقِيَامِ مَعَ أَنَّهَا مُقَارِنَةٌ لِلنِّيَّةِ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 فَقَطْ فَلِذَا قُدِّمَتْ عَلَيْهِ وَشَرْطُ الْقِيَامِ نَصْبُ ظَهْرِ الْمُصَلِّي لِأَنَّ اسْمَ الْقِيَامِ دَائِرٌ مَعَهُ، فَإِنْ وَقَفَ مُنْحَنِيًا إلَى قُدَّامِهِ أَوْ خَلْفِهِ أَوْ مَائِلًا إلَى يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ قِيَامُهُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ بِلَا عُذْرٍ، وَالِانْحِنَاءُ السَّالِبُ لِلِاسْمِ أَنْ يَصِيرَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ . وَلَوْ اسْتَنَدَ إلَى شَيْءٍ كَجِدَارٍ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ تَحَامَلَ عَلَيْهِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ لَسَقَطَ لِوُجُودِ اسْمِ الْقِيَامِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَرْفَعُ قَدَمَيْهِ إنْ شَاءَ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا بَلْ مُعَلِّقٌ نَفْسَهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَصَارَ كَرَاكِعٍ لِكِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَفَ وُجُوبًا كَذَلِكَ لِقُرْبِهِ مِنْ الِانْتِصَابِ، وَزَادَ وُجُوبًا انْحِنَاءً لِرُكُوعِهِ إنْ قَدَرَ عَلَى الزِّيَادَةِ لِيَتَمَيَّزَ الرُّكْنَانِ. وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ مُتَّكِئًا عَلَى شَيْءٍ أَوْ الْقِيَامُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَيْسُورُهُ. وَلَوْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ دُونَ قِيَامٍ قَامَ وُجُوبًا وَفَعَلَ مَا أَمْكَنَهُ فِي انْحِنَائِهِ لَهُمَا بِصُلْبِهِ، فَإِنْ عَجَزَ فَبِرَقَبَتِهِ وَرَأْسِهِ، فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ إلَيْهِمَا أَوْ عَجَزَ عَنْ قِيَامٍ بِلُحُوقِ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ قَعَدَ كَيْفَ شَاءَ، وَافْتِرَاشُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرَبُّعِهِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ قُعُودُ عِبَادَةٍ.   [حاشية البجيرمي] الَّذِي ذَكَرَهُ يَرُدُّهُ تَأْخِيرُ التَّكْبِيرَةِ عَنْ الْقِيَامِ، وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ التَّكْبِيرَةَ رُكْنٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا مَعَ تَأْخِيرِهِ لَهَا عَنْ الْقِيَامِ، فَمَا وُجِّهَ بِهِ النِّيَّةُ مَنْقُوضٌ بِالتَّكْبِيرَةِ حَيْثُ أَخَّرَهَا عَنْ الْقِيَامِ مَعَ أَنَّهَا مُقَارِنَةٌ لِلنِّيَّةِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَهَا أَيْضًا عَلَى الْقِيَامِ قَوْلُهُ: (أَوْ خَلْفِهِ) فَإِنْ قُلْت هَذَا لَيْسَ فِيهِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ وَاقِفٌ إلَى الْقِبْلَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخَلَلَ هُنَا مِنْ جِهَتَيْنِ، مِنْ جِهَةِ عَدَمِ تَسْمِيَةِ ذَلِكَ قِيَامًا، وَمِنْ جِهَةِ عَدَمِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْهَا بِالصَّدْرِ بِأَنْ كَانَ انْحِنَاؤُهُ كَثِيرًا، فَإِنْ اسْتَقْبَلَهَا بِالصَّدْرِ بِأَنْ كَانَ انْحِنَاؤُهُ يَسِيرًا كَفَى أَوْ يُقَالُ الْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي الْكَعْبَةِ وَهِيَ مُسَقَّفَةٌ، أَيْ فَصَلَاتُهُ فِي. هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَاطِلَةٌ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ كَوْنُهُ لَا يُسَمَّى وَاقِفًا شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا) بِأَنْ صَارَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الْمَجْمُوعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ أَوْ لَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَصِحُّ قِيَامُهُ. قَوْلُهُ: (إلَى الرُّكُوعِ) أَيْ أَقَلِّهِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَحَامَلَ عَلَيْهِ) غَايَةٌ قَوْلُهُ: (اسْمَ الْقِيَامِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ وَإِنْ أَطْرَقَ رَأْسَهُ أَيْ أَمَالَهَا إلَى صَدْرِهِ، بَلْ يُسَنُّ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ لِيَنْظُرَ إلَى مَحَلِّ سُجُودِهِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) وَمِنْهُ يُؤْخَذُ صِحَّةُ قَوْلِ سم. يَجِبُ وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ، فَلَوْ أَخَذَ اثْنَانِ بِعَضُدِهِ وَرَفَعَاهُ فِي الْهَوَاءِ وَرَكَعَ وَسَجَدَ بِالْإِيمَاءِ حَتَّى صَلَّى لَمْ يَصِحَّ اهـ. قَالَ م ر: وَلَا يَضُرُّ قِيَامُهُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي اسْمَ الْقِيَامِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ نَظِيرُهُ فِي السُّجُودِ لِأَنَّ اسْمَهُ يُنَافِي وَضْعَ الْقَدَمَيْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ ثَمَّ اهـ قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ الِانْتِصَابِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَشَرْطُ الْقِيَامِ نَصْبُ ظَهْرِ الْمُصَلِّي إلَخْ قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ كَمَرَضٍ قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ كَرَاكِعٍ قَوْلُهُ: (إنْ قَدَرَ عَلَى الزِّيَادَةِ) فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الزِّيَادَةِ فَهَلْ يَسْقُطُ الرُّكُوعُ لِتَعَذُّرِهِ كَمَا سَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الِاعْتِدَالِ، أَوْ يَلْزَمُهُ الْمُكْثُ زِيَادَةً عَلَى وَاجِبِ الْقِيَامِ لِيَجْعَلَهَا عَنْ الرُّكُوعِ وَكَذَلِكَ زِيَادَةٌ يَجْعَلُهَا عَنْ الِاعْتِدَالِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي اسْتَوْجَهَهُ ابْنُ حَجَرٍ الثَّانِي وَنَقَلَهُ ع ش عَلَى م ر، وَأَقَرَّهُ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لَزِمَهُ الْمُكْثُ زِيَادَةً عَلَى وَاجِبِ الْقِيَامِ وَيَصْرِفُهَا لِلرُّكُوعِ بِطُمَأْنِينَتِهِ ثُمَّ لِلِاعْتِدَالِ كَذَلِكَ اهـ: وَقَالَ الْقَلْيُوبِيُّ عَلَى الْجَلَالِ: وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ ثُمَّ بِطَرَفِهِ ثُمَّ الْإِجْرَاءِ عَلَى قَلْبِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الشَّرْحِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ مُتَّكِئًا عَلَى شَيْءٍ) أَيْ كَعُكَّازَةٍ لَا رَجُلٍ فَهَذَا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُعِينِ لِأَنَّ الْمُعِينَ هُنَاكَ رَجُلٌ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ ق ل هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ ذَلِكَ) أَيْ مَا أَمْكَنَهُ : قَوْلُهُ (وَلَوْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ إلَخْ) أَيْ لِعِلَّةٍ بِظَهْرِهِ مَثَلًا تَمْنَعُهُ مِنْ الِانْحِنَاءِ ش م ر قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ إلَيْهِمَا) أَيْ بِرَأْسِهِ فَقَطْ، فَإِنْ عَجَزَ فَبِأَجْفَانِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ الْحَلَبِيُّ: فَبَعْدَ الْإِيمَاءِ لِلسُّجُودِ الْأَوَّلِ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَيُومِئُ لِلسُّجُودِ الثَّانِي حَيْثُ أَمْكَنَهُ الْجُلُوسُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قِيَامَهُ لِلْإِيمَاءِ لِلسُّجُودِ الثَّانِي لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَكْفِي إيمَاؤُهُ لَهُ فِي حَالِ جُلُوسِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِمَحَلِّ السُّجُودِ قَوْلُهُ: (أَوْ عَجَزَ عَنْ قِيَامٍ بِلُحُوقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ فِي قَعَدَاتِ الصَّلَاةِ أَنْ يَجْلِسَ الْمُصَلِّي عَلَى وِرْكَيْهِ نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَمِنْ الْإِقْعَاءِ نَوْعٌ مَسْنُونٌ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الِافْتِرَاشُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ وَيَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ، ثُمَّ يَنْحَنِي الْمُصَلِّي قَاعِدًا لِرُكُوعِهِ إنْ قَدَرَ، وَأَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ إلَى أَنْ تُحَاذِيَ جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ، وَأَكْمَلُهُ أَنْ تُحَاذِيَ جَبْهَتُهُ مَحَلَّ سُجُودِهِ وَرُكُوعُ الْقَاعِدِ فِي النَّفْلِ كَذَلِكَ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ وُجُوبًا لِخَبَرِ عِمْرَانَ السَّابِقِ وَسُنَّ عَلَى الْأَيْمَنِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْجَنْبِ اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ رَافِعًا رَأْسَهُ بِأَنْ يَرْفَعَهُ قَلِيلًا بِشَيْءٍ لِيَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْكَعْبَةِ وَهِيَ مَسْقُوفَةٌ، وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِقَدْرِ إمْكَانِهِ فَإِنْ قَدَرَ الْمُصَلِّي عَلَى الرُّكُوعِ فَقَطْ كَرَّرَهُ لِلسُّجُودِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى أَكْمَلِ الرُّكُوعِ تَعَيَّنَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ لِلسُّجُودِ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ عَلَى الْمُتَمَكِّنِ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ إلَّا أَنْ يَسْجُدَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ أَوْ صُدْغِهِ وَكَانَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ وَجَبَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ. وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِبَصَرِهِ، فَإِنْ عَجَزَ أَجْرَى أَفْعَالَ الصَّلَاةِ بِسُنَنِهَا عَلَى قَلْبِهِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَعَقْلُهُ ثَابِتٌ لِوُجُودِ مَنَاطِ التَّكْلِيفِ، وَلِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ النَّفَلُ قَاعِدًا سَوَاءٌ الرَّوَاتِبُ وَغَيْرُهَا، وَمَا تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ كَالْعِيدِ وَمَا لَا تُسَنُّ فِيهِ، وَمُضْطَجِعًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ   [حاشية البجيرمي] مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا مَا يُذْهِبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ ق ل قَوْلُهُ: (عَلَى وَرِكَيْهِ) أَيْ أَصْلِ فَخِذَيْهِ وَهُوَ الْأَلْيَانِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (لِلنَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ) وَجْهُ النَّهْيِ مَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْكَلْبِ وَالْقِرْدِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ م ر. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالنَّقْرُ فِي الصَّلَاةِ كَالْغُرَابِ ... وَجِلْسَةُ الْإِقْعَاءِ كَالْكِلَابِ قَوْلُهُ: (بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) أَيْ وَفِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَكَذَا فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ م ر قَوْلُهُ: (أَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ) أَيْ بُطُونِهَا قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَنْحَنِيَ) عَطْفٌ عَلَى قَعَدَ قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُصَلِّي مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا أَوْ قَاعِدًا كَذَلِكَ لَا أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمُصَلِّي قَائِمًا لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ قَائِمًا إذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ الْإِيمَاءُ بَلْ لَهُ مَرْتَبَةٌ قَبْلَ الْإِيمَاءِ، وَهِيَ أَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ وَعُنُقَهُ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا مِنْ أَنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ عَجَزَ أَيْ فِي الْفَرْضِ بِأَنْ نَالَهُ مِنْهُ الْمَشَقَّةُ الْحَاصِلَةُ بِالْقِيَامِ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: (عَنْ الْجَنْبِ) أَيْ عَنْ الِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَنْبِ قَوْلُهُ: (اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ) أَيْ وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ) عَطْفٌ عَامٌّ قَوْلُهُ: (وَهِيَ مَسْقُوفَةٌ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَقْفٌ اُتُّجِهَ مَنْعُ الِاسْتِلْقَاءِ عَلَى ظَهْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَأَفْهَمَ أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَنَامَ عَلَى وَجْهِهِ إذَا كَانَ بِهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُسْتَقْبِلٌ أَرْضَهَا، وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ، وَنَقَلَهُ الْحَلَبِيُّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ قَوْلُهُ: (وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ) فَيَجِبُ الْقُعُودُ لَهُمَا إنْ أَمْكَنَ ق ل قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ وَالِاسْتِلْقَاءِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (فَبِبَصَرِهِ) أَيْ أَجْفَانِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَهُوَ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ مَحْسُوسٌ بِخِلَافِ الْإِيمَاءِ بِالْبَصَرِ، وَقَدْ يُقَالُ: أَطْلَقَ الْمَلْزُومَ وَأَرَادَ اللَّازِمَ إذْ الْإِيمَاءُ بِالْبَصَرِ يَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ بِالْأَجْفَانِ م د. قَوْلُهُ: (أَفْعَالَ الصَّلَاةِ) أَيْ قَوْلِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً بِأَنْ يُمَثِّلَ نَفْسَهُ قَائِمًا وَقَارِئًا وَرَاكِعًا إلَخْ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ بِنُدْرَتِهِ مَمْنُوعٌ وَيُعْلَمُ مِنْ صَنِيعِهِ أَنَّ الْمُومِئَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجْرَاءُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (مَنَاطِ التَّكْلِيفِ) أَيْ مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الْعَقْلُ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعَقْلِ قَوْلُهُ: (وَلِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ النَّفَلُ قَاعِدًا إلَخْ) وَإِذَا نَوَى النَّفَلَ فِي حَالِ قِيَامِهِ فَلَهُ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ قَبْلَ انْتِصَابِهِ وَتَنْعَقِدُ بِهِ صَلَاتُهُ، وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ وَلَوْ فِي حَالِ اضْطِجَاعِهِ ثُمَّ يَقُومَ وَيُصَلِّيَ قَائِمًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ احْتَاجَ فِي الْفَرْضِ إلَى الْقُعُودِ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِعَدَمِ حِفْظِهِ لَهَا وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ بِالْأَرْضِ، وَإِلَى اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ لِذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً خَلْفَ ظَهْرِهِ فِي جِدَارٍ، أَوْ لَهُمَا مَعًا كَالْمَكْتُوبَةِ خَلْفَهُ فِي الْأَرْضِ فَعَلَ مَا يُمَكِّنُهُ قِرَاءَتَهَا فِيهِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْقِبْلَةِ ق ل. وَفِي ع ش عَلَى م ر: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالسِّتْرُ، هَلْ يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِي؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وَعَلَى الْقُعُودِ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ: «وَمَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا أَيْ مُضْطَجِعًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْعُدَ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَإِنْ اسْتَلْقَى مَعَ إمْكَانِ الِاضْطِجَاعِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَمَحَلُّ نُقْصَانِ أَجْرِ الْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَإِلَّا لَمْ يَنْقُصْ مِنْ أَجْرِهِمَا شَيْءٌ. وَالثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) بِشُرُوطِهَا، وَهِيَ إيقَاعُهَا بَعْدَ الِانْتِصَابِ فِي الْفَرْضِ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا، وَلَفْظُ الْجَلَالَةِ وَلَفْظُ أَكْبَرُ، وَتَقْدِيمُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ عَلَى أَكْبَرُ، وَعَدَمُ مَدِّ هَمْزَةِ الْجَلَالَةِ، وَعَدَمُ مَدِّ بَاءِ أَكْبَرُ   [حاشية البجيرمي] فِيهِ نَظَرٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ مُرَاعَاةُ السَّتْرِ. وَنُقِلَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ فَرَاجِعْهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ يَعْنِي م ر مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالِاسْتِقْبَالُ يُقَدِّمُ الِاسْتِقْبَالَ. قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ فِي الصَّلَاةِ بِحَالٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَهَذَا مِثْلُهُ فَإِنَّ السَّتْرَ لَا يَسْقُطُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْقِيَامِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ) قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: إنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُكَلَّفِ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا وَلَوْ بِإِجْرَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى قَلْبِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ مَنْ عَايَنَ الْمَوْتَ وَعَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ سَلَفًا وَخَلَفًا، فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَمَرَ الْمُحْتَضَرَ بِالصَّلَاةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ صَارَ قَلْبُهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمَ مِنْ اشْتِغَالِهِ بِمُرَاعَاةِ الْأَفْعَالِ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ الَّتِي أَمَرَنَا الشَّارِعُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا أَمَرَنَا بِهَا وَسِيلَةً إلَى الْحُضُورِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا، وَالْمُحْتَضَرُ انْتَهَى سَيْرُهُ إلَى الْحَضْرَةِ وَتَمَكَّنَ فِيهَا فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَلِيِّ الْمَجْذُوبِ، وَهُنَا أَسْرَارٌ لَا تُسَطَّرُ فِي كِتَابٍ فَافْهَمْ انْتَهَى مِيزَانٌ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْإِبَاحِيِّينَ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا بَلَغَ غَايَةَ الْمَحَبَّةِ فِي اللَّهِ وَصَفَا قَلْبُهُ وَاخْتَارَ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ نِفَاقٍ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ فَرَدَّهُ التَّفْتَازَانِيُّ بِأَنَّهُ كُفْرٌ وَضَلَالٌ، فَإِنَّ أَكْمَلَ النَّاسِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالْإِيمَانِ الْأَنْبِيَاءُ خُصُوصًا حَبِيبَ اللَّهِ مَعَ أَنَّ التَّكَالِيفَ فِي حَقِّهِمْ أَتَمُّ اهـ قَوْلُهُ: (وَمُضْطَجِعًا) وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجُلُوسُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِتْمَامُهُمَا وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا ق ل قَوْلُهُ: (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقُعُودِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْقِيَامِ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالْمُعْتَمَدُ تَفْضِيلُ الْعَشْرِ رَكَعَاتٍ مِنْ قِيَامٍ عَلَى عِشْرِينَ مِنْ قُعُودٍ لِأَنَّهَا أَشَقُّ. ثُمَّ قَالَ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا اسْتَوَى الزَّمَانُ إلَخْ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ ق ل مِنْ عَكْسِ ذَلِكَ. وَمَحَلُّ نُقْصَانِ الْأَجْرِ مَعَ الْقُدْرَةِ فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَّا هُوَ فَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّ تَطَوُّعَهُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَا يُنْقَصُ أَجْرُهُمْ بِالْقُعُودِ أَوْ الِاضْطِجَاعِ عَنْ أَجْرِ الْقَائِمِ. قَوْلُهُ: (تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَمَّا الْأُمَمُ السَّابِقَةُ فَكَانُوا يَدْخُلُونَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ ع ش. وَالْحِكْمَةُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ اسْتِحْضَارُ الْمُصَلِّي عَظَمَةَ مَنْ تَهَيَّأَ لِخِدْمَتِهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَمْتَلِئَ إيمَانًا فَيَحْضُرُ قَلْبُهُ وَيَخْشَعُ وَلَا يَعْبَثُ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ دُونَ التَّعْظِيمِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَدُلُّ عَلَى الْقِدَمِ وَالتَّعْظِيمَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَالْأَعْظَمُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْقِدَمِ وَكُلُّهَا تَقْتَضِي التَّفْخِيمَ لَكِنَّهَا تَتَفَاوَتُ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُبْحَانَ اللَّهِ نِصْفُ الْمِيزَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» شَرْحُ م ر. وَفِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ وَجَّهَ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ شَرْطٌ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِفَرَاغِهَا فَلَيْسَتْ دَاخِلَةً الْمَاهِيَّةَ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ بِفَرَاغِهِ مِنْهَا يَتَبَيَّنُ دُخُولُهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا فَإِذَا أَتَى بِمُبْطِلٍ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ قَوْلُهُ: (بِلُغَةِ الْعَرَبِيَّةِ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ إنَّهُ إذَا كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ وَكَبَّرَ بِغَيْرِهَا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَنْعَقِدُ بِذَلِكَ. وَوَجْهُ الثَّانِي كَوْنُ الْحَقِّ تَعَالَى عَالِمًا بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا بَيْنَ غَيْرِهَا، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ التَّعَبُّدُ بِمَا صَحَّ عَنْ الشَّارِعِ مِنْ لَفْظِ التَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ أَوْلَى قَوْلُهُ: (لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ قَوْلُهُ: (وَتَقْدِيمُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ إلَخْ) فَلَوْ قَدَّمَ لَفْظَ أَكْبَرُ بِأَنْ قَالَ: أَكْبَرُ اللَّهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِلَفْظِ أَكْبَرُ، فَإِنْ أَتَى بِهِ بَعْدَ لَفْظِ الْجَلَالَةِ اعْتَدَّ بِهِ إنْ قَصَدَ بِالْجَلَالَةِ الِابْتِدَاءَ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 وَعَدَمُ تَشْدِيدِهَا، وَعَدَمُ زِيَادَةِ وَاوٍ سَاكِنَةٍ أَوْ مُتَحَرِّكَةٍ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ، وَعَدَمُ وَاوٍ قَبْلَ الْجَلَالَةِ، وَعَدَمُ وَقْفَةٍ طَوِيلَةٍ بَيْنَ كَلِمَتَيْهِ كَمَا قَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْيَسِيرَةَ لَا تَضُرُّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِهِ، وَأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ جَمِيعَ حُرُوفِهَا إنْ كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ لَغَطٍ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَصَمَّ وَدُخُولُ وَقْتِ الْفَرْضِ لِتَكْبِيرَةِ الْفَرَائِضِ وَالنَّفَلِ الْمُؤَقَّتِ وَذِي السَّبَبِ، وَإِيقَاعُهَا حَالَ الِاسْتِقْبَالِ حَيْثُ شَرَطْنَاهُ، وَتَأْخِيرُهَا عَنْ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَهَذِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ شَرْطًا إنْ اخْتَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ   [حاشية البجيرمي] يَكْفِي عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فِي التَّحَلُّلِ مَعَ الْكَرَاهَةِ؟ قُلْت إنَّ عَكْسَ السَّلَامِ لَيْسَ بِمُلْبِسٍ بِخِلَافِ عَكْسِ التَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَصًّا فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْعِظَمِ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ أَكْبَرَ رُبَّمَا حُمِلَ عَلَى الْأَبْلَغِيَّةِ فِي الْجِسْمِ وَنَحْوِهِ مِنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ انْتَهَى ابْنُ حَجَرٍ. وَأَيْضًا عَلَيْكُمْ السَّلَامُ يُؤَدِّي مَعْنَى السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِخِلَافِ أَكْبَرُ اللَّهُ. قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ مَدِّ هَمْزَةِ الْجَلَالَةِ) وَيَجُوزُ إسْقَاطُهَا إذَا وَصَلَهَا بِمَا قَبْلَهَا نَحْوَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا اللَّهُ أَكْبَرُ ق ل. لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأُولَى كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَاقْتِصَارُهُ عَلَى هَمْزَةِ اللَّهِ يُفِيدُ الضَّرَرَ فِي هَمْزَةِ أَكْبَرُ إذَا وَصَلَهَا لِأَنَّهَا هَمْزَةُ قَطْعٍ وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. وَيُغْتَفَرُ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ إبْدَالُ هَمْزَةِ أَكْبَرُ وَاوًا، وَفِي حَقِّ الْعَامِّيِّ إبْدَالُ كَافِ أَكْبَرُ هَمْزَةً لِعَجْزِهِ كَمَا فِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ مَدِّ بَاءِ أَكْبَرُ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَمْعَ كِبَرٍ بِالْفَتْحِ وَهُوَ اسْمُ طَبْلٍ لَهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ تَشْدِيدِهَا) أَيْ الْبَاءِ بِخِلَافِ الرَّاءِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ تَشْدِيدُهَا قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ زِيَادَةِ وَاوٍ سَاكِنَةٍ) وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْجَاهِلَ إذَا أَتَى بِالْوَاوِ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ لَا يَضُرُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا بِخِلَافِ الْعَالِمِ بِذَلِكَ اهـ م د قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ وَاوٍ إلَخْ) وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِأَنَّهُ تَقَدَّمَهُ مُنَاجَاةٌ تُؤْذِنُ بِسَلَامَةِ صَاحِبِهَا، وَيُعْطَفُ عَلَى ذَلِكَ الْمُتَضَمَّنُ وَهُوَ سَلَامَةُ صَاحِبِهَا سَلَامًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ اهـ م د قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ وَقْفَةٍ طَوِيلَةٍ) بِأَنْ زَادَتْ عَلَى سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعِيِّ كَمَا فِي الْعُبَابِ قَوْلُهُ: (وَمُقْتَضَاهُ) أَيْ التَّقْيِيدِ، وَقَوْلُهُ: إنَّ الْيَسِيرَةَ أَيْ بِأَنْ تَكُونَ بِقَدْرِ ثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ يَفْصِلُ بِهَا قَوْلُهُ: (مِنْ لَغَطٍ وَغَيْرِهِ) كَصَمَمٍ قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحَ السَّمْعِ أَوْ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ قَوْلُهُ: (لَوْ لَمْ يَكُنْ أَصَمَّ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَصَمَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ إذَا كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ وَلَا مَانِعَ. قَوْلُهُ: (وَدُخُولُ وَقْتِ الْفَرْضِ) كَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُهُ لِأَنَّ شَرْطَ الصَّلَاةِ دُخُولُ وَقْتِهَا فَلَا يَخْتَصُّ بِالتَّكْبِيرِ قَوْلُهُ: (وَتَأْخِيرُهَا عَنْ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ) أَيْ جَمِيعِهَا، فَلَوْ قَارَنَهُ فِي جُزْءٍ مِنْهَا لَمْ تَصِحَّ الْقُدْوَةُ وَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ ق ل إلَّا فِي صُورَتَيْنِ، فَيَجُوزُ فِيهِمَا تَقَدُّمُ تَحَرُّمِ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ مَا لَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا وَأَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي الْجَمَاعَةِ، الثَّانِيَةِ لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَأَحْرَمَ الْقَوْمُ خَلْفَهُ، ثُمَّ شَكَّ فِي نِيَّتِهِ هُوَ أَعَادَ التَّكْبِيرَةَ مَعَ النِّيَّةِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى الْإِمَامَةِ قَوْلُهُ: (فَهَذِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ) وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا تُبَدَّلَ هَمْزَةُ أَكْبَرُ وَاوًا وَلَا كَافُهَا هَمْزَةً، فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْعَالِمِ فِي الْأُولَى وَلَا مِنْ الْعَالِمِ الْعَامِدِ الْقَادِرِ فِي الثَّانِيَةِ. وَسَيَأْتِي اشْتِرَاطُ اقْتِرَانِهَا بِالنِّيَّةِ. وَيَضُمُّ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمَدِّ عَلَى الْأَلِفِ الَّتِي بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَاءِ إلَى حَدٍّ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ الْقُرَّاءِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْحَالِ ق ل، بِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ حَرَكَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا ضَرَّ كَمَا قَالَهُ الْمَدَابِغِيُّ. وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ عَدَمُ الصَّارِفِ، فَلَوْ نَوَى بِهَا التَّحَرُّمَ وَالِانْتِقَالَ مِنْ الْقِيَامِ إلَى الرُّكُوعِ إذَا نَوَى وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ ضَرَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِهَا الْإِحْرَامَ وَالْإِعْلَامَ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، أَمَّا لَوْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ فَقَطْ أَوْ أَطْلَقَ فَيَضُرُّ. وَنَقَلَ الرَّحْمَانِيُّ عَنْ م ر كَلَامًا ثُمَّ قَالَ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَهَا أَحْوَالٌ سِتَّةٌ لِمَسْبُوقٍ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَاحِدَةٌ تَنْعَقِدُ فِيهَا الصَّلَاةُ، وَهِيَ مَا إذَا قَصَدَ بِهَا الْإِحْرَامَ وَحْدَهُ وَأَوْقَعَ جَمِيعَهَا فِي مَحَلٍّ تُجْزِئُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ وَالْخَمْسَةُ الْبَاقِي لَا تَنْعَقِدُ فِيهَا، وَهِيَ مَا إذَا شَرَكَ بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَةِ الِانْتِقَالِ أَوْ قَصَدَ الِانْتِقَالَ فَقَطْ أَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا مُبْهَمًا، أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى التَّحَرُّمَ وَحْدَهُ أَمْ لَا اهـ بِحُرُوفِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ. وَدَلِيلُ وُجُوبِ التَّكْبِيرِ «خَبَرُ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالِاتِّبَاعُ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَمْنَعُ اسْمَ التَّكْبِيرِ كَاللَّهُ الْأَكْبَرُ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةٍ مُبَالِغَةٍ فِي التَّعْظِيمِ وَهُوَ الْإِشْعَارُ بِالتَّخْصِيصِ، وَكَذَا اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، أَوْ اللَّهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرُ وَكَذَا كُلُّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى إنْ لَمْ يَطُلْ بِهَا الْفَصْلُ، فَإِنْ طَالَ كَاللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ أَكْبَرُ ضَرَّ. وَلَوْ لَمْ يَجْزِمْ الرَّاءَ مِنْ أَكْبَرُ لَمْ يَضُرَّ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الدَّمِيرِيُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّكْبِيرُ جَزْمٌ» اهـ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ فَمَعْنَاهُ عَدَمُ التَّرَدُّدِ فِيهِ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَقْصِرَ التَّكْبِيرَ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ، وَأَنْ لَا يُمَطِّطَهُ بِأَنْ يُبَالِغَ فِي مَدِّهِ بَلْ يَأْتِي بِهِ مُبَيَّنًا، وَالْإِسْرَاعُ بِهِ أَوْلَى مِنْ مَدِّهِ لِئَلَّا تَزُولَ النِّيَّةُ، وَأَنْ يَجْهَرَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ لِلْإِمَامِ لِيُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ فَيَعْلَمُوا صَلَاتَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ مَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِ الْإِسْرَارُ، نَعَمْ إنْ لَمْ يَبْلُغْ صَوْتُ الْإِمَامِ جَمِيعَ الْمَأْمُومِينَ جَهَرَ بَعْضُهُمْ نَدْبًا وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِيُبَلِّغَ عَنْهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي مَرَضِهِ بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ» وَلَوْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ تَكْبِيرَاتٍ نَاوِيًا بِكُلٍّ مِنْهَا الِافْتِتَاحَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، بِالْأَوْتَارِ وَخَرَجَ مِنْهَا بِالْأَشْفَاعِ، لِأَنَّ مَنْ افْتَتَحَ صَلَاةً ثُمَّ نَوَى افْتِتَاحَ صَلَاةٍ أُخْرَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ هَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ بَيْنَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (ثُمَّ اقْرَأْ إلَخْ) هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ «كَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» اهـ. قَوْلُهُ: «حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا» فِيهِ إشَارَةٌ لِلطُّمَأْنِينَةِ قَوْلُهُ: «ثُمَّ ارْفَعْ» أَيْ مِنْ السُّجُودِ قَوْلُهُ: «كَمَا رَأَيْتُمُونِي» أَيْ عَلِمْتُمُونِي لِأَنَّ الْأَقْوَالَ لَا تُرَى وَأَيْضًا نَحْنُ لَمْ نَرَهُ قَوْلُهُ: (كَاللَّهُ الْأَكْبَرُ) وَوَصْلُ هَمْزَةِ اللَّهُ أَكْبَرُ بِمَا قَبْلَهَا خِلَافُ الْأَوْلَى، وَذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى الْكَرَاهَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ حَرْفًا ثَابِتًا فِي الدَّرْجِ. اهـ. م ر قَوْلُهُ: (وَكَذَا كُلُّ صِفَةٍ إلَخْ) خَرَجَ بِالصِّفَةِ غَيْرُهَا كَالضَّمِيرِ وَالنِّدَاءِ وَالذِّكْرِ وَالْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ نَحْوَ اللَّهُ هُوَ أَكْبَرُ وَاَللَّهُ يَا رَحِيمُ أَكْبَرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْبَرُ وَاَللَّهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَكْبَرُ بِخِلَافِ مَنْ أَخَّرَ هَذِهِ عَنْ أَكْبَرُ كَاللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا يَضُرُّ ق ل قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَطُلْ بِهَا الْفَصْلُ) بِأَنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ قَوْلُهُ: (فَإِنْ طَالَ) بِأَنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ كَاللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَكْبَرُ فَإِنَّهُ يَضُرُّ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ زَادَ " الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ "، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِقَيْدٍ فِي الْبُطْلَانِ بَلْ تَبْطُلُ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِهِمَا كَمَا قَالَهُ ع ش، فَلَا يَتَقَيَّدُ الْبُطْلَانُ بِمَا قَالَ الشَّارِحُ ق ل وسم. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَمْ يَجْزِمْ الرَّاءَ مِنْ أَكْبَرُ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ كَرَّرَهَا أَوْ شَدَّدَهَا، وَلَوْ فَتَحَ الْهَاءَ مِنْ اللَّهُ أَوْ كَسَرَهَا أَوْ ضَمَّهَا لَمْ يَضُرَّ اهـ إ ط ف قَوْلُهُ: النَّخَعِيُّ نِسْبَةً إلَى نَخَعٍ بِنُونٍ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَانِ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَصَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ اسْمَهُ إبْرَاهِيمُ قَوْلُهُ: (وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ) أَيْ وُرُودِهِ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَقْصِرَ التَّكْبِيرَ) هَذِهِ سُنَنُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ الْقَوْلِيَّةِ وَسَيَأْتِي سُنَنُهَا الْفِعْلِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ بِقَوْلِهِ: وَسُنَّ رَفْعُ يَدَيْهِ إلَخْ. وَالتَّقْصِيرُ الْمَنْفِيُّ أَنْ يَمُدَّهُ بِقَدْرِ الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ وَعَدَمُ تَقْصِيرِهِ بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ وَهَذَا هُوَ الْمَسْنُونُ قَوْلُهُ: (بَلْ يَأْتِي بِهِ مُبَيَّنًا) أَيْ مَفْهُومًا قَوْلُهُ: (وَالْإِسْرَاعُ) أَيْ مَعَ عَدَمِ التَّقْصِيرِ قَوْلُهُ: (لِئَلَّا تَزُولَ النِّيَّةُ) أَيْ تَعَزَّبَ فِي مَدِّهِ بِخِلَافِ تَكْبِيرِ الِانْتِقَالَاتِ لَا يُسْرِعُ بِهِ لِئَلَّا يَخْلُوَ تَمَامُ الِانْتِقَالِ عَنْ التَّكْبِيرِ إذْ يُنْدَبُ تَطْوِيلُهُ إلَى كَمَالِ الرُّكْنِ الَّذِي يَلِيهِ قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَجْهَرَ) أَيْ لَا بِقَصْدِ الْإِعْلَامِ فَقَطْ وَلَا مُطْلَقًا بَلْ بِقَصْدِ الذِّكْرِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْإِعْلَامِ قَوْلُهُ: (لِيُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ) عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ، حَتَّى لَوْ قَصَدَ بِهَا إسْمَاعَهُمْ فَقَطْ ضَرّ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ كَمَا فِي الْمُبَلِّغِ فِي تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ مَعَ إسْمَاعِهِمْ التَّحَرُّمَ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ جَزْمًا اهـ ح ل قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ الْحَاجَةِ) صَرِيحَةٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ لَا يُطْلَبُ. قَالَ ق ل: هَلْ يَشْمَلُ مَا إذَا تَرَتَّبُوا فِي التَّبْلِيغِ وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ لِكَثْرَةِ الْقَوْمِ وَمَا إذَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ؟ فَرَاجِعْهُ قَوْلُهُ: «وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُسْمِعُهُمْ» أَيْ يُبَلِّغُ خَلْفَهُ ق ل قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ مِنْهَا) أَيْ وَحَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي فَرِيضَةٍ إذْ قَطْعُ الْفَرْضِ حَرَامٌ، فَإِنْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ وَاسْتَدَامَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ خُرُوجًا أَوْ افْتِتَاحًا وَإِلَّا فَيَخْرُجُ بِالنِّيَّةِ وَيَدْخُلُ بِالتَّكْبِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِغَيْرِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى شَيْئًا لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ مَعَ الْعَمْدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، أَمَّا مَعَ السَّهْوِ فَلَا بُطْلَانَ. وَمَنْ عَجَزَ وَهُوَ نَاطِقٌ عَنْ النُّطْقِ بِالتَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ تَرْجَمَ عَنْهَا بِأَيِّ لُغَةٍ شَاءَ، وَوَجَبَ التَّعَلُّمُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِسَفَرٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. فَائِدَةٌ: إنَّمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ التَّكْبِيرَةُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِهَا عَلَى الْمُصَلِّي مَا كَانَ حَلَالًا لَهُ قَبْلَهَا مِنْ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِالْإِجْمَاعِ، مُسْتَقْبِلًا بِكَفَّيْهِ الْقِبْلَةَ، مُمِيلًا أَطْرَافَ أَصَابِعِهِمَا نَحْوَهَا، مُفَرِّقًا أَصَابِعَهُمَا تَفْرِيقًا وَسَطًا كَاشِفًا لَهُمَا، وَيَرْفَعُهُمَا مُقَابِلَ مَنْكِبَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ   [حاشية البجيرمي] الصَّلَاةَ مَعَ الْخُرُوجِ بِالشَّفْعِ حَرُمَ أَيْضًا لِتَعَاطِيهِ عِبَادَةً فَاسِدَةً وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ يُكْرَهُ اهـ. قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ وَجِيهٌ اهـ اج وَفِي الْقَوْلُ التَّامُّ لِابْنِ الْعِمَادِ: يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُوَسْوِسِينَ أَنَّهُ يُحْرِمُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ يَتَوَسْوَسُ فِي صِحَّتِهَا فَيُخْرِجُ نَفْسَهُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالتَّسْلِيمِ، ثُمَّ يَنْوِي الصَّلَاةَ ثَانِيًا وَهُوَ آثِمٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْأُولَى إنْ لَمْ تَكُنْ انْعَقَدَتْ فَلَا حَاجَةَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا إلَى التَّسْلِيمِ، وَالْإِتْيَانَ بِالْعِبَادَةِ الْفَاسِدَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ انْعَقَدَتْ حُرِّمَ عَلَيْهِ قَطْعُهَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فَإِنَّهُمَا جَوَّزَا قَطْعَ الْفَرِيضَةِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا وَلِهَذَا الْوَجْهِ يَجِبُ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ الْجُمُعَةِ، أَمَّا الْجُمُعَةُ فَالْخُرُوجُ مِنْهَا حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: (أُخْرَى) التَّعْبِيرُ بِأُخْرَى غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ نَوَى افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَا غَيْرَهَا قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْأَرْكَانِ عَدَمُ الصَّارِفِ وَقَصْدُهُ الِافْتِتَاحَ بِالثَّانِيَةِ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ الْأُولَى فَصَارَ ذَلِكَ صَارِفًا عَنْ الدُّخُولِ بِهَا لِضَعْفِهَا عَنْ تَحْصِيلِ أَمْرَيْنِ الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ مَعًا، فَيَخْرُجُ بِالْأَشْفَاعِ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: أَوْ افْتِتَاحًا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ السَّابِقَ نَاوِيًا بِكُلٍّ مِنْهَا الِافْتِتَاحَ لِأَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا نَوَى الِافْتِتَاحَ بَيْنَهُمَا، وَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا نَوَى الِافْتِتَاحَ بِالتَّكْبِيرِ اهـ م د فَرْعٌ: لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ أَحْرَمَ أَوْ لَا فَأَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَنْعَقِدْ لِأَنَّا نَشُكُّ فِي هَذِهِ التَّكْبِيرَةِ أَنَّهَا شَفْعٌ أَوْ وِتْرٌ فَلَا تَنْعَقِدُ مَعَ الشَّكِّ وَهَذَا مِنْ الْفُرُوعِ النَّفِيسَةِ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِغَيْرِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ نَاوِيًا بِكُلٍّ مِنْهَا إلَخْ قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ دُخُولِهِ بِالْأَوْتَارِ وَخُرُوجِهِ بِالْأَشْفَاعِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (أَمَّا مَعَ السَّهْوِ) كَأَنْ نَسِيَ أَنَّهُ كَبَّرَ أَوْ لَا فَكَبَّرَ ثَانِيًا قَاصِدًا الِافْتِتَاحَ فَلَا تَبْطُلُ بِالثَّانِيَةِ قَوْلُهُ: (بِأَيِّ لُغَةٍ شَاءَ) فَارِسِيَّةٍ أَوْ عِبْرَانِيَّةٍ أَوْ سُرْيَانِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَيَأْتِي بِمَدْلُولِ التَّكْبِيرِ بِتِلْكَ اللُّغَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَتَرْجَمَتُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: خُدَايْ بُزُرْكْ تر بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَالْكَافِ بِمَعْنَى اللَّهُ كَبِيرٌ، وَتَر بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ أَدَاةُ تَفْضِيلٍ، فَهُوَ أَيْ كَبِيرٌ مَعَهَا بِمَعْنَى أَكْبَرُ فَلَا يَكْفِي خُدَايْ بُزُرْكْ لِتَرْكِهِ التَّفْضِيلَ كَاللَّهُ كَبِيرٌ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الضَّبْطِ تَلَقَّيْنَاهُ مِنْ كِتَابِ نِعْمَةِ اللَّهِ فِي اللُّغَةِ الْفَارِسِيَّةِ اهـ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ أَيْضًا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّرْجَمَةِ هَلْ يَجِبُ ذِكْرُ بَدَلِهَا كَالْقِرَاءَةِ أَوْ تَكْفِي النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ؟ قَالَ ع ش: قِيَاسُ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَأْتِيَ بِذِكْرِ بَدَلِهَا كَمَا قَالَهُ الَأُجْهُورِيُّ وَالْفَارِسِيَّةُ أَوْلَى إنْ أَحْسَنَهَا قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِسَفَرٍ) أَيْ أَطَاقَهُ بِأَنْ وَجَدَ الْمُؤَنَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْحَجِّ. نَعَمْ اسْتَقْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ وُجُوبَ الْمَشْيِ عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَ، كَمَنْ لَزِمَهُ الْحَجُّ فَوْرًا فَرَاجِعْهُ، قَالَ الْمَدَابِغِيُّ: فَلَوْ قَصَّرَ فِي التَّعَلُّمِ وَجَبَ الْقَضَاءُ لِمَا قَصَّرَ بِالتَّعَلُّمِ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ التَّعَلُّمِ صَلَّى وَأَعَادَ، وَإِمْكَانُ التَّعَلُّمِ مِنْ الْإِسْلَامِ إنْ طَرَأَ وَإِلَّا فَمِنْ الْبُلُوغِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْأَخْرَسُ وَنَحْوُهُ إنْ طَرَأَ خَرَسُهُ أَوْ نَحْوُهُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ» . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ أَنْ تُحَاذِيَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِ أَعْلَى أُذُنَيْهِ، وَإِبْهَامَاهُ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ، وَرَاحَتَاهُ مَنْكِبَيْهِ وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْكَانِ بِأَنْ يَقْرُنَهَا بِأَوَّلِهِ وَيَسْتَصْحِبَهَا إلَى آخِرِهِ. وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ الِاكْتِفَاءَ بِالْمُقَارَنَةِ الْعُرْفِيَّةِ عِنْدَ الْعَوَامّ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا لِلصَّلَاةِ اقْتِدَاءً بِالْأَوَّلِينَ فِي تَسَامُحِهِمْ بِذَلِكَ،   [حاشية البجيرمي] يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَشَفَتَيْهِ وَلَهَاتِهِ قَدْرَ إمْكَانِهِ بِخِلَافِ الْخِلْقِيِّ، وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ تَعْلِيمُ غُلَامِهِ الْعَرَبِيَّةَ لِأَجْلِ التَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِ، أَوْ تَخْلِيَتُهُ لِيَكْتَسِبَ أُجْرَةَ تَعَلُّمِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعَلِّمْهُ وَاسْتَكْسَبَهُ عَصَى بِذَلِكَ اهـ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّكْبِيرَةِ بِكُلِّ وَجْهٍ فَيَدْخُلُ بِالصَّلَاةِ بِدُونِهَا كَالْأَخْرَسِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شَرَفٍ قَوْلُهُ: (مَنْكِبَيْهِ) الْمَنْكِبُ مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ وَالْعَضُدُ مَا بَيْنَ الْمِرْفَقِ إلَى الْكَتِفِ وَفِيهِ خَمْسُ لُغَاتٍ وِزَانُ رَجُلٍ وَبِضَمَّتَيْنِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ، وَقَرَأَ بِهَا الْحَسَنُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: 51] وَمِثَالُ كَبِدٍ فِي لُغَةِ بَنِي أَسَدٍ، وَمِثَالُ فَلَسٍ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ، وَالْخَامِسَةُ مِثَالُ قُفْلٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أَهْلُ تِهَامَةَ يُؤَنِّثُونَ الْعَضُدَ، وَبَنُو تَمِيمٍ يُذَكِّرُونَ وَالْجَمْعُ أَعْضُدُ وَأَعْضَادٌ مِثْلُ أَفْلُسٍ وَأَقْفَالٍ. اهـ. مِصْبَاحُ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (وَرَاحَتَاهُ) أَيْ ظَهْرُهُمَا قَوْلُهُ: (قَرْنُ النِّيَّةِ) أَيْ قَرْنُ الْمَنْوِيِّ وَهُوَ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ تَفْصِيلًا مَعَ التَّعْيِينِ وَنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ، وَيَقْصِدُ فِعْلَ ذَلِكَ وَإِيقَاعَهُ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَوَّلِ التَّكْبِيرِ إلَخْ قَوْلُهُ: (بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) أَيْ بِجَمِيعِهَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهَا لِلزِّيَادَةِ الْفَاصِلَةِ الْمُغْتَفَرَةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الِاشْتِرَاطُ كَمَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ صَالِحٍ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَمَا فِي فَتَاوَى شَيْخِنَا الشِّهَابِ م ر. ثُمَّ قَالَ: وَعِنْدِي لَا يَجِبُ لِاغْتِفَارِ الْفَصْلِ وَكَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ عَدَمُ الْفَصْلِ ابْنُ قَاسِمٍ شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْكَانِ) أَيْ فَوَجَبَ مُقَارَنَتُهَا لِذَلِكَ كَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَقْرُنَهَا) هُوَ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ كَقَتَلَ يَقْتُلُ، وَفِيهِ لُغَةٌ مِنْ بَابِ ضَرَبَ مِصْبَاحٌ وَالْمُرَادُ بِقَرْنِهَا تَفْصِيلًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التُّحْفَةِ وَمَا يَدُلُّ لَهُ الْمُقَابَلَةُ بِمَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَالنَّوَوِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَارَنَةِ الْعُرْفِيَّةِ الْمُقَارَنَةُ الْإِجْمَالِيَّةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْقَوْمِ هُنَا أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ: اسْتِحْضَارٌ حَقِيقِيٌّ بِأَنْ يَسْتَحْضِرَ جَمِيعَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ تَفْصِيلًا وَمُقَارَنَةٌ حَقِيقِيَّةٌ بِأَنْ يَقْرُنَ ذَلِكَ الْمُسْتَحْضَرَ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ التَّكْبِيرَةِ، وَاسْتِحْضَارٌ عُرْفِيٌّ بِأَنْ يَسْتَحْضِرَ الْأَرْكَانَ إجْمَالًا وَمُقَارَنَةٌ عُرْفِيَّةٌ بِأَنْ يَقْرُنَ ذَلِكَ الْمُسْتَحْضِرُ بِجُزْءٍ مَا مِنْ التَّكْبِيرِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ عِنْدَ م ر. وَإِنْ اكْتَفَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْأَخِيرَيْنِ لِمَا قِيلَ إنَّ الِاسْتِحْضَارَ الْحَقِيقِيَّ مَعَ الْقَرْنِ الْحَقِيقِيِّ لَا تُطِيقُهُ الطَّبِيعَةُ الْبَشَرِيَّةُ، بَلْ يَكْفِي الِاسْتِحْضَارُ الْعُرْفِيُّ مَعَ الْقَرْنِ الْعُرْفِيِّ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بِحَيْثُ يُعَدُّ إلَخْ لَيْسَ بَيَانًا لِلْمُقَارَنَةِ الْعُرْفِيَّةِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الِاسْتِحْضَارَ الْعُرْفِيَّ وَالْمُقَارَنَةَ الْعُرْفِيَّةَ مُتَغَايِرَانِ بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ كَمَا اكْتَفَى بِالِاسْتِحْضَارِ الْعُرْفِيِّ بِحَيْثُ يُعَدُّ إلَخْ فَالْحَيْثِيَّةُ بَيَانٌ لِلِاسْتِحْضَارِ الْعُرْفِيِّ. وَاعْتَمَدَ الْحِفْنِيُّ وَالْعَشْمَاوِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِالِاسْتِحْضَارِ الْعُرْفِيِّ وَالْمُقَارَنَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَمَعْنَى عَدَّهُ مُسْتَحْضِرًا اسْتِحْضَارُهُ الْأَرْكَانَ إجْمَالًا كَمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (وَيَسْتَصْحِبُهَا) بِأَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي ذِهْنِهِ ذَاتَ الصَّلَاةِ تَفْصِيلًا وَمَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ مِنْ كَوْنِهَا ظُهْرًا وَفَرْضًا، ثُمَّ يَقْصِدُ فِعْلَ هَذَا الْمَعْلُومِ وَيَجْعَلُ قَصْدَهُ هَذَا مُقَارِنًا لِأَوَّلِ التَّكْبِيرِ، وَلَا يَغْفُلُ عَنْ تَذَكُّرِهِ حَتَّى يَتِمَّ التَّكْبِيرُ فَلَا يَكْفِي تَوْزِيعُهَا عَلَيْهِ، وَنَازَعَ فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ لَا تَحْوِيه الْقُدْرَةُ الْبَشَرِيَّةُ، وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَ النَّوَوِيُّ إلَخْ زِيَادِيٌّ. لَا يُقَالُ اسْتِحْضَارُهُ الْكُلَّ مُمْكِنٌ فِي أَدْنَى لَحْظَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ نَفْسُهُ. لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (عِنْد الْعَوَامّ) هَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالِاكْتِفَاءِ أَيْ يَكْفِي لِلْعَوَامِّ الْمُقَارَنَةُ الْعُرْفِيَّةُ أَوْ بِالْعُرْفِيَّةِ أَيْ الْعُرْفِيَّةُ عِنْدَ الْعَوَامّ، وَحِينَئِذٍ مَا الْمُرَادُ بِهِمْ؟ وَقَدْ أَسْقَطَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَلْيُحَرَّرْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْحَقُّ وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ وَالْوَسْوَسَةُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ،   [حاشية البجيرمي] شَوْبَرِيٌّ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِالْعَوَامِّ الْعَامِّيُّونَ، وَعَلَى الثَّانِي فَالْمُرَادُ بِهِمْ عَامَّةُ النَّاسِ. وَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلْيُتَأَمَّلْ مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَالَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ: الْمُرَادُ بِالِاسْتِحْضَارِ الْعُرْفِيِّ الْقَصْدُ وَالتَّعْيِينُ وَنِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا تَلَقَّيْنَاهُ عَنْ شَيْخِنَا الْخَلِيفِيِّ، وَهُوَ عَنْ شَيْخِهِ مَنْصُورٍ الطُّوخِيِّ عَنْ شَيْخِهِ الشَّيْخِ سُلْطَانٍ الْمُزَاحِيِّ عَنْ شَيْخِهِ الشَّوْبَرِيِّ عَنْ الرَّمْلِيِّ الصَّغِيرِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورٌ الطُّوخِيُّ: هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ الصَّغِيرِ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِهِ مِنْ الْمُقَارَنَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ وَلَوْ تَخَلَّلَ التَّكْبِيرَ مَا لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ لَمْ يُشْتَرَطْ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لَهُ هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ م ر. وَلَا تَكْفِي مُقَارَنَتُهَا لَهُ فِي الْمُقَارَنَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ قَوْلُهُ: (وَلِي بِهِمَا أُسْوَةٌ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إلَى الِاكْتِفَاءِ بِوُجُودِ النِّيَّةِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ. اهـ. عَمِيرَةُ. قَوْلُهُ: (وَالْوَسْوَسَةُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ إلَخْ) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْوَسْوَسَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْكَامِلِينَ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِقَوْلِ الشَّارِحِ الْوَسْوَسَةُ خَبَلٌ فِي الْعَقْلِ أَوْ جَهْلٌ فِي الدِّينِ لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ الْوَسْوَسَةِ، وَهُوَ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ الْوِسْوَاسِ. وَكَلَامُ الْأَوَّلِ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ يُجَاهِدُ الشَّيْطَانَ فِي وَسْوَسَتِهِ لِيُثَابَ الثَّوَابَ الْكَامِلَ، قَالَهُ شَيْخُنَا الْمَلَوِيِّ: قَالَ جَرِيرُ بْنُ عُبَيْدَةَ الْعَدَوِيُّ: شَكَوْت إلَى الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ مَا أَجِدُ فِي صَدْرِي مِنْ الْوَسْوَسَةِ. فَقَالَ: إنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ الْبَيْتِ الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ اللُّصُوصُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ عَالَجُوهُ وَإِلَّا مَضَوْا وَتَرَكُوهُ. يَعْنِي أَنَّ الْقَلْبَ إذَا اشْتَغَلَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَبْقَى لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَلَكِنَّهُ يَكْثُرُ فِيهِ الْوَسْوَسَةُ وَقْتَ فُتُورِهِ عَنْ الذِّكْرِ لِيُلْهِيَهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَالْعَبْدُ مُبْتَلًى بِالشَّيْطَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُفَارِقُهُ وَلَكِنَّهُ يَخْنِسُ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ قَيْسُ بْنُ الْحَجَّاجِ: قَالَ لِي شَيْطَانِي: دَخَلْت فِيك وَأَنَا مِثْلُ الْجَزُورِ وَأَنَا الْيَوْمَ مِثْلُ الْعُصْفُورِ. فَقُلْت: لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّك تُذِيبُنِي بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى «وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّيْطَانُ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي فَقَالَ ذَلِكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ إذَا حَسَسْته فَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَاتْفُلْ عَلَى يَسَارِك ثَلَاثًا قَالَ: فَفَعَلْت ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي» . فَمَنْ كَثُرَتْ وَسْوَسَتُهُ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ شَيْطَانِ الْوَسْوَسَةِ خَنْزَبٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ. وَكَانَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ لِدَفْعِ الْوَسْوَاسِ وَالْخَوَاطِرِ الرَّدِيئَةِ: مَنْ أَحَسَّ بِذَلِكَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى صَدْرِهِ وَيَقُلْ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْخَلَّاقِ الْفَعَّالِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [إبراهيم: 19] {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: 20] وَيَقُولُ ذَلِكَ الْمُصَلِّي قَبْلَ الْإِحْرَامِ. وَفِي الْخَبَرِ «إنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ الْوَلْهَانُ، فَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي إلَى الْمُتَوَضِّئِ فَيَقُولُ لَهُ: مَا أَسْبَغْت وُضُوءَك، مَا غَسَلْت وَجْهَك، مَا مَسَحْت رَأْسَك، وَيُذَكِّرُهُ بِأَشْيَاءَ يَكُونُ فَعَلَهَا، فَمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الْوَلْهَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يَصْرِفُهُ عَنْهُ» قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: خَنْزَبٌ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ضَبْطِ الْخَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ كَسَرَهَا، وَهَذَا مَشْهُورٌ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَمَّهَا حَكَاهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَالْمَعْرُوفُ الْكَسْرُ وَالْفَتْحُ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُسْتَحَبُّ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَشَبَهِهِمَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَ الذِّكْرَ خَنَسَ أَيْ تَأَخَّرَ، وَيُعِيدُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِأَنَّهَا رَأْسُ الذِّكْرِ. وَقَالَ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ أَحْمَدُ بْنُ الْجَوْزِيِّ: شَكَوْت إلَى أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْوِسْوَاسَ فَقَالَ: إذَا أَرَدْت أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْك فِي أَيِّ وَقْتٍ أَحْسَسْت بِهِ فَافْرَحْ، فَإِذَا فَرِحْت بِهِ انْقَطَعَ عَنْك فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَى الشَّيْطَانِ مِنْ سُرُورِ الْمُؤْمِنِ، فَإِذَا اغْتَمَمْت بِهِ زَادَك. قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى خَبَلٍ فِي الْعَقْلِ أَوْ جَهْلٍ فِي الدِّينِ. وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِلْعُسْرِ لَكِنْ يُسَنُّ، وَيُعْتَبَرُ عَدَمُ الْمُنَافِي كَمَا فِي عَقْدِ الْأَيْمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ تَرَدَّدَ فِي أَنْ يَخْرُجَ أَوْ يَسْتَمِرَّ بَطَلَتْ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ لِأَنَّهَا أَضْيَقُ بَابًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ، فَكَانَ تَأْثِيرُهَا بِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ أَشَدَّ. (وَ) الرَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (قِرَاءَةُ) سُورَةِ (الْفَاتِحَةِ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِي قِيَامِهَا أَوْ بَدَلِهِ، لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ: «لَا صَلَاةَ   [حاشية البجيرمي] وَهَذَا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْوَسْوَاسَ إنَّمَا يُبْتَلَى بِهِ مَنْ كَمُلَ إيمَانُهُ، فَإِنَّ اللِّصَّ لَا يَقْصِدُ بَيْتًا خَرَابًا كَمَا ذَكَرَهُ الْيَافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الدُّرُّ النَّظِيمُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ. وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ الشَّيْطَانِ مِنْ قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَرَأَى فِي النَّوْمِ جَسَدَ رَجُلٍ شَبَهَ الْبَلُّورِ يُرَى دَاخِلُهُ مِنْ خَارِجِهِ، وَرَأَى الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ ضُفْدَعٍ قَاعِدًا عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ إلَى قَلْبِهِ يُوَسْوِسُ إلَيْهِ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ. وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ يَقُولُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ كُلَّ يَوْمٍ: اللَّهُمَّ إنَّك سَلَّطْت عَلَيْنَا بِذُنُوبِنَا عَدُوًّا بَصِيرًا بِعُيُوبِنَا، يَرَانَا هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا نَرَاهُمْ، فَآيِسْهُ مِنَّا كَمَا آيَسْتَهُ مِنْ رَحْمَتِك، وَقَنِّطْهُ مِنَّا كَمَا قَنَّطْتَهُ مِنْ عَفْوِك، وَبَعِّدْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ كَمَا بَاعَدَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَنَّتِك إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ. فَتَمَثَّلَ لَهُ إبْلِيسُ يَوْمًا فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: يَا ابْنَ وَاسِعٍ هَلْ تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: إبْلِيسُ. قَالَ: وَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ لَا تُعَلِّمَ أَحَدًا هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةَ. فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا مَنَعْتهَا مِمَّنْ أَرَادَهَا فَاصْنَعْ الْآنَ مَا شِئْت. وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْجَانَّ يَرَوْنَا وَنَحْنُ لَا نَرَاهُمْ أَنَّ الْجَانَّ خُلِقُوا مِنْ الرِّيحِ، وَأَصْلُ الرِّيحِ لَا يُرَى فَكَذَلِكَ مَا خُلِقَ مِنْهُ. وَقِيلَ: إنَّ الْمُؤْمِنَ فِي ضَوْءِ الْإِيمَانِ وَالْكَافِرَ مِنْهُمْ فِي ظُلْمَةِ الْكُفْرِ، وَاَلَّذِي فِي الظُّلْمَةِ يَرَى مَنْ فِي النُّورِ وَاَلَّذِي فِي النُّورِ لَا يَرَى مَنْ فِي الظُّلْمَةِ وَهَذَا مَخْدُوشٌ بِمُؤْمِنِهِمْ فَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْجَانَّ خُلِقُوا مِنْ الرِّيحِ اهـ. كَذَا فِي تُحْفَةِ السَّائِلِ قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُ إلَخْ) أَيْ ذِكْرًا بِكَسْرِ الذَّالِ أَيْ بِاللِّسَانِ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (كَمَا فِي عَقْدِ الْأَيْمَانِ) أَيْ الْجَزْمِ بِهِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوُضُوءِ) أَيْ فَلَا يُبْطِلُ مَا مَضَى مِنْهُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لَكِنْ يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ لِمَا بَقِيَ. قَالَ أَئِمَّتُنَا فِي الْعِبَادَاتِ: فِي قَطْعِ النِّيَّةِ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ: الْأَوَّلُ: الْإِسْلَامُ وَالصَّلَاةُ فَيَبْطُلَانِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهُمَا بِلَا خِلَافٍ. الثَّانِي: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لَا يَبْطُلَانِ بِذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْإِفْسَادِ. الثَّالِثُ: الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ لَا يَبْطُلَانِ بِذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْحَجِّ. الرَّابِعُ: الْوُضُوءُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ مَا مَضَى مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِمَا يَبْقَى. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (سُورَةِ الْفَاتِحَةِ) كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطُ لَفْظِ سُورَةٍ وَإِبْقَاءِ الْمَتْنِ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهَا الْفَاتِحَةَ لَا سُورَةَ الْفَاتِحَةِ، أَوْ هُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَى الِاسْمِ أَيْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْفَاتِحَةِ، وَهِيَ مِمَّا نَزَلَ قَدِيمًا فَكَانَ النَّبِيُّ يَقْرَؤُهَا فِي صَلَاتِهِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَرَكْعَتَيْ الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى خَمْسَةً: اللَّهُ وَالرَّبُّ وَالرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ وَالْمَلِكُ، وَسِرُّهُ أَنْ يَقُولَ خَلَقْتُك أَوَّلًا فَأَنَا إلَهٌ، ثُمَّ رَبَّيْتُك فَأَنَا رَبٌّ، ثُمَّ عَصَيْتنِي فَسَتَرْت فَأَنَا رَحْمَنٌ، ثُمَّ تُبْت فَغَفَرْتُ فَأَنَا رَحِيمٌ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِ الْجَزَاءِ فَأَنَا مَلِكُ يَوْمِ الدِّينِ. وَكَرَّرَ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَسْمَاءِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعِنَايَةَ بِالرَّحْمَةِ أَكْثَرُ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْبَيْضَاوِيُّ قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ وَقَدْ اسْتَخْرَجَ أَخِي أَفْضَلُ الدِّينِ مِنْ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مِائَتَيْ أَلْفِ عِلْمٍ؛ وَسَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا وَتِسْعَمِائَةٍ، وَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ عِلْمًا. وَقَالَ: هَذِهِ أُمَّهَاتُ عُلُومِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ثُمَّ رَدَّهَا كُلَّهَا إلَى الْبَسْمَلَةِ ثُمَّ إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» أَيْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِمَا مَرَّ فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ فَلَا تَجِبُ فِيهَا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهَا عَنْهُ.   [حاشية البجيرمي] النُّقْطَةِ الَّتِي تَحْتَ الْبَاءِ. كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَا يَكْمُلُ الرَّجُلُ عِنْدَنَا فِي مَقَامِ الْمَعْرِفَةِ بِالْقُرْآنِ حَتَّى يَصِيرَ يَسْتَخْرِجُ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ وَجَمِيعَ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْهَا مِنْ أَيِّ حَرْفٍ شَاءَ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ عَلِيٍّ: لَوْ شِئْت لَأَوْقَرْتُ لَكُمْ ثَمَانِينَ بَعِيرًا مِنْ عُلُومِ النُّقْطَةِ الَّتِي تَحْتَ الْبَاءِ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ يَقْرَؤُهَا مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا وَيَدْعُو اللَّهَ بِمَا شَاءَ إلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ دُعَاؤُهُ، وَمَنْ دَاوَمَ عَلَى قِرَاءَتِهَا رَأَى الْعَجَبَ وَنَالَ مَا يَرْجُوهُ مِنْ كُلِّ أَرَبٍ، وَمَنْ وَاظَبَ عَلَى قِرَاءَتِهَا إحْدَى وَأَرْبَعِينَ مَرَّةً إلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِلَا تَعَبٍ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) وَقَدْ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، كَمَا إذَا نَذَرَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ كُلَّمَا عَطَسَ فَإِنَّهُ إنْ عَطَسَ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَ فِي الْقِيَامِ وَجَبَ قِرَاءَتُهَا، أَوْ غَيْرِهِ كَالرُّكُوعِ. وَالسُّجُودِ أَخَّرَهَا إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَرَأَهَا لِأَنَّ غَيْرَ الْقِيَامِ لَيْسَ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ كَذَا قَرَّرَهُ م ر. فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَ نَذْرِ التَّبَرُّرِ أَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَرْغُوبًا فِيهِ وَالْعُطَاسُ لَيْسَ مَرْغُوبًا فِيهِ. فَقَالَ: بَلْ مَرْغُوبٌ فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ رَاحَةً لِلْبَدَنِ. وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْعَاطِسَ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ رَاحَةً لِأَنَّ الرُّوحَ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ هَارِبَةً مِنْ الْجَسَدِ، وَتَقُولُ: اسْتَخْبَيْت هُنَا فَتَجِيءُ إلَى كُلِّ عُضْوٍ رَجَاءَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ، فَيَصِيحُ رِيحٌ مِنْ الدِّمَاغِ فَيَقُولُ لَهَا: لَمْ يَجِئْ وَقْتُ خُرُوجِك فَتَسْتَقِرُّ فِيهِ وَلِهَذَا يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِأَنَّ رُوحَهُ اسْتَقَرَّتْ فِي بَدَنِهِ، فَأَمَرَ الشَّارِعُ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِخُرُوجِ مَا احْتَقَنَ فِي دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ، فَسُنَّ التَّشْمِيتُ وَمَعْنَاهُ هَدَاكَ اللَّهُ إلَى الشَّمْتِ وَذَلِكَ لِمَا فِي الْعُطَاسِ مِنْ الِانْزِعَاجِ وَالْقَلَقِ. اهـ. . وَالتَّشْمِيتُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَالْأَوَّلُ إشَارَةٌ إلَى جَمْعِ الشَّمْلِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: شَمِتَتْ الْإِبِلُ إذَا اجْتَمَعَتْ فِي الْمَرْعَى. وَالثَّانِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مُرُوقُ السَّمْتِ الْحَسَنِ. وَقَدْ يُسْتَحَبُّ تَكْرِيرُ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ، وَذَلِكَ إذَا قَرَأَهَا وَقَدْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الِاضْطِجَاعِ ثُمَّ الْقُعُودِ ثُمَّ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَهَا فِي الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ مِمَّا قَبْلَهَا كَمَا فِي الْحَلَبِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (فِي قِيَامِهَا) أَيْ الرَّكْعَةِ، وَمِنْهُ الْقِيَامُ الثَّانِي مِنْ رَكْعَتَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقِيَامِهَا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَشْمَلُ الْقِرَاءَةَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ فِي السُّجُودِ. فَرْعٌ: لَوْ صَلَّى النَّافِلَةَ وَأَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ هَاوٍ لِلرُّكُوعِ فَلَهُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَهَضَ مِنْ السُّجُودِ إلَى الْقِيَامِ وَأَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ حَالَ نُهُوضِهِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ لِأَنَّ الْقِيَامَ أَكْمَلُ مِنْ النُّهُوضِ، هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ م ر قِيَاسًا عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي الْفَرْضِ أَنَّهُ يَقْرَأُ حَالَ هَوِيِّهِ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَدَلَهَا لَا حَالَ نُهُوضِهِ لِأَنَّ الْمَقْدُورَ أَكْمَلُ مِنْهُ، فَوَجَبَ تَأْخِيرُ الْفَاتِحَةِ إلَيْهِ اهـ خ ض. وَقَوْلُهُ فِي الْفَرْعِ: يَمْتَنِعُ وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ النَّفَلَ يَجُوزُ مِنْ قُعُودٍ مَعَ الْقُدْرَةِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا وَجَبَ لِلْقِيَامِ قِرَاءَةٌ وَلِلْجُلُوسِ الْأَخِيرِ تَشَهُّدٌ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَذْكَارِ لِالْتِبَاسِ الْأَوَّلَيْنِ بِالْعَادَةِ، فَوَجَبَ تَمْيِيزُهُمَا عَنْهَا بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا عِبَادَةً بِذَاتِهِمَا، فَلَمْ يَحْتَاجَا إلَى مُمَيِّزٍ آخَرَ. وَأَمَّا الْأَخِيرَانِ فَغَيْرُ مَقْصُودَيْنِ لِذَاتِهِمَا بَلْ لِلْفَصْلِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَا قَصِيرَيْنِ فَلَمْ يُنَاسِبْهُمَا إيجَابُ شَيْءٍ فِيهِمَا إعْلَامًا بِذَلِكَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَدَلِهِ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْبَدَلُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَذَلِكَ فِي النَّفْلِ وَهُوَ الْقُعُودُ وَالِاضْطِجَاعُ، أَوْ مَعَ الْعَجْزِ وَذَلِكَ فِي الْفَرْضِ وَهُوَ الْقُعُودُ وَالِاضْطِجَاعُ وَالِاسْتِلْقَاءُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا اهـ. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الدَّعَاوَى ثَلَاثَةٌ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَكَوْنُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَكَوْنُهَا فِي الْقِيَامِ أَوْ بَدَلِهِ. وَذَكَرَ دَلِيلَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ: لَا صَلَاةَ، وَدَلِيلَ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ كَمَا مَرَّ فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَلَعَلَّهُ تَرَكَ دَلِيلَ الدَّعْوَى الثَّالِثَةِ لِظُهُورِهِ وَلَوْ قَالَ فِي قِيَامِ كُلِّ رَكْعَةٍ لَأَتَى بِدَلِيلِهَا قَوْلُهُ: (لَا صَلَاةَ) أَيْ صَحِيحَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّفْيِ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا لِلصِّحَّةِ لَا لِلْكَمَالِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ قَالَهُ شَيْخُنَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] وَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ مَا نَقَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الْحَقِيقَةِ مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ عَنْهَا كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَقَوْلُهُ: «لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْمَأْمُومَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ وَضَعَّفَ الْحَافِظُ خَبَرَ «مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ» فَيَقْرَؤُهَا الْمُقْتَدِي وَلَوْ فِي الْجَهْرِيَّةِ كَمَا جَاءَ عَنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ بِقَصْدِ الذِّكْرِ لَمْ تُجْزِهِ عَنْ قِرَاءَتِهَا لِوُجُودِ الصَّارِفِ، وَقَدْ يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ الْآتِي وَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالرُّكْنِ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ) وَهُوَ قَوْلُهُ: «ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا» وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِخَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ لِأَنَّ خَبَرَ الشَّيْخَيْنِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا لَا يُعَيِّنُ الْقِرَاءَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بَلْ يَشْمَلُ تَوْزِيعَ الْفَاتِحَةِ عَلَى كُلِّ الرَّكَعَاتِ، فَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِدَلِيلِ خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ. قَوْلُهُ: (إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا إنْ قُدِّرَ فِي قَوْلِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، أَيْ فَتَجِبُ وَيَسْتَقِرُّ وُجُوبُهَا، وَأَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا إنْ قُدِّرَ فَتَجِبُ فَقَطْ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى نَفْيُ الِاسْتِقْرَارِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْوُجُوبِ. وَعِبَارَةُ ع ش الِاسْتِثْنَاءُ بِالنَّظْرِ لِمُجَرَّدِ الْوُجُوبِ مُنْقَطِعٌ، وَبِالنَّظَرِ لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْوُجُوبِ الِاسْتِقْرَارَ مُتَّصِلٌ، وَالْمُرَادِ بِالْمَسْبُوقِ بِهَا حَقِيقَةً كَأَنْ وَجَدَهُ رَاكِعًا أَوْ حُكْمًا كَأَنْ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَسْبُوقِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا قَامَ بَعْدَ سُجُودِهِ وَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ، أَوْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ أَوْ الْحَرَكَةِ أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَتَخَلَّفَ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يُغْتَفَرُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ، فَإِذَا قَرَأَهَا وَلَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَمَشَى عَلَى نَظْمِ صَلَاتِهِ ثُمَّ قَامَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا أَوْ هَاوِيًا لِلرُّكُوعِ رَكَعَ مَعَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ اهـ حَلَبِيٌّ. وَكَوْنُ هَذَا فِي حُكْمِ الْمَسْبُوقِ ظَاهِرٌ إذَا فَسَّرْنَاهُ بِاَلَّذِي لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا إذَا فُسِّرَ بِمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ بِأَيِّ رَكْعَةٍ، فَتَكُونُ هَذِهِ الصُّوَرُ مِنْهُ حَقِيقَةً. وَقَالَ الَأُجْهُورِيُّ. الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ خَلْفَ إمَامِهِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ بِالنِّسْبَةِ لِقِرَاءَةِ الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ لَا لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ. قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ) أَيْ فَقَدْ وَجَبَتْ ثُمَّ سَقَطَتْ قَوْلُهُ: (لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهَا عَنْهُ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا أَوْ فِي رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ. اهـ. عَنَانِيٌّ. فَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْأَهْلُ لِلتَّحَمُّلِ، فَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِهِ مَعَهُ رُكُوعَهُ الْمَحْسُوبَ لَهُ، وَلَوْ نَوَى مُفَارَقَةَ إمَامِهِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ اقْتَدَى بِإِمَامٍ رَاكِعٍ وَقَصَدَ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْفَاتِحَةِ صَحَّتْ فِي أَوْجَهِ احْتِمَالَيْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ وَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَيْهِ آخِرًا اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُومَ إمَّا مُوَافِقٌ، وَإِمَّا مَسْبُوقٌ وَالْأَوَّلُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ قِيَامِ الْإِمَامِ قَدْرًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ لَا لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْمَسْبُوقُ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ، وَحُكْمُ الشَّاكِّ حُكْمُ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَالْمُوَافِقُ بَيَّنَهُ فِي الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: الْعُذْرُ كَأَنْ أَسْرَعَ إمَامٌ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ قَبْلَ إتْمَامٍ مُوَافِقٍ الْفَاتِحَةَ فَيُتِمُّهَا وَيَسْعَى خَلْفَهُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ، وَإِلَّا تَبِعَهُ ثُمَّ تَدَارَكَ بَعْدَ سَلَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهَا الْمُوَافِقُ لِشُغْلِهِ بِسُنَّةٍ كَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فَمَعْذُورٌ أَيْ يَتَخَلَّفُ وَيُتِمُّهَا وَيَسْعَى خَلْفَهُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ كَمَا مَرَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بَطِيءِ الْقِرَاءَةِ السَّابِقِ، كَمَأْمُومٍ عَلِمَ أَوْ شَكَّ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَبَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فَيَقْرَؤُهَا وَيَسْعَى كَمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُمَا أَيْ بَعْدَ رُكُوعِهِمَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا بَلْ يَتْبَعُ إمَامَهُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُوَافِقَ يُعْذَرُ فِيمَا إذَا كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِسُنَّةٍ وَفِي الشَّكِّ فَيُعْذَرُ فِي التَّخَلُّفِ لِلْقِرَاءَةِ وَيُغْتَفَرُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ، فَإِنْ فَرَغَ مِنْ السُّجُودِ الثَّانِي وَانْتَصَبَ وَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَإِنَّهُ يَرْكَعُ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْإِمَامُ الْفَاتِحَةَ وَمِثْلُهُ مَسْأَلَةُ الزِّحَامِ وَالنِّسْيَانِ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِسُنَّةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَعَ مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ مَعَهُ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ. وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِسُنَّةٍ وَظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ تَخَلَّفَ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ بَعْدَ تَكْمِيلِهَا إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَإِلَّا فَاتَتْهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ تَكْمِيلُ مَا فَاتَهُ حَتَّى يُرِيدَ الْإِمَامُ الْهَوِيَّ لِلسُّجُودِ وَإِلَّا فَارَقَهُ أَيْ، وَإِلَّا بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَهْوِيَ لِلسُّجُودِ فَارَقَهُ فَإِنَّهُ تَعَارَضَ عَلَيْهِ لُزُومُ وَفَاءِ مَا عَلَيْهِ وَبُطْلَانُ صَلَاتِهِ بِتَخَلُّفِهِ بِرُكْنَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَظُنَّ إدْرَاكَهُ فِي الرُّكُوعِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ، فَإِنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ شَيْخِنَا ابْنِ قَاسِمٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا م ر: لَا تَبْطُلُ إلَّا إنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ بِلَا مُفَارَقَةٍ، وَأَمَّا إثْمُهُ فَمَحَلُّ وِفَاقٍ. اهـ. سِبْطٌ الطَّبَلَاوِيُّ وَالْوَسْوَسَةُ لَيْسَتْ عُذْرًا كَمَا قَالَهُ ع ش. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 تَنْبِيهٌ: يُتَصَوَّرُ سُقُوطُ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَصَلَ لِلْمَأْمُومِ فِيهِ عُذْرُ تَخَلَّفَ بِسَبَبِهِ عَنْ الْإِمَامِ بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَزَالَ عُذْرُهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْفَاتِحَةَ، كَمَا لَوْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُودِ بِسَبَبِ زَحْمَةٍ، أَوْ شَكَّ بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ فِي قِرَاءَتِهِ الْفَاتِحَةَ فَتَخَلَّفَ لَهَا. نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ مَوْضِعٍ) أَيْ فِي كُلِّ صُورَةٍ فَلَيْسَ الْمَوْضِعُ شَامِلًا لِمَوْضِعِ الْعُذْرِ وَهُوَ الرَّكْعَةُ الْأُولَى إذْ الْفَاتِحَةُ لَا تَسْقُطُ فِيهَا لِأَنَّهُ قَرَأَهَا فِيهَا، وَسُقُوطُ الْفَاتِحَةِ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي الثَّانِيَةِ فَظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَيْسَ مُرَادًا عَلَى إطْلَاقِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْمَوْضِعِ الصُّورَةُ كَمَا عَلِمْت قَوْلُهُ: (تَخَلَّفَ إلَخْ) الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِعُذْرٍ لِأَنَّ الْجُمَلَ بَعْدَ النَّكِرَاتِ صِفَاتٌ، وَجُمْلَةُ الصُّوَرِ الَّتِي اسْتَثْنَوْهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْقُدْوَةِ قَوْلُهُ: (بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ) صَوَابُهُ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ لِأَنَّ الرَّابِعَ يَجِبُ تَبَعِيَّةُ الْإِمَامِ فِيهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ الْخَلَلِ إذْ الرَّكْعَةُ الَّتِي زَالَ الْعُذْرُ فِيهَا لَمْ تَسْقُطْ الْفَاتِحَةُ فِيهَا، فَالْمُرَادُ الرَّكْعَةُ الَّتِي بَعْدَهَا بِأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي رَكْعَةِ الْعُذْرِ وَجَرَى عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ، فَلَمَّا قَامَ لِلرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا رَأَى الْإِمَامَ رَاكِعًا فَإِنَّهُ يَرْكَعُ مَعَهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ ق ل. وَقَوْلُهُ صَوَابُهُ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ وُصُولِ إمَامِهِ لِمَحَلٍّ يُجْزِئُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ، أَوْ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَحَلٍّ يُجْزِئُ فِيهِ التَّشَهُّدُ إنْ كَانَ يَقْعُدُ م ر. قَالَ اج: يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا سَبَقَهُ بِالْقِيَامِ زِيَادَةً عَلَى الثَّلَاثَةِ عَدَّهُ رَابِعًا إذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَأْمُومَ حِينَ قَامَ رَأَى الْإِمَامَ رَاكِعًا تَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: لَمْ تَسْقُطْ الْفَاتِحَةُ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي سُقُوطَ فَاتِحَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (وَزَالَ عُذْرُهُ) أَيْ وَأَتَى بِمَا عَلَيْهِ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ، فَلَا يُقَالُ إنَّ زَوَالَ الْعُذْرِ كَالزَّحْمَةِ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ، بَلْ الْمُرَادُ بِزَوَالِ الْعُذْرِ إتْيَانُهُ بِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَزُلْ عُذْرُهُ قَوْلُهُ: (وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ) أَوْ هَاوٍ لِلرُّكُوعِ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمَأْمُومِ الْمُتَابَعَةُ، فَلَوْ تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ وَالْإِمَامُ مُعْتَدِلُ الْقِرَاءَةِ يَتَخَلَّفُ لِقِرَاءَتِهَا وُجُوبًا وَلَوْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ، ثُمَّ إنْ كَمَّلَهَا قَبْلَ انْتِصَابِ الْإِمَامِ لِمَحَلٍّ تُجْزِئُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ جَرَى عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَامَ مِنْ سَجْدَتَيْهِ فَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامَ قَائِمًا وَقَفَ مَعَهُ وَقَرَأَ مَا أَمْكَنَهُ مَعَهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الِاعْتِدَالِ فَمَا بَعْدَهُ وَافَقَهُ فِيهِ وَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ فَيَتَدَارَكُهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ إلَّا بَعْدَ أَنْ وَقَفَ الْإِمَامُ وَقَفَ مَعَهُ وَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى وَأَجْزَأَتْهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَإِنْ لَمْ يُتِمَّهَا وَرَكَعَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ لَكِنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى. وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَجْرِي فِي نِسْيَانِ الصَّلَاةِ، وَفِيمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ وَقَبْلَ رُكُوعِهِ هُوَ حَرْفًا بِحَرْفٍ. وَأَمَّا إذَا زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ فَحَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا قَرَأَ مَعَ الْإِمَامِ وَرَكَعَ وَاعْتَدَلَ فَمُنِعَ مِنْ السُّجُودِ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ تَمَكُّنَهُ مِنْهُ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ جَرَى عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَكَمَّلَ رَكْعَتَهُ، فَإِنْ قَامَ وَوَجَدَ الْإِمَامَ قَائِمًا وَقَفَ مَعَهُ وَقَرَأَ مَا يُمْكِنُهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ وَتَحَمَّلَ عَنْهُ الْفَاتِحَةَ، وَإِنْ وَجَدَهُ اعْتَدَلَ تَبِعَهُ وَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ، وَأَمَّا إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ فِي رُكُوعِ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَجْرِي عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى وَتُحْسَبُ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الرُّكُوعُ وَالِاعْتِدَالُ الَّذِي تَبِعَ الْإِمَامَ فِيهِمَا فَلِلْمُتَابَعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّجُودِ إلَّا بَعْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الِاعْتِدَالِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَزْحُومِ وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهُ سُبِقَ بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَقَدْ شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الْخَامِسِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ) أَيْ وَقَبْلَ رُكُوعِهِ هُوَ، وَتَسْقُطُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اقْتَدَى بِإِمَامٍ رَاكِعٍ فَلَمَّا تَمَّتْ رَكْعَتُهُ وَقَامَ رَأَى إمَامًا رَاكِعًا فَفَارَقَ إمَامَهُ وَاقْتَدَى بِهِ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 وَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] آيَةٌ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْفَاتِحَةِ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعَ آيَاتٍ، وَعَدَّ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] آيَةً مِنْهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَرَأْتُمْ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] فَاقْرَءُوا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] إنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي، و {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] إحْدَى آيَاتِهَا» . وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] آيَةً، وَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] إلَى آخِرِهَا سِتَّ آيَاتٍ» . وَهِيَ آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ إلَّا بَرَاءَةَ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى إثْبَاتِهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ أَوَائِلَ السُّوَرِ سِوَى بَرَاءَةٍ دُونَ الْأَعْشَارِ وَتَرَاجِمِ السُّوَرِ وَالتَّعَوُّذِ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَمَا أَجَازُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُ   [حاشية البجيرمي] صَلَاتِهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ م ر سَوَاءٌ كَانَ لِغَرَضٍ أَمْ لَا خِلَافًا لسم. قَوْلُهُ: (وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ آيَةٌ مِنْهَا خَبَرُهُ، وَالْمُرَادُ آيَةٌ مِنْهَا عَمَلًا مِنْ جِهَةِ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي الْفَاتِحَةِ هَذَا هُوَ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ. وَأَمَّا كَوْنُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ فَقَوْلُهُ آيَةٌ مِنْهَا عَمَلًا كَمَا تَقَدَّمَ لَا اعْتِقَادًا أَيْ لَا يَجِبُ اعْتِقَادُ كَوْنِهَا آيَةً مِنْهَا وَكَذَا مِنْ غَيْرِهَا، بَلْ لَوْ جَحَدَ ذَلِكَ لَا يُكَفَّرُ كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا اعْتِقَادُ كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَهُوَ وَاجِبٌ يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ وَبِسْمِ اللَّهِ إلَخْ اسْتِئْنَافٌ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّ مُسَمَّاهَا هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الشَّامِلَةُ لِلْبَسْمَلَةِ كَمَا قَالَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (سَبْعَ آيَاتٍ) بَيَانُ عَدِّهَا أَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ، وَصِرَاطَ الَّذِينَ إلَخْ آيَةٌ، وَالْبَاقِي خَمْسَةٌ وَعَدُّهَا ظَاهِرٌ وَهِيَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] آيَةٌ وَ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] آيَةٌ وَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] آيَةٌ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا صِفَةً لِلَّهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ وَقْفًا كَافِيًا غَيْرَ تَامٍّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَاللَّفْظُ إنْ تَمَّ وَلَا تَعَلُّقًا ... تَامٌّ وَكَافٍ إنْ بِمَعْنًى عُلِّقَا فَالْآيَةُ الْأُولَى لَهَا تَعَلُّقٌ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صِفَةٌ لِلَّهِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ فَبَيَانُ السَّبْعَةِ أَنَّ صِرَاطَ الَّذِينَ إلَى عَلَيْهِمْ آيَةٌ، وَمِنْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ إلَخْ آيَةٌ، وَالْبَاقِي خَمْسَةٌ عَدُّهَا ظَاهِرٌ قَوْلُهُ: «إذَا قَرَأْتُمْ» أَيْ أَرَدْتُمْ قِرَاءَتَهَا قَوْلُهُ: (وَهِيَ آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْبَيَانِ: يَنْبَغِي لِكُلِّ قَارِئٍ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا خُصُوصًا أَرْبَابَ الْوَظَائِفِ وَالْأَسْبَاعِ وَالْأَجْزَاءِ لِيَسْتَحِقَّ مَا يَأْخُذُهُ يَقِينًا، فَإِنَّهُ إذَا أَخَلَّ بِهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْجَعْلِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْبَسْمَلَةُ مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ يَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهَا وَإِشَاعَتُهَا اهـ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَلَا الْقِسْطَ، غَيْرَ أَنَّ م ر قَالَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ: إنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْقِسْطَ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا اُسْتُؤْجِرَ لِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَأَسْقَطَ الْبَسْمَلَةَ. قَالَ شَيْخُنَا: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ هَذَا مُخِلٌّ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ اهـ اج. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الْمَدَابِغِيِّ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْقَارِئُ شَيْئًا مِنْ الْمَعْلُومِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا أَوَائِلَ السُّوَرِ فِي الْوَظَائِفِ حَيْثُ كَانَ الْوَاقِفُ يَرَى أَنَّهَا مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ لِمُخَالَفَتِهِ شَرْطَ الْوَاقِفِ لِنَصِّهِ عَلَى السُّورَةِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ مِنْهَا الْبَسْمَلَةَ، وَأَمَّا مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِقِرَاءَةِ سُورَةٍ مَثَلًا فَلَمْ يَقْرَأْ الْبَسْمَلَةَ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْقِسْطَ أَيْ فَيَنْقُصُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِ قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ فَاحْفَظْهُ قَوْلُهُ: (إلَّا بَرَاءَةً) لَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْقُرْآنِ فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَوَّلَ بَرَاءَةٍ سَوَاءٌ ابْتَدَأَ بِهَا الْقَارِئُ أَوْ قَرَأَهَا بَعْدَ الْأَنْفَالِ. وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ فَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَيَقَّنُوا أَنَّهُمَا سُورَتَانِ بَلْ جَعَلُوهُمَا سُورَةً وَاحِدَةً، وَجُعِلَتْ أَيْ بَرَاءَةٌ مَعَ الْأَنْفَالِ بِجَعْلِهِمَا سُورَةً وَاحِدَةً مِنْ السَّبْعِ الطِّوَالِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّبْعِ الطِّوَالِ الْبَقَرَةُ وَآخِرُهَا بَرَاءَةٌ. وَقِيلَ: وَهُوَ الْأَقْوَى إنَّمَا لَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَ لَمْ تُكْتَبْ فِي بَرَاءَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ قَالَ: لِأَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَانٌ، وَبَرَاءَةً لَيْسَ فِيهَا أَمَانٌ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ. قَالَ شَيْخُنَا الْمَدَابِغِيِّ: فَتُكْرَهُ فِي أَوَّلِهَا. نَعَمْ إنْ قَصَدَ أَنَّهَا مِنْهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ حُرِّمَ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَتْنِ، وَتُنْدَبُ فِي أَثْنَائِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ وَابْنِ حَجَرٍ كَمَا فِي ق ل. قَوْلُهُ: (لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) دَلِيلٌ لِلْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْلُهُ: (بِخَطِّهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ، أَيْ بِخَطٍّ مُمَاثِلٍ لِخَطِّهِ أَيْ بِمِدَادِهِ وَهِيَ الْمِدَادُ الْأَسْوَدُ لَا بِخَطٍّ آخَرَ قَوْلُهُ: (دُونَ الْأَعْشَارِ) أَيْ دُونَ مَا يُكْتَبُ عَلَى هَامِشِ الْمُصْحَفِ مِنْ لَفْظِ عُشْرِ حِزْبٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 يَحْمِلُ عَلَى اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرْآنًا، وَلَوْ كَانَتْ لِلْفَصْلِ كَمَا قِيلَ لَثَبَتَتْ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٍ وَلَمْ تَثْبُتْ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْقُرْآنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا يَثْبُتُ قُرْآنًا قَطْعًا، أَمَّا مَا يَثْبُتُ قُرْآنًا حُكْمًا فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ كَمَا يَكْفِي فِي كُلِّ ظَنِّيٍّ، وَأَيْضًا إثْبَاتُهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فِي مَعْنَى التَّوَاتُرِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا لَكُفِّرَ جَاحِدُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَكُفِّرَ مُثْبِتُهَا، وَأَيْضًا التَّكْفِيرُ لَا يَكُونُ بِالظَّنِّيَّاتِ وَهِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ قَطْعًا وَكَذَا فِيمَا عَدَا بَرَاءَةً مِنْ بَاقِي السُّوَرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَنْ يَجْهَرَ بِهَا حَيْثُ يُشْرَعُ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ. فَائِدَةٌ: مَا أُثْبِتَ فِي الْمُصْحَفِ الْآنَ مِنْ أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَالْأَعْشَارِ شَيْءٌ ابْتَدَعَهُ الْحَجَّاجُ فِي زَمَنِهِ   [حاشية البجيرمي] لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَطِّهِ، وَإِنَّمَا يُكْتَبُ بِمِدَادٍ أَحْمَرَ وَهَذَا مِنْ ابْتِدَاعِ الْحَجَّاجِ، وَأَمَّا أَسْمَاءُ السُّوَرِ فَهُوَ تَوْقِيفٌ وَمَعَ كَوْنِ ذَلِكَ بِدْعَةً فَلَيْسَ مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا بِخِلَافِ نَقْطِ الْمُصْحَفِ وَشَكْلِهِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ سُنَّةٌ قَوْلُهُ: (وَالتَّعَوُّذِ) أَيْ وَدُونَ التَّعَوُّذِ فَإِنَّهُ لَمْ يُكْتَبْ أَصْلًا لَا بِخَطِّ الْمُصْحَفِ وَلَا بِمِدَادٍ أَحْمَرَ قَوْلُهُ: (فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا) أَيْ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ، أَمَّا كَوْنُهَا قُرْآنًا فِي ذَاتِهَا فَلَا خِلَافَ فِيهِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ الْقُرْآنُ إلَخْ) هَذَا سُؤَالٌ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ قَوْلُهُ: (حُكْمًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ بِهِ كَمَا مَرَّ ق ل أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا) أَيْ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا وَقَعَ فِيهِ وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا قُرْآنًا اط ف. وَمَا يَقَعُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ مَنْ يُنْكِرُ الْبَسْمَلَةَ يُكَفَّرُ لَيْسَ مُسَلَّمًا عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا قُرْآنًا يُكَفَّرُ لِأَنَّهَا آيَةٌ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ، وَإِنْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ لَا يُكَفَّرُ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَكُفِّرَ مُثْبِتُهَا فَجَوَابُنَا مُعَارَضَةٌ بِالْمِثْلِ. وَقَوْلُهُ وَأَيْضًا إلَخْ جَوَابٌ آخَرُ لَكِنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ بِالْمَنْعِ وَالثَّانِي بِالتَّسْلِيمِ قَوْلُهُ: (وَهِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ قَطْعًا) هُوَ مُنْتَقَدٌ فَإِنَّ مَنْ قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ أَيْ أَوْ بَيْنَ تَمَامِ الْخَتْمَةِ وَالشُّرُوعِ فِي أُخْرَى لَا يَرَى أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ اتِّفَاقًا بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ. اهـ. م د فَهُوَ اتِّفَاقٌ مَذْهَبِيٌّ قَوْلُهُ: (وَالسُّنَّةُ أَنْ يَصِلَهَا بِالْحَمْدُ لِلَّهِ) وَجْهُ ذَلِكَ دَفْعُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهَا فَاصِلَةٌ ق ل. فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ كُلَّ آيَةٍ كَامِلَةٍ يُنْدَبُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقِفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَرَّرَهُ الطُّوخِيُّ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْوَصْلُ، وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ وَالسُّنَّةُ إلَخْ ضَعِيفٌ. وَالْمُعْتَمَدُ سَنُّ الْوَقْفِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا آيَةٌ كَامِلَةٌ وَالْآيَةُ الْكَامِلَةُ يُسَنُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ: (وَالْأَعْشَارِ) وَكَذَا الْأَحْزَابُ وَأَنْصَافُهَا وَأَرْبَاعُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ ابْتَدَعَهُ الْحَجَّاجُ، وَهُوَ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ وَلَا مَكْرُوهَةٍ، وَهِيَ مِثْلُ نَقْطِ الْمُصْحَفِ وَشَكْلِهِ فَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَعَهُ الْحَجَّاجُ بِالنِّسْبَةِ لِأَسْمَاءِ السُّوَرِ إنَّمَا هُوَ الْإِثْبَاتُ فَقَطْ، أَيْ إثْبَاتُهَا فِي الْمُصْحَفِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ. وَأَمَّا أَسْمَاءُ السُّوَرِ فَلَمْ يَبْتَدِعْهُ بَلْ هُوَ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ أَسْمَاءَ السُّوَرِ وَتَرْتِيبَهَا وَتَرْتِيبَ الْآيَاتِ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهَا هَكَذَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَأَمَّا عَدَدُ الْآيَاتِ فَلَيْسَ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ إلَى آخِرِهِ وَلِذَا وَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي عَدِّهَا بَيْنَ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ، وَلِذَا يَتَّفِقُ أَنْ يَقُولَ الْمُفَسِّرُونَ هَذِهِ السُّورَةُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ آيَةً مَثَلًا أَوْ مِائَةٌ وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ آيَةً مَثَلًا فَتَأَمَّلْ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّحْبِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ. فَأَسْمَاءُ السُّوَرِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ الْحَجَّاجُ كِتَابَتَهَا فِي الْمَصَاحِفِ كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَهَا مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ فَائِدَةٌ نَقَلَهَا الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَمْسُ مَسَائِلَ يَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَعْلَمَهَا: الْأُولَى إذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ هَلْ هُوَ بِالْيَاءِ أَوْ بِالتَّاءِ فَلْيَقْرَأْ بِالْيَاءِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ مُذَكَّرٌ. الثَّانِيَةُ: إذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ لَمْ يَعْلَمْ أَمَهْمُوزٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَهْمُوزٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وَيَجِبُ رِعَايَةُ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ، فَلَوْ أَتَى قَادِرٌ أَوْ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ بَدَلَ حَرْفٍ مِنْهَا بِآخَرَ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ لِتِلْكَ الْكَلِمَةِ لِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ، وَلَوْ أَبْدَلَ ذَالَ الَّذِينَ الْمُعْجَمَةِ بِالْمُهْمَلَةِ لَمْ تَصِحَّ كَمَا اقْتَضَى إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ الْجَزْمَ بِهِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَكَذَا لَوْ أَبْدَلَ حَاءَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] بِالْهَاءِ، وَلَوْ نَطَقَ بِالْقَافِ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَافِ كَمَا تَنْطِقُ بِهِ الْعَرَبُ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِيهِ نَظَرٌ وَيَجِبُ رِعَايَةُ تَشْدِيدَاتِهَا الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْبَسْمَلَةِ، فَلَوْ خَفَّفَ مِنْهَا تَشْدِيدَةً بَطَلَتْ قِرَاءَةُ تِلْكَ الْكَلِمَةِ لِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ، وَلَوْ شَدَّدَ الْمُخَفَّفَ أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَيَجِبُ رِعَايَةُ تَرْتِيبِهَا بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى نَظْمِهَا الْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُ مَنَاطُ الْبَلَاغَةِ وَالْإِعْجَازِ، فَلَوْ بَدَأَ بِنِصْفِهَا الثَّانِي لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَيَبْنِي عَلَى الْأَوَّلِ إنْ سَهَا بِتَأْخِيرِهِ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، يَسْتَأْنِفُ إنْ تَعَمَّدَ أَوْ طَالَ الْفَصْلُ وَيَجِبُ رِعَايَةُ   [حاشية البجيرمي] فَإِنْ تَرَكَ الْهَمْزَ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ لَمْ يَلْحَنْ، وَإِنْ هَمَزَ مَا لَيْسَ بِمَهْمُوزٍ لَحَنَ. الثَّالِثَةُ: إذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ مَقْطُوعٌ أَوْ مَوْصُولٌ فَلْيَقْرَأْ بِالْوَصْلِ، فَإِنَّهُ إنْ قَرَأَ كُلَّ مَقْطُوعٍ فِي الْقُرْآنِ بِالْوَصْلِ لَمْ يَلْحَنْ، وَإِنْ قَطَعَ مَوْصُولًا لَحَنَ. الرَّابِعَةُ: إذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ مَمْدُودٌ أَوْ مَقْصُورٌ فَلْيَقْرَأْ بِالْقَصْرِ، فَلَوْ أَنَّهُ قَصَرَ كُلَّ مَمْدُودٍ فِي الْقُرْآنِ لَمْ يَلْحَنْ، وَإِنْ مَدَّ مَقْصُورًا لَحَنَ. الْخَامِسَةُ: إذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ مَفْتُوحٌ أَوْ مَكْسُورٌ فَلْيَقْرَأْ بِالْفَتْحِ، فَلَوْ أَنَّهُ فَتَحَ كُلَّ مَكْسُورٍ فِي الْقُرْآنِ لَمْ يَلْحَنْ، وَإِنْ كَسَرَ مَفْتُوحًا لَحَنَ فَمَدَارُ الْقُرْآنِ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْأَحْرُفِ اهـ قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ رِعَايَةُ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ، وَلَهَا شُرُوطٌ غَيْرُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ: (أَوْ مَنْ أَمْكَنَهُ) أَيْ عَاجِزٌ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ إلَخْ قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْقِرَاءَةِ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى وَكَانَ عَامِدًا عَالِمًا ق ل كَالْهَمْدُ بِالْهَاءِ بَدَلَ الْحَاءِ، وَالدِّينَ بِالْمُهْمَلَةِ أَوْ الزَّايِ، وَمِثَالُ مَا لَا يُغَيِّرُ كَالْعَالَمُونَ بَدَلَ الْعَالَمِينَ، وَمِثْلُهُ رَفْعُ هَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَفَتْحُ دَالِ نَعْبُدُ وَكَسْرُ بَائِهَا وَنُونِهَا لِبَقَاءِ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ الْمُتَعَمِّدُ لِذَلِكَ آثِمًا، وَضَمُّ صَادِ الصِّرَاطِ وَهَمْزَةِ اهْدِنَا وَإِنْ لَمْ تُسَمِّهِ النُّحَاةُ لَحْنًا، فَإِنَّ اللَّحْنَ عِنْدَهُمْ كَاللُّغَوِيِّينَ تَغْيِيرُ الْإِعْرَابِ وَالْخَطَأُ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْأَعَمُّ فَيَشْمَلُ إبْدَالَ حَرْفٍ بِآخَرَ، وَالْمُرَادُ بِتَغْيِيرِ الْمَعْنَى أَنْ يَنْقُلَ مَعْنَى الْكَلِمَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ كَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْتَ وَكَسْرِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَعْنًى أَصْلًا كَالدِّينَ بِالدَّالِ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. وَقَوْلُهُ: كَالْعَالَمُونَ قَالَ سم فِي حَوَاشِي ابْنِ حَجَرٍ: وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ إبْدَالٌ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى، كَالْعَالَمُونَ بِالْوَاوِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالتَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ كَانَ نَظِيرَ مَا أَفَادَهُ كَلَامُهُمْ فِي اللَّحْنِ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى مِنْ عَدَمِ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَقَدْ قَالَ م ر بِالْبُطْلَانِ انْتَهَى. أَيْ إنْ تَعَمَّدَ قَالَ شَيْخُنَا: وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بِأَنَّ " الْعَالَمُونَ " وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ الْمَعْنَى إلَّا أَنَّهَا صَارَتْ كَلِمَةً أَجْنَبِيَّةً انْتَهَى أُجْهُورِيٌّ وَفِيهِ إبْدَالُ حَرْفٍ بِآخَرَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَبْدَلَ ذَالَ الَّذِينَ إلَخْ) الْأَوْلَى التَّفْرِيعُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَطَقَ) أَيْ الْقَادِرُ بِالْقَافِ إلَخْ وَقَوْلُهُ كَمَا نَطَقَ بِهَا الْعَرَبُ أَيْ أَجْلَافُهُمْ، أَمَّا الْفُصَحَاءُ مِنْهُمْ فَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ بَابِلِيٌّ قَوْلُهُ: (صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ) وَوَجْهُ الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِبْدَالِ حَرْفٍ بَلْ هِيَ قَافٌ غَيْرُ خَالِصَةٍ كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر خِلَافًا لحج فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ نَطَقَ بِقَافِ الْعَرَبِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَافِ بَطَلَتْ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّعَلُّمُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: (الْأَرْبَعَ عَشَرَةَ) فَلَوْ زَادَ فِيهَا بِأَنْ أَدْغَمَ مِيمَ الرَّحِيمِ فِي مِيمِ مَالِكِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي الْحَلَبِيِّ، لَكِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِنَاءً عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر مِنْ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعَةِ شَاذٌّ كَمَا عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ إنْ غُيِّرَ الْمَعْنَى، وَأَمَّا الْإِدْغَامُ مَعَ إسْقَاطِ أَلِفِ مَالِكِ فَسَبُعِيَّةٌ أَفَادَهُ الشَّمْسُ الْحِفْنِيُّ قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ قِرَاءَةُ تِلْكَ الْكَلِمَةِ) وَكَذَا صَلَاتُهُ إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى وَعَلِمَ وَتَعَمَّدَ كَتَخْفِيفِ إيَّاكَ بَلْ إنْ اعْتَقَدَ مَعْنَاهُ كَفَرَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِضَوْءِ الشَّمْسِ ق ل. فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَعَادَ الْقِرَاءَةَ عَلَى الصَّوَابِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ كَمَا قَالَهُ م ر. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الصَّوَابِ، فَإِنْ رَكَعَ عَامِدًا عَالِمًا قَبْلَ إعَادَتِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَدَّدَ الْمُخَفَّفَ أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اللَّحْنَ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَلَيْسَ فِيهِ إبْدَالُ حَرْفٍ بِآخَرَ لَا يَضُرُّ قَوْلُهُ: (وَالْإِعْجَازِ) عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبِّبٍ قَوْلُهُ: (لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ) أَيْ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (إنْ سَهَا بِتَأْخِيرِهِ) أَيْ بِتَأْخِيرِ الْأَوَّلِ أَيْ وَقَصَدَ بِهِ أَيْ بِالْأَوَّلِ الِاسْتِئْنَافَ أَوْ أَطْلَقَ لَا التَّكْمِيلَ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ) أَيْ بَيْنَ الْإِتْيَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 مُوَالَاتِهَا بِأَنْ يَأْتِيَ بِكَلِمَاتِهَا عَلَى الْوَلَاءِ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَيَقْطَعُهَا تَخَلُّلُ ذِكْرٍ وَإِنْ قَلَّ، وَسُكُوتٌ طَالَ عُرْفًا بِلَا عُذْرٍ فِيهِمَا، أَوْ سُكُوتٌ قُصِدَ بِهِ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ لِإِشْعَارِ ذَلِكَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ سُكُوتٍ قَصِيرٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقَطْعَ أَوْ طَوِيلٍ، أَوْ تَخَلُّلِ ذِكْرٍ بِعُذْرٍ مِنْ جَهْلٍ أَوْ سَهْوٍ أَوْ إعْيَاءٍ، أَوْ تَعَلُّقِ ذِكْرٍ بِالصَّلَاةِ كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ إذَا تَوَقَّفَ فِيهَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ الْفَاتِحَةِ لِعَدَمِ مُعَلِّمٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَسَبْعُ آيَاتٍ عَدَدُ آيَاتِهَا   [حاشية البجيرمي] بِهِ وَالتَّكْمِيلِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (إنْ تَعَمَّدَ) أَيْ بِالتَّأْخِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا قَصَدَ التَّكْمِيلَ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَوْلُهُ: (أَوْ طَالَ الْفَصْلُ) أَيْ بَيْنَ فَرَاغِهِ وَالتَّكْمِيلِ، أَيْ وَلَوْ بِعُذْرٍ وَفَارَقَ مَا يَأْتِي فِي الْمُوَالَاةِ بِأَنَّ نَظَرَ الشَّارِعِ إلَى التَّرْتِيبِ أَكْمَلُ مِنْ نَظَرِهِ إلَى الْمُوَالَاةِ لِأَنَّهُ مَنَاطُ الْإِعْجَازِ فَاحْتِيطَ لَهُ أَكْثَرَ اهـ حَجّ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ قَوْلُهُ: أَوْ طَالَ الْفَصْلُ بِأَنْ تَعَمَّدَ السُّكُوتَ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ سَهْوٌ لَا يَضُرُّ وَإِنْ طَالَ حَجّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ التَّكْمِيلَ ضَرَّ سَوَاءٌ سَهَا بِالتَّأْخِيرِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّكْمِيلَ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ أَيْ بِلَا عُذْرٍ عَامِدًا عَالِمًا لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ لَمْ يَسْهُ بِالتَّأْخِيرِ اهـ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَحَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَ عَدَمِ تَرْتِيبِهَا، هُوَ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا قَرَأَ نِصْفَهَا الثَّانِيَ أَوَّلَ مَرَّةٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُطْلَقًا فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ، وَإِذَا قَرَأَ النِّصْفَ الْأَوَّلَ ثَانِيًا إمَّا أَنْ يَقْصِدَ التَّكْمِيلَ أَوْ الِاسْتِئْنَافَ أَوْ يُطْلِقَ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ تُضْرَبُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَبْلُغُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ صُورَةً. وَإِذَا قَرَأَ النِّصْفَ الْأَخِيرَ ثَالِثًا إمَّا أَنْ يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ بِعُذْرٍ أَوْ بِلَا عُذْرٍ أَوْ لَمْ يَطُلْ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ تُضْرَبُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَبْلُغُ الصُّوَرُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَكُلُّهَا غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهَا إلَّا إذَا قَصَدَ بِالنِّصْفِ الْأَوَّلِ الِاسْتِئْنَافَ أَوْ أَطْلَقَ، وَوَصَلَ النِّصْفَ الْأَوَّلَ بِالْأَخِيرِ الَّذِي قَرَأَهُ ثَالِثًا أَوْ فَصَلَ وَطَالَ الْفَصْلُ بِعُذْرٍ اهـ. وَفِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ: وَالْحَاصِلُ إذًا أَنَّهُ لَمْ يُرَتِّبْ فَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى ضَرَّ مُطْلَقًا وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ مَعَ التَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ، وَإِنْ لَمْ يُغَيَّرْ الْمَعْنَى فَلَا يُعْتَدُّ بِالْمُقَدَّمِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْمُؤَخَّرُ فَلَا يُبْنَى عَلَيْهِ إنْ قَصَدَ التَّكْمِيلَ مُطْلَقًا أَيْ إنْ قَصَدَ أَنَّ الْمُؤَخَّرَ تَكْمِيلٌ لِمَا قَدَّمَهُ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّكْمِيلَ فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ عَمْدًا ضَرَّ وَإِلَّا بَنَى. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وخ ط: فَلَوْ بَدَأَ بِنِصْفِهَا الثَّانِي لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَيَبْنِي عَلَى الْأَوَّلِ إنْ سَهَا بِتَأْخِيرِهِ، أَيْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّكْمِيلَ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، وَيَسْتَأْنِفُ إنْ تَعَمَّدَ أَيْ قَصَدَ التَّكْمِيلَ أَوْ طَالَ الْفَصْلُ أَيْ عَمْدًا. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ رِعَايَةُ مُوَالَاتِهَا) وَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْبَدَلِ. قَالَ شَيْخُنَا: الْبَدَلُ يُعْطَى حُكْمَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ اهـ اج قَوْلُهُ: (بِلَا عُذْرٍ فِيهِمَا) وَالذِّكْرُ الَّذِي بِلَا عُذْرٍ كَتَحْمِيدِ عَاطِسٍ أَيْ كَقَوْلِ الْعَاطِسِ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَإِجَابَةِ مُؤَذِّنٍ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَسْنُونٍ فِيهَا، فَكَانَ مُشْعِرًا بِالْإِعْرَاضِ حَلَبِيٌّ. وَعِبَارَةُ م ر: فَإِنْ تَخَلَّلَ ذِكْرُ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ مُتَعَلِّقٍ بِالصَّلَاةِ قَطَعَ الْمُوَالَاةَ فَيُعِيدُهَا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا كَحَمْدِ عَاطِسٍ وَإِنْ سُنَّ خَارِجُهَا، وَكَإِجَابَةِ مُؤَذِّنٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهَا لِمَصْلَحَتِهَا فَكَانَ مُشْعِرًا بِالْإِعْرَاضِ، وَلِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِخِلَافِهِ مَعَ النِّسْيَانِ فَلَا يَقْطَعُهَا بَلْ يَبْنِي قَوْلُهُ: (أَوْ سُكُوتٌ قُصِدَ بِهِ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ) وَإِنْ قَصَرَ قَوْلُهُ: (وَإِعْيَاءٍ) هَذَا خَاصٌّ بِالسُّكُوتِ الطَّوِيلِ دُونَ تَخَلُّلِ الذِّكْرِ إذْ لَا يَحْسُنُ جَعْلُ الْإِعْيَاءِ مِثَالًا لِتَخَلُّلِ الذِّكْرِ بِعُذْرٍ. وَقَوْلُهُ كَتَأْمِينِهِ أَيْ وَسُؤَالِ الْجَنَّةِ إذَا سَمِعَ مِنْ إمَامِهِ آيَتَهَا، وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْ النَّارِ كَذَلِكَ، وَصَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَمِعَ مِنْ إمَامِهِ آيَةَ اسْمِهِ. وَقَيَّدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِالضَّمِيرِ فَبِالظَّاهِرِ كَاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ تَبْطُلُ الْمُوَالَاةُ لِشَبَهِهِ بِالرُّكْنِ، وَبِهِ جُمِعَ التَّنَاقُضُ بَيْنَ كَلَامَيْ الْبَجَلِيِّ وَالنَّوَوِيِّ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ) وَكَذَا سُجُودُ تِلَاوَةٍ مَعَ الْإِمَامِ، وَخَرَجَ بِإِمَامِهِ غَيْرُهُ وَلَوْ مَأْمُومًا آخَرَ فَتُقْطَعُ الْمُوَالَاةُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي صُورَةِ السُّجُودِ إنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَمِمَّا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ أَنْ يُسَبِّحَ لِمُسْتَأْذِنٍ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ) أَيْ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ مَعَ الْفَتْحِ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ زِيَادِيٌّ بِأَنْ قَصَدَ الْفَتْحَ أَوْ أَطْلَقَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 يَأْتِي بِهَا وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً لَا تَنْقُصُ حُرُوفُهَا عَنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُفِيدَ الْمُتَفَرِّقَةُ مَعْنًى مَنْظُومًا أَمْ لَا كَ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] . قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ أَيْ الثَّانِي الْمُخْتَارُ كَمَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْأَوَّلَ وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالثَّانِي هُوَ الْقِيَاسُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَإِطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، ثُمَّ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَيْ النَّوَوِيُّ إنَّمَا يَنْقَدِحُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ غَيْرَ ذَلِكَ، أَمَّا مَعَ حِفْظِهِ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً مُنْتَظِمَةَ الْمَعْنَى فَلَا وَجْهَ لَهُ وَإِنْ شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ انْتَهَى.   [حاشية البجيرمي] وَالْمُرَادُ بِفَتْحِهِ عَلَيْهِ تَلْقِينُهُ الَّذِي تَوَقَّفَ فِيهِ قَوْلُهُ: (إذَا تَوَقَّفَ فِيهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ وَهَذَا قَيْدٌ خَرَجَ بِهِ مَا إذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ فَفَتَحَ عَلَيْهِ فَتَنْقَطِعُ الْمُوَالَاةُ. مَسْأَلَةٌ: إذَا كَرَّرَ آيَةً مِنْ نَفْسِ الْفَاتِحَةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى: إنْ كَثُرَ تَكْرَارُهَا بِحَيْثُ طَالَ الْفَصْلُ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: إنْ كَانَتْ أَوَّلَ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ آخِرَ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَسَطِهَا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَنَّهُ كَمَا لَوْ قَرَأَ فِي خِلَالِهَا غَيْرَهَا، فَإِنْ كَانَ عَامِدًا بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا بَنَى عَلَيْهَا. وَقَالَ فِي التَّتِمَّةِ: إذَا رَدَّدَ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ فَإِنْ رَدَّدَ الْآيَةَ الَّتِي هُوَ فِي تِلَاوَتِهَا وَتَلَا الْبَاقِيَ فَالْقِرَاءَةُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ أَعَادَ بَعْضَ الْآيَاتِ الَّتِي فَرَغَ مِنْ تِلَاوَتِهَا مِثْلُ أَنْ وَصَلَ إلَى قَوْلِهِ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] فَعَادَ إلَى قَوْلِهِ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] إنْ أَعَادَ الْقِرَاءَةَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَادَ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ مَحْسُوبَةً، وَإِنْ أَعَادَ قِرَاءَةَ هَذِهِ الْآيَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ لَمْ تُحْسَبْ لَهُ الْقِرَاءَةُ وَعَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافُ، وَقَالَ فِي الْبَسِيطِ: إذَا كَرَّرَهَا لِشَكِّهِ فِي إتْيَانِهِ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَلَوْ كَرَّرَ قَصْدًا مِنْ غَيْرِ تَسَبُّبٍ تَرَدَّدَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إلْحَاقِهِ بِالرُّكْنِ الْيَسِيرِ فِي انْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ وَلَاءَ الْفَاتِحَةِ لَا يَنْقَطِعُ بِتَكْرَارِ كَلِمَةٍ مِنْهَا كَيْفَ فُرِضَ الْأَمْرُ اهـ ابْنُ الْعِمَادِ فِي الْقَوْلُ التَّامُّ فِي الْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَبَلَادَةٍ وَضِيقِ وَقْتٍ قَوْلُهُ: (عَنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ) وَهِيَ بِالْبَسْمَلَةِ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ حَرْفًا بِإِثْبَاتِ أَلِفِ مَالِكِ، وَعَدِّ الْمُشَدَّدِ بِحَرْفَيْنِ، وَيُغْنِي عَنْ الْمُشَدَّدِ مِنْ الْفَاتِحَةِ حَرْفَانِ مِنْ الْبَدَلِ لَا عَكْسُهُ فَلَا يُقَامُ الْمُشَدَّدُ مِنْ الْبَدَلِ مَقَامَ حَرْفَيْنِ مِنْ الْفَاتِحَةِ كَمَا قَالَهُ ح ل. وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَجْمُوعَ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْمَجْمُوعِ لَا أَنَّ كُلَّ آيَةٍ مِنْ الْبَدَلِ قَدْرُ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لَا فَرْقَ) مُعْتَمَدٌ قَوْلُهُ (كَثُمَّ نَظَرَ) أَيْ مَعَ سِتَّةٍ قَبْلَهَا لَا تُفِيدُ مَعْنًى مَنْظُومًا. وَكَانَ الْأَوْلَى التَّمْثِيلَ بِفَوَاتِحِ السُّوَرِ لِأَنَّ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] جُمْلَةٌ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ فَيُقَالُ: إنَّهَا تُفِيدُ مَعْنًى مَنْظُومًا لِأَنَّ قَوْلَهُ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] أَيْ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَعَدَمُ إفَادَتِهِ الْمَعْنَى الْمَنْظُومَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ ك الم والمر وحم، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْجَلَالُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ مِنْ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ. وَقَوْلُهُ كَثُمَّ نَظَرَ أَيْ فِي أَمْرِ الْقُرْآنِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، {ثُمَّ عَبَسَ} [المدثر: 22] قَطَّبَ وَجْهَهُ أَيْ قَلَّصَهُ وَكَمَشَهُ وَجَمَعَهُ بِعَرْقَصَةٍ لَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ طَعْنًا وَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ قَوْلُهُ: (قَالَ) أَيْ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَيْ الثَّانِي) فِيهِ أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا شِقًّا وَاحِدًا وَهُوَ عَدَمُ الْفَرْقِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تُفِيدَ الْمُتَفَرِّقَةُ مَعْنًى مَنْظُومًا أَوْ لَا إلَخْ تَأَمَّلْ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: أَيْ الثَّانِي مُرَادُهُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَهُوَ عَدَمُ الْفَرْقِ، وَالْأَوَّلُ فِي كَلَامِهِ الْفَرْقُ قَوْلُهُ: (الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تُفِيدَ الْمُتَفَرِّقَةُ مَعْنًى مَنْظُومًا قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي هُوَ الْقِيَاسُ) وَهُوَ كَوْنُهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْآيَاتِ أَنْ تُفِيدَ مَعْنًى مَنْظُومًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمِنْهَا فَوَاتِحُ السُّوَرِ وَالْجَمْعُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ق ل قَوْلُهُ: (هُوَ الْقِيَاسُ) أَيْ عَلَى حُرْمَةِ قِرَاءَةِ غَيْرِ الْمَنْظُومَةِ عَلَى الْجُنُبِ كَمَا فِي م ر قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ) أَيْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يُحْفَظُ إلَّا مَا لَهُ مَعْنًى مَنْظُومٌ قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ) مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ انْتِظَامُ الْمَعْنَى وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَنْقَدِحُ) أَيْ يَظْهَرُ قَوْلُهُ: (وَهَذَا يُشْبِهُ إلَخْ) أَيْ حُمِلَ عَدَمُ الْفَرْقِ عَلَى مَنْ لَمْ يُحْسِنْ مَا لَهُ مَعْنًى مَنْظُومٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ. وَمَنْ يُحْسِنُ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ يَأْتِي بِهِ وَيُبَدِّلُ الْبَاقِيَ إنْ أَحْسَنَهُ وَإِلَّا كَرَّرَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا مَنْ يُحْسِنُ بَعْضَ بَدَلِهَا مِنْ الْقُرْآنِ. وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ، فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْآيَةَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ أَتَى بِهَا ثُمَّ يَأْتِي بِالْبَدَلِ، وَإِنْ كَانَ آخِرَ الْفَاتِحَةِ أَتَى بِالْبَدَلِ ثُمَّ بِالْآيَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهَا أَتَى بِبَدَلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَرَأَ مَا فِي الْوَسَطِ ثُمَّ أَتَى بِبَدَلِ الْآخِرِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُرْآنِ لَأَتَى بِسَبْعَةِ أَنْوَاعٍ مِنْ ذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ لَا تَنْقُصُ حُرُوفُهَا عَنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ، وَيَجِبُ تَعَلُّقُ الدُّعَاءِ بِالْآخِرَةِ كَمَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ حَتَّى عَنْ تَرْجَمَةِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ لَزِمَهُ وَقْفَةٌ قَدْرُ الْفَاتِحَةِ فِي ظَنِّهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُتَرْجِمُ عَنْهَا بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ لِفَوَاتِ الْإِعْجَازِ فِيهَا دُونَهُ. وَسُنَّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ   [حاشية البجيرمي] وَحَمَلَ مَنْ قَيَّدَ بِمَا يُفِيدُ مَعْنًى مَنْظُومًا عَلَى مَنْ يُحْسِنُهُ هَذَا وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ فَالْحَسَنُ غَيْرُ حَسَنٍ قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَهُوَ عَدَمُ الْفَرْقِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (إنْ أَحْسَنَهُ) أَيْ الْبَدَلَ مِنْ الْقُرْآنِ إنْ أَحْسَنَهُ أَوْ مِنْ الذِّكْرِ إنْ أَحْسَنَهُ، وَلَا يَكْفِيهِ التَّكْرَارُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِهِ ق ل. أَيْ وَلَا يَكْفِيهِ تَكْرَارُ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ فِيمَا إذَا أَحْسَنَ بَدَلًا مِنْ ذِكْرٍ عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالذِّكْرِ أَوْ الدُّعَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقُرْآنِ لِأَنَّ مَا يَأْتِي فِيهِ قُدْرَةٌ عَلَى الْقُرْآنِ وَهُنَا لَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَإِلَّا كَرَّرَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يُحْسِنْ الْبَدَلَ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ قَوْلُهُ: (وَكَذَا إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ وَيُبَدِّلُ بَقِيَّةَ الْفَاتِحَةِ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ إنْ أَحْسَنَهُ وَإِلَّا كَرَّرَهُ قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْأَصْلِ) أَيْ الَّذِي يُحْسِنُهُ مِنْ الْفَاتِحَةِ قَوْلُهُ: (بِسَبْعَةِ أَنْوَاعٍ إلَخْ) نَحْوُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. هَكَذَا وَرَدَ وَهَذِهِ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ فَتُضَمُّ إلَيْهَا الْبَسْمَلَةُ إنْ كَانَ يَحْفَظُهَا وَإِلَّا ضَمَّ إلَيْهَا نَوْعًا آخَرَ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ مِنْ الْفَاتِحَةِ فَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى سُبْحَانَ اللَّهِ لِمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ مَا يَحْفَظُهُ مِنْهَا وَمَا يَأْتِي بِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَلِّمَ لِهَذَا الذِّكْرِ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُتَعَلِّمَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " عَلَى " سُبْحَانَ اللَّهِ "، هَكَذَا أَجَابَ بِهِ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ. وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْبَسْمَلَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِقَدْرِهَا، فَتَكُونُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَاقِعَةً فِي مَحَلِّهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِفْظِهِ هَذَا الذِّكْرَ حِفْظُهُ الْبَسْمَلَةَ قَوْلُهُ: (مِنْ ذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ) فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَالْأَوْلَى الذِّكْرُ. وَقَالَ ع ش: أَوْ مَانِعَةً خُلُوٍّ فَيَجُوزُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِبَعْضِهَا مِنْ الذِّكْرِ وَبَعْضِهَا مِنْ الدُّعَاءِ. قَوْلُهُ: (لَا تَنْقُصُ) أَيْ وَلَوْ فِي ظَنِّهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْوُقُوفِ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَعَلُّقُ الدُّعَاءِ بِالْآخِرَةِ) أَيْ إنْ عَرَفَ ذَلِكَ وَإِلَّا أَتَى بِدُعَاءٍ دُنْيَوِيٍّ. وَيُقَدِّمُ تَرْجَمَةَ الْأُخْرَوِيِّ عَلَى الدُّنْيَوِيِّ الَّذِي بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَعْدِلُ إلَى الدُّنْيَوِيِّ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْأُخْرَوِيِّ مُطْلَقًا شَوْبَرِيٌّ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا تَرْجَمَ عَنْهُ بِأَيِّ لُغَةٍ شَاءَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي حَتَّى عَنْ تَرْجَمَةِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَعَلُّقُ الدُّعَاءِ بِالْآخِرَةِ) كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَسَامِحْنِي وَارْضَ عَنِّي بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَا بِدُعَاءٍ يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا كَطَلَبِ زَوْجَةٍ حَسْنَاءَ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي زِيَادِيٌّ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ أَنْ يَقْصِدَ بِهِمَا الْبَدَلِيَّةَ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِمَا غَيْرَهَا أَيْ غَيْرَ الْبَدَلِيَّةِ فَقَطْ حَتَّى فِي التَّعَوُّذِ وَالِافْتِتَاحِ، فَإِذَا اسْتَفْتَحَ أَوْ تَعَوَّذَ بِقَصْدِ تَحْصِيلِ سُنَّتِهِمَا فَقَطْ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِحَجَرٍ كَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَخْ) كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ ذِكْرٌ؟ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ لَقَّنَهُ شَخْصٌ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ بِهَا ثُمَّ نَسِيَهَا تَأَمَّلْ. أَمَّا لَوْ عَجَزَ عَنْ التَّكْبِيرَةِ بِكُلِّ وَجْهٍ فَيَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ بِدُونِهَا. اهـ. ابْنُ شَرَفٍ قَوْلُهُ: (قَدْرَ الْفَاتِحَةِ) أَيْ وُجُوبًا وَبِقَدْرِ السُّورَةِ نَدْبًا، وَلَوْ قَدَرَ وَهُوَ فِي مَرْتَبَةٍ عَلَى مَا قَبْلَهَا عَادَ إلَيْهِ وُجُوبًا إنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا عَادَ إلَيْهِ نَدْبًا ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. وَظَاهِرُهُ حَتَّى فِي الْوُقُوفِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْفَاتِحَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْوُقُوفِ عَادَ إلَيْهَا وُجُوبًا أَوْ بَعْدَ تَمَامِهِ عَادَ إلَيْهَا نَدْبًا قَوْلُهُ: (وَلَا يُتَرْجِمُ عَنْهَا) وَلَا عَنْ بَقِيَّةِ الْقُرْآنِ إذَا كَانَ بَدَلًا ح ل. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ مِنْ عَدَمِ التَّرْجَمَةِ عَنْهَا هُوَ مَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ، فَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ لَا تُجْزِئُ الْقِرَاءَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا، وَنُقِلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 لِقَارِئِهَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا آمِينَ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَقِيسَ بِهَا خَارِجُهَا مُخَفَّفَةً مِيمُهَا بِمَدٍّ وَقَصْرٍ وَالْمَدُّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ، وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ، وَلَوْ شَدَّدَ الْمِيمَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ وَيُسَنُّ فِي جَهْرِيَّةٍ جَهَرَ بِهَا لِلْمُصَلِّي حَتَّى لِلْمَأْمُومِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ تَبَعًا لَهُ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ الْمَأْمُومُ مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا،   [حاشية البجيرمي] عَنْ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْمُصَلِّيَ إنْ شَاءَ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُهَا فَقَرَأَهَا بِلُغَتِهِ أَجْزَأَتْهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّهُ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِ صَاحِبَيْهِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ) أَيْ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا صَحَّ الْإِسْلَامُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ الْإِخْبَارُ عَنْ اعْتِقَادِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلِّ لُغَةٍ، وَأَمَّا هُنَا فَتَعَبَّدَنَا الشَّارِعُ بِلَفْظٍ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ مَا أَمْكَنَ قَالَهُ فِي الْإِيعَابِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَسُنَّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ) وَمِثْلُ الْفَاتِحَةِ بَدَلُهَا إنْ تَضَمَّنَ دُعَاءً مُحَاكَاةً لِلْبَدَلِ شَرْحُ م ر. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ إنْ تَضَمَّنَ دُعَاءً أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، لَكِنْ هَلْ يُؤَمِّنُ وَلَوْ تَأَخَّرَ غَيْرُ الدُّعَاءِ بِأَنْ قَدَّمَ الدُّعَاءَ وَأَخَّرَ غَيْرَهُ؟ ظَاهِرُ شَرْحِ م ر: يُؤَمِّنُ مُطْلَقًا، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ قَاسِمٍ عَنْهُ فِي غَيْرِ الشَّرْحِ أَنَّهُ لَا يُؤَمِّنُ إلَّا إذَا كَانَ الدُّعَاءُ آخِرًا، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا فِي الشَّرْحِ مِنْ الْإِطْلَاقِ اهـ. وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ عَقِبَ فَوَاتِ التَّأْمِينِ بِالتَّلَفُّظِ بِغَيْرِهِ وَلَوْ سَهْوًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ قَلَّ نَعَمْ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ نَحْوِ رَبِّ اغْفِرْ لِي لِلْخَبَرِ الْحَسَنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَقِيبَ الضَّالِّينَ رَبِّ اغْفِرْ لِي آمِينَ» وَأَفْهَمَ أَيْضًا فَوَاتَهُ بِالسُّكُوتِ أَيْ بَعْدَ السُّكُوتِ الْمَسْنُونِ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ إنْ طَالَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْمُوَالَاةِ. وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا تَفُوتُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي السُّورَةِ أَوْ الرُّكُوعِ. نَعَمْ مَا أَفْهَمَهُ مِنْ فَوْتِهِ بِالشُّرُوعِ فِي الرُّكُوعِ وَلَوْ فَوْرًا مُتَّجِهٌ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مُكَرَّرَةٌ مَعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي كَمَا قَالَهُ ق ل. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَالتَّأْمِينُ خَلْفَ الْإِمَامِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْلُهُ: (بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ) أَيْ بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ ع ش قَوْلُهُ: (مُخَفَّفًا) حَالٌ مِنْ آمِينَ قَوْلُهُ: (لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الدُّعَاءَ بَلْ قَصَدَ بِهِ مَعْنَى قَاصِدِينَ أَنَّهَا تَبْطُلُ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجّ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ قَوْلُهُ: (فِي جَهْرِيَّةٍ) أَيْ بِالْفِعْلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مَأْمُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ يَجْهَرُ بِهِ إنْ طُلِبَ مِنْهُ الْجَهْرُ، وَيُسِرُّ بِهِ إنْ طُلِبَ مِنْهُ الْإِسْرَارُ. وَالْأَمَاكِنُ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا الْمَأْمُومُ خَلْفَ إمَامِهِ خَمْسَةٌ: تَأْمِينُهُ مَعَ إمَامِهِ، وَفِي دُعَائِهِ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ، وَفِي قُنُوتِ الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَإِذَا فَتَحَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا السِّرِّيَّةُ فَيُسِرُّونَ جَمِيعُهُمْ كَالْقِرَاءَةِ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ) لَا لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ قَوْلُهُ: (مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ) وَلَيْسَ لَنَا مَا تُسَنُّ فِيهِ مُقَارَنَةُ الْإِمَامِ إلَّا هَذِهِ السُّورَةُ، وَلَا يَرِدُ مَا إذَا عَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّ إمَامَهُ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ أَوْ يَقْرَأُ سُورَةً قَصِيرَةً، لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَهُ فَلَهُ أَنْ يَقْرَأَهَا مَعَهُ لِأَنَّهَا حَالَةُ عُذْرٍ فَلَا تَرَدُّدَ، وَيَأْتِي بِهَا أَيْ يَأْتِي الْمَأْمُومُ بِالْفَاتِحَةِ عَقِبَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ وَسَكْتَةٍ لِلْإِمَامِ بَعْدَ آمِينَ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَحَلُّ سُكُوتِ الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُومَ قَرَأَهَا، وَهَذِهِ إحْدَى السَّكَتَاتِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُمْ: الصَّلَاةُ لَا سُكُوتَ فِيهَا أَيْ غَيْرَ الْمَشْرُوعِ، وَإِنَّمَا طُلِبَتْ فِيهَا الْمَعِيَّةُ لِأَنَّهُ وَقْتُ تَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا فِي الْخَبَرِ. وَيُسَنُّ سَكْتَةٌ بَعْدَ آمِينَ وَلَوْ لِمُنْفَرِدٍ وَمِثْلُهَا لِلْإِمَامِ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَسَكْتَةٌ أُخْرَى قَبْلَ رُكُوعِهِ، وَسَكْتَةٌ عَقِبَ تَحَرُّمِهِ، وَسَكْتَةٌ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالِافْتِتَاحِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعَوُّذِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ فَالسَّكَتَاتُ سِتَّةٌ كَمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ) أَيْ أَرَادَ التَّأْمِينَ وَيُوَضِّحُهُ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ، «إذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ» فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ مُوَافَقَتُهُ أَمَّنَ عَقِبَ تَأْمِينِهِ أَيْ الْإِمَامِ وَإِنْ تَأَخَّرَ إمَامُهُ عَنْ الزَّمَنِ الْمَسْنُونِ فِيهِ التَّأْمِينُ أَمَّنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . فَائِدَةٌ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ لَهَا عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَأُمُّ الْقُرْآنِ، وَأُمُّ الْكِتَابِ، وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي، وَسُورَةُ الْحَمْدِ، وَالصَّلَاةُ وَالْكَافِيَةُ، وَالْوَافِيَةُ، وَالشِّفَاءُ، وَالْأَسَاسُ. (وَ) الْخَامِسُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الرُّكُوعُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا} [الحج: 77] وَلِخَبَرِ «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ» وَلِلْإِجْمَاعِ، وَتَقَدَّمَ رُكُوعُ الْقَاعِدِ، وَأَمَّا أَقَلُّ الرُّكُوعِ فِي حَقِّ الْقَائِمِ فَهُوَ أَنْ يَنْحَنِيَ انْحِنَاءً خَالِصًا لَا انْخِنَاسَ فِيهِ، قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْ يَدَيْ   [حاشية البجيرمي] الْمَأْمُومُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَلَوْ قَرَأَ مَعَهُ وَفَرَغَا مَعًا كَفَى تَأْمِينُ وَاحِدٍ، أَوْ فَرَغَ قَبْلَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ: يَنْتَظِرُ وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِلْمُتَابَعَةِ قَوْلُهُ: «فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ» إلَخْ وَمَعْلُومٌ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ» فَيَكُونُ التَّعْلِيلُ مُنْتِجًا لِلْمُدَّعَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ قَوْلُهُ: (الْمَلَائِكَةُ) قِيلَ هُمْ الْحَفَظَةُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ وَسَائِرُ الْمَلَائِكَةِ لَكَانَ أَقْرَبَ ح ل قَوْلُهُ: (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) أَيْ مِنْ الصَّغَائِرِ. وَاعْتَمَدَ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْكَبَائِرَ، وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: غُفِرَ لَهُ أَيْ الصَّغَائِرُ فَقَطْ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر. وَاسْتَقْرَبَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ جَمِيعُهُمْ لَا خُصُوصُ الْحَفَظَةِ. قَوْلُهُ: (لَهَا عَشَرَةُ أَسْمَاءَ) عِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ فِي السِّيرَةِ وَلَهَا اثْنَانِ وَعِشْرُونَ اسْمًا قَوْلُهُ: (وَأُمُّ الْقُرْآنِ) سُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا مُفْتَتَحُهُ وَمَبْدَؤُهُ فَكَأَنَّهَا أَصْلُهُ وَمَنْشَؤُهُ، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى أَسَاسًا أَوْ لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّعَبُّدِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَبَيَانِ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ. اهـ. بَيْضَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي) لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ، وَتُثَنَّى فِي الصَّلَاةِ أَيْ تُكَرَّرَ قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ) لِوُجُوبِ قِرَاءَتِهَا فِيهَا أَوْ اسْتِحْبَابِهَا فَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ جُزْئِهِ قَوْلُهُ: (وَالْكَافِيَةُ) أَيْ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ قَوْلُهُ: (وَالشِّفَاءُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هِيَ شِفَاءُ كُلِّ دَاءٍ» . اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَقَدَّمَ رُكُوعُ الْقَاعِدِ) أَيْ فِي رُكْنِ الْقِيَامِ، أَيْ أَنَّ أَقَلَّهُ أَنْ تُحَاذِيَ جَبْهَتُهُ مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ، وَأَكْمَلَهُ أَنْ تُحَاذِيَ مَحَلَّ سُجُودِهِ. وَشُرِعَ الرُّكُوعُ فِي عَصْرِ صَبِيحَةِ الْإِسْرَاءِ، وَأَمَّا الظُّهْرُ فَصَلَّاهَا بِغَيْرِ رُكُوعٍ كَالصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخَمْسِ كَمَا قَالَهُ السُّيُوطِيّ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكَذَا التَّأْمِينُ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] فَمَعْنَاهُ صَلِّي مَعَ الْمُصَلِّينَ. وَفِي الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] مَا نَصُّهُ: أُمِرَتْ بِالصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ بِذِكْرِ أَرْكَانِهَا مُبَالَغَةً فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَقَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ إمَّا لِكَوْنِهِ كَذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِمْ أَوْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ، أَوْ لِيَقْتَرِنَ ارْكَعِي بِالرَّاكِعِينَ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِمْ رُكُوعٌ لَيْسُوا مُصَلِّينَ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّكُوعَ كَانَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا انْتَهَى ع ش. وَقِيلَ: قَدَّمَ السُّجُودَ لِشَرَفِهِ. وَفِي الْخَصَائِصِ: وَخَصَّ بِالرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ فِيمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] قَالُوا: الرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَوَاصِّنَا وَلَا رُكُوعَ فِي صَلَاةِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلِذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِهِ مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ. وَاسْتَشْكَلَ الْحَافِظُ إطْلَاقَ الرُّكُوعِ عَلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ إطْلَاقًا لِلْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ، فَقَالَ: ذَاكَ فِي بَعْضٍ مِنْ ذَلِكَ الْكُلِّ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاتِهِمْ رُكُوعٌ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ مَا لَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا عَلَيْهَا؟ اهـ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ إدَامَةُ الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: 9] وَبِالسُّجُودِ الصَّلَاةُ كَقَوْلِهِ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] وَبِالرُّكُوعِ الْخُشُوعُ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ وَهَذَا أَوْلَى إذْ لَا إشْكَالَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَنْحَنِيَ) أَيْ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا، وَلَوْ شَكَّ هَلْ انْحَنَى قَدْرًا تَصِلُ بِهِ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ لَزِمَهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 الْمُعْتَدِلِ خِلْقَةً رُكْبَتَيْهِ إذَا أَرَادَ وَضْعَهُمَا، فَلَا يَحْصُلُ بِانْخِنَاسٍ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رُكُوعًا، فَلَوْ طَالَتْ يَدَاهُ أَوْ قَصُرَتَا أَوْ قُطِعَ شَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزَ عَمَّا ذُكِرَ إلَّا بِمُعِينٍ وَلَوْ بِاعْتِمَادٍ عَلَى شَيْءٍ أَوْ انْحِنَاءٍ عَلَى شِقِّهِ لَزِمَهُ. وَالْعَاجِزُ يَنْحَنِي قَدْرَ إمْكَانِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِانْحِنَاءِ أَصْلًا أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ بِطَرَفِهِ. (وَ) السَّادِسُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) أَيْ الرُّكُوعِ لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ الْمَارِّ، وَأَقَلُّهَا أَنْ تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ رَاكِعًا، بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ رَفْعُهُ عَنْ رُكُوعِهِ عَنْ هَوِيِّهِ أَيْ سُقُوطِهِ، فَلَا تَقُومُ زِيَادَةُ الْهَوِيِّ مَقَامَ الطُّمَأْنِينَةِ، وَلَا يَقْصِدُ بِالْهَوِيِّ غَيْرَ الرُّكُوعِ، قَصَدَهُ هُوَ أَمْ لَا كَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ مُنْسَحِبَةٌ عَلَيْهِ، فَلَوْ هَوَى لِتِلَاوَةٍ فَجَعَلَهُ رُكُوعًا، لَمْ يَكْفِ لِأَنَّهُ صَرَفَهُ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ بَلْ يَنْتَصِبُ لِيَرْكَعَ ، وَلَوْ قَرَأَ إمَامُهُ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ رَكَعَ عَقِبَهَا فَظَنَّ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ فَهَوَى لِذَلِكَ فَرَآهُ لَمْ يَسْجُدْ فَوَقَفَ عَنْ السُّجُودِ فَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ: أَنَّهُ يُحْسَبُ لَهُ وَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ لِمُتَابَعَتِهِ. وَأَكْمَلُ الرُّكُوعِ تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ وَعُنُقِهِ، أَيْ يَمُدُّهُمَا بِانْحِنَاءٍ خَالِصٍ بِحَيْثُ يَصِيرَانِ كَالصَّفِيحَةِ الْوَاحِدَةِ لِلِاتِّبَاعِ.   [حاشية البجيرمي] عَدَمُهُ شَرْحُ م ر. أَيْ إنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا وَإِلَّا أَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَمَعْنَى الرُّكُوعِ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ الِانْحِنَاءِ قَوْلُهُ (رَاحَتَيْ يَدَيْ الْمُعْتَدِلِ) وَهُمَا بَطْنُ الْكَفِّ، فَلَا تَكْفِي الْأَصَابِعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَوْلُهُ: (فَلَا يَحْصُلُ بِانْخِنَاسٍ) بِأَنْ يُؤَخِّرَ عُنُقَهُ وَيُقَدِّمَ صَدْرَهُ وَيَخْفِضَ عَجِيزَتَهُ وَيَمِيلَ شِقُّهُ مَيْلًا قَلِيلًا اهـ اج. فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكْفِ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا وَإِلَّا أَعَادَ الرُّكُوعَ قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ) أَيْ الْوَضْعَ مَعَ الطُّولِ أَوْ الْقِصَرِ فَلْيُرَاعِ الِاعْتِدَالَ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (إلَّا بِمُعَيَّنٍ) وَلَوْ دَوَامًا بِخِلَافِ الْقِيَامِ لِطُولِ زَمَنِهِ دُونَ الرُّكُوعِ سم اج قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ) مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْقِبْلَةِ خِلَافًا لسم ع ش قَوْلُهُ: (هَوِيِّهِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا اهـ. مَرْحُومِيٌّ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: الْهُوِيُّ بِضَمِّ الْهَاءِ السُّقُوطُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَآخَرُونَ بِفَتْحِهَا وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ بِفَتْحِهَا السُّقُوطُ، وَبِضَمِّهَا الصُّعُودُ وَالْخَلِيلُ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَيْ سُقُوطُهُ) أَيْ لِلرُّكُوعِ قَوْلُهُ: (غَيْرَ الرُّكُوعِ) أَيْ فَقَطْ، فَلَوْ قَصَدَهُ وَغَيْرَهُ لَمْ يَضُرَّ وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ ق ل. فَلَوْ قَصَدَ قَطْعَ الرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ حَتَّى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَ دَوَامِ الْقِرَاءَةِ سِوَى النِّيَّةِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ، وَعِبَارَتُهُ: وَلَوْ نَوَى قَطْعَ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يَسْكُتْ لَمْ تَبْطُلْ قِرَاءَتُهُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِاللِّسَانِ وَلَمْ يَقْطَعْهَا، وَفَارَقَ نِيَّةَ قَطْعِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ رُكْنٌ فِيهَا تَجِبُ إدَامَتُهَا حُكْمًا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ نِيَّةِ الْقَطْعِ، وَالْقِرَاءَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ خَالِصَةٍ فَلَا تَتَأَثَّرُ بِنِيَّةِ الْقَطْعِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ) أَيْ فَإِنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهَا غَيْرَهَا فَقَطْ فَلَا يَضُرُّ التَّشْرِيكُ وَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ صَارِفٍ فَتَبْطُلُ بِالْإِطْلَاقِ كَالتَّبْلِيغِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (فَلَوْ هَوَى إلَخْ) بِفَتْحِ الْوَاوِ بِمَعْنَى سَقَطَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ بِخِلَافِهِ بِكَسْرِ الْوَاوِ، فَمَعْنَاهُ الْمَيْلُ لِلشَّيْءِ مِنْ بَابِ فَرِحَ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَلَوْ هَوَى أَيْ الْمُسْتَقِلُّ خَرَجَ الْمَأْمُومُ فَيُحْسَبُ لَهُ الرُّكُوعُ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ صَرَفَهُ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ صَرَفَهُ إلَى مَا لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ ق ل. قَوْلُهُ: (فَوَقَفَ عَنْ السُّجُودِ) فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُقُوفِ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ إلَّا بَعْدَ أَنْ وَصَلَ لِلسُّجُودِ قَامَ مُنْحَنِيًا، فَلَوْ انْتَصَبَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِزِيَادَتِهِ رُكُوعًا، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ وَقَصَدَ أَنْ لَا يَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ وَهَوَى لِلرُّكُوعِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ لَهَا فَإِنْ كَانَ قَدْ انْتَهَى إلَى حَدِّ الرَّاكِعِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا جَازَ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (وَيُحْسَبُ لَهُ) أَيْ لِلْمَأْمُومِ هَذَا إذَا قَرَأَ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ كُلَّهَا، وَإِلَّا فَلَا يُحْسَبُ لَهُ هَذَا الرُّكُوعُ وَيُتَابِعُ إمَامَهُ فِي نَظْمِ الصَّلَاةِ فَلَا يَعُودُ لِلْقِرَاءَةِ، وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَوْلُهُ: (لِمُتَابَعَتِهِ) أَيْ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ يُلْغِي قَصْدَهُ وَيُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ صَارِفًا، وَإِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَعُودُ لِلْقِيَامِ ثُمَّ يَرْكَعُ فَقَدْ قَالَ الْحَلَبِيُّ: إنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (تَسْوِيَةُ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ: أَكْمَلُ، وَلْيُنْظَرْ وَجْهُ مُغَايَرَةِ الْخَبَرِ هُنَا لِسَابِقِهِ حَيْثُ أَتَى بِهِ مَصْدَرًا مُؤَوَّلًا وَهُنَا صَرِيحًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَإِنْ تَرَكَهُ كُرِهَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. وَنَصْبُ سَاقَيْهِ وَفَخِذَيْهِ وَأَخْذُ رُكْبَتَيْهِ بِكَفَّيْهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَتَفْرِقَةُ أَصَابِعِهِ تَفْرِيقًا وَسَطًا لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، وَالْأَقْطَعُ وَنَحْوُهُ كَقَصِيرِ الْيَدَيْنِ لَا يُوصَلُ يَدَيْهِ رُكْبَتَيْهِ بَلْ يُرْسِلُهُمَا إنْ لَمْ يَسْلَمَا مَعًا، أَوْ يُرْسِلُ إحْدَاهُمَا إنْ سَلِمَتْ الْأُخْرَى. (وَ) السَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الِاعْتِدَالُ) وَلَوْ لِنَافِلَةٍ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَيَحْصُلُ بِعَوْدِ الْبَدْءِ بِأَنْ يَعُودَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ رُكُوعِهِ قَائِمًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا. (وَ) الثَّامِنُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) كَمَا فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، بِأَنْ تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ رُكُوعِهِ بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ ارْتِفَاعُهُ عَنْ عَوْدِهِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ رَكَعَ عَنْ قِيَامٍ فَسَقَطَ عَنْ رُكُوعِهِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ عَادَ وُجُوبًا إلَيْهِ وَاطْمَأَنَّ ثُمَّ اعْتَدَلَ، أَوْ سَقَطَ عَنْهُ بَعْدَهَا نَهَضَ مُعْتَدِلًا ثُمَّ سَجَدَ ، وَإِنْ سَجَدَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ تَمَّ اعْتِدَالُهُ اعْتَدَلَ   [حاشية البجيرمي] وَقَوْلُهُ: وَنَصْبُ كَذَا عَبَّرَ الْمِنْهَاجُ، وَقَدْ عَدَلَ عَنْهُ فِي الْمَنْهَجِ إلَى الْفِعْلِ فَقَالَ: وَأَنْ يَنْصِبَ فَلْيُنْظَرْ وَجْهُهُ. وَأَقُولُ: وَجْهُهُ التَّفَنُّنُ فِي الْعِبَارَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا اسْمًا صَرِيحًا وَالْآخَرُ مُؤَوَّلًا بِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا أَتَى بِالْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَهُوَ نَصْبُ دُونَ الْمُؤَوَّلِ، وَهُوَ أَنْ يَنْصِبَ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ مَصْدَرًا فِي قَوْلِهِ أَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَخَفُّ مِنْ الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ إذَا وَقَعَ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ، أَوْ لِلتَّفَنُّنِ فِي التَّعْبِيرِ اهـ قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ الْأَكْمَلَ، وَلِلتَّرْكِ صُورَتَانِ بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْأَقَلِّ أَوْ يَزِيدَ عَلَى الْأَكْمَلِ قَوْلُهُ: (وَنَصْبُ سَاقَيْهِ) السَّاقُ مُؤَنَّثَةٌ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَدَمِ إلَى الرُّكْبَةِ وَجَمْعُهَا سُوقٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَوْقِهَا الْجَسَدَ اهـ اج قَوْلُهُ: (وَالِاعْتِدَالُ) وَهُوَ لُغَةً الِاسْتِقَامَةُ وَشَرْعًا عَوْدٌ لِبَدْءٍ كَمَا قَالَهُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِنَافِلَةٍ) أَخَذَهُ غَايَةً هُنَا، وَفِي الْجُلُوسِ لِلرَّدِّ عَلَى مَا فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي النَّفْلِ، وَعَلَى مَا قَالَهُ فَهَلْ يَخِرُّ سَاجِدًا مِنْ رُكُوعِهِ أَوْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَلِيلًا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ عِنْدَهُ الثَّانِي اهـ ع ش. وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ: وَلَوْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ وَالْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي النَّافِلَةِ لَمْ تَبْطُلْ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَعُودَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى نَفْلًا مِنْ قِيَامٍ وَرَكَعَ مِنْهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ اعْتِدَالُهُ مِنْ الْقِيَامِ وَلَا يُجْزِيهِ مِنْ جُلُوسٍ وَهُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ، وَأَنَّهُ لَوْ رَكَعَ مِنْ جُلُوسٍ بَعْدَ اضْطِجَاعٍ بِأَنْ قَرَأَ فِيهِ ثُمَّ جَلَسَ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الِاضْطِجَاعِ، وَالْمُتَّجَهُ تَعَيُّنُ الِاعْتِدَالِ مِنْ الْجُلُوسِ لِأَنَّهُ بَدَأَ رُكُوعَهُ مِنْهُ اهـ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ: لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ مِنْ الِاضْطِجَاعِ، وَذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ أَيْضًا فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَفِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ عَوْدُ الْمُصَلِّي إلَى مَا رَكَعَ مِنْهُ مِنْ قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ، فَدَخَلَ مُصَلِّي النَّفْلِ مِنْ اضْطِجَاعٍ مَعَ الْقُدْرَةِ لِأَنَّهُ يَقْعُدُ قَبْلَ رُكُوعِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَوْدُ إلَى الِاضْطِجَاعِ قَبْلَ قُعُودِهِ ق ل. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ خِضْرٍ: وَيَحْصُلُ بِعَوْدٍ لِبَدْءٍ بِأَنْ يَعُودَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ رُكُوعِهِ قَائِمًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا أَوْ مُومِيًا اهـ. وَقَوْلُهُ أَوْ مُضْطَجِعًا إلَخْ أَيْ فِي صُورَةِ عَجْزِهِ، فَكَأَنْ يَأْتِيَ بِالرُّكُوعِ بِانْحِنَاءٍ مِنْ الِاضْطِجَاعِ فَيَعْتَدِلُ بِعَوْدِهِ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقُعُودِ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَوْ صَلَّى نَفْلًا قَائِمًا فَرَكَعَ وَهُوَ قَائِمٌ وَاعْتَدَلَ وَهُوَ جَالِسٌ هَلْ يَكْفِي عَنْ الِاعْتِدَالِ؟ سُئِلَ عَنْهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فَمَالَ إلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْدُ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلُ فَتَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (كَمَا فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الِاعْتِدَالِ إلَّا أَنَّهُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَرَدَتْ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الِاعْتِدَالِ قَوْلُهُ: (يَنْفَصِلُ ارْتِفَاعُهُ عَنْ عَوْدِهِ إلَخْ) أَيْ رَفْعُ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ، أَيْ فَلَا بُدَّ بَعْدَ الْعَوْدِ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ، فَالِارْتِفَاعُ هُوَ غَايَةُ الْعَوْدِ إلَى مَا كَانَ وَلَا بُدَّ مِنْ سُكُونٍ فِيهِ لِيَنْفَصِلَ عَنْ الْعَوْدِ. وَلَوْ قَالَ: بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ رَفْعُهُ عَنْ هَوِيِّهِ لِلسُّجُودِ لَكَانَ أَوْضَحَ قَوْلُهُ: (إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْقِيَامُ مَثَلًا قَوْلُهُ: (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الرُّكُوعِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، بِخِلَافِ قَوْلِ ق ل أَيْ الْقِيَامِ. وَالضَّابِطُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي سَقَطَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 وُجُوبًا ثُمَّ سَجَدَ وَلَا يَقْصِدُ غَيْرَهُ، فَلَوْ رَفَعَ خَوْفًا مِنْ شَيْءٍ كَحَيَّةٍ لَمْ يَكْفِ رَفْعُهُ لِذَلِكَ عَنْ رَفْعِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ صَارِفٌ كَمَا مَرَّ (وَ) التَّاسِعُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (السُّجُودُ) مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَلِخَبَرِ: «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ» وَإِنَّمَا عُدَّا رُكْنًا وَاحِدًا لِاتِّحَادِهِمَا، كَمَا عَدَّ بَعْضُهُمْ الطُّمَأْنِينَةَ فِي مَحَالِّهَا الْأَرْبَعِ رُكْنًا وَاحِدًا لِذَلِكَ. وَهُوَ لُغَةً التَّضَامُنُ وَالْمَيْلُ، وَقِيلَ الْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ، وَشَرْعًا أَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا لِخَبَرِ: «إذَا سَجَدَتْ فَمَكِّنْ جَبْهَتَك وَلَا تَنْقُرْ نَقْرًا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَإِنَّمَا اكْتَفِي بِبَعْضِ الْجَبْهَةِ لِصِدْقِ اسْمِ السُّجُودِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْجَبْهَةِ الْجَبِينُ وَالْأَنْفُ فَلَا يَكْفِي وَضْعُهُمَا، فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ كَطَرْفِ كُمِّهِ الطَّوِيلِ   [حاشية البجيرمي] مِنْهُ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ اهـ. مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالضَّابِطُ يُعَيِّنُ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُهُ: (اعْتَدَلَ وُجُوبًا) وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا لَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَحَلِّهَا، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ لَمَّا كَانَ يَكْثُرُ الشَّكُّ فِيهَا لِكَثْرَةِ حُرُوفِهَا اُغْتُفِرَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْصِدُ غَيْرَهُ) أَيْ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (السُّجُودُ مَرَّتَيْنِ) اُنْظُرْ وَجْهَ عَدِّهِ هُنَا رُكْنًا وَعَدِّهِ فِيمَا يَأْتِي فِي التَّخَلُّفِ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ رُكْنَيْنِ، وَلَعَلَّهُمْ رَاعُوا هُنَاكَ فُحْشَ الْمُخَالَفَةِ فَعَدُّوهُمَا رُكْنَيْنِ لِلِاحْتِيَاطِ. وَاخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ تَكْرَارِهِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ فَقِيلَ: إنَّهُ لِرَغْمِ أَنْفِ الشَّيْطَانِ حَيْثُ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُودِ، وَقِيلَ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ فِيهِ، وَقِيلَ إرْغَامًا لِلنَّفْسِ حَيْثُ اسْتَنْكَفَتْ عَنْ وَضْعِ أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ عَلَى مَحَلِّ مَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ق ل. أَيْ قِيلَ إنَّهُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّوَاضُعِ وَلِلشُّكْرِ عَلَى إجَابَةِ دُعَاءِ الْمُصَلِّي فِي السُّجُودِ الْأَوَّلِ اهـ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ لَنَا الْأَرْضَ ذَلُولًا نَمْشِي فِي مَنَاكِبِهَا فَهِيَ تَحْتَ أَقْدَامِنَا نَطَؤُهَا بِهَا وَذَلِكَ غَايَةُ الذِّلَّةِ، فَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ عَلَيْهَا أَشْرَفَ مَا عِنْدَنَا وَهُوَ الْوَجْهُ، وَأَنْ نُمَرِّغَهُ عَلَيْهَا جَبْرًا لِانْكِسَارِهَا بِوَضْعِ الشَّرِيفِ عَلَيْهَا الَّذِي هُوَ وَجْهُ الْعَبْدِ، فَاجْتَمَعَ بِالسُّجُودِ وَجْهُ الْعَبْدِ وَوَجْهُ الْأَرْضِ فَانْجَبَرَ كَسْرُهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «أَنَا عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ» فَلِذَلِكَ كَانَ الْعَبْدُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَقْرَبَ إلَى اللَّهِ مِنْ سَائِرِ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ سَعَى فِي حَقِّ الْغَيْرِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ جَبْرُ انْكِسَارِ الْأَرْضِ مِنْ ذِلَّتِهَا اهـ مُنَاوِيٌّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَدْ سُئِلَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ حُكْمِ سُجُودِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ حَيْثُ الْوُضُوءُ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى طَهَارَةِ غُسْلِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ حَيٌّ فِي قَبْرِهِ وَلَا نَاقِضَ لِطَهَارَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ دَارَ تَكْلِيفٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ السُّجُودُ عَلَى وُضُوءٍ قَوْلُهُ: (وَهُوَ لُغَةً: التَّضَامُنُ وَالْمَيْلُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: عَطْفُ الْمَيْلِ عَلَى التَّضَامُنِ لِلتَّفْسِيرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّضَامُنُ هُوَ ابْتِدَاءُ الْمَيْلِ وَالْمَيْلُ انْتِهَاؤُهُ. قَوْلُهُ: (أَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ إلَخْ) كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُبَيِّنَ حَقِيقَتَهُ أَوَّلًا بِأَنْ يَقُولَ: وَهُوَ وَضْعُ الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ مَعَ التَّحَامُلِ وَالتَّنْكِيسِ، ثُمَّ يَذْكُرُ أَقَلَّهُ وَأَكْمَلَهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَكْمَلَهُ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ أَقَلُّهُ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ حَقِيقَةَ السُّجُودِ شَرْعًا تَحْصُلُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَقَلُّهُ وَضْعُ الْجَبْهَةِ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ صَحِيحٌ أَيْضًا لِأَنَّ حَقِيقَةَ السُّجُودِ مَا ذَكَرَهُ، وَمَا زَادَ شُرُوطٌ لِلِاعْتِدَادِ بِهِ قَوْلُهُ (مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ عَلَى شَيْءٍ يَضَعُهُ تَحْتَهَا كَمِخَدَّةٍ إذَا عَجَزَ عَنْ وَضْعِهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْمِخَدَّةِ إذَا حَصَلَ بِوَضْعِهَا التَّنْكِيسُ وَإِلَّا سُنَّتْ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَوْلُهُ: (مِنْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا) كَبَدَنِ غَيْرِهِ أَوْ مَلْبُوسِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كُرِهَ فِيهِمَا اهـ اج قَوْلُهُ: «إذَا سَجَدْت فَمَكِّنْ جَبْهَتَك» فِيهِ أَنَّ التَّمْكِينَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُبَاشَرَةَ، فَالدَّلِيلُ أَعَمُّ مِنْ الْمُدَّعَى وَالْأَوْلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 أَوْ عِمَامَتِهِ جَازَ إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ، فَإِنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ فِي قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمِنْدِيلٍ عَلَى عَاتِقِهِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ وَأَعَادَ السُّجُودَ وَلَوْ صَلَّى مِنْ قُعُودٍ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، وَلَوْ صَلَّى مِنْ قِيَامٍ لَتَحَرَّكَ لَمْ يَضُرَّ إذْ الْعِبْرَةُ بِالْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَخَرَجَ بِمُتَّصِلٍ بِهِ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ وَإِنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ كَعُودٍ بِيَدِهِ فَلَا يَضُرُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. وَلَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَوَرَقَةٍ فَالْتَصَقَتْ بِجَبْهَتِهِ وَارْتَفَعَتْ مَعَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا ضَرَّ، وَإِنْ نَحَاهَا ثُمَّ سَجَدَ لَمْ يَضُرَّ. وَلَوْ سَجَدَ عَلَى عِصَابَةِ جُرْحٍ أَوْ نَحْوِهِ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ شَقَّ عَلَيْهِ إزَالَتُهَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ   [حاشية البجيرمي] الِاسْتِدْلَال عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ «خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ: شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا» فَلَوْ لَمْ يَجِبْ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِالْجَبْهَةِ لَأَرْشَدَهُمْ إلَى سَتْرِهَا. قَوْلُهُ: (لِصِدْقِ اسْمِ السُّجُودِ عَلَيْهَا) وَإِنْ كَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهَا مَكْرُوهًا كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، هَذَا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ أَيْ الْبَعْضِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ السُّجُودِ مِنْ شُرُوطٍ سَبْعَةٍ: الطُّمَأْنِينَةُ وَأَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ غَيْرَهُ فَقَطْ، وَأَنْ تَسْتَقِرَّ الْأَعْضَاءُ كُلُّهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَالتَّحَامُلُ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَالتَّنْكِيسُ وَهُوَ أَنْ تَرْفَعَ الْأَسَافِلَ عَلَى الْأَعَالِي، وَكَشْفُ الْجَبْهَةِ، وَأَنْ لَا يَسْجُدَ عَلَى مُتَّصِلٍ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ قَوْلُهُ: الْجَبِينُ وَهُوَ جَانِبُ الْجَبْهَةِ وَهُوَ فَوْقَ الصُّدْغِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ فَلِلْإِنْسَانِ جَبِينَانِ يَكْتَنِفَانِ الْجَبْهَةَ. فَإِنْ قُلْت: فَلِمَ أَفْرَدَهُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِفْرَادَ يَجُوزُ أَنْ يُعَاقِبَ التَّثْنِيَةَ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ يُغْنِي أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، كَالْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ تَقُولُ: عَيْنٌ حَسَنَةٌ وَتُرِيدُ أَنَّ عَيْنَيْهِ جَمِيعًا حَسَنَتَانِ قَالَهُ فِي الْمَصَابِيحِ. اهـ. قَسْطَلَّانِيٌّ قَوْلُهُ: (فَلَا يَكْفِي وَضْعُهُمَا) أَيْ دُونَ الْجَبْهَةِ، وَيُنْدَبُ وَضْعُهُمَا مَعًا ق ل قَوْلُهُ: (عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ) وَلَوْ عَلَى طَرَفٍ شُدَّ عَلَى كَتِفِهِ، أَوْ طَرَفِ مِئْزَرٍ فِي وَسَطِهِ ق ل قَوْلُهُ: (فِي قِيَامٍ) أَيْ لِمَنْ يُصَلِّي قَائِمًا أَوْ قُعُودٍ لِمَنْ يُصَلِّي قَاعِدًا قَوْلُهُ: (وَأَعَادَ السُّجُودَ) أَيْ إنْ تَذَكَّرَ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ، أَوْ عَلِمَ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ عَقِبَ السُّجُودِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ اسْتَأْنَفَهَا ق ل. تَنْبِيهٌ: التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ التَّحَرُّكِ وَعَدَمِهِ لَا يَجْرِي فِي جُزْئِهِ كَسِلْعَةٍ طَالَتْ أَيْ فِي غَيْرِ الْجَبْهَةِ. فَلَا يَكْفِي السُّجُودُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، أَمَّا مَا نَبَتَ بِالْجَبْهَةِ مِنْ شَعْرٍ أَوْ سِلْعَةٍ فَإِنَّهُ يُجْزِي السُّجُودُ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَ اهـ م د. قَوْلُهُ: (لَمْ يَضُرَّ) تَبِعَ فِيهِ شَيْخَ الْإِسْلَامِ وَاعْتَمَدَ م ر خِلَافَهُ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ التَّحَرُّكَ بِالْقُوَّةِ. وَالشَّارِحُ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ يَعْتَبِرُونَ التَّحَرُّكَ بِالْفِعْلِ وَاعْتَمَدَ الْقَلْيُوبِيُّ كَلَامَ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَمُخَالَفَةُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ فِي ذَلِكَ لَا وَجْهَ لَهَا فَتَأَمَّلْ. وَدَعْوَى الشَّارِحِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ مَنْ ذَكَرَهُ مَمْنُوعَةٌ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: نَفْيُ الرُّؤْيَةِ لَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهُ ذَكَرَهُ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: (كَعُودٍ بِيَدِهِ فَلَا يَضُرُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ) وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ بِأَنَّ اتِّصَالَ الثِّيَابِ بِهِ وَنِسْبَتَهَا إلَيْهِ أَكْثَرُ لِاسْتِقْرَارِهَا وَطُولِ مُدَّتِهَا بِخِلَافِ هَذَا، وَلَيْسَ مِثْلَهُ الْمِنْدِيلُ الَّذِي عَلَى عِمَامَتِهِ وَالْمُلْقَى عَلَى عَاتِقِهِ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ لَهُ بِخِلَافِ مَا فِي يَدِهِ انْتَهَى م ر. فَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى عُودٍ إلَخْ تَقْيِيدُ الْمَحْمُولِ الْمُتَقَدِّمِ بِالْمَلْبُوسِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (ضَرَّ) أَيْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ، وَيَجِبُ إعَادَةُ مَا احْتَمَلَ وُجُودُهُ أَيْ الْحَائِلُ فِيهِ ق ل قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهِ) كَوَجَعِ رَأْسِهِ قَوْلُهُ: (بِأَنْ شَقَّ عَلَيْهِ إزَالَتُهَا) أَيْ مَشَقَّةً لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً وَإِنْ لَمْ تُبِحْ التَّيَمُّمَ ق ل. وَيَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَوْلِ الطَّبِيبِ الْعَدْلِ إنَّ إزَالَتَهَا تَشُقُّ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةٌ إلَّا إنْ كَانَ تَحْتَهُ نَجَسٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ انْتَهَى م ر. وَلَوْ سَجَدَ عَلَى نَحْوِ وَرَقَةٍ فَالْتَصَقَتْ، فَإِنْ أَزَالَهَا ثُمَّ سَجَدَ ثَانِيًا لَمْ يَضُرَّ، وَلَوْ لَمْ يَدْرِ الْتِصَاقَهُ فِي أَيِّ سَجْدَةٍ فَإِنْ رَآهُ بَعْدَ الْأَخِيرَةِ وَجَوَّزَ أَنَّهُ كَانَ فِيمَا قَبْلَهَا وَلَوْ الْأُولَى قَدَّرَ أَنَّهُ فِيهَا وَحُسِبَ لَهُ رَكْعَةٌ إلَّا سَجْدَةً فَيُنَحِّيهِ وَيَسْجُدُهَا، ثُمَّ يُكْمِلُ الصَّلَاةَ أَوْ قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَلْزَمْهُ مَعَ الْإِيمَاءِ لِلْعُذْرِ فَهَذَا أَوْلَى، وَكَذَا لَوْ سَجَدَ عَلَى شَعْرٍ نَبَتَ عَلَى جَبْهَتِهِ لِأَنَّ مَا نَبَتَ عَلَيْهَا مِثْلُ بَشَرَتِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ . وَيَجِبُ وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَمِنْ بَاطِنِ كَفَّيْهِ وَمِنْ بَاطِنِ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ: «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: الْجَبْهَةِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» . وَلَا يَجِبُ كَشْفُهَا بَلْ يُكْرَهُ كَشْفُ الرُّكْبَتَيْنِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فَرْعٌ: لَوْ خُلِقَ لَهُ رَأْسَانِ وَأَرْبَعُ أَرْجُلٍ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْ الْجَبْهَتَيْنِ وَمَا بَعْدَهُمَا أَمْ لَا؟ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ، فِي ذَلِكَ إنْ عَرَفَ الزَّائِدَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَإِلَّا اكْتَفَى فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِوَضْعِ بَعْضِ إحْدَى الْجَبْهَتَيْنِ وَبَعْضِ يَدَيْنِ وَرُكْبَتَيْنِ وَأَصَابِعِ رِجْلَيْنِ إنْ كَانَتْ كُلُّهَا أَصْلِيَّةً، فَإِنْ اشْتَبَهَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ وَجَبَ وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا. (وَ) الْعَاشِرُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) أَيْ السُّجُودِ لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَيَجِبُ أَنْ يُصِيبَ مَحَلَّ سُجُودِهِ ثِقَلُ رَأْسِهِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ: «إذَا سَجَدْت فَمَكِّنْ جَبْهَتَك» . وَمَعْنَى الثِّقَلِ أَنْ يَتَحَامَلَ بِحَيْثُ لَوْ فُرِضَ تَحْتَهُ قُطْنٌ أَوْ حَشِيشٌ لَانْكَبَسَ وَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي يَدٍ لَوْ فُرِضَتْ تَحْتَ ذَلِكَ، وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَعِبَارَةِ التَّحْقِيقِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَنْشُرَ أَصَابِعَهُمَا مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ وَيَعْتَمِدَ عَلَيْهِمَا، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَهْوِيَ لِغَيْرِ السُّجُودِ كَمَا مَرَّ فِي الرُّكُوعِ، فَلَوْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ الِاعْتِدَالِ وَجَبَ الْعَوْدُ إلَيْهِ لِيَهْوِيَ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الْهَوِيِّ فِي السُّقُوطِ فَإِنْ سَقَطَ مِنْ الْهَوِيِّ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ بَلْ يُحْسَبُ ذَلِكَ سُجُودًا، إلَّا إنْ قَصَدَ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهَا فَقَطْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ السُّجُودِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ. وَلَوْ سَقَطَ مِنْ الْهَوِيِّ عَلَى جَنْبِهِ فَانْقَلَبَ بِنِيَّةِ السُّجُودِ أَوْ بِلَا نِيَّةٍ أَوْ بِنِيَّتِهِ وَنِيَّةِ الِاسْتِقَامَةِ وَسَجَدَ أَجْزَأَهُ، فَإِنْ نَوَى الِاسْتِقَامَةَ لَمْ يُجْزِهِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ بَلْ يَجْلِسُ ثُمَّ يَسْجُدُ وَلَا يَقُومُ ثُمَّ يَسْجُدُ، فَإِنْ قَام   [حاشية البجيرمي] سُجُودِ الْأُولَى حُسِبَ لَهُ رَكْعَةٌ بِغَيْرِ سُجُودٍ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ احْتَمَلَ حُدُوثَهُ بَعْدَهَا فَالْأَصْلُ مُضِيُّهَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِلَّا فَإِنْ قَرُبَ الْفَصْلُ بَنَى وَأَخَذَ بِالْأَسْوَأِ وَإِلَّا اسْتَأْنَفَهَا. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ سَجَدَ عَلَى شَعْرٍ نَبَتَ عَلَى جَبْهَتِهِ) أَيْ وَإِنْ طَالَ، وَقَدَّرَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى غَيْرِ مَا لَاقَى الشَّعْرُ لِأَنَّهُ كَجُزْءٍ مِنْ الْجَبْهَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّهَا م ر. قَالَ ق ل: أَيْ وَلَمْ يَسْجُدْ عَلَى طَرَفِهِ الْمُسْتَرْسِلِ عَنْهَا وَإِلَّا فَلَا يَكْفِي كَمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (ذَكَرَهُ) أَيْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَ مِنْ صِحَّةِ السُّجُودِ عَلَى الشَّعْرِ قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ إلَخْ) عَبَّرَ بِهِ دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَوَضْعُ جُزْءٍ عَطْفًا عَلَى مُبَاشَرَةٍ، وَيَكُونُ لَفْظُ أَقَلَّ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِهِ رَدُّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَضْعُ غَيْرِ الْجَبْهَةِ، فَأَرَادَ رَدَّهُ صَرِيحًا. وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ رُكْبَتَيْهِ الِاكْتِفَاءُ بِالسُّجُودِ عَلَى بَعْضِ رُكْبَةٍ وَيَدٍ وَأَصَابِعِ قَدَمٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ بَعْضُ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَأَصَابِعِ الْقَدَمَيْنِ. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاسْتِغْرَاقِ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ وَلَا يُصْرَفُ عَنْهُ إلَى الْمَجْمُوعِ إلَّا بِقَرِينَةٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ هُنَا بَعْضِ كُلٍّ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى آخِرِهِ انْتَهَى ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ. وَيُتَصَوَّرُ رَفْعُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ مَا عَدَا الْجَبْهَةَ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَجَرَيْنِ يَضَعُ رِجْلَيْهِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْجَبْهَةَ عَلَى الْآخَرِ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ قَصِيرٌ يَضَعُ بَطْنَهُ عَلَيْهِ، وَيَرْفَعُهَا أَيْ الْأَعْضَاءَ انْتَهَى شَرْحُ الرَّمْلِيِّ. قَوْلُهُ: (وَضْعُ جُزْءٍ) وَلَوْ قَلِيلًا جِدًّا حِفْنِيٌّ قَوْلُهُ: (مِنْ رُكْبَتَيْهِ) أَيْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلُهُ: (وَمِنْ بَاطِنِ كَفَّيْهِ) سَوَاءٌ الْأَصَابِعُ وَالرَّاحَةُ، وَضَابِطُهُ مَا يُنْقَضُ مِنْهُ سم وَقِ ل. أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَصْلِيًّا فَلَا يَكْفِي وَضْعُ الزَّائِدِ وَإِنْ نَقَضَ مَسُّهُ، وَالْمُرَادُ وَضْعُهُمَا فِي آنٍ وَاحِدٍ مَعَ الْجَبْهَةِ فِيمَا يَظْهَرُ، حَتَّى لَوْ وَضَعَهُمَا ثُمَّ رَفَعَهُمَا ثُمَّ وَضَعَ الْجَبْهَةَ أَوْ عَكَسَ لَمْ يَكْفِ لِأَنَّهَا أَعْضَاءٌ تَابِعَةٌ لِلْجَبْهَةِ، وَإِذَا رَفَعَ الْجَبْهَةَ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَجَبَ عَلَيْهِ رَفْعُ الْكَفَّيْنِ أَيْضًا خ ض. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَضْعُ الْكَفَّيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ. وَفِي حَاشِيَةِ ع ش عَلَى م ر: وَانْظُرْ لَوْ خُلِقَ كَفُّهُ مَقْلُوبًا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ ظَهْرِ الْكَفِّ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الظُّهْرَ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْبَطْنِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَبَقِيَ مَا لَوْ عَرَضَ لَهُ الِانْقِلَابُ هَلْ يَجِبُ وَضْعُ الْبَطْنِ وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ وَلَوْ بِمُعَيَّنٍ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: وَانْظُرْ لَوْ خُلِقَ بِلَا كَفٍّ وَبِلَا أَصَابِعَ هَلْ يُقَدِّرُ لَهُ مِقْدَارَهُمَا وَيَجِبُ وَضْعُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ أَقُولُ: قِيَاسُ النَّظَائِرِ تَقْدِيرُ مَا ذَكَرَ كَمَا لَوْ خُلِقَتْ يَدُهُ بِلَا مِرْفَقٍ وَذَكَرُهُ بِلَا حَشَفَةٍ مِنْ أَنَّهُ يُقَدِّرُ لَهُمَا مِنْ مُعْتَدِلِهِمَا قَوْلُهُ: (أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ) وَلَوْ جُزْءًا مِنْ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ قَوْلُهُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَيْ بِجُزْءٍ مِنْهَا وَلَوْ بَاطِنَ أُصْبُعٍ، كَذَا فِي الرَّجْلِ. نَعَمْ إنْ عَجَزَ لِنَحْوِ شَلَلٍ فَعَلَ مَقْدُورَهُ، فَلَوْ تَعَذَّرَ وَضْعُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ سَقَطَ الْفَرْضُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ الزَّنْدِ لَمْ يَجِبْ وَضْعُهُ وَلَا وَضْعُ رِجْلٍ قُطِعَتْ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْفَرْضِ. قَوْلُهُ: «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ وَضْعِ الْبَاطِنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ» ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ اعْتِمَادُهُ عَلَى بُطُونِهَا. اهـ. م ر. وَسَمَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ عَظْمًا بِاعْتِبَارِ الْجُمْلَةِ وَإِنْ اشْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى عِظَامٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْجُمْلَةِ بِاسْمِ بَعْضِهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ كَشْفُهَا) إلَّا الْجَبْهَةَ فَيَجِبُ كَشْفُهَا كَمَا تَقَدَّمَ مَدَابِغِيٌّ قَوْلُهُ: (بَلْ يُكْرَهُ كَشْفُ الرُّكْبَتَيْنِ) أَيْ غَيْرَ الْجُزْءِ الَّذِي لَا تَتِمُّ الْعَوْرَةُ إلَّا بِهِ، أَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ كَشْفُهُ وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ ح ل وَعِبَارَةُ التَّحْرِيرِ وَحَوَاشِيهِ. وَيُسَنُّ كَشْفُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَيْ فِي حَقِّ الرَّجُلِ إذْ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ قَدَمَيْهَا، وَيُكْرَهُ كَشْفُ كَفَّيْهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِلَّةِ كَشْفِ الرُّكْبَتَيْنِ ق ل. وَقَوْلُهُ: إذْ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ قَدَمَيْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] أَيْ الْحُرَّةُ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ وَيُكْرَهُ كَشْفُ كَفَّيْهَا ضَعِيفٌ، وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ كَشْفُ الْيَدَيْنِ فِي حَقِّ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ وَكَشْفُ قَدَمَيْ الذَّكَرِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَجِبُ سَتْرُ قَدَمَيْهِ، وَيُسَنُّ سَتْرُ الرُّكْبَتَيْنِ لِلذَّكَرِ وَالْأَمَةِ: قَوْلُهُ: (وَأَرْبَعُ أَرْجُلٍ) أَيْ وَأَرْبَعُ رُكَبٍ قَوْلُهُ: (الَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَتْ أَصْلِيَّةً اكْتَفَى بِوَضْعِ سَبْعَةِ أَعْظُمٍ مِنْهَا فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَصْلِيًّا وَبَعْضُهَا زَائِدًا وَتَمَيَّزَ فَالْعِبْرَةُ بِالْأَصْلِيِّ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ فَيَجِبُ وَضْعُ الْجَمِيعِ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الزَّائِدُ وَهَذَا يَصْدُقُ بِعَدَمِهِ لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ كُلُّهَا أَصْلِيَّةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الزَّائِدُ بِأَنْ كَانَتْ كُلُّهَا أُصُولًا، أَوْ اشْتَبَهَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ قَوْلُهُ: (وَبَعْضِ يَدَيْنِ) أَيْ مِنْ الْأَيْدِي الْأَرْبَعَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (وَظَهَرَ أَثَرُهُ) أَيْ أَثَرُ الْقُطْنِ أَوْ الْحَشِيشِ. أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلِانْكِبَاسِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ انْكَبَسَ، وَأَثَرُهُ هُوَ الْإِحْسَاسُ. وَفِي بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ ظَهَرَ الْإِحْسَاسُ لِيَدٍ لَوْ وُضِعَتْ تَحْتَ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنْ يَنْدَكَّ مِنْ الْقُطْنِ مَا يَلِي جَبْهَتَهُ عُرْفًا، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَثَلًا عِدْلٌ مِنْ الْقُطْنِ لَا يُمْكِنُ انْكِبَاسُ جَمِيعِهِ بِمُجَرَّدِ وَضْعِ الرَّأْسِ وَإِنْ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَتَنَبَّهْ لَهُ ع ش عَلَى الرَّمْلِيِّ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: كَأَنَّ الْمُرَادَ بِظُهُورِهِ إحْسَاسُهَا بِهِ لَا حُصُولُ أَلَمٍ بِهَا فَفِي بِمَعْنَى اللَّامِ قَوْلُهُ: (وَلَا يُعْتَبَرُ إلَخْ) خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ وَعِبَارَةُ الْقَلْيُوبِيِّ، وَيَجِبُ فِيهَا يَعْنِي الْجَبْهَةِ التَّحَامُلُ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ قَوْلُهُ: (لِيَهْوِيَ) بَابُهُ ضَرَبَ قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ الْهَوِيِّ) أَيْ قَصْدِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَوْجُودٌ قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَقَطَ مِنْ الْهَوِيِّ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ مِنْ الِاعْتِدَالِ قَوْلُهُ: (لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ) صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ بَلْ إنْ عَادَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ وَهِيَ فِعْلٌ مُبْطِلٌ قَوْلُهُ: (الِاعْتِمَادَ عَلَيْهَا فَقَطْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَكَ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ السُّجُودِ) أَيْ بَعْدَ أَدْنَى رَفْعٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِوُجُودِ الْهَوِيِّ الْمُجْزِئِ إلَى وَضْعِ الْجَبْهَةِ، وَلَمْ يَخْتَلَّ إلَّا مُجَرَّدُ وَضْعِهَا بِقَصْدِ الِاعْتِمَادِ فَأُلْغِيَ دُونَ الْهَوِيِّ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: إلَّا إنْ قَصَدَ إلَخْ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ بَلْ يُحْسَبُ ذَلِكَ سُجُودٌ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ قَوْلُهُ: (لِوُجُودِ الصَّارِفِ) وَهُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا، فَالْمُعْتَبَرُ الْعَوْدُ إلَى مَحَلٍّ وُجِدَ فِيهِ الصَّارِفُ مُطْلَقًا. فَرْعٌ: لَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ خَشِنٍ يُؤْذِي جَبْهَتَهُ مَثَلًا فَإِنْ زَحْزَحَ جَبْهَتَهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لَمْ يَضُرَّ، وَكَذَا إنْ رَفَعَهَا قَلِيلًا ثُمَّ عَادَ وَلَمْ يَكُنْ اطْمَأَنَّ وَإِلَّا كَأَنْ رَفَعَهَا قَلِيلًا بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ ثُمَّ عَادَ بَطَلَتْ، وَكَذَا لَوْ سَجَدَ عَلَى نَحْوِ يَدِهِ. وَلَوْ رَفَعَ جَبْهَتَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعَادَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ اطْمَأَنَّ أَوْ لَا ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ سَقَطَ مِنْ الْهَوِيِّ عَلَى جَنْبِهِ إلَخْ) جُمْلَةُ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَالْخَامِسَةُ هِيَ قَوْلُهُ: فِيمَا يَأْتِي وَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ صَرْفَهُ إلَخْ. وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ إلَّا فِي هَذِهِ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَوَى الِاسْتِقَامَةَ) أَيْ فَقَطْ قَوْلُهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ صَرْفَهُ عَنْ السُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا لَا يُزَادُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ عَامِدًا. وَيَجِبُ فِي السُّجُودِ أَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ عَلَى أَعَالِيهِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، فَلَوْ صَلَّى فِي سَفِينَةٍ مَثَلًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ارْتِفَاعِ ذَلِكَ لِمَيَلَانِهَا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ. نَعَمْ إنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهَا السُّجُودُ إلَّا كَذَلِكَ صَحَّ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى وِسَادَةٍ بِتَنْكِيسٍ لَزِمَهُ لِحُصُولِ هَيْئَةِ السُّجُودِ بِذَلِكَ، أَوْ بِلَا تَنْكِيسٍ لَمْ يَلْزَمْهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا لِفَوَاتِ هَيْئَةِ السُّجُودِ بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ الْمُمْكِنُ خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. (وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) وَلَوْ فِي نَفْلٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ يَقُولُ: يَكْفِي أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ عَنْ الْأَرْضِ أَدْنَى رَفْعٍ كَحَدِّ السَّيْفِ. (وَ) الثَّانِي عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ غَيْرَهُ كَمَا مَرَّ فِي الرُّكُوعِ، فَلَوْ رَفَعَ فَزَعًا مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَكْفِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى السُّجُودِ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ وَلَا الِاعْتِدَالَ   [حاشية البجيرمي] وَإِنْ نَوَى) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ نَوَى الِاسْتِقَامَةَ لَمْ يُجْزِهِ. وَقَوْلُهُ: مَعَ ذَلِكَ أَيْ مَعَ نِيَّةِ الِاسْتِقَامَةِ. وَقَوْلُهُ صَرْفَهُ أَيْ الِانْقِلَابَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ نَوَى الِاسْتِقَامَةَ فَنِيَّةُ الِاسْتِقَامَةِ فَقَطْ لَا تَقْتَضِي بُطْلَانَ الصَّلَاةِ إلَّا إذَا انْضَمَّ لَهَا صَرْفُ الِانْقِلَابِ عَنْ السُّجُودِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا أَيْ وَهُوَ الِانْقِلَابُ الَّذِي نَوَى صَرْفَهُ عَنْ السُّجُودِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ أَنَّ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ عَنْ السُّجُودِ عَلَى بَابِهَا خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَهَا بِمَعْنَى اللَّامِ قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ فِي السُّجُودِ أَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ) الْأَسَافِلُ الْعَجِيزَةُ وَمَا حَوْلَهَا، وَالْأَعَالِي رَأْسُهُ وَمَنْكِبَاهُ وَيَدَاهُ، فَالْيَدَانِ مِنْ الْأَعَالِي كَمَا فِي ع ش. وَصَوَّرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ ارْتِفَاعَ الْيَدَيْنِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِوَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى حَائِطٍ مَثَلًا قُبَالَةَ وَجْهِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْحَائِطُ قَصِيرَةً عُرْفًا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مَعَ ذَلِكَ السُّجُودُ، فَهَذِهِ صُورَةُ مَا إذَا ارْتَفَعَتْ يَدَاهُ عَلَى أَسَافِلِهِ. وَالْمُرَادُ أَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ أَيْ يَقِينًا فَيَضُرُّ الشَّكُّ وَلَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، فَلَوْ انْعَكَسَ أَوْ تَسَاوَيَا لَمْ يُجْزِهِ لِعَدَمِ اسْمِ السُّجُودِ كَمَا لَوْ أُكِبَّ عَلَى وَجْهِهِ وَمَدَّ رِجْلَيْهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُ وَأَنْ يَرْفَعَ أَسَافِلَهُ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ قَوْلُهُ: (عَلَى وِسَادَةٍ) تُصَوَّرُ بِمَا إذَا كَانَتْ أَمَامَهُ حُفْرَةٌ لَوْ وَضَعَ فِيهَا وِسَادَةً تُنَكَّسُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِلَا تَنْكِيسٍ أَيْ بِأَنْ زَادَ ارْتِفَاعُ الْوِسَادَةِ عَلَى الْحُفْرَةِ بِأَنْ عَلَتْ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ الْمُمْكِنُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا شَرْحُ الرَّوْضِ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ: فَلَوْ أَمْكَنَ الْعَاجِزُ عَنْ وَضْعِ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَالسُّجُودِ عَلَى وِسَادَةٍ بِلَا تَنْكِيسٍ لَمْ يَلْزَمْهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِفَوَاتِ هَيْئَةِ السُّجُودِ، بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ الْمُمْكِنُ وَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الِانْتِصَابُ إلَّا بِاعْتِمَادٍ عَلَى شَيْءٍ لَزِمَهُ لِأَنَّ هُنَاكَ إذَا اعْتَمَدَ عَلَى شَيْءٍ أَتَى بِهَيْئَةِ الْقِيَامِ، وَهُنَا إذَا وَضَعَ الْوِسَادَةَ لَا يَأْتِي بِهَيْئَةِ السُّجُودِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوَضْعِ أَوْ تَنْكِيسٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ قَطْعًا لِحُصُولِ هَيْئَةِ السُّجُودِ بِذَلِكَ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. وَقَوْلُهُ: تَنْكِيسٍ أَيْ بِرَفْعِ أَسَافِلِهِ عَلَى أَعَالِيهِ قَوْلُهُ: (لَمْ يَلْزَمْهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا) بَلْ يُسَنُّ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّمْلِيِّ. وَمِثْلُ مَنْ بِهِ عِلَّةٌ الْحَامِلُ وَنَحْوُهَا كَمَنْ طَالَ أَنْفُهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْهَا وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ كَفَاهَا الْإِيمَاءُ وَلَا إعَادَةَ قَوْلُهُ: (لِفَوَاتِ هَيْئَةِ السُّجُودِ) أَيْ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوَضْعِ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: (بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ) أَيْ الِانْحِنَاءُ لِلسُّجُودِ فِي الْحُفْرَةِ وَلَا يَضَعُ الْوِسَادَةَ فِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ) أَيْ مِنْ لُزُومِ السُّجُودِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (فَزَعًا مِنْ شَيْءٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ لِإِفَادَةِ قَصْدِ الْفَزَعِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قُرِئَ فَزِعًا بِكَسْرِ الزَّايِ اسْمُ فَاعِلٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ فَزَعًا أَيْ خَوْفًا، أَمَّا لَوْ رَفَعَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ رَفْعُهُ لِلْفَزَعِ أَمْ لِغَيْرِهِ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ تَرَدُّدَهُ فِي ذَلِكَ شَكٌّ فِي الرَّفْعِ، وَالشَّكُّ مُؤَثِّرٌ فِي جَمِيعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 لِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ قَصِيرَانِ لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ لِذَاتِهِمَا بَلْ لِلْفَصْلِ، وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ بِلَا رَفْعِ يَدٍ مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ سُجُودِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ لِلِاتِّبَاعِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ بِحَيْثُ تُسَامِتُهُمَا رُءُوسُ الْأَصَابِعِ، نَاشِرًا أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ كَمَا فِي السُّجُودِ قَائِلًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي لِلِاتِّبَاعِ، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْمَلِ. (وَ) الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الْجُلُوسُ الْأَخِيرُ) لِأَنَّهُ مَحَلُّ ذِكْرٍ وَاجِبٍ فَكَانَ وَاجِبًا كَالْقِيَامِ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ. (وَ) الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (التَّشَهُّدُ فِيهِ) أَيْ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ لِقَوْلِ «ابْنِ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   [حاشية البجيرمي] الْأَفْعَالِ قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ) أَيْ الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَإِنْ طَوَّلَ أَحَدَهُمَا فَوْقَ ذِكْرِهِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ فِي الِاعْتِدَالِ وَقَدْرَ أَقَلِّ التَّشَهُّدِ فِي الْجُلُوسِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ وَالْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَقَلَّهُ قَوْلُهُ: (وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) فَلَا يَضُرُّ إدَامَةُ وَضْعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ إلَى السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ قَوْلُهُ: (وَاجْبُرْنِي) أَيْ اغْنِنِي، وَعَطْفُ اُرْزُقْنِي عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِأَنَّ الرِّزْقَ أَعَمُّ وَالْغِنَى أَخَصُّ زِيَادِيٌّ. وَيُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَإِمَامِ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ " رَبِّ هَبْ لِي قَلْبًا تَقِيًّا نَقِيًّا مِنْ الشِّرْكِ بَرِيًّا لَا كَافِرًا وَلَا شَقِيًّا " م ر قَوْلُهُ: (وَارْزُقْنِي) أَيْ حَلَالًا لِانْصِرَافِ الطَّلَبِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الرِّزْقُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَا اُنْتُفِعَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا اهـ اج قَوْلُهُ: (الْجُلُوسُ الْأَخِيرُ) لَوْ قَالَ: الْجُلُوسُ الَّذِي يَعْقُبُهُ سَلَامٌ لَكَانَ أَشْمَلَ لِدُخُولِ نَحْوِ الصُّبْحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجُلُوسَ وَالتَّشَهُّدَ فِيهِ رُكْنَانِ إنْ عَقِبَهُمَا سَلَامٌ وَإِلَّا فَسُنَّتَانِ قَوْلُهُ: (التَّشَهُّدُ) سُمِّيَ بِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ جُزْئِهِ م ر. وَالتَّشَهُّدُ مِنْ الشَّهَادَةِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ لِلَّهِ وَبِالرِّسَالَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ الْأَخِيرُ، أَيْ وَهُوَ الَّذِي يَعْقُبُهُ سَلَامٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّلَاةِ تَشَهُّدٌ أَوَّلٌ كَمَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ، فَقَوْلُهُ الْأَخِيرُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَهَا تَشَهُّدَانِ اهـ خِضْرٌ. قَوْلُهُ: (كُنَّا نَقُولُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِتَوْقِيفٍ أَوْ اجْتِهَادٍ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. لَكِنْ نَهْيُ النَّبِيِّ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " لَا تَقُولُوا " إلَخْ رُبَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ مِنْ غَيْرِ تَشْرِيعٍ. وَعِبَارَةُ الْقَسْطَلَّانِيِّ. قَوْلُهُ عَلَى فُلَانٍ زَادَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ يَعْنُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَالْأَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْأَبِيُّ أَنَّ هَذَا كَانَ اسْتِحْسَانًا مِنْهُمْ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْمَعْهُ إلَّا حِينَ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ، وَوَجْهُ الْإِنْكَارِ عَدَمُ اسْتِقَامَةِ الْمَعْنَى. وَقَوْلُهُ كُنَّا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمَرْفُوعِ حَتَّى يَكُونَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ: " إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ " لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَصِحُّ مَعْنَاهُ وَلَيْسَ تَكَرُّرُ ذَلِكَ مَظِنَّةً لِعِلْمِهِ بِهِ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّشَهُّدُ سِرٌّ اهـ. بِحُرُوفِهِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّحْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ كَانَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْمَعْهُ إلَّا حِينَ أَنْكَرَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَكَرُّرِهِ مِنْهُمْ سَمَاعُهُ لِإِسْرَارِهِمْ بِهِ لَكِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى جَوَازُ الِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ كَمَا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لَهُ الِاجْتِهَادَ مُطْلَقًا اهـ. وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ فِي الْحُرُوبِ وَالْآرَاءِ وَالْأَحْكَامِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالْحُرُوبِ وَالْآرَاءِ قَوْلُهُ: (قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ) اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ فَرْضَ التَّشَهُّدِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّ صَلَاةَ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ الْجُلُوسُ فِيهَا مُسْتَحَبًّا أَوْ وَاجِبًا بِلَا ذِكْرٍ م ر. وَقَوْلُهُ: بِلَا ذِكْرٍ فِيهِ نَظَرٌ إذْ نَفْسُ الرِّوَايَةِ مُصَرِّحَةٌ بِالذِّكْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: كُنَّا نَقُولُ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ اهـ اج قَوْلُهُ: (قَبْلَ عِبَادِهِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ نَقُولَ السَّلَامُ عَلَى عِبَادِهِ أَيْ قَبْلَ أَنْ نَقُولَ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ إلَخْ. فَقَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ إلَخْ بَيَانٌ لِعِبَادِهِ، وَمَعْنَى السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ طَلَبُ سَلَامَتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» إلَخْ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا التَّعْبِيرُ بِالْفَرْضِ. وَالثَّانِي: الْأَمْرُ بِهِ وَالْمُرَادُ فَرْضُهُ فِي الْجُلُوسِ آخِرَ الصَّلَاةِ، وَأَقَلُّهُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ فَرْضُهُ فِي الْجُلُوسِ آخِرَ الصَّلَاةِ، وَأَقَلُّهُ: سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَوْ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» ، وَهَلْ يُجْزِئُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الصَّوَابُ إجْزَاؤُهُ لِثُبُوتِهِ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ، وَقَدْ حَكَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ التَّشَهُّدِ بِالرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا اشْتَرَطَ لَفْظَةَ عَبْدِهِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَكْمَلُهُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا   [حاشية البجيرمي] مِنْ النَّقَائِصِ. وَقَوْلُهُ: السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ أَيْ مَا صَدَّقَهُ كَإِسْرَافِيلَ فَالْمُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ. وَقَوْلُهُ: «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ» لِأَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى قَوْلُهُ: «لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ» إلَخْ إنْ قُلْت لَفْظُ السَّلَامِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اسْمِ اللَّهِ وَالتَّحِيَّةِ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مَعْنَاهُ التَّحِيَّةُ أَيْ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ، فَكَيْفَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ مَعْنَاهُ؟ قُلْت: تَحَاشِيًا عَنْ اللَّفْظِ الْمُوهِمِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا ذَكَرَ اهـ. قَوْلُهُ: (آخِرَ الصَّلَاةِ) أَيْ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ ثُمَّ سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ سَجْدَتَيْنِ» . قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّهُ إلَخْ) وَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ لَفْظٍ مِنْ هَذَا الْأَقَلِّ وَلَوْ بِمُرَادِفِهِ نَحْوِ: أَعْلَمُ بَدَلَ أَشْهَدُ وَلَا أَحْمَدَ بَدَلُ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْأَنْوَارِ يَأْتِي فِيهِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْفَاتِحَةِ مِنْ مُرَاعَاةِ التَّشْدِيدِ وَعَدَمِ الْإِبْدَالِ وَغَيْرِهِمَا. نَعَمْ فِي النَّبِيِّ لُغَتَانِ الْهَمْزُ وَالتَّشْدِيدُ، فَيَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا تَرْكُهُمَا مَعًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَظْهَرَ النُّونَ الْمُدْغَمَةَ فِي اللَّامِ فِي أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أُبْطِلَ لِتَرْكِهِ شَدَّةً وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ حَرْفٍ. نَعَمْ لَا يَبْعُدُ عُذْرُ الْجَاهِلِ لِخَفَائِهِ عَلَيْهِ م ر. وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ حَرْفًا وَإِنَّمَا أَظْهَرَ الْمُدْغَمَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَوْ أَظْهَرَ التَّنْوِينَ الْمُدْغَمَ فِي الرَّاءِ فِي وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَزِيدُ عَلَى اللَّحْنِ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّ الْبَزِّيَّ خَيَّرَ بَيْنَ الْإِدْغَامِ وَالْإِظْهَارِ فِيهِمَا أَيْ فِي النُّونِ وَالتَّنْوِينِ مَعَ اللَّامِ وَالرَّاءِ، وَلَوْ فَتَحَ اللَّامَ مِنْ رَسُولُ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَلَا حُرْمَةَ مَعَ الْعِلْمِ وَالتَّعَمُّدِ. نَعَمْ لَوْ نَوَى الْعَالِمُ بِهِ الْوَصْفِيَّةَ وَلَمْ يُضْمِرْ خَبَرًا لِأَنَّهُ أُبْطِلَ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، وَحَيْثُ جُعِلَ أَقَلُّ التَّشَهُّدِ كَالْفَاتِحَةِ فَمَتَى أَبْدَلَ حَرْفًا مِنْهُ بِآخَرَ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَةُ تِلْكَ الْكَلِمَةِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا حَيْثُ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا وَقَدْ غَيَّرَ ذَلِكَ الْإِبْدَالُ الْمَعْنَى. اهـ. حَلَبِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَوْ أَظْهَرَ النُّونَ الْمُدْغَمَةَ إلَى قَوْلِهِ أَبْطَلَ ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَوْ أَظْهَرَ التَّنْوِينَ إلَخْ الْمُعْتَمَدِ فِي هَذَيْنِ عَدَمُ الْبُطْلَانِ كَمَا فِي الشبراملسي، لِأَنَّهُ لَمَّا أَظْهَرَ التَّنْوِينَ فِي الصِّيغَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَضُرَّ إظْهَارُهُ هُنَا. وَقَوْلُهُ لَا تَرْكُهُمَا مَعًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْوَقْفِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ حَيْثُ جَوَّزَا إسْقَاطَهُمَا مَعًا فِي الْوَقْفِ. قَوْلُهُ: (سَلَامٌ عَلَيْك) وَحَذْفُ تَنْوِينِ سَلَامٌ مُبْطِلٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَوْلُهُ: (وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَخْ) . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكْفِي وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ عَلَى مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَذِكْرُ الْوَاوِ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ فِي الْأَذَانِ لِأَنَّهُ طُلِبَ فِيهِ إفْرَادُ كُلِّ كَلِمَةٍ بِنَفَسٍ وَذَلِكَ يُنَاسِبُ تَرْكَ الْعَطْفِ، وَتَرْكُهَا فِي الْإِقَامَةِ لَا يَضُرُّ إلْحَاقًا لَهَا بِأَصْلِهَا وَهُوَ الْأَذَانُ زِيَادِيٌّ قَوْلُهُ: (بِلَفْظِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ) هَذَا لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعَى لِأَنَّ الْمُدَّعَى أَنَّهُ يُجْزِئُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ وَهَذَا فِيهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ الِاكْتِفَاءُ بِالضَّمِيرِ قَوْلُهُ: (وَأَكْمَلُهُ التَّحِيَّاتُ إلَخْ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَهِيَ مَا يُحَيَّا بِهِ مِنْ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُ {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء: 86] الْآيَةَ. وَقِيلَ الْمُلْكُ وَقِيلَ الْعَظَمَةُ وَقِيلَ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ، وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ التَّحِيَّاتِ مِنْ الْخَلْقِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. (وَ) الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ) أَيْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56]   [حاشية البجيرمي] وَإِنَّمَا جُمِعَتْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُلُوكِ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لَمَّا جَاوَزَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى غَشِيَتْهُ سَحَابَةٌ مِنْ نُورٍ فِيهَا مِنْ الْأَلْوَانِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَوَقَفَ جِبْرِيلُ وَلَمْ يَسِرْ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: أَتَتْرُكُنِي أَسِيرُ مُنْفَرِدًا فَقَالَ جِبْرِيلُ {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 164] فَقَالَ: سِرْ مَعِي وَلَوْ خُطْوَةً فَسَارَ مَعَهُ خُطْوَةً فَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ النُّورِ وَالْجَلَالِ وَالْهَيْبَةِ وَصَغُرَ وَذَابَ حَتَّى صَارَ قَدْرَ الْعُصْفُورِ، فَأَشَارَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى رَبِّهِ إذَا وَصَلَ مَكَانَ الْخِطَابِ، فَلَمَّا وَصَلَ النَّبِيُّ إلَيْهِ قَالَ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَحَبَّ النَّبِيُّ أَنْ يَكُونَ لِعِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَقَالَ جَمِيعُ أَهْلِ السَّمَوَاتِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» . وَإِنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ لِلنَّبِيِّ مِثْلُ مَا حَصَلَ لِجِبْرِيلَ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِ الطَّاقَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ مُرَادٌ وَمَطْلُوبٌ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ قُوَّةً وَاسْتِعْدَادًا لِتَحَمُّلِ هَذَا الْمَقَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ لِلْجَبَلِ انْدَكَّ وَغَارَ فِي الْأَرْضِ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا مِنْ الْجَلَالِ لِأَنَّ مُوسَى طَالِبٌ وَمُرِيدٌ وَمُحَمَّدٌ مَطْلُوبٌ وَمُرَادٌ، وَفَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ. اهـ. حِفْنِيٌّ. وَذَكَرَ الْفَشْنِيُّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ أَنَّهُ وَرَدَ «أَنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً اسْمُهَا التَّحِيَّاتُ، وَعَلَيْهَا طَائِرٌ اسْمُهُ الْمُبَارَكَاتُ، وَتَحْتَهَا عَيْنٌ اسْمُهَا الطَّيِّبَاتُ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ نَزَلَ ذَلِكَ الطَّائِرُ مِنْ فَوْقِ الشَّجَرَةِ وَانْغَمَسَ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ يَنْفُضُ أَجْنِحَتَهُ فَيَتَقَطَّرُ الْمَاءُ مِنْ عَلَيْهِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ قَطْرَةٍ مِنْهُ مَلَكًا يَسْتَغْفِرُ لِذَلِكَ الْعَبْدِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (الْمُبَارَكَاتُ) أَيْ النَّامِيَاتُ وَالْبَرَكَةُ النَّمَاءُ، وَثُبُوتُ الْخَيْرِ الْإِلَهِيِّ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ أَوْ أَعَمُّ، وَالطَّيِّبَاتُ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَالْمَعْنَى اسْمُ اللَّهِ عَلَيْك وَعَلَيْنَا أَيْ الْحَاضِرِينَ: وَالصَّالِحُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَالْحَمِيدُ الْمَحْمُودُ وَالْمَجِيدُ الْكَامِلُ فِي الشَّرَفِ رَحْمَانِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُبَارَكَاتِ إلَخْ كُلَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى التَّحِيَّاتِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَلَيْسَتْ نُعُوتًا كَمَا لَا يُخْفِي شَيْخُنَا. وَلَوْ أَخَلَّ بِتَرْتِيبِ التَّشَهُّدِ نُظِرَ إنْ غَيَّرَ تَغَيُّرًا مُبْطِلًا لِلْمَعْنَى لَمْ يُحْسَبْ مَا جَاءَ بِهِ وَإِنْ تَعَمَّدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ الْمَعْنَى أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ إنْ غَيَّرَ تَغَيُّرًا مُبْطِلًا لِلْمَعْنَى كَأَنْ يَقُولَ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ عَلَيْك السَّلَامُ لِلَّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ لِلَّهِ خَبَرُ التَّحِيَّاتِ وَعَلَيْك خَبَرُ السَّلَامِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ شَيْخِنَا. وَلَا يُشْتَرَطُ تَرْتِيبُ التَّشَهُّدِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يُغَيِّرْ مَعْنَاهُ، فَإِنْ غَيَّرَ لَمْ تَصِحَّ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ، أَمَّا مُوَالَاتُهُ فَشَرْطٌ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: وَتَجِبُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ كَلِمَاتِ التَّشَهُّدِ بِأَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَاتِهِ بِغَيْرِهَا، وَلَوْ مِنْ ذِكْرٍ أَوْ قُرْآنٍ. نَعَمْ يُغْتَفَرُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بَعْدَ إلَّا اللَّهُ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ فِي رِوَايَةٍ اهـ. وَلَا يَضُرُّ زِيَادَةُ يَاءِ النِّدَاءِ قَبْلَ " أَيُّهَا " وَمِيمٍ فِي عَلَيْك كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ادَّعَتْ دَعَاوَى ثَلَاثَةً: الدَّعْوَى الْأُولَى وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِيَةُ: كَوْنُهَا فِي الصَّلَاةِ. وَالثَّالِثَةُ: كَوْنُهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وَلَا بُدَّ لِكُلِّ دَعْوَى مِنْ دَلِيلٍ، فَأَمَّا دَلِيلُ الْأُولَى فَقَوْلُهُ صَلُّوا وَقُولُوا فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَأَمَّا دَلِيلُ الثَّانِيَةِ فَالْحَدِيثُ الَّذِي زِيدَ فِيهِ فِي صَلَاتِنَا، وَأَمَّا دَلِيلُ الثَّالِثَةِ فَصَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَفْسِهِ فِي الْوِتْرِ وَقَوْلُهُ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ قَوْلُهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 قَالُوا: وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَتَعَيَّنَ وُجُوبُهَا فِيهَا، وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِهَا مَرَّةً فِي غَيْرِهَا مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَلِحَدِيثِ: «عَرِّفْنَا كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك. فَقَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» إلَخْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلَاتِنَا؟ فَقَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» إلَخْ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْمُنَاسِبُ لَهَا مِنْ الصَّلَاةِ التَّشَهُّدُ آخِرَهَا فَتَجِبُ فِيهِ أَيْ بَعْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ. وَقَدْ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَفْسِهِ فِي الْوِتْرِ» كَمَا رَوَاهُ أَبُو   [حاشية البجيرمي] أَيْ التَّشَهُّدِ) أَيْ عَقِبَهُ، وَلَوْ جُعِلَ الضَّمِيرُ عَائِدًا لِلْجُلُوسِ كَمَا هُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِتَوَافُقِ الضَّمَائِرِ لَكَانَ صَوَابًا، لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَالتَّشَهُّدُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلْجُلُوسِ وَسَقَطَ بِهِ حِينَئِذٍ اعْتِرَاضُهُ الْآتِي بِقَوْلِهِ: وَلَا يُؤْخَذُ إلَخْ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: فِيهِ أَيْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ كَانَ الظَّاهِرُ عَوْدَ الضَّمِيرِ عَلَى الْجُلُوسِ كَمَا أَعَادَهُ عَلَيْهِ فِيمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْجُلُوسُ الْأَخِيرُ وَالتَّشَهُّدُ فِيهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِيهِمَا لِلْجُلُوسِ لَا كُلُّ وَاحِدٍ لِمَا قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ عَوْدَهُ لِلتَّشَهُّدِ يُوهِمُ أَنَّهُ فِي أَثْنَائِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ بَعْدَهُ وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ فِيهِ: أَيْ التَّشَهُّدِ أَيْ عَقِبَهُ، لَوْ جُعِلَ الضَّمِيرُ عَائِدًا لِلْجُلُوسِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِتَوَافُقِ الضَّمَائِرِ لَكَانَ صَوَابًا وَسَقَطَ بِهِ اعْتِرَاضُهُ الْآتِي بِقَوْلِهِ وَلَا يُؤْخَذُ إلَخْ تَأَمَّلْ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ الْجُلُوسُ لَهُ وَأَطْلَقَ الْحَالَ وَأَرَادَ الْمَحَلَّ لَكِنْ لَا يُنَاسِبُ اعْتِرَاضَ الشَّارِحِ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ قَوْلُهُ: (صَلُّوا عَلَيْهِ) اعْلَمْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ عَلَى كَوْنِهَا فِي الصَّلَاةِ. وَدَلِيلٍ عَلَى صِيغَتِهَا وَدَلِيلٍ عَلَى مَحَلِّهَا مِنْ الصَّلَاةِ. وَقَدْ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ قَوْلُهُ: (قَالُوا إلَخْ) صِيغَةُ تَبَرِّي، وَسَبَبُهُ قَوْلُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ قَوْلُهُمْ: أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ خَارِجَهَا إنْ أَرَادُوا عَيْنًا فَصَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَا يُنْتِجُ وُجُوبَهَا عَيْنًا فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْوُجُوبُ الْمُطْلَقُ فَمَمْنُوعٌ وَأَيْضًا فِي الْكَشَّافِ فِي الْأَحْزَابِ ثَلَاثَةٌ أَقْوَالٍ تَجِبُ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ مَرَّةً وَإِنْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ، تَجِبُ كُلَّمَا ذُكِرَ، تَجِبُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً؛ قَالَ: وَالِاحْتِيَاطُ فِعْلُهَا كُلَّمَا ذُكِرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ. اهـ. عَمِيرَةُ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ: اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا كُلُّ صَلَاةٍ وَاخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِنْهَا. وَالثَّانِي فِي الْعُمْرِ مَرَّةً. وَالثَّالِثُ كُلَّمَا ذُكِرَ. وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَاللَّخْمِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَابْنُ بَطَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ. وَالرَّابِعُ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ. وَالْخَامِسُ فِي أَوَّلِ كُلِّ دُعَاءٍ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ، اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ كُلِّ دُعَاءٍ وَفِي وَسَطِهِ وَفِي آخِرِهِ» اهـ. قَوْلُهُ: (مَحْجُوجٌ) أَيْ مَمْنُوعٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، فَكَأَنَّهُ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ فَالْقَائِلُونَ بِوُجُوبِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ خَارِقُونَ لِلْإِجْمَاعِ فَلَا يَنْبَغِي مِنْهُمْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ إلَخْ) هَذَا دَلِيلُ كَيْفِيَّتِهَا قَوْلُهُ: (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ وَاجِبَةٌ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ صَدَّنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ لَا تَجِبُ قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ «كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك» إلَخْ وَجْهُ ذِكْرِ الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ ثِقَةٍ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ، فَيَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَهُوَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ قَوْلُهُ: (وَالْمُنَاسِبُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ لَا تَصْلُحُ دَلِيلًا. قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّهَا دُعَاءٌ وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْخَوَاتِيمِ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ قَوْلُهُ: (أَيْ بَعْدَهُ) هَلْ الْمُرَادُ بِهِ عَقِبُهُ أَوْ الْأَعَمُّ شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ: وَلَا تَجِبُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّشَهُّدِ وَقَالَ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: وَلَا يَبْعُدُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ رُكْنٌ مُسْتَقِلٌّ. وَقَوْلُهُ: أَيْ بَعْدَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ مُسَمَّى التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ بَعْضًا وَلَا جُزْءًا مِنْهُ وَهُوَ حَقٌّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ أَقَلُّ التَّشَهُّدِ كَذَا وَلَمْ يَذْكُرُوهَا فِي الْأَقَلِّ، فَلَوْ كَانَتْ بَعْضًا مِنْهُ مَا صَحَّ أَنْ أَقَلَّهُ كَذَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهَا فِيهِ اهـ سم اهـ خ ض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلَمْ يُخْرِجْهَا شَيْءٌ عَنْ الْوُجُوبِ، وَأَمَّا عَدَمُ ذِكْرِهَا فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً لَهُ وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ لَهُ التَّشَهُّدُ وَالْجُلُوسُ لَهُ وَالنِّيَّةُ وَالسَّلَامُ. وَإِذَا وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَ الْقُعُودُ لَهَا بِالتَّبَعِيَّةِ، وَلَا يُؤْخَذُ وُجُوبُ الْقُعُودِ لَهَا مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَأَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ. وَأَكْمَلُهَا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: «وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْوِتْرِ» أَيْ فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِيرِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ بَاقِي الصَّلَوَاتِ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ أَيْ فِي الْقُنُوتِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهٌ لِتَخْصِيصِ الْوِتْرِ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى نَفْسِهِ فِي الْوِتْرِ وَغَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ بِحَسَبِ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ الرَّاوِي فَلَا يُنَافِي صَلَاتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ: وَقَالَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي» إلَخْ أَيْ وَقَدْ عَلِمْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى نَفْسِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَالْمَنْقُولُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي تَشَهُّدِهِ: وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَذَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّ تَشَهُّدَهُ كَتَشَهُّدِنَا. وَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ. وَتَعْرِيفُ السَّلَامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي التَّشَهُّدِ أَوْلَى مِنْ تَنْكِيرِهِ لِكَثْرَتِهِ فِي الْأَخْبَارِ، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَلِزِيَادَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ سَلَامَ التَّحَلُّلِ وَذِكْرُ الْوَاوِ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ لَا بُدَّ مِنْهُ اهـ قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُخْرِجْهَا شَيْءٌ عَنْ الْوُجُوبِ) أَيْ بِخِلَافِهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهَا فِيهِ عَنْ الْوُجُوبِ فِيهِ قِيَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ، وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْتَدْرِكْ إذْ عَدَمُ تَدَارُكِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ أَيْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّ الصَّلَاةِ إلَخْ) وَلَا يَتَعَيَّنُ مَا ذَكَرَهُ بَلْ يَكْفِي صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ عَلَى رَسُولِهِ أَوْ عَلَى النَّبِيِّ دُونَ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَكْفِي الضَّمِيرُ وَإِنْ تَقَدَّمَ مَرْجِعُهُ وَتَكْفِي الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ إنْ قَصَدَ بِهَا الدُّعَاءَ، وَلَا يَكْفِي هُنَا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى الرَّسُولِ أَوْ الْمَاحِي أَوْ الْعَاقِبِ أَوْ الْبَشِيرِ أَوْ النَّذِيرِ وَيُجْزِئُ فِي الْخُطْبَةِ مَدَابِغِيٌّ قَوْلُهُ: (وَآلِهِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَاجِبَةٌ، وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ فَيَكُونُ أَقَلُّ الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ فَلَا يَكُونُ هَذَا أَقَلَّ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، أَوْ مُرَادُهُ، وَأَقَلُّ الصَّلَاةِ لَا بِقَيْدِ الْوُجُوبِ تَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) تَقَدَّمَ السَّلَامُ فَسَقَطَتْ كَرَاهَةُ إفْرَادِهَا عَنْهُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّهَا فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ عَنْ الشَّارِعِ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ بَرَّ بِمَا هُنَا قَصَدَهُ أَوْ أَطْلَقَ فَلَا يُقَالُ إنَّ إفْرَادَهَا مَكْرُوهٌ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ. نَعَمْ انْضِمَامُ السَّلَامِ لَهَا أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ وَهِيَ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ مَقْرُونَةٌ بِتَعْظِيمٍ وَمِنَّا طَلَبُ ذَلِكَ لَهُ قَوْلُهُ: (كَمَا صَلَّيْت إلَخْ) التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ لِلصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ لَا لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إبْرَاهِيمَ، فَكَيْفَ تُشَبَّهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ شَيْخُنَا حِفْنِيٌّ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لَا بَيْنَ الذَّاتَيْنِ. وَقَالَ ق ل: لَا يَخْفَى أَنَّ التَّشْبِيهَ مِنْ حَيْثُ طَلَبُ الصَّلَاةِ وَالْبَرَكَةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَيْفِيَّةٍ أَوْ كَمِّيَّةٍ تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلُهُ: كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إلَخْ هَذَا تَشْبِيهٌ مِنْ حَيْثُ أَصْلُ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ نَبِيَّنَا أَفْضَلُ مِنْ إبْرَاهِيمَ، فَمَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ بِمِقْدَارِ فَضْلِهِ وَشَرَفِهِ عِنْدَك كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ بِمِقْدَارِ فَضْلِهِ وَشَرَفِهِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} [البقرة: 200] يَعْنِي اُذْكُرُوا اللَّهَ بِقَدْرِ نِعَمِهِ وَآلَائِهِ عَلَيْكُمْ كَمَا تَذْكُرُونَ آبَاءَكُمْ بِمِقْدَارِ نِعَمِهِمْ عَلَيْكُمْ، وَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَصِحُّ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ لَا يُشْبِهُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} [آل عمران: 59] يَعْنِي مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ تَخْلِيقٌ عِيسَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ اهـ قَوْلُهُ: (وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إلَخْ) إنَّمَا خَصَّ وَإِسْحَاقُ وَإِسْمَاعِيلُ مَعَ أَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ابْنًا لِشَرَفِهِمَا وَعِظَمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 مَجِيدٌ.» وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَنَقْصٌ. وَآلُ إبْرَاهِيمَ إسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَأَوْلَادُهُمَا، وَخَصَّ إبْرَاهِيمَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ وَالْبَرَكَةَ لَمْ يَجْتَمِعَا لِنَبِيٍّ غَيْرِهِ قَالَ تَعَالَى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73] . فَائِدَةٌ: كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَعْدِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ وَلَدِهِ إِسْحَاقَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَمَّا إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ مِنْ نَسْلِهِ نَبِيٌّ إلَّا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ: وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ انْفِرَادُهُ بِالْفَضِيلَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ الْجَمِيعِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَالتَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَهِيَ مَا يُحَيَّا بِهِ مِنْ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعٍ التَّحِيَّاتِ مِنْ الْخَلْقِ، وَمَعْنَى الْمُبَارَكَاتِ النَّامِيَاتُ، وَالصَّلَوَاتُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالطَّيِّبَاتُ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَالسَّلَامُ مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ أَيْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْك وَعَلَيْنَا أَيْ الْحَاضِرِينَ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمَلَائِكَةٍ وَغَيْرِهِمْ. وَالْعِبَادُ جَمْعُ عَبْدٍ، وَالصَّالِحِينَ جَمْعُ صَالِحٍ وَهُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَالرَّسُولُ هُوَ الَّذِي يُبَلِّغُ خَبَرَ مَنْ أَرْسَلَهُ، وَحَمِيدٌ بِمَعْنَى مَحْمُودٍ، وَمَجِيدٌ بِمَعْنَى مَاجِدٍ وَهُوَ مَنْ كَمُلَ شَرَفًا وَكَرَمًا. (وَ) السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (التَّسْلِيمَةُ الْأُولَى) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» قَالَ   [حاشية البجيرمي] قَدْرِهِمَا، وَإِبْرَاهِيمُ اسْمٌ مَعْنَاهُ أَبٌ رَحِيمٌ مَاتَ وَهُوَ ابْنُ مِائَتَيْ سَنَةٍ. وَقِيلَ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ، وَأَكْبَرُ أَوْلَادِهِ إسْمَاعِيلُ بِاللَّامِ وَبِالنُّونِ أَيْضًا وَوُلِدَ إِسْحَاقُ بَعْدَهُ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَعَاشَ إِسْحَاقُ مِائَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً وَمَعْنَى إِسْحَاقَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ الضَّحَّاكُ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْإِتْقَانِ لِلسُّيُوطِيِّ قَوْلُهُ: (فِي الْعَالَمِينَ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ وَأَدِمْ ذَلِكَ فِي الْعَالَمِينَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الرَّحْمَةَ) أَيْ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الصَّلَاةِ مِنْ اللَّهِ قَوْلُهُ: (لَمْ يَجْتَمِعَا لِنَبِيٍّ غَيْرِهِ) أَيْ فِي الْقُرْآنِ بِدَلِيلِ ذِكْرِ الْآيَةِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا لِلْأَنْبِيَاءِ غَيْرِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ قَوْلُهُ (مِنْ وَلَدِهِ إِسْحَاقَ) أَيْ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ وَهُوَ يَعْقُوبُ لِأَنَّ إِسْحَاقَ لَهُ وَلَدَانِ يَعْقُوبُ وَالْعَيْصُ، فَيَعْقُوبُ أَبُو الْأَنْبِيَاءِ وَالْعَيْصُ أَبُو الْمُلُوكِ وَالْجَبَابِرَةِ وَإِسْحَاقُ ابْنُ سَارَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ ابْنُ هَاجَرَ قَوْلُهُ: (لَمْ يَكُنْ مِنْ نَسْلِهِ إلَخْ) الْأَوْلَى فَلَمْ يَكُنْ بِالْفَاءِ قَوْلُهُ: (بِالْفَضِيلَةِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِاجْتِمَاعِ الْفَضَائِلِ الَّتِي فِي غَيْرِهِ ق ل فَأَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ قَوْلُهُ: (مَا يُحَيَّا بِهِ) أَيْ مَا يُعَظَّمُ بِهِ قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِ) كَالسُّجُودِ وَتَقْبِيلِ الْأَرْضِ مِمَّا كَانَ يُحَيَّا بِهِ، وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ التَّحِيَّاتُ جُمِعَتْ لِأَنَّ كُلَّ مَلِكٍ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ يُحَيَّا بِهَا؛ فَمَلِكُ الْعَرَبِ يُحَيَّا بِالسَّلَامِ، وَمَلِكُ الْأَكَاسِرَةِ يُحَيَّا بِالسُّجُودِ وَتَقْبِيلِ الْأَرْضِ، وَتَحِيَّةُ مَلِكِ الْفُرْسِ طَرْحُ الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ، وَتَحِيَّةُ مَلِكِ الْحَبَشَةِ عَقْدُ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّدْرِ مَعَ السَّكِينَةِ، وَمَلِكِ الرُّومِ كَشْفُ غِطَاءِ الرَّأْسِ وَتَنْكِيسُهَا، وَمَلِكِ النُّوبَةِ جَعْلُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ، وَمَلِكِ حِمْيَرَ الْإِيمَاءُ بِالْأَصَابِعِ قَوْلُهُ: (النَّامِيَاتُ) لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَنْمُو حَتَّى تَبْلُغَ قَدْرَ جَبَلِ أُحُدٍ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ إلَخْ) فِيهِ بُعْدٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّحِيَّةُ أَوْ السَّلَامَةُ مِنْ النَّقَائِصِ وَنَحْوِهَا، وَتَوْجِيهُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَنَّ اسْمَ السَّلَامِ عَلَى الْمَدْعُوِّ لَهُ لِيَسْلَمَ بِبَرَكَتِهِ مِنْ كُلِّ مُؤْذٍ، أَمَّا إذَا قُلْنَا اسْمُ الرَّحْمَنِ عَلَى فُلَانٍ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ وَاسْمُ الْمُنْعِمِ بِالنِّعْمَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ إلَخْ) لَا يَرِدُ عَلَى هَذَا أَنَّهُمْ فَسَّرُوا الصَّالِحَ فِي خَبَرِ: «أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» بِالْمُسْلِمِ. لِأَنَّا نَقُولُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ إذْ الْمَقْصُودُ بِالدُّعَاءِ تَعْظِيمُ الْمَدْعُوِّ لَهُ، فَالْمُنَاسِبُ تَفْسِيرُهُ بِالْقَائِمِ إلَخْ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَدِيثِ التَّرْغِيبُ وَالْحَثُّ عَلَى التَّزَوُّجِ لِكَثْرَةِ النَّسْلِ، وَأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ كَسْبِ وَالِدِهِ فَنَاسَبَ تَفْسِيرَهُ بِالْمُسْلِمِ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ ع ش قَوْلُهُ: (وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى) وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السَّلَامِ تَعْرِيفُهُ بِأَلْ وَكَافُ الْخِطَابِ وَمِيمُ الْجَمْعِ وَإِسْمَاعُ نَفْسِهِ وَتَوَالِي كَلِمَتَيْهِ وَعَدَمُ قَصْدِ الْإِعْلَامِ أَيْ وَحْدَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ قُعُودٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَأَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا كَانَ قَادِرًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. قَالَ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ: وَالْمَعْنَى فِي السَّلَامِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ كَانَ مَشْغُولًا عَنْ النَّاسِ وَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ وَأَقَلُّهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَلَا يُجْزِئُ عَلَيْهِمْ، وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِغَائِبٍ، وَلَا عَلَيْك وَلَا عَلَيْكُمَا، وَلَا سَلَامِي عَلَيْكُمْ وَلَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَيُجْزِئُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ النَّصِّ، وَأَكْمَلُهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ. وَلَا تُسَنُّ زِيَادَةُ وَبَرَكَاتُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَوَّبَهُ. (وَ) السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (نِيَّةُ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ) وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى (عَلَى قَوْلٍ) فَإِنْ قَدَّمَهَا عَلَيْهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْهَا عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ السَّابِقَةَ مُنْسَحِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَلَكِنْ تُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.   [حاشية البجيرمي] عَلَيْهَا، وَأَنْ لَا يَزِيدَ فِيهِ زِيَادَةً تُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَأَنْ قَالَ: السَّلَامُ وَعَلَيْكُمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ السَّلَامُ التَّامُّ عَلَيْكُمْ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ اللَّهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرُ بَلْ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الِانْعِقَادَ يُحْتَاطُ لَهُ، وَأَنْ لَا يُنْقِصَ مِنْهُ مَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَأَنْ يَقُولَ: السَّامُّ عَلَيْكُمْ أَوْ السِّلْمُ عَلَيْكُمْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: شُرُوطُ تَسْلِيمِ تَحْلِيلِ الصَّلَاةِ إذَا ... أَرْدَتْهَا تِسْعَةً صَحَّتْ بِغَيْرِ مِرَا عَرِّفْ وَخَاطِبْ وَصِلْ وَاجْمَعْ وَوَالِ وَكُنْ ... مُسْتَقْبِلًا ثُمَّ لَا تَقْصِدْ بِهِ الْخَبَرَا وَاجْلِسْ وَأَسْمِعْ نَفْسًا فَإِنْ وُجِدَتْ ... تِلْكَ الشُّرُوطُ وَتَمَّتْ كَانَ مُعْتَبَرَا قَالَ ق ل: وَيُجْزِي السِّلْمُ عَلَيْكُمْ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا إنْ أَرَادَ بِهِ السَّلَامَ قَوْلُهُ: (تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ) أَيْ مُحَرِّمُهَا التَّكْبِيرُ، فَتَحْرِيمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ مُحَرِّمٍ مَا كَانَ حَلَالًا قَبْلَهَا، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: وَتَحْلِيلُهَا وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ السَّلَامِ رُكْنًا قَوْلُهُ: (قَالَ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ) أَيْ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ: كَانَ يَصْنَعُ الْقُفْلَ وَمِفْتَاحَهُ وَزْنَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ لِشِدَّةِ حِذْقِهِ، وَالصَّغِيرُ هُوَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ شَيْخُ الْمَرَاوِزَةِ، وَالْقَفَّالُ صِيغَةُ نَسَبٍ كَالْخَبَّازِ وَالطَّحَّانِ وَالْقَزَّازِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَمَعَ فَاعِلٍ وَفِعَالٍ فَعْلٌ ... فِي نَسَبٍ أَغْنَى عَنْ الْيَا فَقُبِلَ اط ف. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى) أَيْ الْحِكْمَةُ قَوْلُهُ: (فِي السَّلَامِ) أَيْ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّهُ) أَيْ السَّلَامِ وَلَوْ مَعَ تَسْكِينِ الْمِيمِ مِنْ السَّلَامِ وَالْمُنَاسِبُ وَأَقَلُّهَا. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمِيرَ نَظَرًا لِكَوْنِ التَّسْلِيمَةِ بِمَعْنَى السَّلَامِ قَوْلُهُ: (وَلَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) مُقْتَضَاهُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِهِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، لَكِنْ يَظْهَرُ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الْجَاهِلِ الْمَعْذُورِ وَتَبْطُلُ أَيْضًا بِتَعَمُّدِ: سَلَامِي أَوْ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْك أَوْ عَلَيْكُمَا لَا مَعَ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ، فَلَا تَبْطُلُ بِهِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لَا خِطَابَ فِيهِ وَلَا يُجْزِيهِ. اهـ. ابْنُ شَرَفٍ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَحَلَّلَ بِمَا لَمْ يَرِدْ وَخَاطَبَ وَتَعَمَّدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. قَوْلُهُ: (وَنِيَّةُ الْخُرُوجِ) أَيْ لِيَكُونَ الْخُرُوجُ كَالدُّخُولِ فِي أَنَّ كُلًّا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ قَوْلُهُ: (عَلَى قَوْلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي قَوْلٍ قَوْلُهُ: (أَوْ أَخَّرَهَا) الْبُطْلَانُ بِهِ فِيهِ نَظَرٌ لِانْقِضَاءِ الصَّلَاةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَأْخِيرِهَا أَنَّهُ سَلَّمَ قَبْلَ نِيَّةِ الْخُرُوجِ وَالسَّلَامُ قَبْلَ نِيَّتِهِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رُكْنًا اهـ م د قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) فَلَوْ نَوَى قَبْلَ السَّلَامِ الْخُرُوجَ عِنْدَهُ أَوْ الْخُرُوجَ بِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنْ لَا تَكْفِيهِ، بَلْ تَجِبُ النِّيَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا مَعَ السَّلَامِ أَيْضًا ابْنُ قَاسِمٍ قَوْلُهُ: (مُنْسَحِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ) أَيْ وَمِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ التَّسْلِيمَةُ الْأُولَى، فَقَرْنُ نِيَّةِ الْخُرُوجِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 (وَ) الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (تَرْتِيبُهَا) أَيْ الْأَرْكَانِ (كَمَا ذَكَرْنَاهُ) فِي عَدَدِهَا الْمُشْتَمِلِ عَلَى قَرْنِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ وَجَعْلِهِمَا مَعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ، وَجَعْلِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُعُودِ. فَالتَّرْتِيبُ عِنْدَ مَنْ أَطْلَقَهُ مُرَادٌ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا مَرَّ، فَهِيَ مُرَتَّبَةٌ وَغَيْرُ مُرَتَّبَةٍ بِاعْتِبَارَيْنِ. وَدَلِيلُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ الِاتِّبَاعُ كَمَا فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَعَدُّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى الْفُرُوضِ صَحِيحٌ، وَبِمَعْنَى الْأَجْزَاءِ فِيهِ تَغْلِيبٌ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِعَدِّ الْوَلَاءِ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَصَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ بِعَدَمِ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ، وَابْنُ الصَّلَاحِ بِعَدَمِ طُولِ الْفَصْلِ بَعْدَ سَلَامِهِ نَاسِيًا، وَلَمْ يَعُدَّهُ الْأَكْثَرُونَ رُكْنًا لِكَوْنِهِ كَالْجُزْءِ مِنْ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ، أَوْ لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ بِالتُّرُوكِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَنْقِيحِهِ: الْوَلَاءُ وَالتَّرْتِيبُ شَرْطَانِ، وَهُوَ أَظْهَرُ مَنْ عَدَّهُمَا رُكْنَيْنِ اهـ. وَالْمَشْهُورُ عَدُّ التَّرْتِيبِ رُكْنًا وَالْوَلَاءِ شَرْطًا، وَأَمَّا السُّنَنُ فَتَرْتِيبُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضِ كَالِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ، وَتَرْتِيبُهَا عَلَى الْفَرَائِضِ كَالْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةُ شَرْطٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا سُنَّةً لَا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ عَمْدًا بِتَقْدِيمِ   [حاشية البجيرمي] بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مَعَ كَوْنِ النِّيَّةِ السَّابِقَةِ مُنْسَحِبَةً عَلَيْهَا تَنَافٍ لِأَنَّ نِيَّةَ الْخُرُوجِ تَقْتَضِي عَدَمَ انْسِحَابِ النِّيَّةِ السَّابِقَةِ عَلَى التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مَعَ أَنَّهَا مُنْسَحِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، فَانْدَفَعَ تَوَقُّفُ ق ل بِقَوْلِهِ: اُنْظُرْ مَعْنَى هَذِهِ الْعِلَّةَ قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ تُسَنُّ إلَخْ) يَرُدُّ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ. نَعَمْ تَجِبُ قَطْعًا فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ إذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ مَا نَوَاهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَوْلُهُ: (فَالتَّرْتِيبُ عِنْدَ مَنْ أَطْلَقَهُ مُرَادٌ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ) قَالَ م ر بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْجُلُوسِ وَالتَّشَهُّدِ تَرْتِيبٌ، لَكِنْ بِاعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا بِاعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْقِيَامِ عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَالْجُلُوسِ عَلَى التَّشَهُّدِ، وَاسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ اج قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ) أَيْ مِمَّا عَدَا ذَلِكَ قَوْلُهُ: (بِاعْتِبَارَيْنِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ حَالِهَا فِي التَّشَهُّدِ وَحَالِهَا مَعَ الْقُعُودِ ق ل. فَهِيَ مُرَتَّبَةٌ أَيْ بِاعْتِبَارِ وُقُوعِهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَغَيْرُ مُرَتَّبَةٍ بِاعْتِبَارِ مُقَارَنَتِهَا لِجُلُوسِهَا قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى الْفُرُوضِ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِلْخِلَافِ الْوَاقِعِ فِي التَّرْتِيبِ مِنْ أَنَّهُ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ، فَعَلَى الرُّكْنِيَّةِ لَا إشْكَالَ، وَعَلَى الْفَرْضِيَّةِ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَشْمَلُ الشَّرْطَ اهـ إطْفِيحِيٌّ قَوْلُهُ: (صَحِيحٌ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَالتَّرْتِيبُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ الصِّحَّةِ ثَابِتٌ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا أَيْ الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى الْأَجْزَاءِ ع ش. إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ بَلْ فِيهِ تَغْلِيبٌ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْحَقِيقِيَّ إنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ أَوْ الْفِعْلُ الظَّاهِرُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِعْلًا أَيْ جُعِلَ هَذَا بَعْدَ هَذَا لَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَفِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ كَذَلِكَ أَيْ فِعْلٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ وَالنُّطْقُ سُنَّةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجُزْءَ الْحَقِيقِيَّ الْفِعْلُ الظَّاهِرُ بَلْ الْأَعَمُّ، فَيَشْمَلُ الْقَلْبِيَّ كَالنِّيَّةِ حَلَبِيٌّ. قَالَ سم: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ إنَّ صُورَةَ الْمُرَكَّبِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْأَرْكَانِ جُزْءٌ مِنْهُ، فَمَا الْمَانِعُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّرْتِيبِ التَّرْتِيبُ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ إشَارَةً إلَى صُورَةِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا جُزْءٌ لَهَا حَقِيقَةً فَلَا تَغْلِيبَ اهـ. وَقَالَ ق ل: لَا يَخْفَى أَنَّ التَّرْتِيبَ هُوَ جَعْلُ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَرْتَبَتِهِ، وَهُوَ مِنْ الْأَفْعَالِ قَطْعًا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّغْلِيبِ، وَجَعْلُهُ بِمَعْنَى التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ وُقُوعُ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَرْتَبَتِهِ الْمُحْوِجِ إلَى مَا ذَكَرَهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَنَاقَشَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ صَحِيحٌ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ إنَّمَا يُقَابِلُهُ الْفَاسِدُ، وَالشَّارِحُ جَعَلَ مُقَابِلَهُ التَّغْلِيبَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّغْلِيبَ صَحِيحٌ أَيْضًا لَا فَاسِدٌ فَلَا تَحْسُنُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةُ بَلْ الَّذِي يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ عَدُّ التَّرْتِيبَ مِنْ الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى الْفُرُوضِ حَقِيقَةً وَبِمَعْنَى الْأَجْزَاءِ فِيهِ تَغْلِيبٌ قَوْلُهُ: (فِيهِ تَغْلِيبٌ) أَيْ غَلَّبَ مَا هُوَ جُزْءٌ عَلَى مَا لَيْسَ بِجُزْءٍ، وَأَطْلَقَ عَلَى الْكُلِّ أَجْزَاءً تَغْلِيبًا انْتَهَى ز ي. قَوْلُهُ: (وَصَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ) أَيْ فَسَّرَهُ قَوْلُهُ: (وَالْوَلَاءِ شَرْطًا) وَجْهُهُ أَنَّ الْأَرْكَانَ وُجُودِيَّةٌ وَمَفْهُومَ الْوَلَاءِ عَدَمِيٌّ قَوْلُهُ: (عَلَى الْفَرَائِضِ) أَيْ مَعَ الْفَرَائِضِ بِأَنْ يُؤَخِّرَ السُّورَةَ عَنْ الْفَاتِحَةِ قَوْلُهُ: (شَرْطٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا سُنَّةً) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ مُؤَخَّرًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 رُكْنٍ فِعْلِيٍّ أَوْ سَلَامٍ كَأَنْ رَكَعَ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ أَوْ سَجَدَ أَوْ سَلَّمَ قَبْلَ رُكُوعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ سَهَا، فَمَا فَعَلَهُ بَعْدَ مَتْرُوكِهِ لَغْوٌ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ مَتْرُوكَهُ قَبْلَ فِعْلِ مِثْلِهِ فَعَلَهُ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ عَنْ مَتْرُوكِهِ وَتَدَارَكَ الْبَاقِيَ. نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمِثْلُ مِنْ الصَّلَاةِ كَسُجُودِ تِلَاوَةٍ لَمْ يُجْزِهِ، فَلَوْ عَلِمَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ رَكْعَةٍ أَخِيرَةٍ سَجَدَ ثُمَّ تَشَهَّدَ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ شَكَّ لَزِمَهُ رَكْعَةٌ فِيهِمَا، أَوْ عَلِمَ فِي قِيَامِ ثَانِيَةٍ مَثَلًا تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَى فَإِنْ كَانَ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ الَّتِي فَعَلَهَا سَجَدَ مِنْ قِيَامِهِ وَإِلَّا فَلْيَجْلِسْ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدْ، أَوْ عَلِمَ فِي آخِرِ رُبَاعِيَّةٍ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ جَهِلَ مَحَلَّ الْخَمْسِ   [حاشية البجيرمي] لَمْ يُعْتَدَّ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِيمَا بَيْنَ سُنَّتَيْنِ لِلِاعْتِدَادِ بِمَا لَهُ التَّقْدِيمُ حَتَّى لَوْ قَدَّمَ مُؤَخَّرًا اعْتَدَّ بِهِ. وَفَاتَ مَا لَهُ التَّقْدِيمُ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهِ بَعْدَهُ أَوْ أَعَادَهُمَا لَا يَحْصُلُ لَكِنَّ هَذَا خَاصٌّ بِغَيْرِ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ، فَلَوْ قَدَّمَهَا عَلَيْهَا أَتَى بِهَا بَعْدَهَا لِأَنَّ هَذَا بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَسُنَّةِ تَمْيِيزٍ اهـ م د. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَتَرْتِيبُ السُّنَنِ شَرْطٌ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا كَالِاسْتِفْتَاحِ ثُمَّ التَّعَوُّذُ وَالسُّورَةُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قَوْلُهُ: (بِتَقْدِيمِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ) أَيْ عَلَى قَوْلِيٍّ أَوْ فِعْلِيٍّ فَحَذَفَ الْمُتَعَلِّقَ إيذَانًا بِالْعُمُومِ اهـ شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (فَعَلَهُ) أَيْ وُجُوبًا فَوْرًا، فَإِنْ تَأَخَّرَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَلَوْ تَذَكَّرَ فِي سُجُودِهِ تَرْكَ الرُّكُوعِ فَعَلَهُ بِأَنْ يَعُودَ لِلْقِيَامِ وَيَرْكَعَ، وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُومَ رَاكِعًا لِأَنَّهُ صَرَفَ الْهَوِيَّ لِلسُّجُودِ. وَلَوْ شَكَّ أَيْ الْإِمَامُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ فِي رُكُوعِهِ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ فِي سُجُودِهِ هَلْ رَكَعَ لَزِمَهُ الْقِيَامُ حَالًا، فَإِنْ مَكَثَ قَلِيلًا لِيَتَذَكَّرَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ح ل. وَالْمَأْمُومُ يَجْرِي عَلَى صَلَاةِ إمَامِهِ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَعْدَ السَّلَامِ ح ف. فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَعَلَهُ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُومًا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَعَلَهُ أَيْ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ كَتَذَكُّرِهِ فِي السُّجُودِ تَرْكَ الرُّكُوعِ أَوْ شَكَّ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ وَيَرْكَعَ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِعْلُهُ وَمَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِيَامُ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمِثْلُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَخْ) كَأَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا سُجُودَ التِّلَاوَةِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ سُجُودُهُ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ، ثُمَّ لَمَّا قَامَ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ وَسَجَدَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِيهِ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ لَا يَكْفِيهِ عَمَّا تَرَكَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى. وَيُصَوَّرُ ذَلِكَ أَيْضًا بِسُجُودِ الْمُتَابَعَةِ خِلَافًا لِلشَّوْبَرِيِّ، وَصُورَتُهَا أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا وَقَامَ وَجَدَ إمَامًا مُعْتَدِلًا مِنْ الرُّكُوعِ مَثَلًا فَاقْتَدَى بِهِ وَسَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ مَعَهُ لِلْمُتَابَعَةِ، فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى الَّتِي صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْهَا سَجْدَةٌ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ سَجَدَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ لِلْمُتَابَعَةِ كَمَا قَالَهُ ع ش خِلَافًا لِشَيْخِهِ الشَّوْبَرِيِّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِهِ) لِعَدَمِ شُمُولِ نِيَّتِهِ لَهُ شَوْبَرِيٌّ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ فِيهَا لَا مِنْهَا، وَبِذَلِكَ فَارَقَ حُسْبَانَ جُلُوسِ الِاسْتِرَاحَةِ عَنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ق ل قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَلِمَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ إلَخْ) هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ مَتْرُوكَهُ قَبْلَ فِعْلِ مِثْلِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ شَكَّ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ. وَقَوْلُهُ أَوْ عَلِمَ إلَخْ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ تَذَكَّرَ مَتْرُوكَهُ قَبْلَ فِعْلِ مِثْلِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ عَلِمَ فِي آخِرِ رُبَاعِيَّةٍ إلَخْ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ تَأَمَّلْ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَّعَ تَفْرِيعَاتٍ أَرْبَعَةً عَلَى الْعِبَارَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ، أَعْنِي قَوْلَهُ فَإِنْ تَذَكَّرَ إلَخْ وَقَوْلَهُ. وَإِلَّا إلَخْ وَالتَّفَارِيعُ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ فَتَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (أَوْ عَلِمَ فِي قِيَامِ ثَانِيَةٍ مَثَلًا إلَخْ) مَثَلًا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ " قِيَامِ " فَيَشْمَلُ الْجُلُوسَ الْقَائِمَ مَقَامَ الْقِيَامِ فِي حَقِّ مَنْ يُصَلِّي مِنْ جُلُوسٍ، وَرَاجِعٌ أَيْضًا لِقَوْلِهِ ثَانِيَةٍ فَيَشْمَلُ غَيْرَهَا شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ الَّتِي فَعَلَهَا) أَيْ وَلَوْ جِلْسَةَ اسْتِرَاحَةٍ، وَقَوْلُهُ سَجَدَ مِنْ قِيَامِهِ أَيْ اكْتِفَاءً بِجُلُوسِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَفِيهِ أَنَّ الْجُلُوسَ إذَا كَانَ بِنِيَّةِ جُلُوسِ الِاسْتِرَاحَةِ كَيْفَ يَقُومُ مَقَامَ الْجُلُوسِ الْوَاجِبِ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالرُّكْنِ غَيْرَهُ فَقَطْ. وَهُنَا قَدْ قَصَدَ الْغَيْرَ فَقَطْ وَهُوَ جُلُوسُ الِاسْتِرَاحَةِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ، وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَنْ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي قَصْدِهِ، وَقَدْ شَمَلَتْ نِيَّةُ الصَّلَاةِ مَا فَعَلَهُ بِخِلَافِ مَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ فَزِعًا مِنْ شَيْءٍ أَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فَلَمْ تَشْمَلْهُ نِيَّتُهُ شَيْخُنَا. وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ أَيْ بَعْدَ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 فِيهِمَا وَجَبَ رَكْعَتَانِ، أَوْ أَرْبَعٌ جَهِلَ مَحَلَّهَا وَجَبَ سَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ، أَوْ خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ جَهِلَ مَحَلَّهَا فَثَلَاثٌ، أَوْ سَبْعٌ جَهِلَ مَحَلَّهَا فَسَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ، وَفِي ثَمَانِ سَجَدَاتٍ سَجْدَتَانِ وَثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِتَرْكِ طُمَأْنِينَةٍ وَسُجُودٍ عَلَى عِمَامَةٍ، وَكَالْعِلْمِ بِتَرْكِ مَا ذُكِرَ الشَّكُّ فِيهِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَرْكَانِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ السُّنَنِ فَقَالَ: (وَسُنَنُهَا) أَيْ الْمَكْتُوبَةِ (قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا) أَيْ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهَا (شَيْئَانِ) : الْأَوَّلُ (الْأَذَانُ) وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ لُغَةً الْإِعْلَامُ قَالَ تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أَيْ أَعْلِمْهُمْ بِهِ   [حاشية البجيرمي] تَذَكَّرَ أَنَّهُ الْأَخِيرُ وَإِلَّا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ الْأَقَلُّ وَكَمَّلَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: (رُبَاعِيَّةٍ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ نِسْبَةً إلَى رُبَاعِ الْمَعْدُولِ عَنْ أَرْبَعٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالرُّبَاعِيَّةِ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الْآتِيَةَ لَا تَأْتِي فِي غَيْرِهَا اهـ م د. قَوْلُهُ: (مَحَلَّ الْخَمْسِ) أَيْ عَلَى التَّوْزِيعِ قَوْلُهُ: (وَجَبَ رَكْعَتَانِ) أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ وَهُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَرْكُ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةٍ مِنْ الثَّالِثَةِ، فَتُجْبَرَانِ بِالثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ وَيَلْغُو بَاقِيهِمَا. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ تَرَكَ ذَلِكَ وَسَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ أُخْرَى، وَقَوْلُهُ وَجَبَ سَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ. فَالْحَاصِلُ لَهُ رَكْعَتَانِ إلَّا سَجْدَةً إذْ الْأُولَى تَتِمُّ بِسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةُ نَاقِصَةٌ سَجْدَةً فَيُتِمُّهَا، وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (فَثَلَاثٌ) أَيْ فَثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ فِي الْخَمْسِ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ، فَتَتِمُّ الْأُولَى بِسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَأَنَّهُ فِي السِّتِّ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ (جَهِلَ مَحَلَّهَا) لَيْسَ بِقَيْدٍ مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَفِي ثَمَانِ سَجَدَاتٍ) لَمْ يَقُلْ جَهِلَ مَحَلَّهَا لِعَدَمِ تَأَتِّيه، وَفِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْجَهْلُ فِيهَا أَيْضًا كَأَنْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ وَهُوَ فِي الِاعْتِدَالِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ سَجْدَتَيْنِ وَلَا يُحْسَبَانِ لَهُ، فَيُمْكِنُ أَنْ تُبْهَمَ الثَّمَانِيَةُ فِي الْعَشَرَةِ وَيَجْهَلَ مَحَلَّهَا شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: وَفِي ثَمَانِ سَجَدَاتٍ إلَخْ لَمْ يَقُلْ هُنَا جَهِلَ مَوْضِعَهَا مَعَ إمْكَانِهِ كَأَنْ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ فِي اعْتِدَالٍ، فَأَتَى مَعَ الْإِمَامِ بِسَجْدَتَيْنِ وَسَجَدَ إمَامُهُ لِلسَّهْوِ سَجْدَتَيْنِ، وَقَرَأَ إمَامُهُ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي ثَانِيَةٍ مَثَلًا فَسَجَدَ وَسَجَدَ هُوَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِسَهْوِ إمَامِهِ، ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ تَرَكَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ لِكَوْنِهَا عَلَى عِمَامَتِهِ فِي أَنَّهَا سَجَدَاتُ صَلَاتِهِ أَوْ مَا أَتَى بِهِ لِلسَّهْوِ وَالتِّلَاوَةِ وَالْمُتَابَعَةِ، أَوْ أَنَّ بَعْضَهُ مِنْ أَرْكَانِ صَلَاتِهِ وَبَعْضَهُ مِنْ غَيْرِهَا، فَيُحْمَلُ الْمَتْرُوكُ عَلَى أَنَّهَا سَجَدَاتُ صَلَاتِهِ لِأَنَّ غَيْرَهَا بِتَقْدِيرِ الْإِتْيَانِ بِهِ لَا يَقُومُ مَقَامَ سُجُودِ صَلَاتِهِ لِعَدَمِ شُمُولِ النِّيَّةِ لَهُ قَوْلُهُ: (وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا قَدْ يُقَالُ لَا تُتَصَوَّرُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِ السُّجُودِ، فَنَبَّهَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ خَفِيًّا اهـ اط ف. وَقَالَ ق ل: دَفْعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ إذْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يُتَصَوَّرْ الشَّكُّ أَوْ الْجَهْلُ فَتَأَمَّلْ. [سُنَنُ الصَّلَاة] قَوْلُهُ: (وَسُنَنُهَا أَيْ الْمَكْتُوبَةُ) أَيْ فَيَكُونُ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ اسْتِخْدَامٌ حَيْثُ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَأَرْكَانُ الصَّلَاةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا بِمَعْنَى الْمَكْتُوبَةِ، وَهَلْ الْمُرَادُ وَلَوْ بِحَسَبِ الْأَصْلِ فَيُؤَذِّنُ لِلْمُعَادَةِ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلْهَا عَقِبَ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ تَلْحَقُ بِالنَّفْلِ الَّذِي تُطْلَبُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ فَيُقَالُ فِيهَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ؟ النَّفْسُ إلَى الثَّانِي أَمْيَلُ كَمَا قَالَهُ سم. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلُهُ الْمَكْتُوبَةِ، خَرَجَ بِقَوْلِهِ الْمَكْتُوبَةِ الْمُعَادَةُ فَلَا يُسَنُّ لَهَا الْأَذَانُ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ اهـ قَوْلُهُ: (الْأَذَانُ) أَصْلُهُ النَّدْبُ وَقَدْ يَجِبُ بِالنَّذْرِ وَيَحْرُمُ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ إنْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا أَوْ قَصَدَتْ التَّشْبِيهَ بِالرِّجَالِ، وَيُكْرَهُ مِنْ فَاسِقٍ وَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَأَعْمَى وَحْدَهُ كَمَا يَأْتِي وَلَا تَعْتَرِيهِ الْإِبَاحَةُ وَهُوَ كَالْإِقَامَةِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ. وَشُرِعَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَالْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ ضُمَّتْ إلَيْهَا الْإِمَامَةُ عَلَى الرَّاجِحِ وَهُمَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ، وَسُنَّةُ عَيْنٍ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَالسُّنَنُ عَلَى الْكِفَايَةِ سِتٌّ الْأُولَى الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 وَشَرْعًا قَوْلٌ مَخْصُوصٌ يُعْلَمُ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 58] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» وَالثَّانِي الْإِقَامَةُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَقَامَ وَسُمِّيَ الذِّكْرُ الْمَخْصُوصُ بِهِ لِأَنَّهُ يُقِيمُ إلَى الصَّلَاةِ وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ   [حاشية البجيرمي] الثَّانِيَةُ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ، الثَّالِثَةُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، الرَّابِعَةُ التَّسْمِيَةُ عَلَى الْأَكْلِ، الْخَامِسَةُ مَا يُطْلَبُ لِلْمَيِّتِ إذَا دُعِيَ إلَيْهِ لِلْمَشْيِ، السَّادِسَةُ الْأُضْحِيَّةُ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَيْتِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَؤُمُّ وَلَمْ يُؤَذِّنْ. قِيلَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَشْغُولًا بِمَا هُوَ أَهَمُّ، وَأَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ لَوَجَبَ الْحُضُورُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ حَتَّى الَّذِي يَخْبِزُ فِي التَّنُّورِ وَإِنْ أَدَّى الْحُضُورُ إلَى تَلَفِ الْخُبْزِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ أَفْضَلَ مِنْ الْإِمَامَةِ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَمِينٌ وَالْإِمَامَ ضَمِينٌ لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ الْخَلَلَ الَّذِي يَقَعُ فِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، وَيَتَحَمَّلُ الْفَاتِحَةَ عَنْ الْمَسْبُوقِ، وَالْأَمِينُ أَشْرَفُ مِنْ الضَّمِينِ وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْلَا الْخَلِيفِيُّ مَا تَرَكْت الْأَذَانَ. وَالْخَلِيفِيُّ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ بِمَعْنَى الْخِلَافَةِ. وَالسَّبَبُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيَضْرِبَ بِهِ النَّاسُ لِجَمْعِ الصَّلَوَاتِ فَطَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْت: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْت: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَك مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْت: بَلَى. قَالَ: تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْأَذَانِ ثُمَّ تَأَخَّرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: وَتَقُولُ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْإِقَامَةِ. فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْته بِمَا رَأَيْتُهُ فَقَالَ: إنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، قُمْ إلَى بِلَالٍ فَأَعِدْ عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك» أَيْ أَرْفَعُ وَأَعْلَى، وَقِيلَ أَحْسَنُ وَأَعْذَبُ، وَقِيلَ أَبْعَدُ. «فَقُمْت مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْت أُلَقِّنُهُ إلَيْهِ يُؤَذِّنُ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الصُّبْحِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» فَإِنْ قِيلَ رُؤْيَةُ الْمَنَامِ لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَنِدًا لِأَذَانِ الرُّؤْيَا فَقَطْ بَلْ وَافَقَهَا نُزُولُ الْوَحْيِ فَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ الْأَذَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَسَمِعَهُ مُشَاهَدَةً فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، ثُمَّ قَدَّمَهُ جِبْرِيلُ قَامَ أَهْلُ السَّمَاءِ وَفِيهِمْ آدَم وَنُوحٌ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَكَمُلَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» . وَكَانَ رُؤْيَا الْأَذَانِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ أَذَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ مَرَّةً فِي سَفَرِهِ قَالَ: فِي أَذَانِهِ «أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ» وَقِيلَ قَالَ: «أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» ، قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي مُخْتَصَرِ أَذْكَارِ النَّوَوِيِّ: إنَّ مَنْ تَكَلَّمَ حَالَ الْأَذَانِ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُقْتَضِيَةَ لِسُوءِ الْخَاتِمَةِ أَرْبَعَةٌ: التَّهَاوُنُ بِالصَّلَاةِ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: (يُعْلَمُ بِهِ إلَخْ) هَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ الْقَائِلِ إنَّ الْأَذَانَ حَقٌّ لِلْوَقْتِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْفَرِيضَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُؤَذَّنُ لِلْفَائِتَةِ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: قَوْلٌ مَخْصُوصٌ مَطْلُوبٌ لِفَرِيضَةِ الصَّلَاةِ اهـ اج. فَإِنْ قُلْت: مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْفَرْضِ يُنْتَقَضُ بِمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ تَوَالَى فَوَائِتُ أَوْ مَجْمُوعَتَانِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لِغَيْرِ الْأُولَى. قُلْت: لَا يُنَاقِضُهُ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ لِأَنَّ وُقُوعَ الثَّانِيَةِ تَابِعَةٌ حَقِيقَةً فِي الْجَمْعِ أَوْ صُورَةً فِي غَيْرِهِ صَيَّرَهَا كَجُزْءٍ مِنْ الْأُولَى، فَاكْتَفَى بِالْأَذَانِ لَهَا. اهـ. سُلْطَانٌ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي الْإِقَامَةُ) حَتَّى لِلْمَرْأَةِ لَهَا وَلِلنِّسَاءِ وَحَتَّى لِلْخُنْثَى لِنَفْسِهِ وَلِلنِّسَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ، لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَكِلَاهُمَا تَصِحُّ إقَامَتُهُ لِلنِّسْوَةِ، وَلَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ وَلِلْخَنَاثَى، وَلَا إقَامَةُ الْخُنْثَى لَهُمَا اهـ سم قَوْلُهُ: (مَصْدَرُ أَقَامَ) أَيْ حَصَلَ الْقِيَامُ م د قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِهَا قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يُقِيمُ إلَى الصَّلَاةِ) أَيْ يَكُونُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 مَشْرُوعَانِ بِالْإِجْمَاعِ فَهُمَا سُنَّةٌ لِلْمَكْتُوبَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ كَالسُّنَنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمَنْذُورَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِمَا فِيهِ بَلْ يُكْرَهَانِ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَيُشْرَعُ الْأَذَانُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ الْيُمْنَى وَالْإِقَامَةُ فِي الْيُسْرَى كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَقِيقَةِ . وَيُشْرَعُ الْأَذَانُ أَيْضًا إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ أَيْ تَمَرَّدَتْ الْجَانُّ لِخَبَرٍ صَحِيحٍ وَرَدَ فِيهِ. وَيُنْدَبُ الْأَذَانُ لِلْمُنْفَرِدِ، وَأَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِهِ إلَّا بِمَوْضِعٍ وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَانْصَرَفُوا وَيُؤَذِّنُ لِلْأُولَى فَقَطْ مِنْ صَلَوَاتٍ وَالَاهَا ، وَمُعْظَمُ الْأَذَانِ مَثْنَى وَمُعْظَمُ الْإِقَامَةِ فُرَادَى. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا قُلْنَاهُ. وَالْإِقَامَةُ إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالْأَذَانُ كَلِمَاتُهُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً بِالتَّرْجِيعِ، وَيُسَنُّ الْإِسْرَاعُ بِالْإِقَامَةِ مَعَ بَيَانِ حُرُوفِهَا، فَيُجْمَعُ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ مِنْهَا بِصَوْتٍ وَالْكَلِمَةُ الْأَخِيرَةُ بِصَوْتٍ، وَالتَّرْتِيلُ فِي الْأَذَانِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ   [حاشية البجيرمي] سَبَبًا فِي الْقِيَامِ لَهُمَا قَوْلُهُ: (مَشْرُوعَانِ) أَيْ لِكُلِّ مَكْتُوبَةٍ وَلَوْ فَائِتَةً إذَا تَفَرَّقَتْ وَقْتًا أَوْ فِعْلًا أَوْ هُمَا. فَمِثَالُ مَا إذَا تَفَرَّقَتْ وَقْتًا فَقَطْ كَمَا إذَا صَلَّى فَائِتَةً أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأُخْرَى آخِرَهُ، وَمِثَالُ مَا تَفَرَّقَتْ فِعْلًا فَقَطْ كَمَا إذَا صَلَّى فَائِتَةً قُبَيْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ عَقِبَ سَلَامِهِ، وَمِثَالُ مَا تَفَرَّقَتْ وَقْتًا وَفِعْلًا مَا لَوْ صَلَّى فَائِتَةً أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ آخِرَ وَقْتِهَا فَفِي ذَلِكَ يُسَنُّ الْأَذَانُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهُمَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ آخِرَ وَقْتِهَا ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ عَقِبَ سَلَامِهِ فَيُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا وَقْتًا، فَالْمُرَادُ بِالِاخْتِلَافِ فِي الْفِعْلِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَدَاءً وَالْآخَرُ قَضَاءً، وَالْمُرَادُ بِالِاخْتِلَافِ فِي الْوَقْتِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ صَلَاةٍ وَقَعَتْ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ لِلْأُخْرَى قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ ثُبُوتِهِمَا فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْغَيْرِ أَعْنِي غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُشْرَعُ الْأَذَانُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ) لِمَا قِيلَ إنَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُ أُمَّ الصِّبْيَانِ ق ل. وَيُشْتَرَطُ فِيمَا ذُكِرَ الذُّكُورَةُ أَخْذًا بِإِطْلَاقِهِمْ م ر ز ي اُنْظُرْ لَوْ كَانَ الْمَوْلُودُ كَافِرًا وَلَا يَبْعُدُ. نَعَمْ إذْ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، وَالْأَقْرَبُ اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَوْلُودِ فَخَرَجَ ابْنُ الْكَافِرِ لِمُعَامَلَتِهِ فِي الدُّنْيَا مُعَامَلَةَ الْكُفَّارِ كَمَا نَقَلَهُ الَأُجْهُورِيُّ. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الْمَدَابِغِيِّ فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ: وَحِكْمَةُ الْأَذَانِ فِي الْيَمِينِ أَنَّ الْأَذَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِقَامَةِ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ نَفْعًا، وَالْيَمِينُ أَشْرَفُ مِنْ الْيَسَارِ فَجُعِلَ الْأَشْرَفُ لِلْأَشْرَفِ قَوْلُهُ: (أَيْ تَمَرَّدَتْ) أَيْ تَلَوَّنَتْ فِي صُوَرٍ اهـ اج. قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَلَا قُدْرَةَ لِلشَّيَاطِينِ عَلَى تَغْيِيرِهِمْ خِلْقَتَهُمْ وَالِانْتِقَالِ فِي الصُّوَرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى كَلِمَاتٍ وَضَرَبَاتٍ مِنْ ضُرُوبِ الْأَفْعَالِ أَيْ أَنْوَاعٍ إذَا فَعَلَهَا وَتَكَلَّمَ بِهَا نَقَلَهُ اللَّهُ مِنْ صُورَةٍ إلَى صُورَةٍ أُخْرَى لِجَرْيِ الْعَادَةِ، وَأَمَّا أَنْ يُصَوِّرَ نَفْسَهُ فَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّ انْتِقَالَهَا مِنْ صُورَةٍ إلَى صُورَةٍ إنَّمَا يَكُونُ بِنَقْضِ الْبِنْيَةِ وَتَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ. وَيُسَنُّ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ أَيْضًا خَلْفَ الْمُسَافِرِ، وَيُسَنُّ الْأَذَانُ فِي أُذُنِ دَابَّةٍ شَرِسَةٍ وَفِي أُذُنِ مَنْ سَاءَ خَلْقُهُ وَفِي أُذُنِ الْمَصْرُوعِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (لِلْمُنْفَرِدِ) أَيْ الذِّكْرُ يَقِينًا وَإِنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ إلَّا إنْ سَمِعَهُ مِنْ مَحَلٍّ وَقَصَدَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَصَلَّى فِيهِ فَلَا يُسَنُّ لَهُ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَهُوَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ أَيْ لِلْجَمَاعَةِ وَسُنَّةُ عَيْنٍ لِلْوَاحِدِ، وَإِنْ بَلَغَهُ أَذَانُ غَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَدْعُوًّا بِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ مَدْعُوًّا بِهِ بِأَنْ سَمِعَهُ مِنْ مَكَان وَأَرَادَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَصَلَّى مَعَهُمْ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ الْأَذَانُ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَانْصَرَفُوا لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ إذَا حَصَلَ مِنْهُ إيهَامُ دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى، أَوْ إيهَامُ وُقُوعِ الْأُولَى قَبْلَ وَقْتِهَا كَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ وَقِ ل قَوْلُهُ: (وَيُؤَذِّنُ لِلْأُولَى) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْأُولَى، بَلْ لَوْ أَطْلَقَ كَانَ مُنْصَرِفًا لِلْأُولَى، فَلَوْ قَصَدَ بِهِ الثَّانِيَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِهِ ح ل. أَيْ وَيُقِيمُ لِكُلٍّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (مِنْ صَلَوَاتٍ وَالَاهَا) كَفَوَائِتَ وَصَلَاتَيْ جُمَعٍ وَفَائِتَةٍ، وَحَاضِرَةٍ دَخَلَ وَقْتُهَا قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْأَذَانِ، لِأَنَّهُ لَمَّا وَالَاهَا كَانَتْ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ قَوْلُهُ: (وَمُعْظَمُ الْأَذَانِ إلَخْ) إنَّمَا قَالَ: وَمُعْظَمُ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ أَوَّلَ الْأَذَانِ أَرْبَعٌ وَالتَّوْحِيدَ آخِرَهُ وَاحِدٌ وَالتَّكْبِيرُ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ وَلَفْظُ الْإِقَامَةِ فِيهَا مَثْنَى ش الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (مَا قُلْنَاهُ) أَيْ الْمُعْظَمُ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (الْإِسْرَاعُ بِالْإِقَامَةِ) وَحِكْمَتُهُ الْمُبَادَرَةُ بِالصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْأَذَانُ فَالْغَرَضُ مِنْهُ الْإِعْلَامُ فَيُنَاسِبُ تَطْوِيلُهُ قَوْلُهُ: (وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 بِصَوْتٍ، وَيُفْرَدُ بَاقِي كَلِمَاتِهِ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَيُسَنُّ التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ سِرًّا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا جَهْرًا. وَالتَّثْوِيبُ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ وَهُوَ قَوْلُهُ بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ وَيُسَنُّ الْقِيَامُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى عَالٍ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَالتَّوَجُّهُ لِلْقِبْلَةِ، وَأَنْ يَلْتَفِتَ بِعُنُقِهِ فِيهِمَا يَمِينًا مَرَّةً فِي حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ فِي الْأَذَانِ وَمَرَّةً فِي الْإِقَامَةِ، وَشِمَالًا فِي حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلِ صَدْرِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَقَدَمَيْهِ عَنْ مَكَانِهِمَا، وَأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ عَدْلًا فِي الشَّهَادَةِ عَالِيَ الصَّوْتِ حَسَنَهُ، وَكُرِهَا مِنْ فَاسِقٍ وَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَأَعْمَى وَحْدَهُ، وَجُنُبٍ وَمُحْدِثٍ وَالْكَرَاهَةُ لِجُنُبٍ أَشَدُّ، وَهِيَ فِي الْإِقَامَةِ أَغْلَظُ.   [حاشية البجيرمي] أَنْ يَأْتِيَ إلَخْ) وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ رَجَعَ إلَى رَفْعِ الصَّوْتِ بَعْدَ أَنْ تَرَكَهُ، أَوْ إلَى الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِهِمَا ش الْمَنْهَجِ وَالتَّثْوِيبُ مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَا إلَى الصَّلَاةِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ، ثُمَّ عَادَ فَدَعَا إلَيْهَا بِذَلِكَ وَخُصَّ بِالصُّبْحِ لِمَا يَعْرِضُ لِلنَّائِمِ مِنْ التَّكَاسُلِ بِسَبَبِ النَّوْمِ ش م ر قَوْلُهُ: (وَالتَّثْوِيبُ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ) وَلَوْ فَائِتَةً ش م ر وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ: (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) أَيْ الْيَقِظَةُ لِلصَّلَاةِ خَيْرٌ مِنْ رَاحَةِ النَّوْمِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ. وَقَالَ الشِّهَابُ الْقَلْيُوبِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ النَّوْمُ مُشَارِكًا لِلصَّلَاةِ فِي أَصْلِ الْخَيْرِيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِبَادَةً كَمَا إذَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى تَحْصِيلِ طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ، وَلِأَنَّ النَّوْمَ رَاحَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالصَّلَاةَ رَاحَةٌ فِي الْآخِرَةِ، فَتَكُونُ الرَّاحَةُ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ. وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ فِي نَحْوِ اللَّيْلَةِ ذَاتِ الْمَطَرِ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ اهـ مَعَ زِيَادَةٍ قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ الْقِيَامُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر: وَيُسَنُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى عَالٍ كَمَنَارَةٍ وَسَطْحٍ لِلِاتِّبَاعِ. وَلِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا ذَلِكَ إلَّا إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ كَكِبَرِ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ مَنَارَةٌ سُنَّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى الْبَابِ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا تَعَذَّرَ عَلَى سَطْحِهِ وَإِلَّا فَهُوَ أَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ: (لِلْقِبْلَةِ) فَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ الْبَلَدُ صَغِيرَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً عُرْفًا فَيُسَنُّ حِينَئِذٍ الدَّوَرَانُ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ. وَمِثْلُهُ مَا إذَا كَانَتْ مَنَارَةُ الْقَرْيَةِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَيَسْتَقْبِلُ الْقَرْيَةَ وَإِنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ كَمَا قَالَهُ ق ل اهـ قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَلْتَفِتَ بِعُنُقِهِ فِيهِمَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ لِنَفْسِهِ وَلَا بُعْدَ فِيهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْمَعُهُ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَقَدْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ مَعَهُ فَمَظِنَّةُ فَائِدَةِ الِالْتِفَاتِ قَائِمَةٌ لَكِنَّ قَوْلَ الرَّافِعِيِّ وَإِنْ قَلَّ الْجَمْعُ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ لَا يَلْتَفِتُ فَلْيُرَاجَعْ، وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى مَا لَوْ انْتَفَتْ الْمَظِنَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ وَهَلْ يُلْتَفَتُ فِي الْأَذَانِ لِتَغَوُّلِ الْغِيلَانِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الِالْتِفَاتُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَأَدْفَعُ لِشَرِّهِمْ بِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ، وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ لِلتَّغَوُّلِ فَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا الْأَذَانُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ فِيهِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَلَا الِالْتِفَاتُ الْمَذْكُورُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ، وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا الْبُلْقِينِيُّ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَبْعُدُ الِالْتِفَاتُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَا يُطْلَبُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ اهـ. وَاخْتَصَّ الِالْتِفَاتَ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا خِطَابُ آدَمِيٍّ كَالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا ش الْمَنْهَجِ، أَيْ لِأَنَّ السَّلَامَ يُلْتَفَتُ فِيهِ دُونَ مَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ ش م ر. قَوْلُهُ: (يَمِينًا) مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ بِيَلْتَفِتُ، وَقَوْله: مَرَّتَيْنِ حَالٌ مِنْ حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهَا مَقُولَةً مَرَّتَيْنِ إلَخْ. أَوْ مِنْ فَاعِلِ يَلْتَفِتُ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ قَائِلًا ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ مَعْمُولٌ لِلْحَالِ قَوْلُهُ: (مَرَّتَيْنِ) فَالِالْتِفَاتُ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْمَقُولُ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ أَيْ فِي الْأَذَانِ، أَمَّا فِي الْإِقَامَةِ فَمَرَّتَيْنِ مَرَّةً يَمِينًا وَمَرَّةً شِمَالًا اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (عَدْلًا فِي الشَّهَادَةِ) مَحْمُولٌ عَلَى كَمَالِ السُّنَّةِ، أَمَّا أَصْلُهَا فَيَكْفِي فِيهِ عَدْلُ رِوَايَةٍ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْ الْوَالِدِ ش م ر وَقَوْلُهُ عَدْلًا لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَهَذَا فِيمَنْ يُؤَذِّنُ حِسْبَةً، أَمَّا مَنْ يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ النَّصْبِ شَرْعًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ بِأَمَارَةٍ أَوْ خَبَرٍ ثِقَةٍ عَنْ عِلْمٍ، وَأَنْ يَكُونَ بَالِغًا أَمِينًا، فَغَيْرُ الْعَارِفِ لَا يَجُوزُ نَصْبُهُ وَإِنْ صَحَّ أَذَانُهُ ش م ر. وَاقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ يَقْتَضِي صِحَّةَ التَّقْرِيرِ وَإِنْ حَرُمَ، وَحَيْثُ صَحَّ التَّقْرِيرُ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ. اهـ. سم وم ر. وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (عَالِيَ الصَّوْتِ حَسَنَهُ) لِأَنَّهُ أَبْعَثُ عَلَى الْإِجَابَةِ قَوْلُهُ: (وَكُرِهَا مِنْ فَاسِقٍ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَمَنُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ ش الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (وَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ) أَيْ فَيَتَأَدَّى بِأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ الشِّعَارُ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ بِدُخُولِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ التَّرْتِيبُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَ كَلِمَاتِهِمَا وَلِجَمَاعَةٍ جَهْرٌ وَدُخُولُ وَقْتِ الْأَذَانِ صُبْحٌ فَمِنْ نِصْفِ   [حاشية البجيرمي] الْوَقْتِ، وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ قَبُولِ خَبَرِهِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ كَرُؤْيَةِ النَّجَاسَةِ ضَعِيفٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ. نَعَمْ قَدْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِيمَا احْتَفَتْ بِهِ قَرِينَةٌ كَإِذْنٍ فِي دُخُولِ دَارٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ، وَإِخْبَارِهِ بِطَلَبٍ فِي وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إنْ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهُ م ر قَوْلُهُ: (وَأَعْمَى) لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَغْلَطُ فِي الْوَقْتِ قَوْلُهُ: (وَمُحْدِثٍ) أَيْ غَيْرِ فَاقِدٍ الطَّهُورَيْنِ إلَّا إنْ أَحْدَثَ فِي الْأَثْنَاءِ وَلَوْ حَدَثًا أَكْبَرَ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ إكْمَالُهُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعُهُ لِيَتَوَضَّأَ نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ. وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا: صُورَةٌ يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْأَذَانُ لِلْمُحْدِثِ ح ل. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَفْضَلَ إكْمَالُهُ فَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ كَرَاهَةِ أَذَانِ الْمُحْدِثِ وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا طُلِبَ مِنْ الْمُؤَذِّنِ الطَّهَارَةُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ «لَا تُؤَذِّنْ إلَّا وَأَنْتَ مُتَوَضِّئٌ» وَلِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ، فَلْيَكُنْ بِصِفَةِ مَنْ يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا وَإِلَّا فَهُوَ وَاعِظٌ غَيْرُ مُتَّعِظٍ قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الطُّهْرُ مِنْ الْخَبَثِ قَوْلُهُ: (فِي الْإِقَامَةِ) أَيْ مِنْهُمَا أَغْلَظَ مِنْهَا فِي أَذَانِهِمَا لِقُرْبِهِمَا مِنْ الصَّلَاةِ ش الْمَنْهَجِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ إقَامَةَ الْمُحْدِثِ أَغْلَظُ مِنْ أَذَانِ الْجُنُبِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ قَالَ بِتَسَاوِيهِمَا ح ل. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَهِيَ فِي الْإِقَامَةِ مِنْهُمَا أَيْ كَرَاهَةُ الْإِقَامَةِ مَعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَغْلَظُ مِنْ كَرَاهَةِ الْأَذَانِ مَعَهُ، وَكَرَاهَةُ الْإِقَامَةِ مَعَ الْجَنَابَةِ أَغْلَظُ مِنْ كَرَاهَةِ الْأَذَانِ مَعَهَا، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ مُسَاوَاةَ أَذَانِ الْجُنُبِ لِإِقَامَةِ الْمُحْدِثِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّ كَرَاهَةَ إقَامَةِ الْمُحْدِثِ أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَةِ أَذَانِ الْجُنُبِ لِقُرْبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ أَذَانِهِمَا لِغَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْ الْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ فَلَا يُكْرَهُ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ. قَالَ الْكُوكِيلُونِيُّ: الْكَرَاهَةُ فِي أَذَانِ الْجُنُبِ أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَةِ أَذَانِ الْمُحْدِثِ وَمِنْ إقَامَتِهِ، وَالْكَرَاهَةُ فِي إقَامَةِ الْجُنُبِ أَشَدُّ مِنْ أَذَانِهِ وَمِنْ أَذَانِ الْمُحْدِثِ وَمِنْ إقَامَتِهِ، وَالْكَرَاهَةُ فِي إقَامَةِ الْمُحْدِثِ أَشَدُّ مِنْ أَذَانِهِ فَهَذِهِ سِتَّةٌ رَمْلِيٌّ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ أَشَدُّ مِنْ الْجَنَابَةِ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ مَعَهُمَا أَشَدَّ مِنْهَا مَعَهُمَا اهـ عَنَانِيٌّ قَوْلُهُ: (التَّرْتِيبُ) لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّ تَرْكَهُ يُوهِمُ اللَّعِبَ وَيُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ، فَإِنْ عَكَسَ وَلَوْ نَاسِيًا لَمْ يَصِحَّ وَيَبْنِي عَلَى الْمُنْتَظِمِ مِنْهُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى اهـ خ ض قَوْلُهُ: (وَالْوَلَاءُ) فَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِسُكُوتٍ أَوْ كَلَامٍ طَوِيلٍ، فَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلٌ يَسِيرٌ سُكُوتٌ أَوْ كَلَامٌ وَلَوْ قَصَدَ الْقَطْعَ، وَلَا يَسِيرُ نَوْمٍ وَإِغْمَاءٍ وَجُنُونٍ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُطَوِّلَ الْفَصْلَ عُرْفًا بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ ح ل قَوْلُهُ: (وَلِجَمَاعَةٍ جَهْرٌ) بِحَيْثُ يُسْمِعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ، وَفِي الْمُنْفَرِدِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ كَذَلِكَ ق ل. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا عَدَمُ بِنَاءِ الْغَيْرِ عَلَى أَذَانِهِ أَوْ إقَامَتِهِ وَإِنْ اشْتَبَهَا صَوْتًا وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ يُوقِعُ فِي لَبْسٍ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَجَهْرٌ لِجَمَاعَةٍ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَ أَيْ بِالْقُوَّةِ. وَيَكْفِي سَمَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْفِعْلِ، وَيُجْزِيهِ فِي أَذَانِهِ لِنَفْسِهِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ الذِّكْرِ بِخِلَافِ أَذَانِ الْإِعْلَامِ اهـ. عب. قَوْلُهُ: (وَدُخُولُ وَقْتِ) فَلَا يَصِحَّانِ قَبْلَهُ بَلْ وَيَحْرُمَانِ إنْ أَدَّى إلَى تَلْبِيسٍ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ قَصَدَ بِهِ الْعِبَادَةَ. قَالَ سم: وَيُكْرَهُ كَرَاهَةً صَغِيرَةً. وَبُولِغَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ كَبِيرَةٌ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ دُخُولُ وَقْتٍ أَيْ وُقُوعُهُمَا فِيهِ وَلَوْ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ وَهُوَ فِي الْإِقَامَةِ عِنْدَ إرَادَةِ فِعْلِ الصَّلَاةِ أَدَاءً وَقَضَاءً، وَكَذَا فِي الْأَذَانِ لِلْمَقْضِيَّةِ وَفِي الْمُؤَدَّاةِ وَقْتُهَا الْمَضْرُوبُ لَهَا شَرْعًا. قَالَ فِي الْعُبَابِ: فَإِذَا أَذَّنَ جَاهِلًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَصَادَفَهُ اُتُّجِهَ الْإِجْزَاءُ اهـ. وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِصَاحِبِ الْوَافِي رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيّ كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ. قَالَ: وَفَارَقَ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ ثَمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا. قَالَ الشَّيْخُ: وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ لِلْجُمُعَةِ جَاهِلًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْوَقْتِ أَجْزَأَتْ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْخُطْبَةِ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ أَشْبَهَتْ الصَّلَاةَ، وَقِيلَ إنَّهَا بَدَلٌ مِنْ رَكْعَتَيْنِ شَوْبَرِيٌّ. فَيَصِحُّ الْأَذَانُ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ وَتَقْيِيدُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ ضَعِيفٌ أَوْ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ. نَعَمْ تَبْطُلُ مَشْرُوعِيَّتُهُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَلِّي فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ اهـ خ ض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 اللَّيْلِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَلِغَيْرِ النِّسَاءِ الذُّكُورَةُ وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْ فَوَائِدِهِمَا أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ لِلصُّبْحِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَآخَرُ بَعْدَهُ. وَيُسَنُّ لِسَامِعِ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ قَوْلِهِمَا إلَّا فِي   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُؤَذِّنِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَا يُشْتَرَطُ لِلْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا لِذَاتِهِمَا كَالْوَقْتِ وَالتَّرْتِيبِ وَالْجَهْرِ لِجَمَاعَةٍ وَعَدَمِ بِنَاءِ غَيْرٍ، وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا لَا لِذَاتِهِمَا بَلْ لِفَاعِلِهِمَا وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَكَذَا الذُّكُورَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَذَانِ قَوْلُهُ: (الْإِسْلَامُ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِنُطِقْهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ إلَّا إنْ كَانَ عِيسَوِيًّا، وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ إلَّا إنْ أَعَادَهُ ثَانِيًا. وَالْعِيسَوِيُّ شَخْصٌ مِنْ طَائِفَةِ الْيَهُودِ، مَنْسُوبٌ إلَى أَبِي عِيسَى إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَصْفَهَانِيِّ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا أُرْسِلَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] رَاجِعْ تَفْسِيرَ الْفَخْرِ اهـ ح ل. وَيُكْرَهُ أَذَانُ الصَّبِيِّ وَالْفَاسِقِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ أَذَانُهُمَا لِغَيْرِهِمَا، أَمَّا أَذَانُهُمَا لِنَفْسِهِمَا فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِاسْتِحْبَابِهِ اهـ سم اهـ اج. قَوْلُهُ: (وَلِغَيْرِ النِّسَاءِ الذُّكُورَةُ) لَوْ قَالَ: وَذُكُورَةُ الْمُؤَذِّنِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ النِّسَاءِ صُورَةُ أَذَانٍ لَا أَذَانٌ لِأَنَّهُ مِنْهُنَّ ذِكْرٌ فَقَطْ إذْ هُوَ مِنْ وَظَائِفِ الذُّكُورِ، فَلَا يُسَنُّ لِلْأُنْثَى وَلَا لِلْخُنْثَى مُطْلَقًا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ رَفْعِ الصَّوْتِ مُطْلَقًا وَبِدُونِهِ مَعَ قَصْدِ التَّشْبِيهِ. نَعَمْ لَوْ أَذَّنَ الْخُنْثَى فَبَانَتْ ذُكُورَتُهُ عَقِبَ أَذَانِهِ أَجْزَأَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. أَيْ فَيُشْتَرَطُ لِوُجُودِ الْحُرْمَةِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ أَوْ قَصْدُ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ، وَالْعِلَّةُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْحُرْمَةِ إنَّمَا هِيَ قَصْدُ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ وَهُوَ حَرَامٌ لَا خَوْفَ الْفِتْنَةِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ فِي ش الْمِنْهَاجِ، حَيْثُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ زِيَادِيٌّ. وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي ش م ر وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَعَ الرَّفْعِ فَوْقَ مَا يَسْمَعُ صَوَاحِبَاتُهَا حَرَامٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ، كَانَ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ قَصَدَتْ التَّشَبُّهَ أَمْ لَا لِأَنَّ الرَّفْعَ مِنْ خَصَائِصِ الرِّجَالِ، وَمَعَ عَدَمِ الرَّفْعِ إنْ قَصَدَتْ التَّشَبُّهَ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَلَا يُشْكِلُ بِجَوَازِ غِنَائِهَا مَعَ اسْتِمَاعِ الرَّجُلِ لَهُ لِأَنَّ الْغِنَاءَ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ اسْتِمَاعُهُ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَالْأَذَانِ يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ، فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ لِلْمَرْأَةِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُؤْمَرَ الرَّجُلُ بِاسْتِمَاعِ مَا يَخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَلِأَنَّ فِيهَا تَشْبِيهًا بِالرِّجَالِ بِخِلَافِ الْغِنَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ شِعَارِ النِّسَاءِ، وَلِأَنَّ الْغِنَاءَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَالْأَذَانَ عِبَادَةٌ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَعَاطِيهَا كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَعَاطِي الْعِبَادَةِ الْفَاسِدَةِ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ النَّظَرُ لِلْمُؤَذِّنِ حَالَ أَذَانِهِ، فَلَوْ اسْتَحْسَنَاهُ لِلْمَرْأَةِ لَأُمِرَ السَّامِعُ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَقْصُودِ الشَّارِعِ، وَلِأَنَّ الْغِنَاءَ مِنْهَا إنَّمَا يُبَاحُ بِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ يُؤْمَنُ افْتِتَانُهُمْ بِصَوْتِهَا، وَالْأَذَانُ مَشْرُوعٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يُحْكَمْ بِالْأَمْنِ مِنْ الِافْتِتَانِ فَمُنِعَتْ مِنْهُ. وَفَارَقَ الرَّفْعُ هُنَا الرَّفْعَ بِالتَّلْبِيَةِ بِأَنَّ الْإِصْغَاءَ إلَيْهَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ لَكِنْ فِي الْأَذْكَارِ: وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا، وَعُلِّلَ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ فَتَأَمَّلْ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ غِنَائِهَا وَأَذَانِهَا جَوَازُ رَفْعِ صَوْتِهَا بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا وَإِنْ كَانَ الْإِصْغَاءُ لِلْقِرَاءَةِ مَنْدُوبًا وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَفْتَى بِهِ م ر قَالُوا: فَقَدْ صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ جَهْرِهَا بِهَا فِي الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ وَعَلَّلُوهُ بِخَوْفِ الِافْتِتَانِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ يُؤَذِّنَانِ عَلَى التَّنَاوُبِ هَذَا فِي وَقْتٍ وَهَذَا فِي آخَرَ حَيْثُ لَمْ يَتَّسِعْ الْمَسْجِدُ لَا أَنَّهُمَا يُؤَذِّنَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ح ل قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِسَامِعٍ إلَخْ) لِخَبَرِ الطَّبَرَانِيِّ «إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَجَابَتْ الْأَذَانَ أَوْ الْإِقَامَةَ كَانَ لَهَا بِكُلِّ حَرْفٍ أَلْفُ أَلْفِ دَرَجَةٍ، وَلِلرَّجُلِ ضِعْفُ ذَلِكَ» شَرْحُ حَجّ. وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ» وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: فَقُولُوا أَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ كَلِمَةٍ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، وَأَخَذُوا مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَ مَا يَقُولُ وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَ مَا تَسْمَعُونَ أَنَّهُ يُجِيبُ فِي التَّرْجِيعِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ شَرْحُ م ر وحج. قَالَ سم: وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْ النَّوَوِيِّ أَنَّ السَّامِعَ يُجِيبُ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ مَا يَقُولُ وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ فَبَحَثَهُ، وَنَظَرَ الْإِسْنَوِيُّ فِي إجَابَتِهِ لِنَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ يَدْخُلُ فِي الْعُمُومَاتِ الْوَاقِعَةِ مِنْهُ، وَنُوزِعَ فِي وَجْهِ الْبِنَاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 حَيْعَلَاتٍ وَتَثْوِيبٍ وَكَلِمَتَيْ إقَامَةٍ فَيُحَوْقِلُ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ فِي الْأُولَى، وَيَقُولُ فِي الثَّانِيَةِ: صَدَقْت وَبَرَرْت، وَفِي الثَّالِثَةِ: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا وَجَعَلَنِي مِنْ صَالِحِي أَهْلِهَا. وَيُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْ مُؤَذِّنٍ وَمُقِيمٍ وَسَامِعٍ وَمُسْتَمِعٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدَّتْهُ. تَنْبِيهٌ: الْأَذَانُ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَقِيلَ إنَّ الْأَذَانَ مَعَ الْإِقَامَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ هَذَا فِي نُكَتِهِ.   [حاشية البجيرمي] نَفْسَهُ أَخْذًا مِنْ مُقْتَضَى الْأَحَادِيثِ اهـ. وَإِذَا سَمِعَ مُؤَذِّنًا بَعْدَ مُؤَذِّنٍ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَصْلَ الْفَضِيلَةِ شَامِلَةٌ لِلْجَمِيعِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ يُكْرَهُ تَرْكُهُ. وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إجَابَةُ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ إلَّا أَذَانَيْ الصُّبْحِ فَلَا أَفْضَلِيَّةَ فِيهِمَا لِتَقَدُّمِ الْأَوَّلِ وَوُقُوعِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ، وَإِلَّا أَذَانَيْ الْجُمُعَةِ لِتَقَدُّمِ الْأَوَّلِ وَمَشْرُوعِيَّةِ الثَّانِي فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ م ر: وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ وَاخْتَلَطَتْ أَصْوَاتُهُمْ عَلَى السَّامِعِ وَصَارَ بَعْضُهُمْ يَسْبِقُ بَعْضًا فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُسْتَحَبُّ إجَابَةُ هَؤُلَاءِ. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ إجَابَتُهُمْ اهـ اج وَقَوْلُهُ لِسَامِعِ الْمُؤَذِّنِ إلَخْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا وَلَوْ لِنَفْلٍ وَلَمْ يُكْرَهْ لَهُ الْكَلَامُ كَقَاضِي الْحَاجَةِ وَالْمَجَامِعِ وَمَنْ يَسْمَعُ الْخَطِيبَ ح ل. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ كَلِمَةٍ) أَيْ مِنْ الْحَيْعَلَاتِ، وَفِي بِمَعْنَى اللَّامِ فَلَا يَلْزَمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُ: (الدَّعْوَةِ) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ قَوْلُهُ: (التَّامَّةِ) أَيْ السَّالِمَةِ مِنْ تَطَرُّقِ نَقْصٍ إلَيْهَا وَالْقَائِمَةُ الَّتِي سَتُقَامُ. وَالْوَسِيلَةُ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: الَّذِي وَعَدْتَهُ أَيْ بِقَوْلِهِ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَوْلُهُ: (وَالْفَضِيلَةُ) مُرَادِفٌ أَوْ مَا أُعْطِيَهُ مِنْ الْفَضَائِلِ ق ل. أَوْ الْمُرَادُ بِالْفَضِيلَةِ الشَّفَاعَةُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ وَالْوَسِيلَةُ مَنْزِلَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، أَمَّا لَوْ أُرِيدَ بِالْوَسِيلَةِ مَنْزِلَتُهُ فِي الْجَنَّةِ وَبِالْفَضِيلَةِ مَنْزِلَةُ إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ فَالْكَلَامُ مُشْكِلٌ، إذْ كَيْفَ يُطْلَبُ لِلنَّبِيِّ مَا لِإِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ؟ فَالصَّوَابُ التَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ؛ وَفَائِدَةُ طَلَبِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَوْدُ الثَّوَابِ عَلَى الدَّاعِي أَوْ إظْهَارُ شَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ: (مَقَامًا) مَفْعُولٌ بِهِ لِابْعَثْهُ بِتَضْمِينِهِ مَعْنَى أَعْطِهِ، أَوْ مَفْعُولٌ فِيهِ أَيْ أَقِمْهُ فِي مَقَامٍ أَوْ حَالٍ أَيْ ابْعَثْهُ ذَا مَقَامٍ مَحْمُودٍ شَرْحُ الْبُخَارِيِّ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ: (وَحْدَهُ) مُعْتَمَدٌ قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ) قَالُوا لِخَبَرِ «لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلِأَنَّهُ لِإِعْلَامِهِ بِالْوَقْتِ أَكْثَرُ نَفْعًا مِنْهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ أَكْثَرُ رَجَاءً، لِأَنَّ رَاجِيَ الشَّيْءِ يَمُدُّ عُنُقَهُ إلَيْهِ، وَقِيلَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إسْرَاعًا إلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ أَفْضَلَ مَعَ كَوْنِهِ سُنَّةً، وَالْإِمَامَةُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَفْضُلُ الْفَرْضَ كَرَدِّ السَّلَامِ مَعَ ابْتِدَائِهِ شَرْحُ م ر، وَلِحَدِيثِ «الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» وَالْأَمَانَةُ أَعْلَى مِنْ الضَّمَانِ، وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ الْإِرْشَادِ اهـ اج. وَقَوْلُ الْمَنْهَجِ قَالُوا إلَخْ تَبَرُّؤٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَذَانِ عَلَى الْإِمَامَةِ. وَقَدَّمَ الْجِنَّ عَلَى الْإِنْسِ لِتَأَثُّرِهِمْ بِالْأَذَانِ أَكْثَرَ مِنْ الْإِنْسِ، فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال عَلَى كَوْنِ الْأَذَانِ أَفْضَلَ مِنْ الْإِمَامَةِ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ، فَالْأُصُولُ فِيهِ التَّكْبِيرُ وَالشَّهَادَتَانِ، وَالْفُرُوعُ مِنْ قَوْلِهِ حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ إلَخْ. وَإِنَّمَا طُلِبَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِنْ الْمُجِيبِ لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْحَيْعَلَتَيْنِ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَلِيقُ بِغَيْرِ الْمُؤَذِّنِ إذْ لَوْ قَالَهُ السَّامِعُ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ دُعَاةً، فَمنْ الْمُجِيبُ فَيُسَنُّ لِلْمُجِيبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ مَحْضٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ اج. تَنْبِيهٌ: لِيُحْذَرْ مِنْ أَغْلَاطٍ تُبْطِلُ الْأَذَانَ بَلْ يُكَفَّرُ مُتَعَمِّدُ بَعْضِهَا كَمَدِّ بَاءِ أَكْبَرُ وَهَمْزَتِهِ، وَهَمْزَةِ أَشْهَدُ وَأَلِفِ اللَّهُ، وَمِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 (وَ) سُنَنُهَا (بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا) أَبْعَاضٌ وَهَيْئَاتٌ، فَأَبْعَاضُهَا ثَمَانِيَةٌ الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (شَيْئَانِ) الْأَوَّلُ: (التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ) كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ. (وَ) الثَّانِي الْقُنُوتُ (فِي) ثَانِيَةِ (الصُّبْحِ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَمَحَلُّ الِاقْتِصَارِ عَلَى الصُّبْحِ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي حَالِ الْأَمْنِ، فَإِنْ نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ لَا نَزَلَتْ اُسْتُحِبَّ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ الْأَبْعَاضِ وَهُوَ: " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ   [حاشية البجيرمي] عَدَمِ النُّطْقِ بِهَاءِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ بِلَحْنِهِ إنْ أَدَّى لِتَغَيُّرِ مَعْنًى أَوْ إيهَامِ مَحْذُورٍ، وَلَا يَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَشْتَبِهُ بِالْأَذَانِ وَلَا اللَّهُ الْأَكْبَرُ. قَوْلُهُ: (وَسُنَنُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا مِنْ الْخَمْسِ الَّذِي أَوْهَمَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ بِإِطْلَاقِهِ الْمُقْتَضِي تَقْيِيدَهُ بِمَا مَرَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْإِطْلَاقَ هُنَا عَامٌّ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ وَهُوَ الْوِتْرُ ق ل قَوْلُهُ: (فَأَبْعَاضُهَا ثَمَانِيَةٌ) بَلْ عِشْرُونَ كَمَا يَأْتِي ق ل قَوْلُهُ: (التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ إلَخْ) حَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَى أَلْفَاظِهِ فَقَطْ، وَلَوْ جَعَلَهُ شَامِلًا لِقُعُودِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فِيهِ وَقُعُودِهَا لَكَانَ أَوْلَى فَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَبْعَاضٍ أَرْبَعَةٍ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بَعْضُهُ صَوَابُهُ إسْقَاطُ هَذِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي عَدِّهِ لَا فِي السُّجُودِ لِتَرْكِهِ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: وَالْقُنُوتُ إلَخْ لَوْ جَعَلَهُ شَامِلًا لِكُلِّ مَا يُطْلَبُ فِيهِ دَخَلَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ بَعْضًا كَمَا يَأْتِي ق ل بَلْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ الْقُنُوتُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى الْآلِ وَعَلَى الصَّحْبِ وَالسَّلَامُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَهَذِهِ سَبْعَةٌ، وَالْقِيَامُ لِكُلٍّ مِنْهَا فَالْمَجْمُوعُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَإِنْ نَظَمَ الْبَعْضُ الْقُنُوتَ كَانَتْ سِتَّةَ عَشَرَ وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ فِيهِ سِتَّةٌ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ فِيهِ وَالْقُعُودُ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ فِيهِ اثْنَانِ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ وَالْقُعُودُ لَهَا. فَالْمَجْمُوعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، فَاضْرِبْ الْأَرْبَعَةَ وَالْعِشْرِينَ فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ يَحْصُلُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَسَوَاءٌ تَرَكَهَا هُوَ بِأَنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامُهُ فَاضْرِبْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ فِيهَا يَحْصُلُ سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ عَلَى أَلْفَاظِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ، فَإِنْ أَطَالَهُ بِدُعَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ عَمْدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ خِلَافًا لِقَوْلِ الْقَاضِي بِالْبُطْلَانِ. نَعَمْ لَوْ فَرَغَ الْمَأْمُومُ مِنْ قِرَاءَةِ مَا طُلِبَ مِنْهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ سُنَّ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ وَتَوَابِعُهَا اهـ اج. قَوْلُهُ: (الْقُنُوتُ) هُوَ لُغَةً الثَّنَاءُ وَشَرْعًا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَنَاءٍ وَدُعَاءٍ كَاللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَا غَفُورُ فَلَوْ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِمَا لَمْ يَكُنْ قُنُوتًا وَمِثْلُ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ آيَةٌ تَتَضَمَّنُ ذَلِكَ كَآخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا الْقُنُوتَ سم فِي شَرْحِ الْمَتْنِ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَالْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي حُصُولِهِ بِخِلَافِ تَرْكِ أَحَدِ الْقَنُوتَيْنِ كَأَنْ تَرَكَ قُنُوتَ سَيِّدِنَا عُمَرَ الْآتِي اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ) أَيْ فِي اعْتِدَالِهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَخُصَّتْ الصُّبْحُ بِالْقُنُوتِ لِشَرَفِهَا وَلِأَنَّهُ يُؤَذَّنُ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَيُثَوَّبُ لَهَا وَهِيَ أَقْصَرُ الْفَرَائِضِ، فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ أَلْيَقَ بِرْمَاوِيٌّ وَيَسْجُدُ تَارِكُهُ تَبَعًا لِإِمَامِهِ الْحَنَفِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، بَلْ وَإِنْ فَعَلَهُ الْمَأْمُومُ لِأَنَّ تَرْكَ إمَامِهِ لَهُ وَلَوْ اعْتِقَادًا مِنْ حُكْمِ السَّهْوِ الَّذِي يَلْحَقُ الْمَأْمُومُ لَا لِاقْتِدَائِهِ فِي الصُّبْحِ بِمُصَلِّي سُنَّتِهَا لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُهُ وَلَا خَلَلَ فِي صَلَاتِهِ ق ل. وَقَوْلُهُ: لَا لِاقْتِدَائِهِ أَيْ لَا يَسْجُدُ تَارِكُهُ لِلِاقْتِدَاءِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: يَحْمِلُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ لَهُ لِأَنَّ شَأْنَ الْإِمَامِ التَّحَمُّلُ قَوْلُهُ: (كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ) فِيهِ مَا ذُكِرَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ قَوْلُهُ: (فِي حَالِ الْأَمْنِ) صَوَابُهُ فِي حَالِ عَدَمِ النَّازِلَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (بِالْمُسْلِمِينَ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ كَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الْوَاحِدُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ خ ض: وَلَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، لَكِنْ شَرَطَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ أَنْ يَتَعَدَّى نَفْعُهُ كَالْعَالِمِ وَالشُّجَاعِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَاعْتَمَدَهُ م ر أَيْضًا اهـ. قَوْلُهُ: (نَازِلَةٌ) كَوَبَاءٍ وَقَحْطٍ، وَمِنْهُ الطَّعْنُ وَالطَّاعُونُ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الدُّعَاءِ بِرَفْعِ ذَلِكَ كَوْنُهُ شَهَادَةً لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ أَسْبَابَ الشَّهَادَةِ كَثِيرَةٌ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (لَا نَزَلَتْ) جُمْلَةٌ دُعَائِيَّةٌ بِرَفْعِ النَّازِلَةِ قَوْلُهُ: (اُسْتُحِبَّ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ) وَيَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَالسِّرِّيَّةِ وَالْمُؤَدَّاةِ وَالْمَقْضِيَّةِ، وَيُسِرُّ بِهِ الْمُنْفَرِدُ مُطْلَقًا كَقُنُوتِ الصُّبْحِ. وَخَرَجَ بِالْمَكْتُوبَةِ النَّفَلُ وَالنَّذْرُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَلَا يُسَنُّ الْقُنُوتُ لِلنَّازِلَةِ فِيهَا اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ اللَّهُمَّ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: كَاللَّهُمَّ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ الْحَصْرَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ لِلْقُنُوتِ بَلْ كُلُّ مَا تَضَمَّنَ ثَنَاءً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ " لِلِاتِّبَاعِ. (وَ) هَكَذَا (فِي) اعْتِدَالِ رَكْعَةِ (الْوِتْرِ فِي) جَمِيعِ (النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ) سَوَاءٌ أَصَلَّى التَّرَاوِيحَ أَمْ لَا، وَهُوَ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ فِي أَلْفَاظِهِ وَجَبْرِهِ بِالسُّجُودِ، وَيُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَلِإِمَامِ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ قُنُوتَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهُوَ مَشْهُورٌ وَقَدْ ذَكَرْته فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ. وَالْبَعْضُ الثَّالِثُ: الْقُعُودُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ،   [حاشية البجيرمي] وَدُعَاءً حَصَلَ بِهِ الْقُنُوتُ كَآخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إنْ قَصَدَهُ بِهَا، لَكِنْ إنْ شَرَعَ فِي قُنُوتِ النَّبِيِّ الَّذِي فِي الشَّرْحِ أَوْ فِي قُنُوتِ عُمَرَ تَعَيَّنَ لِأَدَاءِ السُّنَّةِ، فَلَوْ تَرَكَهُ كَغَيْرِهِ أَوْ تَرَكَ كَلِمَةً أَوْ أَبْدَلَ حَرْفًا بِحَرْفٍ سَجَدَ لِلسَّهْوِ كَأَنْ يَأْتِيَ بِمَعَ بَدَلَ فِي فِي قَوْلِهِ " اهْدِنَا مَعَ مَنْ هَدَيْت " أَوْ تَرَكَ الْفَاءَ فِي فَإِنَّك وَالْوَاوَ مِنْ وَإِنَّهُ، وَخَرَجَ بِالشُّرُوعِ مَا لَوْ أَبْدَلَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ بِقُنُوتٍ آخَرَ وَلَوْ قَصِيرًا بِأَنْ يَأْتِيَ بِحَقِيقَتِهِ، وَهِيَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى ثَنَاءٍ وَدُعَاءٍ نَحْوِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَا غَفُورُ فَلَا سُجُودَ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ أَصْلًا سَجَدَ قَوْلُهُ: (فِيمَنْ هَدَيْت) أَيْ مَعَهُمْ، فَفِي بِمَعْنَى مَعَ أَوْ التَّقْدِيرُ وَاجْعَلْنِي مُنْدَرِجًا فِيمَنْ هَدَيْت وَكَذَا الِاثْنَانِ بَعْدَهُ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ ز ي. قَوْلُهُ: (وَعَافِنِي) أَيْ مِنْ بَلَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَوْلُهُ: وَتَوَلَّنِي أَيْ كُنْ نَاصِرًا وَحَافِظًا لِي مِنْ الذُّنُوبِ مَعَ مَنْ نَصَرْتَهُ وَحَفِظْتَهُ وَقَوْلُهُ: وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ أَيْ شَرَّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَضَاءِ مِنْ السَّخَطِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيُّ قَوْلُهُ: وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت أَيْ قِنِي شَرَّ عَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، أَيْ رَضِّنِي بِالْقَضَاءِ أَيْ الْمَقْضِيِّ مِنْ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَكْرَهُهُ النَّفْسُ قَوْلُهُ: (فَإِنَّك تَقْضِي) أَيْ تَحْكُمُ قَوْلُهُ: (لَا يَذِلُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَيَجُوزُ لِلْمَفْعُولِ وَكَذَا يَعِزُّ ق ل أَيْ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذ ل قَوْلُهُ: (تَبَارَكْتَ) أَيْ تَزَايَدَ خَيْرُك قَوْلُهُ (وَتَعَالَيْتَ) زَادَ م ر وَغَيْرُهُ " فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْت، أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك " لَكِنْ إذَا تَرَكَهَا لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا قَالَهُ اج. وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْتِيَ فِي الْقُنُوتِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ كَأَنْ يَقُولَ: اهْدِنَا إلَخْ. قَالَ الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَالْمُنْفَرِدُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي إلَخْ. وَقَوْلُهُ: فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْت هُوَ شَامِلٌ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَعَلَيْهِ فَقَدْ يُقَالُ كَيْفَ حَمِدَ عَلَى قَضَاءِ الشَّرِّ وَقَدْ طَلَبَ رَفْعَهُ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي طَلَبَ رَفْعَهُ فِيمَا مَضَى هُوَ شَرُّ الْمَقْضِيِّ مِنْ مَرَضٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَكْرَهُهُ النَّفْسُ، وَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ هُنَا هُوَ الْقَضَاءُ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ تَعَالَى وَكُلُّهَا جَمِيلَةٌ يُطْلَبُ الثَّنَاءُ عَلَيْهَا. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَالْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ) عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي التَّحْرِيرِ وَوِتْرِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ وِتْرُ رَمَضَانَ لَا الْوِتْرُ الْوَاقِعُ فِيهِ، فَلَوْ قَضَى فِيهِ وِتْرَ غَيْرِهِ لَمْ يَقْنُتْ، وَلَوْ فَاتَهُ وِتْرُ رَمَضَانَ فَقَضَاهُ فِي غَيْرِهِ فَهَلْ يَقْنُتُ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ احْتِمَالٌ لَكِنَّ قَضِيَّةَ مَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْعِجْلِيِّ وَأَقَرَّهُ مِنْ نَفْيِ اسْتِحْبَابِ التَّكْبِيرِ فِي الْمَقْضِيَّةِ مِنْ الْعِيدِ أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ اهـ. وَأَقُولُ: إنْ أَرَادَ بِهِ التَّكْبِيرَ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ فَهُوَ غَيْرُ شَبِيهٍ بِالْقُنُوتِ لِأَنَّ الْقُنُوتَ فِيهَا وَهَذَا خَارِجَهَا، وَإِنْ أَرَادَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ فَالرَّاجِحُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الْمَقْضِيَّةِ، وَقِيَاسُهُ حِينَئِذٍ الْإِتْيَانُ بِالْقُنُوتِ فِي الْمَقْضِيَّةِ وَاسْتَوْجَهَهُ شَيْخُنَا. وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّكْبِيرِ طَرِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ فَاتَهُ وِتْرُ النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَقَضَاهُ فِي الثَّانِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ مُحَاكَاةً لِلْأَدَاءِ فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. م د قَوْلُهُ: (أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ قُنُوتُ عُمَرَ) عِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: قُنُوتُ ابْنِ عُمَرَ وَنِسْبَتُهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ الَّذِي رَوَاهُ كَمَا عَلَيْهِ غَالِبُ الشُّرَّاحِ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ الَّذِي قَالَهُ اهـ وَهُوَ " اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك وَنَسْتَهْدِيك وَنُؤْمِنُ بِك وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ، نَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ " اهـ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالثَّانِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَمُلْحَقٌ يَجُوزُ فِيهِ كَسْرُ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحُهَا رِوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ. وَلَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ يُطَوِّلُ الِاعْتِدَالَ وَهُوَ مُبْطِلٌ. لِأَنَّ مَحَلَّ الْبُطْلَانِ بِتَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ فِي غَيْرِ اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ تَطْوِيلُهُ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَوْلُهُ: وَنَتْرُكُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 وَالْمُرَادُ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ اللَّفْظُ الْوَاجِبُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ دُونَ مَا هُوَ سُنَّةٌ فِيهِ. وَالرَّابِعُ: الْقِيَامُ لِلْقُنُوتِ الرَّاتِبِ. وَالْخَامِسُ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ. وَالسَّادِسُ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْقُنُوتِ. وَالسَّابِعُ: الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ بَعْدَ الْقُنُوتِ. وَالثَّامِنُ: الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْقُعُودَ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَلِلصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ بَعْدَ الْأَخِيرِ كَالْقُعُودِ لِلْأَوَّلِ، وَأَنَّ الْقِيَامَ لَهُمَا بَعْدَ الْقُنُوتِ كَالْقِيَامِ لَهُ فَتَزِيدُ الْأَبْعَاضُ بِذَلِكَ. وَسُمِّيَتْ هَذِهِ السُّنَنُ أَبْعَاضًا لِقُرْبِهَا بِالْجَبْرِ بِالسُّجُودِ مِنْ الْأَبْعَاضِ أَيْ الْأَرْكَانِ، وَخَرَجَ بِهَا بَقِيَّةُ السُّنَنِ كَأَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يُجْبَرُ تَرْكُهَا بِالسُّجُودِ. وَلَا تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.   [حاشية البجيرمي] عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِنَخْلَع، وَعَبَّرَ بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْفَاجِرَ كَالْبَابُوجِ الَّذِي يُخْلَعُ مِنْ الرِّجْلِ. وَقَوْلُهُ: وَنَسْجُدُ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ إنْ أُرِيدَ بِهِ سُجُودُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرُ يَكُونُ مُغَايِرًا وَقَوْلُهُ: وَنَحْفِدُ أَيْ نُسْرِعُ وَقَوْلُهُ إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ أَيْ الْحَقَّ، وَقَوْلُهُ مُلْحَقٌ مِنْ أَلْحَقَ بِمَعْنَى لَحِقَ وَهَذَا عَلَى كَسْرِ الْحَاءِ، وَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا فَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَلْحَقَهُ بِهِمْ. فَرْعٌ: لَوْ قَصَدَ أَنْ يَقْنُتَ لِنَازِلَةٍ ثُمَّ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يَسْجُدْ لَهُ، وَإِنْ صَلَّى صَلَاةَ التَّسْبِيحِ أَوْ رَاتِبَةَ الظُّهْرِ أَوْ أَرْبَعًا نَفْلًا بِقَصْدِ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ وَتَرَكَهُ فِي الْكُلِّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ خِلَافًا لحج فِي الْأَخِيرَةِ رَحْمَانِيٌّ فَسُجُودُ السَّهْوِ يَكُونُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ. فَرْعٌ: لَوْ صَلَّى نَفْلًا أَرْبَعًا بِتَشَهُّدٍ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ عَزَمَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَنَسِيَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ، وَقِيلَ لَا يَسْجُدُ مُطْلَقًا، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْإِمَامِ. اهـ. وَاعْتَمَدَ م ر الْأَوَّلَ وحج الثَّانِيَ. قَوْلُهُ: (مَا هُوَ سُنَّةٌ فِيهِ) أَيْ الْأَخِيرِ وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ، فَلَا تُسَنُّ فِي الْأَوَّلِ بَلْ قِيلَ بِكَرَاهَتِهَا فِيهِ، وَلَا سُجُودَ لِتَرْكِهَا وَلَا لِفِعْلِهَا فِيهِ أَيْضًا ق ل. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى. اهـ. م د قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّشَهُّدِ إلَخْ) وَمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ» إلَخْ. مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَرِدْ، وَأَمَّا هَذَا فَقَدْ وَرَدَ أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ قَوْلُهُ: (فَتَزِيدُ الْأَبْعَاضُ بِذَلِكَ) أَيْ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَتَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ، وَيَزِيدُ الْقُنُوتُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الصَّحْبِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى الْآلِ وَعَلَى الصَّحْبِ، وَالْقِيَامِ لِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، فَتَصِيرُ الْأَبْعَاضُ عِشْرِينَ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَالْأَبْعَاضُ الْحَقِيقِيَّةُ جَبْرُهَا بِالتَّدَارُكِ وَهَذِهِ لَمَّا طُلِبَ جَبْرُهَا بِالسُّجُودِ أَشْبَهَتْ الْأَبْعَاضَ الْحَقِيقِيَّةَ بِجَامِعِ طَلَبِ الْجَبْرِ فِيهِمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْبُورُ بِهِ فَلِهَذَا سُمِّيَتْ أَبْعَاضًا. اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (لِقُرْبِهَا بِالْجَبْرِ بِالسُّجُودِ) أَيْ بِسَبَبِ الْجَبْرِ قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَبْعَاضِ) مُتَعَلِّقٌ بِقُرْبِ وَبِالسُّجُودِ مُتَعَلِّقٌ بِجَبْرِ وَهَذَا بَيَانٌ لِلْجَامِعِ بَيْنَهُمَا، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى حَذْفُ السُّجُودِ لِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا مُطْلَقُ الْجَبْرِ، وَإِنْ كَانَ الْجَابِرُ مُخْتَلِفًا فَالْجَبْرُ فِي الْأَرْكَانِ بِالتَّدَارُكِ وَفِي الْأَبْعَاضِ بِالسُّجُودِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ الْأَبْعَاضِ أَيْ الْحَقِيقِيَّةِ يُفِيدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ أَبْعَاضًا حَقِيقِيَّةً، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ مُسَمَّى الصَّلَاةِ حَقِيقِيَّةُ الْأَرْكَانِ فَقَطْ فَلْيُتَأَمَّلْ. فَإِنَّ فِيهِ وَقْفَةً وَلَهُ تَوْجِيهِ سم. وَأَقُولُ: قَدْ يُقَالُ الصَّلَاةُ لَهَا إطْلَاقَانِ، تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الصَّلَاةُ الْكَامِلَةُ أَيْ الْمُسْتَوْفِيَةُ بِمَا طُلِبَ فِيهَا، وَحِينَئِذٍ فَهِيَ أَبْعَاضٌ حَقِيقَةٌ، وَتُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا مَا يَسْقُطُ بِفِعْلِهِ الطَّلَبُ وَتَسْمِيَتُهَا حِينَئِذٍ أَبْعَاضًا مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُشَابَهَةُ قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِهَا بَقِيَّةُ السُّنَنِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَخَرَجَ بِهَا بَقِيَّةُ السُّنَنِ فَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِهَا كَتَرْكِ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا نُقِلَ، إذْ الْقُنُوتُ مَثَلًا ذِكْرٌ مَقْصُودٌ شُرِعَ لَهُ مَحَلٌّ خَاصٌّ بِهِ بِخِلَافِ السُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا كَالْمُقَدِّمَةِ لِبَعْضِ الْأَرْكَانِ كَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ أَوْ التَّابِعُ كَالسُّجُودِ، فَإِنْ سَجَدَ لِشَيْءٍ مِنْهَا ظَانًّا جَوَازَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا لِمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ. وَمَا اسْتَشْكَلَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْجَاهِلَ لَا يَعْرِفُ مَشْرُوعِيَّةَ سُجُودِ السَّهْوِ، وَمَنْ عَرَفَهُ عَرَفَ مَحَلَّهُ رُدَّ بِمَنْعِ هَذَا التَّلَازُمِ لِأَنَّ الْجَاهِلَ قَدْ يَسْمَعُ مَشْرُوعِيَّةَ سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ لَا غَيْرَ فَيَظُنُّ عُمُومَهُ لِكُلِّ سُنَّةٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 (وَهَيْئَاتُهَا) جَمْعُ هَيْئَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا عَدَا الْأَبْعَاضَ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي لَا تُجْبَرُ بِالسُّجُودِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَالْمَذْكُورَةُ مِنْهَا هُنَا (خَمْسَةَ عَشْرَ خَصْلَةً) الْأُولَى: (رَفْعُ الْيَدَيْنِ) أَيْ رَفْعُ كَفَّيْهِ لِلْقِبْلَةِ مَكْشُوفَتَيْنِ، مَنْشُورَتَيْ الْأَصَابِعِ مُفَرَّقَةً وَسَطًا (عِنْدَ) ابْتِدَاءِ (تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) مُقَابِلَ مَنْكِبَيْهِ بِأَنْ تُحَاذِيَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِمَا أَعْلَى أُذُنَيْهِ، وَإِبْهَامَاهُ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ، وَرَاحَتَاهُ   [حاشية البجيرمي] وَعَدَمَ اخْتِصَاصِهِ بِمَحَلِّ الْمَشْرُوعِ اهـ خ ض قَوْلُهُ: (وَلَا تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ) لَا مِنْ الْإِمَامِ وَلَا مِنْ الْمَأْمُومِ إذَا كَانَ مُوَافِقًا، وَالْأَشْبَهُ فِي الْمَأْمُومِ الْمُوَافِقُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يُطِيلُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ إمَّا لِثِقَلِ لِسَانِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَتَمَّهُ الْمَأْمُومُ سَرِيعًا اُسْتُحِبَّ لَهُ الدُّعَاءُ إلَى أَنْ يَقُومَ إمَامُهُ فَلَا يَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَمَا بَعْدَهَا، وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ مَعَ الْإِمَامِ تَشَهُّدَهُ الْأَخِيرَ، وَهُوَ أَوَّلٌ لِلْمَأْمُومِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الدُّعَاءُ فِيهِ. وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ وَهَلْ بَقِيَّةُ التَّشَهُّدِ كَذَلِكَ أَوْ لَا يَأْتِي بِبَقِيَّةِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ كَنَقْلِ الْقَوْلِيِّ. اهـ. ح ل؟ وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر الْإِتْيَانُ بِبَقِيَّتِهِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ الْإِتْيَانُ بِدُعَائِهِ، وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَالْإِمَامُ يُسَنُّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْإِتْيَانُ بِذَلِكَ بِخِلَافِهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ مُوَافِقًا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا) خَرَجَ بِهِ الطُّمَأْنِينَةُ لِأَنَّهَا تُسَمَّى هَيْئَةً لِمَا هِيَ فِيهِ ق ل قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا تُجْبَرُ بِالسُّجُودِ) لِعَدَمِ وُرُودِ السُّجُودِ لِتَرْكِهَا، فَإِنْ سَجَدَ لِشَيْءٍ مِنْهَا عَالِمًا عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا غَيْرَ مَعْذُورٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (رَفْعُ الْيَدَيْنِ) لِإِمَامٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ امْرَأَةً وَإِنْ اضْطَجَعَ، وَالْحِكْمَةُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ رَفْعُ الْحِجَابِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الرَّبِّ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ، وَالْإِشَارَةُ فِي رَفْعِ السَّبَّابَةِ إلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، وَالْإِشَارَةُ فِي وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ ذُلٌّ بَيْنَ يَدَيْ عَزِيزٍ. وَيُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ رَفْعُ يَدَيْهِ حَالَةَ الْخُطْبَةِ اهـ قَوْلُهُ: (أَيْ رَفْعُ كَفَّيْهِ) أَتَى بِهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَدِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ فَدَفَعَهُ بِذَلِكَ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. وَإِطْلَاقُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْكَفَّيْنِ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، فَلَوْ قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْكُوعِ رَفَعَ السَّاعِدَ أَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ رَفَعَ الْعَضُدَ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ، وَلَوْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا رَفَعَ سَاعِدَهَا مَعَ الْأُخْرَى، وَلَوْ رَفَعَ إحْدَاهُمَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى رَفْعِ الْأُخْرَى لَمْ يَحْصُلْ لَهُ أَصْلُ السُّنَّةِ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شَرَفٍ قَوْلُهُ: (لِلْقِبْلَةِ) أَيْ مَا يُصَلَّى إلَيْهِ فَيَشْمَلُ مَقْصِدَ الْمُسَافِرِ أَوْ مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ رَحْمَانِيٌّ. وَقَوْلُهُ مَنْشُورَتَيْ الْأَصَابِعِ لِيَكُونَ لِكُلِّ عُضْوٍ اسْتِقْلَالٌ فِي الْعِبَادَةِ. ضَابِطٌ لِلْأَصَابِعِ فِي الصَّلَاةِ سِتُّ حَالَاتٍ: إحْدَاهَا حَالَةُ الرَّفْعِ فِي تَحَرُّمٍ وَرُكُوعٍ وَاعْتِدَالٍ وَقِيَامٍ مِنْ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ فَيُنْدَبُ تَفْرِيقُهَا. الثَّانِيَةُ: حَالُ قِيَامٍ فِي غَيْرِ التَّشَهُّدِ فَلَا تُفَرَّقُ. الثَّالِثَةُ: حَالُ رُكُوعٍ فَيُنْدَبُ تَفْرِيقُهَا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ. الرَّابِعَةُ: حَالُ سُجُودٍ فَتُضَمُّ وَتُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ. الْخَامِسَةُ: حَالُ قُعُودٍ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالسُّجُودِ. السَّادِسَةُ: التَّشَهُّدُ فَالْيَمِينُ مَضْمُومَةُ الْأَصَابِعِ إلَّا الْمُسَبِّحَةَ وَالْيُسْرَى مَبْسُوطَةٌ وَالْأَصَحُّ فِيهَا الضَّمُّ. اهـ. مُنَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ ابْتِدَاءِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: عِنْدَ ابْتِدَاءٍ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّفْعِ، أَيْ ابْتِدَاءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. وَقَوْلُهُ: مُقَابِلُ مَنْكِبَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ يُنْهِيهِمَا مُقَابِلُ مَنْكِبَيْهِ قَوْلُهُ: (مَنْكِبَيْهِ) تَثْنِيَةُ مَنْكِبٍ وَهُوَ مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدَيْنِ وَالْكَتِفِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ دُونَ حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مَعَ فِعْلٍ ثَالِثٍ وَتَوَالَتْ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. وَمَا ذَكَرَ هُوَ الْأَكْمَلُ، وَالسُّنَّةُ تَحْصُلُ بِأَيِّ رَفْعٍ. اهـ. م د خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَى الرَّفْعَ سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ، وَقَدْ صَنَّفَ الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ تَصْنِيفًا رَدَّ فِيهِ عَلَى مُنْكِرِي الرَّفْعِ، وَحِكْمَتُهُ كَمَا قَالَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 مَنْكِبَيْهِ (وَعِنْدَ) الْهَوِيِّ إلَى (الرُّكُوعِ وَ) عِنْدَ (الرَّفْعِ مِنْهُ) وَعِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا. (وَ) الثَّانِيَةُ (وَضْعُ) بَطْنِ كَفِّ (الْيَمِينِ عَلَى) ظَهْرِ (الشِّمَالِ) بِأَنْ يَقْبِضَ فِي قِيَامٍ أَوْ بَدَلِهِ بِيَمِينِ كُوعِ يَسَارِهِ وَبَعْضِ سَاعِدِهَا وَرُسْغِهَا تَحْتَ صَدْرِهِ وَفَوْقَ سُرَّتِهِ لِلِاتِّبَاعِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَسْطِ أَصَابِعِ الْيَمِينِ فِي عَرْضِ الْمِفْصَلِ وَبَيْنَ نَشْرِهَا صَوْبَ السَّاعِدِ. وَالْقَصْدُ مِنْ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ تَسْكِينُ الْيَدَيْنِ فَإِنْ أَرْسَلَهُمَا وَلَمْ يَعْبَثْ فَلَا بَأْسَ. وَالْكُوعُ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ الْيَدِ وَالْبُوعُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ الرِّجْلِ يُقَالُ الْغَبِيُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ كُوعَهُ مِنْ بُوعِهِ وَالرُّسْغُ هُوَ الْمِفْصَلُ   [حاشية البجيرمي] إعْظَامُ إجْلَالِ اللَّهِ وَرَجَاءُ ثَوَابِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَوَجْهُ الْإِعْظَامِ مَا تَضَمَّنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا يُمْكِنُ مِنْ اعْتِقَادِ الْقَلْبِ عَلَى اعْتِقَادِ كِبْرِيَائِهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ، وَالتَّرْجَمَةِ عَنْهُ بِاللِّسَانِ، وَإِظْهَارِ مَا يُمْكِنُ إظْهَارُهُ مِنْ الْأَرْكَانِ. وَقِيلَ: إشَارَةٌ إلَى طَرْحِ مَا سِوَاهُ تَعَالَى وَالْإِقْبَالِ بِكُلِّهِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الرَّفْعِ أَنْ يَرَاهُ الْأَصَمُّ فَيَعْلَمَ دُخُولَهُ فِي الصَّلَاةِ كَالْأَعْمَى يَعْلَمُ سَمَاعَ التَّكْبِيرِ، وَإِشَارَةٌ إلَى رَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَعْبُودِ اهـ. وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي رَفْعِهِمَا أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْأَصْنَامُ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَوَافَقَهُ الْمُنَافِقُونَ وَرَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ فَسَقَطَتْ أَصْنَامُهُمْ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ وَتَفْرِيقِ الْأَصَابِعِ وَكَوْنِهِ وَسَطًا وَإِلَى الْقِبْلَةِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَإِذَا فَعَلَ شَيْئًا أُثِيبَ عَلَيْهِ وَفَاتَهُ الْكَمَالُ، وَلَوْ تَرَكَ الرَّفْعَ فِي جَمِيعِ مَا أُمِرَ بِهِ أَوْ فَعَلَهُ حَيْثُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الْهَوِيِّ) أَيْ قَبْلَهُ بِأَنْ يَهْوِيَ بَعْدَ تَمَامِ الرَّفْعِ ق ل. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ خ ض بِأَنْ يَبْتَدِئَ الرَّفْعَ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ، فَإِذَا حَاذَى كَفَاهُ مَنْكِبَيْهِ انْحَنَى اهـ، وَلَوْ تَرَكَ الرَّفْعَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَتَّى شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ رَفَعَ أَثْنَاءَهُ لَا بَعْدَهُ لِزَوَالِ الْهَيْئَةِ قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ بِأَنْ يَبْتَدِئَ الرَّفْعَ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَإِذَا اسْتَوَى أَرْسَلَهُمَا إرْسَالًا خَفِيفًا تَحْتَ صَدْرِهِ فَقَطْ وَوَافَقْنَا عَلَى الرَّفْعِ الْحَنَابِلَةُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: لَا يُقَالُ هَلَّا يُسَنُّ تَرْكُ الرَّفْعِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِإِبْطَالِهِ الصَّلَاةَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. لِأَنَّا نَقُولُ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ شُرُوطٌ مِنْهَا أَنْ لَا يُخَالِفَ سُنَّةً ثَابِتَةً وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رِوَايَةِ نَحْوِ خَمْسِينَ صَحَابِيًّا قَالَهُ فِي الْأَشْبَاهِ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي جَمِيعِ مَحَالِّهِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَلَا تُتْرَكُ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَلِّي فَلَا يَرْفَعُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الثَّانِيَةِ فَلْيُرَاجَعْ مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَقْبِضَ) هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ، وَلَوْ أَرْسَلَهُمَا بِلَا عَبَثٍ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ بَعْدَ قَوْلِهِ: (وَرُسْغِهَا) أَيْ وَبَعْضِ رُسْغِهَا كَمَا هُوَ صَرِيحٌ. شَرْحُ التَّحْرِيرِ أَيْ فَهُوَ مَجْرُورٌ، وَلَا يُقَالُ الْمَقْبُوضُ جَمِيعُ الرُّسْغِ بِمَعْنَى الْمِفْصَلِ لِأَنَّ هُنَاكَ فُرْجَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَلِي الْإِبْهَامَ مِنْ الْكَفِّ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: لَا يَبْعُدُ فِيمَنْ قُطِعَ كَفُّ يُمْنَاهُ مَثَلًا وَضْعُ طَرَفِ الزَّنْدِ عَلَى يُسْرَاهُ، وَفِيمَنْ قُطِعَ كَفَّاهُ وَضْعُ أَحَدِ الزَّنْدَيْنِ عِنْدَ طَرَفِ الْآخَرِ تَحْتَ صَدْرِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ سُقُوطَ السُّجُودِ عَلَى الْيَدِ إذَا قُطِعَ الْكَفُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ سُقُوطُ الْوُجُوبِ بِسُقُوطِ مَحَلِّهِ دُونَ الِاسْتِحْبَابِ، وَأَيْضًا فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ اهـ وَالزَّنْدُ مُوصِلٌ طَرَفَ الذِّرَاعِ فِي الْكَفِّ وَهُمَا زَنْدَانِ جَمْعُهُ زِنَادٌ وَأَزْنَادٌ اهـ قَوْلُهُ: (تَحْتَ صَدْرِهِ وَفَوْقَ سُرَّتِهِ) حَالٌ أَيْ وَلَوْ مُضْطَجِعًا. وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: يَضَعُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ قَوْلُهُ: (الْمِفْصَلُ) كَمِنْبَرٍ قَوْلُهُ: (وَالْقَصْدُ مِنْ الْقَبْضِ) أَيْ حِكْمَتُهُ ذَلِكَ وَقِيلَ حِكْمَتُهُ حِفْظُ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ عَلَى الْعَادَةِ فِيمَنْ أَرَادَ حِفْظَ شَيْءٍ نَفِيسٍ، وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِهِمَا كَذَلِكَ أَنْ تَكُونَا فَوْقَ أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ الْقَلْبُ، وَيُسَنُّ أَنْ تَكُونَا إلَى جِهَةِ الْيَسَارِ أَمْيَلَ لِمَا ذُكِرَ إذْ هِيَ مَحَلُّهُ لِأَنَّ مَنْ احْتَفَظَ عَلَى شَيْءٍ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ السَّادَةِ الْمَالِكِيَّةِ الْأَفْضَلُ الْإِرْسَالُ تَشْبِيهًا بِالْمَيِّتِ {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148] شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (وَالْكُوعُ) الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ الْيَدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ (وَ) الثَّالِثَةُ دُعَاءُ (التَّوَجُّهِ) نَحْوَ: " وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ   [حاشية البجيرمي] أَيْ أَصْلَ إبْهَامِ الْيَدِ إلَخْ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ أَصْلٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُوعِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْبُوعِ فَلَا تَقْدِيرَ قَوْلُهُ: (الْغَبِيُّ) الْغَبَاوَةُ نِهَايَةُ الْبَلَادَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْغَبِيُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ كُوعَهُ مِنْ كُرْسُوعِهِ لِأَنَّ الْكُرْسُوعَ قَرِيبٌ مِنْ الْكُوعِ. فَيَكُونُ عَدَمُ تَمْيِيزِهِ بَيْنَهُمَا غَايَةً فِي غَبَاوَتِهِ قَوْلُهُ: (وَالرُّسْغُ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمِفْصَلُ أَيْ مَا فَوْقَ الْمِفْصَلِ مِنْ عِظَامِ الْأَصَابِعِ بَيْنَ الْكُوعِ الْمَذْكُورِ وَالْكُرْسُوعِ وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ ق ل. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّ الْأَسْمَاءَ الثَّلَاثَةَ أَسْمَاءٌ لِمَا اتَّصَلَ بِالسَّاعِدِ لَا بِالْكَفِّ، فَهِيَ أَجْزَاءٌ مِنْ السَّاعِدِ لَا مِنْ الْكَفِّ م د. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَعَظْمٌ يَلِي الْإِبْهَامَ كُوعٌ وَمَا يَلِي ... لِخِنْصَرِهِ الْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ مَا وَسَطَ وَعَظْمٌ يَلِي إبْهَامَ رِجْلٍ مُلَقَّبٌ ... بِبُوعٍ فَخُذْ بِالْعِلْمِ وَاحْذَرْ مِنْ الْغَلَطِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ: بِأَنْ يَقْبِضَ إلَخْ هِيَ الْكَيْفِيَّةُ الْفُضْلَى، وَوَرَاءَهَا كَيْفِيَّتَانِ بَسْطُ أَصَابِعِ الْيَمِينِ فِي عَرْضِ الْمِفْصَلِ أَوْ نَشْرُهَا صَوْبَ السَّاعِدِ، فَلِوَضْعِ الْيَدَيْنِ ثَلَاثُ كَيْفِيَّاتٍ. تَنْبِيهٌ: فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الرَّفْعُ لِلسُّجُودِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْيَدَ فِي حَالِ الْقِيَامِ فَارِغَةٌ عَنْ الشُّغْلِ فَيُسَنُّ لَهَا الرَّفْعُ كَحَالَةِ الِافْتِتَاحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ السُّجُودِ فَإِنَّ الْيَدَ هُنَاكَ مَشْغُولَةٌ بِالْوَضْعِ عَلَى الْفَخِذِ، وَالِاعْتِمَادِ عَلَى الْأَرْضِ، فَلَمْ يُسَنَّ لَهَا شُغْلٌ آخَرُ فَيَشْغَلَهَا عَنْهُ، وَلَا يُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلْقِيَامِ مِنْ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ قَوْلُهُ: (دُعَاءُ التَّوَجُّهِ) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ، وَالْمُصَنِّفُ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا أَيْ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا إلَّا صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، فَلَا يُنْدَبُ فِيهَا كَالصُّورَةِ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ وَإِنْ صَلَّى عَلَى غَائِبٍ أَوْ قَبْرٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ، وَلَا يُطْلَبُ إلَّا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَكُنْ مَسْبُوقًا اهـ اج. وَفِي تَسْمِيَتِهِ دُعَاءً تَجَوُّزٍ لِأَنَّ الدُّعَاءَ طَلَبٌ وَهَذَا لَا طَلَبَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ فَسُمِّيَ دُعَاءً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُجَازَى عَلَيْهِ كَمَا يُجَازَى عَلَى الدُّعَاءِ اهـ اج. وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف: سُمِّيَ دُعَاءً بِاعْتِبَارِ آخِرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا هُنَا وَهُوَ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدَتْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. فَإِنَّ هَذَا مِنْهُ، وَمَحَلُّهُ بَعْدَ التَّحَرُّمِ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَيَفُوتُ بِشُرُوعِهِ فِي التَّعَوُّذِ أَوْ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ سَهْوًا وَبِجُلُوسِهِ مَعَ إمَامِهِ بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ وَجَلَسَ مَعَهُ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ: لَيْسَ لَنَا مَسْبُوقٌ يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ إلَّا مَنْ أَحْرَمَ فَسَلَّمَ إمَامُهُ، أَوْ قَامَ أَيْ الْإِمَامُ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ قَبْلَ جُلُوسِهِ أَيْ الْمَأْمُومِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ إنَّمَا يُسَنُّ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَأَنْ لَا يَخَافَ فَوْتَ وَقْتِ الْأَدَاءِ، وَأَنْ لَا يَخَافَ الْمَأْمُومُ فَوْتَ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ، وَأَنْ لَا يُدْرِكَ الْإِمَامَ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ، فَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الِاعْتِدَالِ لَمْ يَفْتَتِحْ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَأَنْ لَا يَشْرَعَ الْمُصَلِّي مُطْلَقًا فِي التَّعَوُّذِ أَوْ الْقِرَاءَةِ، وَشُرُوطُ التَّعَوُّذِ شُرُوطُ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ إلَّا أَنَّهُ يُسَنُّ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَعِبَارَةُ ابْنِ شَرَفٍ قَوْلُهُ: وَافْتِتَاحُ مَحَلِّهِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ خُرُوجَ الْوَقْتِ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْضِهَا، لَكِنْ فِي الثَّانِي نَظَرٌ بَلْ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَإِنْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَدِّ وَهُوَ جَائِزٌ وَلَوْ بِالسُّكُوتِ الْعَمْدِ اهـ. وَفِي فَتَاوَى م ر سُئِلَ عَنْ الشَّخْصِ إذَا صَلَّى آخِرَ الْوَقْتِ وَلَوْ أَتَى بِسُنَنِ الصَّلَاةِ يَخْرُجُ بَعْضُهَا هَلْ يَأْتِي بِهَا أَوْ لَا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِفَرَائِضِ الْوُضُوءِ فَقَطْ؟ فَأَجَابَ حَيْثُ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي وَقْتِهَا مَا يَسَعُ جَمِيعَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِسُنَنِهَا وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوُضُوءِ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ لَا يُقْصَدُ لِذَاتِهِ وَاشْتِغَالَهُ بِسُنَنِهَا مِنْ مَصَالِحِهَا اهـ. وَتَعْبِيرُنَا فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِنَا بَعْدَ التَّحَرُّمِ أَحْسَنُ مِنْ تَعْبِيرِ بَعْضِهِمْ بِعَقِبَ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ بَعْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 الْمُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ " لِلِاتِّبَاعِ. فَائِدَةٌ: مَعْنَى وَجَّهْت وَجْهِي أَيْ أَقْبَلْتُ بِوَجْهِي، وَقِيلَ قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي. وَمَعْنَى فَطَرَ ابْتَدَأَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ   [حاشية البجيرمي] التَّحَرُّمِ طَوِيلًا لَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ كَمَا قَالَهُ حَجّ. وَيَبْقَى مَا لَوْ أَتَى بِذِكْرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ قَبْلَ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالْوَجْهُ فَوَاتُهُ بِهِ وَإِنْ قَلَّ لِخُرُوجِ الِافْتِتَاحِ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ افْتِتَاحًا، وَلَعَلَّ مُرَادَ مَنْ عَبَّرَ بِالْعَقِبِيَّةِ عَدَمُ الْفَاصِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحَرُّمِ بِلَفْظِ مُطْلَقًا لَا بِسُكُوتٍ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِعْرَاضَ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ، وَلَا يَفُوتُ الِافْتِتَاحُ بِتَأْمِينِهِ مَعَ إمَامِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (نَحْوَ وَجَّهْتُ وَجْهِي) أَفْهَمَ صَنِيعُهُ أَنَّ لَهُ صِيَغًا أُخَرَ غَيْرَ هَذِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ بِرْمَاوِيٌّ. وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: نَحْوُ وَجَّهْت وَجْهِي إلَخْ إلَى أَنَّ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ لَا يَنْحَصِرُ فِي وَجَّهْت إلَخْ. فَقَدْ صَحَّ فِيهِ أَخْبَارٌ مِنْهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. وَمِنْهَا: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. وَمِنْهَا: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ إلَخْ. وَبِأَيِّهَا افْتَتَحَ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَيْ وَجَّهْتُ وَجْهِي إلَخْ أَفْضَلُهَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ جَمِيعِ ذَلِكَ لِمُنْفَرِدٍ وَإِمَامٍ مِنْ ذَكَرٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ اهـ شَرْحُ م ر اهـ. وَالْوَجْهُ أَنْ يَجْرِيَ فِي تَرْتِيبِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَمُوَالَاتِهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي التَّشَهُّدِ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِبَعْضِهِ وَتَأْتِي الْأُنْثَى بِمَا فِي الْآيَةِ لِلتَّغْلِيبِ فِي {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79] وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِرَادَةُ الشَّخْصِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَطَرَ السَّمَوَاتِ إلَخْ) جَمَعَ السَّمَوَاتِ لِانْتِفَاعِنَا بِجَمِيعِهَا، لِأَنَّ جَمِيعَ الْكَوَاكِبِ مَا عَدَا السَّبْعَةَ السَّيَّارَةَ مَرْكُوزَةٌ فِي الْفَلَكِ الثَّامِنِ وَهُوَ الْكُرْسِيُّ، وَالسَّبْعَةَ السَّيَّارَةَ مَثْبُوتَةٌ فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: زُحَلٌ شَرَى مِرِّيخَهُ مِنْ شَمْسِهِ ... فَتَزَاهَرَتْ لِعُطَارِدَ الْأَقْمَارُ فَزُحَلُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَالْمُشْتَرَى فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، وَالْمِرِّيخُ فِي الْخَامِسَةِ وَهَكَذَا. وَأَفْرَدَ الْأَرْضَ لِانْتِفَاعِنَا بِالطَّبَقَةِ الْعُلْيَا مِنْهَا فَقَطْ وَإِلَّا فَالْأَرْضُ سَبْعٌ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْقَانِيُّ وَهِيَ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا مَقَرُّ أَجْسَامِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْحَقُّ أَنَّ السَّمَاءَ أَفْضَلُ وَالْخُلْفُ فِي غَيْرِ الْبُقْعَةِ الَّتِي ضَمَّتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا هِيَ فَهِيَ أَفْضَلُ حَتَّى مِنْ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (حَنِيفًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ وَجَّهْت، أَيْ مَائِلًا إلَى الدِّينِ الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ: وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ أَوْ تَأْسِيسٌ بِجَعْلِ النَّفْيِ عَائِدًا إلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ لَكِنْ لَا يَسُوغُ إرَادَةُ هَذَا إلَّا لِلْخَوَاصِّ قَوْلُهُ: (وَنُسُكِي) أَيْ عِبَادَتِي فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. وَقَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ أُمِرْت هَلْ الْمُشَارُ إلَيْهِ الدُّعَاءُ أَوْ الصَّلَاةُ أَوْ النُّسُكُ أَوْ أَحَدُهُمَا شَوْبَرِيٌّ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ أَيْ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) نَظْمُ الْقُرْآنِ، {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163] وَيَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهِ كَذَلِكَ نَظَرًا لِلتِّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ مَعْنَاهُ، لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ مُكَفِّرٌ لِحُكْمِهِ بِكُفْرِ مَنْ قَبْلَهُ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهُ تَارَةً لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُسْلِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ ق ل. أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَإِلَّا فَهُوَ أَوَّلُ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَإِنَّ النُّورَ الْمُحَمَّدِيَّ أَوَّلُ مَا خُلِقَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيَّ مِنْ الْأُمَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ أُرْسِلَ حَتَّى لِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (أَقْبَلْت بِوَجْهِي) وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَصَّ الْوَجْهَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ وَفِيهِ أَعْظَمُ الْحَوَاسِّ، فَإِذَا خَضَعَ فَغَيْرُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وَالْحَنِيفُ، الْمَائِلُ إلَى الْحَقِّ وَعِنْدَ الْعَرَبِ مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ، وَالْمَحْيَا وَالْمَمَاتُ الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ، وَالنُّسُكُ الْعِبَادَةُ. (وَ) الرَّابِعَةُ (الِاسْتِعَاذَةُ) لِلْقِرَاءَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَتَهُ فَقُلْ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ فِيهَا قِرَاءَةً، وَالْأُولَى آكَدُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا.   [حاشية البجيرمي] أَوْلَى، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الذَّاتُ فَمَعْنَى وَجَّهْت وَجْهِي أَقْبَلْت بِذَاتِي، وَكَنَّى عَنْهَا بِالْوَجْهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ وَجْهًا مُقْبِلًا عَلَى رَبِّهِ لَا يَلْتَفِتُ لِغَيْرِهِ فِي جُزْءٍ مِنْهَا أَيْ الصَّلَاةِ، وَيَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ الصِّدْقِ خَوْفًا مِنْ الْكَذِبِ فِي هَذَا الْمَقَامِ قَوْلُهُ: (الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ) لَوْ قَالَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِمَاتَةُ لَكَانَ أَوْلَى، وَيَزِيدُ مُنْفَرِدٌ وَإِمَامُ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ أَيْ الَّذِينَ لَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ وَرَضُوا بِالتَّطْوِيلِ صَرِيحًا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا غَيْرَ أُجَرَاءَ إجَارَةَ عَيْنٍ عَلَى عَمَلٍ نَاجِزٍ وَغَيْرَ مُتَزَوِّجَاتٍ " اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْت بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعَهَا لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْك وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك، أَنَا بِك وَإِلَيْك فَتَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ " اهـ. وَقَوْلُهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك أَيْ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَيْك وَقِيلَ: لَا يُفْرَدُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْك وَإِنَّمَا يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَقِيلَ لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْك فَإِنَّك خَلَقْته لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ لِخَلْقِك. اهـ. خَطِيبٌ عَلَى الْمِنْهَاجِ قَوْلُهُ: (وَالنُّسُكُ الْعِبَادَةُ) فَعَطْفُهُ عُلِمَ. قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِعَاذَةُ لِلْقِرَاءَةِ) أَيْ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَدَلِهَا مِنْ ذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ. اهـ. م ر خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إبْعَادُ الشَّيْطَانِ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُهَا التَّعَوُّذَ تَعَوَّذَ لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَرَفٍ وَمِثْلُهُ ق ل. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْمَسْبُوقِ إذَا خَافَ رُكُوعَ إمَامِهِ قَبْلَ إتْمَامِهِ الْفَاتِحَةَ، وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ خ ض وَالْمُعْتَمَدُ التَّعَوُّذُ لِلذِّكْرِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُعْطَى حُكْمَ مُبْدَلِهِ وَلَوْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الِافْتِتَاحِ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِهِ هُنَا كَشَرْحِ الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ، وَخِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي مُهِمَّاتِهِ وَالْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَالْخَطِيبِ حَيْثُ قَيَّدُوا نَدْبَ ذَلِكَ بِالْقِرَاءَةِ اهـ. وَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الِانْتِصَابِ إذْ هُوَ تَابِعٌ لَهَا فِي الْمَحَلِّ، فَإِذَا أَتَى بِهِ فِي نُهُوضِهِ لِلْقِيَامِ لَا يُحْسَبُ وَكَانَ مَكْرُوهًا لِفَوَاتِ تَعْمِيمِ الرُّكْنِ بِالتَّكْبِيرِ إذْ يُسَنُّ مَدُّهُ إلَى تَمَامِ الِانْتِصَابِ، وَيُسِرُّ بِهِمَا أَيْ بِالتَّعَوُّذِ وَالِافْتِتَاحِ نَدْبًا فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الْمُسْتَحَبَّةِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ سَمِيعًا قَوْلُهُ: (أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَتَهُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْ إرَادَةِ الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْإِرَادَةَ إذَا أُخِذَتْ مُطْلَقًا أَيْ مُتَّصِلَةً بِالْقِرَاءَةِ أَوْ لَا لَزِمَ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِعَاذَةِ بِمُجَرَّدِ إرَادَةِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَقْرَأَ اُسْتُحِبَّ لَهُ الِاسْتِعَاذَةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ أُخِذَتْ الْإِرَادَةُ بِشَرْطِ اتِّصَالِهَا بِالْقِرَاءَةِ اسْتَحَالَ الْعِلْمُ بِوُقُوعِهَا أَيْ الْإِرَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْقِرَاءَةِ، وَيَمْتَنِعُ حِينَئِذٍ اسْتِحْبَابُهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: بَقِيَ عَلَيْهِ قِسْمٌ آخَرُ بِاخْتِيَارِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ وَذَلِكَ أَنَّا نَأْخُذُهَا مُقَيَّدَةً بِأَنْ لَا يَعِنَّ لَهُ صَارِفٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ اهـ عَنَانِيٌّ قَوْلُهُ: (فَقُلْ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، كَأَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِمُوَافَقَةِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] . وَلِمَا رُوِيَ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَرَأْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَقَالَ لِي: قُلْ يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. هَكَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] أَخَذْته عَنْ جِبْرِيلَ عَنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ» وَرَوَى نَافِعٌ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» وَقَالَ أَحْمَدُ: الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، جَمْعًا بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36] وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ". وَقَدْ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. وَيُسْتَحَبُّ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَعَوَّذَ أَيْضًا، أَيْ فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْقِرَاءَةِ بِكُلِّ حَالٍ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ، وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ لِلْقِرَاءَةِ لَا لِلصَّلَاةِ، وَالْمُخْتَارُ الْجَهْرُ بِهَا فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ هَذَا فِي اسْتِعَاذَةِ الْقَارِئِ عَلَى الْمُقْرِئِ أَوْ بِحَضْرَةِ مَنْ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ، أَمَّا مَنْ قَرَأَ خَالِيًا أَوْ فِي الصَّلَاةِ سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً فَإِخْفَاؤُهَا أَوْلَى. وَمَحَلُّهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهَا بَسْمَلَةٌ أَوْ غَيْرُهَا، وَيَجُوزُ وَصْلُهَا بِالْبَسْمَلَةِ وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَإِمَامِنَا الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَحَمَلُوا الْأَمْرَ فِيهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [فصلت: 36] عَلَى النَّدْبِ. وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَلِّمْ الْأَعْرَابِيَّ الِاسْتِعَاذَةَ فِي جُمْلَةِ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِهِ غَيْرُ جَائِزٍ. وَذَهَبَ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَأَصْحَابُهُ إلَى وُجُوبِ الِاسْتِعَاذَةِ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [فصلت: 36] وَالْأَمْرُ فِيهَا لِلْوُجُوبِ حَتَّى إنَّهُمْ أَبْطَلُوا صَلَاةَ مَنْ لَمْ يَسْتَعِذْ، وَقَدْ جَنَحَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ إلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَحَكَاهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ رَبَاحٍ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ مِنْ حَيْثُ الْأَمْرُ وَالْأَمْرُ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَى التَّعَوُّذِ فَيَكُونُ وَاجِبًا، وَلِأَنَّهَا تَدْرَأُ شَرَّ الشَّيْطَانِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إذَا تَعَوَّذَ الرَّجُلُ فِي عُمْرِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ كَفَى فِي إسْقَاطِ الْوُجُوبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ الِاسْتِعَاذَةُ وَاجِبَةً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أُمَّتِهِ. وَأُجِيبَ عَنْ مُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ كَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَالتَّسْبِيحَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ التَّعَوُّذُ مِثْلَهَا، وَوَقْتُ الِاسْتِعَاذَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا. وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ كَبَّرَ ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثُمَّ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَنَفْخُهُ الْكِبْرُ وَنَفْثُهُ الشِّعْرُ. وَاحْتَجَّ مُخَالِفُ الْجُمْهُورِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] . وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَعَوَّذُ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَيَتَعَوَّذُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاسْتِعَاذَةُ تُطَهِّرُ الْقَلْبَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَشْغَلُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ لَطَائِفِ الِاسْتِعَاذَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إقْرَارٌ مِنْ الْعَبْدِ بِالْعَجْزِ وَالضَّعْفِ، وَاعْتِرَافٌ مِنْ الْعَبْدِ بِقُدْرَةِ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُ الْغَنِيُّ الْقَادِرُ عَلَى رَفْعِ جَمِيعِ الْمَضَرَّاتِ وَالْآفَاتِ، وَاعْتِرَافُ الْعَبْدِ أَيْضًا بِأَنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ مُبِينٌ. فَفِي الِاسْتِعَاذَةِ الْتِجَاءٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْقَادِرِ عَلَى دَفْعِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ الْغَوِيِّ الْفَاجِرِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ عَنْ الْعَبْدِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) أَيْ وَلَوْ لِلْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ لِلْقِرَاءَةِ، وَقَدْ حَصَلَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ بِالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ اهـ خ ض. وَلَوْ انْقَطَعَتْ قِرَاءَتُهُ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ أَوْ كَلَامِ أَجْنَبِيٍّ نَاسِيًا فَاسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ نُدِبَ لَهُ الِاسْتِعَاذَةُ ثَانِيًا، وَلَوْ تَعَارَضَ الِافْتِتَاحُ وَالتَّعَوُّذُ أَيْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا بِأَنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ لَا يَسَعُ إلَّا أَحَدَهُمَا وَالصَّلَاةَ هَلْ يُرَاعِي الِافْتِتَاحَ لِسَبْقِهِ أَوْ التَّعَوُّذَ لِأَنَّهُ لِلْقِرَاءَةِ؟ اُنْظُرْهُ. قُلْت: مِمَّا يُرَجِّحُ الثَّانِيَ أَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ ح ل، وَلَوْ شَرَعَ فِي التَّعَوُّذِ فَاتَ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَاتَ التَّعَوُّذُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَهُوَ أَيْ التَّعَوُّذُ عَلَى سَنَنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 فَائِدَةٌ: الشَّيْطَانُ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ مَأْخُوذٌ مِنْ شَطَنَ إذَا بَعُدَ وَقِيلَ مِنْ شَاطَ إذَا احْتَرَقَ وَالرَّجِيمُ الْمَطْرُودُ وَقِيلَ الْمَرْجُومُ. وَيُسَنُّ الْإِسْرَارُ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الْمَسْنُونَةِ (وَ) الْخَامِسَةُ (الْجَهْرُ) بِالْقِرَاءَةِ (فِي مَوْضِعِهِ) فَيُسَنُّ لِغَيْرِ الْمَأْمُومِ أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَأُولَتَيْ الْعِشَاءَيْنِ   [حاشية البجيرمي] الْقِرَاءَةِ إنْ جَهْرٌ فَجَهْرٌ وَإِنْ سِرٌّ فَسِرٌّ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَيُسِرُّ بِهِ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ أَتَى بِالدُّعَاءِ وَتَرَكَ التَّعَوُّذَ لِأَنَّ الدُّعَاءَ آكَدُ، وَكَذَا لَوْ تَعَارَضَ الْإِتْيَانُ بِالِافْتِتَاحِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الِافْتِتَاحُ كَمَا أَجَابَ بِهِ م ر فِي فَتَاوِيهِ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ قَوْلُهُ: (لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى سُنِّيَّةِ الِاسْتِعَاذَةِ. قَوْلُهُ: (الشَّيْطَانُ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ: الشَّيَاطِينُ الْعُصَاةُ مِنْ الْجِنِّ، وَهُمْ مِنْ وَلَدِ إبْلِيسَ وَالْمَرَدَةُ أَعْتَاهُمْ وَأَغْوَاهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْجِنُّ عِنْدَ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْعِلْمِ بِاللِّسَانِ مُنَزَّلُونَ عَلَى مَرَاتِبَ: فَإِنْ ذَكَرُوا الْجِنَّ خَالِصًا قَالُوا جِنِّيٌّ، فَإِنْ أَرَادُوا بِهِ مَنْ يَسْكُنُ مَعَ النَّاسِ قَالُوا: عَامِرٌ وَالْجَمْعُ عُمَّارٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْرِضُ لَلصِّبْيَانِ قَالُوا: أَرْوَاحٌ، فَإِذَا خَبُثَ وَتَعَرَّمَ أَيْ قَوِيَ قَالُوا: شَيْطَانٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَقَوِيَ أَمْرُهُ قَالُوا: عِفْرِيتٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ كَذَا فِي لَقْطِ الْمَرْجَانِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. فَإِنْ قِيلَ إنَّ ذِكْرَ إبْلِيسٍ فِي تِلْكَ الْحَضْرَةِ قَدْ يَنْبَغِي تَنْزِيهُ حَضْرَةِ اللَّهِ عَنْهُ. فَالْجَوَابُ: إنَّمَا أَمَرَنَا الْحَقُّ تَعَالَى بِذِكْرِ إبْلِيسَ اللَّعِينَ فِي تِلْكَ الْحَضْرَةِ مُبَالَغَةً فِي الشَّفَقَةِ عَلَيْنَا مِنْ وَسْوَسَتِهِ الَّتِي تُخْرِجُنَا مِنْ شُهُودِنَا لِلْحَقِّ تَعَالَى، وَلَوْلَا هَذِهِ الشَّفَقَةُ لَمَا كَانَ أَمَرَنَا بِذِكْرِ هَذَا اللَّعِينِ فِي حَضْرَتِهِ الْمُطَهَّرَةِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْأَشَدِّ وَهُوَ الْوَسْوَسَةُ بِالْأَخَفِّ وَهُوَ الِاسْتِعَاذَةُ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ إبْلِيسٍ وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْهُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيعِ لِأُمَّتِهِ سَوَاءٌ كَانُوا أَكَابِرَ أَوْ أَصَاغِرَ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاسْتِعَاذَةِ قَوْلُهُ: (مِنْ شَطَنَ إلَخْ) فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ مَصْرُوفٌ لِأَنَّ النُّونَ أَصْلِيَّةٌ، وَعَلَى الثَّانِي غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ وَقَوْلُهُ مِنْ شَطَنَ بَابُهُ قَعَدَ اهـ قَوْلُهُ: (وَقِيلَ الْمَرْجُومُ) لِرَجْمِهِ بِالشُّهُبِ وَهُوَ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ، وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ الرَّاجِمُ لِلنَّاسِ بِالْوَسْوَسَةِ لَكَانَ أَوْلَى، أَيْ فَيَكُونُ فَعِيلٌ إمَّا بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ اهـ وَقَوْلُهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَوَّلِ الْمَطْرُودُ عَنْ الرَّحْمَةِ. قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: إنَّ إبْلِيسَ كَانَ خَازِنَ الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ أَلْفِ سَنَةً، وَعَبَدَ اللَّهَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ ثَمَانِينَ أَلْفِ سَنَةً، وَوَعَظَ الْمَلَائِكَةَ عِشْرِينَ أَلْفِ سَنَةً وَسَيِّدَ الْكُرُوبِيِّينَ ثَلَاثِينَ أَلْفِ سَنَةً وَسَيِّدَ الرُّوحَانِيِّينَ أَلْفَ سَنَةً وَطَافَ حَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةً، وَكَانَ اسْمُهُ فِي السَّمَاءِ الْأُولَى الْعَابِدَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الزَّاهِدَ، وَفِي الثَّالِثَةِ الْعَارِفَ، وَفِي الرَّابِعَةِ الْوَلِيَّ، وَفِي الْخَامِسَةِ التَّقِيَّ، وَفِي السَّادِسَةِ الْخَازِنَ، وَفِي السَّابِعَةِ عَزَازِيرَ، وَفِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إبْلِيسَ، وَمَعَ ذَلِكَ غَافِلٌ عَنْ عَاقِبَةِ أَمْرِهِ اهـ كَشْفُ الْبَيَانِ لِلسَّمَرْقَنْدِيِّ. وَرَنَّ إبْلِيسُ اللَّعِينُ أَرْبَعَ رَنَّاتٍ: رَنَّةً حِينَ لُعِنَ، وَرَنَّةً حِينَ أُهْبِطَ، وَرَنَّةً حِينَ وُلِدَ النَّبِيُّ، وَرَنَّةً حِينَ أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ اهـ خ ض قَوْلُهُ: (وَالْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ) أَيْ وَإِنْ خَافَ الرِّيَاءَ بِخِلَافِ الْجَهْرِ خَارِجَ الصَّلَاةِ شَوْبَرِيٌّ. وَالْحِكْمَةُ فِي الْجَهْرِ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اللَّيْلُ مَحَلَّ الْخَلْوَةِ وَيُطْلَبُ فِيهِ السَّهَرُ شُرِعَ الْجَهْرُ فِيهِ طَلَبًا لِلَذَّةِ مُنَاجَاةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَخُصُّ بِالْأُولَيَيْنِ لِنَشَاطِ الْمُصَلِّي فِيهِمَا وَالنَّهَارُ لَمَّا كَانَ مَحَلَّ الشَّوَاغِلِ وَالِاخْتِلَاطِ بِالنَّاسِ طُلِبَ فِيهِ الْإِسْرَارُ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّفَرُّغِ لِلْمُنَاجَاةِ، وَأُلْحِقَ الصُّبْحُ بِالصَّلَاةِ اللَّيْلِيَّةِ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلشَّوَاغِلِ عَادَةً. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ اج: وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الِابْتِدَاءِ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُؤْذُونَهُ وَيَسُبُّونَ مَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَخُسُوفِ الْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ. وَالتَّرَاوِيحِ وَوِتْرِ رَمَضَانَ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لَيْلًا أَوْ وَقْتَ الصُّبْحِ (وَالْإِسْرَارُ) بِهَا (فِي مَوْضِعِهِ) فَيُسِرُّ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرَ إلَّا فِي نَافِلَةِ اللَّيْلِ الْمُطْلَقَةِ، فَيَتَوَسَّطُ فِيهَا بَيْنَ الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ إنْ لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى نَائِمٍ أَوْ مُصَلٍّ أَوْ نَحْوِهِ. وَمَحَلُّ الْجَهْرِ وَالتَّوَسُّطِ فِي الْمَرْأَةِ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ أَجْنَبِيٌّ. وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ   [حاشية البجيرمي] » الْآيَةَ. أَيْ لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك كُلِّهَا وَلَا تُخَافِتْ بِصَلَاتِك كُلِّهَا {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: 110] بِأَنْ تَجْهَرَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَتُخَافِتَ بِصَلَاةِ النَّهَارِ، فَكَانَ يُخَافِتُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَعِدِّينَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، وَيَجْهَرُ فِي الْمَغْرِبِ لِشُغْلِهِمْ فِيهِ بِالْأَكْلِ وَالْعَشَاءِ، وَالصُّبْحِ لِكَوْنِهِمْ رُقُودًا، وَفِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِأَنَّ إقَامَتَهُمَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ وَمَا كَانَ لِلْكُفَّارِ فِيهَا مِنْ قُوَّةٍ. وَهَذَا الْعُذْرُ وَإِنْ زَالَ بِغَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ فَالْحُكْمُ بَاقٍ لِأَنَّ بَقَاءَهُ يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ بَيَانِ السَّبَبِ لِأَنَّهُ خُلِّفَ عَنْهُ عُذْرٌ آخَرُ هُوَ كَثْرَةُ اشْتِغَالِ النَّاسِ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْجَهْرِ فِيمَا ذُكِرَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِسْقَاءِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِدَلِيلِ الْإِطْلَاقِ فِيهَا وَالتَّقْيِيدِ فِي الطَّوَافِ. اهـ. ابْنُ شَرَفٍ قَوْلُهُ: (وَوِتْرِ رَمَضَانَ) أَيْ وَلَوْ لِمُنْفَرِدٍ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالتَّرَاوِيحِ قَوْلُهُ: (إلَّا فِي نَافِلَةِ اللَّيْلِ الْمُطْلَقَةِ) خَرَجَ بِهَا غَيْرُهَا كَسُنَّةِ الْعِشَاءَيْنِ فَيُسِرُّ فِيهَا اهـ خ ض قَوْلُهُ: (فَيَتَوَسَّطُ إلَخْ) حَدُّ الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ، وَالْإِسْرَارِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالتَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا يُعْرَفُ بِالْمُقَايَسَةِ بِهِمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: 110] قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالْأَحْسَنُ فِي تَفْسِيرِهِ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَنْ يَجْهَرَ تَارَةً وَيُسِرَّ أُخْرَى إذْ لَا تُعْقَلُ الْوَاسِطَةُ. اهـ. ز ي. وَفَسَّرَ الْحَلَبِيُّ التَّوَسُّطَ بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى الْإِسْرَارِ إلَى أَنْ لَا يَبْلُغَ حَدَّ الْجَهْرِ بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى أَدْنَى مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَبْلُغَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ إلَى سَمَاعِ مَنْ يَلِيهِ اهـ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الشَّارِحِ إنْ لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى نَائِمٍ إلَخْ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِعَدَمِ التَّشْوِيشِ تَأَمَّلْ. فَالصَّوَابُ تَفْسِيرُ التَّوَسُّطِ بِمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى نَائِمٍ أَوْ مُصَلٍّ) وَإِلَّا أَسَرَّ نَدْبًا إنْ شَرَعَا فِي النَّوْمِ أَوْ الصَّلَاةِ قَبْلَ تَحَرُّمِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. أَيْ فَيُنْدَبُ وَلَوْ عَرَضَ ذَلِكَ بَعْدَ تَحَرُّمِهِ. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: فَإِنْ شَوَّشَ حُرِّمَ عِنْدَ ابْنِ الْعِمَادِ وَكُرِهَ عِنْدَ حَجّ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ قَاسِمٍ بِغَيْرِ مَنْ يُسَنُّ إيقَاظُهُ لِلصَّلَاةِ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ شَوَّشَ كُرِهَ فَقَطْ وَلَا يَحْرُمُ الْجَهْرُ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهِ) كَمُدَرِّسٍ أَوْ مُتَفَكِّرٍ فِي آلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِثْلُهُ الْخَوْفُ مِنْ الرِّيَاءِ وَإِلَّا سُنَّ لَهُ الْإِسْرَارُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَيُقَاسُ عَلَى مَا ذَكَرَ مَنْ يَجْهَرُ بِذِكْرٍ أَوْ قُرْآنٍ بِحَضْرَةِ مَنْ يَشْتَغِلُ بِمُطَالَعَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ تَصْنِيفٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ اهـ. وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ بِكَوْنِهِ سُنَّةً مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَا يُنَافِي أَنْ يَجْهَرَ بِهِ أَوْ يُسِرّ يَكُونُ وَاجِبًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّ الْجَهْرِ وَالتَّوَسُّطِ إلَخْ) أَيْ مَحَلُّ طَلَبِهِمَا قَوْلُهُ: (حَيْثُ لَا يَسْمَعُ أَجْنَبِيٌّ) أَفْهَمَ أَنَّ الْخُنْثَى يَجْهَرُ كَالْمَرْأَةِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ، وَلِذَا قَالَ: وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا يُخَالِفُهُ فِي الْخُنْثَى أَيْ فَقَالَ إنَّهُ يُسِرُّ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ الْأَجَانِبِ مَعَ أَنَّهُ مَعَ النِّسَاءِ إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَلَا وَجْهَ لِإِسْرَارِهِ. قَالَ م ر: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ لِأَنَّهُ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا اجْتَمَعَ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ الْأَجَانِبُ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ، أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيَجْهَرَانِ إنْ لَمْ يَسْمَعْهُمَا أَجْنَبِيٌّ، وَيَكُونُ جَهْرُهُمَا دُونَ جَهْرِ الذَّكَرِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ يَسْمَعُهُمَا كُرِهَ بَلْ يُسِرَّانِ، فَإِنْ جَهَرَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُمَا وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ أَنَّ الْخُنْثَى يُسِرُّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَرَدَّهُ فِي الْمُهِمَّاتِ لِأَنَّهُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْجَهْرُ فِي الْحَالَتَيْنِ وَيَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِهِمَا عَلَى إسْرَارِهِ حَالَةَ اجْتِمَاعِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 مَا يُخَالِفُهُ فِي الْخُنْثَى، وَأَجَبْت عَنْهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. وَالْعِبْرَةُ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِي الْفَرِيضَةِ الْمَقْضِيَّةِ بِوَقْتِ الْقَضَاءِ لَا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهَا الْعِيدُ، وَالْأَشْبَهُ خِلَافُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ صِفَةِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ قُبَيْلَ بَابِ التَّكْبِيرِ عَمَلًا بِأَصْلِ أَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْجَهْرِ بِصَلَاتِهِ فِي مَحَلِّ الْإِسْرَارِ فَيُسْتَصْحَبُ. (وَ) السَّادِسَةُ (التَّأْمِينُ) عَقِبَ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ لِقَارِئِهَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا لِلِاتِّبَاعِ بِمَدٍّ وَقَصْرٍ وَالْمَدُّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ، فَآمِينَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَتُخَفَّفُ الْمِيمُ فِيهِ وَلَوْ شَدَّدَهُ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ. وَيُسَنُّ فِي جَهْرِيَّةٍ جَهْرٌ بِهَا وَأَنْ يُؤَمِّنَ الْمَأْمُومُ مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّ مَنْ   [حاشية البجيرمي] فَائِدَةٌ: الْإِمَامُ يَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ صَلَّاهَا فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالْمُنْفَرِدُ لَا يَجْهَرُ بِهِ مُطْلَقًا اهـ عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (وَالْعِبْرَةُ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِي الْفَرِيضَةِ إلَخْ) لَيْسَتْ الْفَرِيضَةُ قَيْدًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ م ر. أَمَّا الْفَائِتَةُ فَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِوَقْتِ الْقَضَاءِ، فَيَجْهَرُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا وَيُسِرُّ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ. وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ طَلَعَتْ أَسَرَّ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَدَاءً وَهُوَ الْأَوْجَهُ، نَعَمْ يُسْتَثْنَى صَلَاةُ الْعِيدِ فَيَجْهَرُ فِي قَضَائِهَا كَالْأَدَاءِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ اهـ أَيْ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ جَهْرِيَّةً فِي وَقْتِ السِّرِّ، فَنَاسَبَ فِي قَضَائِهَا الْجَهْرَ لِأَجْلِ أَنْ يُحَاكِيَ الْقَضَاءُ الْأَدَاءَ، فَلَوْ قَضَى صَلَاةَ الضُّحَى لَيْلًا أَوْ وَقْتَ صُبْحٍ جَهَرَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَوَقْتَ الصُّبْحِ مَحَلُّ الْجَهْرِ، وَلَا يَرِدُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَوِتْرُ غَيْرِ رَمَضَانَ وَرَوَاتِبُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِأَنَّ الْإِسْرَارَ وَرَدَ فِيهَا فِي مَحَلِّ الْجَهْرِ فَيُسْتَصْحَبُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الْعِيدِ. وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ: وَالْعِبْرَةُ فِي قَضَاءِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ بِوَقْتِ الْقَضَاءِ لَا الْأَدَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيَجْهَرُ فِي قَضَاءِ الظُّهْرِ لَيْلًا وَيُسِرُّ فِي قَضَاءِ الْعِشَاءِ نَهَارًا اهـ. وَعَلَيْهِ يُلْغِزُ فَيُقَالُ: صَلَاةٌ يُسَنُّ فِي قَضَائِهَا شَيْءٌ وَلَا يُسَنُّ فِي أَدَائِهَا، فَإِنْ أُبْدِلَتْ السُّنَّةُ بِالْوُجُوبِ بِأَنْ قُلْت صَلَاةٌ يَجِبُ فِي قَضَائِهَا شَيْءٌ وَهُوَ الْإِتْمَامُ وَلَا يَجِبُ فِي أَدَائِهَا فَقُلْ صُورَتُهُ فِيمَا إذَا فَاتَتْ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ. اهـ. عَنَانِيٌّ قَوْلُهُ: (وَيُشْبِهُ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا الْعِيدُ) فَيَجْهَرُ فِيهِ فِي وَقْتِ الْجَهْرِ وَيُسِرُّ فِيهِ فِي وَقْتِ الْإِسْرَارِ. وَقَوْلُهُ: وَالْأَشْبَهُ خِلَافُهُ أَيْ بَلْ يَجْهَرُ فِيهِ مُطْلَقًا. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (عَمَلًا بِأَصْلِ إلَخْ) وَلَمْ يَعْمَلْ بِذَلِكَ فِي غَيْرِهِ لِخُرُوجِهِ بِالدَّلِيلِ ح ل. وَقَوْلُهُ: وَرَدَ بِالْجَهْرِ إلَخْ. وَالْحِكْمَةُ فِي الْجَهْرِ بِهَا وَبِالْجُمُعَةِ إظْهَارُ شَوْكَتِهِمْ بَعْدَ أَنْ مَنَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (عَقِبَ الْفَاتِحَةِ) أَوْ بَدَلِهَا إنْ تَضَمَّنَ دُعَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَقِبَ أَنَّهُ يَفُوتُ بِالتَّلَفُّظِ بِغَيْرِهِ وَإِنْ قَلَّ وَلَوْ سَهْوًا. نَعَمْ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ رَبِّ اغْفِرْ لِي لِوُرُودِهَا فِي الْحَدِيثِ لَا بِالسُّكُوتِ الطَّوِيلِ، وَيَفُوتُ بِالشُّرُوعِ فِي الرُّكُوعِ وَلَوْ فَوْرًا م د. وَقَالَ م ر: وَمُرَادُهُ أَيْ النَّوَوِيِّ بِالْعَقِبِ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا لَفْظٌ إذْ تَعْقِيبُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ سَنِّ السَّكْتَةِ اللَّطِيفَةِ بَيْنَهُمَا إذْ لَا يَفُوتُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ سَهْوًا فِيمَا يَظْهَرُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِالسُّكُوتِ الطَّوِيلِ الزَّائِدِ عَلَى السَّكْتَةِ اللَّطِيفَةِ الْمَشْرُوعَةِ قَوْلُهُ: (بَعْدَ سَكْتَةٍ) أَيْ بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَكَذَا بَقِيَّةُ السَّكَتَاتِ إلَّا الَّتِي بَعْدَ آمِينَ فَإِنَّهَا بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ. وَالسَّكَتَاتُ الْمَطْلُوبَةُ فِي الصَّلَاةِ سِتَّةٌ: بَيْنَ التَّحَرُّمِ وَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعَوُّذِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَسْمَلَةِ، وَبَيْنَ آخِرِ الْفَاتِحَةِ وَآمِينَ وَبَيْنَ آمِينَ وَالسُّورَةِ إنْ قَرَأَهَا، وَبَيْنَ آخِرِهَا وَتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ فَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ سُورَةً فَبَيْنَ آمِينَ وَالرُّكُوعِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ قَوْلُهُ: (وَخَارِجِهَا) ذِكْرُهُ اسْتِطْرَادِيٌّ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ لِلِاتِّبَاعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَيْ الِاتِّبَاعَ دَلِيلُ الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا مَعَ أَنَّ خَارِجَ الصَّلَاةِ مَقِيسٌ عَلَيْهَا كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ غَيْرِهِ قَوْلُهُ: (اسْتَجِبْ) سِينُهُ لَيْسَتْ لِلطَّلَبِ وَإِنَّمَا هِيَ مُؤَكِّدَةٌ، وَمَعْنَاهَا أَجِبْ. اهـ. شِهَابٌ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَدَّدَهُ) أَيْ الْمِيمَ مَعَ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَفِيهِ لُغَةُ الْمَدِّ مَعَ الْإِمَالَةِ فَيَصِيرُ فِيهِ خَمْسُ لُغَاتٍ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ مَعَ التَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ هَذِهِ أَرْبَعَةٌ، وَالْخَامِسَةُ الْإِمَالَةُ اهـ اج قَوْلُهُ: (لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ) وَهُوَ اسْتَجِبْ، فَلَوْ أَطْلَقَ أَوْ شَرَكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سم. وَنُقِلَ عَنْ حَاشِيَةِ ن ز عَنْ شَرْحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . فَائِدَةٌ: فِي تَهْذِيبِ النَّوَوِيِّ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ فِي آمِينَ، مِنْ أَحْسَنِهَا قَوْلُ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: آمِينَ أَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ، يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كُلِّ حَرْفٍ مَلَكًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمَنْ يَقُولُ آمِينَ. وَخَرَجَ بِفِي جَهْرِيَّةٍ السِّرِّيَّةُ فَلَا جَهْرَ بِالتَّأْمِينِ فِيهَا وَلَا مَعِيَّةَ بَلْ يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ سِرًّا مُطْلَقًا. (وَ) السَّابِعَةُ (قِرَاءَةُ السُّورَةِ) وَلَوْ قَصِيرَةً (بَعْدَ) قِرَاءَةِ (الْفَاتِحَةِ) فِي رَكْعَتَيْنِ أُولَيَيْنِ لِغَيْرِ الْمَأْمُومِ مِنْ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ، جَهْرِيَّةً كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ سِرِّيَّةً لِلِاتِّبَاعِ. أَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ إنْ سَمِعَ لِلنَّهْيِ عَنْ قِرَاءَتِهِ لَهَا بَلْ يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ   [حاشية البجيرمي] الْإِرْشَادِ عَدَمُ الْبُطْلَانِ مُطْلَقًا، أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ: (جَهْرٌ بِهَا) لَوْ قَالَ: جَهْرٌ بِهِ أَيْ بِالتَّأْمِينِ لَكَانَ أَحْسَنَ. قَوْلُهُ: (مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ) وَلَيْسَ فِي الصَّلَاةِ مَا تُسَنُّ مُقَارَنَةُ الْإِمَامِ فِيهِ غَيْرُ التَّأْمِينِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَلَوْ قَرَأَ مَعَهُ وَفَرَغَا مَعًا كَفَى تَأْمِينٌ وَاحِدٌ أَوْ فَرَغَ قَبْلَهُ. قَالَ الْبَغَوِيّ: يَنْتَظِرُ وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِلْمُتَابَعَةِ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ) أَيْ أَرَادَ التَّأْمِينَ قَوْلُهُ: (فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ إلَخْ) أَيْ وَمَعْلُومٌ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ فَيَكُونُ التَّعْلِيلُ مُنْتِجًا لِلْمُدَّعَى كَمَا تَقَدَّمَ ح ف. قَوْلُهُ: (تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ) قِيلَ هُمْ الْحَفَظَةُ، وَقِيلَ مَلَائِكَةٌ مُوَكَّلُونَ بِالصَّلَوَاتِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: «غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» أَيْ مِنْ الصَّغَائِرِ. وَاعْتَمَدَ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْكَبَائِرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيمِ قَوْلُهُ: غُفِرَ لَهُ أَيْ الصَّغَائِرُ فَقَطْ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر، وَاسْتَقْرَبَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ جَمِيعُهُمْ لَا خُصُوصُ الْحَفَظَةِ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِفِي جَهْرِيَّةٍ السِّرِّيَّةُ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مَأْمُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ يَجْهَرُ بِهِ إنْ طَلَبَ مِنْهُ الْجَهْرَ، وَيُسِرُّ بِهِ إنْ طَلَبَ مِنْهُ الْإِسْرَارَ. وَالْأَمَاكِنُ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا الْمَأْمُومُ خَلْفَ إمَامِهِ خَمْسَةٌ: تَأْمِينُهُ مَعَ إمَامِهِ، وَفِي قُنُوتِ الصُّبْحِ، وَفِي قُنُوتِ الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَإِذَا فُتِحَ عَلَيْهِ شَرْحُ م ر اهـ قَوْلُهُ (وَلَا مَعِيَّةَ) هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ فِي السِّرِّيَّةِ وَإِلَّا نُدِبَ لَهُ التَّأْمِينُ قِيَاسًا عَلَى نَدْبِ اسْتِمَاعِ قِرَاءَتِهِ، وَيَجْهَرُ بِهَا الْمَأْمُومُ أَوْ أَنَّ الشَّارِحَ أَرَادَ بِالسِّرِّيَّةِ الْمَفْعُولَةَ سِرًّا قَوْلُهُ: (بَلْ يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ سِرًّا مُطْلَقًا) أَيْ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ، وَانْظُرْ مَا مَعْنَى الْإِطْلَاقِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ لَا يَقْرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْهَا وَلَوْ فِي السِّرِّيَّةِ بِظَنِّهِ ق ل قَوْلُهُ: (قِرَاءَةُ السُّورَةِ) أَيْ فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ وَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ كَمَا قَالَهُ الرَّحْمَانِيُّ. وَالسُّورَةُ اسْمٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَقَلُّهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ السُّورَةَ الْكَامِلَةَ أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ غَيْرِهَا، وَأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا أَفْضَلُ مِنْ سُورَةٍ أَقْصَرَ وَلَوْ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] لِأَنَّ نَظَرَهُمْ هُنَا لِكَثْرَةِ الْأَلْفَاظِ لَا لِكَثْرَةِ الثَّوَابِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ فَضَّلَ السُّورَةَ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَا لَوْ قَرَأَهَا قَبْلَهَا أَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يُؤَدَّى فَرْضًا وَنَفْلًا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ الْفَاتِحَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالرُّكْنُ لَا يُشْرَعُ تَكْرَارُهُ عَلَى الِاتِّصَالِ. نَعَمْ لِمَنْ لَمْ يُحْسِنْ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَأَعَادَهَا يُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْإِجْزَاءُ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ وَيُسَنُّ كَوْنُ السُّورَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ إلَّا مَا وَرَدَ فِيهِ خِلَافُهُ كَقِرَاءَةِ سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالسَّجْدَةِ وَهَلْ أَتَى فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَعَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ وَعَكْسُهُ مَفْضُولٌ كَمَا لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى سُورَةَ النَّاسِ وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ أَوَّلَ الْبَقَرَةِ اهـ خ ض قَوْلُهُ: (فِي رَكْعَتَيْنِ أُولَيَيْنِ) وَلَوْ مُتَنَفِّلًا أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ سُنَّتْ لَهُ السُّورَةُ فِي الْكُلِّ، أَوْ أَكْثَرَ سُنَّتْ فِيمَا قَبْلَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ اهـ شَرْحُ م ر اهـ. أج قَوْلُهُ (لِلِاتِّبَاعِ) أَيْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقِيسَ بِهِمَا غَيْرُهُمَا، وَقَوْلُهُ: بَلْ يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ إمَامِهِ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمَفْعُولِ لَا بِالْمَشْرُوعِ قَوْلُهُ: (فَلَا تُسَنُّ) يَصْدُقُ بِالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى. وَقَوْلُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ قِرَاءَتِهِ يُنْتِجُ الْأَوَّلَ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (بَلْ يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ إمَامِهِ) أَيْ وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي سَكْتَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 إمَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ سَمَاعِ صَوْتٍ لَمْ يَفْهَمْهُ أَوْ إسْرَارِ إمَامِهِ وَلَوْ فِي جَهْرِيَّةٍ قَرَأَ سُورَةً إذْ لَا مَعْنَى لِسُكُوتِهِ، فَإِنْ سُبِقَ الْمَأْمُومُ بِالْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ إمَامِهِ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْهُمَا مَعَهُ قَرَأَهَا فِي بَاقِي صَلَاتِهِ إذَا تَدَارَكَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَهَا فِيمَا أَدْرَكَهُ، وَإِلَّا سَقَطَتْ عَنْهُ لِكَوْنِهِ مَسْبُوقًا لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْ السُّورَةِ بِلَا عُذْرٍ. وَيُسَنُّ أَنْ يُطَوِّلَ مَنْ تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ قِرَاءَةَ أُولَى عَلَى ثَانِيَةٍ لِلِاتِّبَاعِ. نَعَمْ إنْ وَرَدَ نَصٌّ بِتَطْوِيلِ الثَّانِيَةِ اُتُّبِعَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْإِمَامِ تَطْوِيلُ الثَّانِيَةِ لِيَلْحَقَهُ مُنْتَظِرُ السُّجُودِ، وَيُسَنُّ لِمُنْفَرِدٍ وَإِمَامِ مَحْصُورِينَ فِي صُبْحٍ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ، وَفِي ظُهْرٍ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَفِي   [حاشية البجيرمي] الْإِمَامِ بَعْدَ آمِينَ، وَلَا يَقْرَؤُهَا حَالَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِلْفَاتِحَةِ إلَّا إنْ خَافَ فَوْتَ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ وَعَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ أَوْ إلَّا سُورَةً قَصِيرَةً وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ أَنْ يَقْرَأَهَا مَعَهُ أَيْ مَعَ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ، وَتَعْبِيرُهُ بِعَلَى يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَلَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِمْ فِيمَا مَرَّ: لَا تُسَنُّ الْمُقَارَنَةُ إلَّا فِي التَّأْمِينِ وَأَيْضًا هُوَ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فَلْيُتَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا إلَخْ) وَهَلْ يُسَنُّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ الم تَنْزِيلُ أَوْ لَا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ السُّجُودِ مُسْتَقِلًّا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَا يُسَنُّ لَهُ قِرَاءَتُهَا مُطْلَقًا، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا كَمَا ذَكَرُوهُ. اهـ. ابْنُ شَرَفٍ لَكِنْ لَا يَسْجُدُ إلَّا إنْ سَجَدَ إمَامُهُ. نَعَمْ إنْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ سَجَدَ وَحْدَهُ قَوْلُهُ: (أَوْ بُعْدٍ) أَيْ عَنْ إمَامِهِ قَوْلُهُ: (أَوْ إسْرَارِ إمَامِهِ وَلَوْ فِي جَهْرِيَّةٍ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ أَوْ كَانَتْ صَلَاتُهُ سِرِّيَّةً أَوْ جَهْرِيَّةً، وَلَمْ يَجْهَرْ فِيهَا إمَامُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمَفْعُولِ وَإِنْ خَالَفَ الْمَشْرُوعَ قَوْلُهُ: (إذْ لَا مَعْنَى لِسُكُوتِهِ) وَكَذَا يُسَنُّ لَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ أَوْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِدُعَاءٍ فِيهِمَا، أَوْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى وَهِيَ أَوْلَى اهـ وَمُرَادُ ابْنِ حَجَرٍ بِالْأُولَى الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَبِالثَّانِيَةِ التَّشَهُّدُ قَوْلُهُ: (فِي بَاقِي صَلَاتِهِ) أَيْ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، وَنُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّهُ يُكَرِّرُ السُّورَةَ مَرَّتَيْنِ فِي ثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ ح ل قَوْلُهُ: (إذَا تَدَارَكَهُ) لِبَيَانِ الْوَاقِعِ وَإِذَا هُنَا مُجَرَّدَةٌ عَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَمَعْنَاهَا هُنَا الْوَقْتُ أَيْ وَقْتُ تَدَارُكِهِ أَيْ الْبَاقِي اهـ قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَهَا) أَيْ وَلَا تَمَكَّنَ مِنْ قِرَاءَتِهَا شَوْبَرِيٌّ، فَالْمَدَارُ عَلَى إمْكَانِ الْقِرَاءَةِ وَعَدَمِهَا قَوْلُهُ: (وَإِلَّا سَقَطَتْ عَنْهُ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَا تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُهَا عَنْ الْمَأْمُومِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ؟ فَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا تَحَمَّلَ عَنْ الْمَسْبُوقِ الْفَاتِحَةَ فَكَذَلِكَ السُّورَةُ وَهُوَ عَجِيبٌ اهـ. وَأَجَابَ ح ل بِأَنَّ سُقُوطَهَا عَنْهُ لِسُقُوطِ مَتْبُوعِهَا وَهُوَ الْفَاتِحَةُ لَا لِأَجْلِ كَوْنِ الْإِمَامِ تَحَمَّلَهَا عَنْهُ كَمَا فَهِمَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةَ، وَهَذَا وَاضِحٌ فِي سُقُوطِهَا فِي الْأُولَى الَّتِي سُبِقَ فِيهَا وَمَا صُورَةُ سُقُوطِهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ مَعًا، وَصَوَّرَهُ شَيْخُنَا بِمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُ زَحْمَةٌ مَثَلًا عَنْ السُّجُودِ فَسَجَدَ وَقَامَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ وَالسُّورَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مَعًا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يُطَوِّلَ مَنْ تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ) وَهُوَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ قَوْلُهُ: (كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ) بِأَنْ زُحِمَ إنْسَانٌ عَنْ السُّجُودِ، وَكَمَا فِي تَطْوِيلِ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِتَلْحَقَهُ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ. اهـ. ح ل قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِمُنْفَرِدٍ وَإِمَامِ مَحْصُورِينَ) هَذَا التَّقْيِيدُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَفِي مَغْرِبٍ قِصَارُهُ إلَخْ فَإِنَّهُ يُسَنُّ حَتَّى لِإِمَامِ غَيْرِ مَحْصُورِينَ قَوْلُهُ: (مَحْصُورِينَ) أَيْ لَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ غَيْرُهُمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ بِالْعَدِّ اهـ ق ل. وَعِبَارَةُ خ ض مَعَ زِيَادَةٍ وَالْمَحْصُورُونَ وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ وَإِنْ قَلَّ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ حَقٌّ كَأُجَرَاءَ أَوْ أَرِقَّاءَ أَوْ مُتَزَوِّجَاتٍ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّحْمَانِيُّ قَوْلُهُ: (فِي صُبْحٍ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ) أَيْ لِغَيْرِ الْمُسَافِرِ أَمَّا الْمُسَافِرُ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى مِنْهَا {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ. اهـ. م د قَوْلُهُ: (طِوَالُ الْمُفَصَّلِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا وَهُوَ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى عَمَّ، وَالْأَوْسَاطِ مِنْ عَمَّ إلَى الضُّحَى، وَالْقِصَارِ مِنْ الضُّحَى إلَى الْآخِرِ. اهـ. ح ل. وَهَذَا تَفْصِيلُ السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا تَكْرَارَ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: وَتُعْرَفُ الطِّوَالُ مِنْ غَيْرِهَا بِالْمُقَايَسَةِ فَالْحَدِيدُ وَقَدْ سَمِعَ مَثَلًا طِوَالٌ وَالطُّورُ مَثَلًا قَرِيبٌ مِنْ الطِّوَالِ، وَمِنْ تَبَارَكَ إلَى الضُّحَى أَوْسَاطُهُ، وَمِنْ الضُّحَى إلَى آخِرِهِ قِصَارُهُ انْتَهَى. وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا قِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقُونَ فِي صَلَاةِ عِشَاءِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ كَمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَقَدْ كَانَ السُّبْكِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 عَصْرٍ وَعِشَاءٍ أَوْسَاطُهُ، وَفِي مَغْرِبٍ قِصَارُهُ، وَفِي صُبْحِ جُمُعَةٍ فِي أُولَى الم تَنْزِيلُ، وَفِي ثَانِيَةٍ هَلْ أَتَى لِلِاتِّبَاعِ. (وَ) الثَّامِنَةُ (التَّكْبِيرَاتُ عِنْدَ) ابْتِدَاءِ (الْخَفْضِ) لِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ (وَ) عِنْدَ ابْتِدَاءِ (الرَّفْعِ) مِنْ السُّجُودِ، وَيَمُدُّهُ إلَى انْتِهَاءِ الْجُلُوسِ وَالْقِيَامِ.   [حاشية البجيرمي] يَفْعَلُهُ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَرَدَّ عَلَى الْمُنْكَرِ بِمَا مَرَّ أَيْ مِنْ الْوُرُودِ، وَكَمْ مِنْ مَسَائِلَ لَمْ يَذْكُرْهَا الرَّافِعِيُّ فَعَدَمُ ذِكْرِهِ لَهَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ سُنِّيَّتِهَا اهـ مِنْ فَتَاوَى م ر. وَسُنَّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ، فَلَوْ قَرَأَ الْإِخْلَاصَ مَثَلًا فِي الْأُولَى قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ بَعْضَ سُورَةِ الْفَلَقِ أَقَلَّ مِنْ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ جَمْعًا بَيْنَ التَّرْتِيبِ وَتَطْوِيلِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَلِمَةً وَفِيهِ نَظَرٌ. وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ الْفَائِدَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ شَيْءٍ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ بَعْضَ آيَةٍ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ إذَا كَانَ مُفِيدًا كَالْآيَةِ الْقَصِيرَةِ الْمُفِيدَةِ. وَالْحِكْمَةُ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَيُسَنُّ فِي صُبْحٍ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ إلَخْ. أَنَّ الصُّبْحَ رَكْعَتَانِ فَنَاسَبَ تَطْوِيلُهُمَا، وَوَقْتَ الْمَغْرِبِ ضَيِّقٌ فَنَاسَبَ فِيهِ الْقِصَارُ، وَأَوْقَاتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ طَوِيلَةٌ وَلَكِنَّ الصَّلَاةَ طَوِيلَةٌ أَيْضًا فَلَمَّا تَعَارَضَ ذَلِكَ رَتَّبَ عَلَيْهِ التَّوَسُّطَ فِي غَيْرِ الظُّهْرِ وَفِيهَا قَرِيبٌ مِنْ الطِّوَالِ. وَانْظُرْ حِكْمَةَ مُخَالَفَةِ الظُّهْرِ لِغَيْرِهَا مِنْ الرُّبَاعِيَّاتِ، وَلَعَلَّهَا لِكَوْنِ وَقْتِهَا وَقْتَ قَيْلُولَةٍ فَنَاسَبَهَا التَّخْفِيفُ بِقَرِيبٍ مِنْ الطِّوَالِ كَالنَّازِعَاتِ تَأَمَّلْ وَالْمُفَصَّلُ الْمُبَيَّنُ الْمُمَيَّزُ قَالَ تَعَالَى {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 3] أَيْ جُعِلَتْ تَفَاصِيلَ فِي مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ وَعْدٍ وَوَعِيدٍ وَحَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ أَيْ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ بَيْنَ السُّوَرِ بِالْبَسْمَلَةِ. قَوْلُهُ: (وَفِي صُبْحِ جُمُعَةٍ فِي أُولَى الم تَنْزِيلُ) فَإِنْ قَرَأَ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ، وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَوْ آيَةَ السَّجْدَةِ وَلَوْ بِقَصْدِ السُّجُودِ، فَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهُمَا أَبْدَلَهُمَا بِسُورَةِ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك وَإِلَّا فَسُورَتَيْ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَعْضِ وَلَوْ آيَتَهَا. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ ضِيقَ الْوَقْتِ لَيْسَ قَيْدًا، وَلَوْ نَسِيَهَا فِي الْأُولَى جَمَعَ السُّورَتَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي الثَّانِيَةِ وَسَجَدَ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ لِأَنَّ صُبْحَ الْجُمُعَةِ مَحَلُّ السُّجُودِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ، وَلَوْ أَتَى بِغَيْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ السُّجُودِ وَسَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهَا مَحَلُّ السُّجُودِ. وَفِي حَاشِيَةِ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا تُسَنُّ قِرَاءَةُ آيَةِ سَجْدَةٍ خَلْفَ الْإِمَامِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ السُّجُودِ، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا م ر وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ الْأَوَّلَ اهـ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقُرْآنُ يَنْقَسِمُ إلَى فَاضِلٍ وَمَفْضُولٍ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَتَبَّتْ، فَالْأَوَّلُ كَلَامُهُ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ، وَالثَّانِي كَلَامُهُ تَعَالَى فِي غَيْرِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاضِلِ وَيَتْرُكَ الْمَفْضُولَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هِجْرَانِ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَنِسْيَانِهِ قَوْلُهُ: (وَالتَّكْبِيرَاتُ عِنْدَ الْخَفْضِ) نَعَمْ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ يُقْطَعُ التَّكْبِيرُ فِيهَا أَيْ لَا يَمُدُّهُ فِي الْجِلْسَةِ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَيَقُومُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ الْقَمُولِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَدُلُّ لَهُ إطْلَاقُ التَّحْقِيقِ أَنَّهُ يُكْرَهُ هُنَا تَكْبِيرَتَانِ قَالَهُ حَجّ. اهـ. إيعَابٌ اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ) أَيْ لَا مِنْ الرُّكُوعِ الشَّامِلِ لَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ق ل. أَمَّا الرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ فَيَقُولُ فِيهِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ مَسْنُونَاتٍ. قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي: قَالَ نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ الْمُنِيرِ: الْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ أُمِرَ بِالنِّيَّةِ أَوَّلَ الصَّلَاةِ مَقْرُونَةً بِالتَّكْبِيرِ، وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَصْحَبَ النِّيَّةَ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ فَأُمِرَ أَنْ يُجَدِّدَ الْعَهْدَ فِي أَثْنَائِهَا بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي هُوَ شِعَارُ النِّيَّةِ اهـ قَوْلُهُ: (إلَى انْتِهَاءِ الْجُلُوسِ) أَيْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ لِلتَّشَهُّدِ، فَخَرَجَ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ فَإِنَّهُ يَمُدُّهُ إلَى الْقِيَامِ أَيْ بِحَيْثُ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 (وَ) التَّاسِعَةُ (قَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أَيْ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ حَمْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ كَفَى (وَ) قَوْلُ (رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ) أَوْ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَبِوَاوٍ فِيهِمَا قَبْلَ مِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَيْ بَعْدَهُمَا كَالْكُرْسِيِّ {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] وَأَنْ يَزِيدَ مُنْفَرِدٌ وَإِمَامُ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ: أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ: لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ أَيْ الْغِنَى، مِنْك   [حاشية البجيرمي] يُجَاوِزُ سَبْعَ أَلِفَاتٍ حَجّ. وَقَوْلُهُ: وَالْقِيَامُ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ قَوْلُهُ: (وَالْقِيَامِ) أَيْ لِلْقِرَاءَةِ وَالْمُرَادُ الْقِيَامُ مِنْ التَّشَهُّدِ أَوْ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ فَإِنَّهُ يَمُدُّهُ فِيهَا إلَى الْقِيَامِ إنْ لَمْ يُصَلِّ التَّسَابِيحَ وَإِلَّا فَإِلَى انْتِهَاءِ الْجُلُوسِ ثُمَّ يُسَبِّحُ وَإِذَا قَامَ سَاكِتًا وَفِي حَاشِيَةِ أج مَا نَصُّهُ. قَالَ الشِّهَابُ حَجّ: وَيَمُدُّهُ إلَى السُّجُودِ أَوْ الْقِيَامِ أَيْ أَوْ الرُّكُوعِ فَيَمُدُّهُ إلَى اسْتِقْرَارِ أَعْضَائِهِ، وَذَلِكَ لِئَلَّا يَخْلُوَ جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ عَنْ ذِكْرٍ حَتَّى فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَيَمُدُّهُ عَلَى الْأَلِفِ الَّتِي بَيْنَ الْأَلِفِ وَالْهَاءِ لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يُجَاوِزُ سَبْعَ أَلِفَاتٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أَيْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَكَذَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ عِنْدَ انْتِصَابِهِ. وَالسَّبَبُ فِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ «أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ، فَجَاءَ يَوْمًا وَقْتَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَظَنَّ أَنَّهَا فَاتَتْهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاغْتَمَّ بِذَلِكَ وَهَرْوَلَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَوَجَدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُكَبِّرًا فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَبَّرَ خَلْفَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُلْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ «اجْعَلُوهَا فِي صَلَاتِكُمْ» . فَقَالَهَا عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَرْكَعُ بِالتَّكْبِيرِ وَيَرْفَعُ بِهِ فَصَارَتْ سُنَّةً مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِبَرَكَةِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلُهُ: (أَيْ تَقَبَّلْ اللَّهُ مِنْهُ حَمْدَهُ) فَالْمُرَادُ سَمِعَهُ سَمَاعَ قَبُولٍ لَا سَمَاعَ رَدٍّ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ كَأَنَّهُ قِيلَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ حَمْدَنَا فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ سَمَاعَ اللَّهِ مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف قَوْلُهُ: (كَفَى) أَيْ فِي أَصْلِ السُّنَّةِ، وَيَكْفِي أَيْضًا مِنْ حَمِدَ اللَّهُ سَمِعَهُ قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ) أَيْ بَعْدَ الِانْتِصَابِ وَهِيَ أَفْضَلُ الصِّيَغِ س ل قَوْلُهُ: (وَبِوَاوٍ فِيهِمَا) فَالصِّيَغُ أَرْبَعٌ وَيُزَادُ ثِنْتَانِ لَك الْحَمْدُ رَبَّنَا وَالْحَمْدُ لِرَبِّنَا، وَأَفْضَلُهَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَعَلَى ثُبُوتِ الْوَاوِ فَهِيَ عَاطِفَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ أَطَعْنَاك وَلَك الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. ز ي. وَيُنْدَبُ أَنْ يَزِيدَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ تَسَابَقَ إلَيْهَا ثَلَاثُونَ مَلَكًا يَكْتُبُونَ ثَوَابَهَا لِقَائِلِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. فَائِدَةٌ: أَفْضَلُ الذِّكْرِ الْمُطْلَقِ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، وَحُمِلَ حَدِيثُ «أَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» عَلَى الدُّخُولِ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِلْءُ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِلْحَمْدِ، وَبِالنَّصْبِ حَالٌ أَيْ مَالِئًا بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ جِسْمًا. وَأَحَقُّ مُبْتَدَأٌ، وَلَا مَانِعَ إلَخْ خَبَرُهُ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ أَحَقُّ قَوْلِ الْعَبْدِ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ أَيْ أَحَقُّ قَوْلٍ قَالَهُ الْعَبْدُ أَوْ مَوْصُولَةٌ، وَعَائِدُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ أَحَقُّ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ الْعَبْدُ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا هُنَا فَقَطْ فَلَا يَرُدُّ أَحَقِّيَّةَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَنَحْوِهَا، أَوْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَحَقِّيَّةِ الْأَفْضَلِيَّةُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَمْدَ أَفْضَلُ اهـ رَحْمَانِيٌّ قَوْلُهُ (وَمِلْءُ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) وَيَقُولُ الْقُنُوتُ بَعْدَ هَذَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَلِمَنْ قَالَ إنَّهُ يَأْتِي بِذَلِكَ الذِّكْرِ كُلِّهِ اهـ س ل بِالْمَعْنَى قَوْلُهُ (بَعْدُ) أَيْ غَيْرَهُمَا، وَبَعْدُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِقَطْعِهِ عَنْ الْإِضَافَةِ وَنِيَّةِ مَعْنَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ صِفَةٌ لِشَيْءٍ، وَيَكُونُ الْقُنُوتُ بَعْدَ هَذَا مُطْلَقًا أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْك الْجَدُّ إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامَ مَحْصُورِينَ قَوْلُهُ {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] بَيَانٌ لِعِظَمِ الْكُرْسِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا أَيْ السَّمَوَاتِ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ، وَكَذَا كُلُّ سَمَاءٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُخْرَى ق ل قَوْلُهُ: (وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ) قَالَ السُّبْكِيُّ: لَمْ يَقُلْ عَبِيدٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ أَجْمَعُونَ بِمَنْزِلَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 أَيْ عِنْدَك الْجَدُّ لِلِاتِّبَاعِ. وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيُسِرُّ بِرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَيُسِرُّ غَيْرُهُ بِهِمَا. نَعَمْ الْمُبَلِّغُ يَجْهَرُ بِمَا يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ وَيُسِرُّ بِمَا يُسِرُّ بِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ نَاقِلٌ، وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ شَارِحِي الْمِنْهَاجِ وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فِي التَّشْنِيعِ عَلَى تَارِكِ الْعَمَلِ بِهِ بَلْ اسْتَحْسَنَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَالَ: يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهَا لِأَنَّ غَالِبَ عَمَلِ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ اهـ. وَتَرْكُ هَذَا مِنْ كَثْرَةِ جَهْلِ الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ. (وَ) الْعَاشِرَةُ (التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ) بِأَنْ يَقُولَ: " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ " ثَلَاثًا لِلِاتِّبَاعِ، وَيَزِيدُ مُنْفَرِدٌ وَإِمَامُ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ: " اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَبِك آمَنْتُ وَلَك أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَمَا   [حاشية البجيرمي] عَبْدٍ وَاحِدٍ وَقَلْبٍ وَاحِدٍ إيعَابٌ شَوْبَرِيٌّ. أَوْ يُقَالُ أُفْرِدَ بِالنَّظَرِ لِلَفْظِ كُلُّ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مُرَاعَاةُ لَفْظِهَا وَمُرَاعَاةِ مَعْنَاهَا قَالَ تَعَالَى {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 95] وَقَالَ تَعَالَى {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87] . اهـ. ق ل بِزِيَادَةٍ قَوْلُهُ: (لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت) مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ تَرْكِ تَنْوِينِ اسْمِ لَا، أَعْنِي مَانِعَ وَمُعْطِيَ مَعَ أَنَّهُ عَامِلٌ فِيمَا بَعْدَهُ مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ الْمُوجِبِينَ تَنْوِينَهُ. وَقَدْ يُجَابُ بِمَنْعِ عَمَلِهِ هُنَا فِيمَا بَعْدَهُ بِأَنْ يُقَدَّرَ لَهُ عَامِلٌ، أَيْ لَا مَانِعَ يَمْنَعُ لِمَا أَعْطَيْت وَاللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ، أَوْ يُخَرَّجُ عَلَى لُغَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ فَإِنَّهُمْ يَتْرُكُونَ تَنْوِينَ الشَّبِيهِ بِالْمُضَافِ وَيُجْرُونَهُ مَجْرَى الْمُفْرَدِ فِي بِنَائِهِ عَلَى الْفَتْحِ سم ز ي قَوْلُهُ (ذَا الْجَدِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى الْغِنَى وَيُرْوَى بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الِاجْتِهَادِ، وَقَوْلُهُ: مِنْك أَيْ عِنْدَك أَيْ لَا يَنْفَعُ صَاحِبَ الْغِنَى عِنْدَك غِنَاهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْفَعُهُ عِنْدَك رِضَاك وَرَحْمَتُك لَا غَيْرُ، وَتَفْسِيرُ مِنْك بِمَعْنَى عِنْدَك ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ قَوْلُهُ: (وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ) أَيْ عِنْدَ الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (بَلْ اسْتَحْسَنَهُ) أَيْ التَّشْنِيعَ. قَوْلُهُ: (مَعْرِفَتُهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ الْجَهْرُ بِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمُبَلِّغِ وَالْإِسْرَارُ بِرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ. قَوْلُهُ: (مِنْ كَثْرَةِ جَهْلِ الْأَئِمَّةِ) أَيْ إنْ كَانُوا شَافِعِيَّةً. وَقَوْلُهُ: وَالْمُؤَذِّنِينَ أَيْ الْمُبَلِّغِينَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يُبَلِّغُ. وَعِبَارَةُ حَجّ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ التَّبْلِيغَ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ حَيْثُ بَلَغَ الْمَأْمُومِينَ صَوْتُ الْإِمَامِ، لِأَنَّ السُّنَّةَ حِينَئِذٍ فِي حَقِّهِ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَمُرَادُهُ بِكَوْنِهِ بِدْعَةً أَنَّهُ مَكْرُوهٌ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ فَأَخَذَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ. قَوْلُهُ: (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ) وَيُسْتَحَبُّ زِيَادَةُ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا، وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِمَرَّةٍ وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ ثُمَّ خَمْسٌ ثُمَّ سَبْعٌ ثُمَّ تِسْعٌ ثُمَّ إحْدَى عَشْرَةَ وَهُوَ الْأَكْمَلُ لِلْمُنْفَرِدِ وَإِمَامِ مَحْصُورِينَ بِشَرْطِهِمْ، أَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِلتَّخْفِيفِ عَلَى الْمُقْتَدِينَ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ لَك رَكَعْتُ) قَدَّمَ الظَّرْفَ هُنَا وَأَخَّرَهُ فِي قَوْلِهِ: خَشَعَ لَك سَمْعِي إلَخْ هَلْ لِهَذَا مِنْ نُكْتَةٍ؟ سَأَلْت شَيْخَنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ الْعِبَادَةُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِجَمِيعِ ذَاتِهِمْ، قَدَّمَ الظَّرْفَ لِقَصْدِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ إذْ تَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَلَمَّا لَمْ تَحْصُلْ الْعِبَادَةُ مِنْهُمْ بِالْخُشُوعِ بِالسَّمْعِ وَنَحْوِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْدِيمٍ بَلْ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ تَأْخِيرِ الْمَعْمُولِ اهـ. وَهُوَ بِمَكَانٍ مِنْ الدِّقَّةِ وَالنَّفَاسَةِ اهـ اج بِاخْتِصَارٍ. قَوْلُهُ: (وَبِك آمَنْتُ) فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ الْإِيمَانُ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِمْ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ قُلْت: يُجَابُ بِأَنَّ الْإِيمَانَ بِمَا أَوْجَبَهُ إيمَانٌ بِهِ أَوْ الْمُرَادُ الْحَصْرُ الْإِضَافِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ عَبَدَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (خَشَعَ إلَخْ) يَقُولُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِهِ وِفَاقًا لَمْ ر. وَقَالَ حَجّ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى الْخُشُوعَ عِنْدَ ذَلِكَ وَإِلَّا يَكُونُ كَاذِبًا مَا لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ بِصُورَةِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الْمَدَابِغِيُّ: وَفِيهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ مَا لَا مَزِيدَ لِأَنَّ الْخَاشِعَ هُوَ الشَّخْصُ بِجُمْلَتِهِ لَا أَبْعَاضُهُ، فَإِسْنَادُ الْخُشُوعِ لِلسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَنَحْوِهِمَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخُشُوعَ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ وَأَبْعَاضِهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إضَافَةَ الْخُشُوعِ الَّذِي هُوَ حُضُورُ الْقَلْبِ وَسُكُونُ الْجَوَارِحِ لِهَذِهِ الْحَوَاسِّ لِأَنَّهَا آلَتُهُ، فَهِيَ إضَافِيَّةٌ مَجَازِيَّةٌ وَالْمُتَّصِفُ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْهَيْكَلُ الْإِنْسَانِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي " لِلِاتِّبَاعِ. وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ غَيْرِ الْقِيَامِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. (وَ) الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ التَّسْبِيحُ فِي (السُّجُودِ) بِأَنْ يَقُولَ: " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى " ثَلَاثًا لِلِاتِّبَاعِ. وَيَزِيدُ مُنْفَرِدٌ وَإِمَامُ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ: " اللَّهُمَّ لَك سَجَدْتُ وَبِك آمَنْتُ وَلَك أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ   [حاشية البجيرمي] جَمِيعُهُ، لَكِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْقَلْبِ بِدَلِيلِ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ رَآهُ يَعْبَثُ فِي صَلَاتِهِ: لَوْ سَكَنَ قَلْبُ هَذَا لَسَكَنَتْ جَوَارِحُهُ» وَالسَّمْعُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَصَرِ قَوْلُهُ: (وَمُخِّي) يُطْلَقُ الْمُخُّ عَلَى الْوَدَكِ أَيْ الشَّحْمِ الَّذِي فِي الْعَظْمِ وَعَلَى خَالِصِ كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَى الدِّمَاغِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَيُمْكِنُ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَيُرَادُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي الْقَلْبُ لِأَنَّهُ خَالِصُ الْبَدَنِ وَسُلْطَانُهُ قَوْلُهُ: (وَعَصَبِي) وَبَعْدَهُ وَشَعْرِي وَبَشَرِي وَفِي آخِرِهِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ: (قَدَمِي) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ مُفْرَدٌ مُضَافٌ وَإِلَّا لَقَالَ قَدَمَايَ، وَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ وَالْقَدَمُ مُؤَنَّثَةٌ قَالَ تَعَالَى: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} [النحل: 94] وَلَا يَصِحُّ هُنَا التَّشْدِيدُ لِفَقْدِ أَلِفِ الرَّفْعِ عَمِيرَةُ. لَا يُقَالُ: يَصِحُّ مُثَنًّى عَلَى لُغَةِ هُذَيْلٍ مِنْ قَلْبِ الْأَلِفِ يَاءً لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْمَقْصُورِ الْمُضَافِ لِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْمَقْصُورِ عَنْ هُذَيْلٍ انْقِلَابُهَا يَاءً حَسَنٌ ، وَكَنَّى بِالْقَدَمِ عَنْ الذَّاتِ، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِهِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ تُنَالُ بِهَا غَالِبًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْجَارِحَةَ وَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، وَنُكْتَتُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَالَ تُنَالُ بِهَا كَمَا قَالَهُ الْبَابِلِيُّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ ذِكْرِ الْكُلِّ بَعْدَ الْجُزْءِ وَنَصَّ عَلَى الْأَجْزَاءِ أَوَّلًا لِخَفَاءِ دُخُولِهَا فِي الْقَدَمِ كَمَا فِي الْإِطْفِيحِيِّ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي إلَخْ لِلتَّوْكِيدِ قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الرُّكُوعِ) أَيْ بِقَصْدِهَا لِأَنَّ الرُّكُوعَ مَحَلُّ الذِّكْرِ فَيَكُونُ صَارِفًا عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الدُّعَاءَ أَوْ أَطْلَقَ، وَعِبَارَةُ ق ل وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ إنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهَا وَإِلَّا فَلَا لِلصَّارِفِ كَمَا فِي الْجَنَابَةِ اهـ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ أَوْجَبُوا الذِّكْرَ فِي قِيَامِ الصَّلَاةِ وَجُلُوسِ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُوجِبُوهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ أَنَّ كُلًّا رُكْنٌ؟ قُلْت: لِأَنَّ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ يَقَعَانِ لِلْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ، فَاحْتَجْنَا إلَى ذِكْرٍ يُخْلِصُهُمَا لِلْعِبَادَةِ، وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ يَقَعَانِ لِلْعِبَادَةِ فَقَطْ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِمَا ذِكْرٌ. اهـ. قَوْلُهُ: (سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى) وَمَنْ دَاوَمَ عَلَى تَرْكِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ مَنْ تَرَكَهُ عَامِدًا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا جَبَرَ بِسُجُودِ السَّهْوِ قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ لَك سَجَدْتُ) قُدِّمَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَلَوْ قَالَ: سَجَدْت لِلَّهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ خ ض. وَكَذَا لَوْ قَالَ سَجَدَ الْفَانِي لِلْبَاقِي لَمْ يَضُرَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالضَّرَرِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ اهـ شَرْحُ م ر. قَالَ ع ش: ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الثَّنَاءَ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا قَصَدَ بِهِ الثَّنَاءَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَك أَسْلَمْتُ) أَيْ انْقَدْت أَوْ فَوَّضْت أَمْرِي. قَوْلُهُ: (سَجَدَ وَجْهِي) أَيْ وَكُلُّ بَدَنِي، وَخَصَّ الْوَجْهَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ أَعْضَاءِ السَّاجِدِ، وَفِيهِ بَهَاؤُهُ وَتَعْظِيمُهُ فَإِذَا خَضَعَ وَجْهُهُ فَقَدْ خَضَعَ بَاقِي جَوَارِحِهِ اهـ خ ض. فَهُوَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَجْهُ حَقِيقَةً وَيَلْزَمُ مِنْ سُجُودِهِ سُجُودُ بَاقِي بَدَنِهِ. قَوْلُهُ: (لِلَّذِي خَلَقَهُ) أَيْ أَوْجَدَهُ مِنْ الْعَدَمِ وَصَوَّرَهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْعَجِيبَةِ، أَيْ جَعَلَ لَهُ فَمًا وَعَيْنَيْنِ وَأَنْفًا وَأُذُنَيْنِ وَرَأْسًا وَيَدَيْنِ وَبَطْنًا وَرِجْلَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَعَطْفُ التَّصْوِيرِ عَلَى الْخَلْقِ مُغَايِرٌ ز ي، وَهُوَ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَصَوَّرَهُ دَفْعٌ لِمَا قَدْ يُقَالُ إنَّهُ خَلَقَ مَادَّةَ الْوَجْهِ دُونَ صُورَتِهِ، وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ خ ض وَصَوَّرَهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْعَجِيبَةِ الْبَدِيعَةِ قَالَ تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] وَكَذَلِكَ صَرَّحُوا فِي الطَّلَاقِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ تَكُونِي أَحْسَنَ مِنْ الْقَمَرِ فَأَنْتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ". وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» أَيْ فِي سُجُودِكُمْ. وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ الْعَظِيمِ بِالرُّكُوعِ وَالْأَعْلَى بِالسُّجُودِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ: أَنَّ الْأَعْلَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، وَالسُّجُودُ فِي غَايَةِ التَّوَاضُعِ لِمَا فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْجَبْهَةِ الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ عَلَى مَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ، وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الرُّكُوعِ فَجَعَلَ الْأَبْلَغَ مَعَ الْأَبْلَغِ انْتَهَى. (وَ) الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ (وَضْعُ) رُءُوسِ أَصَابِعِ (الْيَدَيْنِ عَلَى) طَرَفِ (الْفَخِذَيْنِ فِي الْجُلُوسِ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، نَاشِرًا   [حاشية البجيرمي] طَالِقٌ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً زِنْجِيَّةً إذْ لَا شَيْءَ أَحْسَنُ مِنْ الْإِنْسَانِ. قَوْلُهُ: (وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ) أَيْ مَنْفَذَهُمَا إذْ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ مِنْ الْمَعَانِي لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا شَقٌّ، وَهُمَا صِفَتَانِ حَادِثَتَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِالْمَوْجُودِ، فَالْأَوَّلُ خَاصٌّ بِالْمَسْمُوعِ وَالثَّانِي بِالْمُبْصِرِ. وَأَمَّا فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَهُمَا صِفَتَانِ أَزَلِيَّتَانِ يَتَعَلَّقَانِ أَيْ يُحِيطَانِ بِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ تَبَارَكَ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ ثُمَّ يَقُولُ تَبَارَكَ اللَّهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (تَبَارَكَ اللَّهُ) أَيْ تَعَالَى اللَّهُ، وَالتَّبَرُّكُ الْعُلُوُّ وَالنَّمَاءُ تَبَارَكَ تَفَاعَلَ مِنْ الْبَرَكَةِ وَهِيَ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَزِيَادَتُهُ، وَمَعْنَى تَبَارَكَ اللَّهُ تَزَايَدَ خَيْرُهُ وَتَكَاثَرَ، أَيْ تَزَايَدَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَتَعَالَى فِي صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَهِيَ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَظَمَةِ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ، فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُكَفَّرُ بِهِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ إلَّا الْمَاضِي فَلَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ الْمُضَارِعُ وَلَا الْأَمْرُ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) أَيْ الْمُصَوِّرِينَ وَإِلَّا فَالْخَلْقُ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِأَنَّ الْمُصَوِّرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ حُسْنٌ مِنْ حَيْثُ تَصْوِيرُهُمْ لِأَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. وَيُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا ذَكَرَ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، وَقَوْلُهُ سُبُّوحٌ أَيْ كَثِيرُ التَّنْزِيهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَمَعْنَى قُدُّوسٌ أَيْ الْبَالِغُ فِي الطَّهَارَةِ، وَالْمُرَادُ بِالرُّوحِ جِبْرِيلُ، وَقِيلَ مَلَكٌ لَهُ أَلْفُ رَأْسٍ، فِي كُلِّ رَأْسٍ مِائَةُ أَلْفِ وَجْهٍ، فِي كُلِّ وَجْهٍ مِائَةُ أَلْفِ فَمٍ، فِي كُلِّ فَمٍ مِائَةُ أَلْفِ لِسَانٍ يُسَبِّحُ اللَّهُ تَعَالَى بِلُغَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَقِيلَ خَلْقٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ وَلَا تَرَاهُمْ فَهُمْ لِلْمَلَائِكَةِ كَالْمَلَائِكَةِ لِبَنِي آدَمَ. اهـ. دَمِيرِيٌّ أج قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ) أَيْ يَتَأَكَّدُ سَنَّهُ فِيهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُسَنُّ أَيْضًا فِي الرُّكُوعِ اج مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (أَقْرَبُ) مُبْتَدَأٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ أَقْرَبُ كَوْنِ الْعَبْدِ أَيْ أَكْوَانِهِ وَأَحْوَالِهِ حَاصِلٌ إذَا كَانَ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَقَوْلُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ الْعَظِيمِ بِالرُّكُوعِ وَالْأَعْلَى بِالسُّجُودِ إلَخْ) هَذَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ يُحْبِيَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 96] قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ وَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» . قَوْلُهُ: (فَجَعَلَ الْأَبْلَغَ) أَيْ وَهُوَ الْأَعْلَى مَعَ الْأَبْلَغِ وَهُوَ السُّجُودُ، وَمِنْ الْحِكْمَةِ لِلتَّخْصِيصِ أَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ قُرْبَ مَسَافَةٍ، فَسُنَّ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى أَيْ عَنْ قُرْبِ الْمَسَافَةِ قَوْلُهُ: (رُءُوسِ أَصَابِعِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ لِإِخْرَاجِ الْمَتْنِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَإِنَّ الْمَتْنَ يُفِيدُ وَضْعَ الْيَدَيْنِ نَفْسِهِمَا، وَالشَّارِحُ حَمَلَهُ عَلَى وَضْعِ أَطْرَافِهِمَا عَلَى أَعْلَى أَطْرَافِ الْفَخِذَيْنِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ بَاقِيَهُمَا عَلَى الْفَخِذَيْنِ لَكِنْ لَوْ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَيَّدَهُ بِحَيْثُ تُحَاذِي رُءُوسُ الْأَصَابِعِ طَرَفَ الْفَخِذِ لَكَانَ أَوْلَى، وَمُرَادُهُ بِالْيَدَيْنِ الْكَفَّانِ وَقَوْلُهُ: عَلَى الْفَخِذَيْنِ أَيْ الْيُمْنَى عَلَى الْأَيْمَنِ وَالْيُسْرَى عَلَى الْأَيْسَرِ. وَقَوْلُهُ: بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَكَذَا جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ سم. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ رُءُوسِ إلَخْ صَوَابُهُ إسْقَاطُ لَفْظِ رُءُوسِ وَطَرَفِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ بِحَيْثُ يُسَامِتُ رُءُوسُهُمَا أَطْرَافَ الرُّكْبَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) وَمِثْلُهُ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدَيْنِ، لَكِنَّ كَيْفِيَّةَ الْوَضْعِ مُخْتَلِفَةٌ فَفِي الْأَوَّلَيْنِ الْيَدَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ كَمَا فِي السُّجُودِ، وَفِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَفِي الْأَخِيرِ (يَبْسُطُ) يَدَهُ (الْيُسْرَى) مَعَ ضَمِّ أَصَابِعِهَا فِي تَشَهُّدِهِ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ بِأَنْ لَا يَفْرِجَ بَيْنَهَا لِتَتَوَجَّهَ كُلُّهَا إلَى الْقِبْلَةِ (وَيَقْبِضُ) أَصَابِعَ يَدِهِ (الْيُمْنَى) كُلَّهَا (إلَّا الْمُسَبِّحَةِ) وَهِيَ بِكَسْرِ الْبَاءِ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى (فَإِنَّهُ) يُرْسِلُهَا وَ (يُشِيرُ بِهَا) أَيْ يَرْفَعُهَا مَعَ إمَالَتِهَا قَلِيلًا حَالَ كَوْنِهِ (مُتَشَهِّدًا) عِنْدَ قَوْلِهِ: إلَّا اللَّهُ لِلِاتِّبَاعِ. وَيُدِيمُ رَفْعَهَا وَيَقْصِدُ مِنْ ابْتِدَائِهِ بِهَمْزَةِ إلَّا اللَّهُ أَنَّ الْمَعْبُودَ وَاحِدٌ، فَيَجْمَعُ فِي تَوْحِيدِهِ بَيْنَ اعْتِقَادِهِ وَقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ. وَلَا يُحَرِّكُهَا لِلِاتِّبَاعِ فَلَوْ حَرَّكَهَا كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَالْأَفْضَلُ قَبْضُ الْإِبْهَامِ بِجَنْبِهَا بِأَنْ يَضَعَهَا تَحْتَهَا   [حاشية البجيرمي] مَبْسُوطَتَانِ، وَفِي الْأَخِيرَيْنِ بَيَّنَهُمَا الْمَتْنُ بِقَوْلِهِ: يَبْسُطُ الْيُسْرَى وَيَقْبِضُ الْيُمْنَى وَلَا يَضُرُّ إدَامَةُ وَضْعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ إلَى السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. أَيْ فَقَالَ إنَّ إدَامَتَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الرُّكُوعِ مِنْ أَنَّهُ يُفَرِّقُ فَتَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى بَدَنِهِ، فَلِمَ لَمْ يَطْلُبْ التَّفْرِيقَ هُنَا قِيَاسًا عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ بِهِ هُنَا: فَلْيُحَرَّرْ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ نَاشِرًا أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً، وَقَوْلَهُ مَعَ أَصَابِعِهَا أَيْ مَعَ تَفْرِيقٍ يَسِيرٍ بِحَيْثُ تَكُونُ مُتَوَجِّهَةً لِلْقِبْلَةِ، وَلَا يَضُرُّ انْعِطَافُ رُءُوسِهَا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ سم فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (فِي تَشَهُّدِهِ) شَمِلَ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْقَبْضُ يَكُونُ بَعْدَ وَضْعِ الْيَدِ مَنْشُورَةً لَا مَعَهُ وَلَا قَبْلَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ سُلْطَانٌ وَقِيلَ مَعَ الْوَضْعِ. اهـ. ق ل. وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْمَنْهَجِ وَيَضَعُ يُمْنَاهُ قَابِضًا أَصَابِعَهَا وَالْأَصْلُ فِي الْحَالِ الْمُقَارَنَةُ. قَوْلُهُ: (إلَّا الْمُسَبِّحَةَ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا إلَى التَّوْحِيدِ، وَتُسَمَّى السَّبَّابَةُ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ السَّبِّ ق ل. وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْمُسَبِّحَةُ فَالْعِبْرَةُ بِالْأَصْلِيَّةِ فَلَوْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ فَالْعِبْرَةُ بِمَا جَاوَرَ الْإِبْهَامَ، فَلَوْ قُطِعَتْ هَلْ تَقُومُ الْأُخْرَى مَقَامَهَا أَوْ لَا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهَا وَلَا يُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ الْيُسْرَى وَإِنْ فُقِدَتْ الْيُمْنَى، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ التَّشَهُّدِ وَقَعَدَ بِقَدْرِهِ سُنَّ فِي حَقِّهِ أَنْ يَرْفَعَ مُسَبِّحَتَهُ كَمَا أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقُنُوتِ سُنَّ فِي حَقِّهِ أَنْ يَقِفَ بِقَدْرِهِ وَأَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ ز ي: وَفِي م ر: وَلَوْ قُطِعَتْ يُمْنَاهُ أَوْ سَبَّابَتُهَا كُرِهَتْ إشَارَتُهُ بِيُسْرَاهُ لِفَوَاتِ سُنَّةِ بَسْطِهَا لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةٍ فِي مَحَلِّهَا لِأَجْلِ سُنَّةٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا كَمَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ يَأْتِي بِهِ فِي الْأَخِيرَةِ اهـ. فَائِدَةٌ: كَانَتْ سَبَّابَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْوَلَ مِنْ الْوُسْطَى نَقَلَهُ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُدِيمُ رَفْعَهَا) أَيْ إلَى الْقِيَامِ أَوْ السَّلَامِ. فَإِنْ قُلْت: الْمَعْنَى الَّذِي رُفِعَتْ لِأَجْلِهِ قَدْ انْقَضَى فَكَيْفَ بَقِيَ رَفْعُهَا؟ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ انْقِضَاءَهُ لِأَنَّ الْأَوَاخِرَ وَالْغَايَاتِ هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَدَارُ، فَمِنْ ثَمَّ طُلِبَ مِنْهُ إدَامَةُ اسْتِحْضَارِ ذَلِكَ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ فِيهِ حَتَّى يُقَارِنَ آخِرَ صَلَاتِهِ لِتَكُونَ خَاتِمَتُهَا عَلَى أَتَمِّ الْأَحْوَالِ وَأَكْمَلِهَا. وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ الْمُسَبِّحَةِ بِذَلِكَ أَنَّ لَهَا اتِّصَالًا بِنِيَاطِ الْقَلْبِ أَيْ عِرْقِهِ، فَكَأَنَّهَا سَبَبٌ لِحُضُورِهِ، وَأَمَّا الْوُسْطَى فَقِيلَ إنَّ لَهَا اتِّصَالًا بِنِيَاطِ الذَّكَرِ فَلِذَا تَأْبَى النُّفُوسُ الزَّكِيَّةُ الْإِشَارَةَ بِهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يُحَرِّكُهَا) فَإِنْ قُلْت: قَدْ وَرَدَ التَّحْرِيكُ أَيْضًا فِي أَحَادِيثَ فَلِمَ قَدَّمَ النَّافِيَ؟ قُلْت: إنَّمَا قَدَّمَ النَّافِيَ هُنَا عَلَى الْمُثْبَتِ عَكْسَ الْقَاعِدَةِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الصَّلَاةِ عَدَمُ الْحَرَكَةِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا حَرَّكَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَيُكْرَهُ التَّحْرِيكُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ، وَعِبَارَةُ سم: وَلَا يُحَرِّكُهَا عِنْدَ رَفْعِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، بَلْ يُكْرَهُ تَحْرِيكُهَا وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ يُحَرَّمُ وَتَبْطُلُ بِهِ، وَقِيلَ: يُسَنُّ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَحْرِيكِهَا فِي خَبَرِهِ رَفْعَهَا لَا تَكْرِيرَ تَحْرِيكِهَا اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، وَأَنَّ عَدَمَ التَّحْرِيكِ أَنْسَبُ بِالصَّلَاةِ الْمَطْلُوبِ فِيهَا سُكُونُ الْأَعْضَاءِ وَالْخُشُوعُ الَّذِي قَدْ يُذْهِبُهُ أَوْ يُضْعِفُهُ التَّحْرِيكُ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ رَفْعِ مُسَبِّحَةِ الْيُمْنَى خَاصًّا بِهَذَا الْمَحَلِّ تَعَبُّدِيٌّ فَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ، فَمَا يَفْعَلُ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْجِنَازَةِ لَا أَصْلَ لَهُ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا عَنْ فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ حَرَّكَهَا) وَلَوْ ثَلَاثًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عُضْوًا وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ خَفِيفٌ وَالْكَلَامُ مَا لَمْ يُحَرِّكْ الْكَفَّ وَإِلَّا بَطَلَتْ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ مُتَوَالِيَةٍ عَامِدًا عَالِمًا كَتَحْرِيكِ الزَّنْدِ الْمَقْطُوعِ الْكَفِّ سم رَحْمَانِيٌّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي تَحْرِيكِهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قَوْلٌ: بِالْكَرَاهَةِ، وَقَوْلَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا بِالْحُرْمَةِ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَالْآخَرُ بِالنَّدْبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 عَلَى طَرَفِ رَاحَتِهِ لِلِاتِّبَاعِ، فَلَوْ أَرْسَلَهَا مَعَهَا أَوْ قَبَضَهَا فَوْقَ الْوُسْطَى أَوْ حَلَّقَ بَيْنَهُمَا أَوْ وَضَعَ أُنْمُلَةَ الْوُسْطَى بَيْنَ عُقْدَتَيْ الْإِبْهَامِ أَتَى بِالسُّنَّةِ لَكِنَّ مَا ذُكِرَ أَفْضَلُ. (وَ) الثَّالِثَةَ عَشَرَ (الِافْتِرَاشُ) بِأَنْ يَجْلِسَ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ بِحَيْثُ يَلِي ظَهْرُهَا الْأَرْضَ، وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ وَيَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ مِنْهَا لِلْقِبْلَةِ يَفْعَلُ ذَلِكَ (فِي جَمِيعِ الْجَلْسَاتِ) الْخَمْسَةِ: وَهِيَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَجُلُوسُ الْمَسْبُوقِ، وَجُلُوسُ السَّاهِي، وَجُلُوسُ الْمُصَلِّي قَاعِدًا لِلْقِرَاءَةِ. (وَ) الرَّابِعَةَ عَشَرَ (التَّوَرُّكُ) وَهُوَ كَالِافْتِرَاشِ، لَكِنْ يُخْرِجُ يُسْرَاهُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُلْصِقُ وَرِكَهُ لِلْأَرْضِ لِلِاتِّبَاعِ (فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ) فَقَطْ، وَحِكْمَتُهُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ جُلُوسِ التَّشَهُّدَيْنِ وَلِيَعْلَمَ الْمَسْبُوقُ حَالَةَ الْإِمَامِ.   [حاشية البجيرمي] اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ) صَرَّحَ بِهِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالْبُطْلَانِ كَمَا عَلِمْت ع ش. قَوْلُهُ: (أَوْ حَلَّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ أَوْقَعَ التَّحْلِيقَ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامِ، أَيْ جَعَلَهُمَا حَلْقَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَ زَائِدَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهَا مَعْنَى. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ مَا ذُكِرَ) أَيْ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ إلَخْ قَوْلُهُ: (عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ) بَعْدَ أَنْ يُضْجِعَهَا بِحَيْثُ يَلِي ظَهْرُهَا الْأَرْضَ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَزِيدَهَا عَلَى قَدْرِ جُلُوسِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَضُرُّ تَطْوِيلُهَا وَإِنْ كُرِهَ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ. وَفِي شَرْحِ م ر: وَيُكْرَهُ تَطْوِيلُهَا عَلَى الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ. وَجُلُوسُ الِاسْتِرَاحَةِ لَيْسَ مِنْ الرَّكْعَةِ بَلْ مُسْتَقِلٌّ فَاصِلٌ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجُلُوسِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأُولَى تَبَعًا لِلسُّجُودِ اهـ. وَكَلَامُ الذَّخَائِرِ طَرِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ فَاصِلٌ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْحَلِفِ وَالتَّعَالِيقِ، فَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا صَلَّيْت رَكْعَةً فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ بِرَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ السُّجُودِ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَالْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ) وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَشَهَّدَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِأَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، وَيُتَابِعُهُ فَيَفْتَرِشُ فِيمَا عَدَا الرَّابِعَ وَيَتَوَرَّكُ فِي الرَّابِعِ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ فَجَلَسَهَا الْمَأْمُومُ جَازَ وَلَا يَضُرُّ هَذَا التَّخَلُّفُ فَإِنَّهُ يَسِيرٌ. وَبِهَذَا فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَتَخَلَّفَ لَهُ الْمَأْمُومُ. ضَابِطُ الْجَلْسَاتِ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعٌ: ثِنْتَانِ وَاجِبَتَانِ وَهُمَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَجُلُوسُ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَثِنْتَانِ سُنَّتَانِ وَهُمَا جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ وَجُلُوسُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَجُلُوسُ السَّاهِي) أَيْ الَّذِي يُطْلَبُ مِنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَمَحَلُّهُ إنْ قَصَدَ السُّجُودَ لِلسَّهْوِ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَصَدَ تَرْكَ السُّجُودِ تَوَرَّكَ. قَوْلُهُ: (وَجُلُوسُ الْمُصَلِّي قَاعِدًا لِلْقِرَاءَةِ) وَكَذَا لِلِاعْتِدَالِ وَلِلرُّكُوعِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ ق ل. وَجُمْلَةُ جَلْسَاتِ الِافْتِرَاشِ سِتَّةٌ وَهِيَ: الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَجُلُوسُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَجُلُوسُ الِاسْتِرَاحَةِ، وَجُلُوسُ الْمَسْبُوقِ، وَجُلُوسُ السَّاهِي، وَجُلُوسُ الْمُصَلِّي قَاعِدًا لِلْقِرَاءَةِ اهـ. فَلَوْ قَالَ الْمُصَلِّي وَافْتِرَاشُهُ لِجَلْسَاتِهِ إلَّا الْأَخِيرَةَ لَكَانَ أَحْسَنَ. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ رِجْلَهُ كَالْفُرُشِ لَهُ كَمَا سُمِّيَ التَّوَرُّكُ بِذَلِكَ لِجُلُوسِهِ عَلَى الْوَرِكِ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ يُسَنُّ التَّوَرُّكُ مُطْلَقًا، وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ يُسَنُّ الِافْتِرَاشُ مُطْلَقًا. فَرْعٌ: لَوْ عَجَزَ عَنْ هَيْئَةِ الِافْتِرَاشِ أَوْ التَّوَرُّكِ الْمَعْرُوفَةِ وَقَدَرَ عَلَى عَكْسِهَا فَعَلَهُ لِأَنَّهُ الْمَيْسُورُ. قَوْلُهُ: (وَيُلْصِقُ) بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ فَهُوَ مِنْ الْمَزِيدِ لَا مِنْ الْمُجَرَّدِ قَوْلُهُ: (وَرِكُهُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ أَلْيَيْهِ قَوْلُهُ: (فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ) أَيْ الَّتِي يَعْقُبُهَا سَلَامٌ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَالسُّنَّةُ فِيهِمَا التَّوَرُّكُ أَيْ بَعْدَ السُّجُودِ وَقَبْلَ السَّلَامِ. وَأَفْهَمَ عَدَّهُ الِافْتِرَاشَ وَالتَّوَرُّكَ مِنْ الْهَيْئَاتِ أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ حَيْثُ شَاءَ جَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 (وَ) الْخَامِسَةَ عَشَرَ (التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ) عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الرَّوْضَةِ إلَّا أَنْ يَعْرِضَ لَهُ عَقِبَ الْأُولَى مَا يُنَافِي صَلَاتَهُ، فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأُولَى وَذَلِكَ كَأَنْ خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْأُولَى، أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ، أَوْ شَكَّ فِيهَا، أَوْ تَخَرَّقَ الْخُفُّ، أَوْ نَوَى الْقَاصِرُ الْإِقَامَةَ، أَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ نَجَسٌ لَا يُعْفَى عَنْهُ، أَوْ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فِي الِاجْتِهَادِ، أَوْ عَتَقَتْ أَمَةٌ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ وَجَدَ الْعَارِي سُتْرَةً. وَيُسَنُّ إذَا أَتَى بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ، وَأَنْ تَكُونَ الْأُولَى يَمِينًا وَالْأُخْرَى شِمَالًا. مُلْتَفِتًا فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى حَتَّى يُرَى خَدُّهُ   [حاشية البجيرمي] الْقَفَّالُ: وَلَوْ قَعَدَ عَلَى الْأَرْضِ وَرَفَعَ رِجْلَيْهِ جَازَ اهـ. وَيَنْبَغِي كَرَاهَةُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ مَدَّهُمَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ غَيْرُ الْمَسْنُونِ وَهُوَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى وَرِكَيْهِ أَيْ أَصْلِ فَخِذَيْهِ نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَرَفَعَ فَخِذَيْهِ وَنَصَبَهُمَا وَلَمْ يَجْلِسْ بِمَقْعَدَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي خِلَافًا لِلْقَفَّالِ حَيْثُ قَالَ بِالْإِجْزَاءِ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ وَضْعَ الْمُقَدِّمَةِ سُنَّةٌ، وَتَعَقَّبَهُ الزَّرْكَشِيّ بِقَوْلِهِ: وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْأَقْطَعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَامِ إذْ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْقُعُودِ اهـ أَمَّا الْإِقْعَاءُ الْآخَرُ وَهُوَ أَنْ يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَأَلْيَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ، فَهُوَ سُنَّةٌ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وَصَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ بِكَرَاهَتِهِ فِيمَا عَدَا الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: إنَّهُ حَرَامٌ فِي ذَلِكَ لَكِنَّهُ شَاذٌّ، نَعَمْ أَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِهِ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ وَكُلَّ جُلُوسٍ قَصِيرٍ وَالْجُلُوسَ مُحْتَبِيًا خِلَافَ السُّنَّةِ، وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْإِقْعَاءَ الْمَكْرُوهَ إنْ كَانَ فِي سُنَّةٍ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ مُنِعَ ثَوَابُهَا لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تُنَالُ بِالْمَكْرُوهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ذُو جِهَتَيْنِ اهـ سم. قَوْلُهُ: (وَحِكْمَتُهُ التَّمْيِيزُ إلَخْ) عِبَارَةُ ش م: وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْأَوَّلِ أَنَّهَا أَقْرَبُ لِعَدَمِ اشْتِبَاهِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَلِأَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا رَآهُ عَلِمَ فِي أَيِّ التَّشَهُّدَيْنِ. وَالْحِكْمَةُ فِي التَّخْصِيصِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُسْتَوْفِزٌ فِي غَيْرِ الْأَخِيرِ وَالْحَرَكَةُ عَنْ الِافْتِرَاشِ أَهْوَنُ اهـ. وَقَوْلُهُ فِي التَّخْصِيصِ أَيْ تَخْصِيصِ الْأَوَّلِ بِالِافْتِرَاشِ وَالْأَخِيرِ بِالتَّوَرُّكِ. اهـ. ع ش قَوْلُهُ: (التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ) أَيْ وَإِنْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ فَتُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ اج. قَالَ ق ل: وَهِيَ مِنْ مُلْحَقَاتِ الصَّلَاةِ لَا مِنْهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الرَّوْضَةِ) أَيْ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: وَيُسَنُّ تَسْلِيمَةٌ ثَانِيَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ لَا يَزِيدُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يُسَلِّمُ غَيْرُ الْإِمَامِ وَاحِدَةً وَكَذَا الْإِمَامُ إنْ قَلَّ الْقَوْمُ وَلَا لَغَطَ عِنْدَهُمْ وَإِلَّا فَتَسْلِيمَتَيْنِ. فَإِذَا قُلْنَا يُسَلِّمُ وَاحِدَةً جَعَلَهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَعْرِضَ إلَخْ) لَا حَاجَةَ لِهَذَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالسُّنِّيَّةِ لَا فِي الْإِتْيَانِ بِهَا وَعَدَمِهِ مَعَ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرًا ظَاهِرًا فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأُولَى) وَلَا عِبْرَةَ بِالثَّانِيَةِ لَوْ أَتَى بِهَا بَلْ يُحَرَّمُ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِفَرَاغِهَا بِالْأُولَى وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ الثَّانِيَةُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى حَالَةٍ لَا تُقْبَلُ فِيهَا الصَّلَاةُ فَلَا تُقْبَلُ تَوَابِعُهَا قَالَ سم عَلَى حَجّ: إلَّا أَنَّهُ مُشْكِلٌ فِي وُجُودِ السُّتْرَةِ فَقَوْلُهُ أَوْ وَجَدَ الْعَارِي سُتْرَةً إنْ أُرِيدَ تَحْرِيمُهَا مَعَ الْعُرْي فَوَاضِحٌ أَوْ مُطْلَقًا فَفِيهِ نَظَرٌ اهـ م د. وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ: وَتُحَرَّمُ إنْ عَرَضَ بَعْدَ الْأُولَى مُنَافٍ كَحَدَثٍ وَخُرُوجِ وَقْتِ جُمُعَةٍ أَيْ بِخِلَافِ وَقْتِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَنِيَّةِ إقَامَةٍ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مِنْ تَوَابِعِهَا قَوْلُهُ: (أَوْ نَوَى الْقَاصِرُ إلَخْ) فِي ذِكْرِ ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الَّذِي عَرَضَ يُنَافِي الصَّلَاةَ وَالْإِقَامَةَ هُنَا لَا تُنَافِي الصَّلَاةَ وَإِنَّمَا تُنَافِي الْقَصْرَ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا رَأَى الْمَاءَ قَبْلَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَكَانَ مُتَيَمِّمًا فَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى فَلَا يَأْتِي بِالثَّانِيَةِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ قَوْلُهُ: (أَوْ وَجَدَ الْعَارِي إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَتَرَ أَتَى بِالْمَطْلُوبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ مَا دَامَ عُرْيَانًا فَقَوْلُهُ أَوْ وَجَدَ الْعَارِي إلَخْ أَيْ وَلَمْ يَسْتَتِرْ قَوْلُهُ: (وَأَنْ تَكُونَ الْأُولَى يَمِينًا) وَلَوْ سَلَّمَ الْأُولَى عَنْ يَسَارِهِ سَلَّمَ الثَّانِيَةَ عَنْ يَسَارِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى كَمَا قَالَهُ ع ش اهـ قَوْلُهُ: (يَمِينًا) فَلَوْ عَكَسَ كُرِهَ وَإِنْ أَتَى بِهِمَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى، فَلَوْ ارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ وَابْتَدَأَ بِالْيَسَارِ هَلْ يُسَنُّ جَعْلُ الثَّانِيَةِ عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 الْأَيْمَنُ فَقَطْ، وَفِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى يُرَى خَدُّهُ الْأَيْسَرُ كَذَلِكَ، فَيَبْتَدِئُ بِالسَّلَامِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَلْتَفِتُ وَيُتِمُّ سَلَامَهُ بِتَمَامِ الْتِفَاتِهِ، نَاوِيًا السَّلَامَ عَلَى مَنْ الْتَفَتَ هُوَ إلَيْهِ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَمُؤْمِنِي إنْسٍ وَجِنٍّ فَيَنْوِيهِ بِمَرَّةِ الْيَمِينِ عَلَى مَنْ عَنْ   [حاشية البجيرمي] الْيَمِينِ؟ قَالَ سم: يَنْبَغِي نَعَمْ اهـ اج قَوْلُهُ: (حَتَّى يُرَى خَدُّهُ) أَيْ يَرَاهُ مَنْ خَلْفَهُ، وَقَوْلُهُ: فَقَطْ أَيْ لَا خَدَّاهُ وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ أَيْ فَقَطْ قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَلْتَفِتُ) أَيْ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ صَدْرُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْمِيمِ مِنْ عَلَيْكُمْ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُسْتَلْقِي، أَمَّا هُوَ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الِالْتِفَاتُ لِأَنَّهُ مَتَى الْتَفَتَ لِلْإِتْيَانِ بِسُنَّةِ الِالْتِفَاتِ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ الْمُشْتَرَطِ حِينَئِذٍ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الِالْتِفَاتُ، وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى هَكَذَا ظَهَرَ. وَبِهِ يُلْغِزُ فَيُقَالُ: لَنَا مُصَلٍّ مَتَى الْتَفَتَ لِلسَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ رَشِيدِيٌّ. وَلَوْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَتَى بِهَا قِبَلَ وَجْهِهِ قَوْلُهُ: (نَاوِيًا السَّلَامَ) أَيْ ابْتِدَاءَهُ إلَخْ. وَهَذَا عَامٌّ فِي الْكُلِّ، وَأَمَّا نِيَّةُ الرَّدِّ فَفَصَّلَهَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَيَنْوِي مَأْمُومٌ الرَّدَّ إلَخْ. وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُهُ نَاوِيًا السَّلَامَ إلَخْ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لِوُجُودِ الْخِطَابِ وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الصَّلَاةِ عَارَضَهُ فَاحْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ وَالْمُعَارِضِ بِخِلَافِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَتَبَعِيَّةُ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى صَارِفٌ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا. اهـ. ح ل. وَعِبَارَةُ ز ي: وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُسَلِّمَ خَارِجَهَا لَمْ يُوجَدْ لِسَلَامِهِ صَارِفٌ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِلنِّيَّةِ، وَأَمَّا فِيهَا فَكَوْنُهُ وَاجِبًا لِلْخُرُوجِ مِنْهَا صَارِفٌ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ السَّلَامِ أَيْ سَلَامِ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ، وَالْمُرَادُ مَعْنَاهُ وَهُوَ التَّحَلُّلُ مَعَ ذَلِكَ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظَائِرِهِ مِمَّا اُعْتُبِرَ فِيهِ فَقْدُ الصَّارِفِ بِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مَدْلُولِهِ الَّذِي هُوَ التَّحِيَّةُ وَلَوْ مَعَ النِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي غَيْرِهِ إخْرَاجٌ لَهُ عَنْ مَدْلُولِهِ، فَاحْتِيجَ إلَى فَقْدِ الصَّارِفِ ثَمَّ لَا هُنَا. اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَفِي ع ش عَلَى م ر: اُنْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ نِيَّةِ السَّلَامِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ نِيَّةُ سَلَامِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ نَوَى مُجَرَّدَ السَّلَامِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ أَوْ الرَّدَّ ضَرَّ لِلصَّارِفِ وَقَدْ قَالُوا يُشْتَرَطُ فَقْدُ الصَّارِفِ أَوَّلًا فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى فِيهِ نَظَرٌ، وَالْقَلْبُ إلَى الِاشْتِرَاطِ أَمْيَلُ وَهُوَ الْوَجْهُ سم وَالْأَقْرَبُ مَا مَالَ إلَيْهِ م ر مِنْ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ بِسَلَامِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا لِلتَّحَلُّلِ لَمْ يَصْلُحْ لِلْأَمَانِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فَلَا يَصْلُحُ صَارِفًا اهـ. فَتَلَخَّصَ أَنَّ الضَّرَرَ إنَّمَا هُوَ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إذَا قَصَدَ غَيْرَ السَّلَامِ، أَمَّا إذَا قَصَدَ السَّلَامَ أَوْ قَصَدَ مَعَهُ الرَّدَّ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ سَلَامُ الْمَأْمُومِينَ عَنْ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَهُوَ إنَّمَا يَنْوِي ابْتِدَاءً فَقَطْ بِكُلٍّ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُونَ فَمَنْ عَلَى يَمِينِهِ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ بِالثَّانِيَةِ، وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ بِالْأُولَى وَعَلَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ عَلَى يَمِينِهِ ابْتِدَاءً بِهَا أَيْضًا وَأَمَّا الْأَوْلَى لِمَنْ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ فَيَنْوِي بِهَا الِابْتِدَاءَ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ سَلَامُهُمْ أَوْ بَعْضِهِمْ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِهَا وَإِلَّا نَوَى مَعَ الِابْتِدَاءِ الرَّدَّ فَيَنْوِي الِابْتِدَاءَ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ وَالرَّدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ، كَمَا إذَا جَاءَك رَجُلَانِ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَيْك وَلَمْ يُسَلِّمْ الْآخَرُ وَقُلْت: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ قَاصِدًا الرَّدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ وَالِابْتِدَاءَ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ. قَالَ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ: الْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ يَنْوِي السَّلَامَ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ وَيَنْوِي الرَّدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مِمَّنْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ خَلْفَهُ أَوْ أَمَامَهُ اهـ. وَأَمَّا مَنْ عَلَى يَسَارِ الْإِمَامِ فَتَقَدَّمَ حُكْمُ أُولَتِهِ، وَأَمَّا ثَانِيَتِهِ فَيَنْوِي بِهَا عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ الِابْتِدَاءَ زِيَادَةً عَلَى الرَّدِّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ الرَّدُّ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَنْ) أَيْ شَخْصٍ الْتَفَتَ هُوَ أَيْ وَلَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي الرَّدُّ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَصَدَهُ بِالسَّلَامِ كَمَا فِي ع ش. وَعِبَارَةُ اج هَلْ إذَا قَصَدَ السَّلَامَ عَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّينَ مِنْ الْحَاضِرِينَ هَلْ يُطْلَبُ مِنْهُمْ الرَّدُّ؟ قَالَ سم عَلَى الْمَنْهَجِ: لَا يَبْعُدُ النَّدْبُ إذَا عَلِمُوا اهـ. وَأَبْرَزَ الضَّمِيرَ لِأَنَّهَا صِفَةٌ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ: وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقًا حَيْثُ تَلَا ... مَا لَيْسَ مَعْنَاهُ لَهُ مُحَصِّلَا قَوْلُهُ: (إنْسٍ) هُمْ الْبَشَرُ الْوَاحِدُ إنْسِيٌّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَأَنَسٌ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْجَمْعُ أَنَاسِيُّ وَأَنَاسِيَّةٌ. مُنَاوِيٌّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 يَمِينِهِ، وَبِمَرَّةِ الْيَسَارِ عَلَى مَنْ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَنْوِيهِ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالْأُولَى أَوْلَى، وَيَنْوِي مَأْمُومٌ الرَّدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ، فَيَنْوِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِ الْمُسَلِّمِ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ بِالْأُولَى، وَمَنْ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ تَسْلِيمَتَيْهِ.   [حاشية البجيرمي] عَلَى الشَّمَائِلِ قَوْلُهُ: (فَيَنْوِيهِ بِمَرَّةِ الْيَمِينِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَ السَّلَامِ فَقَطْ، بِأَنْ يَقْصِدَ السَّلَامَ وَحْدَهُ أَوْ يَقْصِدَهُ مَعَ الرَّدِّ أَوْ يُطْلِقَ فَالضَّرَرُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إذَا قَصَدَ غَيْرَ السَّلَامِ وَحْدَهُ ع ش قَوْلُهُ: (وَيَنْوِي مَأْمُومٌ) أَيْ نَدْبًا وَغَيْرُ الْمَأْمُومِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ أَوْ لَا؟ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ أَوْجَهُ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (فَيَنْوِيهِ) أَيْ الرَّدَّ وَقَوْلُهُ: مَنْ عَلَى يَمِينِ الْمُسَلِّمِ أَيْ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ، وَقَوْلُهُ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ الثَّانِيَةَ بَعْدَ سَلَامِ الْمُسَلِّمِ الْأُولَى إذْ لَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَنْ هُوَ عَلَى يَمِينِهِ قَدْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ الرَّدُّ، وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ فَالتَّسْلِيمَةُ تَكُونُ لِلِابْتِدَاءِ وَالرَّدِّ ح ل قَوْلُهُ: (وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ بِالْأُولَى) بِأَنْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ مَنْ عَلَى يَسَارِهِ الْأُولَى عَنْ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ، إذْ لَوْ تَقَدَّمَ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَا رَدَّ ح ل. وَعِبَارَةُ اج اسْتَشْكَلَ هَذَا فَإِنَّ الرَّدَّ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْإِمَامُ إنَّمَا يَنْوِي السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ بِالثَّانِيَةِ، فَكَيْفَ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ إنَّمَا يُسَلِّمُ الْأُولَى بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْقِيقِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ إلَخْ) وَلَوْ سَلَّمَ الثَّانِيَةَ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ أَتَى بِالْأُولَى وَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ لَمْ تُحْسَبْ وَسَلَّمَ التَّسْلِيمَتَيْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ. فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ بِنِيَّتِهَا وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّ تِلْكَ الْجِلْسَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْجُلُوسِ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ نَابَتْ مَنَابَ الْفَرْضِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ شَامِلَةٌ لِجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَلَا كَذَلِكَ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِهَا لَا مِنْ نَفْسِهَا، وَلِهَذَا لَوْ أَحْدَثَ بَيْنَهُمَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَمِثْلُ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ مَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ أَوْ سَهْوٍ أَنَّهَا لَا تَقُومُ مَقَامَ تِلْكَ السَّجْدَةِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ قَوْلُهُ: (إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ تَسْلِيمَتَيْهِ) وَلَوْ قَارَنَهُ جَازَ كَبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ مُفَوِّتَةٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فِيمَا قَارَنَ فِيهِ فَقَطْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ. وَقَالَ إنَّهُ الْأَقْرَبُ اهـ شَرْحُ م ر وَمُرَادُهُ الْمُقَارَنَةُ فِي السَّلَامِ وَالْأَفْعَالِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ إمَّا حَرَامٌ وَمُبْطِلَةٌ وَهِيَ الْمُقَارَنَةُ فِي التَّحَرُّمِ، وَإِمَّا مَكْرُوهَةٌ وَهِيَ الْمُقَارَنَةُ فِي الْأَفْعَالِ وَالسَّلَامِ، وَإِمَّا سُنَّةٌ وَهِيَ الْمُقَارَنَةُ فِي التَّأْمِينِ، وَإِمَّا وَاجِبَةٌ وَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قِرَاءَتِهَا بَعْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، وَإِمَّا مُبَاحَةٌ وَهِيَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ تَتِمَّةٌ: يُسَنُّ الدُّعَاءُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَقَبْلَ السَّلَامِ بِمَا شَاءَ مِنْ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ كَاللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي رِزْقًا حَسَنًا. بَلْ نُقِلَ عَنْ النَّصِّ كَرَاهَةُ تَرْكِهِ، وَلَوْ دَعَا بِمَحْظُورٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِيهِ عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ إمَامَ غَيْرِ مَحْصُورِينَ أَوْ مَحْصُورِينَ لَمْ يَرْضَوْا بِالتَّطْوِيلِ، بَلْ يُكْرَهُ حِينَئِذٍ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُ الدُّعَاءِ أَقَلَّ مِنْهُمَا، أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَهُ أَنْ يُطِيلَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَخَفْ وُقُوعَهُ فِي سَهْوٍ، وَالْمُرَادُ بِقَدْرِ مَا ذَكَرَ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْهُمَا أَيْ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ، فَإِنْ أَطَالَهُمَا أَطَالَ الدُّعَاءَ وَإِنْ خَفَّفَهُمَا خَفَّفَهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا، وَأَمَّا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ فَلَا يُسَنُّ بَعْدَهُ الدُّعَاءُ بَلْ يُكْرَهُ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ. أَمَّا الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ مَعَ الْإِمَامِ تَشَهُّدَهُ الْأَخِيرَ وَهُوَ أَوَّلٌ لِلْمَأْمُومِ فَيُتِمُّهُ تَبَعًا لِإِمَامِهِ فَلَا يُكْرَهُ الدُّعَاءُ لَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَالْأَشْبَهُ فِي الْمُوَافِقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يُطِيلُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ إمَّا لِثِقَلِ لِسَانِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَتَمَّهُ الْمَأْمُومُ سَرِيعًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الدُّعَاءُ أَيْضًا بَلْ يُسْتَحَبُّ إلَى أَنْ يَقُومَ إمَامُهُ اهـ. وَمَأْثُورُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 فَصْلٌ: فِيمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ حُكْمُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ (وَالْمَرْأَةُ تُخَالِفُ الرَّجُلَ) حَالَةَ الصَّلَاةِ (فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ ": أَمَّا الْأَوَّلُ: (فَالرَّجُلُ) أَيْ الذَّكَرُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا مُمَيِّزًا (يُجَافِي) أَيْ يُخْرِجُ (مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ) فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ لِلِاتِّبَاعِ. (وَ) الثَّانِي (يُقِلُّ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارِعَةِ أَيْ يَرْفَعُ (بَطْنَهُ عَنْ فَخْذَتِهِ فِي السُّجُودِ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي تَمْكِينِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مِنْ مَحَلِّ سُجُودِهِ وَأَبْعَدُ مِنْ هَيْئَاتٍ فِي الْكُسَالَى. كَمَا هُوَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ. (وَ) الثَّالِثُ (يَجْهَرُ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ) الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ. (وَ) الرَّابِعُ (إذَا نَابَهُ) أَيْ أَصَابَهُ (شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ) كَتَنْبِيهِ إمَامِهِ عَلَى سَهْوٍ، وَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ، وَإِنْذَارِهِ أَعْمَى خَشِيَ وُقُوعَهُ فِي مَحْذُورٍ (سَبَّحَ) أَيْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» . وَيُعْتَبَرُ فِي التَّسْبِيحِ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الذِّكْرَ أَوْ الذِّكْرَ وَالْإِعْلَامَ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. (وَ) الْخَامِسُ (عَوْرَةُ الرَّجُلِ) أَيْ الذَّكَرِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا حُرًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَيُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فِي الطَّوَافِ   [حاشية البجيرمي] الدُّعَاءِ هُنَا أَفْضَلُ وَمِنْهُ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ " وَقَوْلُهُ: وَمَا أَخَّرْت أَيْ إذَا وَقَعَ تَغْفِرُهُ لِأَنَّ طَلَبَ غُفْرَانِ الذَّنْبِ قَبْلَ وُقُوعِهِ مُحَالٌ، وَتَمْتَنِعُ التَّرْجَمَةُ عَنْ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ الْوَارِدَيْنِ فِي مَحَلٍّ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ تَرْجَمَ وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَخَرَجَ بِالْوَارِدِ الدُّعَاءُ الْمُخْتَرَعُ وَالذِّكْرُ الْمُخْتَرَعُ فَإِنَّهُ لَا يُتَرْجَمُ عَنْهُمَا مُطْلَقًا. قَالَ فِي مَتْنِ الرَّوْضِ: وَشَرْحِهِ تَبْطُلُ بِدُعَاءٍ مُخْتَرَعٍ بِالْعَجَمِيَّةِ وَمِثْلُهُ الذِّكْرُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ اهـ. وَنَقَلَ عَنْ ذَلِكَ م ر وَزَادَ عَلَى الْبُطْلَانِ الْحُرْمَةَ عَلَى الْفَاعِلِ اهـ. [فَصْلٌ فِيمَا تُطْلَبُ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي الصَّلَاةِ] ِ قَوْلُهُ: (فِيمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْهَيْئَةُ وَالصِّفَةُ قَوْلُهُ: (وَالْمَرْأَةُ إلَخْ) إنَّمَا سُمِّيَتْ امْرَأَةً لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ مَرْءٍ وَهُوَ آدَم قَوْلُهُ: (تُخَالِفُ الرَّجُلَ) أَسْنَدَ الْمُخَالَفَةَ إلَى الْمَرْأَةِ مَعَ تَحَقُّقِ مُخَالَفَةِ كُلٍّ لِلْآخَرِ لِأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ الْأَصْلُ لِشَرَفِهِ. اهـ. سم قَوْلُهُ: (وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَرْبَعَةٍ) أَيْ بِجَعْلِ التَّجَافِي شَيْئًا وَاحِدًا سَوَاءٌ كَانَ لِلْجَنْبَيْنِ أَوْ لِلْبَطْنِ قَوْلُهُ: (يُجَافِي إلَخْ) أَفْهَمَ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى قَوْلِهِ يُجَافِي إلَخْ أَنَّ سَنَّ تَفْرِقَةِ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَامٌّ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ع ش وَقِ ل قَوْلُهُ: (أَيْ يُخْرِجُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ يُبْعِدُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ، وَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يُخْرِجُ يُبْعِدُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ قَوْلُهُ: (فِي السُّجُودِ) أَيْ وَفِي الرُّكُوعِ قَوْلُهُ: (الْكُسَالَى) بِضَمِّ الْكَافِ قَالَ تَعَالَى {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] وَيُنْدَبُ رَفْعُ السَّاعِدَيْنِ عَنْ الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ وَلَوْ امْرَأَةً وَخُنْثَى إلَّا لِنَحْوِ طُولِ السُّجُودِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: (كَتَنْبِيهِ إمَامِهِ إلَخْ) مَثَّلَ بِثَلَاثَةِ أَمْثِلَةٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا نَابَهُ فِي الصَّلَاةِ، إمَّا مَنْدُوبٌ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ، أَوْ مُبَاحٌ كَالْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ، أَوْ وَاجِبٌ كَإِنْذَارِ الْأَعْمَى اهـ اج قَوْلُهُ: (وَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ) فِيهِ أَنَّ التَّسْبِيحَ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْإِذْنُ فِي الدُّخُولِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: سَبَّحَ أَيْ تَلَفَّظَ بِشَيْءٍ يَحْصُلُ بِهِ تَنْبِيهٌ سَوَاءٌ كَانَ تَسْبِيحًا أَوْ غَيْرَهُ نَحْوَ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} [الحجر: 46] وك {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] لِلْإِذْنِ فِي أَخْذِ الْمَتَاعِ لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ قَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ فِي التَّسْبِيحِ) خَرَجَ التَّصْفِيقُ، فَلَا يَضُرُّ قَصْدُ الْإِعْلَامِ بِهِ مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ أَوْ أَطْلَقَ قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا) وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَيُتَصَوَّرُ إلَخْ قَوْلُهُ: (وَيُتَصَوَّرُ) أَيْ أَنَّ عَوْرَتَهُ مَا بَيْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 (مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ: «وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا تَنْظُرْ أَيْ الْأَمَةُ إلَى عَوْرَتِهِ» . وَالْعَوْرَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، أَمَّا السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ فَلَيْسَا مِنْ الْعَوْرَةِ وَإِنْ وَجَبَ سَتْرُ بَعْضِهِمَا لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. (وَ) أَمَّا (الْمَرْأَةُ) أَيْ الْأُنْثَى وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً مُمَيِّزَةً وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فَإِنَّهَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهَا (تَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ) بِأَنْ تُلْصِقَ مِرْفَقَيْهَا لِجَنْبَيْهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. (وَ) الثَّانِي أَنْ (تُلْصِقَ بَطْنَهَا لِفَخِذَيْهَا) فِي السُّجُودِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا. (وَ) الثَّالِثُ أَنَّهَا (تَخْفِضُ صَوْتَهَا) إنْ صَلَّتْ (بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ) دَفْعًا لِلْفِتْنَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّ صَوْتَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ (وَ) الرَّابِعُ (إذَا نَابَهَا) أَيْ أَصَابَهَا (شَيْءٌ) مِمَّا مَرَّ (فِي الصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاتِهَا (صَفَّقَتْ) لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ بِضَرْبِ بَطْنِ كَفٍّ أَوْ ظَهْرِهَا عَلَى أُخْرَى، أَوْ ضَرْبِ ظَهْرِ كَفٍّ عَلَى بَطْنِ أُخْرَى لَا بِضَرْبِ بَطْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى بَطْنٍ مِنْ أُخْرَى، فَإِنْ فَعَلَتْهُ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ وَلَوْ ظَهْرًا عَلَى ظَهْرٍ عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَإِنْ قَلَّ لِمُنَافَاتِهِ لِلصَّلَاةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ صَفَّقَ الرَّجُلُ وَسَبَّحَ غَيْرُهُ جَازَ مَعَ مُخَالَفَتِهِمَا السُّنَّةَ، وَالْمُرَادُ بَيَانُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا فِيمَا ذُكِرَ لَا بَيَانُ حُكْمِ   [حاشية البجيرمي] السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فِي الطَّوَافِ بِأَنْ طَافَ بِهِ وَلِيُّهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ عَنْهُ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَسْتُرَ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ، أَيُّ فَائِدَةٍ فِي بَيَانِ عَوْرَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَعَبُّدَ عَلَيْهِ حَتَّى يَجِبَ سَتْرُهَا وَعِبَارَةُ م ر: وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فِي الطَّوَافِ اهـ وَهِيَ أَوْلَى قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ) هَذَا دَخِيلٌ هُنَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَوَّلِ الْبَابِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ قَوْلُهُ: «إلَى عَوْرَتِهِ» أَيْ الْأَحَدِ وَقَوْلُهُ: وَالْعَوْرَةُ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ وَبِهِ يَتِمُّ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ كَانَ سِيَاقُ الْحَدِيثِ فِي الْعَوْرَةِ الَّتِي يَحْرُمُ نَظَرُهَا لَا فِي عَوْرَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. قَوْلُهُ: (مُمَيِّزَةً) قِيَاسُ مَا سَبَقَ أَنْ يَقُولَ: غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَيَقُولُ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الطَّوَافِ قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى) أَيْ وَالذَّكَرُ الْعَارِي وَلَوْ فِي خَلْوَةٍ فَيَضُمُّ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ قَوْلُهُ: (تَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ) لِمَا فِي تَفْرِيجِهَا مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْعُرَاةِ الضَّمُّ وَعَدَمُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ فِي الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ وَإِنْ كَانَ خَالِيًا، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي الْقِيَامِ وُجُوبُ الضَّمِّ عَلَى سَلَسٍ نَحْوِ الْبَوْلِ إذَا اسْتَمْسَكَ حَدَثُهُ بِالضَّمِّ وَإِنْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ اهـ شَرْحُ شَيْخِنَا اهـ خ ض قَوْلُهُ: (تُلْصِقُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ قَوْلُهُ: (بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ) أَيْ جِنْسِهِمْ وَلَوْ وَاحِدًا بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهَا مَنْ يَحْضُرُهَا مِنْهُمْ وَإِلَّا كُرِهَ اج قَوْلُهُ: (صَفَّقَتْ) وَلَوْ كَثُرَ وَتَوَالَى عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِيهِ خَفِيفٌ، فَأَشْبَهَ تَحْرِيكَ الْأَصَابِعِ فِي سُبْحَةٍ وَالْحَكَّ لِلْجَرَبِ إنْ اشْتَدَّ. وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَفْعِ الْمَارِّ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ إنْ بَلَغَ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ م ر: وَيَحْرُمُ التَّصْفِيقُ خَارِجَ الصَّلَاةِ بِقَصْدِ اللَّعِبِ وَإِلَّا كُرِهَ بِرْمَاوِيٌّ. وَنُقِلَ عَنْ حَجّ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَعَنْ غَيْرِهِ الْحُرْمَةُ مُطْلَقًا، وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ وَإِلَّا جَازَ كَالتَّصْفِيقِ فِي مَجْلِسِ الذِّكْرِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا، وَالتَّصْفِيقُ مَطْلُوبٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَإِنْ صَلَّتْ خَالِيَةً عَنْ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّ الْمَطْلُوبَ فِي حَقِّهَا حِينَئِذٍ التَّسْبِيحُ. قَوْلُهُ: (بِضَرْبِ بَطْنِ كَفٍّ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الشِّمَالِ أَوْ عَكْسَهُ فَفِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ ضَرْبِ ظَهْرِ كَفٍّ فِيهِ صُورَتَانِ بِاعْتِبَارِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ أَوْ عَكْسِهِ اهـ. وَقَدْ أَفْتَى وَالِدُ شَيْخِنَا بِبُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ أَقَامَ لِشَخْصٍ أُصْبُعَهُ لَاعِبًا مَعَهُ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ. اهـ. ح ل قَوْلُهُ: (مَعَ مُخَالَفَتِهِمَا السُّنَّةَ) أَيْ الْكَامِلَةَ قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بَيَانُ التَّفْرِقَةِ إلَخْ) أَيْ فَالْمَعْنَى يُسَنُّ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ فِي التَّنْبِيهِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّصْفِيقِ ح ف. فَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ. حَاصِلُهُ أَنَّك جَعَلْت التَّسْبِيحَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 التَّنْبِيهِ وَإِلَّا فَإِنْذَارُ الْأَعْمَى وَنَحْوِهِ وَاجِبٌ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْذَارُ إلَّا بِالْكَلَامِ أَوْ بِالْفِعْلِ الْمُبْطِلِ وَجَبَ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَ) الْخَامِسُ (جَمِيعُ بَدَنِ) الْمَرْأَةِ (الْحُرَّةِ) وَلَوْ صَغِيرَةً مُمَيِّزَةً (عَوْرَةٌ) فِي الصَّلَاةِ (إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) ظَهْرَهُمَا وَبَطْنَهُمَا مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْكُوعَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. (وَالْأَمَةُ) وَلَوْ مُبَعَّضَةٌ (كَالرَّجُلِ) عَوْرَتُهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَأُلْحِقَتْ بِالرَّجُلِ بِجَامِعِ أَنَّ رَأْسَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ. فَائِدَةٌ: السُّرَّةُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْ الْمَوْلُودِ وَالسِّرُّ مَا يُقْطَعُ مِنْ سُرَّتِهِ وَلَا يُقَالُ لَهُ سُرَّةٌ لِأَنَّ السُّرَّةَ لَا تُقْطَعُ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: الْخُنْثَى كَالْأُنْثَى رِقًّا وَحُرِّيَّةً، فَإِنْ اقْتَصَرَ الْخُنْثَى الْحُرُّ عَلَى سِتْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْأَفْقَهِ فِي الْمَجْمُوعِ لِلشَّكِّ فِي السِّتْرِ، وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ الصِّحَّةَ، وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَكَثِيرً الْقَطْعَ بِهِ لِلشَّكِّ فِي عَوْرَتِهِ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ بَانَ ذَكَرًا لِلشَّكِّ حَالَ الصَّلَاةِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ سَاتِرٌ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا شَرَعَ وَهُوَ سَاتِرٌ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَانْكَشَفَ مِنْهُ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ انْعَقَدَتْ وَشَكَكْنَا فِي الْمُبْطِلِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَهَذَا الْحَمْلُ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّنَاقُضِ. . فَصْلٌ: فِيمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ كَمَا قَالَ (وَاَلَّذِي يُبْطِلُ الصَّلَاةَ) الْمُنْعَقِدَةَ أُمُورٌ الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (أَحَدَ عَشَرَ شَيْئًا) الْأَوَّلُ: (الْكَلَامُ) أَيْ النُّطْقُ   [حاشية البجيرمي] سُنَّةً لِلرَّجُلِ وَالتَّصْفِيقَ سُنَّةً لِلْمَرْأَةِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّنْبِيهَ سُنَّةٌ مُطْلَقًا وَأَنَّ إنْذَارَ الْأَعْمَى وَنَحْوِهِ وَاجِبٌ. وَيُجَابُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بَيَانَ حُكْمِ التَّنْبِيهِ بَلْ بَيَانُ حُكْمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا، أَيْ يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ تَنْبِيهُ الرَّجُلِ بِالتَّسْبِيحِ وَتَنْبِيهُهَا بِالتَّصْفِيقِ وَبَعْدَ ذَلِكَ التَّنْبِيهُ الْوَاقِعُ مِنْهُمَا نَفْسُهُ تَارَةً يُنْدَبُ أَوْ يَجِبُ أَوْ يُبَاحُ قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ الْمُرَادُ بَيَانَ التَّفْرِقَةِ بَلْ بَيَانَ حُكْمِ التَّنْبِيهِ، فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ إنْذَارَ الْأَعْمَى وَاجِبٌ فَحُذِفَ جَوَابُ الشَّرْطِ وَأُقِيمَ دَلِيلُهُ مَقَامَهُ. قَوْلُهُ: (بِجَامِعِ أَنَّ رَأْسَ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَخْ) إنَّمَا ذَكَرَ الرَّأْسَ لِأَنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ بِخِلَافِ نَحْوِ الصَّدْرِ مِنْ الْأَمَةِ، لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى أَنَّ عَوْرَةَ الْأَمَةِ فِي الصَّلَاةِ كَعَوْرَةِ الْحُرَّةِ وَتَزِيدُ عَلَيْهَا بِالرَّأْسِ فَتَكُونُ عَوْرَتُهَا فِي الصَّلَاةِ مَا عَدَا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَرَأْسَهَا قَوْلُهُ: (رِقًّا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْخُنْثَى الرَّقِيقَ لَا تَخْتَلِفُ عَوْرَتُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ قَوْلُهُ: (وَهَذَا الْحَمْلُ) هَلْ يُقَيَّدُ هَذَا الْحَمْلُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَّضِحْ بِالْأُنُوثَةِ أَوْ لَا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَتَبْطُلُ مُطْلَقًا. اهـ. م د قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا) وَجْهُ الْبُعْدِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ دَخَلَ مُقْتَصِرًا عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، فَلَا يَتَأَتَّى الْحَمْلُ حِينَئِذٍ وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ ضَعِيفٌ بَلْ الْمُعْتَمَدُ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا وَاعْتَمَدَهُ الزِّيَادِيُّ. [فَصْلٌ فِيمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ] َ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَوْ جِنَازَةً، وَكَذَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ، وَلَمَّا كَانَ مَا قَبْلَهُ مُشْتَمِلًا عَلَى التَّصْفِيقِ وَهُوَ بِقَصْدِ اللَّعِبِ مُبْطِلًا ذَكَرَ هَذَا عَقِبَهُ لِلْمُنَاسَبَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يُبْطِلُ الصَّلَاةَ) أَيْ إنْ طَرَأَ بَعْدَ انْعِقَادِهَا فَإِنْ قَارَنَهَا مَنَعَ انْعِقَادَهَا، فَمُرَادُ الْمَتْنِ بِالْمُبْطِلِ مَا يَشْمَلُ مَنْعَ الِانْعِقَادِ لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ الْمُنْعَقِدَةُ فَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى الطَّارِئِ قَوْلُهُ: (أَحَدَ عَشَرَ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا قَوْلُهُ: (أَيْ النُّطْقُ) وَلَوْ مِنْ نَحْوِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ جِلْدٍ إنْ كَانَ نُطْقُ ذَلِكَ الْعُضْوِ اخْتِيَارِيًّا وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ صَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 بِكَلَامِ الْبَشَرِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَبِغَيْرِهَا بِحَرْفَيْنِ فَأَكْثَرَ أَفْهَمَا كَقُمْ، وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَقَوْلِهِ لَا تَقُمْ أَوْ اُقْعُدْ أَوْ لَا كَعَنْ وَمِنْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» وَالْحَرْفَانِ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ، وَتَخْصِيصُهُ بِالْمُفْهِمِ فَقَطْ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ لِلنُّحَاةِ، أَوْ حَرْفٌ مُفْهِمٌ نَحْوَ قِ مِنْ الْوِقَايَةِ، وَعِ مِنْ الْوَعْيِ، وَكَذَا مَدَّةٌ بَعْدَ حَرْفٍ وَإِنْ لَمْ يُفْهِمْ نَحْوُ آو الْمَدُّ أَلِفًا أَوْ وَاوًا أَوْ يَاءً، فَالْمَمْدُودُ فِي الْحَقِيقَةِ حَرْفَانِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إجَابَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ مِمَّنْ نَادَاهُ،   [حاشية البجيرمي] كَمَنْ لَهُ لِسَانَانِ. وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ كَتَعْلِيقِ طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ. وَتَنْجِيزٍ وَعِتْقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا يُسَمَّى نُطْقًا إذَا سَمِعَهُ مُعْتَدِلُ السَّمْعِ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَصْلًا أَوْ سَمِعَهُ حَدِيدُ السَّمْعِ دُونَ مُعْتَدِلِهِ فَلَا ضَرَرَ. وَخَرَجَ بِالنُّطْقِ الصَّوْتُ الْغُلْفُ أَيْ الْخَالِي عَنْ الْحُرُوفِ كَأَنْ نَهَقَ نَهِيقَ الْحِمَارِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ حَرْفٌ مُفْهِمٌ وَلَا حَرْفَانِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَخَرَجَتْ الْإِشَارَةُ وَلَوْ مِنْ الْأَخْرَسِ لِلتَّفْهِيمِ سم مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ: (بِحَرْفَيْنِ) وَلَوْ مِنْ حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ بِحَرْفَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِنُطْقٍ وَلَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ عَلَّقَ بِهِ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِكَلَامٍ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الثَّانِيَ بَدَلٌ مِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) أَوَّلُ الْحَدِيثِ عَنْ «مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْت لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ» إلَخْ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ قَوْلُهُ: (مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِهِمْ، فَلَا يُرِدْ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِحَرْفَيْنِ مِنْ الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ لَكِنْ شَأْنُهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِهِمْ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعْجِزَةٍ لِلْبَشَرِ قَوْلُهُ: (أَوْ حَرْفُ) عَطْفٌ عَلَى حَرْفَيْنِ قَوْلُهُ: (مُفْهِمٌ) خَرَجَ الْحَرْفُ الْغَيْرُ الْمُفْهِمِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُفْهِمِ أَيْ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ قَوْلُهُ: (نَحْوَ ق) هُوَ فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ الْيَاءِ حُذِفَتْ فَاؤُهُ وَلَامُهُ لِأَنَّهُ مِنْ وَقَى يَقِي فَ " قِ " عَيْنُ الْكَلِمَةِ وَحَذْفُ هَاءِ السَّكْتِ مِنْهُ خَطَأٌ صِنَاعَةً اهـ ق ل قَالَ ابْنُ مَالِكٌ: وَقِفْ بِهَا السَّكْتِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُعَلّ ... بِحَذْفِ آخِرٍ كَأَعْطِ مَنْ سَأَلْ فَتَسْمِيَتُهُ حَرْفًا بِحَسَبِ الصُّورَةِ قَوْلُهُ: (مِنْ الْوِقَايَةِ) أَيْ بِأَنْ لَاحَظَ أَنَّهَا مِنْ الْوِقَايَةِ أَوْ أَطْلَقَ، وَيُوَجَّهُ الْإِطْلَاقُ بِأَنَّ الْقَافَ الْمُفْرَدَةَ وُضِعَتْ لِلطَّلَبِ، وَالْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ إذَا أُطْلِقَتْ حُمِلَتْ عَلَى مَعَانِيهَا وَلَا تُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَالْقَافُ مِنْ الْقَلَقِ وَنَحْوِهِ جُزْءُ كَلِمَةٍ لَا مَعْنَى لَهَا. فَإِذَا نَوَاهَا عَمِلَ بِنِيَّتِهِ كَمَا قَالَهُ ع ش وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف، وَاعْتَمَدَ الشَّوْبَرِيُّ الضَّرَرَ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ قَوْلُهُ: (وَكَذَا مُدَّةٌ) لَوْ قُدِّمَ هَذَا عَلَى الْحَرْفِ لَكَانَ أَنْسَبَ ق ل لِأَنَّهُ مِنْ الْحَرْفَيْنِ قَوْلُهُ: (وَالْمَدُّ إلَخْ) هَذَا فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ أَيْ لِأَنَّ الْمَدَّ إلَخْ. فَائِدَةٌ: تَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَيْسَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ صَحِيحُ الْأَخْبَارِ، فَتَحْرِيمُهَا فِيهَا عَارِضٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ «زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أَيْ سَاكِتِينَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ» لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ وَقَدْ شَمَّتَ عَاطِسًا فِي الصَّلَاةِ إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا الَّذِي يَصْلُحُ فِيهَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ اهـ مِنْ شَرْحِ الْحِصْنِيِّ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ النُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ إجَابَةُ النَّبِيِّ أَيْ بِشَرْطِ الْمُوَافَقَةِ إنْ طَلَبَهُ بِالْقَوْلِ أَجَابَهُ بِالْقَوْلِ، وَإِنْ طَلَبَهُ بِالْفِعْلِ أَجَابَهُ بِالْفِعْلِ، فَإِنْ خَالَفَ بَطَلَتْ قَوْلُهُ: (فِي حَيَاتِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ وَكَذَا النِّدَاءُ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى ظُهُورِ الطَّلَبِ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ وَإِجَابَةِ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ كَعِيسَى وَمِثْلُهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَاجِبَةٌ لَكِنَّهَا مُبْطِلَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يَأْتِي، فَلَوْ نَادَاهُ نَبِيُّنَا وَنَبِيٌّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 وَالتَّلَفُّظُ بِقُرْبَةٍ كَنَذْرٍ وَعِتْقٍ بِلَا تَعْلِيقٍ، وَخِطَابٍ وَلَوْ كَانَ النَّاطِقُ بِذَلِكَ مُكْرَهًا لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ فِيهَا، وَشَرْطُهُ فِي الِاخْتِيَارِ (الْعَمْدُ) مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ وَأَنَّهُ فِي صَلَاةٍ فَلَا تَبْطُلُ بِقَلِيلِ كَلَامٍ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ، أَوْ سَبَقَ إلَيْهِ لِسَانُهُ، أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ فِيهَا وَإِنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ جِنْسِ الْكَلَامِ فِيهَا وَقَرُبَ إسْلَامُهُ أَوْ بَعُدَ عَنْ الْعُلَمَاءِ بِخِلَافِ مَنْ بَعُدَ إسْلَامُهُ وَقَرُبَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ، وَالتَّنَحْنُحُ وَالضَّحِكُ وَالْبُكَاءُ وَلَوْ مِنْ خَوْفِ الْآخِرَةِ، وَالْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَالنَّفْخُ مِنْ الْفَمِ أَوْ الْأَنْفِ إنْ ظَهَرَ بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ حَرْفَانِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ سَلَّمَ إمَامُهُ فَسَلَّمَ مَعَهُ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ ثَانِيًا فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُومُ: قَدْ سَلَّمْت قَبْلَ هَذَا. فَقَالَ: كُنْت نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ وَيُنْدَبُ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بَعْدَ   [حاشية البجيرمي] آخَرُ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ وَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ تَغْلِيبًا لِلْمَانِعِ قَوْلُهُ: (كَنَذْرٍ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُسْتَثْنَى إلَّا نَذْرُ التَّبَرُّرِ النَّاجِزِ كَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا بِخِلَافِ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَهُوَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ. وَالْمُعَلَّقُ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ كَمَا تَبْطُلُ بَقِيَّةُ الْقُرَبِ كَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ نَذْرَ التَّبَرُّرِ مُنَاجَاةٌ لِلَّهِ كَالدُّعَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ اهـ م د قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ النَّاطِقُ) هُوَ تَعْمِيمٌ فِي الْكَلَامِ الَّذِي تَبْطُلُ بِهِ ق ل قَوْلُهُ: (فِي الِاخْتِيَارِ) الصَّوَابُ حَذْفُهُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الِاخْتِيَارِ وَالْإِكْرَاهِ كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَوْلُهُ: (بِقَلِيلِ كَلَامٍ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، أَيْ كَلَامٌ قَلِيلٌ وَهُوَ سِتُّ كَلِمَاتٍ عُرْفِيَّةٍ فَأَقَلُّ ق ل. فَمَفْهُومُ الْعَمْدِ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنَّهُ فِي الْكَثِيرِ يَضُرُّ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ) أَيْ وَمَا أَتَى بِهِ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى صِحَّةُ صَلَاةٍ نَحْوَ الْمُبَلِّغِ وَالْفَاتِحِ بِقَصْدِ الْإِعْلَامِ وَالْفَتْحِ الْجَاهِلِينَ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ وَإِنْ عَلِمْنَا امْتِنَاعَ جِنْسِ الْكَلَامِ سم عَلَى حَجّ. وَزَادَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَتْنِ: بَلْ يَنْبَغِي صِحَّتُهَا حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ يَقْرُبْ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ وَلَا نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ لِمَزِيدِ خَفَاءِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّقَائِقِ. تَنْبِيهٌ: إعْذَارُ الْجَاهِلِ مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ لَا مِنْ حَيْثُ جَهْلُهُ وَإِلَّا لَكَانَ الْجَهْلُ خَيْرًا مِنْ الْعِلْمِ إذَا كَانَ يَحُطُّ عَنْ الْعَبْدِ أَعْبَاءَ التَّكْلِيفِ أَيْ ثِقْلَهُ وَيُرِيحُ قَلْبَهُ عَنْ ضُرُوبِ التَّعْنِيفِ، وَلَا حُجَّةَ لِلْعَبْدِ فِي جَهْلِهِ بِالْحُكْمِ بَعْدَ التَّبْلِيغِ وَالتَّمَكُّنِ {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] قَالَهُ الشَّافِعِيُّ شَرْحُ الْعُبَابِ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ جِنْسِ الْكَلَامِ) مُشْكِلٌ بِأَنَّ الْجِنْسَ لَا تَحَقُّقَ لَهُ إلَّا فِي ضِمْنِ أَفْرَادِهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِ الْكَلَامِ لَا يَحْرُمُ لِكَوْنِهِ يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ كَأَنْ أَرَادَ إمَامُهُ أَنْ يَقُومَ فَقَالَ لَهُ: اُقْعُدْ أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ حَقِيقَتَهُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَعْلَمُ حُرْمَةَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ حُرْمَةَ مَا أَتَى بِهِ ع ش. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافَيْنِ أَيْ وَإِنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْجِنْسِ قَوْلُهُ: (أَوْ بَعُدَ عَنْ الْعُلَمَاءِ) وَيَظْهَرُ ضَبْطُ الْبُعْدِ بِمَا لَا يَجِدُ مُؤْنَةً يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهَا فِي الْحَجِّ تُوَصِّلُهُ إلَيْهِ. اهـ. حَجّ. وَالْمُرَادُ بِالْعُلَمَاءِ هُنَا الْعَالِمُونَ بِهَذَا الْحُكْمِ الْمَجْهُولِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عُلَمَاءَ عُرْفًا. اهـ. شَوْبَرِيُّ قَوْلُهُ: (وَالتَّنَحْنُحُ) أَيْ لِغَيْرِ غَلَبَةٍ وَلَا لِتَعَذُّرِ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ ق ل. وَالتَّنَحْنُحُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الْآتِي فِي قَوْلِهِ إنْ ظَهَرَ بِوَاحِدٍ حَرْفَانِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ خَوْفِ الْآخِرَةِ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ الْأَنِينِ وَالتَّأَوُّهِ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَيْهِمَا أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا: وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مِنْ خَوْفِ الْآخِرَةِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا، فَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي الْكُلِّ إذَا كَانَتْ مِنْ خَوْفِ الْآخِرَةِ قَوْلُهُ: (حَرْفَانِ) أَيْ أَوْ حَرْفٌ مُفْهِمٌ إلَخْ قَوْلُهُ: (لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهُمَا مِنْ الْكَلَامِ قَلِيلٌ عُرْفًا بِعُذْرٍ فَإِنَّ سَلَامَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَقَعَ نِسْيَانًا، وَكَلَامُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ الثَّانِي بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ، وَسَلَامُ الْمَأْمُومِ أَيْ مَعَ الْإِمَامِ وَكَلَامُهُ أَيْ قَوْلُهُ قَدْ سَلَّمْت قَبْلَ هَذَا لِظَنِّهِ فَرَاغَ الصَّلَاةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ أَيْ بِسَلَامِ الْإِمَامِ الثَّانِي فَلَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ الْإِمَامُ مُقْتَضَى السُّجُودِ وَهُوَ السَّهْوُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ مَا لَوْ ظَنَّ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ بِكَلَامِهِ نَاسِيًا ثُمَّ تَكَلَّمَ يَسِيرًا عَامِدًا اهـ اج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ. وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ ثِنْتَيْنِ ظَانًّا كَمَالَ صَلَاتِهِ فَكَالْجَاهِلِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ. أَمَّا الْكَثِيرُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ نَظْمَ الصَّلَاةِ وَالْقَلِيلُ يُحْتَمَلُ لِقِلَّتِهِ، وَلِأَنَّ السَّبْقَ وَالنِّسْيَانَ فِي الْكَثِيرِ نَادِرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّوْمِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ بِالْأَكْلِ الْكَثِيرِ عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُتَلَبِّسٌ بِهَيْئَةٍ مُذَكَّرَةٍ لِلصَّلَاةِ يَبْعُدُ مَعَهَا النِّسْيَانُ بِخِلَافِ الصَّائِمِ. وَيُعْذَرُ فِي الْيَسِيرِ عُرْفًا مِنْ التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ كَالسُّعَالِ وَالْعُطَاسِ وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ وَلَوْ مِنْ كُلِّ نَفْخَةٍ وَنَحْوِهَا لِلْغَلَبَةِ إذْ لَا تَقْصِيرَ، وَيُعْذَرُ فِي التَّنَحْنُحِ لِتَعَذُّرِ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ، أَمَّا إذَا كَثُرَ التَّنَحْنُحُ وَنَحْوُهُ لِلْغَلَبَةِ كَأَنْ ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ مِنْ ذَلِكَ فَأَكْثَرَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي الضَّحِكِ وَالسُّعَالِ، وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ نَظْمَ الصَّلَاةِ، وَمَحَلُّ هَذَا إذَا لَمْ يَصِرْ السُّعَالُ وَنَحْوُهُ مَرَضًا مُلَازِمًا لَهُ، أَمَّا إذَا صَارَ السُّعَالُ وَنَحْوُهُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ وَنَحْوُهُ بَلْ أَوْلَى وَلَا. يُعْذَرُ فِي يَسِيرِ التَّنَحْنُحِ لِلْجَهْرِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لَا ضَرُورَةَ إلَى التَّنَحْنُحِ لَهُ، وَفِي مَعْنَى   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيُسَلِّمُ) أَيْ ثَانِيًا قَوْلُهُ: (فَكَالْجَاهِلِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ إلَخْ أَيْ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ قَوْلُهُ: (أَمَّا الْكَثِيرُ مِنْ ذَلِكَ) وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى سِتِّ كَلِمَاتٍ عُرْفِيَّةٍ أَخْذًا مِنْ «حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ حَيْثُ قَالَ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ» ؟ مَعَ قَوْلِهِ: بَعْضُ ذَلِكَ قَدْ كَانَ بِجَعْلِ أَمْ نَسِيتَ كَلِمَةً وَاحِدَةً عُرْفًا وَكَذَا قَدْ كَانَ، وَمِنْهُ أَيْضًا مَا صَدَرَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ قَالَ: «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَالْتَفَتَ لِلصَّحَابَةِ عِنْدَ قَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ: بَعْضُ ذَلِكَ قَدْ كَانَ، فَقَالَ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ» وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ سِتُّ كَلِمَاتٍ عُرْفِيَّةٍ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّهُ يَقُولُ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ الْعُرْفُ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْقِصَرُ بِالْقَدْرِ الَّذِي نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتًا وَقَدْ عَلِمْتَ رُجُوعَ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ لَمْ يَكُنْ نَاسِيًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي حُكْمِ النَّاسِي قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِ) أَيْ بِجَهْلٍ وَلَا نِسْيَانٍ فَتَبْطُلُ بِهِ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ إنَّمَا ذَكَرُوهُ بَيْنَ عَدَمِ بُطْلَانِ الصَّوْمِ بِكَثِيرِ الْأَكْلِ سَهْوًا وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ، وَأَيْنَ بُطْلَانُهَا بِكَثِيرِ الْكَلَامِ مِنْ عَدَمِ بُطْلَانِ الصَّوْمِ بِكَثِيرِ الْأَكْلِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمُبْطِلِ، وَأَمَّا اشْتِرَاكُهُمَا فِي مُطْلَقِ الْكَثْرَةِ فَلَا يَكْفِي فِي الْجَامِعِ قَوْلُهُ: (لَا يَبْطُلُ بِالْأَكْلِ الْكَثِيرِ) أَيْ نَاسِيًا قَوْلُهُ: (وَيُعْذَرُ فِي الْيَسِيرِ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَيْدٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ مَحَلُّ الْبُطْلَانِ بِالتَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ إذَا ظَهَرَ حَرْفَانِ إلَخْ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَلَبَةِ، فَإِنْ كَانَ لِلْغَلَبَةِ فَيُغْتَفَرُ الْيَسِيرُ وَلَوْ ظَهَرَ حَرْفَانِ فَأَكْثَرُ قَوْلُهُ: (وَإِنْ ظَهَرَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا ذَاتُ التَّنَحْنُحِ وَنَحْوُهُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْحُرُوفِ فِيهِ ق ل قَوْلُهُ: (وَيُعْذَرُ فِي التَّنَحْنُحِ) دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ لِتَعَذُّرِ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ أَوْ بَعْضِهِ وَإِنْ كَثُرَ وَكَثُرَتْ حُرُوفُهُ ق ل وم ر قَوْلُهُ: (كَأَنْ ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ) الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا ذَاتُ التَّنَحْنُحِ وَنَحْوُهُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْحُرُوفِ، فَإِذَا كَثُرَ لَا تَبْطُلُ إلَّا إذَا ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ فَأَكْثَرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ م ر وَفِي نُسْخَةٍ: أَمَّا إذَا كَثُرَ التَّنَحْنُحُ وَنَحْوُهُ مَعَ ظُهُورِ حَرْفَيْنِ فَأَكْثَرَ وَهِيَ أَظْهَرُ خِلَافًا لِلْمَحَلِّيِّ. وَحَاصِلُ تَقْرِيرِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْذَرُ فِي التَّنَحْنُحِ الْيَسِيرِ وَنَحْوِهِ لِلْغَلَبَةِ وَإِنْ ظَهَرَ حَرْفَانِ، وَيُعْذَرُ فِي التَّنَحْنُحِ فَقَطْ لِتَعَذُّرِ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ وَإِنْ كَثُرَ التَّنَحْنُحُ وَالْحُرُوفُ وَلَا يُعْذَرُ فِي تَنَحْنُحٍ وَنَحْوِهِ لِلْغَلَبَةِ إنْ كَثُرَ التَّنَحْنُحُ وَنَحْوُهُ، وَكَثْرَةُ الْحُرُوفِ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ، وَأَيَّدَ ذَلِكَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِقَوْلِهِ سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ ح ل أج. قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ الْمُصَلِّي وَقَوْلُهُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ التَّنَحْنُحِ قَوْلُهُ: (مُلَازِمًا لَهُ) بِأَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ زَمَنٌ خَالٍ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا. أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِنْ صَلَّى فِي غَيْرِهِ فَكَغَيْرِهِ فَيُفْصَلُ فِيهِ إنْ ظَهَرَ حَرْفٌ أَوْ حَرْفَانِ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا اهـ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ سُنَّةٌ) وَالْمُتَّجِهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ إذَا تَوَقَّفَ الْعِلْمُ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ عَلَى الْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرَاتِ وَتَوَقَّفَ عَلَى تَنَحْنُحٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَضُرَّ شَرْحُ الْبَهْجَةِ، وَقَيَّدَهُ الشَّوْبَرِيُّ بِمَا إذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ شَرْطًا كَمَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِي الْجُمُعَةِ وَكَمَا فِي الْمُعَادَةِ وَعِبَارَةُ اج: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ كَتَكْبِيرِ الِانْتِقَالَاتِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُعَادَةِ مُطْلَقًا وَالْمَنْذُورَةِ جَمَاعَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ. قُلْت: الْوُجُوبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 الْجَهْرِ سَائِرُ السُّنَنِ كَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَالْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ. فُرُوعٌ: لَوْ جَهِلَ بُطْلَانَهَا بِالتَّنَحْنُحِ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فَمَعْذُورٌ لِخَفَاءِ حُكْمِهِ عَلَى الْعَوَامّ، وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ وَجَهِلَ كَوْنَهُ مُبْطِلًا لَمْ يُعْذَرْ، كَمَا لَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ شُرْبِ الْخَمْرِ دُونَ إيجَابِهِ الْحَدَّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ إذْ مِنْ حَقِّهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ الْكَفُّ، وَلَوْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا لِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ كَنِسْيَانِ النَّجَاسَةِ عَلَى ثَوْبِهِ صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ. وَلَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَ مَا أَتَى بِهِ مِنْهُ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ جِنْسِ الْكَلَامِ فَمَعْذُورٌ كَمَا شَمَلَهُ كَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا ثُمَّ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَيْ يَسِيرًا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّوْمِ، وَلَوْ تَنَحْنَحَ إمَامُهُ فَبَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ لَمْ يُفَارِقْهُ حَمْلًا عَلَى الْعُذْرِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَحَرُّزُهُ عَنْ الْمُبْطِلِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِبَادَةِ، وَقَدْ تَدُلُّ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ قَرِينَةُ حَالِ الْإِمَامِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَتَجِبُ الْمُفَارَقَةُ. وَلَوْ لَحَنَ فِي الْفَاتِحَةِ لَحْنًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَجَبَتْ مُفَارَقَتُهُ، لَكِنْ لَا تَجِبُ مُفَارَقَتُهُ فِي الْحَالِ بَلْ حَتَّى يَرْكَعَ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَحَنَ سَاهِيًا وَقَدْ يَتَذَكَّرُ فَيُعِيدُ الْفَاتِحَةَ، وَلَوْ نَطَقَ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ التَّفْهِيمِ كَ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] مُفْهِمًا بِهِ مَنْ اسْتَأْذَنَ أَنَّهُ يَأْخُذُ شَيْئًا إنْ قَصَدَ مَعَ التَّفْهِيمِ قِرَاءَةً لَمْ تَبْطُلْ وَإِلَّا بَطَلَتْ. وَتَبْطُلُ   [حاشية البجيرمي] بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمَنْذُورِ فِعْلُهَا فِي جَمَاعَةٍ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لَهَا فَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْحُرْمَةِ إذْ الصِّحَّةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْجَمَاعَةِ، مَثَلًا إذَا نَذَرَ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي جَمَاعَةٍ وَجَبَتْ الْجَمَاعَةُ، فَإِنْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا صَحَّتْ وَأَجْزَأَتْهُ لَكِنْ مَعَ إثْمِهِ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي نَذَرَهَا اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) هِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَرْعًا قَوْلُهُ: (لَوْ جَهِلَ بُطْلَانَهَا إلَخْ) لَعَلَّهُ فِي قَلِيلِ التَّنَحْنُحِ ق ل قَوْلُهُ: (فَمَعْذُورٌ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِهَا بِالْكَلَامِ بُطْلَانُهَا بِالتَّنَحْنُحِ لِأَنَّهُ دُونَهُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ) أَيْ عَلِمَ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ مُحَرَّمٌ حَتَّى مَا أَتَى بِهِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا سَيَذْكُرُهُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَ مَا أَتَى بِهِ إلَخْ) هَذِهِ تَقَدَّمَتْ وَتَقَدَّمَ تَقْيِيدُهَا بِمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ إلَخْ، وَأَنَّهَا فِيمَا إذَا كَانَ مَا أَتَى بِهِ قَلِيلًا عُرْفًا، وَإِلَّا بَطَلَتْ وَإِنَّمَا أَعَادَهَا لِأَجْلِ سَنَدِهَا لِصَاحِبِهَا قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا إلَخْ) أَيْ لَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا فَظَنَّ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ بِهِ فَتَكَلَّمَ يَسِيرًا عَمْدًا لَمْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مِثْلِ هَذِهِ فِي الصَّوْمِ بُطْلَانُ الصَّوْمِ فَلْيُرَاجَعْ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ اغْتَفَرَ جِنْسُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ ق ل. وَقَوْلُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ أَيْ إذَا أَكَلَ نَاسِيًا فَظَنَّ بُطْلَانَ الصَّوْمِ ثُمَّ أَكَلَ عَمْدًا يَسِيرًا وَقَوْلُهُ: بِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ جِنْسُ الْكَلَامِ أَيْ عَمْدًا كَالْحَرْفِ الْغَيْرِ الْمُفْهِمِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ جِنْسَ الْأَكْلِ اُغْتُفِرَ أَيْضًا فِي الصَّوْمِ لَكِنْ نِسْيَانًا قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَدُلُّ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ قَرِينَةٌ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ شَأْنُهُ التَّقْصِيرَ وَفِعْلَ الْمُبْطِلَاتِ كَثِيرًا فَقَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ عُذْرِهِ قَوْلُهُ: (حَتَّى يَرْكَعَ إلَخْ) وَلَا يُتَابِعُهُ لِأَنَّهُ إمَّا مُتَعَمِّدٌ أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةَ الْفَاتِحَةِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، أَوْ نَاسٍ فَيَكُونُ مُخْطِئًا فَلَا يُوَافِقُهُ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَهُنَاكَ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ تَقُولُ: لَا يُفَارِقُهُ بَلْ يَنْتَظِرُهُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَعَلَّهُ يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ عَلَى الصَّوَابِ فَيُتَابِعُهُ، وَكَذَا يَنْتَظِرُهُ إلَى الثَّالِثَةِ إنْ لَمْ يُعِدْهَا عَلَى الصَّوَابِ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَيُكْمِلَ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا وَيُغْتَفَرُ لَهُ هَذَا التَّخَلُّفُ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَتْرُوكِ لَغْوٌ. قَوْلُهُ: (بِنَظْمِ الْقُرْآنِ) زَادَ لَفْظُ نَظْمٍ لِصِحَّةِ التَّفْصِيلِ بَعْدَهُ ق ل وَخَرَجَ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ مَا لَوْ أَتَى بِكَلِمَاتٍ مِنْهُ مُتَوَالِيَةٍ مُفْرَدَاتُهَا فِيهِ دُونَ نَظْمِهَا كَقَوْلِهِ: يَا إبْرَاهِيمُ سَلَامٌ كُنْ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَالَ أج: مَا لَمْ يَقْصِدْ بِكُلِّ قِرَاءَةٍ بِمُفْرَدِهِ فَلَا تَبْطُلُ وَإِنْ أَتَى بِهَا مَجْمُوعَةً اهـ م د. وَلَوْ قَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ بَطَلَتْ إنْ تَعَمَّدَ وَإِلَّا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا مُعْتَقِدًا كَفَرَ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ، وَكَذَا يَكْفُرُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ وَقَفَ {عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا} [البقرة: 102] ثُمَّ سَكَتَ زِيَادَةً عَلَى سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعِيِّ ثُمَّ ابْتَدَأَ بِمَا بَعْدَهَا قَوْلُهُ: (وَإِلَّا بَطَلَتْ) أَيْ إنْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 بِمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ وَإِنْ لَمْ يُنْسَخْ حُكْمُهُ لَا بِمَنْسُوخِ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ، وَلَا تَبْطُلُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَإِنْ لَمْ يُنْدَبَا إلَّا أَنْ يُخَاطِبَ بِهِ كَقَوْلِهِ لِعَاطِسٍ: رَحِمَك اللَّهُ، وَكَذَا تَبْطُلُ بِخِطَابِ مَا لَا يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ " يَا أَرْضُ رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ، أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّك وَشَرِّ مَا فِيك ". أَمَّا خِطَابُ الْخَالِقِ كَإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَخِطَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالسَّلَامِ عَلَيْك فِي التَّشَهُّدِ فَلَا يَضُرُّ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ خِطَابَ الْمَلَائِكَةِ وَبَاقِي الْأَنْبِيَاءِ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ إجَابَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفِعْلِ كَإِجَابَتِهِ بِالْقَوْلِ. وَلَا تَجِبُ إجَابَةُ الْأَبَوَيْنِ فِي الصَّلَاةِ بَلْ تَحْرُمُ فِي الْفَرْضِ وَتَجُوزُ فِي النَّفْلِ، وَالْأَوْلَى الْإِجَابَةُ فِيهِ إنْ شَقَّ عَلَيْهِمَا عَدَمُهَا. وَلَوْ قَرَأَ إمَامُهُ {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فَقَالَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ تِلَاوَةً أَوْ دُعَاءً كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، فَإِنْ قَصْد ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ. وَلَوْ قَالَ اسْتَعَنْت بِاَللَّهِ أَوْ اسْتَعَنَّا بِاَللَّهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الدُّعَاءَ، وَلَوْ سَكَتَ طَوِيلًا عَمْدًا فِي غَيْرِ رُكْنٍ قَصِيرٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُحَرِّمُ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ. (وَ) الثَّانِي مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُبْطِلُ الصَّلَاةَ (الْعَمَلُ) الَّذِي لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ (الْكَثِيرُ) فِي الْعُرْفِ، فَمَا يَعُدُّهُ الْعُرْفُ قَلِيلًا كَخَلْعِ الْخُفِّ وَلُبْسِ الثَّوْبِ الْخَفِيفِ فَقَلِيلٌ، وَكَذَا الْخُطْوَتَانِ الْمُتَوَسِّطَتَانِ وَالضَّرْبَتَانِ كَذَلِكَ وَالثَّلَاثُ مِنْ   [حاشية البجيرمي] أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ شَكَّ هَلْ قَصَدَ بِذَلِكَ تَفْهِيمًا، أَوْ قِرَاءَةً أَوْ أَطْلَقَ فَلَا تَبْطُلُ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا الِانْعِقَادَ وَشَكَكْنَا فِي الْمُبْطِلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَالصُّوَرُ خَمْسَةٌ فَالصِّحَّةُ فِي ثَلَاثَةٍ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ فَقَطْ أَوْ مَعَ التَّفْهِيمِ بِشَرْطِ مُقَارَنَتِهَا لِجَمِيعِ اللَّفْظِ إذْ عَزَوْهُ عَنْ بَعْضِهِ يُصَيِّرُ اللَّفْظَ أَجْنَبِيًّا مُنَافِيًا لِلصَّلَاةِ وَالشَّكُّ وَالْبُطْلَانُ فِي صُورَتَيْنِ التَّفْهِيمُ فَقَطْ. وَالْإِطْلَاقُ، وَتَأْتِي هَذِهِ الصُّوَرُ فِي الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ وَفِي الْجَهْرِ بِتَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمُبَلِّغِ قَوْلُهُ: (وَالدُّعَاءُ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَدُعَاءٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ الْمُحَرَّمُ كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعَ ذُنُوبِهِمْ فَتَبْطُلُ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُخَاطِبَ بِهِ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: إلَّا أَنْ يُخَاطِبَ بِهِمَا وَالْمُرَادُ إلَّا أَنْ يُخَاطِبَ غَيْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (كَالسَّلَامِ عَلَيْك فِي التَّشَهُّدِ) وَكَذَا فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرْطِ أَنْ يَتَضَمَّنَ ذَلِكَ ثَنَاءً عَلَيْهِ، بِخِلَافِ نَحْوِ صَدَقْت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَتَبْطُلُ بِهِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ عِنْدَ قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ م ر: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَضُرَّ وَكَذَا لَوْ قَالَ آمَنْت بِاَللَّهِ عِنْدَ قِرَاءَةِ مَا يُنَاسِبُهُ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُسْتَثْنَى قَوْلُهُ: (بِالْفِعْلِ) أَيْ وَإِنْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَقْصِدْ إلَخْ) بِأَنْ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ غَيْرَ التِّلَاوَةِ وَالدُّعَاءِ بِأَنْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ وَيَسْتَعِينُ بِهِ قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ رُكْنٍ قَصِيرٍ) وَأَمَّا فِي رُكْنٍ قَصِيرٍ عَمْدًا فَتَبْطُلُ لَا سَهْوًا أَوْ تَبَعًا لِإِمَامِهِ أَيْ فِيمَا طُلِبَ فِيهِ التَّطْوِيلُ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ، وَمِنْهُ اعْتِدَالُ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا م ر، يَجُوزُ تَطْوِيلُ الِاعْتِدَالِ مِنْ آخِرِ كُلِّ صَلَاةٍ لِنَازِلَةٍ وَأَمَّا بِلَا سَبَبٍ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْرُمُ) بَابُهُ ضَرَبَ قَوْلُهُ: (وَالْعَمَلُ الْكَثِيرُ) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ شَكَّ فِي كَثْرَتِهِ فَلَا بُطْلَانَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعَمَلَ مُبْطِلٌ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ الْكَثِيرُ يَقِينًا الْمُتَوَالِي الثَّقِيلُ الَّذِي لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ، أَمَّا إذَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَصَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْمُتَنَفِّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إذَا احْتَاجَ إلَى تَحَوُّلِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَإِنْ كَثُرَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (الَّذِي لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ) أَمَّا مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا كَزِيَادَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فَإِنْ تَعَمَّدَ وَعَلِمَ التَّحْرِيمَ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا اهـ اج قَوْلُهُ: (كَخَلْعِ الْخُفِّ) وَكَذَا إلْقَاءُ نَحْوِ قَمْلَةٍ فَلَا يَضُرُّ مِنْ حَيْثُ الصَّلَاةُ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ إلْقَاؤُهَا فِي الْمَسْجِدِ فَحَرَامٌ وَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً، وَلَا يَحْرُمُ إلْقَاؤُهَا خَارِجَهُ شَرْحُ م ر. وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ بِالْحِلِّ فِي إلْقَائِهَا حَيَّةً فِي الْمَسْجِدِ تَبَعًا لِفَتَاوَى النَّوَوِيِّ وَلِظَاهِرِ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ اهـ اج قَوْلُهُ: (الْخَفِيفُ) صِفَةٌ لِلُبْسٍ لَا لِلثَّوْبِ قَوْلُهُ: (الْمُتَوَسِّطَتَانِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَلَوْ اتَّسَعَتَا لَمْ يَضُرَّ حَيْثُ لَا وَثْبَةَ خِلَافًا لِقَوْلِ الْإِمَامِ لَا أَنْكَرَ الْبُطْلَانَ بِخُطْوَتَيْنِ وَاسِعَتَيْنِ جِدًّا فَإِنَّهُمَا يُوَازِيَانِ الثَّلَاثَ عُرْفًا قَوْلُهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 ذَلِكَ أَوْ غَيْرِهِ كَثِيرٌ إنْ تَوَالَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ كَخُطُوَاتٍ، أَمْ أَجْنَاسٍ كَخُطْوَةٍ وَضَرْبَةٍ وَخَلْعِ نَعْلٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْخُطُوَاتُ الثَّلَاثُ بِقَدْرِ خُطْوَةٍ أَمْ لَا، وَلَوْ فَعَلَ وَاحِدَةً بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا قَالَهُ الْعُمْرَانِيُّ. فَائِدَةٌ الْخَطْوَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ هِيَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ. وَلَوْ تَرَدَّدَ فِي فِعْلٍ هَلْ انْتَهَى إلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ أَمْ لَا. قَالَ الْإِمَامُ: فَيَنْقَدِحُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ. وَتَبْطُلُ بِالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ لَا الْحَرَكَاتِ الْخَفِيفَةِ الْمُتَوَالِيَةِ كَتَحْرِيكِ أَصَابِعِهِ بِلَا حَرَكَةِ كَفِّهِ فِي سُبْحَةٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ حَلٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ   [حاشية البجيرمي] إنْ تَوَالَتْ) ضَابِطُ التَّوَالِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ أَقَلُّ مِنْ رَكْعَةٍ بِأَخَفِّ مُمْكِنٍ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ «أُمَامَةَ الَّتِي كَانَ يَضَعُهَا النَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِهِ فِي الصَّلَاةِ» ، نَقَلَهُ الشَّوْبَرِيُّ عَنْ التَّهْذِيبِ وَقِيلَ ضَابِطُهُ الْعُرْفُ قَوْلُهُ: (كَخُطْوَةٍ إلَخْ) فَنَقَلَ الرَّجُلُ وَعُودُهَا يُعَدُّ نَقْلَتَيْنِ بِخِلَافِ الْيَدِ، فَإِنَّ ذَهَابَهَا وَعَوْدَهَا يُعَدُّ مَرَّةً وَاحِدَةً حَيْثُ كَانَ عَلَى الْوَلَاءِ وَإِلَّا فَكُلُّ مَرَّةٍ فِيمَا يَظْهَرُ ز ي مِنْ حَجّ لِأَنَّ الْيَدَ يُبْتَلَى بِتَحْرِيكِهَا كَثِيرًا بِخِلَافِ الرِّجْلِ لِأَنَّ عَادَتَهَا السُّكُونُ سم وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف قَوْلُهُ: (الْعِمْرَانِيُّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ نِسْبَةً إلَى الْعِمْرَانِيَّةِ قَرْيَةٌ بِنَاحِيَةِ الْمُوصِلِ اهـ اب. قَوْلُهُ: (هِيَ الْمَرَّةُ إلَخْ) وَهِيَ نَقْلُ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ إلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، حَتَّى لَوْ رَفَعَ رِجْلَهُ لِجِهَةِ الْعُلُوِّ ثُمَّ لِجِهَةِ السُّفْلِ عُدَّ ذَلِكَ خُطْوَتَيْنِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى التَّوَالِي فَإِنْ نُقِلَتْ الْأُخْرَى عُدَّتْ ثَانِيَةً سَوَاءٌ أَسَاوَى بِهَا الْأُولَى أَمْ قَدَّمَهَا عَلَيْهَا أَمْ أَخَّرَهَا عَنْهَا، وَكَتَحْرِيكِهِ ثَلَاثَ أَعْضَاءٍ عَلَى التَّوَالِي كَرَأْسِهِ وَيَدَيْهِ ح ل. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ النَّقْلَ لِجِهَةِ الْعُلُوِّ ثُمَّ لِجِهَةِ السُّفْلِ خُطْوَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ع ش عَلَى م ر. وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَقَوْلُ الْحَلَبِيِّ سَوَاءٌ أَسَاوَى إلَخْ أَيْ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِتَعَدُّدِ الْفِعْلِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ م ر. خَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْمُسَاوَاةِ. وَقَوْلُهُ: هِيَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا. وَقَوْلُهُ: وَبِالضَّمِّ إلَخْ أَيْ وَهِيَ الْمُرَادُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ. قَوْلُهُ: (فَيَنْقَدِحُ فِيهِ) أَيْ يَتَّضِحُ. وَيَحْسُنُ قَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ قِيلَ لَا يَضُرُّ وَقِيلَ يَضُرُّ، وَقِيلَ يُوقَفُ إلَى بَيَانِ الْحَالِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: (بِالْوَثْبَةِ) وَكَذَا بِالضَّرْبَةِ الْفَاحِشَةِ وَكَذَا بِتَحْرِيكِ كُلِّ بَدَنِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ نَقْلِ قَدَمَيْهِ قَوْلُهُ: (الْفَاحِشَةُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَثْبَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فَاحِشَةً إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْفَاحِشَةَ كَالصِّفَةِ الْكَاشِفَةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ كُلَّ مَا فَحَشَ كَتَحْرِيكِ جَمِيعِ بَدَنِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَثْبَةِ شَوْبَرِيُّ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَتَرْكُ فِعْلٍ فُحْشٌ اهـ. وَسُئِلَ م ر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا لَوْ حَمَلَ شَخْصٌ الْمُصَلِّيَ وَمَشَى بِهِ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخُطُوَاتُ لَا تُنْسَبُ لِلْمَحْمُولِ لَكِنْ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِهَا حَالَةَ كَوْنِهِ مَحْمُولًا لَا يُحْسَبُ لَهُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ إتْمَامُهُ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَبْدُ الْبَرِّ. فَرْعٌ: فَعَلَ مُبْطِلًا كَوَثْبَةٍ فَاحِشَةٍ قَبْلَ تَمَامِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يَنْبَغِي الْبُطْلَانُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ بِتَمَامِ التَّكْبِيرَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا مِنْ أَوَّلِ التَّكْبِيرِ وِفَاقًا لَمْ ر خِلَافًا لِمَا رَأَيْته فِي فَتْوَى عَنْ خَطِّهِ، وَيَلْزَمُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي أَثْنَائِهَا وَأَنْ يُصَاحِبَ النَّجَاسَةَ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ. اهـ. سم اج. قَوْلُهُ: (بِلَا حَرَكَةِ كَفِّهِ) أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ حَرَّكَهَا بِلَا عُذْرٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ضَرَّ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَأَنْ كَانَ بِهِ جَرَبٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى عَدَمِ الْحَكِّ أَوْ كَانَ مُبْتَلًى بِحَرَكَةٍ اضْطِرَارِيَّةٍ يَنْشَأُ عَنْهَا عَمَلٌ كَثِيرٌ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ اج. وَالْأَوْلَى فِي حَقِّهِ التَّحَرُّزُ عَنْ الْأَفْعَالِ الْخَفِيفَةِ، وَقَدْ يُسْتَحَبُّ الْفِعْلُ الْقَلِيلُ كَقَتْلِ نَحْوِ عَقْرَبٍ أَوْ اسْتِيَاكٍ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا أَيْ عَدَمُ الضَّرَرِ فِي الْحَكِّ لِلْجَرَبِ إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَعْتَرِيهِ تَارَةً وَيَغِيبُ عَنْهُ أُخْرَى وَإِلَّا فَيَجِبُ عَلَيْهِ انْتِظَارُ زَوَالِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ كَمَا قَالُوهُ فِي السُّعَالِ اهـ ع ش. اهـ. مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (أَوْ عَقْدٍ أَوْ حَلٍّ) أَيْ عَقْدِ خَيْطٍ أَوْ حَلِّ عَقْدِهِ اج قَوْلُهُ: (وَسَهْوٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 كَتَحْرِيكِ لِسَانِهِ أَوْ أَجْفَانِهِ أَوْ شَفَتَيْهِ أَوْ ذِكْرِهِ مِرَارًا وَلَاءً، فَلَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ إذْ لَا يُخِلُّ ذَلِكَ بِهَيْئَةِ الْخُشُوعِ وَالتَّعْظِيمِ فَأَشْبَهَ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ وَسَهْوُ الْفِعْلِ الْمُبْطِلِ كَعَمْدِهِ. (وَ) الثَّالِثُ (الْحَدَثُ) فَإِنْ أَحْدَثَ قَبْلَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالتَّعْلِيلُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] فَإِنَّ الرَّبِيبَةَ تَحْرُمُ مُطْلَقًا، فَلَفْظُ الْحُجُورِ لَا مَفْهُومَ لَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ صَلَّى نَاسِيًا لِلْحَدَثِ أُثِيبَ عَلَى قَصْدِهِ لَا عَلَى فِعْلِهِ، إلَّا الْقِرَاءَةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ أَيْضًا. أَمَّا الْحَدَثُ بَيْنَ التَّسْلِيمَتَيْنِ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ عُرُوضَ الْمُفْسِدِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعِبَادَةِ لَا يُؤَثِّرُ، وَيُسَنُّ لِمَنْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَنْفِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفَ لِيُوهِمَ أَنَّهُ رَعَفَ سَتْرًا عَلَى نَفْسِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ لِلصَّلَاةِ خُصُوصًا إذَا قَرُبَتْ إقَامَتُهَا أَوْ أُقِيمَتْ. (وَ) الرَّابِعُ (حُدُوثُ النَّجَاسَةِ) الَّتِي لَا يُعْفَى عَنْهَا فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ حَتَّى دَاخِلِ أَنْفِهِ أَوْ فَمِهِ أَوْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَإِنَّمَا جُعِلَ دَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ هُنَا كَظَاهِرِهِمَا بِخِلَافِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِغِلَظِ أَمْرِ النَّجَاسَةِ، فَلَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ أَوْ يَابِسَةٌ فَأَزَالَهَا فِي الْحَالِ بِقَلْعِ ثَوْبٍ أَوْ نَقْضٍ لَمْ يَضُرَّ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنَحِّيَ النَّجَاسَةَ بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَإِنْ نَحَّاهَا بِعُودٍ فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُهُ بِهِ وَجَبَ قَطْعُ مَوْضِعِهَا إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ أَكْثَرَ   [حاشية البجيرمي] الْفِعْلِ الْمُبْطِلِ كَعَمْدِهِ) فَتَبْطُلُ بِالْكَثِيرِ مُطْلَقًا وَلَا تَبْطُلُ بِالْقَلِيلِ مُطْلَقًا إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ اللَّعِبَ قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَحْدَثَ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ سَلَسًا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ حَدَثِهِ الدَّائِمِ اهـ اج قَوْلُهُ: (بِالْإِجْمَاعِ) مُتَعَلِّقٌ بِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ لَا بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ بِصِحَّتِهَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَيَتَطَهَّرُ وَيَبْنِي، وَكَذَا الْقَوْلُ الْقَدِيمُ عِنْدَنَا كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ شَرْعِيَّةٌ يُبْطِلُهَا مَا يُبْطِلُ غَيْرَهَا قَوْلُهُ: (وَالتَّعْلِيلُ) أَيْ بِقَوْلِهِمْ لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَلَا يَضُرُّ) لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (لِيُوهِمَ إلَخْ) أَيْ لِسَلَامَةِ النَّاسِ مِنْ الْخَوْضِ فِيهِ فَيَأْثَمُوا قَوْلُهُ: (رَعَفَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْعَيْنِ هَذَا هُوَ الْأَفْصَحُ، فَيَكُونُ مُضَارِعُهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَبَابِ سَأَلَ، وَأَمَّا بِضَمِّ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي فَلُغَةٌ ضَعِيفَةٌ. اهـ. صِحَاحٌ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَالِ) لَعَلَّ ضَابِطَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى أَقَلِّ طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ: (بِقَلْعِ ثَوْبٍ) وَمِنْهُ مَا لَوْ كَانَتْ رَطْبَةً فَغَسَلَهَا كَأَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ أَثَرُ بَوْلٍ فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَوْرًا بِحَيْثُ طَهُرَ الْمَحَلُّ حَالًا أَوْ غَمَسَ فَوْرًا مَحَلَّهُ كَيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ عِنْدَهُ سم قَوْلُهُ: (فَكَذَلِكَ) أَيْ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِلْعُودِ الَّذِي نَحَّاهَا بِهِ فَصَارَ حَامِلًا لِمُتَّصِلٍ بِنَجِسٍ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (لَوْ تَنَجَّسَ إلَخْ) هَذَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَجِدْ مَاءً) أَيْ مُبَاحًا يَغْسِلُهُ بِهِ، وَهَذَا يَمْنَعُ مُعَارَضَةَ الْإِسْنَوِيِّ الْآتِيَةِ وَيُمْنَعُ قَوْلُ الشَّارِحِ فِيهَا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا إذَا وَجَدَ مَاءً يَغْسِلُهُ بِهِ لَكِنَّهُ يُبَاعُ فَلَعَلَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِذَلِكَ وَإِلَّا كَانَا مَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا مَدَابِغِيٌّ قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ) بِأَنْ كَانَ النَّقْصُ مُسَاوِيًا لِمَا ذُكِرَ أَوْ أَقَلَّ قَوْلُهُ: (مِنْ ذَلِكَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 مِنْ أُجْرَةِ ثَوْبٍ يُصَلِّي فِيهِ لَوْ اكْتَرَاهُ هَذَا مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي: وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ لَوْ اشْتَرَاهُ مَعَ أُجْرَةِ غُسْلِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ وَجَبَ تَحْصِيلُهُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَقَيَّدَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وُجُوبَ الْقَطْعِ بِحُصُولِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِالطَّاهِرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُتَوَلِّي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ أَيْضًا. وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُلَاقٍ بَعْضَ لِبَاسِهِ نَجَاسَةً وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ كَطَرَفِ عِمَامَتِهِ الطَّوِيلِ، وَخَالَفَ ذَلِكَ مَا لَوْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ حَيْثُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ لِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ شُرِعَ لِلتَّعْظِيمِ وَهَذَا يُنَافِيهِ، وَالْمَطْلُوبُ فِي السُّجُودِ كَوْنُهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى غَيْرِهِ لِحَدِيثِ: «مَكِّنْ جَبْهَتَك» فَإِذَا سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ قَابِضِ طَرَفِ شَيْءٍ كَحَبْلٍ عَلَى نَجَسٍ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِمُتَّصِلٍ بِنَجَاسَةٍ فَكَأَنَّهُ حَامِلٌ لَهَا، وَلَوْ كَانَ طَرَفُ الْحَبْلِ مُلْقًى عَلَى سَاجُورِ نَحْوِ كَلْبٍ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي عُنُقِهِ أَوْ مَشْدُودًا فِي سَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ بِحَيْثُ تَنْجَرُّ بِجَرِّ الْحَبْلِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ سَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ لَا تَنْجَرُّ بِجَرِّهِ فَإِنَّهَا كَالدَّارِ، وَلَا فَرْقَ فِي السَّفِينَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي الْبَرِّ أَوْ فِي الْبَحْرِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي الْبَرِّ لَمْ تَبْطُلْ قَطْعًا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً. وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ لِانْكِسَارِهِ مَثَلًا بِنَجَسٍ لِفَقْدِ الطَّاهِرِ الصَّالِحِ لِلْوَصْلِ فَمَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهُ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَلَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهُ إذَا وُجِدَ الطَّاهِرُ اهـ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ نَزْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ خَالَفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ، أَمَّا إذَا وَصَلَهُ بِهِ مَعَ وُجُودِ الطَّاهِرِ الصَّالِحِ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْوَصْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ظَاهِرًا وَهُوَ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، فَإِنْ مَاتَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ النَّزْعُ لَمْ يَنْزِعْ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ وَلِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ. وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ تَحْرِيمُ النَّزْعِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ.   [حاشية البجيرمي] أَيْ مِنْ أُجْرَةِ ثَوْبٍ يُصَلِّي فِيهِ وَمِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ إلَخْ وَمِنْ بَيَانٍ لِلْأَمْرَيْنِ بِجَعْلِ ثَمَنِ الْمَاءِ مَعَ أُجْرَةِ غُسْلِهِ شَيْئًا وَاحِدًا، ثُمَّ نَأْخُذُ أَكْثَرَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ وَنُقَابِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَقْصِ قِيمَةِ الثَّوْبِ بَعْدَ قَطْعِهِ قَوْلُهُ: (وَقَيَّدَ الشَّيْخَانِ) ضَعِيفٌ وَعَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَسْتُر الْعَوْرَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ عَارِيًّا وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ لِنُدْرَةِ فَقْدِ مَا يَطْهُرُ بِهِ الثَّوْبُ م د. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْمُلَاقَاةِ وَقَوْلُهُ يُنَافِيهِ أَيْ التَّعْظِيمُ قَوْلُهُ: (مُلْقًى) أَيْ مَشْدُودًا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُلْقًى مِنْ غَيْرِ شَدٍّ لَا يَضُرُّ، وَفِي مَعْنَى الشَّدِّ وَهُوَ الرَّبْطُ اللَّصْقُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْإِلْقَاءِ عَلَى السَّاجُورِ مِنْ غَيْرِ مُمَاسَّةٍ لِلنَّجَاسَةِ فَلَا يَضُرُّ قَوْلُهُ: (عَلَى سَاجُورٍ) أَيْ قِلَادَةٍ وَهِيَ مَا يُوضَعُ فِي عُنُقِهِ قَوْلُهُ: (فِي سَفِينَةٍ) أَيْ بِمَحَلٍّ طَاهِرٍ مِنْ سَفِينَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمُتَّصِلٍ بِنَجَسٍ قَوْلُهُ: (صَغِيرَةٍ) الْمُعْتَمَدُ الْبُطْلَانُ فِي الصَّغِيرَةِ دُونَ الْكَبِيرَةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَصُورَتُهَا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ أَنْ تَكُونَ فِي الْبَحْرِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَرِّ لَمْ تَبْطُلْ قَوْلًا وَاحِدًا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ جَرُّ الصَّغِيرَةِ فِي الْبَرِّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي الْبَحْرِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِي السَّفِينَةِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْفُرُوعِ وَتَقَدَّمَ أَكْثَرُهَا فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ اج قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَصَلَ) أَيْ الْمُكَلَّفُ الْمُخْتَارُ الْعَالِمُ الْعَامِدُ وَلَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ ز ي. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ أَيْ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ قَوْلُهُ: (لِفَقْدِ الطَّاهِرِ) أَيْ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ وَقْتَ الْوَصْلِ ق ل. وَهُوَ حَدُّ الْقُرْبِ وَلَا عِبْرَةَ بِوُجُودِهِ بَعْدَهُ كَمَا لَا عِبْرَةَ بِوُجُودِ عَظْمِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ حَرْبِيًّا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوَصْلِ بِهِ مُطْلَقًا وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ لِاحْتِرَامِهِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا لَمْ يُوجَدْ صَالِحٌ غَيْرَ الْآدَمِيِّ جَازَ الْوَصْلُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَلَمْ يَمُتْ قَالَ سم عَلَى حَجّ: يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَلِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ) يَرِدُ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ مَا لَوْ كَانَ بِبَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَمَاتَ شَوْبَرِيُّ: فَإِنَّهَا تَجِبُ إزَالَتُهَا مَعَ سُقُوطِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 فُرُوعٌ: الْوَشْمُ وَهُوَ غَرْزُ الْجِلْدِ بِالْإِبْرَةِ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ ثُمَّ يُذَرُّ عَلَيْهِ نَحْوُ نِيلَةٍ لِيَزْرَقَّ أَوْ يَخْضَرَّ بِسَبَبِ الدَّمِ الْحَاصِلِ بِغَرْزِ الْجِلْدِ بِالْإِبْرَةِ حَرَامٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، فَتَجِبُ إزَالَتُهُ مَا لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، فَإِنْ خَافَ لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَهَذَا إذَا فَعَلَهُ بِرِضَاهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَإِلَّا فَلَا تَلْزَمُهُ إزَالَتُهُ، وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ وَلَا يُنَجِّسُ مَا وَضَعَ فِيهِ يَدَهُ مَثَلًا إذَا كَانَ عَلَيْهَا وَشْمٌ. وَلَوْ دَاوَى جُرْحَهُ بِدَوَاءٍ نَجِسٍ أَوْ خَاطَهُ بِخَيْطٍ نَجَسٍ أَوْ شَقَّ مَوْضِعًا فِي بَدَنِهِ وَجَعَلَ فِيهِ دَمًا فَكَالْجَبْرِ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فِيمَا مَرَّ. (وَ) الْخَامِسُ (انْكِشَافُ) شَيْءٍ مِنْ (الْعَوْرَةِ) وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ، كَمَا لَوْ طَيَّرَتْ الرِّيحُ سُتْرَتَهُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ فَإِنْ أَمْكَنَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الْحَالِ بِأَنْ كَشَفَ الرِّيحُ ثَوْبَهُ فَرَدَّهُ فِي الْحَالِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَيُغْتَفَرُ هَذَا الْعَارِضُ الْيَسِيرُ. (وَ) السَّادِسُ (تَغْيِيرُ النِّيَّةِ) إلَى غَيْرِ الْمَنْوِيِّ، فَلَوْ قَلَبَ صَلَاتَهُ الَّتِي هُوَ فِيهَا صَلَاةً أُخْرَى عَالِمًا عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِلَفْظِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ نَوَاهَا وَقَصَدَ بِذَلِكَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ الْفِعْلَ وَاقِعٌ بِالْمَشِيئَةِ لَمْ يَضُرَّ أَوْ التَّعْلِيقُ أَوْ طَلَّقَ لَمْ تَصِحَّ لِلْمُنَافَاةِ، وَلَوْ قَلَبَ فَرْضًا نَفْلًا مُطْلَقًا لِيُدْرِكَ جَمَاعَةً مَشْرُوعَةً وَهُوَ مُنْفَرِدٌ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ لِيُدْرِكَهَا صَحَّ ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ قَلَبَهَا نَفْلًا مُعَيَّنًا كَرَكْعَتَيْ الضُّحَى فَلَا تَصِحُّ لِافْتِقَارِهِ إلَى التَّعْيِينِ أَوْ لَمْ تَشْرَعْ الْجَمَاعَةُ كَمَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (الْوَشْمُ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَلَهُ حُكْمُ الْوَصْلِ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (فَتَجِبُ إزَالَتُهُ) وَفِي مُدَّةِ الْوُجُوبِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَا إمَامَتُهُ وَيَنْجُسُ بِهِ مَا مَسَّهُ مَا لَمْ يَكْسُ جِلْدًا فِي الْجَمِيعِ ق ل قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ) أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ تَلْزَمْهُ إزَالَتُهُ قَوْلُهُ: (انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ) عَبَّرَ بِالِانْكِشَافِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِكَشْفِ الْعَوْرَةِ فِعْلٌ، فَمِثَالُ عَدَمِ الْفِعْلِ كَشْفُ الرِّيحِ وَمِثَالُ الْفِعْلِ مَا لَوْ كَشَفَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّيحَ لَيْسَ قَيْدًا. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْكَشْفِ أَنَّهُ مَتَى كَشَفَ عَوْرَتَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ وَلَوْ سَتَرَهَا فِي الْحَالِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ نَاسِيًا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ كَشَفَهَا غَيْرُهُ فَإِنْ سَتَرَهَا حَالًا لَمْ تَبْطُلْ وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الرِّيحَ لَيْسَ قَيْدًا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الرِّيحَ قَيْدٌ فَيَضُرُّ جَمِيعُ ذَلِكَ وَلَوْ سَتَرَهَا حَالًا فَيَضُرُّ الْآدَمِيَّ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيَّزٍ وَكَذَا حَيَوَانٌ آخَرُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف، وَلَوْ تَكَرَّرَ كَشْفُ الرِّيحِ وَتَوَالَى بِحَيْثُ احْتَاجَ فِي السِّتْرِ إلَى حَرَكَاتٍ كَثِيرَةٍ مُتَوَالِيَةٍ فَالْمُتَّجِهُ الْبُطْلَانُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ: (فِي الْحَالِ) أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ أَقَلِّ طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (تَغْيِيرُ النِّيَّةِ) أَيْ الْمَنْوِيُّ كَأَنْ نَوَى فَرْضًا ثُمَّ نَوَى جَعْلَهُ فَرْضًا آخَرَ أَوْ نَفْلًا أَوْ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يُغَيِّرُ أَوْ لَا قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ) هَذَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَلَبَ إلَخْ) هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ كَمَا عَلِمْت. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَلْبَ الْفَرْضِ نَفْلًا مُطْلَقًا مَنْدُوبٌ بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مِمَّنْ لَا يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِنَحْوِ بِدْعَةٍ. الثَّانِي: أَنْ يَتَحَقَّقَ إتْمَامُهَا فِي الْوَقْتِ لَوْ اسْتَأْنَفَهَا وَإِلَّا حَرُمَ الْقَلْبُ فِي هَذَيْنِ. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ ثُلَاثِيَّةً أَوْ رُبَاعِيَّةً. الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَقُومَ لِلرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ أَيْ لَا يَشْرَعَ فِيهَا وَإِلَّا لَمْ يُنْدَبْ الْقَلْبُ فِي هَذَيْنِ وَإِنْ جَازَ. الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَةُ مَطْلُوبَةً فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ، فَلَوْ كَانَ يُصَلِّي فَائِتَةً لَمْ يَجُزْ قَلْبُهَا نَفْلًا لِيُصَلِّيَهَا فِي جَمَاعَةٍ حَاضِرَةٍ أَوْ فَائِتَةٍ غَيْرِهَا، فَلَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي تِلْكَ الْفَائِتَةِ بِعَيْنِهَا جَازَ وَلَمْ يُنْدَبْ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ فَوْرًا وَإِلَّا حَرُمَ قَلْبُهَا وَلَوْ خَشِيَ فِي فَائِتَةٍ فَوْتَ الْحَاضِرَةِ وَجَبَ قَلْبُهَا نَفْلًا كَمَا فِي شَرْحِ سم. فَعُلِمَ أَنَّ الْقَلْبَ تَارَةً يُسَنُّ وَتَارَةً يَجِبُ وَتَارَةً يَحْرُمُ وَتَارَةً يَجُوزُ مُلَخَّصًا مِنْ اج وَغَيْرُهُ. وَفِي سم عَلَى الْمَتْنِ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ قَلْبُ الصُّبْحِ نَفْلًا مُطْلَقًا لِيُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَةٍ اهـ قَوْلُهُ: (مِنْ رَكْعَتَيْنِ) أَوْ رَكْعَةٍ لِأَنَّ لِلْمُتَنَفِّلِ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا، فَفِي الصُّبْحِ يُقَلِّبُهَا أَيْ جَوَازًا نَفْلًا وَيُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَةٍ بَعْدَ تَشَهُّدِهِ كَمَا قَالَهُ سم قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ تُشْرَعْ الْجَمَاعَةُ) هُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ السَّابِقِ لِيُدْرِكَ جَمَاعَةً مَشْرُوعَةً، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَشْرُوعَةِ الْمَطْلُوبَةُ وَإِلَّا فَالِاقْتِدَاءُ فِي الْفَائِتَةِ بِالْحَاضِرَةِ صَحِيحٌ جَائِزٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْقَطْعُ لِتَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 الظُّهْرَ فَوَجَدَ مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. (وَ) السَّابِعُ (اسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ) أَوْ التَّحَوُّلُ بِبَعْضِ صَدْرِهِ عَنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ. (وَ) الثَّامِنُ (الْأَكْلُ) وَلَوْ قَلِيلًا لِشِدَّةِ مُنَافَاتِهِ لَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ لِبُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا تَبْطُلُ بِقَلِيلِهِ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ لِلصَّلَاةِ، أَمَّا كَثِيرُهُ فَيُبْطِلُ مَعَ النِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ. وَفَرَّقُوا بِأَنَّ لِلصَّلَاةِ هَيْئَةً مُذَكَّرَةً بِخِلَافِهِ وَهَذَا لَا يَصْلُحُ فَرْقًا فِي جَهْلِ التَّحْرِيمِ، وَالْفَرْقُ الصَّالِحُ لِذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ ذَاتُ أَفْعَالٍ مَنْظُومَةٍ، وَالْفِعْلُ تَكْثِيرٌ يَقْطَعُ نَظْمَهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ كَفٌّ وَالْمُكْرَهُ هُنَا كَغَيْرِهِ لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ، فَلَوْ كَانَ بِفَمِهِ سُكَّرَةٌ فَبَلَعَ ذَوْبَهَا بِمَصٍّ وَنَحْوِهِ لَا بِمَضْغٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمُنَافَاتِهِ لِلصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا الْمَضْغُ فَإِنَّهُ مِنْ الْأَفْعَالِ فَتَبْطُلُ بِكَثِيرِهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْجَوْفِ شَيْءٌ مِنْ الْمَمْضُوغِ. (وَ) التَّاسِعُ (الشُّرْبُ) وَهُوَ كَالْأَكْلِ فِيمَا مَرَّ وَمِثْلُ الشُّرْبِ ابْتِلَاعُ الرِّيقِ الْمُخْتَلِطِ بِغَيْرِهِ، إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ مَا أَبْطَلَ الصَّوْمَ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ. (وَ) الْعَاشِرُ (الْقَهْقَهَةُ) فِي الضَّحِكِ بِخُرُوجِ حَرْفَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَالْبُكَاءُ وَلَوْ مِنْ خَوْفِ الْآخِرَةِ، وَالْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَالنَّفْخُ مِنْ الْفَمِ أَوْ الْأَنْفِ مِثْلَ الضَّحِكِ إنْ ظَهَرَ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ حَرْفَانِ فَأَكْثَرُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَوْ التَّحَوُّلُ) فَالِاسْتِدْبَارُ لَيْسَ بِقَيْدٍ قَوْلُهُ: (بِبَعْضِ صَدْرِهِ) أَيْ إنْ تَعَمَّدَ أَوْ طَالَ الْفَصْلُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ انْحَرَفَ قَهْرًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ لَمْ يَضُرَّ، وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ ح ل وَقَالَ سم: حُكْمُ الْقِبْلَةِ كَانْكِشَافِ الْعَوْرَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ اهـ اج. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَضُرُّ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: فَلَوْ انْحَرَفَ الْمُصَلِّي عَنْ الْقِبْلَةِ نَاسِيًا وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ فَلَا يَضُرُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْرَفَهُ غَيْرُهُ قَهْرًا وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ. فَإِنَّهَا تَبْطُلُ لِنُدُورِهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ. قُلْت: مِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا أَنْ يَنْفُذَ شَخْصٌ بَيْنَ مُصَلِّيَيْنِ فَيُحَرِّفَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ يَمُرَّ بِجَنْبِ مُصَلٍّ فَيُحَرِّفَهُ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْإِكْرَاهِ النَّادِرِ فِي الصَّلَاةِ اهـ أج. وَنَقَلَ عَنْ ح ل أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا اهـ بِحُرُوفِهِ قَوْلُهُ: (فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ سَفَرًا وَفِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ اج. قَوْلُهُ: (الْأَكْلُ) أَيْ تَنَاوَلَهُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَلِيلًا) أَيْ فَالْمُرَادُ الْمُفْطِرُ مُطْلَقًا أَوْ الْكَثِيرُ وَلَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا ق ل قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ) مُسْتَثْنًى مِنْ الْقَلِيلِ قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ لِلصَّلَاةِ) وَيُعْذَرُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ جَرَى رِيقُهُ بِبَاقِي طَعَامٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَعَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ كَمَا فِي الصَّوْمِ، أَوْ نَزَلَتْ نُخَامَةٌ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إمْسَاكُهَا اهـ شَرْحٌ م ر. قَوْلُهُ: (لَا يَصْلُحُ فَرْقًا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْجَاهِلَ بِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ الْكَثِيرِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُعَلِّلُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ بِأَنَّ لِلصَّلَاةِ هَيْئَةً مُذَكِّرَةً لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِكَوْنِهِ فِي صَلَاةٍ قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ الصَّالِحُ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ كَفٌّ) أَيْ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْفِعْلُ الْكَثِيرُ قَوْلُهُ: (فَبَلِعَ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا، أَيْ مَعَ عَمْدِهِ وَعِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي التَّعَلُّمِ اهـ اج قَوْلُهُ: (لَا بِمَضْغٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لَا إنْ مَضَغَهَا أَوْ يَحْذِفَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ بَلَعَ، وَمَتَى وُجِدَ الْبَلْعُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ اهـ قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمَضْغُ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ الْأَكْلُ وَلَوْ قَلِيلًا. قَوْلُهُ: (إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ مَا أَبْطَلَ الصَّوْمَ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ) دَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ اسْتَقَاءَ أَوْ وَصَلَ مُفْطِرٌ جَوْفَهُ كَبَاطِنِ أُذُنٍ وَإِنْ قَلَّ، وَشَمَلَ ذَلِكَ وُصُولُهُ مِنْ الرَّأْسِ كَأَنْ خُرِقَ دِمَاغُهُ وَمِنْ بَاطِنِ إحْلِيلٍ. قَوْلُهُ: (الْقَهْقَهَةُ) هِيَ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الضَّحِكِ قَوْلُهُ: (حَرْفَانِ) أَوْ حَرْفٌ مُفْهِمٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. نَعَمْ إنْ غَلَبَهُ لَمْ يَضُرَّ إنْ قَلَّتْ الْحُرُوفُ عُرْفًا وَكَالضَّحِكِ فِيمَا تَقَرَّرَ الْبُكَاءُ وَنَحْوُهُ سم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 (وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ (الرِّدَّةُ) فِي أَثْنَائِهَا لَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَإِنَّهَا لَا تُبْطِلُ الْعَمَلَ إلَّا إذَا اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: 217] وَلَكِنْ تُحْبِطُ ثَوَابَ عَمَلِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ تَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ عَمْدًا، وَهُوَ الِاعْتِدَالُ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَتَخَلُّفُ الْمَأْمُومِ عَنْ إمَامِهِ بِرُكْنَيْنِ عَمْدًا وَكَذَا تَقَدُّمُهُ بِهِمَا عَلَيْهِ عَمْدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَابْتِلَاعُ نُخَامَةٍ نَزَلَتْ مِنْ رَأْسِهِ إنْ أَمْكَنَهُ مَجُّهَا وَلَمْ يَفْعَلْ. تَتِمَّةٌ: يُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ بِوَجْهِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً إلَّا لِحَاجَةٍ فَلَا يُكْرَهُ، وَيُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ وَكَفُّ شَعْرِهِ أَوْ ثَوْبِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يُصَلِّيَ وَشَعْرُهُ مَعْقُوصٌ أَوْ مَرْدُودٌ تَحْتَ عِمَامَتِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ كُمُّهُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (الرِّدَّةُ) هَلْ وَلَوْ مِنْ صَبِيٍّ فَلْيُحَرَّرْ شَوْبَرِيُّ. قُلْت: الْمَنْقُولُ عَنْ وَالِدِ الرُّويَانِيِّ الْبُطْلَانُ لِمُنَافَاتِهَا الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ رِدَّةٌ حَقِيقَةً اهـ أج قَوْلُهُ: (تَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ) وَمِقْدَارُ الْمُبْطِلِ أَنْ يَأْتِيَ بِالِاعْتِدَالِ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ ذِكْرِهِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ لِحَالِ الْمُصَلِّي وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِالتَّشَهُّدِ أَيْ بِأَقَلِّهِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ ذِكْرِهِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ كَذَلِكَ. اهـ. ز ي قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ) فِيهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حَيْثُ قِيلَ إنَّهُمَا مَقْصُودَانِ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِمَا فِي جُمْلَةِ الصَّلَاةِ وَوُجُودِ صُورَتِهِمَا، وَحَيْثُ قِيلَ إنَّهُمَا غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ أُرِيدَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ لِذَاتِهِمَا بَلْ لِلْفَصْلِ اهـ مِنْ الرَّوْضِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُمَا غَيْرَ مَقْصُودَيْنِ قَوْلُهُ: (وَتَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ عَنْ إمَامِهِ بِرُكْنَيْنِ) أَمَّا الْمَعْذُورُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ إذَا تَخَلَّفَ لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يُغْتَفَرُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ قَوْلُهُ: (نُخَامَةٌ) هِيَ الْفَضْلَةُ الْغَلِيظَةُ يَلْفِظُهَا الشَّخْصُ مِنْ فِيهِ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا نُخَاعَةٌ بِالْعَيْنِ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (نَزَلَتْ مِنْ رَأْسِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ وَلِذَا قَالَ ق ل: أَوْ طَلَعَتْ مِنْ جَوْفِهِ إذَا وَصَلَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى حَدِّ الظَّاهِرِ وَهُوَ مَخْرَجُ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عِنْدَ النَّوَوِيِّ، أَوْ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ. قَوْلُهُ: (يُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ) لِخَبَرِ «عَائِشَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَوْلُهُ اخْتِلَاسٌ أَيْ سَبَبُ اخْتِلَاسٍ أَيْ اخْتِطَافٍ يَخْتَطِفُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ ثَوَابِ صَلَاةِ الْعَبْدِ، وَوَرَدَ «لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا الْتَفَتَ أَعْرَضَ عَنْهُ» وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ اللَّعِبَ وَإِلَّا حَرُمَ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ حَوَّلَ صَدْرَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: (يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً) بِفَتْحِ الْيَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَوْلُهُ: (إلَّا لِحَاجَةٍ) أَمَّا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ كَحِفْظِ مَتَاعٍ فَلَا يُكْرَهُ قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ) لِخَبَرِ «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَيُسَنُّ فِي الدُّعَاءِ عَقِبَ الْوُضُوءِ وَيَجُوزُ فِي الدُّعَاءِ فِيهَا عَدَا ذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَيُكْرَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. فَأَحْوَالُ الرَّفْعِ ثَلَاثَةٌ: الْكَرَاهَةُ قَطْعًا فِي الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةُ قَطْعًا فِي الدُّعَاءِ عَقِبَ الْوُضُوءِ وَالْإِبَاحَةُ فِي غَيْرِهِمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَهُنَاكَ قَوْلٌ بِالْكَرَاهَةِ فَتَكُونُ الْأَحْوَالُ أَرْبَعَةً: قَوْلُهُ: (وَكَفُّ شَعْرِهِ) أَيْ مَنْعُهُ مِنْ السُّجُودِ مَعَهُ إمَّا بِيَدِهِ أَوْ بِجَعْلِهِ تَحْتَ عِمَامَتِهِ كَمَا يَأْتِي وَذَلِكَ لِخَبَرِ «أُمِرْتُ أَنْ لَا أَكْفِتَ الشَّعْرَ أَوْ الثِّيَابَ» وَالْكَفْتُ بِمُثَنَّاةٍ الْجَمْعُ قَالَ تَعَالَى {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات: 25] {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: 26] أَيْ جَامِعَةً لَهُمْ، وَأَكْفِتُ بِكَسْرِ الْفَاءِ إذْ بَابُهُ ضَرَبَ اهـ اج. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَيْ وَالطَّوَافِ وَالِاعْتِكَافِ وَإِنْ اقْتَضَى تَعْلِيلُهُمْ خِلَافَهُ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ تَخْصِيصُهُ فِي الشَّعْرِ بِالرَّجُلِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِي الْأَمْرِ بِنَقْضِهَا الضَّفَائِرَ مَشَقَّةٌ وَتَغْيِيرٌ لِهَيْئَتِهَا الْمُنَافِيَةِ لِلتَّجَمُّلِ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْإِحْيَاءِ وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْخُنْثَى بِهَا. اهـ. م ر. إطْفِيحِيٌّ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 مُشَمَّرٌ، وَمِنْهُ شَدُّ الْوَسَطِ وَغَرْزُ الْعَذْبَةِ وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى فَمِهِ بِلَا حَاجَةٍ، فَإِنْ كَانَ لَهَا كَمَا إذَا تَثَاءَبَ فَلَا كَرَاهَةَ. وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ وَالصَّلَاةُ حَاقِنًا بِالنُّونِ أَوْ حَاقِبًا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَوْ حَازِقًا بِالْقَافِ أَوْ حَاقِمًا بِالْمِيمِ الْأَوَّلُ بِالْبَوْلِ، وَالثَّانِي بِالْغَائِطِ، وَالثَّالِثُ بِالرِّيحِ، وَالرَّابِعُ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ. وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ يَتُوقُ إلَيْهِ، وَأَنْ يَبْصُقَ قِبَلَ وَجْهِهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، وَيُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي وَضْعُ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي خَفْضِ   [حاشية البجيرمي] نَعَمْ يَجِبُ كَفُّ شَعْرِ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَلَا يُكْرَهُ بَقَاؤُهَا مَكْفُوفًا. وَقَوْلُهُ أَوْ ثَوْبُهُ أَيْ مَلْبُوسُهُ وَلَوْ نَحْوَ شَدٍّ عَلَى كَتِفِهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَثِيرٌ مِنْ جَهَلَةِ الْفُقَهَاءِ يَفْرِشُونَ مَا عَلَى أَكْتَافِهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَرَكَ الزِّينَةَ الْمَطْلُوبَةَ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أَيْ صَلَاةٍ وَلَعَلَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ أَوْ حَاجَةٌ كَدَفْعِ غُبَارٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَا أَكُفُّ شَعْرًا» . قَوْلُهُ: (وَشَعْرُهُ مَعْقُوصٌ إلَخْ) وَيُسَنُّ لِمَنْ رَآهُ كَذَلِكَ وَلَوْ مُصَلِّيًا آخَرَ أَنْ يُحِلَّهُ حَيْثُ لَا فِتْنَةَ. نَعَمْ لَوْ بَادَرَ شَخْصٌ وَحَلَّ كُمَّهُ الْمُشَمَّرَ وَكَانَ فِيهِ مَالٌ وَتَلِفَ كَانَ ضَامِنًا لَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ اهـ م ر قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ شَدُّ الْوَسَطِ) أَيْ مِنْ كَفِّ الثَّوْبِ الْمَكْرُوهِ، وَقَوْلُهُ: شَدُّ الْوَسَطِ أَيْ فَيُكْرَهُ إلَّا لِحَاجَةٍ بِأَنْ كَانَتْ تُرَى عَوْرَتُهُ بِدُونِ الْحِزَامِ وَعِبَارَةُ اج قَوْلُهُ: وَمِنْهُ شَدُّ الْوَسَطِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلَى الْجِلْدِ وَفِيهِ نَظَرٌ. قُلْت: إلَّا لِحَاجَةٍ وَمِنْهَا شَدُّ السَّرَاوِيلِ فَإِنَّ الشَّدَّ حِينَئِذٍ مَنْدُوبٌ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلُبْسِ السَّرَاوِيلِ، وَالْوَسَائِلُ تُعْطَى حُكْمَ الْمَقَاصِدِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ يَحْتَاجُهُ لِفَرْضِ صَلَاةٍ وَلَا يَسْتَمْسِكُ الثَّوْبَ إلَّا بِشَدِّهِ، فَيَجِبُ الشَّدُّ حِينَئِذٍ فَلِلشَّدِّ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ اهـ اج قَوْلُهُ: (وَغَرْزُ الْعَذْبَةِ) أَيْ طَرَفُ عِمَامَتِهِ أَيْ غَرْزُهَا فِي عِمَامَتِهِ مَكْرُوهٌ، بَلْ يُسَنُّ إرْخَاؤُهَا وَغَرْزُهَا وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا لَكِنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَشَدُّ كَرَاهَةً كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ الْعِمَامَةَ الصَّمَّاءَ» قَوْلُهُ: (تَثَاءَبَ) هُوَ بِالْهَمْزِ بَعْدَ الْأَلْفِ وَلَا يُقْرَأُ بِالْوَاوِ فَيُقَالُ تَثَاوَبَ قَوْلُهُ: (فَلَا كَرَاهَةَ) أَيْ فِي وَضْعِ يَدِهِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى فِيهِ، وَتُسَنُّ الْيُسْرَى وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَرَضُ مَنْعَ الشَّيْطَانِ نَاسَبَ أَنْ تَكُونَ بِهَا لِاسْتِقْذَارِهِ. نَعَمْ الْأَوْجَهُ حُصُولُ السُّنَّةِ بِغَيْرِهَا أَيْضًا وَلَا فَرْقَ فِي حُصُولِ السُّنَّةِ بَيْنَ وَضْعِ ظَهْرِ الْيُسْرَى أَوْ بَطْنِهَا قَالَ ع ش عَلَى م ر: أَيْ وَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِ الْيَدِ لَهَا هَيْئَةٌ مَطْلُوبَةٌ فِي الصَّلَاةِ كَوَضْعِهَا تَحْتَ صَدْرِهِ فِي الْقِيَامِ وَعَلَى الرُّكْبَةِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالتَّشَهُّدِ لِأَنَّ هَذَا زَمَنُهُ قَلِيلٌ فَاغْتُفِرَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِمُنَافَاتِهِ الْخُشُوعَ فَإِنْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ كَوَجَعِ الْأُخْرَى لَمْ يُكْرَهْ اج قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ حَاقِنًا) وَالْعِبْرَةُ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ بِوُجُودِهِ عِنْدَ التَّحَرُّمِ، وَيَلْحَقُ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَوْ عَرَضَ لَهُ قَبْلَ التَّحَرُّمِ ثُمَّ زَالَ وَعُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَعُودُ لَهُ فِي أَثْنَائِهَا شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَالثَّالِثُ بِالرِّيحِ) الْأَنْسَبُ بِالْخُفِّ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرِّيحِ يُقَالُ لَهُ حَافِزٌ بِالْحَاءِ وَالزَّايِ لَا حَازِقٌ. ثُمَّ رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَافِزٌ وَهِيَ تُنَاسِبُ التَّفْسِيرَ الَّذِي ذَكَرَهُ اهـ اج. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ حَاقِنًا بِالنُّونِ أَيْ بِالْبَوْلِ، أَوْ حَاقِبًا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ بِالْغَائِطِ بِأَنْ يُدَافِعَ ذَلِكَ، أَوْ حَازِقًا بِالزَّايِ وَالْقَافِ أَيْ مُدَافِعًا لِلرِّيحِ، بَلْ السُّنَّةُ تَفْرِيغُ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْخُشُوعِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسَعًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْفَرْضِ بِطُرُوِّ ذَلِكَ لَهُ فِيهِ إلَّا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ ضَرَرٍ بِكَتْمِهِ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ فَلَهُ حِينَئِذٍ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَتَأْخِيرُهُ عَنْ الْوَقْتِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِحَضْرَةٍ) بِتَثْلِيثِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أج قَوْلُهُ: (يَتُوقُ إلَيْهِ) أَيْ يَشْتَاقُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ جُوعُهُ وَلَا عَطَشُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْفَاكِهَةِ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَهُوَ الشَّيْخُ سُلْطَانٌ التَّقْيِيدُ بِالشَّدِيدَيْنِ فَاحْذَرْهُ. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: يَتُوقُ أَيْ يَشْتَاقُ أَيْ يَشْتَدُّ شَوْقُهَا إلَيْهِ، وَخَرَجَ بِهِ الشَّوْقُ وَهُوَ مَيْلُ النَّفْسِ إلَى الْأَطْعِمَةِ اللَّذِيذَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] عَمِيرَةُ: وَهُوَ شَامِلٌ لِمَنْ لَيْسَ بِهِ جُوعٌ أَوْ عَطَشٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالْمَشَارِبِ اللَّذِيذَةِ قَدْ تَتُوقُ النَّفْسُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ جُوعٍ وَلَا عَطَشٍ، بَلْ لَوْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ وَحَصَلَ التَّوَقَانُ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ أج قَوْلُهُ: وَتَوَقَانُ النَّفْسِ فِي غَيْبَةِ الطَّعَامِ بِمَنْزِلَةِ حُضُورِهِ إنْ رَجَا حُضُورَهُ عَنْ قُرْبٍ، وَلَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ إلَّا بِأَكْلِ حَاجَتِهِ بِتَمَامِهَا وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَلَكِنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ اتَّسَعَ الْوَقْتُ اهـ شَرْحُ م ر اهـ قَوْلُهُ: (يَبْصُقُ) بِالصَّادِ وَالزَّايِ وَالسِّينِ قَوْلُهُ: (قِبَلَ وَجْهِهِ) لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ» وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَمَّا فِيهِ فَيَحْرُمُ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» بَلْ يَبْصُقُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: قِبَلَ وَجْهِهِ لَكِنْ حَيْثُ كَانَ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَقْبِلًا فَلَا يُكْرَهُ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَيُكْرَهُ الْبُصَاقُ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَمَامَهُ مُطْلَقًا وَلِجِهَةِ الْقِبْلَةِ وَجِهَةِ يَمِينِهِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَيْ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَّا فِيهِ فَيَبْصُقُ عَنْ يَمِينِهِ وَيُكْرَهُ عَنْ يَسَارِهِ لِأَنَّ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ يَكُونُ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا قَصَدَ الْإِهَانَةَ يَحْرُمُ وَيُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ الْبُصَاقُ عَنْ الْيَمِينِ إكْرَامًا لِلْمَلَكِ وَلَمْ يُرَاعَ مَلَكُ الْيَسَارِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أُمُّ الْحَسَنَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا تَنَحَّى عَنْهُ مَلَكُ الْيَسَارِ إلَى فَرَاغِهِ مِنْهَا إلَى مَحَلٍّ لَا يُصِيبُهُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَالْبُصَاقُ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْقَرِينِ وَهُوَ الشَّيْطَانُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ: إكْرَامًا لِلْمَلَكِ قَالَ الرَّشِيدِيُّ: إنَّمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَلِّي عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْحِكْمَةِ وَقْفَةً إنْ لَمْ تَكُنْ عَنْ تَوْقِيفٍ وَعِبَارَةُ حَجّ: وَلَا بَعُدَ فِي مُرَاعَاةِ مَلَكِ الْيَمِينِ دُونَ مَلَكِ الْيَسَارِ إظْهَارًا لِشَرَفِ الْأَوَّلِ اهـ. وَقَوْلُهُ: أَمَّا فِيهِ فَيَحْرُمُ أَيْ إنْ أَصَابَ الْبُصَاقُ شَيْئًا مِنْ أَجْزَائِهِ، أَمَّا الْبُصَاقُ عَلَى حُصْرِهِ فَلَا يَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ وَإِنْ حَرُمَ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ تَقْدِيرَ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمَالِكُ إنْ وَضَعَهَا فِي الْمَسْجِدِ لِمَنْ يُصَلِّي عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ وَقْفٍ، وَمَنْ يَنْتَفِعُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً لِلصَّلَاةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ حَيْثُ بَقِيَ حَرَمُهُ لَا إنْ اُسْتُهْلِكَ فِي نَحْوِ مَاءِ مَضْمَضَةٍ، وَحَيْثُ أَصَابَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِ دُونَ هَوَائِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْفَاعِلُ دَاخِلَهُ أَمْ خَارِجَهُ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ التَّقْذِيرُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي ذَلِكَ كَالْفَصْدِ فِي إنَاءٍ أَوْ قُمَامَةٍ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَاجَةٌ وَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي هَوَائِهِ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا مِنْ أَجْزَائِهِ وَأَنَّ الْفَصْدَ مُقَيَّدٌ بِالْحَاجَةِ إلَيْهِ فِيهِ مَرْدُودٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ م ر. وَقَوْلُهُ: وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا أَيْ فِي نَحْوِ تُرَابٍ، وَأَمَّا الْمُبَلَّطُ فَإِنْ أَمْكَنَ دَلْكُهَا فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ أَلْبَتَّةَ كَانَ كَدَفْنِهَا وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي التَّقْذِيرِ. وَمَحَلُّ كَوْنِ دَفْنِهَا بِنَحْوِ تُرَابٍ كَافِيًا إذَا لَمْ تَبْقَ وَلَمْ يَتَأَذَّ بِهَا مَنْ فِي الْمَسْجِدِ، بِنَحْوِ إصَابَةِ أَثْوَابِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ، وَإِلَّا لَمْ يَكْفِ فَهِيَ أَيْ الْكَفَّارَةُ دَافِعَةٌ لِلْإِثْمِ وَقَاطِعَةٌ لِدَوَامِهِ إنْ تَقَدَّمَ الْبُصَاقُ عَلَى الدَّفْنِ، فَإِنْ كَانَ عَقِبَهُ كَمَا لَوْ حَفَرَ تُرَابًا وَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ التُّرَابَ عَلَى بُصَاقِهِ كَانَ دَافِعًا لِإِثْمِهِ كَمَا فِي ح ل. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدَّفْنَ قَاطِعٌ لِلْإِثْمِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ إنْ هَيَّأَ لَهَا مَوْضِعًا قَبْلَ بَصْقِهَا ثُمَّ دَفَنَهَا فِيهِ، وَفِي الدَّوَامِ دُونَ الِابْتِدَاءِ إنْ بَصَقَهَا قَبْلَ التَّهْيِئَةِ ثُمَّ دَفَنَهَا اهـ. وَقَوْلُهُ: فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ أَيْ وَلَوْ كَانَ فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ وَيَكُونُ هَذَا مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِالْأَجْنَبِيِّ لِحَاجَةٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي إلَخْ) الْمُصَلِّي لَيْسَ قَيْدًا بَلْ خَارِجُهَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْكُفَّارِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ، وَفِعْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ خَارِجَهَا، وَفِعْلُ الْمُخَنَّثِينَ وَالنِّسَاءِ لِلْعُجْبِ، وَلِأَنَّ إبْلِيسَ أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَضْعُ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ) لِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «الِاخْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ» يَعْنِي الْيَهُودَ لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَتُهُمْ فِي الْعِبَادَةِ وَهُمْ أَهْلُهَا، فَنَحْنُ نَكْرَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ وَرَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ وَالشَّيْطَانِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ لِأَهْلِ جَهَنَّمَ رَاحَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ} [البقرة: 162] ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ لِأَنَّ الرَّاحَةَ الْمُثْبَتَةَ لَهُمْ تَحْصُلُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا فِي حَالِ حَيَاتِهِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 الرَّأْسِ عَنْ الظَّهْرِ فِي رُكُوعِهِ. وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الْأَسْوَاقِ وَالرِّحَابِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْمَسْجِدِ، وَفِي الْحَمَّامِ وَلَوْ فِي مَسْلَخِهِ، وَفِي الطَّرِيقِ فِي الْبُنْيَانِ دُونَ الْبَرِّيَّةِ، وَفِي الْمَزْبَلَةِ وَنَحْوِهَا كَالْمَجْزَرَةِ، وَفِي الْكَنِيسَةِ وَهِيَ مَعْبَدُ النَّصَارَى، وَفِي الْبِيعَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهِيَ مَعْبَدُ الْيَهُودِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَمَاكِنِ الْكُفْرِ، وَفِي عَطَنِ الْإِبِلِ، وَفِي الْمَقْبَرَةِ الطَّاهِرَةِ وَهِيَ الَّتِي لَمْ   [حاشية البجيرمي] قَبْلَ دُخُولِ جَهَنَّمَ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّ أَهْلَ النَّارِ إذَا تَعِبُوا مِنْ الْقِيَامِ فِي الْمَوْقِفِ يَسْتَرِيحُونَ مِنْ الْقِيَامِ بِالِاخْتِصَارِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ قَوْلُهُ: (وَالْمُبَالَغَةُ فِي خَفْضِ الرَّأْسِ) لَوْ أَسْقَطَ الْمُبَالَغَةَ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى خَفْضِ الرَّأْسِ عَنْ الظَّهْرِ فِي الرُّكُوعِ أَقَلُّهُ وَأَكْمَلُهُ. اهـ. ق ل. وَعِبَارَةُ أج. وَالْمُبَالَغَةُ فِي خَفْضِ الرَّأْسِ عَنْ الظَّهْرِ فِي رُكُوعِهِ وَكَذَا خَفْضُهُ عَنْ أَكْمَلِ الرُّكُوعِ، وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْحَمَّامِ) أَيْ غَيْرِ الْجَدِيدِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ تُكْشَفْ فِيهِ الْعَوْرَاتُ ق ل لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ إلَّا بِكَشْفِ الْعَوْرَاتِ فِيهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلَاءِ الْجَدِيدِ بِأَنَّ الْخَلَاءَ يَصِيرُ مُسْتَقْذَرًا وَمَأْوًى لِلشَّيَاطِينِ بِمُجَرَّدِ اتِّخَاذِهِ، وَالْحَمَّامُ لَا يَصِيرُ مَأْوًى لِلشَّيَاطِينِ إلَّا بِكَشْفِ الْعَوْرَةِ فِيهِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الْجَدِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى سَطْحِهِ فَلَا تُكْرَهُ، وَمِثْلُهُ سَطْحُ الْحُشِّ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ. وَتُنْدَبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْحَمَّامِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَكَذَا كُلُّ صَلَاةٍ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّتِهَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا عَلَى وَجْهٍ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْخِلَافِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا وَخَارِجَ الْوَقْتِ. اهـ. م ر. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ فِي الْكُلِّ مَا لَمْ يُعَارِضْهَا خَشْيَةَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتَضِ النَّهْيُ عَنْهَا الْفَسَادَ عِنْدَنَا بِخِلَافِ كَرَاهَةِ الزَّمَانِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الصَّلَاةِ بِالْأَوْقَاتِ أَشَدُّ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لَهَا أَوْقَاتًا مَخْصُوصَةً لَا تَصِحُّ فِي غَيْرِهَا، فَكَانَ الْخِلَافُ فِيهَا أَشَدَّ بِخِلَافِ الْأَمْكِنَةِ تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي كُلِّهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَحَلُّ مَغْصُوبًا لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهِ كَالْحَرِيرِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ مُنْفَكٍّ عَنْ الْعِبَادَةِ فَلَا يَقْتَضِي فَسَادَهَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَوْلُهُ: (وَلَوْ فِي مَسْلَخِهِ) مَوْضِعُ الْحَوَائِجِ، وَسُمِّيَ مَسْلَخًا لِأَنَّهُ مَوْضِعُ سَلْخِ الْحَوَائِجِ أَيْ نَزْعِهَا شُبِّهَ بِسَلْخِ الْجِلْدِ عَنْ الشَّاةِ مَثَلًا وَمِثْلُ الْحَمَّامِ كُلُّ مَحَلِّ مَعْصِيَةٍ كَالصَّاغَةِ وَمَحَلِّ الْمَكْسِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَعْصِيَةُ مَوْجُودَةً حِينَ صَلَاتِهِ لِأَنَّ مَا هُوَ كَذَلِكَ مَأْوًى لِلشَّيَاطِينِ كَمَا قَالَهُ ع ش قَوْلُهُ: (دُونَ الْبَرِّيَّةِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالْبَرِّيَّةِ إذْ الْحُكْمُ مُعَلَّلٌ بِعِلَّتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: اشْتِغَالُ الْقَلْبِ بِمُرُورِ النَّاسِ فِيهِ. وَالثَّانِيَةُ: غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَيَبْقَى الْحُكْمُ مَا بَقِيَتْ عِلَّتُهُ اهـ أج وَقَالَ الرَّشِيدِيُّ: التَّحْقِيقُ أَنَّ مَدَارَ الْكَرَاهَةِ عَلَى كَثْرَةِ مُرُورِ النَّاسِ وَمَدَارُ عَدَمِهَا عَلَى عَدَمِ كَثْرَةِ مُرُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى خُصُوصِ الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْمَطَافُ لِشُغْلِهِ بِمُرُورِ النَّاسِ أَيْ الصَّلَاةُ فِيهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمَزْبَلَةِ) وَنَحْوِهَا الْمَزْبَلَةُ مَحَلُّ الزُّبُلِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا وَالْمُرَادُ بِنَحْوِهَا كُلُّ نَجَاسَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا بُسِطَ عَلَيْهَا حَائِلٌ وَكَانَتْ مُحَقَّقَةً وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ النَّجَاسَةَ وَبَسْطَ الْحَائِلِ فَلَا كَرَاهَةَ لِضَعْفِ ذَلِكَ بِالْحَائِلِ اهـ شَرْحُ م ر اهـ أَحْ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْكَنِيسَةِ) بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ وَلَوْ جَدِيدَةً فِيمَا يَظْهَرُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَمَّامِ الْجَدِيدِ بِغِلَظِ أَمْرِهَا بِكَوْنِهَا مُعَدَّةً لِلْعِبَادَةِ الْفَاسِدَةِ فَأَشْبَهَتْ الْخَلَاءَ الْجَدِيدَ. بَلْ أَوْلَى. كَمَا صَرَّحَ بِهِ ع ش عَلَى م ر. وَمَحَلُّ جَوَازِ دُخُولِهَا لِذَلِكَ إنْ دَخَلَهَا بِإِذْنِهِمْ وَإِلَّا حَرُمَتْ صَلَاتُهُ فِيهَا لِأَنَّ لَهُمْ مَنْعَنَا مِنْ دُخُولِهَا إنْ كَانُوا يُقَرُّونَ عَلَيْهَا وَإِلَّا جَازَ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ لِأَنَّهَا وَاجِبَةُ الْإِزَالَةِ كَمَا فِي كَنَائِسِ مِصْرَ وَقُرَاهَا كَمَا قَالَهُ حَجّ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ مَعْبَدُ النَّصَارَى) وَهَذَا الْعُرْفُ الطَّارِئُ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ فِيهِمَا ق ل. وَفِي شَرْحِ م ر الْكَنِيسَةُ مُتَعَبَّدُ الْيَهُودِ وَالْبِيعَةُ مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى اهـ. قَوْلُهُ: (عَطَنُ الْإِبِلِ) بِفَتْحِ أَوَّلَيْهِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ مَحَلُّ اجْتِمَاعِهَا بِخِلَافِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَالْكَلَامُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا نِفَارٌ مُشَوَّشٌ بِالْفِعْلِ وَلَمْ يَكُنْ بِمَحَلِّهَا نَجَاسَةٌ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ فِي الْكَرَاهَةِ بَيْنَ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا أَيْ وَلَوْ طَاهِرًا، وَهُوَ الْمَحَلُّ الَّذِي تُنَحَّى إلَيْهِ إذَا شَرِبَتْ لِيَشْرَبَ غَيْرُهَا، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ سِيقَتْ مِنْهُ إلَى الْمَرْعَى وَالْعَطَنُ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ مَأْوَاهَا لَيْلًا، وَمَقِيلُهَا وَمَبَارِكُهَا بَلْ وَسَائِرُ مَوَاضِعِهَا كَذَلِكَ لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْعَطَنِ أَشَدُّ مِنْ مَأْوَاهَا إذْ نِفَارُهَا فِي الْعَطَنِ أَكْثَرُ. نَعَمْ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 تُنْبَشْ أَمَّا الْمَنْبُوشَةُ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا بِغَيْرِ حَائِلٍ، وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقَبْرِ فِي الصَّلَاةِ. فَائِدَةٌ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ إلَّا الشِّيعَةَ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الصُّوفِ، وَفِيهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَإِنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ تَنْزِيهًا. وَقَالَتْ الشِّيعَةُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ. وَيُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ   [حاشية البجيرمي] كَرَاهَةَ فِي عَطَنِهَا الطَّاهِرِ حَالَ غَيْبَتِهَا عَنْهُ، وَخَرَجَ بِعَطَنِ الْإِبِلِ مَرَابِضُ الْغَنَمِ أَيْ مَرَاقِدُهَا فَلَا تُكْرَهُ فِيهِ لِخَبَرِ «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ» وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِبِلَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَشْتَدَّ نِفَارُهَا وَلَا كَذَلِكَ الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ كَالْغَنَمِ وَكَذَا الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ، وَالْكَلَامُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ نِفَارٌ بِالْفِعْلِ مُشَوِّشٌ وَإِلَّا فَالْحَاصِلُ الْكَرَاهَةُ اهـ. وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا خَلَا مَحَلُّ الْحَيَوَانِ عَنْ النَّجَاسَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ مَحَلُّهَا نَجَسًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْإِبِلِ مُعَلَّلَةٌ بِعِلَّتَيْنِ وَهُمَا نِفَارُهَا وَغَلَبَةُ النَّجَاسَةِ وَفِي غَيْرِهَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمَقْبَرَةِ) بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَقْبَرَةِ الْقَدِيمَةِ وَالْجَدِيدَةِ بِأَنْ دُفِنَ بِهَا أَوَّلُ مَيِّتٍ بَلْ لَوْ دُفِنَ مَيِّتٌ بِمَسْجِدٍ كَانَ كَذَلِكَ لِخَبَرِ «لَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ» وَعِلَّتُهُ مُحَاذَاتُهُ لِلنَّجَاسَةِ سَوَاءٌ مَا تَحْتَهُ أَوْ أَمَامَهُ أَوْ بِجَانِبِهِ. وَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمُحَاذَاةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَيْ الْمَقْبَرَةِ لِبُعْدِ الْمَوْتَى عَنْهُ عُرْفًا، وَيُسْتَثْنَى مَقَابِرُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ وَيُلْحَقُ بِهِمْ مَقَابِرُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ، فَلَيْسَ يَحْصُلُ لِبَدَنِهِمْ صَدِيدٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ أَبَدًا فَالْعِلَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ الْفَرِيقَيْنِ اهـ أج بِاخْتِصَارٍ. وَاعْتَرَضَ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي مَقْبَرَةِ الْأَنْبِيَاءِ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اتِّخَاذِهَا مَسْجِدًا وَقَدْ نَهَى عَنْهَا بِقَوْلِهِ «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» . وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ قَصْدُ اسْتِقْبَالِهَا لِتَبَرُّكٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَيْهَا اسْتِقْبَالُهَا وَلَا اتِّخَاذُهَا مَسْجِدًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر بِزِيَادَةٍ. وَقَوْلُهُ: وَفِي الْمَقْبَرَةِ إلَخْ أَيْ وَفَرْضُ الْكَلَامِ إذَا لَمْ يُصَلِّ فَوْقَ الْقَبْرِ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى فَوْقَ الْقَبْرِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَمْرَيْنِ مُحَاذَاةِ النَّجَاسَةِ وَالْوُقُوفِ عَلَى الْقَبْرِ، وَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ عَلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْكَعْبَةِ الَّتِي تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فَوْقَهَا. وَقَوْلُهُ: يُصَلُّونَ الْمُتَبَادَرُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمَا يُفْعَلُ فِي الدُّنْيَا وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا وَمِثْلُهُمْ الشُّهَدَاءُ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقَبْرِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (الشِّيعَةُ) طَائِفَةٌ مُسْلِمُونَ خَوَارِجُ بَالَغُوا فِي حُبِّ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ وَقَالُوا إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنْهُمَا وَأَنَّهُمَا تَعَدَّيَا عَلَيْهِ فِي أَخْذِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَبَّحَهُمْ اللَّهُ قَوْلُهُ: (إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ) وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مَشْهُورٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَلَعَلَّ الْإِمَامَ رَجَعَ عَنْهُ أَوْ أَنَّ عُلَمَاءَ الْمَالِكِيَّةِ لَمْ تَنْقُلْهُ لِشِدَّةِ ضَعْفِهِ قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ) أَيْ الشَّخْصُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا وَلَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعِدَّ النَّعْشَ سَاتِرًا إنْ قَرُبَ مِنْهُ فَإِنْ بَعُدَ عَنْهُ اُعْتُبِرَ لِحُرْمَةِ الْمُرُورِ أَمَامَهُ بِسُتْرَةٍ بِالشُّرُوطِ، وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنَّ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَمَرْتَبَةَ النَّعْشِ بَعْدَ الْعَصَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ أُزِيلَتْ سُتْرَتُهُ حَرُمَ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهَا الْمُرُورُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَقِيَاسُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَتَرَ بِسُتْرَةٍ يَرَاهَا مُقَلِّدُهُ وَلَا يَرَاهَا مُقَلِّدُ الْمَارِّ تَحْرِيمُ الْمُرُورِ. وَلَوْ قِيلَ بِاعْتِبَارِ اعْتِقَادِ الْمُصَلِّي فِي جَوَازِ الدَّفْعِ وَفِي تَحْرِيمِ الْمُرُورِ بِاعْتِقَادِ الْمَارِّ لَمْ يَبْعُدْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَذْهَبَ الْمُصَلِّي، وَلَوْ صَلَّى بِلَا سُتْرَةٍ فَوَضَعَهَا غَيْرُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اعْتَدَّ بِهَا، وَلَوْ كَانَ الْوَاضِعُ غَيْرَ عَاقِلٍ أَوْ نَقَلَهَا الرِّيحُ إلَيْهِ أَوْ نَحْوَ دَابَّةٍ، وَلَوْ اسْتَتَرَ بِسُتْرَةٍ فِي مَكَان مَغْصُوبٍ لَمْ يَحْرُمْ الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَمْ يُكْرَهْ. وَلْيَنْظُرْ السِّتْرَ بِسُتْرَةٍ مَغْصُوبَةٍ فِي الْمَكَانِ الْغَيْرِ الْمَغْصُوبِ وَاَلَّذِي فِي التُّحْفَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ حُرْمَةِ الْمُرُورِ، لَكِنْ نَقَلَ سم فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ حُرْمَةَ الْمُرُورِ فِي السُّتْرَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَطَلَبِ الْفَرْقِ فَلْيُنْظَرْ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْمَكَانَ الْمَغْصُوبَ يُنْهَى عَنْ وَضْعِ السُّتْرَةِ مِنْ أَصْلِهَا فِيهِ بِخِلَافِ وَضْعِهَا فِي مَكَان مَمْلُوكٍ، فَصَارَ لِلسُّتْرَةِ الْمَغْصُوبَةِ جِهَتَانِ وَلِلْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ. وَفِي ع ش عَلَى م ر: أَقُولُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَقَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمَكَانِ أَقْوَى مِنْ الْحَقِّ الْمُتَعَلِّقِ بِالسُّتْرَةِ، فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ حَتَّى تَكُونَ السُّتْرَةُ مَانِعَةً لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُرُورِ فِيهِ، فَاعْتِبَارُهَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ مِنْ مَكَانِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 لِنَحْوِ جِدَارٍ كَعَمُودٍ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَلِنَحْوِ عَصَا مَغْرُوزَةٍ كَمَتَاعٍ لِلِاتِّبَاعِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ بَسَطَ مُصَلًّى كَسَجَّادَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ خَطَّ أَمَامَهُ خَطًّا طُولًا وَطُولُ الْمَذْكُورَاتِ ثُلُثَا ذِرَاعٍ فَأَكْثَرُ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُصَلِّي ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ، فَإِذَا صَلَّى إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ سُنَّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ دَفْعُ مَارٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. وَالْمُرَادُ بِالْمُصَلَّى وَالْخَطِّ أَعْلَاهُمَا، وَيَحْرُمُ   [حاشية البجيرمي] بِخِلَافِ السُّتْرَةِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّ الْحَقَّ لِمَالِكِهَا إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهَا، فَإِمْكَانُ اعْتِبَارِهَا عَلَامَةً عَلَى كَوْنِ مَحَلِّهَا مُعْتَبَرًا مِنْ حَرِيمِ الْمُصَلِّي. وَبَقِيَ مَا لَوْ صَلَّى فِي مَكَان مَغْصُوبٍ وَوَضَعَ السُّتْرَةَ فِي غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي فِيهِ جَوَازُ الدَّفْعِ اعْتِبَارًا بِالسُّتْرَةِ اهـ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَلَوْ تَعَارَضَتْ السُّتْرَةُ وَالْقُرْبُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَثَلًا فَمَا الَّذِي يُقَدَّمُ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ يُقَدَّمُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ خَارِجَ مَسْجِدِهِ الْمُخْتَصِّ بِالْمُضَاعَفَةِ تَقْدِيمُ نَحْوِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ اهـ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالسِّتْرِ بِالْآدَمِيِّ وَنَحْوِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي أَنَّ بَعْضَ الصُّفُوفِ لَا يَكُونُ سُتْرَةً لِصَفٍّ آخَرَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَوْلُهُ: (كَعَمُودٍ) أَيْ فَالْجِدَارُ وَالْعَمُودُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ. اهـ. ع ش قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَسُرَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ. اهـ. ز ي قَوْلُهُ: (فَلِنَحْوِ عَصَا) أَيْ أَوْ رُمْحٍ أَوْ نُشَّابَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَعَصَا يُرْسَمُ بِالْأَلِفِ لِأَنَّهُ وَاوِيٌّ قَالَ الْغَزَالِيُّ: أَوَّلُ شَيْءٍ سُمِعَ مِنْ اللَّحْنِ هَذِهِ عَصَاتِي وَإِنَّمَا هِيَ عَصَايَ كَمَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (كَمَتَاعٍ) خَرَجَ بِهِ الْحَيَوَانُ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ سِتْرٌ آدَمِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ الصُّفُوفِ جَائِزٌ وَهُوَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: (بَسَطَ مُصَلًّى) أَيْ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ إلَيْهِ كَأَنْ كَانَ مُزَوَّقًا قَوْلُهُ: (كَسَجَّادَةٍ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّجَّادَةِ الْحَصِيرَ الْمَفْرُوشَةَ بِالْمَسْجِدِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ سُتْرَةً لِلْوَاقِفِ عَلَيْهَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (خَطَّ أَمَامَهُ) فَلَوْ عَدَلَ إلَى مَرْتَبَةٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا لَمْ تَحْصُلْ سُنَّةُ الِاسْتِتَارِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ عُسْرَ مَا قَبْلَهَا عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ عَجْزِهِ عَنْهَا م ر ع ش قَوْلُهُ: (طُولًا) قَالَ م ر: وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِجَعْلِهِ عَرْضًا قَوْلُهُ: (وَطُولُ الْمَذْكُورَاتِ) أَيْ فِي جِهَةِ الْعُلُوِّ فِي غَيْرِ الْمُصَلَّى وَالْخَطُّ وَفِيهِمَا فِيمَا بَيْنَ الْمُصَلَّى وَبَيْنَ آخِرِهِمَا، وَالْعِبْرَةُ فِي السَّجَّادَةِ وَالْخَطِّ بِالطَّرَفِ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَالْمُرُورُ فِيهِمَا يَكُونُ فَوْقَهُمَا قَالَهُ أج قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ) وَيُحْسَبُ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ لَا مِنْ الْعَقِبِ عَلَى الْأَوْجَهِ شَرْحُ م ر، أَيْ فِي حَقِّ الْقَائِمِ وَعَلَى قِيَاسِهِ فِي حَقِّ الْقَاعِدِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رُكْبَتَيْهِ اهـ ح ل قَوْلُهُ: (دَفْعُ مَارٍّ) وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِمُرُورِهِ كَالْجَاهِلِ وَالسَّاهِي وَالْغَافِلِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ يُمْنَعُ مِنْ ارْتِكَابِهِ الْمُنْكَرَ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ ح ل. قَالَ م ر: وَيَدْفَعُ بِالتَّدْرِيجِ كَالصَّائِلِ وَإِنْ أَدَّى دَفْعُهُ إلَى قَتْلِهِ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ مُتَوَالِيَةٍ وَإِلَّا بَطَلَتْ. فَإِنْ قُلْتَ: هَلَّا قِيلَ بِوُجُوبِهِ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مُنْكَرٍ وَهُوَ أَيْ الْإِزَالَةُ وَاجِبَةٌ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِهَا إذَا لَمْ يَزُلْ إلَّا بِالنَّهْيِ وَهَذَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ مُرُورِهِ وَهُوَ جَوَابٌ نَفِيسٌ فَافْهَمْهُ. وَحَيْثُ كَانَ كَالصَّائِلِ فَلَا يَضْمَنُهُ لَوْ تَلِفَ وَلَوْ رَقِيقًا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالْمُصَلَّى وَالْخَطِّ أَعْلَاهُمَا) أَيْ فَيُقَدَّرُ مُضَافٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا أَيْ وَبَيْنَ أَعْلَاهُمَا وَبَيْنَ الْمُصَلَّى. وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ فَإِذَا صَلَّى إلَى شَيْءٍ إلَخْ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: وَبَيْنَهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْخَطِّ وَالسَّجَّادَةِ وَقَوْلِهِ أَعْلَاهُمَا وَهُوَ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، يَعْنِي أَنَّنَا نَحْسِبُ الثَّلَاثَةَ أَذْرُعٍ الَّتِي بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالْمُصَلَّى أَوْ الْخَطِّ مِنْ رُءُوسِ أَصَابِعِ الْمُصَلِّي إلَى آخِرِ السَّجَّادَةِ مَثَلًا حَتَّى لَوْ كَانَ فَارِشُهَا تَحْتَهُ كَفَتْ، لَا أَنَّنَا نَحْسِبُهَا مِنْ رُءُوسِ أَصَابِعِهِ إلَى أَوَّلِهَا، فَلَوْ وَضَعَهَا قُدَّامَهُ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوَّلِهَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ لَمْ يَكْفِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ طَالَ الْمُصَلَّى أَوْ الْخَطُّ وَكَانَ بَيْنَ قَدَمِ الْمُصَلِّي وَأَعْلَاهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ لَمْ تَكُنْ سُتْرَةً مُعْتَبَرَةً. وَلَا يُقَالُ يُعْتَبَرُ مِنْهَا مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ إلَى قَدَمِهِ وَيَجْعَلُ سُتْرَةً وَيُلْغِي حُكْمَ الزَّائِدِ، وَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ م ر وَمَالَ بِالْفَهْمِ إلَى أَنَّهُ يُقَالُ مَا ذُكِرَ لَكِنْ ظَاهِرُ الْمَنْقُولِ الْأَوَّلُ سم ع ش عَلَى م ر. قَالَ ع ش: وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى فَرْوَةٍ مَثَلًا طُولُهَا ثُلُثَا ذِرَاعٍ وَكَانَ إذَا سَجَدَ سَجَدَ عَلَى مَا وَرَاءَهَا مِنْ الْأَرْضِ لَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ تَقْدِيمِ الْفَرْوَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى مَوْضِعِ جَبْهَتِهِ، وَيَحْرُمُ الْمُرُورُ عَلَى الْفَرْوَةِ فَقَطْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَارُّ سَبِيلًا آخَرَ، وَإِذَا صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْعَلَهَا مُقَابِلَةَ لِيَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ وَلَا يَصْمُدُ إلَيْهَا بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ لَا يَجْعَلُهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. فَصْلٌ: فِيمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَمَا يَجِبُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ وَبَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَعَدَدُ رَكَعَاتِ الْفَرَائِضِ) فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ غَيْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَسَفَرِ الْقَصْرِ (سَبْعَةَ عَشَرَ رَكْعَةً) قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ زَمَنَ الْيَقِظَةِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ سَاعَةً، فَإِنَّ النَّهَارَ الْمُعْتَدِلَ اثْنَا عَشَرَ سَاعَةً، وَسَهَرُ الْإِنْسَانِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ وَمِنْ آخِرِهِ سَاعَتَانِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَجُعِلَ لِكُلِّ سَاعَةٍ رَكْعَةٌ. اهـ. . (وَفِيهَا) أَيْ الْفَرَائِضِ (أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ سَجْدَةً) لِأَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَتَيْنِ (وَ) فِيهَا (أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ تَكْبِيرَةً) بِتَقْدِيمِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ حَيْثُ لَمْ يُقَصِّرْ الْمُصَلِّي بِأَنْ وَقَفَ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْعَامِدِ الْعَالِمِ الْمُكَلَّفِ الْمُعْتَقِدِ لِحُرْمَةِ الْمُرُورِ، وَلَوْ بِبَعْضِ بَدَنِهِ كَيَدِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ تَمْكِينُ مُوَلِّيهِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَيَلْحَقُ بِالْمُرُورِ جُلُوسُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَدُّ رِجْلَيْهِ وَاضْطِجَاعُهُ، فَكُلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَبَائِرِ أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» . اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. نَعَمْ قَدْ يَضْطَرُّ الْمَارُّ إلَى الْمُرُورِ كَإِنْذَارِ نَحْوِ مُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ تَعَيَّنَ الْمُرُورُ طَرِيقًا إلَى إنْقَاذِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مَا لَوْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَوْ ضَاقَ وَقْتُ عَرَفَاتٍ وَلَمْ يَجِدْ مَحَلًّا يُصَلِّي فِيهِ وَلَمْ يُدْرِكْ عَرَفَاتٍ إلَّا بِالْمُرُورِ أَمَامَهُ اهـ أج قَوْلُهُ: (أَوْ شِمَالِهِ) وَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا لِدَفْعِ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ يَجِيءُ مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ وَقَالَ ع ش: الْأَوْلَى عَنْ يَمِينِهِ لِشَرَفِ الْيَمِينِ قَوْلُهُ: (أَيْ لَا يَجْعَلُهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَيْفَ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ أَمَامَ وَجْهِهِ شَيْئًا» . وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِأَمَامِ الْوَجْهِ فِي الْحَدِيثِ مَا قَابَلَ الْخَلْفَ. [فَصْلٌ فِيمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ] ُ لَوْ قَالَ: فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ لَكَانَ أَنْسَبَ إذْ الْمُشْتَمِلُ وَالْمُشْتَمَلُ عَلَيْهِ وَاحِدٌ لَكِنَّ التَّغَايُرَ بَيْنَهُمَا بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ كَافٍ، وَالْقَصْدُ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالِهَا، وَالْحَثُّ عَلَى مَعْرِفَةِ الْكَيْفِيَّةِ ق ل. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: أَرَادَ بِالْمُشْتَمِلِ الْكُلَّ وَبِالْمُشْتَمَلِ عَلَيْهِ الْأَجْزَاءَ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: اشْتَمَلَ زَيْدٌ عَلَى أَجْزَائِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَالُ: كَيْفُ يَدَّعِي أَنَّ الصَّلَاةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَجْزَائِهَا مَعَ أَنَّهَا عَيْنُ أَجْزَائِهَا؟ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْفَصْلَ لِزِيَادَةِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ لِلْمُبْتَدِئِ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ وَغَالِبُ هَذَا الْفَصْلِ خَلَتْ عَنْهُ غَالِبُ الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ. قَوْلُهُ: (سَبْعَةَ عَشَرَ إلَخْ) صَوَابُهُ سَبْعَ عَشْرَةَ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُؤَنَّثٌ مَذْكُورٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ تَحْرِيفٌ مِنْ النُّسَّاخِ قَوْلُهُ: (فَإِنَّ النَّهَارَ الْمُعْتَدِلَ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ اعْتِدَالَ النَّهَارِ فِي يَوْمَيْنِ فِي السَّنَةِ فَقَطْ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ: وَسَهَرُ الْإِنْسَانِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لِبَعْضِ نَاسٍ قَلِيلِينَ وَأَيْضًا كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ النَّهَارِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ اللَّيْلِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْفَلَكِ لِأَنَّ اللَّيْلَ عِنْدَهُمْ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا، فَهَذِهِ الْحِكْمَةُ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: فَإِنَّ النَّهَارَ الْمُعْتَدِلَ الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ ذِكْرَ الْمُعْتَدِلِ يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْحِكْمَةِ بِالنَّهَارِ الْمُعْتَدِلِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ إطْرَادُهَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، فَلَوْ حَذَفَ الْمُعْتَدِلَ لَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا السَّاعَاتُ الزَّمَانِيَّةُ الَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا اهـ. قَالَ م د: أَقُولُ كَلَامُ الشَّارِحِ أَضْبَطُ وَأَوْلَى فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى إرَادَةِ السَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ، وَبِالنَّظَرِ لَهَا يَتَعَيَّنُ زِيَادَةُ الْمُعْتَدِلِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ قَوْلُهُ: (إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ) كَانَ الْوَجْهُ إسْقَاطَهُ ق ل. لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَمِنْ آخِرِهِ قَوْلُهُ: (فَجُعِلَ لِكُلِّ سَاعَةٍ رَكْعَةٌ) لِتَكْفِيرِ ذُنُوبِهَا فَتَكُونُ السَّبْعَةَ عَشَرَ مُكَفِّرَةً لِمَا يَقَعُ فِي زَمَنِ الْيَقِظَةِ مِنْ الذُّنُوبِ. قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَلَمْ يُحْسَبْ زَمَنُ النَّوْمِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّائِمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ وُقُوعُ ذَنْبٍ فِي حَالَةِ النَّوْمِ قَوْلُهُ: (أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ تَكْبِيرَةً) لِأَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ سُنَّةً، وَتَكْبِيرَاتُ التَّحَرُّمِ خَمْسٌ فَرْضٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 الْمُثَنَّاةِ عَلَى السِّينِ لِأَنَّ فِي كُلِّ رُبَاعِيَّةٍ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَيَجْتَمِعُ مِنْهَا سِتَّةٌ وَسِتُّونَ تَكْبِيرَةً، وَفِي الثُّنَائِيَّةِ إحْدَى عَشَرَ تَكْبِيرَةً، وَفِي الثُّلَاثِيَّةِ سَبْعَ عَشَرَ تَكْبِيرَةً فَجُمْلَتُهَا أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ تَكْبِيرَةً (وَ) فِيهَا (تِسْعُ تَشَهُّدَاتٍ) لِأَنَّ فِي الثُّنَائِيَّةِ تَشَهُّدًا وَاحِدًا وَفِي كُلٍّ مِنْ الْبَاقِي تَشَهُّدَيْنِ (وَ) فِيهَا (عَشْرُ تَسْلِيمَاتٍ) لِأَنَّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ تَسْلِيمَتَيْنِ (وَ) فِيهَا (مِائَةٌ وَثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ تَسْبِيحَةً) لِأَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تِسْعَ تَسْبِيحَاتٍ مَضْرُوبَةً فِي سَبْعَةَ عَشَرَ فَتَبْلُغُ مَا ذَكَرَهُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي الثُّنَائِيَّةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَفِي الثُّلَاثِيَّةِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَفِي الرُّبَاعِيَّةِ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ، أَمَّا يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَعَدَدُ رَكَعَاتِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِيهَا خَمْسَةَ عَشْرَ رُكُوعًا وَثَلَاثُونَ سَجْدَةً وَثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ تَكْبِيرَةً وَمِائَةٌ وَخَمْسٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً وَثَمَانِ تَشَهُّدَاتٍ. وَأَمَّا سَفَرُ الْقَصْرِ فَعَدَدُ رَكَعَاتِهِ لِلْقَاصِرِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فِيهَا أَحَدَ عَشَرَ رُكُوعًا وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ سَجْدَةً وَإِحْدَى وَسِتُّونَ تَكْبِيرَةً وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ تَسْبِيحَةً بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ عَلَى السِّينِ فِيهِمَا وَسِتُّ تَشَهُّدَاتٍ. وَأَمَّا السَّلَامُ فَلَا يَخْتَلِفُ عَدَدُهُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ (وَجُمْلَةُ الْأَرْكَانِ فِي الصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ وَهِيَ الْخَمْسُ (مِائَةٌ وَسِتٌّ وَعِشْرُونَ رُكْنًا) الْأُولَى سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ السِّينِ وَعِشْرُونَ إذْ التَّرْتِيبُ رُكْنٌ كَمَا سَبَقَ. ثُمَّ ذَكَرَ تَفْصِيلَهُ بِقَوْلِهِ (فِي الصُّبْحِ) مِنْ ذَلِكَ (ثَلَاثُونَ رُكْنًا) النِّيَّةُ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالْقِيَامُ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَالرُّكُوعُ   [حاشية البجيرمي] وَتَكْبِيرَاتُ الْقِيَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَرْبَعٌ سُنَّةً ق ل. قَوْلُهُ: (وَفِيهَا تِسْعُ تَشَهُّدَاتٍ) خَمْسَةٌ مِنْهَا فَرْضُ يَعْقُبُهَا السَّلَامُ، وَأَرْبَعٌ سُنَّةً يَعْقُبُهَا الْقِيَامُ ق ل قَوْلُهُ: (وَفِيهَا عَشْرُ تَسْلِيمَاتٍ) خَمْسَةٌ وَاجِبَةٌ اهـ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ تَسْلِيمَتَيْنِ) الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تِسْعَ تَسْبِيحَاتٍ) هَذَا أَدْنَى الْكَمَالِ، أَمَّا أَكْمَلُهُ فَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَتُضْرَبُ الثَّلَاثَةُ وَالثَّلَاثُونَ فِي السَّبْعَةَ عَشَرَ تَبْلُغُ خَمْسَمِائَةٍ وَأَحَدًا وَسِتِّينَ اهـ. وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ صَلَاةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةَ الْمُسَافِرِ لِمَنْ قَصَرَ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَفِي الرُّبَاعِيَّةِ) أَيْ الثَّلَاثَةُ إذْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ ق ل. قَوْلُهُ: (أَمَّا يَوْمُ الْجُمُعَةِ) أَيْ لِمَنْ صَلَّاهَا فَتَصِيرُ كَالصُّبْحِ قَوْلُهُ: (فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ رُكُوعًا) فِيهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: (فَعَدَدُ رَكَعَاتِهِ لِلْقَاصِرِ إلَخْ) فَتَصِيرُ كُلُّ رُبَاعِيَّةٍ كَالصُّبْحِ قَوْلُهُ: (فِيهَا أَحَدَ عَشَرَ رُكُوعًا) فِيهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى عَدَدِ الرُّكُوعَاتِ قَوْلُهُ: (عَلَى السِّينِ فِيهِمَا) أَيْ فِي التِّسْعِ وَالتِّسْعِينَ قَوْلُهُ: (وَجُمْلَةُ الْأَرْكَانِ إلَخْ) لِأَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ اثْنَيْ عَشَرَ رُكْنًا، وَفِي كُلِّ تَشَهُّدٍ آخَرَ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ وَهِيَ التَّشَهُّدُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ وَالسَّلَامُ وَالْقُعُودُ لِلثَّلَاثَةِ، وَفِي كُلِّ تَحَرُّمٍ رُكْنَيْنِ النِّيَّةُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّرْتِيبُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ. اهـ. ق ل فَتَضْرِبُ اثْنَيْ عَشَرَ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعَةً، وَتُضِيفُ إلَيْهَا مَا فِي التَّحَرُّمَاتِ وَهُوَ عَشْرَةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي خَمْسَةٍ، وَتُضِيفُ إلَيْهَا مَا فِي التَّشَهُّدَاتِ الْأَخِيرَةِ وَهُوَ عِشْرُونَ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ فِي خَمْسَةٍ، وَتُضِيفُ إلَيْهَا خَمْسَةَ أَرْكَانِ التَّرْتِيبِ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَتِسْعَةً وَثَلَاثِينَ، وَهَذَا غَيْرُ مُنَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الرُّبَاعِيَّاتِ وَأَسْقَطَ التَّرْتِيبَ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَعِشْرُونَ رُكْنًا قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْخَمْسُ) الْأُولَى حَذَفَهُ لِأَنَّهُ عَدَّ الرُّبَاعِيَّاتِ الثَّلَاثَ وَاحِدَةً حَيْثُ عَدَّ أَرْكَانَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَأَمَّلْ قَوْلَهُ: (إذْ التَّرْتِيبُ) أَيْ جِنْسُهُ وَهُوَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَدَّهُ فِيمَا يَأْتِي رُكْنًا فِي كُلٍّ مِنْ الْخَمْسِ، فَلَوْ نَظَرَ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ صَلَاةٍ قَالَ بَدَلَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ أج. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: الْأُولَى سَبْعٌ هَذَا إنْ جُعِلَ التَّرْتِيبُ فِي الصَّلَوَاتِ رُكْنًا وَاحِدًا، وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ أَنْ يَعُدَّ خَمْسَةَ أَرْكَانٍ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُعَدُّ صَرِيحٌ فِي هَذَا فَفِي كَلَامِهِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ. وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ: الْأُولَى سَبْعٌ إلَخْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَدَّ الرُّبَاعِيَّاتِ الثَّلَاثَ وَاحِدَةً، فَيُزَادُ لَهَا التَّرْتِيبُ وَيُزَادُ التَّرْتِيبُ لِلثُّنَائِيَّةِ وَلِلثُّلَاثِيَّةِ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَيْثُ اعْتَرَضَ الشَّارِحُ عَلَى الْمَتْنِ وَزَادَ التَّرْتِيبَ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَةٌ بِجَعْلِ الرُّبَاعِيَّاتِ الثَّلَاثَةِ وَاحِدَةً فِيهَا ثَلَاثُ تَرْتِيبَاتٍ زِيَادَةً عَلَى السِّتَّةِ وَالْعِشْرِينَ، مَعَ أَنَّ الشَّارِحَ هُنَا جَعَلَ التَّرْتِيبَ كُلَّهُ رُكْنًا وَاحِدًا وَفِيمَا يَأْتِي يَعُدُّهُ رُكْنًا فِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَآخِرُ كَلَامِهِ يُخَالِفُ أَوَّلَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالسُّجُودُ الْأَوَّلُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهَا، وَالرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى مَا عَدَا النِّيَّةَ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَتَزِيدُ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ وَقِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ وَالتَّسْلِيمَةَ الْأُولَى. وَسَكَتَ عَنْ التَّرْتِيبِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ وَعَدَّ كُلَّ سَجْدَةٍ رُكْنًا وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْأَرْكَانِ مِنْ عَدِّهِمَا رُكْنًا وَاحِدًا وَهُوَ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ (وَفِي الْمَغْرِبِ) مِنْ ذَلِكَ (اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رُكْنًا) الْأُولَى ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُونَ لِمَا عَرَفْت أَنَّ التَّرْتِيبَ رُكْنٌ: أَوَّلُهَا النِّيَّةُ وَآخِرُهَا التَّسْلِيمَةُ الْأُولَى (وَفِي كُلٍّ) مِنْ الصَّلَاةِ (الرُّبَاعِيَّةِ) مِنْ ذَلِكَ (أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ رُكْنًا) وَالْأُولَى خَمْسٌ وَخَمْسُونَ بِزِيَادَةِ التَّرْتِيبِ: أَوَّلُهَا النِّيَّةُ وَآخِرُهَا التَّسْلِيمَةُ الْأُولَى كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ عَدِّهَا فِي الصُّبْحِ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ صَلَّى جَالِسًا) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عَنْ ثَوَابِ الْمُصَلِّي قَائِمًا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَا نَعْنِي بِالْعَجْزِ عَدَمَ الْإِمْكَانِ فَقَطْ بَلْ فِي مَعْنَاهُ خَوْفُ الْهَلَاكِ أَوْ الْغَرَقِ وَزِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ خَوْفُ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ أَوْ دَوَرَانُ الرَّأْسِ فِي حَقِّ رَاكِبِ السَّفِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي ضَبْطِ الْعَجْزِ أَنْ تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ تُذْهِبُ خُشُوعَهُ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ اهـ. وَجَمَعَ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ بِأَنَّ إذْهَابَ الْخُشُوعِ يَنْشَأُ عَنْ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَافْتِرَاشُهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْجِلْسَاتِ لِأَنَّهَا هَيْئَةٌ مَشْرُوعَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَتْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا، وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ هُنَا وَفِي سَائِرِ قَعَدَاتِ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَجْلِسَ الْمُصَلِّي عَلَى وَرِكَيْهِ وَهُمَا أَصْلُ فَخِذَيْهِ نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ بِأَنْ يُلْصِقَ أَلْيَيْهِ بِمَوْضِعِ صَلَاتِهِ، وَيَنْصِبَ فَخِذَيْهِ وَسَاقَيْهِ كَهَيْئَةِ الْمُسْتَوْفِزِ، وَمِنْ الْإِقْعَاءِ نَوْعٌ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَهُوَ أَنْ يَفْرِشَ رِجْلَيْهِ وَيَضَعَ أَلْيَيْهِ عَلَى قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَنْحَنِيَ الْمُصَلِّي قَاعِدًا لِرُكُوعِهِ بِحَيْثُ تُقَابِلُ جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ، وَهَذَا أَقَلُّ رُكُوعِهِ، وَأَكْمَلُهُ أَنْ تُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ لِأَنَّهُ يُضَاهِي رُكُوعَ الْقَائِمِ فِي الْمُحَاذَاةِ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْمَلِ (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَهُوَ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ) لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ لَا بُدَّ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ، وَعِبَارَةُ سم قَوْلُهُ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ مَعْنَوِيٌّ إذْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا رُكْنٌ وَاحِدٌ عَدَمُ الضَّرَرِ بِالتَّقَدُّمِ أَوْ التَّأَخُّرِ بِهِمَا بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ [الْقِسْمِ الثَّانِي فِي مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ] قَوْلُهُ: (فِي الْفَرِيضَةِ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْخَمْسِ كَالْكِفَايَةِ وَالنَّذْرِ قَوْلُهُ: (لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ) أَيْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَوْلُهُ: (عَلَى أَيِّ صِفَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَالِسًا لَا بِقَوْلِهِ لِلْإِجْمَاعِ وَقَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ عَلَى أَيِّ كَيْفِيَّةٍ شَاءَ قَوْلُهُ: (لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ) فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا» وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْقُعُودِ قَوْلُهُ: (إنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ) وَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَشَقَّةُ شَدِيدَةً، وَلَا يَكْتَفِي بِكَوْنِهَا تُذْهِبُ الْخُشُوعَ وَظَاهِرُ مَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهَا الْمُذْهِبَةُ لِلْخُشُوعِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَدِيدَةً، فَهُمَا مُتَنَافِيَانِ فَجَمَعَ الشَّارِحُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِمَا ذَكَرَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (وَجَمَعَ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْجَمْعِ قَوْلٌ ثَالِثٌ مُرَكَّبٌ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، بِأَنْ يُحْمَلَ كُلُّ قَوْلٍ عَلَى شَيْءٍ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ مَعْنَى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ قَوْلُهُ: (وَافْتِرَاشُهُ) أَيْ الْمُصَلِّي جَالِسًا وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ جَالِسًا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَ قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا مَرَّ قَوْلُهُ: (وَهُمَا أَصْلُ فَخِذَيْهِ) وَهُوَ الْأَلْيَانِ قَوْلُهُ: (مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ) أَيْ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَمِثْلُهُ كُلُّ جُلُوسٍ يَعْقُبُهُ قِيَامٌ وَالِافْتِرَاشُ أَفْضَلُ مِنْهُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَنْ يَفْرُشَ رِجْلَيْهِ) بِضَمِّ الرَّاءِ مِنْ بَابِ نَصَرَ أَصَابِعَهُمَا، فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ ضَرَبَ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَنْحَنِي) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى جَالِسًا قَوْلُهُ: (وَأَكْمَلُهُ إلَخْ) وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْبَعْضِ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ عَجَزَ بَعْدَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ جَازَ لَهُ الْجُلُوسُ لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ، وَلَا يُكَلَّفُ قَطْعَهَا إنْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا لِيَرْكَعَ ثُمَّ إنْ قَدَرَ بَعْدَ قِرَاءَتِهَا عَلَى الْقِيَامِ رَكَعَ مِنْ قِيَامٍ وَإِلَّا فَمِنْ جُلُوسٍ اهـ أج قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ رُكُوعُ الْقَاعِدِ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَهُمَا عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 الْجُلُوسِ) بِأَنْ نَالَهُ مِنْ الْجُلُوسِ تِلْكَ الْمَشَقَّةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ الْقِيَامِ (صَلَّى مُضْطَجِعًا) لِجَنْبِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ وُجُوبًا لِحَدِيثِ عِمْرَانَ السَّابِقِ وَكَالْمَيِّتِ فِي اللَّحْدِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَيْمَنِ وَيُكْرَهُ عَلَى الْأَيْسَرِ بِلَا عُذْرٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ (وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الِاضْطِجَاعِ (صَلَّى مُسْتَلْقِيًا) عَلَى ظَهْرِهِ وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ نَحْوِ وِسَادَةٍ تَحْتَ رَأْسِهِ لِيَسْتَقْبِلَ بِوَجْهِهِ الْقِبْلَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالْكَعْبَةِ وَهِيَ مَسْقُوفَةٌ، فَالْمُتَّجَهُ جَوَازُ الِاسْتِلْقَاءِ عَلَى ظَهْرِهِ وَكَذَا عَلَى وَجْهِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَسْقُوفَةً لِأَنَّهُ كَيْفَمَا تَوَجَّهَ فَهُوَ مُتَوَجِّهٌ لِجُزْءٍ مِنْهَا، وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِقَدْرِ إمْكَانِهِ، فَإِنْ قَدَرَ الْمُصَلِّي عَلَى الرُّكُوعِ فَقَطْ كَرَّرَهُ لِلسُّجُودِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى أَكْمَلِ الرُّكُوعِ تَعَيَّنَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ لِلسُّجُودِ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ عَلَى الْمُتَمَكِّنِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَمَّا ذُكِرَ (أَوْمَأَ) بِهَمْزَةٍ (بِرَأْسِهِ) وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَإِنْ عَجَزَ فَبِبَصَرِهِ، فَإِنْ عَجَزَ أَجْرَى أَفْعَالَ الصَّلَاةِ بِسُنَنِهَا (وَنَوَى بِقَلْبِهِ) وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَعَقْلُهُ ثَابِتٌ لِوُجُودِ مَنَاطِ التَّكْلِيفِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ قَدَرَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ أَتَى بِالْمَقْدُورِ لَهُ وَبَنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ، وَيُنْدَبُ إعَادَتُهَا فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ لِتَقَعَ حَالَ الْكَمَالِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَرَأَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا وَلَا تُجْزِئُهُ قِرَاءَتُهُ   [حاشية البجيرمي] وِزَانِ رُكُوعِ الْقَائِمِ فِي الْمُحَاذَاةِ كَذَا قِيلَ، وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى وِزَانِهِ وَإِنْ كُنْت مَشَيْت عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ لِأَنَّ الرَّاكِعَ مِنْ قِيَامٍ لَا يُحَاذِي مَوْضِعَ سُجُودِهِ وَإِنَّمَا يُحَاذِي مَا دُونَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْجُدُ فَوْقَ مَا يُحَاذِيهِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ بِمُحَاذَاتِهِ ذَلِكَ مُحَاذَاتُهُ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّظَرِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَالِاعْتِرَاضُ أَقْوَى. اهـ. م د قَوْلُهُ: (صَلَّى مُضْطَجِعًا) وَيَجِبُ جُلُوسُهُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ م د قَوْلُهُ: (وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ) قَالَ حَجّ فِي شَرْحِهِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ وَأَخْمَصَاهُ أَوْ رِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ كَالْمُحْتَضَرِ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ، فَلَا يَضُرُّ إخْرَاجُهُمَا عَنْهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ اسْمَ الِاسْتِلْقَاءِ وَالِاسْتِقْبَالُ حَاصِلٌ بِالْوَجْهِ كَمَا مَرَّ فَلَمْ يَجِبْ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَعْهَدْ الِاسْتِقْبَالَ بِهِ. نَعَمْ إنْ فَرَضَ تَعَذُّرَهُ بِالْوَجْهِ لَمْ يَبْعُدْ إيجَابُهُ بِالرِّجْلِ حِينَئِذٍ تَحْصِيلًا لَهُ بِبَعْضِ الْبَدَنِ مَا أَمْكَنَهُ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّوَجُّهِ بِالْأَخْمَصَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: الْمُرَادُ بِهِمَا هُنَا جَمِيعُ بَاطِنِ الْقَدَمَيْنِ لَا الْمُنْخَفِضُ مِنْهُمَا فَقَطْ قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ نَحْوِ وِسَادَةٍ تَحْتَ رَأْسِهِ) فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ وَجَبَ اسْتِقْبَالُهُ بِأَخْمَصَيْهِ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالْكَعْبَةِ) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ نَحْوِ وِسَادَةٍ قَوْلُهُ: (جَوَازُ الِاسْتِلْقَاءِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ وِسَادَةٍ تَحْتَ رَأْسِهِ قَوْلُهُ: (كَيْفَمَا تَوَجَّهَ) أَيْ إلَى سَقْفِهَا أَوْ إلَى عَرْصَتِهَا. قَوْلُهُ: (وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ) أَيْ الْمُضْطَجِعُ وَالْمُسْتَلْقِي بِأَنْ يَقْعُدَ كُلٌّ وَيَرْكَعَ وَيَسْجُدَ قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ) أَيْ الْمُضْطَجِعُ أَوْ الْمُسْتَلْقِي عَمَّا ذَكَرَ أَيْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ وَالسُّجُودُ إلَخْ. فَإِنَّ الْمَعْنَى أَوْمَأَ لِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ قَوْلُهُ: (فَبِبَصَرِهِ) أَيْ أَجْفَانِهِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ أَجْرَى إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي كَلَامِ الْمَاتِنِ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ قَوْلَهُ: وَنَوَى مَعْطُوفٌ عَلَى أَوْمَأَ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ النِّيَّةَ بِالْقَلْبِ مَعْنَاهَا إجْرَاءُ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ عَلَى قَلْبِهِ، وَحَيْثُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِيمَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِجْرَاءُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُمَا مُرَتَّبَتَانِ يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا، فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَنَوَى مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ كَمَا قَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَجْرَى، وَجَعَلَ هَذَا الْمُقَدَّرَ جَوَابًا لِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمَاتِنِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ عَجَزَ إلَخْ تَأَمَّلْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ وَنَوَى بِقَلْبِهِ أَيْ قَبْلَ الْإِجْرَاءِ، وَالْإِجْرَاءُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ بِقَلْبِهِ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ مُرَتَّبَةً مَعَ سُنَنِهَا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ قَوْلُهُ: (لِوُجُودِ مَنَاطِ التَّكْلِيفِ) أَيْ مُتَعَلِّقُهُ وَهُوَ الْعَقْلُ قَوْلُهُ: (لَوْ قَدَرَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ) هَاتَانِ اثْنَتَانِ وَقَوْلُهُ: أَوْ عَجَزَ عَنْهُ أَيْ الْأَحَدِ، هَاتَانِ اثْنَتَانِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: أَتَى بِالْمَقْدُورِ لَهُ رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَبَنَى رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعَةِ وَأَمَّا إعَادَةُ الْقِرَاءَةِ فَفِي الْأُولَيَيْنِ قَوْلُهُ: (عَلَى الْقِيَامِ) أَيْ وَكَانَ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ قَوْلُهُ: (وَبَنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ) أَيْ بِأَنْ قَدَرَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ لِيُغَايِرَ مَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (أَوْ الْقُعُودُ) وَكَانَ يُصَلِّي مِنْ اضْطِجَاعٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ الْقُعُودُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ أَيْ وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 فِي نُهُوضِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا فِيمَا هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ، فَلَوْ قَرَأَ فِيهِ شَيْئًا أَعَادَهُ، وَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي هُوِيِّ الْعَاجِزِ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِمَّا بَعْدَهُ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَجَبَ الْقِيَامُ بِلَا طُمَأْنِينَةٍ لِيَرْكَعَ مِنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الطُّمَأْنِينَةُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي الرُّكُوعِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ ارْتَفَعَ لَهَا إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ عَنْ قِيَامٍ، فَإِنْ انْتَصَبَ ثُمَّ رَكَعَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ رُكُوعٍ أَوْ بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ، وَلَوْ قَدَرَ فِي الِاعْتِدَالِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ قَامَ وَاطْمَأَنَّ وَكَذَا بَعْدَهَا إنْ أَرَادَ قُنُوتًا فِي مَحَلِّهِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِأَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ قَصِيرٌ فَلَا يَطُولُ. وَقَضِيَّةُ الْمُعَلِّلِ جَوَازُ الْقِيَامِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ مَنْعُهُ وَهُوَ أَوْجَهُ، فَإِنْ قَنَتَ قَاعِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. فَائِدَةٌ: سُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ رَجُلٍ يَتَّقِي الشُّبُهَاتِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَأْكُولٍ يَسُدُّ الرَّمَقَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهِ فَضَعُفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْقِيَامِ فِي الْفَرَائِضِ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي وَرَعٍ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى. فَصْلٌ: فِي سُجُودِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا   [حاشية البجيرمي] يُصَلِّي مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا قَوْلُهُ: (وَلَا تُجْزِئُهُ قِرَاءَتُهُ فِي نُهُوضِهِ) أَيْ فِي الْفَرْضِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ مَعَ الْعَجْزِ وَكَذَا فِي النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ. فَإِنْ قُلْت: يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالنَّفْلِ فِي نُهُوضِهِ قَاعِدًا صَحَّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَرَّطَ نَفْسَهُ بِالْقِيَامِ فِيهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِحْرَامِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي هُوِيِّ الْعَاجِزِ) أَيْ إذَا كَانَ يُصَلِّي مِنْ قِيَامٍ وَعَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ مَثَلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَهُوَ هَاوٍ لِلْقُعُودِ قَوْلُهُ: (وَجَبَ الْقِيَامُ بِلَا طُمَأْنِينَةٍ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ اطْمَأَنَّ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِيهِ لَا يَضُرُّ م ر. وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ إلَخْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَوْ اطْمَأَنَّ وَأَعَادَ الْفَاتِحَةَ كَانَ أَكْمَلَ، وَلَوْ تَرَكَ الْقِيَامَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا تَبْطُلُ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَكِنْ لَا تُحْسَبُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ فِيهَا. وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ تَرَكَ فِيهِ وَاجِبًا لَزِمَهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِيَامُ غَيْرُ مَقْصُودٍ قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) أَيْ الْقِيَامِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ قَوْلُهُ: (فَإِنْ انْتَصَبَ ثُمَّ رَكَعَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا وَإِلَّا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ) تَعْبِيرُهُ بِلَا يَلْزَمُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا انْتَقَلَ مُنْحَنِيًا بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَقَلَ مُنْتَصِبًا لِيَرْكَعَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ رُكُوعٍ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الرَّوْضَةِ الْجَوَازَ وَالْمَجْمُوعِ الْمَنْعَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الِاعْتِدَالُ لِيَسْجُدَ مِنْهُ قَوْلُهُ: (فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ) اُنْظُرْ لِمَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِيَامُ لِلْهَوِيِّ لِلسُّجُودِ مِنْ غَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَالْمَمْنُوعُ إنَّمَا هُوَ الْقِيَامُ لِيَرْكَعَ مِنْهُ قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ الْمُعَلَّلِ) بِفَتْحِ اللَّامِ الْأُولَى وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ) وَهُوَ أَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ قَصِيرٌ فَلَا يَطُولُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَوْجَهُ) فِيهِ نَظَرٌ إنْ لَمْ يَطُلْ بَلْ وَإِنْ طَالَ لِأَنَّ اعْتِدَالَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ لَا يَضُرُّ تَطْوِيلُهُ مُطْلَقًا فَرَاجِعْهُ ق ل. وَكَتَبَ أج عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ: وَهُوَ أَوْجَهُ مُعْتَمَدٍ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْبُطْلَانِ بِمَا إذَا طَالَ بِهِ الْجُلُوسُ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ جِلْسَةٌ يَسِيرَةٌ بَيْنَ الِاعْتِدَالِ وَالسُّجُودِ اهـ. حَجّ. اهـ. ز ي. وَالْقُنُوتُ غَيْرُ مُغْتَفَرٍ هُنَا لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَنَتَ قَاعِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ مَعَ الْعِلْمِ وَالْعَمْدِ وَإِلَّا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اهـ اج. [فَصْلٌ فِي سُجُودِ السَّهْوِ] ِ قَوْلُهُ: (فِي سُجُودِ السَّهْوِ) مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ أَيْ سُجُودٌ سَبَبُهُ السَّهْوُ وَهَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ سَبَبُهُ عَمْدًا لِأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي جَبْرِ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي الصَّلَاةِ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا، وَالْمُرَادُ فِي أَسْبَابِهِ وَحُكْمِهِ وَمَحَلِّهِ. وَأَسْبَابُهُ خَمْسَةٌ، أَحَدُهَا تَرْكُ بَعْضٍ. ثَانِيهَا: سَهْوُ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ فَقَطْ. ثَالِثُهَا: نَقْلٌ قَوْلِيٌّ غَيْرُ مُبْطِلٍ. رَابِعُهَا: الشَّكُّ فِي تَرْكِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وَهُوَ لُغَةً نِسْيَانُ الشَّيْءِ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ وَاصْطِلَاحًا الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ عِنْدَ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَلَوْ بِالشَّكِّ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَالْمَتْرُوكُ مِنْ الصَّلَاةِ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا (ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) وَهِيَ (فَرْضٌ وَسُنَّةٌ) أَيْ بَعْضٌ (وَهَيْئَةٌ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا (فَالْفَرْضُ) الْمَتْرُوكُ سَهْوًا (لَا يَنُوبُ) أَيْ لَا يَقُومُ (عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ) وَلَا غَيْرُهُ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ (بَلْ) حُكْمُهُ أَنَّهُ (إنْ ذَكَرَهُ) قَبْلَ سَلَامِهِ أَتَى بِهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الصَّلَاةِ لَا تَتِمُّ بِدُونِهِ، وَقَدْ يُشْرَعُ مَعَ الْإِتْيَانِ بِهِ السُّجُودُ كَأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ سَهْوًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّ مَا بَعْدَ الْمَتْرُوكِ لَغْوٌ، وَقَدْ لَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لِتَدَارُكِهِ بِأَنْ لَا تَحْصُلَ زِيَادَةٌ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ السَّلَامَ فَتَذَكَّرَهُ عَنْ قُرْبٍ   [حاشية البجيرمي] بَعْضِ مُعَيَّنٍ هَلْ فَعَلَهُ أَمْ لَا؟ خَامِسُهَا: إيقَاعُ الْفِعْلِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي زِيَادَتِهِ. وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يُعْلَمْ فِي أَيِّ وَقْتٍ شُرِعَ، وَشُرِعَ سُجُودُ السَّهْوِ لِجَبْرِ الْخَلَلِ تَارَةً كَأَنْ سَهَا بِتَرْكِ بَعْضٍ مِنْ الْأَبْعَاضِ وَإِرْغَامًا لِلشَّيْطَانِ أُخْرَى كَأَنْ تَرَكَ بَعْضًا مِنْ الْأَبْعَاضِ عَمْدًا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ أَيْ جَبْرُ الْخَلَلِ وَاطَلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ لِلثَّانِي أَيْ إرْغَامِ الشَّيْطَانِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ م ر قَوْلُهُ: (وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ) عَطْفٌ مُرَادِفٌ وَقَالَ الشَّيْخُ الْمَدَابِغِيُّ: عَطْفٌ عَامٌّ لِأَنَّ الْغَفْلَةَ تَشْمَلُ النِّسْيَانَ وَالسَّهْوَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي اللُّغَةِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْغَفْلَةُ غَيْبَةُ الشَّيْءِ عَنْ بَالِ الْإِنْسَانِ وَعَدَمِ تَذَكُّرِهِ لَهُ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيمَنْ تَرَكَهُ إهْمَالًا وَإِعْرَاضًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1] قَوْلُهُ وَاصْطِلَاحًا الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ عِبَارَةٌ الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَشَرْعًا نِسْيَانُ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ النِّسْيَانِ الْمَذْكُورِ فَسَقَطَ بِقَوْلِنَا أَوْ مَا هُوَ إلَخْ الِاعْتِرَاضُ عَلَى التَّعْرِيفِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ إذْ لَا يَشْمَلُ سَهْوَ مَا يَبْطُلُ عَمْدُهُ فَقَطْ كَتَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ وَكَقَلِيلِ كَلَامٍ وَأَكْلٍ وَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ سَهْوًا وَإِنَّمَا أُضِيفَ السُّجُودُ إلَى السَّهْوِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ الْخَلَلُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْعَاقِلِ إلَّا عَنْ سَهْوٍ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ قَدْ يَسْجُدُ لِلْعَمْدِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. . قَوْلُهُ: (فِي الصَّلَاة) أَيْ مَا عَدَا صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، فَلَا يُشْرَعُ فِيهَا سُجُودُ سَهْوٍ بِخِلَافِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ فِيهِمَا لِلسَّهْوِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي. وَلَا مَانِعَ مِنْ جَبْرِ الشَّيْءِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ. اهـ. ح ل. وَفِي الرَّحْمَانِيِّ مَا نَصُّهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَا يَدْخُلُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لِبِنَائِهَا عَلَى التَّخْفِيفِ بِخِلَافِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ يَدْخُلُهُمَا سُجُودُ السَّهْوِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِأَنْ تَرَكَ الطُّمَأْنِينَةَ فِي السُّجُودِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهُ إنْ كَانَ رَفَعَ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ فِي مَحَلِّهِ. فَإِنْ قُلْت: يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّيْءَ يُجْبَرُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ. قُلْت: لَا يَضُرُّ فَإِنَّهُ عَهْدٌ فِي تَرْكِ نَحْوِ كَلِمَةٍ مِنْ الْقُنُوتِ وَإِفْسَادِ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ فَإِنَّهُ صَوْمُ سِتِّينَ يَوْمًا لِعَاجِزٍ عَنْ الْعِتْقِ. وَعَلَى هَذَا يُلْغَزُ: فَيُقَالُ لَنَا جَابِرٌ أَكْثَرُ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ أَوْ الشُّكْرِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَسُجُودَ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ قَوْلُهُ: (مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ مِنْ الْأَبْعَاضِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مِنْ الصَّلَاةِ عَنْ نَحْوِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهُ فِيهَا لَا مِنْهَا ق ل وَكَذَا قُنُوتُ النَّازِلَةِ فَلَا سُجُودَ لِتَرْكِهِمَا قَوْلُهُ: (أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ) لَعَلَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ نَقْلَ الْمَطْلُوبِ الْقَوْلِيِّ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَرَاجِعْهُ ق ل قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِالشَّكِّ) رَاجِعٌ لِلْأَمْرَيْنِ لَكِنَّ رُجُوعَهُ لِلثَّانِي يُقَيَّدُ بِمَا إذَا احْتَمَلَ الْفِعْلُ الزِّيَادَةَ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَإِذَا شَكَّ فِي عَدَدٍ إلَخْ وَيَخْرُجُ بِهِ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ تَكَلَّمَ قَلِيلًا نَاسِيًا أَوْ لَا فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ، وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالشَّكِّ يَرْجِعُ لِلْأَمْرَيْنِ التَّرْكِ وَالْفِعْلِ فَالْأَوَّلُ كَشَكِّهِ هَلْ أَتَى بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مَثَلًا أَمْ لَا؟ وَالثَّانِي بِأَنْ فَعَلَ فِعْلًا يُحْتَمَلُ زِيَادَتُهُ كَأَنْ رَأَى الْإِمَامَ رَاكِعًا فَاقْتَدَى بِهِ وَرَكَعَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَيُتِمُّ بِهِ صَلَاتَهُ أَوْ لَا فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ نَدْبًا وَهَذِهِ الرَّكْعَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلزِّيَادَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا هَكَذَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحُهُ لَا لِلشَّكِّ فِي فِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَإِنْ أَبْطَلَ عَمْدَهُ كَكَلَامٍ قَلِيلٍ نَاسِيًا فَلَا يَسْجُدُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ اهـ قَوْلُهُ: (وَلَا غَيْرُهُ) فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اكْتِفَاءٌ قَالَ ق ل: وَفِيهِ نَظَرٌ لِقِيَامِ جُلُوسِ الِاسْتِرَاحَةِ مَقَامَ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَرَاجِعْهُ، وَاسْتِثْنَاءُ بَعْضِهِمْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ إلَخْ) وَمِثْلُهُ تَرْكُ الْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ كَأَنْ طَالَ وُقُوفُهُ أَوْ قُعُودُهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ مَوْضِعِهِ فَيُسَلِّمُ مِنْ غَيْرِ سُجُودٍ وَإِنْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ السَّلَامِ (وَالزَّمَانُ قَرِيبٌ) وَلَمْ يَطَأْ نَجَاسَةً (أَتَى بِهِ) وُجُوبًا (وَبَنَى عَلَيْهِ) بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ وَإِنْ تَكَلَّمَ قَلِيلًا وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ أَوْ وَطِئَ نَجَاسَةً اسْتَأْنَفَهَا، وَتُفَارِقُ هَذِهِ الْأُمُورُ وَطْءَ النَّجَاسَةِ بِاحْتِمَالِهَا فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْمَرْجِعُ فِي طُولِهِ وَقِصَرِهِ إلَى الْعُرْفِ. وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْقِصَرُ بِالْقَدْرِ الَّذِي نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَالْمَنْقُولُ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ قَامَ وَمَضَى إلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَرَاجَعَ ذَا الْيَدَيْنِ وَسَأَلَ الصَّحَابَةَ فَأَجَابُوهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَقَالَ: (وَالْمَسْنُونُ) أَيْ الْبَعْضُ الْمَتْرُوكُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا (لَا يَعُودُ إلَيْهِ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِغَيْرِهِ)   [حاشية البجيرمي] وَظَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى وَالتَّشَهُّدَ فِي الثَّانِيَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ التَّرْكَ وَأَتَى بِالْمَتْرُوكِ قَوْلُهُ: (عَنْ قُرْبٍ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ الْإِتْيَانُ بِهِ مُطْلَقًا قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ سُكُوتٌ طَوِيلٌ وَتَعَمُّدُهُ لَا يَضُرُّ أج. فَقَوْلُهُ: عَنْ قُرْبٍ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَطَأْ نَجَاسَةً) أَوْ وَطِئَهَا وَفَارَقَهَا حَالًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ تَطْرَأْ نَجَاسَةٌ وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُحْتَرِزِ الْأُولَى، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَطَأْ نَجَاسَةً أَيْ رَطْبَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا بِأَنْ لَمْ يَطَأْ نَجَاسَةً أَصْلًا أَوْ وَطِئَ نَجَاسَةً جَافَّةً وَفَارَقَهَا حَالًا، أَوْ وَطِئَ نَجَاسَةً مَعْفُوًّا عَنْهَا. وَيُزَادُ عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَمْ يَطَأْ نَجَاسَةً وَلَمْ يَتَكَلَّمْ كَثِيرًا وَلَمْ يَفْعَلْ مُبْطِلًا كَثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ مُتَوَالِيَةٍ قَوْلُهُ: (أَتَى بِهِ) أَيْ فَوْرًا أَيْ إنْ لَمْ يَفْعَلْ مِثْلَهُ وَإِلَّا قَامَ الْمَفْعُولُ مَقَامَ الْمَتْرُوكِ وَلَغَا مَا بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) أَيْ بِدُونِ أَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (أَوْ وَطِئَ نَجَاسَةً) أَوْ أَتَى بِكَثِيرِ كَلَامٍ أَوْ فِعْلٍ سم قَوْلُهُ: (وَتُفَارِقُ هَذِهِ) أَيْ التَّكَلُّمَ قَلِيلًا وَاسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ: (بِاحْتِمَالِهَا) أَيْ هَذِهِ الْأُمُورِ قَوْلُهُ: (وَالْمَرْجِعُ فِي طُولِهِ) أَيْ الْفَصْلِ قَوْلُهُ: (فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ) وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ فَرَاءٍ سَاكِنَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَقَافٍ وَوُصِفَ بِذِي الْيَدَيْنِ لِطُولِهِمَا حَقِيقَةً أَوْ بِالْإِعْطَاءِ عَاشَ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَمَانًا كَثِيرًا. وَخَبَرُهُ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ سَلَّمَ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ مِنْهُ ثُمَّ مَشَى إلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ وَاسْتَنَدَ إلَى خَشَبَةٍ فِي جَانِبِهِ كَالْغَضْبَانِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ لَهُ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ: بَلْ بَعْضُ ذَلِكَ قَدْ كَانَ، فَالْتَفَتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الصَّحَابَةِ وَقَالَ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَتَذَكَّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ مُسْتَقْبِلًا وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ» . ق ل قَوْلُهُ: (وَرَاجَعَ ذَا الْيَدَيْنِ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُرَاجِعْهُ بَلْ رَدَّ عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ السَّهْوَ وَالْإِغْمَاءَ غَيْرَ الطَّوِيلِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ جَائِزَانِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْجَائِزَةِ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ لَيْسَ كَإِغْمَاءِ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتُرُ مِنْهُمْ حَوَاسَّهُمْ الظَّاهِرَةَ دُونَ قُلُوبِهِمْ. وَلِذَا قُيِّدَ بِغَيْرِ الطَّوِيلِ لِأَنَّهَا إذَا عُصِمَتْ عَنْ النَّوْمِ فَالْإِغْمَاءُ أَوْلَى، وَمَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ نِسْبَةِ النِّسْيَانِ إلَيْهِمْ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَذَا فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، فَالْمُرَادُ بِالنِّسْيَانِ فِيهِ السَّهْوُ لِأَنَّ نِسْبَةَ النِّسْيَانِ إلَيْهِمْ نَقْصٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ أَنَّ السَّهْوَ زَوَالُ صُورَةِ الشَّيْءِ عَنْ الْمُدْرِكَةِ مَعَ بَقَائِهَا فِي الْحَافِظَةِ، وَالنِّسْيَانَ زَوَالُ صُورَةِ الشَّيْءِ عَنْهُمَا مَعًا فَيَحْتَاجُ حُصُولُهَا إلَى سَبَبٍ جَدِيدٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَوَاسَّ عَشْرَةٌ خَمْسَةٌ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالذَّوْقُ وَالشَّمُّ وَاللَّمْسُ، وَخَمْسَةٌ بَاطِنَةٌ اثْنَانِ فِي مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَهُمَا الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ الْمُدْرِكُ لِلْمَحْسُوسَاتِ وَخِزَانَتُهُ الْخَيَالُ، وَاثْنَانِ فِي مُؤَخَّرِ الرَّأْسِ وَهُمَا الْوَاهِمَةُ وَالْحَافِظَةُ خِزَانَتُهَا، وَالْخَامِسَةُ الْمُفَكِّرَةُ وَهِيَ فِي وَسَطِ الرَّأْسِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِغَيْرِهِ) فِي نُسَخٍ بِالْفَرْضِ وَهِيَ أَوْلَى، وَيُشْتَرَطُ فِي الْفَرْضِ أَنْ يَكُونَ فِعْلِيًّا بِخِلَافِ قَطْعِ الْقَوْلِيِّ كَالْفَاتِحَةِ لِلتَّعَوُّذِ وَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فَلَا يَحْرُمُ. نَعَمْ لَا تَبْعُدُ الْكَرَاهَةُ انْتَهَى. قَالَهُ أج: وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ هُنَا الِانْتِصَابُ قَائِمًا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فِي تَرْكِ أَبْعَاضِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ السُّجُودِ بِوَضْعِ الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ عِنْدَ الشَّارِحِ كَمَا سَيَأْتِي، وَبَعْدَ التَّحَامُلِ وَالتَّنْكِيسِ وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ عِنْدَ شَيْخِنَا فِي تَرْكِ أَبْعَاضِ الْقُنُوتِ ق ل. وَقَوْلُهُ: أَوْ حُكْمًا بِأَنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ قَوْلُهُ: (بَعْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 كَأَنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ انْتِصَابِهِ تَرْكَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ فَلَا يَقْطَعُهُ لِسُنَّةٍ، فَإِنْ عَادَ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ قُعُودًا عَمْدًا وَإِنْ عَادَ لَهُ نَاسِيًا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا تَبْطُلُ لِعُذْرِهِ وَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ تَذَكُّرِهِ (وَلَكِنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّهُ زَادَ جُلُوسًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَتَرَكَ التَّشَهُّدَ وَالْجُلُوسَ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ الْعَوْدِ فَكَذَا لَا تَبْطُلُ فِي الْأَصَحِّ كَالنَّاسِي لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ، وَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ الْعِلْمِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا فِي الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ إمَامِهِ لِلتَّشَهُّدِ، فَإِنْ تَخَلَّفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ الْقُنُوتَ فَلَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ لِيَقْنُتَ إذَا لَحِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى. أُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي تِلْكَ لَمْ يُحْدِثْ فِي تَخَلُّفِهِ وُقُوفًا وَهَذَا أَحْدَثَ فِيهِ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ، وَلَوْ قَعَدَ الْمَأْمُومُ فَانْتَصَبَ الْإِمَامُ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ قِيَامِ الْمَأْمُومِ حَرُمَ قُعُودُهُ مَعَهُ لِوُجُوبِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ بِانْتِصَابِ الْإِمَامِ، وَلَوْ انْتَصَبَا مَعًا ثُمَّ عَادَ لَمْ يَعُدْ الْمَأْمُومُ لِأَنَّهُ إمَّا مُخْطِئٌ بِهِ فَلَا يُوَافِقُهُ فِي الْخَطَأِ أَوْ عَامِدٌ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ بَلْ يُفَارِقُهُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ عَادَ نَاسِيًا، فَإِنْ عَادَ مَعَهُ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاته أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا، وَإِذَا انْتَصَبَ الْمَأْمُومُ نَاسِيًا وَجَلَسَ إمَامُهُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ آكَدُ مِمَّا ذَكَرُوهُ وَمِنْ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِهَا الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ عَنْ الْمَسْبُوقِ،   [حاشية البجيرمي] انْتِصَابِهِ) الْمُرَادُ بِهِ وُصُولُهُ إلَى مَحَلٍّ تُجْزِئُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ كَمَا فِي م ر بِأَنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى أَقَلِّ الرُّكُوعِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَادَ لَهُ نَاسِيًا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ) اسْتَشْكَلَ عَوْدُهُ لِلتَّشَهُّدِ مَعَ نِسْيَانِهِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَوْدِهِ لِلتَّشَهُّدِ تَذَكُّرُ أَنَّهُ فِيهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَوْدِهِ لِلتَّشَهُّدِ عَوْدُهُ لِمَحَلِّهِ وَهُوَ مُمْكِنٌ مَعَ نِسْيَانِ أَنَّهُ فِيهَا، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي عَوْدِهِ لِلْقُنُوتِ نَاسِيًا كَوْنَهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (فِي مَوْضِعِهِ) أَفْرَدَ الضَّمِيرَ نَظَرًا لِاتِّحَادِ مَوْضِعِهِمَا أَوْ أَنَّهُ أَعَادَهُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلُهُ: (أَوْ جَاهِلًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ مُخَالِطًا لَنَا م ر. وَتَعْلِيلُ الشَّارِحِ الْآتِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَأَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ عَنْ النَّاسِي وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدًا لِلْخِلَافِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ عَدَمُ الْعَوْدِ لِلْبَعْضِ الْمَسْنُونِ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِغَيْرِهِ قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمَأْمُومُ إلَخْ) هَذَا لَا يَحْسُنُ مُقَابِلًا لِمَا قَبْلَهُ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي الْمُقَابَلَةِ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ إذَا تَرَكَهُ أَيْ الْبَعْضَ الْمَسْنُونَ نَاسِيًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ قَوْلُهُ: (لِلتَّشَهُّدِ) أَيْ فِيمَا إذَا تَرَكَهُ إمَامُهُ قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) قَالَ شَيْخُنَا: إنْ قَصَدَ الْمُخَالَفَةَ وَشَرَعَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ طَالَ الْفَصْلُ ق ل. اهـ. مَدَابِغِيٌّ. فَقَوْلُهُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ قَوْلُهُ: (فَلَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ إلَخْ) أَيْ يُنْدَبُ لَهُ الْقُنُوتُ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَيَجُوزُ بِلَا نَدْبٍ إنْ لَحِقَهُ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِلَّا بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ فِيهِ وَجَبَ تَرْكُهُ أَوْ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ قَوْلُهُ: (أُجِيبَ إلَخْ) كَذَا قَالُوا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ أَحْدَثَ قِيَامَ قُنُوتٍ لَمْ يَفْعَلْهُ إمَامُهُ، فَإِنْ أَرَادُوا مُوَافَقَتَهُ فِي مُطْلَقِ الْقِيَامِ اقْتَضَى أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ الْإِمَامُ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَجَلَسَ مَعَهُ الْمَأْمُومُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِالتَّخَلُّفِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (جُلُوسُ تَشَهُّدٍ) هُوَ قَيْدٌ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَا يَكُونُ جُلُوسُهُ مُجَوِّزًا لِتَخَلُّفِ الْمَأْمُومِ عَنْهُ لِلتَّشَهُّدِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَعَدَ الْمَأْمُومُ) أَيْ نَاسِيًا وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ عَيْنُ الْأُولَى إلَّا أَنَّهَا زَادَتْ عَلَيْهَا بِعَوْدِ الْإِمَامِ قَبْلَ قِيَامِ الْمَأْمُومِ قَوْلُهُ: (حَرُمَ قُعُودُهُ) أَيْ اسْتِمْرَارُ قُعُودِهِ بَلْ يُفَارِقُهُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ وَمُفَارَقَتُهُ أَوْلَى ح ل. فَإِنْ لَمْ يَقُمْ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَقَوْلُهُ لَمْ يُعِدْ الْمَأْمُومُ أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ق ل قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ إلَخْ) أَيْ نَاسٍ أَوْ جَاهِلٌ فَصَحَّ مُقَابَلَتُهُ بِالْعَامِدِ وَإِلَّا فَالْعَامِدُ مُخْطِئٌ أَيْضًا، وَهَذَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلْأُولَى أَيْضًا قَوْلُهُ: (وَإِذَا انْتَصَبَ الْمَأْمُومُ نَاسِيًا) لَمَّا فَرَغَ مِنْ التَّكَلُّمِ عَلَى تَرْكِ الْإِمَامِ التَّشَهُّدَ وَمُخَالَفَةِ الْمَأْمُومِ لَهُ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى عَكْسِهِ وَهُوَ فِعْلُ الْإِمَامِ لَهُ، وَتَرْكُ الْمَأْمُومِ إيَّاهُ وَهَذَا فِي التَّشَهُّدِ وَمِثْلُهُ فِي الْقُنُوتِ، فَإِذَا تَرَكَهُ الْمَأْمُومُ سَهْوًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْعَوْدِ وَنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ، وَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا تَخَيَّرَ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالِانْتِظَارِ وَنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ قَوْلُهُ: (وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ) فَلَوْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى قَامَ إمَامُهُ بِأَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ فَإِنْ قِيلَ: إذَا ظَنَّ الْمَسْبُوقُ سَلَامَ إمَامِهِ فَقَامَ لَزِمَهُ الْعَوْدُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَأْمُومَ هُنَا فَعَلَ فِعْلًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمُسْتَشْكِلِ بِهَا لِأَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ فَجَازَ لَهُ الْمُفَارَقَةُ لِذَلِكَ، أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ التَّرْكَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ بَلْ يُسَنُّ لَهُ كَمَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِتَحْرِيمِهِ حِينَئِذٍ، وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيّ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا لَوْ قَامَ نَاسِيًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ الْعَامِدَ انْتَقَلَ إلَى وَاجِبٍ وَهُوَ الْقِيَامُ فَخُيِّرَ بَيْنَ الْعَوْدِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ تَخَيَّرَ بَيْنَ وَاجِبَيْنِ بِخِلَافِ النَّاسِي فَإِنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْذُورًا كَانَ قِيَامُهُ كَالْعَدَمِ فَتَلْزَمُهُ الْمُتَابَعَةُ كَمَا لَوْ لَمْ يَقُمْ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُ، وَالْعَامِدُ كَالْمُفَوِّتِ لِتِلْكَ السُّنَّةِ بِتَعَمُّدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا، وَلَوْ رَكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ نَاسِيًا تَخَيَّرَ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالِانْتِظَارِ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ فِيمَا لَوْ قَامَ نَاسِيًا لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ ثَمَّ فَيُقَيِّدُ فَرَّقَ الزَّرْكَشِيّ بِذَلِكَ أَوْ عَامِدًا سُنَّ لَهُ الْعَوْدُ. وَلَوْ ظَنَّ الْمُصَلِّي قَاعِدًا أَنَّهُ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَافْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ لِلثَّالِثَةِ لَمْ يَعُدْ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ، وَإِنْ سَبَقَهُ لِسَانُهُ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ جَازَ لَهُ الْعَوْدُ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّ   [حاشية البجيرمي] لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ إمَامِهِ لَمْ يَعُدْ وَلَمْ تُحْسَبْ قِرَاءَتُهُ، وَمِثْلُهُ الْقُنُوتُ فَلَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ نَاسِيًا وَالْحَالُ أَنَّ الْإِمَامَ وَقَفَ لَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْ الْمَأْمُومِ الْعَوْدُ بِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ أَوْ عَامِدًا نُدِبَ قَوْلُهُ: (مِنْ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ) أَيْ مَعَ أَنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْمُتَعَمِّدَ فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ الْعَوْدَ مَعَ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ آكَدُ قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْعَوْدُ) وَإِنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فَيَعُودُ لِمَحَلِّ جُلُوسِ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقُومُ قَوْلُهُ: (فَعَلَ فِعْلًا) وَهُوَ الْقِيَامُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَقَوْلُهُ: فَجَازَ لَهُ الْمُفَارَقَةُ أَيْ فِي الْأُولَى فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَعَلَ فِعْلًا وَقَوْلُهُ: لِذَلِكَ أَيْ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِيهَا فِعْلًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُمْتَنَعُ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَهُ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَجْلِسَ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَرْحُومِيُّ عَنْ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ التَّرْكَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ سَابِقًا وَإِذَا انْتَصَبَ الْمَأْمُومُ نَاسِيًا إلَخْ قَوْلُهُ: (وَإِنْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِتَحْرِيمِهِ) أَيْ الْعَوْدِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ذَكَرَ لِلْمَأْمُومِ أَحْوَالًا خَمْسَةً: الْأُولَى: أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ أَوَّلَ فَيَلْزَمُ الْمَأْمُومَ الْمُتَابَعَةُ، فَإِنْ تَخَلَّفَ بِغَيْرِ نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعُودَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ بَعْدَ انْتِصَابِهِ مَعَ تَخَلُّفِ الْمَأْمُومِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِصَابُ لِاسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ بِقِيَامِ الْإِمَامِ وَلَيْسَ لَهُ مُوَافَقَتُهُ فِي الْعَوْدِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَهُوَ مُخْطِئٌ فَلَا يُوَافِقُهُ عَلَى الْخَطَأِ، وَتَسْتَمِرُّ الْقُدْوَةُ حَمْلًا عَلَى النِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَنْتَصِبَا مَعًا ثُمَّ يَعُودَ الْإِمَامُ فَلَا يُوَافِقُهُ الْمَأْمُومُ كَمَا فِي الثَّانِيَةِ. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَنْتَصِبَ الْمَأْمُومُ نَاسِيًا دُونَ الْإِمَامِ فَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ لِلْمُتَابَعَةِ. الْخَامِسَةُ: إذَا انْتَصَبَ الْمَأْمُومُ عَامِدًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ بَلْ يُسَنُّ تَأَمَّلْ م د. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ النَّاسِي فَإِنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ) مُقْتَضَى الْمُقَابَلَةِ فَإِنَّهُ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِ وَاجِبٍ، وَلَكِنَّ هَذَا لَازِمٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِعْلُهُ غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ فَلَمْ يَنْتَقِلْ لِوَاجِبٍ قَوْلُهُ: (كَانَ قِيَامُهُ كَالْعَدَمِ) أَيْ مَعَ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ فَلَا يَرِدُ مَا إذَا رَكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ نَاسِيًا فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالِانْتِظَارِ لِعَدَمِ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَيُقَيَّدُ فَرَّقَ الزَّرْكَشِيّ بِذَلِكَ، قَوْلُهُ: (لِيَعْظُمَ أَجْرُهُ) مُتَعَلِّقُ يَلْتَزِمُهُ قَوْلُهُ: (كَالْمُفَوِّتِ) الْأَوْلَى: مُفَوِّتٌ بِالْفِعْلِ قَوْلُهُ: (لِتِلْكَ السُّنَّةِ) أَيْ الطَّرِيقَةِ وَهِيَ الْمُتَابَعَةُ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ قَوْلُهُ: (فَيُقَيَّدُ فَرْقُ الزَّرْكَشِيّ) أَيْ الشِّقُّ الثَّانِي مِنْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالنَّاسِي أَيْ أَنَّنَا إنْ لَمْ نُقَيِّدْ فَرَّقَ الزَّرْكَشِيّ بِذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْنَا مَسْأَلَةَ الرُّكُوعِ، وَإِنْ قَيَّدْنَا فَلَا تُرَدُّ عَلَيْنَا بِأَنْ نَزِيدَ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ النَّاسِي فَإِنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ أَيْ مَعَ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ فَخَرَجَتْ مَسْأَلَةُ الرُّكُوعِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ظَنَّ إلَخْ) يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ الَّذِي تَلَبَّسَ بِهِ تَارِكُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ هُوَ الْقِيَامُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا قَوْلُهُ: (الْمُصَلِّي قَاعِدًا) لِعَجْزِهِ إنْ كَانَ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ فِي نَفْلٍ أج قَوْلُهُ: (لَمْ يَعُدْ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ) لَكِنْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْعَوْدِ كَمَا فِي حَوَاشِي الرَّوْضِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ. اهـ. شَوْبَرِيُّ، وَالْمُعْتَمَدُ الْبُطْلَانُ مَعَ الْعَمْدِ وَالْعِلْمِ كَمَا نَقَلَهُ ق ل عَنْ شَيْخِهِ م ر قَالَ: وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى إفْتَاءِ وَالِدِهِ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ لِعَدَمِ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَبَقَهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مَفْهُومَ مَا قَبْلَهَا وَإِنَّمَا مَفْهُومُهَا أَنْ يُقَالَ: فَإِنْ عَادَ إلَى التَّشَهُّدِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ نَاسِيًا بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِالْعَوْدَةِ أَوْ جَاهِلًا بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 تَعَمُّدَ الْقِرَاءَةِ كَتَعَمُّدِ الْقِيَامِ وَسَبْقُ اللِّسَانِ إلَيْهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ. وَلَوْ نَسِيَ قُنُوتًا فَذَكَرَهُ فِي سُجُودِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ أَوْ قَبْلَهُ بِأَنْ لَمْ يَضَعْ جَمِيعَ أَعْضَاءِ السُّجُودِ حَتَّى لَوْ رَفَعَ الْجَبْهَةَ فَقَطْ أَوْ بَعْضَ أَعْضَاءِ السُّجُودِ جَازَ لَهُ الْعَوْدُ لِعَدَمِ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ إنْ بَلَغَ أَقَلَّ الرُّكُوعِ فِي هُوِيِّهِ لِأَنَّهُ زَادَ رُكُوعًا سَهْوًا، وَالْعَمْدُ بِهِ مُبْطِلٌ لِأَنَّ ضَابِطَ ذَلِكَ أَنَّ مَا أَبْطَلَ عَمْدُهُ كَرُكُوعٍ زَائِدٍ أَوْ سُجُودٍ سَجَدَ لِسَهْوِهِ وَمَا لَا كَالِالْتِفَاتِ وَالْخُطْوَتَيْنِ لَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ وَلَا لِعَمْدِهِ لِعَدَمِ وُرُودِ   [حاشية البجيرمي] لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْقِرَاءَةِ كَالْقِيَامِ فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ تَأَمَّلْ ق ل. قَالَ أج: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ مِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر، لَكِنْ نَقَلَ عَنْهُ فِي غَيْرِ الشَّرْحِ أَنَّهُ مَتَى شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لَا يَعُودُ لِلتَّشَهُّدِ اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ سَوَاءٌ شَرَعَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا لَكِنْ بِفَرْضِ ثُبُوتِهِ عَنْهُ يُحْمَلُ عَلَى نِسْيَانِهِ لِلتَّشَهُّدِ فَيُوَافِقُ كَلَامَ الشَّارِحِ هُنَا وَمَا فِي شَرْحِهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (جَازَ لَهُ الْعَوْدُ) أَيْ يُنْدَبُ لَهُ الْعَوْدُ مَرْحُومِيٌّ. مَسْأَلَةٌ: رَفَعَ الْمَأْمُومُ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى ظَانًّا أَنَّ الْإِمَامَ رَفَعَ، وَأَتَى بِالثَّانِيَةِ ظَانًّا أَنَّ الْإِمَامَ فِيهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْإِمَامَ فِي الْأُولَى، لَمْ يُحْسَبْ لِلْمَأْمُومِ جُلُوسُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلَا سَجْدَتُهُ الثَّانِيَةُ بَلْ يُتَابِعُ الْإِمَامَ وَيَحْمِلُ سَهْوَهُ اهـ. مِنْ الْقَوْلِ التَّامِّ فِي أَحْكَامِ الْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَسِيَ قُنُوتًا إلَخْ) النِّسْيَانُ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهُ الْعَمْدُ وَالْجَهْلُ، وَهَذَا فِي الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، أَمَّا الْمَأْمُومُ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ تَرْكِهِ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا، فَإِنْ تَرَكَهُ سَهْوًا أَوْ فَعَلَهُ سَهْوًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا إذَا تَرَكَهُ عَمْدًا فَلَا يَلْزَمُهُ أَوْ الْعَوْدُ بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالِانْتِظَارِ وَنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ، وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ الْمَأْمُومُ عَمْدًا لَا يَلْزَمُهُ تَرْكُهُ وَالْعَوْدُ لِلْإِمَامِ، بَلْ يُنْدَبُ لَهُ إتْمَامُ الْقُنُوتِ إنْ كَانَ يَلْحَقُهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى وَجَوَازًا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وَعِبَارَةُ أج: وَلَوْ نَسِيَ قُنُوتًا أَيْ قُنُوتَ الصُّبْحِ أَوْ الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ لَا قُنُوتَ النَّازِلَةِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عَارِضَةٌ فِي الصَّلَاةِ يَزُولُ بِزَوَالِهَا فَلَمْ يَتَأَكَّدْ شَأْنُهُ بِالْجَبْرِ، وَتَرْكُ بَعْضِ الْقُنُوتِ كَتَرْكِ كُلِّهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ تَعَيُّنِ كَلِمَاتِهِ لِأَنَّهُ بِشُرُوعِهِ فِيهِ يَتَعَيَّنُ لِأَدَاءِ السُّنَّةِ مَا لَمْ يَعْدِلْ إلَى بَدَلِهِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَارِدِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْخَلَلِ يَحْتَاجُ إلَى جَبْرٍ بِخِلَافِ الْبَدَلِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، فَإِنَّ قَلِيلَهُ كَكَثِيرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي حُصُولِهِ بِخِلَافِ تَرْكِ أَحَدِ الْقَنُوتَيْنِ لِأَنَّهُ أَتَى بِقُنُوتٍ تَامٍّ. نَعَمْ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْقَنُوتَيْنِ فَتَرَكَ كَلِمَةً مِنْ قُنُوتِ عُمَرَ فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ سم فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ. وَلَا يُقَالُ: لَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ بِجُمْلَتِهِ لَا يَسْجُدُ فَكَيْفَ يَسْجُدُ لِتَرْكِ كَلِمَةٍ. لِأَنَّا نَقُولُ بِشُرُوعِهِ فِيهِ تَعَيُّنُ إتْمَامِهِ لِأَدَاءِ السُّنَّةِ فَإِسْقَاطُ كَلِمَةٍ يُعَدُّ خَلَلًا فَطُلِبَ جَبْرُهُ اهـ قَوْلُهُ: (فَذَكَرَهُ) أَيْ الْقُنُوتَ أَيْ إنْ كَانَ يُحْسِنُهُ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهُ طُلِبَ مِنْهُ قِيَامٌ بِقَدْرِهِ زِيَادَةً عَلَى ذِكْرِ الِاعْتِدَالِ فَإِذَا تَرَكَهُ وَتَذَكَّرَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقُنُوتِ أج قَوْلُهُ: (لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ) وَلَوْ كَانَ الْقُنُوتُ وَنَحْوُهُ مَنْذُورًا لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ شَرْعِيٍّ، وَالنَّذْرُ فَرْضٌ جَعْلِيٌّ وَمُرَاعَاةُ الشَّرْعِيِّ أَقْوَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْجَعْلِيِّ قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَمْ يَضَعْ جَمِيعَ أَعْضَاءِ السُّجُودِ) فَيُمْتَنَعُ الْعَوْدُ بِوَضْعِهَا وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ ق ل قَوْلُهُ: (جَازَ لَهُ الْعَوْدُ) أَيْ لِلْقُنُوتِ إنْ كَانَ يُحْسِنُهُ أَوْ الْقِيَامُ إنْ لَمْ يُحْسِنْهُ. قَالَ م ر: فَلَوْ كَانَ وَقَفَ وَقْفَةً لَا تَسَعُ الْقُنُوتَ إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُهُ كَفَى لِإِتْيَانِهِ بِأَصْلِ الْقِيَامِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْوَالِدِ. نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْوَقْفَةُ لَا تَسَعُ الْقُنُوتَ الْمَعْهُودَ وَتَسَعُ قُنُوتًا مُجْزِئًا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ لَا تَسَعُ قُنُوتًا مُجْزِئًا أَصْلًا فَالْأَوْجَهُ السُّجُودُ. فَرْعٌ: لَوْ اقْتَدَى بِحَنَفِيٍّ قَنَتَ فِي اعْتِدَالِهِ لَا سُجُودَ عَلَى الْمَأْمُومِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُوَافِقُ اعْتِقَادَ الْمَأْمُومِ، فَلَوْ اعْتَدَلَ وَسَكَتَ سَكْتَةً تَسَعُ الْقُنُوتَ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَتَى بِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ سَكَتَ سَكْتَةً قَبْلَ الْقِرَاءَةِ تَسَعُ الْبَسْمَلَةَ حَيْثُ اكْتَفَوْا بِهَا أَوْ لَا وَيُفَرَّقُ؟ قَالَ شَيْخُنَا: الْأَقْرَبُ الْفَرْقُ إذْ الْبَسْمَلَةُ لَمَّا كَانَتْ مَطْلُوبَةً عِنْدَهُمْ لَكِنْ لَا يُجْهَرُ بِهَا عِنْدَهُمْ حَمَلْنَا سُكُوتَهُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا، وَالْقُنُوتُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَطْلُوبًا عِنْدَهُمْ حَمَلْنَاهُ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهِ فَالْأَوْلَى السُّجُودُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ شَافِعِيًّا فَإِنَّا نَحْمِلُ سُكُوتَهُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ اهـ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا. وَقَالَ ق ل: يَسْجُدُ وَإِنْ سَمِعَهُ يَتْلُو الْقُنُوتَ لِأَنَّهُ أَتَى بِخَلَلٍ فِي صَلَاتِهِ وَتَطَرَّقَ إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ اهـ. قُلْت: الْعِبْرَةُ عِنْدَنَا بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ وَقَدْ فَعَلَهُ الْإِمَامُ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ، فَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا مِنْ عَدَمِ السُّجُودِ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 السُّجُودِ لَهُ. وَلَوْ قَامَ لِخَامِسَةٍ فِي رُبَاعِيَّةٍ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ قَبْلَ جُلُوسِهِ عَادَ إلَى الْجُلُوسِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى قَرَأَهُ فِي الْخَامِسَةِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ ظَنَّهُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَشَهَّدْ أَتَى بِهِ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضِ مُعَيَّنٍ كَقُنُوتٍ سَجَدَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي تَرْكِ مَنْدُوبٍ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ قَدْ لَا يَقْتَضِي السُّجُودَ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ مُبْهَمٍ كَأَنْ شَكَّ فِي الْمَتْرُوكِ هَلْ هُوَ بَعْضٌ أَوْ لَا لِضَعْفِهِ بِالْإِبْهَامِ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمُعَيَّنِ مَعْنًى خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ فَجَعَلَ الْمُبْهَمَ كَالْمُعَيَّنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَالْمُعَيَّنِ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ بَعْضًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ قُنُوتٌ مَثَلًا أَوْ تَشَهُّدٌ أَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَبْعَاضِ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ يَسْجُدُ لِعِلْمِهِ بِمُقْتَضَى السُّجُودِ، أَوْ شَكَّ فِي ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَإِنْ أَبْطَلَ عَمْدُهُ كَكَلَامٍ قَلِيلٍ فَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلَوْ سَهَا وَشَكَّ هَلْ سَهَا بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي سَجَدَ لِتَيَقُّنِ مُقْتَضِيهِ، وَلَوْ سَهَا وَشَكَّ هَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ أَوْ لَا سَجَدَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ أَوْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ مَا يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ وَمَا لَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَامَ لِخَامِسَةٍ إلَخْ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى السَّبَبِ الثَّانِي مِنْ سَبَبَيْ السُّجُودِ وَهُوَ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَكَانَ الْأَوْلَى التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ شَرَعْت فِي السَّبَبِ الثَّانِي إلَخْ قَوْلُهُ: (فَتَذَكَّرَ قَبْلَ جُلُوسِهِ) أَيْ فِي الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ) أَيْ أَوْ لَمْ يَتَشَهَّدْ فِي الرَّابِعَةِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ أَنَّهَا الْخَامِسَةُ حَتَّى قَرَأَ التَّشَهُّدَ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ ظَنَّهُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ غَايَةٌ فِي قَوْلِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ فَهِيَ رَابِعَةٌ فِي الْوَاقِعِ وَفِي ظَنِّهِ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ لَا يَكُونُ إلَّا فِيهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ قَامَ لِخَامِسَةٍ أَيْ فِي الْوَاقِعِ، وَظَنُّهُ أَنَّهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي ظَنِّهِ قَبْلَ تَذَكُّرِهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَسْجُدُ) بِحَرْفِ الْعَطْفِ أَيْ لِلزِّيَادَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ يَسْجُدْ وَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَشَهَّدْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ) أَيْ يَقِينًا قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي تَرْكِ مَنْدُوبٍ) هُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بَعْضٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ فِي جُمْلَةِ الْمَنْدُوبَاتِ أَيْ الشَّامِلَةِ لِلْهَيْئَاتِ أَيْ هَلْ هُوَ بَعْضٌ أَوْ هَيْئَةٌ لَا أَنَّهُ مَنْدُوبٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ح ل. وَقَوْلُهُ: فِي تَرْكِ مَنْدُوبٍ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ شَكَّ هَلْ تَرَكَ مَنْدُوبًا بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْهَيْئَاتِ وَالْأَبْعَاضِ أَوْ لَا، أَوْ تَيَقَّنَ تَرْكَ مَنْدُوبٍ وَشَكَّ هَلْ بَعْضٌ أَوْ هَيْئَةٌ وَاقْتَصَرَ شَيْخُنَا ز ي فِي تَقْرِيرِهِ عَلَى الثَّانِيَةِ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ شَوْبَرِيُّ قَوْلُهُ: (كَأَنْ شَكَّ فِي الْمَتْرُوكِ هَلْ هُوَ بَعْضٌ أَوْ لَا) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، بَلْ هِيَ عَيْنُهَا حُكْمًا وَتَصْوِيرًا وَتَعْلِيلًا، فَمَا رَتَّبَهُ عَلَى هَذِهِ بِقَوْلِهِ لِضَعْفِهِ بِالْإِبْهَامِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ كَأَنْ شَكَّ هَلْ أَتَى بِجَمِيعِ الْأَبْعَاضِ أَوْ لَا لِعَدَمِ تَيَقُّنِ مُقْتَضِيهِ مَعَ ضَعْفِهِ بِالْإِبْهَامِ، وَبِهَذَا عُلِمَ إلَخْ فَتَأَمَّلْ ق ل. وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الشَّكِّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ مُبْهَمٍ كَأَنْ شَكَّ هَلْ تَرَكَ بَعْضًا أَوْ أَتَى بِجَمِيعِ الْأَبْعَاضِ، وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا مَعَ تَيَقُّنِهِ عَدَمَ تَرْكِ مَنْدُوبٍ غَيْرَ بَعْضٍ. وَفِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الْأَبْعَاضِ إلَّا أَنَّ الْإِبْهَامَ لَمَّا أَضْعَفَهُ لَمْ يَنْظُرْ لِذَلِكَ وَمِثْلُهُ سم. قَوْلُهُ: (هَلْ هُوَ قُنُوتٌ مَثَلًا أَوْ تَشَهُّدٌ أَوَّلُ) اُنْظُرْ صُورَتَهُ إذْ لَيْسَ ثَمَّ صَلَاةٌ فِيهَا تَشَهُّدٌ أَوَّلُ وَقُنُوتٌ يَقْتَضِي تَرْكَهُ سُجُودَ السَّهْوِ. وَنُقِلَ عَنْ ز ي أَنَّهُ صَوَّرَهُ بِمَا إذَا صَلَّى الصُّبْحَ خَلْفَ مُصَلِّي الظُّهْرِ مَثَلًا وَكَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ، ثُمَّ لَمَّا أَتَمَّ مُصَلِّي الصُّبْحِ صَلَاتَهُ شَكَّ قَبْلَ سَلَامِهِ فِي بَعْضٍ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ الْقُنُوتُ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَتَطَرَّقُ إلَى صَلَاتِهِ خَلَلٌ مِنْ صَلَاةِ إمَامِهِ اهـ وَصَوَّرَهُ م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنْ صَلَّى وِتْرَ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ مَوْصُولًا عَلَى قَصْدِ إتْيَانِهِ بِتَشَهُّدَيْنِ، وَشَكَّ هَلْ نَسِيَ أَوَّلَهُمَا أَوْ الْقُنُوتَ قَوْلُهُ: (وَلَوْ سَهَا) أَيْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ أَتَى بِمَا يُطْلَبُ لَهُ سُجُودٌ، وَشَكَّ هَلْ هُوَ مِنْ تَرْكِ الْمَأْمُورِ أَوْ مِنْ فِعْلِ الْمَنْهِيِّ سَجَدَ. تَتِمَّة: لَوْ نَقَلَ مَطْلُوبًا قَوْلِيًّا إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَإِنْ كَانَ رُكْنًا كَفَاتِحَةٍ أَوْ بَعْضِهَا فِي رُكُوعٍ مَثَلًا سَجَدَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضًا كَتَشَهُّدٍ أَوْ قُنُوتٍ فِي رُكُوعٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنْ قَصَدَهُ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ هَيْئَةً لَمْ يَسْجُدْ مُطْلَقًا ق ل. قَوْلُهُ: (بِالْأَوَّلِ) أَيْ تَرْكُ مَأْمُورٍ بِهِ. وَالثَّانِي فِعْلُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَوْبَرِيُّ أَيْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ أَتَى بِمَا يُطْلَبُ لَهُ سُجُودٌ، وَشَكَّ هَلْ هُوَ مِنْ تَرْكِ الْمَأْمُورِ أَوْ فِعْلِ الْمَنْهِيِّ قَوْلُهُ: (هَلْ سَجَدَ) سَتَأْتِي هَذِهِ فِي مَوْضِعِهَا قَوْلُهُ: (بَعْدَ تَرْكِهَا) وَإِنْ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِفَرْضٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 هَلْ سَجَدَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ سَجَدَ أُخْرَى. (وَالْهَيْئَةُ) كَالتَّسْبِيحَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ (لَا يَعُودُ) الْمُصَلِّي (إلَيْهَا بَعْدَ تَرْكِهَا وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَنْهَا) سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَمْ سَهْوًا (وَإِذَا) (شَكَّ فِي عَدَدِ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الرَّكَعَاتِ) أَهِيَ ثَالِثَةٌ أَمْ رَابِعَةٌ (بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ) الْعَدَدُ (الْأَقَلُّ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَيَأْتِي) وُجُوبًا (بِمَا بَقِيَ) فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فِعْلِهَا (وَيَسْجُدُ لَهُ سُجُودَ السَّهْوِ) لِلتَّرَدُّدِ فِي زِيَادَتِهِ، وَلَا يَرْجِعُ فِي فِعْلِهِ إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ كَالْحَاكِمِ إذَا نَسِيَ حُكْمَهُ لَا يَأْخُذُ بِقَوْلِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاجَعَ أَصْحَابَهُ ثُمَّ عَادَ لِلصَّلَاةِ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى تَذَكُّرِهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ. وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَصَلَّوْا إلَى هَذَا الْحَدِّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِفِعْلِهِمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ بِأَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهَا رَابِعَةٌ لِفِعْلِهَا مَعَ التَّرَدُّدِ، وَكَذَا حُكْمُ مَا يُصَلِّيهِ مُتَرَدِّدًا وَاحْتُمِلَ كَوْنُهُ زَائِدًا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلتَّرَدُّدِ فِي زِيَادَتِهِ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ بِأَنْ تَذَكَّرَ قَبْلَهُ أَنَّهَا رَابِعَةٌ لِلتَّرَدُّدِ فِي زِيَادَتِهَا، أَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ زِيَادَةً كَأَنْ شَكَّ فِي رَكْعَةٍ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ أَهِيَ ثَالِثَةٌ أَمْ رَابِعَةٌ فَتَذَكَّرَ فِيهَا أَنَّهَا ثَالِثَةٌ فَلَا يَسْجُدُ لِأَنَّ   [حاشية البجيرمي] بَعْدَهَا ق ل. وَعِبَارَةُ أج قَوْلُهُ: بَعْدَ تَرْكِهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا، وَتَلَبَّسَ بِالْفَرْضِ بَعْدَهَا كَأَنْ يَعُودَ مِنْ الرُّكُوعِ لِلْقِيَامِ لِيَأْتِيَ بِالسُّورَةِ أَوْ مِنْ الِاعْتِدَالِ لِلرُّكُوعِ لِيَأْتِيَ بِالتَّسْبِيحِ اهـ قَوْلُهُ: (وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَنْهَا) فَإِنْ سَجَدَ عَنْهَا عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا لَمْ تَبْطُلْ، وَيُطْلَبُ سُجُودُ السَّهْوِ لِجَبْرِ هَذَا السُّجُودِ لِأَنَّهُ خَلَلٌ قَوْلُهُ: (وَإِذَا شَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ فَشَمَلَ الظَّنَّ م ر قَوْلُهُ: (أَهِيَ ثَالِثَةٌ أَمْ رَابِعَةٌ) صَوَابُهُ ثَلَاثَةٌ أَمْ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي نَفْسِ الْعَدَدِ وَالضَّمِيرُ فِي هِيَ رَاجِعٌ لِمَا أَتَى بِهِ نَظَرًا لِمَعْنَاهُ أَوْ نَظَرًا لِلْخَبَرِ قَوْلُهُ: (بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) أَيْ الْمُتَيَقِّنِ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْيَقِينِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَهُوَ الْعَدَدُ قَوْلُهُ: (وَيَأْتِي بِمَا بَقِيَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ سَاقِطٌ، وَالْأَوْلَى إثْبَاتُهُ م د. قَوْلُهُ: (وَيَسْجُدُ لَهُ) أَيْ لِمَا أَتَى بِهِ أَيْ لِأَجْلِهِ، وَقَوْلُهُ لِلتَّرَدُّدِ عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ أَوْ لِلْمُعَلَّلِ مَعَ عِلَّتِهِ قَوْلُهُ: (فِي فِعْلِهِ) أَيْ فِعْلِ مَا شَكَّ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ قَوْلُهُمْ وَفِعْلُهُمْ إلَّا إذَا بَلَغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ فَيُرْجَعُ لِقَوْلِهِمْ وَفِعْلِهِمْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل. وَمِثْلُهُ ز ي وَعِنْدَ م ر يَعْمَلُ بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْقَوْلِ دَلَالَةُ مُطَابَقَةٍ بِخِلَافِ الْفِعْلِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ قَوْلٍ. وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ حَذْفُهُ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ ذِكْرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَأْخُذُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَا يَأْخُذُ لَا بِقَوْلِ الْغَيْرِ وَلَا بِفِعْلِهِ إلَّا إذَا بَلَغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ كَمَا عَلِمْت قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يَكْتَفِي بِفِعْلِهِمْ) مِثْلُهُ ابْنُ حَجَرٍ وَاعْتَمَدَ م ر خِلَافَهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَدُلُّ بِوَضْعِهِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ. قَالَ سم: وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْيَقِينُ إذْ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَعَ حُصُولِ الْيَقِينِ قَوْلُهُ: (لِلتَّرَدُّدِ فِي زِيَادَتِهِ) كَانَ الْمُنَاسِبُ لِمَا مَرَّ أَنْ يَقُولَ لِفِعْلِهَا مَعَ التَّرَدُّدِ قَوْلُهُ: (فَتَذَكَّرَ فِيهَا) أَيْ قَبْلَ قِيَامِهِ لِلرَّابِعَةِ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ. قَالَ م ر بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْقَيْدَ وَبَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ ذَكَرَهُ: وَمُقْتَضَى تَعْبِيرِهِمْ بِقَبْلِ الْقِيَامِ أَنَّهُ لَوْ زَالَ تَرَدُّدُهُ بَعْدَ نُهُوضِهِ وَقَبْلَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَسْجُدْ إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ الِانْتِصَابُ، وَمَا قَبْلَهُ انْتِقَالٌ لَا قِيَامٌ. قَالَ الشَّيْخُ: فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُمْ أَهْمَلُوهُ أَيْ قَوْلُهُ قَبْلَ الِانْتِصَابِ مَرْدُودٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ إلَى مَا ذُكِرَ لَا تَقْتَضِي السُّجُودَ لِأَنَّ عَمْدَهُ لَا يُبْطِلُ، وَإِنَّمَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ مَعَ عَوْدِهِ كَمَا مَرَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْعِمَادِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ قَامَ لِخَامِسَةٍ نَاسِيًا فَفَارَقَهُ الْمَأْمُومُ بَعْدَ بُلُوغِ حَدِّ الرَّاكِعِينَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِيمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ هُنَا، وَفِيمَا مَرَّ فِي الْقِيَامِ عِنْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَتَذَّكَّر أَيْ قَبْلَ الْقِيَامِ لِمَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زَالَ بَعْدَ الْقِيَامِ أَوْ كَوْنَهُ إلَيْهِ أَقْرَبَ فَيَسْجُدُ اهـ سم. وَلَوْ جَلَسَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ فِي ثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ فَشَكَّ الْمَأْمُومُ أَهِيَ ثَالِثَةٌ أَمْ رَابِعَةٌ فَقَضِيَّةُ وُجُوبِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ أَنَّهُ يَجْعَلُهَا ثَالِثَةً، وَيُمْتَنَعُ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ فِي هَذَا الْجُلُوسِ وَالتَّشَهُّدِ، وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مُفَارَقَةُ الْإِمَامِ أَوْ يَجُوزُ لَهُ انْتِظَارُهُ قَائِمًا فَلَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ شَكَّ فَيَقُومُ فِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي سم اهـ أج. قَوْلُهُ: (أَنَّهَا ثَالِثَةٌ) أَيْ أَوْ رَابِعَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّذَكُّرُ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي شَكَّ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى غَيْرِهَا لَا سُجُودٍ، وَأَمَّا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقِيَامِ لِرَكْعَةٍ أُخْرَى غَيْرَ الَّتِي شَكَّ فِيهَا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ هُنَا أَوْ رَابِعَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 مَا فَعَلَهُ مِنْهَا مَعَ التَّرَدُّدِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ سَلَامِهِ وَإِنْ قَصَرَ الْفَصْلُ فِي تَرْكِ فَرْضِ غَيْرِ نِيَّةٍ وَتَكْبِيرَةٍ تَحَرُّمٍ لَمْ يُؤَثِّرْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ السَّلَامِ عَنْ تَمَامٍ، فَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ نِيَّةً أَوْ تَكْبِيرَةً تَحَرُّمٍ اسْتَأْنَفَ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي أَصْلِ الِانْعِقَادِ وَهَلْ الشَّرْطُ كَالْفَرْضِ؟ اخْتَلَفَ فِيهِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ: لَوْ شَكَّ هَلْ كَانَ مُتَطَهِّرًا أَنَّهُ يُؤْثِرُ فَارِقًا بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الرُّكْنِ يَكْثُرُ بِخِلَافِهِ فِي الطُّهْرِ، وَبِأَنَّ الشَّكَّ فِي الرُّكْنِ حَصَلَ بَعْدَ تَيَقُّنِ الِانْعِقَادِ، وَالْأَصْلُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى الصِّحَّةِ بِخِلَافِهِ فِي الطُّهْرِ فَإِنَّهُ شَكَّ فِي الِانْعِقَادِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ أَنْ تَكُونَ الشُّرُوطُ كُلُّهَا كَذَلِكَ وَقَالَ فِي الْخَادِمِ: وَهُوَ فَرْقٌ حَسَنٌ، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَدَمُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمُتَّجَهُ، وَعَلَّلَهُ بِالْمَشَقَّةِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الطُّهْرِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ عَنْ جَمْعٍ، وَالْمُوَافِقُ لِمَا نَقَلَهُ هُوَ عَنْ   [حاشية البجيرمي] حَيْثُ لَا يَسْجُدُ. وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ أَوْ أَنَّهَا رَابِعَةٌ فَيَسْجُدُ لِأَنَّهُ هُنَا تَذَكَّرَ فِي الَّتِي شَكَّ فِيهَا، وَفِي تِلْكَ تَذَكَّرَ فِي رَكْعَةٍ بَعْدَ الَّتِي شَكَّ فِيهَا. قَوْلُهُ: (بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ بَعْدَهُ عَوْدٌ لِلصَّلَاةِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ مَا لَوْ شَكَّ فِي السَّلَامِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ تَدَارُكُهُ مَا لَمْ يَأْتِ بِمُبْطِلٍ وَلَوْ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فِي تَرْكِ فَرْضٍ) الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الرُّكْنُ، فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ق ل بِأَنَّ الشَّرْطَ فَرْضٌ أَيْضًا شَوْبَرِيُّ قَوْلُهُ: (اسْتَأْنَفَ) أَيْ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ مَا شَكَّ فِيهِ وَلَوْ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الشَّكُّ فِيهِمَا بَعْدَ السَّلَامِ، فَإِنْ كَانَ الشَّكُّ فِيهِمَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ مُضِيِّ قَدْرِ رُكْنِ الطُّمَأْنِينَةِ لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا ضَرَّ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ شَكَّ فِي أَصْلِ الِانْعِقَادِ) وَمِنْهُ مَا لَوْ شَكَّ أَنَوَى فَرْضًا أَمْ نَفْلًا لَا الشَّكَّ فِي نِيَّةِ الْقُدْوَةِ فِي غَيْرِ نَحْوِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضُرَّ الشَّكُّ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّوْمِ فِي نِيَّتِهِ لِمَشَقَّةِ الْإِعَادَةِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي النِّيَّةِ فِيهِ مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِيهَا هُنَا. اهـ. عَنَانِيٌّ قَوْلُهُ: (وَهَلْ الشَّرْطُ كَالْفَرْضِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الشَّرْطَ كَالرُّكْنِ ز ي. وَشَمَلَ الشَّكُّ فِي الشَّرْطِ مَا إذَا شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْحَدَثِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الْحَدَثِ لِأَنَّ هَذَا الْأَصْلَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ الصَّلَاةَ إلَّا بَعْدَ الطَّهَارَةِ لَكِنْ يُمْتَنَعُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ صَلَاةٍ أُخْرَى بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ. نَعَمْ إذَا شَكَّ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ كَالشَّكِّ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ فِي أَثْنَائِهَا بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالنِّسْبَةِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ وَيُمْتَنَعُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَأَمَّا الشَّكُّ فِي وُجُودِ حَدَثٍ مِنْهُ بَعْدَ وُجُودِ الطَّهَارَةِ فَلَا يَضُرُّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ بَعْدَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَالَ شَيْخُنَا الْخَلِيفِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّكَّ تَارَةً يَقَعُ فِي أَصْلِ الطَّهَارَةِ وَتَارَةً فِي رَافِعِهَا، وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. نَعَمْ لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ الطُّهْرِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَلَا أَثَرَ لَهُ بِالنِّسْبَةِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ، وَيُمْتَنَعُ عَلَيْهِ افْتِتَاحُ صَلَاةٍ أُخْرَى بِذَلِكَ مَا دَامَ شَكُّهُ لِأَنَّ الشَّكَّ حِينَئِذٍ فِي وُجُودِ الطُّهْرِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَقَعُ مَعَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ، وَلِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلِأَنَّ الشَّكَّ فِي رَافِعِ الِانْعِقَادِ وَقَعَ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ. اهـ. م د. وَفِي ع ش خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّ الشَّكَّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فِي وُجُودِ الطَّهَارَةِ أَوْ فِي نِيَّتِهَا يَضُرُّ، وَقَالَ الْعَزِيزِيُّ: مَا لَمْ يَزُلْ شَكُّهُ سَرِيعًا وَإِذَا كَانَ الشَّكُّ يَضُرُّ امْتَنَعَ عَلَيْهِ إكْمَالُهَا. قَوْلُهُ: (اُخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ فِي جَوَابِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) فِي تَرْكِيبِهِ قَلَاقَةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّهُ يُؤَثِّرُ إنْ كَانَ مَقُولُ الْقَوْلِ اقْتَضَى أَنَّ قَوْلَهُ: لَوْ شَكَّ لَيْسَ مِنْ الْمَقُولِ وَإِنْ جُعِلَ الْمَجْمُوعُ مَقُولَ الْقَوْلِ لَا يَسْتَقِيمُ أَيْ لِعَدَمِ جَوَابِ لَوْ لِأَنَّ جَوَابَهَا يَكُونُ مَاضِيًا بِكَثْرَةٍ، وَيَقِلُّ كَوْنُهُ مُسْتَقْبَلًا وَأَنَّهُ يُؤَثِّرُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً إلَّا أَنْ يُقَالَ لَوْ بِمَعْنَى إنْ فَيَكُونُ جَوَابُهَا. قَوْلُهُ إنَّهُ يُؤْثَرُ فَكَانَ حَقُّ الْعِبَارَةِ لَوْ شَكَّ هَلْ كَانَ مُتَطَهِّرًا أَمْ لَا هَلْ يُؤَثِّرُ أَمْ لَا الرَّاجِحُ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ قَوْلُهُ: (عَدَمُ الْإِعَادَةِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عَدَمُ الْفَرْقِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ فِي الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ مَا عَدَا النِّيَّةَ وَتَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ قَوْلُهُ: (فِي مَسْحِ الْخُفِّ) عِبَارَةُ م ر. وَشَرْحُ الْبَهْجَةِ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ أَيْ أَنَّهُ نَقَلَ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الطُّهْرِ لَا يَضُرُّ فَلَا يُعِيدُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي مَسْحٍ مُتَعَلِّقًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 الْقَائِلِينَ بِهِ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ طَوَافِ نُسُكِهِ هَلْ طَافَ مُتَطَهِّرًا أَمْ لَا، لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ جَوَازُ دُخُولِ الصَّلَاةِ بِطُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ قَبْلَ الشَّكِّ وَإِلَّا فَلَا تَنْعَقِدُ. تَنْبِيهٌ: لَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالسَّلَامِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ بَعْدَهُ الشَّكُّ سَلَامٌ لَا يَحْصُلُ بَعْدَهُ عَوْدٌ إلَى الصَّلَاةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَلَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا لِسُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ عَادَ وَشَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ لَزِمَهُ تَدَارُكُهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ. وَسَهْوُ الْمَأْمُومِ حَالَ قُدْوَتِهِ الْحِسِّيَّةِ كَأَنْ سَهَا عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ الْحُكْمِيَّةِ كَأَنْ سَهَتْ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ فِي ثَانِيَتِهَا مِنْ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ يَحْمِلُهُ إمَامُهُ كَمَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْجَهْرَ وَالسُّورَةَ وَغَيْرَهُمَا كَالْقُنُوتِ، وَخَرَجَ بِحَالِ الْقُدْوَةِ سَهْوُهُ قَبْلَهَا كَمَا لَوْ سَهَا وَهُوَ مُنْفَرِدٌ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ فَلَا يَتَحَمَّلُهُ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ تَرْجِيحَ تَحَمُّلِهِ لِعَدَمِ اقْتِدَائِهِ بِهِ حَالَ سَهْوِهِ وَسَهْوُهُ بَعْدَهَا، كَمَا   [حاشية البجيرمي] بِنَقَلَ لَا بِالطُّهْرِ كَمَا فَهِمَهُ الْمَدَابِغِيُّ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ هَلْ مَسَحَ الْخُفَّ أَمْ لَا لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الشَّكِّ فِي أَصْلِ الطَّهَارَةِ وَعَلَى تَصْوِيرِهِ: الشَّكُّ فِي طَهَارَةِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ الرِّجْلَانِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ إلَخْ) غَرَضُهُ بِذَلِكَ تَقْوِيَةُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّكَّ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ السَّلَامِ لَا يَضُرُّ، وَوَجْهُ التَّقْوِيَةِ أَنَّ الْإِمَامَ الْمَذْكُورَ جَوَّزَ الدُّخُولَ فِيهَا بِطُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ مَعَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ وَالِانْعِقَادَ يُحْتَاطُ لَهُ فَبَعْدَ فَرَاغِهَا وَتَمَامِهَا لَا يَضُرُّ الشَّكُّ بِالْأَوْلَى قَوْلُهُ: (وَظَاهِرٌ أَنَّ صُورَتَهُ) فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مَا مَرَّ فِيمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ ق ل. وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَظَاهِرُ جَوَابٍ عَنْ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّهَارَةِ وَبَقَاءُ الْحَدَثِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ صُورَتَهَا أَنَّهُ بَعْدَ الشَّكِّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا قَبْلَ الشَّكِّ قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ شَكَّ هَلْ هُوَ مُتَطَهِّرٌ أَمْ لَا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ أَنَّهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا قَبْلَ الشَّكِّ قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ تَدَارُكُهُ) . وَيُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: لَنَا سُنَّةٌ عَادَ لَهَا فَلَزِمَهُ فَرْضٌ أَوْ يُقَالُ لَنَا سُنَّةٌ أَوْجَبَتْ فَرْضًا أَيْ لِأَنَّهُ بَانَ بِعَوْدِهِ أَنَّ الشَّكَّ فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ الْعَائِدُ إمَامًا لَزِمَ الْمَأْمُومَ مُوَافَقَتُهُ إنْ كَانَ لَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا، وَقَدْ قَامَ لِمَا عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ وَيَلْغُو مَا فَعَلَهُ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (وَسَهْوُ الْمَأْمُومِ) أَيْ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ السَّجْدَتَانِ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا تَحَقَّقَ فِعْلُهُ حَالَ اقْتِدَائِهِ، أَمَّا لَوْ شَكَّ هَلْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ حَالَ قُدْوَتِهِ فَيَحْمِلُهُ أَوْ بَعْدَ انْفِرَادِهِ كَأَنْ كَانَ مَسْبُوقًا فَلَا. قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: فِيهِ نَظَرٌ قَالَ ع ش: الْأَقْرَبُ عَدَمُ السُّجُودِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ اهـ. وَأَقُولُ الْأَقْرَبُ السُّجُودُ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا مُقْتَضِيَهُ وَشَكَكْنَا فِي مُسْقِطِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ اهـ أج قَوْلُهُ: (فِي ثَانِيَتِهَا) بِأَنْ فَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ وَصَلَّى بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً مِنْ الثُّنَائِيَّةِ، ثُمَّ تُتِمُّ لِنَفْسِهَا ثُمَّ تَجِيءُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهَا الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَيَنْتَظِرُهَا فِي التَّشَهُّدِ لِتُسَلِّمَ مَعَهُ فَهِيَ مُقْتَدِيَةٌ بِهِ حُكْمًا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (يَحْمِلُهُ إمَامُهُ) أَيْ إذَا تَحَقَّقَ فِعْلُهُ حَالَ اقْتِدَائِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ كَمَا يَأْتِي فِي نَظِيرِهِ فَخَرَجَ الْمُحْدِثُ قَوْلُهُ: (كَالْقُنُوتِ) فَإِنَّهُ يَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ كَأَنْ اسْتَمَعَ قُنُوتَ إمَامِهِ، وَمِثْلُ الْقُنُوتِ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَدُعَاءُ الْقُنُوتِ وَالْقِرَاءَةُ عَنْ الْمَسْبُوقِ وَالْقِيَامُ عَنْهُ. وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ شَيْخُنَا م د فَقَالَ: تَحَمُّلُ الْإِمَامِ عَنْ مَأْمُومٍ ... فِي تِسْعَةٍ تَأْتِيك فِي الْمَنْظُومِ قِيَامُهُ فَاتِحَةً مَعَ جَهْرِ ... كَذَاك سُورَةٌ لِذَاتِ الْجَهْرِ تَشَهُّدٌ أَوَّلُ مَعَ قُعُودٍ ... فَاتَهُمَا الْإِمَامُ مَعَ سُجُودٍ إذَا سَهَا الْمَأْمُومُ حَالَ الِاقْتِدَا ... أَوْ كَانَ فِي ثَانِيَةٍ قَدْ اقْتَدَى تَحَمَّلَ الْإِمَامُ عَنْهُ أَوَّلَا ... تَشَهُّدًا كَذَا قُنُوتًا حَمَلَا وَقَوْلُهُ: مَعَ سُجُودٍ شَامِلٍ لِسُجُودِ السَّهْوِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ بِأَنْ حَصَلَ لِلْمَأْمُومِ خَلَلٌ فِي صَلَاتِهِ يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ فَيَتَحَمَّلُهُ الْإِمَامُ عَنْهُ، وَكَأَنْ قَرَأَ الْمَأْمُومُ آيَةَ سَجْدَةٍ فَيَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عَنْهُ سُجُودَهَا قَوْلُهُ: (فَلَا يَتَحَمَّلُهُ) مُعْتَمَدٌ قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ اقْتِدَائِهِ بِهِ حَالَ سَهْوِهِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَتَحَمَّلْهُ عَنْهُ كَمَا أَنَّهُ يَلْحَقُهُ سَهْوُ إمَامِهِ الْوَاقِعُ قَبْلَ الْقُدْوَةِ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّهُ قَدْ عُهِدَ تَعَدِّي الْخَلَلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 لَوْ سَهَا بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَسْبُوقًا أَمْ مُوَافِقًا لِانْتِهَاءِ الْقُدْوَةِ، فَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ بِسَلَامِ إمَامِهِ فَذَكَرَهُ حَالًا بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ سَهْوَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقُدْوَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ مَعَهُ لَمْ يَسْجُدْ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَيَلْحَقُ الْمَأْمُومَ سَهْوُ إمَامِهِ غَيْرِ الْمُحْدِثِ وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَطَرُّقِ الْخَلَلِ لِصَلَاتِهِ مِنْ صَلَاةِ إمَامِهِ وَلِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ عَنْهُ السَّهْوَ، أَمَّا إذَا بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا فَلَا يَلْحَقُهُ سَهْوُهُ وَلَا يَتَحَمَّلُ هُوَ عَنْهُ إذْ لَا قُدْوَةَ حَقِيقَةَ حَالِ السَّهْوِ فَإِنْ سَجَدَ إمَامُهُ لِلسَّهْوِ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ سَهَا حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ سَهَا، فَلَوْ تَرَكَ الْمَأْمُومُ الْمُتَابَعَةَ عَمْدًا   [حاشية البجيرمي] مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ دُونَ عَكْسِهِ شَرْحُ الرَّوْضِ مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَسَهْوُهُ بَعْدَهَا) أَيْ وَخَرَجَ سَهْوُهُ بَعْدَهَا قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ سَهَا بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ) . فَائِدَةٌ: الْقَاعِدَةُ أَنْ تُكْتَبَ الْأَلْفُ الْمُنْقَلِبَةُ عَنْ الْيَاءِ عَلَى صُورَةِ الْيَاءِ كَرَمَى، وَالْأَلْفُ الْمُنْقَلِبَةُ عَنْ الْوَاوِ عَلَى صُورَةِ الْأَلْفِ كَغَزَا، وَالْأَلْفُ فِي سَهَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ الْوَاوِ فَكَانَ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ أَنْ تَكْتُبَ عَلَى صُورَةِ الْأَلْفِ إلَّا أَنَّ غَالِبَ النُّسَّاخِ لِجَهْلِهِمْ بِرَسْمِ الْخَطِّ يَكْتُبُونَهَا عَلَى صُورَةِ الْيَاءِ. قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: سَهَا فِي الْأَمْرِ كَدَعَا سَهْوًا وَسَهْوًا نَسِيَهُ وَغَفَلَ عَنْهُ وَذَهَبَ قَلْبُهُ إلَى غَيْرِهِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ) يَعْنِي سَاهِيًا أَيْ بِأَنْ أَتَى بِكُلِّ السَّلَامِ. أَمَّا لَوْ أَتَى بِبَعْضِ السَّلَامِ فَإِنْ نَوَى انْقِطَاعَ الْقُدْوَةِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَالَهُ الْعَنَانِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ أَتَى بِبَعْضِ السَّلَامِ أَيْ كَأَنْ قَالَ السَّلَامُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْكُمْ قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَيَسْجُدُ مَسْبُوقٌ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ سَهْوًا لِأَنَّ سَهْوَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ، فَإِنْ ظَنَّهُ الْمَسْبُوقُ بِرَكْعَةٍ مَثَلًا سَلَّمَ فَقَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ قَبْلَ سَلَامِهِ لَمْ تُحْسَبْ لِفِعْلِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، فَإِذَا سَلَّمَ إمَامُهُ أَعَادَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْقُدْوَةِ، وَلَوْ عَلِمَ فِي الْقِيَامِ أَنَّهُ قَامَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِهِ أَيْ وَلَوْ كَانَ عَلِمَهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَجْلِسَ لِأَنَّ قِيَامَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، فَإِذَا جَلَسَ وَوَجَدَهُ لَمْ يُسَلِّمْ إنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ سَلَامَهُ، فَلَوْ أَتَمَّهَا جَاهِلًا بِالْحَالِ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ لَمْ تُحْسَبْ فَيُعِيدُهَا لِمَا قُلْنَاهُ. وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلزِّيَادَةِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ اهـ بِحُرُوفِهِ مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (بِسَلَامِ إمَامِهِ) أَيْ بِسَبَبِ سَلَامِ إمَامِهِ بِأَنْ سَلَّمَ بَعْدَهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ ذِكْرُ الْمَعِيَّةِ قَوْلُهُ: (وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ) هَذَا ضَعِيفٌ وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِاخْتِلَالِ الْقُدْوَةِ بِشُرُوعِ الْإِمَامِ فِي السَّلَامِ. اهـ. عَنَانِيٌّ قَوْلُهُ: (لَمْ يَسْجُدْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِضَعْفِ الْقُدْوَةِ، وَاخْتِلَالِهَا بِشُرُوعِ الْإِمَامِ فِي السَّلَامِ فَلَا يَتَحَمَّلُ حِينَئِذٍ سَهْوَ الْمَأْمُومِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي السَّلَامِ وَقَبْلَ الْمِيمِ مِنْ عَلَيْكُمْ لَمْ تَصِحَّ الْقُدْوَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر بَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ فُرَادَى كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ اقْتِصَارِ م ر عَلَى نَفْيِ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ حَيْثُ نُسِبَ لَهُ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ أَصْلًا فَاحْفَظْهُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَيَلْحَقُ الْمَأْمُومَ إلَخْ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ يَلْحَقُ، وَسَهْوُ إمَامِهِ بِالرَّفْعِ فَاعِلُهُ وَمَعْنَى لُحُوقِهِ أَنَّهُ يَحْصُلُ فِي صَلَاتِهِ خَلَلٌ بِسَبَبِهِ يَسْجُدُ لَهُ. وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُوَافِقًا فَإِنْ سَجَدَ إمَامُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ، فَإِنْ تَخَلَّفَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ، وَإِنْ تَخَلَّفَ سَهْوًا سَجَدَ وُجُوبًا وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فَإِنْ سَلَّمَ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ سُجُودٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ سَهْوًا وَقَرُبَ الزَّمَنُ تَدَارَكَهُ وَإِنْ طَالَ اسْتَأْنَفَ وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا، فَإِنْ سَجَدَ إمَامُهُ سَجَدَ مَعَهُ وُجُوبًا وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ التَّشَهُّدِ إذَا كَانَ مَحَلَّ تَشَهُّدِهِ بِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ ابْنُ حَجَرٍ وم ر لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ آكَدُ مِنْ تَشَهُّدِهِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ بِخِلَافِ الْمُوَافِقِ إذَا سَجَدَ الْإِمَامُ قَبْلَ كَمَالِ التَّشَهُّدِ، فَعِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ وُجُوبًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ. يُكْمِلُ التَّشَهُّدَ وُجُوبًا بِنَاءً لَا اسْتِئْنَافًا، وَعِنْدَ م ر يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ لِإِتْمَامِ التَّشَهُّدِ فَإِنْ سَجَدَ قَبْلَ إكْمَالِهِ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِذَا تَخَلَّفَ الْمَسْبُوقُ عَنْ السُّجُودِ مَعَ الْإِمَامِ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَخَلَّفَ سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوبُ السُّجُودِ إنْ اسْتَمَرَّ سَهْوُهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ الْإِمَامُ، فَإِنْ زَالَ فِي أَثْنَائِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِمَا أَدْرَكَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْبَاقِي قَوْلُهُ: (سَهْوُ إمَامِهِ) وَكَذَا عَمْدُهُ ز ي قَوْلُهُ: (وَلِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ عَنْهُ السَّهْوَ) أَيْ فَيَلْحَقُهُ سَهْوُهُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعِي قَوْلَهُ: (أَمَّا إذَا بَانَ إمَامُهُ مُحَدِّثًا) أَيْ حَالَ السَّهْوِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَجَدَ إمَامُهُ) هُوَ عَائِدٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمُخَالَفَتِهِ حَالَ الْقُدْوَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ كَأَنْ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا سَجَدَ الْمَأْمُومُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ جَبْرًا لِلْخَلَلِ، وَلَوْ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمَنْ سَهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهِ أَوْ قَبْلَهُ سَجَدَ مَعَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ أَيْضًا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ السَّهْوِ الَّذِي لَحِقَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ سَجَدَ الْمَسْبُوقُ آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ لِمَا مَرَّ. (وَسُجُودُ السَّهْوِ) وَإِنْ كَثُرَ السَّهْوُ (سَجْدَتَانِ) لِاقْتِصَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ مَعَ تَعَدُّدِهِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمَ   [حاشية البجيرمي] لِقَوْلِهِ: وَيَلْحَقُ الْمَأْمُومَ إلَخْ وَمَحَلُّ سُجُودِهِ مَعَهُ إنْ كَانَ الْمَأْمُومُ فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْوَاجِبِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَاجِبَةِ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ السُّجُودُ فِي هَذِهِ بَعْدَ فَرَاغِ تَشَهُّدِهِ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا م ر. فَإِنْ سَلَّمَ مِنْ غَيْرِ سُجُودٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ق ل. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ قَضِيَّتُهُ وَلَوْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَقَلَّ التَّشَهُّدِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْعُبَابُ ثُمَّ يُتِمُّ تَشَهُّدَهُ وَعَلَيْهِ هَلْ يُعِيدُ السُّجُودَ أَوْ لَا؟ وَجَرَى عَلَى الْأَوَّلِ وَالِدُ شَيْخِنَا اهـ وَقَالَ ح ف: وَهُوَ ضَعِيفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ. قَوْلُهُ: (عَمْدًا) قَيْدٌ أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا تَرَكَ الْمَأْمُومُ الْمُتَابَعَةَ سَهْوًا فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَيَسْتَقِرُّ عَلَى الْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ بِفِعْلِ الْإِمَامِ لَهُ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ سَاهِيًا عَنْهُ أَوْ جَاهِلًا لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ وَإِلَّا أَعَادَ الصَّلَاةَ كَمَا لَوْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْهَا، أَمَّا الْمَسْبُوقُ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ سُجُودِ الْإِمَامِ سَهْوًا وَفَاتَهُ بِهِ لَمْ يَأْتِ بِهِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لِمَحْضِ الْمُتَابَعَةِ وَقَدْ فَاتَتْ، وَإِنْ فَاتَهُ بِسَجْدَةٍ مِنْهُ وَجَبَ أَنْ يُوَافِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا بَعْدَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ آخِرَ صَلَاتِهِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ إمَامُهُ عَلَى سَجْدَةٍ فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا سَجَدَ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا لَمْ يَسْجُدْ أُخْرَى. قَالَ سم: نَعَمْ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى السُّجُودَ بَعْدَ السَّلَامِ فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ اسْتِقْرَارِهِ بِسُجُودِ الْإِمَامِ بَعْدَ السَّلَامِ لِانْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ بِسَلَامِهِ فِي اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ م د. قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ إذَا تَخَلَّفَ عَنْهُ بِفِعْلَيْنِ بِأَنْ هَوَى الْإِمَامُ لِلسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ شُرُوعِهِ هُوَ فِي الْأُولَى، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ ابْتِدَاءً وَإِلَّا فَبِمُجَرَّدِ هُوِيِّ الْإِمَامِ لَهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَصَدَ الْمُبْطِلَ وَشَرَعَ فِيهِ بِتَخَلُّفِهِ، وَمَحَلُّ وُجُوبِهِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمَأْمُومُ الْمُفَارَقَةَ أَوَّلَ شُرُوعِهِ فِيهِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ وَإِلَّا سَقَطَ هُوَ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ فَاحْفَظْهُ م د. قَوْلُهُ: (سَجَدَ مَعَهُ) أَيْ وُجُوبًا، وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ مَوْضِعَهُ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اقْتَصَرَ إمَامُهُ عَلَى سَجْدَةٍ لَمْ يَسْجُدْ أُخْرَى بِخِلَافِ الْمُوَافِقِ شَرْحُ م ر. قَالَ سم فِي شَرْحِ الْكِتَابِ: فَلَوْ سَهَا الْمَأْمُومُ أَيْ الْمَسْبُوقُ عَنْ سُجُودِ الْإِمَامِ حَتَّى سَلَّمَ فَالْمُتَّجَهُ سُقُوطُ السُّجُودِ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَحْضُ مُتَابَعَةٍ. وَقَدْ فَاتَتْ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ أَيْضًا لَا اهـ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُوَافِقِ أَيْ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ أُخْرَى لَوْ اقْتَصَرَ إمَامُهُ عَلَى سَجْدَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهَا سَهْوًا وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يَسْجُدُ أَيْ نَدْبًا قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَحَلُّ السَّهْوِ) أَيْ مَحَلُّ جَبْرِ السَّهْوِ قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِأَنَّهُ مَحَلُّ السَّهْوِ الَّذِي لَحِقَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَثُرَ السَّهْوُ) سَوَاءٌ كَانَ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ بِهِمَا، وَيُجْبَرُ جَمِيعُ الْخَلَلِ إنْ قَصَدَهُ أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ قَصَدَ جَبْرَ بَعْضٍ حَصَلَ جَبْرُهُ وَفَاتَ جَبْرُ غَيْرِهِ وَلَا يُكَرِّرُهُ لَهُ وَفَارَقَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ أَيْ حَيْثُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُقْتَضِي بِعَدَمِ الِانْحِصَارِ هُنَا ق ل. وَعِبَارَةُ سم: وَلَا يَخْفَى ظُهُورُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرَاحَتُهُ فِي امْتِنَاعِ تَعَدُّدِ سُجُودِ السَّهْوِ بِتَعَدُّدِ الْمُقْتَضِي بِخِلَافِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ السَّبَبَ هُنَا قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الِاخْتِيَارِ وَقَدْ لَا يَنْحَصِرُ، فَلَوْ طَلَبَ تَعَدُّدَ السُّجُودِ رُبَّمَا تَسَلْسَلَ اهـ وَهَذَا بِظَاهِرِهِ عَامٌّ لِمَا لَوْ خَصَّ بِهِ بَعْضَ الْخَلَلِ أَوْ لَا اهـ أج. وَالْغَايَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْمِيمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ إذَا كَانَ السَّهْوُ جِنْسَيْنِ كَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ سَجَدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَجْدَتَيْنِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمِيزَانِ، وَنَصُّهُ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي لِلسَّهْوِ أَنْ تُكَرَّرَ سَجْدَتَانِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنَّهُ إنْ كَانَ السَّهْوُ جِنْسَيْنِ كَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ سَجَدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَجْدَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إنَّهُ يَسْجُدُ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَيْنِ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (سَجْدَتَانِ) أَيْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى سَجْدَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ أَتَى بِهَا بِقَصْدِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ بَعْدَ فِعْلِهَا لِأَنَّ غَايَتَهُ تَرْكُ إتْمَامِ النَّفْلِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 مِنْ ثِنْتَيْنِ وَتَكَلَّمَ وَمَشَى لِأَنَّهُ يَجْبُرُ مَا قَبْلَهُ وَمَا وَقَعَ فِيهِ وَمَا بَعْدَهُ، حَتَّى لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ سَهَا قَبْلَ سَلَامِهِ بِكَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثَلَاثًا سَهْوًا فَلَا يَسْجُدُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ وُقُوعَ مِثْلِهِ فِي السُّجُودِ ثَانِيًا فَيَتَسَلْسَلُ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا أَبُو يُوسُفَ الْكِسَائِيَّ لَمَّا ادَّعَى أَنَّ مَنْ تَبَحَّرَ فِي عِلْمٍ اهْتَدَى بِهِ إلَى سَائِرِ الْعُلُومِ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ إمَامٌ فِي النَّحْوِ وَالْأَدَبِ فَهَلْ تَهْتَدِي إلَى الْفِقْهِ؟ فَقَالَ: سَلْ مَا شِئْت. فَقَالَ: لَوْ سَجَدَ سُجُودَ السَّهْوِ ثَلَاثًا هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ وَكَيْفِيَّتُهُمَا كَسُجُودِ الصَّلَاةِ فِي وَاجِبَاتِهِ وَمَنْدُوبَاتِهِ كَوَضْعِ الْجَبْهَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالتَّحَامُلِ وَالتَّنْكِيسِ وَالِافْتِرَاشِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا وَالتَّوَرُّكُ بَعْدَهُمَا. وَيَأْتِي بِذِكْرِ سُجُودِ الصَّلَاةِ فِيهِمَا. وَهُوَ (سُنَّةٌ) لِلْأَحَادِيثِ الْمَارَّةِ فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ (وَمَحَلُّهُ) بَعْدَ تَشَهُّدِهِ وَ (قَبْلَ السَّلَامِ) لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ فَقَامَ مِنْ الْأُولَتَيْنِ وَلَمْ   [حاشية البجيرمي] وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: لَوْ أَتَى بِوَاحِدَةٍ قَالَ الْقَفَّالُ: تُجْزِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَا تُجْزِيهِ وَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ ابْتِدَاءً أَنْ يَأْتِيَ بِسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى بِوَاحِدَةٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ لَا، فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ إنْ طَالَ الزَّمَنُ لَمْ يَأْتِ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ أَتَى بِهَا وَحُمِلَ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِوَاحِدَةٍ ابْتِدَاءً فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا أَرَادَ تَرْكَ الطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ فَيَضُرُّ ابْتِدَاءً فَقَطْ دُونَ مَا إذَا عَرَضَ لَهُ، وَلَوْ فَعَلَ مَا يَقْتَضِي السُّجُودَ كَتَرْكِهِ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَمَا لَا يَقْتَضِيهِ كَتَرْكِ التَّسْبِيحَاتِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَقَصَدَهُمَا هَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ أَوْ لَا لِوُجُودِ مُقْتَضَيْهِ. قَالَ شَيْخُنَا بِالْبُطْلَانِ لِأَنَّ هَذَا مُقْتَضٍ وَمَانِعٌ وَإِذَا اجْتَمَعَا غَلَبَ الْمَانِعُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (مَعَ تَعَدُّدِهِ) أَيْ السَّهْوُ قَوْلُهُ: (وَمَا وَقَعَ فِيهِ) وَلَا يَجْبُرُ نَفْسَهُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ سَجَدَ قَوْلُهُ: (هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَ) الْأَنْسَبُ هَلْ يُطْلَبُ مِنْهُ سُجُودٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ السَّائِلُ حَنَفِيٌّ وَسُجُودُ السَّهْوِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ أج، أَيْ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ الْوُجُوبُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمِيزَانِ وَعِبَارَتُهُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْكَرْخِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: إنَّ سُجُودَ السَّهْوِ وَاجِبٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ يَجِبُ فِي النُّقْصَانِ وَيُسَنُّ فِي الزِّيَادَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيُّ إنَّهُ مَسْنُونٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ) أَيْ وَهَذَا يُشْبِهُهُ فَلَا يُصَغَّرُ أَيْضًا بِالسُّجُودِ ثَانِيًا، وَوَجْهُ تَشْبِيهِهِ بِالْمُصَغَّرِ أَنَّ فِي الْمُصَغَّرِ زِيَادَةَ حَرْفٍ كَعُمَيْرِ تَصْغِيرِ عُمَرَ وَسُجُودُ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ، فَإِذَا أَتَى بِثَلَاثَةٍ أَشْبَهَ الْمُصَغَّرَ كَمَا ذَكَرَهُ م د وَمَعْنَى كَوْنِهِ لَا يُصَغَّرُ أَنَّهُ لَا يُزَادُ سَجْدَتَانِ ثَانِيًا كَمَا أَنَّ عُمَيْرًا لَا يُصَغَّرُ أَيْ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ حَرْفٌ آخَرُ قَوْلُهُ: (كَسُجُودِ الصَّلَاةِ) وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ لِغَيْرِ الْمَأْمُومِ، فَإِنْ سَجَدَ بِدُونِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَمَنْدُوبَاتُهُ) نَعَمْ إنْ كَانَ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ لَمْ يُسَبِّحْ فِيهِ عَشْرًا كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَارْتَضَاهُ فِي الْأَذْكَارِ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَالْأَلْيَقُ أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ سُبْحَانَ الَّذِي لَا يَنَامُ وَلَا يَسْهُو. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ مَا يَقْتَضِي السُّجُودَ، فَإِنْ تَعَمَّدَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَائِقًا بِالْحَالِ بَلْ اللَّائِقُ الِاسْتِغْفَارُ، وَسَكَتُوا عَنْ الذِّكْرِ بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ كَالذِّكْرِ بَيْنَ سَجْدَتَيْ الصَّلَاةِ، فَلَوْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ السَّجْدَةِ أَوْ الْجُلُوسِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي السَّجْدَةِ مِنْ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْإِخْلَالَ بِهِ قَبْلَ فِعْلِهِ أَوْ مَعَهُ وَفَعَلَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ طَرَأَ لَهُ أَثْنَاءَ فِعْلِهِ الْإِخْلَالُ بِهِ وَأَنَّهُ يَتْرُكُهُ فَتَرَكَهُ فَوْرًا لَمْ تَبْطُلْ، وَعَلَى هَذَا الْأَخِيرِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْإِسْنَوِيِّ عَدَمَ الْبُطْلَانِ شَرْحُ م ر. قَالَ سم: وَلَوْ أَتَى بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَمَا بَعْدَهَا أَجْزَأَ اهـ. أَيْ وَيَحْصُلُ لَهُ أَصْلُ سُنَّةِ السُّجُودِ، وَعِبَارَةُ م ر وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ صَلَاتِهِ عَلَى الْآلِ ثُمَّ أَتَى بِهَا بِالْمَأْثُورِ حَصَلَ أَصْلُ سُنَّةِ السُّجُودِ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ اهـ أج. وَفِي ق ل مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ بَعْدَ تَشَهُّدِهِ أَيْ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُجْزِئُ بَعْدَ وَاجِبِهِ وَلَوْ قَبْلَ فِعْلِ الْمَنْدُوبِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَمَا بَعْدَهَا، وَلَوْ تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ عَنْ الْإِمَامِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِمُجَرَّدِ هُوِيِّ الْإِمَامِ لَهُ إنْ قَصَدَ الْمُخَالَفَةَ وَإِلَّا فَبِهُوِيِّهِ إلَى السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوبُهُ إنْ كَانَ مَسْبُوقًا فَلَهُ تَرْكُهُ، وَلَهُ السُّجُودُ وَلَوْ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَكَذَا لَوْ نَوَى مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ قَبْلَهُ، وَلَوْ سَجَدَ سَجْدَةً فَقَطْ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ إنْ قَصَدَ تَرْكَ الثَّانِيَةِ بَعْدَ فِعْلِ الْأُولَى وَإِلَّا بَطَلَتْ بِشُرُوعِهِ فِيهَا، فَإِنْ أَرَادَ السُّجُودَ بَعْدَ التَّرْكِ فَلَا بُدَّ مِنْ سَجْدَتَيْنِ. اهـ. ق ل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَفَعَلَهُ قَبْلَ السَّلَامِ هُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ يَتَعَدَّدُ سُجُودُ السَّهْوِ صُورَةً كَمَا لَوْ سَهَا إمَامُ الْجُمُعَةِ وَسَجَدُوا لِلسَّهْوِ فَبَانَ فَوْتُهَا أَتَمُّوهَا ظُهْرًا وَسَجَدُوا ثَانِيًا آخِرَ الصَّلَاةِ لَتَبَيَّنَ أَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ لَيْسَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُ السَّهْوِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ زَادَ سَجْدَتَيْنِ سَهْوًا، وَلَوْ سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ سَجَدَ ثَانِيًا فَهَذَا مِمَّا يَتَعَدَّدُ فِيهِ السُّجُودُ صُورَةً لَا حُكْمًا. تَتِمَّةٌ: لَوْ نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ رُكْنًا وَسَلَّمَ مِنْهَا بَعْدَ فَرَاغِهَا ثُمَّ أَحْرَمَ عَقِبَهَا بِأُخْرَى لَمْ تَنْعَقِدْ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْأُولَى، فَإِنْ   [حاشية البجيرمي] [حُكْمُ سُجُود السَّهْو وَمَحَلُّهُ] قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ السَّلَامِ) وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ إنْ كَانَ عَنْ نُقْصَانٍ فَقَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ زِيَادَةٍ فَبَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ نُقْصَانٍ وَزِيَادَةٍ فَقَبْلَهُ وَكَوْنُهُ قَبْلَ السَّلَامِ هُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ وَأَنَّهُ يُمْتَنَعُ خِلَافُهُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ حَيْثُ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي الْفَضِيلَةِ لَا فِي الْجَوَازِ. وَمُقَابِلُ الْجَدِيدِ عِنْدَنَا قَدِيمَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنْ سَهَا بِنَقْصٍ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بِزِيَادَةٍ فَبَعْدَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ أَحْكَامٌ لِلشَّرْعِ عَنْ عِلَلِهَا، فَلِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يُرَاعَ هَذَا الْأَصْلُ هُنَا حَيْثُ أَخَّرَ السُّجُودَ عَنْ زَمَانِ الْعِلَّةِ وَهُوَ السَّهْوُ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ؟ قُلْت: نَعَمْ لَكِنْ تُرِكَ تَحَرُّزًا عَنْ التَّكْرَارِ لِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ حَيْثُ وَقَعَ السَّهْوُ لَرُبَّمَا يَسْهُو ثَانِيًا وَثَالِثًا فَيَلْزَمُ تَكْرَارُهُ، وَسُجُودُ السَّهْوِ لَمْ يُشْرَعْ مُكَرَّرًا بِالْإِجْمَاعِ اهـ. قَوْلُهُ: (إذَا قَضَى) أَيْ قَارَبَ قَضَاءَهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ قَوْلُهُ: (الزُّهْرِيُّ) بِضَمِّ الزَّايِ وَسُكُونِ الْهَاءِ نِسْبَةً إلَى زُهْرَةَ بِوَزْنِ غُرْفَةٍ قَبِيلَةٌ مِنْ الْعَرَبِ سُمِّيَتْ بِاسْمِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (هُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ وَلِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ قَبْلَ السَّلَامِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ لِلسَّهْوِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَسَجَدَ. ثَانِيًا: أَنَّهُ قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ فَسَجَدَ. ثَالِثُهَا: أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَسَجَدَ. رَابِعُهَا: أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَسَجَدَ. خَامِسُهَا: أَنَّهُ شَكَّ فِي رَكْعَةٍ خَامِسَةٍ فَسَجَدَ. اهـ. يِصْرِيٌّ وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ سَجَدَ النَّبِيُّ لِسَهْوِهِ ... خَمْسًا أَتَتْ مِثْلَ الْقَمَرْ قَدْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرُّكُوعِ ... وَخَامِسٍ فَاقَ الزَّهَرْ وَأَتَى السَّلَامُ مِنْ اثْنَتَيْنِ ... كَذَا الثَّلَاثُ هِيَ الْغُرُرْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ قَائِمًا ... مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَتَى الْخَبَرْ وَمِنْ أَحْسَنِ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: يَا سَائِلِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ كَيْفَ سَهَا ... وَالسَّهْوُ مِنْ كُلِّ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهِي قَدْ غَابَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سِرُّهُ فَسَهَا ... عَمَّا سِوَى اللَّهِ فِي التَّعْظِيمِ لِلَّهِ قَالَ الشِّهَابُ الْعَبَّادِيُّ: فَإِنْ قُلْت تَسْلِيمُ النَّبِيِّ سَهْوًا مِنْ رَكْعَتَيْنِ مَعَ حُرْمَةِ السَّلَامِ فِي الْفَرْضِ قَبْلَ مَحَلِّهِ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لَهُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ اتِّفَاقًا يُشْكِلُ بِامْتِنَاعِ وُقُوعِ الذَّنْبِ سَهْوًا. قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ امْتِنَاعِ وُقُوعِهِ سَهْوًا مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى السَّهْوِ تَشْرِيعٌ، أَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَيَقَعُ اهـ قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ سَهَا إمَامُ الْجُمُعَةِ) وَيَتَعَدَّدُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ مَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ شَخْصًا يُكْمِلُ بِالْقَوْمِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ هُوَ وَالْمَأْمُومُونَ آخِرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَقُومُ هُوَ لِمَا عَلَيْهِ وَيَسْجُدُ آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ أَيْضًا اهـ شَرْحٌ م ر أج قَوْلُهُ: (فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ) بِأَنْ أَقَامَ بِالْفِعْلِ أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَوْ الْإِتْمَامَ فَهُوَ شَامِلٌ لِثَلَاثِ صُوَرٍ قَوْلُهُ: (لَا حُكْمًا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 ذَكَرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ السَّلَامِ وَتَيَقُّنِ التَّرْكِ بَنَى عَلَى الْأُولَى، وَإِنْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ يَسِيرٌ، وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ أَوْ بَعْدَ طُولِهِ اسْتَأْنَفَهَا لِبُطْلَانِهَا بِطُولِ الْفَصْلِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْأُخْرَى بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ انْعَقَدَتْ الثَّانِيَةُ لِبُطْلَانِ الْأُولَى بِطُولِ الْفَصْلِ وَأَعَادَ الْأُولَى، وَلَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ فَاسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ فَرَاغِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ كَانَ كَبَّرَ تَمَّتْ بِهَا الْأُولَى، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ فَرَاغِهِ بَنَى عَلَى الْأُولَى وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَتَى نَاسِيًا بِمَا لَوْ فَعَلَهُ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْإِحْرَامُ الثَّانِي. فَصْلٌ: فِي بَيَانِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ بِلَا سَبَبٍ   [حاشية البجيرمي] أَيْ لَا جَبْرًا لِأَنَّ الْجَابِرَ لِلْخَلَلِ إنَّمَا هُوَ الْأَخِيرُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنُهُمَا أَقَلُّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِأَخَفِّ مُمْكِنٍ. فَرْعٌ: لَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ نَاسِيًا مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ تَذَكَّرَ عَنْ قُرْبٍ كَمَّلَ صَلَاتَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِلَّا اسْتَأْنَفَهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ يَسِيرٌ) أَوْ اسْتِدْبَارٌ لِلْقِبْلَةِ قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَ طُولِهِ) أَيْ بَيْنَ السَّلَامِ وَتَيَقُّنِ التَّرْكِ قَوْلُهُ: (اسْتَأْنَفَهَا) أَيْ الْأُولَى وَالْفَرْضُ أَنَّ الثَّانِيَةَ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ قَوْلُهُ: (بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ) أَيْ بَيْنَ السَّلَامِ وَتَحَرُّمِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ ثُمَّ أَحْرَمَ عَقِبَهَا قَوْلُهُ: (لِبُطْلَانِ الْأُولَى بِطُولِ الْفَصْلِ) أَيْ مَعَ السَّلَامِ مِنْهَا. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَاسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ) أَيْ الَّتِي كَانَ مُحْرِمًا بِهَا أَوَّلًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَاسْتَأْنَفَهَا. قَوْلُهُ: (بَعْدَ فَرَاغِ الثَّانِيَةِ) أَيْ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي الْحَالَتَيْنِ، أَوْ يُقَالُ بَعْدَ فَرَاغِ الثَّانِيَةِ بِأَنْ سَلَّمَ مِنْهَا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ وَأَرَادَهُ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ اهـ أج قَوْلُهُ: (تَمَّتْ بِهَا الْأُولَى) أَيْ فَتَقُومُ الثَّانِيَةُ مَقَامَ الْأُولَى لِلِاعْتِدَادِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِيهَا بِخِلَافِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي فِيهَا عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْأُولَى وَلَا يَقُومُ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ مَقَامَ رَكَعَاتِ الْأُولَى كَمَا قَالَهُ م ر. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بَنَى عَلَى الْأُولَى أَنَّهُ يَبْنِي مِنْ حَيْثُ عِلْمُهُ بِالتَّكْبِيرِ بِأَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِمَا تَتِمُّ بِهِ الْأُولَى وَلَا يُحْسَبُ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ فَلَا تَكْمُلُ بِهِ الْأُولَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ عَادَ لِلْأُولَى فَأَتَمَّهَا وَهِيَ تُؤَيِّدُ مَا ذُكِرَ اهـ. وَقَوْلُهُ: لِلِاعْتِدَادِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرُ الثَّانِيَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِوُقُوعِهِ غَلَطًا وَكَلَامُ الْمُحَشِّي ظَاهِرٌ إذَا وَقَعَ الْإِحْرَامُ الثَّانِي فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَصَلَّى بَعْدَهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ كَانَ كَبَّرَ فَلَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ قِيَامُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ مَقَامَ الْأُولَى لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاءُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى الَّتِي صَلَّاهَا بِالْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهَا لَا تُلْغَى بَلْ تُكَمَّلُ بِثَلَاثٍ مِنْ الثَّانِيَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ تَمَّتْ بِهَا الْأُولَى، وَيَلْغُو رَكْعَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ فَقَوْلُ الْمُحَشِّي أَيْ فَتَقُومُ الثَّانِيَةُ إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ تَأَمَّلْ وَحَرِّرْ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ فَرَاغِهِ) أَيْ وَكَانَ قَبْلَ التَّشَهُّدِ مَثَلًا لِتَغَايُرِ مَا قَبْلَهَا قَوْلُهُ: (بَنَى عَلَى الْأُولَى) أَيْ عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْأُولَى مَعَ الِاعْتِدَادِ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ اهـ سم. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْأُولَى مُعْتَدٌّ بِهِ مَعَ الشَّكِّ فِي النِّيَّةِ مَعَ أَنَّ الشَّكَّ فِي النِّيَّةِ يُؤَثِّرُ عِنْدَ طُولِ الْفَصْلِ بِأَنْ مَضَى زَمَنٌ يَسَعُ رُكْنًا مَعَ الشَّكِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ضَرَرِ الشَّكِّ حِينَئِذٍ إذَا لَمْ يَأْتِ بِإِحْرَامٍ ثَانٍ تَأَمَّلْ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ بِلَا سَبَبٍ] ٍ قَوْلُهُ: (بِلَا سَبَبٍ) لَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَكَانَ أَوْلَى وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِمُرَاعَاةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ق ل. وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَخْتَصُّ بِمَا لَا سَبَبَ لَهُ بَلْ تَجْرِي فِيمَا سَبَبُهُ مُتَأَخِّرٌ أَيْضًا كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَالْإِحْرَامِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِلَا سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا سَبَبٌ أَصْلًا أَوْ يَكُونَ لَهَا سَبَبٌ مُتَأَخِّرٌ. وَقَوْلُهُ لِمُرَاعَاةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْ حَيْثُ قَالَ إلَّا صَلَاةً لَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 وَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ هُنَا وَإِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ، وَفِي الطَّهَارَةِ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ (وَ) هِيَ (خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ لَا يُصَلَّى فِيهَا) أَيْ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ (إلَّا صَلَاةً لَهَا سَبَبٌ) غَيْرُ مُتَأَخِّرٍ فَإِنَّهَا تَصِحُّ كَفَائِتَةٍ وَصَلَاةِ كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَطَوَافٍ وَتَحِيَّةٍ وَسُنَّةِ وُضُوءٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فَائِتَةً فَرْضًا أَمْ نَفْلًا لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: هُمَا اللَّتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ» ، أَمَّا مَا لَهُ سَبَبٌ مُتَأَخِّرٌ كَرَكْعَتَيْ الِاسْتِخَارَةِ وَالْإِحْرَامِ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ كَالصَّلَاةِ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا.   [حاشية البجيرمي] سَبَبٌ. قَوْلُهُ: (كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأُولَى مَا كَانَتْ بِنَهْيٍ جَازِمٍ، وَالثَّانِيَةَ مَا كَانَتْ بِنَهْيٍ غَيْرِ جَازِمٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَرَامِ وَكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ أَنَّ الْأَوَّلَ دَلِيلُهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَالثَّانِي يَحْتَمِلُهُ. قَوْلُهُ: (تَنْزِيهٍ) وَلَا تَنْعَقِدُ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّنْزِيهِ لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ لَازِمٍ ق ل. قَالَ م د: قَوْلُهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ مُطْلَقًا حَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّنْزِيهِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَلَى الثَّانِي لَا إثْمَ فِيهَا فَيَكُونُ الْخُلْفُ مَعْنَوِيًّا فَلْيُحَرَّرْ. وَقَوْلُهُ لَا إثْمَ فِيهَا مُشْكِلٌ مَعَ عَدَمِ انْعِقَادِهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: فَتَكُونُ مَعَ جَوَازِهَا فَاسِدَةً. وَاسْتَشْكَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ وَقِيلَ إنَّ الْإِقْدَامَ عَلَيْهَا جَائِزٌ، وَعِبَارَةُ م ر مَعَ زِيَادَةٍ وَلَا تَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ أَوْ نَذَرَهَا فِيهِ لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَإِنْ قُلْنَا الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ لِأَنَّ النَّهْيَ إذَا رَجَعَ إلَى نَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْ لَازِمِهَا اقْتَضَى الْفَسَادَ، سَوَاءٌ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ أَيْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الْأَمْكِنَةِ الْمَكْرُوهَةِ فِيهَا الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِعْلَ فِي الزَّمَانِ يُذْهِبُ جُزْءًا مِنْهُ فَكَانَ النَّهْيُ مُنْصَرِفًا لِإِذْهَابِ هَذَا الْجُزْءِ فِي الْمَنْهِيِّ فَهُوَ وَصْفٌ لَازِمٌ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْفِعْلِ إلَّا بِإِذْهَابِ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ، وَأَمَّا الْمَكَانُ فَلَا يَذْهَبُ جُزْءٌ مِنْهُ وَلَا يَتَأَثَّرُ بِالْفِعْلِ فَالنَّهْيُ فِيهِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ مُجَاوِرٍ لَا لَازِمٍ فَحَقِّقْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ قَوْلُهُ: (حَرَمِ مَكَّةَ) سَوَاءٌ الْمَسْجِدُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (إلَّا صَلَاةً لَهَا سَبَبٌ) فَإِنْ قِيلَ: عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَاسْتِوَائِهَا وُجُودُ قَرْنِ الشَّيْطَانِ مَعَهَا وَهُوَ مَوْجُودٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ لَهَا سَبَبٌ أَوْ لَا فَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ مَوْجُودَةٌ مُطْلَقًا. قُلْنَا: مَا نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ إلَّا لِمُوَافَقَةِ مَنْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، فَإِذَا كَانَ لَهَا سَبَبٌ أُحِيلَتْ عَلَى سَبَبِهَا فَخَرَجَتْ عَنْ الْكَرَاهَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سَبَبٌ أُحِيلَتْ عَلَى الْوَقْتِ فَكُرِهَتْ اهـ ش الْحَاوِي لِأَبِي الْبَقَاءِ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (كَفَائِتَةٍ) سَبَبُهَا مُتَقَدِّمٌ أَيْ وَلَوْ نَافِلَةً تُقْضَى لِخَبَرِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَلَكِنْ هَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ أَوْ يَتْرُكَهَا؟ قَالَ سم: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا. وَنَقَلَ الشَّوْبَرِيُّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ التَّرْكَ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْفَائِتَةُ فَرْضًا بِلَا عُذْرٍ وَإِلَّا وَجَبَ الْفِعْلُ، وَخَرَجَ الْمُؤَدَّاةُ فَتُفْعَلُ مُطْلَقًا وَلَوْ مَعَ التَّحَرِّي. وَعِبَارَةُ سم: نَعَمْ تَحَرِّي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ بِالْمُؤَدَّاةِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهَا لِوُقُوعِهَا فِي وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ كَأَنْ أَخَّرَ الْعَصْرَ لِيُوقِعَهَا فِي وَقْتِ الِاصْفِرَارِ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَصَلَاةِ كُسُوفٍ) سَبَبُهَا مُتَقَدِّمٌ ابْتِدَاءً مُقَارِنٌ دَوَامًا وَكَذَا مَا بَعْدَهَا قَوْلُهُ: (وَاسْتِسْقَاءٍ) سَبَبُهَا مُتَقَدِّمٌ وَهُوَ الْحَاجَةُ قَوْلُهُ: (وَطَوَافٍ وَتَحِيَّةٍ وَسُنَّةِ وُضُوءٍ) سَبَبُ الثَّلَاثَةِ مُتَقَدِّمٌ قَوْلُهُ: (وَقَالَ هُمَا اللَّتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ) وَفِي مُسْلِمٍ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّيهِمَا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، أَيْ لِأَنَّ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إذَا عَمِلَ عَمَلًا دَاوَمَ عَلَيْهِ فَفِعْلُهُمَا أَوَّلَ مَرَّةٍ قَضَاءً وَبَعْدَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا إلَّا وَاظَبَ عَلَيْهِ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ الرَّوَاتِبُ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ لِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا أَحْيَانًا وَيَتْرُكُهَا أَحْيَانًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا وَاظَبَ عَلَيْهِ إلَّا أَحَبَّ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (كَالصَّلَاةِ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا) كَصَلَاةِ التَّسْبِيحِ. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ أَيْ لِأَنَّهُ مُعَانِدٌ لِلشَّرْعِ وَعَبَّرَ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ بِمُرَاغَمَةِ الشَّرْعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِتَكْفِيرِهِمْ مَنْ قِيلَ لَهُ قُصَّ أَظْفَارَك فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ، فَإِذَا اقْتَضَتْ الرَّغْبَةُ عَنْ السُّنَّةِ التَّكْفِيرَ فَأَوْلَى هَذِهِ الْمُعَانَدَةُ وَالْمُرَاغَمَةُ. وَيُجَابُ بِتَعْيِينِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُرَاغَمَةَ وَالْمُعَانَدَةَ لَا أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِيهِ حَقِيقَتُهُمَا وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وَلَا يَكْفُرُ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا وَإِنْ أَشْبَهَتْ مُرَاغَمَةَ الشَّرْعِ وَمُعَانَدَتَهُ لَمْ تُوجَدْ فِيهَا حَقِيقَتُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قِيلَ لَهُ قُصَّ أَظْفَارَكَ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ حَيْثُ كَفَّرُوهُ لِوُجُودِ مُرَاغَمَةِ الشَّرْعِ وَمُعَانَدَتِهِ بِذَلِكَ حَقِيقَةً فَانْدَفَعَ بِهَذَا الْفَرْقِ الْإِشْكَالُ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 تَنْبِيهٌ: هَلْ الْمُرَادُ بِالْمُتَقَدِّمِ وَقَسِيمَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَوْ إلَى الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؟ رَأْيَانِ أَظْهَرُهُمَا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فَعَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَنَحْوُهَا كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ سَبَبُهَا مُتَقَدِّمٌ، وَعَلَى الثَّانِي قَدْ يَكُونُ مُتَقَدِّمًا وَقَدْ يَكُونُ مُقَارِنًا بِحَسَبِ وُقُوعِهِ فِي الْوَقْتِ، وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَتَحَرَّ بِهِ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ لِيُوقِعَهَا فِيهِ وَإِلَّا بِأَنْ قَصَدَ تَأْخِيرَ الْفَائِتَةِ أَوْ الْجِنَازَةَ لِيُوقِعَهَا فِيهِ، أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ بِنِيَّةِ التَّحِيَّةِ فَقَطْ، أَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ لِيَسْجُدَهَا فِيهِ وَلَوْ قَرَأَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ تَصِحَّ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ كَخَبَرِ: «لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا» . ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِهَا: (بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ) أَدَاءً (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ)   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ السَّبَبُ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهَا كَالْفَائِتَةِ سَبَبُهَا دُخُولُ الْوَقْتِ الَّذِي قَدْ فَاتَ، وَكَرَكْعَتَيْ الْوُضُوءِ سَبَبُهُمَا الْوُضُوءُ الَّذِي تَقَدَّمَ عَلَى فِعْلِهِمَا، وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ سَبَبُهَا انْقِضَاءُ الْغُسْلِ، وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ سَبَبُهُمَا الطَّوَافُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهِمَا، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَالْمُقَارَنَةِ لَهُ وَالتَّأَخُّرِ عَنْهُ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ تَارَةً يَكُونُ السَّبَبُ مُتَقَدِّمًا عَلَى وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَتَارَةً يَكُونُ مُقَارِنًا إذَا قَارَنَ وَقْتَهَا بِحَسَبِ وُقُوعِ السَّبَبِ قَبْلَ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ أَوْ فِيهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهَا إلَّا فِيمَا سَبَبُهُ مُتَأَخِّرٌ إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ آخِرَ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (الْأَوَّلُ) وَعَلَيْهِ لَا يُتَصَوَّرُ سَبَبٌ مُقَارِنٌ أَصْلًا خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ فِي نَحْوِ الْكُسُوفِ لِأَنَّ الْمُقَارِنَ دَوَامُ السَّبَبِ لَا ابْتِدَاؤُهُ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَالَ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِإِحْرَامِهِ بِهَا عِنْدَ حَالِ التَّغَيُّرِ فَحَصَلَتْ الْمُقَارَنَةُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَوْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْهَيْئَةِ، فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ أَحْرَمَ بِهَا مُقَارِنًا لِلتَّغَيُّرِ وَنَقَلَ ح ل عَنْ حَجّ: أَنَّ الْكُسُوفَ مِمَّا سَبَبُهُ مُتَقَدِّمٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ زَالَ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا لِتَقَدُّمِ سَبَبِهَا ثُمَّ كَتَبَ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَوْنِهِ مُقَارِنًا بِأَنَّهُ عِنْدَ التَّحْرِيمِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكُسُوفُ بَاقِيًا مُسْتَمِرًّا حَتَّى لَوْ زَالَ لَمْ يَصِحَّ الْإِحْرَامُ اهـ. وَتَلَخَّصَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْمُقَارَنَةِ اسْتِوَاءَ السَّبَبِ وَالْإِحْرَامَ فِي الزَّمَنِ ابْتِدَاءً كَانَ الْكُسُوفُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الصَّلَاةِ إذْ لَا يُحْرِمُ بِهَا إلَّا بَعْدَ ابْتِدَائِهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمُقَارَنَةِ وُقُوعُ الْإِحْرَامِ حَالَ وُقُوعِ السَّبَبِ وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ كَانَ الْكُسُوفُ مُقَارِنًا لِلصَّلَاةِ قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الصِّحَّةِ فِي غَيْرِ مَا لَهُ سَبَبٌ مُتَأَخِّرٌ ق ل قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَتَحَرَّ بِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ: (لِيُوقِعَهَا فِيهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَقْتُ كَرَاهَةٍ وَإِلَّا بِأَنْ أَطْلَقَ فَلَا يَكُونُ مِنْ التَّحَرِّي، وَلَيْسَ مِنْ التَّحَرِّي مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَائِتَةٌ وَأَضْمَرَ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ وَقْتٍ خَلْفَ وَقْتٍ أج. قَالَ م ر: وَلَيْسَ مِنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِإِيقَاعِهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ حَتَّى لَا تَنْعَقِدَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ لِبَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَقْصِدُونَ بِهِ كَثْرَةَ الْمُصَلِّينَ قَوْلُهُ: (تَأْخِيرَ الْفَائِتَةِ) وَلَوْ نَوَى نَفْلًا مُطْلَقًا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فَدَخَلَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ، فَإِنْ نَوَى عَدَدًا أَتَمَّهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَإِنْ دَخَلَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ بَعْدَ فِعْلِ رَكْعَتَيْنِ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ قَامَ لِثَالِثَةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لَزِمَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا. اهـ. سم أج قَوْلُهُ: (فَقَطْ) خَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ دَخَلَ لِغَرَضٍ غَيْرِ التَّحِيَّةِ أَوْ لِغَرَضِهِمَا سم قَوْلُهُ: (لَا تَحَرَّوْا) أَصْلُهُ لَا تَتَحَرَّوْا، فَحُذِفَتْ مِنْهُ إحْدَى التَّاءَيْنِ فَصَارَ تَحَرَّوْا. وَأَصْلُهُ لَا تَتَحَرَيُوا تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا ثُمَّ حُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَدَاءً) احْتِرَازًا مِنْ صُبْحِ مَقْضِيَّةٍ فَلَا تُكْرَهُ بَعْدَ فِعْلِهَا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَدَاءً أَيْ مُغَنِّيَةً عَنْ الْقَضَاءِ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ لِمَنْ صَلَّاهَا أَيْ أَدَاءً وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ وَصَلَّى أَوْ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْوُجُودُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّاهَا فَلَهُ النَّفَلُ بَعْدَهَا قَوْلُهُ: (حَتَّى تَطْلُعَ) أَيْ تَأْخُذَ فِي الطُّلُوعِ وَإِنْ لَمْ تَتَكَامَلْ بِأَنْ بَرَزَ بَعْضُ الْقُرْصِ، وَظَنُّ طُلُوعِهَا بِالِاجْتِهَادِ كَتَيَقُّنِهِ إذْ الِاجْتِهَادُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُقَالُ: الْأَصْلُ جَوَازُ الْفِعْلِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمَانِعُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّنَّ الْمُرَتَّبَ عَلَى الِاجْتِهَادِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ سم. قَالَ م د: وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ: وَتَرْتَفِعُ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْوَقْتَ الَّذِي بَعْدَهُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ قَبْلَ الطُّلُوعِ تَكُونُ الْكَرَاهَةُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا وَاقِعَةً بَعْدَ الصُّبْحِ، وَأَمَّا مِنْ الطُّلُوعِ إلَى الِارْتِفَاعِ فَهِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 وَتَرْتَفِعَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَ) ثَانِيهَا (عِنْدَ) مُقَارَنَةِ (طُلُوعِهَا) سَوَاءٌ أَصَلَّى الصُّبْحَ أَمْ لَا (حَتَّى تَتَكَامَلَ) فِي الطُّلُوعِ (وَتَرْتَفِعَ) بَعْدَ ذَلِكَ (قَدْرَ رُمْحٍ) فِي رَأْيِ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَالْمَسَافَةُ بَعِيدَةٌ (وَ) ثَالِثُهَا (عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ حَتَّى تَزُولَ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ نُقْبِرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ» . فَالظَّهِيرَةُ شِدَّةُ الْحَرِّ وَقَائِمُهَا الْبَعِيرُ يَكُونُ بَارِكًا فَيَقُومُ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الْأَرْضِ وَتَضَيَّفُ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ مُشَدَّدَةٍ أَيْ تَمِيلُ، وَالْمُرَادُ بِالدَّفْنِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ أَنْ يَتَرَقَّبَ الشَّخْصُ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِأَجْلِ الدَّفْنِ، وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: إنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا. فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِسَنَدِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَرْنِ الشَّيْطَانِ فَقِيلَ   [حاشية البجيرمي] مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ وَمِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ إنْ صَلَّى الصُّبْحَ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ فَيَكُونُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ فَقَطْ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ حَتَّى تَغْرُبَ بِكَمَالِهَا. قَوْلُهُ: (وَتَرْتَفِعَ) أَيْ فَزَمَنُ ارْتِفَاعِهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ لِأَجْلِ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ وَلِأَجْلِ الْوَقْتِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي، وَعِنْدَ طُلُوعِهَا سَوَاءٌ صَلَّى الصُّبْحَ أَمْ لَا حَتَّى تَتَكَامَلَ وَتَرْتَفِعَ. فَقَوْلُ ق ل: لَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ وَتَرْتَفِعَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّلُوعِ ابْتِدَاؤُهُ سَوَاءٌ ظَهَرَتْ لَنَا أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الطُّلُوعِ مَبْدَأُ الْكَرَاهَةِ، وَأَفَادَ قَوْلُهُ: تَرْتَفِعَ اسْتِمْرَارَ الْكَرَاهَةِ بِسَبَبِ الْفِعْلِ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ وَأَنَّهَا لَا تَنْتَهِي بِتَمَامِ الطُّلُوعِ اهـ م د. وَكَلَامُ الْمَنْهَجِ صَرِيحٌ فِيمَا قَالَهُ الْمَدَابِغِيُّ لِأَنَّهُ قَالَ وَبَعْدَ صُبْحٍ حَتَّى تَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ إلَخْ فَيَكُونُ كَعِبَارَةِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (لِلنَّهْيِ عَنْهُ) أَيْ عَمَّا ذُكِرَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (قَدْرَ رُمْحٍ) وَهُوَ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ تَقْرِيبًا فِي رَأْيِ الْعَيْنِ ق ل. وَقَدَّرَ غَيْرُ وَاحِدٍ طُولَهُ بِنَحْوِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: مَنْ قَالَ أَرْبَعَةً نَظَرَ إلَى ذِرَاعِ الْعَمَلِ، وَمَنْ قَالَ سَبْعَةً نَظَرَ إلَى ذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ كَرُمْحٍ صَحَّتْ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا فَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. وَهَذَا عَكْسُ الْقَاعِدَةِ لِأَنَّ الْغَايَةَ إذَا كَانَتْ بِحَتَّى تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا، وَإِذَا كَانَتْ بِإِلَى لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا قَوْلُهُ: (فَالْمَسَافَةُ بَعِيدَةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَلَكَ الْأَعْظَمَ يَتَحَرَّكُ بِقَدْرِ النُّطْقِ بِالْحَرْفِ الْمُحَرَّكِ قَدْرَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَكَذَا يُقَالُ فِي الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ لِيَشْمَلَ ذَلِكَ أَيَّامَ الدَّجَّالِ. وَاعْلَمْ أَنَّ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ لَطِيفٌ وَلَا يَكَادُ يُشْعَرُ بِهِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، إلَّا أَنَّ التَّحَرُّمَ قَدْ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِيهِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ كَمَا قَالَهُ م ر. قَوْلُهُ: (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ) أَيْ أَوْقَاتٌ بِدَلِيلِ أَنَّ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ يَسِيرٌ جِدًّا وَمُرَادُهُ الثَّلَاثَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالزَّمَنِ قَوْلُهُ: (يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ) أَيْ تَحْرِيمًا قَوْلُهُ: (أَوْ نُقْبِرَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَقْبَرَ قَالَ تَعَالَى {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] وَالنَّهْيُ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ كَذَا بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ، وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: أَوْ نُقْبِرَ بَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ اهـ مُخْتَارٌ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ النُّونَ مَفْتُوحَةٌ وَأَنَّ الْبَاءَ يَجُوزُ فِيهَا الضَّمُّ وَالْكَسْرُ، وَأَنَّ مَاضِيَهُ ثُلَاثِيٌّ مَفْتُوحُ الْبَاءِ، وَأَمَّا أَقْبَرَهُ الَّذِي فِي الْآيَةِ فَمَعْنَاهُ جَعَلَ لَهُ قَبْرًا، وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ مَاضِيهِ قَبَرَ بِمَعْنَى دَفَنَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (بَازِغَةً) حَالٌ مُؤَكَّدَةٌ بِمَعْنَى طَالِعَةً. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: بَزَغَتْ الشَّمْسُ طَلَعَتْ قَوْلُهُ: (تَضَيَّفُ) أَيْ الشَّمْسُ أَيْ تَمِيلُ، وَهُوَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ، وَأَصْلُهُ تَتَضَيَّفُ حُذِفَتْ مِنْهُ إحْدَى التَّاءَيْنِ قَوْلُهُ: (وَقَائِمُهَا الْبَعِيرُ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي أَيِّ قَائِمٍ فِيهَا، أَيْ بِسَبَبِهَا وَفِيهِ مَجَازُ الْأَوَّلِ أَيْ حَتَّى يَقُومَ الْبَعِيرُ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: حَتَّى يَقُومَ الْقَائِمُ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ حَاصِلٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ) أَيْ الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحِكْمَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 قَوْمُهُ وَهُمْ عُبَّادُ الشَّمْسِ يَسْجُدُونَ لَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَقِيلَ إنَّ الشَّيْطَانَ يُدْنِي رَأْسَهُ مِنْ الشَّمْسِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِيَكُونَ السَّاجِدُ لَهَا سَاجِدًا لَهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالزَّوَالِ، وَوَقْتُ الِاسْتِوَاءِ لَطِيفٌ لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ وَلَا يَكَادُ يَشْعُرُ بِهِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا أَنَّ التَّحَرُّمَ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِيهِ، فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ لِاسْتِثْنَائِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَحَضَرَ إلَى الْجُمُعَةِ أَمْ لَا، وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِمَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ. (وَ) رَابِعُهَا (بَعْدَ) صَلَاةِ (الْعَصْرِ) أَدَاءً وَلَوْ مَجْمُوعَةً فِي وَقْتِ الظُّهْرِ (حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) بِكَمَالِهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. (وَ) خَامِسُهَا (عِنْدَ) مُقَارَنَةِ (الْغُرُوبِ حَتَّى يَتَكَامَلَ غُرُوبُهَا) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ انْقِسَامُ النَّهْيِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّمَانِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ: عِنْدَ الطُّلُوعِ، وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ، وَعِنْدَ الْغُرُوبِ. وَإِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ وَقْتَانِ: بَعْدَ الصُّبْحِ أَدَاءً، وَبَعْدَ الْعَصْرِ كَذَلِكَ. وَتَقْسِيمُ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ إلَى خَمْسَةٍ هِيَ عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ وَتَبِعَهُمْ فِي الْمُحَرَّرِ عَلَيْهَا، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ الْمِنْهَاجِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ وَعَلَى بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُرَادُ بِحَصْرِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوْقَاتِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي كَرَاهَةُ التَّنَفُّلِ فِي وَقْتِ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَوَقْتِ صُعُودِ الْإِمَامِ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى. وَإِنَّمَا تُرَدُّ   [حاشية البجيرمي] الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْفِعْلِ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ حِكْمَةَ النَّهْيِ عَنْ الدَّفْنِ فِيهَا. قَوْلُهُ: (يَسْجُدُونَ لَهَا) أَيْ فَالْمُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُشَارِكٌ لَهُمْ فِي ذَلِكَ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (يُدْنِي رَأْسَهُ) كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ الشَّمْسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، وَالشَّيْطَانَ فِي الْأَرْضِ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُمِيلُ رَأْسَهُ لِجِهَةِ الشَّمْسِ، وَهَذَا الْمَعْنَى وَالتَّعْلِيلُ لَا يَظْهَرُ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ بَلْ عِنْدَ الطُّلُوعِ أَوْ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ لِمَنْ قِبْلَتُهُمْ جِهَةَ الشَّمْسِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْغُرُوبِ فَالسَّاجِدُ لَا يَسْجُدُ لِجِهَةِ الشَّمْسِ لِأَنَّهَا خَلْفُهُ. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: يُدْنِي فِيهِ أَنَّ الشَّمْسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ دُنُوُّهُ مِنْ شُعَاعِهَا قَوْلُهُ: (لِيَكُونَ السَّاجِدُ لَهَا) أَيْ السَّاجِدُ لِجِهَتِهَا فَلَا يَرِدُ أَنَّ سُجُودَهُ لِلَّهِ تَعَالَى إذْ الْكَلَامُ فِي الْمُؤْمِنِ الْمُصَلِّي، وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا فِي وَقْتِ الِاسْتِوَاءِ وَفِيمَنْ يَسْتَدْبِرُونَ الشَّمْسَ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ لِكَوْنِ قِبْلَتِهِمْ فِي خِلَافِهَا فَتَأَمَّلْ ق ل بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ الِاسْتِوَاءِ، أَمَّا غَيْرُ وَقْتِ الِاسْتِوَاءِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِ الْجُمُعَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ، وَأَمَّا فِي حَرَمِ مَكَّةَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَقْتِ الِاسْتِوَاءِ وَغَيْرِهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ مُطْلَقًا خ ض. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الصَّلَاةِ) أَيْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَجْمُوعَةً فِي وَقْتِ الظُّهْرِ) أَيْ جَمْعُ الْعَصْرِ مَعَ الظُّهْرِ تَقْدِيمًا. قَالَ ح ل: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْعِمَادُ بْنُ يُونُسَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ حِينَئِذٍ، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا شَخْصٌ يُكْرَهُ لَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ اهـ. فَالْغَايَةُ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ مَجْمُوعَةً إلَخْ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ قَوْلُهُ: (بِكَمَالِهَا) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي اسْتِدْرَاكَ الْوَقْتِ الْخَامِسِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ، فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يُؤَوَّلَ الْغُرُوبُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ الَّذِي هُوَ قَبْلَ الِاصْفِرَارِ ق ل. وَعِبَارَةُ سم فِي شَرْحِهِ: يَعْنِي يَقْرُبُ غُرُوبُهَا بِأَنْ تَصْفَرَّ اهـ. قَالَ م د بَعْدَ نَقْلِ عِبَارَةِ ق ل: وَهُوَ أَيْ مَا ذَكَرَهُ ق ل مَمْنُوعٌ لِأَنَّ مُقَارَبَةَ الْغُرُوبِ مَكْرُوهَةٌ لِأَمْرَيْنِ لِلْفِعْلِ وَلِلزَّمَانِ، فَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْأَوَّلِ مَعَ ذِكْرِهِ فِي الثَّانِي كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ مُقَارَنَةِ الْغُرُوبِ) الصَّوَابُ عِنْدَ مُقَارَبَةِ الْغُرُوبِ بِالْبَاءِ لَا بِالنُّونِ لِأَنَّ الْوَقْتَ الْخَامِسَ وَقْتُهُ مِنْ الِاصْفِرَارِ إلَى تَكَامُلِ الْغُرُوبِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْمُقَارَنَةِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (انْقِسَامُ النَّهْيِ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَهُوَ الصَّلَاةُ قَوْلُهُ: (بَعْدَ الصُّبْحِ) أَدَاءً أَيْ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ. وَقَوْلُهُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ أَيْ إلَى تَمَامِ الْغُرُوبِ وَإِنْ دَخَلَتْ الْكَرَاهَةُ لِلزَّمَانِ أَيْضًا لِأَنَّ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ مَكْرُوهَةٌ مِنْ جِهَتَيْنِ خِلَافًا لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ق ل م د. وَمَتْنُ الْمَنْهَجِ صَرِيحٌ فِيمَا قَالَهُ م د لِأَنَّهُ قَالَ: وَبَعْدَ صُبْحٍ حَتَّى تَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ وَعَصْرٌ وَعِنْدَ اصْفِرَارٍ حَتَّى تَغْرُبَ اهـ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الْأَصْلِيَّةِ) لَوْ قَالَ الْمَحْدُودَةَ لَكَانَ أَوْلَى. وَعِبَارَةُ ق ل: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِأَصَالَتِهَا عَدَمُ زَوَالِهَا عَنْ مَحَلِّهَا أَبَدًا بِخِلَافِ غَيْرِهَا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى فِعْلِ الْخُطْبَةِ مَثَلًا قَوْلُهُ: (وَوَقْتِ صُعُودِ الْإِمَامِ) أَيْ فِي حَالِ صُعُودِهِ وَقَبْلَ جُلُوسِهِ، وَتَحْرُمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 الْأُولَى إذَا قُلْنَا الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ كَرَاهَةَ وَقْتَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاتِهِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ إلَى صَلَاتِهِ وَقَالَ: إنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ. وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَذْهَبُهُمْ، وَخَرَجَ بِغَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ حَرَمُهَا فَلَا تُكْرَهُ فِيهِ صَلَاةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مُطْلَقًا لِخَبَرِ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ فَضْلِ الصَّلَاةِ نَعَمْ هِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. وَخَرَجَ بِحَرَمِ مَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ كَغَيْرِهِ. فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ   [حاشية البجيرمي] وَلَا تَنْعَقِدُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا فِيمَا بَعْدَ جُلُوسِهِ بَعْدَ صُعُودِهِ إلَى تَمَامِ الْخُطْبَةِ، وَالْمَنْعُ فِي هَذِهِ شَامِلٌ لِحَرَمِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ فَرَاجِعْهُ ق ل قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَانْظُرْ قُبَيْلَ الصُّعُودِ بِزَمَنٍ لَا يَسَعُ فَرَاغَ الصَّلَاةِ قَبْلَ جُلُوسِ الْإِمَامِ وَقَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْخُطْبَةِ وَفِي شَرْحِ م ر: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّخْفِيفُ مِنْ حِينِ جُلُوسِهِ، وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ: وَيَلْزَمُ مَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ تَخْفِيفُهَا عِنْدَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَوْلُهُ: (لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ) قَيْدٌ لِلْحُرْمَةِ فَتُكْرَهُ فِي غَيْرِهَا مَعَ الصِّحَّةِ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا تَرِدُ الْأُولَى إلَخْ) أَيْ فَهِيَ غَيْرُ وَارِدَةٍ وَكَذَا لَا تَرِدُ الثَّانِيَةُ الَّتِي فِي حَالَةِ الصُّعُودِ لِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ، فَلَا تَرِدُ إلَّا مَا بَعْدَ جُلُوسِهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الصَّلَاةِ فِيهَا إجْمَاعًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَمَا مَرَّ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَرِدُ هَذِهِ أَيْضًا لِذِكْرِهَا فِي بَابِهَا تَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (إذَا قُلْنَا الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ) أَيْ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ، أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَلَا تَرِدُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ) فَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَا تَرِدُ أَيْضًا لِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ ق ل قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ أَوْ مُقَارِنٌ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ) فَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فِي الْمَكَانِ الشَّامِلِ لَهُ عُمُومُ الزَّمَانِ فِي الْحَدِيثَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ فِي هَذَا عُمُومُهَا لَا خُصُوصُ صَلَاةِ الطَّوَافِ، بِدَلِيلِ سُقُوطِ الطَّوَافِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَلَا مُعَارَضَةَ فَتَأَمَّلْ. لَكِنْ فِي أَخْذِ عُمُومِ الْحَرَمِ مِنْ الْحَدِيثِ تَوَقُّفٌ وَصَرِيحُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ فَضْلِ الصَّلَاةِ تُخَصِّصُ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ أَسْقَطَ هَذَا التَّعْلِيلَ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا ق ل وَفِي رِوَايَةٍ «لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا صَلَّى» مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ اهـ قَوْلُهُ: (وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ) أَيْ فِي الْحَرَمِ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا «لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا صَلَّى فِي الْحَرَمِ» مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الطَّوَافِ فَحِينَئِذٍ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمُدَّعَى ظَاهِرَةٌ قَوْلُهُ: (خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ) أَيْ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى كَرَاهَتَهَا مُطْلَقًا حَتَّى فِي حَرَمِ مَكَّةَ. وَقَوْلُ م د لِأَنَّ مَالِكًا يَرَى كَرَاهَتَهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لَنَا كَمَا فِي الْمِيزَانِ. [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] ِ الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ وَالْإِضَافَةُ بَعْدَ الْقَلْبِ عَلَى مَعْنَى فِي، وَحَقُّ الْعِبَارَةِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا أَوَّلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ الصَّلَاةِ تَقَدَّمَ. وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ سُرَاقَةَ بِرْمَاوِيٌّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فُرَادَى كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلُ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: «أَوَّلُ مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَ مِنْ الْغَارِ فِي الصُّبْحِ» وَإِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلُ فُرَادَى. وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَيْضًا الْجُمُعَةُ وَالْعِيدَانِ وَالْكُسُوفَانِ وَالِاسْتِسْقَاءُ. وَالْجَمَاعَةُ لُغَةً الطَّائِفَةُ وَشَرْعًا رَبْطُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَفْظُهَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَيَتَعَيَّنُ لِأَحَدِهِمَا بِالْقَرِينَةِ كَتَقَدُّمِ الْإِمَامِ أَوْ إحْرَامِهِ. وَالْحِكْمَةُ فِي الْجَمَاعَةِ قِيلَ لِأَنَّ الْمُذْنِبَ إذْ اعْتَذَرَ مِنْ سَيِّدِهِ يَجْمَعُ الشُّفَعَاءَ لِيَقْبَلَهُ، وَالْمُصَلِّي مُعْتَذِرٌ فَأَتَى بِالشُّفَعَاءِ لِتَقْضِيَ حَاجَتَهُ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ ضِيَافَةٌ وَمَائِدَةُ بِرٍّ، وَالْكَرِيمُ لَا يَضَعُ مَائِدَتَهُ إلَّا لِجَمَاعَةٍ كَمَا قَالَهُ عَبْدُ الْبَرِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةَ، أَمَرَ بِهَا فِي الْخَوْفِ فَفِي الْأَمْنِ أَوْلَى، وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَفِي رِوَايَةٍ «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ، أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أَخْبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَ بِهَا، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ. «وَمَكَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُصَلِّي بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ» لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا مَقْهُورِينَ يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ أَقَامَ بِهَا الْجَمَاعَةَ وَوَاظَبَ عَلَيْهَا وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهَا. وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَفُوتُ أَحَدًا صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِذَنْبٍ أَذْنَبَهُ. قَالَ: وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يُعَزُّونَ أَنْفُسَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إذَا فَاتَتْهُمْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى، وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَةُ وَأَقَلُّهَا إمَامٌ وَمَأْمُومٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي، وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ أَنَّ مَنْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهَا) لَمْ يَقُلْ فِي وُجُوبِهَا لِيَجْرِيَ كَلَامُهُ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ فِي أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ أَوْ سُنَّةٍ. وَقَالَ أج قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهَا أَيْ وَالدَّلِيلُ عَلَى طَلَبِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ: الْوُجُوبُ عَلَى الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْعُقَلَاءِ، وَالْكَرَاهَةُ خَلْفَ مُبْتَدِعٍ وَمُخَالِفٍ كَحَنَفِيٍّ، وَمِنْ الْكَرَاهَةِ تَنْزِيهًا إقَامَتُهَا بِمَسْجِدٍ غَيْرِ مَطْرُوقٍ بِغَيْرِ إذْنِ رَاتِبِهِ، فَلَوْ غَابَ نُدِبَ انْتِظَارُهُ وَلَا يَؤُمُّ بِهِ غَيْرُهُ إلَّا إنْ خِيفَ خُرُوجُ الْوَقْتِ وَلَمْ يُخْشَ فِتْنَةٌ وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى. أَمَّا الْمَطْرُوقُ فَلَا وَلَوْ فِي صُلْبِ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَالِاسْتِحْبَابُ لِلْعُرَاةِ إذَا كَانُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ، وَالْإِبَاحَةُ لَهُمْ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ، وَالْحُرْمَةُ بِأَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَدْرَكَهَا كُلَّهَا فِي الْوَقْتِ، وَلَوْ صَلَّى جَمَاعَةً أَدْرَكَ بَعْضَهَا فِي الْوَقْتِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الرَّحْمَانِيِّ وَعِبَارَةُ م د: وَقَدْ تَجِبُ كَمَا لَوْ رَأَى إمَامًا رَاكِعًا وَعَلِمَ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى بِهِ أَدْرَكَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ لَا إنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا كَمَا أَفَادَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَحْرِيمُهَا فِيمَا إذَا رَأَى الْإِمَامَ فِي جُلُوسِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ وَإِنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَدْرَكَهَا اهـ قَوْلُهُ: (مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ) بِالْفَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمُنْفَرِدِ قَوْلُهُ: (دَرَجَةً) أَيْ صَلَاةً فَصَلَاةُ الشَّخْصِ جَمَاعَةً يَعْدِلُ ثَوَابُهَا سَبْعًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً مِنْ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَلِيلَ إلَخْ) أَيْ الْإِخْبَارُ بِهِ، وَإِلَّا فَذَاتُ الْقَلِيلِ تُنَافِي ذَاتَ الْكَثِيرِ وَقَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَ إلَخْ وَهَذَا الْجَوَابُ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ ثُبُوتِ تَقَدُّمِ رِوَايَةِ الْقَلِيلِ قَوْلُهُ: (أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ) فَمَنْ زَادَ خُشُوعُهُ وَتَدَبُّرُهُ وَتَذَكُّرُهُ عَظَمَةَ مَنْ تَمَثَّلَ فِي حَضْرَتِهِ فَلَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ، وَمَنْ لَيْسَتْ لَهُ هَذِهِ الْهَيْئَةُ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَهَذَا احْتِمَالٌ لَا مَانِعَ مِنْهُ، وَالْجَمْعُ يَكْفِي فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا لِلشِّهَابِ الْقَلْيُوبِيِّ مِنْ نِسْبَةِ هَذَا الْجَوَابِ لِعَدَمِ الِاسْتِقَامَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اج. وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ وَبُعْدِهِ، أَوْ أَنَّ رِوَايَةَ السَّبْعِ وَالْعِشْرِينَ مُخْتَصَّةٌ بِالصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى السِّرِّيَّةِ بِسَمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَالتَّأْمِينِ لِتَأْمِينِهِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لِلصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ لِنَقْصِهَا عَنْهَا اهـ أج. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً إلَخْ) اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ أَوْ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَأْتِي مَا قَالَهُ. وَأُجِيبَ بِشُمُولِهِ لِمَا كَانَ يُصَلِّيهِ قَبْلَ فَرْضِ الْخَمْسِ أج قَوْلُهُ: (يُصَلِّي) أَيْ غَيْرَ الْخَمْسِ قَبْلَ الْخَمْسِ وَالْخَمْسُ بَعْدَ فَرْضِهَا أج قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ) أَيْ بِغَيْرِ إظْهَارِهَا وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: شُرِعَتْ بِالْمَدِينَةِ أَيْ إظْهَارُهَا فَلَا يُنَافِي صَلَاةَ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ وَبِالصَّحَابَةِ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، وَصَلَاةَ النَّبِيِّ أَيْضًا بِخَدِيجَةَ اهـ أج قَوْلُهُ: (إلَّا بِذَنْبٍ أَذْنَبَهُ) جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَائِبِ، وَلِذَلِكَ رَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَكَانَ السَّلَفُ إلَخْ قَوْلُهُ: (يُعَزُّونَ أَنْفُسَهُمْ) وَصِيغَةُ التَّعْزِيَةِ: لَيْسَ الْمُصَابُ مَنْ فَقَدَ الْأَحْبَابَ إنَّمَا الْمُصَابُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ اهـ أج. قَوْلُهُ: (إمَامٌ وَمَأْمُومٌ) أَيْ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، أَمَّا فِيهَا فَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 صَلَّى فِي عَشْرَةِ آلَافٍ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً، وَمَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ لَهُ ذَلِكَ لَكِنَّ دَرَجَاتِ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ (وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ) فِي الْمَكْتُوبَاتِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) وَلَوْ لِلنِّسَاءِ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَهَذَا مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ أَنَّهَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِرِجَالٍ أَحْرَارٍ مُقِيمِينَ غَيْرِ عُرَاةٍ فِي أَدَاءِ مَكْتُوبَةٍ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ قَرْيَةٍ أَوْ بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الْجَمَاعَةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ أَيْ غَلَبَ فَعَلَيْك بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، فَتَجِبُ   [حاشية البجيرمي] أَرْبَعُونَ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " الْجَمَاعَةُ إمَامٌ وَمَأْمُومٌ " أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الرَّجُلُ مَعَ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ رَقِيقِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَا يُقَالُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثٌ. لِأَنَّا نَقُولُ الْحُكْمُ هُنَا عَلَى الِاثْنَيْنِ بِالْجَمَاعَةِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ مَأْخَذُهُ التَّوْقِيفُ، وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ بَحْثٌ لُغَوِيٌّ مَأْخَذُهُ اللِّسَانُ. وَقَوْلُهُ أَيْضًا أَقَلُّ الْجَمَاعَةِ أَيْ بِخِلَافِ الْجَمْعِ. فَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَغَلِطَ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُمْ: يُطْلَقُ الْجَمْعُ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ وَهُوَ الِاثْنَانِ أَيْ مَجَازًا، وَلِذَا قَالَ الرَّحْمَانِيُّ وَالْخِلَافُ فِي اللَّفْظِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْجَمْعِ كَرِجَالٍ وَزَيْدَيْنِ لَا فِي لَفْظِ ج م ع فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى اثْنَيْنِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ مَدْلُولَهُ ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ اهـ. [حُكْمُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] قَوْلُهُ: (فِي الْمَكْتُوبَاتِ) قَيَّدَ بِهَا لِأَجْلِ الْخِلَافِ، وَإِلَّا فَهِيَ سُنَّةٌ فِي غَيْرِهَا قَطْعًا كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ ق ل قَوْلُهُ: (غَيْرَ الْجُمُعَةِ) بِنَصْبِ غَيْرٍ عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَيُمْنَعُ الْجَرُّ نَعْتًا لِلْمَكْتُوبَاتِ لِأَنَّ غَيْرَ لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ لِتَوَغُّلِهَا فِي الْإِبْهَامِ إلَّا إذَا وَقَعَتْ بَيْنَ ضِدَّيْنِ، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ لِأَنَّهَا إنْ جُرَّتْ لَزِمَ عَلَيْهِ نَعْتُ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّكِرَةِ قَالَ سم، وَقَدْ يُقَالُ الْفَرَائِضُ هُنَا مَا عَدَا الْجُمُعَةَ مِنْ الْخَمْسِ وَهِيَ أَيْ الْجُمُعَةُ مُضَادَّةٌ لِمَا عَدَاهَا لِأَنَّ الضِّدَّيْنِ هُمَا الْأَمْرَانِ الْوُجُودِيَّانِ اللَّذَانِ لَا يَصْدُقَانِ عَلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلْتَتَعَرَّفْ غَيْرُ هُنَا وَحِينَئِذٍ تَكُونُ نَعْتًا لِلْمَكْتُوبَاتِ اهـ رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ (سُنَّةٌ) أَيْ سُنَّةُ عَيْنٍ، وَفِي حَمْلِهِ عَلَى قَوْلِهِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي جَمَاعَةٍ فَلِذَلِكَ قَالَ سم: الْمُرَادُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ سُنَّةٌ اهـ. فَالْمُرَادُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ: (فَرْضُ كِفَايَةٍ) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَا فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ ز ي قَوْلُهُ: (لِرِجَالٍ) أَيْ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ: (أَحْرَارٍ) أَيْ كَامِلِينَ الْحُرِّيَّةِ ق ل. قَوْلُهُ: (مُقِيمِينَ) وَلَوْ بِغَيْرِ اسْتِيطَانٍ قَوْلُهُ: (غَيْرِ عُرَاةٍ) أَيْ وَغَيْرِ مَعْذُورِينَ وَغَيْرِ مُؤَجَّرِينَ إجَارَةَ عَيْنٍ عَلَى عَمَلٍ نَاجِزٍ، فَلَا تَجِبُ عَلَى نَحْوِ مَرِيضٍ وَلَا عَلَى أَجِيرٍ إلَّا بِإِذْنِ مُسْتَأْجِرِهِ ق ل. وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ غَيْرِ عُرَاةٍ دُونَ أَنْ يَقُولَ مَسْتُورِينَ لَعَلَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُجَرَّدَ السِّتْرِ لَا يَسْتَدْعِي وُجُوبَ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِمْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا مَسْتُورِينَ بِنَحْوِ طِينٍ، وَلَا يَسْتَدْعِي وُجُوبَ الْجَمَاعَةِ بَلْ مِثْلُ ذَلِكَ عُذْرٌ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (فِي أَدَاءِ مَكْتُوبَةٍ) أَيْ غَيْرِ جُمُعَةٍ ظَاهِرُهُ وَإِنْ وَجَبَتْ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ مَعَ وُجُوبِ إعَادَتِهَا كَصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِيهَا فَتُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ كَمَا تُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَظُهْرِ الْمَعْذُورِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الشِّعَارَ يَظْهَرُ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى ظُهُورِ شِعَارٍ آخَرَ فِي غَيْرِهَا قَالَهُ شَيْخُنَا. وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الشِّعَارَ لَوْ تَوَقَّفَ ظُهُورُهُ عَلَى جَمَاعَةِ الظُّهْرِ كَانَتْ وَاجِبَةً إلَّا أَنْ يُقَالَ مِنْ شَأْنِهِ الظُّهُورُ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَا مِنْ ثَلَاثَةٌ) مِنْ زَائِدَةٌ وَثَلَاثَةٌ مُبْتَدَأٌ. وَقَوْلُهُ: مِنْ قَرْيَةٍ صِفَةٌ، أَيْ كَائِنُونَ فِي قَرْيَةٍ. وَقَوْلُهُ: لَا تُقَامُ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ. وَقَوْلُهُ: إلَّا اسْتَحْوَذَ خَبَرٌ، وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَالْحَلَبِيِّ قَوْلُهُ " مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ أَوْ بَدْوٍ " إلَخْ كَأَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَخْذِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إنَّ اسْتِحْوَاذَ الشَّيْطَانِ، أَيْ غَلَبَتَهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْبُعْدُ عَنْ الرَّحْمَةِ. فَفِي الْحَدِيثِ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا عَيْنٍ بِقَوْلِهِ: فِيهِمْ وَلَمْ يَقُلْ يُقِيمُونَ. وَقَالَ ق ل: إنَّ الْحَدِيثَ تَحْذِيرٌ عَنْ اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ الْإِثْمُ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ قَوْلُهُ: (فَعَلَيْكَ) اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَمْسِكْ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِذَلِكَ لِوُجُودِ الْبَاءِ فِي الْمَفْعُولِ فَهُوَ مِثْلُ «عَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ» وَصَرَّحَ الرَّضِيُّ بِأَنَّ الْبَاءَ فِي مِثْلِهِ زَائِدَةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الزِّيَادَةَ خِلَافُ الْأَصْلِ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الشَّنَوَانِيِّ قَوْلُهُ: (الْقَاصِيَةَ) أَيْ الْبَعِيدَةَ وَهُوَ مَفْعُولٌ لِقَوْلِهِ: يَأْكُلُ قَوْلُهُ: (بِمَحَالٍّ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 بِحَيْثُ يَظْهَرُ شِعَارُ الْجَمَاعَةِ بِإِقَامَتِهَا بِمَحَلٍّ فِي الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ وَفِي الْكَبِيرَةِ وَالْبَلَدِ بِمَحَالٍّ يَظْهَرُ بِهَا الشِّعَارُ وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ بِطَائِفَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ، فَلَوْ أَطْبَقُوا عَلَى إقَامَتِهَا فِي الْبُيُوتِ وَلَمْ يَظْهَرْ بِهَا شِعَارٌ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ، فَإِنْ امْتَنَعُوا كُلُّهُمْ مِنْ إقَامَتِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دُونَ آحَادِ النَّاسِ، وَهَكَذَا لَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ مَحَلَّةٍ فِي الْقَرْيَةِ الْكَبِيرَةِ أَوْ الْبَلَدِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى، وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ لِاشْتِغَالِهِمْ بِخِدْمَةِ السَّادَةِ، وَلَا عَلَى الْمُسَافِرِينَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا، وَلَا عَلَى الْعُرَاةِ بَلْ هِيَ وَالِانْفِرَادُ فِي حَقِّهِمْ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَتُسْتَحَبُّ، وَلَا فِي مَقْضِيَّةٍ خَلْفَ مَقْضِيَّةٍ مِنْ نَوْعِهَا بَلْ تُسَنُّ، أَمَّا مَقْضِيَّةٌ خَلْفَ مُؤَدَّاةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ خَلْفَ مَقْضِيَّةٍ لَيْسَتْ مِنْ نَوْعِهَا فَلَا تُسَنُّ وَلَا فِي مَنْذُورَةٍ بَلْ وَلَا تُسَنُّ.   [حاشية البجيرمي] جَمْعُ مُحَلَّةٍ، وَهِيَ الْحَارَةُ عَمِيرَةٌ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (الشِّعَارُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ جَمْعُ شَعِيرَةٍ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ، وَالْمُرَادُ ظُهُورُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَدِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَعِنْدَ الطَّارِقِينَ وَالْعَلَامَةُ كَفَتْحِ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا بِسُهُولَةٍ. قَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَضَابِطُ ظُهُورِ الشِّعَارِ أَنْ لَا تَشُقَّ الْجَمَاعَةُ عَلَى طَالِبِهَا، وَلَا يَحْتَشِمَ كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ مِنْ دُخُولِ مَحَالِّهَا، فَإِنْ أُقِيمَتْ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي بَلَدٍ كَبِيرٍ بِحَيْثُ يَشُقُّ عَلَى الْبَعِيدِ حُضُورُهُ أَوْ أُقِيمَتْ فِي الْبُيُوتِ بِحَيْثُ يَسْتَحِيُ مِنْ دُخُولِهَا لَمْ يَحْصُلْ ظُهُورُ الشِّعَارِ فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ اهـ. قَوْلُهُ: (بِطَائِفَةٍ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَالْوُجُوبِ، فَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ غَيْرِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَلَا بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَنَحْوِهِمْ كَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِالصِّبْيَانِ وَلَا بِالْأَرِقَّاءِ، وَمِثْلُهَا رَدُّ السِّلَاحِ فَلَا يَحْصُلُ بِالصِّبْيَانِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ فَيَسْقُطَانِ بِالصِّبْيَانِ، بَلْ سَائِرُ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ يَكْفِي فِيهِ الصِّبْيَانُ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْحِرَفِ إلَّا أَرْبَعَةً صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَرَدُّ السَّلَامِ. وَمُرَادُهُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ بِهِمَا كُلَّ عَامٍ وَإِلَّا فَهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَوْ أَقَامَهَا الْجِنُّ وَظَهَرَ بِهِمْ الشِّعَارُ هَلْ يُكْتَفَى بِهِمْ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عَلَى صُورَةِ الْبَشَرِ اُكْتُفِيَ بِهِمْ أَوْ عَلَى صُوَرِهِمْ فَلَا يُكْتَفَى بِهِمْ لِأَنَّ صُوَرَهُمْ مُنَفِّرَةٌ وَيَعْسُرُ الْحُضُورُ مَعَهُمْ اهـ أج. وَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهَا أَيْضًا فِي مَحَلٍّ يُمْتَنَعُ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَلَا يَكْفِي إقَامَتُهَا فِي مَحَلٍّ لَا تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا ذُكِرَ) أَيْ بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ قَوْلُهُ: (قَاتَلَهُمْ) أَيْ كَقِتَالِ الْبُغَاةِ ق ل قَوْلُهُ: (فَلَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ) شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزَاتِ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ، وَعِبَارَةُ الْعَيْنِيِّ عَلَى الْكَنْزِ. وَلَا يَحْضُرْنَ أَيْ النِّسَاءُ سَوَاءٌ كُنَّ شَوَابَّ أَوْ عَجَائِزَ الْجَمَاعَاتِ لِظُهُورِ الْفَسَادِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْعَجُوزِ أَنْ تَخْرُجَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَعِنْدَهُمَا تَخْرُجُ فِي الْكُلِّ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى الْمَنْعِ فِي الْكُلِّ، فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ. وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: الْجَمَاعَاتُ الْجُمَعُ وَالْأَعْيَادُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَمَجَالِسُ الْوَعْظِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْجُهَّالِ الَّذِينَ تَحَلَّوْا بِحِلْيَةِ الْعُلَمَاءِ وَقَصْدُهُمْ الشَّهَوَاتُ وَتَحْصِيلُ الدُّنْيَا قَوْلُهُ: (مَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَالنَّوْبَةُ لَهُ سَوَاءٌ انْفَرَدَ الْأَرِقَّاءُ بِالْبَلَدِ أَمْ لَا خِلَافًا لِمَنْ رَجَّحَ خِلَافَ ذَلِكَ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (خَلْفَ مَقْضِيَّةٍ مِنْ نَوْعِهَا) أَيْ اتَّفَقَ شَخْصُهُمَا كَظُهْرٍ وَظُهْرٍ مَثَلًا لَا ظُهْرٍ وَعَصْرٍ أَوْ عِشَاءٍ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ نَوْعًا وَإِنْ اتَّفَقَا عَدَدًا اهـ أج. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: إذَا اتَّفَقَا أَيْ فِي النَّوْعِ كَظُهْرَيْنِ وَإِلَّا كُرِهَتْ، وَإِنْ اتَّفَقَ الْعَدَدُ كَظُهْرٍ وَعَصْرٍ قَالَ شَيْخُنَا م ر: وَمَعَ الْكَرَاهَةِ تَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ كَفَرْضٍ خَلْفَ نَفْلٍ وَعَكْسِهِ، وَمُؤَدَّاةٍ خَلْفَ مَقْضِيَّةٍ وَعَكْسِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. فَالْجَمَاعَةُ عَلَى أَقْسَامٍ فَرْضُ عَيْنٍ فِي نَحْوِ الْجُمُعَةِ وَكِفَايَةٍ فِي بَاقِي الْمَكْتُوبَاتِ وَسُنَّةٍ فِي النَّوَافِلِ الَّتِي تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ، وَمَكْرُوهَةٍ فِي مَقْضِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَمُبَاحَةٍ لِلْعُرَاةِ وَحَرَامٍ فِي الصُّورَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ عَنْ الشَّوْبَرِيِّ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَا تُسَنُّ) أَيْ وَلَا تُكْرَهُ فَتَكُونُ خِلَافَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ: (وَلَا فِي مَنْذُورَةٍ) أَيْ إلَّا إنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِيهَا مَنْدُوبَةً قَبْلَ النَّذْرِ كَالْعِيدِ فَتَسْتَمِرُّ عَلَى سُنِّيَّتِهَا. اهـ. ق ل. وَتَجِبُ الْجَمَاعَةُ فِيهَا إذَا نَذَرَهَا م د. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: بَلْ وَلَا تُسَنُّ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ أج قَوْلُهُ: (بَلْ وَلَا تُسَنُّ) قَالَ م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ: بَلْ وَلَا تُكْرَهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى فَتَكُونُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 أَمَّا الْجُمُعَةُ فَالْجَمَاعَةُ فِيهَا فَرْضُ عَيْنٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ كَالْبَيْتِ، وَجَمَاعَةُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» . أَيْ فَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الشَّرَفِ وَإِظْهَارِ الشِّعَارِ وَكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ. وَيُكْرَهُ لِذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ حُضُورُ الْمَسْجِدِ مَعَ الرِّجَالِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: " لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ " وَلِخَوْفِ الْفِتْنَةِ. أَمَّا غَيْرُهُنَّ فَلَا يُكْرَهُ لَهُنَّ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِحُضُورِ الْمَسَاجِدِ وَجَمَاعَاتِ الصَّلَاةِ لِمُعْتَادِهَا، وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لِلشَّخْصِ بِصَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ نَحْوِهِ بِزَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ كَمَا مَرَّ وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَفْضَلُ مِمَّا قَلَّ جَمْعُهُ مِنْهَا، وَكَذَا مَا كَثُرَ جَمْعُهُ مِنْ الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِمَّا قَلَّ جَمْعُهُ مِنْهَا، وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا خَشَعَ وَلَوْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يَخْشَعْ فَالِانْفِرَادُ أَفْضَلُ وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالْمُخْتَارُ بَلْ الصَّوَابُ خِلَافُ مَا قَالَاهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقَدْ يَكُونُ قَلِيلُ الْجَمْعِ أَفْضَلَ فِي صُوَرٍ: مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُبْتَدِعًا كَمُعْتَزِلِيٍّ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ قَلِيلَ الْجَمْعِ يُبَادِرُ إمَامَهُ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمَحْبُوبِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَعَهُ أَوَّلَ   [حاشية البجيرمي] مُبَاحَةً قَوْلُهُ: (فِي الْبَيْتِ) وَإِنْ قَلَّتْ قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ) وَإِنْ كَثُرَتْ قَوْلُهُ: (صَلَاةُ الْمَرْءِ) أَيْ الذَّكَرِ هُوَ عَامٌّ فِيمَا إذَا كَانَتْ فُرَادَى أَوْ جَمَاعَةً فَفِيهِ الْمُدَّعَى وَزِيَادَةٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف: أَيْ أَفْضَلُ جَمَاعَةِ صَلَاةِ الْمَرْءِ، فَيَكُونُ مُطَابِقًا لِلْمُدَّعَى وَهَذَا دَلِيلٌ لِلدَّعْوَةِ الْأُولَى. وَأَمَّا دَلِيلُ الثَّانِيَةِ فَمَا ذَكَرَهُ م ر مِنْ حَدِيثِ «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» قَوْلُهُ: (إلَّا الْمَكْتُوبَةَ) وَإِلَّا نَفْلًا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ ح ل قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الشَّرَفِ وَإِظْهَارِ الشِّعَارِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الشِّعَارَ لَا يَظْهَرُ فِي الْبُيُوتِ وَلَا الْأَسْوَاقِ. وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ الْبُيُوتَ إذَا فَتَحْت أَبْوَابَهَا بِحَيْثُ لَا يَحْتَشِمُ كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ مِنْ دُخُولِهَا ظَهَرَ الشِّعَارُ بِذَلِكَ فَيُكْتَفَى بِهِ. قَالَ م ر: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءَ بِإِقَامَتِهَا فِي الْأَسْوَاقِ إنْ كَانَتْ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ لِأَكْثَرِ النَّاسِ مُرُوءَاتٍ تَأْبَى دُخُولَ بُيُوتِ النَّاسِ وَالْأَسْوَاقِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لِذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ) أَيْ ذَاتًا أَوْ صِفَةً لِتَدْخُلَ الشَّابَّةُ: أَيْ غَيْرُ الْمُتَزَيِّنَةِ وَأَمَّا غَيْرُ الشَّابَّةِ الْمُتَزَيِّنَةِ فَدَاخِلَةٌ فِي الصِّفَةِ وَالْمُرَادُ إذَا خَرَجَتْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ وَلَا نَظَرٌ مُحَرَّمٌ وَإِلَّا حَرُمَ قَوْلُهُ: (وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ) أَيْ غَيْرُ الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمَرْأَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَوْلُهُ: (اثْنَانِ) أَيْ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةٌ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ قَوْلُهُ: (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْبُيُوتِ وَهُوَ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ، فَمَا قَلَّ جَمْعُهُ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِمَّا كَثُرَ جَمْعُهُ فِي الْبُيُوتِ لِيَحُوزَ الْفَضِيلَتَيْنِ هَلْ وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ فَوَاتُ الْجَمَاعَةِ عَلَى مَنْ فِي الْبَيْتِ؟ الظَّاهِرُ لَا. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ) الظَّاهِرُ بِأَنَّهُ اهـ قَوْلُهُ: (فَالِانْفِرَادُ أَفْضَلُ) هَذَا ضَعِيفٌ نَعَمْ الِانْفِرَادُ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَاعْتَمَدَهُ م ر قَوْلُهُ: (مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ إلَخْ) وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ تَتَعَطَّلُ جَمَاعَةٌ مَحَلَّ بَيْتِهِ وَلَوْ مَعَ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَقَلِيلُ الْجَمْعِ فِيهِ أَفْضَلُ أَيْضًا. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (مُبْتَدِعًا) أَيْ لَا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ أَيْ كَالْمُجَسِّمَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ لَا كَأَجْسَامِنَا، فَإِنْ قَالُوا: كَأَجْسَامِنَا كَفَرُوا كَالْجَهَوِيَّةِ قَوْلُهُ: (كَمُعْتَزِلِيٍّ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ اعْتَقَدَ عَدَمَ وُجُوبِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ كَحَنَفِيٍّ إذَا أَتَى بِهَا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ كَكُلِّ مُخَالَفَةٍ مُحَصِّلَةٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ وَأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَإِنْ تَعَذَّرَتْ الْجَمَاعَةُ بِغَيْرِهِمْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ شَرْحُ م ر مُلَخَّصًا. وَالْكَرَاهَةُ لَا تَنْفِي الْفَضِيلَةَ وَالثَّوَابُ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الزِّيَادِيُّ، بَلْ الْحُرْمَةُ لَا تَنْفِي الْفَضِيلَةَ كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ قَوْلُهُ: (فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ أَوَّلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ وَقْتُ الْفَضِيلَةِ فَرْعٌ: إذَا لَمْ يَدْخُلْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ جَاءَ وَقْتُ الدُّخُولِ وَحَضَرَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ وَرَجَوْا زِيَادَةً نُدِبَ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 الْوَقْتِ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ قَلِيلُ الْجَمْعِ لَيْسَ فِي أَرْضِهِ شُبْهَهٌ وَكَثِيرُ الْجَمْعِ بِخِلَافِهِ لِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ عَلَيْهِ فَالسَّلَامَةُ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ سَرِيعَ الْقِرَاءَةِ وَالْمَأْمُومُ بَطِيئَهَا لَا يُدْرِكُ مَعَهُ الْفَاتِحَةَ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَالْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ إمَامٍ بَطِيءِ الْقِرَاءَةِ وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ فَضِيلَةٌ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِالِاشْتِغَالِ بِالتَّحَرُّمِ عَقِبَ تَحَرُّمِ إمَامِهِ مَعَ حُضُورِهِ تَكْبِيرَةَ إحْرَامِهِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكُبِّرُوا» وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَإِبْطَاؤُهُ بِالْمُتَابَعَةِ لِوَسْوَسَةٍ غَيْرِ ظَاهِرَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عُذْرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْطَأَ لِغَيْرِ وَسْوَسَةٍ وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَالطَّهَارَةِ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ تَكْبِيرَةَ إحْرَامِ إمَامِهِ أَوْ لِوَسْوَسَةٍ ظَاهِرَةٍ. وَتُدْرَكُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ مَعَهُ، أَمَّا الْجُمُعَةُ فَإِنَّهَا لَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةٍ كَمَا سَيَأْتِي.   [حاشية البجيرمي] وَلَا يَنْتَظِرُهُمْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِجَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ أَفْضَلُ مِنْهَا آخِرَهُ بِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ اهـ وَمَنْ عَلَيْهِ إمَامَةُ مَسْجِدٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِيهِ. وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ يُصَلِّي مَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ الْمَيْسُورُ بِالْمَعْسُورِ، بِخِلَافِ مُدَرِّسٍ. لَمْ تَحْضُرْ طَلَبَتُهُ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّمَ بِلَا مُتَعَلِّمٍ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: (لِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ) أَيْ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الَّذِي بَنَاهُ ظَالِمٌ مَشْهُورٌ بِالظُّلْمِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ مَحَلَّ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهِ حَرَامٌ وَإِلَّا فَالصَّلَاةُ فِيهِ حَرَامٌ. وَلَوْ اسْتَوَى مَسْجِدًا جَمَاعَةٍ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ مَسَافَةً لِحُرْمَةِ الْجِوَارِ؛ ثُمَّ مَا انْتَفَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ عَنْ بَانِيهِ أَوْ وَاقِفِهِ أج قَوْلُهُ: (لِوَسْوَسَةٍ غَيْرِ ظَاهِرَةٍ) أَيْ خَفِيفَةٍ وَقَدْرُهَا بِأَنْ لَا تَكُونَ قَدْرَ مَا يَسَعُ رُكْنًا قَصِيرًا ق ل. وَقَالَ ح ل: حَيْثُ لَا يَكُونُ زَمَنُهَا يَسَعُ رُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ وَلَوْ طَوِيلًا وَقَصِيرًا مِنْ الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ وَإِلَّا كَانَتْ ظَاهِرَةً كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى التَّخَلُّفِ عَنْ الْإِمَامِ، وَلَوْ خَافَ فَوَاتَ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ لَوْ لَمْ يُسْرِعْ فِي الْمَشْيِ لَمْ يُسْرِعْ بَلْ يَمْشِي بِسَكِينَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ لَمْ يُسْرِعْ فَإِنَّهُ يُسْرِعُ وُجُوبًا كَمَا لَوْ خَشِيَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ اهـ. وَقَوْلُهُ: بَلْ يَمْشِي بِسَكِينَةٍ: أَيْ وَفِي فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ قَصَدَ امْتِثَالَ الشَّارِعِ بِالتَّأَنِّي أَنْ يُثِيبَهُ عَلَى ذَلِكَ قَدْرَ فَضِيلَةِ التَّحَرُّمِ أَوْ فَوْقَهَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (وَتُدْرَكُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُعِيدًا، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: وَيُسَنُّ لِلْمُفْتَرِضِ أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِالْمُتَنَفِّلِ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَمَحَلُّهُ فِي النَّفْلِ الْمَحْضِ، أَمَّا الْمُعَادَةُ فَلَا لِأَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي فَرْضِيَّتِهَا كَمَا ذَكَرَهُ م ر فِي الْفَتَاوَى. وَإِدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: إدْرَاكُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَإِدْرَاكُ الْجُمُعَةِ وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ وَإِدْرَاكُ فَضِيلَةِ التَّحَرُّمِ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ: وَتُدْرَكُ إلَخْ قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا: لَا يُخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ وَمَفْهُومُهُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَمَّا الْجُمُعَةُ إلَخْ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ لَمْ تُدْرَكْ الْجُمُعَةُ فَتَأَمَّلْ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا قَيَّدَ فِي الْجُمُعَةِ بِالرَّكْعَةِ لِأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ الْجَمَاعَةُ الْمُعْتَبَرَةُ لِصِحَّتِهَا إلَّا بِرَكْعَةٍ فَتَأَمَّلْ اهـ بِرْمَاوِيٌّ عَلَى ابْنِ قَاسِمٍ قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ) أَيْ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي السَّلَامِ وَإِلَّا انْعَقَدَتْ فُرَادَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ م د. وَمِثْلُهُ س ل وأ ج لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ فِي السَّلَامِ اخْتَلَّتْ الْقُدْوَةُ، وَقِيلَ تَنْعَقِدُ جَمَاعَةً وَقِيلَ تَبْطُلُ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ لِإِدْرَاكِهِ رُكْنًا مَعَهُ وَلَوْ رُكْنَ السَّلَامِ بِأَنْ أَتَمَّ التَّكْبِيرَةَ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يُدْرِكْهَا بَلْ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ ق ل. وَقَالَ الزِّيَادِيُّ تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ: تَنْعَقِدُ فُرَادَى وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر، فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَاحْفَظْهُ وَاحْذَرْ خِلَافَهُ. وَلَوْ أَحْرَمَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ سَبَقَهُ بِفَرَاغِ السَّلَامِ لَكِنْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ لِنَحْوِ سَهْوٍ عَلَيْهِ اسْتَمَرَّتْ الْقُدْوَةُ، وَعَلَى الْمَأْمُومِ مُوَافَقَتُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ مَعَهُ) بِأَنْ سَلَّمَ عَقِبَ تَحَرُّمِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ قَعَدَ الْمَأْمُومُ، فَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَامِدًا عَالِمًا بَلْ اسْتَمَرَّ قَائِمًا إلَى أَنْ سَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ الْفَاحِشَةِ، نَعَمْ يُغْتَفَرُ هَذَا التَّخَلُّفُ بِقَدْرِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ شَوْبَرِيٌّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وَيُنْدَبُ أَنْ يُخَفِّفَ الْإِمَامُ مَعَ فِعْلِ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ لَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ غَيْرُهُمْ وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ سَوَاءٌ أَكَانَ عَادَتُهُمْ الْحُضُورَ أَمْ لَا، وَلَوْ أَحَسَّ الْإِمَامُ فِي رُكُوعٍ غَيْرِ ثَانٍ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَوْ فِي تَشَهُّدٍ أَخِيرٍ بِدَاخِلِ مَحَلِّ الصَّلَاةِ يَقْتَدِي بِهِ سُنَّ انْتِظَارُهُ لِلَّهِ تَعَالَى إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِي الِانْتِظَارِ وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ وَإِلَّا كُرِهَ، وَيُسَنُّ إعَادَةُ الْمَكْتُوبَةِ مَعَ غَيْرِهِ وَلَوْ وَاحِدًا فِي الْوَقْتِ، وَهَلْ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ أَمْ لَا؟   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (مَعَ فِعْلِ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ) أَيْ جَمِيعِ مَا يُطْلَبُ مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ بِحَيْثُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَقَلِّ كَتَسْبِيحَةٍ، وَلَا يَسْتَوْفِي الْأَكْمَلَ وَإِلَّا كُرِهَ بَلْ يَأْتِي بِأَدْنَى الْكَمَالِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ لِخَبَرِ «إذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطِلْ مَا شَاءَ» . اهـ. م ر. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ «إذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ وَذَا الْحَاجَةِ وَإِذَا صَلَّى» إلَخْ وَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَرْضَى) أَيْ تَظْهَرَ قَرِينَةُ رِضَاهُمْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ، فَإِنْ ظَهَرَتْ قَرِينَةُ الرِّضَا وَلَوْ مَعَ سُكُوتِهِمْ نُدِبَ لَهُ التَّطْوِيلُ كَمَا فِي م ر. وَالْمُرَادُ بِالْمَحْصُورِينَ مَنْ لَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ غَيْرُهُمْ وَلَوْ أَلْفًا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ أج: إلَّا أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ قَوْمٌ بِاللَّفْظِ لَا بِالسُّكُوتِ فِيمَا يَظْهَرُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. قَالَ م ر: بَلْ مِثْلُ اللَّفْظِ السُّكُوتُ إذَا عَلِمَ رِضَاهُمْ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ قَوْلُهُ: (لَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِلْمَحْصُورِينَ قَوْلُهُ: (لِيَلْحَقَ آخَرُونَ) أَيْ لَمْ يُحِسَّ بِهِمْ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَلَا أَحَسَّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَحَسَّ) بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ يُكْرَهُ التَّطْوِيلُ إلَّا فِيمَا لَوْ أَحَسَّ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ انْتِظَارُ الْإِمَامِ لِمَنْ يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ بِشُرُوطٍ تِسْعَةٍ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الِانْتِظَارُ فِي الرُّكُوعِ أَوْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَأَنْ لَا يَخْشَى فَوْتَ الْوَقْتِ، وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي يَنْتَظِرُهُ. دَاخِلٌ مَحَلَّ الصَّلَاةِ دُونَ مَنْ هُوَ خَارِجُهَا، وَأَنْ يَنْتَظِرَهُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِتَوَدُّدٍ وَنَحْوِهِ وَإِلَّا كُرِهَ. وَذَهَبَ الْفُورَانِيُّ إلَى حُرْمَتِهِ عِنْدَ قَصْدِ التَّوَدُّدِ وَأَنْ لَا يُبَالِغَ فِي الِانْتِظَارِ وَلَوْ بِضَمِّ انْتِظَارِ مَأْمُومٍ إلَى آخَرَ وَإِلَّا كُرِهَ، وَأَنْ لَا يُمَيِّزَ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ، وَأَنْ يَظُنَّ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ ذَلِكَ الدَّاخِلُ، وَأَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَرَى إدْرَاكَ الرَّكْعَةِ بِالرُّكُوعِ، وَأَنْ يَظُنَّ أَنْ يَأْتِيَ بِالْإِحْرَامِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ مِنْ كَوْنِهِ فِي الْقِيَامِ، وَالْإِمَامُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ الْمُنْفَرِدُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَأْتِي فِيهِ جَمِيعُ الشُّرُوطِ قَوْلُهُ: (بِدَاخِلٍ مَحَلَّ الصَّلَاةِ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ أَحَسَّ بِهِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الدُّخُولِ فَلَا يَنْتَظِرُهُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (سُنَّ انْتِظَارُهُ) وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُونَ لَمْ يَرْضَوْا بِالتَّطْوِيلِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ إلَخْ) قَيْدٌ فِي الْإِمَامِ لَا فِي غَيْرِهِ فَلِغَيْرِهِ انْتِظَارُهُ وَلَوْ بَالَغَ. وَمِثْلُهُ إمَامُ قَوْمٍ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. م د. وَضَابِطُ الْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُطَوِّلَ تَطْوِيلًا لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَظَهَرَ أَثَرُهُ فِيهِ اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. أَيْ لَوْ وُزِّعَ عَلَى الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَثَلًا لَعُدَّ كُلٌّ مِنْهَا تَطْوِيلًا فِي عُرْفِ النَّاسِ شَيْخُنَا. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يَرَى إدْرَاكَ الرَّكْعَةِ بِالرُّكُوعِ كَالْحَنَفِيِّ فَلَا يُسَنُّ انْتِظَارُهُ قَوْلُهُ: (غَيْرُ ثَانٍ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) أَيْ لِمَنْ يُصَلِّي الْكُسُوفَ أَيْضًا أَمَّا غَيْرُهُ فَيُسَنُّ انْتِظَارُهُ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ رَكْعَةٌ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُمَيِّزْ) وَانْظُرْ مَا صُورَةُ الِانْتِظَارِ لِلَّهِ مَعَ التَّمْيِيزِ لِأَنَّهُ مَتَى مَيَّزَ لَمْ يَكُنْ الِانْتِظَارُ لِلَّهِ. وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الِانْتِظَارَ لِغَيْرِ اللَّهِ هُوَ التَّمْيِيزُ فَلْيُحَرَّرْ ح ل. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الِانْتِظَارِ لِلَّهِ لَكِنَّهُ انْتَظَرَ زَيْدًا مَثَلًا لِخِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ وَلَمْ يَنْتَظِرْ عَمْرًا مَثَلًا لِفَقْدِ تِلْكَ الْخِصَالِ فِيهِ، فَالِانْتِظَارُ لِلَّهِ وُجِدَ مَعَ التَّمْيِيزِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَصَدَّقُ لِلَّهِ وَيُعْطِي زَيْدًا لِكَوْنِهِ فَقِيرًا وَلَمْ يُعْطِ عَمْرًا لِكَوْنِهِ غَنِيًّا فَوُجِدَ هُنَا التَّمْيِيزُ مَعَ كَوْنِ التَّصَدُّقِ لِلَّهِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ إعَادَةُ الْمَكْتُوبَةِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِعَادَةِ الْوَقْتُ وَلَوْ رَكْعَةً، وَالْجَمَاعَةُ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا. قَالَ ق ل: فَلَوْ انْفَرَدَ بِجُزْءٍ مِنْهَا وَلَوْ مِنْ آخِرِهَا لِنَحْوِ تَأْخِيرِ سَلَامِهِ عَنْ سَلَامِ إمَامِهِ بَطَلَتْ. وَقَالَ م ر: الْجَمَاعَةُ فِي الْمُعَادَةِ بِمَنْزِلَةِ الطَّهَارَةِ لَهَا وَنِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ، وَأَنْ تَكُونَ الْأُولَى صَحِيحَةً وَإِنْ لَمْ تُغْنِهِ عَنْ الْقَضَاءِ، وَأَنْ تَكُونَ مَعَ مَنْ يَرَى جَوَازَ الْإِعَادَةِ أَوْ نَدْبَهَا، فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ الْمُعِيدُ شَافِعِيًّا وَالْمَأْمُومُ حَنَفِيٌّ أَوْ مَالِكِيٌّ لَا يَرَى جَوَازَ الْإِعَادَةِ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ يَرَى بُطْلَانَ الصَّلَاةِ فَلَا قُدْوَةَ، وَأَنْ تُعَادَ مَرَّةً فَقَطْ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ: تُعَادُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً، وَكَانَ يَفْعَلُهَا كَذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْبَكْرِيُّ: تُعَادُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ وَأَنْ تَكُونَ مَكْتُوبَةً أَوْ نَافِلَةً تُسَنُّ فِيهَا الْجَمَاعَةُ مَا عَدَا الْوِتْرَ لِخَبَرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ يَنْوِي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ مَثَلًا وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْفَرْضِ، وَرَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ الِاشْتِرَاطَ وَالْفَرْضُ الْأَوْلَى. وَرُخِّصَ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ بِعُذْرٍ عَامٍّ أَوْ خَاصٍّ كَمَشَقَّةِ مَطَرٍ وَشِدَّةِ رِيحٍ بِلَيْلٍ، وَشِدَّةِ   [حاشية البجيرمي] «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» . وَأَنْ لَا تَكُونَ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَحُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ عِنْدَ التَّحَرُّمِ، فَلَوْ أَحْرَمَ الْمُعِيدُ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ عَنْ الصَّفِّ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ وَهُوَ فِي الصَّفِّ ثُمَّ انْفَرَدَ عَنْهُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ، وَأَنْ لَا تَكُونَ إعَادَتُهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَإِذَا مَسَحَ الشَّافِعِيُّ بَعْضَ رَأْسِهِ وَصَلَّى أَوْ صَلَّى فِي الْحَمَّامِ أَوْ بَعْدَ سَيَلَانِ الدَّمِ مِنْ بَدَنِهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْأُولَى وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي الثَّانِيَةِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيِّ فِي الثَّالِثَةِ، فَتُسَنُّ الْإِعَادَةُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ وُضُوئِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا، وَهَذِهِ لَيْسَتْ الْإِعَادَةَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُرَادَةَ هُنَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَأَنْ لَا تَكُونَ إعَادَتُهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمُعَادَةِ لَا فِي أَصْلِ صِحَّتِهَا، وَإِنَّمَا تُطْلَبُ الْإِعَادَةُ لِمَنْ الْجَمَاعَةُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَارِي فِي غَيْرِ مَحَلِّ نَدْبِهَا فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ شَرْحُ م ر. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ شَرْطٌ آخَرُ وَقَوْلُهُ: لَا وِتْرَانِ اسْمٌ لَا عَلَى لُغَةِ الْقَصْرِ أَيْ لُغَةِ مَنْ يُلْزِمُ الْمَثْنَى الْأَلْفَ دَائِمًا كَقِرَاءَةِ {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] وَانْظُرْ مَا الْمَانِعُ مِنْ عَمَلِهَا عَمَلَ لَيْسَ. قَوْلُهُ: (الْمَكْتُوبَةِ) أَيْ عَلَى الْأَعْيَانِ وَلَوْ مَغْرِبًا حَتَّى عَلَى الْجَدِيدِ أَيْضًا لِأَنَّ وَقْتَهَا عَلَيْهِ يَسَعُ تَكَرُّرَهَا مَرَّتَيْنِ بَلْ أَكْثَرَ، فَخَرَجَ الْمَنْذُورَةُ أَيْ الَّتِي تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا فَلَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا وَلَا تَنْعَقِدُ إذَا أُعِيدَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةَ الْعِيدِ فَتُعَادُ لِسَنِّ الْجَمَاعَةِ فِيهَا قَبْلَ النَّذْرِ. وَخَرَجَ الْجِنَازَةُ فَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهَا فَإِنْ أُعِيدَتْ انْعَقَدَتْ نَفْلًا مُطْلَقًا وَقَوْلُهُمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا يَتَنَفَّلُ بِهَا أَيْ لَا يُؤْتَى بِهَا عَلَى جِهَةِ التَّنَفُّلِ ح ل. عِبَارَةُ م ر وَخَرَجَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ بِهَا، فَإِنْ أَعَادَهَا وَلَوْ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً صَحَّتْ وَوَقَعَتْ نَفْلًا مُطْلَقًا وَهَذِهِ خَرَجَتْ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا اهـ. وَدَخَلَ فِي الْمَكْتُوبَةِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَتُسَنُّ إعَادَتُهَا عِنْدَ جَوَازِ تَعَدُّدِهَا أَوْ عِنْدَ انْتِقَالِهِ لِبَلَدٍ أُخْرَى رَآهُمْ يُصَلُّونَهَا خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ، وَهَلْ يُحْسَبُ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فِي الثَّانِيَةِ اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ أَوْ لَا لِوُقُوعِهَا لَهُ نَافِلَةً؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ كَمَا قَالَهُ ع ش. وَلَوْ صَلَّى مَعْذُورٌ الظُّهْرَ ثُمَّ وَجَدَ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ سُنَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ مَعَهُمْ اهـ إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَرُخِّصَ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ بِعُذْرٍ) أَيْ فَتَسْقُطُ الْحُرْمَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَرْضِيَّةِ وَالْكَرَاهَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ، وَيَنْتَفِي الْإِثْمُ عَمَّنْ تَوَقَّفَ حُصُولُ الشِّعَارِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ بَلْ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ دُونَ فَضْلٍ مِنْ فِعْلِهَا أَيْ حَيْثُ قَصَدَ فِعْلَهَا لَوْلَا الْعُذْرُ. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ اعْتِمَادَهُ. وَنَقَلَ شَيْخُنَا م ر أَنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ حُصُولِ فَضْلِهَا عَلَى مَنْ تَعَاطَى سَبَبَ الْعُذْرِ كَأَكْلِ الْبَصَلِ وَوَضْعِ الْخُبْزِ فِي التَّنُّورِ، وَالْقَوْلَ بِحُصُولِ فَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهِ كَالْمَطَرِ وَالْمَرَضِ قَالَ: وَهُوَ جَمْعٌ لَا بَأْسَ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ رُخِّصَ لَهُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ حَصَلَتْ لَهُ فَضِيلَتُهَا، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا مُنْفَرِدٌ يَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ. وَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ دَاوَمَ عَلَى تَرْكِهَا لِعُذْرٍ، وَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ النَّاسَ بِالْجَمَاعَةِ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ لِقِيَامِ الْعُذْرِ ح ل. وَالرُّخْصَةُ بِسُكُونِ الْخَاءِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا لُغَةً التَّيْسِيرُ وَالتَّسْهِيلُ وَاصْطِلَاحًا الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ الْأَصْلِيِّ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ أَنَّ تَعْرِيفَ الرُّخْصَةِ هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ صُعُوبَةٍ إلَى سُهُولَةٍ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ سَبَبِ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، فَعَدَمُ الْإِثْمِ أَوْ اللَّوْمِ هَذَا حُكْمٌ سَهْلٌ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ عَدَمُ ظُهُورِ الشِّعَارِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْإِثْمُ أَوْ اللَّوْمُ. قَوْلُهُ: (عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ) الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَشْخَاصِ لَا لِلْأَزْمِنَةِ، فَالْعَامُّ هُوَ الَّذِي لَمْ يَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ كَالْمَطَرِ، وَالْخَاصُّ بِخِلَافِهِ كَالْجُوعِ إذْ قَدْ يَجُوعُ الشَّخْصُ وَيَشْبَعُ غَيْرُهُ، وَذَكَرَ لِلْعَامِّ أَمْثِلَةً خَمْسَةً وَلِلْخَاصِّ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلُهُ: (كَمَشَقَّةِ مَطَرٍ) أَيْ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ كِنًّا يَمْشِي فِيهِ وَتَقَاطُرُ السُّقُوفِ كَالْمَطَرِ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 وَحْلٍ، وَشِدَّةِ حَرٍّ، وَشِدَّةِ بَرْدٍ، وَشِدَّةِ جُوعٍ، وَشِدَّةِ عَطَشٍ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ يَتُوقُ إلَيْهِ، وَمَشَقَّةِ مَرَضٍ، وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ، وَخَوْفٍ عَلَى مَعْصُومٍ وَخَوْفٍ مِنْ غَرِيمٍ لَهُ وَبِالْخَائِفِ إعْسَارٌ يَعْسُرُ عَلَيْهِ إثْبَاتُهُ، وَخَوْفٍ مِنْ عُقُوبَةٍ يَرْجُو   [حاشية البجيرمي] وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: نَعَمْ مِثْلُ الْمَطَرِ تَسَاقُطُ السُّقُوفِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَطَرِ النَّازِلِ لِغَلَبَةِ نَجَاسَتِهِ أَوْ اسْتِقْذَارِهِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ: كَمَشَقَّةِ مَطَرٍ إلَى عَدَمِ انْحِصَارِهَا فِيمَا ذَكَرَهُ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَشِدَّةُ رِيحٍ) أَيْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، وَالرِّيحُ مُؤَنَّثَةٌ وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ أَنَّهَا تُؤَنَّثُ بِدَلِيلِ {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ} [الحاقة: 7] وَتُذَكَّرُ نَحْوَ {رِيحٌ عَاصِفٌ} اهـ قَوْلُهُ: (بِلَيْلٍ) وَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُ الصُّبْحِ بِاللَّيْلِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ الْمَغْرِبِ اهـ ح ل. وَمِثْلُ الرِّيحِ الشَّدِيدِ الظُّلْمَةُ الشَّدِيدَةُ وَالرِّيحُ الْبَارِدَةُ أهـ أج قَوْلُهُ: (وَشِدَّةِ وَحَلٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانُهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا كَالْمَطَرِ بَلْ هُوَ أَشَقُّ غَالِبًا بِخِلَافِ الْخَفِيفِ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالشَّدِيدِ مَا لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّلْوِيثُ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: أَوْ الزَّلَقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَفَاحِشًا وَالتَّقْيِيدُ بِالشِّدَّةِ هُوَ الْأَوْجَهُ لِيَخْرُجَ الْخَفِيفُ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا خِلَافًا لِمُقْتَضَى شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَالتَّحْقِيقُ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَفِيفِ وَالشَّدِيدِ حَيْثُ حُذِفَ الْقَيْدُ. وَمِثْلُ الْوَحَلِ فِيمَا ذُكِرَ وُقُوعُ الْبَرَدِ أَوْ الثَّلْجِ عَلَى الْأَرْضِ بِحَيْثُ يَشُقُّ الْمَشْيُ عَلَى ذَلِكَ كَمَشَقَّتِهِ عَلَى الْوَحَلِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَشِدَّةُ حَرٍّ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الظُّهْرِ كَمَا شَمَلَهُ إطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ وَتَقْيِيدُهُ بِوَقْتِ الظُّهْرِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ أَغْلَبِيٌّ. قَالَ م ر: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ ظِلًّا يَمْشِي فِيهِ أَوْ لَا، وَبِهِ فَارَقَ مَسْأَلَةَ الْإِيرَادِ خِلَافًا لِجَمْعٍ تَوَهَّمُوا اتِّحَادَهُمَا أهـ أج قَوْلُهُ: (وَشِدَّةُ بَرْدٍ) لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِخِلَافِ الْخَفِيفِ مِنْهُمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا أَيْ الْحَرُّ وَالْبَرْدُ مَأْلُوفَيْنِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَوْ لَا خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ، إذْ الْمَدَارُ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّأَذِّي وَالْمَشَقَّةُ. وَعَدُّ الْمُؤَلِّفِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ مِنْ الْعَامِّ هُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ وَعَدُّهُمَا فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ الْخَاصِّ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا إذْ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا أَحَسَّ بِهِمَا قَوِيُّ الْخِلْقَةِ فَيُحِسُّ بِهِمَا ضَعِيفُهَا بِالْأَوْلَى فَيَكُونَانِ مِنْ الْعَامِّ، وَالثَّانِي يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا أَحَسَّ بِهِمَا ضَعِيفُ الْخِلْقَةِ دُونَ قَوِيِّهَا فَيَكُونَانِ مِنْ الْخَاصِّ اهـ أج قَوْلُهُ: (بِحَضْرَةِ طَعَامٍ) وَمَا قَرُبَ حُضُورُهُ كَالْحَاضِرِ قَالَ م د عَلَى التَّحْرِيرِ نَقْلًا عَنْ ق ل: الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ شَيْخِنَا تَبَعًا لِلنَّوَوِيِّ أَنْ يَشْبَعَ الشِّبَعَ الشَّرْعِيَّ مُطْلَقًا ق ل وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الطَّعَامُ كَالسَّوِيقِ أَوْ كَانَ كَغَيْرِهِ، وَمَحَلُّهُ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ رَحْمَانِيٌّ. وَعِبَارَةُ م ر: فَيَبْدَأُ حِينَئِذٍ بِمَا يَكْسِرُ شَهْوَتَهُ مِنْ أَكْلِ لُقَمٍ فِي الْجُوعِ وَتَصْوِيبُ الْمُصَنِّفِ الشِّبَعَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ الْأَصْحَابَ عَلَى خِلَافِهِ. نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَا إذَا وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِعَدَمِ التَّطَلُّعِ بَعْدَ أَكْلِ مَا ذُكِرَ وَكَلَامُهُ عَلَى خِلَافِهِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي حَالَةِ تَنَافِي الْخُشُوعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ تُطْلَبْ الصَّلَاةُ فَالْجَمَاعَةُ أَوْلَى انْتَهَتْ بِالْحَرْفِ فَالْمُعْتَمَدُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا يَكْسِرُ حِدَّةَ الْجُوعِ إنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِعَدَمِ التَّطَلُّعِ إلَى الْأَكْلِ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَيَأْكُلُ إلَى الشِّبَعِ اهـ. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا، فَلَوْ كَانَ حَرَامًا حَرُمَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ يَتَرَقَّبُ حَلَالًا فَلَوْ لَمْ يَتَرَقَّبْهُ كَانَ كَالْمُضْطَرِّ اهـ. وَمِثْلُ الطَّعَامِ مَا لَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ وَتَاقَتْ نَفْسُهُ لِلْجِمَاعِ فَيَبْدَأُ بِذَلِكَ ثُمَّ يَتَطَهَّرُ وَيُصَلِّي اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (وَمَشَقَّةِ مَرَضٍ) هَذَا شُرُوعٌ فِي الْعُذْرِ الْخَاصِّ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مَشَقَّتُهُ كَمَشَقَّةِ الْمَطَرِ بِأَنْ يَشْغَلَهُ عَنْ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدًّا يُسْقِطُ الْقِيَامَ فِي الْفَرْضِ. أَمَّا الْخَفِيفُ كَصُدَاعٍ يَسِيرٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ فَلَيْسَا بِعُذْرٍ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَرَضًا اهـ أج قَوْلُهُ: (وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ) مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ رِيحٍ لَمْ يُمْكِنْهُ تَفْرِيغُ نَفْسِهِ وَالتَّطَهُّرُ قَبْلَ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ لِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ. وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ قَدَّمَهَا أَدْرَكَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَإِلَّا حَرُمَ مَا لَمْ يَخْشَ مِنْ تَرْكِ أَحَدِهَا ضَرَرًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 الْخَائِفُ الْعَفْوَ بِغَيْبَتِهِ، وَخَوْفٍ مِنْ تَخَلُّفٍ عَنْ رُفْقَةٍ وَفَقْدِ لِبَاسٍ لَائِقٍ، وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ يَعْسُرُ إزَالَتُهُ، وَحُضُورِ مَرِيضٍ   [حاشية البجيرمي] يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَإِلَّا قَدَّمَهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ أج. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ لَهُ الْبَوْلُ فِي صَلَاتِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهَا إنْ كَانَتْ فَرْضًا إلَّا إنْ اشْتَدَّ الْحَالُ وَخَافَ ضَرَرًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَخَوْفٌ عَلَى مَعْصُومٍ) مِنْ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أَوْ مَالٍ وَلَوْ اخْتِصَاصًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ لَزِمَهُ الذَّبُّ عَنْهُ كَوَدِيعَةٍ أَوْ لَا عَلَى الْأَوْجَهِ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَهُ بِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا أَوْ خَافَ عَلَى نَحْوِ خُبْزِهِ فِي تَنُّورٍ أَوْ تَلَفِهِ إنْ لَمْ يَخْبِزْهُ، وَطَبِيخِهِ فِي الْقِدْرِ عَلَى النَّارِ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِوَضْعِهِ إسْقَاطَ الْجَمَاعَةِ وَإِلَّا فَلَا تَسْقُطُ. نَعَمْ إنْ خَافَ تَلَفَهُ سَقَطَتْ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَذَا فِي أَكْلِ مَالَهُ رِيحٌ كَرِيهٌ بِقَصْدِ الْإِسْقَاطِ فَيَأْثَمُ بِعَدَمِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ السَّعْيُ فِي إزَالَتِهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا، وَمِثْلُ الْخَوْفِ عَلَى خُبْزِهِ خَوْفُ عَدَمِ نَبَاتِ بَذْرِهِ أَوْ ضَعْفِهِ أَوْ أَكْلِ نَحْوَ جَرَادٍ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْجَمَاعَةِ، كَمَا لَوْ خَافَ فَوْتَ تَحْصِيلِ تَمَلُّكِ مَالٍ احْتَاجَ إلَيْهِ حَالًا وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ غَسَلَ نَحْوَ ثِيَابِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي نَحْوِ بُولَاقَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْجُمُعَةِ فَدَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ خَوْفًا عَلَى ثِيَابِهِ وَنَحْوِهَا بِنَحْوِ سَرِقَةٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِنْ هَذَا حَلِفُ نَحْوَ وَالِدٍ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ لِخَوْفٍ عَلَيْهِ مَثَلًا وَمِنْهُ أَيَّامُ الزِّفَافِ الْجَدِيدَةُ بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ بَلْ قَالَ شَيْخُنَا: يَجِبُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ مُدَّتَهُ فَرَاجِعْهُ قَالَهُ ق ل: وَقَدْ رَاجَعْتُهُ فَوَجَدْتُ فِي شَرْحِ م ر فِي بَابِ الْقَسْمِ عَدَمُ وُجُوبِ تَرْكِ مَا ذُكِرَ مُدَّتُهُ لَكِنَّهَا عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَخَوْفٍ مِنْ غَرِيمٍ) وَالْغَرِيمُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَدِينِ وَالدَّائِنِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (وَبِالْخَائِفِ) حَالٌ بِخِلَافِ الْمُوسِرِ بِمَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ، وَالْمُعْسِرُ الْقَادِرُ عَلَى الْإِثْبَاتِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ حَلِفٍ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: أَوْ حَلَفَ أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ. اهـ. ح ل. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: هُوَ ظَالِمٌ يَمْنَعُهُ خَرَجَ بِهِ غَرِيمٌ مُعْسِرٌ خَافَ مِنْ حَبْسِ غَرِيمِهِ لَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ ثُبُوتِ إعْسَارِهِ بِبَيِّنَةٍ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ مَعَهُ بَيِّنَةٌ يُثْبِتُ بِهَا إعْسَارَهُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الطَّلَبُ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ حَاكِمٍ لَا يَرَى ثُبُوتَ الْإِعْسَارِ بِالْبَيِّنَةِ إلَّا بَعْدَ الْحَبْسِ كَأَبِي حَنِيفَةَ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الطَّلَبُ كَمَا قَالَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ وَمِثْلُهُ أج. وَنَصُّهُ: وَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ لَا يَسْمَعُ بَيِّنَةَ الْإِعْسَارِ إلَّا بَعْدَ حَبْسِهِ فَهِيَ كَالْعَدَمِ. قَوْلُهُ: (وَخَوْفٍ مِنْ عُقُوبَةٍ) يَقْبَلُ الْعَفْوُ عَنْهَا كَحَدِّ قَذْفٍ وَقَوَدٍ وَتَعْزِيرٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ، أَمَّا مَا لَا يَقْبَلُ الْعَفْوَ كَحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا إذَا بَلَغَتْ الْإِمَامَ وَثَبَتَتْ عِنْدَهُ بَلْ يَحْرُمُ التَّغْيِيبُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ، وَلَهُ التَّغَيُّبُ عَنْ الشُّهُودِ لِئَلَّا يَرْفَعُوهُ إلَى الْإِمَامِ. فَإِنْ قُلْت: الْعُقُوبَةُ مَعْصِيَةٌ وَالْخُرُوجُ مِنْهَا يَجِبُ فَوْرًا فَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُ التَّغْيِيبُ؟ قُلْت: الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالتَّغْيِيبُ وَسِيلَةٌ لَهُ وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، وَخَرَجَ حَدُّ الزِّنَا إذْ لَا يَتَأَتَّى الْعَفْوُ عَنْهُ اهـ. قَوْلُهُ: (يَرْجُو الْخَائِفُ الْعَفْوَ بِغَيْبَتِهِ) أَيْ زَمَنًا يَسْكُنُ فِيهِ غَضَبُ الْمُسْتَحِقِّ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ، وَلَوْ بِبَذْلِ مَالٍ حَتَّى لَوْ كَانَ الْقِصَاصُ لِصَبِيٍّ. وَحَصَلَ رَجَاؤُهُ لِقُرْبِ بُلُوغِهِ مَثَلًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يُرْفَعُ أَمْرُهُ لِمَنْ يَرَى الِاقْتِصَاصَ لِلْوَلِيِّ أَوْ لِمَنْ يَحْبِسُهُ خَشْيَةً مِنْ هَرَبِهِ إلَى الْبُلُوغِ قَوْلُهُ: (وَخَوْفٍ مِنْ تَخَلُّفٍ عَنْ رُفْقَةٍ) بِأَنْ خَافَ مِنْ التَّخَلُّفِ لَهَا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ كَانَ يَسْتَوْحِشُ فَقَطْ لِلْمَشَقَّةِ فِي تَخَلُّفِهِ عَنْهُ قَوْلُهُ: (لِبَاسٍ لَائِقٍ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَلِيقُ بِهِ لُبْسُهُ وَإِنْ وَجَدَ سَاتِرَ عَوْرَتِهِ كَفَقْدِ عِمَامَةٍ أَوْ قَبَاءٍ لِأَنَّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً فِي خُرُوجِهِ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ لَائِقًا بِهِ بِأَنْ اعْتَادَهُ بِحَيْثُ لَا تَخْتَلُّ بِهِ مُرُوءَتُهُ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّ فَقْدَ مَا يَرْكَبُهُ لِمَنْ لَا يَلِيقُ بِهِ الْمَشْيُ كَالْعَجْزِ عَنْ لِبَاسٍ لَائِقٍ وَفَقْدِ الْأَعْمَى قَائِدًا عُذْرٌ وَإِنْ أَحْسَنَ الْمَشْيَ بِالْعَصَا. نَعَمْ إنْ قَرُبَ الْمَحَلُّ وَأَحْسَنَ الْمَشْيَ بِهَا فَلَا عُذْرَ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ) أَيْ لَا بِقَصْدِ إسْقَاطِ الْجَمَاعَةِ وَإِلَّا وَجَبَ السَّعْيُ فِي زَوَالِهِ مَا أَمْكَنَ وَوَجَبَ الْحُضُورُ وَإِنْ تَأَذَّى غَيْرُهُ بِهِ. ق ل وَعِبَارَتُهُ عَلَى الْجَلَالِ كَبَصَلٍ وَثُومٍ وَكُرَّاثٍ وَفُجْلٍ وَأَكْلُهَا مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الرَّاجِحِ، وَكَذَا فِي حَقِّنَا وَيُكْرَهُ لَهُ الْحُضُورُ عِنْدَ النَّاسِ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ بِثَوْبِهِ أَوْ بِفَمِهِ أَوْ بَقِيَّةِ بَدَنِهِ رِيحٌ كَرِيهٌ يُؤْذِي. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُمْنَعُ الْمَجْذُومُ وَالْأَبْرَصُ مِنْ اخْتِلَاطِهِمَا بِالنَّاسِ وَمِنْ الْمَسْجِدِ وَالْجُمُعَةِ ز ي مَرْحُومِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 بِلَا مُتَعَهِّدٍ أَوْ بِمُتَعَهِّدٍ، وَكَانَ نَحْوَ قَرِيبٍ كَزَوْجٍ مُحْتَضَرٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَضَرًا لَكِنَّهُ يَأْنِسُ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ زِيَادَةً عَلَى الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ فَوَائِدَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَعْنَى كَوْنِهَا أَعْذَارًا سُقُوطُ الْإِثْمِ عَلَى قَوْلِ الْفَرْضِ، وَالْكَرَاهَةُ عَلَى قَوْلِ السُّنَّةِ لَا حُصُولُ فَضْلِهَا. وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِلْجَمَاعَةِ إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا وَكَانَ قَصْدُهُ الْجَمَاعَةَ لَوْلَا الْعُذْرُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ أَبِي مُوسَى «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ صَحِيحًا مُقِيمًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ (وَ) هِيَ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَجِبُ (عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَنْوِيَ الِائْتِمَامَ) بِالْإِمَامِ أَوْ   [حاشية البجيرمي] فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُ الثِّقَاتِ: إنَّ مَنْ أَكَلَ الْفُجْلَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ الطَّاهِرِ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ رِيحُهُ وَلَا يَتَجَشَّأُ. قَالَ ح ف: وَقَدْ جُرِّبَ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: لَوْ عَلِمَ آكِلُ رُءُوسِ الْفُجْلِ مَا فِيهَا مِنْ الضَّرَرِ لَمْ يَعَضَّ عَلَى رَأْسِ فُجْلَةٍ، وَمَنْ أَكَلَ عُرُوقَهُ مُبْتَدِئًا بِأَطْرَافِهَا لَا يَتَجَشَّأُ مِنْهَا ق ل. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَنْ قَالَ قَبْلَ أَكْلِهِ فَرَاجِعْ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَأَكْلُ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ أَيْ حَيْثُ يَجِدُ أُدْمًا غَيْرَهُ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ عُذْرًا. وَمِنْ الرِّيحِ الْكَرِيهِ رِيحُ الدُّخَانِ الْمَشْهُورِ الْآنَ وَلَا فَرْقَ فِي الْكَرَاهَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدُ خَالِيًا أَوْ لَا لَتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَحُضُورِ مَرِيضٍ) ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ وَلَوْ كَانَ الْمَرِيضُ فَاسِقًا وَعَلَيْهِ يُقَيَّدُ حُرْمَةُ إينَاسِ الْفَاسِقِ بِغَيْرِ الْمَرِيضِ وَالضَّيْفِ أَوْ يَجْرِي فِيهِ تَعَارُضُ الْمَانِعِ وَالْمُقْتَضِي خُصُوصًا إنْ كَانَ مُهْدَرًا تَأَمَّلْ. رَحْمَانِيٌّ وَكَتَبَ الشَّوْبَرِيُّ قَوْلُهُ مَرِيضٌ بِلَا مُتَعَهِّدٍ هَلْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ اهـ. قَوْلُهُ: (نَحْوَ قَرِيبٍ كَزَوْجٍ) وَرَقِيقٍ وَصِهْرٍ وَصَدِيقٍ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ نَحْوَ قَرِيبٍ وَلَوْ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَزَانٍ مُحْصَنٍ وَقَاطِعِ طَرِيقٍ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرِيبِ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ يَأْنَسُ بِهِ) أَيْ إنَّ الْمَرِيضَ يَأْنَسُ بِالْحَاضِرِ لِأَنَّ تَأْنِيسَهُ أَهَمُّ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَقَدْ ذَكَرْتُ إلَخْ) أَشَارَ بِمَا ذُكِرَ إلَى أَنَّ الْأَعْذَارَ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ وَيَدُلُّ لَهُ تَعْبِيرُهُ بِالْكَافِ، فَمِنْ الْأَعْذَارِ أَيْضًا زَلْزَلَةٌ وَغَلَبَةُ نُعَاسٍ وَسِمَنٌ مُفْرَطٌ وَسَعْيٌ فِي اسْتِرْدَادِ مَالٍ يَرْجُو حُصُولَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ وَأَعْمَى حَيْثُ لَا يَجِدُ قَائِدًا وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ قَدَرَ عَلَيْهَا فَاضِلَةً عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ وَلَا أَثَرَ لِإِحْسَانِهِ الْمَشْيَ بِالْعَصَا، إذْ قَدْ تَحْدُثُ وَهْدَةٌ يَقَعُ فِيهَا وَكَوْنُهُ مُهْتَمًّا بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ الْهَمُّ مِنْ الْخُشُوعِ وَالِاشْتِغَالُ بِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ وَحَمْلِهِ وَدَفْنِهِ وَوُجُودُ مَنْ يُؤْذِيهِ فِي طَرِيقِهِ وَلَوْ بِشَتْمٍ وَنَحْوِهِ مَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ. وَنَحْوُ النِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَتَطْوِيلِ الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْرُوعِ وَتَرْكِهِ سُنَّةً مَقْصُودَةً لِأَنَّهُ إذَا عُذِرَ بِهِمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْجَمَاعَةِ فَفِي إسْقَاطِهَا ابْتِدَاءً أَوْلَى وَكَوْنُهُ سَرِيعَ الْقِرَاءَةِ، وَالْمَأْمُومُ بَطِيئًا أَوْ مِمَّنْ يَكْرَهُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ أَوْ كَانَ يُفْتَتَنُ بِجَمَالِهِ وَهُوَ أَمْرَدُ أَوْ كَانَ يَخْشَى هُوَ مِنْ الِافْتِتَانِ بِذَلِكَ اهـ أج. قَوْلُهُ: (سُقُوطُ الْإِثْمِ) بِأَنْ كَانَ الشِّعَارُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ بِأَنْ كَانَ إمَامًا أَوْ أَطْبَقُوا عَلَى تَرْكِهَا لِلْعُذْرِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَكْفِي فِيهِ الْبَعْضُ قَوْلُهُ: (هُوَ الظَّاهِرُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْذُورُ مُلَازِمًا لَهَا قَبْلَ الْعُذْرِ وَلَمْ يَتَعَاطَ السَّبَبَ وَلَمْ يَتَأَتَّ لَهُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي بَيْتِهِ فَالشُّرُوطُ ثَلَاثَةٌ وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ وَالْمُعْتَمَدُ حُصُولُ الْفَضِيلَةِ لَكِنْ دُونَ فَضِيلَةِ مَنْ فَعَلَهَا وَالْمَنْفِيُّ فِي. كَلَامِ النَّوَوِيِّ، الْفَضْلُ الْكَامِلُ ز ي فَقَوْلُ ق ل: هُوَ مَرْجُوحٌ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا ثَوَابُ قَصْدِهِ لَا فَضْلُ الْجَمَاعَةِ اهـ هُوَ الْمَرْجُوحُ اهـ م د. [شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ فِي الصَّلَاة] قَوْلُهُ: (وَهِيَ أُمُورٌ) ذَكَرَ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ سِتَّةَ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: نِيَّةُ الْمَأْمُومِ الِائْتِمَامَ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ أَوْ يُسَاوِيَهُ. الثَّالِثُ: اجْتِمَاعُ الْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ بِمَكَانٍ وَاحِدٍ. الرَّابِعُ: تَوَافُقُ نَظْمِ صَلَاتَيْهِمَا فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مُصَلِّي الظُّهْرِ. مَثَلًا بِمُصَلِّي الْكُسُوفِ بِرُكُوعَيْنِ. الْخَامِسُ: التَّوَافُقُ فِي السُّنَنِ تُفْحِشُ الْمُخَالَفَةُ فِيهَا، كَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَتَشَهُّدٍ أَوَّلَ. السَّادِسُ: تَبَعِيَّةُ الْإِمَامِ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ تَحَرُّمُهُ عَنْ تَحَرُّمِهِ وَأَنْ لَا يَسْبِقَهُ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ وَلَا يَتَخَلَّفَ عَنْهُ بِهِمَا وَالْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهُمَا وَهُمَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَأَدْرَجَ فِي ثَانِيهِمَا الْعِلْمَ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ وَهُوَ شَرْطٌ سَابِعٌ، وَقَدْ نَظَمَهُمَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 الِاقْتِدَاءَ بِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ مُطْلَقًا، وَفِي جُمُعَةٍ مَعَ تَحَرُّمٍ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ عَمَلٌ فَافْتَقَرَتْ إلَى نِيَّةٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَعَ تَحَرُّمٍ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ فُرَادَى إلَّا الْجُمُعَةَ فَلَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا لِاشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، فَلَوْ تَرَكَ هَذِهِ النِّيَّةَ أَوْ شَكَّ فِيهَا وَتَابَعَهُ فِي فِعْلٍ أَوْ سَلَامٍ بَعْدَ انْتِظَارٍ كَثِيرٍ لِلْمُتَابَعَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ وَقَفَهَا عَلَى صَلَاةِ غَيْرِهِ بِلَا رَابِطٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْإِمَامِ فَإِنْ عَيَّنَهُ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَأَخْطَأَ كَأَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَبَانَ عَمْرًا وَتَابَعَهُ كَمَا مَرَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمُتَابَعَتِهِ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ   [حاشية البجيرمي] وَافِقْ النَّظْمَ وَتَابِعْ وَاعْلَمَنْ ... أَفْعَالَ مَتْبُوعٍ مَكَانَ يُجْمَعْنَ وَاحْذَرْ لِخُلْفٍ فَاحِشٍ تَأَخُّرَا ... فِي مَوْقِفٍ مَعَ نِيَّةٍ فَحُرِّرَا وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْقُدْوَةِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وَالْمَاتِنُ لَا بِعِنْوَانِ الشَّرْطِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا مِنْهَا أَنْ لَا يَعْلَمَ بُطْلَانَ صَلَاةِ مَنْ يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، كَحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ وَأَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْإِعَادَةُ وَأَنْ لَا يَفْضُلَ الْمَأْمُومُ عَلَى الْإِمَامِ بِصِفَةٍ ذَاتِيَّةٍ. كَالذُّكُورَةِ وَلَوْ احْتِمَالًا وَأَنْ لَا يَفْضُلَهُ فِي الْقِرَاءَةِ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ وَأَنْ لَا يَكُونَ بِالْإِمَامِ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمُقْتَدٍ، فَجُمْلَتُهَا اثْنَا عَشَرَ شَرْطًا. قَوْلُهُ: (الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَجِبُ) فِيهِ مُسَامَحَةً لِأَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ وُجُوبُ النِّيَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ نَفْسُ نِيَّةِ الِائْتِمَامِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ) أَيْ مُرِيدُ الِائْتِمَامِ سَوَاءٌ مَعَ التَّحَرُّمِ أَمْ بَعْدَهُ وَتَتَعَيَّنُ مَعَ التَّحَرُّمِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْمُعَادَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ بِالْمَطَرِ وَالْمَنْذُورَةِ، جَمَاعَتُهَا نَعَمْ تَصِحُّ النِّيَّةُ فِي الْأَخِيرَةِ مُنْفَرِدًا وَإِنْ أَثِمَ بِفَوْتِ النَّذْرِ ق ل وأ ج أَيْ فَالنِّيَّةُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ تَكُونُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا فِي أَثْنَائِهَا وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. لَكِنْ كُلُّ مَنْ قَطَعَهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِدْخَالُهُ نَفْسَهُ فِيهَا فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ مَكْرُوهٌ مُفَوِّتٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ حَتَّى فِيمَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ هُنَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ عَمَلٌ، وَكُلُّ عَمَلٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ فَيَنْتِجُ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ نِيَّةٍ. كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ عَمَلٌ إلَخْ اهـ. قَوْلُهُ: (بِالْإِمَامِ) أَيْ لَا يُجْزِئُهُ كَيَدِهِ فَلَا تَصِحُّ الْقُدْوَةُ لِأَنَّ الرَّبْطَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ رَبْطِ فِعْلِهِ بِفِعْلِهِ. كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِزَيْدٍ لَا بِنَحْوِ يَدِهِ نَعَمْ إنْ نَوَى بِالْبَعْضِ الْكُلَّ صَحَّتْ اهـ شَرْحُ م ر اهـ أج. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) كالمأمومية وَالْجَمَاعَةِ إلَّا أَنَّ نِيَّةَ الْجَمَاعَةِ صَالِحَةٌ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْقَرِينَةُ تُعَيِّنُ اهـ. أج وَالْقَرِينَةُ كَتَقَدُّمِ الْإِمَامِ فِي الْمَكَانِ أَوْ التَّحَرُّمِ وَمَعْنَى الْجَمَاعَةِ فِي الْمَأْمُومِ رَبْطُ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَمَعْنَاهَا فِي الْإِمَامِ رَبْطُ صَلَاةِ الْغَيْرِ بِصَلَاتِهِ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ مُطْلَقًا) أَيْ عِنْدَ التَّحَرُّمِ وَبَعْدَهُ وَمِثْلُ الْجُمُعَةِ الْمُعَادَةُ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَعَ تَحَرُّمٍ) أَيْ لَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ أَصْلًا قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَرَكَ هَذِهِ النِّيَّةَ أَوْ شَكَّ فِيهَا) أَيْ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، أَمَّا فِيهَا فَيُؤَثِّرُ الشَّكُّ إنْ طَالَ زَمَنُهُ وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ أَوْ مَضَى مَعَهُ رُكْنٌ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (بَعْدَ انْتِظَارٍ كَثِيرٍ) أَيْ عُرْفًا لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ وَمَا كَانَ اتِّفَاقًا أَوْ الْكَثِيرُ لَا لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ نَعَمْ يَضُرُّ الْكَثِيرُ مَعَ الشَّكِّ فِي الْجُمُعَةِ، كَالنِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) فَإِنَّهُ مُتَلَاعِبٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ بِالْمَنْعِ وَالْجَاهِلِ بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ر م. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْإِمَامِ) فِي نِيَّةِ الْمَأْمُومِ بِاسْمِهِ كَزَيْدٍ أَوْ وَصْفِهِ كَالْحَاضِرِ أَوْ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ كَهَذَا بَلْ يَكْفِي نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ وَلَوْ عِنْدَ الْتِبَاسِهِ بِغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ نَوَيْت اقْتِدَاءً بِالْإِمَامِ مِنْهُمْ إذْ مَقْصُودُ الْجَمَاعَةِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ قَالَ الْإِمَامُ: بَلْ الْأَوْلَى عَدَمُ تَعْيِينِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَيَّنَهُ فَبَانَ خِلَافُهُ فَيَكُونُ ضَارًّا اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ التَّعْيِينُ بِإِشَارَةٍ وَإِلَّا فَالْإِشَارَةُ مِنْ أَفْرَادِ التَّعْيِينِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَإِنْ عَيَّنَهُ إلَخْ قَوْلُهُ: (وَتَابَعَهُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، لِعَدَمِ انْعِقَادِ نِيَّتِهِ ق ل، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا نَوَى الِائْتِمَامَ فِي الْأَثْنَاءِ بَعْدَ انْعِقَادِ صَلَاتِهِ فُرَادَى وَأَخْطَأَ أَيْ فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا تَابَعَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ الْمُعْتَمَدُ بُطْلَانُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 الِاقْتِدَاءَ بِهِ، فَإِنْ عَيَّنَهُ بِإِشَارَةٍ إلَيْهِ كَهَذَا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ زَيْدٌ أَوْ بِزَيْدٍ هَذَا أَوْ الْحَاضِرِ صَحَّتْ. وَقَوْلُهُ (دُونَ الْإِمَامِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ نِيَّةَ الْإِمَامِ الْإِمَامَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ بَلْ تُسْتَحَبُّ لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ إذْ لَيْسَ لِلْمَرْءِ مِنْ عَمَلِهِ إلَّا مَا نَوَى، وَتَصِحُّ نِيَّتُهُ لَهَا مَعَ تَحَرُّمِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ إمَامًا وِفَاقًا لِلْجُوَيْنِيِّ وَخِلَافًا لِلْعِمْرَانِيِّ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ، وَإِذَا نَوَى فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ حَازَ الْفَضِيلَةَ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ، وَلَا تَنْعَطِفُ نِيَّتُهُ عَلَى مَا قَبْلَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي النَّفْلِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهَا تَنْعَطِفُ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ النَّهَارَ لَا يَتَبَعَّضُ صَوْمًا وَغَيْرَهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَتَبَعَّضُ جَمَاعَةً وَغَيْرَهَا، أَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِيهَا مَعَ التَّحَرُّمِ، فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ فِيهَا سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَمْ زَائِدًا عَلَيْهِمْ. نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ وَنَوَى غَيْرَ الْجُمُعَةِ لَمْ يُشْتَرَطْ مَا ذُكِرَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمُعَادَةَ كَالْجُمُعَةِ إذْ لَا تَصِحُّ فُرَادَى فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ فِيهَا فَإِنْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا فِي تَعْيِينٍ تَابَعَهُ الَّذِي نَوَى الْإِمَامَةَ بِهِ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ غَلَطَهُ فِي النِّيَّةِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهَا، أَمَّا إذَا نَوَى ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا فَإِنَّهُ يَضُرُّ لِأَنَّ مَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ.   [حاشية البجيرمي] صَلَاتِهِ بِمُجَرَّدِ الْخَطَأِ، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ لِأَنَّ فَسَادَ النِّيَّةِ مُبْطِلٌ إنْ وَقَعَ فِي الْأَثْنَاءِ وَمَانِعٌ مِنْ الِانْعِقَادِ إنْ وَقَعَ فِي الِابْتِدَاءِ أهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (صَحَّتْ) أَيْ لِأَنَّ الْخَطَأَ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّخْصِ لِعَدَمِ تَأَتِّيه فِيهِ بَلْ فِي الظَّنِّ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَعِبَارَةُ أج قَالَ م ر: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ حَيْثُ قَالُوا فِيهَا بِالصِّحَّةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا حَيْثُ قَالُوا فِيهَا بِالْبُطْلَانِ، لِأَنَّ ثَمَّ تَصَوَّرَ فِي ذِمَّتِهِ شَخْصًا مُعَيَّنًا اسْمُهُ زَيْدٌ فَظَنَّ أَنَّهُ الْحَاضِرُ فَاقْتَدَى بِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَلَمْ تَصِحَّ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِإِمَامَةِ مَنْ هُوَ مُقْتَدٍ بِهِ وَهُنَا جَزَمَ بِإِمَامَةِ. الْحَاضِرِ وَقَصَدَهُ بِعَيْنِهِ لَكِنْ أَخْطَأَ فِي اسْمِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ لِلظَّنِّ مَعَ الرَّبْطِ بِالشَّخْصِ فَلَمْ يَقَعْ خَطَأٌ فِي الشَّخْصِ أَصْلًا اهـ قَوْلُهُ: (لَا تُشْتَرَطُ) أَيْ فِي صِحَّةِ الْقُدْوَةِ بِهِ فَتَصِحُّ الْجَمَاعَةُ لَهُمْ لَا لَهُ وَكَلَامُهُمْ كَالصَّرِيحِ فِي حُصُولِ أَحْكَامِ الِاقْتِدَاءِ كَتَحَمُّلِ السَّهْوِ وَالْقِرَاءَةِ إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الرُّكُوعِ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ اهـ أج قَوْلُهُ: (سَيَصِيرُ إمَامًا) قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ الْفَرْضَ فِيمَنْ يَرْجُو جَمَاعَةً يُحْرِمُونَ خَلْفَهُ، أَمَّا غَيْرُهُ فَالظَّاهِرُ الْبُطْلَانُ فَلْيُحَرَّرْ قَالَ الزَّرْكَشِيّ، بَلْ يَنْبَغِي نِيَّةُ الْإِمَامَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ أَحَدٌ إذَا وَثِقَ بِالْجَمَاعَةِ وَأَقَرَّهُ فِي الْإِيعَابِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَإِذَا نَوَى الْإِمَامَةَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَلَمْ يَأْتِ خَلْفَهُ أَحَدٌ، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ) أَيْ مَعَ التَّحَرُّمِ بَلْ يَنْوِي الْإِمَامَةَ إذَا اقْتَدَى بِهِ الْمَأْمُومُونَ لِأَنَّهُ صَارَ إمَامًا هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ قَوْلُهُ: (حَازَ الْفَضِيلَةَ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ) بِخِلَافِ نِيَّةِ الِائْتِمَامِ بَعْدَ التَّحَرُّمِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ مُفَوِّتَةٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ. اهـ. سم. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِمَامَ مُسْتَقِلٌّ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَالْمَأْمُومُ كَانَ مُسْتَقِلًّا وَصَارَ تَابِعًا فَانْحَطَّتْ رُتْبَتُهُ فَكُرِهَ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تَتَبَعَّضُ جَمَاعَةً وَغَيْرَهَا) كَالْمَسْبُوقِ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ) أَيْ لِعَدَمِ صِحَّةِ اسْتِقْلَالِهِ قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ) كَرَقِيقٍ وَمُسَافِرٍ وَنَوَى غَيْرَ الْجُمُعَةِ بِأَنْ نَوَى الظُّهْرَ وَإِذَا نَوَاهُ انْتَظَرُوهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِبَقِيَّةِ الظُّهْرِ وَيُسَلِّمُوا مَعَهُ أَوْ يُفَارِقُوهُ عِنْدَ قِيَامِهِ إذَا قَامَ وَالْأَفْضَلُ الِانْتِظَارُ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا نَوَى ذَلِكَ) أَيْ نَوَى الْإِمَامَةَ وَأَخْطَأَ فِي تَعْيِينِ تَابِعِهِ وَفِي صِحَاحِ النُّسَخِ، أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ إلَخْ أَيْ الْخَطَأُ فِي تَعْيِينِ تَابِعِهِ وَهَذِهِ هِيَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ: (فِي الْجُمُعَةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا) كَالْمُعَادَةِ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَضُرُّ) أَيْ مَا لَمْ تُوجَدْ إشَارَةٌ كَالْمَأْمُومِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى قَاعِدَةٍ شَهِيرَةِ هِيَ أَنَّ مَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ جُمْلَةً أَوْ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ كَالْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّعَرُّضُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ عَدَمُ تَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَكَانِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بَطَلَتْ، أَوْ عِنْدَ التَّحَرُّمِ لَمْ تَنْعَقِدْ كَالتَّقَدُّمِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قِيَاسًا لِلْمَكَانِ عَلَى الزَّمَانِ. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ وَإِنْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ مُتَقَدِّمٌ أَمْ لَا كَأَنْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ النَّصِّ، وَلَا تَضُرُّ مُسَاوَاةُ الْمَأْمُومِ بِإِمَامِهِ، وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّقَدُّمِ وَغَيْرِهِ لِلْقَائِمِ بِالْعَقِبِ وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ لَا الْكَعْبُ، فَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْعَقِبِ وَتَقَدَّمَ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ لَمْ يَضُرَّ. نَعَمْ إنْ كَانَ اعْتِمَادُهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَصَابِعِ ضَرَّ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَوْ تَقَدَّمَتْ عَقِبُهُ وَتَأَخَّرَتْ أَصَابِعُهُ ضَرَّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اعْتَمَدَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ وَقَدَّمَ الْأُخْرَى عَلَى رِجْلِ الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّ، وَلَوْ قَدَّمَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ. وَالِاعْتِبَارُ لِلْقَاعِدِ بِالْأَلْيَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ أَيْ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ، أَمَّا فِي حَالِ السُّجُودِ فَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ رُءُوسَ الْأَصَابِعِ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الرَّاكِبَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْأَقْرَبَ فِيهِ   [حاشية البجيرمي] فِيهَا لِنِيَّةِ الْجَمَاعَةِ وَيَلْزَمُ مِنْ نِيَّةِ الْجَمَاعَةِ التَّعَرُّضُ لِلتَّابِعِ وَهُمْ الْمَأْمُومُونَ إجْمَالًا، وَمَا لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ جُمْلَةً كَنِيَّةِ الْإِمَامَةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، لَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ فَإِذَا عَيَّنَ فِي نِيَّتِهِ جَمَاعَةً فَبَانَ خِلَافُهُمْ لَمْ يَضُرَّ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ مِنْ أَصْلِهَا لَمْ يَضُرَّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (قِيَاسًا لِلْمَكَانِ عَلَى الزَّمَانِ) بِجَامِعِ الْفُحْشِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ) غَايَةُ قَوْلِهِ: (صَحَّتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ جَاءَ مِنْ قُدَّامِ الْإِمَامِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ خِلَافًا لِمَنْ فَصَّلَ فَقَالَ إنْ كَانَ قَدْ جَاءَ مِنْ خَلْفِهِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِلَّا فَبَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَقَدُّمُهُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ فَإِذَا شَكَّ عِنْدَ التَّحَرُّمِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا تَضُرُّ مُسَاوَاةٌ إلَخْ) أَيْ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ تُفَوِّتُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهَا مُعْتَدًّا بِهَا فِي الْجُمُعَةِ وَفِي غَيْرِهَا، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي كُلِّ مَكْرُوهٍ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَةُ الْمَطْلُوبَةُ شَرْحُ م ر يَعْنِي أَنَّ فَائِدَةَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي لَمْ تَحْصُلْ فَضِيلَتُهَا صِحَّةُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَتَحَمُّلُ الْإِمَامِ الْفَاتِحَةَ وَالسَّهْوَ وَغَيْرَ ذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالِاعْتِبَارُ إلَخْ) وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ بِجَمِيعِ مَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ عَلَى جُزْءٍ مِمَّا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ ق ل. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَأْمُومَ وَالْإِمَامَ إمَّا أَنْ يَكُونَا قَائِمَيْنِ أَوْ قَاعِدَيْنِ أَوْ مُضْطَجِعَيْنِ أَوْ مُسْتَلْقِيَيْنِ أَوْ مَصْلُوبَيْنِ أَوْ مُعْتَمِدَيْنِ عَلَى خَشَبَتَيْنِ. وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ سِتَّةِ الْمَأْمُومِ فِي سِتَّةِ الْإِمَامِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ وَهَذِهِ قِسْمَةٌ عَقْلِيَّةٌ، لِأَنَّ الْمَصْلُوبَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إمَامًا لِلُّزُومِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَحْوَالَ الْإِمَامِ خَمْسَةٌ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْإِعَادَةُ وَالْمَصْلُوبُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَأَحْوَالُ الْمَأْمُومِ سِتَّةٌ فَتُضْرَبُ خَمْسَةٌ فِي سِتَّةٍ بِثَلَاثِينَ، قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُ) أَيْ التَّأَخُّرُ وَالْمُسَاوَاةُ قَوْلُهُ: (لِلْقَائِمِ) وَمِثْلُهُ الرَّاكِعُ فِيمَا يَظْهَرُ م ر. هَذَا إنْ لَمْ يَعْتَمِدْ فِي قِيَامِهِ عَلَى أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِمَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (لَا الْكَعْبُ) أَيْ وَلَا أَصَابِعُ الرِّجْلِ وَالْأَوْلَى زِيَادَةُ هَذَا لِأَجْلِ التَّفْرِيعِ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَتَأَخَّرَتْ أَصَابِعُهُ) بِأَنْ كَانَتْ رِجْلُهُ صَغِيرَةً قَوْلُهُ: (وَقَدَّمَ الْأُخْرَى) أَيْ الَّتِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: (لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ) قِيَاسًا عَلَى الِاعْتِكَافِ فِيمَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ اعْتِكَافُهُ، وَالْأَيْمَانُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَكَانًا وَدَخَلَ بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (بِالْأَلْيَةِ) أَيْ إنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا فَإِنْ اعْتَمَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَالْعِبْرَةُ بِهِمَا م ر اهـ أج. قَوْلُهُ: (أَمَّا فِي حَالِ السُّجُودِ) أَيْ هَذَا أَيْ مَا تَقَدَّمَ فِي حَالِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ أَمَّا فِي الْحَالِ السُّجُودِ إلَخْ قَوْلُهُ: (رُءُوسَ الْأَصَابِعِ) مُعْتَمَدٌ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ حَيْثُ ضَعَّفَهُ قَوْلُهُ: (وَيَشْمَلُ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلُهُ وَالِاعْتِبَارُ لِلْقَاعِدِ بِالْأَلْيَةِ قَوْلُهُ: (بِمَا اعْتَبَرُوا بِهِ فِي الْمُسَابَقَةِ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى سَبْقِ أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ بِالْكَتَدِ وَهُوَ كَتِفُ الدَّابَّةِ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَدُّمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 الِاعْتِبَارُ بِمَا اعْتَبَرُوا بِهِ فِي الْمُسَابَقَةِ بَعِيدٌ، وَفِي الْمُضْطَجِعِ بِالْجَنْبِ وَفِي الْمُسْتَلْقِي بِالرَّأْسِ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ اعْتِمَادُهُ. وَفِي الْمَقْطُوعَةِ رِجْلُهُ بِمَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَفِي الْمَصْلُوبِ بِالْكَتْفِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ خَلْفَ الْمَقَامِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَأَنْ يَسْتَدِيرَ الْمَأْمُومُونَ حَوْلَهَا، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُمْ أَقْرَبَ إلَيْهَا فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ مِنْهُ إلَيْهَا فِي جِهَتِهِ كَمَا لَوْ وَقَفَا فِي الْكَعْبَةِ وَاخْتَلَفَا جِهَةً، وَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ فِيهَا وَالْمَأْمُومُ خَارِجَهَا جَازَ وَلَهُ التَّوَجُّهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ، وَلَوْ وَقَفَا بِالْعَكْسِ جَازَ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَتَوَجَّهُ الْمَأْمُومُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَوَجَّهَ إلَيْهَا الْإِمَامُ لِتَقَدُّمِهِ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ الذَّكَرُ وَلَوْ صَبِيًّا عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَأَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ قَلِيلًا لِلِاتِّبَاعِ وَاسْتِعْمَالًا لِلْأَدَبِ، فَإِنْ جَاءَ ذَكَرٌ آخَرُ أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ أَوْ   [حاشية البجيرمي] أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ تَقَدُّمُ أَحَدِ الرَّاكِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ شَرْحُ الرَّوْضِ قَوْلُهُ: (بِالْجَنْبِ) أَيْ جَمِيعِهِ وَهُوَ مَا تَحْتَ عَظْمِ الْكَتِفِ إلَى الْخَاصِرَةِ ابْنُ حَجَرٍ فَيَضُرُّ التَّقَدُّمُ بِبَعْضِهِ إذَا كَانَ عَرِيضًا عَلَى عَقِبِ الْإِمَامِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُسْتَلْقِي بِالرَّأْسِ) أَيْ إنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَبِمَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ الظَّهْرِ أَوْ غَيْرِهِ ق ل وَاعْتَمَدَهُ م ر. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمَصْلُوبِ بِالْكَتِفِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَصْلُوبُ الْمَأْمُومَ أَمَّا إذَا كَانَا مَصْلُوبَيْنِ أَوْ الْإِمَامُ فَقَطْ فَلَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ أهـ ز ي وق ل. وَالِاعْتِبَارُ فِي الْمُعَلَّقِ بِحَبْلٍ بِمَنْكِبَيْهِ أَيْ إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ هُوَ الْمَأْمُومَ فَقَطْ دُونَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ قَوْلُهُ: (بِمَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ) كَخَشَبَتَيْنِ اعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ: (خَلْفَ الْمَقَامِ) أَيْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمَقَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ. اهـ. ق ل. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِخَلْفٍ مَا يُسَمَّى خَلْفًا عُرْفًا وَأَنَّهُ كُلَّمَا قَرُبَ مِنْهُ كَانَ أَفْضَلَ حَجٍّ. اهـ. م د وَيُسَمَّى خَلْفًا بِالنَّظَرِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ بَابَهُ كَانَ مُقَابِلًا لِلْكَعْبَةِ فَسَدُّوهُ وَفَتَحُوهُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي قُدَّامَ الْإِمَامِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ كَانَ الْأَوْلَى، أَنْ يَقُولَ أَمَامَ الْمَقَامِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسْتَدِيرَ الْمَأْمُومُونَ) أَيْ يُسَنُّ ذَلِكَ إنْ صَلَّوْا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ حِينَئِذٍ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ مَا اتَّصَلَ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ، الَّذِي يَلِيهِ أَيْ الَّذِي وَرَاءَهُ لَا مَا قَرُبَ لِلْكَعْبَةِ فَقَدْ قَالُوا إنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ سَوَاءٌ أَحَالَتْ مَقْصُورَةٌ أَوْ أَعْمِدَةٌ أَمْ لَا. وَلَا يَمْنَعُ الصَّفَّ تَخَلُّلُ نَحْوِ مِنْبَرٍ هَكَذَا فِي شَرْحِ م ر، فَقَوْلُ ق ل وَقَالَ شَيْخُنَا م ر هُوَ أَيْ الصَّفُّ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُسْتَدِيرِينَ الْأَقْرَبُ إلَى الْكَعْبَةِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ اهـ. فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ فِي غَيْرِ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ مَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ إلَخْ) أَيْ لِانْتِفَاءِ تَقَدُّمِهِمْ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ رِعَايَةَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ مِمَّا يَشُقُّ بِخِلَافِ الْأَقْرَبِ فِي جِهَتِهِ، فَيَضُرُّ فَلَوْ تَوَجَّهَ الرُّكْنُ فَجِهَتُهُ مَجْمُوعُ جِهَتَيْ جَانِبَيْهِ مَعَ الرُّكْنَيْنِ الْمُتَّصِلَيْنِ بِهِمَا فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ الْمُتَوَجِّهُ لَهُ أَوْ لِإِحْدَى جِهَتَيْهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ع ش، وَقَوْلُهُ أَقْرَبُ وَالْقُرْبُ الْمَذْكُورُ مُفَوِّتٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ م ر اهـ. وَذَلِكَ لِأَنَّ لَنَا وَجْهًا قَوِيًّا يَقُولُ بِالْبُطْلَانِ حِينَئِذٍ فَرُوعِيَ إذْ الْخِلَافُ الْمَذْهَبِيُّ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ مِنْ غَيْرِهِ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا وَمِثْلُ التَّقَدُّمِ هُنَا فِي فَوَاتِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ الْمُسَاوَاةُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ مِنْ قُرْبِهِ إلَيْهَا فَإِلَيْهَا مَعْمُولٌ لِقُرْبٍ الْمُقَدَّرِ، قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ وَقَفَا) أَيْ كَمَا لَا يَضُرُّ كَوْنُ الْمَأْمُومِ أَقْرَبَ إلَى الْجِدَارِ الَّذِي تَوَجَّهَ إلَيْهِ مِنْ قُرْبِ الْإِمَامِ إلَى مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ لَوْ وَقَفَا فِيهَا وَاخْتَلَفَا جِهَةً كَأَنْ كَانَ وَجْهُ الْمَأْمُومِ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ، أَوْ ظَهْرِهِ. إلَى ظَهْرِهِ فَإِنْ اتَّحَدَا جِهَةً بِأَنْ كَانَ وَجْهُ الْإِمَامِ إلَى ظَهْرِ الْمَأْمُومِ ضَرَّ ذَلِكَ شَرْحُ الْمَنْهَجِ بِزِيَادَةٍ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَرْبَعُ صُوَرٍ، لِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ إمَّا أَنْ يَكُونَا دَاخِلَ الْكَعْبَةِ أَوْ خَارِجَهَا أَوْ أَحَدُهُمَا دَاخِلَهَا وَالْآخَرُ خَارِجَهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ أَحْكَامَهَا قَوْلُهُ: (لَا يَتَوَجَّهُ الْمَأْمُومُ إلَى الْجِهَةِ) كَأَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْإِمَامِ إلَى ظَهْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَجْهُهُ إلَى وَجْهِهِ، فَيَصِحُّ قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ قَلِيلًا) أَيْ إنْ كَانَ الْإِمَامُ مَسْتُورًا بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَإِلَّا فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ) أَيْ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِيَسَارِهِ مَحَلٌّ أَحْرَمَ خَلْفَهُ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَيْهِ، مَنْ هُوَ عَلَى الْيَمِينِ فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ كُرِهَ وَفَاتَتْهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدْ م ر فَلَوْ أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ أَخَذَ الْإِمَامُ بِرَأْسِهِ وَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 يَتَأَخَّرَانِ فِي قِيَامٍ وَهُوَ أَفْضَلُ هَذَا إذَا أَمْكَنَ كُلٌّ مِنْ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَإِلَّا فَعَلَ الْمُمْكِنَ، وَأَنْ يَصْطَفَّ ذَكَرَانِ خَلْفَهُ كَامْرَأَةٍ فَأَكْثَرَ، وَأَنْ يَقِفَ خَلْفَهُ رِجَالٌ لِفَضْلِهِمْ فَصِبْيَانُ لَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا اسْتَوْعَبَ الرِّجَالُ الصَّفَّ وَإِلَّا كَمُلَ بِهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ فَخَنَاثَى لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِمْ فَنِسَاءٌ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ. وَأَنْ تَقِفَ إمَامَتُهُنَّ وَسَطَهُنَّ فَلَوْ أَمَّهُنَّ غَيْرُ امْرَأَةٍ قُدِّمَ عَلَيْهِنَّ، وَكَالْمَرْأَةِ عَارٍ أَمْ عُرَاةٌ بُصَرَاءُ فِي ضَوْءٍ، وَكُرِهَ لِمَأْمُومٍ انْفِرَادٌ عَنْ صَفٍّ مِنْ جِنْسِهِ بَلْ يَدْخُلُ الصَّفَّ إنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَهُ أَنْ يَخْرِقَ الصَّفَّ الَّذِي   [حاشية البجيرمي] لِمَا صَحَّ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ وَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ» وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُقْتَدِينَ خِلَافَ السُّنَّةِ اُسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ إرْشَادُهُ إلَيْهَا بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا إنْ وَثِقَ مِنْهُ، بِالِامْتِثَالِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ فِي ذَلِكَ مِثْلَهُ فِي الْإِرْشَادِ الْمَذْكُورِ. وَيَكُونُ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ كَرَاهَةِ الْفِعْلِ الْقَلِيلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَاهِلِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فِي قِيَامٍ) أَوْ رُكُوعٍ وَمِنْهُ الِاعْتِدَالُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا وَلَوْ كَانَ تَشَهُّدًا أَخِيرًا، فَلَا يُسَنُّ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ وَمَشَقَّةٍ قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَفْضَلُ) أَيْ تَأَخُّرُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ تَقَدُّمِ، الْإِمَامِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَتْبُوعٌ فَلَا يُنَاسِبُهُ الِانْتِقَالُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَعَلَ الْمُمْكِنَ) فَإِنْ كَانَتْ السَّعَةُ خَلْفَهُمَا دُونَ الْإِمَامِ تَأَخَّرَا أَوْ بِالْعَكْسِ تَقَدَّمَ الْإِمَامُ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَصْطَفَّ ذَكَرَانِ) أَيْ رَجُلَانِ أَوْ صَبِيَّانِ أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ كَمَا بَيْنَ كُلِّ صَفَّيْنِ. قَوْلُهُ: (كَامْرَأَةٍ فَأَكْثَرَ) أَيْ إذَا حَضَرَتْ امْرَأَةٌ أَوْ أَكْثَرُ وَلَوْ مَحْرَمًا أَوْ زَوْجَةٌ تَقُومُ أَوْ تَقُمْنَ خَلْفَهُ اهـ قَوْلُهُ: (لِفَضْلِهِمْ) أَيْ بِحَسَبِ الْأَصْلِ أَوْ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لِفَضْلِ جِنْسِهِمْ وَإِلَّا فَهُمْ مُقَدَّمُونَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَلَوْ كَانَ الصِّبْيَانُ أَفْضَلَ مِنْهُمْ بِنَحْوِ عِلْمٍ، وَلَوْ كَانُوا أَيْ الرِّجَالُ فَسَقَةً كَمَا قَالَ حَجّ وَقَالَ شَيْخُنَا قَوْلُهُ لِفَضْلِهِمْ أَيْ شَأْنِهِمْ ذَلِكَ، فَإِنْ حَضَرَ مَعَهُ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ وَقَفَ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الذَّكَرِ أَوْ امْرَأَةٌ وَذَكَرَانِ وَقَفَا خَلْفَ وَهِيَ خَلْفُهُمَا. أَوْ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ وَخُنْثَى وَقَفَ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَالْخُنْثَى خَلْفَهُ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَصِبْيَانٌ) . وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُمْ اصْطَفُّوا خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَا يُنَحُّوا لِلْبَالِغِينَ لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: (فَخَنَاثَى) وَلَا يَكْمُلُ بِهِمْ صَفٌّ مِنْ قِبَلِهِمْ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ لَا يَكْمُلُ بِهِنَّ صَفٌّ مِنْ قِبَلِهِنَّ لِاحْتِمَالِ الْمُخَالَفَةِ فِيهِمَا، بِخِلَافِ الصِّبْيَانِ مَعَ الْبَالِغِينَ كَمَا مَرَّ. وَأَفْضَلُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ وَهَكَذَا وَأَفْضَلُ كُلِّ صَفٍّ يَمِينُهُ وَإِنْ كَانَ مَنْ بِالْيَسَارِ يَسْمَعُ الْإِمَامَ وَيَرَى أَفْعَالَهُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، حَيْثُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ حِينَئِذٍ مِنْ الْيَمِينِ الْخَالِي، عَنْ ذَلِكَ مُعَلِّلًا لَهُ بِأَنَّ الْفَضِيلَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِذَاتِ الصَّلَاةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَكَانِهَا وَيَرُدُّهُ أَنَّ فِي جِهَةِ الْيَمِينِ كَالصَّفِّ الْأَوَّلِ مِنْ صَلَاةِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ، عَلَى أَهْلِهَا مَا يَفُوقُ سَمَاعَ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرَهُ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفْضِيلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا يَلِيهِ وَهَكَذَا مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، أَمَّا هِيَ فَيَسْتَوِي صُفُوفُهَا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِاسْتِحْبَابِ تَعَدُّدِ الصُّفُوفِ فِيهَا اهـ أج. مَعَ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ. قَوْلُهُ: (لِلِاتِّبَاعِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ خَنَاثَى قَوْلُهُ: (إمَامَتُهُنَّ) أَنَّثَهُ قَالَ الرَّازِيّ لِأَنَّهُ قِيَاسِيٌّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إمَامٌ يُطْلَقُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَأُنِّثَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ إمَامَهُنَّ الذَّكَرَ كَذَلِكَ. اهـ. حَجّ. قَوْلُهُ: (وَسْطُهُنَّ) بِسُكُونِ السِّينِ أَكْثَرُ مِنْ فَتْحِهَا عَمَلًا. بِالْقَاعِدَةِ مِنْ أَنَّ مُتَفَرِّقَ الْأَجْزَاءِ كَالنَّاسِ وَالدَّوَابِّ يُقَالُ بِالسُّكُونِ وَقَدْ يُفْتَحُ وَفِي مُتَّصِلِ الْأَجْزَاءِ كَالرَّأْسِ وَالدَّارِ، يُقَالُ بِالْفَتْحِ وَقَدْ يُسَكَّنُ وَالْأَوَّلُ ظَرْفٌ وَالثَّانِي اسْمٌ ز ي وح ل قَوْلُهُ: (بُصَرَاءُ) لَيْسَ قَيْدًا حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِمْ بَصِيرٌ فَقَطْ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ عُرَاةٌ لَيْسَ بِقَيْدٍ أَيْضًا فَلَوْ كَانُوا مَسْتُورِينَ، وَالْإِمَامُ عَارِيًّا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَيْ يَقِفُ وَسْطَهُمْ وَإِنْ كَانَ الْمَسْتُورُ مُقَدَّمًا فِي الْإِمَامَةِ عَلَى الْعَارِي فَافْهَمْ اهـ قَوْلُهُ: (إنْ وَجَدَ سَعَةً) بِفَتْحِ السِّينِ بِأَنْ كَانَ لَوْ دَخَلَ فِيهِ وَسِعَهُ وَإِنْ عُدِمَتْ الْفُرْجَةُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَنْ يَخْرِقَ الصَّفَّ الَّذِي إلَخْ) فَقَدْ نَصَّ عَلَى نَدْبِ سَدِّ فُرَجِ الصُّفُوفِ وَأَنْ لَا يَشْرَعَ فِي صَفٍّ حَتَّى يُتِمَّ مَا قَبْلَهُ، وَأَنْ يُفْسِحَ لِمَنْ يُرِيدُهُ فَلَوْ خَالَفُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُرِهَتْ صَلَاتُهُمْ، وَفَاتَتْهُمْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ شَرْحُ م ر. فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ ارْتِكَابَ كُلِّ مَكْرُوهٍ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَةُ الْمَطْلُوبَةُ يَفُوتُهَا، وَنَقَلَ سم عَنْ ابْنِ حَجَرٍ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ لَكِنْ فِي فَتَاوَى ابْنِ الرَّمْلِيِّ. أَنَّ الصُّفُوفَ الْمُقَطَّعَةَ تَحْصُلُ لَهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 يَلِيهِ فَمَا فَوْقَهُ إلَيْهَا لِتَقْصِيرِهِمْ بِتَرْكِهَا، وَلَا يَتَقَيَّدُ خَرْقُ الصُّفُوفِ بِصَفَّيْنِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا يَتَقَيَّدُ بِهِ تَخَطِّي الرِّقَابِ الْآتِي فِي الْجُمُعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَعَةً أَحْرَمَ ثُمَّ بَعْدَ إحْرَامِهِ جَرَّ إلَيْهِ شَخْصًا مِنْ الصَّفِّ لِيَصْطَفَّ مَعَهُ وَسُنَّ لِمَجْرُورِهِ مُسَاعَدَتُهُ. (وَيَجُوزُ) لِلْمُصَلِّي الْمُتَوَضِّئِ (أَنْ يَأْتَمَّ) بِالْمُتَيَمِّمِ الَّذِي لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَبِمَاسِحِ الْخُفِّ، وَيَجُوزُ لِلْقَائِمِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ قِيَامًا وَأَنْ يَأْتَمَّ الْعَدْلُ (بِالْحُرِّ الْفَاسِقِ) وَلَكِنْ   [حاشية البجيرمي] فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ دُونَ فَضِيلَةِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَنُقِلَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ الشَّرَفِ الْمُنَاوِيِّ وَعَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ هَذَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ م ر. فِي شَرْحِهِ مِنْ فَوَاتِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ كَالصَّفِّ اهـ أج. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ، يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُبَادِرَ إلَى الصَّلَاةِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا اسْتِمَاعُ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، الثَّانِي أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، أَخْشَعُ لِعَدَمِ اشْتِغَالِ الْمُصَلِّي بِمَنْ أَمَامَهُ وَجِهَةُ الْيَمِينِ أَفْضَلُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ لِأَنَّهُ رُوِيَ " إنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ عَلَى مَنْ عَنْ يَسَارِهِ، فَإِنْ سَبَقَ وَاحِدٌ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ لِلْغَيْرِ تَأْخِيرُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: إذَا كَانَ مِمَّنْ يَتَأَذَّى بِهِ الْقَوْمُ بِرَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ مِنْ صُنَانٍ وَنَحْوِهِ. الثَّانِيَةُ: إذَا حَضَرَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَلِلسَّيِّدِ تَأْخِيرُهُ، وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالسَّبْقِ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِيَحُوزَ لَهُ الْمَوْضِعَ. الثَّالِثَةُ: إذَا تَقَدَّمَتْ امْرَأَةٌ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ أُمِرَتْ بِالتَّأْخِيرِ لِلْحَدِيثِ. الرَّابِعَةُ: إذَا صَفَّ خَلْفَ الْإِمَامِ جَاهِلٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِخْلَافِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخَّرَ وَيَتَقَدَّمَ إلَى خَلْفِ الْإِمَامِ، مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» الْحَدِيثَ قَوْلُهُ: (الَّذِي يَلِيهِ) أَيْ يَلِي نَفْسَهُ قَوْلُهُ: (فَمَا فَوْقَهُ) وَلَوْ صُفُوفًا كَثِيرَةً اهـ أج. قَوْلُهُ: (لِتَقْصِيرِهِمْ بِتَرْكِهَا) فَإِنْ لَمْ يُقَصِّرُوا فَلَا كَرَاهَةَ كَأَنْ تَرَكُوا سَدَّ الْفُرْجَةِ لِشِدَّةِ حَرِّهَا كَوَقْتِ الْحَرِّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِمْ وَلَوْ كَانَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ مَحَلٌّ يَسَعُهُ وَقَفَ فِيهِ وَلَمْ يَخْرِقْ وَلَوْ عَرَضَتْ فُرْجَةٌ بَعْدَ كَمَالِ الصَّفِّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، فَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ بِالتَّقْصِيرِ عَدَمُ الْخَرْقِ إلَيْهَا وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ فَلَوْ عَرَضَتْ فُرْجَةٌ أَيْ بِأَنْ عَلِمَ عُرُوضَهَا أَمَّا لَوْ وَجَدَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلُ أَوْ طَرَأَتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْرِقُ لِيَصِلَهَا إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ سَدِّهَا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِ الْمَأْمُومِينَ الْمُعْتَادَةِ لَهُمْ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَتَقَيَّدُ بِهِ) أَيْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ تَقْصِيرُهُمْ حَجّ. قَوْلُهُ: (تَخَطِّي الرِّقَابِ الْآتِي فِي الْجُمُعَةِ) وَالتَّخَطِّي هُوَ الْمَشْيُ بَيْنَ الْقَاعِدِينَ فَهِيَ مُغَايِرَةٌ لِمَسْأَلَتِنَا، إذْ هِيَ شَقُّ الصُّفُوفِ وَهُمْ قَائِمُونَ وَالْفَرْقُ حَيْثُ جَوَّزُوا هُنَا خَرْقَ صُفُوفٍ كَثِيرَةٍ وَمَسْأَلَةُ التَّخَطِّي بِصَفَّيْنِ أَنَّ سَدَّ الْفُرْجَةِ الَّتِي فِي الصُّفُوفِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لَهُ وَلِلْقَوْمِ بِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ وَصَلَاتِهِمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ. كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ بِخِلَافِ التَّخَطِّي فَإِنَّ الْإِمَامَ يُسَنُّ لَهُ عَدَمُ إحْرَامِهِ حَتَّى يُسَوِّيَ بَيْنَ صُفُوفِهِمْ اهـ أج قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَعْدَ إحْرَامِهِ) أَمَّا قَبْلَهُ فَمَكْرُوهٌ. اهـ. م ر قَوْلُهُ: (جَرَّ إلَيْهِ) أَيْ نَدْبًا أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُورُ حُرًّا وَأَنْ يَجُوزَ مُوَافَقَتُهُ لَهُ وَأَنْ يَكُونَ الصَّفُّ الْمَجْرُورُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ. وَأَنْ يَكُونَ الْجَرُّ فِي الْقِيَامِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَهَذِهِ شُرُوطٌ خَمْسَةٌ لِنَدْبِ الْجَرِّ وَقَدْ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: لَقَدْ سُنَّ جَرُّ الْحُرِّ مِنْ صَفِّ عِدَّةٍ ... يَرَى الْوَفْقَ فَاعْلَمْ فِي قِيَامٍ قَدْ أَحْرَمَا فَإِنْ كَانَ الْمَجْرُورُ غَيْرَ حُرٍّ فَلَا جَرَّ، لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى لَوْ جَرَّهُ ظَانًّا حُرِّيَّتَهُ فَتَبَيَّنَ رِقُّهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ وَكَذَا يُمْتَنَعُ الْجَرُّ، إنْ لَمْ يُجَوِّزْ مُوَافَقَتَهُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ أَوْ كَانَ الصَّفُّ اثْنَيْنِ فَلَا جَرَّ لِئَلَّا يَصِيرَ الْآخَرُ مُنْفَرِدًا، نَعَمْ إنْ أَمْكَنَهُ الْخَرْقُ لِيَصْطَفَّ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ كَانَ مَكَانُهُ يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرِقَ فِي الْأُولَى، وَيَجُرَّهُمَا مَعًا فِي الثَّانِيَةِ وَالْخَرْقُ فِي الْأُولَى أَفْضَلُ وَإِنْ جَرَّ قَبْلَ الْإِحْرَامِ كُرِهَ وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ سَوَّكَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ حَيْثُ حَرُمَ أَوْ أَزَالَ دَمَ شَهِيدٍ بِأَنَّ هَذَا مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا لَكِنْ تَعَجَّلَ بِخِلَافِ ذَاكَ كَمَا ذَكَرَهُ زي. قَوْلُهُ: (مُسَاعَدَتُهُ) أَيْ لِيَنَالَ مَعَهُ فَضْلَ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، مَعَ حُصُولِ ثَوَابِ صَفِّهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إلَّا لِعُذْرٍ. اهـ. حَجّ وس ل قَوْلُهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 تُكْرَهُ خَلْفَهُ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ خَلْفَهُ لِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا : وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ تَقْرِيرُ فَاسِقٍ إمَامًا فِي الصَّلَوَاتِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْمُبْتَدِعُ الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ كَالْفَاسِقِ (وَالْعَبْدِ) أَيْ يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَأْتَمَّ بِالْعَبْدِ لِأَنَّ ذَكْوَانَ   [حاشية البجيرمي] لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى وَهُوَ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ لَا بِالْمُضْطَجِعِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ، وَتُوُفِّيَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَحْوَةَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَكَانَ نَاسِخًا لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» إلَى أَنْ قَالَ «وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ» فَإِنْ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ وُجُوبِ الْقُعُودِ وُجُوبُ الْقِيَامِ. بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ الْأَصْلُ الْقِيَامُ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقُعُودُ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فَلَمَّا نُسِخَ ذَلِكَ زَالَ اعْتِبَارُ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، فَلَزِمَ وُجُوبُ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ أهـ أج. قَوْلُهُ: (بِالْجَرِّ) هَذِهِ نُسْخَةٌ وَهُنَاكَ نُسْخَةٌ أُخْرَى وَهِيَ وَيَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَعَلَيْهَا أَنْ يَكُونَ الشَّارِحُ غَيَّرَ إعْرَابَ الْمَتْنِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوْلَى قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ تُكْرَهُ خَلْفَهُ) وَإِنْ اخْتَصَّ بِصِفَاتٍ مُرَجِّحَةٍ لِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْهُ أَنْ لَا يُحَافِظَ عَلَى الْوَاجِبَاتِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ سَرَّكُمْ أَنْ تُقْبَلَ صَلَاتُكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ» قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا صَحَّتْ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ وَإِنَّمَا جَازَ أَيْ الِائْتِمَامُ الْمَأْخُوذُ مِنْ قَوْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ إلَخْ قَوْلُهُ: (كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ) . فِيهِ أَنَّ فِعْلَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ فَعَلَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَصَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ) وَمِثْلُهُمْ نُظَّارُ الْمَسَاجِدِ قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) أَيْ تَقْرِيرُهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ غَيْرِ الْأَهْلِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ مَعَ الصِّحَّةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقِيلَ يَسْتَحِقُّ هُنَا كَالْأَذَانِ قَوْلُهُ: (كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) كَالشِّهَابِ م ر وَالشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ، حَيْثُ قَالَ: وَيَحْرُمُ إلَخْ إذْ الْحُرْمَةُ لَا تُنَافِي الصِّحَّةَ، بَلْ نُقِلَ عَنْهُ خَارِجَ الشَّرْحِ الصِّحَّةُ مَعَ الْحُرْمَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الشِّهَابُ م ر وَابْنُ حَجَرٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِمُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ وَلَيْسَ مِنْهَا أَنْ يُوقِعَ النَّاسَ فِي صَلَاةٍ مَكْرُوهَةٍ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ م ر حُرْمَةُ نَصْبِ كُلِّ مَنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ اهـ. اج. وَسَوَاءٌ كَانَ النَّاصِبُ لَهُ الْإِمَامَ أَوْ الْوَاقِفَ أَوْ النَّاظِرَ حَجّ، قَالَ شَيْخُنَا: وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمَعْلُومِ وَإِنْ بَاشَرَ كَالْأَهْلِ إنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَلَمْ يُنِبْ أَهْلًا. وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ أَوْ اقْتَضَى عُرْفُهُ الْمُطَّرِدُ، ذَلِكَ وَجَبَتْ بِأَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُبْطِلٍ عِنْدَ الْمَأْمُومِ وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَعْلُومَ نَقَلَهُ شَيْخُنَا عَنْ شَيْخِهِ م ر. وَيَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِي التَّدْرِيسِ وَسَائِرِ الْوَظَائِفِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْوَاقِفُ إذَا اسْتَنَابَ مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ، وَيَسْتَحِقُّ الْمُنِيبُ جَمِيعَ الْمَعْلُومِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا ز ي. فِي الْجَعَالَةِ اهـ. رَحْمَانِيٌّ وَاعْتَمَدَ م ر تَبَعًا لِوَالِدِهِ وَغَيْرِهِ حُصُولَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَالْمُعْتَزِلِيِّ وَالرَّافِضِيِّ وَالْقَدَرِيِّ، وَالْمُتَّهَمِ وَالْمُخَالِفِ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ إمَامَةِ الْفَاسِقِ لِغَيْرِ الْفَاسِقِ أَمَّا لِمِثْلِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْفِسْقُ فَلَا تُكْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِسْقُ الْإِمَامِ أَفْحَشَ اهـ م د. عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ) كَالْمُجَسِّمِ وَالرَّافِضِيِّ وَمِثْلُهُ مَنْ يَعْتَقِدُ سُنِّيَّةَ بَعْضِ الْأَرْكَانِ كَالْحَنَفِيِّ ق ل. وَكَالْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ أَوْ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ. وَأَمَّا مَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى تَكْفِيرِ نَافِي الرُّؤْيَةِ وَالْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِكُفْرِ النِّعَمِ اهـ مُنَاوِيٌّ. وَأَمَّا مَنْ يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ كَالْمُجَسِّمِ صَرِيحًا وَمُنْكِرِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إمَامًا بِحَالٍ كَمَا قَالَهُ فِي التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: كَالْمُجَسِّمِ هَذَا مَرْجُوحٌ وَعَدَمُ تَكْفِيرِهِ هُوَ الرَّاجِحُ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يَعْتَقِدُ الْجِسْمِيَّةَ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ يُلَازِمُهَا الْعَرَضُ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ أَوْ لَزِمَهَا الْجِهَةُ إذْ لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ، وَلَا يَكْفُرُ مُعْتَقِدُ الْجِهَةِ عَلَى الرَّاجِحِ فَتَأَمَّلْ ق ل وَكَتَبَ الشَّوْبَرِيُّ قَوْلَهُ: كَالْمُجَسِّمِ صَرِيحًا، قَالَ حَجّ: وَهُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ مِنْ تَنَاقُضِ مَا وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ تَعَالَى جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يَكْفُرُ. أَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ فَلَا يَكْفُرُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا بَلْ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ اهـ. وَجَمَعَ فِي الْإِيعَابِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهُ إنْ صَرَّحَ بِشَيْءٍ مِنْ لَوَازِمِ الْجِسْمِيَّةِ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ وَمَا هُنَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ بِمَذْهَبٍ وَإِنْ كَانَ كُفْرًا مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ صَاحِبُهُ اهـ. وَذَكَرَ حَجّ فِي فَتَاوِيهِ الْحَدِيثِيَّةِ نَقْلًا عَنْ الْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ تَكْفِيرِ الْمُجَسِّمَةِ وَإِنْ قَالُوا لَهُ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ لِأَنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ قَدْ لَا يَعْتَقِدُونَ لَوَازِمَ الْأَجْسَامِ اهـ. وَفِي الْمُسَايَرَةِ وَشَرْحِهَا وَمَنْ سَمَّاهُ جِسْمًا وَقَالَ: لَا كَالْأَجْسَامِ يَعْنِي فِي نَفْيِ لَوَازِمِ الْجِسْمِيَّةِ كَبَعْضِ الْكَرَّامِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ جِسْمٌ بِمَعْنَى مَوْجُودٍ. وَآخَرُونَ مِنْهُمْ قَالُوا: هُوَ جِسْمٌ بِمَعْنَى قَائِمٍ بِنَفْسِهِ خَطَأٌ لَكِنْ خَطَؤُهُ فِي إطْلَاقِ الِاسْمِ لَا فِي الْمَعْنَى اهـ. وَقَوْلُهُ صَرِيحًا بِخِلَافِ الْمُجَسِّمِ ضِمْنًا كَالْقَائِلِ بِالْجِهَةِ أَوْ بِلَوْنٍ مَثَلًا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ لَوَازِمِ الْأَجْسَامِ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ تَكْفِيرِ الْمُجَسِّمَةِ مُطْلَقًا وَكَذَا الْجَهَوِيَّةُ أَيْ لِغَلَبَةِ التَّجَسُّمِ عَلَى النَّاسِ وَأَنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مَوْجُودًا فِي غَيْرِ جِهَةٍ. وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ قَوْلُهُ: كَالْمُجَسِّمِ صَرِيحًا أَيْ الْمُعْتَقِدِ كَوْنَهُ تَعَالَى كَالْأَجْسَامِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ اعْتِقَادُهُ مُطْلَقَ التَّجَسُّمِ أَوْ أَنَّهُ كَالْأَجْسَامِ فَالْمُجَسِّمُ مَنْ يُثْبِتُ لِلَّهِ جِسْمًا، تَعَالَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَاحْتَرَزَ بِالتَّصْرِيحِ عَمَّنْ يَقُولُ بِالْجِهَةِ، يَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى فِي جِهَةٍ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ جِسْمٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فَلَا يَكْفُرُ اهـ بِالْحَرْفِ وَأَصْلُهُ لِلزِّيَادِيِّ. قُلْت: وَالْقَلْبُ إلَى التَّفْصِيلِ أَمْيَلُ، فَقَدْ قَالَ حَجّ فِي الْأَعْلَامِ: وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ أَنَّ الْمُجَسِّمَةَ لَا يَكْفُرُونَ، لَكِنْ أَطْلَقَ فِي الْمَجْمُوعِ تَكْفِيرَهُمْ وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا قَالُوا جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ، وَالثَّانِي مَا إذَا قَالُوا جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ لِأَنَّ النَّقْصَ اللَّازِمَ عَلَى الْأَوَّلِ قَدْ لَا يَلْتَزِمُونَهُ. وَمَرَّ أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ غَيْرُ مَذْهَبٍ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْحُدُوثِ وَالتَّرْكِيبِ وَالْأَلْوَانِ وَالِاتِّصَالِ، فَيَكُونُ كُفْرًا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لِلْقَدِيمِ مَا هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ انْتِفَاؤُهُ عَنْهُ وَلَا يَنْبَغِي التَّوَقُّفُ فِي ذَلِكَ اهـ بِالْحَرْفِ. فَتَلَخَّصَ فِي الْمُجَسِّمَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: التَّكْفِيرُ مُطْلَقًا، وَعَدَمُهُ مُطْلَقًا، وَالتَّفْصِيلُ. وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ. وَذَكَرَ حَجّ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْجِهَةِ لَا يَكْفُرُونَ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ: نَعَمْ إنْ اعْتَقَدُوا لَازِمَ قَوْلِهِمْ مِنْ الْحُدُوثِ أَوْ غَيْرِهِ كَفَرُوا إجْمَاعًا اهـ فَلْيُحْفَظْ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّ الزِّيَادِيَّ وق ل وَالْعَنَانِيَّ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ تَكْفِيرِ الْمُجَسِّمَةِ مُطْلَقًا وَابْنُ حَجَرٍ فَصَّلَ. قُلْت: الْقَلْبُ إلَى التَّفْصِيلِ أَمْيَلُ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَمُنْكِرُ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَبِالْمَعْدُومِ وَالْبَعْثِ وَالْحَشْرِ لِلْأَجْسَامِ فَمُنْكِرُ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَهُوَ مَنْ يُثْبِتُ لِلَّهِ تَعَالَى الْعِلْمَ بِالْكُلِّيَّاتِ وَيَنْفِي الْعِلْمَ بِالْجُزْئِيَّاتِ كَافِرٌ أَيْ لِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ عَلَى عُمُومِ عِلْمِهِ تَعَالَى لِلْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ وَلَوْ الْغَيْرَ الْمُتَنَاهِيَةِ، وَلِذَاتِهِ الْأَقْدَسِ وَلِلْمَعْدُومِ قَالَ اللَّقَانِيِّ: وَالْمُسْتَحِيلُ وَمَعْنَى عِلْمِهِ بِهِ عِلْمُهُ بِاسْتِحَالَتِهِ وَأَنَّهُ لَوْ تَصَوَّرَ وُقُوعَهُ لَزِمَهُ مِنْ الْفَسَادِ كَذَا وَبِهَذَا تَمَيَّزَ عَنْ عِلْمِنَا نَحْنُ بِالْمُسْتَحِيلِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُنْكِرَ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ هُمْ الْفَلَاسِفَةُ وَقَدْ قَالُوا أَيْضًا بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَعَدَمِ حَشْرِ الْأَجْسَادِ وَقَدْ قُلْت فِي ذَلِكَ: بِثَلَاثَةٍ كَفَرَ الْفَلَاسِفَةُ الْعِدَا ... إذْ أَنْكَرُوهَا وَهِيَ قَطْعًا مُثْبَتَهْ عِلْمٌ بِجُزْئِيٍّ حُدُوثُ عَوَالِمَ ... حَشْرٌ لِأَجْسَادٍ وَكَانَتْ مَيِّتَهْ اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ كَغَيْرِهِ: وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا وَأَكْثَرُهُمْ يَكْرَهُونَهُ لِمَعْنًى مَذْمُومٍ شَرْعًا، كَوَالٍ ظَالِمٍ وَمَنْ تَغَلَّبَ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ وَلَا يَسْتَحِقُّهَا، أَوْ لَا يُحْتَرَزُ عَنْ النَّجَاسَةِ، أَوْ يَمْحَقُ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ، أَوْ يَتَعَاطَى مَعِيشَةً مَذْمُومَةً، أَوْ يُعَاشِرُ أَهْلَ الْفُسُوقِ وَنَحْوِهِمْ، أَوْ شِبْهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا. قَالَ: وَأَمَّا الْمَأْمُونُ الَّذِينَ يَكْرَهُونَهُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ، وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَرِهَهُ كُلُّهُمْ فَإِنَّهَا لِلتَّحْرِيمِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: وَلَا يَحِلُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 مَوْلَى عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا، لَكِنَّ الْحُرَّ وَلَوْ كَانَ أَعْمَى أَوْلَى مِنْهُ (وَالْبَالِغُ بِالْمُرَاهِقِ) لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. لَكِنَّ الْبَالِغَ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ، وَالْحُرَّ الْبَالِغَ الْعَدْلَ أَوْلَى مِنْ الرَّقِيقِ، وَالْعَبْدَ الْبَالِغَ أَوْلَى مِنْ الْحُرِّ الصَّبِيِّ، وَفِي الْعَبْدِ الْفَقِيهِ وَالْحُرِّ غَيْرِ الْفَقِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَالْمُبَعَّضُ أَوْلَى مِنْ كَامِلِ الرِّقِّ. وَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ فِي الْإِمَامَةِ سَوَاءٌ. وَيُقَدَّمُ الْوَالِي بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى عَلَى غَيْرِهِ فَإِمَامٌ رَاتِبٌ. نَعَمْ إنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَالِي، وَيُقَدَّمُ السَّاكِنُ فِي مَكَان بِحَقٍّ وَلَوْ   [حاشية البجيرمي] لِرَجُلٍ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا وَهُمْ يَكْرَهُونَهُ. وَالْإِسْنَوِيُّ ظَنَّ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدَةٌ. فَقَالَ هُنَا: وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَنَقَلَهُ فِي الْحَاوِي عَنْ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ لَفْظَهُ الْمُتَقَدِّمَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (كَالْفَاسِقِ) لَمَّا كَانَ لَهُ تَأْوِيلٌ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا فَلِذَا شَبَّهَهُ بِهِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: وَإِنَّ عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ وَهُوَ أَنْسَبُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي اقْتِدَاءِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ لَا فِي إمَامَةِ الْعَبْدِ لِلْحُرِّ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ دَقِيقٌ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (أَوْلَى مِنْهُ) لِأَنَّ الْإِمَامَةَ مَنْصِبٌ جَلِيلٌ، فَالْحُرُّ أَوْلَى بِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (وَالْبَالِغُ بِالْمُرَاهِقِ) وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الْكَنْزِ وَشَرْحِهِ: وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِصَبِيٍّ لِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ فَلَمْ يَجُزْ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِهِ اهـ. وَفِي الْمِيزَانِ لِلشَّعْرَانِيِّ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بِعَدَمِ صِحَّةِ إمَامَةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهَا كَغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ الْبَالِغُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ الصَّبِيِّ بِلَا خِلَافٍ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْصِبَ الْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَنْصِبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ إخْلَالِهِ بِوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَآدَابِهَا، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ، وَيَتَحَرَّزُ عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَالِغِ فَأَشْبَهَ الْإِمَامَ الْعَادِلَ الْمَحْفُوظَ مِنْ الذُّنُوبِ اهـ قَوْلُهُ: (بِالْمُرَاهِقِ) أَيْ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَأَصْلُهُ مَنْ قَارَبَ سِنَّ الِاحْتِلَامِ ق ل قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْبَالِغَ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ أَقْرَأَ أَوْ أَفْقَهَ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، وَلِهَذَا نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ اهـ قَوْلُهُ: (وَالْحُرُّ) وَإِنْ كَانَ أَعْمَى أَوْلَى مِنْ الرَّقِيقِ، أَيْ وَإِنْ قَلَّ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ إلَّا إنْ تَمَيَّزَ بِنَحْوِ فِقْهٍ أَيْ فَيُقَدَّمُ الْعَبْدُ الْفَقِيهُ عَلَى الْحُرِّ الْخَالِي مِنْ الْفِقْهِ، أَمَّا حُرٌّ فَقِيهٌ وَعَبْدٌ أَفْقَهُ فَهُمَا سَوَاءٌ كَمَا حَمَلَ السُّبْكِيُّ عِبَارَةَ الْمَجْمُوعِ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، أَمَّا فِيهَا فَالْحُرُّ أَوْلَى مُطْلَقًا لِأَنَّ دُعَاءَهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (وَفِي الْعَبْدِ الْفَقِيهِ) أَيْ الْأَفْقَهِ وَالْحُرِّ غَيْرِ الْفَقِيهِ، أَيْ غَيْرِ الْأَفْقَهِ بِأَنْ كَانَ فَقِيهًا فَالْحُرِّيَّةُ تُعَادِلُ زِيَادَةَ الْفِقْهِ هَكَذَا يُفْهَمُ لِأَنَّ غَيْرَ الْفَقِيهِ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ. اهـ. م د. وَتُكْرَهُ إمَامَةُ الْأَقْلَفِ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ فِي الْإِمَامَةِ سَوَاءٌ) أَيْ لِتَعَارُضِ فَضِيلَتِهِمَا لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَنْظُرُ مَا يَشْغَلُهُ فَهُوَ أَخْشَعُ، وَالْبَصِيرُ يَنْظُرُ الْخُبْثَ فَهُوَ أَحْفَظُ عَنْ النَّجَاسَةِ وَالْكَلَامِ إذَا اسْتَوَيَا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ، وَإِلَّا فَمَنْ تَرَجَّحَ بِصِفَةٍ قُدِّمَ بِهَا كَأَعْمَى فَقِيهٍ وَبَصِيرٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، فَالْأَعْمَى حِينَئِذٍ يُقَدَّمُ فَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْحُرُّ الْأَعْمَى أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ الْبَصِيرِ، وَمِثْلُ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ فِي الِاسْتِوَاءِ السَّمِيعُ مَعَ الْأَصَمِّ، وَالْفَحْلُ مَعَ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ، وَالْأَبُ مَعَ ابْنِهِ، وَالْقَرَوِيُّ مَعَ الْبَلَدِيِّ اهـ أج. وَلَوْ كَانَ الْبَصِيرُ لَا يَتَحَاشَى عَنْ النَّجَاسَةِ قُدِّمَ الْأَعْمَى عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ الْأَعْمَى غَيْرَ خَاشِعٍ قُدِّمَ الْبَصِيرُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ إمَامَةَ الْأَعْمَى مَكْرُوهَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ. وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا كَانَ لَا يُوَازِيهِ غَيْرُهُ فِي الْفَضِيلَةِ فِي مَسْجِدِهِ فَهُوَ أَوْلَى كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ) أَيْ إنْ اتَّفَقَا فِي بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ الْآتِيَةِ وَسَوَاءٌ خَبَرُ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى مُسْتَوِيَانِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: رَجُلٌ يَجُوزُ كَوْنُهُ إمَامًا لَا مَأْمُومًا وَهُوَ الْأَعْمَى الْأَصَمُّ يَكُونُ إمَامًا لِاسْتِقْلَالِهِ بِأَفْعَالِهِ لَا مَأْمُومًا إذْ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى الْعِلْمِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ إلَّا إنْ كَانَ بِجَنْبِهِ ثِقَةٌ يُعَرِّفُهُ بِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (الْوَالِي) هُوَ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ يُقَدَّمُ وَلَوْ عَلَى الْمَالِكِ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى) كَالْبَاشَا فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَاضِي كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِهِ) وَلَوْ عَلَى الْأَفْقَهِ وَالْمَالِكِ وَالْإِمَامِ الرَّاتِبِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 بِإِعَارَةٍ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى مُعِيرٍ لِلسَّاكِنِ بَلْ يُقَدَّمُ الْمُعِيرُ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى سَيِّدٍ غَيْرِ سَيِّدٍ مُكَاتَبٍ لَهُ، فَأَفْقَهُ فَأَقْرَأُ فَأَوْرَعُ فَأَقْدَمُ هِجْرَةً فَأَسَنُّ فَأَنْسَبُ فَأَنْظَفُ ثَوْبًا وَبَدَنًا وَصَنْعَةً، فَأَحْسَنُ صَوْتًا فَأَحْسَنُ صُورَةً، وَلِمُقَدَّمٍ بِمَكَانٍ لَا بِصِفَاتِ تَقْدِيمٍ لِمَنْ   [حاشية البجيرمي] عَلَى الْمُقَدَّمِ بِالصِّفَاتِ وَالْمَكَانِ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ وَالْمَالِكُ أَيْ إذَا أَذِنَ فِي الصَّلَاةِ فِي مِلْكِهِ كَمَا قَيَّدَهُ م ر اهـ قَوْلُهُ: (فَإِمَامٌ رَاتِبٌ) وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْقَهَ مِنْهُ مَثَلًا قَوْلُهُ: (الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ) أَيْ أَوْ نَائِبُهُ اهـ أج قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَالِي) أَيْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ قَوْلُهُ: (بِحَقٍّ) فَيُقَدَّمُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَيُقَدَّمُ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ عَلَى وَارِثِ الْمُوصِي. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى سَيِّدٍ) أَيْ أَذِنَ لَهُ فِي السُّكْنَى، بَلْ يُقَدَّمُ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ أَيْ وَلَيْسَ هَذَا الْإِذْنُ إعَارَةً كَمَا يَدُلُّ لَهُ عَطْفُهُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَقْتَضِي مِلْكَ الِانْتِفَاعِ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ وَلَوْ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى سَيِّدٍ أَيْ وَلَا سَاكِنٍ بِحَقٍّ عَلَى سَيِّدِهِ، فَإِذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فِي السُّكْنَى بِمَحَلٍّ قُدِّمَ السَّيِّدُ إلَّا السَّيِّدَ الْمُكَاتِبَ لِلْعَبْدِ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ بَلْ الْمُكَاتَبُ هُوَ الْمُقَدَّمُ لِاسْتِقْلَالِهِ، فَإِذَا أَذِنَ لِسَيِّدِهِ فِي دُخُولِهِ دَارًا اشْتَرَاهَا مَثَلًا فَهُوَ الْمُقَدَّمُ لَا سَيِّدُهُ، فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُعِيرًا لَهُ الدَّارَ فَالسَّيِّدُ الْمُعِيرُ هُوَ الْمُقَدَّمُ لَا الْمُكَاتَبُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَدَمُ تَقْدِيمِهِ عَلَى قِنِّهِ الْمُبَعَّضِ فِيمَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (غَيْرَ سَيِّدٍ مُكَاتَبٍ) أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَمُكَاتَبُهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَأَفْقَهُ) أَيْ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ إلَّا الْفَاتِحَةَ ح ل. فَالْمُرَادُ بِهِ أَعْرَفُ الْحَاضِرِينَ بِالصَّلَاةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا، أَيْ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْأَقْرَأِ وَإِنْ حَفِظَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ إذْ الْحَاجَةُ إلَى الْفِقْهِ أَهَمُّ لِكَثْرَةِ حَوَادِثِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَطْرَأُ فِيهَا. قَالَ ق ل: نَعَمْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْأَسَنُّ فِي الْجِنَازَةِ لِأَنَّ دُعَاءَ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ اهـ. أَيْ فَقَوْلُهُمْ فِي بَابِ الصَّلَاةِ أَيْ غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَمَا قَالَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وَلَوْ كَانَ الْأَفْقَهُ عَارِيًّا وَالْفَقِيهُ مَسْتُورًا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعَارِيَ مُقَدَّمٌ إذْ لَا نَقْصَ فِيهِ يُعَارِضُ فَضِيلَتَهُ الَّتِي زَادَ بِهَا، وَأَيْضًا فَضِيلَتُهُ ذَاتِيَّةٌ وَذَاكَ كَمَالُهُ بِالسِّتْرِ عَرَضِيٌّ يُمْكِنُ زَوَالُهُ لَا ذَاتِيٌّ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ كُلُّ مَنْ اخْتَلَّ فِيهِ شَرْطٌ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ كَالتَّيَمُّمِ. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَقَوْلُهُ: إذْ لَا نَقْصَ فِيهِ، فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ صَلَاةَ الْعُرَاةِ وَنَحْوِهِمْ جَمَاعَةً صَحِيحَةٌ وَلَا ثَوَابَ فِيهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: أَيْ لِأَنَّ انْتِفَاءَ طَلَبِهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لَهَا بِسَبَبِ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِهِمْ اهـ. فَحَاصِلُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَارِي مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَفْقَهِ الْعَارِي لِلِاعْتِنَاءِ مِنْ الشَّارِعِ بِأَمْرِ السِّتْرِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَأَقْرَأُ) أَيْ أَصَحُّ. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَقْرَأِ الْأَصَحُّ قِرَاءَةً، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُ قِرَاءَةً. وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْمُتَمَيِّزَ بِقِرَاءَةِ السَّبْعِ أَوْ بَعْضِهَا مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَأَوْرَعُ) أَيْ أَكْثَرُ وَرَعًا وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْعَدَالَةِ بِالْعِفَّةِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَالزُّهْدُ أَعْلَى مِنْ الْوَرَعِ لِأَنَّ الْوَرَعَ تَرْكُ الشُّبُهَاتِ وَأَخْذُ الْحَلَالِ الْمَحْضِ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ، وَالزُّهْدُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْحَلَالِ الْمَحْضِ وَحِينَئِذٍ فَالزَّاهِدُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَرِعِ كَمَا قَالَهُ م ر. وَالزُّهْدُ قِسْمٌ مِنْ الْوَرَعِ لَا قَسِيمَ لَهُ، قَالَ أج: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزُّهْدَ قِسْمٌ مِنْ الْوَرَعِ لَا قَسِيمَ إذْ الْوَرَعُ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ، فَأَوَّلُ مَرَاتِبِهِ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ فَإِنْ تَرَكَ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ مِنْ الْحَلَالِ كَانَتْ الْمَرْتَبَةُ الْعُلْيَا لَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (فَأَقْدَمُ هِجْرَةً) لَوْ قَالَ: فَالْمُهَاجِرُ فَالْأَقْدَمُ هِجْرَةً لَكَانَ أَوْلَى، وَالْهِجْرَةُ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِتْيَانُ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ إلَيْهِ وَبَعْدَهُ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ. اهـ. ق ل. تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ الْخُرُوجُ مِنْ بَلَدٍ يُعْمَلُ فِيهَا بِالْمَعَاصِي إلَى بَلَدٍ لَا يُعْمَلُ فِيهَا بِهَا ق ل. قَوْلُهُ: (فَأَسَنُّ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ لَا بِكِبَرِ السِّنِّ، فَيُقَدَّمُ شَابٌّ أَسْلَمَ أَمْسِ عَلَى شَيْخٍ أَسْلَمَ الْيَوْمَ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْإِسْلَامِ رُوعِيَ كِبَرُ السِّنِّ وَيُقَدَّمُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بِتَبَعِيَّتِهِ لِغَيْرِهِ. وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُ لِأَنَّ فَضِيلَتَهُ فِي ذَاتِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ بُلُوغِ مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَيَظْهَرُ تَقْدِيمُ التَّابِعِ اهـ شَرْحُ م ر. وَقِيَاسُ تَقْدِيمِ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا تَقْدِيمُ مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ هَاجَرَ أَحَدُ آبَائِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ، وَظَاهِرُ تَقْدِيمِ مَنْ هَاجَرَ أَحَدُ أُصُولِهِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ هَاجَرَ أَحَدُ أُصُولِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا عَلَى مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ إلَيْهَا. وَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْأُصُولِ هُنَا الْأُنْثَى وَمَنْ أَدْلَى بِهَا كَأَبِي الْأُمِّ؟ قِيَاسُ الْكَفَاءَةِ لَا، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى شَرَفٍ يَظْهَرُ عَادَةً التَّفَاخُرُ بِهِ وَهُنَا عَلَى أَدْنَى شَرَفٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ اهـ قَالَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 يَكُونُ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ (وَلَا) يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ كَشَافِعِيٍّ اقْتَدَى بِحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ لَا إنْ افْتَصَدَ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ   [حاشية البجيرمي] الشَّوْبَرِيُّ. وَبِمَا ذُكِرَ عُلِمَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ التَّابِعِيُّ عَلَى الصَّحَابِيِّ بِأَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يَجْتَمِعْ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ بَعْدَ سَنَةٍ مَثَلًا أَسْلَمَ شَخْصٌ وَاجْتَمَعَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ اجْتَمَعَا فَيُقَدَّمُ التَّابِعِيُّ الْمُجْتَمِعُ بِالصَّحَابِيِّ عَلَى الصَّحَابِيِّ لِأَنَّ سِنَّهُ فِي الْإِسْلَامِ أَكْثَرُ، وَلِهَذَا قَالُوا الصَّحَابِيُّ لَيْسَ كُفُؤًا لِبِنْتِ تَابِعِيٍّ لِأَنَّ لَهُ أَصْلًا فِي الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الصَّحَابِيِّ اهـ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَا لَا يُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ. قَوْلُهُ: (وَبَدَنًا) الْوَاوُ بِمَعْنَى الْفَاءِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا الْأَحْسَنُ ذِكْرًا أَيْ سِيرَةً وَلَوْ تَعَارَضَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بِأَنْ وُجِدَ أَنْظَفُ ثَوْبًا وَآخَرُ أَنْظَفُ بَدَنًا وَآخَرُ أَنْظَفُ صَنْعَةً، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْأَنْظَفِ ثَوْبًا ثُمَّ بَدَنًا ثُمَّ صَنْعَةً، قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَيَنْبَغِي رِعَايَةُ صِفَاتِ الثَّوْبِ كَالْأَبْيَضِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرُ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضُ» حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَى لَابِسِ الْأَسْوَدِ. اهـ. م د قَوْلُهُ: (وَصَنْعَةً) أَيْ كَسْبًا فَيُقَدَّمُ الزَّارِعُ وَالتَّاجِرُ عَلَى غَيْرِهِمَا بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (فَأَحْسَنُ صَوْتًا) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً لِأَنَّ حُسْنَ الصَّوْتِ تَمِيلُ إلَيْهِ الْقُلُوبُ فِي الْجُمْلَةِ وَلَوْ لِسَمَاعِهِ فِي نَحْوِ التَّكْبِيرِ اهـ قَوْلُهُ: (فَأَحْسَنُ صُورَةً) أَيْ وَجْهًا وَهَذَا لَا يُغْنِي عَنْهُ أَنْظَفُ بَدَنًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَنْظَفِ الْأَحْسَنُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ الْمُتَزَوِّجُ فَالْأَحْسَنُ زَوْجَةً، فَالْأَبْيَضُ ثَوْبًا. وَقَالَ ع ش: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالصُّورَةِ سَلَامَتُهُ فِي بَدَنِهِ مِنْ آفَةٍ تُنْقِصُهُ كَعَرَجٍ وَشَلَلٍ لِبَعْضِ أَعْضَائِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصِّفَاتِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: الْأَفْقَهُ ثُمَّ الْأَقْرَأُ ثُمَّ الْأَزْهَدُ ثُمَّ الْأَوْرَعُ ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً ثُمَّ الْأَسَنُّ ثُمَّ. الْأَنْسَبُ ثُمَّ الْأَحْسَنُ ذِكْرًا ثُمَّ الْأَنْظَفُ ثَوْبًا فَوَجْهًا فَبَدَنًا فَصَنْعَةً ثُمَّ الْأَحْسَنُ صَوْتًا فَصُورَةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِحُسْنِ الصُّورَةِ تَنَاسُبُ الْأَعْضَاءِ وَالْمُعْتَمَدُ تَرْتِيبُهُمْ كَمَا فِي هَذَا النَّظْمِ: يُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ حَيْثُ يُوجَدُ ... فَأَقْرَأُ فَأَوْرَعُ فَأَزْهَدُ مُهَاجِرٌ فَأَقْدَمُ فِي الْهِجْرَةِ ... أَسَنُّهُمْ أَشْرَفُهُمْ فِي النِّسْبَةِ أَحْسَنُهُمْ ذِكْرًا وَبَعْدُ الْأَنْظَفُ ... ثَوْبًا فَجِسْمًا ثُمَّ مَا يَحْتَرِفُ فَخَيْرُهُمْ فِي الصَّوْتِ ثُمَّ الْخَلْقِ ... فَالْوَجْهُ فَالزَّوْجَةُ يَا ذَا السَّبْقِ فَأَبْيَضُ ثَوْبًا فَإِنْ نِزَاعٌ ... جَرَى فِي الِاسْتِوَاءِ فَالْإِقْرَاعُ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا رَاتِبٌ أَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ. وَإِلَّا قُدِّمَ الرَّاتِبُ عَلَى الْكُلِّ، وَهُوَ مَنْ وَلَّاهُ النَّاظِرُ وِلَايَةً صَحِيحَةً أَوْ كَانَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ اهـ قَوْلُهُ: (وَلِمُقَدَّمٍ بِمَكَانٍ) أَيْ وَيُبَاحُ لِمُقَدَّمٍ بِمَكَانٍ تَقْدِيمٌ لَا بِصِفَاتٍ، فَلَا يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَالْمُقَدَّمُ بِالْمَكَانِ هُوَ الْوَالِي وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ وَالسَّاكِنُ بِحَقٍّ ح ف. وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ م ر: أَنَّ التَّقَدُّمَ مَنْدُوبٌ إذَا كَانَ الْمُقَدَّمُ سَاكِنًا بِحَقٍّ وَكَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْإِمَامَةِ، وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ التَّقْدِيمِ مِنْ السَّاكِنِ الَّذِي هُوَ أَهْلٌ، وَمِنْ الْوَالِي وَالرَّاتِبِ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ شَيْخِنَا ح ف بِقَوْلِهِ أَيْ يُبَاحُ وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ: وَالْمُقَدَّمُ بِمَكَانٍ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلصَّلَاةِ كَالْكَافِرِ وَالْمَرْأَةِ لِرِجَالٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ قَدَّمَهُ الْقَوْمُ بِالصِّفَةِ لَا يَكُونُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ غَيْرِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: كَالْكَافِرِ، اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَافِرَ وَالْمَرْأَةَ لَا يُقَالُ لَهُمَا مُقَدَّمَانِ لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ مَنْ يَسُوغُ لَهُ الصَّلَاةُ بِالْقَوْمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَيْنِ يُقَالُ لَهُمَا مُقَدَّمَانِ عَلَى فَرْضِ زَوَالِ الْمَانِعِ اهـ. قَوْلُهُ: (لَا بِصِفَاتٍ) أَيْ الْمُقَدَّمُ بِالصِّفَاتِ كَالْأَفْقَهِ لَيْسَ لَهُ التَّقْدِيمُ. اهـ. م د. أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (بِمَنْ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ) بِأَنْ يَظُنَّهُ ظَنًّا غَالِبًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ وَهُوَ الْجَزْمُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ اهـ أج. بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ بِقَوْلِهِ وَكَمُجْتَهَدِينَ إلَخْ قَوْلُهُ: (بِمَنْ يَعْتَقِدُ) لَمْ يَبْرُزْ الضَّمِيرُ مَعَ كَوْنِ الصِّلَةِ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ لِأَنَّ الْإِبْرَازَ لَا يَجِبُ إلَّا فِي الْوَصْفِ وَهَذَا فِعْلٌ قَوْلُهُ: (لَا إنْ افْتَصَدَ) صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ صَاحِبُ الْخَوَاطِرِ السَّرِيعَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 الْمَأْمُومِ، وَكَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي إنَاءَيْنِ مِنْ الْمَاءِ طَاهِرٍ وَمُتَنَجِّسٍ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الطَّاهِرُ صَحَّ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إنَاءُ إمَامٍ لِلنَّجَاسَةِ، فَلَوْ اشْتَبَهَ خَمْسَةٌ مِنْ آنِيَةٍ فِيهَا نَجَسٌ عَلَى خَمْسَةٍ فَظَنَّ كُلٌّ طَهَارَةَ إنَاءٍ مِنْهَا فَتَوَضَّأَ بِهِ وَأَمَّ بِالْبَاقِينَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ أَعَادَ مَا ائْتَمَّ بِهِ آخِرًا، وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمُقْتَدٍ وَلَا بِمَنْ تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ كَمُتَيَمِّمٍ لِبَرْدٍ وَلَا يَصِحُّ أَنْ (يَأْتَمَّ) ذَكَرٌ (رَجُلٌ) أَوْ صَبِيٌّ (مُمَيِّزٌ) وَلَا خُنْثَى (بِ) أُنْثَى (امْرَأَةٍ) أَوْ صَبِيَّةٍ مُمَيِّزَةٍ وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٍ لِأَنَّ الْأُنْثَى نَاقِصَةٌ عَنْ   [حاشية البجيرمي] بِمَا إذَا نَسِيَ الْإِمَامُ كَوْنَهُ مُفْتَصِدًا، أَيْ وَعَلِمَ الْمَأْمُومُ بِذَلِكَ لِتَكُونَ نِيَّتُهُ جَازِمَةً فِي اعْتِقَادِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَهُ أَيْ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ عِنْدَنَا أَيْضًا لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ شَرْحُ م ر وَأَقَرَّهُ سم. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ إمَّا أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِالْفَصْدِ أَوْ جَاهِلَيْنِ بِهِ، أَوْ الْإِمَامُ عَالِمًا وَالْمَأْمُومُ جَاهِلًا أَوْ بِالْعَكْسِ، فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِي الْأُولَى وَيَصِحُّ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِيمَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ جَاهِلًا بِالْفَصْدِ أَيْ نَاسِيًا لَهُ وَكَانَ الْمَأْمُومُ عَالِمًا بِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْإِمَامَ جَاهِلٌ بِهِ لِيَكُونَ جَازِمًا بِالنِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْبَسْمَلَةَ لَمْ تَصِحَّ قُدْوَةُ الشَّافِعِيِّ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُقْتَدَيْ بِهِ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ أَوْ نَائِبَهُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. وَسُئِلَ الشِّهَابُ م ر عَنْ إمَامِ مَسْجِدٍ يُصَلِّي بِعُمُومِ النَّاسِ بِأَنْ كَانَ رَاتِبًا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاعِيَ الْخِلَافَ أَوْ لَا وَيَقْتَصِرَ عَلَى مَذْهَبِهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَةُ الْخِلَافِ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: أَمَّا لَوْ قُرِّرَ إمَامٌ لِلْحَنَفِيَّةِ مَثَلًا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَهُوَ قَضِيَّةُ إفْتَاءِ م ر. ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا بَعْدَ ذَلِكَ: إذَا كَانَ يُصَلِّي خَلْفَهُ شَافِعِيٌّ يَنْبَغِي وُجُوبُ رِعَايَةِ الْخِلَافِ. قُلْت: وَفِيهِ مَا فِيهِ إذْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِإِمَامَةٍ عَلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ تَصْحِيحُ صَلَاةِ الْغَيْرِ وَبِهَذَا فَارَقَتْ مَسْأَلَةَ إفْتَاءِ م ر اهـ أج. قَوْلُهُ: (فِيهَا نَجَسٌ) فَلَوْ كَانَ فِي الْخَمْسَةِ نَجَسَانِ صَحَّتْ صَلَاةُ كُلٍّ خَلْفَ اثْنَيْنِ فَقَطْ أَوْ النَّجَسُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فَبِوَاحِدٍ فَقَطْ، وَلَوْ كَانَ النَّجَسُ أَرْبَعَةً لَمْ يَقْتَدِ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِأَحَدٍ، وَلَوْ سَمِعَ صَوْتَ حَدَثٍ أَوْ شَمَّ بَيْنَ خَمْسَةٍ وَتَنَاكَرُوهُ وَأَمَّ كُلٌّ فِي صَلَاةٍ فَكَمَا ذَكَرَ فِي الْأَوَانِي شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: (فَتَوَضَّأَ) أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ أَوْ غَسَلَ بِهِ ثَوْبَهُ ز ي قَوْلُهُ: (أَعَادَ) أَيْ أَعَادَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا صَلَّاهُ مَأْمُومًا آخَرَ، فَإِذْ ابْتَدَءُوا بِالصُّبْحِ أَعَادُوا الْعِشَاءَ إلَّا إمَامَهَا فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الِائْتِمَامُ فِي الْعِشَاءِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الِائْتِمَامُ فِي الْمَغْرِبِ اهـ ابْنُ حَجَرٍ لِتَعْيِينِ إنَاءَيْ إمَامَيْهِمَا لِلنَّجَاسَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُلِّ بِالنَّظَرِ لِإِمَامِ الْعِشَاءِ وَبِالنِّسْبَةِ لِإِمَامِهَا بِالنَّظَرِ لِإِمَامِ الْمَغْرِبِ اهـ. وَقَوْلُهُ: أَعَادُوا الْعِشَاءَ مُقْتَضَاهُ صِحَّتُهَا مَعَ أَنَّ النَّجَاسَةَ مُنْحَصِرَةٌ فِي إنَاءِ إمَامِهَا، وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ نَسَبُوا انْحِصَارَ النَّجَاسَةِ فِي إنَاءِ إمَامِهَا. وَقَوْلُهُ فَيَحْرُمُ أَيْ عِنْدَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ قَوْلُهُ: (مَا ائْتَمَّ) أَيْ أَعَادَ الصَّلَاةَ الَّتِي ائْتَمَّ فِيهَا آخِرًا قَوْلُهُ: (بِمُقْتَدٍ) أَيْ حَالَ اقْتِدَائِهِ وَلَوْ حُكْمًا كَالْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَإِنْ بَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاتِهِ أَنَّ إمَامَهُ كَانَ مُقْتَدِيًا فَلَا إعَادَةَ ق ل. وَإِذَا انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ إمَّا بِسَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بِبَعْضٍ، لَكِنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ لِأَنَّ نِيَّةَ الْقُدْوَةِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَ الرَّحْمَانِيُّ، وَالْمَشْكُوكُ فِي مَأْمُومِيَّتِهِ كَأَنْ وَجَدَ رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ وَشَكَّ فِي أَيِّهِمَا الْإِمَامُ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ ظَنَّهُ الْإِمَامُ وَلَوْ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ اهـ قَوْلُهُ: (وَلَا بِمَنْ تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ) مَحَلُّهُ إنْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ بِحَالِهِ حَالَ الِاقْتِدَاءِ أَوْ قَبْلَهُ وَنَسِيَ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا إعَادَةَ لِصِحَّةِ الْقُدْوَةِ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ الْإِمَامَ مُحْدِثٌ وَتَبَيُّنَ حَدَثِ الْإِمَامِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (كَمُتَيَمِّمٍ لِبَرْدٍ) اُسْتُشْكِلَ هَذَا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِالْإِعَادَةِ وَهُوَ كَانَ مُتَيَمِّمًا لِلْبَرْدِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ الْآمِرِ بِالْإِعَادَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهَا لِأَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ، وَلِجَوَازِ كَوْنِهِمْ عَالِمِينَ وَقَضَوْا مَا عَلَيْهِمْ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَلَا يَأْتَمُّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) يُقْرَأُ الْمَتْنُ بِالرَّفْعِ وَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْرَأَ يَأْتَمُّ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى يَأْتَمُّ الْمُتَقَدِّمُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَأْتَمَّ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَهَذَا فِيهِ تَهَافُتٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لَا جَوَازُ عَدَمِ الِائْتِمَامِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَأْتَمَّ رَجُلٌ فَهُوَ حَلٌّ مَعْنًى لَا إعْرَابٌ اهـ قَوْلُهُ: (رَجُلٌ) أَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 الرَّجُلِ، وَالْخُنْثَى الْمَأْمُومُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا وَالْإِمَامُ أُنْثَى «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ «لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا» . وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ خُنْثَى بَانَتْ أُنُوثَتُهُ بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٌ بِخُنْثَى بَانَتْ ذُكُورَتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَتَصِحُّ قُدْوَةُ الْمَرْأَةِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْخُنْثَى كَمَا تَصِحُّ قُدْوَةُ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ بِالرَّجُلِ. فَيَتَلَخَّصُ مِنْ ذَلِكَ تِسْعُ صُوَرٍ: خَمْسَةٌ صَحِيحَةٌ وَهِيَ قُدْوَةُ رَجُلٍ بِرَجُلٍ، خُنْثَى بِرَجُلٍ، امْرَأَةٌ بِرَجُلٍ، امْرَأَةٌ بِخُنْثَى، امْرَأَةٌ بِامْرَأَةٍ، وَأَرْبَعَةٌ بَاطِلَةٌ وَهِيَ: قُدْوَةُ رَجُلٍ بِخُنْثَى، رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ خُنْثَى بِخُنْثَى، خُنْثَى بِامْرَأَةٍ. (وَلَا) يَصِحُّ أَنْ يَأْتَمَّ (قَارِئٌ) وَهُوَ مَنْ يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ (بِأُمِّيٍّ) أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ أَمْ لَا، وَالْأُمِّيُّ مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ كَتَخْفِيفِ مُشَدَّدٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ بِأَنْ لَا يُحْسِنَهُ كَأَرَتَّ بِمُثَنَّاةٍ وَهُوَ مَنْ يُدْغِمُ بِإِبْدَالٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِدْغَامِ بِخِلَافِهِ بِلَا إبْدَالٍ   [حاشية البجيرمي] وَلَوْ احْتِمَالًا فَهُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ فَالصُّوَرُ الْبَاطِلَةُ هِيَ مَنْطُوقُ الْمَتْنِ قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَلِقَوْلِهِ بِعَطْفِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَمْرَهُمْ امْرَأَةً) عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ خُنْثَى بَانَتْ أُنُوثَتُهُ) أَيْ سَوَاءٌ بَانَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَوْ بَانَتْ بَعْدَهَا وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ظَانًّا أَنَّ إمَامَهُ رَجُلٌ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ شَيْئًا قَوْلُهُ: (بَانَتْ ذُكُورَتُهُ) أَيْ قَبْلَ الْقُدْوَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ إنْ دَخَلَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ جَازِمًا بِأَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ لَمْ يَظُنَّ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا. قَالَ سم: حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَهُ خُنْثَى عِنْدَ الِاقْتِدَاءِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَلِمَ خُنُوثَتَهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنْ تَبَيَّنَ فِي الْحَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ اسْتَمَرَّتْ الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَدَّدْ عِنْدَ النِّيَّةِ وَقَدْ بَانَتْ الذُّكُورَةُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ مَضَى قَبْلَ التَّبَيُّنِ رُكْنٌ أَوْ طَالَ الْفَصْلُ بَطَلَتْ، وَإِنْ عَلِمَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ تَبْنِ ذُكُورَتُهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ، وَإِنْ تَبَيَّنَتْ وَلَوْ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ وَلَا قَضَاءَ. وَهَذَا الْحَاصِلُ عَرَضْتُهُ عَلَى شَيْخِنَا الطَّبَلَاوِيِّ فَجَزَمَ بِهِ. اهـ. ع ش إطْفِيحِيٌّ وَقَرَّرَهُ ح ف غَيْرَ أَنَّهُ اعْتَمَدَ فِيمَا إذَا بَانَ الْإِمَامُ خُنْثَى فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَنَّهَا تَبْطُلُ، وَإِنْ ظَهَرَ عَقِبَهُ أَنَّهُ مُتَّضِحٌ بِالذُّكُورَةِ لِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الشَّكِّ، وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ: وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِخُنْثَى اتَّضَحَتْ ذُكُورَتُهُ وَخُنْثَى اتَّضَحَتْ أُنُوثَتُهُ بِأُنْثَى لَكِنْ يُكْرَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (بِأُمِّيٍّ) مَنْسُوبٌ إلَى الْأُمِّ كَأَنَّهُ عَلَى حَالِهِ حِينَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ وَأَصْلُهُ مَنْ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ اهـ. ثُمَّ اُسْتُعِيرَ مَجَازًا فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، أَوْ يُقَالُ إنَّهُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ وَمِثْلُ الْأُمِّيِّ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مَنْ لَا يُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ، وَكَذَا تَارِكُ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضَهَا كَالْبَسْمَلَةِ بِخِلَافِ مَنْ كَبَّرَ وَلَمْ يَنْوِ وَكَأَنَّ وَجْهَ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْ الْمَأْمُومِ، فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِهِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ أَمْ لَا) عَلِمَ بِحَالِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْإِمَامَ بِصَدَدِ تَحَمُّلِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَسْبُوقِ، فَإِذَا لَمْ يُحْسِنْهَا لَمْ يَصْلُحْ لِلتَّحَمُّلِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ: فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ: عَلِمَ الْقَارِئُ بِحَالِهِ أَمْ لَا شَامِلٌ لِمَا إذَا تَرَدَّدَ فِي كَوْنِهِ أُمِّيًّا أَوْ لَا، فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ حِينَئِذٍ وَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، فَإِنْ أَسَرَّ فِي جَهْرِيَّةٍ تَابَعَهُ الْمَأْمُومُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ حَالِهِ بَعْدَ السَّلَامِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ قَارِئٍ أَعَادَ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَارِئٌ وَلَوْ بِقَوْلِهِ: نَسِيتُ الْجَهْرَ أَوْ أَسْرَرْتُ لِكَوْنِهِ جَائِزًا وَصَدَّقَهُ الْمَأْمُومُ لَمْ يُعِدْ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ حَالُهُ لَمْ يُعِدْ أَيْضًا وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُعِيدُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَارِئًا لَجَهَرَ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (كَتَخْفِيفِ مُشَدَّدٍ) مِثَالٌ لِمَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ وَقَوْلُهُ: كَأَرَتَّ مِثَالٌ لِلْأُمِّيِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: كَتَخْفِيفِ مُشَدَّدٍ أَشَارَ إلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِمَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ كَافٍ عَنْ زِيَادَةٍ أَوْ تَشْدِيدَةٍ. وَقَوْلُهُ: مِنْ الْفَاتِحَةِ قَيْدٌ لِمَا الْكَلَامُ فِيهِ اهـ. وَخَرَجَ بِالْفَاتِحَةِ غَيْرُهَا، أَمَّا التَّكْبِيرُ فَإِنْ كَانَ يُخِلُّ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَائْتَمَّ بِهِ الْقَارِئُ فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ عَالِمًا بِأَنَّ إمَامَهُ يُخِلُّ بِالتَّكْبِيرِ لَمْ تَنْعَقِدْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ عَلِمَ فِي الْأَثْنَاءِ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ، وَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَلَا ضَرَرَ، وَأَمَّا الْإِخْلَالُ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنْ دَخَلَ عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ سَلَامِهِ لَا إعَادَةَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ سَلَامِ الْمَأْمُومِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ وَلَا إعَادَةَ أَيْضًا، وَإِنْ عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ انْتَظَرَهُ لَعَلَّهُ يُعِيدُهُ عَلَى الصَّوَابِ، فَإِذَا سَلَّمَ وَلَمْ يُعِدْهُ سَجَدَ الْمَأْمُومُ لِلسَّهْوِ أَيْضًا وَكَذَا حُكْمُ السَّلَامِ كَالتَّشَهُّدِ اهـ. وَعِبَارَةُ. شَرْحِ م ر: وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ صِحَّةَ اقْتِدَاءِ مَنْ يُحْسِنُ نَحْوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 كَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَوْ الْكَافِ مِنْ مَالِكٍ وَأَلْثَغَ بِمُثَلَّثَةٍ وَهُوَ مَنْ يُبْدِلُ حَرْفًا بِأَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهِ بَدَلَهُ كَأَنْ يَأْتِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ بَدَلَ السِّينِ فَيَقُولَ الْمُثْتَقِيمَ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْأُمِّيَّ التَّعَلُّمُ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِلَّا صَحَّتْ كَاقْتِدَائِهِ بِمِثْلِهِ فِيمَا يُخِلُّ بِهِ، وَكُرِهَ الِاقْتِدَاءُ بِنَحْوِ تَأْتَاءٍ كَفَأْفَاءٍ وَلَاحِنٍ بِمَا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَضَمِّ هَاءِ لِلَّهِ، فَإِنْ غَيَّرَ مَعْنًى فِي الْفَاتِحَةِ كَأَنْعَمْت بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ وَلَمْ   [حاشية البجيرمي] التَّكْبِيرِ أَوْ التَّشَهُّدِ أَوْ السَّلَامِ بِالْعَرَبِيَّةِ بِمَنْ لَا يُحْسِنُهَا بِهَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ لَا مَدْخَلَ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ فِيهَا فَلَمْ يَنْظُرْ لِعَجْزِهِ عَنْهَا اهـ. لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْبِرْمَاوِيِّ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِخْلَالَ بِبَعْضِ الشَّدَّاتِ فِي التَّشَهُّدِ مُخِلٌّ أَيْضًا، أَيْ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ حِينَئِذٍ وَلَا إمَامَتُهُ اهـ ق ل. عَلَى الْجَلَالِ وح ف. وَإِنَّمَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ أَخَلَّ بِبَعْضِ التَّشَهُّدِ سَهْوًا وَكَانَ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُبْطِلُ عَمْدُهُ، وَمَا أَبْطَلَ عَمْدُهُ سُنَّ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِدْغَامِ) كَقَوْلِهِ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] بِتَشْدِيدِ التَّاءِ اهـ قَوْلُهُ: (وَأَلْثَغَ) هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَرَتِّ قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَنْ يُبْدِلُ حَرْفًا) سَوَاءٌ كَانَ مَعَ إدْغَامٍ أَمْ لَا قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَأْتِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ بَدَلَ السِّينِ) قَالَ م ر: نَعَمْ لَوْ كَانَتْ اللُّثْغَةُ يَسِيرَةً بِأَنْ لَمْ تَمْنَعْ أَصْلَ مَخْرَجِهِ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ صَافٍ لَمْ يُؤَثِّرْ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ إبْدَالٌ. وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ أَبِي غَانِمٍ مُقْرِئِ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ: انْتَهَى ابْنُ سُرَيْجٍ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَلْثَغِ وَكَانَتْ لُثْغَتُهُ يَسِيرَةً. وَفِي أَيٍّ فِي أَبِي غَانِمٍ مِثْلُهَا، فَاسْتَحْيَيْت أَنْ أَقُولَ لَهُ هَلْ تَصِحُّ إمَامَتُهُ فَقُلْت لَهُ: هَلْ تَصِحُّ إمَامَتِي؟ قَالَ: نَعَمْ وَإِمَامَتِي أَيْضًا. اهـ. عَمِيرَةٌ. وَسُئِلَ الشِّهَابُ م ر عَمَّنْ قَرَأَ الرَّحِيمِ مَالِكِ بِإِثْبَاتِ الْأَلْفِ مَعَ الْإِدْغَامِ. فَأَجَابَ بِحُرْمَةِ الْقِرَاءَةِ مَعَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ. وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو النَّصْرِ الطَّبَلَاوِيُّ بِالصِّحَّةِ، وَلَا تَحْرُمُ الْقِرَاءَةُ بِالْإِدْغَامِ مَعَ إثْبَاتِ الْأَلْفِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الشَّاذَّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الشَّيْخَانِ، وَهَذِهِ قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ مِنْ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ السَّبْعَةِ. وَكَانَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشَدِّدُ فِي ذَلِكَ تَبَعًا لِجَمْعٍ رَدًّا عَلَى مَنْ يَدَّعِي شُذُوذَهَا اهـ. هَذَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ م ر مَا عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّاذَّ مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّعَلُّمُ صَحَّتْ كَاقْتِدَائِهِ بِمِثْلِهِ. قَالَ ق ل: لَوْ قَالَ كَاقْتِدَائِهِ بِمِثْلِهِ بِهِ كَانَ مُسْتَقِيمًا أَيْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمِثْلِهِ، وَأَكْمَلُ مِنْهُ بِخِلَافِ اقْتِدَاءِ غَيْرِهِ بِهِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ مِثْلَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (فِيمَا يُخِلُّ بِهِ) بِأَنْ اتَّحَدَا فِي الْحَرْفِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ وَمَحَلُّهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَأْتِيِّ بِهِ كَأَنْ يُبْدِلَ أَحَدُهُمَا سِينَ الْمُسْتَقِيمِ مُثَلَّثَةً وَالْآخَرُ مُثَنَّاةً بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: الْمُثْتَقِيمَ بِالْمُثَلَّثَةِ، وَالْآخَرُ الْمُتْتَقِيمَ بِالْمُثَنَّاةِ. وَلَوْ مَعَ الْإِدْغَامِ فَيَصِحُّ لِاتِّحَادِ الْحَرْفِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ عَدَمُ جَوَازِ اقْتِدَاءِ أَخْرَسَ بِأَخْرَسَ أَصْلِيَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا دُونَ الْآخَرِ صَحَّ اقْتِدَاءُ الْأَصْلِيِّ بِالطَّارِئِ دُونَ عَكْسِهِ، فَإِنْ كَانَا عَارِضَيْنِ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحْسِنُ مَا لَا يُحْسِنُهُ الْآخَرُ اهـ ق ل. مَعَ زِيَادَةٍ. وَعِنْدَ حَجّ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُطْلَقًا. وَفِي شَرْحِ م ر: وَعَلِمَ مِنْهُ عَدَمَ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ أَخْرَسَ بِأَخْرَسَ وَلَوْ عَجَزَ إمَامُهُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِخَرَسٍ لَزِمَهُ مُفَارَقَتُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ صَحِيحٌ وَلَا كَذَلِكَ الْقَارِئُ بِالْأَخْرَسِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخَرَسِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ أَعَادَ لِأَنَّ حُدُوثَ الْخَرَسِ نَادِرٌ بِخِلَافِ طُرُوُّ الْحَدَثِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ تَأْتَاءٍ) أَيْ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَفَأْفَاءٍ إذْ لَا فَاءَ فِي الْفَاتِحَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يُكَرِّرُ الْحَرْفَ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى عَدَمِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْعُذْرُ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكَرَّرَ حَرْفٌ قُرْآنِيٌّ كَمَا قَالَهُ ق ل وَعِبَارَةُ أج: بِنَحْوِ تَأْتَاءَ كَوَأْوَاءٍ أَيْ وَهُوَ مَنْ يُكَرِّرُ الْوَاوَ وَكَذَا سَائِرُ الْحُرُوفِ لِزِيَادَتِهِ وَنَفْرَةِ الطَّبْعِ عَنْ سَمَاعِهِ، وَجَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ مَعَ زِيَادَتِهِمْ لِعُذْرِهِمْ فِيهَا اهـ أج قَوْلُهُ: (وَلَاحِنٍ) الْمُرَادُ بِاللَّحْنِ مَا يَشْمَلُ الْإِبْدَالَ. اهـ. م ر قَوْلُهُ: (بِمَا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى) أَيْ وَيَحْرُمُ عَمْدُ ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالْقُدْوَةِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّحْنَ حَرَامٌ عَلَى الْعَامِدِ الْعَالِمِ الْقَادِرِ مُطْلَقًا، وَأَنْ مَا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى لَا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَالْقُدْوَةُ بِهِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى فَفِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ لَا يَضُرُّ فِيهِمَا إلَّا إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا قَادِرًا. وَأَمَّا فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنْ قَدَرَ وَأَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ ضَرَّ فِيهِمَا وَإِلَّا فَكَأُمِّيٍّ. اهـ. ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ: (كَضَمِّ هَاءِ لِلَّهِ) أَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 يُحْسِنْ اللَّاحِنُ الْفَاتِحَةَ فَكَأُمِّيٍّ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ اللَّحْنُ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ كَجَرِّ اللَّامِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ حَيْثُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ التَّعَلُّمِ، أَوْ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ، أَوْ نَاسِيًا كَوْنَهُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ إنَّ ذَلِكَ لَحْنٌ لَكِنَّ الْقُدْوَةَ بِهِ مَكْرُوهَةٌ. أَمَّا الْقَادِرُ الْعَالِمُ الْعَامِدُ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَا الْقُدْوَةُ بِهِ لِلْعَالِمِ بِحَالِهِ وَكَالْفَاتِحَةِ فِيمَا ذُكِرَ بَدَلَهَا، وَلَوْ بَانَ إمَامُهُ بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِهِ كَافِرًا وَلَوْ مَخْفِيًّا كُفْرُهُ كَزِنْدِيقٍ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْهُ. نَعَمْ لَوْ لَمْ يَبِنْ كُفْرُهُ إلَّا بِقَوْلِهِ وَقَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فَقَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ: لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْت   [حاشية البجيرمي] وَفَتْحِ دَالِ نَعْبُدُ وَكَسْرِ بَائِهَا وَنُونِهَا لِبَقَاءِ الْمَعْنَى، وَضَمِّ صَادِ الصِّرَاطِ وَهَمْزَةِ اهْدِنَا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ الْقُدْوَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَعَمِّدُ لِذَلِكَ آثِمًا اهـ اج. وَقَوْلُهُ: وَضَمُّ صَادِ الصِّرَاطِ أَيْ فَكَاللَّحْنِ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ تُسَمِّهِ النُّحَاةُ لَحْنًا فَإِنَّ اللَّحْنَ عِنْدَهُمْ كَاللُّغَوِيِّينَ تَغْيِيرُ الْإِعْرَابِ وَالْخَطَأُ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْأَعَمُّ فَيَشْمَلُ إبْدَالَ حَرْفٍ بِآخَرَ، وَنَصْبُ دَالِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ جَرُّهَا وَالْمُرَادُ بِتَغْيِيرِ الْمَعْنَى أَنَّ بِنَقْلِ مَعْنَى الْكَلِمَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ كَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْت وَكَسْرِهَا أَوْلَمَ يَكُنْ لَهَا مَعْنًى أَصْلًا كَالزِّيَنِ بِالزَّايِ. اهـ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ غَيَّرَ) أَيْ اللَّحْنُ قَوْلَهُ: (وَلَمْ يُحْسِنْ اللَّاحِنُ الْفَاتِحَةَ) أَيْ لَمْ يُحْسِنْ مَا لَحَنَ بِهِ فِيهَا بِأَنْ عَجْزَ لِسَانُهُ عَنْهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّعَلُّمُ كَمَا فِي م ر وَإِنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ مَا لَحَنَ بِهِ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُهَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ. اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِهِ) أَيْ مُطْلَقًا وَلَا صَلَاتُهُ إنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ وَإِلَّا صَحَّتْ كَاقْتِدَاءِ مِثْلِهِ بِهِ، وَمِثْلُ اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ اقْتِدَاءُ مَنْ يُحْسِنُ سَبْعَ آيَاتٍ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ إلَّا الذِّكْرَ وَحَافِظُ نِصْفِ الْفَاتِحَةِ الْأَوَّلِ بِنِصْفِهَا الثَّانِي اهـ شَرْحُ م ر. وَمَنْ يُحْسِنُ الذِّكْرَ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا كَذَلِكَ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ اللَّحْنُ) أَيْ الْمُغَيِّرُ لِلْمَعْنَى بِدَلِيلِ مِثَالِهِ وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ أَيْ وَغَيْرِ بَدَلِهَا كَمَا ذَكَرَهُ ق ل قَوْلُهُ: (صَحَّتْ صَلَاتُهُ) قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ قِيلَ لَيْسَ لِهَذَا اللَّاحِنِ قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَقَوَّاهُ السُّبْكِيُّ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَمُقْتَضَاهُ الْبُطْلَانُ. وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ السُّورَةَ مَطْلُوبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَانَ إمَامُهُ إلَخْ) بَانَ مِنْ أَخَوَاتِ كَانَ فَإِمَامُهُ اسْمُهَا وَكَافِرًا خَبَرُهَا شَيْخُنَا عَنْ السُّيُوطِيّ، وَالْأَوْلَى نَصْبُهُ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ الْفَاعِلِ أَيْ وَلَوْ بَانَ كُفْرُ إمَامِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ مَا ذَكَرَهُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ حَالًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى بِأَنَّ فِي حَالِ كَوْنِهِ كَافِرًا لِأَنَّ الْحَالَ عَلَى تَقْدِيرٍ فِي بَلْ الْمَعْنَى بِأَنَّ كُفْرَهُ، فَالْأَوْلَى كَوْنُهُ تَمْيِيزًا وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ حَالُهُ فِي أَثْنَاءِ الْقُدْوَةِ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ ق ل قَوْلُهُ: (كَافِرًا) أَيْ أَوْ خُنْثَى أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أُمِّيًّا أَوْ تَارِكًا الْفَاتِحَةَ فِي الْجَهْرِيَّةِ، أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَوْ سَاجِدًا عَلَى كُمِّهِ الَّذِي يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ، أَوْ تَارِكًا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ أَوْ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ أَوْ عَلَى السُّتْرَةِ وَكَانَ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ أَوْ عَارِيًّا، وَفَارَقَ تَبَيُّنَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فِي الْخُطْبَةِ وَكَانَ قَدْ خَطَبَ مِنْ قُعُودٍ حَيْثُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي الْخُطْبَةِ شَرْطٌ وَفِي الصَّلَاةِ رُكْنٌ وَالشَّرْطُ يُغْتَفَرُ فِيهِ. فَإِنْ قُلْت: يَرِدُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ السُّتْرَةُ فَإِنَّهَا شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قِيَامِ الْخُطْبَةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ السُّتْرَةَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ، وَالْقِيَامَ الْمَذْكُورَ شَرْطٌ لِمَا هُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْخُطْبَةُ فَاغْتُفِرَ فِيهِ. اهـ. ح ف. وَقَوْلُهُ: وَكَانَ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ لَا تُخْفَى اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَخْفِيًّا) هِيَ لِلرَّدِّ عَلَى الرَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ: وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَلَا يَنْقَلِبُ نَفْلًا مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ) أَيْ إنْ بَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِنْ بَانَ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ) صَرِيحُهُ أَنْ يَجِبَ الْبَحْثُ عَلَى الْمَأْمُومِ عَنْ حَالِ الْإِمَامِ قَبْلَ اقْتِدَائِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَوْ قَالَ لِكَوْنِ الْإِمَامِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِمَامَةِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 حَقِيقَةً، أَوْ أَسْلَمْتُ ثُمَّ ارْتَدَدْتُ لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ كَافِرٌ بِذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، لَا إنْ بَانَ ذَا حَدَثٍ وَلَوْ حَدَثًا أَكْبَرَ، أَوْ ذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمُقْتَدِي لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ بِخِلَافِ الظَّاهِرَةِ فَتَجِبُ فِيهَا الْإِعَادَةُ، كَمَا لَوْ بَانَ إمَامُهُ أُمِّيًّا. وَلَوْ اقْتَدَى رَجُلٌ بِخُنْثَى فَبَانَ الْإِمَامُ رَجُلًا لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ فِي الظَّاهِرِ لِتَرَدُّدِ الْمَأْمُومِ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ عِنْدَهَا. وَثَالِثُ الشُّرُوطِ اجْتِمَاعُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ بِمَكَانٍ كَمَا عُهِدَ عَلَيْهِ الْجَمَاعَاتُ فِي الْعُصُرِ الْخَالِيَةِ، وَلِاجْتِمَاعِهِمَا أَرْبَعَةُ   [حاشية البجيرمي] ذَاتِهِ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. ق ل. وَعِبَارَتُهُ عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ لِتَقْصِيرِهِ إلَخْ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ حَالِ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْأُمُورُ الَّتِي قَلَّ أَنْ تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ نُسِبَ تَارِكُهَا إلَى التَّقْصِيرِ فِي الْبَحْثِ عَنْهَا، أَوْ يُقَالُ: هَذَا تَعْلِيلُ مَنْ يُوجِبُ الْبَحْثَ جَرَى عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ مَقْصُودًا عِنْدَهُ اهـ. وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ جَهِلَ إسْلَامَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَلَا قَضَاءَ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الصَّلَاةِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى إسْلَامِهِ وَلَمْ يَبِنْ خِلَافُهُ. نَعَمْ إنْ أَسَرَّ فِي جَهْرِيَّةٍ لَزِمَهُ الْبَحْثُ، فَإِنْ قَالَ: نَسِيت الْجَهْرَ أَوْ أَسْرَرْت لِكَوْنِهِ جَائِزًا وَصَدَّقَهُ الْمَأْمُومُ فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْبَحْثُ أَوْ بَحَثَ مَعَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ فَالْإِعَادَةُ لَازِمَةٌ لَهُ، أَمَّا فِي السِّرِّيَّةِ فَلَا إعَادَةَ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ حَالِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ طَهَارَةِ الْإِمَامِ. اهـ. م ر اهـ أج قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَسْلَمَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ أَيْ تَحَدَّدَ إسْلَامُهُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ. وَقَوْلُهُ: فَقَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ لَوْ لَمْ يَبِنْ كُفْرُهُ إلَّا بِقَوْلِهِ. وَقَوْلُهُ: فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَافِرَ يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ فَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يُعَلِّلَ بِالتَّقْصِيرِ. قَاعِدَةٌ: كُلُّ مَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ إذَا طَرَأَ فِي الْأَثْنَاءِ أَوْ ظَهَرَ أَوْجَبَ الِاسْتِئْنَافَ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِمْرَارُ مَعَ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ. وَكُلُّ مَا لَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ مِمَّا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ ابْتِدَاءً عِنْدَ الْعِلْمِ إذَا طَرَأَ فِي الْأَثْنَاءِ أَوْ ظَهَرَ لَا يُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ، وَيَجُوزُ الِاسْتِمْرَارُ مَعَ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ) وَيُسْتَثْنَى هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ يُقْبَلُ خَبَرُ الْكَافِرِ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ اهـ م د قَوْلُهُ: (لَا إنْ بَانَ ذَا حَدَثٍ) وَكَذَا كُلُّ مَا يَخْفَى عَلَى الْمَأْمُومِ عَادَةً كَعَدَمِ النِّيَّةِ وَتَيَمُّمِهِ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ. اهـ. ق ل. وَمِثْلُهُ مَا لَوْ بَانَ تَارِكًا لِلْفَاتِحَةِ فِي السِّرِّيَّةِ أَوْ لِلتَّشَهُّدِ مُطْلَقًا لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَخْفَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَالَ الْحَنَّاطِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَوْ أَحْرَمَ بِإِحْرَامِهِ ثُمَّ كَبَّرَ ثَانِيًا بِنِيَّةٍ سِرًّا بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْ الْمَأْمُومُ لَمْ يَضُرَّ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَخْفَى وَلَا أَمَارَةَ عَلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (خَفِيَّةٌ) حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ أَنَّ الظَّاهِرَةَ هِيَ الْعَيْنِيَّةُ، وَالْخَفِيَّةُ هِيَ الْحُكْمِيَّةُ أَيْ الَّتِي لَيْسَ لَهَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَلَا بَيْنَ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ وَلَا بَيْنَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ، وَلَا بَيْنَ بَاطِنِ الثَّوْبِ وَظَاهِرِهِ اهـ ع ش قَالَ م د. وَيُفْرَضُ الْأَعْمَى بَصِيرًا وَالْبَعِيدُ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (بِخُنْثَى) أَيْ ظَنَّ ذُكُورَتَهُ ابْتِدَاءً حَتَّى يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ طَرَأَ التَّرَدُّدُ فِي خُنُوثَتِهِ فِي الْأَثْنَاءِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لِتَرَدُّدِ الْمَأْمُومِ، وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلَا يَأْتَمُّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ. قَوْلُهُ: (لِتَرَدُّدِ الْمَأْمُومِ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ عِنْدَهَا) أَيْ عِنْدَ الْقُدْوَةِ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمَأْمُومَ دَخَلَ عَالِمًا بِأَنَّهُ خُنْثَى، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ خُنُوثَتَهُ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ ثُمَّ اتَّضَحَ بِالذُّكُورَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ شَرْحُ م ر. وَعَلَّلَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ لِجَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ بِالْخُنْثَى إمَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى، وَكُلٌّ مِنْهُمْ إمَّا أَنْ يَظُنَّ الْخُنْثَى الْمُقْتَدِيَ بِهِ حَالَ الِاقْتِدَاءِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى أَوْ لَا يَظُنُّ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِاثْنَيْ عَشَرَ. وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ الْإِمَامُ بَعْدَ الصَّلَاةِ رَجُلًا أَوْ أُنْثَى أَوْ يَبْقَى عَلَى خُنُوثَتِهِ، فَهَذِهِ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ مِنْهَا صُوَرُ الْمَرْأَةِ الْمُقْتَدِيَةِ الِاثْنَا عَشَرَ صَحِيحَةٌ، وَأَرْبَعَةٌ أَيْضًا صَحِيحَةٌ وَهِيَ مَا إذَا ظَنَّهُ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى ذَكَرًا حَالَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَبَانَ كَذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَظُنَّهُ شَيْئًا فَبَانَ ذَكَرًا وَالْعِشْرُونَ الْبَاقِيَةُ بَاطِلَةٌ. اهـ. عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَمَا عَهِدَ) أَيْ لِمَا عَهِدَ قَوْلُهُ: (إمَّا أَنْ يَكُونَا بِمَسْجِدٍ) هَذِهِ هِيَ الْأُولَى قَوْلُهُ: (أَوْ بِغَيْرِهِ إلَخْ) هِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ، وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَا فِي فَضَاءٍ، وَمَا إذَا كَانَا فِي بِنَاءٍ، وَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي بِنَاءٍ وَالْآخَرُ فِي فَضَاءٍ فَهِيَ شَامِلَةٌ لِأَرْبَعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 أَحْوَالٍ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا بِمَسْجِدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ فَضَاءٍ أَوْ بِنَاءٍ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِمَسْجِدٍ وَالْآخَرُ خَارِجَهُ (وَ) إذَا كَانَا بِمَسْجِدٍ فَ (أَيُّ مَوْضِعٍ صَلَّى) الْمَأْمُومُ (فِي الْمَسْجِدِ) وَمِنْهُ رَحْبَتُهُ (بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (وَهُوَ عَالِمٌ بِصَلَاتِهِ) أَيْ الْإِمَامُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ مُتَابَعَتِهِ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ بَعْضِ صَفٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَسَمَاعِ صَوْتِهِ أَوْ (صَوْتِ مُبَلِّغٍ أَجْزَأَهُ) أَيْ كَفَاهُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَإِنْ بَعُدَتْ مَسَافَتُهُ وَحَالَتْ أَبْنِيَةٌ نَافِذَةٌ إلَيْهِ كَبِئْرٍ وَسَطْحٍ سَوَاءٌ أُغْلِقَتْ أَبْوَابُهَا أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ أَمْ لَا كَأَنْ وَقَفَ أَحَدُهُمَا عَلَى سَطْحِهِ أَوْ مَنَارَتِهِ وَالْآخَرُ فِي سِرْدَابٍ أَوْ بِئْرٍ فِيهِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ مَبْنِيٌّ لِلصَّلَاةِ، فَالْمُجْتَمِعُونَ فِيهِ مُجْتَمِعُونَ لِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ مُؤَدَّوْنَ لِشِعَارِهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَافِذَةً إلَيْهِ لَمْ يَعُدْ الْجَامِعُ لَهُمَا مَسْجِدًا وَاحِدًا فَيَضُرُّ الشُّبَّاكُ وَالْمَسَاجِدُ الْمُتَلَاصِقَةُ الَّتِي تُفْتَحُ أَبْوَابُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَإِنْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهَا بِإِمَامٍ وَجَمَاعَةٍ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ) الْمَأْمُومُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ صَلَّى) الْإِمَامُ فِي   [حاشية البجيرمي] صُوَرٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا بِمَسْجِدٍ) فِيهِ صُورَتَانِ قَوْلُهُ: (وَأَيُّ مَوْضِعٍ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ صَلَّى إلَخْ، فَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ أَيْ صَلَّى فِيهِ إلَخْ قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ رَحْبَتُهُ) قَالَ م ر: وَهِيَ مَا كَانَ خَارِجُهُ مَحُوطًا عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ شَارِعًا قَبْلَ ذَلِكَ سَوَاءٌ عَلِمَ وَقْفِيَّتَهَا مَسْجِدًا أَمْ جَهِلَ أَمْرَهَا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَهُوَ التَّحْوِيطُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُنْتَهَكَةً غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ. وَخَرَجَ بِالرَّحْبَةِ الْحَرِيمُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُتَّصِلُ بِالْمَسْجِدِ الْمُهَيَّأُ لِمَصْلَحَتِهِ كَانْصِبَابِ الْمَاءِ وَطَرْحِ الْقُمَامَاتِ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِيمَا مَرَّ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَيَلْزَمُ الْوَاقِفَ تَمْيِيزُ الرَّحْبَةِ عَنْ الْحَرِيمِ بِعَلَامَةٍ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ لِتُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ الْوَاقِفَ تَمْيِيزٌ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا إنَّمَا يَتَمَيَّزَانِ بِالْقَصْدِ لَا بِالْكَيْفِيَّةِ، وَانْظُرْ لَوْ احْتَمَلَ كَوْنَهَا رَحْبَةً وَكَوْنَهَا حَرِيمًا فَأَدْخَلَهَا النَّاظِرُ فِي تَرْبِيعِهِ وَوَقَفَهَا مَسْجِدًا هَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا يُرَاجَعُ اهـ م د. وَلَوْ خَرَجَ مَا كَانَ شَارِعًا وَحَجَرَ عَلَيْهِ صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ كَرَحْبَةِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ الَّتِي بَيْنَ الطَّبَرَسِيَّةِ والابتغاوية فَلَيْسَتْ بِمَسْجِدٍ قَطْعًا ابْنُ حَجَرٍ اهـ م د قَوْلُهُ: (بِرُؤْيَتِهِ) بَيَانٌ لِطُرُقِ الْعِلْمِ الْأَرْبَعَةِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ قَوْلُهُ: (أَوْ صَوْتِ مُبَلِّغٍ) أَيْ عَدْلٍ رِوَايَةً بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا، وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَأْمُونُ وَالْفَاسِقُ إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَهُ، وَلَوْ ذَهَبَ الْمُبَلِّغُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ لَزِمَتْ الْمَأْمُومَ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ إنْ لَمْ يَرْجُ عَوْدَهُ أَوْ انْتِصَابَ مُبَلِّغٍ آخَرَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُ رُكْنَيْنِ فِي ظَنِّهِ فِيمَا يَظْهَرُ. اهـ. ح ل قَوْلُهُ: (نَافِذَةٌ) أَيْ تَنَافُذًا عَادِيًّا فَخَرَجَتْ الطَّاقَاتُ الْعَالِيَةُ أَيْ يُمْكِنُ الِاسْتِطْرَاقُ. مِنْ ذَلِكَ الْمَنْفَذِ عَادَةً وَلَوْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْإِمَامِ إلَّا بِازْوِرَارٍ وَانْعِطَافٍ بِحَيْثُ يَصِيرُ ظُهْرُهُ لِلْقِبْلَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أُغْلِقَتْ أَبْوَابُهَا أَمْ لَا) خَرَجَ مَا لَوْ سُمِّرَتْ وَلَوْ فِي الْأَثْنَاءِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ ق ل. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا ح ف عَدَمَ الْبُطْلَانِ إذَا سُمِّرَتْ فِي الْأَثْنَاءِ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ اهـ وَمِثْلُ تَسْمِيرِ الْأَبْوَابِ مَا إذَا كَانَ بِنَحْوِ سَطْحٍ لَا مَرْقَى لَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: (أَوْ مَنَارَتِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ أَيْ الدَّاخِلَةِ فِيهِ أَوْ فِي رَحْبَتِهِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَافِذَةً) كَأَنْ كَانَتْ مُسَمَّرَةَ الْأَبْوَابِ قَوْلُهُ: (فَيَضُرُّ الشُّبَّاكُ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ. قَالَ شَيْخُنَا: وَإِنْ كَانَ الِاسْتِطْرَاقُ مُمْكِنًا مِنْ فُرْجَةٍ مِنْ أَعْلَاهُ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الِاسْتِطْرَاقِ الْعَادِي ح ل. وَكَذَا يَضُرُّ زَوَالُ سُلَّمِ الدَّكَّةِ ابْتِدَاءً لِمَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ. اهـ. ح ف. وَيَضُرُّ مَا لَوْ حَالَ بَيْنَ جَانِبَيْ الْمَسْجِدِ نَهْرٌ أَوْ طَرِيقٌ قَدِيمٌ بِأَنْ سَبَقَ وُجُودَهُ أَوْ قَارَنَاهُ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَا يَكُونُ كَالْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ بَلْ كَمَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ النَّهْرُ طَارِئًا بَعْدَ الْمَسْجِدِيَّةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ كَوْنِهِمَا وَاقِفَيْنِ بِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَالْمَسَاجِدُ الْمُتَلَاصِقَةُ) كَالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَالطَّبَرَسِيَّةِ وَالْجَوْهَرِيَّةِ. اهـ إطْفِيحِيٌّ قَوْلُهُ: (كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ) فَلَا يَضُرُّ غَلْقُ أَبْوَابِهَا. وَقَالَ ع ش: فَلَا يَضُرُّ التَّبَاعُدُ وَإِنْ كَثُرَ، أَيْ مَا لَمْ يَحُلْ نَهْرٌ أَوْ طَرِيقٌ قَدِيمٌ أَوْ مُقَارِنٌ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ اهـ أج قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ) هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ كُلُّ صُوَرِ الِاقْتِدَاءِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) كَذَا قَالَهُ الشَّارِحُ. وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ ق ل. أَيْ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَا لَوْ اسْتَدَارُوا حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَكَانُوا أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 الْمَسْجِدِ وَالْمَأْمُومُ (خَارِجَ الْمَسْجِدِ) حَالَةَ كَوْنِهِ (قَرِيبًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَسْجِدِ بِأَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا مُعْتَبَرًا مِنْ آخِرٍ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ كُلَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الصَّلَاةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ (وَهُوَ عَالِمٌ بِصَلَاتِهِ) أَيْ الْإِمَامِ الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَلَا حَائِلَ هُنَاكَ) بَيْنَهُمَا كَالْبَابِ الْمَفْتُوحِ الَّذِي لَا يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ (جَازَ) الِاقْتِدَاءُ حِينَئِذٍ، فَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ خَارِجَهُ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ مِنْ طَرَفِهِ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ، فَإِنْ حَالَ جِدَارٌ لَا بَابَ فِيهِ أَوْ بَابٌ مُغْلَقٌ مُنِعَ الِاقْتِدَاءَ لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ وَكَذَا الْبَابُ الْمَرْدُودُ وَالشُّبَّاكُ يَمْنَعُ لِحُصُولِ الْحَائِلِ مِنْ وَجْهٍ إذْ الْبَابُ الْمَرْدُودُ مَانِعٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ وَالشُّبَّاكُ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: نَعَمْ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: لَوْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ فَانْغَلَقَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَمْ يَضُرَّ انْتَهَى. أَمَّا الْبَابُ الْمَفْتُوحُ فَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْوَاقِفِ بِحِذَائِهِ وَالصَّفُّ الْمُتَّصِلُ بِهِ وَإِنْ خَرَجُوا عَنْ. الْمُحَاذَاةِ بِخِلَافِ الْعَادِلِ عَنْ مُحَاذَاتِهِ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ لِلْحَائِلِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ مِنْ فَضَاءٍ أَوْ بِنَاءٍ شُرِطَ فِي فَضَاءٍ وَلَوْ مَحُوطًا أَوْ مُسْقَفًا أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا وَلَا مَا بَيْنَ كُلِّ صَفَّيْنِ وَشَخْصَيْنِ مِمَّنْ ائْتَمَّ بِالْإِمَامِ خَلْفَهُ أَوْ بِجَانِبِهِ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ تَقْرِيبًا أَخْذًا مِنْ عُرْفِ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ يَعُدُّونَهُمَا فِي ذَلِكَ مُجْتَمِعِينَ فَلَا تَضُرُّ زِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَا فِي بِنَاءَيْنِ كَصَحْنٍ وَصِفَةٍ   [حاشية البجيرمي] بِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ تَقَدُّمًا عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (عَلَى ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ) أَيْ بِذِرَاعِ الْيَدِ الْمُعْتَدِلَةِ وَهُوَ شِبْرَانِ م ر. وَقَوْلُهُ تَقْرِيبًا فَلَا يَضُرُّ زِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ، وَإِنَّمَا اغْتَفَرُوا الثَّلَاثَةَ وَفِي الْقُلَّتَيْنِ رِطْلَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى الْعُرْفِ وَثَمَّ عَلَى قُوَّةِ الْمَاءِ وَعَدَمِهَا وَلِأَنَّ الْوَزْنَ أَضْبَطُ مِنْ الذَّرْعِ فَضَايَقُوا ثَمَّ أَكْثَرُ مِمَّا هُنَا اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَلَا حَائِلَ) بِأَنْ لَا يَكُونَ لَوْ أَرَادَ الْوُصُولَ إلَى الْإِمَامِ يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ، وَيُقَالُ لِهَذَا ازْوِرَارٌ وَانْعِطَافٌ اهـ. ق ل. فَلَا يَضُرُّ كَوْنُهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ سم. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَمْنَعُ مُرُورًا وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الرَّوِيَّةَ كَالشُّبَّاكِ، أَوْ مَا يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الْمُرُورَ كَالْبَابِ الْمَرْدُودِ بِخِلَافِ الْحَائِلِ الَّذِي يُشْتَرَطُ نَفْيُهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَمْنَعُ الْوُصُولَ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الرُّؤْيَةَ فَيَضُرُّ الشُّبَّاكُ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الْوُصُولَ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ مَنَعَ الرُّؤْيَةَ كَالْبَابِ الْمَرْدُودِ أَوْ الْمُغْلَقِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ أُغْلِقَتْ أَبْوَابُهَا أَمْ لَا، وَيَضُرُّ التَّسْمِيرُ فِي الِابْتِدَاءِ أَمَّا فِي الدَّوَامِ فَلَا يَضُرُّ خِلَافًا لِمَا فِي الْحَاشِيَةِ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (كَالْبَابِ) تَمْثِيلٌ لِلنَّفْيِ أَيْ وَانْتِفَاءُ الْحَائِلِ كَالْبَابِ إلَخْ أَيْ كَالِانْتِفَاءِ فِي الْبَابِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ فِي الْمَسْجِدِ إلَخْ) هِيَ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ: (فَإِنْ حَالَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا حَائِلَ قَوْلُهُ: (فَانْغَلَقَ) يُفِيدُ أَنَّهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ انْغَلَقَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ بِغَلْقِ الْمَأْمُومِ أَوْ بِأَمْرِهِ: ق ل. قَوْلُهُ: (الْوَاقِفِ بِحِذَائِهِ) أَيْ مُقَابِلِهِ يُشَاهِدُ الْإِمَامَ أَوْ مَنْ مَعَهُ، وَيُقَالُ لِهَذَا رَابِطَةٌ لِأَهْلِ الصَّفِّ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَكَذَا مَنْ خَلْفَهُمْ مِنْ الصُّفُوفِ، وَهُوَ كَالْإِمَامِ بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ فَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمُوا عَلَيْهِ فِي الْمَوْقِفِ وَلَا فِي الْإِحْرَامِ، وَأَنْ يَكُونَ تَصِحُّ إمَامَتُهُ لَهُمْ، وَأَنْ لَا يُخَالِفُوهُ فِي أَفْعَالِهِ وَإِنْ خَالَفُوا الْإِمَامَ حَتَّى لَوْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ وَتَأَخَّرَ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِمْ التَّأْخِيرُ بِهَا مَعَهُ، وَأَنْ يُعَيِّنُوهُ لَوْ تَعَدَّدَ، وَأَنْ لَا يَنْتَقِلُوا مِنْ الرَّابِطَةِ إلَى الرَّبْطِ بِغَيْرِهِ فِي صَلَاتِهِمْ، وَإِذَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ تَابَعُوا الْإِمَامَ الْأَصْلِيَّ إنْ عَلِمُوا بِانْتِقَالَاتِهِ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِمْ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَرَجُوا عَنْ الْمُحَاذَاةِ) إذْ تَعَلُّقُهُمْ إنَّمَا هُوَ بِالرَّابِطَةِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْعَادِلِ) أَيْ الْخَارِجِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ) هِيَ الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَحُوطًا أَوْ مُسْقَفًا) أَوْ هُمَا، فَأَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتُجَوِّزُ الْجَمْعُ لَكِنْ كَيْفَ يُقَالُ فَضَاءً مَعَ كَوْنِهِ مَحُوطًا مُسْقَفًا أَوْ مَحُوطًا فَقَطْ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ فَضَاءً أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ بِنَاءٌ، فَمَتَى جَمَعَهُمَا مَكَانٌ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ بَيْنَهُمَا يُقَالُ لَهُ. فَضَاءٌ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ قَوْلُهُ (أَوْ شَخْصَيْنِ) بِأَنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ ذَكَرٌ وَخُنْثَى وَأُنْثَى فَإِنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ صَفًّا. اهـ. ح ف قَوْلُهُ: (فَلَا يَضُرُّ زِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ) الْأَوْلَى ثَلَاثٌ بِلَا تَاءٍ لِأَنَّ تَأْنِيثَ الذِّرَاعِ أَفْصَحُ مِنْ تَذْكِيرِهَا اهـ شَرْحُ الْعُبَابِ. وَعِبَارَةُ م ر: فَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ غَيْرُ مُتَفَاحِشَةٍ كَثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 مِنْ دَارٍ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِبِنَاءٍ وَالْآخَرُ بِفَضَاءٍ شُرِطَ مَعَ مَا مَرَّ آنِفًا إمَّا عَدَمُ حَائِلٍ بَيْنَهُمَا يَمْنَعُ مُرُورًا أَوْ رُؤْيَةً، أَوْ وُقُوفُ وَاحِدٍ حِذَاءَ مَنْفَذٍ فِي الْحَائِلِ إنْ كَانَ فَإِنْ حَالَ مَا يَمْنَعُ مُرُورًا كَشِبَّاكٍ أَوْ رُؤْيَةً كَبَابٍ مَرْدُودٍ أَوْ لَمْ يَقِفْ أَحَدٌ فِيمَا مَرَّ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ إذْ الْحَيْلُولَةُ بِذَلِكَ تَمْنَعُ الِاجْتِمَاعَ. وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْوَاقِفِ فِيمَا مَرَّ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ خَلْفَهُ أَوْ بِجَانِبِهِ وَإِنْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْإِمَامِ لِمَنْ خَلْفَهُ أَوْ بِجَانِبِهِ لَا يَجُوزُ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْإِمَامِ، وَلَا يَضُرُّ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ شَارِعٌ وَلَوْ كَثُرَ طُرُوقُهُ، وَلَا نَهْرٌ وَإِنْ أَحْوَجَ إلَى سِبَاحَةٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعُدَّا لِلْحَيْلُولَةِ، وَكُرِهَ ارْتِفَاعُهُ عَلَى إمَامه وَعَكْسُهُ حَيْثُ أَمْكَنَ وُقُوفُهُمَا عَلَى مُسْتَوٍ إلَّا لِحَاجَةٍ كَتَعْلِيمِ الْإِمَامِ الْمَأْمُومِينَ صِفَةَ الصَّلَاةِ، وَكَتَبْلِيغِ الْمَأْمُومِ   [حاشية البجيرمي] وَنَحْوُهَا وَمَا قَارَبَهَا. وَعِبَارَةُ أج قَوْلُهُ: فَلَا تَضُرُّ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَمَا دُونَهَا. وَقَوْلُ م ر فِي شَرْحِهِ كَابْنِ حَجَرٍ: وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَنَحْوُهَا وَمَا قَارَبَهَا لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثَةِ بَلْ الْمُرَادُ مِنْ عِبَارَتِهِمَا مَا قُلْنَاهُ وَنَقَلْنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ الشِّهَابِ م ر وسم. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُ م ر وَمَا قَارَبَهَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ وَنَحْوُهَا، وَالْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُرَادُهُ مَا قَارَبَهَا بِأَنْ كَانَ أَزْيَدَ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثَةِ تَضُرُّ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَا فِي بِنَاءَيْنِ إلَخْ) هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ شَرَطَ فِي فَضَاءٍ إلَخْ قَوْلُهُ: (شُرِطَ مَعَ مَا مَرَّ) هُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَأَنْ يَعْلَمَ انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ. قَالَ ق ل: وَمِنْهُ يَعْنِي مِمَّا مَرَّ فِي الْحَاشِيَةِ أَنْ لَا يَكُونَ ازْوِرَارٌ وَانْعِطَافٌ فِي وُصُولِ الْمَأْمُومِ لِلْإِمَامِ وَوُجُودُ الِاسْتِطْرَاقِ عَادَةً قَوْلُهُ: (أَوْ وُقُوفٌ وَاحِدٍ) أَيْ مِنْ الْمَأْمُومِينَ وَهُوَ الرَّابِطَةُ الْمُتَقَدِّمُ فَفِيهِ مَا ذُكِرَ فِيهِ ق ل قَوْلُهُ: (فَإِنْ حَالَ مَا يَمْنَعُ مُرُورًا) قَالَ الْقَمُولِيُّ: وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِصَحْنِ الْمَسْجِدِ وَالْمَأْمُومُ بِسَطْحِ دَارِهِ اُشْتُرِطَ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ مَكَانُ الِاسْتِطْرَاقِ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ ازْوِرَارٍ وَانْعِطَافٍ، وَلَا تَكْفِي الْمُشَاهَدَةُ ز ي وَأ ج. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَقِفْ إلَخْ) قِيلَ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِالْوَاوِ أَوْلَى لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ لَا يَسْتَقِيمُ إذْ الْمَعْنَى عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ لَكِنْ لَمْ يَقِفْ أَحَدٌ إلَخْ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ بَابٍ مَفْتُوحٍ أَوْ مُغْلَقٍ مَعَ وُجُودِ الْحَائِلِ اهـ. وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ إنَّمَا يَأْتِي إذَا جُعِلَ الْعَطْفُ عَلَى قَوْلِهِ حَالَ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْعَطْفُ عَلَى الْقَيْدِ وَهُوَ مَا يَمْنَعُ إلَخْ دُونَ مُقَيَّدِهِ، وَالْمَعْنَى فِي الْعَطْفِ أَوْ حَالَ مَا لَا يَمْنَعُ مُرُورًا وَلَا رُؤْيَةً بِأَنْ كَانَ فِيهِ بَابٌ مَفْتُوحٌ لَكِنْ لَمْ يَقِفْ أَحَدٌ بِحِذَائِهِ اهـ ع ش. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ مَرْدُودٌ أَيْ أَوْ غَيْرَ مَرْدُودٍ وَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ فِيمَا مَرَّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِذَا كَانَا بِمَسْجِدٍ إلَى هُنَا فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِدُكَّانٍ وَالْآخَرُ بِأُخْرَى مُقَابِلَتَهَا. فِي الصَّفِّ الثَّانِي صَحَّ، وَلَوْ وَقَفَ بِسَطْحِ بَيْتِهِ وَالْإِمَامُ بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ وَبَيْنَهُمَا هَوَاءٌ فَعَنْ الزَّجَّاجِيِّ الصِّحَّةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَيْ مَعَ إمْكَانِ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ عَادَةً بِأَنْ يَجْعَلَ بَيْنَ السَّطْحَيْنِ نَحْوَ السِّقَالَةِ قَوْلُهُ: إلَى (سِبَاحَةٍ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ عَوْمٍ وَهُوَ عِلْمٌ لَا يُنْسَى قَوْلُهُ: (ارْتِفَاعُهُ) أَيْ ارْتِفَاعًا يَظْهَرُ فِي الْحِسِّ وَهُوَ مُفَوِّتٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يُوضَعْ نَحْوَ الْمَسْجِدِ مُشْتَمِلًا عَلَى ارْتِفَاعٍ وَانْخِفَاضٍ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ اهـ إيعَابٌ شَوْبَرِيٌّ، كَالْأَشْرَفِيَّةِ وَالْغُورِيَّةِ. وَلَوْ تَعَارَضَ إكْمَالُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَكِنْ مَعَ ارْتِفَاعٍ وَالْوُقُوفُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي لَا مَعَ ارْتِفَاعٍ وَقَفَ فِي الثَّانِي، وَتَرَكَ تَكْمِيلَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ كَرَاهَةَ الِارْتِفَاعِ أَشَدُّ فَإِنَّهَا تُفَوِّتُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ تَقْطِيعِ الصُّفُوفِ فَإِنَّهُ لَا يُفَوِّتُهَا عَلَى مَا فِي فَتَاوَى م ر اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَعَكْسُهُ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الِارْتِفَاعِ أَيْ انْخِفَاضُ الْمَأْمُومِ عَنْ إمَامِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ. وَالْكَرَاهَةُ فِي الشِّقَّيْنِ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَأْمُومِ وَبِهَا تَفُوتُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. نَعَمْ لَوْ ارْتَفَعَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ انْخَفَضَ وَحْدَهُ فَالْوَجْهُ نِسْبَةُ الْكَرَاهَةِ إلَيْهِ ق ل قَوْلُهُ: (كَتَعْلِيمِ الْإِمَامِ) هَذَا مِثَالٌ لِارْتِفَاعِ الْإِمَامِ لِحَاجَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الْعِلْمَ بِالْكَيْفِيَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، فَكَيْفَ يَدْخُلُونَ غَيْرَ عَالِمِينَ بِهَا؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي تُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ تَمْيِيزُ الْفَرَائِضِ مِنْ السُّنَنِ وَهَذَا مَعْلُومٌ لَهُمْ، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ صُورَةِ الْفُرُوضِ وَالسُّنَنِ فَأَرَادَ الْإِمَامُ تَعْلِيمَهَا لَهُمْ بِالْفِعْلِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَكَتَبْلِيغِ الْمَأْمُومِ) هُوَ مِنْ الْمَصْدَرِ الْمُضَافِ إلَى فَاعِلِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الذِّكْرِ فِيهِ وَلَوْ مَعَ الْإِعْلَامِ. نَعَمْ يُعْذَرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَيُسَنُّ ارْتِفَاعُهُمَا لِذَلِكَ كَقِيَامِ غَيْرِ مُقِيمٍ مِنْ مَرِيدِي الصَّلَاةِ بَعْدَ فَرَاغِ إقَامَةٍ لِأَنَّهُ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ أَمْ غَيْرُهُ. أَمَّا الْمُقِيمُ فَيَقُومُ قَبْلَ الْإِقَامَةِ لِيُقِيمَ قَائِمًا، وَكُرِهَ ابْتِدَاءً نَفْلٌ بَعْدَ شُرُوعِ الْمُقِيمِ فِي الْإِقَامَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي النَّفْلِ أَتَمَّهُ إنْ لَمْ يَخْشَ بِإِتْمَامِهِ فَوْتَ جَمَاعَةٍ بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَإِلَّا نُدِبَ لَهُ قَطْعُهُ وَدَخَلَ فِيهَا لِأَنَّهَا أَوْلَى مِنْهُ.   [حاشية البجيرمي] الْجَاهِلُ بِهَذَا لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى. اهـ. ق ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: كَتَبْلِيغٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ اسْتِمَاعُ الْمَأْمُومِينَ اهـ. قَالَ ع ش: عَلَيْهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُبَلِّغُونَ مِنْ ارْتِفَاعِهِمْ عَلَى الدَّكَّةِ فِي غَالِبِ الْمَسَاجِدِ وَقْتَ الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ مُفَوِّتٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ تَبْلِيغَهُمْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: (تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ) لَوْ أَسْقَطَ هَذَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِأَنَّ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ فَلَا أَعَمِّيَّةَ وَلَا غَيْرَهَا. وَيَكْفِي عِنْدَ الشَّارِحِ قَصْدُ الذِّكْرِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ لِجَمِيعِ التَّكْبِيرَاتِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: لَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فَرَاجِعْهُ ق ل قَوْلُهُ: (فَيُسَنُّ ارْتِفَاعُهُمَا لِذَلِكَ) أَيْ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَوْضِعًا عَالِيًا أُبِيحَ وَلَمْ يُمْكِنْ إلَّا ارْتِفَاعُ أَحَدِهِمَا فَلْيَكُنْ الْإِمَامُ لِمَا فِي عَكْسِهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْأَدَبِ، فَكَانَ إيثَارُ الْإِمَامِ بِالْعُلُوِّ أَوْلَى اهـ م ر وأ ج. قَوْلُهُ: (كَقِيَامِ غَيْرِ مُقِيمٍ) الْمُرَادُ بِالْقِيَامِ التَّوَجُّهُ لِيَشْمَلَ الْمُصَلِّيَ قَاعِدًا فَيَقْعُدَ، أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ بَطِيءَ النَّهْضَةِ بِحَيْثُ لَوْ أَخَّرَ الْقِيَامَ إلَى فَرَاغِهَا فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ التَّحَرُّمِ مَعَ الْإِمَامِ قَامَ فِي وَقْتٍ يَعْلَمُ بِهِ إدْرَاكُهُ لِلتَّحَرُّمِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ بَعِيدًا وَأَرَادَ الصَّلَاةَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَثَلًا وَكَانَ لَوْ أَخَّرَ قِيَامَهُ إلَى فَرَاغِ الْإِقَامَةِ وَذَهَبَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ التَّحَرُّمِ، وَشَمَلَ قَوْلُهُ غَيْرَ مُقِيمٍ الْإِمَامَ فَقَوْلُ م ر وأ ج. وَلَا يَقُومُ أَيْ مَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الْمَأْمُومِينَ هُمْ الَّذِينَ يُبَادِرُونَ لِلْقِيَامِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ اهـ قَوْلُهُ: (بَعْدَ فَرَاغِ إقَامَةٍ) هَذَا إذَا كَانَ يُدْرِكُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ مَعَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلْيَقُمْ فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا فِيهِ اهـ ق ل. وَالْمُرَادُ فَرَاغُ جَمِيعِهَا لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْهَا لَمْ يَحْضُرْ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُشْتَغِلٌ بِالْإِجَابَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُقِيمُ فَيَقُومُ) أَيْ يَتَوَجَّهُ قَوْلُهُ: (لِيُقِيمَ قَائِمًا) أَيْ حَيْثُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ إذْ هُوَ مِنْ سُنَنِهَا، وَالْأَفْضَلُ لِلدَّاخِلِ عِنْدَهَا أَوْ قَدْ قَرُبَتْ اسْتِمْرَارُهُ قَائِمًا اهـ م ر قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ) أَيْ تَنْزِيهًا قَوْلُهُ: (ابْتِدَاءُ نَفْلٍ) دَخَلَ فِيهِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَالرَّاتِبَةِ ح ل قَوْلُهُ: (بَعْدَ شُرُوعِ الْمُقِيمِ فِي الْإِقَامَةِ) أَيْ أَوْ قُرْبَ شُرُوعِهِ وَإِنَّمَا تُكْرَهُ لِمَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ اهـ أج قَوْلُهُ: (أَتَمَّهُ) أَيْ نَدْبًا قَوْلُهُ: (نُدِبَ لَهُ قَطْعُهُ) وَدَخَلَ فِيهَا مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ تَحْصِيلُ جَمَاعَةٍ أُخْرَى وَإِلَّا أَتَمَّهُ، فَالْمُرَادُ بِالْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ فَوْتَ جَمَاعَةٍ الْجِنْسُ لَا خُصُوصُ الَّتِي أُقِيمَتْ. قَالَ م ر: وَمَحَلُّ النَّدْبِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، أَمَّا فِيهَا فَقَطْعُهُ وَاجِبٌ لِإِدْرَاكِهَا بِإِدْرَاكِ رُكُوعِهَا الثَّانِي. وَخَرَجَ بِالنَّفْلِ الْفَرْضُ، فَإِنْ كَانَ حَاضِرَةً كُرِهَ وَإِنْ كَانَ فَائِتَةً فَخِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ، فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَخَرَجَ بِالنَّفْلِ الْفَرْضُ فَلَا يَجُوزُ قَطْعُ الْمَقْضِيِّ مِنْهُ إلَّا لِجَمَاعَةٍ تُنْدَبُ فِيهِ بِأَنْ تَكُونَ فِي نَوْعِهِ وَلَيْسَ فَوْرِيًّا وَلَا الْمُؤَدَّى مِنْهُ إنْ ضَاقَ وَكَذَا إنْ اتَّسَعَ إلَّا إنْ كَانَ لِأَجْلِ جَمَاعَةٍ تُنْدَبُ فِيهِ بَعْدَ قَلْبِهِ نَفْلًا، وَيُنْدَبُ إتْمَامُ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْهُ بَعْدَ قَلْبِهِ نَفْلًا وَيُسَلِّمُ مِنْهُمَا إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا مَا يُفِيدُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَةٍ بَعْدَ قَلْبِهَا نَفْلًا فَرَاجِعْهُ. وَعِبَارَةُ أج: وَخَرَجَ بِالنَّفْلِ الْفَرْضُ، فَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا بِصَلَاةٍ صُبْحًا أَوْ غَيْرَهَا ثُمَّ أُقِيمَتْ جَمَاعَةٌ بَعْدَ إحْرَامِهِ وَقَدْ قَامَ فِي غَيْرِ الثُّنَائِيَّةِ لِثَالِثَةٍ سُنَّ لَهُ إتْمَامُ صَلَاتِهِ ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لِثَالِثَةٍ قَلَبَهَا نَفْلًا وَاقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الْجَمَاعَةِ، بَلْ لَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لَوْ تَمَّمَ رَكْعَتَيْنِ سُنَّ لَهُ قَطْعُ صَلَاتِهِ وَاسْتِئْنَافُهَا جَمَاعَةً وَاقْتِصَارُهُمْ عَلَى التَّمْثِيلِ بِالرَّكْعَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ لِلْأَفْضَلِ وَإِلَّا فَالرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ كَالرَّكْعَتَيْنِ، وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ إذَا تَحَقَّقَ إتْمَامُهَا فِي الْوَقْتِ لَوْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَإِلَّا حَرُمَ السَّلَامُ. أَمَّا إذَا كَانَ فِي فَائِتَةٍ فَلَا يَقْلِبُهَا نَفْلًا لِيُصَلِّيَهَا جَمَاعَةً فِي حَاضِرَةٍ أَوْ فَائِتَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي تِلْكَ الْفَائِتَةِ بِعَيْنِهَا وَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهَا فَوْرِيًّا جَازَ لَهُ قَطْعُهَا مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَلْبُ الْفَائِتَةِ نَفْلًا إنْ خَشِيَ فَوْتَ الْحَاضِرَةِ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وَالرَّابِعُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ تَوَافُقُ نَظْمِ صَلَاتَيْهِمَا فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ، فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ مَعَ اخْتِلَافِهِ كَمَكْتُوبَةٍ وَكُسُوفٍ أَوْ جِنَازَةٍ لِتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ، وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِمُؤَدٍّ بِقَاضٍ وَمُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ، وَفِي طَوِيلَةٍ بِقَصِيرَةٍ كَظُهْرٍ بِصُبْحٍ وَبِالْعَكْسِ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُقْتَدِي فِي نَحْوِ الظُّهْرِ بِصُبْحٍ أَوْ مَغْرِبٍ كَمَسْبُوقٍ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ بَعْدَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (نَظْمِ صَلَاتَيْهِمَا) الْمُرَادُ بِالنَّظْمِ الصُّورَةُ وَالْهَيْئَةُ الْخَارِجِيَّةُ، أَيْ تَوَافُقُ هَيْئَةِ صَلَاتَيْهِمَا. وَمِنْ التَّوَافُقِ صَلَاةُ التَّسَابِيحِ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِمُصَلِّيهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَيَنْتَظِرُهُ الْمَأْمُومُ فِي السُّجُودِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي إذَا طَوَّلَ الِاعْتِدَالَ وَالْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَفِي الْقِيَامِ إذَا طَوَّلَ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَوْلُهُ: (فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ) خَرَجَ بِالْأَفْعَالِ الْأَقْوَالُ، فَلَا يُشْتَرَطُ التَّوَافُقُ فِيهَا كَالْعَاجِزِ عَنْ الْفَاتِحَةِ الْآتِي بِبَدَلِهَا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يُحْسِنُهَا، وَخَرَجَ بِالظَّاهِرَةِ الْبَاطِنَةُ كَنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ أَوْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ كَالصُّبْحِ بِالظُّهْرِ مَثَلًا فَلَا يُشْتَرَطُ التَّوَافُقُ فِيهَا كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ. وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِمُؤَدٍّ إلَى آخِرِهِ قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ إلَخْ) أَيْ عَدَمُ الصِّحَّةِ مِنْ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ أَيْ تَنْعَقِدُ النِّيَّةُ لَا أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ نِيَّةَ الْإِمَامِ لَهَا أَوْ يَجْهَلَهَا، وَإِنْ بَانَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ اهـ قَوْلُهُ: (مَعَ اخْتِلَافِهِ) وَمِنْهُ اقْتِدَاءُ مَنْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بِمَنْ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّ فِيهِ اقْتِدَاءَ مَنْ فِي صَلَاةٍ بِمَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ مَنْ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ بِمَنْ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ وَعَكْسُهُ اهـ خ ل قَوْلُهُ: (أَوْ جِنَازَةٍ) لَوْ عَبَّرَ بِالْوَاوِ لَأَفَادَتْ مَسَائِلَ فِي الْمَذْكُورَاتِ وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ خَلْفَ كُسُوفٍ أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ مَكْتُوبَةٍ خَلْفَ جِنَازَةٍ أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ جِنَازَةٍ خَلْفَ كُسُوفٍ أَوْ عَكْسِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ الَّتِي لَا يَصِحُّ فِيهَا الِاقْتِدَاءُ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ، وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ وَنَافِلَةٌ خَلْفَ جِنَازَةٍ وَكُسُوفٍ وَتِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ وَبِالْعَكْسِ أَيْ الْأَرْبَعَةُ خَلْفَهُمَا فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَالْجِنَازَةُ خَلْفَ الْكُسُوفِ وَسَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَبِالْعَكْسِ فَهَذِهِ سِتَّةٌ، وَالْكُسُوفُ خَلْفَ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَبِالْعَكْسِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ فَتَمَّتْ الصُّوَرُ مَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (لِتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ) نَعَمْ إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي فَمَا بَعْدَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ صَحَّتْ الْقُدْوَةُ فِي الْمَكْتُوبَةِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ خِلَافًا لحج حَيْثُ جَوَّزَهُ فِي آخِرِ تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ، وَلَا يَصِحُّ فِي سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِمُؤَدٍّ) أَيْ مَعَ حُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ شَرْحُ م ر. وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي هَذِهِ غَيْرُ سُنَّةٍ كَمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ: وَلَا تُسَنُّ فِي مَقْضِيَّةٍ خَلْفَ مُؤَدَّاةٍ وَبِالْعَكْسِ بَلْ مَكْرُوهَةٌ وَمَا لَا يُطْلَبُ لَا ثَوَابَ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحْصُلُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ وَعِبَارَةُ ز ي: وَالِانْفِرَادُ هُنَا أَفْضَلُ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِأَوْلَى خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَضْلَ وَرُدَّ بِقَوْلِهِمْ الِانْتِظَارُ أَفْضَلُ إذْ لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مَكْرُوهَةً لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَفِي طَوِيلَةٍ بِقَصِيرَةٍ) عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ لِمُؤَدٍّ بِقَاضٍ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَجْلِ قَوْلِهِ بَعْدُ، وَالْمُقْتَدِي فِي نَحْوِ ظُهْرٍ إلَخْ أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ لِمُؤَدٍّ بِقَاضٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُتَّفِقِينَ فِي الْعَدَدِ حَتَّى لَا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ: وَفِي طَوِيلَةٍ بِقَصِيرَةٍ ز ي. وَيُمْكِنُ اقْتِدَاءُ مُصَلِّي الطَّوِيلَةِ بِمُصَلِّي الْقَصِيرَةِ مَعَ كَوْنِهِمَا مُؤَدَّاتَيْنِ كَمَا إذَا جَمَعَ الْمَغْرِبَ مَعَ الْعِشَاءِ جَمْعَ تَأْخِيرٍ وَصَلَّى وَاحِدٌ خَلْفَهُ الْعِشَاءَ مَعَ صَلَاتِهِ الْمَغْرِبَ، أَوْ جَمَعَ الْعِشَاءَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ فَصَلَّاهَا خَلْفَ مُصَلِّي الْمَغْرِبِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ لِمُؤَدٍّ بِقَاضٍ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ وَالْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ صَلَاتِهِ قَوْلُهُ: (وَبِالْعَكْسِ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ. اهـ. ق ل. وَعَبَّرَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: وَبِالْعُكُوسِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْعَكْسِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ رُجُوعُهُ لِلْأَخِيرِ فَقَطْ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَفِي طَوِيلَةٍ بِقَصِيرَةٍ وَسَبَبُ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ اخْتِلَافُ الْعَامِلِ وَمَجِيءُ الْمَصْدَرِ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْإِفْرَادُ فَارْتَكَبَ خِلَافَ الْأَصْلِ دَفْعًا لِذَلِكَ التَّوَهُّمِ، فَلَوْ وَافَقَهُ الشَّارِحُ هُنَا فِي التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ) أَيْ لِعَدَمِ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ فِيهِمَا وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الظَّاهِرَةُ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي النِّيَّةِ وَهِيَ فِعْلٌ قَلْبِيٌّ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعَ. قَوْلُهُ: وَالْمُقْتَدِي فِي نَحْوِ الظُّهْرِ إلَخْ بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 سَلَامِ إمَامِهِ، وَالْأَفْضَلُ مُتَابَعَتُهُ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ وَتَشَهُّدِ آخِرِ الْمَغْرِبِ، وَلَهُ فِرَاقُهُ بِالنِّيَّةِ إذَا اشْتَغَلَ بِهِمَا، وَالْمُقْتَدِي فِي صُبْحٍ أَوْ مَغْرِبٍ بِنَحْوِ ظُهْرٍ إذَا أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَارَقَهُ بِالنِّيَّةِ، وَالْأَفْضَلُ انْتِظَارُهُ فِي صُبْحٍ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ بِخِلَافِهِ فِي الْمَغْرِبِ لَيْسَ لَهُ انْتِظَارُهُ لِأَنَّهُ يُحْدِثُ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ لَمْ يَفْعَلْهُ الْإِمَامُ، وَيَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ إنْ أَمْكَنَهُ الْقُنُوتُ بِأَنْ وَقَفَ الْإِمَامُ يَسِيرًا وَإِلَّا تَرَكَهُ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ، وَلَهُ فِرَاقُهُ بِالنِّيَّةِ لِيَقْنُتَ تَحْصِيلًا لِلسُّنَّةِ.   [حاشية البجيرمي] الصُّبْحَ أَوْ الْمَغْرِبَ، وَالْمَأْمُومُ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَوْ نَحْوَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ قَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلُ مُتَابَعَتُهُ) وَإِنْ لَزِمَ عَلَى ذَلِكَ تَطْوِيلُ الِاعْتِدَالِ بِالْقُنُوتِ وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ بِالتَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ فَاغْتُفِرَ س ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَمَا اُسْتُشْكِلَ بِهِ جَوَازُ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِي الْقُنُوتِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِلْمُقْتَدِي فَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُ تَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ بِهِ. رُدَّ بِأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا ذَلِكَ لِلْمُتَابَعَةِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ يَرَى تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ لَيْسَ لَهُ مُتَابَعَتُهُ بَلْ يَسْجُدُ وَيَنْتَظِرُهُ أَوْ يُفَارِقُهُ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ هُنَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُ فِي الْجُمْلَةِ وَهُنَاكَ لَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُ أَصْلًا. اهـ. قَالَ ع ش. قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ هُنَا إلَخْ. قَدْ يُقَالُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي لَهُ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ مِنْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ أَوْ الِانْتِظَارُ فِي السُّجُودِ مَعَ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَرَى تَطْوِيلَهُ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِصِحَّةِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فِي نَفْسِهَا عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ وَكَانَ فِعْلُهَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا نَادِرًا نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ صَلَاةٍ لَا يَقُولُ الْمَأْمُومُ بِتَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ فِيهَا اهـ. قَوْلُهُ: (فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ) وَهَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ اقْتَدَى مُصَلِّي الْعِشَاءِ بِمُصَلِّي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، فَيَكُونُ الْأَفْضَلُ مُتَابَعَتَهُ فِي الْقُنُوتِ أَوْ لَا كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِمُصَلِّي صَلَاةِ التَّسَابِيحِ لِكَوْنِهِ مِثْلَهُ فِي النَّفْلِيَّةِ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقْتَدِي بِصَلَاةِ التَّسْبِيحِ مُشَابَهَةُ هَذَا لِلْفَرْقِ بِتَوْقِيتِهِ وَتَأَكُّدِهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَهُ فِرَاقُهُ بِالنِّيَّةِ) مُرَاعَاةً لِنَظْمِ صَلَاتِهِ، وَالْمُفَارَقَةُ هُنَا لِعُذْرٍ فَلَا تَفُوتُ بِهَا فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، وَأَجْرَوْا ذَلِكَ فِي كُلِّ مُفَارَقَةٍ خُيِّرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الِانْتِظَارِ شَرْحُ م ر اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَالْمُقْتَدِي فِي صُبْحٍ) بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَوْ نَحْوَهُ، وَالْمَأْمُومُ يُصَلِّي الصُّبْحَ أَوْ الْمَغْرِبَ قَوْلُهُ: (إذَا أَتَمَّ صَلَاتَهُ إلَخْ) هُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلصُّبْحِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَغْرِبِ لِأَنَّهُ فِي الْمَغْرِبِ يَجِبُ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُ عِنْدَ قِيَامِ الْإِمَامِ لِلرَّابِعَةِ لِيَتَشَهَّدَ، فَهُوَ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ حِينَ الْمُفَارَقَةِ فَلَعَلَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَقُولَ إذَا أَتَمَّ مَا تَوَافَقَا فِيهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى أَتَمَّ صَلَاتَهُ قَارَبَ أَنْ يُتِمَّهَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَارَقَهُ بِالنِّيَّةِ) أَيْ جَوَازًا فِي الصُّبْحِ وَوُجُوبًا فِي الْمَغْرِبِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ بِخِلَافِهِ فِي الْمَغْرِبِ لَيْسَ لَهُ انْتِظَارُهُ تَأَمَّلْ. وَهَذِهِ الْمُفَارَقَةُ بِعُذْرٍ فَلَا كَرَاهَةَ وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلُ انْتِظَارُهُ فِي صُبْحٍ) يُسْتَفَادُ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الِانْتِظَارِ حُصُولُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَمَحَلُّهُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ تَشَهَّدَ وَإِلَّا بِأَنْ قَامَ بِلَا تَشَهُّدٍ فَارَقَهُ حَتْمًا أَيْ لِأَنَّهُ يُحْدِثُ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ لَمْ يَفْعَلْهُ الْإِمَامُ، وَكَذَا إذَا جَلَسَ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ لِأَنَّ جُلُوسَهُ مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ كَلَا جُلُوسٍ أَيْ فَيُفَارِقُهُ حَتْمًا. وَمَحَلُّ الِانْتِظَارِ فِي الصُّبْحِ إنْ لَمْ يَخْشَ خُرُوجَ الْوَقْتِ قَبْلَ تَحَلُّلِ إمَامِهِ وَإِلَّا فَلَا يَنْتَظِرُهُ، وَإِذَا انْتَظَرَهُ أَطَالَ الدُّعَاءَ بَعْدَ تَشَهُّدٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَالَ اهـ ع ش: فَإِنْ خَشِيَهُ فَعَدَمُ الِانْتِظَارِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ لِجَوَازِ الْمَدِّ فِي الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ: أَطَالَ الدُّعَاءَ. أَيْ نَدْبًا وَلَا يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ، فَلَوْ لَمْ يَحْفَظْ إلَّا دُعَاءً قَصِيرًا كَرَّرَهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا سُكُوتَ فِيهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُكَرِّرْ التَّشَهُّدَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ بِتَكْرِيرِ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ قَوْلُهُ: (لِيُسَلِّمَ مَعَهُ) أَيْ لِيَقَعَ السَّلَامُ فِي جَمَاعَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ فَارَقَهُ حَصَلَتْ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ كَانَ هَذَا الشِّقُّ مَفْضُولًا بِالنِّسْبَةِ لِلِانْتِظَارِ كَمَا نَقَلَهُ سم عَنْ م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يُحْدِثُ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ) يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ لَهُ انْتِظَارَهُ فِي السُّجُودِ الثَّانِي اهـ سم قَوْلُهُ: (وَيَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ) فِي كَلَامِهِ إجْمَالٌ. وَالْحَاصِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَقْنُتُ نَدْبًا إنْ أَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ الْأَوَّلِ، وَجَوَازًا إنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ هَوِيِّهِ لِلسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِلَّا تَرَكَهُ وُجُوبًا إنْ لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ اهـ ق ل. وَيُفَارِقُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُمَا هُنَا اشْتَرَكَا فِي الِاعْتِدَالِ فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ الْمَأْمُومُ، ثُمَّ انْفَرَدَ بِالْجُلُوسِ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ جَلَسَ الْإِمَامُ لِلِاسْتِرَاحَةِ لِأَنَّ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ هُنَا غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ اهـ م ر وحج وز ي قَوْلُهُ: (وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ) أَيْ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ لِأَنَّ شَأْنَهُ التَّحَمُّلُ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: (وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَقْنُتَ) وَهُوَ فِرَاقٌ بِعُذْرٍ فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 وَالْخَامِسُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ مُوَافَقَتُهُ فِي سُنَنٍ تَفْحُشُ مُخَالَفَتُهُ فِيهَا فِعْلًا وَتَرْكًا كَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ، وَتَشَهُّدٍ أَوَّلَ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ بِخِلَافِ مَا لَا تَفْحُشُ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ. وَالسَّادِسُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ تَبَعِيَّةُ إمَامِهِ بِأَنْ يُؤَخِّرَ تَحَرُّمَهُ عَنْ تَحَرُّمِ إمَامِهِ، فَإِنْ خَالَفَهُ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ. وَأَنْ لَا يَسْبِقَهُ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ وَلَوْ غَيْرَ طَوِيلَيْنِ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَأَنْ لَا يَتَخَلَّفَ عَنْهُ بِهِمَا بِلَا عُذْرٍ، فَإِنْ خَالَفَ فِي السَّبْقِ أَوْ التَّخَلُّفِ بِهِمَا وَلَوْ غَيْرَ طَوِيلَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ بِلَا عُذْرٍ بِخِلَافِ سَبْقِهِ بِهِمَا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ   [حاشية البجيرمي] يُكْرَهُ لَكِنْ عَدَمُ الْمُفَارَقَةِ أَفْضَلُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (فِعْلًا) مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ مُوَافَقَتُهُ عَلَى أَنَّهُ تَمْيِيزٌ قَوْلُهُ: (كَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَتَشَهُّدٍ أَوَّلَ) أَيْ كَأَنْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بَعْدَ تَرْكِ الْإِمَامِ لَهُمَا، فَإِنْ فَعَلَ الْمَأْمُومُ ذَلِكَ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا. وَقَوْلُهُ: تَرْكًا كَأَنْ تَرَكَ الْمَأْمُومُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ بَعْدَ قُعُودِ الْإِمَامِ لَهُ، فَإِنْ تَرَكَهُ عَامِدًا سُنَّ لَهُ الْعَوْدُ، وَإِنْ تَرَكَهُ نَاسِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ رَاجِعٌ لِلتَّشَهُّدِ فَقَطْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَأَمَّا إذَا تَرَكَ الْمَأْمُومُ سُجُودَ التِّلَاوَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ نَاسِيًا فَلَا قَوْلُهُ: (وَتَشَهُّدٍ أَوَّلَ) أَيْ أَصْلُهُ، وَأَمَّا إتْمَامُهُ فَلَا يَضُرُّ التَّخَلُّفُ لَهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّبَعِيَّةِ. وَقَوْلُ جَمَاعَةٍ إنَّ تَخَلُّفَهُ لِإِتْمَامِ التَّشَهُّدِ مَطْلُوبٌ فَيَكُونُ كَالْمُوَافِقِ هُوَ الْأَوْجَهُ، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ أَنَّهُ كَالْمَسْبُوقِ مَمْنُوعٌ اهـ. قَالَ أج: وَحِينَئِذٍ إذَا كَمَّلَ تَشَهُّدَهُ وَأَدْرَكَ زَمَنًا خَلْفَ الْإِمَامِ لَا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ أَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَيُغْتَفَرُ لَهُ التَّخَلُّفُ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ أهـ. قَوْلُهُ: (تَبَعِيَّةُ) تَعْبِيره بِالتَّبَعِيَّةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمِنْهَاجِ بِالْمُتَابَعَةِ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِذَا عَبَّرَ بِذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَتَأَخَّرَ تَحَرُّمُهُ) أَيْ يَقِينًا، وَالْمُرَادُ أَنْ يَتَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ تَحَرُّمِهِ عَنْ انْتِهَاءِ تَحَرُّمِ الْإِمَامِ، أَيْ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ جَمِيعُ تَحَرُّمِهِ عَنْ جَمِيعِ تَحَرُّمِ الْإِمَامِ، فَلَوْ قَارَنَهُ فِي حَرْفٍ مِنْ التَّكْبِيرِ لَمْ تَنْعَقِدْ. وَمَحَلُّ هَذَا الشَّرْطِ فِيمَا إذَا نَوَى الْمَأْمُومُ الِاقْتِدَاءَ مَعَ تَحَرُّمِهِ، أَمَّا لَوْ نَوَاهُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ أَيْ الْمَأْمُومُ فَلَا يُشْتَرَطُ تَأَخُّرُ تَحَرُّمِهِ بَلْ يَصِحُّ تَقَدُّمُهُ عَلَى تَحَرُّمِ الْإِمَامِ الَّذِي اقْتَدَى بِهِ فِي الْأَثْنَاءِ، وَكَذَا لَوْ كَبَّرَ عَقِبَ تَكْبِيرِهِ ثُمَّ كَبَّرَ إمَامُهُ ثَانِيًا خِفْيَةً لِشَكِّهِ فِي تَكْبِيرِهِ مَثَلًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمَأْمُومُ لَمْ يَضُرَّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ فُرَادَى كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَالَفَهُ) أَيْ التَّبَعِيَّةُ وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِهَا بِالْحُكْمِ، أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلتَّأَخُّرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: يَتَأَخَّرُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ خَالَفَهُ بِأَنْ سَبَقَ أَوْ قَارَنَ أَوْ شَكَّ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَيْرَ طَوِيلَيْنِ) أَيْ طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ لِأَنَّ الْقَصِيرَيْنِ لَا يَتَصَوَّرَانِ ح ل فَفِيهِ تَغْلِيبٌ، وَتَوَالِي فِعْلَيْنِ طَوِيلَيْنِ مُمْكِنٌ كَالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الْقِيَامِ كَأَنْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَقَامَ، وَالْإِمَامُ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَجُلُوسُ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لِأَنَّ السَّبْقَ وَالتَّخَلُّفَ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا اهـ اط ف. قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يَتَخَلَّفَ عَنْهُ بِهِمَا بِلَا عُذْرٍ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ طَوَّلَ الِاعْتِدَالَ بِمَا لَا يُبْطِلُهُ حَتَّى سَجَدَ الْإِمَامُ وَجَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ثُمَّ لَحِقَهُ لَا يَضُرُّ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ سَجَدَ الْإِمَامُ لِلتِّلَاوَةِ وَفَرَغَ مِنْهُ وَالْمَأْمُومُ قَائِمٌ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، وَإِنْ لَحِقَهُ أَيْ أَتَى بِهِ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَمَّا لَمْ يَفُتْ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ لِرُجُوعِهِمَا إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْمُومِ شُبْهَةٌ فِي التَّخَلُّفِ فَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الرُّكْنَ يَفُوتُ بِانْتِقَالِ الْمَأْمُومِ عَنْهُ فَكَانَ لِلْمَأْمُومِ شُبْهَةٌ فِي التَّخَلُّفِ لِإِتْمَامِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (بِلَا عُذْرٍ) عَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ عَامِدًا عَالِمًا، وَهُنَا بِمَا ذُكِرَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْعُذْرَ هُنَا أَعَمُّ مِنْ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ كَبُطْءِ الْقِرَاءَةِ وَالزَّحْمَةِ. وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ سَبْقِهِ بِهِمَا نَاسِيًا مُحْتَرَزُ عَامِدًا عَالِمًا وَتَأْخِيرُهُ إلَى هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ فَسَّرَ التَّبَعِيَّةَ بِعَدَمِ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ، فَجَعَلَ عَدَمَ التَّخَلُّفِ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِ التَّبَعِيَّةِ فَجَمْعُ مَفْهُومِ الْقَيْدَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَفْرِيقِهِ لِيَكُونَ بَيَانُ الْمَفْهُومِ بَعْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ فَيَأْتِي بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ بِرَكْعَةٍ وَبِخِلَافِ سَبْقِهِ بِرُكْنٍ كَأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ، وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ أَوْ ابْتَدَأَ رَفْعَ الِاعْتِدَالِ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ لَكِنَّهُ فِي الْفِعْلِيِّ بِلَا عُذْرٍ حَرَامٌ، وَبِخِلَافِ سَبْقِهِ بِرُكْنَيْنِ غَيْرِ فِعْلِيَّيْنِ كَقِرَاءَةٍ وَرُكُوعٍ أَوْ تَشَهُّدٍ   [حاشية البجيرمي] تَحْقِيقِ الْمَنْطُوقِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَيْرَ طَوِيلَيْنِ) غَايَةٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ التَّخَلُّفُ بِهِمَا. أَمَّا غَايَةُ السَّبْقِ فَتَقَدَّمَتْ قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) كَأَنْ هَوَى لِلسُّجُودِ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ لِلْقِرَاءَةِ، أَوْ هَوَى إمَامُهُ لِلسُّجُودِ وَهُوَ قَائِمٌ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ عَامِدًا عَالِمًا. وَعِبَارَةُ م ر: كَأَنْ هَوَى لِلسُّجُودِ أَيْ وَزَالَ عَنْ حَدِّ الْقَائِمِ فِي الْأَوْجَهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلْقِيَامِ أَقْرَبَ مِنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ فِي الْقِيَامِ حِينَئِذٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ فَلَا يَضُرُّ. وَقَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ هَوَى لِلسُّجُودِ اهـ. وَقَوْلُهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلْقِيَامِ أَقْرَبَ أَوْ إلَيْهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. اهـ. ع ش قَوْلُهُ: (لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ بِلَا عُذْرٍ) رَاجِعٌ لِلسَّبْقِ وَالتَّخَلُّفِ، وَالْعُذْرُ فِي السَّبْقِ أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا وَفِي التَّخَلُّفِ ذَلِكَ وَزِيَادَةٌ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْعُذْرُ إلَخْ. وَحِينَئِذٍ هَلَّا جَعَلَ قَوْلَهُ فِي الْمَتْنِ بِلَا عُذْرٍ رَاجِعًا لِلسَّبْقِ وَالتَّخَلُّفِ، وَيُسْقِطُ قَوْلَهُ عَامِدًا عَالِمًا. وَيَقُولُ: وَالْعُذْرُ فِي الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَكُونَ عَامِدًا عَالِمًا، وَفِي الثَّانِي كَأَنْ أَسْرَعَ إلَخْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعُذْرُ فِي التَّخَلُّفِ أَعَمَّ مِنْ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ بِخِلَافِهِ فِي السَّبْقِ لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمَا فَصَلَ كُلًّا عَنْ الْآخَرِ بِقَيْدِهِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ سَبْقِهِ بِهِمَا نَاسِيًا) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَمَّا بَعْدَهُ، أَعْنِي قَوْلَهُ وَبِخِلَافِ سَبْقِهِ بِرُكْنٍ لِيَكُونَ الْإِخْرَاجُ مُرَتَّبًا، وَكَانَ الْأَوْلَى أَيْضًا تَقْدِيمَ مُحْتَرَزِ عَدَمِ السَّبْقِ بِرُكْنَيْنِ عَلَى قَوْلِهِ وَأَنْ لَا يَتَخَلَّفَ عَنْهُ بِهِمَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَصَوَّرَهَا بِشَيْئَيْنِ وَهُمَا أَنْ لَا يَسْبِقَهُ وَأَنْ لَا يَتَخَلَّفَ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الْمُحْتَرَزِ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْغَيْرِ الْمُرَتَّبِ قَالَ بَعْضُهُمْ: سَيَأْتِي فِي الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّخَلُّفِ أَنَّ النِّسْيَانَ وَالْجَهْلَ يُبَاحُ فِيهِمَا التَّخَلُّفُ بِأَكْثَرَ مِنْ رُكْنَيْنِ، فَهَلْ يُقَالُ بِمِثْلِهِ هُنَا أَوْ لَا لِأَنَّ السَّبْقَ أَفْحَشُ فِي الْمُخَالَفَةِ وَحِينَئِذٍ إذَا اسْتَمَرَّ نِسْيَانُهُ أَوْ جَهْلُهُ حَتَّى شَرَعَ فِي رُكْنٍ ثَالِثٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا. قَوْلُهُ: (لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ) أَيْ مَا لَمْ يُعِدْ بَعْدَ التَّذَكُّرِ أَوْ التَّعَلُّمِ، وَيَأْتِي بِهِمَا مَعَ الْإِمَامِ. اهـ. شَوْبَرِيُّ بِخِلَافِ التَّأَخُّرِ بِهِمَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ حُسْبَانَ الرَّكْعَةِ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِلْإِمَامِ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْعَوْدِ عِنْدَ التَّذَكُّرِ وَالتَّعَلُّمِ اهـ قَوْلُهُ: (وَبِخِلَافِ سَبْقِهِ بِرُكْنٍ) وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَقِيلَ تَبْطُلُ بِالسَّبْقِ بِرُكْنٍ تَامٍّ فِي الْعَمْدِ وَالْعِلْمِ لِمُنَاقَضَةِ الِاقْتِدَاءِ بِخِلَافِ التَّخَلُّفِ إذْ لَا يَظْهَرُ فِيهِ فُحْشُ مُخَالَفَةٍ قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ إلَخْ. لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْدُ إلَيْهِ وَلَمْ يَبْتَدِ رَفْعَ الِاعْتِدَالِ بَلْ اسْتَمَرَّ رَاكِعًا لَمَّا وَصَلَهُ الْإِمَامُ لَا يُقَالُ: إنَّهُ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ إلَّا إذَا انْتَقَلَ لِغَيْرِهِ كَالِاعْتِدَالِ، أَوْ أَعَادَ لِلْإِمَامِ وَمَا دَامَ مُتَلَبِّسًا بِالرُّكْنِ لَا يُقَالُ سَبَقَ بِهِ بَلْ يُقَالُ سَبَقَهُ بِبَعْضِ رُكْنٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَالْحَفْنَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: الْمُرَادُ بِسَبْقِهِ بِرُكْنٍ انْتِقَالُهُ عَنْهُ لَا الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ مِنْهُ اهـ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْغَايَةِ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ سَوَاءً عَادَ إلَيْهِ أَوْ لَا، وَسَوَاءً ابْتَدَأَ رَفْعَ الِاعْتِدَالِ أَوْ لَا، فَتَصْدُقُ بِمَا إذَا اسْتَمَرَّ فِي الرُّكُوعِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَسْبِقْ بِرُكْنٍ بَلْ بَعْضِهِ. وَفِي الشَّوْبَرِيِّ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ قُلْت: مَا مُفَادُ هَذِهِ الْغَايَةِ؟ قُلْت: الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ عَامٌّ، وَلَوْ تَمَّ الرُّكْنُ بِنَحْوِ الِانْتِقَالِ عَنْهُ وَإِلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَتَلَبَّسَ بِالرُّكْنِ الْآخَرِ كَمَا صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ لَا قَوْلُهُ: (أَوْ ابْتَدَأَ رَفْعَ الِاعْتِدَالِ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ) لَا يُخْفَى أَنَّ هَذِهِ صُورَةُ مَا قَبْلَ الْغَايَةِ، وَفِي كَوْنِ هَذَا سَبْقًا بِرُكْنٍ نَظَرٌ بَلْ هُوَ سَبْقٌ بِبَعْضِ رُكْنٍ وَلَا يَتَحَقَّقُ السَّبْقُ بِهِ إلَّا إنْ شَرَعَ فِي الِاعْتِدَالِ، وَحِينَئِذٍ يُسَنُّ الْعَوْدُ إنْ تَعَمَّدَ مَا ذُكِرَ وَيُخَيَّرُ إنْ كَانَ سَاهِيًا وَعِبَارَةُ ق ل. هَذَا هُوَ السَّبْقُ بِرُكْنٍ وَهُوَ الَّذِي فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ اعْتَدَلَ فَهُوَ سَبْقٌ بِرُكْنٍ وَبَعْضُ رُكْنٍ اهـ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ فِي الْفِعْلِيِّ) وَكَذَا بَعْضُهُ كَأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ وَلَمْ يَرْفَعْ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْحُرْمَةِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَيْ يَجْعَلُ اللَّهُ رَأْسَهُ عَلَى صُورَةِ رَأْسِ الْحِمَارِ، وَيَبْقَى بَدَنُهُ بَدَنَ إنْسَانٍ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ أَيْ يَمْسَخَ صُورَتَهُ كُلَّهَا فَيَجْعَلُ جَمِيعَ بَدَنِهِ بَدَنَ حِمَارٍ، وَيَجْعَلُ صُورَتَهُ وَرَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ الْمَسْخِ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهُ وَالْمَسْخُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 وَصَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا تَجِبُ إعَادَةُ ذَلِكَ، وَبِخِلَافِ تَخَلُّفِهِ بِفِعْلِيٍّ مُطْلَقًا أَوْ بِفِعْلِيَّيْنِ بِعُذْرٍ كَأَنْ ابْتَدَأَ إمَامُهُ هُوِيَّ السُّجُودِ وَهُوَ فِي قِيَامِ الْقِرَاءَةِ، وَالسَّبْقُ بِهِمَا يُقَاسُ بِالتَّخَلُّفِ بِهِمَا وَبِخِلَافِ الْمُقَارَنَةِ فِي غَيْرِ التَّحَرُّمِ لَكِنَّهَا فِي الْأَفْعَالِ مَكْرُوهَةٌ مُفَوِّتَةٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَهَلْ هِيَ مُفَوِّتَةٌ لِمَا قَارَنَ فِيهِ فَقَطْ أَوْ لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا ثَوَابُ الصَّلَاةِ فَلَا يَفُوتُ بِارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا صَلَّى بِأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى حُصُولِ الثَّوَابِ فَالْمَكْرُوهُ أَوْلَى، وَالْعُذْرُ لِلتَّخَلُّفِ كَأَنْ أَسْرَعَ إمَامٌ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ قَبْلَ إتْمَامِ مُوَافِقٍ لَهُ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ بَطِيءُ   [حاشية البجيرمي] {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} [المائدة: 60] اهـ. ابْنُ الْعِمَادِ وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: لَكِنَّهُ فِي الْفِعْلِيِّ أَيْ لَكِنَّ السَّبَقَ فِي الْفِعْلِيِّ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِضَمِيرِ الْمَصْدَرِ قَوْلُهُ: (حَرَامٌ) أَيْ مِنْ الْكَبَائِرِ. اهـ. ع ش وَالسَّبْقُ بِبَعْضِ رُكْنٍ مِنْ الصَّغَائِرِ قَوْلُهُ: (هُوِيَّ السُّجُودِ) أَيْ وَزَالَ عَنْ حَدِّ الْقِيَامِ فِي الْأَوْجَهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلْقِيَامِ أَقْرَبَ مِنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ فِي الْقِيَامِ حِينَئِذٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ فَلَا يَضُرُّ، أَيْ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِلَّا فَالْفَرْضُ عَدَمُ الضَّرَرِ وَقَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ هُوِيَّ السُّجُودِ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: (يُقَاسُ بِالتَّخَلُّفِ بِهِمَا) أَيْ فِي التَّصْوِيرِ بِأَنْ فَرَغَ مِنْهُمَا وَالْإِمَامُ فِيمَا قَبْلَهُمَا ح ل بِأَنْ ابْتَدَأَ الْمَأْمُومُ هُوِيَّ السُّجُودِ وَإِمَامُهُ فِي قِيَامِ الْقِرَاءَةِ قَوْلُهُ: (وَبِخِلَافِ الْمُقَارَنَةِ فِي غَيْرِ التَّحَرُّمِ) أَيْ فَتَضُرُّ فِيهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا حَتَّى لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي أَثْنَائِهَا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ عَنْ قُرْبٍ أَوْ ظَنَّ التَّأَخُّرَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ اهـ أج قَوْلُهُ: (لَكِنَّهَا فِي الْأَفْعَالِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: حَرَامٌ مُبْطِلَةٌ أَيْ مَانِعَةٌ مِنْ الِانْعِقَادِ وَهِيَ الْمُقَارَنَةُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَمَنْدُوبَةٌ وَهِيَ الْمُقَارَنَةُ فِي التَّأْمِينِ، وَمَكْرُوهَةٌ مُفَوِّتَةٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الْعَمْدِ وَهِيَ الْمُقَارَنَةُ فِي الْأَفْعَالِ وَالسَّلَامِ، وَمُبَاحَةٌ وَهِيَ الْمُقَارَنَةُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَوَاجِبَةٌ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ الْفَاتِحَةَ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُدْرِكْهَا. قَوْلُهُ: (الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) مُعْتَمَدٌ فَإِذَا قَارَنَهُ فِي الرُّكُوعِ فَاتَهُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ رُكُوعًا كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَالَ ق ل: وَالْمُقَارَنَةُ فِي أَقْوَالٍ يُطْلَبُ التَّأْخِيرُ فِيهَا كَذَلِكَ قَوْلُهُ: (كَأَنْ أَسْرَعَ) الْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ الِاعْتِدَالُ، فَإِطْلَاقُ الْإِسْرَاعِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْبُطْءِ الْحَاصِلِ لِلْمَأْمُومِ، وَأَمَّا لَوْ أَسْرَعَ الْإِمَامُ حَقِيقَةً بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الْمَأْمُومُ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ لِلْمُعْتَدِلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَرْكَعَ مَعَ الْإِمَامِ وَيَتْرُكَهَا لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهَا وَلَوْ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ ع ش عَلَى م ر وَق ل. قَوْلُهُ: (قَبْلَ إتْمَامِ مُوَافِقٍ لَهُ) وَالْمُوَافِقُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ قِيَامِ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ، وَكَذَا مَنْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ أَوْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ م ر. قَالَ حَجّ: لَكِنْ لَا يُدْرِكُ أَعْنِي الشَّاكَّ الرَّكْعَةَ إلَّا إذَا أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ: عَدَمُ إدْرَاكِهَا، وَعَدَمُ تَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهَا. فَرَجَّحْنَا الثَّانِيَ احْتِيَاطًا، وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ م ر أَنَّهُ يَتَخَلَّفُ وَيُتِمُّ الْفَاتِحَةَ وَيَكُونُ مُتَخَلِّفًا بِعُذْرٍ فَيُغْتَفَرُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الْإِمَامِ رُخْصَةٌ وَالرُّخْصَةُ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ اهـ أج. وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي يُغْتَفَرُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ، أَنْ يَكُونَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ لِعَجْزٍ خَلْقِيٍّ لَا لِوَسْوَسَةٍ وَالْإِمَامُ مُعْتَدِلُهَا، أَوْ عَلِمَ أَوْ شَكَّ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَبَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ، أَوْ انْتَظَرَ سَكْتَةَ الْإِمَامِ لِقِرَاءَتِهِ السُّورَةِ فَرَكَعَ أَعْنِي الْإِمَامَ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ، أَوْ كَانَ مُوَافِقًا وَاشْتَغَلَ بِسُنَّةٍ كَدُعَاءِ افْتِتَاحٍ وَتَعَوُّذٍ، أَوْ طَوَّلَ السَّجْدَةَ الْأَخِيرَةَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، أَوْ كَمَّلَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ أَوْ نَامَ فِيهِ مُتَمَكِّنًا أَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ مَسْبُوقٌ أَوْ مُوَافِقٌ، أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ سَمِعَ تَكْبِيرَةَ الْإِمَامِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَظَنَّهَا تَكْبِيرَةَ التَّشَهُّدِ فَإِذَا هِيَ تَكْبِيرَةُ قِيَامٍ فَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَامَ فَرَأَى الْإِمَامَ رَاكِعًا اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ بَعْضَهَا كَمَا تَرَى. وَقَدْ نَظَمَهَا شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ بِقَوْلِهِ: إنْ رُمْتَ ضَبْطًا لِلَّذِي شُرِعَا عُذْرٌ ... حَتَّى لَهُ ثَلَاثُ أَرْكَانٍ غُفِرَ مَنْ فِي قِرَاءَةٍ لِعَجْزِهِ بَطِيٌّ ... أَوْ شَكَّ أَنْ قَرَا وَمَنْ لَهَا نَسِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 الْقِرَاءَةِ فَيُتِمُّهَا وَيَسْعَى خَلْفَهُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ، فَإِنْ سَبَقَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِأَنْ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْفَاتِحَةِ إلَّا وَالْإِمَامُ قَائِمٌ عَنْ السُّجُودِ أَوْ جَالِسٌ لِلتَّشَهُّدِ تَبِعَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ تَدَارَكَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ مَا فَاتَهُ كَمَسْبُوقٍ، فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهَا الْمُوَافِقُ لِشُغْلِهِ بِسُنَّةٍ كَدُعَاءِ افْتِتَاحٍ فَمَعْذُورٌ كَبَطِيءِ الْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ كَمَأْمُومٍ عَلِمَ أَوْ شَكَّ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَبَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهُ مَعْذُورٌ فَيَقْرَؤُهَا وَيَسْعَى خَلْفَهُ كَمَا مَرَّ فِي بَطِيءِ الْقِرَاءَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ بَعْدَ رُكُوعِهِمَا لَمْ يَعْدُ إلَى مَحَلِّ قِرَاءَتِهَا لِيَقْرَأَهَا فِيهِ لِفَوْتِهِ بَلْ يَتْبَعُ إمَامَهُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ كَمَسْبُوقٍ. وَسُنَّ لِمَسْبُوقٍ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَعْدَ تَحَرُّمِهِ بِسُنَّةٍ كَتَعَوُّذٍ بَلْ بِالْفَاتِحَةِ إلَّا أَنْ يَظُنَّ إدْرَاكَهَا مَعَ اشْتِغَالِهِ بِالسُّنَّةِ، وَإِذَا رَكَعَ إمَامُهُ وَلَمْ يَقْرَأْ الْمَسْبُوقُ الْفَاتِحَةَ فَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِسُنَّةٍ تَبِعَهُ وُجُوبًا فِي الرُّكُوعِ وَأَجْزَأَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِسُنَّةٍ قَرَأَ وُجُوبًا بِقَدْرِهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ لِتَقْصِيرِهِ بِعُدُولِهِ عَنْ فَرْضٍ إلَى سُنَّةٍ سَوَاءٌ أَقَرَأَ شَيْئًا مِنْ الْفَاتِحَةِ أَمْ لَا، فَإِنْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ   [حاشية البجيرمي] وَضِفْ مُوَافِقًا لِسُنَّةِ عَدَلَ ... وَمَنْ لِسَكْتَةٍ انْتِظَارُهُ حَصَلَ مَنْ نَامَ فِي تَشَهُّدٍ أَوْ اخْتَلَطَ ... عَلَيْهِ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ مَا انْضَبَطَ كَذَا الَّذِي يُكْمِلُ التَّشَهُّدَا ... بَعْدَ إمَامٍ قَامَ مِنْهُ قَاصِدَا وَالْخُلْفُ فِي أَوَاخِرِ الْمَسَائِلِ ... مُحَقَّقٌ فَلَا تَكُنْ بِغَافِلِ وَإِنْ سَهَا فِي سَجْدَةٍ عَنْ اقْتِدَا ... فَفَاتَهُ إلَى الرُّكُوعِ فَاهْتَدَى وَمَنْ يَشُكُّ فِي الزَّمَانِ هَلْ يَسَعْ ... أُمَّ الْكِتَابِ بَلْ قَرَأَ فَلَا رَكَعْ وَمَنْ يَرَى تَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ ... عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ رَكْعَةِ الْإِمَامِ مُضَافَةً لِجِلْسَةِ التَّشَهُّدِ ... وَلَمْ يُصِبْ حِينَ الْجُلُوسِ يَبْتَدِي فَذَا مِنْ الْأَعْذَارِ فِي التَّخَلُّفِ ... لِأُمِّ قُرْآنٍ بِهَا حَتْمًا يَفِي قَوْلُهُ: (وَيَسْعَى خَلْفَهُ) أَيْ عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ قَوْلُهُ: (طَوِيلَةٍ) فَلَا يُعَدُّ مِنْهَا الِاعْتِدَالُ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَمْ يَفْرُغْ) أَيْ الْمَأْمُومُ مِنْ الْفَاتِحَةِ إلَخْ. أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَكْثَرِ أَنْ يَكُونَ السَّبْقُ بِالثَّلَاثَةِ وَالْإِمَامُ مُتَلَبِّسٌ بِالرَّابِعِ، فَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ لَمْ يَرْكَعْ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ لِلْقِرَاءَةِ فَقَدْ تَلَبَّسَ بِالرَّابِعِ لِأَنَّهُ سَبَقَ بِالرُّكُوعِ وَالسَّجْدَتَيْنِ وَمَا هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ وَهُوَ الْقِيَامُ. قَالَ م ر: فَلَوْ كَانَ السَّبْقُ بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ وَالْإِمَامُ فِي الْخَامِسِ كَأَنْ تَخَلَّفَ بِالرُّكُوعِ وَالسَّجْدَتَيْنِ وَالْقِيَامِ وَالْإِمَامُ حِينَئِذٍ فِي الرُّكُوعِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ اهـ أج قَوْلُهُ: (قَائِمٌ عَنْ السُّجُودِ) الْمُرَادُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى مَحَلِّ تُجْزِئُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ كَمَا فِي م ر، فَلَوْ سَكَتَ عَنْ لَفْظِ السُّجُودِ لَكَانَ أَوْلَى ق ل. فَلَا عِبْرَةَ بِشُرُوعِهِ فِي الِانْتِصَابِ لِلْقِيَامِ أَوْ الْجُلُوسِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي أَحَدِهِمَا إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَبَقَ بِأَكْثَرَ إلَّا حِينَئِذٍ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مُقَدِّمَةٌ لِلرُّكْنِ لَا مِنْهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ شَوْبَرِيُّ قَوْلُهُ: (تَبِعَهُ) اعْلَمْ أَنَّهُ حَيْثُ امْتَنَعَ الْمَشْيُ عَلَى نَظْمِ صَلَاتِهِ فَمَشَى بَطَلَتْ إنْ تَعَمَّدَ وَعَلِمَ التَّحْرِيمَ وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ لَا اعْتِدَادَ بِمَا أَتَى بِهِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (الْمُوَافِقُ) وَهُوَ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْقِيَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرَهَا وَضِدُّهُ الْمَسْبُوقُ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْدُ إلَى مَحَلِّ قِرَاءَتِهَا) فَإِنْ عَادَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا قَوْلُهُ: (لِمَسْبُوقٍ) وَهُوَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ اهـ شَوْبَرِيُّ قَوْلُهُ: (كَتَعَوُّذٍ) أَيْ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِشَيْءٍ بِأَنْ سَكَتَ زَمَنًا بَعْدَ تَحَرُّمِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْفَاتِحَةَ وَاجِبَةٌ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَظُنَّ إدْرَاكَهَا) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ مَسْبُوقًا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَوْ يُقَالَ إنَّهُ ظَنَّ إدْرَاكَهَا مَعَ الْإِسْرَاعِ. وَعِبَارَةُ أج قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَظُنَّ إدْرَاكَهَا إلَخْ بِخِلَافِ مَا إذَا جَهِلَ حَالُهُ أَوْ ظَنَّ مِنْهُ الْإِسْرَاعَ وَأَنَّهُ لَا يُدْرِكُهَا مَعَهُ فَيَبْدَأُ بِالْفَاتِحَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ) فَلَوْ تَخَلَّفَ لِقِرَاءَتِهَا حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. اهـ. شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (قَرَأَ وُجُوبًا بِقَدْرِهَا) ثُمَّ إنْ فَرَغَ مِمَّا لَزِمَهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ رَكَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 بِدُونِ قِرَاءَةٍ بِقَدْرِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ تَتِمَّةٌ: تَنْقَطِعُ قُدْوَةٌ بِخُرُوجِ إمَامِهِ مِنْ صَلَاتِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلِلْمَأْمُومِ قَطْعُهَا بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ، وَكُرِهَ قَطْعُهَا إلَّا   [حاشية البجيرمي] مَعَهُ وَأَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، أَوْ وَالْإِمَامُ فِي الِاعْتِدَالِ لَزِمَهُ الْهُوِيُّ مَعَهُ لِلسُّجُودِ وَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ، فَإِنْ جَرَى عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ حَتَّى أَرَادَ الْإِمَامُ الْهُوِيَّ لِلسُّجُودِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ فِي حَقِّهِ وُجُوبُ وَفَاءِ مَا لَزِمَهُ وَبُطْلَانُ صَلَاتِهِ بِهُوِيِّ الْإِمَامِ لِلسُّجُودِ لِكَوْنِهِ مُتَخَلِّفًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا مُخَلِّصَ لَهُ إلَّا نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ ح ل، فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَالْمُحَشِّيِّ أَنَّ الْمَسْبُوقَ الَّذِي اشْتَغَلَ بِالسُّنَّةِ لَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ، وَالرَّابِعَةُ قَوْلُ الشَّارِحِ: فَإِنْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ إلَخْ. وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَسْبُوقًا وَرَكَعَ الْإِمَامُ فِي فَاتِحَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ اشْتَغَلَ بِافْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَعَ مَعَهُ، فَإِنْ رَكَعَ مَعَهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وَإِنْ فَاتَهُ رُكُوعُ الْإِمَامِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، أَمَّا إذَا اشْتَغَلَ بِافْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إذَا رَكَعَ الْإِمَامُ أَنْ يَتَخَلَّفَ وَيَقْرَأَ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَهُ، فَإِنْ خَالَفَ وَرَكَعَ مَعَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ مَعَهُ بَلْ تَخَلَّفَ فَإِنْ أَتَى بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، فَإِنْ رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ رُكُوعِهِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ، فَإِنْ هَوَى الْإِمَامُ لِلسُّجُودِ وَكَمَّلَ مَا فَوَّتَهُ وَافَقَهُ فِيهِ وَإِلَّا فَارَقَهُ وُجُوبًا. اهـ. سم. 1 - فَرْعٌ: وَقَفَ عَمْدًا بِلَا قِرَاءَةٍ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ جَازَ التَّخَلُّفُ مَا لَمْ يَخَفْ التَّخَلُّفَ بِرُكْنَيْنِ فَتَجِبُ الْمُفَارَقَةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي لَا مَحِيصَ عَنْهُ اهـ سم. [تَتِمَّةٌ تَنْقَطِعُ قُدْوَةٌ بِخُرُوجِ إمَامِهِ مِنْ صَلَاتِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ] قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) أَيْ لِمَسَائِلِ الْقُدْوَةِ تَشْتَمِلُ عَلَى تِسْعَةِ فُرُوعٍ. الْأَوَّلُ: فِيمَا تَنْتَهِي بِهِ الْقُدْوَةُ. الثَّانِي: فِي حُكْمِ قَطْعِ الْقُدْوَةِ هَلْ يُكْرَهُ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ. الثَّالِثُ: فِي حُكْمِ الْقُدْوَةِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ. الرَّابِعُ: فِي أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ هَلْ هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ أَوْ أَوَّلُهَا، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ إعَادَةُ الْقُنُوتِ لِمَنْ أَدْرَكَ الثَّانِيَةَ مِنْ الصُّبْحِ مَعَ الْإِمَامِ. الْخَامِسُ: فِي أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مَعَ الْإِمَامِ هَلْ تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ. السَّادِسُ: فِي أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ يُكَبِّرُ لِلتَّحْرِيمِ ثُمَّ لِلرُّكُوعِ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى تَكْبِيرَةٍ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا وَنَوَى بِهَا التَّحَرُّمَ فَقَطْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي ذَلِكَ ثَمَانِ صُوَرٍ: الْأُولَى أَنْ يَأْتِيَ بِتَكْبِيرَتَيْنِ وَاحِدَةٍ لِلْإِحْرَامِ وَأُخْرَى لِلِانْتِقَالِ. الثَّانِيَةُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَكْبِيرَةٍ وَيَنْوِيَ بِهَا التَّحَرُّمَ فَقَطْ فَتَنْعَقِدَ صَلَاتُهُ فِي هَاتَيْنِ. وَالسِّتُّ الْبَاقِيَةُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَكْبِيرَةٍ وَيَنْوِيَ بِهَا الْإِحْرَامَ وَالرُّكُوعَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ يَنْوِيَ بِهَا الرُّكُوعَ فَقَطْ، أَوْ يَنْوِيَ أَحَدَهُمَا مُبْهَمًا أَوْ يَشُكَّ هَلْ نَوَى بِهَا التَّحَرُّمَ وَحْدَهُ أَوْ لَا، أَوْ يُتِمُّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَهُوَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْقِيَامِ، فَفِي هَذِهِ لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ وَكُلُّ هَذِهِ الصُّوَرِ السِّتِّ مُنْطَوِيَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَافْهَمْ. السَّابِعُ مِنْ الْفُرُوعِ: لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الِاعْتِدَالِ مَثَلًا وَافَقَهُ فِيمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمْدِ وَالدُّعَاءِ، وَلَا يُوَافِقُهُ فِي ذِكْرِ انْتِقَالِهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ انْتِقَالَهُ بَلْ فِي ذِكْرِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ سَاجِدٍ فَإِنَّهُ يَهْوِي إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ انْتِقَالَهُ، بَلْ فِي ذِكْرِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ وَهُوَ تَكْبِيرُ الْهُوِيِّ لِلسُّجُودِ. الثَّامِنُ: إنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ مُكَبِّرًا، إنْ كَانَ مَحَلَّ جُلُوسِهِ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا، وَمِثْلُ الْقِيَامِ بَدَلُهُ كَأَنْ صَلَّى مِنْ قُعُودٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلَّ جُلُوسِهِ فَلَا يُكَبِّرُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ذِكْرُ الِانْتِقَالَاتِ وَإِلَّا فَهُوَ ذِكْرٌ مُطْلَقًا فَيُثَابُ عَلَيْهِ. التَّاسِعُ: فِي تَرْتِيبِ جَمَاعَةِ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (تَنْقَطِعُ قُدْوَةٌ بِخُرُوجِ إمَامِهِ) وَإِذَا انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ بِمَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ الْمَأْمُومُ بَاقِيًا فِيهَا حُكْمًا، فَلِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِغَيْرِهِ وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ، وَإِذَا حَصَلَ مِنْهُ سَهْوٌ بَعْدَ انْقِطَاعِهَا يَسْجُدُ لَهُ وَهَلْ يَسْجُدُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ الْحَاصِلِ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ نَفْسَهُ مِنْ الْإِمَامَةِ فَهَلْ يَحْمِلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ، وَتَطْوِيلِ إمَامٍ وَتَرْكِهِ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَتَشَهُّدٍ أَوَّلَ، وَلَوْ نَوَى قُدْوَةَ مُنْفَرِدٍ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ جَازَ وَتَبِعَهُ فِيمَا هُوَ   [حاشية البجيرمي] السَّهْوَ الْحَاصِلَ مِنْ الْمَأْمُومِينَ بَعْدَ خُرُوجِهِ نَظَرًا لِوُجُودِ الْقُدْوَةِ الصُّورِيَّةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ ابْتِدَاءً كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ سم فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْقُدْوَةِ الصُّورِيَّةِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَقْرَبَ عَدَمُ التَّحَمُّلِ فَيَكُونُ هُنَا فِيمَا لَوْ أَخْرَجَ نَفْسَهُ كَذَلِكَ، وَهَذَا يَتَعَيَّنُ فَرْضُهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، أَمَّا فِيهَا فَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ ابْتِدَاءً لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ فَلَمْ يَتَحَمَّلْ الْإِمَامُ سَهْوَهُمْ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا لِعَدَمِ الْقُدْوَةِ الصُّورِيَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الْأُولَى وَكَانَ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَنَوَى غَيْرَهَا لَمْ تَبْطُلْ، وَيَحْمِلُ سَهْوَهُمْ لِوُجُودِ الْقُدْوَةِ الصُّورِيَّةِ. اهـ. ع ش. وَقَوْلُهُ: تَنْقَطِعُ قُدْوَةٌ وَهِيَ رَبْطُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُهُ) كَمَوْتٍ وَوُقُوعِ نَجَاسَةٍ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْهَا حَالًا. وَعِبَارَةُ ز ي: وَمِنْ الْعُذْرِ مَا يُوجِبُ الْمُفَارَقَةَ أَيْ بِالنِّيَّةِ لِوُجُودِ الْمُتَابَعَةِ الصُّورِيَّةِ، كَمَنْ وَقَعَ عَلَى ثَوْبِ إمَامِهِ نَجَسٌ لَا يُعْفَى عَنْهُ أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْخُفِّ وَالْمُقْتَدِي يَعْلَمُ ذَلِكَ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ لِوُجُودِ الْمُتَابَعَةِ الصُّورِيَّةِ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ حَيْثُ بَقِيَ الْإِمَامُ عَلَى صُورَةِ الْمُصَلِّينَ، أَمَّا لَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَانْصَرَفَ أَوْ جَلَسَ عَلَى غَيْرِ هَيْئَةِ الْمُصَلِّينَ أَوْ مَاتَ لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلِلْمَأْمُومِ قَطْعُهَا) وَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ إلَّا فِي الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَالْمُرَادُ أَنَّ لِلْمَأْمُومِ قَطْعَهَا مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى قَطْعِهَا تَعْطِيلُهَا. وَإِلَّا امْتَنَعَ عَلَيْهِ قَطْعُهَا لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا انْحَصَرَ تَعَيَّنَ كَمَا قَالَهُ ح ل. وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلِلْمَأْمُومِ قَطْعُهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْجَدِيدِ. وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ: لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِقَطْعِهَا بِدُونِ الْعُذْرِ اهـ. وَعِبَارَةُ أج: وَلِلْمَأْمُومِ قَطْعُهَا بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ أَيْ مَا لَمْ تَتَعَيَّنْ الْجَمَاعَةُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا إمَامٌ وَمَأْمُومٌ وَأَحْرَمَ شَخْصٌ خَلْفَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ تَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْمُفَارَقَةُ قَبْلَ حُصُولِ رَكْعَةٍ، فَإِنْ فَارَقَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَثِمَ وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ اهـ سم عَلَى حَجّ. قَالَ م ر: وَقَدْ تَجِبُ الْمُفَارَقَةُ كَأَنْ رَأَى إمَامَهُ مُتَلَبِّسًا بِمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِهِ، كَأَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا أَيْ وَهِيَ خَفِيَّةٌ تَحْتَ ثَوْبِهِ وَكَشَفَهَا الرِّيحُ مَثَلًا أَوْ رَأَى خُفَّهُ تَخَرَّقَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَإِنْ لَمْ يُفَارِقْهُ فَوْرًا بَعْدَ عِلْمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمَّا يُتَابِعْهُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ الصُّورِيَّةَ مَوْجُودَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهَا وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى نِيَّتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَوْ اسْتَدْبَرَ الْإِمَامُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْ الْمَأْمُومِ اتَّجَهَ عَدَمُ وُجُوبِهَا لِزَوَالِ الصُّورَةِ. قَوْلُهُ: (وَتَطْوِيلِ إمَامٍ) لِقِرَاءَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِمَنْ لَا يَصْبِرُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إمَامِ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ: (مَقْصُودَةً) وَهِيَ الَّتِي تُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ أَخْذًا مِنْ تَمْثِيلِهِ ح ل قَوْلُهُ: (كَتَشَهُّدٍ أَوَّلَ) أَيْ وَقُنُوتٍ قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَكَذَا سُورَةٌ إذْ الَّذِي يَظْهَرُ فِي ضَبْطِ الْمَقْصُودَةِ أَنَّهَا مَا جُبِرَ بِسُجُودِ السَّهْوِ، أَوْ قَوِيَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِهَا، أَوْ وَرَدَتْ الْأَدِلَّةُ بِعِظَمِ فَضْلِهَا اهـ. قُلْت: وَمِمَّا وَرَدَتْ الْأَدِلَّةُ بِعِظَمِ فَضْلِهَا التَّسْبِيحَاتُ، خُصُوصًا وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهَا عَمْدًا وَوُجُودُ سُجُودِ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا نِسْيَانًا. اهـ. اج. قَوْلُهُ: (جَازَ) أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَا يَحْصُلُ بِهَا فَضْلُ الْجَمَاعَةِ فِيمَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ ح ل وَع ش قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ: وَخَرَجَ بِهَذَا مَا لَوْ افْتَتَحَهَا فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ نَقَلَ نَفْسَهُ لِأُخْرَى. فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَطْعًا كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ اهـ. وَظَاهِرُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ ثُمَّ الْقَطْعُ هُنَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ عِلَّةَ الضَّعِيفِ فِي اقْتِدَاءِ الْمُنْفَرِدِ وَهِيَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى تَحَرُّمِ الْمَأْمُومِ قَبْلَ الْإِمَامِ جَارِيَةً فِيمَا إذَا نَقَلَ نَفْسَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ لِجَمَاعَةٍ أُخْرَى فَلْتُحَرَّرْ ع ش. وَظَاهِرُهُ جَوَازُ الْخُرُوجِ لِلْجَمَاعَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ نَقْصٌ فِي صَلَاةِ إمَامِهِ الَّذِي نَقَلَ نَفْسَهُ عَنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ صُورَتُهُ أَنْ يُحْرِمَ خَلْفَ جُنُبٍ أَوْ مُحْدِثٍ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ الْحَالُ لَهُمَا فَيَذْهَبُ الْإِمَامُ فَيَتَطَهَّرُ، وَيَأْتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 فِيهِ، فَإِنْ فَرَغَ إمَامُهُ أَوَّلًا فَهُوَ كَمَسْبُوقٍ، أَوْ فَرَغَ هُوَ أَوَّلًا فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ مِنْ مُفَارَقَتِهِ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ وَمَا أَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فَأَوَّلُ صَلَاتِهِ فَيُعِيدُ فِي ثَانِيَةِ صُبْحٍ الْقُنُوتَ وَفِي ثَانِيَةِ مَغْرِبٍ التَّشَهُّدَ لِأَنَّهَا مَحَلُّهُمَا، فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعٍ مَحْسُوبٍ لِلْإِمَامِ   [حاشية البجيرمي] مَكَانَ صَلَاتِهِ فَيُكْمِلُهَا الْمَأْمُومُ مَعَهُ، أَوْ يَرْبِطُ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْإِمَامِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ نَقْصٌ فِي صَلَاةِ إمَامِهِ بَلْ نَقَلَ نَفْسَهُ لِجَمَاعَةٍ أُخْرَى بِلَا سَبَبٍ كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا مُفَوِّتًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، بَلْ لَوْ أَخْرَجَ نَفْسَهُ بِعُذْرٍ أَتَمَّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا وَكُرِهَ لَهُ الِاقْتِدَاءُ قَالَهُ سم اط ف. وَعُلِمَ مِنْ جَوَازِ الْقُدْوَةِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْدَهَا فِي أَيِّ رَكْعَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ، فَلَوْ نَوَى الْقُدْوَةَ بِمَنْ فِي الرُّكُوعِ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ سَقَطَتْ عَنْهُ لَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا اقْتَدَى بِمَنْ فِي الرُّكُوعِ عَقِبَ إحْرَامِهِ مُنْفَرِدًا، أَمَّا لَوْ مَضَى بَعْدَ إحْرَامِهِ مُنْفَرِدًا مَا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ فَهَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا فِي الْأَوَّلِ وَبَعْضُهَا فِي الثَّانِي وَهَلْ هُوَ فِي الْأَوَّلِ كَالْمُوَافِقِ وَفِي الثَّانِي كَالْمَسْبُوقِ؟ قَالَ سم: فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالْمَسْبُوقِ فِي الصُّورَتَيْنِ أَيْ فَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْإِمَامُ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا فِي الصُّورَتَيْنِ لِصِدْقِ ضَابِطِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ إحْرَامِهِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ وَلَا عِبْرَةَ بِسُكُوتِهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِالْإِمَامِ قَبْلَ اقْتِدَائِهِ اهـ اط ف. قَالَ م ر: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْإِمَامِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِآخَرَ وَيُعْرِضَ عَنْ الْإِمَامَةِ وَهُوَ جَائِزٌ، وَيَصِيرُ الْمُقْتَدُونَ بِهِ مُنْفَرِدِينَ وَلَهُمْ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ اقْتَدَى هُوَ بِهِ اهـ. قَالَ ع ش: قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ الْمُقْتَدُونَ بِهِ مُنْفَرِدِينَ وَعَلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُقْتَدُونَ بِاقْتِدَاءِ الْإِمَامِ بِغَيْرِهِ وَتَابَعُوهُ فَهَلْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ صَلَاتِهِمْ لِاقْتِدَائِهِمْ بِمُقْتَدٍ أَوْ لَا لِعُذْرِهِمْ كَمَا لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ لِلْإِحْرَامِ فَاقْتَدُوا بِهِ ثُمَّ كَبَّرَ ثَانِيًا وَلَمْ يَعْلَمُوا تَكْبِيرَهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِعُذْرِهِمْ وَلَا تَفُوتُهُمْ الْفَضِيلَةُ لِوُجُودِ الْجَمَاعَةِ صُورَةً اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ ثَانِيًا مِمَّا يَخْفَى عَلَى الْمُقْتَدِينَ بِخِلَافِ اقْتِدَائِهِ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ لَهُمْ بِقَرِينَةِ تَأَخُّرِهِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمَوْقِفِ وَالْأَفْعَالِ اهـ. وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ إلَخْ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ فَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ صَلَاتِهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْمُقْتَدِي لَا يَصِحُّ وَلَوْ مَعَ الْجَهْلِ، حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ الْإِمَامُ مُقْتَدِيًا فَإِنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ اهـ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ فِي الْأَثْنَاءِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَا فَوَاتَ فَضِيلَةٍ فِيهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْغَيْرِ مَظِنَّةُ مُخَالَفَةِ نَظْمِ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ يَتْبَعُ الْإِمَامَ فِي نَظْمِ صَلَاتِهِ وَإِنْ خَالَفَ نَظْمَ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، وَلَا كَذَلِكَ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ لَا يَكُونُ تَابِعًا لِغَيْرِهِ سم. قَوْلُهُ: (وَتَبِعَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ) أَيْ تَبِعَ الْمَأْمُومَ وُجُوبًا وَلَوْ فِي رُكْنٍ قَصِيرٍ كَاعْتِدَالِ الْإِمَامِ وَلَوْ فِي رُكْنٍ طَوِيلٍ كَالْقِيَامِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَائِمًا وَالْآخَرُ قَاعِدًا. نَعَمْ لَوْ اقْتَدَى مَنْ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِمَنْ فِي الْقِيَامِ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ بَلْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَلَهُ فِرَاقُهُ وَهُوَ فِرَاقٌ بِعُذْرٍ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ أَحْدَثَ جُلُوسًا لَمْ يَفْعَلْهُ الْإِمَامُ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ إحْدَاثُهُ بَعْدَ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ لَا دَوَامِهِ كَمَا هُنَا اهـ. أَوْ اقْتَدَى مَنْ فِي السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ بِمَنْ فِي الْقِيَامِ أَيْضًا لَمْ يَجُزْ لَهُ رَفْعُ رَأْسِهِ مِنْ السُّجُودِ بَلْ يَنْتَظِرُهُ فِيهِ إنْ لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ قَامَ إلَيْهِ وَكُلُّ مَا فَعَلَهُ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ مِمَّا فَعَلَهُ قَبْلَهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ. اهـ. ق ل مَعَ زِيَادَةٍ قَوْلُهُ: (فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) أَيْ نَظَرًا لِبَقَاءِ صُورَةِ الْجَمَاعَةِ. وَقَدْ نُهِيَ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَإِنْ انْتَفَى ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ بِالِاقْتِدَاءِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ يَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةٌ فِي الْجُمْلَةِ بِرَبْطِ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ. اهـ. ع ش قَوْلُهُ: (وَمَا أَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فَأَوَّلُ صَلَاتِهِ) خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ. اهـ. ق ل. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَمَا أَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ أَيْ مَعَ إمَامِهِ مِمَّا يُعْتَدُّ بِهِ لَهُ لَا كَاعْتِدَالِهِ وَمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لِمَحْضِ الْمُتَابَعَةِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَأَوَّلُ صَلَاتِهِ) لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَإِتْمَامُ الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ أَوَّلِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «فَاقْضِ مَا سَبَقَك» فَمَحْمُولٌ عَلَى الْقَضَاءِ اللُّغَوِيِّ، بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ لِاسْتِحَالَةِ الْقَضَاءِ شَرْعًا هُنَا اهـ شَرْحُ م ر. قَالَ سم: قَدْ يُمْنَعُ دَلَالَةُ هَذِهِ الِاسْتِحَالَةِ عَلَى التَّعَيُّنِ لِجَوَازِ أَنَّ لِلْقَضَاءِ شَرْعًا مَعْنًى آخَرَ كَوُقُوعِ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِهِ قَوْلُهُ: (وَفِي ثَانِيَةِ مَغْرِبٍ) وَذَلِكَ بِأَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ مَعَ الْإِمَامِ اهـ أج قَوْلُهُ: (لَأَنَّهَا) أَيْ الثَّانِيَةَ مَحَلُّهُمَا أَيْ الْقُنُوتُ وَالتَّشَهُّدُ، وَمَا فَعَلَهُ مَعَ الْإِمَامِ كَانَ لِلْمُتَابَعَةِ وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنَّا وَمِنْ الْمُخَالِفِ، وَحُجَّةٌ لَنَا عَلَى أَنَّ مَا يُدْرِكُهُ مَعَهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ اهـ أج وَا ط ف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 وَاطْمَأَنَّ يَقِينًا قَبْلَ ارْتِفَاعِ إمَامِهِ عَنْ أَقَلِّهِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ. وَيُكَبِّرُ مَسْبُوقٌ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعٍ لِتَحَرُّمٍ ثُمَّ لِرُكُوعٍ، فَلَوْ كَبَّرَ وَاحِدَةً فَإِنْ نَوَى بِهَا التَّحَرُّمَ فَقَطْ وَأَتَمَّهَا قَبْلَ هُوِيِّهِ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا لَمْ تَنْعَقِدْ، وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي اعْتِدَالِهِ فَمَا بَعْدَهُ وَافَقَهُ فِيهِ، وَفِي ذِكْرِ مَا أَدْرَكَهُ فِيهِ مِنْ تَحْمِيدٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَشَهُّدٍ وَدُعَاءٍ، وَفِي ذِكْرِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ مِنْ تَكْبِيرٍ لَا فِي ذِكْرِ انْتِقَالِهِ إلَيْهِ،   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَدْرَكَهُ) الْمُنَاسِبُ الْوَاوُ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (فِي رُكُوعٍ مَحْسُوبٍ) خَرَجَ بِهِ رُكُوعُ الْمُحْدِثِ وَرُكُوعٌ زَائِدٌ، وَمِثْلُهُ الرُّكُوعُ الثَّانِي مِنْ الْكُسُوفِ لِمَنْ يُصَلِّي الْكُسُوفَ وَرَاءَهُ وَإِنْ كَانَ مَحْسُوبًا أَيْ لِلْإِمَامِ، فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: (وَاطْمَأَنَّ يَقِينًا) وَكَانَ إحْرَامُهُ فِي الْقِيَامِ يَقِينًا وَقَصَدَ بِهِ التَّحَرُّمَ فَقَطْ، وَلَا يُسَنُّ لِلْإِمَامِ انْتِظَارُهُ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالشُّرُوطِ ق ل. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَقِينًا أَيْ بِرُؤْيَةِ الْإِمَامِ فِي الْبَصِيرِ، أَوْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى ظَهْرِهِ فِي الْأَعْمَى، أَوْ سَمَاعِهِ بِتَسْبِيحِ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ. وَلَا يَكْفِي فِيهَا الظَّنُّ وَلَا سَمَاعُ صَوْتِ الْمُبَلِّغِ وَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ تَحَمَّلَ فِيهِ الْإِمَامُ عَنْ الْمَأْمُومِ شَيْئًا مِنْ الْفَاتِحَةِ. وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ وَاطْمَأَنَّ يَقِينًا فِي الْمَسْبُوقِ، أَمَّا الْمُوَافِقُ الَّذِي قَرَأَ الْفَاتِحَةَ كُلَّهَا فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِمُجَرَّدِ الرُّكُوعِ وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبِرْمَاوِيُّ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعٍ إلَخْ قَوْلُهُ: (أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ) أَيْ مَا فَاتَهُ مِنْ قِيَامِهَا وَقِرَاءَتِهَا، وَالْمُرَادُ بِإِدْرَاكِهَا أَنْ يَلْتَقِيَ هُوَ وَإِمَامُهُ فِي حَدِّ أَقَلِّ الرُّكُوعِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْهُوِيِّ وَإِمَامُهُ فِي الِارْتِفَاعِ وَقَدْ بَلَغَ فِي رُكُوعِهِ حَدَّ الْأَقَلِّ قَبْلَ أَنْ يَرْتَفِعَ الْإِمَامُ عَنْهُ كَانَ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَلْتَقِيَا فِيهِ فَلَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي إدْرَاكِهَا بِذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُتِمَّ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ وَيُتِمَّهَا مَعَهُ أَوْ لَا كَأَنْ أَحْدَثَ فِي اعْتِدَالِهِ أَوْ فِي رُكُوعِهِ بَعْدَ مَا اطْمَأَنَّ مَعَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَسَوَاءٌ قَصَّرَ بِتَأْخِيرِ تَحَرُّمِهِ إلَى رُكُوعِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَمْ لَا لِخَبَرِ «مَنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ رُكُوعِهَا مَعَ مَنْ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْفَاتِحَةَ لَزِمَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. ز ي وم ر. قَالَ ع ش: وَقَوْلُهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ أَيْ مَا فَاتَهُ مِنْ قِيَامِهَا وَقِرَاءَتِهَا أَيْ وَلَا ثَوَابَ لَهُ فِيهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَغَايَةُ هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ تَحَمَّلَ عَنْهُ لِعُذْرٍ. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ أَيْ وَثَوَابَهَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُكَبِّرُ مَسْبُوقٌ إلَخْ) أَيْ يُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ وُجُوبًا فِي الْقِيَامِ أَوْ بَدَلَهُ، فَإِنْ وَقَعَ بَعْضُهُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ فَرْضًا قَطْعًا وَلَا نَفْلًا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ اهـ. أج. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: وَلَوْ جَاهِلًا وَهُوَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَقَعُ كَثِيرًا لِلْعَوَامِّ. وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ تَقَعُ نَفْلًا لِلْجَاهِلِ ح ل قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَوَى بِهَا التَّحَرُّمَ) أَيْ يَقِينًا قَوْلُهُ: (قَبْلَ هُوِيِّهِ) أَيْ بِأَنْ أَتَمَّهَا وَهُوَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى أَقَلِّ الرُّكُوعِ قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ نَوَاهُمَا بِهَا أَوْ الرُّكُوعَ فَقَطْ أَوْ أَحَدَهُمَا مُبْهَمًا، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا شَرْحُ الْمَنْهَجِ، أَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى بِهَا التَّحَرُّمَ أَوْ لَا، أَوْ أَتَمَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَهُوَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْقِيَامِ فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ عَلِمْت الْحُكْمَ فِيمَا تَقَدَّمَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِثْلُهُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي مُرِيدُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ فِي حَقِّهِ قَرِينَتَا الِافْتِتَاحِ وَالْهُوِيِّ لِاخْتِلَافِهِمَا، إذْ قَرِينَةُ الِافْتِتَاحِ تَصْرِفُهَا إلَيْهِ، وَقَرِينَةُ الْهُوِيِّ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ أَوْ الرُّكُوعِ تَصْرِفُهَا إلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدٍ صَارِفٍ عَنْهُمَا وَهُوَ نِيَّةُ التَّحَرُّمِ فَقَطْ لِتَعَارُضِهِمَا وَاسْتِشْكَالِ الْإِسْنَوِيِّ لَهُ بِأَنَّ قَصْدَ الرُّكْنِ لَا يُشْتَرَطُ مَرْدُودٌ إذْ مَحَلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ الصَّارِفِ وَهُنَا صَارِفٌ، وَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا إذَا كَبَّرَ وَاحِدَةً كَمَا ذُكِرَ. وَأَمَّا لَوْ كَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَأَطْلَقَ فِي الْأُولَى فَهَلْ يَضُرُّ أَوْ لَا؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: بِالضَّرَرِ لَكِنَّ الَّذِي أَفْتَى بِهِ الشَّمْسُ الرَّمْلِيُّ عَدَمُ الضَّرَرِ. وَنَصُّهُ: سُئِلَ شَيْخُنَا م ر عَمَّا لَوْ وَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَأَطْلَقَ ثُمَّ كَبَّرَ أُخْرَى بِقَصْدِ الِانْتِقَالِ فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ؟ فَأَجَابَ: تَصِحُّ صَلَاتُهُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ اهـ مَا أَفْتَى بِهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَمَا بَعْدَهُ) الْفَاءُ عَاطِفَةٌ عَلَى اعْتِدَالِهِ وَجَوَابُ لَوْ قَوْلُهُ وَافَقَهُ، وَقَوْلُهُ فِيهِ أَيْ فِيمَا أَدْرَكَهُ فِيهِ الصَّادِقُ بِالِاعْتِدَالِ وَمَا بَعْدَهُ وَكَذَا بَقِيَّةُ الضَّمَائِرِ قَوْلُهُ: (مِنْ تَحْمِيدٍ) أَيْ فِي الِاعْتِدَالِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَلَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (وَتَشَهُّدٍ وَدُعَاءٍ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ تَشَهُّدِهِ خَرَجَ، مَا إذَا كَانَ مَحَلُّ تَشَهُّدِهِ بِأَنْ كَانَ تَشَهُّدًا أَوَّلَ فَلَا يَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَلَا يُكْمِلُ التَّشَهُّدَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِإِخْرَاجِهِ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ عَمَّا طُلِبَ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 وَإِذَا سَلَّمَ إمَامُهُ كَبَّرَ لِقِيَامِهِ أَوْ بَدَلَهُ نَدْبًا إنْ كَانَ مَحَلَّ جُلُوسِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَالْجَمَاعَةُ فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ صُبْحِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صُبْحِ غَيْرِهَا ثُمَّ الْعِشَاءِ ثُمَّ الْعَصْرِ أَفْضَلُ، وَأَمَّا جَمَاعَةُ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ فَهُمَا سَوَاءٌ. فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ مِنْ حَيْثُ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ الْمُخْتَصُّ الْمُسَافِرُ بِجَوَازِهِمَا تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ غَالِبًا مَعَ كَيْفِيَّةِ   [حاشية البجيرمي] وَلَيْسَ هُوَ حِينَئِذٍ لِمُجَرَّدِ الْمُتَابَعَةِ قَوْلُهُ: (وَدُعَاءٍ) أَيْ حَتَّى عَقِبَ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح ل قَوْلُهُ: (فِي ذِكْرِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ مِنْ تَكْبِيرٍ) فَإِذَا أَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْهُ فِيهِ وَلَا هُوَ مَحْسُوبٌ لَهُ بِخِلَافِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ لِلْجُلُوسِ مَثَلًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي ذِكْرِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِيهِ كَأَنْ أَحْرَمَ وَالْإِمَامُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَقَامَ عَقِبَ إحْرَامِ الْمَأْمُومِ فَيُطْلَبُ مِنْ الْمَأْمُومِ أَنْ يُكَبِّرَ أَيْضًا مُتَابَعَةً لَهُ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ وَصَرَّحُوا بِهِ أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُ فِي كَيْفِيَّةِ الْجُلُوسِ بَلْ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُتَوَرِّكًا، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ قِيَامِ الْإِمَامِ مِنْ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَوَّلًا لِلْمَأْمُومِ اهـ. وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ: وَيَظْهَرُ الْآنَّ أَنَّهُ يَأْتِي بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ قِيَامِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُتَابَعَةً لَهُ، وَنَقَلَ مِثْلَهُ فِي الدَّرْسِ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ إمَامُهُ اهـ. فَرْعٌ: لَوْ جَلَسَ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ فِي مَحَلِّ جُلُوسِهِ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا جَازَ لَهُ التَّطْوِيلُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلَّ جُلُوسِهِ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَإِنْ طَوَّلَ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (لَا فِي ذِكْرِ انْتِقَالِهِ) كَأَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ، أَوْ فِي تَشَهُّدِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ سَاكِتًا وَذَلِكَ لِعَدَمِ مُتَابَعَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِمَحْسُوبٍ لَهُ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ مَحْسُوبٌ لَهُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَإِذَا سَلَّمَ إمَامُهُ إلَخْ) أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ يَعْتَدَّ بِجَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ فَيَجْلِسُ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَقُومُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَمَتَى عَلِمَ وَلَمْ يَجْلِسْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الْإِتْيَانِ بِالْجُلُوسِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَيُفَارِقُ مَنْ قَامَ عَنْ إمَامِهِ عَامِدًا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ حَيْثُ اعْتَدَّ بِقِرَاءَتِهِ قَبْلَ قِيَامِ الْإِمَامِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ اهـ شَرْحُ م ر وأ ج قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مَحَلِّ جُلُوسِهِ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا كَأَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي ثَانِيَةِ أَوْ رَابِعَةِ رُبَاعِيَّةٍ، أَوْ ثَالِثَةِ ثُلَاثِيَّةٍ فَلَا يُكَبِّرُ عِنْدَ قِيَامِهِ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ تَكْبِيرِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مُوَافَقَةُ إمَامِهِ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَقُومَ الْمَسْبُوقُ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْ إمَامِهِ وَيَجُوزُ بَعْدَ الْأُولَى، فَإِنْ مَكَثَ فِي مَحَلِّ جُلُوسِهِ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا جَازَ، وَإِنْ طَالَ أَوْ فِي غَيْرِهِ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمَحَلُّهُ إذَا زَادَ عَلَى جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَيُلْحَقُ بِهَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، أَمَّا قَدْرُهَا فَمُغْتَفَرٌ فَإِنْ كَانَ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اهـ أج. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى زَادَ عَلَى قَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا شَيْخُنَا. وَيُكْرَهُ أَنْ تُقَامَ جَمَاعَةٌ فِي مَسْجِدٍ بِغَيْرِ إذْنِ إمَامِهِ الرَّاتِبِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا أَوْ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ أَوْ لَهُ رَاتِبٌ وَأَذِنَ فِي إقَامَتِهَا أَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَضَاقَ الْمَسْجِدُ عَنْ الْجَمِيعِ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ شَرْحُ الرَّوْضِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ] ِ قَوْلُهُ: الْمُسَافِرُ أَيْ الْمُتَلَبِّسُ بِالسَّفَرِ وَهُوَ قَطْعُ مَسَافَةٍ مَخْصُوصَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ أَيْ يَكْشِفُهَا وَيُظْهِرُهَا. وَشُرِعَ الْقَصْرُ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ وَقِيلَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرَ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ قَالَهُ الدُّولَابِيُّ، وَقِيلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَوَّلُ الْجَمْعِ فِي سَفَرِ غَزْوَةِ تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ الْقَصْرُ) أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ الْأَرْكَانُ وَالشُّرُوطُ لِاشْتِرَاكِهَا مَعَ غَيْرِهَا فِي ذَلِكَ، وَالْقَصْرُ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 الصَّلَاةِ بِنَحْوِ الْمَطَرِ وَالْأَصْلُ فِي الْقَصْرِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: 101] الْآيَةَ. قَالَ «يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ قُلْتُ لِعُمَرَ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْأَصْلُ فِي الْجَمْعِ أَخْبَارٌ تَأْتِي. وَلَمَّا كَانَ الْقَصْرُ أَهَمَّ هَذِهِ الْأُمُورِ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهِ كَغَيْرِهِ فَقَالَ: (وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ) لِغَرَضٍ صَحِيحٍ (قَصْرُ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ) الْمَكْتُوبَةِ دُونَ الثُّنَائِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ (بِخَمْسِ شَرَائِطَ) وَتَرَكَ شُرُوطًا أُخَرَ سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا: الْأَوَّلُ (أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ وَاجِبًا   [حاشية البجيرمي] حَيْثُ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ مَوْجُودَانِ لِأَنَّ حَيْثُ لَا تُضَافُ إلَّا لِجُمْلَةٍ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَأَلْزَمُوا إضَافَةً إلَى الْجُمَلِ حَيْثُ . . . وَقُدِّمَ الْقَصْرُ عَلَى الْجَمْعِ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَمْنَعُ الْجَمْعَ إلَّا لِلنُّسُكِ اهـ أط ف. قَوْلُهُ: (مَعَ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ) فَفِي كَلَامِهِ زِيَادَةٌ عَلَى التَّرْجَمَةِ وَلَيْسَ مَعِيبًا، وَإِنَّمَا الْمَعِيبُ أَنْ يُتَرْجِمَ لِشَيْءٍ وَيَنْقُصَ عَنْهُ ق ل. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُتَرْجِمْ وَالشَّارِحُ تَرْجَمَ بِهِمَا فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ زِيَادَةٌ عَنْ التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ) أَيْ سَافَرْتُمْ قَوْلُهُ: (يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ) أَيْ التَّمِيمِيُّ، وَيُقَالُ لَهُ يَعْلَى بْنُ مُنْيَةَ بِنُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مُخَفَّفَةٍ وَهِيَ أُمُّهُ، أَسْلَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَتَبُوكَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ يَسْكُنُ مَكَّةَ، وَكَانَ جَوَادًا مَعْرُوفًا بِالْكَرَمِ اهـ أج قَوْلُهُ: (عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ إلَخْ) مُحَصَّلُ جَوَابِ سَيِّدِنَا عُمَرَ أَنَّهُ تَعَجَّبَ، وَعَرَضَتْ لَهُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ فَسَأَلَ عَنْهَا النَّبِيَّ فَأَجَابَهُ بِمَا ذُكِرَ قَوْلُهُ: (فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ إلَخْ) السَّائِلُ هُوَ عُمَرُ لَا يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ اهـ أج قَوْلُهُ: (صَدَقَةٌ) أَيْ جَوَازُ الْقَصْرِ فِي الْأَمْنِ صَدَقَةٌ إلَخْ. فَهُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ. فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْخَوْفِ فِي الْآيَةِ لَا مَفْهُومَ لَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ «إنَّ خِيَارَ أُمَّتِي مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ إذَا أَحْسَنُوا اسْتَبْشَرُوا وَإِذَا أَسَاءُوا اسْتَغْفَرُوا وَإِذَا سَافَرُوا قَصَرُوا» اهـ. قَوْلُهُ: (أَهَمُّ هَذِهِ الْأُمُورِ) جَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْجَمْعَ نَوْعَانِ جَمْعُ سَفَرٍ وَجَمْعُ مَطَرٍ. وَالثَّالِثُ الْقَصْرُ فَسَقَطَ اعْتِرَاضٌ ق ل. بِقَوْلِهِ لَوْ قَالَ الْأَمْرَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى اهـ وَإِنَّمَا كَانَ أَهَمَّ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ، فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْجَمْعُ لِلسَّفَرِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْجَمْعُ لِلنُّسُكِ فَقَطْ قَوْلُهُ: (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) هَذَا مِنْ الشُّرُوطِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمَتْنِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ مَعَهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ دَاخِلٌ فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ سَافَرَ لِمُجَرَّدِ التَّنَقُّلِ فِي الْبِلَادِ، قَوْلُهُ: (الْمَكْتُوبَةِ) أَيْ أَصَالَةً وَإِنْ وَقَعَتْ نَفْلًا كَصَلَاةِ الصَّبِيِّ وَالْمُعَادَةِ لَكِنْ لَا تُقْصَرُ إلَّا إذَا قُصِرَ أَصْلُهَا ح ل قَوْلُهُ: (دُونَ الثُّنَائِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ دُونَ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ لِأَجْلِ مُنَاسَبَةِ الْمَتْنِ، وَعَبَّرَ م ر وَابْنُ حَجَرَ بِقَوْلِهِمَا لَا صُبْحٍ وَمَغْرِبٍ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّنْ عَبَّرَ بِالثُّنَائِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ التَّطْوِيلِ وَهُوَ الِاحْتِيَاجُ إلَى بَيَانِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ، فَالتَّعْبِيرُ بِالْمَقْصُودِ ابْتِدَاءً أَوْلَى، وَالْأُولَى فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا عَبَّرَ بِالصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ دُونَ الثُّنَائِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ خَوْفًا مِنْ دُخُولِ الْجُمُعَةِ، وَلِأَجْلِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: تُقْصَرُ الصُّبْحُ إلَى رَكْعَةٍ وَالْمَغْرِبُ كَذَلِكَ قَالَ فِي التُّحْفَةِ. نَعَمْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا جَوَازُ قَصْرِ الصُّبْحِ فِي الْخَوْفِ إلَى رَكْعَةٍ وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «إنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» وَحَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ وَيَنْفَرِدُ بِأُخْرَى، وَعَمَّمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ الْقَصْرَ إلَى رَكْعَةٍ فِي الْخَوْفِ فِي الصُّبْحِ وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ اهـ أج. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الصُّبْحُ وَالْمَغْرِبُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا خَبَرُ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَةً فِي الْخَوْفِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ وَيَنْفَرِدُ بِأُخْرَى، إذْ الصُّبْحُ لَوْ قُصِرَتْ لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 كَسَفَرِ حَجٍّ أَوْ مَنْدُوبًا كَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ مُبَاحًا كَسَفَرِ تِجَارَةٍ، أَوْ مَكْرُوهًا كَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ. أَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ كَآبِقٍ وَنَاشِزَةٍ فَلَا يَقْصُرُ لِأَنَّ السَّفَرَ سَبَبٌ لِلرُّخْصَةِ فَلَا تُنَاطُ بِالْمَعْصِيَةِ كَبَقِيَّةِ رُخَصِ السَّفَرِ نَعَمْ لَهُ بَلْ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُوبِ إعَادَةِ مَا صَلَّاهُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ تَابَ فَأَوَّلُ سَفَرِهِ مَحَلُّ تَوْبَتِهِ، فَإِنْ كَانَ طَوِيلًا أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِلرُّخْصَةِ طُولُهُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ فِيهِ تَرَخَّصَ وَإِلَّا فَلَا وَأُلْحِقَ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ أَوْ دَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ بِلَا   [حاشية البجيرمي] تَكُنْ شَفْعًا وَخَرَجَتْ عَنْ مَوْضُوعِهَا، وَالْمَغْرِبُ لَا يُمْكِنُ قَصْرُهَا إلَى رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا وِتْرًا، وَلَا إلَى رَكْعَةٍ لِخُرُوجِهَا بِذَلِكَ عَنْ بَاقِي الصَّلَوَاتِ اهـ. قَوْلُهُ: (كَسَفَرِ تِجَارَةٍ) فِي غَيْرِ أَكْفَانِ الْمَوْتَى وَإِلَّا كُرِهَ قَوْلُهُ: (كَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ) لَا سِيَّمَا بِاللَّيْلِ هَذَا مَا لَمْ يَأْنَسْ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَبَعْضِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَيُكْرَهُ سَفَرُ اثْنَيْنِ فَقَطْ لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِمَا أَخَفُّ، وَإِذَا بَعُدَ عَنْ الرُّفْقَةِ إلَى حَدٍّ لَا يَلْحَقُهُ غَوْثُهُمْ فَقَالَ حَجّ: هُوَ كَالْوَحْدَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَقَالَ م ر وَسم: لَا يَكُونُ كَالْوَحْدَةِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ) وَلَوْ صُورَةً كَأَنْ هَرَبَ الصَّبِيُّ مِنْ وَلِيِّهِ فَلَا يَقْصُرُ، وَلَوْ خَرَجَ لِجِهَةٍ مُعِينَةٍ تَبَعًا لِشَخْصٍ لَا يَعْلَمُ سَبَبَ سَفَرِهِ أَوْ لِتَنْفِيذِ كِتَابٍ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ فَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُهُ بِالْمُبَاحِ، فَالشَّرْطُ أَنْ لَا يَعْلَمَ كَوْنَ السَّفَرِ مَعْصِيَةً. اهـ. م د. وَعِبَارَتُهُ عَلَى التَّحْرِيرِ قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَلَوْ هَرَبَ الصَّبِيُّ مِنْ وَلِيِّهِ فَهَلْ يَتَرَخَّصُ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ فَسَفَرُهُ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا السَّفَرَ مِنْ جِنْسِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ الْمُسَافِرُ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ: الْأَوْجَهُ الثَّانِي لِأَنَّ هَذَا السَّفَرَ فِي نَفْسِهِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ اهـ شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ أَوْ لَا مُعْتَمَدٌ قَوْلُهُ: (وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ) وَهَذَا يُقَالُ عَاصٍ بِالسَّفَرِ فِي السَّفَرِ بِأَنْ أَنْشَأَهُ مُبَاحًا ثُمَّ قَلَبَهُ مَعْصِيَةً كَأَنْ جَعَلَهُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَأَمَّا الْعَاصِي فِيهِ كَأَنْ زَنَى فِيهِ أَوْ شَرِبَ فِيهِ خَمْرًا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (فَلَا تُنَاطُ) أَيْ لَا تُعَلَّقُ. تَنْبِيهٌ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ الرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي إنَّ فِعْلِ الرُّخْصَةِ مَتَى تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ نُظِرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَإِنْ كَانَ تَعَاطِيهِ فِي نَفْسِهِ حَرَامًا امْتَنَعَ مَعَهُ فِعْلُ الرُّخْصَةِ وَإِلَّا فَلَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْصِيَةِ بِالسَّفَرِ وَالْمَعْصِيَةِ فِيهِ فَالْعَبْدُ الْآبِقُ وَالنَّاشِزَةُ وَالْمُسَافِرُ لِلْمَكْسِ، وَنَحْوُهُ عَاصٍ بِالسَّفَرِ فَالسَّفَرُ نَفْسُهُ مَعْصِيَةٌ وَالرُّخْصَةُ مَنُوطَةٌ بِهِ أَيْ مُعَلَّقَةٌ وَمُرَتَّبَةٌ عَلَيْهِ تَرَتُّبَ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، فَلَا يُبَاحُ لَهُ التَّرَخُّصُ وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا فَشَرِبَ الْخَمْرَ فِي سَفَرِهِ فَهُوَ عَاصٍ فِيهِ، أَيْ مُرْتَكِبٌ الْمَعْصِيَةَ فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ، فَنَفْسُ السَّفَرِ لَيْسَ مَعْصِيَةً وَلَا آثِمًا بِهِ فَتُبَاحُ فِيهِ الرُّخَصُ لِأَنَّهَا مَنُوطَةٌ بِالسَّفَرِ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَلِهَذَا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الْمَغْصُوبِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ مَنُوطَةٌ بِاللُّبْسِ وَهُوَ لِلْمُحْرِمِ مَعْصِيَةٌ، وَفِي الْمَغْصُوبِ لَيْسَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ أَيْ لِكَوْنِهِ لُبْسًا بَلْ لِلِاسْتِيلَاءِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ، وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَ اللُّبْسَ لَمْ تَزُلْ الْمَعْصِيَةُ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ اهـ مِنْ الْأَشْبَاهِ لِلسُّيُوطِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسَافِرَ الْعَاصِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ عَاصٍ بِالسَّفَرِ كَأَنْ سَافَرَ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَعَاصٍ فِي السَّفَرِ كَمَنْ زَنَى وَهُوَ قَاصِدٌ الْحَجَّ مَثَلًا، وَعَاصٍ بِالسَّفَرِ فِي السَّفَرِ كَأَنْ أَنْشَأَهُ طَاعَةً ثُمَّ قَلَبَهُ مَعْصِيَةً فَالثَّانِي لَهُ الْقَصْرُ مُطْلَقًا، وَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ لَا يَقْصُرَانِ قَبْلَ التَّوْبَةِ فَإِنْ تَابَا قَصَرَ الثَّالِثُ مُطْلَقًا، وَالْأَوَّلُ إنْ بَقِيَ مِنْ سَفَرِهِ مَرْحَلَتَانِ تَنْزِيلًا لِمَحَلِّ تَوْبَتِهِ مَنْزِلَةَ ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ، وَلَوْ شَرَّكَ بَيْنَ مَعْصِيَةٍ وَغَيْرِهَا كَأَنْ سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَقْصُرُ تَغْلِيبًا لِلْمَانِعِ وَهُوَ الْمَعْصِيَةُ اهـ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَهُ بَلْ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ فِي الْفَقْدِ الْحِسِّيِّ بِخِلَافِهِ فِي الشَّرْعِيِّ كَمَرَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ قَبْلَ التَّوْبَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. ع ش. وَقَوْلُهُ (التَّيَمُّمُ) أَيْ لِفَقْدِ الْمَاءِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَابَ فَأَوَّلُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ مَا إذَا أَنْشَأَهُ مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ مَعَ أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ وَإِنْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصِدِهِ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ نَظَرًا لِابْتِدَاءِ سَفَرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْشَأَهُ مَعْصِيَةً ثُمَّ جَعَلَهُ مُبَاحًا أَيْ بِأَنْ تَابَ اهـ ز ي. أَيْ فَكَلَامُ الشَّارِحِ مُسَلَّمٌ بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ دُونَ مَا قَبْلَهَا، وَإِنَّمَا قَالَ ظَاهِرُهُ إلَخْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَإِنْ تَابَ رَاجِعًا لِمَا قَبْلَ الْغَايَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَأَوَّلُ سَفَرِهِ مَحَلُّ تَوْبَتِهِ) نَعَمْ مَنْ سَافِر يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَصَى، فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتَرَخَّصْ مِنْ حِينِ تَوْبَتِهِ بَلْ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ وَمِنْ وَقْتِ فَوَاتِهَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ كَمَا نَقَلَهُ م ر عَنْ الْمَجْمُوعِ قَوْلُهُ: (كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ إلَخْ) وَإِنَّمَا يُجْعَلُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 غَرَضٍ شَرْعِيٍّ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي (أَنْ تَكُونَ مَسَافَتُهُ) أَيْ السَّفَرِ الْمُبَاحِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً ذَهَابًا وَهِيَ مَرْحَلَتَانِ، وَهُمَا سَيْرُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ وَهِيَ (سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا) وَلَوْ قَطَعَ هَذِهِ الْمَسَافَةَ فِي لَحْظَةٍ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةٍ بُرُدٍ، وَمِثْلُهُ إنَّمَا يُفْعَلُ بِتَوْقِيفٍ. وَخَرَجَ ب ذَهَابًا الْإِيَابُ مَعَهُ فَلَا يُحْسَبُ حَتَّى لَوْ قَصَدَ مَكَانًا عَلَى مَرْحَلَةٍ بِنِيَّةِ أَنْ لَا يُقِيمَ فِيهِ، بَلْ يَرْجِعُ فَلَيْسَ لَهُ الْقَصْرُ وَإِنْ نَالَهُ مَشَقَّةُ مَرْحَلَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَفَرًا طَوِيلًا، وَالْغَالِبُ فِي الرُّخَصِ الِاتِّبَاعُ وَالْمَسَافَةُ تَحْدِيدٌ لَا تَقْرِيبٌ لِثُبُوتِ التَّقْدِيرِ بِالْأَمْيَالِ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ   [حاشية البجيرمي] رُخَصِ السَّفَرِ حَيْثُ كَانَ سَبَبَ الِاضْطِرَارِ السَّفَرُ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَأُلْحِقَ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا حَاجَةَ إلَى الْإِلْحَاقِ لِأَنَّهُ مِنْهُ ق ل. وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلِهِ وَأُلْحِقَ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ هَذَا سَفَرُ مَعْصِيَةٍ فَمَا وَجْهُ الْإِلْحَاقِ؟ سم. أَقُولُ: وَجْهُ الْإِلْحَاقِ أَنَّ الْغَرَضَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى السَّفَرِ لَيْسَ مَعْصِيَةً وَلَكِنَّهُ صَيَّرَهُ مَعْصِيَةً مِنْ حَيْثُ إتْعَابِ الدَّابَّةِ فِي السَّيْرِ بِلَا غَرَضٍ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَعْصِيَةِ فِي السَّفَرِ لِأَنَّ السَّيْرَ نَفْسَهُ مُحَرَّمٌ الْآنَ فَالْتَحَقَ بِالسَّفَرِ الَّذِي سَبَبُهُ مَعْصِيَةٌ قَوْلُهُ: (أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ أَوْ دَابَّتَهُ) أَوْ يُحَمِّلَهَا مَا لَا تُطِيقُ حَمْلَهُ عَلَى الدَّوَامِ، أَوْ يَضْرِبَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ أَوْ عَلَى الْعَادَةِ وَكَانَتْ تَعْبَانَةً أَوْ يَنْخُسَهَا مُطْلَقًا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (سَيْرُ يَوْمَيْنِ) أَوْ لَيْلَتَيْنِ مُعْتَدِلَتَيْنِ، أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلَا. وَالْمُرَادُ بِالِاعْتِدَالِ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ دَرَجَةً اهـ. وَهَذَا تَحْدِيدٌ لِلْمَسَافَةِ بِالزَّمَانِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِتَحْدِيدِهَا بِالْمَسَافَةِ بِقَوْلِهِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا قَوْلُهُ: (مُعْتَدِلَتَيْنِ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ مِنْ النُّزُولِ لِاسْتِرَاحَةٍ وَأَكْلٍ وَصَلَاةٍ، فَيُعْتَبَرُ زَمَنُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ. وَالْأَثْقَالُ الْحَيَوَانَاتُ الْمُثْقَلَةُ بِالْأَحْمَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا، وَالْمَشْهُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْمُرَادَ بِسَيْرِ الْإِبِلِ. اهـ. ح ل قَوْلُهُ: (سِتَّةَ عَشَرَ) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ نَصْبِ خَبَرُ يَكُونَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحُ قَدَّرَ لَهُ مُبْتَدَأً وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَتْنَ وَالشَّارِحَ امْتَزَجَا وَصَارَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَطَعَ هَذِهِ الْمَسَافَةَ) غَايَةٌ. فَإِنْ قُلْتَ: إذَا قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي لَحْظَةٍ صَارَ مُقِيمًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَرَخُّصُهُ فِيهَا؟ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ مِنْ وُصُولِ الْمَقْصِدِ انْتِهَاءُ الرُّخْصَةِ لِكَوْنِهِ نَوَى فِيهِ إقَامَةً لَا تَقْطَعُ السَّفَرَ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّحْظَةِ الْقِطْعَةُ مِنْ الزَّمَانِ الَّتِي تَسَعُ التَّرَخُّصَ قَوْلُهُ: (فَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ إلَخْ) ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ ابْنَ خُزَيْمَةَ رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا م ر عَلَى الرَّوْضِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ) وَالْبَرِيدُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ. اهـ. ق ل وَالْبَرِيدُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الرَّسُولُ وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الْعَرَبِ الْحُمَّى بَرِيدُ الْمَوْتِ أَيْ رَسُولُهُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَسَافَةِ الَّتِي يَقْطَعُهَا وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا وَالْجَمْعُ بُرُدٌ بِضَمَّتَيْنِ وَيُقَالُ لِلدَّابَّةِ الَّتِي يَرْكَبُهَا أَيْضًا الْبَرِيدُ فَهُوَ مُسْتَعَارٌ مِنْ الْمُسْتَعَارِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْمَذْكُورِ مِنْ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (بِتَوْقِيفٍ) أَيْ سَمَاعٍ مِنْ النَّبِيِّ أَوْ رُؤْيَةِ فِعْلِهِ لَا مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ لِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ، فَصَحَّ كَوْنُهُ دَلِيلًا كَمَا قَالَهُ ق ل. وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ وَمِثْلُهُ إنَّمَا يُفْعَلُ بِتَوْقِيفِ جَوَابٍ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ إنَّ هَذَا فِعْلُ صَحَابِيٍّ وَفِعْلُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. فَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مِثْلَهُ إنَّمَا يَفْعَلُ بِتَوْقِيفٍ بَلَغَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحِينَئِذٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (مَعَهُ) لَوْ أَخَّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ فَلَا يُحْسَبُ لَكَانَ أَظْهَرَ لِأَنَّهُ مَعْمُولٌ لَهُ قَوْلُهُ: (وَالْغَالِبُ فِي الرُّخَصِ إلَخْ) أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالْغَالِبُ إلَى مَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الرُّخَصَ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ قَالَهُ ع ش. وَفِي س ل: وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْحَجَرِ الْوَارِدِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ قِيسَ عَلَيْهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ جَامِدٍ إلَخْ قَوْلُهُ: (تَحْدِيدٌ) وَلَوْ بِالِاجْتِهَادِ. لَا يُقَالُ هَذَا رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ. لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَقَامَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ الظَّنَّ مُقَامَ الْيَقِينِ تَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ وَعِبَارَةُ سم. وَلَا يُشْتَرَطُ تَيَقُّنُ التَّحْدِيدِ بَلْ يَكْفِي الظَّنُّ بِالِاجْتِهَادِ قَالَ أج: وَفَارَقَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْقُلَّتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 الْقَصْرَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَيُحْتَاطُ فِيهِ بِتَحَقُّقِ تَقْدِيرِ الْمَسَافَةِ، وَالْمِيلُ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ، وَالْخُطْوَةُ ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ، وَالْقَدَمَانِ ذِرَاعٌ، وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَاتٍ، وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شَعِيرَاتٍ مُعْتَدِلَاتٍ مُعْتَرِضَاتٍ، وَالشَّعِيرَةُ سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ وَخَرَجَ بِالْهَاشِمِيَّةِ الْمَنْسُوبَةِ لِبَنِي هَاشِمٍ، الْأُمَوِيَّةُ الْمَنْسُوبَةُ لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَالْمَسَافَةُ بِهَا أَرْبَعُونَ إذْ كُلُّ خَمْسَةٍ مِنْهَا قَدْرُ سِتَّةٍ هَاشِمِيَّةٍ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ) الْمَقْصُورَةِ فِي أَحَدِ أَوْقَاتِهَا الْأَصْلِيِّ أَوْ الْعُذْرِيِّ أَوْ الضَّرُورِيِّ فَلَا تُقْصَرُ فَائِتَةُ الْحَضَرِ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ تَامَّةً، وَكَذَا لَا تُقْصَرُ فِي السَّفَرِ فَائِتَةٌ مَشْكُوكٌ فِي أَنَّهَا فَائِتَةُ سَفَرٍ أَوْ   [حاشية البجيرمي] حَيْثُ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِمَا عَلَى التَّقْرِيبِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بَيَانُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِيهِمَا عَنْ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ مَا هُنَا اهـ قَوْلُهُ: (خُطْوَةٌ) بِالضَّمِّ وَالْمُرَادُ بِالْخُطْوَةِ خُطْوَةُ الْبَعِيرِ، وَبِالْقَدَمِ قَدَمُ الْآدَمِيِّ قَوْلُهُ: (الْخُطْوَةُ ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ) وَالْقَدَمُ نِصْفُ ذِرَاعٍ، فَالْخُطْوَةُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ، وَالذِّرَاعُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَاتٍ فَهُوَ أَيْ الْمِيلُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ قَوْلُهُ: (وَالْقَدَمَانِ ذِرَاعٌ) فَهُوَ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ، وَالْمُرَادُ ذِرَاعُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ يَنْقُصُ عَنْ ذِرَاعِ الْقِيَاسِ بِنَحْوِ ثُمُنِهِ ق ل. قَالَ عَبْدُ الْبَرِّ: وَقَدْ حَرَّرَ بَعْضُهُمْ هَذَا الذِّرَاعَ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ الْآنَ بِمِصْرَ وَالْحِجَازِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ عَنْ ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَدْرِ الثُّمُنِ، فَعَلَى هَذَا فَالْمَسَافَةُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ خَمْسَةُ آلَافٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ قَلَّ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: (سِتُّ شَعِيرَاتٍ) أَيْ تُوضَعُ بَطْنُ هَذِهِ لِظَهْرِ تِلْكَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (مُعْتَرِضَاتٍ) أَيْ فِي عَرْضِ الْأُصْبُعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلُ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَاتٍ، فَجُمْلَةُ الْمَسَافَةِ بِالْأَقْدَامِ خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ وَسِتَّةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا، وَبِالْأَذْرُعِ مِائَتَا أَلْفٍ وَثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُونَ أَلْفًا، وَبِالْأَصَابِعِ سِتَّةُ آلَافِ أَلْفٍ وَتِسْعُمِائَةِ أَلْفٍ وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَبِالشَّعِيرَاتِ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَبِالشَّعَرَاتِ أَلْفُ أَلْفٍ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا. اهـ. شَرْحِ الرَّوْضِ قَوْلُهُ: (الْبِرْذَوْنُ) أَيْ الْبَغْلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْبِرْذَوْنُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَإِعْجَامِ الذَّالِ الْفَرَسُ الَّذِي أَبَوَاهُ أَعْجَمِيَّانِ وَالْأُنْثَى بِرْذَوْنَةٌ وَالْجَمْعُ بَرَاذِينُ وَذَكَرَ صَاحِبُ مَنْطِقِ الطَّيْرِ أَنَّ الْبِرْذَوْنَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي قُوتَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ اهـ مِنْ مُخْتَصَرِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلسُّيُوطِيِّ قَوْلُهُ: (لِبَنِي هَاشِمٍ) أَيْ بَنِي الْعَبَّاسِ لِتَقْدِيرِهِمْ لَهَا وَقْتَ خِلَافَتِهِمْ وَلَيْسَتْ مَنْسُوبَةً إلَى تَقْدِيرِ هَاشِمٍ جَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ: (الْأُمَوِيَّةُ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا شَوْبَرِيٌّ وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْأَنْسَابِ الْأُمَوِيُّ بِالْفَتْحِ نِسْبَةً إلَى أَمَةَ بْنِ بَجَالَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَالْأُمَوِيُّ بِالضَّمِّ نِسْبَةً إلَى بَنِي أُمَيَّةَ قَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ بَعْدَ ذِكْرِ الْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَالْفَتْحُ قَلِيلٌ اهـ وَمُرَادُهُ أَنَّ الْمَنْسُوبِينَ إلَى أَمَةَ قَلِيلٌ وَالْكَثِيرُ هُمْ الْمَنْسُوبُونَ إلَى بَنِي أُمَيَّةَ لَا أَنَّ فِي هَذِهِ النِّسْبَةِ لُغَتَيْنِ مُطْلَقًا فَمَا هُنَا بِالضَّمِّ لَا غَيْرُ اهـ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: (إذْ كُلُّ خَمْسَةٍ مِنْهَا إلَخْ) بِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهَاشِمِيَّةِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ أَمْيَالَهَا بِالْهَاشِمِيَّةِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَبِالْأُمَوِيَّةِ أَرْبَعُونَ فَيَصِحُّ التَّقْدِيرُ بِالْأُمَوِيَّةِ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ إنَّمَا احْتَرَزَ عَنْهَا لَأَجْلِ قَوْلِهِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ إذْ بَعْدَ هَذَا الْعَدَدِ يَجِبُ التَّقْيِيدُ بِالْهَاشِمِيَّةِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيَا لِلصَّلَاةِ) دَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَإِنَّهُ يَقْصُرُهَا سَوَاءٌ شَرَعَ فِيهَا فِي الْوَقْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِكَوْنِهَا مُؤَدَّاةً، أَمْ صَلَّاهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لِأَنَّهَا فَائِتَةُ سَفَرٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ م ر. وَصَرَّحَ بِهِ ز ي وَالْبِرْمَاوِيُّ حَيْثُ قَالَ: مُؤَدَّاةٌ يَقِينًا وَلَوْ أَدَاءً مَجَازِيًّا بِأَنْ شَرَعَ فِيهَا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي السَّفَرِ وَأَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَوْلُ ز ي: يَكْفِي إدْرَاكُ مَا يَسَعُ رَكْعَةً مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي السَّفَرِ، مُرَادُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ قَصْرُهَا لِكَوْنِهَا فَائِتَةَ سَفَرٍ خِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ الْخَطِيبِ مِنْ مَنْعِ قَصْرِهَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُ فَائِتَةُ حَضَرٍ قَوْلُهُ: (أَوْ الضَّرُورِيُّ) فِيهِ نَظَرٌ وَاضِحٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 حَضَرٍ احْتِيَاطًا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ، وَتُقْضَى فَائِتَةُ سَفَرِ قَصْرٍ فِي سَفَرِ قَصْرٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ سَفَرِ الْفَائِتَةِ دُونَ الْحَضَرِ نَظَرًا إلَى وُجُودِ السَّبَبِ (وَ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ (أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ مَعَ) تَكْبِيرَةِ (الْإِحْرَامِ) كَأَصْلِ النِّيَّةِ وَمِثْلُ نِيَّةِ الْقَصْرِ مَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَثَلًا رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَنْوِ تَرَخُّصًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَمَا لَوْ قَالَ: أُؤَدِّي صَلَاةَ السَّفَرِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، فَلَوْ لَمْ يَنْوِ مَا ذُكِرَ بِأَنْ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ أَطْلَقَ أَتَمَّ لِأَنَّهُ الْمَنْوِيُّ فِي الْأُولَى وَالْأَصْلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُشْتَرَطُ التَّحَرُّزُ عَنْ مُنَافِي نِيَّةِ الْقَصْرِ فِي دَوَامِ الصَّلَاةِ كَنِيَّةِ الْإِتْمَامِ، فَلَوْ نَوَاهُ بَعْدَ نِيَّةِ الْقَصْرِ أَتَمَّ تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ التَّحَرُّزُ عَنْ مُنَافِيهَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِدَامَةُ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ أَوْ يُتِمُّ أَتَمَّ، أَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا أَتَمَّ، وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الْحَالِ أَنَّهُ نَوَاهُ لِأَنَّهُ أَدَّى جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ حَالَ التَّرَدُّدِ عَلَى التَّمَامِ، وَلَوْ قَامَ إمَامُهُ لِثَالِثَةٍ فَشَكَّ هَلْ هُوَ مُتِمٌّ أَوْ سَاهٍ أَتَمَّ وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ سَاهٍ، وَلَوْ قَامَ الْقَاصِرُ لِثَالِثَةٍ عَمْدًا بِلَا مُوجِبٍ لِلْإِتْمَامِ كَنِيَّتِهِ أَوْ نِيَّةِ إقَامَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ سَهْوًا ثُمَّ تَذَكَّرَ عَادَ وُجُوبًا وَسَجَدَ لَهُ نَدْبًا وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَرَادَ عِنْدَ تَذَكُّرِهِ أَنْ يُتِمَّ عَادَ لِلْقُعُودِ وُجُوبًا ثُمَّ قَامَ نَاوِيًا الْإِتْمَامَ (وَ) الشَّرْطُ الْخَامِسُ (أَنْ لَا يَأْتَمَّ بِمُقِيمٍ) أَوْ بِمَنْ (جَهِلَ سَفَرَهُ) فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ وَلَوْ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ كَأَنْ أَدْرَكَهُ فِي   [حاشية البجيرمي] مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ مَعَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ أَدَاءً إذَا وَقَعَتْ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ وَقْتَ الضَّرُورَةِ يَصْدُقُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ أَوْ الضَّرُورِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَاضِحٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ بِاعْتِبَارِ الْمُسَافِرِ فَهُوَ مِنْ فَائِتَةِ السَّفَرِ قَوْلُهُ: (فَائِتَةُ سَفَرِ قَصْرٍ) أَيْ مَقْصُورَةً، وَمِنْهَا مَا لَوْ سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ شَيْخِنَا م ر اهـ ق ل. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَأَصْلِ النِّيَّةِ) يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَقْتَرِنَ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ التَّكْبِيرَةِ كَنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ ح ل. فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ مَعَ قَصْدِ الْفِعْلِ وَالتَّعْيِينِ وَنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَا تَكْفِي نِيَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ وَلَا بَعْدَ التَّكْبِيرِ فِي الْأَثْنَاءِ. اهـ. م د. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَكْفِي اقْتِرَانُ نِيَّةِ الْقَصْرِ بِجُزْءٍ مِنْ التَّكْبِيرِ قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ التَّحَرُّزُ عَنْ مُنَافِي نِيَّةِ الْقَصْرِ) هَذَا مِنْ الشُّرُوطِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمَتْنِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهَا مَعَهَا فِيمَا يَأْتِي. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (فَلَوْ نَوَاهُ) أَيْ الْإِتْمَامَ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي فُرُوعٍ أَرْبَعَةٍ عَلَى مَفْهُومِ الشَّرْطِ قَوْلُهُ: (لَا يُشْتَرَطُ اسْتِدَامَةُ نِيَّةِ الْقَصْرِ) أَيْ ذِكْرًا أَيْ اسْتِحْضَارًا وَأَمَّا حُكْمًا بِأَنْ لَا يَأْتِيَ بِمَا يُنَافِيهَا فَيُشْتَرَطُ كَمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَامَ إمَامُهُ) أَيْ شَرَعَ فِي الْقِيَامِ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ يَحْصُلُ التَّرَدُّدُ فِي حَالِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَنْتَصِبَ أَوْ يَصِيرَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ. اهـ. ح ل. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ قَامَ الْقَاصِرُ) أَيْ شَرَعَ فِي الْقِيَامِ وَإِنْ لَمْ يَصِرْ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ أَوْ يَصِيرُ إلَيْهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ لِأَنَّهُ شُرُوعٌ فِي مُبْطِلٍ ح ل. قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَامَ نَاوِيًا الْإِتْمَامَ) فَلَا يَكْفِي نِيَّةُ الْإِتْمَامِ قَبْلَ قُعُودِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِهَا الْإِتْمَامُ ق ل. أَيْ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ لَاغٍ لَاغٍ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ. قَوْلُهُ: (بِمُقِيمٍ) وَلَوْ فِي صُبْحٍ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَلَوْ قَالَ: بِمُتِمٍّ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى، وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ خَلْفَ مُتِمٍّ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَغَتْ نِيَّةُ الْقَصْرِ هَذَا إنْ كَانَ إمَامُهُ مُسَافِرًا وَإِلَّا فَلَا تَنْعَقِدُ قَوْلُهُ: (أَوْ بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ) أَيْ وَلَوْ بَانَ مُسَافِرًا قَاصِرًا فَإِنْ عَلِمَهُ مُتِمًّا وَنَوَى خَلْفَهُ الْقَصْرَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ أَفْتَى بِذَلِكَ الشِّهَابُ م ر. لَكِنْ فِي شَرْحِ وَلَدِهِ مَا يُخَالِفُهُ وَعِبَارَتُهُ: وَتَنْعَقِدُ صَلَاةُ الْقَاصِرِ خَلْفَ مُتِمٍّ، وَتَلْغُو نِيَّةُ الْقَصْرِ بِخِلَافِ الْمُقِيمِ لَوْ نَوَى الْقَصْرَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ اهـ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَتَى عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ إمَامَهُ مُقِيمٌ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، فَلَوْ اقْتَدَى بِهِ وَنَوَى الْقَصْرَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَغَتْ نِيَّةُ الْقَصْرِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَأْمُومُ عَالِمًا بِأَنَّ إمَامَهُ مُقِيمٌ أَوْ مُسَافِرٌ مُتِمٌّ وَنَوَى الْقَصْرَ خَلْفَهُ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْمُومُ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا لِتَلَاعُبِهِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا مُسَافِرَيْنِ وَالْإِمَامُ مُتِمٌّ وَقَدْ جَهِلَ الْمُقْتَدِي حَالَ الْإِمَامِ فَنَوَى الْقَصْرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 آخِرِ صَلَاتِهِ أَوْ أَحْدَثَ هُوَ عَقِبَ اقْتِدَائِهِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِخَبَرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " سُئِلَ مَا بَالُ الْمُسَافِرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إذَا انْفَرَدَ وَأَرْبَعًا إذَا ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ؟ فَقَالَ: تِلْكَ السُّنَّةُ وَلَهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ إنْ صَلَّاهَا أَوَّلًا مَقْصُورَةً وَصَلَّاهَا ثَانِيًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّيهَا مَقْصُورَةً، أَوْ صَلَّاهَا إمَامًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا فَبَانَ مُقِيمًا فَقَطْ أَوْ مُقِيمًا ثُمَّ مُحْدِثًا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، أَمَّا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا ثُمَّ مُقِيمًا أَوْ بَانَا مَعًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إذْ لَا قُدْوَةَ فِي الْحَقِيقَةِ وَفِي الظَّاهِرِ ظَنَّهُ مُسَافِرًا، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ قَاصِرٌ لِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ مُتِمًّا أَتَمَّ الْمُقْتَدُونَ بِهِ كَالْإِمَامِ إنْ عَادَ وَاقْتَدَى بِهِ،   [حاشية البجيرمي] صَحَّتْ قُدْوَتُهُ وَلَغَتْ نِيَّةُ الْقَصْرِ. وَأَتَمَّ لِعَدَمِ تَلَاعُبِهِ مَعَ كَوْنِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ، فَتَأَمَّلْ أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِأَحَدِهِمَا أَيْ الْمُقِيمِ أَوْ مَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ قَوْلُهُ: (أَوْ أَحْدَثَ) أَيْ الْإِمَامُ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: أَوْ بَانَ حَدَثُ إمَامِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلْإِمَامِ إبْرَازُهُ خِلَافًا لِلْمَدَابِغِيِّ حَيْثُ رَجَّعَ الضَّمِيرَ لِلْمَأْمُومِ قَوْلُهُ: (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: هَذَا قَوْلُ صَحَابِيٍّ. وَقَوْلُهُ وَفِعْلُهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا. وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ أَيْ الْمَنْسُوبِ إلَى النَّبِيِّ كَأَنَّ النَّبِيَّ قَالَهُ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ السُّنَّةُ كَذَا أَوْ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ وَكَذَا قَوْلُهُ أُمِرْنَا أَوْ نُهِينَا قَوْلُهُ: (تِلْكَ السُّنَّةُ) هُوَ جَوَابٌ بِالْحُكْمِ وَهُوَ لَا يَكْفِي عَنْ الْحِكْمَةِ، فَكَانَ حَقُّ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْإِتْمَامَ بِرَبْطِهَا بِالْمُتِمِّ م د. وَقَوْلُهُ: تِلْكَ السُّنَّةُ أَيْ الطَّرِيقَةُ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدُ قَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ) هَذَا لَا يَنْفِي أَنَّهُ مَنْقُولٌ وَأَنَّ غَيْرَهُ قَالَهُ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا نَفَى رُؤْيَتَهُ فَقَدْ وَافَقَ بَحْثُهُ الْمَنْقُولَ. وَفِي الَأُجْهُورِيُّ مَا نَصُّهُ عِبَارَةُ م ر قَدْ تَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي كَلَامِهِمْ وَأَنَّ فِيهَا خِلَافًا، وَعِبَارَتُهُ وَالْأَوْجَهُ جَوَازُ قَصْرِ مُعَادَةٍ صَلَّاهَا أَوْ مَقْصُورَةٍ وَفِعْلِهَا ثَانِيًا إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا بِقَاصِرٍ اهـ. قُلْتُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهَا فِي كَلَامِهِمْ ثُبُوتُ رُؤْيَةِ الْمُؤَلِّفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِهَا، وَإِنَّمَا حَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَمِ رُؤْيَتِهَا وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: بَحْثُ الْمُؤَلِّفِ وَافَقَ الْمَنْقُولَ اهـ قَوْلُهُ: (ثُمَّ مُحْدِثًا) فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَنَوَى الْمُفَارَقَةَ وَأَتَمَّهَا مُنْفَرِدًا فَذَاكَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ عِنْدَ عِلْمِهِ بِحَدَثِ الْإِمَامِ وَدَامَ عَلَى الْمُتَابَعَةِ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَيُعِيدُهَا تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ تَبَيَّنَ الْحَدَثَ بَعْدَ مَا صَلَّاهَا وَفَرَغَ مِنْهَا تَامَّةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا تَامَّةً عَلَى كُلِّ حَالٍ، أَيْ وَكَأَنْ دَخَلَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ مُتَطَهِّرًا ثُمَّ طَرَأَ لَهُ الْحَدَثُ، أَمَّا لَوْ دَخَلَ فِيهَا مُحْدِثًا وَأَتَمَّهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا تَفْصِيلُ الْمَأْمُومِ فَبِحَالِهِ قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ) لِتَبَيُّنِ مُوجِبِ الْإِتْمَامِ قَبْلَ الْحَدَثِ فِي الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَانَا مَعًا) بِأَنْ قَالَ لَهُ: شَخْصٌ إمَامُكَ مُحْدِثٌ وَقَالَ لَهُ آخَرُ: إمَامُكَ مُقِيمٌ وَالْقَوْلَانِ مُتَقَارِنَانِ أَيْ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (وَفِي الظَّاهِرِ ظَنَّهُ مُسَافِرًا) بِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: أَوْ بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا أَتَمَّ لِعَدَمِ ظَنِّهِ مُسَافِرًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُهُ) كَأَنْ رَعَفَ بِتَثْلِيثِ الْعَيْنِ وَهُوَ دَمٌ يَخْرُجُ مِنْ الْأَنْفِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ لِأَنَّهُ مِنْ دَمِ الْمَنَافِذِ وَهِيَ مُخْتَلِطَةٌ بِأَجْنَبِيٍّ فَلَا يُعْفَى عَنْهَا مُطْلَقًا عَلَى مُعْتَمَدِ م ر. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يُعْفَى عَنْ الْقَلِيلِ لِأَنَّ مَا اخْتَلَطَ بِهِ ضَرُورِيٌّ قَوْلُهُ: (مُتِمًّا) أَيْ مِنْ الْمُقْتَدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَخَرَجَ مَا إذَا اسْتَخْلَفَ قَاصِرًا قَوْلُهُ: (أَتَمَّ الْمُقْتَدُونَ بِهِ) وَإِنْ لَمْ يَنْوُوا الِاقْتِدَاءَ بِهِ لِأَنَّهُمْ مُقْتَدُونَ بِهِ حُكْمًا بِدَلِيلِ لُحُوقِهِمْ سَهْوُهُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَقَوْلُ الْمَتْنِ: أَنْ لَا يَأْتَمَّ بِمُقِيمٍ أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَمَحَلُّ عَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ إذَا كَانَ الْخَلِيفَةُ مِنْ الْمُقْتَدِينَ وَكَانَ مُوَافِقًا لِنَظْمِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَاسْتُخْلِفَ عَنْ قُرْبٍ بِأَنْ لَمْ يَمْضِ قَدْرُ رُكْنٍ. اهـ. ح ف. وَق ل وَعِبَارَةُ م ر مُتِمًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدِيًا بِهِ أَتَمَّ الْمُقْتَدُونَ الْمُسَافِرُونَ وَلَوْ لَمْ يَنْوُوا الِاقْتِدَاءَ بِهِ لِصَيْرُورَتِهِمْ مُقْتَدِينَ بِهِ حُكْمًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِخْلَافِ، وَمِنْ ثَمَّ لَحِقَهُمْ سَهْوُهُ وَتَحَمَّلَ سَهْوَهُمْ. نَعَمْ لَوْ نَوَوْا فِرَاقَهُ عِنْدَ إحْسَاسِهِمْ بِأَوَّلِ رُعَافِهِ أَوْ حَدَثِهِ قَبْلَ تَمَامِ اسْتِخْلَافِهِ قَصَرُوا كَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ هُوَ وَلَا الْمَأْمُومُونَ أَوْ اسْتَخْلَفَ قَاصِرًا اهـ. بِالْحَرْفِ فَالتَّقْيِيدُ لَيْسَ صَحِيحًا. وَقَالَ ق ل: أَتَمَّ الْمُقْتَدُونَ إنْ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى نِيَّةِ اقْتِدَائِهِ كَأَنْ كَانَ مِنْ الْمُقْتَدِينَ بِهِ وَمُوَافِقًا لِنَظْمِ صَلَاتِهِ وَاسْتَخْلَفَهُ فَوْرًا فِيهِمَا، وَإِلَّا فَإِنْ نَوَوْا الِاقْتِدَاءَ بِهِ أَتَمُّوا وَإِلَّا فَلَا اهـ. قَوْلُهُ: (كَالْإِمَامِ إنْ عَادَ وَاقْتَدَى بِهِ) أَيْ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِاقْتِدَائِهِ بِمُتِمٍّ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ بَعْضُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وَلَوْ لَزِمَ الْإِتْمَامُ مُقْتَدِيًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَوْ صَلَاةُ إمَامِهِ أَوْ بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا أَتَمَّ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا وَمَا ذُكِرَ لَا يَدْفَعُهُ، وَلَوْ بَانَ لِلْإِمَامِ حَدَثُ نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ، وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ فَقَدَ الطَّهُورَيْنِ فَشَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الطَّهَارَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَصَرَ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ لَيْسَ بِحَقِيقَةِ صَلَاةٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ شَرْعِيَّةٍ بَلْ تُشْبِهُهَا وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَنْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ثُمَّ أَعَادَهَا. وَلَوْ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ وَشَكَّ فِي نِيَّةِ الْقَصْرِ فَجَزَمَ هُوَ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ إنْ بَانَ الْإِمَامُ قَاصِرًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ الْقَصْرُ، فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مُتِمٌّ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، فَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِالنِّيَّةِ بَلْ قَالَ إنْ قَصَرَ قَصَرْتُ وَإِلَّا بِأَنْ أَتَمَّ أَتْمَمْتُ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ إنْ قَصَرَ إمَامُهُ لِأَنَّهُ نَوَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالْمُقْتَضَى، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَأْمُومِ مَا نَوَاهُ الْإِمَامُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ احْتِيَاطًا. هَذَا آخِرُ الشُّرُوطِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا الزَّائِدُ عَلَيْهَا فَأُمُورٌ: الْأَوَّلُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسَافِرًا فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ،   [حاشية البجيرمي] الْقَوْمِ مُتِمًّا وَبَعْضُهُمْ قَاصِرًا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ اهـ أج قَوْلُهُ: (فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ. وَفِي نُسْخَةٍ فَفَسَدَتْ بِالْفَاءِ وَهِيَ أَظْهَرُ لِأَنَّهَا نَصٌّ فِي الْبَعْدِيَّةِ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: فَفَسَدَتْ مَا لَوْ بَانَ عَدَمُ انْعِقَادِهَا فَلَهُ قَصْرُهَا. وَالضَّابِطُ كَمَا أَفَادَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ كُلَّ مَا عَرَضَ فَسَادُهُ بَعْدَ مُوجِبِ الْإِتْمَامِ يَجِبُ إتْمَامُهُ وَمَا لَا فَلَا شَرْحُ م ر اهـ أج قَوْلُهُ: (أَوْ بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا) أَيْ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ نَحْوِ كَوْنِهِ ذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَانَ لِلْإِمَامِ حَدَثُ نَفْسِهِ) أَيْ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ كَانَ نَاوِيًا الْإِتْمَامَ، وَقَوْلُهُ لِلْإِمَامِ وَمِثْلُهُ الْمُنْفَرِدُ قَوْلُهُ: (لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ) أَيْ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ لَا تُغْنِيهِ صَلَاتُهُ بِوَجْهٍ فَهِيَ فِي حَقِّهِ كَالْعَدَمِ بِخِلَافِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُحْدِثِ أَيْ مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِهِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيُغْنِي عَنْ الْإِعَادَةِ قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ) بِأَنْ أَطْلَقَ. وَقَوْلُهُ: لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّ إطْلَاقَهَا يَصْرِفُهَا لِلْإِتْمَامِ، فَإِذَا فَسَدَتْ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ تَامَّةً. قَالَ م ر فِي الشَّرْحِ: وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَا عَرَضَ فَسَادُهُ بَعْدَ مُوجِبِ الْإِتْمَامِ يَجِبُ إتْمَامُهُ وَمَا لَا فَلَا قَوْلُهُ: (قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَصَرَ) اعْتَمَدَهُ م ر وَكَذَا اعْتَمَدَ الْقَصْرَ فِي قَوْلِهِ الْآتِي وَكَذَا يُقَالُ إلَخْ قَوْلُهُ: (وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ) أَيْ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ شَرْعِيَّةٌ يُبْطِلُهَا مَا يُبْطِلُ غَيْرَهَا ق ل. أَيْ وَيَلْزَمُهُ عَدَمُ قَصْرِهَا لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا أَوَّلًا تَامَّةً بِفِعْلِهَا، فَثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ كَذَلِكَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) أَيْ مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ مِنْ أَنَّهَا لَا تُقْصَرُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا صَلَاةً شَرْعِيَّةً أَنَّهَا لَا تُقْصَرُ وَهُوَ ضَعِيفٌ. فَقَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ أَيْ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فَقَدْ قَالَ م ر: وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةً شَرْعِيَّةً لَمْ يَسْقُطْ بِهَا طَلَبُ فِعْلِهَا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِهَا حُرْمَةُ الْوَقْتِ فَقَطْ فَكَأَنَّهَا كَالْعَدَمِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَنْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ثُمَّ أَعَادَهَا اهـ. قَوْلُهُ: (فِي نِيَّةِ الْقَصْرِ) أَيْ فِي نِيَّةِ الْإِمَامِ الْقَصْرَ قَوْلُهُ (لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ) وَكَذَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَأْمُومِ حَالُ الْإِمَامِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَأْمُومِ مَا نَوَاهُ الْإِمَامُ إلَخْ فَهُوَ رَاجِعٌ لِصُورَتَيْ الْجَزْمِ وَالتَّعْلِيقِ. اهـ. م د قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِالنِّيَّةِ) صَوَابُهُ فَإِنْ عَلَّقَ الْقَصْرَ فِي نِيَّتِهِ ق ل قَوْلُهُ: (جَازَ لَهُ الْقَصْرُ) وَلَا يَضُرُّ التَّعْلِيقُ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِصَلَاةِ إمَامِهِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِأَنَّ مَحَلَّ اخْتِلَالِ النِّيَّةِ بِالتَّعْلِيقِ مَا لَمْ يَكُنْ تَصْرِيحًا بِمُقْتَضَى الْحَالِ وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالْمُقْتَضَى) بِالْفَتْحِ أَيْ مُقْتَضَى الْحَالِ وَهُوَ قَصْرُهُ إنْ قَصَرَ وَإِتْمَامُهُ إنْ أَتَمَّ قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَأْمُومِ مَا نَوَاهُ الْإِمَامُ) كَأَنْ جُنَّ الْإِمَامُ عَقِبَ سَلَامِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ لَمْ يُخْبِرْ بِشَيْءٍ قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ احْتِيَاطًا) إذْ الْقَصْرُ رُخْصَةٌ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، فَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ كُنْتُ نَوَيْتُ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ أَوْ نَوَيْتُ الْقَصْرَ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ اهـ. وَلَوْ لَزِمَ الْإِتْمَامُ الْإِمَامَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْمَأْمُومِ نَفْسَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِمَامٍ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: (فَأُمُورٌ) أَيْ أَرْبَعَةٌ قَوْلُهُ: (الْأَوَّلُ يُشْتَرَطُ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ قَوْلُهُ: (مُسَافِرًا) أَيْ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالسَّفَرِ وَلَوْ مُقِيمًا إقَامَةً لَا تَقْطَعُ السَّفَرَ كَأَنْ أَقَامَ دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوْ كَانَ يَنْتَظِرُ حَاجَتَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا غَيْرَ يَوْمَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 فَلَوْ انْتَهَى سَفَرُهُ فِيهَا كَأَنْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ أَوْ شَكَّ فِي انْتِهَائِهِ أَتَمَّ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ فِي الْأُولَى وَلِلشَّكِّ فِيهِ فِي الثَّانِيَةِ. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوَّلَ سَفَرِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ طَوِيلٌ فَيَقْصُرَ أَوَّلًا، فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ لِانْتِفَاءِ عِلْمِهِ بِطُولِهِ أَوَّلَهُ، وَلَا طَالِبَ غَرِيمٍ أَوْ آبِقٍ يَرْجِعُ مَتَى وَجَدَهُ وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ سَفَرَ مَرْحَلَتَيْنِ أَوَّلًا كَأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَطْلُوبَهُ قَبْلَهُمَا جَازَ لَهُ الْقَصْرُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الْهَائِمُ سَفَرَ مَرْحَلَتَيْنِ كَمَا شَمِلَتْهُ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ عَلِمَ الْأَسِيرُ أَنَّ سَفَرَهُ طَوِيلٌ وَنَوَى الْهَرَبَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَيَقْصُرُ بَعْدَهُمَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ إذَا نَوَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهَا مَتَى تَخَلَّصَتْ مِنْ زَوْجِهَا رَجَعَتْ، وَالْعَبْدُ أَنَّهُ مَتَى عَتَقَ رَجَعَ فَلَا يَتَرَخَّصَانِ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ طَوِيلٌ يَبْلُغُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَقَصِيرٌ لَا يَبْلُغُهَا فَسَلَكَ الطَّوِيلَ لِغَرَضٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ كَسُهُولَةِ طَرِيقٍ، أَوْ أَمْنٍ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ الْمُبَاحُ، وَإِنْ سَلَكَهُ لِمُجَرَّدِ الْقَصْرِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فَلَا يَقْصُرُ لِأَنَّهُ طَوَّلَ   [حاشية البجيرمي] الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لِأَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهِ. قَالَ ق ل: وَهَذَا الشَّرْطُ مِنْ أَفْرَادِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ. وَيُشْتَرَطُ التَّحَرُّزُ إلَخْ قَوْلُهُ: (لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ) وَهُوَ السَّفَرُ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ قَوْلُهُ: (قَصْدُ مَوْضِعٍ) مُرَادُهُ قَصْدُ طُولِ السَّفَرِ اهـ ق ل قَوْلُهُ: (مَعْلُومٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَسَافَةِ قَوْلُهُ: (مُعَيَّنٍ) كَأَنْ قَصَدَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَوْ دِمَشْقَ، وَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَأَنْ قَصَدَ الشَّامَ إذْ الشَّامُ عَامٌّ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ وَنَحْوُهُ خَاصٌّ. وَقِيلَ الْمَعْلُومُ الْمُعَيَّنُ كَالشَّامِ وَالْمَعْلُومُ الْغَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَأَنْ قَصَدَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ مَحَلًّا بِعَيْنِهِ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ إذْ الشَّامُ مُعَيَّنٌ مِنْ غَيْرِهِ كَالْيَمَنِ اهـ أج قَوْلُهُ: (أَوَّلَ سَفَرِهِ) مَعْمُولٌ لَقَصَدَ وَالْمَعْلُومُ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ بَعْدُ قَوْلُهُ: (لِيَعْلَمَ أَنَّهُ طَوِيلٌ) عِبَارَتُهُ تَشْمَلُ مَا لَوْ قَصَدَ كَافِرٌ مَرْحَلَتَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي أَثْنَائِهِمَا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فِيمَا بَقِيَ لِقَصْدِهِ أَوَّلًا مَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْقَصْرُ لَوْ كَانَ مُتَأَهِّلًا لَهُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَيَقْصُرَ أَوَّلًا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَيَكُونُ ظَرْفًا لِيَقْصُرَ، وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ بِسُكُونِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُحَشِّيِّ فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ أَيْ أَوْ لَا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ) أَيْ لِأَنَّ سَفَرَهُ مَعْصِيَةٌ إذْ إتْعَابُ النَّفْسِ بِالسَّفَرِ لِغَيْرِ غَرَضٍ حَرَامٌ اهـ. وَسَوَاءٌ سَلَكَ طَرِيقًا مَسْلُوكًا أَمْ لَا فَإِنْ رَكِبَ طَرِيقًا غَيْرَ مَسْلُوكٍ سُمِّيَ رَاكِبَ التَّعَاسِيفِ فَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي أَنَّهَا لَا يَقْصِدَانِ مَحَلًّا مُعَيَّنًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا مَسْلُوكًا سُمِّيَ هَائِمًا فَقَطْ، أَوْ طَرِيقًا غَيْرَ مَسْلُوكٍ سُمِّيَ هَائِمًا وَرَاكِبَ التَّعَاسِيفِ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ يَجْتَمِعَانِ فِي مَادَّةٍ وَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا فِي أُخْرَى، وَالتَّعَاسِيفُ جَمْعُ تَعَسُّفٍ مَأْخُوذٌ مِنْ تَعَسَّفَ مَالَهُ أَوْ مِنْ عَسَّفَهُ تَعَسُّفًا أَتْعَبَهُ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَلَا طَالِبَ غَرِيمٍ) أَيْ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَرْحَلَتَيْنِ، فَإِنْ جَاوَزَهُمَا قَصَرَ فِيمَا بَعْدَهُمَا وَهَذَا غَيْرُ الِاسْتِدْرَاكِ الْآتِي قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الْهَائِمُ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي كَوْنِ هَذَا هَائِمًا نَظَرٌ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (نَوَى الْهَرَبَ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ لَمْ يَقْصُرْ) أَيْ لِمُعَارَضَةِ نِيَّةِ الْهَرَبِ لِعِلْمِهِ بِطُولِهِ قَوْلُهُ: (مَتَى تَخَلَّصَتْ إلَخْ) أَيْ أَوْ تَمَكَّنَتْ مِنْ النُّشُوزِ نَشَزَتْ، وَالْعَبْدُ مَتَى تَمَكَّنَ مِنْ الْهَرَبِ هَرَبَ لَمْ يَقْصُرُوا قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ لِمُنَافَاةِ نِيَّتِهِمَا لِعِلْمِهِمَا بِطُولِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى عَلِمَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الْأَسِيرُ طُولَ الْمَسَافَةِ فَلَهُمْ الْقَصْرُ مَا لَمْ يَنْوُوا الْهَرَبَ وَنَحْوَهُ، فَإِنْ نَوَوْهُ فَلَا قَصْرَ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الْمَسَافَةِ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَلَا قَصْرَ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ نَوَوْا الْهَرَبَ وَنَحْوَهُ أَمْ لَا مَا لَمْ يَبْلُغُوا مَسَافَةَ الْقَصْرِ، فَلَوْ نَوَوْا سَيْرَ مَرْحَلَتَيْنِ قَصَرَ الْجُنْدِيُّ إنْ لَمْ يُثْبَتْ قَوْلُهُ: (لِغَرَضٍ دِينِيٍّ) أَيْ وَلَوْ مَعَ نِيَّةِ الْقَصْرِ فَلَا يَضُرُّ التَّشْرِيكُ، وَمَثَّلَ الْمَرْحُومِيُّ لِلْغَرَضِ الدِّينِيِّ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ زِيَارَةِ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ قَوْلُهُ: (أَوْ دُنْيَوِيٍّ) وَمِنْهُ قَصْدُ النُّزْهَةِ وَلَا يَقْصُرُ مَنْ قَصَرَ ابْتِدَاءَ السَّفَرِ لَهَا، وَهَذِهِ خَارِجَةٌ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (كَسُهُولَةِ طَرِيقٍ) أَيْ أَوْ رُخْصِ سِعْرِ بِضَاعَةٍ أَوْ زِيَادَةٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (أَوْ أَمْنٍ) أَوْ فِرَارٍ مِنْ الْمَكَّاسِينَ قَوْلُهُ: (جَازَ لَهُ الْقَصْرُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ إلَخْ) وَمِنْهُ مَا لَوْ سَلَكَ لِغَرَضِ التِّجَارَةِ أَوْ التَّنَزُّهِ قَالَ م ر: لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ انْضَمَّ لَهُ مَا ذُكِرَ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْغَرَضُ التَّنَزُّهَ كَأَنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فَلَا يَقْصُرْ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 الطَّرِيقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ وَلَوْ تَبِعَ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْجُنْدِيُّ مَالِكَ أَمْرِهِ فِي السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَقْصِدَهُ فَلَا قَصْرَ لَهُمْ وَهَذَا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، فَإِنْ قَطَعُوهَا قَصَرُوا كَمَا مَرَّ فِي الْأَسِيرِ، فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَحْدَهُمْ دُونَ مَتْبُوعِهِمْ قَصَرَ الْجُنْدِيُّ غَيْرُ الْمُثْبَتِ فِي الدِّيوَانِ دُونَهُمَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ قَهْرُهُ بِخِلَافِهِمَا فَنِيَّتُهُمَا كَالْعَدَمِ، أَمَّا الْمُثْبَتُ فِي الدِّيوَانِ فَهُوَ مِثْلُهُمَا لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ تَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ وَمِثْلُهُ الْجَيْشُ. وَالثَّالِثُ: يُشْتَرَط لِلْقَصْرِ مُجَاوَزَةُ سُوَرٍ مُخْتَصٍّ بِمَا سَافَرَ مِنْهُ كَبَلَدٍ وَقَرْيَةٍ وَإِنْ كَانَ دَاخِلَهُ أَمَاكِنُ خَرِبَةٌ وَمَزَارِعُ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا هُوَ دَاخِلَهُ مَعْدُودٌ مِمَّا سَافَرَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سُوَرٌ مُخْتَصٌّ بِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ سُوَرٌ مُطْلَقًا أَوْ فِي صَوْبِ سَفَرِهِ أَوْ كَانَ لَهُ سُوَرٌ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ كَقُرًى مُتَفَاصِلَةٍ جَمَعَهَا سُوَرٌ فَأَوَّلُهُ مُجَاوَزَةُ عُمْرَانٍ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ خَرَابٌ لَا مُجَاوَزَةُ خَرَابٍ بِطَرْفِهِ هُجِرَ بِالتَّحْوِيطِ عَلَى الْعَامِرِ أَوْ زُرِعَ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي، أَوْ انْدَرَسَ بِأَنْ ذَهَبَتْ أُصُولُ حِيطَانِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلُّ إقَامَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ   [حاشية البجيرمي] شَرْحُ م ر خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَ التَّنَزُّهِ وَرُؤْيَةِ الْبِلَادِ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْغَرَضُ التَّنَزُّهَ جَازَ عَلَى الْأَوْجَهِ. قَالَ لِأَنَّهُ غَرَضٌ مَقْصُودٌ إذْ هُوَ إزَالَةُ الْكُدُورَةِ النَّفْسِيَّةِ بِرُؤْيَةِ مُسْتَحْسَنٍ يَغْسِلُهَا عَنْهَا، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ ابْتِدَاءً أَوْ عِنْدَ الْعُدُولِ لِأَنَّهُ غَرَضٌ فَاسِدٌ وَلُزُومُ التَّنَزُّهِ لَهُ لَا نَظَرَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ اهـ أج قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ طَوَّلَ الطَّرِيقِ إلَخْ) قَالَ م ر: وَكَذَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْمُتَعَمِّدِ بِخِلَافِ الْغَالِطِ وَالْجَاهِلِ بِالْأَقْرَبِ مِنْهُمَا فَإِنَّ الْأَوْجَهَ قَصْرُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا غَرَضٌ فِي سُلُوكِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَا طَوِيلَيْنِ فَيَقْصُرُ مُطْلَقًا وَإِنْ سَلَكَ أَطْوَلَهُمَا لِغَرَضِ الْقَصْرِ، وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا سَلَكَ الْأَطْوَلَ لِغَرَضِ الْقَصْرِ فَقَطْ كَانَ إتْعَابًا لِلنَّفْسِ وَهُوَ حَرَامٌ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحُرْمَةَ هُنَا بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْقَصْرِ لِبَقَاءِ أَصْلِ السَّفَرِ عَلَى إبَاحَتِهِ اهـ أج قَوْلُهُ: (أَوْ الْجُنْدِيُّ) أَيْ الْمُقَاتِلُ وَقَوْلُهُ (أَمْرِهِ) أَيْ الْأَحَدُ قَوْلُهُ: (قَصَرُوا كَمَا مَرَّ) وَلَهُمْ قَصْرُ مَا فَاتَهُمْ فِيهَا لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا فَائِتَةُ سَفَرٍ م ر وز ي وَالْأَوْجَهُ أَنَّ رُؤْيَةَ قَصْرِ الْمَتْبُوعِ الْعَالِمِ بِشُرُوطِ الْقَصْرِ بِمُجَرَّدِ مُفَارَقَتِهِ لِمَحَلِّهِ كَعِلْمِ مَقْصِدِهِ شَرْحُ حَجّ قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُثْبَتُ فِي الدِّيوَانِ فَهُوَ مِثْلُهُمَا) وَمِثْلُ الْمُثْبَتِ مَنْ يَخْتَلُّ بِهِ النِّظَامُ وَلَوْ غَيْرَ مُثْبَتٍ ق ل قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ) أَيْ الْجُنْدِيِّ الْمُثْبَتِ الْجَيْشُ لِاخْتِلَالِ النِّظَامِ بِرُجُوعِهِ. وَعِبَارَةُ أج: وَمِثْلُهُ الْجَيْشُ أَيْ لِأَنَّهُ تَحْتَ أَمْرِ الْأَمِيرِ وَطَاعَتِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْجَيْشَ إذَا بَعَثَهُ الْإِمَامُ وَأَمَّرَ أَمِيرًا عَلَيْهِمْ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ شَرْعًا، كَمَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ طَاعَةُ سَيِّدِهِ وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا نَوَى جَمِيعُ الْجَيْشِ فَنِيَّتُهُمْ لِلرُّجُوعِ كَالْعَدَمِ لِأَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ التَّخَلُّفُ عَنْ الْأَمِيرِ بِخِلَافِ الْجُنْدِيِّ الْوَاحِدِ مِنْ الْجَيْشِ لِأَنَّ مُفَارَقَتَهُ الْجَيْشَ مُمْكِنَةٌ فَاعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (مُجَاوَزَةُ سُورٍ) وَإِنْ كَانَ ظَهْرُهُ مُلْصَقًا بِهِ ز ي وَالْخَنْدَقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ مَاءٌ فِيمَا لَا سُورَ لَهُ كَالسُّورِ وَلَا أَثَرَ لِلْخَنْدَقِ مَعَ وُجُودِ السُّورِ. اهـ. ع ش. وَالْمُرَادُ مُجَاوَزَةُ السُّورِ وَإِنْ تَعَدَّدَ وَإِنْ كَانَ مُنْهَدِمًا حَيْثُ بَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ وَلَمْ يُهْجَرْ بِأَنْ جُعِلَ سُورٌ دَاخِلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ ح ل. وَالسُّورُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ كَمَا قَالَهُ ق ل وَفِي أج هُوَ بِالْوَاوِ وَقَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ السُّؤْرُ بِالْهَمْزِ الْبَقِيَّةُ وَبِعَدَمِهَا الْمُحِيطُ بِالْبَلَدِ اهـ قَوْلُهُ: (بِمَا سَافَرَ مِنْهُ) أَيْ جَانِبِ بَلَدِهِ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ أَوْ فِي صَوْبِ سَفَرِهِ شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (كَبَلَدٍ وَقَرْيَةٍ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَلَدِ وَالْقَرْيَةِ أَنَّ الْأُولَى الْأَبْنِيَةُ الْكَثِيرَةُ الْمُجْتَمِعَةُ، وَالْقَرْيَةُ الْأَبْنِيَةُ الْقَلِيلَةُ الْمُجْتَمِعَةُ اهـ خ ض وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الْجُمُعَةِ مِنْ أَنَّ الْمِصْرَ مَا كَانَ فِيهَا حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ وَشُرَطِيٌّ وَسُوقٌ، وَالْبَلَدُ مَا خَلَتْ عَنْ بَعْضِ ذَلِكَ، وَالْقَرْيَةُ مَا خَلَتْ عَنْ الْجَمِيعِ قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) فِي صَوْبِ سَفَرِهِ أَوْ لَا قَوْلُهُ: (فِي صَوْبِ سَفَرِهِ) لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِهِ مَا يُخْرِجُهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ بِمَا سَافَرَ مِنْهُ مُخْرِجًا لَهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي صَوْبِ مَقْصِدِهِ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُورٌ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ، وَإِنْ صَدَقَ أَنَّ لِلْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ سُورًا فِي الْجُمْلَةِ ع ش. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي كَلَامِهِ سَابِقًا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ، وَالتَّقْدِيرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سُورٌ فِي صَوْبِ مَقْصِدِهِ مُخْتَصٌّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سُورٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ لَهُ سُورٌ فِي غَيْرِ صَوْبِ مَقْصِدِهِ، أَوْ كَانَ لَهُ سُورٌ غَيْرُ مُخْتَصٍّ قَوْلُهُ: (هُجِرَ بِالتَّحْوِيطِ) خَرَجَ مَا لَوْ هُجِرَ بِمُجَرَّدِ تَرْكِ التَّرَدُّدِ إلَيْهِ شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي) أَيْ قَوْلُهُ وَمَزَارِعُ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ خَرَابٌ لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ لَمْ يُهْجَرْ بِالتَّحْوِيطِ عَلَى الْعَامِرِ وَلَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا مُجَاوَزَةُ بَسَاتِينَ وَمَزَارِعَ كَمَا فَهِمْت بِالْأَوْلَى وَإِنْ اتَّصَلَتَا بِمَا سَافَرَ مِنْهُ أَوْ كَانَتَا مَحُوطَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّخَذَانِ لِلْإِقَامَةِ، وَلَوْ كَانَ بِالْبَسَاتِينِ قُصُورٌ أَوْ دُورٌ تُسْكَنُ فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ لَمْ يُشْتَرَطْ مُجَاوَزَتُهَا عَلَى الظَّاهِرِ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْبَلَدِ، وَالْقَرْيَتَانِ الْمُتَّصِلَتَانِ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُمَا وَأَوَّلُهُ لِسَاكِنِ خِيَامٍ كَالْأَعْرَابِ مُجَاوَزَةُ حِلَّةٍ فَقَطْ، وَمَعَ مُجَاوَزَةِ عَرْضِ وَادٍ إنْ سَافَرَ فِي عَرْضِهِ، وَمَعَ مُجَاوَزَةِ عَرْضِ مَهْبِطٍ إنْ كَانَ فِي رَبْوَةٍ، وَمَعَ مُجَاوَزَةِ مِصْعَدٍ إنْ كَانَ فِي وَهْدَةٍ هَذَا إنْ اعْتَدَلَتْ الثَّلَاثَةُ، فَإِنْ أَفْرَطَتْ سَعَتُهَا اكْتَفَى   [حاشية البجيرمي] يُزْرَعْ وَلَمْ يَنْدَرِسْ قَوْلُهُ: (كَمَا فَهِمْت) أَيْ الْمَزَارِعُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الْبَسَاتِينَ حَوْلَهَا بِنَاءٌ بِخِلَافِ الْمَزَارِعِ، فَإِذَا لَمْ تُشْتَرَطْ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ فَبِالْأَوْلَى لَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْمَزَارِعِ هَذَا مُرَادُ الشَّارِحِ، وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لَوْ تَرَكَ ذِكْرَ الْمَزَارِعِ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهَا فَهِيَ مَفْهُومَةٌ بِالتَّصْرِيحِ لَا مِنْ الْبَسَاتِينِ، وَمَا ذَكَرَهُ سَرَى لَهُ مِنْ مَتْنِ الْمَنْهَجِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَزَارِعَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ بِالْبَسَاتِينِ) أَيْ الْمُتَّصِلَةِ بِمَا سَافَرَ مِنْهُ قَوْلُهُ: (فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ) وَكَذَا فِي كُلِّ السَّنَةِ كَمَا قَالَهُ ح ل. وَعِبَارَةُ ع ش: فَلَوْ كَانَتْ تُسْكَنُ فِي كُلِّ السَّنَةِ وَاتَّصَلَتْ بِالْبَلَدِ فَهُمَا كَالْقَرْيَتَيْنِ الْمُتَّصِلَتَيْنِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا اهـ بِحُرُوفِهِ قَوْلُهُ: (لَمْ تُشْتَرَطْ مُجَاوَزَتُهَا) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ فِي هَذَا الْوَقْتِ مَسْكُونَةً ع ش قَوْلُهُ: (وَالْقَرْيَتَانِ الْمُتَّصِلَتَانِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا سُورٌ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ ق ل. وَقَوْلُهُ: الْمُتَّصِلَتَانِ أَيْ عُرْفًا وَإِنْ اخْتَلَفَ اسْمُهُمَا وَإِلَّا اكْتَفَى بِمُجَاوَزَةِ قَرْيَةِ الْمُسَافِرِ. وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ: يَكْفِي فِي الِانْفِصَالِ ذِرَاعٌ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْعُرْفُ أج. قَالَ سم: وَالْحَاصِلُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَرْيَتَيْنِ أَنَّهُمَا إنْ اتَّصَلَ بُنْيَانُهُمَا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا سُورٌ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سُورٌ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ فَقَطْ، وَإِنْ اتَّصَلَ الْبُنْيَانُ اهـ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَقْصُرُ بِمُجَاوَزَةِ بَابِ زُوَيْلَةَ ع ش عَلَى م ر. وَمِثْلُهُ مُجَاوَزَةُ بَابِ الْفُتُوحِ لِأَنَّهُمَا طَرَفَا الْقَاهِرَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف قَوْلُهُ: (لِسَاكِنِ خِيَامٍ) الْخِيَامُ جَمْعُ خَيْمٍ كَكَلْبٍ وَكِلَابٍ وَخَيْمٌ جَمْعُ خَيْمَةٍ كَتَمْرٍ وَتَمْرَةٍ فَخِيَامٌ جَمْعُ الْجَمْعِ وَالْخَيْمَةُ بَيْتٌ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَعْوَادٍ تُنْصَبُ وَتُسْقَفُ بِشَيْءٍ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ أَمَّا الْمُتَّخَذُ مِنْ ثِيَابٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يُقَالُ لَهُ خَيْمَةٌ بَلْ خِبَاءٌ اهـ أج وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَيْهِ خَيْمَةٌ مَجَازًا وَهَذَا بِحَسَبِ الْأَصْلِ أَمَّا فِي الْعُرْفِ فَصَارَتْ الْخَيْمَةُ اسْمًا لِمَا هُوَ مِنْ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا اهـ قَوْلُهُ: (مُجَاوَزَةُ حِلَّةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ بُيُوتٌ مُجْتَمِعَةٌ أَوْ مُتَفَرِّقَةٌ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ أَهْلُهَا لِلسَّمَرِ أَيْ التَّحَدُّثِ لَيْلًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَعِيرُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَيَدْخُلُ فِي مُجَاوَزَتِهَا عُرْفًا مُجَاوَزَةُ مَرَافِقِهَا كَمَطْرَحِ الرَّمَادِ وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ وَالنَّادِي وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنْ مَوَاضِعِ إقَامَتِهِمْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَيُعْتَبَرُ فِي الْقَرْيَةِ أَيْضًا مُجَاوَزَةُ مَرَافِقِهَا كَمَطْرَحِ الرَّمَادِ وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَوَافَقَ عَلَيْهِ م ر. اهـ. سم، وَضَعَّفَهُ ح ف وَاعْتَمَدَ أَنَّ الْقَرْيَةَ يَكْتَفِي فِيهَا بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: السُّورُ أَوْ الْخَنْدَقُ إنْ لَمْ يَكُنْ سُورٌ أَوْ الْعُمْرَانُ إنْ لَمْ يَكُنْ سُورٌ وَلَا خَنْدَقٌ اهـ. قَالَ عَمِيرَةُ: بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ اشْتِرَاطَ مُجَاوَزَةِ الْمَقَابِرِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْقَرْيَةِ الَّتِي لَا سُورَ لَهَا سم. وَبَقِيَ مَا لَوْ هَجَرُوا الْمَقْبَرَةَ الْمَذْكُورَةَ وَاِتَّخَذُوا غَيْرَهَا لِلدَّفْنِ هَلْ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِنِسْبَتِهَا لَهُمْ وَاحْتِرَامِهَا. نَعَمْ لَوْ انْدَرَسَتْ وَانْقَطَعَتْ نِسْبَتُهَا لَهُمْ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (فَقَطْ) إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَقَطْ عَدَمَ مُجَاوَزَةِ حِلَّةٍ أُخْرَى لِأَنَّهَا كَالْقُرَى فِيمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ عَدَمَ مُجَاوَزَةِ مَطْرَحِ الرَّمَادِ وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ وَمُرْتَكَضِ الْخَيْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ ضَعِيفٌ. اهـ. ق ل. وَيُجَابُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَكْفِي مُجَاوَزَةُ الْحِلَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ الْعَرْضِ وَنَحْوِهِ وَيُصَوَّرُ ذَلِكَ بِمَا إذَا اتَّسَعَتْ الْمَذْكُورَاتُ جِدًّا فَصَحَّ قَوْلُهُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَمَعَ مُجَاوَزَةِ عَرْضِ وَادٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَقَطْ، أَيْ مُجَاوَزَةُ الْحِلَّةِ إمَّا فَقَطْ إنْ كَانَتْ الْحِلَّةُ بِمُسْتَوٍ وَلَمْ تَكُنْ فِي وَادٍ وَلَا مَهْبِطٍ وَمِصْعَدٍ مُعْتَدِلَةً، وَأَمَّا مَعَ مُجَاوَزَةِ عَرْضِ وَادٍ إلَخْ أَيْ إنْ كَانَتْ فِي وَادٍ اهـ. وَالْوَادِي الْمَكَانُ الْمُتَّسِعُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا ح ف قَوْلُهُ: (مَهْبِطٍ) كَمَسْجِدٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَيْ مَحَلُّ هُبُوطٍ قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ) أَيْ الْمُسَافِرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 بِمُجَاوَزَةِ الْحِلَّةِ عُرْفًا وَيَنْتَهِي سَفَرُهُ بِبُلُوغِ مَبْدَإِ سَفَرٍ مِنْ سُوَرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ وَطَنِهِ أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ إلَيْهِ أَوَّلًا وَقَدْ نَوَى قَبْلَ بُلُوغِهِ وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ إقَامَةً بِهِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لَهَا إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ، وَبِإِقَامَتِهِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ إرْبَهُ لَا يَنْقَضِي فِيهَا وَإِنْ تَوَقَّعَهُ كُلَّ وَقْتٍ قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا صِحَاحًا وَلَوْ غَيْرَ مُحَارِبٍ، وَيَنْتَهِي أَيْضًا سَفَرُهُ بِنِيَّةِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فِي رَبْوَةٍ) أَيْ عُلْوَةٍ قَوْلُهُ: (فِي وَهْدَةٍ) أَيْ وَطِيَّةٍ قَوْلُهُ: (اكْتَفَى بِمُجَاوَزَةِ الْحِلَّةِ عُرْفًا) أَيْ مَعَ مُجَاوَزَةِ مَرَافِقِهَا، وَيُعْتَبَرُ فِي سَيْرِ السَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ الْمُتَّصِلِ سَاحِلُهُ كَأَهْلِ جُدَّةَ وَالسُّوَيْسِ وَالطُّورِ وَبُولَاقَ وَدِمْيَاطَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّة جَرْيُ السَّفِينَةِ أَوْ الزَّوْرَقِ إلَيْهَا آخِرًا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَعَ مَا نُقِلَ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّ سَيْرَ الْبَحْرِ يُخَالِفُ سَيْرَ الْبَرِّ وَكَأَنَّهُ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَعُدُّ الْمُسَافِرَ فِيهِ مُسَافِرًا إلَّا بَعْدَ رُكُوبِ السَّفِينَةِ أَوْ الزَّوْرَقِ أَيْ آخَرَ مَرَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ مِنْ مَكَانِهَا لِأَنَّ مَنْ بِهَا صَارَ فِي قُوَّةِ الْمُسَافِرِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَرِّ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ الْعُمْرَانِ، وَإِنْ الْتَصَقَ ظَهْرُهُ بِهِ يُعَدُّ مُسَافِرًا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَمَحَلُّ مَا تَقَدَّمَ مَا لَمْ تَجْرِ السَّفِينَةُ مُحَاذِيَةً لِلْبَلَدِ، فَإِنْ سَافَرَ مِنْ بُولَاقَ إلَى جِهَةِ الصَّعِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَمَحَلُّ مَا تَقَدَّمَ إلَخْ لَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَيْنَ بَلْدَةٍ لَهَا سُورٌ وَغَيْرِهَا خِلَافُ مَا حَاوَلَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ قَوْلُهُ: (وَيَنْتَهِي سَفَرُهُ إلَخْ) لَمَّا بَيَّنَ الْمَحَلَّ الَّذِي يَصِيرُ مُسَافِرًا إذَا وَصَلَ إلَيْهِ شَرَعَ يُبَيِّنُ الْمَحَلَّ الَّذِي إذَا وَصَلَ إلَيْهِ يَنْقَطِعُ سَفَرُهُ. وَحَاصِلُ مَا يُقَالُ إنَّهُ إذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ إلَى وَطَنِهِ انْتَهَى مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِ أَوْ لَا، كَانَ لَهُ فِيهِ حَاجَةٌ أَمْ لَا، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ وَنَوَى قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ إقَامَةً مُطْلَقًا أَوْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ وَكَانَ وَقْتَ النِّيَّةِ مَاكِثًا مُسْتَقِلًّا انْتَهَى سَفَرُهُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِ السُّورِ أَيْضًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ أَصْلًا أَوْ نَوَى إقَامَةَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِوُصُولِ السُّورِ وَإِنَّمَا يَنْتَهِي بِإِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ غَيْرِ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. وَصُورَتُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ وَلَمْ يَتَوَقَّعْهَا بَلْ جَزَمَ بِأَنَّهَا لَا تُقْضَى فِي الْأَرْبَعَةِ انْتَهَى سَفَرُهُ بِمُجَرَّدِ الْمُكْثِ وَالِاسْتِقْرَارِ، سَوَاءٌ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْوُصُولِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (بِبُلُوغِ مَبْدَإِ سَفَرٍ) أَيْ لِوُصُولِهِ إلَى مَا شُرِطَتْ مُجَاوَزَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إقَامَةً ق ل. وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ ابْتِدَاءُ السَّفَرِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِقَامَةُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ قَطْعُهَا إلَّا بِتَحَقُّقِ السَّفَرِ وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْخُرُوجِ وَالسَّفَرُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَانْقَطَعَ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ لِلْوَطَنِ وَإِنْ كَانَ مَارًّا بِهِ فِي سَفَرِهِ. اهـ. ز ي أج. قَوْلُهُ: (مِنْ وَطَنِهِ) وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ لِأَنَّ الْوَطَنَ لَهُ قُوَّةٌ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ: (رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ إلَيْهِ) كَأَنْ يَخْرُجَ الشَّامِيُّ مِنْ مِصْرَ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ يَرْجِعَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِصْرَ. وَقَوْلُهُ (أَوَّلًا) : كَأَنْ يَخْرُجَ الشَّامِيُّ مَثَلًا مِنْ مِصْرَ قَاصِدًا مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ سُورَ مَكَّةَ بِالنِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، لِأَنَّ وُصُولَهُ سُورَ مَكَّةَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَلَغَ مَبْدَأَ سَفَرٍ أَيْ لِغَيْرِ هَذَا الْمُسَافِرِ، وَلِذَا أَتَى بِهِ الشَّارِحُ نَكِرَةً وَبَعْضُهُمْ تَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَبْدَأُ سَفَرِهِ فَارْتَبَكَ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف قَوْلُهُ: (وَقَدْ نَوَى) حَالٌ فَلَا يَكْفِي فِي انْقِطَاعِ سَفَرِهِ مُجَرَّدُ وُصُولِهِ إلَيْهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ قَبْلَ بُلُوغِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ أَوْ نَوَاهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِذَلِكَ أَيْ بِبُلُوغِ الْمَوْضِعِ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يَنْتَهِي بِإِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فِي الْأُولَى وَبِالنِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِشَرْطِ الْمُكْثِ وَالِاسْتِقْلَالِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِ م ر قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ) خَرَجَ غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ كَقِنٍّ وَزَوْجَةٍ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ الْمُخَالِفَةِ لِنِيَّةِ مَتْبُوعِهِ م ر. قَالَ سم: لَكِنْ لَا يَبْعُدُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ مَاكِثًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَصَمَّمَ عَلَى قَصْدِ الْمُخَالَفَةِ أَثَّرَتْ نِيَّتُهُ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَإِمَّا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ صِحَاحٍ) أَيْ غَيْرُ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ إذْ فِي الْأَوَّلِ الْحَطُّ وَفِي الثَّانِي الرَّحِيلُ، وَهُمَا مِنْ مُهِمَّاتِ السَّفَرِ الْمُقْتَضِي لِلرُّخْصَةِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَبِإِقَامَتِهِ) أَيْ بِالْفِعْلِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ إرْبَهُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ وَبِفَتْحِهِمَا أَيْ حَاجَتَهُ لَا يَنْقَضِي فِيهَا أَيْ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَوَقَّعَهُ كُلَّ وَقْتٍ) مِنْ ذَلِكَ انْتِظَارُ الرِّيحِ لِرَاكِبِ السَّفِينَةِ وَخُرُوجِ الرُّفْقَةِ إلَيْهِ وَإِلَّا سَافَرَ وَحْدَهُ، فَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يُسَافِرَ إلَّا مَعَ الرُّفْقَةِ لَمْ يَتَرَخَّصْ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالسَّفَرِ ز ي وَح ل قَوْلُهُ: (قَصَرَ) أَيْ تَرَخَّصَ إذْ لَهُ سَائِرُ رُخَصِ السَّفَرِ اهـ أج وَح ل. فَلَوْ قَالَ: تَرَخَّصَ ثَمَانِيَة عَشَرَ لَكَانَ أَعَمَّ لَكِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَصْرِ لِكَوْنِ الْكَلَامِ فِيهِ قَوْلُهُ: (ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا صِحَاحًا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 رُجُوعِهِ مَاكِثًا وَلَوْ مِنْ طَوِيلٍ لَا إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ لِحَاجَةٍ بِأَنْ نَوَى رُجُوعَهُ إلَى وَطَنِهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ لَا لِحَاجَةٍ فَلَا يَقْصُرُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ سَافَرَ فَسَفَرٌ جَدِيدٌ، فَإِنْ كَانَ طَوِيلًا قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ وَلَوْ مِنْ قَصِيرٍ إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ لِحَاجَةٍ لَمْ يَنْتَهِ سَفَرُهُ بِذَلِكَ، وَكَنِيَّةِ الرُّجُوعِ التَّرَدُّدُ فِيهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَالرَّابِعُ: يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِجَوَازِ الْقَصْرِ، فَلَوْ قَصَرَ   [حاشية البجيرمي] أَيْ لَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ لِخَبَرٍ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَهَا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ لِحَرْبِ هَوَازِنَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَالْحَدِيثُ وَإِنْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ إلَّا أَنَّهُ اعْتَضَدَ بِشَوَاهِدَ جَبَرَتْهُ، وَصَحَّتْ رِوَايَةُ عِشْرِينَ عَلَى عَدِّهِ يَوْمَيْ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ، وَتِسْعَةَ عَشَرَ عَلَى عَدِّ أَحَدِهِمَا اهـ أج قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَيْرَ مُحَارِبٍ) أَيْ مُجَاهِدٍ، وَغَرَضُهُ بِهَذِهِ الْغَايَةِ الرَّدُّ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ يَخُصُّ التَّرَخُّصَ بِالْمُقَاتِلِ. وَبَقِيَ قَوْلَانِ ضَعِيفَانِ أَيْضًا لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمَا لَعَلَّهُ لِشِدَّةِ ضَعْفِهِمَا الْأَوَّلُ قِيلَ يَتَرَخَّصُ أَبَدًا. وَالثَّانِي يَتَرَخَّصُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَقِيلَ: يَقْصُرُ أَرْبَعَةً فَقَطْ لِأَنَّ الْقَصْرَ يَمْتَنِعُ بِنِيَّةِ إقَامَةِ الْأَرْبَعَةِ فَبِفِعْلِهَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ النِّيَّةِ. وَفِي قَوْلٍ: يَقْصُرُ أَبَدًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ دَامَتْ الْحَاجَةُ لَدَامَ الْقَصْرُ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا فَوْقَ الْأَرْبَعَةِ فِي خَائِفِ الْقِتَالِ لَا التَّاجِرِ وَنَحْوِهِ كَالْمُتَفَقِّهِ فَلَا يَقْصُرَانِ فِيمَا فَوْقَهَا لِأَنَّ الْوَارِدَ إنَّمَا كَانَ فِي الْقِتَالِ وَالْمُقَاتِلُ أَحْوَجُ لِلتَّرَخُّصِ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُرَخِّصَ إنَّمَا هُوَ وَصْفُ السَّفَرِ وَالْمُقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَنْتَهِي أَيْضًا إلَخْ) أَيْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّرَخُّصُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي نَوَى فِيهِ، وَفِي عَوْدِهِ إنْ لَمْ يَبْلُغْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ. وَلَوْ قَالَ: وَيَنْقَطِعُ سَفَرُهُ لَكَانَ أَنْسَبَ ق ل قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ رُجُوعِهِ مَاكِثًا) أَيْ لَا سَائِرًا لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ مَعَ السَّيْرِ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فَنِيَّةُ الرُّجُوعِ مَعَهُ كَذَلِكَ. اهـ. رَمْلِيٌّ مَرْحُومِيٌّ. فَلَا يَقْصُرُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي نَوَى فِيهِ الرُّجُوعَ وَهُوَ مَاكِثٌ فَإِنْ سَارَ إلَى جِهَةِ مَقْصِدِهِ أَوْ رَاجِعًا إلَى وَطَنِهِ فَسَفَرٌ جَدِيدٌ فَيَقْصُرُ فِي الرُّجُوعِ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطَنِهِ مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ طَوِيلٍ) أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَحَلِّ الْمَرْجُوعِ مِنْهُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يُرْجَعُ إلَيْهِ ح ل قَوْلُهُ: (لَا إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ لِحَاجَةٍ) هَذَا النَّفْيُ صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ؛ بِأَنْ نَوَى الرُّجُوعَ إلَى وَطَنِهِ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا، أَوْ نَوَى الرُّجُوعَ إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَنْتَهِي السَّفَرُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا الْجَمْعُ. مَا دَامَ مُقِيمًا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي نَوَى الرُّجُوعَ فِيهِ، وَوَجْهُ أَخْذِ هَذِهِ الصُّوَرِ مِنْ تِلْكَ الْعِبَارَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ نَفْيٌ " وَلَا " السَّابِقَةُ عَلَيْهِ لِلنَّفْيِ وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، فَإِذَا أَدْخَلْنَا لَا عَلَى غَيْرِ وَطَنِهِ صَارَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ، أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَمْ لَا، وَإِذَا سَلَّطْنَا لَا عَلَى لِحَاجَةٍ وَأَبْقَيْنَا غَيْرَ وَطَنَهُ عَلَى حَالِهِ كَانَ الْمَعْنَى رَجَعَ إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَهَذِهِ صُورَةٌ تُضَمُّ لِلِاثْنَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ، وَأَمَّا مَفْهُومُ هَذَا النَّفْيِ فَصُورَةٌ وَهِيَ مَا إذَا رَجَعَ إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ لِحَاجَةٍ فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ فَقَوْلُهُ: لَا إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ وَيَنْتَهِي سَفَرُهُ بِنِيَّةِ رُجُوعِهِ لِوَطَنِهِ مُطْلَقًا، أَيْ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا، وَبِنِيَّةِ رُجُوعِهِ لِغَيْرِ وَطَنِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ شَامِلٌ لِثَلَاثِ صُوَرٍ قَالَهُ سم قَوْلُهُ: (بِأَنْ نَوَى رُجُوعَهُ إلَخْ) لِحَاجَةٍ أَوْ لَا، كَأَنْ سَافَرَ مِنْ مِصْرَ إلَى دِمْيَاطَ لَكِنْ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى دِمْيَاطَ بِرُبْعِ يَوْمٍ مَثَلًا مَكَثَ بِبَلْدَةٍ وَنَوَى الرُّجُوعَ إلَى مِصْرَ، وَبَيْنَ الْبَلْدَةِ وَمِصْرَ سَفَرٌ طَوِيلٌ وَهَذَا مِثَالٌ لِقَوْلِهِ: وَلَوْ مِنْ طَوِيلٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (فَلَا يَقْصُرُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ) أَيْ الْمَاكِثُ فِيهِ الَّذِي نَوَى فِيهِ الرُّجُوعَ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: امْتَنَعَ قَصْرُهُ مَا دَامَ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ كَمَا جَزَمُوا بِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَافَرَ) أَيْ لِمَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ لِمَا خَرَجَ مِنْهُ شَرْحِ م ر قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ قَصِيرٍ) كَمَا لَوْ نَوَى الْمِصْرِيُّ أَنْ يُسَافِرَ إلَى دِمْيَاطَ، فَلَمَّا وَصَلَ إلَى قَلْيُوبَ نَوَى الرُّجُوعَ إلَى بَلَدٍ فِي الصَّعِيدِ لِحَاجَةٍ فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِالرُّجُوعِ وَلَا بِنِيَّتِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (لَمْ يَنْتَهِ سَفَرُهُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالنِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَهُ الْقَصْرُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَبَعْدَ رُجُوعِهِ ح ل قَوْلُهُ: (التَّرَدُّدُ فِيهِ) أَيْ فَإِنْ كَانَ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِوَطَنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ انْتَهَى سَفَرُهُ، وَإِنْ كَانَ التَّرَدُّدُ فِي الرُّجُوعِ إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ لِحَاجَةٍ لَمْ يَنْتَهِ سَفَرُهُ بِذَلِكَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَالَ م ر: وَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي زَمَنِنَا مِنْ دُخُولِ بَعْضِ الْحُجَّاجِ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِنَحْوِ يَوْمٍ مَعَ عَزْمِهِمْ عَلَى الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ مِنًى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ، هَلْ يَنْقَطِعُ سَفَرُهُمْ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 جَاهِلًا بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَنْبِيهٌ: الصَّوْمُ لِمُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَالْقَصْرُ لَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ إنْ بَلَغَ سَفَرُهُ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي جَوَازِ قَصْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهَا فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَمَّا لَوْ اُخْتُلِفَ فِيهِ كَمَلَّاحٍ يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ وَمَعَهُ عِيَالُهُ فِي سَفِينَتِهِ وَمَنْ يُدِيمُ السَّفَرَ مُطْلَقًا فَالْإِتْمَامُ لَهُ أَفْضَلُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَحْكَامِ الْقَصْرِ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: (وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ) سَفَرَ قَصْرٍ (أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ) صَلَاتَيْ (الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ أَيِّهِمَا شَاءَ) تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا (وَ) أَنْ يَجْمَعَ (بَيْنَ) صَلَاتَيْ (الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ   [حاشية البجيرمي] مَكَّةَ نَظَرًا لِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِهَا وَلَوْ فِي الْأَثْنَاءِ أَوْ يَسْتَمِرُّ سَفَرُهُمْ إلَى رُجُوعِهِمْ إلَيْهَا مِنْ مِنًى لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَقْصُودِهِمْ، فَلَا تَأْثِيرَ لِنِيَّتِهِمْ الْإِقَامَةَ الْقَصِيرَةَ قَبْلَهَا وَلَا الطَّوِيلَةَ إلَّا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ مِنًى وَدُخُولِهِمْ مَكَّةَ لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ. وَالثَّانِي أَقْرَبُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ يُشْتَرَطُ) الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ يُشْتَرَطُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) فَإِنْ ضَرَّهُ أَيْ بِنَحْوِ أَلَمٍ يَشُقُّ احْتِمَالُهُ عَادَةً فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ، أَمَّا إذَا خَشِيَ مِنْهُ تَلَفَ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ فَيَجِبُ الْفِطْرُ، فَإِنْ صَامَ عَصَى وَأَجْزَأَهُ. اهـ. ز ي قَوْلُهُ: (وَالْقَصْرُ لَهُ أَفْضَلُ) مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يُفَوِّتْ الْجَمَاعَةَ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّاهَا تَامَّةً صَلَّاهَا جَمَاعَةً فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَحَلَّ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ مَا لَمْ يُعَارِضْ سُنَّةً صَحِيحَةً كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ قَوْلِهِ وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ عَلَى قَوْلِهِ وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَصْرِ وَالصَّوْمُ دَخِيلٌ فِيهِ قَوْلُهُ: (إنْ بَلَغَ) أَيْ إنْ كَانَ يَبْلُغُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهَا قَوْلُهُ: (فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ) بَلْ يُكْرَهُ الْقَصْرُ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ إلَّا فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَالْقَصْرُ أَفْضَلُ اهـ أج قَوْلُهُ: (خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ) فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُوجِبُ الْقَصْرَ إنْ بَلَغَهَا وَالْإِتْمَامَ إنْ لَمْ يَبْلُغْهَا. اهـ. شَرْحِ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (وَمَعَهُ عِيَالُهُ) لَيْسَ قَيْدًا قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ مَعَهُ عِيَالُهُ أَوْ لَا وَهُوَ فِي السَّفِينَةِ. وَقَوْلُهُ: فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ أَيْ فِي الْحَالَةِ الَّتِي يَكُونُ الْإِتْمَامُ فِيهَا أَفْضَلَ، وَذَلِكَ إنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ هَكَذَا قَالَهُ ح ل. وَقَدْ يُقَالُ: مُقْتَضَى مُرَاعَاةِ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْإِطْلَاقُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ ز ي وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ: (كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ) فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُ لَهُ الْقَصْرُ وَقُدِّمَ عَلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْإِتْمَامُ. اهـ. ز ي. [أَحْكَامِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ] قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَالْأَفْضَلُ تَرْكُ الْجَمْعِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ التَّعْبِيرُ بِيَجُوزُ، لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ يَجُوزُ كَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ عُرْفًا أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى، وَقَدْ يَجِبُ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ وَإِنَّمَا كَانَ تَرْكُ الْجَمْعِ أَفْضَلَ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَهُ لِلسَّفَرِ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلِأَنَّ فِيهِ إخْلَاءَ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ عَنْ صَلَاتِهِ وَقَدْ يَجِبُ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فِيمَا إذَا أَخَّرَ الظُّهْرَ لِيَجْمَعَهَا مَعَ الْعَصْرِ جَمْعَ تَأْخِيرٍ وَضَاقَ وَقْتُ الْعَصْرِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِمَا تَامَّتَيْنِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا مَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَيَجِبُ قَصْرُهُمَا وَجَمْعُهُمَا ز ي قَوْلُهُ: (سَفَرَ قَصْرٍ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ طَوِيلًا إلَخْ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ أَمَّا عِنْدَنَا فَلَا جَمْعَ فِي قَصِيرٍ وَجَمْعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَدِيمًا فِي سَفَرِهِ الطَّوِيلِ إذْ لَمْ يُقِمْ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، فَالْجَمْعُ لِلسَّفَرِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ لِلنُّسُكِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَجْمَعَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتَا تَامَّتَيْنِ أَمْ مَقْصُورَتَيْنِ أَمْ إحْدَاهُمَا تَامَّةً وَالْأُخْرَى مَقْصُورَةً. قَالَ فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ: وَاخْتَصَّ هُوَ وَأُمَّتُهُ بِقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ وَبِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا لِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا عَجَّلَ السَّيْرَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» . وَرَوَيَا عَنْ «مُعَاذٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ تَبُوكَ وَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» . وَرَوَيَا أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 فِي وَقْتِ أَيِّهِمَا شَاءَ) تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا. وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ، وَالْأَفْضَلُ لِسَائِرِ وَقْتِ أُولَى تَأْخِيرٌ وَلِغَيْرِهِ تَقْدِيمٌ   [حاشية البجيرمي] وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ وَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ذَهَبَ إلَى مَنْعِ الْجَمْعِ بِغَيْرِ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَتَمَسَّكَ بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ حَنَشٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ» وَعَلَيْهِ فَلَا خُصُوصِيَّةَ، وَرَدَّهُ الشَّافِعِيَّةُ بِضَعْفِ هَذَا الْخَبَرِ لِأَنَّ حَنَشًا الْمَذْكُورَ وَاهٍ جِدًّا كَذَّبَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ وَبِفَرْضِ ثُبُوتِهِ فَالْمُرَادُ بِالْعُذْرِ السَّفَرُ وَالْمَطَرُ كَذَا مَثَّلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ لِلْعُذْرِ، وَعَلَيْهِ فَلَا خُصُوصِيَّةَ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ أَيْضًا وَأَنَّهُ بِالْعِشَاءَيْنِ اهـ. قَوْلُهُ: (صَلَاتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إلَخْ) وَلَا جَمْعَ عَلَى الْأَوْجَهِ مَنْ تَرَدَّدَ فِي الْخَادِمِ فِيمَا لَوْ نَذَرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَقْتَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعًا وَقْتَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِمَا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بِأَنْ يُصَلِّيَ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ، فَالنَّذْرُ إنَّمَا يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الشَّرْعِ فِي الْعَزَائِمِ دُونَ الرُّخَصِ وَإِلَّا لَجَازَ الْقَصْرُ فِيهِ اهـ إيعَابٌ اهـ أج قَوْلُهُ: (تَقْدِيمًا) أَيْ فِي وَقْتِ الْأُولَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِمَا بِتَمَامِهِمَا فِي الْوَقْتِ، فَلَا يَكْفِي إدْرَاكُ رَكْعَةٍ مِنْ الثَّانِيَةِ فِيهِ شَيْخُنَا ح ف. لَكِنْ نَقَلَ سم عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي إدْرَاكُ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ وَعِبَارَتُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ إنْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ مَا يَسَعُ الْمَغْرِبَ وَدُونَ رَكْعَةٍ مِنْ الْعِشَاءِ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَ الْعُذْرِ. وَوَافَقَ م ر عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي جَوَازُ الْجَمْعِ، قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ مَا يَأْتِي مِنْ الِاكْتِفَاءِ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ بِوُقُوعِ تَحَرُّمِ الثَّانِيَةِ فِي السَّفَرِ وَإِنْ أَقَامَ بَعْدَهُ، فَلَمَّا اكْتَفَى بِعَقْدِ الثَّانِيَةِ فِي السَّفَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِذَلِكَ فِي الْوَقْتِ قَوْلُهُ: (وَتَأْخِيرًا) أَيْ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ شَمِلَ الْمُتَحَيِّرَةَ وَفَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوَهُمَا مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَمْعَيْنِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَمْعِ التَّقْدِيمِ ظَنُّ صِحَّةِ الْأُولَى وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ بِخِلَافِ التَّأْخِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بِحَالٍ، وَإِنْ أَمْكَنَ وُقُوعُ الْأُولَى مَعَ التَّأْخِيرِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَقَعَ فِي الظُّهْرِ لَوْ فَعَلَتْهَا فِي وَقْتِهَا. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ) أَيْ كَأَنْ دَخَلَ الْمُسَافِرُ قَرْيَةً بِطَرِيقِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ الظُّهْرُ، لَكِنْ لَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ مَعَهُمْ فَيَجُوزُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَجْمَعَ الْعَصْرَ مَعَهَا تَقْدِيمًا اط ف. وَقَوْلُهُ: فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَيْ وَيَمْتَنِعُ جَمْعُهَا تَأْخِيرًا لِأَنَّهَا لَا يَتَأَتَّى تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَعِبَارَةُ ع ش: وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ، أَيْ إذَا لَمْ نَشُكَّ فِي صِحَّتِهَا، أَمَّا إذَا شَكَكْنَا فِي صِحَّتِهَا فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ وَهُوَ ظَنُّ صِحَّةِ الْأُولَى اهـ قَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلُ لِسَائِرِ وَقْتٍ أُولَى) هَذَا تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَا الْأَفْضَلُ مِنْهُمَا؟ فَقَالَ: وَالْأَفْضَلُ لِسَائِرِ وَقْتٍ أُولَى إلَخْ. أَيْ سَوَاءٌ كَانَ سَائِرًا وَقْتَ الثَّانِيَةِ أَوْ نَازِلًا. وَقَوْلُهُ: (وَلِغَيْرِهِ تَقْدِيمٌ) وَهُوَ مَنْ كَانَ نَازِلًا وَقْتَ الْأُولَى سَوَاءٌ كَانَ نَازِلًا وَقْتَ الثَّانِيَةِ أَوْ سَائِرًا، فَيَكُونُ التَّقْدِيمُ فِي صُورَتَيْنِ أَيْضًا وَهُوَ ضَعِيفٌ فِيمَا إذَا كَانَ نَازِلًا فِيهِمَا، بَلْ أَفْضَلُ فِيهَا التَّأْخِيرُ فَتُضَمُّ إلَى الِاثْنَيْنِ فَيَكُونُ التَّقْدِيمُ فِي صُورَةٍ وَالتَّأْخِيرُ فِي ثَلَاثَةٍ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَالْأَفْضَلُ أَيْ لِمَنْ أَرَادَ الْجَمْعَ، فَلَا يُقَالُ تَرْكُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ فَهَذَا تَفْصِيلٌ فِي مَرَاتِبِ الْمَفْضُولِ كَأَنْ يُقَالَ: زَيْدٌ أَفْضَلُ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَمَتَى صَحِبَ أَحَدَ الْجَمْعَيْنِ كَمَالٌ خَلَا عَنْهُ الْآخَرُ كَانَ الْمُقْتَرِنُ بِهِ أَفْضَلَ كَمَا فِي ز ي كَأَنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْجَمْعَيْنِ يُصَلِّي بِالْوُضُوءِ وَالْآخَرِ بِالتَّيَمُّمِ، أَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا يَجِدُ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ وَفِي الْآخَرِ يُصَلِّي مَكْشُوفَهَا، أَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً وَفِي الْآخَرِ يُصَلِّي فُرَادَى قَوْلُهُ: (وَلِغَيْرِهِ) بِأَنْ كَانَ نَازِلًا وَقْتَ الْأُولَى سَائِرًا وَقْتَ الثَّانِيَةِ، أَوْ نَازِلًا فِيهِمَا أَوْ سَائِرًا فِيهِمَا هَكَذَا يَقْتَضِيه كَلَامُهُ، فَيَكُونُ التَّقْدِيمُ أَفْضَلَ تَقْدِيمًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ النَّازِلَ فِيهِمَا جَمْعُهُ تَأْخِيرًا أَفْضَلُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ سَائِرًا فِيهِمَا لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى فِي حَالَةِ الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ، وَوَقْتُ الْأُولَى لَا يَكُونُ وَقْتًا لِلثَّانِيَةِ إلَّا فِي حَالَةِ الْعُذْرِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ. وَلَوْ قَالَ: وَالْأَفْضَلُ لِنَازِلٍ فِي وَقْتِ أُولَى سَائِرٍ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ تَقْدِيمٌ وَلِغَيْرِهِ أَيْ مِنْ سَائِرٍ وَقْتَ الْأُولَى أَوْ فِيهِمَا أَوْ نَازِلٍ فِيهِمَا تَأْخِيرٌ لَوَافَقَ الْمُعْتَمَدَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 لِلِاتِّبَاعِ. وَشُرِطَ لِلتَّقْدِيمِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: التَّرْتِيبُ بِأَنْ يَبْدَأَ بِالْأُولَى لِأَنَّ الْوَقْتَ لَهَا، وَالثَّانِيَةُ تَبَعٌ لَهَا وَالثَّانِي: نِيَّةُ الْجَمْعِ لِيَتَمَيَّزَ التَّقْدِيمُ الْمَشْرُوعُ عَنْ التَّقْدِيمِ سَهْوًا أَوْ عَبَثًا فِي أُولَى وَلَوْ مَعَ تَحَلُّلِهِ مِنْهَا. وَالثَّالِثُ: وَلَاءٌ بِأَنْ لَا يَطُولَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ عُرْفًا وَلَوْ ذَكَرَ بَعْدَهُمَا تَرْكَ رُكْنٍ مِنْ الْأُولَى أَعَادَهُمَا وَلَهُ جَمْعُهُمَا تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا لِوُجُودِ الْمُرَخِّصِ، فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ بَيْنَ سَلَامِهَا وَالذِّكْرِ تَدَارَكَ وَصَحَّتَا، فَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ الثَّانِيَةُ وَلَا جَمْعَ لِطُولِ الْفَصْلِ، وَلَوْ جَهِلَ بِأَنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّ التَّرْكَ مِنْ الْأُولَى أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ أَعَادَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ الْأُولَى بِغَيْرِ جَمْعِ تَقْدِيمٍ. وَالرَّابِعُ: دَوَامُ سَفَرِهِ إلَى عَقْدِ الثَّانِيَةِ، فَلَوْ أَقَامَ قَبْلَهُ فَلَا جَمْعَ لِزَوَالِ السَّبَبِ. وَشُرِطَ لِلتَّأْخِيرِ أَمْرَانِ فَقَطْ: أَحَدُهُمَا نِيَّةُ جَمْعٍ فِي وَقْتِ أُولَى مَا بَقِيَ قَدْرٌ يَسَعُهَا تَمْيِيزًا لَهُ عَنْ التَّأْخِيرِ تَعَدِّيًا، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ النِّيَّةَ إلَى وَقْتٍ لَا يَسَعُ الْأُولَى عَصَى. وَإِنْ وَقَعَتْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ) وَيُزَادُ خَامِسٌ وَهُوَ بَقَاءُ وَقْتِ الْأُولَى يَقِينًا، فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ بَطَلَ الْجَمْعُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ شَوْبَرِيٌّ وَس ل. وَتَقَدَّمَ عَنْ الرُّويَانِيِّ مَا يُخَالِفُهُ، وَيُزَادُ سَادِسٌ وَهُوَ ظَنُّ صِحَّةِ الْأُولَى لِتَخْرُجَ الْمُتَحَيِّرَةُ، فَإِنَّ الْأُولَى لَهَا لَيْسَتْ مَظْنُونَةَ الصِّحَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا فِي الْحَيْضِ ع ش. وَبِهَذَا حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ وَهُوَ أَنَّ ظَنَّ صِحَّةِ الْأُولَى شَرْطٌ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ لَا فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ اهـ اط ف قَوْلُهُ: (فِي أُولَى) فَإِنْ قُلْتَ: كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ لِكَوْنِهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: لِيَتَمَيَّزَ التَّقْدِيمُ الْمَشْرُوعُ إلَخْ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ إنَّمَا هُوَ لِلثَّانِيَةِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْجَمْعَ ضَمُّ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى وَلَا يُحْسَبُ الضَّمُّ الْمَذْكُورُ إلَّا بِنِيَّةِ الْجَمْعِ فِي الْأُولَى لِتَصِيرَ الصَّلَاتَانِ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ تَدَبَّرْ. فَلَوْ نَوَى الْجَمْعَ فِيهَا ثُمَّ رَفَضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ فِيهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ وَنَوَى وَهُوَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَكْفِي لِوُجُودِ مَحَلِّ النِّيَّةِ، وَهُوَ الْأَوْلَى كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَع ش عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ نَوَى الْجَمْعَ فِي الْأُولَى ثُمَّ رَفَضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ بَعْدَ تَحَلُّلِهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ عَنْ قُرْبٍ وَنَوَاهُ فَقَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: يَجُوزُ وَلَهُ الْجَمْعُ وَخَالَفَهُ مُحَشِّيَاهُ، وَاعْتَرَضَا عَلَيْهِ وَاسْتَوْجَهَا مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْجَمْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ النِّيَّةِ. وَعِبَارَةُ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَوْ نَوَى تَرْكَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ أَرَادَهُ وَلَوْ فَوْرًا لَمْ يَجُزْ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِأَنَّ وَقْتَ النِّيَّةِ انْقَضَى فَلَمْ يُفِدْ الْعَوْدُ إلَيْهَا شَيْئًا وَإِلَّا لَزِمَ إجْزَاؤُهَا بَعْدَ تَحَلُّلِ الْأُولَى اهـ قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعَ تَحَلُّلِهِ مِنْهَا) وَهُوَ حَاصِلٌ بِمَا ذُكِرَ اهـ بَابِلِيٌّ قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَطُولَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ) وَلَوْ بِعُذْرٍ وَلَوْ احْتِمَالًا لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَمِنْ الْفَصْلِ الطَّوِيلِ قَدْرُ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ بِأَخَفِّ مُمْكِنٍ كَمَا اقْتَضَى إطْلَاقُهُمْ اهـ. فَيُفْهَمُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي الرَّاتِبَةَ بَيْنَهُمَا بَلْ يُؤَخِّرُهَا. نَعَمْ إنْ أَسْرَعَ بِهَا إسْرَاعًا مُفْرِطًا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا نَقَلَهُ سم عَنْ م ر. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي الشَّرْحِ بِأَخَفِّ مُمْكِنٍ أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ كَمَا قَالَهُ أج. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ذَكَرَ بَعْدَهُمَا) تَفْرِيعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِالْفَاءِ. وَخَرَجَ بِبَعْدِهِمَا مَا لَوْ عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ تَرْكَ رُكْنٍ مِنْ الْأُولَى فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ فَهُوَ كَمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ وَإِلَّا بَنَى عَلَى الْأُولَى وَبَطَلَ إحْرَامُهُ بِالثَّانِيَةِ، وَبَعْدَ الْبِنَاءِ يَأْتِي بِالثَّانِيَةِ أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ تَدَارَكَ وَبَنَى، وَلِأَجْلِ هَذَا التَّفْصِيلِ قَيَّدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُمَا كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (أَعَادَهُمَا) أَمَّا الْأُولَى فَلِتَرْكِ الرُّكْنِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِفَسَادِهَا بِعَدَمِ شَرْطِهَا لَكِنْ تَقَعُ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ مِنْ نَوْعِهَا وَإِلَّا وَقَعَتْ عَنْهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر اهـ أج قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ جَمْعِ تَقْدِيمٍ) وَإِنَّمَا امْتَنَعَ جَمْعُ التَّقْدِيمِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ الثَّانِيَةِ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ بِهَا، وَبِالْأُولَى الْمُعَادَةُ بَعْدَهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ لِأَنَّهُ إذَا أَعَادَهُمَا يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ مَثَلًا ثُمَّ الْعَصْرِ، وَالْحَالُ أَنَّنَا فَرَضْنَا أَنَّ الظُّهْرَ الَّتِي صَلَّاهَا أَوَّلًا صَحِيحَةٌ فَقَدْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ الظُّهْرِ الصَّحِيحَةِ وَالْعَصْرِ الَّتِي صَلَّاهَا ثَانِيًا بِالْعَصْرِ الْفَاسِدَةِ وَالظُّهْرِ الْمُعَادَةِ. اهـ. ح ل مُلَخَّصًا. وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ بِغَيْرِ جَمْعِ تَقْدِيمٍ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ جَمْعِ التَّأْخِيرِ وَصَلَاةِ كُلٍّ فِي وَقْتِهَا قَوْلُهُ: (إلَى عَقْدِ الثَّانِيَةِ) وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عِنْدَ عَقْدِ الْأُولَى، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي بَلْدَةٍ ثُمَّ سَافَرَ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: إلَى عَقْدِ الثَّانِيَةِ أَيْ وَإِنْ أَقَامَ فِي أَثْنَائِهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ جَمِيعِ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِ الْأُولَى، فَلَوْ دَخَلَ وَقْتُهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 أَدَاءً، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْجَمْعَ أَوْ نَوَاهُ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُهَا عَصَى وَكَانَتْ قَضَاءً. وَثَانِيهِمَا دَوَامُ سَفَرِهِ إلَى تَمَامِهِمَا، فَلَوْ أَقَامَ قَبْلَهُ صَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلثَّانِيَةِ فِي الْأَدَاءِ لِلْعُذْرِ وَقَدْ زَالَ قَبْلَ تَمَامِهَا وَفِي الْمَجْمُوعِ إذَا أَقَامَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ وَمَا بَحَثَهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَعْلِيلُهُمْ مُنْطَبِقٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْأُولَى، فَلَوْ عَكَسَ وَأَقَامَ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ فَقَدْ وُجِدَ الْعُذْرُ فِي جَمِيعِ الْمَتْبُوعَةِ وَأَوَّلِ التَّابِعَةِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَنَّهَا أَدَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ كَمَا أَفْهَمَهُ تَعْلِيلُهُمْ، وَأَجْرَى الطَّاوُسِيُّ الْكَلَامَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَقَالَ: وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ بِدَوَامِ السَّفَرِ إلَى عَقْدِ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ بَلْ شَرَطَ دَوَامَهُ إلَى إتْمَامِهَا لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَيْسَ وَقْتَ الْعَصْرِ إلَّا فِي السَّفَرِ وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ عَقْدِ الثَّانِيَةِ فَيَحْصُلُ الْجَمْعُ، وَأَمَّا وَقْتُ الْعَصْرِ فَيَجُوزُ فِيهِ الظُّهْرُ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَنْصَرِفُ فِيهِ الظُّهْرُ إلَى السَّفَرِ إلَّا إذَا وُجِدَ السَّفَرُ فِيهِمَا وَإِلَّا جَازَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَيْهِ   [حاشية البجيرمي] بِهَا بَطَلَ الْجَمْعُ وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا. قَوْلُهُ: (مَا بَقِيَ قَدْرٌ يَسَعُهَا) أَيْ جَمِيعَهَا تَامَّةً أَوْ مَقْصُورَةً إنْ أَرَادَ قَصْرَهَا قَوْلُهُ: (وَظَاهِرٌ إلَخْ) اقْتَضَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ النِّيَّةَ إلَى وَقْتٍ يَسَعُ رَكْعَةً مِنْ الْأُولَى أَوْ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ أَنَّهُ يَعْصِي بِتَأْخِيرِ النِّيَّةِ إلَى ذَلِكَ الْحَدِّ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَكُونُ أَدَاءً إذَا فَعَلَهَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ النِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ: أَوْ نَوَاهُ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُهَا صَادِقٌ بِالصُّورَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ، وَقَدْ حَكَمَ الشَّارِحُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ قَضَاءٌ فِيهَا فَتُخَالِفُ الْعِبَارَةَ الْأُولَى فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ وَقْتُ النِّيَّةِ يَسَعُ رَكْعَةً، فَإِنَّ الْعِبَارَةَ الْأُولَى تَقْتَضِي أَنَّهَا أَدَاءٌ وَالثَّانِيَةَ تَقْتَضِي أَنَّهَا قَضَاءٌ، وَأَمَّا الْإِثْمُ فَهُوَ بِاتِّفَاقٍ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ الْعِبَارَةِ الْأُولَى وَالِاقْتِصَارَ عَلَى الثَّانِيَةِ. وَأُجِيبَ بِحَمْلِ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ يَسَعُ رَكْعَةً وَالثَّانِيَةُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ يَسَعُ دُونَهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَقَعَتْ أَدَاءً) أَيْ وَإِنْ أَخَّرَهَا إلَى وَقْتٍ لَوْ فَعَلَهَا فِيهِ وَقَعَتْ أَدَاءً بِأَنْ أَخَّرَهَا إلَى أَنْ بَقِيَ مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَلَا جَمْعَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، بَلْ تَصِيرُ الْأُولَى قَضَاءً إنْ فَعَلَهَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهَا حَيْثُ صَرَّحَ أَوَّلًا بِالْأَدَاءِ وَثَانِيًا بِالْقَضَاءِ قَوْلُهُ: (صَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً) أَيْ فَائِتَةَ حَضَرٍ فَلَا تُقْصَرُ فِي السَّفَرِ شَوْبَرِيٌّ وَلَا إثْمَ فِيهِ، وَهَذَا صَادِقٌ بِالصُّورَتَيْنِ أَيْ سَوَاءٌ قَدَّمَ الظُّهْرَ عَلَى الْعَصْرِ أَوْ الْعَصْرَ عَلَى الظُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ ظَاهِرًا فِي صُورَةِ مَا إذَا قَدَّمَ الظُّهْرَ عَلَى الْعَصْرِ دُونَ الْعَكْسِ قَوْلُهُ: (وَفِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) غَرَضُهُ بِهِ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يُظْهِرُ فِيهَا التَّعْلِيلَ، وَهِيَ مَا إذَا قَدَّمَ الظُّهْرَ عَلَى الْعَصْرِ وَأَقَامَ فِي أَثْنَاءِ الْعَصْرِ، فَيَقُولُ صَاحِبُ الْمَجْمُوعِ: هِيَ أَيْ الظُّهْرُ أَدَاءٌ اكْتِفَاءً بِوُجُودِ الْعُذْرِ فِي بَعْضِ الْعَصْرِ. وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا قَوْلُهُ: (وَمَا بَحَثَهُ) أَيْ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي إلَخْ قَوْلُهُ: (مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ) أَيْ حَيْثُ اشْتَرَطُوا لِصِحَّةِ الْجَمْعِ بَقَاءَ الْعُذْرِ إلَى تَمَامِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ أَقَامَ قَبْلَهُ بَطَلَ الْجَمْعُ فَصَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً لِوُقُوعِهَا خَارِجَ وَقْتِهَا قَوْلُهُ: (قَالَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) غَرَضُهُ بِهِ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ مَا إذَا قَدَّمَ الْعَصْرَ قَوْلُهُ: (وَتَعْلِيلُهُمْ) أَيْ بِأَنَّ الْأُولَى تَابِعَةٌ لِلثَّانِيَةِ فِي الْأَدَاءِ لِلْعُذْرِ إلَخْ قَوْلُهُ: (عَلَى تَقْدِيمِ الْأُولَى) أَيْ الظُّهْرِ مَثَلًا قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَكَسَ) كَأَنْ قَدَّمَ الْعَصْرَ قَوْلُهُ: (فَقَدْ وُجِدَ الْعُذْرُ) أَيْ السَّفَرُ. وَقَوْلُهُ (فِي جَمِيعِ الْمَتْبُوعَةِ) أَيْ الْعَصْرِ وَقَوْلُهُ (وَأَوَّلُ التَّابِعَةِ) أَيْ الظُّهْرِ. قَوْلُهُ: (وَقِيَاسُ مَا مَرَّ) أَيْ قَوْلُهُ وَدَوَامُ سَفَرِهِ إلَى عَقْدِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ قَوْلُهُ: (كَمَا أَفْهَمَهُ تَعْلِيلُهُمْ) أَيْ بَعْضُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَقَدْ زَالَ وَهُنَا لَمْ يَزُلْ قَوْلُهُ: (وَأَجْرَى الطَّاوُسِيُّ) مُعْتَمَدَ قَوْلِهِ: (عَلَى إطْلَاقِهِ) أَيْ مِنْ اشْتِرَاطِ دَوَامِ السَّفَرِ إلَى تَمَامِهَا فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ وَإِنْ قَدَّمَ الْمَتْبُوعَةَ وَمِنْ الِاكْتِفَاءِ فِي وَقْتِ عَقْدِ الثَّانِيَةِ إذَا جَمَعَ تَقْدِيمًا م د قَوْلُهُ: (فَقَالَ وَإِنَّمَا اكْتَفَى إلَخْ) غَرَضُهُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ قَوْلُهُ: (إلَّا فِي السَّفَرِ) فِيهِ أَنَّهُ يَكُونُ وَقْتًا لَهَا أَيْضًا فِي الْحَضَرِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ، وَيُمْكِنُ أَنَّ الْحَصْرَ إضَافِيٌّ أَيْ لَا فِي الْحَضَرِ بِلَا عُذْرٍ قَوْلُهُ: (وَإِلَّا جَازَ) بِأَنْ انْتَهَى السَّفَرُ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَنْصَرِفَ إلَى غَيْرِهِ) وَهُوَ الْحَضَرُ فَتَكُونَ الْأُولَى قَضَاءً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 لِوُقُوعِ بَعْضِهَا فِيهِ وَأَنْ يَنْصَرِفَ إلَى غَيْرِهِ لِوُقُوعِ بَعْضِهَا فِي غَيْرِهِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ اهـ وَكَلَامُ الطَّاوُسِيِّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ فَقَالَ: (وَيَجُوزُ لِلْحَاضِرِ) أَيْ الْمُقِيمِ (فِي الْمَطَرِ) وَلَوْ كَانَ ضَعِيفًا بِحَيْثُ يَبُلُّ الثَّوْبَ وَنَحْوِهِ كَثَلْجٍ وَبَرَدٍ ذَائِبَيْنِ (أَنْ يَجْمَعَ) مَا يَجْمَعُ بِالسَّفَرِ وَلَوْ جُمُعَةً مَعَ الْعَصْرِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ فِي مَنْعِهِ ذَلِكَ تَقْدِيمًا (فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» زَادَ مُسْلِمٌ «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» قَالَ الشَّافِعِيُّ كَمَالِكٍ: أَرَى ذَلِكَ فِي الْمَطَرِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ تَأْخِيرًا لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَطَرِ لَيْسَتْ إلَى الْجَامِعِ فَقَدْ يَنْقَطِعُ فَيُؤَدِّي إلَى إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ، وَشَرْطُ التَّقْدِيمِ أَنْ يُوجَدَ نَحْوُ الْمَطَرِ عِنْدَ تَحَرُّمِهِ بِهِمَا لِيُقَارِنَ الْجَمْعَ وَعِنْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْأُولَى لِيَتَّصِلَ بِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ اعْتِبَارُ امْتِدَادِهِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يَضُرُّ انْقِطَاعُهُ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ أَوْ بَعْدَهُمَا. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُصَلِّيَ جَمَاعَةً بِمُصَلًّى   [حاشية البجيرمي] [الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ] قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَطَرِ قَوْلُهُ: (كَثَلْجِ وَبَرَدٍ ذَائِبَيْنِ) وَشَفَّانٍ شَرْحِ الْمَنْهَجِ ظَاهِرُ هَذِهِ الْكَافِ أَنَّهُ بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ نَحْوِ الْمَطَرِ يُجَوِّزُ الْجَمْعَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْكَافِ فِي الرَّوْضِ بَلْ ظَاهِرُ تَعْبِيرِهِ أَنَّ نَحْوَ الْمَطَرِ مَحْصُورٌ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَعِبَارَتُهُ وَالشَّفَّانُ كَالْمَطَرِ وَكَذَا ثَلْجٌ وَبَرَدٌ ذَائِبَانِ انْتَهَتْ. وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةً، وَالشَّفَّانُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَهُوَ اسْمٌ لِرِيحٍ بَارِدٍ يَصْحَبُهُ مَطَرٌ قَلِيلٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَبُلَّ كُلَّ الثَّوْبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: (ذَائِبَيْنِ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذُوبَا وَإِنْ حَصَلَ بِهِمَا مَشَقَّةٌ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ لَمْ يَرِدْ. نَعَمْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قِطَعًا كِبَارًا يُخْشَى مِنْهُ التَّعَثُّرُ جَازَ الْجَمْعُ كَمَا فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْبَرَدُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخَائِرِ. اهـ. شَرْحِ م ر قَوْلُهُ: (وَلَوْ جُمُعَةً مَعَ الْعَصْرِ) لَوْ عَكَسَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا كَمَا قَالَهُ ق ل لِأَنَّ الْعَصْرَ تَابِعٌ لَا مَتْبُوعٌ، وَالْغَالِبُ دُخُولُ مَعَ عَلَى الْمَتْبُوعِ، الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لَكَانَ أَوْلَى بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ قَوْلُهُ: (تَقْدِيمًا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ الْفَرْضُ قَوْلُهُ: (جَمِيعًا) أَيْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَلَوْ قَالَ جَمْعًا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ قَوْلَهُ جَمِيعًا يَصْدُقُ بِتَرَاخِي إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (وَلَا سَفَرٍ) وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ، وَلَا مَطَرٍ وَهُوَ مُنَافٍ لِمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: أَرَى ذَلِكَ فِي الْمَطَرِ. قَالَ م ر: وَأُجِيبَ بِأَنَّ رِوَايَةَ وَلَا مَطَرٍ شَاذَّةٌ أَوْ مَعْنَاهُ وَلَا مَطَرٍ كَثِيرٍ أَوْ مُسْتَدَامٍ، فَلَعَلَّهُ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ: (لَيْسَتْ إلَى الْجَامِعِ) أَيْ لَيْسَتْ مُفَوَّضَةً إلَى الَّذِي يُرِيدُ الْجَمْعَ أَيْ لَيْسَتْ بِاخْتِيَارِهِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِيَتَّصِلَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُصَلِّيَ جَمَاعَةً إلَخْ) اشْتَمَلَ كَلَامُهُ سَابِقًا وَلَاحِقًا عَلَى خَمْسَةِ شُرُوطٍ أَنْ يُوجَدَ الْعُذْرُ عِنْدَ التَّحَرُّمِ بِهِمَا وَعِنْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْأُولَى وَبَيْنَهُمَا، وَأَنْ يُصَلِّيَ جَمَاعَةً وَبِمُصَلًّى بَعِيدٍ عُرْفًا، وَأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَتَأَذَّى بِالْمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ، وَهَذِهِ شُرُوطٌ زَائِدَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالْوَلَاءِ وَنِيَّةِ الْجَمْعِ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ هُنَا أَيْضًا كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ. فَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ ثَمَانِيَةٌ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: وَبَيْنَهُمَا جَعَلَ هَذَا مَعَ مَا قَبْلَهُ شَرْطًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ. وَلَوْ تَبَاطَأَ الْمَأْمُومُونَ عَنْ الْإِمَامِ اُعْتُبِرَ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ وَصَلَاتِهِ إحْرَامُهُمْ فِي زَمَنٍ يَسَعُ الْفَاتِحَةَ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَبَاطَأَ الْمَأْمُومُونَ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِهِمْ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ الرُّكُوعِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ وَلَا صَلَاتُهُ كَمَا قَالَهُ م ر فِي بَابِ الْجُمُعَةِ، وَيُسْتَشْكَلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الْجُمُعَةِ شَرْطٌ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَفِي الْمَجْمُوعَةِ بِالْمَطَرِ شَرْطٌ فِي جُزْءٍ مِنْهَا فَقَطْ، وَإِذَا تَبَاطَأَ الْمَأْمُومُونَ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمُعَادَةِ زَمَنًا بِحَيْثُ يُعَدُّ فِيهِ مُنْفَرِدًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَا صَلَاتُهُمْ، وَالْفَرْضُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُعِيدٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَنَى بِالْجَمَاعَةِ فِيهَا حَيْثُ شَرَطَهَا فِيهَا مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا شَوْبَرِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ تَقْرِيرِ ح ف. لَكِنْ نَقَلَ عَنْ ع ش عَلَى م ر عَنْ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ بِالْمَطَرِ فِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ إحْرَامُهُمْ فِي زَمَنٍ يَسَعُ الْفَاتِحَةَ قَبْلَ رُكُوعِهِ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ هُنَا بَقَاؤُهُمْ مَعَهُ إلَى الرُّكُوعِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: أَيُّ دَاعٍ لِاعْتِبَارِ إدْرَاكِ زَمَنٍ يَسَعُ الْفَاتِحَةَ مَعَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْقُدْوَةِ إلَى الرُّكُوعِ وَالِاكْتِفَاءِ بِجُزْءٍ فِي الْجَمَاعَةِ. اهـ. ع ش قَوْلُهُ: (أَنْ يُصَلِّيَ جَمَاعَةً) أَيْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 بَعِيدٍ عَنْ بَابِ دَارِهِ عُرْفًا بِحَيْثُ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ فِي طَرِيقِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ يَمْشِي إلَى الْمُصَلَّى فِي كِنٍّ، أَوْ كَانَ الْمُصَلَّى قَرِيبًا فَلَا يَجْمَعُ لِانْتِفَاءِ التَّأَذِّي وَبِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا لِانْتِفَاءِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ، وَأَمَّا جَمْعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَطَرِ مَعَ أَنَّ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ كَانَتْ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ بُيُوتَهُنَّ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً وَأَكْثَرُهَا كَانَ بَعِيدًا، فَلَعَلَّهُ حِينَ جَمَعَ لَمْ يَكُنْ بِالْقَرِيبِ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ بِالْمَأْمُومِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِالْمَطَرِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَلِمَنْ اتَّفَقَ لَهُ وُجُودُ الْمَطَرِ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ أَنْ يَجْمَعَ وَإِلَّا لَاحْتَاجَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ أَوْ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ فِي رُجُوعِهِ إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ عَوْدِهِ، أَوْ فِي إقَامَتِهِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِيه. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا جَمْعَ بِغَيْرِ السَّفَرِ وَنَحْوُ الْمَطَرِ كَمَرَضٍ وَرِيحٍ وَظُلْمَةٍ وَخَوْفٍ وَوَحْلٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَلِخَبَرِ الْمَوَاقِيتِ فَلَا يُخَالَفُ إلَّا بِصَرِيحٍ وَحَكَى فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا جَوَازَهُ بِالْمَذْكُورَاتِ قَالَ: وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا فِي الْمَرَضِ وَالْوَحْلِ وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنْ فَرَضَهُ فِي الْمَرَضِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقَدْ ظَفِرْتُ بِنَقْلِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ اهـ وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَعَلَى ذَلِكَ يُسَنُّ أَنْ يُرَاعِيَ الْأَرْفَقَ بِنَفْسِهِ، فَمَنْ يُحَمُّ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ يُقَدِّمُهَا بِشَرَائِطِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ   [حاشية البجيرمي] الثَّانِيَةَ جَمَاعَةً وَإِنْ صَلَّى الْأُولَى فُرَادَى لِأَنَّهَا فِي وَقْتِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَكْفِي وُجُودُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالثَّانِيَةِ وَإِنْ انْفَرَدُوا قَبْلَ تَمَامِ رَكْعَتِهَا الْأُولَى، بَلْ تَكْفِي الْجَمَاعَةُ وَإِنْ كُرِهَتْ لَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَضْلُهَا لِأَنَّهُ يَكْفِي وُجُودُ صُورَتِهَا فِي دَفْعِ الْإِثْمِ وَالْمُقَاتَلَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامِ الْجَمَاعَةَ أَوْ الْإِمَامَةَ وَإِلَّا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَلَا صَلَاتُهُمْ إنْ عَلِمُوا ذَلِكَ سم وح ل وأ ج. قَوْلُهُ: (بِمُصَلًّى) أَيْ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ أج. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِمُصَلًّى قَوْلُهُ: (وَبِخِلَافِ مِنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا) أَيْ وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ الْجَمَاعَةِ) أَيْ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ فَيَمْتَنِعُ الْجَمْعُ فِي الِانْفِرَادِ قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ) أَيْ بَعْضُهَا أَخْذًا مِنْ الْجَوَابِ قَوْلُهُ: (بِأَنَّ لِلْإِمَامِ إلَخْ) قَالَ م ر: وَالْأَوْجَهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ إمَامًا رَاتِبًا أَوْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إمَامَتِهِ تَعْطِيلُ الْجَمَاعَةِ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ رَدُّ مَا بَحَثَهُ ق ل مِنْ جَوَازِ الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ لِمُجَاوِرِي الْأَزْهَرِ تَبَعًا لِمَنْ يَجُوزُ لَهُمْ الْجَمْعُ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ الْفَرْقِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لِلْإِمَامِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعْطِيلُ الْمَسْجِدِ عَنْ الْإِمَامَةِ وَهُوَ لَا يَجْرِي فِي الْمُجَاوِرِينَ قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُجَاوِرِينَ يُؤَخِّرُونَهَا إلَى وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ وَإِنْ أَدَّى تَأْخِيرُهُمْ إلَى صَلَاتِهِمْ فُرَادَى بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ غَيْرُ مَنْ صَلَّى، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ إنْ أَدَّى تَأْخِيرُهُمْ إلَى صَلَاتِهِمْ فُرَادَى أَيْ فَيَجْمَعُونَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ تَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ: (كَمَرَضٍ) مِثَالٌ لِلْغَيْرِ قَوْلُهُ: (وَلِخَبَرِ الْمَوَاقِيتِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ» يَعْنِي أَنَّهُ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا وَلَمْ يُخْلِ وَقْتًا عَنْ صَلَاتِهِ، وَلَكِنْ وَرَدَ نَصٌّ عَنْ الشَّارِعِ بِإِخْلَاءِ بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَنْ الصَّلَاةِ بِسَبَبٍ خَاصٍّ وَهُوَ السَّفَرُ وَالْمَطَرُ دُونَ غَيْرِهِمَا، فَعَمِلْنَا بِذَلِكَ النَّصِّ وَأَبْقَيْنَا خَبَرَ الْمَوَاقِيتِ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي غَيْرِ السَّبَبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَهُمَا مُسْتَثْنَيَانِ مِنْهُ قَوْلُهُ: (فَلَا يُخَالَفُ) أَيْ خَبَرُ الْمَوَاقِيتِ إلَّا بِصَرِيحِ قَوْلِهِ: (فِي الْمَرَضِ وَالْوَحْلِ) أَيْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» شَرْحُ الرَّوْضِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي) أَيْ فَقَالَ: فَرْعُ الْمُخْتَارِ جَوَازُ الْجَمْعِ بِالْمَرَضِ اهـ مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ نَصًّا فِي الدَّلَالَةِ قَوْلُهُ: (وَعَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بِالْمَرَضِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَمَنْ يُحَمُّ إلَخْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (بِشَرَائِطِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ) وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَيُجْعَلُ الْمَرَضُ هُنَا كَالسَّفَرِ هُنَاكَ أج. فَيَكُونُ الشَّرْطُ الرَّابِعُ دَوَامَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 أَوْ فِي وَقْتِ الْأُولَى يُؤَخِّرُهَا بِالْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّمَا لَمْ يُلْحَقْ الْوَحْلُ بِالْمَطَرِ كَمَا فِي عُذْرِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لِأَنَّ تَارِكَهُمَا يَأْتِي بِبَدَلِهِمَا وَالْجَامِعُ يَتْرُكُ الْوَقْتَ بِلَا بَدَلٍ، وَلِأَنَّ الْعُذْرَ فِيهِمَا لَيْسَ مَخْصُوصًا بَلْ كُلُّ مَا يُلْحَقُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، وَالْوَحْلُ مِنْهُ وَعُذْرُ الْجَمْعِ مَضْبُوطٌ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَلَمْ تَجِئْ بِالْوَحْلِ. تَتِمَّةٌ: قَدْ جَمَعَ فِي الرَّوْضَةِ مَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ وَمَا لَا يَخْتَصُّ فَقَالَ: الرُّخَصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالطَّوِيلِ أَرْبَعٌ: الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْجَمْعُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَاَلَّذِي يَجُوزُ فِي الْقَصِيرِ أَيْضًا أَرْبَعٌ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِالسَّفَرِ وَالتَّنَفُّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالتَّيَمُّمُ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالسَّفَرِ أَيْضًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ صُوَرٌ مِنْهَا مَا لَوْ سَافَرَ الْمُودَعُ وَلَمْ يَجِدْ الْمَالِكَ وَلَا وَكِيلَهُ وَلَا الْحَاكِمَ وَلَا الْأَمِينَ فَلَهُ أَخْذُهَا مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَصْحَبَ مَعَهُ ضِرَّةَ زَوْجَتِهِ بِقُرْعَةٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَوَقَعَ فِي الْمُهِمَّاتِ تَصْحِيحُ عَكْسِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ سَهْوٌ. فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَجَمْعُهَا جُمُعَاتٌ وَجُمَعٌ سَمَّيْت بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا وَقِيلَ لِمَا جُمِعَ فِي يَوْمِهَا مِنْ الْخَيْرِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ جُمِعَ فِيهِ خَلْقُ آدَمَ وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِهِ فِيهِ مَعَ حَوَّاءَ فِي الْأَرْضِ وَكَانَ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ   [حاشية البجيرمي] الْمَرَضِ إلَى عَقْدِ الثَّانِيَةِ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ دَوَامَ الْمَرَضِ إلَى تَمَامِهِمَا قَوْلُهُ: (بِالْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ) وَهُمَا نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَالْبَاقِي يَسَعُهَا، وَدَوَامُ الْعُذْرِ إلَى تَمَامِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَارِكَهُمَا) أَيْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ: (بِبَدَلِهِمَا) وَهُوَ الظُّهْرُ فِي الْأُولَى وَالِانْفِرَادُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ بَدَلُ وَصْفِ الْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ: (وَالْجَامِعُ) أَيْ مُرِيدُ الْجَمْعِ قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) بِكَسْرِ التَّاءَيْنِ اسْمٌ لِبَقِيَّةِ الشَّيْءِ وَقَدْ تَمَّ يَتِمُّ تَمَامًا إذَا كَمُلَ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ لَكِنْ عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ أَنَّهَا بِفَتْحِ التَّاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يَجُوزُ فِي الْقَصِيرِ) لَمْ يَقُلْ وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِالْقَصِيرِ كَمَا قَالَ فِي الطَّوِيلِ لِأَنَّ هَذِهِ غَيْرُ خَاصَّةٍ بِالْقَصِيرِ قَوْلُهُ: (وَالتَّيَمُّمُ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ) الِاثْنَانِ وَاحِدٌ وَإِلَّا كَانَتْ خَمْسَةً قَوْلُهُ: (وَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ الْجَائِزُ فِي الْقَصِيرِ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ سَافَرَ الْمُودَعُ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَخَذَهَا مَعَهُ) وَلَا يَضْمَنُهَا بِذَلِكَ لَوْ تَلِفَتْ م د قَوْلُهُ: (وَلَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ) رَاجِعٌ لِلصُّورَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (عَكْسُهُ) أَيْ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالطَّوِيلِ. [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] ِ. أَيْ فِي بَيَانِ أُمُورٍ لِلُزُومِهَا وَأُمُورٍ لِانْعِقَادِهَا وَآدَابٍ لَهَا دُونَ غَيْرِهَا قَوْلُهُ: (بِضَمِّ الْمِيمِ) وَهِيَ لُغَةُ الْحِجَازِ وَالْفَتْحُ لُغَةُ تَمِيمٍ وَالسُّكُونُ لُغَةُ عَقِيلٍ وَهَذِهِ اللُّغَاتُ مَحَلُّهَا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الْيَوْمَ أَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهَا الْأُسْبُوعُ فَبِالسُّكُونِ لَا غَيْرُ كَمَا إذَا قُلْتَ صُمْتُ جُمُعَةً أَيْ أُسْبُوعًا وَعَلَيْهِ فَالسُّكُونُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَأَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَقَوْلُهُ وَجَمْعُهَا جُمُعَاتٌ أَيْ بِضَمِّ الْمِيمِ إنْ كَانَ الْمُفْرَدُ بِضَمِّهَا أَوْ بِالْفَتْحِ إنْ كَانَ بِفَتْحِهَا أَوْ بِالْكَسْرِ إنْ كَانَ بِكَسْرِهَا وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُفْرَدُ سَاكِنَ الْمِيمِ جَازَ فِي مِيمِ الْجَمْعِ السُّكُونُ وَالضَّمُّ وَالْفَتْحُ وَقَوْلُهُ وَجُمَعٌ هَذَا جَمْعٌ لِلسَّاكِنِ فَقَطْ وَفِي ع ش عَلَى م ر وَأَمَّا الْجُمُعَةُ بِسُكُونِ الْمِيمِ فَاسْمٌ لِأَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَأَوَّلُهَا السَّبْتُ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. مِصْبَاحٌ قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ عِلَّةٌ لِتَسْمِيَةِ الْيَوْمِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ لَا لِتَسْمِيَةِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا تَأَمَّلْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ لِمَا جُمِعَ فِي يَوْمِهَا إلَخْ فَعَلَيْهِ سُمِّيَتْ الصَّلَاةُ بِاسْمِ الْيَوْمِ بِجَامِعِ الِاجْتِمَاعِ فِي كُلٍّ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ جُمِعَ فِيهِ خَلْقُ آدَم وَالْقَوْلُ بَعْدَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْيَوْمِ هُوَ مُطْلَقُ الِاجْتِمَاعِ فَظَهَرَ كَلَامُ الشَّارِحِ وَتَبَيَّنَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ تَأَمَّلْ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ جُمِعَ فِيهِ خَلْقُ آدَمَ أَيْ تَصْوِيرُهُ وَكَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَيْثُ خُلِقَ مِنْ طِينٍ فَلَبِسَتْهُ الرُّوحُ مِنْ أَعْلَى وَصَارَتْ تَنْزِلُ شَيْئًا فَشَيْئًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 يَوْمَ الْعُرُوبَةِ أَيْ الْبَيِّنِ الْمُعَظَّمِ. وَهِيَ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ، وَيَوْمُهَا أَفْضَلُ الْأَيَّامِ وَخَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ، يُعْتِقُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ سِتَّمِائَةِ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنْ النَّارِ، مَنْ مَاتَ فِيهِ كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَهِيَ بِشُرُوطِهَا الْآتِيَةِ فَرْضُ عَيْنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] أَيْ امْضُوا {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» . وَفُرِضَتْ الْجُمُعَةُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ، وَلَمْ يُصَلِّهَا حِينَئِذٍ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ عَدَدَهَا، أَوْ لِأَنَّ مِنْ شِعَارِهَا الْإِظْهَارَ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ مُسْتَخْفِيًا. وَالْجُمُعَةُ لَيْسَتْ ظُهْرًا مَقْصُورًا وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا وَقْتَهُ وَتَتَدَارَكُ بِهِ بَلْ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهَا، «وَلِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ   [حاشية البجيرمي] إلَى أَسْفَلَ وَلِهَذَا كَانَ يَنْظُرُ إلَى بَعْضِ بَدَنِهِ وَهُوَ طِينٌ وَلَمَّا وَصَلَتْ إلَى أَنْفِهِ عَطَسَ فَانْفَتَحَتْ مَجَارِي رَأْسِهِ وَعُرُوقُهَا فَلَمَّا وَصَلَتْ إلَى فَمِهِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَرْحَمُكَ رَبُّكَ يَا آدَم قَوْلُهُ مَعَ حَوَّاءَ أَيْ بِالْمَدِّ مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ الْأَيَّامِ) أَيْ أَيَّامُ الْأُسْبُوعِ، فَيَخْرُجُ يَوْمُ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَفْضَلَ أَيَّامِ السَّنَةِ عَرَفَةُ، وَأَفْضَلَ لَيَالِي السَّنَةِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَأَفْضَلَ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ حَتَّى إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ وَعِيدِ الْأَضْحَى. وَفَضَّلَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مُطْلَقًا حَتَّى عَلَى عَرَفَةَ كَمَا قَالَهُ أج قَالَ ز ي وَفِي خَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «إنَّ يَوْمَهَا سَيِّدُ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى» وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: يَوْمُهَا أَفْضَلُ الْأَيَّامِ بَعْدَ عَرَفَةَ، وَلَيْلَتُهَا أَفْضَلُ اللَّيَالِي بَعْدَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَرَجَّحَ الْحَافِظُ حَجّ تَفْضِيلَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ. وَالْمُرَادُ بِهِمَا اللَّيْلَتَانِ الْمُعَيَّنَتَانِ لَا نَظَائِرُهُمَا مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، وَلَيْلَةُ الْمَوْلِدِ أَفْضَلُ مِنْهُمَا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ بِالنِّسْبَةِ لَنَا، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ أَفْضَلُ إذْ وَقَعَ لَهُ فِيهَا رُؤْيَةُ الْبَارِي تَعَالَى بِعَيْنِ رَأْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِوِقَايَةِ مَنْ مَاتَ فِيهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ تَخْفِيفُ سُؤَالِهِ إذْ عِنْدَنَا أَنَّ سُؤَالَ الْقَبْرِ عَامٌّ إلَّا مَا اسْتَثْنَى، وَفِتْنَةُ الْقَبْرِ هِيَ نَفْسُ السُّؤَالِ اهـ. قَوْلُهُ: (يُعْتِقُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ إلَخْ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْتَقَ، وَلَا يَصِحُّ الْفَتْحُ لِأَنَّهُ مِنْ عَتَقَ وَهُوَ قَاصِرٌ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (سِتَّمِائَةِ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنْ النَّارِ) كَذَا عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَهِيَ مُتَعَيِّنَةٌ لِأَنَّهَا الرِّوَايَةُ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ بِإِسْقَاطِ لَفْظِ أَلْفٍ فَلَعَلَّهَا سَقَطَتْ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ أج. قَوْلُهُ: (فِتْنَةَ الْقَبْرِ) أَيْ سُؤَالَ الْمَلَكَيْنِ بِأَنْ لَا يُسْأَلَ أَوْ يُسْأَلَ سُؤَالًا خَفِيفًا، أَوْ الْمُرَادُ بِهَا تَلَجْلُجُهُ فِي جَوَابِ الْمَلَكَيْنِ، أَوْ الْمُرَادُ بِهَا مَجِيءُ الشَّيْطَانِ فِي زَوَايَا الْقَبْرِ وَإِشَارَتُهُ عِنْدَ السُّؤَالِ أَنَّهُ الرَّبُّ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9] وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ فِيهَا الصَّلَاةُ مَجَازًا مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ جُزْئِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ السَّعْيِ إلَيْهَا وُجُوبُهَا اهـ بَابِلِيٌّ. وَأَتَى بِالْحَدِيثِ بَعْدَهَا لِأَنَّ الذِّكْرَ لَيْسَ نَصًّا فِي الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ: إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَيْ أُذِّنَ لَهَا، أَيْ الْأَذَانُ الثَّانِي الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ كَمَا فِي الْكَشَّافِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شِهَابٌ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) مِنْ بِمَعْنَى فِي. قَوْلُهُ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَهُوَ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ الْخُطْبَةُ، فَأَمَرَ بِالسَّعْيِ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَإِذَا وَجَبَ السَّعْيُ وَجَبَ مَا يُسْعَى إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَاحٌ وَلَا يُنْهَى عَنْ فِعْلٍ مُبَاحٍ إلَّا لِفِعْلٍ وَاجِبٍ شَرْحُ م ر. وَصَلَاتُهَا مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. قَوْلُهُ: (بِمَكَّةَ) وَلَعَلَّ وَقْتَ فَرْضِيَّتَهَا كَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَرَاجِعْهُ م د. وَعُورِضَ هَذَا بِقَوْلِ الْحَافِظِ حَجّ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ اهـ أج. وَأَوَّلُ مَنْ أَقَامَهَا بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْخَضَمَاتُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَمُثَنَّاةٍ فَوْقُ بَعْدَهُمَا عَلَى مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ لِبَنِي بَيَاضَةَ بَطْنٌ مِنْ الْأَنْصَارِ. وَكَانُوا أَرْبَعِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ لَهُ وَلِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ حِينَ بَعَثَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْمَدِينَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فُرِضَتْ بِمَكَّةَ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِأَنَّ مِنْ شِعَارِهَا) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا لَا يُسْقِطُ الْجُمُعَةَ. قَوْلُهُ: (وَالْجُمُعَةُ لَيْسَتْ ظُهْرًا مَقْصُورًا) أَشَارَ بِهِ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ أج. قَوْلُهُ: (وَتُتَدَارَكُ بِهِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَتَخْتَصُّ بِشُرُوطٍ لِلُزُومِهَا وَشُرُوطٍ لِصِحَّتِهَا وَآدَابٍ وَسَتَأْتِي كُلُّهَا. وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ) صَلَاةِ (الْجُمُعَةِ سَبْعَةُ أَشْيَاءَ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ: الْأَوَّلُ (الْإِسْلَامُ) وَهُوَ شَرْطٌ لِغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ عِبَادَةٍ (وَ) الثَّانِي (الْبُلُوغُ وَ) الثَّالِثُ (الْعَقْلُ) فَلَا جُمُعَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالتَّكْلِيفُ أَيْضًا شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا ظُهْرًا كَغَيْرِهَا. (وَ) الرَّابِعُ (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ لِنَقْصِهِ وَلِاشْتِغَالِهِ بِحُقُوقِ السَّيِّدِ عَنْ التَّهَيُّؤِ لَهَا، وَشَمِلَ ذَلِكَ الْمُكَاتَبَ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. (وَ) الْخَامِسُ (الذُّكُورَةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ وَخُنْثَى لِنَقْصِهِمَا (وَ) السَّادِسُ (الصِّحَّةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى مَرِيضٍ وَلَا عَلَى مَعْذُورٍ بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ مِمَّا يُتَصَوَّرُ هُنَا.   [حاشية البجيرمي] أَيْ بِالظُّهْرِ، أَيْ إذَا فَاتَتْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهَا) أَيْ إذَا فَعَلَهُ مَعَ إمْكَانِ فِعْلِهَا لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ خَابَ) أَيْ خَسِرَ. وَقَوْلُهُ: مَنْ افْتَرَى أَيْ كَذَبَ. [شَرَائِطُ وُجُوبِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] قَوْلُهُ: (بِتَقْدِيمِ السِّينِ إلَخْ) قَيَّدَ بِذَلِكَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُقْرَأَ تِسْعَةً بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ إذْ الرَّسْمُ وَاحِدٌ. وَمِنْ النِّكَاتِ اللَّطِيفَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] بَعْدَ قَوْلِهِ {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وَالسَّبْعَةُ وَالثَّلَاثَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عَشَرَةً إذْ لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِتَوَهُّمِ التِّسْعَةِ لِاتِّحَادِ الرَّسْمِ، فَدُفِعَ هَذَا التَّوَهُّمُ بِقَوْلِهِ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ إذْ الْقُرْآنُ فِي أَعْلَى طَبَقَاتِ الْبَلَاغَةِ وَالْبَيَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 3] وَقَالَ {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [فصلت: 3] أَيْ بَيِّنًا ظَاهِرًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَبِقَوْلِهِ الْآتِي وَالتَّكْلِيفُ أَيْضًا شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى إسْقَاطُ هَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهَا بِالْجُمُعَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ: إنَّمَا تَجِبُ أَيْ الْجُمُعَةُ عَلَى حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ بِمَحَلِّ جُمُعَةٍ، وَتَرْكُ الْجَمَاعَةِ بِلَا عُذْرٍ إلَخْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ غَرَضُهُ بِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى ذِكْرِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَالتَّكْلِيفُ شَرْطٌ إلَخْ غَرَضُهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى ذِكْرِ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِالْجُمُعَةِ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ بَلْ مِثْلُهُمَا السَّكْرَانُ، فَالثَّلَاثَةُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ إنْ تُعَدُّوا وَجَبَ الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا قَوْلُهُ: (عَلَى صَبِيٍّ) لَكِنْ تَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ وَتُجْزِئُهُ عَنْ ظُهْرِهِ كَمَا يَأْتِي ق ل قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ) أَيْ مَا لَمْ يَتَعَدَّ بِجُنُونِهِ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا ظُهْرًا. اهـ. م د قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ السَّكْرَانِ) أَيْ الْمُتَعَدِّي إذْ هُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَمِثْلُهُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونُ فَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا قَضَاؤُهَا ظُهْرًا عِنْدَ التَّعَدِّي قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا ظُهْرًا) أَيْ كَمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ غَيْرِهَا، فَالْوُجُوبُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى انْعِقَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ. فَإِنْ قُلْتَ: الْقَضَاءُ فَرْعُ الْوُجُوبِ وَهُنَا لَا وُجُوبَ. قُلْتُ: هُوَ فَرْعُهُ غَالِبًا اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (الْحُرِّيَّةُ) أَيْ الْكَامِلَةُ بِدَلِيلِ الْمُحْتَرَزِ. وَقَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ أَيْ وَإِنْ قَلَّ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَتْ الْجُمُعَةُ فِي نَوْبَتِهِ أَوْ لَا اهـ أج. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِمَالِكِ الْقِنِّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي حُضُورِهَا م ر قَوْلُهُ: (وَشَمِلَ ذَلِكَ الْمُكَاتَبَ) إنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ دُونَ الْقِنِّ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَخُنْثَى) نَعَمْ إنْ اتَّضَحَ بِالذُّكُورَةِ قَبْلَ فِعْلِهَا وَلَوْ بَعْدَ فِعْلِهِ الظُّهْرَ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا إنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ الظُّهْرِ، وَلَا يَكْفِيه ظُهْرُهُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ فَعَلَهُ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِنَقْصِهِمَا) لَكِنْ تُجْزِئُهُمَا عَنْ ظُهْرِهِمَا إنْ فَعَلُوهَا كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ: (الصِّحَّةُ) لَوْ قَالَ عَدَمُ الْعُذْرِ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى مَعْذُورٍ) وَلَيْسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 وَمِنْ الْأَعْذَارِ الِاشْتِغَالُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَإِسْهَالٌ لَا يَضْبِطُ الشَّخْصُ نَفْسَهُ مَعَهُ وَيَخْشَى مِنْهُ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْجَمَاعَةِ أَنَّ الْحَبْسَ عُذْرٌ إذْ لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا فِيهِ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ يَجِبُ إطْلَاقُهُ لِفِعْلِهَا وَالْغَزَالِيُّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي مَنْعِهِ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا أَوْلَى وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الْحَبْسِ أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْقِيَاسُ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَلْزَمُهُمْ. وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِإِقَامَتِهَا فَهَلْ   [حاشية البجيرمي] مِنْ الْأَعْذَارِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُشْتَغِلِينَ بِالسَّبَبِ مِنْ خُرُوجِهِمْ لِلْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى عَدَمِ خُرُوجِهِمْ ضَرَرٌ كَفَسَادِ مَتَاعِهِمْ، فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي قُرَى مِصْرِنَا كَثِيرًا. اهـ. ع ش. وَلَيْسَ فَوَاتُ الدَّرْسِ عُذْرًا لِإِسْقَاطِهَا وَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ فَرْضَ عَيْنٍ وَلَا مُجَرَّدَ الْوَحْشَةِ بِالِانْقِطَاعِ عَنْ الرُّفْقَةِ، وَهَلْ مِثْلُ ذَلِكَ سَفَرُ الْمَرَاكِبِ يَوْمَهَا الْمَشْهُورِ بِالْمَعَاشِ لِلتَّدَارُكِ بِيَوْمِ الِاثْنَيْنِ بَعْدَهُ أَوْ يُفَرَّقُ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (مِمَّا يُتَصَوَّرُ هُنَا) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ شِدَّةِ الرِّيحِ فَإِنَّهَا عُذْرٌ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ لَا فِي صَلَاةِ النَّهَارِ، فَإِذَا وُجِدَتْ نَهَارًا لَا تَكُونُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ يُقَالُ: أَلْحَقُوا مَا بَعْدَ الْفَجْرِ بِاللَّيْلِ لِوُجُودِ الظُّلْمَةِ فِيهِ، فَتَكُونُ شِدَّةُ الرِّيحِ عُذْرًا فِي حَقِّ مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ وَتَوَقَّفَ حُضُورُهُ الْجُمُعَةَ عَلَى السَّعْيِ مِنْ الْفَجْرِ وَهُوَ تَصْوِيرٌ حَسَنٌ ع ش عَلَى م ر مُلَخَّصًا. وَانْظُرْ وَجْهَ حُسْنِهِ مَعَ اشْتِرَاطِ بُلُوغِ صَوْتِ الْمُنَادِي لِمُعْتَدِلِ السَّمْعِ وَصَوْتُ الْمُنَادِي لَا يَصِلُ إلَى مَحَلٍّ يَجِبُ فِيهِ السَّعْيُ مِنْ الْفَجْرِ اط ف. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ بُلُوغِ صَوْتِ الْمُنَادِي فِي غَيْرِ الْمُقِيمِ بِمَحَلِّهَا، أَمَّا الْمُقِيمُ بِمَحَلِّهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَمَاعُ صَوْتِ الْمُنَادِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ مُقِيمٌ بِمَحَلِّ جُمُعَةٍ أَوْ بِمُسْتَوٍ بَلَغَهُ فِيهِ مُعْتَدِلَ سَمْعٍ صَوْتٌ عَالٍ عَادَةً إلَخْ حَيْثُ أَطْلَقَ فِي الْأَوَّلِ وَقَيَّدَ فِيمَا بَعْدَهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ سم فَيَكُونُ كَلَامُ ع ش فِي التَّصْوِيرِ مَفْرُوضًا فِي الْمُقِيمِ بِمَحَلِّ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا كَانَتْ دَارُهُ بَعِيدَةً بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إلَّا إنْ سَارَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ النِّدَاءَ، فَإِذَا وُجِدَتْ شِدَّةُ رِيحٍ حِينَئِذٍ كَانَتْ عُذْرًا فِي حَقِّهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْأَعْذَارِ الِاشْتِغَالُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ) صَرِيحُهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ فَرَاجِعْهُ ق ل. مَعَ أَنَّهُ مِنْهَا بِالْأَوْلَى لِكَوْنِهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْجُمُعَةُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَمِنْ الْأَعْذَارِ اشْتِغَالُ صَاحِبِ الزَّرْعِ بِحَصَادِهِ أَوْ حَرْثِهِ وَكَانَ لَوْ تَرَكَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَتَلَفَ الزَّرْعُ وَلَمْ يَحْصُلْ الْإِنْبَاتُ. وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا لَوْ احْتَاجَ إلَى كَشْفِ عَوْرَتِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا كَذَلِكَ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِدُونِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَيَلْزَمُهُ كَشْفُ عَوْرَتِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَعَلَى مَنْ حَضَرَ غَضُّ بَصَرِهِ. اهـ. م ر خ ض. وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْجُمُعَةِ بَدَلًا قَالَ أج نَقْلًا عَنْ التُّحْفَةِ. وَمِنْ الْعُذْرِ هُنَا عَلَى الْأَقْرَبِ حَلِفُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُصَلِّيَهَا لِخَشْيَةِ مَحْذُورٍ عَلَيْهِ لَوْ خَرَجَ إلَيْهَا لِأَنَّ فِي تَحْنِيثِهِ مَشَقَّةً عَلَيْهِ بِإِلْحَاقِهِ الضَّرَرَ لِمَنْ لَمْ يَتَعَدَّ بِحَلِفِهِ إذْ هُوَ مَعْذُورٌ فِي ظَنِّهِ الْبَاعِثِ لَهُ عَلَى الْحَلِفِ بِشَهَادَةِ قَرِينَةٍ بِهِ، فَإِبْرَارُهُ كَأَنِيسِ مَرِيضٍ بَلْ أَوْلَى اهـ. وَمِنْهُ أَيْضًا مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي خَلْفَ زَيْدٍ فَوُلِّيَ زَيْدٌ إمَامًا فِي الْجُمُعَةِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ، وَقِيلَ فِي هَذِهِ: يُصَلِّي خَلْفَهُ وَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ شَرْعًا كَمَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ اللَّيْلَةَ فَإِذَا هِيَ حَائِضٌ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَنْزِعُ ثَوْبَهُ فَأَجْنَبَ وَاحْتَاجَ إلَى نَزْعِهِ لِتَعَذُّرِ غُسْلِهِ فِيهِ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ لِلْجُمُعَةِ بَدَلًا فِيهِ نَظَرٌ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْجُمُعَةِ إذَا كَانَ الْحَالِفُ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَإِلَّا فَيُصَلِّي خَلْفَهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ اهـ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَهَلْ الْأَعْذَارُ مُسْقِطَاتٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ مُوجِبَاتٌ لِلتَّرْكِ خِلَافٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَمُولِيُّ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ. اهـ. إيعَابٌ. أَيْ بِمَعْنَى أَنَّ الْأَعْذَارَ مُسْقِطَةٌ لِلْوُجُوبِ أَيْ مَانِعَةٌ مِنْ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ الْمَعْذُورِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْجَمَاعَةِ) أَيْ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَوْلَهُ: (إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا فِيهِ) أَيْ الْحَبْسِ بِأَنْ كَانَ مُعْسِرًا وَعَجَزَ عَنْ بَيِّنَةِ إعْسَارِهِ اهـ قَوْلُهُ: (فَيَكُونُ هُنَا) أَيْ فِي الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ أَيْ عُذْرًا قَوْلُهُ: (فَالْقِيَاسُ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَلْزَمُهُمْ) اعْتَمَدَهُ م ر خِلَافًا لحج قَالَ الْمَرْحُومِيُّ: قَوْلُهُ تَلْزَمُهُمْ أَيْ لِأَنَّ إقَامَتَهَا فِي الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَالتَّعَدُّدُ أَيْ تَعَدُّدُ الْجُمُعَةِ يَجُوزُ عِنْدَ عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ فَعِنْدَ تَعَذُّرِهِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِإِقَامَتِهَا) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى عِبَارَتِهِ مِنْ الْإِيهَامِ إذْ تَقْتَضِي أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ وَمَنْ لَا يَصْلُحُ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 لِوَاحِدٍ مِنْ الْبَلَدِ الَّتِي لَا يَعْسُرُ فِيهَا الِاجْتِمَاعُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ لَهُمْ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ. وَتَلْزَمُ الشَّيْخَ الْهَرِمَ وَالزَّمِنَ إنْ وَجَدَا مَرْكَبًا مِلْكًا أَوْ إجَارَةً أَوْ إعَارَةً وَلَوْ آدَمِيًّا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَمْ يَشُقَّ الرُّكُوبُ عَلَيْهِمَا كَمَشَقَّةِ الْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ، وَلَا يَجِبُ قَبُولُ الْمَوْهُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَالشَّيْخُ مَنْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ، فَإِنَّ النَّاسَ صِغَارٌ وَأَطْفَالٌ وَصِبْيَانٌ وَذَرَارِيُّ إلَى الْبُلُوغِ، وَشُبَّانٌ وَفِتْيَانٌ إلَى الثَّلَاثِينَ، وَكُهُولٌ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَبَعْدَ الْأَرْبَعِينَ الرَّجُلُ شَيْخٌ وَالْمَرْأَةُ شَيْخَةٌ وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ قَالَ تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12] {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} [الأنبياء: 60] {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا} [آل عمران: 46] {إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} [يوسف: 78] وَالْهَرَمُ أَقْصَى الْكِبَرِ، وَالزَّمَانَةُ الِابْتِلَاءُ وَالْعَاهَةُ، وَتَلْزَمُ الْأَعْمَى إنْ وَجَدَ قَائِدًا وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ يَجِدُهَا أَوْ مُتَبَرِّعًا أَوْ مِلْكًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْمَشْيَ بِالْعَصَا خِلَافًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلضَّرَرِ نَعَمْ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْجَامِعِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْحُضُورِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الضَّرَرِ وَهَذَا لَا يَتَضَرَّرُ. وَمَنْ صَحَّ ظُهْرُهُ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ جُمُعَةٌ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ لِأَنَّهَا إذَا صَحَّتْ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ فَمِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ أَوْلَى وَتُغْنِي عَنْ ظُهْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ الْمُصَلَّى قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهَا إلَّا نَحْوَ مَرِيضٍ كَأَعْمَى لَا يَجِدُ قَائِدًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ قَبْلَ إحْرَامِهِ إنْ دَخَلَ وَقْتُهَا، وَلَمْ يَزِدْ ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ فِعْلَهَا أَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، نَعَمْ لَوْ أُقِيمَتْ وَكَانَ ثَمَّ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ كَمَنْ بِهِ إسْهَالٌ   [حاشية البجيرمي] يَصْلُحُ أَصْلًا وَلِذَا عَبَّرَ م ر بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ أَصْلًا اهـ أج قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا يَعْسُرُ) وَكَذَا إنْ عَسُرَ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (أَنَّ لَهُ ذَلِكَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيَظْهَرُ الْوُجُوبُ وَفِي شَرْحِ م ر الْجَوَازُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالزَّمِنَ) هُوَ مَنْ بِهِ عَاهَةٌ أَضْعَفَتْ حَرَكَتَهُ وَإِنْ كَانَ شَابًّا فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الشَّيْخِ لَا عَلَى الْهَرَمِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ آدَمِيًّا) أَيْ إنْ لَمْ يُزْرِ بِهِ قَوْلَهُ: (وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ) أَيْ مَجْمُوعَ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ فِي الدَّلِيلِ شَابٌّ وَلَا فِي الْمَدْلُولِ كَهْلٌ فَتَأَمَّلْ ق ل. وَفِيهِ أَنَّ الْكَهْلَ مَوْجُودٌ فِي الْمَدْلُولِ. وَاعْتَرَضَ قَوْلُهُ: وَاسْتَنْبَطَ بِأَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ يَحْتَاجُ لِتَأَمُّلٍ كَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَالزَّمَانَةُ) هِيَ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ وَقَدْ يُقَالُ: قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْهَرَمِ وَالزَّمِنِ فَاحْتَاجَ لِتَعْرِيفِ الْهَرَمِ وَالزَّمَانَةِ لِاشْتِقَاقِهِمَا مِنْهُمَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (يَجِدُهَا) أَيْ زَائِدَةً عَلَى مَا فِي الْفِطْرَةِ ق ل قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ) فَإِنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْحُضُورَ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْمَشْيَ بِالْعَصَا وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْجَامِعُ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِدْرَاكِ. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ جُمُعَةٌ) كَالصَّبِيِّ وَالرَّقِيقِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ قَوْلُهُ: (أَوْلَى) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ صِحَّتَهَا مِمَّنْ يَصِحُّ ظُهْرُهُ تَبَعٌ لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، وَحِينَئِذٍ لَيْسَتْ الصِّحَّةُ مِنْهُ أَوْلَى شَوْبَرِيٌّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهَا مِنْ الْأَصْلِ صِحَّتُهَا مِنْ التَّابِعِ بِالْأَوْلَى. وَبَعْضُهُمْ وَجَّهَ الْأَوْلَوِيَّةَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهَا إذَا صَحَّتْ مِمَّنْ لَا عُذْرَ لَهُمْ صَحَّتْ مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ بِالْأَوْلَى، أَوْ يُقَالُ: لِأَنَّهَا إذَا صَحَّتْ مِنْ الْكَامِلِ الْأَصْلِيِّ صَحَّتْ مِنْ النَّاقِصِ التَّابِعِ بِالْأَوْلَى مَعَ أَنَّهَا فِي الصُّورَةِ أَنْقُصُ مِنْ الظُّهْرِ وَإِنْ كَانَتْ أَكْمَلَ فِي الْوَاقِعِ س ل. وَقَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: الْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ، وَالْمُرَادُ بِالْإِجْزَاءِ الْكِفَايَةُ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ أَيْ لِأَنَّهَا إذَا أَجْزَأَتْ الْكَامِلِينَ مَعَ قَصْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ أَكْمَلَ فِي الْمَعْنَى فَتُجْزِئُ النَّاقِصِينَ بِالْأَوْلَى. وَعَبَّرَ الرَّافِعِيُّ بِالْإِجْزَاءِ بَدَلَ الصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ إحْرَامِهِ) أَمَّا بَعْدَ إحْرَامِهِ فَيَمْتَنِعُ لِحُرْمَةِ قَطْعِ الْفَرْضِ. لَكِنْ قَالَ م ر: مَا لَمْ يُطَوِّلْ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ كَأَنْ قَرَأَ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ، فَإِنْ طَوَّلَ كَذَلِكَ جَازَ الِانْصِرَافُ وَلَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ اهـ أج. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَحْوَ الْمَرِيضِ لَهُ الِانْصِرَافُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَهُوَ الزَّوَالُ مُطْلَقًا وَيَمْتَنِعُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَشَقَّةٌ تُحْتَمَلُ، وَأَمَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 ظَنَّ انْقِطَاعَهُ فَأَحَسَّ بِهِ وَلَوْ بَعْدَ تَحَرُّمِهِ وَعَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ إنْ مَكَثَ سَبَقَهُ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ لَهُ الِانْصِرَافَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنَّ الْمَانِعَ فِي نَحْوِ الْمَرِيضِ مِنْ وُجُوبِهَا مَشَقَّةُ الْحُضُورِ وَقَدْ حَضَرَ مُتَحَمِّلًا لَهَا، وَالْمَانِعُ فِي غَيْرِهِ صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِهِ لَا تَزُولُ بِالْحُضُورِ. (وَ) السَّابِعُ (الِاسْتِيطَانُ) وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْإِقَامَةِ، فَلَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ سَفَرًا مُبَاحًا وَلَوْ قَصِيرًا لِاشْتِغَالِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا «لَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ» لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ   [حاشية البجيرمي] وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ فَإِنْ زَادَ ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ فِعْلَهَا وَلَمْ تُقَمْ جَازَ لَهُ الِانْصِرَافُ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ ضَرَرُهُ أَوْ أُقِيمَتْ فَلَا قَوْلُهُ: (أَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ) أَيْ أَوْ زَادَ ضَرَرُهُ لَكِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى) وَهُوَ نَحْوُ الْمَرِيضِ، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ الضَّمِيرُ فِي يَنْصَرِفُ الرَّاجِعُ لِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، أَيْ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْأَوَّلِ الِانْصِرَافُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ وَهُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ ضَرَرُهُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلثَّانِي. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ عُذْرَ نَحْوِ الْمَرِيضِ يَزُولُ بِالْحُضُورِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالرَّقِيقِ وَالْمَرْأَةِ فَإِنَّ عُذْرَهُمَا مُسْتَمِرٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْإِقَامَةِ) لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ الِاسْتِيطَانِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ لِلِانْعِقَادِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ بَلْ الْكَلَامُ فِي الْوُجُوبِ وَالْمَشْرُوطُ لِلْوُجُوبِ الْإِقَامَةُ وَلَوْ بِدُونِ اسْتِيطَانٍ كَمُجَاوِرِي الْأَزْهَرِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مُسَافِرٍ) أَيْ وَإِنْ نَقَصَ الْعَدَدُ بِسَبَبِ سَفَرِهِ وَتَعَطَّلَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى غَيْرِهِ بِوَاسِطَةِ سَفَرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُحَصِّلَ الْجُمُعَةَ لِغَيْرِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَعْذُورِ السَّابِقِ وِفَاقًا ل م ر وَخِلَافًا لِأَحَدِ كَلَامَيْنِ لِأَبِيهِ، قَالَ: وَهَذَا شَبِيهٌ بِمَا لَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّعْجِيزِ. وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا مَرَّ آنِفًا مِنْ حُرْمَةِ تَعْطِيلِ بَلَدِهِمْ عَنْهَا لَكِنَّ الْفَرْقَ وَاضِحٌ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مُعَطَّلُونَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (مُبَاحًا) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسَافِرَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَعْصِي بِتَرْكِهَا فِي بَلَدِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ وَجَدَهَا تُقَامُ فِي طَرِيقِهِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا م د وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: قَوْلُهُ مُبَاحًا قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ فَتَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْعَاصِي بِسَفَرِهِ لِأَنَّ سُقُوطَهَا رُخْصَةٌ، وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحَشِّي. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ قَصِيرًا) نَعَمْ إنْ خَرَجَ إلَى قَرْيَةٍ يَبْلُغُ أَهْلَهَا نِدَاءُ قَرْيَتِهِ لَزِمَتْهُ لِأَنَّ هَذِهِ مَسَافَةٌ يَجِبُ قَطْعُهَا لِلْجُمُعَةِ فَلَا تُعَدُّ سَفَرًا مُسْقِطًا لَهَا سم. وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ وَلَوْ قَصِيرًا فِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ السَّفَرَ لِمَحَلٍّ لَا يَسْمَعُ فِيهِ نِدَاءَ الْجُمُعَةِ يُسَمَّى سَفَرًا شَرْعًا. وَقَدْ قَالُوا فِي النَّفْلِ فِي السَّفَرِ فِي صَوْبِ مَقْصِدِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُسَافِرَ لِمَحَلٍّ يُسَمَّى الذَّهَابُ إلَيْهِ سَفَرًا شَرْعًا بِأَنْ لَا يَسْمَعَ فِيهِ نِدَاءَ الْجُمُعَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ جَاوَزَ الْمَحَلَّ الْمُعْتَبَرَ مُجَاوَزَتُهُ يُقَالُ لَهُ مُسَافِرٌ شَرْعًا، ثُمَّ إنْ كَانَ بِمَحَلٍّ لَا يَسْمَعُ فِيهِ نِدَاءَ الْجُمُعَةِ جَازَ لَهُ التَّنَفُّلُ صَوْبَ مَقْصِدِهِ وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ سَمِعَ فِيهِ نِدَاءً لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ لِمَحَلِّ الْجُمُعَةِ اهـ قَوْلُهُ: (لِاشْتِغَالِهِ إلَخْ) مِنْهُ يُؤْخَذُ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى نَحْوِ الْحَصَّادِينَ إذَا خَرَجُوا قَبْلَ الْفَجْرِ إلَى مَكَان لَا يَسْمَعُونَ فِيهِ النِّدَاءَ أَيْ نِدَاءَ بَلْدَتِهِمْ، إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ الْبُلُوغُ مِنْ غَيْرِ بَلْدَتِهِمْ أَيْضًا لَكَانَ مَنْ خَرَجَ أَيْ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَى قَرْيَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَرْحَلَةٌ وَبِقُرْبِهَا بَلْدَةٌ يَسْمَعُ نِدَاءَهَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ. اهـ. ح ل. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَمِنْ هَذَا مَا يَقَعُ فِي بِلَادِ الرِّيفِ مِنْ أَنَّ الْفَلَّاحِينَ يَخْرُجُونَ لِلْحَصَادِ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ مِنْ بَلَدِهِمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ فِيمَا يَسْمَعُونَ مِنْهُ النِّدَاءَ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى مَنْ ذُكِرَ لِأَنَّهُمْ إمَّا فِي حُكْمِ الْمُقِيمِينَ أَوْ لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ مُسَافِرٌ لَهُ أَيْ لِلْمُسْتَوِي مِنْ مَحَلِّهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَقَامُوا بِغِيطَانِهِمْ أَوْ رَجَعُوا إلَى بِلَادِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَيْضًا قَوْلَهُ: أَوْ مُسَافِرٌ لَهُ أَيْ لِلْمُسْتَوِي دَخَلَ فِي ذَلِكَ الضِّيَافَةُ، وَمَنْ يُسَافِرُ لِلسَّوَاقِي أَوْ لِلْحِرَاثَةِ مِنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا سَافَرَ إلَى ذَلِكَ الْمُسْتَوِي إنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مِنْ مَحَلِّهَا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الذَّهَابُ وَإِلَّا فَلَا. وَالْحَالُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْمَحَلِّ قَبْلَ الْفَجْرِ فَانْظُرْهُ مَعَ مَا قَالَهُ ح ل. وَكَلَامُ ح ل هُوَ الْمُعْتَمَدُ شَيْخُنَا وَوَافَقَهُ الْعَنَانِيُّ لِأَنَّهُمْ يُقَالُ لَهُمْ مُسَافِرُونَ وَالْمُسَافِرُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ مَسْأَلَةٌ تَقَعُ كَثِيرًا، وَهِيَ أَنَّ الشَّخْصَ يُسَافِرُ يَوْمَ الْخَمِيسِ إلَى قَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ بَلَدِهِ لَكِنْ لَا يَسْمَعُ فِيهَا النِّدَاءَ مِنْ بَلَدِهِ، وَيُصْبِحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَهُوَ غَيْرُ عَازِمٍ عَلَى الْإِقَامَةِ بَلْ يَرْجُو مِنْهَا قَضَاءَ حَاجَتِهِ، فَحِينَئِذٍ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ مَعَ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ مُسَافِرٌ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 عَلَى ابْنِ عُمَرَ. وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ جَمْعٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ وَهُوَ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ الْمُسْتَوْطِنِينَ، أَوْ بَلَغَهُمْ صَوْتٌ عَالٍ مِنْ مُؤَذِّنٍ يُؤَذِّنُ كَعَادَتِهِ فِي عُلُوِّ الصَّوْتِ، وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ وَالرِّيَاحُ رَاكِدَةٌ مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ مَعَ اسْتِوَاءِ الْأَرْضِ لَزِمَتْهُمْ، وَالْمُعْتَبَرُ سَمَاعُ مَنْ أَصْغَى وَلَمْ يَكُنْ أَصَمَّ وَلَا جَاوَزَ سَمْعُهُ حَدَّ الْعَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى عَالٍ لِأَنَّهُ لَا ضَبْطَ لِحَدِّهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْبَلَدُ فِي أَرْضٍ بَيْنَ أَشْجَارٍ كَطَبَرِسْتَانَ، وَتَابَعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنَّهَا بَيْنَ أَشْجَارٍ تَمْنَعُ بُلُوغَ الصَّوْتِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعُلُوُّ عَلَى مَا يُسَاوِي الْأَشْجَارَ وَقَدْ يُقَالُ: الْمُعْتَبَرُ السَّمَاعُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ، وَفِي ذَلِكَ مَانِعٌ فَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ، وَلَوْ سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْ بَلَدَيْنِ فَحُضُورُ الْأَكْثَرِ جَمَاعَةً أَوْلَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَمُرَاعَاةُ الْأَقْرَبِ أَوْلَى كَنَظِيرِهِ فِي الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ الصَّوْتُ الْمَذْكُورُ لَمْ تَلْزَمْهُمْ الْجُمُعَةُ. وَلَوْ ارْتَفَعَتْ قَرْيَةٌ فَسَمِعَتْ وَلَوْ سَاوَتْ لَمْ تَسْمَعْ أَوْ انْخَفَضَتْ فَلَمْ تَسْمَعْ وَلَوْ سَاوَتْ لَسَمِعَتْ لَزِمَتْ الثَّانِيَةُ دُونَ الْأُولَى اعْتِبَارًا بِتَقْدِيرِ الِاسْتِوَاءِ. وَلَوْ وُجِدَتْ قَرْيَةٌ فِيهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ فَدَخَلُوا بَلَدًا وَصَلُّوا فِيهَا سَقَطَتْ عَنْهُمْ سَوَاءٌ سَمِعُوا النِّدَاءَ أَمْ لَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ لِتَعْطِيلِهِمْ الْجُمُعَةَ فِي قَرْيَتِهِمْ، وَلَوْ وَافَقَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَضَرَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ يَبْلُغُهُمْ النِّدَاءُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَلَوْ رَجَعُوا إلَى أَهْلَيْهِمْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي لَزِمَتْهُمْ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ (وَهُوَ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ جَمْعٌ، وَقَوْلُهُ (مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ بَلَغَهُمْ وَالْمُرَادُ بِالطَّرَفِ آخِرُ مَحَلٍّ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ لِمَنْ سَافَرَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَوْطِنِينَ) هُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَلَغَهُمْ) أَيْ أَوْ نَقَصُوا لَكِنْ بَلَغَهُمْ إلَخْ وَالْعِبْرَةُ فِي الصَّوْتِ وَالسَّمْعِ بِالِاعْتِدَالِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْبَلَدَيْنِ بِطَرَفَيْهِمَا الْمُتَقَابِلَيْنِ وَاسْتِوَاءِ الْمَكَانِ وَعَدَمِ الْحَائِلِ وَكُلُّ ذَلِكَ بِالْفَرْضِ لَا بِالْفِعْلِ فَلَا حَاجَةَ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَطَوَّلَهُ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (عَالٍ) أَيْ مُعْتَدِلٍ قَوْلُهُ: (لَزِمَتْهُمْ) أَيْ الْجُمُعَةُ فِي بَلَدِهِمْ فِي الْأُولَى، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَرْكُهَا فِيهَا وَإِنْ صَلَّوْا فِي غَيْرِهَا وَفِي الْبَلَدِ الَّذِي سَمِعُوا مِنْهُ فِي الثَّانِيَةِ ق ل قَوْلُهُ: (وَلَا جَاوَزَ سَمْعُهُ إلَخْ) أَيْ فَلَا عِبْرَةَ بِسَمَاعِهِ. قَالَ ع ش: وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَوُجُوبِ الصَّوْمِ بِرُؤْيَةِ حَدِيدِ الْبَصَرِ الْهِلَالَ بِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى وُجُودِ الْهِلَالِ وَقَدْ وُجِدَ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ السَّمَاعِ بَلْ السَّمَاعَ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ بِسَمْعٍ مُعْتَدِلٍ فَلَا يُعْتَبَرُ غَيْرُهُ اهـ اج قَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ، عَلَى الْأَرْضِ) وَيُعْتَبَرُ فِي الْبُلُوغِ الْعُرْفُ بِحَيْثُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا سَمِعَهُ نِدَاءُ جُمُعَةٍ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ لَهُ كَلِمَاتُ الْأَذَانِ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ شَرْحِ م ر. قَالَ ع ش: حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُؤَذِّنٌ وَفُرِضَ أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ لَسَمِعَهُ وَجَبَ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ إذْ الْمَدَارُ عَلَى مَا يُصَيِّرُ الْبَلَدَيْنِ كَبَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ: (كَطَبَرِسْتَانَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْبَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَاءٌ فَوْقِيَّةٌ وَبَعْدَهَا أَلِفٌ وَنُونٌ اسْمُ بَلَدٍ بِبِلَادِ الْعَجَمِ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ ع ش وَالْكَثِيرُ الْكَسْرُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (لَمْ تَلْزَمْهُمْ الْجُمُعَةُ) بَلْ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ فِي بَلَدِهِمْ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ارْتَفَعَتْ قَرْيَةٌ) أَيْ عَلَى جَبَلٍ مَثَلًا فَالْمُعْتَبَرُ زَوَالُ الْجَبَلِ مِنْ تَحْتِهَا وَنُزُولِهَا عَلَى الْمُسْتَوِي فِي مُحَاذَاةِ مَحَلِّهَا، وَزَوَالُ الِانْخِفَاضِ بِصُعُودِهَا عَلَى الْمُسْتَوِي مُحَاذِيَةً لِمَحَلِّهَا كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر فِي شَرْحِهِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ سَاوَتْ لَمْ تَسْمَعْ) اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْمُسَاوَاةِ، فَقِيلَ إنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الِارْتِفَاعِ وَتُجْعَلُ هِيَ مَكَانَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ م ر. وَقَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: مَعْنَاهُ أَنْ تُبْسَطَ مَسَافَةُ الِارْتِفَاعِ مُمْتَدَّةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إلَى غَيْرِ جِهَةِ بَلَدِ النِّدَاءِ، وَتُجْعَلَ هِيَ عَلَى طَرَفِ الْمَبْسُوطِ أَيْ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وُجِدَتْ قَرْيَةٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ قَرِيبًا، أَعْنِي قَوْلَهُ: وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ جَمْعٌ إلَخْ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا أَعَمُّ مِمَّا تَقَدَّمَ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ سَوَاءٌ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَا قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ صَرَّحَ بِالْجَوَازِ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَافَقَ إلَخْ) صُورَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ أَوْ بَلَغَهُمْ صَوْتُ إلَخْ ع ش، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ لَوْ وَافَقَ إلَخْ قَوْلُهُ: (فَحَضَرَ إلَخْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى الذَّهَابِ إلَيْهِ وَعَدَمِهِ، فَمَتَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ نَعَمْ لَوْ دَخَلَ وَقْتُهَا قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ تَرْكُهَا. وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا تَعَلَّقَ بِهِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ فِي مَقْصِدِهِ أَوْ طَرِيقِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، أَوْ يَتَضَرَّرُ بِتَخَلُّفِهِ لَهَا عَنْ الرُّفْقَةِ فَلَا يَحْرُمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، أَمَّا مُجَرَّدُ انْقِطَاعِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ بِلَا ضَرَرٍ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ لِأَنَّ الظُّهْرَ يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ،   [حاشية البجيرمي] تَوَجَّهُوا إلَيْهِ وَلَمْ يُدْرِكُوهُ سَقَطَ عَنْهُمْ الْعَوْدُ لِلْجُمُعَةِ لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ، وَأَمَّا لَوْ حَضَرُوا لِبَيْعِ أَسْبَابِهِمْ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ الْحُضُورُ سَوَاءٌ رَجَعُوا إلَى مَحَلِّهِمْ أَمْ لَا ع ش. قَوْلُهُ: (فَلَهُمْ الرُّجُوعُ) أَيْ تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَرَكُوا الْمَجِيءَ لِلْعِيدِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْحُضُورُ لِلْجُمُعَةِ عَلَى الْأَوْجَهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ) أَيْ لِلْمَشَقَّةِ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ) كَأَنْ دَخَلَ عَقِبَ سَلَامِهِمْ مِنْ الْعِيدِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَم ر. وَكَذَا بَعْدَهُ حَيْثُ لَمْ يَصِلُوا إلَى مَحَلٍّ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ ح ل. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنْ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ، كَمُقِيمٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ اهـ خ ض. وَلَوْ طَرَأَ مُسْقِطٌ كَجُنُونٍ أَوْ مَوْتٍ بَعْدَ سَفَرِهِ سَقَطَ إثْمُ تَضْيِيعِهِ الْجُمُعَةَ لَا إثْمُ قَصْدِ تَعْطِيلِهَا عَلَى مَا حَقَّقَهُ سم. قَالَ أج: فَتَلَخَّصَ أَنَّ إثْمَ الْإِقْدَامِ بَاقٍ م د. وَعِبَارَتُهُ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَلَوْ عَصَى بِالسَّفَرِ ثُمَّ مَاتَ أَوْ جُنَّ سَقَطَ الْإِثْمُ عَنْهُ كَمَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِجِمَاعٍ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمَ يَوْمٍ، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ أَيْضًا مَا لَمْ يَجِبْ السَّفَرُ فَوْرًا، فَإِنْ وَجَبَ كَذَلِكَ كَإِنْقَاذِ نَاحِيَةٍ وَطِئَهَا الْكُفَّارُ أَوْ أُسَرَاءَ اخْتَطَفُوهُمْ وَظَنَّ أَوْ جَوَّزَ إدْرَاكَهُمْ وَحَجّ تَضَيَّقَ وَقْتُهُ وَخَافَ فَوْتَهُ فَيَجِبُ السَّفَرُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. فَالْحُرْمَةُ مُقَيَّدَةٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَنْ لَا تُمْكِنَهُ فِي طَرِيقِهِ، وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِتَخَلُّفِهِ، وَلَمْ يَجِبْ السَّفَرُ فَوْرًا. قَوْلُهُ: (السَّفَرُ إلَخْ) فَإِذَا سَافَرَ فَهُوَ عَاصٍ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ رُخَصُ السَّفَرِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا أَوْ إلَى الْيَأْسِ مِنْ إدْرَاكِهَا، وَخَرَجَ بِالسَّفَرِ النَّوْمُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ عَلِمَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ بِهِ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا م ر. لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النَّوْمِ الْفَوَاتُ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ، وَيُكْرَهُ السَّفَرُ لَيْلَتَهَا بِأَنْ يُجَاوِزَ السُّورَ قَبْلَ الْفَجْرِ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ جِدًّا أَنَّ «مَنْ سَافَرَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ دَعَا عَلَيْهِ مَلَكَاهُ أَيْ قَالَا: لَا نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ سَفَرِهِ، وَلَا أَعَانَهُ عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ» . وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي سَفَرِ اللَّيْلِ الَّذِي لَا إثْمَ فِيهِ فَيَكُونُ فِي سَفَرِ النَّهَارِ الَّذِي فِيهِ الْإِثْمُ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ح ف قَوْلُهُ: (بَعْدَ الزَّوَالِ) قَدَّمَ هَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ بِخِلَافِ السَّفَرِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ اهـ شَيْخُنَا. وَسَيَأْتِي قَوْلُ الشَّارِحِ: وَقَبْلَ الزَّوَالِ وَأَوَّلُهُ الْفَجْرُ كَبَعْدِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ جَوَازُ السَّفَرِ، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ تَعْطِيلُ جُمُعَةِ بَلَدِهِ كَأَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَبِهِ صَرَّحَ ز ي وم ر وسم. وَاسْتَوْجَهَ ق ل الْحُرْمَةَ وَنَصُّهُ ظَاهِرُهُ جَوَازُ السَّفَرِ لَهُ وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ تَعْطِيلُ جُمُعَةِ بَلَدِهِ كَأَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ. وَالْوَجْهُ فِي هَذِهِ حُرْمَةُ السَّفَرِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الرُّفْقَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ شَيْخِنَا م ر وَالْعَلَّامَةِ سم الْجَوَازُ قَوْلُهُ: (لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ إدْرَاكُهَا، فَلَوْ تَبَيَّنَ خِلَافُ ظَنِّهِ بَعْدَ السَّفَرِ فَلَا إثْمَ وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ عَوْدُهُ وَإِدْرَاكُهَا فَيُتَّجَهُ وُجُوبُهُ اهـ شَرْحُ م ر وسم عَلَى التُّحْفَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَتَضَرَّرُ بِتَخَلُّفِهِ) أَيْ وَكَانَتْ رُفْقَتُهُ خَرَجُوا قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ هُوَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ، أَوْ كَانَتْ رُفْقَتُهُ لَا تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ كَالصِّبْيَانِ مَثَلًا قَوْلُهُ: (فَلَا يَحْرُمُ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ. قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْشَ ضَرَرًا وَلَا أَمْكَنَهُ إدْرَاكُهَا فِيمَا ذُكِرَ وَسَافَرَ عَصَى بِسَفَرِهِ لِتَفْوِيتِهَا بِهِ بِلَا ضَرَرٍ، وَلَمْ يَتَرَخَّصْ مَا لَمْ تَفُتْ الْجُمُعَةُ وَيُحْسَبُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ مِنْ فَوَاتِهَا لِأَنَّهَا سَبَبُ الْمَعْصِيَةِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَمَّا مُجَرَّدُ انْقِطَاعِهِ) أَيْ مُجَرَّدُ وَحْشَتِهِ بِانْقِطَاعِهِ إلَخْ. وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ خَرَجَ بِالضَّرَرِ مُجَرَّدُ الْوَحْشَةِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، أَيْ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَوْ تَخَلَّفَ عَنْ الرُّفْقَةِ لِأَجْلِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ اسْتَوْحَشَ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ نَظِيرِهِ) أَيْ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ حَصَلَ الْمَاءُ لِلطَّهَارَةِ ذَهَبَتْ الرُّفْقَةُ وَاسْتَوْحَشَ فَإِنَّ لَهُ الْعُدُولَ لِلتَّيَمُّمِ، أَيْ فَإِنَّهُ عُذْرٌ فِيهِ قَالَ ع ش: وَلَيْسَ مِنْ التَّضَرُّرِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقْصِدُ السَّفَرَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 وَبِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْوَسَائِلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ وَأَوَّلُهُ الْفَجْرُ كَبَعْدِهِ فِي الْحُرْمَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا حَرُمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ السَّعْيُ قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ وَسُنَّ لِغَيْرِ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَوْ بِمَحَلِّهَا جَمَاعَةٌ فِي ظَاهِرِهِ وَإِخْفَاؤُهَا إنْ خَفِيَ عُذْرُهُ لِئَلَّا يُتَّهَمَ بِالرَّغْبَةِ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَسُنَّ لِمَنْ رَجَا زَوَالَ عُذْرِهِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ كَعَبْدٍ يَرْجُو الْعِتْقَ تَأْخِيرُ ظُهْرِهِ إلَى فَوَاتِ الْجُمُعَةِ، أَمَّا مَنْ لَا يَرْجُو زَوَالَ عُذْرِهِ كَامْرَأَةٍ فَتَعْجِيلُ الظُّهْرِ أَفْضَلُ لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ شُرُوطُ الصِّحَّةِ فَقَالَ: (وَشَرَائِطُ) صِحَّةِ (فِعْلِهَا) مَعَ شُرُوطِ غَيْرِهَا (ثَلَاثَةٌ) بَلْ ثَمَانِيَةٌ كَمَا سَتَرَاهَا؛ الْأَوَّلُ: (أَنْ تَكُونَ الْبَلَدُ) أَيْ أَنْ تُقَامَ فِي خُطَّةِ أَبْنِيَةِ أَوْطَانِ الْمُجَمِّعِينَ مِنْ الْبَلَدِ سَوَاءٌ الرِّحَابُ الْمُسْقَفَةُ   [حاشية البجيرمي] وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لِأَمْرٍ لَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَاَلَّذِينَ يُرِيدُونَ زِيَارَةَ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْبَدْوِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ فَيُرِيدُونَ السَّفَرَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي رَكْبٍ وَالسَّفَرُ فِيهِ يُفَوِّتُ جُمُعَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَكِنْ يُوجَدُ غَيْرُهُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ فِيمَا يَلِيهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ مَعَهُ التَّمَكُّنُ مِنْ السَّفَرِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الظُّهْرَ يَتَكَرَّرُ) أَيْ فَخُفِّفَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ الزَّوَالِ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ كَبَعْدِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ، لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَبْلَ وَبَعْدَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ تَلْزَمُ النَّصْبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ تُجَرُّ بِمِنْ، وَهُنَا جُرَّتْ بِالْكَافِ وَجُعِلَتْ مُبْتَدَأً وَالْمُبْتَدَأُ لَازِمٌ لِلرَّفْعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَيْسَ مُبْتَدَأً حَقِيقَةً بَلْ صِفَةَ الْمُبْتَدَأِ وَالتَّقْدِيرُ، وَالسَّفَرُ قَبْلَ الزَّوَالِ إلَخْ وَقَوْلُهُ كَبَعْدِهِ التَّقْدِيرُ كَالسَّفَرِ بَعْدَهُ، فَلَمْ يُدْخِلْ الْكَافَ عَلَى بَعْدَ وَلَعَلَّ فِيهِ خِلَافًا حَتَّى فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ مَعَ كَوْنِ الْحُكْمِ وَاحِدًا وَإِلَّا فَكَانَ الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ السَّفَرُ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَبِفَجْرٍ حَرُمَ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ سَفَرٌ تَفُوتُ بِهِ لَا إنْ خَشِيَ ضَرَرًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَلِذَلِكَ) أَيْ لِكَوْنِهَا مُضَافَةً لِلْيَوْمِ، وَالْمُرَادُ بِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ نِسْبَتُهَا إلَيْهِ فَالْإِضَافَةُ لُغَوِيَّةٌ وَإِلَّا فَالْيَوْمُ مُضَافٌ إلَيْهَا نَحْوُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَوْلُهُ: (يَجِبُ السَّعْيُ قَبْلَ الزَّوَالِ) وَقَدْ صَحَّ «مَنْ سَافَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَا عَلَيْهِ مَلَكَاهُ فَيَقُولَانِ: لَا نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ سَفَرِهِ، وَلَا أَعَانَهُ عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ» قَالَهُ م ر الْكَبِيرُ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ) أَيْ مِنْ حِينِ الْفَجْرِ كَذَا قَالُوهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبْلَهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ إلَّا بِهِ حَجّ ز ي وَشَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (إنْ خَفِيَ عُذْرُهُ) وَالْعُذْرُ الْخَفِيُّ كَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْخَوْفِ مِنْ الْغَرِيمِ وَالْخَوْفِ مِنْ الْعُقُوبَةِ وَفَقْدِ الْمَرْكُوبِ اللَّائِقِ وَالْوَحْلِ وَالْمَطَرِ. قَوْلُهُ: (وَسُنَّ لِمَنْ رَجَا زَوَالَ عُذْرِهِ) أَيْ رَجَا قَرِيبًا ع ش قَوْلُهُ: (إلَى فَوَاتِ الْجُمُعَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَزُولُ عُذْرُهُ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ فَرْضِ أَهْلِ الْكَمَالِ أج. وَيَحْصُلُ الْفَوَاتُ بِرَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ق ل. فَإِنْ قُلْتَ: يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْيَأْسُ إلَّا بِالسَّلَامِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ. قُلْتُ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْجُمُعَةَ ثَمَّ لَازِمَةٌ فَلَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالسَّلَامِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَذَكَّرَ الْإِمَامُ تَرْكَ شَيْءٍ يُوجِبُ الْقِيَامَ لِلرُّكُوعِ فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ حِينَئِذٍ وَلَا كَذَلِكَ مَا هُنَا إذْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ أج. [شُرُوطُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] قَوْلُهُ: (أَنْ تَكُونَ الْبَلَدُ فَقَالَ) أَيْ أَنْ تُوجَدَ الْأَبْنِيَةُ الْمُجْتَمِعَةُ. وَقَوْلُهُ مِصْرًا كَانَتْ أَوْ قَرْيَةً بَيَانٌ لِلْبَلَدِ بِمَعْنَى الْأَبْنِيَةِ وَهَذَا مَا سَلَكَهُ الشِّهَابُ الْعَبَّادِيُّ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ الشَّارِحُ، إذْ مَا سَلَكَهُ سم يَنْدَفِعُ بِهِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْمَتْنُ مِنْ الْإِيهَامِ إذْ الْبَلَدُ لَا يَكُونُ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً إلَّا بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، أَعْنِي تَأْوِيلَهَا بِالْأَبْنِيَةِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ يُطْلَقُ الْبَلَدُ وَالْبَلْدَةُ عَلَى كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ عَامِرًا كَانَ أَوْ خَلَاءً اهـ. وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَى تَأْوِيلٍ وَمَا ذَكَرَهُ سم مِنْ تَأْوِيلِهِ الْبَلَدَ بِالْأَبْنِيَةِ. وَقَوْلُ شَيْخِنَا. الْبَلَدُ لَا تَكُونُ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً إلَّا بِالتَّأْوِيلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ قَوْلُهُ: (فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ أَرْضٌ خُطَّ عَلَيْهَا أَعْلَامٌ لِلْبِنَاءِ فِيهَا وَالتَّعْبِيرُ بِالْخِطَّةِ لِلْجِنْسِ فَيَشْمَلُ الْوَاحِدَ إذَا كَثُرَ فِيهَا عَدَدٌ مُعْتَبَرٌ شَرْحُ م ر وَقَالَ ق ل لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ خِطَّةٍ لَكَانَ أَوْلَى إذْ الْخِطَّةُ عَلَامَاتُ الْأَبْنِيَةِ قَبْلَ وُجُودِهَا وَلَيْسَتْ كَافِيَةً وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ الْخِطَّةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْبِنَاءِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ إضَافَةَ خِطَّةٍ لِلْأَبْنِيَةِ بَيَانِيَّةٌ شَيْخُنَا وَشَمِلَتْ الْأَبْنِيَةُ مَا لَوْ كَانَتْ مِنْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (الْمُجَمِّعِينَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 وَالسَّاحَاتُ وَالْمَسَاجِدُ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ الْأَبْنِيَةُ وَأَقَامُوا عَلَى عِمَارَتِهَا لَمْ يَضُرَّ انْهِدَامُهَا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي مَظَالَّ لِأَنَّهَا وَطَنُهُمْ. لَا تَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ بِنَاءٍ إلَّا فِي هَذِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَلُوا مَكَانًا وَأَقَامُوا فِيهِ لِيَعْمُرُوهُ قَرْيَةً لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ قَبْلَ الْبِنَاءِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْحَالَيْنِ. وَكَذَا لَوْ صَلَّتْ طَائِفَةٌ خَارِجَ الْأَبْنِيَةِ خَلْفَ جُمُعَةٍ مُنْعَقِدَةٍ لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ لِعَدَمِ وُقُوعِهَا فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ فِيهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَتَجُوزُ فِي الْفَضَاءِ الْمَعْدُودِ مِنْ خُطَّةِ الْبَلَدِ (مِصْرًا كَانَتْ أَوْ قَرْيَةً) بِحَيْثُ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَمَا فِي السَّكَنِ الْخَارِجِ عَنْهَا الْمَعْدُودِ مِنْهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْدُودِ مِنْهَا، فَمَنْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِي السَّكَنِ الْخَارِجِ عَنْهَا أَرَادَ هَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْقُرَى يُؤَخِّرُونَ الْمَسْجِدَ عَنْ جِدَارِ الْقَرْيَةِ قَلِيلًا صِيَانَةً لَهُ عَنْ نَجَاسَةِ الْبَهَائِمِ، وَعَدَمُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِيهِ بَعِيدٌ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ بَنَى أَهْلُ الْبَلَدِ مَسْجِدَهُمْ خَارِجَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْبِنَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى انْفِصَالٍ لَا يُعَدُّ بِهِ مِنْ الْقَرْيَةِ اهـ. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الْبَزْرِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَيْ الْبَلَدُ كَبِيرًا أَوْ خَرِبَ مَا حَوَالَيْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَزُلْ حُكْمُ   [حاشية البجيرمي] الْمُشَدَّدَةِ أَيْ الْمُصَلِّينَ الْجُمُعَةَ. قَوْلُهُ: (وَأَقَامُوا) أَيْ أَهْلُهَا أَوْ ذُرِّيَّتُهُمْ عَلَى قَصْدِ عِمَارَتِهَا أَوْ مُطْلَقًا، أَوْ عَلَى قَصْدِ الرَّحِيلِ حَتَّى يَرْحَلُوا عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ ق ل. وَقَوْلُهُ: أَوْ ذُرِّيَّتُهُمْ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْأَهْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا وَقْتَ مَوْتِ آبَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى عِمَارَتِهَا) أَيْ لِأَجْلِ عِمَارَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْرَعُوا فِيهَا، فَالشَّرْطُ أَنْ يَقْصِدُوا الْعِمَارَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقُوا أَوْ قَصَدُوا عَدَمَ الْعِمَارَةِ فَتَكُونُ عَلَى فِي عِبَارَتِهِمْ بِمَعْنَى اللَّامِ، أَوْ أَنَّهُ ضَمَّنَ أَقَامُوا مَعْنَى عَزَمُوا فَعَدَّاهُ بِعَلَى وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ فِي الصُّورَةِ الْإِطْلَاقُ. قَوْلُهُ (لِيَعْمُرُوهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْمِيمِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: 18] قَوْلُهُ: (اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُودُ الْأَبْنِيَةِ فِي الْأُولَى وَعَدَمُهَا فِي الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (خَارِجَ الْأَبْنِيَةِ) أَيْ أَوْ خَارِجَ السُّورِ، فَالْمُرَادُ أَنَّ مَا يَجُوزُ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ لِلْمُسَافِرِ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ وَلَوْ تَبَعًا لِأَهْلِهِ، وَكَذَا لَا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ فِيهِ وَلَا سَمَاعُهَا مِمَّنْ هُوَ فِيهِ ق ل. قَالَ الشَّيْخُ م ر: وَلَوْ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ فِي مَحَلٍّ تَصِحُّ فِيهِ فَامْتَدَّتْ الصُّفُوفُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَوَرَاءً مَعَ الِاتِّصَالِ الْمُعْتَبَرِ حَتَّى خَرَجَتْ إلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ مَثَلًا صَحَّتْ جُمُعَةُ الْخَارِجِينَ إنْ كَانُوا بِمَكَانٍ لَا يَقْصُرُ فِيهِ مَنْ سَافَرَ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمَرَاكِبِ الرَّاسِيَةِ بِسَاحِلِ بُولَاقَ تَبَعًا لِمَنْ فِي الْمَدْرَسَةِ السِّنَانِيَّةِ النَّاشِئَةِ بِالسَّاحِلِ لِأَنَّ الْمَرَاكِبَ لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِيهَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سَيْرِهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ الْقَصْرِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ إلَخْ) لَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى قَوْلِ شَيْخِنَا م ر بِصِحَّتِهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِمَنْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْقَصْرُ نَحْوِ مَنْ فِي الْمَرَاكِبِ فِي سَاحِلِ بُولَاقَ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِكَوْنِ الْمَحَلِّ مَحَلَّ قَصْرٍ وَإِنْ امْتَنَعَ فِيهِ الْقَصْرُ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ فِي الْفَضَاءِ الْمَعْدُودِ) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا أَيْ بَيْنَ خِطَّةِ الْبَلَدِ. قَوْلُهُ: (مِصْرًا كَانَتْ أَوْ قَرْيَةً) جَعَلَهُ مُرْتَبِطًا بِلَفْظِ بَلَدِ النِّدَاءِ الَّتِي فِي الشَّارِحِ، فَلَوْ قَدَّمَهُ بِجَنْبِ الْمَتْنِ كَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا، وَالْمِصْرُ مَا فِيهِ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ وَحَاكِمٌ شُرَطِيٌّ وَأَسْوَاقٌ لِلْمُعَامَلَةِ وَالْبَلَدُ مَا فِيهِ بَعْضُ ذَلِكَ وَالْقَرْيَةُ مَا خَلَتْ عَنْ الْجَمِيعِ. وَخَصَّ أَبُو حَنِيفَةَ الصِّحَّةَ بِالْمِصْرِ اهـ ق ل وَقَوْلُهُ أَوْ قَرْيَةً. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَسْكُنْ الْكُفُورَ فَإِنَّ سَاكِنَ الْكُفُورِ كَسَاكِنِ الْقُبُورِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ. وَالْمُرَادُ بِالْكُفُورِ الْقُرَى الْبَعِيدَةِ عَنْ الْمُدُنِ الَّتِي هِيَ مَجْمَعُ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ) أَيْ بِمَكَانٍ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ قَوْلُهُ: (فِي السَّكَنِ) كَزَرِيبَةٍ خَارِجَةٍ عَنْهَا أَيْ غَيْرِ مُتَّصِلَةٍ بِأَبْنِيَتِهَا لَكِنَّهَا دَاخِلَةُ السُّورِ. قَوْلُهُ: (الْبَزْرِيِّ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَغَرَضُ ابْنِ الْبَزْرِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي اتِّصَالُ الْمَسْجِدِ إمَّا بِالْفِعْلِ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْبَارِزِيُّ مَرْحُومِيٌّ. قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 الْوُصْلَةِ عَنْهُ وَيَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْسَخٌ اهـ وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ بِحَيْثُ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ. وَلَوْ لَازَمَ أَهْلُ الْخِيَامِ مَوْضِعًا مِنْ الصَّحْرَاءِ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ النِّدَاءُ مِنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ عَلَى هَيْئَةِ الْمُسْتَوْفِزِينَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَبْنِيَةُ الْمُسْتَوْطِنِينَ، وَلِأَنَّ قَبَائِلَ الْعَرَبِ كَانُوا مُقِيمِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَمَا كَانُوا يُصَلُّونَهَا وَمَا أَمَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا. (وَ) الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ (أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ أَرْبَعِينَ) رَجُلًا وَلَوْ مَرْضَى وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ (مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ) وَهُمْ   [حاشية البجيرمي] فِي التُّحْفَةِ: هُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ نِسْبَةً لِبِزْرِ الْكَتَّانِ اهـ. وَاَلَّذِي فِي طَبَقَاتِ الْإِسْنَوِيِّ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ رَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ زَايٍ مُعْجَمَةٍ نِسْبَةً إلَى بَرْزَةَ قَرْيَةٍ بِدِمَشْقَ. وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَحْمُودُ بْنُ أَحْمَدَ الدِّمَشْقِيُّ وَيُعْرَفُ أَيْضًا بِالْخُشَنِيِّ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا نُونٌ وَكَانَ يَحْفَظُ مُخْتَصَرَ الْمُزَنِيِّ اهـ. وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ غَيْرُ هَذَا اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَخَرِبَ) بَابُهُ عَلِمَ. قَوْلُهُ: (فَرْسَخٌ) عِبَارَةُ حَجّ فَرَاسِخُ. قَوْلُهُ: (وَالضَّابِطُ) أَيْ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْمُنْفَصِلِ عَنْ الْبَلَدِ قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَكُونَ) أَيْ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا ق ل اعْتَمَدَهُ م ر وَابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ خِيَامُهُمْ فِي خِلَالِ الْأَبْنِيَةِ وَهُمْ مُسْتَوْطِنُونَ فَتَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ، وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ فِي خِلَالِ الْأَبْنِيَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمْ فِي أَبْنِيَةٍ اهـ حَجّ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ بِقَرْيَةٍ مَسْجِدٌ ثُمَّ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ فَصَارَ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يُهْجَرْ بَلْ اسْتَمَرَّ النَّاسُ يَتَرَدَّدُونَ إلَيْهِ فِي الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا صَحَّتْ الْجُمُعَةُ فِيهِ وَلَوْ بَعُدَ الْعُمْرَانُ عَنْهُ، إذْ بَقَاؤُهُ عَامِرًا بِالتَّرَدُّدِ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ يَصِيرُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَامِرِ مِنْ الْخَرَابِ كَخَرَابٍ تَخَلَّلَ بَيْنَ الْعُمْرَانِ، وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ الْبَلَدِ أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ أج وَابْنُ شَرَفٍ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمْ عَلَى هَيْئَةِ الْمُسْتَوْفِزِينَ) أَيْ الْمُسَافِرِينَ أَيْ شَأْنُهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ أَقَامُوا بِهَا أَبَدًا قَوْلُهُ: (مُقِيمِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ) أَيْ فِي مَحَلٍّ لَا يَسْمَعُونَ نِدَاءَهَا مِنْهُ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (أَرْبَعِينَ رَجُلًا) وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَلَّاهَا فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى. وَحِكْمَةُ هَذَا الْعَدَدِ أَنَّهُ مِقْدَارُ زَمَنِ بَعْثِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَنَّهُ مِقْدَارُ زَمَنِ مِيقَاتِ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ كَمَا قِيلَ مِقْدَارُ عَدَدٍ لَمْ يَجْتَمِعْ مِثْلُهُ إلَّا وَفِيهِمْ وَلِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَشَرْطُهُمْ صِحَّةُ إمَامَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْبَاقِينَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْجِنِّ حَيْثُ عُلِمَتْ ذُكُورَتُهُمْ وَلَوْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ سُورَةِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَرْبَعُونَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ الَّذِينَ اتَّفَقَتْ أُمِّيَّتُهُمْ بِأَنْ اتَّفَقُوا فِي الْحَرْفِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ وَلَيْسُوا مُقَصِّرِينَ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ ق ل وَعِبَارَةُ ز ي: وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعِينَ فِيهِمْ أُمِّيٌّ قَصَّرَ فِي التَّعَلُّمِ لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُمْ لِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ فَيَنْقُصُونَ، فَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ إنْ كَانَ الْإِمَامُ قَارِئًا اهـ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ صِحَّةُ إمَامَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْبَاقِينَ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ. وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلًا: أَحَدُهَا: تَصِحُّ مِنْ الْوَاحِدِ؛ رَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ. وَتَأَمَّلْ هَذَا الْقَوْلَ مَعَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ لِابْنِ حَجَرٍ وَعِبَارَتُهُ: وَفِيهِ أَيْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ» أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا وَهُوَ إجْمَاعٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ. الثَّانِي: اثْنَانِ كَالْجَمَاعَةِ وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ. الثَّالِثُ: اثْنَانِ مَعَ الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَاللَّيْثِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 الذُّكُورُ الْأَحْرَارُ الْمُكَلَّفُونَ الْمُسْتَوْطِنُونَ بِمَحَلِّهَا لَا يَظْعَنُونَ عَنْهُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُجَمِّعْ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ مَعَ عَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ أَيَّامًا لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ، وَكَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ فِيهَا يَوْمَ جُمُعَةٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ   [حاشية البجيرمي] الرَّابِعُ: ثَلَاثَةٌ مَعَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانٍ الثَّوْرِيِّ. الْخَامِسُ: سَبْعَةٌ عِنْدَ عِكْرِمَةَ. السَّادِسُ: تِسْعَةٌ عِنْدَ رَبِيعَةَ. السَّابِعُ: اثْنَا عَشَرَ عِنْدَ رَبِيعَةَ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ وَمَالِكٍ. الثَّامِنُ: مِثْلُهُ غَيْرُ الْإِمَامِ عِنْدَ إِسْحَاقَ. التَّاسِعُ: عِشْرُونَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. الْعَاشِرُ: ثَلَاثُونَ كَذَلِكَ. الْحَادِيَ عَشَرَ: أَرْبَعُونَ بِالْإِمَامِ عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. الثَّانِي عَشَرَ: أَرْبَعُونَ غَيْرُ الْإِمَامِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَطَائِفَةٌ. الثَّالِثَ عَشَرَ: خَمْسُونَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَحُكِيَتْ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. الرَّابِعَ عَشَرَ: ثَمَانُونَ حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ. الْخَامِسَ عَشَرَ: جَمْعٌ كَثِيرٌ بِغَيْرِ حَصْرٍ. وَلَعَلَّ هَذَا الْأَخِيرَ أَرْجَحُهَا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ قَالَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي اهـ مَوَاهِبُ شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ خ ض وَتَنْعَقِدُ بِأَرْبَعِينَ مِنْ الْجِنِّ بِخِلَافِ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ أَوْ مِنْهُمْ وَمِنْ الْإِنْسِ، قَالَهُ الْقَمُولِيُّ؛ أَيْ إنْ عَلِمَ وُجُودَ الشُّرُوطِ فِيهِمْ وَقَيَّدَهُ الدَّمِيرِيُّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ بِمَا إذَا تَصَوَّرُوا بِصُورَةِ بَنِي آدَمَ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا نُقِلَ مِنْ كُفْرِ مُدَّعِي رُؤْيَتِهِمْ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ ادَّعَى رُؤْيَتَهُمْ عَلَى مَا خُلِقُوا عَلَيْهِ، وَكَلَامُنَا فِيمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَى صُورَةِ بَنِي آدَمَ فَشَرْطُ كُلٍّ أَنْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِنَفْسِهِ وَأَنْ تَكُونَ مُغْنِيَةً عَنْ الْقَضَاءِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ كَوْنُهُ إمَامًا لِلْقَوْمِ، قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ أَيْ الِاكْتِفَاءِ بِأَرْبَعِينَ فِي غَيْرِ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَمَّا فِيهَا فَيُشْتَرَطُ زِيَادَتُهُمْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ لِيُحْرِمَ الْإِمَامُ بِأَرْبَعِينَ وَيَقِفَ الزَّائِدُ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُمْ أَرْبَعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لِلْأَوَّلِينَ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُمْ أَيْ الزَّائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ ظَاهِرُهُ وَلَوْ حَالَ التَّحَرُّمِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ) سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْخَطِيبُ أَوْ لَا. وَيُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ صِحَّةُ إمَامَتِهِ لَهُمْ أَيْضًا فَلَا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ مِنْ أُمِّيٍّ أَوْ أَرَتَّ أَوْ نَحْوِهِ ق ل قَوْلُهُ: (وَهُمْ الذُّكُورُ) أَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ رَجُلًا. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَوْطِنُونَ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ لِلْمُتَوَطِّنِ مَسْكَنٌ وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنَانِ فَالْعِبْرَةُ بِمَا كَثُرَتْ فِيهِ إقَامَتُهُ، فَإِنْ اسْتَوَتْ إقَامَتُهُ فِيهِمَا فَالْعِبْرَةُ بِمَا فِيهِ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْكُلِّ فَالْعِبْرَةُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ فِيهِ حَالَةَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ حَجّ أج. وَفِي ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: وَلَوْ تَوَطَّنَ بِبَلَدَيْنِ اُعْتُبِرَ مَا فِيهِ أَهْلُهُ وَمَالُهُ فَمَا إقَامَتُهُ فِيهِ أَكْثَرُ فَإِنْ اسْتَوَتْ انْعَقَدَتْ بِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلُهُ: (لَا يَظْعَنُونَ) هُوَ تَفْسِيرٌ لِلِاسْتِيطَانِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُجَمِّعْ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ إلَخْ) اُعْتُرِضَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُنْذُ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ لَمْ يُقِمْ إقَامَةً تَقْطَعُ السَّفَرَ فَهُوَ مُسَافِرٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ. اهـ. ابْنُ شَرَفٍ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ أَرْبَعُونَ بِبَلَدٍ سِنِينَ وَكَانُوا عَازِمِينَ عَلَى الرَّحِيلِ وَلَيْسَ بِهَا غَيْرُهُمْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا بِهِمْ لِكَوْنِهِمْ غَيْرُ مُتَوَطِّنِينَ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَهُ عَمِيرَةُ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ يَكْفِي فِي الدَّلِيلِ أَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِهَا التَّعَبُّدُ وَلَمْ تَثْبُتْ إقَامَتُهَا بِغَيْرِ مُسْتَوْطِنِينَ رَحْمَانِيٌّ قَوْلُهُ: (لَمْ يُجَمِّعْ) هُوَ بِالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ قَوْلُهُ: (مَعَ عَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ) أَيْ بِمَكَّةَ بَعْدَ عَرَفَةَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى سَفَرِهِ؛ فَلِذَا جَمَعَ تَقْدِيمًا وَالْجَمْعُ لِلسَّفَرِ وَقِيلَ كَانَ مُقِيمًا وَالْجَمْعُ لِلنُّسُكِ كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةُ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وَالْعَصْرَ تَقْدِيمًا كَمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ، وَلَوْ نَقَصُوا فِيهَا بَطَلَتْ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي دَوَامِهَا كَالْوَقْتِ وَقَدْ فَاتَ فَيُتِمُّهَا الْبَاقُونَ ظُهْرًا أَوْ فِي خُطْبَةٍ لَمْ يُحْسَبْ رُكْنٌ مِنْهَا فُعِلَ حَالَ نَقْصِهِمْ لِعَدَمِ سَمَاعِهِمْ لَهُ، فَإِنْ عَادُوا قَرِيبًا عُرْفًا جَازَ بِنَاءً عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا، فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا لِانْتِفَاءِ الْمُوَالَاةِ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُمْ فِيهَا كَنَقْصِهِمْ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ فَإِنَّهُمْ إنْ عَادُوا قَرِيبًا جَازَ الْبِنَاءُ وَإِلَّا وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ لِذَلِكَ. وَلَوْ أَحْرَمَ أَرْبَعُونَ قَبْلَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ تَمَّتْ لَهُمْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنْ أَحْرَمُوا عَقِبَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ قَالَ فِي الْوَسِيطِ: تَسْتَمِرُّ الْجُمُعَةُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ. وَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَمُسَافِرٍ وَمَنْ بَانَ مُحْدِثًا وَلَوْ حَدَثًا أَكْبَرَ كَغَيْرِهَا إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتِمَّ إلَّا بِهِمْ.   [حاشية البجيرمي] الْمُصَنِّفِ لِتَعْلِيلِهِ بِعَدَمِ التَّوَطُّنِ، إذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُقِيمٍ لَعَلَّلَ بِعَدَمِ الْإِقَامَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ عَدَمُ التَّوَطُّنِ لَا يُنَافِي عَدَمَ الْإِقَامَةِ فَهِيَ الْمُرَادَةُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ. وَيَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْحُجَّاجِ دُخُولُهُ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِنَحْوِ يَوْمٍ نَاوِينَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ مِنًى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ سَفَرُهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا مِنْ مِنًى لِمَكَّةَ فَلَمْ تُؤَثِّرْ نِيَّتُهُمْ لِتِلْكَ الْإِقَامَةِ قَبْلَهُ رَحْمَانِيٌّ اهـ قَوْلُهُ: (أَيَّامًا) أَيْ غَيْرَ قَاطِعَةٍ لِلسَّفَرِ أَيْ دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ) الْأَوْلَى لِعَدَمِ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ كَانَ مُقِيمًا غَيْرَ مُتَوَطِّنٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. فَعَدَمُ إقَامَتِهِ الْجُمُعَةَ بِعَرَفَةَ لِلسَّفَرِ وَلِعَدَمِ الْأَبْنِيَةِ فِيهَا لَا لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ هَذَا التَّعْلِيلُ وَهُوَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ مُشْكِلٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَوْلُهُ: (تَقْدِيمًا) أَيْ لِلسَّفَرِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَقَصُوا فِيهَا بَطَلَتْ) هُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ نَقَصُوا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْهَا وَشَامِلٌ لِمَا لَوْ نَقَصُوا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَشَامِلٌ لِمَا إذَا عَادُوا فَوْرًا وَشَامِلٌ لِمَا إذَا عَادُوا بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ عُرْفًا، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُمْ إذَا عَادُوا فَوْرًا وَكَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ مَعَ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ الْفَاتِحَةِ فَحِينَئِذٍ يُبْنَى عَلَى مَا مَضَى، وَأَمَّا إذَا نَقَصُوا بَعْدَ رُكُوعِ الْأُولَى أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ تُمْكِنْهُمْ الْفَاتِحَةُ وَإِنْ عَادُوا فَوْرًا فِيهِمَا فَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ ز ي. قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ) أَيْ الْجُمُعَةُ فَقَطْ إنْ تَعَذَّرَ اسْتِئْنَافُ جُمُعَةٍ أُخْرَى فَيَجِبُ الظُّهْرُ بِنَاءً عَلَى مَا صَلَّوْهُ مِنْهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَيُتِمُّهَا إلَخْ. وَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ مِنْ أَصْلِهَا إنْ أَمْكَنَ اسْتِئْنَافُ جُمُعَةٍ أُخْرَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (جَازَ بِنَاءً عَلَى مَا مَضَى) أَيْ مَعَ إعَادَةِ مَا فَعَلَ حَالَ نَقْصِهِمْ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ) ضَبَطَهُ حَجّ بِمَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ بِأَقَلِّ مُجْزِئٍ. قَوْلُهُ: (إنْ عَادُوا قَرِيبًا) أَيْ قَبْلَ إحْرَامِ الْإِمَامِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: جَازَ الْبِنَاءُ أَيْ مِنْ الْإِمَامِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ (لِذَلِكَ) أَيْ لِانْتِفَاءِ الْمُوَالَاةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَحْرَمَ أَرْبَعُونَ) أَيْ وَلَوْ مُتَرَتِّبِينَ كَأَنْ كَانُوا كُلَّمَا أَحْرَمَ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ بَطَلَتْ صَلَاةُ مِثْلِهِ مِنْ الْأَوَّلِينَ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْرَءُوا الْفَاتِحَةَ حَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْهَا بِأَنْ رَكَعَ الْإِمَامُ عَقِبَ إحْرَامِهِمْ؛ لَكِنْ مَحَلُّ هَذَا إنْ قَرَأَهَا الْأَوَّلُونَ قَبْلَ انْفِضَاضِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَلَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ رُكُوعِهَا أَوْ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الرَّفْعِ مِنْ رُكُوعِهَا اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَحْرَمُوا عَقِبَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ إلَخْ) فَإِحْرَامُهُمْ عَقِبَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ صَيَّرَهُمْ كَأَنَّهُمْ أَحْرَمُوا مَعَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ انْفِضَاضٌ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إحْرَامُهُمْ عَقِبَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ فَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى وَأَدْرَكُوا الْفَاتِحَةَ وَالرُّكُوعَ مَعَ الْإِمَامِ صَحَّ كَالْمُتَبَاطِئِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ بَطَلَتْ لِخُلُوِّ صَلَاةِ الْإِمَامِ عَنْ الْعَدَدِ فِي جُزْءٍ مِنْهَا ح ل وَقَوْلُ ح ل: وَهَذَا عَامٌّ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الَأُجْهُورِيُّ وَالْعَنَانِيِّ. قَوْلُهُ: (سَمِعُوا الْخُطْبَةَ) وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَأَنْ يُدْرِكُوا الْفَاتِحَةَ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ. وَعِبَارَةُ الَأُجْهُورِيُّ: وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ رُكُوعِهِ. وَالْمُرَادُ أَنْ يُدْرِكُوا الْفَاتِحَةَ وَالرُّكُوعَ قَبْلَ قِيَامِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ أَدْرَكُوا الْفَاتِحَةَ وَالرَّكْعَةَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَانَ مُحْدِثًا) مِثْلُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَنْ بَانَ ذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ، وَانْظُرْ هَلْ الْخُطْبَةُ كَذَلِكَ حَتَّى إذَا بَانَ أَنَّ الْخَطِيبَ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ ذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ تَصِحُّ الْخُطْبَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 (وَ) الثَّالِثُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ (الْوَقْتُ) وَهُوَ وَقْتُ الظُّهْرِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَيُشْتَرَطُ الْإِحْرَامُ بِهَا وَهُوَ (بَاقٍ) بِحَيْثُ يَسَعُهَا جَمِيعَهَا. (فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ) أَوْ ضَاقَ عَنْهَا وَعَنْ خُطْبَتَيْهَا أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ (أَوْ عُدِمَتْ الشُّرُوطُ) أَيْ شُرُوطُ صِحَّتِهَا أَوْ بَعْضُهَا كَأَنْ فُقِدَ الْعَدَدُ أَوْ الِاسْتِيطَانُ (صُلِّيَتْ) حِينَئِذٍ (ظُهْرًا) كَمَا لَوْ فَاتَ شَرْطُ الْقَصْرِ يَرْجِعُ إلَى الْإِتْمَامِ فَعُلِمَ أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ لَا تُقْضَى جُمُعَةً بَلْ ظُهْرًا، أَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهَا وَجَبَ الظُّهْرُ بِنَاءً إلْحَاقًا لِلدَّوَامِ بِالِابْتِدَاءِ فَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ الْمُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً فَهُوَ كَغَيْرِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ. فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ ظُهْرٌ بِنَاءً وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَةُ الْجُمُعَةِ صَحِيحَةً، وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ الْأُولَى وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فِي الْوَقْتِ وَسَلَّمَهَا الْبَاقُونَ خَارِجَهُ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ، أَمَّا الْمُسَلِّمُونَ خَارِجَهُ أَوْ فِيهِ لَوْ نَقَصُوا عَنْ أَرْبَعِينَ كَأَنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فِيهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَعَهُ أَوْ بَعْضُهُمْ خَارِجَهُ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَبَيَّنَ حَدَثُ الْمَأْمُومِينَ دُونَ الْإِمَامِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْبَيَانِ مَعَ عَدَمِ انْعِقَادِ   [حاشية البجيرمي] وَالْجُمُعَةُ لَا يَبْعُدُ أَنَّهَا كَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ خَطَبَ الْخَطِيبُ قَاعِدًا وَبَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ لَا يَضُرُّ م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ) أَيْ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَلَوْ بِخَبَرِ عَدْلٍ بِخُرُوجِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ عَمَلًا بِخَبَرِ الْعَدْلِ كَمَا فِي غَالِبِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَمِنْ ثَمَّ رَجَّحَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ وَأَلْحَقَ بِهِ الْفَاسِقَ إذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهُ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الشَّكِّ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ احْتِيَاطًا لِانْعِقَادِهَا وَيَضُرُّ فِي الِابْتِدَاءِ فَيَمْنَعُ الِانْعِقَادَ كَمَا قَالَهُ الرَّحْمَانِيُّ. وَعِبَارَةُ ابْنِ شَرَفٍ: فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ أَيْ يَقِينًا لَا ظَنًّا حَتَّى لَوْ ظَنَّ أَنَّ الْوَقْتَ لَا يَسَعُهَا لَمْ تَنْقَلِبْ ظُهْرًا إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ يَأْكُلَ ذَا الطَّعَامَ غَدًا فَأَتْلَفَهُ قَبْلَ الْغَدِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بَعْدَ مَجِيءِ الْغَدِ، وَلَوْ نَوَى الْجُمُعَةَ إنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَإِلَّا فَالظُّهْرُ صَحَّتْ إنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْحَالِ قِيَاسًا عَلَى نَظِيرِهِ فِي الصَّوْمِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شَرَفٍ وَمِثْلُهُ فِي م ر. وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرَاجِعْهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ شَكُّوا فِي خُرُوجِهِ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ، فَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ الْأُولَى وَتِسْعَةً وَثَلَاثُونَ فِي الْوَقْتِ وَسَلَّمَهَا الْبَاقُونَ خَارِجَهُ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ فَقَطْ دُونَ الْمُسَلِّمِينَ خَارِجَهُ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ، وَكَذَا جُمُعَةُ الْمُسَلِّمِينَ فِيهِ لَوْ نَقَصُوا عَنْ الْأَرْبَعِينَ. وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْجُمُعَةُ لِلْإِمَامِ وَحْدَهُ فِيمَا لَوْ كَانُوا مُحْدِثِينَ دُونَهُ لِأَنَّ سَلَامَهُ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ فَثَبَتَتْ فِيهِ صُورَةُ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحْدِثَ تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيمَا إذَا فَقَدْ الطَّهُورَيْنِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ خَارِجَ الْوَقْتِ؛ وَلِأَنَّهُ هُنَا مُقَصِّرٌ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ بَعْضِهَا عَنْ الْوَقْتِ بِخِلَافِهِ فِي ذَلِكَ اهـ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ) أَيْ الْخُرُوجِ أَوْ الضِّيقِ أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا، فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ أَيْ وَهُمْ فِيهَا. قَوْلُهُ: (صُلِّيَتْ ظُهْرًا) قَالَ سم: لَا يَخْفَى مَا فِي إعَادَةِ الضَّمِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ التَّجَوُّزِ، إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْجُمُعَةِ تُصَلَّى ظُهْرًا؛ لَكِنَّهُ أَعَادَهُ إلَيْهَا نَظَرًا لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ أَوَّلًا. وَيُمْكِنُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي صُلِّيَتْ عَائِدٌ عَلَى الصَّلَاةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْمَقَامِ لَا لِلْجُمُعَةِ، وَلَوْ قَالَ صُلِّيَ الظُّهْرُ بِحَذْفِ التَّاءِ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ فِي إعَادَةِ الضَّمِيرِ مُؤَنَّثًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا صَحَّتْ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ، وَمِثْلُهُ تَرْكُ بَعْضِهِمْ الْقِرَاءَةَ أَوْ الْبَسْمَلَةَ كَمَا يَقَعُ فِي الْأَرْيَافِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ الْمَالِكِيَّةِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ عَمِيرَةُ. قَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ) أَيْ وَهُمْ فِيهَا كَمَا هُوَ الْفَرْضُ أَمَّا لَوْ شَكُّوا فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ بِالظُّهْرِ، فَلَوْ أَحْرَمُوا عِنْدَ الشَّكِّ بِالظُّهْرِ فَبَانَتْ سَعَةَ الْوَقْتِ تَعَيَّنَ عَدَمُ انْعِقَادِ الظُّهْرِ سم عَلَى حَجّ. قَالَ ع ش: وَتَنْعَقِدُ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا. قُلْتُ: مَحَلُّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مِنْ نَوْعِهَا وَإِلَّا وَقَعَتْ عَنْهَا اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَتِسْعَةٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِمَامِ وَقَوْلُهُ (فِي الْوَقْتِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سَلَّمَ قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ) أَيْ الْجَمِيعِ حَتَّى الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ) وَارِدٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ جُمُعَةِ الْإِمَامِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 صَلَاتِهِمْ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُحْدِثَ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا بِخِلَافِهَا خَارِجَ الْوَقْتِ. وَالرَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ وُجُودُ الْعَدَدِ كَامِلًا مِنْ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ الْأُولَى إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ لَتَخْرُجَ مَسْأَلَةُ الِانْفِضَاضِ الْمُتَقَدِّمَةُ. وَالْخَامِسُ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَسْبِقَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةٌ فِي مَحَلِّهَا وَلَوْ عَظُمَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُقِيمُوا سِوَى جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ فِعْلُهَا فِي مَسْجِدَيْنِ لَجَازَ فِي مَسَاجِدِ الْعَشَائِرِ، وَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا إلَّا إذَا كَبُرَ الْمَحَلُّ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَان بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ الْجُمُعَةِ مَوْضِعٌ يَسَعُهُمْ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَا غَيْرَ مَسْجِدٍ فَيَجُوزُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُ الشُّرُوطِ الزَّائِدَةِ بَعْدَ فَرَاغِ كَلَامِ الْمَتْنِ أَوْ كَانَ يَذْكُرُ هَذَا الرَّابِعَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَأَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ إلَخْ، بِأَنْ يَزِيدَ وَيَقُولَ مِنْ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (لِتَخْرُجَ مَسْأَلَةُ الِانْفِضَاضِ) أَيْ فَإِنَّ فِيهَا تَفْصِيلًا، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ أَرْبَعُونَ قَبْلَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ تَمَّتْ لَهُمْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنْ أَحْرَمُوا عَقِبَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ تَمَّتْ لَهُمْ الْجُمُعَةُ أَيْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَسْمَعُوا الْخُطْبَةَ وَأَنْ يَكُونَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَأَنْ يُدْرِكُوا الْفَاتِحَةَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ رَفْعِهِ عَنْ أَقِلِّ الرُّكُوعِ وَإِلَّا فَلَا. وَخُرُوجُ مَسْأَلَةِ الِانْفِضَاضِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَحْرَمُوا قَبْلَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا الْخُطْبَةَ حِينَئِذٍ، وَإِنْ انْفَضُّوا فِي الْخُطْبَةِ وَحَضَرَ آخَرُونَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْأَرْكَانِ حَالَ الْغَيْبَةِ لَمْ يَكْفِ، إذْ شَرْطُ الصِّحَّةِ سَمَاعُ الْأَرْكَانِ. فَإِنْ عَادَ الْمُنْفَضُّونَ عَنْ قُرْبٍ وَلَمْ يَفُتْهُمْ رُكْنٌ جَازَ بِنَاءً عَلَى مَا مَضَى وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ لِتَرْكِ الْمُوَالَاةِ اهـ أج. فَخُرُوجُهَا بِالنِّسْبَةِ لِطُولِ الْفَصْلِ تَأَمَّلْ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِمَسْأَلَةِ الِانْفِضَاضِ نَقْصُهُمْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَظُمَ إلَخْ) وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ إذَا عَظُمَ الْبَلَدُ وَعَسُرَ الِاجْتِمَاعُ تَعَدُّدُ الْجُمُعَةُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ هَذَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مِنْ وُجُوبِ تَعَدُّدِ مَحَالِّهَا لِأَجْلِ ظُهُورِ الشِّعَارِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: اعْتَنَوْا بِالْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِي الْأُسْبُوعِ مَرَّةً فَلَمْ يَنْظُرُوا لِلْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ) إضَافَتُهُ لِمَا بَعْدَهُ بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (فِي مَسَاجِدِ الْعَشَائِرِ) وَهِيَ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا أَهْلُ الْحَارَةِ لِلصَّلَاةِ وَقِيلَ مَسَاجِدُ الْعَشَائِرِ هِيَ مَسَاجِدُ الْقَبَائِلِ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ مَسْجِدٌ وَقَالَ م د قِيلَ مَسَاجِدُ الْعَشَائِرِ مَسَاجِدُ فِي الْمَدِينَةِ خَارِجَهَا كَانُوا يَتْرُكُونَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَأْتُونَ مَسْجِدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا) هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فَكَأَنَّهُ قَالَ مَحَلُّ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ مَا إذَا لَمْ يَعْسُرْ الِاجْتِمَاعُ وَإِلَّا جَازَ. قَوْلُهُ: (كَبُرَ الْمَحَلُّ) بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ كَمَا هُنَا وَبِضَمِّهَا فِي الْمَعَانِي نَحْوِ {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} [الصف: 3] هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَوَاشِي وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كَسْرَ الْبَاءِ وَاجِبٌ فِي السِّنِّ وَيَجِبُ ضَمُّهَا فِي الْجِسْمِ كَمَا هُنَا وَالْمَعْنَى وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ كَبِرْت بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي السِّنِّ وَاجِبٌ ... مُضَارِعُهُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ يَا صَاحِ وَفِي الْجِسْمِ وَالْمَعْنَى كَبُرْت بِضَمِّهَا ... مُضَارِعُهُ بِالضَّمِّ جَاءَ بِإِيضَاحِ ع ش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 التَّعَدُّدُ لِلْحَاجَةِ بِحَسَبِهَا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَخَلَ بَغْدَادَ وَأَهْلُهَا يُقِيمُونَ بِهَا جُمُعَتَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثًا فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَا يَحْتَمِلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ غَيْرَهُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ: وَبِهِ أَفْتَى الْمُزَنِيّ بِمِصْرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُسْرِ بِمَنْ يُصَلِّي لَا بِمَنْ تَلْزَمُهُ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ وَلَا بِجَمِيعِ أَهْلِ الْبَلَدِ كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُ النَّصِّ مَنْعُ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمُتَابِعِيهِ فَالِاحْتِيَاطُ لِمَنْ صَلَّى جُمُعَةً بِبَلَدٍ تَعَدَّدَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ سَبْقَ جُمُعَتِهِ أَنْ يُعِيدَهَا ظُهْرًا، فَلَوْ سَبَقَهَا جُمُعَةٌ فِي مَحَلٍّ لَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (عَلَى عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ) . وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُنْكِرُ عَلَى مُجْتَهِدٍ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِمَنْ يُصَلِّي) أَيْ بِالْفِعْلِ لَا بِمِنْ تَلْزَمُهُ. وَعِبَارَةُ م ر: وَهَلْ الْمُرَادُ اجْتِمَاعُ مَنْ تَلْزَمُهُ أَوْ مَنْ تَصِحُّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهَا أَوْ مَنْ يَفْعَلُهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ غَالِبًا؛ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ أَقْرَبَهَا الْأَخِيرُ اهـ. فَكَلَامُ الشَّارِحِ ضَعِيفٌ نَعَمْ إنْ حَمَلْنَا قَوْلَ الشَّارِحِ هُنَا عَلَى مَنْ يُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَيْ غَالِبًا، لَا بِالْفِعْلِ وَافَقَ مَا اعْتَمَدَهُ م ر اهـ أج. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: إلَّا إنْ عَسُرَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ، أَيْ الْحَاضِرِينَ عِنْدَ شَيْخِنَا م ر، أَوْ مَنْ يَغْلِبُ حُضُورُهُ عِنْدَ شَيْخِنَا ز ي، أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ عِنْدَ الْخَطِيبِ، أَوْ مَنْ تَصِحُّ مِنْهُ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ؛ وَوَافَقَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. فَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَرِقَّاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ التَّعَدُّدُ فِي مِصْرٍ كُلِّهِ لِحَاجَةٍ، فَلَا تَجِبُ الظُّهْرُ حِينَئِذٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ. اهـ. شَيْخِنَا. وَالْمُرَادُ بِمَنْ يَعْسُرُ اجْتِمَاعُهُمْ مَنْ يَفْعَلُهَا غَالِبًا حَتَّى لَوْ كَانَ الْغَالِبُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ اعْتَبَرْنَا كُلَّ زَمَنٍ بِحَسْبِهِ اهـ. وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ غَالِبَ مَا يَقَعُ مِنْ التَّعَدُّدِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ إذْ كُلُّ بَلَدٍ لَا تَخْلُو غَالِبًا عَنْ مَحَلٍّ يَسَعُ النَّاسَ وَلَوْ نَحْوَ خَرَابَةٍ وَحَرِيمِ الْبَلَدِ. وَالثَّانِي: أَنَّ نَحْوَ مَا يَقَعُ مِنْ التَّعَدُّدِ فِي نَحْوِ طَنْدَتَا فِي زَمَنِ الْمَوْلِدِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كُلِّهِ فَلَا تَجِبُ الظُّهْرُ هُنَاكَ حِينَئِذٍ، لِأَنَّ مَنْ يَغْلِبُ فِعْلُهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ. اهـ. شَيْخُنَا. ثُمَّ عَسُرَ الِاجْتِمَاعُ إمَّا لِكَثْرَتِهِمْ، قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: أَوْ لِقِتَالٍ بَيْنَهُمْ أَوْ بُعْدِ أَطْرَافِ الْبَلَدِ؛ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مَنْ بِطَرَفِهَا لَا يَبْلُغُهُمْ الصَّوْتُ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعُبَابِ وَشَرْحِهِ. وَعِبَارَةُ أج: وَمِنْ الْحَاجَةِ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَ أَهْلِ الْبَلَدِ قِتَالٌ فَكُلُّ فِئَةٍ بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ يَلْزَمُهَا الْجُمُعَةُ وَلَوْ بَعُدَتْ أَطْرَافُ الْبَلَدِ وَكَانَ الْبَعِيدُ بِمَحَلٍّ لَا يَسْمَعُ مِنْهُ نِدَاءَهَا وَكَانَ إذَا خَرَجَ عَقِبَ الْفَجْرِ لَا يُدْرِكُهَا، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ السَّعْيُ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ اجْتَمَعَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلِّ الْبَعِيدِ أَرْبَعُونَ صَلَّوْا الْجُمُعَةَ وَإِلَّا فَالظُّهْرَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الْأَذَانِ لِمَنْ فِي الْبَلَدِ بَلْ يُشْتَرَطُ سَمَاعُ مَنْ بِخَارِجِهَا. قَوْلُهُ: (فَالِاحْتِيَاطُ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ وَمَحَلُّ كَوْنِ ذَلِكَ احْتِيَاطًا وَمَنْدُوبًا إذَا أُرِيدَ رِعَايَةُ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ بِمَنْعِ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُرَاعَ فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ الظُّهْرِ وَلَا تَنْعَقِدُ إذَا كَانَ التَّعَدُّدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَقَطْ، وَكَذَا إذَا زَادَتْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَصَلَّى مَعَ مَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا بِأَنْ أَحْرَمُوا قَبْلَ غَيْرِهِمْ فَلَا تَصِحُّ الظُّهْرُ أَيْضًا لَا فُرَادَى وَلَا جَمَاعَةً بِخِلَافِ مَنْ زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الظُّهْرُ وَلَوْ فُرَادَى، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ صُورَةٌ لِصَلَاتِهَا ظُهْرًا احْتِيَاطًا. اهـ. ق ل. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ فِعْلَ الظُّهْرِ احْتِيَاطًا إنَّمَا هُوَ لِرِعَايَةِ الْقَوْلِ بِمَنْعِ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ تُطْلَبُ مُرَاعَاتُهُ فَيُنْدَبُ فِعْلُ الظُّهْرِ وَلَوْ فُرَادَى مُرَاعَاةً لِهَذَا الْقَوْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ م ر ع ش. قَوْلُهُ: (أَنْ يُعِيدَهَا) أَيْ مُرَاعَاةً لِهَذَا الْقَوْلِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ سَبَقَهَا جُمُعَةٌ فِي مَحَلٍّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ خَمْسَةَ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ تُعْلَمَ السَّابِقَةُ وَلَمْ تُنْسَ، أَوْ يُعْلَمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا، أَوْ يُشَكَّ فِي الْمَعِيَّةِ وَالسَّبْقِ، أَوْ تُعْلَمَ عَيْنُ السَّابِقَةِ ثُمَّ تُنْسَى، أَوْ يُعْلَمَ سَبْقُ وَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا. فَفِي الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا عُلِمَتْ السَّابِقَةُ وَلَمْ تُنْسَ يَجِبُ الظُّهْرُ عَلَى الْمَسْبُوقَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ، وَهَلْ يَجِبُ مَعَ ذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ إعَادَةُ الظُّهْرِ لِأَنَّ احْتِمَالَ السَّبْقِ فِي إحْدَاهُمَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الظُّهْرِ عَلَى الْأُخْرَى أَوْ يُنْدَبُ فَقَطْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا؟ قَالَ الْإِمَامُ بِالْأَوَّلِ وَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي. وَأَمَّا فِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ وَهُمَا أَنْ تُعْلَمَ السَّابِقَةُ ثُمَّ تُنْسَى أَوْ يُعْلَمَ سَبْقُ وَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ لِوُجُودِ جُمُعَةٍ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 يَجُوزُ التَّعَدُّدُ فِيهِ فَالصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ لِاجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ فِيهَا وَاللَّاحِقَةُ بَاطِلَةٌ، وَالْمُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّحَرُّمِ بِتَمَامِ التَّكْبِيرِ وَهُوَ الرَّاءُ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْآخَرُ بِالْهَمْزَةِ فَلَوْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ شَكَّ فِي الْمَعِيَّةِ فَلَمْ يَدْرِ أَوَقَعَتَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا اُسْتُؤْنِفَتْ الْجُمُعَةُ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَوَافُقِهِمَا فِي الْمَعِيَّةِ فَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ قَالَ الْإِمَامُ: وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّهُمْ إذَا أَعَادُوا الْجُمُعَةَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمْ مُشْكِلٌ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ إحْدَاهُمَا فَلَا تَصِحُّ الْأُخْرَى، فَالْيَقِينُ أَنْ يُقِيمُوا جُمُعَةً ثُمَّ ظُهْرًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ كَافِيَةٌ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا قَالُوهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ فِي حَقِّ كُلِّ طَائِفَةٍ وَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ تَكْبِيرَتَيْنِ مُتَلَاحِقَتَيْنِ وَجَهِلَا الْمُتَقَدِّمَ فَأُخْبِرَا بِذَلِكَ أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ بَعْدَهُ صَلَّوْا ظُهْرًا لِأَنَّا تَيَقَّنَّا وُقُوعَ جُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ   [حاشية البجيرمي] تَتَأَتَّى إقَامَةُ جُمُعَةٍ بَعْدَهَا مَعَ عَدَمِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِمْ بِفِعْلِهَا لِكَوْنِهَا سُبِقَتْ بِالْمُبْهَمَةِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (سَبْقُ التَّحَرُّمِ) أَيْ مِنْ الْإِمَامِ بِتَمَامِ التَّكْبِيرِ وَهُوَ الرَّاءُ مِنْ الْإِمَامِ دُونَ تَكْبِيرِ مَنْ خَلْفَهُ؛ فَإِذَا أَحْرَمَ إمَامٌ أَوَّلًا بِهَا ثُمَّ آخَرُ بَعْدَهُ أَيْضًا وَاقْتَدَى بِالثَّانِي تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ ثُمَّ بِالْأَوَّلِ مِثْلُهُ، فَالْجُمُعَةُ لِلْأَوَّلِ إذْ بِإِحْرَامِهِ تَعَيَّنَتْ جُمُعَتُهُ لِلسَّبْقِ وَامْتَنَعَ عَلَى غَيْرِهِ افْتِتَاحُ جُمُعَةٍ أُخْرَى اهـ أج. قَوْلُهُ: (اُسْتُؤْنِفَتْ الْجُمُعَةُ) بِأَنْ يَجْتَمِعَ الْفَرِيقَانِ وَيُصَلُّوا الْجُمُعَةَ، أَيْ إنْ أَمْكَنَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ عَوْدُهُمْ وَاجْتِمَاعُهُمْ وَجَبَ الظُّهْرُ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَوْ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ، لَكِنَّ اسْتِئْنَافَ الْجُمُعَةِ قَدْ أَيِسَ مِنْهُ فِي مِصْرِنَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُصَلُّوا الظُّهْرَ فَقَطْ جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى. اهـ. ق ل. وَفِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَإِذَا عَسُرَ الِاجْتِمَاعُ جَازَ التَّعَدُّدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا بَطَلَتْ لِلْكُلِّ إنْ وَقَعُوا مَعًا أَوْ شَكَّ فِي الْمَعِيَّةِ وَالسَّبْقِ وَصَحَّتْ لِلسَّابِقِ إنْ عَلِمَ إلَى تَمَامِ الْحَاجَةِ. وَيَلْزَمُ فِي الْأُولَتَيْنِ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ لِلْكُلِّ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا، وَفِي الثَّالِثَةِ يَلْزَمُ الْمَسْبُوقِينَ الظُّهْرُ اتِّفَاقًا، فَمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ الْآنَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ عَلَى أَنَّهَا مُعَادَةٌ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ شَاكًّا فِي جُمُعَتِهِ فَالظُّهْرُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ عَيْنًا وَلَوْ فُرَادَى، أَوْ غَيْرَ شَاكٍّ فَلَا تَصِحُّ الظُّهْرُ مِنْهُ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُعَادُ ظُهْرًا ق ل. قُلْتُ: إذَا تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ لِحَاجَةٍ صَحَّتْ لِلْجَمِيعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَتُسَنُّ الظُّهْرُ مُرَاعَاةً لِمُقَابِلِهِ أَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فِي جَمِيعِهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا وَوَقَعَ إحْرَامُ الْأَئِمَّةِ مَعًا أَوْ شَكًّا فِي السَّبْقِ وَالْمَعِيَّةِ بَطَلَتْ عَلَى الْجَمِيعِ، ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ اسْتِئْنَافُ جُمُعَةٍ بِخُطْبَتَيْهَا وَجَبَ أَيْ وَسُنَّ مَعَهَا الظُّهْرُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَعِيَّةِ فَلَا تُسَنُّ صَلَاةُ الظُّهْرِ بَلْ لَا تَصِحُّ، أَوْ مُرَتَّبًا وَعُلِمَ السَّبْقُ صَحَّتْ لِلسَّابِقَاتِ إلَى انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ وَبَطَلَتْ فِيمَا زَادَ ثُمَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْ السَّابِقَاتِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الظُّهْرُ بَلْ تُسَنُّ لَهُ فَقَطْ أَوْ مِنْ الزَّائِدَاتِ أَوْ شَكَّ وَجَبَتْ الظُّهْرُ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ إمَّا وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ مَمْنُوعَةٌ؛ فَالْوَاجِبَةُ فِي مِثْلِ مِصْرٍ، وَالْمُسْتَحَبَّةُ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَتْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَالْمُمْتَنِعَةُ فِيمَا إذَا أُقِيمَتْ جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْبَلَدِ فَيَمْتَنِعُ فِعْلُ الظُّهْرِ حِينَئِذٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (قَالَ الْإِمَامُ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِمَسْأَلَةِ الشَّكِّ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَحَكَمَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّهُمْ) أَيْ الشَّاكِّينَ إلَخْ وَأَشَارَ لِذَلِكَ فِي الْبَهْجَةِ بِقَوْلِهِ: قُلْتُ إذَا لَمْ يُدْرَ بِالسَّبْقِ وَلَا ... بِالِاقْتِرَانِ فَالْإِمَامُ اسْتَشْكَلَا بَرَاءَةً بِجُمُعَةٍ إذَا احْتُمِلْ ... سَبْقٌ فَلَا تَصِحُّ أُخْرَى فَلْيَقُلْ فِي هَذِهِ إنَّ السَّبِيلَ الْمُبْرِي ... إعَادَةُ الْجُمُعَةِ ثُمَّ الظُّهْرِ قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) مُرَكَّبٌ مِنْ إنْ الشَّرْطِيَّةِ وَلَا النَّافِيَةِ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ وَإِنْ لَا يَكُنْ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ مُسْتَحَبًّا فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: (" فَالْجُمُعَةُ " كَافِيَةٌ) وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ لَامِ التَّعْلِيلِ، وَالْمَعْنَى: لِأَنَّ الْجُمُعَةَ كَافِيَةٌ. قَوْلُهُ: (مَرِيضَانِ) أَوْ مُسَافِرَانِ أَوْ صَحِيحَانِ مُقِيمَانِ وَأَدْرَكَا الْإِمَامَ فِي رَكْعَةٍ وَإِلَّا فَهُمَا فَاسِقَانِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَكَتَبَ أج عَلَى قَوْلِهِ " مَرِيضَانِ " أَيْ أَوْ مُسَافِرَانِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ؛ وَإِخْبَارُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ كَافٍ فِي ذَلِكَ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 جُمُعَةٍ بَعْدَهَا، وَالطَّائِفَةُ الَّتِي صَحَّتْ بِهَا الْجُمُعَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْفَرْضِ فِي حَقِّ كُلِّ طَائِفَةٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الظُّهْرُ فَائِدَةٌ: الْجَمْعُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا مَعَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ كَالْجُمُعَتَيْنِ الْمُحْتَاجِ إلَى إحْدَاهُمَا فَفِي ذَلِكَ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِيهِمَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُرْهَانُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَفَرَائِضُهَا ثَلَاثَةٌ) وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَنْ عَبَّرَ بِالشُّرُوطِ كَالْجُمْهُورِ فَإِنَّ الشُّرُوطَ ثَمَانِيَةٌ كَمَا مَرَّ إذْ الْفَرْضُ وَالشَّرْطُ قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا بُدَّ مِنْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الشَّرْطُ السَّادِسُ (خُطْبَتَانِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا» وَكَوْنُهُمَا قَبْلَ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَنْ شَذَّ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلَمْ يُصَلِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بَعْدَهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ثَبَتَتْ صَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ خُطْبَتَيْنِ. وَأَرْكَانُهُمَا خَمْسَةٌ: أَوَّلُهَا: حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى لِلِاتِّبَاعِ وَثَانِيهَا: الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ افْتَقَرَتْ إلَى   [حاشية البجيرمي] اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ جُمُعَةٍ بَعْدَهَا) لِأَنَّ صِحَّةَ الْأُولَى مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّةِ غَيْرِهَا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُحْتَاجِ. قَوْلُهُ: (فَفِي ذَلِكَ التَّفْصِيلُ) وَهُوَ أَنَّهُمَا إنْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ شَكَّ اُسْتُؤْنِفَتْ جُمُعَةً أَوْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ صُلِّيَتْ ظُهْرًا أج. [فَرَائِضُ الْجُمُعَةَ] قَوْلُهُ: (وَفَرَائِضُهَا إلَخْ) تَعْبِيرُهُ هُنَا بِالْفُرُوضِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ بِالشُّرُوطِ تَفَنُّنٌ وَإِلَّا فَكُلُّهَا شُرُوطٌ. قَوْلُهُ: (إذْ الْفَرْضُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا يُخَالِفُ، قَالَ ق ل: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا فِي التَّعْبِيرِ بِالْفَرْضِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي التَّعْبِيرِ بِالشَّرْطِ عَنْ الرُّكْنِ، فَلَوْ قَالَ التَّعْبِيرُ بِالْفَرْضِ يُوهِمُ أَنَّهَا أَرْكَانٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَكَانَ صَوَابًا وَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ قَدْ لَكَانَ أَوْلَى. وَيُجَابُ بِأَنَّهَا لِلتَّحْقِيقِ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَشَرَائِطُ صِحَّةِ فِعْلِهَا ثَلَاثَةٌ بَلْ ثَمَانِيَةٌ كَمَا سَتَرَاهُ. وَتَعْبِيرُهُ هُنَا بِالْفَرَائِضِ وَتَغْيِيرُ الْأُسْلُوبِ حَيْثُ لَمْ يَعْطِفْهَا عَلَى الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ شُرُوطًا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الشَّرْطُ السَّادِسُ خُطْبَتَانِ) الْأَوْلَى تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ وَذَلِكَ لِإِيهَامِ صَنِيعِهِ أَنَّ ذَاتَ الْخُطْبَتَيْنِ شَرْطٌ لِلْجُمُعَةِ وَأَنَّ تَقَدُّمَهُمَا شَرْطٌ لَهُمَا؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ أَيْ لِأَنَّهُمَا شَرْطٌ وَالشَّرْطُ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَلَيْسَا بَدَلًا عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ قَوْلُهُ: (وَكَوْنُهُمَا قَبْلَ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَنْ شَذَّ) وَهَذَا بَعْدَ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: إنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ كَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ كَغَيْرِهَا مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، فَيَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَاتَّفَقَ لَهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً أَنَّهُ صَلَّى ثُمَّ أَخَذَ يَخْطُبُ فَبَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ إذْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ تِجَارَةٌ فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرَكُوهُ قَائِمًا يَخْطُبُ، فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} [الجمعة: 11] الْآيَةَ فَقُدِّمَتْ الْخُطْبَةُ مِنْ حِينَئِذٍ اهـ أج. وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَامْرَأَةٌ» . وَيَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَرَى الْجُمُعَةَ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا كَمَالِكٍ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَقَامَ لَهُمْ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً لِاشْتِرَاطِ هَذَا الْعَدَدِ اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: وَلَمْ يُصَلِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بَعْدَهُمَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: " لَمْ يُصَلِّ إلَّا بَعْدَهُمَا " أَيْ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ اهـ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَكَانَتَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقُدِّمَتَا. وَسَبَبُهُ: «أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَصَابَهُمْ جُوعٌ فَقَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ بِتِجَارَةٍ مِنْ الشَّامِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ فَانْصَرَفُوا وَلَمْ يَبْقَ إلَّا ثَمَانِيَةُ أَنْفُسٍ أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَوْ أَرْبَعُونَ فَقَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ خَرَجُوا جَمِيعًا لَأَضْرَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْوَادِيَ نَارًا» وَكَانُوا يَسْتَقْبِلُونَ الْعِيرَ بِالطَّبْلِ وَالتَّصْفِيقِ؛ وَهُوَ الْمُرَادُ بِاللَّهْوِ فِي الْآيَةِ. وَخَصَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ بِالتِّجَارَةِ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ. قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُهُمَا خَمْسَةٌ) جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ نَظْمًا فَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَافْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالصَّلَاةِ، وَلَفْظُ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ مُتَعَيَّنٌ لِلِاتِّبَاعِ، فَلَا يُجْزِئُ الشُّكْرُ وَالثَّنَاءُ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ يُجْزِئُ أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ أَوْ لِلَّهِ الْحَمْدُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْجَلَالَةِ فَلَا يُجْزِئُ الْحَمْدُ لِلرَّحْمَنِ أَوْ نَحْوُهُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ بَلْ يُجْزِئُ نُصَلِّي أَوْ أُصَلِّي أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ مُحَمَّدٍ بَلْ يَكْفِي أَحْمَدُ أَوْ النَّبِيُّ أَوْ الْمَاحِي أَوْ الْحَاشِرُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي رَحِمَ اللَّهُ مُحَمَّدًا أَوْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَثَالِثُهَا: الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى لِأَنَّ الْغَرَضَ الْوَعْظُ وَالْحَثُّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَكْفِي أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَاقِبُوهُ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَرَابِعُهَا: قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي إحْدَاهُمَا لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْخُطْبَةِ دُونَ تَعْيِينٍ.   [حاشية البجيرمي] وَخُطْبَةٌ أَرْكَانُهَا قَدْ تُعْلَمُ ... خَمْسَةٌ تُعَدُّ يَا أَخِي وَتُفْهَمُ حَمْدُ الْإِلَهِ وَالصَّلَاةُ الثَّانِي ... عَلَى نَبِيٍّ جَاءَ بِالْقُرْآنِ وَصِيَّةٌ ثُمَّ الدُّعَاء لِلْمُؤْمِنِينْ ... وَآيَةٌ مِنْ الْكِتَابِ الْمُسْتَبِينْ قَوْلُهُ: (افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ ذِكْرِهِ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّ الذِّكْرَ أَعَمُّ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَفْظُ الْحَمْدِ) أَيْ مَادَّتُهُ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَمْدِ أَيْ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ) كَالْبَشِيرِ أَوْ النَّذِيرِ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعَيُّنِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ فِي الْحَمْدِ لِلَّهِ بِأَنَّ لَهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لِأَنَّهَا قُطْبُهَا لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِهَا سَائِرُ صِفَاتِ الْكَمَالِ. اهـ. سم. وَعِبَارَةُ أج: فَإِنْ قُلْتَ لِمَ تَعَيَّنَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ فِي الْحَمْدِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الصَّلَاةِ. قُلْتُ: قَالَ سم. إنَّ لِلَفْظِ الْجَلَالَةِ بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ مَزِيَّةً تَامَّةً، فَإِنَّ لَهُ الِاخْتِصَاصَ التَّامَّ بِهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ بِهِ سِوَاهُ وَيُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ سَائِرُ صِفَاتِ الْكَمَالِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، وَلَا كَذَلِكَ لَفْظُ مُحَمَّدٍ مِنْ أَسْمَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. أَيْ أَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ سَائِرُ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَلِهَذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَفْظُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِالضَّمِيرِ وَإِنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى) وَهِيَ امْتِثَالُ أَوَامِرِ اللَّهِ وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْغَرَضَ الْوَعْظُ) قَدْ يُقَالُ وَالْغَرَضُ مِنْ الْحَمْدِ الثَّنَاءُ وَمِنْ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِغَيْرِ لَفْظِهِمَا فَمَا الْفَرْقُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَمْدَ وَالصَّلَاةَ تُعُبِّدَ بِلَفْظِهِمَا فَتَعَيَّنَتَا وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْحَثُّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ) أَيْ أَوْ الزَّجْرُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ فَيَكْفِي أَحَدُ هَذَيْنِ لِاسْتِلْزَامِ كُلٍّ الْآخَرَ. وَقَوْلُ م ر: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْحَثِّ عَلَى الطَّاعَةِ أَيْ مُطَابَقَةً أَوْ اسْتِلْزَامًا اهـ أج. مُلَخَّصًا. وَلَا يَكْفِي اقْتِصَارُهُ فِيهَا عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ غُرُورِ الدُّنْيَا وَزَخْرَفَتِهَا، فَقَدْ يَتَوَاصَى بِهِ مُنْكِرُو الْمَعَادِ أَيْ يَكُونُ وَصِيَّةً لَهُ بِتَرْكِ غُرُورِ الدُّنْيَا وَزَخْرَفَتِهَا اهـ شَرْحُ م ر. «وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَاظِبُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى فِي خُطْبَتِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَفِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، وَيَقُولُ بُعِثْت أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» كَمَا فِي شَرْحِ الدَّمِيرِيِّ. قَوْلُهُ: (وَرَاقِبُوهُ) أَيْ أَوْ رَاقِبُوهُ؛ فَالْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " فَيَكْفِي أَحَدُهُمَا. قَوْلُهُ: (قِرَاءَةُ آيَةٍ) أَيْ مُفْهِمَةٍ وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا أَوْ وَعْظًا أَوْ غَيْرِهَا، وَمِثْلُهَا بَعْضُ آيَةٍ طَوِيلَةٍ. وَخَالَفَهُ فِي التُّحْفَةِ فَقَالَ: لَا يُكْتَفَى بِبَعْضِ آيَةٍ وَإِنْ طَالَ اهـ. فَخَرَجَ نَحْوُ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] إلَخْ لِعَدَمِ الْإِفْهَامِ. وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِآيَةٍ نُسِخَ حُكْمُهَا وَبَقِيَتْ تِلَاوَتُهَا وَعَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِآيَةٍ نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا، فَالْأُولَى قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] وَالثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى. " الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ " أَيْ الْمُحْصَنُ وَالْمُحْصَنَةُ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ يُجْزِئُ أَنْ يَقْرَأَ بَيْنَ قِرَاءَتَيْهِمَا قَالَ: وَكَذَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُمَا وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ ذَلِكَ عَنْ النَّصِّ صَرِيحًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ جَعْلُهَا فِي الْأُولَى، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ نَزَلَ وَسَجَدَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ، فَإِنْ خَشِيَ مِنْ ذَلِكَ طُولَ فَصْلٍ سَجَدَ مَكَانَهُ إنْ أَمْكَنَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ وَخَامِسُهَا: مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ دُعَاءٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِأُخْرَوِيٍّ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَلِيقُ بِالْخَوَاتِيمِ وَلَوْ خَصَّ بِهِ الْحَاضِرِينَ كَقَوْلِهِ: رَحِمَكُمْ اللَّهُ كَفَى،   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ يُجْزِئُ أَنْ يَقْرَأَ بَيْنَ قِرَاءَتَيْهِمَا) هَذَا لَيْسَ زَائِدًا عَلَى قِرَاءَتِهِ آيَةً فِي إحْدَاهُمَا فَهُوَ تَأْيِيدٌ لَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدُ، وَحِينَئِذٍ سَقَطَ اسْتِشْكَالُ الْمَرْحُومِيِّ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُبَيِّنَ مَا فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ عُسْرِ الْفَهْمِ حَيْثُ ذَكَرَهُ أَوْ يُسْقِطَهُ كَمَا أَسْقَطَهُ غَيْرُهُ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: لَا يَخْفَى أَنَّ فِي فَهْمِ هَذَا الْكَلَامِ عُسْرًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَتَى بِالْآيَةِ قَبْلَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِالْجُلُوسِ فَقَدْ أَتَى بِهَا فِي الْأُولَى أَوْ بَعْدَ الْفَصْلِ فَقَدْ أَتَى بِهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا السُّنِّيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فَهِيَ حَالَةُ الْفَصْلِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ يَفْصِلُ بِالْجُلُوسِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ فَلَا تُجْزِئُ الْقِرَاءَةُ حَالَةَ الْجُلُوسِ لِأَنَّ شَرْطَهَا الْقِيَامُ لِكَوْنِهَا مِنْ الْأَرْكَانِ وَإِنْ كَانَ يَفْصِلُ بِالسُّكُوتِ لِكَوْنِهِ يَخْطُبُ مِنْ جُلُوسٍ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْقِرَاءَةُ حَالَةَ السُّكُوتِ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ أج: قُلْتُ: كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، إذْ هُوَ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ، إذْ قَوْلُهُ " أَنْ يَقْرَأَ بَيْنَ قِرَاءَتَيْهِمَا " أَيْ بَيْنَ قِرَاءَةِ أَحَدِهِمَا، أَيْ يُجْزِئُ قِرَاءَةُ الْآيَةِ بَيْنَ أَرْكَانِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " وَكَذَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ إلَخْ " وَذَلِكَ التَّأْوِيلُ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] أَيْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْبَحْرُ الْمِلْحُ؛ فَالْمُرَادُ مِنْ كَلَامِهِ عَدَمُ تَعَيُّنِ مَحَلِّهَا وَأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْأَرْكَانِ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَتَأَمَّلْهُ يَظْهَرْ لَك حُسْنُ كَلَامِ الْإِمَامِ الْمَاوَرْدِيُّ. وَرُدَّ قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي فَهْمِهِ عُسْرٌ وَقَوْلُهُ بَيْنَ قِرَاءَةِ إحْدَاهُمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إضَافَةُ بَيْنَ لِمُفْرَدٍ مَعَ أَنَّهَا لَا تُضَافُ إلَّا لِمُتَعَدِّدٍ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْضًا، وَالتَّقْدِيرُ: بَيْنَ قِرَاءَةِ أَجْزَاءِ أَحَدِهِمَا، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْخُطْبَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (فِي الْأُولَى) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهَا ح ل؛ أَيْ لِتَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ. وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةٌ فِي كُلِّ خُطْبَةِ جُمُعَةٍ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْحَاضِرِينَ كَمَا لَمْ يَشْتَرِطُوهُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَتْ السُّنَّةُ التَّخْفِيفَ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْخُطْبَةِ آيَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى الْأَرْكَانِ كُلِّهَا أَيْ مَا عَدَا الصَّلَاةِ هُنَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذْ لَيْسَ لَنَا آيَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ) وَلَا يَجُوزُ السُّجُودُ لِلْحَاضِرَيْنِ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ سَجَدَ هُوَ أَمْ لَا ق ل؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا فَرَغَ قَبْلَهُمْ مِنْ السُّجُودِ فَيَكُونُونَ مُعْرِضِينَ عَنْهُ. قَوْلُهُ (بِأُخْرَوِيٍّ) فَلَا يَكْفِي الدُّنْيَوِيُّ وَلَوْ لَمْ يَحْفَظْ الْأُخْرَوِيَّ. اهـ. م د. لَكِنْ قَالَ الْإِطْفِيحِيُّ: إنَّ الدُّنْيَوِيَّ يَكْفِي حَيْثُ لَمْ يَحْفَظْ الْأُخْرَوِيَّ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْفَاتِحَةِ، بَلْ مَا هُنَا أَوْلَى. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْغَزَالِيُّ بِتَحْرِيمِ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِمَغْفِرَةِ جَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ وَعَدَمِ دُخُولِهِمْ النَّارَ، لِأَنَّا نَقْطَعُ بِخَبَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ. وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ نُوحٍ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح: 28] الْآيَةَ فَإِنَّهُ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ نَكِرَاتٌ وَيَجُوزُ قَصْدُ مَعْهُودٍ خَاصٍّ وَهُوَ أَهْلُ زَمَانِهِ مَثَلًا اهـ شَرْحُ م ر أج. وَأَيْضًا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا. قَوْلُهُ: (فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ) الْمُرَادُ الْمَفْعُولَةُ ثَانِيًا وَلَوْ عَلَى عَكْسِ التَّرْتِيبِ الْمَعْهُودِ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ خَصَّ بِهِ الْحَاضِرِينَ) عِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: فَلَوْ خَصَّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْحَاضِرِينَ كَفَى أَوْ دُونَهُمْ أَوْ غَيْرَهُمْ لَمْ يَكْفِ، فَذَكَرَ الْمُؤْمِنَاتِ فِي كَلَامِهِ لِلْكَمَالِ وَالتَّعْمِيمِ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُنَّ دَخَلْنَ تَغْلِيبًا اهـ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 بِخِلَافِ مَا لَوْ خَصَّ بِهِ الْغَائِبِينَ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ بِعَيْنِهِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَصْفِهِ مُجَازَفَةٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِالصِّفَاتِ الْكَاذِبَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا عَرَبِيَّتَيْنِ، وَالْمُرَادُ أَرْكَانُهُمَا لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ وَلَمْ يُمْكِنْ تَعَلُّمُهَا خَطَبَ بِغَيْرِهَا أَوْ أَمْكَنَ تَعَلُّمُهَا وَجَبَ عَلَى الْجَمِيعِ عَلَى سَبِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَيَكْفِي فِي تَعَلُّمِهَا وَاحِدٌ. وَأَنْ (يَقُومَ) الْقَادِرُ (فِيهِمَا) جَمِيعًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ خَطَبَ جَالِسًا (وَ) أَنْ (يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا) لِلِاتِّبَاعِ بِطُمَأْنِينَةٍ فِي جُلُوسِهِ كَمَا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وَمَنْ خَطَبَ   [حاشية البجيرمي] مَا لَوْ خَصَّ بِهِ الْغَائِبِينَ) كَأَنْ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ زَيْدًا وَعُمْرًا وَبَكْرًا وَكَانُوا غَائِبِينَ عَنْ الْمَسْجِدِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ع ش. قَالَ ابْنُ شَرَفٍ: وَلَوْ انْصَرَفَ مَنْ خَصَّهُمْ وَأَقَامَ الْجُمُعَةَ بِأَرْبَعِينَ غَيْرِهِمْ وَلَمْ يَدْعُ لَهُمْ كَفَى. قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ بِعَيْنِهِ) أَيْ بِخُصُوصِهِ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَصْفِهِ مُجَازَفَةٌ) أَيْ مُبَالَغَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْحَدِّ كَأَنْ يَقُولَ: أَخْفَى أَهْلَ الشِّرْكِ وَالضَّلَالِ مَثَلًا كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَفِيهِ أَنَّ الْمُجَازَفَةَ فِي وَصْفِهِ لَيْسَتْ مِنْ الدُّعَاءِ حَتَّى يُحْتَرَزَ عَنْهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الدُّعَاءَ قَدْ يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا، كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اُنْصُرْ السُّلْطَانَ الَّذِي أَخْفَى جَمِيعَ أَهْلِ الشِّرْكِ. قَوْلُهُ: (مُجَازَفَةٌ) هِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْأَوْصَافِ، وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَخْشَ مِنْ تَرْكِهَا ضَرَرًا وَفِتْنَةً وَإِلَّا وَجَبَتْ كَمَا فِي قِيَامِ بَعْضِهِمْ أَيْ النَّاسِ لِبَعْضٍ؛ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي خَوْفِ الْفِتْنَةِ غَلَبَةُ الظَّنِّ. اهـ. حَجّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدُّعَاءَ لِلسُّلْطَانِ بِخُصُوصِهِ مُبَاحٌ؛ وَلِذَا قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَأَمَّا الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ عُمُومًا بِالصَّلَاةِ بِالصَّلَاحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْعَدْلِ فَسُنَّةٌ. اهـ. م د. قَوْلُهُ (وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَشْغَلُوا قُلُوبَكُمْ بِسَبِّ الْمُلُوكِ وَلَكِنْ تَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ لَهُمْ يُعَطِّفْ اللَّهُ تَعَالَى قُلُوبَهُمْ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا عَرَبِيَّتَيْنِ) وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ كَوْنِ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ إنْ كَانَ فِي الْقَوْمِ عَرَبِيٌّ وَإِلَّا كَفَى كَوْنُهَا بِالْعَجَمِيَّةِ إلَّا فِي الْآيَةِ فَهِيَ كَالْفَاتِحَةِ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْعَرَبِيَّةَ فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَصَوْا كُلُّهُمْ وَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّعَلُّمِ، بِرْمَاوِيٌّ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ: " عَرَبِيَّةٌ " وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ عَجَمًا، وَفَائِدَتُهَا الْعِلْمُ بِالْوَعْظِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَوْلُهُ " الْجُمْلَةُ " أَيْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ؛ قَالَهُ الرَّحْمَانِيُّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُعْرَفَ بِقَرِينَةٍ أَنَّهُ وَاعِظٌ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَا وَعَظَ بِهِ. وَقَوْلُهُ " فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَصَوْا كُلُّهُمْ " أَيْ وَلَا تَصِحُّ خُطْبَتُهُمْ قَبْلَ التَّعَلُّمِ فَيُصَلُّونَ ظُهْرًا. وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ إمْكَانِ التَّعَلُّمِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ خَطَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِلِسَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ الْحَاضِرُونَ بِأَنْ اخْتَلَفَتْ لُغَاتُهُمْ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ أَحْسَنَ مَا أَحْسَنَهُ الْقَوْمُ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَخْطُبَ بِهِ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ التَّرْجَمَةَ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا. قَوْلُهُ: (لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ) السَّلَفُ الصَّحَابَةُ وَالْخَلَفُ مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ أَوْ السَّلَفُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَقَالَ حَجّ: الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ الثَّلَاثُمِائَةِ أَوْ الْأَرْبَعُمِائَةِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (خَطَبَ بِغَيْرِهَا) أَيْ بِلُغَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَفْهَمْهَا الْقَوْمُ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَحْسَنَ مَا يَفْهَمُونَهُ ز ي وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَا الْآيَةِ مِنْ الْأَرْكَانِ، أَمَّا هِيَ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُتَرْجَمُ عَنْهُ فَلْيَنْظُرْ مَاذَا يَفْعَلُ حِينَئِذٍ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا فِي الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ كَوْنِهِ يَأْتِي بَدَلَهَا بِذِكْرٍ ثُمَّ دُعَاءٍ ثُمَّ يَقِفُ بِقَدْرِهَا شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ " خَطَبَ بِغَيْرِهَا " أَيْ إنْ أَحْسَنَ أَحَدٌ مِنْهُمْ التَّرْجَمَةَ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا، فَلَوْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا بَعْضَ الْأَرْكَانِ أَتَى بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَيَكْفِي فِي تَعَلُّمِهَا وَاحِدٌ) فَلَوْ تَرَكُوا التَّعَلُّمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَصَوْا وَلَا جُمُعَةَ فَيُصَلُّونَ الظُّهْرَ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَقُومَ إلَخْ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَعَدَّ الْقِيَامَ وَالْجُلُوسَ هُنَا شَرْطَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِجُزْءٍ مِنْ الْخُطْبَةِ، إذْ هِيَ الذِّكْرُ وَالْوَعْظُ؛ وَفِي الصَّلَاةِ رُكْنَيْنِ لِأَنَّهُمَا فِي جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ وَهِيَ تَكُونُ أَذْكَارًا وَغَيْرَ أَذْكَارٍ اهـ. أَيْ لَمَّا كَانَ مُسَمَّى الصَّلَاةِ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ عِنْدَ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ مِنْ أَرْكَانِهَا وَمُسَمَّى الْخُطْبَةِ الْأَقْوَالَ جَعَلَ الْقِيَامَ وَالْجُلُوسَ شَرْطًا لَهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي الصَّلَاةِ ق ل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 قَاعِدًا لِعُذْرٍ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ وُجُوبًا، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَيُشْتَرَطُ وَلَاءٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَرْكَانِهِمَا وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، وَطُهْرٌ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ وَأَكْبَرَ، وَعَنْ نَجَسٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ فِي ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ وَمَكَانِهِ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الْخُطْبَتَيْنِ، وَإِسْمَاعُ الْأَرْبَعِينَ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ أَرْكَانَهُمَا لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا وَعْظُهُمْ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (خَطَبَ جَالِسًا) أَيْ ثُمَّ مُضْطَجِعًا كَالصَّلَاةِ، وَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ سَوَاءٌ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ أَمْ سَكَتَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ لِلْعُذْرِ، فَإِنْ بَانَتْ قُدْرَتُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ وَالْأَوْلَى لِلْعَاجِزِ الِاسْتِنَابَةُ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَجْلِسَ) فَلَوْ تَرَكَهُ وَلَوْ سَهْوًا لَمْ تَصِحَّ خُطْبَتُهُ فِيمَا يَظْهَرُ إذْ الشُّرُوطُ يَضُرُّ الْإِخْلَالُ بِهَا وَلَوْ مَعَ السَّهْوِ م ر شَوْبَرِيٌّ. وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَأَنْ يَقْرَأَهَا فِيهِ، فَلَوْ تَرَكَ الْجُلُوسَ بَيْنَهُمَا حُسِبَتَا وَاحِدَةً فَيَجْلِسُ وَيَأْتِي بِخُطْبَةٍ أُخْرَى وَمَنْ خَطَبَ قَاعِدًا لِعُذْرٍ فَصَلَ بَيْنَهُمَا وُجُوبًا بِسَكْتَةٍ فَوْقَ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعِيِّ، وَمِثْلُهُ مَنْ خَطَبَ قَائِمًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجُلُوسِ أَوْ خَطَبَ مُضْطَجِعًا لِعَجْزِهِ اهـ. فَيُفْصَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِسَكْتَةٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ) أَيْ فَوْقَ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعِيِّ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ وَلَاءٌ بَيْنَهُمَا) فَلَوْ عَلِمَ تَرْكَ رُكْنٍ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هُوَ مِنْ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ هَلْ تَجِبُ إعَادَتُهُمَا أَمْ إعَادَةُ الثَّانِيَةِ فَقَطْ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَجْلِسَ ثُمَّ يَأْتِيَ بِالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ مِنْ الْأُولَى فَيَكُونُ جُلُوسُهَا لَغْوًا فَتَكْمُلُ بِالثَّانِيَةِ، وَيُجْعَلُ مَجْمُوعُهَا خُطْبَةً وَاحِدَةً فَيَجْلِسُ بَعْدَهَا وَيَأْتِي بِالثَّانِيَةِ، وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِ الْمَتْرُوكِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَالْجُلُوسُ بَعْدَهَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ جُلُوسٌ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ وَمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَهُ تَكْرِيرٌ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَاسْتِدْرَاكٌ لِمَا تَرَكَهُ مِنْهَا،. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَالَ م ر: أَمَّا لَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ الرُّكْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ كَالشَّكِّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ. قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ أَرْكَانِهِمَا) وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ الْوَعْظِ بَيْنَ أَرْكَانِهِمَا وَإِنْ طَالَ ق ل. فَرْعٌ: أَفْتَى شَيْخُنَا م ر فِيمَا لَوْ ابْتَدَأَ الْخَطِيبُ فِي سَرْدِ الْأَرْكَانِ، أَيْ ذِكْرَهَا مُتَتَابِعَةً، ثُمَّ أَعَادَهَا كَمَا اُعْتِيدَ الْآنَ، كَأَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} [فصلت: 46] الْآيَةَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إلَخْ. بِأَنَّهُ يَحْسِبُ مَا أَتَى بِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ ثَانِيًا بِمَنْزِلَةِ التَّأْكِيدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِ الرُّكْنِ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ اهـ سم مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَطُهْرٍ) فَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ اسْتَأْنَفَهَا وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَقَصُرَ الْفَصْلُ؛ لِأَنَّهُمَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ (فَلَا تُؤَدَّى بِطَهَارَتَيْنِ) كَالصَّلَاةِ. وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَتَطَهَّرَ عَنْ قُرْبٍ لَمْ يَضُرَّ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: فَلَا تُؤَدَّى بِطَهَارَتَيْنِ لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا فَالِاسْتِخْلَافُ فِيهَا جَائِزٌ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ: وَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ وَاسْتَخْلَفَ مَنْ حَضَرَ جَازَ لِلثَّانِي الْبِنَاءُ عَلَى خُطْبَةِ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ زَوَالُ الْأَهْلِيَّةِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمَكَانُهُ) وَهُوَ الْمِنْبَرُ فَلَا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ مَعَ قَبْضِ حَرْفِهِ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ تَحْتَ يَدِهِ كَذَرْقِ الطَّيْرِ مُطْلَقًا، وَلَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ إنْ كَانَ الْمِنْبَرُ يَنْجَرُّ بِجَرِّهِ؛ وَمِنْ النَّجَاسَةِ الْعَاجُ الْمَلْصُوقُ عَلَى الْمَنَابِرِ لِتَنْجِيسِهَا. اهـ. ق ل. وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ إذَا كَانَ فِي جَانِبِ الْمِنْبَرِ نَجَاسَةٌ لَيْسَتْ تَحْتَ يَدِ الْقَابِضِ سَوَاءٌ كَانَ الْمِنْبَرُ يَنْجَرُّ بِجَرِّهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ عُلُوَّهُ عَلَيْهِ مَانِعٌ مِنْ جَرِّهِ عَادَةً. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَابِضِ لِطَرَفِ شَيْءٍ عَلَى نَجِسٍ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ بِأَنَّ صَلَاةَ الْقَابِضِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا بَطَلَتْ لِحَمْلِهِ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِنَجِسٍ وَلَا يُتَخَيَّلُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُ حَامِلٌ الْمِنْبَرَ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَإِسْمَاعُ الْأَرْبَعِينَ) أَيْ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَكُونَ صَوْتُ الْخَطِيبِ مُرْتَفِعًا يَسْمَعُهُ الْحَاضِرُونَ لَوْ أَصْغَوْا. هَذَا فِي الْإِسْمَاعِ، وَأَمَّا السَّمَاعُ مِنْهُمْ فَبِالْقُوَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مَرْحُومِيٌّ وَمِثْلُهُ ق ل. وَعِبَارَةُ ق ل: وَإِسْمَاعُ الْأَرْبَعِينَ بِأَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِقَدْرِ مَا يَسْمَعُونَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِوُجُودِ لَغَطٍ؛ قَالَ شَيْخُنَا: أَوْ نَوْمٍ بِخِلَافِهِ لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ اهـ. وَذَكَرَ خِلَافَهُ فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ، فَقَالَ: فَلَا يَضُرُّ نَحْوُ لَغَطٍ وَيَضُرُّ نَوْمٌ إلَخْ. وَاعْتَمَدَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 بِذَلِكَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُمْ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهُمَا كَالْعَامِّيِّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَفْهَمُ مَعْنَاهَا، فَلَا يَكْفِي الْإِسْرَارُ كَالْأَذَانِ وَلَا إسْمَاعُ دُونَ أَرْبَعِينَ وَلَا حُضُورُهُمْ بِلَا سَمَاعٍ لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَسُنَّ تَرْتِيبُ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ بِأَنْ يَبْدَأَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ، ثُمَّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى، ثُمَّ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ الدُّعَاءِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ وَسُنَّ لِمَنْ يَسْمَعُهُمَا سُكُوتٌ مَعَ إصْغَاءٍ لَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] ذُكِرَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ، وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَوَجَبَ رَدُّ السَّلَامِ، وَسُنَّ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ قِرَاءَةِ الْخَطِيبِ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ إبَاحَةَ الرَّفْعِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِكَرَاهَتِهِ وَعُلِمَ مِنْ سَنِّ الْإِنْصَاتِ فِيهِمَا عَدَمُ حُرْمَةِ الْكَلَامِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ مَتَى السَّاعَةُ؟ مَا أَعْدَدْت لَهَا؟ فَقَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ   [حاشية البجيرمي] مَشَايِخُنَا. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُضِرَّ النَّوْمُ الثَّقِيلُ لَا مُجَرَّدُ النُّعَاسِ، إذْ هُوَ كَالتَّشَاغُلِ كَالْمُحَادَثَةِ اهـ. فَكَلَامُ الرَّحْمَانِيِّ جَمَعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ. وَهَلْ الْمُرَادُ بِسَمَاعِ الْأَرْكَانِ فِي آنٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ سَمِعَ الْأَرْكَانَ عِشْرُونَ مَثَلًا وَذَهَبُوا فَجَاءَ عِشْرُونَ فَأَعَادَ لَهُمْ الْأَرْكَانَ ثُمَّ حَضَرَ مَنْ سَمِعَ أَوَّلًا؟ هَلْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ نَظَرًا لِسَمَاعِ الْأَرْبَعِينَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ ظُهُورُ الشِّعَارِ وَلَا يُوجَدُ إلَّا بِأَرْبَعِينَ فِي آنٍ وَاحِدٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ فَيَكْفِي كَوْنُهُ أَصَمَّ لِأَنَّهُ يَفْهَمُ مَا يَقُولُ، فَيَكْفِي إسْمَاعُ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ سِوَاهُ أج. قَوْلُهُ: (فَعُلِمَ) أَيْ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِسْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالسَّمَاعِ. اهـ. حَلَبِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهُمَا) مِثْلُ الْقَوْمِ الْخَطِيبُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ أَرْكَانِهِمَا، كَمَنْ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَلَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْفَاتِحَةِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ اهـ شَرْحُ م ر أج. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَهُ) كَالنَّوْمِ. قَوْلُهُ: (وَسُنَّ لِمَنْ يَسْمَعُهُمَا سُكُوتٌ مَعَ إصْغَاءٍ) قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَيُكْرَهُ الْكَلَامُ مِنْ الْمُسْتَمِعِينَ حَالَ الْخُطْبَةِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ قَالُوا إنَّهُ يَحْرُمُ، وَحَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى النَّدْبِ. نَعَمْ إنْ دَعَتْ لَهُ ضَرُورَةٌ وَجَبَ أَوْ سُنَّ كَالتَّعْلِيمِ لِوَاجِبٍ وَالنَّهْيِ عَنْ مُحَرَّمٍ، وَلَا يُكْرَهُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا وَبَيْنَهُمَا وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَيَجِبُ رَدُّ السَّلَامِ وَإِنْ كُرِهَ ابْتِدَاؤُهُ. فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ ابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَبَيْنَ الرَّدِّ؟ قُلْتُ: لِأَنَّ هَذَا دُعَاءٌ لِلْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجِبُ، وَالرَّدُّ تَأْمِينٌ وَتَرْكُهُ مُخِيفٌ لِلْمُسْلِمِ وَتَقَدَّمَ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ؛ وَلَوْ فَرْضًا مُضَيَّقًا أَيْ قَضَاؤُهُ فَوْرِيٌّ مِنْ صُعُودِ الْمِنْبَرِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ كَالصَّلَاةِ فَيَمْتَنِعُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ، وَلَوْ سَجَدَهَا الْخَطِيبُ. وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ أَنَّ الْبَعِيدَ الْمُشْتَغِلَ بِتِلَاوَةٍ يَسْجُدُ لَهَا؛ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْخُطْبَةِ تَمْيِيزُ فُرُوضِهَا مِنْ سُنَنِهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِالتَّفْسِيرِ الْمَارِّ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ سم. قَوْلُهُ (ذَكَرَ فِي التَّفْسِيرِ) عِبَارَةَ م ر: كَمَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسَّرَيْنِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ. قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ رَدُّ السَّلَامِ) أَيْ إذَا سَلَّمَ دَاخِلٌ عَلَى مُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ السَّلَامُ مَكْرُوهًا أج. أَيْ وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ سَنِّ الْإِنْصَاتِ كَمَا قَالَهُ ع ش. وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ عَلَى قَاضِي الْحَاجَةِ لِأَنَّ الْخِطَابَ مِنْهُ وَمَعَهُ يُعَدُّ سَفَهًا وَقِلَّةَ مُرُوءَةٍ فَلَا يُلَائِمُهُ إيجَابُ الرَّدِّ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ يُلَائِمُهُ، إذْ عَدَمُ مَشْرُوعِيَّتِهِ لِعَارِضٍ لَا لِذَاتِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَلَا إشْكَالَ اهـ شَرْحُ م ر أج. قَوْلُهُ: (تَشْمِيتٌ) بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَرَفْعُ الصَّوْتِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُبَاحُ ثُمَّ الْمُرَادُ الرَّفْعُ الَّذِي لَيْسَ بِبَلِيغٍ، أَمَّا الْبَلِيغُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ فَبِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَعُلِمَ مِنْ سَنِّ الْإِنْصَاتِ فِيهِمَا) أَيْ السُّكُوتُ مَعَ الْإِصْغَاءِ لَهُمَا. قَوْلُهُ: (عَدَمُ حُرْمَةِ الْكَلَامِ) نَعَمْ هُوَ مَكْرُوهٌ حَالَةَ الْخُطْبَةِ فَقَطْ بَعْدَ اتِّخَاذِهِ مَكَانًا وَاسْتِقْرَارِهِ فِيهِ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ. وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ خَبَرُ مُسْلِمٍ: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 فَقَالَ: إنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَلَامَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ وُجُوبَ السُّكُوتِ، فَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلنَّدَبِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، أَمَّا مَنْ لَا يَسْمَعُهُمَا فَيَسْكُتُ أَوْ يَشْتَغِلُ بِالذِّكْرِ أَوْ الْقِرَاءَةِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ السُّكُوتِ، وَسُنَّ كَوْنُهُمَا عَلَى مِنْبَرٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ فَعَلَى مُرْتَفِعٍ، وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَوْ نَحْوَهُ وَانْتَهَى إلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسْتَرَاحِ، وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَجْلِسَ فَيُؤَذِّنَ وَاحِدٌ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْجَمِيعِ، وَأَنْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا» عَدَلَ عَنْ جَوَابِ سُؤَالِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالسُّؤَالِ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْغَيْبِ، فَهُوَ مِنْ تَلَقِّي السَّائِلِ بِغَيْرِ مَا يَتَطَلَّبُ تَنْزِيلًا لِسُؤَالِهِ مَنْزِلَةَ غَيْرِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْأَوْلَى، لَهُ كَقَوْلِهِ {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} [البقرة: 215] وَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} [البقرة: 189] أَوْ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ التَّعَلُّقُ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَنْفَعُ فِيهَا. فَإِجَابَةُ السَّائِلِ بِقَوْلِهِ " حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى عَمَلِهِ الظَّاهِرِ بَلْ طَرَحَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ إلَّا بِفَضْلِ اللَّهِ وَقَبُولِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ السُّكُوتِ إلَخْ) وَلَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَلَوْ بَعْدَ الْجُلُوسِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا بَعْدَهَا وَلَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَلَا كَلَامُ الدَّاخِلِ إلَّا إنْ اتَّخَذَ لَهُ مَكَانًا وَاسْتَقَرَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى الْكَلَامِ غَالِبًا اهـ قَوْلُهُ: (وَسُنَّ كَوْنُهُمَا عَلَى مِنْبَرٍ) أَيْ وَلَوْ فِي مَكَّةَ، خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ حَيْثُ قَالَ: يَخْطُبُ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ كَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَإِنَّمَا خَطَبَ عَلَى بَابِهَا بَعْدَ الْفَتْحِ لِتَعَذُّرِ مِنْبَرٍ حِينَئِذٍ وَلَمْ يُحْدِثْ الْمِنْبَرَ بِمَكَّةَ إلَّا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ. وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ مُشْتَقٌّ مِنْ " النَّبْرِ " وَهُوَ الِارْتِفَاعُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ عَلَى يَمِينِ مُصَلَّى الْإِمَامِ لِأَنَّ مِنْبَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا وُضِعَ، وَكَانَ يَخْطُبُ قَبْلَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَعَنْ يَسَارِهِ جِذْعُ نَخْلَةٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ. وَيُكْرَهُ مِنْبَرٌ كَبِيرٌ يُضَيِّقُ عَلَى الْمُصَلِّينَ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) وَيَجِبُ الرَّدُّ فِي هَذِهِ وَمَا بَعْدَهَا ع ش. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إنْ خَرَجَ مِنْ الْخَلْوَةِ الْمَعْهُودَةِ، فَإِنْ دَخَلَ مِنْ أَوَّلِ الْجَامِعِ سَلَّمَ عَلَى كُلِّ مَنْ مَرَّ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ كَمَا فِي ق ل قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى جِهَتِهِمْ بِوَجْهِهِ، لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِأَدَبِ الْخِطَابِ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ لِقَبُولِ الْوَعْظِ وَتَأْثِيرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ خِلَافُهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (إذَا صَعِدَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ م د وَالصَّوَابُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لِأَنَّ مَصْدَرَهُ الصُّعُودُ وَهُوَ مِنْ بَابِ قَعَدَ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ وَفَعَلَ اللَّازِمُ مِثْلُ قَعَدَا ... لَهُ فُعُولٌ بِاطِّرَادٍ كَغَدَا قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوُهُ) أَيْ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ وَلَكِنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى مَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ م د قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ) أَيْ لِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ. وَيَجِبُ رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ. وَيُنْدَبُ رَفْعُ صَوْتِهِ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ اهـ أج قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَجْلِسُ) أَيْ بَعْدَ سَلَامِهِ عَلَى الْمُسْتَرَاحِ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ اهـ م د قَوْلُهُ: (فَيُؤَذِّنُ وَاحِدٌ) أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ وَاحِدًا لَا جَمَاعَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ أَذَّنُوا جَمَاعَةً كُرِهَ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْأَذَانُ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الْمَنَارَةِ فَأَحْدَثَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقِيلَ مُعَاوِيَةُ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ. {تَنْبِيهٌ} : مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ اتِّخَاذِ مُمَرِّقٍ فِي زَمَنِنَا يَخْرُجُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ يَقْرَأُ الْآيَةَ وَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ قَرَأَ الْحَدِيثَ فَبِدْعَةٌ حَسَنَةٌ إذْ لَمْ تُفْعَلْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ يَدَيْهِ، بَلْ كَانَ يُمْهَلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ فَإِذَا اجْتَمَعُوا خَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ جَاوِيشٍ يَصِيحُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ إذْ فِي قِرَاءَةِ الْآيَةِ تَرْغِيبٌ فِي الْإِتْيَانِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ الْمَطْلُوبِ فِيهِ إكْثَارُهَا. وَفِي قِرَاءَةِ الْخَبَرِ بَعْدَ الْأَذَانِ وَقَبْلَ الْخُطْبَةِ تَيَقُّظٌ لِلْمُكَلَّفِ لِاجْتِنَابِ الْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمَكْرُوهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ هَذَا الْخَبَرَ عَلَى الْمِنْبَرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 تَكُونَ الْخُطْبَةُ فَصِيحَةً جَزْلَةً لَا مُبْتَذَلَةً رَكِيكَةً قَرِيبَةً لِلْفَهْمِ لَا غَرِيبَةً وَحْشِيَّةً إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ، وَمُتَوَسِّطَةً لِأَنَّ الطَّوِيلَ يُمِلُّ وَالْقَصِيرَ يُخِلُّ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ: «أَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ» فَقَصْرُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْ لَا يَلْتَفِتَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بَلْ يَسْتَمِرَّ مُقْبِلًا عَلَيْهِمْ إلَى فَرَاغِهَا، وَيُسَنُّ لَهُمْ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِ مُسْتَمِعِينَ لَهُ، وَأَنْ يَشْغَلَ يُسْرَاهُ بِنَحْوِ سَيْفٍ وَيُمْنَاهُ بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ، وَأَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَأَنْ يُقِيمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ مُؤَذِّنٌ وَيُبَادِرَ هُوَ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ مِنْ الْإِقَامَةِ فَيَشْرَعَ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَحْقِيقِ الْوَلَاءِ الَّذِي مَرَّ وُجُوبُهُ، وَأَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ الْجُمُعَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ جَهْرًا لِلِاتِّبَاعِ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: كَانَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ فَهُمَا سُنَّتَانِ. (وَ) الرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ الشَّرْطُ السَّابِعُ (أَنْ تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَمَرَّ أَنَّهَا صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ ظُهْرًا   [حاشية البجيرمي] فِي خِطْبَتِهِ؛ وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (فَصِيحَةً) الْفَصِيحُ الْخَالِصُ مِنْ تَنَافُرِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ وَالتَّعْقِيدِ وَالْغَرَابَةِ وَالْجَزْلُ الْحَسَنُ أَيْ حُلْوَةَ الْأَلْفَاظِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُبْتَذَلَ يَعْنِي الْكَثِيرَ الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ النَّاسِ لَا يُقَابِلُ الْفَصِيحَ؛ وَأَمَّا الرَّكِيكُ فَتُمْكِنُ مُقَابَلَتُهُ لِلْجَزْلِ لِأَنَّهُ لَا حُسْنَ فِيهِ. اهـ. م د. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَيُؤْخَذُ مِنْ نَدْبِ الْبَلَاغَةِ فِيهَا حُسْنُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْخُطَبَاءِ مِنْ تَضَمُّنِهَا آيَاتٍ وَأَحَادِيثَ مُنَاسَبَةٍ لِمَا هُوَ فِيهِ قَوْلُهُ: (قَرِيبَةً لِلْفَهْمِ) أَيْ لِأَكْثَرِ الْحَاضِرِينَ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَمُتَوَسِّطَةً) وَمَنْ عَبَّرَ بِقَصِيرَةٍ كَالْمِنْهَاجِ أَرَادَ التَّوَسُّطَ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَاقْصُرُوا) بِضَمِّ الصَّادِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ اهـ قَوْلُهُ: (مُقْبِلًا عَلَيْهِمْ) أَيْ إلَى جِهَتِهِمْ، فَلَا يُقَالُ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي فِيمَنْ فِي مُقَابَلَتِهِ لَا مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ. وَقَوْلُهُ " وَيُسَنُّ لَهُمْ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِ " أَيْ عَلَى جِهَتِهِ، فَلَا يَطْلُبُ مِمَّنْ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَنْ يَنْحَرِفَ إلَيْهِ ح ل قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَشْغَلَ يُسْرَاهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْغَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ شَغَلَ الثُّلَاثِيِّ؛ قَالَ تَعَالَى {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا} [الفتح: 11] أَيْ لَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ مِنْ الْمَزِيدِ، إذْ هِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَشْغَلُ يُسْرَاهُ بِالسَّيْفِ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْ الْمُمَرِّقِ بِالْيَمِينِ وَبَعْدَ نُزُولِهِ يُنَاوِلُهُ لَهُ بِالْيَمِينِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ق ل. وَحِكْمَةُ الِاعْتِمَادِ عَلَى السَّيْفِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ؛ وَلِهَذَا يُسَنُّ قَبْضُهُ بِالْيُسْرَى عَلَى عَادَةِ مَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا تَنَاوُلًا حَتَّى يَكُونَ بِالْيَمِينِ بَلْ هُوَ اسْتِعْمَالٌ وَامْتِهَانٌ بِالِاتِّكَاءِ فَكَانَتْ الْيَسَارُ بِهِ أَلْيَقُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَمَامِ الْإِشَارَةِ إلَى الْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ عَبْدُ الْبَرِّ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَيُكْرَهُ الدَّقُّ عَلَى دَرَجِ الْمِنْبَرِ فِي صُعُودِهِ، لَكِنْ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِاسْتِحْبَابِ الدَّقِّ لِتَنْبِيهِ الْحَاضِرِينَ قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ سَيْفٍ) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ أَرْسَلَهُمَا وَالْغَرَضُ أَنْ يَخْشَعَ وَلَا يَعْبَثَ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ) وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ بِحَيْثُ يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ، فَلَوْ طَالَ بِحَيْثُ انْقَطَعَتْ الْمُوَالَاةُ بَطَلَتْ خُطْبَتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَالَ بَعْضُ الْأَرْكَانِ بِمُنَاسِبٍ لَهُ. اهـ. تُحْفَةٌ. قَوْلُهُ: (بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) وَأَنْ يَقْرَأَهَا أَيْضًا سَوَاءٌ إمَامَ مَحْصُورِينَ وَغَيْرِهِمْ ق ل. وَلَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ، كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَقِرَاءَةُ بَعْضٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ قَدْرِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا إلَّا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَحُكْمُ سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَالرُّكْنُ الثَّانِي) الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ أَنْ يَقُولَ: وَالْفَرْضُ الثَّانِي، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ رِعَايَةً لِعِبَارَةِ الْمَتْنِ السَّابِقَةِ قَوْلُهُ: (أَنْ تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) فِي عَدِّ هَذَا مِنْ الشُّرُوطِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَدَ الصَّلَاةِ لَمْ يُعَدَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 مَقْصُورَةً. وَالرُّكْنُ الثَّالِثُ وَهُوَ الشَّرْطُ الثَّامِنُ (أَنْ تَقَعَ فِي الْجَمَاعَةِ) وَلَوْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلَّا كَذَلِكَ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إحْرَامِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ لِتَصِحَّ لِغَيْرِهِمْ أَوْ لَا؟ اشْتَرَطَ الْبَغَوِيّ ذَلِكَ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: إنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ مَنْ ذُكِرَ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَعَلَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَيْ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الصَّبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ الْمُسَافِرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْآدَابُ، وَتُسَمَّى هَيْئَاتٌ فَقَالَ: (وَهَيْئَاتُهَا) أَيْ الْحَالَةُ الَّتِي تُطْلَبُ لَهَا وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (أَرْبَعٌ)   [حاشية البجيرمي] صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَكَيْفَ يُعَدُّ شَرْطًا فِي الْجُمُعَةِ؟ وَرَوَى الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَرَأَ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يُثْنِيَ رِجْلَهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ سَبْعًا سَبْعًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَأُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ كُلِّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ» وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَرَأَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعَاذَهُ اللَّهُ بِهَا مِنْ السُّوءِ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» . قَالَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَقُولَ " يَا غَنِيُّ يَا حَمِيدُ يَا مُبْدِئُ يَا مُعِيدُ يَا رَحِيمُ يَا وَدُودُ، أَغْنِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَبِطَاعَتِكَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؛ دَمِيرِيٌّ عَلَى الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى) فَلَوْ نَوَوْا كُلُّهُمْ الْمُفَارَقَةَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ فُرَادَى صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ وَجُمُعَةُ الْإِمَامِ، خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ فِيهِ وَيُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُ صَلَاتِهِمْ عَلَى الصِّحَّةِ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَيْ بِتَمَامِهَا بِأَنْ يَسْتَمِرَّ مَعَهُ إلَى السُّجُودِ الثَّانِي، فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَأَتَمَّ كُلٌّ مِنْهُمْ وَحْدَهُ أَجْزَأَتْهُمْ الْجُمُعَةُ؛ نَعَمْ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْعَدَدِ إلَى سَلَامِ الْجَمِيعِ، فَمَتَى أَحْدَثَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَمْ تَصِحَّ جُمُعَةُ الْبَاقِينَ أَيْ إنْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَهُ الثَّانِيَةَ اهـ. وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا صَحَّتْ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ، وَمِثْلُهُ تَرْكُ بَعْضِهِمْ الْقِرَاءَةَ أَوْ الْبَسْمَلَةَ كَمَا يَقَعُ فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ الْمَالِكِيَّةِ؛ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. وَيُشْكِلُ بِمَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُتَطَهِّرًا دُونَ الْمَأْمُومِينَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لَهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا صَحَّتْ لَهُ هَلْ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومَيْنِ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ أُخْرَى؟ فِيهِ نَظَرٌ، قَالَهُ عَمِيرَةُ، وَنَقَلَهُ الرَّحْمَانِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ. وَفِي ق ل عَلَيْهِ: أَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْمُفَارَقَةَ وَيُتِمَّهَا لِنَفْسِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَبْطُلَ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعِينَ قَبْلَ سَلَامِ نَفْسِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْآخَرُ وَإِنْ ذَهَبَ الْأَوَّلُونَ إلَى أَمَاكِنِهِمْ وَيَلْزَمُهُمْ إعَادَتُهَا جُمُعَةً إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَظُهْرًا. وَيُلْغِزُ، فَيُقَالُ: شَخْصٌ أَحْدَثَ فِي الْمَسْجِدِ فَبَطَلَتْ صَلَاةُ مَنْ فِي بَيْتِهِ؛ فَتَأَمَّلْ. فَرْعٌ: لَوْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَأَخَّرَ الْقَضَاءَ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَصَلَّى الْحَاضِرَةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ أَدْرَكَ جُمُعَةً ثَانِيَةً فِي الْبَلَدِ فَأَرَادَ قَضَاءَ الثَّانِيَةِ مَعَهُمْ فَالظَّاهِرُ امْتِنَاعُ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ الْفَائِتَةَ لَا تَقْضِي جُمُعَةً وَإِنَّمَا يُصَلَّى ظُهْرٌ بَدَلَهَا، وَأَمَّا إعَادَتُهَا فَتُتَصَوَّرُ إذَا تَعَدَّدَتْ لِحَاجَةٍ فِي الْبَلَدِ أَوْ انْتَقَلَ فَاعِلُهَا إلَى بَلَدٍ أُخْرَى عَلَى الْأَوْجَهِ أَيْ فَإِنَّهَا تُعَادُ جُمُعَةً فِي هَذَيْنِ الصُّورَتَيْنِ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِي) مُعْتَمَدُ قَوْلِهِ: (قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إحْرَامِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ لِتَصِحَّ لِغَيْرِهِمْ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ؟ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ آخَرَ وَهُوَ هَلْ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا تَصِحُّ قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ، وَإِنْ قُلْنَا لَا تَصِحُّ قُلْنَا يُشْتَرَطُ؛ وَهَذَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، لِأَنَّ تَقَدُّمَ إحْرَامِ الْإِمَامِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ جَوَازُ تَقَدُّمِ إحْرَامِ غَيْرِ الْكَامِلِينَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ عَدَمُ جَوَازِ تَقَدُّمِ إحْرَامِ غَيْرِ الْكَامِلِينَ قَوْلُهُ: (لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الصَّبِيِّ إلَخْ) لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَيَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهَا خَلْفَهُمْ تَقَدُّمُ إحْرَامِ مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ. [آدَابُ الْجُمُعَةُ] قَوْلُهُ: (وَهَيْئَاتُهَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهَا " أَرْبَعٌ " فِي كَلَامِ الْمَتْنِ، وَجَعَلَهُ الشَّارِحُ خَبَرًا لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ خُلُوُّ الْمُبْتَدَإِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 الْأَوَّلُ: (الْغُسْلُ) لِمَرِيدِ حُضُورِهَا وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لِحَدِيثِ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَتُفَارِقُ الْجُمُعَةُ الْعِيدَ حَيْثُ لَمْ يَخْتَصَّ بِمَنْ يَحْضُرُ بِأَنَّ غُسْلَهُ لِلزِّينَةِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ، وَهَذَا لِلتَّنْظِيفِ وَدَفْعِ الْأَذَى عَنْ النَّاسِ، وَمِثْلُهُ يَأْتِي فِي التَّزْيِينِ وَرُوِيَ: «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» أَيْ مُتَأَكِّدٌ. وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَتَقْرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ إلَى الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ انْتِفَاءِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَلَوْ تَعَارَضَ الْغُسْلُ وَالتَّبْكِيرُ فَمُرَاعَاةُ الْغُسْلِ أَوْلَى، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ كَأَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ عَدِمَهُ أَوْ كَانَ جَرِيحًا فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ تَيَمَّمَ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ بِأَنْ يَنْوِيَ   [حاشية البجيرمي] عَنْ الْخَبَرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُقَدَّرُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا تَقْدِيرُهُ كَثِيرَةٌ قَوْلُهُ: (أَيْ الْحَالَةُ إلَخْ) دُفِعَ بِهِ مَا قَدْ يُقَالُ إنَّ هَيْئَةَ الشَّيْءِ مَا كَانَتْ مِنْهُ كَهَيْئَاتِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا مِنْهَا، وَالْغُسْلُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، بَلْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا؛ فَلِذَا يُفَسِّرُهُ بِقَوْلِهِ " أَيْ الْحَالَةُ إلَخْ " وَاللَّامُ فِيهَا لِلْجِنْسِ فَشَمِلَ الْأَرْبَعَةَ، وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَيْ الْحَالَاتُ، كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. فَالْمُرَادُ بِالْهَيْئَاتِ هُنَا الْأَحْوَالُ الَّتِي تُطْلَبُ لِأَجْلِهَا فِي يَوْمِهَا أَوْ لَيْلَتِهَا قَوْلُهُ: (لِمُرِيدِ حُضُورِهَا) أَيْ إذَا جَازَ لَهُ الْحُضُورُ فَخَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إذَا أَرَادَتْ الْمَجِيءَ بِغَيْرِ إذْنِ حَلِيلِهَا فَلَا يُنْدَبُ لَهَا الْغُسْلُ، هَكَذَا يُؤْخَذُ مِنْ ح ل. لَكِنْ اعْتَمَدَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّهُ يُسَنُّ الْغُسْلُ مُطْلَقًا حَرُمَ الْحُضُورُ أَوْ لَا. وَعِبَارَةُ أج: قَوْلُهُ (" وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ ") ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ الْحُضُورِ كَامْرَأَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ حَلِيلٍ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ الْمُخَالَفَةُ. وَأَمَّا الْغُسْلُ فَطَلَبٌ لِلْجَمَاعَةِ اهـ قَوْلُهُ: (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ) أَيْ أَرَادَ مَجِيئَهَا؛ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَهُ كَفَّارَةٌ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» . إنْ قُلْتَ: إذَا كَانَ شَخْصٌ مُلَازِمًا لِلْغُسْلِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَأَيْنَ الثَّلَاثَةُ الزَّائِدَةُ؟ قُلْتُ: أُجِيبَ بِأَنَّهُ رُبَّمَا طَرَأَ لَهُ سَفَرٌ أَوْ مَرَضٌ، فَإِنْ لَمْ يَطْرَأْ لَهُ ذَلِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَوَابًا جَزِيلًا فِي مُقَابَلَةِ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ اهـ، قَرَّرَهُ ح ف. وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: حِكْمَةُ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَهِيَ أَيَّامُ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا انْقَضَتْ جُمُعَةٌ دَارَتْ الْأَيَّامُ فَلَا تَنْصَرِفُ عَنْك دَوْرَةُ إلَّا عَنْ طَهَارَةٍ تُحْدِثُهَا فِيهَا إكْرَامًا لِذَلِكَ وَتَقْدِيسًا. وَاخْتُلِفَ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ، فَذَهَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ إلَى وُجُوبِهِ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى نَدْبِهِ لِحَدِيثِ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» إلَخْ اهـ. قَوْلُهُ: (وَتُفَارِقُ الْجُمُعَةُ الْعِيدَ) أَيْ غُسْلَ الْعِيدِ اهـ قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ يَأْتِي فِي التَّزْيِينِ) أَيْ فَيُسْتَحَبُّ لِحَاضِرِ الْجُمُعَةِ دُونَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ وَيُسْتَحَبُّ يَوْمُ الْعِيدِ لِمَنْ يَحْضُرُ صَلَاتَهُ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ: (أَيْ مُتَأَكِّدٌ) وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ كَانَ وَاجِبًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ) إلَى صُعُودِ الْخَطِيبِ إلَى الْمِنْبَرِ أَوْ فَرَاغِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ: (وَتَقْرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَفْضَى إلَى الْغَرَضِ مِنْ التَّنْظِيفِ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِجَسَدِهِ عَرَقٌ كَثِيرٌ وَرِيحٌ كَرِيهٌ أَخَّرَ وَإِلَّا بَكَّرَ قَوْلُهُ: (فَمُرَاعَاةُ الْغُسْلِ أَوْلَى) لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ وَلِتَعَدِّي نَفْعِهِ لِلْغَيْرِ، بِخِلَافِ التَّبْكِيرِ؛ وَلَا يُبْطِلُهُ حَدَثٌ وَلَا جَنَابَةٌ سم قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ) أَيْ مَاءِ الْغُسْلِ أَخْذًا مِنْ تَصْوِيرِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: هَذَا إنْ وَجَدَ مَاءً لِوُضُوئِهِ، فَإِنْ فَقَدْ الْمَاءَ بِالْكُلِّيَّةِ سُنَّ لَهُ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ عَنْ حَدَثِهِ تَيَمُّمٌ عَنْ الْغُسْلِ قَوْلُهُ: (كَأَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ عَدِمَهُ) صَوَّرَهُ بِمَا ذَكَرَ لِيَكُونَ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ لِلْغُسْلِ فَقَطْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " أَوْ كَانَ جَرِيحًا فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ " فَيَكُونُ الْعَجْزُ عَنْ الْمَاءِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا بِالنِّسْبَةِ لِلْغُسْلِ فَقَطْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا يَتَعَيَّنُ، وَإِنَّمَا صَوَّرَهُ بِمَا ذَكَرَ لِيَكُونَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ تَيَمُّمًا وَاحِدًا عَنْ الْغُسْلِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً لِوُضُوئِهِ أَيْضًا وَأَرَادَ التَّيَمُّمَ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَيَمُّمَيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ وَأَرَادَ غُسْلًا مَسْنُونًا فَإِنَّهُ يَكْفِيه تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ بِنِيَّتِهِمَا. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا بِأَنَّ التَّيَمُّمَ فِي هَذِهِ بَدَلٌ عَنْ غُسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَنْ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَيَدُلُّ عَنْ غُسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ فَافْتَرَقَا. وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَيَمُّمَيْنِ اسْتَظْهَرَهُ أج وَنَقَلَهُ عَنْ إفْتَاءِ م ر. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ) أَيْ لِيَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْوُضُوءِ قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ الْغُسْلِ) أَيْ بَدَلًا عَنْهُ قَوْلُهُ: (عَنْ غُسْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 التَّيَمُّمَ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ إحْرَازًا لِلْفَضِيلَةِ كَسَائِرِ الْأَغْسَالِ. (وَ) الثَّانِي (تَنْظِيفُ الْجَسَدِ) مِنْ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ كَالصُّنَانِ لِأَنَّهُ يَتَأَذَّى بِهِ فَيُزَالُ بِالْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَنْ نَظَّفَ ثَوْبَهُ قَلَّ هَمُّهُ، وَمَنْ طَابَ رِيحُهُ زَادَ عَقْلُهُ وَيُسَنُّ السِّوَاكُ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَا تَخْتَصُّ بِالْجُمُعَةِ بَلْ تُسَنُّ لِكُلِّ حَاضِرٍ بِمَجْمَعٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ لَكِنَّهَا فِي الْجُمُعَةِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا. (وَ) الثَّالِثُ (أَخْذُ الظُّفْرِ) إنْ طَالَ وَالشَّعْرُ كَذَلِكَ فَيَنْتِفُ إبْطَهُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ وَيَحْلِقُ عَانَتَهُ، وَيَقُومُ مَقَامَ الْحَلْقِ الْقَصُّ وَالنَّتْفُ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَنْتِفُ عَانَتَهَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ عِنْدَ أَمْرِ الزَّوْجِ لَهَا بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ تَفَاحَشَ وَجَبَ   [حاشية البجيرمي] الْجُمُعَةِ) أَيْ بَدَلًا عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ قَوْلُهُ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا مَطْلُوبٌ إرْشَادًا. وَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ " وَمَنْ طَابَ رِيحُهُ إلَخْ " أَوْ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نَظَافَةَ الثَّوْبِ تَقْتَضِي نَظَافَةَ الْبَدَنِ غَالِبًا قَوْلُهُ: (قَلَّ هَمُّهُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْهَمِّ وَالْغَمِّ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ أَنَّ الْهَمَّ يَنْشَأُ عَنْهُ النَّوْمُ وَالْغَمُّ يَنْشَأُ عَنْهُ عَدَمُهُ قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ السِّوَاكُ) هُوَ مِثْلُ تَنْظِيفِ الْجَسَدِ فَلِذَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَقَوْلُهُ (" وَهَذِهِ الْأُمُورُ ") أَيْ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (وَأَخْذُ الظُّفْرِ) أَيْ لِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ. وَكَيْفِيَّةُ إزَالَةِ الظُّفْرِ فِي الرِّجْلَيْنِ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمَ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى كَالتَّخْلِيلِ فِي الْوُضُوءِ وَفِي الْيَدَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ أَنْ يَبْدَأَ بِسَبَّابَةِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمَ بِسَبَّابَةِ الْيُسْرَى وَيَجْعَلَ إبْهَامَ كُلِّ يَدٍ مُتَّصِلًا بِهَا أَيْ بِالسَّبَّابَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَبْدَأُ فِي الْيُمْنَى بِالْخِنْصَرِ ثُمَّ فِي الْيُسْرَى بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِالْإِبْهَامِ ثُمَّ بِالْبِنْصِرِ ثُمَّ بِالسَّبَّابَةِ عَلَى تَرْتِيبِ هَذِهِ الْأَحْرُفِ يَمِينُهَا خَوَابِسُ وَيَسَارُهَا أوخسب. قَالُوا: وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ تَمْنَعُ مُلَازَمَتُهَا مِنْ الرَّمَدِ، وَقَدْ جُرِّبَ. وَلَيْسَ لِأَخْذِهِ مُدَّةٌ مُقَدَّرَةٌ، وَكَذَا أَخْذُ الشَّعْرِ الْمَذْكُورِ. «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُصُّ أَظْفَارَهُ كُلَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا» . وَقَدْ نَظَّمَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ يَوْمَ السَّبْتِ آكِلَةٌ ... تَبْدُو وَفِيمَا يَلِيهِ تَذْهَبُ الْبَرَكَهْ وَعَالِمٌ فَاضِلٌ يَبْدُو بِتِلْوِهِمَا ... وَإِنْ يَكُنْ بِالثَّلَاثِ فَاحْذَرْ الْهَلَكَهْ وَيُورِثُ السَّوْءَ فِي الْأَخْلَاقِ رَابِعُهَا ... وَفِي الْخَمِيسِ الْغِنَى يَأْتِي لِمَنْ سَلَكَهْ وَالْعِلْمُ وَالْحِلْمُ زِيدَا فِي عُرُوبَتِهَا ... عَنْ النَّبِيِّ رَوَيْنَا فَاقْتَفُوا نُسُكَهْ وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ يُسْتَحَبُّ دَفْنُ الْأَظْفَارِ. وَرُوِيَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَأْمُرُ بِدَفْنِ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ» ، وَذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْعَلْقَمِيُّ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَيَنْبَغِي الْمُبَادَرَةُ بِغَسْلِ مَحَلِّ الْقَلْمِ لِأَنَّ الْحَكَّ بِهِ قَبْلَهُ يُخْشَى مِنْهُ الْبَرَصُ وَيُسَنُّ فِعْلُ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ بُكْرَةَ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: (فَيَنْتِفُ إبْطَهُ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّلَاةِ» . قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: يُسْتَحَبُّ قَلْمُ الْأَظْفَارِ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَحَلْقُ الْعَانَةِ كُلَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. قَالَ م ر: وَهَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مُوَقَّتٌ بِطُولِهَا عَادَةً وَيَخْتَلِفُ حِينَئِذٍ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَيَقُصُّ شَارِبَهُ) أَيْ حَتَّى تَبْدُوَ حُمْرَةُ الشَّفَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْإِحْفَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ، وَيُكْرَهُ اسْتِئْصَالُهُ وَحَلْقُهُ وَنُوزِعَ فِي الْحَلْقِ لِصِحَّةِ وُرُودِهِ؛ وَلِذَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ عَلَى مَا قِيلَ. فَإِنْ قُلْتَ: مَا جَوَابُنَا عَنْ خَبَرِ الْحَلْقِ؟ قُلْتُ: هِيَ وَاقِعَةٌ فِعْلِيَّةٌ مُحْتَمَلَةٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُصُّ مَا يُمْكِنُهُ قَصُّهُ وَيَحْلِقُ مَا لَا يَتَيَسَّرُ قَصُّهُ مِنْ مَعَاطِفِهِ الَّتِي يَعْسُرُ قَصُّهَا. وَأَشَارَ إلَى هَذَا الْجَمْعِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ إذْ بِهِ يَجْتَمِعُ الْحَدِيثَانِ عَلَى قَوَاعِدِنَا فَلْيَتَعَيَّنْ، لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ وَاجِبٌ. وَكَرِهَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ نَتْفَ الْأَنْفِ، قَالَ: بَلْ نَقُصُّهُ لِحَدِيثٍ فِيهِ. قِيلَ: فِي حَدِيثٍ: «إنَّ فِي إبْقَائِهِ أَمَانًا مِنْ الْجُذَامِ» اهـ أج قَوْلُهُ: (وَيَحْلِقُ عَانَتَهُ) أَيْ أَوْ يَنْتِفُهَا؛ لَكِنَّ الْحَلْقَ أَوْلَى لِلرَّجُلِ وَالنَّتْفَ أَوْلَى لِلْمَرْأَةِ لِمَا قِيلَ إنَّ الْحَلْقَ يُقَوِّي الشَّهْوَةَ، فَالرَّجُلُ أَوْلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 قَطْعًا، وَالْعَانَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ حَوَالَيْ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَقُبُلِ الْمَرْأَةِ، أَمَّا حَلْقُ الرَّأْسِ فَلَا يُنْدَبُ إلَّا فِي النُّسُكِ، وَفِي الْمَوْلُودِ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ، وَفِي الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مُبَاحٌ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَيَتَزَيَّنُ الذَّكَرُ بِحَلْقِ رَأْسِهِ إنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ يُكْرَهُ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى (وَ) رَابِعُهَا (الطِّيبُ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ وَالتَّزَيُّنُ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ لِحَدِيثِ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إذَا كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ثُمَّ صَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا» وَأَفْضَلُ ثِيَابِهِ الْبِيضُ لِخَبَرِ: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ   [حاشية البجيرمي] بِهِ وَالنَّتْفَ يُضْعِفُهَا فَالْمَرْأَةُ أَوْلَى بِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَجَبَ قَطْعًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عِنْدَ أَمْرِ الزَّوْجِ لَهَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (وَالْعَانَةُ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مَا حَوَالَيْ الدُّبُرِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى عَانَةً فَرَاجِعْهُ ق ل قَوْلُهُ: (أَمَّا حَلْقُ الرَّأْسِ إلَخْ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حَلْقَ الرَّأْسِ تَارَةً يُسَنُّ، وَذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي النُّسُكِ، وَسَابِعِ الْوِلَادَةِ، وَكَافِرٍ أَسْلَمَ، وَتَارَةً يُكْرَهُ وَذَلِكَ لِلْمُضَحِّي فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَتَارَةً يُبَاحُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ؛ فَاحْفَظْهُ. وَخَرَجَ بِالْحَلْقِ الْقَزَعُ بِقَافٍ ثُمَّ زَايٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَلَوْ مِنْ أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (فَلَا يُنْدَبُ إلَّا فِي النُّسُكِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ رُكْنٌ فِي النُّسُكِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ سُنَّةً. وَيُجَابُ بِأَنَّ السُّنَّةَ اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ وَأَمَّا الرُّكْنُ فَهُوَ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ قَوْلُهُ: (وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مُبَاحٌ) أَيْ إلَّا إنْ تَأَذَّى بِبَقَاءِ شَعْرِهِ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ تَعَهُّدُهُ فَيُنْدَبُ، وَخَبَرُ: «مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً فِي أَرْبَعِينَ أَرْبِعَاءَ صَارَ فَقِيهًا» ، لَا أَصْلَ لَهُ،. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. قَالَ م ر: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ دَفْنُ مَا يُزِيلُهُ مِنْ ظُفْرٍ وَشَعْرٍ وَدَمٍ اهـ. قُلْتُ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ ظُفْرِ عَوْرَةٍ وَشَعْرِهَا، أَمَّا لَوْ كَانَ مِنْهَا كَعَانَةِ الرَّجُلِ وَظُفْرٍ وَشَعْرِ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى فَيَنْبَغِي وُجُوبُ السِّتْرِ لِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ؛ لَكِنْ هَلْ يُكْتَفَى بِإِلْقَائِهَا فِي الْأَخْلِيَةِ لِوُجُودِ السِّتْرِ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُبَاحٌ) وَهُوَ بِدْعَةٌ وَقَدْ يُنْدَبُ وَقَدْ يَجِبُ لِنَحْوِ تَأَذٍّ بِبَقَائِهِ؛. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) هَذَا صَرِيحٌ فِي اسْتِثْنَاءِ الْجُمُعَةِ الْوَاقِعَةِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ إذْ لَا تَخْلُو عَنْهَا ضَرُورَةً. فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ قَدَّمَ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الطَّلَبِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قُلْتُ: أَجَابَ شَيْخُنَا بِقَوْلِهِ: مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ الْمُخَصِّصِ لِمَا وَرَدَ مِنْ الطَّلَبِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَكَأَنَّهُمْ قَالُوا مَا وَرَدَ مِنْ عُمُومِ الطَّلَبِ كُلَّ جُمُعَةٍ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ تَقَعُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ. عَلَى أَنَّ الْعَشْرَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْعَامِ حَتَّى يُضَحِّيَ، اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَالطِّيبُ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا أَوْ مُحْرِمًا وَإِلَّا فَيُكْرَهُ لِلْأَوَّلِ وَيَحْرُمُ عَلَى الثَّانِي، وَهَذَا فِي حَقِّ الذَّكَرِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فَيُكْرَهُ لَهُمَا الطِّيبُ وَالزِّينَةُ وَمَفَاخِرُ الثِّيَابِ عِنْدَ إرَادَتِهِمَا حُضُورَهَا، نَعَمْ يُسَنُّ لَهُمَا قَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ. اهـ. ز ي. وَأَفْضَلُ الطِّيبِ الْمِسْكُ قَوْلُهُ: (الْبَسُوا) مِنْ لَبِسَ مِنْ بَابِ عَلِمَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ، قَالَ تَعَالَى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا} [الكهف: 31] إلَخْ وَأَمَّا فِي الْمَعَانِي فَمِنْ بَابِ ضَرَبَ كَقَوْلِهِ: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ} [الأنعام: 9] إلَخْ. وَقَوْلُهُ (" الْبَيَاضَ ") أَيْ ذَا الْبَيَاضِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْنًى وَالْمَعْنَى لَا يُلْبَسُ. قَالَ أج: وَأَنْ تَكُونَ جَدِيدَةً. وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَحْثًا بِغَيْرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَالْوَحْلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ خُشِيَ تَلْوِيثُهُمَا وَفِي الْمَجْمُوعِ: الْأَوْلَى تَرْكُ لُبْسِ السَّوَادِ مَا لَمْ يَخْشَ مُفْسِدَةً بَلْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى لُبْسِهِ بِدْعَةٌ. فَإِنْ قُلْتُ: صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» ، «وَأَنَّهُ خَطَبَ بِالنَّاسِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» ، «وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّمَ عَلِيًّا بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ وَأَرْسَلَهُ إلَى خَيْبَرَ؛ وَنُقِلَ لُبْسُ السَّوَادِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ» وَالتَّابِعِينَ؟ قُلْتُ: هَذِهِ كُلُّهَا وَقَائِعُ فِعْلِيَّةٌ مُحْتَمَلَةٌ، فَقُدِّمَ الْقَوْلُ وَهُوَ الْأَمْرُ بِلُبْسِ الْبَيَاضِ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لُبْسُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَلْ فِي نَحْوِ الْحَرْبِ، لِأَنَّهُ أَرْهَبُ، وَفِي لُبْسِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ مِلَّتَهُ لَا تَتَغَيَّرُ إذْ كُلُّ لَوْنٍ غَيْرُهُ يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» ، وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي حُسْنِ الْهَيْئَةِ وَالْعِمَّةِ وَالِارْتِدَاءِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ مَنْظُورٌ إلَيْهِ. (وَيُسْتَحَبُّ) لِكُلِّ سَامِعٍ لِلْخُطْبَةِ (الْإِنْصَاتُ) إلَى الْإِمَامِ (فِي وَقْتِ) قِرَاءَةِ (الْخُطْبَةِ) الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَقَدْ مَرَّ دَلِيلُ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ» أَيْ تَأَخَّرْت وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُوَرٌ مِنْهَا: الْإِمَامُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمِنْبَرَ أَوْ الْمِحْرَابَ إلَّا بِالتَّخَطِّي فَلَا يُكْرَهُ لَهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا وَجَدَ فِي الصُّفُوفِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةً لَمْ يَبْلُغْهَا إلَّا بِتَخَطِّي رَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ إلَخْ) وَلَا يُنْدَبُ لَهُ التَّبْكِيرُ بَلْ يَجُوزُ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى وَقْتِ الْخُطْبَةِ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. وَيُلْحَقُ بِهِ مَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ وَنَحْوُهُ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ التَّبْكِيرُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (فِي وَقْتِ قِرَاءَةِ الْخُطْبَةِ) خَرَجَ بِهِ حَالَ صُعُودِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ قَوْلُهُ: (وَقَدْ مَرَّ دَلِيلُ ذَلِكَ) هُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف: 204] إلَخْ قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ) أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَوْلُهُ: (رِقَابَ النَّاسِ) أَيْ قَرِيبًا مِنْهَا وَهُوَ الْمَنَاكِبُ. وَالْمُرَادُ بِالرِّقَابِ الْجِنْسُ فَيُكْرَهُ تَخَطِّي رَقَبَةٍ أَوْ رَقَبَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ ح ل. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالرِّقَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّخَطِّي أَنْ يَرْفَعَ رِجْلَهُ بِحَيْثُ يُحَاذِي فِي تَخَطِّيهِ أَعْلَى مَنْكِبَ الْجَالِسِ، وَعَلَيْهِ فَمَا يَقَعُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ النَّاسِ لِيَصِلَ إلَى نَحْوِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَثَلًا لَيْسَ مِنْ التَّخَطِّي بَلْ مِنْ خَرْقِ الصُّفُوفِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ فُرَجٌ فِي الصُّفُوفِ يَمْشِي فِيهَا. وَمِنْ التَّخَطِّي الْمَكْرُوهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّخَطِّي لِتَفْرِقَةِ الْأَجْزَاءِ أَوْ تَبْخِيرِ الْمَسْجِدِ أَوْ سَقْيِ الْمَاءِ أَوْ السُّؤَالِ لِمَنْ يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْكَرَاهَةُ مِنْ حَيْثُ التَّخَطِّي كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ أَحَدًا لِيَجْلِسَ مَكَانَهُ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ وَلَكِنْ يَقُولُ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا» فَإِنْ قَامَ الْجَالِسُ بِاخْتِيَارِهِ وَأَجْلَسَ غَيْرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِي جُلُوسِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا هُوَ فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى مَكَان أَقْرَبَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ مِثْلِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ؛ لِأَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرَبِ مَكْرُوهٌ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9] فَالْمُرَادُ الْإِيثَارُ فِي حُظُوظِ النَّفْسِ اهـ، مَرْحُومِيٌّ. نَعَمْ إنْ آثَرَ قَارِئًا أَوْ عَالِمًا لِيُعَلِّمَ الْإِمَامَ أَوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ إذَا غَلِطَ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ لِكَوْنِهِ مُصْلِحَةً عَامَّةً اهـ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: «فَقَدْ آذَيْتَ» أَيْ النَّاسَ بِتَخَطِّيكَ. وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْحُرْمَةِ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ هُنَا لِغَرَضٍ. قَوْلُهُ: (وَآنَيْتَ) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ أَيْ أَخَّرْتَ الْمَجِيءَ وَأَبْطَأْتَ قَوْلُهُ: (الْإِمَامُ) وَكَالْإِمَامِ الرَّجُلُ الْمُعَظَّمُ فِي نُفُوسِ النَّاسِ لِصَلَاحٍ أَوْ وِلَايَةٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ وَيُسَرُّونَ بِتَخَطِّيهِ سَوَاءٌ أَلِفَ مَوْضِعًا أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَظَّمًا لَمْ يَتَخَطَّ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَحَلٌّ مَأْلُوفٌ وَكَالْإِمَامِ مَنْ جَلَسَ فِي مَمَرِّ النَّاسِ فَلَا يُكْرَهُ تَخَطِّيهِ، وَكَذَا لَوْ سَبَقَ مِنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ كَالْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ إلَى الْجَامِعِ؛ وَتَوَقَّفَ سَمَاعُ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ عَلَى تَخَطِّي الْكَامِلِينَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ التَّخَطِّي بَلْ قَدْ يَجِبُ إقَامَتُهُمْ مِنْ مَحَلِّهِمْ إذَا تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَبِهِ يُقَيَّدُ قَوْلُهُمْ " إذَا سَبَقَ الصَّبِيُّ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَا يُقَامُ مِنْ مَحَلِّهِ ". وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّخَطِّي يُوجَدُ فِيهِ سِتَّةُ أَحْكَامٍ، فَيَجِبُ إنْ تَوَقَّفَ الصِّحَّةُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ مَعَ التَّأَذِّي، وَيُكْرَهُ مَعَ عَدَمِ الْفُرْجَةِ أَمَامَهُ، وَيُنْدَبُ فِي الْفُرْجَةِ الْقَرِيبَةِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا وَفِي الْبَعِيدَةِ لِمَنْ لَا يَرْجُو سَدَّهَا وَلَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا؛ وَخِلَافُ الْأَوْلَى فِي الْقَرِيبَةِ لِمَنْ وَجَدَ مَوْضِعًا وَفِي الْبَعِيدَةِ لِمَنْ رَجَا سَدَّهَا وَوَجَدَ مَوْضِعًا، وَيُبَاحُ فِي هَذِهِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَوْضِعًا كَمَا ذَكَرَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: (فُرْجَةً) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ وَكَسْرِهَا وَهِيَ الْخَلَاءُ الظَّاهِرُ؛ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: وَهِيَ خَلَاءٌ ظَاهِرٌ أَقَلُّهُ مَا يَسَعُ وَاقِفًا؛ وَخَرَجَ بِهَا السَّعَةُ فَلَا يَتَخَطَّى إلَيْهَا مُطْلَقًا اهـ. وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ فُرْجَةً لَا يُكْرَهُ لَهُ التَّخَطِّي مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً رَجَا تَقَدُّمَ أَحَدٍ إلَيْهَا أَمْ لَا. وَأَمَّا اسْتِحْبَابُ تَرْكِهِ فَإِذَا وَجَدَ مَوْضِعًا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَإِنْ رَجَا انْسِدَادَهَا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا اهـ قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. وَقَوْلُهُ: " وَإِلَّا فَإِنْ رَجَا انْسِدَادَهَا " فَكَذَلِكَ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا يَكُونُ مَعْذُورًا وَلَا بُدَّ فَمَاذَا يَفْعَلُ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِتَخَطِّي رَجُلٍ) أَيْ صَفٍّ أَوْ صَفَّيْنِ كَمَا صَوَّبَهُ ق ل، وَعِبَارَتُهُ: صَوَابُهُ صَفٍّ أَوْ صَفَّيْنِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَخَطِّي رَجُلٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِأَحَدِ جَانِبَيْهِ فُرْجَةٌ فَالْمُرُورُ مِنْهَا لَيْسَ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 ذَلِكَ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لِتَقْصِيرِ الْقَوْمِ بِإِخْلَاءِ فُرْجَةٍ، لَكِنْ يُسَنُّ إذَا وَجَدَ غَيْرَهَا أَنْ لَا يَتَخَطَّى، فَإِنْ زَادَ فِي التَّخَطِّي عَلَيْهِمَا وَلَوْ مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ وَرَجَا أَنْ يَتَقَدَّمُوا إلَى الْفُرْجَةِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كُرِهَ لِكَثْرَةِ الْأَذَى وَمِنْهَا إذَا سَبَقَ الصِّبْيَانُ أَوْ الْعَبِيدُ أَوْ غَيْرُ الْمُسْتَوْطِنِينَ إلَى الْجَامِعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْكَامِلِينَ إذَا حَضَرُوا التَّخَطِّي لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ إذَا كَانُوا لَا يَسْمَعُونَهَا مَعَ الْبُعْدِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ الْكَهْفَ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَرَأَ الْكَهْفَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: «مَنْ قَرَأَهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، أَمَّا يَوْمُهَا فَلِرَجَاءِ أَنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالصَّحِيحُ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ» قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ سَاعَةَ   [حاشية البجيرمي] التَّخَطِّي ق ل. وَلَيْسَ كَمَا ذُكِرَ، بَلْ الْمُرَادُ الرَّجُلُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مِنْ صَفٍّ أَوْ الرَّجُلَانِ وَلَوْ مِنْ صَفَّيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. وَمِثَالُ تَخَطِّي الرَّجُلِ فَقَطْ مَا إذَا كَانَ فِي آخِرِ الصَّفِّ بِجَنْبِ الْحَائِطِ قَوْلُهُ: (بِإِخْلَاءِ فُرْجَةٍ) لَوْ قَالَ بِإِخْلَائِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَقَامَ لِلْإِضْمَارِ قَوْلُهُ: (لَكِنْ يُسَنُّ) فَالتَّخَطِّي خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ زَادَ فِي التَّخَطِّي إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَتُفَارِقُ إبَاحَةَ التَّخَطِّي حَيْثُ قُيِّدَتْ بِمَا ذُكِرَ إبَاحَةُ خَرْقِ الصُّفُوفِ حَيْثُ لَمْ تَتَقَيَّدْ بِذَلِكَ بِأَنَّ فِي تَرْكِ خَرْقِهَا إدْخَالًا لِلنَّقْصِ عَلَى صَلَاتِهِ وَصَلَاتِهِمْ، بِخِلَافِ تَخَطِّي الرِّقَابِ فَإِنَّهُ إذَا صَبَرَ تَقَدَّمُوا عِنْدَ إقَامَةِ الصُّفُوفِ وَتَسْوِيَتِهَا لِلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ بِتَسْوِيَتِهَا كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ صَفٍّ) ذِكْرُ الْغَايَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِرَاضِهِ السَّابِقِ، وَقَدْ عَلِمْتَ رَدَّهُ. وَيُتَصَوَّرُ قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ صَفِّ وَاحِدٍ، بِمَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَاسْتَدَارُوا حَوْلَهَا فَإِنَّ الدَّائِرَةَ بِتَمَامِهَا صَفٌّ وَاحِدٌ وَحِينَئِذٍ فَيُتَصَوَّرُ التَّخَطِّي أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ، فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (وَرَجَا أَنْ يَتَقَدَّمُوا) فَإِنْ لَمْ يَرْجُ سَدَّهَا فَلَا يُكْرَهُ التَّخَطِّي وَلَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ قَوْلُهُ: (كُرِهَ) أَيْ إنْ وَجَدَ غَيْرَهَا أَوْ كَانَتْ بَعِيدَةً ق ل قَوْلُهُ: (إذَا كَانُوا لَا يَسْمَعُونَهَا) أَيْ أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَقْعُدَ لَهُ فِي مَكَانِهِ لِيَقُومَ عَنْهُ إذَا قَدِمَ هُوَ وَلِغَيْرِهِ تَنْحِيَةُ فُرُشِ مَنْ بَعَثَهُ قَبْلَ حُضُورِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ وَالْجُلُوسُ فِي مَحَلِّهِ، لَكِنَّهُ إنْ رَفَعَهُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ. نَعَمْ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ فَرْشِ السَّجَّادَاتِ بِالرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْفَجْرِ أَوْ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَبْلَ حُضُورِ أَصْحَابِهَا مَعَ تَأَخُّرِهِمْ إلَى الْخُطْبَةِ أَوْ مَا يُقَارِبُهَا لَا بُعْدَ فِي كَرَاهَتِهِ بَلْ يُقَالُ بِتَحْرِيمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْجِيرِ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِحُصُولِ ضَرَرٍ لِمَنْ نَحَّاهَا وَجَلَسَ فِي مَكَانِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ حُرْمَةُ صَوْمِ الْمَرْأَةِ مَعَ حُضُورِ حَلِيلِهَا وَإِنْ جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهُ يَهَابُ قَطْعَ الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَهُ، وَبِهِ فَارَقَ مَنْ بَعَثَ مَنْ يَقْعُدُ لَهُ لِأَنَّ الْجَالِسَ بِهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ إحْيَاءُ الْبُقْعَةِ اهـ شَرْحُ م ر أج. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ الْكَهْفَ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ شَذَّ فَكَرِهَ ذِكْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ سُورَةٍ، وَحِكْمَةُ تَخْصِيصِهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِيهَا أَهْوَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يُشْبِهُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْخَلْقِ وَلِأَنَّ الْقِيَامَةَ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَيْلَتُهَا) وَقِرَاءَتُهَا فِي الْيَوْمِ أَفْضَلُ مِنْ اللَّيْلِ وَفِي أَوَّلِهِ أَفْضَلُ مِنْ آخِرِهِ مُسَارَعَةً لِلْخَيْرِ مَا أَمْكَنَ. وَسُئِلَ الشَّمْسُ م ر عَمَّنْ قَرَأَ نِصْفَ الْكَهْفِ لَيْلًا وَنِصْفَهَا نَهَارًا: هَلْ يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ الْمَخْصُوصُ أَوْ لَا؟ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ الْمَخْصُوصُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ أَصْلُ الثَّوَابِ اهـ مِنْ الْفَتَاوَى. وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَتِهَا، وَأَقَلُّ الْإِكْثَارِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ؛ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ مَنْ دَاوَمَ عَلَى الْعَشْرِ آيَاتِ أَوَّلَهَا أَمِنَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» قَوْلُهُ: «أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ» إلَخْ كِنَايَةٌ عَنْ غُفْرَانِ الذُّنُوبِ أَوْ حُصُولِ الثَّوَابِ مَجَازًا ق ل قَوْلُهُ: (الْبَيْتُ الْعَتِيقُ) إنْ أُرِيدَ بِهِ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْكَعْبَةُ لَزِمَ زِيَادَةُ النُّورِ مَعَ زِيَادَةِ الْبُعْدِ عَنْهُ. قِيلَ: وَلَا مَانِعَ مِنْهُ. وَقِيلَ: الْأَقْرَبُ أَعْظَمُ مِنْ حَيْثُ الْكَيْفِيَّةِ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَرَاجِعْهُ ق ل. وَقَوْلُهُ: " الْبَيْتُ الْعَتِيقُ أَيْ الْكَعْبَةُ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْكَعْبَةُ عَتِيقًا لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهَا مِنْ الْجَبَابِرَةِ أَوْ مَعْنَاهُ الْقَدِيمُ أَوْ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهَا مِنْ الْغَرَقِ أَيَّامَ الطُّوفَانِ قَوْلُهُ: (مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ إلَخْ) أَيْ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 الْإِجَابَةِ مُسْتَغْرِقَةٌ لِمَا بَيْنَ الْجُلُوسِ وَآخِرِ الصَّلَاةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ السَّاعَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ فَإِنَّهَا لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عِنْدَ ذِكْرِهِ إيَّاهَا «وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» وَأَمَّا لَيْلَتُهَا فَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بَلَغَنِي أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَلِلْقِيَاسِ عَلَى يَوْمِهَا. وَيُسَنُّ كَثْرَةُ الصَّدَقَةِ وَفِعْلُ الْخَيْرِ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا، وَيُكْثِرُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا لِخَبَرِ: «إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» وَخَبَرِ «أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ   [حاشية البجيرمي] ابْتِدَاءِ الْخُطْبَةِ، وَلَا يُعَارِضُ خَبَرَ: «الْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» فَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ تَكُونُ يَوْمًا فِي وَقْتٍ وَيَوْمًا فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ وَقْتَ الْخُطْبَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَوْقَاتِ الْبُلْدَانِ بَلْ الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ كُلِّ مَحَلٍّ مِنْ جُلُوسِ الْخَطِيبِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُبْهَمَةٌ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَقَدْ يُصَادِفُهَا أَهْلُ مَحَلٍّ دُونَ غَيْرِهِ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ شَرْحُ م ر. وَعِبَارَةُ سم: لَا يَخْفَى أَنَّ وَقْتَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْخُطَبَاءِ لِاخْتِلَافِ وَقْتِ الْخُطْبَةِ بِاخْتِلَافِ الْخُطَبَاءِ، بَلْ يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الْخَطِيبِ الْوَاحِدِ إذْ قَدْ يَتَقَدَّمُ فِي بَعْضِ الْجُمَعِ وَيَتَأَخَّرُ فِي بَعْضٍ، فَهَلْ تِلْكَ السَّاعَةُ مُتَعَدِّدَةٌ فَهِيَ فِي حَقِّ كُلِّ خَطِيبٍ مَا بَيْنَ جُلُوسِهِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ وَتَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الْخَطِيبِ الْوَاحِدِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَظَاهِرُ الْخَبَرِ التَّعَدُّدُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ. ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا ابْنَ حَجَرٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَزَلْ فِي نَفْسِي ذَلِكَ مُنْذُ سِنِينَ حَتَّى رَأَيْتُ النَّاشِرِيَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي حَقِّ جَمَاعَةٍ غَيْرِهَا فِي حَقِّ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ. وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي حَقِّ كُلِّ خَطِيبٍ وَسَامِعِيهِ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ كَمَا صَرَّحَ فِي الْحَدِيثِ، فَلَا دَخْلَ لِلْعَقْلِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ صِحَّةِ النَّقْلِ فِيهِ. وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ السَّاعَةَ تَنْتَقِلُ، فَقَدْ يُصَادِفُهَا أَهْلُ مَحَلٍّ وَلَا يُصَادِفُهَا أَهْلُ مَحَلٍّ آخَرَ. قَوْلُهُ: (إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَدْعُو حَالَ التَّلَبُّسِ بِالْخُطْبَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ أَمْرُهُ بِالْإِنْصَاتِ حَالَ الْخُطْبَةِ. وَأَجَابَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الدُّعَاءِ التَّلَفُّظُ بَلْ اسْتِحْضَارُ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ كَافٍ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: إنَّ الدُّعَاءَ يَكُونُ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَتِحَ الْخُطْبَةَ أَوْ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَالصَّلَاةِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ؛ وَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ أَظْهَرُ اهـ أج قَوْلُهُ: (بَلَغَنِي) أَيْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ قَوْلُهُ: (وَيُكْثِرُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَأَقَلُّ الْإِكْثَارِ مِنْهَا ثَلَثُمِائَةِ مَرَّةٍ. فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي خُصُوصِيَّةِ الْإِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا؟ أَجَابَ ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدُ الْأَنَامِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ فَلِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَزِيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ، مَعَ حِكْمَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ كُلَّ خَيْرٍ نَالَتْهُ أُمَّتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنَّمَا نَالَتْهُ عَلَى يَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَمَعَ اللَّهُ لِأُمَّتِهِ بَيْنَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعْظَمُ كَرَامَةٍ تَحْصُلُ لَهُمْ فَإِنَّهَا تَحْصُلُ لَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ فِيهِ بَعْثَهُمْ إلَى مَنَازِلِهِمْ وَقُصُورِهِمْ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ يَوْمُ الْمَزِيدِ لَهُمْ إذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ وَهُوَ عِيدٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمٌ يُسْعِفُهُمْ اللَّهُ فِيهِ بِطَلَبَاتِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ وَلَا يَرُدُّ سَائِلَهُمْ؛ وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا عَرَفُوهُ وَحَصَلَ لَهُمْ بِسَبَبِهِ وَعَلَى يَدِهِ فَنَاسَبَ أَنْ يُكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَيْلَتِهِ قَوْلُهُ: (فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا أَمَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا فَيَسْمَعُهَا أَيْ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ اهـ. قُلْتُ: وَكَوْنُهَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ السَّمَاعَ، أَيْ فَيَسْمَعُهَا وَتُعْرَضُ عَلَيْهِ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْضُرُ مَجَالِسَ الذِّكْرِ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ اجْتَمَعَ بِهِ، فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُوحُ جَسَدِ الْكَوْنَيْنِ اهـ أج. وَقَالَ السِّمِلَّاوِيُّ فِي شَرْحِ الْفَضَائِلِ: وَقَدْ يَسْمَعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِأُذُنَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي أَقْصَى الْأَرْضِ، وَفِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ يَسْمَعُ صَلَاةَ مَنْ أَخْلَصَ فِي مَحَبَّتِهِ وَتُبَلِّغُهُ الْمَلَائِكَةُ صَلَاةَ غَيْرِهِ؛ قَالَهُ ق ل اهـ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ نَقْلًا عَنْ ابْنِ حَجَرٍ عَلَى الْهَمَزِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْمَعُ صَلَاةَ الْقَرِيبِ مِنْهُ قُرْبًا عَادِيًا بِأَنْ كَانَ فِي الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثَمَانِينَ مَرَّةً غُفِرَ لَهُ ذُنُوبُ ثَمَانِينَ سَنَةً» وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ التَّشَاغُلُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْآذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ حَالَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] فَوَرَدَ النَّصُّ فِي الْبَيْعِ وَقِيسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِنْ بَاعَ صَحَّ بَيْعُهُ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ الْعَقْدِ وَيُكْرَهُ قَبْلَ الْأَذَانِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِدُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ (وَمَنْ دَخَلَ) لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ (وَالْإِمَامُ) يَقْرَأُ (فِي الْخُطْبَةِ) الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ أَوْ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَهُمَا (يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ   [حاشية البجيرمي] بِحَيْثُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَسَمِعَ ذَلِكَ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُبَلِّغُهُ الْمَلَكُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا أَخْلَصَ فِي مَحَبَّتِهِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ الْحُفَّاظُ: هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ ق ل وَمَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (التَّشَاغُلُ بِالْبَيْعِ) وَحُرْمَةُ مَا ذُكِرَ فِي حَقِّ مَنْ جَلَسَ لَهُ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ، أَمَّا مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَقَامَ قَاصِدًا الْجُمُعَةَ فَبَاعَ فِي طَرِيقِهِ أَوْ قَعَدَ فِي الْجَامِعِ وَبَاعَ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لَكِنَّ الْبَيْعَ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَاعَ صَحَّ بَيْعُهُ) وَلَوْ تَبَايَعَ اثْنَانِ مَنْ تَلْزَمُهُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ أَثِمَا، كَمَا لَوْ لَعِبَ شَافِعِيٌّ مَعَ حَنَفِيٍّ الشِّطْرَنْجَ وَمَحَلُّهُ فِي شِرَاءِ مَا لَا يَحْتَاجُهُ لِعِبَادَتِهِ، أَمَّا مَا يَحْتَاجُهُ كَشِرَاءِ مَاءِ طُهْرِهِ وَسُتْرَتِهِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا وَمَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةُ الطِّفْلِ وَالْمَرِيضِ مِنْ شِرَاءِ دَوَاءٍ أَوْ طَعَامٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَعْصِي الْوَلِيُّ وَالْبَائِعُ إذَا كَانَا يُدْرِكَانِ الْجُمُعَةَ، بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَوْ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ كَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ وَبَيْعِهِ مَا يَأْكُلُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالْأَقْرَبُ حُرْمَةُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ مَنْزِلُهُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَكَالِاشْتِغَالِ بِالْبَيْعِ الِاشْتِغَالُ بِالْعِيَادَةِ وَالْكِتَابَةِ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّ وَلِيَّ الطِّفْلِ إذَا بَاعَ مِنْ مَالِهِ وَقْتَ النِّدَاءِ لِلضَّرُورَةِ وَهُنَاكَ مُشْتَرِيَانِ مَنْ تَلْزَمُهُ يَشْتَرِي بِدِينَارٍ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُ لِلثَّانِي لِئَلَّا يُوقِعَ الْأَوَّلَ فِي مَعْصِيَةٍ شَرْحُ م ر مُلَخَّصًا اهـ أج. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ الْعَقْدِ) وَهُوَ التَّشَاغُلُ عَنْ صَلَاتِهَا قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ قَبْلَ الْأَذَانِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ الزَّوَالِ) وَاسْتَثْنَى الْإِسْنَوِيُّ مِنْ ذَلِكَ نَحْوَ مَكَّةَ مِمَّا يَفْحُشُ فِيهِ التَّأْخِيرُ فَلَا كَرَاهَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ قَوْلُهُ: (لِدُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ) قَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَنْ لَا يَلْزَمُهُ السَّعْيُ حِينَئِذٍ وَإِلَّا حَرُمَ ذَلِكَ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِ السَّعْيِ وَلَوْ قَبْلَ الْوَقْتِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَمَنْ دَخَلَ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ جَالِسًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُومَ يُصَلِّيَ إلَى فَرَاغِ الْخُطْبَتَيْنِ وَلَوْ حَالَ الدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ، كَمَا قَالَهُ حَجّ، وَقَالَ م ر فِي الْفَتَاوَى: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْشِئَ صَلَاةً مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ تَوَابِعِ الْخُطْبَةِ اهـ أج. وَقَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: إذَا شَرَعَ فِي الدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقُومَ لِيُصَلِّيَ اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ سم عَلَى مَا إذَا تَمَّتْ الْأَرْكَانُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْأَمْرُ الْجَائِزُ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ أج. وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ مُطْلَقًا لِأَنَّ التَّوَابِعَ مُلْحَقَةٌ بِالْأَرْكَانِ اهـ أج. وَنَقَلَ الْحَلَبِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ عَنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ لِلْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ يَنْتَهِي التَّحْرِيمُ بِانْتِهَاءِ الْخُطْبَتَيْنِ بِفَرَاغِ أَرْكَانِهِمَا وَإِنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِغَيْرِ الْأَرْكَانِ كَالتَّرَضِّي عَنْ الصَّحَابَةِ وَالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ، وَلِلْحَاضِرِ الصَّلَاةُ حَالَ اشْتِغَالِهِ بِمَا ذُكِرَ وَلَا يَحْرُمُ؛ نَعَمْ يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا بِقُرْبِ الْإِقَامَةِ اهـ قَوْلُهُ: (لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ) قَيْدٌ فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مَعَ الصِّحَّةِ كَمَا فِي ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ: وَمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ فِي الْخُطْبَةِ لِلْجُمُعَةِ إلَخْ، لَكَانَ أَوْضَحَ. قَوْلُهُ: (يَقْرَأُ فِي الْخُطْبَةِ) أَيْ فِي أَوَّلِهَا أَوْ أَثْنَائِهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي " أَمَّا الدَّاخِلُ إلَخْ " قَوْلُهُ: (أَوْ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَهُمَا) وَمِثْلُهُ جُلُوسُهُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ: وَيَلْزَمُ مَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ تَخْفِيفَهَا عِنْدَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ اهـ قَوْلُهُ: (يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) أَيْ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي " هَذَا إنْ صَلَّى إلَخْ " وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ شَامِلًا لَهَا وَلِسُنَّةِ الْجُمُعَةِ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ يَجْلِسُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ، فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ: يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ: إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» هَذَا إنْ صَلَّى سُنَّةَ الْجُمُعَةِ وَإِلَّا صَلَّاهَا مُخَفَّفَةً وَحَصَلَتْ التَّحِيَّةُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ، فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ كَأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا فَإِطْلَاقُهُمْ وَمَنْعُهُمْ فِي الرَّاتِبَةِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَرْضًا لَا يَأْتِي بِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَمَّا الدَّاخِلُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ صَلَّاهُمَا فَاتَتْهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ بَلْ يَقِفُ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ، وَلَا يَقْعُدْ لِئَلَّا يَكُونَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَوْ صَلَّاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اُسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي كَلَامِ الْخُطْبَةِ بِقَدْرِ مَا يُكْمِلُهَا، وَمَا قَالَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَالْمُرَادُ بِالتَّخْفِيفِ فِيمَا ذُكِرَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ لَا الْإِسْرَاعُ قَالَ: وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَأَرَادَ الْوُضُوءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاجِبَاتِ، وَيَجِبُ أَيْضًا تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ كَانَ فِيهَا عِنْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ الْمِنْبَرَ وَجُلُوسِهِ، وَلَا تُبَاحُ لِغَيْرِ الْخَطِيبِ مِنْ الْحَاضِرِينَ نَافِلَةٌ بَعْدَ صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ وَجُلُوسِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخَطِيبَ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَالْفَرْقُ   [حاشية البجيرمي] لَكِنَّ الْحَامِلَ لِلشَّارِحِ عَلَى حَمْلِهَا عَلَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ خَفِيفَةً كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (قُمْ) فِيهِ أَنَّ التَّحِيَّةَ تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَالِسَ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا لَا تَفُوتُهُ التَّحِيَّةُ إلَّا إنْ طَالَ الْفَصْلُ قَوْلُهُ: (وَتَجُوزْ) أَيْ خَفِّفْ فِيهِمَا قَوْلُهُ: (إنْ صَلَّى سُنَّةَ الْجُمُعَةِ) أَيْ صَلَّاهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ، أَيْ مَحَلُّ كَوْنِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ التَّقْيِيدُ بِالتَّحِيَّةِ فِي كَلَامِهِ لِأَنَّهُ مُلَاحِظٌ لَهُ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (وَحَصَلَتْ التَّحِيَّةُ) أَيْ سَوَاءٌ نَوَاهَا أَمْ لَا لِحُصُولِهَا بِدُونِ نِيَّةٍ مَا لَمْ يَنْفِهَا، فَإِذَا نَفَاهَا لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ وَلَمْ تَنْعَقِدْ سم عَلَى الْمَتْنِ قَوْلُهُ: (فَإِطْلَاقُهُمْ إلَخْ) أَيْ إطْلَاقُهُمْ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ ذَاتَ سَبَبٍ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يُفَصِّلُوا كَمَا فَصَّلُوا فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ بَيْنَ ذِي السَّبَبِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: وَمَنَعَهُمْ هَذَا مِنْ إفْرَادِ مَا دَخَلَ تَحْتَ إطْلَاقِهِمْ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ " فَإِطْلَاقُهُمْ " مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يُصَلِّي شَيْئًا وَيَكُونُ مَفْرُوضًا فِي دَاخِلٍ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَكَانَ الْمَكَانُ غَيْرُ مَسْجِدٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُفْرَضَ فِي الْجَالِسِ إذَا قَامَ يُنْشِئُ صَلَاةً وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَنْعِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فِي هَذَا الْوَقْتِ إجْمَاعًا؛ نَعَمْ إنْ حَصَلَ مَعَهُ التَّحِيَّةُ لَمْ يَمْتَنِعْ كَمَا مَرَّ ق ل قَوْلُهُ: (لَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ) أَيْ لَمْ تُنْدَبْ لَهُ التَّحِيَّةُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ وَاضِحٌ؛ وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَرْكُ التَّطْوِيلِ عُرْفًا اهـ بِحُرُوفِهِ. وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّخْفِيفُ عُرْفًا فَإِنْ طَوَّلَ عُرْفًا بَطَلَتْ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ أَيْضًا تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ إلَخْ) فَإِنْ زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِإِعْرَاضِهِ قَوْلُهُ: (لِغَيْرِ الْخَطِيبِ) لَوْ سَكَتَ عَنْ هَذِهِ لَكَانَ أَقْوَمَ ق ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَمَّا الْخَطِيبُ فَلَهُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إذَا قَرَأَ آيَتَهَا بِخِلَافِ الْحَاضِرِينَ قَوْلُهُ: (نَافِلَةٌ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ الْفَرْضُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: فَرْضًا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ نَفْلًا وَلَوْ مَقْضِيَّةً فَوْرِيَّةً. قَوْلُهُ: (بَعْدَ صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ وَجُلُوسِهِ) عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي التَّحْرِيرِ: وَبَعْدَ جُلُوسِ خَطِيبٍ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: اُنْظُرْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الصُّعُودِ نَظَرْنَا فَرَأَيْنَاهَا لَا تَحْرُمُ، وَكَتَبَ أَيْضًا: اُنْظُرْ قُبَيْلَ الصُّعُودِ بِزَمَنٍ لَا يَسَعُ فَرَاغَ الصَّلَاةِ قَبْلَ جُلُوسِ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَ شُرُوعِهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُصَلِّي وَيُخَفِّفُ قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخَطِيبَ لِإِعْرَاضِهِ) وَالْمُرَادُ أَنَّ شَأْنَ الْمُصَلِّي الْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَى صَلَاتِهِ وَمِنْ ثَمَّ بَحَثَ أَنَّ الطَّوَافَ لَيْسَ مِثْلَهَا وَكَذَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ اهـ مُنَاوِيٌّ. وَتَقَدَّمَ عَنْ الرَّحْمَانِيِّ أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ كَالصَّلَاةِ فَيَمْتَنِعُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ، وَلَوْ سَجَدَهَا الْخَطِيبُ، فَحَرَّرَ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ اهـ تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ. وَهُوَ أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَسْجُدُ وَإِنْ سَجَدَ الْخَطِيبُ قَوْلُهُ: (وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ) أَيْ إجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 بَيْنَ الْكَلَامِ حَيْثُ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ صَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ مَا لَمْ يَبْتَدِئْ الْخُطْبَةَ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَيْثُ تَحْرُمُ حِينَئِذٍ أَنَّ قَطْعَ الْكَلَامِ هَيِّنٌ مَتَى ابْتَدَأَ الْخَطِيبُ الْخُطْبَةَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُهُ بِهَا سَمَاعُ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ، وَإِذَا حُرِّمَتْ لَمْ تَنْعَقِدْ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ لَهَا تَتِمَّةٌ: مَنْ أَدْرَكَ مَعَ إمَامِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً وَلَوْ مُلَفَّقَةً لَمْ تَفُتْهُ الْجُمُعَةُ فَيُصَلِّي بَعْدَ زَوَالِ قُدْوَتِهِ بِمُفَارَقَتِهِ أَوْ سَلَامِهِ رَكْعَةً وَيُسَنُّ أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» وَإِنْ أَدْرَكَ دُونَ الرَّكْعَةِ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ فَيُتِمُّ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ ظُهْرًا، وَيَنْوِي وُجُوبًا فِي اقْتِدَائِهِ جُمُعَةً مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ، وَلِأَنَّ الْيَأْسَ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا إلَّا بِالسَّلَامِ. وَإِذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ إمَامِ جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَخَلَفَهُ عَنْ قُرْبٍ مُقْتَدٍ بِهِ قَبْلَ بُطْلَانِهَا جَازَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ   [حاشية البجيرمي] الْأَرْبَعَةِ قَوْلُهُ: (لَمْ تَنْعَقِدْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ أَنَّ النَّهْيَ هُنَا لِذَاتِ الصَّلَاةِ وَهُنَاكَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ شَغْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) أَيْ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَمَا لَا تُدْرَكُ بِهِ وَجَوَازُ الِاسْتِخْلَافِ وَعَدَمِهِ وَمَا يَجُوزُ لِلْمَزْحُومِ وَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (مَعَ إمَامِ الْجُمُعَةِ) مُرَادُهُ بِهِ الْجِنْسُ لِيَشْمَلَ الْإِمَامَ الْأَصْلِيَّ وَخَلِيفَتَهُ. وَخَرَجَ بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ غَيْرُهُ، كَأَنْ اقْتَدَى بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ مَسْبُوقٌ ثُمَّ لَمَّا سَلَّمَ إمَامُ الْجُمُعَةِ وَقَامَ الْمَسْبُوقُ لِيَأْتِيَ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي عَلَيْهِ اقْتَدَى بِهِ آخَرُ وَنَوَى الْجُمُعَةَ وَأَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَلَا يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ بِذَلِكَ بَلْ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجُمُعَةِ حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إنْشَاءِ جُمُعَةٍ فَأَكْثَرَ بَعْدَ أُخْرَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: قَوْلُهُ " مَعَ إمَامِ الْجُمُعَةِ " احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أَدْرَكَهَا مَعَ مَسْبُوقٍ فَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا، وَخَالَفَهُ حَجّ فَأَفْتَى بِإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مَعَ مَسْبُوقٍ قَامَ يُتِمُّ صَلَاتَهُ قَوْلُهُ: (رَكْعَةً) بِأَنْ يُدْرِكَ مَعَ الْإِمَامِ رُكُوعَهَا وَسَجْدَتَيْهَا شَرْحُ م ر. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعٍ مَحْسُوبٍ لَهُ لَا كَمُحْدِثٍ وَأَتَمَّ مَعَهُ الرَّكْعَةَ اهـ قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُلَفَّقَةً) أَيْ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الزَّحْمَةِ وَالْغَايَةِ لِلرَّدِّ قَوْلُهُ: (لَمْ تَفُتْهُ الْجُمُعَةُ) أَيْ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْجَمَاعَةِ وَالْعَدَدِ إلَى تَمَامِ الرَّكْعَةِ، فَلَوْ فَارَقَهُ الْقَوْمُ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ شَخْصٌ وَصَلَّى رَكْعَةً لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الْجُمُعَةُ لِفَقْدِ شَرْطِ وُجُودِ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمَهُ فِي الشُّرُوطِ ع ش عَلَى م ر قَوْلِهِ: (بِمُفَارَقَتِهِ) أَيْ الْمَأْمُومِ إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ إمَّا بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَالْمُرَادُ بِالْمُفَارَقَةِ الْأَعَمُّ، وَقَوْلُهُ (" أَوْ بِسَلَامِهِ ") أَيْ الْإِمَامِ. وَكَانَ الْأَوْلَى الْإِظْهَارُ بِأَنْ تَقُولَ: " أَوْ بِسَلَامِ الْإِمَامِ " لِأَنَّ فِي كَلَامِهِ تَشْتِيتَ الضَّمَائِرِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا) وَيُلْغِزَ بِهَا وَيُقَالُ: لَنَا مُنْفَرِدٌ يُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ يَجْهَرُ فِيهَا قَوْلُهُ: (فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) أَيْ الْجُمُعَةَ أَيْ أَدْرَكَهَا حُكْمًا لَا ثَوَابًا كَامِلًا شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَدْرَكَ دُونَ الرَّكْعَةِ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَيُتِمُّ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ ظُهْرًا) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ أَوْ مُفَارَقَتِهِ مَعَ مُنَاسَبَتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمُفَارَقَةُ إذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْإِمَامَ يَتَذَكَّرُ تَرْكَ رُكْنٍ فَيَأْتِي بِهِ فَيُدْرِكُ مَعَهُ رَكْعَةً اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي الزَّائِدِ. وَيُعَارِضُهُ قَوْلُهُمْ: لَا يُتَابِعُ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي الزَّائِدِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ سَهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُومَ عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ رُكْنًا بِأَنْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِذَلِكَ أَوْ كَتَبَ لَهُ الْإِمَامُ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ ح ل وز ي. قَوْلُهُ: (وَيَنْوِي وُجُوبًا) أَيْ إنْ كَانَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، فَيَنْوِي ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الرَّوْضِ وَالْأَنْوَارِ حَيْثُ عَبَّرَ الْأَوَّلُ بِالِاسْتِحْبَابِ وَالثَّانِي بِالْوُجُوبِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَلَمْ يَنْوِ الْجُمُعَةَ كَأَنْ نَوَى الظُّهْرَ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْجُمُعَةِ حِينَئِذٍ عَلَى مَنْ ذُكِرَ ح ل، أَيْ لِأَنَّهُ لَا مُوَافَقَةَ هُنَا؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَنْوِي الْجُمُعَةَ مُطْلَقًا أَيْ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الثَّانِي ح ف. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْيَأْسَ) لَا يُقَالُ السَّلَامُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْيَأْسُ بِمُجَرَّدِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَذَكَّرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ تَرْكَ رُكْنٍ فَيَعُودُ إلَيْهِ فَيَضُمُّ إلَى مَا قَبْلَ السَّلَامِ مَا بَعْدَهُ عِنْدَ قُرْبِ الْفَصْلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِالسَّلَامِ زَالَتْ الْقُدْوَةُ وَالْأَصْلُ التَّمَامُ. وَإِنَّمَا نَظَرَ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ مَعَ قِيَامِ الصَّلَاةِ لِتَقَوِّيهِ بِقِيَامِهَا وَقَدْ ضَعُفَ بِالسَّلَامِ، وَلَوْ نَظَرَ لِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْ بِقُرْبِ الْفَصْلِ لِاحْتِمَالِ التَّذَكُّرِ مَعَ الطُّولِ فَيَسْتَأْنِفُ فَلْيُتَأَمَّلْ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِالسَّلَامِ) إذْ قَدْ يَتَدَارَكُ إمَامُهُ تَرْكَ رُكْنٍ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 بِإِمَامَيْنِ بِالتَّعَاقُبِ جَائِزَةٌ كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ، وَكَذَا لَوْ خَلَفَهُ غَيْرُ مُقْتَدٍ بِهِ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ إنْ لَمْ يُخَالِفْ إمَامَهُ فِي نَظْمِ صَلَاتِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ فِي الْجُمُعَةِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى تَمَّتْ جُمُعَةُ الْخَلِيفَةِ وَالْمُقْتَدِينَ وَإِلَّا   [حاشية البجيرمي] وَهَذَا، أَيْ قَوْلُهُ " إلَّا بِالسَّلَامِ " يُحْمَلُ عَلَى مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، فَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ فِيمَنْ لَهُ عُذْرٌ وَأَمْكَنَ زَوَالُهُ مِنْ أَنَّ الْيَأْسَ يَحْصُلُ بِرَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ؛ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ لِمَنْ مَرَّ ثَمَّ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ إدْرَاكِهَا فَضِيلَةَ تَعْجِيلِ الظُّهْرِ؛ بِخِلَافِ مَنْ هُنَا فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَازِمَةٌ لَهُ فَلَا يَبْتَدِئُ غَيْرَهَا مَعَ قِيَامِ احْتِمَالِ إدْرَاكِهَا شَرْحِ الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) خَلَفَهُ عَنْ قُرْبٍ أَوْ لَا، هَذِهِ أَرْبَعَةٌ وَسَوَاءٌ كَانَ مُقْتَدِيًا بِهِ أَوْ لَا، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي الْأَرْبَعَةِ؛ وَسَوَاءٌ كَانَ مُوَافِقًا لِنَظْمِ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوْ لَا؛ وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي ثَمَانِيَةٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ، وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ الِاسْتِخْلَافِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ جَازَ مُطْلَقًا، يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الْخَلِيفَةُ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ قَبْلَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ أَمْ لَا خَلَفَهُ عَنْ قُرْبٍ أَمْ لَا، لَكِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ لِتَجْدِيدِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِي هَذِهِ وَفِيمَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ وَخَالَفَ نَظْمُ صَلَاتِهِ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يُخَالِفْ نَظْمُ صَلَاتِهِ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَلَا يَحْتَاجُونَ لِتَجْدِيدِ نِيَّةِ اقْتِدَاءٍ؛ أَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِهِ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ وَأَنْ يَكُونَ عَنْ قُرْبٍ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ طَالَ الْفَصْلُ امْتَنَعَ اسْتِخْلَافٌ فِي الْجُمُعَةِ لِاحْتِيَاجِ الْمُقْتَدِينَ فِيهِمَا إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ الْمُؤَدِّي لِإِنْشَاءِ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى أَوْ لِفِعْلِ الظُّهْرِ، أَيْ مِنْ الْخَلِيفَةِ، مَعَ إمْكَانِ الْجُمُعَةِ؛ وَكُلُّ مُمْتَنِعٍ. هَذَا كُلُّهُ بِالنَّظَرِ لِجَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ. قَوْلُهُ: (عَنْ قُرْبٍ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ انْفَرَدُوا بِرُكْنٍ، فَإِنَّ الِاسْتِخْلَافَ يَمْتَنِعُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ تَجْدِيدِ نِيَّةٍ اقْتِدَاءً مِنْ الْمَأْمُومِينَ وَفِيهَا مُطْلَقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَقَالَ ع ش: قَوْلُهُ: " عَنْ قُرْبٍ " بِأَنْ لَمْ يَنْفَرِدُوا بِرُكْنٍ قَوْلِيٍّ أَوْ فِعْلِيٍّ أَوْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ وُقُوعُ رُكْنٍ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ بُطْلَانِهَا) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ " مُقْتَدٍ ". قَوْلُهُ: (جَازَ) أَيْ الِاسْتِخْلَافُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي أُولَى الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ وَسَوَاءٌ اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ أَمْ الْقَوْمُ أَمْ بَعْضُهُمْ، وَلَوْ اسْتَخْلَفُوا وَاحِدًا وَالْإِمَامُ آخَرَ فَمُقَدَّمُهُمْ أَوْلَى مَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ رَاتِبًا اهـ. وَقَوْلُهُ: " وَكَذَا لَوْ خَلَفَهُ غَيْرُ مُقْتَدٍ بِهِ " أَيْ عَنْ قُرْبٍ. قَوْلُهُ: فِي «قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ أَيْ حَيْثُ كَانَ يُصَلِّي إمَامًا بِالنَّاسِ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَحَسَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخِفَّةِ يَوْمًا فَدَخَلَ يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ مُحْرِمٌ بِالنَّاسِ، فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ وَقَدَّمَهُ وَاقْتَدَى بِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْإِمَامَةِ» . لَكِنْ فِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بَلْ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ الْإِمَامَةِ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقْتَدَى بِهِ، وَالْمُدَّعَى أَنَّ الصَّلَاةَ بَطَلَتْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا جَازَ الِاسْتِخْلَافُ مَعَ عَدَمِ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَمَعَ بُطْلَانِهَا بِالْأَوْلَى ح ل بِاخْتِصَارٍ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِلتَّعْلِيلِ لَا لِلْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ خَلَفَهُ إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ مُقْتَدٍ وَقَيَّدَهُ بِقَيْدَيْنِ، الْأَوَّلُ: لِصِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ، وَالثَّانِي: لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ لِنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يُخَالِفْ إمَامَهُ) أَيْ إمَامَ غَيْرِ الْجُمُعَةِ، أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْخَلِيفَةِ. وَسُمِّيَ إمَامُهُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ مُتِمٌّ مَا فَعَلَهُ فَكَأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مُقْتَدٍ بِهِ. وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِهِ: " إنْ لَمْ يُخَالِفْ إلَخْ ": أَيْ وَاسْتَخْلَفَهُ عَنْ قُرْبٍ. وَهَذَانِ الْقَيْدَانِ لِصَيْرُورَةِ الْخَلِيفَةِ إمَامًا لَهُمْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مِنْهُمْ، وَإِلَّا فَلَا يَصِيرُ إمَامًا لَهُمْ إلَّا بِنِيَّتِهِمْ الِاقْتِدَاءَ بِهِ. وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ: إنْ لَمْ يُخَالِفْ إمَامَهُ فِي نَظْمِ صَلَاتِهِ بِأَنْ اسْتَخْلَفَ فِي الْأُولَى أَوْ فِي ثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ، فَإِنْ اسْتَخْلَفَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الْأَخِيرَةِ لَمْ يَجُزْ بِلَا تَجْدِيدِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ، أَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا لِأَنَّ فِيهِ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الْجُمُعَةَ أَوْ فَعَلَ الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ، أَيْ إنْ نَوَى الظُّهْرَ؛ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ لُزُومِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَرِدُ الْمَسْبُوقُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَا مُنْشِئٌ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَإِذَا اُسْتُخْلِفَ رَاعَى نَظْمَ صَلَاتِهِمْ فَيَتَشَهَّدُ فِي ثَانِيَتِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ أُولَى لَهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ " وَإِذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ إمَامٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْجُمُعَةِ " فَهُوَ مُفَرِّعٌ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ، وَعِبَارَةُ م ر: ثُمَّ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى) بِأَنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ فَوَاتِ الرُّكُوعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 فَتَتِمُّ لَهُمْ لَا لَهُ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا رَكْعَةً كَامِلَةً مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ لَمْ يُدْرِكْهَا مَعَهُ فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ وَسُجُودَهَا لَكِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ: يُتِمُّهَا جُمُعَةً لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، وَيُرَاعِي الْمَسْبُوقُ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِذَا تَشَهَّدَ أَشَارَ إلَيْهِمْ بِمَا يُفْهِمُهُمْ فَرَاغَ صَلَاتِهِمْ وَانْتِظَارَهُمْ لَهُ لِيُسَلِّمُوا مَعَهُ أَفْضَلُ. وَمَنْ تَخَلَّفَ لِعُذْرٍ عَنْ سُجُودٍ فَأَمْكَنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ إنْسَانٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ السُّجُودُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلْيَنْتَظِرْ تَمَكُّنَهُ مِنْهُ نَدْبًا وَلَوْ فِي جُمُعَةٍ، وَوُجُوبًا فِي أُولَى جُمُعَةٍ عَلَى مَا بَحَثَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ فِي الثَّانِيَةِ سَجَدَ، فَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ سُجُودِهِ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا فَكَمَسْبُوقٍ، وَإِنْ وَجَدَهُ فَرَغَ مِنْ رُكُوعِهِ وَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَهُ، فَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ سَلَّمَ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا، وَإِنْ تَمَكَّنَ فِي رُكُوعِ إمَامِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَلْيَرْكَعْ مَعَهُ   [حاشية البجيرمي] شَرْحِ م ر؛ أَيْ أَدْرَكَ مَا تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي قِيَامِهَا أَوْ رُكُوعِهَا، فَفِي قَوْلِهِ " أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى " مُسَامَحَةٌ، وَالْمُرَادُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مَعَ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْأُولَى بِأَنْ لَمْ تَكُنْ تَمَّتْ، كَأَنْ اسْتَخْلَفَهُ فِي اعْتِدَالِهَا فَمَا بَعْدَهُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَتَتِمُّ لَهُمْ لَا لَهُ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ، وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ م ر. قَوْلُهُ: (مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ جِنْسِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ بِالْأَصْلِيِّ وَالْخَلِيفَةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ لَمْ يُدْرِكْهَا) أَيْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ وَلَوْ أُرِيدَ رَكْعَةٌ مُطْلَقًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَإِلَّا فَتَتِمُّ لَهُمْ لَا لَهُ ". قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّتُهُ) أَيْ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ حَيْثُ قَالَا: إنْ أَدْرَكَ الْأُولَى تَمَّتْ جُمُعَتُهُمْ وَجُمُعَتُهُ وَإِلَّا فَتَتِمُّ لَهُمْ لَا لَهُ، ز ي. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ) بِأَنْ اقْتَدَى بِهِ فِي اعْتِدَالِ الْأُولَى أَوْ فِي الثَّانِيَةِ وَأَدْرَكَ مَعَهُ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَاسْتَخْلَفَ فِي التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (وَيُرَاعِي الْمَسْبُوقُ) أَيْ الْخَلِيفَةُ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، أَيْ وُجُوبًا فِي الْوَاجِبِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ كَمَا قَالَهُ ز ي؛ أَيْ فَيَقْنُتُ لَهُمْ فِي الصُّبْحِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ مَثَلًا وَيَتْرُكُ الْقُنُوتَ فِي الظُّهْرِ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ هُوَ يُصَلِّي الصُّبْحَ، وَإِذَا اسْتَخْلَفَ فِي ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ وَكَانَ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيهَا تَشَهَّدَ عَقِبَهَا وُجُوبًا. وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ " وَيُرَاعِي الْخَلِيفَةُ " لَكَانَ صَوَابًا كَمَا قَالَهُ ق ل. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: وَيُرَاعِي الْمَسْبُوقُ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَا نَظْمَ صَلَاتِهِ هُوَ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ؛ فَإِذَا كَانَ مَسْبُوقًا كَأَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ عَقِبَهَا فَإِذَا تَشَهَّدَ أَشَارَ إلَيْهِمْ بِمَا يُفْهِمُهُمْ فَرَاغَ صَلَاتِهِمْ لِيَنْوُوا مُفَارَقَتَهُ وَانْتِظَارَهُمْ لَهُ لِيُسَلِّمُوا مَعَهُ أَفْضَلُ مَعَ أَمْنِ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَإِلَّا حَرُمَ الِانْتِظَارُ. اهـ. حَجّ. وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ " وَيُرَاعِي إلَخْ " رُبَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَخَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَاسْتَخْلَفَهُ أَنَّ الْخَلِيفَةَ يَرْكَعُ بِالْقَوْمِ وَيَتْرُكُ الْفَاتِحَةَ وَتَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ حَجّ وسم. إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ الْمُرَاعَاةُ فِيمَا يُخِلُّ تَرْكُهُ بِنَظْمِ الصَّلَاةِ، فَلَا يَرِدُ مَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (أَشَارَ إلَيْهِمْ) أَيْ لِيَنْوَوْا مُفَارَقَتَهُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " أَشَارَ إلَيْهِمْ " أَيْ بَعْدَ تَشَهُّدِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (فَأَمْكَنَهُ إلَخْ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُرْتَفِعٍ وَالْإِنْسَانُ فِي مُنْخَفِضٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ إنْسَانٍ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَضَرَّرَ، لِقَوْلِ عُمَرَ: " إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ أَحَدُكُمْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ ". وَصُورَتُهُ: أَنْ يَكُونَ السَّاجِدُ عَلَى شَاخِصٍ أَيْ مُرْتَفِعٍ وَالْمَسْجُودُ عَلَيْهِ فِي وَهْدَةٍ شَرْحِ م ر. وَلَا يَضْمَنُهُ لَوْ تَلِفَ وَلَوْ قِنًّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا ل ق ل؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَى مَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَّ رَقِيقًا مِنْ الصَّفِّ وَتَلِفَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (فَلْيَنْتَظِرْ تَمَكُّنَهُ مِنْهُ نَدْبًا) أَيْ وَلَهُ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ فِي جُمُعَةٍ) أَيْ فِي ثَانِيَتِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَوُجُوبًا فِي أُولَى جُمُعَةٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَمَكَّنَ إلَخْ) مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ " فَلْيَنْتَظِرْ " أَيْ فَإِذَا انْتَظَرَ يَكُونُ لَهُ حَالَتَانِ: إمَّا أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْهُ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ، أَوْ فِيهِ. وَفِي الْأُولَى أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ مُرَتَّبَةٍ عَلَى قَوْلِهِ " سَجَدَ " أَيْ ثُمَّ بَعْدَ السُّجُودِ: إمَّا أَنْ يَجِدَهُ قَائِمًا، أَوْ رَاكِعًا، أَوْ فَرَغَ مِنْ رُكُوعِهِ، أَوْ يَجِدُهُ سَلَّمَ؛ وَكُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ) عِبَارَةُ م ر: قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي رُكُوعِهِ. قَوْلُهُ: (فَكَمَسْبُوقٍ) أَيْ يَرْكَعُ مَعَهُ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا. قَوْلُهُ: (فِيمَا هُوَ فِيهِ) شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ فِي الِاعْتِدَالِ فَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِيَهْوَى مَعَهُ لِلسُّجُودِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ سَلَّمَ) أَيْ قَبْلَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ السُّجُودِ الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا رَفَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 وَيُحْسَبُ لَهُ رُكُوعُهُ الْأَوَّلُ فَرَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةٌ، فَإِنْ سَجَدَ عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَالِمًا عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ لِعُذْرِهِ وَلَكِنْ لَا يُحْسَبُ لَهُ سُجُودُهُ الْمَذْكُورُ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِمَامَ، فَإِذَا سَجَدَ ثَانِيًا وَلَوْ مُنْفَرِدًا حُسِبَ هَذَا السُّجُودُ، فَإِنْ كَمَّلَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا فَلَا. فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْعِيدُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَوْدِ لِتَكَرُّرِهِ كُلَّ عَامٍ، وَقِيلَ لِكَثْرَةِ عَوَائِدِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَقِيلَ لِعَوْدِ السُّرُورِ   [حاشية البجيرمي] رَأْسَهُ مِنْهُ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ بَعْدُ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا جُمُعَةً؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ أَيْ قِيَامَهَا وَقِرَاءَتَهَا وَاعْتِدَالَهَا. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ، اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (إنْ تَمَكَّنَ) أَيْ مِنْ السُّجُودِ. قَوْلُهُ: (رُكُوعُهُ الْأَوَّلَ) لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ وَقْتَ الِاعْتِدَالِ بِالرُّكُوعِ وَالثَّانِي أَتَى بِهِ لِلْمُتَابَعَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فَرَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةٌ) أَيْ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى أَيْ وَقِيَامِهَا وَقِرَاءَتِهَا وَاعْتِدَالِهَا وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، أَيْ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالسُّجُودُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَجَدَ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ مَعَهُ بَلْ سَجَدَ عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَامِدًا عَالِمًا بِأَنَّ وَاجِبَهُ الرُّكُوعُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا بِأَنْ سَجَدَ عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ نَاسِيًا لِذَلِكَ أَوْ جَاهِلًا بِهِ فَلَا تَبْطُلُ. قَوْلُهُ: (عَالِمًا) أَيْ بِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْمُتَابَعَةُ لِإِمَامِهِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) وَيَلْزَمُهُ التَّحَرُّمُ بِالْجُمُعَةِ إنْ أَمْكَنَهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِعُذْرِهِ) وَلَوْ عَامِّيًّا مُخَالِطًا لِلْعُلَمَاءِ لِخَفَائِهِ عَلَى الْعَوَامّ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَإِذَا سَجَدَ ثَانِيًا) بِأَنْ فَرَغَ مِنْ سَجْدَتَيْهِ وَقَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْهِ وَهُوَ عَلَى نِسْيَانِهِ أَوْ جَهْلِهِ. وَقَوْلُهُ: (" وَلَوْ مُنْفَرِدًا ") أَيْ فِي الْحِسِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ فِي مَوْضِعِ رَكْعَتِهِ مُتَابَعَةً حِسِّيَّةً حَيْثُ جَرَى عَلَى غَيْرِ تَبَعِيَّةِ الْإِمَامِ، غَيْرَ أَنَّا أَلْحَقْنَاهُ فِي الْحُكْمِ بِالِاقْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ لِعُذْرِهِ اهـ أج. وَعِبَارَةُ شَيْخِهِ ق ل: بِأَنْ اسْتَمَرَّ سَهْوُهُ فَقَامَ لِنَفْسِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا. اهـ. م د. وَقَوْلُ ق ل: " وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَخْ " لَا يُنَاسَبُ قَوْلَ الشَّارِحِ بَعْدُ " فَإِنْ كَمَّلَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ " فَالْأَوْلَى كَلَامُ أج، وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ م ر شَيْخُنَا. وَقَوْلُهُ " وَقَامَ وَقَرَأَ إلَخْ " فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ بِلَا قِرَاءَةٍ وَقِيَامٍ اهـ. فَيُحْسَبُ لَهُ السُّجُودُ الثَّانِي وَتَكُونُ الرَّكْعَةُ مُلَفَّقَةً أَيْضًا مِنْ هَذَا السُّجُودِ الثَّانِي مَعَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالِاعْتِدَالِ. وَمِثَالُ غَيْرِ الْمُنْفَرِدِ وَهُوَ الْمُقْتَدِي حِسًّا أَنْ يَتَذَكَّرَ الْحَالَ وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ السُّجُودَ الْأَوَّلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَيَسْجُدَ مَعَهُ عَامِدًا فَيُحْسَبُ لَهُ هَذَا السُّجُودُ الثَّانِي وَيُضَمُّ لِلرُّكُوعِ الْأَوَّلِ فَتَكُونُ رَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةً أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُنْفَرِدًا) أَيْ عَنْ مُوَافَقَةِ الْإِمَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَإِنْ كَمَّلَ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَمَّلَ) أَيْ هَذَا السُّجُودَ، وَقَوْلُهُ (قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ) أَيْ إتْمَامِهِ. اهـ. [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] ِ وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ؛ قَالَ السُّيُوطِيّ: الْعِيدَانِ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالْخُسُوفُ وَالْكُسُوفُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ صَلَاةَ الْأَضْحَى أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفِطْرِ لِثُبُوتِهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالْأَصَحُّ تَفْضِيلُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْعَوْدِ) فَأَصْلُهُ " عَوْدٌ " قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِوُقُوعِهَا سَاكِنَةً بَعْدَ كَسْرَةٍ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ لِكَثْرَةِ عَوَائِدِ اللَّهِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْعَائِدَةُ الْعَطْفُ وَالْمَنْفَعَةُ يُقَالُ هَذَا الشَّيْءُ أَعْوَدُ عَلَيْك مِنْ كَذَا أَيْ أَنْفَعُ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَالْأَوْلَى أَنْ تُفَسَّرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 بِعَوْدِهِ وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ، وَإِنَّمَا جُمِعَ بِالْيَاءِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَاوَ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ، وَقِيلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ وَالْأَصْلُ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ الْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْأَضْحَى وَالذَّبْحَ «وَأَوَّلُ عِيدٍ صَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيدُ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ» فَهِيَ سُنَّةٌ كَمَا قَالَ (وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلسَّائِلِ عَنْ الصَّلَاةِ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ، قَالَ لَهُ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» (مُؤَكَّدَةٌ) لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا وَتُشْرَعُ جَمَاعَةً وَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ بِمِنًى، أَمَّا هُوَ فَلَا تُسَنُّ لَهُ صَلَاتُهَا جَمَاعَةً وَتُسَنُّ لَهُ   [حاشية البجيرمي] الْأَعْوَادُ بِالنِّعَمِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا جُمِعَ بِالْيَاءِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي سُؤَالٍ أَجَابَ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ. قَوْلُهُ: (لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ) فِي هَذَا نَظَرٌ لِانْتِقَاضِهِ بِنَحْوِ مِيزَانٍ، فَإِنَّ الْيَاءَ لَازِمَةٌ فِي الْوَاحِدِ وَجَمْعُهُ بِالْوَاوِ، قَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الأنبياء: 47] فَالظَّاهِرُ فِي التَّعْلِيلِ هُوَ مَا حَكَاهُ بِقِيلِ؛ وَلِهَذَا عَكَسَ فِي الْمِصْبَاحِ فَقَدَّمَ التَّعْلِيلَ الثَّانِيَ وَحَكَى الْأَوَّلَ بِقِيلِ، فَقَالَ: جَمْعُ الْعِيدِ عَلَى أَعْيَادٍ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ، وَقِيلَ: لِلُزُومِ الْيَاءِ فِي وَاحِدِهِ، وَقَدْ كَانَ يَوْمَا الْعِيدَيْنِ لِلْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَيْ لَعِبٍ فَأُمِرْنَا بِإِظْهَارِ الذِّكْرِ فِيهِمَا إغَاظَةً لِلْمُشْرِكِينَ وَشُكْرًا عَلَى مَا أَوْلَيْنَا قَبْلَهُمَا مِنْ تَتْمِيمِ رَمَضَانَ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ لَا سِيَّمَا الْحَجُّ. قَالَ فِي الْإِتْحَافِ: وَإِنَّمَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عِيدًا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ إشَارَةً لِكَثْرَةِ الْعِتْقِ قَبْلَهُ كَمَا أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ هُوَ الْعِيدُ الْأَكْبَرُ لِكَثْرَةِ الْعِتْقِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَهُ، إذْ لَا يَوْمَ يُرَى أَكْثَرَ عِتْقًا مِنْهُ، فَمَنْ أُعْتِقَ قَبْلَهُ فَهُوَ الَّذِي بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ عِيدٌ وَمَنْ لَا فَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِبْعَادِ وَالْوَعِيدِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْأَضْحَى) وَقِيلَ: الْمُرَادُ صَلِّ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَانْحَرْ الْبُدْنَ بِمِنًى، وَقِيلَ: إنَّ نَاسًا كَانُوا يُصَلُّونَ وَيَنْحَرُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ لَهُ وَيَنْحَرَ لَهُ تَقَرُّبًا. وَالْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ أَوْ الْقُرْآنُ أَوْ النُّبُوَّةُ أَوْ كَثْرَةُ الْأَتْبَاعِ وَالْأُمَّةِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. فَائِدَةٌ: جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: عِيدَ الْجُمُعَةِ وَالْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَكُلُّهَا بَعْدَ إكْمَالِ الْعِبَادَةِ وَطَاعَتِهِمْ. وَلَيْسَ الْعِيدُ لِمَنْ لَبِسَ الْجَدِيدَ بَلْ هُوَ لِمَنْ طَاعَتُهُ تَزِيدُ، وَلَا لِمَنْ تَجَمَّلَ بِاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ بَلْ لِمَنْ غُفِرَتْ لَهُ الذُّنُوبُ. وَأَمَّا عِيدُهُمْ فِي الْجَنَّةِ فَهُوَ وَقْتُ اجْتِمَاعِهِمْ بِرَبِّهِمْ وَرُؤْيَتِهِ فِي حَضْرَةِ الْقُدُسِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ عِنْدَهُمْ أَلَذَّ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَالذَّبْحَ) أَيْ ذَبْحَ الْأُضْحِيَّةِ. قَوْلُهُ: «وَأَوَّلُ عِيدٍ صَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيدُ الْفِطْرِ» وَكَانَ فِي الْمَكَانِ الْمَعْرُوفِ الْآنَ فِي الْمَدِينَةِ بِمُصَلَّى الْعِيدِ خَارِجَ سُورِهَا فِي مَنْزِلِ الْحَاجِّ الْمِصْرِيِّ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (فَهِيَ سُنَّةٌ) الظَّاهِرُ تَفْرِيعُهُ عَلَى الدَّلِيلَيْنِ قَبْلَهُ، لَكِنْ بِوَاسِطَةِ حَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ لِأَنَّهُ أَدْنَى الْمَرَاتِبِ وَحُمِلَ فِعْلُهُ أَيْ النَّبِيِّ عَلَى ذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَيْنًا وَعِنْدَ أَحْمَدَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَعِنْدَنَا كَمَالِكٍ سُنَّةٌ. وَدَلِيلُنَا حَدِيثٌ: «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» . قُلْت: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ: إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ فَعَلَيْك الْإِتْمَامُ؛ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى لُزُومِ إتْمَامِ كُلِّ نَفْلٍ شُرِعَ فِيهِ. وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلَانِ بِآيَةِ: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ صَلِّ الْعِيدَ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ لَاقْتَضَى وُجُوبَ النَّحْرِ عَلَيْنَا وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَهُوَ خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اخْتَصَّ بِهِ النَّحْرُ، فَإِذَا أَدْخَلْتُمْ مَعَهُ الْأُمَّةَ وَجَبَ إدْخَالُ الْجَمِيعِ، فَلَمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إخْرَاجِ بَعْضِهِمْ كَمَا زَعَمْتُمْ كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي الْقِيَاسِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَنْ الصَّلَاةِ) أَيْ عَنْ عَدَدِ الْوَاجِبِ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ) مَقُولُ الْقَوْلِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَوْ الْمُرَادُ تَطَوُّعُهُ بِإِيجَابِ صَلَاةٍ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِمُوَاظَبَتِهِ) وَتَرْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَلَاةِ عِيدِ النَّحْرِ فِي مِنًى لَا يُنَافِي الْمُوَاظَبَةَ مَعَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى تَرْكِهَا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّاهَا فُرَادَى سم. قَوْلُهُ: (بِمِنًى) لَيْسَ بِقَيْدٍ، حَتَّى لَوْ نَزَلُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 مُنْفَرِدًا، وَتُشْرَعُ أَيْضًا لِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَالْمُسَافِرِ، فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شُرُوطِ الْجُمُعَةِ وَوَقْتُهَا مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَزَوَالُهَا يَوْمَ الْعِيدِ، وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِتَرْتَفِعَ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ لِلِاتِّبَاعِ (وَهِيَ رَكْعَتَانِ) بِالْإِجْمَاعِ وَحُكْمُهَا فِي الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَالسُّنَنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، يُحْرَمُ بِهَا بِنِيَّةِ صَلَاةِ عِيدِ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى هَذَا أَقَلُّهَا، وَبَيَانُ أَكْمَلِهَا مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ: (يُكَبِّرُ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى سَبْعًا) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ (سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) بَعْدَ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَقَبْلَ التَّعَوُّذِ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ» . وَعُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَيْسَتْ مِنْ السَّبْعِ، وَجَعَلَهَا مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ مِنْهَا، يَقِفُ نَدْبًا بَيْنَ كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنْهَا كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ يُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيُمَجِّدُ وَيَحْسُنُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْحَالِ وَهِيَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، ثُمَّ يَتَعَوَّذَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأَخِيرَةِ وَيَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ (وَ) يُكَبِّرَ (فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ) بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ (خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ) بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ قَبْلَ التَّعَوُّذِ وَالْقِرَاءَةِ لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ   [حاشية البجيرمي] بِمَكَّةَ لَمْ تُسَنَّ لَهُمْ الْجَمَاعَةُ أَيْضًا، فَإِنْ صَلَّوْهَا جَمَاعَةً كَانَ خِلَافَ السُّنَّةِ. وَحِكْمَتُهُ التَّخْفِيفُ عَلَيْهِمْ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأَعْمَالِ التَّحَلُّلِ وَالتَّوَجُّهِ إلَى مَكَّةَ عَنْ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ وَالْخُطْبَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى شُرُوطِ الْجُمُعَةِ) أَيْ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمَاعَةِ وَالْعَدَدِ وَغَيْرِهِمَا شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) أَيْ ابْتِدَاءِ طُلُوعِهَا وَلَوْ لِلْبَعْضِ ز ي. وَلَا يُعْتَبَرُ تَمَامُ الطُّلُوعِ خِلَافًا لِمَا فِي الْعُبَابِ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ قُرْصِ الشَّمْسِ تَابِعٌ لِمَا ظَهَرَ طُلُوعًا وَغُرُوبًا ق ل. قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْعِيدِ) الْمُرَادُ بِهِ يَوْمَ يُعَيِّدُ النَّاسُ وَلَوْ ثَانِيَ شَوَّالٍ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ " أَمَّا شَهَادَتُهُمْ بَعْدَ الْيَوْمِ بِأَنْ شَهِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا إلَخْ) فَهَذِهِ صَلَاةٌ فِعْلُهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا مَفْضُولٌ. اهـ. ق ل. وَلَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (لِتَرْتَفِعَ) أَيْ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ فَلَوْ فَعَلَهَا قَبْلَ ارْتِفَاعِهَا لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ م ر. وَالرُّمْحُ قَدْرُ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ. وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ مَا نَصُّهُ: وَيُنْدَبُ تَأْخِيرُهَا لِلِارْتِفَاعِ كَرُمْحٍ كَمَا فَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنَّ لَنَا وَجْهًا أَنَّ وَقْتَهَا لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالِارْتِفَاعِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ صَلَاةِ عِيدِ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى) فَلَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ عِيدَ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى فِي نِيَّتِهِ، وَلَا يُقَالُ: الْوَقْتُ يُعَيَّنُ لِأَنَّهُ لَا يُعَيَّنُ عِنْدَنَا عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (يُكَبِّرُ) أَيْ مَعَ رَفْعِ يَدَيْهِ كَمَا فِي التَّحَرُّمِ وَلَا يَضُرُّ الرَّفْعُ لَوْ وَالَاهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (سَبْعًا) أَيْ يَقِينًا فَعِنْدَ الشَّكِّ يَأْخُذُ بِالْأَقَلِّ كَمَا يَأْتِي، وَمِنْهُ مَا لَوْ شَكَّ فِي أَيُّهَا أَحْرَمَ بِهِ فَيَجْعَلُهَا الْأَخِيرَةَ وَيُعِيدُهُنَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى الْإِحْرَامَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ فَيُعِيدُهَا. اهـ. حَجّ ز ي. قَوْلُهُ: (بَعْدَ دُعَاءِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ " يُكَبِّرُ ". قَوْلُهُ: (كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ) وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ. قَوْلُهُ: (وَيُمَجِّدُ) أَيْ يُعَظِّمُ بِتَسْبِيحٍ وَتَحْمِيدٍ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا ق ل. قَوْلُهُ: (وَيَحْسُنُ) أَيْ يُسْتَحَبُّ؛ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَوَالِي التَّكْبِيرَاتِ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِتَوَالِي الرَّفْعِ كَمَا فِي الزِّيَادِيِّ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَلَهُ تَوَالِيهَا وَلَوْ مَعَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ الْمُبْطِلِ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ لَوْ اقْتَدَى بِحَنَفِيٍّ وَالَاهَا فَارَقَهُ مَمْنُوعٌ وَإِنْ وَجَّهَهُ سم بِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ الْمَطْلُوبِ عِنْدَنَا وَهُوَ مُبْطِلٌ وَالتَّكْبِيرُ عِنْدَهُمْ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَتَوْجِيهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي الْجُمْلَةِ فَاغْتُفِرَ فِيهِ التَّوَالِي وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ الْمَطْلُوبِ. وَحِكْمَةُ طَلَبِ الْفَصْلِ فِي تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ عَدَمُ تَوَالِي الْحَرَكَاتِ فِيهَا الْمَطْلُوبُ تَرْكُهُ بِحَسْبِ الْأَصَالَةِ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ الْبَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ " بَيْنَ كُلِّ إلَخْ " شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ) أَيْ سِرًّا سم. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْبَاقِيَاتُ) هَذَا تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هِيَ أَعْمَالُ الْخَيْرِ الَّتِي تَبْقَى لِلشَّخْصِ ثَمَرَتُهَا، وَقِيلَ: هِيَ الصَّلَوَاتُ وَأَعْمَالُ الْحَجِّ وَصِيَامُ رَمَضَانَ. قَوْلُهُ: (خَمْسًا) أَيْ يَقِينًا. وَلَوْ اقْتَدَى بِمُخَالِفٍ وَافَقَهُ نَدْبًا فِي الْعَدَدِ وَفِي مَحَلِّهِ، فَلَوْ خَالَفَهُ كُرِهَ وَلَوْ قَضَى الْعِيدَ كَبَّرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ رَحْمَانِيٌّ. فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْإِمَامِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُ إذَا زَادَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ. قُلْت: لِأَنَّهَا ثَمَّ أَرْكَانٌ، وَجَرَى خِلَافٌ فِي زِيَادَةِ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ بِخِلَافِ مَا هُنَا، فَإِذَا زَادَ وَلَوْ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ الْمَأْمُومُ تَابَعَهُ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وَيَجْهَرَ وَيَرْفَعَ يَدَيْهِ نَدْبًا فِي الْجَمِيعِ كَغَيْرِهَا مِنْ تَكْبِيرِ الصَّلَوَاتِ وَيُسَنُّ أَنْ يَضَعَ يُمْنَاهُ عَلَى يُسْرَاهُ تَحْتَ صَدْرِهِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كَمَا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَهَذِهِ التَّكْبِيرَاتُ مِنْ الْهَيْئَاتِ كَالتَّعَوُّذِ وَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فَلَيْسَتْ فَرْضًا وَلَا بَعْضًا فَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِهِنَّ وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ لِكُلِّهِنَّ أَوْ بَعْضِهِنَّ مَكْرُوهًا، وَيُكَبِّرَ فِي قَضَاءِ صَلَاةِ الْعِيدِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مِنْ هَيْئَاتِهَا كَمَا مَرَّ وَلَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ لَمْ يَتَدَارَكْهَا، وَلَوْ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ التَّعَوُّذِ وَلَمْ يَقْرَأْ كَبَّرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَوَّذَ قَبْلَ الِافْتِتَاحِ لَا يَأْتِي بِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّعَوُّذِ لَا يَكُونُ مُسْتَفْتِحًا، وَيَنْدُبُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {ق} [ق: 1] ، وَفِي الثَّانِيَةِ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1] أَوْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] فِي الْأُولَى، وَالْغَاشِيَةَ فِي الثَّانِيَةِ جَهْرًا لِلِاتِّبَاعِ. (وَيَخْطُبَ بَعْدَهُمَا) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ (خُطْبَتَيْنِ) لِجَمَاعَةٍ لَا لِمُنْفَرِدٍ كَخُطْبَتَيْ   [حاشية البجيرمي] وَعِبَارَةُ ق ل: وَلَوْ نَقَصَ إمَامُهُ عَنْ السَّبْعِ أَوْ الْخَمْسِ تَابَعَهُ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ نَقَصَ بِاعْتِقَادٍ أَوْ لَا وَلَا يُتَابِعُهُ لَوْ زَادَ. وَفِي حَاشِيَةِ الشَّوْبَرِيِّ: فَرْعٌ لَوْ اقْتَدَى بِحَنَفِيٍّ كَبَّرَ ثَلَاثًا أَوْ مَالِكِيٍّ كَبَّرَ سِتًّا تَابَعَهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهَا سُنَّةٌ لَيْسَ فِي الْإِتْيَانِ بِهَا مُخَالَفَةٌ فَاحِشَةٌ، بِخِلَافِ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا. وَعَلَّلُوهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الْمُخَالَفَةِ الْفَاحِشَةِ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا فَكَانَتْ آكَدَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّكْبِيرَاتِ هُنَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ سَمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ فِي حَالِ الِانْتِقَالِ، وَأَمَّا جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ فَلِثُبُوتِ حَدِيثِهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ هُنَا جَمِيعَ التَّكْبِيرَاتِ لَمْ يَأْتِ بِهَا. اهـ. شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ) أَيْ قَوْلُهُ يَقِفُ نَدْبًا إلَخْ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ التَّعَوُّذِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ " يُكَبِّرُ ". قَوْلُهُ: (فِي الْجَمِيعِ) أَيْ التَّكْبِيرِ وَالْجَهْرِ وَالرَّفْعِ. قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهَا مِنْ تَكْبِيرِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " نَدْبًا " وَهُوَ أَوْلَى مِنْ رُجُوعِهِ إلَى " وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ " لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي جَمِيعِ التَّكْبِيرَاتِ بَلْ فِي بَعْضِهَا، وَمِنْ رُجُوعِهِ إلَى قَوْلِهِ " وَيَجْهَرُ " لِأَنَّهُ لَا يَجْهَرُ فِي التَّكْبِيرَاتِ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: كَغَيْرِهَا مِنْ مُعْظَمِ تَكْبِيرَاتِ الصَّلَوَاتِ اهـ. فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلرَّفْعِ. اهـ. شَيْخُنَا خَلِيفِيٌّ اهـ مَدَابِغِيٌّ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَضَاهَا يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ بَعْدَهُ مَرْحُومِيٌّ، وَسَوَاءٌ قَضَاهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مِنْ هَيْئَاتِهَا) وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجْهَرُ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ فُعِلَتْ فِي وَقْتِ السِّرِّ اهـ ز ي. وَذَلِكَ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ نَهَارِيَّةٌ وَشُرِعَ الْجَهْرُ فِيهَا فَبَقِيَتْ عَلَى أَصْلِهَا فَفَارَقَتْ غَيْرَهَا مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (لَمْ يَتَدَارَكْهَا) أَيْ لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ، فَإِنْ عَادَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَذَكَّرَهَا فِي رُكُوعِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَعَادَ لِلْقِيَامِ لِيُكَبِّرَ وَهُوَ عَامِدٌ عَالِمٌ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ شَرْحُ م ر. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَتَدَارَكْهَا أَيْ لَا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ أج. وَقَوْلُهُ: " لَمْ يَتَدَارَكْهَا " أَيْ لَا فِي الْأُولَى وَلَا فِي الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ الْفَائِتُ مِنْ الْأُولَى، وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الثَّانِيَةِ كَبَّرَ مَعَهُ خَمْسًا ثُمَّ فِي ثَانِيَتِهِ لَا يُكَبِّرُ إلَّا خَمْسًا، إذْ لَوْ زَادَ خَالَفَ سُنَّةَ الِاقْتِصَارِ عَلَى خَمْسٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَيَقْرَؤُهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يُسَنُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ التَّعَوُّذِ) تَدَارَكَهَا فَلَا تَفُوتُ بِهِ وَلَا يَفُوتُ الِافْتِتَاحُ بِهَا، وَيَفُوتُ بِالتَّعَوُّذِ وَيَفُوتُ الْكُلُّ بِالْقِرَاءَةِ وَلَوْ نَاسِيًا، وَهُوَ يَجْرِي فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (لَا يَكُونُ مُسْتَفْتِحًا) بَلْ قَارِئًا. قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ يَقْرَؤُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَأْمُومُونَ بِالتَّطْوِيلِ شَرْحُ م ر. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ شَبِيهٌ بِيَوْمِ الْمَحْشَرِ وَالسُّورَتَانِ فِيهِمَا أَهْوَالُ الْمَحْشَرِ؛ وَ {قَ} ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ: جَبَلٌ مُحِيطٌ بِالدُّنْيَا مِنْ زَبَرْجَدٍ وَهُوَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ الَّذِي تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ وَرَائِهِ بِمَسِيرَةِ سَنَةٍ وَمَا بَيْنَهُمَا ظُلْمَةٌ؛ كَذَا نَقَلَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ فَاتِحَةُ السُّورَةِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَيَخْطُبُ بَعْدَهُمَا) وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَلَوْ قُدِّمَتْ الْخُطْبَةُ عَلَى الصَّلَاةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 الْجُمُعَةِ فِي أَرْكَانٍ وَسُنَنٍ لَا فِي شُرُوطٍ، خِلَافًا لِلْجُرْجَانِيِّ وَحُرْمَةُ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ آيَةً فِي إحْدَاهُمَا لَيْسَ لِكَوْنِهَا رُكْنًا فِيهَا، بَلْ لِكَوْنِ الْآيَةِ قُرْآنًا لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ الْإِسْمَاعُ وَالسَّمَاعُ، وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ عَرَبِيَّةً، وَيُسَنُّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ فِي عِيدِ فِطْرٍ الْفِطْرَةَ وَفِي عِيدِ أَضْحًى الْأُضْحِيَّةَ فَرْعٌ: قَالَ أَئِمَّتُنَا: الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ عَشْرٌ: خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَأَرْبَعٌ فِي الْحَجِّ، وَكُلُّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَّا خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ وَعَرَفَةَ فَقَبْلَهَا، وَكُلٌّ مِنْهَا اثْنَتَانِ إلَّا الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ فِي الْحَجِّ فَفُرَادَى (وَيُكَبِّرُ) نَدْبًا (فِي) افْتِتَاحِ الْخُطْبَةِ (الْأُولَى تِسْعًا) بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ عَلَى السِّينِ (وَ) يُكَبِّرُ (فِي) افْتِتَاحِ (الثَّانِيَةِ سَبْعًا) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ وَلَاءً إفْرَادًا فِي الْجَمِيعِ تَشْبِيهًا لِلْخُطْبَتَيْنِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ، فَإِنَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى تَشْتَمِلُ عَلَى تِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ فَإِنَّ فِيهَا سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَتَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ، وَالرَّكْعَةُ الثَّانِيَةَ عَلَى سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ فَإِنَّ فِيهَا خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ وَتَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ وَالْوَلَاءُ سُنَّةٌ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَكَذَا الْإِفْرَادُ، فَلَوْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ أَوْ قُرِنَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ جَازَ وَالتَّكْبِيرَاتُ الْمَذْكُورَاتُ لَيْسَتْ مِنْ الْخُطْبَةِ بَلْ مُقَدِّمَةٌ لَهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَافْتِتَاحُ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ بِمُقَدِّمَتِهِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْهُ، وَسُنَّ غُسْلٌ لِلْعِيدَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُرَدْ لِحُضُورٍ لِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ   [حاشية البجيرمي] كَالرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ إذَا قُدِّمَتْ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَحْرُمُ لِأَنَّهُ مُتَعَاطٍ عِبَادَةً فَاسِدَةً كَالْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَنُوزِعَ فِي التَّحْرِيمِ إذَا قَصَدَ الْخُطْبَةَ. اهـ. ز ي. وَفِي ق ل: فَلَوْ قَدَّمَهُمَا لَمْ يَصِحَّ وَيَحْرُمُ إنْ تَعَمَّدَ لِأَنَّهُ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ اهـ. قَوْلُهُ: (لِجَمَاعَةٍ) أَيْ وَلَوْ مِنْ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ وَكَذَا النِّسَاءُ، لَكِنْ لَا يَخْطُبُ لَهُنَّ إلَّا ذَكَرٌ، وَلَوْ قَامَتْ وَاحِدَةٌ وَعَظَتْهُنَّ بِغَيْرِ خُطْبَةٍ فَلَا بَأْسَ؛ وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (لَا لِمُنْفَرِدٍ) عِبَارَةُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ لَا يَخْطُبُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (لَا فِي شُرُوطٍ) كَالْقِيَامِ وَالسِّتْرِ وَالطَّهَارَةِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا، وَيُسَنُّ الْجُلُوسُ قَبْلَهُمَا لِلِاسْتِرَاحَةِ كَمَا أَفَادَهُ عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (وَحُرْمَةُ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ مِنْ قَصْدِ الْقِرَاءَةِ لِكَوْنِ الْجَنَابَةِ صَارِفَةً، وَمَتَى قَصَدَهَا حَرُمَ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَقْصِدْهَا لَمْ تَصِحَّ الْخُطْبَةُ، تَأَمَّلْ. وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ " وَحُرْمَةُ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ إلَخْ " جَوَابُ اعْتِرَاضٍ وَارِدٍ عَلَى قَوْلِهِ " لَا فِي شُرُوطٍ " فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ قِرَاءَةُ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا. فَأَجَابَ بِأَنَّ حُرْمَةَ الْقِرَاءَةِ لِكَوْنِ الْآيَةِ قُرْآنًا لَا لِكَوْنِ الطَّهَارَةِ شَرْطًا، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُبَدِّلَ قَوْلَهُ " لَيْسَ لِكَوْنِهَا رُكْنًا فِيهَا " بِقَوْلِهِ " لَيْسَ لِكَوْنِ الطَّهَارَةِ شَرْطًا " وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: أَيْ لَيْسَتْ الْحُرْمَةُ لِأَجْلِ كَوْنِ الْآيَةِ رُكْنًا فَيَقْتَضِي اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْخَطِيبِ مُتَطَهِّرًا حَالَ الْخُطْبَةِ، بَلْ الْحُرْمَةُ لِأَجْلِ قُرْآنِيَّتِهَا لِأَنَّ فِي الْآيَةِ جِهَتَيْنِ كَوْنَهَا رُكْنًا فِي الْخُطْبَةِ وَكَوْنَهَا قُرْآنًا، فَالْحُرْمَةُ لِأَجْلِ الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ لَا لِلْأُولَى. قَوْلُهُ: (لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ " لَا فِي شُرُوطٍ ". قَوْلُهُ: (يُعْتَبَرُ فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ) أَيْ وَفِي صِحَّةِ الْخُطْبَةِ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْخُطَبِ الْإِسْمَاعُ وَالسَّمَاعُ، وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ عَرَبِيَّةً، وَكَذَا كَوْنُ الْخَطِيبِ ذَكَرًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل. قَوْلُهُ: (الْفِطْرَةَ) أَيْ أَحْكَامَهَا، وَهِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ) نَعَمْ يَصِحُّ تَقْدِيمُ خُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا يَأْتِي ق ل. قَوْلُهُ: (إلَّا الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ) وَهِيَ الَّتِي فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، أَيْ يَوْمِ السَّابِعِ وَاَلَّتِي فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَاَلَّتِي فِي يَوْمِ النَّفْرِ مِنْ مِنًى، يُعَلِّمُهُمْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ؛ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَتْرُوكَةٌ الْآنَ أج. قَوْلُهُ: (وَلَاءً) بِأَنْ لَا يُفْصَلَ بَيْنَهَا، وَقَوْلُهُ " إفْرَادًا " أَيْ بِأَنْ يُفْرِدَ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ بِنَفَسٍ وَيَفُوتُ بِالشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ ق ل. وَأَفْرَادًا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا الْأَوَّلُ جَمْعٌ وَالثَّانِي مُفْرَدٌ؛ وَعِبَارَةُ أج: قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: لَا يَبْعُدُ فَوَاتُ هَذَا التَّكْبِيرِ بِالشُّرُوعِ فِي أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ كَمَا يَفُوتُ التَّكْبِيرُ فِي الصَّلَاةِ بِالشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (تَشْبِيهًا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " تِسْعًا وَسَبْعًا ". قَوْلُهُ: (وَسُنَّ غُسْلٌ لِلْعِيدَيْنِ) وَلَوْ لِغَيْرِ مُمَيِّزٍ فَيُغَسِّلُهُ وَلِيُّهُ، كَمَا قِيلَ بِهِ فِي غُسْلِ إسْلَامِ الْكَافِرِ الصَّغِيرِ تَبَعًا لِأَبِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 اللَّيْلِ وَتَبْكِيرٌ بَعْدَ الصُّبْحِ لِغَيْرِ إمَامٍ، وَأَنْ يَحْضُرَ إمَامٌ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَيُعَجِّلَ الْحُضُورَ فِي أَضْحًى وَيُؤَخِّرَهُ فِي فِطْرٍ قَلِيلًا، وَحِكْمَتُهُ اتِّسَاعُ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَوَقْتِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَفِعْلُهَا بِمَسْجِدٍ أَفْضَلُ لِشَرَفِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَضِيقِهِ، وَإِذَا خَرَجَ لِغَيْرِ الْمَسْجِدِ اسْتَخْلَفَ نَدْبًا مَنْ يُصَلِّي وَيَخْطُبُ فِيهِ، وَأَنْ يَذْهَبَ لِلصَّلَاةِ فِي طَرِيقٍ طَوِيلٍ مَاشِيًا بِسَكِينَةٍ، وَيَرْجِعَ فِي قَصِيرٍ كَجُمُعَةٍ، وَأَنْ يَأْكُلَ قَبْلَهَا فِي عِيدِ فِطْرٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى تَمْرٍ وَأَنْ يَكُونَ وِتْرًا، وَيُمْسِكَ عَنْ الْأَكْلِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى، وَلَا يُكْرَهُ نَفْلٌ قَبْلَهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ لِغَيْرِ إمَامٍ، أَمَّا بَعْدَهَا فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا كُرِهَ لِأَنَّهُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَمَا فِي غُسْلِ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ) وَلَكِنَّ فِعْلَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ أَفْضَلُ وَيَخْرُجُ بِالْغُرُوبِ، وَيُنْدَبُ التَّطَيُّبُ لِلذَّكَرِ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُهُ عِنْدَهُ مِنْ الطِّيبِ، وَالتَّزَيُّنُ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَأَفْضَلُهَا الْبِيضُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهَا أَحْسَنَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا هُنَا لَا فِي الْجُمُعَةِ؛ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا إظْهَارُ النِّعَمِ وَثَمَّ إظْهَارُ التَّوَاضُعِ. وَهَلْ التَّزَيُّنُ هُنَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْجُمُعَةِ أَوْ هُوَ فِيهَا أَفْضَلُ أَوْ يَسْتَوِيَانِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ تَفْضِيلُ مَا هُنَا عَلَى الْجُمُعَةِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ طَلَبَ هُنَا أَعْلَى الثِّيَابِ قِيمَةً وَأَحْسَنَهَا مَنْظَرًا وَلَمْ يَخْتَصَّ التَّزَيُّنُ فِيهِ بِمُرِيدِ الْحُضُورِ بَلْ طُلِبَ حَتَّى مِنْ النِّسَاءِ فِي بُيُوتِهِنَّ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَيُسْتَحَبُّ إزَالَةُ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَالرِّيحِ الْكَرِيهَةِ، وَيَدْخُلُ وَقْتُ الْمَنْدُوبَاتِ بِنِصْفِ اللَّيْلِ كَالْغُسْلِ؛ وَلَكِنَّ هَذَا فِي غَيْرِ التَّبْكِيرِ، أَمَّا هُوَ فَبَعْدَ الْفَجْرِ وَالْمُسْتَسْقِي يَوْمَ الْعِيدِ يَتْرُكُ الزِّينَةَ وَالطِّيبَ وَذُو الثَّوْبِ الْوَاحِدِ يَغْسِلُهُ نَدْبًا لِكُلِّ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَتَبْكِيرٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى " غُسْلٍ " وَيَدْخُلُ وَقْتُ التَّبْكِيرِ بِالْفَجْرِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْأَوْلَى دُخُولُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ. قَوْلُهُ: (وَحِكْمَتُهُ اتِّسَاعُ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ) «كَتَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عُمَرَ حِينَ وَلَّاهُ الْبَحْرَيْنِ أَنْ عَجِّلْ الْأَضْحَى وَأَخِّرْ الْفِطْرَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: هُوَ مُرْسَلٌ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (بِمَسْجِدٍ أَفْضَلَ لِشَرَفِهِ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: يُسْتَحَبُّ الِاجْتِمَاعُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَيُكْرَهُ تَعَدُّدُهُ بِلَا حَاجَةٍ وَلِلْإِمَامِ الْمَنْعُ مِنْهُ ز ي. قَوْلُهُ: (إلَّا لِعُذْرٍ كَضِيقِهِ) وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، أَمَّا هِيَ فَفِعْلُهَا فِيهَا أَفْضَلُ مُطْلَقًا لِشَرَفِهَا وَسُهُولَةِ الْحُضُورِ إلَيْهَا مَعَ اتِّسَاعِهَا، وَمَنْ لَمْ يُلْحِقْ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَذَاكَ قَبْلَ اتِّسَاعِهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَإِذَا خَرَجَ لِغَيْرِ الْمَسْجِدِ اسْتَخْلَفَ نَدْبًا مَنْ يُصَلِّي وَيَخْطُبُ فِيهِ) عِبَارَةُ خِضْرٍ عَلَى التَّحْرِيرِ: فَإِنْ ضَاقَ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِالْبَعْضِ بِالصَّحْرَاءِ أَوْ بِمَكَانٍ آخَرَ كَمَا اسْتَخْلَفَ عَلِيٌّ أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ فِي ذَلِكَ؛ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. فَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي وَسَكَتَ عَنْ الْخُطْبَةِ لَمْ يَخْطُبْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجِيلِيُّ لِكَوْنِهِ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ، إلَّا إنْ عَلِمَ رِضَاهُ بِذَلِكَ فَيَخْطُبُ اهـ. وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخَلِيفَةَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَلَامُ خِضْرٍ يُفِيدُ أَنَّهُ فِي غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَذْهَبَ إلَخْ) وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْعِيدِ بَلْ يَجْرِي فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ كَالْحَجِّ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، إلَّا فِي الْغُزَاةِ فَالْأَوْلَى لَهُمْ الرُّكُوبُ إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (وَيَرْجِعَ فِي قَصِيرٍ) أَفَادَ بِذَلِكَ سُنَّتَيْنِ كَوْنَ الرُّجُوعِ فِي آخَرَ وَكَوْنَهُ قَصِيرًا، قَالَ م ر: وَيَرْجِعُ فِي طَرِيقٍ آخَرَ غَيْرَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ وَيُخَصُّ بِالذَّهَابِ أَطْوَلُهُمَا اهـ. وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ ق ل " لَوْ سَكَتَ عَنْ قَصِيرٍ لَكَانَ أَوْلَى اهـ " ثُمَّ رَأَيْت حَجّ فِي الْفَتَاوَى ذَكَرَ أَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِالذَّهَابِ فِي قَصِيرٍ وَالرُّجُوعِ فِي طَوِيلٍ وَكَمَالَهَا يَحْصُلُ بِالْعَكْسِ، فَلْيُحْفَظْ. قَوْلُهُ: (كَجُمُعَةٍ) أَيْ كَمَا يُطْلَبُ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُمْسِكَ عَنْ الْأَكْلِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى) وَحِكْمَتُهُ امْتِيَازُ يَوْمِ الْعِيدِ عَمَّا قَبْلَهُ بِالْمُبَادَرَةِ بِالْأَكْلِ أَوْ تَأْخِيرِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، أَيْ وَلَوْ كَانَ مُفْطِرًا فِيمَا قَبْلَ عِيدِ الْفِطْرِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَصَائِمًا فِيمَا قَبْلَ عِيدِ الْأَضْحَى؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ شَأْنُهُ ذَلِكَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: وَأَنْ يَأْكُلَ قَبْلَهَا فِي عِيدِ فِطْرٍ، أَيْ لِيَتَمَيَّزَ عَمَّا قَبْلَهُ الَّذِي كَانَ الْأَكْلُ فِيهِ حَرَامًا وَلْيُعْلَمَ نَسْخُ تَحْرِيمِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَهَا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْأَضْحَى وَالشُّرْبُ كَالْأَكْلِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 بِذَلِكَ مُعْرِضٌ عَنْ الْخَطِيبِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَيُكْرَهُ لَهُ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا لِاشْتِغَالِهِ بِغَيْرِ الْأَهَمِّ (وَيُكَبِّرُ) نَدْبًا كُلُّ أَحَدٍ غَيْرَ حَاجٍّ (مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْعِيدِ) أَيْ عِيدِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى بِرَفْعِ صَوْتٍ فِي الْمَنَازِلِ وَالْأَسْوَاقِ وَغَيْرِهِمَا وَدَلِيلُهُ فِي الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة: 185] أَيْ عِدَّةَ صَوْمِ رَمَضَانَ {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} [البقرة: 185] أَيْ عِنْدَ إكْمَالِهَا، وَفِي الثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَفِي رَفْعِ الصَّوْتِ إظْهَارُ شِعَارِ الْعِيدِ وَاسْتَثْنَى الرَّافِعِيُّ مِنْهُ الْمَرْأَةَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا حَضَرَتْ مَعَ غَيْرِ مَحَارِمِهَا وَنَحْوِهِمْ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى وَيَسْتَمِرُّ التَّكْبِيرُ (إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ إذْ الْكَلَامُ مُبَاحٌ إلَيْهِ، فَالتَّكْبِيرُ أَوْلَى مَا يُشْتَغَلُ بِهِ لِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَشِعَارُ الْيَوْمِ، فَإِنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَالْعِبْرَةُ بِإِحْرَامِهِ (وَ) يُكَبِّرُ (فِي) عِيدِ (الْأَضْحَى خَلْفَ صَلَاةِ الْفَرَائِضِ) وَالنَّوَافِلِ وَلَوْ فَائِتَةً وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ (مِنْ) بَعْدِ صَلَاةِ (صُبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى)   [حاشية البجيرمي] عِيدِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى) وَتَكْبِيرُ لَيْلَةِ الْفِطْرِ آكَدُ مِنْ تَكْبِيرِ لَيْلَةِ الْأَضْحَى بِالنَّظَرِ لِلْمُرْسَلِ، أَمَّا الْمُقَيَّدُ فِي الْأَضْحَى فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُرْسَلِ حَتَّى مِنْ مُرْسَلِ لَيْلَةِ الْفِطْرِ اهـ ابْنُ شَرَفٍ. قَوْلُهُ: (وَدَلِيلُهُ إلَخْ) ذَكَرَ أَدِلَّةً ثَلَاثَةً: الْأَوَّلُ: الْآيَةُ، وَالثَّانِي: الْقِيَاسُ، وَالثَّالِثُ: إظْهَارُ سُرُورِ الْعَبْدِ. كُلُّ دَلِيلٍ لِدَعْوَى مِمَّا قَبْلَهُ، وَالدَّعَاوَى ثَلَاثَةٌ: لَيْلَةُ عِيدِ الْفِطْرِ، وَلَيْلَةُ عِيدِ الْأَضْحَى، وَرَفْعُ الصَّوْتِ. قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى الرَّافِعِيُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِمْ) كَالزَّوْجِ وَالنِّسَاءِ، أَمَّا بِحَضْرَةِ مَنْ ذَكَرَ فَلَا يُكْرَهُ لَهَا رَفْعُ الصَّوْتِ؛ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ دُونَ رَفْعِ الرِّجْلِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَا جَازَ لَهَا رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ كَالتَّلْبِيَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ م د. قَوْلُهُ: (إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ) وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ التَّكْبِيرُ عَقِبَ صَلَاةِ عِيدِ الْفِطْرِ، فَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّكْبِيرِ عَقِبَهَا فَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي حَقِّ مَنْ يُرِيدُ الْجَمَاعَةَ يَسْتَمِرُّ طَلَبُهُ مِنْهُ إلَى إحْرَامِ الْإِمَامِ وَإِنْ تَأَخَّرَ إحْرَامُهُ إلَى الزَّوَالِ أَوْ إلَى مَا بَعْدَهُ وَفِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ إلَى إحْرَامِهِ كَذَلِكَ، أَمَّا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ أَصْلًا فَإِلَى الزَّوَالِ؛ فَاحْفَظْ ذَلِكَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (إذْ الْكَلَامُ مُبَاحٌ إلَيْهِ) أَيْ إلَى دُخُولِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: (فَالتَّكْبِيرُ أَوْلَى مَا يُشْتَغَلُ بِهِ) قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ قِرَاءَةِ الْكَهْفِ لَيْلَةَ الْعِيدِ إذَا كَانَتْ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ، فَلْيُحَرَّرْ شَوْبَرِيٌّ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ أَفْضَلُ، أَيْ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ شِعَارُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَا ذُكِرَ وِرْدًا لَهُ فِي الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: (خَلْفَ صَلَاةِ الْفَرَائِضِ) قَالَ شَيْخُنَا ق ل: يَفُوتُ التَّكْبِيرُ بِطُولِ الْفَصْلِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ اهـ. قُلْت: فِي شَرْحِ م ر أَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَا يَفُوتُ وَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ فَيَتَدَارَكُهُ لِأَنَّهُ شِعَارُ الْأَيَّامِ لَا تَتِمَّةٌ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ؛ وَهَذَا أَيْ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ ق ل وم ر فِي التَّكْبِيرِ الَّذِي يَرْفَعُ بِهِ الصَّوْتَ وَيَجْعَلُهُ شِعَارَ الْيَوْمِ، أَمَّا لَوْ اسْتَغْرَقَ عُمْرَهُ بِالتَّكْبِيرِ فِي نَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ اهـ أج. وَيَنْبَغِي تَأْخِيرُ الْمُرْسَلِ عَنْ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْمُقَيَّدِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُهُ عَلَيْهَا، وَمِنْ الْمُرْسَلِ التَّكْبِيرُ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ الْفِطْرَ لَيْسَ فِيهِ مُقَيَّدٌ. قَوْلُهُ: (وَالنَّوَافِلِ) وَلَوْ مُطْلَقَةً وَذَاتَ سَبَبٍ لَا سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ ق ل. وَمِنْهَا صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَمْ أَقِفْ فِيهِمَا عَلَى نَقْلِ شَرْحِ الْعُبَابِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ فَائِتَةً) وَقَضَاهَا فِي أَيَّامِ الْعِيدِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَقْضِيَّةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَيَّامِ الْعِيدِ أَوْ غَيْرِهَا. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِيهَا وَقَضَاهَا فِي غَيْرِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَا يُكَبِّرُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، بَلْ قَالَ: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ الْوَقْتِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ) عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَلَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ. وَهَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ؛ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ بَعْدَهَا لَا فِيهَا. وَيُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ اسْتَثْنَاهَا كَصَاحِبِ التَّنْقِيحِ عَلَى مَا فِيهِ تَأْخِيرٌ، خُصُوصًا إذَا خِيفَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ بِنَحْوِ ظُهُورِ رِيحٍ كَمَا ذَكَرَهُ خ ض وَالرَّحْمَانِيُّ. قَوْلُهُ: (مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ صُبْحِ) الَّذِي يَظْهَرُ دُخُولُ وَقْتِ التَّكْبِيرِ بِمُجَرَّدِ الْفَجْرِ، وَإِنْ لَمْ تُفْعَلْ الصُّبْحُ حَتَّى لَوْ صَلَّى فَائِتَةً أَوْ غَيْرَهَا قَبْلَهَا كَبَّرَ وَيَسْتَمِرُّ وَقْتُهُ إلَى الْغُرُوبِ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، حَتَّى لَوْ قَضَى فَائِتَةً قُبَيْلَ الْغُرُوبِ كَبَّرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 بَعْدِ صَلَاةِ (الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) الثَّلَاثَةِ لِلِاتِّبَاعِ، وَأَمَّا الْحَاجُّ فَيُكَبِّرُ عَقِبَ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاتِهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ وَقْتِ التَّلْبِيَةِ إلَى عَقِبِ صُبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ بِمِنًى، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا يُكَبِّرُ بَلْ يُلَبِّي لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ شِعَارُهُ، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ الصَّلَوَاتُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ فَلَا يُسَنُّ التَّكْبِيرُ عَقِبَهَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَالتَّكْبِيرُ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ يُسَمَّى مُقَيَّدًا وَمَا قَبْلَهُ مُطْلَقًا وَمُرْسَلًا. (وَصِيغَتُهُ الْمَحْبُوبَةُ) اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَاسْتُحْسِنَ فِي الْأُمِّ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ   [حاشية البجيرمي] وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْعَصْرِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ عَدَمِ الصَّلَاةِ بَعْدَهَا، فَلَا مَفْهُومَ لَهُ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ شَوْبَرِيٌّ اهـ. فَجُمْلَةُ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يُكَبِّرُ عَقِبَهَا غَيْرُ الْحَاجِّ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ: ثَلَاثَةٌ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَالْبَاقِي الْأَرْبَعَةُ بَعْدَهُ اهـ خ ض. قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ هُنَا: وَلَوْ قَالَ مِنْ وَقْتِ صَلَاةِ صُبْحٍ أَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ صَلَاةٍ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى اهـ. لِيَشْمَلَ مَا إذَا صَلَّى نَافِلَةً أَوْ مَقْضِيَّةً قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَقَوْلُهُ: " إلَى بَعْدِ " فِيهِ جَرُّ " بَعْدِ " بِ " إلَى " مَعَ أَنَّهَا لَا تُجَرُّ إلَّا بِ " مِنْ " قَالَ بَعْضُهُمْ بَيْتًا: اُجْرُرْ بِمِنْ لَا غَيْرَ قَبْلَ بَعْدِ مَعَ لَدُنْ وَدُونَ عِنْدِ فَافْهَمْ تُتْبَعُ قَوْلُهُ: (أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِشْرَاقِهَا بِضَوْءِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَقِيلَ: لِتَشْرِيقِ اللَّحْمِ فِيهَا، أَيْ نَشْرِهِ وَتَقْدِيدِهِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (الثَّلَاثَةِ) نُصَّ عَلَيْهَا لِلرَّدِّ عَلَى مَالِكٍ الْقَائِلِ إنَّهَا اثْنَتَانِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْحَاجُّ) خَرَجَ الْمُعْتَمِرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ إلَّا فِي زَمَنِ اشْتِغَالِهِ بِأَعْمَالِهَا اهـ ق ل، أَيْ فَجُمْلَةُ مَا يُكَبِّرُهُ خَلْفَهُ مِنْ الْفَرَائِضِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْضًا كَمَا فِي مَتْنِ الْبَهْجَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَعِبَارَةُ أج: وَأَمَّا الْحَاجُّ فَيُكَبِّرُ إلَخْ أَيْ فَلَا يُكَبِّرُ لَيْلَةَ الْأَضْحَى خِلَافًا لِلْقَفَّالِ بَلْ يُلَبِّي لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ شِعَارُهُ وَالْمُعْتَمِرُ يُلَبِّي إلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: (لَيْلَةَ الْأَضْحَى) جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ عِيدِ الْفِطْرِ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ شَخْصًا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ إذْ مِيقَاتُهُ الزَّمَانِيُّ يَدْخُلُ بِدُخُولِ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ حَاجًّا، إذْ الْمُرَادُ بِالْحَاجِّ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ حِينَئِذٍ فَيُلَبِّي وَلَا يُكَبِّرُ اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) أَيْ لِمَنْ تَحَلَّلَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، فَإِنْ تَقَدَّمَ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ اُعْتُبِرَ التَّحَلُّلُ مُطْلَقًا لِأَنَّ شِعَارَ مَنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ التَّلْبِيَةُ ق ل. وَيُسَنُّ لَهُ إذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي ذِي الْحِجَّةِ التَّكْبِيرُ، قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ عَلِمَ كَمَنْ رَأَى فَالتَّعْبِيرُ بِهَا، أَيْ بِالرُّؤْيَةِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (إلَى عَقِبِ صُبْحِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ زي، فَالْحَاجُّ وَغَيْرُهُ مُخْتَلِفَانِ فِي الْمَبْدَأِ وَمُشْتَرِكَانِ فِي النِّهَايَةِ. قَوْلُهُ: (عَقِبَ الصَّلَاةِ يُسَمَّى مُقَيَّدًا) وَلَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ وَأَذْكَارُ الصَّلَاةِ قَدَّمَهُ عَلَى الْأَذْكَارِ وَإِنْ كَانَ لَا يَفُوتُ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (الْمَحْبُوبَةُ) أَيْ الْمَسْنُونَةُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ) أَيْ وَبَعْدَ مَا بَعْدَهَا مِنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَخْ س ل. قَوْلُهُ: (كَبِيرًا) حَالٌ أَوْ مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ: كَبَّرْت كَبِيرًا أَيْ رَبًّا كَبِيرًا أَيْ عَظِيمًا. قَوْلُهُ: (كَثِيرًا) صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ: حَمْدًا. وَقَوْلُهُ: " بُكْرَةً " هِيَ أَوَّلُ النَّهَارِ، وَالْبُكْرَةُ: الْغُدْوَةُ، وَالْجَمْعُ بُكَرٌ؛ وَقَوْلُهُ " وَأَصِيلًا " هُوَ مِنْ الْعَصْرِ إلَى الْغُرُوبِ، وَجَمْعُهُ: أُصُلٌ وَآصَالٌ، أَيْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْأَزْمِنَةِ. قَوْلُهُ: (صَدَقَ وَعْدَهُ) أَيْ فِي وَعْدِهِ أَيْ بِنَصْرِ نَبِيِّهِ وَجُنْدُهُ هُمْ الْمُسْلِمُونَ، فَالضَّمِيرُ إمَّا لِلَّهِ أَوْ لِلْعَبْدِ؛ وَالْأَحْزَابُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْقَبَائِلِ، وَكَانُوا عَشْرَةَ آلَافٍ وَأَمِيرُهُمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ قَبْلَ إسْلَامِهِ، غَزَا بِهِمْ الْمَدِينَةَ وَهِيَ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا لَيْلًا هَدَمَتْ الْخِيَامَ وَأَكْفَأَتْ الْقُدُورَ فَهَزَمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَأَنْزَلَ فِيهِمْ سُورَةَ الْأَحْزَابِ. قَوْلُهُ: (وَنَصَرَ عَبْدَهُ) وَأَمَّا كَلِمَةُ " وَأَعَزَّ جُنْدَهُ " فَغَيْرُ وَارِدَةٍ فَلَمْ تُطْلَبْ، لَكِنْ نَصَّ الْعَلْقَمِيُّ عَلَى أَنَّهَا وَارِدَةٌ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَبْعُدُ اسْتِحْبَابُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] مَعَ تَفْسِيرِهِ بِلَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي كَمَا قَالَهُ ع ش. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ هِلَالِ شَوَّالٍ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ فَنُفْطِرُ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ قَبْلَ الزَّوَالِ بِزَمَنٍ يَسَعُ الِاجْتِمَاعَ وَالصَّلَاةَ أَوْ رَكْعَةً مِنْهَا صَلَّى الْعِيدَ حِينَئِذٍ أَدَاءً وَإِلَّا فَتُصَلَّى قَضَاءً مَتَى أُرِيدَ قَضَاؤُهَا، أَمَّا شَهَادَتُهُمْ بَعْدَ الْيَوْمِ بِأَنْ شَهِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا تُقْبَلُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَتُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً وَتُقْبَلُ فِي غَيْرِهَا كَوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَالْعِبْرَةُ فِيمَا لَوْ شَهِدُوا قَبْلَ الزَّوَالِ وَعُدِّلُوا بَعْدَهُ بِوَقْتِ التَّعْدِيلِ تَتِمَّةٌ: قَالَ الْقَمُولِيُّ: لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ وَالْأَعْوَامِ وَالْأَشْهُرِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ الْحَافِظِ الْمَقْدِسِيِّ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ) أَيْ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ لِحَرْبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ، أَوْ الْمُرَادُ كُلُّ مَنْ تَحَزَّبَ مِنْ الْكُفَّارِ لِحَرْبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَتَكُونُ اسْتِغْرَاقِيَّةً كَمَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ؛ وَعِبَارَةُ تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} [الأحزاب: 9] يَعْنِي الْأَحْزَابَ، وَهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَيَهُودُ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَكَانُوا زُهَاءَ أَيْ قَدْرَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا} [الأحزاب: 9] رِيحَ الصَّبَا {وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ. «رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا سَمِعَ بِإِقْبَالِهِمْ، ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْهِمْ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَمَضَى عَلَى الْفَرِيقَيْنِ قَرِيبُ شَهْرٍ لَا حَرْبَ بَيْنَهُمْ إلَّا التَّرَامِي بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَبًّا أَيْ: رِيحًا بَارِدَةً فِي لَيْلَةٍ شَاتِيَةٍ، فَأَخْصَرَتْهُمْ وَسَفَتْ التُّرَابَ فِي وُجُوهِهِمْ وَأَطْفَأَتْ نِيرَانَهُمْ وَقَلَعَتْ خِيَامَهُمْ وَهَاجَتْ الْخَيْلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَكَبَّرَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي جَوَانِبِ الْعَسْكَرِ، فَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ خُلَيْدٍ الْأَسَدِيُّ: أَمَّا مُحَمَّدٌ فَقَدْ رَمَاكُمْ بِالسِّحْرِ فَالنَّجَاءُ النَّجَاءُ، فَانْهَزَمُوا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ» اهـ. قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ هِلَالِ شَوَّالٍ إلَخْ) وَيَكْفِي فِيهَا وَاحِدٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْفِطْرِ، أَمَّا لِوُقُوعِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (يَوْمَ الثَّلَاثِينَ) أَيْ بِأَنْ شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ كَمَا فِي الْمَرْحُومِيِّ. قَالَ شَيْخُنَا ح ف: تَسْمِيَتُهُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ إنَّمَا هُوَ بِحَسْبِ الظَّاهِرِ، أَيْ بِالنَّظَرِ لِمَا قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ، وَإِلَّا فَهُوَ أَوَّلُ شَوَّالٍ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بِدُونِ الزَّمَنِ الْمَذْكُورِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تُقْبَلُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ) أَيْ فِي تَرْكِ صَلَاةِ الْعِيدِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِتَرْكِهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي قَبُولِهَا إلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ فَلَا يُصْغَى إلَيْهَا اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: لِأَنَّ شَوَّالًا قَدْ دَخَلَ يَقِينًا وَصَوْمَ ثَلَاثِينَ قَدْ تَمَّ، فَلَا فَائِدَةَ فِي شَهَادَتِهِمْ إلَّا الْمَنْعَ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ. وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ قَضَاءَهَا يُمْكِنُ لَيْلًا، وَهُوَ أَقْرَبُ وَأَحْوَطُ؛ وَأَيْضًا فَالْقَضَاءُ هُوَ مُقْتَضَى شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الصَّادِقَةِ كَمَا أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ فِي فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَرَجْمِ الزَّانِي وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِهَا وَتُنْوَى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً مَعَ عِلْمِنَا بِالْقَضَاءِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ بُلُوغِ الْمُخْبِرِينَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ؟ . اهـ. سم. قَوْلُهُ: (فَتُصَلَّى مِنْ الْغَدِ) الظَّاهِرُ وَلَوْ لِلرَّائِي شَوْبَرِيٌّ، وَلَيْسَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوَّلُ شَوَّالٍ مُطْلَقًا بَلْ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ وَيَوْمَ عَرَفَةَ الَّذِي يَظْهَرُ لَهُمْ أَنَّهُ هُوَ وَإِنْ كَانَ الْعَاشِرَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ» وَرَوَى الشَّافِعِيُّ: «عَرَفَةُ يَوْمَ يُعَرِّفُونَ» اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَالْعِبْرَةُ فِيمَا لَوْ شَهِدُوا قَبْلَ الزَّوَالِ إلَخْ) فَإِنْ عَدَّلُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ فَتُصَلَّى الْعِيدُ قَضَاءً مَتَى شَاءَ قَضَاءَهَا وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ، خِلَافًا لِمُقَابِلِ الْأَظْهَرِ الْقَائِلِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ شَهْرٍ؛ وَإِنْ كَانَ التَّعْدِيلُ بَعْدَ الْغُرُوبِ صُلِّيَتْ مِنْ الْغَدِ أَدَاءً. قَوْلُهُ: (وَعَدَّلُوا بَعْدَهُ) أَيْ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ. قَوْلُهُ: (بِوَقْتِ التَّعْدِيلِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ جَوَازِ الْحُكْمِ بِهَا، فَتُصَلَّى الْعِيدُ قَضَاءً شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَإِذَا شَهِدُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَعَدَّلُوا بَعْدَهُ فَتُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً اعْتِبَارًا بِوَقْتِ التَّعْدِيلِ. قَوْلُهُ: (فِي التَّهْنِئَةِ) التَّهْنِئَةُ ضِدُّ التَّعْزِيَةِ فَهِيَ الدُّعَاءُ بِعَوْدِ السُّرُورِ، وَالتَّعْزِيَةُ حَمْلُ الْمُصَابِ عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالدُّعَاءِ لَهُ. قَوْلُهُ: (عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّهْنِئَةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ. وَأَجَابَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ عَقَدَ لِذَلِكَ بَابًا فَقَالَ: بَابُ مَا رُوِيَ فِي قَوْلِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك وَسَاقَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَخْبَارٍ وَآثَارٍ ضَعِيفَةٍ لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَجُّ لِعُمُومِ التَّهْنِئَةِ بِمَا يَحْدُثُ مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ يَنْدَفِعُ مِنْ نِقْمَةٍ بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَالتَّعْزِيَةِ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَمَضَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ إلَيْهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَهَنَّأَهُ» وَيُنْدَبُ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ بِالْعِبَادَةِ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِإِحْيَاءِ مُعْظَمِ اللَّيْلِ. فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفِ لِلْقَمَرِ وَهَذَا هُوَ الْأَفْصَحُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَيُقَالُ فِيهِمَا كُسُوفَانِ وَخُسُوفَانِ قَالَ عُلَمَاءُ الْهَيْئَةِ: إنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ لِعَدَمِ تَغَيُّرِهَا فِي نَفْسِهَا لِاسْتِفَادَةِ ضَوْئِهَا مِنْ جِرْمِهَا، وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ بِظُلْمَتِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا مَعَ بَقَاءِ نُورِهَا فَيُرَى   [حاشية البجيرمي] ذَلِكَ) أَيْ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (مَشْرُوعَةٌ) أَيْ مَسْنُونَةٌ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ م د. قَوْلُهُ: (تَقَبَّلَ اللَّهُ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ هَذَا مِنْ التَّهْنِئَةِ، وَمِنْهُ: أَعَادَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِخَيْرٍ، وَالْمُرَادُ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْكُمْ صَلَاةَ الْعِيدِ وَالْأَضْحَى وَالْقِيَامِ. قَوْلُهُ: (وَسَاقَ مَا ذَكَرَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ. قَوْلُهُ: (وَالتَّعْزِيَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا، مِنْ قَوْلِهِ بِمَا يَحْدُثُ. وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِالتَّعْزِيَةِ عَلَى التَّهْنِئَةِ أَنَّهَا تُفْهَمُ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سُنَّتْ التَّعْزِيَةُ عَلَى الْمُصِيبَةِ سُنَّتْ التَّهْنِئَةُ عَلَى السُّرُورِ. قَوْلُهُ: (كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) هُوَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْخَزْرَجِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَنْزَلَ فِيهِمْ {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] الْآيَةُ، وَالثَّلَاثَةُ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. خَاتِمَةٌ: اجْتِمَاعُ النَّاسِ بَعْدَ الْعَصْرِ لِلدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ عَرَفَةَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ؛ وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ وَسَبَقَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ، رَحْمَانِيٌّ. وَقَالَ الشَّيْخُ الطُّوخِيُّ بِحُرْمَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ الْآنَ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ الْمُنْكَرَةِ مَا يُفْعَلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبُلْدَانِ مِنْ إيقَادِ الْقَنَادِيلِ الْكَثِيرَةِ. الْعَظِيمَةِ السَّرَفِ فِي لَيَالٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ السَّنَةِ كَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَمِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ أَيْضًا مَا يُفْعَلُ فِي الْجَوَامِعِ مِنْ إيقَادِ الْقَنَادِيلِ وَتَرْكِهَا إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعُ؛ وَهُوَ فِعْلُ الْيَهُودِ فِي كَنَائِسِهِمْ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ. وَأَكْثَرُ مَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَهُوَ حَرَامٌ، وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَيْضًا وُقُودُ الشَّمْعِ الْكَثِيرِ لَيْلَةَ عَرَفَةَ بِمِنًى؛ وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ حَرَامٌ شَدِيدُ الْحُرْمَةِ اهـ. مِنْ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ لِابْنِ عَبْدَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ] ِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ عَلَيْهَا صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا صَنَعَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي تَحْرِيرِهِ لِمُنَاسَبَةِ اشْتِرَاكِهَا مَعَ الْعِيدَيْنِ فِي الْكَيْفِيَّةِ، وَوَجْهُ ذِكْرِهَا عَقِبَ صَلَاةِ الْعِيدِ تَمَامُ مُشَابَهَتِهَا لَهَا بِخِلَافِ الْكُسُوفِ أَبْعَدَ الشَّبَهَ فِيهَا زِيَادَةُ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَلِأَنَّ وَقْتَهَا أَيْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ الْمُخْتَارَ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ اهـ. وَبِمَا ذُكِرَ انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ صَلَاةَ الْكُسُوفَيْنِ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَكَمَا صَنَعَ فِي الْمَنْهَجِ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَيْهِ: وَإِنَّمَا قُدِّمَ الِاسْتِسْقَاءُ عَقِبَ الْعِيدِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ مِنْ طَلَبِ التَّكْبِيرِ فِيهَا وَإِنْ أُبْدِلَ فِي خُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاءِ بِالِاسْتِغْفَارِ اهـ. قَوْلُهُ: (الْأَفْصَحُ) وَالْوَاقِعُ أَيْضًا لِأَنَّ الْكُسُوفَ السَّتْرُ وَالْخَسْفَ الذَّهَابُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ " لَا حَقِيقَةَ لَهُ " أَيْ مِنْ حَيْثُ ذَهَابُ ضَوْئِهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ يَسْتَتِرُ هُنَا حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا إلَخْ) وَأَبْطَلَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 لَوْنُ الْقَمَرِ كَمَدًا فِي وَجْهِ الشَّمْسِ فَيُظَنُّ ذَهَابُ ضَوْئِهَا، وَأَمَّا خُسُوفُ الْقَمَرِ فَحَقِيقَةٌ بِذَهَابِ ضَوْئِهِ لِأَنَّ ضَوْءَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَكُسُوفَهُ بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَهُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ ضَوْءٌ أَلْبَتَّةَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ   [حاشية البجيرمي] ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الشَّمْسَ أَضْعَافُ الْقَمَرِ فَكَيْفَ يَحْجُبُ الْأَصْغَرُ الْأَكْبَرَ إذَا قَابَلَهُ؟ قَسْطَلَّانِيٌّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. وَسُئِلَ م ر: هَلْ الْقَمَرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي آخَرَ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ قَمَرًا جَدِيدًا. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ قُرْصِ الشَّمْسِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَقُرْصِ الْقَمَرِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّمْسَ يُؤْذَنُ لَهَا أَنْ تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ لِلَّهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَالْقَمَرَ لَا يُؤْذَنُ لَهُ إلَّا لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشْرَ مِنْ الشَّهْرِ، فَإِذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ يَزِيدُ كُلَّ لَيْلَةٍ فَرَحًا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي السُّجُودِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْقُصُ وَيَدُقُّ غَمًّا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَالْكُسُوفُ لُغَةً: التَّغَيُّرُ إلَى السَّوَادِ، يُقَالُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ إذَا اسْوَدَّتْ وَذَهَبَ شُعَاعُهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ كَاسِفُ الْحَالِ أَيْ مُتَغَيِّرُهُ، وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْخُسُوفُ الْمَحْوُ وَالْكُسُوفُ الِاسْتِتَارُ. قَوْلُهُ: (بِظُلْمَتِهِ) أَيْ بِجِرْمِهِ الْمُظْلِمِ ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ضُوءَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ) أَيْ مُسْتَفَادٌ. قَوْلُهُ: (بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ) أَيْ جِرْمِهَا كَمَا هُوَ الصَّوَابُ. اهـ. ق ل. وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الشَّمْسُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَهُوَ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ صَالِحَةٌ، فَإِذَا حَالَ جِرْمُ الْأَرْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا انْمَحَى النُّورُ عَنْ جِرْمِهِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ الْخُسُوفُ إلَّا فِي أَنْصَافِ الْأَشْهُرِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ وَمَا وَقَعَ فِي غَيْرِهَا فَمِنْ خَرْقِ الْعَادَاتِ وَاَللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الشَّمْسَ قَدْرَ الْأَرْضِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً وَجَعَلَ سَيْرَهَا فِي الْبُرُوجِ مِنْ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ لِأَنَّ الْبُرُوجَ اثْنَا عَشْرَ وَهِيَ تَسِيرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فِي بُرْجٍ مِنْهَا فَتَرْجِعُ فِي السَّنَةِ إلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي ابْتَدَأَتْ مِنْهُ السَّيْرَ، وَتَكُونُ فِي الشِّتَاءِ فِي أَسْفَلِ الْبُرُوجِ وَفِي الصَّيْفِ فِي أَعْلَى الْبُرُوجِ وَلَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْقَمَرِ فِي سُلْطَانِهِ لِئَلَّا يُبْطِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَاصِّيَّةَ صَاحِبِهِ، إذْ فِي الشَّمْسِ خَصَائِصُ لَا تُوجَدُ فِي الْقَمَرِ وَبِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الشَّمْسَ طَبَّاخَةً لِلثِّمَارِ وَالْفَاكِهَةِ وَلَوْلَاهَا مَا نَبَتَ زَرْعٌ وَلَا خَرَجَتْ فَاكِهَةٌ، وَلَهَا خَصَائِصُ أُخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي مَحَلِّهَا، وَجَعَلَ اللَّهُ الْقَمَرَ صَبَّاغًا لِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْفَاكِهَةِ وَفِيهِ خَوَاصُّ أُخَرُ. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ: الْحِكْمَةُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَخُسُوفِ الْقَمَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَجْرَى فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ وَخُصُوصًا النَّيِّرِينَ فَقَضَى عَلَيْهِمَا بِالْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ وَصَيَّرَ ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُمَا مَعَ إشْرَاقِ نُورِهِمَا وَمَا يَظْهَرُ مَعَ حُسْنِ آثَارِهِمَا مَأْمُورَانِ فِي مَصَالِحِ الْعِبَادِ مُسَيَّرَانِ وَفِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُكَوَّرَانِ فَسُبْحَانَ الْحَكِيمِ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: سَبَبُ كُسُوفِ الشَّمْسِ تَخْوِيفُ الْعِبَادِ بِحَبْسِ ضَوْئِهَا لِيَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ إذَا حُبِسَتْ لَمْ يَنْبُتْ زَرْعٌ وَلَمْ يَجِفَّ ثَمَرٌ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ نُضْجٌ. وَقِيلَ: سَبَبُهُ تَجَلِّي اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ مَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ إلَّا خَضَعَ، فَقَدْ تَجَلَّى لِلْجَبَلِ فَجَعَلَهُ دَكًّا. وَقِيلَ: سَبَبُهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَجُرُّهَا وَفِي السَّمَاءِ بَحْرٌ فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ حَالَ سَيْرِهَا اسْتَتَرَ ضَوْءُهَا. وَسَبَبُ مَغِيبِ الشَّمْسِ أَنَّهَا تَغِيبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] أَيْ ذَاتُ حَمَأٍ أَيْ طِينٍ. وَقِيلَ: سَبَبُ غُرُوبِهَا أَنَّهَا عِنْدَ وُصُولِهَا لِآخِرِ السَّمَاءِ تَطْلُعُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَقُولُ: يَا رَبِّ إنَّ قَوْمًا يَعْصُونَك، فَيَقُولُ: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ شِئْت فَتَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَطْلُعَ مِنْ الْمَشْرِقِ. وَمِنْ خَوَاصِّ الشَّمْسِ أَنَّهَا تُرَطِّبُ بَدَنَ الْإِنْسَانِ إذَا نَامَ فِيهَا وَتُسَخِّنُ الْمَاءَ الْبَارِدَ وَتُبَرِّدُ الْبِطِّيخَ الْحَارَّ. وَمِنْ خَوَاصِّ الْقَمَرِ أَنَّهُ إذَا نَامَ فِيهِ الْإِنْسَانُ يَصْفَرُّ لَوْنُهُ وَيَثْقُلُ رَأْسُهُ وَيُسَوِّسُ الْعِظَامَ وَيُبْلِي ثِيَابَ الْكَتَّانِ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ عَلِيٍّ عَنْ السَّوَادِ الَّذِي فِيهِ، فَقَالَ: إنَّهُ أَثَرُ مَسْحِ جَنَاحِ جِبْرِيلَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ نُورَ الْقَمَرِ سَبْعِينَ جُزْءًا وَمِثْلُهُ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَ جِبْرِيلَ فَمَسَحَهُ بِجَنَاحِهِ فَمَحَا مِنْ الْقَمَرِ تِسْعَةً وَسِتِّينَ جُزْءًا فَحَوَّلَهَا إلَى الشَّمْسِ فَأَذْهَبَ عَنْهُ الضَّوْءَ وَأَبْقَى فِيهِ النُّورَ، فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] . وَإِذَا نَظَرْت إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 قَوْله تَعَالَى {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: 37] أَيْ عِنْدَ كُسُوفِهِمَا، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» (وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ) الشَّامِلِ لِلْخُسُوفِ (سُنَّةٌ) لِلدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرُهُ مُؤَكَّدَةٌ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا لِكُسُوفِ الشَّمْسِ» كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِخُسُوفِ الْقَمَرِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ عَنْ الثِّقَاتِ وَوَاظَبَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ أَيْ الْخَمْسِ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» وَلِأَنَّهَا ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ لَا أَذَانَ لَهَا كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ: لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا فَمَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةٍ لِتَأَكُّدِهَا لِيُوَافِقَ كَلَامَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، وَالْمَكْرُوهُ قَدْ يُوصَفُ   [حاشية البجيرمي] السَّوَادِ الَّذِي فِيهِ وَجَدْتَهُ حُرُوفًا أَوَّلُهَا الْجِيمُ وَثَانِيهَا الْمِيمُ وَثَالِثُهَا الْيَاءُ وَاللَّامُ وَالْأَلِفُ آخِرُ الْكُلِّ أَيْ جَمِيلًا، وَقَدْ شَاهَدْت ذَلِكَ وَقَرَأْتُهُ مِرَارًا اهـ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْحِفْنِيِّ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ. قَوْلُهُ: (أَلْبَتَّةَ) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَالنَّصْبِ دَائِمًا ق ل. قَوْلُهُ: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: 37] أَيْ صَلُّوا. قَوْلُهُ: (آيَتَانِ) تَثْنِيَةُ آيَةٍ وَهِيَ الْعَلَامَةُ الْمَخْلُوقَةُ لِلَّهِ الدَّالَّةُ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَعِظَمِ قُدْرَتِهِ، أَوْ عَلَى تَخْوِيفِ عِبَادِهِ مِنْ بَأْسِهِ وَسَطْوَتِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَوْتِ وَلَدِهِ مِنْ مَارِيَةِ الْقِبْطِيَّةِ وَهُوَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِأَنَّ كُسُوفَهَا لِأَجْلِ مَوْتِهِ؛ وَكَانَ مَوْتُهُ عَاشِرَ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَعَاشَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ سَنَةً وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ عَاشَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا؛ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَئِذٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا لِحَيَاتِهِ) اُسْتُشْكِلَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لِأَنَّ السِّيَاقَ إنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنْ ظَنَّ الْكُسُوفَ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحَيَاةَ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِ الْحَيَاةِ دَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْفَقْدِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْإِيجَادِ فَعَمَّمَ الشَّارِعُ الْمَنْفِيَّ لِدَفْعِ هَذَا التَّوَهُّمِ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " وَلَا لِحَيَاتِهِ " لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ كَمَا تَكُونُ بِمَوْتِ الشَّخْصِ تَكُونُ بِحَيَاتِهِ كَالْيَزِيدِ وَالْحَجَّاجِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ) أَيْ شَيْئًا مِنْهُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا عَادَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فَصَلُّوا) أَيْ الصَّلَاةَ الْمَعْرُوفَةَ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُجْمَلِ الْمُبَيَّنِ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ق ل. قَوْلُهُ: (وَادْعُوَا) نَدْبًا وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالدُّعَاءِ لِأَنَّ النُّفُوسَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْخَارِقِ تُعْرِضُ عَنْ الدُّنْيَا وَتَتَوَجَّهُ لِلْحَضْرَةِ الْعَلِيَّا فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَقْرَبَ لِلْإِجَابَةِ. لَا يُقَالُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ إذَا لَمْ تَنْجَلِ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ وَقَدْ يُرَادُ صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَتَكُونُ الْغَايَةُ لِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ يَمْتَدَّ الدُّعَاءُ إلَى الِانْجِلَاءِ. وَفِيهِ أَنَّهُ يُسَنُّ عِنْدَ الْكُسُوفِ الدُّعَاءُ بِكَشْفِهِ وَصَلَاةٍ تَخُصُّهُ، وَأَنَّهَا تُسَنُّ جَمَاعَةً، وَأَنَّ الْكَوَاكِبَ لَا فِعْلَ لَهَا وَلَا تَأْثِيرَ اسْتِقْلَالًا بَلْ بِأَمْرِ اللَّهِ؛ وَلَمَّا خَسَفَ الْقَمَرُ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ جَعَلَتْ الْيَهُودُ يَرْمُونَهُ بِالسَّهْمِ وَيَضْرِبُونَ بِالطَّاسِ أَيْ بِالنُّحَاسِ وَيَقُولُونَ سُحِرَ الْقَمَرُ، فَصَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَاةَ الْخُسُوفِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الضَّرْبَ عَلَى الطَّاسِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ خُسُوفِ الْقَمَرِ فِعْلُ الْيَهُودِ فَيُنْكَرُ حِينَئِذٍ لِعُمُومِ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ اهـ عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَا بِكُمْ) أَيْ الَّذِي حَلَّ بِكُمْ مِنْ الْخَوْفِ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ تِلْكَ الْآيَةِ وَهُوَ لَا يَزُولُ إلَّا بِانْجِلَائِهَا. قَوْلُهُ: (وَوَاظَبَ عَلَيْهَا) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ كُسُوفُهُمَا فِي زَمَنِهِ فَمَا مَعْنَى الْمُوَاظَبَةِ تَأَمَّلْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ وَاظَبَ لَوْ وَقَعَ أَوْ الْمُرَادُ أَمَرَ بِذَلِكَ وَوَاظَبَ النَّاسُ عَلَيْهَا بَعْدَهُ ق ل. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ أَنَّ الَّذِي فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَنَّ خُسُوفَ الْقَمَرِ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُسُوفَ الشَّمْسِ لَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِهِ إلَّا مَرَّةً، فَالْمُرَادُ الْمُوَاظَبَةُ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا إلَخْ) أَصْلُ الْكَلَامِ: وَلِأَنَّهَا كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي أَنَّهَا ذَاتُ رُكُوعٍ إلَخْ، فَقَوْلُهُ " ذَاتُ رُكُوعٍ " بَيَانٌ لِلْجَامِعِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَأَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيلِ لِرَدِّ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ بَقِيَّةُ كَلَامِهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ) وَلَمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 بِعَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ جِهَةِ إطْلَاقِ الْجَائِزِ عَلَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ (فَإِنْ فَاتَتْ) وَفَوَاتُ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ بِالِانْجِلَاءِ وَبِغُرُوبِهَا كَاسِفَةً، وَفَوَاتُ صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ بِالِانْجِلَاءِ وَبِطُلُوعِ الشَّمْسِ لَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ (لَمْ تُقْضَ) لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ شُرِعَتْ، فَإِنْ حَصَلَ الِانْجِلَاءُ أَوْ الْغُرُوبُ فِي الشَّمْسِ أَوْ طُلُوعُ الشَّمْسِ فِي الْقَمَرِ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ تَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ (وَيُصَلِّي) الشَّخْصُ (لِكُسُوفِ الشَّمْسِ وَخُسُوفِ الْقَمَرِ رَكْعَتَيْنِ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَيَقْرَأُ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ الْفَاتِحَةَ، وَيَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ثَانِيًا ثُمَّ يَرْكَعُ ثَانِيًا ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثَانِيًا   [حاشية البجيرمي] كَانَتْ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ مُتَّفَقًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا جَعَلَهَا أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَائِلِ بِوُجُوبِهَا أَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (عَلَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ) وَهُوَ الْمُبَاحُ لِأَنَّهُ اسْتَوَى فِعْلُهُ وَعَدَمُ فِعْلِهِ وَهُمَا الطَّرَفَانِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ " لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا " أَيْ لَا يُبَاحُ تَرْكُهَا بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ: (وَفَوَاتُ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ إلَخْ) بِمَعْنَى يَمْتَنِعُ فِعْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا بِمَعْنَى فَوَاتِ الْأَدَاءِ، وَتَقْيِيدُ الْفَوَاتِ بِالصَّلَاةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَفُوتُ بِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ «خُطْبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ إنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ» اهـ عَبْدُ الْبَرِّ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (بِالِانْجِلَاءِ) أَيْ التَّامِّ يَقِينًا، فَلَهُ الشُّرُوعُ فِيهَا مَعَ الشَّكِّ فِيهِ، وَإِذَا تَبَيَّنَ الْحَالَ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ. قَالَ: فَإِنْ قُلْت: لِمَ فَاتَتْ صَلَاةُ الْخُسُوفِ بِالِانْجِلَاءِ وَلَمْ تَفُتْ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ بِالسُّقْيَا؟ قُلْت: لِأَنَّهُ لَا غِنَى لِلنَّاسِ عَنْ مَجِيءِ الْغَيْثِ، فَتَكُونُ صَلَاتُهُمْ ثَمَّ لِطَلَبِ الْغَيْثِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُنَا لِأَجْلِ الْخُسُوفِ وَقَدْ زَالَ بِالِانْجِلَاءِ؛ وَالْمُعْتَمَدُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ إذَا فُعِلَتْ بَعْدَ السُّقْيَا أَنَّهُ إنَّمَا يَنْوِي بِهَا الشُّكْرَ عَلَى مَا حَصَلَ فَافْهَمْ وَلَوْ حَالَ دُونَ الشَّمْسِ سَحَابٌ وَشَكَّ فِي الِانْجِلَاءِ أَوْ الْكُسُوفِ وَقَالَ مُنَجِّمٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ انْجَلَتْ أَوْ انْكَسَفَتْ لَمْ يُؤَثِّرْ فَتُصَلَّى فِي الْأَوْلَى أَدَاءً، إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ الْكُسُوفِ دُونَ الثَّانِي، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ؛ وَقَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ جَوَازُ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِمْ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ فَاحْتِيطَ لَهَا، وَبِأَنَّ دَلَالَةَ عِلْمِهِ أَيْ الْمُنَجِّمِ عَلَى ذَيْنِك أَيْ الْوَقْتِ وَالصَّوْمِ أَقْوَى مِنْهَا هُنَا وَذَلِكَ لِفَوَاتِ سَبَبِهَا. اهـ. م ر. وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ ظَنًّا بَقَاءَ الْوَقْتِ فَبَانَ خِلَافُهُ وَقَعَتْ نَفْلًا مُطْلَقًا، بِخِلَافِهَا فِي الْكَيْفِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ إذْ لَيْسَ لَنَا نَفْلٌ مُطْلَقٌ عَلَى صُورَتِهَا وَلَا تُوصَفُ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ سَوَاءٌ أَدْرَكَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ أَمْ لَا، اُنْظُرْ خ ض. قَوْلُهُ: (وَبِغُرُوبِهَا كَاسِفَةً) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ بِغُرُوبِهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ أَيَّامُ الدَّجَّالِ فَلَا يُصَلِّي لَهَا إذَا كَسَفَتْ فِيمَا يُقَدِّرُ أَنَّهُ لَيْلٌ لِأَنَّ هَذَا لَيْلٌ تَقْدِيرًا؟ أَوْ الْمُرَادُ بِغُرُوبِهَا حَقِيقَةً لَا حُكْمًا فَيُصَلِّي لَهَا إذَا كَسَفَتْ فِيمَا يُقَدِّرُ أَنَّهُ لَيْلٌ لَا نَهَارٌ مَوْجُودَةً بِالْفِعْلِ وَيُنْتَفَعُ بِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ مَالَ شَيْخُنَا ز ي إلَى أَنَّهُ يُصَلِّي لَهَا إذَا كَسَفَتْ فِيمَا يُقَدِّرُ أَنَّهُ لَيْلٌ وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاتِهَا لِأَنَّهُ لَيْلٌ تَقْدِيرًا، فَالْوَجْهُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا مَا يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ. وَيُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا صَلَاةُ كُسُوفِ شَمْسٍ يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَصَلَاةُ خُسُوفِ قَمَرٍ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا ز ي أَنَّهُ يُصَلِّي لِلْقَمَرِ إذَا خَسَفَ بَعْدَ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ انْتِفَاعًا تَامًّا وَهُوَ مِنْ النَّهَارِ حَقِيقَةً، فَعُهِدَ لَنَا أَنَّا نُصَلِّي لِأَحَدِ الْكُسُوفَيْنِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ الْمَعْهُودِ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (وَبِطُلُوعِ الشَّمْسِ) أَيْ جُزْءٍ مِنْهَا اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: (لَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ) أَيْ وَلَا بِغُرُوبِ الْقَمَرِ خَاسِفًا كَمَا لَوْ اسْتَتَرَ بِغَمَامٍ. وَيُفَارِقُ غُرُوبَ الشَّمْسِ كَاسِفَةً بِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ سُلْطَانِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ: " وَلَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ " لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِضَوْئِهِ فِيهِ فَهُوَ مَحَلُّ سُلْطَانِهِ فَأُلْحِقَ بِاللَّيْلِ، بَلْ هُوَ لَيْلٌ حَقِيقَةً عِنْدَ عُلَمَاءِ الْهَيْئَةِ لِأَنَّ النَّهَارَ عِنْدَهُمْ مِنْ ظُهُورِ الشَّمْسِ وَاللَّيْلُ عَدَمُهُ اهـ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ يُصَيِّرُهَا قَضَاءً؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ هُنَا كَمَا بَعْدَهُ فَالْوَقْتُ وَاحِدٌ فَلَمْ يَخْرُجْ أَيُّ الْوَقْتِ. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (لَمْ تُقْضَ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهَا. وَعِبَارَةُ أج: لَمْ تُقْضَ أَيْ لَمْ يُطْلَبْ قَضَاؤُهَا بَلْ لَا يَصِحُّ اهـ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ) لَكِنْ إذَا غَرَبَتْ وَقَدْ بَقِيَ الرَّكْعَتَانِ أَوْ رَكْعَةٌ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ، كَمَا إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ حَيْثُ يُسِرُّ فِيمَا بَقِيَ، كَمَا لَوْ صَلَّى مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً وَطَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ بَعْدَ فِعْلِ رَكْعَةٍ مِنْ الْعَصْرِ حَيْثُ يُسِرُّ فِي رَكْعَةِ الصُّبْحِ وَيَجْهَرُ فِي رَكْعَةِ الْعَصْرِ. أَمَّا لَوْ شَرَعَ فِيهَا ظَانًّا بَقَاءَهُ فَتَبَيَّنَ الِانْجِلَاءَ قَبْلَ تَحَرُّمِهِ بَطَلَتْ، وَلَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا مُطْلَقًا إنْ صُلِّيَتْ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ إذْ لَيْسَ لَنَا نَفْلٌ عَلَى هَيْئَتِهَا اهـ سم. قَوْلُهُ: (فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ كَوْنِهَا لِلشَّمْسِ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 ثُمَّ يَسْجُدُ السَّجْدَتَيْنِ، وَيَأْتِي بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي مَحَلِّهَا فَهَذِهِ رَكْعَةٌ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً ثَانِيَةً كَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ وَقَوْلُهُمْ: إنَّ هَذَا أَقَلُّهَا أَيْ إذَا شَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَإِلَّا فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ صَحَّتْ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَقَلُّ الْكَمَالِ وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ فَأَكْثَرَ لِطُولِ مُكْثِ الْكُسُوفِ، وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ رُكُوعٍ لِلِانْجِلَاءِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَا يُزَادُ عَلَى أَرْكَانِهَا، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا وَوَرَدَ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ وَأَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الرُّكُوعَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَهِيَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ، فَقُدِّمَتْ عَلَى بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ، وَأَكْمَلِهَا (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ) قَبْلَ السُّجُودِ. (يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا) فَيَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَسَوَابِقِهَا مِنْ افْتِتَاحٍ وَتَعَوُّذٍ الْبَقَرَةَ بِكَمَالِهَا إنْ أَحْسَنَهَا وَإِلَّا فَقَدْرُهَا، وَيَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا، وَفِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ كَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْهَا، وَفِي الْقِيَامِ الرَّابِعِ كَمِائَةٍ مِنْهَا تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيعِ وَنُصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي آلَ عِمْرَانَ أَوْ قَدْرَهَا، وَفِي الثَّالِثِ النِّسَاءَ أَوْ قَدْرَهَا، وَفِي الرَّابِعِ الْمَائِدَةَ أَوْ قَدْرَهَا، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ اخْتِلَافًا بَلْ هُوَ لِلتَّقْرِيبِ (وَفِي) كُلِّ رَكْعَةٍ (رُكُوعَانِ يُطِيلُ التَّسْبِيحَ فِيهِمَا) فَيُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ الرُّكُوعَاتِ الْأَرْبَعَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَدْرَ مِائَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ، وَفِي الرُّكُوعِ الثَّانِي قَدْرَ ثَمَانِينَ مِنْهَا، وَفِي الرُّكُوعِ الثَّالِثِ قَدْرَ سَبْعِينَ مِنْهَا بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّنْبِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى السِّينِ، وَفِي الرَّابِعِ قَدْرَ خَمْسِينَ   [حاشية البجيرمي] لِلْقَمَرِ، ثُمَّ إنْ نَوَاهَا بِرُكُوعَيْنِ تُعَيَّنُ أَوْ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ مَثَلًا تُعَيَّنُ وَإِنْ أَطْلَقَ فَسَيَأْتِي ق ل. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَعْتَدِلُ) أَيْ قَائِلًا: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ " وَيَقُولُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَفْعٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي أَنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الرَّفْعِ الْأَوَّلِ بَلْ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ اعْتِدَالًا اهـ أج مَعَ زِيَادَةِ. قَوْلِهِ: (كَسُنَّةِ الظُّهْرِ) إنَّمَا آثَرَ الظُّهْرَ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ فَلَوْ نَوَاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ ثُمَّ عَنَّ لَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَنْ يَزِيدَ رُكُوعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيُحْمَلُ) أَيْ قَوْلُهُمْ إنَّ هَذَا أَقَلُّهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ) فَتَبْطُلُ بِذَلِكَ كَمَا لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ بِهِ ق ل وَلَا يُكَرِّرُهَا قَوْلُهُ: (فِي الصَّحِيحَيْنِ) أَيْ فِي «صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُسُوفِ الشَّمْسِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَسَوَابِقِهَا إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَكْبِيرَ فِيهَا كَالْعِيدَيْنِ وَلَا اسْتِغْفَارَ، وَأَمَّا خُطْبَتَاهَا فَسَيَأْتِي يَقُولُ لَكِنْ لَا يُكَبِّرُ فِيهِمَا إلَخْ. نَعَمْ لَا يَبْعُدُ سَنُّ الِاسْتِغْفَارِ فِيهِمَا كَالِاسْتِسْقَاءِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (الْبَقَرَةَ) أَيْ لِأَنَّهَا فُسْطَاطُ الْقُرْآنِ وَسَنَامُهُ وَلُبَابُهُ تَعَلَّمَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِفِقْهِهَا وَمَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ سَنَةً، وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي ثَمَانِ سِنِينَ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِيهَا أَلْفُ أَمْرٍ وَأَلْفُ نَهْيٍ وَأَلْفُ حُكْمٍ وَأَلْفُ خَبَرٍ، أَخْذُهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكُهَا حَسْرَةٌ لَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ وَهُمْ السَّحَرَةُ لِمَجِيئِهِمْ بِالْبَاطِلِ إذَا قُرِئَتْ فِي بَيْتٍ لَمْ تَدْخُلْهُ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا) أَيْ الْآيَاتِ الْمُعْتَدِلَةِ. قَوْلُهُ: (وَنُصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ) أَيْ فِي كِتَابِهِ؛ وَهُوَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ مِنْ بُوَيْطَ قَرْيَةٍ مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ الْأَدْنَى، كَانَ خَلِيفَةَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرَهَا) ذِكْرُ ذَلِكَ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مُدْرَجٌ فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ، فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَهُ ق ل. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ اسْتِحْبَابُ هَذِهِ الْإِطَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَأْمُومُونَ بِهَا. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْتُوبَةِ بِالنُّدُورِ أَوْ بِأَنَّ لَهُ الْخُرُوجَ مِنْهَا بِخِلَافِ الْمَكْتُوبَةِ، وَأَيْضًا الْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِخُصُوصِ شَيْءٍ فِيهِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى رِضَاهُمْ. اهـ. شَرْحُ م ر. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ بَعْضَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَفِي الثَّالِثِ النِّسَاءَ) إنْ قُلْت: هَذَا النَّصُّ يَقْتَضِي تَطْوِيلَ الْقِيَامِ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي إذْ النِّسَاءُ أَطْوَلُ مِنْ آلِ عِمْرَانَ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، بِخِلَافِ النَّصِّ الْأَوَّلِ فِيهِ تَطْوِيلُ الثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ وَهُوَ الْأَصْلُ، إذْ الثَّانِي فِيهِ مِائَتَانِ وَالثَّالِثُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، وَبَيْنَ النَّصَّيْنِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ تَفَاوُتٌ كَبِيرٌ فَكَيْفَ يَقُولُ الشَّارِحُ لَيْسَ اخْتِلَافًا إلَخْ؟ قُلْت: نَعَمْ نَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ؛ وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ بِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ مَجْمُوعِ النَّصَّيْنِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ تَطْوِيلِ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي وَنَقْصِهِ عَنْهُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَفِي الرَّابِعِ قَدْرُ خَمْسِينَ) هَلَّا قَالَ: قَدْرُ سِتِّينَ؟ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: قَالَ ع ش: وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَنَّهُ جَعَلَ نِسْبَةَ الرَّابِعِ لِلثَّالِثِ كَنِسْبَةِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ وَقَدْ نَقَصَ عَنْهُ عِشْرِينَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 مِنْهَا تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيعِ لِثُبُوتِ التَّطْوِيلِ مِنْ الشَّارِعِ بِلَا تَقْدِيرٍ (دُونَ السَّجَدَاتِ) أَيْ فَلَا يُطِيلُهَا كَالْجُلُوسِ بَيْنَهَا وَالِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي وَالتَّشَهُّدِ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ، وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فِي صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُسُوفِ الشَّمْسِ» وَنُصَّ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُطَوِّلُهَا نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهَا قَالَ الْبَغَوِيّ: فَالسُّجُودُ الْأَوَّلُ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، وَالسُّجُودُ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اسْتِحْبَابُ هَذِهِ الْإِطَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا الْمَأْمُومُونَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْتُوبَةِ بِالنُّدْرَةِ، وَلَوْ نَوَى صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَأَطْلَقَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّهَا وَهِيَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ أَوْ عَلَى أَدْنَى الْكَمَالِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ بِرُكُوعَيْنِ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَتُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَتُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَتُسَنُّ لِلنِّسَاءِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ، وَذَوَاتُ الْهَيْئَاتِ يُصَلِّينَ فِي بُيُوتِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، فَإِنْ اجْتَمَعْنَ فَلَا بَأْسَ، وَتُسَنُّ صَلَاتُهَا فِي الْجَامِعِ كَنَظِيرِهِ فِي الْعِيدِ (وَيَخْطُبُ) الْإِمَامُ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ (خُطْبَتَيْنِ) كَخُطْبَتَيْ عِيدٍ فِيمَا مَرَّ لَكِنْ لَا يُكَبِّرُ فِيهِمَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَإِنَّمَا تُسَنُّ الْخُطْبَةُ لِلْجَمَاعَةِ وَلَوْ مُسَافِرِينَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ، وَيَحُثُّ فِيهِمَا السَّامِعِينَ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ مِنْ تَوْبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَعِتْقٍ وَنَحْوِهَا لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَأَمَّا التَّنْظِيفُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ وَقَلْمِ الظُّفْرِ فَلَا يُسَنُّ لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ فَإِنَّهُ يُضَيِّقُ الْوَقْتَ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ قِيَاسًا عَلَى الِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالْحَالِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ   [حاشية البجيرمي] فَكَذَلِكَ الرَّابِعُ يَنْقُصُ عَنْ الثَّالِثِ عِشْرِينَ. قَوْلُهُ: (وَنُصَّ) أَيْ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ، وَقَوْلُهُ أَنَّهُ يُطَوِّلُهَا خَبَرُ قَوْلِهِ " وَالصَّحِيحُ " وَالْمُرَادُ يُطَوِّلُ السَّجَدَاتِ نَحْوَ الرُّكُوعِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ فِي الْمَقِيسِ دُونَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ أج: قَوْلُهُ: " فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ " هَذَا عَلَى طَرِيقَتِهِ الَّتِي قَدَّمَهَا فِي الْوِتْرِ مِنْ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْوِتْرَ وَأَطْلَقَ تَخَيَّرَ. وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر أَنَّهُ إذَا أُطْلِقَ فِي الْوِتْرِ حُمِلَ عَلَى ثَلَاثٍ، وَأَمَّا الْكُسُوفُ فَيَتَخَيَّرُ اهـ. فَرْعٌ: لَوْ نَذَرَ صَلَاتَهَا هَلْ يَكْفِيهِ أَيُّ كَيْفِيَّةٍ مِنْهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ سم. قَالَ شَيْخُنَا: يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ وَلَوْ بِرَكْعَتَيْنِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ فَيَتَصَدَّقُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ، نَعَمْ لَوْ نَذَرَ كَيْفِيَّةً بِعَيْنِهَا تَعَيَّنَتْ وَلَا يَكْفِيهِ غَيْرُهَا كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِدِرْهَمٍ لَا يَكْفِيهِ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ اهـ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ) مُعْتَمَدٌ وَإِنْ كَانَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ ضَعِيفًا. وَالْفَرْقُ أَنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِ الْكُسُوفِ لَمْ تَخْتَلِفْ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الْكَيْفِيَّةُ، وَأَمَّا الْوِتْرُ فَعَدَدُ رَكَعَاتِهِ مُخْتَلِفَةٌ م د. قَوْلُهُ: (كَنَظِيرِهِ فِي الْعِيدِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إنْ ضَاقَ الْجَامِعُ خَرَجَ لِفِعْلِهَا فِي الصَّحْرَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ ضَاقَ؛ وَإِنَّمَا لَمْ تُسَنَّ فِي الصَّحْرَاءِ لِأَنَّ خُرُوجَهُمْ إلَيْهَا يُعَرِّضُهَا لِلْفَوَاتِ بِالِانْجِلَاءِ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الصَّحْرَاءُ قَرِيبَةً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ اهـ أج قَوْلُهُ: (خُطْبَتَيْنِ) أَيْ وَإِنْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْوَعْظُ وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِذَلِكَ، قَالَهُ الَأُجْهُورِيُّ. وَيَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ تَقْيِيدُ الشَّارِحِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ: " وَفَوَاتُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ إلَخْ " فَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (كَخُطْبَتَيْ عِيدٍ) أَيْ فَلَا يَكْفِي خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا قِيَامٌ وَلَا جُلُوسٌ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَلَا طُهْرٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ كَمَا فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ؛ نَعَمْ يُعْتَبَرُ لِأَدَاءِ السُّنَّةِ الْإِسْمَاعُ وَالسَّمَاعُ وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ عَرَبِيَّةً. قَوْلُهُ: (لَكِنْ لَا يُكَبِّرُ فِيهِمَا) لِعَدَمِ وُرُودِهِ، قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَيَحْسُنُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ اهـ. قُلْت: وَمَا قَالَهُ النَّاشِرِيُّ لَائِقٌ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ الْكُسُوفَ مِمَّا يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ خُصُوصًا إذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُهُمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ يُطْلَبُ الدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ مِنْهُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَعِتْقٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " وَإِعْتَاقٍ " لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ أَعْتَقَ لَا عَتَقَ لِأَنَّهُ لَازِمٌ، تَقُولُ: عَتَقَ الْعَبْدُ، وَلَا تَقُولُ: عَتَقْتُ الْعَبْدَ، بَلْ تَقُولُ: أَعْتَقْت الْعَبْدَ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ) أَيْ فَهُوَ سُنَّةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 تَعَرَّضَ لَهُ وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعٍ أَوَّلٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَوْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعٍ ثَانٍ أَوْ فِي قِيَامٍ ثَانٍ مِنْ أَيِّ رَكْعَةٍ فَلَا يُدْرِكُ شَيْئًا مِنْهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ وَقِيَامُهُ وَالرُّكُوعُ الثَّانِي وَقِيَامُهُ فِي حُكْمِ التَّابِعِ (وَيُسِرُّ فِي) قِرَاءَةِ (كُسُوفِ الشَّمْسِ) لِأَنَّهَا نَهَارِيَّةٌ (وَيَجْهَرُ فِي) قِرَاءَةِ (خُسُوفِ الْقَمَرِ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ لَيْلٍ أَوْ مُلْحَقَةٌ بِهَا وَهُوَ إجْمَاعٌ. وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَأَكْثَرُ وَلَمْ يَأْمَنْ الْفَوَاتَ قَدَّمَ الْأَخْوَفَ فَوَاتًا ثُمَّ الْآكَدَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ أَوْ فَرْضٌ آخَرُ غَيْرَهَا قَدَّمَ الْفَرْضَ جُمُعَةً أَوْ غَيْرَهَا لِأَنَّ فِعْلَهُ مُحَتَّمٌ فَكَانَ أَهَمَّ هَذَا إنْ خِيفَ فَوْتُهُ لِضِيقِ وَقْتِهِ، فَفِي الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ لَهَا ثُمَّ يُصَلِّيهَا ثُمَّ الْكُسُوفَ إنْ بَقِيَ ثُمَّ يَخْطُبُ لَهُ، وَفِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ يُصَلِّي الْفَرْضَ ثُمَّ يَفْعَلُ بِالْكُسُوفِ مَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْفَرْضِ قَدَّمَ الْكُسُوفَ لِتَعَرُّضِهَا لِلْفَوَاتِ بِالِانْجِلَاءِ، وَيُخَفِّفُهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ قِيَامٍ الْفَاتِحَةَ وَنَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ فِي صُورَتِهَا مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْصِدَهُ مَعَهَا لِلْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ مَقْصُودٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعِ خُطَبٍ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ صَلَاتِهَا وَالْجُمُعَةُ بِالْعَكْسِ وَلَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَجِنَازَةٌ أَوْ كُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ فِيهِمَا خَوْفًا مِنْ تَغْيِيرِ الْمَيِّتِ، وَلَكِنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِهَا إذَا حَضَرَتْ وَحَضَرَ الْوَلِيُّ وَإِلَّا أَفْرَدَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فَلَا يُدْرِكُ شَيْئًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي فَاتَهُ مِنْهَا مَا فَاتَهُ، وَمَحَلُّهُ إذَا أَرَادَ صَلَاتَهَا بِرُكُوعَيْنِ أَمَّا إذَا أَرَادَ صَلَاتَهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَأَدْرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَيَجْهَرُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ فِي الْوَقْتِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْلٌ. وَعِبَارَةُ سم: لَوْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ فِي الْوَقْتِ الْمَحْكُومِ فِيهِ بِأَنَّهُ لَيْلٌ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ جَهْرٍ، لَكِنْ هَلْ يَنْوِي كُسُوفَ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ وَقْتُ شَمْسٍ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ فِي لَيْلٍ حُكْمًا أَوْ كُسُوفَ الْقَمَرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ قَمَرٍ حُكْمًا لِلْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ بِأَنَّهُ لَيْلٌ؟ قَالَ م ر بِالثَّانِي، وَلَا تَرَدُّدَ عِنْدِي فِي الْأَوَّلِ، فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُلْحَقَةٌ بِهَا) أَيْ إذَا كَانَتْ بَعْدَ الْفَجْرِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اجْتَمَعَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ اجْتَمَعَ فَرْضُ جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَعَ كُسُوفٍ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْفَرْضِ فَقَطْ قَدَّمَهُ أَوْ فَوْتَ الْكُسُوفِ فَقَطْ قَدَّمَهُ أَوْ فَوْتَهُمَا قَدَّمَ الْفَرْضَ لِأَنَّهُ أَهَمُّ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: أَوْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَفَرْضٌ كَجُمُعَةٍ قُدِّمَ إنْ ضَاقَ وَقْتُهُ وَإِلَّا فَالْكُسُوفُ. تَنْبِيهٌ: إذَا قَدَّمَ الْكُسُوفَ عَلَى فَرْضٍ غَيْرُ الْجُمُعَةِ فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ أَيْضًا، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِالِانْجِلَاءِ. وَأَيْضًا فَقَوْلُهُمْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْفَاتِحَةِ يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْت فِي تَحْرِيرِ الْعِرَاقِيِّ نَقْلًا عَنْ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ يُصَلِّي الْكُسُوفَ ثُمَّ الْفَرْضَ ثُمَّ يَخْطُبُ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ اهـ عَمِيرَةُ ز ي. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَأْمَنْ الْفَوَاتَ) بِأَنْ خَافَ الْفَوَاتَ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى هَذَا) إلَى قَوْلِهِ " هَذَا إنْ خِيفَ فَوْتُهُ " مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ " ثُمَّ الْآكَدَ "، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " ثُمَّ الْآكَدَ " أَيْ ثُمَّ بَعْدَ اسْتِوَائِهِمَا خَوْفًا، فَالْآكَدُ وَهُمَا الْآن مُسْتَوِيَانِ فِي الْخَوْفِ. وَقَوْلُهُ " فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْفَرْضِ " مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ " قَدَّمَ الْأَخْوَفَ وَمَعْنَى لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْفَرْضِ " لَمْ يَشْتَدَّ خَوْفُ الْفَوَاتِ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَأْمَنْ الْفَوَاتَ وَهُوَ خَوْفُ الْفَوَاتِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ الصُّوَرِ، فَتَأَمَّلْ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (هَذَا إنْ خِيفَ فَوْتُهُ) أَيْ اشْتَدَّ خَوْفُ فَوْتِهِ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ خَائِفٌ الْفَوَاتَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْفَرْضِ قَدَّمَ الْكُسُوفَ) أَيْ صَلَاتَهُ ثُمَّ يُصَلِّي الْفَرْضَ ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْكُسُوفِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَفُوتُ بِالِانْجِلَاءِ وَلَوْ كَانَ وَقْتُ الْفَرْضِ مُتَّسِعًا اهـ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ) أَيْ فِيمَا بَيْنَ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ " أَيْ لِمَا يُقَالُ فِي خُطْبَتِهِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " وَلَا يَصِحُّ إلَخْ " أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْخُطْبَةِ لِلْجُمُعَةِ وَلَا يَكْفِي الْإِطْلَاقُ لِوُجُودِ الصَّارِفِ ح ل. قَوْلُهُ: (قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ) اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَوْ ضَاقَ. قَوْلُهُ: (خَوْفًا مِنْ تَغْيِيرِ الْمَيِّتِ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَظِنَّةٌ لِلتَّغْيِيرِ ح ل. قَالَ السُّبْكِيُّ: قَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ بِخَوْفِ تَغْيِيرِ الْمَيِّتِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْفَرْضِ وَلَوْ جُمُعَةً عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ وَاجِبٌ اهـ. وَمِنْ ثَمَّ تَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ مُخْطِئُونَ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ الْآنَ مِنْ تَأْخِيرِ الْجِنَازَةِ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 الْإِمَامُ جَمَاعَةً يَنْتَظِرُونَهَا وَاشْتَغَلَ مَعَ الْبَاقِينَ بِغَيْرِهَا وَالْعِيدُ مَعَ الْكُسُوفِ كَالْفَرْضِ مَعَهُ لِأَنَّ الْعِيدَ أَفْضَلُ مِنْهُ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَهُمَا مَعًا بِالْخُطْبَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَالْقَصْدُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ مَعَ أَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْمَقْصُودِ فَلَا تَضُرُّ نِيَّتُهُمَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ   [حاشية البجيرمي] اتِّسَاعِ وَقْتِ الْفَرْضِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ. اهـ. عَمِيرَةُ ز ي. قَالَ ح ل: وَهَذَا مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ يَسِيرًا لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَنْبَغِي مَنْعُهُ، فَلَوْ خِيفَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى الْفَرْضِ وَإِنْ خِيفَ فَوْتُ وَقْتِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْعِيدُ مَعَ الْكُسُوفِ كَالْفَرْضِ) أَيْ فَيُقَدَّمُ مِنْهُمَا مَا خِيفَ فَوْتُهُ، فَإِنْ خِيفَ فَوْتُهُمَا مَعًا قُدِّمَ الْعِيدُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْكُسُوفِ. قَوْلُهُ: (وَالْقَصْدُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ) وَهُوَ الْوَعْظُ. قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْمَقْصُودِ) وَهُوَ الصَّلَاةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَاعِي الْعِيدَ فَيُكَبِّرُ فِي الْخُطْبَةِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ حِينَئِذٍ لَا يُنَافِي الْكُسُوفَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ فِي خُطْبَتِهِ لَا أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ فِيهَا شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الزَّلَازِلِ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: وَالزَّلَازِلُ الشَّدَائِدُ، وَقَوْلُهُ: " كَالصَّوَاعِقِ " قَالَ فِيهِ الصَّاعِقَةُ نَارٌ تَسْقُطُ مِنْ السَّمَاءِ فِي رَعْدٍ شَدِيدٍ، يُقَالُ صَعَقَتْهُمْ السَّمَاءُ مِنْ بَابِ قَطْعَ إذَا أَلْقَتْ عَلَيْهِمْ الصَّاعِقَةُ، وَالصَّاعِقَةُ أَيْضًا صَيْحَةُ الْعَذَابِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الصَّاعِقَةَ ثَلَاثَةٌ الْمَوْتُ، كَقَوْلِهِ: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} [الزمر: 68] وَالْعَذَابُ كَقَوْلِهِ: {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] وَالنَّارُ كَقَوْلِهِ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ} [الرعد: 13] وَتُطْلَقُ الصَّاعِقَةُ مَجَازًا عَلَى قَصْفَةٍ رَعْدُهَا هَائِلٌ مَعَهَا نَارٌ لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ إلَّا أَتَتْ عَلَيْهِ، وَالْقَصْفَةُ صَوْتُ الرَّعْدِ أَوْ شِدَّةُ صَوْتِهِ؛ وَأَصْلُ الْقَصْفِ الْكَسْرُ، وَمَعْنَى أَتَتْ عَلَيْهِ أَهْلَكَتْهُ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَيْضَاوِيُّ مَسْأَلَةٌ: هَلْ لِلزَّلْزَلَةِ سَبَبٌ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ `: نَعَمْ قَالَ الشَّبْرَخِيتِيُّ عَنْ الْقَزْوِينِيِّ: وَسَبَبُ الزَّلْزَلَةِ أَنَّ بَعُوضَةً خَلَقَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَسَلَّطَهَا عَلَى الثَّوْرِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَرْضُ فَهِيَ تَطِيرُ أَبَدًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا دَخَلَتْ أَنْفَهُ حَرَّكَ الثَّوْرُ رَأْسَهُ فَيَتَحَرَّكُ جَانِبٌ مِنْ جَوَانِبِ الْأَرْضِ؛ وَيُقَالُ إنَّ عُرُوقَ جَبَلِ ق ذَاهِبَةٌ فِي أُصُولِ بِلَادِ الْأَرْضِ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعَذِّبَ أَهْلَ بَلْدَةٍ أَمَرَ مَلَكًا بِتَحْرِيكِ ذَلِكَ الْعِرْقِ الَّذِي هُوَ رَاسِخٌ تَحْتَهَا فَتُزَلْزَلُ تِلْكَ الْبَلْدَةُ. وَجَبَلُ ق هُوَ الْمُحِيطُ بِالدُّنْيَا. وَحَدِيثُ الثَّوْرِ ضَعِيفٌ، بَلْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَقِيلَ: سَبَبُ الزَّلْزَلَةِ تَحْرِيكُ الْحُوتِ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ الزَّلْزَلَةَ وَكُسُوفَ الشَّمْسِ مِنْ تَجَلِّي الرَّبِّ تَعَالَى. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: رَجَفَتْ الْمَدِينَةُ فِي حَيَاةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَخَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَا لَا يَكُونُ فِي بَلْدَةٍ حَتَّى يَكْثُرَ فِيهَا الزِّنَا وَالرِّبَا، فَإِذَا رَجَفَتْ ثَانِيَةً لَمْ أَقُمْ بَيْنَ ظَهْرَانِيكُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا زُلْزِلَتْ ثَانِيَةً حَتَّى قُبِضَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ. وَقَدْ وَقَعَتْ الزَّلْزَلَةُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ ثُمَّ فِي عَهْدِ عَلِيٍّ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمِيرًا عَلَى الْبَصْرَةِ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ. وَفِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي خِلَافَةِ الْمُتَوَكِّلِ كَانَتْ زَلْزَلَةٌ مَهُولَةٌ بِدِمَشْقَ سَقَطَتْ مِنْهَا دُورٌ وَهَلَكَ تَحْتَهَا خَلْقٌ وَامْتَدَّتْ إلَى أَنْطَاكِيَّةَ فَهَدَمَتْهَا وَإِلَى الْجَزِيرَةِ فَأَخْرَبَتْهَا، وَإِلَى الْمُوصِلِ فَيُقَالُ هَلَكَ مِنْ أَهْلِهَا خَمْسُونَ أَلْفًا. وَفِي سَنَةِ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ فِي خِلَافَتِهِ أَيْضًا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زَلْزَلَةً عَظِيمَةً بِتُونِسَ وَأَعْمَالِهَا وَنَيْسَابُورَ وَطَبَرِسْتَانَ وَأَصْبَهَانَ وَتَقَطَّعَتْ جِبَالٌ وَتَشَقَّقَتْ الْأَرْضُ بِقَدْرِ مَا يُدْخِلُ الرِّجْلَ فِي الشَّقِّ. وَفِي سَنَةِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ فِي خِلَافَتِهِ أَيْضًا عَمَّتْ الزَّلَازِلُ الدُّنْيَا فَأَخْرَبَتْ الْمُدُنَ وَالْقِلَاعَ وَالْقَنَاطِرَ وَسَقَطَ مِنْ أَنْطَاكِيَّةَ جَبَلٌ فِي الْبَحْرِ، وَسُمِعَ مِنْ السَّمَاءِ أَصْوَاتٌ هَائِلَةٌ وَزُلْزِلَتْ مِصْرُ، وَسَمِعَ أَهْلُ بُلْبَيْسٍ مِنْ نَاحِيَةِ مِصْرَ صَيْحَةً هَائِلَةً فَمَاتَتْ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِ بُلْبَيْسٍ وَغَارَتْ عُيُونُ مَكَّةَ. وَفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ زُلْزِلَتْ مِصْرُ زَلْزَلَةً صَعْبَةً هَدَمَتْ الْبُيُوتُ وَدَامَتْ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ. وَكَانَتْ زَلْزَلَةٌ لَطِيفَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَةَ عَشْرَ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ خِتَامَ سَنَةِ ثَمَانٍ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 تَتِمَّةٌ: يُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَتَضَرَّعَ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا، كَالصَّوَاعِقِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالْخَسْفِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِئَلَّا يَكُونَ غَافِلًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا» فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ هُوَ لُغَةً طَلَبُ السُّقْيَا، وَشَرْعًا طَلَبُ سُقْيَا الْعِبَادِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الِاتِّبَاعُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ} [البقرة: 60] الْآيَةُ (وَصَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ   [حاشية البجيرمي] وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ لَيْلَةَ السَّبْتِ لِثَمَانِ لَيَالٍ مِنْ شَهْرِ شَوَّالٍ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ وَدَامَتْ ثَلَاثَ دَرَجٍ فَغَرِقَ مِنْهَا سُفُنٌ كَثِيرَةٌ وَمَاتَ خَلْقٌ كَثِيرُونَ فِي الْبَحْرِ؛ خَتَمَ اللَّهُ لَنَا بِخَاتِمَةِ السَّعَادَةِ قَوْلُهُ: (وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الرِّيَاحَ أَرْبَعٌ: الصَّبَا وَهِيَ مِنْ تُجَاهِ الْكَعْبَةِ أَيْ قُدَّامِهَا، وَالدَّبُّورُ مِنْ وَرَائِهَا، وَالشِّمَالُ مِنْ جِهَةِ شِمَالِهَا، وَالْجَنُوبُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهَا. وَلِكُلٍّ مِنْهَا طَبْعٌ، فَالصَّبَا حَارَّةٌ يَابِسَةٌ، وَالدَّبُّورُ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ، وَالْجَنُوبُ حَارَّةٌ رَطْبَةٌ، وَالشِّمَالُ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ، فَإِذَا أَرَدْت فَأَسْنِدْ ظَهْرَك لِبَابِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّ الشِّمَالَ عَنْ شِمَالِك. وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ أَنَّهَا سَبْعَةٌ؛ لِأَنَّ مَا زِيدَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ يَرْجِعُ إلَيْهَا. وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: صَبًّا وَدَبُورٌ وَالْجَنُوبُ وَشَمْأَلٌ ... هِيَ الْأَرْبَعُ اللَّاتِي تَهُبُّ لِكَعْبَةِ فَمِنْ وَجْهِهَا رِيحُ الصَّبَا وَهِيَ حَارَّةٌ ... وَيَابِسَةٌ عَكْسُ الدَّبُورِ لِحِكْمَةِ فَيُمْنَى جَنُوبٌ حَارَّةٌ وَهِيَ رَطْبَةٌ ... شِمَالٌ بِعَكْسٍ لِلْجَنُوبِ وَتَمَّتْ جَمْعُ الرِّيحِ أَرْوَاحٌ وَرِيَاحٌ. وَالْهَوَاءُ بِالْمَدِّ: الرِّيحُ الْهَابَّةُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالْهَوَى بِالْقَصْرِ: الْعِشْقُ وَالْمَحَبَّةُ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ تَأْتِي فِي غَيْرِ الْكُسُوفَيْنِ كَالزَّلَازِلِ، لَكِنْ فُرَادَى لَا جَمَاعَةً ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. وَتَقَدَّمَ عَنْ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِذَلِكَ صَلَاةٌ بَلْ إنَّمَا يُطْلَبُ الدُّعَاءُ عِنْدَهَا فَحَرِّرْهُ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَكُونَ) عِلَّةٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ " غَافِلًا " أَيْ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ " لِأَنَّهُ إلَخْ " سَقَطَ مِنْهُ الْعَاطِفُ. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا) أَيْ رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا أَيْ عَذَابًا إلَخْ. اُنْظُرْ وَجْهَ هَذِهِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجَمْعِ حَيْثُ جَعَلَهُ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ وَجَعَلَ الْمُفْرَدَ بِمَعْنَى الْعَذَابِ مَعَ أَنَّ الرِّيَاحَ جَمْعُ رِيحٍ وَالرِّيحُ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لِشَفَقَةِ النَّبِيِّ يُجْعَلُ دُعَاءَهُ بِالرِّيَاحِ لِطَلَبِ الرَّحْمَةِ وَدُعَاءَهُ بِدَفْعِ الرِّيحِ بِمَعْنَى الْعَذَابِ، وَإِنَّمَا كَانَ الرِّيَاحُ لِطَلَبِ الرَّحْمَةِ لِأَنَّهَا تَكُونُ بَحَرِيَّةً وَغَرْبِيَّةً وَشَرْقِيَّةً وَقِبْلِيَّةً فَاخْتِلَافُهَا سَبَبٌ لِرَحْمَةِ النَّاسِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ يَطْلُبُ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْهَا. [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] ِ وَشُرِعَتْ صَلَاتُهُ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ. قَوْلُهُ: (طَلَبُ السُّقْيَا) فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلطَّلَبِ، وَالسُّقْيَا إعْطَاءُ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا) لَهُمْ أَوْ لِغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّبِ: يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْخِصْبِ أَنْ يَدْعُوا لِأَهْلِ الْجَدْبِ؛ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلصَّلَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تُشْرَعُ لَكِنْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ كَالْإِمَامِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ بِجَوَازِ فِعْلِهَا، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الْإِجَابَةُ اسْتَسْقَوْا وَصَلَّوْا ثَانِيًا وَثَالِثًا، فَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ التَّكْرَارَ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى آكَدُ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَالَ أَصْبَغُ: اُسْتُسْقِيَ بِمِصْرَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وَحَضَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 مَسْنُونَةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِمَا مَرَّ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِخَبَرِ: «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا» وَيَنْقَسِمُ أَيْ الِاسْتِسْقَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: أَدْنَاهَا يَكُونُ بِالدُّعَاءِ مُطْلَقًا عَمَّا يَأْتِي فُرَادَى أَوْ مُجْتَمِعِينَ، وَأَوْسَطُهَا يَكُونُ بِالدُّعَاءِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ فَرْضُهَا كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَنَفْلُهَا كَمَا فِي الْبَيَانِ وَفِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بِالصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَيَأْتِي بَيَانُهُمَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُقِيمِ وَلَوْ بِقَرْيَةٍ أَوْ بَادِيَةٍ، وَالْمُسَافِرِ وَلَوْ سَفَرَ قَصْرٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا تُصَلَّى لِحَاجَةٍ مِنْ انْقِطَاعِ الْمَاءِ أَوْ قِلَّتِهِ بِحَيْثُ لَا يَكْفِي أَوْ مُلُوحَتِهِ وَلِاسْتِزَادَةٍ بِهَا نَفْعٌ بِخِلَافِ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا نَفْعَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَشَمِلَ مَا ذُكِرَ مَا لَوْ انْقَطَعَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتَاجَتْ إلَيْهِ فَيُسَنُّ لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا أَنْ يَسْتَسْقُوا لَهُمْ وَيَسْأَلُوا الزِّيَادَةَ النَّافِعَةَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَتُكَرَّرُ الصَّلَاةُ مَعَ الْخُطْبَتَيْنِ حَتَّى يُسْقَوْا، فَإِنْ سُقُوا قَبْلَهَا اجْتَمَعُوا لِشُكْرٍ وَدُعَاءٍ وَصَلَّوْا وَخَطَبَ بِهِمْ الْإِمَامُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَطَلَبًا لِلْمَزِيدِ قَالَ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وَإِذَا أَرَادُوا الْخُرُوجَ لِلصَّلَاةِ (فَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ)   [حاشية البجيرمي] وَسَكَتَ الشَّيْخُ عَنْ إعَادَةِ الْخُطْبَةِ وَصَرَّحَ فِي الْحِكَايَةِ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَأْنَسُ) لَمْ يَقُلْ وَيُسْتَدَلُّ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْعُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ أَيْ دَلِيلٌ يُوَافِقُهُ، وَاَلَّذِي مِنْ خَصَائِصِنَا كَوْنُهَا بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءَ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ. قَوْلُهُ: (مَسْنُونَةٌ) أَيْ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهَا الْإِمَامُ وَإِلَّا وَجَبَتْ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الِاتِّبَاعِ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِلسُّنَّةِ لَا لِلتَّأْكِيدِ وَدَلِيلُهُ الْمُوَاظَبَةُ. قَوْلُهُ: (وَيَنْقَسِمُ أَيْ الِاسْتِسْقَاءُ) رَاجِعٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ الْمُنْقَسِمُ إلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ رَاجَعَا لِكَلَامِ الْمَتْنِ. وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ. وَكُلُّهَا ثَابِتَةٌ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ. قَوْلُهُ: (وَنَفْلُهَا كَمَا فِي الْبَيَانِ) أَيْ وَغَيْرُهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَهْجَةِ بِقَوْلِهِ: سُنَّ لِلِاسْتِسْقَاءِ إكْثَارُ الدُّعَا ... وَبَعْدَ مَا صَلَّى وَلَوْ تَطَوُّعًا وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: إنَّهَا بِدْعَةٌ. وَكَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهَا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهَا فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ وَصَلَّى عَامَ الرَّمَادَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَخُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا تُصَلَّى لِحَاجَةٍ) مُرْتَبِطٌ بِكَلَامِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (مِنْ انْقِطَاعِ) مِنْ تَعْلِيلِيَّةٍ أَيْ مِنْ أَجْلِ انْقِطَاعِ إلَخْ لَا بَيَانِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ لَيْسَ نَفْسَ الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبُهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلِاسْتِزَادَةٍ) عَطْفٌ عَلَى لِحَاجَةٍ مَعَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. قَوْلُهُ: (وَشَمِلَ مَا ذُكِرَ) أَيْ قَوْلُهُ لِحَاجَةٍ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ حَاجَةَ الْمُسْتَسْقِي وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (عَنْ طَائِفَةٍ) أَيْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ بِدْعَةٍ أَوْ بَغْيٍ، وَإِلَّا لَمْ يُسَنَّ لِئَلَّا يُظَنَّ حُسْنُ طَرِيقَتِهِمْ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وَمِثْلُهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ إذَا سَأَلُونَا عَنْ السُّقْيَا لَهُمْ وَفَاءً بِذِمَّتِهِمْ، وَلَا يُتَوَهَّمُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِعْلَنَا ذَلِكَ لِحُسْنِ حَالِهِمْ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ مُحَقَّقٌ ع ش بِاخْتِصَارٍ. قَوْلُهُ: (وَتُكَرَّرُ الصَّلَاةُ) أَيْ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَأَكْثَرَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى: يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ، وَالْمَرَّةُ الْأُولَى آكَدُ فِي الِاسْتِحْبَابِ، ثُمَّ إذَا عَادُوا مِنْ الْغَدِ أَوْ بَعْدِهِ فَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونُوا صَائِمِينَ. فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَتَوَقَّفُ خُرُوجُهُمْ ثَانِيًا عَلَى صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَهُ أَوْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْت: قَالَ م ر: لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصَّانِ، فَنَصَّ مَرَّةً عَلَى تَقَدُّمِ صَوْمِ الثَّلَاثِ وَمَرَّةً أُخْرَى عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ، وَلَا خِلَافَ لِأَنَّهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مُنَزَّلَانِ عَلَى حَالَيْنِ: الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا اقْتَضَى الْحَالُ التَّأْخِيرَ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ، وَالثَّانِي: عَلَى خِلَافِهِ؛ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَدُعَاءٍ) أَيْ بِالزِّيَادَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَضَرَّرُوا بِهَا م ر. قَوْلُهُ: (وَصَلَّوْا) أَيْ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ شُكْرًا اهـ. أَيْ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ تُفْعَلُ شُكْرًا لِلَّهِ. قَوْلُهُ: (فَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ) أَيْ نَدْبًا أج. قَالَ فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ فَعَلَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَيْهَا (بِالتَّوْبَةِ) مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى بِشُرُوطِهَا الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ: النَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ (وَ) بِالْإِكْثَارِ (مِنْ الصَّدَقَةِ) عَلَى الْمَحَاوِيجِ (وَ) بِالتَّوْبَةِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَهِيَ الْمُبَادَرَةُ إلَى (الْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ) الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمْ مِنْ دَمٍ أَوْ عِرْضٍ أَوْ مَالٍ مُضَافًا ذَلِكَ إلَى الشُّرُوطِ   [حاشية البجيرمي] النَّاسُ مُحَافَظَةً عَلَى السُّنَّةِ، لَكِنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ إذَا كَانَ الْوَالِي بِالْبَلَدِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُمْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ اهـ. وَأَمْرُ الْإِمَامِ بِهَا تَأْكِيدٌ لِوُجُوبِهَا الشَّرْعِيِّ فَلَا يُشْكِلُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَلَوْ مِنْ صَغِيرَةٍ وَإِنْ فَعَلَ مَا يُكَفِّرُهَا لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ. قَوْلُهُ: (الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ) لَوْ سَكَتَ عَنْ هَذَا لَكَانَ مُسْتَقِيمًا؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ عَامَّةٌ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (بِشُرُوطِهَا الثَّلَاثَةِ) وَشَرْطُ صِحَّتِهَا صُدُورُهَا قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالْحَقُّ أَنَّ مِنْ يَوْمِ الطُّلُوعِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ أَحَدٍ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «فَمِنْ يَوْمِئِذٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ؛ قَالَهُ الْحَافِظُ حَجّ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (النَّدَمُ) وَهُوَ رُكْنُهَا الْأَعْظَمُ، لِأَنَّهُ الَّذِي يَطَّرِدُ فِي كُلِّ تَوْبَةٍ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ، أَمَّا الْعَزْمُ أَنْ لَا يَعُودَ فَيُغْنِي عَنْهُ النَّدَمُ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ كَمَا عُرِفَ مِنْ تَعْرِيفِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لِلنَّدَمِ حَيْثُ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ تَحَزُّنٌ وَتَوَجُّعٌ لِمَا فَعَلَهُ وَتَمَنِّي كَوْنِهِ لَمْ يُفْعَلْ. وَلَا يَجِبُ عِنْدَنَا اسْتِدَامَةُ النَّدَمِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ بَلْ يَكْفِي اسْتِصْحَابُ النَّدَمِ حُكْمًا، وَأَمَّا الْإِقْلَاعُ فَإِنَّمَا يَتَأَتَّى إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ بَاقِيَةً، وَأَمَّا رَدُّ الْمَظَالِمِ فَيَسْقُطُ إنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِمَوْتِ الْمُسْتَحِقِّ وَلَا وَارِثَ لَهُ أَوْ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ مَثَلًا؛ فَالْمُطَّرِدُ مِنْ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ هُوَ النَّدَمُ لَا غَيْرُ، وَتَحَقُّقُ التَّوْبَةِ بِمَا ذُكِرَ مَحَلُّهُ فِي التَّوْبَةِ بَاطِنًا أَمَّا فِي الظَّاهِرِ لِتُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَتَعُودَ وِلَايَتُهُ فَلَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِهَا مَعَ ذَلِكَ فِي الْمَعْصِيَةِ الْقَوْلِيَّةِ مِنْ الْقَوْلِ، كَقَوْلِهِ فِي الْقَذْفِ: قَذْفِي بَاطِلٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعُودُ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ فِي الْفِعْلِيَّةِ كَالزِّنَا مِنْ اسْتِبْرَائِهِ سَنَةً، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَائِهِ سَنَةً فِي الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مَعَ شَرْحِهَا لِلْمَحَلِّيِّ: وَهِيَ، أَيْ التَّوْبَةُ، النَّدَمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَعْصِيَةٌ، فَالنَّدَمُ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ لِإِضْرَارِهِ بِالْبَدَنِ لَيْسَ بِتَوْبَةٍ وَتَتَحَقَّقُ بِالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَعَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا، وَتَدَارُكُ مُمْكِنِ التَّدَارُكِ مِنْ الْحَقِّ النَّاشِئِ كَحَقِّ الْقَذْفِ فَيَتَدَارَكُهُ بِتَمْكِينِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الْمَقْذُوفِ أَوْ؛ وَارِثِهِ لِيَسْتَوْفِيَهُ أَوْ يَبْرَأَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَدَارُكُ الْحَقِّ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقُّهُ مَوْجُودًا سَقَطَ هَذَا الشَّرْطُ كَمَا يَسْقُطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ لَا يَنْشَأُ عَنْهَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَكَذَا يَسْقُطُ شَرْطُ الْإِقْلَاعِ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا كَشُرْبِ خَمْرٍ؛ فَالْمُرَادُ بِتَحَقُّقِ التَّوْبَةِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ فِيمَا يَتَحَقَّقُ بِهَا عَنْهَا لَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي كُلِّ تَوْبَةٍ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَقَوْلُهُ: " وَتَتَحَقَّقُ بِالْإِقْلَاعِ " فِيهِ بَحْثٌ إذْ قَدْ تُوجَدُ هَذِهِ الْأُمُورُ وَلَا يُوجَدُ النَّدَمُ، فَمَا مَعْنَى تَحَقُّقِهَا بِهَذِهِ الْأُمُورِ إلَّا أَنْ يُرَادَ تَحَقُّقُ اعْتِبَارِهَا وَالِاعْتِدَادُ بِهَا كَمَا فِي الشَّعْرَانِيِّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِقْلَاعُ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ التَّلَبُّسِ بِهَا، فَلَوْ تَابَ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْإِقْلَاعِ، وَالْإِقْلَاعُ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ وَالنَّدَمُ بِالْمَاضِي وَالْعَزْمُ بِالْمُسْتَقْبَلِ ز ي. قَوْلُهُ (وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ) إلَيْهَا أَيْ إلَى الْمَعْصِيَةِ أَيْ إنْ تَيَسَّرَ مِنْهُ وَإِلَّا كَمَجْبُوبٍ بَعْدَ زِنَاهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَتَصِحُّ مِنْ سَكْرَانٍ حَالَ سُكْرِهِ إنْ تَأَتَّى مِنْهُ الشُّرُوطُ الَّتِي مِنْهَا النَّدَمُ كَإِسْلَامِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَبِالتَّوْبَةِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ) اقْتَضَى صَنِيعُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ عَلَى التَّوْزِيعِ أَيْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَبِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، مَعَ أَنَّ التَّوْبَةَ بِمَعْنَى النَّدَمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. وَمِمَّا يُقَوِّي الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مُضَافًا ذَلِكَ إلَى الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْمُبَادَرَةُ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ هِيَ التَّوْبَةَ وَلَا حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ وَلَا الشَّرْطَ الرَّابِعَ لِلتَّوْبَةِ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُ اسْمِ الْإِشَارَةِ بَعْدَهُ إلَيْهَا، فَلَوْ قَالَ: وَيَأْمُرُهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ مُضَافًا إلَخْ، لَوَفَّى بِالْمُرَادِ ق ل. وَعِبَارَةُ حَجّ فِي شَرْحِ الزَّوَاجِرِ: قَالَ الزَّرْكَشِيّ: ثُمَّ رَأَيْت فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ لِلْغَزَالِيِّ أَنَّ الذُّنُوبَ الَّتِي بَيْنَ الْعِبَادِ إمَّا فِي الْمَالِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عِنْدَ الْمُكْنَةِ. فَإِنْ عَجَزَ لِفَقْرٍ اسْتَحْلَلَهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِحْلَالِهِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَأَمْكَنَ التَّصَدُّقُ عَنْهُ فَعَلَهُ، وَإِلَّا فَلْيُكْثِرْ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَيَرْجِعْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَضَرَّعْ إلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ (وَ) بِالْمُبَادَرَةِ إلَى (مُصَالَحَةِ الْأَعْدَاءِ) الْمُتَشَاحِنِينَ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَلِحَظِّ نَفْسٍ لِتَحْرِيمِ الْهِجْرَانِ حِينَئِذٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ (وَ) بِالْمُبَادَرَةِ إلَى (صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) مُتَتَابِعَةٍ وَيَصُومُ مَعَهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ مِيعَادِ يَوْمِ الْخُرُوجِ فَهِيَ بِهِ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ لِكُلٍّ   [حاشية البجيرمي] فِي أَنْ يُرْضِيَهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَإِمَّا فِي النَّفْسِ فَيُمَكِّنُهُ أَوْ وَلِيَّهُ مِنْ الْقَوَدِ، فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إرْضَائِهِ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِمَّا فِي الْعِرْضِ فَإِنْ اغْتَبْتَهُ أَوْ شَتَمْتَهُ أَوْ امْتَهَنْتَهُ فَحَقُّك أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَك بَيْنَ يَدَيْ مَنْ فَعَلْت ذَلِكَ مَعَهُ إنْ أَمْكَنَك بِأَنْ لَمْ تَخْشَ زِيَادَةَ غَيْظٍ وَهِيَاجَ فِتْنَةٍ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ، فَإِنْ خَشِيت ذَلِكَ فَالرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ لِيُرْضِيَهُ عَنْك؛ وَأَمَّا فِي حُرَمِهِ فَإِنْ خُنْتَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِحْلَالِ وَالْإِظْهَارِ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ فِتْنَةً وَغَيْظًا بَلْ يَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِيُرْضِيَهُ وَيَجْعَلَ لَهُ خَيْرًا كَثِيرًا فِي مُقَابَلَتِهِ، فَإِنْ أَمِنَتْ الْفِتْنَةَ وَالْهِيَاجَ وَهُوَ نَادِرٌ فَتَسْتَحِلّ مِنْهُ؛ وَإِمَّا فِي الدِّينِ فَإِنْ كَفَّرْتَهُ أَوْ بَدَّعْتَهُ أَوْ ضَلَّلْتَهُ فَهُوَ أَصْعَبُ الْأَمْرِ فَتَحْتَاجُ إلَى تَكْذِيبِ نَفْسِك بَيْنَ يَدَيْ مَنْ قُلْت لَهُ ذَلِكَ، وَتَسْتَحِلُّ مِنْ صَاحِبِك إنْ أَمْكَنَك وَإِلَّا فَالِابْتِهَالُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى جِدًّا وَالنَّدَمِ عَلَى ذَلِكَ لِيُرْضِيَهُ عَنْك اهـ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ. وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحُرَمِ الشَّامِلِ لِلزَّوْجَةِ وَالْمَحَارِمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ الزِّنَا وَاللِّوَاطَ فِيهِمَا حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ، فَتَتَوَقَّفُ التَّوْبَةُ مِنْهُمَا عَلَى اسْتِحْلَالِ أَقَارِبِ الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ الْمَلُوطِ بِهِ وَعَلَى اسْتِحْلَالِ زَوْجِ الْمَزْنِيِّ بِهَا. هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً، وَإِلَّا فَلْيَتَضَرَّعْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى: فِي إرْضَائِهِمْ عَنْهُ. وَيُوَجَّهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ فِي الزِّنَا وَاللِّوَاطِ إلْحَاقَ عَارٍ أَيِّ عَارٍ بِالْأَقَارِبِ وَتَلْطِيخِ فِرَاشِ الزَّوْجِ فَوَجَبَ اسْتِحْلَالُهُمْ حَيْثُ لَا عُذْرَ اهـ. وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ وَلَا قَبُولِهَا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فَشَرَطَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70] {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 71] وَوَرَدَ فِي الْخَبَرِ: «إنَّ لِلَّهِ مَلَكًا لَهُ جَنَاحَانِ، جَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَجَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ مُكَلَّلَةٍ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالْمَرْجَانِ، وَرَأْسُهُ تَحْتَ الْعَرْشِ وَقَدَمَاهُ فِي تُخُومِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ يُنَادِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى سُؤَالَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُتَابُ عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَطْلَعَ الْفَجْرُ» اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ) فِيهِ تَغْيِيرُ الْعَامِلِ وَمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ. قَوْلُهُ: (مُضَافًا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْإِقْلَاعَ شَامِلٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ تَدَبَّرْ قَوْلُهُ: (الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ) وَيُزَادُ شَرْطَانِ: أَنْ لَا تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَعَدَمُ وُصُولِهِ لِلْغَرْغَرَةِ أَوْ حَالَةٌ يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ فِيهَا. فَفِي حَالِ الْغَرْغَرَةِ وَهِيَ حَالَةُ النَّزْعِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةٌ وَلَا غَيْرُهَا، كَمَا أَنَّ الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ وَامْتَنَعَتْ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ تَابَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام: 158] هَذَا عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ الْغَرْغَرَةِ فِي الْكَافِرِ دُونَ الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَوْلُهُ: (إلَى صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَلَوْ صَامَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمَأْمُورِ بِهَا عَنْ نَذْرٍ عَلَيْهِ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَمِثْلُهُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسُ اُكْتُفِيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر ز ي. وَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْفِطْرُ لِمُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى ق ل، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَيَجِبُ فِيهَا التَّبْيِيتُ كَمَا يَأْتِي وَلَكِنْ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا ح ل. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ بِهَا، وَلَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّوْمِ ثُمَّ سُقُوا قَبْلَ إتْمَامِهِ قَالَ م ر يَلْزَمُهُمْ بَقِيَّةُ الْأَيَّامِ؛ وَوَجَّهَهُ سم بِأَنَّ هُنَا الصَّوْمَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَأَفْتَى الزِّيَادِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّوْمِ ثُمَّ رَجَعَ بِأَنَّهُ يَجِبُ الصَّوْمُ وَوَافَقَهُ أَهْلُ عَصْرِهِ اهـ أج. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ بَعْدَهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ حَتَّى يَمْتَنِعَ عَلَى الْإِمَامِ الرُّجُوعُ عَنْهُ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ بِأَمْرِهِ فَيَجِبُ فِيهِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ وَالتَّعْيِينِ، وَإِذَا لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ وَنَوَى نَهَارًا وَقَعَ نَفْلًا مُطْلَقًا وَأَجْزَأَ عَنْ الصَّوْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَتَبْيِيتُ النِّيَّةِ لِدَفْعِ الْحُرْمَةِ؛ وَإِذَا لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ أَثَرًا فِي إجَابَةِ الدُّعَاءِ قَالَ تَعَالَى {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: 52] وَقَدْ يَكُونُ مَنْعُ الْغَيْثِ بِتَرْكِ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ: «وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إلَّا حُبِسَ عَنْهُمْ الْمَطَرُ» وَفِي خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالْمَظْلُومُ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ «دَعْوَةُ الصَّائِمِ وَالْوَالِدِ وَالْمُسَافِرِ» وَإِذَا أَمَرَهُمْ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ لَزِمَهُمْ امْتِثَالُ أَمْرِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ} [النساء: 59] الْآيَةُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ طَرْدُهُ فِي جَمِيعِ الْمَأْمُورِ بِهِ هُنَا انْتَهَى وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ وَاخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ   [حاشية البجيرمي] يَنْوِ نَهَارًا لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لَوْ فَاتَ إذْ وُجُوبُهُ لَيْسَ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ، وَهُوَ أَمْرُ الْإِمَامِ وَالْقَصْدُ مِنْهُ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ لَا مُطْلَقًا؛ نَعَمْ إنْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِالْقَضَاءِ وَجَبَ. قَوْلُهُ: (فَوْقَ ثَلَاثٍ) وَأَمَّا إذَا كَانَ الْهِجْرَانُ لِلَّهِ بِأَنْ كَانَ لِأَمْرٍ دِينِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، قَالَ الشَّاعِرُ: يَاهَا جَرَى فَوْقَ الثَّلَاثِ بِلَا سَبَبْ ... خَالَفْت قَوْلَ نَبِيِّنَا أَزْكَى الْعَرَبْ هَجْرُ الْفَتَى فَوْقَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ ... مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لِمَوْلَانَا غَضَبْ قَوْلُهُ: (وَيَصُومُ مَعَهُمْ) أَيْ نَدْبًا عِنْدَ م ر وَوُجُوبًا عِنْدَ حَجّ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْإِمَامِ الْآمِرِ بِهِ لِبُعْدِ إيجَابِ الشَّخْصِ شَيْئًا عَلَى نَفْسِهِ. وَخَالَفَ حَجّ فِيهِ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنْهُ أَوْ الْإِخْبَارِ؛ وَإِنْ قُلْنَا الْمُتَكَلِّمُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ لِأَنَّا إنَّمَا أَوْجَبْنَا الصَّوْمَ عَلَى غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ بَذْلًا لِطَاعَتِهِ. وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَذْلُ طَاعَةِ الشَّخْصِ لِنَفْسِهِ اهـ. وَلَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ أَوْلِيَاءَ الصِّبْيَانِ الْمُطِيقِينَ أَنْ يَأْمُرُوهُمْ فَالْمُتَّجَهُ الْوُجُوبُ سم أج قَوْلُهُ: (لِأَنَّ لِكُلِّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ أَثَرًا إلَخْ) وَأَيْضًا فَالصَّوْمُ لَهُ أَثَرٌ فِي اسْتِقَامَةِ الْقَلْبِ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ: اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِقَامَةَ تُوجِبُ اسْتِدَامَةَ الْكَرَامَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16] وَلَمْ يَقُلْ " سَقَيْنَاهُمْ " بَلْ " أَسْقَيْنَاهُمْ " إشَارَةً إلَى الدَّوَامِ. قَوْلُهُ: (بِتَرْكِ ذَلِكَ) أَيْ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ قَوْلُهُ: (وَالْمَظْلُومُ) وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: لَا تَظْلِمَنَّ إذَا مَا كُنْت مُقْتَدِرًا ... فَالظُّلْمُ آخِرُهُ يَأْتِيك بِالنَّدَمِ نَامَتْ جُفُونُك وَالْمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ ... يَدْعُو عَلَيْك وَعَيْنُ اللَّهِ لَمْ تَنَمْ وَلِلشَّيْخِ حَسَنِ الْبَدْرِيِّ: وَسَبْعَةٌ لَا يَرُدُّ اللَّهُ دَعْوَتَهُمْ ... مَظْلُومٌ وَالِدٌ ذُو صَوْمٍ وَذُو مَرَضِ وَدَعْوَةٌ لِأَخٍ بِالْغَيْبِ ثُمَّ نَبِيٌّ ... لِأُمَّةٍ ثُمَّ ذُو حَجٍّ بِذَاكَ قُضِيَ قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَمَرَهُمْ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مِنْهُ الْقَاضِيَ الْعَامَّ الْوِلَايَةَ لَا نَحْوَ وَالِي الشَّوْكَةِ، وَأَنَّ الْبِلَادَ الَّتِي لَا إمَامَ فِيهَا يُعْتَبَرُ ذُو الشَّوْكَةِ الْمُطَاعُ فِيهَا، شَوْبَرِيٌّ. وَأَمْرُهُ بِذَلِكَ يَعُمُّ مَنْ حَضَرَ وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ وَصَحَّحَهُ م ر قَوْلُهُ: (لَزِمَهُمْ امْتِثَالُ أَمْرِهِ) وَلَوْ مُسَافِرِينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ لِأَنَّهُ لِسَبَبِ أج. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَ بِوَاجِبٍ تَأَكَّدَ وُجُوبُهُ، وَإِنْ أَمَرَ بِمَنْدُوبٍ وَجَبَ، وَإِنْ أَمَرَ بِمُبَاحٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ كَتَرْكِ شُرْبِ الدُّخَانِ وَجَبَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ بِمُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَوْ مُبَاحٍ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ عَامَّةً م د قَوْلُهُ: (وَالْقِيَاسُ طَرْدُهُ) أَيْ تَعْمِيمُهُ أَيْ الْإِيجَابِ وَشُمُولُهُ لِلْجَمِيعِ إلَخْ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ: (تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ) اعْتَمَدَهُ م ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 وُجُوبِ الصَّوْمِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُمْ بِالْعِتْقِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ قَالَ الْغَزِّيُّ: وَفِي الْقِيَاسِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إخْرَاجُ مَالٍ وَقَدْ قَالُوا: إذَا أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِسْقَاءِ فِي الْجَدْبِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فَيُقَاسُ الصَّوْمُ عَلَى الصَّلَاةِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ لَا يَجِبُ امْتِثَالُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ شَامِلًا لِذَلِكَ إذْ نَفْسُ وُجُوبِ الصَّوْمِ مُنَازَعٌ فِيهِ فَمَا بَالُك بِإِخْرَاجِ الْمَالِ الشَّاقِّ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ، وَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَجَبَ فِيهِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَإِنْ اخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ الْوُجُوبِ وَقَالَ: يَبْعُدُ عَدَمُ صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ لَمْ يَنْوِ لَيْلًا كُلَّ الْبُعْدِ (ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ) أَيْ بِالنَّاسِ (الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ إلَى الصَّحْرَاءِ حَيْثُ لَا عُذْرَ تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِأَنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ فَلَا يَسَعُهُمْ الْمَسْجِدُ غَالِبًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَإِنْ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مَكَّةَ وَبَيْتَ الْمُقَدَّسِ لِفَضْلِ الْبُقْعَةِ وَسَعَتِهَا وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِإِحْضَارِ الصِّبْيَانِ وَمَأْمُورُونَ بِأَنْ نُجَنِّبَهُمْ الْمَسَاجِدَ (فِي) الْيَوْمِ (الرَّابِعِ) مِنْ صِيَامِهِمْ صِيَامًا لِحَدِيثِ «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ» الْمُتَقَدِّمِ وَيَنْبَغِي لِلْخَارِجِ أَنْ يُخَفِّفَ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَا أَمْكَنَ، وَيَخْرُجُونَ غَيْرَ مُتَطَيِّبِينَ وَلَا مُتَزَيِّنِينَ بَلْ (فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مِهْنَةٍ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ أَيْ مَا يُلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ فِي وَقْتِ الشُّغْلِ وَمُبَاشَرَةِ الْخِدْمَةِ وَتَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ (وَ) فِي (اسْتِكَانَةٍ) أَيْ خُشُوعٍ وَهُوَ حُضُورُ الْقَلْبِ وَسُكُونُ الْجَوَارِحِ وَخَفْضُ الصَّوْتِ وَيُرَادُ بِهِ أَيْضًا التَّذَلُّلُ (وَ) فِي (تَضَرُّعٍ) إلَى اللَّهِ تَعَالَى: وَيُسَنُّ لَهُمْ التَّوَاضُعُ فِي كَلَامِهِمْ وَمَشْيِهِمْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَالُوا إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِقَوْلِهِ: " وَفِي الْقِيَاسِ نَظَرٌ " لِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْأَذْرَعِيِّ أَنْ يَقِيسَ الصَّوْمَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْوُجُوبِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ قَوْلُهُ: (فِي الْجَدْبِ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْقَحْطُ قَوْلُهُ: (لَا يَجِبُ امْتِثَالُهُ) الْمُعْتَمَدُ وُجُوبُ جَمِيعِ مَا أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ مَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا أَوْ مَكْرُوهًا وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَوُجُوبُهَا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ لَا مُطْلَقًا، وَالْوَاجِبُ فِي التَّصَدُّقِ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْإِمَامُ قَدْرًا وَقَدْ زَادَ عَلَى مَا يَجِبُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ إذَا فَضَلَ ذَلِكَ الْقَدْرُ عَنْ كِفَايَةِ الْعُمْرِ الْغَالِبِ. اهـ. ح ل قَوْلُهُ: (شَامِلًا لِذَلِكَ) أَيْ لِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ قَوْلُهُ: (وَجَبَ فِيهِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ) وَالتَّعْيِينُ، وَإِذَا لَمْ يُبَيِّتْ وَنَوَى نَهَارًا صَحَّ صَوْمُهُ وَوَقَعَ نَفْلًا وَقَامَ مَقَامَ الْوَاجِبِ؛ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِ النِّيَّةِ. وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ حَنَفِيًّا يَرَى الِاكْتِفَاءَ بِالنِّيَّةِ نَهَارًا اكْتِفَاءً بِعَقِيدَةِ الْفَاعِلِ مَدَابِغِيٌّ قَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ الْوُجُوبِ) " أَيْ لِلتَّبْيِيتِ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ: (عَدَمُ صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ لَمْ يَنْوِ لَيْلًا) فِيهِ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ لَيْلًا لَا يَقُولُونَ بِعَدَمِ صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ لَمْ يَنْوِ لَيْلًا حَتَّى يَحْسُنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُقَابِلًا لَهُ وَرَدًّا عَلَيْهِ. وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ نُكْتَةُ إسْنَادِ هَذَا لِلْأَذْرَعِيِّ حَيْثُ قَالَ الشَّارِحُ: قَالَ وَيَبْعُدُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ) أَيْ وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ بِالْخُرُوجِ وَحْدَهُمْ إلَى الصَّحْرَاءِ. قَوْلُهُ: (تَأَسِّيًا بِهِ إلَخْ) أَقَامَ أَدِلَّةً ثَلَاثَةً: الْأَوَّلُ: التَّأَسِّي، وَالثَّانِي: قَوْلُهُ وَلِأَنَّ النَّاسَ، وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُ وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ إلَخْ قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا فَرْقَ) أَيْ فِي خُرُوجِهِمْ إلَى الصَّحْرَاءِ قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهَا) مِنْ الْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمُقَدَّسِ قَوْلُهُ: (مَكَّةَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ) أَيْ فَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا إلَى الصَّحْرَاءِ بَلْ يُصَلُّونَ فِيهِمَا وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ فِيهِمَا لِفَضْلِهِمَا، شَيْخُنَا؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ: (صِيَامًا) حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي " ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ " وَيَاؤُهُ مُخَفَّفَةٌ أَوْ مُشَدَّدَةٌ. وَاقْتَصَرَ ق ل عَلَى قَوْلِهِ " بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ " أَيْ لِأَنَّ الْمُخَفَّفَ مَصْدَرٌ قَوْلُهُ: (مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ) لِأَنَّ بِذْلَةً بِمَعْنَى مُبْتَذَلَةٍ قَوْلُهُ: (مَا يُلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ) أَيْ الَّتِي لَمْ تَكُنْ جَدِيدَةً، فَقَدْ قَالَ الْقَمُولِيُّ: وَلَا يَلْبَسُ الْجَدِيدَ مِنْ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ أج. وَإِنَّمَا لَمْ تُطْلَبْ الزِّينَةُ هُنَا لِأَنَّ الْقَحْطَ وَنَحْوَهُ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ ذَنْبٍ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ذَنْبٌ وَقِيلَ كَبِيرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الِاسْتِسْقَاءِ مُبْتَذِلًا مُتَوَاضِعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَلَمْ يَزَلْ فِي التَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّكْبِيرِ حَتَّى صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي الْعِيدَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَتَزَيَّنُونَ وَلَا يَتَطَيَّبُونَ بِالْمَاءِ وَالسِّوَاكِ وَقَطْعِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ. وَفَارَقَ الْعِيدَ بِأَنَّهُ يَوْمُ الزِّينَةِ وَهَذَا يَوْمُ مَسْأَلَةٍ اهـ خ ض قَوْلُهُ: (وَفِي اسْتِكَانَةٍ) " فِي " بِمَعْنَى " مَعَ " أَوْ الظَّرْفِيَّةِ مَجَازِيَّةً، كَأَنَّ الِاسْتِكَانَةَ مُحِيطَةٌ بِهِمْ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَفِي تَضَرُّعٍ. قَوْلُهُ: (وَيُرَادُ بِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِكَانَةِ قَوْلُهُ: (لَا حُفَاةً) فَلَوْ خَرَجُوا حُفَاةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وَجُلُوسِهِمْ لِلِاتِّبَاعِ، وَيَتَنَظَّفُونَ بِالسِّوَاكِ وَقَطْعِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَبِالْغُسْلِ، وَيَخْرُجُونَ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُونَ فِي أُخْرَى مُشَاةً فِي ذَهَابِهِمْ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ لَا حُفَاةً مَكْشُوفِينَ الرُّءُوسَ، وَيَخْرُجُونَ مَعَهُمْ نَدْبًا الصِّبْيَانُ وَالشُّيُوخُ وَالْعَجَائِزُ وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى الْقَبِيحِ الْمَنْظَرِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ إذْ الْكَبِيرُ أَرَقُّ قَلْبًا وَالصَّغِيرُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرُوِيَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ «لَوْلَا شَبَابٌ خُشَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا» وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْلَا عِبَادٌ لِلْإِلَهِ رُكَّعٌ ... وَصِبْيَةٌ مِنْ الْيَتَامَى رُضَّعُ وَمُهْمَلَاتٌ فِي الْفَلَاةِ رُتَّعٌ ... صُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ الْأَوْجَعُ وَالْمُرَادُ بِالرُّكَّعِ الَّذِينَ انْحَنَتْ ظُهُورُهُمْ مِنْ الْكِبَرِ وَقِيلَ مِنْ الْعِبَادَةِ، وَيُسَنُّ إخْرَاجُ الْبَهَائِمِ لِأَنَّ الْجَدْبَ قَدْ أَصَابَهَا أَيْضًا وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ خَرَجَ لِيَسْتَسْقِيَ وَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ هُوَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَنَّ النَّمْلَةَ وَقَعَتْ عَلَى ظَهْرِهَا وَرَفَعَتْ يَدَيْهَا وَقَالَتْ: اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَنَا فَارْزُقْنَا وَإِلَّا فَأَهْلِكْنَا، قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ: اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِك لَا غِنَى لَنَا عَنْ رِزْقِك فَلَا تُهْلِكْنَا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ وَتَقِفُ الْبَهَائِمُ مَعْزُولَةً عَنْ النَّاسِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ   [حاشية البجيرمي] مَكْشُوفِينَ الرُّءُوسَ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْأَوْجَهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّوَاضُعِ، قَالَهُ الزِّيَادِيُّ وَأَ ج وَاسْتَبْعَدَهُ م ر فِي شَرْحِهِ، فَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ قَوْلُهُ: (الصِّبْيَانُ) وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزِينَ، وَهَلْ مُؤْنَةُ إخْرَاجِهِمْ فِي مَالِهِمْ أَوْ فِي مَالِ الْوَالِي؟ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا يَسْتَسْقُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، فَالْمُؤْنَةُ فِي مَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَسْقُونَ لِغَيْرِهِمْ فَمُؤْنَةُ إخْرَاجِهِمْ فِي مَالِ الْوَلِيِّ الْمُخْرِجِ لَهُمْ سم قَوْلُهُ: (وَهَلْ تُرْزَقُونَ إلَخْ) اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ أَيْ مَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ قَوْلُهُ: (لَوْلَا شَبَابٌ إلَخْ) فِي شَرْحِ م ر إسْقَاطُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْجُمَلِ الثَّلَاثِ بَعْدَهَا، فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةً وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ لَفْظَ الْعِبَادِ فِي النَّظْمِ شَامِلٌ لِلشَّبَابِ وَالشُّيُوخِ فَحَصَلَتْ الْمُطَابَقَةُ اهـ. قَوْلُهُ: (لَوْلَا عِبَادٌ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ فِي النَّظْمِ لَمْ يَسْتَوْفِ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ إذْ فِيهِ أَرْبَعَةٌ وَفِي النَّظْمِ ثَلَاثَةٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ لَفْظَ الْعِبَادِ فِي النَّظْمِ شَامِلٌ لِلشَّبَابِ وَالشُّيُوخِ فَحَصَلَتْ الْمُطَابَقَةُ أج؛. لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ: " وَالْمُرَادُ بِالرُّكَّعِ إلَخْ " لَكِنْ يُنَاسِبُهُ التَّفْسِيرُ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ إخْرَاجُ الْبَهَائِمِ) لَا يَبْعُدُ الشُّمُولُ لِنَحْوِ الْكِلَابِ لِأَنَّهَا مُسْتَرْزِقَةٌ عَلَيْهِ فَالْعَقُورُ مِنْهَا حَيْثُ تَأَخَّرَ قَتْلُهُ لِأَمْرٍ اقْتَضَاهُ، وَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ النَّاسُ لَا يُسَنُّ إخْرَاجُ الْبَهَائِمِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَخْرُجُ تَبَعًا سم قَوْلُهُ: (بِنَمْلَةٍ) تَاؤُهَا لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ كَتَاءِ قَمْلَةٍ وَاسْمُهَا حَرْمَلَةٌ أَوْ طَاخِيَةٌ وَكَانَتْ قَدْرَ السَّخْلَةِ. وَقَوْلُهُ " بِنَمْلَةٍ " أَيْ مُجْتَمِعٌ بِنَمْلَةٍ " وَإِذَا " فُجَائِيَّةٌ قَوْلُهُ: (وَرَفَعَتْ يَدَيْهَا) وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوَائِمِهَا فِيمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (لَا غِنَى) بِالْقَصْرِ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْفَقْرِ، وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْغِنَاءِ فَهُوَ بِالْمَدِّ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَسْقَى لِقَوْمِهِ فَلَمْ يُسْقُوا فَقَالَ: يَا رَبِّ بِأَيِّ شَيْءٍ مَنَعْتَنَا الْغَيْثَ؟ فَقَالَ: يَا مُوسَى إنَّ فِيكُمْ رَجُلًا عَاصِيًا قَدْ بَارَزَنِي أَرْبَعِينَ سَنَةً. فَطَلَعَ مُوسَى عَلَى تَلٍّ عَالٍ وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَيُّهَا الْعَاصِي قَدْ مُنِعْنَا الْغَيْثَ بِسَبَبِك فَاخْرُجْ، فَنَظَرَ الْعَاصِي يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمْ يَرَ أَحَدًا خَرَجَ فَعَلِمَ أَنَّهُ الْمَطْلُوبُ، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: إنْ خَرَجْت افْتَضَحْت وَإِنْ قَعَدْت مُنِعُوا مِنْ أَجْلِي، إلَهِي قَدْ تُبْت إلَيْك فَاقْبَلْنِي، فَأَرْسَلَ اللَّهُ إلَيْهِمْ الْغَيْثَ وَسُقُوا حَتَّى رَوُوا. فَتَعَجَّبَ مُوسَى فَقَالَ: يَا رَبِّ سَقَيْتَنَا وَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْ بَيْنِنَا؟ فَقَالَ: يَا مُوسَى الَّذِي مَنَعْتُكُمْ بِهِ قَدْ تَابَ إلَيَّ وَرَجَعَ. فَقَالَ: يَا رَبِّ دُلَّنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا مُوسَى أَنْهَاكُمْ عَنْ النَّمِيمَةِ وَأَكُونُ نَمَّامًا؟ اهـ ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَقَحَطَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَوَفَدَ عَلَيْهِ وَفْدٌ فَقَامَ خَطِيبُهُمْ: فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَيْنَاك عَنْ ضَرُورَةٍ قَدْ يَبِسَتْ جُلُودُنَا عَلَى أَجْسَادِنَا لِفَقْدِ الطَّعَامِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَالُ لِلَّهِ فَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ لِعِبَادِ اللَّهِ فَإِنَّا إيَّاهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَك فَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ، فَبَكَى عُمَرُ وَأَمَرَ بِكِفَايَتِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ قَالَ لِلْخَطِيبِ: كَمَا رَفَعْت حَاجَتَك إلَيْنَا فَارْفَعْ إلَى اللَّهِ حَاجَتِي، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اصْنَعْ مَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ حَتَّى يَكْثُرَ الصِّيَاحُ وَالضَّجَّةُ وَالرِّقَّةُ فَيَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ، وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْحُضُورَ لِأَنَّهُمْ مُسْتَرْزَقُونَ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ، وَقَدْ يُجِيبُهُمْ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ وَيُكْرَهُ إخْرَاجُهُمْ لِلِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا سَبَبَ الْقَحْطِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا أَكْرَهُ مِنْ إخْرَاجِ صِبْيَانِهِمْ مَا أَكْرَهُ مِنْ إخْرَاجِ كِبَارِهِمْ لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ أَقَلُّ لَكِنْ يُكْرَهُ لِكُفْرِهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا يَقْتَضِي كُفْرَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ إذَا مَاتُوا فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: إنَّهُمْ فِي النَّارِ وَطَائِفَةٌ لَا نَعْلَمُ حُكْمَهُمْ؛ وَالْمُحَقِّقُونَ إنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَوُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ انْتَهَى وَتَحْرِيرُ هَذَا أَنَّهُمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كُفَّارٌ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْآخِرَةِ مُسْلِمُونَ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَيُسَنُّ لِكُلٍّ أَحَدٍ مِمَّنْ يَسْتَسْقِي أَنْ يَسْتَشْفِعَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ خَيْرٍ بِأَنْ يَذْكُرَهُ فِي نَفْسِهِ فَيَجْعَلَهُ شَافِعًا لِأَنَّ   [حاشية البجيرمي] عُمَرَ كَصُنْعِهِ مَعَ رَعِيَّتِهِ، فَمَا تَمَّ دُعَاؤُهُ حَتَّى أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ وَوَقَعَتْ بُرْمَةٌ فَانْكَسَرَتْ وَخَرَجَتْ مِنْهَا وَرَقَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا: " بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ النَّارِ " اهـ. وَسُئِلَ مَلِكٌ زَالَ عَنْهُ مُلْكُهُ: مَا سَبَبُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لِاغْتِرَارِي بِالدَّوْلَةِ وَالْقَوْمِ وَرِضَايَ بِرَأْيِي وَتَرْكِ الْمَشُورَةِ وَتَوْلِيَتِي أَصَاغِرَ الْعُمَّالِ عَلَى أَكَابِرِ الْأَعْمَالِ وَتَشَاغُلِي عَنْ قَضَاءِ حَوَائِجِ الرَّعِيَّةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالرِّقَّةُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ رِقَّةُ الْقُلُوبِ، وَفِي نُسْخَةٍ: " وَالرَّأْفَةُ " بَدَلَ " وَالرِّقَّةِ ". قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْنَعُ) أَيْ الْإِمَامُ وَقَوْلُهُ أَهْلَ الذِّمَّةِ أَيْ وَلَا أَهْلَ الْعَهْدِ، لَكِنْ لَا يَخْتَلِطُونَ بِنَا وَلَا يَخْرُجُونَ مَعَنَا فِي يَوْمِنَا بَلْ يَخْرُجُونَ فِي يَوْمٍ آخَرَ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ. لَا يُقَالُ فِي خُرُوجِهِمْ وَحْدَهُمْ مَظِنَّةَ مَفْسَدَةٍ وَهُوَ مُصَادَفَةُ الْإِجَابَةِ فَيَظُنُّ ضُعَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ خَيْرًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ خُرُوجُهُمْ مَعَنَا مَفْسَدَةٌ مُحَقَّقَةٌ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ، قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. م ر قَوْلُهُ: (وَقَدْ يُجِيبُهُمْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ دُعَاءَ الْكَافِرِ يُجَابُ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14] فَالْمُرَادُ بِهِ الْعِبَادَةُ شَوْبَرِيٌّ. فَرْعٌ: فِي اسْتِجَابَةِ دُعَاءِ الْكَافِرِ خِلَافٌ، قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14] وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّهُ مُسْتَجَابٌ وَقَدْ اُسْتُجِيبَتْ دَعْوَةُ إبْلِيسَ فِي قَوْلِهِ: {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف: 14] . وَوَاضِحٌ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِجَابَةِ بِمَعْنَى إيتَاءِ الْمَسْئُولِ، وَحِينَئِذٍ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَدْ يُعْطَى سُؤَالُهُ اسْتِدْرَاجًا، وَمِنْهُ مَا وَقَعَ لِإِبْلِيسَ. أَمَّا الِاسْتِجَابَةُ بِمَعْنَى، الْإِثَابَةِ عَلَيْهِ فَهِيَ مَنْفِيَّةٌ جَزْمًا، وَهَذَا مَحْمَلُ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِيعَابِ. وَلَوْ قِيلَ فِي وَجْهِ الْحُرْمَةِ: إنَّ فِي التَّأْمِينِ عَلَى دُعَائِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَغْرِيرًا لَهُ وَلِلْعَامَّةِ بِحُسْنِ طَرِيقَتِهِ لَكَانَ حَسَنًا. وَيَحْرُمُ الدُّعَاءُ لِلْكَافِرِ بِالْمَغْفِرَةِ، نَعَمْ إنْ أَرَادَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إنْ أَسْلَمَ أَوْ أَرَادَ بِالدُّعَاءِ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ سَبَبُهَا وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا الْجَوَازُ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إخْرَاجُهُمْ) أَيْ أَمْرُهُمْ بِالْخُرُوجِ وَيُكْرَهُ أَيْضًا خُرُوجُهُمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ) أَيْ الصِّبْيَانِ أَقَلُّ أَيْ ذُنُوبَهُمْ صُورَةً؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا ذَنْبَ لَهُ قَوْلُهُ: (وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ) أَيْ اسْتِقْلَالًا عَلَى الرَّاجِحِ لَا خَدَمًا كَمَا قِيلَ، وَالْمُرَادُ بِالْخَدَمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ أَنَّهُمْ فِي مَرْتَبَةِ الْخَدَمِ إذْ الْجَنَّةُ لَا خِدْمَةَ فِيهَا مِنْ بَنِي آدَمَ، فَلَا يَرِدُ الْوِلْدَانُ؛ إذْ هُنَاكَ مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ اهـ أج. وَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ جَارٍ فِي أَطْفَالِ كُفَّارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَغَيْرِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِي أَطْفَالِ كُفَّارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَقَطْ أَمَّا أَطْفَالُ كُفَّارِ غَيْرِهَا فَفِي النَّارِ كَمَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ عَنْ مُعِينِ الدِّينِ الصَّفَوِيِّ. قَوْلُهُ: (وَتَحْرِيرُ هَذَا) أَيْ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى الصَّحِيحِ قَوْلُهُ: (وَفِي الْآخِرَةِ مُسْلِمُونَ) أَيْ فِي حُكْمِهِمْ لِمَا قَالُوهُ إنَّ الْإِسْلَامَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 ذَلِكَ لَائِقٌ بِالشَّدَائِدِ كَمَا فِي خَبَرِ الَّذِينَ أَوَوْا فِي الْغَارِ، وَأَنْ يَسْتَشْفِعَ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ لَا سِيَّمَا أَقَارِبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اسْتَشْفَعَ عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا قَحَطْنَا، نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِنَبِيِّنَا   [حاشية البجيرمي] خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ أج. قَوْلُهُ: (أَنْ يَسْتَشْفِعَ) أَيْ يَتَوَسَّلَ قَوْلُهُ: كَمَا فِي خَبَرِ «الَّذِينَ أَوَوْا فِي الْغَارِ وَهُمْ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خَرَجُوا يَرْتَادُونَ لِأَهْلِهِمْ فَبَيْنَمَا هُمْ يَمْشُونَ إذْ أَصَابَهُمْ حَرُّ الشَّمْسِ فَأَوَوْا إلَى الْكَهْفِ فَسَقَطَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ بَابَ الْغَارِ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: اُذْكُرُوا أَيَّكُمْ عَمِلَ حَسَنَةً لَعَلَّ اللَّهَ يُفَرِّجُ عَنَّا، فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: قَدْ عَمِلْت حَسَنَةً مِنْ وَاحِدٍ؛ كَانَ لِي أُجَرَاءُ يَعْمَلُونَ عَمَلًا اسْتَأْجَرْت كُلَّ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَطَ النَّهَارِ رَجُلٌ فَاسْتَأْجَرْتُهُ بِشَطْرِ أَصْحَابِهِ فَعَمِلَ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ كَمَا عَمِلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فِي طُولِ نَهَارِهِ فَرَأَيْت أَنْ لَا أُنْقِصَهُ مِمَّا اسْتَأْجَرْت بِهِ أَصْحَابَهُ لِاجْتِهَادِهِ فِي عَمَلِهِ فَقَالَ رَجُلٌ: أَتُعْطِي هَذَا مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَنِي؟ وَلَمْ يَعْمَلْ إلَّا نِصْفَ النَّهَارِ، فَقُلْت: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَمْ أُنْقِصْك مِنْ أُجْرَتِك شَيْئًا وَإِنَّمَا هُوَ مَالِي أَحْكُمُ فِيهِ بِمَا أَشَاءُ، فَغَضِبَ الرَّجُلُ وَذَهَبَ وَتَرَكَ أُجْرَتَهُ، فَوَضَعْت حَقَّهُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْبَيْتِ. ثُمَّ مَرَّتْ بِي بَعْدَ ذَلِكَ بَقَرٌ فَاشْتَرَيْت لَهُ فَصِيلَةٌ بِأُجْرَتِهِ فَبَلَغَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَصِرْت أَزْرَعُ لَهُ بِأُجْرَتِهِ وَأَشْتَرِي لَهُ مِنْ رِيعِ الزَّرْعِ عِجْلَةً وَعَنْزًا وَسَخْلَةً وَتَرْعَى فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ، فَزَادَتْ وَنَمَتْ. ثُمَّ مَرَّ بِي بَعْدَ حِينٍ شَيْخٌ ضَعِيفٌ لَا أَعْرِفُهُ فَقَالَ: إنَّ لِي عِنْدَك حَقًّا، ثُمَّ ذَكَرَهُ حَتَّى عَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذِهِ الْبَهَائِمُ حَقُّكَ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْخَرْ بِي إنْ لَمْ تَتَصَدَّقْ عَلَيَّ فَأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْت لَهُ: وَاَللَّهِ مَا أَسْخَرُ بِك وَإِنَّمَا هِيَ حَقُّك وَلَيْسَ لِي فِيهَا شَيْءٌ. فَدَفَعْت جَمِيعَ ذَلِكَ لَهُ؛ اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءً لِوَجْهِك فَافْرِجْ عَنَّا، فَانْفَرَجَ مِنْهَا ثُلُثُهَا. وَقَالَ الْآخَرُ: قَدْ عَمِلْت حَسَنَةً، كَانَ لِي مَالٌ وَرِزْقٌ رَزَقَنِي اللَّهُ بِهِ فَأَصَابَ النَّاسَ شِدَّةٌ فَجَاءَتْنِي امْرَأَةٌ تَطْلُبُ مِنِّي إحْسَانًا، فَقُلْت لَهَا: بِشَرْطِ أَنْ تُمَكِّنِينِي مِنْ نَفْسِك، فَأَبَتْ وَذَهَبَتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ ثَانِيًا وَطَلَبَتْ مِنِّي إحْسَانًا، فَقُلْت لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَبَتْ وَذَهَبَتْ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا فَقَالَ لَهَا: مَكِّنِيهِ مِنْ نَفْسِك وَأَحْيِي أَوْلَادَك لِئَلَّا يَمُوتُوا جُوعًا، فَرَجَعَتْ إلَيَّ وَأَنْشَدَتْنِي بِاَللَّهِ أَنْ أُعْطِيَهَا، فَأَبَيْتُ عَلَيْهَا إلَّا بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ؛ فَسَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَيَّ، فَلَمَّا كَشَفْت عَوْرَتَهَا وَقَعَدْت مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنْ زَوْجَتِهِ ارْتَعَدَتْ فَقُلْت: مَا شَأْنُك؟ فَقَالَتْ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَقُلْت لَهَا: خِفْتِ فِي الشِّدَّةِ وَلَمْ أَخَفْهُ أَنَا فِي الرَّخَاءِ؟ فَتَرَكْتُهَا وَأَعْطَيْتُهَا مَا يَحِقُّ عَلَيَّ بِمَا كَشَفْتُهَا. اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْت ذَلِكَ ابْتِغَاءً لِوَجْهِك فَافْرِجْ عَنَّا، فَانْفَرَجَ ثُلُثُهَا الثَّانِي وَتَبَيَّنَ لَهُمْ الضَّوْءُ. ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنِّي عَمِلْت حَسَنَةً، كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكَانَ لِي غَنَمٌ فَكُنْت أُطْعِمُ أَبَوَيَّ وَأَسْقِيهِمَا ثُمَّ أَرْجِعُ إلَى غَنَمِي، فَجَاءَ غَيْثٌ فَحَبَسَنِي فَأَتَيْت إلَى أَبَوَيَّ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا فَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَ غَنَمِي، فَدُمْت وَاقِفًا عَلَى رَأْسِهِمَا وَمِحْلَبِي عَلَى يَدِي حَتَّى أَيْقَظَهُمَا الصُّبْحُ، فَسَقَيْتُهُمَا. اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْت ذَلِكَ ابْتِغَاءً لِوَجْهِك فَافْرِجْ عَنَّا، فَانْفَرَجَتْ كُلُّهَا فَخَرَجُوا» . وَلَوْ أَخْبَرَ مَعْصُومٌ بِالْقَطْعِ بِاسْتِجَابَةِ دُعَاءِ شَخْصٍ فِي الْحَالِ وَاضْطُرَّ النَّاسُ لِلسُّقْيَا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ بِالسُّقْيَا؟ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسْتَشْفِعَ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ) أَيْ يَتَوَسَّلَ بِهِمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك إلَخْ " وَالتَّوَسُّلُ بِهِمْ بِأَنْ يُخْرِجَهُمْ لِلِاسْتِسْقَاءِ لِأَجْلِ دُعَائِهِمْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، خُصُوصًا عُمَّارَ الْمَسَاجِدِ لِمَا وَرَدَ: «إنَّ اللَّهَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُنْزِلَ بِقَرْيَةٍ عَذَابًا نَظَرَ إلَى أَهْلِ الْمَسَاجِدِ فَصَرَفَ عَنْهَا» قَوْلُهُ: (لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي عَامٍ شَدِيدِ الْقَحْطِ، فَخَرَجَ النَّاسُ يَسْتَسْقُونَ وَخَرَجْت مَعَهُمْ، إذْ أَقْبَلَ عَلَيْنَا غُلَامٌ أَسْوَدُ عَلَيْهِ قِطْعَتَا خَيْشٍ قَدْ اتَّزَرَ بِإِحْدَاهُمَا وَوَضَعَ الْأُخْرَى عَلَى عَاتِقِهِ، فَجَلَسَ إلَى جَنْبِي فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إلَهِي اخْتَلَفَتْ الْوُجُوهُ بِكَثْرَةِ الذُّنُوبِ وَالْمَسَاوِئِ وَقَدْ حَبَسْت عَنَّا غَيْثَ السَّمَاءِ لِتُؤَدِّبَ عِبَادَك، فَأَسْأَلُك يَا حَلِيمًا ذَا أَنَاةٍ يَا مَنْ لَا يَعْرِفُ عِبَادُهُ مِنْهُ إلَّا الْجَمِيلَ أَنْ تُسْقِيَهُمْ السَّاعَةَ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ السَّاعَةَ السَّاعَةَ حَتَّى اكْتَسَتْ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَأَقْبَلَ الْمَطَرُ مِنْ كُلِّ مَكَان. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: فَجِئْت إلَى الْفُضَيْلِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لِي: أَرَاك كَئِيبًا، فَقُلْت: قَدْ سَبَقَنَا إلَيْهِ غَيْرُنَا وَتَوَلَّاهُ دُونَنَا؛ وَقَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَصَاحَ الْفُضَيْلُ وَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ اهـ أج قَوْلُهُ: (كَمَا اسْتَشْفَعَ عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ) . وَقَدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَيُصَلِّي) الْإِمَامُ (بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) فِي كَيْفِيَّتِهِمَا مِنْ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ وَقَبْلَ التَّعَوُّذِ وَالْقِرَاءَةِ سَبْعًا فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَوُقُوفُهُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، وَالْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَى جَهْرًا بِسُورَةِ {ق} [ق: 1] ، وَفِي الثَّانِيَةِ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1] أَوْ سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةُ قِيَاسًا لَا نَصًّا، وَلَا تُؤَقَّتُ بِوَقْتِ عِيدٍ وَلَا غَيْرِهِ، فَتُصَلَّى فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ فَدَارَتْ مَعَ سَبَبِهَا (ثُمَّ يَخْطُبُ) الْإِمَامُ (بَعْدَهُمَا) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَتُجْزِئُ الْخُطْبَتَانِ قَبْلَهُمَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَيُبْدَلُ تَكْبِيرُهُمَا بِاسْتِغْفَارِ   [حاشية البجيرمي] رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ سَعْدٍ: «أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ اسْتَسْقَى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَتَابَعَتْ عَلَيْهِمْ سُنُونَ أَهْلَكَتْهُمْ، فَسَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنَّ فِيكُمْ نَبِيًّا آنَ أَوَانُ خُرُوجِهِ بِهِ يَأْتِيكُمْ الْحَيَا وَالْخِصْبُ، فَاخْرُجُوا إلَى جَبَلِ أَبِي قَيْسٍ، فَتَقَدَّمَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو وَيَطْلُبُ الْغَوْثَ أَيْ الْإِجَابَةَ بِوَجْهِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ مُتَوَسِّلًا بِهِ فَسُقُوا» . وَلِذَلِكَ يَقُولُ فِيهِ عَبْدُ الْمُطَّلِب. وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ قَوْلُهُ: (قَحَطْنَا) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْحَاءِ، وَحَكَى الْفَرَّاءُ كَسْرَ الْحَاءِ، وَقُحِطَ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ؛ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ح ف عَلَى ابْنِ حَجَرٍ عَلَى الْهَمَزِيَّةِ قَوْلُهُ: (وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَخْ) وَحِكْمَةُ تَوَسُّلِهِ بِهِ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهُ أَعْظَمُ وَسِيلَةً حَيًّا وَمَيِّتًا الْإِشَارَةُ إلَى رِفْعَةِ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُرْبِهِمْ مِنْ اللَّهِ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ح ف فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ قَوْلُهُ: (كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تُزَادُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ لَمْ تَنْعَقِدْ اهـ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ شَرْحِ الرَّمْلِيِّ: أَنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ، لَكِنْ لَمْ يَعْتَمِدْهُ ز ي لِكَوْنِهِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: لَكِنْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا، وَكَلَامُ الزِّيَادِيِّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِكَلَامِ الرَّمْلِيِّ مِنْ غَيْرِهِ فَافْهَمْ قَوْلُهُ: (قِيَاسًا لَا نَصًّا) يَرْجِعُ لِسَبِّحْ وَالْغَاشِيَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِيهِمَا ضَعِيفٌ. وَعِبَارَةُ م ر: وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَى جَهْرًا بِسُورَةِ " ق " وَفِي الثَّانِيَةِ " اقْتَرَبَتْ " أَوْ " سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةَ " قِيَاسًا وَلِوُرُودِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَقِيلَ: يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بَدَلَ " اقْتَرَبَتْ " {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: 1] لِاشْتِمَالِهَا عَلَى اسْتِغْفَارٍ وَنُزُولِ الْمَطَرِ اللَّائِقِينَ بِالْحَالِ. وَرَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ. عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُؤَقَّتُ بِوَقْتِ عِيدٍ) أَيْ وَلَكِنْ لَا تُؤَقَّتُ، فَهُوَ فِي مَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاخْتِلَافَ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا وَقْتَ لَهَا مُعَيَّنٌ وَأَنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِهَا كَالْعِيدِ، لَكِنَّهَا تُخَالِفُهُ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِيَوْمٍ مُعَيَّنٍ؛ وَهَلْ تُصْنَعُ بِاللَّيْلِ؟ اسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا بِالنَّهَارِ أَنَّهَا نَهَارِيَّةٌ كَالْعِيدِ، وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُصَلَّى فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ اهـ كَلَامُهُ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ. وَاعْتَمَدَ خ ض نَقْلًا عَنْ م ر أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا مَتَى شَاءَ وَلَوْ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ وَهُوَ الْحَاجَةُ فَدَارَتْ مَعَهُ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَوَافَقَهُمْ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَخْطُبُ) أَيْ كَالْعِيدِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَالسُّنَنِ. وَيُنْدَبُ أَنْ يَجْلِسَ أَوَّلَ مَا يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ ثُمَّ يَقُومَ لِيَخْطُبَ شَرْحُ م ر. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِمَا، نَعَمْ إنْ نَذَرَهُمَا وَجَبَ الْقِيَامُ اهـ خ ض قَوْلُهُ: (وَتُجْزِئُ الْخُطْبَتَانِ قَبْلَهُمَا) وَلَا يُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ عَلَى خُطْبَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَدَابِغِيُّ، خِلَافًا لِلرَّحْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالُوا: لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ إلَّا بِالنَّذْرِ، فَلَا تَكْفِي وَاحِدَةٌ، وَلَا يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِمَا إلَّا إذَا نَذَرَهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ. قَوْلُهُ: (وَيُبْدِلُ إلَخْ) وَيُبْدَلُ أَيْضًا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِطْرَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِسْقَاءِ اهـ م د. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 أَوَّلِهِمَا فَيَقُولُ: " أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ " بَدَلُ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَيُكْثِرُ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَتَيْنِ مِنْ قَوْلِ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] يُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلُ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلُ لَكُمْ أَنْهَارًا وَمِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ، وَهُوَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَيَتَوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ مِنْ نَحْوِ ثُلُثِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ (وَيُحَوِّلُ) الْخَطِيبُ (رِدَاءَهُ) عِنْدَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ، «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ» وَيَجْعَلُ يَمِينَ رِدَائِهِ يَسَارَهُ وَعَكْسُهُ، وَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) وَلَمْ يَزَلْ لِأَنَّ " كَانَ " فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِلدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ قَوْلُهُ: (يُرْسِلْ السَّمَاءَ) أَيْ الْمَطَرَ، مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ؛ قَالَ م ر: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَطَرُ مَعَ السَّحَابِ. وَقَوْلُهُ " مِدْرَارًا " مِفْعَالًا صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، وَهُوَ حَالٌ أَيْ حَالُ كَوْنِهِ كَثِيرَ الدَّرِّ أَيْ الْمَاءِ وَيَقُولُ مَا قَالَ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23] الْآيَةُ وَكَمَا قَالَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16] وَكَمَا قَالَ يُونُسُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] اهـ قَوْلُهُ: (وَمِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ) لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ يُذْكَرُ عِنْدَ الْكَرْبِ وَفِيهِ أَنَّهُ ذِكْرٌ لَا دُعَاءٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ طَلَبَ رَفْعِ الْكَرْبِ سُمِّيَ دُعَاءً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِنْ كَانَ مَدْلُولُهُ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، فَفِيهِ دُعَاءٌ ضِمْنًا أَوْ أَنَّهُ سَمَّاهُ دُعَاءً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ أَدْعِيَةٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. وَهَذَا كُلُّهُ طَرِيقَةُ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا السَّادَةُ الصُّوفِيَّةُ فَعَادَتُهُمْ التَّسْلِيمُ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ لِلْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، قَالَ قَائِلُهُمْ: سَلِّمْ لَهُ الْأَمْرَ عَلَّ تَسْلَمْ ... وَاصْبِرْ عَلَى الدَّهْرِ إنْ تَمَادَى لَا تَخْشَ نَارًا ذَكَتْ بِلَيْلِ ... كَمْ جَمْرَةً أَصْبَحَتْ رَمَادَا قَوْلُهُ: (وَيَجْعَلُ يَمِينَ رِدَائِهِ) كَانَ الْأَوْلَى عَطْفَهُ بِالْفَاءِ ق ل. وَحِكْمَةُ التَّحْوِيلِ التَّفَاؤُلُ بِتَغْيِيرِ الْحَالِ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ فَيُغَيِّرُوا بَوَاطِنَهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَظَوَاهِرَهُمْ بِتَحْوِيلِ أَرْدِيَتِهِمْ وَتَنْكِيسِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] وَهَذَا التَّحْوِيلُ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ إمَامًا أَوْ غَيْرَهُ دُونَ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِتَخْصِيصِهِ بِالْإِمَامِ كَالتَّنْكِيسِ؛ وَلِهَذَا قَالَ ق ل: وَالتَّحْوِيلُ وَالتَّنْكِيسُ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ مُطْلَقًا. وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي " وَيَفْعَلُ النَّاسُ إلَخْ " إلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّحْوِيلِ وَالتَّنْكِيسِ بِالْإِمَامِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، لَكِنْ يُقَيَّدُ كَلَامُ الشَّارِحِ فِيمَا يَأْتِي بِالذُّكُورِ فَقَطْ. وَيُتْرَكُ الرِّدَاءُ مُحَوَّلًا وَمُنَكَّسًا حَتَّى تُنْزَعَ الثِّيَابُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَحَقِيقَةُ الرِّدَاءِ مَا يُوضَعُ عَلَى الْكَتِفِ، وَالطَّيْلَسَانِ مَا يُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ وَيُغَطَّى بِهِ بَعْضُ الْوَجْهِ، وَالْإِزَارِ مَا يُوضَعُ فِي الْوَسَطِ. وَكَانَ طُولُ رِدَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّةَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ وَشِبْرًا، وَكَانَ إزَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرًا. وَاخْتَلَفَ الْمُحَدِّثُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي عِمَامَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ كَانَتْ طُولًا وَعَرْضًا وَصِفَةً، ثُمَّ رَوَوْا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَتْ عِمَامَتُهُ الشَّرِيفَةُ فِي سَفَرِهِ بَيْضَاءَ طُولُهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهَا ذِرَاعٌ وَإِنَّ الْعَذَبَةَ مِنْ غَيْرِ الْعِمَامَةِ وَفِي الْحَضَرِ كَانَتْ عِمَامَتُهُ الشَّرِيفَةُ سَوْدَاءَ مِنْ صُوفٍ طُولُهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعٍ وَالْعَذَبَةُ مِنْ الْعِمَامَةِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَيْكُمْ بِالْعَمَائِمِ فَإِنَّهَا سِيمَا الْمَلَائِكَةِ وَتِيجَانُ الْعَرَبِ، وَأَرْخُوهَا مِنْ خَلْفِ ظُهُورِكُمْ إلَى الْجِهَةِ الْيُسْرَى مِقْدَارَ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ» كَذَا ذَكَرَهُ وَلِيُّ اللَّهِ تَعَالَى مُحْيِي الدِّينِ مُحَمَّدٌ الْمَلِيجِيُّ الشَّافِعِيُّ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِالْمَتْنِ. وَفِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لِلْمُنَاوِيِّ أَنَّ لُبْسَ النَّعْلِ الْأَصْفَرِ يُورِثُ السُّرُورَ بِدَلِيلِ: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [البقرة: 69] إلَخْ. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَمِّي مَا يَلْبَسُهُ بِاسْمِهِ، وَلَمْ يَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 وَعَكْسُهُ، وَالْأَوَّلُ تَحْوِيلٌ وَالثَّانِي تَنْكِيسٌ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِهَمِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالثَّانِي فِيهِ، فَإِنَّهُ اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا، فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَيَحْصُلَانِ مَعًا بِجَعْلِ الطَّرَفِ الْأَسْفَلِ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَعَكْسُهُ وَهَذَا فِي الرِّدَاءِ الْمُرَبَّعِ، وَأَمَّا الْمُدَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّحْوِيلُ قَالَ الْقَمُولِيُّ: لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ فِيهِ التَّنْكِيسُ، وَكَذَا الرِّدَاءُ الطَّوِيلُ وَمُرَادُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَسِّرٌ لَا مُتَعَذِّرٌ، وَيَفْعَلُ النَّاسُ وَهُمْ جُلُوسٌ مِثْلَهُ تَبَعًا لَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ (وَيُكْثِرُ) فِي الْخُطْبَتَيْنِ (مِنْ الدُّعَاءِ) وَيُبَالِغُ فِيهِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَيَرْفَعُ الْحَاضِرُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الدُّعَاءِ مُشِيرِينَ بِظُهُورِ أَكُفَّهُمْ إلَى السَّمَاءِ لِلِاتِّبَاعِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْقَصْدَ رَفْعُ الْبَلَاءِ بِخِلَافِ الْقَاصِدِ حُصُولَ شَيْءٍ (وَ) مِنْ (الِاسْتِغْفَارِ) وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْجَى لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَيَدْعُو) فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى (بِدُعَاءِ) سَيِّدِنَا (رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الَّذِي أَسْنَدَهُ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ: «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ» ) بِضَمِّ السِّينِ أَيْ اسْقِنَا سُقْيَا رَحْمَةٍ، فَمَحَلُّهُ نَصْبٌ بِالْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ «وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ» أَيْ وَلَا تَسْقِنَا سُقْيَا عَذَابٍ «وَلَا مَحْقٍ» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْإِتْلَافُ وَذَهَابُ الْبَرَكَةِ (وَلَا بَلَاءٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمَدِّ هُوَ الِاخْتِبَارُ وَيَكُونُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا فِي   [حاشية البجيرمي] مَعَ كَوْنِهِ اتَّخَذَهَا وَأَمَرَ بِاِتِّخَاذِهَا اهـ كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ) هِيَ كِسَاءٌ أَسْوَدُ مُعَلَّمُ الطَّرَفَيْنِ يَكُونُ مِنْ خَزٍّ أَوْ صُوفٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا فَلَيْسَ بِخَمِيصَةٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ) أَيْ لِعُذْرٍ قَامَ بِهِ، وَإِلَّا فَقُوَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُضَاهَى، أَوْ أَنَّهُ أَظْهَرَ الْعَجْزَ هُنَا لِكَوْنِ الْمَقَامِ مَقَامَ تَذَلُّلٍ وَخُشُوعٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ؛ وَثِقَلُهَا كَانَ بِسَبَبِ الْمَطَرِ قَوْلُهُ: (عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ) أَيْ وَبِالْعَكْسِ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّحْوِيلُ) الْمُنَاسِبُ فَلَيْسَ فِيهِمَا ق ل؛ وَيُمْكِنُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (وَيَفْعَلُ النَّاسُ) أَيْ الذُّكُورُ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ " مِثْلَهُ " أَيْ مِنْ التَّحْوِيلِ وَالتَّنْكِيسِ قَوْلُهُ: (وَيَرْفَعُ الْحَاضِرُونَ أَيْدِيَهُمْ) أَيْ مِنْ إمَامٍ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ: (مُشِيرِينَ بِظُهُورِ أَكُفِّهِمْ إلَى السَّمَاءِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى فِي قَوْلِهِمْ " اسْقِنَا الْغَيْثَ " لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ بِهِ رَفْعَ الْبَلَاءِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " وَالْحِكْمَةُ إلَخْ " إطْفِيحِيٌّ؛ أَيْ وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ طَالِبًا لِتَحْصِيلِ الْغَيْثِ ح ف؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَ الشَّارِحِ بِقَصْدِ الدَّاعِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ. وَعِنْدَ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالصِّيغَةِ فَعِنْدَ نَحْوِ " اسْقِنَا الْغَيْثَ " يَجْعَلُ بَطْنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ، وَعِنْدَ نَحْوِ " ارْفَعْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ " يَجْعَلُ ظُهُورَهُمَا إلَيْهَا ق ل. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْقَاصِدِ حُصُولَ شَيْءٍ) فَيَجْعَلُ بَطْنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ طَلَبُ حُصُولِ شَيْءٍ آخَرَ فِي دُعَائِهِ كَأَنْ كَتَبَ الْأَمْرَيْنِ فِي رُقْعَةٍ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك حُصُولَ مَا فِي هَذِهِ، فَأَيُّهُمَا يُرَاعِي قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: يُرَاعِي الرَّفْعَ فَيَجْعَلُ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ اهـ أج. لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ قَوْلُهُ: (وَمِنْ الِاسْتِغْفَارِ) عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ " وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ " يُوهِمُ عَدَمَ حَصْرِهِ مَعَ أَنَّهُ مَحْصُورٌ بِتِسْعِ مَرَّاتٍ فِي الْأُولَى وَبِسَبْعٍ فِي الثَّانِيَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ بَدَلُ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ؛ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الدُّعَاءِ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ اسْتِغْفَارًا. وَإِنَّمَا طُلِبَ ذَلِكَ كَثِيرًا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ: «مَنْ لَازَمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» سِيَّمَا وَالْقُرْآنُ الْعَزِيزُ مُصَرِّحٌ بِذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] الْآيَةُ قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ) مَبْنِيٌّ عَلَى ضَمِّ الْهَاءِ وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى ضَمٍّ مُقَدَّرٍ عَلَى الْمِيمِ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ مِنْ حَرْفِ النِّدَاءِ وَلَيْسَ عِوَضًا عَنْ حَرْفٍ مِنْ الْكَلِمَةِ حَتَّى يَكُونَ الْبِنَاءُ مُقَدَّرًا قَوْلُهُ: (فَمَحَلُّهُ نَصْبٌ) صَوَابُهُ مَنْصُوبٌ لِأَنَّهُ مُعْرَبٌ، لَكِنَّهُمْ قَدْ يَحْكُمُونَ عَلَى مَا كَانَ إعْرَابُهُ مُقَدَّرًا بِأَنَّهُ فِي مَحَلٍّ لِعَدَمِ ظُهُورِ إعْرَابِهِ فَهُنَا كَذَلِكَ. اهـ. ق ل. فَقَدْ صَرَّحَ الْأُشْمُونِيُّ وَابْنُ قَاسِمٍ فِي بَابِ الْفَاعِلِ مِنْ شَرْحِ الْخُلَاصَةِ بِأَنَّ الْإِعْرَابَ الْمَحَلِّيَّ يَكُونُ فِي الْمُعْرَبَاتِ، أَيْ وَذَلِكَ كَمَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 الصِّحَاحِ وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي (وَلَا هَدْمٍ) بِإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ ضَارٍّ يَهْدِمُ الْمَسَاكِنَ وَلَوْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ رَفْعَهُ بِأَنْ يَقُولُوا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ اُشْتُكِيَ إلَيْهِ ذَلِكَ: «اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَالْآكَامِ» بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ ظَرِبٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ، وَالْآكَامُ بِالْمَدِّ جَمْعُ أُكُمٍ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ إكَامٍ بِوَزْنِ كِتَابٍ جَمْعُ أَكَمٍ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ أَكَمَةٍ وَهُوَ التَّلُّ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَبَلًا «وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ» جَمْعُ وَادٍ وَهُوَ اسْمٌ لِلْحُفْرَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ «اللَّهُمَّ» اجْعَلْ الْمَطَرَ «حَوَالَيْنَا» بِفَتْحِ اللَّامِ «وَلَا» تَجْعَلْهُ «عَلَيْنَا» فِي الْأَبْنِيَةِ وَالْبُيُوتِ، وَهُمَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ الْمَفْعُولِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ وَلَا يُصَلِّي لِذَلِكَ لِعَدَمِ وُرُودِ الصَّلَاةِ لَهُ، وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَ: «اللَّهُمَّ» أَيْ يَا اللَّهُ «أَسْقِنَا» بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَسْقَى وَوَصْلِهَا مِنْ سَقَى، فَقَدْ وَرَدَ الْمَاضِي ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا قَالَ تَعَالَى {لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16] {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] (غَيْثًا) بِمُثَلَّثَةٍ أَيْ مَطَرًا «مُغِيثًا» بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ مُنْقِذًا مِنْ الشِّدَّةِ بِإِرْوَائِهِ «هَنِيئًا» بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ أَيْ طَيِّبًا لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ «مَرِيئًا» بِوَزْنِ هَنِيئًا أَيْ مَحْمُودَ الْعَاقِبَةِ «مَرِيعًا» بِفَتْحِ   [حاشية البجيرمي] فَاعِلٍ نَحْوِ كَفَى بِاَللَّهِ قَوْلُهُ: (أَيْ ضَارٍّ) أَيْ وَلَا سُقْيَا شَيْءٍ ضَارٍّ يَهْدِمُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَضَرَّرُوا إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَهُ اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ إلَخْ، لَا يُقَالُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ أَيْ قَبْلَ نُزُولِ الْمَطَرِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بَلْ عِنْدَ التَّضَرُّرِ بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ؛ وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ ذَلِكَ عَنْ الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الْخُطْبَةِ بَلْ عِنْدَ التَّضَرُّرِ بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (وَالْآكَامُ بِالْمَدِّ) فَأَقَلُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ آكَامٌ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ أَكَمَةً وَأُكُمٌ عَلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَإِكَامٌ عَلَى تِسْعٍ وَأَكَمٌ بِفَتْحَتَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ جَمْعُ ثَمَرَةٍ عَلَى ثَمَرٍ كَشَجَرَةٍ وَشَجَرٍ وَجَمْعُ ثَمَرٍ بِفَتْحَتَيْنِ عَلَى ثِمَارٍ كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ وَجَمْعُ ثِمَارٍ عَلَى ثَمَرٍ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَجَمْعُ ثَمَرٍ عَلَى أَثْمَارٍ كَعُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ؛ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ هِشَامٍ فِي شَرْحِ " بَانَتْ سُعَادُ " قَالَ: لَا أَعْرِفُ لَهُمَا أَيْ الْآكَامِ وَأَثْمَارٍ نَظِيرًا فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَقَدْ أَلْغَزَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَفِدْنِي مَا اسْمٌ مُفْرَدٌ جَاءَ جَمْعُهُ ... وَقَدْ جَاءَ جَمْعُ الْجَمْعِ أَيْضًا مُقَرَّرَا وَجَمْعُك جَمْعَ الْجَمْعِ أَيْضًا مُحَقَّقُ ... وَمِنْ بَعْدِ هَذَا الْجَمْعِ جَمْعٌ تَحَرَّرَا وَهَذِي جُمُوعٌ أَرْبَعٌ قَدْ تَرَتَّبَتْ ... لَهَا مُفْرَدَاتٌ أَرْبَعٌ كُنَّ مُحَرِّرَا وَاخْتَصَرَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: أَفِدْنِي جُمُوعًا أَرْبَعًا قَدْ تَرَتَّبَتْ ... وَكُلٌّ غَدَا جَمْعًا لِمَا هُوَ قَبْلَهُ وَقُلْت مُجِيبًا: جَوَابُك فِي الْأَثْمَارِ يَبْدُو بِلَا خِفَا ... كَذَلِكَ آكَامٌ بِمَدٍّ تَقَرَّرَا قَوْلُهُ: (اسْمٌ لِلْحُفْرَةِ) وَالْمُرَادُ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. ق ل. وَالْمَشْهُورُ فِي الْعُرْفِ أَنَّ الْوَادِيَ الْمَحَلُّ الْوَاسِعُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَهُمَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ) هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ مَنْصُوبٌ بِالْيَاءِ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمُثَنَّى، وَقَالَ الرَّحْمَانِيُّ: إنَّهُ جَمْعٌ عَلَى صُورَةِ الْمُثَنَّى مُفْرَدُهُ حَوْلٌ وَحَوْلُ الشَّيْءِ مَا يُمْكِنُ تَحَوُّلُهُ إلَيْهِ، وَنُقِلَ عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ مُثَنًّى مُفْرَدُهُ حَوَالٌ، وَقَوْلُهُ: " نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ الْمَفْعُولِ " فِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، فَالظَّرْفِيَّةُ رَاجِعَةٌ لِقَوْلِهِ " حَوَالَيْنَا " وَالْمَفْعُولِيَّةُ لِقَوْلِهِ " عَلَيْنَا " أَيْ وَلَا تَجْعَلْهُ وَاقِعًا عَلَيْنَا، فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَفْعُولِ الْمُقَدَّرِ. " وَأَوْ " فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِمَعْنَى الْوَاوِ. وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّارِحِ. وَقَوْلُهُ " فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ " غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ حَوَالَيْنَا مَنْصُوبٌ بِالْيَاءِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُصَلِّي لِذَلِكَ) أَيْ لِتَضَرُّرِهِمْ بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ، أَيْ لَا يُصَلِّي جَمَاعَةً بَلْ فُرَادَى بِنِيَّةِ رَفْعِ الْمَطَرِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتٍ، أَيْ ذَا رِيعٍ أَيْ نَمَاءٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُرَاعَةِ وَرُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ مِنْ تَحْتِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرْبَعَ الْبَعِيرُ يُرْبِعُ إذَا أَكَلَ الرَّبِيعَ، وَرُوِيَ أَيْضًا بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقِ مِنْ قَوْلِهِمْ رَتَعَتْ الْمَاشِيَةُ إذَا أَكَلَتْ مَا شَاءَتْ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ «غَدَقًا» بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ أَيْ كَثِيرَ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ وَقِيلَ الَّذِي قَطْرُهُ كِبَارٌ ( «مُجَلِّلًا» بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ يُجَلِّلُ الْأَرْضَ أَيْ يَعُمُّهَا كَجُلِّ الْفَرَسِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُجَلِّلُ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ) «سَحًّا» بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ شَدِيدَ الْوَقْعِ عَلَى الْأَرْضِ يُقَالُ سَحَّ الْمَاءُ يَسِحُّ إذَا سَالَ مِنْ فَوْقٍ إلَى أَسْفَلَ وَسَاحَ يَسِيحُ إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ «طَبَقًا» بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْبَاءِ أَيْ مُطْبِقًا عَلَى الْأَرْضِ أَيْ مُسْتَوْعِبًا لَهَا فَيَصِيرُ كَالطَّبَقِ عَلَيْهَا يُقَالُ هَذَا مُطَابِقٌ لَهُ أَيْ مُسَاوٍ لَهُ «دَائِمًا» أَيْ مُسْتَمِرًّا نَفْعُهُ إلَى انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَإِنَّ دَوَامَهُ عَذَابٌ «اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ» تَقَدَّمَ شَرْحُهُ «وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ» أَيْ الْآيِسِينَ بِتَأْخِيرِ الْمَطَرِ «اللَّهُمَّ» يَا اللَّهُ «إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ» وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ كَمَا فِي سِيَاقِ الْمُخْتَصَرِ «مِنْ الْجَهْدِ» بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا أَيْ الْمَشَقَّةِ وَقِيلَ الْبَلَاءُ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ وَقِيلَ هُوَ قِلَّةُ الْخَيْرِ وَالْهُزَالِ وَسُوءِ الْحَالِ «وَالْجُوعِ» لَفْظُ الْحَدِيثِ «وَاللَّأْوَاءِ» وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَبِالْهَمْزِ السَّاكِنِ وَالْمَدِّ شِدَّةُ الْجُوعِ فَعَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِمَعْنَاهُ «وَالضَّنْكِ» بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ أَيْ الضِّيقِ «مَا لَا نَشْكُو إلَّا إلَيْك» لِأَنَّك الْقَادِرُ عَلَى النَّفْعِ وَالضُّرِّ، وَنَشْكُو بِالنُّونِ فِي أَوَّلِهِ «اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ» بِاللَّبَنِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ الْإِدْرَارِ وَهُوَ الْإِكْثَارُ وَالضَّرْعُ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ يُقَالُ أَضْرَعَتْ الشَّاةُ أَيْ نَزَلَ لَبَنُهَا قَبْلَ النِّتَاجِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ «وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ» أَيْ خَيْرَاتِهَا وَهُوَ الْمَطَرُ «وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ» أَيْ خَيْرَاتِهَا وَهُوَ النَّبَاتُ وَالثِّمَارُ، وَفِي بَرَكَاتٍ أَقْوَالٌ أُخَرُ حَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ ثُمَّ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ السَّمَاءَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَبِ، وَالْأَرْضَ تَجْرِي مَجْرَى الْأُمِّ وَمِنْهُمَا حَصَلَ جَمِيعُ الْخَيْرَاتِ بِخَلْقِ اللَّهِ وَتَدْبِيرِهِ «وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ» بِالْمَدِّ أَيْ الْحَالَةِ الشَّاقَّةِ «مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك» وَفِي الْحَدِيثِ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَاكْشِفْ عَنَّا «اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ» «اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك» أَيْ نَطْلُبُ مَغْفِرَتَك بِكَرَمِك وَفَضْلِك «إنَّك كُنْت غَفَّارًا» أَيْ كَثِيرَ الْمَغْفِرَةِ فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86] أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ وُجِدَ فِيهِ ذِكْرٌ كَانَ   [حاشية البجيرمي] قِيَاسًا عَلَى نَدْبِ ذَلِكَ لِلصَّوَاعِقِ وَالزَّلَازِلِ وَالْخُسُفِ قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُرَاعَةِ) وَهِيَ الْخِصْبُ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ ضِدُّ الْجَدْبِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ: (وَرُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ) أَيْ الْمَكْسُورَةِ مَعَ ضَمِّ الْمِيمِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا. اهـ. ق ل. أَيْ مُرَبِّعًا أَيْ يَكُونُ سَبَبًا فِي أَكْلِ الرَّبِيعِ. قَوْلُهُ: (مِنْ قَوْلِهِمْ رَتَعَتْ الْمَاشِيَةُ) عِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: مِنْ أَرَتَعَتْ الْمَاشِيَةُ بِالْهَمْزِ، وَهِيَ الْمُنَاسِبَةُ لِكَلَامِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَعْنَاهَا مُخْتَلِفٌ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: وَكُلٌّ صَحِيحٌ مُنَاسِبٌ هُنَا قَوْلُهُ: (إذَا سَالَ إلَخْ) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ شَدِيدَ الْوَقْعِ عَلَى الْأَرْضِ فَتَفْسِيرُهُ بِشَدِيدِ الْوَقْعِ عَلَى الْأَرْضِ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ قَوْلُهُ: (يَسِحُّ) بَابُهُ رَدَّ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ قَوْلُهُ: (مُطْبِقًا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ أَطْبَقَ، قَوْلُهُ: (إنَّ بِالْعِبَادِ) هُوَ خَبَرُ " إنَّ " مُقَدَّمٌ وَقَوْلُهُ " مَا " مِنْ قَوْلِهِ مَا لَا نَشْكُو، اسْمُهَا، وَقَوْلُهُ " مِنْ الْجَهْدِ " بَيَانٌ لِمَا، مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَالتَّقْدِيرُ: إنَّ الَّذِي لَا نَشْكُوهُ إلَّا إلَيْك مِنْ الْجَهْدِ وَمَا بَعْدَهُ وَاقِعٌ بِالْعِبَادِ إلَخْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (وَالْبِلَادِ) عَطْفُ الْبِلَادِ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ عَطْفِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ، وَلَعَلَّهُ احْتِرَازٌ مِنْ نَحْوِ أَهْلِ السَّمَاءِ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (وَالْخَلْقِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ لَفْظَ الْعِبَادِ يُغْنِي عَنْهُ، قَوْلُهُ: (وَأَدِرَّ) أَيْ اجْعَلْ الضَّرْعَ دَارًّا بِاللَّبَنِ، وَالضَّرْعُ الثَّدْيُ. قَوْلُهُ: (أَيْ نَزَلَ لَبَنُهَا قَبْلَ النِّتَاجِ) وَالْمُرَادُ إكْثَارُ لَبَنِهَا مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ) نُسْخَةُ أَبُو حَامِدٍ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَيْ تَخْصِيصِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِإِنْزَالِ الْبَرَكَاتِ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (تَجْرِي مَجْرَى الْأَبِ) فَالْمَطَرُ بِمَنْزِلَةِ النُّطْفَةِ وَالْأَرْضُ بِمَنْزِلَةِ رَحِمِ الْمَرْأَةِ، وَالْمُرَادُ يَجْرِيَانِ مَجْرَى الْأَبِ وَالْأُمِّ أَيْ لِلْخَيْرَاتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 مَوْصُولًا بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَصْلُحُ لِلْمَاضِي وَالْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ وَاذَا كَانَ مَوْصُولًا بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْمَعْنَى «فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ» أَيْ الْمِظَلَّةَ لِأَنَّ الْمَطَرَ يَنْزِلُ مِنْهَا إلَى السَّحَابِ أَوْ السَّحَابَ نَفْسَهُ أَوْ الْمَطَرَ) «عَلَيْنَا مِدْرَارًا» بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ كَثِيرَ الدَّرِّ، وَالْمَعْنَى أَرْسِلْ عَلَيْنَا مَاءً كَثِيرًا وَيُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَظْهَرَ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ وَيَكْشِفَ مِنْ جَسَدِهِ غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَطَرِ تَبَرُّكًا وَلِلِاتِّبَاعِ (وَيَغْتَسِلَ) أَوْ يَتَوَضَّأَ نَدْبًا كُلُّ أَحَدٍ (فِي الْوَادِي) وَمَرَّ تَفْسِيرُهُ (إذَا سَالَ) مَاؤُهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ الْجَمْعُ ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغُسْلِ ثُمَّ عَلَى الْوُضُوءِ وَالْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُصَادِفَ وَقْتَ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ، لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ هِيَ الْحِكْمَةُ فِي كَشْفِ الْبَدَنِ لِيَنَالَ أَوَّلَ مَطَرِ السَّنَةِ وَبَرَكَتَهُ (وَيُسَبِّحَ لِلرَّعْدِ) أَيْ عِنْدَ الرَّعْدِ (وَالْبَرْقِ) فَيَقُولَ: «سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ» كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَقِيسَ بِالرَّعْدِ الْبَرْقُ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُ: " سُبْحَانَ مَنْ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا " وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ وَالْبَرْقَ أَجْنِحَتُهُ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَسْمُوعُ صَوْتُهُ   [حاشية البجيرمي] الْحَاصِلَةِ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (أَيْ الْمِظَلَّةَ) هُوَ الْجِرْمُ الْمَعْهُودُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلسَّمَاءِ. قَوْلُهُ: (أَوْ السَّحَابَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْمِظَلَّةَ، وَكَذَا قَوْلُهُ " أَوْ الْمَطَرَ " كَمَا فِي قَوْلِهِ: إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غَضَابَى وَغَضَابَى بِفَتْحِ الْغَيْنِ كَنَدْمَانَ وَنَدَامَى. قَوْلُهُ: (لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لِكَوْنِهِ الْآكَدَ. قَوْلُهُ: (لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ) مِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، قَالَ ح ل: فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْوُضُوءِ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْغَرَضُ إمْسَاسُ الْمَاءِ لِتِلْكَ الْأَعْضَاءِ فَهُوَ عَلَى صُورَةِ الْمُتَوَضِّئِ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي مَاءِ السَّيْلِ لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَالَ السَّيْلُ قَالَ: اُخْرُجُوا بِنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرُ مِنْهُ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ» وَهُوَ صَادِقٌ بِالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ. وَتَعْبِيرُ النَّوَوِيِّ هُنَا فِي الرَّوْضَةِ بِ " أَوْ " يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ أَحَدِهِمَا بِالْمَنْطُوقِ وَكِلَيْهِمَا بِمَفْهُومِ الْأُولَى، فَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ، فَقَالَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْتَسِلَ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فَلْيَتَوَضَّأْ؛ وَالْمُتَّجَهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغُسْلِ ثُمَّ عَلَى الْوُضُوءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا نِيَّةٌ إلَّا إنْ صَادَفَ وَقْتَ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ كَشْفُ الْبَدَنِ لِيَنَالَهُ أَوَّلُ مَطَرِ السَّنَةِ وَبَرَكَتُهُ. هَذَا مَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْخَطِيبُ وَالشَّيْخُ م ر. وَخَالَفَهُمَا شَيْخُنَا ز ي وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ نِيَّةٍ وَاعْتَمَدَهُ وَجَزَمَ بِهِ وَقَالَ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ وَأَدِينُ اللَّهَ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ مُرَادُهُ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ الشَّرْعِيَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ إمْسَاسَ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ فَكَلَامُهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ. قَوْلُهُ: (هِيَ الْحِكْمَةُ فِي كَشْفِ الْبَدَنِ) أَيْ وَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ قَوْلُهُ: (سُبْحَانَ إلَخْ) أَيْ يَقُولُهَا ثَلَاثًا كَمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: " كُنَّا مَعَ عُمَرَ فِي سَفَرٍ فَأَصَابَنَا رَعْدٌ وَبَرْقٌ وَبَرْدٌ فَقَالَ لَنَا كَعْبٌ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الرَّعْدَ سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ إلَخْ عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ. فَقُلْنَا فَعُوفِينَا " اهـ. وَمَعْنَى يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ يُنَزِّهُهُ حَالَ كَوْنِهِ مُتَلَبِّسًا بِحَمْدِهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] وَقَوْلُهُ {مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد: 13] أَيْ مِنْ أَجْلِ خَوْفِهِمْ مِنْهُ تَعَالَى:. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ قَوْلُهُ: (فَالْمَسْمُوعُ صَوْتُهُ إلَخْ) وَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَلَامُ الْمَتْنِ مُحْتَاجًا لِتَقْدِيرٍ أَيْ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِهِ أَوْ صَوْتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 أَوْ صَوْتُ سَوْقِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ وَإِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَى الرَّعْدِ مَجَازٌ وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَعَثَ اللَّهُ السَّحَابَ فَنَطَقَتْ أَحْسَنَ النُّطْقِ وَضَحِكَتْ أَحْسَنَ الضَّحِكِ، فَالرَّعْدُ نُطْقُهَا وَالْبَرْقُ ضَحِكُهَا» وَيُنْدَبُ أَنْ لَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ لِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إلَى الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ سَبُّوحٌ قُدُّوسٌ ". قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَيُخْتَارُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي ذَلِكَ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ: " اللَّهُمَّ صَيِّبًا بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ مَطَرًا شَدِيدًا نَافِعًا " وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ: " إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَرُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ " وَأَنْ يَقُولَ فِي إثْرِ الْمَطَرِ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَرَحْمَتِهِ لَنَا، وَكُرِهَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا بِفَتْحِ نُونِهِ وَهَمْزِ آخِرِهِ أَيْ بِوَقْتِ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي إضَافَةِ الْأَمْطَارِ إلَى الْأَنْوَاءِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ النَّوْءَ فَاعِلُ الْمَطَرِ حَقِيقَةً، فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْفَاعِلُ لَهُ حَقِيقَةً كَفَرَ   [حاشية البجيرمي] سَوْقِهِ فَأَطْلَقْنَا الرَّعْدَ عَلَى ذَلِكَ مَجَازًا مُرْسَلًا عَلَاقَتُهُ التَّعَلُّقُ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ " فَأُطْلِقَ ذَلِكَ عَلَى الرَّعْدِ " الْعِبَارَةُ فِيهَا قَلْبٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَإِطْلَاقُ الرَّعْدِ عَلَى ذَلِكَ أَيْ الصَّوْتِ الْمَذْكُورِ مَجَازٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ م ر. قَوْلُهُ: (وَرُوِيَ إلَخْ) قَوْلٌ آخَرُ غَيْرُ مَا سَبَقَ قَوْلُهُ: (فَالرَّعْدُ نُطْقُهَا) أَيْ صَوْتُهُ، قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْبَرْقَ مَلَكٌ لَهُ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ: وَجْهُ إنْسَانٍ وَوَجْهُ ثَوْرٍ وَوَجْهُ نَسْرٍ وَوَجْهُ أَسَدٍ، فَإِذَا مَصَعَ بِذَنَبِهِ أَيْ حَرَّكَهُ فَذَلِكَ الْبَرْقُ أج قَوْلُهُ: (وَالْبَرْقُ ضَحِكُهَا) أَيْ لَمَعَانُهَا قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ) قَالَ تَعَالَى: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} [النور: 43] قَوْلُهُ: (سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَهُوَ سُبُّوحٌ وَقُدُّوسٌ بِضَمِّ الْأَوَّلِ أَيْ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ سُوءٍ وَعَيْبٍ، قَالُوا: وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ فُعُّولٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْعَيْنِ إلَّا سَبُّوحٌ وَقُدُّوسٌ وَذُرُّوحٌ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ حَمْرَاءُ مُنَقَّطَةٌ بِسَوَادٍ تَطِيرُ، وَهِيَ مِنْ ذَاتِ السَّمُومِ، وَفَتْحُ الْفَاءِ فِي الثَّلَاثَةِ لُغَةً عَلَى غَيْرِ قِيَاسِ الْبَابِ، وَكَذَلِكَ سُتُّوقُ وَهُوَ الزَّيْفُ، وَفُلُّوقٌ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْخَوْخِ يَتَفَلَّقُ عَنْ نَوَاهُ لَكِنَّهُ بِالضَّمِّ لَا غَيْرُ اهـ وَذُرُّوحٌ اسْمٌ لِلطَّائِرِ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ بِضَمِّ الذَّالِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ صَيِّبًا) أَيْ اجْعَلْهُ صَيِّبًا. قَوْلُهُ: (أَيْ مَطَرًا شَدِيدًا نَافِعًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ مَطَرًا نَازِلًا مِنْ عُلُوٍّ إلَى أَسْفَلَ؛ لِأَنَّ الصَّيِّبَ مَعْنَاهُ النَّازِلُ مِنْ عُلُوٍّ إلَى أَسْفَلَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَيُمْكِنُ أَنَّ تَفْسِيرَ الشَّارِحِ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ) أَيْ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ لَا غَيْرُ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ) هَلْ الْمُرَادُ عِنْدَ الْقِيَامِ لَهَا أَوْ عِنْدَ ذِكْرِ أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا) فَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيحَةَ لَيْلَةَ الْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا صَلَّى بِهِمْ: أَتَدْرُونَ مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِفَضْلِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاَللَّهِ وَكَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا» وَفِي رِوَايَةٍ «بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ كَافِرٌ بِي» وَفِي التَّقْرِيبِ: وَالنَّوْءُ سُقُوطُ نَجْمٍ مِنْ الْمَنَازِلِ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ الْفَجْرِ وَطُلُوعُ رَقِيبِهِ مِنْ الْمَشْرِقِ؛ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ لَا بُدَّ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ مَطَرٍ أَوْ رِيحٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ لِلطَّالِعِ لِأَنَّهُ نَاءَ أَيْ نَهَضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُبُهُ لِلْغَارِبِ، فَنَفَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ. وَهَذَا عِنْدَ أَئِمَّتِنَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيمَانِ شُكْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ نَسَبَهَا إلَى اللَّهِ وَالْكُفْرُ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ حَيْثُ نَسَبَهَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ النَّجْمَ هُوَ الْفَاعِلُ كَانَ الْكُفْرُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَهُوَ ضِدُّ الْإِيمَانِ. وَالْأَوَّلُ إنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِلَّا فَهَذَا التَّرْكِيبُ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَوْءُ كَذَا فَاعِلًا؛ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ مُطِرْنَا فِي نَوْءِ كَذَا أَيْ وَقْتِ نَوْءِ كَذَا لَمْ يُكْرَهْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْأَنْوَاءُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ نَوْءًا أَيْ نَجْمًا، كَانَ الْعَرَبُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ يَحْدُثُ الْمَطَرُ أَوْ الرِّيحُ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَوْ حَبَسَ اللَّهُ الْقَطْرَ عَنْ النَّاسِ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ أَرْسَلَهُ أَصْبَحَ طَائِفَةٌ يَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 تَتِمَّةٌ: يُكْرَهُ سَبُّ الرِّيحِ وَيُجْمَعُ عَلَى رِيَاحٍ وَأَرْوَاحٍ بَلْ يُسَنُّ الدُّعَاءُ عِنْدَهَا لِخَبَرِ «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ» أَيْ مِنْ رَحْمَتِهِ «تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْت لِأَبِي بَكْرٍ الْوَرَّاقِ: عَلِّمْنِي شَيْئًا يُقَرِّبُنِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُبْعِدُنِي عَنْ النَّاسِ فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي يُقَرِّبُك إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَسْأَلَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يُبْعِدُك عَنْ النَّاسِ فَتَرْكُ مَسْأَلَتِهِمْ ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ» ثُمَّ أَنْشَدَ: لَا تَسْأَلَنَّ بَنِي آدَمَ حَاجَةً ... وَسَلْ الَّذِي أَبْوَابُهُ لَا تُحْجَبُ اللَّهُ يَغْضَبُ إنْ تَرَكْت سُؤَالَهُ ... وَبَنِي آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ فَصْلٌ: فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ   [حاشية البجيرمي] وَنُقِلَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا؛ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: لَعَلَّ هَذَا يَكُونُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ نَاهِيًا لَك عَنْ التَّعَرُّضِ إلَى عِلْمِ الْكَوَاكِبِ وَاقْتِرَانَاتِهَا وَمَانِعًا لَك أَنْ تَدَّعِيَ وُجُودَ تَأْثِيرَاتِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ فِيك قَضَاءً لَا بُدَّ أَنْ يُنَفِّذَهُ وَحُكْمًا لَا بُدَّ أَنْ يُظْهِرَهُ، فَمَا فَائِدَةُ التَّجَسُّسِ عَلَى غَيْبِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ وَقَدْ نَهَانَا سُبْحَانَهُ أَنْ نَتَجَسَّسَ عَلَى غَيْبِهِ اهـ ذَكَرَهُ ح ل فِي السِّيرَةِ. [تَتِمَّةٌ سَبُّ الرِّيحِ] قَوْلُهُ: (الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أَيْ مِنْ رَحْمَتِهِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الرِّيحَ الْمُفْرَدَةَ تَأْتِي بِالْعَذَابِ وَالرِّيَاحَ الْمَجْمُوعَةَ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ. وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْجَامِعِ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ خَيْرِ مَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيَاحُ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيحُ» سَأَلَ اللَّهَ خَيْرَ الْمَجْمُوعَةِ لِأَنَّهَا لِلرَّحْمَةِ وَتَعَوَّذَ بِهِ مِنْ شَرِّ الْمُفْرَدَةِ لِأَنَّهَا لِلْعَذَابِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْأُسْلُوبُ فِي كَلَامِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَيْنُ الرِّيحِ وَاوٌ لِقَوْلِهِمْ أَرْوَاحٌ وَرُوَيْحَةٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَا تُفْلِحُ السَّحَابُ إلَّا مِنْ رِيَاحٍ، وَيُصَدِّقُهُ مَجِيءُ الْجَمْعِ فِي آيَاتِ الرَّحْمَةِ وَالْوَاحِدِ فِي قَصَصِ الْعَذَابِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ رَوْحِ اللَّهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُرَدَّ أَنَّهَا تَأْتِي بِالْعَذَابِ أَيْضًا شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ أَيْ مِنْ حَيْثُ مَا يَظْهَرُ لَنَا وَإِلَّا فَهِيَ رَحْمَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُطْلَقًا اهـ وَمِثْلُهُ ع ش عَلَى م ر. رَوَى الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ «رَجُلًا شَكَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَقْرَ فَقَالَ لَهُ: لَعَلَّك تَسُبُّ الرِّيحَ؟» وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ سَبَبَ الْمَطَرِ وَالْمَطَرُ سَبَبُ الرِّزْقِ فَمَنْ سَبَّهَا مُنِعَ الرِّزْقَ بِذَلِكَ اهـ دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (يُقَرِّبُنِي) بِالْجَزْمِ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ أَوْ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَيُبْعِدُنِي كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي يُبْعِدُك) فِيهِ أَنَّ هَذَا يُقَرِّبُهُ مِنْ النَّاسِ لِأَنَّهُمْ يُقْبِلُونَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَلِذَا رُوِيَ " وَيُقَرِّبُنِي مِنْ النَّاسِ وَأَمَّا الَّذِي يُقَرِّبُك " إلَخْ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ هَذِهِ النُّسْخَةِ أَيْ الَّتِي فِي الشَّرْحِ بِأَنَّ تَرْكَ مَسْأَلَتِهِمْ فِيهِ إعْرَاضٌ عَنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْبُعْدَ عَنْهُمْ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَوَى) أَيْ الْوَرَّاقُ 1 - خَاتِمَةٌ: تُفَارِقُ الْعِيدُ الِاسْتِسْقَاءَ فِي أَنَّ الْعِيدَ تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ بِخِلَافِهَا وَصَلَاةُ الْعِيدِ تُقْضَى بِخِلَافِهَا، وَيُقْرَأُ فِي الْعِيدِ {ق} [ق: 1] وَ " اقْتَرَبَتْ " وَيُقْرَأُ فِي ثَانِيَةِ الِاسْتِسْقَاءِ سُورَةُ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: 1] لِأَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ فِيمَا يُقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ قَاسَهَا عَلَى الْعِيدِ فِيمَا تَقَدَّمَ حَيْثُ قَالَ قِيَاسًا لَا نَصًّا. وَيُفْتَتَحُ خُطْبَةُ الْعِيدِ بِالتَّكْبِيرِ وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَفِي خُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاءِ اسْتِدْبَارٌ وَتَحْوِيلٌ بِخِلَافِ الْعِيدِ؛ ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْف] أَيْ الْخَائِفِ أَوْ حَالَةِ الْخَوْفِ أَوْ فِي الْخَوْفِ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْخَائِفِ أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَوْ مِنْ الْإِضَافَةِ لِلظَّرْفِ وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَتَأْخِيرُهَا لِقِلَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهَا وَإِلَّا فَالْأَنْسَبُ تَقْدِيمُهَا لِأَنَّهَا تَجْرِي فِي الْفَرْضِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 وَهُوَ ضِدُّ الْأَمْنِ، وَحُكْمُ صَلَاتِهِ حُكْمُ صَلَاةِ الْأَمْنِ، وَإِنَّمَا أُفْرِدَ بِفَصْلٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُ فِي الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا عِنْدَ غَيْرِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةُ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ مَعَ خَبَرِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَتَجُوزُ فِي الْحَضَرِ كَالسَّفَرِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَصَلَاةُ الْخَوْفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ) بَلْ أَرْبَعَةٍ كَمَا سَتَرَاهَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَابِعَهَا وَجَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَاخْتَارَ بَقِيَّتَهَا مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا مَذْكُورَةٍ فِي الْأَخْبَارِ وَبَعْضُهَا فِي الْقُرْآنِ: (أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ) أَوْ فِيهَا وَثَمَّ سَاتِرٌ وَهُوَ قَلِيلٌ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَخِيفَ هُجُومُهُ (فَيُفَرِّقُهُمْ الْإِمَامُ فِرْقَتَيْنِ) بِحَيْثُ تَكُونُ كُلُّ فِرْقَةٍ تُقَاوِمُ الْعَدُوَّ (فِرْقَةٌ تَقِفُ فِي   [حاشية البجيرمي] وَالنَّفَلِ غَيْرِ الْمُطْلَقِ وَالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْخَوْفُ فَزَعُ الْقَلْبِ مِنْ مَكْرُوهٍ يَنَالُهُ أَوْ مَحْبُوبٍ يَفُوتُهُ، وَسَبَبُهُ تَفَكُّرُ الْعَبْدِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ كَتَفَكُّرِهِ فِي تَقْصِيرِهِ وَإِهْمَالِهِ وَقِلَّةِ مُرَاقَبَتِهِ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَكَتَفَكُّرِهِ فِيمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِنْ إهْلَاكِ مُخَالِفِهِ وَمَا أَعَدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ وَقِيلَ: الْخَوْفُ تَوَقُّعُ مَكْرُوهٍ عَنْ أَمَارَةٍ مَظْنُونَةٍ أَوْ مَعْلُومَةٍ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَهُ) أَيْ الْخَوْفِ وَقَوْلُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ أَيْ الْأَمْنِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ. . . إلَخْ) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ وَارِدَةً فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَوْ فِي بَطْنِ نَخْلٍ، فَقَوْلُهُ فِيهَا: " فَإِذَا سَجَدُوا " إنْ حُمِلَ عَلَى فَرَغُوا مِنْ السُّجُودِ وَمِنْ تَمَامِ رَكْعَتِهِمْ كَانَتْ صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى صَلُّوا أَيْ فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ كَانَتْ بَطْنَ نَخْلٍ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَلَالُ، وَذَكَرَ الرَّشِيدِيُّ أَنَّهَا وَارِدَةٌ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ وَلَا تَشْمَلُ شِدَّةَ الْخَوْفِ فَهِيَ دَلِيلٌ لَهَا فِي الْجُمْلَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَحَاصِلُ الصَّلَاةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي الْخَوْفِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا مُؤَقَّتًا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ جَازَ فِي الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ كَانَ نَفْلًا مُؤَقَّتًا لَا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ جَازَ فِي الرَّابِعِ وَهُوَ شِدَّةُ الْخَوْفِ، وَأَمَّا النَّفَلُ الْمُطْلَقُ فَلَا يُفْعَلُ أَصْلًا، وَأَمَّا ذُو السَّبَبِ فَيُفْعَلُ مِنْهُ الْخُسُوفُ وَالْكُسُوفُ فِي الرَّابِعِ فَقَطْ؛ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْأَدَاءِ، أَمَّا الْقَضَاءُ فَإِنْ كَانَ فَائِتًا بِعُذْرٍ فَلَا يَفْعَلُ إلَّا إنْ خَافَ الْمَوْتَ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَ فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ إلَخْ) إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الرَّابِعَ وَهُوَ بَطْنُ نَخْلٍ يَجُوزُ فِي الْخَوْفِ وَالْأَمْنِ. قَوْلُهُ: (ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ اخْتَصَّ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، لَكِنْ يَحْتَاجُ بَقِيَّةُ الْأَئِمَّةِ لِلْجَوَابِ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] الدَّالُ عَلَى الرَّابِعِ الَّذِي لَمْ يَذْكُرُوهُ وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالرَّابِعِ فُرَادَى لَا جَمَاعَةً، فَيَكُونُ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ الشَّافِعِيُّ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ جَمَاعَةً؛ وَقَوْلُهُ " رَابِعُهَا " أَيْ رَابِعُهَا فِي كَلَامِ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ، إذْ الرَّابِعُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ صَلَاةُ بَطْنِ نَخْلٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا بِالرَّابِعِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَهُوَ ثَالِثٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَعَلَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ سَرَتْ لِلشَّارِحِ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَجَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ) أَيْ صَرِيحًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ جَاءَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ أَوْ بَطْنِ نَخْلٍ لِكَوْنِهِ لَيْسَ نَصَّا فِي أَحَدِهِمَا، فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ق ل بِقَوْلِهِ الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدَ وَبَعْضُهَا فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَابِعَهَا وَجَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَاخْتَارَ بَقِيَّتَهَا) أَيْ لِقِلَّةِ أَفْعَالِهَا قَوْلُهُ: (مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ) تَنَازَعَ فِيهِ ذَكَرَ وَاخْتَارَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الرَّابِعُ الْمُخْتَارَ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ السِّتَّةِ عَشَرَ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهَا سَبْعَةَ عَشَرَ وَأَنَّ الرَّابِعَ زَائِدٌ عَلَى السِّتَّةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ إلَخْ) أَيْ الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ " أَنْ يَكُونَ إلَخْ " وَإِلَّا فَقَوْلُهُ " أَنْ يَكُونَ إلَخْ " لَيْسَ صَلَاةً اُنْظُرْ م ر. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْعَدُوُّ قَلِيلٌ قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ) الْمُرَادُ بِالْكَثْرَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهُمْ فِي الْعَدَدِ بِأَنْ يَكُونُوا مِائَتَيْنِ وَالْكُفَّارُ مِائَتَيْنِ مَثَلًا، فَإِذَا صَلَّى بِطَائِفَةٍ وَهِيَ مِائَةٌ يَبْقَى مِائَةٌ فِي مُقَابَلَةِ مِائَتَيْ الْعَدُوِّ، وَهَذِهِ أَقَلُّ دَرَجَاتِ الْكَثْرَةِ، اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَيُفَرِّقُهُمْ الْإِمَامُ) وَلَوْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِنْ رُجِيَ زَوَالُ الْخَوْفِ، وَقَوْلُهُ: " الْإِمَامُ " لَيْسَ بِقَيْدٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وَجْهِ الْعَدُوِّ) لِلْحِرَاسَةِ (وَفِرْقَةٌ) تَقِفُ (خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِالْفِرْقَةِ الَّتِي خَلْفَهُ رَكْعَةً) مِنْ الثُّنَائِيَّةِ بَعْدَ أَنْ يَنْحَازَ بِهِمْ إلَى حَيْثُ لَا يَبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ (ثُمَّ) إذَا قَامَ الْإِمَامُ لِلثَّانِيَةِ فَارَقَتْهُ بِالنِّيَّةِ بَعْدَ الِانْتِصَابِ نَدْبًا وَقَبْلَهُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ جَوَازًا، و (تَتِمُّ لِنَفْسِهَا) الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ (وَتَمْضِي) بَعْدَ سَلَامِهَا (إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ) لِلْحِرَاسَةِ. وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ تَخْفِيفُ الْأُولَى لِاشْتِغَالِ قُلُوبِهِمْ بِمَا هُمْ فِيهِ، وَيُسَنُّ لَهُمْ كُلِّهِمْ تَخْفِيفُ الثَّانِيَةِ الَّتِي انْفَرَدُوا بِهَا لِئَلَّا يَطُولَ الِانْتِظَارُ (وَتَجِيءُ الطَّائِفَةُ) أَيْ الْفِرْقَةُ (الْأُخْرَى) بَعْدَ ذَهَابِ أُولَئِكَ إلَى جِهَةِ الْعَدُوِّ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُطِيلُ الْقِيَامَ نَدْبًا إلَى لُحُوقِهِمْ (فَيُصَلِّي بِهَا) بَعْدَ اقْتِدَائِهَا بِهِ (رَكْعَةً) فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ قَامَتْ (وَتُتِمُّ لِنَفْسِهَا) ثَانِيَتَهَا وَهُوَ مُنْتَظِرٌ لَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُنْفَرِدَةٍ عَنْهُ بَلْ مُقْتَدِيَةٌ بِهِ وَلَحِقَتْهُ وَهُوَ جَالِسٌ (ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهَا) لِتَحُوزَ فَضِيلَةَ التَّحَلُّلِ مَعَهُ كَمَا حَازَتْ الْأُولَى فَضِيلَةَ التَّحَرُّمِ مَعَهُ. وَهَذِهِ صِفَةُ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَاتِ الرِّقَاعِ مَكَانٌ مِنْ نَجْدٍ بِأَرْضِ غَطَفَانَ. رَوَاهَا الشَّيْخَانِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَفُّوا بِأَرْجُلِهِمْ الْخِرَقَ لَمَّا تَقَرَّحَتْ، وَقِيلَ بِاسْمِ شَجَرَةٍ هُنَاكَ، وَقِيلَ بِاسْمِ جَبَلٍ فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ وَسَوَادٌ يُقَالُ لَهُ الرِّقَاعُ، وَقِيلَ لِتَرَقُّعِ صَلَاتِهِمْ فِيهَا. وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ بَعْدَ قِيَامِهِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً بَعْدَهَا فِي زَمَنِ انْتِظَارِهِ الْفِرْقَةَ الثَّانِيَةِ، وَيَتَشَهَّدُ فِي جُلُوسِهِ لِانْتِظَارِهَا، فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ مَغْرِبًا عَلَى كَيْفِيَّةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَبِفِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ الْجَائِزِ أَيْضًا، وَيَنْتَظِرُ مَجِيءَ الثَّانِيَةِ وَلَهُمْ فِي جُلُوسِ تَشَهُّدِهِ أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ، أَوْ صَلَّى رُبَاعِيَّةً فَبِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَلَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ وَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ. وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ مَحْمُولٌ فِي   [حاشية البجيرمي] وَكَذَا قَوْلُهُ " فِرْقَتَيْنِ " قَالَ الشَّمْسُ الشَّوْبَرِيُّ: هَلْ الْخِيَرَةُ فِي جَعْلِ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ تُصَلِّي مَعَهُ الْأُولَى وَالْأُخْرَى الثَّانِيَةُ لِلْإِمَامِ أَوْ يُقْرِعَ إذَا حَصَلَ نِزَاعٌ؟ اهـ قَالَ شَيْخُنَا: الْخِيَرَةُ لِلْإِمَامِ وَإِذَا أَمَرَهُمْ بِشَيْءٍ وَجَبَ فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ فَالْخِيَرَةُ لِلْقَوْمِ، فَإِنْ تَنَازَعُوا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرِعُوا؛ وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ إمَامُ الْجَيْشِ فَإِنْ فَوَّضَهُ لِإِمَامِ الصَّلَاةِ كَانَ نَائِبًا عَنْهُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (إلَى حَيْثُ) أَيْ مَكَانٌ مُنْعَطِفٌ، وَقَوْلُهُ " لَا يَبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ " أَيْ فِيهِ. قَوْلُهُ: (جَوَازًا) وَعِنْدَ رُكُوعِهَا وُجُوبًا لِئَلَّا يَحْصُلَ السَّبْقُ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ، أَيْ لَوْ رَكَعَ وَاعْتَدَلَ وَهَوَى لِلسُّجُودِ قَبْلَ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ السَّبْقُ بِرُكْنَيْنِ إلَّا عِنْدَ الْهَوِي لِلسُّجُودِ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ وُجُوبُ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ عِنْدَ الِاعْتِدَالِ لَا عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نِيَّةَ الْمُفَارَقَةِ لَا بُدَّ مِنْهَا لَكِنَّ حُكْمَهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ الثَّلَاثَةِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَيُطِيلُ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يُطِلْ جَازَ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مَسْبُوقَةً. قَوْلُهُ: (فَيُصَلِّي بِهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهَا بِهِ رَكْعَةً) هَذَا إنْ أَدْرَكَتْ مَعَهُ الرُّكُوعَ فَإِنْ لَمْ تُدْرِكْ مَعَهُ الرُّكُوعَ وَجَلَسَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْإِمَامُ مُنْتَظِرٌ لَهُمْ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ كَمَا لَوْ صَلَّى بِأَرْبَعِ فِرَقٍ صَلَاةً رُبَاعِيَّةً، فَإِنَّ الْفِرْقَةَ الرَّابِعَةَ تَأْتِي بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَالْإِمَامُ مُنْتَظِرٌ لَهُمْ، أَوْ تُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَ جُلُوسِهِ وَرَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِهِ، أَوْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ عَدَمُ الْقِيَامِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ فَيَقُومُونَ كَالْمَسْبُوقِ فِي الْأَمْنِ؛ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: احْتِمَالَاتٌ ثَلَاثٌ اهـ قَالَ شَيْخُنَا: الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ بَعْدَ أَنْ تَوَقَّفَ، وَقَالَ: لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا اهـ أج. قَوْلُهُ: (غَطَفَانُ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَسُمِّيَتْ) أَيْ هَذِهِ الْبُقْعَةُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الصَّحَابَةَ) هَذَا هُوَ الْأَرْجَحُ لِوُرُودِهِ فِي السِّيَرِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَمِنْ ثَمَّ قَدَّمَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ (لَفُّوا بِأَرْجُلِهِمْ الْخِرَقَ) وَالْخِرَقُ تُسَمَّى رِقَاعًا، فَظَهَرَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ بِاسْمِ جَبَلٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ إذْ اسْمُ الْجَبَلِ جُزْءُ الِاسْمِ أَيْ وَالِاسْمُ بِتَمَامِهِ ذَاتُ الرِّقَاعِ، فَهُوَ مِنْ الْأَعْلَامِ الْمُرَكَّبَةِ. قَوْلُهُ: (لِتَرَقُّعِ صَلَاتِهِمْ) لِأَنَّ بَعْضَهَا جَمَاعَةٌ وَبَعْضَهَا فُرَادَى وَبَعْضَهَا فِيهِ الِاقْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ وَبَعْضَهَا فِيهِ الِاقْتِدَاءُ حُكْمِيٌّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ رَفَعُوا فِيهَا رَايَاتِهِمْ. قَوْلُهُ: (فَبِفِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ وَتُفَارِقُهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مَعَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِهِمْ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ شَرْحُ م ر أج. قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ) لِسَلَامَتِهِ مِنْ التَّطْوِيلِ فِي عَكْسِهِ بِزِيَادَةِ تَشَهُّدٍ فِي أُولَى الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ، أَيْ زِيَادَةِ التَّشَهُّدِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ. قَوْلُهُ (الْجَائِزِ) أَشَارَ بِقَوْلِهِ " الْجَائِزُ " إلَى أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ، إذْ صُورَةُ الْعَكْسِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ م ر أج وَقَوْلُهُ " لَيْسَ عَلَى بَابِهِ " فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِلْكَرَاهَةِ عَلَى بَابِهِ. قَوْلُهُ: (فَبِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ فَبِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ، فَلَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 أُولَاهُمْ لِاقْتِدَائِهِمْ فِيهَا وَكَذَا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ لَا ثَانِيَةُ الْأُولَى لِانْفِرَادِهِمْ، وَسَهْوُ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يَلْحَقُ الْجَمِيعَ وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَلْحَقُ الْأُولَى لِمُفَارِقِهِمْ قَبْلَ السَّهْوِ (وَ) الضَّرْبُ (الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ) وَلَا سَاتِرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَفِينَا كَثْرَةٌ بِحَيْثُ تُقَاوِمُ كُلُّ فِرْقَةٍ الْعَدُوَّ (فَيَصُفُّهُمْ الْإِمَامُ صَفَّيْنِ) فَأَكْثَرَ خَلْفَهُ (وَيُحْرِمُ بِهِمْ) جَمِيعًا وَيَسْتَمِرُّونَ مَعَهُ إلَى اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْحِرَاسَةَ الْآتِيَةَ مَحِلُّهَا الِاعْتِدَالُ لَا الرُّكُوعُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ (فَإِذَا سَجَدَ) الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (سَجَدَ مَعَهُ أَحَدُ الصَّفَّيْنِ) سَجْدَتَيْهِ (وَوَقَفَ الصَّفُّ الْآخَرُ) عَلَى حَالَةِ الِاعْتِدَالِ (يَحْرُسُهُمْ) أَيْ السَّاجِدِينَ مَعَ الْإِمَامِ (فَإِذَا رَفَعَ) الصَّفُّ السَّاجِدُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ (سَجَدُوا) أَيْ الْحَارِسُونَ لِإِكْمَالِ رَكْعَتِهِمْ (وَلَحِقُوهُ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَسَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوَّلًا وَحَرَسَتْ الْفِرْقَةُ السَّاجِدَةُ أَوَّلًا مَعَ الْإِمَامِ، فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ سَجَدَ مَنْ حَرَسَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَتَشَهَّدَ الْإِمَامُ بِالصَّفَّيْنِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَهَذِهِ صِفَةُ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُسْفَانَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ خَلِيصٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، سُمِّيَتْ بِهِ لِعَسْفِ السُّيُولِ فِيهَا وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ فِي هَذَا صَادِقَةٌ بِأَنْ يَسْجُدَ الصَّفُّ الْأَوَّلِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِيهَا بِمَكَانِهِ أَوْ تَحُولُ بِمَكَانٍ آخَرَ، وَبِعَكْسِ ذَلِكَ فَهِيَ أَرْبَعُ كَيْفِيَّاتٍ وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ إذَا لَمْ تَكْثُرُ أَفْعَالُهُمْ فِي التَّحَوُّلِ، وَاَلَّذِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ سُجُودُ الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِي   [حاشية البجيرمي] صَلَّى بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَبِالْأُخْرَى ثَلَاثًا أَوْ عَكْسَهُ صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَسَجَدَ الْإِمَامُ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ سُجُودَ السَّهْوِ لِلْمُخَالَفَةِ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقً سَجَدُوا لِلسَّهْوِ أَيْضًا لِلْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ " سَجَدُوا " أَيْ غَيْرُ الْفِرْقَةِ الْأُولَى اهـ أج. قَوْلُهُ: (صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ) أَيْ الْفِرَقُ الْأَرْبَعُ، وَتُفَارِقُ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَتُتِمُّ لِنَفْسِهَا وَهُوَ مُنْتَظِرٌ فَرَاغَهَا وَمَجِيءَ الْأُخْرَى فِي الْقِيَامِ، وَيَنْتَظِرُ الرَّابِعَةَ فِي تَشَهُّدِهِ لِيُسَلِّمَ بِهَا؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَيُنْدَبُ لَهُ وَلَهُمْ غَيْرَ الْفِرْقَةِ الْأُولَى سُجُودُ السَّهْوِ لِمُخَالِفَتِهِ الْوَارِدَ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَتَى خَالَفَ الْوَارِدَ نُدِبَ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَتَطَرَّقَ الْخَلَلُ مِنْهُ إلَى الْمَأْمُومِينَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ سَهْوَ الْمَأْمُومِ حَالَ اقْتِدَائِهِ وَلَوْ حُكْمًا مَحْمُولٌ عَنْهُ، وَأَنَّ سَهْوَ الْإِمَامِ يَلْحَقُ مَنْ حَضَرَهُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ لَا مَنْ فَارَقَهُ قَبْلَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَكَذَا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ) أَيْ فِي الثُّنَائِيَّةِ لِانْسِحَابِ حُكْمِ الْقُدْوَةِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَشَهَّدُونَ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ فَهُمْ مُقْتَدُونَ بِهِ حُكْمًا. قَوْلُهُ: (وَفِينَا كَثْرَةٌ) قَالَ شَيْخُنَا هَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ لِصِحَّتِهَا وَجَوَازِهَا فَلَا تَصِحُّ مَعَ فَقْدِ شَرْطٍ مِنْهَا وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ضِيقِ الْوَقْتِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَحِقُوهُ فِي الرَّكْعَةِ إلَخْ) أَيْ فِي الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ كَالْمَسْبُوقِ، فَإِنْ لَحِقُوهُ فِي الْقِيَامِ أَوْ فِي الرُّكُوعِ أَدْرَكُوا الرَّكْعَةَ، وَإِنْ أَدْرَكُوهُ فِي الِاعْتِدَالِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إنْ لَمْ يَنْوُوا الْمُفَارَقَةَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الِاعْتِدَالِ. قَوْلُهُ: (بِعُسْفَانَ) وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَعِيدًا مِنْهُ فِي صَحْرَاءَ وَاسِعَةٍ. اهـ. شَوْبَرِيُّ؛ ثُمَّ أَسْلَمَ خَالِدُ بَعْدَ ذَلِكَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَوْلُهُ: (لِعَسْفِ السُّيُولِ فِيهَا) أَيْ لِتَسَلُّطِ السُّيُولِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ تَحَوَّلَ بِمَكَانٍ آخَرَ) أَيْ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَبِعَكْسِ ذَلِكَ) بِأَنْ يَسْجُدَ الصَّفُّ الثَّانِي فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالْأَوَّلُ فِي الثَّانِيَةِ إلَخْ. قَوْلُهُمْ: (إذَا لَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهُمْ) فِي التَّحَوُّلِ بِأَنْ لَا يَأْتِي كُلٌّ بِثَلَاثِ حَرَكَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فَإِنْ قُلْت: الْأَفْعَالُ الْكَثِيرَةُ الْمُتَوَالِيَةُ مُغْتَفَرَةٌ فِي الْقِتَالِ فَلِمَ لَمْ يُغْتَفَرْ هُنَا ذَلِكَ؟ قُلْنَا: هَذَا لَيْسَ بِسَبَبِ الْقِتَالِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ لِإِمْكَانِ الْحِرَاسَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَحِلِّهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ) هَذَا أَفْضَلُ الْكَيْفِيَّاتِ أج وَفِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ: وَصَلَاةُ عُسْفَانَ عَلَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفَّهُمْ صَفَّيْنِ وَأَنَّهُ أَحْرَمَ بِهِمْ وَرَكَعَ وَاعْتَدَلَ بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ لَمَّا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ سَجْدَتَيْهِ وَتَخَلَّفَ الصَّفُّ الثَّانِي فِي اعْتِدَالِهِ لِلْحِرَاسَةِ، فَلَمَّا قَامَ وَقَامَ مَنْ مَعَهُ سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي وَلَحِقَهُ فِي الْقِيَامِ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي وَتَأَخَّرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 فِي الثَّانِيَةِ مَعَ التَّحَوُّلِ فِيهَا، وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ صُفُوفًا ثُمَّ يَحْرُسُ صَفَّانِ فَأَكْثَرُ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ الْحِرَاسَةُ بِالسُّجُودِ دُونَ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الرَّاكِعَ تُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْرِسَ جَمِيعَ مَنْ فِي الصَّفِّ، بَلْ لَوْ حَرَس فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِرْقَتَا صَفٍّ عَلَى الْمُنَاوَبَةِ وَدَامَ غَيْرُهُمَا عَلَى الْمُتَابَعَةِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْحَارِسَةُ مُقَاوِمَةً لِلْعَدُوِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْجُلُوسُ وَاحِدًا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَزِيدَ الْكُفَّارُ عَلَى اثْنَيْنِ، وَكَذَا يَجُوزُ لَوْ حَرَسَتْ فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِكُلِّ ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَأَنْ يَحْرُسَ أَقَلُّ مِنْهَا (وَ) الضَّرْبُ (الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ) فِعْلُهُمْ الصَّلَاةَ (فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ) وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ بِحَيْثُ لَمْ يَأْمَنُوا هُجُومَ الْعَدُوِّ وَلَوْ وَلَّوْا عَنْهُ أَوْ انْقَسَمُوا (وَالْتِحَامِ الْحَرْبِ) أَيْ الْقِتَالِ بِأَنْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ اخْتِلَاطِهِمْ بِحَيْثُ يَلْتَصِقُ لَحْمُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ أَوْ يُقَارِبُ الْتِصَاقُهُ (فَيُصَلِّي) كُلُّ وَاحِدٍ حِينَئِذٍ (كَيْفَ أَمْكَنَهُ رَاجِلًا) أَيْ مَاشِيًا (أَوْ رَاكِبًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وَلَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا (مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ وَغَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ لَهَا) فَيُعْذَرُ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي تَرْكِ تَوَجُّهِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِسَبَبِ الْعَدُوِّ لِلضَّرُورَةِ . قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا. قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَاهُ إلَّا مَرْفُوعًا بَلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهَا بِجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَطَالَ الزَّمَانُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ وَتَقَدَّمُوا   [حاشية البجيرمي] الصَّفُّ الْأَوَّلُ، ثُمَّ رَكَعَ وَاعْتَدَلَ بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الثَّانِي الَّذِي تَقَدَّمَ وَاسْتَمَرَّ الصَّفُّ الْأَوَّلُ الَّذِي تَأَخَّرَ عَلَى الْحِرَاسَةِ فِي اعْتِدَالِهِ، فَلَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ أَتَمُّوا بَقِيَّةَ صَلَاتِهِمْ وَجَلَسُوا مَعَهُ لِلتَّشَهُّدِ، فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ بِهِمْ جَمِيعًا» وَعَلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ حَمَلَ أَئِمَّتُنَا مَا جَاءَ " فُرِضَتْ الصَّلَاةُ فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً " أَيْ أَنَّهَا رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ، وَيُضَمُّ إلَيْهَا أُخْرَى ثُمَّ رَأَيْت فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ هِيَ صَلَاةُ عُسْفَانَ، عَنْ أَبِي عَبَّاسٍ الزُّرَقِيُّ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُسْفَانَ، فَاسْتَقْبَلَنَا الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ فَقَالُوا: قَدْ كَانُوا عَلَى حَالِ غِرَّةٍ» الْحَدِيثُ وَاشْتَرَطَ أَئِمَّتُنَا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَهِيَ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَلَا سَاتِرَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَفٍّ مُقَاوِمًا لِلْعَدُوِّ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لِاثْنَيْنِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ وَلَعَلَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّفَّيْنِ كَانَتْ كَذَلِكَ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ لَمْ يَنْزِلْ بِهَا الْقُرْآنُ كَصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ، فَعُلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ إلَّا بِصَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَبِصَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ أَوْ لَمْ يَأْمَنُوا هُجُومَ الْعَدُوِّ اهـ. قَوْلُهُ: (بِالسُّجُودِ) أَيْ فِي حَالِ سُجُودِهِمْ دُونَ رُكُوعِهِمْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الرَّاكِعَ تُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ) فِي نُسْخَةٍ: " تُمْكِنُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ " أَيْ تُمْكِنُهُ الْحِرَاسَةُ بِالْمُشَاهَدَةِ قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَمْ يَأْمَنُوا) بَيَانٌ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ قَوْلُهُ: (وَلَّوْا عَنْهُ) كَمَا فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَقَوْلُهُ: " أَوْ انْقَسَمُوا " كَمَا فِي عُسْفَانَ قَوْلُهُ: (وَالْتِحَامُ الْحَرْبِ) قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَصِلَ سِلَاحُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ لِلْآخَرِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى " أَوْ " لِأَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا قَبْلَهُ " وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ ". قَوْلُهُ: (أَوْ يُقَارِبُ الْتِصَاقَهُ) أَيْ الْتِصَاقَ اللَّحْمِ قَوْلُهُ: (كَيْفَ أَمْكَنَهُ) وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَا دَامَ يَرْجُو الْأَمْنَ لَا يَفْعَلُهَا، فَإِنْ رَجَاهُ وَلَوْ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ وَجَبَ التَّأْخِيرُ ق ل وم ر؛ فَإِنْ لَمْ يَرْجُ الْأَمْنَ فَلَهُ فِعْلُهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ قِيَاسًا عَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَأَمَّا بَاقِي الْأَنْوَاعِ فَالظَّاهِرُ فِيهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ ز ي وَسَوَّى سم بَيْنَ الْجَمِيعِ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْصِيلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ رَاكِبًا) وَلَوْ فِي الْأَثْنَاءِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَلَوْ أَمِنَ الرَّاكِبُ نَزَلَ فَوْرًا وُجُوبًا وَبَنَى إنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ الْعَدُوِّ) خَرَجَ مَا إذَا انْحَرَفَ لِجِمَاحِ الدَّابَّةِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي قَوْلُهُ: (فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ) أَيْ فِي سِيَاقِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَإِلَّا فَتَفْسِيرُ رِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا بِذَلِكَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّفْظِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي أَمْكَنَهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِبْلَةً إذْ هِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 عَلَى الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لِلضَّرُورَةِ، وَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ انْفِرَادِهِمْ كَمَا فِي الْأَمْنِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ. وَيُعْذَرُ أَيْضًا فِي الْأَعْمَالِ الْكَثِيرَةِ كَالضَّرَبَاتِ وَالطَّعَنَاتِ الْمُتَوَالِيَةِ لِحَاجَةِ الْقِتَالِ قِيَاسًا عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الْمَشْيِ وِتْرِك الِاسْتِقْبَالِ، وَلَا يُعْذَرُ فِي الصِّيَاحِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ السَّاكِتَ أَهْيَبُ، وَيَجِبُ أَنْ يُلْقِيَ السِّلَاحَ إذَا دَمِي دَمًا لَا يُعْفَى عَنْهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ شَرْعًا بِأَنْ احْتَاجَ إلَى إمْسَاكِهِ لِلْحَاجَةِ، وَيَقْضِي خِلَافًا لِمَا فِي الْمِنْهَاجِ لِنُدْرَةِ عُذْرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، فَإِنْ عَجْزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْمَأَ بِهِمَا لِلضَّرُورَةِ وَجَعَلَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا. وَلَهُ حَاضِرًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ فِي كُلِّ مُبَاحِ قِتَالٍ وَهَرَبٍ كَقِتَالٍ عَادِلٍ لِبَاغٍ، وَذِي مَالٍ لِقَاصِدٍ أَخَذَهُ ظُلْمًا، وَهَرَبٍ مِنْ حَرِيقٍ وَسَيْلٍ، وَسَبُعٍ لَا مَعْدِلَ عَنْهُ، وَغَرِيمٍ لَهُ عِنْدَ إعْسَارِهِ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ خَافَ فَوْتَ   [حاشية البجيرمي] بِمَنْزِلَةِ الْقِبْلَةِ لَهُ قَوْلُهُ: (وَطَالَ الزَّمَانُ) فَإِنْ لَمْ يَطُلْ فَلَا بُطْلَانَ، لَكِنْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ مِنْ انْفِرَادِهِمْ) إلَّا إنْ كَانَ الِانْفِرَادُ هُوَ الْحَزْمُ أَيْ الرَّأْيُ السَّدِيدُ فَهُوَ أَفْضَلُ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (الْمُتَوَالِيَةِ لِحَاجَةِ الْقِتَالِ) لَوْ احْتَاجَ إلَى خَمْسِ ضَرَبَاتٍ مَثَلًا فَقَصَدَ الْإِتْيَانَ بِسِتٍّ فَهَلْ تَبْطُلُ بِالشُّرُوعِ أَوْ لَا تَبْطُلُ؟ قَالَ سم فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ: ظَهَرَ لِي الْآنَ الْأَوَّلُ اهـ قَالَ شَيْخُنَا: وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ بِأَنَّ مَا هُنَا مَطْلُوبٌ لِذَاتِهِ بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ وَاجِبًا، بِخِلَافِ تِلْكَ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ فَاقْتَضَى الْبُطْلَانَ فِيهَا دُونَ هَذِهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَلَا يُعْذَرُ فِي الصِّيَاحِ) وَمِثْلُهُ النُّطْقُ بِلَا صِيَاحٍ كَمَا فِي الْأُمِّ اهـ أج. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ كَإِنْذَارِ أَحَدٍ مِمَّنْ يُرَادُ الْفَتْكُ بِهِ مَثَلًا فَيَحْتَمِلُ اغْتِفَارَهُ وَعَدَمَ الْقَضَاءِ وَيَحْتَمِلُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ. اهـ. ز ي أج. قَوْلُهُ: (إذَا دَمِي) أَيْ مَثَلًا فَالْمُرَادُ إذَا تَنَجَّسَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَنَجَّسْ فَتَارَةً يُسَنُّ حَمْلُهُ إذَا كَانَ لَا يُؤْذِي غَيْرَهُ وَلَا يَظْهَرُ بِتَرْكِهِ خَطَرٌ وَتَارَةً يُكْرَهُ إذَا آذَى، بَلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ حُرِّمَ؛ وَتَارَةً يَجِبُ إذَا ظَهَرَ بِتَرْكِهِ خَطَرٌ، فَإِنْ خَلَا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ حَمْلُهُ مُبَاحًا. قَوْلُهُ: (أَمْسَكَهُ) أَيْ فَيَجِبُ حَمْلُهُ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا، وَيَجِبُ إبْقَاءُ بَيْضِهِ وَإِنْ مَنَعَتْ السُّجُودَ حَيْثُ انْحَصَرَتْ الْوِقَايَةُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ حِينَئِذٍ اسْتِسْلَامًا لِلْعَدُوِّ، وَيَحْمِلُ السِّلَاحَ وَلَوْ أَدَّى لِإِيذَاءِ غَيْرِهِ حِفْظًا لِنَفْسِهِ ، وَلَا نَظَرَ لِضَرَرِ غَيْرِهِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الِاضْطِرَارِ حَيْثُ قَدَّمَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَجِبْ دَفْعُهُ لِمُضْطَرٍّ آخَرَ تَقْدِيمًا لِنَفْسِهِ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ اهـ أج وَالْمُرَادُ بِالْبَيْضَةِ الطَّاسَةُ الَّتِي تُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَقْضِي) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَا فِي الْمِنْهَاجِ ضَعِيفٌ شَرْحُ م ر أج. قَوْلُهُ: (وَلَهُ حَاضِرًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا إلَخْ) لَمَّا حَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ احْتَاجَ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مُبَاحِ قِتَالٍ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ؛ أَيْ قِتَالٌ مُبَاحٌ أَيْ جَائِزٌ، فَشَمَلَ الْمَنْدُوبَ وَالْوَاجِبَ وَالْمُبَاحَ؛ فَالْمُرَادُ بِالْمُبَاحِ غَيْرُ الْحَرَامِ ز ي وَلَا يَضُرُّ وَطْؤُهُ نَجَاسَةً، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إنْ وَطِئَهَا قَصْدًا وَكَانَتْ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا ح ل. قَوْلُهُ: (كَقِتَالِ عَادِلٍ لِبَاغٍ) بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ، أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ فَإِنْ كَانَ لِلْبُغَاةِ تَأْوِيلٌ جَازَ لَهُمْ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (لِقَاصِدِ أَخْذِهِ) أَوْ لِمَنْ أَخَذَهُ كَخَطْفِهِ نَعْلَهُ، وَإِذَا زَالَ عُذْرُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوْرًا وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ مَوْضِعُهُ كَمَا قَالَهُ ق ل وَكَذَا إذَا شَرَدَتْ دَابَّتُهُ وَخَافَ عَلَيْهَا الضَّيَاعَ وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَوْ خُطِفَ نَعْلُهُ فِي الصَّلَاةِ جَازَ لَهُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ إذَا خَافَ ضَيَاعَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَبَعًا لِابْنِ الْعِمَادِ، وَيُومِئُ بِرَأْسِهِ، وَلَا يَضُرُّ وَطْؤُهُ النَّجَاسَةَ كَحَامِلِ سِلَاحِهِ الْمُلَطَّخِ بِالدَّمِ لِلْحَاجَةِ وَيَلْزَمُهُ فِعْلُهَا ثَانِيًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَفِي الْجِيلِيِّ: لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَهُوَ بِأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَحْرَمَ مَاشِيًا كَهَارِبٍ مِنْ حَرِيقٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ الشَّرْعِيَّ كَالْحِسِّيِّ، وَإِذَا أَحْرَمَ يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَغْصُوبِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الْمَدِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ حَيْثُ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ وَالْوَقْتُ يَسَعُهَا فَلَهُ الْمَدُّ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ م ر خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَقَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَالْخَارِجُ مِنْ الْمَغْصُوبِ يُصَلِّي وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ حَالَ خُرُوجِهِ قِيلَ: وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ اهـ وَأَظُنُّهُ كَلَامَ ابْنِ حَجَرٍ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ) بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ رَكْعَةً شَرْحُ الرَّوْضِ؛ وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَرْجُو الْأَمْنَ كَمَا تَقَدَّمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 الْوَقْتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. وَلَيْسَ لِمُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ بِفَوْتِ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ إنْ صَلَّى الْعِشَاءَ مَاكِثًا أَنْ يُصَلِّيَهَا سَائِرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ حَاصِلٍ كَفَوْتِ نَفْسٍ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَاكِثًا وَيُفَوِّتُ الْحَجَّ لِعِظَمِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ أَوْ يُحَصِّلُ الْوُقُوفَ لِصُعُوبَةِ قَضَاءِ الْحَجِّ وَسُهُولَةِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ؟ وَجْهَانِ: رَجَّحَ الرَّافِعِيُّ مِنْهُمَا الْأَوَّلَ، وَالنَّوَوِيُّ الثَّانِيَ بَلْ صَوَّبَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ فَتَأْخِيرُهَا وَاجِبٌ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، وَلَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِشَيْءٍ ظَنُّوهُ عَدُوًّا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِهِمْ فَبَانَ خِلَافُهُ قَضَوْا إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ وَالضَّرْبُ الرَّابِعُ الَّذِي أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ فِيهَا وَثَمَّ سَاتِرٌ وَهُوَ قَلِيلٌ وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَخِيفَ هُجُومُهُ، فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ فِرْقَتَيْنِ وَيُصَلِّي بِهِمْ مَرَّتَيْنِ كُلُّ مَرَّةٍ بِفِرْقَةٍ جَمِيعَ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ أَمْ ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، وَتَكُونُ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى تُجَاهَ الْعَدُوِّ وَتَحْرُسُ، ثُمَّ تَذْهَبُ الْفِرْقَةُ الْمُصَلِّيَةُ إلَى جِهَةِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الْفِرْقَةُ الْحَارِسَةُ فَيُصَلِّي بِهَا مَرَّةً أُخْرَى جَمِيعَ الصَّلَاةِ، وَتَقَعُ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ لِلْإِمَامِ نَفْلًا وَهَذِهِ صِفَةُ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَطْنِ نَخْلٍ مَكَانٌ مِنْ نَجْدٍ بِأَرْضِ غَطَفَانَ وَهِيَ وَإِنْ جَازَتْ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ فِيهِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقِلَّةِ عَدُوِّهِمْ وَخَوْفِ هُجُومِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي الصَّلَاةِ. تَتِمَّةٌ: تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي الْخَوْفِ حَيْثُ وَقَعَ بِبَلَدٍ كَصَلَاةِ عُسْفَانَ وَكَذَاتِ الرِّقَاعِ لَا كَصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ إذْ لَا تُقَامُ جُمُعَةٌ بَعْدَ أُخْرَى، وَيُشْتَرَطُ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَنْ يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ عَدَدٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِمُحْرِمٍ) خَرَجَ بِهِ مَرِيدُ الْإِحْرَامِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ إنْ ظَنَّ فَوَاتَ الصَّلَاةِ بِهِ. قَوْلُهُ: (خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ) وَكَذَا الْعُمْرَةِ إذَا نَذَرَ فِعْلَهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَضَاقَ ذَلِكَ الْوَقْتُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَا فِيهِ لَوْ صَلَّى مَاكِثًا م ر وَخَالَفَ حَجّ فَقَالَ: يُصَلِّي ثُمَّ يَعْتَمِرُ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُمْرَةِ وَقْتُهَا الْأَبَدُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (إنْ صَلَّى الْعِشَاءَ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَحْصِيلُ الْوُقُوفِ إلَّا بِتَرْكِ صَلَوَاتِ أَيَّامٍ وَجَبَ التَّرْكُ. اهـ. ز ي وَعِبَارَةُ ق ل: هُوَ مِثَالٌ، وَإِلَّا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِصَلَاةٍ وَلَا بِأَكْثَرَ وَلَا بِأَيَّامٍ وَلَا بِأَشْهُرٍ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُصَلِّيَهَا) فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرِ اسْمٍ لَيْسَ مُؤَخَّرٍ، وَقَوْلُهُ " لِمُحْرِمٍ " خَبَرُهَا مُقَدَّمٌ قَوْلُهُ: (حَاصِلٌ) أَيْ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ إلَى الْآنَ لَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ إنْقَاذِ النَّفْسِ وَرَدِّ النَّعْلِ وَالْبَعِيرِ النَّادِّ لِأَنَّهُ يَخَافُ فَوْتَ مَا هُوَ مَوْجُودٌ، بِخِلَافِ الْحَاجِّ فَإِنَّهُ يَرُومُ تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ م د وَقَوْلُهُ " لِأَنَّ الْحَجَّ " الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " لِأَنَّ عَرَفَةَ " لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ) هَذَا جَارٍ فِي الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ " قَضَوْا " يَحْتَاجُ لِتَقْيِيدٍ بِأَنْ يُقَالَ قَضَى مَنْ اشْتَمَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى مُبْطِلٍ اُحْتُمِلَ فِي الْخَوْفِ وَلَمْ يُحْتَمَلْ فِي الْأَمْنِ، كَتَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ فِي صَلَاةِ عُسْفَانَ وَالِانْفِرَادِ بِرَكْعَةٍ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (ظَنُّوهُ) مِثْلُهُ الشَّكُّ. قَوْلُهُ: (قَضَوْا) فَلَوْ بَانَ عَدُوًّا يُرِيدُ الصُّلْحَ فَلَا قَضَاءَ اهـ أج. قَوْلُهُ: (الَّذِي أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ) لَعَلَّهُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالْخَوْفِ. قَوْلُهُ: (نَفْلًا) أَيْ مُعَادَةً، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا نِيَّةُ الْجَمَاعَةِ فَهُوَ مُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ نِيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمُعَادَةِ شَوْبَرِيُّ، وَأَقَرَّهُ أج قَالَ ع ش: وَفِي الِاسْتِثْنَاءِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وُجُوبُ نِيَّةِ الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ: (فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ فِيهِ) صَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَا تُنْدَبُ فِي الْأَمْنِ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ الْأَصْلِيَّةَ خَلْفَ الْمُعَادَةِ مِنْ نَوْعِهَا مَنْدُوبَةٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا م ر ق ل وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَبْنَى الْإِشْكَالِ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَهِيَ رَاجِعٌ لِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ لِصَلَاةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ خَلْفَهُ، فَهِيَ وَإِنْ جَازَتْ فِي الْأَمْنِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ أَيْ فَهِيَ مُبَاحَةٌ فَهِيَ هُنَا مُسْتَحَبَّةٌ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ الْفَرْضِ خَلْفَ النَّفْلِ فِي غَيْرِ الْمُعَادَةِ ح ل وَأَيْضًا لَيْسَ الْإِعَادَةُ هُنَا كَثَمَّ لِأَنَّهُ هُنَا يَأْمُرُ مَنْ صَلَّى بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ وَيُعِيدُ بِغَيْرِهِ شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ) فَهِيَ شُرُوطٌ لِلنَّدَبِ لَا لِلْجَوَازِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَكَرَاهَةُ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ مَحِلُّهَا فِي الْأَمْنِ ز ي، أَوْ أَنَّ مَحِلَّهُ فِي النَّفْلِ الْمَحْضِ ح ف. قَوْلُهُ: (أَنْ يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ عَدَدٌ) أَيْ أَنْ يَسْمَعَ ثَمَانُونَ فَأَكْثَرَ وَيُصَلِّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 خَطَبَ بِفِرْقَةٍ وَصَلَّى بِأُخْرَى، وَلَوْ حَدَثَ نَقْصٌ مِنْ السَّامِعِينَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا لِلْحَاجَةِ مَعَ سَبْقِ انْعِقَادِهَا، وَتَجْهَرُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ، وَلَا تَجْهَرُ الثَّانِيَةُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ مُقْتَدُونَ بِهِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ. فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ وَبَدَأَ بِهَذَا فَقَالَ: (وَيُحَرَّمُ عَلَى الرِّجَالِ) الْمُكَلَّفِينَ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَكَذَا الْخَنَاثَى خِلَافًا لِلْقَفَّالِ (لُبْسُ الْحَرِيرِ) وَهُوَ مَا يَحِلُّ عَنْ الدُّودَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَالْقَزِّ وَهُوَ مَا قَطَعَتْهُ الدُّودَةُ وَخَرَجَتْ مِنْهُ وَهُوَ كَمِدُ اللَّوْنِ. وَمِثْلُ اللُّبْسِ سَائِرُ أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالِ بِفُرُشٍ وَتَدَثُّرٍ وَجُلُوسٍ عَلَيْهِ وَاسْتِنَادٍ إلَيْهِ وَتَسَتُّرٍ بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ تَحْرِيمُ النَّوْمِ فِي   [حاشية البجيرمي] مِنْهُمْ مَعَ كُلِّ فِرْقَةٍ أَرْبَعُونَ فَأَكْثَرُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَدَثَ نَقْصٌ) الْحَاصِلُ أَنَّ النَّقْصَ فِي الْفِرْقَةِ الْأُولَى يَضُرُّ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءً كَانَ فِي أُولَاهُمْ أَوْ فِي ثَانِيَتِهِمْ، وَالنَّقْصُ فِي الثَّانِيَةِ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءً كَانَ فِي أُولَاهُمْ أَوْ فِي ثَانِيَتِهِمْ؛ قَرَّرَهُ الشَّبْشِيرِيُّ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ مِنْ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ أَرْبَعُونَ إذْ لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ سَمَاعِ الْأَرْبَعِينَ مَعَ جَوَازِ نَقْصِهِمْ عَنْ الْأَرْبَعِينَ وَلَوْ عِنْدَ التَّحَرُّمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ع ش عَلَى م ر؛ أَيْ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِجُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ " أَوْ فِي الثَّانِيَةِ " أَيْ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَيْضًا، فَلَا تَبْطُلُ سَوَاءً حَدَثَ النَّقْصُ فِي ثَانِيَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ فِي أُولَاهَا. اهـ. مَرْحُومِيُّ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ) أَيْ كَصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَتَجْهَرُ الْفِرْقَةُ الْأُولَى فِي ثَانِيَتِهِمْ لِانْفِرَادِهِمْ دُونَ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ لِاقْتِدَائِهِمْ بِهِ حُكْمًا [فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ] ِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِلْمُحَارِبِ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى مُنَاسَبَةِ هَذَا الْفَصْلِ لِمَا قَبْلَهُ؛ قَالَ فِي التُّحْفَةِ: ذَكَرَهُ هُنَا الْأَكْثَرُونَ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَأَنَّ وَجْهَ مُنَاسَبَتِهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُقَاتِلِينَ يَحْتَاجُونَ لِلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالنَّجِسِ لِلْبَرْدِ وَالْقِتَالِ، وَذَكَرَهُ جَمْعٌ فِي الْعِيدِ وَهُوَ مُنَاسِبٌ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَبَدَأَ بِهَذَا) أَيْ مَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ أَفْرَادَهُ مَضْبُوطَةٌ، بِخِلَافِ مَا يَحِلُّ فَأَفْرَادُهُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ وَضَابِطُ الْفَصْلِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا عُرْفًا سَوَاءً كَانَ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَا لَا ضَابِطَ لَهُ لُغَةً وَلَا شَرْعًا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَالِاسْتِعْمَالِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ) وَهُوَ صَغِيرَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر خِلَافًا لحج، وَقَالَ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: إنَّهُ مِنْ الصَّغَائِرِ مَعَ عَدَمِ الْإِصْرَارِ، وَاَلَّذِي فِي حَاشِيَةِ ع ش أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (عَلَى الرِّجَالِ) وَلَوْ ذِمِّيِّينَ لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ لُبْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حُكْمًا فِيهِ، فَكَمَا لَا يُمْنَعُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ لَا يُمْنَعُ مِنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ) خَرَجَ مَا إذَا اُضْطُرَّ أَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (لُبْسُ الْحَرِيرِ) وَكَذَا اتِّخَاذُهُ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ إنْ كَانَ لِأَجَلِ اسْتِعْمَالِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ لِأَجَلِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ أَوْ يُعِيرَهُ لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ لُبْسُهُ فَيَجُوزُ وَلَوْ عَبَّرَ بِالِاسْتِعْمَالِ بَدَلَ اللُّبْسِ لَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ " وَمِثْلُ اللُّبْسِ إلَخْ " وَمِثْلُ الْحَرِيرِ الْمُزَعْفَرُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ أَيْ الْمَصْبُوغُ بِالزَّعْفَرَانِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ؛ وَأَمَّا الْمُعَصْفَرُ فَمَكْرُوهٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَصْبُوغَاتِ مِنْ أَحْمَرَ وَأَخْضَرَ وَمُخَطَّطٍ فَإِنَّهَا تَحِلُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا خ ض وَفِي شَرْحِ م ر تَقْيِيدُ حُرْمَةِ الْمُزَعْفَرِ بَعْضُهُ بِصِحَّةِ إطْلَاقِ الْمُزَعْفَرِ عَلَيْهِ عُرْفًا، قَالَ: فَإِنْ صَحَّ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا يَحِلُّ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ ق ل بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْإِبْرَيْسَمُ فَمُقَابِلُ الْقَزِّ الْإِبْرَيْسَمُ، وَأَمَّا الْحَرِيرُ فَيَعُمُّهُمَا وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَلَوْ أَبْقَى الشَّارِحُ الْمَتْنَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْقِسْمَيْنِ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ، فَذَكَرَ الْحَرِيرَ أَوَّلًا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهِ ثَانِيًا بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْإِبْرَيْسَمُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَمِدُ اللَّوْنِ) أَيْ غَيْرُ صَافٍ. قَوْلُهُ: (سَائِرُ أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالِ) وَلَيْسَ مِنْهَا الْمَشْيُ عَلَيْهِ فَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لِمُفَارِقَتِهِ لَهُ حَالًا لَا يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا لَهُ عُرْفًا شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَتَدَثُّرٍ) أَيْ تَدَفٍّ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَجُلُوسٍ عَلَيْهِ) أَيْ بِلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 النَّامُوسِيَّةِ الَّتِي وَجْهُهَا حَرِيرٌ. أَمَّا لُبْسُهُ لِلرَّجُلِ فَمُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَأَمَّا لِلْخُنْثَى فَاحْتِيَاطٌ، وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَلِقَوْلِ حُذَيْفَةَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَلَّلَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْحُرْمَةَ عَلَى الرَّجُلِ بِأَنَّ فِي الْحَرِيرِ خُنُوثَةٌ لَا تَلِيقُ بِشَهَامَةِ الرِّجَالِ، أَمَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُهْلِكَيْنِ أَوْ مُضِرَّيْنِ كَالْخَوْفِ عَلَى عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ فَيَجُوزُ إزَالَةً لِلضَّرُورَةِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ جَوَازِ اللُّبْسِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَفُّ، وَيَجُوزُ أَيْضًا لِفُجَاءَةِ حَرْبٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلِحَاجَةٍ كَجَرَبٍ وَدَفْعِ قُمَّلٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِهِ لِذَلِكَ وَسَتْرِ عَوْرَتِهِ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ عُيُونِ النَّاسِ وَفِي الْخَلْوَةِ إذَا أَوْجَبْنَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ الْحَرِيرِ. (وَ) كَذَا يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ وَمِثْلُهُمْ الْخَنَاثَى (التَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ فِي يَمِينِهِ قِطْعَةَ حَرِيرٍ وَفِي شِمَالِهِ قِطْعَةَ ذَهَبٍ وَقَالَ: هَذَانِ أَيْ اسْتِعْمَالُهُمَا حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ»   [حاشية البجيرمي] حَائِلٍ، فَإِنْ فَرَشَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ وَلَوْ خَفِيفًا مُهَلْهَلَ النَّسْجِ وَجَلَسَ فَوْقَهُ جَازَ كَمَا يَجُوزُ جُلُوسُهُ عَلَى مِخَدَّةٍ مَحْشُوَّةٍ بِهِ وَعَلَى نَجَاسَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ بِحَيْثُ لَا تُلَاقِي شَيْئًا مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَثِيَابِهِ، وَسَوَاءٌ اتَّخَذَ الْحَرِيرَ قَصْدًا وَبَسَطَ عَلَيْهِ شَيْئًا وَجَلَسَ أَوْ اتَّفَقَ لَهُ فِي دَعْوَةٍ وَنَحْوِهَا فَبَسَطَ عَلَيْهِ شَيْئًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِمَنْ صَوَّرَ الْحِلَّ بِمَا إذَا اتَّفَقَ فِي دَعْوَةٍ وَنَحْوِهَا أَمَّا إذَا اتَّخَذَ لَهُ حَصِيرًا مِنْ حَرِيرٍ فَالْوَجْهُ التَّحْرِيمُ وَإِنْ بَسَطَ فَوْقَهَا شَيْئًا لِمَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ وَاِتِّخَاذِ الْحَرِيرِ لَا مَحَالَةَ اهـ وَبَقِيَ مَا لَوْ بَسَطَ عَلَى مَحِلِّ جُلُوسِهِ وَبَاقِي الْحَرِيرِ ظَاهِرٌ هَلْ يَحْرُمُ نَظَرًا لِعَدَمِ سَتْرِهِ كُلِّهِ أَوْ لَا يَحْرُمُ كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ مِنْ حَصِيرٍ وَاسِعٍ وَبَاقِيه نَجِسٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاسْتَقْرَبَ ع ش الثَّانِي اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَتَسَتَّرَ بِهِ) كَالنَّامُوسِيَّةِ الْآتِيَةِ قَوْلُهُ: (الَّتِي وَجْهُهَا حَرِيرٌ) هَذَا كُلُّهُ إذَا بَقِيَ الْحَرِيرُ عَلَى أَصْلِهِ وَلَمْ يُسْتَهْلَكْ، فَإِنْ اُسْتُهْلِكَ لَمْ يَحْرُمُ الِاسْتِعْمَالُ؛ وَلِذَا قَالَ م ر: وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ وَرِقِ الْحَرِيرِ فِي الْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِحَالَةَ اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَاحْتِيَاطٌ) الْمُنَاسِبُ فَعَلَى الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا مَا سِوَاهُ) أَيْ مَا سِوَى اللُّبْسِ مِنْ بَقِيَّةِ الِاسْتِعْمَالَاتِ، وَفِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ السِّوَى؛ نَعَمْ ذَكَر م ر مَا حَاصِلُهُ أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَفْرَادِ ذُكِرَتْ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ تَجْلِسَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَّلَ الْإِمَامُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يَصْلُحُ حِكْمَةً لَا عِلَّةً ق ل؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تُقَارِنُ الْمَعْلُولَ وُجُودًا وَعَدَمًا، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ انْتَفَى عَنْ الرِّجَالِ الشَّهَامَةُ كَبَعْضِ الرِّجَالِ لَا يَحْرُمُ أَوْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ النِّسَاءِ يَحْرُمُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهِمَا فَهُوَ حِكْمَةٌ لَا عِلَّةٌ وَالْحِكْمَةُ لَا يَضُرُّ تَخَلُّفُهَا. قَوْلُهُ: (خُنُوثَةً) أَيْ لُيُونَةً وَنُعُومَةً. قَوْلُهُ: (بِشَهَامَةِ الرِّجَالِ) أَيْ قُوَّتِهِمْ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُضِرِّينَ) أَيْ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ م ر. قَوْلُهُ: (إزَالَةً لِلضَّرُورَةِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ إزَالَةً لِلضَّرَرِ، وَهِيَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَيْضًا) هَذَا مِنْ أَفْرَادِ الضَّرُورَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِفُجَاءَةٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ وَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ بَغْتَتُهَا، أَيْ مَجِيئُهَا بِلَا اسْتِعْدَادٍ لَهَا وَلَا مِيعَادٍ. قَوْلُهُ: (يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ فِي الْجِهَادِ بِأَنْ كَانَ ضِيقَ الْكُمَّيْنِ يَصْلُحُ لِلْقِتَالِ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ كَذَلِكَ أَوْ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي دَفْعِ السِّلَاحِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَمَقَامُهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ قَامَ الشَّيْءُ مَقَامَ غَيْرِهِ بِالْفَتْحِ، وَأَقَمْتُهُ مُقَامَ غَيْرِهِ بِالضَّمِّ {تَنْبِيهٌ} : خَطَرَ بِذِهْنِي أَنْ يُقَالَ: هَلَّا جَوَّزُوا التَّزَيُّنَ بِالْحَرِيرِ فِي الْحُرُوبِ غَيْظًا لِلْكُفَّارِ وَلَوْ وُجِدَ غَيْرُهُ كَتَحْلِيَةِ الْآلَةِ لِأَنَّ بَابَ الْحَرِيرِ أَوْسَعُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّحْلِيَةَ غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ وَلِأَنَّهَا فِي الْآلَةِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ الْبَدَنِ بِخِلَافِ التَّزَيُّنِ بِالْحَرِيرِ فِيهِمَا، عَلَى أَنْ ابْنَ كَجٍّ جَوَّزَ الْقَبَاءَ وَغَيْرَهُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْقِتَالِ مِنْ الْحَرِيرِ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ اهـ عَمِيرَةٌ. قَوْلُهُ: (لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ) وَلِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ. قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِلْجَرَبِ وَالْقُمَّلِ. قَوْلُهُ: (وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى " جَرَبٍ " قَوْلُهُ: (التَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ) وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْحُلِيِّ، وَأَمَّا التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ فَيَجُوزُ حَيْثُ كَانَ عَلَى عَادَةِ أَمْثَالِهِ قَدْرًا وَمَحَلًّا وَصِفَةً. قَوْلُهُ: (أَيْ اسْتِعْمَالُهُمَا) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ حَرَامٌ مُفْرَدٌ وَلَا يُخْبَرُ بِهِ عَنْ الْمُثَنَّى وَأَشَارَ بِهِ أَيْضًا إلَى أَنَّ الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وَأُلْحِقَ بِالذُّكُورِ الْخَنَاثَى احْتِيَاطًا. وَاحْتَرَزَ بِالتَّخَتُّمِ عَنْ اتِّخَاذِ أَنْفٍ أَوْ أُنْمُلَةٍ أَوْ سِنٍّ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا مِنْ ذَهَبٍ عَلَى مَقْطُوعِهَا وَإِنْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُهَا مِنْ الْفِضَّةِ (وَيَحِلُّ لِلنِّسَاءِ) لُبْسُ الْحَرِيرِ وَاسْتِعْمَالُهُ بِفُرُشٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالتَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ وَالتَّحَلِّي بِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ (وَيَسِيرُ الذَّهَبِ وَكَثِيرُهُ فِي) حُكْمِ (التَّحْرِيمِ) عَلَى مَنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ (سَوَاءٌ) بِلَا فَرْقٍ (وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الثَّوْبِ إبْرِيسَمًا) وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَفَتْحِهِمَا وَبِكَسْرِهِمَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْحَرِيرُ (وَبَعْضُهُ قُطْنًا أَوْ كَتَّانًا جَازَ لُبْسُهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْإِبْرَيْسَمُ غَالِبًا) فَإِنَّهُ يَحْرُمُ تَغْلِيبًا لِلْأَكْثَرِ بِخِلَافِ مَا أَكْثَرُهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَالْمُسْتَوِي مِنْهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُسَمَّى ثَوْبَ حَرِيرٍ، وَالْأَصْلُ الْحِلُّ وَتَغْلِيبًا لِلْأَكْثَرِ فِي الْأُولَى. وَلِلْوَلِيِّ إلْبَاسُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَرِيرِ وَمَا أَكْثَرَهُ مِنْهُ صَبِيًّا إذْ   [حاشية البجيرمي] يَتَّصِفَ بِالْحُرْمَةِ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ لَا ذَاتُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ حَرَامَ اسْمُ مَصْدَرٍ وَهُوَ كَالْمَصْدَرِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمَثْنَى وَغَيْرُهُ أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى حَرَامٌ كُلٌّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ) مَحَلُّهُ فِي الذَّهَبِ إذَا كَانَ حُلِيًّا، بِخِلَافِ أَوَانِي الذَّهَبِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ. قَوْلُهُ: (وَاحْتُرِزَ بِالتَّخَتُّمِ إلَخْ) فَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ أَمْرٍ خَاصٍّ وَإِلَّا فَغَيْرُ التَّخَتُّمِ مِثْلُهُ مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورَاتِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ " وَاحْتُرِزَ بِالذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ لِجَوَازِ التَّخَتُّمِ بِهَا " حَيْثُ كَانَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا يَضُرُّ نَقْشُ اسْمِهِ عَلَيْهِ لِيَخْتِمَ بِهِ، قَرَّرَهُ ح ف. قَوْلُهُ: (عَنْ اتِّخَاذِ أَنْفٍ إلَخْ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ " أَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ " بِضَمِّ الْكَافِ اسْمٌ لِمَاءٍ كَانَتْ الْوَاقِعَةُ عِنْدَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقِيسَ بِالْأَنْفِ الْأُنْمُلَةُ وَالسِّنُّ. قَوْلُهُ: (أَوْ أُنْمُلَةٍ) وَأَمَّا الْأُنْمُلَتَانِ فَإِنْ كَانَتَا مِنْ أَعْلَى الْأُصْبُعِ جَازَ اتِّخَاذُهُمَا لِوُجُودِ الْعَمَلِ بِوَاسِطَةِ الْأُنْمُلَةِ السُّفْلَى، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ سم؛ وَإِنْ كَانَتَا مِنْ أَسْفَلِ الْأُصْبُعِ امْتَنَعَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ م ر فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (وَاسْتِعْمَالُهُ بِفَرْشٍ) سَوَاءٌ الْحِلْيَةُ وَغَيْرُهَا فَيُحْمَلَ لَهَا ذَلِكَ أَيْ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ لُبْسًا وَفَرْشًا؛ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَرِيرِ وَمَا أَكْثَرُهُ حَرِيرٌ، أَمَّا الْمُطَرَّزُ أَوْ الْمَنْسُوجُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَيَحِلُّ لَهَا لُبْسُهُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهَا فَرْشُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُونَوِيُّ؛ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ يُحَرِّمُ عَلَيْهَا فَرْشَ الْحَرِيرِ، وَلَمْ يَسْتَدْرِكْ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ إلَّا فِي الْحَرِيرِ، فَعُلِمَ مِنْ اسْتِدْرَاكِهِ عَلَيْهِ فِي الْحَرِيرِ أَنَّ الْمُطَرَّزَ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ الْمَنْسُوجَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا فَرْشُهُ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ، كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ز ي فِي دَرْسِهِ خ ض وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْسُوجَ الْمَذْكُورَ وَالْمُمَوَّهَ وَالْمُطَرَّزَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا إلَّا اللُّبْسُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحِلِّ تَزَيُّنُهَا الدَّاعِي إلَى الْمَيْلِ إلَيْهَا وَوَطْئِهَا الْمُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ النَّسْلِ الْمَطْلُوبَةِ لِلشَّارِعِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ اللُّبْسِ مِنْ الْفَرْشِ وَالتَّدَثُّرِ وَنَحْوِهِمَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمِنْ ثَمَّ اقْتَصَرَ فِي الْمَنْهَجِ عَلَى اللُّبْسِ فَقَالَ: وَلِامْرَأَةٍ لُبْسُ حُلِّيهِمَا وَمَا نُسِجَ بِهِمَا لَا إنْ بَالَغَتْ فِي سَرَفٍ وَقَوْلُهُ: " لَا إنْ بَالَغَتْ فِي سَرَفٍ " الْمُعْتَمَدُ: لَا إنْ أَسْرَفَتْ؛ فَإِنَّهَا إنْ أَسْرَفَتْ حُرِّمَ وَإِنْ لَمْ تُبَالِغْ فِي الْإِسْرَافِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مُحَشُّوهُ، وَمَا نَقَلَهُ ق ل عَنْ شَيْخِهِ مِنْ حُرْمَةِ الْمُمَوَّهِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا ضَعِيفٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَائِرَ أَنْوَاعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِلنِّسَاءِ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ فَقَطْ، الْأُولَى: اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي، الثَّانِيَةُ: إذَا أَخَذَتْ الْحَرِيرَ وَزَرْكَشَتْهُ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَفَرَشَتْهُ تَحْتَهَا أَوْ تَدَثَّرَتْ بِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَافَةِ النَّقْدَيْنِ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (مَنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ) وَهُوَ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يُحَرَّمُ تَغْلِيبًا) وَكَذَا إذَا شَكَّ هَلْ الْأَكْثَرُ حَرِيرٌ أَوْ لَا خِلَافًا لحج وَعِبَارَةُ م د وَلَوْ شُكَّ فِي كَثْرَةِ الْحَرِيرِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ اسْتِوَائِهِمَا حُرِّمَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ كَالتَّفْسِيرِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ حَمْلُهُ مَعَ الْحَدِيثِ تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ فِي حَالَةِ الشَّكِّ وَالِاسْتِوَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ زِيَادَةِ التَّفْسِيرِ وَلَوْ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ حُرْمَةِ الْمُضَبَّبِ إذَا شُكَّ فِي كِبَرِ الضَّبَّةِ وَصِغَرِهَا بِالْعَمَلِ بِالْأَصْلِ فِيهِمَا، إذْ الْأَصْلُ حِلُّ اسْتِعْمَالِ الْإِنَاءِ قَبْلَ تَضْبِيبِهِ وَالْأَصْلُ تَحْرِيمُ الْحَرِيرِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ وَاسْتِمْرَارُهُ مُلَابَسَةَ الْمَلْبُوسِ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ، بِخِلَافِ الْإِنَاءِ؛ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ كَافِيَةٌ كَالْيَقِينِ؛ وَلِذَا قَالَ: وَلَا يُشْتَرَطُ الْيَقِينُ أَيْ بَلْ يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ. قَوْلُهُ: (وَلِلْوَلِيِّ إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّأْدِيبِ فَيَشْمَلُ الْأُمَّ وَالْأَخَ الْكَبِيرَ فَيَجُوزُ لَهُمَا إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ فِيمَا يَظْهَرُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 لَيْسَ لَهُ شَهَامَةٌ تُنَافِي خُنُوثَةِ الْحَرِيرِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ الْمَجْنُونَ. وَيَحِلُّ مَا طُرِّزَ أَوْ رُقِّعَ بِحَرِيرٍ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ لِوُرُودِهِ فِيمَا خَبَرَ مُسْلِمٌ، أَوْ طَرَفُ ثَوْبِهِ بِأَنَّ جَعَلَ طَرَفَ ثَوْبِهِ مُسَجَّفًا بِهِ قَدْرَ عَادَةٍ   [حاشية البجيرمي] وَأَمَّا الْخَنْجَرُ الْمَعْرُوفُ وَالسِّكِّينُ الْمَطْلِيَّانِ بِالنَّقْدِ فَيَحْرُمُ إلْبَاسُهُمَا لَهُ، وَأَمَّا الْحِيَاصَةُ فَتَحِلُّ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (إلْبَاسُ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْحَرِيرِ وَالْمَنْسُوجِ وَالْمُمَوَّهِ، أَيْ لِافْتِرَاشِهِ وَدِثَارِهِ ق ل وَلَهُ تَزْيِينُهُ بِالْحُلِيِّ وَلَوْ مِنْ ذَهَبٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ عِيدٍ وَاعْتَمَدَ م ر أَنَّ مَا جَازَ لِلْمَرْأَةِ جَازَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَيَجُوزُ إلْبَاسُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَعْلًا مِنْ ذَهَبٍ حَيْثُ لَا إسْرَافَ عَادَةً سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَالْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ وَلَوْ مُرَاهِقًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، قَالَ الشَّرِيفُ الرَّحْمَانِيُّ: وَخَرْقُ الْأَنْفِ لِمَا يُجْعَلُ فِيهِ مِنْ نَحْوِ حَلْقَةِ نَقْدٍ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَلَا عِبْرَةَ بِاعْتِيَادِ ذَلِكَ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي نِسَائِهِمْ وَأُذُنُ الصَّبِيِّ كَذَلِكَ، وَلَا نَظَرَ لِزِينَتِهِ بِذَلِكَ دُونَ الْأُنْثَى، فَيَجُوزُ خَرْقُ أُذُنِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ إفْتَاءَيْنِ لِلرَّمْلِيِّ مُتَنَاقِضَيْنِ وَعِبَارَةُ الرَّمْلِيِّ فِي شَرْحِ الزُّبَدِ: وَأَمَّا تَثْقِيبُ آذَانِ الصَّبِيَّةِ لِتَعْلِيقِ الْحَلَقِ فَحَرَامٌ لِأَنَّهُ جُرْحٌ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ، صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَبَالَغَ فِيهِ مُبَالَغَةً شَدِيدَةً، قَالَ: إلَّا أَنْ ثَبَتَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ رُخْصَةٌ وَلَمْ يَبْلُغْنَا. وَقَوْلُهُ: " فَحَرَامٌ " ضَعِيفٌ، وَفِي الرِّعَايَةِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: يَجُوزُ تَثْقِيبُ آذَانِ الصَّبِيَّةِ لِلتَّزْيِينِ وَيُكْرَهُ ثَقْبُ أُذُنِ الصَّبِيِّ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (صَبِيًّا) مَفْعُولٌ أَوَّلٌ لِقَوْلِهِ إلْبَاسُ لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ فِي الْمَعْنَى وَالْهَاءُ مَفْعُولٌ ثَانٍ. قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ مَا طُرِّزَ) وَهُوَ مَا رُكِّبَ بِالْإِبْرَةِ مِنْ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ كَالشَّرِيطِ؛ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالتَّطْرِيزُ جَعْلُ الطِّرَازِ مُرَكَّبًا عَلَى الثَّوْبِ، أَمَّا الْمُطَرَّزُ بِالْإِبْرَةِ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالْمَنْسُوجِ حَتَّى يَكُونَ مَعَ الثَّوْبِ كَالْمُرَكَّبِ مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ لَا كَالْمُطَرَّزِ؛ وَقَوْلُهُ " أَوْ رُقِّعَ " أَيْ جُعِلَ رُقَعًا كَالْقَطْعِ الْقَطِيفَةِ الَّتِي تَجْعَلُهَا الْقَوَّاسَةُ عَلَى بَشَرَتِهِمْ، أَمَّا الْمُشْتَغَلُ بِالْإِبْرَةِ فَحُكْمُهُ كَالْمَنْسُوجِ ذَكَرَهُ م د وَالْحَاصِلُ عِنْدَ شَيْخِنَا أَنَّ مَا طُرِّزَ أَوْ رُقِّعَ وَإِنْ تَعَدَّدَ لَا بُدَّ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا طُرِّزَ أَوْ رُقِّعَ بِهِ عَلَى الثَّوْبِ وَزْنًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ طَرْزٍ أَوْ رُقْعَةٍ بِقَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَا اُعْتُبِرَ فِي الْمَنْسُوجِ وَزِيَادَةُ قَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ كَمَا أَفَادَهُ ح ل. قَوْلُهُ: (قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ) أَيْ عَرْضَا وَإِنْ زَادَ طُولُهُ ز ي وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ " أَيْ طُولًا وَعَرْضًا فِي التَّرْقِيعِ وَعَرْضًا فَقَطْ فِي التَّطْرِيزِ وَإِنْ زَادَ طُولًا. قَوْلُهُ: (قَدْرَ عَادَةٍ) أَيْ عَادَةَ أَمْثَالِ اللَّابِسِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى زِيَادَةِ وَزْنٍ بِدَلِيلِ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَإِنْ خَالَفَ عَادَةً أَمْثَالَهُ وَجَبَ قَطْعُ الزَّائِدِ وَإِنْ بَاعَهُ لِمَنْ هُوَ عَادَتُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِمَّنْ عَادَتُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دَوَامٌ ق ل {فَرْعٌ} : يَحِلُّ خَيْطُ الْمِفْتَاحِ وَالْمِيزَانِ وَالْكُوزِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالْقِنْدِيلِ وَلَيْقَةِ الدَّوَاةِ وَتِكَّةِ اللِّبَاسِ وَخَيْطِ السُّبْحَةِ، وَفِي شَرَارِيبِهَا تَرَدُّدٌ وَنُقِلَ عَنْ م ر حِلُّهَا وَقَالَ ق ل بِالْحُرْمَةِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الشُّرَّابَةَ الَّتِي هِيَ طَرَفُ الْخَيْطِ عِنْدَ الْمُسَمَّاةِ بِالْمِئْذَنَةِ، فَقَالَ: إنَّهَا تَحِلُّ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا بَيْنَ الْحَبَّاتِ مِنْ الشَّرَارِيبِ وَيَحِلُّ خَيْطُ الْخِيَاطَةِ وَالْأَزْرَارِ وَخَيْطُ الْمُصْحَفِ وَكِيسِهِ لَا كِيسِ الدَّرَاهِمِ، وَيَحِلُّ غِطَاءُ الْكُوزِ كَخَيْطِهِ لَا غِطَاءُ الْعِمَامَةِ وَمِنْ الْمُحَرَّمِ سَتْرُ الْجُدَرَانِ وَمِنْهُ مَا يُفْعَلُ أَيَّامَ الزِّينَةِ إلَّا لِفَاعِلِهَا بِقَدْرِ مَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ مُكْرَهُونَ وَأَمَّا سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِهِ فَجَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ، وَكَذَا قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر خِلَافًا لِلشِّهَابِ ق ل وَأَمَّا قُبُورُ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَسَتْرُهَا بِهِ حَرَامٌ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر أَيْضًا وَمَا نَقَلَهُ الرَّحْمَانِيُّ مِنْ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَضَعِيفٌ وَيَحْرُمُ إلْبَاسُ الْحَرِيرِ لِلدَّوَابِّ لِأَنَّهَا لَا تَتَقَاعَدُ، أَيْ لَا تَنْقُصُ عَنْ سَتْرِ الْجُدَرَانِ بِهِ وَإِذَا قِيلَ بِجَوَازِ سَتْرِ الْكَعْبَةِ بِاتِّفَاقٍ فَهَلْ يَجُوزُ الدُّخُولُ بَيْنَ سِتْرِ الْكَعْبَةِ وَجِدَارِهَا لِنَحْوِ الدُّعَاءِ؟ قُلْنَا: لَا يَبْعُدُ جَوَازُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ اسْتِعْمَالًا وَهُوَ دُخُولٌ لِحَاجَةٍ وَهَلْ يَجُوزُ الِالْتِصَاقُ بِسِتْرِهَا مِنْ خَارِجٍ فِي نَحْوِ الْمُلْتَزَمِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ قِيَاسًا عَلَى جَوَازِ الدُّخُولِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ، وَصَرَّحَ بِهِ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ وَيُحَرَّمُ زَرْكَشَةُ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ مِنْ الْفِضَّةِ وَمِثْلِهَا فِي حُرْمَةِ الزَّرْكَشَةِ بِمَا ذَكَرَ سُتُورَ قُبُورِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَإِذَا قُلْنَا بِحُرْمَةِ ذَلِكَ فَتَحْرُمُ الْفُرْجَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا كَالْفُرْجَةِ عَلَى الزِّينَةِ الْمُحَرَّمَةِ لِكَوْنِهَا بِنَحْوِ الْحَرِيرِ، بِخِلَافِ الْمُرُورِ عَلَيْهَا لِحَاجَةٍ؛ وَامْتِنَاعُ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 لِوُرُودِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ، وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ التَّطْرِيفَ مَحِلُّ الْحَاجَةِ وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ لِلزِّيَادَةِ عَلَى   [حاشية البجيرمي] الْمُرُورِ أَيَّامَ الزِّينَةِ كَانَ وَرَعًا كَمَا قَالَهُ م ر وَلَوْ أُكْرِهَ النَّاسُ عَلَى الزِّينَةِ الْمُحَرَّمَةِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِمْ، وَهَلْ يَجُوزُ التَّفَرُّجُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ؟ الَّذِي يَتَّجِهُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْجُدَرَانِ بِالْحَرِيرِ حَرَامٌ فِي نَفْسِهِ، وَعَدَمُ حُرْمَةِ وَضْعِهِ لِعُذْرِ الْإِكْرَاهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْحُرْمَةِ فِي نَفْسِهِ، وَمَا هُوَ حَرَامٌ فِي نَفْسِهِ يَحْرُمُ التَّفَرُّجُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رِضًا بِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ ع ش: وَيَحْرُمُ الْقَاوُوقُ إذَا كَانَتْ بِطَانَتُهُ وَظِهَارَتُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا حَرِيرٌ وَلَا بُدَّ مِنْ خِيَاطَةِ غِطَاءٍ يَعُمُّ بِطَانَتَهُ وَظِهَارَتَهُ، أَمَّا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حَرِيرًا فَقَطْ فَالْعِبْرَةُ بِهِ فِي الْخِيَاطَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ مِثْلُ اللِّحَافِ؛ وَيَحْرُمُ الْكِتَابَةُ عَلَى الْحَرِيرِ وَلَوْ نَحْوِ صَدَاقٍ وَلَوْ لِامْرَأَةٍ أَيْ حَيْثُ كَانَتْ الْكِتَابَةُ مِنْ الرَّجُلِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ لِلصَّدَاقِ فِي الْحَرِيرِ فَلَا حُرْمَةَ وَلَوْ لِلرَّجُلِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَدَابِغِيُّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْبَابِلِيِّ وَأَقَرَّهُ وَعِبَارَةُ سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَبَحَثَ م ر أَنَّ كِتَابَةَ اسْمِهَا عَلَى ثَوْبِهَا الْحَرِيرِ إنْ احْتَاجَتْ إلَيْهَا فِي حِفْظِهِ جَازَ فِعْلُهَا لِلرَّجُلِ وَإِلَّا فَلَا، وَيَحِلُّ لَهُمَا تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ وَلَهَا بِالذَّهَبِ أَيْضًا وَكِتَابَتُهُ كَذَلِكَ وَقَدْ سُئِلَ م ر عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ جَوَازِ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ بِالذَّهَبِ حَتَّى لِلرِّجَالِ وَحُرْمَةِ تَحْلِيَتِهِ بِالذَّهَبِ لِلرَّجُلِ؛ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ كِتَابَتَهُ رَاجِعَةٌ لِنَفْسِ حُرُوفِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ تَحْلِيَتِهِ فَالْكِتَابَةُ أَدْخَلُ فِي التَّعَلُّقِ بِهِ اهـ وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ كُتُبُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهَا وَالْكَعْبَةُ وَقُبُورُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ فَلَا يَحِلُّ فِيهَا ذَلِكَ؛ وَكَالتَّحْلِيَةِ التَّمْوِيهُ فَلَا يَحِلُّ، وَالتَّحْلِيَةُ وَضْعُ قِطَعِ النَّقْدِ الرِّقَاقِ مُسَمَّرَةً عَلَى الشَّيْءِ، وَالتَّمْوِيهُ إذَابَتُهُ وَالطِّلَاءُ بِهِ، وَمِنْ التَّمْوِيهِ الْقَصَبُ الَّذِي فِي أَطْرَافِ الشَّاشَاتِ فَإِنَّهُ إنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا يُحَرَّمُ ز ي {تَنْبِيهٌ} : يُعْلَمُ مِنْ هُنَا وَمَا يَأْتِي فِي زَكَاةِ النَّقْدِ أَنَّ الْمَحْمَلَ الْمَشْهُورَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ وَلَا تَحِلُّ الْفُرْجَةُ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ كِسْوَةُ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَا الذَّهَبُ الَّذِي عَلَى الْكُسْوَةِ وَالْبُرْقُعِ؛ فَرَاجِعْ ذَلِكَ وَحَرِّرْهُ. اهـ. ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَأَوَّلُ مَنْ كَسَا الْكَعْبَةَ عَدْنَانُ بْنُ دَاوُد، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَشْتَرِكُ فِي كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ حَتَّى نَشَأَ أَبُو رَبِيعَةَ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ لَقُرَيْشٍ: أَنَا أَكْسُو الْكَعْبَةَ سَنَةً وَحْدِي وَجَمِيعُ قُرَيْشٍ سَنَةً؛ أَيْ وَقِيلَ: كَانَ يُخْرِجُ نِصْفَ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ مَاتَ فَسَمَّتْهُ قُرَيْشٌ الْعِدْلَ لِأَنَّهُ عَدَلَ قُرَيْشًا وَحْدَهُ فِي كُسْوَةِ الْكَعْبَةِ، وَيُقَالُ لِبَنِيهِ بَنُو الْعِدْلِ وَكَانَتْ كِسْوَتُهَا لَا تُنْزَعُ، فَكَانَ كُلَّمَا تُجَدَّدُ كِسْوَةٌ تُجْعَلُ فَوْقَ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إلَى زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ كَسَاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثِّيَابَ الْيَمَانِيَّةَ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: أَوَّلُ مَنْ كَسَا الْكَعْبَةَ الْقَبَاطِيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَسَاهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ الْقَبَاطِيَّ، وَكَسَاهَا مُعَاوِيَةُ الدِّيبَاجَ وَالْقَبَاطِيَّ وَالْحَبَرَاتِ، فَكَانَتْ تُكْسَى الدِّيبَاجَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَالْقَبَاطِيَّ فِي آخِرِ رَمَضَانَ وَكَسَاهَا الْمَأْمُونُ الدِّيبَاجَ الْأَحْمَرَ وَالدِّيبَاجَ الْأَبْيَضَ وَالْقَبَاطِيَّ وَالْقَبَاطِيُّ نَوْعٌ مِنْ الْحَرِيرِ فَكَانَتْ تُكْسَى الْأَحْمَرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالْقَبَاطِيَّ يَوْمَ هِلَالِ رَجَبٍ وَالدِّيبَاجَ الْأَبْيَضَ يَوْمَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَكَذَا كَانَتْ تُكْسَى فِي زَمَنِ الْمُتَوَكِّلِ الْعَبَّاسِيِّ، ثُمَّ فِي زَمَنِ النَّاصِرِ الْعَبَّاسِيِّ كُسِيَتْ السَّوَادَ مِنْ الْحَرِيرِ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إلَى الْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ؛ وَكُسْوَتُهَا مِنْ غَلَّةِ قَرْيَتَيْنِ يُقَالُ لَهُمَا بِيسُوسُ وَسَنْدَبِيسُ مِنْ قُرَى الْقَاهِرَةِ، وَقَفَهُمَا عَلَى ذَلِكَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ إسْمَاعِيلُ بْنُ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ فِي سَنَةِ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَالْآنَ زَادَتْ الْقُرَى عَلَى هَاتَيْنِ الْقَرْيَتَيْنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ كَسَاهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ تُبَّعٌ الْحِمْيَرِيُّ عَلَى الرَّاجِحِ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِتِسْعِمِائَةِ سَنَةٍ وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ كَسَاهَا الدِّيبَاجَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَوَّلُ مَنْ كَسَاهَا الدِّيبَاجَ الْحَجَّاجُ، لِأَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ مِنْ أُمَرَاءِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ: هَلْ يَجُوزُ كِسْوَةُ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ وَيَجُوزُ إظْهَارُهَا فِي دَوْرَانِ الْمَحْمَلِ الشَّرِيفِ؟ فَأَجَابَ بِجَوَازِ ذَلِكَ، قَالَ: لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْظِيمِ لِكُسْوَتِهَا الْفَاخِرَةِ الَّتِي تُرْجَى بِكُسْوَتِهَا الْخُلَعُ السَّنِيَّةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَجُوزُ إظْهَارُهَا فِي دَوَرَانِ الْمَحْمَلِ الشَّرِيفِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ التَّفْخِيمَ الْمُنَاسِبَ لِلْحَالِ الْمُنِيفِ اهـ مِنْ السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ. قَوْلُهُ: (مَحِلُّ الْحَاجَةِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَصُونَ الثَّوْبَ عَنْ الْقَطْعِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ زِينَةٍ) قَدْ يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحَاجَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 الْأَرْبَعِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ زِينَةٍ فَيَتَقَيَّدُ بِالْأَرْبَعِ. يَحِلُّ اسْتِصْبَاحٌ بِدُهْنٍ نَجِسٍ كَالْمُتَنَجِّسِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: «إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَاسْتَصْبِحُوا بِهِ أَوْ فَانْتَفِعُوا بِهِ» لَا دُهْنَ نَحْوِ كَلْبٍ كَخِنْزِيرٍ فَلَا يَحِلُّ اسْتِصْبَاحٌ بِهِ لِغِلَظِ نَجَاسَتِهِ، وَيَحِلُّ لُبْسُ شَيْءٍ مُتَنَجِّسٍ وَلَا رُطُوبَةٍ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ عَارِضَةٌ سَهْلَةُ الْإِزَالَةِ لَا لِبْسُ نَجِسٍ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ التَّعَبُّدِ بِاجْتِنَابِ النَّجِسِ لِإِقَامَةِ الْعِبَادَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَحَرٍّ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ. وَلَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ النَّشَاءِ وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ الْقَمْحِ فِي الثَّوْبِ، وَالَأَوْلَى تَرْكُهُ، وَتَرْكُ دَقِّ الثِّيَابِ وَصَقْلِهَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَيَنْبَغِي طَيُّ الثِّيَابِ أَيْ وَذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهَا   [حاشية البجيرمي] كَالرَّفْوِ فَيَكُونُ كَالتَّطْرِيفِ عَلَى الْأَقْرَبِ سم قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ يَحِلُّ اسْتِصْبَاحُ إلَخْ) مُنَاسَبَةُ هَذَا لِمَا هُنَا مِنْ جِهَةِ حِلِّ الِاسْتِعْمَالِ تَارَةً وَعَدَمِهِ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (بِدُهْنٍ نَجِسٍ) لَا فِي مَسْجِدٍ مُطْلَقًا وَلَا فِي مُؤَجَّرٍ وَمُعَارٍ وَمَوْقُوفٍ إنْ لُوِّثَ مَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ فِي الْمَسْجِدِ وَإِلَّا جَازَ، وَيَجُوزُ تَنْجِيسُ الْمَوْقُوفِ أَيْ الْبَيْتِ الْمَوْقُوفِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَتَرْبِيَةِ الدَّجَاجِ وَنَحْوِهِ وَمِلْكُ الْغَيْرِ كَالْمَوْقُوفِ ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إلَخْ) دَلِيلٌ لِلْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُتَنَجِّسُ. قَوْلُهُ: (لَا دُهْنَ نَحْوِ كَلْبٍ) فَلَا يَحِلُّ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ وَلَا الطَّلْيُ لِغِلَظِ نَجَاسَتِهِ؛ نَعَمْ أَفْتَى شَيْخُنَا م ر بِجَوَازِ دُهْنِ كَلْبٍ مُحْتَرَمٍ بِدُهْنِ كَلْبٍ آخَرَ حَيْثُ دَعَتْ لَهُ حَاجَةٌ وَلَمْ يَلْزَمُ مِنْهُ تَضَمُّخٌ بِنَجَاسَةٍ عَيْنًا قَالَ شَيْخُنَا ز ي: وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّبْغُ بِرَوْثِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ أَجْزَأَ فِي الدَّبْغِ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ لُبْسُ شَيْءٍ مُتَنَجِّسٍ) لَا فِي مَسْجِدٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ فِيهِ إلَّا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ تَنْزِيهًا لَهُ م د. قَوْلُهُ: (كَجِلْدِ مَيْتَةٍ) أَيْ فَلَا يَحِلُّ لُبْسُهُ لِآدَمِيٍّ وَيَحِلُّ لِغَيْرِهِ إلَّا جِلْدُ نَحْوِ كَلْبٍ، فَلَا يَحِلُّ إلْبَاسُهُ لِنَحْوِ الْكَلْبِ وَخَرَجَ بِاللُّبْسِ الِافْتِرَاشُ وَالتَّدَثُّرُ فَيَحِلُّ مُطْلَقًا. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (لِإِقَامَةِ الْعِبَادَةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ يَجُوزُ إلْبَاسُهُ ذَلِكَ، وَكَذَا الْمُمَيِّزُ فِي غَيْرِ وَقْتِ إقَامَةِ الْعِبَادَةِ وَالْمُدَّعَى أَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُ النَّجِسِ مُطْلَقًا، فَلَا يُنْتَجُ هَذَا الدَّلِيلُ الْمُدَّعَى إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ مِنْ شَأْنِهِ التَّعَبُّدُ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا. اهـ. ح ل مَعَ زِيَادَةٍ فَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ " لِإِقَامَةِ الْعِبَادَةِ " لَتَمَّ الدَّلِيلُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (إلَّا لِضَرُورَةٍ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ جِلْدِ الشَّاةِ الْمَيِّتَةِ فِي اللُّبْسِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَيَجُوزُ فِي الْفُرُشِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْأَنْوَارِ: وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَيَحِلُّ تَسْمِيدُ الْأَرْضِ بِالزِّبْلِ وَدَبْغُ الْجِلْدِ بِالنَّجَسِ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا وَطَلْيُ السُّفُنِ وَالِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ مُغَلَّظٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ مُطْلَقًا وَغَيْرِ مَوْقُوفٍ وَمُؤَجَّرٍ وَمُعَارٍ إنْ لُوِّثَ، وَإِذَا اُسْتُصْبِحَ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ جَازَ إصْلَاحُ الْفَتِيلَةِ بِيَدِهِ وَإِنْ تَنَجَّسَ أُصْبُعُهُ وَأَمْكَنَ إصْلَاحُهَا بِعُودٍ؛ لِأَنَّ التَّنَجُّسَ يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِهِ الضَّرُورَةُ وَقَضِيَّةُ حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ نَحْوِ جِلْدِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَشَعْرِهِمَا حُرْمَةُ اسْتِعْمَالِ مَا يُقَالُ لَهُ فِي الْعُرْفِ الشِّيتَةُ لِأَنَّهَا مِنْ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ؛ نَعَمْ إنْ تَوَقَّفَ اسْتِعْمَالُ الْكَتَّانِ عَلَيْهَا وَلَمْ يُوجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَهَذَا ضَرُورَةٌ مُجَوِّزَةٌ لِاسْتِعْمَالِهَا؛ وَعَلَى هَذَا لَوْ تَنَدَّى الْكَتَّانُ فَهَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا وَيُعْفَى عَنْ مُلَاقَاتِهَا لَهُ حِينَئِذٍ مَعَ نَدَاوَتِهِ؟ قَالَ م ر: يَنْبَغِي الْجَوَازُ إنْ تَوَقَّفَ الِاسْتِعْمَالُ عَلَيْهَا وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْجَوَازُ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُ الْكَتَّانِ وَعَمَلُهُ عَلَيْهَا جَافًّا سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَعَبْدُ الْبَرِّ وَيَحِلُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ اسْتِعْمَالُ الْمِشْطِ مِنْ الْعَاجِ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ حَيْثُ لَا رُطُوبَةَ لِشِدَّةِ جَفَافِهِ مَعَ ظُهُورِ رَوْنَقِهِ كَمَا ذَكَرَهُ أج. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ النَّشَا) أَيْ فِي ثَوْبٍ يَقْتَنِيهِ وَعِبَارَةُ ق ل: وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ النَّشَا فِي الثِّيَابِ وَالدِّقَاقِ فِي غَسْلِ الْأَيْدِي بِقَدْرِ الْحَاجَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَرْكُ دَقِّ الثِّيَابِ) أَيْ لِمَالِكِهَا لِأَنَّهُ يُذْهِبُ قُوَّتَهَا، أَمَّا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لِلْبَيْعِ فَإِنَّهُ مِنْ الْغِشِّ الْمُحَرَّمِ فَيَجِبُ إعْلَامُ الْمُشْتَرِي بِهِ م د فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا مِنْ عَمَائِمَ كَالْأَبْرَاجِ وَأَكْمَامٍ كَالْأَخْرَاجِ فَحَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ اهـ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ «إذَا طَوَيْتُمْ ثِيَابَكُمْ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا لِئَلَّا يَلْبَسَهَا الْجِنُّ بِاللَّيْلِ وَأَنْتُمْ بِالنَّهَارِ فَتَبْلَى سَرِيعًا»   [حاشية البجيرمي] مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُتَّصِفِينَ بِالْعِلْمِ وَأَرْبَابِ الْمَنَاصِبِ كَالْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّ مَا صَارَ شِعَارًا لِلْعُلَمَاءِ يُنْدَبُ لَهُمْ لُبْسُهُ لِيُعْرَفُوا فَيُسْأَلُوا وَلْيُطَاعُوا فِيمَا عَنْهُ زَجَرُوا، وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِمْ التَّشَبُّهُ بِهِمْ فِيهِ لِيَلْحَقُوا بِهِمْ، وَيُحَرَّمُ عَلَى غَيْرِ الصَّالِحِ التَّزَيِّيِ بِزِيِّهِمْ حَتَّى يُظَنَّ صَلَاحُهُ، وَمِثْلُهُ مَنْ تَزَيَّا بِزِيِّ الْعَالِمِ وَقَدْ كَثُرَ فِي زَمَانِنَا هَذَا؛ وَمِنْهُ يُعْلَمُ تَحْرِيمُ لُبْسِ الْعِمَامَةِ الْخَضْرَاءِ لِغَيْرِ الشَّرِيفِ، فَقَدْ جُعِلَتْ الْعِمَامَةُ الْخَضْرَاءُ لِأَوْلَادِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ لِيَمْتَازُوا فَلَا يَلِيقُ بِغَيْرِهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ آلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُبْسُهَا لِأَنَّهُ تَزَيَّا بِزِيِّهِمْ فَيُوهَمُ انْتِسَابُهُ لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ مَعَ انْتِفَاءِ نَسَبِهِ عَنْهُمَا وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، فَاعْلَمْهُ وَتَنَبَّهْ لَهُ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الصَّوَاعِقِ: وَلَمْ تَزَلْ أَنْسَابُ أَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ مَضْبُوطَةً عَلَى تَطَاوُلِ الْأَيَّامِ وَأَحْسَابُهُمْ مَحْفُوظَةً عَنْ أَنْ يَدَّعِيَهُمْ الْجُهَّالُ وَاللِّئَامُ، وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ الِاصْطِلَاحُ عَلَى اخْتِصَاصِ الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ بَنِي فَاطِمَةَ مِنْ بَيْنِ ذَوِي الشَّرَفِ كَالْعَبَّاسِيِّينَ بِلِبْسِ الْأَخْضَرِ إظْهَارًا لِمَزِيدِ شَرَفِهِ. وَسَبَبُهُ أَنَّ الْمَأْمُونَ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الْخِلَافَةَ فِيهِمْ فَاتَّخَذَ لَهُمْ شِعَارًا أَخْضَرَ وَأَلْبَسَهُمْ ثِيَابًا خُضْرًا لِكَوْنِ السَّوَادِ شِعَارَ الْعَبَّاسِيِّينَ وَالْبَيَاضِ شِعَارَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فِي جُمَعِهِمْ وَنَحْوِهَا؛ وَالْأَحْمَرُ مُخْتَلَفٌ فِي تَحْرِيمِهِ، وَالْأَصْفَرُ شِعَارُ الْيَهُودِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ ثُمَّ انْتَهَى عَزْمُهُ وَرُدَّ الْخِلَافَةُ لِبَنِي الْعَبَّاسِ فَبَقِيَ شِعَارَ الْأَشْرَافِ بَنَى الزَّهْرَاءِ، لَكِنَّهُمْ اخْتَصَرُوا الثِّيَابَ إلَى قِطْعَةِ ثَوْبٍ أَخْضَرَ تُوضَعُ عَلَى عِمَامَتِهِمْ شِعَارًا لَهُمْ، ثُمَّ انْقَطَعَ ذَلِكَ إلَى أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الثَّامِنِ، ثُمَّ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَمَرَ السُّلْطَانُ الْأَشْرَافَ أَنْ يَمْتَازُوا عَنْ النَّاسِ بِعَصَائِبَ خُضْرٍ عَلَى الْعَمَائِمِ؛ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: جَعَلُوا لِأَبْنَاءِ الرَّسُولِ عَلَامَةً ... إنَّ الْعَلَّامَةَ شَأْنُ مَنْ لَمْ يُشْهَرْ نُورُ النُّبُوَّةِ فِي كَرِيمِ وُجُوهِهِمْ ... يُغْنِي الشَّرِيفَ عَنْ الطِّرَازِ الْأَخْضَرِ وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنْ شَخْصٍ أُمُّهُ شَرِيفَةٌ وَأَبُوهُ غَيْرُ شَرِيفٍ: هَلْ هُوَ شَرِيفٌ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ: إنَّهُ لَيْسَ شَرِيفًا فَهَلْ لَهُ شَرَفٌ عَلَى مَنْ لَيْسَتْ أُمُّهُ شَرِيفَةً؟ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا مِنْ آلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؟ وَمَا حُكْمُ لُبْسِ الْعِمَامَةِ الْخَضْرَاءِ لِلْأَشْرَافِ وَغَيْرِهِمْ؟ فَأَجَابَ: هَذَا الشَّخْصُ لَيْسَ شَرِيفًا؛ لِأَنَّ الشَّرِيفَ فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ الْآنَ لَقَبٌ لِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ، وَأَوْلَادُ بَنَاتِ الْإِنْسَانِ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ لَكِنْ يُعَدُّونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، فَلَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ شَرَفٌ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ أَقَارِبِهِ، وَلُبْسُ الْعَلَامَةِ الْخَضْرَاءِ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَإِنَّمَا حَدَثَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ السُّلْطَانِ الْأَشْرَفِ شَعْبَانِ بْنِ السُّلْطَانِ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا مِنْ أَرَادَ لُبْسَهَا مِنْ غَيْرِ الْأَشْرَافِ؛ لَكِنَّ الَّذِي يَنْبَغِي اجْتِنَابُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَدْلِيسًا لِأَنَّهُ صَارَ شِعَارًا لِلْأَشْرَافِ فَيُوهِمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الدَّاخِلَ فِينَا بِغَيْرِ نَسَبٍ وَالْخَارِجَ مِنَّا بِغَيْرِ سَبَبٍ» حَشَرَنَا اللَّهُ فِي زُمْرَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ فَإِنَّنَا مِنْ مُحِبِّيهِمْ وَخِدْمَةِ جَنَابِهِمْ، وَمَنْ أَحَبَّ قَوْمًا رَجَا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَصَقَلَهَا) أَيْ: الْأَوْلَى تَرْكُ صَقْلِهَا وَلُبْسُ خَشِنٍ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ خِلَافُ السُّنَّةِ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ؛ وَيُسَنُّ لُبْسِ الْعَذْبَةِ وَأَنْ تَكُونَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ وَلَا يُكْرَهُ تَرْكُهَا، إذْ لَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْهُ شَيْءٌ، وَيَحْرُمُ إطَالَتُهَا طُولًا فَاحِشًا وَإِنْزَالُ ثَوْبِهِ وَإِزَارِهِ عَنْ كَعْبَيْهِ لِلْخُيَلَاءِ لِلْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْوَارِدِ فِيهِ، فَإِنْ انْتَفَتْ الْخُيَلَاءُ كُرِهَ وَيُسَنُّ فِي الْكُمِّ كَوْنُهُ إلَى الرُّسْغِ لِلِاتِّبَاعِ، وَهُوَ الْمَفْصِلُ بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ؛ وَلِلْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ إرْسَالُ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ إلَى ذِرَاعٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ لِمَا صَحَّ مِنْ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَالْأَوْجُهُ أَنَّ الذِّرَاعَ يُعْتَبَرُ مِنْ الْكَفَّيْنِ، وَقِيلَ: مِنْ الْحَدِّ الْمُسْتَحَبِّ لِلرِّجَالِ وَهُوَ أَنْصَافُ السَّاقَيْنِ، وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ؛ وَقِيلَ: مِنْ أَوَّلِ مَا يَمَسُّ الْأَرْضَ وَإِفْرَاطُ تَوْسِعَةِ الثِّيَابِ وَالْأَكْمَامِ بِدْعَةٌ وَسَرَفٌ وَتَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، نَعَمْ لَوْ صَارَ شِعَارًا لِلْعُلَمَاءِ نُدِبَ لَهُمْ ذَلِكَ لِيُعْرَفُوا فَيُسْأَلُوا اهـ شَرْحُ م ر أج. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي طَيُّ الثِّيَابِ إلَخْ) أَيْ وَلَمَّا قِيلَ: إنَّ طَيَّهَا يَرُدُّ إلَيْهَا أَرْوَاحَهَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي لُبْسِ نَحْوِ قَمِيصٍ وَقَبَاءٍ وَفُرْجِيَّةٍ وَلَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 فَصْلٌ: فِي الْجِنَازَةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ وَهُوَ مِنْ جَنَزَهُ يَجْنِزُهُ إذَا سَتَرَهُ، وَلَمَّا اشْتَمَلَ هَذَا الْفَصْلُ عَلَى الصَّلَاةِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا دُونَ الْفَرَائِضِ فَقَالَ: (وَيَلْزَمُ فِي الْمَيِّتِ) الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ (أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) عَلَى جِهَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ: الْأَوَّلُ (غُسْلُهُ) إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ   [حاشية البجيرمي] مَحْلُولَ الْإِزَارِ، إذْ لَمْ تَبْدُ عَوْرَتُهُ وَيُكْرَهُ بِلَا عُذْرٍ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ أَوْ خُفٍّ وَاحِدَةٍ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْهُمَا، بَلْ يَخْلَعُهُمَا أَوْ يَلْبَسُهُمَا لِيَعْدِلَ بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ وَلِئَلَّا يَخْتَلَّ مَشْيُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِهِ لُبْسًا وَيَسَارَهُ خَلْعًا وَأَنْ يَخْلَعَ نَحْوَ نَعْلَيْهِ إذَا جَلَسَ وَأَنْ يَجْعَلَهُمَا وَرَاءَهُ وَبِجَنْبِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِمَا، وَوَرَدَ: " امْشُوا حُفَاةً " وَفِي آخَرَ: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَشَى حَافِيًا " وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ نَدْبُ الْحَفَاءِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِقَصْدِ التَّوَاضُعِ حَيْثُ أَمِنَ مُؤْذِيًا وَمُنَجِّسًا وَلَوْ احْتِمَالًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْحَفَاءُ مُخِلًّا بِمُرُوءَتِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الشَّهَادَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. [فَصْلٌ فِي الْجِنَازَةِ] ِ أَيْ بَيَانِ حَقِيقَتِهَا وَحُكْمِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا وَمَا يُطْلَبُ فِيهَا وَمَا لَا يُطْلَبُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالْمُعَامَلَاتِ أَوْ عِنْدَ الْجِهَادِ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَهَمُّ مَا يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ الصَّلَاةَ ذَكَرَ عَقِبَهَا. قَوْلُهُ: (لُغَتَانِ) وَقِيلَ بِالْفَتْحِ: اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ، وَبِالْكَسْرِ: لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْأَعْلَى لِلْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ لِلْأَسْفَلِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: أَصُلِّيَ عَلَى هَذِهِ الْجِنَازَةِ وَأَتَى بِالْجِيمِ مَكْسُورَةً لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَكْسُورَ اسْمٌ لِلنَّعْشِ، كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجِهُ الصِّحَّةُ إذَا أَرَادَ الْمَيِّتَ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِلَفْظٍ مَجَازِيٍّ عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ: وَلَوْ قَالَ: أُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَة بِكَسْرِ الْجِيمِ صَحَّتْ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا النَّعْشَ اهـ قُلْت: وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْإِسْنَوِيِّ، إذْ كَلَامُ الْقَاضِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُرِدْ الْمَيِّتَ وَكَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ وَحْدَهُ أَوْ أَطْلَقَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ النَّعْشَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْمَيِّتِ فَلَا يَصِحُّ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَتَغْلِيبًا لِلْمُبْطِلِ. قَوْلُهُ: (اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ إلَخْ) لَكِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي قَدْ هُجِرَتْ وَصَارَتْ الْجِنَازَةُ اسْمًا لِلْمَيِّتِ مُطْلَقًا؛ وَلِذَلِكَ صَحَّتْ النِّيَّةُ الْمُطْلَقَةُ ق ل. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ قَبْلَ هَذَا قَوْلَهُ وَقِيلَ اسْمٌ لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ) وَلِسَانُ حَالِهِ يَقُولُ فِي كُلِّ يَوْمٍ لِابْنِ آدَمَ: اُنْظُرْ إلَيَّ بِعَقْلِك ... أَنَا الْمُهَيَّا لِنَقْلِك أَنَا سَرِيرُ الْمَنَايَا ... كَمْ سَارَ مِثْلِي بِمِثْلِك قَالَ الشَّاعِرُ فِي الْمَعْنَى: وَإِذَا حَمَلْتَ إلَى الْقُبُورِ جِنَازَةً ... فَاعْلَمْ بِأَنَّك بَعْدَهَا مَحْمُولُ وَإِذَا وَلِيتَ لِأَمْرِ قَوْمٍ مَرَّةً ... فَاعْلَمْ بِأَنَّك عَنْهُمْ مَسْئُولُ اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (مِنْ جَنَزَهُ) بَابُهُ ضَرَبَ فَجَنَّ وَجَنَزَ بِمَعْنَى سَتَرَ؛ وَلِذَا سُمِّيَتْ بِهِ الْجِنُّ لِاسْتِتَارِهِمْ عَنَّا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّحْمَانِيُّ وَعِبَارَةُ الَأُجْهُورِيُّ: قَوْلُهُ " مِنْ جَنَزَهُ " أَيْ عَلَى سَائِرِ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا، إذْ السَّتْرُ حَاصِلٌ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ النَّعْشَ سَاتِرٌ لِلْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ مَسْتُورٌ بِهِ اهـ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ: (فِي الْمَيِّتِ) فِي سَبَبِيَّةٍ أَوْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ بِسَبَبِهِ وَلِأَجَلِهِ. اهـ. سم فَالظَّرْفِيَّةُ لَيْسَتْ مُرَادَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 أَمَارَاتِهِ كَاسْتِرْخَاءِ قَدَمٍ وَمَيْلِ أَنْفٍ وَانْخِسَافِ صُدْغٍ، فَإِنْ شَكَّ فِي مَوْتِهِ أُخِّرَ وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى الْيَقِينِ بِتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ أَوْ غَيْرِهِ. وَأَقَلُّ الْغُسْلِ تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بِالْمَاءِ مَرَّةً لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَرْضُ كَمَا فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فِي حَقِّ الْحَيِّ، فَلَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْهُ كَمَا يَلُوحُ بِهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إزَالَتِهَا، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ النَّظَافَةُ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ، فَيَكْفِي غُسْلُ كَافِرٍ لَا غَرَقٌ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (الْمُسْلِمِ إلَخْ) خَرَجَ الْكَافِرُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ وَمِثْلُهُ الْمُرْتَدُّ؛ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا أَوْ مُؤْمِنًا وَجَبَ الدَّفْنُ وَالتَّكْفِينُ وَجَازَ الْغُسْلُ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَقَالَ خ ض: حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْكَافِرِ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَالْغُسْلُ جَائِزٌ مُطْلَقًا، وَالتَّكْفِينُ وَالدَّفْنُ إنْ كَانَ لَهُ ذِمَّةٌ أَوْ عَهْدٌ وَجَبَا وَإِلَّا فَلَا اهـ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ الشَّهِيدِ) فَيَجِبُ فِيهِ اثْنَانِ وَيَحْرُمُ فِيهِ اثْنَانِ وَقَوْلُهُ غَيْرِ الشَّهِيدِ أَيْ وَغَيْرِ السَّقْطِ. قَوْلُهُ: (عَلَى جِهَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ) أَيْ إذَا عَلِمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَدَمُ عِلْمِهِ عَنْ تَقْصِيرٍ بِأَنْ كَانَ جَارًا لَهُ فَعُلِمَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِمِنْ عَلِمَ بِهِ وَلَوْ حُكْمًا كَجَارِ قَصَّرَ فِي السُّؤَالِ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: وَالْمُخَاطَبُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ كُلُّ مَنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ أَوْ ظَنَّهُ أَوْ قَصَّرَ لِكَوْنِهِ بِقُرْبِهِ وَنُسِبَ فِي عَدَمِ الْبَحْثِ عَنْهُ إلَى تَقْصِيرٍ مِنْ أَقَارِبِهِ وَغَيْرِهِمْ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ هُوَ الْأَفْعَالُ، وَأَمَّا الْأَعْيَانُ كَثَمَنِ الْمَاءِ وَأُجْرَةِ الْغَاسِلِ وَالْكَفَنِ فَهِيَ مِنْ تَرِكَتِهِ عَلَى مَا يَأْتِي وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. قَوْلُهُ: (إذَا تَيَقَّنَّ مَوْتُهُ إلَخْ) وَالْمَوْتُ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْجَسَدَ، وَقِيلَ: عَرَضٌ يُضَادُّ الْحَيَاةَ، وَقِيلَ: عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْحَيَاةُ؛ وَهَذَا هُوَ الْأَحْسَنُ لِدُخُولِ السَّقْطِ وَإِخْرَاجِ الْجَمَادَاتِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَرُدُّ عَلَيْهِ السَّقْطُ الَّذِي لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، لِأَنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ مَيِّتٌ مَعَ أَنْ رُوحَهُ لَمْ تَدْخُلْ جَسَدَهُ حَتَّى يُقَالَ فَارَقَتْهُ وَيَرُدُّ عَلَى الثَّانِي الْجَمَادَاتُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ عَلَيْهَا مَيِّتَةٌ مَعَ قِيَامِ الْعَرَضِ بِهَا وَالرُّوحُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشْتَبِكٌ بِالْبَدَنِ كَاشْتِبَاكِ الْمَاءِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ وَالرُّوحُ بَاقٍ لَا يَفْنَى، وَأَمَّا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] فَفِيهِ تَقْدِيرٌ، أَيْ حِينَ مَوْتِ أَجْسَادِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَرْوَاحَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: أَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ: وَأَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ، وَأَرْوَاحُ الْمُطِيعِينَ، وَأَرْوَاحُ الْعُصَاةِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَرْوَاحُ الْكُفَّارِ فَأَمَّا أَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ فَتَخْرُجُ مِنْ أَجْسَادِهَا وَتَصِيرُ عَلَى صُورَتِهَا مِثْلَ الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَتَكُونُ فِي الْجَنَّةِ تَأْكُلُ وَتَتَنَعَّمُ وَتَأْوِي بِاللَّيْلِ إلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ وَأَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ أَجْسَادِهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَجْعَلُهَا فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ خُضْرٍ تَدُورُ بِهَا فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ؛ هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا أَرْوَاحُ الْمُطِيعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَهِيَ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ لَا تَأْكُلُ وَلَا تَتَنَعَّمُ لَكِنْ تَنْظُرُ فِي الْجَنَّةِ فَقَطْ وَأَمَّا أَرْوَاحُ الْعُصَاةِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَبَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي الْهَوَاءِ وَأَمَّا أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ فَهِيَ فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ سُودٍ فِي سِجِّينٍ، وَسِجِّينٌ تَحْتُ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِأَجْسَادِهَا، فَتُعَذَّبُ أَرْوَاحُهَا، فَيَتَأَلَّمُ بِذَلِكَ الْجَسَدُ كَالشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَنُورُهَا فِي الْأَرْضِ؛ كَمَا أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِلِّيِّينَ مُتَنَعِّمَةٌ وَنُورُهَا مُتَّصِلٌ بِالْجَسَدِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بِالْمَاءِ مَرَّةً) حَتَّى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ الثَّيِّبِ عِنْدَ جُلُوسِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْحَيِّ ر م. قَوْلُهُ: (فَلَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ) أَيْ الْحُكْمِيَّةِ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ) أُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا مَنَعَتْ النَّجَاسَةُ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى الْبَدَنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَنْبَغِي نَدْبُ نِيَّةِ الْغُسْلِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ؛ وَكَيْفِيَّتُهَا أَنْ يَنْوِيَ نَحْوَ أَدَاءِ الْغُسْلِ عَنْهُ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَلَوْ يُمِّمَ بَدَّلَ الْغُسْلِ فَلَا تَجِبُ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ أَيْضًا كَمَا أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي أَصْلِهِ، شَيْخُنَا: قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ: إنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ، وَقَالَ مَالِكٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 بِغُسْلِهِ فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنَّا إلَّا بِفِعْلِنَا، وَأَكْمَلُهُ أَنْ يُغَسَّلَ فِي خِلْوَةٍ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا الْغَاسِلُ وَمَنْ يُعِينُهُ وَالْوَلِيُّ، وَفِي قَمِيصٍ بَالٍ أَوْ سَخِيفٍ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ، عَلَى مُرْتَفِعٍ كَلَوْحٍ لِئَلَّا يُصِيبُهُ الرَّشَّاشُ بِمَاءٍ بَارِدِ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ إلَّا لِحَاجَةٍ إلَى الْمُسَخَّنِ كَوَسَخٍ أَوْ بَرْدٍ، وَأَنْ يُجْلِسَهُ الْغَاسِلُ عَلَى الْمُرْتَفِعِ بِرِفْقٍ مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِي نَقْرَةِ قَفَاهُ لِئَلَّا تَمِيلَ رَأْسُهُ، وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ بِرُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ بِمُبَالَغَةٍ لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ مِنْ الْفَضَلَاتِ، ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ وَيَغْسِلُ بِخِرْقَةٍ مَلْفُوفَةٍ عَلَى يَسَارِهِ سَوْأَتَيْهِ، ثُمَّ يُلْقِيهَا وَيَلُفُّ خِرْقَةً أُخْرَى عَلَى الْيَدِ وَيُنَظِّفُ أَسْنَانَهُ   [حاشية البجيرمي] بِوُجُوبِهَا وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغُسْلِ النَّظَافَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِلَا نِيَّةٍ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْغَاسِلَ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ فِي هَذِهِ الطَّهَارَةِ؛ وَلَوْ قُلْنَا إنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا النَّظَافَةُ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَلَا يَكُونُ عَمَلٌ صَالِحٌ إلَّا بِنِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (غُسْلُ كَافِرٍ) وَإِنْ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ كَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ م د. قَوْلُهُ: (لَا غَرَقٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " غُسْلٌ " أَيْ لَا يَكْفِي غَرَقٌ عَنْ الْغُسْلِ وَهَذَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ " تَعْمِيمٌ " الَّذِي هُوَ فِعْلٌ وَالْغَرَقُ لَا فِعْلَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّا مَأْمُورُونَ) أَيْ مُعَاشِرَ الْمُكَلَّفِينَ قَوْلُهُ: (إلَّا بِفِعْلِنَا) أَيْ جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمَجْنُونٍ، وَيَكْفِي غُسْلُ الْجِنِّ وَتَغْسِيلُ الْمَيِّتِ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ كَرَامَةً لَا تَغْسِيلُ الْمَلَائِكَةِ فَلَا يَكْفِي أَيْ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ هُوَ الثَّقَلَانِ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَلَوْ شَاهَدْنَا الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنَّا بِخِلَافِ التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا السَّتْرُ وَالْمُوَارَاةُ بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّعَبُّدُ أَيْ الطَّلَبُ عَلَى وَجْهِ التَّكْلِيفِ؛ وَلِهَذَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ لَا لِلتَّكْفِينِ وَالصَّلَاةُ كَالْغُسْلِ وَلَا يَرِدُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِتَغْسِيلِ الْمَيِّتِ نَفْسَهُ كَرَامَةَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ غَيْرُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا خُوطِبَ غَيْرُهُ لِعَجْزِهِ أَيْ الْمَيِّتِ فَإِذَا أَتَى بِهِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ اُكْتُفِيَ بِهِ إذْ الْمَدَارُ عَلَى وُجُودِهِ مِنْ جِنْسِ الْمُكَلَّفِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَيِّدَتَنَا فَاطِمَةَ لَمَّا عَلِمَتْ بِنُورِ الْكَشْفِ أَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ غَسَلَتْ نَفْسَهَا وَتَطَيَّبَتْ وَتَجَمَّلَتْ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهَا وَقَالَتْ: فَلَا تَغْسِلُونِي فَإِنِّي مَقْبُوضَةٌ الْآنَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنَّا لِأَنَّ قَوْلَهَا " لَا تَغْسِلُونِي " مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَحُكِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا عَبْدَ اللَّهِ الْمَنُوفِيَّ غَسَلَ نَفْسَهُ كَرَامَةً، كَمَا نُقِلَ عَنْ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْبَدْوِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَالَ سم: وَلَوْ مَاتَ مَوْتًا حَقِيقِيًّا ثُمَّ جُهِّزَ ثُمَّ أُحْيِيَ حَيَاةً حَقِيقِيَّةً ثُمَّ مَاتَ فَالْوَجْهُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ تَجْهِيزٌ آخَرُ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهُّمَ. 1 - قَوْلُهُ: (وَالْوَلِيُّ) قَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيّ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَإِلَّا فَكَالْأَجْنَبِيِّ، وَمُرَادُهُ بِالْوَلِيِّ أَقْرَبُ الْوَرَثَةِ اهـ شَرْحُ م ر وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ أَوْ الْجَدُّ عَلَى الْعَمِّ أَوْ يَسْتَوِيَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَدْلَى بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَمِنْ الْأَقْرَبِ هُنَا مَنْ أَدْلَى بِجِهَتَيْنِ كَالْأَخِ الشَّقِيقِ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَنْ أَدْلَى بِجِهَةٍ ع ش. قَوْلُهُ: (وَفِي قَمِيصٍ) أَيْ وَلَمَّا صَحَّ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذُوا فِي غُسْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَادَاهُمْ مُنَادٍ قِبَلَ دَاخِلِ الْبَيْتِ: لَا تَنْزِعُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَمِيصَهُ، وَادِّعَاءُ الْخُصُوصِيَّةِ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ ثُمَّ إنْ اتَّسَعَ كُمُّهُ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا فَتَقَ دَخَارِيصَهُ، فَإِنْ فَقَدَ الْقَمِيصَ وَجَبَ سَتْرُ عَوْرَتِهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (أَوْ سَخِيفٍ) أَيْ مُهَلْهَلِ النَّسْجِ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْقَوِيَّ يَحْبِسُ الْمَاءَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ) وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ سَقْفٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَطَّى وَجْهُهُ بِخِرْقَةٍ أَوَّلَ وَضْعِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ اهـ شَرْحُ م ر اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى مُرْتَفَعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " يُغْسَلُ فِي خَلْوَةٍ " وَكَذَا قَوْلُهُ " بِمَاءٍ بَارِدٍ ". قَوْلُهُ: (بَارِدٍ) أَيْ مَالِحٍ لَا عَذْبٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَرَدٍ) أَيْ بِالْغَاسِلِ، وَيُمْكِنُ رُجُوعُهُ إلَيْهِمَا إذَا فُرِضَ أَنَّ الْمَاءَ يُؤْذِيهِ لِشِدَّةِ بَرْدِهِ اهـ ز ي؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَتَأَذَّى بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ الْحَيُّ، وَيُكْرَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: (مَائِلًا) لِيَسْهُلَ خُرُوجُ مَا فِي بَطْنِهِ أَيْ لِأَنَّ اعْتِدَالَهُ قَدْ يَحْبِسُ مَا فِي بَطْنِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَضَعُ) أَيْ الْغَاسِلُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ أَيْ الْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: (بِمُبَالَغَةٍ) أَيْ بِتَكْرَارٍ لَا بِشِدَّةِ اعْتِمَادٍ ق ل. قَوْلُهُ: (مَا فِيهِ) أَيْ بَطْنِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّ الْبَطْنَ مُذَكَّرٌ كَكُلِّ عُضْوٍ مُفْرَدٍ كَالرَّأْسِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُضْجِعُهُ) أَيْ مُسْتَلْقِيًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ " لِقَفَاهُ " بِمَعْنَى " عَلَى ". قَوْلُهُ: (مَلْفُوفَةٍ) أَيْ وُجُوبًا فِي غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ لِجَوَازِ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ فِيهِمَا ق ل، فَيَحْرُمُ فِي غَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وَمَنْخِرَيْهِ، ثُمَّ يُوَضِّئُهُ كَالْحَيِّ، ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ فَلِحْيَتِهِ بِنَحْوِ سِدْرٍ، وَيُسَرِّحُ شَعْرَهُمَا إنْ تَلَبَّدَ بِمُشْطٍ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ بِرِفْقٍ، وَيَرُدُّ الْمُنْتَتِفَ مِنْ شَعْرِهِمَا إلَيْهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرَ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي قَفَاهُ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ مُسْتَعِينًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِنَحْوِ سِدْرٍ، ثُمَّ يُزِيلُهُ بِمَاءٍ مِنْ فَوْقِهِ إلَى قَدَمَيْهِ، ثُمَّ يَعُمُّهُ كَذَلِكَ بِمَاءٍ قَرَاحٍ فِيهِ قَلِيلُ كَافُورٍ كَمَا سَيَأْتِي بِحَيْثُ لَا يُغَيِّرُ الْمَاءَ. فَهَذِهِ الْأَغْسَالُ الْمَذْكُورَةُ غَسْلَةٌ،   [حاشية البجيرمي] الزَّوْجَيْنِ مَسُّ مَا بَيْنَ سُرَّةِ الْمَيِّتِ وَرُكْبَتِهِ وَكَذَا النَّظَرُ، وَيُكْرَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ اهـ م د. قَوْلُهُ: (سَوْأَتَيْهِ) أَيْ وَبَاقِي عَوْرَتِهِ ح ل وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَسُوءُهُ كَشْفُهُمَا. قَوْلُهُ: (وَيَلُفُّ خِرْقَةً إلَخْ) بَعْدَ غَسْلِ يَدِهِ بِمَاءٍ وَأُشْنَانٍ أَوْ نَحْوِهِ إنْ تَلَوَّثَتْ؛ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: لَفَّ الشَّيْءَ مِنْ بَابِ رَدَّ فَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ فِي الْمُضَارِعِ. قَوْلُهُ: (وَيُنَظِّفُ أَسْنَانَهُ) بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ مِنْ الْيَدِ الْيُسْرَى وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يُزِيلُ مَا فِي أَنْفِهِ بِيَسَارِهِ شَرْحُ م ر وَفَارَقَ الْحَيَّ حَيْثُ يَتَسَوَّكُ بِالْيَمِينِ لِلْخِلَافِ، أَيْ لِيُخَالِفَ الْمَيِّتُ الْحَيَّ؛ وَلِأَنَّ الْقَذَرَ ثَمَّ لَا يَتَّصِلُ بِالْيَدِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَلَا يَفْتَحُ أَسْنَانَهُ لِئَلَّا يَسْبِقَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ فَيَسْرَعُ فَسَادُهُ وَلَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ وَكَانَ يَلْزَمُهُ طُهْرُهُ وَتَوَقَّفَ عَلَى فَتْحِ أَسْنَانِهِ اتَّجَهَ فَتْحُهَا وَإِنْ عُلِمَ سَبْقُ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ وَلَا تُكْسَرُ أَسْنَانُهُ لَوْ تَوَقَّفَتْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَلَى كَسْرِهَا لِمَا قَالُوهُ فِيمَنْ مَاتَ غَيْرَ مَخْتُونٍ وَتَحْتَ قُلْفَتِهِ نَجَاسَةٌ تَوَقَّفَتْ إزَالَتُهَا عَلَى قَطْعِ الْقُلْفَةِ حَيْثُ قَالُوا: لَا تُقْطَعُ، وَيُدْفَنُ بِلَا صَلَاةٍ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَدَابِغِيُّ عَنْ الَأُجْهُورِيُّ؛ وَعِبَارَتُهُ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيَحْرُمُ خَتْنُهُ وَإِنْ عَصَى بِتَأْخِيرِهِ أَوْ تَعَذَّرَ غَسْلُ مَا تَحْتَ قُلْفَتِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَعَلَيْهِ فَيُيَمِّمُ عَمَّا تَحْتَهَا، وَمَحِلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَهَا نَجَاسَةٌ تَعَذَّرَ إزَالَتُهَا وَإِلَّا دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ عَلَيْهِ م ر: وَعِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ: يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْخَرَيْهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْخَاءِ وَكَسْرِهِمَا وَضَمِّهِمَا وَفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَهِيَ أَشْهُرُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ وَيُقَالُ فِيهِ مُنْخُورٌ كَعُصْفُورٍ، فَفِيهِ خَمْسُ لُغَاتٍ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: افْتَحْ لِمِيمِ مَنْخَرٍ وِخَائِهِ وَاكْسِرْهُمَا وَضَمٍّ أَيْضًا مُعْلِنًا وَزِدْ كَمَجْلِسٍ وَعُصْفُورٍ وَقُلْ خَمْسٌ بِقَامُوسٍ أَتَتْ فَاتَّقِنًا أَمَّا مَا اُشْتُهِرَ مِنْ كَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ فَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ لَمْ نَرَهَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُوَضِّئُهُ كَالْحَيِّ) ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِمَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ وَيُمِيلُ رَأْسَهُ فِيهِمَا لِئَلَّا يَسْبِقَ الْمَاءُ جَوْفَهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُنْدَبْ فِيهِمَا مُبَالَغَةٌ وَيَتْبَعُ بِعُودٍ لَيِّنٍ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ إنْ لَمْ يُقَلِّمْهَا وَظَاهِرَ أُذُنَيْهِ وَصِمَاخَيْهِ، وَيَنْوِي بِالْوُضُوءِ الْوُضُوءَ الْمَسْنُونَ كَمَا فِي الْغُسْلِ بِأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الْوُضُوءَ الْمَسْنُونَ؛ قَالَ الْمَدَابِغِيُّ: فَلَا يَصِحُّ يَعْنِي الْوُضُوءَ بِلَا نِيَّةٍ بِخِلَافِ الْغُسْلِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ وَالنِّيَّةُ فِيهِ سُنَّةٌ وَالْوُضُوءُ سُنَّةٌ وَالنِّيَّةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ. قَوْلُهُ: (وَيُسَرِّحُ شَعْرَهُمَا) وَالْأَوْجُهُ تَقْدِيمُ تَسْرِيحِ الرَّأْسِ عَلَى اللِّحْيَةِ تَبَعًا لِلْغُسْلِ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ بَعْضِهِمْ. اهـ. م ر اهـ أج. قَوْلُهُ: (بِمُشْطٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الشِّينِ وَبِضَمِّ الْمِيمِ مَعَ ضَمِّ الشِّينِ أَيْضًا اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَيَرُدُّ الْمُنْتَتَفَ مِنْ شَعْرِهِمَا إلَيْهِ) أَيْ فِي الْكَفَنِ نَدْبًا وَفِي الْقَبْرِ وُجُوبًا، فَدَفْنُهُمَا وَاجِبٌ وَجَعْلُهُمَا فِي الْكَفَنِ مَعَ الْمَيِّتِ مَنْدُوبُ اهـ م د. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْأَيْسَرِ) أَيْ مِنْ عُنُقِهِ إلَى قَدَمِهِ؛ وَيَحْرُمُ كَبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ احْتِرَامًا لَهُ وَإِنْ جَازَ لَهُ حَيًّا مَعَ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَدَابِغِيُّ. قَوْلُهُ: (مِمَّا يَلِي قَفَاهُ) مُقْتَضَاهُ خُرُوجُ الْقَفَا عَنْ الْغُسْلِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مِنْ قَفَاهُ، تَأَمَّلْ قَوْلَهُ: (بِنَحْوِ سِدْرٍ) هُوَ وَرَقُ النَّبْقِ. قَوْلُهُ: (مِنْ فَرْقِهِ) أَيْ وَسَطِ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ يُفْرَقُ فِيهِ شَعْرُ الرَّأْسِ. قَوْلُهُ: (بِمَاءٍ قَرَاحٍ) أَيْ خَالِصٍ وَهَذِهِ الْغَسْلَةُ هِيَ الْمَعْدُودَةُ وَالْمُعْتَبَرَةُ لِأَنَّ غَيْرَهَا مُتَغَيِّرٌ وَالْقَرَاحُ بِفَتْحِ الْقَافِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِضَمِّ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ؛ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ سِدْرٌ. قَوْلُهُ: (فَهَذِهِ الْأَغْسَالُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ إلَخْ لَا مَا يَشْمَلُ غَسْلَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، فَلَا يُنْدَبُ تَكْرَارُهُ كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 وَيُسَنُّ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ كَذَلِكَ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ الْغُسْلِ نَجَسٌ وَجَبَ إزَالَتُهُ عَنْهُ. وَيُنْدَبُ أَنْ لَا يَنْظُرَ الْغَاسِلُ مِنْ غَيْرِ عَوْرَتِهِ إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ، أَمَّا الْعَوْرَةُ فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَأَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ بِخِرْقَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ أَمِينًا، فَإِنْ رَأَى خَيْرًا سُنَّ ذِكْرُهُ أَوْ ضِدَّهُ حُرِّمَ ذِكْرُهُ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ كَبِدْعَةٍ ظَاهِرَةٍ وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ يُمِّمَ كَمَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ. وَلَا يُكْرَهُ لِنَحْوِ جُنُبٍ غُسْلُهُ، وَالرَّجُلُ أَوْلَى بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ أَوْلَى بِالْمَرْأَةِ، وَلَهُ غُسْلُ حَلِيلَتِهِ مِنْ زَوْجَةٍ غَيْرِ رَجْعِيَّةٍ وَلَوْ نَكَحَ غَيْرَهَا وَأَمَةٍ وَلَوْ كِتَابِيَّةً،   [حاشية البجيرمي] فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ أَوْلَى كُلٌّ مِنْهُمَا بِسِدْرٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَالثَّانِيَةُ مُزِيلَةٌ لَهُ، وَالثَّالِثَةُ بِمَاءٍ قَرَاحٍ فِيهِ قَلِيلُ كَافُورٍ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ الْغُسْلِ نَجَسٌ وَجَبَ إزَالَتُهُ) أَيْ إنْ كَانَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَتُنْدَبُ؛ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى الِانْفِجَارِ وَعِنْدَ م ر وُجُوبُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا ز ي. اهـ. ق ل وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ الْخَارِجِ مِنْ الْمَيِّتِ بِغُسْلِهِ صَحَّ غُسْلُهُ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ كَالْحَيِّ السَّلِسِ وَهُوَ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ م ر سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ " كَالْحَيِّ السَّلِسِ " قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ بِالسَّلِسِ وُجُوبُ حَشْوِ مَحِلِّ الدَّمِ بِنَحْوِ قُطْنَةٍ وَعَصْبَةٍ عَقِبَ الْغُسْلِ وَالْمُبَادَرَةُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، حَتَّى وَلَوْ أُخِّرَ لَا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَجَبَتْ إعَادَةُ مَا ذُكِرَ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ الْمَصْلَحَةِ كَثْرَةَ الْمُصَلِّينَ كَمَا فِي تَأْخِيرِ السَّلِسِ لِإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ) بِأَنْ يُرِيدَ مَعْرِفَةَ الْمَغْسُولِ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. مَرْحُومِيَّ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْعَوْرَةُ فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهَا) أَيْ فِي غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ كَمَا مَرَّ ق ل قَوْله: (وَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ الْمَيِّتِ أَوَّلَ وَضْعِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ؛ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: مِنْ أَوَّلِ وَضْعِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَدَامُ تَغْطِيَتُهُ إلَى آخِرِ الْغُسْلِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَأَى خَيْرًا) كَاسْتِنَارَةِ وَجْهِهِ وَطِيبِ رَائِحَتِهِ وَقَوْلُهُ: " أَوْ ضِدَّهُ " كَسَوَادٍ وَتَغَيُّرِ رَائِحَتِهِ وَانْقِلَابِ صُورَتِهِ حُرِّمَ ذِكْرُهُ لِأَنَّهُ غِيبَةٌ لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى الِاسْتِحْلَالُ مِنْهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد: «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مُسَاوِيهِمْ» وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ سَيِّئَةً» وَقَوْلُهُ " إلَّا لِمَصْلَحَةٍ " كَأَنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُبْتَدِعًا مُظْهِرًا لِبِدْعَتِهِ، فَلَا يَجِبُ سَتْرُهُ بَلْ يَجُوزُ التَّحَدُّثُ بِهِ لِيَنْزَجِرَ النَّاسُ عَنْهَا؛ وَالْخَبَرُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَدِّثَ بِذَلِكَ عَنْ الْمُشْتَهِرِ بِبِدْعَتِهِ عِنْدَ الْمُطَّلِعِينَ عَلَيْهَا الْمَائِلِينَ إلَيْهَا لَعَلَّهُمْ يَنْزَجِرُونَ قَالَ: وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إذَا رَأَى مِنْ الْمُبْتَدِعِ أَمَارَةَ خَيْرٍ يَكْتُمُهَا وَلَا يُنْدَبُ لَهُ ذِكْرُهَا لِئَلَّا يُغْرِيَ بِبِدْعَتِهِ وَضَلَالَتِهِ بَلْ لَا يَبْعُدُ إيجَابُ الْكِتْمَانِ عِنْدَ ظَنِّ الْإِغْرَاءِ بِهَا وَالْوُقُوعِ فِيهَا بِذَلِكَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ " إلَّا لِمَصْلَحَةٍ " عَائِدٌ لِلْأَمْرَيْنِ. اهـ. م ر فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ) لِفَقْدِ مَاءٍ أَوْ لِغَيْرِهِ كَاحْتِرَاقٍ وَلَوْ غُسِلَ لَتَهَرَّى شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (يُمِّمَ) وَتُنْدَبُ النِّيَّةُ فِي التَّيَمُّمِ كَالْغُسْلِ، وَقِيلَ: تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَعِيفَةٌ فَيَتَقَوَّى بِهَا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لِأَنَّ شَرْطَهُ تَقَدُّمُ إزَالَتِهَا؛ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَتَعَذَّرَتْ إزَالَتُهَا كَالْأَقْلَفِ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر وَيَصِحُّ أَنْ يُيَمَّمَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ابْنُ حَجَرٍ وَيَجِبُ غَسْلُ بَاقِي بَدَنِهِ مَا عَدَا مَحَلَّ الْقُلْفَةِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ فَسْخُهَا اهـ. قَوْلُهُ: (لِنَحْوِ جُنُبٍ) كَحَائِضٍ. قَوْلُهُ: (أَوْلَى بِالرَّجُلِ) أَيْ الْأَفْضَلُ ذَلِكَ فَيُقَدَّمُ حَتَّى عَلَى الْحَلِيلَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ " وَالرَّجُلُ أَوْلَى بِالرَّجُلِ " أَيْ وُجُوبًا إنْ كَانَ الْمَعْنَى أَوْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَنَدْبًا إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَوْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَحْرَمَ؛ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ " وَالْمَرْأَةُ أَوْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ " أَيْ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ " أَوْلَى بِالرَّجُلِ " أَيْ الذَّكَرِ الْوَاضِحِ الَّذِي بَلَغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: (وَلَهُ غَسْلُ حَلِيلَتِهِ) وَسَيَأْتِي أَنَّهُ بَعْدَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ " وَلَهُ غَسْلُ حَلِيلَتِهِ "، مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ " وَالْمَرْأَةُ أَوْلَى بِالْمَرْأَةِ " وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ " وَلِزَوْجَةٍ " مُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَالرَّجُلُ أَوْلَى بِالرَّجُلِ " فَيَكُونُ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ وَيُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَةِ فِي الْأَوَّلِ أَنْ لَا تَكُونَ مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ رَجْعِيَّةٍ) أَمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 وَلِزَوْجَةٍ غَيْرِ رَجْعِيَّةٍ غُسْلُ زَوْجِهَا وَلَوْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ بِلَا مَسٍّ مِنْهَا لَهُ وَلَا مِنْهُ لَهَا، أَوْ السَّيِّدِ لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا أَجْنَبِيٌّ فِي الْمَيِّتِ الْمَرْأَةِ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ فِي الرَّجُلِ يُمِّمَ الْمَيِّتُ. نَعَمْ الصَّغِيرُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ يُغَسِّلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى الْكَبِيرُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَحْرَمِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُغْسَلُ فَوْقَ ثَوْبِ، وَيَحْتَاطُ الْغَاسِلُ فِي غَضِّ الْبَصَرِ وَالْمَسِّ، وَالَأَوْلَى بِالرَّجُلِ فِي غُسْلِهِ الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دَرَجَةً وَهُمْ رِجَالُ الْعَصَبَةِ مِنْ النَّسَبِ ثُمَّ الْوَلَاءِ ثُمَّ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ إنْ   [حاشية البجيرمي] الرَّجْعِيَّةُ فَكَالْأَجْنَبِيَّةِ؛ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ بِقَوْلِهِ " حَلِيلَتُهُ ". قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَكَحَ غَيْرَهَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ نَكَحَ مَنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَهَا كَأُخْتِهَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَ غَيْرِهَا لَا يُخِلُّ بِنِكَاحِهَا ع ش. قَوْلُهُ: (وَأَمَةً وَلَوْ كِتَابِيَّةً) أَيْ الْأَمَةَ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ فَخَرَجَتْ الْمُزَوَّجَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ، وَالْمُسْتَبْرَأَةُ وَالْوَثَنِيَّةُ وَالْمَجُوسِيَّةُ فَهُوَ فِيهِنَّ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَيْسَ لِلْأَمَةِ تَغْسِيلُ سَيِّدِهَا لِانْتِقَالِهَا عَنْهُ إمَّا بِالْعِتْقِ كَأُمِّ الْوَلَدِ أَوْ بِالْإِرْثِ كَالْقِنَّةِ، وَالزَّوْجِيَّةُ لَا تَنْقَطِعُ حُقُوقُهَا بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ التَّوَارُثِ. قَوْلُهُ: (وَلِزَوْجَةٍ إلَخْ) لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلَا حَقَّ لَهَا عَلَى الْأَوْجَهِ لِبُعْدِهَا عَنْ الْوِلَايَاتِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (غَيْرِ رَجْعِيَّةٍ) أَيْ وَغَيْرِ مُعْتَدَّةٍ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَإِنْ حَلَّ نَظَرُهَا لَتَعَلَّقَ الْحَقُّ فِيهَا بِأَجْنَبِيٍّ وَشَمَلَ ذَلِكَ الزَّوْجَةَ الْمُسْلِمَةَ وَالذِّمِّيَّةَ فَتَغْسِلُ زَوْجَهَا أَيْ الذِّمِّيَّ، أَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْكَافِرُ لَا يُغَسِّلُ مُسْلِمًا اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ) بِأَنْ وَلَدَتْ عَقِبَ مَوْتِهِ فَلَهَا أَنْ تَغْسِلَهُ لِبَقَاءِ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ لَهَا فَلَا يَسْقُطُ كَالْإِرْثِ. قَوْلُهُ: (بِلَا مَسٍّ مِنْهَا لَهُ) أَيْ نَدْبًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ إيعَابٌ وَقَدْ وَافَقَ م ر عَلَى جَوَازِ كُلٍّ مِنْ النَّظَرِ وَالْمَسِّ بِلَا شَهْوَةٍ وَلَوْ لِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَمَنَعَهُمَا بِشَهْوَةٍ وَلَوْ لِمَا فَوْقَهُمَا تَأَمَّلْ وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَلِزَوْجَةٍ " وَقَوْلُهُ " وَلَا مِنْهُ لَهَا " رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ " وَلَهُ غُسْلُ حَلِيلَتِهِ " عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ؛ قَالَ شَيْخُنَا الْمَدَابِغِيُّ: وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَوْتَ مُحَرِّمٌ لِلنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ دُونَ النَّظَرِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَوْ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ فَيَجُوزُ، وَمِثْلُهُ الْمَسُّ وَلَوْ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَمَحَلُّ جَوَازِ غُسْلِ الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ إذَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَى غُسْلِهِ مَسٌّ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ وَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ، إذْ الْخِلَافُ فِي النَّظَرِ؛ أَمَّا الْمَسُّ فَقَدْ صَرَّحَ م ر فِي بَابِ النِّكَاحِ بِحُرْمَةِ مَسِّ الْأَمْرَدِ مُطْلَقًا اهـ أج. قَوْلُهُ: (أَوْ السَّيِّدُ لَهَا) لِئَلَّا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَاسِّ فَقَطْ إذْ الْمَغْسُولُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ مُطْلَقًا اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا أَجْنَبِيٌّ إلَخْ) رَاجِعٌ لِلْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ، أَيْ لَمْ يُوجَدْ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ السَّعْيُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ إلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (فِي الْمَيِّتِ الْمَرْأَةِ) وَمِثْلُهَا الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ إذَا خُشِيَ الْفِتْنَةُ، أَيْ فَيُيَمَّمُ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (يُمِّمَ الْمَيِّتُ) بِلَا مَسٍّ، إلْحَاقًا لِفَقْدِ الْغَاسِلِ بِفَقْدِ الْمَاءِ لِتَعَذُّرِ الْغُسْلِ شَرْعًا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى النَّظَرِ أَوْ الْمَسِّ الْمُحَرَّمِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي ثِيَابٍ سَابِغَةٍ وَبِحَضْرَةِ نَهْرٍ مَثَلًا وَأَمْكَنَ تَعْمِيمُهَا بِهِ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى كُلِّ بَدَنِهَا مِنْ غَيْرِ مَسٍّ وَلَا نَظَرٍ وَجَبَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يُيَمَّمُ إلَّا بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ خِلَافًا لِمَا فِي التُّحْفَةِ مِنْ صِحَّتِهِ وَإِنْ لَمْ تَزُلْ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَقَضِيَّةُ الْمَتْنِ كَكَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُيَمَّمُ وَإِنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ خَبَثٌ، وَيُوَجَّهُ بِتَعَذُّرِ إزَالَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَحَلُّ تَوَقُّفِ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ أَيْ وَالصَّلَاةِ عَلَى إزَالَةِ النَّجَسِ إنْ أَمْكَنَتْ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى الْكَبِيرُ) أَيْ فَيُغَسِّلُهُ الْفَرِيقَانِ وَهَلْ لَهُ هُوَ تَغْسِيلُ الْفَرِيقَيْنِ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا هُوَ؟ قَالَ سم: نَعَمْ؛ وَيُوَجَّهُ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى عَكْسِهِ اهـ قَالَ النَّاشِرِيُّ: إنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا غَسَّلَ الْخُنْثَى يَتَّجِهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَيُغَسَّلُ فَوْقَ ثَوْبٍ) قَالَ حَجّ عَلَى الْإِرْشَادِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، أَيْ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمَجْمُوعُ مِنْ قَوْلِهِ " وَيُغَسَّلُ إلَخْ " وَقَوْلُهُ " وَيُحْتَاطُ " مَنْدُوبَانِ، الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ فِي ثَوْبٍ وُجُوبًا. قَوْلُهُ: (فَوْقَ ثَوْبٍ) أَيْ فِي ثَوْبٍ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى بِالرَّجُلِ فِي غُسْلِهِ إلَخْ) وَهَذِهِ أَوْلَوِيَّةُ نَدْبٍ، فَلَوْ تَقَدَّمَ الْأَبْعَدُ لَمْ يَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دَرَجَةً) أَيْ جِهَةً وَفِيهِ حَوَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ لِأَنَّ الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ دَرَجَةً لَمْ يَعْلَمْ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ اتَّكَلَ عَلَى الْمُعَلَّمِ. قَوْلُهُ: (وَهُمْ رِجَالُ الْعَصَبَةِ مِنْ النَّسَبِ) فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ، ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ، ثُمَّ عَمٌّ شَقِيقٌ، ثُمَّ عَمٌّ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ عَمٍّ شَقِيقٍ، ثُمَّ لِأَبٍ ح ل وَلَا يُنْظَرُ لِلْأَسَنِّ مَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 انْتَظَمَ بَيْتُ الْمَالِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَخَرَجَ بِدَرَجَةِ الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ صِفَةً إذْ الْأَفْقَهُ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ، وَالْأَقْرَبُ وَالْبَعِيدُ الْفَقِيهُ أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَبِ غَيْرِ الْفَقِيهِ هُنَا عَكْسُ مَا فِي الصَّلَاةِ، وَالَأُولَى بِهَا فِي غُسْلِهَا قَرَابَاتُهَا وَأَوْلَاهُنَّ ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ، وَهِيَ مَنْ لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا، وَبَعْدَ الْقَرَابَاتِ ذَاتُ وَلَاءٍ فَأَجْنَبِيَّةٌ فَزَوْجٌ فَرِجَالٌ مَحَارِمُ كَتَرْتِيبِ صِلَاتِهِمْ، فَإِنْ تَنَازَعَ مُسْتَوِيَانِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَالْكَافِرُ أَحَقُّ بِقَرِيبِهِ الْكَافِرِ. وَلِنَحْوِ أَهْلِ مَيِّتٍ كَأَصْدِقَائِهِ تَقْبِيلُ وَجْهِهِ، وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ بِخِلَافِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ النِّدَاءُ بِمَوْتِ الشَّخْصِ وَذِكْرُهُ مَآثِرَهُ وَمَفَاخِرَهُ.   [حاشية البجيرمي] وُجُودِ الْأَفْقَهِ وَلَا لِلْأَقْرَبِ مَعَ وُجُودِ الْفَقِيهِ ح ل. قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ) أَيْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، فَيُقَدَّمُ أَبُو الْأُمِّ، ثُمَّ الْأَخُ لِلْأُمِّ، ثُمَّ بَنُو الْبَنَاتِ كَمَا فِي الذَّخَائِرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، ثُمَّ الْخَالُ، ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأُمِّ وَجَعْلُهُمْ هُنَا وَفِي الصَّلَاةِ: الْأَخُ لِلْأُمِّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْإِرْثِ ح ل وَبَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَام الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ، ثُمَّ الزَّوْجَةُ أَيْ الْحُرَّةُ، ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (صِفَةٌ) فَإِنَّا لَا نُقَدِّمُ هُنَا بِالصِّفَةِ الَّتِي يُقَدِّمُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ السِّنُّ وَالْأَقْرَبِيَّةُ ح ل. قَوْلُهُ: (إذْ الْأَفْقَهُ) أَيْ بِهَذَا الْبَابِ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ وَالْأَقْرَبُ كَالْعَمِّ الْأَفْقَهِ مَعَ الْأَخِ الْأَسَنِّ مِنْهُ، فَالْعَمُّ مُقَدَّمٌ هُنَا عَلَى الْأَخِ وَالْأَخُ مُقَدَّمٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ دُعَاءَ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْبَعِيدُ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ وَقَوْلُهُ " الْفَقِيهُ " أَيْ الْأَفْقَهُ، وَقَوْلُهُ " أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَبِ " أَيْ الْقَرِيبِ، فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ وَقَوْلُهُ " غَيْرُ الْفَقِيهِ " أَيْ غَيْرُ الْأَفْقَهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْفَقِيهِ لَا حَقَّ لَهُ وَقَوْلُهُ " عَكْسُ مَا فِي الصَّلَاةِ " أَيْ عَلَى الْمَيِّتِ، فَإِنَّ الْأَسَنَّ وَالْأَقْرَبَ يُقَدَّمَانِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْقَهِ وَأَمَّا فِي الْغُسْلِ فَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ الصَّغِيرُ عَلَى الْأَسَنِّ غَيْرِ الْأَفْقَهِ، وَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ الْقَرِيبُ عَلَى الْأَقْرَبِ الْغَيْرِ الْأَفْقَهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَدُعَاءُ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ. قَوْلُهُ: (قَرَابَاتُهَا) فَيُقَدَّمْنَ حَتَّى عَلَى الزَّوْجِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَقَرَابَاتُهَا جَمْعُ قَرَابَةٍ وَهِيَ التَّعَلُّقُ وَالِارْتِبَاطُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَهَذِهِ لَا حَقَّ لَهَا فَكَانَ الْأَوْلَى قَرِيبَاتُهَا جَمْعُ قَرِيبَةٍ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي لَهَا حَقٌّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَفْظُ قَرَابَاتٍ مِنْ كَلَامِ الْعَوَامّ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ مَصْدَرٌ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَفِيهِ أَنَّ مَحِلَّ كَوْنِ الْمَصْدَرِ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ إذَا كَانَ لِلتَّوْكِيدِ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَمَا لِتَوْكِيدٍ فَوَحِّدْ أَبَدًا ... وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ وَأُفْرِدَا قَوْلُهُ: (ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ) أَيْ مِنْ النَّسَبِ ح ل. قَوْلُهُ: (مَنْ لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَمْ يَحِلَّ) كَالْبِنْتِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ بِخِلَافِ بِنْتِ الْعَمِّ ح ل. قَوْلُهُ: (فَزَوْجٌ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا م ر أج، أَيْ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَحَارِمِ لِأَنَّ مَنْظُورَهُ أَكْثَرُ مِنْ مَنْظُورِهِمْ، إذْ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ لِجَمِيعِ بَدَنِهَا بِخِلَافِهِمْ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُمْ النَّظَرُ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ وَالْأُخْتُ وَالْأَجْنَبِيَّةُ، فَإِنَّهُنَّ يُقَدَّمْنَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ مَنْظُورَهُ أَكْثَرُ. قَوْلُهُ: (كَتَرْتِيبِ صَلَاتِهِمْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: إلَّا مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ " إذْ الْأَفْقَهُ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (أَقْرَعَ) أَيْ وُجُوبًا إنْ كَانَ عِنْدَ حَاكِمٍ وَإِلَّا فَنَدْبًا لِأَجَلِ قَطْعِ النِّزَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُحَرَّمْ. قَوْلُهُ: (وَالْكَافِرُ) أَيْ الْبَعِيدُ. قَوْلُهُ: (أَحَقُّ بِقَرِيبِهِ الْكَافِرِ) أَيْ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ الْكَافِرِ أَيْ فِي غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] . اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ كَافِرٌ تَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُ اط ف. قَوْلُهُ: (وَلِنَحْوِ أَهْلِ مَيِّتٍ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر: وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِمْ كَأَصْدِقَائِهِ تَقْبِيلُ وَجْهِهِ، لِخَبَرِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ وَجْهَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَلِمَا فِي الْبُخَارِيِّ: " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ " وَيَنْبَغِي نَدْبُهُ لِأَهْلِهِ وَنَحْوِهِمْ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَيَنْبَغِي جَوَازُهُ لِغَيْرِهِمْ إذَا كَانَ صَالِحًا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَالِحًا نُدِبَ تَقْبِيلُهُ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ لِنَحْوِ أَهْلِهِ وَبِهَا لِغَيْرِهِمْ؛ وَهَذَا مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ مَنْ يَحْمِلُهُ التَّقْبِيلُ عَلَى جَزَعٍ أَوْ سَخَطٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ النِّسَاءِ وَإِلَّا حُرِّمَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَانْتِفَاءِ الْمُرُوءَةِ أَوْ يَكُونُ ثَمَّ نَحْوُ مَحْرَمِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (تَقْبِيلُ وَجْهِهِ) وَالْأَوْلَى مَحِلُّ السُّجُودِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ) بَلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 (وَ) الثَّانِي (تَكْفِينُهُ) بَعْدَ غُسْلِهِ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَكُرِهَ مُغَالَاةٌ فِيهِ وَكُرِهَ لِأُنْثَى نَحْوُ مُعَصْفَرٍ مِنْ   [حاشية البجيرمي] يُسْتَحَبُّ قَصْدُ كَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ) هُوَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ مَصْدَرُ نَعَاهُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (مَآثِرَهُ) الْمَآثِرُ مَا تَتَعَلَّقُ بِصِفَاتِ نَفْسِ الْمَيِّتِ وَالْمَفَاخِرُ مَا تَتَعَلَّقُ بِنَسَبِهِ، وَالنَّعْيُ مَكْرُوهٌ وَفِي الْمُخْتَارِ: مَآثِرُهُ جَمْعُ مَأْثُرَةٍ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَضَمِّهَا: الْمَكْرُمَةُ، لِأَنَّهَا تُؤْثِرُ أَيْ تُذْكَرُ قَرْنًا عَنْ قَرْنٍ قَوْلُهُ: (مِنْ حَرِيرٍ) وَيَحْرُمُ الْحَرِيرُ وَالْمُزَعْفَرُ فِي الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى وَيُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فِي حَقِّهِمَا أَيْضًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ ز ي فَقَوْلُهُ " وَكُرِهَ لِأُنْثَى " لَيْسَ بِقَيْدٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَصْفَرِ وَمَحِلُّ حُرْمَةِ تَكْفِينِ الرَّجُلِ بِالْحَرِيرِ إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَاسْتَثْنَى فِي الْمَطْلَبِ قَتِيلَ الْمَعْرَكَةِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَالَ الْحَرْبِ ثَوْبُ حَرِيرٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُتْرَكُ إذَا لُطِّخَ بِدَمِهِ وَهَلْ الصَّبِيُّ كَالْبَالِغِ أَوْ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي حَيَاتِهِ؟ وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ، وَعِبَارَةُ أج: فَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فِي الْحَرِيرِ وَالْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الْخُنْثَى وَالْبَالِغِ فَيَمْتَنِعُ تَكْفِينُهُمَا فِي الْمُزَعْفَرِ وَالْحَرِيرِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِمَا إلَّا الْمُعَصْفَرَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ تَكْفِينُ قَرِيبِهِ الذِّمِّيِّ فِيمَا يَمْتَنِعُ تَكْفِينُ الْمُسْلِمِ فِيهِ اهـ شَرْحُ م ر وَوَقَعَ فِي حَاشِيَةِ ز ي نَقْلًا عَنْ الْأَذْرَعِيِّ مَنْعُ تَكْفِينِ الصَّبِيِّ فِي الْحَرِيرِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الثَّوْبُ غَيْرُ الْحَرِيرِ، فَإِنْ فُقِدَ فَالْحَرِيرُ فَالْجِلْدُ فَالْحَشِيشُ فَالتَّطْيِينُ حَجّ؛ قَالَ سم: وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ تَعْمِيمِهِ بِنَحْوِ الطِّينِ لِوُجُوبِ التَّعْمِيمِ فِي الْكَفَنِ، وَإِذَا كُفِّنَ فِي الْحَرِيرِ اُقْتُصِرَ عَلَى ثَوْبٍ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ كَمَا قَالَهُ م ر اهـ أج قَالَ ع ش: وَفِيهِ وَقْفَةٌ، وَالْأَقْرَبُ وُجُوبُ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْحَرِيرَ يَجُوزُ فِي الْحَيِّ لِأَدْنَى حَاجَةٍ كَالْجَرَبِ وَالْحَكَّةِ وَدَفْعِ الْقُمَّلِ وَمَا هُنَا أَوْلَى اهـ. قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ مُغَالَاةٌ فِيهِ) لِخَبَرِ: «لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يَبْلَى سَرِيعًا» وَمَحِلُّ كَرَاهَةِ الْمُغَالَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْوَرَثَةِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ غَائِبًا أَوْ الْمَيِّتُ مُفْلِسًا، وَإِلَّا حُرِّمَتْ؛ قَالَهُ م ر وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «حَسِّنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمَوْتَى تَتَبَاهَى بِأَكْفَانِهِمْ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَبْلَى سَرِيعًا وَلَا يُسْلَبُ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُبَاهَاةَ إمَّا قَبْلَ الْبَلَاءِ أَوْ بَعْدَ إعَادَتِهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَيُكَفَّنُ بِالنَّجِسِ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَارِيًّا إنْ لَمْ يُوجَدْ نَحْوُ طِينٍ وَسَتْرُ التَّابُوتِ كَالتَّكْفِينِ كَمَا قَالَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَعِبَارَةُ خ ض: وَجَمَعَ ع ش بَيْنَ مُقْتَضَاهُ مِنْ كَوْنِهِ يَبْلَى وَبَيْنَ مُقْتَضَى خَبَرِ: «حَسِّنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي قُبُورِهِمْ» مِنْ أَنَّ الْكَفَنَ يَسْتَمِرُّ حَالَ التَّزَاوُرِ وَبِأَنَّهُ يُسْلَبُ سَرِيعًا بِاعْتِبَارِ الْحَالَةِ الَّتِي نُشَاهِدُهَا كَتَغَيُّرِ الْمَيِّتِ، وَإِذَا تَزَاوَرُوا يَكُونُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي يُدْفَنُ بِهَا، وَأُمُورُ الْآخِرَةِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا؛ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ خَبَرِ أَبِي دَاوُد أَيْضًا: «إنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: أَيْ قَبْلَ مَا يُحْشَرُ عُرْيَانًا حَافِيًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَفَنَ يَبْلَى فِي الْقَبْرِ كَمَا تَبْلَى الْأَجْسَادُ، فَإِذَا أُعِيدَتْ الْأَجْسَادُ عَادَتْ الْأَكْفَانُ وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْقُبُورِ وَالذَّهَابِ إلَى الْمَحْشَرِ يَحْصُلُ التَّبَاهِي بِالْأَكْفَانِ، فَإِذَا وَصَلُوا إلَى الْمَحْشَرِ تَسَاقَطَتْ الْأَكْفَانُ وَحُشِرُوا حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا أَيْ غَيْرَ مَخْتُونِينَ ثُمَّ عِنْدَ السَّوْقِ إلَى الْجَنَّةِ يُكْسَوْنَ بِحُلَلِ الْجَنَّةِ، وَأَوَّلُ مِنْ يُكْسَى إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ وَلَوْ كَفَّنَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِنْ التَّرِكَةِ وَأَسْرَفَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ غُرِّمَ حِصَّةَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، فَلَوْ قَالَ: أَخْرِجُوا الْمَيِّتَ وَخُذُوهُ، لَمْ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ نَبْشُ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ الْكَفَنُ مُرْتَفِعَ الْقِيمَةِ، وَإِنْ زَادَ فِي الْعَدَدِ فَلَهُمْ النَّبْشُ وَإِخْرَاجُ الزَّائِدِ؛ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مُرْتَفِعِ الْقِيمَةِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ حَتَّى جَازَ النَّبْشُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؟ قُلْت: الزِّيَادَةُ فِي الثَّانِي مُتَمَيِّزَةٌ فِي نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ وَغَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ وَاحْتُرِزَ بِالْمُغَالَاةِ عَنْ تَحْسِينِهِ فِي بَيَاضِهِ وَنَظَافَتِهِ وَسُبُوغَتِهِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ سُلْطَانٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ وَدَفْنُهَا فِي ثِيَابِهَا الْمُثَمَّنَةِ وَلَوْ بِمَا يُسَاوِي أُلُوفًا مِنْ الذَّهَبِ كَالْبِشْتِ الْمُزَرْكَشِ بِالذَّهَبِ، وَفِي صِيغَتِهَا كَذَلِكَ؛ وَلَا يَحْرُمُ مِنْ جِهَةِ إضَاعَةِ الْمَالِ لِأَنَّ مَحِلَّ الْحُرْمَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ لِغَرَضٍ، وَهُوَ هُنَا إكْرَامُ الْمَيِّتِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَوْتَى تَتَبَاهَى بِأَكْفَانِهِمْ وَأَيْضًا فِي هَذَا تَسْكِينٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 حَرِيرٍ وَمُزَعْفَرٍ، وَأَقَلُّ الْكَفَنِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ هَلْ هُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ أَوْ جَمِيعَ الْبَدَنِ إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ؟ وَجْهَانِ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَوَّلَ، فَيَخْتَلِفُ قَدْرُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، لَا بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ. وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ الثَّانِيَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ كَالْأَذْرَعِيِّ تَبَعًا لِجُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي رَوْضِهِ فَقَالَ: وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ يَعُمُّ الْبَدَنَ، وَالْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَحَمَلَ الْأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ حَقُّ الْمَيِّتِ وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَكَذَا عَلَى الثَّانِي، فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ أَيْ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَقَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ: يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ وَبَعْضُهُمْ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ كُفِّنَ بِثَوْبٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ. وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ وَبَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ كُفِّنَ بِهَا لِمَا مَرَّ وَقِيلَ بِثَوْبٍ، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى ثَوْبٍ فَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ أَقْيَسُ أَيْ فَيَجِبُ أَنْ   [حاشية البجيرمي] لِلْحُزْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَثَلًا إذَا رَأَتْ مَتَاعَ بِنْتِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا يَشْتَدُّ حُزْنُهَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْوَرَثَةِ قَاصِرٌ، وَأَنْ تَتَّفِقَ الْوَرَثَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ اهـ وَفِيهِ أَنَّ الْحُلِيَّ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْكَفَنِ. قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ لِأُنْثَى إلَخْ) وَيُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ لِلرَّجُلِ أَيْضًا، وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَفَنِ شَيْءٌ مِمَّا يُخَالِفُ لَوْنَ الْبَيَاضِ، وَمِنْهُ صِبَاغُ طَرَفَيْهِ بِالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: " جَمِيعُ الْبَدَنِ ". قَوْلُهُ: (صَحَّحَ) أَيْ النَّوَوِيُّ. قَوْلُهُ: (لَا بِالرِّقِّ) لِانْقِطَاعِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ قَوْلُهُ: (وَجَمَعَ) أَيْ ابْنُ الْمُقْرِي بَيْنَهُمَا، أَيْ ذَكَرَهُمَا فِي رَوْضِهِ بِلَا تَرْجِيحٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَقَالَ إلَخْ " لَا أَنَّهُ جَمَعَ، وَقَالَ: الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ؛ فَمَعْنَى " وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا " أَيْ فِي الْعِبَارَةِ لَا فِي الْحُكْمِ، إذْ لَمْ يَقَعُ مِنْهُ حَمْلٌ فِي الْحُكْمِ؛ وَحِينَئِذٍ فَيَقْرَأُ فَحُمِلَ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْ غَيْرِهِ لَا مِنْهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (يَعُمُّ الْبَدَنَ) هَذَا بِالنَّظَرِ لِحَقِّ الْمَيِّتِ؛ وَقَوْلُهُ " فَالْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ " هَذَا بِالنَّظَرِ لِمَحْضِ حَقِّ اللَّهِ، فَهَذَا هُوَ الْجَمْعُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا اهـ قَوْلُهُ: (فَحَمَلَ الْأَوَّلَ) أَيْ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ لِأَنَّهُ أَوَّلٌ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ هَلْ هُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ إلَخْ، فَمُرَادُهُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ) أَيْ مَحْضُ حَقِّهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ) أَيْ مَا زَادَ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ عَلَى الْأَوَّلِ، أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَكَذَا عَلَى الثَّانِي أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي؛ فَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي هُنَا غَيْرُهُمَا فِيمَا سَبْقِ قَوْلِهِ: (أَيْ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ) يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ نُفُوذِهَا بِإِسْقَاطِ الزَّائِدِ عَلَى الْعَوْرَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ جَمِيعُ الْبَدَنِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِإِسْقَاطِ مَا زَادَ لَكِنْ مُنِعَتْ صِحَّتُهَا مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ قَالَ سم: وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ هُنَا ثَلَاثَ وَاجِبَاتٍ: وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَوَاجِبٌ لِحَقِّ الْمَيِّتِ وَحَقِّ اللَّهِ وَهُوَ سَاتِرُ الْبَدَنِ، وَوَاجِبٌ لِحَقِّ الْمَيِّتِ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى سَاتِرِ كُلِّ الْبَدَنِ مِنْ الثَّوْبِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ وَأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَوَّلَ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ بِوَصِيَّةٍ وَلَا مَنْعِ وَارِثٍ وَلَا غَرِيمٍ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ الثَّانِي كَذَلِكَ نَظَرًا لِشَائِبَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ مَكْرُوهٌ؛ فَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَصِيَّةٌ بِمَكْرُوهٍ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَكْرُوهِ غَيْرُ نَافِذَةٍ؛ وَأَنَّ الْوَاجِبَ الثَّالِثَ يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ بِالْوَصِيَّةِ وَمَنْعُ الْغَرِيمِ وَلَا يَسْقُطُ بِمَنْعِ الْوَارِثِ اهـ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ حَقٌّ وَجَبَ لِلْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا إنْ أَوْصَى بِتَرْكِهِ أَوْ مَنَعَ الْغُرَمَاءَ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَمْ يُوصِ) شُرُوعٌ فِي فُرُوعٍ سِتَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ) أَيْ جَوَازَ الثَّوْبِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْخِلَافِ، أَيْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: " وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ " فَإِنَّهُ قِيلَ فِيهَا: يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 يُكَفَّنَ بِثَلَاثَةٍ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَقَالَ الْغُرَمَاءُ: يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَالْوَرَثَةُ فِي ثَلَاثَةٍ أُجِيبَ الْغُرَمَاءُ، وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ: يُكَفَّنُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَالْوَرَثَةُ، بِسَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ أُجِيبَ الْوَرَثَةُ وَلَوْ اتَّفَقَتْ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَفَنَ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْغُرَمَاءِ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةٌ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَنْعُ مِنْهَا تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَالِكِ، وَفَارَقَ الْغَرِيمُ بِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ وَبِأَنَّ مَنْفَعَةَ صَرْفِ الْمَالِ لَهُ تَعُودُ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ فِيهِمَا هَذَا إذَا كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ، أَمَّا إذَا كُفِّنَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مَنْ يُجَهِّزُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ وَزَوْجٍ وَبَيْتِ مَالٍ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ سَاتِرٌ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ بَلْ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَكَذَا إذَا كُفِّنَ مِمَّا وُقِفَ لِلتَّكْفِينِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ قَالَ: وَيَكُونُ سَابِغًا أَيْ فَلَا يَكْفِي سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا حَقٌّ لِلْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَسَيَأْتِي، وَسُنَّ مَغْسُولٌ لِأَنَّهُ لِلصَّدِيدِ، وَأَنْ يَبْسُطَ أَحْسَنَ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعَهَا   [حاشية البجيرمي] وَقِيلَ: فِي ثَوْبٍ؛ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ، فَتَكُونُ هَذِهِ أَيْ مَسْأَلَةُ الِاتِّفَاقِ فِيهَا خِلَافٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ عَلَى الْخِلَافِ أَقْيَسُ، فَيَكُونُ الْمُعْتَمَدُ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ مُعْتَمَدًا هُنَا كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ " أَيْ فَيَجِبُ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (أُجِيبَ الْوَرَثَةُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَيُكَفَّنُ بِوَاحِدٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ مَعَ حَقِّ الْمَيِّتِ، فَغَلَبَ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ أَحَدٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اتَّفَقَتْ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ إلَخْ) أَيْ وَلَا نَظَرَ لِبَقَاءِ ذِمَّتِهِ مُرْتَهِنَةً بِالدَّيْنِ لِأَنَّ رِضَاهُمْ قَدْ يَقْتَضِي فَكَّ ذِمَّتِهِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَيَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ الْغُرَمَاءَ لَوْ كَانُوا غَائِبِينَ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْوَرَثَةِ اهـ قُلْت: وَبِالْأَوْلَى إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ مَحْجُورًا عَلَيْهِمْ أَوْ مُفْلِسِينَ اهـ أج. قَوْلُهُ: (جَازَ بِلَا خِلَافٍ) فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْغُرَمَاءِ مَنْعٌ وَلَا إذْنٌ كُفِّنَ بِوَاحِدٍ، فَإِنْ زَادَ الْوَارِثُ عَلَيْهِ ضَمِنَ الزَّائِدَ كَمَا ذَكَرَهُ م د. قَوْلُهُ: (وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَفَنَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ إلَى سَتْرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ حَقٌّ لِلَّهِ وَلِلْمَيِّتِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مَحْضُ حَقِّ الْمَيِّتِ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا م د وَمِثْلُهُ ح ل. قَوْلُهُ: (وَبِالنِّسْبَةِ لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةٌ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا أَوْ مُكَلَّفِينَ، خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ إذَا خَلَّفَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ؛ وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ إذَا خَلَّفَ مِنْ ذَكَرٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَاجِبَةٌ وَالرَّابِعَ وَالْخَامِسَ خِلَافُ الْأَوْلَى اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَنْعُ مِنْهَا) وَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لق ل. قَوْلُهُ: (وَفَارَقَ) أَيْ الْوَارِثُ وَقَوْلُهُ الْغَرِيمُ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُمَا وَالْهَاءُ فِي حَقِّهِ لِلْغَرِيمِ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ لَهُ وَقَوْلُهُ تَعُودُ إلَى الْمَيِّتِ وَهِيَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) أَيْ فِي التَّعْلِيلَيْنِ الْمَذْكُورِينَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ وَهُوَ الْإِرْثُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّهُ لَا نَفْعَ لِلْمَيِّتِ بِمَا يَأْخُذُهُ الْوَارِثُ مِنْ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (وَزَوْجٍ) وَكَالزَّوْجَةِ الْبَائِنِ الْحَامِلِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَهَلْ يُؤْخَذُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنْ تَرِكَتِهَا إنْ كَانَ لَهَا تَرِكَةٌ؟ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّ الزَّوْجَ إنْ كَانَ مُوسِرًا بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ كَمُلَ وَأَخَذَ ثَانٍ وَثَالِثٌ مِنْ تَرِكَتِهَا، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِمَا يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاحِدِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهَا شَيْءٌ. اهـ. م د، فَتَأَمَّلْ وَحَرِّرْ الْفَرْقَ وَعِبَارَةُ ح ل فَإِنْ أَعْسَرَ عَنْ تَجْهِيزِ الزَّوْجَةِ الْمُوسِرَةِ أَوْ عَنْ تَمَامِهِ جُهِّزَتْ أَوْ تَمَّمَ تَجْهِيزَهَا مِنْ مَالِهَا وَعِبَارَةُ ز ي وَالْعَنَانِيِّ: وَلَا يَجِبُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنْ مَالِهَا إذَا كَفَّنَهَا الزَّوْجُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ وَقَوْلُ م د " إنْ كَانَ مُوسِرًا بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ إلَخْ " فِيهِ أَنَّ سَاتِرَ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ يَكُونُ سَاتِرًا لِجَمِيعِ بَدَنِهَا فَمَا مَعْنَى التَّكْمِيلِ، إلَّا أَنْ يُرَادَ الْعَوْرَةُ عِنْدَ الْمَحَارِمِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ سَابِغًا) أَيْ سَاتِرًا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ. قَوْلُهُ: (وَسُنَّ مَغْسُولٌ) هَكَذَا فِي الْمِنْهَاجِ وَفَرْعُهُ وَغَيْرُهُمَا وَجَرَى عَلَيْهِ م ر وَغَيْرُهُ، فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ صَنِيعُ الْمَرْحُومِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ نَقْلًا وَدَلِيلًا أَوْلَوِيَّةُ الْجَدِيدِ وَمِنْ ثَمَّ كُفِّنَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِاتِّفَاقِهِمْ أَيْ الصَّحَابَةِ اهـ فَأَوْرَدَ الِاعْتِرَاضَ وَلَمْ يُجَبْ عَنْهُ، وَمَا دَرَى أَنَّ شَيْخَهُ الْمُحَقِّقَ الشَّوْبَرِيَّ قَالَ فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ: قَوْلُهُمْ إنَّهُ لِلصَّدِيدِ يَرُدُّ مَا أَوْرَدَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي جَدِيدٍ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ عَدَمُ الْبِلَى لَا يُقَالُ يَرُدُّ الشُّهَدَاءَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذِهِ حِكْمَةٌ وَهِيَ لَا يَجِبُ اطِّرَادُهَا اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (وَأَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 وَالْبَاقِي فَوْقَهَا، وَأَنْ يَذَرَ عَلَى كُلٍّ وَعَلَى الْمَيِّتِ حَنُوطًا، وَأَنْ يُوضَعَ الْمَيِّتُ فَوْقَهَا مُسْتَلْقِيًا، وَأَنْ تُشَدَّ أَلْيَاهُ بِخِرْقَةٍ، وَأَنْ يُجْعَلَ عَلَى مَنَافِذِهِ قُطْنٌ عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَتُلَفُّ عَلَيْهِ اللَّفَائِفُ، وَتُشَدُّ اللَّفَائِفُ بِشِدَادٍ خَوْفَ الِانْتِشَارِ عِنْدَ الْحَمْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا وَيَحِلُّ الشِّدَادُ فِي الْقَبْرِ. وَمَحَلُّ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ تَرِكَتُهُ إلَّا زَوْجَةً وَخَادِمَهَا فَتَجْهِيزُهُمَا عَلَى زَوْجٍ غَنِيٍّ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ فَتَجْهِيزُهُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَيًّا فِي الْجُمْلَةِ مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَنْ تَلْزَمُهُ   [حاشية البجيرمي] يَبْسُطَ أَحْسَنَ اللَّفَائِفِ) أَيْ نَدْبًا أج. قَوْلُهُ: (وَالْبَاقِي فَوْقَهَا) أَيْ فَيَبْسُطُ الْأَحْسَنَ أَوَّلًا وَالثَّانِيَةَ، أَيْ وَهِيَ الَّتِي تَلِي الْأُولَى فِي ذَلِكَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَوْقَ الثَّانِيَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَيَّ يَجْعَلُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ أَعْلَاهَا فَلِهَذَا يَبْسُطُ الْأَحْسَنَ أَوَّلًا لِأَنَّهُ الَّذِي يَعْلُو عَلَى كُلِّ الْكَفَنِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ أَوْسَعَ فَلِإِمْكَانِ لَفِّهِ عَلَى الضَّيِّقِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ أج. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَذَرَ) أَيْ بِالْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمَيِّتِ) أَيْ غَيْرِ الْمُحْرِمِ أج. قَوْلُهُ: (حَنُوطٌ) نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْكَافُورَ وَذَرِيرَةَ الْقَصَبِ وَالصَّنْدَلِ دَمِيرِيٌّ؛ وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ. قَوْلُهُ: (مُسْتَلْقِيًا) أَيْ عَلَى ظَهْرِهِ وَيَجْعَلُ يَدَاهُ عَلَى صَدْرِهِ وَيُمْنَاهُ عَلَى يُسْرَاهُ أَوْ يُرْسِلَانِ فِي جَنْبِهِ أَيُّهُمَا فَعَلَ مِنْهُمَا فَحَسَنٌ، أج. قَوْلُهُ: (وَأَنْ تُشَدَّ أَلْيَاهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يُدَسَّ بَيْنَهُمَا قُطْنٌ عَلَيْهِ حَنُوطٌ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَنَافِذِهِ) كَعَيْنَيْهِ وَمَنْخَرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ، وَكَذَا عَلَى مَسَاجِدِهِ كَجَبْهَتِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَيُحَلُّ الشِّدَادُ) إلَّا شِدَادَ الْأَلْيَةِ عَمِيرَةً؛ أَيْ تَفَاؤُلًا بِحَلِّ الشَّدَائِدِ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ مَعْقُودٌ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ أج. قَوْلُهُ: (وَمَحِلُّ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ تَرِكَتُهُ) وَيُرَاعَى فِيهِ حَالُهُ سَعَةً وَضِيقًا، وَإِنْ كَانَ مُقَتِّرًا عَلَى نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ حَجّ؛ فَلَوْ مَنَعَ الْأَقَارِبُ مِنْ أَخْذِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ الْحَاكِمُ قَهْرًا، فَإِنْ فُقِدَ الْحَاكِمُ أَوْ خِيفَ انْفِجَارُ الْمَيِّتِ إذَا رُفِعَ الْأَمْرُ لِلْحَاكِمِ فَيَنْبَغِي جَوَازُ أَخْذِهِ مِنْ التَّرِكَةِ لِلْآحَادِ وَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ قَاصِرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّرِكَةِ وَيُجَابُ مَنْ قَالَ مِنْ الْوَرَثَةِ: أُكَفِّنُهُ مِنْ التَّرِكَةِ لَا مَنْ قَالَ: أُكَفِّنُهُ مِنْ مَالِي دَفَعَا لِلْمِنَّةِ عَنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَا يُكَفَّنُ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ إلَّا إنْ قَبِلَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ؛ وَلَيْسَ لَهُمْ إبْدَالُهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْصَدُ تَكْفِينُهُ لِصَلَاحِهِ وَعِلْمِهِ فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَفَّنُوهُ فِي غَيْرِهِ رَدُّوهُ لِمَالِكِهِ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَكْفِينَهُ فِيهِ كَانَ لَهُمْ أَخْذُهُ وَتَكْفِينُهُ مِنْ غَيْرِهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَخَادِمَهَا) أَيْ الْمَمْلُوكَ لَهَا، فَإِنْ كَانَ مُكْتَرًى لَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَجْهِيزُهُ إلَّا إنْ كَانَ مُكْتَرًى بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا شَخْصٌ تَجِبُ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ وَلَيْسَ قَرِيبًا وَلَا زَوْجَةً وَلَا مَمْلُوكًا ح ل. قَوْلُهُ: (عَلَى زَوْجٍ غَنِيٍّ) أَيْ وَلَوْ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَالْمُرَادُ بِالْغِنَى غِنَى الْفِطْرَةِ، وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَلَى الْكَفَنِ مَا يَكْفِي مُمَوِّنَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَمَا قَالَهُ ع ش وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ غَائِبًا فَجَهَّزَ الزَّوْجَةَ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهَا أَوْ غَيْرِهِ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ إنْ فَعَلُوهُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ يَرَاهُ، وَإِلَّا فَلَا؛ وَقِيَاسُ نَظَائِرِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ حَاكِمٌ كَفَى الْمُجْهِزَ الْإِشْهَادُ عَلَى أَنَّهُ جَهَّزَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ شَرْحُ م ر وَمِثْلُ غَيْبَةِ الزَّوْجِ غَيْبَةُ الْقَرِيبِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمَيِّتِ فَكَفَّنَهُ شَخْصٌ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَخَرَجَ بِالزَّوْجِ ابْنُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَإِنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا فِي الْحَيَاةِ كَمَا قَالَهُ حَجّ وَلَوْ أَوْصَتْ بِذَلِكَ مِنْ مَالِهَا تَوَقَّفَتْ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ وَهُوَ الزَّوْجُ حَيْثُ أَسْقَطَتْ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَوَابِعِ مَا يَجِبُ لَهَا فِي الْحَيَاةِ، وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُنْفِقُ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَقَدْ زَالَ، فَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالزَّوْجُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّوْجَةَ الَّتِي تَجِبُ نَفَقَتُهَا مُؤَنُ تَجْهِيزِهَا عَلَى الزَّوْجِ الْمُوسِرِ وَلَوْ كَانَتْ غَنِيَّةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعَلَى الزَّوْجِ مُطْلَقًا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَمِنْ مَالِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي مَالِهَا مُطْلَقًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا فِي زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلَى الرَّحَبِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ وَلَوْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَيَدْخُلُ الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ فَعَلَى سَيِّدِهِ تَجْهِيزُهُ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَ انْفِسَاخِهَا، وَيَدْخُلُ الْوَلَدُ الْكَبِيرُ فَإِنَّهُ بِالْمَوْتِ صَارَ عَاجِزًا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مِنْ قَرِيبٍ) أَصْلٌ أَوْ فَرْعٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ لِعَجْزِهِ بِمَوْتِهِ؛ وَلَوْ مَاتَ مَنْ لَزِمَهُ تَجْهِيزُ غَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ تَجْهِيزِهِ وَتَرِكَتُهُ لَا تَفِي إلَّا بِتَجْهِيزِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ قُدِّمَ الثَّانِي عَلَى الْأَوْجَهِ لِتَبَيُّنِ عَجْزِهِ عَنْ تَجْهِيزِ غَيْرِهِ، وَأَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ م ر كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ وَلَدُهُ فِي شَرْحِهِ وَأَمَّا الْمُبَعِّضُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُهَايَأَةً فَالْحُكْمُ وَاضِحٌ، وَإِلَّا فَعَلَى ذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 نَفَقَتُهُ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ. (وَ) الثَّالِثُ (الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. قَالَ: كَذَا الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ. وَشَرَطَ لِصِحَّتِهَا شُرُوطَ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَتَقَدَّمَ طُهْرُ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَوْ   [حاشية البجيرمي] النَّوْبَةِ؛ فَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ فِي أَيْ نَوْبَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلًّا مُهَايَأَةً، فَعَلَى سَيِّدِهِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ وَالْبَاقِي مِنْ تَرِكَتِهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْتُ الْمَالِ فَعَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ لِمُمَوَّنِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَيَاسِيرِ أَنَّهُمْ فِي الْأَوَّلِ عَبَّرُوا فِيهِ بِالْغِنَى وَفِي الثَّانِي بِالْيَسَارِ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فَرْعٌ: يَحْرُمُ كِتَابَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى الْكَفَنِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ صَدِيدِ الْمَوْتَى، وَمِثْلُهُ كُلُّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ وَاِتِّخَاذُ الْكَفَنِ مَكْرُوهٌ إلَّا مِنْ حِلٍّ أَوْ مِنْ أَثَرِ صَالِحٍ، وَلِلْوَارِثِ إبْدَالُهُ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَكْفِينُهُ فِيهِ؛ كَمَا يَجُوزُ لَهُ نَزْعُ ثِيَابِ الشَّهِيدِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ وَتَكْفِينُهُ فِي غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَثَرُ الْعِبَادَةِ الشَّاهِدَةِ لَهُ بِالشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الْقَبْرِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ اتِّخَاذُهُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَا يُنْدَبُ أَنْ يُعِدَّ لِنَفْسِهِ كَفَنًا لِئَلَّا يُحَاسَبَ عَلَى اتِّخَاذِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ حِلٍّ وَأَثَرٍ ذِي صَلَاحٍ فَحَسَنٌ إعْدَادُهُ، لَكِنْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ بَلْ لِلْوَرَثَةِ إبْدَالُهُ؛ لَكِنَّ قَضِيَّةَ بِنَاءِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ذَلِكَ عَلَى مَا لَوْ قَالَ: اقْضُوا دَيْنِي مِنْ هَذَا الْمَالِ الْوُجُوبُ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُومِئُ إلَيْهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَثِيَابِ الشَّهِيدِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ لَهُ نَزْعُهَا وَإِبْدَالُهَا؛ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ فِي الْمَبْنِيِّ وَالْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ثِيَابِ الشَّهِيدِ وَاضِحٌ إذْ لَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةُ أَمْرِ الْمُوَرِّثِ بِخِلَافِهِ فِيهِمَا. اهـ. قَوْلُهُ: (وَالثَّالِثُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) وَشُرِعَتْ بِالْمَدِينَةِ لَا بِمَكَّةَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، لَكِنْ ذَكَرَ مَا يُخَالِفُهُ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا تُوُفِّيَ أُتِيَ لَهُ بِحَنُوطٍ وَكَفَنٍ مِنْ الْجَنَّةِ وَنَزَلَتْ الْمَلَائِكَةُ فَغَسَّلَتْهُ وَكَفَّنَتْهُ فِي وِتْرٍ مِنْ الثِّيَابِ وَحَنَّطُوهُ، وَتَقَدَّمَ مَلَكٌ مِنْهُمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَصَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ، ثُمَّ أَقْبَرُوهُ وَأَلْحَدُوهُ وَنَصَبُوا اللَّبِنَ عَلَيْهِ وَابْنُهُ شِيثٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي هُوَ وَصِيُّهُ مَعَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالُوا لَهُ: هَكَذَا فَاصْنَعْ بِوَلَدِك وَإِخْوَتِك فَإِنَّهَا سُنَّتُكُمْ، هَذَا كَلَامُهُ، أَيْ وَيَبْعُدُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَهُ أَيْ يَبْعُدُ عَدَمُ الْفِعْلِ بَلْ فَعَلَ؛ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ مُجَرَّدُ الدُّعَاءِ لَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الْمَعْرُوفَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى التَّكْبِيرِ لَكِنْ يُبْعِدُهُ مَا فِي الْعَرَائِسِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: " أَنَّ آدَمَ لَمَّا مَاتَ قَالَ وَلَدُهُ شِيثٌ لِجِبْرِيلَ: صَلِّ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَنْتَ مُقَدَّمٌ فَصَلِّ عَلَى أَبِيك، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ ثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً " وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ التَّكْفِينَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ وَالدَّفْنَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ لَا مُجَرَّدِ الدُّعَاءِ. وَحِينَئِذٍ لَا يَحْسُنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةً لِقُرَيْشٍ، إذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَفَعَلُوا ذَلِكَ؛ وَسَيَأْتِي عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لَهُمْ لَصَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَمَنْ مَاتَ قَبْلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَالسَّكْرَانِ ابْنِ عَمِّ سَوْدَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الَّذِي هُوَ زَوْجُهَا، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ قَدْ مَاتَ فَذَهَبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ وَأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ فِي الْمَدِينَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَمَعْرُورٌ مَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ مَقْصُودٌ لَا يُقَالُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ مُجَرَّدَ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ جَاءَ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي صَلَاتِهِ أَرْبَعًا، وَقَدْ رَوَى هَذِهِ الصَّلَاةَ تِسْعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُمْ السُّهَيْلِيُّ وَبِمَا ذَكَرَ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمَدَابِغِيِّ فِي الْحَاشِيَةِ مِنْ قَوْلِهِ " وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ " أَيْ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى آدَمَ دُعَاءٌ فَلَا تُرَدُّ اهـ. قَوْلُهُ: (شُرُوطُ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ) أَيْ مِمَّا يَتَأَتَّى مَجِيئُهُ هُنَا، بِخِلَافِ دُخُولِ الْوَقْتِ الشَّرْعِيِّ. قَوْلُهُ: (وَتَقَدُّمٌ) بِضَمِّ الدَّالِ وَالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " شُرُوطُ " وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ حَاضِرًا وَلَوْ فِي قَبْرٍ، وَأَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 تَعَذَّرَ كَأَنْ وَقَعَ فِي حُفْرَةٍ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَطُهْرُهُ لَمْ يُصْلَ عَلَيْهِ. وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ قَبْلَ تَكْفِينِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِازْدِرَاءِ بِالْمَيِّتِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ، كَالْمَكْتُوبَةِ بَلْ تُسَنُّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ» وَيَكْفِي فِي إسْقَاطِ فَرْضِهَا ذَكَرٌ وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا لِلرَّجُلِ لَا غَيْرِهِ مِنْ خُنْثَى وَامْرَأَةٍ مَعَ وُجُودِ الذَّكَرِ لِأَنَّ الذَّكَرَ أَكْمَلُ مِنْ غَيْرِهِ فَدُعَاؤُهُ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْنِ، وَتَصِحُّ عَلَى قَبْرِ غَيْرِ نَبِيٍّ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَتَصِحُّ عَلَى   [حاشية البجيرمي] لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا تَنْزِيلًا لِلْمَيِّتِ مَنْزِلَةَ الْإِمَامِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يُوجَدَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَحِلُّ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَأَمَّا فِي الدَّوَامِ بِأَنْ رُفِعَتْ الْجِنَازَةُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَزَادَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى مَا ذَكَرَ أَوْ حَالَ حَائِلٌ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (كَالْمَكْتُوبَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ، أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، فَلَا يُنَافِي اشْتِرَاطَهَا فِي بَعْضِهَا كَالْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَفِي الْمَجْمُوعَةِ بِالْمَطَرِ تَقْدِيمًا وَفِي الْمُعَادَةِ. قَوْلُهُ: (مَا مِنْ رَجُلٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (أَرْبَعُونَ رَجُلًا) هَذَا يَصْدُقُ بِصَلَاتِهِمْ فُرَادَى فَلَا يَدُلُّ عَلَى سَنِّ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُفْهَمُ مِنْهُ، فَرُبَّمَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ هَذَا الْعَدَدِ مَعَ أَنَّ الْمُدَّعَى أَعَمُّ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي فِي إسْقَاطِ فَرْضِهَا ذَكَرٌ وَلَوْ صَبِيًّا) وَلَوْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ؛ عِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ بِصَلَاةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِمْ، وَفَارَقَ سُقُوطُ الْفَرْضِ هُنَا عَدَمَ سُقُوطِهِ بِهِ فِي رَدِّ السَّلَامِ بِأَنَّ السَّلَامَ شُرِعَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَالِمٌ مِنْ الْآخَرِ وَآمِنٌ مِنْهُ، وَأَمَانُ الصَّبِيِّ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ صَلَاتِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الدُّعَاءُ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ ذَكَرٍ وَلَوْ صَبِيًّا لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْهُنَّ اهـ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَكْفِي فِي أَرْبَعَةٍ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَهِيَ: رَدُّ السَّلَامِ وَالْجَمَاعَةُ وَإِحْيَاءُ الْكَعْبَةِ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ يَكْفِي فِيهِ الصَّبِيُّ كَالْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْكَامِلِينَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا) فَلَوْ حَضَرَ مَعَ امْرَأَةٍ كَانَ الْمُتَوَجَّهُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ، كَالْوَلِيِّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَمْرُهُ بِالصَّلَاةِ وَالْخُنْثَى فِيمَا ذَكَرَ كَالْمَرْأَةِ؛ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْخَنَاثَى لَا بُدَّ مِنْ صَلَاةِ الْجَمِيعِ فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِوَاحِدٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ ذَكَرٌ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (مَعَ وُجُودِ الذَّكَرِ) أَظْهَرُ فِي مَحِلِّ الْإِضْمَارِ لِلْإِيضَاحِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُودِهِ فِي مَحِلِّ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا وُجُودِهِ مُطْلَقًا وَلَا فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ شَرْحُ م ر أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فَتَلْزَمُهُنَّ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِهِنَّ، وَتُسَنُّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ كَمَا بَحَثَهُ زَكَرِيَّا وحج وَلَوْ حَضَرَ رَجُلٌ بَعْدَ صَلَاتِهِنَّ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ؛ وَلَوْ حَضَرَ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَقَبْلَ فَرَاغِهَا فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ أَوْ لَا؟ مَحِلُّ تَرَدُّدٍ وَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِاللُّزُومِ. اهـ. شَوْبَرِيُّ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْنِ) فَإِنْ دُفِنَ قَبْلَهَا أَثِمَ الدَّافِنُونَ وَصُلِّيَ عَلَى الْقَبْرِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَلَا يُنْبَشُ؛ فَوُجُوبُ تَقْدِيمِهَا عَلَى الدَّفْنِ لَيْسَ لِأَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ عَلَى قَبْرِ غَيْرِ نَبِيٍّ إلَخْ) أَيْ عَلَى صَاحِبِهِ، أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْبِلَى وَالِانْدِرَاسِ، وَيَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَقْبَرَةِ الْمَنْبُوشَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ فِي الْمَنْبُوشَةِ مُشْكِلٌ لِلْعِلْمِ بِنَجَاسَةِ مَا تَحْتَ الْمَيِّتِ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الْمَنْبُوشَةِ ع ش عَلَى م ر وَذَكَرَ ق ل خِلَافَهُ حَيْثُ قَالَ: نَعَمْ لَا يَضُرُّ اتِّصَالُ نَجَاسَةٍ بِهِ فِي الْقَبْرِ لِأَنَّهُ كَانْفِجَارِهِ، وَهُوَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ نَبِيٍّ) أَمَّا عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ فَلَا تَصِحُّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ أَيْ بِصَلَاتِهِمْ إلَيْهَا وَدَلَالَةُ هَذَا عَلَى الْمُدَّعَى إنَّمَا هِيَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كَانُوا يُصَلُّونَ الْمَكْتُوبَةَ لِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْمُدَّعَى هُنَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَتُقَاسُ عَلَى الْمَكْتُوبَةِ الَّتِي وَرَدَ اللَّعْنُ فِيهَا وَقَوْلُهُ " اتَّخَذُوا " يُشْعِرُ بِالتَّكَرُّرِ، وَالْمُدَّعَى هُنَا أَعَمُّ وَقَوْلُهُ " مَسَاجِدَ " أَيْ قِبَلًا يُصَلُّونَ إلَيْهَا؛ قَالَ السُّيُوطِيّ: هَذَا فِي، الْيَهُودِ وَاضِحٌ لِأَنَّ نَبِيَّهُمْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَاتَ، وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 غَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ وَالْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ مِمَّنْ كَانَ أَهْلَ فَرْضِهَا وَقْتَ مَوْتِهِ، قَالُوا: لِأَنَّ غَيْرَهُ مُتَنَفِّلٌ وَهَذِهِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا. وَنَازَعَ الْإِسْنَوِيُّ فِي اعْتِبَارِ وَقْتِ الْمَوْتِ قَالَ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْغُسْلِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ بَلْ لَوْ زَالَ بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْ الصَّلَاةِ وَأَدْرَكَ زَمَنًا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا فِيهِ فَكَذَلِكَ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَالتَّعْبِيرُ بِالْمَوْتِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. وَالْأَوْلَى بِإِمَامَةِ صَلَاةِ الْمَيِّتِ أَبٌ وَإِنْ أَوْصَى بِهَا لِغَيْرِهِ، فَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، فَابْنٌ فَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، فَبَاقِي الْعَصَبَةِ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ، فَذُو رَحِمٍ. وَيُقَدَّمُ حُرٌّ عَدْلٌ عَلَى عَبْدٍ أَقْرَبَ مِنْهُ وَلَوْ أَفْقَهَ وَأَسَنَّ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ فَلَا حَقَّ فِيهَا لِلزَّوْجِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ لَكِنَّ مَحِلَّهُ إذَا وُجِدَ مَعَ الزَّوْجِ غَيْرُ الْأَجَانِبِ وَمَعَ الْمَرْأَةِ   [حاشية البجيرمي] النَّصَارَى مُشْكِلٌ لِأَنَّ نَبِيَّهُمْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ تُقْبَضْ رُوحُهُ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ لَهُمْ أَنْبِيَاءً بِزَعْمِهِمْ كَالْحَوَارِيِّينَ وَمَرْيَمَ أَوْ الْمُرَادُ بِالْأَنْبِيَاءِ مَا يَشْمَلُ الصُّلَحَاءَ. قَوْلُهُ: (عَنْ الْبَلَدِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُرَادُ بِالْغَائِبِ مِنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَلَوْ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ ق ل وسم. قَوْلُهُ: (وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَالْمُصَلِّي مُسْتَقْبِلُهَا، لَكِنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ الْحَاضِرِينَ عِنْدَ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِصَلَاةِ غَيْرِهِمْ مَرْحُومِيٌّ وَلَوْ صَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ فِي يَوْمِهِ أَوْ سَنَتِهِ وَظَهَرَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ جَازَتْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُمْ، بَلْ يُسَنُّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزَةٌ وَتَعْيِينُهُ غَيْرُ شَرْطٍ أَوْ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ: اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، دُونَ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ إنْ كَانُوا مُحْسِنِينَ إلَخْ " لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا كُلُّهُمْ مُحْسِنِينَ وَلَا مُسِيئِينَ اهـ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (قَالُوا: لِأَنَّ غَيْرَهُ إلَخْ) يُمْكِنُ أَنَّ وَجْهَ التَّبَرِّي أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ صِحَّتُهَا مِنْ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالنِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَسُقُوطُ الْفَرْضِ بِفِعْلِهِمْ، شَوْبَرِيُّ وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَعْنَى " لَا يَتَنَفَّلُ بِهَا " أَيْ لَا يُؤْتَى بِهَا ابْتِدَاءً عَلَى صُورَةِ النَّفْلِيَّةِ، أَيْ مِنْ غَيْرِ جِنَازَةٍ بِأَنْ يُصَلِّيَهَا بِلَا سَبَبٍ، أَوْ الْمَعْنَى: لَا يَطْلُبُ تَكْرَارَهَا مِمَّنْ فَعَلَهَا أَوَّلًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " قَالُوا لِأَنَّ غَيْرَهُ إلَخْ " أَيْ لِأَنَّ غَيْرَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِفَرْضِهَا وَقْتَ الْمَوْتِ، وَالْغَيْرُ هُوَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ؛ وَوَجْهُ التَّبَرِّي أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يَصِحُّ إلَّا لَوْ صَلَّاهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فِي حَالِ صِبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ، وَالْمُدَّعَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ وَقْتَ الْمَوْتِ صَبِيًّا مَثَلًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ سَوَاءً صَلَّى حَالَةَ الصِّبَا أَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَهُوَ بَعْدَ الْبُلُوغِ غَيْرُ مُتَنَفِّلٍ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُؤْثَرْ) أَيْ فِي الصِّحَّةِ، أَيْ لَا يَكُونُ هَذَا مُقْتَضِيًا لِلصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: (بَلْ لَوْ زَالَ) أَيْ الْمَانِعُ كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ بَعْدَ الْغُسْلِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَكَذَلِكَ) أَيْ تَصِحُّ، فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا قَبْلَ الدَّفْنِ بِزَمَنٍ يُمْكِنُ فِعْلُهَا فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا طَاهِرًا مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ. اهـ. ق ل فَخَرَجَتْ النِّسَاءُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا عِنْدَ فَقْدِ الذُّكُورِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ، فَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ " طَاهِرًا " لِأَنَّ النِّسَاءَ يَصْدُقُ عَلَيْهِنَّ أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا عِنْدَ فَقْدِ الذُّكُورِ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى بِإِمَامَةٍ إلَخْ) هَذِهِ أَوْلَوِيَّةُ نَدْبٍ، فَلَوْ تَقَدَّمَ لِلْإِمَامَةِ غَيْرُ مَنْ هِيَ حَقُّهُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا صَحَّتْ الصَّلَاةُ وَلَا يَحْرُمُ، وَلَوْ أَنَابَ مَنْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلتَّقَدُّمِ غَيْرَهُ فَنَائِبُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبْعَدِ؛ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَوْصَى) أَيْ الْمَيِّتُ بِهَا لِغَيْرِهَا، أَيْ لِغَيْرِ الْأَبِ، فَلَا عِبْرَةَ بِوَصِيَّتِهِ؛ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَنْفِيذُهَا وَفَاءً لِغَرَضِ الْمَيِّتِ وَهَذِهِ الْغَايَةُ تَجْرِي فِي الْجَمِيعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فَبَاقِي الْعَصَبَةِ) أَيْ مِنْ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ. قَوْلُهُ: (فَذُو رَحِمٍ) وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْأَخَ لِلْأُمِّ، فَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ أَبُو الْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْخَالُ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأُمِّ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (حُرٌّ عَدْلٌ) أَيْ قَرِيبٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ أَقْرَبُ مِنْهُ قَوْلُهُ: (فَلَا حَقَّ فِيهَا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَالْأَوْلَى بِإِمَامَةِ صَلَاةِ الْمَيِّتِ إلَخْ " أَيْ فَعُلِمَ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهَا لِلزَّوْجِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (لِلزَّوْجِ) أَيْ غَيْرِ الْقَرِيبِ، أَمَّا هُوَ كَابْنِ الْعَمِّ فَلَهُ حَقٌّ فِيهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا لِلْمَرْأَةِ) أَيْ مُطْلَقًا مِنْ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَةِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي وَلَك أَنْ تَخُصَّ الْمَرْأَةَ بِالْأُنْثَى مِنْ الْأَقَارِبِ وَتُعَمِّمَ فِي الزَّوْجِ أَيْ الشَّامِلِ لِلْأُنْثَى وَتُعَمِّمَ فِي قَوْلِهِ " مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَجَانِبِ " أَيْ مِنْ الذُّكُورِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 ذَكَرٌ أَوْ خُنْثَى وَإِلَّا فَالزَّوْجُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَجَانِبِ، وَالْمَرْأَةُ تُصَلِّي وَتُقَدَّمُ بِتَرْتِيبِ الذِّكْرِ، وَيُقَدَّمُ الْعَبْدُ الْقَرِيبُ عَلَى الْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْعَبْدُ الْبَالِغُ عَلَى الْحُرِّ الصَّبِيِّ، وَشَرْطُ الْمُقَدَّمِ أَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا كَمَا فِي الْغُسْلِ، فَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ قُدِّمَ الْأَسَنُّ فِي الْإِسْلَامِ الْعَدْلُ عَلَى الْأَفْقَهِ مِنْهُ عَكْسُ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا الدُّعَاءُ، وَدُعَاءُ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَقِفَ غَيْرُ الْمَأْمُومِ مِنْ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ عِنْدَ رَأْسِ ذَكَرٍ وَعَجُزِ غَيْرِهِ مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى لِلِاتِّبَاعِ، وَتَجُوزُ عَلَى جَنَائِزَ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِرِضَا أَوْلِيَائِهَا لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الدُّعَاءُ، وَيُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ الْأَسْبَقُ مِنْ الذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ أَوْ الْخَنَاثَى وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَفْضَلَ، فَلَوْ سَبَقَتْ أُنْثَى ثُمَّ حَضَرَ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ أُخِّرَتْ عَنْهُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَلَوْ حَضَرَ خَنَاثَى مَعًا أَوْ مُرَتَّبِينَ جُعِلُوا صَفًّا عَنْ يَمِينِهِ رَأْسُ كُلٍّ مِنْهُمْ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ لِئَلَّا تَتَقَدَّمَ أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ، وَلَوْ وُجِدَ جُزْءُ مَيِّتٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ شَهِيدٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ غُسْلِهِ وَسُتِرَ بِخِرْقَةٍ وَدُفِنَ كَالْمَيِّتِ الْحَاضِرِ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ ظُفْرًا أَوْ شَعْرًا لَكِنْ لَا يُصَلَّى عَلَى   [حاشية البجيرمي] فِي الذَّكَرِ وَالْإِنَاثِ فِي الْأُنْثَى، وَكِلَا الْمَسْلَكَيْنِ صَحِيحٌ. اهـ. شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (وَالْمَرْأَةُ تُصَلِّي) أَيْ إمَامًا أَيْ الشَّامِلَةُ لِلْمُحْرِمِ تُصَلِّي بِتَرْتِيبِ الذَّكَرِ، فَيُقَدَّمُ الْأُصُولُ ثُمَّ الْفُرُوعُ ثُمَّ الْحَوَاشِي عَلَى مَا مَرَّ ثُمَّ الزَّوْجَةُ؛ يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ " بِتَرْتِيبِ الذَّكَرِ " هَكَذَا أَفْهَمُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا يُخَالِفُهُ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَتَقَدَّمَ) أَيْ فِي الْإِمَامَةِ وَقَوْلُهُ " بِتَرْتِيبِ الذَّكَرِ " أَيْ فَتُقَدَّمُ الْأُمُّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْبِنْتُ ثُمَّ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ ز ي. قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّمُ الْعَبْدُ الْقَرِيبُ) هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَا بَالِغَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ ح ل. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا) وَلَا فَاسِقًا وَلَا مُبْتَدِعًا وَلَا عَدُوًّا قَوْلُهُ: (فَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ) كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ؛ وَالتَّقَدُّمُ فِي الْأَجَانِبِ بِمَا يُقَدَّمُ بِهِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي السِّنِّ قُدِّمَ الْأَفْقَهُ فَالْأَقْرَأُ فَالْأَوْرَعُ بِالتَّرْتِيبِ السَّابِقِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. قَوْلُهُ: (الْعَدْلُ) أَمَّا غَيْرُ الْعَدْلِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِمَامَةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا الدُّعَاءُ) لَا يُقَالُ الْأَقْرَبِيَّةُ حَاصِلَةٌ مَعَ كَوْنِ الْأَسَنِّ مَأْمُومًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ رُبَّمَا يُعَجِّلُهُ عَمَّا يَفْرُغُ وُسْعُهُ فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ لِقَرِيبِهِ بِمَجَامِعِ الْخَيْرِ وَمُهِمَّاتِهِ. اهـ. حَجّ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ رَأْسِ ذَكَرٍ إلَخْ) عِبَارَةُ ع ش: وَتُوضَعُ رَأْسُ الذَّكَرِ لِجِهَةِ يَسَارِ الْإِمَامِ وَيَكُونُ غَالِبُهُ لِجِهَةِ يَمِينِهِ خِلَافَ مَا عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْآنَ، أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيَقِفُ الْإِمَامُ عِنْدَ عَجِيزَتِهِمَا وَيَكُونُ رَأْسَهُمَا لِجِهَةِ يَمِينِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ النَّاسُ الْآنَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَعَجُزِ غَيْرِهِ) وَلَوْ فِي الْقَبْرِ، شَوْبَرِيُّ وَحِكْمَةُ الْمُخَالَفَةِ الْمُبَالَغَةُ فِي سَتْرِ غَيْرِ الذَّكَرِ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بِرِضَا أَوْلِيَائِهَا) فَإِنْ لَمْ تَرْضَ الْأَوْلِيَاءُ هَلْ يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ؟ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَجُوزُ عَلَى جَنَائِزِ الْحُرْمَةِ إلَخْ حَرِّرْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الدُّعَاءُ) أَيْ وَالْجَمْعُ فِيهِ مُمْكِنٌ وَالْأَوْلَى إفْرَادُ كُلٍّ بِصَلَاةٍ إنْ أَمْكَنَ، وَعَلَى الْجَمْعِ إنْ حَضَرَتْ دَفْعَةٌ أَقْرَعَ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ أَيْ لِيَؤُمَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالْقَوْمِ. قَوْلُهُ: (الْأَسْبَقُ) فَإِنْ حَضَرُوا مَعًا وَتَمَحَّضُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا أَوْ خَنَاثَى قُدِّمَ إلَيْهِ أَفْضَلُهُمْ بِالْوَرَعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُرْغَبُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، لَا بِالْحُرِّيَّةِ لِانْقِطَاعِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَفْضَلَ) وَلَوْ نَبِيًّا ح ف. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى) فَيُؤَخَّرُ الْخُنْثَى لِلرَّجُلِ وَالصَّبِيِّ، وَتُؤَخَّرُ الْمَرْأَةُ لِلْخُنْثَى، وَلَا يُؤَخَّرُ الصَّبِيُّ لِلرَّجُلِ ق ل. قَوْلُهُ: (عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (رَأْسُ كُلٍّ) وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى الْإِمَامِ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْأَبْعَدُ عَنْ الْإِمَامِ، لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْخُنْثَى تُجْعَلُ رَأْسُهُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَيَقِفُ الْإِمَامُ عِنْدَ عَجِيزَةِ الْخُنْثَى الَّتِي تَلِيهِ وَرَأْسُهَا عَنْ يَمِينِهِ؛ فَاَلَّذِي يُوضَعُ بَعْدَهُ يَكُونُ رِجْلُهُ عِنْدَ رَأْسِ الْمَوْضُوعِ قَبْلَهُ لِيَكُونَ رَأْسُ كُلٍّ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وُجِدَ جُزْءُ مَيِّتٍ) أَيْ تَحَقَّقَ انْفِصَالُهُ مِنْهُ حَالَ مَوْتِهِ أَوْ فِي حَيَاتِهِ وَمَاتَ عَقِبَهُ فَخَرَجَ الْمُنْفَصِلُ مِنْ حَيٍّ وَلَمْ يَمُتْ عَقِبَهُ إذَا وُجِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ مُوَارَاتُهُ بِخِرْقَةٍ وَدَفْنُهُ. اهـ. م د وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِصَلَاتِهِمْ عَلَى يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ وَقَدْ أَلْقَاهَا طَائِرٌ بِمَكَّةَ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَعَرَفُوهَا بِخَاتَمِهِ مَعَ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي مَوْتِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ عَرَفُوا مَوْتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَاسْتُفِيضَ اهـ شَرْحُ حَجّ. قَوْلُهُ: (وَسُتِرَ بِخِرْقَةٍ) هَلْ يَجِبُ ثَلَاثُ خِرَقٍ سَابِغَةٍ إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَا فِي الْجُمْلَةِ أَمْ لَا؟ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالْجُمْلَةِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، حَرِّرْهُ. اهـ. سم عَلَى حَجّ قُلْت: الثَّانِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ خَالَفَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنَّمَا يُصَلَّى عَلَى الْجُزْءِ بِقَصْدِ الْجُمْلَةِ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ صَلَاةٌ عَلَى غَائِبٍ (وَ) الرَّابِعُ (دَفْنُهُ) فِي قَبْرٍ، وَأَقَلُّهُ حُفْرَةٌ تَمْنَعُ بَعْدَ رَدْمِهَا ظُهُورَ رَائِحَةٍ مِنْهُ فَتُؤْذِي الْحَيَّ، وَتَمْنَعُ نَبْشَ سَبُعٍ لَهَا فَيَأْكُلُ الْمَيِّتَ فَتُنْتَهَكُ حُرْمَتُهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِهِمَا إنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَبَيَانُ وُجُوبِ رِعَايَتِهِمَا فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي. وَخَرَجَ بِالْحُفْرَةِ مَا لَوْ وُضِعَ الْمَيِّتُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَجُعِلَ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَتَعَذَّرْ الْحَفْرُ وَسَيَأْتِي أَكْمَلُهُ فِي كَلَامِهِ. (وَاثْنَانِ لَا يُغْسَلَانِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمَا) لِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمَا. الْأَوَّلُ (الشَّهِيدُ) وَلَوْ أُنْثَى وَرَقِيقًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ إذَا   [حاشية البجيرمي] هُوَ الظَّاهِرُ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْخِرْقَةِ، وَمِثْلُ الْغُسْلِ التَّيَمُّمُ إنْ كَانَ تَيَمُّمٌ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَإِلَّا فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحِلَّ تَيَمُّمٍ وَتَعَذَّرَ غُسْلُهُ فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ح ل. قَوْلُهُ: (لَكِنْ لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ أَيْ وَلَا تُغَسَّلُ وَتُدْفَنُ وُجُوبًا وَيُنْدَبُ سَتْرُهَا بِخِرْقَةٍ، قَالَ م د: بِخِلَافِ الظُّفْرِ الْوَاحِدِ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِقَصْدِ الْجُمْلَةِ) فَيَقُولُ نَوَيْت أُصَلِّي عَلَى جُمْلَةِ مَا انْفَصَلَ مِنْهُ هَذَا الْجُزْءُ ح ل قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: أَيْ وُجُوبًا إنْ كَانَتْ بَقِيَّتُهُ غُسِّلَتْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا، وَنَدْبًا إنْ كَانَتْ صُلِّيَ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ تُغَسَّلْ الْبَقِيَّةُ وَجَبَ الصَّلَاةُ عَلَى الْعُضْوِ بِنِيَّتِهِ فَقَطْ، فَإِنْ نَوَى الْجُمْلَةَ لَمْ تَصِحَّ، فَإِنْ شَكَّ فِي غُسْلِ الْبَقِيَّةِ لَمْ تَجُزْ نِيَّتُهُ إلَّا إذَا عَلَّقَ اهـ حَجّ وَنَقَلَهُ شَيْخُنَا م د وَقَوْلُهُ: " إلَّا إذَا عَلَّقَ " بِأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت أُصَلِّي عَلَى جُمْلَةِ مَا انْفَصَلَ مِنْهُ هَذَا الْجُزْءُ إنْ كَانَتْ غُسِّلَتْ وَإِلَّا فَعَلَى هَذَا الْجُزْءِ فَقَطْ؛ وَهَذَا تَعْلِيقٌ بِمُقْتَضَى الْحَالِ فَلَا يَضُرُّ وَمَحِلُّ قَوْلِهِمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ يُنَافِي النِّيَّةَ فِيمَا إذَا كَانَ تَعْلِيقًا بِغَيْرِ مُقْتَضَى الْحَالِ، وَعِبَارَةُ م ر:. قَوْلُهُ " بِقَصْدِ الْجُمْلَةِ " مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ صُلِّيَ عَلَى الْجُزْءِ الْغَائِبِ، أَمَّا لَوْ كَانَ صُلِّيَ عَلَيْهِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِقَصْدِ الْجُزْءِ الْحَاضِرِ فَقَطْ، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا كَانَ قَدْ غُسِّلَ بَاقِيهِ وَإِلَّا قَصَدَ الصَّلَاةَ عَلَى الْجُزْءِ الْحَاضِرِ فَقَطْ قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّهُ حُفْرَةٌ إلَخْ) وَالضَّابِطُ لِلدَّفْنِ الشَّرْعِيِّ مَا يَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعَ سَوَاءٌ كَانَ فَسْقِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ الدَّفْنَ فِي الْفَسْقِيَّةِ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (ظُهُورَ رَائِحَةٍ) وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي مَحِلٍّ لَا يَدْخُلُهُ مَنْ يَتَأَذَّى بِالرَّائِحَةِ بَلْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَائِحَةٌ أَصْلًا كَأَنْ جَفَّ وَعَبَّرَ بِظُهُورٍ لِوُجُودِ الرَّائِحَةِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا؛ وَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ مَنْعُ ظُهُورِهَا أَيْ عَمَّنْ عِنْدَ الْقَبْرِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِهَا تَأَذِّيًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (فَتُؤْذِيَ الْحَيَّ) بِالنَّصْبِ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ مَعْطُوفٌ عَلَى ظُهُورِ، وَكَذَا قَوْلُهُ " فَيَأْكُلُ الْمَيِّتَ وَتُنْتَهَكُ إلَخْ " عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرُّ عَيْنِي. قَوْلُهُ: (نَبْشَ سَبُعٍ) وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي مَحِلٍّ لَا يَصِلُهُ السِّبَاعُ أَصْلًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (الثَّانِي) أَيْ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَلَازِمَيْنِ، كَالْفَسَاقِيِ الَّتِي لَا تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ مَعَ مَنْعِهَا السَّبُعَ فَلَا يُكْتَفَى بِهَا شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: (وَاثْنَانِ لَا يُغَسَّلَانِ) أَيْ لَا يُفْعَلُ ذَلِكَ لِتَحْرِيمِهِ، فَلَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ تَعْلِيلَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ غُسْلُهُمَا إلَخْ كَانَ فِيهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ وَيَلْزَمُ فِي الْمَيِّتِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ " إلَّا الشَّهِيدَ وَالسَّقْطَ إلَخْ " وَلَكِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ فِيهِ اثْنَانِ وَيَحْرُمُ فِيهِ اثْنَانِ مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الشَّهِيدِ، وَأَمَّا السَّقْطُ فَلَيْسَ لَنَا فَلَا يَجِبُ فِيهِ أَمْرَانِ وَيَحْرُمُ فِيهِ أَمْرَانِ بَلْ أَحْوَالُهُ ثَلَاثَةٌ سَتَأْتِي إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ بِالنَّظَرِ لِلْمَجْمُوعِ وَالْمَجْمُوعُ يَصْدُقُ بِالْبَعْضِ وَهُوَ الشَّهِيدُ. قَوْلُهُ: (لِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمَا) هُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّهِيدِ دُونَ السَّقْطِ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ غُسْلُهُ فَمُرَادُهُ الْمَجْمُوعُ أَوْ بِالنَّظَرِ لِلصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (الشَّهِيدُ) أَيْ الْمَقْتُولُ فَنُجَرِّدُهُ عَنْ بَعْضِ مَعْنَاهُ ع ش وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّهِيدِ مَنْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ فِي الْمَعْرَكَةِ، فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي مَعْرَكَةِ الْمُشْرِكِينَ ضَائِعًا فَبِالتَّجْرِيدِ تَصِيرُ لَهُ فَائِدَةٌ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ فِي مَعْرَكَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 مَاتَ (فِي مَعْرَكَةِ الْمُشْرِكِينَ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ» وَأَمَّا خَبَرُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فَصَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ» فَالْمُرَادُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ دَعَا لَهُمْ كَدُعَائِهِ لِلْمَيِّتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ وَسُمِّيَ شَهِيدًا لِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ مَنْ لَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ حَرْبِ الْمُشْرِكِينَ بِسَبَبِهَا، كَأَنْ قَتَلَهُ كَافِرٌ أَوْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً، أَوْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ أَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّتُهُ أَوْ سَقَطَ عَنْهَا، أَوْ تَرَدَّى حَالَ قِتَالِهِ فِي بِئْرٍ، أَوْ انْكَشَفَ عَنْهُ الْحَرْبُ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ قَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِجِرَاحَةٍ فِيهِ، وَإِنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ مِنْهَا أَوْ قَبْلَ انْقِضَائِهَا لَا بِسَبَبِ حَرْبِ الْمُشْرِكِينَ كَأَنْ مَاتَ بِمَرَضٍ أَوْ فُجْأَةً أَوْ فِي قِتَالِ بُغَاةٍ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ وَيُعْتَبَرُ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَوْنُهُ مُبَاحًا وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ أَمَّا الشَّهِيدُ الْعَارِي عَمَّا ذُكِرَ كَالْغَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ   [حاشية البجيرمي] الْكُفَّارِ لِإِخْرَاجِ شَهِيدِ الْآخِرَةِ كَالْمَبْطُونِ وَالْغَرِيقِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّجْرِيدِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا فَإِنْ قُلْتَ: الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ الشُّهَدَاءِ مَعَ أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَالْحِكْمَةُ الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةٌ فِيهِمْ وَهِيَ التَّعْظِيمُ؟ قُلْت: يُجَابُ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ فَضِيلَةٌ تُنَالُ بِالِاكْتِسَابِ فَرَغَّبَ الشَّارِعُ فِيهَا، وَلَا كَذَلِكَ النُّبُوَّةُ وَالرِّسَالَةُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُنَالَانِ بِالِاكْتِسَابِ كَمَا قَالَهُ اللَّقَانِيِّ: وَلَمْ تَكُنْ نُبُوَّةً مُكْتَسِبَةً. قَوْلُهُ: (وَسُمِّيَ شَهِيدًا لِشَهَادَةِ اللَّهِ إلَخْ) فَشَهِيدٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَشْهُودٍ لَهُ وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَهُ فَيَقْبِضُونَ رُوحَهُ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ شَهِيدٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْضًا وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَتَفَجَّرُ يَشْهَدُ لَهُ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَشْهَدُ الْجَنَّةَ حَالَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِلشَّهِيدِ عَشْرُ كَرَامَاتٍ: الْأُولَى يُغْفَرُ لَهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ، الثَّانِيَةُ يَرَى مَقْعَدَهُ فِي الْجَنَّةِ حَالَ مَوْتِهِ، الثَّالِثَةُ يَخْلُفُهُ اللَّهُ فِي أَرْضِهِ، الرَّابِعَةُ يُحَلَّى بِتَحْلِيَةِ الْإِيمَانِ، الْخَامِسَةُ يُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، السَّادِسَةُ يَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، السَّابِعَةُ يُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، الثَّامِنَةُ يُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ التَّاسِعَةُ يُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَهْلِهِ، الْعَاشِرَةُ يَحْيَا حَيَاةً طَيِّبَةً» قَالَ تَعَالَى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] . اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ الَأُجْهُورِيُّ وَقَوْلُهُ: " يُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ حُورِيَّةً " لَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِهِ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُزَوَّجُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ بِكْرٍ وَثَمَانِيَةِ آلَافِ أَيِّمٍ أَيْ ثَيِّبٍ وَمِائَةِ حَوْرَاءَ، فَيَجْتَمِعْنَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَيَقُلْنَ بِأَصْوَاتٍ حِسَانٍ لَمْ تَسْمَعْ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهِنَّ نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ أَيْ نَهْلَكُ وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ» اهـ ذَكَرَهُ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلسُّيُوطِيِّ. قَوْلُهُ (وَهُوَ مَنْ لَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ) صَادِقٌ بِمَنْ مَاتَ؛ لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ فَتَصْدُقُ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ أَصْلًا أَوْ فِيهِ حَيَاةٌ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ انْقِضَاءِ إلَخْ) هُوَ ظَرْفٌ لِلنَّفْيِ، أَيْ انْتَفَى ذَلِكَ قَبْلَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِسَبَبِهَا) أَيْ الْحَرْبِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّفْيِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً) وَكَذَا عَمْدًا إنْ اسْتَعَانَ بِهِ الْكُفَّارُ عَلَيْنَا. قَوْلُهُ: (أَوْ رَمَحَتْهُ) أَيْ رَفَسَتْهُ قَوْلُهُ: (أَوْ فُجْأَةً) بِالنَّصْبِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي قِتَالِ بُغَاةٍ) مَا لَمْ يَكُنْ الْقَاتِلُ لَهُ كَافِرًا اسْتَعَانَ بِهِ الْبُغَاةُ عَلَيْنَا، وَإِلَّا فَشَهِيدٌ دُونَ مَقْتُولِ الْبُغَاةِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ مُبَاحًا) أَيْ مَأْذُونًا فِيهِ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَخَرَجَ بِهِ قِتَالُ الذِّمِّيِّينَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ نَاقِضٌ لِلْعَهْدِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الشَّهِيدُ الْعَارِي إلَخْ) وَهَذَا يُقَالُ لَهُ شَهِيدُ الْآخِرَةِ فَقَطْ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ شَهِيدَ الْآخِرَةِ أَنَّ لَهُ رُتْبَةً فِيهَا زَائِدَةً عَلَى غَيْرِهِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تَبْلُغُ رُتْبَةَ شَهِيدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 وَالْمَطْعُونِ وَالْمَيِّتِ عِشْقًا وَالْمَيِّتَةِ مُطْلَقًا وَالْمَقْتُولِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ الْمَذْكُورِ ظُلْمًا فَيُغْسَلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيَجِبُ غَسْلُ نَجَسٍ أَصَابَهُ غَيْرُ دَمِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى زَوَالِ دَمِهَا، وَيُسَنُّ تَكْفِينُهُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا إذَا اُعْتِيدَ لُبْسُهَا غَالِبًا، أَمَّا ثِيَابُ الْحَرْبِ كَدِرْعٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُعْتَادُ لُبْسُهُ غَالِبًا كَخُفٍّ وَفَرْوَةٍ فَيُنْدَبُ نَزْعُهَا كَسَائِرِ الْمَوْتَى، فَإِنْ لَمْ تَكْفِ ثِيَابُهُ وَجَبَ تَتْمِيمُهَا بِمَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ (و) الثَّانِي (السِّقْطُ) بِتَثْلِيثِ السِّينِ (الَّذِي لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا) أَيْ بِأَنْ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ خَلْقُهُ، فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ غُسْلُهُ، وَيُسَنُّ سَتْرُهُ بِخِرْقَةِ وَدَفْنُهُ دُونَ غَيْرِهِمَا، أَمَّا إذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِصِيَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ظَهَرَتْ أَمَارَتُهَا كَاخْتِلَاجٍ أَوْ تَحَرُّكٍ فَكَكَبِيرٍ فَيُغْسَلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ لِتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ بَعْدَهَا فِي الْأُولَى وَظُهُورِ أَمَارَتِهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَظَهَرَ خَلْقُهُ وَجَبَ تَجْهِيزُهُ بِلَا صَلَاةٍ   [حاشية البجيرمي] الْمَعْرَكَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّهَدَاءَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: شَهِيدُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَشَهِيدُ الدُّنْيَا فَقَطْ، وَهُوَ مَنْ قَاتَلَ لَا لِذَلِكَ بَلْ لِلْغَنِيمَةِ وَنَحْوِهَا وَشَهِيدُ الْآخِرَةِ فَقَطْ، وَهُوَ كَثِيرٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَالْغَرِيقِ إلَخْ اهـ. قَوْلُهُ: (كَالْغَرِيقِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا بِرُكُوبِ الْبَحْرِ كَأَنْ رَكِبَ سَفِينَةً لَا يَسِيرُ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ الْبَحْرِ لِصِغَرِهَا أَوْ ثِقَلِهَا، وَالْعِصْيَانُ بِالتَّعَدِّي بِالرُّكُوبِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُنَافِي حُصُولَ الشَّهَادَةِ وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ: " كَالْغَرِيقِ " مَا لَمْ يُسَيِّرْ السَّفِينَةَ فِي وَقْتِ الْغَرَقِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ شَهَادَتِهِ رُكُوبُهَا لِشُرْبِ الْخَمْرِ إنْ لَمْ يَمُتْ بِشَرْقٍ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَيِّتِ عِشْقًا) وَلَوْ الْأَمْرَدَ إنْ عَفَّ وَكَتَمَ وَلَوْ عَنْ نَظَرٍ مُحَرَّمٍ وَعِبَارَةُ أج: وَالْمَيِّتُ عِشْقًا أَيْ بِشَرْطِ الْعِفَّةِ وَالْكِتْمَانِ وَإِمْكَانِ إبَاحَةِ الْمَعْشُوقِ شَرْعًا وَتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، وَخَرَجَ عِشْقُ الْأَمْرَدِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إبَاحَتُهُ فَعِشْقُهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَنَالُ بِهِ دَرَجَةَ الشَّهَادَةِ؛ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى عِشْقٍ اخْتِيَارِيٍّ فَلَوْ كَانَ اضْطِرَارِيًّا مَعَ الْعِفَّةِ وَالْكِتْمَانِ فَالْوَجْهُ حُصُولُ الشَّهَادَةِ ق ل قَالَ ع ش عَلَى م ر: مَعْنَى الْعِفَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي نَفْسِهِ إذَا اخْتَلَى بِهِ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا فَاحِشَةٌ، وَالْكِتْمَانُ أَنْ لَا يَذْكُرَ مَا بِهِ لِأَحَدٍ وَلَوْ لِمَحْبُوبِهِ، لَطِيفَةٌ: حُكِيَ أَنَّ شَخْصًا نَزَلَ هُوَ وَمَحْبُوبُهُ يَسْبَحَانِ فِي الْبَحْرِ فَغَرِقَ مَحْبُوبُهُ، فَأَشَارَ إلَى الْبَحْرِ وَأَنْشَدَ وَقَالَ: يَا مَاءُ مَالَكَ قَدْ أَتَيْتَ بِضِدِّ مَا ... قَدْ قِيلَ فِيك مُخَبِّرًا بِعَجِيبِ اللَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ فِيك حَيَاتَنَا ... فَلِأَيِّ شَيْءٍ مَاتَ فِيكَ حَبِيبِي فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَطَلَعَ لَهُ مِنْ الْبَحْرِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَيْتَةِ مُطْلَقًا) وَلَوْ مِنْ زِنًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي. قَوْلُهُ: (غَسْلُ نَجِسٍ) غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ غَسْلُ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ إنْ أَدَّى إلَى إزَالَةِ دَمِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ م د. قَوْلُهُ: (الَّتِي مَاتَ فِيهَا) وَلَوْ حَرِيرًا لَبِسَهُ لِأَجَلِ الْحَرْبِ، دُونَ مَا لَبِسَهُ لِقُمَّلٍ أَوْ جَرَبٍ. قَوْلُهُ: (وَفَرْوَةٍ) أَيْ وَجُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ. قَوْلُهُ: (بِمَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ) بَلْ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ إذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (صَارِخًا) حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِعَامِلِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلسَّقْطِ وَهُوَ النَّازِلُ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ نَظَّمَهَا شَيْخُنَا ح ف فَقَالَ: وَالسَّقْطُ كَالْكَبِيرِ فِي الْوَفَاةِ ... إنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ أَوْ خَفِيَتْ وَخَلْقُهُ قَدْ ظَهَرَا ... فَامْنَعْ صَلَاةً وَسِوَاهَا اعْتَبِرَا أَوْ اخْتَفَى أَيْضًا فَفِيهِ لَمْ يَجِبْ ... شَيْءٌ وَسَتْرٌ ثُمَّ دَفْنٌ قَدْ نُدِبْ قَوْلُهُ: (كَاخْتِلَاجِ) هُوَ التَّحَرُّكُ لِعُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ، فَعَطْفُ التَّحَرُّكِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ وَفِي الْمِصْبَاحِ: اخْتَلَجَ الْعُضْوُ اضْطَرَبَ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الِاخْتِلَاجِ وَالتَّحَرُّكِ تَأْكِيدٌ. قَوْلُهُ: (وَظَهَرَ خَلْقُهُ) وَلَوْ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 عَلَيْهِ، وَفَارَقَتْ الصَّلَاةُ غَيْرَهَا بِأَنَّهُ أَوْسَعُ بَابًا مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُغْسَلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَالسِّقْطُ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّقُوطِ وَهُوَ النَّازِلُ قَبْلَ تَمَامِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ بَلَغَهَا فَكَالْكَبِيرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالِاسْتِهْلَالُ الصِّيَاحُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ كَمَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فَقَوْلُهُ صَارِخًا تَأْكِيدٌ (وَيُغْسَلُ الْمَيِّتُ وِتْرًا) نَدْبًا كَمَا مَرَّ (وَيَكُونُ فِي أَوَّلِ غُسْلِهِ سِدْرٌ) أَوْ خِطْمِيٌّ (وَفِي آخِرِهِ) الَّذِي يَكُونُ وِتْرًا (شَيْءٌ مِنْ كَافُورٍ) تَقْوِيَةً لِلْجَسَدِ وَمَنْعًا لِلْهَوَامِّ وَالنَّتْنِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ إلَّا أَنَّهُ فِي الْأَخِيرَةِ آكَدُ. وَمَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ، أَمَّا الْمُحْرِمُ فَلَا يَقْرَبُ طِيبًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَصِفَةُ أَكْمَلِ الْغُسْلِ قَدْ تَقَدَّمَتْ. (وَيُكَفَّنُ) الْمَيِّتُ الذَّكَرُ (فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ) لِخَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» (لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ) هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ، وَيَجُوزُ رَابِعٌ وَخَامِسٌ فَيُزَادُ قَمِيصٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (بِلَا صَلَاةٍ عَلَيْهِ) أَيْ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ) أَيْ الْغَيْرَ أَوْسَعُ اهـ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَلَغَهَا فَكَالْكَبِيرِ) وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ خَلْقُهُ كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر، وَعِبَارَتُهُ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْوَلَدَ النَّازِلَ بَعْدَ تَمَامِ أَشْهُرِهِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ يَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الْكَبِيرِ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا وَإِنْ نَزَلَ مَيِّتًا وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ سَبْقُ حَيَاةٍ إذْ هُوَ خَارِجٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِمْ يَجِبُ دَفْنُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ اسْتَثْنُوا مِنْهُ مَا اسْتَثْنُوا وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ. قَوْلُهُ: (وَيُغَسَّلُ الْمَيِّتُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي تَفْصِيلِ قَوْلِهِ: " وَيَلْزَمُ فِي الْمَيِّتِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ غُسْلُهُ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (وِتْرًا) صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ غُسْلًا وِتْرًا كَمَا قَرَّرَهُ سم. قَوْلُهُ: (سِدْرٌ) أَيْ وَرَقُ سِدْرٍ وَهُوَ شَجَرُ النَّبْقِ، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ وَاحِدُهُ سِدْرَةٌ قَالَ تَعَالَى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 14] فَالسِّدْرُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِشَجَرِ النَّبْقِ وَفِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِوَرِقِهِ وَاخْتِيرَ وَرَقُ السِّدْرِ لِاخْتِصَاصِهِ أَيْ السِّدْرِ بِمَجْمُوعِ أَوْصَافٍ ثَلَاثَةٍ ظِلٌّ مَدِيدٌ وَطَعْمٌ لَذِيذٌ وَرَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ خِطْمِيٌّ) بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ. اهـ. م د وَهُوَ وَرَقٌ يُشْبِهُ وَرَقَ الْخُبَّيْزَا. قَوْلُهُ: (شَيْءٌ مِنْ كَافُورٍ) التَّنْكِيرُ فِيهِ لِلتَّقْلِيلِ، أَيْ شَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْ كَافُورٍ بِحَيْثُ لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ وَإِلَّا ضُرٌّ؛ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ صُلْبٍ فَإِنْ كَانَ صُلْبًا فَلَا يَضُرُّ أَصْلًا لِأَنَّهُ مُجَاوِرٌ. قَوْلُهُ: (لِلْهَوَامِّ) جَمْعُ هَامَّةٍ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْهَوَامُّ دَوَابُّ الْأَرْضِ، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَالْأَصْلُ أَنَّهَا الدَّوَابُّ ذَوَاتُ السَّمُومِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ كُلِّ هَامَّةٍ وَسَامَّةٍ» م د. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ غَسْلَةٍ) أَيْ مِنْ غَسَلَاتِ الْمَاءِ الْقَرَاحِ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَخِيرَةِ آكَدَ) وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَقْرَبُ طِيبًا) لِبَقَاءِ أَثَرِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَيْ فِيمَا إذَا مَاتَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَهُوَ كَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ الْمُحَدَّةِ فَلَا يَحْرُمُ فِيهَا شَيْءٌ كَالتَّطَيُّبِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِحْدَادَ لِلتَّفَجُّعِ عَلَى الزَّوْجِ وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَلِأَنَّ أَثَرَ الْإِحْرَامِ فِيهِ بَاقٍ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ: «إنَّ الْمُحْرِمَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَيَعْصِي مَنْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْنَا إبْقَاءُ أَثَرِ الْإِحْرَامِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا جَازَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي تَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مَا عَدَا النِّسَاءِ فَنَحْنُ كَذَلِكَ إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " لَا يَقْرَبُ طِيبًا " أَيْ يَحْرُمُ تَطْيِيبُهُ وَطَرْحُ الْكَافُورِ فِي مَاءِ غُسْلِهِ كَمَا يَمْتَنِعُ فِعْلُهُ فِي كَفَنِهِ، فَيَحْرُمُ أَنْ يَقْرَبَ طِيبًا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بَدَنُهُ وَمَاءُ غُسْلِهِ وَكَفَنُهُ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَى فَاعِلِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (الْبَسُوا) بِوَزْنِ اعْلَمُوا مِنْ بَابِ عَلِمَ يَعْلَمُ فَهُوَ بِكَسْرِ عَيْنِ الْمَاضِي وَفَتْحِ عَيْنِ الْمُضَارِعِ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَعَكْسُهُ مَعْنَاهُ الِاخْتِلَاطُ قَالَ بَعْضُهُمْ: لِعَيْنِ مُضَارِعٍ فِي لُبْسِ ثَوْبٍ ... أَتَى فَتْحٌ وَفِي الْمَاضِي بِكَسْرِ وَفِي خَلْطِ الْأُمُورِ أَتَى بِعَكْسٍ ... لَعَيْنِهِمَا فَخُذْهُ بِغَيْرِ عُسْرِ قَوْلُهُ: (الْبَيَاضَ) أَيْ ذَا الْبَيَاضِ. قَوْلُهُ: (هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ) أَيْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا، فَلَا يُنَافِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 وَعِمَامَةٌ تَحْتَ اللَّفَائِفِ، وَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى خَمْسَةٌ إزَارٌ فَقَمِيصٌ فَخِمَارٌ وَهُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ فَلِفَافَتَانِ. وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ سَبْعَةٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ النِّيَّةُ كَنِيَّةِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا يَجِبُ فِي الْمَيِّتِ الْحَاضِرِ تَعْيِينُهُ بِاسْمِهِ أَوْ نَحْوِهِ وَلَا مَعْرِفَتُهُ، بَلْ يَكْفِي تَمْيِيزُهُ نَوْعَ تَمْيِيزٍ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ   [حاشية البجيرمي] مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الثَّلَاثَةِ مِنْ التَّرِكَةِ حَيْثُ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْهَا، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهَا الْغُرَمَاءُ ح ل. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ رَابِعٌ وَخَامِسٌ) لَكِنَّهُمَا خِلَافُ الْأَوْلَى، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِرِضَا الْوَرَثَةِ الْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفُ وَإِلَّا حُرِّمَتْ الزِّيَادَةُ؛ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأُنْثَى. قَوْلُهُ: (وَعِمَامَةٌ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، فَلَوْ أَخَّرَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ " إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا " إلَى هُنَا كَانَ أَوْلَى. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (خَمْسَةُ) أَيْ مُبَالَغَةً فِي سَتْرِهَا وَحِكْمَةُ كَوْنِ الذَّكَرِ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ وَالْمَرْأَةِ فِي خَمْسَةٍ أَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ لَمَّا خَالَفَا وَأَكَلَا مِنْ الشَّجَرَةِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِخْرَاجِهِمَا مِنْ الْجَنَّةِ، فَسَقَطَتْ التِّيجَانُ مِنْ رُءُوسِهِمَا وَالْحُلَلُ عَنْ أَجْسَادِهِمَا، فَمَرَّا عَلَى أَشْجَارِ الْجَنَّةِ يُرِيدَانِ شَجَرَةً يَسْتَتِرَانِ مِنْهَا فَلَمْ يُعْطَيَا شَيْئًا، فَمَرَّا عَلَى شَجَرَةِ التِّينِ فَأَعْطَتْهُمَا ثَمَانِيَةَ أَوْرَاقٍ ثَلَاثَةٌ لِآدَمَ وَخَمْسَةٌ لِحَوَّاءَ؛ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةُ أَكْفَانٍ وَلِلْمَرْأَةِ خَمْسَةٌ إذَا مَاتَا وَلَمَّا أَعْطَتْهُمَا شَجَرَةُ التِّينِ تِلْكَ الْأَوْرَاقِ قَالَ لَهَا الرَّبُّ جَلَّ وَعَلَا: أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ كُلُّ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ لَمْ يُعْطُوا لَهُمَا شَيْئًا مِنْ أَوْرَاقِهَا وَأَنْتَ أَعْطَيْتِهِمَا تِلْكَ الْأَوْرَاقَ، فَقَالَتْ: إلَهِي وَسَيِّدِي أَنْتَ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْكَرِيمَ أَنَا أَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ أَحْبَبْتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَبْشِرِي فَإِنِّي جَعَلْتُك أَفْضَلَ شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ وَخَصَصْتُك بِثَلَاثٍ: حَرَّمْتُك عَلَى النَّارِ وَجَعَلْتُكِ قُوتًا لَبَنِي آدَمَ وَجَعَلْتُ أَكْفَانَ بَنِي آدَمَ عَدَدَ الْأَوْرَاقِ الَّتِي أَعْطَيْتهَا لِآدَمَ وَحَوَّاءَ وَسُتْرَتِي بِهَا عَوْرَاتِهِمَا، ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَفِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ لِلسُّيُوطِيِّ: قِيلَ لَمَّا نَزَلَ آدَم مِنْ الْجَنَّةِ نَزَلَ مَعَهُ أَرْبَعُ وَرَقَاتٍ مِنْ وَرَقِ التِّينِ كَانَ قَدْ سَتَرَ بِهَا عَوْرَتَهُ، فَلَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ جَاءَهُ كُلُّ حَيَوَانٍ فِي الْأَرْضِ يُهَنِّئُهُ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَيَتَبَرَّكُونَ بِهِ، فَسَبَقَ إلَيْهِ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَهُمْ الْغَزَالُ وَبَقَرُ الْبَحْرِ وَالنَّحْلُ وَالدُّودُ، فَأَطْعَمَ وَرَقَةً لِلْغَزَالِ فَصَارَ مِنْهُ الْمِسْكُ وَأَطْعَمَ وَرَقَةً لِبَقَرِ الْبَحْرِ فَصَارَ مِنْهُ الْعَنْبَرُ وَأَطْعَمَ وَرَقَةً لِلنَّحْلِ فَصَارَ مِنْهُ الْعَسَلُ وَأَطْعَمَ وَرَقَةً لِلَّدُودِ فَصَارَ مِنْهُ الْحَرِيرُ؛ فَسُبْحَان الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ اهـ. قَوْلُهُ: (إزَارٌ) هُوَ وَالْمِئْزَرُ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْوَاجِبُ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَيُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَقَوْلُهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، أَيْ مِنْ أَنَّهُ ثَوْبٌ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ أَوْ جَمِيعَ الْبَدَنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (كَنِيَّةِ غَيْرِهَا) أَيْ فِي وَقْتِهَا، وَيَكْفِي فِيهَا نِيَّةُ مُطْلَقِ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ كِفَايَةً كَمَا يَكْفِي نِيَّةُ الْفَرْضِ فِي إحْدَى الْخَمْسِ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْعَيْنِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ تَعَيُّنُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَلَوْ فِي صَلَاةِ امْرَأَةٍ مَعَ رِجَالٍ وَلَوْ فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر، وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ فَلْيُحَرَّرْ، م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وَعِبَارَتُهُ هُنَا: وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ حَتَّى فِي الصَّبِيِّ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْتُوبَةِ بِأَنَّ فِي صَلَاتِهِ هُنَا إسْقَاطًا عَنْ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْجُمْلَةِ وَالْمَرْأَةُ كَالصَّبِيِّ. قَوْلُهُ: (الْحَاضِرِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْغَائِبِ مِنْ تَعْيِينِهِ بِاسْمِهِ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَكْفِي فِيهِ أَيْضًا الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْإِمَامُ اهـ ح ل وَعِبَارَةُ ز ي: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْغَائِبِ مِنْ تَعْيِينِهِ إلَّا إذَا قَالَ: أُصَلِّي عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ آخَرَ النَّهَارِ: أُصَلِّي عَلَى مَنْ مَاتَ بِأَقْطَارِ الْأَرْضِ وَغُسِّلَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ نَظَرًا لِلْعُمُومِ؛ وَقَوْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ كَاسْمِ جِنْسِهِ نَحْوُ رَجُلٍ اهـ. قَوْلُهُ: (نَوْعَ تَمْيِيزٍ) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى هَذَا الْبَيْتِ) وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي صُنْدُوقٍ مَثَلًا صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ تَرَدُّدٍ لِبَعْضِ الْيَمَانِيِّينَ اهـ ز ي فَرْعٌ: قَالَ م ر: إذَا كَانَ الْمَيِّتُ فِي سِحْلِيَّةٍ مُسَمَّرَةٍ عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ فِي مَحِلٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ بَابٌ مُسَمَّرٌ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسَمَّرَةً وَلَوْ بَعْضَ أَلْوَاحِهَا الَّذِي يَسَعُ خُرُوجَ الْمَيِّتِ مِنْهُ صَحَّتْ الصَّلَاةُ اهـ فَأَوْرَدْتُ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 أَوْ عَلَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ، فَإِنْ عَيَّنَهُ كَزَيْدٍ أَوْ رَجُلٍ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَأَخْطَأَ فِي تَعْيِينِهِ فَبَانَ عُمَرًا أَوْ امْرَأَةً لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ صَحَّتْ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ، فَإِنْ حَضَرَ مَوْتَى نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَدَهُمْ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَلَوْ صَلَّى عَلَى بَعْضِهِمْ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ ثُمَّ صَلَّى عَلَى الْبَاقِي لَمْ تَصِحَّ، وَلَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ بِالصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ حَضَرَتْ أُخْرَى وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ تُرِكَتْ حَتَّى يَفْرُغَ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا أَوَّلًا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ صَلَّى عَلَى حَيٍّ وَمَيِّتٍ صَحَّتْ عَلَى الْمَيِّتِ إنْ جَهِلَ الْحَالَ وَإِلَّا فَلَا، وَيَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ وَالرُّكْنُ الثَّانِي قِيَامُ قَادِرٍ عَلَيْهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ. (وَ) الرُّكْنُ الثَّالِثُ (يُكَبِّرُ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَادَ ذِكْرًا وَإِذَا زَادَ إمَامُهُ عَلَيْهَا لَمْ يُسَنَّ لَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي الزَّائِدِ لِعَدَمِ سَنِّهِ لِلْإِمَامِ بَلْ يُفَارِقُهُ وَيُسَلِّمُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ.   [حاشية البجيرمي] أَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُسَمَّرَةً كَانَتْ كَالْبَابِ الْمَرْدُودِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَيَجِبُ أَنْ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ ذَلِكَ كَمَا لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ مَعَ ذَلِكَ إذَا كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، بَلْ قَضِيَّةُ ذَلِكَ امْتِنَاعُ الصَّلَاةِ عَلَى امْرَأَةٍ عَلَى تَابُوتِهَا قُبَّةٌ فَتُكَلَّفُ فِي الْجَوَابِ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ الظُّهُورَ وَمِنْ شَأْنِ الْمَيِّتِ السَّتْرَ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ جِدًّا سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَقَوْلُ سم " مَا لَمْ تَكُنْ مُسَمَّرَةً " شَمَلَ مَا لَوْ كَانَ بِهَا شِدَادٌ وَلَمْ تُحَلَّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ تَكُنْ السِّحْلِيَّةُ عَلَى نَجَاسَةٍ أَوْ يَكُنْ أَسْفَلُهَا نَجِسًا، وَإِلَّا وَجَبَ الْحَلُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَهُوَ خَارِجَ الْبَيْتِ الضَّرَرُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ التَّعْيِينُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُعَيَّنَاتِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُعْتَبَرُ التَّعَرُّضُ لَهُ جُمْلَةً. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ) وَلَوْ إشَارَةً قَلْبِيَّةً ح ف. قَوْلُهُ: (ثُمَّ صَلَّى عَلَى الْبَاقِي لَمْ تَصِحَّ) فَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُشِرْ؛ وَإِنَّمَا لَمْ تَصِحَّ لِوُجُودِ الْإِبْهَامِ الْمُطْلَقِ فِي كُلٍّ مِنْ الْبَعْضَيْنِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَفْرُغَ) أَيْ الْإِمَامُ ثُمَّ يُصَلِّي إلَخْ. قَوْلُهُ: (نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ) أَوْ الِائْتِمَامُ أَوْ الْجَمَاعَةُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (قِيَامُ قَادِرٌ عَلَيْهِ) وَلَوْ صَبِيًّا وَامْرَأَةً مَعَ رِجَالٍ وَإِنْ وَقَعَتْ لَهُمَا نَفْلًا، رِعَايَةً لِصُورَةِ الْفَرْضِ؛ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ قَعَدَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ اضْطَجَعَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاضْطِجَاعِ اسْتَلْقَى، فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ كَمَا مَرَّ فِي غَيْرِهَا وَعِبَارَةُ م ر: شَمَلَ ذَلِكَ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ إذَا صَلَّيَا مَعَ الرِّجَالِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ خِلَافًا لِلنَّاشِرِيِّ اهـ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْقَطْعُ وَيُمْنَعُ مِنْهُ الصَّبِيُّ وَالْعَاجِزُ عَنْهُ كَالْجَالِسِ وَالْمُضْطَجِعِ وَالْمُسْتَلْقِي تَصِحُّ مِنْهُ وَيَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْقَادِرِ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُشَرَّعْ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الْمَيِّتَ اعْتَرَضَ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَوْ أُمِرَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَتَوَهَّمَ الْجَاهِلُ أَنَّهُ لِلْمَيِّتِ. اهـ. ابْنُ الْعِمَادِ قَوْلُهُ: (فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا) سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا. قَوْلُهُ: (لَمْ تَبْطُلْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا وَلَمْ يَعْتَقِدْ الْبُطْلَانَ وَلَا نَوَى بِهِ الرُّكْنِيَّةَ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ اعْتِقَادُ الرُّكْنِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى تَكْرِيرِ الْفَاتِحَةِ بِقَصْدِ الرُّكْنِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ سُلْطَانُ وَلَوْ وَالَى رَفْعَ يَدَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ فَالْوَجْهُ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعِيدِ سم شَوْبَرِيُّ وَعِبَارَةُ أج: لَمْ تَبْطُلْ، أَيْ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ الْبُطْلَانَ بِالزِّيَادَةِ وَإِلَّا بَطَلَتْ اهـ. قَوْلُهُ: (لَمْ تُسَنَّ لَهُ مُتَابَعَتُهُ) بَلْ يُكْرَهُ، فَلَوْ تَابَعَهُ فِي الزَّائِدِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ م ر وَذَكَرَهُ خ ض وَغَيْرُهُ فَلْيُحْفَظْ وَلَا تَغْفُلْ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَا يَدْخُلُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ. اهـ. م د وَعِبَارَةُ أج: لَمْ تُسَنَّ لَهُ مُتَابَعَتُهُ، أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: تُسَنُّ وَالْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: الْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَفْضَلُ) سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا. اهـ. ق ل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلِعُمُومِ خَبَرِ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَقَوْلُهُ (يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الْأُولَى) هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ، وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تِبْيَانِهِ وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ كَمَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَنَّهَا تُجْزِئُ فِي غَيْرِ الْأُولَى مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ فِي التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي الثَّالِثَةِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ، وَيَجُوزُ إخْلَاءُ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الْقِرَاءَةِ اهـ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ) صَنِيعُهُ هُنَا فِي حَلِّ الْمَتْنِ غَيْرُ حَسَنٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَتْنَ يُفِيدُ شَيْئَيْنِ: رُكْنِيَّةَ الْفَاتِحَةِ وَكَوْنَ مَحِلِّهَا بَعْدَ الْأُولَى، وَالشَّارِحُ جَعَلَهُ مُفِيدًا لِلثَّانِيَّ فَقَطْ حَيْثُ قَالَ: وَالرَّابِعُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَجَعَلَ كَلَامَ الْمَتْنِ مُفِيدًا لِكَوْنِهَا بَعْدَ الْأُولَى فَقَطْ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْأُولَى إلَخْ، وَسَيَأْتِي لَهُ هَذَا الصَّنِيعُ فِي الدُّعَاءِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَنَّهَا تُجْزِئُ فِي غَيْرِ الْأُولَى) مُعْتَمَدٌ. وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْأُولَى وَلَوْ غَيْرَ الرَّابِعَةِ كَأَنْ زَادَ خَامِسَةً وَقَرَأَهَا فِيهَا سم وَشَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ الثَّانِيَةِ) أَيْ مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَوْلُهُ: وَالثَّالِثَةُ، أَيْ مَعَ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعَةُ) أَيْ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ، فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُهَا وَتَأْخِيرُهَا إلَى غَيْرِهَا م ر شَوْبَرِيُّ فَرْعٌ: أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ وَاسْتَمَرَّ عَمْدًا تَارِكًا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ أُخْرَى وَهِيَ الثَّانِيَةُ، فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَبِّرَ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا بَعْدَ الْأُولَى لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا الْأَصْلِيُّ فَتَعَيَّنَتْ فِيهِ بِإِدْرَاكِ قَدْرِهَا مَا لَمْ يَصْرِفْ عَنْهَا، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ إمَّا الْمُفَارَقَةُ وَإِمَّا قِرَاءَتُهَا مَا لَمْ يَخَفْ شُرُوعَ الْإِمَامِ فِي الثَّالِثَةِ، فَإِنْ أَتَمَّهَا قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الثَّالِثَةِ مَشَى عَلَى نَظْمِ صَلَاتِهِ، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْرَعَ الْإِمَامُ فِيهَا قَبْلَ إتْمَامِهَا فَارَقَهُ وُجُوبًا وَأَتَمَّهَا؛ نَعَمْ إنْ قَصَدَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى تَأْخِيرَ الْفَاتِحَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْأُولَى فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَعَيُّنِهَا بَعْدَ الْأُولَى سم. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمَجْمُوعِ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ تَتَعَيَّنْ الْفَاتِحَةُ فِي مَحَلِّهَا الَّذِي هُوَ الْأُولَى مَعَ أَنَّ غَيْرَهَا مُتَعَيِّنٌ فِي مَحَلِّهِ بَلْ رُبَّمَا يُقَالُ تَعْيِينُهَا فِي الْأُولَى إمَّا أَوْلَوِيٌّ أَوْ مُسَاوٍ لِتَعَيُّنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّانِيَةِ وَالدُّعَاءِ فِي الثَّالِثَةِ، فَمَا الْفَرْقُ؟ قُلْتُ: يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الشَّفَاعَةُ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسِيلَةٌ لِقَبُولِهَا، فَتَعَيَّنَ مَحَلُّهُمَا الْوَارِدَانِ فِيهِ عَنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إشْعَارًا بِذَلِكَ؛ بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهَا مَحَلٌّ إشْعَارًا بِأَنَّهَا دَخِيلَةٌ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُسَنَّ فِيهَا السُّورَةُ. اهـ. حَجّ وَشَوْبَرِيٌّ مُلَخِّصًا وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ " بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى "، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: تُجْزِئُ بَعْدَ غَيْرِهَا أَيْضًا، وَلَهُ عَلَى هَذَا جَمْعُهَا مَعَ رُكْنٍ آخَرَ وَتَأْخِيرُهَا عَنْ الرَّابِعَةِ؛ نَعَمْ تَتَعَيَّنُ عَقِبَ الْأُولَى لِلْمَسْبُوقِ وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ " بِعَقِبِ " بَدَلَ " بَعْدَ " فِي الْكُلِّ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. ق ل وَ. قَوْلُهُ " نَعَمْ تَتَعَيَّنُ عَقِبَ الْأُولَى لِلْمَسْبُوقِ " ضَعِيفٌ، فَفِي حَاشِيَةِ سم عَلَى حَجّ عِنْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِهَا مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ " وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ " أَيْ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهَا لِتَكْبِيرَةٍ أُخْرَى، وَقَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَ إمَامُهُ فِي غَيْرِهَا " أَيْ بِأَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مَثَلًا اهـ بِحُرُوفِهِ وَفِي فَتَاوَى م ر مَا نَصُّهُ: سُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ تَبَاطَأَ بِإِحْرَامِهِ عَنْ إحْرَامِ إمَامِهِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَمَّا أَنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ التَّحَرُّمِ كَبَّرَ إمَامُهُ الثَّانِيَةَ، هَلْ يُكَبِّرُ مَعَهُ وُجُوبًا وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ رَأْسًا أَوْ يَأْتِي بِهَا فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْأُولَى لَيْسَتْ الْفَاتِحَةُ مُتَعَيِّنَةً فِيهَا؟ وَإِذَا تَرَكَهَا فِي الْأُولَى عَمْدًا وَأَتَى بِهَا فِي الثَّانِيَةِ فَهَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهَا عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يُقَدِّمَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا؟ فَأَجَابَ: يُكَبِّرُ مَعَهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ وَيَتَحَمَّلُهَا الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِمَا بَعْدَ الْأُولَى لِسُقُوطِ مَحِلِّهَا الْأَصْلِيِّ، وَمَتَى أَخَّرَهَا لِمَا بَعْدَ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ فَتَقْدِيمُ الْفَاتِحَةِ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 وَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَبَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي قُرِئَتْ الْفَاتِحَةُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضَهَا فِي رُكْنٍ وَبَعْضَهَا فِي رُكْنٍ آخَرَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ هَذِهِ الْخَصْلَةَ لَمْ تَثْبُتْ، وَكَالْفَاتِحَةِ فِيمَا ذُكِرَ عِنْدَ الْعَجْزِ بَدَلَهَا (وَ) الرُّكْنُ الْخَامِسُ (يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الثَّانِيَةِ) لِلِاتِّبَاعِ، وَأَقَلُّهَا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَتُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ كَالدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ عَقِبَهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) الرُّكْنُ السَّادِسُ (يَدْعُو لِلْمَيِّتِ) بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَا قَبْلَهُ مُقَدِّمَةٌ لَهُ فَلَا يَكْفِي الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْوَاجِبُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَاللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَاَللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَأَمَّا الْأَكْمَلُ فَسَيَأْتِي، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ الْأَشْبَهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَجِبُ الدُّعَاءُ لَهُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ. قَالَ الْغَزِّيُّ: بَاطِلٌ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ (بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الثَّالِثَةِ) فَلَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِهَا بِلَا خِلَافٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَيْسَ لِتَخْصِيصِ ذَلِكَ إلَّا مُجَرَّدُ الِاتِّبَاعُ اهـ وَيَكْفِي ذَلِكَ. وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِهَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَضَعُ يَدَيْهِ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ تَحْتَ صَدْرِهِ كَغَيْرِهَا مِنْ   [حاشية البجيرمي] الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى اهـ بِحُرُوفِهِ. وَظَاهِرُهُ سُقُوطُ الْفَاتِحَةِ عَنْ الْمَسْبُوقِ بِتَكْبِيرِ الْإِمَامِ عَقِبَ تَكْبِيرِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهَا بَعْدَ الْأُولَى نَظَرًا لِمَحِلِّهَا الْفَاضِلِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا عَلَّلَ بِهِ؛ وَتَلَخَّصَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ تُجْزِئُ بَعْدَ غَيْرِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَلَوْ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَقَبْلَ السَّلَامِ فِي غَيْرِ الْمَسْبُوقِ وَفِي الْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مَا يَسَعُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَمَا ذَكَرَهُ ق ل مِنْ الِاسْتِدْرَاكِ ضَعِيفٌ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ قَوْلُ ق ل " وَلَوْ عَبَّرَ بِعَقِبِ إلَخْ " لَا يَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ مَعَ مَا فِي جَوَابِ م ر مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ حَيْثُ أَخَّرَ الْفَاتِحَةَ وَلَوْ تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ عَنْ إمَامِهِ بِلَا عُذْرٍ بِتَكْبِيرَةٍ حَتَّى شَرَعَ إمَامُهُ فِي أُخْرَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إذْ الِاقْتِدَاءُ هُنَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَهُوَ تَخَلُّفٌ فَاحِشٌ يُشْبِهُ التَّخَلُّفَ بِرَكْعَةٍ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ كَنِسْيَانٍ فَلَا تَبْطُلُ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وخ ط وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ قَالُوا: تَبْطُلُ بِتَكْبِيرَتَيْنِ اهـ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّقَدُّمَ كَالتَّخَلُّفِ، بَلْ أَوْلَى خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ كَمَا فِي خ ط عَلَى الْغَايَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضَهَا فِي رُكْنٍ وَبَعْضَهَا فِي رُكْنٍ آخَرَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْخَصْلَةَ لَمْ تَثْبُتْ فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ مُوَافِقٍ شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهَا وَتَأْخِيرُهَا إلَى مَا بَعْدَ غَيْرِهَا؟ أَجَابَ ابْنُ م ر بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالشُّرُوعِ، فَقَوْلُهُمْ الْفَاتِحَةُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْأُولَى أَيْ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ إلَخْ) كَمَا إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ؛ وَكَذَا إذَا قَرَأَهَا بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ: (يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ) وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يُكْرَهُ فِيهَا إفْرَادُ الصَّلَاةِ عَنْ السَّلَامِ لِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اتِّبَاعًا لِلْوَارِدِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخِرِ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَقْتَ زِيَارَتِهِ فَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ عَنْ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّهَا إلَخْ) وَأَكْمَلُهَا مَا فِي التَّشَهُّدِ، وَهُوَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) فَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إلَخْ قَوْلُهُ: (بِخُصُوصِهِ) أَوْ فِي عُمُومِ غَيْرِهِ بِقَصْدِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِأُخْرَوِيٍّ كَاَللَّهُمِ اغْفِرْ لَهُ أَوْ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ أَوْ اللَّهُمَّ اُلْطُفْ بِهِ أَوْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَوْ رَحِمَهُ أَوْ لَطَفَ بِهِ، فَلَا يَكْفِي الدُّعَاءُ بِدُنْيَوِيٍّ إلَّا أَنْ يَئُولَ إلَى نَفْعٍ أُخْرَوِيٍّ كَاَللَّهُمِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ. قَوْلُهُ: (وَاَللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، إذْ الْمَغْفِرَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الذَّنْبَ رَحْمَانِيُّ؛ فَيَكْفِي فِي الصَّغِيرِ أَنْ يُدْعَى لَهُ بِالْأَقَلِّ كَاَللَّهُمِ اغْفِرْ لَهُ وَبِالْأَكْمَلِ الْآتِي فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ إلَخْ) الَّذِي اعْتَمَدَهُ ع ش اسْتِثْنَاءُ الطِّفْلِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمَيِّتُ يُدْعَى لَهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا عِبْرَةَ بِكَلَامِ الْغَزِّيِّ، وَرُبَّمَا يُرَشَّحُ لَهُ تَبْرِئَةُ الشَّارِحِ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ: قَالَ الْغَزِّيُّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بَاطِلٌ) إنْ حَمَلَ عَلَى إخْلَاءِ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الدُّعَاءِ لَهُ أَوْ لِوَالِدَيْهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الدُّعَاءُ لِلصَّغِيرِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى لَهُ أَوْ لِوَالِدَيْهِ فَلَيْسَ بِبَاطِلٍ. قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي ذَلِكَ) أَيْ يَكْفِي الِاتِّبَاعُ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 الصَّلَوَاتِ، وَتَعَوُّذٌ لِلْقِرَاءَةِ وَإِسْرَارٌ بِهِ، وَبِقِرَاءَةٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَتَرْكُ افْتِتَاحٍ وَسُورَةٍ لِطُولِهِمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ. وَلَوْ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ أَوْ غَائِبٍ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ. وَأَمَّا أَكْمَلُ الدُّعَاءِ (فَيَقُولُ) بَعْدَ قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ، (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (هَذَا) الْمَيِّتُ (عَبْدُك وَابْنُ عَبْدَيْك) بِالتَّثْنِيَةِ تَغْلِيبًا لِلْمُذَكَّرِ (خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ نَسِيمُ الرِّيحِ (وَسَعَتِهَا) بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ الِاتِّسَاعِ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ الْمُضَافِ (وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ فِيهَا)   [حاشية البجيرمي] فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلَّةٍ وَلَا حِكْمَةٍ. قَوْلُهُ: (وَبِقِرَاءَةٍ) زَادَ فِي الْمَنْهَجِ: وَبِدُعَاءٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَلَا يَجْهَرُ إلَّا بِالتَّكْبِيرَاتِ وَالسَّلَامِ أَيْ الْإِمَامُ وَالْمُبَلِّغُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لَا غَيْرُهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر، فَغَيْرُهُمَا يُسِرُّ حَتَّى بِالتَّكْبِيرَاتِ وَالسَّلَامِ. قَوْلُهُ: (وَسُورَةٍ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ إمَامِهِ تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ لِأَنَّهَا أَوْلَى مِنْ وُقُوفِهِ سَاكِتًا، قَالَهُ فِي الْإِيعَابِ؛ قَالَ الشَّيْخُ: أَيْ وَمِنْ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ، إذْ الْأُولَى لَيْسَتْ مَحَلَّ طَلَبِ الدُّعَاءِ لَهُ، تَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ) أَيْ نَدْبًا حَيْثُ لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ، وَإِلَّا وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَرْكَانِ؛ تُحْفَةُ شَوْبَرِيٍّ وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ: (بَعْدَ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ إلَخْ) فَالْأَوَّلُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَيِّتٍ وَاَلَّذِي فِي الْمَتْنِ خَاصٌّ بِالْبَالِغِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي فِي الشَّرْحِ خَاصٌّ بِالصَّبِيِّ؛ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَأْتِي كَفَى فِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا) فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ بَيْنَ مَفْهُومِيهِمَا بِحَسَبِ الْوَضْعِ عُمُومًا وَخُصُوصًا، فَإِنَّ الْمَغْفِرَةَ مِنْ الْغَفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ وَالْعَفْوُ الْمَحْوُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ السَّتْرِ الْمَحْوُ وَعَكْسُهُ كَأَنْ يُحَاسِبَهُ بِذَنْبٍ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ ثُمَّ يَعْفُوَ عَنْهُ أَوْ يَسْتُرُهُ وَيُجَازِيهِ عَلَيْهِ؛ أَمَّا بِالنَّظَرِ لِكَرَمِ اللَّهِ فَهُوَ إذَا سَتَرَ عَفَا فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ؛ وَلِذَا يُقَالُ فِي مَقَامِ الْمُلَاطَفَةِ فِي الْأَكْثَرِ: عَفَا اللَّهُ عَنْهُ؛ ذَكَرَهُ الشَّبْرَخِيتِيُّ عَلَى الْعَشْمَاوِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَصَغِيرِنَا) أَيْ إذَا بَلَغَ وَاقْتَرَفَ الذَّنْبَ، أَوْ الْمُرَادُ الصَّغِيرُ فِي الصِّفَاتِ شَوْبَرِيٌّ، أَوْ الْمُرَادُ الصَّغِيرُ حَقِيقَةً؛ وَالدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ ذَنْبٍ بَلْ قَدْ يَكُونُ بِزِيَادَةِ دَرَجَاتِ الْقُرْبِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ اسْتِغْفَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ، ابْنُ حَجَرٍ فِي الدُّرِّ الْمَنْضُودِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ. قَوْلُهُ: (فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ) لَا يَخْفَى مُنَاسَبَةُ الْإِسْلَامِ لِلْحَيَاةِ وَالْإِيمَانُ لِلْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ كِنَايَةٌ عَنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ، وَالْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ؛ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ مُتَلَبِّسًا بِهِ عِنْدَ الْوَفَاةِ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ) مَقُولُ الْقَوْلِ، وَهَذَا اسْتِعْطَافٌ وَتَقَدُّمَةٌ لِلدُّعَاءِ وَأَوَّلُهُ. قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا إلَخْ، وَقَوْلُهُ: فَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُك إلَخْ، قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا إلَخْ، لَمْ يَكْفِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِخُصُوصِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (عَبْدُك) مَرْفُوعٌ أَوْ مَنْصُوبٌ ب " ارْحَمْ ". قَوْلُهُ: (وَابْنُ عَبْدَيْك) يَعْنِي أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ م ر: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ بِأَنْ كَانَ وَلَدَ زِنًا فَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: وَابْنُ أَمَتِك. قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الرَّاءِ) وَكَذَا قَوْلُهُ بِفَتْحِ السِّينِ مَثَلُهُ فِي شَرْحِ م ر وَلَعَلَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ الْأَفْصَحَ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ فِي الرُّوحِ الضَّمُّ كَمَا قُرِئَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الواقعة: 89] وَفِي السِّعَةِ الْكَسْرُ وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الدَّنَوْشَرِيُّ فَقَالَ: وَسَعَةٌ بِالْفَتْحِ فِي الْأَوْزَانِ ... وَالْكَسْرُ مَحْكِيٌّ عَنْ الصَّاغَانِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (نَسِيمُ الرِّيحِ) يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْأَخَصِّ لِلْأَعَمِّ، إذْ النَّسِيمُ نَوْعٌ مِنْ الرِّيحِ. قَوْلُهُ: (وَمَحْبُوبِهِ) أَيْ وَخَرَجَ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 أَيْ مَا يُحِبُّهُ وَمَنْ يُحِبُّهُ (إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لَاقِيهِ) مِنْ هَوْلِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: لَكِنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ مَا يَلْقَاهُ فِي الْقَبْرِ وَفِيمَا بَعْدَهُ (كَأَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك وَأَنَّ) سَيِّدَنَا (مُحَمَّدًا) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَبْدُك وَرَسُولُك) إلَى جَمِيعِ خَلْقِك (وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ) أَيْ مِنَّا (اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِك) أَيْ ضَيْفُك وَأَنْتَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَضَيْفُ الْكِرَامِ لَا يُضَامُ (وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ) وَيَذْكُرُ اللَّفْظَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَكَثِيرًا مَا يُغْلَطُ فِي ذَلِكَ (وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إلَى رَحْمَتِك) الْوَاسِعَةِ (وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ وَقَدْ جِئْنَاك) أَيْ قَصَدْنَاك (رَاغِبِينَ إلَيْكَ شُفَعَاءَ لَهُ) عِنْدَك (اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا) لِنَفْسِهِ (فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ) أَيْ إحْسَانِك إلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا) عَلَيْهَا (فَتَجَاوَزْ عَنْهُ) بِكَرَمِك (وَلَقِّهِ) أَيْ أَنِلْهُ (بِرَحْمَتِك رِضَاك) عَنْهُ (وَقِهْ) بِفَضْلِك (فِتْنَةَ) السُّؤَالِ فِي (الْقَبْرِ) بِإِعَانَتِهِ عَلَى التَّثْبِيتِ فِي جَوَابِهِ (وَ) قِهْ (عَذَابَهُ) الْمَعْلُومُ صِحَّتُهُمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَافْسَحْ لَهُ) بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ وَسِّعْ لَهُ (فِي قَبْرِهِ) مَدَّ الْبَصَرِ كَمَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ (وَجَافِ الْأَرْضَ) أَيْ ارْفَعْهَا (عَنْ جَنْبَيْهِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ   [حاشية البجيرمي] عِنْدِ مَحْبُوبِهِ، أَيْ الْمَيِّتُ وَمَحْبُوبُهُ كُلُّ مَا كَانَ يُحِبُّهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعُقَلَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ حَيَوَانَاتٍ أَوْ غَيْرِهَا مِثْلُ الْمَالِ وَالْكُتُبِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَأَحِبَّائِهِ) أَيْ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ وَلَا يَكُونُونَ إلَّا عُقَلَاءَ. قَوْلُهُ: (إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ) مُتَعَلِّقٌ ب " خَرَجَ ". قَوْلُهُ: (لَكِنَّ اللَّفْظَ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ: " وَمَا هُوَ لَاقِيهِ " أَيْ مِنْ جَزَاءِ عَمَلِهِ إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ. قَوْلُهُ: (كَانَ يَشْهَدُ) فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهُ، أَيْ دَعَوْنَاك لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ إلَخْ، شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ) احْتَاجَ إلَيْهِ لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَةِ الْجَزْمِ قَبْلَهُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ قَوْلُهُ: (نَزَلَ بِك) أَيْ عِنْدَك قَوْلُهُ: (وَيَذْكُرُ اللَّفْظَ) أَيْ الْهَاءَ مِنْ " بِهِ " قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ " وَأَنْتَ يَا اللَّهُ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِاَللَّهِ " وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَعْنَى عَائِدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ شَامِلٍ. قَوْلُهُ: (وَكَثِيرًا مَا يَغْلَطُ) " مَا " زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْكَثْرَةِ، " وَكَثِيرًا " مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فَيُذَكَّرُ مَعَ الْمُذَكِّرِ وَيُؤَنَّثُ مَعَ الْمُؤَنَّثِ، فَإِنْ تَعَمَّدَهُ وَعَرَفَ مَعْنَاهُ كَفَرَ، قَالَهُ ز ي؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ وَأَنْتِ خَيْرُ امْرَأَةٍ مَنْزُولٌ بِهَا فَيَقْتَضِي أَنَّهُ امْرَأَةٌ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاعْتَرَضَ رُجُوعَ الضَّمِيرِ لِلَّهِ: بَلْ هُوَ عَائِدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ مُقَدَّرٍ، وَالتَّقْدِيرُ: خَيْرُ كَرِيمٍ مَنْزُولٍ بِهِ، أَيْ تَنْزِلُ بِذَلِكَ الْكَرِيمِ الضِّيفَانُ، فَإِنْ قَدَّرْتَ ذَلِكَ الْمَحْذُوفَ جَمْعًا كَانَ الضَّمِيرُ ضَمِيرَ جَمْعٍ بِأَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: خَيْرُ كُرَمَاءِ مَنْزُولٌ بِهِمْ، أَيْ بِتِلْكَ الْكُرَمَاءِ، فَالْمَدَارُ عَلَى الْمُقَدَّرِ؛ وَلَا يُنْظَرُ لِلْمَيِّتِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَالْحَوَاشِي مِنْ رُجُوعِهِ لِلَّهِ لَا يَظْهَرُ أَصْلًا، وَيَجُوزُ تَقْدِيرُ الْمَوْصُوفِ مُؤَنَّثًا بِأَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَأَنْتَ خَيْرُ ذَاتٍ تَنْزِلُ بِهَا الضِّيفَانُ. قَوْلُهُ: (وَأَصْبَحَ فَقِيرًا) أَيْ صَارَ شَدِيدَ الْفَقْرِ إلَى رَحْمَتِك، وَإِلَّا فَهُوَ فَقِيرٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَيْضًا؛ أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ جِئْنَاك) هَلْ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْإِمَامِ كَالْقُنُوتِ وَأَنَّ غَيْرَهُ يَقُولُ جِئْتُك شَافِعًا أَوْ هُوَ عَامٌّ فِي الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ فَيَقُولُ الْمُنْفَرِدُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي اتِّبَاعًا لِلْوَارِدِ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يُشَارِكُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَلَائِكَةٌ وَقَدْ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ حَصَرَ الَّذِينَ صَلَّوْا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُمْ ثَلَاثُونَ أَلْفًا، يَعْنِي مِنْ الْإِنْسِ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ سِتُّونَ أَلْفًا، لِأَنَّ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مَلَكَيْنِ اهـ بِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ مُحْسِنًا) وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ مُسِيئًا هَذَا يَقُولُهُ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَأْتِي فِيهِمْ بِمَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ: (اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا) أَيْ مُطِيعًا فِي الدُّنْيَا؛ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (لِنَفْسِهِ) شَمَلَ إحْسَانَهُ لَهَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ " فَزِدْ " أَيْ ضَاعِفْ لَهُ فِي جَزَاءِ إحْسَانِهِ أَيْ طَاعَتِهِ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ إحْسَانُكَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا قَرَّرْنَاهُ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ عَمَلَهُ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ لِحَدِيثِ: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» . قَوْلُهُ: (وَلَقِّهِ) يَجُوزُ كَسْرُ الْهَاءِ مَعَ الْإِشْبَاعِ وَدُونَهُ وَسُكُونُهَا، وَكَذَا فِي ق هـ م ر شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَجَافِ الْأَرْضَ) عِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: لَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ مُرْتَفِعًا عَنْ الْأَرْضِ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَخْفِيفِ ضَمَّةِ الْقَبْرِ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَلْقَاهُ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْوَالِ الْقَبْرِ، فَهِيَ قَبْلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 النُّونِ بَعْدَهَا تَثْنِيَةُ جَنْبٍ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْأُمِّ الصَّحِيحَةِ عَنْ جُثَّتِهِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ الْمُشَدَّدَةِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهِيَ أَحْسَنُ لِدُخُولِ الْجَنْبَيْنِ وَالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ اهـ. (وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِك الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِك) الشَّامِلِ لِمَا فِي الْقَبْرِ وَلِمَا فِي الْقِيَامَةِ، وَأُعِيدَ بِإِطْلَاقِهِ بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِمَا تَقَدَّمَ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ (حَتَّى تَبْعَثَهُ) مِنْ قَبْرِهِ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ (آمِنًا) مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ مُسَاقًا فِي زُمْرَةِ الْمُتَّقِينَ (إلَى جَنَّتِك بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ) جَمَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْأَخْبَارِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَصْحَابُ وَوُجِدَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الرَّوْضَةِ وَمَحْبُوبِهَا وَكَذَا هُوَ فِي الْمَجْمُوعِ. وَالْمَشْهُورُ فِي قَوْلِهِ وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ الْجَرُّ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ بِجَعْلِ الْوَاوِ لِلْحَالِ وَهَذَا فِي الْبَالِغِ الذَّكَرِ، فَإِنْ كَانَ أُنْثَى عَبَّرَ بِالْأَمَةِ وَأَنَّثَ مَا يَعُودُ إلَيْهَا، وَإِنْ ذَكَرَ بِقَصْدِ الشَّخْصِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَإِنْ كَانَ خُنْثَى. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْمُتَّجِهُ التَّعْبِيرُ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أَبٌ بِأَنْ كَانَ وَلَدَ زِنًا فَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ وَابْنُ أَمَتِك اهـ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الْمَيِّتَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِالضَّمَائِرِ مُذَكَّرَةً عَلَى إرَادَةِ الْمَيِّتِ أَوْ الشَّخْصِ، وَمُؤَنَّثَةً عَلَى إرَادَةِ لَفْظِ الْجَنَانَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى جَمْعٍ مَعًا يَأْتِي فِيهِ بِمَا يُنَاسِبُهُ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَيَقُولُ فِيهِ مَعَ الْأَوَّلِ فَقَطْ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ أَيْ سَابِقًا مُهَيِّئًا لِمَصَالِحِهِمَا فِي الْآخِرَةِ،   [حاشية البجيرمي] السُّؤَالِ وَقَدْ صَرَّحَتْ الرِّوَايَاتُ وَالْآثَارُ بِأَنَّ ضَمَّةَ الْقَبْرِ عَامَّةٌ لِلصَّالِحِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ: قَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ بِضَمَّةِ الْقَبْرِ وَأَنَّهُ لَا يَنْجُو مِنْهَا صَالِحٌ وَلَا غَيْرُهُ، بَلْ «أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ سَيِّدِ الْأَوْسِ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ اسْتِبْشَارًا لِقُدُومِ رُوحِهِ وَإِعْلَامًا بِعَظِيمِ مَرْتَبَتِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَنْجُ مِنْهَا، وَأَنَّهُ شَيَّعَ جِنَازَتَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَنْجُو مِنْهَا لَنَجَا مِنْهَا هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ» ؛ لَكِنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِيهَا، قِيلَ: ضَمَّةُ الْقَبْرِ الْتِقَاءُ جَانِبَيْهِ عَلَى جَسَدِ الْمَيِّتِ، قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَنَّ لِلْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فِي الْقَبْرِ ضَمَّةً وَلَا سُؤَالًا لِعِصْمَتِهِمْ، قِيلَ: هِيَ لِلْمُطِيعِ حُنُوٌّ وَلِغَيْرِهِ ضَمَّةُ سُخْطٍ وَيَرُدُّهُ مَا وَرَدَ فِي «سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ ضُغِطَ فِي قَبْرِهِ ضَغْطَةً شَدِيدَةً بِحَيْثُ اخْتَلَفَتْ أَضْلَاعُهُ فِيهَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ يُقَصِّرُ فِي بَعْضِ الطَّهُورِ مِنْ الْبَوْلِ» وَأَنَّ الضَّمَّةَ الْمَذْكُورَةَ تَكُونُ لِكُلِّ أَحَدٍ حَتَّى الْأَطْفَالِ، لَكِنْ ذُكِرَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ سَلِمَتْ مِنْ هَذِهِ الضَّمَّةِ وَأَنَّ مَنْ قَرَأَ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ كَذَلِكَ، أَيْ يَسْلَمُ مِنْهَا، وَكَذَا الْأَنْبِيَاءُ. وَحِكْمَتُهَا أَنَّ الْأَرْضَ أُمُّهُمْ وَمِنْهَا خُلِقُوا فَغَابُوا عَنْهَا الْغِيبَةَ الطَّوِيلَةَ، فَلَمَّا رُدُّوا إلَيْهَا ضَمَّتْهُمْ ضَمَّةَ الْوَالِدَةِ الَّتِي غَابَ عَنْهَا وَلَدُهَا، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهَا فَمِنْ كَانَ مُطِيعًا لِلَّهِ ضَمَّتْهُ بِرِفْقٍ وَرَأْفَةٍ وَمَنْ كَانَ عَاصِيًا ضَمَّتْهُ بِعُنْفٍ سُخْطًا مِنْهَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (الشَّامِلِ إلَخْ) فَيَكُونُ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: (وَأُعِيدَ بِإِطْلَاقِهِ) جَوَابٌ عَنْ التَّكْرَارِ، وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَهُمَا قَوْلُهُ بِإِطْلَاقِهِ وَاهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ؛ لِأَنَّ عُمُومَهُ يَدْفَعُ التَّكْرَارَ أَيْضًا، فَقَوْلُهُ " بِإِطْلَاقِهِ " أَيْ بِعُمُومِهِ، وَقَوْلُهُ " اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ " فَكُلُّ جَوَابٍ مُسْتَقِلٍّ، وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي أُعِيدَ رَاجِعٌ لِلْعَذَابِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ عَذَابِك، وَقَوْلُهُ " بِمَا تَقَدَّمَ " أَيْ بِإِضَافَتِهِ لِلْقَبْرِ فِي قَوْلِهِ " وَعَذَابِهِ " وَقَوْلُهُ " إذْ هُوَ " أَيْ الْعَذَابُ، أَيْ الْأَمْنُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ) أَيْ الصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الدُّعَاءِ قَوْلُهُ: (تَبْعَثُهُ) أَيْ تُحْيِيهِ مِنْ قَبْرِهِ. قَوْلُهُ: (مُسَاقًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَى جَنَّتِك مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ مُسَاقًا. قَوْلُهُ: (جَمَعَ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ هَكَذَا سم. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَمَحْبُوبِهَا) أَيْ الدُّنْيَا، أَيْ الْمَحْبُوبُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (الْجَرُّ) وَقَوْلُهُ " فِيهَا " حَالَ قَوْلِهِ: (وَيَجُوزُ رَفْعُهُ) أَيْ عَلَى الِابْتِدَاءِ خَبَرُهُ " فِيهَا ". قَوْلُهُ: (بِقَصْدِ الشَّخْصِ) هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُلَاحِظُ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ يُحْمَلُ عَلَى الْإِرَادَةِ؟ . اهـ. شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (التَّعْبِيرُ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ) كَالْمَخْلُوقِ. قَوْلُهُ: (فَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ إلَخْ) وَكَذَلِكَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَحْمَانِيُّ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ " وَأَنَّهُ إلَخْ " فَإِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَدْخُولِ الْقِيَاسِ، أَيْ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَيْ سَابِقًا) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " فَرْطًا " وَقَوْلُهُ " لِمَصَالِحِهِمَا " أَيْ مِنْ الشَّفَاعَةِ وَالْحَوْضِ. قَوْلُهُ: (وَسَلَفًا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 وَسَلَفًا وَذُخْرًا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا. لِأَنَّ ذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِلْحَالِ، وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذَا: وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ وَلَا تُحْرِمْهُمَا أَجْرَهُ. وَيُؤَنَّثُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى، وَيَأْتِي فِي الْخُنْثَى مَا مَرَّ. وَيَكْفِي هَذَا الدُّعَاءُ لِلطِّفْلِ. وَلَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ إنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُخَصَّ بِهِ كَمَا مَرَّ لِثُبُوتِ النَّصِّ فِي هَذَا بِخُصُوصِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ» وَلَكِنْ لَوْ دَعَا لَهُ بِخُصُوصِهِ كَفَى، وَلَوْ تُرُدِّدَ فِي بُلُوغِ الْمُرَاهِقِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا وَيُخَصِّصُهُ بِالدُّعَاءِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَسَوَاءٌ فِيمَا قَالُوهُ مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبَوَيْهِ أَمْ لَا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: مَحَلُّهُ فِي الْأَبَوَيْنِ الْحَيَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ أَتَى بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَهَذَا أَوْلَى، وَلَوْ جَهِلَ إسْلَامَهُمَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّقَ عَلَى إيمَانِهِمَا خُصُوصًا فِي نَاحِيَةٍ يَكْثُرُ فِيهَا الْكُفَّارُ، وَلَوْ عَلِمَ كُفْرَهُمَا كَتَبَعِيَّةِ الصَّغِيرِ لِلسَّابِي حُرِّمَ الدُّعَاءُ لَهُمَا بِالْمَغْفِرَةِ وَالشَّفَاعَةِ وَنَحْوِهِمَا، (وَيَقُولُ فِي) التَّكْبِيرَةِ (الرَّابِعَةِ) نَدْبًا (اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَضَمِّهَا (أَجْرَهُ) أَيْ أَجْرَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَوْ أَجْرَ الْمُصِيبَةِ بِهِ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُصِيبَةِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ (وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ) أَيْ بِالِابْتِلَاءِ بِالْمَعَاصِي، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ كَالتَّنْبِيهِ (وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ) وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَصْحَابُ، وَيُسَنُّ أَنْ يُطَوِّلَ الدُّعَاءَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. نَعَمْ لَوْ خَشِيَ تَغَيُّرَ الْمَيِّتِ أَوْ انْفِجَارَهُ لَوْ أَتَى   [حاشية البجيرمي] عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ مُطْلَقُ السَّابِقِ سَوَاءٌ كَانَ مُهَيَّئًا لِلْمَصَالِحِ أَمْ لَا، وَالْفَرْطُ السَّابِقُ الْمُهَيَّأُ لِلْمَصَالِحِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَذُخْرًا) شَبَّهَ تَقَدُّمَهُ لَهُمَا بِشَيْءٍ نَفِيسٍ يَكُونُ أَمَامَهُمَا مُدَّخَرًا إلَى وَقْتِ حَاجَتِهِمَا لَهُ بِشَفَاعَتِهِ لَهُمَا، وَقَوْلُهُ " وَاعْتِبَارًا " أَيْ يَعْتَبِرَانِ بِمَوْتِهِ وَفَقْدِهِ حَتَّى يَحْمِلَهُمَا ذَلِكَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، شَرْحُ حَجّ. قَوْلُهُ: (وَعِظَةً) اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْوَعْظِ، أَوْ اسْمُ فَاعِلٍ، أَيْ وَاعِظًا؛ وَالْمُرَادُ بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ أَعْنِي اعْتِبَارًا غَايَتُهُمَا وَهُوَ الظَّفْرُ بِالْمَطْلُوبِ مِنْ الْخَيْرِ وَثَوَابِهِ، فَسَقَطَ التَّنْظِيرُ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَعْظَ التَّذْكِيرُ بِالْعَوَاقِبِ، وَهَذَا قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ شَرْحُ م ر، أَيْ فَلَا يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا كَانَ أَبَوَاهُ مَيِّتَيْنِ؛ لَكِنْ سَيَأْتِي عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِمِنْ كَانَ أَبَوَاهُ حَيَّيْنِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَثَقُلَ بِهِ) أَيْ بِثَوَابِ الصَّبْرِ عَلَى فَقْدِهِ أَوْ الرِّضَا بِهِ؛ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الْكَافِرِينَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ) لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْحَيِّ وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ) وَإِتْيَانُ هَذَا فِي الْمَيِّتِينَ صَحِيحٌ إذْ الْفِتْنَةُ يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْعَذَابِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّبْرِ بِمَوْتِ الْوَلَدِ فَضْلٌ كَثِيرٌ، مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «إذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ؟ فَيَقُولُونَ: حَمَدَك وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ وَالِاسْتِرْجَاعِ» وَوَرَدَ: «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» أَيْ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] الْآيَةُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ، وَقَدْ وَرَدَ: «أَنَّ الْوَلَدَ يَشْفَعُ لِأَبَوَيْهِ» وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ذَنْبٌ أَشْبَهَ الْعُلَمَاءَ وَالشُّهَدَاءَ فَإِنَّ لَهُمْ حَظًّا فِي الشَّفَاعَةِ، فَلْيَكُنْ هَذَا أَوْلَى؛ لَكِنْ صَحَّ: «كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ» الْحَدِيثُ، وَفَسَّرَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ لَمْ يَشْفَعْ لِوَالِدَيْهِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْخَطَّابِيُّ؛ فَيَنْبَغِي لِمَنْ يَرْجُو شَفَاعَةَ وَلَدِهِ أَنْ يُعِقَّ عَنْهُ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَبَّرَ عَنْ عَدَمِ الشَّفَاعَةِ بِالِارْتِهَانِ لِأَنَّ الْمُرْتَهَنَ مَحْبُوسٌ غَالِبًا عِنْدَ رَاهِنِهِ فَلَا يَشْفَعُ، فَشُبِّهَ مَنْ لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ بِمَرْهُونٍ تَعَطَّلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (فَالْأَحْوَطُ إلَخْ) فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَارِدِ لَمْ يَكْفِ لِاحْتِمَالِ بُلُوغِهِ، وَإِنْ دَعَا لَهُ بِالرَّحْمَةِ كَفَى، وَالْأَحْوَطُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (كَتَبَعِيَّةِ الصَّغِيرِ لِلسَّابِي إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الصَّغِيرُ الَّذِي أَبَوَاهُ كَافِرَانِ كَافِرٌ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُكْمًا تَبَعًا لِسَابِيهِ. قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ فِي التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ) أَيْ بَعْدَهَا، وَقَوْلُهُ " نَدْبًا " أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ شَيْءٌ، فَلَوْ سَلَّمَ عَقِبَهَا جَازَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (أَنْ يُطَوِّلَ الدُّعَاءَ) أَيْ بِقَدْرِ مَا قَبْلَهَا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ الثَّلَاثِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} [غافر: 7] إلَى قَوْلِهِ الْعَظِيمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 بِالسُّنَنِ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَرْكَانِ (وَ) الرُّكْنُ السَّابِعُ (يُسَلِّمُ بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الرَّابِعَةِ) كَسَلَامِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي كَيْفِيَّتِهِ وَتَعَدُّدِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ سَنِّ وَبَرَكَاتِهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُسَنُّ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَلْتَفِتُ فِي السَّلَامِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ يَجْعَلُهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الْأَشْهَرُ وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بِأَنْ يَضَعَهُمَا رَجُلٌ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَرَأْسُهُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْمِلُ الْمُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ، وَلَا يَحْمِلُهَا وَلَوْ أُنْثَى إلَّا الرِّجَالُ لِضَعْفِ النِّسَاءِ عَنْ حَمْلِهَا فَيُكْرَهُ لَهُنَّ ذَلِكَ، وَحُرِّمَ جَمْعُهَا عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ كَحَمْلِهَا فِي قُفَّةٍ يُخَافُ مِنْهَا سُقُوطُهَا. وَالْمَشْيُ أَمَامَهَا   [حاشية البجيرمي] قَالَ الْبَابِلِيُّ: نَعَمْ وَرَدَتْ هَذِهِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ. اهـ. بِرْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ " أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ " خَبَرٌ، وَقِيلَ: التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ، بَلْ حُكِيَ وُجُوبُهُ؛ وَهَذَا إنْ أُرِيدَ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالْأَفْضَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ تَارَةً بِهَيْئَةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَتَارَةً بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ أج وَلَيْسَ فِي الْحَمْلِ دَنَاءَةٌ وَلَا سُقُوطُ مُرُوءَةٍ بَلْ هُوَ بِرٌّ وَإِكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ فَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ م ر. قَوْلُهُ: (وَيَحْمِلُ الْمُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ) أَحَدُهُمَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَيْسَرِ، إذْ لَوْ تَوَسَّطَهُمَا وَاحِدٌ كَالْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يَرَ مَا بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ) أَيْ وَيَضَعُ أَحَدُ الْمُتَقَدِّمَيْنِ الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَالْآخَرُ الْعَمُودَ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَالْمُتَأَخِّرَانِ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: أَمَّا حَمْلُهَا عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ فَشَيْءٌ لَا يُعْرَفُ، وَبَقَيْتُ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَمْ أَجِدْ ذَلِكَ مَنْقُولًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَى أَنْ رَأَيْتُهُ فِي الِاسْتِذْكَارِ لِلدَّارَمِيِّ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا شَرْحُ الدَّمِيرِيِّ لِلْمِنْهَاجِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَمْلَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَاجِبٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّتِهِ، فَكَوْنُهَا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْمِلُهَا) أَيْ نَدْبًا أج؛ فَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ حَمْلُهَا لِضَعْفِهِنَّ غَالِبًا وَقَدْ يَنْكَشِفُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُنَّ تَعَيَّنَ حَمْلُهُنَّ. قَوْلُهُ: (وَالْمَشْيُ وَبِأَمَامِهَا إلَخْ) رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى نَاسًا رُكْبَانًا فِي الْجِنَازَةِ فَقَالَ: أَلَّا تَسْتَحْيُونَ؟ إنَّ الْمَلَائِكَةَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ» وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُشَيِّعَ الْجِنَازَةَ لَهُ أَحْوَالٌ: إمَّا رَاكِبٌ أَوْ مَاشٍ وَإِمَّا أَمَامَهَا أَوْ خَلْفَهَا وَإِمَّا قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ فَمَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ أَفْضَلُ، وَالْمَاشِي أَمَامَهَا أَوْ خَلْفَهَا أَفْضَلُ مُطْلَقًا مِنْ الرَّاكِبِ، وَالرَّاكِبُ قَرِيبًا أَفْضَلُ مِنْ الرَّاكِبِ الْبَعِيدِ، وَالْأَمَامُ أَفْضَلُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلَّا إيمَانًا وَتَسْلِيمًا وَرُئِيَ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ فَقَالَ: غُفِرَ لِي بِكَلِمَةٍ كُنْت أَقُولُهَا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْجِنَازَةِ وَكَانَ يَقُولُهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْحِكْمَةُ فِي الْمَاشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ أَنَّ الْمُشَيِّعَ شَافِعٌ وَمِنْ حَقِّ الشَّافِعِ أَنْ يَكُونَ أَمَامَ الْمَشْفُوعِ لَهُ؛ وَأَخَذَ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِ: «أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» فَقَالُوا: إنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ أَنَّ الْأَحْسَنَ فِي زَمَانِنَا الْمَشْيُ أَمَامَهَا لِمَا يَتْبَعُهَا مِنْ النِّسَاءِ وَأَجَابَ الشَّافِعِيَّةُ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الِاتِّبَاعَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَخْذِ فِي طَرِيقِهَا وَالسَّعْيِ لِأَجْلِهَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ وَتَقَدُّمُ الْمَاشِي وَتَأَخُّرُ الرَّاكِبِ؛ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيَتَأَخَّرْنَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ شَيَّعَ جِنَازَةً إلَى الْمَسْجِدِ فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنْ الْأَجْرِ فَإِنْ وَقَفَ حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ وَالْقِيرَاطُ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ» فَائِدَةٌ: سُئِلَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّارُ عَنْ وُقُوفِ الْجِنَازَةِ وَرُجُوعِهَا؟ فَقَالَ: يُحْتَمَلُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَلَائِكَةِ بَيْنَ يَدَيْهَا رَجَعَتْ أَوْ وَقَفَتْ وَمَتَى كَثُرَتْ خَلْفَهَا أَسْرَعَتْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلَوْمِ النَّفْسِ لِلْجَسَدِ وَلَوْمِ الْجَسَدِ لِلنَّفْسِ؛ يَخْتَلِفُ حَالُهَا، تَارَةً تَتَقَدَّمُ وَتَارَةً تَتَأَخَّرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهَا فِي حَالِ رُجُوعِهَا لِيَتِمَّ أَجَلُ بَقَائِهَا فِي الدُّنْيَا وَسُئِلَ عَنْ خِفَّةِ الْجِنَازَةِ وَثِقَلِهَا؟ فَقَالَ: إذَا خَفَّتْ فَصَاحِبُهَا شَهِيدٌ لِأَنَّ الشَّهِيدَ حَيٌّ وَالْحَيُّ أَخَفُّ مِنْ الْمَيِّتِ {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169] الْآيَةُ. اهـ. بِرْمَاوِيُّ وَفِيهِ أَنَّ الْآيَةَ فِي شُهَدَاءِ الْمَعْرَكَةِ وَالسُّؤَالُ عَامٌّ فَلْيُحَرَّرْ اهـ ط ف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وَقُرْبَهَا بِحَيْثُ لَوْ الْتَفَتَ لَرَآهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ. وَسُنَّ إسْرَاعٌ بِهَا إنْ أُمِنَ، فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ بِالتَّأَنِّي أَيْضًا زَيْدَ فِي الْإِسْرَاعِ، وَسُنَّ لِغَيْرِ ذَكَرٍ مَا يَسْتُرُهُ كَقُبَّةٍ وَكُرِهَ لَغَطٌ فِي الْجِنَازَةِ بَلْ الْمُسْتَحَبُّ التَّفَكُّرُ فِي الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ، وَاتِّبَاعُهَا بِنَارٍ فِي مِجْمَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي رُجُوعِهَا وَلَا اتِّبَاعُ مُسْلِمٍ جِنَازَةَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يُبْعَدُ إلْحَاقُ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ بِالْقَرِيبِ. قَالَ: وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْجَارُ كَمَا فِي الْعِيَادَةِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ وَلَا بُعْدَ فِيهِ. وَتَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَى الْكَافِرِ،   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَسُنَّ إسْرَاعٌ بِهَا) قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: وَاخْتُصَّ وَأُمَّتُهُ بِالْإِسْرَاعِ أَيْ الْمَشْيِ بِسُرْعَةٍ بِالْجِنَازَةِ إسْرَاعًا مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَالْخَبَبِ الَّذِي هُوَ الْعَدْوُ؛ لِأَنَّ مَا فَوْقَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ مَنْ مَعَهَا مِنْ الضُّعَفَاءِ أَوْ مَشَقَّةِ الْحَامِلِ لَهَا أَوْ انْتِشَارِ أَكْفَانِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُكْرَهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» أَيْ قَرِيبِ رِقَابِكُمْ وَهُوَ الْأَكْتَافُ تَنْبِيهٌ: مِنْ خَصَائِصِنَا أَيْضًا تَخْمِيرُ وَجْهِ الْمَيِّتِ، لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: «خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ وَلَا تَتَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» وَفِي رِوَايَةٍ: " بِأَهْلِ الْكِتَابِ " أَيْ فَإِنَّهُمْ لَا يُغَطُّونَ وَجْهَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ. اهـ. مُنَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (زِيدَ) أَيْ وُجُوبًا قَوْلُهُ: (كَقُبَّةٍ) وَأَوَّلُ مَنْ جُعِلَ عَلَى نَعْشِهَا قُبَّةٌ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ زَوْجَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ بَعْدَ فَاطِمَةَ، فَلَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِمَّا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فُعِلَ بِهَا ذَلِكَ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ زَيْنَبَ هَذِهِ أَوَّلُ مَنْ حُمِلَ عَلَى نَعْشٍ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ حُمِلَ عَلَى نَعْشٍ فَاطِمَةُ، كَذَا فِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ؛ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ عَنْ م ر أَنَّ أَوَّلَ مَنْ غُطِّيَ نَعْشُهَا فِي الْإِسْلَامِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ بَعْدَهَا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَكَانَتْ بِالْحَبَشَةِ لَمَّا هَاجَرَتْ وَأَوْصَتْ بِهِ اهـ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ لِلْجِنَازَةِ وَلَوْ كَافِرَةً، وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ: وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ نَدْبُ الْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ النَّوَوِيِّ تَبَعًا لِجَمْعٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ النَّدْبُ؛ وَلَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ عَدَمَهُ حَيْثُ قَالَ: الْقِيَامُ لَهَا إذَا مَرَّتْ وَالْقِيَامُ إذَا تَبِعَهَا مَنْسُوخَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ بِالْقِيَامِ لَهَا الْآنَ سَوَاءٌ مَرَّتْ بِهِ أَمْ تَبِعَهَا إلَى الْقَبْرِ وَجَرَى فِي الرَّوْضَةِ عَلَى كَرَاهَةِ الْقِيَامِ لَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاعِدِ إذَا مَرَّتْ بِهِ، أَمَّا مُشَيَّعُهَا فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَقْعُدَ حَتَّى تُوضَعَ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ: «إذَا تَبِعْتُمْ الْجِنَازَةَ فَلَا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ» أَيْ إذَا مَشَيْتُمْ مَعَهَا مُشَيِّعِينَ لَهَا فَلَا تَجْلِسُوا نَدْبًا " حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ " كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَبِعَهُ الثَّوْرِيُّ، وَرَجَّحَهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْمَتْبُوعِ فَلَا يَجْلِسُ التَّابِعُ قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْ نَدْبِ الشَّارِعِ حُضُورَ دَفْنِهِ إكْرَامُ الْمَيِّتِ وَفِي قُعُودِهِ قِيلَ دَفْنُهُ إزْرَاءٌ بِهِ اهـ وَبِذَلِكَ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: يُكْرَهُ الْقُعُودُ حَتَّى تُوضَعَ وَفِي الْمُحِيطِ لِلْحَنَفِيَّةِ: الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْعُدَ حَتَّى يَنْهَالَ عَلَيْهَا التُّرَابُ اهـ بِحُرُوفِهِ فَائِدَةٌ: كَرِهَ جَمَاعَةٌ قَوْلَ الْمُنَادِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ: " اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ لَهُ " فَقَدْ سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا يَقُولُ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَك،. اهـ. م ر قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ لَغَطٌ) أَيْ رَفْعُ الصَّوْتِ وَلَوْ بِقُرْآنٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. ق ل وَهَذَا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَالْآنَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شِعَارٌ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ تَرْكَهُ مُزْرٍ بِهِ؛ وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ لَمْ يَبْعُدُ كَمَا نَقَلَهُ الْمَدَابِغِيُّ. قَوْلُهُ: (بَلْ الْمُسْتَحَبُّ التَّفَكُّرُ فِي الْمَوْتِ) أَيْ أَوْ الْقِرَاءَةُ سِرًّا. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِتْبَاعُهَا بِنَارٍ إلَخْ) أَيْ بِلَا حَاجَةٍ، أَمَّا بِهَا كَبَخُورٍ لِدَفْعِ النَّتْنِ أَوْ فَتِيلَةً لِرُؤْيَةِ دَفْنِهِ لَيْلًا فَلَا كَرَاهَةَ وَفِي الْمَجْمُوعِ: يُنْدَبُ الْبَخُورُ عِنْدَ الْمَيِّتِ فِي وَقْتِ مَوْتِهِ إلَى تَمَامِ دَفْنِهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فِي مِجْمَرَةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْعِيَادَةِ) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُهُ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْعِيَادَةِ وَاتِّبَاعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وَلَا يَجِبُ طُهْرُهُ لِأَنَّهُ كَرَامَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْنَا تَكْفِينُ ذِمِّيٍّ وَدَفْنُهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَفَاءً بِذِمَّتِهِ. وَلَوْ اخْتَلَطَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ كَمُسْلِمٍ بِكَافِرٍ وَغَيْرِ شَهِيدٍ بِشَهِيدٍ وَجَبَ تَجْهِيزُ كُلٍّ إذْ لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِذَلِكَ وَيُصَلَّى عَلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ أَفْضَلُ، أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فَوَاحِدٍ بِقَصْدِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي الْكَيْفِيَّتَيْنِ، وَيُغْتَفَرُ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ وَيَقُولُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمْ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا فِي الْكَيْفِيَّةِ الثَّانِيَةِ. وَتُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِمَسْجِدٍ وَبِثَلَاثَةِ صُفُوفٍ فَأَكْثَرَ لِخَبَرِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ إلَّا غُفِرَ لَهُ» وَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ أُعِيدَتْ وَقَعَتْ نَفْلًا، وَلَا تُؤَخَّرُ لِغَيْرِ وَلِيٍّ أَمَّا هُوَ فَتُؤَخَّرُ لَهُ مَا لَمْ يُخَفْ تَغَيُّرٌ. وَلَوْ نَوَى إمَامٌ مَيِّتًا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَمَأْمُومٌ آخَرَ كَذَلِكَ جَازَ لِأَنَّ اخْتِلَافَ نِيَّتِهِمَا لَا يَضُرُّ، وَلَوْ تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ عَنْ إمَامِهِ بِلَا عُذْرٍ بِتَكْبِيرَةٍ حَتَّى شَرَعَ إمَامُهُ فِي أُخْرَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذْ الِاقْتِدَاءُ هُنَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَهُوَ تَخَلُّفٌ فَاحِشٌ يُشْبِهُ التَّخَلُّفَ بِرَكْعَةٍ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ كَنِسْيَانٍ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَخَلُّفِهِ بِتَكْبِيرَتَيْنِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَلَا شَكَّ   [حاشية البجيرمي] جِنَازَتِهِ. قَوْلُهُ: (لَا بُعْدَ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِلْحَاقِ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْنَا) أَيْ مَعَاشِرِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ " حَيْثُ لَمْ يَكُنْ إلَخْ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَنَدْفَعُ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِنَا حَيْثُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِذَلِكَ) وَعُورِضَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ مُحَرَّمَةٌ وَلَا يَتِمُّ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عَلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ " بِقَصْدٍ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (وَيُغْتَفَرُ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ) أَيْ فِي الْكَيْفِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَمَّا الْأُولَى فَلَا تَرَدُّدَ فِيهَا لِأَنَّهُ يَقُولُ: أُصَلِّي عَلَى مَنْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، فَهُوَ جَازِمٌ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ لِإِمْكَانِ الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا قَدْ تَشُقُّ بِتَأْخِيرٍ مِنْ غُسْلٍ إلَى فَرَاغِ غُسْلِ الْبَاقِينَ، بَلْ قَدْ تَتَعَيَّنُ الثَّانِيَةُ إنْ أَدَّى التَّأْخِيرُ إلَى تَغَيُّرٍ، وَكَذَا تَتَعَيَّنُ الْأُولَى لَوْ تَمَّ غُسْلُ الْجَمِيعِ وَكَانَ الْإِفْرَادُ يُؤَدِّي إلَى تَغَيُّرِ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. حَجّ س ل مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ: (فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَأَمَّا الْمِثَالُ الثَّانِي وَهُوَ الشَّهِيدُ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهِيدَ يَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَبِثَلَاثَةِ صُفُوفٍ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الْمُصَلُّونَ سِتَّةً فَأَكْثَرَ كَمَا فِي حَجّ وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الصُّفُوفَ الثَّلَاثَةَ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْفَضِيلَةِ، فَلِلْمَسْبُوقِ أَنْ يُحْرِمَ مَعَ أَيُّهَا شَاءَ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ اثْنَانِ وَقَفَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ خَلْفَهُمَا؛ نَعَمْ يَتَّجِهُ أَنَّ الْأَوَّلَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَوْلَى لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا أَيْ بِالثَّلَاثَةِ، يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الصُّفُوفُ خَمْسَةً فَأَكْثَرَ فَيَكُونُ الرَّابِعُ أَفْضَلَ مِنْ الْخَامِسِ وَالْخَامِسُ أَفْضَلَ مِمَّا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلُوا الْأَوَّلَ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلَ مُحَافَظَةً عَلَى مَقْصُودِ الشَّارِعِ مِنْ الثَّلَاثَةِ. اهـ. س ل وَأَقَلُّ الثَّلَاثَةِ مِنْ سِتَّةِ أَنْفَارٍ وَاحِدٌ مَعَ الْإِمَامِ وَاثْنَانِ ثُمَّ اثْنَانِ، وَلَا تُكْرَهُ الْمُسَاوَاةُ لِلْإِمَامِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ، وَتَحْصُلُ الثَّلَاثَةُ صُفُوفٍ بِثَلَاثَةٍ وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ الْحَاضِرُونَ ثَلَاثَةً فَقَطْ بِالْإِمَامِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْآخَرُ وَرَاءَ مَنْ هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقِفَ اثْنَانِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَيَكُونُ الْإِمَامُ صَفًّا وَالِاثْنَانِ صَفًّا وَسَقَطَ الصَّفُّ الثَّالِثُ لِتَعَذُّرِهِ حَجّ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهَا) أَيْ مِمَّنْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلُ، أَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ وَتَقَعُ فَرْضَ كِفَايَةٍ م د وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ إعَادَةً. قَوْلُهُ: (وَقَعَتْ نَفْلًا) أَيْ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَرَّةٍ وَلَا بِجَمَاعَةٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ سم. قَوْلُهُ: (تَغَيَّرَ) وَشَرَطَ أَنْ يُرْجَى حُضُورُهُ عَنْ قُرْبٍ. قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ قَوْلُهُ: (حَتَّى شَرَعَ إمَامُهُ فِي أُخْرَى) كَأَنْ شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّالِثَةِ وَالْمَأْمُومُ فِي الْأُولَى، أَوْ شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمَأْمُومُ فِي الثَّانِيَةِ؛ وَلَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُ هَذَيْنِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ التَّقَدُّمَ كَالتَّأَخُّرِ ق ل. قَوْلُهُ: (كَنِسْيَانٍ) أَيْ لِلْقِرَاءَةِ، وَيَكُونُ كَلَامُ الشَّارِحِ غَيْرَ ضَعِيفٍ وَمِثْلُ نِسْيَانِ الْقِرَاءَةِ بُطْءُ الْقِرَاءَةِ، وَأَمَّا إنْ حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى نِسْيَانِ الصَّلَاةِ أَوْ الِاقْتِدَاءِ فَلَا تَبْطُلُ، وَلَوْ تَخَلَّفَ بِالتَّكْبِيرَاتِ كُلِّهَا فَيَكُونُ كَلَامُ الشَّارِحِ ضَعِيفًا. قَوْلُهُ: (فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَخَلُّفِهِ بِتَكْبِيرَتَيْنِ) الْوَجْهُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ بِالتَّأَخُّرِ لِعُذْرٍ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّخَلُّفُ بِتَكْبِيرَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَسِيَ كَوْنَهُ فِي الصَّلَاةِ فَتَأَخَّرَ عَنْ إمَامِهِ بِجَمِيعِ الرَّكَعَاتِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَهُنَا أَوْلَى. اهـ. حَجّ ز ي وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 أَنَّ التَّقَدُّمَ كَالتَّخَلُّفِ بَلْ أَوْلَى. وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِهَا كَالدُّعَاءِ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أُخْرَى قَبْلَ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ مَعَهُ وَسَقَطَتْ الْقِرَاءَةُ عَنْهُ كَمَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَدَارَكَ الْمَسْبُوقُ حَتْمًا بَاقِيَ التَّكْبِيرَاتِ بِأَذْكَارِهَا وُجُوبًا فِي الْوَاجِبِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَرْتَفِعَ الْجِنَازَةُ حَتَّى يُتِمَّ الْمَسْبُوقُ، وَلَا يَضُرُّ رَفْعُهَا قَبْلَ إتْمَامِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَكْمَلِ الدَّفْنِ الْمَوْعُودِ بِذِكْرِهِ فَقَالَ: (وَيُدْفَنُ فِي لَحْدٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا وَسُكُونِ الْحَاءِ فِيهِمَا أَصْلُهُ الْمَيْلُ، وَالْمُرَادُ أَنْ يُحْفَرَ فِي أَسْفَلِ جَانِبِ الْقَبْرِ الْقِبْلِيِّ مَائِلًا عَنْ الِاسْتِوَاءِ قَدْرَ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ وَيَسْتُرُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الشَّقِّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ إنْ صَلُبَتْ الْأَرْضُ، وَهُوَ أَنْ يَحْفِرَ قَعْرَ الْقَبْرِ كَالنَّهْرِ وَيَبْنِيَ جَانِبَاهُ بِلَبَنٍ أَوْ غَيْرِهِ غَيْرَ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَيُجْعَلُ الْمَيِّتُ بَيْنَهُمَا، أَمَّا الْأَرْضُ الرَّخْوَةُ فَالشَّقُّ فِيهَا أَفْضَلُ خَشْيَةَ الِانْهِيَارِ وَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ أَوْ غَيْرِهِ (مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ) وُجُوبًا تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُصَلِّي فَلَوْ وُجِّهَ لِغَيْرِهَا نُبِشَ وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ وُجُوبًا إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَإِلَّا فَلَا، وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ   [حاشية البجيرمي] الشَّوْبَرِيُّ: قَوْلُهُ " كَنِسْيَانٍ " أَيْ لِلْقِرَاءَةِ لَا لِلصَّلَاةِ أَوْ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ فِي هَذَيْنِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا لَوْ نَسِيَ فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ ثُمَّ وَلَوْ بِجَمِيعِ الرَّكَعَاتِ اهـ وَمِثْلُهُ ح ل وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الشَّارِحِ لَا ضَعْفَ فِيهِ، وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ أَيْضًا، فَقَوْلُ الْمُحَشِّي: الْوَجْهُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ إلَخْ، مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الشَّارِحِ " كَنِسْيَانٍ " نِسْيَانُ الصَّلَاةِ لَا الْقِرَاءَةِ. قَوْلُهُ: (كَالتَّخَلُّفِ) ضَعِيفٌ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَقِيسِ. قَوْلُهُ: (وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ) الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَمْ يُوَافِقْ الْإِمَامَ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) أَيْ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهَا لِتَكْبِيرَةٍ أُخْرَى سم عَلَى حَجّ؛ لَكِنْ قَالَ ز ي: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا وُجُوبًا لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُوَافِقِ قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ رَفْعُهَا قَبْلَ إتْمَامِهِ) وَإِنْ حُوِّلَتْ عَنْ الْقِبْلَةِ، بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ عَقْدِ الصَّلَاةِ لَا يُحْتَمَلُ فِيهِ ذَلِكَ وَالْجِنَازَةُ حَاضِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ عَلَى جِنَازَةٍ وَهِيَ سَائِرَةٌ صَحَّتْ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ تَكُونَ سَائِرَةً إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ حَالَةَ التَّحَرُّمِ، وَأَنْ لَا يَبْعُدَ عَنْهَا بِأَكْثَرِ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى تَمَامِ الصَّلَاةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ حَائِلٌ حَالَةَ التَّحَرُّمِ؛ وَلَا تُشْتَرَطُ الْمُحَاذَاةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، أَمَّا إذَا أَحْرَمَ عَلَيْهَا وَهِيَ قَارَّةٌ ثُمَّ رُفِعَتْ فَلَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا م د وَقَوْلُهُ " وَأَنْ لَا يَبْعُدُ " أَيْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ تَنْزِيلًا لِلْمَيِّتِ مَنْزِلَةَ الْإِمَامِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ " وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ حَائِلٌ " عِبَارَةُ ز ي: وَلَا يَضُرُّ الْحَائِلُ بَيْنَهُمَا اهـ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا بَعْدَ التَّحَرُّمِ قَوْلُهُ: (الْمَوْعُودُ بِذَكَرِهِ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ " وَدَفْنِهِ ". قَوْلُهُ: (وَيُدْفَنُ) أَيْ وُجُوبًا، وَقَوْلُهُ " فِي لَحْدٍ " أَيْ نَدْبًا. قَوْلُهُ: (أَصْلُهُ الْمَيْلُ) وَمِنْهُ: {إنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا} أَيْ يَمِيلُونَ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ مِنْ الْحَقِّ. قَوْلُهُ: (قَدْرَ مَا يَسَعُ) نَائِبُ الْفَاعِلِ. قَوْلُهُ: (الرِّخْوَةُ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ، هِيَ الَّتِي تَنْهَارُ وَلَا تَتَمَاسَكُ حَجّ. قَوْلُهُ: (مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ) تَنْبِيهٌ: يَجِبُ فِيمَنْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ وَتَعَذَّرَ دَفْنُهُ فِي الْبَرِّ أَنْ يُوضَعَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَيْنَ لَوْحَيْنِ مَثَلًا وَيُرْمَى فِي الْبَحْرِ وَإِنْ ثُقِّلَ بِحَجَرٍ لِيَصِلَ إلَى الْقَرَارِ، فَهُوَ أَوْلَى. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (فَلَوْ وُجِّهَ لِغَيْرِهَا) وَمِنْهُ الِاسْتِلْقَاءُ فَيَجِبُ نَبْشُهُ فِيهِ أَيْضًا تَنْبِيهٌ: يَجِبُ فِي كَافِرَةٍ مَاتَتْ حَامِلًا بِمُسْلِمٍ وَقَدْ نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ أَنْ تَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْوَلَدِ إلَى ظَهْرِهَا، وَأَنْ تُدْفَنَ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ ق ل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 نَدْبًا عِنْدَ مُؤَخَّرِ الْقَبْرِ الَّذِي سَيَصِيرُ عِنْدَ أَسْفَلِهِ رِجْلُ الْمَيِّتِ (وَيُسَلُّ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يُدْخَلُ (مِنْ قِبَلِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ جِهَةِ (رَأْسِهِ بِرِفْقٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ» وَيُدْخِلُهُ الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دَرَجَةً فَلَا يُدْخِلُهُ وَلَوْ أُنْثَى إلَّا الرِّجَالُ، لَكِنَّ الْأَحَقَّ فِي الْأُنْثَى زَوْجٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ فَمَحْرَمٌ فَعَبْدُهَا لِأَنَّهُ كَالْمَحْرَمِ فِي النَّظَرِ وَنَحْوِهِ فَمَمْسُوحٌ فَمَجْبُوبٌ فَخَصِيٌّ لِبَعْضِ شَهْوَتِهِمْ فَأَجْنَبِيٌّ صَالِحٌ، وَسُنَّ كَوْنُ الْمَدْخَلِ وِتْرًا وَاحِدًا فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَسُنَّ سَتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ عِنْدَ الدَّفْنِ وَهُوَ لِغَيْرِ ذَكَرٍ مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى آكَدُ احْتِيَاطًا (وَيَقُولُ الَّذِي يَلْحَدُهُ) أَيْ يُدْخِلُهُ الْقَبْرَ نَدْبًا (بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ) أَيْ دَيْنِ (رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِلِاتِّبَاعِ وَفِي رِوَايَةٍ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَيُضْجَعُ فِي الْقَبْرِ) عَلَى يَمِينِهِ نَدْبًا كَمَا فِي الِاضْطِجَاعِ عِنْدَ النَّوْمِ، فَإِنْ وُضِعَ عَلَى يَسَارِهِ كُرِهَ وَلَمْ يُنْبَشْ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُفْضِيَ بِخَدِّهِ إلَى الْأَرْضِ (بَعْدَ أَنْ) يُوَسَّعَ بِأَنْ يُزَادَ فِي طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَأَنْ (يُعَمَّقَ) الْقَبْرُ وَهُوَ بِضَمِّ حَرْفِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيَوْضَعُ الْمَيِّتُ) أَيْ قَبْلَ دَفْنِهِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ مُؤَخَّرِ الْقَبْرِ) هُوَ وَاحِدُ الْقُبُورِ فِي الْكَثْرَةِ وَأَقْبُرٌ فِي الْقِلَّةِ وَهُوَ الْحُفْرَةُ الْمَعْرُوفَةُ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَبْرُ مَدْفَنُ الْإِنْسَانِ وَالْجَمْعُ قُبُورٌ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ سَنَّ الْقَبْرَ فَقِيلَ الْغُرَابُ لَمَّا قَتَلَ قَابِيلُ أَخَاهُ هَابِيلَ وَقِيلَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَفِي التَّنْزِيلِ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ أَيْ جَعَلَ لَهُ قَبْرًا يُوَارَى فِيهِ إكْرَامًا لَهُ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِمَّا يَلْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَأْكُلُهُ الطَّيْرُ وَالْوَحْشُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ أَسْفَلِهِ) خَبَرٌ يَصِيرُ مُقَدَّمًا وَرَجُلٌ اسْمُهَا مُؤَخَّرٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ يَدْخُلَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ يُؤْخَذُ مِنْ النَّعْشِ وَيُخْرَجُ؛ لِأَنَّ السَّلَّ هُوَ الْإِخْرَاجُ لَا الْإِدْخَالُ. قَوْلُهُ: (وَيُدْخِلُهُ) أَيْ نَدْبًا، وَقَوْلُهُ " فَلَا يُدْخِلُهُ " أَيْ نَدْبًا؛ فَإِذَا أَدْخَلَهُ الْإِنَاثُ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَمَنْ عَبَّرَ بِالْوُجُوبِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ إزْرَاءٌ بِالْمَيِّتِ بِإِدْخَالِ غَيْرِ الرِّجَالِ ع ش فَائِدَةٌ: النِّسَاءُ أَحَقُّ بِالْأُنْثَى فِي أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: حَمْلِهَا مِنْ مَحِلِّ مَوْتِهَا إلَى الْمُغْتَسَلِ وَحَمْلِهَا مِنْهُ إلَى وَضْعِهَا فِي النَّعْشِ وَحَمْلِهَا لِتَسْلِيمِهَا لِمَنْ فِي الْقَبْرِ وَحَلِّ شِدَادِهَا بَعْدَ وَضْعِهَا فِي الْقَبْرِ ق ل وع ش. قَوْلُهُ: (دَرَجَةً) بِخِلَافِهِ صِفَةً، فَالْأَفْقَهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَسَنِّ كَمَا فِي الْغُسْلِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ لِأَنَّ مَنْظُورَهُ أَكْثَرُ وَالْمُرَادُ حَيْثُ وُجِدَ مَعَهُ غَيْرُ الْأَجَانِبِ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ حَقٌّ كَمَا مَرَّ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَخَصِيٌّ) وَهُوَ الَّذِي قُطِعَتْ أُنْثَيَاهُ. قَوْلُهُ: (لِضَعْفِ شَهْوَتِهِمْ) وَرُتِّبُوا كَذَلِكَ لِتَفَاوُتِهِمْ فِيهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ، إذْ الْمَمْسُوحُ أَضْعَفُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْآلَتَيْنِ وَالْمَجْبُوبُ أَضْعَفُ مِنْ الْخَصِيِّ لِجَبِّ ذَكَرِهِ. قَوْلُهُ: (فَأَجْنَبِيٌّ صَالِحٌ) الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ، ثُمَّ النِّسَاءُ بَعْدُ الْأَجْنَبِيِّ كَتَرْتِيبِهِنَّ فِي الْغُسْلِ، وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ؛ كَذَا قَالَ شَيْخُنَا. اهـ. ح ل وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: فَخَصِيٌّ، فَعَصَبَةٌ، فَذُو رَحِمٍ، فَأَجْنَبِيٌّ صَالِحٌ اهـ قَالَ م ر: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ اهـ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الدَّفْنِ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَنْكَشِفُ مِنْ الْمَيِّتِ شَيْءٌ فَيَظْهَرُ مَا يُطْلَبُ إخْفَاؤُهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (نَدْبًا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: " وَيَقُولُ " قَوْلُهُ: (بِاسْمِ اللَّهِ) أَيْ: أُدْخِلُهُ بِاسْمِ اللَّهِ وَمَاتَ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، أَوْ: أَدْفِنُهُ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَالَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ: وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مَنْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ دَفْنِهِ رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَتُسَنُّ زِيَادَةُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُنَاسِبَةٌ لِلْمَقَامِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُفْضِي بِخَدِّهِ إلَى الْأَرْضِ) وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ: فَكَيْفَ يَهْنُو بِعَيْشٍ أَوْ يَلَذُّ بِهِ ... مِنْ التُّرَابِ عَلَى خَدَّيْهِ مَجْعُولُ اهـ. م د الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 الْمُضَارَعَةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الزِّيَادَةُ فِي النُّزُولِ (قَامَةً وَبَسْطَةً) مِنْ رَجُلٍ مُعْتَدِلٍ لَهُمَا وَهُمَا أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ كَمَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهُمَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ تَبَعًا لِلْمَحَامِلِيِّ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُنْدَبُ وَجْهُهُ وَرِجْلَاهُ إلَى جِدَارِ الْقَبْرِ وَظَهْرُهُ بِنَحْوِ لَبِنَةٍ كَحَجَرٍ حَتَّى لَا يُنَكَّبَ وَلَا يَسْتَلْقِي، وَأَنْ يُسَدَّ فَتْحُهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ بِنَحْوِ لَبِنٍ كَطِينٍ بِأَنْ يُبْنَى بِذَلِكَ ثُمَّ يُسَدُّ فَرْجُهُ بِكِسَرِ لَبِنٍ وَطِينٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَكُرِهَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ فَرْشٌ وَمِخَدَّةٌ وَصُنْدُوقٌ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ لِأَنَّ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (قَامَةً وَبَسْطَةً) أَيْ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ وَرَفْعِ يَدَيْهِ مَبْسُوطَةً فَوْقَ رَأْسِهِ ق ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: بِأَنْ يَقُومَ رَجُلٌ مُعْتَدِلٌ بَاسِطًا يَدَيْهِ مَرْفُوعَتَيْنِ؛ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَأَشَارَ حَجّ إلَى أَنَّهُمَا مَنْصُوبَانِ خَبَرًا ل " يَكُونُ " الْمَحْذُوفَةِ، أَيْ وَأَنْ يَكُونَ التَّعْمِيقُ قَامَةً وَبَسْطَةً، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَنْصُوبَيْنِ ب يُعَمِّقُ عَلَى حَذْفُ مُضَافٍ وَإِقَامَةِ هَذَا مَقَامَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: قَدْرَ قَامَةٍ. قَوْلُهُ: (لَهُمَا) أَيْ لِلْقَامَةِ وَالْبَسْطَةِ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ) كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى ذِرَاعِ الْعَمَلِ وَمَا قَبْلَهُ مَحْمُولٌ عَلَى ذِرَاعِ الْيَدِ فَلَا مُخَالَفَةَ، مَرْحُومِيٍّ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَنْقُصُ عَنْهُ ثُمُنُ ذِرَاعٍ لِأَنَّ ذِرَاعَ الْيَدِ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا ثُمُنًا وَذِرَاعُ الْعَمَلِ يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْيَدِ بِرُبْعِ ذِرَاعٍ. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَا يَنْكَبَّ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " أَنْ يُسْنَدَ وَجْهَهُ وَرِجْلَاهُ إلَى جِدَارِ الْقَبْرِ " وَقَوْلُهُ: " وَلَا يَسْتَلْقِي " رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَظَهْرُهُ إلَخْ " وَلَا يَجِبُ نَبْشُهُ لَوْ انْكَبَّ أَوْ اسْتَلْقَى بَعْدَ الدَّفْنِ، وَكَذَا لَوْ انْهَارَ الْقَبْرُ أَوْ التُّرَابُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ وَإِصْلَاحُهُ أَوْ نَقْلُهُ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ نَعَمْ لَوْ انْهَارَ عَلَيْهِ التُّرَابُ قَبْلَ تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ وَقَبْلَ سَدِّهِ وَجَبَ إصْلَاحُهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ مَسْأَلَةٌ عَنْ الْحُكَمَاءِ، وَذَكَرَهَا أَبُو دَاوُد الْحَكِيمُ: أَنَّ الْوَلَدَ إذَا دُفِنَ وَانْكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ فَإِنَّ أُمَّهُ لَا تَحْبَلُ مَا دَامَ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ. اهـ. كَنْزُ الْبَكْرِيِّ وَقَرَّرَهُ ح ف. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسُدَّ) وَقَضِيَّةُ نَدْبِهِ جَوَازُ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ بِلَا سَدٍّ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ؛ لَكِنْ بَحَثَ آخَرُونَ وُجُوبَهُ كَمَا عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ فَتَحْرُمُ تِلْكَ الْإِهَالَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِزْرَاءِ وَإِذَا حَرَّمُوا مَا دُونَ ذَلِكَ كَكَبِّهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهَذَا أَوْلَى، وَيَجْرِي مَا ذُكِرَ فِي تَسْقِيفِ الشِّقِّ شَرْحُ م ر وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ إذَا اُسْتُدْرِكَ عَلَى حُكْمٍ كَانَ مُعْتَمَدُهُ مَا بَعْدَ الِاسْتِدْرَاكِ اهـ وَقَالَ ز ي: إنْ لَزِمَ عَلَى عَدَمِ السَّدِّ إهَالَةُ التُّرَابِ عَلَى الْمَيِّتِ وَجَبَ وَإِلَّا نُدِبَ وَعَلَى كُلٍّ يُحْمَلُ كَلَامُ جَمْعٍ، وَإِذَا انْهَدَمَ الْقَبْرُ تَخَيَّرَ الْوَلِيُّ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: تَرْكُهُ وَإِصْلَاحُهُ وَنَقْلُهُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَأُلْحِقَ بِانْهِدَامِهِ انْهِيَارُ تُرَابِهِ عَقِبَ دَفْنِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ لَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ نَحْوُ سَبُعٍ أَوْ يَظْهَرُ مِنْهُ رِيحٌ وَإِلَّا وَجَبَ إصْلَاحُهُ قَطْعًا اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ فَرُشٌ) أَيْ كَمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ التَّابُوتِ الَّذِي يُجْعَلُ فَوْقَ الْقَبْرِ، وَكَذَا تَقْبِيلُ الْقَبْرِ وَاسْتِلَامُهُ وَأَعْتَابِ الْأَوْلِيَاءِ عِنْدَ الدُّخُولِ لِزِيَارَتِهِمْ نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمْ التَّبَرُّكَ لَا يُكْرَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ شَرْحُ م ر أج وَقَالَ ق ل: نَعَمْ يَحْرُمُ ذَلِكَ، أَيْ الْفَرْشُ، مِنْ مَالٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ كَصَبِيٍّ وَلَوْ مِنْ التَّرِكَةِ اهـ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَكُرِهَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ فَرْشٌ " أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ، أَمَّا هُوَ فَلَا كَرَاهَةَ؛ قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَفُرِشَ لَهُ فِي قَبْرِهِ قَطِيفَةٌ كِسَاءٌ لَهُ خَمْلٌ أَيْ وَبَرٌ وَكَانَتْ حَمْرَاءَ فَرَشَهَا لَهُ شَقْرَانُ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ «الْحَسَنِ: افْرِشُوا لِي قَطِيفَتِي فِي لَحْدِي فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تُسَلَّطْ عَلَى أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ» قَالَ وَكِيعٌ: هَذَا لِلنَّبِيِّ خَاصَّةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ يُشَارِكُهُ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَإِنَّ الْأَرْضَ إلَخْ " فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأُمَّةِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا أَمَرَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُفْرَشَ لَهُ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ كَمَا فَارَقَ الْأُمَّةَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ حَيَاتِهِ فَارَقَهُمْ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ مَمَاتِهِ الَّتِي مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " فَإِنَّ الْأَرْضَ " أَيْ بَطْنَهَا " لَمْ تُسَلَّطْ عَلَى أَكْلِ أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ " وَحَقٌّ لِجَسَدٍ عَصَمَهُ اللَّهُ عَنْ الْبِلَى وَالتَّغَيُّرِ وَالِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُفْرَشَ لَهُ فِي قَبْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يُفْرَشُ لِلْحَيِّ لِأَجَلِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَوْتِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي غَيْرِهِ عَلَى هَذَا النَّمَطِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَا يُعَارِضُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيَّةِ فِي كَرَاهَةِ وَضْعِ فُرُشٍ تَحْتَ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِمَّنْ يَتَغَيَّرُ وَيَبْلَى، وَمَا فِي الِاسْتِيعَابِ مِنْ أَنَّهَا أُخْرِجَتْ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ لَمْ يَثْبُتْ اهـ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 فِي ذَلِكَ إضَاعَةَ مَالٍ، أَمَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَى صُنْدُوقٍ لِنَدَاوَةٍ وَنَحْوِهَا كَرَخَاوَةٍ فِي الْأَرْضِ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ إلَّا حِينَئِذٍ، وَلَا يُكْرَهُ دَفْنُهُ لَيْلًا مُطْلَقًا وَوَقْتَ كَرَاهَةِ صَلَاةٍ مَا لَمْ يَتَحَرَّهُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ تَحَرَّاهُ كُرِهَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَلَا يُبْنَى) عَلَى الْقَبْرِ نَحْوُ قُبَّةٍ كَبَيْتٍ (وَلَا يُجَصَّصُ) أَيْ يُبَيَّضُ بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِبْسُ وَقِيلَ: الْجِيرُ وَالْمُرَادُ هُنَا هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، أَيْ يُكْرَهُ الْبِنَاءُ وَالتَّجْصِيصُ لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَخَرَجَ بِتَجْصِيصِهِ تَطْيِينُهُ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَتُكْرَهُ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمُ صَاحِبِهِ أَمْ غَيْرِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ مِظَلَّةٌ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَأَى قُبَّةً فَنَحَّاهَا وَقَالَ: دَعُوهُ يُظِلُّهُ عَمَلُهُ. وَلَوْ بُنِيَ عَلَيْهِ فِي مَقْبَرَةٍ مُسْبَلَةٌ وَهِيَ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِالدَّفْنِ فِيهَا حُرِّمَ وَهُدِمَ لِأَنَّهُ يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْنِي قُبَّةً أَوْ بَيْتًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمِنْ الْمُسْبَلِ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ قَرَافَةُ مِصْرَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: ذُكِرَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضَاعَةَ مَالٍ) وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمُ لِغَرَضٍ وَهُوَ إكْرَامُ الْمَيِّتِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (إلَّا حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ احْتَاجَ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَلَا يُكْرَهُ دَفْنُهُ لَيْلًا مُطْلَقًا) أَيْ تَحَرَّاهُ أَوْ لَا وَفِي الْخَصَائِصِ: وَدُفِنَ بِاللَّيْلِ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّفْنَ لَيْلًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا عِنْدَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ خَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ: «لَا تَدْفِنُوا مَوْتَاكُمْ بِاللَّيْلِ إلَّا أَنْ تُضْطَرُّوا» أَيْ بِالدَّفْنِ لَيْلًا لِخَوْفِ انْفِجَارِ الْمَيِّتِ وَتَغَيُّرِهِ وَخِلَافُ الْأَوْلَى عِنْدَ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ وَتَأَوَّلُوا الْخَبَرَ بِأَنَّ النَّهْيَ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ رُخِّصَ. اهـ. مُنَاوِيٌّ. 1 - قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَحَرَّاهُ كُرِهَ) أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا اعْتَمَدَهُ ع ش خِلَافًا لِلزِّيَادِيِّ، وَمَحِلُّهُ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ ح ل، وَفِي الشَّوْبَرِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ حَرَمِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُبْنَى) أَيْ يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْمُسْبَلَةِ وَالْمَوْقُوفَةِ وَيَحْرُمُ فِيهِمَا كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ، إلَّا إنْ خِيفَ نَبْشُهُ أَوْ تَخْرِقَةُ سَيْلٍ لَهُ فَلَا يُكْرَهُ حِينَئِذٍ وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْبَلَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيّ. اهـ. حَجّ وَلَوْ وُجِدَ بِنَاءٌ فِي أَرْضٍ مُسْبَلَةٍ وَلَمْ يُعْلَمْ أَصْلُهُ تُرِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ قِيَاسًا عَلَى مَا حَرَّرُوهُ فِي الْكَنَائِسِ وَمِنْ الْبِنَاءِ الْأَحْجَارُ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِتَرْكِيبِهَا نَعَمْ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَنَحْوَهُمْ، بِرْمَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: نَعَمْ قُبُورُ الصَّالِحِينَ يَجُوزُ بِنَاؤُهَا وَلَوْ بِقُبَّةٍ الْأَحْيَاءِ لِلزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ، قَالَ الْحَلَبِيُّ: وَلَوْ فِي مُسْبَلَةٍ، وَأَفْتَى بِهِ، وَقَالَ: أَمَرَ بِهِ الشَّيْخُ الزِّيَادِيُّ مَعَ وِلَايَتِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ، وَقَالَ: الْحَقُّ خِلَافُهُ وَقَدْ أَفْتَى الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِهَدْمِ مَا فِي الْقَرَافَةِ، وَيُسْتَثْنَى قُبَّةُ الْإِمَامِ لِكَوْنِهَا فِي دَارِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ اهـ وَيَظْهَرُ حَمْلُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى مَا إذَا عَرَفَ حَالَ الْبِنَاءِ فِي الْوَضْعِ، فَإِنْ جُهِلَ تُرِكَ حَمْلًا عَلَى وَضْعِهِ بِحَقٍّ كَمَا فِي الْكَنَائِسِ الَّتِي نُقِرُّ أَهْلَ الْكَنَائِسِ عَلَيْهَا فِي بِلَادِنَا وَجَهِلْنَا حَالَهَا، وَكَمَا فِي الْبِنَاءِ الْمَوْجُودِ عَلَى حَافَّاتِ الْأَنْهَارِ وَالشَّوَارِعِ اهـ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ بِحُرْمَةِ الْبِنَاءِ فِي الْمُسْبَلَةِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَقْرُبُ إلْحَاقُ الْمَوَاتِ بِهَا لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ وَلَا غَرَضَ شَرْعِيٌّ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَحْيَاءِ. اهـ.. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَالْمُعْتَمَدُ نَدْبُهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا م د. قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَبْرِ وَلَوْ لِقُرْآنٍ بِخِلَافِ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْكَفَنِ فَحَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلصَّدِيدِ وَمَحِلُّ كَرَاهَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقَبْرِ مَا لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهَا، وَإِلَّا بِأَنْ اُحْتِيجَ إلَى كِتَابَةِ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ فَلَا يُكْرَهُ بِشَرْطِ الِاقْتِصَارِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ لَا سِيَّمَا قُبُورُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهَا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِذَلِكَ عِنْدَ تَطَاوُلِ السِّنِينَ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (مَظِلَّةٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الظَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ: مِنْ ظَلَّ يَظَلُّ. قَوْلُهُ: (مُسَبَّلَةٍ) وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْمَوْقُوفَةِ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهَا بِمَوَاتٍ اعْتَادُوا الدَّفْنَ فِيهِ، فَهَذَا يُسَمَّى مُسَبَّلًا لَا مَوْقُوفًا شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهُدِمَ) إلَّا إنْ اُحْتِيجَ إلَى الْبِنَاءِ فِيهَا لِخَوْفِ نَبْشِ سَارِقٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ تَخْرِقَةِ سَيْلٍ فَلَا يُهْدَمُ إلَّا مَا حُرِّمَ وَضْعُهُ، وَالْهَادِمُ لَهُ الْحَاكِمُ أَيْ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ هَدْمُهُ دُونَ الْآحَادِ م ر وَقَالَ حَجّ: وَيَنْبَغِي أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ هَدْمُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُخْشَ مِنْهُ مَفْسَدَةٌ فَيَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ لِلْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ) وَمِنْهُ مَا اُعْتِيدَ مِنْ جَعْلِ أَرْبَعَةِ أَحْجَارٍ مُرَبَّعَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 أَعْطَاهُ الْمُقَوْقَسُ فِيهَا مَالًا جَزِيلًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ فَكَاتَبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ إنِّي لَا أَعْرِفُ تُرْبَةَ الْجَنَّةِ إلَّا لِأَجْسَادِ الْمُؤْمِنِينَ فَاجْعَلُوهَا لِمَوْتَاكُمْ. وَيُنْدَبُ أَنْ يُرَشَّ الْقَبْرُ بِمَاءٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ   [حاشية البجيرمي] مُحِيطَةٍ بِالْقَبْرِ كَمَا فِي حَجّ، قَالَ سم: إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَحْجَارُ الْمَذْكُورَةُ لِحِفْظِهِ مِنْ النَّبْشِ وَالدَّفْنِ عَلَيْهِ وَمِنْ الْمُحَرَّمِ زَرْعُ شَيْءٍ فِيهَا وَإِنْ تُيُقِّنَ بِلَى مَنْ بِهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الدَّفْنِ فَيُقْلَعُ وُجُوبًا، وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي يَجُوزُ بَعْدَ الْبِلَى مَحْمُولٌ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ. اهـ. حَجّ أج. قَوْلُهُ: (أَعْطَاهُ الْمُقَوْقَسُ) وَكَانَ كَافِرًا، وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ مِصْرَ. قَوْلُهُ: (فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ) أَيْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. قَوْلُهُ: (تُرْبَةُ الْجَنَّةِ) أَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَوْلُهُ: (أَنْ يَرُشَّ) أَيْ عَقِبَ الدَّفْنِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَطَرَ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِنَا لِأَدَاءِ السُّنَّةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر خِلَافًا لحج بَابِلِيٍّ. قَوْلُهُ: (بِمَاءٍ) طَهُورٍ أَيْ طَاهِرٍ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ فِيهِ إزْرَاءٌ بِالْمَيِّتِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ بِقَبْرِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ) وَمَاتَ إبْرَاهِيمُ وَلَدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ عَشْرٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَاخْتُلِفَ فِي سِنِّهِ، فَقِيلَ: سَنَةٌ وَعَشْرَةُ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مَاتَ عِنْدَ ظِئْرِهِ أُمُّ بُرْدَةَ، وَلَعَلَّهَا كَانَتْ مُرْضِعَتَهُ، وَغَسَّلَتْهُ وَحَمَلَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهَا عَلَى سَرِيرٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: غَسَّلَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَرِيرٍ؛ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْأَثِيرِ: قِيلَ إنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - غَسَّلَ إبْرَاهِيمَ وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، قَالَ الزُّبَيْرُ: وَرَشَّ عَلَى قَبْرِهِ مَاءً، وَعَلَّمَ عَلَى قَبْرِهِ بِعَلَامَةٍ، وَهُوَ أَوَّلُ قَبْرٍ رُشَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ؛ وَفِيهِ أَنَّهُ رَشَّ عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ بِالْمَاءِ وَهُوَ سَابِقٌ عَلَى سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ وَصَلَّى عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ، وَلَقَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ غَرِيبٌ؛ وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ تَلْقِينِ الطِّفْلِ؛ قَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَئِمَّتِنَا: وَالْأَصْلُ فِي التَّلْقِينِ مَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَفَنَ إبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْ اللَّهُ رَبِّي وَرَسُولُ اللَّهِ أَبِي وَالْإِسْلَامُ دِينِي فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْتَ تُلَقِّنُهُ فَمَنْ يُلَقِّنُنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] » أَيْ وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَفَنَ وَلَدَهُ إبْرَاهِيمَ وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ وَقَالَ: يَا بُنَيَّ إنَّ الْقَلْبَ يَحْزَنُ وَالْعَيْنَ تَدْمَعُ وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ، إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، يَا بُنَيَّ قُلْ اللَّهُ رَبِّي وَالْإِسْلَامُ دِينِي وَرَسُولُ اللَّهِ أَبِي فَبَكَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمِنْهُمْ عُمَرُ حَتَّى ارْتَفَعَ صَوْتُهُ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا يُبْكِيك يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا وَلَدُك وَمَا بَلَغَ الْحُلُمَ وَلَا جَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ وَيَحْتَاجُ إلَى تَلْقِينِ مِثْلِك تُلَقِّنُهُ التَّوْحِيدَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ، فَمَا حَالُ عُمَرَ وَقَدْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ وَلَيْسَ لَهُ مُلَقِّنٌ مِثْلُك؟ فَبَكَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَكَتْ الصَّحَابَةُ مَعَهُ، وَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] » يُرِيدُ بِذَلِكَ وَقْتَ الْمَوْتِ، أَيْ وَعِنْدَ وُجُودِ الْفَتَّانِينَ وَعِنْدَ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ، فَتَلَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآيَةَ فَطَابَتْ الْأَنْفُسُ وَسَكَنَتْ الْقُلُوبُ وَشَكَرُوا اللَّهَ " وَفِيهِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُلَقِّنْ أَحَدًا قَبْلَ وَلَدِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ اسْتَنَدَ إلَيْهِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْأَطْفَالَ يُسْأَلُونَ فِي الْقَبْرِ فَيُسَنُّ تَلْقِينُهُمْ وَذَهَبَ جَمْعٌ إلَى أَنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ وَأَنَّ السُّؤَالَ خَاصٌّ بِالْمُكَلَّفِ، وَبِهِ أَفْتَى الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ: الَّذِي يَظْهَرُ اخْتِصَاصُ السُّؤَالِ بِمِنْ يَكُونُ مُكَلَّفًا، يُوَافِقُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ: التَّلْقِينُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ أَمَّا الصَّبِيُّ وَنَحْوُهُ فَلَا يُلَقَّنُ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَوَاهِرُ الْأَخْبَارِ أَنَّ الْأَطْفَالَ يُسْأَلُونَ وَأَنَّ الْعَقْلَ يُكَمَّلُ لَهُمْ، وَذَكَرَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ مُصَرِّحَةٌ بِسُؤَالِ الْكَافِرِ، وَيُخَالِفُهُ قَوْلُهُمْ حِكْمَةُ السُّؤَالِ تَمْيِيزُ الْمُؤْمِنِ مِنْ الْمُنَافِقِ الَّذِي كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْجَاحِدُ الْكَافِرُ فَلَا يُسْأَلُ، قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يُسْأَلُونَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ إنَّمَا يَمُوتُونَ عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى، أَيْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ السُّؤَالُ، وَأَمَّا عَذَابُ الْقَبْرِ فَعَامٌّ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ فَعُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ فِتْنَةِ الْقَبْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 بِقَبْرِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا بَارِدًا، وَخَرَجَ بِالْمَاءِ مَاءُ الْوَرْدِ فَالرَّشُّ بِهِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَا بَأْسَ بِيَسِيرٍ مِنْهُ إنْ قَصَدَ بِهِ حُضُورَ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّهَا تُحِبُّ الرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ انْتَهَى. وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَانِعُ مِنْ حُرْمَةِ   [حاشية البجيرمي] وَعَذَابِهِ وَهُوَ أَنَّ الْفِتْنَةَ تَكُونُ بِامْتِحَانِ الْمَيِّتِ بِالسُّؤَالِ وَأَمَّا الْعَذَابُ فَعَامٌّ يَكُونُ نَاشِئًا عَنْ عَدَمِ جَوَابِ السُّؤَالِ وَيَكُونُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: يُكَرَّرُ السُّؤَالُ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَفِي بَعْضِهَا: إنَّ الْمُؤْمِنَ يُسْأَلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالْمُنَافِقُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَيْ قَدْ يَقَعُ ذَلِكَ، وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: أَنَّ فَتَّانِي الْقَبْرِ أَرْبَعَةٌ: مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ يَكُونَانِ لِلْمُنَافِقِ، وَمُبَشِّرٌ وَبَشِيرٌ يَكُونَانِ لِلْمُؤْمِنِ وَنَقَلَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ عَنْ شَيْخِهِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ السُّؤَالَ يَكُونُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَاسْتَغْرَبَهُ وَقَالَ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَفِي كَلَامِ الْحَافِظِ السُّيُوطِيّ لَمْ يَثْبُتْ فِي التَّلْقِينِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ بَلْ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ، وَلِهَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ إلَى أَنَّ التَّلْقِينَ بِدْعَةٌ وَآخِرُ مَنْ أَفْتَى بِذَلِكَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْإِمَامِ السُّبْكِيّ حَدِيثُ تَلْقِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِهِ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، أَيْ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ ح ل فِي السِّيرَةِ وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى وَنَقَلَهَا ع ش عَلَى م ر: سُئِلَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا مُحَصِّلُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْأَطْفَالِ هَلْ هُمْ فِي الْجَنَّةِ خُدَّامٌ لِأَهْلِهَا ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَهَلْ تَتَفَاضَلُ دَرَجَاتُهُمْ فِي الْجَنَّةِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: أَمَّا أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فَفِي الْجَنَّةِ قَطْعًا بَلْ إجْمَاعًا وَالْخِلَافُ فِيهِ شَاذٌّ بَلْ غَلَطٌ، وَأَمَّا أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فَفِيهِمْ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] وَقَوْلُهُ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] الثَّانِي: أَنَّهُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ لَكِنَّهُ نُوزِعَ فِيهِ الثَّالِثُ: الْوُقُوفُ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ يُجْمَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُؤَجَّجُ لَهُمْ نَارٌ يُقَالُ اُدْخُلُوهَا، فَيَدْخُلُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ شَقِيًّا وَيُمْسِكُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَعِيدًا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ إلَخْ اهـ مُلَخَّصًا وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ عَنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ: هَلْ يُعَذَّبُونَ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ؟ وَهَلْ وَرَدَ أَنَّهُمْ يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَأَنَّ الْقَبْرَ يَضُمُّهُمْ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِذَلِكَ فَهَلْ يَتَأَلَّمُونَ بِهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ قَوْلُ الْقَائِلِ إنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ مُعَذَّبُونَ مُصِيبٌ فِيهِ أَمْ هُوَ مُخْطِئٌ؟ وَمَا الْحُكْمُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ هَلْ هُمْ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ أَمْ هُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ أَمْ غَيْرُ هَذَا؟ فَأَجَابَ: لَا يُعَذَّبُونَ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي، إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ وَالْعَذَابُ عَلَى ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمُكَلَّفِينَ، وَلَا يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ كَمَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ؛ وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَلِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ قَوْلٌ إنَّ الطِّفْلَ يُسْأَلُ، وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا لَا يَصِحُّ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَّنَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ؛ وَلَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الطِّفْلِ: «اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ مَا فِيهِ عُقُوبَةٌ وَلَا السُّؤَالُ بَلْ مُجَرَّدَ أَلَمِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْوَحْشَةِ وَالضَّغْطَةِ الَّتِي تَعُمُّ الْأَطْفَالَ وَغَيْرَهُمْ وَأَخْرَجَ عَلِيُّ بْنُ مَعِينٍ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ عَائِشَةَ فَمَرَّتْ جِنَازَةُ صَبِيٍّ صَغِيرٍ، فَبَكَتْ، فَقُلْت لَهَا: مَا يُبْكِيك؟ قَالَتْ: هَذَا الصَّبِيُّ بَكَيْتُ شَفَقَةً عَلَيْهِ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ وَالْقَائِلُ الْمَذْكُورُ إنْ أَرَادَ ب يُعَذَّبُونَ بِالنَّارِ أَوْ عَلَى الْمَعَاصِي فَغَيْرُ مُصِيبٍ بَلْ هُوَ مُخْطِئٌ أَشَدَّ الْخَطَأِ لِمَا تَقَرَّرَ وَأَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ عَلَى نَحْوِ عَشْرَةِ أَقْوَالٍ، الرَّاجِحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بَارِدًا) وَالْمَعْنَى فِيهِ التَّفَاؤُلُ بِتَبْرِيدِ الْمُضْطَجِعِ وَحِفْظِ التُّرَابِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَا بَأْسَ بِيَسِيرٍ مِنْهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ بِهِ حُضُورَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ فَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا بَلْ يُسْتَحَبُّ وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ؛ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا كَانَ مُبَاحًا وَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 إضَاعَةِ الْمَالِ. وَيُسَنُّ وَضْعُ الْجَرِيدِ الْأَخْضَرِ عَلَى الْقَبْرِ وَكَذَا الرَّيْحَانُ وَنَحْوُهُ مِنْ الشَّيْءِ الرَّطْبِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْغَيْرِ أَخْذُهُ مِنْ عَلَى الْقَبْرِ قَبْلَ يُبْسِهِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ يُبْسِهِ لِزَوَالِ نَفْعِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقْتَ رُطُوبَتِهِ وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ، وَأَنْ يَضَعَ عِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرًا أَوْ خَشَبَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ صَخْرَةً وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي لِأَدْفِنَ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» وَيُنْدَبُ جَمْعُ أَقَارِبِ الْمَيِّتِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْبَرَةِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الزَّائِرِ، وَالدَّفْنُ فِي الْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِغَيْرِهَا لِيَنَالَ الْمَيِّتُ دُعَاءَ الْمَارِّينَ وَالزَّائِرِينَ، وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْوَحْشَةِ   [حاشية البجيرمي] كَانَ كَثِيرًا كُرِهَ تَنْزِيهًا م د. قَوْلُهُ: (وَلَعَلَّ هَذَا) أَيْ قَصَدَ حُضُورَ الْمَلَائِكَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الشَّيْءِ الرَّطْبِ) عُمُومُهُ شَامِلٌ لِنَحْوِ عُرُوقِ الْجَزَرِ كَوَرَقِ الْخَسِّ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَاللِّفْتِ؛ لِأَنَّهُ يُخَفِّفُ عَنْ الْمَيِّتِ بِبَرَكَةِ تَسْبِيحِهِ أج. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لِلْغَيْرِ) أَيْ لِغَيْرِ وَاضِعِهِ، أَمَّا وَاضِعُهُ فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا. اهـ. م د وَقَوْلُهُ " مُطْلَقًا " أَيْ سَوَاءٌ يَبِسَ أَوْ لَمْ يَيْبَسْ، لَكِنَّ ظَاهِرَ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي حَاشِيَةِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الشَّيْءُ الْأَخْضَرُ قَلِيلًا كَخُوصَةٍ أَوْ خُوصَتَيْنِ مَثَلًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَهُوَ أَخْضَرُ لِأَنَّهُ صَارَ حَقًّا لِلْمَيِّتِ فَحُرِّمَ أَخْذُهُ، أَمَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ؛ فَيَجُوزُ لِمَنْ وَضَعَ خُوصًا كَثِيرًا مَثَلًا عَلَى قَبْرٍ الْأَخْذُ مِنْهُ لِيَضَعَهُ عَلَى قَبْرٍ آخَرَ وَهَكَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْخُوصُ مَثَلًا أَخْضَرَ لَمْ يَيْبَسْ وَكَانَ الْآخِذُ لَهُ مَالِكَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ عَلَى الْقَبْرِ) " عَلَى " اسْمٌ بِمَعْنَى " فَوْقَ " فَلِذَا جَازَ دُخُولُ " مِنْ " عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَالْحَرْفُ لَا يَجُوزُ دُخُولُهُ عَلَى الْحَرْفِ كَقَوْلِهِ: غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا تَمَّ ظَمْؤُهَا قَوْلُهُ: (وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ) أَيْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَأَمَّا هُوَ فَيُسَبِّحُ سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا؛ لَكِنَّ تَسْبِيحَ الرَّطْبِ أَكْثَرُ مِنْ الْيَابِسِ، وَيُصَرِّحُ بِهِ مَا وَرَدَ: " إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُ " لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مِنْ الْجَرِيدِ، فَيُحَرَّرُ. قَوْلُهُ: (أَتَعَلَّمُ) أَيْ أَجْعَلُهَا عَلَامَةً عَلَى قَبْرِ أَخِي فَهُوَ مِنْ تَعَلَّمَ بِمَعْنَى جَعَلَ لَهُ عَلَامَةً، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: أَتَعَلَّمَ أَيْ أَعْلَمَ مِنْ الْعَلَامَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ " نُعْلِمُ " بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ مِنْ الْإِعْلَامِ اهـ. قَوْلُهُ: (قَبْرَ أَخِي) أَيْ مِنْ الرَّضَاعِ، رَضَعَ مَعَهُ عَلَى حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَهُ أَخٌ وَلَا أُخْتٌ مِنْ النَّسَبِ وَقَدْ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: الْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ آمِنَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَلِدَا غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. زُرْقَانِيٌّ وَنَقَلَهُ م د. قَوْلُهُ: (لِأَدْفِنَ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي) قَضِيَّتُهُ نَدْبُ عِظَمِ الْحَجَرِ وَمِثْلُهُ نَحْوُهُ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ مَعْرِفَةُ قَبْرِ الْمَيِّتِ عَلَى الدَّوَامِ، وَلَا يَثْبُتُ كَذَلِكَ إلَّا الْعَظِيمُ؛ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ، اسْتِحْبَابَهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَالدَّفْنُ بِالْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ) وَإِنَّمَا دُفِنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ لِأَنَّ مِنْ خَوَاصِّ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ وَكَذَا الشُّهَدَاءُ سم وَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ: يُدْفَنُ فِي مِلْكِهِ، وَقَالَ الْبَاقُونَ: فِي الْمَقْبَرَةِ: أُجِيبَ طَالِبُهَا. اهـ. بَابِلِيٌّ وَقَوْلُهُ أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ أَيْ حَيْثُ أَمْكَنَ الدَّفْنُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نُقِلُوا كَأَنْ مَاتَ عَلَى سَقْفٍ لَا يَتَأَتَّى الدَّفْنُ فِيهِ فَالظَّاهِرُ دَفْنُهُمْ تَحْتَ الْمَوْضِعِ الَّذِي مَاتُوا فِيهِ بِحَيْثُ يُحَاذِيهِ كَمَا فِي ع ش وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْيَاءَ يَقُولُ: مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ» ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ؛ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا دَنَا فِرَاقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتَمَعَتْ أَصْحَابُهُ عِنْدَهُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، ثُمَّ قُلْنَا لَهُ: فَمَنْ يُغَسِّلُك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي قُلْنَا: فَفِي أَيِّ شَيْءٍ نُكَفِّنُك فِيهِ؟ قَالَ: فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ إنْ شِئْتُمْ أَوْ فِي حُلَّةٍ يَمَانِيَةٍ قُلْنَا: مَنْ يُصَلِّي عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَّا؟ قَالَ: مَهْلًا مَهْلًا غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ إذَا أَنْتُمْ غَسَّلْتُمُونِي وَكَفَّنْتُمُونِي ضَعُونِي عَلَى سَرِيرِي هَذَا عَلَى شَفِيرِ لَحْدِي ثُمَّ اُخْرُجُوا عَنِّي سَاعَةً فَأَوَّلُ مَنْ يُصَلِّي عَلِيَّ رَبِّي ثُمَّ خَلِيلِي جِبْرِيلُ ثُمَّ مِيكَائِيلُ ثُمَّ إسْرَافِيلُ ثُمَّ عِزْرَائِيلُ ثُمَّ جُنُودُهُمْ ثُمَّ اُدْخُلُوا عَلَيَّ فَوْجًا وَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ثُمَّ نِسَاؤُهُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَقَالَ عَلِيٌّ: مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 وَيُنْدَبُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ الَّتِي فِيهَا الْمُسْلِمُونَ لِلرِّجَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَانَتْ زِيَارَتُهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» وَيُكْرَهُ زِيَارَتُهَا لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِطَلَبِ بُكَائِهِنَّ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ، نَعَمْ يُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالشُّهَدَاءِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُسَلِّمَ   [حاشية البجيرمي] يُغَسِّلُك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَنْتَ يَا عَلِيُّ تُغَسِّلُنِي وَابْنُ عَبَّاسٍ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيَّ وَجِبْرِيلُ يَأْتِيك بِحَنُوطٍ مِنْ الْجَنَّةِ» قَالَ: ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُوِّلَ فِرَاشُهُ وَحُفِرَ لَهُ وَدُفِنَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَفَّاهُ اللَّهُ فِيهِ، وَكَانَ دَفْنُهُ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ مِنْ وَسَطِ اللَّيْلِ وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهَا مِنْ الْوَحْشَةِ) يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُقَيَّدَةٌ بِأَمْرَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَ بِهَا سَكَنٌ وَأَنْ يَبِيتَ وَحْدَهُ لَا مَعَ جَمَاعَةٍ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ لِانْتِفَاءِ الْوَحْشَةِ م د قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ) فَرْعٌ: رُوحُ الْمُؤْمِنِ لَهَا ارْتِبَاطٌ بِقَبْرِهِ لَا تُفَارِقُهُ أَبَدًا، لَكِنَّهَا أَشَدُّ ارْتِبَاطًا بِهِ مِنْ عَصْرِ الْخَمِيسِ إلَى شَمْسِ السَّبْتِ؛ وَلِذَلِكَ اعْتَادَ النَّاسُ الزِّيَارَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِي عَصْرِ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَأَمَّا زِيَارَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِشُهَدَاءَ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ فَلِضِيقِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَمَّا يُطْلَبُ فِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ مَعَ بُعْدِهِمْ عَنْ الْمَدِينَةِ. اهـ. ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْتُونَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَيَقِفُونَ بِحِذَاءِ بُيُوتِهِمْ وَيُنَادِي كُلُّ وَاحِدٍ بِصَوْتٍ حَزِينٍ أَلْفَ مَرَّةٍ يَا أَهْلِي وَأَقَارِبِي وَوَلَدِي يَا مَنْ سَكَنُوا بُيُوتَنَا وَلَبِسُوا ثِيَابَنَا وَاقْتَسَمُوا أَمْوَالَنَا هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَذْكُرُنَا وَيُفَكِّرُنَا فِي غُرْبَتِنَا وَنَحْنُ فِي سِجْنٍ طَوِيلٍ وَحِصْنٍ شَدِيدٍ؟ فَارْحَمُونَا يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَلَا تَبْخَلُوا عَلَيْنَا قَبْلَ أَنْ تَصِيرُوا مِثْلنَا يَا عِبَادَ اللَّهِ إنَّ الْفَضْلَ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ كَانَ فِي أَيْدِينَا وَكُنَّا لَا نُنْفِقُ مِنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَحِسَابُهُ وَوَبَالُهُ عَلَيْنَا وَالْمَنْفَعَةُ لِغَيْرِنَا؛ فَإِنْ لَمْ تَنْصَرِفْ أَيْ الْأَرْوَاحُ بِشَيْءٍ فَيَنْصَرِفُونَ بِالْحَسْرَةِ وَالْحِرْمَانِ» اهـ مِنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. قَوْلُهُ: (الَّتِي فِيهَا الْمُسْلِمُونَ) أَمَّا زِيَارَةُ قُبُورِ الْكُفَّارِ فَمُبَاحَةٌ، وَقِيلَ مُحَرَّمَةٌ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الزِّيَارَةُ بِقَصْدِ الِاعْتِبَارِ وَتَذَكُّرِ الْمَوْتِ كَانَتْ مَنْدُوبَةً مُطْلَقًا إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ زِيَارَتُهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا إلَخْ) فَقَوْلُهُ: " نَهَيْتُكُمْ " خُطَّابٌ لِلرِّجَالِ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، فَلَا يُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَتُهَا بَلْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ إنْ اشْتَمَلَتْ زِيَارَتُهُنَّ عَلَى تَعْدِيدٍ وَبُكَاءٍ وَنَوْحٍ زِيَادَةً عَلَى عَادَتِهِنَّ، وَإِلَّا فَكَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَيُسْتَثْنَى قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ، فَتُسَنُّ لَهُنَّ زِيَارَتُهَا، وَأُلْحِقَ بِهِمْ قُبُورُ الْأَوْلِيَاءِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَتِهَا لِحَدَثَانِ عَهْدِكُمْ بِالْكُفْرِ، وَأَمَّا الْآنَ فَحَيْثُ انْمَحَتْ آثَارُ الْجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ وَصِرْتُمْ أَهْلَ يَقِينٍ وَتَقْوَى فَزُورُوهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْتَرِنَ بِذَلِكَ تَمْسِيحٌ بِقَبْرٍ أَوْ تَقْبِيلُهُ أَوْ سُجُودٌ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ دَأْبُ النَّصَارَى؛ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ قَالَ السُّبْكِيُّ: فِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ إنَّمَا يَفْعَلُهَا الْجُهَّالُ وَقَدْ رَوَى الْحَكِيمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: «مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَكَانَ بَارًّا بِوَالِدِيهِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ أَحَدِهِمَا فَقَرَأَ عِنْدَهُ يَس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ غُفِرَ لَهُ بِعَدَدِ ذَلِكَ آيَةً وَحَرْفًا» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ كَحَجَّةٍ» وَرُوِيَ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَمُوتُ وَالِدَاهُ وَهُوَ عَاقٌّ لَهُمَا فَيَدْعُو اللَّهَ لَهُمَا مِنْ بَعْدِهِمَا فَيَكْتُبُهُ اللَّهُ مِنْ الْبَارِّينَ» فَأَفَادَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ أَنَّ مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبَوَيْهِ كَانَ بَارًّا لَهُمَا غَيْرَ عَاقٍّ وَلَا مُضَيَّعَ حَقِّهِمَا قَالَ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ: وَالزِّيَارَةُ لِأَدَاءِ الْحَقِّ كَزِيَارَةِ قَبْرِ الْوَالِدَيْنِ يُسَنُّ شَدُّ الرَّحَّالِ إلَيْهَا تَأْدِيَةً لِهَذَا الْحَقِّ، وَكَانَ ابْنُ وَاسِعٍ يَزُورُ الْقُبُورَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ بِزُوَّارِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لِطَلَبِ بُكَائِهِنَّ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " لِبُكَائِهِنَّ " وَيَحْذِفُ " لِطَلَبِ ". قَوْلُهُ: (نَعَمْ يُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: وَلَا يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةُ قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا يُكْرَهُ لَهُنَّ زِيَارَةُ سَائِرِ الْقُبُورِ أَيْ بَاقِيهَا، بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ زِيَارَةُ قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِخَبَرِ: «مَنْ حَجَّ وَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَّاتِي» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 الزَّائِرُ لِقُبُورِ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَقْبِلًا وَجْهَ الْمَيِّتِ قَائِلًا مَا عَلَّمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ إذَا خَرَجُوا لِلْمَقَابِرِ: «السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ» أَوْ «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَزَادَ أَبُو دَاوُد «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ» لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَقَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلتَّبَرُّكِ، وَيَقْرَأُ عِنْدَهُمْ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ فِي مَحِلِّ الْقِرَاءَةِ وَالْمَيِّتُ كَحَاضِرٍ تُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ وَيَدْعُو لَهُ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَهُوَ عَقِبُ الْقِرَاءَةِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَأَنْ يَقْرُبَ زَائِرَهُ مِنْهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ فِي زِيَارَتِهِ حَيًّا احْتِرَامًا لَهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ. وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الزِّيَارَةِ وَأَنْ يُكْثِرَ الْوُقُوفَ عِنْدَ قُبُورِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ (وَلَا   [حاشية البجيرمي] وَمِنْ ثَمَّ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ إلَى أَنَّ الْهِجْرَةَ إلَيْهِ مَيِّتًا كَهِيَ إلَيْهِ حَيًّا وَأَخَذَ مِنْهُ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ يُسَنُّ زِيَارَتُهُ حَتَّى لِلنِّسَاءِ وَإِنْ كَانَتْ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لَهُنَّ مَكْرُوهَةً، وَأَطَالَ فِي إبْطَالِ مَا زَعَمَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ حُرْمَةِ السَّفَرِ لِزِيَارَتِهِ حَتَّى عَلَى الرِّجَالِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: (وَالشُّهَدَاءِ) عَطْفُ خَاصٍّ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الصُّلَحَاءِ وَمِثْلُهُمْ الْعُلَمَاءُ. قَوْلُهُ: (السَّلَامُ) بَدَلٌ مِنْ " مَا ". قَوْلُهُ: (الْعَافِيَةُ) أَيْ مِنْ الْعَذَابِ. قَوْلُهُ: (دَارَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ أَفْصَحُ، أَوْ النِّدَاءِ وَبِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ " كَمْ " شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (لِلتَّبَرُّكِ) فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ مَا فَائِدَةُ الْمَشِيئَةِ مَعَ أَنَّ اللُّحُوقَ مَقْطُوعٌ بِهِ وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَشِيئَةَ لِلُّحُوقِ فِي الْوَفَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ أَوْ لِلُّحُوقِ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ حَجّ. قَوْلُهُ: (وَيَقْرَأُ عِنْدَهُمْ مَا تَيَسَّرَ) وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْإِخْلَاص إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ أَهْدَى ثَوَابَهَا لِأَهْلِ مَقْبَرَةٍ غُفِرَ لَهُ ذُنُوبٌ بِعَدَدِهِمْ. اهـ. ق ل وَقَدْ نَقَلَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ أَنَّ جُمْهُورَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ، لَكِنْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ عَدَمُ الْوُصُولِ وَفِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ وَحَوَاشِيه: وَيَنْفَعُهُ أَيْ الْمَيِّتَ مِنْ وَارِثٍ وَغَيْرِهِ صَدَقَةٌ وَدُعَاءٌ بِالْإِجْمَاعِ وَغَيْرَهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَعَامٌّ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ مَنْسُوخٌ؛ وَالَأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُ شَرْعُ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} [النجم: 36] {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37] إلَخْ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا، وَكَمَا يَنْتَفِعُ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ يَنْتَفِعُ الْمُتَصَدِّقُ وَالدَّاعِي وَيَحْصُلُ لَهُ أَيْ الْمَيِّتِ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ إذَا نَوَاهُ أَوْ قَرَأَ عِنْدَهُ أَوْ دَعَا لَهُ عَقِبَهَا اهـ ثُمَّ إنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يُخْرِجْهُ مَخْرَجَ الدُّعَاءِ، كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ قِرَاءَتِي لِفُلَانٍ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ إجْمَاعًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَدْخَلِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَهَا أَوْ جُزْءًا مِنْهَا لِغَيْرِهِ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَجْعُولِ لَهُ شَيْءٌ وَعِبَارَةُ الْخَازِنِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مَنْسُوخُ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] فَأُدْخِلَ الْأَبْنَاءُ الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ؛ وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ لِقَوْمِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَمَّا هَذِهِ الْأُمَّةُ فَلَهَا مَا سَعَوْا وَمَا سَعَى لَهُمْ غَيْرُهُمْ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ «امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْهُ: أَنَّ «رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ: إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ أَيَنْفَعُهَا إنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ» اهـ. قَوْلُهُ: (كَحَاضِرٍ) أَيْ كَحَيٍّ حَاضِرٍ، وَإِلَّا فَهُوَ حَاضِرٌ لَكِنْ لَيْسَ كَحُضُورِ الْحَيِّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا نَوَى ثَوَابَ قِرَاءَةٍ لَهُ أَوْ دَعَا عَقِبَهَا بِحُصُولِ ثَوَابِهَا لَهُ أَوْ قَرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ حَصَلَ لَهُ مِثْلُ ثَوَابِ قِرَاءَتِهِ وَحَصَلَ لِلْقَارِئِ أَيْضًا الثَّوَابُ، فَلَوْ سَقَطَ ثَوَابُ الْقَارِئِ لَسَقَطَ كَأَنْ غَلَبَ الْبَاعِثُ الدُّنْيَوِيُّ كَقِرَاءَتِهِ بِأُجْرَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ مِثْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ؛ وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ وَلَمْ يَنْوِهِ وَلَا دَعَا لَهُ بَعْدَهَا وَلَا قَرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ وَاجِبِ الْإِجَارَةِ وَهَلْ يَكْفِي نِيَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِهَا وَإِنْ تَخَلَّلَ فِيهَا سُكُوتٌ؟ يَنْبَغِي نَعَمْ، إذَا عَدَّ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ تَوَابِعِهِ، سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الزِّيَارَةِ) وَلَا يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي الْمَقْبَرَةِ وَلَوْ بِالنَّعْلِ إلَّا فِي مَنْبُوشَةٍ رَطْبَةٍ فَيَحْرُمُ مِنْ غَيْرِ نَعْلٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 بَأْسَ بِالْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ) قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَالْبُكَاءُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْلَى مِنْ بَعْدِهِ لَكِنْ الْأَوْلَى عَدَمُهُ بِحَضْرَةِ الْمُحْتَضَرِ، وَالْبُكَاءُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَلَكِنْ يَكُونُ (مِنْ غَيْرِ نَوْحٍ) وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ حَرَامٌ لِخَبَرِ: «النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالسِّرْبَالُ الْقَمِيصُ وَالدِّرْعُ قَمِيصٌ فَوْقَهُ (وَلَا شَقِّ جَيْبٍ) وَنَحْوِهِ كَنَشْرِ شَعْرٍ وَتَسْوِيدِ وَجْهٍ وَإِلْقَاءِ رَمَادٍ عَلَى رَأْسٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ بِإِفْرَاطٍ فِي اُلْبُكَا، أَيْ يَحْرُمُ ذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» وَالْجَيْبُ هُوَ تَقْوِيرُ مَوْضِعِ دُخُولِ رَأْسِ   [حاشية البجيرمي] لِلتَّنْجِيسِ قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ) أَيْ لَا عَذَابَ لِأَنَّ الْبَأْسَ الْعَذَابُ، وَقَوْلُهُ " بِالْبُكَا إلَخْ " لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَ: إنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» وَبَكَى عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ وَزَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بِالْبُكَاءِ) بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ فَهُوَ بِالْقَصْرِ نُزُولُ الدُّمُوعِ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَبِالْمَدِّ رَفْعُ الصَّوْتِ وَهَذَا أَيْضًا لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ نَوْحٍ وَلَا شَقِّ جَيْبٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا. قَوْلُهُ: (وَالْبُكَاءُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْلَى مِنْ بَعْدِهِ) أَيْ أَوْلَى بِالْجَوَازِ لَا أَنَّهُ مَطْلُوبٌ وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالْبُكَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَكْرُوهٌ، كَمَا نَقَلَهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ لِخَبَرِ: «فَإِذَا وَجَبَتْ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ قَالُوا: وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمَوْتُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ؛ لَكِنْ نُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَبَحَثَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ اُلْبُكَا لِرِقَّةٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ يُكْرَهْ وَلَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ لِلْجَزَعِ وَعَدَمِ التَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ فَيُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ؛ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْبُكَاءِ بِصَوْتٍ، أَمَّا مُجَرَّدُ دَمْعِ الْعَيْنِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ، وَاسْتَثْنَى الرُّويَانِيُّ مَا إذَا غَلَبَهُ الْبُكَاءُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْبَشَرُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنْ كَانَ لِمَحَبَّةٍ وَرِقَّةٍ كَالْبُكَا عَلَى الطِّفْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالصَّبْرُ أَجْمَلُ، وَإِنْ كَانَ لِمَا فُقِدَ مِنْ عِلْمِهِ وَصَلَاحِهِ وَبَرَكَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ فَيَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ أَوْ لِمَا فَاتَهُ مِنْ بِرِّهِ وَقِيَامِهِ بِمَصَالِحِهِ فَيَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ لِتَضَمُّنِهِ عَدَمَ الثِّقَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (بِالنَّدْبِ) أَيْ بِتَعْدِيدِ مَحَاسِنِهِ، كَأَنْ يَقُولَ: وَاكَهْفَاهُ وَاجَمَلَاهُ وَاسَنَدَاهُ،. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ النَّائِحَةِ إذَا لَمْ تَتُبْ إلَخْ) وَجَاءَ: " تَخْرُجُ النَّائِحَةُ مِنْ قَبْرِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَعْثَاءَ غَبْرَاءَ عَلَيْهَا جِلْبَابٌ مِنْ لَعْنَةٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا تَقُولُ وَيْلَاه " وَجَاءَ: " لَا تُقْبِلُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى نَائِحَةٍ " وَجَاءَ: " لَيْسَ لِلنِّسَاءِ فِي اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ أَجْرٌ " ح ل. قَوْلُهُ: (قَطِرَانٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِهَا وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اشْتِعَالِ النَّارِ م ر وَهُوَ مَا يُدَاوَى بِهِ الْإِبِلُ الْجَرْبَى، وَهُوَ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ تُشْعَلُ فِيهِ النَّارُ بِسُرْعَةٍ تُطْلَى بِهِ جُلُودُ أَهْلِ النَّارِ؛ فَشُبِّهَ طِلَاؤُهَا بِهِ بِالْقَمِيصِ بِجَامِعِ الْإِحَاطَةِ فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهَا لَذْعُ الْقَطِرَانِ وَنَتْنُ رِيحِهِ مَعَ إسْرَاعِ النَّارِ فِي جِلْدِهَا كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ. قَوْلُهُ: (فَوْقَهُ) الصَّوَابُ حَذْفُهُ، إذْ الْمَقْصُودُ أَنَّ الْجَرَبَ مُحِيطٌ بِجِلْدِهَا كَالدِّرْعِ وَالْقَطِرَانُ مَطْلِيٌّ بِهِ كَالْقَمِيصِ، فَاَلَّذِي يَكُونُ فَوْقَ الْآخَرِ هُوَ الْقَطِرَانُ الْمُشَبَّهُ بِالسِّرْبَالِ لَا الْجَرَبُ الْمُشَبَّهُ بِالدِّرْعِ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِإِفْرَاطٍ فِي اُلْبُكَا) الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ مَعَ إفْرَاطٍ فِي اُلْبُكَا أَيْ جَرَيَانِ الدُّمُوعِ فَهُوَ بِالْقَصْرِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ مِنَّا) مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ وَقَالَ وَلِيُّ اللَّهِ الْكَبِيرُ الشَّعْرَانِيُّ: لَيْسَ مِنَّا أَيْ عَلَى طَرِيقَتِنَا، وَعِبَارَتُهُ فِي الْمِيزَانِ: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مِنْ الْأَدَبِ إجْرَاءُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي خَرَجَتْ مَخْرَجَ الزَّجْرِ وَالتَّنْفِيرِ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ فَإِنَّهَا إذَا أُوِّلَتْ خَرَجَتْ عَنْ مُرَادِ الشَّارِعِ كَحَدِيثِ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَحَدِيثِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطَيِّرَ لَهُ» وَحَدِيثِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» فَإِنَّ الْعَالِمَ إذَا أَوَّلَهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ مِنَّا فِي تِلْكَ الْخَصْلَةِ فَقَطْ، أَيْ وَهُوَ مِنَّا فِي غَيْرِهَا هَانَ عَلَى الْفَاسِقِ الْوُقُوعُ فِيهَا؛ وَقَالَ: الْمُخَالَفَةُ فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْرٌ سَهْلٌ، فَكَانَ أَدَبُ السَّلَفِ بِعَدَمِ التَّأْوِيلِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ لِلشَّارِعِ وَإِنْ كَانَتْ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ تَشْهَدُ أَيْضًا بِذَلِكَ التَّأْوِيلِ. قَوْلُهُ: (وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) كَأَنْ يَقُولَ: وَاكَهْفَاه وَاسَنَدَاهُ، وَلِبَعْضِهِمْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 اللَّابِسِ مِنْ الثَّوْبِ قَالَهُ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ. وَيَحْرُمُ أَيْضًا الْجَزَعُ بِضَرْبِ صَدْرِهِ وَنَحْوِهِ كَضَرْبِ خَدٍّ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا تَغْيِيرُ الزِّيِّ وَلُبْسُ غَيْرِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَالضَّابِطُ كُلُّ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُ إظْهَارَ جَزَعٍ يُنَافِي الِانْقِيَادَ وَالِاسْتِسْلَامَ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُوصِ بِهِ. قَالَ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْجُمْهُورُ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ مَا ذُكِرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ. وَتُنْدَبُ الْمُبَادَرَةُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ إنْ تَيَسَّرَ حَالًا. قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِتَجْهِيزِهِ لِخَبَرِ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ أَيْ رُوحُهُ مُعَلَّقَةٌ أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَتَجِبُ   [حاشية البجيرمي] إذَا شِئْتَ أَنْ تَبْكِي فَقَيْدًا مِنْ الْوَرَى ... وَتَنْدُبُهُ نَدْبَ النَّبِيِّ الْمُكَرَّمِ فَلَا تَبْكِيَنَّ إلَّا عَلَى فَقْدِ عَالَمٍ ... يُبَالِغُ فِي التَّعْلِيمِ لِلْمُتَعَلِّمِ وَفَقْدِ إمَامٍ عَادِلٍ صَانَ مُلْكَهُ ... بِأَنْوَارِ حُكْمِ اللَّهِ لَا بِالتَّحَكُّمِ وَفَقْدِ وَلِيٍّ صَالِحٍ حَافِظِ الْوَفَا ... مُطِيعٍ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مُعَظِّمِ وَفَقْدِ شُجَاعٍ صَادِقٍ فِي جِهَادِهِ ... قَدْ انْتَشَرَتْ أَعْلَامُهُ لِلتَّقَدُّمِ وَفَقَدَ سَخِيٍّ لَا يَمَلُّ مِنْ الْعَطَا ... يُفَرِّجُ هَمَّ الْعُسْرِ عَنْ كُلِّ مُعْدَمِ فَهُمْ خَمْسَةٌ يُبْكَى عَلَيْهِمْ وَغَيْرُهُمْ ... إلَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَشْعَمِ اهـ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ أُمَّ قَشْعَمٍ كَانَتْ نَاقَةً مَجْنُونَةً أَلْقَتْ رَحْلَهَا فِي النَّارِ. قَوْلُهُ: (الزِّيِّ) بِكَسْرِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْهَيْئَةِ، وَأَصْلُهُ زُوِيَ بِوَاوٍ ثُمَّ يَاءٍ فَاجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتْ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ الَّتِي بَعْدَهَا فَصَارَ كَمَا تَرَاهُ ز ي. قَوْلُهُ: (وَلُبْسُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ خَاصٍّ عَلَى عَامِّ الشُّمُولِ تَغْيِيرُ الزِّيِّ لِنَشْرِ الشَّعْرِ مَثَلًا، فَفِي الْمُخْتَارِ: الزِّيُّ اللِّبَاسُ وَالْهَيْئَةُ وَمِثْلُهُ وَضْعُ نَحْوِ الطِّينِ وَالنَّجَاسَةِ عَلَى الرَّأْسِ وَدَقُّ الطَّارِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِقَضَاءِ اللَّهِ) وَقَدْ نَظَمَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ الْمَالِكِيُّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَقَالَ: إرَادَةُ اللَّهِ مَعَ التَّعَلُّقِ ... فِي أَزَلٍ قَضَاؤُهُ فَحَقِّقْ وَالْقَدَرُ الْإِيجَادُ لِلْأَشْيَاءِ عَلَى ... وَجْهٍ مُعَيَّنٍ أَرَادَهُ عَلَا وَبَعْضُهُمْ قَدْ قَالَ مَعْنَى الْأَوَّلِ ... الْعِلْمُ مَعَ تَعَلُّقٍ فِي الْأَزَلِ وَالْقَدَرُ الْإِيجَادُ لِلْأُمُورِ ... عَلَى وِفَاقِ عِلْمِهِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ) أَيْ لَا تَحْمِلُ ذَاتٌ وَازِرَةٌ وِزْرَ غَيْرِهَا أج، أَيْ لَا يُعَذَّبُ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ) فِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْهُ ق ل وَوَجْهُ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، بَلْ ذَكَرَ حَجّ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِالْبُكَاءِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ حَيْثُ سَكَتَ عِنْدَ الْمَوْتِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِعَدَمِ الْبُكَاءِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ حِينَئِذٍ رِضًا بِهِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمُعْتَمَدِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ: وَالْأَصَحُّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ) أَيْ فَيُعَذَّبُ الْكَافِرُ بِالنَّوْحِ عَلَيْهِ إذَا أَوْصَى بِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ لَا يُعَذَّبُ بِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِهِ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (نَفْسُ الْمُؤْمِنِ) أَيْ الَّذِي قَصَّرَ فِي الْوَفَاءِ فِي حَيَاتِهِ وَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يُقَصِّرْ أَوْ خَلَّفَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 الْمُبَادَرَةُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ، وَتَجِبُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنُ وَكَذَا عِنْدَ الْمُكْنَةِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا. وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فِي بَدَنِهِ أَوْ ضِيقٍ فِي دُنْيَاهُ إلَّا لِفِتْنَةِ دَيْنٍ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، أَمَّا تَمَنِّيهِ لِغَرَضٍ أُخْرَوِيٍّ فَمَحْبُوبٌ كَتَمَنِي الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُسَنُّ التَّدَاوِي لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا جَعَلَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ الْهَرَمِ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ تَرَكَ التَّدَاوِي تَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَيُكْرَهُ إكْرَاهُ الْمَرِيضِ عَلَيْهِ وَكَذَا إكْرَاهُهُ عَلَى الطَّعَامِ، وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَعِدَّ لِلْمَوْتِ كُلُّ مُكَلَّفٍ بِتَوْبَةٍ بِأَنْ يُبَادِرَ بِهَا لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ الْمُفَوِّتُ لَهَا، وَيُسَنُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ لِخَبَرِ «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ فَإِنَّهُ مَا يُذْكَرُ فِي كَثِيرٍ   [حاشية البجيرمي] تَرِكَةً فَلَا حَبْسَ، وَمَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ أَمَّا هُمْ فَلَا حَبْسَ مُطْلَقًا م د عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ نَبِيٌّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَا وَرَدَ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ أَبُو الشَّحْمِ عَلَى صِيعَانٍ مِنْ شَعِيرٍ» ، أُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّ أَحَدًا دَفَعَ لَهُ شَيْئًا بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الدِّرْعَ مِنْ الْيَهُودِيِّ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الرَّهْنِ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ وَمَا قِيلَ إنَّهُ إنَّمَا اسْتَدَانَ لِأَهْلِهِ لَا لِنَفْسِهِ لَا يُجْدِي نَفْعًا، وَإِنَّمَا قَدِمَ الْيَهُودِيَّ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى أَصْحَابِهِ لِإِفَادَةِ أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا: جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ أَصْحَابِهِ لَأَعْطَوْهُ مَجَّانًا أَوْ أَبْرَءُوهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الصَّدَقَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ) أَيْ إنْ كَانَ قَدْ عَصَى بِتَأْخِيرِهِ لِمَطْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَضَمَانِ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ) بِالْجَرِّ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى " بِقَضَاءِ إلَخْ " أَيْ وَتُسَنُّ الْمُبَادَرَةُ أَيْضًا بِتَنْفِيذِ قَوْلِهِ: (عِنْدَ الْمُكْنَةِ) أَيْ التَّمَكُّنِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ خَلَّفَ نَقْدًا فَيَحْصُلُ التَّمَكُّنُ بِالْبَيْعِ لِتَحْصِيلِ النَّقْدِ لِيُدْفَعَ لِلْمُوصَى لَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَفَسَّرَ الْمُحَشِّي الْمُكْنَةَ بِالْيَسَارِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى) أَيْ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ أَيْضًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ، وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ: وَقَوْلُهُ " أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى " مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " عِنْدَ طَلَبِ الْمُوصَى لَهُ " أَيْ وَكَذَا إنْ لَمْ يَطْلُبْ وَكَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا. قَوْلُهُ: (لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ) خَرَجَ الصَّحِيحُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ مُطْلَقًا ق ل. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ التَّدَاوِي) أَيْ وَيَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى طِبِّ الْكَافِرِ وَوَصْفِهِ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ تَرْكُ عِبَادَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِيهِ، كَأَنْ قَالَ: لَا يَحْسُنُ التَّدَاوِي إلَّا بِتَرْكِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ اهـ م ر فَإِنْ قُلْت: الرِّضَا وَاجِبٌ فَلَعَلَّ التَّدَاوِي خُرُوجٌ عَنْ الرِّضَا؟ قُلْت: اعْلَمْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى التَّوَصُّلَ إلَى مَحْبُوبَاتِهِ بِمُبَاشَرَةِ مَا جَعَلَهُ سَبَبًا، فَلَيْسَ مِنْ الرِّضَا لِلْعَطْشَانِ أَنْ لَا يَمُدَّ يَدَهُ إلَى الْمَاءِ زَاعِمًا رِضَاهُ بِالْعَطَشِ الَّذِي قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِإِزَالَةِ الْعَطَشِ بِالْمَاءِ، وَقَالَ: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ} فَمَعْنَى الرِّضَا تَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ لَا يَتْرُكُ الْأَسْبَابَ الْعَادِيَةَ وَقَدْ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعَزَائِمِ وَالرُّقْيَا: هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: لَا تَرُدُّ مِنْ قَدْرِ اللَّهِ تَعَالَى» . قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ إلَخْ) هَذَا لَا يَقْتَضِي السِّنَّ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ كُلَّ دَاءٍ لَهُ دَوَاءٌ. قَوْلُهُ: (إلَّا الْهَرَمُ) هُوَ بِفَتْحَتَيْنِ: الْكِبَرُ وَالشَّيْخُوخَةُ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ أَفْضَلُ) أَيْ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الصَّبْرِ، وَفَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهُ رَأْسُ الْمُتَوَكِّلِينَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ، فَقَدْ رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَثُرَتْ أَسْقَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَقُومُ أَطِبَّاءُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَيَصْنَعُونَ دَوَاءً فَيُعَالِجُهَا بِهِ» اهـ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ فِي أَشْيَاءَ خَوَاصَّ فَمَنْ أَنْكَرَهَا فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ قَالَ لَا فَائِدَةَ بِالطِّبِّ فَقَدْ رَدَّ عَلَى الْوَاضِعِ وَالشَّارِعِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالطِّبِّ التَّسَبُّبُ إلَى دَفْعِ ضَرَرٍ وَاجْتِلَابِ نَفْعٍ كَمَا يَتَسَبَّبُ فِي دَفْعِ الْحَرِّ وَاجْتِلَابِ الْبَرْدِ وَاكْتِسَابِ الرِّزْقِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا إكْرَاهُهُ عَلَى الطَّعَامِ) لِخَبَرِ: «لَا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ» . قَوْلُهُ: (أَنْ يَسْتَعِدَّ) الِاسْتِعْدَادُ لِلشَّيْءِ التَّهَيُّؤُ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمُبَادَرَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ) بِأَنْ يَجْعَلَهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ لَا بِلِسَانِهِ فَقَطْ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَهَاذِمِ) بِالْمُعْجَمَةِ، وَأَمَّا " هَادِمِ " بِالْمُهْمَلَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 إلَّا قَلَّلَهُ وَلَا قَلِيلٍ أَلَّا كَثَّرَهُ» أَيْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَمَلِ فِي الدُّنْيَا وَقَلِيلٍ مِنْ الْعَمَلِ. وَهَاذِمُ بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ قَاطِعٌ، وَيَحْرُمُ نَقْلُ الْمَيِّتِ قَبْلَ دَفْنِهِ مِنْ مَحِلِّ مَوْتِهِ إلَى مَحِلٍّ أَبْعَدَ مِنْ مَقْبَرَةِ مَحِلِّ مَوْتِهِ لِيُدْفَنَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِفَضْلِهَا. (وَيُعَزَّى) نَدْبًا (أَهْلُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ كَبِيرُهُمْ وَصَغِيرُهُمْ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» نَعَمْ الشَّابَّةُ لَا يُعَزِّيهَا أَجْنَبِيٌّ وَإِنَّمَا يُعَزِّيهَا مَحَارِمُهَا وَزَوْجُهَا، وَكَذَا مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ فِي جَوَازِ النَّظَرِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَصَرَّحَ ابْنُ خَيْرَانَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ بِالْمَمْلُوكِ بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَزَّى بِكُلِّ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ عَلَيْهِ وَجْدٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حَتَّى الزَّوْجَةِ وَالصِّدِّيقِ،   [حاشية البجيرمي] فَمَعْنَاهُ مُزِيلُ الشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ ق ل وَلَا يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (قَبْلَ دَفْنِهِ) وَأَمَّا بَعْدَ دَفْنِهِ فَسَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ " وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ " حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا نَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ وَقَبْلَ الْبِلَى عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ الْأَرْضِ لِلنَّقْلَةِ وَغَيْرِهَا كَصَلَاةٍ عَلَيْهِ وَتَكْفِينٍ فَحَرَامٌ، فَكَانَ الْأُولَى أَنْ يُقَدِّمَ ذَاكَ عَلَى هَذَا كَمَا فَعَلَ فِي الْمَنْهَجِ، وَبَعْدَ دَفْنِهِ يَحْرُمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ النَّبْشُ وَالنَّقْلُ فَكَانَ تَقْيِيدُهُ بِالْقَبْلِيَّةِ لِتَكُونَ الْحُرْمَةُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (بِقُرْبِ مَكَّةَ) قَالَ شَيْخُنَا: وَمُرَادُهُ بِالْقُرْبِ مَسَافَةٌ لَا يَتَغَيَّرُ الْمَيِّتُ فِيهَا قَبْلَ وُصُولِهِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَحِلُّ جَوَازِ نَقْلِهِ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِتَوَجُّهِ فَرْضِ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ مَوْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ بِجَوَازِ نَقْلِهِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ ظَاهِرٌ ح ل وَالْمُرَادُ بِمَكَّةَ جَمِيعُ الْحَرَمِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَا يَنْبَغِي التَّخْصِيصُ بِالثَّلَاثَةِ بَلْ لَوْ كَانَ بِقُرْبِ مَقَابِرِ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْخَبَرِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَقْصِدُ الْجَارَ الْحَسَنَ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَيُعَزِّي) التَّعْزِيَةُ لُغَةً التَّسْلِيَةُ وَشَرْعًا الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ الْوِزْرِ بِالْجَزَعِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ وَلِلْمُصَابِ بِجَبْرِ الْمُصِيبَةِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَتَحْصُلُ التَّعْزِيَةُ بِالْمُكَاتَبَاتِ وَالْمُرَاسِلَاتِ، وَيُكْرَهُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ رِجَالًا وَنِسَاءً الْجُلُوسُ لَهَا أَيْ بِمَكَانٍ تَأْتِيهِمْ فِيهِ النَّاسُ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالْمَكْرُوهُ الْجُلُوسُ لَهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ بِخِلَافِ الْجُلُوسِ سَاعَةَ الْإِعْلَامِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْوُقُوفَ لَهَا عِنْدَ الْقَبْرِ عَقِبَ الدَّفْنِ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَرِهَهُ النَّخَعِيُّ لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَى قَاصِدِيهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشَيِّعِينَ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْحَقُّ أَنَّ الْجُلُوسَ لَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ فِي زَمَانِنَا مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ. قَوْلُهُ: (أَهْلَهُ) أَيْ لِأَنَّ الْأَجَانِبَ تُعَزِّي أَهْلَ الْمَيِّتِ، أَمَّا أَقَارِبُ الْمَيِّتِ فَلَا يُعَزِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ م ر سم عَلَى حَجّ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ حَجّ، وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: قَوْلُهُ " وَيُعَزِّي أَهْلَهُ " قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ حَصَلَ لَهُ عَلَيْهِ وَجْدٌ حَتَّى الزَّوْجَةِ وَالصِّدِّيقِ فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ: هَلْ تُسَنُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ لَا؟ فَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى الشِّهَابِ م ر أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَجَابَ أَنَّهُ يُسَنُّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مُصَابٌ، ثُمَّ رَأَيْت أَيْضًا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا نَصُّهُ: وَيُسَنُّ لِلْأَخِ أَنْ يُعَزِّيَ أَخَاهُ وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْأَهْلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. اهـ. شَيْخُنَا فَرْعٌ: قَدْ عَزَّى الْخَضِرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ بِقَوْلِهِ: إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ وَدَرْكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، وَالْخَضِرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَبِيٌّ حَيٌّ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (بِمُصِيبَةٍ) وَلَوْ غَيْرَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (لَا يُعَزِّيهَا أَجْنَبِيٌّ) وَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ حُرِّمَ عَلَيْهَا الرَّدُّ كَرَدِّ السَّلَامِ، وَكَذَلِكَ تَعْزِيَتُهَا لَهُ أَيْضًا كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ س ل بِالْمَعْنَى فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً وَرَدًّا وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهَا ابْتِدَاءً وَرَدًّا. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ) كَالْعَبْدِ وَالْمَمْسُوحِ. قَوْلُهُ: (بِكُلِّ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ عَلَيْهِ وَجْدٌ) أَيْ حُزْنٌ، وَهُوَ شَامِلٌ لِنَحْوِ الْهِرَّةِ، وَشَامِلٌ أَيْضًا لِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْأَهْلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَتُنْدَبُ الْبُدَاءَةُ بِأَضْعَفِهِمْ عَنْ حَمْلِ الْمُصِيبَةِ، وَتُسَنُّ قَبْلَ دَفْنِهِ لِأَنَّهُ وَقْتَ شِدَّةِ الْجَزَعِ وَالْحُزْنِ وَلَكِنْ بَعْدَهُ أَوْلَى لِاشْتِغَالِهِمْ قَبْلَهُ بِتَجْهِيزِهِ إلَّا إنْ أَفْرَطَ حُزْنُهُمْ فَتَقْدِيمُهَا أَوْلَى لِيُصَبِّرَهُمْ. وَغَايَتُهَا (إلَى) آخِرِ (ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) تَقْرِيبًا تَمْضِي (مِنْ) وَقْتِ الْمَوْتِ لِحَاضِرٍ وَمِنْ الْقُدُومِ لِغَائِبٍ وَقِيلَ مِنْ وَقْتِ (دَفْنِهِ) وَمِثْلُ الْغَائِبِ الْمَرِيضُ وَالْمَحْبُوسُ فَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ بَعْدَهَا إذْ الْغَرَضُ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ فِيهَا فَلَا يُجَدَّدُ حُزْنُهُ. وَيُقَالُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك أَيْ جَعَلَهُ عَظِيمًا، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك أَيْ جَعَلَهُ حَسَنًا، وَغَفَرَ لِمَيِّتِك، وَيُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ بِالْكَافِرِ، الذِّمِّيَّ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَصَبَّرَك وَأَخْلَفَ عَلَيْك أَوْ جَبَرَ مُصِيبَتَك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَيُقَالُ فِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ: غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَن عَزَاءَك، أَمَّا الْكَافِرُ غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ مِنْ حَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَلَا يُعَزَّى وَهَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ الظَّاهِرُ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِرُ هَذَا إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ، فَإِنْ رُجِيَ اُسْتُحِبَّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ، وَأَمَّا تَعْزِيَةُ الْكَافِرِ بِالْكَافِرِ فَهِيَ غَيْرُ مَنْدُوبَةٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ، وَصِيغَتُهَا: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدُك لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا بِكَثْرَةِ الْجِزْيَةِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْفِدَاءِ مِنْ النَّارِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ فَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ، وَمَنَعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِهِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ (وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ) ابْتِدَاءً (فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ) بَلْ يُفْرَدُ كُلُّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لِلِاتِّبَاعِ، فَلَوْ جُمِعَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَرَجُلَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ   [حاشية البجيرمي] لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ كَالْمَالِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ م ر. قَوْلُهُ: (تَقْرِيبًا) فَلَا يَضُرُّ الزِّيَادَةُ بِنَحْوِ نِصْفِ يَوْمٍ مَثَلًا ح ل. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْقُدُومِ لِغَائِبٍ) أَيْ قُدُومِ الْمُعَزَّى أَوْ الْمِعْزَى. اهـ. شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُ الْغَائِبِ الْمَرِيضُ) أَيْ فَإِذَا شُفِيَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْحَبْسِ عُزِّيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. قَوْلُهُ: (أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك) لَا يُقَالُ إنَّ عِظَمِ الْأَجْرِ يَكُونُ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْمَصَائِبِ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ دُعَاءٌ عَلَى الْمُعَزَّى بِفَتْحِ الزَّايِ بِكَثْرَةِ مَصَائِبِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ دُعَاءٌ بِكَثْرَةِ مَصَائِبِهِ إذْ الْأَجْرُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِنُزُولِ الْمَصَائِبِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5] . اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (عَزَاءَك) بِالْمَدِّ أَيْ صَبْرَك. قَوْلُهُ: (وَصَبْرَك) وَلَا يُقَالُ: وَغُفِرَ لِمَيِّتِك لِأَنَّهُ حَرَامٌ ز ي. قَوْلُهُ: (وَأَخْلَفَ عَلَيْك) نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مِمَّنْ لَا يُخْلَفُ بَدَلُهُ كَأَبٍ فَلْيَقُلْ بَدَلَ " أَخْلَفَ عَلَيْك " " خَلَّفَ عَلَيْك " أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْك، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك) قَدَّمَ هُنَا الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ مَعَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ لِشَرَفِ الْمُسْلِمِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ، نَعَمْ لَوْ كَانَ فِيهَا تَوْقِيرُهُ حُرِّمَتْ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا نَقَصَ) بِتَخْفِيفِ الْقَافِ وَنَصْبِ " عَدَدَ " عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَوْ رَفْعِهِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] . قَوْلُهُ: (بِالْفِدَاءِ مِنْ النَّارِ) لِأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ لَهُ مَقْعَدٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَقْعَدٌ فِي النَّارِ فَإِنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ وُضِعَ كَافِرٌ مَحَلَّ مَقْعَدِهِ فِي النَّارِ. قَوْلُهُ: (قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُ وَلَا نَقَصَ عَدَدُك ظَاهِرُهُ أَنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِتَكْثِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَمِنْ لَازِمِ كَثْرَتِهِمْ امْتِدَادُ بَقَائِهِمْ وَامْتِدَادُهُ مَعَ الْكُفْرِ فِيهِ دَوَامٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الْعَدَدِ بَقَاؤُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " وَلَا نَقَصَ عَدَدُك " يَصْدُقُ بِإِسْلَامِهِمْ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَعْزِيَةُ مُسْلِمٍ بِمُرْتَدٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ بِخِلَافِ نَحْوِ مُحَارِبٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ وَزَانٍ مُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَإِنْ قُتِلَ حَدًّا، وَيَنْبَغِي لِلْمُعَزَّى إجَابَةُ التَّعْزِيَةِ بِنَحْوِ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا، وَلَعَلَّهُمْ حَذَفُوهُ لِوُضُوحِهِ اهـ م ر قَوْلُهُ: (وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا م ر: أَيْ يَحْرُمُ ذَلِكَ وَلَوْ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَكَلَامُ الشَّارِحِ لَا يُوَافِقُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ق ل. قَوْلُهُ: (ابْتِدَاءً) وَأَمَّا دَوَامًا بِأَنْ يُدْفَنَ مَيِّتٌ عَلَى مَيِّتٍ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ بِلَى الْأَوَّلِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 كُرِهَ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَحُرِّمَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: وَعِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ، وَنَازَعَ فِي التَّحْرِيمِ السُّبْكِيُّ وَسَيَأْتِي مَا يُقَوِّي التَّحْرِيمَ (إلَّا لِحَاجَةٍ) أَيْ لِضَرُورَةٍ كَمَا فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَأَنْ كَثُرَ الْمَوْتَى وَعَسُرَ إفْرَادُ كُلِّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَكْثَرِ فِي قَبْرٍ بِحَسَبِ الضَّرُورَةِ وَكَذَا فِي ثَوْبٍ لِلِاتِّبَاعِ فِي قَتْلَى أُحُدٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ أَفْضَلُهُمَا نَدْبًا وَهُوَ الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ إلَى جِدَارِ الْقَبْرِ الْقِبْلِيِّ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْأَلُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ عَنْ أَكْثَرِهِمْ قُرْآنًا فَيُقَدِّمُهُ إلَى اللَّحْدِ» لَكِنْ لَا يُقَدَّمُ فَرْعٌ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَإِنْ عَلَا حَتَّى يُقَدَّمَ الْجَدُّ وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَكَذَا الْجَدَّةُ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ، وَتُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْهَا، أَمَّا الِابْنُ مَعَ الْأُمِّ فَيُقَدَّمُ لِفَضِيلَةِ الذُّكُورَةِ، وَيُقَدَّمُ الرَّجُلُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالصَّبِيُّ عَلَى الْخُنْثَى وَالْخُنْثَى عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَا يُجْمَعُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَحْرُمُ عِنْدَ عَدَمِهَا كَمَا فِي   [حاشية البجيرمي] وَلَوْ كَانَ لِلْقَبْرِ لَحْدَانِ مَثَلًا وَنُبِشَ لِلدَّفْنِ فِي لَحْدٍ آخَرَ جَازَ إنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَيِّتِ الْأَوَّلِ رَائِحَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، فَإِنْ حُفِرَ قَبْرٌ فَوُجِدَ فِيهِ عَظْمُ مَيِّتٍ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ فَرَاغِ الْحَفْرِ أَعَادَهُ وَلَمْ يُتِمَّ الْحَفْرَ وَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِهِ جَعَلَهُ فِي جَانِبٍ مَحْفُورٍ وَدُفِنَ الْمَيِّتُ بِجَانِبٍ آخَرَ ز ي وح ل. قَوْلُهُ: (وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ) أَيْ أَوْ اخْتَلَفَ وَكَانَ نَحْوَ مَحْرَمِيَّةٍ كَمَا يُشِيرُ لَهُ كَلَامُهُ؛ وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ الْجِنْسِ أَوْ الْمَحْرَمِيَّةِ أَوْ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ عَدَمِ بُلُوغِ حَدِّ الشَّهْوَةِ كَالرَّجُلِ مَعَ الْبِنْتِ الْأَجْنَبِيَّةِ الصَّغِيرَةِ جِدًّا، وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ الْكَبِيرَيْنِ فَحَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ أَيْ لَحْدٍ أَوْ شِقٍّ فَيَحْرُمُ عِنْدَ م ر وَلَوْ مَعَ مَحْرَمِيَّةٍ كَأُمٍّ وَابْنِهَا وَاتِّفَاقِ جِنْسٍ كَأَبٍ وَابْنِهِ، وَيُكْرَهُ عِنْدَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَاخْتَلَفَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ؛ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ التَّمَاسَّ كَتُرَابٍ وَنَحْوِهِ وَمَا اُعْتِيدَ مِنْ الدَّفْنِ فِي الْفَسَاقِيِ الْمَعْرُوفَةِ فَحَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إدْخَالِ مَيِّتٍ عَلَى مَيِّتٍ آخَرَ، وَيَحْرُمُ جَمْعُ عِظَامِهِمْ لِدَفْنِ غَيْرِهِمْ، وَكَذَا وَضْعُهُ فَوْقَ عِظَامِهِمْ اهـ. قَوْلُهُ: (وَحُرِّمَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ) لَكِنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَا بِنَحْوِ مَحْرَمِيَّةٍ بَلْ هُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ، وَسَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ لَا قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَإِنْ رُجِيَتْ حَيَاةُ جَنِينِ مَيِّتَةٍ شُقَّ جَوْفُهَا وُجُوبًا قَبْلَ إدْخَالِهَا الْقَبْرَ وَفِي الْقَبْرِ نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَأُخْرِجَ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ إخْرَاجِهِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) لَكِنَّ الْحَجْزَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ وَاجِبٌ. قَوْلُهُ: (لِلِاتِّبَاعِ فِي قَتْلَى أُحُدٍ) أَيْ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ» شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ أَيْ وَكَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقْتَ عَجْزٍ عَنْ الثِّيَابِ وَحِينَئِذٍ فَبَعْضُ الثِّيَابِ الَّتِي وُجِدَتْ كَانَ فِيهِ سَعَةٌ بِحَيْثُ يَسَعُ اثْنَيْنِ يُدْرَجَانِ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَمَاسُّ عَوْرَتَيْهِمَا لِإِمْكَانِ أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَهُمَا بِإِذْخِرٍ وَنَحْوِهِ، شَرْحُ الْمِشْكَاةِ شَوْبَرِيٌّ فَقَوْلُهُ: " وَكَذَا فِي ثَوْبٍ " أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي ثَوْبٍ لِلضَّرُورَةِ قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي السِّيرَةِ: وَدُفِنَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَدُفِنَ النُّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ بْنُ الْخَشْخَاشِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَرُبَّمَا دُفِنُوا ثَلَاثَةً فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَصَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: اُنْظُرُوا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ جَمْعًا أَيْ حِفْظًا لِلْقُرْآنِ فَقَدِّمُوهُ فِي الْقَبْرِ» أَيْ اللَّحْدِ، وَاحْتَمَلَ نَاسٌ مِنْ الْمَدِينَةِ قَتْلَاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ فَرَدَّهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُدْفَنُوا حَيْثُ قُتِلُوا وَبِذَلِكَ اسْتَدَلَّ أَئِمَّتُنَا عَلَى حُرْمَةِ نَقْلِ الْمَيِّتِ قَبْلَ دَفْنِهِ فِي مَحِلِّ مَوْتِهِ إلَى مَحِلٍّ أَبْعَدَ مِنْ مَقْبَرَتِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الشَّهِيدِ، أَمَّا هُوَ فَالْأَفْضَلُ دَفْنُهُ بِمَحِلِّ مَوْتِهِ وَلَوْ بِقُرْبِ مَا ذَكَرَ؛ بَحَثَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَشَهِدَ لَهُ مَا هُنَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْجَدَّةُ) أَيْ تُقَدَّمُ عَلَى الْبِنْتِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الِابْنُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَيْ الْبِنْتُ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الِابْنُ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَهَلْ يُقَدَّمُ الْخُنْثَى عَلَى أُمِّهِ احْتِيَاطًا أَوْ هِيَ؟ قَالَ الشَّيْخُ: فِيهِ نَظَرٌ أَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا لِأَنَّ جِهَةَ تَقْدِيمِهَا مُحَقَّقَةٌ بِخِلَافِ الْخُنْثَى شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى الصَّبِيِّ) وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْمَعُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ) أَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 الْحَيَاةِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْجَمْعُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فَقَالَ: إنَّهُ حَرَامٌ حَتَّى فِي الْأُمِّ مَعَ وَلَدِهَا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إذْ الْعِلَّةُ فِي مَنْعِ الْجَمْعِ الْإِيذَاءُ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُحَرَّمِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا، وَالْخُنْثَى مَعَ الْخُنْثَى أَوْ غَيْرِهِ كَالْأُنْثَى مَعَ الذَّكَرِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ كَالْمَحْرَمِ، وَيُحْجَزُ بَيْنَ الْمَيِّتَيْنِ بِتُرَابٍ حَيْثُ جُمِعَ بَيْنَهُمَا نَدْبًا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَلَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ، وَأَمَّا نَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ وَقَبْلَ الْبِلَى عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ الْأَرْضِ لِلنَّقْلِ وَغَيْرِهِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَكْفِينِهِ فَحَرَامٌ لِأَنَّ فِيهِ هَتْكًا لِحُرْمَتِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ وَلَا تَيَمُّمٍ بِشَرْطِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يَجِبُ غُسْلُهُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَاسْتَدْرَكَ عِنْدَ قُرْبِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَشْهُورِ نَبْشُهُ وَغُسْلُهُ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَوْ دُفِنَ فِي أَرْضٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبَيْنِ وَطَالَبَ بِهِمَا مَالِكُهُمَا فَيَجِبُ النَّبْشُ وَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ لِيَصِلَ الْمُسْتَحِقُّ إلَى حَقِّهِ، وَيُسَنُّ لِصَاحِبِهِمَا التَّرْكُ. وَمَحِلُّ النَّبْشِ فِي الثَّوْبِ إذَا وُجِدَ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ النَّبْشُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْكَفَنُ الْحَرِيرُ أَيْ لِلرَّجُلِ كَالْمَغْصُوبِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ بِعَدَمِ النَّبْشِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَالٌ وَإِنْ قَلَّ كَخَاتَمٍ فَيَجِبُ نَبْشُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ لِأَنَّ تَرْكَهُ   [حاشية البجيرمي] أَجْنَبِيَّانِ، بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي؛ وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ سَابِقًا وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ. قَوْلُهُ: (إلَّا لِضَرُورَةٍ) أَيْ مُتَأَكِّدَةٍ، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّجَالِ فَقَطْ أَوْ النِّسَاءِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمُطْلَقِ الضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ: " كَمَا فِي الْحَيَاةِ " أَيْ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ جَمْعُهُمَا فِي مَكَان وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ) غَايَةُ قَوْلِهِ: (وَأَمَّا نَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ) أَيْ وَلَوْ لِغَيْرِ الدَّفْنِ عَلَيْهِ وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ ابْتِدَاءً لَكِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَا إذَا نُبِشَ بَعْدَ دَفْنِهِ لِأَجَلِ الدَّفْنِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ بِلَى الْأَوَّلِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا هَذَا فَشَامِلٌ لِلنَّبْشِ لِلدَّفْنِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ كَنَقْلِهِ أَوْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَوْ تَكْفِينِهِ، كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي. قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ الْبِلَى) بِكَسْرِ الْبَاءِ مَعَ الْقَصْرِ وَبِفَتْحِهَا مَعَ الْمَدِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (إلَّا لِضَرُورَةٍ) وَقَدْ مَثَّلَهَا الشَّارِحُ بِأَحَدِ أُمُورٍ خَمْسَةٍ، وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ فَقُلْت: وَنَبْشُ مَيِّتٍ حَرَامٌ إنْ وَفِي ... بِلَا ضَرُورَةٍ كَطُهْرٍ انْتَفَى أَوْ دَفْنُهُ بِغَصْبٍ أَوْ سُقُوطِ مَالٍ ... أَوْ بَلْعِ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِهِ) وَهُوَ فَقْدُ الْمَاءِ أَوْ تَهَرِّيهِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (فَاسْتُدْرِكَ) أَيْ الْوَاجِبُ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ قُرْبِهِ) أَيْ الدَّفْنِ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) الْمُرَادُ بِالتَّغَيُّرِ النَّتْنَ لَا التَّقَطُّعُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ ز ي. قَوْلُهُ (أَوْ دُفِنَ فِي أَرْضٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " بِأَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ " وَدَفْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ كَهُوَ فِي الْمَغْصُوبِ فَيُنْبَشُ وَيُخْرَجُ مُطْلَقًا فِيمَا يَظْهَرُ م ر. قَوْلُهُ: (وَطَالَبَ بِهِمَا مَالِكُهُمَا) فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ الْمَالِكُ حُرِّمَ النَّبْشُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْأُسْتَاذِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: مَا لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مِمَّنْ يُحْتَاطُ لَهُ كَالْغَائِبِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ م ر. قَوْلُهُ: (فِي الثَّوْبِ) وَكَذَا فِي الْأَرْضِ، وَعِبَارَةُ سم: فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ كَفَنٌ وَلَا أَرْضٌ، فَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّبْشُ بَلْ يُدْفَعُ لِلْمَالِكِ ثَمَنُ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ؛ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَالْمَغْصُوبِ) أَيْ فَيُنْبَشُ لِنَزْعِهِ مِنْهُ وَإِبْدَالِهِ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَرِيرَ، أَيْ تَحْرِيمَهُ حَقُّ اللَّهِ، أَيْ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاحَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لَا يُجْدِي، أَيْ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْكَفَنِ وَالْمَالِ فَقَالَ: لَا يُنْبَشُ لِلْكَفَنِ إلَّا إذَا طَلَبَهُ مَالِكُهُ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ وَلَا كَذَلِكَ الْمَالُ فَيُنْبَشُ لِإِخْرَاجِهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ مَالِكُهُ فَفَرْقُهُ لَا يُجْدِي، أَيْ لَا يُفِيدُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَلَغَ) بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ بَابِ تَعِبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَمَفْتُوحُ اللَّامِ مِنْ بَابِ نَفَعَ كَمَا فِيهِ أَيْضًا وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَوْ بَلَعَ، لِيَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ. وَقَيَّدَهُ فِي الْمُهَذَّبِ بِطَلَبِ مَالِكِهِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَلَوْ بَلَعَ مَالًا لِغَيْرِهِ وَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَضْمَنْ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ كَمَا فِي الرَّوْضِ نُبِشَ وَشُقَّ جَوْفُهُ وَأُخْرِجَ مِنْهُ وَرُدَّ لِصَاحِبِهِ، أَمَّا إذَا ابْتَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ وَلَا يُشَقُّ لِاسْتِهْلَاكِهِ مَالَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، أَوْ دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَيَجِبُ نَبْشُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا دُفِنَ بِلَا تَكْفِينٍ فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ لِأَنَّ غَرَضَ التَّكْفِينِ السَّتْرُ وَقَدْ حَصَلَ بِالتُّرَابِ. تَتِمَّةٌ: يُسَنُّ أَنْ يَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ سَاعَةً يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ لِأَنَّهُ (ص) كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ مَيِّتٍ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» وَيُسَنُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ بَعْدَ الدَّفْنِ لِحَدِيثٍ وَرَدَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ) أَظْهَرَ مَوْضِعَ الْإِضْمَارِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ دَفْنِهِ) أَيْ تَمَامِ الدَّفْنِ. قَوْلُهُ: (سَاعَةً) أَيْ قَدْرَ ذَبْحِ الْجَمَلِ وَتَفْرِقَةِ لَحْمِهِ، وَهَذَا غَيْرُ التَّلْقِينِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّؤَالَ عَامٌّ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ إلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَشُهَدَاءُ الْمَعْرَكَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَارُونُ الرَّشِيدِ وَأَمَّا ضَمَّةُ الْقَبْرِ فَهِيَ عَامَّةٌ لِكُلِّ مَيِّتٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا إلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ وَسُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ بِالسُّرْيَانِيِّ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ وَهُوَ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ: الْأُولَى أتره، الثَّانِيَةُ أترح، الثَّالِثَةُ كاره، الرَّابِعَةُ سَالِحِين؛ فَمَعْنَى الْأُولَى: قُمْ يَا عَبْدَ اللَّهِ إلَى سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ: فِيمَ كُنْتَ وَمَعْنَى الثَّالِثَةِ: مَنْ رَبُّك مَا دِينُك، وَمَعْنَى الرَّابِعَةِ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ وَفِي الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ حِفْظَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ الْخَاتِمَةِ، مَيْدَانِيٌّ وَقَوْلُهُ: فِي هَذَا الرَّجُلِ إلَخْ قَدْ يُقَالُ: هَذِهِ الْإِشَارَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِحَاضِرٍ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُكْشَفَ الْمَيِّتُ حَتَّى يُشَاهِدَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ أَنَّهُ يُمْثَلُ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَوَايَا الْقَبْرِ فَائِدَةٌ: ذَكَرَ النَّاشِرِيُّ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ: أَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ حَالَ الدَّفْنِ فِي كَفِّهِ شَيْئًا مِنْهُ وَقَرَأَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ وَضَعَهُ فِي كَفَنِهِ لَمْ يُعَذَّبْ ذَلِكَ الْمَيِّتُ؛ وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ. اهـ. عَلْقَمِيٌّ. وَقَوْلُهُ: " فِي كَفَنِهِ " أَيْ إنْ كَانَ التُّرَابُ طَاهِرًا بِأَنْ لَمْ يَنْبُشَ الْقَبْرَ فَإِنْ كَانَ نَجِسًا وُضِعَ فِي جَانِبِ قَبْرِ الْمَيِّتِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ مَاتَ وَكَتَبَ هَذَا الدُّعَاءَ وَجُعِلَ فِي كَفَنِهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ عَلَى صَدْرِهِ وَدُفِنَ مَعَهُ لَا يُعَذَّبُ ذَلِكَ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ، وَهُوَ هَذَا: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِعِزَّتِك يَا عَزِيزُ وَبِقُدْرَتِك يَا قَدِيرُ وَبِحِلْمِك يَا حَلِيمُ وَبِعَظَمَتِك يَا عَظِيمُ وَبِرَحْمَتِك يَا رَحِيمُ وَبِمَنِّك يَا مَنَّانُ أَنْ تَحْفَظَنِي بِإِيمَانِي قَائِمًا وَقَاعِدًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا وَحَيًّا وَمَيِّتًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، إلَهِي هَذَا أَوَّلُ قُدُومِي إلَيْك فَأَكْرِمْنِي فَإِنَّ الضَّيْفَ إذَا نَزَلَ بِقَوْمٍ يُكْرَمُ وَأَنْتَ أَوْلَى بِالْإِكْرَامِ، إلَهِي مَا دُمْتُ حَيًّا أَنْتَ أَحْسَنْتَ إلَيَّ الْآنَ انْقَطَعَ حَيَاتِي وَلَا تَمْنَعْ إحْسَانَك عَنِّي بِوَفَاتِي الْآنَ بِرَحْمَتَك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ يَا دَلِيلَ الْمُتَحَيِّرِينَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ هُوَ الْخَالِقُ الْعَلِيمُ رَبُّ الْخَلْقِ وَالْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ اسْتَوْدَعْتُك دِينِي وَإِيمَانِي فَاحْفَظْهُمَا عَلَيَّ فِي حَيَّاتِي وَعِنْدَ وَفَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي» اهـ مِنْ الْمَصَابِيحِ قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ) أَيْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا غَيْرُ حَقِيقَتِهَا لِاسْتِحَالَتِهَا مِمَّنْ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، بَلْ نَحْوَ التَّلَجْلُجِ فِي الْجَوَابِ أَوْ عَدَمِ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: وَيُسَنُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إلَى التَّذَكُّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ الْعَهْدَ الَّذِي خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةٌ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ الْقَبْرَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّك رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا وَرَسُولًا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا وَيُسَنُّ إعَادَةُ التَّلْقِينِ ثَلَاثًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 فِيهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ اعْتَضَدَ بِشَوَاهِدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلَمْ تَزَلْ النَّاسُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ مِنْ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فِي زَمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ، وَيَقْعُدُ الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ الطِّفْلُ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ تَكْلِيفٌ فَلَا يُسَنُّ تَلْقِينُهُ لِأَنَّهُ لَا يَفُتْنَ فِي قَبْرِهِ. وَسُنَّ لِنَحْوِ جِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ كَأَقَارِبِهِ الْبُعْدَى وَلَوْ كَانُوا بِبَلَدٍ وَهُوَ بِأُخْرَى تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِشَغْلِهِمْ بِالْحُزْنِ عَنْهُ، وَأَنْ يُلِحَّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ، وَحُرِّمَ تَهْيِئَتُهُ لِنَحْوِ نَائِحَةٍ كَنَادِبَةٍ لِأَنَّهَا إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، أَمَّا إصْلَاحُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا وَجَمْعُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَبِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ.   [حاشية البجيرمي] وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، وَإِنْ خَتَمُوا الْقُرْآنَ كَانَ أَفْضَلَ؛ شَرْحُ الرَّوْضِ اهـ. قَوْلُهُ: (الْمُكَلَّفُ) وَلَوْ فِيمَا مَضَى فَيَشْمَلُ مَنْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ كَمَا فِي م ر، وَالْمُرَادُ بِالْمُكَلَّفِ غَيْرُ النَّبِيِّ وَغَيْرُ الشَّهِيدِ. قَوْلُهُ: (رَأْسَ الْقَبْرِ) أَيْ الَّذِي رَأْسُ الْمَيِّتِ تَحْتَهُ. قَوْلُهُ (مِمَّنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ تَكْلِيفٌ) كَمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَاسْتَمَرَّ جُنُونُهُ لِمَوْتٍ، وَمِثْلُهُ شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ وَالْأَنْبِيَاءُ لِأَنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ أَيْضًا ق ل فَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِينَ لَا يُسْأَلُونَ أَرْبَعَةٌ. قَوْلُهُ: (لِشُغْلِهِمْ بِالْحُزْنِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الطَّعَامِ أَيْ تَهْيِئَتِهِ، أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلتَّهْيِئَةِ وَذَكَرَهُ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ التَّذْكِيرَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إصْلَاحُ أَهْلِ الْمَيِّتِ) نُسْخَةٌ اصْطِنَاعُ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ) بَلْ هُوَ حَرَامٌ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَوْ قَلِيلًا، لِأَنَّ التَّرِكَةَ مَرْهُونَةٌ بِهِ رَهْنًا شَرْعِيًّا وَكَذَا إنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٌ وَمَحِلُّ الْحُرْمَةِ فِيمَا ذَكَرَ لَوْ صَنَعُوا مِنْ التَّرِكَةِ، أَمَّا لَوْ صَنَعُوا مِنْ مَالِ أَنْفُسِهِمْ فَبِدْعَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ؛ وَمِثْلُ الْوَحْشَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا يُعْمَلُ لِلْمُقْرِئِينَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا كَالسَّبْحِ وَالْجَمْعِ فَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا وَكَذَا الْكَفَّارَةُ الْمَعْرُوفَةُ. اهـ. ق ل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 كِتَابُ الزَّكَاةِ وَهِيَ لُغَةً النُّمُوُّ وَالْبَرَكَةُ وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ إذَا نَمَا وَزَكَتْ النَّفَقَةُ إذَا بِوَرِكِ فِيهَا وَفُلَانٌ زَاكٍ أَيْ كَثِيرُ الْخَيْرِ وَتُطْلَقُ عَلَى التَّطْهِيرِ قَالَ تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] أَيْ طَهَّرَهَا مِنْ الْأَدْنَاسِ وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمَدْحِ قَالَ تَعَالَى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] أَيْ تَمْدَحُوهَا وَشَرْعًا اسْمٌ لِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ يَجِبُ صَرْفُهُ لِأَصْنَافٍ مَخْصُوصَةٍ بِشَرَائِطَ سَتَأْتِي وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ يَنْمُو بِبَرَكَةِ إخْرَاجِهَا وَدُعَاءِ الْآخِذِ لَهَا وَلِأَنَّهَا تُطَهِّرُ مُخْرِجَهَا مِنْ الْإِثْمِ وَتَمْدَحُهُ حَتَّى تَشْهَدَ لَهُ بِصِحَّةِ الْإِيمَانِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وقَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ لِهَذَا الْخَبَرِ.   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ الزَّكَاةِ] هِيَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ سَيِّدِنَا عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: 31] وَقِيلَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَجُمِعَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ بِالنَّظَرِ لِلْأَصْلِ وَالثَّانِيَ بِالنَّظَرِ لِلْكَيْفِيَّةِ وَالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ وَقَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الصَّوْمِ وَالْحَجِّ مَعَ أَنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْهَا مُرَاعَاةً لِلْحَدِيثِ النَّاظِرِ إلَى كَثْرَةِ أَفْرَادِ مَنْ تَلْزَمُهُ عَلَيْهِمَا ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ لِأَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِهَا وَهُوَ زَكَاةُ الْفِطْرِ يَلْزَمُ أَفْرَادًا كَثِيرَةً قَوْلُهُ (وَهِيَ لُغَةً النُّمُوُّ) يَعْنِي أَنَّهَا فِي اللُّغَةِ لِأَحَدِ مَعَانٍ خَمْسَةٍ النُّمُوُّ وَالْبَرَكَةُ وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ وَالتَّطْهِيرُ وَالْمَدْحُ وَأَدِلَّتُهَا مَا ذَكَرَهُ وَانْظُرْ وَجْهَ ذِكْرِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ أَوَّلًا أَعْنِي النُّمُوَّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفْرَدَ الْمَعْنَيَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَهُمَا التَّطْهِيرُ وَالْمَدْحُ وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ لَمَّا كَانَتْ مُتَقَارِبَةَ الْمَعْنَى أَوْ مُتَّحِدَتَهُ جَمَعَهَا إشَارَةً لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَخِيرَيْنِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُغَايِرٌ لِلْآخَرِ وَلِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ فَتَأَمَّلْ قَوْلُهُ (أَيْ تَمْدَحُوهَا) أَيْ لَا تَمْدَحُوهَا عَلَى جِهَةِ الْإِعْجَابِ وَأَمَّا عَلَى جِهَةِ التَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ فَحَسَنٌ قَوْلُهُ (وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " وَسُمِّيَ " أَيْ الْقَدْرُ الْمَخْصُوصُ بِذَلِكَ أَيْ بِالزَّكَاةِ وَعِبَارَةُ م ر سُمِّيَ بِهَا ذَلِكَ لِأَنَّ إلَخْ وَبَعْدَ هَذَا فَيُقَالُ هَذَا لَا يَشْمَلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ وَيُقَالَ أَوْ عَنْ بَدَنٍ قَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَالَ يَنْمُو إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ مَوْجُودٌ فِي الشَّرْعِيِّ قَوْلُهُ (حَتَّى تَشْهَدَ لَهُ بِصِحَّةِ الْإِيمَانِ) لَعَلَّ حَتَّى تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تَشْهَدُ إلَخْ أَوْ أَنَّهَا لِلْغَايَةِ أَيْ اسْتَمَرَّ تَطْهِيرُهَا وَمَدْحُهَا مُنْتَهِيًا إلَى أَنْ تَشْهَدَ إلَخْ وَهَلْ الْمُرَادُ الشَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا بِمَعْنَى أَنَّهَا أَمَارَةٌ عَلَى الْإِيمَانِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ حِينَئِذٍ حَقِيقَةً ذَكَرَهُ م د قَوْلُهُ {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] هَذِهِ الْآيَةُ مُجْمَلَةٌ لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُبَيِّنْ الْمَالَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ وَلَا الْقَدْرَ الْمُخْرَجَ وَلَكِنَّ السُّنَّةَ بَيَّنَتْ ذَلِكَ وَقِيلَ عَامَّةٌ وَقِيلَ مُطْلَقَةٌ وَالرَّاجِحُ هُنَا الْأَوَّلُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] فَإِنَّ الرَّاجِحَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا عَامَّةٌ أَيْ كُلُّ بَيْعٍ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ الْحِلُّ قَوْلُهُ (صَدَقَةً) مِنْ التَّصْدِيقِ لِأَنَّ دَافِعَهَا يُصَدِّقُ بِوُجُوبِهَا. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ قَوْلُهُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» فِيهِ أَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخَمْسِ فَيَلْزَمُ بِنَاءُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ بُنِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 وَيُكَفَّرُ جَاحِدُهَا وَإِنْ أَتَى بِهَا وَهَذَا فِي الزَّكَاةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَالرِّكَازِ، وَيُقَاتَلُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهَا عَلَيْهَا وَتُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَفُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ زَكَاةِ الْفِطْرِ (تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ) مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ (وَهِيَ الْمَوَاشِي وَالْأَثْمَانُ وَالزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ) وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَالِ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ الْإِنْسِيَّةُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالزَّرْعُ وَالنَّخْلُ وَالْكَرْمُ، وَمِنْ   [حاشية البجيرمي] بِمَعْنَى تَرَكَّبَ وَعَلَى بِمَعْنَى مِنْ وَالتَّقْدِيرُ تَرَكَّبَ الْإِسْلَامُ مِنْ خَمْسٍ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} [المطففين: 2] أَيْ مِنْهُمْ أَوْ شَبَّهَ الْإِسْلَامَ بِقَصْرٍ مُشَيَّدٍ عَلَى دَعَائِمَ خَمْسٍ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَطَوَى ذِكْرَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَذَكَرَ شَيْئًا مِنْ خَوَاصِّهِ وَهُوَ قَوْلُهُ بُنِيَ فَيَكُونُ تَخْيِيلًا قَوْلُهُ وَيُكَفَّرُ جَاحِدُهَا عِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ وَيُكَفَّرُ جَاحِدُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ فِي الْقَدْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ دُونَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ كَوُجُوبِهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَمَالِ التِّجَارَةِ وَمَنْ جَهِلَهَا عُرِّفَ فَإِنْ جَحَدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَفَرَ وَيُقَاتَلُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهَا وَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتَلْ قَهْرًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّاسَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا وَيُؤَدِّيهَا فَيَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] الْآيَةَ وَضَرْبٌ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا وَيَمْتَنِعُ مِنْ إخْرَاجِهَا فَإِنْ كَانَ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ أَخَذَهَا مِنْ مَالِهِ قَهْرًا وَإِلَّا قَاتَلَهُ كَمَا فَعَلَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِمَانِعِ الزَّكَاةِ وَضَرْبٌ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ عُرِّفَهُ أَيْ الْوُجُوبَ وَيُنْهَى عَنْ الْعَوْدِ وَإِلَّا حُكِمَ بِكُفْرِهِ اهـ قَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ الْمُجْمَعِ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِيَكْفُرُ قَوْلُهُ كَالرِّكَازِ وَكَمَالِ الصَّبِيِّ وَلِبَعْضِهِمْ مِنْ الْوَافِرِ أَقُولُ لِشَادِنٍ فِي الْحُسْنِ أَضْحَى ... يَصِيدُ بِلَحْظَةٍ قَلْبَ الْكَمِيِّ مَلَكْت الْحُسْنَ أَجْمَعَ فِي نِصَابٍ ... فَأَدِّ زَكَاةَ مَنْظَرِكَ الْبَهِيِّ وَذَاكَ بِأَنْ تَجُودَ لِمُسْتَهَامٍ ... بِرَشْفٍ مِنْ مَقْبَلِك الشَّهِيِّ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِي إمَامٌ ... يَرَى أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَى الصَّبِيِّ فَإِنْ تَكُ شَافِعِيَّ الرَّأْيِ أَوْ مَنْ ... يَرَى رَأْيَ الْإِمَامِ الْمَالِكِيِّ فَلَا تَكُ طَالِبًا مِنِّي زَكَاةً ... فَإِخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَلَى الْوَلِيِّ وَلِبَعْضِهِمْ يَا مَنْ تَفَرَّدَ فِي الْوَرَى بِجَمَالِهِ ... وَبِهِ الْكَوَاكِبُ فِي السَّمَا تَتَبَاهَى إنَّ الْفَقِيرَ يُرِيدُ مِنْك تَعَطُّفًا بِزَكَاةِ حُسْنٍ ... قَدْ مَنَعْت عَطَاهَا لَمَّا طَلَبْت زَكَاتَهُ فَأَجَابَنِي وَرْدُ الْخُدُودِ بِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَوْلُهُ (وَفُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ) وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّ شَهْرٍ مِنْهَا وَاَلَّذِي قَالَهُ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهَا فُرِضَتْ فِي شَوَّالٍ مِنْ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ: (مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ) الْأَوْلَى مِنْ أَجْنَاسِ الْمَالِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِيمَا بَعْدُ، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ الْجِنْسَ الْمَنْطِقِيَّ بَلْ مَا دَلَّ عَلَى مُتَعَدِّدٍ فَأَشْبَهَ النَّوْعَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ) وَتَرْجِعُ إلَى ضَرْبَيْنِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِيمَةِ وَهُوَ زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَبَاتٌ وَجَوْهَرُ النَّقْدَيْنِ وَحَيَوَانٌ زي قَوْلُهُ: (أَصْنَافٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ مَثَلًا لَيْسَ صِنْفًا مِنْ نَوْعٍ بَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ جِنْسٍ وَهُوَ الْمَاشِيَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ عُرُوضَ التِّجَارَةِ مَعَ أَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْإِجْمَالِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهَا تُقَوَّمُ بِأَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 ذَلِكَ وَجَبَتْ لِثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ طَبَقَاتِ النَّاسِ (فَأَمَّا الْمَوَاشِي) جَمْعُ مَاشِيَةٍ وَهِيَ تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُرَادٍ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ الْمُرَادَ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ثَلَاثَةِ أَجْنَاسٍ مِنْهَا) فَقَطْ (وَهِيَ الْإِبِلُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَتُسَكَّنُ بَاؤُهُ لِلتَّخْفِيفِ وَيُجْمَعُ عَلَى آبَالٍ كَحَمْلٍ وَأَحْمَالٍ (وَالْبَقَرُ) وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدُهُ بَقَرَةٌ وَبَاقُورَةٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ يَشُقُّهَا بِالْحِرَاثَةِ (وَالْغَنْمُ) وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ فَلَا تَجِبُ فِي الْخَيْلِ وَلَا فِي الرَّقِيقِ وَلَا فِي الْمُتَوَلِّدِ مِنْ غَنَمٍ وَظِبَاءٍ، وَأَمَّا الْمُتَوَلِّدُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ النَّعَمِ وَمِنْ آخَرَ مِنْهَا كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ إبِلٍ وَبَقَرٍ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا تَجِبُ فِيهِ. وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ أَخَفِّهِمَا، فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يُزَكَّى زَكَاةَ الْبَقَرِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ (وَشَرَائِطُ وُجُوبِهَا) أَيْ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ الَّتِي هِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ (سِتَّةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (الْإِسْلَامُ) لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ. فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ وَإِنْ كَانَ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. نَعَمْ الْمُرْتَدُّ تُؤْخَذُ مِنْهُ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ أَسْلَمَ أَمْ لَا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا لَزِمَتْهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ، وَمَا لَزِمَهُ فِي رِدَّتِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ كَمَا لَهُ إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا لِتَبَيُّنِ بَقَاءِ مِلْكِهِ وَإِلَّا فَلَا. (وَ) الثَّانِي (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى رَقِيقٍ وَلَوْ مُدَبَّرًا وَمُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، أَوْ مُكَاتَبًا لِضَعْفِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَلِعَدَمِ مِلْكِ غَيْرِهِ. نَعَمْ تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ نِصَابًا لِتَمَامِ مِلْكِهِ.   [حاشية البجيرمي] أَجْنَاسٍ) لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ اللُّغَوِيَّ الشَّامِلَ لِلنَّوْعِ لِيُلَائِمَ مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (الْإِنْسِيَّةُ) هَذَا قَيْدٌ لِلْبَقَرِ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى لَفْظِ الْغَنَمِ لِأَنَّ الظِّبَاءَ إنَّمَا تُسَمَّى شِيَاهَ الْبَرِّ لَا غَنَمَ الْبَرِّ. اهـ. ز ي أج. قَوْلُهُ: (وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ) وَمِنْ ذَلِكَ عُرُوضُ التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ لِلْقِيمَةِ وَهِيَ هُمَا. قَوْلُهُ: (وَمِنْ ذَلِكَ) مِنْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ كَانَ كُلُّ زَكَاةٍ مِنْ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ الثَّمَانِيَةِ تُدْفَعُ لِصِنْفٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ زَكَاةٍ تُدْفَعُ لِلثَّمَانِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَنْعَامِ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ وَالنُّكْتَةُ فِيهِ كَوْنُ الْكَلَامِ فِيهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالنَّعَمُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَجَمْعُهُ أَنْعَامٌ وَأَنْعَامٌ جَمْعُهُ أَنَاعِمُ وَسُمِّيَتْ نَعَمًا لِكَثْرَةِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا عَلَى خَلْقِهِ مِنْ النُّمُوِّ وَعُمُومِ الِانْتِفَاعِ بِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ لَفْظِهِ) بَلْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ مَعْنَاهُ وَهُوَ بَعِيرٌ وَجَمَلٌ وَنَاقَةٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ) أَيْ جَمْعِيٌّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَاحِدُهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (اسْمُ جِنْسٍ) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ لِأَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ اسْمَ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ لِعَدَمِ وَاحِدٍ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَجِبُ فِي الْخَيْلِ) هُوَ اسْمُ جَمْعٍ لِأَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الْمُتَوَلِّدِ مِنْ غَنَمٍ وَظِبَاءٍ) وَهَذَا مِنْ قَاعِدَةِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ زَكَوِيٍّ وَغَيْرِهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، فَقَوْلُ م د هُوَ مِنْ قَاعِدَةٍ يَتْبَعُ الْفَرْعَ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الشَّارِحِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ أَخَفِّهِمَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (زَكَاةَ أَخَفِّهِمَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ لَا مِنْ حَيْثُ السِّنُّ، فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ ضَأْنٍ وَمَعْزٍ يَجِبُ فِيهِ مَا لَهُ سَنَتَانِ. اهـ. ق ل. وَقَالَ سم: يَكْفِي مَا لَهُ سَنَةٌ، وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى حَجّ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَتْبَعُ أَعْلَى السِّنِّ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) وَإِذْ كَانَ يُزَكِّي زَكَاةَ الْبَقَرِ فَلَا تَجِبُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ وَلَوْ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْإِبِلِ. قَوْلُهُ: (لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ) . قَوْلُهُ: (نَعَمْ الْمُرْتَدُّ تُؤْخَذُ مِنْهُ) وَإِنْ أَخْرَجَ حَالَ رِدَّتِهِ أَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ عَنْ الْكَفَّارَةِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ وَتَكْفِي نِيَّتُهُ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ شَرْطُهَا الْإِسْلَامَ لِلضَّرُورَةِ وَتَكُونُ لِلتَّمْيِيزِ. قَوْلُهُ: (مَوْقُوفٌ) أَيْ لُزُومُ الْأَدَاءِ وَالْإِخْرَاجِ، وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَثَابِتٌ لَا وَقْفَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا) وَلَوْ أَخْرَجَهَا حَالَ رِدَّتِهِ أَجْزَأَتْهُ إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، فَلَوْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ رَجَعَ الْإِمَامُ عَلَى الْآخِذِ م ر. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ مَاتَ مُرْتَدًّا فَلَا تُخْرَجُ الزَّكَاةُ عَنْهُ لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْمَالَ لَيْسَ عَلَى مِلْكِهِ بَلْ هُوَ فَيْءٌ. قَوْلُهُ: (الْحُرِّيَّةُ) أَيْ وَلَوْ بَعْضًا كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (أَوْ مُكَاتَبًا) وَلَوْ كِتَابَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 (وَ) الثَّالِثُ (الْمِلْكُ التَّامُّ) فَلَا تَجِبُ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ مِلْكًا تَامًّا كَمَالِ كِتَابَةٍ إذْ لِلْعَبْدِ إسْقَاطُهُ مَتَى شَاءَ، وَتَجِبُ فِي مَالِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَالْمُخَاطَبُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ وَلِيُّهُ، وَلَا تَجِبُ فِي مَالِ وَقْفٍ لِجَنِينٍ إذْ لَا وُثُوقَ بِوُجُودِهِ وَحَيَاتِهِ. وَتَجِبُ فِي مَغْصُوبٍ وَضَالٍّ وَمَجْحُودٍ وَغَائِبٍ، وَإِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ وَمَمْلُوكٍ بِعَقْدٍ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهَا مُلِكَتْ مِلْكًا تَامًّا، وَفِي دَيْنٍ لَازِمٍ مِنْ نَقْدٍ وَعَرْضِ تِجَارَةٍ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلَا يَمْنَعُ دَيْنٌ وَلَوْ حُجِرَ بِهِ وُجُوبَهَا، وَلَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ بِأَنْ مَاتَ   [حاشية البجيرمي] فَاسِدَةً، فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ صَارَ مَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ وَابْتَدَأَ حَوْلَهُ مِنْ حِينَئِذٍ وَإِنْ عَتَقَ ابْتَدَأَ حَوْلَهُ مِنْ حِينِ عِتْقِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَلَا زَكَاةَ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا مُكَاتَبِهِ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ بِحُرٍّ وَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنْ زَالَتْ الْكِتَابَةُ لِعَجْزٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ انْعَقَدَ حَوْلُهُ مِنْ حِينِ زَوَالِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (الْمِلْكُ) دَخَلَ الْأَنْبِيَاءُ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ، خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ قَالَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُمْ لَا مِلْكَ لَهُمْ مَعَ اللَّهِ، وَأَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ وَدَائِعِ اللَّهِ لَهُمْ يَبْذُلُونَهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ طُهْرَةٌ وَهُمْ مُبَرَّءُونَ مِنْ الدَّنَسِ أج مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ (كَمَالِ كِتَابَةٍ) أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ زَكَاةُ نُجُومِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا، فَانْدَفَعَ قَوْلُ م د إنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ خَارِجٌ بِقَيْدِ الْحُرِّيَّةِ فَذِكْرُهُ تَكْرَارٌ اهـ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ بِقَيْدِ الْحُرِّيَّةِ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِيمَا بِيَدِهِ سَوَاءٌ نُجُومُ الْكِتَابَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي السَّيِّدِ أَيْ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فِي النُّجُومِ قَبْلَ قَبْضِهَا. قَوْلُهُ: (فِي مَالِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ) وَهُوَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ وَتَلْزَمُ النِّيَّةُ الْوَلِيَّ عَنْ مَحْجُورِهِ، فَلَوْ دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلِوَلِيِّ السَّفِيهِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُفَوِّضَ النِّيَّةَ لَهُ كَغَيْرِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُخَاطَبُ بِالْإِخْرَاجِ إلَخْ) وَمَحِلُّ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ فَلَا وُجُوبَ وَالِاحْتِيَاطُ لَهُ أَنْ يَحْسُبَ زَكَاتَهُ، فَإِذَا كَمُلَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَلَا يُخْرِجْهَا فَيُغَرِّمَهُ الْحَاكِمُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ فِي مَالِ وَقْفٍ) لَوْ قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ " وَتَجِبُ فِي مَالِ إلَخْ " لَكَانَ أَوْلَى لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَفِي شَرْحِ م ر تَفْرِيعُ هَذَا عَلَى شَرْطٍ آخَرَ، وَعِبَارَتُهُ: وَيَتَعَيَّنُ وُجُودُ الْمَالِكِ فَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ وَقْفٍ لِجَنِينٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (الْجَنِينُ) أَيْ وَلَوْ انْفَصَلَ حَيًّا كَمَا قَالَهُ سم، وَاللَّامُ فِي " لِجَنِينٍ " تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ لِأَجْلِ جَنِينٍ، فَيَشْمَلُ التَّرِكَةَ كُلَّهَا حَتَّى لَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا لَا تَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ لَا فِي نَصِيبِهِ وَلَا فِي نَصِيبِهِمْ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ بِمَنْعِهِمْ مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا وُثُوقَ بِوُجُودِهِ) أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ، فَلَوْ تَيَقَّنَ وُجُودَهُ لَا تَجِبُ أَيْضًا؛ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: فَلَوْ انْفَصَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ عَدَمُ لُزُومِهَا بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ اهـ. قَالَ ع ش: قَوْلُهُ " الْمُتَّجَهُ عَدَمُ لُزُومِهَا " أَيْ فِي جَمِيعِ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْجَنِينِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى الْوَرَثَةِ إذَا تَبَيَّنَ عَدَمُ الْحَمْلِ لِلتَّرَدُّدِ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ لَهُ الْمَالُ فِي عَيْنِ مَنْ انْتَقَلَ الْمَالُ لَهُ، وَلَكِنْ نُقِلَ عَنْ زي وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيمَا لَوْ تَبَيَّنَ لَا حَمْلَ لِحُصُولِ الْمِلْكِ لِلْوَرَثَةِ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ اهـ. وَهَذِهِ الْعِلَّةُ بِعَيْنِهَا مَوْجُودَةٌ فِيمَا لَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا اهـ بِالْحَرْفِ. وَفِي وُجُوبِهَا فِي ذَلِكَ وَقْفَةٌ. قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ فِي مَغْصُوبٍ إلَخْ) وَمِنْهُ الْمَسْرُوقُ، وَالْمُرَادُ بِوُجُوبِهَا فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ اسْتِقْرَارُهَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا إلَّا بِحُضُورِهَا أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْمَنْهَجِ، قَالَ م ر: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمَغْصُوبِ وَفِي نَحْوِ الْغَائِبِ بِمُسْتَحِقِّي مَحَلِّ الْوُجُوبِ لَا التَّمَكُّنِ اهـ؛ أَيْ فَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ لِمُسْتَحِقِّ الْبَلَدِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا حَالَةَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَيْ حَالَةَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ وَقَوْلُهُ وَضَالٍّ، وَمِنْهُ الْوَاقِعُ فِي بَحْرٍ وَالْمَدْفُونُ الْمَنْسِيُّ مَحَلُّهُ وَيَتَصَوَّرُ إسَامَةَ الضَّالَّةِ بِأَنْ يَقْصِدَ مَالِكُهَا إسَامَتَهَا وَتَسْتَمِرُّ سَائِمَةً وَهِيَ ضَالَّةٌ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْإِسَامَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَمَا قَالَهُ الْعَنَانِيُّ. قَوْلُهُ: (وَمَجْحُودٍ) أَيْ مُودَعٍ جَحَدَهُ الْوَدِيعُ أَوْ دَيْنٌ جَحَدَهُ مَنْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَمْلُوكٍ بِعَقْدٍ قَبْلَ قَبْضِهِ) بِأَنْ بَاعَ شَيْئًا وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى مُضِيِّ الْحَوْلِ، أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا مُلِكَتْ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْكُلِّ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ إسَامَةَ الْمَالِكِ لَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (وَعَرْضِ تِجَارَةٍ) كَأَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 قَبْلَ أَدَائِهَا وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْهُمَا قُدِّمَتْ عَلَى الدَّيْنِ تَقْدِيمًا لِدَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» وَخَرَجَ بِدَيْنِ الْآدَمِيِّ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى كَزَكَاةٍ وَحَجٍّ، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ النِّصَابُ مَوْجُودًا قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَيَسْتَوِيَانِ، وَبِالتَّرِكَةِ مَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى حَيٍّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ قُدِّمَ حَقُّ الْآدَمِيِّ إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ وَإِلَّا قُدِّمَتْ مُطْلَقًا. (وَ) الشَّرْطُ (الرَّابِعُ النِّصَابُ) بِكَسْرِ النُّونِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ فَلَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَهُ. (وَ) الْخَامِسُ (الْحَوْلُ) لِخَبَرِ «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا مَجْبُورٌ بِآثَارٍ صَحِيحَةٍ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعِ وَغَيْرِهِمْ، وَالْحَوْلُ كَمَا فِي الْمُحْكَمِ سَنَةٌ كَامِلَةٌ فَلَا تَجِبُ قَبْلَ تَمَامِهِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ. وَلَكِنْ   [حاشية البجيرمي] قَالَ: أَسْلَمْت إلَيْك هَذِهِ الدَّنَانِيرَ فِي مِائَةِ مَقْطَعِ قُمَاشٍ أَتَّجِرُ فِيهَا، وَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ؛ وَكَأَنْ أَقْرَضَ الْعُرُوضَ لِآخَرَ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ، فَإِذَا مَضَى حَوْلٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: قَوْلُهُ " وَعَرْضِ تِجَارَةٍ " خَرَجَ بِذَلِكَ زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ فَلَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ لِأَنَّ شَرْطَ زَكَاتِهَا السَّوْمُ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُسَامُ اهـ. قَوْلُهُ: (لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103] شَامِلٌ لِمَالِ التِّجَارَةِ وَلِمَا فِي ذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بَعْدَ هَذَا: بِخِلَافِ غَيْرِ اللَّازِمِ كَمَالِ كِتَابَةٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ تَامٍّ فِيهِ إذْ لِلْعَبْدِ إسْقَاطُهُ مَتَى شَاءَ، وَبِخِلَافِ اللَّازِمِ مِنْ مَاشِيَةٍ وَمُعَشَّرٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الزَّكَاةِ فِي الْمَاشِيَةِ السَّوْمُ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُسَامُ وَفِي الْمُعَشَّرِ الزَّهْوُ أَيْ النُّمُوُّ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُوجَدْ. قَوْلُهُ: (قُدِّمَتْ عَلَى الدَّيْنِ) أَيْ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ قَبْلَ الْمَوْتِ كَالْمَرْهُونِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: حُقُوقُ اللَّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُدُودِ وَنَحْوِهَا، أَوْ يُقَالُ الزَّكَاةُ فِيهَا جِهَتَانِ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ: (كَزَكَاةٍ وَحَجٍّ) أَوْ كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ النِّصَابُ) أَوْ بَعْضُهُ شَوْبَرِيٌّ، وَعِبَارَةُ حَجّ: إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ بِأَنْ بَقِيَ النِّصَابُ وَإِلَّا بِأَنْ تَلِفَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَالتَّمَكُّنِ اسْتَوَتْ مَعَ غَيْرِهَا فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: (فَيَسْتَوِيَانِ) أَيْ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا بِالْقِسْطِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ س ل، أَيْ فَإِذَا اشْتَدَّ احْتِيَاجُ الْفُقَرَاءِ قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ. وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ " فَيَسْتَوِيَانِ ": أَيْ فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا فَيُدْفَعُ مَا خَصَّ الزَّكَاةَ لَهَا وَمَا خَصَّ الْحَجَّ لَهُ وَيَجِبُ الْحَجُّ إنْ كَفَى الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا؛ وَهَلْ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ حِينَئِذٍ أَوْ يَبْقَى فَرُبَّمَا حَصَلَ لَهُ مَالٌ كَمَّلَ بِهِ مَالَ الْحَجِّ؟ فَتَدَبَّرْ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ " فَيَسْتَوِيَانِ " أَيْ فِي التَّعَلُّقِ أَيْ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُوَزَّعُ الْمَالُ الْمَوْجُودُ عَلَى قَدْرِهِمَا بِالنِّسْبَةِ؛ فَإِذَا كَانَ قَدْرُ الزَّكَاةِ خَمْسَةً وَالْحَجُّ أُجْرَتُهُ عَشَرَةٌ فَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالزَّكَاةُ ثُلُثٌ فَيَخُصُّهَا الثُّلُثَ وَالْجَمْعُ الثُّلُثَانِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا شَيْءَ يَجِبُ فِي الزَّكَاةِ سِوَى ذَلِكَ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنْ كَانَ الَّذِي خَصَّهُ يُوفِي بِأُجْرَتِهِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَفِي فَيُحْفَظُ إلَى أَنْ يَحْصُلَ مَا يُكَمِّلُهُ وَيَحُجُّ بِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْوَارِثُ؛ هَكَذَا قَرَّرَهُ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى حَيٍّ) أَيْ وَضَاقَ مَالُهُ عَنْهُمَا. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ) بِأَنْ تَعَلَّقَتْ بِالْقِيمَةِ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَقَالَ سم: قَوْلُهُ " قُدِّمَ حَقُّ الْآدَمِيِّ " لَعَلَّ صُورَتَهُ إنْ كَانَ النِّصَابُ تَالِفًا، فَإِنْ كَانَ النِّصَابُ بَاقِيًا قَدَّمْت مَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَوْ حُجِرَ بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ قُدِّمَتْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (بِقَدْرِ إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا بَاءُ التَّصْوِيرِ أَوْ التَّقْدِيرِ، وَيَتَحَقَّقُ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ؛ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: قَدْرٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 لِنِتَاجِ نِصَابِ مِلْكِهِ بِسَبَبِ مِلْكِ النِّصَابِ حَوْلَ النِّصَابِ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِسَاعِيهِ: اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ. وَأَيْضًا الْمَعْنَى فِي اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ أَنْ يَحْصُلَ النَّمَاءُ وَالنِّتَاجُ نَمَاءٌ عَظِيمٌ فَيَتْبَعُ الْأُصُولَ فِي الْحَوْلِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ النِّتَاجَ بَعْدَ الْحَوْلِ صُدِّقَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِهِ قَبْلَهُ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي سُنَّ تَحْلِيفُهُ. (وَ) السَّادِسُ (السَّوْمُ) وَهُوَ إسَامَةُ مَالِكٍ لَهَا كُلَّ الْحَوْلِ، وَاخْتُصَّتْ السَّائِمَةُ بِالزَّكَاةِ لِتَوَفُّرِ مُؤْنَتِهَا بِالرَّعْيِ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ أَوْ مَمْلُوكٍ قِيمَتُهُ يَسِيرَةٌ لَا يُعَدُّ مِثْلُهَا كُلْفَةً فِي مُقَابَلَةِ نَمَائِهَا، لَكِنْ لَوْ عَلَفَهَا قَدْرًا تَعِيشُ بِدُونِهِ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ قَطْعَ سَوْمٍ لَمْ يَضُرَّ، أَمَّا لَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَسَامَهَا غَيْرُ مَالِكِهَا كَغَاصِبٍ أَوْ اعْتَلَفَتْ سَائِمَةٌ أَوْ عُلِفَتْ مُعْظَمَ الْحَوْلِ أَوْ قَدْرًا لَا تَعِيشُ بِدُونِهِ أَوْ تَعِيشُ لَكِنْ بِضَرَرٍ بَيِّنٍ أَوْ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ لَكِنْ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ سَوْمٍ أَوْ وَرِثَهَا وَتَمَّ حَوْلُهَا وَلَمْ   [حاشية البجيرمي] أَيْ وَهُوَ قَدْرٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (الْحَوْلُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَحَوُّلِهِ أَيْ ذَهَابِهِ وَمَجِيءِ غَيْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لِنِتَاجِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا تَجِبُ قَبْلَ تَمَامِهِ. وَصُورَةُ هَذِهِ أَنْ يَمْلِكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَتَنْتِجُ قَبْلَ الْحَوْلِ خَمْسًا، أَوْ يَمْلِكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ؛ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ شَاةٌ كَالْأَرْبَعِينَ، فَإِذَا أَنْتَجَتْ وَاحِدَةً فَصَارَ الْمِلْكُ لِمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَجَبَ شَاتَانِ، وَلَوْ كَانَ النِّتَاجُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، فَقَوْلُهُ " نِصَابٍ " قَيْدٌ اهـ. لَا يُقَالُ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ السَّوْمُ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ فَكَيْفَ وَجَبَتْ فِي النِّتَاجِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ النِّتَاجَ لَمَّا أُعْطِيَ حُكْمَ أُمَّهَاتِهِ فِي الْحَوْلِ فَأَوْلَى فِي السَّوْمِ، فَمَحَلُّ اشْتِرَاطِهِمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ التَّابِعُ الَّذِي لَا تُتَصَوَّرُ إسَامَتُهُ كَمَا فِي م ر وحج. وَيَجِبُ فِي النِّتَاجِ شَاةٌ صَغِيرَةٌ شَوْبَرِيٌّ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النِّتَاجُ مِنْ جِنْسِ النِّصَابِ وَإِلَّا أُفْرِدَ بِحَوْلٍ كَخَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ نَتَجَتْ خَمْسِينَ عِجْلًا. قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ مِلْكِ النِّصَابِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ كَأَنْ أَوْصَى مَالِكُ الْأُمَّهَاتِ بِالنِّتَاجِ لِآخَرَ وَمَاتَ فَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ ثُمَّ أَوْصَى بِالنِّتَاجِ لِلْوَارِثِ فَلَا ضَمَّ لِاخْتِلَافِ سَبَبِ مِلْكِهِمَا أَوْ وَرِثَهُ الْوَارِثُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ؛ كَذَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (اعْتَدَّ) أَيْ اُحْسُبْهَا عَلَيْهِمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ ع ش. قَوْلُهُ: (سُنَّ تَحْلِيفُهُ) فَلَوْ نَكَلَ تُرِكَ وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُ السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَلَا الْفُقَرَاءِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِمْ م ر. قَوْلُهُ: (السَّوْمُ) وَهُوَ إسَامَةُ مَالِكِهَا أَيْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا فِي مِلْكِهِ لِتَخْرُجَ مَسْأَلَةُ الْإِرْثِ الْآتِيَةُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَهَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَإِلَّا فَالسَّوْمُ الرَّعْيُ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ اهـ. وَمِثْلُ مَالِكِهَا نَائِبُهُ كَالْإِمَامِ فِي نَحْوِ الضَّالِّ. قَوْلُهُ: (فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ) هُوَ الْحَشِيشُ الرَّطْبُ، وَلَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهُ الْأَوْرَاقُ الْمُتَنَاثِرَةُ تَحْتَ الْأَشْجَارِ وَغَيْرِهَا؛ بَلْ الضَّابِطُ أَنْ لَا تُرْعَى فِي شَيْءٍ مَمْلُوكٍ. اهـ. ع ش عَلَى الْغَزِّيِّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ سُكُوتِهِمْ عَنْ الشُّرْبِ أَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ مَثَلًا لَا يَقْدَحُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ لَا كُلْفَةَ وَحَاجَةَ فِي الْمَاءِ وَأَنَّ كُلْفَتَهُ يَسِيرَةٌ بِخِلَافِ الْعَلَفِ اهـ سم. قَوْلُهُ: (لَا يُعَدُّ مِثْلُهَا كُلْفَةً) كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى كُلِّ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ عَامٍ دِرْهَمٌ مَثَلًا، قَالَ الْمَرْحُومِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ فِي هَذِهِ أَنَّهَا غَيْرُ سَائِمَةٍ، وَلَا تَكُونُ سَائِمَةً إلَّا إذَا كَانَ الْكَلَأُ الْمَمْلُوكُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَصْلًا؛ هَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّارِحِ فَيَكُونُ قَوْلُ الشَّارِحِ " أَوْ مَمْلُوكٍ إلَخْ " ضَعِيفًا عَلَى كَلَامِ الْمَرْحُومِيِّ. قَوْلُهُ: (فِي مُقَابَلَةِ نَمَائِهَا) هُوَ دَرُّهَا وَنَسْلُهَا وَصُوفُهَا وَوَبَرُهَا. قَوْلُهُ: (أَمَّا لَوْ سَامَتْ إلَخْ) هِيَ وَمَا بَعْدَهَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ إسَامَةُ الْمَالِكِ. قَوْلُهُ: (أَوْ اعْتَلَفَتْ سَائِمَةٌ) أَيْ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ عَلَفِ الْمَالِكِ لَهَا كَأَنْ نَسِيَهَا الرَّاعِي فَمَكَثَتْ مُدَّةً تَعْتَلِفُ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا مَالِكُهَا، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيَكُونَ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ " عُلِفَتْ " لِأَنَّ الْمُرَادَ عَلَفَهَا مَالِكُهَا أَوْ نَائِبُهُ. قَوْلُهُ: (مُعْظَمَ الْحَوْلِ) مُحْتَرَزُ كُلِّ الْحَوْلِ وَقَدْ تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ اعْتَلَفَتْ وَعُلِفَتْ. قَوْلُهُ: (لَا تَعِيشُ بِدُونِهِ) كَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذِهِ يُفْهَمُ مِنْهَا مَا قَبْلَهَا بِالْأَوْلَى فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ وَقَعَ فِي مَرْكَزِهِ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ بِضَرَرٍ بَيِّنٍ) كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ لِانْتِفَاءِ السَّوْمِ مَعَ كَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ؛ كَذَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 يَعْلَمْ فَلَا زَكَاةَ لِفَقْدِ إسَامَةِ الْمَالِكِ الْمَذْكُورِ، وَالْمَاشِيَةُ تَصْبِرُ عَنْ الْعَلَفِ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ لَا ثَلَاثَةً. (وَأَمَّا الْأَثْمَانُ فَشَيْئَانِ) وَهُمَا (الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ) . وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] وَالْكَنْزُ هُوَ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ تَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ الْأَثْمَانَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ شُمُولُ الْأَثْمَانِ لِغَيْرِ الْمَضْرُوبِ، فَإِنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَضْرُوبِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنَّمَا هِيَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ خَاصَّةً كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِتَفْسِيرِ الْأَثْمَانِ وَإِنْ كَانَ حَسَنًا مِنْ حَيْثُ شُمُولُ الْمَضْرُوبِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا. (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا) أَيْ الْأَثْمَانِ وَلَوْ قَالَ فِيهِمَا لِيَعُودَ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا تَقَدَّمَ (خَمْسٌ) وَهِيَ (الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْمِلْكُ التَّامُّ وَالنِّصَابُ وَالْحَوْلُ) وَمُحْتَرَزَاتُهَا مَعْلُومَةٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ فِي الْحَوْلِ عَنْ النِّصَابِ أَوْ بَعْضُهُ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَادَ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ لِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ بِمَا فَعَلَهُ فَصَارَ مِلْكًا جَدِيدًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَوْلٍ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِقَصْدِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّكَاةِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لِأَنَّهُ فِرَارٌ مِنْ الْقُرْبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا   [حاشية البجيرمي] فَتْحِ الْجَوَادِ وَالتُّحْفَةِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَرِثَهَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " سَامَتْ " بِأَنْ كَانَ يَسُومُهَا الْوَارِثُ جَاهِلًا بِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَهَذَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ " إسَامَةِ الْمَالِكِ " مَعَ مُلَاحَظَةِ الْمُقَدَّرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ عِلْمُ الْمَالِكِ بِأَنَّهَا فِي مِلْكِهِ لِاسْتِحَالَةِ الْقَصْدِ إلَيْهَا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَعْلَمْ) أَيْ وَكَانَ هُوَ الْمُسِيمُ لَهَا. قَوْلُهُ: (فَلَا زَكَاةَ) أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّمَانِيَةِ، وَيُضَمُّ لَهَا صُورَةُ جَزِّ الْكَلَأِ الْمُبَاحِ وَتَقْدِيمِهِ لَهَا فَإِنَّهُ كَالْعَلَفِ كَمَا قَالَهُ ق ل وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (لَا ثَلَاثَةً) أَيْ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا تَعِيشُ حِينَئِذٍ لَكِنْ بِضَرَرٍ بَيِّنٍ ح ف. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْأَثْمَانُ) جَمْعُ ثَمَنٍ كَجَمَلٍ وَأَجْمَالٍ. قَوْلُهُ: (وَالْكَنْزُ هُوَ الَّذِي إلَخْ) هُوَ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] وَإِلَّا فَالْكَنْزُ لُغَةً الْمَالُ الْمَكْنُوزُ، فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ الْمَالَ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ بِالْمَالِ الْمَدْفُونِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ حَالَ دَفْنِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) غَرَضُهُ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى تَفْسِيرِ الْأَثْمَانِ بِذَلِكَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لُغَةً؛ لِأَنَّ الْأَثْمَانَ لُغَةً الْمَضْرُوبُ مِنْهُمَا، وَهُمَا أَيْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ يَشْمَلَانِ الْمَضْرُوبَ وَغَيْرَهُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أَجَابَ بِأَنَّ غَرَضَ الْمَتْنِ بَيَانُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ هُنَا لَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْمَعْنَى الْعَامِّ لَا الْخَاصِّ، وَالْحُكْمُ هُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَثْمَانِ مَا يَشْمَلُ الْمَضْرُوبَ وَغَيْرَهُ مِنْ إطْلَاقِ الْخَاصِّ وَإِرَادَةِ الْعَامِّ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ مُرَادًا) أَيْ فِي اللُّغَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُرَادٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ كَمَا تَجِبُ فِي الْمَضْرُوبِ تَجِبُ فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ شَامِلَيْنِ لِلْمَضْرُوبِ وَغَيْرِهِ وَالْأَثْمَانُ خَاصَّةٌ بِالْمَضْرُوبِ. وَقَوْلُهُ: (فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ " الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ " فَإِنَّهُمَا شَامِلَانِ لِغَيْرِ الْمَضْرُوبِ. قَوْلُهُ: (لِتَفْسِيرِ الْأَثْمَانِ) أَيْ لُغَةً، وَقَوْلُهُ " فَإِنَّهُ " أَيْ شُمُولَ الْمَضْرُوبِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ " لِمَا تَقَدَّمَ " وَهُوَ شُمُولُ الْمَضْرُوبِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (بِقَصْدِ الْفِرَارِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ} [الأحزاب: 16] وَإِنَّمَا كُرِهَ بِقَصْدِ الْفِرَارِ هُنَا بِقَصْدِ تَرْكِ الْقُرْبَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِزِينَةٍ وَحَاجَةٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَقَوْلُهُ: فَقَوِيَ الْمَنْعُ فَلِذَاكِرِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَهَا وَلِلْفِرَارِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَقَصَدَ الْفِرَارَ بِمَا إذَا اتَّخَذَ ضَبَّةً لِزِينَةٍ وَحَاجَةٍ، أُجِيبُ بِأَنَّ الضَّبَّةَ فِيهَا اُتُّخِذَ فَقَوِيَ الْمَنْعُ بِخِلَافِ الْفِرَارِ. وَلَوْ بَاعَ النَّقْدَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِلتِّجَارَةِ كَالصَّيَارِفَةِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ كُلَّمَا بَادَلَ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: بَشِّرْ الصَّيَارِفَةَ بِأَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ. (وَأَمَّا الزُّرُوعُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ (أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَزْرَعُهُ) أَيْ يَتَوَلَّى أَسْبَابَهُ (الْآدَمِيُّونَ) كَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ وَالْأُرْزِ وَالْعَدَسِ (وَ) الثَّانِي (أَنْ يَكُونَ) الزَّرْعُ (قُوتًا مُدَّخَرًا) كَالْحِمَّصِ وَالْبَاقِلَّا وَهِيَ بِالتَّشْدِيدِ مَعَ الْقَصْرِ: الْفُولُ وَالذُّرَةُ وَهِيَ بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُخَفَّفَةٍ وَالْهُرْطُمَانِ وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَالطَّاءِ الْجُلْبَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَالْمَاشِ وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ نَوْعٌ مِنْ الْجُلْبَانِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِوُرُودِهَا فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْبَاقِي وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ «لَا تَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ» فَالْحَصْرُ فِيهِ إضَافِيٌّ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُمْ، وَخَرَجَ بِالْقُوتِ غَيْرُهُ كَخَوْخٍ وَرُمَّانٍ وَتِينٍ وَلَوْزٍ وَتُفَّاحٍ وَمِشْمِشٍ، وَبِالِاخْتِيَارِ مَا يُقْتَاتُ فِي الْجَدْبِ اضْطِرَارًا كَحُبُوبِ الْبَوَادِي حَبِّ الْحَنْظَلِ وَحَبِّ الْغَاسُولِ وَهُوَ الْأُشْنَانُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَا زَكَاةَ فِي الْوَحْشِيَّاتِ مِنْ الظِّبَاءِ وَنَحْوِهَا، وَأَبْدَلَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ قَيْدَ الِاخْتِيَارِ بِمَا يَزْرَعُهُ الْآدَمِيُّونَ، وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ مِمَّا يَسْتَنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ لِأَنَّ مَا لَا يَزْرَعُونَهُ أَوْ يَسْتَنْبِتُونَهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُقْتَاتُ اخْتِيَارًا. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ حَبًّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَنَبَتَ بِأَرْضِنَا فَإِنَّهُ زَكَاةٌ فِيهِ كَالنَّخْلِ الْمُبَاحِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَكَذَا ثِمَارُ الْبُسْتَانِ وَغَلَّةِ الْقَرْيَةِ الْمَوْقُوفَيْنِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْقَنَاطِرِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الزُّرُوعُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا) وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِأَنَّ الْقُوتَ ضَرُورِيٌّ فَأَوْجَبَ الشَّارِعُ فِيهِ شَيْئًا لِذَوِي الضَّرُورَاتِ سم وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وَقَوْلُهُ " بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ " أَيْ زَائِدَةٍ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْمِلْكِ التَّامِّ، وَسَكَتَ عَنْهَا لِظُهُورِهَا؛ وَالْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ لِأَنَّ شَرَائِطَ جَمْعُ شَرِيطَةٍ بِمَعْنَى مَشْرُوطَةٍ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ شَرَائِطَ بِمَعْنَى شُرُوطٍ فَأَتَى بِالتَّاءِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى. قَوْلُهُ: (مِمَّا يَزْرَعُهُ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَزْرَعَهُ الْآدَمِيُّونَ وَإِنْ نَبَتَ اتِّفَاقًا، فَشَمِلَ مَا لَوْ سَقَطَ الْحَبُّ بِنَفْسِهِ مِنْ السَّنَابِلِ وَنَبَتَ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (وَالْبَاقِلَّا) قَالَ يَحْيَى بْنُ شَرَفٍ: قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ لُغَتَانِ التَّشْدِيدُ مَعَ الْقَصْرِ وَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَالتَّخْفِيفُ مَعَ الْمَدِّ وَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ أج. قَوْلُهُ: (كَخَوْخٍ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ كَبَزْرِ الْكَتَّانِ وَنَحْوِهِ مِنْ الزُّرُوعِ، أَمَّا الْخَوْخُ وَنَحْوُهُ فَمِنْ الثِّمَارِ لَا مِنْ الزُّرُوعِ؛ وَلَوْ أَخْرَجَ هَذَا بِقَوْلِ الْمَتْنِ: وَأَمَّا الثِّمَارُ إلَخْ وَقَالَ هُنَا: وَخَرَجَ بِالْقُوتِ غَيْرُهُ كَالْكَمُّونِ وَالشَّمَرِ، لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الزَّرْعِ م د. قَوْلُهُ: (وَبِالِاخْتِيَارِ مَا يُقْتَاتُ فِي الْجَدْبِ) لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ الِاخْتِيَارِ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مَا ذَكَرَ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ ذُكِرَ بِاللَّازِمِ لِأَنَّ قَوْلَهُ " يَزْرَعُهُ الْآدَمِيُّونَ " قَائِمٌ مَقَامَهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ بَعْدُ، وَأَبْدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ زَرْعِ الْآدَمِيِّينَ لَهُ كَوْنُهُ مُقْتَاتًا اخْتِيَارًا إلَّا أَنْ يُقَالَ اللُّزُومُ أَغْلَبِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَحَبِّ الْغَاسُولِ) أَيْ وَالتُّرْمُسِ. قَوْلُهُ: (يُسْتَثْنَى إلَخْ) فَإِنَّ هَذَا شَأْنَهُ أَنْ يَسْتَنْبِتَهُ الْآدَمِيُّونَ مَعَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَ ق ل وَلَوْ جَعَلَ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ خَارِجًا بِقَيْدِ الْمِلْكِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ صُورِيٌّ لِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ هُنَا لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْمُعَيَّنِ لَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَزْرَعْهُ الْآدَمِيُّونَ. قَوْلُهُ: (تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) الْمُرَادُ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ دَارِ الْحَرْبِ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ غَيْرَ حَرْبِيٍّ. قَوْلُهُ: (بِأَرْضِنَا) أَيْ الْمُبَاحَةِ كَالْمَوَاتِ، أَمَّا الْمَمْلُوكَةُ فَيَمْلِكُهُ مَالِكُهَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ أج وع ش. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ قَصَدَ تَمَلُّكَهُ مَلَكَ جَمِيعَهُ، فَلْيُنْظَرْ وَجْهُ ذَلِكَ. وَهَلَّا جُعِلَ غَنِيمَةً أَوْ فَيْئًا؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ إذْ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ، وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْعُشْرِ كَانَ أَخْذُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ بِالِاجْتِهَادِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْوَاجِبِ تَمَّمَهُ. (وَ) الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ نِصَابًا) كَامِلًا (وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْوَسْقُ بِالْفَتْحِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ سُمِّيَ بِهِ هَذَا الْمِقْدَارُ لِأَجْلِ مَا جَمَعَهُ مِنْ الصِّيعَانِ. قَالَ تَعَالَى {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] أَيْ جَمَعَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْأَوْسُقِ بِالْوَزْنِ فِي كِلَاءٍ وَقَدَّرَهَا بِالْكَيْلِ فِي الشَّرْحِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ أَنْ تَكُونَ مُصَفَّاةً مِنْ تِبْنِهَا (لَا قِشْرَ عَلَيْهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ مَعَهَا. وَأَمَّا مَا اُدُّخِرَ فِي قِشْرِهِ وَلَمْ يُؤْكَلْ مَعَهُ مِنْ أُرْزٍ وَعَلَسِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْعَيْنِ نَوْعٌ مِنْ الْبُرِّ فَنِصَابُهُ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ غَالِبًا اعْتِبَارًا بِقِشْرِهِ الَّذِي ادِّخَارُهُ فِيهِ أَصْلَحُ لَهُ وَأَبْقَى وَلَا يُكَمَّلُ فِي النِّصَابِ جِنْسٌ بِجِنْسٍ كَالْحِنْطَةِ مَعَ الشَّعِيرِ، وَيُكَمَّلُ فِي نِصَابِ نَوْعٍ بِآخَرَ كَبُرٍّ بِعَلَسٍ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ كَمَا مَرَّ، وَيَخْرُجُ مِنْ كُلٍّ مِنْ النَّوْعَيْنِ بِقِسْطِهِ، فَإِنْ عَسِرَ إخْرَاجُهُ لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ وَقِلَّةِ مِقْدَارِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا أَخْرَجَ الْوَسَطَ   [حاشية البجيرمي] سم. أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُعْرَضُ عَنْهُ مَلَكَهُ مَنْ نَبَتَ فِي أَرْضِهِ بِلَا قَصْدٍ، فَإِنْ نَبَتَ فِي مَوَاتٍ مَلَكَهُ مَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ كَالْحَطَبِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَضُ عَنْهُ لَكِنْ تَرَكُوهُ خَوْفًا مِنْ دُخُولِهِمْ بِلَادِنَا فَهُوَ فَيْءٌ، وَإِنْ قَصَدُوهُ فَمُنِعُوا بِقِتَالٍ فَهُوَ غَنِيمَةٌ لِمَنْ مَنَعَهُمْ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَغَلَّةِ الْقَرْيَةِ) صُورَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَلَّةَ نَبَتَتْ مِنْ حَبٍّ مُبَاحٍ أَوْ بَذَرَهَا النَّاظِرُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ الْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ وَزَرَعَهَا بِبَزْرٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَيَمْلِكُ زَرْعَهَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ. قَوْلُهُ: (إذْ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ) أَيْ بِالشَّخْصِ كَوَقَفْتُ هَذَا عَلَى زَيْدٍ أَوْ عَلَى زَيْدٍ إمَامِ الْمَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ أَوْ مُدَرِّسِهِ أَوْ خَطِيبِهِ، وَقَوْلُ الْقَلْيُوبِيِّ: إذْ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مَالِكٌ أَصْلًا كَالْوَقْفِ عَلَى نَحْوِ الْمَسَاجِدِ، أَوْ كَانَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ بِالنَّوْعِ كَقَوْلِهِ: وَقَفْت هَذَا عَلَى إمَامِ الْجَامِعِ الْفُلَانِيِّ، إذْ لَمْ يَقْصِدْ إمَامًا بِعَيْنِهِ، فَخَرَجَ الْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ كَالْمَمْلُوكِ م ر وأ ج. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ) بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَرَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيمَا زَرَعَ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ كَالْحَنَفِيِّ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ يَرَى وُجُوبَهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْمُجْتَهِدُ الَّذِي أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْمُصَنِّفِ حَاجَةٌ لِذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ ق ل أَيْ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ انْقَطَعَ مِنْ زَمَنِ الشَّافِعِيِّ إلَى الْآنَ. اهـ. م د. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ مُجْتَهِدًا فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ الْخَرَاجُ وَإِخْرَاجُ الزَّكَاةِ وَإِنْ اكْتَفَى الْإِمَامُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَلَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى شَيْءٍ. قَوْلُهُ: (بَدَلًا عَنْ الْعُشْرِ) أَيْ الْعُشْرِ فِي الزَّكَاةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ الْخَرَاجُ وَيَجِبُ الْعُشْرُ وَالْعُشْرُ هُوَ الزَّكَاةُ فِي الْمُعَشَّرِ فَالْأَمْرَانِ عِنْدَنَا وَاجِبَانِ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْخَرَاجُ فَقَطْ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ عُشْرِ الزَّكَاةِ كَانَ إلَى آخِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَقَصَ) أَيْ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْخَرَاجِ بَدَلًا عَنْ الْعُشْرِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْرِهَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى " الْأَوْسُقِ " وَقَوْلُهُ " مِنْ تِبْنِهَا " الْمُرَادُ بِهِ غِلَافُ الْحَبِّ. قَوْلُهُ: (لَا قِشْرَ عَلَيْهَا) كَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْقِشْرِ مَا كَانَ غِلَافًا لَهَا فَهُوَ غَيْرُ التِّبْنِ، وَقَوْلُهُ " لِأَنَّ ذَلِكَ " أَيْ التِّبْنَ وَالْقِشْرَ بِخِلَافِ مَا يُؤْكَلُ قِشْرُهُ مَعَهُ كَالْبَاقِلَاءِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ التِّبْنِ وَالْقِشْرِ. قَوْلُهُ (فَنِصَابُهُ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ " غَالِبًا " بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مَا يَحْصُلُ مِنْهُ النِّصَابُ خَالِصًا سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَقَدْ يَكُونُ خَالِصُهَا أَيْ الْعَشَرَةِ أَوْسُقٍ مِنْ ذَلِكَ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، أَوْ خَالِصُ مَا دُونَهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَهُوَ نِصَابٌ. وَهُوَ مَا احْتَرَزْت عَنْهُ بِزِيَادَتِي " غَالِبًا ". قَوْلُهُ: (فِي النِّصَابِ) مُتَعَلِّقٌ بِاعْتِبَارِهِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْمِلُ فِي نِصَابِ نَوْعٍ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ كَانَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ ح ل. قَوْلُهُ: (بِقِسْطِهِ) أَيْ لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الْمَوَاشِي فَإِنَّهُ يَدْفَعُ نَوْعًا مِنْهَا مَعَ مُرَاعَاةِ قِيمَةِ الْأَنْوَاعِ، وَلَا يُكَلَّفُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 مِنْهَا لَا أَعْلَاهَا وَلَا أَدْنَاهَا رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ تَكَلَّفَ وَأَخْرَجَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ قِسْطَهُ جَازَ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ. وَالسُّلْتُ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الشَّعِيرَ فِي بُرُودَةِ الطَّبْعِ وَالْحِنْطَةَ فِي اللَّوْنِ وَالْمَلَاسَةِ فَاكْتَسَبَ مِنْ تَرَكُّبِ الشَّبَهَيْنِ طَبْعًا انْفَرَدَ بِهِ وَصَارَ أَصْلًا بِرَأْسِهِ فَلَا يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ (وَأَمَّا الثِّمَارُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي شَيْئَيْنِ مِنْهَا) فَقَطْ وَهُمَا (ثَمَرَةُ النَّخْلِ وَثَمَرَةُ الْكَرْمِ) أَيْ الْعِنَبِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْأَقْوَاتِ الْمُدَّخَرَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْعِنَبِ لَكَانَ أَوْلَى لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِالْكَرْمِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ كَرْمًا إنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قِيلَ سُمِّيَ كَرْمًا مِنْ الْكَرْمِ بِفَتْحِ الرَّاءِ لِأَنَّ الْخَمْرَةَ الْمُتَّخَذَةَ مِنْهُ تُحْمَلُ عَلَيْهِ فَكُرِهَ أَنْ يُسَمَّى بِهِ وَجُعِلَ الْمُؤْمِنُ أَحَقَّ بِمَا يُشْتَقُّ مِنْ الْكَرْمِ يُقَالُ رَجُلٌ كَرْمٌ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ كَرِيمٌ. وَثَمَرَاتُ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ أَفْضَلُ الثِّمَارِ وَشَجَرُهُمَا أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَيُّهَا أَفْضَلُ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ النَّخْلَ أَفْضَلُ لِوُرُودِ " أَكْرِمُوا عَمَّاتِكُمْ النَّخْلَ الْمَطْعَمَاتِ فِي الْمَحَلِّ وَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ طِينَةِ آدَمَ " وَالنَّخْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِنَبِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَشَبَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّخْلَةَ بِالْمُؤْمِنِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِرَأْسِهَا، فَإِذَا قُطِعَ مَاتَتْ، وَيُنْتَفَعُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَهِيَ الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ، فَكَانَتْ أَفْضَلَ وَلَيْسَ فِي الشَّجَرِ شَجَرٌ فِيهِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى تَحْتَاجُ الْأُنْثَى فِيهِ إلَى الذَّكَرِ سِوَاهُ، وَشَبَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيْنَ الدَّجَّالِ بِحَبَّةِ الْعِنَبِ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْخَمْرِ وَهِيَ أُمُّ الْخَبَائِثِ (وَشَرَائِطُ   [حاشية البجيرمي] بَعْضًا مِنْ كُلٍّ لِلْمَشَقَّةِ زِيّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَسِرَ إخْرَاجُهُ) أَيْ الْقِسْطِ. قَوْلُهُ: (لَا أَعْلَاهَا) أَيْ لَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ فَلَوْ أَخْرَجَ الْأَعْلَى أَجْزَأَ وَزَادَ خَيْرًا ع ش وق ل قَوْلُهُ: (وَلَا أَدْنَاهَا) أَيْ لَا يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (لِلْجَانِبَيْنِ) أَيْ جَانِبِ الْمَالِكِ وَجَانِبِ الْآخِذِ. قَوْلُهُ: (وَالسُّلْتُ) وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ شَعِيرَ بِنْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ع ش وق ل. قَوْلُهُ: (طَبْعًا) أَيْ وَصْفًا. قَوْلُهُ: (فَلَا يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ) وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهُ شَعِيرٌ فَيُضَمُّ إلَى الشَّعِيرِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ بُرٌّ فَيُضَمُّ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (سُمِّيَ إلَخْ) حَكَاهُ بِقِيلَ لِعَدَمِ صِحَّةِ مَا ذُكِرَ فِيهِ ق ل. وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي " سُمِّيَ " عَائِدٌ عَلَى الْعِنَبِ. قَوْلُهُ: (فَكُرِهَ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ عَقِبَ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (بِمَا يُشْتَقُّ مِنْ الْكَرْمِ) وَهُوَ كَرِيمٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ كَرِيمٌ) فَهُوَ مِنْ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ كَرَجُلٍ عَدْلٍ. قَوْلُهُ: (فِي أَيُّهَا أَفْضَلُ) أَيْ فِي جَوَابِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ. قَوْلُهُ: (أَنَّ النَّخْلَ أَفْضَلُ) وَذَكَرَ لَهُ أَدِلَّةً خَمْسَةً مَجْمُوعُ الْأَدِلَّةِ خَاصٌّ بِالنَّخْلِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا يُوجَدُ فِي الْعِنَبِ: الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: " لِوُرُودِ إلَخْ ". الثَّانِي: أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ طِينِ آدَمَ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّخْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِنَبِ: الرَّابِعُ: أَنَّهُ شَبَّهَ النَّخْلَةَ بِالْمُؤْمِنِ. الْخَامِسُ: أَنَّهَا الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ. وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ النَّخْلِ؛ فَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ " فَكَانَتْ أَفْضَلَ " وَقَوْلَهُ " أَكْرِمُوا إلَخْ " وَإِكْرَامُهَا أَنْ يُقَلِّمَهَا وَيُنَظِّفَهَا مِنْ الْجَرِيدِ وَالْكِرْنَافِ وَالسَّعَفِ وَاللِّيفِ الزَّائِدِ مِنْ غَيْرِ إجْحَافٍ وَيَذَرَهَا بِالطَّلْعِ وَيَسْقِيَهَا عِنْدَ احْتِيَاجِهَا لَهُ وَقَطْعُ ثَمَرِهَا بِرِفْقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ كَمَا قَالَهُ ح ف وَقِيلَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (الْمُطْعِمَاتِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، أَيْ الَّتِي تُطْعِمُ ثِمَارَهَا فِي الْمَحَلِّ أَيْ الْقَحْطِ وَالْمَجَاعَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّهَا) أَيْ وَلِأَنَّهَا أَفْضَلُ، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى " لِوُرُودِ " وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يُنْتِجَ الْأَفْضَلِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْعِنَبَ وَالرُّمَّانَ خُلِقَا أَيْضًا مِنْ طِينَةِ آدَمَ أَيْ مِنْ فَضْلِ طِينَةِ آدَمَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ. قَوْلُهُ: (وَالنَّخْلُ مُقَدَّمٌ) هَذَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْأَفْضَلِيَّةِ فَيَصِحُّ نَسَبُ النَّخْلِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ " إنَّ " أَيْ وَلِأَنَّ النَّخْلَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَشَبَّهَ إلَخْ) هَذَا أَيْضًا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْأَفْضَلِيَّةِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ) أَيْ إذَا اجْتَمَعَا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ، فَلَا يَرِدُ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ عَبَسَ: {وَعِنَبًا وَقَضْبًا} [عبس: 28] {وَزَيْتُونًا وَنَخْلا} [عبس: 29] فَإِنَّهُ قَدَّمَ فِيهَا الْعِنَبَ عَلَى النَّخْلِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِرَأْسِهَا) أَيْ لِأَنَّ الْمَاءَ يَصْعَدُ مِنْ جِذْرِهَا إلَى رَأْسِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ) الْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا دَلِيلًا لِلْأَفْضَلِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ: وَلِأَنَّهَا الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " فَكَانَتْ أَفْضَلَ " قَوْلُهُ: (تَحْتَاجُ الْأُنْثَى إلَخْ) هَذَا هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا) أَيْ الثِّمَارِ (أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) بَلْ خَمْسَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَهِيَ (الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْمِلْكُ التَّامُّ وَالنِّصَابُ) وَقَدْ عَلِمْت مُحْتَرَزَاتِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ. وَالْخَامِسُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ وَهُوَ بُلُوغُهُ صِفَةً يُطْلَبُ فِيهَا غَالِبًا فَعَلَامَتُهُ فِي الثَّمَرِ الْمَأْكُولِ الْمُتَلَوِّنِ أَخْذُهُ فِي حُمْرَةٍ أَوْ سَوَادٍ أَوْ صُفْرَةٍ وَفِي غَيْرِ الْمُتَلَوِّنِ مِنْهُ كَالْعِنَبِ الْأَبْيَضِ لِينُهُ وَتَمْوِيهُهُ وَهُوَ صَفَاؤُهُ وَجَرَيَانُ الْمَاءِ فِيهِ إذْ هُوَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَا يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ (وَأَمَّا عُرُوضُ التِّجَارَةِ) جَمْعُ عَرْضٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا قَابَلَ النَّقْدَيْنِ مِنْ صُنُوفِ الْأَمْوَالِ (فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا) لِخَبَرِ الْحَاكِمِ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ: «فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبُرِّ صَدَقَتُهُ» وَهُوَ يُقَالُ لِأَمْتِعَةِ الْبَزَّازِ وَلِلسِّلَاحِ وَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةُ عَيْنٍ فَصَدَقَتُهُ زَكَاةُ تِجَارَةٍ وَهِيَ تَقْلِيبُ الْمَالِ بِمُعَاوَضَةٍ لِغَرَضِ الرِّبْحِ (بِالشَّرَائِطِ) الْخَمْسَةِ (الْمَذْكُورَةِ فِي) زَكَاةِ (الْأَثْمَانِ) . وَتَرَكَ سَادِسًا وَهُوَ أَنْ يُمْلَكَ بِمُعَاوَضَةٍ كَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمٍ فَلَا زَكَاةَ فِيمَا مُلِكَ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَهِبَةٍ بِلَا ثَوَابٍ وَإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ لِانْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ. وَسَابِعًا وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ حَالَ التَّمَلُّكِ التِّجَارَةَ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ الْقِنْيَةِ، وَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُهَا فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ بَلْ تَسْتَمِرُّ مَا لَمْ يَنْوِ الْقِنْيَةَ، فَإِنْ نَوَاهَا انْقَطَعَ الْحَوْلُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ مَقْرُونَةً بِتَصَرُّفٍ.   [حاشية البجيرمي] مَحَلُّ الِاخْتِصَاصِ فَهُوَ تَقْيِيدٌ لِلنَّفْيِ الْعَامِّ قَبْلَهُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْأَشْجَارِ بَلْ سَائِرُ النَّبَاتِ فِيهِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى. وَانْظُرْ هَلْ يَدُلُّ لَهُ: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49] . اهـ. م د. قَوْلُهُ: (عَيْنَ الدَّجَّالِ) أَيْ الَّتِي يُبْصِرُ بِهَا وَأَمَّا الْأُخْرَى فَهِيَ مَمْسُوخَةٌ. قَوْلُهُ: (بِحَبَّةِ الْعِنَبِ) أَيْ الْبَارِزَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ بَقِيَّةِ الْحَبَّاتِ. وَلَوْ قَيَّدَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى؛ وَوَجْهُ الشَّبَهِ خُرُوجُ عَيْنِهِ وَبُرُوزُهَا فِي وَجْهِهِ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ " لِأَنَّهَا أَصْلُ الْخَمْرِ إلَخْ " غَيْرُ مُنَاسِبٍ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الْخَمْرَةُ. وَحُكِيَ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا غَرَسَ الْكَرْمَةَ جَاءَ إبْلِيسُ فَذَبَحَ عَلَيْهَا طَاوُسًا فَشَرِبَتْ دَمَهُ، فَلَمَّا طَلَعَتْ أَوْرَاقُهَا ذَبَحَ عَلَيْهَا قِرْدًا فَشَرِبَتْ دَمَهُ، فَلَمَّا طَلَعَتْ ثَمَرَتُهَا ذَبَحَ عَلَيْهَا أَسَدًا فَشَرِبَتْ دَمَهُ، فَلَمَّا انْتَهَتْ ثَمَرَتُهَا ذَبَحَ عَلَيْهَا خِنْزِيرًا فَشَرِبَتْ دَمَهُ؛ فَكَذَا شَارِبُ الْخَمْرِ تَعْتَرِيهِ هَذِهِ الْأَوْصَافُ الْأَرْبَعَةُ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلَ مَا يَشْرَبُهَا تَدِبُّ فِي أَعْضَائِهِ فَيَزْهُو لَوْنُهُ وَيَحْسُنُ كَمَا يَحْسُنُ الطَّاوُسُ، فَإِذَا جَاءَ مَبَادِئُ السُّكْرِ لَعِبَ وَصَفَّقَ وَرَقَصَ كَمَا يَفْعَلُ الْقِرْدُ، فَإِذَا قَوِيَ السُّكْرُ وَجَاءَتْ الصُّورَةُ الْأَسْدِيَةُ عَبَثَ وَعَرْبَدَ وَهَذَى بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ ثُمَّ يَتَنَقَّصُ كَمَا يَتَنَقَّصُ الْخِنْزِيرُ وَيَطْلُبُ النَّوْمَ. اهـ. نَسَّابَةٌ. قَوْلُهُ: (وَالْخَامِسُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ) كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ اشْتِدَادَ الْحَبِّ فِيمَا تَقَدَّمَ كَمَا ذَكَرَ بُدُوَّ الصَّلَاحِ هُنَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ لِلْوُجُودِ. قَوْلُهُ: (يُطْلَبُ فِيهَا) أَيْ بِسَبَبِهَا أَوْ فِي أَوَانِهَا، فَيَكُونُ كَلَامُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. وَقَوْلُهُ " فَعَلَامَتُهُ " أَيْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. قَوْلُهُ: (وَفِي غَيْرِ الْمُتَلَوِّنِ) الْمُرَادُ بِالْمُتَلَوِّنِ الَّذِي يَحْدُثُ لَهُ لَوْنٌ بَعْدَ آخَرَ كَمَا تُشْعِرُ بِهِ الصِّيغَةُ فَصَحَّ التَّمْثِيلُ بِقَوْلِهِ كَالْعِنَبِ الْأَبْيَضِ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ حِينِ ظُهُورِهِ فَلَا يُقَالُ لَهُ مُتَلَوِّنٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (لَا يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ) أَيْ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ لُغَةً وَكَذَا شَرْعًا بِزِيَادَةٍ مَعَ النِّيَّةِ م د. وَقَدْ يُقَالُ تَقْلِيبُ الْمَالِ لِغَرَضِ الرِّبْحِ يَلْزَمُ مِنْهُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ. قَوْلُهُ: (لِغَرَضِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، قَوْلُهُ: (بِلَا ثَوَابٍ) أَيْ عِوَضٍ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ إلَخْ) فَإِذَا اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهَا فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ إلَى أَنْ يَفْرُغَ رَأْسُ مَالِ التِّجَارَةِ، وَقَوْلُهُ " وَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُهَا فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ " أَيْ بَعْدَ شِرَائِهِ بِجَمِيعِ رَأْسِ مَالِ التِّجَارَةِ لِانْسِحَابِ حُكْمِ التِّجَارَةِ عَلَيْهِ ح ل وح ف. وَقَالَ ح ف: وَأَوَّلُ الْحَوْلِ مِنْ أَوَّلِ الشِّرَاءِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ حَالَ التَّمَلُّكِ التِّجَارَةَ) وَقَالَ ح ل: تَكْفِي النِّيَّةُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَنَقَلَهُ الْإِطْفِيحِيُّ عَنْ شَيْخِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَوَاهَا) أَيْ الْقِنْيَةَ وَهِيَ الْإِمْسَاكُ لِلِانْتِفَاعِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الْإِبِلِ وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ (وَأَوَّلُ نِصَابِ الْإِبِلِ خَمْسٌ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» (وَفِيهَا شَاةٌ) وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الشَّاةُ وَإِنْ كَانَ وُجُوبُهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِلرِّفْقِ بِالْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّ إيجَابَ الْبَعِيرِ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ، وَإِيجَابَ جُزْءٍ مِنْ بَعِيرٍ وَهُوَ الْخُمْسُ يَضُرُّ بِهِ وَبِالْفُقَرَاءِ (وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَةَ عَشَرَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ) وَالشَّاةُ الْوَاجِبَةُ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ جَذَعَةُ ضَأْنٍ لَهَا سَنَةٌ أَوْ أَجْذَعَتْ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهَا سَنَةٌ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَنَزَّلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ أَوْ الِاحْتِلَامِ، أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ لَهَا سَنَتَانِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ، لَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ لِخَبَرِ «فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» وَالشَّاةُ تُطْلَقُ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى غَنَمِ بَلَدٍ أُخْرَى إلَّا بِمِثْلِهَا فِي الْقِيمَةِ أَوْ خَيْرٍ مِنْهَا، وَيُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ إنَاثًا لَصَدَقَ اسْمُ الشَّاةِ عَلَيْهِ، وَيُجْزِئُ بَعِيرُ الزَّكَاةِ عَنْ دُونِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ عِوَضًا عَنْ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الشِّيَاهِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ قِيمَةَ الشَّاةِ لِأَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ كَمَا سَيَأْتِي فَعَمَّا دُونَهَا أَوْلَى وَأَفَادَتْ إضَافَتُهُ إلَى الزَّكَاةِ اعْتِبَارَ كَوْنِهِ أُنْثَى   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي بَيَانِ نِصَابِ الْإِبِلِ] ِ قَوْلُهُ: (وَأَوَّلُ نِصَابِ الْإِبِلِ) بَدَأَ بِالْإِبِلِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ؛ وَهَذَا الْعَدَدُ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُسْأَلُ عَنْ حِكْمَتِهِ بَلْ يُتَلَقَّى عَنْ الشَّارِعِ بِالْقَبُولِ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ إلَخْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ» وَالذَّوْدُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إلَى الْعَشَرَةِ، فَإِضَافَةُ الْخَمْسِ إلَيْهِ عَلَى مَعْنَى مِنْ. قَوْلُهُ: (وَفِيهَا شَاةٌ) وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً وَإِنْ كَانَتْ إبِلُهُ مَهَازِيلَ؛ لِأَنَّ مَحِلَّ إجْزَاءِ الْمَعِيبِ إذَا كَانَ مِنْ الْجِنْسِ ح ف؛ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الشَّاةَ الْمَذْكُورَةَ أَصْلٌ، وَقِيلَ: بَدَلٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ ز ي. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ وُجُوبُهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْجِنْسِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْخُمُسُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخُمْسُ مِنْ كُلِّ بَعِيرٍ أَيْ مِنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ النِّصَابُ، وَيَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ " الْبَعِيرِ " أَيْ بِجُمْلَتِهِ فِيمَا قَبْلَهُ، فَهَذَا مُضِرٌّ بِالْمَالِكِ مِنْ جِهَةِ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ بَعِيرًا وَإِنْ كَانَ مُوَزَّعًا أَيْ مِنْ كُلِّ بَعِيرٍ خُمْسُهُ، وَمُضِرٌّ بِالْفُقَرَاءِ مِنْ جِهَةِ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ أَيْضًا، وَأَمَّا إخْرَاجُ بَعِيرٍ بِجُمْلَتِهِ فَهُوَ مُضِرٌّ بِالْمَالِكِ فَقَطْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخُمْسُ مِنْ بَعِيرٍ فَيَكُونَ مُضِرًّا بِالْفَرِيقَيْنِ مِنْ جِهَةِ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ عَلَى الْمَالِكِ مِنْ بَعِيرٍ كَامِلٍ. قَوْلُهُ: (يَضُرُّ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ فَأَوْجَبْنَا الشَّاةَ بَدَلًا. وَيَضُرُّ بِضَمِّ الْيَاءِ إنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِالْبَاءِ فَإِنْ تَعَدَّى بِنَفْسِهِ كَانَ بِفَتْحِ الْيَاءِ، قَوْلُهُ: ضَرَّهُ يَضُرُّهُ. قَوْلُهُ: (وَالشَّاةُ) تَاؤُهَا لِلْوَحْدَةِ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ، فَيَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْوَاحِدَ وَالْمُتَعَدِّدَ وَالضَّأْنَ وَالْمَعْزَ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَجْذَعَتْ) أَيْ أَسْقَطَتْ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِجْذَاعُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ قَبْلَهَا م د. قَوْلُهُ: (وَنَزَلَ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ السَّنَةِ وَالْإِجْذَاعِ، فَيَكُونُ كَلَامُ الشَّارِحِ عَلَى التَّوْزِيعِ أَيْ بُلُوغُ السَّنَةِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ، وَالْإِجْذَاعُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ) أَيْ إذَا غَلَبَ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ يَكُونُ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ، بَلْ يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِ الْأَغْلَبِ. قَوْلُهُ: (وَيُجْزِئُ الْجَذَعُ إلَخْ) أَيْ يُجْزِئُ الذَّكَرُ مِنْ الشَّاةِ وَإِنْ كَانَتْ إبِلُهُ إنَاثًا؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ لَا أَصْلٌ، بِخِلَافِ الْمُخْرَجِ عَنْ الْغَنَمِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا أُنْثَى إنْ كَانَ غَنَمُهُ إنَاثًا أَوْ فِيهَا إنَاثًا، ذَكَرَهُ الْمَدَابِغِيُّ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَدَلٌ لَا أَصْلٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ أَصْلٌ. قَوْلُهُ: (لِصِدْقِ اسْمِ الشَّاةِ) لِأَنَّ التَّاءَ لِلْوَحْدَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُجْزِئُ بَعِيرُ الزَّكَاةِ) وَيَقَعُ كُلُّهُ فَرْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَجْزِئَتُهُ يَقَعُ كُلُّهُ فَرْضًا بِخِلَافِ مَا يُمْكِنُ تَجْزِئَتُهُ كَمَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَإِطَالَةِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَقَعُ قَدْرُ الْوَاجِبِ فَرْضًا وَالْبَاقِي نَفْلًا ح ف. وَظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِالْإِجْزَاءِ أَنَّ الشَّاةَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَيَنْبَغِي تَفْضِيلُ الْبَعِيرِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْجِنْسِ. وَأَجَابَ شَيْخُنَا ح ف بِأَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِالْإِجْزَاءِ لِكَوْنِ الشَّاةِ هِيَ الْأَصْلَ، فَرُبَّمَا يُتَوَهَّم أَنَّ غَيْرَهَا لَا يُجْزِئُ. قَالَ ع ش: وَمَحَلُّ أَفْضَلِيَّةِ الْبَعِيرِ إنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 بِنْتَ مَخَاضٍ فَمَا فَوْقَهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ) مِنْ الْإِبِلِ (بِنْتُ مَخَاضٍ) مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ وِلَادَتِهَا تَحْمِلُ مَرَّةً أُخْرَى فَتَصِيرُ مِنْ الْمَخَاضِ أَيْ الْحَوَامِلِ (وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ) مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ وَطَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا آنَ لَهَا أَنْ تَلِدَ فَتَصِيرَ لَبُونًا (وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ) مِنْ الْإِبِلِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ الَّتِي لَهَا ثَلَاثُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَيَطْرُقَهَا الْفَحْلُ وَيَحْمِلَ عَلَيْهَا. وَلَوْ أَخْرَجَ بَدَلَهَا بِنْتَيْ لَبُونٍ أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الزَّوَائِدِ (وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ الَّتِي تَمَّ لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَجْذَعَتْ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا أَيْ أَسْقَطَتْهُ وَقِيلَ لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا وَهُوَ آخِرُ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ وَاعْتُبِرَ فِي الْجَمِيعِ الْأُنُوثَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ رِفْقِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ. وَلَوْ أَخْرَجَ بَدَلَ الْجَذَعَةِ حِقَّتَيْنِ أَوْ بِنْتَيْ لَبُونٍ أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُمَا يُجْزِئَانِ عَمَّا زَادَ (وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ) مِنْ الْإِبِلِ (وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ) مِنْ الْإِبِلِ (وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ) مِنْ الْإِبِلِ (ثُمَّ) يَسْتَمِرُّ ذَلِكَ إلَى مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَيَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ فِيهَا وَفِي كُلِّ عَشْرٍ بَعْدَهَا، (فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ) مِنْ الْإِبِلِ (بِنْتُ لَبُونٍ) مِنْهَا (وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) مِنْهَا كَمَا رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ الْبُخَارِيُّ مُقَطَّعًا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ وَأَبُو دَاوُد بِكَمَالِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ إلَى آخِرِهِ. قَدْ يَقْتَضِي لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ أَنَّ اسْتِقَامَةَ الْحِسَابِ بِذَلِكَ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ بِزِيَادَةِ تِسْعٍ ثُمَّ بِزِيَادَةِ عَشْرٍ عَشْرٍ كَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَهُ، فَإِنْ   [حاشية البجيرمي] كَانَ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْهَا أَوْ مُسَاوِيًا وَإِلَّا فَالشَّاةُ أَفْضَلُ. قَوْلُهُ: (اعْتِبَارَ كَوْنِهِ أُنْثَى) أَيْ إذَا كَانَ فِي إبِلِهِ إنَاثٌ ح ل. قَوْلُهُ: (مِنْ الْإِبِلِ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ) لَمْ يَقُلْ فِيهَا وَيُجْزِئُ عَنْهَا بِنْتَا مَخَاضٍ كَمَا ذَكَرَ نَظِيرَ ذَلِكَ فِي الْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ فِيمَا سَيَأْتِي لِأَنَّهُمَا يُجْزِئَانِ عَمَّا زَادَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِبِنْتَيْ اللَّبُونِ أَوْ الْحِقَّتَيْنِ بِخِلَافِ بِنْتَيْ الْمَخَاضِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (آنَ) بِالْمَدِّ مِنْ الْأَوَانِ أَيْ قَرُبَ أَوَانُ وِلَادَتِهَا. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إلَخْ) اُنْظُرْ وَجْهَ مُنَاسَبَةِ هَذَا التَّعْلِيلِ لِلتَّسْمِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ آخِرُ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ) خَرَجَتْ الْأُضْحِيَّةُ فَإِنَّ آخِرُ أَسْنَانِهَا الثَّنِيَّةُ وَهِيَ مَا لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي السَّادِسَةِ؛ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ الْجَذَعَةِ إلَى الثَّنِيَّةِ مَعَ وُجُودِهَا. قَوْلُهُ: (فَيَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ فِيهَا) فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ. قَوْلُهُ: (مُقَطَّعًا) أَيْ مُفَرَّقًا. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) غَرَضُهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمَتْنِ يَعْنِي أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ يُوهِمُ أَنَّهُ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْإِحْدَى وَالْعِشْرِينَ إنْ زَادَ وَلَوْ وَاحِدَةً يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ، وَيُقَالُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا يَتَغَيَّرُ إلَّا بِزِيَادَةِ تِسْعٍ عَلَى الْمِائَةِ وَالْإِحْدَى وَالْعِشْرِينَ فَيُقَالُ: ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَهَكَذَا كُلَّمَا زَادَ عَشَرًا بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: ثُمَّ يَسْتَمِرُّ ذَلِكَ أَيْ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ إلَى مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَيَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ فِيهَا وَفِي كُلِّ عَشَرٍ بَعْدَهَا إلَخْ؛ لَكِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ إذَا تَمَّتْ الثَّلَاثُونَ لَا تَسْتَمِرُّ الثَّلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ بَلْ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ. قَوْلُهُ: (لَوْلَا مَا قَدَّرْته) وَهُوَ قَوْلُهُ: ثُمَّ يَسْتَمِرُّ ذَلِكَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَنَّ اسْتِقَامَةَ الْحِسَابِ) أَيْ اسْتِقَامَةً يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا تَغَيُّرُ الْوَاجِبِ. وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ تَغَيُّرَ الْوَاجِبِ يَكُونُ فِيمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَلَوْ زَادَ أَدْنَى زِيَادَةٍ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَوْلُهُ: (بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا تَكُونُ إلَخْ) أَيْ يُوهِمُ كَلَامُ الْمَتْنِ تَغَيُّرَ الْوَاجِبِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ إلَى مَا دُونَ التِّسْعِ، وَلَيْسَ مُرَادًا م د. هَذَا الْإِيهَامُ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ بِزِيَادَةِ تِسْعٍ إلَخْ) وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَبِتِسْعٍ ثُمَّ كُلُّ عَشَرٍ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ، أَيْ وَيَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ بِزِيَادَةِ تِسْعٍ عَلَى الْمِائَةِ وَالْإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَفِيهَا حِينَئِذٍ بِنْتَا لَبُونٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 عَدِمَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ إنْ كَانَ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْهَا. وَبِنْتُ الْمَخَاضِ الْمَعِيبَةُ وَالْمَغْصُوبَةُ الْعَاجِزُ عَنْ تَخْلِيصِهَا وَالْمَرْهُونَةُ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ حَالٍّ وَعَجَزَ عَنْ تَخْلِيصِهَا كَمَعْدُومَةٍ، وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يُخْرِجَ بِنْتَ مَخَاضٍ كَرِيمَةً لَكِنْ تَمْنَعُ الْكَرِيمَةُ عِنْدَهُ ابْنَ لَبُونٍ وَحِقًّا لِوُجُودِ بِنْتِ مَخَاضٍ مُجْزِئَةٍ فِي مَالِهِ، وَيُؤْخَذُ الْحَقُّ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ عِنْدَ فَقْدِهَا لَا عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ عِنْدَ فَقْدِهَا. فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الْبَقَرِ وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ (وَأَوَّلُ نِصَابِ الْبَقَرِ ثَلَاثُونَ فَيَجِبُ فِيهِ) أَيْ النِّصَابِ (تَبِيعٌ) ابْنُ سَنَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْمَرْعَى (وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ) لَهَا سَنَتَانِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا» وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ. وَالْبَقَرَةُ تُقَالُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلَوْ أَخْرَجَ بَدَلَ الْمُسِنَّةِ تَبِيعَيْنِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَعَلَى هَذَا) الْحُكْمُ (أَبَدًا فَقِسْ) عِنْدَ الزِّيَادَةِ فَفِي سِتِّينَ تَبِيعَانِ، وَفِي سَبْعِينَ تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ، وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ، وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ، وَفِي مِائَةٍ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعَانِ، وَفِي مِائَةٍ وَعَشَرَةٍ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ. تَنْبِيهٌ: قَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ الْفَرْضَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ لَا يَتَغَيَّرُ إلَّا بِزِيَادَةِ عِشْرِينَ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ كُلِّ عَشَرَةٍ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَتَّفِقُ فَرْضَانِ، وَإِذَا اتَّفَقَ فِي إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ فَرْضَانِ فِي نِصَابٍ وَاحِدٍ وَجَبَ فِيهِمَا الْأَغْبَطُ مِنْهُمَا وَهُوَ الْأَنْفَعُ   [حاشية البجيرمي] وَحِقَّةٌ ثُمَّ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالثَّلَاثِينَ تَغَيُّرٌ بِزِيَادَةِ عَشَرَةٍ عَشَرَةٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَدِمَ بِنْتَ مَخَاضٍ) أَيْ حَالَ الْإِخْرَاجِ عَلَى الْأَصَحِّ م ر ع ش، أَيْ وَإِنْ وَجَدَهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ زي أَيْ عَدِمَهَا حِسًّا أَوْ شَرْعًا كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (كَمَعْدُومَةٍ) أَيْ فَيَنْتَقِلُ إلَى ابْنِ اللَّبُونِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَلَّفُ) أَيْ حَيْثُ كَانَتْ إبِلُهُ كُلُّهَا مَهَازِيلَ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ وَالْمَنْهَجِ، فَإِذَا كَانَتْ كِرَامًا كُلِّفَ كَرِيمَةً. قَوْلُهُ: (أَنْ يُخْرِجَ بِنْتَ مَخَاضٍ كَرِيمَةً) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ عَامِلًا إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» . قَوْلُهُ: (لَكِنْ تَمْنَعُ الْكَرِيمَةُ عِنْدَهُ ابْنَ لَبُونٍ) أَيْ إجْزَاءَهُ. قَوْلُهُ (لَا عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ) أَيْ لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْهَا بِدَرَجَةٍ فَقَطْ، بِخِلَافِهِ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ فَإِنَّهُ أَعْلَى مِنْهَا بِدَرَجَتَيْنِ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ ابْنِ اللَّبُونِ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ عِنْدَ فَقْدِهَا بِأَنَّ زِيَادَةَ السِّنِّ فِي ابْنِ اللَّبُونِ الْمَأْخُوذِ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ تُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ لِقُوَّةِ وُرُودِهِ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ، وَالِامْتِنَاعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ بِخِلَافِهَا فِي الْحَقِّ لَا تُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ عَنْ بِنْتِ اللَّبُونِ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ بَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهِمَا، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَبْرِ الزِّيَادَةِ ثُمَّ أَيْ فِي أَخْذِ ابْنِ اللَّبُونِ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ جَبْرُهَا هُنَا؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ السِّنِّ جَبَرَتْ الْأُنُوثَةَ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ مُلَخَّصًا. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ نِصَابِ الْبَقَر وَمَا يَجِب إخراجه] فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الْبَقَرِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ يَشُقُّهَا بِالْحَرْثِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْعِرَابِ وَالْجَوَامِيسِ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَالثَّوْرُ خَاصٌّ بِالذَّكَرِ. قَوْلُهُ: (تَبِيعٌ) أَيْ ذَكَرٌ وَيَكْفِي عَنْهُ أُنْثَى أَوْ مُسِنَّةٌ بِالْأَوْلَى، وَتَبِيعٌ بِمَعْنَى تَابِعٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْمَرْعَى، وَيُجْمَعُ عَلَى أَتْبِعَةٍ كَرَغِيفٍ وَأَرْغِفَةٍ. قَوْلُهُ: (مُسِنَّةٌ) أَيْ أُنْثَى فَلَا يَكْفِي الذَّكَرُ. قَوْلُهُ: (لَهَا سَنَتَانِ) أَيْ تَحْدِيدًا ق ل. وَلَمْ يَقُلْ " وَطَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ " اكْتِفَاءً بِمَا سَبَقَ فِي نَظِيرِهِ. قَوْلُهُ: (بَقَرَةً) تَمْيِيزٌ وَقَوْلُهُ مُسِنَّةً مَفْعُولُ آخُذَ. قَوْلُهُ: (وَالْبَقَرَةُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ التَّاءَ لِلْوَحْدَةِ. قَوْلُهُ: (أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُمَا يُجْزِئَانِ عَنْ سِتِّينَ فَعَمَّا دُونَهَا أَوْلَى، وَإِنَّمَا مَنَعَ مُقَابِلُ الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءَ لِعَدَمِ الْأُنُوثَةِ. قَوْلُهُ: (فَقِسْ) الْفَاءُ زَائِدَةٌ لِتَحْسِينِ اللَّفْظِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 لِلْمُسْتَحِقِّينَ، فَفِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَوْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ بَقَرَةٌ يَجِبُ فِيهِمَا الْأَغْبَطُ مِنْ أَرْبَعِ حِقَاقٍ وَخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَثَلَاثِ مُسِنَّاتٍ وَأَرْبَعَةِ أَتْبِعَةٍ إنْ وُجِدَا بِمَالِهِ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْضُهَا، فَإِذَا اجْتَمَعَا رُوعِيَ مَا فِيهِ حَظُّ الْمُسْتَحِقِّينَ إذْ لَا مَشَقَّةَ فِي تَحْصِيلِهِ وَأَجْزَأَهُ غَيْرُ الْأَغْبَطِ بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ السَّاعِي لِلْعُذْرِ، وَجَبْرُ التَّفَاوُتِ لِنَقْصِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ جُزْءٍ مِنْ الْأَغْبَطِ، أَمَّا مَعَ التَّقْصِيرِ مِنْ الْمَالِكِ بِأَنْ دَلَّسَ، أَوْ مِنْ السَّاعِي بِأَنْ لَمْ يَجْتَهِدْ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ الْأَغْبَطُ فَلَا يُجْزِئُ وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ أُخِذَ وَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ الْآخَرِ إذْ النَّاقِصُ كَالْمَعْدُومِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ فَلَهُ تَحْصِيلُ مَا شَاءَ مِنْهُمَا كُلًّا أَوْ بَعْضًا مُتَمِّمًا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ غَيْرَ أَغْبَطَ لِمَا فِي تَعْيِينِ الْأَغْبَطِ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي تَحْصِيلِهِ. تَتِمَّةٌ لِمَنْ عَدِمَ وَاجِبًا مِنْ الْإِبِلِ وَلَوْ جَذَعَةً فِي مَالِهِ أَنْ يَصْعَدَ دَرَجَةً وَيَأْخُذَ جُبْرَانًا وَإِبِلُهُ سَلِيمَةٌ، أَوْ يَنْزِلَ دَرَجَةً   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَإِذَا اتَّفَقَ فِي إبِلٍ إلَخْ) وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ. قَوْلُهُ: (وَجَبَ فِيهِمَا) أَيْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَقَوْلُهُ " الْأَغْبَطُ " أَيْ مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ أَوْ مِنْ حَيْثُ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ. قَوْلُهُ (إنْ وُجِدَا) أَيْ فَرْضَاهَا، أَيْ الزَّكَاةُ أَوْ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْمُزَكِّي أَحْوَالًا خَمْسَةً: الْأَوَّلُ أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ كُلُّ الْوَاجِبِ بِكُلٍّ مِنْ الْحِسَابَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ الْأَغْبَطُ. الثَّانِي: أَنْ يُوجَدَ كُلُّ الْوَاجِبِ بِأَخْذِ الْحِسَابَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَوْجُودُ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُوجَدَ شَيْءٌ عِنْدَهُ مِنْ الْوَاجِبِ فَيَحْصُلُ مَا شَاءَ. الرَّابِعُ: أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ بَعْضُ كُلٍّ مِنْ الْوَاجِبِ بِالْحِسَابَيْنِ كَثَلَاثِ حِقَاقٍ وَأَرْبَعِ بَنَاتِ لَبُونٍ فَيُكْمِلُ مَا شَاءَ مِنْهُمَا وَيَدْفَعُهُ. الْخَامِسُ: أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ بَعْضُ الْوَاجِبِ بِأَحَدِ الْحِسَابَيْنِ فَقَطْ كَحِقَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ فَكَمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّابِعِ م د. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا) أَيْ الْفَرْضَيْنِ وَقَوْلُهُ فَرْضُهَا أَيْ الزَّكَاةِ أَوْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ. قَوْلُهُ: (فِي تَحْصِيلِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي إخْرَاجِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُمَا حَاصِلَانِ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَأَجْزَأَهُ غَيْرُ الْأَغْبَطِ) أَيْ يُحْسَبُ مِنْ الزَّكَاةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَجُبِرَ التَّفَاوُتُ، فَالْإِجْزَاءُ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ الَّذِي هُوَ الْكِفَايَةُ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ ز ي. قَوْلُهُ: (أَوْ السَّاعِي) أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ إذَا وَقَعَتْ فِي حَيِّزِ نَفْيٍ أَوْ نَهْيٍ، فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ق ل. قَوْلُهُ: (بِنَقْدِ الْبَلَدِ) التَّعْبِيرُ بِهِ لِلْغَالِبِ فَيُجْزِئُ غَيْرُهُ حَيْثُ كَانَ هُوَ نَقْدَ الْبَلَدِ ع ش، وَجَازَ دَفْعُ النَّقْدِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ وَتَمَكُّنُهُ مِنْ شِرَاءِ جُزْئِهِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (أَوْ جُزْءٍ مِنْ الْأَغْبَطِ) لَا مِنْ الْمَأْخُوذِ فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْحِقَاقِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ بَنَاتِ اللَّبُونِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَقَدْ أَخَذَ الْحِقَاقَ فَالْجَبْرُ بِخَمْسِينَ أَوْ بِخَمْسَةِ أَتْسَاعِ بِنْتِ لَبُونٍ لَا بِنِصْفِ حِقَّةٍ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ خَمْسُونَ وَقِيمَةَ كُلِّ بِنْتِ لَبُونٍ تِسْعُونَ، شَرْحُ الْمَنْهَج؛ أَيْ وَنِسْبَةُ الْخَمْسِينَ لِلتِّسْعِينَ خَمْسَةُ أَتْسَاعٍ لِأَنَّ تُسْعَ التِّسْعِينَ عَشَرَةٌ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ دَلَّسَ) أَيْ أَخْفَى الْأَغْبَطَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ ظَنَّ) غَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُجْزِئُ) وَيَرُدُّ السَّاعِي مَا أَخَذَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَدَلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا كَمَا قَالَهُ م ر وَيَأْخُذُ الْأَغْبَطَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَوْ أَحَدُهُمَا) فِيهِ اعْتِبَارُ نَفْيِ الْحَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَهُمَا وُجُودُهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ نَفْيُ أَحَدِهِمَا يَلْزَمُهُ نَفْيُهُمَا مَعًا، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِأَحْوَالٍ ثَلَاثَةٍ: عَدَمُ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ وُجُودُ بَعْضِ أَحَدِهِمَا، أَوْ وُجُودُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَبِهَا تَتِمُّ الْأَحْوَالُ الْخَمْسَةُ أَيْ بِضَمِّ الْحَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَهُمَا وُجُودُهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فِي مَالِهِ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ " كُلًّا " إلَى تَحْصِيلِ فَرْضٍ كَامِلٍ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ بِجَعْلِ الْبَعْضِ الْمَوْجُودِ عِنْدَهُ كَالْعَدَمِ، وَبِقَوْلِهِ: " أَوْ بَعْضًا " مُتَمِّمًا إلَى تَحْصِيلِ مَا يُكْمِلُ بِهِ بَعْضَ الْفَرْضِ الَّذِي عِنْدَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي الثَّانِيَةِ أَوْ مِنْ أَحَدِ الْبَعْضَيْنِ فِي الثَّالِثَةِ، وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ فَلَهُ جَعْلُ مَا عِنْدَهُ أَصْلًا وَيَصْعَدُ أَوْ يَهْبِطُ عَلَى مَا يَأْتِي ق ل. فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَأَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا فَيُعْطِيهَا مَعَ بِنْتِ لَبُونٍ وَجُبْرَانٍ أَوْ مَعَ جَذَعَةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا، وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتِ اللَّبُونِ أَصْلًا فَيُعْطِيهَا مَعَ بِنْتِ مَخَاضٍ وَجُبْرَانٍ أَوْ مَعَ حِقَّةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا سم. وَبِهِ يَتَّضِحُ قَوْلُ ق ل وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ إلَخْ م د. قَوْلُهُ: (مُتَمَّمًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ صِفَةٌ لِلْبَعْضِ، وَقَوْلُهُ " بِشِرَاءٍ " أَوْ غَيْرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِتَحْصِيلٍ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِي تَعْيِينِ الْأَغْبَطِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِهِ. قَوْلُهُ: (لِمَنْ عَدِمَ إلَخْ) ذَكَرَ لِلصُّعُودِ وَالنُّزُولِ ثَلَاثَةَ قُيُودٍ: عَدَمُ الْوَاجِبِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ إبِلٍ، وَأَنْ تَكُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 وَيُعْطِيهِ الْجُبْرَانَ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي خَبَرِ أَنَسٍ، فَالْخِيرَةُ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُمَا شُرِعَا تَخْفِيفًا عَلَيْهِ، وَالْجُبْرَانُ شَاتَانِ بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا نُقْرَةً خَالِصَةً بِخِيرَةِ الدَّافِعِ سَاعِيًا كَانَ أَوْ مَالِكًا، وَلَهُ صُعُودُ دَرَجَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مَعَ تَعَدُّدِ الْجُبْرَانِ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْقُرْبَى فِي جِهَةِ الْمُخْرَجَةِ. وَلَا يَتَبَعَّضُ جُبْرَانٌ فَلَا تُجْزِئُ شَاةٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِجُبْرَانٍ وَاحِدٍ إلَّا لِمَالِكٍ رَضِيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْجُبْرَانَ حَقُّهُ فَلَهُ إسْقَاطُهُ، أَمَّا الْجُبْرَانَانِ فَيَجُوزُ تَبْعِيضُهُمَا فَيُجْزِئُ شَاتَانِ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا لِجُبْرَانَيْنِ كَالْكَفَّارَتَيْنِ، وَلَا جُبْرَانَ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ مِنْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ. فِي بَيَانِ نِصَابِ الْغَنَمِ وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ (وَأَوَّلُ نِصَابِ الْغَنَمِ أَرْبَعُونَ شَاةً وَفِيهَا شَاةٌ جَذَعَةٌ مِنْ الضَّأْنِ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ لَهَا سَنَةٌ (أَوْ ثَنِيَّةٌ مِنْ الْمَعَزِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ لَهَا سَنَتَانِ (وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ. وَلَوْ تَفَرَّقَتْ مَاشِيَةُ الْمَالِكِ فِي أَمَاكِنَ فَهِيَ كَاَلَّتِي فِي مَكَان وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي بَلَدَيْنِ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ، وَلَوْ مَلَكَ ثَمَانِينَ فِي بَلَدَيْنِ فِي كُلِّ بَلَدٍ أَرْبَعُونَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عِنْدَهُ عِنْدَ التَّبَاعُدِ شَاتَانِ.   [حاشية البجيرمي] إبِلُهُ سَلِيمَةً. وَهَذَا الثَّالِثُ خَاصٌّ بِالصُّعُودِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ جَذَعَةً) رَدَّ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ وَفَقَدَهَا لَا يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُ ثَنِيَّةٍ عَنْهَا وَهِيَ مَا لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي السَّادِسَةِ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا لِانْتِفَاءِ كَوْنِهَا مِنْ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ فَصِيلًا وَرَدَّ بِأَنَّ الثَّنِيَّةَ أَعْلَى مِنْهَا بِعَامٍ فَجَازَ إخْرَاجُهَا عَنْ الْجَذَعَةِ كَالْجَذَعَةِ مَعَ الْحِقَّةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ م ر إطْفِيحِيٌّ وَأَيْضًا الثَّنِيَّةُ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ فِي الْجُمْلَةِ كَالْأُضْحِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ الصُّعُودُ لِأَعْلَى مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ النُّزُولُ لِغَيْرِ سِنِّ الزَّكَاةِ أَصْلًا ح ف. قَوْلُهُ (فِي مَالِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " عَدِمَ " وَقَوْلُهُ " وَإِبِلُهُ " جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا) . وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ عِنْدَ الْمِيَاهِ غَالِبًا وَلَيْسَ هُنَاكَ حَاكِمٌ وَلَا مُقَوِّمٌ، فَضُبِطَ ذَلِكَ بِقِيمَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَصَاعِ الْمُصَرَّاةِ وَالْفِطْرِ وَنَحْوِهِمَا. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (سَلِيمَةٌ) خَرَّجَ الْمَعِيبَةَ فَلَا يَصْعَدُ بِالْجُبْرَانِ؛ لِأَنَّ وَاجِبَهَا مَعِيبٌ وَالْجُبْرَانُ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ السَّلِيمَيْنِ وَهُوَ فَوْقَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمَعِيبَيْنِ بِخِلَافِ نُزُولِهِ مَعَ إعْطَاءِ الْجُبْرَانِ فَجَائِزٌ لِتَبَرُّعِهِ بِالزِّيَادَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَيُعْطِيهِ) أَيْ السَّاعِي أَيْ يُعْطِي الْمَالِكُ السَّاعِيَ. قَوْلُهُ (وَالْجُبْرَانُ شَاتَانِ) وَلَوْ ذَكَرَيْنِ. قَوْلُهُ: (دِرْهَمًا نَقْرَةً) أَيْ فِضَّةً؛ وَالدِّرْهَمُ النَّقْرَةُ يُسَاوِي نِصْفَ فِضَّةٍ وَجَدِيدًا كَمَا حَرَّرَهُ م ر الْكَبِيرُ، أَوْ يُسَاوِي نِصْفَ فِضَّةٍ وَثُلْثًا لِتُنَاسِبَ الدَّرَاهِمُ الْمَذْكُورَةُ قِيمَةَ الشَّاتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي شَاةِ الْعَرَبِ وَهِيَ تُسَاوِي نَحْوَ أَحَدَ عَشَرَ نِصْفَ فِضَّةٍ بَلْ أَقَلَّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الدِّرْهَمَ الْمَشْهُورَ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ (وَلَهُ صُعُودُ إلَخْ) كَأَنْ يُعْطِيَ بَدَلَ بِنْتِ مَخَاضٍ عَدِمَهَا مَعَ بِنْتِ اللَّبُونِ حِقَّةً وَيَأْخُذَ جُبْرَانَيْنِ، أَوْ يُعْطِيَ بَدَلَ حِقَّةٍ عَدِمَهَا مَعَ بِنْتِ اللَّبُونِ بِنْتَ مَخَاضٍ وَيَدْفَعَ جُبْرَانَيْنِ. قَوْلُهُ (فَأَكْثَرَ) فَيَصْعَدُ مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ إلَى الثَّنِيَّةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ مَا بَيْنَهُمَا ز ي قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ قَوْلُهُ: (فِي جِهَةِ الْمُخْرَجَةِ) أَيْ الَّتِي يُرِيدُ إخْرَاجَهَا وَجِهَتُهَا هُوَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَاجِبِ الشَّرْعِيِّ، أَيْ لَا يَصْعَدُ لِلْحِقَّةِ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ إلَّا إذَا عَدِمَ بِنْتَ اللَّبُونِ وَلَا يَنْزِلُ لِبِنْتِ الْمَخَاضِ عَنْ الْحِقَّةِ إلَّا إذَا عَدِمَ بِنْتَ اللَّبُونِ. [فَصْلٌ فِي نِصَابِ الْغَنَمِ] ِ قَوْلُهُ: (مِنْ الضَّأْنِ) الضَّأْنُ جَمْعُ ضَائِنٍ لِلذَّكَرِ كَرَكْبِ وَرَاكِبٍ وَضَائِنَةٍ لِلْأُنْثَى، وَالْمَعْزُ جَمْعُ مَاعِزٍ لِلذَّكَرِ وَمَاعِزَةٍ لِلْأُنْثَى ز ي. قَوْلُهُ: (لَهَا سَنَةٌ) أَوْ أَجْذَعَتْ قَبْلَهَا وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا أُنْثَى إنْ كَانَتْ غَنَمُهُ إنَاثًا أَوْ فِيهَا إنَاثٌ، وَكَذَا فِيمَا يَأْتِي. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الْعَيْنِ) وَكَذَا سُكُونُهَا كَمَا قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ: (لَزِمَتْهُ) أَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 تَتِمَّةٌ: يُجْزِئُ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ نَوْعٌ عَنْ نَوْعٍ آخَرَ نَوْعٌ كَضَأْنٍ عَنْ مَعْزٍ وَعَكْسِهِ مِنْ الْغَنَمِ، وَأَرْحَبِيَّةٍ عَنْ مَهْرِيَّةٍ وَعَكْسِهِ مِنْ الْإِبِلِ، وَعِرَابٍ عَنْ جَوَامِيسَ وَعَكْسِهِ مِنْ الْبَقَرِ بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ فَفِي ثَلَاثِينَ عَنْزًا وَهِيَ أُنْثَى الْمَعَزِ وَعَشْرِ نَعَجَاتٍ مِنْ الضَّأْنِ عَنْزٌ أَوْ نَعْجَةٌ بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ عَنْزٍ وَرُبْعِ نَعْجَةٍ وَفِي عَكْسِ ذَلِكَ عَكْسُهُ. وَلَا يُؤْخَذُ نَاقِصٌ مِنْ ذَكَرٍ وَمَعِيبٍ وَصَغِيرٍ إلَّا مِنْ مِثْلِهِ فِي غَيْرِ مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ ابْنِ اللَّبُونِ وَالْحِقِّ أَوْ الذَّكَرِ مِنْ الشِّيَاهِ فِي الْإِبِلِ أَوْ التَّبِيعِ فِي الْبَقَرِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ مَالُهُ نَقْصًا وَكَمَالًا وَاتَّحَدَ نَوْعًا أَخْرَجَ كَامِلًا بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ لَمْ يُوفِ تَمَّمَ بِنَاقِصٍ وَلَا يُؤْخَذُ خِيَارٌ كَحَامِلٍ وَأَكُولَةٍ وَهِيَ الْمُسَمَّنَةُ لِلْأَكْلِ وَرَبِيٍّ وَهِيَ الْحَدِيثَةُ الْعَهْدِ بِالنِّتَاجِ بِأَنْ يَمْضِيَ لَهَا مِنْ وِلَادَتِهَا نِصْفُ شَهْرٍ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، أَوْ شَهْرَانِ كَمَا نَقَلَهُ الْجَوْهَرِيُّ إلَّا بِرِضَا مَالِكِهَا بِأَخْذِهَا. نَعَمْ إنْ كَانَتْ كُلُّهَا خِيَارًا أَخَذَ الْخِيَارَ مِنْهَا إلَّا الْحَوَامِلَ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا   [حاشية البجيرمي] كَالزَّكَاةِ، وَيُخَيَّرُ فِي إخْرَاجِهَا فِي كُلٍّ مِنْ الْبَلَدَيْنِ؛ لِأَنَّا لَوْ كَلَّفْنَاهُ أَنْ يَنْقُلَ نِصْفَهَا إلَى بَلَدٍ وَنِصْفَهَا الْآخَرَ لِلْبَلَدِ الْأُخْرَى لَكَانَ ذَلِكَ كُلْفَةً لَا يَتَحَمَّلُهَا الْمُحْسِنُ. قَوْلُهُ: (فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ) أَيْ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَرْحَبِيَّةٌ) نِسْبَةٌ إلَى أَرْحَبَ قَبِيلَةٌ مِنْ هَمْدَانَ، وَالْمَهْرِيَّةُ بِسُكُونِ الْهَاءِ مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ نِسْبَةٌ إلَى مَهْرَةَ بْنِ حَيْدَانَ أَبِي قَبِيلَةٍ، وَمِنْهَا الْمَجِيدِيَّةُ نِسْبَةً إلَى مَحَلِّ الْإِبِلِ يُقَالُ لَهُ مَجِيدٌ وَهِيَ دُونَ الْمَهْرِيَّةِ؛ وَهَذِهِ هِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْإِبِلِ الْعِرَابِ لِكَوْنِهَا إبِلَ الْعَرَبِ، وَيُقَابِلُهَا إبِلُ الْبَخَاتِيِّ وَهِيَ إبِلُ التُّرْكِ وَلَهَا سَنَامَانِ ع ش ز ي. قَوْلُهُ: (وَعِرَابٍ) هِيَ الْمُسَمَّاةُ الْآنَ بِالْبَقَرِ. قَوْلُهُ: (بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَةِ مَا يُجْزِئُ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ؛ لِأَنَّ مَا يُجْزِئُ قَدْ يَتَفَاوَتُ قِيمَتُهُ بِأَنْ تَكُونَ الْعَنْزُ الْمُخْرَجَةُ بِقِيمَةِ نَعْجَةٍ إذَا كَانَتْ الْكُلُّ نِعَاجًا، تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بَعْدَ قَوْلِهِ " بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ ": كَأَنْ تُسَاوِيَ ثَنِيَّةُ الْمَعْزِ فِي الْقِيمَةِ جَذَعَةَ الضَّأْنِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ سَوَاءٌ اتَّحَدَ نَوْعُ مَاشِيَتِهِ أَمْ اخْتَلَفَ، فَقَوْلُهُ هُنَا كَالْمَنْهَجِ فَفِي ثَلَاثِينَ عَنْزًا مِثَالٌ لِلْمُخْتَلِفِ وَتُرِكَ الْمُتَّفِقُ لِظُهُورِهِ. قَوْلُهُ: (بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ إلَخْ) أَيْ مُتَلَبِّسُ ذَلِكَ الْعَنْزِ أَوْ النَّعْجَةِ بِقِيمَةِ إلَخْ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ عَنْزٍ مُجْزِئَةٍ دِينَارًا وَنَعْجَةٍ مُجْزِئَةٍ دِينَارَيْنِ لَزِمَ عَنْزٌ أَوْ نَعْجَةٌ قِيمَتُهَا دِينَارٌ وَرُبْعٌ، وَقَوْلُهُ " وَفِي عَكْسِ ذَلِكَ " أَيْ الْمِثَالِ عَكْسُهُ أَيْ الْوَاجِبُ، فَالْوَاجِبُ فِيهِ نَعْجَةٌ أَوْ عَنْزٌ بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ نَعْجَةٍ وَرُبْعِ عَنْزٍ وَهُوَ دِينَارَانِ إلَّا رُبْعًا؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَمَعِيبٍ) أَسْبَابُ النَّقْصِ فِي الزَّكَاةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر خَمْسَةٌ: الْمَرَضُ، وَالْعَيْبُ، وَالذُّكُورَةُ، وَالصِّغَرُ، وَرَدَاءَةُ النَّوْعِ. قَوْلُهُ: (وَصَغِيرٍ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ الْفَرْضِ ز ي. وَاسْتُشْكِلَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الصِّغَارِ مَعَ أَنَّ السَّوْمَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَاشِيَةِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا. وَأُجِيبُ بِفَرْضِ مَوْتِ الْأُمَّهَاتِ قُبَيْلَ آخِرِ الْحَوْلِ بِزَمَنٍ لَا تَشْرَبُ الصِّغَارُ فِيهِ لَبَنًا مَمْلُوكًا اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (أَوْ التَّبِيعِ فِي الْبَقَرِ) زَادَ فِي الْمَنْهَجِ: أَوْ النَّوْعِ الْأَرْدَأِ عَنْ الْأَجْوَدِ بِشَرْطِهِ اهـ، أَيْ وَهُوَ مُرَاعَاةُ الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: (وَاتَّحَدَ نَوْعًا) فَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ نَوْعًا فَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بِغَيْرِ رَدَاءَةِ النَّوْعِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَالصِّغَرِ أَخْرَجَ الْكَامِلَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بِرَدَاءَةِ النَّوْعِ كَالْمَعْزِ وَالضَّأْنِ وَالْعِرَابِ وَالْجَوَامِيسِ جَازَ إخْرَاجُ الْكَامِلِ وَالنَّاقِصِ كَإِخْرَاجِ الْمَعْزِ عَنْ الضَّأْنِ لِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ؛ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُ " وَاتَّحَدَ نَوْعًا " لَيْسَ بِقَيْدِ. اهـ. شَيْخِنَا. قَوْلُهُ: (أَخْرَجَ كَامِلًا) أَيْ أُنْثَى سَلِيمَةً. قَوْلُهُ: (بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ) مِثَالُهُ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ بَعِيرًا نِصْفُهَا صِحَاحٌ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ دِينَارَانِ وَنِصْفُهَا مِرَاضٌ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ دِينَارٌ فَيُخْرِجُ صَحِيحَةً قِيمَتُهَا دِينَارٌ وَنِصْفُ دِينَارٍ وَهَكَذَا، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمِرَاضُ قَدْرَ الْوَقْصِ وَجَبَ كَامِلَةً كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَاةً فِيهَا ثَمَانُونَ مَرِيضَةً ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُوفِ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ الْوَاجِبُ مُتَعَدِّدًا وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ مِنْ الْكَامِلِ إلَّا الْبَعْضُ فَيَجِبُ دَفْعُ الْكَامِلِ، وَيُتِمُّ بِالنَّاقِصِ كَمَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَانِ مِنْ الْغَنَمِ لَيْسَ فِيهَا صَحِيحٌ إلَّا وَاحِدٌ أَخْرَجَهَا مَعَ مَرِيضَةٍ بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ شَوْبَرِيٌّ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْعُبَابِ: فَإِنْ كَانَ الْكَامِلُ دُونَ الْفَرْضِ كَمِائَتَيْ شَاةٍ فِيهَا كَامِلَةٌ فَقَطْ أَجْزَأَتْهُ كَامِلَةٌ وَنَاقِصَةٌ بِالْقِسْطِ، أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ نِسْبَةُ قِيمَةِ الْمَأْخُوذِ إلَى قِيمَةِ النِّصَابِ كَنِسْبَةِ الْمَأْخُوذِ إلَى النِّصَابِ. اهـ. عَنَانِيٌّ. فَفِي هَذَا الْمِثَالِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمِائَتَيْنِ مِائَتَيْ دِينَارٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الشَّاتَيْنِ الْمَأْخُوذَتَيْنِ دِينَارَيْنِ، وَالدِّينَارَانِ اللَّذَانِ هُمَا قِيمَةُ الشَّاتَيْنِ خُمْسَ نِصْفِ الْعُشْرِ كَمَا أَنَّ الشَّاتَيْنِ نِسْبَتُهُمَا إلَى هَذَا الْعَدَدِ كَهَذِهِ النِّسْبَةِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْحَدِيثَةُ الْعَهْدِ إلَخْ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُرَبِّي وَلَدَهَا بِلَبَنِهَا ق ل. قَوْلُهُ: (أَخَذَ الْخِيَارَ مِنْهَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 حَامِلٌ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَاسْتَحْسَنَهُ. وَتُؤْخَذُ زَكَاةُ سَائِمَةٍ عِنْدَ وُرُودِهَا مَاءً لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الضَّبْطِ حِينَئِذٍ فَلَا يُكَلِّفُهُمْ السَّاعِي رَدَّهَا إلَى الْبَلَدِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتْبَعَ الْمَرَاعِيَ، فَإِنْ لَمْ تَرِدْ الْمَاءَ بِأَنْ اكْتَفَتْ بِالْكَلَأِ وَقْتَ الرَّبِيعِ فَعِنْدَ بُيُوتِ أَهْلِهَا وَأَفْنِيَتِهِمْ، وَيُصَدَّقُ مُخْرِجُهَا فِي عَدَدِهَا إنْ كَانَ ثِقَةً وَإِلَّا فَتُعَدُّ، وَالْأَسْهَلُ عَدُّهَا عِنْدَ مَضِيقٍ تَمُرُّ بِهِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَبِيَدِ كُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالسَّاعِي أَوْ نَائِبِهِمَا قَضِيبٌ يُشِيرَانِ بِهِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ أَوْ يُصِيبَانِ بِهِ ظَهْرَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ عَنْ الْغَلَطِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَدِّ وَكَانَ الْوَاجِبُ يُخْتَلَفُ بِهِ أَعَادَ الْعَدَّ. فَصْلٌ: فِي زَكَاةِ خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ وَتُسَمَّى خُلْطَةَ جِوَارٍ إذْ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي كَلَامِهِ وَالْخَلِيطَانِ مِنْ أَهْلِ زَكَاةٍ فِي نِصَابٍ أَوْ فِي أَقَلَّ مِنْهُ وَلِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَاشِيَةٍ مِنْ نَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي (يُزَكِّيَانِ) وُجُوبًا (زَكَاةً) بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ كَزَكَاةِ الْمَالِ (الْوَاحِدِ) إجْمَاعًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (بِشَرَائِطَ سَبْعَةٍ) بَلْ عَشَرَةٍ مَعَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَهُ عَلَى رَأْيٍ ضَعِيفٍ كَمَا سَتَعْرِفُهُ مَعَ إبْدَالِهِ بِغَيْرِهِ تَصْحِيحًا لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعَدَدِ الْأَوَّلِ (إذَا كَانَ الْمُرَاحُ) وَاحِدًا وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ اسْمٌ   [حاشية البجيرمي] وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَا مَالِكِهَا. قَوْلُهُ: (إلَّا الْحَوَامِلَ) وَلَوْ بِغَيْرِ مَأْكُولٍ لِأَنَّ فِيهِ أَخْذَ حَيَوَانَيْنِ بِحَيَوَانٍ ع ش. قَوْلُهُ: (فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا حَامِلٌ) أَيْ بِغَيْرِ رِضَا مَالِكِهَا فَتُجْزِئُ بِرِضَا مَالِكِهَا، بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فَلَا تُجْزِئُ فِيهَا الْحَامِلُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَيْبٌ هُنَاكَ لِرَدَاءَةِ لَحْمِهَا م د. قَوْلُهُ (كَمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتْبَعَ الْمَرَاعِيَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّا لَا نَضُرُّ الْمَالِكَ فَنُكَلِّفَهُ رَدَّهَا إلَى الْبَلَدِ، وَلَا نَضُرُّ السَّاعِيَ فَنُكَلِّفَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْمَرَاعِيَ م د. قَوْلُهُ: (وَأَفْنِيَتِهِمْ) عَطْفُ خَاصٍّ وَهُوَ جَمْعُ فِنَاءٍ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْوَاسِعُ أَمَامَ الدُّورِ؛ وَقِيلَ: إنَّ الْعَطْفَ مُرَادِفٌ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ ثِقَةً، أَوْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ عَدَدَهَا. قَوْلُهُ: (وَكَانَ الْوَاجِبُ يَخْتَلِفُ بِهِ) كَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ. [فَصْلٌ فِي زَكَاةِ خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ] ِ قَوْلُهُ: (وَالْخَلِيطَانِ) تَثْنِيَةُ خَلِيطٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، أَيْ الْخَالِطَانِ أَيْ الشَّخْصَانِ الْخَالِطَانِ يُزَكِّيَانِ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ كَزَكَاةِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ. أَوْ تَثْنِيَةُ خَلِيطٍ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ وَالْمَالَانِ الْمَخْلُوطَانِ يُزَكَّيَانِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَزَكَاةِ الْمَالِ الْوَاحِدِ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: " مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ " يَقْتَضِي الْأَوَّلَ، وَقَوْلُهُ: " أَيْ كَزَكَاةِ " يَقْتَضِي الثَّانِيَ م د وَبَعْضَهُ فِي أج. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي أَقَلَّ مِنْهُ) أَفَادَ أَنَّ الشَّرِكَةَ فِيمَا دُونَ نِصَابٍ تُؤَثِّرُ إذَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا، كَأَنْ اشْتَرَكَا فِي عِشْرِينَ شَاةً مُنَاصَفَةً وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِثَلَاثِينَ فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ وَالْآخَرَ خُمْسُ شَاةٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْمَالَيْنِ خَمْسُونَ. قَوْلُهُ: (وَلِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ) أَيْ بِالْمُشْتَرَكِ. وَلَوْ قَالَ " وَلِأَحَدِهِمَا مَا يُكْمِلُ نِصَابًا " لَكَانَ وَاضِحًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ، وَإِنْ بَلَغَهُ مَجْمُوعُ الْمَالَيْنِ، كَأَنْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ وَاشْتَرَكَا فِي ثِنْتَيْنِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَفِي حَاشِيَةِ ز ي: لَوْ مَلَكَ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ أَرْبَعِينَ فَخَلَطَا أَرْبَعِينَ مِنْهُمَا عِشْرِينَ بِمِثْلِهَا ثُمَّ خَلَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةَ لَهُ بِعِشْرِينَ لِآخَرَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا فَالْمَجْمُوعُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ تُجْعَلُ مَالًا وَاحِدًا، فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ ثُلُثُ شَاةٍ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ سُدُسُ شَاةٍ اهـ. قُلْت: وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ عِشْرُونَ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ فِي غَيْرِ مَاشِيَةٍ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَالْخَلِيطَانِ " وَكَأَنَّهُ قَالَ: الْخَلِيطَانِ يُزَكَّيَانِ زَكَاةَ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَاشِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ وَلَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ " وَلِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ " لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ: (كَزَكَاةِ الْمَالِ إلَخْ) وَإِنْ كَانَ مَالُ كُلٍّ مُتَمَيِّزًا كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (عَلَى وَاحِدٍ) " عَلَى " بِمَعْنَى " فِي " وَقَوْلُهُ " تَصْحِيحًا " مُتَعَلِّقٌ بِإِبْدَالٍ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَكُونَ) أَيْ الْفُحُولُ، فَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " أَوْ أَكْثَرَ " وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْأَكْثَرِ وَهُوَ الْفُحُولُ، وَالتَّذْكِيرُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالنَّظَرِ لِلَّفْظِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 لِمَوْضِعِ مَبِيتِ الْمَاشِيَةِ. (وَ) الثَّانِي إذَا كَانَ (الْمَسْرَحُ وَاحِدًا) وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي تَجْتَمِعُ فِيهِ ثُمَّ تُسَاقُ إلَى الْمَرْعَى. (وَ) الثَّالِثُ: إذَا كَانَ (الْمَرْعَى وَاحِدًا) وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي تَرْعَى فِيهِ. (وَ) الرَّابِعُ (إذَا كَانَ الْفَحْلُ) الَّذِي يَضْرِبُهَا (وَاحِدًا) أَوْ أَكْثَرَ بِأَنْ تَكُونَ مُرْسَلَةً تَنْزُو عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَاشِيَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا تَخْتَصُّ مَاشِيَةُ هَذَا بِفَحْلٍ عَنْ مَاشِيَةِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِأَحَدِهِمَا أَوْ مُعَارًا لَهُ أَوْ لَهُمَا إلَّا إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعُ كَضَأْنٍ وَمَعْزٍ فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُ قَطْعًا لِلضَّرُورَةِ. (وَ) الْخَامِسُ إذَا كَانَ (الْمَشْرَبُ وَاحِدًا) وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَوْضِعُ شُرْبِ الْمَاشِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَهْرٍ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ. (وَ) السَّادِسُ إذَا كَانَ (الْحَالِبُ) وَهُوَ الَّذِي يَحْلُبُ اللَّبَنَ (وَاحِدًا) عَلَى رَأْيٍ ضَعِيفٍ وَهَذَا هُوَ الشَّرْطُ الَّذِي تَقَدَّمَ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ جَرَى فِيهِ عَلَى رَأْيٍ ضَعِيفٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُهُ كَجَازِ الْغَنَمِ وَالْإِنَاءِ الَّذِي يَحْلُبُ فِيهِ كَآلَةِ الْجَزِّ، وَيُبَدَّلُ بِاتِّحَادِ الرَّاعِي فَإِنَّهُ شَرْطٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَمَعْنَاهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِرَاعٍ وَلَا يَضُرُّ تَعَدُّدُ الرُّعَاةِ. (وَ) السَّابِعُ إذَا كَانَ (مَوْضِعُ الْحَلَبِ وَاحِدًا وَهُوَ) بِفَتْحِ اللَّامِ يُقَالُ لِلَّبَنِ وَلِلْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَحُكِيَ سُكُونُهَا. وَالثَّامِنُ إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَتَانِ نِصَابًا كَامِلًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ وَلِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَالتَّاسِعُ مُضِيُّ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ خَلْطِهِمَا إذَا كَانَ الْمَالُ حَوْلِيًّا، فَلَوْ مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ شَاةً فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ وَخَلَطَا فِي أَوَّلِ صَفَرٍ فَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا خُلْطَةَ فِي الْحَوْلِ بَلْ إذَا جَاءَ الْمُحَرَّمُ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا شَاةٌ، وَلَوْ تَفَرَّقَتْ مَاشِيَتُهُمَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ نُظِرَ إنْ كَانَ زَمَنًا طَوِيلًا عُرْفًا وَلَوْ بِلَا قَصْدِ ضُرٍّ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَلَمْ يَعْلَمَا بِهِ لَمْ يَضُرَّ فَإِنْ عَلِمَا بِهِ وَأَقَرَّاهُ أَوْ قَصَدَا ذَلِكَ أَوْ عَلِمَهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ ضَرَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَالْعَاشِرُ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ النِّصَابُ الْمَخْلُوطُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ أَوْ مُكَاتَبٍ لَمْ تُؤَثِّرْ هَذِهِ الْخُلْطَةُ شَيْئًا بَلْ يُعْتَبَرُ نَصِيبُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا زَكَّى زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ، وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْخُلْطَةِ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ خِفَّةَ الْمُؤْنَةِ بِاتِّحَادِ الْمَرَافِقِ لَا تَخْتَلِفُ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الِاتِّحَادُ فِيمَا مَرَّ لِيُجْمَعَ الْمَالَانِ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ وَلِتَخِفَّ الْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِالزَّكَاةِ.   [حاشية البجيرمي] الْأَكْثَرِ. قَوْلُهُ: (تَنْزُو) أَيْ تَطْرُقُ. وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُ مَكَانِ الْإِنْزَاءِ كَالْحَلْبِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ الْمَشْرَبُ وَاحِدًا) بِأَنْ لَا تَخْتَصَّ مَاشِيَةُ أَحَدِهِمَا بِمَوْضِعٍ. قَوْلُهُ: (يَحْلُبُ اللَّبَنَ) مِنْ بَابِ طَلَبَ يَطْلُبُ طَلَبًا بِفَتْحِ اللَّامِ، فَكَذَا هُنَا؛ تَقُولُ: حَلَبَ يَحْلُبُ بِالضَّمِّ حَلَبًا بِالْفَتْحِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُهُ) وَمِثْلُهُ الصُّوفُ وَاللَّبَنُ فَلَا يُشْتَرَطُ الْخَلْطُ فِيهِمَا بَلْ يَحْرُمُ خَلْطُ اللَّبَنِ لِلرِّبَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ. وَلَا يَرِدُ خَلْطُ الْمُسَافِرِينَ أَزْوَادَهُمْ حَيْثُ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَكُولًا لِاعْتِيَادِ الْمُسَامَحَةِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. اهـ. حَجّ أج. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ الْمَالُ حَوْلِيًّا) الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي الْحَوْلِيِّ وَسَيَأْتِي غَيْرُهُ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ) هَذَا إنْ اتَّحَدَا فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ، وَإِلَّا فَلَوْ مَلَكَ زَيْدٌ أَرْبَعِينَ شَاةً غُرَّةَ مُحَرَّمٍ وَعَمْرٌو أَرْبَعِينَ شَاةً غُرَّةَ صَفَرٍ فَخَلَطَاهَا حِينَئِذٍ فَالْوَاجِبُ عَلَى زَيْدٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ الْأَوَّلِ شَاةٌ ثُمَّ بَعْدَهُ لِكُلِّ حَوْلٍ نِصْفُ شَاةٍ وَعَلَى عَمْرٍو نِصْفُ شَاةٍ لِكُلِّ حَوْلٍ ق ل. قَوْلُهُ: (وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا شَاةٌ) أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وَهُوَ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ وَلَا يَكْفِيهِمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ لِعَدَمِ تَأْثِيرِ الْخُلْطَةِ. قَوْلُهُ: (زَمَنًا طَوِيلًا) الْمُرَادُ بِهِ مَا يُؤَثِّرُ فِي عَلَفِ السَّائِمَةِ كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، إطْفِيحِيٌّ وَق ل: قَوْلُهُ (ضَرَّ) مَعْنَى ضَرَرِهِ نَفْيُ الْخُلْطَةِ ق ل، أَيْ ارْتَفَعَتْ الْخُلْطَةُ وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ ارْتِفَاعُهَا فِي الْحَوْلِ، فَمَنْ كَانَ نَصِيبُهُ نِصَابَ زَكَاةٍ فَتَمَامُ حَوْلِهِ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهُ لَا مِنْ يَوْمِ ارْتِفَاعِهَا سم. قَوْلُهُ: (وَأَقَرَّاهُ) أَيْ أَبْقَيَاهُ وَرَضِيَا بِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَصَدَا ذَلِكَ) أَيْ التَّفَرُّقَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ خِفَّةَ الْمُؤْنَةِ إلَخْ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ السَّوْمُ، فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ مَوْجُودٌ فِيهِ؛ وَمَعَ ذَلِكَ قَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْخُلْطَةَ لَيْسَتْ مُوجِبَةً لِلزَّكَاةِ بِإِطْلَاقِهَا أَيْ فِي جَمِيعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 تَنْبِيهٌ: مِثْلُ خُلْطَةِ الْجِوَارِ خُلْطَةُ الشَّرِكَةِ، وَتُسَمَّى خُلْطَةَ أَعْيَانٍ لِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٌ وَخُلْطَةَ شُيُوعٍ. تَتِمَّةٌ: الْأَظْهَرُ تَأْثِيرُ خُلْطَةِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالنَّقْدِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ بِاشْتِرَاكٍ أَوْ مُجَاوَرَةٍ كَمَا فِي الْمَاشِيَةِ، وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الْجِوَارِ فِي الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ النَّاطُورُ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ أَشْهَرُ مِنْ الْمُعْجَمَةِ حَافِظُ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ وَالْجَرِينِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَوْضِعُ تَجْفِيفِ الثِّمَارِ وَالْبَيْدَرِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَوْضِعُ تَصْفِيَةِ الْحِنْطَةِ، وَفِي الْبَقْلِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ الدَّكَّانُ وَالْحَارِسُ وَمَكَانُ الْحِفْظِ كَخِزَانَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالْمِيزَانِ وَالْوَزَّانِ وَالنَّقَّادِ وَالْمُنَادِي وَالْحَرَّاثِ وَجَذَّاذِ النَّخْلِ وَالْكَيَّالِ وَالْحَمَّالِ وَالْمُتَعَهِّدِ وَالْمُلَقِّحِ وَالْحَصَّادِ وَمَا يَسْقِي بِهِ لَهُمَا، فَإِذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَخِيلٌ أَوْ زَرْعٌ مُجَاوِرَةً لِنَخِيلِ الْآخَرِ أَوْ لِزَرْعِهِ، أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ كِيسٌ فِيهِ نَقْدٌ فِي صُنْدُوقٍ وَاحِدٍ وَأَمْتِعَةُ تِجَارَةٍ فِي مَخْزَنٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ ثَبَتَتْ الْخُلْطَةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَيْنِ يَصِيرَانِ بِذَلِكَ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ فِي الْمَاشِيَةِ.   [حاشية البجيرمي] صُوَرِهَا، بَلْ الْمُوجِبُ النِّصَابُ مَعَ الْحَوْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ، بِخِلَافِ السَّوْمِ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَوَجَبَ قَصْدُهُ اهـ حَجّ بِبَعْضِ إيضَاحٍ. قَوْلُهُ: (خُلْطَةِ الْجِوَارِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَخُلْطَةَ شُيُوعٍ) أَيْ وَتُسَمَّى خُلْطَةَ إلَخْ فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى خُلْطَةِ الْأَعْيَانِ قَوْلُهُ مَوْضِعُ تَجْفِيفِ الثِّمَارِ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَخَالَفَ الثَّعَالِبِيَّ فَقَالَ الْجَرِينُ لِلزَّبِيبِ وَالْبَيْدَرُ لِلْحِنْطَةِ وَالْمِرْبَدُ لِلتَّمْرِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أج قَوْلُهُ (وَالْبَيْدَرِ) إلَخْ قَدْ هُجِرَ الْآنَ اسْمُ الْبَيْدَرِ فِي غَالِبِ الْأَمَاكِنِ وَاشْتُهِرَ الْجَرِينُ بِذَلِكَ مَعَ إسْقَاطِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ فَيُقَالُ الْآنَ عِنْدَ الْعَامَّةِ جُرْنٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا زَرْعٌ بِجَنْبِ الْآخَرِ وَأَنْ لَا يَتَمَيَّزَ الْحَرَّاثُ وَالسَّاقِي وَالْحَصَّادُ وَأَنْ يَكُونَ جُرْنُ كُلٍّ بِجَنْبِ الْآخَرِ وَإِنْ تَمَيَّزَ جُرْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ الْجُرْنُ وَاحِدًا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ خُلْطَةُ شُيُوعٍ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْجَرِينِ وَالْبَيْدَرِ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الزَّرْعِ تَنْبِيهٌ حَيْثُ ثَبَتَتْ الْخُلْطَةُ وَأَخَذَ السَّاعِي قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِثْلًا فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةً فِي الْمُتَقَوِّمِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ تَكْفِي نِيَّةُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ وَالْقَوْلُ فِي قِيمَةِ الْمَأْخُوذِ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ كَمَا قَالَهُ ق ل قَوْلُهُ (وَفِي النَّقْدِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ (فِي الثَّمَرِ) وَذِكْرُ الْحَارِسِ بَعْدَ ذِكْرِ النَّاطُورِ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ أج وَفِيهِ أَنَّ النَّاطُورَ ذُكِرَ فِي الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَهَذَا فِي النَّقْدِ وَعَرْضِ التِّجَارَةِ قَوْلُهُ الدَّكَّانُ بِفَتْحِ الدَّالِ الْحَانُوتُ قَوْلُهُ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) أَيْ نَحْوِ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَالنَّقْدِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ بِدَلِيلِ الْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ أَيْ وَأَنْ لَا يَتَمَيَّزَ بِنَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَالْمُنَادِي) أَيْ الدَّلَّالِ قَوْلُهُ (وَالْحَرَّاثِ وَجَدَّادِ النَّخْلِ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ يُقَالُ جَدَّ الشَّيْءَ يَجُدُّهُ مِنْ بَابِ قَتَلَ قَطَعَهُ مِصْبَاحٌ وَقِيلَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْضًا وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُ هَذَيْنِ فِي خُلْطَةِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُمَا. اهـ. ح ف قَوْلُهُ وَالْمُلَقِّحِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْقَافِ مُشَدَّدَةً قَوْلُهُ (وَمَا يُسْقَى بِهِ) أَيْ وَالشَّيْءِ الَّذِي يُسْقَى بِهِ كَالدَّلْوِ وَالثَّوْرِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا اتِّحَادُ الْمَاءِ الَّذِي يُسْقَى مِنْهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَالرَّوْضِ قَوْلُهُ (أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ كِيسٌ إلَخْ) وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَدَائِعُ لَا تَبْلُغُ كُلُّ وَاحِدَةٍ نِصَابًا وَبَلَغَ مَجْمُوعُهَا نِصَابًا وَجَعَلَهَا فِي صُنْدُوقٍ عِنْدَهُ وَحَالَ الْحَوْلُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهَا. اهـ. ق ل وع ش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] وَالْكَنْزُ هُوَ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ. (وَنِصَابُ الذَّهَبِ) الْخَالِصِ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ (عِشْرُونَ مِثْقَالًا) بِالْإِجْمَاعِ بِوَزْنِ مَكَّةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ مَكَّةَ» وَهَذَا الْمِقْدَارُ تَحْدِيدٌ فَلَوْ نَقَصَ فِي مِيزَانٍ وَتَمَّ فِي أُخْرَى فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْأَصَحِّ لِلشَّكِّ فِي النِّصَابِ، وَالْمِثْقَالُ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَاهِلِيَّةً وَلَا إسْلَامًا وَهُوَ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً وَهِيَ شَعِيرَةٌ مُعْتَدِلَةٌ لَمْ تُقَشَّرْ وَقُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وَطَالَ (وَفِيهِ) أَيْ نِصَابِ الذَّهَبِ (رُبْعُ الْعُشْرِ وَهُوَ نِصْفُ مِثْقَالٍ) تَحْدِيدًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا شَيْءٌ، وَفِي عِشْرِينَ نِصْفُ دِينَارٍ» (وفِيمَا زَادَ) عَلَى النِّصَابِ (بِحِسَابِهِ) وَلَوْ يَسِيرًا (وَنِصَابُ الْوَرِقِ) وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْفِضَّةُ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ (مِائَتَا دِرْهَمٍ) خَالِصَةً بِوَزْنِ مَكَّةَ تَحْدِيدًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» وَالْأُوقِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِالنُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَهُ فِي   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي بَيَانِ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ] ِ قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْإِجْمَاعِ) وَأَمَّا بَعْدَ الْإِجْمَاعِ فَالدَّلِيلُ هُوَ الْإِجْمَاعُ لِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ إلَخْ) وَجْهُ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَنَّهُ تَوَعُّدٌ عَلَى عَدَمِ الزَّكَاةِ بِالْعَذَابِ وَالْوَعِيدُ عَلَى الشَّيْءِ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَتْرُكُوا الزَّكَاةَ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَدُّوا الزَّكَاةَ، وَهُوَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (وَالْكَنْزُ هُوَ إلَخْ) يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ قَوْلُهُ: (مَا دَقَّ) أَيْ مَا كَانَ دَقِيقًا رَفِيعًا قَوْلُهُ: (وَفِيمَا زَادَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَفِيهِ " أَيْ وَيَجِبُ فِيمَا زَادَ رُبْعُ عُشْرِهِ، لَكِنَّ الْوَاجِبَ فِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ، فَقَوْلُهُ " فَبِحِسَابِهِ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَالْفَاءُ دَاخِلَةٌ فِي جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: فَإِذَا وَجَبَ فِيمَا زَادَ فَالْوَاجِبُ بِحِسَابِ الزَّائِدِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّ النِّصَابَ فِي الْبَنَادِقَةِ وَالْفَنَادِقَةِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا ثُلُثًا؛ لِأَنَّ الْبُنْدُقِيَّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَالْمِثْقَالَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا وَالْقِيرَاطَ ثَلَاثُ شَعِيرَاتٍ، فَكُلُّ ثَلَاثِ مَثَاقِيلَ أَرْبَعَةُ بَنَادِقَةٍ؛ وَالْفُنْدُقْلِيُّ كَالْبُنْدُقِيِّ فِي الْوَزْنِ، لَكِنَّهُ أَيْ الْفُنْدُقْلِيَّ لَيْسَ سَالِمًا مِنْ الْغِشِّ وَالْبُنْدُقِيُّ سَالِمٌ مِنْ الْغِشِّ. وَفِي الْمَحَابِيبِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ مَحْبُوبًا كَامِلَةً. وَالدَّرَاهِمُ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ فَتَكُونُ الْأَوَاقِي الْخَمْسُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَقَدْ كَانَ فِي السَّابِقِ دِرْهَمٌ يُقَالُ لَهُ الْبَغْلِيُّ وَكَانَ ثَمَانِيَةَ دَوَانِقَ، وَدِرْهَمٌ يُقَالُ لَهُ الطَّبَرِيُّ أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ؛ فَالدَّرَاهِمُ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أُخِذَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ سِتَّةُ دَوَانِقَ وَجُعِلَ دِرْهَمًا فِي زَمَنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَالسُّبْكِيِّ: وَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِجْمَاعُ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَمَنِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَيَجِبُ تَأْوِيلُ خِلَافِ ذَلِكَ م ر. وَأَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ فِي الْإِسْلَامِ الْحَجَّاجُ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَتَبَ عَلَيْهَا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] أَيْ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْ الدَّرَاهِمِ: {اللَّهِ أَحَدٌ} [الجن: 22] وَعَلَى وَجْهِهِ الثَّانِي: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] . وَلَمْ تُوجَدْ الدَّرَاهِمُ الْإِسْلَامِيَّةُ إلَّا فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ ذَلِكَ رُومِيَّةً وَكِسْرَوِيَّةً، وَفِي زَمَنِ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاَللَّهِ وَهُوَ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ وَسَمَّاهَا النُّقْرَةَ وَكَانَتْ كُلُّ عَشَرَةٍ بِدِينَارٍ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ كَمَا فِي سِيرَةِ الْحَلَبِيِّ. قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ الرَّاءِ) مَعَ فَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا: رِقَّةٌ، بِحَذْفِ الْوَاوُ وَتَعْوِيضِ الْهَاءِ عَنْهَا قَوْلُهُ: (خَمْسِ أَوَاقٍ) بِقَصْرِ الْهَمْزَةِ بِوَزْنِ جَوَارٍ قَوْلُهُ: (أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) أَيْ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَقَدْ حَدَثَ لِلنَّاسِ عُرْفٌ آخَرُ فَجَعَلُوهَا عِبَارَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 الْمَجْمُوعِ، وَالْمُرَادُ بِالدَّرَاهِمِ الدَّرَاهِمُ الْإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَكُلُّ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسَبْعُونَ، وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُخْتَلِفَةً ثُمَّ ضُرِبَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقِيلَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، وَوَزْنُ الدِّرْهَمِ سِتَّةُ دَوَانِقَ وَالدَّانَقُ ثَمَانُ حَبَّاتٍ وَخُمْسَا حَبَّةٍ، فَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمْسَا حَبَّةٍ، وَمَتَى زِيدَ عَلَى الدِّرْهَمِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ كَانَ مِثْقَالًا وَمَتَى نَقَصَ مِنْ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهِ كَانَ دِرْهَمًا لِأَنَّ الْمِثْقَالَ عَشَرَةُ أَسْبَاعٍ، فَإِذَا نَقَصَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ بَقِيَ دِرْهَمٌ (وَفِيهَا) أَيْ الدَّرَاهِمِ الْمَذْكُورَةِ (رُبْعُ الْعُشْرِ) مِنْهَا (وَهُوَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» (وَمَا زَادَ) عَلَى النِّصَابِ وَلَوْ يَسِيرًا (فَبِحِسَابِهِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَوَاشِي ضَرَرُ الْمُشَارَكَةِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مُعَدَّانِ لِلنَّمَاءِ كَالْمَاشِيَةِ السَّائِمَةِ، وَهُمَا مِنْ أَشْرَفِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ إذْ بِهِمَا قِوَامُ الدُّنْيَا وَنِظَامُ أَحْوَالِ الْخَلْقِ فَإِنَّ حَاجَاتِ النَّاسِ كَثِيرَةٌ وَكُلُّهَا تُقْضَى بِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ،   [حاشية البجيرمي] عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَعِنْدَ الطِّيبِيِّ عَشْرُ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَبَعْضُهُمْ سَمَّى هَذِهِ الْأُوقِيَّةَ أُوقِيَّةَ الطِّيبِ قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا إلَخْ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَشَرَةَ مَثَاقِيلَ تَبْلُغُ سَبْعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ حَبَّةً حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ عَشَرَةٍ فِي اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِقْدَارِ الْمِثْقَالِ، وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا تَبْلُغُ سَبْعَمِائَةِ حَبَّةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي خَمْسِينَ وَخُمْسَيْ حَبَّةٍ مِقْدَارِ الدِّرْهَمِ، يَبْقَى مِنْ السَّبْعِمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَخُمُسَانِ وَهِيَ مِقْدَارُ سُبْعَيْ الدِّرْهَمِ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ) أَيْ الدَّرَاهِمُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ " مُخْتَلِفَةً " وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ أَخْذِ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْمَثَاقِيلِ فَخُذْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ يَفْضُلُ مِنْ كُلِّ مِثْقَالٍ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ الدِّرْهَمِ، فَإِذَا ضَرَبْت الثَّلَاثَةَ فِي عَشَرَةٍ تَبْلُغُ ثَلَاثِينَ سُبْعًا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْهَا بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ يَفْضُلُ سُبْعَانِ. قَوْلُهُ: (فَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةً) وَجْهُهُ أَنَّ السِّتَّةَ تُضْرَبُ فِي ثَمَانِيَةٍ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ تُضْرَبُ السِّتَّةُ أَيْضًا فِي الْخَمْسِينَ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ خُمُسَا عَشَرَةٍ مِنْهَا بِحَبَّتَيْنِ فَتَصِيرُ خَمْسِينَ وَيُضَمُّ إلَى ذَلِكَ الْخُمُسَانِ الْبَاقِيَانِ تَبْلُغُ مَا قَالَهُ قَوْلُهُ: (وَمَتَى زِيدَ إلَخْ) وَجْهُهُ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ الدِّرْهَمِ إحْدَى وَعِشْرُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ حَبَّةٍ؛ لِأَنَّ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مِنْ ضَرْبِ سَبْعَةٍ فِي سَبْعَةٍ، يَبْقَى حَبَّةٌ وَخُمْسَانِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ، يُضَافُ ذَلِكَ إلَى الْخَمْسِينَ وَخُمُسَيْ الْحَبَّةِ يَحْصُلُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ؛ شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (عَشَرَةُ أَسْبَاعٍ) أَيْ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، أَيْ بِالثَّلَاثَةِ أَسْبَاعِ الَّتِي زِيدَتْ عَلَى الدِّرْهَمِ حَتَّى صَارَ مِثْقَالًا. قَوْلُهُ: (وَفِيهَا رُبْعُ الْعُشْرِ) أَيْ لِكُلِّ عَامٍ كَانَ النِّصَابُ فِيهِ كَامِلًا، بِخِلَافِ الْحُبُوبِ تَجِبُ فِيهَا زَكَاتُهَا سَنَةً فَقَطْ وَلَوْ بَقِيَتْ سِنِينَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مُعَدَّانِ لِلنَّمَاءِ، فَمَا دَامَا بَاقِيَيْنِ تَجِبُ زَكَاتُهُمَا بِخِلَافِ الْحُبُوبِ فَإِنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلْفَسَادِ قَوْلُهُ: (وَمَا زَادَ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ فَبِحِسَابِهِ خَبَرُهُ، وَزِيدَتْ الْفَاءُ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ أَشْبَهَ الشَّرْطَ فِي الْعُمُومِ. وَهَذَا التَّرْكِيبُ غَيْرُ التَّرْكِيبِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الذَّهَبِ قَوْلُهُ: (ضَرَرُ الْمُشَارَكَةِ) أَيْ مُشَارَكَةِ الْفُقَرَاءِ فِي الْمَوَاشِي لَوْ قُلْنَا فِيهَا وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ قَوْلُهُ: (وَكُلُّهَا تُقْضَى بِهِمَا) وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَكَلَ مِنْ الشَّجَرَةِ وَأُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ وَأُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ بَكَى عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ فِيهَا مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمَا: قَدْ جَاوَرْت بِكُمَا وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَائِي فِي الْجَنَّةِ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهَا بَكَى عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ وَأَنْتُمَا لَمْ تَبْكِيَا عَلَيْهِ؟ فَقَالَا: لَا نَبْكِي عَلَى مَنْ عَصَاك، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُعِزَّنَّكُمَا، وَلِأَجْعَلَنكُمْ قِيمَةَ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يُشْتَرَى شَيْءٌ إلَّا بِكُمَا اهـ مِنْ كِتَابِ كَشْفِ الْأَسْرَارِ فِيمَا خَفِيَ مِنْ الْأَفْكَارِ لِابْنِ الْعِمَادِ. وَلَا يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ عِنْدَ الْعَوَامّ لِمَا فِيهَا مِنْ نِسْبَةِ الْعِصْيَانِ لِرَسُولِ اللَّهِ آدَمَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، إذْ لَا يَجُوزُ ذِكْرُهُ إلَّا فِي مَقَامِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ كَمَا ذَكَرَ السَّنُوسِيُّ وَغَيْرُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 فَمَنْ كَنَزَهُمَا فَقَدْ أَبْطَلَ الْحِكْمَةَ الَّتِي خُلِقَا لَهَا كَمَنْ حَبَسَ قَاضِيَ الْبَلَدِ وَمَنَعَهُ أَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ النَّاسِ، وَلَا يَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا لَا يَكْمُلُ نِصَابُ التَّمْرِ بِالزَّبِيبِ، وَيَكْمُلُ الْجَيِّدُ بِالرَّدِيءِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَعَكْسُهُ كَمَا فِي الْمَاشِيَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوْدَةِ النُّعُومَةُ وَنَحْوُهَا، وَبِالرَّدَاءَةِ الْخُشُونَةُ وَنَحْوُهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ إنْ سَهُلَ الْأَخْذُ بِأَنْ قَلَّتْ أَنْوَاعُهُ، فَإِنْ كَثُرَتْ وَشَقَّ اعْتِبَارُ الْجَمِيعِ أُخِذَ مِنْ الْوَسَطِ كَمَا فِي الْمُعَشَّرَاتِ وَلَا يُجْزِئُ رَدِيءٌ عَنْ جَيِّدٍ وَلَا مَكْسُورٌ عَنْ صَحِيحٍ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ مَرِيضَةً عَنْ صِحَاحٍ قَالُوا: وَيُجْزِئُ عَكْسُهُ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا فَيُسَلِّمُ الْمُخْرِجُ الدِّينَارَ الصَّحِيحَ أَوْ الْجَيِّدَ إلَى مَنْ يُوَكِّلُهُ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ سَلَّمَ إلَيْهِمْ دِينَارًا نِصْفُهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَنِصْفُهُ يَبْقَى لَهُ مَعَهُمْ أَمَانَةً. ثُمَّ يَتَفَاصَلُ هُوَ وَهُمْ فِيهِ بِأَنْ يَبِيعُوهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَيَتَقَاسَمُوا ثَمَنَهُ أَوْ يَشْتَرُوا مِنْهُ نِصْفَهُ، أَوْ يَشْتَرِي هُوَ نِصْفَهُمْ لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ شِرَاءُ صَدَقَتِهِ مِمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ فِيهِ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، وَلَا شَيْءَ فِي الْمَغْشُوشِ وَهُوَ الْمُخْتَلَطُ بِمَا هُوَ أَدْوَنُ مِنْهُ كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ وَفِضَّةٍ بِنُحَاسٍ حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا فَإِذَا بَلَغَهُ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ خَالِصًا أَوْ مَغْشُوشًا، خَالِصُهُ قَدْرُ الْوَاجِبِ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالنُّحَاسِ. وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَلِئَلَّا يَغُشَّ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا، فَإِنْ عُلِمَ مِعْيَارُهَا صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ) كَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ قَوْلُهُ: (فَمَنْ كَنَزَهُمَا) أَيْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُمَا. وَقَوْلُهُ " فَقَدْ أَبْطَلَ الْحِكْمَةَ " أَيْ الَّتِي مِنْهَا قَضَاءُ حَوَائِجِ الْفُقَرَاءِ مَثَلًا بِلَا مُقَابِلٍ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ إبْطَالَ الْحِكْمَةِ يَحْصُلُ بِعَدَمِ الْمُعَامَلَةِ بِهِمَا وَإِنْ أُدِّيَتْ زَكَاتُهُمَا. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهَا) نَحْوُ النُّعُومَةِ كَاللِّينِ وَنَحْوُ الْخُشُونَةِ الْيُبْسُ قَوْلُهُ: (أُخِذَ مِنْ الْوَسَطِ) الْمُرَادُ بِالْوَسَطِ الْمُتَوَسِّطُ، أَيْ لَيْسَ جَيِّدًا وَلَا رَدِيئًا قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْمُعَشَّرَاتِ) كَالْحِنْطَةِ وَالْفُولِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيهَا الْعُشْرَ نَظَرًا لِلْغَالِبِ مِنْ سَقْيِهَا بِلَا مُؤْنَةٍ قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْزِئُ رَدِيءٌ) فَإِنْ أَخْرَجَهُ لَزِمَهُ اسْتِرْدَادُهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَ السَّاعِي أَوْ الْفُقَرَاءِ ضَمِنَ الزَّائِدَ، فَلَوْ أَخْرَجَ رَدِيئًا كَأَنْ أَخْرَجَ خَمْسَةً مَعِيبَةً عَنْ مِائَتَيْنِ جَيِّدَةٍ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَتَلِفَ مَالُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، هَذَا إنْ بَيَّنَ ذَلِكَ عِنْدَ الدَّفْعِ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَرِدُّهَا أَيْ فَيُكْمِلُ لَهُمْ. قَوْلُهُ: (قَالُوا) اُنْظُرْ وَجْهَ التَّبْرِيءِ مَعَ أَنَّهُ زَادَ خَيْرًا بِإِخْرَاجِ الْأَفْضَلِ قَوْلُهُ: (فَيُسَلِّمُ الْمُخْرِجُ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ: كَيْفَ يُفَرِّقُ الْمُخْرِجُ الدِّينَارَ الصَّحِيحَ عَلَى الْأَصْنَافِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ بِدَرَاهِمَ لِأَنَّ وَاجِبَهُ الذَّهَبُ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ الدَّرَاهِمُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُهُ لِوَكِيلِهِمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَجْرِي فِي الدِّينَارِ الْمَعِيبِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ دَنَانِيرُهُ كُلُّهَا مَعِيبَةً، بَلْ يَجْرِي فِي كُلِّ مَا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْأَصْنَافِ كَالشَّاةِ وَالتَّبِيعِ وَالْمُسِنَّةِ، فَإِنَّهَا تُسَلَّمُ لِوَكِيلِهِمْ؛ وَانْظُرْ لِمَ خَصَّهُ بِالدِّينَارِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفُقَرَاءِ جَمِيعُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُسْتَحِقُّونَ. قَوْلُهُ: (سَلَّمَ إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى وَكِيلِهِمْ نَظِيرُ مَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَبِيعُوهُ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ تَوَقُّفِ هَذَا التَّفْصِيلِ وَتَرَتُّبِهِ عَلَى قَوْلِهِ " سَلَّمَ إلَيْهِمْ دِينَارًا " وَهَلَّا جَازَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ خُصُوصًا فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِمْ الدِّينَارَ، لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِيمَا لَهُمْ بِيَدِ الْغَيْرِ وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ) وَهُوَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فُنْدُقْلِيًا إلَّا ثُلُثًا. قَوْلُهُ: (وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالنُّحَاسِ) مَحَلُّهُ فِيمَنْ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ، وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُ الْخَالِصِ حِفْظًا لِلنُّحَاسِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، أَيْ إنْ أَمْكَنَ بِلَا سَبْكٍ، أَوْ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ تَنْقُصُ عَنْ قِيمَةِ النُّحَاسِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُ الْخَالِصِ إلَّا بِسَبْكٍ وَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ قَدْرَ قِيمَةِ النُّحَاسِ أَوْ أَكْثَرَ أَخْرَجَ الْمَغْشُوشَ م ر. قَالَ سم: وَمَحِلُّهُ أَيْضًا أَنْ لَا يُوجَدَ خَالِصٌ مِنْ غَيْرِ الْمَغْشُوشِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ اهـ. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الشَّارِحُ عَلَى حُكْمِ الْخُلْطَةِ بِالْفِضَّةِ، وَانْظُرْهُ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ) الْكَلَامُ فِيمَا غَشُّهُ مُسْتَهْلَكٌ. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: (وَلِئَلَّا يَغُشَّ إلَخْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ، بَابُهُ: رَدَّ يَرُدُّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عُلِمَ مِعْيَارُهَا) أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَخْلُوطَةِ. قَوْلُهُ: (صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا) أَيْ حَيْثُ كَانَ غَشُّهَا مُسْتَهْلَكًا، وَسَوَاءٌ الْمُعَيَّنَةُ وَمَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ. قَوْلُهُ: (كَبَيْعِ الْغَالِيَةِ) أَيْ قِيَاسًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 بِهَا وَكَذَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً عَلَى الْأَصَحِّ كَبَيْعِ الْغَالِيَةِ وَالْمَعْجُونَاتِ. وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَوْ خَالِصَةً لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ وَلِأَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَيْهِ (وَلَا تَجِبُ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ كَخَلْخَالٍ لِامْرَأَةٍ (زَكَاةٌ) لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ فَأَشْبَهَ الْعَوَامِلَ مِنْ النَّعَمِ، وَيُزَكِّي الْمُحَرَّمَ مِنْ حُلِيٍّ وَمِنْ غَيْرِهِ كَالْأَوَانِي بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا الْمَكْرُوهُ كَالضَّبَّةِ الْكَبِيرَةِ مِنْ الْفِضَّةِ لِلْحَاجَةِ وَالصَّغِيرَةِ لِلزِّينَةِ، وَمِنْ الْمُحَرَّمِ الْمِيلُ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا. نَعَمْ لَوْ اتَّخَذَ شَخْصٌ مِيلًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِجَلَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَالسِّوَارُ وَالْخَلْخَالُ لِلُبْسِ الرَّجُلِ بِأَنْ يَقْصِدَهُ بِاِتِّخَاذِهِمَا فَهُمَا مُحَرَّمَانِ بِالْقَصْدِ، وَالْخُنْثَى فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ كَالرَّجُلِ وَفِي حُلِيِّ الرِّجَالِ كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا لِلشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ، فَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ سِوَارًا مَثَلًا بِلَا قَصْدٍ لَا لِلُبْسٍ وَلَا لِغَيْرِهِ أَوْ بِقَصْدِ إجَارَتِهِ لِمَنْ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ   [حاشية البجيرمي] عَلَيْهِ، وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ مُرَكَّبٌ مِنْ كَافُورٍ وَعُودٍ وَعَنْبَرٍ. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْجُونَاتِ) أَيْ فَإِنَّهَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَلَوْ كَانَتْ أَجْزَاؤُهَا مَجْهُولَةً. قَوْلُهُ: (وَلَوْ خَالِصَةً) مَا قَبْلَ الْغَايَةِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ، بَلْ يَحْرُمُ وَيُكْرَهُ ضَرْبُ السَّالِمِ. وَأَمَّا الْإِمَامُ فَيُكْرَهُ لَهُ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ إذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا، وَلَا يُكْرَهُ ضَرْبُ السَّلِيمِ. وَكَانَ الْأَوْلَى إذَا كَانَتْ خَالِصَةً؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَيْرِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَلَوْ مُسْتَهْلَكًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَقَوْلُهُ: " مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ " أَيْ طَرِيقَتُهُ، وَقَوْلُهُ: " افْتِيَاتًا " أَيْ تَعَدِّيًا. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ) أَيْ إنْ عَلِمَهُ وَلَمْ يَنْوِ كَنْزَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِأَنْ وَرِثَهُ وَلَمْ يَعْلَمْهُ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ إمْسَاكَهُ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ، وَكَذَا لَوْ نَوَى كَنْزَهُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ مُلَخَّصًا. وَعَدَمُ وُجُوبِهَا فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ مَذْهَبُنَا وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ مُخْتَارَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُلِيِّ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ كَمَا نَقَلَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. وَالْحُلِيُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ مَعَ كَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَاحِدُهُ " حَلْيٌ " بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَهُوَ مَا يَتَحَلَّى أَيْ يُتَزَيَّنُ بِهِ لُبْسًا أَوْ نَحْوَهُ، وَأَصْلُهُ أَيْ الْحُلِيِّ الْمُشَدَّدِ الْيَاءِ " حَلُوي " عَلَى وَزْنِ فَعُولٍ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْيَاءِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ ثُمَّ كُسِرَتْ اللَّامُ صِيَانَةً لِلْيَاءِ، وَيَجُوزُ كَسْرُ الْحَاءِ لِإِتْبَاعِ كَسْرَةِ اللَّامِ اهـ. وَنَظِيرُ حُلِيٍّ جَمْعُ حَلْيٍ ثُدِيٌّ جَمْعُ ثَدْيٍ. وَقَوْلُهُ " الْمُبَاحِ " هَلَّا قَالَ الْمُبَاحَاتِ لِأَجْلِ الْمُطَابَقَةِ، أُجِيبُ بِأَنَّ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ أَوْلَى لِأَنَّ حُلِيًّا جَمْعُ كَثْرَةٍ وَالْأَفْصَحُ فِي وَصْفِهِ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ، لِقَوْلِهِ: وَجَمْعُ كَثْرَةٍ لِمَا لَا يَعْقِلُ ... الْأَفْصَحُ الْإِفْرَادُ فِيهِ يَافُلُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " الْمُبَاحِ " غَيْرُهُ وَهُوَ الْمُحَرَّمُ كَحُلِيِّ النِّسَاءِ اتَّخَذَهُ الرَّجُلُ لِيَلْبَسَهُ، وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ؛ وَمِنْهُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَثْقُوبَةُ إذَا جُعِلَتْ فِي قِلَادَةٍ بِنَاءً عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ تَحْرِيمِهَا، أَمَّا عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ جَوَازِهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْتَمِلُ كَرَاهَتَهَا، وَعَلَيْهِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ كَسَائِرِ الْمَكْرُوهَاتِ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: تَجِبُ زَكَاتُهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (كَخَلْخَالٍ لِامْرَأَةٍ) أَيْ لِلُبْسِهَا بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ كَأَنْ تَعَدَّدَتْ أَنْوَاعُهُ، وَمِنْهُ حُلِيٌّ اتَّخَذَهُ رَجُلٌ لِيُؤَجِّرَهُ مَثَلًا لِامْرَأَةٍ ق ل. وَقَوْلُهُ " لِيُؤَجِّرَهُ إلَخْ " أَيْ أَوْ لِيُعِيرَهُ لَهَا أَوْ اتَّخَذَهُ لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛ وَلِذَا قَالَ ق ل: مَثَلًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُزَكَّى الْمُحَرَّمُ) وَمِنْ الْمُحَرَّمِ مَا يَقَعُ لِنِسَاءِ الْأَرْيَافِ مِنْ الْفِضَّةِ الْمَثْقُوبَةِ أَوْ الذَّهَبِ الْمَخِيطَةِ عَلَى الْقُمَاشِ فَحَرَامٌ كَالدَّرَاهِمِ الْمَثْقُوبَةِ الْمَجْعُولَةِ فِي الْقِلَادَةِ كَمَا مَرَّ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ حُرْمَةُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ ثَقْبِ دَرَاهِمَ وَتَعْلِيقِهَا عَلَى رُءُوسِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَيُحَرَّمُ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَانِي. قَوْلُهُ: (لِجِلَاءِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ. قَوْلُهُ: (وَالسِّوَارُ) بِكَسْرِ السِّينِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَفِي حُلِيِّ الرِّجَالِ إلَخْ) كَتَحْلِيَتِهِ آلَةَ حَرْبٍ بِالْفِضَّةِ بِلَا سَرَفٍ وَرُمْحٍ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلرَّجُلِ لِأَنَّهَا تَغِيظُ الْكُفَّارَ لَا لِلْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (بِلَا كَرَاهَةٍ) بِخِلَافِ مَا كُرِهَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ، وَكَذَا لَوْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ لِلِاسْتِعْمَالِ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ وَأَمْكَنَ بِلَا صَوْغٍ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا وَإِنْ دَامَ أَحْوَالًا لِدَوَامِ صُورَةِ الْحُلِيِّ أَوْ قَصَدَ إصْلَاحَهُ، وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ وَاخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ وَوَزْنُهُ فَالْعِبْرَةُ بِقِيمَتِهِ لَا بِوَزْنِهِ بِخِلَافِ الْمُحَرَّمِ لِعَيْنِهِ كَالْأَوَانِي فَالْعِبْرَةُ بِوَزْنِهِ لَا بِقِيمَتِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ حُلِيٌّ وَزْنُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ رُبْعَ عُشْرِهِ مَشَاعًا ثُمَّ يَبِيعَهُ السَّاعِي بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَيُفَرِّقَ ثَمَنَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، أَوْ يُخْرِجَ خَمْسَةً مَصُوغَةً قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ نَقْدًا. وَلَا يَجُوزُ كَسْرُهُ لِيُعْطِيَ مِنْهُ خَمْسَةً مُكَسَّرَةً لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، أَوْ كَانَ لَهُ إنَاءٌ كَذَلِكَ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ خَمْسَةً مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يُكَسِّرَهُ وَيُخْرِجَ خَمْسَةً أَوْ يُخْرِجَ رُبْعَ عُشْرِهِ مَشَاعًا وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حُلِيُّ الذَّهَبِ وَلَوْ فِي آلَةِ الْحَرْبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا إلَّا الْأَنْفَ إذَا جُدِعَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْ الذَّهَبِ» لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قُطِعَ أَنْفُهُ فِي غَزْوَةٍ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَّخِذَهُ مِنْ ذَهَبٍ " وَإِلَّا الْأُنْمُلَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا لِمَنْ قُطِعَتْ مِنْهُ وَلَوْ لِكُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ الذَّهَبِ   [حاشية البجيرمي] اسْتِعْمَالُهُ لِوُجُودِ سَرَفٍ قَلِيلٍ، مَرْحُومِيٌّ. وَهَذَا عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ حُرْمَةُ السَّرَفِ مُطْلَقًا وَعَلَى كُلٍّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَأَمْكَنَ بِلَا صَوْغٍ) بِأَنْ أَمْكَنَ بِإِلْحَامِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ) أَيْ عِنْدَ عِلْمِهِ بِالِانْكِسَارِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالِانْكِسَارِ إلَّا بَعْدَ عَامٍ أَوْ أَكْثَرَ فَقَصَدَ إصْلَاحَهُ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ كَانَ مُرْصِدًا لَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْوَسِيطِ. فَلَوْ عَلِمَ انْكِسَارَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ إصْلَاحَهُ حَتَّى مَضَى عَامٌ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ، فَإِنْ قَصَدَ بَعْدَهُ إصْلَاحَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا وُجُوبَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ اهـ بِحُرُوفِهِ. فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إصْلَاحَهُ بَلْ قَصَدَ جَعْلَهُ تِبْرًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ كَنَزَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَوْ أَحْوَجَ انْكِسَارُهُ إلَى سَبْكٍ وَصَوْغٍ فَيَجِبُ زَكَاتُهُ، وَيَنْعَقِدُ حَوْلُهُ مِنْ حِينِ انْكِسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ وَلَا مُعَدٍّ لِلِاسْتِعْمَالِ؛ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مُحَرَّمًا أَوْ مَكْرُوهًا؛ فَالْأَوَّلُ كَأَنْ قَصَدَ الرَّجُلُ اسْتِعْمَالَهُ وَكَأَنْ أَسْرَفَ فِي حِلْيَةِ آلَةِ الْحَرْبِ، وَالثَّانِي كَأَنْ أَسْرَفَتْ الْمَرْأَةُ فِي حُلِيِّهَا وَكَأَنْ قَصَدَ الرَّجُلُ إجَارَتَهُ لِمَنْ يَسْتَعْمِلُهُ بِكَرَاهَةٍ. فَفَرْقٌ بَيْنَ سَرَفِ الرَّجُلِ وَسَرَفِ الْمَرْأَةِ، فَالْأَوَّلُ حَرَامٌ وَالثَّانِي مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ: (فَالْعِبْرَةُ بِقِيمَتِهِ) أَيْ وَوَزْنِهِ، وَقَوْلُهُ لَا بِوَزْنِهِ، أَيْ فَقَطْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ " أَوْ يُخْرِجَ خَمْسَةً مَصُوغَةً قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ " كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ) أَيْ لِأَنَّ السَّبْعَةَ وَالنِّصْفَ رُبْعُ عُشْرِ الثَّلَثِمِائَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ لَهُ إنَاءٌ كَذَلِكَ) أَيْ وَزْنُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ، وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ: وَلَوْ اخْتَلَفَ قِيمَةُ الْحُلِيِّ الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمَكْرُوهِ وَوَزْنُهُ كَأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَثَمِائَةٍ وَوَزْنُهُ مِائَتَيْنِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ أَيْ إذَا كَانَ تَحْرِيمُهُ عَارِضًا بِأَنْ صِيغَ لِامْرَأَةٍ وَاسْتَعْمَلَهُ الرَّجُلُ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْوَزْنُ فَقَطْ كَالْإِنَاءِ اهـ. فَلَوْ كَانَ آنِيَةً فَلَا أَثَرَ لِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْقِيمَةِ بِالصَّنْعَةِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ. اهـ. ح ل. وَنَقَلَهُ ع ش عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يُكَسِّرَهُ) وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُلِيِّ الْمُحَرَّمِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ كَسْرُهُ كَمَا سَبَقَ بِأَنَّ الْإِنَاءَ مُحَرَّمٌ لِعَيْنِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحُلِيُّ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ فِي الْكَسْرِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ الْمَكْسُورَةَ لَا تُسَاوِي قِيمَتَهَا فِي حَالِ اتِّصَالِهَا وَهِيَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ. قَوْلُهُ: (وَيُخْرِجَ خَمْسَةً) أَيْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حُلِيُّ الذَّهَبِ) نَعَمْ إنْ صَدِئَ بِحَيْثُ لَا يَتَبَيَّنُ الذَّهَبُ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، أَيْ وَكَثُرَ الصَّدَأُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ؛ يُقَالُ: صَدِئَ يَصْدَأُ بِالْهَمْزِ مِنْ بَابِ تَعِبَ. وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُهُمْ: إنَّ الذَّهَبَ لَا يَصْدَأُ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ عَلَى نَوْعٍ مِنْهُ أَوْ عَلَى الْخَالِصِ دُونَ مَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إلَّا الْأَنْفَ) جُمْلَةُ الْمُسْتَثْنَى ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: (إذَا جُدِعَ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ قُطِعَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ) هُوَ عَرْفَجَةُ بْنُ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ اسْمٌ لِمَكَانٍ كَانَتْ الْوَقْعَةُ عِنْدَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَّخِذَهُ مِنْ ذَهَبٍ) فَاتَّخَذَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا الْأُنْمُلَةَ) أَيْ الْعُلْيَا لَا السُّفْلَى وَلَا الْأُنْمُلَتَيْنِ؛ وَالْأُنْمُلَةُ بِتَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ كَمَا قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 قِيَاسًا عَلَى الْأَنْفِ، وَإِلَّا السِّنَّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ قُلِعَتْ سِنُّهُ اتِّخَاذُ سِنٍّ مِنْ ذَهَبٍ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ قِيَاسًا أَيْضًا عَلَى الْأَنْفِ. وَيَحْرُمُ سِنُّ الْخَاتَمِ مِنْ الذَّهَبِ عَلَى الرَّجُلِ وَهِيَ الشُّعْبَةُ الَّتِي يَسْتَمْسِكُ بِهَا الْفَصُّ، وَيَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ بِالْإِجْمَاعِ «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ» ، بَلْ لُبْسُهُ سُنَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْيَمِينِ أَمْ فِي الْيَسَارِ لَكِنَّ الْيَمِينَ أَفْضَلُ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُجْعَلَ الْفَصُّ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ. وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لِمِقْدَارِ الْخَاتَمِ الْمُبَاحِ وَلَعَلَّهُمْ اكْتَفَوْا فِيهِ بِالْعُرْفِ أَيْ عُرْفِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَعَادَةِ أَمْثَالِهِ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الصَّوَابُ ضَبْطُهُ بِدُونِ مِثْقَالٍ. وَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ خَوَاتِمَ كَثِيرَةً لِيَلْبَسَ الْوَاحِدَ مِنْهَا بَعْدَ الْوَاحِدِ جَازَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا جَازَ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى إسْرَافٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ تَخَتَّمَ الرَّجُلُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَيَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ الْفِضَّةِ حِلْيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ كَالسَّيْفِ   [حاشية البجيرمي] يَا أُصْبُعُ ثَلِّثَنَّ مَعَ مِيمِ أُنْمُلَةٍ ... وَثَلِّثْ الْهَمْزَ أَيْضًا وَارْوِ أُصْبُوعَا قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا) أَيْ إذَا كَانَ مَا تَحْتَهَا سَلِيمًا دُونَ مَا إذَا كَانَ أَشَلَّ، شَرْحُ الرَّوْضِ. وَبِخِلَافِ السُّفْلِيِّ وَالْأُصْبُعِ، وَالْأُنْمُلَتَيْنِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ " وَإِلَّا الْأُنْمُلَةَ " أَيْ الْعُلْيَا، وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَقِيسَ بِالْأَنْفِ الْأُنْمُلَةِ وَالسِّنِّ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأُصْبُعِ وَالْيَدِ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ فَيَكُونَانِ لِمُجَرَّدِ الزِّينَةِ فَلَا يُتَّخَذَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، بِخِلَافِ الْأُنْمُلَةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَحْرِيكُهَا؛ وَأَمَّا الْأُنْمُلَتَانِ فَإِنْ كَانَتَا مِنْ أَعْلَى الْأُصْبُعِ جَازَ اتِّخَاذُهُمَا لِوُجُودِ الْعَمَلِ بِوَاسِطَةِ الْأُنْمُلَةِ السُّفْلَى، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ قَاسِمٍ وَإِنْ كَانَتَا مِنْ أَسْفَلِ الْأُصْبُعِ امْتَنَعَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ م ر فِي شَرْحِهِ. اهـ. . قَوْلُهُ: (مِنْ الذَّهَبِ) وَإِنْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُهَا مِنْ الْفِضَّةِ الْجَائِزَةِ لِذَلِكَ بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدَأُ غَالِبًا وَلَا يُفْسِدُ الْمَنْبَتَ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (الْخَاتَمِ) وَهُوَ الَّذِي يُلْبَسُ فِي الْأُصْبُعِ سَوَاءٌ خَتَمَ بِهِ الْكُتُبَ أَوْ لَا وَأَمَّا مَا يُتَّخَذُ لِخَتْمِ الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْلُحَ لَأَنْ يُلْبَسَ فَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ. قَوْلُهُ: (بَلْ لُبْسُهُ سُنَّةٌ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحَدِيثِ وَيَكُونُ إضْرَابًا انْتِقَالِيًّا عَنْ قَوْلِهِ: وَيَحِلُّ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْإِضْرَابَ بَعْدَ الْحَدِيثِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِأَنَّ سَنَّ لُبْسِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْيَمِينَ أَفْضَلُ) أَيْ خِنْصَرَهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَبِسَهَا مَعًا جَازَ) وَلَا زَكَاةَ أَيْ إنْ جَرَتْ عَادَةُ أَمْثَالِهِ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فَقِيهًا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَطْنَ الْكَفِّ. وَلَا يُكْرَهُ لُبْسُ خَاتَمِ الرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ عَلَى الْأَصَحِّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» . اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَالَ الشَّيْخُ الزِّيَادِيُّ: وَيُعْتَبَرُ فِي صِفَةِ الْخَاتَمِ وَقَدْرِهِ وَعَدَدِهِ أَنْ يَكُونَ لَائِقًا بِهِ لِيَخْرُجَ بِالْأَوَّلِ مَا لَوْ اتَّخَذَ الْفَقِيهُ خَاتَمًا لَا يَلِيقُ بِهِ كَالدُّبْلَةِ بِلَا خَاتَمٍ مَعَهَا أَوْ كَشَتْوَانٍ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ، وَيَخْرُجُ بِالثَّانِي مَا لَوْ زَادَ عَلَى الْقَدْرِ اللَّائِقِ بِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَيَخْرُجُ بِالثَّالِثِ مَا لَوْ عَدَّدَ الْفَقِيهُ خَاتَمًا فِي أَصَابِعِهِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ. وَنُقِلَ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْحَاشِيَةِ أَنَّ مِثْلَ الدُّبْلَةِ لُبْسُ الْفَقِيهِ الْخَاتَمَ فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ كَلُبْسِهِ فِي نَحْوِ إبْهَامِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِيَ: " وَلَوْ تَخَتَّمَ الرَّجُلُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ جَازَ " مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْفَقِيهِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ لِلرَّجُلِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجَاهِدًا. قَوْلُهُ: (حِلْيَةُ) أَيْ تَحْلِيَتُهَا؛ وَالتَّحْلِيَةُ جَعْلُ عَيْنِ النَّقْدِ فِي مَحَالَّ مُتَفَرِّقَةٍ مَعَ الْإِحْكَامِ حَتَّى تَصِيرَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا وَلِإِمْكَانِ فَصْلِهَا مَعَ عَدَمِ ذَهَابِ شَيْءٍ مِنْ عَيْنِهَا فَارَقَتْ التَّمْوِيهَ السَّابِقَ أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّهُ حَرَامٌ، حَجّ قَوْلُهُ: (آلَاتِ الْحَرْبِ) وَإِنْ كَانَ عِنْدَ مَنْ لِمَ يُحَارِبْ؛ لِأَنَّ إغَاظَةَ الْكُفَّارِ وَلَوْ مِمَّنْ بِدَارِنَا حَاصِلَةٌ مُطْلَقًا، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حُرْمَةِ اقْتِنَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ عَلَى مَنْ لَمْ يَصِدْ بِهِ. اهـ. س ل. وَخَرَجَ بِذَلِكَ أَوْعِيَتُهَا كَالْقِرَابِ وَغِمْدِ السَّيْفِ فَلَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ أَيْضًا تَحْلِيَةُ السِّكِّينِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَيْسَتْ آلَةَ الْحَرْبِ وَنَحْوِهَا فَيَحْرُمُ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 وَالرُّمْحِ وَالْمِنْطَقَةِ لَا مَا لَا يَلْبَسُهُ كَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ. وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَحْلِيَةُ آلَةِ الْحَرْبِ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَلَهَا لُبْسُ أَنْوَاعِ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَالسِّوَارِ وَكَذَا مَا نُسِجَ بِهِمَا مِنْ الثِّيَابِ. وَتَحْرُمُ الْمُبَالَغَةُ فِي السَّرَفِ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ، وَكَذَا يَحْرُمُ إسْرَافُ الرَّجُلِ فِي آلَةِ الْحَرْبِ. وَيَجُوزُ تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ بِفِضَّةٍ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَيَجُوزُ لَهَا فَقَطْ بِذَهَبٍ لِعُمُومِ «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي» قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَمَنْ كَتَبَ بِذَهَبٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَا زَكَاةَ فِي سَائِرِ الْجَوَاهِرِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ لِعَدَمِ وُرُودِهَا فِي ذَلِكَ. فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ (وَنِصَابُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» وَالْأَوْسُقُ جَمْعُ وَسْقٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الصِّيعَانَ وَهِيَ بِالْوَزْنِ أَلْفُ رِطْلٍ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ أَيْ الْبَغْدَادِيِّ لِأَنَّ الْوَسْقَ سِتُّونَ صَاعًا، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَقُدِّرَتْ بِهِ لِأَنَّهُ الرِّطْلُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مِائَةٌ   [حاشية البجيرمي] كَالْقِرَابِ وَغِمْدِ السَّيْفِ " عَطْفٌ مُرَادِفٌ. وَأَمَّا سِكِّينُ الْمِهْنَةِ أَوْ الْمَقْلَمَةِ. فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ " تَحْلِيَتُهُمَا " كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ وَالْمِرْآةِ م ر. وَقَوْلُهُ " أَوْ الْمَقْلَمَةِ أَيْ أَوْ سِكِّينِ الْمَقْلَمَةِ وَهِيَ الْمِقْشَطُ. قَوْلُهُ: (وَالْمِنْطَقَةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا يُشَدُّ بِهِ الْوَسَطُ كَالسَّبْتَةِ وَتُسَمَّى الْآنَ بِالْحِيَاصَةِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَجَعَلَهَا مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا تَنْفَعُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا تَمْنَعُ وُصُولَ السَّهْمِ لِلْبَدَنِ، فَالْمُرَادُ بِالْآلَةِ مَا يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَهَا لُبْسُ أَنْوَاعِ حُلِيِّ الذَّهَبِ) وَكَالْمَرْأَةِ الطِّفْلُ فِي ذَلِكَ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَا نُسِجَ) أَيْ لُبْسُ مَا نُسِجَ بِهِمَا فَخَرَجَ الْفُرُشُ كَالسَّجَّادَةِ الْمَنْسُوجَةِ بِهِمَا فَتَحْرُمُ لِأَنَّهَا لَا تَدْعُو لِلْجِمَاعِ كَالْمَلْبُوسِ م ر. قَوْلُهُ: (الْمُبَالَغَةُ فِي السَّرَفِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ مُجَرَّدَ السَّرَفِ حَرَامٌ وَلَوْ بِدُونِ مُبَالَغَةٍ، خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْقَائِلِ بِالْكَرَاهَةِ حِينَئِذٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، قَالَ ق ل: وَعَلَى كُلٍّ يَلْزَمُهَا زَكَاةُ الْجَمِيعِ لَا مَا زَادَ وَكَذَا آلَةُ الْحَرْبِ الْمَذْكُورَةُ. قَوْلُهُ: (مِائَتَا دِينَارٍ) أَيْ مَجْمُوعُ فَرْدَتَيْهِ ح ل. وَيَلْزَمُهَا زَكَاةُ الْجَمِيعِ لَا مَا زَادَ فَقَطْ شَرْحُ م ر؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِإِبَاحَةِ الْحُلِيِّ لَهَا التَّزَيُّنُ لِلرِّجَالِ الْمُحَرِّكُ لِلشَّهْوَةِ الدَّاعِي إلَى كَثْرَةِ النَّسْلِ، وَلَا زِينَةَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بَلْ تَنْفِرُ مِنْهُ النَّفْسُ لِاسْتِبْشَاعِهِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (تَحْلِيَةُ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ تَعْبِيرِهِمْ بِالتَّحْلِيَةِ الْمَارِّ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّمْوِيهِ حُرْمَةُ التَّمْوِيهِ هُنَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. فَإِنْ قُلْت: الْعِلَّةُ الْإِكْرَامُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلٍّ؟ قُلْت: لَكِنَّهُ فِي التَّحْلِيَةِ لَمْ يَخْلُفْهُ مَحْذُورٌ بِخِلَافِهِ فِي التَّمْوِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَإِنْ قُلْت: يُؤَيِّدُ الْإِطْلَاقَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ: مَنْ كَتَبَ الْقُرْآنَ بِالذَّهَبِ فَقَدْ أَحْسَنَ؟ قُلْت: يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي حُرُوفِ الْقُرْآنِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي نَحْوِ وَرِقِهِ وَجِلْدِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إكْرَامُهَا إلَّا بِذَلِكَ. اهـ. حَجّ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْمُصْحَفِ) وَمِثْلُهُ التَّمَائِمُ وَكَذَا جِلْدُهُ وَكِيسُهُ وَعَلَّاقَتُهُ وَخَيْطُهُ لَا كُرْسِيُّهُ. وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ بَقِيَّةُ الْكُتُبِ، فَتَحْرُمُ التَّحْلِيَةُ وَالتَّمْوِيهُ. وَالْمُرَادُ بِالْمُصْحَفِ مَا فِيهِ قُرْآنٌ وَلَوْ لِلتَّبَرُّكِ كَمَا فِي س ل. وَالتَّفْسِيرُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّحْلِيَةِ كَالْمُصْحَفِ إنْ حَرُمَ مَسُّهُ، وَإِلَّا فَلَا؛ عَنَانِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. فَرْعٌ: قَدْ سُئِلَ م ر عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ جَوَازِ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ بِالذَّهَبِ حَتَّى لِلرِّجَالِ وَحُرْمَةِ تَحْلِيَتِهِ بِالذَّهَبِ لِلرَّجُلِ. وَلَعَلَّهُ أَنَّ كِتَابَتَهُ رَاجِعَةٌ لِنَفْسِ حُرُوفِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ تَحْلِيَتِهِ فَالْكِتَابَةُ أَدْخَلُ فِي التَّعَلُّقِ؛ سم عَلَى الْمَنْهَجِ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ نِصَابِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ] قَوْلُهُ: (وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ) وَهُوَ إمَّا الْعُشْرُ وَإِمَّا نِصْفُهُ وَإِمَّا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ أَوْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَرُبْعُ نِصْفِ الْعُشْرِ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (سُمِّيَ) أَيْ مَدْلُولُهُ وَهُوَ الْمِقْدَارُ الْمَعْلُومُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَجْمَعُ) أَيْ وَالْوَسْقُ الْجَمْعُ قَوْلُهُ (لِأَنَّ الْوَسْقَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَالنِّصَابُ الْمَذْكُورُ تَحْدِيدٌ كَمَا فِي نِصَابِ الْمَوَاشِي وَغَيْرِهَا، وَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِالْكَيْلِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِنَّمَا قُدِّرَتْ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا أَوْ إذَا وَافَقَ الْكَيْلَ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْوَزْنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ الْوَسَطُ فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْخَفِيفِ وَالرَّزِينِ، وَكَيْلُهُ بِالْإِرْدَبِّ الْمِصْرِيِّ سِتَّةُ أَرَادِبَّ وَرُبُعُ إرْدَبٍّ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ بِجَعْلِ الْقَدَحَيْنِ صَاعًا كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ فِي جَعْلِهَا خَمْسَةَ أَرَادِبَ وَنِصْفًا وَثُلُثًا لِأَنَّهُ جَعَلَ الصَّاعَ قَدَحَيْنِ إلَّا سُبْعَيْ مُدٍّ.   [حاشية البجيرمي] سِتُّونَ صَاعًا) وَذَلِكَ لِأَنَّك تَضْرِبُ الْخَمْسَةَ عِدَّةَ الْأَوْسُقِ فِي مِقْدَارِهَا مِنْ الصِّيعَانِ وَهُوَ سِتُّونَ تَبْلُغُ ثَلَثَمِائَةٍ، ثُمَّ تَضْرِبُ الثَّلَثَمِائَةِ فِي مِقْدَارِ الصَّاعِ مِنْ الْأَمْدَادِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ تَبْلُغُ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ مُدًّا، ثُمَّ تَضْرِبُ الْأَلْفَ وَالْمِائَتَيْنِ فِي مِقْدَارِ الْمُدِّ وَهُوَ رِطْلٌ وَثُلُثُ أَلْفٍ وَمِائَتَانِ فِي رِطْلٍ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ رِطْلًا وَأَلْفٌ وَمِائَتَانِ فِي ثُلُثٍ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ ثُلُثًا وَمَجْمُوعُهَا أَرْبَعُمِائَةٍ صِحَاحٌ؛ فَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الرِّطْلُ الشَّرْعِيُّ) وَجْهُ كَوْنِهِ الرِّطْلَ الشَّرْعِيَّ أَنَّهُ وَقَعَ التَّقْدِيرُ بِهِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (تَحْدِيدٌ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَالْمَجْمُوعُ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّهُ تَقْرِيبٌ، وَعَلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ نَقْصَ رِطْلٍ، لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْحَوَاشِي: إنَّ الْمَشْهُورَ التَّحْدِيدُ كَمَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا ز ي أج. قَوْلُهُ: (اسْتِظْهَارًا) أَيْ اسْتِيفَاءً لِجَمِيعِ الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ الْوَاجِبَةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الِاحْتِيَاطَ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كُلٌّ مِنْهُمَا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا الْكَيْلُ لَا الْوَزْنُ. قَوْلُهُ: (أَوْ إذَا وَافَقَ الْكَيْلَ) أَيْ فَهُمَا جَوَابَانِ؛ وَلِذَلِكَ لَوْ كَمُلَ بِالْكَيْلِ وَنَقَصَ بِالْوَزْنِ. وَجَبَتْ زَكَاتُهُ لَا عَكْسُهُ ق ل. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ) أَيْ النَّوْعَ، وَقَوْلُهُ " وَالرَّزِينِ أَيْ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالرَّزِينُ الثَّقِيلُ فِي الْمِيزَانِ. قَوْلُهُ: (سِتَّةُ أَرَادِبَ وَرُبْعُ إرْدَبٍّ) مِقْدَارُ ذَلِكَ بِالْأَرْبَاعِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ رُبْعًا وَبِالْأَقْدَاحِ سِتُّمِائَةٍ لِأَنَّ الْمِائَةَ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَالْخَمْسِينَ بِمِائَتَيْنِ وَقَوْلُهُ خَمْسَةَ أَرَادِبَ وَنِصْفًا وَثُلُثًا مِقْدَارُ ذَلِكَ بِالْأَرْبَاعِ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ رُبْعًا وَبِالْأَقْدَاحِ خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ لِأَنَّ الْمِائَةَ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَالْأَرْبَعِينَ بِمِائَةٍ وَسِتِّينَ. وَقَوْلُهُ " إلَّا سُبْعَيْ مُدٍّ " وَعَلَى هَذَا فَمِقْدَارُ النِّصَابِ بِالْأَقْدَاحِ خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ النِّصَابِ بِالصِّيعَانِ ثَلَثُمِائَةِ صَاعٍ وَكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا سِتُّونَ مُدًّا وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ قَدَحًا؛ لِأَنَّ كُلَّ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا سَبْعَةُ أَقْدَاحٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَدَحٍ بِمُدَّيْنِ وَسُبْعِ مُدٍّ بِنَاءً عَلَى جَعْلِ الصَّاعِ قَدَحَيْنِ إلَّا سُبْعَيْ مُدٍّ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ كُلَّ تِسْعِينَ صَاعًا بِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَسِتِّينَ قَدَحًا، فَالْمِائَتَانِ وَالسَّبْعُونَ صَاعًا بِخَمْسِمِائَةِ قَدَحٍ وَأَرْبَعَةِ أَقْدَاحٍ، وَالثَّلَاثُونَ صَاعًا تَمَامُ الثَّلَثِمِائَةِ بِسِتَّةٍ وَخَمْسِينَ، فَأَضِفْهَا لِلْخَمْسِمِائَةِ وَالْأَرْبَعَةِ فَتَصِيرُ الْجُمْلَةُ خَمْسَمِائَةٍ وَسِتِّينَ قَدَحًا وَمِقْدَارُهَا بِالْأَرَادِبِ خَمْسَةُ أَرَادِبَ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ إرْدَبٍّ بِسِتَّةٍ وَتِسْعِينَ قَدَحًا. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ مِقْدَارَ النِّصَابِ بِالْأَمْدَادِ وَهُوَ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ يَكُونُ خَمْسَمِائَةٍ وَسِتِّينَ قَدَحًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مُدًّا بِسِتَّةٍ وَخَمْسِينَ قَدَحًا كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَنِصْفًا وَثُلُثًا) وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا وَيْبَتَانِ وَنِصْفُ وَيْبَةٍ. قَوْلُهُ: (قَدَحَيْنِ إلَّا سُبْعَيْ مُدٍّ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَدَحَيْنِ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَسُبْعَا مُدٍّ عِنْدَ السُّبْكِيّ، فَهُمَا أَزْيَدُ مِنْ الصَّاعِ بِسُبْعَيْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَمُولِيَّ وَالسُّبْكِيَّ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَاخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْقَدَحِ، فَعِنْدَ الْقَمُولِيِّ أَنَّ الصَّاعَ قَدَحَانِ بِجَعْلِ كُلِّ مُدَّيْنِ قَدَحًا وَعِنْدَ السُّبْكِيّ قَدَحَانِ إلَّا سُبْعَيْ مُدٍّ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْقَدَحَ مُدَّيْنِ وَسُبْعَ مُدٍّ، فَالْقَدَحُ عِنْدَهُ أَزْيَدُ مِنْ الْقَدَحِ عِنْدَ الْقَمُولِيِّ وَكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا بِسَبْعَةِ أَقْدَاحٍ وَكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَيْبَةٌ وَنِصْفٌ وَرُبْعٌ فَثَلَاثُونَ صَاعًا ثَلَاثُ وَيْبَاتٍ وَنِصْفٌ فَثَلَثُمِائَةِ صَاعٍ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَيْبَةً وَهِيَ خَمْسَةُ أَرَادِبَ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ، فَالنِّصَابُ عَلَى قَوْلِهِ خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ قَدَحًا وَعَلَى الْأَوَّلِ سِتُّمِائَةٍ شَرْحُ م ر مَعَ زِيَادَةٍ. وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 تَنْبِيهٌ: لَا يُضَمُّ تَمْرُ عَامٍ وَزَرْعُهُ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ إلَى تَمْرٍ وَزَرْعِ عَامٍ آخَرَ، وَيُضَمُّ ثَمَرُ الْعَامِ الْوَاحِدِ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ إدْرَاكُهُ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَبِلَادِهِ حَرَارَةَ وَبُرُودَةَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ، فَتِهَامَةُ حَارَّةٌ يُسْرِعُ إدْرَاكُ التَّمْرِ بِهَا بِخِلَافِ نَجْدٍ لِبَرْدِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْعَامِ هُنَا اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا عَرَبِيَّةً، وَالْعِبْرَةُ بِالضَّمِّ هُنَا بِإِطْلَاعِهِمَا فِي عَامٍ فَيُضَمُّ طَلْعُ نَخِيلٍ إلَى الْآخَرِ إنْ أَطْلَعَ الثَّانِي قَبْلَ جِدَادِ الْأَوَّلِ وَكَذَا بَعْدَهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ. نَعَمْ لَوْ أَثْمَرَ نَخْلٌ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ فَلَا يُضَمُّ بَلْ هُمَا كَثَمَرَةِ عَامَيْنِ، وَزَرْعَا الْعَامِ يُضَمَّانِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ زِرَاعَتُهُمَا فِي الْفُصُولِ، وَالْعِبْرَةُ بِالضَّمِّ هُنَا اعْتِبَارُ وُقُوعِ حَصَادَيْهِمَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا عَرَبِيَّةً كَمَا مَرَّ. (وَ) يَجِبُ (فِيهَا) أَيْ فِي الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَمَا زَادَ (إنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ) بِمَاءِ (السَّيْحِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ السَّيْلِ أَوْ بِمَا انْصَبَّ مِنْ جَبَلٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ شَرِبَ بِعُرُوقِهِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْمَاءِ وَهُوَ الْبَعْلِيُّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الثَّمَرُ وَالزَّرْعُ (الْعُشْرُ) كَامِلًا (وَ) يَجِبُ فِيهَا (إنْ سُقِيَتْ بِدُولَابٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ وَهُوَ مَا يُدِيرُهُ الْحَيَوَانُ أَوْ دَالِيَةٌ وَهِيَ الْبَكْرَةُ أَوْ نَاعُورَةٌ وَهِيَ مَا يُدِيرُهُ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ (أَوْ بِنَضْحٍ) مِنْ نَحْوِ نَهْرٍ بِحَيَوَانٍ وَيُسَمَّى الذَّكَرُ نَاضِحًا وَالْأُنْثَى نَاضِحَةً، أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ، أَوْ غَصَبَهُ لِوُجُوبِ ضَمَانِهِ (نِصْفُ الْعُشْرِ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ   [حاشية البجيرمي] بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: النِّصَابُ الْآنَ بِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ أَرْبَعَةُ أَرَادِبَ وَوَيْبَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ الْآنَ نَقَصَ عَدَدُهُ عَمَّا كَانَ بِسَبَبِ مَا يُكَالُ بِهِ الْآنَ حَتَّى صَارَتْ الْأَرْبَعَةُ أَرَادِبَ وَوَيْبَةٌ مِقْدَارَ السِّتَّةِ أَرَادِبَ وَالرُّبْعِ مِنْ الْأَرَادِبِ الْمُقَدَّرَةِ نِصَابًا سَابِقًا، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا إرْدَبَّانِ وَكَيْلَةٌ. قَوْلُهُ: (وَيَضُمُّ ثَمَرَ الْعَامِ الْوَاحِدِ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَنْوَاعٌ مِنْ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ حَصَلَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، فَيَضُمُّ بَعْضَ الْأَنْوَاعِ إلَى بَعْضٍ؛ أَوْ كَانَ لَهُ فِي بِلَادٍ أَنْوَاعٌ مِنْ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ حَصَلَ مِنْهَا مِثْلُ ذَلِكَ ز ي. قَوْلُهُ: (وَبِلَادِهِ حَرَارَةً وَبُرُودَةً) هَذَا مِنْ عَطْفِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اخْتِلَافَ أَنْوَاعِهِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ بِلَادِهِ حَرَارَةً وَبُرُودَةً؛ عَزِيزِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْعِبْرَةُ بِالضَّمِّ) أَيْ فِي الضَّمِّ، فَالْبَاءُ بِمَعْنَى " فِي " وَقَوْلُهُ: " هُنَا " أَيْ فِي الثِّمَارِ، احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الزُّرُوعِ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ فِيهَا بِالْحَصَادِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (هُنَا) أَيْ فِي الثِّمَارِ (بِإِطْلَاعِهِمَا) أَيْ ظُهُورِهِمَا وَبُرُوزِهِمَا. قَوْلُهُ: (إنْ أَطْلَعَ) أَيْ ظَهَرَ وَبَرَزَ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ جَدَادِ الْأَوَّلِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ إعْجَامِ الذَّالِ وَإِهْمَالِهَا، فَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُضَمُّ) أَيْ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَالنَّادِرُ يَلْحَقُ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ وَهُوَ كَوْنُ الثَّمَرِ مِنْ عَامَيْنِ. فَقَوْلُهُ " لَوْ أَثْمَرَ نَخْلٌ " أَيْ نَخْلٌ وَاحِدٌ، بِأَنْ كَانَ الَّذِي أَثْمَرَ ثَانِيًا هُوَ الَّذِي أَثْمَرَ أَوَّلًا، وَاَلَّذِي قَبْلَ الِاسْتِدْرَاكِ صُورَتُهُ أَيْ نَوْعًا مِنْ النَّخْلِ أَيْ بَعْضًا أَثْمَرَ أَوَّلًا وَبَعْضًا آخِرًا أَثْمَرَ ثَانِيًا. قَوْلُهُ: (وَزَرْعَا الْعَامِ إلَخْ) الْعَامُ لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ وَلَوْ كَانَ زَرْعَيْ عَامَيْنِ وَلَكِنْ بَيْنَ حَصَادَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يَضُمُّ. قَوْلُهُ: (فِي الْفُصُولِ) بِأَنْ يَكُونَ ذُرَةً زُرِعَتْ فِي الصَّيْفِ وَأُخْرَى فِي الْخَرِيفِ وَأُخْرَى فِي الرَّبِيعِ. قَوْلُهُ: (وَالْعِبْرَةُ بِالضَّمِّ هُنَا) أَيْ فِي الزُّرُوعِ. قَوْلُهُ: (اعْتِبَارُ وُقُوعِ حَصَادَيْهِمَا) أَيْ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: بِاعْتِبَارِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ حَصَادِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي دُونَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا عَرَبِيَّةً. وَلَا عِبْرَةَ بِابْتِدَاءِ الزَّرْعِ لِأَنَّ الْحَصَادَ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَعِنْدَهُ يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ، وَيَكْفِي عَنْ الْحَصَادِ زَمَنُ إمْكَانِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ. اهـ. حَجّ وم ر. قَوْلُهُ: (عَرَبِيَّةً) أَيْ هِلَالِيَّةً. قَوْلُهُ: (وَفِيهَا إلَخْ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَالْعُشْرُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. وَقَوْلُهُ " إنْ سُقِيَتْ " شَرْطٌ جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَفِيهَا الْعُشْرُ، لَكِنَّ الشَّارِحَ جَعَلَ الْعُشْرَ فَاعِلًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِمَاءِ السَّيْحِ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِأَوْ؛ وَوَجْهُ الْخُصُوصِ أَنَّهُ يَنْزِلُ الْمَاءُ مِنْ السَّمَاءِ فِي حُفْرَةٍ فَيَمْلَؤُهَا ثُمَّ يَجْرِي مِنْهَا لِلزَّرْعِ وَالثَّمَرِ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَرِبَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إنْ سُقِيَتْ. قَوْلُهُ: (الْعُشْرُ) وَقَدْرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ رُبْعًا عَلَى كَلَامِ الْقَمُولِيِّ. قَوْلُهُ: (مِنْ نَحْوِ نَهْرٍ) كَالسَّاقِيَّةِ. قَوْلُهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 وَغَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ كَثْرَةُ الْمُؤْنَةِ وَخِفَّتُهَا كَمَا فِي الْمَعْلُوفَةِ وَالسَّائِمَةِ. وَالْعَثَرِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ مَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّيْلِ الْجَارِي إلَيْهِ فِي حُفْرَةٍ وَتُسَمَّى الْحُفْرَةُ عَاثُورًا لِتَعْثِيرِ الْمَاءِ بِهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْهَا وَالْقَنَوَاتُ وَالسَّوَّاقِي الْمَحْفُورَةُ مِنْ النَّهْرِ الْعَظِيمِ كَالْمَطَرِ فَفِي الْمَسْقِيِّ بِمَاءٍ يَجْرِي فِيهَا مِنْهُ الْعُشْرُ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقَنَوَاتِ إنَّمَا تَخْرُجُ لِعِمَارَةِ الْقَرْيَةِ، وَالْأَنْهَارُ إنَّمَا تُحْفَرُ لِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ، فَإِذَا تَهَيَّأَتْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الزَّرْعِ بِطَبْعِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِخِلَافِ السَّقْيِ بِالنَّوَاضِحِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْمُؤْنَةَ لِلزَّرْعِ نَفْسِهِ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّوْعَيْنِ كَالنَّضْحِ وَالْمَطَرِ يَسْقُطُ بِاعْتِبَارِ مُدَّةِ عَيْشِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَنَمَائِهِمَا لَا بِأَكْثَرِهِمَا وَلَا بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ، فَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مِنْ يَوْمِ الزَّرْعِ مَثَلًا إلَى يَوْمِ الْإِدْرَاكِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَاحْتَاجَ فِي أَرْبَعَةٍ مِنْهَا إلَى سَقْيَةٍ فَسُقِيَ بِالْمَطَرِ، وَفِي الْأَرْبَعَةِ الْأُخْرَى إلَى سَقْيَتَيْنِ فَسُقِيَ بِالنَّضْحِ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ، وَكَذَا لَوْ جَهِلْنَا الْمِقْدَارَ مِنْ نَفْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارِ الْمُدَّةِ أَخْذًا بِالِاسْتِوَاءِ وَاحْتَاجَ فِي سِتَّةٍ مِنْهَا إلَى سَقْيَتَيْنِ فَسُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَفِي شَهْرَيْنِ إلَى ثَلَاثِ سَقْيَاتٍ فَسُقِيَ بِالنَّضْحِ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَرُبْعُ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالسَّاعِي فِي أَنَّهُ سُقِيَ بِمَاذَا   [حاشية البجيرمي] وَالْمَعْنَى فِيهِ) أَيْ فِي وُجُوبِ الْعُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ. وَقَوْلُهُ " كَثْرَةُ الْمُؤْنَةِ " لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ، فَالْكَثْرَةُ رَاجِعَةٌ لِنِصْفِ الْعُشْرِ وَالْخِفَّةُ لِلْعُشْرِ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْمَعْلُوفَةِ وَالسَّائِمَةِ) التَّنْظِيرُ فِي مُطْلَقِ خِفَّةِ الْمُؤْنَةِ وَكَثْرَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَعْلُوفَةُ لَا زَكَاةَ فِيهَا أَصْلًا. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يُؤَثِّرْ ثِقَلُ الْمُؤْنَةِ فِي إسْقَاطِ الْوُجُوبِ مِنْ أَصْلِهِ هُنَا وَأَثَّرَ فِي الْمَعْلُوفَةِ؟ قُلْت: لِأَنَّ الْقَصْدَ بِاقْتِنَاءِ الْحَيَوَانِ نَمَاؤُهُ لَا عَيْنُهُ، فَلَمَّا عُلِفَ لَمْ يَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ لِكَوْنِ الْعَلَفِ فِي نَظِيرِ النَّمَاءِ وَمِنْ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ عَيْنُهُ فَيُنْظَرُ إلَيْهَا مُطْلَقًا، ثُمَّ تَفَاوَتُوا فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ. قَوْلُهُ: (بِمَاءِ السَّيْلِ) أَيْ الْمَطَرِ الْمُجْتَمِعِ. قَوْلُهُ: (فِي حُفْرَةٍ) وَهِيَ أَنْ تُحْفَرَ حَفِيرَةٌ يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ مِنْ السَّيْلِ إلَى أُصُولِ الشَّجَرِ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْقَنَوَاتُ) أَيْ الْأَنْهَارُ الصَّغِيرَةُ. قَوْلُهُ: (وَالسَّوَّاقِي) الْمُرَادُ بِهَا الْمَسَاقِي وَهِيَ الْأَنْهَارُ الْكَبِيرَةُ كَالْخُلْجَانِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مَا يُدِيرُهُ الْحَيَوَانُ لِأَنَّ فِي الْمُسْقَى بِتِلْكَ نِصْفَ الْعُشْرِ. قَوْلُهُ: (مِنْ النَّهْرِ) أَيْ مِنْ جَنْبِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقَنَوَاتِ إنَّمَا تَخْرُجُ إلَخْ) أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلَا عِبْرَةَ بِمُؤْنَةِ الْقَنَوَاتِ وَالسَّاقِيَّةِ لِأَنَّهَا لِعِمَارَةِ الضَّيْعَةِ لَا لِنَفْسِ الزَّرْعِ. قَوْلُهُ: (وَنَمَائِهِمَا) تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: (لَا بِأَكْثَرِهِمَا) أَيْ الْمَطَرِ وَالنَّضْحِ خِلَافًا لِلْمَدَابِغِيِّ مِنْ جَعْلِهِ الضَّمِيرَ لِلْمُدَّتَيْنِ، أَيْ لَا يُعْتَبَرُ بِأَكْثَرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّهُ إذَا غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ تَرْجِيحًا لِلْغَلَبَةِ، وَيُلْغَى الْأَقَلُّ عَنْ الِاعْتِبَارِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَا تَقْسِيطَ بِأَكْثَرِهِمَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، أَيْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ إلَخْ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ؛ إذْ الْأَكْثَرُ لَا تَقْسِيطَ فِيهِ حَتَّى يُنْفَى. قَوْلُهُ: (وَلَا بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ) أَيْ وَلَا يُقَسَّطُ بِعَدَدِ إلَخْ؛ لِأَنَّ هَذَا لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ التَّقْسِيطَ بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَتْنُ الْمِنْهَاجِ وَعِبَارَتُهُ وَفِيمَا سُقِيَ بِهِمَا سَوَاءٌ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَفِي قَوْلٍ يُعْتَبَرُ هُوَ؛ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُقَسَّطُ بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ وَنَمَائِهِ، وَقِيلَ بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ. قَوْلُهُ: (مِنْ يَوْمِ الزَّرْعِ مَثَلًا) أَيْ أَوْ يَوْمِ الِاطِّلَاعِ فِي النَّخْلِ أَوْ ظُهُورِ الْعِنَبِ فِي الْكَرْمِ إ ط ف. قَوْلُهُ: (وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ) وَلَوْ اُعْتُبِرَ عَدَدُ السَّقْيَاتِ لَوَجَبَ ثُلُثَا الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ السَّقْيَةَ الَّتِي بِالْمَطَرِ يَجِبُ فِيهَا ثُلُثُ الْعُشْرِ وَالسَّقْيَتَانِ بِغَيْرِ الْمَطَرِ يَجِبُ فِيهِمَا ثُلْثَا نِصْفِ الْعُشْرِ وَثُلْثَا نِصْفِ الْعُشْرِ ثُلُثٌ كَامِلٌ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا) أَيْ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ لَوْ جَهِلْنَا الْمِقْدَارَ إلَخْ بِأَنْ شَكَكْنَا هَلْ انْتَفَعَ بِسَقْيَةِ الْمَطَرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَسَقْيَتَيْ النَّضْحِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنَّهَا تُقَسَّطُ بِاعْتِبَارِ الْمُدَّةِ بِأَنْ تُجْعَلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِسَقْيَتَيْ الْمَطَرِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِسَقْيَتَيْ النَّضْحِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ " أَخَذَ بِالِاسْتِوَاءِ " أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَقَوْلُهُ " مِنْ نَفْعِ إلَخْ " يَقْتَضِي أَنَّ النَّفْعَ مُعْتَبَرٌ فِي التَّقْسِيطِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ح ف وَصَرَّحَ بِهِ عَمِيرَةُ. قَوْلُهُ: (مِنْ نَفْعٍ) مُتَعَلِّقُ الْمِقْدَارِ، وَقَوْلُهُ " بِاعْتِبَارِ الْمُدَّةِ " مُتَعَلِّقٌ بِ " نَفْعٍ ". وَقَوْلُهُ " أَخْذًا بِالِاسْتِوَاءِ " أَيْ بِتَسَاوِي الْمُدَّتَيْنِ بِجَعْلِ نِصْفَ الْمُدَّةِ لِلسَّقْيَةِ وَنِصْفَهَا لِلسَّقْيَتَيْنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّحَكُّمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ زِيَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ (ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ) أَيْ نَظَرًا لِسَقْيِ السَّمَاءِ، وَقَوْلُهُ " وَرُبْعُ نِصْفِ الْعُشْرِ " أَيْ نَظَرًا لِسَقْيِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 صُدِّقَ الْمَالِكُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ نَدْبًا، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا ذَكَرَ بِبُدُوِّ صَلَاحِ ثَمَرٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ثَمَرَةٌ كَامِلَةٌ وَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ بَلَحٌ وَحِصْرِمٌ، وَبِاشْتِدَادِ حَبٍّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَعَامٌ وَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ بَقْلٌ، وَالصَّلَاحُ فِي ثَمَرٍ وَغَيْرِهِ بُلُوغُهُ صِفَةً يُطْلَبُ فِيهَا غَالِبًا وَعَلَامَتُهُ فِي الثَّمَرِ الْمَأْكُولِ الْمُتَلَوِّنِ أَخْذُهُ فِي حُمْرَةٍ أَوْ سَوَادٍ أَوْ صُفْرَةٍ كَبَلَحٍ وَعُنَّابٍ وَمِشْمِشٍ، وَفِي غَيْرِ الْمُتَلَوِّنِ مِنْهُ كَالْعِنَبِ الْأَبْيَضِ لِينُهُ وَتَمْوِيهُهُ وَهُوَ صَفَاؤُهُ وَجَرَيَانُ الْمَاءِ فِيهِ وَبُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ كَظُهُورِهِ. وَسُنَّ خَرْصُ أَيْ حَزْرُ كُلِّ ثَمَرٍ فِيهِ زَكَاةٌ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى مَالِكِهِ لِلِاتِّبَاعِ، فَيَطُوفُ الْخَارِصُ بِكُلِّ شَجَرَةٍ وَيُقَدِّرُ ثَمَرَتَهَا أَوْ ثَمَرَةَ كُلِّ نَوْعٍ رَطْبًا ثُمَّ يَابِسًا وَذَلِكَ لِتَضْمِينِ أَيْ لِنَقْلِ الْحَقِّ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الذِّمَّةِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا لِيُخْرِجَهُ بَعْدَ جَفَافِهِ. وَشُرِطَ فِي الْخَرْصِ الْمَذْكُورِ عَالِمٌ بِهِ أَهْلٌ لِلشَّهَادَاتِ كُلِّهَا، وَشُرِطَ تَضْمِينٌ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ   [حاشية البجيرمي] النَّضْحِ، وَرُبْعُ نِصْفِ الْعُشْرِ هُوَ ثُمْنُ الْعُشْرِ. قَالَ ح ل: وَلَمْ يُعَبِّرْ بِثُمْنِ الْعُشْرِ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ مُحَافَظَةً عَلَى الْإِتْيَانِ بِمَا تَقْتَضِيهِ النِّسْبَةُ. قَوْلُهُ: (حَلَّفَهُ) فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالنُّكُولِ شَيْءٌ م د. قَوْلُهُ: (وَحِصْرِمٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بِوَزْنِ زِبْرِجٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (وَبِاشْتِدَادِ حَبٍّ) قَالَ فِي الْعُبَابِ وَشَرْحِهِ: وَحَيْثُ اشْتَدَّ الْحَبُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَى الْمَالِكِ الْأَكْلُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي اجْتِنَابُ الْفَرِيكِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْفُولِ حَيْثُ عَلِمَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الزَّرْعِ؛ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِ أَيْضًا أُجْرَةُ الْحَصَّادِينَ مِنْهُ وَالصَّدَقَةُ مِنْهُ قَبْلَ إعْطَاءِ الزَّكَاةِ وَيُعَزَّرُ إنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ وَإِلَّا فَلَا، وَيَغْرَمُ بَدَلَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ اتِّفَاقًا. وَمَعَ حُرْمَتِهِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي غَيْرِ قَدْرِ الزَّكَاةِ. وَكَتَبَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ عَلَى قَوْلِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ بَقْلٌ وَمِنْهُ الْفَرِيكُ الْمَعْرُوفُ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَصْلُحُ لِلِادِّخَارِ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ بِاشْتِدَادِ الْحَبِّ إلَّا إذَا صَلُحَ لِلِادِّخَارِ، وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْفَرِيكِ الَّذِي يُبَاعُ الْآنَ؛ وَكَذَا الْفُولُ الْأَخْضَرُ بِجَوَازِ الْأَكْلِ مِنْهُ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ. وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ يُغْفَلُ عَنْهَا. وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ بِالْأَكْلِ وَالْإِهْدَاءِ وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَعُنَّابٍ وَمِشْمِشٍ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّلَوُّنِ لَا لِلزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا زَكَاةَ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (كَالْعِنَبِ الْأَبْيَضِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مُتَلَوِّنٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَلَوِّنِ الَّذِي يَحْدُثُ لَهُ لَوْنٌ بَعْدَ آخَرَ، وَبَيَاضُ هَذَا مَوْجُودٌ فِيهِ مِنْ حِينِ ظُهُورِهِ. قَوْلُهُ: (وَجَرَيَانُ الْمَاءِ فِيهِ) عَطْفٌ لَازِمٌ. قَوْلُهُ: (كَظُهُورِهِ) أَيْ كُلِّهِ قَوْلُهُ: (وَسُنَّ خَرْصٌ إلَخْ) أَيْ، إنْ كَانَ الْمَالِكُ مُوسِرًا، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيطِهِ عَلَى حَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ " أَيْ حَزْرُ كُلِّ " أَيْ تَخْمِينُهُ وَتَقْدِيرُهُ، وَحِكْمَتُهُ الرِّفْقُ بِالْمَالِكِ وَالْمُسْتَحَقِّينَ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الْخَرْصُ وَلَا يَنْتَقِلُ الْحَقُّ إلَى الذِّمَّةِ، لَكِنْ كَيْفَ يُحْتَاجُ لِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ لَهُ ثَمَرٌ قَدْ خُرِصَ عَلَيْهِ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِذَلِكَ الثَّمَرِ اهـ. قَوْلُهُ: (إذَا بَدَا صَلَاحُهُ) نَعَمْ إنْ بَدَا صَلَاحُ نَوْعٍ دُونَ آخَرَ، فَالْأَقْيَسُ جَوَازُ خَرْصِ الْكُلِّ م د. وَكَذَا إذَا بَدَا صَلَاحُ حَبَّةٍ مِنْ نَوْعٍ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ بَدَا صَلَاحُ حَبَّةٍ فِي بُسْتَانٍ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ الْكُلِّ بِلَا شَرْطِ الْقَطْعِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ سَنُّ الْخَرْصِ. قَوْلُهُ: (تَمْرًا) حَالٌ مِنْ الْحَقِّ. قَالَ فِي الرَّوْضِ: وَلَوْ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ أَيْ التَّمْرِ تَمْرٌ وَلَا زَبِيبٌ أَخْرَجَ مِنْهُ رَطْبًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ كَمَالِهِ، فَيُقَدَّرُ جَفَافُهُ فَيَكْمُلُ بِهِ نِصَابٌ مَعَ مَا يَجِفُّ مِنْ ذَلِكَ اهـ مَعَ زِيَادَةٍ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ غَالِبَ ثَمَرِ قُرَى مِصْرَ كَمَالُهُ حَالَ تَرَطُّبِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَتَمَّرُ وَلَا يَتَزَبَّبُ. قَوْلُهُ: (عَالِمٌ بِهِ) أَيْ كَوْنُهُ عَالِمًا بِهِ أَيْ بِالْخَرْصِ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ وَالْجَاهِلُ بِشَيْءٍ غَيْرُ أَهْلٍ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (أَهْلٌ لِلشَّهَادَاتِ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا حُرًّا ذَكَرًا نَاطِقًا بَصِيرًا عَدْلَ شَهَادَةٍ، فَلَا يُقْبَلُ الْفَاسِقُ فِيهِ وَلَا يَكْفِي عَدْلُ الرِّوَايَةِ كَالْمَرْأَةِ. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: قُلْت: لَوْ فُقِدَ الْخَارِصُ وَكَانَ هُوَ عَارِفًا فَهَلْ يَتَعَاطَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَا لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ احْتَاجَ لِلْأَكْلِ مِنْ الزَّرْعِ هَلْ تَنْتَفِي الْحُرْمَةُ وَيَتَعَلَّقُ قَدْرُهَا بِمَا أَكَلَهُ بِذِمَّتِهِ؟ ثُمَّ رَأَيْت حَجّ قَالَ: وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يَأْتِي عَلَى قَوَاعِدِنَا، وَلَهُ تَحْكِيمُ عَدْلَيْنِ يَخْرُصَانِ عَلَيْهِ وَيُضَمِّنَانِهِ عِنْدَ فَقْدِ الْخَارِصِ مِنْ جِهَةِ السَّاعِي، وَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ. فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ " وَلَوْ وَاحِدًا " مَحْمُولٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 لِمُخْرِجٍ مِنْ مَالِكٍ وَنَائِبِهِ وَقَبُولٍ لِلتَّضْمِينِ فَلِلْمَالِكِ حِينَئِذٍ تَصَرُّفٌ فِي الْجَمِيعِ. فَإِنْ ادَّعَى حَيْفَ الْخَارِصِ فِيمَا يَخْرُصُهُ أَوْ غَلَطَهُ بِمَا يَبْعُدُ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيُحَطُّ فِي الثَّانِيَةِ الْقَدْرُ الْمُحْتَمَلُ. وَإِنْ ادَّعَى غَلَطَهُ بِالْمُحْتَمَلِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَخْرُوصِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ نَدْبًا إنْ اُتُّهِمَ وَإِلَّا بِلَا يَمِينٍ. وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَ الْمَخْرُوصِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ فَكَوَدِيعٍ لَكِنَّ الْيَمِينَ هُنَا سُنَّةٌ بِخِلَافِهَا فِي الْوَدِيعِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ.   [حاشية البجيرمي] عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَارِصُ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ كَفَى وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (كُلِّهَا) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " كُلِّهَا " عَنْ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِمُخْرَجٍ) أَيْ بِشَرْطِ يَسَارِهِ، حَتَّى لَوْ ضَمِنَ وَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ مُعْسِرًا حَالَ التَّضْمِينِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يُنْقَلْ الْحَقُّ إلَى ذِمَّتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ز ي. قَوْلُهُ: (وَقَبُولٍ لِلتَّضْمِينِ) كَأَنْ يَقُولَ: ضَمَّنْتُك حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ الرُّطَبِ بِكَذَا، فَيَقْبَلُ أَيْ فَوْرًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: أَيْ يُسَنُّ الْخَرْصُ لِنَقْلِ الْحَقِّ، أَيْ بِصِيغَةٍ كَضَمَّنْتُك نَصِيبَ الْمُسْتَحِقِّينَ رُطَبًا بِكَذَا تَمْرًا، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ لَفْظًا وَالرِّضَا؛ فَإِنْ انْتَفَى الْخَرْصُ أَوْ التَّضْمِينُ أَوْ الْقَبُولُ نَفَذَ التَّصَرُّفُ فِيمَا عَدَا قَدْرَهَا شَائِعًا، رَحْمَانِيٌّ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَيْسَ هَذَا التَّضْمِينُ عَلَى حَقِيقَةِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ جَمِيعُ الثِّمَارِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ سُرِقَتْ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْجَرِينِ قَبْلَ الْجَفَافِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَطْعًا لِفَوَاتِ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهَا؛ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي نِصَابَ زَكَاةٍ أَوْ دُونَهُ أَخْرَجَ حِصَّتَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمْكِينَ شَرْطٌ لِلضَّمَانِ لَا لِلْوُجُوبِ، فَإِنْ تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ كَأَنْ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهِ ضَمِنَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي حَالَةِ عَدَمِ تَقْصِيرِهِ مَعَ تَقَدُّمِ التَّضْمِينِ لِبِنَاءِ أَمْرِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ؛ لِأَنَّهَا أَيْ الزَّكَاةَ ثَبَتَتْ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ فَبَقَاءُ الْحَقِّ مَشْرُوطٌ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (فَلِلْمَالِكِ حِينَئِذٍ) أَيْ حَيْثُ وُجِدَ الْخَرْصُ. وَالتَّضْمِينُ وَالْقَبُولُ، فَإِنْ انْتَفَى الْخَرْصُ أَوْ التَّضْمِينُ أَوْ الْقَبُولُ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ فِي الْجَمِيعِ بَلْ فِيمَا عَدَا الْوَاجِبَ شَائِعًا لِبَقَاءِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ لَا مُعَيَّنًا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، فَالتَّمْرَةُ الْوَاحِدَةُ لَهُ مِنْهَا تِسْعَةُ أَعْشَارٍ وَلَهُمْ فِيهَا عُشْرٌ أج. قَوْلُهُ: (فِي الْجَمِيعِ) أَيْ فِي جَمِيعِ مَا خُرِصَ بَيْعًا وَغَيْرَهُ لِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ عَنْ الْعَيْنِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَلَطَهُ بِمَا يَبْعُدُ) وَهُوَ الَّذِي تُحِيلُ الْعَادَةُ وُقُوعَ الْغَلَطِ فِيهِ ح ف، كَأَنْ قَالَ الْخَارِصُ: التَّمْرُ عِشْرُونَ وَسْقًا، فَادَّعَى الْمَالِكُ غَلَطَهُ بِخَمْسَةٍ وَادَّعَى أَنَّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَقَطْ فَالْخَمْسَةُ يَبْعُدُ غَلَطُهُ فِيهَا. وَقَوْلُهُ " وَيَحُطُّ فِي الثَّانِيَةِ الْقَدْرَ الْمُحْتَمَلَ " أَيْ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَالْقَدْرُ الْمُحْتَمَلُ هُوَ الَّذِي لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ قُبِلَ كَوَاحِدٍ فِي مِائَةٍ، وَقَدْ مَثَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِنِصْفِ الْعُشْرِ، شَرْحُ حَجّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (بِمَا يَبْعُدُ) كَالرُّبْعِ وَالثُّلُثِ. قَوْلُهُ: (وَيَحُطُّ فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ يَحُطُّ مِنْ الْأَوْسُقِ الْقَدْرَ الَّذِي يُحْتَمَلُ أَنَّ الْخَارِصَ غَلِطَ فِيهِ، وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَإِلَّا عُمِلَ بِهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ ادَّعَى غَلَطَهُ بِالْمُحْتَمَلِ) أَيْ وَبَيَّنَ قَدْرًا وَإِلَّا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ) أَيْ الْمَالِكُ قَوْلُهُ: (وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَ الْمَخْرُوصِ) أَيْ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الزَّكَاةِ لِيَكُونَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى فَائِدَةٌ وَهِيَ سُقُوطُ زَكَاةِ مَا تَلِفَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ أَوْ بَعْضِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَا مَعْنَى لِهَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ تَلِفَ أَوْ بَقِيَ. قَوْلُهُ: (فَكَوَدِيعٍ) فَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهُ مُطْلَقًا أَوْ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ أَوْ ظَاهِرٍ كَنَهْبٍ فِي عُرْفٍ دُونَ عُمُومِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَوْ عُرِفَ مَعَ عُمُومِهِ، فَكَذَلِكَ إنْ اُتُّهِمَ وَإِلَّا صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ؛ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الظَّاهِرُ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِهِ لِإِمْكَانِهَا ثُمَّ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي التَّلَفِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ فَمُقْتَضَاهُ الضَّمَانُ وَإِنْ تَلِفَ الْمَخْرُوصُ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ؟ أُجِيبُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ بِأَدَائِهِ إلَّا إذَا تَمَكَّنَ بِأَنْ جَفَّ، فَإِنْ تَلِفَتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَ الْخَرْصِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الرَّوْضِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْعُرُوضِ وَالْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ (وَتُقَوَّمُ عُرُوضُ التِّجَارَةِ عِنْدَ) آخِرِ (الْحَوْلِ بِمَا اُشْتُرِيَتْ بِهِ) هَذَا إذَا مَلَكَ مَالَ التِّجَارَةِ بِنَقْدٍ وَلَوْ فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ بِغَيْرٍ نَقْدِ الْبَلَدِ الْغَالِبِ، أَوْ دُونَ نِصَابٍ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِهِ لِأَنَّهُ أَصْلُ مَا بِيَدِهِ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ نِصَابًا لَمْ تَجِبْ   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْعُرُوضِ] ِ وَالْعُرُوضُ جَمْعُ عَرْضٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا قَابَلَ النَّقْدَيْنِ مِنْ صُنُوفِ الْأَمْوَالِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا قَابَلَ الطُّولَ وَبِضَمِّ الْعَيْنِ مَا قَابَلَ النَّصْلَ فِي السِّهَامِ وَبِكَسْرِهَا مَحَلُّ الذَّمِّ وَالْمَدْحِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ مَعًا مَا قَابَلَ الْجَوْهَرَ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ آخِرِ الْحَوْلِ) أَيْ بَعْدَهُ لَا بِطَرَفَيْهِ وَلَا بِجَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْقِيمَةِ وَيُعْسَرُ مُرَاعَاتُهَا كُلَّ وَقْتٍ لِاضْطِرَابِ الْأَسْعَارِ انْخِفَاضًا وَارْتِفَاعًا. وَاكْتَفَى بِاعْتِبَارِهَا آخِرَ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَاعْلَمْ أَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ تَجِبُ بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَلَكَ ذَلِكَ الْمَالَ بِمُعَاوَضَةٍ وَلَوْ غَيْرَ مَحْضَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنَّ الْمُعَاوَضَةَ قِسْمَانِ: مَحْضَةٌ وَهِيَ مَا تَفْسُدُ بِفَسَادِ مُقَابِلِهَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِعِوَضٍ اشْتَرَى بِعَيْنِهِ أَوْ نَقْدٍ أَوْ دَيْنٍ حَالٍّ وَمِنْ الْمَمْلُوكِ بِمُعَاوَضَةٍ مَا لَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَنْ دَمٍ وَمَا أَجَّرَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ؛ أَوْ غَيْرُ مَحْضَةٍ وَهِيَ مَا لَا تَفْسُدُ بِفَسَادِ مُقَابِلِهَا كَالنِّكَاحِ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَعْرِيفِ الْمُعَاوَضَةِ فَشَمِلَ الْقِسْمَيْنِ وَصَرَّحَ بِهِ ق ل وَالْمُنَاوِيُّ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ خَلَفَ لِوَرَثَتِهِ عُرُوضَ التِّجَارَةِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِيهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُمْلَكْ بِمُعَاوَضَةٍ. ثَانِيهَا: أَنْ تَقْتَرِنَ نِيَّةُ التِّجَارَةِ بِحَالِ الْمُعَاوَضَةِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ أَوْ فِي مَجْلِسِهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ بِالْمُعَاوَضَةِ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ التِّجَارَةُ وَقَدْ يُقْصَدُ بِهِ غَيْرُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ مُمَيِّزَةٍ إنْ لَمْ يُجَدِّدْهَا فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِجَمِيعِ رَأْسِ الْمَالِ، أَيْ إذَا بَاعَ مَا اقْتَرَنَتْ بِهِ النِّيَّةُ حَالَ شِرَائِهِ وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً فَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ لِانْسِحَابِ حُكْمِ التِّجَارَةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ اشْتَرَى عَرْضًا آخَرَ فَلَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ نِيَّةٍ مُقْتَرِنَةٍ بِهِ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَفْرُغَ رَأْسُ الْمَالِ. ثَالِثُهَا: أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالْمَالِ الْقِنْيَةَ وَهِيَ الْإِمْسَاكُ لِلِانْتِفَاعِ، أَيْ وَكَذَا بِبَعْضِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، وَيَرْجِعْ فِي تَعْيِينِهِ لَهُ فَإِنْ قَصَدَهَا بِهِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ. رَابِعُهَا: مُضِيُّ حَوْلٍ مِنْ الْمِلْكِ؛ نَعَمْ إنْ مَلَكَهُ بِعَيْنِ نَقْدِ نِصَابٍ أَوْ دُونَهُ وَفِي مِلْكِهِ بَاقِيَةٌ كَأَنْ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا أَوْ بِعَيْنِ عَشَرَةٍ وَفِي مِلْكِهِ عَشَرَةٌ أُخْرَى بَنَى عَلَى نَقْدِ الْحَوْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِنِصَابٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ نَقَدَهُ أَيْ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْمَجْلِسِ كَالْوَاقِعِ فِي الْعَقْدِ فَيَنْقَطِعُ حَوْلُهُ وَيُبْتَدَأُ حَوْلُ التِّجَارَةِ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ. وَفَرْقٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ النَّقْدَ لَمْ يَتَعَيَّنْ صَرْفُهُ لِلشِّرَاءِ فِي الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ الْأُولَى. خَامِسُهَا: أَنْ لَا يَنِضَّ جَمِيعُهُ، أَيْ مَالِ التِّجَارَةِ، مِنْ الْجِنْسِ نَاقِصًا عَنْ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، فَإِنْ نَضَّ كَذَلِكَ ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً لِلتِّجَارَةِ فَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ يَكُونُ مِنْ الشِّرَاءِ. سَادِسُهَا: أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ آخِرَ الْحَوْلِ نِصَابًا، وَكَذَا إنْ بَلَغَتْهُ دُونَ نِصَابٍ وَمَعَهُ مَا يَكْمُلُ بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَابْتَاعَ بِخَمْسِينَ مِنْهَا وَبَلَغَ مَالُ التِّجَارَةِ آخِرَ الْحَوْلِ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَيُضَمُّ لِمَا عِنْدَهُ وَيَجِبُ زَكَاةُ الْجَمِيعِ اهـ. قَوْلُهُ: (الْغَالِبِ) لَوْ حَذَفَ " الْغَالِبَ " لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (أَوْ دُونَ نِصَابٍ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَارَةً يَمْلِكُهُ بِنَقْدٍ وَتَارَةً بِنَقْدَيْنِ وَتَارَةً بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ وَتَارَةً بِغَيْرِ نَقْدٍ أَصْلًا وَتَارَةً يَمْلِكُهُ لَا بِشَيْءٍ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِهِ) أَيْ بِالنَّقْدِ وَإِنْ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 الزَّكَاةُ وَإِنْ بَلَغَ بِغَيْرِهِ، أَمَّا إذَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ نَقْدٍ كَعَرْضٍ وَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ فَبِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ يُقَوَّمُ بِهِ. فَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ بِمَحَلٍّ لَا نَقْدَ فِيهِ كَبَلَدٍ يُتَعَامَلُ فِيهِ بِفُلُوسٍ أَوْ نَحْوِهَا اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهِ، فَإِنْ مَلَكَهُ بِنَقْدٍ وَغَيْرِهِ قُوِّمَ مَا قَابَلَ النَّقْدَ بِهِ وَالْبَاقِيَ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ. فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ عَلَى التَّسَاوِي وَبَلَغَ مَالُ التِّجَارَةِ نِصَابًا بِأَحَدِهِمْ دُونَ الْآخَرِ قُوِّمَ لِتَحَقُّقِ تَمَامِ النِّصَابِ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ تَمَّ النِّصَابُ فِي مِيزَانٍ دُونَ آخَرَ أَوْ بِنَقْدٍ لَا يُقَوَّمُ بِهِ دُونَ نَقْدٍ يُقَوَّمُ بِهِ. وَإِنْ بَلَغَ نِصَابًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا خُيِّرَ الْمَالِكُ كَمَا فِي شَاتَيْ الْجُبْرَانِ وَدَرَاهِمِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ صُحِّحَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْأَنْفَعُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَيُضَمُّ رِبْحٌ حَاصِلٌ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لِأَصْلٍ فِي الْحَوْلِ إنْ لَمْ يَنِضَّ بِمَا يُقَوَّمُ بِهِ. فَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ فِي الْحَوْلِ وَلَوْ قَبْلَ آخِرِهِ بِلَحْظَةٍ ثَلَثَمِائَةٍ زَكَّاهَا آخِرَهُ، أَمَّا إذَا نَضَّ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِمَا يُقَوَّمُ بِهِ وَأَمْسَكَهُ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ فَلَا يُضَمُّ إلَى الْأَصْلِ بَلْ يُزَكَّى الْأَصْلُ بِحَوْلِهِ وَيُفْرَدُ الرِّبْحُ بِحَوْلٍ (وَيُخْرِجُ مِنْ) قِيمَةِ (ذَلِكَ) لَا مِنْ الْعُرُوضِ (رُبْعُ الْعُشْرِ) أَمَّا أَنَّهُ رُبْعُ الْعُشْرِ فَكَمَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ يُقَوَّمُ بِهِمَا، وَأَمَّا أَنَّهُ مِنْ الْقِيمَةِ فَلِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْ عَيْنِ الْعُرُوضِ. (وَمَا) أَيْ وَأَيُّ نِصَابٍ (اُسْتُخْرِجَ مِنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ   [حاشية البجيرمي] وَقَوْلُهُ " لِأَنَّهُ " أَيْ بِالنَّقْدِ، وَقَوْلُهُ " فَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ " أَيْ بِمَا اُشْتُرِيَتْ بِهِ، وَقَوْلُهُ " فَبِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ " أَيْ بَلَدِ حَوَلَانِ الْحَوْلِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ خ ض عَلَى التَّحْرِيرِ. وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: فَلَوْ حَالَ إلَخْ " وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: أَيْ نَقْدُ بَلَدِ الْإِخْرَاجِ. قَوْلُهُ: (وَالْبَاقِي) وَهُوَ مَا قَابَلَ غَيْرَ النَّقْدِ، وَيُعْرَفُ مُقَابِلُهُ بِتَقْوِيمِهِ وَقْتَ الشِّرَاءِ وَجَمْعِ قِيمَتِهِ مَعَ النَّقْدِ وَنِسْبَتِهِ مِنْ الْجُمْلَةِ، فَلَوْ كَانَ اشْتَرَى بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَبِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ فَمُقَابِلُهُ ثُلُثُ مَالِ التِّجَارَةِ فَيُقَوَّمُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ جِنْسُ النَّقْدَيْنِ الْمُتَقَوِّمِ بِهِمَا لَمْ يَكْمُلْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَلَا تَجِبُ زَكَاةُ مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا مِنْهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَتَأَمَّلْ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: فَبِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ. قَوْلُهُ: (لِتَحَقُّقِ إلَخْ) فِي التَّعْبِيرِ بِالتَّحَقُّقِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ تَخْمِينٌ قَدْ يُخْطِئُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالتَّحَقُّقِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَلَوْ قَالَ: لِأَنَّ الْوَزْنَ أَضْبَطُ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ) أَيْ الْمُقَوَّمِ بِهِمَا حَتَّى يُفَارِقَ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ تَمَّ النِّصَابُ) أَيْ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَلَغَ نِصَابًا) مُقَابِلُ قَوْلِهِ " بِأَحَدِهِمَا ". قَوْلُهُ: (بِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ بِكُلٍّ مِنْ النَّقْدَيْنِ الْغَالِبَيْنِ عَلَى التَّسَاوِي. قَوْلُهُ: (وَإِنْ صُحِّحَ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (وَيُضَمُّ رِبْحُ) سَوَاءٌ حَصَلَ الرِّبْحُ بِزِيَادَةٍ فِي نَفْسِ الْعَرْضِ كَسَمْنِ الْحَيَوَانِ أَمْ بِارْتِفَاعِ الْأَسْوَاقِ شَرْحُ م ر. وَإِنَّمَا ضَمَّ الرِّبْحُ قِيَاسًا عَلَى النِّتَاجِ مَعَ الْأُمَّهَاتِ وَلِعُسْرِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى حَوْلِ كُلِّ زِيَادَةٍ مَعَ اضْطِرَابِ الْأَسْوَاقِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ ارْتِفَاعًا وَانْخِفَاضًا اهـ شَرْحُ حَجّ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَنِضَّ) بِأَنْ لَمْ يَنِضَّ أَصْلًا أَوْ نَضَّ بِغَيْرِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ أَيْ بِيعَ بِغَيْرِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّضَّ الْبَيْعُ، فَمَنْطُوقُهُ شَامِلٌ لِصُورَتَيْنِ، وَتَفْسِيرُ النَّضِّ بِالْبَيْعِ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ وَإِلَّا فَمَعْنَاهُ أَنْ يَصِيرَ نَاضًّا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ: أَمَّا إذَا نَضَّ إلَخْ. وَيَلْزَمُ ذَلِكَ الْبَيْعَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إنَّمَا يُسَمُّونَ النَّقْدَ نَاضًّا إذَا تَحَوَّلَ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَتَاعًا؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَا نَضَّ بِيَدِي مِنْهُ شَيْءٌ أَيْ مَا حَصَلَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ قَوْلُهُ: (فَصَارَتْ قِيمَتُهُ) أَوْ نَضَّ فِيهِ بِهَا وَهِيَ مِمَّا لَا تُقَوَّمُ بِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَهَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْمَنْطُوقِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا نَضَّ) بِأَنْ بِيعَ بِمَا ذَكَرَهُ، وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا نَضَّ مِنْ الْجِنْسِ فَقَدْ رَجَعَ رَأْسُ الْمَالِ إلَى أَصْلِهِ فَيَصِيرُ الرِّبْحُ مُسْتَقِلًّا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنِضَّ أَوْ نَضَّ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَلَمْ يَرْجِعْ رَأْسُ الْمَالِ إلَى أَصْلِهِ فَلَا يَصِيرُ الرِّبْحُ مُسْتَقِلًّا، لِارْتِبَاطِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِرَأْسِ الْمَالِ ارْتِبَاطَ التَّابِعِ بِالْمَتْبُوعِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَأَمْسَكَهُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، إذْ مِثْلُهُ مَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ عَرْضًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَيُفْرِدُ الرِّبْحَ بِحَوْلٍ) فَإِذَا تَمَّ حَوْلُهُ زَكَّاهُ. وَلَا يُقَالُ إنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ النِّصَابُ، وَالرِّبْحُ لَيْسَ نِصَابًا كَامِلًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْإِخْرَاجَ لَيْسَ عَنْهُ وَحْدَهُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا بِيَدِهِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْإِخْرَاجِ أَنْ يَضُمَّهَا لِمَا عِنْدَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (فَلِأَنَّهَا) أَيْ الْقِيمَةَ مُتَعَلِّقَةٌ أَيْ رُبْعُ الْعُشْرِ. قَوْلُهُ: (وَأَيُّ نِصَابٍ) أَيْ وَلَوْ بِضَمِّهِ لِمَا عِنْدَهُ كَمَا يَأْتِي، وَسَوَاءٌ اُسْتُخْرِجَ بِمُعَالَجَةٍ أَوْ بِدُونِهَا خِلَافًا لِلْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ بَيْنَ مَا اُسْتُخْرِجَ بِمُعَالَجَةٍ فَفِيهِ رُبْعُ الْعُشْرِ، وَمَا اُسْتُخْرِجَ بِلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 وَالْفِضَّةِ) أَيْ اسْتَخْرَجَ ذَلِكَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ مِنْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ لَهُ (يُخْرِجُ مِنْهُ) أَيْ النِّصَابِ (رُبْعَ الْعُشْرِ) بِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ لِخَبَرِ «وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ» إذْ لَا وَقْصَ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ كَمَا مَرَّ. وَلَا يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ بَلْ يَجِبُ الْإِخْرَاجُ (فِي الْحَالِ) لِأَنَّ الْحَوْلَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ تَكَامُلِ النَّمَاءِ، وَالْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْمَعْدِنِ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الثِّمَارَ وَالزُّرُوعَ، وَيُضَمُّ بَعْضُ الْمُخْرَجِ إلَى بَعْضٍ إنْ اتَّحَدَ الْمَعْدِنُ وَتَتَابَعَ الْعَمَلُ كَمَا يُضَمُّ الْمُتَلَاحِقُ مِنْ الثِّمَارِ، وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْأَوَّلِ عَلَى مِلْكِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِي الضَّمِّ اتِّصَالُ النَّيْلِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ غَالِبًا إلَّا مُتَفَرِّقًا. وَإِذَا قُطِعَ الْعَمَلُ بِعُذْرٍ كَإِصْلَاحِ آلَةٍ وَمَرَضٍ ضُمَّ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ عُرْفًا، فَإِنْ قُطِعَ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يُضَمَّ طَالَ الزَّمَنُ أَمْ لَا لِإِعْرَاضِهِ. وَمَعْنَى عَدَمِ الضَّمِّ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ الْأَوَّلُ إلَى الثَّانِي فِي إكْمَالِ النِّصَابِ وَيُضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ بَاقِيًا كَمَا يَضُمُّهُ إلَى مَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمَعْدِنِ كَإِرْثٍ وَهِبَةٍ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ، فَإِذَا اسْتَخْرَجَ مِنْ الْفِضَّةِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا بِالْعَمَلِ الْأَوَّلِ وَمِائَةً وَخَمْسِينَ بِالثَّانِي فَلَا زَكَاةَ   [حاشية البجيرمي] مُعَالَجَةٍ فَفِيهِ الْخُمْسُ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَعَادِنِ) أَيْ أَمْكِنَةِ الذَّهَبِ إلَخْ فَمِنْ لِلِابْتِدَاءِ وَالْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةٌ أَوْ مَعَادِنَ هِيَ الذَّهَبُ، فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَمِنْ بَيَانٍ لِمَا؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَكَانِ وَعَلَى الْمُسْتَخْرَجِ سَوَاءٌ كَانَ بِكَسْرِ الدَّالِ أَوْ فَتْحِهَا. وَقِيلَ: إنَّ الْمَكَانَ بِالْفَتْحِ وَالْمُسْتَخْرِجَ بِالْكَسْرِ، وَالْمَعَادِنُ جَمْعُ مَعْدِنٍ مِنْ عَدَنَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ، وَمِنْهُ {جَنَّاتُ عَدْنٍ} [الرعد: 23] أَيْ إقَامَةٍ ح ل قَالَ م ر سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُدُونِهِ أَيْ إقَامَتِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ) سَكَتَ عَمَّا اُسْتُخْرِجَ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ مَوْقُوفٍ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُسْتَخْرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ وَقْفِهِ مَسْجِدًا فَهُوَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا بَعْدَ الْوَقْفِيَّةِ فَهُوَ مِنْ رِيعِ الْمَسْجِدِ، وَالْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى شَخْصٍ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْوَقْفِيَّةِ فَهُوَ مِنْ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لِلشَّخْصِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى مَسْجِدٍ. قَوْلُهُ: (رُبْعُ الْعُشْرِ) وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ إنْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ مِلْكَهُ مِنْ حِينِ مَلَكَ الْأَرْضَ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْجُودُ مِمَّا يُخْلَقُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِهَا شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (إنْ اتَّحَدَ الْمَعْدِنُ) أَيْ الْمَكَانُ لَا إنْ تَعَدَّدَ وَإِنْ تَقَارَبَ م ر. وَكَذَا يُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ فِي الرِّكَازِ، ابْنُ حَجَرٍ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَتَتَابَعَ الْعَمَلُ) أَوْ قَطَعَهُ بِعُذْرٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْأَوَّلِ عَلَى مِلْكِهِ) كَأَنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ بِالتَّلَفِ فَيُضَمُّ الثَّانِي وَالثَّالِثُ لِمَا تَلِفَ وَتَخْرُجُ زَكَاةُ الْجَمِيعِ إنْ كَمُلَ النِّصَابُ؛ فَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْأَوَّلِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ كَأَنْ كَانَ كُلَّمَا أَخْرَجَ شَيْئًا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ إلَى أَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ نَحْوِ الْبَيْعِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَيَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ وَإِنْ تَلِفَ وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الضَّمِّ اتِّصَالُ النَّيْلِ) أَيْ الْمَنَالِ. وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ سَابِقًا " وَتَتَابَعَ الْعَمَلُ " إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَتَابُعِ الْعَمَلِ اتِّصَالُ النَّيْلِ، فَقَدْ تَكُونُ الْأَرْضُ صُلْبَةً يَكْثُرُ الْعَمَلُ فِيهَا وَلَا يُدْرِكُ الْمَنَالَ. قَوْلُهُ: (اتِّصَالُ النَّيْلِ) أَيْ اتِّصَالًا حَقِيقِيًّا، وَإِلَّا فَالِاتِّصَالُ الْعُرْفِيُّ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَفِي الْقَامُوسِ: النَّيْلُ وَالنَّوْلُ مَا نِلْتُهُ أَيْ حَصَّلْتُهُ. . قَوْلُهُ: (كَإِصْلَاحِ آلَةٍ) أَيْ وَهَرَبِ أَجِيرٍ م ر. قَوْلُهُ: (وَإِنْ طَالَ) غَايَةٌ لِلضَّمِّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَطَعَ بِلَا عُذْرٍ) أَوْ تَعَدَّدَ الْمَعْدِنُ. قَوْلُهُ: (بِإِعْرَاضِهِ) نَعَمْ يَتَسَامَحُ بِمَا اُعْتِيدَ لِلِاسْتِرَاحَةِ فِيهِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَقَدْ يَطُولُ وَقَدْ يَقْصُرُ، وَلَا يُتَسَامَحُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (لَا يُضَمُّ الْأَوَّلُ إلَى الثَّانِي) خَرَجَ بِالثَّانِي غَيْرُهُ مِمَّا يَمْلِكُهُ فَيُضَمُّ إلَيْهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْتَخْرَجِ نِصَابًا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ السَّابِقِ أَيْ وَأَيُّ نِصَابٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ إذَا بَلَغَ الْمُسْتَخْرَجُ نِصَابًا يَضُمُّهُ لِمَا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُزَكَّى. قَوْلُهُ: (فِي إكْمَالِ النِّصَابِ) الْأَوْلَى فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " فِي إكْمَالِ النِّصَابِ " أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يُزَكِّيَ الْجَمِيعَ وَإِنْ ضُمَّ إلَيْهِ لِيُزَكِّيَ الثَّانِيَ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ. وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ " وَيُضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ " لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ضَمِّ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ ضَمُّ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي اط ف مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ بَاقِيًا) هَذَا لَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ سَابِقًا " وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْأَوَّلِ عَلَى مِلْكِهِ " لِأَنَّ ذَاكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا تَتَابَعَ الْعَمَلُ، وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَتَتَابَعْ الْعَمَلُ؛ هَذَا مَا ظَهَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 فِي الْخَمْسِينَ وَتَجِبُ فِي الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ كَمَا تَجِبُ فِيمَا لَوْ كَانَ مَالِكًا لِخَمْسِينَ مِنْ غَيْرِ الْمَعْدِنِ. تَنْبِيهٌ: خَرَجَ بِقَوْلِنَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَأَمَّا مَا يَأْخُذُهُ الرَّقِيقُ فَلِسَيِّدِهِ فَيَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ أَخْذِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ بِهَا لِأَنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ دَخِيلٌ فِيهَا وَالْمَانِعُ لَهُ لِلْحَاكِمِ فَقَطْ، فَإِنْ أَخَذَهُ قَبْلَ مَنْعِهِ مَلَكَهُ كَمَا لَوْ احْتَطَبَ، وَيُفَارِقُ مَا أَحْيَاهُ بِتَأَبُّدِ ضَرَرِهِ وَوَقْتُ وُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ حُصُولُ النَّيْلِ فِي يَدِهِ، وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ عَقِبَ التَّخْلِيصِ وَالتَّنْقِيَةِ مِنْ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ، كَمَا أَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ فِي الزَّرْعِ اشْتِدَادُ الْحَبِّ وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ التَّنْقِيَةُ. (وَمَا) أَيْ وَأَيُّ نِصَابٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (يُؤْخَذُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ الرِّكَازِ (فَفِيهِ الْخُمُسُ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَخَالَفَ الْمَعْدِنُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا مُؤْنَةَ فِي تَحْصِيلِهِ أَوْ مُؤْنَتُهُ قَلِيلَةٌ فَكَثُرَ وَاجِبُهُ كَالْمُعَشَّرَاتِ، وَيُصْرَفُ هُوَ وَالْمَعْدِنُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْأَرْضِ فَأَشْبَهَ الْوَاجِبَ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ نِصَابًا مِنْ النَّقْدِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ، وَالرِّكَازُ بِمَعْنَى الْمَرْكُوزِ وَهُوَ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَيْ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ جَهَالَاتِهِمْ، وَيُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الْمَدْفُونِ الْجَاهِلِيِّ رِكَازًا أَنْ لَا يُعْلَمَ أَنَّ مَالِكَهُ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا بَلَغَتْهُ وَعَانَدَ وَوُجِدَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ فِي الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ إلَخْ) وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ وَقْتَ تَمَامِهِمَا وَلَا يَتِمَّانِ إلَّا بَعْدَ اسْتِخْرَاجِ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ إنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِمَا، يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ فِي الصُّنْدُوقِ خَمْسُونَ وَاسْتَخْرَجَ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ وَانْعَقَدَ حَوْلُ الْمِائَتَيْنِ مِنْ حِينَئِذٍ وَمَا مَضَى عَلَى الْخَمْسِينَ مِنْ الْمُدَّةِ لَا يُحْسَبُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَالْقِيَاسُ انْعِقَادُهُ مِنْ حِينِ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِهِمَا لَا مِنْ حِينِ تَمَامِهِمَا لِمِلْكِ الْمُسْتَحِقِّينَ جُزْءًا مِنْ الْمُسْتَخْرَجِ فَيَنْقُصُ مَجْمُوعُ الْمَمْلُوكِ عَنْ النِّصَابِ فَلَا يَنْعَقِدُ حَوْلُهُ. . قَوْلُهُ: (وَالْمَانِعَ لَهُ الْحَاكِمُ فَقَطْ) عِبَارَةُ م ر: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَنْقَدِحُ حِينَئِذٍ جَوَازُ مَنْعِهِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ حَقٍّ فِيهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَيُفَارِقُ مَا أَحْيَاهُ) فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (بِتَأَبُّدِ ضَرَرِهِ) أَيْ ضُرِّ مَا أَحْيَاهُ. قَوْلُهُ: (حُصُولُ النَّيْلِ) أَيْ الْمَنَالِ قَوْلُهُ: (بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ) أَوْ بِالْجِيمِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ؛ وَلَعَلَّ اخْتِيَارَهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْوُجُودِ الْأَخْذُ. قَوْلُهُ: (مِنْ الرِّكَازِ) مِنْ الرِّكْزِ وَهُوَ الْخَفَاءُ، قَالَ تَعَالَى: {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [مريم: 98] أَيْ صَوْتًا خَفِيًّا ح ل. قَوْلُهُ: (وَخَالَفَ الْمَعْدِنَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ قَدْرُ الْوَاجِبِ وَإِنْ وَافَقَهُ فِي الْإِخْرَاجِ فَوْرًا. قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ إنَّهُ) أَيْ الرِّكَازَ. وَقَوْلُهُ " لَا مُؤْنَةَ فِي تَحْصِيلِهِ " كَأَنْ أَظْهَرَهُ السَّيْلُ، وَقَوْلُهُ " أَوْ مُؤْنَتُهُ قَلِيلَةٌ " أَيْ إنْ لَمْ يُظْهِرْهُ السَّيْلُ. قَوْلُهُ: (كَالْمُعَشَّرَاتِ) فَإِنَّ فِيهَا الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، فَإِنَّ فِيهِ رُبْعَ الْعُشْرِ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، أَيْ فَلَمَّا كَانَتْ الْمُعَشَّرَاتُ لَا مُؤْنَةَ فِيهَا أَوْ مُؤْنَتُهَا قَلِيلَةٌ كَثُرَ وَاجِبُهَا عَلَى مَا مُؤْنَتُهُ كَثِيرَةٌ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (فَأَشْبَهَ الْوَاجِبَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، قَالَ م ر: وَبِهِ انْدَفَعَ قِيَاسُهُ عَلَى الْفَيْءِ. . قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ " وَأَيُّ نِصَابٍ " وَأَمَّا. قَوْلُهُ: " وَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ " فَقَدْ عُلِمَ مِنْ السُّكُوتِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ) أَيْ النَّاسُ الَّذِينَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى مَنْ يَعْقِلُ تَشْبِيهًا لَهُمْ بِغَيْرِ الْعُقَلَاءِ لِعَدَمِ اهْتِدَائِهِمْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (أَيْ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) شَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الدَّافِنُ مِنْ قَوْمِ مُوسَى أَوْ عِيسَى وَغَيْرِهِمَا أج. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّ مَالِكَهُ إلَخْ) لَا يُقَالُ هَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ دَفِينٌ جَاهِلِيٌّ أَيْ قَبْلَ الْمَبْعَثِ، وَهَذَا بَعْدَهُ فَلَا حَاجَةَ لِاشْتِرَاطِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ دَفَنَهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَهُوَ جَاهِلِيٌّ ثُمَّ بُعِثَ الرَّسُولُ وَبَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَلَمْ يُؤْمِنْ فَهَذَا دَفِينٌ جَاهِلِيٌّ، فَإِذَا وَجَدَهُ شَخْصٌ فَلَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِكَازٍ بَلْ فَيْءٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ؛ أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 فِي بِنَائِهِ أَوْ بَلَدِهِ الَّتِي أَنْشَأَهَا كَبُرٍّ فَلَيْسَ بِرِكَازٍ بَلْ فَيْءٌ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَأَقَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مَدْفُونًا، فَإِنْ وَجَدَهُ ظَاهِرًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ السَّيْلَ أَظْهَرَهُ فَرِكَازٌ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ ظَاهِرًا فَلُقَطَةٌ وَإِنْ شَكَّ فَكَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ ضَرْبُ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ وَسَيَأْتِي، فَإِنْ وُجِدَ دَفِينٌ إسْلَامِيٌّ كَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ عَلِمَ مَالِكَهُ فَلَهُ فَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ لِأَنَّ مَالَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَالِكَهُ فَلُقَطَةٌ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ الْجَاهِلِيِّ وَالْإِسْلَامِيِّ هُوَ بِأَنْ كَانَ مِمَّا لَا أَثَرَ عَلَيْهِ كَالتِّبْرِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الرِّكَازَ الْوَاجِدُ لَهُ وَيَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ إذَا وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ أَوْ فِي مِلْكٍ أَحْيَاهُ، فَإِنْ وَجَدَهُ فِي مَسْجِدٍ أَوْ شَارِعٍ فَلُقَطَةٌ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ أَوْ فِي مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ فَلِلشَّخْصِ إنْ ادَّعَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ بِأَنْ نَفَاهُ أَوْ سَكَتَ فَلِمَنْ مَلَكَ مِنْهُ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إلَى الْمُحْيِ لِلْأَرْضِ فَيَكُونُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ. وَلَوْ تَنَازَعَ الرِّكَازَ فِي مِلْكِ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ أَوْ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ أَوْ مُعِيرٍ وَمُسْتَعِيرٍ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي أَمْتِعَةِ الدَّارِ. فَصْلٌ: فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ   [حاشية البجيرمي] بَلْ فَيْءٌ) خُمْسُهُ لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَبَقِيَّتُهُ لِمَنْ وَجَدَهُ كَمَا نَقَلَهُ م د عَنْ سم. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْغَنِيمَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ خُمْسُهُ لِلْخَمْسَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7] الْآيَةَ، وَذِكْرُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِيهَا لِلتَّبَرُّكِ. وَالْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ لِلْمُرْتَزِقَةِ أَيْ الْمُرْصَدِينَ لِلْجِهَادِ. قَوْلُهُ: (وَسَيَأْتِي) سَيَأْتِي أَنَّهُ لُقَطَةٌ. فَكَانَ الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ " وَإِنْ شَكَّ ": وَكَذَا لَوْ شَكَّ. قَوْلُهُ: (فَلُقَطَةٌ) أَيْ يُعَرِّفُهُ الْوَاجِدُ لَهُ سَنَةً ثُمَّ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَالِكُهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ) كَانَ الْمُنَاسِبُ مِنْ أَيِّ الدَّفِينَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التِّبْرَ لَا ضَرْبَ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَعْلَمْ سَالِبَةٌ تَصَدَّقَ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ. قَوْلُهُ: (فِي مَوَاتٍ) وَفِي مَعْنَى الْمَوَاتِ الْقُبُورُ وَالْقِلَاعُ الْجَاهِلِيَّةُ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فَلُقَطَةٌ) أَيْ مَا لَمْ يَعْلَمْ مَالِكَهُ، وَإِلَّا فَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ) أَيْ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ م ر. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ شَخْصٍ أَيْ يَمْلِكُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الذِّمِّيِّينَ، أَمَّا لَوْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ حَرْبِيٍّ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَهُ حُكْمُ الْفَيْءِ إلَّا إنْ دَخَلَ دَارَهُمْ بِأَمَانِهِمْ فَيُرَدُّ عَلَى مَالِكِهِ وُجُوبًا، وَإِنْ أُخِذَ قَهْرًا فَهُوَ غَنِيمَةٌ كَمَا نَقَلَهُ الَأُجْهُورِيُّ عَنْ الزِّيَادِيِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى شَخْصٍ، فَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى نَحْوِ مَسْجِدٍ أَوْ جِهَةٍ عَامَّةٍ صُرِفَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْجَهِ اهـ حَجّ. قَوْلُهُ: (فَيَكُونُ لَهُ) أَوْ لِوَارِثِهِ أج. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ) بَلْ وَإِنْ نَفَاهُ ز ي وح ل وَاسْتَقَرَّ بِهِ ع ش خِلَافًا لِمَنْ خَالَفَ فِي النَّفْيِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَلَكَهُ) أَيْ لِأَنَّهُ بِالْإِحْيَاءِ مَلَكَ مَا فِي الْأَرْضِ وَبِالْبَيْعِ لَمْ يَزَلْ مِلْكَهُ، فَإِنَّهُ مَدْفُونٌ مَنْقُولٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُحْيِي أَوْ مَنْ تَلْقَى الْمِلْكَ عَنْهُ مَيِّتًا فَوَرَثَتُهُ قَائِمُونَ مَقَامَهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: " وَبِالْبَيْعِ " أَيْ فَيَخْرُجُ خُمْسُهُ الَّذِي لَزِمَهُ يَوْمَ مَلَكَهُ وَزَكَاةُ بَاقِيه لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ، شَرْحُ حَجّ وم ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَنَازَعَ الرِّكَازَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْمَالُ الْمَدْفُونُ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ دَفِينَ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى يَأْتِيَ فِيهِ التَّنَازُعُ، تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: هَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مِلْكِ شَخْصٍ فَهُوَ لَهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُعِيرِ، وَلَا يَتَأَتَّى هَذَا النِّزَاعُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّكَازِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الشَّيْءُ الْمَدْفُونُ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: أَنَا دَفَنْته، وَيَقُولَ الْآخَرُ: أَنَا دَفَنْته، أَوْ قَالَ الْبَائِعُ: مَلَكْته بِالْإِحْيَاءِ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ ذُو الْيَدِ) إنْ أَمْكَنَ صِدْقُهُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِكَوْنِ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ دَفْنُهُ فِي مُدَّةِ يَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. [فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ] ِ وَهُوَ لَفْظٌ إسْلَامِيٌّ لَمْ يُعْرَفْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا الْفَصْلُ يَشْتَمِلُ عَلَى سِتَّةِ أَطْرَافٍ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 وَيُقَالُ لَهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِدُخُولِ الْفِطْرِ وَيُقَالُ أَيْضًا زَكَاةُ الْفِطْرَةِ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالتَّاءِ فِي آخِرِهَا كَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] قَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ: زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَةِ السَّهْوِ لِلصَّلَاةِ تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلَاةِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ   [حاشية البجيرمي] وَقْتُ الْوُجُوبِ، وَوَقْتُ الْأَدَاءِ، وَصِفَةُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَصِفَةُ الْمُؤَدِّي، وَقَدْرُ الْمُخْرَجِ، وَجِنْسُهُ. قَوْلُهُ: (سُمِّيَتْ) أَيْ مَدْلُولُهَا الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُخْرَجُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِدُخُولِ الْفِطْرِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْفِطْرَ أَحَدُ جُزْأَيْ سَبَبِهَا الْمُرَكَّبِ مِنْ شَيْئَيْنِ: إدْرَاكُ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ وَجُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمَّا كَانَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِإِدْرَاكِ الْجُزْءِ الثَّانِي أُضِيفَتْ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ إلَخْ) لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّحَادُ الْمَأْخُوذِ وَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ لِاخْتِلَافِهِمَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ الْأُولَى بِمَعْنَى الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ، وَاَلَّتِي فِي الْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِمَعْنَى الْخِلْقَةِ، فَلَمْ يَتَّحِدْ الْمَأْخُوذُ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ. وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهُمَا الِارْتِبَاطُ مِنْ جِهَةِ التَّطْهِيرِ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُطَهِّرُ الْخِلْقَةَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ) وَالْمَعْنَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْخِلْقَةِ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ، أَيْ تَطْهِيرًا لَهَا وَتَنْمِيَةً لِعَمَلِهَا، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فِطْرَةَ اللَّهِ) أَيْ أُلْزِمَ فِطْرَةَ اللَّهِ أَيْ خِلْقَتَهُ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا أَيْ خَلَقَهُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ قَبُولُهُمْ الْحَقَّ وَتَمَكُّنُهُمْ مِنْ إدْرَاكِهِ، وَقِيلَ: الْفِطْرَةُ هِيَ الْإِسْلَامُ، وَقِيلَ: الْبُدَاءَةُ الَّتِي ابْتَدَأَهُمْ بِهَا مِنْ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، وَقِيلَ: الْفَقْرُ وَالْفَاقَةُ، وَقِيلَ: الْعَهْدُ الْمَأْخُوذُ عَلَى آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ وَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمْ الرَّبِيبُ وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ وَكَتَبَ ذَلِكَ فِي رِقٍّ وَقَالَ لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: افْتَحْ فَاك، فَفَتَحَهُ، فَأَلْقَمَهُ ذَلِكَ الرِّقَّ وَقَالَ لَهُ: اشْهَدْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنْ وَافَاك بِالْوَفَاءِ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلَ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ وَلَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ يَشْهَدُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْوَفَاءِ وَعَلَى الْكَافِرِينَ بِالْجُحُودِ، وَإِنَّهُ لِيَشْهَدَ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ أَوْ قَبَّلَهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ عَلَى الْغَزِّيِّ. قَوْلُهُ: (قَالَ وَكِيعٌ) شَيْخُ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: شَكَوْت إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي ... فَأَرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي وَأَخْبَرَنِي بِأَنَّ الْعِلْمَ نُورٌ ... وَنُورُ اللَّهِ لَا يُهْدَى لِعَاصِي قَوْلُهُ: (تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يَصُومُ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ " تَجْبُرُ " إلَى الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا إلَخْ) وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى خِلَافِ ابْنِ اللَّبَّانِ الْقَائِلِ بِسُنِّيَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَغَيْرُ مَشْهُورٍ ز ي. وَالْمَشْهُورُ فَرْضُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ عَامَ الصَّوْمِ. اهـ. سم، أَيْ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ فَوَّضَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فَرْضَهَا أَيْ لِمَا فِي فَرْضِهَا مِنْ الْمَصْلَحَةِ، فَإِنَّهَا جَابِرَةٌ لِخَلَلِ الصَّوْمِ، وَسَبَبٌ لِقَبُولِهِ. أَوْ الْمُرَادُ فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ الْمُرَادُ بَلَّغَ فَرْضَهَا إلَخْ. فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الَّذِي فَرَضَ وَأَوْجَبَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ أَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ فِي ذَلِكَ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ: وَجَبَتْ بِالْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] الْآيَةَ. وَإِنَّمَا حَكَاهُ بِقِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا. وَأَيْضًا لَمْ يَقُلْ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى. وَأَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ تَزَكَّى بَعِيدٌ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: هِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَالسُّنَّةُ بَيَّنَتْ الْكِتَابَ وَوُجُوبُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَلَا نَظَرَ لِمُخَالَفَةِ ابْنِ اللَّبَّانِ حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ جَحَدَهَا إنْسَانٌ فَلَا يُكَفَّرُ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا لَكِنَّهَا مِمَّا يَخْفَى فَلَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهَا لِخَفَائِهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» (وَتَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) بَلْ بِأَرْبَعَةٍ كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (الْإِسْلَامُ) فَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَهُوَ إجْمَاعٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ مُطَالَبًا بِإِخْرَاجِهَا وَلَكِنْ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا فِطْرَةُ الْمُرْتَدِّ وَمَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ فَمَوْقُوفَةٌ عَلَى عُودِهِ إلَى الْإِسْلَامِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُرْتَدُّ وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَمَنْ تَلْزَمُ الْكَافِرَ نَفَقَتُهُ مُرْتَدٌّ لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ، وَتَلْزَمُ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ فِطْرَةُ رَقِيقِهِ الْمُسْلِمِ وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ كَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا. (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي (بِغُرُوبِ) كُلِّ (الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ) لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ فِي الْحَدِيثِ إلَى الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ فِي الْخَبَرِ الْمَاضِي، وَلَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ وَجُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ شَوَّالٍ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (صَاعًا) بَدَلٌ أَوْ حَالٌ وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ. قَوْلُهُ: (عَلَى كُلِّ إلَخْ) بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ قَوْلِهِ " عَلَى النَّاسِ " ع ش. وَقَالَ ح ل: " عَلَى " بِمَعْنَى " عَنْ " وَهُوَ بَيَانٌ لِلْمُخْرَجِ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ " عَلَى النَّاسِ " بَيَانٌ لِلْمُخْرِجِ وَعُمُومُهُ لَيْسَ مُرَادًا، وَالْمَعْنَى: فُرِضَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُؤَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ إلَخْ. وَمَا ذَكَرَهُ ع ش أَوْلَى لِأَنَّهُ يُفِيدُ وُجُوبَهَا عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ابْتِدَاءً. قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ بَلْ بِأَرْبَعَةٍ) مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فِي الْمُؤَدِّي وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِهَا الْأَرْبَعَةِ، وَالثَّانِي: النِّيَّةُ، وَالثَّالِثُ: الْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَالرَّابِعُ: الْمَالُ الْمُؤَدَّى. وَالْوَجْهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ مُعْتَبَرٌ فِي الْمُؤَدَّى عَنْهُ، فَقَوْلُهُ " فَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ " أَيْ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ إذَا كَانَ مُسْلِمًا. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ مُتَعَلِّقٌ بِزَمَنِ الْوُجُوبِ ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ) الْأَوْلَى وَلِأَنَّهَا عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى عِلَّةٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ ثَانٍ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَيْسَ مُطَالَبًا) أَيْ مِنَّا، وَإِلَّا فَهُوَ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ. وَقَوْلُهُ " بِإِخْرَاجِهَا " أَيْ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُطَالَبٌ بِإِخْرَاجِهَا عَنْ رَقِيقِهِ وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ الْمُؤَدِّي. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا فِطْرَةُ الْمُرْتَدِّ) أَيْ الَّتِي وَجَبَتْ فِي الرِّدَّةِ. قَوْلُهُ: (فَمَوْقُوفَةٌ) لَكِنْ إذَا أَخْرَجَهَا هُوَ فِي حَالِ رِدَّتِهِ أَجْزَأَتْهُ إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ وَتَكُونُ نِيَّتُهُ لِلتَّمْيِيزِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ) يُغْنِي عَنْهُ. قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُرْتَدُّ، فَلَوْ أَسْقَطَهُ أَوْ أَتَى بِفَاءِ التَّفْرِيعِ لَكَانَ أَوْلَى كَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهُ لِشُمُولِهِ الْقَرِيبَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَلْزَمُ الْكَافِرَ) لَيْسَ بِقَيْدٍ. وَقَوْلُهُ " وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ " الْمُرَادُ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ عَلَا وَالْفَرْعُ وَإِنْ سَفَلَ ح ف. قَوْلُهُ: (وَبِغُرُوبِ) أَيْ وَبِإِدْرَاكِ غُرُوبِ إلَخْ وَأَتَى بِالْبَاءِ لِتَوَهُّمِ ذِكْرِهَا فِيمَا قَبْلَهُ، أَيْ وَلَوْ كَانَ الْغُرُوبُ تَقْدِيرًا لِيَشْمَلَ أَيَّامَ الدَّجَّالِ، أَوْ الْبَاءُ فِي " بِغُرُوبِ " لِلتَّصْوِيرِ أَيْ مُصَوَّرٌ بِغُرُوبِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (كُلِّ الشَّمْسِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ بَعْدَ غُرُوبِ جُزْءٍ مِنْهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ وَإِنْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ شَوَّالٍ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِ كُلَّ الْغُرُوبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ تَجِبُ فِي هَذَا لِإِدْرَاكِهِ الْجُزْأَيْنِ. وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ سم عَلَى الْمَتْنِ: قَوْلُهُ " بِغُرُوبِ الشَّمْسِ " احْتِرَازًا عَمَّا يَحْدُثُ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ مِنْ وَلَدٍ وَنِكَاحٍ وَإِسْلَامٍ وَمِلْكِ رَقِيقٍ وَغِنًى، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُهَا لِعَدَمِ وُجُودِ ذَلِكَ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْحُدُوثِ أَقَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا وُجُوبَ لِلشَّكِّ. اهـ. م د. وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ سم " أَوْ مَعَهُ " مَعْنَاهُ أَنَّهُ حَدَثَ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْغُرُوبُ إلَّا بِمَغِيبِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الشَّمْسِ، فَالْمَعِيَّةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِمُقَارَنَةِ الْحُدُوثِ لِآخِرِ جُزْءٍ؛ وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ وَقْتِ الْغُرُوبِ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْقِنَّ قَبْلَهُ عَتَقَ وَلَزِمَهُ فِطْرَتُهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي نَقْلَهَا عَنْهُ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا، وَلَوْ وَقَعَ بَيْعُ الْعَبْدِ مَعَ الْغُرُوبِ فَلَا زَكَاةَ عَنْهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَوْ وَقَعَ الْجُزْءَانِ فِي زَمَنِ خِيَارِهِمَا فَعَلَى مَنْ تَمَّ لَهُ الْمِلْكُ أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهُ الْمِلْكُ. قَوْلُهُ: (فِي الْخَبَرِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ " فِي الْحَدِيثِ ". قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ جُزْءٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ شَوَّالٍ؛ لِأَنَّ إدْرَاكَ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ " بِغُرُوبِ الشَّمْسِ " فَيَكُونُ مُكَرَّرًا، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " وَلَا بُدَّ إلَخْ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ فِي كَلَامِهِ قُصُورًا حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ الْجُزْأَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (فِيمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إلَخْ) وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا زَكَاةَ عَلَى السَّيِّدِ لِخُرُوجِ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ إدْرَاكِ الْجُزْءِ الثَّانِي وَلَا عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ مَعَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ شَوَّالٍ أَوْ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ مُهَايَأَةٌ فِي رَقِيقٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِلَيْلَةٍ وَيَوْمٍ أَوْ نَفَقَةُ قَرِيبٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ كَذَلِكَ فَهِيَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ حَصَلَ فِي نَوْبَتِهِمَا فَتَخْرُجُ عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَنْ وُلِدَ بَعْدَهُ وَيُسَنُّ أَنْ تُخْرَجَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ لِلِاتِّبَاعِ، وَهَذَا جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَإِنْ أُخِّرَتْ اُسْتُحِبَّ الْأَدَاءُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ بِلَا عُذْرٍ كَغَيْبَةِ مَالِهِ أَوْ الْمُسْتَحِقِّينَ. (وَ) الثَّالِثُ مِنْ الشُّرُوطِ (وُجُودُ الْفَضْلِ) أَيْ الْفَاضِلِ (عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ) مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ (عِيَالِهِ) مِنْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ   [حاشية البجيرمي] لَمْ يُدْرِكْ الْجُزْأَيْنِ وَهُوَ حُرٌّ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَخَالَفَ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَجَعَلَهَا عَلَى السَّيِّدِ فِي الْأُولَى وَلَا تَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّانِيَةِ؛ نَعَمْ قَدَّمَ هُوَ فِي شَرْحِهِ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى. قَوْلُهُ: (بِلَيْلَةٍ وَيَوْمٍ) بِأَنْ كَانَ يَخْدُمُ أَحَدَهُمَا يَوْمًا وَالْآخَرَ لَيْلَةً، وَكَذَا الْقَرِيبُ كَأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ نَهَارًا وَالثَّانِي لَيْلًا. قَوْلُهُ: (فَهِيَ عَلَيْهِمَا) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ؛ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلَا فِطْرَةَ عَلَى أَحَدٍ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَهِيَ عَلَى الْعَتِيقِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ يَقْتَضِي رُجُوعَهُ لِلصُّوَرِ الْأَرْبَعِ. وَفِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ مَا لَا يَخْفَى. وَقَوْلُهُ " عَلَى الْعَتِيقِ " لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَاصِلَةٌ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ كَالْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ فَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْحُرِّيَّةُ مَعَ سَبَبَيْ الْوُجُوبِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ مُعْسِرٌ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَالْمُعْسِرُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الْإِرْثِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا بَعْدَ الْوُجُوبِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجَ. وَقَالَ ع ش عَلَى م ر: وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ مُقَارِنًا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ فَيَكُونُ الْعِتْقُ وَمِلْكُ مَا يَصْرِفُهُ فِي الزَّكَاةِ مُتَقَارِنَيْنِ، فَيُقَدَّرُ سَبْقُ مِلْكِهِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ أَوْ سَبْقُهُمَا مَعًا عَلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ وَانْظُرْ مَا الْمَانِعُ مِنْ تَصْوِيرِ مَا ذُكِرَ بِالْمُكَاتَبِ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بَعْدَ عِتْقِهِ وَفِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ مَا دَامَ فِي مِلْكِهِ، وَتَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِمَا ذُكِرَ صَحِيحٌ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ قَدْ حَصَلَ فِي نَوْبَتِهِمَا) الْمُرَادُ أَنَّ جُزْءًا مِنْ جُزْأَيْهِ وَقَعَ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا، وَالْجُزْءَ الثَّانِي وَقَعَ فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ لَا لِأَجْلِ الْمُهَايَأَةِ لِأَنَّهَا لَاغِيَةٌ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمِلْكِيَّةِ أَوْ الْقَرَابَةِ. قَوْلُهُ: (فِي نَوْبَتِهِمَا) الْأَوْلَى فِي نَوْبَتَيْهِمَا بِالتَّثْنِيَةِ. قَوْلُهُ: (دُونَ مَنْ وُلِدَ بَعْدَهُ) وَكَذَا مَنْ شَكَّ فِي أَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْجَنِينِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَبَاقِيهِ بَعْدَهُ فَلَا وُجُوبَ؛ لِأَنَّهُ جَنِينٌ، مَا لَمْ يَتِمَّ انْفِصَالُهُ م ر وسم أج. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ تَخْرُجَ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ لَهَا خَمْسَةَ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ جَوَازٍ، وَوَقْتُ وُجُوبٍ، وَوَقْتُ فَضِيلَةٍ، وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ. فَوَقْتُ الْجَوَازِ أَوَّلَ الشَّهْرِ وَالْوُجُوبِ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَالْفَضِيلَةِ قَبْلَ الْخُرُوجِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْكَرَاهَةِ تَأْخِيرُهَا عَنْ صَلَاتِهِ إلَّا لِعُذْرٍ مِنْ انْتِظَارِ قَرِيبٍ أَوْ أُحْوِجَ وَالْحُرْمَةُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ اهـ اط ف. قَوْلُهُ: (كَغَيْبَةِ مَالِهِ) أَيْ فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ ح ل وحج. فَلَوْ أَخَّرَهَا بِلَا عُذْرٍ عَصَى وَصَارَتْ قَضَاءً فَيَقْضِيهَا وُجُوبًا فَوْرًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ الْمُؤَخَّرَةَ عِنْدَ التَّمَكُّنِ تَكُونُ أَدَاءً، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِطْرَةَ مُؤَقَّتَةٌ بِزَمَنٍ مَحْدُودٍ كَالصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ " أَوْ الْمُسْتَحِقِّينَ " يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ فِي مَحِلٍّ يَحْرُمُ نَقْلُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ ح ل. قَوْلُهُ: (وُجُودُ الْفَضْلِ إلَخْ) وَيُعْتَبَرُ الْفَضْلُ، عَمَّا ذُكِرَ وَقْتَ الْوُجُوبِ فَوُجُودُهُ بَعْدَهُ لَا يُوجِبُهَا اتِّفَاقًا، وَفَارَقَ الْكَفَّارَةَ حَيْثُ تَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ إذَا عَجَزَ عَنْهَا بِأَنَّ الْيَسَارَ هُنَا شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَثُمَّ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ؛ وَكَأَنَّ حِكْمَتَهُ أَنَّ هَذِهِ مُوَاسَاةٌ فَخُفِّفَ فِيهَا بِخِلَافِ تِلْكَ. وَبِهِ يُفَرَّقُ أَيْضًا بَيْنَ مَا هُنَا وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ وَقْتِ أَدَائِهَا أَوْ أَدَاءِ مَا يُجْمَعُ مَعَهَا اهـ شَوْبَرِيٌّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هُنَا قَاعِدَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْحَقَّ الْمَالِيَّ إذَا وَجَبَ عَلَى شَخْصٍ فَإِنْ تَسَبَّبَ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ وُجُوبِهِ كَالْكَفَّارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي وُجُوبِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ وُجُوبِهِ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ كَالْفِطْرَةِ. اهـ. م د. وَلَيْسَ مِنْ الْفَاضِلِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْعِيدِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْعِيدِ مِنْ كَعْكٍ وَسَمَكٍ وَنَقْلٍ، فَلَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَنِهِ إذَا لَمْ يَزِدْ عَنْ الْحَاجَةِ؛ وَهَذَا إذَا هَيَّأَهُ وَأَعَدَّهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ. قَوْلُهُ: (مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) أَيْ وَلَوْ بَهِيمَةً فَمَنْ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ زَوْجِيَّةٍ) أَيْ إذَا كَانَتْ فِي طَاعَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي طَاعَتِهِ فَإِنَّهَا عَلَيْهَا حِينَئِذٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 بَعْضِيَّةٍ أَوْ مِلْكِيَّةٍ (فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ) أَيْ يَوْمِ الْعِيدِ (وَلَيْلَتِهِ) وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ لَائِقَيْنِ بِهِ يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ. بِجَامِعِ التَّطْهِيرِ وَالْمُرَادُ بِحَاجَةِ الْخَادِمِ أَنْ يَحْتَاجَهُ لِخِدْمَتِهِ أَوْ خِدْمَةِ مُمَوِّنِهِ، أَمَّا حَاجَتُهُ لِعَمَلِهِ فِي أَرْضِهِ أَوْ مَاشِيَتِهِ فَلَا أَثَرَ لَهَا، وَخَرَجَ بِاللَّائِقِ بِهِ مَا لَوْ كَانَا نَفِيسَيْنِ يُمْكِنُ إبْدَالُهُمَا بِلَائِقٍ بِهِ وَيَخْرُجُ التَّفَاوُتُ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ، نَعَمْ لَوْ ثَبَتَتْ الْفِطْرَةُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِيهَا مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ الْتَحَقَتْ بِالدُّيُونِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ دَسْتِ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَبِمُمَوِّنِهِ، كَمَا أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ فِي الدُّيُونِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ وَلَوْ لِآدَمِيٍّ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ الَّذِي تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ الْحُرِّيَّةُ، فَلَا فِطْرَةَ عَلَى رَقِيقٍ لَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلِعَدَمِ مِلْكِهِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ الْمَذْكُورُ فَلِضَعْفِ مِلْكِهِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ وَلَا نَفَقَةُ قَرِيبِهِ، وَلَا فِطْرَةٌ عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ لِاسْتِقْلَالِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَإِنَّ فِطْرَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَلْزَمُهُ مِنْ الْفِطْرَةِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَبَاقِيهَا عَلَى مَالِكِ الْبَاقِي هَذَا حَيْثُ لَا مُهَايَأَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِ بَعْضِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً اخْتَصَّتْ الْفِطْرَةُ بِمَنْ وَقَعَتْ فِي نَوْبَتِهِ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الرَّقِيقُ الْمُشْتَرَكُ (وَيُزَكِّي عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ) زَوْجَتِهِ وَبَعْضِهِ وَرَقِيقِهِ (الْمُسْلِمِينَ) . تَنْبِيهٌ: ضَابِطُ ذَلِكَ مَنْ لَزِمَهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ لَزِمَهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِمِلْكٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ وَوَجَدَ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ، وَاسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الضَّابِطِ مَسَائِلَ مِنْهَا لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ فِطْرَةُ الرَّقِيقِ وَالْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ الْكُفَّارِ، وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَمِنْهَا لَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا وَإِنْ   [حاشية البجيرمي] وَهِيَ النَّاشِزَةُ، وَمِثْلُهَا صَغِيرَةٌ لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ كَمَا قَالَهُ ق ل وَغَيْرُهُ. وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُمَا قَطْعًا اهـ. وَقَوْلُهُ " مِنْ زَوْجِيَّةٍ " أَيْ مِنْ ذِي زَوْجِيَّةٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ وَمَا بَعْدَهَا لَيْسَتْ هِيَ الْعِيَالَ، وَإِنَّمَا الْعِيَالُ الزَّوْجَةُ أَوْ الْبَعْضُ إلَخْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَتَجِبُ فِطْرَةُ الرَّجْعِيَّةِ وَالْبَائِنِ الْحَامِلِ كَمَا فِي ح ل لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِمَا. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْضِيَّةٍ) الْمُرَادُ بِهَا الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا) أَيْ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ، أَمَّا إذَا ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ صَارَتْ دَيْنًا فَيُبَاعُ فِيهَا كَذَلِكَ أَيْ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَخَادِمٍ) أَيْ ثَمَنُهُ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا وَأُجْرَتُهُ إنْ كَانَ حُرًّا. قَوْلُهُ: (يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا) أَيْ مُطْلَقًا لَا فِي خُصُوصِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ كَالْقُوتِ، بِدَلِيلِ إطْلَاقِهِ فِيهِمَا وَتَقْيِيدِهِ فِي الْقُوتِ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (بِجَامِعِ التَّطْهِيرِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُطَهِّرُ مُخْرِجَهُ. قَوْلُهُ: (نَفِيسَيْنِ) الْمُرَادُ أَنَّهُمَا غَيْرُ لَائِقَيْنِ بِهِ فَيَبِيعُهُمَا وَيُبَدِّلُهُمَا بِلَائِقٍ وَيَصْرِفُ الزَّائِدَ لِلْفِطْرَةِ، وَلَوْ أَلِفَهُمَا بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لَا يُبَاعَانِ إذَا أَلِفَهُمَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بَدَلٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِيهَا مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ) أَيْ وَلَوْ لَائِقَيْنِ لَا مَلْبَسُهُ اللَّائِقُ ح ل. قَوْلُهُ: (الْتَحَقَتْ بِالدُّيُونِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ دَيْنٌ لَا مُلْحَقَةٌ بِهِ. ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْتِحَاقِهَا بِهَا كَوْنُهَا صَارَتْ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ الِاخْتِصَاصِ وَالِاشْتِرَاكِ. قَوْلُهُ: (وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) مَنْ هُنَا خَاصَّةٌ بِمَنْ يَعْقِلُ. قَوْلُهُ: (ضَابِطُ ذَلِكَ) أَيْ لُزُومِ فِطْرَةِ الْغَيْرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ " وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ إلَخْ " وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ خَلَلًا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الضَّابِطِ حَتَّى يُسْتَثْنَى، وَكَذَا عَبْدُ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ كَمَا يَأْتِي؛ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُ عَبْدَ الْمَسْجِدِ فِطْرَةُ نَفْسِهِ، نَعَمْ يُقَالُ يَلْزَمُ النَّاظِرَ فِطْرَةُ نَفْسِهِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَةُ هَذَا الْعَبْدِ مِنْ رِيعِ الْمَسْجِدِ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَضَابِطُ ذَلِكَ مَنْ لَزِمَهُ نَفَقَةُ شَخْصٍ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُ، ثُمَّ يُسْتَثْنَى مَا ذُكِرَ لِيَنْدَفِعَ الْخَلَلُ فِي الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. قَوْلُهُ: (مَسَائِلَ) أَيْ عَشَرَةً. قَوْلُهُ: (الْكُفَّارِ) لَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِفِطْرَةِ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهِ؟ وَمِنْهَا لَا يَلْزَمُ الِابْنَ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَمُسْتَوْلِدَتِهِ وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَازِمَةٌ لِلْأَبِ مَعَ إعْسَارِهِ فَيَتَحَمَّلُهَا الْوَلَدُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ، وَمِنْهَا عَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ دُونَ فِطْرَتِهِ، وَمِنْهَا الْفَقِيرُ الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ يَلْزَمُ الْمُسْلِمِينَ نَفَقَتُهُ دُونَ فِطْرَتِهِ، وَمِنْهَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَوْ آجَرَ عَبْدَهُ وَشَرَطَ نَفَقَتَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ، وَمِنْهَا عَبْدُ الْمَالِكِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ إذَا شَرَطَ عَمَلَهُ مَعَ الْعَامِلِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَفِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ حَجَّ الْعَبْدُ بِالنَّفَقَةِ، وَمِنْهَا عَبْدُ الْمَسْجِدِ فَلَا تَجِبُ فِطْرَتُهُمَا، وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا سَوَاءٌ أَكَانَ عَبْدُ الْمَسْجِدِ مِلْكًا لَهُ أَوْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَمِنْهَا الْمَوْقُوفُ عَلَى جِهَةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ كَرَجُلٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ. وَلَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ وَقْتَ الْوُجُوبِ أَوْ كَانَ عَبْدًا لَزِمَ سَيِّدَ الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ فِطْرَتُهَا لَا الْحُرَّةِ فَلَا تَلْزَمُهَا وَلَا زَوْجَهَا لِانْتِفَاءِ يَسَارِهِ، وَالْفَرْقُ كَمَالُ تَسْلِيمِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ لِاسْتِخْدَامِ السَّيِّدِ لَهَا.   [حاشية البجيرمي] هَذِهِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي الضَّابِطِ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ " إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ " فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِسْلَامِ فِطْرَةُ الرَّقِيقِ إلَخْ، وَكَذَا. قَوْلُهُ " وَمِنْهَا " لَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ لَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَائِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ " مَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ " لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ، فَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ نَفَقَةُ شَخْصٍ لَزِمَتْهُ فِطْرَتُهُ ثُمَّ يَسْتَثْنِي مِنْهَا؛ وَهَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتُ مِنْ مَنْطُوقِ الْقَاعِدَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِهَا الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَإِنَّ نَفَقَتَهُ لَا تَلْزَمُ السَّيِّدَ وَتَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ، وَكَذَا الْأَمَةُ إذَا كَانَتْ مُسَلَّمَةً لِزَوْجِهَا فَلَا يَلْزَمُ سَيِّدَهَا نَفَقَتُهَا وَيَلْزَمُهُ فِطْرَتُهَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا أَوْ عَبْدًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا) هَذَا التَّعْلِيلُ يَشْمَلُ الْكَافِرَ فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَهُ سَيِّدُهُ. قَوْلُهُ: (تَجِبُ نَفَقَتُهُ) أَيْ عَلَى الْإِمَامِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الضَّابِطِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْفِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ) كَانَ الْأَوْلَى: فَلَا فِطْرَةَ عَلَى الْمُكْتَرِي. قَوْلُهُ: (فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَامِلِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا مَا لَوْ حَجَّ بِالنَّفَقَةِ) كَأَنْ أَجَّرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِالنَّفَقَةِ قَبْلَ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا) وُجُوبُ نَفَقَةِ عَبْدِ الْمَسْجِدِ مِنْ رِيعِهِ، وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى جِهَةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ كَمَا يَأْتِي. وَاسْتِثْنَاءُ عَبْدِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ نَاظِرَ الْمَسْجِدِ تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ وَلَا تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَهُوَ عَبْدُ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ رِيعِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ مُلْزَمٌ بِهَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مِلْكًا لَهُ) أَيْ لِلْمَسْجِدِ بِأَنْ وُهِبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ، فَإِنَّ الْمَسْجِدَ يَمْلِكُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ مِنْ النَّاظِرِ. وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْمَسْجِدِ أَنَّهُ يُبَاعُ فِي مَصَالِحِهِ دُونَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى جِهَةٍ) كَالْفُقَرَاءِ أَوْ مُعَيَّنٍ كَرَجُلٍ وَمَدْرَسَةٍ، وَعَدَّدَ الْمِثَالَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُعَيَّنِ بَيْنَ كَوْنِهِ عَاقِلًا أَوْ لَا، كَذَا بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ. وَقِيلَ: إنَّ قَوْلَهُ " كَرَجُلٍ وَمَدْرَسَةٍ " لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ) أَيْ وَلَوْ عَبْدًا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ " أَوْ كَانَ إلَخْ " مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، وَقَوْلُهُ " لَا الْحُرَّةِ " أَيْ لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ وَلَوْ كَانَتْ غَنِيَّةً فَلَا فِطْرَةَ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَلْزَمُهَا) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الْحَوَالَةِ، وَأَمَّا لَوْ جَرَيْنَا عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّمَانِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ إذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ كَمَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ إذَا أَعْسَرَ الضَّامِنُ، وَتَجِبُ فِطْرَةُ الزَّوْجَةِ الْمُطِيعَةِ وَخَادِمِهَا إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهَا أَوْ لَهُمَا دُونَ الْمُؤَجَّرَةِ بِالدَّرَاهِمِ. قَالَ شَيْخُنَا ع ش: وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ فِي مِصْرِنَا وَقُرَاهَا مِنْ اسْتِئْجَارِ شَخْصٍ لِرَعْيِ دَوَابِّهِ أَوْ خِدْمَةِ زَرْعِهِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ لَا فِطْرَةَ لَهُ لِكَوْنِهِ مُؤَجَّرًا إجَارَةً صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَخْدَمَهُ بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَإِنَّهُ تَجِبُ فِطْرَتُهُ. وَأَمَّا الَّتِي صُحْبَتُهَا بِالنَّفَقَةِ فَلَا تَجِبُ فِطْرَتُهَا عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُسْتَأْجَرَةِ، أَيْ إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهَا مُقَدَّرَةً. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْوُجُوبَ، أَيْ إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهَا غَيْرَ مُقَدَّرَةٍ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ النَّفَقَةَ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ الْخَادِمَةُ مُتَزَوِّجَةً بِزَوْجٍ غَنِيٍّ فَالْقِيَاسُ الْوُجُوبُ عَلَى زَوْجِ الْخَادِمَةِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ، فَإِنْ أَعْسَرَ وَجَبَتْ عَلَى زَوْجِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 وَيُزَكِّي عَنْ نَفْسِهِ (صَاعًا مِنْ) غَالِبِ (قُوتِ بَلَدِهِ) إنْ كَانَ بَلَدِيًّا، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ غَالِبِ قُوتِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ النَّوَاحِي، وَالْمُعْتَبَرُ فِي غَالِبِ الْقُوتِ غَالِبُ قُوتِ السَّنَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَا غَالِبُ قُوتِ وَقْتِ الْوُجُوبِ خُلَاصَةً   [حاشية البجيرمي] الْمَخْدُومَةِ إذَا كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً بِنَفَقَةٍ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ، كَذَا بَحَثَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا فَأَخْرَجَتْ عَنْ نَفْسِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا رُجُوعَ لَهَا لِأَنَّهَا مُتَبَرِّعَةٌ وَلِأَنَّهَا عَلَى الزَّوْجِ كَالْحَوَالَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْمُحِيلُ لَوْ أَدَّى بِغَيْرِ إذْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ. فَرْعٌ: خَادِمُ الزَّوْجَةِ حَيْثُ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ يَكُونُ فِي أَيِّ مَرْتَبَةٍ؟ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الزَّوْجَةِ وَقَبْلَ سَائِرِ مَنْ عَدَاهَا حَتَّى وَلَدُهُ الصَّغِيرُ وَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى سَائِرِ مَنْ عَدَاهَا وِفَاقًا فِي ذَلِكَ لَمْ ر. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ. وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْإِخْرَاجُ عَنْ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْبَائِنِ الْحَامِلِ مِنْ دُونِ الْحَائِلِ م ر عَلَى الْبَهْجَةِ. وَقَوْلُهُ " وَالْبَائِنِ الْحَامِلِ دُونَ الْحَائِلِ " أَيْ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ لَهَا دُونَهَا، إذْ وُجُودُ الْحَمْلِ اقْتَضَى وُجُوبَ النَّفَقَةِ فَيَقْتَضِي وُجُوبَ الْفِطْرَةِ أَيْضًا. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا مَدْخَلٌ فِي نَحْوِ الْحَمْلِ وَزِيَادَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْفِطْرَةُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ عَلَى بُعْدٍ: لَوْ لَمْ يَجِبْ إخْرَاجُ فِطْرَةِ الْحَامِلِ عَلَى الْغَيْرِ لَوَجَبَتْ عَلَيْهَا وَقَدْ تُخْرِجُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي يَوْمَ الْفِطْرَةِ وَلَا تَجِدُ مَا تَقْتَاتُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَحْصُلُ لَهَا وَهَنٌ فِي بَدَنِهَا فَيَتَعَدَّى لِحَمْلِهَا، فَأَوْجَبْنَا الْفِطْرَةَ عَلَى الْغَيْرِ خُلُوصًا مِنْ ذَلِكَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. فَرْعٌ: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: فِطْرَةُ وَلَدِ الزِّنَا عَلَى أُمِّهِ إذْ لَا أَبَ لَهُ كَمَا تَلْزَمُهَا نَفَقَتُهُ، وَكَذَا مَنْ لَاعَنَتْ فِيهِ لِذَلِكَ؛ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ لَمْ تَرْجِعْ الْأُمُّ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّتْهُ مِنْ فِطْرَتِهِ كَمَا لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَتْهُ مِنْ نَفَقَتِهِ. وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ حَالَ إخْرَاجِ الْفِطْرَةِ وَالْإِنْفَاقِ كَانَ مَنْفِيًّا عَنْهُ ظَاهِرًا وَلَمْ يُثْبِتْ نَسَبَهُ إلَّا مِنْ حِينِ اسْتِلْحَاقِهِ، ثُمَّ رَأَيْته عَلَّلَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ؛ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِإِجْبَارِ حَاكِمٍ رَجَعَتْ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ،. اهـ. عب وَشَرْحُهُ. قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ يَسَارِهِ) عِلَّةٌ لِلثَّانِي أَيْ قَوْلُهُ " وَلَا زَوْجَهَا "، وَأَمَّا هِيَ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ تَحَمَّلَهَا بَعْدَ أَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ أَيْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ حَيْثُ وَجَبَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ وَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْحُرَّةِ وَلَوْ غَنِيَّةً. قَوْلُهُ: (لِاسْتِخْدَامِ إلَخْ) إنْ قُلْت فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي أَمَةٍ تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَتُهَا بِأَنْ لَمْ يَسْتَخْدِمْهَا السَّيِّدُ فَتَجِبُ حِينَئِذٍ فِطْرَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَعَلَى السَّيِّدِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّيِّدُ يَسْتَخْدِمُهَا فَالنَّفَقَةُ وَالْفِطْرَةُ وَاجِبَتَانِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِاسْتِخْدَامِ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّيِّدُ يَسْتَخْدِمُهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهَا إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا. أُجِيبُ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " لِاسْتِخْدَامِ السَّيِّدِ لَهَا " أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا وَلَا يَمْنَعَهُ مِنْهُ زَوْجُهَا أَيْ وَلَمْ يَسْتَخْدِمْهَا بِالْفِعْلِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: لِاسْتِخْدَامِ إلَخْ، أَيْ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا، وَإِلَّا فَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا مُسَلَّمَةٌ لِلزَّوْجِ لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى تَجِبَ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمَةَ إنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً لِلزَّوْجِ لَيْلًا وَنَهَارًا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، ثُمَّ إنْ كَانَ مُوسِرًا فَفِطْرَتُهَا عَلَيْهِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَعَلَى السَّيِّدِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً لَيْلًا فَقَطْ وَيَسْتَخْدِمُهَا السَّيِّدُ نَهَارًا فَلَيْسَ عَلَى زَوْجِهَا شَيْءٌ، تَأَمَّلْ م د. قَوْلُهُ: (وَيُزَكِّي عَنْ نَفْسِهِ) اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ لَيْلًا. ثُمَّ. قَوْلُهُ " صَاعًا مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ " إذْ زَكَاتُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِ الْغَيْرِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ قَرِيبًا. فَإِنْ قُلْتَ: صَرِيحُ الْمَتْنِ أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ لِزَكَاتِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَزَكَاتِهِ عَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. قُلْتُ: فِي كَلَامِ الْمَتْنِ تَوْزِيعٌ، وَلَمَّا كَانَ فِي كَلَامِهِ نَوْعُ إجْمَالٍ بَيَّنَ الشَّارِحُ الْمُرَادَ مِنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: (وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْبَلَدِيِّ وَهُوَ الْبَدْوِيُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ غَالِبَ قُوتِ مَحِلِّهِ، وَانْظُرْ هَذَا عِلَّةٌ لِمَاذَا. وَعِبَارَةُ م ر: وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ إلَخْ، مِنْ غَيْرِ جَعْلِهِ عِلَّةً، إذْ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عِلَّةً لِلْغَالِبِ أَوْ الْقُوتِ إذْ لَا يُنْتَجُ الْمَطْلُوبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 لِلْغَزَالِيِّ فِي وَسِيطِهِ. وَيُجْزِئُ الْقُوتُ الْأَعْلَى عَنْ الْقُوتِ الْأَدْنَى لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا وَلَا عَكْسٌ لِنَقْصِهِ عَنْ الْحَقِّ، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى بِزِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فَالْبُرُّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ وَالْأُرْزِ وَمِنْ الزَّبِيبِ وَالشَّعِيرِ، وَالشَّعِيرُ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِاقْتِيَاتِ وَالتَّمْرُ خَيْرٌ مِنْ الزَّبِيبِ فَالشَّعِيرُ خَيْرٌ مِنْهُ بِالْأَوْلَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشَّعِيرُ خَيْرًا مِنْ الْأُرْزِ وَأَنَّ الْأَرُزَّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ. وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ قُوتٍ وَاجِبٍ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ وَقَرِيبِهِ أَوْ عَمَّنْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ أَعْلَى مِنْهُ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا، وَلَا يُبَعِّضُ الصَّاعَ الْمُخْرَجَ عَنْ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْجِنْسَيْنِ أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ، كَمَا لَا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ يَكْسُوَ خَمْسَةً وَيُطْعِمَ خَمْسَةً، أَمَّا لَوْ أَخْرَجَ الصَّاعَ عَنْ اثْنَيْنِ كَأَنْ مَلَكَ وَاحِدٌ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ أَوْ مُبَعَّضَيْنِ بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقُوتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَبْعِيضُ الصَّاعِ، أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ نَوْعَيْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذَا كَانَا مِنْ الْغَالِبِ وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ أَقْوَاتٌ لَا غَالِبَ فِيهَا تَخَيَّرَ، وَالْأَفْضَلُ أَعْلَاهَا فِي الِاقْتِيَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيُجْزِئُ الْقُوتُ الْأَعْلَى إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا إخْرَاجُ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ مَثَلًا، قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّ الزَّكَاةَ الْمَالِيَّةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ فَأُمِرَ أَنْ يُوَاسِيَ الْفُقَرَاءَ بِمَا وَاسَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَالْفِطْرَةُ زَكَاةُ الْبَدَنِ فَوَقَعَ النَّظَرُ فِيهَا لِمَا هُوَ غِذَاءُ الْبَدَنِ وَالْأَعْلَى يُحَصِّلُ هَذَا الْغَرَضَ وَزِيَادَةً ز ي مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِزِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ) أَيْ بِزِيَادَةِ نَفْعِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ بَعْدُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِزِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ كَثْرَتُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَثُرَ الِاقْتِيَاتُ بِنَحْوِ الشَّعِيرِ كَانَ أَعْلَى مِنْ الْبُرِّ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْأَعْلَى الْأَعْلَى قِيمَةً. قَوْلُهُ: (فَالْبُرُّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ) لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ اقْتِيَاتًا. قَوْلُهُ: (وَالْأَرُزُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ فِي أَشْهَرِ اللُّغَاتِ السَّبْعِ. الثَّانِيَةُ: كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ الْهَمْزَةَ فِيهَا مَضْمُومَةٌ أَيْضًا. الثَّالِثَةُ: ضَمُّهُمَا، إلَّا أَنَّ الزَّايَ مُخَفَّفَةٌ. الرَّابِعَةُ: ضَمُّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونُ الرَّاءِ. الْخَامِسَةُ: حَذْفُ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدُ الزَّايِ. السَّادِسَةُ: رُنْزٌ بِنُونٍ بَيْنَ الرَّاءِ وَالزَّايِ. السَّابِعَةُ: فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَضَمُّ الرَّاءِ مَعَ تَخْفِيفِ الزَّايِ عَلَى وَزْنِ عَضُدٍ ذَكَرَهُ م ر الْكَبِيرُ فِي حَوَاشِي الرَّوْضِ. قَالَ الْبُوَيْطِيُّ تِلْمِيذُ الشَّافِعِيِّ: يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَكْلِ الْأَرُزِّ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نُورِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنَّ قَوْلَهُ «خُلِقَ مِنْ نُورِهِ» فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ حَدِيثَهُ لَمْ يَثْبُتْ. وَالْعَدَسُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالدَّالِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَاتِ رَدِيءُ الْغِذَاءِ عَسِرُ الْهَضْمِ لِأَنَّهُ بَارِدٌ يَابِسٌ، وَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ: «وَعَلَيْكُمْ بِالْعَدَسِ فَإِنَّهُ قُدِّسَ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيًّا» رَدَّهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ بَلْ قَالَ بِوَضْعِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يُقَدَّسْ وَلَا عَلَى لِسَانِ وَلِيٍّ لِلَّهِ فَرَاجِعْهُ. قَالَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الَأُجْهُورِيُّ: أَخْبَارُ رُزٍّ ثُمَّ بَاذِنْجَانِ ... عَدَسٌ هَرِيسَةٌ ذَوُو بُطْلَانِ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ: لَمَّا حَرَثَ آدَم وَهُوَ أَوَّلُ حَارِثٍ فِي الْأَرْضِ، فَلَمَّا مَشَى الثَّوْرَانِ عَلَى الْأَرْضِ بَكَيَا عَلَى مَا فَاتَهُمَا مِنْ رَاحَةِ الْجَنَّةِ وَقَطَرَتْ دُمُوعُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ فَنَبَتَ مِنْهَا الْحَشِيشُ الْأَخْضَرُ، وَبَالَا فَنَبَتَ مِنْ بَوْلِهِمَا الْحِمَّصُ، وَرَاثَا فَنَبَتَ مِنْ رَوْثِهِمَا الْعَدَسُ؛ ثُمَّ كَسَرَ جِبْرِيلُ تِلْكَ الْحُبُوبَ حَتَّى كَثُرَتْ ثُمَّ بَذَرَ وَنَبَتَ مِنْ سَاعَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَالشَّعِيرُ خَيْرٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزَّبِيبِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْأَعْلَى الْبُرُّ فَالشَّعِيرُ فَالْأَرُزُّ فَالتَّمْرُ فَالزَّبِيبُ، وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي بَقِيَّةِ الْحُبُوبِ كَالذُّرَةِ وَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ، قَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَتَرْتِيبُهَا فِي الْأَعْلَى كَتَرَتُّبِهَا الْوَاقِعِ فِي الْبَيْتَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ، أَعْنِي: بِاَللَّهِ سَلْ شَيْخَ ذِي رَمْزٍ حَكَى مَثَلًا ... عَنْ فَوْرِ تَرْكِ زَكَاةِ الْفِطْرِ لَوْ جَهِلَا حُرُوفُ أَوَّلِهَا جَاءَتْ مَرْتَبَةً ... أَسْمَاءُ قُوتِ زَكَاةِ الْفِطْرِ إنْ عَقْلًا قَوْلُهُ: (أَعْلَى مِنْهُ) مَفْعُولُ يُخْرِجُ الْمُقَدَّرَ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ نَوْعَيْنِ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ مِنْ جِنْسَيْنِ. قَوْلُهُ: (لَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] . تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ الْقَمْحَ الْمَخْلُوطَ بِالشَّعِيرِ تَخَيَّرَ إنْ كَانَ الْخَلِيطَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَجَبَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا نِصْفًا مِنْ ذَا وَنِصْفًا مِنْ ذَا فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ يُخْرِجُ النِّصْفَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَلَا يُجْزِئُ الْآخَرُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَعَّضَ الصَّاعُ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَأَمَّا مَنْ يُزَكِّي عَنْ غَيْرِهِ فَالْعِبْرَةُ بِغَالِبِ قُوتِ مَحَلِّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، فَلَوْ كَانَ الْمُؤَدِّي بِمَحَلٍّ آخَرَ اُعْتُبِرَ بِقُوتِ مَحَلِّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ أَوَّلًا عَلَيْهِ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ الْمُؤَدِّي، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَحَلَّهُ كَعَبْدٍ آبِقٍ فَيَحْتَمِلُ كَمَا قَالَ جَمَاعَةٌ اسْتِثْنَاءَ هَذِهِ أَوْ يُخْرِجُ فِطْرَتَهُ مِنْ قُوتِ آخِرِ مَحَلٍّ عَهِدَ وُصُولَهُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ فِيهِ، أَوْ يُخْرِجُ لِلْحَاكِمِ لِأَنَّ لَهُ نَقْلَ الزَّكَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُوتُ الْمَحَلِّ الَّذِي يُخْرِجُ مِنْهُ أَيْ الصَّاعَ بِالْوَزْنِ (خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَ) رِطْلٍ (بِالْعِرَاقِيِّ) أَيْ بِالْبَغْدَادِيِّ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي بَيَانِ رِطْلِ بَغْدَادَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكَيْلُ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا وَالْعِبْرَةُ بِالصَّاعِ النَّبَوِيِّ إنْ وُجِدَ أَوْ مِعْيَارِهِ، فَإِنْ فُقِدَ أَخْرَجَ قَدْرًا يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ   [حاشية البجيرمي] كَانُوا يَقْتَاتُونَ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر: وَعُلِمَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ تَبْعِيضِ الصَّاعِ الْمُخْرَجِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (تَخَيَّرَ) أَيْ بَيْنَ إخْرَاجِ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ، قَالَ ع ش: قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ نِصْفٍ مِنْ هَذَا وَنِصْفٍ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَعِّضَ الصَّاعَ مِنْ جِنْسَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَخْ) رَاجِعٌ لِلصُّورَتَيْنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ع ش، وَقِيلَ: إنَّهُ رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ قَوْلُهُ: (الْوَاجِبَ عَلَيْهِ) أَيْ الْآنَ وَيَبْقَى الْآخَرُ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ نِصْفٌ مِنْ الْأَكْثَرِ فِي الثَّانِيَةِ وَمِنْ أَحَدِهِمَا فِي الْأُولَى. قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْزِئُ الْآخَرُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى فَيَجِبُ إبْدَالُهُ مِنْ جِنْسِ الَّذِي أَخْرَجَهُ. قَوْلُهُ: (فَالْعِبْرَةُ بِغَالِبِ إلَخْ) أَيْ وَالْعِبْرَةُ أَيْضًا بِفُقَرَاءِ مَحِلِّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، فَمَنْ يُخْرِجُ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَدْفَعُ هَذَا الْمُخْرَجَ لِفُقَرَاءِ مَحَلِّ نَفْسِهِ بَلْ لِفُقَرَاءِ مَحَلِّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ. قَوْلُهُ: (تَجِبُ أَوَّلًا عَلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ. وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ عَدَمُ صِحَّةِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ إلَيْهِ، إذْ هُوَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ هُنَا م ر؛ أَيْ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ عَنْهُ، فَمَحَلُّ قَوْلِهِمْ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ لَا يُخَاطَبُ أَيْ خِطَابَ اسْتِقْرَارٍ. وَأَجَابَ سم بِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ يُخَاطَبُ خِطَابَ إلْزَامٍ لِذِمَّتِهِ لَا خِطَابَ تَكْلِيفٍ، أَيْ فَهُوَ مُخَاطَبٌ هُنَا خِطَابَ شَغْلِ ذِمَّةٍ، بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْإِخْرَاجِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُخْرِجْ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ الْمُؤَدِّي) أَيْ بِطَرِيقِ الضَّمَانِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُ وَلَا يُطَالَبُ بِهَا الْمُتَحَمِّلُ عَنْهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هَذَا إنْ عَرَفَ مَحِلَّهُ. قَوْلُهُ: (اسْتِثْنَاءُ هَذِهِ) أَيْ مِنْ كَوْنِ الصَّاعِ مِنْ قُوتِ مَحِلِّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، أَيْ وَيُخْرِجُ مِنْ قُوتِ مَحَلِّ الْمُؤَدِّي الَّذِي هُوَ السَّيِّدُ وَيُصْرَفُ لِفُقَرَاءِ مَحِلِّهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ قُوتِ آخِرِ مَحَلٍّ إلَخْ) وَيَجِبُ إرْسَالُهُ لِأَهْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ ق ل. وَالْمُعْتَمَدُ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (أَوْ يُخْرِجُ لِلْحَاكِمِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَعْلَى الْأَقْوَاتِ أَوْ مِنْ آخِرِ مَحَلٍّ عَهِدَ وُصُولَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ النَّقْلَ حِينَئِذٍ ز ي وح ل. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ أَوْ عَلَى بَابِهَا، وَنَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ شَيْخِهِ عَبْدِ رَبِّهِ أَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ. وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ، الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: يَقُولُ إنَّ هَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ، وَعَلَى هَذَا يُخْرَجُ مِنْ قُوتِ السَّيِّدِ أَوْ مِنْ أَشْرَفِ الْأَقْوَاتِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَيْسَتْ مُسْتَثْنَاةً، وَيُخْرَجُ مِنْ قُوتِ آخِرِ مَحَلٍّ عَهِدَ وُصُولَهُ إلَيْهِ؛ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَوْلُهُ " أَوْ يُخْرِجُ لِلْحَاكِمِ " " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ رَاجِعٌ لِلْقَوْلَيْنِ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ " أَوْ " فِي قَوْلِهِ " أَوْ يُخْرِجُ لِلْحَاكِمِ " عَلَى حَقِيقَتِهَا وَجَعَلَهُ قَوْلًا ثَالِثًا وَجَعَلَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ ضَعِيفًا. قَوْلُهُ: (خَمْسَةُ أَرْطَالٍ إلَخْ) لِأَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَكُلُّ مُدٍّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكَيْلُ) أَيْ الْغَالِبُ فِيهِ ذَلِكَ فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 لَا يَنْقُصُ عَنْ الصَّاعِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: قَالَ جَمَاعَةٌ: الصَّاعُ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِهِمَا انْتَهَى وَالصَّاعُ بِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ قَدَحَانِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَزِيدَ شَيْئًا يَسِيرًا لِاحْتِمَالِ اشْتِمَالِهِمَا عَلَى طِينٍ أَوْ تِبْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ عِمَادُ الدِّينِ السُّكَّرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ حِينَ يَخْطُبُ بِمِصْرَ خُطْبَةَ عِيدِ الْفِطْرِ وَالصَّاعُ قَدَحَانِ بِكَيْلِ بَلَدِكُمْ هَذِهِ سَالِمٌ مِنْ الطِّينِ وَالْعَيْبِ وَالْغَلْتِ وَلَا يُجْزِئُ فِي بَلَدِكُمْ هَذِهِ إلَّا الْقَمْحُ. اهـ. فَائِدَةٌ ذَكَرَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ مَعْنًى لَطِيفًا فِي إيجَابِ الصَّاعِ وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ تَمْتَنِعُ غَالِبًا مِنْ الْكَسْبِ فِي الْعِيدِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَلَا يَجِدُ الْفَقِيرُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا لِأَنَّهَا أَيَّامُ سُرُورٍ وَرَاحَةٍ عَقِبَ الصَّوْمِ وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ الصَّاعِ عِنْدَ جَعْلِهِ خُبْزًا ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ الْخُبْزِ فَإِنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ كَمَا مَرَّ وَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ نَحْوُ الثُّلُثِ فَيَأْتِي مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ كِفَايَةُ الْفَقِيرِ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِكُلِّ يَوْمٍ رِطْلَانِ تَتِمَّةٌ: جِنْسُ الصَّاعِ الْوَاجِبِ الْقُوتُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ لِأَنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْمُعَشَّرَاتِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَقِيسَ الْبَاقِي عَلَيْهِ بِجَامِعِ الِاقْتِيَاتِ، وَيُجْزِئُ الْأَقِطُ لِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ لَبَنٌ يَابِسٌ غَيْرُ مَنْزُوعِ الزُّبْدِ وَفِي مَعْنَاهُ لَبَنٌ وَجُبْنٌ لَمْ يُنْزَعْ زُبْدُهُمَا، وَإِجْزَاءُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِمَنْ هُوَ قُوتُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ   [حاشية البجيرمي] يَرِدُ اللَّبَنُ وَنَحْوُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكَيْلُ " أَيْ إنْ تَأَتَّى كَيْلُهُ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِالْوَزْنِ كَالْجُبْنِ وَالْأَقِطِ. قَوْلُهُ: (اسْتِظْهَارًا) أَيْ اسْتِيفَاءً لِجَمِيعِ التَّقَادِيرِ لَا الِاحْتِيَاطِ كَمَا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَزْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بِالصَّاعِ النَّبَوِيِّ) أَيْ الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (أَوْ مِعْيَارُهُ) بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى الصَّاعِ الْمَرْفُوعِ، وَقَوْلُهُ: " فَإِنْ فُقِدَ " أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَخْرَجَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْفَاءِ، أَيْ فَتَكُونُ الْحَفْنَةُ مُدًّا لِأَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْحَفَنَاتُ جَمْعُ حَفْنَةٍ وَالْحَفْنَةُ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ، يُقَالُ: حَفَنَ يَحْفِنُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ إذَا أَخَذَ مِلْءَ كَفَّيْهِ، وَالْحَفَنَاتُ عَلَى وَزْنِ سَجَدَاتٍ. قَوْلُهُ: (وَالْغَلَتِ) لَيْسَ بِكَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ إذْ الَّذِي فِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّ الْغَلَتَ مَعْنَاهُ الْغَلَطُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا فِيهِ مِنْ نَحْوِ تُرَابٍ وَطِينٍ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَزِيدَ) الزِّيَادَةُ مَنْدُوبَةٌ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (إلَّا الْقَمْحَ) أَيْ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِي مِصْرَ. قَوْلُهُ: (الشَّاشِيُّ) نِسْبَةً إلَى الشَّاشِ اسْمٌ لِمَدِينَةٍ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ) أَيْ تَقْرِيبًا. قَوْلُهُ: (وَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ) عِبَارَةُ حَجّ: وَهُوَ يَحْمِلُ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الْمَاءِ فَيَجِيءُ مِنْهُ نَحْوُ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ اهـ، وَقَالَ " نَحْوَ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ " لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ وَالثُّلُثُ تَحْتَ النَّارِ. قَوْلُهُ: (نَحْوَ الثُّلُثِ) أَيْ قَدْرَ ثُلُثِ الثَّمَانِيَةِ أَرْطَالٍ وَهُوَ رِطْلَانِ وَثُلُثَانِ، تُضَمُّ لِمَا ذُكِرَ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً. وَلَيْسَ الْمُرَادُ ثُلُثَ الْخَمْسَةِ وَالثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ مَا ذُكِرَ. اهـ. شَيْخُنَا. وَوُجِدَ أَيْضًا مِثْلُهُ بِخَطِّ أج. قَوْلُهُ: (وَهُوَ كِفَايَةُ الْفَقِيرِ) قَالَ سم: هَذِهِ الْحِكْمَةُ لَا تَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ وُجُوبِ صَرْفِ الصَّاعِ لِلثَّمَانِيَةِ أَصْنَافٍ، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ لِفَقِيرٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَتَأَتَّى مَا ذُكِرَ، وَلَا تَأْتِيَ أَيْضًا فِي صَاعِ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالْجُبْنِ وَاللَّبَنِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ قَلَّدَ مَنْ يُجَوِّزُ دَفْعَهَا لِوَاحِدٍ، أَوْ أَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِمَا كَانَ شَأْنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنْ جَمْعِ الزَّكَوَاتِ وَتَفْرِقَتِهَا. وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ وَإِنْ جَمَعَهَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ لِكُلِّ فَقِيرٍ صَاعًا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِغَالِبِ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْحَبُّ تَأَمَّلْ اهـ بِزِيَادَةٍ. وَقَوْلُهُ " لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَخْ " قَدْ يُقَالُ: يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ عِنْدَهُ زَكَوَاتٌ كَثِيرَةٌ مُرَاعَاةً لِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (جِنْسُ الصَّاعِ) وَجُمْلَتُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِنْسًا يَجْمَعُهُ رَمْزُ: بِاَللَّهِ سَلْ إلَخْ. قَوْلُهُ: (الْأَقِطُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا مَعَ تَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ، حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ دَمِيرِيٌّ. وَقَوْلُهُ " لَبَنٌ " أَيْ مَائِعٌ لِيُخَالِفَ الْأَقِطَ. قَوْلُهُ: (وَإِجْزَاءُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 أَمْ الْحَاضِرَةِ، أَمَّا مَنْزُوعُ الزُّبْدِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُجْزِئُ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ الْكَشْكُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ مَعْرُوفٌ وَلَا الْمَخِيضُ وَلَا الْمَصْلُ وَلَا السَّمْنُ وَلَا اللَّحْمُ وَلَا مُمَلَّحٌ مِنْ الْأَقِطِ أَفْسَدَ كَثْرَةُ الْمِلْحِ جَوْهَرَهُ بِخِلَافِ الْمِلْحِ الْيَسِيرِ فَيُجْزِئُ، لَكِنْ لَا يُحْسَبُ الْمِلْحُ فَيُخْرِجُ قَدْرًا يَكُونُ مَحْضُ الْأَقِطِ مِنْهُ صَاعًا. وَالْأَصْلُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ زَكَاةَ مُوَلِّيهِ الْغَنِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيلُ بِتَمْلِيكِهِ بِخِلَافِ غَيْرِ مُوَلِّيهِ كَوَلَدٍ رَشِيدٍ وَأَجْنَبِيٍّ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَوْ اشْتَرَكَ مُوسِرَانِ أَوْ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ فِي رَقِيقٍ لَزِمَ كُلَّ مُوسِرٍ قَدْرُ حِصَّتِهِ لَا مِنْ وَاجِبِهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ بَلْ مِنْ قُوتِ مَحَلِّ الرَّقِيقِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا الْمُؤَدِّي. فَصْلٌ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَيْ الزَّكَوَاتِ عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِشْعَارِهَا بِصِدْقِ بَاذِلِهَا، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخَرِ الزَّكَاةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ وَهُوَ أَنْسَبُ مِنْ ذِكْرِ الْمِنْهَاجِ لَهَا تَبَعًا لِلْمُزَنِيِّ بَعْدَ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ. (وَتُدْفَعُ الزَّكَاةُ) مِنْ أَيْ صِنْفٍ كَانَ مِنْ أَصْنَافِهَا الثَّمَانِيَةِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهَا (إلَى) جَمِيعِ (الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ) عِنْدَ وُجُودِهِمْ فِي مَحَلِّ الْمَالِ وَهُمْ (الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فِي قَوْله تَعَالَى   [حاشية البجيرمي] مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لِمَنْ هُوَ قُوتُهُ. قَوْلُهُ: (الْمَصْلُ) هُوَ مَا سَالَ مِنْ اللَّبَنِ إذَا طُبِخَ ثُمَّ عُصِرَ وَيُقَالُ لَهُ مَصَالَةٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَيُسَمَّى عِنْدَ الْعَامَّةِ بِمِشِّ الْحَصِيرِ. اهـ. ح ف. قَوْلُهُ: (جَوْهَرَهُ) أَيْ ذَاتَهُ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمِلْحِ الْيَسِيرِ أَيْ بِخِلَافِ ذِي الْمِلْحِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَيُجْزِئُ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (زَكَاةَ مُوَلِّيهِ) أَيْ وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ. وَقُيِّدَ بِالْغِنَى لِأَجْلِ قَوْلِهِ " وَلَهُ " وَإِلَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِتَمْلِيكِهِ) أَيْ فَيَجْعَلُ الدَّفْعَ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ التَّمْلِيكِ. قَوْلُهُ: (كَوَلَدٍ رَشِيدٍ) أَيْ إذَا لَمْ تَلْزَمْ نَفَقَتُهُ وَإِلَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ وَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، وَكَذَا الْمَمْلُوكُ وَالزَّوْجَةُ. قَوْلُهُ: (لَا مِنْ وَاجِبِهِ) أَيْ كُلِّ مُوسِرٍ. قَوْلُهُ: (كَمَا وَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ) يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ بِمَحَلٍّ لَيْسَ فِيهِ قُوتٌ مُجْزِئٌ وَكَانَتْ بَلَدُ السَّيِّدِ أَقْرَبَ الْبِلَادِ إلَيْهِ ز ي، أَوْ كَانَ قُوتُ بَلَدِ الرَّقِيقِ مِنْ جِنْسِ قُوتِ بَلَدِ السَّيِّدِ فَيَأْذَنُ لِرَقِيقِهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ قُوتِهِ. [فَصْلٌ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ] ِ جَمْعُ صَدَقَةٍ، تَشْمَلُ الْوَاجِبَةَ وَالْمَنْدُوبَةَ وَالْمُرَادُ الْوَاجِبَةُ. وَلَوْ قَالَ فِي قَسْمِ الزَّكَوَاتِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (أَيْ الزَّكَوَاتِ) احْتَاجَ لَهُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ أَعَمُّ رَحْمَانِيٌّ قَوْلُهُ: (وَسُمِّيَتْ) أَيْ الزَّكَوَاتُ بِذَلِكَ أَيْ الصَّدَقَاتِ قَوْلُهُ: (وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ أَيْ الْقَسْمِ؛ لَكِنَّهُ أَنَّثَ الضَّمِيرَ لِاكْتِسَابِ الْمُضَافِ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَنْسَبُ إلَخْ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الزَّكَاةِ وَذِكْرِهَا بَعْدَ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ لَهُ مُنَاسَبَةٌ، وَهِيَ أَنْ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَةِ مَالٌ يَجْمَعُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَصْنَافِهَا الثَّمَانِيَةِ) وَكَذَا زَكَاةُ الْفِطْرِ قَوْلُهُ: (إلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ) أَيْ إنْ قَسَمَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ فَإِنْ قَسَمَ الْمَالِكُ فَلَا عَامِلَ اهـ مَرْحُومِيٌّ. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ الثَّمَانِيَةَ فِي قَوْلِهِ: صَرَفْت زَكَاةَ الْحُسْنِ لِمَ لَا بَدَأْت بِي ... فَإِنِّي أَنَا الْمُحْتَاجُ لَوْ كُنْت تَعْرِفُ فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ وَغَازٍ وَعَامِلٌ ... وَرِقُّ سَبِيلٍ غَارِمٌ وَمُؤَلَّفُ اهـ. شَوْبَرِيٌّ: قَوْلُهُ: (وَهُمْ) فِي تَقْدِيرِهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ قَوْلُهُ: (وَالْمَسَاكِينِ) جَمْعُ مِسْكِينٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَفِي لُغَةِ بَنِي أَسْدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] قَدْ عُلِمَ مِنْ الْحَصْرِ بِإِنَّمَا أَنَّهَا لَا تُصْرَفُ لِغَيْرِهِمْ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اسْتِيعَابِهِمْ، وَأَضَافَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الصَّدَقَاتِ إلَى الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى فَاللَّامُ الْمِلْكِ، وَإِلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ بِفِي الظَّرْفِيَّةِ لِلْإِشْعَارِ بِإِطْلَاقِ الْمِلْكِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى، وَتَقْيِيدُهُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى إذَا لَمْ يَحْصُلْ الصَّرْفُ فِي مَصَارِفِهَا اسْتَرْجَعَ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى عَلَى مَا يَأْتِي. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ تَعْرِيفِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَأَنَا أَذْكُرُهُمْ عَلَى نَظْمِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَالْأَوَّلُ الْفَقِيرُ وَهُوَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ لَائِقٌ بِهِ يَقَعُ   [حاشية البجيرمي] فَتْحُهَا. وَهُوَ مِنْ السُّكُونِ، كَأَنَّ الْعَجْزَ أَسْكَنَهُ أَوْ لِسُكُونِهِ إلَى النَّاسِ قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ مِنْ الْحَصْرِ) أَيْ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ وَيُسَمَّى قَصْرًا، وَهُوَ مِنْ قَصْرِ الصِّفَةِ وَهِيَ الصَّدَقَاتُ عَلَى الْمَوْصُوفِ؛ فَالْمَعْنَى عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا تُصْرَفُ لِهَؤُلَاءِ لَا لِغَيْرِهِمْ وَلَا لِبَعْضِهِمْ فَقَطْ، بَلْ يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ. وَالْمَعْنَى عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا تُصْرَفُ لِهَؤُلَاءِ لَا لِغَيْرِهِمْ، وَهَذَا يَصْدُقُ بِعَدَمِ اسْتِيعَابِهِمْ وَيَجُوزُ دَفْعُهَا لِصِنْفٍ مِنْهُمْ وَلَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَكَثِيرُونَ: يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ. قَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ: ثَلَاثَةُ مَسَائِلَ فِي الزَّكَاةِ يُفْتَى فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْمَذْهَبِ: نَقْلُ الزَّكَاةِ وَدَفْعُ زَكَاةِ وَاحِدٍ إلَى وَاحِدٍ وَدَفْعُهَا إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَأَضَافَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ الْفَصْلِ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ وَبَيْنَ الْأَخِيرَيْنِ مِنْهَا بِلَفْظِ فِي مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِهَا فِي الْأُولَى كَمَا اكْتَفَى بِاللَّامِ فِي الْأُولَى مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ؟ قُلْت: لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ مِنْهُمْ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ وَالْغَارِمُونَ إنَّمَا يَأْخُذَانِ لِغَيْرِهِمَا وَالْأَخِيرَيْنِ يَأْخُذَانِ لِأَنْفُسِهِمَا اهـ أج. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْغَزِّيِّ: وَذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ فَاللَّامُ الْمِلْكِ لِإِطْلَاقِ مِلْكِهِمْ لِمَا يَأْخُذُونَهُ، وَفِي الْبَقِيَّةِ بِفِي الظَّرْفِيَّةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَسْتَرِدُّ مِنْهُمْ مَا أَخَذُوهُ إنْ لَمْ يُصْرَفْ فِيمَا هُوَ لَهُ سَوَاءٌ بَقِيَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، وَأَعَادَ فِي الظَّرْفِيَّةَ فِي قَوْلِهِ {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] إشَارَةً إلَى مُخَالَفَتِهِمَا لِمَا قَبْلَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَوَّلَيْنِ أَخَذَا لِغَيْرِهِمَا، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَأْخُذُهُ لِسَيِّدِهِ وَالْغَارِمَ لِلدَّائِنِ وَهُمَا أَيْ الْغَازِي وَابْنُ السَّبِيلِ أَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا اهـ. وَأَتَى بِالْوَاوِ دُونَ أَوْ لِإِفَادَةِ التَّشْرِيكِ بَيْنَهُمْ فِيهَا، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَصْنَافِ الْمَوْجُودِينَ بِهَا، قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَآخَرُونَ. وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَكَثِيرُونَ: يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ فَكَذَا هُنَا، شَرْحُ عب. وَإِنَّمَا بَدَأَ فِي الْآيَةِ بِالْفَقِيرِ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ. قَوْلُهُ: (بِإِطْلَاقِ الْمِلْكِ) الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قَوْلُهُ: (وَتَقْيِيدُهُ) أَيْ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ بَلْ يُشْتَرَطُ صَرْفُهُ فِيمَا أَخَذُوهُ لَهُ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِهِ) أَيْ الْمِلْكِ، وَقَوْلُهُ " فِي الْأَرْبَعَةِ " أَيْ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ: (وَأَنَا أَذْكُرُهُمْ) الْمُنَاسِبُ الْإِفْرَادُ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى التَّعْرِيفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: وَأَنَا أَذْكُرُهُمْ أَيْ التَّعْرِيفَاتِ قَوْلُهُ: (مَنْ لَا مَالَ لَهُ) أَيْ عِنْدَهُ وَلَا كَسْبَ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالٌ وَلَا كَسْبٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ لَا يَلِيقُ، أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ كَسْبٌ لَا يَلِيقُ؛ لَكِنْ لَا يَقَعَانِ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ فَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِثَلَاثِ صُوَرٍ قَوْلُهُ: (لَائِقٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِمَحَلِّ اسْمِ لَا قَبْلَ دُخُولِهَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ الْمُنَاسِبَ تَنْوِينُ اسْمِ لَا لِأَنَّهُ مَوْصُوفٌ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمُضَافِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ وُصِفَ بَعْدَ دُخُولِهَا لَا قَبْلَهُ، وَخَرَجَ غَيْرُ اللَّائِقِ لِكَوْنِهِ حَرَامًا أَوْ يُزْرَى بِهِ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ " وَلَا كَسْبٌ " أَيْ لَائِقٌ بِهِ حَلَالٌ يَقَعُ مَوْقِعًا أَيْ يَسُدُّ مَسَدًّا، فَخَرَجَ بِاللَّائِقِ غَيْرُهُ فَهُوَ كَالْعَدَمِ؛ وَأَفْهَمَ أَنَّ أَهْلَ الْبُيُوتِ الَّذِينَ لَا يَعْتَادُونَ الْكَسْبَ بِأَيْدِيهِمْ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَخَرَجَ بِالْحَلَالِ الْحَرَامُ فَلَا أَثَرَ لَهُ. وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ وَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْهُ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ وَجْهُ إحْلَالِهِ اهـ. وَالْكَسُوبُ غَيْرُ فَقِيرٍ وَإِنْ لَمْ يَكْتَسِبْ إنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ وَقَدَرَ عَلَيْهِ وَلَاقَ بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 جَمِيعُهُمَا أَوْ مَجْمُوعُهُمَا مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ مَطْعَمًا وَمَلْبَسًا وَمَسْكَنًا وَغَيْرَهَا مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَحَالِ مُمَوِّنِهِ كَمَنْ يَحْتَاجُ إلَى عَشَرَةٍ وَلَا يَمْلِكُ أَوْ لَا يَكْتَسِبُ إلَّا دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَا يَمْلِكُهُ نِصَابًا أَمْ أَقَلَّ أَمْ أَكْثَرَ . وَالثَّانِي الْمِسْكِينُ وَهُوَ مَنْ لَهُ مَالٌ أَوْ كَسْبٌ لَائِقٌ بِهِ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيهِ كَمَنْ يَمْلِكُ أَوْ يَكْتَسِبُ سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً وَلَا يَكْفِيهِ إلَّا عَشَرَةٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ الْعُمُرُ الْغَالِبُ وَيَمْنَعُ فَقْرَ الشَّخْصِ وَمَسْكَنَتَهُ كِفَايَتُهُ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ كَمُكْتَسِبٍ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِنَوَافِلَ، وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ مِنْهَا لِاشْتِغَالِهِ بِعِلْمٍ   [حاشية البجيرمي] حَلَّ لَهُ تَعَاطِيهِ. اهـ. م ر. وَذُو الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ قَدْرُهُ دَيْنًا وَلَوْ حَالًّا غَيْرُ فَقِيرٍ، فَلَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ حَتَّى يَصْرِفَ مَا مَعَهُ فِي الدَّيْنِ؛ وَالْأَوْلَى أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ: وَلَمْ يَكْتَفِ بِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ اهـ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدُ: " وَيَمْنَعُ فَقْرَ الشَّخْصِ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (يَقَعُ جَمِيعُهُمَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، وَقَوْلُهُ " أَوْ مَجْمُوعُهُمَا " أَيْ جُمْلَتُهُمَا، فَالْمُرَادُ بِالْمَجْمُوعِ هُنَا الْأَمْرَانِ بِشَرْطِ اجْتِمَاعِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالْجَمِيعِ كُلٌّ مِنْهُمَا بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ قَوْلُهُ: (مِنْ كِفَايَتِهِ) أَيْ لِبَقِيَّةِ عُمُرِهِ الْغَالِبِ وَهُوَ اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً مِنْ وِلَادَتِهِ. اهـ. ق ل. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: نَعَمْ يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ صِغَارٌ وَمَمَالِيكُ وَحَيَوَانَاتٌ، فَهَلْ نَعْتَبِرُهُمْ بِالْعُمُرِ الْغَالِبِ إذْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُمْ وَبَقَاءُ نَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ أَوْ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُهُ بِالنَّظَرِ لِلْأَطْفَالِ بِبُلُوغِهِمْ وَإِلَى الْأَرِقَّاءِ بِمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَارِهِمْ الْغَالِبَةِ وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانَاتُ؟ لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ، وَكَلَامُهُمْ يُومِئُ إلَى الْأَوَّلِ، لَكِنَّ الثَّانِيَ أَقْوَى مَدْرَكًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ حَجّ اهـ قَوْلُهُ: (وَغَيْرَهَا) أَيْ مِنْ أَثَاثِ الْبَيْتِ مَثَلًا كَحَصِيرٍ وَمِخَدَّةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْلِكُ) أَيْ إذَا كَانَ لَا يَكْتَسِبُ، وَقَوْلُهُ " أَوْ لَا يَكْتَسِبُ إلَخْ " أَيْ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَكْتَسِبُ. قَوْلُهُ: (إلَّا دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً) زَادَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَلَوْ غَيْرَ زَمِنٍ وَمُتَعَفِّفٍ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19] أَيْ غَيْرِ السَّائِلِ قَوْلُهُ: (أَوْ أَرْبَعَةً) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَمْسَةً فَمَا فَوْقُ إلَى دُونِ الْعَشَرَةِ فَمِسْكِينٌ، مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ ثَمَانِيَةً) أَيْ أَوْ سِتَّةً أَوْ خَمْسَةً، وَالْمُرَادُ النِّصْفُ فَمَا فَوْقَ أَيْ دُونَ مَا يَكْفِيهِ قَوْلُهُ: (لَا يَكْفِيهِ الْعُمُرُ الْغَالِبُ) أَيْ بَقِيَّتُهُ وَهُوَ اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً ق ل. قَوْلُهُ: (كِفَايَتُهُ بِنَفَقَةٍ) أَيْ وَاجِبَةٍ، وَقَوْلُهُ " قَرِيبٌ " أَيْ أَصْلٌ أَوْ فَرْعٌ أَوْ زَوْجٌ وَلَوْ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ وَهِيَ حَامِلٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا بِنُشُوزٍ لَمْ تُعْطَ لِقُدْرَتِهَا عَلَى النَّفَقَةِ حَالًّا بِالطَّاعَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ سَافَرَتْ بِلَا إذْنٍ وَمَنَعَهَا أُعْطِيت مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ حَيْثُ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْعَوْدِ حَالًّا لِعُذْرِهَا وَإِلَّا فَمِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ إذَا عَزَمَتْ عَلَى الرُّجُوعِ لِانْتِهَاءِ الْمَعْصِيَةِ. وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ الْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ مَتْبُوعٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ " كِفَايَتُهُ " أَنَّ الْكَلَامَ فِي زَوْجٍ مُوسِرٍ، أَمَّا مُعْسِرٍ لَا يَكْفِي فَتَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهَا بِالْفَقْرِ؛ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكْفِهَا مَا وَجَبَ لَهَا عَلَى الْمُوسِرِ لِكَوْنِهَا أَكُولَةً تَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهَا بِالْفَقْرِ وَلَوْ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَأَنَّهُ لَوْ غَابَ زَوْجُهَا وَلَا مَالَ لَهُ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَيْهِ وَعَجَزَتْ عَنْ الِاقْتِرَاضِ أَخَذَتْ؛ وَهُوَ ظَاهِرٌ. كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَفَتَاوَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ أَوْ الْمُنْفِقَ لَوْ أُعْسِرَ أَوْ غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ مُنْفِقًا وَلَا مَالًا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ أُعْطِيت الزَّوْجَةُ أَوْ الْقَرِيبُ بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَيُسَنُّ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ زَوْجَهَا مِنْ زَكَاتِهَا وَلَوْ بِالْفَقْرِ وَإِنْ أَنْفَقَهَا عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا لِلْقَاضِي، شَرْحُ م ر مَعَ تَصَرُّفٍ، قَوْلُهُ: (أَوْ سَيِّدٍ) لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي الْمَنْهَجِ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِي الزَّكَاةِ لِمَنْ بِهِ رِقٌّ غَيْرَ الْمُكَاتَبِ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمُكَاتَبُ نَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ لَا عَلَى السَّيِّدِ. وَقَوْلُنَا " لَا حَقَّ فِي الزَّكَاةِ " أَيْ حَتَّى تَكُونَ كِفَايَتُهُ بِنَفَقَةِ سَيِّدِهِ مَانِعَةً مِنْ أَخْذِهَا قَوْلُهُ: (كَمُكْتَسِبٍ) تَنْظِيرٌ. وَقَوْلُهُ " وَاشْتِغَالُهُ " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 شَرْعِيٍّ يَتَأَتَّى مِنْهُ تَحْصِيلُهُ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَيْضًا مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَثِيَابُهُ وَكُتُبٌ لَهُ يَحْتَاجُهَا، وَلَا مَالَ لَهُ غَائِبٌ بِمَرْحَلَتَيْنِ أَوْ مُؤَجَّلٌ فَيُعْطَى مَا يَكْفِيهِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَالِهِ أَوْ يَحِلَّ الْأَجَلُ لِأَنَّهُ الْآنَ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ. . وَالثَّالِثُ الْعَامِلُ عَلَى الزَّكَاةِ كَسَاعٍ يُجْبِيهَا وَكَاتِبٍ يَكْتُبُ مَا أَعْطَاهُ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ وَقَاسِمٍ وَحَاشِرٍ يَجْمَعُهُمْ أَوْ   [حاشية البجيرمي] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " كِفَايَتُهُ " أَيْ وَيَمْنَعُ فَقْرَ الشَّخْصِ وَمَسْكَنَتَهُ اشْتِغَالُهُ إلَخْ قَوْلُهُ: (لَا اشْتِغَالُهُ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ) أَيْ فَلَا يَمْنَعُ فَقْرَهُ بَلْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، قِيلَ: وَمِثْلُهَا وُجُوبُ نَفَقَتِهِ عَلَى وَالِدِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حِينَئِذٍ، قَالَ الشِّهَابُ م ر: وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّكَاةِ ظَاهِرٌ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشَّوْبَرِيِّ مَرْحُومِيٌّ. وَقَوْلُهُ " ظَاهِرٌ " لَعَلَّهُ مِمَّا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ فِي الزَّكَاةِ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ ز ي وُجُوبُ النَّفَقَةِ كَالزَّكَاةِ إذَا كَانَ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْعِلْمُ، وَنَصُّهَا: مِثْلُهُ أَيْ فِي وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَلِيقُ بِهِ لَكِنَّهُ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِلْمِ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ أج. وَالْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الْفِقْهُ وَالتَّفْسِيرُ وَالْحَدِيثُ وَآلَاتُهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) فِيهِ تَلْمِيحٌ إلَى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِفُرُوضِ الْكِفَايَةِ لَا يَمْنَعُ الْفَقْرَ وَالْمَسْكَنَةَ قَوْلُهُ: (مَسْكَنُهُ) وَإِنْ اعْتَادَ السُّكْنَى بِالْأُجْرَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَلَ فِي مَوْقُوفٍ يَسْتَحِقُّهُ عَلَى الْأَوْجَهِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ هَذَا كَالْمِلْكِ بِخِلَافِ ذَاكَ، ابْنُ حَجَرٍ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ " مَسْكَنُهُ " أَيْ الَّذِي يَحْتَاجُهُ وَلَاقَ بِهِ، فَإِنْ اعْتَادَ الْمَسْكَنَ بِالْأُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَدْرَسَةِ وَمَعَهُ ثَمَنُ مَسْكَنٍ أَوْ لَهُ مَسْكَنٌ خَرَجَ عَنْ اسْمِ الْفَقْرِ بِمَا مَعَهُ كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يُبَعْ الْمَسْكَنُ هُنَا وَبِيعَ عَلَى الْمُفْلِسِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ فَسُومِحَ فِيهَا بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، شَرْحُ عب قَوْلُهُ: (وَخَادِمُهُ) وَلَوْ لِمُرُوءَتِهِ بِأَنْ اخْتَلَّتْ مُرُوءَتُهُ بِخِدْمَةِ نَفْسِهِ أَوْ شَقَّتْ عَلَيْهِ مَشَقَّةً لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً. اهـ. م ر قَوْلُهُ: (وَثِيَابُهُ) وَلَوْ لِلتَّجَمُّلِ؛ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ إفْتَاءِ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ حَلِيَّ الْمَرْأَةِ الْمُحْتَاجَةِ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ عَادَةً لَا يَمْنَعُ فَقْرَهَا،. اهـ. ز ي قَوْلُهُ: (وَكُتُبٌ) وَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَنْوَاعُهَا، فَإِنْ تَعَدَّدَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ بِيعَ مَا زَادَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا نَحْوَ مُدَرِّسٍ وَاخْتَلَفَ حَجْمُهَا ق ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ تَكَرَّرَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ مِنْ فَنٍّ وَاحِدٍ بَقِيَتْ كُلُّهَا لِمُدَرِّسٍ وَالْمَبْسُوطُ لِغَيْرِهِ فَيَبِيعُ الْمُوجَزَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَا يَظْهَرُ أَوْ نُسِخَ مِنْ كِتَابٍ بَقِيَ لَهُ الْأَصَحُّ لَا الْأَحْسَنُ اهـ. وَأَمَّا الْمُصْحَفُ فَيُبَاعُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ تَسْهُلُ مُرَاجَعَةُ حَفَظَتِهِ، فَلَوْ كَانَ بِمَحَلٍّ لَا حَافِظَ فِيهِ تُرِكَ لَهُ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ قَوْلُهُ: (وَلَا مَالَ لَهُ غَائِبٌ) أَيْ أَوْ حَاضِرٌ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ اهـ خ ض تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا تُقَرِّرُ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى مَالِكِي السَّفِينَةِ مَسَاكِينَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ يَمْلِكُ مَا مَرَّ، وَهُوَ غَالِبًا يَحْصُلُ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ الْكِفَايَةِ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَعَوَّذَ مِنْ الْفَقْرِ» فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَسَأَلَ الْمَسْكَنَةَ فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ؛ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَاذَ مِنْ الْمَسْكَنَةِ أَيْضًا. ثُمَّ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ اللَّذَيْنِ مَرْجِعُ مَعْنَاهُمَا إلَى الْقِلَّةِ كَمَا اسْتَعَاذَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ دُونَ حَالِ الْفَقْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى دُونَ حَالَةِ الْغِنَى؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ مَكْفِيًّا بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ وَالْمَسْكَنَةُ الَّتِي سَأَلَهَا إنْ صَحَّ حَدِيثُهَا مَعْنَاهَا التَّوَاضُعُ وَأَنْ لَا يُحْشَرَ فِي زُمْرَةِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَالْأَغْنِيَاءِ الْمُتَرَفِّهِينَ اهـ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ خَلَائِقَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِمِثْلِ مَذْهَبِنَا مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ، خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَيْثُ قَالَا: الْمِسْكِينُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] أَيْ لَاصِقًا أَنْفَهُ بِالتُّرَابِ؛ لَكِنْ لَا فَائِدَةَ لِلْخِلَافِ هُنَا لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى وَاحِدٍ بَلْ فِي نَحْوِ الْوَصِيَّةِ لِأَحْوَجَ مِنْهُمَا، شَرْحُ الْعُبَابِ. يَعْنِي أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِلْأَحْوَجِ مِنْ الْفَقِيرِ أَوْ الْمِسْكِينِ فَتُصْرَفُ الْوَصِيَّةُ لِلْأَوَّلِ عِنْدَنَا وَلِلثَّانِي عِنْدَهُمَا اهـ. قَوْلُهُ: (الْعَامِلُ) وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا، وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَاتِ وَفِقْهُ زَكَاةٍ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَا يَأْخُذُ وَمَنْ يُؤْخَذُ، وَإِلَّا فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 يَجْمَعُ ذَوِي السُّهْمَانِ لَا قَاضٍ وَوَالٍ فَلَا حَقَّ لَهُمَا فِي الزَّكَاةِ بَلْ رِزْقُهُمَا فِي خُمُسِ الْخُمُسِ الْمَرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ. . وَالرَّابِعُ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ جَمْعُ مُؤَلَّفٍ مِنْ التَّأْلِيفِ وَهُوَ مَنْ أَسْلَمَ وَنِيَّتُهُ ضَعِيفَةٌ فَيَتَأَلَّفُ لِيَقْوَى إيمَانُهُ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ وَنِيَّتُهُ فِي الْإِسْلَامِ قَوِيَّةٌ وَلَكِنْ لَهُ شَرَفٌ فِي قَوْمِهِ يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إسْلَامُ غَيْرِهِ أَوْ كَافٍ لَنَا شَرَّ مَنْ يَلِيهِ مِنْ كُفَّارٍ أَوْ مَانِعِي زَكَاةٍ فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ الْأَخِيرَانِ إنَّمَا يُعْطَيَانِ إذَا كَانَ إعْطَاؤُهُمَا أَهْوَنَ عَلَيْنَا مِنْ جَيْشٍ يُبْعَثُ لِذَلِكَ، فَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ يُعْتَبَرُ فِي إعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ احْتِيَاجُنَا إلَيْهِمْ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الصِّنْفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، أَمَّا هُمَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. وَهَلْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ. . وَالْخَامِسُ الرِّقَابُ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ كِتَابَةً صَحِيحَةً لِغَيْرِ مُزَكٍّ فَيُعْطَوْنَ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَادَاتِهِمْ أَوْ قَبْلَ حُلُولِ النُّجُومِ مَا يُعِينُهُمْ عَلَى الْعِتْقِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مَا يَفِي بِنُجُومِهِمْ، أَمَّا مُكَاتَبُ الْمُزَكِّي فَلَا يُعْطَى مِنْ زَكَاتِهِ شَيْئًا لِعَوْدِ الْفَائِدَةِ إلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ مِلْكَهُ. . وَالسَّادِسُ الْغَارِمُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ: مَنْ تَدَايَنَ لِنَفْسِهِ فِي مُبَاحٍ طَاعَةً   [حاشية البجيرمي] يُشْتَرَطُ الْفِقْهُ وَلَا الْحُرِّيَّةُ وَلَا الذُّكُورَةُ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا وَلَا مَوْلَى لَهُمَا وَلَا مُرْتَزِقًا م د وَسَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " وَلَا تَصِحُّ لِكَافِرٍ " نَعَمْ الْكَيَّالُ وَالْحَمَّالُ وَالْحَافِظُ وَنَحْوَهُمْ يَجُوزُ كَوْنُهُمْ كُفَّارًا مُسْتَأْجَرِينَ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ لَا زَكَاةٌ اهـ، فَلَا مُنَافَاةَ. قَوْلُهُ: (كَسَاعٍ) أَشَارَ بِالْكَافِ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ مِنْهُ الْحَاسِبُ قَوْلُهُ: (وَحَاشِرٍ) أَيْ جَامِعٍ قَوْلُهُ: (ذَوِي السُّهْمَانِ) جَمْعُ سَهْمٍ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَفِعْلًا اسْمًا وَفَعِيلًا وَفَعِلْ ... غَيْرَ مُعَلِّ الْعَيْنِ فُعْلَانَ شَمِلْ قَوْلُهُ: (لَا قَاضٍ وَوَالٍ) لِأَنَّ عَمَلَهُمَا عَامٌّ قَوْلُهُ: (جَمْعُ مُؤَلَّفٍ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَكُلُّهُمْ مُسْلِمُونَ؛ إمَّا مُؤَلَّفَةُ الْكُفَّارِ وَهُمْ مَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُمْ أَوْ يُخَافُ شَرُّهُمْ فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ زَكَاةٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ وَأَغْنَى عَنْ التَّأْلِيفِ قَوْلُهُ: (مِنْ التَّأْلِيفِ) وَهُوَ جَمْعُ الْقُلُوبِ قَوْلُهُ: (وَنِيَّتُهُ ضَعِيفَةٌ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ نَفْسِهِ أَوْ فِي أَهْلِهِ. وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ " لِيَقْوَى إيمَانُهُ " وَالْمُرَادُ بِالْإِسْلَامِ الْإِيمَانُ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، إذْ الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَلَائِكَةِ فَلَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ فَيَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ قَوْلُهُ: (أَوْ كَافٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " لَهُ شَرَفٌ " أَيْ وَلَكِنْ كَافٍ إلَخْ، أَيْ وَلَكِنْ هُوَ كَافٍ إلَخْ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ) الْأَوْلَى بِالْوَاوِ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ شَيْءٍ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (يُبْعَثُ لِذَلِكَ) أَيْ لِكِفَايَةِ شَرِّ مَنْ يَلِيهِ مِنْ كُفَّارٍ أَوْ مَانِعِي زَكَاةٍ قَوْلُهُ: (نَعَمْ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِخِلَافِ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الذُّكُورَةُ اهـ مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانُوا لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَخْذُ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْمُكَاتَبُ يُعْطِيهِ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَا يَأْخُذُهُ السَّادَةُ مِنْ الْمُكَاتَبِينَ وَاقِعٌ عَنْ جِهَةِ الدَّيْنِ لَا عَنْ جِهَةِ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِهِ زَكَاةٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ، وَإِنَّمَا فَسَّرَ الرِّقَابَ بِالْمُكَاتَبِينَ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَفِي تَخْلِيصِ الرِّقَابِ مِنْ الرِّقِّ. قَوْلُهُ: (كِتَابَةً صَحِيحَةً) أَيْ فِي كُلِّهِ بِخِلَافِ مُكَاتَبِ الْبَعْضِ فَلَا يُعْطِي شَيْئًا كَأَنْ أَوْصَى بِكِتَابَةِ عَبْدٍ فَعَجَزَ عَنْهُ الثُّلُثُ. اهـ. ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَبْلَ حُلُولِ النُّجُومِ) وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْحُلُولُ كَمَا اشْتَرَطَ فِي الْغَارِمِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ الرِّقِّ أَهَمُّ وَالْغَارِمُ يُنْتَظَرُ لَهُ أَيْ يُمْهَلُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يُوسِرْ فَلَا حَبْسَ وَلَا مُلَازَمَةَ س ل قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مَا يَفِي) وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ كَسُوبًا كَالْغَارِمِ م د قَوْلُهُ: (مَعَ كَوْنِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ مِلْكَهُ، أَيْ فَلَا يَرُدُّ الْمَدِينُ إذَا أَعْطَاهُ الدَّائِنُ مِنْ الزَّكَاةِ لِيَدْفَعَهُ عَنْ الدَّيْنِ حَيْثُ يَصِحُّ؛ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهُ فِي الدَّيْنِ مَعَ عَوْدِ الْفَائِدَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكَهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (الْغَارِمُ) مِنْ الْغُرْمِ وَهُوَ اللُّزُومُ وَمِنْ ثَمَّ أُطْلِقَ عَلَى الدَّائِنِ أَيْضًا لِتَلَازُمِهِمَا مَرْحُومِيٌّ وَيُطْلَقُ عَلَى الدَّوَامِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] أَيْ دَوَامًا قَوْلُهُ: (وَهُوَ ثَلَاثَةٌ) أَيْ إجْمَالًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَحْتَهُ ثَلَاثَةٌ. وَالثَّانِي: مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 كَانَ أَوْ لَا، وَإِنْ صَرَفَهُ فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ فِي غَيْرِ مُبَاحٍ كَخَمْرٍ وَتَابَ وَظَنَّ صِدْقَهُ، أَوْ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ فَيُعْطَى مَعَ الْحَاجَةِ بِأَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ وَلَا يَقْدِرَ عَلَى وَفَائِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَدَايَنَ لِمَعْصِيَةٍ وَصَرَفَهُ فِيهَا وَلَمْ يَتُبْ، وَمَا لَوْ لَمْ يَحْتَجْ فَلَا يُعْطَى أَوْ تَدَايَنَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ أَيْ الْحَالِ بَيْنَ الْقَوْمِ كَأَنْ خَافَ فِتْنَةً بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ تَنَازَعَتَا فِي قَتِيلٍ لَمْ يَظْهَرْ قَاتِلُهُ فَتُحْمَلُ الدِّيَةُ تَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ فَيُعْطَى وَلَوْ غَنِيًّا تَرْغِيبًا فِي هَذِهِ الْمَكْرَمَةِ، أَوْ تَدَايَنَ لِضَمَانٍ فَيُعْطَى إنْ أَعْسَرَ مَعَ الْأَصِيلِ أَوْ أَعْسَرَ وَحْدَهُ، وَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِالضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمِنَ بِالْإِذْنِ. . وَالسَّابِعُ سَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ غَازٍ ذَكَرٌ مُتَطَوِّعٌ بِالْجِهَادِ فَيُعْطَى وَلَوْ غَنِيًّا إعَانَةً لَهُ عَلَى الْغَزْوِ. وَالثَّامِنُ ابْنُ السَّبِيلِ وَهُوَ مُنْشِئُ سَفَرٍ مِنْ بَلَدِ الزَّكَاةِ أَوْ مُجْتَازٌ بِهِ فِي سَفَرِهِ إنْ احْتَاجَ وَلَا مَعْصِيَةَ بِسَفَرِهِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ عَلِمَ الدَّافِعَ مِنْ إمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الزَّكَاةِ وَعَدَمِهِ عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَمَنْ لَا يَعْلَمُ، فَإِنْ ادَّعَى ضَعْفَ إسْلَامٍ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ، أَوْ ادَّعَى فَقْرًا أَوْ مَسْكَنَةً فَكَذَلِكَ لَا إنْ ادَّعَى عِيَالًا أَوْ تَلَفَ مَالٍ عُرِفَ أَنَّهُ لَهُ فَيُكَلَّفُ بَيِّنَةً لِسُهُولَتِهَا كَعَامِلٍ وَمُكَاتَبٍ وَغَارِمٍ وَبَقِيَّةِ الْمُؤَلَّفَةِ، وَصُدِّقَ غَازٍ وَابْنُ السَّبِيلِ بِلَا يَمِينٍ، فَإِنْ تَخَلَّفَا عَمَّا أَخَذَا لِأَجْلِهِ اسْتَرَدَّ   [حاشية البجيرمي] تَدَايَنَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ. وَالثَّالِثُ: مَنْ تَدَايَنَ لِلضَّمَانِ قَوْلُهُ: (مَنْ تَدَايَنَ لِنَفْسِهِ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ اسْتَدَانَ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ أَوْ قُرَى ضَيْفٍ. اهـ. س ل قَوْلُهُ: (وَإِنْ صَرَفَهُ فِي مَعْصِيَةٍ) أَيْ وَعُرِفَ قَصْدُ الْإِبَاحَةِ مَنْهَجٌ، لَكِنْ لَا نُصَدِّقُهُ فِيهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ وَلَهَا أَنْ تَعْتَمِدَ الْقَرَائِنَ. اهـ. س ل قَوْلُهُ: (أَوْ فِي غَيْرِ مُبَاحٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " فِي مُبَاحٍ " قَوْلُهُ: (وَظَنَّ صِدْقَهُ) أَيْ فِي تَوْبَتِهِ وَإِنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (أَوْ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَتَابَ " قَوْلُهُ: (وَمَا لَوْ لَمْ يَحْتَجْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مَعَ الْحَاجَةِ قَوْلُهُ: (أَيْ الْحَالِ) تَفْسِيرٌ لِذَاتِ، وَقَوْلُهُ " بَيْنَ الْقَوْمِ " تَفْسِيرٌ لِلْبَيْنِ أَيْ الْحَالِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْقَوْمِ قَوْلُهُ: (لَمْ يَظْهَرْ قَاتِلُهُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (فِي هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ) وَهِيَ الْإِصْلَاحُ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ الْفَقْرُ لَقَلَّتْ الرَّغْبَةُ فِي هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ قَوْلُهُ: (فَيُعْطَى) أَيْ إنْ حَلَّ الدَّيْنُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ س ل قَوْلُهُ: (إنْ أَعْسَرَ مَعَ الْأَصِيلِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا بِالضَّمَانِ قَوْلُهُ: (وَكَانَ مُتَبَرِّعًا) بِأَنْ ضَمِنَ بِلَا إذْنٍ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمِنَ بِالْإِذْنِ) أَيْ وَكَانَ الْأَصِيلُ مُوسِرًا، أَيْ فَلَا يُعْطَى لِأَنَّهُ يُطَالِبُ الْأَصِيلَ بِالْأَدَاءِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْ إذَا أَدَّى قَوْلُهُ: (سَبِيلُ اللَّهِ) سَبِيلُ اللَّهِ وَضْعًا الطَّرِيقُ الْمُوصِلَةُ لَهُ تَعَالَى ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجِهَادِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الشَّهَادَةِ الْمُوصِلَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ وُضِعَ عَلَى هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُمْ جَاهَدُوا لَا فِي مُقَابِلٍ فَكَانُوا أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِمْ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (ابْنُ السَّبِيلِ) أَيْ الشَّامِلُ لِبِنْتِ السَّبِيلِ قَوْلُهُ مُنْشِئُ سَفَرٍ مِنْ بَلَدِ الزَّكَاةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَطَنَهُ. وَقَدِمَ اهْتِمَامًا بِهِ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ الْقَوِيِّ فِيهِ، إذْ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ مَجَازٌ لِدَلِيلٍ هُوَ عِنْدَنَا الْقِيَاسُ عَلَى الثَّانِي بِجَامِعِ احْتِيَاجِ كُلٍّ لِأُهْبَةِ السَّفَرِ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ " مُنْشِئُ سَفَرٍ " وَلَوْ لِنُزْهَةٍ قَوْلُهُ: (مِنْ بَلَدِ الزَّكَاةِ) أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، وَقَوْلُهُ " إنْ احْتَاجَ " قَيْدَانِ لِإِعْطَاءِ ابْنِ السَّبِيلِ. قَوْلُهُ: (مَنْ عَلِمَ) أَيْ أَوْ ظَنَّ ق ل قَوْلُهُ: (عَمِلَ بِعِلْمِهِ) فَيُصْرَفُ لِمَنْ عَلِمَ اسْتِحْقَاقَهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (بِلَا يَمِينٍ) أَيْ وَلَا بَيِّنَةٍ لِعُسْرِ إقَامَتِهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (فَكَذَلِكَ) أَيْ يُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ وَلَا بَيِّنَةٍ وَإِنْ اُتُّهِمَ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَهَلَّا جَمَعَ الثَّلَاثَةَ لِكَوْنِ حُكْمِهَا وَاحِدًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ إنَّمَا فَصَلَ الْأَخِيرَيْنِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ إلَّا إنْ ادَّعَى عِيَالًا إلَخْ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِهِمَا قَوْلُهُ: (عِيَالًا) جَمْعُ عَيِّلٍ بِالتَّشْدِيدِ كَجِيَادٍ جَمْعُ جَيِّدٍ ع ش وَهُمْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ شَرْعًا قَوْلُهُ: (كَعَامِلٍ) أَيْ فَإِنَّهُمْ يُكَلَّفُونَ بَيِّنَةً بِالْعَمَلِ وَالْكِتَابَةِ وَالْغُرْمِ وَالشَّرَفِ وَكِفَايَةِ الشَّرِّ لِسُهُولَةِ إقَامَتِهَا. فَإِنْ قُلْت: إذَا قَسَمَ الْمَالِكُ فَلَا عَامِلَ أَوْ الْإِمَامُ فَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الْعَامِلِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى عَمَلِهِ عِنْدَ إمَامٍ بَعْدَ مَوْتِ إمَامٍ قَبْلَهُ، أَوْ يَقُولَ لِلْإِمَامِ أَنَا الَّذِي جَمَعْت الْأَمْوَالَ مَثَلًا وَيُقِيمُ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ تَأَمَّلْ م د. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَخَلَّفَا) أَيْ بِأَنْ تَمْضِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَمْ يَتَرَصَّدَا لِلْخُرُوجِ وَلَمْ يَنْتَظِرَا رُفْقَةً قَوْلُهُ: (هُنَا) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ لَفْظِ " أَشْهَدُ " وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِشْهَادٍ وَدَعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ بِخِلَافِهِ هُنَا، فَيَكْفِي إخْبَارُ عَدْلَيْنِ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 مِنْهُمَا مَا أَخَذَاهُ وَالْبَيِّنَةُ هُنَا إخْبَارُ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَيُغْنِي عَنْ الْبَيِّنَةِ اسْتِفَاضَةٌ بَيْنَ النَّاسِ وَتَصْدِيقُ دَائِنٍ فِي الْغَارِمِ وَسَيِّدٍ لِلْمُكَاتَبِ. . وَيُعْطَى فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ كِفَايَةَ عُمُرٍ غَالِبٍ فَيَشْتَرِيَانِ بِمَا يُعْطَيَانِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلَّانِهِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْغَازِي هَذَا فِيمَنْ لَا يُحْسِنُ الْكَسْبَ بِحِرْفَةٍ وَلَا تِجَارَةٍ، أَمَّا مَنْ يُحْسِنُ الْكَسْبَ بِحِرْفَةٍ فَيُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ آلَاتِهَا أَوْ بِتِجَارَةٍ فَيُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ مَا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ فِيهِ مَا يَفِي رِبْحَهُ بِكِفَايَتِهِ غَالِبًا. وَيُعْطَى مُكَاتَبٌ وَغَارِمٌ لِغَيْرِ إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ مَا عَجَزَا عَنْهُ مِنْ وَفَاءِ دَيْنِهِمَا. وَيُعْطَى ابْنُ سَبِيلٍ مَا يُوَصِّلُهُ مَقْصِدَهُ أَوْ مَالَهُ إنْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ مَالٌ وَيُعْطَى غَازٍ حَاجَتَهُ فِي غَزْوِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِقَامَةً لَهُ وَلِعِيَالِهِ وَيَمْلِكُهُ فَلَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ، وَيُهَيَّأُ لَهُ مَرْكُوبٌ إنْ لَمْ يُطِقْ الْمَشْيَ أَوْ طَالَ سَفَرُهُ، وَمَا يَحْمِلُ زَادَهُ وَمَتَاعَهُ إنْ لَمْ يَعْتَدْ مِثْلُهُ حَمْلَهُمَا كَابْنِ سَبِيلٍ وَالْمُؤَلَّفَةُ يُعْطِيهَا الْإِمَامُ أَوْ الْمَالِكُ مَا يَرَاهُ. . وَالْعَامِلُ يُعْطَى أُجْرَةَ مِثْلِهِ وَمَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ كَفَقِيرٍ وَغَارِمٍ يَأْخُذُ بِإِحْدَاهُمَا.   [حاشية البجيرمي] عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ عَرَى عَنْ لَفْظِ شَهَادَةٍ، أَوْ اسْتِشْهَادٍ أَوْ دَعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَوْلُهُ (اسْتِفَاضَةٌ) أَيْ إشَاعَةٌ مِنْ قَوْمٍ يَبْعُدُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ قَوْلُهُ: (وَيُعْطَى فَقِيرٌ) مَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الصِّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَالْإِعْطَاءِ، وَمَا هُنَا إلَى آخِرِ الْفَصْلِ فِي قَدْرِ الْمُعْطَى أَيْ قَدْرِ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ، فَقَوْلُهُ " وَيُعْطَى فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ " أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي، فَالْكَلَامُ هُنَا فِي إعْطَاءِ الْأَفْرَادِ، وَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: " وَيَجِبُ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ وَالتَّسْوِيَةُ فِي أَصْلِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْأَصْنَافِ " وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ الْأَوَّلَ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّمَانِيَةِ الْمُسَاوِيَةِ لِكُلِّ قِسْمٍ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَيُعْطَى فَقِيرٌ أَيْ كُلُّ فَقِيرٍ مِنْ أَصْلِ الْقِسْمِ الَّذِي لَهُمْ مِنْ أَصْلِ الْقِسْمَةِ قَوْلُهُ: (كِفَايَةَ عُمُرٍ غَالِبٍ) أَيْ إنْ قَسَمَ الْإِمَامُ. قَوْلُهُ: (فَيَشْتَرِيَانِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: فَيَشْتَرِيَانِ بِهِ أَيْ بِمَا أَعْطَيَاهُ عَقَارًا يَسْتَغِلَّانِهِ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّهُ وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ " فَيَشْتَرِيَانِ إلَخْ " إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَيُعْطَى كِفَايَةَ الْعُمُرِ الْغَالِبِ " أَنَّهُ يُعْطَى نَقْدًا يَكْفِيهِ الْعُمُرَ الْغَالِبَ لِتَعَذُّرِهِ، بَلْ الْمُرَادُ مَا ذَكَرَ قَوْلُهُ: (عَقَارًا) إنْ قُلْت: إذَا كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرَ بَطَلَ اعْتِبَارُ الْعُمُرِ الْغَالِبِ إذْ الْعَقَارُ يَمْكُثُ أَكْثَرَ مِنْ الْعُمُرِ الْغَالِبِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَقَارَ مُخْتَلِفُ الْقِيمَةِ، فَالْمُرَادُ عَقَارٌ يَمْكُثُ بَقِيَّةَ الْعُمُرِ الْغَالِبِ حَجّ؛ أَيْ إنْ لَمْ يَسْتَوْفِهِ، فَإِنْ اسْتَوْفَاهُ أُعْطِيَ كِفَايَةَ سَنَةٍ بِسَنَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ) أَيْ لِلْمَذْكُورِ قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْغَازِي) أَيْ فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَا يَحْتَاجُهُ فِي الْغَزْوِ وَالْمَرْكُوبَ الَّذِي يَتَهَيَّأُ لَهُ وَمَا يَحْمِلُ زَادَهُ وَمَتَاعَهُ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ: (فَيُعْطَى مَا يَشْتَرِي) أَيْ شَيْئًا، وَقَوْلُهُ " مَا يُحْسِنُ " مَفْعُولُ " يَشْتَرِي " وَقَوْلُهُ " مَا يَفِي " بَدَلٌ مِنْ " مَا " الْأُولَى. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: مِمَّا يُحْسِنُ، فَهُوَ بَيَانٌ لِ " مَا " مِنْ قَوْلِهِ: " مَا يَفِي رِبْحَهُ " وَتَكُونُ " مَا " مَفْعُولُ " يَشْتَرِي " عَلَى كَلَامِهِ قَوْلُهُ: (وَغَارِمٌ لِغَيْرِ إصْلَاحِ) أَمَّا هُوَ فَيُعْطَى مَا اسْتَدَانَهُ جَمِيعًا إذَا لَمْ يَدْفَعْهُ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ: أَمَّا هُوَ أَيْ الْغَارِمُ لِإِصْلَاحٍ، أَيْ لِدَفْعِ تَخَاصُمٍ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ فِي قَتِيلٍ مَثَلًا وَلَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ نَحْوُ كَلْبٍ، فَيُعْطَى مَا لَمْ يُوفِ مِنْ مَالِهِ ق ل. فَالْقَتِيلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ الْمَالُ الْمُتْلَفُ، وَإِنْ عُرِفَ الْقَاتِلُ فِي صُورَةِ الْقَتْلِ وَالْمُتْلِفُ فِي صُورَةِ الْإِتْلَافِ فَيُعْطَى إنْ حَلَّ الدَّيْنُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ م ر. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَنْ يَسْتَدِينَ وَيَدْفَعَ مَا اسْتَدَانَهُ فِي تَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَلَمْ يُوفِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَدِنْ بَلْ أَعْطَى مِنْ مَالِهِ أَوْ اسْتَدَانَ وَلَمْ يَدْفَعْ مَا اسْتَدَانَهُ فِي تَسْكِينِ الْفِتْنَةِ أَوْ اسْتَدَانَ وَدَفَعَ ثُمَّ وَفَّى مِنْ مَالِهِ فَلَا يُعْطَى. قَوْلُهُ: (مَا يُوصِلُهُ مَقْصِدَهُ) وَأَمَّا مُؤْنَةُ إيَابِهِ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ إنْ قَصَدَ الْإِيَابَ أُعْطِيهَا وَإِلَّا فَلَا وَلَا يُعْطَى مُؤْنَةَ إقَامَتِهِ الزَّائِدَةِ عَلَى مُدَّةِ الْمُسَافِرِ، أَيْ الَّتِي هِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ م د قَوْلُهُ: (وَلِعِيَالِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " حَاجَتَهُ " وَقَوْلُهُ: " كَابْنِ سَبِيلٍ " رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَيُهَيَّأُ لَهُ " قَوْلُهُ: (فَلَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ) نَعَمْ إنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ وَكَانَ لَهُ وَقْعٌ وَلَمْ يُقَتِّرْ اُسْتُرِدَّ، أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا فَلَا يُسْتَرَدُّ مُطْلَقًا أَوْ كَثِيرًا وَقَتَّرَ بِخِلَافِ ابْنِ السَّبِيلِ فَإِنَّهُ يُسْتَرَدُّ مِنْهُ الْفَاضِلُ مُطْلَقًا، وَمِثْلُهُ الْمُكَاتَبُ إذَا عَتَقَ بِغَيْرِ مَا أَخَذَهُ، وَالْغَارِمُ إذَا بَرِئَ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 وَ) يَجِبُ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فِي الْقِسْمِ إنْ أَمْكَنَ بِأَنْ قَسَمَ الْإِمَامُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ وَوَجَدُوا لِظَاهِرِ الْآيَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ قَسَمَ الْمَالِكُ إذْ لَا عَامِلَ، أَوْ الْإِمَامُ وَوَجَدَ بَعْضُهُمْ وَجَبَ الدَّفْعُ (إلَى مَنْ يُوجَدُ مِنْهُمْ) وَتَعْمِيمُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ وَعَلَى الْإِمَامِ تَعْمِيمُ آحَادِ كُلِّ صِنْفٍ وَكَذَا الْمَالِكُ إنْ انْحَصَرُوا بِالْبَلَدِ وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرُوا أَوْ انْحَصَرُوا (وَ) لَا وَفَّى بِهِمْ الْمَالُ (لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) لِذِكْرِهِ فِي الْآيَةِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ الَّذِي هُوَ لِلْجِنْسِ (إلَّا الْعَامِلَ) فَإِنَّهُ يَسْقُطُ إذَا قَسَمَ الْمَالِكُ، وَيَجُوزُ حَيْثُ كَانَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا إنْ حَصَلَتْ بِهِ الْكِفَايَةُ. . وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ غَيْرَ الْعَامِلِ وَلَوْ زَادَتْ حَاجَةُ بَعْضِهِمْ، وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ إلَّا أَنْ يَقْسِمَ الْإِمَامُ وَتَتَسَاوَى الْحَاجَاتُ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ. وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِ وَلَا يُجْزِئُهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدِ   [حاشية البجيرمي] اسْتَغْنَى بِذَلِكَ أَيْ بِغَيْرِ مَا أَخَذَهُ م د قَوْلُهُ: (مَا يَرَاهُ) كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّهُ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ؟ فَمُقْتَضَى التَّسْوِيَةِ أَنَّهُ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ مِثْلَ غَيْرِهِمْ لَا بِاجْتِهَادِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الشَّارِحِ هُنَا فِي أَفْرَادِ الْمُؤَلَّفَةِ أَيْ وَيُعْطِي كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُؤَلَّفَةِ مَا يَرَاهُ مِنْ سَهْمِهِمْ، وَالْحَالُ أَنَّ سَهْمَهُمْ كَسَهْمِ غَيْرِهِمْ فَلَا مُنَافَاةَ؛ فَقَوْلُهُ " وَالْمُؤَلَّفَةُ " أَيْ وَأَفْرَادُ الْمُؤَلَّفَةِ يُعْطِي الْإِمَامُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَا يَرَاهُ، فَكَلَامُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. وَقَوْلُهُ " وَالْعَامِلُ يُعْطَى أُجْرَةَ مِثْلِهِ " أَيْ يُعْطَى كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِلِ كَالْقَاسِمِ وَالْحَاشِرِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ مِنْ سَهْمِهِ، فَإِنْ زَادَ عَنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ رَدَّ الْبَاقِيَ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ أَوْ نَقَصَ عَنْهَا كَمَّلَ مِنْ رَأْسِ مَالِ الزَّكَاةِ؛ كَذَا فِي الرَّوْضِ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ) أَيْ لِلزَّكَاةِ، فَخَرَجَ مَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ لِلْفَيْءِ أَيْ وَإِحْدَاهُمَا الْغَزْوُ كَغَازٍ وَهَاشِمِيٍّ فَيُعْطَى بِهِمَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (كَفَقِيرٍ وَغَارِمٍ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْوَاوِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْغَارِمَ غَيْرُ الْفَقِيرِ، مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ؛ نَعَمْ إنْ أَخَذَ بِالْغُرْمِ شَيْئًا أَخَذَهُ غَرِيمُهُ وَبَقِيَ فَقِيرًا أُخِذَ بِالْفَقْرِ، فَالْمُمْتَنِعُ كَمَا أَفَادَهُ الزَّرْكَشِيّ إنَّمَا هُوَ الْأَخْذُ بِهِمَا دُفْعَةً أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِي الْمَأْخُوذِ أَوَّلًا كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ، أَمَّا مِنْ زَكَاتَيْنِ فَيَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ بِصِفَةٍ وَمِنْ الْأُخْرَى بِصِفَةٍ أُخْرَى كَغَازٍ هَاشِمِيٍّ، أَيْ قِيَاسًا عَلَى غَازٍ هَاشِمِيٍّ يَأْخُذُ بِهِمَا مِنْ الْفَيْءِ كَمَا مَرَّ اهـ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: (يَأْخُذُ بِإِحْدَاهُمَا) أَيْ بِخِيرَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ) حَتَّى فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ قَوْلُهُ: (وَجَبَ الدَّفْعُ) أَيْ إنْ كَثُرَتْ الْأَمْوَالُ وَإِلَّا قُدِّمَ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ. وَهُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّارِحُ. وَوَقَعَ فِي نُسَخٍ كِتَابَةُ الْوَاوِ مِنْ وَجَبَ بِقَلَمِ الْحُمْرَةِ، وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ لِأَنَّ الْوَاوَ جُزْءٌ مِنْ وَجَبَ لَا عَاطِفَةٌ فَالصَّوَابُ كِتَابَتُهَا بِقَلَمِ السَّوَادِ وَكِتَابَةُ الْوَاوِ فِي " وَيَجِبُ تَعْمِيمُ إلَخْ " بِقَلَمِ الْحُمْرَةِ. اهـ. شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (وَتَعْمِيمُ مَنْ وُجِدَ) هَذَا لَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمَتْنِ: وَإِلَى مَنْ يُوجَدُ مِنْهُمْ " لِأَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِي التَّعْمِيمِ، وَقَوْلُهُ " مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ " أَيْ الْأَصْنَافِ قَوْلُهُ: (وَلَا وَفَّى إلَخْ) الْمَوْجُودُ فِي الْمَتْنِ، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ؛ فَانْظُرْهُ مَعَ الشَّارِحِ لِأَنَّهُ حَمَلَ كَلَامَ الْمَتْنِ عَلَى عَدَمِ وَفَاءِ الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالصَّوَابُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى مَا إذَا وَفَّى بِهِمْ الْمَالَ. وَقَوْلُهُ " لِذِكْرِهِ " أَيْ كُلِّ صِنْفٍ، وَقَوْلُهُ " وَهُوَ " أَيْ الْجَمْعُ الْمُرَادُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ) الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ سَهْمٍ لِصِنْفٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ سَهْمِ الْبَقِيَّةِ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ الْعَامِلِ) أَمَّا هُوَ فَيُعْطَى أُجْرَةَ مِثْلِهِ؛ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي قِسْمَةِ الْمَالِكِ، وَإِذَا قَسَمَ فَلَا عَامِلَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا يُقَالُ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَلَا عَدَمُهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ آحَادِ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ تَسَاوَتْ الْحَاجَاتُ قَوْلُهُ: (فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ إنْ وُجِدُوا، وَتَعْمِيمُ آحَادِ كُلِّ صِنْفٍ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ مُطْلَقًا، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ آحَادِ كُلِّ صِنْفٍ إنْ اسْتَوَتْ الْحَاجَاتُ. وَمِثْلُهُ الْمَالِكُ إنْ انْحَصَرُوا وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالَ، لَكِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وُجُوبِهَا مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَإِنْ عُدِمَتْ الْأَصْنَافُ فِي بَلَدِ وُجُوبِهَا أَوْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ وَجَبَ نَقْلُهَا أَوْ الْفَاضِلِ إلَى مِثْلِهِمْ بِأَقْرَبَ بَلَدٍ إلَيْهِ، وَإِنْ عُدِمَ بَعْضُهُمْ أَوْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ رُدَّ نَصِيبُ الْبَعْضِ أَوْ الْفَاضِلُ عَنْهُ عَلَى الْبَاقِينَ إنْ نَقَصَ نَصِيبُهُمْ عَنْ كِفَايَتِهِمْ، أَمَّا الْإِمَامُ فَلَهُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ نَقْلُ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا. وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُسْتَحِقُّونَ مِنْ أَخْذِهَا قُوتِلُوا. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ شَخْصٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ الْمَدْيُونُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ: ادْفَعْ لِي مِنْ زَكَاتِك حَتَّى أَقْضِيَك دَيْنَك فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَدْيُونَ الدَّفْعُ إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ، وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ: اقْضِ مَا عَلَيْك لِأَرُدَّهُ عَلَيْك مِنْ زَكَاتِي فَفَعَلَ صَحَّ الْقَضَاءُ وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَيْهِ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ وَشَرَطَ أَنْ يَقْضِيَهُ ذَلِكَ عَنْ دَيْنِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ بِهَا، وَلَوْ نَوَيَاهُ بِلَا شَرْطٍ جَازَ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ: جَعَلْتُهُ عَنْ زَكَاتِي لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ حَتَّى يَقْبِضَهُ ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَدِيعَةً. (وَخَمْسَةٌ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (إلَيْهِمْ) الْأَوَّلُ (الْغَنِيُّ بِمَالٍ) حَاضِرٍ عِنْدَهُ (أَوْ كَسْبٍ) لَائِقٍ   [حاشية البجيرمي] بِإِسْقَاطِ الْعَامِلِ كَمَا عُرِفَ قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْزِئُهُ نَقْلُ إلَخْ) نَعَمْ لَوْ وَقَعَ تَشْقِيصٌ كَعِشْرِينَ شَاةً بِبَلَدٍ وَعِشْرِينَ بِآخَرَ فَلَهُ إخْرَاجُ شَاةٍ بِأَحَدِهِمَا مَعَ الْكَرَاهَةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (مِنْ بَلَدِ وُجُوبِهَا) أَيْ وَقْتِ وُجُوبِهَا، وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ فِيهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا دُونَ غَيْرِهِمْ؛ نَعَمْ لَوْ انْحَصَرَ مُسْتَحِقُّوهَا لَمْ يَجُزْ صَرْفُهَا لِمَنْ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِمْ، كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَفِيهِ بَحْثٌ ق ل. وَفِي حَاشِيَةِ خ ض: خَرَجَ بِالْمَالِكِ الْآخِذُ فَيُجْزِئُ إعْطَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَحَلِّ الزَّكَاةِ حَيْثُ وَقَعَ الْإِعْطَاءُ فِي مَحَلِّ الزَّكَاةِ شَرْحُ م ر ز ي قَوْلُهُ: (إلَى بَلَدٍ آخَرَ) الْمُرَادُ إلَى مَحَلٍّ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، فَالْبَلَدُ لَيْسَ بِقَيْدٍ. فَإِذَا خَرَجَ مِصْرِيٌّ إلَى خَارِجِ بَابِ السُّوَرِ كَبَابِ النَّصْرِ لِحَاجَةٍ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَغَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ هُنَاكَ ثُمَّ دَخَلَ وَجَبَ إخْرَاجُ فِطْرَتِهِ لَفُقَرَاءِ خَارِجِ بَابِ النَّصْرِ. اهـ. ح ل. وَكَتَبَ الْمَيْدَانِيُّ: أَيْ مَحَلَّ وُجُوبِهَا بَلَدًا أَوْ قَرْيَةً أَوْ بَادِيَةً بَحْرًا أَوْ بَرًّا، حَتَّى لَوْ حَالَ الْحَوْلُ وَالْمَالُ فِي الْبَحْرِ حَرُمَ نَقْلُهَا إلَى الْبَرِّ أَوْ حَالَ الْحَوْلُ وَالْقَفْلُ مَارُّونَ فَإِنَّهُ يَجِبُ دَفْعُهَا لِمَنْ فِيهِمْ. وَقَوْلُهُ " فَإِنْ عُدِمَتْ الْأَصْنَافُ إلَخْ " مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ " قَوْلُهُ: (أَوْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ) أَيْ أَوْ لَمْ يُعْدَمُ الْبَعْضُ لَكِنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ قَوْلُهُ: (رَدَّ نَصِيبَ الْبَعْضِ) أَيْ فِي الْأُولَى، وَقَوْلُهُ " أَوْ الْفَاضِلِ " أَيْ فِي الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ: (إنْ نَقَصَ نَصِيبُهُمْ عَنْ كِفَايَتِهِمْ) فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ نَقَلَ ذَلِكَ إلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ بِأَقْرَبَ بَلَدٍ قَوْلُهُ: (قُوتِلُوا) لِأَنَّ أَخْذَهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهُمْ رَبَّ الْمَالِ مِنْهَا إنْ قُلْنَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا يَبْرَأُ مِنْهَا م ر؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الدُّيُونِ وَالزَّكَاةُ أَعْيَانٌ قَوْلُهُ: (فَرْعٌ) الْفَرْعُ اصْطِلَاحًا مَا انْدَرَجَ تَحْتَ أَصْلٍ كُلِّيٍّ وَأَمَّا لُغَةً فَمَا بُنِيَ عَلَى غَيْرِهِ مَرْحُومِيٌّ وَقَوْلُهُ مَا انْدَرَجَ إلَخْ كَقَامَ زَيْدٌ الْمُنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْلِنَا الْفَاعِلُ مَرْفُوعٌ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ الْكُلِّيُّ وَقَوْلُهُ (مَا بُنِيَ عَلَى غَيْرِهِ) كَفُرُوعِ الشَّجَرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّجَرَةِ وَكَانَ الْأَوْلَى فُرُوعٌ لِأَنَّهَا ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ لَوْ كَانَ شَخْصٌ إلَخْ وَالثَّانِي وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ إلَخْ الثَّالِثُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَخْ قَوْلُهُ (فَلَوْ دَفَعَ) أَيْ صَاحِبُ الدَّيْنِ إلَيْهِ أَيْ الْمَدِينِ شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ وَشَرَطَ أَيْ صَاحِبُ الدَّيْنِ إلَخْ فَهَذَا رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ لَمْ يُجْزِهِ مَا دَفَعَهُ لِلْمَدِينِ عَنْ الزَّكَاةِ قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ) بِهَا أَيْ بِالزَّكَاةِ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ قَوْلُهُ (وَلَوْ نَوَيَاهُ) أَيْ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَقَوْلُهُ (بِهَا) أَيْ بِالزَّكَاةِ قَوْلُهُ فَقَالَ أَيْ رَبُّ الدَّيْنِ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَدِيعَةً أَيْ إذَا كَانَ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَ الْمُسْتَحِقِّ فَمَلَّكَهُ الْمَالِكُ إيَّاهُ زَكَاةً أَجْزَأَ أَيْ قَالَ الْمُودِعُ لِلْوَدِيعِ خُذْ الْمَالَ الَّذِي عِنْدَك وَدِيعَةً مِنْ زَكَاتِي فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ بِتَعَلُّقِ مِلْكِهِ بِعَيْنِهَا بِخِلَافِ الدَّيْنِ م د قَوْلُهُ: (وَخَمْسَةٌ لَا يَجُوزُ إلَخْ) وَمِثْلُهُمْ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ قَبْضِهِمْ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا قَبْضُ الْوَلِيِّ عَنْهُمْ قَوْلُهُ: (الْغَنِيُّ بِمَالٍ إلَخْ) فَائِدَةٌ: الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ أَفْضَلُ مِنْ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ، خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ. وَلَا يُنَافِيهِ دُخُولُ الْفُقَرَاءِ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ أَيْ بِمِقْدَارِ نِصْفِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا أَيَّامَ فِيهَا لِجَوَازِ اخْتِصَاصِ الْمَفْضُولِ بِمِزْيَةٍ لَيْسَتْ فِي الْفَاضِلِ اهـ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 بِهِ يَكْفِيهِ. (وَ) الثَّانِي (الْعَبْدُ) غَيْرُ الْمُكَاتَبِ إذْ لَا حَقَّ فِيهَا لِمَنْ بِهِ رِقٌّ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ. (وَ) الثَّالِثُ (بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ: «لَا أُحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْئًا إنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يَكْفِيكُمْ أَوْ يُغْنِيكُمْ» أَيْ بَلْ يُغْنِيكُمْ، وَلَا تَحِلُّ أَيْضًا لِمَوَالِيهِمْ لِخَبَرِ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . (وَ) الرَّابِعُ (مَنْ تَلْزَمُ الْمُزَكِّيَ نَفَقَتُهُ) بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ بَعْضِيًّا (لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِمْ بِاسْمِ) أَيْ مِنْ سَهْمِ (الْفُقَرَاءِ وَ) لَا مِنْ سَهْمِ (الْمَسَاكِينِ) لِغِنَاهُمْ بِذَلِكَ وَلَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ مِنْ سَهْمِ بَاقِي الْأَصْنَافِ إذَا كَانُوا بِتِلْكَ الصِّفَةِ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ عَامِلَةً وَلَا غَازِيَةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الضَّمِيرَ فِي نَفَقَتِهِ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ مَنْ، وَجَمَعَهُ فِي إلَيْهِمْ حَمْلًا عَلَى مَعْنَاهُ. وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِالْمُزَكِّي. إذْ مَنْ يَلْزَمُ غَيْرَ الْمُزَكِّي نَفَقَتُهُ كَذَلِكَ فَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ. (وَ) الْخَامِسُ (لَا تَصِحُّ لِلْكَافِرِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» نَعَمْ، الْكَيَّالُ   [حاشية البجيرمي] بِرْمَاوِيٌّ. وَنِصْفُ الْيَوْمِ مِقْدَارُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47] قَوْلُهُ: (حَاضِرٍ عِنْدَهُ) أَيْ لَوْ وُزِّعَ عَلَى الْعُمُرِ الْغَالِبِ لَخَصَّ كُلَّ يَوْمٍ مَا يَكْفِيهِ ق ل قَوْلُهُ: (إذْ لَا حَقَّ فِيهَا إلَخْ) فِيهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ كَالْمُصَادَرَةِ. قَوْلُهُ: (وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرِيفًا كَالْعَبَّاسِيَّةِ وَالْعَلَوِيَّةِ فَلَا يُعْطَوْنَ وَإِنْ مُنِعُوا حَقَّهُمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ ح ل. وَالْمُرَادُ بِالْعَبَّاسِيَّةِ الْمَنْسُوبُونَ لِلْعَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْعَلَوِيَّةِ الْمَنْسُوبُونَ لِعَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ غَيْرِ فَاطِمَةَ كَمُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَوْلَادِهِ؛ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْأَشْرَافَ مَنْ نُسِبُوا لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ فَيَكُونُ آلُ الْبَيْتِ أَعَمَّ مِنْ الْأَشْرَافِ. وَالرَّاجِحُ مِنْ مَذْهَبِنَا حُرْمَةُ الصَّدَقَتَيْنِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُرْمَةُ صَدَقَةِ الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ عَلَى آلِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ لَا فَرْضُهَا وَلَا نَفْلُهَا، وَلَا لِمَوَالِيهِمْ إذْ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ: هَلْ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تُشَارِكُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ؟ فَذَهَبَ الْحَسَنُ إلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ تُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ، وَذَهَبَ ابْنُ عُيَيْنَةَ إلَى اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ دُونَهُمْ؛ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي السِّيرَةِ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَكَالزَّكَاةِ كُلُّ وَاجِبٍ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ عَلَى أَوْجَهِ احْتِمَالَيْنِ، كَمَا يُؤْخَذُ تَرْجِيحُ ذَلِكَ مِنْ إفْتَاءِ الْوَالِدِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْأُضْحِيَّةُ الْوَاجِبَةُ وَالْجُزْءُ الْوَاجِبُ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ) أَيْ لِأَنَّ بَقَاءَهَا فِي الْأَمْوَالِ يُدَنِّسُهَا كَمَا يُدَنِّسُ الثَّوْبَ الْوَسَخُ. وَالْأَوْسَاخُ جَمْعُ وَسَخٍ وَهُوَ لُغَةً مَا يَعْلُو الثَّوْبَ وَغَيْرَهُ مِنْ قِلَّةِ التَّعَهُّدِ قَوْلُهُ: (إنَّ لَكُمْ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يَكْفِيهِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَهُ بِتَمَامِهِ قَوْلُهُ: (لِمَوَالِيهِمْ) أَيْ لِعُتَقَائِهِمْ ق ل قَوْلُهُ: (لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِمْ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ تَقْيِيدٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْعَطْفِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لِمَنْ تَلْزَمُ الْمُزَكِّيَ نَفَقَتُهُ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا لَا بِاسْمِ الْفُقَرَاءِ وَلَا غَيْرِهِ؛ فَلِذَلِكَ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ " بِاسْمِ الْفُقَرَاءِ إلَخْ " أَمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ الدَّفْعُ لَهُمْ؛ وَلَوْ قَالَ: بِوَصْفِ الْفُقَرَاءِ لَكَانَ أَنْسَبَ قَوْلُهُ: (وَلَا غَازِيَةً) أَيْ وَلَا مِنْ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ أَقْسَامِ الْمُؤَلَّفَةِ، مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْتَغْنِيَ بِالنَّفَقَةِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُزَكِّي هُوَ الْمُنْفِقَ عَلَيْهِ أَمْ لَا قَوْلُهُ: (نَعَمْ الْكَيَّالُ) أَيْ وَالْوَزَّانُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا مَيَّزُوا بَيْنَ أَنْصِبَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ حِينَئِذٍ، فَإِنْ مَيَّزُوا الزَّكَاةَ مِنْ الْمَالِ فَأُجْرَتُهُمْ عَلَى الْمَالِكِ لَا مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْحَمَّالِ وَالْكَيَّالِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمَا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةٌ لَا زَكَاةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ زَكَاةً حَقِيقَةً كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَمِثْلُهُ خ ض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 وَالْحَمَّالُ وَالْحَافِظُ وَنَحْوَهُمْ يَجُوزُ كَوْنُهُمْ كُفَّارًا مُسْتَأْجَرِينَ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ لَا زَكَاةٌ. . تَنْبِيهٌ: يَجِبُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ فَوْرًا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ بِحُضُورِ مَالٍ وَآخِذٍ لِلزَّكَاةِ مِنْ إمَامٍ أَوْ سَاعٍ أَوْ مُسْتَحِقٍّ، وَبِجَفَافِ تَمْرٍ وَتَنْقِيَةِ حَبٍّ وَخُلُوِّ مَالِكٍ مِنْ مُهِمٍّ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ كَصَلَاةٍ وَأَكْلٍ، وَبِقُدْرَةٍ عَلَى غَائِبٍ قَارٍّ أَوْ عَلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنٍ حَالٍّ، وَبِزَوَالِ حَجْرِ فَلَسٍ وَتَقْرِيرِ أُجْرَةٍ قُبِضَتْ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَقْرِيرُ صَدَاقٍ بِمَوْتٍ أَوْ وَطْءٍ. وَفَارَقَ الْأُجْرَةَ بِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ فَبِفَوَاتِهَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِخِلَافِ الصَّدَاقِ، فَإِنْ أَخَّرَ أَدَاءَهَا وَتَلِفَ الْمَالُ ضَمِنَ وَلَهُ أَدَاؤُهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا إلَّا إنْ طَلَبَهَا إمَامٌ عَنْ مَالٍ ظَاهِرٍ فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا لَهُ، وَلَهُ دَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ بِلَا طَلَبٍ مِنْهُ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِهَا بِنَفْسِهِ. .   [حاشية البجيرمي] وَقَوْلُهُ: " لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ إلَخْ " فِيهِ قُصُورٌ إذْ الِاسْتِئْجَارُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَأَوْلَى مِنْ كَلَامِهِ قَوْلُ ق ل. قَوْلُهُ " نَعَمْ إلَخْ " أَيْ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُونَهُ مِنْهَا أُجْرَةُ عَمَلِهِمْ سَوَاءٌ وَقَعَتْ إجَارَةً أَوْ لَا فَسُومِحَ فِي كَوْنِهِ مِنْ الزَّكَاةِ قَوْلُهُ: (أَدَاءُ الزَّكَاةِ) أَيْ زَكَاةِ الْمَالِ، فَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا بَعْدَ التَّمَكُّنِ وَتَقْرِيرِ الْأُجْرَةِ، أَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ فَمُوَسَّعَةٌ بِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ قَوْلُهُ: (وَتَنْقِيَةِ حَبٍّ) أَيْ وَتِبْرٍ وَمَعْدِنٍ قَوْلُهُ: (كَصَلَاةٍ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. قَوْلُهُ: (وَبِقُدْرَةٍ عَلَى غَائِبٍ) بِأَنْ سَهَّلَ الْوُصُولَ لَهُ. وَقَوْلُهُ " قَارٍّ " احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَالِ السَّائِرِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فَلَا تَجِبُ فِيهِ حَتَّى يَصِلَ إلَى مَالِكِهِ لِأَنَّهُ غَائِبٌ فَأَشْبَهَ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ وَهُوَ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحِلَّ، وَهُوَ عَلَى مُوسِرٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ عَلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنٍ حَالٍّ " بِأَنْ كَانَ عَلَى مَلِيءٍ حَاضِرٍ بَاذِلٍ أَوْ عَلَى جَاحِدٍ وَبِهِ حُجَّةٌ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ أَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الظَّفَرِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِ جِنْسِهِ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: (وَبِزَوَالِ حَجْرِ فَلْسٍ) أَيْ إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ مُتَعَلِّقَةً بِالذِّمَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْعَيْنِ فَيُخْرِجُهَا حَالًّا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى زَوَالِ الْحَجْرِ س ل. فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً سَائِمَةً وَمَضَى عَلَيْهَا حَوْلٌ فَالزَّكَاةُ حِينَئِذٍ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ فَيَجِبُ إخْرَاجُ الشَّاةِ عَنْهَا وَإِنْ لَمْ يَزَلْ عَنْهُ الْحَجْرُ قَوْلُهُ: (وَتَقْرِيرِ أُجْرَةٍ) الْأَوْلَى وَتَقَرَّرَتْ أُجْرَةً بِالْعَطْفِ عَلَى تَمَكَّنَ، إذْ هَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى التَّمَكُّنِ لَا مِنْهُ. وَمَعْنَى تَقْرِيرِهَا أَنَّهُ صَارَ آمِنًا مِنْ سُقُوطِهَا بِأَنْ مَضَتْ الْمَنْفَعَةُ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَتَقَرَّرَتْ أُجْرَةً، وَأَشَارَ فِي الشَّرْحِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى تَمَكَّنَ؛ قَالَ فِي الشَّرْحِ فَلَوْ أَجَّرَهُ " دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَبَضَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ كُلَّ سَنَةٍ إلَّا إخْرَاجُ حِصَّةِ مَا تَقَرَّرَ مِنْهَا فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهَا ضَعِيفٌ لِتَعَرُّضِهِ لِلزَّوَالِ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ اهـ. فَيُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لِسَنَةٍ وَهِيَ نِصْفٌ وَثُمُنٌ، وَعِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ يُخْرِجُ زَكَاةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لِسَنَةٍ وَهِيَ نِصْفُ دِينَارٍ وَثُمُنٌ كَمَا مَرَّ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لِسَنَتَيْنِ وَهِيَ نِصْفَانِ وَثُمُنَانِ؛ فَجُمْلَةُ مَا يُخْرِجُهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ دِينَارٌ وَسَبْعَةُ أَثْمَانِ دِينَارٍ، وَعِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ زَكَاةَ خَمْسِينَ لِسَنَةٍ وَهِيَ نِصْفَانِ وَثُمُنَانِ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لِثَلَاثِ سِنِينَ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْصَافٍ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ. فَجُمْلَةُ مَا يُخْرِجُهُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَثُمُنٌ، وَعِنْدَ تَمَامِ الرَّابِعَةِ زَكَاةَ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ لِسَنَةٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْصَافٍ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ وَزَكَاةَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَرْبَعِ سِنِينَ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْصَافِ دِينَارٍ وَأَرْبَعَةُ أَثْمَانِهِ. اهـ. شَرْحُ الْمُحَرَّرِ وَحَوَاشِيهِ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ الدَّنَانِيرِ الْمَذْكُورَةِ، فَمَجْمُوعُ الْمُخْرَجِ عَنْ الْمِائَةِ فِي السِّنِينَ الْأَرْبَعِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْمِائَةِ كُلَّ سَنَةٍ دِينَارَانِ وَنِصْفٌ لِأَنَّهَا رُبُعُ عُشْرِهَا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الصَّدَاقِ) فَإِنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحَقًّا فِي مُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ، بِدَلِيلِ تَقَرُّرِهِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ. قَوْلُهُ: (وَضَمِنَ) أَيْ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ أَيْ بِأَنْ يَدْفَعَ مَا كَانَ يَدْفَعُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَالِ، وَهَذَا بَعْدَ التَّمَكُّنِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا ضَمَانَ؛ وَهَذَا فِي التَّلَفِ أَمَّا إتْلَافُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا تَمَكَّنَ أَمْ لَا، بِخِلَافِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (عَنْ مَالٍ ظَاهِرٍ) وَهُوَ مَاشِيَةٌ وَزَرْعٌ وَرِكَازٌ وَثَمَرٌ، وَالْبَاطِنُ نَقْدٌ وَمَعْدِنٌ وَعَرْضُ تِجَارَةٍ. وَأَلْحَقَ بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْيَسَارُ، وَهُوَ مِمَّا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا لَهُ) وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لِنَفَاذِ حُكْمِهِ وَعَدَمِ انْعِزَالِهِ بِالْجَوْرِ، وَيَبْرَأُ بِالدَّفْعِ لَهُ وَإِنْ قَالَ: أَنَا آخُذُهَا مِنْك وَأَصْرِفُهَا فِي الْفِسْقِ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَفْضَلُ) أَيْ أَدَاؤُهَا لِلْإِمَامِ وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 وَتَجِبُ نِيَّةٌ فِي الزَّكَاةِ كَهَذَا زَكَاتِي أَوْ فَرْضُ صَدَقَتِي أَوْ صَدَقَةُ مَالِي الْمَفْرُوضَةُ، وَلَا يَكْفِي فَرْضُ مَالِي لِأَنَّهُ يَكُونُ كَفَّارَةً وَنَذْرًا، وَلَا صَدَقَةُ مَالِي لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ نَافِلَةً، وَلَا يَجِبُ فِي النِّيَّةِ تَعْيِينُ مَالٍ فَإِنْ عَيَّنَهُ لَمْ يَقَعْ عَنْ غَيْرِهِ، وَتَلْزَمُ الْوَلِيَّ عَنْ مَحْجُورِهِ، وَتَكْفِي النِّيَّةُ عِنْدَ عَزْلِهَا عَنْ الْمَالِ وَبَعْدَهُ وَعِنْدَ دَفْعِهَا لِإِمَامٍ أَوْ وَكِيلٍ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَا عِنْدَ تَفْرِيقٍ أَيْضًا، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي النِّيَّةِ وَلَا يَكْفِي نِيَّةُ إمَامٍ عَنْ الْمُزَكِّي بِلَا إذْنٍ مِنْهُ إلَّا عَنْ مُمْتَنِعٍ مِنْ أَدَائِهَا فَتَكْفِي وَتَلْزَمُهُ إقَامَةً لَهَا مَقَامَ نِيَّةِ الْمُزَكِّي، وَالزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ بِقَدْرِهَا. فَلَوْ بَاعَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الزَّكَاةُ أَوْ بَعْضَهُ قَبْلَ إخْرَاجِهَا بَطَلَ فِي قَدْرِهَا إلَّا إنْ بَاعَ مَالَ تِجَارَةٍ بِلَا مُحَابَاةٍ فَلَا يَبْطُلُ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الزَّكَاةِ الْقِيمَةُ وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ. وَسُنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ   [حاشية البجيرمي] مَحْمُولٌ عَلَى التَّطَوُّعِ، وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْمَالِ فَإِنَّ إبْدَاءَ الْفَرْضِ لِغَيْرِهِ أَفْضَلُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " صَدَقَةُ السِّرِّ فِي التَّطَوُّعِ تَفْضُلُ عَلَانِيَتَهَا بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، وَصَدَقَةُ الْفَرْضِ عَلَانِيَتُهَا أَفْضَلُ مِنْ سِرِّهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا ". وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: قَوْلُهُ: " وَهُوَ أَفْضَلُ " أَيْ إنْ كَانَ عَادِلًا فِيهَا اهـ. وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ وَالْجَوْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّكَاةِ سَوَاءٌ أَجَارَ فِي غَيْرِهَا أَوْ لَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ زِيَادِيٌّ. وَإِنَّمَا كَانَ دَفْعُهَا لِلْإِمَامِ أَفْضَلَ بِقَيْدِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْمُسْتَحَقِّينَ، فَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِيهَا فَتَفْرِيقُ الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَفْضَلُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ فِي النِّيَّةِ تَعْيِينُ مَالٍ) أَيْ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ، فَلَوْ مَلَكَ مِنْ الدَّرَاهِمِ نِصَابًا حَاضِرًا وَنِصَابًا غَائِبًا فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا ثُمَّ بَانَ تَلَفُ الْغَائِبِ فَلَهُ جَعْلُ الْمُخْرَجِ عَنْ الْحَاضِرِ، فَلَوْ كَانَ نَوَى الْمُخْرَجَ عَنْ الْغَائِبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إلَى الْحَاضِرِ، فَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ بَانَ الْمَنْوِيُّ تَالِفًا فَعَنْ غَيْرِهِ فَبَانَ تَالِفًا وَقَعَ عَنْ غَيْرِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَتَكْفِي النِّيَّةُ إلَخْ) فَلَوْ دَفَعَهَا بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَقَوْلُهُ " وَبَعْدَهُ " حَتَّى لَوْ اسْتَقَلَّ الْمُسْتَحِقُّ بِقَبْضِهَا اعْتَدَّ بِهِ أَوْ دَفَعَهَا مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلزَّكَاةِ كَصَبِيٍّ وَكَافِرٍ اعْتَدَّ بِهِ ز ي. قَوْلُهُ: (تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ) وَإِنَّمَا جَازَ إخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِهِ لِبِنَاءِ أَمْرِهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْإِرْفَاقِ؛ وَالْوَاجِبُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كَشَاةٍ وَاجِبَةٍ فِي الْإِبِلِ مَلَكَ الْمُسْتَحِقُّونَ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ كَشَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً، فَهَلْ الْوَاجِبُ شَاةٌ مُبْهَمَةٌ أَوْ جُزْءٌ مِنْ كُلِّ شَاةٍ؟ وَجْهَانِ، أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بَطَلَ فِي قَدْرِهَا) وَإِنْ أَبْقَى فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ شَائِعٌ، فَأَيُّ قَدْرٍ بَاعَهُ كَانَ حَقَّهُ وَحَقَّهُمْ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (أَيْضًا بَطَلَ فِي قَدْرِهَا) أَيْ إنْ كَانَ مِنْ الْجِنْسِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ كَشَاةٍ فِي خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ لِلْجَهْلِ بِقِيمَةِ الشَّاةِ لَا فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ فَقَطْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. عَنَانِيٌّ. وَقَوْلُهُ: " فِي قَدْرِهَا " أَيْ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ كُلِّ شَاةٍ فِي مَسْأَلَةِ الشِّيَاهِ مَثَلًا، كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ لَا مُبْهَمٌ، وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَنْ الْقَمُولِيِّ. اهـ. سم عَلَى حَجّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَيَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، قَالَ سم: أَيْ بِأَنْ يَرُدَّ شَاةً فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْبَعِينَ بِدَلِيلِ سِيَاقِ كَلَامِهِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَرُدُّ قَدْرَهَا مُتَمَيِّزًا لَا شَائِعًا. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ بَعْدَ رَدِّ الْمُشْتَرِي قَدْرَهَا مُتَمَيِّزًا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي جَمِيعِ مَا بَقِيَ بِيَدِهِ فَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي جُزْءٍ مِنْ كُلِّ شَاةٍ، ثُمَّ إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا مِنْهَا انْقَلَبَ الْبَيْعُ صَحِيحًا فِي جَمِيعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا عَدَا هَذِهِ الْوَاحِدَةَ. وَقَدْ يُجَابُ بِالْتِزَامِ ذَلِكَ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ شَرِكَةُ الْمُسْتَحِقِّ ضَعِيفَةً غَيْرَ حَقِيقِيَّةٍ ضَعُفَ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي كُلِّ جُزْءٍ وَجَازَ أَنْ يَرْتَفِعَ هَذَا الْحُكْمُ بِرَدِّ الْمُشْتَرِي وَاحِدَةً إلَى الْبَائِعِ، أَوْ بِأَنَّ غَايَةَ الْبُطْلَانِ بَقَاءُ مِلْكِ الْمُسْتَحِقِّ بِجُزْءٍ مِنْ كُلِّ شَاةٍ وَهُوَ يَنْقَطِعُ بِرَدِّ شَاةٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِبْدَالِ؛ لَكِنْ قِيَاسُ أَنَّ الَّذِي يَبْطُلُ فِيهِ الْبَيْعُ جُزْءٌ مِنْ كُلِّ شَاةٍ مَثَلًا أَنَّ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي جُزْءٌ مِنْ كُلِّ شَاةٍ. قَوْلُهُ: (بِلَا مُحَابَاةٍ) أَيْ مُرَاعَاةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُسَامَحَةُ، وَهُوَ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ. فَإِنْ بَاعَهُ بِمُحَابَاةٍ فَيَبْطُلُ فِيمَا قِيمَتُهُ قَدْرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 يُعْلِمَ شَهْرًا لِأَخْذِ الزَّكَاةِ، وَسُنَّ أَنْ يَكُونَ الْمُحَرَّمَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَنْ يَسِمَ نَعَمَ زَكَاةٍ وَفَيْءٍ لِلِاتِّبَاعِ فِي مَحَلٍّ صُلْبٍ ظَاهِرٍ لِلنَّاسِ لَا يَكْثُرُ شَعْرُهُ، وَحَرُمَ الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ. تَتِمَّةٌ: صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ لِمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلِذِي الْقُرْبَى لَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحِلُّ لِكَافِرٍ وَدَفْعُهَا سِرًّا وَفِي رَمَضَانَ، وَلِنَحْوِ قَرِيبٍ كَزَوْجَةٍ وَصَدِيقٍ فَجَارٌ قَرِيبٌ فَأَقْرَبُ أَفْضَلُ، وَيَحْرُمُ بِمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا لِمُمَوِّنِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَظُنُّ لَهُ وَفَاءً لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، وَتُسَنُّ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ لِنَفْسِهِ وَمُمَوِّنِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَفَصْلِ كِسْوَتِهِ وَوَفَاءِ دَيْنِهِ إنْ صَبَرَ عَلَى الْإِضَافَةِ وَإِلَّا كُرِهَ كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ. وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّدَقَةِ فِي رَمَضَانَ وَأَمَامَ الْحَاجَاتِ وَعِنْدَ كُسُوفٍ وَمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَحَجٍّ وَجِهَادٍ، وَفِي أَزْمِنَةٍ وَأَمْكِنَةٍ فَاضِلَةٍ كَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَيَّامِ الْعِيدِ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَخُصَّ بِصَدَقَتِهِ أَهْلَ الْخَيْرِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَلَوْ كَانَ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» وَقَالَ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وَمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كُرِهَ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَيَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ وَيَبْطُلُ بِهِ ثَوَابُهَا، وَيُسَنُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يُحِبُّهُ قَالَ تَعَالَى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] .   [حاشية البجيرمي] الزَّكَاةِ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ، ابْنُ حَجَرٍ. كَأَنْ بَاعَ مَا يُسَاوِي أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي رُبُعِ عُشْرِ الْمُحَابِي بِهِ، وَهُوَ مَا يُقَابِلُ نِصْفَ مِثْقَالٍ مِنْ الْعِشْرِينَ النَّاقِصَةِ مِنْ ثَمَنِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسِمَ) مِنْ الْوَسْمِ بِالْمُهْمَلَةِ أَوْ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ الْكَيُّ بِالنَّارِ، وَهُوَ جَائِزٌ لِحَاجَةٍ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَكَذَا خِصَاءُ صِغَارِ الْمَأْكُولِ لِإِكْبَارِهِ وَلَا غَيْرِ الْمَأْكُولِ. قَوْلُهُ: (نَعَمَ زَكَاةٍ وَفَيْءٍ) خَرَجَ نَعَمُ غَيْرِهَا، فَوَسْمُهُ مُبَاحٌ لَا مَنْدُوبٌ وَلَا مَكْرُوهٌ؛ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ سم: مَحَلُّهُ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَإِلَّا حَرُمَ. قَوْلُهُ: (صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ) وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُحَرِّمُهَا كَأَنْ يَعْلَمَ مِنْ آخِذِهَا أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَرْضِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَرَادَ بِالتَّطَوُّعِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ " سُنَّةٌ " وَسَقَطَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالسُّنَّةِ عَنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. اهـ. م د. وَعِبَارَةُ س ل عَلَى الْمَنْهَجِ: وَدِرْهَمُ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مِنْ دِرْهَمِ الْقَرْضِ، لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَمَنْ أَقْرَضَ مُسْلِمًا دِرْهَمًا مَرَّتَيْنِ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ صَدَقَةٍ مَرَّةً» وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: رَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ فَقُلْت: يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ وَالْمُسْتَقْرِضُ لَا يَسْتَقْرِضُ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ» لِأَنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، وَانْفَرَدَ بِالثَّانِي خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الشَّامِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْقَرْضُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ الِابْتِدَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ صَوْنِ وَجْهِ مَنْ لَمْ يَعْتَدْ السُّؤَالَ، وَالصَّدَقَةُ مِنْ حَيْثُ الِانْتِهَاءُ لِمَا فِيهَا مِنْ عَدَمِ رَدِّ الْمُقَابِلِ اهـ بِحُرُوفِهِ. أَوْ يُقَالُ: إنَّ عَشَرَةَ الصَّدَقَةِ أَكْبَرُ مِنْ الثَّمَانِيَة عَشَرَ وَإِنْ كَانَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ أَكْثَرَ عَدَدًا كَمَا قَالُوهُ فِي الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ دَرَجَةً وَالسَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ: (وَلِنَحْوِ قَرِيبٍ) سَوَاءٌ أَلْزَمْت الدَّافِعَ نَفَقَتَهُ أَمْ لَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ بِمَا يَحْتَاجُهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْإِضَاقَةِ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] قَوْلُهُ: (وَفَصْلَ كِسْوَتِهِ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَنْصُوبٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الظَّرْفِ. قَوْلُهُ: (وَوَفَاءِ دَيْنِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " لِنَفْسِهِ ". قَوْلُهُ: (وَإِلَّا كُرِهَ) أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ) وَهُوَ تَعْدَادُ النِّعَمِ عَلَى الْمُنْعَمَ عَلَيْهِ، نَعَمْ إنْ كَانَ لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ لَمْ يُطْلَبْ تَرْكُهُ كَأَنْ وَجَدَ مِنْ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ سَبًّا لِلْمُنْعِمِ فَذَكَرَهَا لَهُ لِيَكُفَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَالْمَنُّ مِنْ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ مَحْمُودٌ ق ل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 كِتَابُ الصِّيَامِ هُوَ وَالصَّوْمُ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] أَيْ إمْسَاكًا وَسُكُوتًا عَنْ الْكَلَامِ وَشَرْعًا إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ مَعَ النِّيَّةِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] وَخَبَرُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَفُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ. وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: صَائِمٌ وَنِيَّةٌ   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ الصِّيَامِ] ِ قَدَّمَهُ عَلَى الْحَجِّ نَظَرًا لِكَثْرَةِ أَفْرَادِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، فَيَكُونُ الصَّوْمُ أَفْضَلَ مِنْ الْحَجِّ؛ وَقِيلَ: الْحَجُّ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ وَيُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ. وَأَتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ بِالْيَاءِ وَالشَّارِحُ ذَكَرَهُ بِالْوَاوِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ " صَامَ " لَهُ مَصْدَرَانِ: بِالْيَاءِ وَالْوَاوِ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ لُغَةً وَشَرْعًا، وَالْأَوَّلُ مَصْدَرٌ سَمَاعِيٌّ وَالثَّانِي قِيَاسِيٌّ؛ وَأَصْلُهُ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ. وَأَمَّا بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فَمِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. قَوْلُهُ: (وَسُكُوتًا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ. قَوْلُهُ: (إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ) أَيْ إمْسَاكُ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ عَنْ الْمُفْطِرِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ بِالنِّيَّةِ سَالِمًا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْوِلَادَةِ جَمِيعَ النَّهَارِ وَمِنْ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ فِي بَعْضِهِ، م ر مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ مِنْ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ. قَوْلُهُ: (مَعَ النِّيَّةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ " عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ " وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهَا م ر. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ مَا عَدَا النِّيَّةَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] وَالْمُرَادُ بِالْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ أَيَّامُ شَهْرِ رَمَضَانَ جَمَعَهَا جَمْعَ قِلَّةٍ لِيُهَوِّنَهَا، وَقَوْلُهُ: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] إنْ كَانَ التَّشْبِيهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ كَانَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ مَا مِنْ أُمَّةٍ إلَّا وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْهَا شَهْرُ رَمَضَانَ إلَّا أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الصَّوْمِ كَانَ أَيْ صَوْمُ رَمَضَانَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وقَوْله تَعَالَى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184] مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ " صُومُوا " لِدَلَالَةِ الصِّيَامِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَنْصُوبًا بِالصِّيَامِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا، وَالْمَصْدَرُ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْمُولِهِ، وَلَيْسَ مَنْصُوبًا بِتَتَّقُونَ بَلْ مَفْعُولُ تَتَّقُونَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: تَتَّقُونَ الْمَعَاصِيَ. قَوْلُهُ: (فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ) فَصَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ ثَمَانِيَةٌ نَوَاقِصُ وَوَاحِدٌ كَامِلٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالنَّاقِصُ كَالْكَامِلِ فِي الثَّوَابِ الْمُرَتَّبِ عَلَى رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَيَّامِهِ، أَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ ثَوَابِ وَاجِبِهِ وَمَنْدُوبِهِ عِنْدَ سُحُورِهِ وَفُطُورِهِ فَهُوَ زِيَادَةٌ يَفُوقُ الْكَامِلُ بِهَا النَّاقِصَ. قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ) وَالْمُصَنِّفُ مَشَى فِيمَا سَيَأْتِي عَلَى أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَهِيَ الْفَرَائِضُ الْآتِيَةُ أج. وَلَا يُنَافِي عَدُّ الْأَخِيرَيْنِ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ الْفُرُوضِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ يُقَالُ لَهُ فَرْضٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ (صَائِمٌ) عَدَّ الصَّائِمَ هُنَا رُكْنًا لِعَدَمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وَإِمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ. . وَيَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَوُجُوبُهُ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ فَهُوَ كَافِرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَمَنْ تَرَكَ صَوْمَهُ غَيْرَ جَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ كَأَنْ قَالَ: الصَّوْمُ وَاجِبٌ عَلَيَّ وَلَكِنْ لَا أَصُومُ حُبِسَ وَمُنِعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ نَهَارًا لِيَحْصُلَ لَهُ صُورَةُ الصَّوْمِ بِذَلِكَ. وَتَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ بِعَدْلِ شَهَادَةٍ «لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: أَخْبَرْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [حاشية البجيرمي] وُجُودِ صُورَةٍ لِلصَّوْمِ فِي الْخَارِجِ كَمَا فِي نَحْوِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ نَحْوِ الصَّلَاةِ ق ل. قَوْلُهُ: (رَمَضَانَ) وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إطْلَاقُ رَمَضَانَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ شَهْرٍ؛ وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الشَّهْرُ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّمَضِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ لِمَجِيئِهِ غَالِبًا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، أَوْ مِنْ الرَّمَضِ وَهُوَ الْإِحْرَاقُ لِرَمَضِ الذُّنُوبِ فِيهِ أَيْ إحْرَاقِهَا. قَوْلُهُ: (بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ) بَلْ بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ، وَالثَّالِثُ: ثُبُوتُ رَمَضَانَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِعَدْلِ شَهَادَةٍ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَالرَّابِعُ: ظَنُّ دُخُولِهِ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، كَأَنْ كَانَ أَسِيرًا أَوْ مَحْبُوسًا كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا. قَوْلُهُ: (بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ) لَوْ قَالَ: بِكَمَالِ، لَكَانَ أَوْلَى؛ وَالْعَطْفُ بِ " أَوْ " بَعْدَ الثَّنِيَّةِ جَائِزٌ اسْتِعْمَالًا. قَوْلُهُ: (أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ رَآهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا. قَوْلُهُ: (لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ) فَلَا أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا، فَلَوْ رُئِيَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ نُفْطِرْ وَلَا نُمْسِكْ إنْ رُئِيَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، مَرْحُومِيٌّ: وَالْغَايَةُ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) دَلِيلٌ لِلْأَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ إلَخْ) أَيْ لِيَصُمْ كُلٌّ مِنْكُمْ وَيُفْطِرْ كُلٌّ مِنْكُمْ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْكُلِّيَّةِ أَيْ الْحُكْمِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ. قَوْلُهُ: (وَأَفْطِرُوا) بِهَمْزَةِ الْقَطْعِ. قَوْلُهُ: (لِرُؤْيَتِهِ) فِيهِ اسْتِخْدَامٌ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي الْأَوَّلِ عَائِدٌ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ، وَفِي الثَّانِي عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ، أَوْ الضَّمِيرُ الثَّانِي رَاجِعٌ لِلْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْهِلَالُ بِدُونِ قَيْدِهِ وَهُوَ رَمَضَانُ. قَوْلُهُ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ» أَيْ اسْتَتَرَ عَنْكُمْ بِالْغَمَامِ ق ل. وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ، وَمِثْلُهُ إذَا غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَيَكْمُلُ رَمَضَانُ ثَلَاثِينَ. قَوْلُهُ: (مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ) أَيْ مِنْ أَدِلَّةِ الدِّينِ، وَقَوْلُهُ " بِالضَّرُورَةِ " أَيْ عِلْمًا صَارَ كَالضَّرُورِيِّ فِي عَدَمِ خَفَائِهِ عَلَى أَحَدٍ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ كَافِرٌ) أَيْ مُرْتَدٌّ. قَوْلُهُ (صُورَةُ الصَّوْمِ) أَيْ إنْ لَمْ يَنْوِهِ فَإِنْ نَوَاهُ حَصَلَ لَهُ حَقِيقَتُهُ. قَوْلُهُ: (وَتَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ) أَيْ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِهِ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ وحج بِأَنْ يَقُولَ: حَكَمْت بِثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ أَوْ ثَبَتَ عِنْدِي هِلَالُ رَمَضَانَ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الصَّوْمُ، حَجّ. قَوْلُهُ: (فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ) أَمَّا مَنْ رَآهُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا بِالنَّظَرِ لِنَفْسِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ: وَتَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ إلَخْ، أَيْ مِمَّنْ مَطْلَعُهُ مُوَافِقٌ لِمَطْلَعِ مَحَلِّ الرُّؤْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَالْكَوَاكِبِ وَطُلُوعُهَا فِي الْبَلَدَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ غَرَبَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ طَلَعَ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ قَبْلَهُ فِي الْآخَرِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَ بِرُؤْيَةِ الْبَلَدِ الْآخَرِ، حَتَّى لَوْ سَافَرَ مِنْ أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ إلَى الْآخَرِ فَوَجَدَهُمْ صَائِمِينَ أَوْ مُفْطِرِينَ لَزِمَهُ مُوَافَقَتُهُمْ سَوَاءٌ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ آخِرِهِ وَهَذَا أَمْرٌ مَرْجِعُهُ إلَى طُولِ الْبِلَادِ وَعَرْضِهَا سَوَاءٌ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ، وَلَا نَظَرَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَعَدَمِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَتْ الرُّؤْيَةُ لِلْبَلَدِ الشَّرْقِيِّ لَزِمَ رُؤْيَتُهُ فِي الْبَلَدِ الْغَرْبِيِّ دُونَ عَكْسِهِ كَمَا فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ، فَيَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي مَكَّةَ رُؤْيَتُهُ فِي مِصْرَ لَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ مِنْ أَفْرَادِ الْغُرُوبِ، وَمَا ذُكِرَ عَنْ شَيْخِنَا م ر وَعَنْ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: " وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَنِصْفِهَا وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا " غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، بَلْ بَاطِلٌ وَكَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا إنَّهَا تَحْدِيدٌ اهـ. قَوْلُهُ: (بِعَدْلِ شَهَادَةٍ) وَإِنْ كَانَ الرَّائِي حَدِيدَ الْبَصَرِ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر، وَإِنْ قَالَ الْمُنَجِّمُونَ: إنَّ الْحِسَابَ الْقَطْعِيَّ قَدْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ، خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حِينَئِذٍ وَحْدَهُ. وَإِذَا صُمْنَا بِرُؤْيَةِ عَدْلٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَفْطَرْنَا وَإِنْ لَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ غَيْمٌ وَلَا يَرِدُ لُزُومُ الْإِفْطَارِ بِوَاحِدٍ لِثُبُوتِ ذَلِكَ ضِمْنًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا شَهِدَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرُؤْيَتِهِ فَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» . وَالْمَعْنَى فِي ثُبُوتِهِ بِالْوَاحِدِ الِاحْتِيَاطُ لِلصَّوْمِ وَهِيَ شَهَادَةُ حِسْبَةٍ. قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ: وَيَجِبُ الصَّوْمُ أَيْضًا عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ بِالرُّؤْيَةِ إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ، وَمَحَلُّ ثُبُوتِ رَمَضَانَ بِعَدْلٍ فِي الصَّوْمِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ، وَتَوَابِعُهُ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الْمُعَلَّقِينَ بِدُخُولِ رَمَضَانَ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، كَدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَوُقُوعِ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَلَّقَيْنِ بِهِ هَذَا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ إنْ سَبَقَ التَّعْلِيقُ الشَّهَادَةَ. فَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِدُخُولِ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ: إنْ ثَبَتَ رَمَضَانُ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ زَوْجَتِي طَالِقٌ وَقَعَا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالشَّاهِدِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ثَبَتَ لِاعْتِرَافِهِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: يُضَافُ إلَى الرُّؤْيَةِ وَإِكْمَالِ الْعِدَّةِ ظَنُّ دُخُولِهِ بِالِاجْتِهَادِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْأَمَارَةَ الدَّالَّةَ كَرُؤْيَةِ الْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْمَنَائِرِ فِي آخِرِ شَعْبَانَ فِي حُكْمِ الرُّؤْيَةِ، وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِ وَلَا يَجُوزُ، وَلَكِنْ   [حاشية البجيرمي] يَرِدُ " أَيْ لِأَنَّ شَوَّالَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِاثْنَيْنِ اهـ. وَهَذَا عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ هِلَالَ شَوَّالٍ يَثْبُتُ بِعَدْلٍ اسْتِقْلَالًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَهِيَ فِطْرُ يَوْمِ الْعِيدِ لِوُجُوبِهِ وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ اشْتَمَلَ عَلَى عِبَادَةٍ يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ بِالنَّظَرِ لِلْعِبَادَةِ وَلَوْ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الصَّوْمِ أَوْ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلَوْ قَبْلَ شُرُوعِهِمْ لَزِمَهُمْ الصَّوْمُ م ر وسم. وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ، وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ الْمُزَكِّينَ. وَخَرَجَ بِالْعَدْلِ الْفَاسِقِ، وَخَرَجَ بِإِضَافَتِهِ إلَى شَهَادَةِ عَدْلِ الرِّوَايَةِ كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ. قَوْلُهُ: (أَخْبَرْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، يَدُلُّ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: قَوْلُهُ: " وَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ إلَخْ " سَاقَهُ مَعَ الْأَوَّلِ لِيُبَيِّنَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِخْبَارِ الشَّهَادَةُ إذْ الْإِخْبَارُ لَا يَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ عَلَى الْعُمُومِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ شَهَادَةُ حِسْبَةٍ) أَيْ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى سَبْقِ دَعْوَى. قَوْلُهُ: (مَوْثُوقٌ بِهِ) أَيْ عِنْدَ الْمُخْبِرِ ح ل، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ رَقِيقًا. قَوْلُهُ: (إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَهُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْمَدَارُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: كَوْنِ الْمُخْبِرِ مَوْثُوقًا بِهِ، أَوْ اعْتِقَادِ صِدْقِهِ؛ وَهَذَا أَمْرٌ خَامِسٌ لِوُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ زَائِدٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَيَجِبُ أَيْضًا بِرُؤْيَةِ الْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى الْمَنَائِرِ فِي الْبِلَادِ الْمُعْتَمَدَةِ كَمَا يَأْتِي كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ) أَيْ الْهِلَالَ أَيْ رُؤْيَتَهُ. قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ إلَخْ) خِلَافًا لِابْنِ أَبِي الدَّمِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَنَّ الشَّهْرَ هَلَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ " شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهِيَ لَا تَصِحُّ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي قَبُولِهَا احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، وَعِبَارَةُ ق ل: أَيْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ " أَشْهَدُ "، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ اهـ. وَعِبَارَةُ م د: وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ " أَشْهَدُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ اتِّفَاقًا " لِاحْتِمَالِ اعْتِمَادِ حِسَابِهِ، أَوْ يَكُونُ حَنَفِيًّا يَرَى إيجَابَ الصَّوْمِ لَيْلَةَ الْغَيْمِ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ اهـ م د فَطَرِيقُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي الدَّمِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ رَأَى اللَّيْلَةَ الْهِلَالَ وَأَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ. قَوْلُهُ: (وَتَوَابِعُهُ) عَطْفٌ تَلْقِينِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ فِي الصَّوْمِ، وَضَابِطُهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِ " قَالَ " وَنَحْوِهَا. قَوْلُهُ: (الْمُعَلَّقِينَ بِدُخُولِ رَمَضَانَ) أَيْ الْمُعَلَّقُ نَذْرُهُمَا، كَإِنْ دَخَلَ رَمَضَانُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ الِاعْتِكَافُ أَوْ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ. قَوْلُهُ: (كَدَيْنٍ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ إخْبَارَ الْعَدْلِ يُفِيدُ الظَّنَّ وَنَحْوَ الْعِصْمَةِ مُحَقَّقٌ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَقَوْلُهُ " هَذَا " أَيْ قَوْلُهُ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ " إنْ سَبَقَ التَّعْلِيقُ " أَيْ سَبَقَ التَّعْلِيقُ الشَّهَادَةَ. قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ قَوْلِنَا " لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ "، وَقَوْلُهُ " أَيْضًا " أَيْ كَمَا أَنَّ مَحَلَّهُ إنْ سَبَقَ التَّعْلِيقُ الشَّهَادَةَ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ " لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ " مُقَيَّدًا بِأَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ) أَيْ اشْتِبَاهِ الشُّهُورِ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ، كَأَنْ كَانَ مَحْبُوسًا وَظَنَّ دُخُولَهُ بِالِاجْتِهَادِ. قَوْلُهُ: (الْمُعَلَّقَةِ بِالْمَنَائِرِ) بِالْهَمْزَةِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْجَمْعَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: " مَنَاوِرَ " بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ " مَنْوَرَةٍ " بِسُكُونِ النُّونِ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِهِ كَالصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَقَالَ: إنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَجْزَأَهُ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالْحَاسِبُ وَهُوَ مِنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ بِتَقْدِيرِ سَيْرِهِ فِي مَعْنَى الْمُنَجِّمِ وَهُوَ مَنْ يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ، وَلَا عِبْرَةَ أَيْضًا بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: أَخْبَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ بِأَنَّ اللَّيْلَةَ أَوَّلُ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِفَقْدِ ضَبْطِ الرَّائِي لَا لِلشَّكِّ فِي الرُّؤْيَةِ. . (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الصِّيَامِ) أَيْ صِيَامِ رَمَضَانَ (ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) بَلْ أَرْبَعَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (الْإِسْلَامُ) وَلَوْ فِيمَا مَضَى، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ وُجُوبُ مُطَالَبَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ (وَ) الثَّانِي (الْبُلُوغُ) فَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ كَالصَّلَاةِ، وَيُؤْمَرُ بِهِ لِسَبْعٍ إنْ أَطَاقَهُ، وَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهِ لِعَشْرٍ. (وَ) الثَّالِثُ (الْعَقْلُ) فَلَا يَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ إلَّا إذَا أَثِمَ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَجِبُ وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ الَّذِي تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ إطَاقَةُ الصَّوْمِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يُطِقْهُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نَحْوِهِ. . تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا: إسْلَامٌ وَعَقْلٌ وَنَقَاءٌ عَنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَوَقْتٌ قَابِلٌ لَهُ   [حاشية البجيرمي] الْوَاوِ لِلنُّونِ ثُمَّ قُلِّبَتْ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا فَصَارَتْ مَنَارَةً، وَلَوْ طُفِئَتْ بَعْدَ إيقَادِهَا لِنَحْوِ شَكٍّ فِي الرُّؤْيَةِ ثُمَّ أُعِيدَتْ لِثُبُوتِهَا وَجَبَ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِطَفْئِهَا دُونَ غَيْرِهِ، ق ل مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ) بَلْ يَجِبُ كَمَا فِي م ر؛ لِأَنَّ مَا جَازَ بَعْدَ امْتِنَاعٍ يَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ، وَيَجِبُ أَيْضًا عَلَى مَنْ صَدَّقَهُ كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (كَالصَّلَاةِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ دُخُولَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِذَلِكَ م د. قَوْلُهُ: (وَالْحَاسِبُ) وَهُوَ الْمِيقَاتِيُّ. قَوْلُهُ: (بِتَقْدِيرِ سَيْرِهِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ: وَتَقْدِيرِ سَيْرِهِ، أَيْ وَيَعْتَمِدُ تَقْدِيرَ سَيْرِهِ وَهِيَ أَنْسَبُ. قَوْلُهُ: (لِفَقْدِ ضَبْطِ الرَّائِي) أَيْ إنْ تَحَقَّقَ الرُّؤْيَةَ، فَقَوْلُهُ " لَا لِلشَّكِّ فِي الرُّؤْيَةِ " لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هُوَ مُضِرٌّ ق ل. قَوْلُهُ (وَلَوْ فِيمَا مَضَى) فَيَشْمَلُ الْمُرْتَدَّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِمَعْنَى انْعِقَادِ سَبَبِهِ فِي حَقِّهِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إنْ عَادَ لِلْإِسْلَامِ ق ل. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ) فَلَوْ قَضَاهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر، وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْيَوْمَ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ، أَمَّا هُوَ فَيُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ رِعَايَةً لِلْخِلَافِ الْقَوِيِّ عِنْدَنَا، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ م ر فِي الْفَتَاوَى أج. وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ إعَانَةُ الْكَافِرِ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِضِيَافَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، شَرْحُ م ر. قَالَ حَجّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ؛ لِأَنَّا نُقِرُّهُ عَلَى تَرْكِهِ وَلَا نُعَامِلُهُ بِنَقِيضِ كُفْرِهِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى إقْرَارِهِ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُ لَا مُعَاوَنَتُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْجِزْيَةِ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا أَثِمَ بِمُزِيلٍ) بِأَنْ تَعَدَّى بِهِ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ) الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ انْعِقَادُ السَّبَبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ ". قَوْلُهُ: (لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " حِسًّا " وَقَوْلُهُ " لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ " الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ق ل؛ لِأَنَّ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَالَةَ الْمَرَضِ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا تَمَكَّنَ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَيْضٍ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " شَرْعًا " وَقَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهِ " أَيْ النِّفَاسِ. قَوْلُهُ: (سَكَتَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) وَجَعَلَ هَذِهِ شُرُوطًا لِلصِّحَّةِ مَعَ أَنَّهَا هِيَ بِعَيْنِهَا هِيَ شُرُوطُ الْوُجُوبِ، فَفِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ بَيْنَهُمَا تَخَالُفًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ فِي شُرُوطِ الْوُجُوبِ مَعْنَاهُ وَلَوْ حُكْمًا فَدَخَلَ الْمُرْتَدُّ، وَأَمَّا فِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ فَالْمُرَادُ الْإِسْلَامُ بِالْفِعْلِ فَيَخْرُجُ الْمُرْتَدُّ. وَزَادَتْ شُرُوطُ الصِّحَّةِ بِقَوْلِهِ: " وَوَقْتٌ قَابِلٌ " فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ وَلَيْسَ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (وَعَقْلٌ) أَيْ تَمْيِيزٌ سَوَاءٌ الْبَالِغُ وَالرَّقِيقُ وَغَيْرُهُمَا ق ل. قَوْلُهُ: وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ النَّائِمَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ النَّوْمُ الْوَقْتَ، بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ إذَا أَفَاقَ لَحْظَةً مِنْ النَّهَارِ، أَيْ فَيَصِحُّ الصَّوْمُ. وَأُجِيبُ عَنْ الْإِيرَادِ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّمْيِيزِ إنْ كَانَ لِنَوْمٍ صَحَّ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ لِإِغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ فَيَصِحُّ إذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 لِيَخْرُجَ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ كَمَا سَيَأْتِي. (وَفَرَائِضُ الصَّوْمِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (النِّيَّةُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وَلَا تَكْفِي بِاللِّسَانِ قَطْعًا وَلَا يُشْتَرَطُ التَّلَفُّظُ بِهَا قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ تَسَحَّرَ لِيَتَقَوَّى عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ نِيَّةً وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعِدَّةِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَوْ تَسَحَّرَ لِيَصُومَ أَوْ شَرِبَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ نَهَارًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ أَوْ الْجِمَاعِ خَوْفَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَ ذَلِكَ نِيَّةً إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهَا لِتَضَمُّنِ كُلٍّ مِنْهَا قَصْدَ الصَّوْمِ. وَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِ الصَّوْمِ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ كَقَضَاءٍ أَوْ نَذْرِ التَّبْيِيتُ وَهُوَ إيقَاعُ النِّيَّةِ لَيْلًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» وَلَا بُدَّ مِنْ التَّبْيِيتِ لِكُلِّ يَوْمٍ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِتَخَلُّلِ الْيَوْمِ بِمَا يُنَاقِضُ الصَّوْمَ كَالصَّلَاةِ يَتَخَلَّلُهَا السَّلَامُ، وَالصَّبِيُّ فِي تَبْيِيتِ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ صَوْمِهِ كَالْبَالِغِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَيْسَ عَلَى أَصْلِنَا صَوْمُ نَفْلٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ إلَّا هَذَا، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّبْيِيتِ النِّصْفُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ بَعْدَهَا وَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُهَا إذَا نَامَ بَعْدَهَا   [حاشية البجيرمي] أَفَاقَ لَحْظَةً مِنْ النَّهَارِ، وَإِنْ كَانَ لِجُنُونٍ لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقًا. اهـ. ز ي وَانْظُرْ هَلْ يَكْفِي الْإِفَاقَةُ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَ الْغُرُوبِ؟ وَرَاجَعَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَنَقَاءٌ عَنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) وَلَا يَضُرُّ نَوْمُ الْيَوْمِ كُلِّهِ وَلَا إغْمَاءُ بَعْضِهِ وَلَا سُكْرُ بَعْضِهِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّدَّةَ وَالْجُنُونَ وَالْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ وَالْوِلَادَةَ مَتَى طَرَأَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ وَلَوْ لَحْظَةً ضَرَّ فَيَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَأَنَّ النَّوْمَ لَا يَضُرُّ وَلَوْ اسْتَغْرَقَ الْيَوْمَ، وَأَنَّ الْإِغْمَاءَ وَالسُّكْرَ إنْ اسْتَغْرَقَا الْيَوْمَ مَنَعَا الصِّحَّةَ وَإِلَّا فَلَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَ قَضَى الصَّوْمَ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ تَعَدَّى بِإِغْمَائِهِ أَوْ لَا، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا بِإِغْمَائِهِ، وَمِثْلُهُ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ السَّكْرَانُ. اهـ. طُوخِيٌّ. وَيَجِبُ الْقَضَاءُ أَيْضًا عَلَى الْمُتَعَدِّي بِالْجُنُونِ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَنِفَاسٍ) وَوِلَادَةٍ وَلَوْ بِلَا بَلَلٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمِنْهَا أَيْضًا إلْقَاءُ الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (النِّيَّةُ) أَيْ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَوْ قَارَنَهَا الْفَجْرُ لَمْ تَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ حَالَ النِّيَّةِ هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ بَعْدَهَا هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ؟ فَتَصِحُّ وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْغُرُوبِ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ كَانَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ لَا أَوْ شَكَّ نَهَارًا هَلْ نَوَى لَيْلًا أَوْ لَا، فَإِنْ تَذَكَّرَ فِيهِمَا وَلَوْ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ أَنَّهَا وَقَعَتْ لَيْلًا أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَيُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ أَنْ يُحْضِرَ فِي ذِهْنِهِ صِفَاتِ الصَّوْمِ مَعَ ذَاتِهِ ثُمَّ الْقَصْدَ إلَى ذَلِكَ، فَلَوْ خَطَرَ بِبَالِهِ الْكَلِمَاتُ مَعَ جَهْلِ مَعْنَاهَا لَمْ يَصِحَّ، ق ل وَأَقَرَّهُ م ر. قَوْلُهُ: (لَمْ يَكُنْ نِيَّةً) أَيْ إنْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ الصَّوْمُ بِصِفَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِلَّا كَانَتْ نِيَّةً كَمَا ذَكَرَهُ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ) أَيْ ذَاتُهُ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ جَمِيعَ النَّهَارِ، فَالْمُرَادُ بِذَاتِهِ حَقِيقَتُهُ. وَقَوْلُهُ " بِالصِّفَاتِ " أَيْ كَكَوْنِهِ عَنْ رَمَضَانَ أَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ. قَوْلُهُ: (لِتَضَمُّنِ كُلٍّ مِنْهَا) أَيْ فَيَكْفِي الْقَصْدُ ضِمْنًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُخَالِفَ وَهُوَ الْأَذْرَعِيُّ لَا يَكْتَفِي بِالْقَصْدِ الضِّمْنِيِّ بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَهُ مِنْ الْقَصْدِ صَرِيحًا، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (فَلَا صِيَامَ لَهُ) أَيْ صَحِيحٌ لَا كَامِلٌ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الْحَقِيقَةِ مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ وَقَوْلُهُ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ النِّيَّةَ فِي النَّهَارِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ. قَوْلُهُ: (بِمَا يُنَاقِضُ الصَّوْمَ) وَهُوَ اللَّيْلُ. قَوْلُهُ: (كَالصَّلَاةِ) أَيْ جِنْسِهَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صَلَاتَيْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " يَتَخَلَّلُهُمَا " وَفِي نُسْخَةٍ: " كَالصَّلَاتَيْنِ " وَهِيَ وَاضِحَةٌ لِأَنَّ السَّلَامَ لَا يَكُونُ فَاصِلًا بِالنِّسْبَةِ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَى أَصْلِنَا) أَيْ قَاعِدَتِنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّبْيِيتِ إلَخْ) وَلَوْ نَوَى مَعَ الْغُرُوبِ أَوْ الْفَجْرِ لَمْ يَكْفِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ التَّبْيِيتِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ إلَخْ) نَعَمْ تَضُرُّ الرِّدَّةُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَكَذَا يَضُرُّ رَفْضُ النِّيَّةِ لَيْلًا لَا نَهَارًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَالرَّفْضِ وَمِنْهُ أَيْ الرَّفْضِ مَا لَوْ نَوَى الِانْتِقَالَ مِنْ صَوْمٍ إلَى آخَرَ كَمَا لَوْ نَوَى صَوْمَ قَضَاءٍ عَنْ رَمَضَانَ ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ كَفَّارَةٍ مَثَلًا، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ رَفْضًا لِلنِّيَّةِ الْأُولَى ق ل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 ثُمَّ تَنَبَّهَ لَيْلًا. وَيَصِحُّ النَّفَلُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَيُشْتَرَطُ حُصُولُ شَرْطِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ بِأَنْ لَا يَسْبِقَهَا مُنَافٍ لِلصَّوْمِ كَكُفْرٍ وَجِمَاعٍ. . (وَ) الثَّانِي (تَعْيِينُ النِّيَّةِ) فِي الْفَرْضِ بِأَنْ يَنْوِيَ كُلَّ لَيْلَةٍ أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ أَوْ عَنْ نَذْرٍ أَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ فَوَجَبَ التَّعْيِينُ فِي نِيَّتِهَا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ. فَإِنْ قِيلَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ فِي الصَّوْمِ الرَّاتِبِ كَعَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَأَيَّامِ الْبِيضِ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ كَرَوَاتِبِ الصَّلَاةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ مُنْصَرِفٌ إلَيْهَا، بَلْ لَوْ نَوَى بِهَا غَيْرَهَا حَصَلَ أَيْضًا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمِهَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ سُكُوتِ الْمُصَنِّفِ عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْفَرْضِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ الِاشْتِرَاطُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنْ الْبَالِغِ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْمُعَادَةَ نَفْلٌ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ بِأَنْ يُصَلِّيَهَا فِي مَكَان ثُمَّ يُدْرِكُ جَمَاعَةً فِي أُخْرَى يُصَلُّونَهَا فَيُصَلِّيهَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا تَقَعُ لَهُ نَافِلَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السُّنَّةِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ الْأَدَاءُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ فَكَانَ مِنْهُ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ إلَّا إذَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (مُنَافٍ لِلصَّوْمِ) مِنْهُ مَا لَوْ تَوَضَّأَ وَبَالَغَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَسَبَقَ الْمَاءُ جَوْفَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُبَالِغْ وَسَبَقَ الْمَاءُ فَلَا يَضُرُّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: مُنَافٍ لِلصَّوْمِ، أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا. وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَصِحُّ لَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالثَّانِي يَصِحُّ وَلَوْ حَصَلَ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ اهـ. قَوْلُهُ: (تَعْيِينُ النِّيَّةِ) أَيْ الْمَنْوِيِّ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ كَنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ نَوْعَهَا، كَكَوْنِهَا عَنْ ظِهَارٍ أَوْ يَمِينٍ مَثَلًا؛ وَكَذَا فِي النَّذْرِ ق ل عَلَى الْغَزِّيِّ. وَعَدِّهِ تَعْيِينَ النِّيَّةِ مِنْ الْفُرُوضِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ لِلنِّيَّةِ لَا مِنْ فَرَائِضِ الصَّوْمِ. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ: وَيَجِبُ لِفَرْضِهِ تَبْيِيتُهَا وَتَعْيِينُهُ اهـ. وَكَذَا عَدُّ مَعْرِفَةِ طَرَفَيْ النَّهَارِ مِنْ الْفُرُوضِ مُسَامَحَةٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْفَرْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الصَّوْمِ بِدَلِيلِ عَدِّ الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ النِّيَّةُ مِنْ الْفُرُوضِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي: وَالرَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ، حَيْثُ لَمْ يَقُلْ مِنْ الْفُرُوضِ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا الْمُصَنِّفُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (غَدًا) لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا جَاءَ مِنْ التَّبْيِيتِ. قَوْلُهُ: (أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالرَّاتِبِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي إلَخْ) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِيهِ بَلْ يَجُوزُ الْإِطْلَاقُ. قَوْلُهُ: (أُجِيبُ) أَيْ عَنْ الْقِيَاسِ. قَوْلُهُ: (بَلْ لَوْ نَوَى بِهَا غَيْرَهَا) وَلَوْ فَرْضًا، وَإِنْ نَفَاهَا حَصَلَ ثَوَابُهَا أَيْضًا؛ فَالتَّشْبِيهُ بِالتَّحِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ ق ل. الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ حُصُولِ الثَّوَابِ بَلْ يَسْقُطُ الطَّلَبُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (حَصَلَ) أَيْ صَوْمُهَا قَوْلُهُ: (وُجُودُ صَوْمِهَا) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا، وَهِيَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الصَّوْمِ وَاشْتِرَاطُهَا فِي الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الصَّلَاةِ) أَيْ فَاحْتِيجَ لِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِيهَا لِتَتَمَيَّزَ عَنْ الْمُعَادَةِ، وَهَذَا الْفَرْقُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْمُعَادَةِ، أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ وُجُوبِهَا فَلَا يَتَأَتَّى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَأَتَّى أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ الْفَرْضُ الْحَقِيقِيُّ وَفَرْضُ الْمُعَادَةِ صُورِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ) أَيْ التَّنَفُّلُ فِي الْجُمُعَةِ، أَيْ وَيُتَصَوَّرُ الْإِعَادَةُ فِي الْجُمُعَةِ. وَنَبَّهَ عَلَيْهَا لِخَفَاءِ إعَادَتِهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَمَّا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِيهَا فَيُتَصَوَّرُ بِكَذَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السَّنَةِ) فَالْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت صَوْمَ رَمَضَانَ أَوْ الصَّوْمَ مِنْ رَمَضَانَ، مَرْحُومِيٌّ. وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الصَّوْمَ غَدًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ ح ل. فَلَوْ عَيَّنَ السَّنَةَ وَأَخْطَأَ نَظَرَ إنْ لَاحَظَ صَوْمَ الْغَدِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ) وَهُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْقَضَاءِ إذْ غَيْرُ فَرْضِ السَّنَةِ لَا يَكُونُ إلَّا قَضَاءً، وَهُوَ عِلَّةٌ لِلْقِيَاسِ لَا لِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي النِّيَّةِ مِنْ جَزْمٍ أَوْ ظَنٍّ كَمَا فِي م ر، قَرَّرَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مِنْهُ لِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ فَاسِقٍ أَوْ مُرَاهِقٍ فَيَصِحُّ وَيَقَعُ عَنْهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَلَوْ نَوَى صَوْمَ غَدٍ نَفْلًا إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ وَإِلَّا فَمِنْ رَمَضَانَ وَلَا أَمَارَةَ فَبَانَ مِنْ شَعْبَانَ صَحَّ صَوْمُهُ نَفْلًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَإِنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ مِنْهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ. . (وَ) الثَّالِثُ (الْإِمْسَاكُ عَنْ) كُلِّ مُفْطِرٍ مِنْ (الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ) وَلَوْ بِغَيْرِ إنْزَالٍ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ (وَ) عَنْ (تَعَمُّدِ الْقَيْءِ) ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ لِمَا سَيَأْتِي (وَ) الرَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ (مَعْرِفَةُ طَرَفَيْ النَّهَارِ) يَقِينًا أَوْ ظَنًّا لِتَحَقُّقِ إمْسَاكِ جَمِيعِ النَّهَارِ. تَنْبِيهٌ: انْفَرَدَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الرَّابِعِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ نَوَى بَعْدَ الْفَجْرِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ، أَوْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْلٌ وَكَانَ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا أَنَّ اللَّيْلَ دَخَلَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ أَوْ تَسَحَّرَ بِلَا تَحَرٍّ وَلَمْ يَبِنْ الْحَالُ صَحَّ فِي تَسَحُّرِهِ لَا فِي إفْطَارِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ فِي الْأُولَى وَالنَّهَارِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ بَانَ الصَّوَابُ فِيهِمَا صَحَّ صَوْمُهُمَا أَوْ الْغَلَطُ فِيهِمَا لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فَمِهِ طَعَامٌ فَلَمْ يَبْلَعْ شَيْئًا مِنْهُ بِأَنْ طَرَحَهُ أَوْ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ صَحَّ صَوْمُهُ، أَوْ كَانَ طُلُوعَ الْفَجْرِ مُجَامِعًا فَنَزَعَ حَالًا صَحَّ صَوْمُهُ، وَإِنْ أَنْزَلَ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ. .   [حاشية البجيرمي] شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُرَاهِقٌ) قَالَ شَيْخُنَا: وَمِثْلُ ذَلِكَ الْكَافِرُ، بَلْ الْفَاسِقُ شَامِلٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا أَمَارَةَ) أَيْ مِنْ نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (صَحَّ صَوْمُهُ) أَيْ إنْ أُبِيحَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى صَوْمِهِ بِأَنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي وَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ أَيْضًا اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ إلَخْ) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ إلَخْ، فَنِيَّةُ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُ تُجْزِئُ مُطْلَقًا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْهُ، وَنِيَّةُ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ فِيهَا تَفْصِيلٌ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ، فَإِنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَلِقَوْلِهِ) أَيْ لِمَفْهُومِ ذَلِكَ ق ل. وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: لِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِمَا سَيَأْتِي) أَيْ أَنَّ الِاسْتِقَاءَةَ مُفْطِرَةٌ لَعَيْنِهَا. قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: " مِنْ الْفَرَائِضِ " وَكَأَنَّ الشَّارِحَ حَمَلَ الْفَرْضَ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَشَمِلَ الشَّرْطَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ طَرَفَيْ النَّهَارِ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَ الْإِفْطَارِ وَالتَّسَحُّرِ. قَوْلُهُ: (وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ إذَا نَوَى بَعْدَ الْفَجْرِ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَقَوْلُهُ " لَوْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا إلَخْ " يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ آخِرِ النَّهَارِ؛ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (فَبَانَ خِلَافُهُ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِقَوْلِ الشَّارِحِ مُعْتَقِدًا إذَا كَانَ مَعْنَاهُ أَيْ عَنْ اجْتِهَادٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ " فَبَانَ خِلَافُهُ " قَيْدًا، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ صَحَّ صَوْمُهُ. قَوْلُهُ: (وَحَاصِلُ ذَلِكَ) أَيْ حَاصِلُ قَوْلِهِمْ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ مَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (فِي الْأُولَى) أَيْ مَسْأَلَةِ التَّسَحُّرِ، وَالثَّانِيَةِ: مَسْأَلَةِ الْإِفْطَارِ. قَوْلُهُ: (صَحَّ صَوْمُهُمَا) أَيْ الْمُفْطِرُ وَالْمُتَسَحِّرُ بِلَا تَحَرٍّ. قَوْلُهُ: (صَحَّ صَوْمُهُ) أَيْ وَإِنْ سَبَقَ إلَى جَوْفِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْأُولَى أَيْ مَسْأَلَةِ الطَّرْحِ، بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَيُفْطِرُ إذَا سَبَقَ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ كَمَا فِي الْمَرْحُومِيِّ، لِتَقْصِيرِهِ بِإِمْسَاكِهِ. قَوْلُهُ: (طُلُوعَ الْفَجْرِ) مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ كَانَ الشَّخْصُ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ أَيْ وَقْتَهُ مُجَامِعًا، فَنَزَعَ حَالًا بِأَنْ قَارَنَ نَزْعُهُ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَقَصَدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 وَاَلَّذِي يَفْطُرُ بِهِ الصَّائِمُ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (مَا وَصَلَ) مِنْ عَيْنٍ، وَإِنْ قَلَّتْ كَسِمْسِمَةٍ (عَمْدًا) مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ (إلَى) مُطْلَقِ (الْجَوْفِ) مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ سَوَاءٌ كَانَ يُحِيلُ الْغِذَاءَ أَوْ الدَّوَاءَ أَمْ لَا كَبَاطِنِ الْحَلْقِ وَالْبَطْنِ وَالْأَمْعَاءِ. (وَ) بَاطِنِ (الرَّأْسِ) لِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ كُلِّ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فَلَا يَضُرُّ وُصُولُ دُهْنٍ أَوْ كُحْلٍ بِتَشَرُّبِ مَسَامِّ جَوْفِهِ، كَمَا لَا يَضُرُّ اغْتِسَالُهُ بِالْمَاءِ، وَإِنْ وَجَدَ أَثَرًا بِبَاطِنِهِ، وَلَا يَضُرُّ وُصُولُ رِيقِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ جَوْفَهُ أَوْ وُصُولُ ذُبَابٍ أَوْ   [حاشية البجيرمي] بِالنَّزْعِ تَرْكَ الْجِمَاعِ لَا الِالْتِذَاذِ ق ل. فَلَوْ اسْتَمَرَّ مُجَامِعًا بَطَلَ صَوْمُهُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَإِنْ عَلِمَ بِالْفَجْرِ حَالَ طُلُوعِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ إلَخْ) هَذِهِ الْمُبْطِلَاتُ مَفَاهِيمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ وَالنَّقَاءِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالْقَيْءِ، وَقَدَّمَ مَفْهُومَ الْإِمْسَاكِ؛ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَةِ الْمُتُونِ أَخْذَ الْمُحْتَرَزَاتِ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ عَلَى الْمُبْتَدِي. وَقَدْ نَظَّمَهَا م د فِي قَوْلِهِ: عَشَرَةٌ مُفْطِرَاتُ الصَّوْمِ ... فَهَاكَهَا إغْمَاءُ كُلِّ الْيَوْمِ إنْزَالُهُ مُبَاشِرًا وَالرِّدَّهْ ... وَالْوَطْءُ وَالْقَيْءُ إذَا تَعَمَّدَهْ ثُمَّ الْجُنُونُ الْحَيْضُ مَعَ نِفَاسِ ... وُصُولُ عَيْنٍ بَطْنَهُ مَعَ رَاسِ قَوْلُهُ: (مَا وَصَلَ) أَيْ وَصَلَ مِنْ الظَّاهِرِ بِأَنْ يَأْتِيَ مِنْ خَارِجٍ، فَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا وَصَلَ مِنْ الْبَاطِنِ كَالرِّيقِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (مِنْ عَيْنٍ) بَيَانٌ لِمَا فَخَرَجَ الرِّيحُ وَالطَّعْمُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " مِنْ عَيْنٍ " أَيْ مِنْ أَعْيَانِ الدُّنْيَا، فَإِذَا أَكَلَ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ فَلَا يُفْطِرُ، شَوْبَرِيٌّ وع ش. وَمِنْ الْعَيْنِ الدُّخَانُ الْمَشْهُورُ فَيُفْطِرُ بِهِ لِأَنَّهُ كَدُخَانِ الْفَتِيلَةِ، بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَلَّتْ) أَيْ أَوْ لَمْ تُؤْكَلْ كَحَصَاةٍ. قَوْلُهُ: (إلَى مُطْلَقِ الْجَوْفِ) هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَوْ الرَّأْسُ، أَمَّا النُّسْخَةُ الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ فَيُرَادُ بِالْجَوْفِ خُصُوصُ الْبَطْنِ لَا مُطْلَقُهُ وَإِلَّا لَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ أَوْ الرَّأْسُ، قَالَ خ ض: حَتَّى لَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي دُبُرِهِ أَفْطَرَ، وَكَذَا لَوْ فَعَلَ غَيْرُهُ بِهِ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ، فَلْيَسْتَحْفِظْ حَالَةَ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ رَأْسِ الْأُنْمُلَةِ فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ مِنْهَا أَدْنَى شَيْءٍ أَفْطَرَ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَقَوْلُهُ: " حَتَّى لَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي دُبُرِهِ أَفْطَرَ " هَذَا إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ خُرُوجُ نَحْوِ الْخَارِجِ إلَّا بِإِدْخَالِ أُصْبُعِهِ، وَإِلَّا أَدْخَلَهُ وَلَا فِطْرَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمَدَابِغِيُّ، حَرَّرَ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَنْفَذٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ كَالْمَخْرَجِ وَالْمَدْخَلِ، عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ كَانَ يُحِيلُ إلَخْ) تَعْمِيمٌ فِي الْجَوْفِ، وَقَوْلُهُ " يُحِيلُ الْغَدَاءَ " أَيْ يُغَيِّرُهُ. قَوْلُهُ: (كَبَاطِنِ الْحَلْقِ) مِثَالٌ لِقَوْلِهِ " أَمْ لَا " وَمَا بَعْدَهُ مِثَالٌ لِقَوْلِهِ " يُحِيلُ " فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ، وَبَقِيَ مِثَالُ مَا يُحِيلُ الدَّوَاءَ فَقَطْ كَبَاطِنِ الرَّأْسِ أَوْ الْأُذُنِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَالْأَمْعَاءُ) وَهِيَ الْمَصَارِينُ جَمْعُ مِعًى بِوَزْنِ رِضًا. قَوْلُهُ: (فَلَا يَضُرُّ إلَخْ) مُحْتَرَزُ شَيْءٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ انْفِتَاحًا ظَاهِرًا يُحَسُّ. قَوْلُهُ: (وُصُولُ دُهْنٍ) وَمِنْهُ دُخَانٌ لَا عَيْنَ فِيهِ كَالْبَخُورِ، بِخِلَافِ مَا فِيهِ عَيْنٌ كَالدُّخَانِ الْمَشْهُورِ الْآنَ ق ل. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ وُصُولَ الدُّخَانِ الَّذِي فِيهِ رَائِحَةُ الْبَخُورِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى جَوْفِهِ لَا يَضُرُّ وَإِنْ تَعَمَّدَ فَتْحَ فِيهِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنًا، أَيْ فِي الْعُرْفِ، وَأَمَّا الدُّخَانُ الْحَادِثُ الْآنَ الْمُسَمَّى بِالنَّتِنِ لَعَنَ اللَّهُ مِنْ أَحْدَثَهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ، فَقَدْ أَفْتَى شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ أَوَّلًا بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ، فَلَمَّا رَأَى أَثَرَهُ بِالْبُوصَةِ الَّتِي يَشْرَبُ بِهَا رَجَعَ وَأَفْتَى بِأَنَّهُ يُفْطِرُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مَسَامِّ) جَمْعُ سَمٍّ بِتَثْلِيثِ السِّينِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمَسَامُّ الْجَسَدِ ثُقْبُهُ شَرْحُ م ر، أَيْ الَّتِي تَحْتَ الشَّعْرِ، وَمَسَامُّ أَصْلُهُ مَسَامِمُ كَمَحَاسِنَ جَمْعُ حَسَنٍ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. قَوْلُهُ: (جَوْفَهُ) مَعْمُولٌ لِوُصُولِ. قَوْلُهُ: (اغْتِسَالُهُ بِالْمَاءِ) وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُمِيلَ أُذُنَهُ وَيَضَعَ فِيهَا الْمَاءَ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا قَالَهُ م ر، وَلَا يَضُرُّ بَلْعُ رِيقِهِ إثْرَ الْمَضْمَضَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ مَجُّهُ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ وُصُولُ رِيقِهِ) أَيْ حَيْثُ كَانَ طَاهِرًا صَرْفًا بِخِلَافِ وُصُولِهِ مُتَنَجِّسًا أَوْ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ لِأَعْلَى لِسَانِهِ وَلَوْ عَلَى حُمْرَةِ الشَّفَتَيْنِ، فَالشُّرُوطُ ثَلَاثَةٌ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ أَخْرَجَ اللِّسَانَ وَعَلَيْهِ الرِّيقُ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَ مَا عَلَيْهِ لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّ اللِّسَانَ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ مَعْدُودٌ مِنْ الْفَمِ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَعْدِنِهِ) وَهُوَ مَنْبَعُهُ تَحْتَ اللِّسَانِ، مَرْحُومِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنٍ تَحْتَهُ، وَذَلِكَ الْمَنْبَعُ عَيْنٌ نَبَّاعَةٌ تُطْرِي اللِّسَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 بَعُوضٍ أَوْ غُبَارِ طَرِيقٍ أَوْ غَرْبَلَةِ دَقِيقٍ جَوْفَهُ لِتَعَسُّرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الْأُذُنِ مُفْطِرٌ. وَلَوْ سَبَقَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ إلَى جَوْفِهِ نَظَرَ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ بَقِيَ طَعَامٌ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَجَرَى بِهِ رِيقُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَمْ يُفْطِرْ إنْ عَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهِ غَيْرُ مُفَرِّطٍ، وَلَوْ أَوْجَرَ كَأَنْ صُبَّ مَاءٌ فِي حَلْقِهِ مُكْرَهًا لَمْ يُفْطِرْ، وَكَذَا إنْ أُكْرِهَ حَتَّى أَكَلَ أَوْ شَرِبَ لِأَنَّ حُكْمَ اخْتِيَارِهِ سَاقِطٌ، وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يَفْطِرْ، وَإِنْ كَثُرَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلِيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» . وَالثَّانِي الْحُقْنَةُ وَهِيَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ إدْخَالُ دَوَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الدُّبُرِ فَتَعْبِيرُهُ بِأَنَّهَا (مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) فِيهِ تَجَوُّزٌ، فَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الْإِحْلِيلِ وَإِدْخَالُ عُودٍ أَوْ نَحْوِهِ فِيهِ مُفْطِرٌ،.   [حاشية البجيرمي] لِلتَّكَلُّمِ وَتَبُلَّ الشَّيْءَ النَّاشِفَ وَلَوْلَاهَا لَوَقَفَ اللِّسَانُ وَنَشِفَ. قَوْلُهُ: (ذُبَابٍ) مُحْتَرَزُ قَيْدٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ عَيْنٌ يَسْهُلُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا وَلَا يَشُقُّ. قَوْلُهُ: (أَوْ غُبَارِ طَرِيقٍ) قَيَّدَهُ ابْنُ قَاسِمٍ بِالطَّاهِرِ وَاعْتَمَدَهُ، وَمِثْلُهُ ز ي، وَقَالَ سم عَلَى الْبَهْجَةِ: إنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ ضَرَّ فِي الْغُبَارِ النَّجِسِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا وَلَمْ يَتَعَمَّدْ فَلَا، لَكِنَّ فِي شَرْحِ م ر الْإِطْلَاقَ. قَوْلُهُ: (لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ فَتَحَ فَاهُ عَمْدًا لِأَجْلِ دُخُولِ نَحْوِ الذُّبَابِ أَوْ الْغُبَارِ جَوْفَهُ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ كَثُرَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَح ل، خِلَافًا لحج. وَلَوْ دَخَلَتْ ذُبَابَةٌ جَوْفَهُ أَفْطَرَ بِإِخْرَاجِهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ كَالْقَيْءِ، وَجَازَ لَهُ إخْرَاجُهَا إنْ ضَرَّ بَقَاؤُهَا مَعَ الْقَضَاءِ، حَجّ وز ي. قَوْلُهُ: (وَالتَّقْطِيرُ إلَخْ) هَذَا دَاخِلٌ فِيمَا وَصَلَ مِنْ عَيْنٍ إلَى الْجَوْفِ. وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمِنْهَاجِ: وَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الْأُذُنِ وَالْإِحْلِيلِ مُفْطِرٌ فِي الْأَصَحِّ، أَيْ فَالْمُعْتَمَدُ الْفِطْرُ بِالتَّقْطِيرِ الْمَذْكُورِ. وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْوُصُولِ وُصُولُ الشَّيْءِ لِمَا كَانَ مُحِيلًا أَوْ طَرِيقًا لِلْإِحَالَةِ كَمَا فِي التَّقْطِيرِ فِي بَاطِنِ الْأُذُنِ، فَإِنَّهُ طَرِيقٌ لِلْإِحَالَةِ لَا نَفْسُ الْإِحَالَةِ. قَوْلُهُ: (إنْ بَالَغَ) أَوْ كَانَ مِنْ رَابِعَةٍ يَقِينًا لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، نَعَمْ إنْ بَالَغَ لِإِزَالَةِ نَجَاسَةِ فَمِهِ فَلَا يَضُرُّ سَبْقُ الْمَاءِ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا سَبْقُ مَاءِ غُسْلٍ مَطْلُوبٍ بِالِانْغِمَاسِ فَإِنْ اعْتَادَهُ أَيْ السَّبْقَ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا ق ل. وَعِبَارَةُ م ر: وَخَرَجَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ سَبْقُ مَاءِ الْغُسْلِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جَنَابَةٍ أَوْ مِنْ غُسْلٍ مَسْنُونٍ فَلَا يُفْطِرُ بِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ أُذُنَيْهِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهِ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى الْجَوْفِ مِنْهُمَا لَا يُفْطِرُ وَلَا نَظَرَ إلَى إمْكَانِ إمَالَةِ الرَّأْسِ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ لِعُسْرِهِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَصِلُ الْمَاءُ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ بِالِانْغِمَاسِ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِانْغِمَاسُ وَيُفْطِرُ قَطْعًا؛ نَعَمْ مَحَلُّهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْغُسْلِ لَا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِلَّا فَلَا يُفْطِرُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَكَذَا لَا يُفْطِرُ بِسَبْقِهِ مِنْ غُسْلِ نَجَاسَةٍ بِفِيهِ وَإِنْ بَالَغَ فِيهَا، وَقِيلَ: يُفْطِرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُفْطِرْ إنْ عَجَزَ) وَكَذَا لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ مِنْ مَاءٍ وَضَعَهُ فِي فَمِهِ لِنَحْوِ تَبَرُّدٍ أَوْ دَفْعِ عَطَشٍ فَسَبَقَهُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ وَلَوْ لِنَحْوِ عُطَاسٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَبَقَهُ مَاءُ غَسْلِ تَبَرُّدِهِ ق ل وم د. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْجَرَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مُخْتَارًا وَقَوْلُهُ " كَأَنْ صُبَّ " الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ حُكْمَ اخْتِيَارِهِ) أَيْ الْحُكْمَ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَى اخْتِيَارِهِ سَاقِطٌ لِعَدَمِ وُجُودِ الِاخْتِيَارِ، فَالْإِضَافَةُ لَيْسَتْ بَيَانِيَّةً. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ عَمْدًا. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي وَالْحُقْنَةُ) مِنْ أَفْرَادِ الْأَوَّلِ، فَعَطْفُهَا عَطْفٌ خَاصٌّ عَلَى عَامٍّ. وَجَعَلَهَا الشَّارِحُ ثَانِيًا لِضَرُورَةِ الْعَدَدِ، وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالِاحْتِقَانِ لِأَنَّ الْمُفْطِرَ هُوَ الْفِعْلُ وَوَضْعُ الْآلَةِ وَحْدَهَا مُفْطِرٌ وَإِنْ لَمْ يَنْزِلُ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَهُ) كَالْمَاءِ. قَوْلُهُ: (فِيهِ تَجَوُّزٌ) لَمْ يَجْعَلْهُ خَطَأً لِإِمْكَانِ تَخْصِيصِ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ بِالدُّبُرِ لِأَنَّ الْحُقْنَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِيهِ، عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ إمْكَانُ ذَلِكَ عَقْلًا لَا وُقُوعًا. وَعَبَّرَ فِي الْعُبَابِ بِقَوْلِهِ: وَكَحُقْنَةٍ بِقُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ، وَلَمْ يَعْتَرِضْهَا حَجّ بِشَيْءٍ. قَوْلُهُ: (فَالتَّقْطِيرُ) هَذَا دَاخِلٌ فِيمَا وَصَلَ مِنْ عَيْنٍ إلَى الْجَوْفِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فِيهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ " مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ " فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْحُقْنَةِ مَا يَشْمَلُ التَّقْطِيرَ. قَوْلُهُ: (فِي بَاطِنِ الْإِحْلِيلِ إلَخْ) وَهُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وَكَالْحُقْنَةِ دُخُولُ طَرَفِ أُصْبُعٍ فِي الدُّبُرِ حَالَةَ الِاسْتِنْجَاءِ فَيُفْطِرُ بِهِ إلَّا إنْ أَدْخَلَ الْمَبْسُورُ مَقْعَدَتَهُ بِأُصْبُعِهِ فَلَا يُفْطِرُ بِهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ (وَ) الثَّالِثُ (الْقَيْءُ عَمْدًا) ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الْجَوْفِ كَأَنْ تَقَايَأَ مُنَكَّسًا لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ أَيْ غَلَبَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَى فَلْيَقْضِ» وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَمْدًا مَا لَوْ كَانَ نَاسِيًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يُفْطِرْ كَمَا لَوْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ، وَكَذَا لَوْ اقْتَلَعَ نُخَامَةً مِنْ الْبَاطِنِ وَرَمَاهَا سَوَاءٌ اقْتَلَعَهَا مِنْ دِمَاغِهِ أَوْ مِنْ بَاطِنِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ذَلِكَ تَتَكَرَّرُ، فَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ وَحَصَلَتْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ وَهُوَ مَخْرَجُ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَذَا الْمُهْمَلَةُ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الزَّوَائِدِ فَلْيَقْطَعْهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَلْيَمُجَّهَا إنْ أَمْكَنَ، فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى   [حاشية البجيرمي] مِنْ الذَّكَرِ وَاللَّبَنِ مِنْ الثَّدْيِ م ر. قَوْلُهُ: (دُخُولُ طَرْفِ أُصْبُعٍ) وَمِثْلُهُ غَائِطٌ خَرَجَ مِنْهُ وَلَمْ يَنْفَصِلْ ثُمَّ ضَمَّ دُبُرَهُ وَدَخَلَ شَيْءٌ مِنْهُ إلَى دَاخِلِ دُبُرِهِ حَيْثُ تَحَقَّقَ دُخُولُ شَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ بُرُوزِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَعِدَتِهِ مَعَ عَدَمِ حَاجَةٍ إلَى ضَمِّ دُبُرِهِ. وَبِهِ يُفَارِقُ مَقْعَدَةَ الْمَبْسُورِ، أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ مَنْصُورُ الطَّبَلَاوِيُّ. أج. وَضَابِطُ الدُّخُولِ الْمُفْطِرِ أَنْ يُجَاوِزَ الدَّاخِلُ مَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، بِخِلَافِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ فَلَا يُفْطِرُ إذَا أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ لِيَغْسِلَ الطَّيَّاتِ الَّتِي فِيهِ. وَلَوْ ابْتَلَعَ طَرَفَ خَيْطٍ مَثَلًا بِاللَّيْلِ ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا فَإِنْ ابْتَلَعَ بَاقِيَهُ أَوْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ؛ لِأَنَّ ابْتِلَاعَهُ أَكْلٌ وَنَزْعَهُ اسْتِقَاءَةٌ، وَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِاتِّصَالِ الظَّاهِرِ بِالْبَاطِنِ الْمُتَنَجِّسِ بِمَا فِي بَاطِنِهِ، فَطَرِيقُهُ فِي صِحَّةِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ أَنْ يُنْزَعَ مِنْهُ وَهُوَ غَافِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَافِلًا وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ النَّازِعِ لَهُ أَفْطَرَ لِأَنَّ النَّزْعَ مُوَافِقٌ لِغَرَضِ النَّفْسِ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الدَّفْعِ لَهُ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ طُعِنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ. فَإِنْ طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ أَفْطَرَ فِيهِمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَقَدْ لَا يَطَّلِعُ عَارِفٌ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَا يُرِيدُ هُوَ الْخَلَاصَ لِنَفْسِهِ، فَطَرِيقُهُ أَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَيُجْبِرُهُ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَلَعَهُ أَوْ بَلَعَهُ مُرَاعَاةً لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهَا آكَدُ وَأَعْظَمُ بِدَلِيلِ قَتْلِ تَارِكِهَا دُونَ تَارِكِ الصَّوْمِ. قَوْلُهُ: (بِأُصْبُعِهِ) وَلَوْ بِإِدْخَالِ أُصْبُعِهِ مَعَهَا إنْ اضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ ح ل. وَيَظْهَرُ الْعَفْوُ عَمَّنْ اُبْتُلِيَ بِدَمِ لِثَتِهِ قِيَاسًا عَلَى مَقْعَدَةِ الْمَبْسُورِ، حَجّ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ اسْتَقَى) بِالْقَصْرِ، أَيْ تَعَمَّدَ الْقَيْءَ م د. قَوْلُهُ: (أَوْ مُكْرَهًا) اُنْظُرْ هَلْ مِثْلُهُ إكْرَاهُ الشَّرْعِ، كَمَا لَوْ وَجَبَ الْقَيْءُ لِتَضَرُّرٍ قَامَ بِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم: لَوْ احْتَاجَ إلَى التَّقَيُّؤِ لِلتَّدَاوِي بِقَوْلِ طَبِيبٍ فَهَلْ يُفْطِرُ بِهِ أَوْ لَا أَوْ يَنْظُرُ بَيْنَ أَنْ يَجِبَ لِلتَّضَرُّرِ بِحَبْسِهِ فَلَا يُفْطِرُ أَوْ لَا فَيُفْطِرُ؟ قُلْت: يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الذُّبَابَةِ إذَا دَخَلَتْ قَهْرًا وَضَرَّ بَقَاؤُهَا حَيْثُ قَالُوا بِالْفِطْرِ إذَا أَخْرَجَهَا أَنَّهُ يُفْطِرُ اهـ أج وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ اقْتَلَعَ) مُسْتَثْنَى مِنْ الْقَيْءِ، وَقَوْلُهُ " نُخَامَةً " وَيُقَالُ " نُخَاعَةً ". قَوْلُهُ: (فَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ طَلَعَتْ مِنْ بَطْنِهِ؛ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ مِنْ حَدِّ الظَّاهِرِ حَيْثُ حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ بَلْ يُعْفَى عَنْهُ م ر. وَعَلَيْهِ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ فِيهَا أج. قَوْلُهُ: (فِي حَدِّ الظَّاهِرِ) أَيْ حَدٍّ هُوَ الظَّاهِرُ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، فَالْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ مَا فَوْقَ مَخْرَجِ الْحَاءِ إلَى الشَّفَةِ كَمَا قَالَهُ ح ف، وَالْبَاطِنُ هُوَ مَخْرَجُ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ م د. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: الْأَوْلَى حَذْفُ حَدٍّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِّهِ طَرَفُهُ الَّذِي يَلِيهِ بَاطِنٌ وَلَيْسَ قَيْدًا، إذْ الْمَدَارُ عَلَى حُصُولِهَا فِي الظَّاهِرِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ أَوْ وَسَطِهِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَتِهَا مَنْ يُرِيدُ تَحْدِيدَهُ عِبَارَةُ حَجّ. تَنْبِيهٌ: ذِكْرُ حَدٍّ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي عِبَارَتِهِ وَإِنْ أَتَى بِهِ شَيْخُنَا فِي مُخْتَصَرِهِ بَلْ هُوَ مُوهِمٌ إلَّا أَنْ تَجْعَلَ الْإِضَافَةَ بَيَانِيَّةً، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يُرِيدُ تَحْدِيدَهُ؛ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْحَدِّ أَهُوَ الْمُعْجَمَةُ وَعَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ الْمُهْمَلَةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَرَّرَ، فَيَدْخُلُ مَا قَبْلَهُ؛ وَمِنْهُ الْمُعْجَمَةُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْمُهْمَلَةُ عَلَى الرَّاجِحِ) فَمَا فَوْقَ مَخْرَجِ الْحَاءِ ظَاهِرٌ بِالنَّظَرِ لِلنُّخَامَةِ وَبَاطِنٌ بِالنَّظَرِ لِلرِّيقِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 ذَلِكَ فَوَصَلَتْ الْجَوْفَ أَفْطَرَ لِتَقْصِيرِهِ، وَكَالْقَيْءِ التَّجَشُّؤُ فَإِنْ تَعَمَّدَهُ وَخَرَجَ شَيْءٌ مِنْ مَعِدَتِهِ إلَى حَدِّ الظَّاهِرِ أَفْطَرَ، وَإِنْ غَلَبَهُ فَلَا. (وَ) الرَّابِعُ (الْوَطْءُ) بِإِدْخَالِ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا (عَمْدًا) مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ (فِي الْفَرْجِ) وَلَوْ دُبُرًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ أَنْزَلَ أَمْ لَا، فَلَا يُفْطِرُ بِالْوَطْءِ نَاسِيًا، وَإِنْ كَثُرَ، وَلَا بِالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا بِتَصَوُّرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَا مَعَ جَهْلِ تَحْرِيمِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْأَكْلِ. (وَ) الْخَامِسُ (الْإِنْزَالُ) وَلَوْ قَطْرَةً (عَنْ مُبَاشَرَةٍ) بِنَحْوِ لَمَسٍّ كَقُبْلَةٍ بِلَا حَائِلٍ لِأَنَّهُ يُفْطِرُ بِالْإِيلَاجِ بِغَيْرِ إنْزَالٍ فَبِالْإِنْزَالِ مَعَ نَوْعِ شَهْوَةٍ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِحَائِلٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ كَالِاحْتِلَامِ، وَحَرُمَ نَحْوُ لَمَسٍّ كَقُبْلَةٍ إنْ حَرَّكَتْ شَهْوَةً خَوْفَ الْإِنْزَالِ وَإِلَّا فَتَرْكُهُ أَوْلَى (وَ) السَّادِسُ (الْحَيْضُ)   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلْيَمُجَّهَا) فَلَوْ كَانَ فِي فَرْضِ صَلَاةٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَجِّهَا إلَّا بِظُهُورِ حَرْفَيْنِ أَيْ فَأَكْثَرَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، بَلْ تَتَعَيَّنُ مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَتِهَا كَالتَّنَحْنُحِ لِتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (إنْ أَمْكَنَ إلَخْ) فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَا تُفْطِرُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: وُصُولِهَا إلَى الظَّاهِرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى مَجِّهَا. قَوْلُهُ: (التَّجَشُّؤُ) بِالْهَمْزَةِ فِي آخِرِهِ كَالتَّبَرُّؤِ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ بَاءً وَقَلْبِ ضَمَّةِ الشِّينِ كَسْرَةً كَالتِّبْرِيِّ. قَوْلُهُ: (بِإِدْخَالِ حَشَفَةٍ إلَخْ) احْتَرَزَ بِالْإِدْخَالِ عَمَّا لَوْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدُ صَوْمُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْزَلَ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ كَالْإِنْزَالِ بِالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أج عَنْ ز ي. وَمَعَ ذَلِكَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (فِي الْفَرْجِ) أَيْ الَّذِي يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا ق ل. وَتُفْطِرُ الْمَرْأَةُ بِإِدْخَالِهَا ذَكَرًا مُبَانًا وَعَكْسِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الْفَرْجِ الْمُبَانِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ الْأَغْبِيَاءُ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا بِالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ) أَيْ الْوَطْءِ مَا لَمْ يَكُنْ زِنًا، فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ فَيُفْطِرُ بِهِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا عَمِيرَةُ سم، وَأَقَرَّهُ أج؛ وَاعْتَمَدَ الْعَلَّامَةُ الْعَزِيزِيُّ الْإِطْلَاقَ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ عَدَمَ الْإِفْطَارِ لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْوَطْءِ وَالْحُرْمَةِ مِنْ جِهَةِ الْوَطْءِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِنْزَالُ إلَخْ) . حَاصِلُ الْإِنْزَالِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِالِاسْتِمْنَاءِ، أَيْ بِطَلَبِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا بِحَائِلٍ أَوْ لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِنْزَالُ بِاللَّمْسِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الِاسْتِمْنَاءِ، أَيْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، فَتَارَةً تَكُونُ مِمَّا تَشْتَهِيهِ الطَّبَائِعُ السَّلِيمَةُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ لَا تَشْتَهِيهِ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ كَالْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ وَالْعُضْوِ الْمُبَانِ فَلَا يُفْطِرُ بِالْإِنْزَالِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا، بِحَائِلٍ أَوْ لَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِنْزَالُ بِلَمْسِ مَا يُشْتَهَى طَبْعًا فَتَارَةً يَكُونُ مُحَرَّمًا وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ مُحَرَّمٍ، فَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا وَكَانَ بِشَهْوَةٍ وَبِدُونِ حَائِلٍ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ كَزَوْجَتِهِ فَيُفْطِرُ الْإِنْزَالُ بِلَمْسِهِ مُطْلَقًا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا بِشَرْطِ عَدَمِ الْحَائِلِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَائِلٍ فَلَا فِطْرَ بِهِ مُطْلَقًا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا؛ أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ لَمْسٍ) أَيْ لِمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا وَلِمَا لَا يَنْقُضُ كَمُحَرَّمٍ إنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ. كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَالْأَمْرَدُ كَالْمُحَرَّمِ. قَوْلُهُ: (بِلَا حَائِلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِلَمْسٍ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِحَائِلٍ) مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ إخْرَاجَ الْمَنِيِّ وَإِلَّا أَفْطَرَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْحَائِلِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَصَدَ اللَّذَّةَ فَقَطْ ع ش وح ف. وَقَوْلُهُ " بِحَائِلٍ " أَيْ وَلَوْ كَانَ رَقِيقًا جِدًّا. قَوْلُهُ: (أَوْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ) مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ الْإِنْزَالُ بِهِمَا وَإِلَّا أَفْطَرَ كَمَا فِي م ر، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ أَحَسَّ بِانْتِقَالِ الْمَنِيِّ وَتَهْيِئَتِهِ لِلْخُرُوجِ بِسَبَبِ اسْتِدَامَةِ النَّظَرِ فَاسْتَدَامَهُ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ قَطْعًا شَرْحُ م ر. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: نَعَمْ إنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الْإِنْزَالَ بِهِمَا أَوْ كَرَّرَهُمَا حَتَّى أَنْزَلَ أَفْطَرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (كَقُبْلَةٍ إنْ حَرَّكَتْ شَهْوَةً) هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا فَمِنْ خَصَائِصِهِ الْقُبْلَةُ فِي الصَّوْمِ مَعَ وُجُودِ الشَّهْوَةِ، «فَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ عَائِشَةَ وَهُوَ صَائِمٌ وَيَمُصُّ لِسَانَهَا» ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلَعْ رِيقَهُ الْمُخْتَلِطَ بِرِيقِهَا كَمَا فِي ح ل فِي السِّيرَةِ. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: اُخْتُصَّ بِجَوَازِ الْقُبْلَةِ بِضَمِّ الْقَافِ فِي الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ مَعَ قُوَّةِ شَهْوَتِهِ. رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَيَمُصُّ لِسَانَهَا» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْأَرْبَعَةِ عَنْهَا: «أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ» وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ، فَجَعَلُوا الْقُبْلَةَ سُنَّةً لِلصَّائِمِ وَقُرْبَةً مِنْ الْقُرَبِ اقْتِدَاءً بِهِ؛ وَكَرِهَهَا آخَرُونَ وَرَدُّوا عَلَى أُولَئِكَ بِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ إرْبَهُ فَلَيْسَ كَغَيْرِهِ؛ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ فِي خَبَرِهِمَا عَنْهَا، وَلَفْظُهُ: «كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمَلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا تَحْرُمُ لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ وَتُبَاحُ لِغَيْرِهِ، وَكَيْفَمَا كَانَ لَا يُفْطِرُ إلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَكَوْنُ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهِ، وَهَلْ وَجَبَ عَلَيْهَا ثُمَّ سَقَطَ، أَوْ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي. قَالَ فِي الْبَسِيطِ: وَلَيْسَ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَظْهَرُ هَذَا وَشِبْهُهُ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّعَالِيقِ بِأَنْ يَقُولَ: مَتَى وَجَبَ عَلَيْك صَوْمٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ. (وَ) السَّابِعُ (النِّفَاسُ) لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ مُجْتَمِعٌ. (وَ) الثَّامِنُ (الْجُنُونُ) لِمُنَافَاتِهِ الْعِبَادَةَ. (وَ) التَّاسِعُ (الرِّدَّةُ) لِمُنَافَاتِهَا الْعِبَادَةَ. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَيَانِ الْعَاشِرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْوِلَادَةُ فَإِنَّهَا مُبْطِلَةٌ لِلصَّوْمِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ إلْحَاقِهَا بِالِاحْتِلَامِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَهُ لِهَذَا الْخِلَافِ أَوْ لِنِسْيَانٍ أَوْ سَهْوٍ. . (وَيُسْتَحَبُّ فِي الصَّوْمِ) وَلَوْ نَفْلًا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (تَعْجِيلُ الْفِطْرِ) إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ زَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ فِيهِ فَضِيلَةً وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْإِمَامِ. وَيُسَنُّ كَوْنُهُ عَلَى رُطَبٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَعَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى مَاءٍ لِخَبَرِ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ»   [حاشية البجيرمي] بِالْإِنْزَالِ. وَالْقُبْلَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: قُبْلَةُ مَوَدَّةٍ نَحْوُ قُبْلَةِ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ فِي الْخَدِّ، وَقُبْلَةُ رَحْمَةٍ وَهِيَ قُبْلَةُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ عَلَى الرَّأْسِ، وَقُبْلَةُ شَفَقَةٍ كَقُبْلَةِ الْأُخْتِ لِلْأَخِ عَلَى الْجَبْهَةِ. وَقُبْلَةُ تَحِيَّةٍ وَهِيَ قُبْلَةُ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى الْيَدِ. وَقُبْلَةُ شَهْوَةٍ كَقُبْلَةِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ عَلَى الْفَمِ. اهـ. مَيْدَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَمْرٌ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَيْضَ يُضْعِفُ الْبَدَنَ وَالصَّوْمُ يُضْعِفُهُ وَاجْتِمَاعُ مُضْعِفَيْنِ مُضِرٌّ ضَرَرًا شَدِيدًا، وَالشَّارِعُ نَاظِرٌ لِحِفْظِ الْأَبَدَانِ. قَوْلُهُ: (وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النُّسْخَةَ الَّتِي وَقَعَتْ لِلشَّارِحِ لَيْسَ فِيهَا لَفْظُ أَوْ الرَّأْسِ عَقِبَ الْجَوْفِ فِيمَا مَرَّ، وَإِلَّا فَلَا سُكُوتَ. وَلَا حَاجَةَ لِنِسْبَةِ الْمُصَنِّفِ إلَى نِسْيَانٍ أَوْ سَهْوٍ وَلَا لِقَوْلِهِ " وَالظَّاهِرُ إلَخْ " ق ل. قَوْلُهُ: (لِوُضُوحِ الْفَرْقِ) وَهُوَ أَنَّ الْوِلَادَةَ نَادِرَةٌ بَلْ فِيهَا نَوْعُ اخْتِيَارٍ مِنْ جِهَةِ سَبَبِهَا وَهُوَ الْوَطْءُ، وَلَا كَذَلِكَ الِاحْتِلَامُ فَإِنَّهُ لَا اخْتِيَارَ فِيهِ بَلْ فِيهِ شَائِبَةُ إكْرَاهٍ أج. قَوْلُهُ: (أَشْيَاءُ) يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ نَائِبِ الْفَاعِلِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَالْفَاعِلِ عُمْدَةٌ لَا يُحْذَفُ إلَّا فِي مَوَاضِعَ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، فَلَوْ أَبْقَى الْمَتْنَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ: وَيُسْتَحَبُّ فِي الصَّوْمِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِلَّا فَهِيَ كَثِيرَةٌ لَكَانَ أَوْلَى؛ وَأَيْضًا جَعْلُ " ثَلَاثَةٌ " خَبَرًا لْمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ الْمُبْتَدَأِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ) خَرَجَ بِتَحَقُّقِ الْغُرُوبِ ظَنُّهُ بِاجْتِهَادِهِ فَلَا يُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ، وَظَنُّهُ بِلَا اجْتِهَادٍ وَشَكُّهُ فَيَحْرُمُ بِهِمَا. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: «لَا تَزَالُ» أَيْ تَسْتَمِرُّ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مُدَّةَ تَعْجِيلِهِمْ الْفِطْرَ إلَخْ، وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَحَبُّ عِبَادِي إلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا» وَلِمَا صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا أَعْجَلَ النَّاسِ إفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا، وَإِنَّمَا كَانَ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوهُ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَخَّرُوهُ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ السُّنَّةَ، وَالْخَيْرُ لَيْسَ إلَّا فِي اتِّبَاعِهَا. وَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفَ. قَوْلُهُ: (مِنْ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ) أَيْ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ كَالشِّيعَةِ، فَإِنَّهُمْ يُؤَخِّرُونَ الْفِطْرَ إلَى ظُهُورِ النَّجْمِ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (إنْ قَصَدَ ذَلِكَ) أَيْ التَّأْخِيرَ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى تَمْرٍ) مَا لَمْ يُعَارِضْهُ سَنُّ التَّعْجِيلِ بِأَنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ الْفِطْرِ عَلَى مَا ذَكَرَ التَّأْخِيرُ، وَإِلَّا رَاعَى التَّعْجِيلَ ح ف. وَقَوْلُ الْأَطِبَّاءِ: إنَّ التَّمْرَ يُضْعِفُ الْبَصَرَ مَحْمُولٌ عَلَى كَثِيرِهِ دُونَ قَلِيلِهِ فَإِنَّهُ يُقَوِّيهِ. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى مَاءٍ) وَيُقَدَّمُ مَاءُ زَمْزَمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَبَعْدَ الْمَاءِ شَيْءٌ حُلْوٌ كَزَبِيبٍ وَحُلْوٍ، وَيُقَدَّمُ اللَّبَنُ عَلَى الْعَسَلِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَيُقَدَّمُ الْعَسَلَ عَلَى غَيْرِهِ. وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا الْجِمَاعَ أَفْطَرَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: لَا يُسَنُّ الْفِطْرُ عَلَيْهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَجَدَ غَيْرَهُ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (حَسَا حَسَوَاتٍ) أَيْ جَرَعَ جَرَعَاتٍ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: حَسَا أَيْ مَلَأَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَيُسَنُّ السُّحُورُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ. «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِقَيْلُولَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» . . (وَ) الثَّانِي (تَأْخِيرُ السُّحُورِ) مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ لِخَبَرِ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ، فَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ كَأَنْ تَرَدَّدَ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ لَمْ يُسَنَّ التَّأْخِيرُ بَلْ الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» تَنْبِيهٌ: لَوْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِسَنِّ السُّحُورِ كَمَا ذَكَرْته لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ اسْتِحْبَابَهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ   [حاشية البجيرمي] فَمَه مِنْ الْمَاءِ، وَحَسَوَاتٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ السِّينِ وَالْحُسْوَةُ مِلْءُ الْفَمِ بِالْمَاءِ. قَالَ م ر: قَضِيَّتُهُ أَنَّ السُّنَّةَ تَثْلِيثُ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ مِنْ رُطَبٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ تَصْرِيحُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بِتَمْرٍ، إذْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ. وَتَعْبِيرُ جَمْعٍ بِتَمْرَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا أَصْلُ السُّنَّةِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ السُّحُورُ) السُّحُورُ بِضَمِّ السِّينِ الْفِعْلُ، أَمَّا بِفَتْحِهَا فَمَا يَتَسَحَّرُ بِهِ. فَإِنْ قُلْت: حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّوْمِ خُلُوُّ الْجَوْفِ لِإِذْلَالِ النَّفْسِ وَكَفِّهَا عَنْ شَهَوَاتِهَا وَالسُّحُورُ يُنَافِي ذَلِكَ؟ قُلْت: لَا يُنَافِيهِ بَلْ فِيهِ إقَامَةُ السُّنَّةِ بِنَحْوِ قَلِيلِ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ، وَالْمُنَافِي إنَّمَا هُوَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُتَرَفِّهُونَ مِنْ أَنْوَاعِ ذَلِكَ وَتَحْسِينُهُ وَالِامْتِلَاءُ مِنْهُ اهـ عَلْقَمِيٌّ. وَفِي الْعُهُودِ لِلشَّعْرَانِيِّ: أُخِذَ عَلَيْنَا الْعُهُودُ أَنْ لَا نَشْبَعَ الشِّبَعَ الْكَامِلَ قَطُّ لَا سِيَّمَا فِي لَيَالِيِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ الْأَوْلَى النَّقْصُ فِيهَا عَنْ مِقْدَارِ مَا كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي غَيْرِهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ شَهْرُ الْجُوعِ، وَمَنْ شَبِعَ فِي عَشَائِهِ وَسُحُورِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ رَمَضَانَ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُفْطِرِ مِنْ حَيْثُ الْأَثَرُ الْمَشْرُوعُ لَهُ الصَّوْمُ وَهُوَ إضْعَافُ الشَّهْوَةِ الْمُضَيِّقَةِ لِمَجَارِي الشَّيْطَانِ فِي الْبَدَنِ، وَهَذَا الْأَمْرُ بَعِيدٌ عَلَى مَنْ شَبِعَ مِنْ اللَّحْمِ وَالْمَرَقِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً مُرْضِعَةً أَوْ شَخْصًا يَتَعَاطَى فِي النَّهَارِ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى،. وَقَدْ قَالُوا: مَنْ أَحْكَمَ الْجُوعَ فِي رَمَضَانَ حُفِظَ مِنْ الشَّيْطَانِ إلَى رَمَضَانَ الْآتِي؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ جُنَّةٌ عَلَى بَدَنِ الصَّائِمِ مَا لَمْ يَخْرِقْهُ شَيْءٌ فَإِذَا خَرَقَهُ دَخَلَ الشَّيْطَانُ لَهُ مِنْ الْخَرْقِ اهـ. قَوْلُهُ: (بَرَكَةً) أَيْ أَجْرًا وَثَوَابًا، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُقْرَأَ السُّحُورُ بِالضَّمِّ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْفِعْلِ. قَوْلُهُ: (وَبِقَيْلُولَةِ النَّهَارِ) الْقَيْلُولَةُ هِيَ الرَّاحَةُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَوْ بِلَا نَوْمٍ وَقِيلَ هِيَ النَّوْمُ بَعْدَهُ ق ل وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا النَّوْمُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ وَفِي تَذْكِرَةِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ النَّوْمُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَيْلُولَةٌ وَهُوَ الْفَقْرُ وَعِنْدَ الضُّحَى فَيْلُولَةٌ وَهُوَ الْفُتُورُ وَحِينَ الزَّوَالِ قَيْلُولَةٌ وَهِيَ الزِّيَادَةُ فِي الْعَقْلِ وَبَعْدَ الزَّوَالِ حَيْلُولَةٌ أَيْ يُحِيلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِ النَّهَارِ غَيْلُولَةٌ أَيْ يُورِثُ الْهَلَاكَ. قَالَ الْمُنَاوِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ كَثْرَةَ النَّوْمِ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ لِكَثْرِ مَفَاسِدِهِ الْأُخْرَوِيَّةِ، بَلْ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْغَفْلَةَ وَالشُّبُهَاتِ وَفَسَادَ الْمِزَاجِ الطَّبِيعِيِّ وَالنَّفْسَانِيِّ وَيُكْثِرُ الْبَلْغَمَ وَالسَّوْدَاءَ وَيُضْعِفُ الْمَعِدَةَ وَيُنْتِنَ الْفَمَ وَيُوَلِّدُ دُونَ الْقُرُحِ وَيُضْعِفُ الْبَصَرَ وَالْبَاهَ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ دَاعِيَةٌ لِلْجِمَاعِ، وَيُفْسِدُ الْمَاءَ وَيُورِثُ الْأَمْرَاضَ الْمُزْمِنَةَ فِي الْوَلَدِ الْمُتَخَلَّقِ مِنْ تِلْكَ النُّطْفَةِ حَالَ تَكْوِينِهِ، وَيُضْعِفُ الْجَسَدَ. هَذَا فِي النَّوْمِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَأَعْظَمُ ضَرَرًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْصَاءُ مَفَاسِدِهِ فِي الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ يُورِثُ ضَعْفَ الْحَالِ بِحُكْمِ الْخَاصِّيَّةِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ؛ قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ: بِخِلَافِ الْإِغْفَاءِ وَهُوَ النَّوْمُ الْخَفِيفُ بِحَيْثُ لَا يَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ إنَّمَا يَتَوَلَّدُ عَنْ نَوْمِ الْقَلْبِ وَغَفْلَتِهِ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الشِّبَعِ الْمُفْرِطِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ ابْنِ الْقِيمَةِ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ) أَيْ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَكَّ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ أَوْقَعَهُ ذَلِكَ فِي شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلُ قَوْلِهِ " مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ ". قَوْلُهُ: (لَمْ يُسَنَّ التَّأْخِيرُ) أَيْ حَيْثُ أَوْقَعَ التَّأْخِيرُ فِي شَكٍّ، وَقَوْلُهُ " تَرْكُهُ " أَيْ التَّأْخِيرِ. قَوْلُهُ: «دَعْ مَا يَرِيبُك» أَيْ دَعْ مَا يُوقِعُك فِي شَكٍّ إلَى مَا لَا يُوقِعُك فِيهِ، أَيْ وَانْتَقِلْ وَاعْدِلْ إلَى مَا لَا يَرِيبُك، فَقَوْلُهُ " إلَى " مُتَعَلِّقٍ بِمَحْذُوفٍ وَ " يَرِيبُك " بِفَتْحِ الْيَاءِ فِيهِمَا وَمَاضِيهِ رَابَ. قَوْلُهُ: (لَوْ صَرَّحَ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ الْحُكْمَ لَا عَلَى جِهَةِ الصَّرَاحَةِ. وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِسَنِّ تَأْخِيرِ السُّحُورِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ سَنَّ السُّحُورِ لِتَوَقُّفِ تَحَقُّقِ التَّأْخِيرِ الْمَسْنُونِ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 يَحْصُلُ بِكَثِيرِ الْمَأْكُولِ وَقَلِيلِهِ، فَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ» وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ. . (وَ) الثَّالِثُ (تَرْكُ الْهَجْرِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ: تَرْكُ الْهِجْرَانِ (مِنْ الْكَلَامِ) جَمِيعَ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: هَذَا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرُوهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» أَمَّا الْهُجْرُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ الِاسْمُ مِنْ الْإِهْجَارِ وَهُوَ الْإِفْحَاشُ فِي النُّطْقِ فَلَيْسَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ إذْ كَلَامُهُ فِيمَا هُوَ سُنَّةٌ، وَتَرْكُ فُحْشِ الْكَلَامِ مِنْ عَيْبَةٍ وَغَيْرِهَا وَاجِبٌ. وَبَعْضُهُمْ ضَبَطَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالضَّمِّ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ كَمَا اُعْتُرِضَ عَلَى الْمِنْهَاجِ فِي قَوْلِهِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ: وَلْيَصُنْ لِسَانَهُ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ بِأَنَّ صَوْنَ اللِّسَانِ عَنْ ذَلِكَ وَاجِبٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلصَّائِمِ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ فَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِارْتِكَابِ ذَلِكَ بِخِلَافِ ارْتِكَابِ مَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ كَالِاسْتِقَاءَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَحَدِيثُ «خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْغَيْبَةُ وَالنَّمِيمَةُ» إلَى آخِرِهِ ضَعِيفٌ، وَإِنْ صَحَّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَالْمُرَادُ بُطْلَانُ الثَّوَابِ لَا الصَّوْمِ، قَالَ: وَمِنْ هُنَا حَسُنَ عَدُّ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ مِنْ آدَابِ الصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا مُطْلَقًا. . وَيُسَنُّ تَرْكُ شَهْوَةٍ لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ كَشَمِّ الرَّيَاحِينِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ التَّرَفُّهِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ حِكْمَةَ الصَّوْمِ، وَتَرْكُ نَحْوِ حَجْمٍ كَفَصْدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُهُ، وَتَرْكُ ذَوْقِ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ خَوْفَ وُصُولِهِ حَلْقَهُ، وَتَرْكُ عَلْكٍ   [حاشية البجيرمي] وُجُودِهِ مُؤَخَّرًا. اهـ. م د. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سَنِّ التَّأْخِيرِ كَوْنُ السُّحُورِ نَفْسِهِ سُنَّةً بَلْ يَصْدُقُ بِالْإِبَاحَةِ. قَوْلُهُ: (بِكَثِيرِ الْمَأْكُولِ وَقَلِيلِهِ) أَيْ وَكَثِيرِ الْمَشْرُوبِ وَقَلِيلِهِ أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِجُرْعَةِ مَاءٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْجُرْعَةُ مِنْ الْمَاءِ كَاللُّقْمَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَهُوَ مَا يُجْرَعُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْجَمْعُ جُرَعٌ مِثْلَ غَرْفَةٍ وَغُرَفٍ. قَوْلُهُ: (تَرْكُ الْهَجْرِ) أَيْ تَرْكُ هَجْرِ النَّاسِ مِنْ الْكَلَامِ بِأَنْ يُكَلِّمَهُمْ، وَالْهَجْرُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ هَجَرَ كَضَرْبِ وَمَعْنَاهُ تَرْكُ الْكَلَامِ. وَقَدْ أَضَافَ لَهُ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ " تَرْكُ "، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَتَفْسِيرُ الْهَجْرِ بِالتَّرْكِ لَا يُنَافِي تَفْسِيرَهُ بِالْهِجْرَانِ الَّذِي هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْكَلَامِ تَرْكُهُ فَصَارَ مَعْنَاهُ التَّكَلُّمَ. وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى فَتْحِ الْهَاءِ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَيَكُونُ اسْمَ مَصْدَرٍ لِأَهْجَرَ بِمَعْنَى أَفَحَشَ، وَالْمَعْنَى: يُسَنُّ تَرْكُ الْكَلَامِ الْفَاحِشِ. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ " تَرْكُ الْهِجْرَانِ " لَوْ حَذَفَ الشَّارِحُ لَفْظَ " تَرْكُ " الدَّاخِلَةِ عَلَى الْهِجْرَانِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا، وَالْمَعْنَى تَرْكُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْكَلَامِ؛ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ الْكَلَامُ وَالِامْتِنَاعُ تَفْسِيرٌ لِلْهِجْرَانِ؛ وَالْمَعْنَى عَلَى إثْبَاتِ التَّرْكِ تَرْكُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْكَلَامِ بِأَنْ يَسْكُتَ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ التَّكَلُّمُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الِاسْمُ) أَيْ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ الْإِهْجَارِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ أَهْجَرَ أَيْ أَفْحَشَ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُرَادُهُ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَبَّادِيُّ: بَلْ هُوَ أَقْعَدُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْمِنْهَاجِ، وَالِاعْتِرَاضُ مَدْفُوعٌ بِمَا سَيَذْكُرُهُ. اهـ. ق ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَيُسَنُّ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ تَرْكُ فُحْشٍ كَكَذِبٍ وَغِيبَةٍ، لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» اهـ، أَيْ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي تَرْكِ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، أَيْ فِي صِيَامِهِ. فَحَذَفَ الْجَارَّ مِنْ " أَنْ يَدَعَ " وَالتَّقْدِيرُ فِي أَنْ يَدَعَ، وَهُوَ كِنَايَةٌ أَوْ مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ نَظَرِهِ تَعَالَى لَهُ نَظَرَ الْعِنَايَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْقَبُولِ وَالتَّفَضُّلِ بِالثَّوَابِ، أَوْ لَا يَطْلُبُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَدَعَ إلَخْ. فَأَطْلَقَ الْحَاجَةَ وَأَرَادَ الطَّلَبَ مَجَازًا، عِلَاقَتُهُ اللُّزُومُ. قَوْلُهُ: (وَبَعْضُهُمْ) هُوَ ابْنُ قَاسِمٍ الْغَزِّيُّ، فَإِنَّهُ شَرَحَ الْمَتْنَ وَالْمِنْهَاجَ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَاعْتَرَضَ) أَيْ هَذَا الْبَعْضُ، وَهُوَ الْغَزِّيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ، كَمَا اعْتَرَضَ أَيْ هَذَا الْبَعْضُ الْمَذْكُورُ، فَإِنَّهُ شَرَحَ الْكِتَابَيْنِ أَيْ الْمِنْهَاجَ وَأَبَا شُجَاعٍ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ صَوْنَ اللِّسَانِ عَنْ ذَلِكَ وَاجِبٌ) أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَبًّا مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ، وَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَيْنِ: وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ صَوْنِ اللِّسَانِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَمَنْدُوبًا مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ. قَوْلُهُ: (يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ) أَيْ حَقِيقَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ وَكَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِهِ) بَقِيَّتُهُ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ: " وَالْكَذِبُ وَالنَّظَرُ إلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَالْأَيْمَانُ الْفَاجِرَةُ " وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إبْدَالُ الثَّانِي بِقَوْلِ الزُّورِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ هُنَا) أَيْ مِنْ أَجْلِ بُطْلَانِ ثَوَابِ الصَّوْمِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. قَوْلُهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 بِفَتْحِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ، فَإِنْ بَلَعَهُ أَفْطَرَ فِي وَجْهٍ، وَإِنْ أَلْقَاهُ عَطَّشَهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ لَيْلًا لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ مِنْ أَوَّلِ الصَّوْمِ، وَأَنْ يَقُولَ عَقِبَ فِطْرِهِ «اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت» لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَأَنْ يُكْثِرَ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَمُدَارَسَتَهُ بِأَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فِي رَمَضَانَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنَ» . وَأَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ لَا سِيَّمَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ وَلِرَجَاءِ أَنْ يُصَادِفَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إذْ هِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ عِنْدَنَا. (وَيَحْرُمُ صِيَامُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ) أَيْ مَعَ بُطْلَانِ صِيَامِهَا وَهِيَ (الْعِيدَانِ) الْفِطْرُ وَالْأَضْحَى بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِدِ إلَى نَهْيِ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ (وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) الثَّلَاثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَوْ لِمُتَمَتِّعٍ لِلنَّهْيِ عَنْ صِيَامِهَا كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» . . (وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ:   [حاشية البجيرمي] عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْفُحْشِ. قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الْعَيْنِ) أَيْ الْمَضْغُ، وَبِكَسْرِهَا الْمَعْلُوكُ. قَوْلُهُ: (فِي وَجْهٍ) أَيْ ضَعِيفٍ، وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَنْفَصِلْ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْلُوكِ وَإِلَّا أَفْطَرَ قَطْعًا ق ل. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ لَيْلًا) قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: مَنْ بَاتَ سَكْرَانَ أَوْ جُنُبًا بَاتَ لِلشَّيْطَانِ عَرُوسًا. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ لَك صُمْت) وَيُسَنُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ: " وَبِك آمَنْت وَبِك وَعَلَيْك تَوَكَّلْت ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، يَا وَاسِعَ الْفَضْلِ اغْفِرْ لِي الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي فَصُمْت وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرَتْ " اهـ وَالظَّمَأُ مَهْمُوزُ الْآخِرِ مَقْصُورٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَطَشُ، وَلَمْ يَقُلْ وَذَهَبَ الْجُوعُ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْحِجَازِ حَارَّةٌ فَكَانُوا يَصْبِرُونَ عَلَى قِلَّةِ الطَّعَامِ لَا الْعَطَشِ وَيَقُولُ هَذَا إنْ أَفْطَرَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ دَخَلَ وَقْتُ إذْهَابِ الظَّمَأِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمُدَارَسَتَهُ) عَطْفٌ خَاصٌّ وَحَقِيقَةُ الْمُدَارَسَةِ أَنْ يَقْرَأَ الثَّانِي مَا قَرَأَهُ الْأَوَّلُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَيَقْرَأُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَيْ مَا قَرَأَهُ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ فَهِيَ إدَارَةٌ لَا مُدَارَسَةٌ. قَوْلُهُ: (يَنْسَلِخَ) أَيْ يَفْرُغَ. قَوْلُهُ: (فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ إلَخْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ بِمَعْنَى يُلْقِي عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِضَمِّ الْيَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ التَّرْكُ وَلَيْسَ مُرَادًا، قَالَ مد: كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يُعْطَوْا فَضِيلَةَ حِفْظِ الْقُرْآنِ حَتَّى جِبْرِيلُ النَّازِلُ بِهِ فَكَيْفَ كَانَ يُدَارِسُهُ؟ وَأُجِيبَ بِجَوَابَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَقْرَأُ أَوَّلًا فَيُعِيدُ جِبْرِيلُ مَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِي: أَنَّ جِبْرِيلُ كَانَ يَنْظُرُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ حِينَ يَقْرَأُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، فِي الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ هُوَ الْمُثْبَتُ فِي الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ. قَالَ الشَّاطِبِيُّ: وَكُلُّ عَامٍ عَلَى جِبْرِيلُ يَعْرِضُهُ ... وَقِيلَ آخِرُ عَامٍ مَرَّتَيْنِ قَرَأَ وَحِكْمَةُ الْعَرْضِ لِأَجْلِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ. وَقَوْلُهُ " آخِرُ عَامٍ " أَيْ مِنْ عُمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَعْنَى كَوْنِ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يُعْطَوْا فَضِيلَةَ حِفْظِ الْقُرْآنِ، أَيْ عَلَى الدَّوَامِ بِحَيْثُ يَسْتَقِلُّونَ بِقِرَاءَةِ الْمَحْفُوظِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ؛ أَوْ لَا حِفْظَ لَهُمْ أَصْلًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجَوَابِ الثَّانِي. وَأَمَّا غَيْرُ جِبْرِيلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ فَكَانُوا يَحْفَظُونَ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّهَا كَنُسْخَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ. وَقَوْلُهُ " فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ " قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: عَرَضْت الْكِتَابَ عَرْضًا قَرَأْتُهُ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ. قَوْلُهُ: (الثَّلَاثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ) أَيْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهَا اثْنَانِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ) قَيَّدَ بِهِ لِدَفْعِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا ثَلَاثَةٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِمُتَمَتِّعٍ) غَايَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ إنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُتَمَتِّعِ الْعَاجِزِ عَنْ الدَّمِ وَصَوْمُهَا عَنْ الثَّلَاثَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ؛ وَالْمُتَمَتِّعُ هُوَ الَّذِي أَتَى بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ) إنْ قُلْت: مَا فَائِدَةُ تَنْصِيصِهِمْ عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ أَوْ حُرْمَتِهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ وَهُوَ مُحَرَّمٌ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ يَوْمِ الشَّكِّ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ لَوْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ تَحْرِيمُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَالْمَجْمُوعِ لِقَوْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ " مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". تَنْبِيهٌ: يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فَيُوَافِقُ الْمُرَجَّحَ فِي الْمَذْهَبِ. (إلَّا أَنْ يُوَافِقَ) صَوْمُهُ (عَادَةً لَهُ) فِي تَطَوُّعِهِ كَأَنْ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ أَوْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا أَوْ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ فَوَافَقَ صَوْمُهُ يَوْمَ الشَّكِّ، وَلَهُ صَوْمُهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِخَبَرِ: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» وَقِيسَ بِالْوِرْدِ الْبَاقِي بِجَامِعِ السَّبَبِ، فَلَوْ صَامَهُ بِلَا سَبَبٍ لَمْ يَصِحَّ كَيَوْمِ الْعِيدِ بِجَامِعِ التَّحْرِيمِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ يَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ) مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ ابْتِدَاءِ صَوْمِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ تَطَوُّعًا وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَالْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ تَحْرِيمُهُ بِلَا سَبَبٍ إنْ لَمْ يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ أَوْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ لِخَبَرِ: «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. فَعَلَى هَذَا لَا يَكْفِي وَصْلُ يَوْمِ الشَّكِّ إلَّا بِمَا قَبْلَ النِّصْفِ الثَّانِي، وَلَوْ وَصَلَ النِّصْفَ الثَّانِيَ بِمَا قَبْلَهُ ثُمَّ أَفْطَرَ فِيهِ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ النِّصْفِ الثَّانِي فَلَهُ صَوْمُ أَيَّامِهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا اُسْتُحِبَّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ إذَا أَطْبَقَ الْغَيْمُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَيْثُ قَالَ بِوُجُوبِ صَوْمِهِ حِينَئِذٍ؟ أُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُرَاعِي الْخِلَافَ إذَا خَالَفَ سُنَّةً صَرِيحَةً وَهِيَ هُنَا خَبَرُ «إذَا غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» وَيَوْمُ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ شَهِدَ بِهَا عَدَدٌ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ كَصِبْيَانٍ أَوْ نِسَاءٍ أَوْ عَبِيدٍ أَوْ فَسَقَةٍ وَظَنَّ صِدْقَهُمْ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ   [حاشية البجيرمي] وَبَيَانُ أَنَّ صَوْمَهُ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ لِشَيْئَيْنِ: كَوْنِهِ يَوْمَ الشَّكِّ وَكَوْنِهِ بَعْدَ النِّصْفِ، فَيَكُونُ النَّهْيُ فِيهِ أَعْظَمَ مِنْهُ فِيمَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ) وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَصْلُهُ عَنْ الْحَرَامِ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ حَرَامٌ لَقَالَ: وَيَوْمَ الشَّكِّ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) عَبَّرَ بِهِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مَتَى أُطْلِقَتْ انْصَرَفَتْ إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ. قَوْلُهُ: (يَسْرُدَ) فِي الْمُخْتَارِ سَرَدَ الصَّوْمَ أَدَامَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَذْرٍ) أَيْ مُتَقَدِّمٍ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ فِيهِ إذْ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَالنِّصْفِ الثَّانِي وَحْدَهُ لَا يَصِحُّ أج. فَصُورَةُ النَّذْرِ أَنْ يَنْذُرَ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا فَيُوَافِقُ يَوْمَ الشَّكِّ. قَوْلُهُ: (كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى نَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، أَيْ الْمَقْضِيَّةِ وَالْمَنْذُورَةِ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ تَحَرَّى فِيهِ صَوْمَ قَضَاءٍ لَمْ يَنْعَقِدْ ق ل. وَيُعْلَمُ هَذَا أَيْضًا مِنْ قَوْلِ أج: لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لَا تَقَدَّمُوا) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ، وَالْأَصْلُ: لَا تَتَقَدَّمُوا. " وَرَجُلٌ " بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ. قَوْلُهُ: (بِالْوِرْدِ) أَيْ الْعَادَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ: بِالْوَارِدِ، أَيْ فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (الْبَاقِي) كَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ بَعْدُ وَقَوْلُهُ " كَنَظِيرِهِ إلَخْ " لِأَنَّهُ قِيَاسٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ قِيَاسُ الصَّوْمِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَهُنَا قِيَاسُ صَوْمٍ عَلَى صَوْمٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، إذْ قَوْلُهُ " أَوْ يَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ " أَيْ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْقَبْلُ جَائِزًا صَوْمُهُ كَصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَلَوْ آخِرَهُ كَالْخَامِسِ عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ إلَى أَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ بِلَا فِطْرٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (أَوْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: " يَصِلَهُ " وَالْأَوْلَى أَوْ يَصِمَهُ كَمَا فِي حَجّ لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِمَا قَبْلَهُ إلَخْ) لَوْ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (أَوْ شَهِدَ) مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ وَلَمْ يَشْهَدْ بِهَا أَحَدٌ أَوْ شَهِدَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَوْ فَسَقَةٍ) أَوْ كُفَّارٍ نَعَمْ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَصَحَّ مِنْهُ وَوَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْهُ، وَمَنْ ظَنَّ صِدْقَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَرَ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وَلَمْ يَظُنَّ الصِّدْقَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَالْأَحْكَامُ ثَلَاثَةٌ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَظَنَّ صِدْقَهُمْ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَيْدًا فِي يَوْمِ الشَّكِّ، وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ فِي صِحَّةِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ وَجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى الصَّوْمِ كَمَا سَيَأْتِي، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ إذَا ظَنَّ صِدْقَهُمْ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَلَيْسَ يَوْمُ شَكٍّ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 مِنْهُ. نَعَمْ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَغَوِيِّ فِي طَائِفَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَثْنَائِهِ صِحَّةُ نِيَّةِ الْمُعْتَقِدِ لِذَلِكَ وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنَهُ مِنْهُ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا ذَكَرَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ الَّذِي يَحْرُمُ صَوْمُهُ هُوَ عَلَى مَنْ لَمْ يَظُنَّ الصِّدْقَ هَذَا مَوْضِعٌ، وَأَمَّا مَنْ ظَنَّهُ أَوْ اعْتَقَدَهُ صَحَّتْ النِّيَّةُ مِنْهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَهَذَانِ مَوْضِعَانِ، فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُتَنَاقِضٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ، وَفِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ، وَفِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ مَمْنُوعٌ. أَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَدَّثْ أَحَدٌ بِالرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ شَكٍّ بَلْ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ، وَإِنْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ لِخَبَرِ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ.» . فَرْعٌ: الْفِطْرُ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ وَاجِبٌ إذْ الْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا حَرَامٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ   [حاشية البجيرمي] كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ صَارَ يَوْمَ شَكٍّ فَلَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ تَارَةً يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَوْمُ شَكٍّ فَيَحْرُمُ صَوْمُهُ، وَتَارَةً يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَيَجِبُ صَوْمُهُ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ الصِّدْقَ أَوْ يَجُوزُ لِمَنْ ظَنَّ الصِّدْقَ. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ ذَكَرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ بِعَدَدٍ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ. قَوْلُهُ: (فِي طَائِفَةٍ) أَيْ مَعَ طَائِفَةٍ. قَوْلُهُ: (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الْبَابِ. قَوْلُهُ: (الْمُعْتَقِدِ) الْمُرَادُ بِهِ الظَّانُّ لِئَلَّا يَتَّحِدَ مَعَ الْأَوَّلِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: صِحَّةُ نِيَّةِ الظَّانِّ وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (مَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ الْوُجُوبُ وَالْجَوَازُ وَالِامْتِنَاعُ. قَوْلُهُ: (صَحَّتْ النِّيَّةُ) أَيْ مَعَ جَوَازِ الصَّوْمِ؛ وَهَذَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، فَكَلَامُهُ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الِاعْتِقَادِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الظَّنِّ فَيَجُوزُ وَلَا يَجِبُ؛ وَإِذَا انْتَفَى الِاعْتِقَادُ وَالظَّنُّ امْتَنَعَ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَقَوْلُهُ " وَهَذَانِ مَوْضِعَانِ " أَيْ الظَّنُّ وَالِاعْتِقَادُ. قَوْلُهُ: (فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ. قَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ) أَيْ فَيَحْرُمُ صَوْمُهُ لِكَوْنِهِ بَعْدَ النِّصْفِ لَا لِكَوْنِهِ يَوْمَ شَكٍّ، وَأَمَّا يَوْمُ الشَّكِّ فَيَحْرُمُ لِسَبَبَيْنِ. قَوْلُهُ (الْفِطْرُ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ) أَيْ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ إلَخْ، وَإِلَّا فَفِي اللَّيْلِ يَحْكُمُ عَلَى الشَّخْصِ بِأَنَّهُ مُفْطِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَعَاطَ مُفْطِرًا؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ فَيَصْدُقُ عَلَى الشَّخْصِ فِيهِ أَنَّهُ مُفْطِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ شَيْئًا مِنْ الْمُفْطِرَاتِ حَقِيقَةً. وَشَمِلَ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ مَا كَانَ عَلَى جَهْلٍ أَوْ نِسْيَانٍ، أَيْ إذَا تَعَاطَى مُفْطِرًا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا كَفَى فَيَخْرُجُ مِنْ الْحُرْمَةِ. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: وَاخْتَصَّ بِجَوَازِ الْوِصَالِ لَهُ فِي الصَّوْمِ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، قِيلَ: فَإِنَّك تُوَاصِلُ. قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي إنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي فَاكْلَفُوا» بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ الْزَمُوا " مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ". وَأَنْ يَجْتَنِبُوا تَتَابُعَ الصَّوْمِ بِغَيْرِ فِطْرٍ لَيْلًا، فَإِنَّهُ حَرَامٌ يُوجِبُ الْفِسْقَ وَالْمَلَلَ وَالْعَجْزَ عَنْ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ وَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهَا، فَإِنَّكُمْ لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي أَيْ عَلَى صِفَتِي وَمَنْزِلَتِي مِنْ رَبِّي، فَإِنِّي أَبِيتُ أَيْ أَنَا عِنْدَ رَبِّي دَائِمًا أَبَدًا؛ فَهِيَ عِنْدِيَّةُ تَشْرِيفٍ، يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي حَقِيقَةً بِأَنْ يُطْعَمَ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ وَهُوَ لَا يُفْطِرُ، أَوْ مَجَازًا عَمَّا يُغَذِّيهِ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْمَعَارِفِ وَيُفِيضُهُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ لَذَّةِ مُنَاجَاتِهِ وَقُرَّةِ عَيْنِهِ بِقُرْبِهِ. وَغِذَاءُ الْقُلُوبِ وَنَعِيمُ الْأَرْوَاحِ أَعْظَمُ أَثَرًا مِنْ غِذَاءِ الْأَجْسَامِ وَالْأَشْبَاحِ. فَلِلْأَنْبِيَاءِ جِهَةُ تَجَرُّدٍ وَجِهَةُ تَعَلُّقٍ، فَبِالنَّظَرِ لِلْأَوَّلِ الَّذِي يُفَاضُ عَلَيْهِ بِهِ مِنْ الْمَبْدَإِ الْأَوَّلِ مَصُونُونَ عَمَّا يَلْحَقُ غَيْرَهُمْ مِنْ الْبَشَرِ مِنْ ضَعْفٍ وَعَطَشٍ وَجُوعٍ وَفُتُورٍ، وَبِالنَّظَرِ لِلثَّانِي بِهِ يُفِيضُونَ وَيَلْحَقُهُمْ ذَلِكَ ظَاهِرًا لِمُوَافَقَةِ الْجِنْسِ لِتُؤْخَذَ عَنْهُمْ آدَابُ الشَّرِيعَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْهُمْ الْأَخْذُ عَنْهُمْ، فَظَوَاهِرُهُمْ بَشَرِيَّةٌ تَلْحَقُهُمْ الْآفَاتُ وَبَوَاطِنُهُمْ رَبَّانِيَّةٌ تَتَلَذَّذُ بِلَذَّةِ الْمُنَاجَاةِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَ هُنَا وَبَيْنَ رَبْطِهِ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَحْوَالَهُمْ الظَّاهِرَةَ يُسَاوُونَ فِيهَا الْجِنْسَ وَأَحْوَالَهُمْ الْبَاطِنَةَ يُفَارِقُونَهُمْ فِيهَا، فَظَوَاهِرُهُمْ لِلْخَلْقِ كَمِرْآةٍ يُبْصِرُونَ فِيهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَبَوَاطِنُهُمْ فِي حُجُبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَلَا يَتَنَاوَلُ بِاللَّيْلِ مَطْعُومًا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجِمَاعَ وَنَحْوَهُ لَا يَمْنَعُ الْوِصَالَ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ هُوَ أَنْ يَسْتَدِيمَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ. وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيِّ وَابْنُ الصَّلَاحِ نَحْوَهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فَقَالَ: (وَمَنْ وَطِئَ) بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا (عَامِدًا) مُخْتَارًا   [حاشية البجيرمي] الْغَيْبِ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَا يَعْتَرِيهَا عَجْزُ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ جُوعٍ وَلَا غَيْرِهِ. فَهَاكَ هَذَا الْجَمْعُ عَفْوًا صَفْحًا فَقَلَّمَا تَرَاهُ مَجْمُوعًا فِي كِتَابٍ وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ الْأَنْجَابِ. وَقَوْلُهُ: «فَاكْلَفُوا» بَيَّنَ بِهِ حِكْمَةَ النَّهْيِ، وَهُوَ خَوْفُ الْمَلَلِ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ وَأَرْجَحُ مِنْ وَظَائِفِ الدِّينِ مِنْ الْقُوَّةِ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَالْخُضُوعِ فِي فَرَائِضِهِ وَالْإِتْيَانِ بِحُقُوقِهَا الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَشِدَّةِ الْجُوعِ تُنَافِيهِ وَتَحُولُ بَيْنَ الْمُكَلَّفِ وَبَيْنَهُ ثُمَّ الْجُمْهُورُ؛ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ لِلْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَاحٌ، وَقَالَ الْإِمَامُ: قُرْبَةٌ وَخُصُوصِيَّةٌ بِهِ عَلَى كُلِّ أُمَّتِهِ لَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، فَقَدْ اشْتَهَرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَكَابِرِ الْوِصَالُ، قَالَ فِي الْمَطَامِحِ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَنَّهُ وَاصَلَ سِتِّينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: فَإِنْ قُلْت: إنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ اُشْتُهِرَ صَلَاحُهُمْ مِمَّنْ لَا يُحْصَى نُقِلَ عَنْهُمْ الْوِصَالُ وَذَلِكَ مَعَ الْقَوْلِ ثُمَّ يُنَافِي حَالَهُمْ السُّنِّيَّ وَقَدْرَهُمْ الْعَلِيَّ؟ قُلْت: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ، وَلَعَلَّ وِصَالَ هَؤُلَاءِ جَاءَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ بَلْ اتَّفَقَ تَرْكُ تَنَاوُلِ الْمُفْطِرِ لِغَفْلَةٍ عَنْهُ إمَّا بِغَيْرِ سَبَبٍ أَوْ بِسَبَبٍ وَهُوَ تَعَلُّقُهُ وَاشْتِغَالُهُ بِالْمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالِاسْتِغْرَاقُ فِيهَا وَالِالْتِذَاذُ بِهَا بِحَيْثُ أَلْهَتْهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَهِيَ فِي حَقِّهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي حَقِّ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَالْإِنْسَانُ شَاهِدٌ فِي الْخَارِجِ عِنْدَ اشْتِغَالِ الْقَلْبِ بِمَا يَسُرُّ أَوْ يُحْزِنُ الْغَفْلَةُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. وَقَدْ فَسَّرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْخُصُوصِيَّةُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى كُلِّ أُمَّتِهِ لَا عَلَى أَحَدِ أَفْرَادِهَا، وَالنَّهْيُ تَوَجَّهَ لِلْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: (إذْ الْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ حَرَامٌ) وَهُوَ تَتَابُعُ الصَّوْمِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا مِنْ غَيْرِ فِطْرٍ لَيْلًا، وَقِيلَ: صَوْمُ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْطِرَ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْهُ، وَمُوجِبُ النَّهْيِ أَمْرَانِ: الضَّعْفُ وَالْمَلَلُ وَالْعَجْزُ عَنْ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ. وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالتَّنْزِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْحَنَابِلَةِ، فَالْفِطْرُ مَطْلُوبٌ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْفِطْرِ إذَا كَانَ مَمْنُوعًا فَتَرْكُهُ بِالْكُلِّيَّةِ أَشَدُّ مَنْعًا. وَكَانَ الْوِصَالُ مُبَاحًا لِمَنْ قَبْلَنَا، لَكِنْ تَحْرِيمُهُ إنَّمَا هُوَ عَلَيْنَا لَا عَلَى الْمُصْطَفَى، فَإِنَّ لَهُ الْوِصَالَ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ أُمَّتِهِ عَلَى غَيْرِهَا اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: تَنْبِيهٌ: قَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصُّلَحَاءِ الْوِصَالُ فَفِعْلُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ بَلْ لِغَفْلَةٍ أَوْ اسْتِغْرَاقٍ فِي الْمَعَارِفِ. قَوْلُهُ: (لِلنَّهْيِ عَنْهُ) وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: بُلِيت بِهِ فَقِيهًا ذَا جِدَالٍ ... يُجَادِلُ بِالدَّلِيلِ وَبِالدَّلَالِ طَلَبْت وِصَالَهُ وَالْوَصْلُ عَذْبٌ ... فَقَالَ نَهَى النَّبِيُّ عَنْ الْوِصَالِ أَيْ فَفِيهِ الدَّلِيلُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَالدَّلَالُ بِحَسَبِ التَّوْرِيَةِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ) أَيْ الْعُظْمَى لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَغَيْرِهَا، يُقَالُ لَهُ فِدْيَةٌ غَالِبًا ق ل. وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَوْلُ الْمَتْنِ الْآتِي: وَإِنْ خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا أَفْطَرَتَا وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَطِئَ) جُمْلَةُ الشُّرُوطِ أَحَدَ عَشَرَ: الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: " وَطِئَ ". الثَّانِي: قَوْلُهُ: " جَمِيعُ الْحَشَفَةِ ". الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: " عَامِدًا ". وَالرَّابِعُ: قَوْلُهُ " مُخْتَارًا ". وَالْخَامِسُ: قَوْلُهُ: " عَالِمًا ". وَالسَّادِسُ: قَوْلُهُ: فِي الْفَرْجِ ". وَالسَّابِعُ: قَوْلُهُ: " فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ". وَالثَّامِنُ: قَوْلُهُ: " وَهُوَ مُكَلَّفٌ ". وَالتَّاسِعُ: قَوْلُهُ: " صَائِمٌ ". وَالْعَاشِرُ: قَوْلُهُ: أَثِمَ بِالْوَطْءِ ". وَالْحَادِيَ عَشَرَ: قَوْلُهُ: " بِسَبَبِ الصَّوْمِ ". وَقَدْ أَخَذَ الشَّارِحُ مُحْتَرَزَ الْجَمِيعِ، وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 عَالِمًا التَّحْرِيمَ (فِي الْفَرْجِ) وَلَوْ دُبُرًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (فِي نَهَارِ رَمَضَانَ) وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْغُرُوبِ وَهُوَ مُكَلَّفٌ صَائِمٌ آثِمٌ   [حاشية البجيرمي] بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَفْسَدَ بِوَطْئِهِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يَقِينًا فَتَكُونُ الشُّرُوطُ اثْنَيْ عَشَرَ؛ وَيُزَادُ عَلَيْهَا إفْسَادُ صَوْمِ يَوْمٍ كَامِلٍ لِيَخْرُجَ مَا إذَا مَاتَ أَوْ جُنَّ فِي أَثْنَائِهِ، فَإِذَا اشْتَبَهَ رَمَضَانُ بِغَيْرِهِ فَاجْتَهَدَ وَصَامَ فَإِذَا وَطِئَ وَلَوْ فِي جَمِيعِ أَيَّامِهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ شَرْحُ م ر. وَخَرَجَ بِإِفْسَادِ الْيَوْمِ مَا لَوْ وَطِئَ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ جُنَّ أَوْ مَاتَ فِي الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمَ يَوْمٍ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَالَ م د: وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الشُّرُوطِ أَحَدَ عَشَرَ شَرْطًا: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا عَلَى الْفَاعِلِ، أَعْنِي الْوَاطِئَ، فَخَرَجَ الْمَرْأَةُ الْمَوْطُوءَةُ وَالرَّجُلُ الْمَوْطُوءُ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ مُفْسِدًا، فَخَرَجَ النَّاسِي وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ وَلَوْ عَلَى الزِّنَا وَإِنْ كَانَ يُفْطِرُ بِهِ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَا أَفْسَدَهُ صَوْمًا، فَخَرَجَ نَحْوَ الصَّلَاةِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ صَوْمُ نَفْسِهِ، فَخَرَجَ الْمُفْطِرُ إذَا جَامَعَ زَوْجَتَهُ الصَّائِمَةَ، الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْإِفْسَادُ بِالْوَطْءِ، فَخَرَجَ الْإِفْسَادُ بِغَيْرِهِ. السَّادِسُ: أَنْ يَنْفَرِدَ الْوَطْءُ، فَخَرَجَ مَا إذَا أَفْسَدَهُ بِالْوَطْءِ وَغَيْرِهِ مَعًا. السَّابِعُ: أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ كُلَّ الْيَوْمِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنْ يُفْسِدَ يَوْمًا كَامِلًا، فَيَخْرُجُ مَا إذَا جُنَّ أَوْ مَاتَ بَعْدَ الْجِمَاعِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ. الثَّامِنُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَدَاءِ رَمَضَانَ يَقِينًا، فَخَرَجَ النَّذْرُ وَالْقَضَاءُ وَمَنْ وَطِئَ فِي رَمَضَانَ إذَا صَامَهُ بِالِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مِنْهُ أَوْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ حَيْثُ جَازَ فَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ. التَّاسِعُ: أَنْ يَأْثَمَ بِهِ، فَخَرَجَ الصَّبِيُّ. الْعَاشِرُ: أَنْ يَكُونَ إثْمُهُ بِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ، فَخَرَجَ الصَّائِمُ الْمُسَافِرُ الْوَاطِئُ زِنًا أَوْ لَمْ يَنْوِ تَرَخُّصًا بِالْإِفْطَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِهِ لِلصَّوْمِ بَلْ لِلزِّنَا أَوْ لِعَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ. الْحَادِيَ عَشَرَ: عَدَمُ الشُّبْهَةِ، فَخَرَجَ مَنْ ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ أَوْ شَكَّ فِيهِ أَوْ فِي دُخُولِهِ فَبَانَ نَهَارًا فَلَا كَفَّارَةَ، وَكَذَا مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَوَطِئَ عَامِدًا فَيُفْطِرُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ كَالْحَدِّ تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ. وَقَوْلُهُ: " وَمَنْ وَطِئَ " وَإِنْ انْفَرَدَ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِحِسَابِهِ أَوْ بِخَبَرِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ فَاسِقًا وَاعْتَقَدَ صِدْقَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ كَالرَّائِي. وَقَدْ نَظَّمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ عِنْدَهُمْ عَلَى ... مُفْسِدِ صَوْمِهِ لِيَوْمٍ كَمُلَا مِنْ رَمَضَانَ فِي الْأَدَاءِ إنْ أَثِمْ ... لِلصَّوْمِ بِالْوَطْءِ وَشُبْهَةِ عَدَمْ قَوْلُهُ: (عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ) أَيْ وَبِكَوْنِهِ صَائِمًا وَبِكَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ. قَوْلُهُ: (فِي الْفَرْجِ وَلَوْ دُبُرًا) لِأَنَّ الدُّبُرَ مِثْلُ الْقُبُلِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ، إلَّا فِي صُوَرٍ مَنْظُومَةٍ فِي قَوْلِهِ: وَالدُّبْرُ مِثْلُ الْقُبْلِ فِي الْإِتْيَانِ ... لَا الْحِلِّ وَالتَّحْلِيلِ وَالْإِحْصَانِ وَفَيْئَةِ الْإِيَّلَا وَنَفْيِ الْعُنَّةِ ... وَالْإِذْنِ نُطْقًا وَافْتِرَاشِ الْقُنَّةِ وَمُدَّةِ الزِّفَافِ وَاخْتِيَارِ ... رَدٍّ بِعَيْبٍ بَعْدَ وَطْءِ الشَّارِي تَصْدُقُ فِي الْحَيْضِ نَفْيُ الرَّجْمِ ... إذَا زَنَى الْمَفْعُولُ فَاحْفَظْ نَظْمِي وَلَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ فِي وَطْءِ أَمَتِهِ وَفِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي اللِّعَانِ وَلَا يَجِبُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الرَّاجِحِ،. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ دُبُرًا) وَلَوْ دُبُرَ نَفْسِهِ فَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا، وَكَذَا بَاقِي الْأَحْكَامِ مِنْ إيجَابِ غُسْلٍ وَفَسَادِ حَجٍّ وَحَدٍّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ أج. وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَشْتَهِي دُبُرَ نَفْسِهِ، وَالْحَدُّ مَنُوطٌ بِكَوْنِ الْفَرْجِ مُشْتَهًى طَبْعًا. وَقَوْلُهُ وَحَدُّ ضَعِيفٍ اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ آدَمِيٍّ) حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ أَوْ فَرْجٍ مَبَانٍ حَيْثُ بَقِيَ اسْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ ق ل. وَاَلَّذِي فِي ع ش أَنَّ الْوَطْءَ فِيهِ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَقَرَّرَهُ ح ف. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْغُرُوبِ) غَايَةٌ لِلتَّعْمِيمِ، وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ عَالِمًا بِطُلُوعِهِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَجْمُوعِ عَدَمُ انْعِقَادِ صَوْمِهِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَفِي شَرْحِ م ر: وَلَا يَرِدُ عَلَى الضَّابِطِ مَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ مُجَامِعًا فَاسْتَدَامَ حَيْثُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ مَعَ انْتِفَاءِ إفْسَادِ الصَّوْمِ، إذْ الْإِفْسَادُ فَرْعُ الِانْعِقَادِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا يُفْسِدُ فَكَأَنَّهُ انْعَقَدَ ثُمَّ فَسَدَ اهـ. قَوْلُهُ: (آثِمٌ) بِالْمَدِّ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 بِالْوَطْءِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ (فَعَلَيْهِ) وَعَلَى الْمَوْطُوءَةِ الْمُكَلَّفَةِ (الْقَضَاءُ) لِإِفْسَادِ صَوْمِهِمَا بِالْجِمَاعِ (وَ) عَلَيْهِ وَحْدَهُ (الْكَفَّارَةُ) دُونَهَا لِنُقْصَانِ صَوْمِهَا بِتَعَرُّضِهِ لِلْبُطْلَانِ بِعُرُوضِ الْحَيْضِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَمْ تَكْمُلْ حُرْمَتُهُ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِهَا الْكَفَّارَةُ فَتَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الْوَاطِئِ، وَلِأَنَّهَا غُرْمٌ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ كَالْمَهْرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ وَلَا عَلَى الرَّجُلِ الْمَوْطُوءِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَاللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ حُكْمُ الْجِمَاعِ فِيمَا ذَكَرَ كَمَا شَمِلَهُ مَا ذَكَرَ فِي الْحَدِّ فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْوَطْءِ الْفِطْرُ بِغَيْرِهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِمْنَاءِ وَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْإِنْزَالِ فَلَا كَفَّارَةَ بِهِ، وَبِقَيْدِ جَمِيعِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا إدْخَالُ بَعْضِهَا فَلَا كَفَّارَةَ بِهِ لِعَدَمِ فِطْرِهِ بِهِ، وَبِقَيْدِ الْعَمْدِ النِّسْيَانُ لِأَنَّ صَوْمَهُ لَمْ يَفْسُدْ بِذَلِكَ، وَبِالِاخْتِيَارِ الْإِكْرَاهُ لِمَا ذَكَرَ، وَبِعِلْمِ التَّحْرِيمِ جَهْلُهُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشْئِهِ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ فِطْرِهِ بِهِ. نَعَمْ لَوْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَبِالْفَرْجِ الْوَطْءُ فِيمَا دُونَهُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ إذَا أَنْزَلَ، وَبِنَهَارِ رَمَضَانَ غَيْرُهُ كَصَوْمِ نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِ رَمَضَانَ، وَبِالْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ، وَبِالصَّائِمِ مَا لَوْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ وَطْءٍ ثُمَّ وَطِئَ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ وَأَصْبَحَ مُمْسِكًا وَوَطِئَ فَلَا كَفَّارَةَ حِينَئِذٍ، وَبِالْآثِمِ مَا لَوْ وَطِئَ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ وَلَوْ بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ، وَمَا لَوْ ظَنَّ وَقْتَ الْجِمَاعِ بَقَاءَ اللَّيْلِ أَوْ شَكَّ فِيهِ، أَوْ ظَنَّ بِاجْتِهَادٍ دُخُولَهُ فَبَانَ جِمَاعُهُ نَهَارًا لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ لِانْتِفَاءِ الْإِثْمِ، وَلَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِإِفْسَادِ صَوْمِهِمَا) أَيْ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: (دُونَهَا) أَيْ الْمَوْطُوءَةِ، وَكَذَا الْمَوْطُوءُ الذَّكَرُ كَمَا يَأْتِي. وَهَذَا خَارِجٌ بِضَمِيرِ صَوْمِهِ. قَوْلُهُ: (لِنُقْصَانِ صَوْمِهَا) هَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تَجْرِي فِي الرَّجُلِ الْمَوْطُوءِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْغَالِبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْعِلَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَائِضِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهِ) كَالنِّفَاسِ وَالْوِلَادَةِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِهَا) أَيْ بِالْمَرْأَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ " بِهِ " أَيْ بِصَوْمِهَا. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا) أَيْ الْكَفَّارَةَ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " لِنُقْصَانٍ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (وَاللِّوَاطُ) أَيْ وَحُكْمُ اللِّوَاطِ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَدِّ) أَيْ الضَّابِطِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْحَشَفَةِ " شَامِلٌ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَالْمُبَاشَرَةُ إلَخْ) أَيْ بِغَيْرِ وَطْءٍ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (لِعَدَمِ فِطْرِهِ بِهِ) أَيْ إذَا لَمْ يُنْزِلْ. قَوْلُهُ: (النِّسْيَانُ) هُوَ خَارِجٌ بِقَيْدِ الْآثِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِقَيْدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ: (لِمَا ذَكَرَ) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ بِالْإِكْرَاهِ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ) لَا مَحَلَّ لِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ فَكَانَ الْأَوْلَى: وَخَرَجَ بِجَهْلِ التَّحْرِيمِ جَهْلُهُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ. قَوْلُهُ: (وَبِنَهَارِ رَمَضَانَ) الْأَوْلَى وَبِصَوْمِ رَمَضَانَ، إذْ نَهَارُ رَمَضَانَ قَدْ لَا يَكُونُ صَائِمًا فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَهُ رِعَايَةً لِلْمَتْنِ. وَعِبَارَةُ م ر وحج: وَلَا بِإِفْسَادِ غَيْرِ رَمَضَانَ مِنْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَمَخْصُوصٌ بِفَضَائِلَ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. وَقَدْ احْتَرَزَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " مِنْ رَمَضَانَ ". (قَوْلُهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) أَيْ وَاجِبٌ وَيُسَنُّ. قَوْلُهُ: (وَبِالصَّائِمِ إلَخْ) لَوْ قَالَ وَبِالصَّائِمِ مَنْ لَيْسَ صَائِمًا لَكَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ ق ل، أَيْ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَنْ كَانَ مُفْطِرًا أَوَّلَ النَّهَارِ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ وَطِئَ) أَيْ وَطْئًا مُبَاحًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ) قَالَ شَيْخُنَا م د: هَذِهِ الْغَايَةُ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ اسْتِقَامَتِهَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ يَكُونُ آثِمًا بِسَبَبِ عَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ، مَعَ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ بِالْإِثْمِ فَلَا يَنْتَفِي الْإِثْمُ إلَّا إذَا نَوَى التَّرَخُّصَ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ مُنْتَفِيَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ هَذِهِ الْغَايَةِ بِأَنْ يَقُولَ: بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا لِلرَّدِّ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ حَكَاهُ فِي الْمِنْهَاجِ، وَهُوَ أَنَّ نِيَّةَ التَّرَخُّصِ لِلْمُسَافِرِ لَا بُدَّ مِنْهَا، فَإِذَا لَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَتَأَمَّلْ. وَيُجَابُ عَنْ كَلَامِهِ بِأَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ الْآثِمُ لِأَجْلِ الصَّوْمِ وَإِذَا لَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ يَكُونُ إثْمُهُ لِعَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ لَا لِلصَّوْمِ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْغَايَةُ ظَاهِرَةً وَيَكُونُ كَلَامُ الْمُحَشِّي غَيْرَ ظَاهِرٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ ظَنَّ بِاجْتِهَادٍ دُخُولَهُ) أَيْ اللَّيْلِ. وَتَقْيِيدُهُ بِالِاجْتِهَادِ لِأَجْلِ تَعْلِيلِهِ بِعَدَمِ الْإِثْمِ، وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِأَنَّ مِثْلَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ جَامَعَ عَامِدًا بَعْدَ الْأَكْلِ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِالْأَكْلِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ. وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ بِهَذَا الْجِمَاعِ كَمَا لَوْ جَامَعَ عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ، وَلَا عَلَى مُسَافِرٍ أَفْطَرَ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا لِأَنَّ الْفِطْرَ جَائِزٌ لَهُ وَإِثْمُهُ بِسَبَبِ الزِّنَا لَا بِالصَّوْمِ. تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ فِي الرَّوْضَةِ الْجِمَاعَ بِالتَّامِّ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ احْتِرَازًا مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُفْطِرُ بِدُخُولِ شَيْءٍ مِنْ الذَّكَرِ فِي فَرْجِهَا وَلَوْ دُونَ الْحَشَفَةِ، وَزَيَّفُوهُ بِخُرُوجِ ذَلِكَ بِالْجِمَاعِ إذْ الْفَسَادُ فِيهِ بِغَيْرِهِ. وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا تَتَدَاخَلُ كَفَّارَتَاهُمَا سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الثَّانِي أَمْ لَا كَحَجَّتَيْنِ جَامَعَ فِيهِمَا، فَلَوْ جَامَعَ فِي جَمِيعِ أَيَّامِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ كَفَّارَاتٌ بِعَدَدِهَا، فَإِنْ تَكَرَّرَ الْجِمَاعُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَلَا تَعَدُّدَ، وَإِنْ كَانَ بِأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ، وَحُدُوثُ السَّفَرِ وَلَوْ طَوِيلًا بَعْدَ الْجِمَاعِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّ السَّفَرَ الْمُنْشَأَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيمَا وَجَبَ مِنْ   [حاشية البجيرمي] مَا لَوْ ظَنَّ دُخُولَهُ بِلَا اجْتِهَادٍ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ ظَنُّ دُخُولِ اللَّيْلِ. وَبِهَا يَخْرُجُ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ " وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ جَامَعَ إلَخْ " بِدَلِيلِ مَا عَلَّلَ بِهِ، وَكَذَا يَخْرُجُ بِهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ " كَمَا لَوْ جَامَعَ عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ ". وَيُمْكِنُ إخْرَاجُ هَذِهِ بِقَيْدِ الْآثِمِ، ق ل مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (فَبَانَ جِمَاعُهُ نَهَارًا) أَيْ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، وَقَوْلُهُ " لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ " أَيْ فِي الصُّوَرِ الْخَمْسِ. قَوْلُهُ: (مُتَرَخِّصًا) لَيْسَ بِقَيْدٍ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ فَلَا كَفَّارَةَ فَتَعْبِيرُهُمْ بِالتَّرَخُّصِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر أج. وَإِنَّمَا قَيَّدَ الشَّارِحُ بِ " مُتَرَخِّصًا " لِأَجْلِ قَوْلِهِ " وَإِثْمُهُ بِسَبَبِ الزِّنَا " لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ فَإِثْمُهُ بِسَبَبِ الزِّنَا وَالْفِطْرِ بِلَا نِيَّةِ التَّرَخُّصِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: وَلَا عَلَى مُسَافِرٍ وَطِئَ زِنًا أَوْ لَمْ يَنْوِ تَرَخُّصًا، أَيْ أَوْ وَطِئَ وَطْئًا مُبَاحًا لَكِنْ لَمْ يَنْوِ تَرَخُّصًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِهِ لِلصَّوْمِ بَلْ لِلزِّنَا أَوْ لِلصَّوْمِ مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ؛ وَلِأَنَّ الْإِفْطَارَ مُبَاحٌ لَهُ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْكَفَّارَةِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (قَيَّدَ فِي الرَّوْضَةِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْفِطْرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " فَإِنَّهَا تُفْطِرُ إلَخْ " فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: لَا حَاجَةَ لِهَذَا، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ " بِالتَّامِّ " أَيْ لِأَنَّهُ قَالَ مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ آثِمٌ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. قَوْلُهُ: (احْتِرَازًا مِنْ الْمَرْأَةِ) أَيْ احْتِرَازًا مِنْ جِمَاعِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ تَامٍّ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تُفْطِرُ بِدُخُولِ شَيْءٍ مِنْ الذَّكَرِ فَلَمْ يَأْتِ الْجِمَاعُ التَّامُّ إلَّا وَقَدْ أَفْطَرَتْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " احْتِرَازًا مِنْ الْمَرْأَةِ " الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُفْطِرُ بِدُخُولِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي هَذِهِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ لِهَذَا الْقَيْدِ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ هُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ كَالرَّجُلِ، فَيُقَيِّدُ الْجِمَاعَ بِالتَّامِّ لِإِخْرَاجِ مَا ذَكَرَ، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا أَصْلًا. قَوْلُهُ: (وَزَيَّفُوهُ) أَيْ هَذَا التَّقْيِيدَ، أَيْ ضَعَّفُوا التَّقْيِيدَ بِأَنْ أَبْطَلُوهُ وَأَظْهَرُوا فَسَادَهُ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَ، أَيْ مِنْ قَوْلِهِ " إذْ الْفَسَادُ إلَخْ " أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِطْرُ الْمَرْأَةِ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهَا تُفْطِرُ بِدُخُولِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ وَهُوَ لَا يُسَمَّى جِمَاعًا. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ: وَزَيَّفُوهُ بِخُرُوجِ هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْجِمَاعِ، إذْ الْفَسَادُ فِيهَا بِغَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فَسَادُ صَوْمِهَا بِالْجِمَاعِ بِأَنْ يُولِجَ فِيهَا نَائِمَةً أَوْ نَاسِيَةً أَوْ مُكْرَهَةً ثُمَّ تَسْتَيْقِظَ أَوْ تَتَذَكَّرَ وَتَقْدِرَ عَلَى الدَّفْعِ وَتَسْتَدِيمَ، فَفَسَادُهُ فِيهَا بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْجِمَاعِ جِمَاعٌ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا فِي الْخَبَرِ إلَّا الرَّجُلُ الْمُوَاقِعُ. وَقَوْلُهُ " بِالْجِمَاعِ " أَيْ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يَصْدُقُ إلَّا بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فَأَكْثَرَ. قَوْلُهُ: (بِخُرُوجِ ذَلِكَ) أَيْ فِطْرِ الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (إذْ الْفَسَادُ فِيهِ) أَيْ فِي صَوْمِ الْمَرْأَةِ؛ وَقَوْلُهُ " بِغَيْرِهِ " أَيْ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ. قَوْلُهُ: (فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ) وَيَأْثَمُ بِكُلِّ مَرَّةٍ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: (وَحُدُوثُ السَّفَرِ إلَخْ) نَعَمْ إنْ سَافَرَ لِبَلَدٍ مَطْلَعُهُمْ مُخَالِفٌ فَرَآهُمْ مُفْطِرِينَ لَزِمَهُ الْفِطْرُ مَعَهُمْ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، وَهَذَا خَارِجٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ فِي الضَّابِطِ السَّابِقِ ق ل. وَحَيْثُ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ عَادَ لِمَحَلِّهِ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ، هَكَذَا نُقِلَ عَنْ تَقْرِيرِ ز ي وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ) وَإِنَّمَا يُسْقِطُهَا أَحَدُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: طُرُوُّ الْمَوْتِ أَثْنَاءَ النَّهَارِ، وَطُرُوُّ الْجُنُونِ وَإِنْ تَعَدَّى بِسَبَبِهِ كَأَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا حُدُوثُ الْمَرَضِ لَا يُسْقِطُهَا لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ فَيَتَحَقَّقُ هَتْكُ حُرْمَتِهِ. (وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ مُرَتَّبَةٌ فَيَجِبُ أَوَّلًا (عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الظِّهَارِ. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) هَا (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) صَوْمَهُمَا (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَوْ فَقِيرًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ هَلَكْتُ قَالَ: وَمَا أَهْلَكَك؟   [حاشية البجيرمي] فَجُنَّ بِسَبَبِهِ، وَانْتِقَالُهُ إلَى بَلَدٍ رَآهُمْ فِيهِ مُعِيدِينَ مَطْلَعُهُمْ مُخَالِفٌ لِمَطْلَعِ بَلَدِهِ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ الْكَفَّارَةُ ع ش. وَقَالَ س ل: لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ إذَا تَعَدَّى بِالْجُنُونِ، وَكَذَا لَوْ جَامَعَ فِي بَلَدِهِ يَوْمًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُهُ كَيَوْمِ عِيدٍ وَانْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ يُخَالِفُ بَلَدَهُ فِي الْمَطْلَعِ فَرَآهُمْ صِيَامًا فَلَا كَفَّارَةَ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَكَذَا حُدُوثُ الْمَرَضِ) وَمِثْلُهُ الْإِغْمَاءُ وَالرِّدَّةُ وَإِنْ مَاتَ عَقِبَهُمَا. قَوْلُهُ: (عِتْقُ رَقَبَةٍ) مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ. وَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ كَالْغُلِّ فِي الرَّقَبَةِ وَالْعِتْقُ يُزِيلُهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِهَذَا الْعُضْوِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْغُلِّ. قَوْلُهُ: (مَرْتَبَةٌ) وَالْحِكْمَةُ فِي تَرْتِيبِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ أَنَّ مَنْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ بِالْمَعْصِيَةِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَيَفْدِي نَفْسَهُ. وَقَدْ صَحَّ: " مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ " وَأَمَّا الصِّيَامُ فَإِنَّهُ كَالْمُقَاصَّةِ بِجِنْسِ الْجِنَايَةِ؛ وَكَوْنُهُ شَهْرَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِمُصَابَرَةِ النَّفْسِ فِي حِفْظِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى الْوَلَاءِ، فَلَمَّا أَفْسَدَ مِنْهُ يَوْمًا كَانَ كَمَنْ أَفْسَدَ الشَّهْرَ كُلَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَعِبَادَةٍ وَاحِدَةٍ بِالنَّوْعِ وَكُلِّفَ شَهْرَيْنِ مُضَاعَفَةً عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ لِنَقِيضِ قَصْدِهِ. وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ مُقَابِلَ كُلِّ يَوْمٍ إطْعَامُ مِسْكِينَيْنِ مُدَّيْنِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ. اهـ. قَسْطَلَّانِيٌّ عَلَى الْبُخَارِيِّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا) أَيْ حِسًّا بِأَنْ لَمْ يَجِدْهَا أَصْلًا، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ لَمْ يَجِدْ ثَمَنَهَا أَوْ وَجَدَهَا تُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا. قَوْلُهُ: (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) فَإِنْ تَكَلَّفَ الْعِتْقَ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ صَوْمِهِمَا أَنَّ لَهُ مَالًا وَرِثَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ لَمْ يَعْتَدَّ بِصَوْمِهِ أَيْ عَنْ الْكَفَّارَةِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَقَعُ لَهُ نَفْلًا فِيمَا يَظْهَرُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَسُئِلَ الزِّيَادِيُّ عَنْ حِكْمَةِ صَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَوِقَاعِ رَمَضَانَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ، وَعَنْ حِكْمَةِ عَدَمِ صَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إذَا عَجَزَ عَنْ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَمَّا كَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْوِقَاعُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا غَلَّظَ عَلَيْهِ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ أَكْثَرَ وُقُوعًا مِنْ الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ خَفَّفَ فِيهِ مَا لَمْ يُخَفِّفْ فِي غَيْرِهِ اهـ قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) . فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَنْ دَفْعِ الْكَفَّارَةِ لِلْجِنِّ: هَلْ يُجْزِئُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ إجْزَاءِ دَفْعِهَا لَهُمْ، بَلْ قَدْ يُقَالُ أَيْضًا مِثْلُ الْكَفَّارَةِ النَّذْرُ وَالزَّكَاةُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي الزَّكَاةِ صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ فُقَرَاءُ بَنِي آدَمَ وَإِنْ احْتَمَلَ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ الصَّادِقِي بِالْجِنِّ. وَقَدْ يُؤَيِّدُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ أَنَّهُ جُعِلَ لِمُؤْمِنِهِمْ طَعَامٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْعَظْمُ وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ شَيْءٌ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْآدَمِيُّونَ؛ عَلَى أَنَّا لَا نُمَيِّزُ بَيْنَ فُقَرَائِهِمْ وَأَغْنِيَائِهِمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا نَظَرَ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ لِلْخَوَاصِّ النَّادِرَةِ لِأَنَّا لَا نُعَوِّلُ عَلَى الْأُمُورِ النَّادِرَةِ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: قُلْت لِأَبِي هُرَيْرَةَ: لِمَ كُنِّيت بِأَبِي هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كُنْت أَرْعَى غَنَمَ أَهْلِي، وَكَانَتْ لِي هِرَّةٌ صَغِيرَةٌ فَكُنْت أَجْعَلُهَا بِاللَّيْلِ فِي شَجَرَةٍ وَإِذَا كَانَ بِالنَّهَارِ ذَهَبْت بِهَا مَعِي، فَكُنِّيت بِهَا فَكَنَّوْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «كُنْت أَحْمِلُ يَوْمًا هِرَّةً فِي كُمِّي، فَرَآنِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 قَالَ: وَاقَعْت امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ لَا؟ قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ لَا. ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَيْ جَبَلَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا. فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» وَالْعَرَقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ مِكْتَلٌ يُنْسَجُ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ،   [حاشية البجيرمي] النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قُلْت: هِرَّةٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» وَكَانَ يُكَنَّى قَبْلَهَا أَبَا الْأَسْوَدِ " وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ اسْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدَ شَمْسٍ فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ الرَّحْمَنِ» ذَكَرَهُ الشَّبْرَخِيتِيُّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. قَوْلُهُ: (رَجُلٌ) اسْمُهُ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ، وَقِيلَ: سَلْمَانُ. وَإِبْهَامُهُ لَا يَضُرُّ فِي الْحَدِيثِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ، رَحْمَانِيٌّ. وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي اسْمِ الْأَعْرَابِيِّ، قِيلَ: هُوَ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ، وَفِي التَّمْهِيدِ أَنَّ الْمُجَامِعَ فِي رَمَضَانَ سَلْمَانُ بْنُ صَخْرٍ، وَأَظُنُّهُ وَهْمًا مِنْ الرُّوَاةِ؛ أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْمُظَاهِرُ وَأَمَّا الْمُجَامِعُ فَأَعْرَابِيٌّ، فَهُمَا وَاقِعَتَانِ، فَإِنَّ قِصَّةَ الْمُجَامِعِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ كَانَ صَائِمًا، وَفِي قِصَّةِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَيْلًا، فَافْتَرَقَا، وَاجْتِمَاعُهُمَا كَوْنُهُمَا مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ هَلَكْت) يُفِيدُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْحُرْمَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَجَوَابُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ لَهُ لِأَنَّ الْجَاهِلَ لَا يُفْطِرُ وَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ تَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (مَا تُعْتِقُ) بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ أَعْتَقَ. قَوْلُهُ: (رَقَبَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ " مَا " الْمَوْصُوفَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الرَّقَبَةِ، وَهِيَ مَفْعُولُ " تَجِدُ " كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ، وَمَفْعُولُ " تُعْتِقُ " مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: تُعْتِقُهَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهَا مَفْعُولَ تُعْتِقُ وَعَائِدُ " مَا " مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: هَلْ تَجِدُ شَيْئًا أَوْ مَالًا تُعْتِقُ بِهِ؟ وَهَذَا أَرْجَحُ لِيُوَافِقَ قَوْلَهُ بَعْدَهُ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» فَإِنَّ " سِتِّينَ " مَفْعُولُ " تُطْعِمُ " قَطْعًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ " مَا ". اهـ. سُيُوطِيٌّ. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ " مَا تُعْتِقُ " مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ وَتَجِدُ بِمَعْنَى تَسْتَطِيعُ، أَيْ هَلْ تَسْتَطِيعُ إعْتَاقَ إلَخْ. وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ» لِأَنَّ جَعْلَهَا مَوْصُولًا اسْمِيًّا يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ الْعَائِدِ الْمَجْرُورِ بِدُونِ شَرْطِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ؛ لِأَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَا تَحِلُّ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالْفَرْضِ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ تَصَدَّقْ) أَيْ كَفِّرْ بِهِ. قَوْلُهُ: (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) " مَا " نَافِيَةٌ حِجَازِيَّةٌ، وَ " أَهْلُ " بِالرَّفْعِ اسْمُهَا، وَ " أَحْوَجَ " بِالنَّصْبِ خَبَرُهَا، " وَبَيْنَ " ظَرْفٌ لِ " أَحْوَجَ " اهـ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَسَبْقُ حَرْفِ جَرٍّ أَوْ ظَرْفٍ كَمَا ... بِي أَنْتَ مَعْنِيًّا أَجَازَ الْعُلَمَا وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ " مَا " نَافِيَةً مُهْمَلَةً، " وَبَيْنَ " خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، " وَأَهْلُ " بَيْتٍ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَ " أَحْوَجُ " بِالرَّفْعِ صِفَةُ " أَهْلٍ " أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِيَّةِ، " وَلَابَتَيْهَا " تَثْنِيَةُ لَابَةٍ، وَضَمِيرُهَا لِلْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ مِنْ جَانِبَيْهَا الْمَحْدُودُ بِهِمَا حَرَمُهَا الشَّرِيفُ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ " لَابَتَيْهَا " جَبَلَاهَا رَدَّهُ ق ل. وَالْحَرَّةُ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ. قَوْلُهُ: (أَحْوَجَ) فِيهِ بِنَاءُ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ مِنْ فِعْلٍ غَيْرِ ثُلَاثِيٍّ وَهُوَ احْتَاجَ. قَوْلُهُ: (فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ تَعَجُّبًا مِنْ حَالِ السَّائِلِ فِي كَوْنِهِ جَاءَ هَالِكًا مُتَلَهِّفًا ثُمَّ انْتَقَلَ لِطَلَبِ الطَّعَامِ لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، أَوْ تَعَجُّبًا مِنْ رَحْمَتِهِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِطْعَامِهِ الطَّعَامَ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ. فَالتَّعَجُّبُ إمَّا مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ حَالِ السَّائِلِ، كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. وَالضَّحِكُ غَيْرُ التَّبَسُّمِ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ضَحِكُهُ التَّبَسُّمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ مِنْ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمَ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} [النمل: 19] فَحَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ وَهْمٌ. وَعِبَارَةُ ح ل فِي السِّيرَةِ: جُلُّ أَيْ مُعْظَمُ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ. وَكَوْنُ مُعْظَمِ ضَحِكِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 وَكَانَ فِيهِ قَدْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَقِيلَ عِشْرُونَ. وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ نُدِبَ عِتْقُهَا، وَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِطْعَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ نُدِبَ لَهُ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ اسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ بِأَنْ يُكَفِّرَ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مَعَ إخْبَارِهِ بِعَجْزِهِ» ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا الْعَبْدُ وَقْتَ وُجُوبِهَا فَإِنْ كَانَتْ لَا بِسَبَبٍ مِنْهُ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْتَقِرَّ، وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ أَمْ لَا، كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ وَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ اسْتَقَرَّتْ لَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَوَاقِعَ بِإِخْرَاجِهَا بَعْدُ. أُجِيبُ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَهُوَ وَقْتُ الْقُدْرَةِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ مِنْهَا فَعَلَهَا كَمَا لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَكْثَرَ رَتَّبَ وَلَهُ الْعُدُولُ عَنْ الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ وَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَلَامٍ سَاكِنَةٍ: شِدَّةُ الْحَاجَةِ لِلنِّكَاحِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إلَى عِيَالِهِ كَالزَّكَوَاتِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» فَفِي الْأُمِّ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً وَفِي ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ أُخَرُ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. (وَمَنْ مَاتَ) مُسْلِمًا كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الْقُوتِ   [حاشية البجيرمي] ذَلِكَ ضَحِكُهُ لَا يُنَافِي أَنَّهُ ضَحِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جَرَى أَيْ غَلَبَ بِهِ الضَّحِكُ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَائِمَ الْبِشْرِ ضَحُوكَ السِّنِّ، أَيْ أَكْثَرُ أَحْوَالِهِ ذَلِكَ حَسْبَمَا رَآهُ هَذَا الْمُخْبِرُ؛ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ الْفِكْرَةِ لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، فَإِنَّهُ بِحَسَبِ مَا كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُخْبِرِ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ: قَدْ صَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْحُزْنِ فِي الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا وَنَهَاهُ عَنْ الْحُزْنِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَمِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِ الْحُزْنُ؟ بَلْ كَانَ دَائِمَ الْبِشْرِ ضَحُوكَ السِّنِّ كَذَا قَالَ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ تَيْمِيَّةَ لَيْسَ الْمُرَادُ الْحُزْنَ الَّذِي هُوَ الْأَلَمُ عَلَى فَوَاتِ مَطْلُوبٍ أَوْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الِاهْتِمَامُ وَالتَّيَقُّظُ لِمَا يَسْتَقْبِلُهُ مِنْ الْأُمُورِ وَهَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالْعَيْنِ اهـ. وَفِي الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ: تَنْبِيهٌ: كَانَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَضْحَكُ إلَّا تَبَسُّمًا، قَالَ فِي الْكَشَّافِ: وَكَذَلِكَ ضَحِكُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَوْلُهُ: (حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ) عِبَارَةُ حَجّ فِي شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ: حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، بِالْجِيمِ وَالذَّالِ: الْأَضْرَاسُ، وَهِيَ لَا تَكَادُ تَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي الضَّحِكِ. وَهَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ، وَالْغَالِبُ تَبَسُّمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قَالَ الْبُوصِيرِيُّ: سَيِّدٌ ضَحِكُهُ التَّبَسُّمُ وَالْمَشْيُ ... الْهُوَيْنَا وَنَوْمُهُ الْإِغْفَاءُ وَعِبَارَةُ مُرَاقِيٍّ الْفَلَّاحِ لِبَعْضِ السَّادَةِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْقَهْقَهَةَ هِيَ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لِجِيرَانِهِ، وَالضَّحِكُ هُوَ مَا سَمِعَهُ هُوَ دُونَ جِيرَانِهِ، وَالتَّبَسُّمُ مَا لَا صَوْتَ فِيهِ وَلَوْ بَدَتْ بِهِ الْأَسْنَانُ قَوْلُهُ: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) أَيْ وَاسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ فِيهِ قَدْرُ إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ قَدْرُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً. قَوْلُهُ: (نُدِبَ عِتْقُهَا) وَيَنْقَلِبُ صَوْمُهُ نَفْلًا وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ بِلَا مَانِعٍ؟ قُلْت: كُلُّ خَصْلَةٍ هُنَا أَصْلٌ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْكُلِّ رَتَّبَ. قَوْلُهُ: (اسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ مُرَتَّبَةً عَلَى الرَّاجِحِ. قَوْلُهُ: (فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ) أَيْ لَوْ لَمْ يُكَفِّرْ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَوْلُهُ " فِي الذِّمَّةِ " أَيْ عِنْدَ الْعَجْزِ. قَوْلُهُ: (الْمَالِيَّةَ) أَمَّا الْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ دَفَعَهُ لَهُ لِيُكَفِّرَ بِهِ، نَعَمْ يُنَاسِبُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً لَا لِيُكَفِّرَ بِهِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ) أَيْ بَعْدَ قُدْرَتِهِ. قَوْلُهُ: (بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ) أَيْ مَضْمُومَةٍ. قَوْلُهُ: (صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً) أَيْ صَدَقَةً عَلَى عِيَالِهِ، أَيْ وَاسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: (أَجْوِبَةٌ) أَوْلَاهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَّرَ عَنْهُ بِالْعَرَقِ وَدَفَعَهُ لَهُ لِيُطْعِمَهُ لِأَهْلِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَقَدْ عَلِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ كَانُوا سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَكَانَ ذَلِكَ إعْلَامًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ وَعِيَالُهُ مِنْ كَفَّارَتِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ مَالِهِ بِأَنْ كَفَّرَ غَيْرُهُ عَنْهُ وَلَوْ بِإِذْنِهِ ق ل. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ شُرِعَتْ الْكَفَّارَةُ فِي الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وَعَلَيْهِ صِيَامٌ) مِنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٌ أَوْ كَفَّارَةٌ قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ بِأَنْ اسْتَمَرَّ مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ الْمُبَاحُ إلَى مَوْتِهِ فَلَا تَدَارُكَ لِلْفَائِتِ بِالْفِدْيَةِ وَلَا بِالْقَضَاءِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَلَا إثْمَ بِهِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ إلَى الْمَوْتِ فَسَقَطَ حُكْمُهُ كَالْحَجِّ هَذَا إذَا كَانَ الْفَوَاتُ بِعُذْرٍ كَمَرَضٍ، وَسَوَاءٌ اسْتَمَرَّ إلَى الْمَوْتِ أَمْ حَصَلَ الْمَوْتُ فِي رَمَضَانَ وَلَوْ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ، أَمَّا غَيْرُ الْمَعْذُورِ وَهُوَ الْمُتَعَدِّي بِالْفِطْرِ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ وَيَتَدَارَكُ عَنْهُ بِالْفِدْيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ النَّذْرِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَقْضِ (أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) مِنْ تَرِكَتِهِ (لِكُلِّ يَوْمٍ) فَاتَهُ صَوْمُهُ (مُدَّ طَعَامٍ) وَهُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالرِّطْلِ الْبَغْدَادِيِّ كَمَا مَرَّ وَبِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ نِصْفُ قَدَحٍ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ لِخَبَرِ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ مَكَانَ كُلِّ   [حاشية البجيرمي] فَالْجَوَابُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِكَوْنِ الْمُجَامِعِ خَالَفَ أَمَرَ رَبِّهِ وَقَدَّمَ شَهْوَتَهُ عَلَى رِضَا رَبِّهِ عَلَيْهِ وَتَعَرَّضَ بِذَلِكَ لِنُزُولِ الْبَلَاءِ عَلَيْهِ فَكَانَتْ الْكَفَّارَةُ مَانِعَةً مِنْ وُصُولِ الْعُقُوبَةِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْجِنَايَاتِ عَلَى الدِّينِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّائِمَ قَدْ تَخَلَّقَ بِاسْمِ صِفَةِ الْحَقِّ تَعَالَى مِنْ عَدَمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ النِّكَاحُ الَّذِي تَنَزَّهَ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا عَنْهُ، اهـ ذَكَرَهُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ مَاتَ) أَيْ بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٍّ أَوْ رَقِيقٍ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْمَتْنِ " مِنْ تَرِكَتِهِ " لَا يُنَاسِبُ إلَّا الْحُرَّ. وَالتَّعْمِيمُ يُسْتَفَادُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِ " عَلَى " فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " وَعَلَيْهِ صِيَامٌ ". قَوْلُهُ: (مُسْلِمًا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْقَدِيمَ وَالْجَدِيدَ الْآتِيَيْنِ يَجْرِيَانِ فِيهِ. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَيَجْرِي فِيهِ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَإِذَا نَظَرَ لِلْمَتْنِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا يَحْتَاجُ لِهَذَا الْقَيْدِ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا يُطْعَمُ عَنْهُ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فِي الْقُوتِ) هُوَ شَرْحٌ عَلَى الْمِنْهَاجِ لِلْأَذْرَعِيِّ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ اسْتَمَرَّ مَرَضُهُ) أَيْ الْمَرْجُوُّ بُرْؤُهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا إذْ ذَاكَ فِي مَرِيضٍ غَيْرِ مَرْجُوٍّ بُرْؤُهُ فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالْفِدْيَةِ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا الْمَرِيضُ الْمَذْكُورُ هُنَا فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالصَّوْمِ ابْتِدَاءً؛ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الْفِطْرُ لِعَجْزِهِ فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَلَا تَدَارُكَ عَنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَفُوتَ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ لَا؛ وَالتَّدَارُكُ فِي ثَلَاثَةٍ إذَا فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ مُطْلَقًا، وَكَذَا بِعُذْرٍ وَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَقْضِ؛ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ يَحْتَمِلُهَا كَلَامُ الْمَتْنِ. وَالرَّابِعَةُ: إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَضَائِهِ فَلَا تَدَارُكَ عَنْهُ، وَالشَّارِحُ جَعَلَ كَلَامَ الْمَتْنِ مَفْرُوضًا فِيمَا إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ وَتَمَكَّنَ وَجَعَلَ حُكْمَ مَا إذَا فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ مُسْتَفَادًا مِنْ خَارِجٍ، فَفِيهِ مُسَامَحَةٌ. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ اسْتَمَرَّ) أَيْ الْمَرَضُ أَوْ السَّفَرُ. قَوْلُهُ: (أَمْ حَصَلَ الْمَوْتُ) بِأَنْ شُفِيَ فِي أَثْنَاءِ رَمَضَانَ فَصَامَ الْبَاقِيَ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ عَقِبَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ) الْمَطْوِيِّ تَحْتَ الْغَايَةِ مَا لَوْ حَصَلَ الْمَوْتُ قَبْلَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَصَرِيحُ الْغَايَةِ مَا إذَا حَصَلَ زَوَالُ الْعُذْرِ ثُمَّ حَصَلَ الْمَوْتُ بَعْدَهُ فِي رَمَضَانَ، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ لِهَذِهِ الْغَايَةِ لِأَنَّ مَا أَفَادَتْهُ هُوَ عَيْنُ الصُّورَتَيْنِ قَبْلَهَا فِي التَّعْمِيمِ. قَوْلُهُ: (وَيَتَدَارَكُ عَنْهُ) سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الْقَضَاءُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (بِالْفِدْيَةِ) أَيْ أَوْ بِالصَّوْمِ كَمَا يَأْتِي ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقَضَاءِ إلَخْ) هَذَا تَقْيِيدٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ، وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ " قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ " قَالَ ق ل: لَوْ قَالَ وَمَنْ وَجَبَ التَّدَارُكُ عَنْهُ أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ إلَخْ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا اهـ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لَا يَشْمَلُ غَيْرَ الْمَعْذُورِ، أَيْ مَنْ فَاتَهُ بِلَا عُذْرٍ وَمَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (أَطْعَمَ إلَخْ) فِي نُسْخَةٍ أُطْعِمَ عَنْهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، فَيَشْمَلُ غَيْرَ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قَضَاءِ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَقَوْلُهُ " وَلِيُّهُ لَيْسَ قَيْدًا " بَلْ مِثْلُهُ الْأَجْنَبِيُّ. قَوْلُهُ: (مِنْ تِرْكَتِهِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلِيَّ إطْعَامٌ وَلَا صَوْمٌ، بَلْ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي م ر. وَعِبَارَةُ ق ل: صَرِيحُ هَذَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرِّ، وَهُوَ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا مَرَّ أَيْ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يُنْدَبُ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ؛ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِالتَّرِكَةِ لِأَجْلِ لُزُومِ الْإِطْعَامِ. قَوْلُهُ: (فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ إلَخْ) فِيهِ إقَامَةُ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ مَعَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ بِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ. قَوْلُهُ: (وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 يَوْمٍ مِسْكِينًا» وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَلِيُّهُ فِي الْجَدِيدِ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ. وَفِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ بَلْ يُنْدَبُ لَهُ، وَيَجُوزُ لَهُ الْإِطْعَامُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّدَارُكِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالْقَدِيمُ هُنَا هُوَ الْأَظْهَرُ الْمُفْتَى بِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حُجَّةٌ مِنْ السُّنَّةِ، وَالْخَبَرُ الْوَارِدُ بِالْإِطْعَامِ ضَعِيفٌ، وَمَعَ ضَعْفِهِ فَالْإِطْعَامُ لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالصَّوْمِ، وَعَلَى الْقَدِيمِ الْوَلِيُّ الَّذِي يَصُومُ عَنْهُ كُلُّ قَرِيبٍ لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا وَلَا وَارِثًا وَلَا وَلِيَّ مَالٍ عَلَى الْمُخْتَارِ لِمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِامْرَأَةٍ قَالَتْ لَهُ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي عَنْ أُمِّك» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا يُبْطِلُ احْتِمَالَ وِلَايَةِ الْمَالِ وَالْعُصُوبَةِ وَقَدْ قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْوَرَثَةُ عَلَى أَنْ يَصُومَ وَاحِدٌ جَازَ، فَإِنْ تَنَازَعُوا فَفِي فَوَائِدِ الْمُهَذَّبِ لِلْفَارِقِيِّ أَنَّهُ يُقَسَّمُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ. وَعَلَى الْقَدِيمِ لَوْ صَامَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِهِ بِأَنْ أَوْصَى بِهِ أَوْ بِإِذْنِ قَرِيبِهِ صَحَّ قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ لَوْ صَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ بِالْإِذْنِ يَوْمًا وَاحِدًا أَجْزَأَهُ. قَالَ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي اعْتَقَدَهُ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُسْلِمِ فِيمَا مَرَّ مَا لَوْ ارْتَدَّ وَمَاتَ لَمْ يَصُمْ عَنْهُ، وَيَتَعَيَّنُ الْإِطْعَامُ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي الْقُوتِ. وَلَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ لَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ عَنْهُ وَلَا   [حاشية البجيرمي] الْقَدِيمِ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ) مُعْتَمَدٌ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُعَوَّلُ عَلَى الْقَدِيمِ فِيهَا. قَوْلُهُ: (فَلَا بُدَّ مِنْ التَّدَارُكِ) أَيْ إذَا خَلَفَ تَرِكَةً، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حُجَّةٌ) أَيْ فِي تَعْيِينِ الْإِطْعَامِ، أَيْ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ، فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (بِالْإِطْعَامِ) أَيْ بِتَعَيُّنِهِ. قَوْلُهُ: (كُلُّ قَرِيبٍ) أَيْ بَالِغٍ وَلَوْ رَقِيقًا. قَوْلُهُ: (وَلَا وَلِيَّ مَالٍ) كَالْأَبِ وَالْجَدِّ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا يُبْطِلُ احْتِمَالَ) لِأَنَّ الْبِنْتَ لَيْسَتْ عَاصِبَةً وَلَا وَلِيَّةَ مَالٍ لَكِنَّهَا وَارِثَةٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ حَدِيثٌ آخَرُ، فَفِي شَرْحِ م ر: وَمِمَّا يُبْطِلُ اشْتِرَاطَ الْإِرْثِ خَبَرُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد: «أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتْ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ، فَجَاءَتْ قَرِيبَةٌ لَهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا: صُومِي عَنْهَا» فَعَدَمُ اسْتِفْصَالِهِ عَنْ إرْثِهَا وَعَدَمِهِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ اهـ م ر ع ش. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَنَازَعُوا) بِأَنْ قَالَ كُلٌّ: لَا أَصُومُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ: أَنَا أَصُومُ، صَامَ الْجَمِيعُ وَلَا يَقْسِمُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ. وَقَوْلُهُ " بِأَنْ قَالَ كُلٌّ: لَا أَصُومُ " فِي كَوْنِ هَذَا تَنَازُعًا مُسَامَحَةٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ تَنَازُعٌ فِي عَدَمِ الصَّوْمِ، فَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: نُطْعِمُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَصُومُ؛ قُدِّمَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ وَالْجَدِيدُ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ) أَيْ حِصَصِهِمْ مِنْ الْإِرْثِ وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ، فَإِذَا مَاتَ وَخَلَفَ ابْنًا وَبِنْتًا وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ صَامَ الِابْنُ عِشْرِينَ وَالْبِنْتُ عَشَرَةً، وَإِذَا خَلَفَ عَشَرَةَ أَوْلَادٍ وَعَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ صَامَ كُلُّ وَلَدٍ يَوْمًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَخُصُّهُ عُشْرُةُ. قَوْلُهُ: (قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ) أَيْ النَّفْلِ، أَمَّا الْحَجُّ الْفَرْضُ فَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى إذْنٍ كَوَفَاءِ الدَّيْنِ م د. قَالَ سم. وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ أَنَّ الْحَجَّ أَوْسَعُ بَابًا مِنْ الصَّوْمِ، وَلِهَذَا صَحَّ مَعَ الْمَعْضُوبِ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ عِبَادَةً بَدَنِيَّةً، وَقَالَ الْمَرْحُومِيُّ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَجَّ أَشْبَهَ الدُّيُونَ فَأُعْطِيَ حُكْمَهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ) وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، أَيْ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ مَذْهَبٌ لَهُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (بِالْإِذْنِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إلَّا فِي الْأَجْنَبِيِّ. قَوْلُهُ: (وَيَتَعَيَّنُ الْإِطْعَامُ) أَيْ فِي الصَّوْمِ الَّذِي فَاتَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَإِلَّا فَمَالُهُ فَيْءٌ، فَلَا صَوْمَ عَنْهُ وَلَا إطْعَامَ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ إلَخْ) عِبَارَةُ التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَائِتَةٌ وَأَوْصَى بِالْكَفَّارَةِ يُعْطَى لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَالْفِطْرَةِ، وَكَذَا حُكْمُ الْوِتْرِ وَالصَّوْمِ، وَيُعْطَى مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا اسْتَقْرَضَ مِنْ وَارِثِهِ نِصْفَ صَاعٍ مَثَلًا وَيَدْفَعُهُ لِفَقِيرٍ ثُمَّ يَدْفَعُهُ الْفَقِيرُ لِلْوَارِثِ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى يُتِمَّ مَا عَلَيْهِ، وَلَوْ قَضَاهَا وَرَثَتُهُ بِأَمْرِهِ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، وَلَوْ أَدَّى لِلْفَقِيرِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 فِدْيَةَ لَهُ لِعَدَمِ وُرُودِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ تَبَعًا لِلْحَجِّ وَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا فَإِنَّ الْبَغَوِيَّ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنْ قُلْنَا: لَا يُفْرَدُ الصَّوْمُ عَنْ الِاعْتِكَافِ أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقُلْنَا بِصَوْمِ الْوَلِيِّ فَهَذَا يَعْتَكِفُ عَنْهُ صَائِمًا، وَإِنْ كَانَتْ النِّيَابَةُ لَا تُجْزِئُ فِي الِاعْتِكَافِ. (وَالشَّيْخُ) وَهُوَ مَنْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ وَالْعَجُوزُ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ (إنْ عَجَزَ) كُلٌّ مِنْهُمْ (عَنْ الصَّوْمِ) بِأَنْ كَانَ يَلْحَقُهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ (يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ) إنْ كَانَ حُرًّا (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] فَإِنَّ كَلِمَةَ لَا مُقَدَّرَةٌ أَيْ لَا يُطِيقُونَهُ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ يُطِيقُونَهُ حَالَ الشَّبَابِ ثُمَّ يَعْجِزُونَ عَنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَفَائِدَتُهُ اسْتِقْرَارُهَا فِي ذِمَّةِ الْفَقِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا عَكْسَهُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَالَةَ التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّ إذَا عَجَزَ عَنْهُ الْعَبْدُ وَقْتَ الْوُجُوبِ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ، وَهَلْ الْفِدْيَةُ فِي حَقِّ مَنْ ذَكَرَ بَدَلٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ وَاجِبَةٌ ابْتِدَاءً؟ وَجْهَانِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي، وَخَرَجَ بِالْحُرِّ الرَّقِيقُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إذَا أَفْطَرَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَمَاتَ رَقِيقًا. .   [حاشية البجيرمي] أَعْطَاهُ الْكُلَّ جَازَ، وَلَوْ فَدَى عَنْ صَلَاتِهِ فِي مَرَضِهِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الصَّوْمِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ عَنْهُ) وَفِي كُلٍّ مِنْ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ قَوْلٌ كَالصَّوْمِ، وَفِي الصَّلَاةِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يُطْعَمُ عَنْهُ بِكُلِّ صَلَاةٍ مُدٌّ؛ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَهَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّخْصِ لِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ. اهـ. ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. وَقِيلَ: إنَّ السُّبْكِيَّ صَلَّى عَنْ قَرِيبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَا لَوْ نَذَرَ) أَيْ وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ نَذَرَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا) أَيْ أَوْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا. قَوْلُهُ: (إنْ قُلْنَا لَا يُفْرِدُ الصَّوْمَ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَصَحُّ) مُعْتَمَدٌ، وَيَكْفِيهِ عَنْ الِاعْتِكَافِ لَحْظَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ جَمِيعَ الْيَوْمِ. قَوْلُهُ: (وَالْعَجُوزُ) وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمُسِنَّةُ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَلَا يُؤَنَّثُ بِالْهَاءِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: سُمِعَ تَأْنِيثُهُ؛ مُنَاوِيٌّ عَلَى الشَّمَائِلِ. قَوْلُهُ: (لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) وَمِثْلُهُ مَنْ يَأْكُلُ الْأَفْيُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ، وَهَذَا مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي يَجِبُ كَتْمُهُ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ) أَيْ تُبِيحُ التَّيَمُّمَ م ر. قَوْلُهُ: (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا) فَالْمَعْذُورُ مُخَاطَبٌ بِالْمُدِّ ابْتِدَاءً، فَلَوْ تَكَلَّفَ وَصَامَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمُدُّ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ مُخَاطَبًا بِالْمُدِّ ابْتِدَاءً كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الصَّوْمُ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْمُدِّ ابْتِدَاءً حَيْثُ لَمْ يُرِدْ الصَّوْمَ، وَلَوْ أَخْرَجَ الْمُدَّ ثُمَّ قَدَرَ بَعْدَ الْفِطْرِ عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْضُوبِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْذُورَ هُنَا مُخَاطَبٌ بِالْمُدِّ ابْتِدَاءً فَأَجْزَأَ عَنْهُ، وَالْمَعْضُوبَ مُخَاطَبٌ بِالْحَجِّ؛ وَإِنَّمَا جَازَتْ لَهُ الْإِنَابَةُ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ بَانَ عَدَمُهَا ح ل. وَقَالَ ق ل: وَفَارَقَ مَا لَوْ بَرِئَ الْمَعْضُوبُ بَعْدَ الْحَجِّ عَنْهُ حَيْثُ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَجَّ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ كَلِمَةَ " لَا " مُقَدَّرَةٌ) فَإِنْ قُلْت: أَيُّ قَرِينَةٍ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ؟ قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قَرِينَةٌ دَلَّتْ حَالَةَ النُّزُولِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ) التَّنْبِيهُ لُغَةً الْإِيقَاظُ يُقَالُ نَبَّهْتُهُ تَنْبِيهًا أَيْ أَيْقَظْته إيقَاظًا وَاصْطِلَاحًا عُنْوَانُ الْبَحْثِ السَّابِقِ إجْمَالًا. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَفَائِدَتُهُ) أَيْ الْوُجُوبِ عَلَى الْفَقِيرِ. قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ " مَرْدُودٌ " خَبَرٌ. قَوْلُهُ: (عَكْسَهُ) أَيْ عَكْسَ الِاسْتِقْرَارِ، وَعَكْسُهُ عَدَمُ الِاسْتِقْرَارِ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ الْمَالِيَّ) أَيْ الَّذِي تَسَبَّبَ فِيهِ كَمَا هُنَا، فَإِنَّهُ تَسَبَّبَ بِالْفِطْرِ. قَوْلُهُ: (ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ إذَا كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ، وَالسَّبَبُ مِنْهُ هُنَا الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (الثَّانِي) وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا شُفِيَ يَقْضِي عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا يَقْضِي عَلَى الثَّانِي، سَوَاءٌ كَانَ الشِّفَاءُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفِدْيَةِ أَوْ قَبْلَهُ لِسُقُوطِ الصَّوْمِ عَنْهُ وَعَدَمِ مُخَاطَبَتِهِ بِهِ شَرْحُ م ر مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلِسَيِّدِهِ الْفِدَاءُ عَنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 (وَالْحَامِلُ) وَلَوْ مِنْ زِنًا (وَالْمُرْضِعُ) وَلَوْ مُسْتَأْجَرَةً أَوْ مُتَبَرِّعَةً (إذَا خَافَتَا) مِنْ حُصُولِ ضَرَرٍ بِالصَّوْمِ كَالضَّرَرِ الْحَاصِلِ لِلْمَرِيضِ (عَلَى أَنْفُسِهِمَا) وَلَوْ مَعَ الْوَلَدِ (أَفْطَرَتَا) أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْإِفْطَارُ (وَ) وَجَبَ (عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ) بِلَا فِدْيَةٍ كَالْمَرِيضِ فَإِنْ قِيلَ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مَعَ وَلَدَيْهِمَا فَهُوَ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ فَكَانَ يَنْبَغِي الْفِدْيَةُ قِيَاسًا عَلَى مَا سَيَأْتِي. أُجِيبُ بِأَنَّ الْآيَةَ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا} [البقرة: 185] إلَى آخِرِهَا وَرَدَتْ فِي عَدَمِ الْفِدْيَةِ فِيمَا إذَا أَفْطَرَتَا   [حاشية البجيرمي] وَلِقَرِيبِهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ أَوْ يُطْعِمَ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ الصَّوْمُ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ كَمَا مَرَّ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ) أَيْ غَيْرُ الْمُتَحَيِّرَةِ، أَمَّا هِيَ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا فِدْيَةٌ لِلشَّكِّ، أَيْ إنْ أَفْطَرَتْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ، فَإِنْ أَفْطَرَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ لِمَا زَادَ؛ لِأَنَّهَا أَيْ السِّتَّةَ عَشَرَ أَكْثَرُ مَا يَحْتَمِلُ فَسَادَهُ بِالْحَيْضِ، حَتَّى لَوْ أَفْطَرَتْ كُلَّ رَمَضَانَ لَزِمَهَا مَعَ الْقَضَاءِ فِدْيَةُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ شَرْحُ م ر. وَشَمِلَ قَوْلُهُ " الْحَامِلَ وَلَوْ بِغَيْرِ آدَمِيٍّ "، حَيْثُ كَانَ مَعْصُومًا وَالْمُرْضِعُ كَذَلِكَ وَلَوْ رَقِيقَةً فِيهِمَا، لَكِنْ تَسْتَقِرُّ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهَا. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا م ر: الْأَوْجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى الرَّقِيقِ بَعْدَ عِتْقِهَا. اهـ. ق ل. وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ " وَالشَّيْخُ إلَخْ " مَفْهُومُ مَا تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْوُجُوبِ فِي قَوْلِهِ " وَإِطَاقَةٌ لِلصَّوْمِ " أَيْ قُدْرَةٌ حِسًّا وَشَرْعًا، فَالْعَاجِزُ حِسًّا كَمَا هُنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بَلْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْفِدْيَةِ ابْتِدَاءً، وَقِيلَ بَدَلًا وَكَذَا قَوْلُهُ " وَالْحَامِلُ إلَخْ " مِنْ مَفْهُومِ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَاجِزٌ شَرْعًا وَإِنْ كَانَا قَادِرَيْنِ حِسًّا. فَائِدَةٌ: يُبَاحُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ لِسِتَّةٍ: لِلْمُسَافِرِ، وَالْمَرِيضِ، وَالشَّيْخِ الْهَرَمِ، وَالْحَامِلِ، وَالْعَطْشَانِ، وَالْمُرْضِعَةِ، وَنَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إذَا مَا صُمْت فِي رَمَضَانَ صُمْهُ ... سِوَى سِتٍّ وَفِيهِنَّ الْقَضَاءُ فَسِينٌ ثُمَّ مِيمٌ ثُمَّ شِينٌ ... وَحَاءٌ ثُمَّ عَيْنٌ ثُمَّ رَاءُ فَالسِّينُ لِلْمُسَافِرِ، وَالْمِيمُ لِلْمَرِيضِ، وَالشِّينُ لِلشَّيْخِ الْهَرَمِ، وَالْحَاءُ لِلْحَامِلِ، وَالْعَيْنُ لِلْعَطْشَانِ، وَالرَّاءُ لِلْمُرْضِعَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعَ الْوَلَدِ) إنْ قُلْت: هُوَ فِي مَعْنَى فِطْرٍ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ؟ قُلْت: نَعَمْ لَكِنْ وُجِدَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَهُوَ خَوْفُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَمُقْتَضٍ لِوُجُوبِهَا وَهُوَ خَوْفُهَا عَلَى الْوَلَدِ، فَغَلَبَ الْمَانِعُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ اهـ حَجّ بِالْمَعْنَى. فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِيهَا سَيَأْتِي: " فَهُوَ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ " أَيْ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ، فَلَا تُرَدُّ هَذِهِ الصُّورَةُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ فِيهَا. قَوْلُهُ: (أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْإِفْطَارُ) مَحَلُّهُ فِي الْمُرْضِعِ إذَا تَعَيَّنَتْ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مُرْضِعَةٌ مُفْطِرَةٌ غَيْرَهَا أَوْ صَائِمَةٌ لَا يَضُرُّهَا الصَّوْمُ، وَإِلَّا جَازَ لَهَا الْفِطْرُ مَعَ الْإِرْضَاعِ وَالصَّوْمُ مَعَ تَرْكِ الْإِرْضَاعِ ق ل. ثُمَّ مَحَلُّ هَذَا الْقَيْدِ، أَعْنِي إذَا تَعَيَّنَتْ إلَخْ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا احْتِيَاجُهَا إلَى الْإِفْطَارِ قَبْلَ الْإِجَارَةِ، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهَا الِاحْتِيَاجُ إلَى الْإِفْطَارِ إلَّا بَعْدَ الْإِجَارَةِ فَقَدْ تَعَيَّنَتْ بِالْعَقْدِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِفْطَارُ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا، وَإِلَّا فَالْإِجَارَةُ لِلْإِرْضَاعِ لَا تَكُونُ إلَّا إجَارَةَ عَيْنٍ وَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ الْمُسْتَوْفَى مِنْهُ. اهـ. م ر أج، أَيْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُنِيبَ غَيْرَهَا فِي الْإِرْضَاعِ وَتَصُومَ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَنْفُسِهِمَا) جَمْعٌ بِمَعْنَى الْمُثَنَّى، وَكَذَا قَوْلُهُ " أَوْلَادِهِمَا ". قَوْلُهُ: (ارْتَفَقَ) أَيْ انْتَفَعَ بِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا سَيَأْتِي) أَيْ فِيمَا إذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا فَقَطْ. قَوْلُهُ: (أُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ إلَخْ) . هَذَا الْجَوَابُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا دَاخِلَانِ فِي عُمُومِ: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا} [البقرة: 185] وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: " وَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ كَالْمَرِيضِ " يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَهُمَا ثَابِتٌ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ تَنْظِيرٌ لَا قِيَاسٌ. وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ: " أُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ إلَخْ " فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ مَعَ غَيْرِهِمَا أَمْ لَا (وَإِنْ خَافَتَا) مِنْهُ (عَلَى أَوْلَادِهِمَا) فَقَطْ بِأَنْ تَخَافَ الْحَامِلُ مِنْ إسْقَاطِهِ أَوْ الْمُرْضِعُ بِأَنْ يَقِلَّ اللَّبَنُ فَيَهْلَكُ الْوَلَدُ (أَفْطَرَتَا) أَيْضًا (وَ) وَجَبَ (عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ) لِلْإِفْطَارِ (وَالْكَفَّارَةُ) ، وَإِنْ كَانَتَا مُسَافِرَتَيْنِ أَوْ مَرِيضَتَيْنِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] أَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُهُ إلَّا فِي حَقِّهِمَا حِينَئِذٍ وَالْقَوْلُ بِنَسْخِهِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مُحْكَمٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ بِتَأْوِيلِهِ بِمَا مَرَّ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: يُلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ مُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ بِغَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَخْلِيصُهُ إلَّا بِفِطْرِهِ فَهُوَ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ، وَهُوَ حُصُولُ الْفِطْرِ لِلْمُفْطِرِ وَالْخَلَاصُ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ أَفْطَرَ لِتَخْلِيصِ مَالٍ فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِقْ بِهِ إلَّا شَخْصٌ وَاحِدٌ وَلَا يَجِبُ الْفِطْرُ لِأَجْلِهِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِقُ بِالْفِطْرِ شَخْصَانِ، وَإِنْ نَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْبَهِيمَةِ لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا الْحَيَوَانَ   [حاشية البجيرمي] الْآيَةَ سَاكِتَةٌ عَنْ الْفِدْيَةِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا وَمُصَرِّحَةٌ بِالْقَضَاءِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: فِيمَا إذَا خَافَتَا إلَخْ، فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لَا فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرِيضِ فِي الْآيَةِ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا وَمَعْنَى وَهُوَ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَهُمَا حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى الْمَرِيضِ، وَالْمَرِيضُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، فَصَارَتْ الْآيَةُ شَامِلَةً لَهُمَا فَصَحَّ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ. قَوْلُهُ: (خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا) أَيْ لِأَنَّ الْخَوْفَ عَلَى النَّفْسِ فِي مَعْنَى الْمَرَضِ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَوْلَادِهِمَا) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، إذْ الْحَامِلُ لَا تُسَمَّى ذَاتَ وَلَدٍ لِأَنَّ الَّذِي فِي بَطْنِهَا يُسَمَّى جَنِينًا لَا وَلَدًا، فَتَسْمِيَتُهُ وَلَدًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَمْرُهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ. قَوْلُهُ: (فَيَهْلَكُ الْوَلَدُ) وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ حَرْبِيًّا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ لِحُرْمَةِ قَتْلِهِ حِينَئِذٍ، خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ، وَالْهَلَاكُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى حُصُولِ ضَرَرٍ بِهِ ع ش. قَوْلُهُ: (وَالْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهُ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَالْكَفَّارَةُ " أَيْ الصُّغْرَى وَهِيَ الْفِدْيَةُ، أَيْ لِتَفْوِيتِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَرِيضَتَيْنِ) أَيْ وَقَصَدَتَا الْفِطْرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَنَحْوِهِ، قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: نَعَمْ إنْ أَفْطَرَتَا لِأَجْلِ السَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَتَا فِي الْأَصَحِّ أج. قَوْلُهُ: (نُسِخَ حُكْمُهُ) أَيْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: 184] فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ أَيْ عَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَا كَانَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا لِأَنَّهُ إخْرَاجُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ؟ قُلْت: إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ بَقَاءُ جَمْعٍ يَقْرُبُ مِنْ مَدْخُولِ الْعَامِّ وَهُوَ هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ شَوْبَرِيٌّ؛ أَيْ لِأَنَّهُ بَقِيَ هُنَا اثْنَانِ فَقَطْ وَهُمَا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي حَقِّهِمَا) فِيهِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِعَدَمِ نَسْخِهَا فِي حَقِّهِمَا وَنَسْخِهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا يُنَافِيهِ قِرَاءَتُهُ: " يُطَوَّقُونَهُ " بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلَانِ. فَإِنْ قُلْت: الْآيَةُ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِقَضَائِهِمَا؟ أُجِيبُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ مَنْسُوخٍ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " مُحْكَمٌ ". قَوْلُهُ: (بِمَا مَرَّ) أَيْ بِتَقْدِيرِ " لَا " أَوْ الْمَعْنَى: يُطِيقُونَهُ فِي الصِّغَرِ وَعَجَزُوا عَنْهُ فِي الْكِبَرِ. قَوْلُهُ: (مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ إلَخْ) أَيْ فَيُقَالُ: إنْ أَفْطَرَ خَوْفًا عَلَى الْمُشْرِفِ وَحْدَهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَالْفِدْيَةُ، وَإِنْ أَفْطَرَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ مَعَ الْمُشْرِفِ وَجَبَ الْقَضَاءُ فَقَطْ ق ل. فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ لَا يُقَيِّدَ بِقَوْلِهِ: فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ. قَوْلُهُ: (مُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ) أَيْ أَوْ إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ. قَوْلُهُ: (ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ) أَيْ فَوَجَبَ بِهِ أَمْرَانِ كَالْجِمَاعِ، لَمَّا حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَجَبَ بِهِ أَمْرَانِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الِارْتِفَاقُ، أَيْ الِانْتِفَاعُ. قَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ جَائِزٌ) وَتَارَةً يَجِبُ الْفِطْرُ بِأَنْ كَانَ الْمَالُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْبَهِيمَةِ) أَيْ وَقَالَ: إنَّهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 الْمُحْتَرَمَ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ عَنْهُ مَنْزِلَةَ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ، وَلَا يُلْحَقُ بِالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ فِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ الْمُتَعَدِّي بِفِطْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ بَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَقَطْ، وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إمْكَانِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ لِأَنَّ سِتَّةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالُوا بِذَلِكَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ وَيَأْثَمُ بِهَذَا التَّأْخِيرِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَلْزَمُهُ الْمُدُّ بِدُخُولِ رَمَضَانَ، أَمَّا مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقَضَاءُ لِاسْتِمْرَارِ عُذْرِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِهَذَا التَّأْخِيرِ. فَائِدَةٌ: وُجُوبُ الْفِدْيَةِ هُنَا لِلتَّأْخِيرِ وَفِدْيَةُ الشَّيْخِ الْهَرَمِ وَنَحْوِهِ لِأَصْلِ الصَّوْمِ، وَفِدْيَةُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ لِتَفْوِيتِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ، وَيَتَكَرَّرُ الْمُدُّ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ لِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ لَا تَتَدَاخَلُ، وَلَوْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إمْكَانِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ فَمَاتَ أَخْرَجَ مِنْ تَرِكَتِهِ عَلَى الْجَدِيدِ السَّابِقِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّيْنِ، مُدٌّ لِفَوَاتِ الصَّوْمِ وَمُدٌّ   [حاشية البجيرمي] مَالٌ، فَلَا فِدْيَةَ فِيهَا؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمْ) تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ الْإِفْطَارِ فِي الْحَيَوَانِ كَالْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَقَطْ) لِعَدَمِ وُرُودِ الْفِدْيَةِ فِيهِ. وَفَارَقَ لُزُومَهَا لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ بِمَا مَرَّ وَبِأَنَّ الْفِدْيَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِالْإِثْمِ. بَلْ إنَّمَا هِيَ حِكَمٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْحَشُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ م د. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَحْتَاجَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُ " اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهَا " أَيْ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ تَارَةً تَكُونُ ظَاهِرَةً كَالْمَشَقَّةِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا السَّفَرُ، وَتَارَةً تَكُونُ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ كَمَا هُنَا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ) مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ، الْأَوَّلُ: كَوْنُهُ قَضَاءَ رَمَضَانَ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " مَعَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ " فَأَخَذَ الشَّارِحُ مُحْتَرَزَ الثَّانِي بِقَوْلِهِ " أَمَّا مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَخْ ". وَأَخَذَ مُحْتَرَزَ الْأَوَّلِ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ: " وَلَا شَيْءَ عَلَى الْهَرَمِ وَالزَّمِنِ إلَخْ " وَالْمُرَادُ أَخَّرَهُ عَامِدًا عَالِمًا بِحُرْمَةِ التَّأْخِيرِ، بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِطًا لِلْعُلَمَاءِ لِخَفَاءِ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِ الْجَاهِلُ بِحُرْمَةِ التَّأْخِيرِ لَا بِالْفِدْيَةِ، فَلَا يُعْذَرُ لِجَهْلِهِ بِهَا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ عَلِمَ حُرْمَةَ التَّنَحْنُحِ وَجَهِلَ الْبُطْلَانَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ز ي. قَوْلُهُ: (مَعَ إمْكَانِهِ) بِأَنْ كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا زَمَنًا يَسَعُ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ، فَإِنْ وَسِعَ بَعْضَهُ لَزِمَهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْبَعْضِ لَا مَا زَادَ. قَوْلُهُ: (حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ) بِمَنْعِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ عَلَمٌ لِمَا بَيْنَ شَعْبَانَ وَشَوَّالٍ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ فَيَكُونُ عَلِيمَ جِنْسٍ. وَقَوْلُهُ " آخَرُ " بَدَلٌ لَا صِفَةٌ، فَلَا بُدَّ فِي الْوُجُوبِ مِنْ دُخُولِهِ وَإِنْ أَيِسَ مِنْ الْقَضَاءِ، كَمَنْ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَأَخَّرَ حَتَّى بَقِيَ لِرَمَضَانَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مَثَلًا فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ عَنْ الْخَمْسَةِ الْمَأْيُوسِ مِنْهَا، أَيْ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ، فَإِنْ دَخَلَ وَجَبَتْ وَحَيْثُ عَلِمْت أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوُجُوبِ عَلِمْت أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَمَا سَيَأْتِي مِنْ جَوَازِ تَعْجِيلِ فِدْيَةِ التَّأْخِيرِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ ق ل وم ر. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ) أَيْ إنْ كَانَ حُرًّا، أَمَّا الْقِنُّ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ م ر. وَهَذَا، أَيْ قَوْلُهُ " وَإِنْ أَيِسَ إلَخْ " مَحَلُّهُ فِي الْحَيِّ كَمَا فِي م ر، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي: وَلَوْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ، إلَى قَوْلِهِ: فَمَاتَ؛ فَإِنَّ كَلَامَهُ فِيمَا يَأْتِي فِي الْمَيِّتِ وَمَا هُنَا فِي الْحَيِّ. أَمَّا مَنْ مَاتَ وَقَدْ أَيِسَ مِنْ الْقَضَاءِ وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ لَمَّا أَيِسَ مِنْ قَضَائِهِ قَبْلَ رَمَضَانَ، فَفِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ يُخْرِجُ لِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ أَمْدَادَ الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ الْمَأْيُوسِ مِنْ قَضَائِهَا. قَوْلُهُ: (لِاسْتِمْرَارِ عُذْرِهِ) كَأَنْ اسْتَمَرَّ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا أَوْ مُرْضِعًا إلَى قَابِلٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ مَا دَامَ الْعُذْرُ بَاقِيًا، وَإِنْ اسْتَمَرَّ سِنِينَ؛ شَرْحُ م ر. وَفِي ذِكْرِ ق ل الْإِعْسَارَ وَالرِّقَّ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ لَا فِي تَأْخِيرِ إخْرَاجِ الْمُدِّ. فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِهَذَا التَّأْخِيرِ) وَإِنْ اسْتَمَرَّ سِنِينَ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ بِالْعُذْرِ جَائِزٌ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ بِهِ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (لِلتَّأْخِيرِ) أَيْ وَإِنْ صَامَ. قَوْلُهُ: (لِأَصْلِ الصَّوْمِ) فَإِنْ تَكَلَّفَ وَصَامَ فَلَا فِدْيَةَ. قَوْلُهُ: (وَيَتَكَرَّرُ الْمُدُّ) أَيْ فِي التَّأْخِيرِ، وَقَوْلُهُ " بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ " أَيْ إنْ تَمَكَّنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَلَمْ يَصُمْ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ؛ أَيْ إذَا أَخَّرَ الْقَضَاءَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 لِلتَّأْخِيرِ وَعَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ صَوْمُ الْوَلِيِّ إذَا صَامَ حَصَلَ تَدَارُكُ أَصْلِ الصَّوْمِ وَوَجَبَ فِدْيَةٌ لِلتَّأْخِيرِ. . (وَالْكَفَّارَةُ) أَنْ تُخْرِجَ (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا وَهُوَ) كَمَا سَبَقَ رَطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ أَيْ الْبَغْدَادِيِّ وَبِالْكَيْلِ نِصْفُ قَدَحٍ بِالْمِصْرِيِّ، وَمَصْرِفُ الْفِدْيَةِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَقَطْ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَارَّةِ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] وَالْفَقِيرُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، فَإِذَا جَازَ صَرْفُهَا إلَى الْمِسْكِينِ فَالْفَقِيرُ أَوْلَى، وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ مِنْ الْفِدْيَةِ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَالْأَمْدَادُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَاتِ بِخِلَافِ الْمُدِّ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى شَخْصَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ مُدٍّ فِدْيَةٌ تَامَّةٌ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى صَرْفَ الْفِدْيَةِ إلَى الْوَاحِدِ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ امْتِنَاعُ صَرْفِ فَدِيَتَيْنِ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَاحِدُ مِنْ زَكَوَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ. وَجِنْسُ الْفِدْيَةِ جِنْسُ الْفِطْرَةِ وَنَوْعُهَا وَصِفَتُهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ. وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُدِّ الَّذِي نُوجِبُهُ هُنَا فِي الْكَفَّارَاتِ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَكَذَا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ. تَنْبِيهٌ: تَعْجِيلُ فِدْيَةِ التَّأْخِيرِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي لِيُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ جَائِزٌ فِي الْأَصَحِّ كَتَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْهَرَمِ وَلَا الزَّمِنِ وَلَا مَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الْفِدْيَةِ إذَا   [حاشية البجيرمي] نِسْيَانًا لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ. اهـ. م د. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الشَّارِحُ هَذَا عَلَى الْفَائِدَةِ لِتَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهَا. قَوْلُهُ: (حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ. قَالَ م ر: وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى تَحَقَّقَ الْفَوَاتُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ رَمَضَانُ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَمَاتَ لِبَوَاقِي خَمْسٍ مِنْ شَعْبَانَ لَزِمَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا عَشَرَةٌ لِأَجْلِ الصَّوْمِ وَخَمْسَةٌ لِلتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا قَضَاءُ خَمْسَةٍ. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ لُزُومُ الْفِدْيَةِ حَالًّا عَمَّا لَا يَسَعُهُ، وَهُوَ مَا صَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيّ. وَفَرَّقَ بَيْنَ صُورَةِ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ بِأَنَّ الْأَزْمِنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ يُقَدَّرُ حُضُورُهَا بِالْمَوْتِ كَمَا يَحِلُّ الْأَجَلُ بِهِ، وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْحَيِّ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَعْجِيلِ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي حَقِّهِ اهـ بِالْحَرْفِ. قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ فِدْيَةٌ لِلتَّأْخِيرِ) وَلَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ عَنْ مُدِّ التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالْكَفَّارَةُ) أَيْ الْفِدْيَةُ. فَ " الـ " لِلْعَهْدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُخْرَجَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَلَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْعَقِيقَةِ لِأَنَّهَا فِدَاءٌ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ: (دُونَ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ) أَيْ فَلَا يُعْطَوْنَ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ غَيْرَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ اعْتِرَاضِ ق ل. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ) فَيُقَاسُ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ فَيَجُوزُ، بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ. قَوْلُهُ: (إلَى شَخْصَيْنِ) مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمُدُّ لَازِمًا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا لَزِمَ أَكْثَرَ مِنْ شَخْصٍ كَأَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ يَوْمٌ وَاحِدٌ وَخَلَفَ وَلَدَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَدْفَعَ وَاجِبَهُ لِمَنْ أَرَادَ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَنْقُصُ) أَيْ الْوَاحِدُ عَنْهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى صَرْفَ الْفِدْيَةِ لِوَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (نُوجِبُهُ) أَيْ نُوجِبُ إخْرَاجَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي ذِمَّةِ الْفَقِيرِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (عَلَى قُوتِهِ) أَيْ عَنْ قُوتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَفَّالِ، وَعِبَارَةُ حَجّ: قَالَ الْقَفَّالُ: وَيُعْتَبَرُ فَضْلُهَا عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ. قَوْلُهُ: (لِيُؤَخِّرَ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَعْجِيلُ. قَوْلُهُ: (الْمُحَرَّمِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَلَوْ أَطْلَقَ الْحِنْثَ لَكَانَ أَوْلَى سَوَاءٌ كَانَ جَائِزًا أَوْ وَاجِبًا، أَوْ مُحَرَّمًا كَأَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ أَوْ لَا يُصَلِّي الْفَرْضَ أَوْ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ، فَإِنَّ حِنْثَهُ بِشُرْبِهِ حَرَامٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ إذَا أَرَادَ الْحِنْثَ بِالشُّرْبِ، وَحِينَئِذٍ فَالْجَامِعُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي الْحِنْثِ حُرْمَةُ السَّبَبِ، فَهُنَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِلْفِدْيَةِ وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ وَفِي الْيَمِينِ يَجُوزُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 أَخَّرُوهَا عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ لَهُمْ وَلَا لِلْحَامِلِ وَلَا لِلْمُرْضِعِ تَعْجِيلُ فِدْيَةِ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ لِعَامَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَجَّلَ مَنْ ذُكِرَ فِدْيَةَ يَوْمٍ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. . (وَالْمَرِيضُ) ، وَإِنْ تَعَدَّى بِسَبَبِهِ (وَالْمُسَافِرُ) سَفَرًا طَوِيلًا مُبَاحًا (يُفْطِرَانِ) بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ (وَيَقْضِيَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 184] أَيْ فَأَفْطَرَ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَلَا بُدَّ فِي فِطْرِ الْمَرِيضِ مِنْ مَشَقَّةٍ تُبِيحُ لَهُ التَّيَمُّمَ، فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ أَوْ ذَهَابَ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْفِطْرُ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَرَضُ مُطْبِقًا فَلَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ، أَوْ مُتَقَطِّعًا كَأَنْ كَانَ يُحَمُّ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ نَظَرَ إنْ كَانَ مَحْمُومًا وَقْتَ الشُّرُوعِ جَازَ لَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ، فَإِنْ عَادَ الْمَرَضُ وَاحْتَاجَ إلَى الْإِفْطَارِ أَفْطَرَ، وَلِمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْجُوعُ أَوْ الْعَطَشُ حُكْمُ الْمَرِيضِ. وَأَمَّا الْمُسَافِرُ السَّفَرَ الْمَذْكُورَ فَيَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ   [حاشية البجيرمي] تَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ مَعَ حُرْمَةِ الْحِنْثِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلًا. اهـ. م د. وَلَعَلَّهُ قَيَّدَ بِالْمُحَرَّمِ لِيَجْتَمِعَا فِي تَمَامِ التَّشْبِيهِ لِيَكُونَ السَّبَبُ حَرَامًا فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (وَلَا شَيْءَ عَلَى الْهَرَمِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: " قَضَاءُ رَمَضَانَ ". قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُمْ) أَيْ لِلْهَرَمِ وَالزَّمِنِ وَمَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (تَعْجِيلُ فِدْيَةِ يَوْمَيْنِ) وَلَا فِدْيَةِ يَوْمٍ غَيْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ جَائِزٌ) وَلَوْ فِي أَوَّلِ لَيْلَتِهِ، بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالْمَرِيضُ إلَخْ) هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَفْهُومِ مَا تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُمَا عَاجِزَانِ شَرْعًا وَإِنْ كَانَا قَادِرَيْنِ حِسًّا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَعَدَّى بِسَبَبِهِ) كَأَنْ فَعَلَ مَا نَشَأَ عَنْهُ الْمَرَضُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَرَضُ سَابِقًا عَلَى الصَّوْمِ أَوْ بِالْعَكْسِ. وَقَوْلُهُ " وَالْمُسَافِرُ " أَيْ إذَا كَانَ السَّفَرُ سَابِقًا عَلَى الصَّوْمِ بِأَنْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَبَقَ الصَّوْمُ ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَلَا يَجُوزُ الْفِطْرُ فِي هَذَا النَّهَارِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ. قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ) شَرْطٌ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ فِي فِطْرِ الْمَرِيضِ) أَيْ فِي جَوَازِ فِطْرِهِ عَلَى طَرِيقَةِ شَيْخِنَا م ر. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ. وَقَالَ شَيْخُنَا ز ي: أَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي يُبِيحُ التَّيَمُّمَ يُوجِبُ الْفِطْرَ وَمَا دُونَهُ حَيْثُ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً يُجَوِّزُهُ ق ل. وَقَوْلُهُ " يُوجِبُ الْفِطْرَ " ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُجَوِّزُهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَشَقَّةٍ) أَيْ غَيْرِ خَوْفِ الْهَلَاكِ وَذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ الْآتِيَيْنِ كَبُطْءِ الْبُرْءِ، إذْ هَذَا فِي جَوَازِ الْفِطْرِ؛ وَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ خَافَ إلَخْ فِي وُجُوبِ الْفِطْرِ، فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِطْرَ الْمَرِيضِ تَارَةً يَكُونُ جَائِزًا وَتَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَجَبَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، فَانْدَفَعَ مَا فِي الْمُحَشِّي. قَوْلُهُ: (يُحَمُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. وَمِمَّا جُرِّبَ لَهَا أَنْ يُكْتَبَ فِي وَرَقَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ ابْرَاسُومَا {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الأعراف: 43] . {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66] . {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178] . {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28] . {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] . لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُك يَا اللَّهُ شِفَاءً لَا يُغَادِرُهُ سَقَمٌ " وَيُبَخَّرُ بِهَا، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ. قَوْلُهُ: (وَقْتَ الشُّرُوعِ) أَيْ وَقْتَ صِحَّةِ النِّيَّةِ ق ل. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ: قُبَيْلَ الْفَجْرِ اهـ. فَالْمُرَادُ بِهِ قُبَيْلَ الْفَجْرِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ النِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (حُكْمُ الْمَرِيضِ) أَيْ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ أَوْ وُجُوبِهِ. وَهَذَا يَجْرِي فِي نَحْوِ الْحَصَّادِينَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ إنْ لَحِقَتْهُمْ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ تُبِيحُ التَّيَمُّمَ أَفْطَرُوا وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: الَّذِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ مَنْ أَفْطَرَ تَعَدِّيًا بِالْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ جَامَعَ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ لَيْلًا أَوْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ مُفْطِرًا أَوْ الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ أَوْ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ إذَا أَسْلَمَ أَوْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ أَوْ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ أَوْ الْحَامِلُ أَوْ الْمُرْضِعُ فَهَؤُلَاءِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ؛ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ وَالْإِمْسَاكُ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 بِهِ، وَلَكِنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَعَدَمِ إخْلَاءِ الْوَقْتِ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَلِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا إذَا تَضَرَّرَ بِهِ لِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ احْتِمَالُهُ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا صَائِمًا فِي السَّفَرِ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ» . نَعَمْ إنْ خَافَ مِنْ الصَّوْمِ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى. وَلَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالصَّوْمِ فِي الْحَالِ. وَلَكِنْ يَخَافُ الضَّعْفَ لَوْ صَامَ وَكَانَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (السَّفَرَ الْمَذْكُورَ) أَيْ الطَّوِيلَ الْمُبَاحَ. قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ) هَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ، ثُمَّ فَصَّلَهُ بِكَوْنِهِ تَارَةً يَكُونُ الْفِطْرُ أَفْضَلَ أَوْ الصَّوْمُ أَوْ وُجُوبُ الْفِطْرِ وَحُرْمَةُ الصَّوْمِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (الصَّوْمُ أَفْضَلُ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ. وَقَوْلُهُ: " أَمَّا إذَا تَضَرَّرَ " مُقَابِلٌ لِهَذَا الْمُقَدَّرِ. قَوْلُهُ: (ظَلَّلَ عَلَيْهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، أَيْ صَنَعَ لَهُ مِظَلَّةً. وَيَحْتَمِلُ الْبِنَاءَ لِلْمَفْعُولِ. فَلْتُرَاجَعْ الرِّوَايَةُ. قَوْلُهُ: (أَنْ تَصُومُوا إلَخْ) وَرُوِيَ: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَبِأَمْ بَدَلُ أَلْ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ سَفَرَ حَجٍّ) هَذَا الْقَيْدُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَقَيَّدَ الشَّارِحُ بِهِمَا لِفَضْلِهِمَا. قَوْلُهُ: (عَنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ) وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ السَّنَةِ كَصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ. وَقِسْمٌ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْأُسْبُوعِ وَهُوَ الِاثْنَيْنُ وَالْخَمِيسُ، وَقِسْمٌ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الشُّهُورِ كَالْأَيَّامِ الْبِيضِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) وَرَدَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَالصَّحِيحُ تَعَلُّقُ الْغُرَمَاءِ بِهِ، أَيْ أَصْلًا وَتَضْعِيفًا كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ. بِخِلَافِ الْأَيْمَانِ فَلَا يَتَعَلَّقُونَ بِهِ. وَيَدُلُّك عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ يَتَعَلَّقُونَ بِهِ حَدِيثُ: «أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ» إلَخْ. وَحِينَئِذٍ فَتَخْصِيصُهُ بِكَوْنِهِ لَهُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الرِّيَاءِ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ تَزِيدُ عَلَى خَمْسِينَ قَوْلًا، شَرْحُ م ر: وَمَا قِيلَ إنَّ التَّضْعِيفَ فِي الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ لَا يُؤْخَذُ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ فَضْلِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُؤْخَذُ الْأَصْلُ وَهِيَ الْحَسَنَةُ الْأُولَى لَا غَيْرُ يُرَدُّ لِعُمُومِ خَبَرِ: «يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حَسَنَةٌ وُضِعَ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ» فَإِذَا وُضِعَ عَلَيْهِ سَيِّئَتُهُ فَأَوْلَى أَخْذُ جَمِيعِ حَسَنَاتِ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ لَهُ وَمَحْضُ الْفَضْلِ جَارٍ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُعْتَقَدُ أَهْلِ السُّنَّةِ. اهـ. حَجّ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ: نَصُّهَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» فَإِضَافَتُهُ تَعَالَى إلَيْهِ إضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس: 13] مَعَ أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ لِلَّهِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ غَيْرُهُ بِهِ، فَلَمْ تُعَظِّمْ الْكُفَّارُ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ مَعْبُودَاتِهِمْ بِالصِّيَامِ وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُمْ بِصُورَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: لِأَنَّ الصِّيَامَ بَعِيدٌ عَنْ الرِّيَاءِ لِخَفَائِهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالْغَزْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَاتِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: مَعْنَى النَّفْيِ فِي قَوْلِهِمْ " لَا رِيَاءَ فِي الصَّوْمِ " أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ بِفِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ بِالْقَوْلِ كَمَنْ يَصُومُ ثُمَّ يُخْبِرُ بِأَنَّهُ صَائِمٌ قَدْ يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، فَدُخُولُ الرِّيَاءِ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا يَقَعُ مِنْ جِهَةِ الْإِخْبَارِ بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ الرِّيَاءَ يَدْخُلُهَا بِمُجَرَّدِ فِعْلِهَا، وَعَنْ شَدَّادِ ابْنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشَّهَوَاتِ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى. فَلَمَّا تَقَرَّبَ الصَّائِمُ إلَيْهِ بِمَا يُوَافِقُ صِفَاتِهِ أَضَافَهُ إلَيْهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ مُنَاسِبَةٌ لِأَحْوَالِهِمْ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْحَقِّ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّ الصَّائِمَ تَقَرَّبَ إلَيَّ بِأَمْرٍ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِي وَهِيَ الصَّمَدَانِيَّةُ؛ لِأَنَّ الصَّمَدَ مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، أَوْ لِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ، بِعِلْمِ مِقْدَارِ ثَوَابِهِ وَتَضْعِيفِ حَسَنَاتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، فَقَدْ أَظْهَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ عَلَى مِقْدَارِ ثَوَابِهَا؛ وَلِذَا قَالَ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ: «وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَقَدْ عُلِمَ بِأَنَّ الْكَرِيمَ إذَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ يَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ الْجَزَاءَ اقْتَضَى ذَلِكَ سَعَةَ الْعَطَاءِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» . وَيَتَأَكَّدُ صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَتَحَرَّى صَوْمَهُمَا وَقَالَ إنَّهُمَا يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» . وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَهُوَ تَاسِعُ ذِي الْحِجَّةِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَاَلَّتِي بَعْدَهُ» وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ وَهُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَحْتَسِبُ عَلَى   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فِي الْجِهَادِ ز ي. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَا يَفُوتُ بِهِ حَقٌّ وَلَا يَخْتَلُّ قِتَالُهُ بِهِ، وَقَالَ السُّيُوطِيّ: أَيْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. قَوْلُهُ: (سَبْعِينَ خَرِيفًا) أَيْ عَامًا، فَهُوَ مَجَازٌ. وَخَصَّ الْخَرِيفَ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ فُصُولِ السَّنَةِ. قَوْلُهُ: (صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ) وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْخَمِيسِ فَصَوْمُهُ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الْخَمِيسِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأُسْبُوعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُ الْأَحَدُ؛ وَنُقِلَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، لَكِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ عَنْ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ السَّبْتُ، شَرْحُ م ر. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيَتَّجِهُ تَفْضِيلُ الِاثْنَيْنِ عَلَى الْخَمِيسِ بِوِلَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ وَوَفَاتِهِ وَبِتَقْدِيمِهِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ هُنَا وَفِي دُخُولِ الْقَاضِي الْبَلَدَ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوجَدُ لِلصَّوْمِ سَبَبَانِ، كَوُقُوعِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ يَوْمَ اثْنَيْنِ أَوْ خَمِيسٍ، وَكَوُقُوعِهِمَا فِي سِتَّةِ شَوَّالٍ فَيَتَأَكَّدُ صَوْمُ مَا لَهُ سَبَبَانِ رِعَايَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ نَوَاهُمَا حَصَلَا كَالصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ صَدَقَةً وَصِلَةً، وَكَذَا لَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ. وَاسْتَشْكَلَ اسْتِعْمَالُ الِاثْنَيْنِ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْمَثْنَى وَالْمُلْحَقَ بِهِ يَلْزَمُ الْأَلِفَ إذَا جُعِلَ عَلَمًا وَأُعْرِبَ بِالْحَرَكَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فَيُسْتَدَلُّ بِنُطْقِهَا بِهِ عَلَى أَنَّهُ لُغَةٌ. قَوْلُهُ: (تُعْرَضُ) أَيْ عَلَى اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةُ تَرْفَعُ تِلْكَ الْأَعْمَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَتُرْفَعُ جُمْلَةُ أَعْمَالِ الْعَامِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَكَذَا تُعْرَضُ جُمْلَةُ أَعْمَالِ الْعَامِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. وَفَائِدَةُ تَكْرِيرِ ذَلِكَ إظْهَارُ شَرَفِ الْعَامِلِينَ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ، شَرْحُ حَجّ. قَوْلُهُ: (الْأَعْمَالُ) أَيْ أَعْمَالُ الْأُسْبُوعِ. قَوْلُهُ: (وَأَنَا صَائِمٌ) أَيْ قَرِيبٌ مِنْ زَمَنِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْعَرْضَ بَعْدَ الْغُرُوبِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَفَائِدَةُ الْعَرْضِ إظْهَارُ الْعَدْلِ وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ إذْ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: (يَوْمِ عَرَفَةَ) وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ لِأَنَّ صَوْمَهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ، وَأَمَّا خَبَرُ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرَ، وَأَفْتَى الْوَالِدُ بِأَنَّ عَشْرَ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّ رَمَضَانَ سَيِّدُ الشُّهُورِ شَرْحُ م ر. وَأَفْضَلُ الشُّهُورِ بِالْإِطْلَاقِ ... شَهْرُ الصِّيَامِ فَهُوَ ذُو السِّبَاقِ فَشَهْرُ رَبِّنَا هُوَ الْمُحَرَّمُ ... فَرَجَبٌ فَالْحِجَّةُ الْمُعَظَّمُ فَقِعْدَةٌ فَبَعْدَهُ شَعْبَانُ ... وَكُلُّ ذَا جَاءَ بِهِ الْبَيَانُ وَيُسَنُّ صَوْمُ الثَّمَانِيَةِ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَاجُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ م ر: وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى كَثِيرًا بِثُبُوتِ هِلَالِ الْحِجَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا ثُمَّ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ وَظَنَّ صِدْقَهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ، فَهَلْ يَنْدُبُ صَوْمُ السَّبْتِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ عَلَى تَقْدِيرِ كَمَالِ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ يَوْمَ الْعِيدِ؟ وَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ دَفْعَ مَفْسَدَةِ الْحَرَامِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَنْدُوبِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عَادَةٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ عَلَى احْتِمَالِهِ غَيْرُ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ؛ شَيْخُنَا ح ف. فَيَكُونُ كَيَوْمِ الشَّكِّ أَوْ يَحْرُمُ صَوْمُهُ مُطْلَقًا حَتَّى لِسَبَبٍ. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ. تَذْنِيبٌ: قَوْلُهُمْ دَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ هَلْ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَوْلَى؟ . قُلْت. رَأَيْنَا فِي بَعْضِ التَّأْلِيفِ لِأَكَابِرِ الشَّافِعِيَّةِ مَا نَصُّهُ: وَتَحْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: الْمَفَاسِدُ عَلَى قِسْمَيْنِ مَظْنُونَةِ الْوُقُوعِ وَمُتَوَهَّمَتِهِ، فَالْأُولَى يَجِبُ رِعَايَتُهَا عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَالثَّانِيَةُ الْأَوْلَى رِعَايَتُهَا لَا وُجُوبُهَا اهـ أج مَعَ زِيَادَةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» وَصَوْمُ تَاسُوعَاءَ وَهُوَ تَاسِعُ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ: «لَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» فَمَاتَ قَبْلَهُ، وَصَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» وَتَتَابُعُهَا عَقِبَ الْعِيدِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِغَيْرِ الْحَاجِّ) أَمَّا الْحَاجُّ فَخِلَافُ الْأَوْلَى إنْ كَانَ يَصِلُ عَرَفَةَ نَهَارًا، فَإِنْ كَانَ يَصِلُهَا لَيْلًا أَيْ لَيْلَةَ التَّاسِعِ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى؛ وَوَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْوُحُوشَ فِي الْبَادِيَةِ كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذَ لَحْمًا وَذَهَبَ بِهِ إلَى الْبَادِيَةِ وَرَمَاهُ لِنَحْوِ الْوُحُوشِ فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ تَأْكُلْ وَصَارَتْ تَنْظُرُ إلَى الشَّمْسِ وَتَنْظُرُ إلَى اللَّحْمِ حَتَّى إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَقْبَلَتْ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ) أَيْ أَرْجُو مِنْ اللَّهِ وَرَجَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَقَّقٌ فَ " عَلَى " بِمَعْنَى " مِنْ " وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: احْتَسَبَ الْأَجْرَ عَلَى اللَّهِ ادَّخَرَهُ عِنْدَهُ لَا يَرْجُو ثَوَابَ الدُّنْيَا. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ (السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ الَّتِي قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ السَّنَةُ الَّتِي تَتِمُّ بِفَرَاغِ شَهْرِهِ، وَبِالسَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهُ السَّنَةُ الَّتِي أَوَّلُهَا الْمُحَرَّمُ الَّذِي يَلِي الشَّهْرَ الْمَذْكُورَ؛ إذْ الْخِطَابُ الشَّرْعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ شَرْحُ م ر. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُنُوبٌ فَزِيَادَةٌ فِي الْحَسَنَاتِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: التَّكْفِيرُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْغُفْرَانِ وَبِمَعْنَى الْعِصْمَةِ، فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَالثَّانِي عَلَى الْمُسْتَقْبَلَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلَةِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ كَانَ مَغْفُورًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْ تَكْفِيرِ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِيهَا لِأَنَّ التَّكْفِيرَ لَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَرَاجِعْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَدْ رَاجَعْته فَوَجَدْته كَمَا ذَكَرَ، فَقَدْ قَالَ الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ: فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذِهِ بُشْرَى بِحَيَاةِ سَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ لِمَنْ صَامَهُ، إذْ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَشَّرَ بِكَفَّارَتِهَا فَدَلَّ لِصَائِمِهِ عَلَى الْحَيَاةِ فِيهَا، إذْ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى. قَوْلُهُ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» وَفَارَقَ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ عَاشُورَاءَ لِمُشَارَكَةِ مُوسَى لَنَا فِيهِ ق ل. وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إنَّ صَوْمَ عَرَفَةَ مُحَمَّدِيٌّ وَصَوْمَ عَاشُورَاءَ مُوسَوِيٌّ " لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ مُحَمَّدِيٌّ أَيْضًا لِأَنَّهُ صَامَهُ بِوَحْيٍ لَا تَبَعًا لِمُوسَى إذْ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا نُسِبَ لِمُوسَى لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَامَهُ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّغَائِرِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ فَقَطْ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَفَّرَ الْوُضُوءُ كَمَا وَرَدَ فَمَاذَا تُكَفِّرُ الصَّلَاةُ؟ وَإِذَا كَفَرَتْ فَمَاذَا تُكَفِّرُ الْجُمُعَتَانِ وَرَمَضَانُ وَكَذَلِكَ صَوْمُ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ وَعَاشُورَاءُ كَفَّارَةُ سَنَةٍ؟ وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ؟ فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ، فَإِنْ وُجِدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَ لَهُ بِهَا حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَاتٌ، وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ فَقَطْ رَجَوْنَا أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ اهـ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ قَوْلُهُ: «إلَى قَابِلٍ» بِالتَّنْوِينِ، تَقْدِيرُهُ: إلَى عَامٍ قَابِلٍ. قَوْلُهُ: «لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» أَيْ مَعَ عَاشُورَاءَ. وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّ مَنْ صَامَ عَاشُورَاءَ مَثَلًا عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَصَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) أَيْ وُجُودُ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ نَفَاهَا، أَوْ صَامَهَا عَنْ نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ أَوْ قَضَاءٍ عَنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ؛ نَعَمْ لَوْ صَامَ شَوَّالًا قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ وَقَصَدَ تَأْخِيرَهَا عَنْهُ لَمْ تَحْصُلْ مَعَهُ فَيَصُومُهَا مِنْ الْقَعْدَةِ، وَيُنْدَبُ مُوَالَاتُهَا لِيَوْمِ الْعِيدِ وَتَتَابُعُهَا وَتَفُوتُ بِفَوَاتِ شَوَّالٍ ق ل. وَالْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ إذْ إثْبَاتُ التَّاءِ مَعَ حَذْفِ الْمَعْدُودِ لُغَةٌ، وَالْأَفْصَحُ حَذْفُهَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ اهـ أج. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ التَّاءِ هُوَ الْأَفْصَحُ وَإِنْ كَانَ الْمَعْدُودُ مَحْذُوفًا لِأَنَّ الْأَفْصَحَ أَنْ يَكُونَ كَالْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» أَيْ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَذَلِكَ، أَمَّا لَوْ صَامَ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فِي بَعْضِ السِّنِينَ دُونَ بَعْضٍ فَالسَّنَةُ الَّتِي صَامَ السِّتَّ فِيهَا يَكُونُ صَوْمُهَا كَسَنَةٍ وَاَلَّتِي لَمْ يَصُمْ فِيهَا تَكُونُ كَعَشْرَةِ أَشْهُرٍ،. اهـ. ع ش عَلَى شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: «ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ» قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَصُمْ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ لَا يُسَنُّ لَهُ صِيَامُ سِتَّةِ شَوَّالٍ؛ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 أَفْضَلُ. وَيُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ» . وَكَذَا إفْرَادُ السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ لِخَبَرِ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» وَلِأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ وَالنَّصَارَى يَوْمَ الْأَحَدِ. . وَصَوْمُ الدَّهْرِ غَيْرَ يَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَكْرُوهٌ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ، وَمُسْتَحَبٍّ لِغَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَيَحْرُمُ صَوْمُ الْمَرْأَةِ تَطَوُّعًا وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ إلَّا بِإِذْنِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ» " وَمَنْ تَلَبَّسَ بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلَاتِهِ فَلَهُ قَطْعُهُمَا، أَمَّا الصَّوْمُ فَلِقَوْلِهِ   [حاشية البجيرمي] كَثِيرٍ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَحْصُلُ أَصْلُ سُنَّةِ الصَّوْمِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ لِتَرَتُّبِهِ فِي الْخَبَرِ عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ «ثُمَّ أَتْبَعَهُ» إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ لَمْ يَصُمْهَا وَأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ قَبْلَ قَضَائِهِ، وَقَدْ يُقَالُ التَّبَعِيَّةُ تَشْمَلُ التَّقْدِيرِيَّةَ لِأَنَّهُ إذَا صَامَ رَمَضَانَ بَعْدَهَا وَقَعَ عَمَّا قَبْلَهَا تَقْدِيرًا، أَوْ التَّبَعِيَّةُ تَشْمَلُ الْمُتَأَخِّرَةَ كَمَا فِي نَفْلِ الْفَرَائِضِ التَّابِعِ لَهَا اهـ. فَيُسَنُّ صَوْمُهَا وَإِنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ، أَيْ بِعُذْرٍ؛ فَإِنْ تَعَدَّى بِفِطْرِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ صَوْمُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ الْفَوْرِيِّ وَتَفُوتُ بِفَوَاتِ شَوَّالٍ وَلَا تُقْضَى، نَعَمْ قَالَ شَيْخُنَا م ر: مَنْ صَامَ شَهْرَ شَوَّالٍ عَنْ رَمَضَانَ وَقَصَدَ تَأْخِيرَهَا إلَى الْقَعْدَةِ قَضَاهَا فِيهِ وَإِلَّا دَخَلَتْ فِي صَوْمِ شَوَّالٍ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: «كَصِيَامِ الدَّهْرِ» أَيْ فَرْضًا، أَيْ ثَوَابُهُ كَثَوَابِ الْفَرْضِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِخُصُوصِيَّةِ رَمَضَانَ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ مَعْنًى، إذْ مَنْ صَامَ شَهْرًا غَيْرَ رَمَضَانَ مَعَ سِتَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الدَّهْرِ أَيْ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةَ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ بِعَشَرَةٍ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ صَامَهَا مَعَ رَمَضَانَ كُلَّ سَنَةٍ يَكُونُ صِيَامُ الدَّهْرِ فَرْضًا بِلَا مُضَاعَفَةٍ، وَمَنْ صَامَ شَهْرًا وَسِتَّةً غَيْرَهَا كَذَلِكَ يَكُونُ كَصِيَامِهِ نَفْلًا بِلَا مُضَاعَفَةٍ؛ شَرْحُ حَجّ. قَوْلُهُ: (عَقِبَ الْعِيدِ) الْأَوْلَى: وَعَقِبَ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَنَةٌ أُخْرَى ق ل. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ) أَيْ بِلَا سَبَبٍ بِأَنْ كَانَ نَفْلًا مُطْلَقًا، قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّمَا نُهِيَ عَنْ صِيَامِهِ مُفْرَدًا لِأَنَّهُ يَوْمُ عِبَادَةٍ وَتَبْكِيرٍ وَذِكْرٍ وَغُسْلٍ وَاجْتِمَاعٍ، فَيُسَنُّ فِطْرُهُ مُعَاوَنَةً عَلَيْهَا وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ زَوَالُ الْكَرَاهَةِ بِصَوْمِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ مِنْ الْفُتُورِ فِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ يَجْبُرُهُ الصَّوْمُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. وَفِي خَبَرٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ تَعْلِيلُ مَنْعِ صَوْمِهِ بِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ لَا يُصَامُ مَعَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمَّا أَشْبَهَ الْعِيدَ أَخَذَ مِنْ شَبَهِهِ النَّهْيَ عَنْ تَحَرِّي صَوْمِهِ وَبِصَوْمِهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ يَنْتَفِي التَّحَرِّي، أَمَّا لَوْ صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ لِمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ يَوْمًا بَعْدَهُ» وَخَبَرُ الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِمِ: «إنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدٍ وَذِكْرٍ فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ وَلَكِنْ اجْعَلُوهُ يَوْمَ فِطْرٍ وَذِكْرٍ إلَّا أَنْ تَخْلِطُوهُ بِأَيَّامٍ» . اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ» أَيْ وَحْدَهُ، فَإِنْ صَامَهُ مَعَ الْأَحَدِ لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ لَمْ يُعَظِّمْهُ أَحَدٌ. وَبِهَذَا انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ ضَمَّ الْمَكْرُوهِ لِلْمَكْرُوهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: «فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» أَيْ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ فَلَا يُكْرَهُ الْإِفْرَادُ فِيهَا ق ل. قَوْلُهُ: (وَاجِبٍ) كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ مُسْتَحَبٍّ كَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا الْمُسْتَحَبَّةِ. وَ " مُسْتَحَبٍّ " مَعْطُوفٌ عَلَى مَكْرُوهٍ، أَيْ وَمَعَ اسْتِحْبَابِهِ فَصَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْهُ اهـ مَرْحُومِيٌّ. وَسُئِلَ الشِّهَابُ م ر عَمَّنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَوَافَقَ يَوْمَ فِطْرِهِ يَوْمًا مِمَّا يُطْلَبُ صَوْمُهُ كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَوْ الْخَمِيسِ هَلْ فِطْرُهُ أَفْضَلُ أَمْ صَوْمُهُ وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَفِطْرِ يَوْمٍ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ صَوْمُهُ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَمَّا ذَكَرَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ حَقٍّ وَلَا ضَرَرًا. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ صَوْمُ الْمَرْأَةِ إلَخْ) هَذَا حَيْثُ جَازَ التَّمَتُّعُ بِهَا وَإِلَّا فَلَا، كَأَنْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ كَإِحْرَامٍ أَوْ اعْتِكَافٍ، وَحَيْثُ لَمْ يَقُمْ بِهَا مَانِعٌ كَالرَّتْقِ وَالْقَرْنِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِإِذْنِهِ) وَعِلْمُهَا بِرِضَاهُ كَإِذْنِهِ. كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَمَحَلُّهُ فِي الصَّوْمِ الْمُتَكَرِّرِ فِي السَّنَةِ كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ لِأَنَّهُمَا نَادِرَانِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً. قَوْلُهُ: «وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ» أَيْ حَاضِرٌ. قَوْلُهُ: (بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ) وَمِثْلُهُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَالْجِهَادَ وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ مُنْفَرِدًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ. . وَمَنْ تَلَبَّسَ بِصَوْمٍ وَاجِبٍ أَوْ صَلَاةٍ وَاجِبَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهُ سَوَاءٌ كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ كَصَوْمِ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ، أَوْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ بِلَا عُذْرٍ أَمْ لَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدَّى بِذَلِكَ. تَتِمَّةٌ: أَفْضَلُ الشُّهُورِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، ثُمَّ رَجَبٌ، ثُمَّ بَاقِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، ثُمَّ شَعْبَانُ. فَصْلٌ: فِي الِاعْتِكَافِ وَهُوَ لُغَةً اللُّبْثُ وَالْحَبْسُ وَشَرْعًا اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّةٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى   [حاشية البجيرمي] وَأَمَّا غُسْلُ الْمَيِّتِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، فَإِنْ قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ جَازَ قَطْعُهُ وَإِلَّا فَلَا قَوْلُهُ: (فَلَهُ قَطْعُهُمَا) وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِعُذْرٍ، وَإِلَّا كَأَنْ شَقَّ الصَّوْمُ عَلَى الْمُضِيفِ فَلَا كَرَاهَةَ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْكَرَاهَةِ عَدَمُ الثَّوَابِ عَلَى الْمَاضِي، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى عَدَمِهَا وُجُوبُ الثَّوَابِ. قَوْلُهُ: «أَمِيرُ نَفْسِهِ» بِالرَّاءِ وَبِالنُّونِ رِوَايَتَانِ. قَوْلُهُ: «إنْ شَاءَ صَامَ» أَيْ أَتَمَّ صَوْمَهُ فَلَا يَرِدُ أَنَّ فَرْضَ الْكَلَامِ أَنَّهُ صَائِمٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فَمَحْمُولٌ عَلَى الْفَرْضِ. قَوْلُهُ: (بِصَوْمٍ وَاجِبٍ) وَلَوْ قَضَاءً لِأَجْلِ قَوْلِهِ " سَوَاءٌ كَانَ قَضَاؤُهُ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهُ) أَيْ الْوَاجِبِ، وَعَلَى هَذَا حُمِلَ قَوْلُهُ: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فَهُوَ خَاصٌّ بِالْفَرْضِ بِخِلَافِ قَطْعِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَاقِي الْأَشْهُرِ) لَمْ يَذْكُرْ الْأَفْضَلَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَمَا بَعْدَهَا. وَحَاصِلُهُ أَنْ يُقَالَ: أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ لِلصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ، وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ ثُمَّ رَجَبُ ثُمَّ الْحِجَّةُ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهِ وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ الْقَعْدَةُ ثُمَّ شَعْبَانُ ز ي أج. وَبَعْضُهُمْ قَدَّمَ الْقَعْدَةَ عَلَى الْحِجَّةِ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ تَقْدِيمُ الْحِجَّةِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهِ وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى يَوْمِ عَرَفَةَ؛ وَالْأَفْصَحُ فَتْحُ قَافِ الْقَعْدَةِ وَكَسْرُ حَاءِ الْحِجَّةِ. وَقَدْ نَظَّمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَفَتْحُ قَافِ قَعْدَةٍ قَدْ صَحَّحُوا وَكَسْرُ حَاءِ حِجَّةٍ قَدْ رَجَّحُوا كَمَا عَلِمْتَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الِاعْتِكَافِ] ِ ذَكَرَهُ عَقِبَ الصِّيَامِ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ شَهَوَاتِهَا، وَلِأَنَّ الَّذِي يُبْطِلُ الصَّوْمَ قَدْ يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ، وَلِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُعْتَكِفِ الصِّيَامَ. قَوْلُهُ: (اللُّبْثُ) أَيْ لُزُومُ الشَّيْءِ وَلَوْ شَرًّا كَمَا عَبَّرَ بِهِ حَجّ، وَقَوْلُهُ " وَالْحَبْسُ " أَيْ حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى الشَّيْءِ فَهُوَ غَيْرُ اللُّبْثِ. وَسُمِّيَ الِاعْتِكَافُ الشَّرْعِيُّ بِذَلِكَ لِمُلَازِمَتِهِ الْمَسْجِدَ وَلُبْثِهِ، يُقَالُ عَكَفَ يَعْكُفُ بِضَمِّ الْكَافِ فِي الْمُضَارِعِ. قَوْلُهُ: (اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَيَشْمَلُ التَّرَدُّدَ، وَأَمَّا الْمُرُورُ بِلَا تَرَدُّدٍ فَلَا يَكْفِي؛ فَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَاصِدًا الْجُلُوسَ فِي مَحَلٍّ مِنْهُ اشْتَرَطَ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ تَأْخِيرَ النِّيَّةِ إلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ أَوْ مُكْثِهِ عَقِبَ دُخُولِهِ قَدْرًا يُسَمَّى عُكُوفًا لِتَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلِاعْتِكَافِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى حَالَ دُخُولِهِ وَهُوَ سَائِرٌ لِعَدَمِ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِلِاعْتِكَافِ؛ كَذَا بَحْثٌ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَاكِثًا أَوْ سَائِرًا مَعَ التَّرَدُّدِ لِتَحْرِيمِهِمْ ذَلِكَ عَلَى الْجُنُبِ حَيْثُ جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ اللُّبْثِ، بِخِلَافِهِ مَعَ الْمُرُورِ بِأَنْ يَدْخُلَ مِنْ بَابٍ وَيَخْرُجَ مِنْ آخَرَ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْعُبُورِ فَلَا تَصِحُّ النِّيَّةُ حِينَئِذٍ ع ش عَلَى م ر بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ) وَهُوَ مَا وَقَفَهُ الْوَاقِفُ مَسْجِدًا لَا رِبَاطًا وَلَا مَدْرَسَةً كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ز ي. فَائِدَةٌ: أَفْتَى شَيْخُنَا ز ي بِأَنَّهُ لَوْ سَمَّرَ حَصِيرًا أَوْ فَرْوَةً أَوْ سَجَّادَةً أَوْ بَنَى مِصْطَبَةً وَوَقَفَهَا مَسْجِدًا صَحَّ ذَلِكَ وَأَجْرَى عَلَيْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ وَلَازَمَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ قَالَ تَعَالَى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125] وَالِاعْتِكَافُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَيْ مَطْلُوبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ فَقَدْ رُوِيَ «مَنْ   [حاشية البجيرمي] أَحْكَامَ الْمَسَاجِدِ، فَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ عَلَيْهَا وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ؛ وَنَحْوُهُ الْمُكْثُ عَلَيْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. وَلَوْ زَالَ تَسْمِيرُ هَذَا ثَبَتَتْ الْمَسْجِدِيَّةِ بَعْدَ زَوَالِهِ وَفِي ق ل. نَعَمْ إنْ جَعَلَ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ بَلَاطًا مَثَلًا وَوَقَفَهُ مَسْجِدًا صَحَّ عَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ خَالٍ مِنْ الْمَوَانِعِ. قَوْلُهُ: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] الْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ الْوَطْءُ كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسَاجِدِ) قَيْدٌ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ، وَإِلَّا فَالْمُعْتَكِفُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْجِمَاعِ حَتَّى خَارِجَ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ حُكْمُ الِاعْتِكَافِ مُنْسَحِبًا عَلَيْهِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ الْمُقَيَّدِ بِالْمُدَّةِ وَالتَّتَابُعِ لِلتَّبَرُّزِ مَثَلًا، وَمَنْ فِي الْمَسْجِدِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ وَلَوْ غَيْرَ مُعْتَكِفٍ؛ فَذِكْرُ الْمَسَاجِدِ لَيْسَ إلَّا لِبَيَانِ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ لَا لِإِخْرَاجِ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ م د. وَعِبَارَةُ ح ل: قَوْلُهُ: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] الْآيَةَ، دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَسْجِدِيَّةِ لِلِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي مَنْعِ مُبَاشَرَةِ الْمُعْتَكِفِ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَيْهِ خَارِجَهُ، لِنَحْوِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَغَيْرُ الْمُعْتَكِفِ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ فِيهِ فَلَيْسَ ذِكْرُهَا إلَّا لِاشْتِرَاطِ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ اهـ. وَقَوْلُهُ " لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَيْهِ خَارِجَهُ " يُمْكِنُ شُمُولُ الْآيَةِ لِهَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَالْمُبَاشَرَةُ فِيهَا أَوْ خَارِجَهَا. قَوْلُهُ: (اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ) أَيْ فِي بَعْضِ السِّنِينَ. وَقَوْلُهُ " الْأَوْسَطَ " اعْتَرَضَهُ فِي الْمِصْبَاحِ بِأَنَّ الْعَشْرَ جَمْعٌ وَالْأَوْسَطَ مُفْرَدٌ وَلَا يُتْبَعُ الْجَمْعُ بِمُفْرَدٍ، قَالَ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَلَطِ النُّسَّاخِ بِإِسْقَاطِ الْأَلْفِ مِنْ الْأَوَاسِطِ. وَقَوْلُهُ " ثُمَّ اعْتَكَفَ " أَيْ فِي سَنَةٍ أُخْرَى، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ اعْتَكَفَ الْأَوَّلَ أَيْضًا م ر. وَذِكْرُ اعْتِكَافِ أَزْوَاجِهِ أَيْ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ اخْتِصَاصِهِ بِرَمَضَانَ وَبِالذِّكْرِ. وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ لِجَوَازِ اعْتِكَافِ الْمُفْطِرِ لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ إجْمَاعًا، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ) أَيْ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ مُطْلَقُ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَّا هُوَ بِالْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَمِنْ خَصَائِصِنَا ق ل. قَوْلُهُ: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 125] أَيْ أَمَرْنَاهُمَا بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: {أَنْ طَهِّرَا} [البقرة: 125] أَيْ بِأَنْ طَهِّرَا، فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً لِتَضَمُّنِ الْعَهْدِ مَعْنَى الْقَوْلِ، يُرِيدُ: طَهِّرَاهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ الْأَدْنَاسِ وَالْأَنْجَاسِ وَالْأَوْثَانِ الْمُعَلَّقَةِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَمِنْ الْقَذِرِ؛ لِمَا قِيلَ إنْ غَنَمَ سَيِّدِنَا إسْمَاعِيلَ كَانَتْ تَبِيتُ فِي الْحِجْرِ. وَقَوْلُهُ {لِلطَّائِفِينَ} [البقرة: 125] أَيْ حَوْلَهُ، {وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125] أَيْ الْمُقِيمِينَ عِنْدَهُ أَوْ الْمُعْتَكِفِينَ فِيهِ كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ. قَوْلُهُ: (سُنَّةً) أَشَارَ بِقَوْلِهِ " سُنَّةً " إلَى حُكْمِهِ، وَبِقَوْلِهِ " مُسْتَحَبَّةٌ " فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَى زَمَانِهِ رَدًّا عَلَى مَنْ مَنَعَهُ لَيْلًا وَلِغَيْرِ الصَّائِمِ ق ل. وَقَوْلُهُ " مُسْتَحَبَّةٌ " تَأْكِيدٌ أَوْ تَأْسِيسٌ إنْ أُرِيدَ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةُ. وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ " مُسْتَحَبَّةٌ " تَأْسِيسًا بِالنَّظَرِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِهِ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ وَقْتٍ) أَيْ حَتَّى أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ تَحَرَّاهَا ع ش. وَيَجِبُ بِالنَّذْرِ وَيَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ بِغَيْرِ إذْنٍ مَعَ الصِّحَّةِ، وَيُكْرَهُ لِذَاتِ الْهَيْئَةِ مَعَ الْإِذْنِ فَتَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ مَا عَدَا الْإِبَاحَةَ أَيْ يَجِبُ بِالنَّذْرِ، وَيَحْرُمُ مِنْ الْمَرْأَةِ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا، وَيُكْرَهُ لَهَا بِالْإِذْنِ إنْ كَانَتْ ذَاتَ هَيْئَةٍ وَيُسَنُّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَهُوَ الْأَصْلُ فِيهِ، وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ الْخُنْثَى اهـ. قَوْلُهُ: (وَلِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ) أَيْ السَّابِقَةِ وَالْآتِيَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 اعْتَكَفَ فُوَاقَ نَاقَةٍ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ نَسَمَةً» وَهُوَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَيُحْيِيهَا بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ لَيَالِيِ السَّنَةِ قَالَ تَعَالَى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَأَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ إنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ فِي لَيَالِي الْعَشْرِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاخْتَارَهُ فِي   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فُوَاقَ نَاقَةٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَآخِرُهُ قَافٌ، أَيْ قَدْرَ زَمَنِ حَلْبِهَا ق ل. وَحُكِيَ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ فَتْحُ الْفَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ بِأَنْ تُحْلَبَ ثُمَّ تُتْرَكَ لِفَصِيلِهَا لِيَدِرَّ اللَّبَنُ ثُمَّ يَعُودُ لِحَلْبِهَا اهـ أج. وَفِي الْحَدِيثِ: «الْعِيَادَةُ قَدْرُ فُوَاقِ نَاقَةٍ» أَيْ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ. وقَوْله تَعَالَى: {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} [ص: 15] أَيْ انْتِظَارٍ وَرَاحَةٍ وَلَا إفَاقَةٍ، وَقِيلَ: مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الدُّنْيَا كَمَا فِي التَّقْرِيبِ. قَوْلُهُ: (نَسَمَةً) النَّسَمَةُ لِلْوَاحِدِ مِنْ الْأَشْخَاصِ وَمُرَادُهُ هُنَا الرَّقِيقُ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وَتَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ لِشَرَفِهَا وَلِتَقْدِيرِ الْأُمُورِ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] وَذِكْرُ الْأَلْفِ إمَّا لِلتَّكْثِيرِ، أَوْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ إسْرَائِيلِيًّا لَبِسَ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ، فَعَجِبَ الْمُؤْمِنُونَ وَتَقَاصَرَتْ إلَيْهِمْ أَعْمَالُهُمْ فَأُعْطُوا لَيْلَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُدَّةِ ذَلِكَ الْغَازِي» اهـ بَيْضَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ " لِشَرَفِهَا " عَلَى أَنَّ الْقَدْرَ بِمَعْنَى الْعَظَمَةِ وَالشَّرَفِ " مِنْ قَوْلِهِمْ: لِفُلَانٍ قَدْرٌ أَيْ شَرَفٌ وَمَنْزِلَةٌ، ثُمَّ إنَّ شَرَفَهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِلْفَاعِلِ فِيهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَنْ أَتَى فِيهَا بِالطَّاعَةِ صَارَ ذَا قَدْرٍ وَشَرَفٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى نَفْسِ الْعَمَلِ اهـ زَادَهُ أَوْ رَاجِعٌ لَهَا نَفْسَهَا أَوْ لِلْمَنْزِلِ فِيهَا كَمَا قَالَهُ الشِّهَابُ. قَالَ ق ل: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْأَفْضَلِيَّةِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ تَخْصِيصِهَا أَيْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ بِمُفْرَدٍ مِنْ مُفْرَدَاتِهِ أَيْ الْعَشْرِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ " لِطَلَبٍ إلَخْ " تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ: وَقَالُوا فِي حِكْمَتِهِ لِطَلَبٍ إلَخْ. وَتَعْلِيلُ الْأَفْضَلِيَّةِ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: أَفْضَلُ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَيُحْيِيهَا بِالصَّلَاةِ) هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْعُلْيَا، وَأَمَّا الطَّرِيقَةُ الدُّنْيَا فَهِيَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ وَيُصَلِّيَ الصُّبْحَ كَذَلِكَ. وَتَرَكَ الشَّارِحُ الطَّرِيقَةَ الْوُسْطَى وَهِيَ أَنْ يُحْيِيَ مُعْظَمَ لَيْلِهَا بِالذِّكْرِ إلَخْ، فَفِيهَا ثَلَاثٌ كَيْفِيَّاتٍ ذَكَرَ الشَّارِحُ اثْنَتَيْنِ وَتَرَكَ وَاحِدَةً. قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ لَيَالِيِ السَّنَةِ) أَيْ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَ لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ أَفْضَلَ اللَّيَالِيِ مُطْلَقًا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الْمُرَادُ بِهَا خُصُوصُ اللَّيْلَةِ الَّتِي عُرِجَ بِهِ فِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى السَّمَاءِ لَا نَظِيرَتُهَا مِنْ كُلِّ عَامٍ. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلِ بَعْضِهِمْ. أَوْلَاك رُؤْيَتَهُ فِي لَيْلَةٍ فَضُلَتْ ... لَيَالِيَ الْقَدْرِ فِيهَا الرَّبُّ رَضَاكَا قَوْلُهُ: {أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَثُلُثُ سَنَةٍ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَا فِي التَّنْزِيلِ أَخَصْرُ كَمَا لَا يَخْفَى م د. قَوْلُهُ: (لَيْسَ فِيهَا إلَخْ) وَإِلَّا لَزِمَ تَفْضِيلُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَرَاتِبَ. قَالَ ق ل: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَلْفَ شَهْرٍ كَامِلَةٌ وَأَنَّهَا تَبْدُلُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ بِلَيْلَةٍ غَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ نَقْصُهَا مِنْهَا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالشُّهُورِ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهَا الْمُنْصَرِفُ إلَيْهَا الِاسْمَ شَرْعًا وَعُرْفًا. قَوْلُهُ: (إيمَانًا) أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهَا حَقٌّ وَطَاعَةٌ، وَاحْتِسَابًا أَيْ إرَادَةَ وَجْهِ اللَّهِ لَا لِرِيَاءٍ؛ شَوْبَرِيُّ. وَنَصْبُهُمَا عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ أَوْ عَلَى الْحَالِ بِتَأْوِيلِهِمَا بِاسْمِ الْفَاعِلِ. قَوْلُهُ: (مِنْ ذَنْبِهِ) أَيْ مِنْ الصَّغَائِرِ أَوْ الْأَعَمِّ دُونَ التَّبَعَاتِ، أَمَّا التَّبَعَاتُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا الِاسْتِحْلَالُ مِنْ مُسْتَحَقِّهَا إنْ كَانَ مَوْجُودًا أَهْلًا لِلِاسْتِحْلَالِ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فَوَارِثُهُ وَالنُّكْتَةُ فِي وُقُوعِ الْجَزَاءِ مَاضِيًا مَعَ أَنَّهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنَّهُ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَأَنَّهَا تَلْزَمُ) لَوْ قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 الْمَجْمُوعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَا يَنَالُ فَضْلَهَا إلَّا مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا لَكِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ التَّعَبُّدُ فِي كُلِّ لَيَالِيِ الْعَشْرِ حَتَّى يَجُوزَ الْفَضِيلَةُ عَلَى الْيَقِينِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ فَضِيلَتُهَا سَوَاءٌ اطَّلَعَ عَلَيْهَا أَمْ لَا وَهَذَا أَوْلَى نَعَمْ حَالُ مَنْ اطَّلَعَ أَكْمَلُ إذَا أَقَامَ وَظَائِفَهَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبِي هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفِيهَا نَحْوُ الثَّلَاثِينَ قَوْلًا وَمِنْ عَلَامَاتِهَا أَنَّهَا طَلِقَةٌ لَا حَارَّةً وَلَا بَارِدَةً وَتَطْلُعُ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَتِهَا بَيْضَاءَ لَيْسَ فِيهَا كَثِيرُ شُعَاعٍ وَيَنْدُبُ أَنْ يَكْثُرَ فِي   [حاشية البجيرمي] وَتَلْزَمُ، لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَوْلَى ق ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " وَأَنَّهَا " مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِ " عَلَى " بِدُونِ إعَادَةِ الْخَافِضِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَالْجُمْهُورُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنَّهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (لَيْلَةً بِعَيْنِهَا) أَيْ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ، يَعْنِي أَنَّ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُجِدَتْ فِيهَا فِي بَعْثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَنْتَقِلُ عَنْهَا إلَى لَيْلَةٍ غَيْرِهَا مِنْ حِينِ مَشْرُوعِيَّتِهَا إلَى الْآنَ. قَوْلُهُ: (جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَمْعِ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ ق ل؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا. وَمَبْنَى الْإِشْكَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحَادِيثِ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ، فَإِنْ أُرِيدَ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَالدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ وَالدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مَثَلًا كَانَ الْجَمْعُ صَحِيحًا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) أَيْ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُ هَذَا) أَيْ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي. قَوْلُهُ: (فَقَدْ أَدْرَكَ إلَخْ) أَيْ أَحْيَاهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً، وَهَذَا أَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْيَاءُ. قَوْلُهُ: (وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ) أَيْ اخْتِيَارُهُ. وَهَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا، وَيُمْكِنُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهَا تَلْزَمُ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ وَلَا تَنْتَقِلُ عَنْهُمَا. وَذَكَرُوا لَهَا ضَابِطًا، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ هَلَّ رَمَضَانُ بِالْجُمُعَةِ فَهِيَ لَيْلَةُ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ هَلَّ بِالسَّبْتِ فَهِيَ لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ هَلَّ بِالْأَحَدِ فَهِيَ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَإِذَا هَلَّ بِالِاثْنَيْنِ فَهِيَ لَيْلَةُ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ هَلَّ بِالثُّلَاثَاءِ فَهِيَ لَيْلَةُ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ هَلَّ بِالْأَرْبِعَاءِ فَهِيَ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ هَلَّ بِالْخَمِيسِ فَهِيَ لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ. وَنَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَإِنَّا جَمِيعًا إنْ نَصُمْ يَوْمَ جُمُعَةٍ ... فَفِي تَاسِعِ الْعِشْرِينَ خُذْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَإِنْ كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَوَّلَ صَوْمِنَا ... فَحَادِي وَعِشْرِينَ اعْتَمِدْهُ بِلَا عُذْرِ وَإِنْ هَلَّ يَوْمُ الصَّوْمِ فِي أَحَدٍ فَفِي ... سَابِعِ الْعِشْرِينَ مَا رُمْت فَاسْتَقْرِي وَإِنْ هَلَّ بِالِاثْنَيْنِ فَاعْلَمْ بِأَنَّهُ ... يُوَافِيك نَيْلُ الْوُصُولِ فِي تَاسِعِ الْعَشْرِيّ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ إنْ بَدَا الشَّهْرُ فَاعْتَمِدْ ... عَلَى خَامِسِ الْعِشْرِينَ تَحْظَى بِهَا قَادِرِ فِي الْأَرْبِعَاءِ إنْ هَلَّ يَا مَنْ يَرُومُهَا ... فَدُونَك فَاطْلُبْ وَصِلْهَا سَابِعَ الْعَشْرِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ إنْ بَدَا الشَّهْرُ فَاجْتَهِدْ ... تُوَافِيك بَعْدَ الْعَشْرِ فِي لَيْلَةِ الْوِتْرِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَرْجَاهَا لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. اهـ. بِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ عَلَامَاتِهَا إلَخْ) وَفَائِدَةُ مَعْرِفَةِ عَلَامَاتِهَا بَعْدَ فَوْتِهَا أَنَّهُ يُسَنُّ اجْتِهَادُهُ فِي يَوْمِهَا كَاجْتِهَادِهِ فِيهَا كَمَا يَأْتِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 لَيْلَتِهَا مِنْ قَوْلِ اللَّهُمَّ إنَّك عَفْوٌ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي يَوْمِهَا كَمَا يَجْتَهِدُ فِي لَيْلَتِهَا وَخُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُسَنُّ لِمَنْ رَآهَا أَنْ يَكْتُمَهَا (وَلَهُ) أَيْ الِاعْتِكَافِ (شَرْطَانِ) أَيْ رُكْنَانِ فَمُرَادُهُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ بَلْ أَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ. الْأَوَّلُ: (النِّيَّةُ) بِالْقَلْبِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَتَجِبُ نِيَّةُ فَرْضِيَّةِ فِي نَذْرِهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ النَّفْلِ وَإِنْ أَطْلَقَ الِاعْتِكَافَ بِأَنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً كَفَتْهُ نِيَّتُهُ، وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ، لَكِنْ لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِلَا عَزْمِ عَوْدٍ وَعَادَ جَدَّدَهَا سَوَاءٌ أَخْرَجَ لِتَبَرُّزٍ أَمْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ مَا مَضَى عِبَادَةً تَامَّةً، فَإِنْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ كَانَتْ هَذِهِ الْعَزِيمَةُ قَائِمَةً مَقَامَ النِّيَّةِ، وَلَوْ قَيَّدَ بِمُدَّةٍ كَيَوْمٍ وَشَهْرٍ   [حاشية البجيرمي] وَأَيْضًا يُسْتَفَادُ بِعَلَامَاتِهَا مَعْرِفَتُهَا فِي بَاقِي الْأَعْوَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (طَلِقَةٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَقَوْلُهُ: " لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ " تَفْسِيرٌ لِطَلِقَةٍ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ فِيهَا كَثِيرُ شُعَاعٍ) أَيْ شُعَاعٌ كَثِيرٌ لِأَنَّهَا تَسْتُرُ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا شُعَاعَهَا فَيَضْعُفُ، أَيْ وَيَسْتَمِرُّ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ؛ مُنَاوِيٌّ ع ش. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي يَوْمِهَا) أَيْ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ بَاقِيَةٌ إلَخْ) وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهَا رُفِعَتْ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ رُفِعَ عِلْمُ عَيْنِهَا، وَلَوْ عُلِّقَ قَبْلَ دُخُولِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ طَلَاقًا مَثَلًا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، طَلُقَتْ بِأَوَّلِ آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْهَا أَيْ مِنْ لَيَالِيِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ؛ لِأَنَّهُ مَضَتْ بِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي إحْدَى لَيَالِيِ الْعَشْرِ، أَوْ عَلَّقَهُ فِي أَثْنَاءِ الْعَشْرِ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ سَنَةٍ تَمْضِي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّتْ بِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ اهـ زَادَ حَجّ: وَلَوْ رَآهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ؛ أَوْ أَخْبَرَهُ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ أَنَّهُ رَآهَا فِي سَنَةِ التَّعْلِيقِ كَلَيْلَةِ الثَّالِثِ أَوْ الْخَامِسِ أَوْ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ،. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكْتُمَهَا) أَيْ لِأَنَّهَا كَرَامَةٌ، وَيَنْبَغِي كَتْمُ الْكَرَامَاتِ؛ قَالَ ق ل: وَهِيَ لَحْظَةٌ صَغِيرَةٌ عَلَى صُورَةِ الْبَرْقِ الْخَاطِفِ وَتَفْضُلُ جَمِيعُ اللَّيْلَةِ لِأَجْلِهَا، وَكَذَا نُزُولُ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ صُعُودًا وَهُبُوطًا بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادِهِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ وَاطِّلَاعِ الرَّبِّ فِيهَا جَمِيعِهَا كَذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ) أَيْ لِتَحَقُّقِهِ وَصِحَّتِهِ وَجَوَازِهِ ق ل قَوْلُهُ: (أَيْ رُكْنَانِ) هَذَا لِمُرَاعَاةِ التَّثْنِيَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّابِعَ وَهُوَ الْمُعْتَكِفُ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يُعَدُّ رُكْنًا وَإِنَّمَا عَدَّهُ غَيْرُهُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ هُنَا رُكْنًا كَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ وُجُودِ صُورَةٍ لَهُ مَحْسُوسَةٍ فِي الْخَارِجِ أَيْ مُشَاهَدَةٍ بِدُونِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ) أَيْ كَنَظِيرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَمَا فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ " النِّيَّةُ " وَيَحْتَمِلُ رُجُوعُهُ لِقَوْلِهِ " بِالْقَلْبِ ". قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَطْلَقَ الِاعْتِكَافَ) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِمُدَّةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَنْذُورًا أَوْ لَا لَكِنَّهُ فِي الْمَنْذُورِ يَقَعُ بَعْضُهُ وَاجِبًا عَنْ النَّذْرِ وَبَعْضُهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَجْزِيهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَرَاتِبَ ثَلَاثَةٌ: إمَّا أَنْ يُطْلَقَ، أَوْ يُقَيَّدَ بِمُدَّةٍ غَيْرِ مُتَتَابِعَةٍ، أَوْ مُتَتَابِعَةٍ. وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا مَنْذُورٌ أَوْ لَا قَوْلُهُ: (كَفَتْهُ نِيَّتُهُ) وَيَكْفِيهِ لَحْظَةٌ فِي النَّذْرِ، فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا وَقَعَ قَدْرُ لَحْظَةٍ مِنْهُ فَرْضًا وَالْبَاقِي مَنْدُوبًا قِيَاسًا عَلَى الرُّكُوعِ إذَا طَوَّلَهُ، كَذَا قِيلَ؛ وَاعْتَمَدَ ع ش وُقُوعَ الْكُلِّ وَاجِبًا هُنَا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّكُوعِ بِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لِأَقَلِّ الرُّكُوعِ قَدْرًا مَعْلُومًا وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ لِأَقَلِّ الِاعْتِكَافِ، قَرَّرَ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (بِلَا عَزْمِ عَوْدٍ) وَهُوَ فِي زَمَنِ خُرُوجِهِ غَيْرِ مُعْتَكِفٍ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا ح ل. قَوْلُهُ: (جَدَّدَ) أَيْ إنْ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ. قَوْلُهُ: (لِتَبَرُّزِ) أَيْ قَضَاءِ حَاجَةٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ) أَيْ لِلِاعْتِكَافِ سَوَاءٌ أَعَادَ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ أَمْ لِغَيْرِهِ، قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: فَلَوْ دَخَلَ بَعْدَ عَزْمِهِ وَخُرُوجِهِ مَسْجِدًا آخَرَ صَارَ مُعْتَكِفًا فِيهِ اهـ. قَالَ أج: فَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ خُرُوجِهِ لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدَ النِّيَّةِ إذَا عَادَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلنِّيَّةِ، قِيَاسًا عَلَى الصَّائِمِ إذَا نَوَى لَيْلًا ثُمَّ جَامَعَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَنْ خَرَجَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ كَأَنْ خَرَجَ لِنَحْوِ تَبَرُّزٍ، فَإِنَّهُ إذَا جَامَعَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ مُعْتَكِفٌ حَقِيقَةً بِخِلَافِ مَنْ خَرَجَ عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ فَإِنَّ زَمَنَ الْخُرُوجِ لَا اعْتِكَافَ فِيهِ أَصْلًا هَذَا مَا بَحْث ع ش. وَقَوْلُهُ " لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ إذَا عَادَ " رَدَّهُ سم فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ بِأَنَّ الْجِمَاعَ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَلَا يُنَافِيهِ إلَّا نَهَارًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 وَخَرَجَ لِغَيْرِ تَبَرُّزٍ وَعَادَ جَدَّدَ النِّيَّةَ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ لِقَطْعِهِ الِاعْتِكَافَ بِخِلَافِ خُرُوجِهِ لِلتَّبَرُّزِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَجْدِيدُهَا، وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَهُوَ كَالْمُسْتَثْنَى عِنْدَ النِّيَّةِ، لَا إنْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فَخَرَجَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فَلَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدٌ سَوَاءٌ أَخْرَجَ لِتَبَرُّزٍ أَمْ لِغَيْرِهِ. (وَ) الثَّانِي (اللُّبْثُ) بِقَدْرِ مَا يُسَمَّى عُكُوفًا أَيْ إقَامَةً، بِحَيْثُ يَكُونُ زَمَنُهَا فَوْقَ زَمَنِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَكْفِي قَدْرُهَا وَلَا يَجِبُ السُّكُونُ بَلْ يَكْفِي التَّرَدُّدُ فِيهِ. وَأَشَارَ إلَى الرُّكْنِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ (فِي الْمَسْجِدِ) فَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَالْجَامِعُ أَوْلَى مِنْ بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ لِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ، وَلِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، بَلْ لَوْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فِيهَا يَوْمَ جُمُعَةٍ وَكَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخُرُوجَ لَهَا وَجَبَ الْجَامِعُ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لَهَا يَبْطُلُ تَتَابُعُهُ، وَلَوْ عَيَّنَ النَّاذِرُ فِي نَذْرِهِ مَسْجِدَ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةَ أَوْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَيَّدَ بِمُدَّةٍ) أَيْ غَيْرِ مُتَتَابِعَةٍ، أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ (جَدَّدَ النِّيَّةَ) أَيْ إنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْعَوْدِ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لِتَجْدِيدِهَا كَمَا مَرَّ فَاحْفَظْهُ م د وح ف. قَوْلُهُ: (لَقَطَعَهُ الِاعْتِكَافُ) أَيْ لَا يَكُونُ زَمَنُهُ مَحْسُوبًا مِنْ زَمَنِ الِاعْتِكَافِ ح ل وح ف. قَوْلُهُ: (وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ) أَيْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِي التَّبَرُّزِ. قَوْلُهُ: (كَالْمُسْتَثْنَى عِنْدَ النِّيَّةَ) فَكَأَنَّهُ قَالَ نَوَيْت اعْتِكَافَ هَذَا الْيَوْمِ إلَّا أَنِّي أَخْرُجَ فِيهِ لِلتَّبَرُّزِ. قَوْلُهُ: (لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ) كَأَكْلٍ وَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَمَرَضٍ وَحَيْضٍ، بِخِلَافِ الْقَاطِعِ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ فَيَسْتَأْنِفُ النِّيَّةَ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (فَلَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدٌ) لِشُمُولِ النِّيَّةِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ مَعَ كَوْنِهِ مُعْتَكِفًا حُكْمًا فِي زَمَنِ الْخُرُوجِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بَلْ يَكْفِي التَّرَدُّدُ) فَالشَّرْطُ إمَّا السُّكُونُ أَوْ التَّرَدُّدُ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْمُرُورِ فَلَا يَكْفِي، قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ: وَيَنْدُبُ لِلْمَارِّ أَنْ يَنْوِيَهُ أَيْ الِاعْتِكَافَ وَيَقِفُ وَقْفَةً تَزِيدُ عَلَى أَقَلِّ طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ نَوَاهُ وَلَمْ يَقِفْ أَوْ وَقَفَ قَدْرَهَا أَوْ دُونَهَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ الرَّحْمَانِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا بُدَّ مِنْ إيقَاعِهَا حَالَ الِاسْتِقْرَارِ فَلَا يَكْفِي حَالُ الْمُرُورِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ الْمَعْلُومِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ) وَلَوْ ظَنًّا بِالِاجْتِهَادِ أَيْ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَوْضِعَانِ: أَحَدُهُمَا مَسْجِدُ بِيَقِينٍ وَمِنْ الْمَسْجِدِ رَحْبَتُهُ الْقَدِيمَةِ وَرَوْشَنٍ مُتَّصِلٍ بِجِدَارِهِ وَهَوَائِهِ وَغُصْنِ شَجَرَةٍ أَصْلُهَا فِيهِ مُطْلَقًا، أَيْ وَإِنْ كَانَ الْغُصْنُ خَارِجَهُ كَمَا قَالَ ق ل وع ش، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي وُقُوفِ عَرَفَةَ وَرَحْبَتِهِ مَا حَوَّطَ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ دُخُولُهَا فِي وَقْفِهِ سَوَاءٌ أَفَصَلَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ عِنْدَ حُدُوثِهِ أَوْ شَكَّ فِيهِ أَمْ لَا. وَأَمَّا حَرِيمُهُ فَهُوَ مَا هُيِّئَ لِإِلْقَاءِ نَحْوِ قُمَامَاتِهِ وَلَيْسَ لَهُ حُكْمُهُ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. وَلَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ يَتَوَقَّفُ فِعْلُهَا عَلَى الْمَسْجِدِيَّةِ إلَّا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ، أَعْنِي الِاعْتِكَافَ وَالطَّوَافَ وَالتَّحِيَّةَ وَمِثْلُهَا الْمَنْذُورَةُ فِيهِ؛ إلَّا أَنَّ الطَّوَافَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَسْجِدٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ إلَخْ) أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) أَيْ الْجَامِعَ وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَجَبَ الْجَامِعُ) أَيْ فَإِنَّ صَلَاتَهُ، فَلَوْ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِ صَحَّ الِاعْتِكَافُ وَإِنْ أَثِمَ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ كَمَا لَوْ نَذَرَ الْجَمَاعَةَ فَصَلَّى مُنْفَرِدًا لِأَجْلِ الْجُمُعَةِ تَصِحُّ وَإِنْ أَثِمَ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ: (مَسْجِدَ مَكَّةَ) الْمُرَادُ بِهِ الْكَعْبَةُ وَالْمَسْجِدُ حَوْلَهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا فِيهَا أَجْزَأَهُ الْمَسْجِدُ حَوْلَهَا خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ. وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ حَوْلَهَا جَمِيعُ الْمَسْجِدِ وَإِنْ اتَّسَعَ، وَإِدْخَالُ الْكَعْبَةَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِبِنَاءِ الْمَلَائِكَةِ لَهَا قَبْلَ آدَمَ وَحُدُوثِ الْمَسْجِدِ بَعْدَهَا، وَنَذَرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 الْأَقْصَى تَعَيَّنَ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا لِمَزِيدِ فَضْلِهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيَقُومُ مَسْجِدُ مَكَّةَ مَقَامَ الْآخَرَيْنِ لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهِمَا، وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهِ، فَلَوْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَلَوْ عَيَّنَ زَمَنَ الِاعْتِكَافِ فِي نَذْرِهِ تَعَيَّنَ. وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ مُعْتَكِفٌ، وَشَرْطُهُ إسْلَامٌ وَعَقْلٌ وَخُلُوٌّ عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ، فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ مَنْ اتَّصَفَ بِضِدِّ شَيْءٍ   [حاشية البجيرمي] الِاعْتِكَافَ فِيهَا غَيْرَ مُنْعَقِدٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ الْمَدِينَةَ " الْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ دُونَ مَا زِيدَ عَلَيْهِ لِاخْتِصَاصِ الْمُضَاعَفَةِ بِغَيْرِ الزِّيَادَةِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ) أَيْ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، فَالْحَدِيثُ وَارِدٌ فِي الْمَسَاجِدِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ غَيْرُ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مُتَمَاثِلَةٌ فِي الْفَضْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ، فَلَا مَعْنَى لِلرَّحِيلِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لِيُصَلَّى فِيهِ، وَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَنْبَغِي شَدُّ الرِّحَالُ لِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِأَجْلِ الزِّيَارَةِ كَشَدِّهَا لِزِيَارَةِ سَيِّدِي أَحْمَدْ الْبَدْوِيِّ؛ لِأَنَّ الشَّدَّ لِلْمَكِينِ وَهُوَ الْوَلِيُّ لَا لِلْمَكَانِ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْمَكَانِ لَمَا ذَهَبَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ إلَيْهِ بِقَصْدِ زِيَارَةٍ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْخَوَارِجِ حَيْثُ تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ سَنِّ زِيَارَةِ أَوْلِيَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَقَوْلُهُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ كَالصَّلَاةِ، فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال، وَلَا يُضَاعَفُ غَيْرُهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ ق ل. وَلَا نَافِيَةٌ وَ " تُشَدُّ " مُضَارِعٌ مَجْهُولٌ، وَهُوَ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ النَّهْيُ، وَهُوَ أَبْلَغُ. وَالرِّحَالُ جَمْعُ رَحْلٍ وَهُوَ لِلْجَمَالِ كَالسُّرُوجِ لِلْخَيْلِ لَا جَمْعُ رَاحِلَةٍ كَمَا تُوهِمُ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا لِأَنَّ رَاحِلَةَ تُجْمَعُ عَلَى رَوَاحِلَ كَضَارِبَةٍ وَضَوَارِبَ وَفَاطِمَةَ وَفَوَاطِمَ وَمَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي شَدُّ الرِّحَالِ عَلَى الرَّوَاحِلِ إلَّا لِلْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ. فَائِدَةٌ: الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ بِمِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَبِمِائَتَيْنِ فِي الْأَقْصَى وَبِمِائَةِ أَلْفٍ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ، وَالصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِصَلَاتَيْنِ فِي الْأَقْصَى وَبِأَلْفٍ فِي غَيْرِهَا أَيْ الثَّلَاثَةِ، وَالصَّلَاةُ فِي الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهَا أَيْ الثَّلَاثَةِ ق ل. وَمِثْلُ الصَّلَاةِ الِاعْتِكَافُ، أَيْ فَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُضَاعَفٌ كَالصَّلَاةِ وَمَا عَدَاهُمَا لَا يَتَضَاعَفُ. وَنَظَّمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ. مِائَةُ أَلْفِ رَكْعَةٍ بِرَكْعَةٍ ... فِي الْمَسْجِدِ الْمَكِّيِّ قَدْ صَلَّيْتِ فِي مَسْجِدِ الْهَادِي بِأَلْفٍ أَثْبِتْ ... فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَه وَهَذَا التَّضْعِيفُ يَرْجِعُ إلَى الثَّوَابِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَصَلَّى بِمَسْجِدِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ وَاحِدَةً لَمْ تَجُزْ عَنْهُمَا كَمَا قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: (لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهِمَا) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» أَيْ وَالْأَقْصَى «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَقَوْلُهُ " إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ " أَيْ وَإِلَّا الْأَقْصَى لِأَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِصَلَاتَيْنِ فَقَطْ، وَالصَّلَاةُ فِي الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةٍ فِي غَيْرِهِ سِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ؛ فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِ الْمَدَنِيِّ وَالْأَقْصَى وَمِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِهِ وَمِنْ مِائَتَيْ صَلَاةٍ فِي الْأَقْصَى كَمَا فِي ق ل وَقَرَّرَهُ ح ف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 مِنْهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ نِيَّةِ الْكَافِرِ وَمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَحُرْمَةِ مُكْثِ مَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ بِالْمَسْجِدِ. (وَلَا يَخْرُجُ مِنْ) الْمَسْجِدِ فِي (الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ) وَلَوْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِمُدَّةٍ وَلَا تَتَابُعَ (إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) مِنْ بَوْلٍ وَغَائِطٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا كَغُسْلٍ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا يَضُرُّ ذَهَابُهُ لِتَبَرُّزِهِ بِدَارٍ لَهُ لَمْ يَفْحُشْ بُعْدُهَا عَنْ الْمَسْجِدِ وَلَا لَهُ دَارٌ أُخْرَى أَقْرَبُ مِنْهَا أَوْ فُحْشٌ وَلَمْ يَجِدْ بِطَرِيقِهِ مَكَانًا لَائِقًا بِهِ فَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِهِ، فَلَا يَجِبُ تَبَرُّزُهُ فِي غَيْرِ دَارِهِ كَسِقَايَةِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ صِدِّيقِهِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُ لِلْمَشَقَّةِ فِي الْأُولَى وَالْمِنَّةِ فِي الثَّانِي. أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ أُخْرَى أَقْرَبُ مِنْهَا أَوْ فُحْشٌ بَعْدَهَا وَوَجَدَ بِطَرِيقِهِ مَكَانًا لَائِقًا بِهِ فَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِذَلِكَ لِاغْتِنَائِهِ بِالْأَقْرَبِ فِي الْأُولَى، وَاحْتِمَالُ أَنْ يَأْتِيَهُ الْبَوْلُ فِي رُجُوعِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَيَبْقَى طُولَ يَوْمِهِ فِي   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَحُرْمَةُ مُكْثِ) هَذِهِ حُرْمَةٌ لِذَاتِ الْمُكْثِ، وَخَرَجَ بِهَا الْحُرْمَةُ لِخَارِجٍ كَاعْتِكَافِ امْرَأَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ حَلِيلِهَا وَرَقِيقٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَمَنْ بِهِ جِرَاحَةُ نَضَّاحَةٌ يَتَنَجَّسُ مِنْهَا الْمَسْجِدُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ صَحِيحٌ، نَعَمْ لَا حُرْمَةَ عَلَى مُكَاتَبٍ لَمْ يَفُتْ بِاعْتِكَافِهِ كَسْبٌ وَلَا عَلَى زَوْجَةٍ فِي غَيْرِ زَمَنِ تَمَتُّعٍ بِأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُحْرِمًا أَوْ مُعْتَكِفًا كَمَا قَالَهُ ق ل، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيمَنْ بِهِ جِرَاحَةٌ نَضَّاحَةٌ عَدَمُ صِحَّةِ اعْتِكَافِهِ لِأَنَّهُ كَالْحَائِضِ م د. وَنَفْيُ الْحُرْمَةِ عَنْ الزَّوْجَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا مُشْكِلٌ، وَعِبَارَةُ م ر: وَقَضِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ عَدَمُ صِحَّةِ اعْتِكَافِ كُلُّ مَنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ كَذِي جُرْحٍ وَقُرُوحٍ وَاسْتِحَاضَةٍ وَنَحْوِهَا حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُ الْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ مَوْضِعُ نَظَرٍ اهـ وَفِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ. وَيَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَإِنْ كَرِهَ لِذَوَاتِ الْهَيْئَةِ، وَحَرُمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدٍ فِي الرَّقِيقِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَزَوْجٌ. نَعَمْ إنْ لَمْ تَفُتْ بِهِ مَنْفَعَةٌ كَأَنْ حَضَرَا الْمَسْجِدَ بِإِذْنِهِمَا فَنَوَيَاهُ جَازَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ. وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَصَحِّ، لَكِنْ إنْ عَجَزَ عَنْ مُؤْنَتِهِ فَلِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ. وَعِبَارَةُ م ر: لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ بِلَا إذْنٍ إنْ أَمْكَنَ كَسْبُهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ لَا يَخْلُ بِهِ أَيْ بِكَسْبِهِ بِأَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلًا، وَالْمُبَعَّضُ كَالْقِنِّ إنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةً فَإِنْ كَانَتْ فَهُوَ فِي نَوْبَتِهِ كَالْحُرِّ وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِمُدَّةٍ) هَذَا التَّعْمِيمُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ق ل، لِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بَيَانُ مَا يَقْطَعُ التَّتَابُعُ وَمَا لَا يَقْطَعُهُ، فَكَلَامُهُ مُقَيَّدٌ بِالْمُدَّةِ وَالتَّتَابُعِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَ، أَعْنِي الَّذِي لَمْ يُقَيِّدْ بِمُدَّةٍ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ لَحْظَةٌ وَالْمُقَيَّدُ بِمُدَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَتَابُعٍ، كَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ مُطْلَقًا كَأَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَأَمَّا إذَا نَذَرَ شَهْرًا مُعَيَّنًا فَهُوَ كَالْمَشْرُوطِ تَتَابُعُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحَشِّي. وَأَجَابَ الْمَرْحُومِيُّ نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ ع ش عَنْ التَّعْمِيمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الِاعْتِكَافِ الْمُطْلَقِ، أَعْنِي الَّذِي لَمْ يُقَيِّدْ بِمُدَّةٍ وَلَا تَتَابُعَ مَعَ قَصْدِ بَقَائِهِ عَلَى اعْتِكَافِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِخُرُوجِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ بَوْلٍ) وَإِنْ كَثُرَ خُرُوجُهُ لِذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَصِلَ إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ اهـ م ر. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ " مِنْ بَوْلٍ إلَخْ " قَيَّدَ الْحَاجَةَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ، وَمِنْهَا مَا شَرَطَ فِي نَذْرِهِ الْخُرُوجَ لَهُ مِنْ عَارِضٍ مَقْصُودٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ كَصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَغَائِطٍ) أَيْ وَرِيحٍ. قَوْلُهُ: (وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ تَفْسِيرِ الْحَاجَةِ، فَيَشْمَلُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَنَحْوَهُمَا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَعْنَى حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ هِيَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحَاجَةُ الْمَعْهُودَةُ، وَيَكُونُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا " إلَى أَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ لَيْسَتْ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (وَلَا لَهُ دَارٌ) أَيْ أَوْ فُحْشٌ وَلَا لَهُ دَارٌ أُخْرَى إلَخْ. قَوْلُهُ (أَوْ فُحْشٌ وَلَمْ يَجِدْ) كَانَ الْأَقْعَدُ أَنْ يُقَدِّمَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا لَهُ دَارٌ أُخْرَى وَيَكُونُ نَظْمُ الْعِبَارَةِ: أَوْ فُحْشٌ وَلَمْ يَجِدْ مَكَانًا لَائِقًا بِهِ وَلَا لَهُ دَارٌ أُخْرَى أَقْرَبُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّارَ الْفَاحِشَةَ مُغْتَفِرَةٌ بِشَرْطِ نَفْيِ أَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (كَسِقَايَةِ الْمَسْجِدِ) أَيْ إنْ كَانَ يَحْتَشِمُ مِنْ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ بِالسِّقَايَةِ هُنَا الْمَحَلُّ الْمُعَدُّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ، وَهُوَ مَا فِيهِ الْمِيضَأَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ لَا مَوْضِعُ الِاسْتِقَاءِ أَيْ الشُّرْبِ، وَهَذَا اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ وَإِلَّا فَفِي الْمِصْبَاحِ: السِّقَايَةُ بِالْكَسْرِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُتَّخَذُ لِسَقْيِ النَّاسِ. قَوْلُهُ (لِاغْتِنَائِهِ بِالْأَقْرَبِ) أَيْ وَاحْتِمَالِ أَنْ يَأْتِيَهُ الْبَوْلُ، وَقَوْلُهُ " وَاحْتِمَالُ إلَخْ " فِي الثَّانِيَةِ أَيْ وَلِاغْتِنَائِهِ بِاللَّائِقِ، فَقَدْ حُذِفَ مِنْ كُلِّ مَا أَثْبَتَهُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ، وَلَا يُكَلِّفُ فِي خُرُوجِهِ لِذَلِكَ الْإِسْرَاعِ بَلْ يَمْشِي عَلَى سَجِيَّتِهِ الْمَعْهُودَةِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ وَاسْتَنْجَى فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ يَقَعُ تَابِعًا لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ لَهُ مَعَ إمْكَانِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ. وَضَبَطَ الْبَغَوِيّ الْفُحْشَ بِأَنْ يَذْهَبَ أَكْثَرُ الْوَقْتِ فِي التَّبَرُّزِ إلَى الدَّارِ، وَلَوْ عَادَ مَرِيضًا فِي طَرِيقِهِ أَوْ زَارَ قَادِمًا فِي طَرِيقِهِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ لَمْ يَضُرَّ مَا لَمْ يَعْدِلْ عَنْ طَرِيقِهِ وَلَمْ يَطُلْ وُقُوفُهُ، فَإِنْ طَالَ أَوْ عَدَلَ انْقَطَعَ بِذَلِكَ تَتَابُعُهُ. وَلَوْ صَلَّى فِي طَرِيقِهِ عَلَى جِنَازَةٍ فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِرْهَا وَلَمْ يَعْدِلْ إلَيْهَا عَنْ طَرِيقِهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِخُرُوجِهِ بِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ لِاعْتِكَافِهِ وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ (أَوْ عُذْرٍ مِنْ حَيْضٍ) أَوْ نِفَاسٍ إنْ طَالَتْ مُدَّةُ الِاعْتِكَافِ بِأَنْ كَانَتْ لَا تَخْلُو عَنْهُ غَالِبًا، أَوْ جَنَابَةٍ مِنْ احْتِلَامٍ لِتَحْرِيمِ الْمُكْثِ فِيهِ حِينَئِذٍ (أَوْ) عُذْرِ (مَرَضٍ) وَلَوْ جُنُونًا أَوْ إغْمَاءً (لَا يُمْكِنُ الْمَقَامُ مَعَهُ) أَيْ يَشُقُّ مَعَهُ الْمَقَامُ فِي الْمَسْجِدِ لِحَاجَةِ فُرُشٍ وَخَادِمٍ وَتَرَدُّدِ طَبِيبٍ، أَوْ يَخَافُ مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ كَإِسْهَالٍ وَإِدْرَارِ بَوْلٍ، بِخِلَافِ مَرَضٍ لَا يُحْوِجُ إلَى الْخُرُوجِ كَصُدَاعٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ فَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِالْخُرُوجِ لَهُ. وَفِي مَعْنَى الْمَرَضِ الْخَوْفُ مِنْ لِصٍّ أَوْ حَرِيقٍ، وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِخُرُوجِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ إلَى مَنَارَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ الْمَسْجِدِ قَرِيبَةٍ مِنْهُ لِلْأَذَانِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ لَهُ مَعْدُودَةٌ مِنْ تَوَابِعِهِ، وَقَدْ اعْتَادَ الرَّاتِبُ   [حاشية البجيرمي] الْآخَرِ فَهُوَ احْتِبَاكٌ. قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّبَرُّزِ. قَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ لَهُ) أَيْ لِلْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ التَّتَابُعُ. قَوْلُهُ: (أَكْثَرُ الْوَقْتِ) أَيْ الْمَنْذُورِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِكُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِتَمَامِهَا كَمَا قَالَهُ ز ي وع ش، فَإِذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ الْمَنْذُورَةُ شَهْرًا وَكَانَ يَخْرُجُ كُلَّ يَوْمٍ لِلتَّبَرُّزِ لِدَارِهِ فَلَمَّا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَجُمِعَتْ الْأَزْمِنَةُ الَّتِي كَانَ يَخْرُجُ فِيهَا كُلَّ يَوْمٍ لِلتَّبَرُّزِ فَوُجِدَتْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ كَانَ هَذَا فُحْشًا وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ كَانَ هَذَا غَيْرُ فُحْشٍ فَلَا يَضُرُّ؛ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (فِي التَّبَرُّزِ إلَى الدَّارِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فِي التَّرَدُّدِ إلَى الدَّارِ؛ وَهِيَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَادَ مَرِيضًا) صَنِيعُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخُرُوجَ ابْتِدَاءٌ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَمِثْلُهُ الْخُرُوجُ لِلصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، ابْنُ شَرَفٍ عَلَى التَّحْرِيرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ طَالَ) بِأَنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، أَيْ أَقَلُّ مُجْزِئٍ مِنْهَا، أَمَّا قَدْرُهَا فَمُحْتَمِلٌ لِجَمِيعِ الْأَغْرَاضِ، مَرْحُومِيٌّ وَح ل وَح ف. قَوْلُهُ: (بِأَنْ كَانَتْ لَا تَخْلُو عَنْهُ غَالِبًا) بِأَنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَيُوَجِّهُ بِأَنَّهُ مَتَى زَادَ زَمَنُ الِاعْتِكَافِ عَلَى أَقَلِّ الطُّهْرِ كَانَتْ مُعْرِضَةً لِطُرُوقِ الْحَيْضِ فَعَذَرَتْ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ غَالِبَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَالِبَ قَدْ يَخْتَلِفُ اهـ شَرْحُ م ر مُلَخَّصًا. وَيَجِبُ الْعَوْدُ فَوْرًا بَعْدَ فَرَاغِ كُلِّ عُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعُ وَإِلَّا بَطَلَ التَّتَابُعُ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ جَنَابَةٍ) أَيْ غَيْرُ مُفْطِرَةٍ كَمَا يَأْتِي، كَأَنْ حَصَلَتْ بِاحْتِلَامٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ. أَمَّا الْمُفْطِرَةُ فَتَقْطَعُ التَّتَابُعَ. قَوْلُهُ: (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجَنَابَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ عُذْرُ مَرَضٍ إلَخْ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، فَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ حُسِبَ زَمَنُ الْمَرَضِ أَوْ الْإِغْمَاءِ دُونَ الْجُنُونِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ. قَوْلُهُ (رَاتِبٌ) وَكَذَا نَائِبُهُ. قَوْلُهُ: (إلَى مَنَارَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَجَمْعُهَا مَنَاوِرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهَا مِنْ النَّوْرِ، وَيَجُوزُ مَنَائِرُ بِالْهَمْزِ تَشْبِيهًا لِلْأَصْلِيِّ بِالزَّائِدِ كَمَا هَمَزُوا مَصَائِبَ مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ مَصَاوِبُ، وَمَا نُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ فَقَدْ قُرِئَ " مَعَائِشَ " بِالْهَمْزِ، شَرْحُ عب. وَقَوْلُهُ " وَهُوَ الْقِيَاس " لِأَنَّ حَرْفَ الْمَدِّ إذَا وَقَعَ ثَالِثًا فِي الْمُفْرَدِ وَكَانَ أَصْلِيًّا يُصَحَّحُ وَلَا يُبَدَّلُ هَمْزًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ زَائِدًا فَإِنَّهُ يُبَدَّلُ هَمْزًا. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثًا فِي الْوَاحِدِ ... هَمْزًا يُرَى فِي مِثْلِ كَالْقَلَائِدِ وَمَنَارَةٍ أَصْلُهَا مَنْوَرَةٌ بِوَزْنِ مِفْعَلَةٌ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ إلَى النُّونِ، ثُمَّ قِيلَ تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ سَابِقًا وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا الْآنَ فَقُلِبَتْ أَلِفًا فَصَارَ مَنَارَةً، وَمِثْلُهَا مَعِيشَةٌ فَيُقَالُ: مُنَاوِرُ وَمَعَايِشُ، بِالْوَاوِ فِي الْأَوَّلِ وَبِالْيَاءِ فِي الثَّانِي. وَأَمَّا قِرَاءَةُ " مَعَائِشَ " بِالْهَمْزِ فَشَاذَّةٌ. اهـ. م د. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 صُعُودَهَا وَأَلِفَ النَّاسُ صَوْتَهُ، فَيُعْذَرُ فِيهِ وَيُجْعَلُ زَمَنُ الْأَذَانِ كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِكَافِهِ. وَيَجِبُ فِي اعْتِكَافِ مَنْذُورٍ مُتَتَابِعٍ قَضَاءَ زَمَنِ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ كَزَمَنِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجَنَابَةٍ غَيْرِ مُفْطِرَةٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ فِيهِ إلَّا زَمَنَ نَحْوِ تَبَرُّزٍ مِمَّا يُطْلَبُ الْخُرُوجُ لَهُ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ عَادَةً كَأَكْلٍ وَغُسْلِ جَنَابَةٍ وَأَذَانِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ، فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنَى إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ مُعْتَكِفٌ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا يَطُولُ زَمَنُهُ كَمَرَضٍ وَعِدَّةٍ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ. (وَيَبْطُلُ) الِاعْتِكَافُ الْمَنْذُورُ وَغَيْرُهُ (بِالْوَطْءِ) مِنْ عَالِمٍ بِتَحْرِيمِهِ ذَاكِرٍ لِلِاعْتِكَافِ سَوَاءٌ أَوَطِئَ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ خَارِجَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (مُنْفَصِلَةٍ عَنْ الْمَسْجِدِ) بِأَنْ لَا يَكُونَ بَابُهَا فِيهِ وَلَا فِي رَحْبَتِهِ شَرْحُ م ر. أَمَّا مَنَارَةُ الْمَسْجِدِ الْمُتَّصِلَةُ بِهِ إنْ كَانَ بَابُهَا فِيهِ أَوْ فِي رَحْبَتِهِ فَلَا يَضُرُّ صُعُودُهَا وَلَوْ لِغَيْرِ الْأَذَانِ وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ سَمْتِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَتَرْبِيعِهِ، إذْ هِيَ فِي حُكْمِ الْمَسْجِدِ كَمَنَارَةٍ مَبْنِيَّةٍ فِيهِ مَالَتْ إلَى الشَّارِعِ، فَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ،. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ قَوْلُهُ: (لِلْأَذَانِ) وَمِثْلُ الْأَذَانِ مَا اُعْتِيدَ الْآنَ مِنْ التَّسْبِيحِ أَوَاخِرَ اللَّيْلِ مِنْ طُلُوعِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ كَمَا قَالَهُ ق ل، بِخِلَافِ مَا يُفْعَلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ قِرَاءَةِ الْعُشُورِ وَالسَّلَامِ فَلَا يُعْذَرُ فِي الْخُرُوجِ لَهُ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ عَلَى التَّحْرِيرِ، وَانْظُرْ الْفَرْقَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ لَهُ) هَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، إذْ إضَافَةُ الْمَنَارَةِ إلَيْهِ لِلِاخْتِصَاصِ؛ حَتَّى لَوْ بُنِيَتْ لَهُ ثُمَّ خَرِبَ الْمَسْجِدُ فَجُدِّدَ مَسْجِدٌ قَرِيبٌ مِنْهَا وَاعْتِيدَ الْأَذَانُ عَلَيْهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَبْنِيَّةِ لَهُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَقَدْ اعْتَادَ الرَّاتِبُ إلَخْ) أَيْ الْمُؤَذِّنُ صُعُودَهُ، يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ بِخُرُوجِهِ لِلْأَذَانِ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا جُزْءَانِ مِنْ الْعِلَّةِ، وَجُعِلَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ شَرْطَيْنِ، فَالشُّرُوطُ سَبْعَةٌ: أَنْ تَكُونَ الْمَنَارَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْمَسْجِدِ، وَأَنْ تَكُونَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ، وَأَنْ تَكُونَ قَرِيبَةً مِنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ رَاتِبًا، وَأَنْ يَكُونَ قَدْ أَلِفَ صُعُودَهَا لِلْأَذَانِ، وَأَنْ يَكُونَ قَدْ أَلِفَ النَّاسُ صَوْتَهُ، وَأَنْ يَخْرُجَ لِلْأَذَانِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَأَلِفَ النَّاسُ صَوْتَهُ) أَيْ اعْتَادُوهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ الْأُنْسِ الْمَعْرُوفِ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَيُعْذَرُ فِيهِ) وَبِحَثِّ الْأَذْرَعِيُّ امْتِنَاعَ الْخُرُوجِ لِلْمَنَارَةِ فِيمَا إذَا حَصَلَ الشِّعَارُ بِالْأَذَانِ يَطْهُرُ السَّطْحُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَكَالْمَنَارَةِ مَحَلٌّ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ اُعْتِيدَ الْأَذَانُ عَلَيْهِ وَيَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ عَالِيًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَالٍ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (كَزَمَنِ حَيْضٍ) أَيْ لَا تَخْلُو عَنْهُ الْمُدَّةُ كَمَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا يَطُولُ زَمَنُهُ) هَذَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى زِيَادَةٍ وَهِيَ الْمَرَضُ وَالْعِدَّةُ. قَوْلُهُ: (وَعِدَّةٍ) أَيْ وَخُرُوجُ الْمَرْأَةِ الْمُعْتَكِفَةُ لِأَجْلِ قَضَائِهَا عِدَّةً لِوُجُوبِهِ أَيْ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا فِي مَسْكَنِهَا، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ عَصَتْ وَصَحَّ اعْتِكَافُهَا. وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ لَا لِذَاتِ الِاعْتِكَافِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَعِدَّةٍ " أَيْ لَمْ تَكُنْ بِاخْتِيَارِهَا، فَإِنْ كَانَتْ بِاخْتِيَارِهَا أَبْطَلَتْ الِاعْتِكَافَ كَأَنْ قَالَ لَهَا: إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ: شِئْت. قَوْلُهُ (وَيَبْطُلُ بِالْوَطْءِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا يُبْطِلُهُ تِسْعَةُ الْوَطْءِ وَالْإِنْزَالِ وَالسُّكْرِ الْمُعْتَدِي بِهِ وَالرِّدَّةِ وَالْحَيْضِ، إي إذَا كَانَتْ مُدَّةُ الِاعْتِكَافِ تَخْلُو عَنْهُ كَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ وَالنِّفَاسُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْخُرُوجُ لِاسْتِيفَاءِ عُقُوبَةٍ ثَبَتَتْ بِإِقْرَارِهِ وَكَذَا الْخُرُوجُ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّ مَاطِلٍ بِهِ وَالْخُرُوجُ لِعِدَّةٍ بِاخْتِيَارِهَا، فَمَتَى طَرَأَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ عَلَى الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ الْمُقَيَّدِ بِالْمُدَّةِ وَالتَّتَابُعُ أَبْطَلَهُ وَخَرَجَ مِنْهُ وَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ وَإِنْ أُثِيبَ عَلَى مَا مَضَى فِي غَيْرِ الرِّدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَتَابُعٍ، فَمَعْنَى بُطْلَانِهِ أَنَّ زَمَنَ ذَلِكَ لَا يُحْسَبُ مِنْ الِاعْتِكَافِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ جَدَّدَ النِّيَّةَ وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا؛ فَمَعْنَى بُطْلَانِهِ أَنَّهُ انْقَطَعَ اسْتِمْرَارُهُ وَدَوَامُهُ وَلَا بِنَاءَ وَلَا تَجْدِيدَ نِيَّةٍ وَمَا مَضَى مُعْتَدٌّ بِهِ وَحَصَلَ بِهِ الِاعْتِكَافُ. وَنَظَّمَهَا م د بِقَوْلِهِ: وَطْءٌ وَإِنْزَالٌ وَسُكْرٌ رَدَّهْ ... حَيْضٌ نِفَاسٌ لِاعْتِكَافٍ مُفْسِدَهْ خُرُوجُهُ مِنْ مَسْجِدٍ وَمَا عُذِرْ ... كَذَاك لِاسْتِيفَا عُقُوبَةِ الْمُقِرْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 حَاجَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لَمَّا فَاتَهُ الْعِبَادَةُ الْبَدَنِيَّةُ. وَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ فَتُبْطِلُهُ إنْ أَنْزَلَ وَإِلَّا فَلَا تُبْطِلُهُ لِمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ، وَخَرَجَ بِالْمُبَاشَرَةِ مَا إذَا نَظَرَ أَوْ تَفَكَّرَ فَأَنْزَلَ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ، وَبِالشَّهْوَةِ مَا إذَا قَبَّلَ بِقَصْدِ الْإِكْرَامِ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ بِلَا قَصْدٍ فَلَا يُبْطِلُهُ إذَا أَنْزَلَ وَالِاسْتِمْنَاءُ كَالْمُبَاشَرَةِ، وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لِلِاعْتِكَافِ أَوْ جَاهِلًا فَكَجِمَاعِ الصَّائِمِ نَاسِيًا صَوْمَهُ أَوْ جَاهِلًا فَلَا يَضُرُّ كَمَا مَرَّ فِي الصِّيَامِ، وَلَا يَضُرُّ فِي الِاعْتِكَافِ التَّطَيُّبُ وَالتَّزَيُّنُ بِاغْتِسَالٍ وَقَصِّ شَارِبٍ وَلُبْسِ ثِيَابٍ حَسَنَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَهُ وَلَا أَمَرَ بِتَرْكِهِ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُزَوِّجَ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ، وَلَا تُكْرَهُ لَهُ الصَّنَائِعُ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْكِتَابَةِ مَا لَمْ يُكْثِرْ مِنْهَا، فَإِنْ أَكْثَرَ مِنْهَا كُرِهَتْ لِحُرْمَتِهِ إلَّا كِتَابَةَ الْعِلْمِ فَلَا يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْهَا لِأَنَّهَا طَاعَةٌ كَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَغْسِلَ يَدَيْهِ فِيهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْكُلَ فِي سُفْرَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَأَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ فِي طَسْتٍ أَوْ نَحْوِهَا لِيَكُونَ أَنْظَفَ لِلْمَسْجِدِ، وَيَجُوزُ نَضْحُهُ بِمُسْتَعْمَلٍ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ مِنْ الْحُرْمَةِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ فِيهِ وَإِسْقَاطِ مَائِهِ فِي أَرْضِهِ مَعَ أَنَّهُ   [حاشية البجيرمي] وَبِخُرُوجِهِ اعْتِكَافُهُ بَطَلْ ... بِأَخْذِ حَقٍّ يَا فَتَى بِهِ مَطَلْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّارِئَ عَلَى الِاعْتِكَافِ الْمُتَتَابِعِ إمَّا أَنْ يَقْطَعَ تَتَابُعَهُ أَوْ لَا، وَاَلَّذِي لَا يَقْطَعُ تَتَابُعَهُ إمَّا أَنْ يُحْسَبَ مِنْ الْمُدَّةِ لَا يَقْضِي أَوْ لَا، فَاَلَّذِي يَقْطَعُهُ هَذِهِ التِّسْعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَاَلَّذِي لَا يَقْطَعُهُ وَيَقْضِي كَالْجَنَابَةِ غَيْرِ الْمُفْطِرَةِ إنْ بَادَرَ بِالطُّهْرِ وَالْمَرَضِ وَالْجُنُونِ وَالْحَيْضِ الَّذِي لَا تَخْلُو عَنْهُ الْمُدَّةُ غَالِبًا، وَالْعِدَّةِ الَّتِي بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا. وَاَلَّذِي لَا يَقْضِي الْإِغْمَاءُ وَالتَّبَرُّزُ وَالْأَكْلُ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ وَأَذَانُ الرَّاتِبِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَطْءَ وَالْمُبَاشَرَةَ بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مُعْتَكِفٍ، وَكَذَا خَارِجُهُ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ دُونَ الْمُسْتَحَبِّ لِجَوَازِ قَطْعِهِ. وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِغِيبَةٍ أَوْ شَتْمٍ أَوْ أَكْلٍ حَرَامٍ، نَعَمْ يَبْطُلُ ثَوَابُهُ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ. وَلَوْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الِاعْتِكَافِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ لَمْ يَبْطُلْ كَالصَّوْمِ؛ م د مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (ذَاكِرٍ) بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِعَالِمٍ، وَبِالنَّصْبِ حَالٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً تُخَصَّصُ بِالْعَمَلِ فِي قَوْلِهِ بِتَحْرِيمِهِ،. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (أَمْ خَارِجَهُ) أَيْ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِعُذْرٍ لَا يَنْقَطِعُ فِيهِ التَّتَابُعُ ق ل؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاعْتِكَافِ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ) أَيْ لَمَّا يَنْقَضِ لِمَسِّهِ الْوُضُوءُ، فَلَا يَبْطُلُ بِلَمْسِ غَيْرِهِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ وَإِنْ أَنْزَلَ كَالصَّوْمِ. اهـ. ق ل. وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ م ر: أَنَّهُ إذَا لَمَسَ مَا لَا يَنْقُضُ لَمْسُهُ كَالْمُحْرِمِ بِشَهْوَةٍ وَأَنْزَلَ بَطَلَ اهـ وَإِطْلَاقُ الشَّارِحِ يُوَافِقُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا تُبْطِلُهُ لِمَا مَرَّ) هُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُفْطِرُ بِالْوَطْءِ بِلَا إنْزَالٍ، فَبِالْإِنْزَالِ مَعَ نَوْعِ شَهْوَةٍ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ) مَحَلُّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ الْإِنْزَالُ بِهِمَا كَمَا فِي الصَّوْمِ أج. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَهُ) كَالشَّفَقَةِ. قَوْله: (وَالِاسْتِمْنَاءُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمُبَاشَرَةٍ، وَقَوْلُهُ " كَالْمُبَاشَرَةِ " أَيْ بِشَهْوَةٍ، فَإِنْ أَنْزَلَ بَطَلَ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ جَامَعَ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْعَامِدِ الْعَالِمِ مَا لَوْ جَامَعَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (تَرَكَهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ التَّطَيُّبِ وَمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (كَرِهَتْ) كَالْمُعَاوَضَةِ بِلَا حَاجَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ، أَيْ إنْ اتَّخَذَهُ حَانُوتًا بِلَا إزْرَاءٍ فَإِنْ أَزَرَى حَرُمَ. وَبِهَذَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ زي وَقَوْلُهُ " لِحُرْمَتِهِ " أَيْ الْمَسْجِدِ. وَيُسَنُّ لِمَنْ رَأَى مَنْ يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيَغْسِلُ يَدَيْهِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ إنْ كَانَتْ أَرْضُهُ تُرَابِيَّةً تَشْرَبُ الْمَاءَ وَإِلَّا حُرِّمَ لِلتَّقْذِيرِ. قَوْلُهُ: فِي طَسْتٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ أَوْ مُعْجَمَةٌ وَيُقَالُ فِيهِ طَسٌّ وَطَسَّةٌ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَيَجُوزُ تَذْكِيرُهَا قَالَ الزَّجَّاجِيُّ التَّأْنِيثُ أَكْثَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ وَقَدْ جَرَى الشَّارِحُ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: أَوْ نَحْوَهَا. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ نَضْحُهُ) أَيْ رَشُّهُ أَيْ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَقْذِيرٌ، وَإِلَّا حَرُمَ. قَوْلُهُ: (لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ فِيهِ) قَالَ م ر: يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالْحُرْمَةِ عَلَى مَا إذَا أَدَّى لِاسْتِقْذَارِ الْمَسْجِدِ وَالْجَوَازُ عَلَى خِلَافِهِ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 مُسْتَعْمَلٌ، وَيَجُوزُ الِاحْتِجَامُ وَالْفَصْدُ فِي إنَاءٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ إذَا أَمِنَ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ، وَيَحْرُمُ الْبَوْلُ فِيهِ فِي إنَاءٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّمَ أَخَفُّ مِنْهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهَا فِي مَحَلِّهَا وَإِنْ كَثُرَتْ إذَا لَمْ تَكُنْ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ اشْتَغَلَ الْمُعْتَكِفُ بِالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ فَزِيَادَةٌ خَيْرٌ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ فِي طَاعَةٍ. خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ لِلْمُعْتَكِفِ الصَّوْمُ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَلَا يَضُرُّ الْفِطْرُ بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ، «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِك» فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً وَلِخَبَرِ أَنَسٍ: «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَبَانَ أَنَّهُ انْقَضَى قَبْلَ نَذْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ اعْتِكَافَ شَهْرٍ قَدْ مَضَى مُحَالٌ. وَهَلْ الْأَفْضَلُ لِلْمُتَطَوِّعِ بِالِاعْتِكَافِ الْخُرُوجُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ أَوْ دَوَامِ الِاعْتِكَافِ؟ قَالَ الْأَصْحَابُ: هُمَا سَوَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّ الْخُرُوجَ لَهَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ لِذَلِكَ وَكَانَ اعْتِكَافُهُ تَطَوُّعًا. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ التَّسْوِيَةِ فِي عِيَادَةِ الْأَجَانِبِ، أَمَّا ذُو الرَّحِمِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَصْدِقَاءِ وَالْجِيرَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُرُوجَ لِعِيَادَتِهِمْ أَفْضَلُ لَا سِيَّمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، وَعِبَارَةُ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ مُصَرَّحَةٌ بِذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.   [حاشية البجيرمي] تَكُنْ بِفِعْلِهِ) قَيْدٌ فِي الْغَايَةِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ الْكَثِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ، فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ عُفِيَ عَنْ قَلِيلِهِ فَقَطْ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَيَحْرُمُ أَيْضًا إدْخَالُ نَجَاسَةٍ فِيهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ فَلَا بِدَلِيلِ جَوَازِ إدْخَالِ النَّعْلِ الْمُتَنَجِّسِ فِيهِ مَعَ أَمْنِ التَّلَوُّثِ. قَوْلُهُ: (أَوْفِ بِنَذْرِك) اعْتَرَضَ بِأَنَّ شَرْطَ النَّاذِرِ الْإِسْلَامَ وَعُمَرُ لَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ أَسْلَمَ. وَأُجِيبُ بِاحْتِمَالِ أَنَّ إسْلَامَ النَّاذِرِ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا لِلنَّذْرِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَمَا أُجِيبُ بِمِثْلِهِ فِي صِحَّةِ إسْلَامٍ عَلِيٍّ حَالَ صِبَاهُ وَبِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَوْفِ بِمِثْلِ نَذْرِكَ اهـ م د. قَوْلُهُ: (لَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْعِيَادَةِ. قَوْلُهُ: (الْأَجَانِبُ) أَيْ غَيْرُ الْأَصْدِقَاءِ وَغَيْرُ الْجِيرَانِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ ق ل: مُقْتَضَى كَلَامِهِ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْأَصْدِقَاءَ وَالْجِيرَانَ لَيْسُوا مِنْ الْأَجَانِبِ؛ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ. وَالْجَارُ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ، فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ؟ وَمَا الْمُرَادُ بِهِ؟ فَرَاجِعْهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَالْخُرُوجُ مِنْ الِاعْتِكَافِ فِي هَذَا مَنْدُوبٌ وَفِيمَا قَبْلَهُ غَيْرُ مَنْدُوبٍ؛ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: يُرَاعَى مَا هُوَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْهُمَا. اهـ. ق ل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 كِتَابُ الْحَجِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ وَهُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ كَمَا   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ الْحَجِّ] ِّ أَيْ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرْجَمَ شَيْئًا وَزَادَ عَلَيْهِ وَلَا يُعَدُّ عَيْبًا ع ش. وَأَعْمَالُهُ كُلُّهَا تَعَبُّدِيَّةٌ، وَقَدْ يَذْكُرُ لَهَا بَعْضَ حُكْمٍ. وَاخْتَصَّ وُجُودُهُ بِأَفْضَلَ الْبِلَادِ ق ل. وَهُوَ آخِرُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَأَخَّرَهُ عَنْ الصَّوْمِ نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ وَلِكَثْرَةِ أَفْرَادِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَاقْتِدَاءً بِالْحَدِيثِ. وَأَرْكَانُ الْإِسْلَامِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: بَدَنِيٌّ مَحْضٌ كَالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَمَالِيٌّ مَحْضٌ كَالزَّكَاةِ، وَمَرْكَبٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الْحَجُّ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمَالَ خَارِجٌ عَنْ الْحَجِّ لِأَنَّ الْحَجَّ كُلَّهُ أَعْمَالٌ. وَاعْتَرَضَ أَيْضًا كَوْنُ الزَّكَاةِ مَالِيًّا مَحْضًا لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ لِلنِّيَّةِ. وَالْحَجُّ يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ حَتَّى التَّبَعَاتِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إنْ مَاتَ فِي حَجِّهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا كَمَا قَالَهُ ز ي، قَالَ ع ش: وَتَكْفِيرُهُ لِمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ لِإِثْمِ الْإِقْدَامِ لَا لِسُقُوطِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا غَصَبَ مَالًا أَوْ قَتَلَ نَفْسًا ظُلْمًا وَعُدْوَانًا غُفِرَ لَهُ إثْمُ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا ذَكَرَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ إنْ تَمَكَّنَ، وَإِلَّا فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ، وَمِثْلُهُ سَائِرُ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. وَهُوَ بَعِيدٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ ز ي، وَكَلَامُ الزِّيَادِيِّ هُوَ الْمَشْهُورُ. وَسَأَلَ م ر عَنْ مُرْتَكِبِ الْكَبَائِرِ الَّذِي لَمْ يَتُبْ مِنْهَا إذَا حَجَّ: هَلْ يَسْقُطُ وَصْفُ الْفِسْقِ وَأَثَرُهُ كَرَدِّ الشَّهَادَةِ أَوْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى تَوْبَةٍ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّوْبَةِ مِمَّا فَسَقَ بِهِ اهـ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَلَوْ قُلْنَا بِتَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِأُمُورِ الْآخِرَةِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ شَهَادَةً بَعْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ سَنَةً اهـ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ: وَحِكْمَةُ تَرَكُّبِ الْحَجِّ مِنْ الْحَاءِ وَالْجِيمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَاءَ مِنْ الْحِلْمِ وَالْجِيمُ مِنْ الْجُرْمِ، فَكَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ: يَا رَبِّ جِئْتُك بِجُرْمِي أَيْ ذَنْبِي لِتَغْفِرَهُ بِحِلْمِك اهـ. وَلِلْحَجِّ فَضَائِلُ لَا تُحْصَى: مِنْهَا خَبَرُ: «مَنْ جَاءَ حَاجًّا يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُشَفَّعُ فِيمَنْ دَعَا لَهُ» وَخَبَرُ «مَنْ قَضَى نُسُكَهُ وَسَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ الْحَاجَّ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، فَإِذَا وَقَفُوا بِعَرَفَاتٍ بَاهَى اللَّهُ بِهِمْ مَلَائِكَتَهُ يَقُولُ: اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي غَفَرْت ذُنُوبَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ قَطْرِ السَّمَاءِ وَرَمْلٍ عَالِجٍ، وَإِذَا رَمَى الْجِمَارَ لَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مَالَهُ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا حَلَقَ شَعْرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَقَطَتْ مِنْ رَأْسِهِ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا قَضَى آخِرَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» اهـ. قَوْلُهُ: (قَصْدُ الْكَعْبَةِ إلَخْ) أَيْ مَعَ فِعْلِ أَفْعَالِ الْحَجِّ ع ش. فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَجَّ الشَّرْعِيَّ قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي وَإِنْ لَمْ يَأْتِي الْقَاصِدُ بِالْأَرْكَانِ. وَعِبَارَةُ م ر بَعْدَ قَوْلِهِ " قَصْدُ الْكَعْبَةِ إلَخْ ": وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّهُ نَفْسُ الْأَفْعَالِ، وَاسْتَدَلَّ بِخَبَرِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْغَالِبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَصْدُ الْكَعْبَةِ إلَخْ، مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ يَكُونُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَزِيَادَةً وَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِي الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ عَرَفَةُ، لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ أَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةُ أَوْ سِتَّةُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ أَرْكَانٌ لِلْمَقْصُودِ لَا لِلْقَصْدِ الَّذِي هُوَ الْحَجُّ، فَتَسْمِيَتُهَا. أَرْكَانُ الْحَجِّ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ أَيْ أَرْكَانُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الْأَفْعَالُ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنْ قَوْلِهِمْ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ يَا حَاجُّ فُلَانٍ تَعْظِيمًا لَهُ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الْحُرْمَةُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ،. فَإِنَّ مَعْنَى يَا حَاجُّ، يَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الْآيَةَ وَلِحَدِيثِ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَلِحَدِيثِ: «حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا قَالُوا: كَيْفَ نَحُجُّ قَبْلَ أَنْ لَا نَحُجَّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْعُدَ الْعَرَبُ عَلَى بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ فَيَمْنَعُونَ النَّاسَ السَّبِيلَ» . وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. يَكْفُرُ جَاحِدُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ رُوِيَ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا حَجَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا يَطُوفُونَ قَبْلَك بِهَذَا الْبَيْتِ بِسَبْعَةِ آلَافِ سَنَةٍ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ حَجَّ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -   [حاشية البجيرمي] مَنْ أَتَى بِالنُّسُكِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ. نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِيَا حَاجُّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَقَصَدَ بِهِ مَعْنًى صَحِيحًا كَأَنْ أَرَادَ بِ " يَا حَاجُّ " يَا قَاصِدَ التَّوَجُّهِ إلَى كَذَا كَالْجَمَاعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا حُرْمَةَ، ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] لَمْ يُسْتَدَلَّ بِهَا أَيْ وَحْدَهَا عَلَى وُجُوبِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْإِعْرَابِ، فَقِيلَ " حَجٌّ " مُبْتَدَأٌ وَ " لِلَّهِ " خَبَرُهُ، وَ " مَنْ " فَاعِلٌ بِالْمَصْدَرِ. وَرُدَّ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَلِلَّهِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَحُجَّ الْمُسْتَطِيعُ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْإِنْسَانُ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ غَيْرِهِ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ. وَقِيلَ " مَنْ " مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ. وَقِيلَ شَرْطِيَّةٌ، وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَلْيَحُجَّ. وَالرَّاجِحُ أَنَّ " مَنْ " بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ " النَّاسِ " مُخَصَّصٌ وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: " مِنْهُمْ " لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ حَجُّ الْوَاقِعِ مُبْتَدَأٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ حَقَّهُ التَّقْدِيمُ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ اهـ رَحْمَانِيٌّ م د. وَقَوْلُهُ {حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] حِجُّ الْبَيْتِ عِبَارَةٌ عَنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَخُصَّ الْبَيْتُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَالطَّوَافُ بِهِ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ وَغَيْرُهُ تَبَعٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (حَجُّ الْبَيْتِ) فَإِنْ قُلْت: لِمَ قَصَرَ الْحَجَّ عَلَى الْبَيْتِ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ كَالْوُقُوفِ وَالسَّعْيِ؟ وَأَيْضًا وَرَدَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَيْتَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ لِشَرَفِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَغَيْرُهُ إنَّمَا هُوَ مَقْصُودٌ تَبَعًا لَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ مُعْظَمَ تَوَابِعِ هَذَا الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ عَرَفَةُ. وَيَنْدُبُ لِلْحَاجِّ الدُّعَاءُ لِغَيْرِهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ وَلِغَيْرِهِ سُؤَالُ الدُّعَاءِ مِنْهُ بِهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ أَيْ الدُّعَاءَ يَمْتَدُّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ قُدُومِهِ، ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. قَوْلُهُ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» أَيْ مِنْ خَمْسٍ فَ " عَلَى " بِمَعْنَى " مِنْ ". وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ أَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَ هِيَ الْإِسْلَامُ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِسْلَامُ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا وَالْمَبْنِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ؟ وَلَا حَاجَةَ إلَى جَوَابِ الْكَرْمَانِيِّ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَالْمَجْمُوعُ غَيْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَرْكَانِهِ اهـ ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ عَلَى الْمُغْنِي. قَوْلُهُ: (حُجُّوا) أَيْ ائْتُوا بِالْحَجِّ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا، أَيْ قَبْلَ أَنْ تُمْنَعُوا مِنْ الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ " أَنْ تَقْعُدَ " تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " أَنْ لَا تَحُجُّوا ". وَقَوْلُهُ " الْأَوْدِيَةِ " جَمْعُ وَادٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ. وَقَوْلُهُ " السَّبِيلَ " أَيْ الْمُرُورَ فِي الطَّرِيقِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، أَمَّا بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا بَعْدَهُ ق ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ " أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدُ وَهُوَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ: وَالْحَجُّ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، أَيْ فَلَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، بَلْ الْقَوْلُ بِذَلِكَ غَرِيبٌ، بَلْ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهَا أَيْضًا لِمَا وَرَدَ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَحَجَّ " لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ يَجِبُ عَلَى أُمَمِهِمْ خِلَافًا لِمَا اسْتَثْنَى مِنْ الْأَنْبِيَاءِ هُودًا وَصَالِحًا كَصَاحِبِ الْمَوَاهِبِ، فَهِيَ مَقَالَةٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا. وَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْأَنْبِيَاءِ عِيسَى وَلَعَلَّ حِكْمَةَ اسْتِثْنَائِهِ هُودًا وَصَالِحًا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ اشْتِغَالُهُمَا بِأَمْرِ قَوْمِهِمَا. قَوْلُهُ: «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا يَطُوفُونَ» هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ اهـ م ر، إلَّا أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ قَوْلُهُ: لَمَّا حَجَّ آدَم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 وَإِنَّهُ حَجَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ الْهِنْدِ مَاشِيًا. وَقِيلَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا حَجَّهُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (إنَّ أَوَّلَ مَنْ حَجَّ) أَيْ مِنْ الْبَشَرِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَ جِبْرِيلِ الْمَارَّ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِمْ يَحُجُّونَ بَلْ يَطُوفُونَ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ حَجَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ الْهِنْدِ مَاشِيًا) عَلَى رِجْلَيْهِ، قِيلَ لِمُجَاهِدٍ: أَفَلَا كَانَ يَرْكَبُ؟ قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ يَحْمِلُهُ؟ وَقَوْلُهُ بَعْدَ إبْرَاهِيمَ لَيْسَ قَيْدًا أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ، أَوْ الْمُرَادُ بَعْدَ طَلَبِهِ لِقَوْلِهِ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] ق ل. وَقَوْلُهُ " طَلَبُهُ " أَيْ لِخَفَائِهِ بِسَبَبِ الطُّوفَانِ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَرْسَلَ اللَّهُ سَحَابَةً بِقَدْرِ الْبَيْتِ فَبَنَى عَلَيْهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَقَوْلُهُ " بَعْدَ إبْرَاهِيمَ " لَعَلَّهُ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ لِظَاهِرٍ قَوْله تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] إلَخْ، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ قَوْلُهُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَحَجَّ» شَامِلٌ لِمَا قَبْلَ إبْرَاهِيمَ ع ش. وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا سَبَبُ بِنَاءِ الْخَلِيلِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -، فَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ مَوْضِعَ الْبَيْتِ قَدْ خَفِيَ وَدَرَسَ مِنْ الْغَرَقِ أَيَّامَ الطُّوفَانِ فَصَارَ مَوْضِعُهُ أَكَمَةً حَمْرَاءَ مَدَرَةً لَا تَعْلُوهَا السُّيُولُ، غَيْرَ أَنَّ النَّاسَ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَوْضِعَ الْبَيْتِ فِيمَا هُنَاكَ وَلَا يُعَيِّنُونَهُ؛ وَكَانَ الْمَظْلُومُ يَأْتِيهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَيَدْعُو عِنْدَهُ فَقَلَّ مَنْ دَعَا هُنَاكَ إلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَحُجُّونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ مَكَانَهُ حَتَّى بَوَّأَهُ اللَّهُ لِخَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَعْلَمَهُ مَكَانَهُ. وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمَّا بَوَّأَ اللَّهُ تَعَالَى لِخَلِيلِهِ مَكَانَ الْبَيْتِ وَأَمَرَهُ بِبِنَائِهِ أَقْبَلَ مِنْ الشَّامِ وَسِنُّهُ يَوْمَئِذٍ مِائَةُ سَنَةٍ وَسِنُّ ابْنِهِ إسْمَاعِيلَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ مَعَهُ السَّكِينَةَ لَهَا رَأْسٌ كَرَأْسِ الْهِرَّةِ وَجَنَاحَانِ وَفِي رِوَايَةٍ: كَأَنَّهَا غَمَامَةٌ فِي وَسَطِهَا مِنْ أَعْلَى كَهَيْئَةِ الرَّأْسِ تَتَكَلَّمُ وَكَانَتْ بِمِقْدَارِ الْبَيْتِ فَلَمَّا انْتَهَى الْخَلِيلُ إلَى مَكَّةَ وَقَفَتْ فِي مَوْضِعِ الْبَيْتِ وَنَادَتْ: يَا إبْرَاهِيمَ ابْنِ عَلَى مِقْدَارِ ظِلِّي لَا تَزِدْ وَلَا تَنْقُصْ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهَا تَطَوَّقَتْ بِالْأَسَاسِ كَأَنَّهَا حَيَّةٌ. ثُمَّ إنَّ الْخَلِيلَ لَمَّا انْتَهَى فِي الْبِنَاءِ إلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ طَلَبَ مِنْ إسْمَاعِيلَ حَجَرًا يَضَعُهُ لِيَكُونَ عَلَمًا عَلَى بَدْءِ الطَّوَافِ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهُ لَمَّا غَرِقَتْ الْأَرْضُ؛ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْحَجَرَ نَفْسَهُ نَادَى الْخَلِيلَ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ: هَا أَنَا ذَا، فَرَقَى إلَيْهِ فَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَقِيلَ: إنَّ الْجَبَلَ نَادَاهُ فَقَالَ لَهُ: يَا إبْرَاهِيمُ لَك عِنْدِي أَمَانَةٌ فَخُذْهَا، وَجَعَلَ الْخَلِيلُ طُولَ الْبَيْتِ فِي السَّمَاءِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ، وَلَعَلَّهُ بِمِقْدَارِ مَا بَنَى وَإِلَّا فَطُولُهُ الْآنَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أَذْرُعُ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طَوِيلَةً، وَعَرْضُهُ عَلَى أَسَاسِ آدَمَ مِنْ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إلَى الرُّكْنِ الشَّامِيِّ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، وَمِنْ الشَّامِيِّ إلَى الْغَرْبِيِّ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَمِنْ الْغَرْبِيِّ إلَى الْيَمَانِيِّ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، وَمِنْ الْيَمَانِيِّ إلَى الْأَسْوَدِ عِشْرُونَ. وَجَعَلَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ غَيْرَ مُبَوَّبٍ لَنَا، حَتَّى كَانَ تُبَّعُ الْحِمْيَرِيُّ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَهُ بَابًا وَغَلْقًا فَارِسِيًّا. «وَلَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فَقَالَ: يَا رَبِّ وَمَا يُبَلِّغُ صَوْتِي؟ فَقَالَ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ، فَنَادَى إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْمَقَامِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَسَمِعَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى مَنْ فِي الْأَصْلَابِ وَالْأَرْحَامِ، فَمَنْ أَجَابَ مَرَّةً حَجًّ مَرَّةً، وَمَنْ أَجَابَ مَرَّتَيْنِ حَجَّ مَرَّتَيْنِ، وَمَنْ أَجَابَ ثَلَاثًا حَجَّ ثَلَاثًا، وَمَنْ أَجَابَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَجَّ بِعَدَدِهِ» . وَقَدْ نَظَّمَ بَعْضُهُمْ جُمْلَةً مِنْ بَنِي الْبَيْتِ فَقَالَ: بَنَى بَيْتَ رَبِّ الْعَرْشِ عَشَرٌ فَخُذْهُمْ ... مَلَائِكَةُ اللَّهِ الْكِرَامِ وَآدَمُ فَشِيثُ فَإِبْرَاهِيمُ ثُمَّ عَمَالِقٌ ... قَصِيُّ قُرَيْشٍ قَبْلَ هَذَيْنِ جُرْهُمُ وَعَبْدُ الْإِلَهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بَنَى كَذَا ... بِنَاءٌ لِحُجَّاجٍ وَهَذَا مُتَمِّمُ وَقَوْلُهُ " بِنَاءً لِحُجَّاجٍ " أَيْ بِجَانِبِ الْحَجَرِ فَقَطْ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَبَعْضُ الْبِنَاءِ كَانَ تَرْمِيمًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 إبْرَاهِيمَ إلَّا وَقَدْ حَجَّ الْبَيْتَ وَادَّعَى بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَاخْتَلَفُوا مَتَى فُرِضَ، فَقِيلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ حَكَاهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ بَعْدَهَا وَعَلَيْهِ قِيلَ فُرِضَ فِي السُّنَّةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي. وَقِيلَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَصَحَّحَاهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَا يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: بَلْ لِلْأَبَدِ» وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَيْهَقِيّ الْآمِرُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ) قَالَ م ر بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: لَكِنْ قَالَ جَمْعٌ إنَّهُ غَرِيبٌ بَلْ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهَا أَيْضًا اهـ أج، فَسَقَطَ قَوْلُ ق ل؛ وَلَمْ يَرِدْ مَا يُنَاقِضُ تِلْكَ الدَّعْوَةَ. قَوْلُهُ: (وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ بَعْدَهَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ شُرِعَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا الصَّلَاةَ كَمَا ذَكَرَهُ م د قَالَ ح ل فِي السِّيرَةِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْأَثِيرِ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ» . وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ «حَجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا حِجَجًا لَا يُعْلَمُ عَدَدُهَا وَكَانَتْ تَطَوُّعًا» . قَوْلُهُ: (أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي) وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ إلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَيْسَ لَهُ نَصٌّ فِي ذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ فِيهِ صَاحِبَاهُ فَذَهَبَ مُحَمَّدٌ إلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي كَالشَّافِعِيِّ وَأَبُو يُوسُفَ إلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ حَيْثُ تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ بِأَنْ اجْتَمَعَتْ شَرَائِطُهُ الْمَذْكُورَةُ فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لَكِنْ يُسَنُّ تَعْجِيلُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الْفَوْرَ، لَكِنْ لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهِ تَبَيَّنَ عِصْيَانُهُ مِنْ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ شَهَادَةً وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَتَّى مَاتَ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا كَمَا لَوْ بَانَ فِسْقُهُ وَإِنْ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ فِسْقٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَلَوْ كَانَ حَكَمَ بِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْحُكْمُ بِهَا قَبْلَ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ لَمْ يُنْقَضْ أَوْ بَعْدَهُ نُقِضَ لِتَبَيُّنِ فِسْقِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ. وَهَلْ الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ الْأَخِيرَةِ أَوَّلُهَا أَوْ آخِرُهَا أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيُتَّجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا زَمَنُ إمْكَانِ الْحَجِّ عَلَى عَادَةِ بَلَدِهِ وَكَمَوْتِهِ فِيمَا ذَكَرَ غَضَبَهُ، فَيَتَبَيَّنُ بَعْدَهُ فِسْقُهُ فِي آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَفِيمَا بَعْدَهَا إلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِنَابَةُ فَوْرًا؛ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِهِ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَوْ خَشِيَ الْغَضَبَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ الْمَوْتِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ هَلَاكُ مَالِهِ؛ سم مَعَ بَعْضِ تَصَرُّفٍ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ) وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْفَرْضَ وَقَعَ سَنَةَ خَمْسٍ وَالطَّلَبَ إنَّمَا تَوَجَّهَ سَنَةَ سِتٍّ أج، أَيْ دَلِيلُ الْفَرْضِ نَزَلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتَوَجَّهَ الطَّلَبُ سَنَةَ سِتٍّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً) فَإِنْ قُلْت: فَلِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ تَجِبْ الْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ؟ وَلِمَ لَمْ يَتَكَرَّرْ كَالصَّلَوَاتِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالطَّهَارَةِ؟ فَالْجَوَابُ: إنَّمَا فَعَلَ الْحَقُّ ذَلِكَ رَحْمَةً بِخَلْقِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ، فَخَفَّفَ فِيهِمَا لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ فِي فِعْلِهِمَا غَالِبًا، لَا سِيَّمَا مَنْ أَتَى مِنْ مَسِيرَةِ سَنَةٍ؛ بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهَا. وَإِنَّمَا قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِاسْتِحْبَابِ الْعُمْرَةِ لَا وُجُوبِهَا لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ فَكَانَتْ كَالنَّوَافِلِ مَعَ الْفَرَائِضِ، ثُمَّ إنَّ فِي ذَلِكَ بِشَارَةً عَظِيمَةً لَنَا بِغُفْرَانِ ذُنُوبِنَا السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ إذَا حَجَجْنَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ وَلَوْلَا هَذِهِ الْمَغْفِرَةُ لَكَرَّرَ الْحَقُّ تَعَالَى عَلَيْنَا الْحَجَّ كُلَّ سَنَةٍ مَثَلًا لِيَغْفِرَ لَنَا ذُنُوبَ كُلِّ سَنَةٍ بِذَلِكَ الْحَجِّ، فَافْهَمْ؛ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّعْرَانِيُّ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: " وَلَا يَجِبُ " أَيْ عَيْنًا، وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كُلَّ عَامٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّسُكَ إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ بِشَرْطِهِ، أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ، أَوْ تَطَوَّعَ وَيُتَصَوَّرُ فِي الْأَرِقَّاءِ وَالصِّبْيَانِ؛ إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يُتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ إلَخْ) وَهَذَا أَدُلُّ دَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ الْفَوْرِيَّةِ أج. فَإِنْ قُلْت: قَدْ يَكُونُ تَأْخِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ لِعُذْرِ الْخِلَافَةِ وَاشْتِغَالِهِ بِأَمْرِهَا؟ قُلْت: قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيَاسِيرُ لَا عُذْرَ لَهُمْ. قَوْلُهُ: (حَجَّةُ الْوَدَاعِ) وَيُقَالُ لَهَا حَجَّةُ الْبَلَاغِ وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ لَهُمْ مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ وَقَالَ لَهُمْ: " هَلْ بَلَّغْت؟ " قَالُوا: نَعَمْ. وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُجَّ مِنْ الْمَدِينَةِ غَيْرَهَا وَكَانَتْ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 بِالْحَجِّ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ حَجَّةً أَدَّى فَرْضَهُ، وَمَنْ حَجَّ ثَانِيَةً دَايَنَ رَبَّهُ، وَمَنْ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ حَرَّمَ اللَّهُ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى النَّارِ» . وَقَدْ يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ لِعَارِضٍ كَنَذْرٍ وَقَضَاءٍ عِنْدَ إفْسَادِ التَّطَوُّعِ وَالْعُمْرَةِ فَرْضٌ فِي الْأَظْهَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامِّينَ. «وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» وَأَمَّا خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ «عَنْ جَابِرٍ: سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ وَلَا تَجِبُ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً.   [حاشية البجيرمي] مِنْ الْهِجْرَةِ. قَوْلُهُ: (لِعَامِنَا) أَيْ هَذَا فَقَطْ. قَوْلُهُ: (الْآمِرُ) بِالْمَدِّ وَالرَّفْعِ صِفَةٌ لِحَدِيثٍ. قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ بِكَوْنِ الثَّلَاثَةِ مُتَوَالِيَةً. قَوْلُهُ: (دَايَنَ رَبَّهُ) أَيْ جَعَلَ لِنَفْسِهِ دَيْنًا عَلَى رَبِّهِ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ ادَّخَرَ ثَوَابًا عِنْدَ رَبِّهِ زَائِدًا عَلَى مَا أَعَدَّ لَهُ فَكَانَ كَالدَّيْنِ. قَوْلُهُ: «حَرَّمَ اللَّهُ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى النَّارِ» أَيْ إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى تَوْبَتِهِ، وَمَعَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ فَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْهُ خِلَافًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَالِ وَالْبَدَنِ؛ وَلِأَنَّا دُعِينَا إلَيْهِ وَنَحْنُ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ كَالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ " بِأَصْلِ الشَّرْعِ ". قَوْلُهُ: (وَقَضَاءٍ عِنْدَ إفْسَادِ التَّطَوُّعِ) وَأَمَّا عِنْدَ إفْسَادِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَالْوَاجِبُ هُوَ بَدَلُ مَا أَفْسَدَهُ، فَكَأَنَّهُ مَا وَجَبَ إلَّا مَرَّةً. قَوْلُهُ: (وَالْعُمْرَةُ) سُمِّيَتْ عُمْرَةً لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْعُمْرِ كُلِّهِ مَرَّةً م ر. قَوْلُهُ: (فَرْضٌ) أَيْ اسْتِقْلَالًا. قَوْلُهُ: (فِي الْأَظْهَرِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْحَجِّ كَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْغُسْلِ. وَرَدَّ بِأَنَّهُمَا أَصْلَانِ فَلَا يُغْنِي الْحَجُّ عَنْهَا وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا أَغْنَى الْغُسْلُ عَنْ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ بَدَلٌ عَنْ الْغُسْلِ لِأَنَّ الْغُسْلَ كَانَ وَاجِبًا لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] إنَّمَا أَتَى بِلَفْظِ " لِلَّهِ " مَعَ أَنَّ كُلَّ الْأَعْمَالِ مِنْ حَجٍّ وَغَيْرِهِ لِلَّهِ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُطْلَبُ فِيهِمَا إخْلَاصُ النِّيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمَا الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ، وَمِنْ الرِّيَاءِ فِيهِ ذِكْرُ مَوَاضِعِهِ وَمَا يَقَعُ فِيهِ وَذَلِكَ يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِقَاصِدِ الْحَجِّ أَنْ يَكُونَ خَلِيًّا مِنْ التِّجَارَةِ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ خَرَجَ بِقَصْدِ التِّجَارَةِ وَالْحَجِّ صَحَّ حَجُّهُ لَكِنْ ثَوَابُهُ دُونَ ثَوَابِ الْخَلِيِّ عَنْ التِّجَارَةِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ الْبَاعِثُ الْأُخْرَوِيُّ أُثِيبَ بِقَدْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُثَابُ أَصْلًا. ثُمَّ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ فِيهِمَا، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ. رَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَحُجُّ أَغْنِيَاؤُهُمْ لِلنُّزْهَةِ وَأَوْسَاطُهُمْ لِلتِّجَارَةِ وَأَغْلَبُهُمْ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَفُقَرَاؤُهُمْ لِلْمَسْأَلَةِ» وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: الْوَفْدُ كَثِيرٌ وَالْحَاجُّ قَلِيلٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ غُفِرَ لِلْحَاجِّ الْمُخْلِصِ، فَإِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِلتُّجَّارِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ مِنًى غَفَرَ اللَّهُ لِلْحَمَّالِينَ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ غَفَرَ اللَّهُ لِلسُّؤَالِ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى مَالٍ حَلَالٍ لِيُنْفِقَهُ فِي سَفَرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا؛ وَفِي الْخَبَرِ: «مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ إذَا لَبَّى قِيلَ لَهُ لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ وَحَجُّك مَرْدُودٌ عَلَيْك» . وَمَنْ حَجَّ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ أَجْزَأَهُ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا بِالْغَصْبِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُجْزِئُهُ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ) لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ يُوهِمُ أَنَّ الشُّرُوعَ لَيْسَ وَاجِبًا، وَإِنَّ الْإِتْمَامَ وَاجِبٌ فَقَطْ؛ دُفِعَ هَذَا الْإِيهَامُ بِقَوْلِهِ " أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ " أَيْ حَالَ كَوْنِهِمَا تَامَّيْنِ، فَالْمُرَادُ بِالْإِتْمَامِ ابْتِدَاءُ الْفَرْضِ وَإِكْمَالُهُ. وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَلْقَمَةَ وَمَسْرُوقٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: " وَأُقِيمُوا الْحَجَّ " بِالْقَافِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ تَعْتَمِرَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، أَيْ وَاعْتِمَارُك خَيْرٌ لَك. قَوْلُهُ: (اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْضًا، وَلَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ شَرْحُ م ر، بَلْ قِيلَ إنَّهُ كَذِبٌ عَنْهُ. وَالْحُفَّاظُ جَمْعُ حَافِظٍ وَهُوَ مَنْ حَفِظَ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْحَجِّ) أَيْ وَالْعُمْرَةِ (سَبْعَةٌ) بَلْ ثَمَانِيَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (الْإِسْلَامُ) فَلَا يَجِبَانِ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ فَلَا يَسْقُطَانِ عَنْهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ مُعْسِرًا اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ أَوْ مُوسِرًا وَمَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ حَجَّ وَاعْتُمِرَ عَنْهُ مَنْ تَرِكَتِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ نُسُكِهِ بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ فَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ. (وَ) الثَّانِي وَالثَّالِثُ (الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ) فَلَا يَجِبَانِ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. (وَ) الرَّابِعُ (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا يَجِبَانِ عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ، وَفِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَيْهِ إضْرَارٌ لِلسَّيِّدِ. (وَ) الْخَامِسُ الِاسْتِطَاعَةُ كَمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فَلَا يَجِبَانِ عَلَى غَيْرِ مُسْتَطِيعٍ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ. وَالِاسْتِطَاعَةُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْحَجِّ سَبْعَةٌ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ فِي كَلَامِهِ ثَمَانِيَةٌ. وَأَيْضًا جَعَلَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَمَا بَعْدَهُمَا شُرُوطًا لِلْوُجُوبِ مَعَ أَنَّهَا شُرُوطٌ لِلِاسْتِطَاعَةِ. وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ عَدَّ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَاحِدًا؛ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ تَجَوَّزَ وَجَعَلَ شَرْطَ الشَّرْطِ شَرْطًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ شُرُوطَ الْوُجُوبِ فِي الْحَقِيقَةِ خَمْسَةٌ: الْأَرْبَعَةُ الْأَوَّلُ وَالِاسْتِطَاعَةُ؛ وَقَوْلُ الْمَتْنِ ". وَوُجُوبُ الزَّادِ إلَخْ " فِي الْحَقِيقَةِ شُرُوطٌ لِلشَّرْطِ الْخَامِسِ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بَلْ ثَمَانِيَةٌ) وَالثَّامِنُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ) وَكَذَا لَوْ اسْتَطَاعَ فِي حَالِ رِدَّتِهِ ق ل. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا لَوْ اسْتَطَاعَ فِي الرِّدَّةِ فَإِنَّ النُّسُكَ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي الرِّدَّةِ، فَإِذَا مَاتَ مَاتَ عَاصِيًا بِعِصْيَانٍ آخَرَ غَيْرَ عِصْيَانِ الرِّدَّةِ وَلَا يَقْضِي عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَنْ الْمَيِّتِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ أَهْلًا لِلْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَسْلَمَ مُعْسِرًا) خَرَجَ مَا لَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُهَا عَنْهُ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ نَحْوَ الزَّكَاةِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَمَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ بَعْدَهُ بِالْأُولَى. قَوْلُهُ: (فَلَا يَمْضِي) أَيْ إذَا أَسْلَمَ أَمَّا إذَا بَقِيَ عَلَى رِدَّتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ " فَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ " أَيْ لَا فِي حَالِ الرِّدَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ وَلَا إذَا أَسْلَمَ لِبُطْلَانٍ إحْرَامِهِ، وَقَوْلُهُ " فِي فَاسِدِهِ " الثَّوَابُ فِي بَاطِلِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَاطِلِهِ. قَوْلُهُ: (الْبُلُوغُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَيْ صَبِيٌّ حَجَّ وَبَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى " وَيُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ ثَوَابُ مَا عَمِلَهُ أَوْ عَمِلَهُ لَهُ وَلِيُّهُ مِنْ الطَّاعَاتِ، وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ إجْمَاعًا؛ بِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَمَجْنُونٌ) أَيْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَبْلَ جُنُونِهِ وَإِنْ جَنَّ بَعْدَ إحْرَامِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَمِنْهُ الْمُبْعِضُ وَإِنْ اسْتَطَاعَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ أَوْ كَانَتْ مُهَايَأَةً قِ ل لِنَقْصِهِ بِالرِّقِّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي نَوْبَتِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَنَافِعَهُ) فِيهِ أَنَّ الْمُبَعَّضَ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَ الْحَجُّ فِي نَوْبَتِهِ لَا تَكُونُ مَنَافِعُهُ مُسْتَحَقَّةً لِسَيِّدِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ بِالْقُوَّةِ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ فَسْخَ الْمُهَايَأَةِ لِكَوْنِ عَقْدِهَا جَائِزًا. قَوْلُهُ: (وَالْخَامِسُ الِاسْتِطَاعَةُ) جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الشَّرْطَ الْخَامِسَ لِلْوُجُوبِ وُجُودَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مَعًا، وَالشَّارِحُ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ وَجَعَلَ الشَّرْطَ هُوَ الِاسْتِطَاعَةُ وَأَنَّ وُجُودَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ شَرْطَانِ لِلِاسْتِطَاعَةِ، وَعَبَّرَ عَنْهُمَا بِشُرُوطٍ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؛ وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَلَوْ أَبْقَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ جَعَلَ تَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ تَجَوَّزَ فِي عَدِّ شَرْطِ الشَّرْطِ شَرْطًا لَكَانَ أَوْلَى ق ل. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى الشَّارِحِ مُسَامَحَةً مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ ذَكَرَ الِاسْتِطَاعَةَ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ شَرْطَيْنِ لِلِاسْتِطَاعَةِ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَهُمَا شَرْطَيْنِ لِلْوُجُوبِ. وَالثَّالِثُ: قَالَ: وَلَهَا شُرُوطٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا اثْنَيْنِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ جَعَلَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ شَرْطَيْنِ لِلِاسْتِطَاعَةِ وَجَعَلَ تَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ وَإِمْكَانَ الْمَسِيرِ شَرْطَيْنِ لِلْوُجُوبِ كَالْمَتْنِ مَعَ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ لِلِاسْتِطَاعَةِ أَيْضًا. وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ الِاسْتِطَاعَةَ بَلْ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ذِكْرِ الزَّادِ وَمَا بَعْدَهُ، فَكَأَنَّ الْمَتْنَ ذَكَرَهَا بِالْقُوَّةِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ عُذْرَهُ مُوَافَقَةُ الْوَاقِعِ مِنْ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ لِلِاسْتِطَاعَةِ لَا لِلْوُجُوبِ فَخَالَفَ الْمَتْنَ لِذَلِكَ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ مُرَادَهُ وَلَهَا شُرُوطٌ أَيْ فِي الْوَاقِعِ فَصَحَّ الْجَمْعُ. وَعَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ، وَلَهَا شُرُوطٌ: أَحَدُهَا (وُجُودُ الزَّادِ) الَّذِي يَكْفِيهِ، وَأَوْعِيَتُهُ حَتَّى السُّفْرَةُ وَكُلْفَةُ ذَهَابِهِ   [حاشية البجيرمي] الرَّابِعِ بِأَنَّ عُذْرَهُ فِي ذَلِكَ تَصْحِيحُ الْعَدَدِ لِلْمَتْنِ إذْ لَوْ جَعَلَهُمَا شُرُوطًا لِلِاسْتِطَاعَةِ كَاَللَّذَيْنِ قَبْلَهُمَا لَزِمَ كَوْنُ الشُّرُوطِ خَمْسَةً بِالنَّظَرِ لِلِاسْتِطَاعَةِ أَوْ أَرْبَعَةً بِغَيْرِهَا، وَكَانَ الْأَظْهَرُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَبَقِيَ خَامِسٌ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ وَلَهَا شُرُوطٌ سَبْعَةٌ ذَكَرَ الْمَاتِنُ مِنْهَا أَرْبَعَةً أَحَدُهَا وُجُودُ إلَخْ؛ وَذَكَرَ الشَّارِحُ ثَلَاثَةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ وَبَقِيَ أَيْ مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ خَامِسٌ وَسَادِسٌ وَسَابِعٌ وَالسَّابِعُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الثَّامِنُ لِشُرُوطِ الْوُجُوبِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ، فَتَأَمَّلْ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كِتَابَةُ الِاسْتِطَاعَةِ مَتْنًا بِقَلَمِ الْحُمْرَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُنَاسِبَةٍ لِكَلَامِ الشَّارِحِ؛ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَجْعَلَ تَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ وَإِمْكَانِ الْمَسِيرِ مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ لَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ " الِاسْتِطَاعَةُ " وَيُعْتَبَرُ فِيهَا وُجُودُ شُرُوطِهَا فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ وَقْتِ خُرُوجِ أَهْلِ حَجِّ بَلَدِهِ إلَى عَوْدِهِمْ إلَيْهِ فَمَتَى أَعْسَرَ فِي جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا اسْتِطَاعَةَ ق ل. وَهَذَا فِي الْحَيِّ، أَمَّا مَنْ مَاتَ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ وَبَعْدَ مُضِيِّ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَعِشْ إلَى عَوْدِهِمْ إلَى الْبَلَدِ فَإِنَّهُ يَحُجُّ مِنْ تَرِكَتِهِ. وَعِبَارَةُ م ر: فَمَنْ مَاتَ غَيْرَ مُرْتَدٍّ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ وَاجِبٌ مُسْتَقَرٌّ وَلَوْ بِنَحْوِ نَذْرٍ بِأَنْ تَمَكَّنَ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ بَعْدَ انْتِصَافِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَمُضِيِّ إمْكَانِ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ دَخَلَ الْحَاجُّ بَعْدَ الْوُقُوفِ ثُمَّ مَاتَ أَثِمَ وَلَوْ شَابًّا وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ الْقَافِلَةُ وَوَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ " وَذَلِكَ " أَيْ التَّمَكُّنُ، وَقَوْلُهُ " بَعْدَ انْتِصَافِ " مُتَعَلِّقٌ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُقَدَّرُ، وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ " ثُمَّ مَاتَ " مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " تَمَكَّنَ "، وَقَوْلُهُ " وَذَلِكَ إلَخْ " مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِبَيَانِ التَّمَكُّنِ، وَقَوْلُهُ " إنْ دَخَلَ " قَيْدٌ فِي السَّعْيِ، وَقَوْلُهُ " إنْ دَخَلَ الْحَاجُّ " أَيْ أَهْلُ بَلَدِهِ، فَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمْ الدُّخُولَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُضِيُّ زَمَنٍ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ " وُجُودُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ " فَفِي كَلَامِهِ تَجُوزُ حَيْثُ عَدَّ شَرْطَ الشَّرْطِ شَرْطًا. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجِبَانِ عَلَى غَيْرِ مُسْتَطِيعٍ) صَرِيحُ كَلَامِهِ كَسَائِرِ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقُدْرَةِ وَلِيٍّ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ وَعَرَفَةَ فِي لَحْظَةِ كَرَامَةٍ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالْأَمْرِ الْعَادِي فَلَا يُخَاطَبُ ذَلِكَ الْوَلِيُّ بِالْوُجُوبِ إلَّا إنْ قَدَرَ كَالْعَادَةِ أَيْ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ كَغَيْرِهِ اهـ. شَرْحُ حَجّ عَلَى الْمِنْهَاجِ، وَمِثْلُهُ سم فِي شَرْحِ الْمَتْنِ؛ وَنَقَلَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمَنْهَجِ عَنْ شَيْخِهِ الطَّبَلَاوِيَّ اخْتِيَارَ الْوُجُوبِ، وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. قَالَ سم: تَنْبِيهٌ: قِيَاسُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ م ر مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَدِينِ النُّزُولُ عَنْ وَظَائِفِهِ بِعِوَضٍ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ لِغَرَضِ وَفَاءِ الدَّيْنِ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ وَظَائِفُ أَمْكَنَهُ النُّزُولُ عَنْهَا بِمَا يَكْفِيهِ لِلْحَجِّ بَعْدَ مُؤْنَةِ عِيَالِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا هِيَ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْحَجُّ بِمَوْقُوفٍ لِمَنْ يَحُجُّ وَجَبَ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَا تَلْحَقُهُ مِنْهُ مَشَقَّةٌ فِي تَحْصِيلِهِ مِنْ نَحْوِ نَاظِرِ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ م ر. وَفِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ: رَجُلٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ وَظَائِفُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ النُّزُولُ عَنْهَا بِمَالٍ لِيَحُجَّ؟ الْجَوَابُ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُ بَيْعِ الضَّيْعَةِ الْمُعَدَّةِ لِلنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةً مَالِيَّةً وَالنُّزُولُ عَنْ الْوَظَائِفِ إنْ صَحَّحْنَاهُ مِثْلُ التَّبَرُّعَاتِ اهـ. لَكِنْ اسْتَقْرَبَ ع ش مَا قَالَهُ الشِّهَابُ م ر دُونَ مَا أَفْتَى بِهِ السُّيُوطِيّ. وَمِثْلُ الْوَظَائِفِ الْجَوَامِكُ وَالْمَحَلَّاتُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَيْهِ إذَا انْحَصَرَ الْوَقْفُ فِيهِ وَكَانَ لَهُ وِلَايَةٌ لِإِيجَارِهِ، فَيُكَلَّفُ إيجَارُهُ مُدَّةً تَفِي بِمُؤَنِ الْحَجِّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ وَظَاهِرُهُ فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ وَلَوْ تَعَطَّلَتْ الشَّعَائِرُ بِنُزُولِهِ عَنْهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَصْحِيحُ عِبَادَةِ غَيْرِهِ اهـ اط ف مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ) وَيُقَالُ لَهَا اسْتِطَاعَةٌ بِالنَّفْسِ. قَوْلُهُ: (وَلَهَا شُرُوطٌ) أَيْ أُمُورٌ لَا تَتَحَقَّقُ الِاسْتِطَاعَةُ إلَّا بِهَا، فَفِي الْعِبَارَةِ مُسَامَحَةٌ إذْ تَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ تَتَحَقَّقُ وَتُوجَدُ خَارِجًا بِدُونِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوط يَتَحَقَّقُ بِدُونِ شَرْطِهِ وَالِاسْتِطَاعَةُ لَا تُوجَدُ إلَّا بِهَا. قَوْلُهُ: (وُجُودُ الزَّادِ) أَيْ وُجُودُ مَا يَصْرِفُهُ فِي الزَّادِ بِأَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى ثَمَنِهِ، فَهَذَا شَرْطٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 لِمَكَّةَ وَرُجُوعِهِ مِنْهَا إلَى وَطَنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ، فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا ذُكِرَ وَلَكِنْ كَانَ يَكْسِبُ فِي سَفَرِهِ مَا يَفِي بِزَادِهِ وَبَاقِي مُؤَنِهِ وَسَفَرِهِ طَوِيلٌ مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرُ لَمْ يُكَلِّفْ النُّسُكَ، وَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ عَنْ الْكَسْبِ لِعَارِضٍ، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ الِانْقِطَاعِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ تَعَبِ السَّفَرِ وَالْكَسْبِ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَإِنْ قَصُرَ سَفَرُهُ وَكَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامِ الْحَجِّ كُلِّفَ الْحَجَّ بِأَنْ يَخْرُجَ لَهُ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ حِينَئِذٍ، وَقَدَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ أَيَّامَ الْحَجِّ بِمَا بَيْنَ زَوَالِ سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ وَزَوَالِ ثَالِثِ عَشْرَةَ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَنْفِرْ النَّفْرَ الْأَوَّلَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ زَادًا وَاحْتَاجَ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ كُرِهَ لَهُ اعْتِمَادًا عَلَى السُّؤَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ وَإِلَّا مُنِعَ بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ لِلْمُكْتَسِبِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ. (وَ) الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ وُجُودُ (الرَّاحِلَةِ) الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ بِثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ، مِثْلُ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرُ، قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ أَمْ لَا، لَكِنْ يَنْدُبُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ الْحَجُّ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَمَنْ   [حاشية البجيرمي] لِوُجُودِ الزَّادِ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِ الَّذِي يُحَصِّلُهُ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِمْكَانُ السَّيْرِ " مِنْ قَوْلِهِ " وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ مَاءٍ وَزَادٍ بِمُحَالٍ إلَخْ " شَرْطٌ لِوُجُوبِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَحَلِّ، فَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. فَالْمُرَادُ بِالْوُجُودِ فِيمَا يَأْتِي مُقَابِلُ الْعَدَمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَجِدْهَا بِالْمُحَالِ الْمَذْكُورَةِ وَوَجَدَ الثَّمَنَ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ. قَوْلُهُ: (وَأَوْعِيَتِهِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الزَّادِ. وَقَوْلُهُ " وَكُلْفَةٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى الزَّادِ؛ وَلَعَلَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِ، وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهَا ق ل، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُؤْنَةُ. قَوْلُهُ: (حَتَّى السُّفْرَةُ) فِي عَطْفِهَا عَلَى الْأَوْعِيَةِ بِحَتَّى الْمُقْتَضَى أَنَّهُ يُقَالُ لَهَا وِعَاءٌ نَظَرٌ، فَرَاجِعْهُ ق ل. وَيُمْكِنُ أَنَّهَا وِعَاءٌ حُكْمًا لِأَنَّهَا تُفْرَشُ لِأَجْلِ وَضْعِ الطَّعَامِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (أَهْلُ) الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ. وَالْوَاوُ فِي " وَعَشِيرَةٍ " بِمَعْنَى " أَوْ ". قَوْلُهُ: (لَمْ يُكَلَّفْ) جَوَابُ " لَوْ ". وَقَوْلُهُ " وَلَوْ كَانَ إلَخْ " غَايَةٌ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ. وَقَوْلُهُ " كِفَايَةُ أَيَّامٍ " أَيْ وَلَوْ جَمِيعُ أَيَّامِ سَفَرِهِ. وَقَوْلُهُ " وَإِنْ قَصُرَ سَفَرُهُ " بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ " فِي يَوْمٍ " مُرَادُهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ سَفَرِهِ وَلَا عِبْرَةَ فِيمَا بَعْدَهُ ق ل؛ أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. فَعَلَيْهِ لَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ كِفَايَةَ يَوْمٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَلَا عِبْرَةَ بِكَسْبِهِ فِي الْحَضَرِ أَيْضًا لِأَنَّ تَحْصِيلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَقَدَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) وَجْهُ اعْتِبَارِ مَا بَعْدَ زَوَالِ السَّابِعِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَأْخُذُ فِي أَسْبَابِ تَوَجُّهِهِ مِنْ الْغَدِ إلَى مِنًى، وَالثَّالِثَ عَشَرَ أَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ الْأَفْضَلَ وَهُوَ إقَامَتُهُ بِمَعْنَى ثَلَاثِ لَيَالٍ؛ ز ي. قَوْلُهُ: (زَوَالُ إلَخْ) قَضِيَّةٌ تَحْدِيدُهَا بِالزِّوَالَيْنِ أَنَّهَا سِتَّةٌ، لَكِنْ اعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ فِيهَا تَمَامُ الطَّرَفَيْنِ أَيْ أَوَّلَ نَهَارِ السَّابِعِ وَأَوَّلَ نَهَارِ الثَّالِثَ عَشَرَ تَغْلِيبًا، فَعَدَّهَا سَبْعَةً. وَظَاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِيمَنْ بِمَكَّةَ، أَمَّا غَيْرُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي حَقِّهِ مَعَ الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ قَدْرُ الْمَسَافَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ذَهَابًا وَإِيَابًا سم عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَيَظْهَرُ فِي الْعُمْرَةِ الِاكْتِفَاءُ بِمَا يَسَعُ أَفْعَالُهَا غَالِبًا وَهُوَ نَحْوُ ثُلْثَيْ يَوْمٍ شَرْحُ م ر. وَقَالَ ز ي: وَهُوَ نِصْفُ يَوْمٍ مَعَ مُؤْنَةِ سَفَرِهِ. قَوْلُهُ: (مَنْ لَمْ يَنْفِرْ إلَخْ) أَمَّا هُوَ فَإِنَّهَا فِي حَقِّهِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مَا بَيْنَ زَوَالِ سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ وَثَانِي عَشْرَةَ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ كَأَنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ. وَقَوْلُهُ " مُنِعَ " أَيْ الْحَجُّ، أَيْ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَوْ الْمَعْنَى مُنِعَ مِنْهُ، فَالضَّمِيرُ لِلشَّخْصِ. قَوْلُهُ: (بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ لِلْمُكْتَسِبِ) أَيْ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ وَلَمْ يَكْتَسِبْ بِالْفِعْلِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ الرَّاجِحُ ق ل. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (وُجُودُ الرَّاحِلَةِ) وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لَأَنْ تَرْحَلَ. وَأَرَادُوا بِهَا هُنَا كُلَّ مَا يَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ بِالنِّسْبَةِ لِطَرِيقِهِ الَّذِي يَسْلُكُهُ وَلَوْ نَحْوَ بَغْلٍ وَحِمَارٍ وَإِنْ لَمْ يَلْقَ بِهِ رُكُوبَهُ وَبَقَرٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ جَوَازِ رُكُوبِهِ ز ي. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَلْقَ إلَخْ) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْحَجُّ لَا بَدَلَ لَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمُعَادِلِ الْآتِي حَيْثُ اُشْتُرِطَتْ فِيهِ اللِّيَاقَةُ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الضَّرَرُ بِمُجَالَسَتِهِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ ع ش عَلَى م ر. وَقَالَ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: الْمُرَادُ بِالرَّاحِلَةِ الْمَرْكُوبُ وَلَوْ آدَمِيًّا حَيْثُ لَاقَ بِهِ رُكُوبَهُ اهـ. وَالْمُرَادُ بِوُجُودِهَا الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا بِشِرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ. قَوْلُهُ: (بِثَمَنٍ إلَخْ) عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتِّبِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ أُجْرَةُ مِثْلٍ " لَا بِزِيَادَةِ، وَإِنْ قُلْت وَقَدَرَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (يَنْدُبُ لِلْقَادِرِ) رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً م ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودِ الرَّاحِلَةِ، فَإِنْ ضَعُفَ عَنْ الْمَشْيِ بِأَنْ عَجَزَ أَوْ لَحِقَهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ فَكَالْبَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ، فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ اُشْتُرِطَ مَحْمَلٌ وَهُوَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَرْكَبُ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ بِعِوَضِ مِثْلِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْأُنْثَى وَأَحْوَطُ لِلْخُنْثَى، وَاشْتَرَطَ شَرِيكٌ أَيْضًا مَعَ وُجُودِ الْمَحْمَلِ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ لِتَعَذُّرِ رُكُوبِ شِقٍّ لَا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ النُّسُكُ، وَإِنْ وَجَدَ مُؤْنَةَ الْمَحْمَلِ بِتَمَامِهِ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً فِي مِثْلِهِ بِالْمُعَادَلَةِ بِالْأَثْقَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ مَا ذُكِرَ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالْمَحْمَلِ وَالشَّرِيكِ فَاضِلِينَ عَنْ دَيْنِهِ حَالًا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا وَعَنْ كُلْفَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، وَعَنْ مَسْكَنِهِ اللَّائِقِ بِهِ الْمُسْتَغْرِقِ لِحَاجَتِهِ، وَعَنْ عَبْدٍ يَلِيقُ بِهِ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ، وَيَلْزَمُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَرَفَةَ مَرْحَلَتَانِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ. وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا لَوْ قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ وَبَعُدَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يُعْتَبَرْ، ز ي. قَوْلُهُ: (يَلْزَمُهُ الْحَجُّ) وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ أَوْ كَانَ امْرَأَةً عَلَى مَا قَالَهُ سم، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا لِأَنَّ شَأْنَهَا الضَّعْفُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ) أَيْ الذَّكَرَ، أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِمَا وُجُودُ الْمَحْمَلِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. فَهَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الشَّارِحِ خِلَافُ ذَلِكَ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ قَوْلَهُ " فِي حَقِّ الرَّجُلِ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ الْمَحْمَلِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ إذَا تَضَرَّرَ. وَقَوْلُهُ " وَلِأَنَّهُ إلَخْ " تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمَا الْمَحْمَلُ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرَا لِأَنَّهُ أَسْتَرُ إلَخْ. فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ حِينَئِذٍ ضَعْفٌ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ) وَهِيَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ. اهـ. م ر. أَوْ يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً، شَرْحُ حَجّ. قَوْلُهُ: (مَحْمِلٌ) بِوَزْنِ مَسْجِدٍ أَوْ مِنْبَرٍ فَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْخَشَبَةُ) أَلْ لِلْجِنْسِ فَتَصْدُقُ بِالْمُتَعَدِّدِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَهُوَ خَشَبٌ أَوْ نَحْوُهُ يُجْعَلُ فِي جَانِبِ الْبَعِيرِ لِلرُّكُوبِ فِيهِ. قَالَ ق ل: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالشُّقْدُفِ. قَوْلُهُ: (وَاشْتَرَطَ شَرِيكٌ) أَيْ وُجُودَهُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّرِيكُ فَاسِقًا وَلَا مَشْهُورًا بِنَحْوِ جُنُونٍ أَوْ خَلَاعَةٍ وَلَا شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْوَلِيمَةِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ هُنَا أَعْظَمُ لِطُولِ مُصَاحَبَتِهِ. وَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ نَحْوُ بَرَصٍ وَأَنْ يُوَافِقَهُ عَلَى الرُّكُوبِ بَيْنَ الْمَحْمِلَيْنِ إذَا نَزَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَجَدَ مُؤْنَةً الْمَحْمِلِ) غَايَةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً فِي مِثْلِهِ بِالْمُعَادَلَةِ) فِي شَرْحِ شَيْخِنَا كحج أَنَّهُ إنْ سَهُلَتْ الْمُعَادَلَةُ بِالْأَثْقَالِ مِنْ زَادٍ وَغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَخْشَ مَيْلًا وَرَأَى مِنْ يُمْسِكُهَا لَهُ لَوْ مَالَتْ عِنْدَ نُزُولِهِ لِنَحْوِ قَضَاءِ حَاجَةٍ اكْتَفَى بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ تَعَيَّنَ الشَّرِيكُ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (فَاضِلِينَ) بِصِيغَةِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَرْبَعَةً، وَلَوْ قَالَ فَاضِلَاتٌ أَوْ فَاضِلَةٌ لَكَانَ صَحِيحًا؛ وَلَعَلَّهُ غَلَبَ الشَّرِيكُ لِكَوْنِهِ مِنْ الْعُقَلَاءِ عَلَى غَيْرِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (عَنْ دَيْنِهِ) سَوَاءٌ كَانَ لِآدَمِيٍّ أَمْ لِلَّهِ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ. وَقَوْلُهُ " حَالًا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا " أَيْ وَلَوْ أَمْهَلَ بِهِ، وَبِهِ قَالَ الْمُحَقِّقُ الْمَحَلِّيُّ لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ مَا مَعَهُ إلَى الْحَجِّ فَقَدْ يَحِلُّ الْأَجَلُ وَلَا يَجِدُ مَا يَقْضِي بِهِ، وَقَدْ تَخْتَرِمُهُ الْمَنِيَّةُ فَتَبْقَى ذِمَّتُهُ مَرْهُونَةً. قَالَ شَيْخُنَا ع ش: وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ " لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ إلَخْ " أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ جِهَةٌ يَرْجُو الْوَفَاءُ مِنْهَا عِنْدَ حُلُولِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ اط ف. قَوْلُهُ: (مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَفْضُلْ عِنْدَ ذَلِكَ كَانَ مُضَيَّعًا لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِدُونِ دَفْعِ ذَلِكَ لَهُمْ، فَقَدْ قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُهُ» إلَّا أَنَّ مَا هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْجِهَادِ نَقْلًا عَنْ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ لَهُمْ نَفَقَةً يَوْمَ الْخُرُوجِ جَازَ سَفَرُهُ لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَفِي كَلَامِ ز ي أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَمَّا فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَا يُكَلَّفُ بِدَفْعِهَا حَالًا لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ أَوْ فَصْلًا بِفَصْلٍ اهـ. وَعَلَيْهِ فَمَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ بَاطِنًا، وَمَا فِي الْجِهَادِ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ ظَاهِرًا ع ش. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَغْرِقُ لِحَاجَتِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَخَرَجَ مَا زَادَ عَلَى حَاجَتِهِ فَيُبَاعُ الزَّائِدُ وَيَحُجُّ بِثَمَنِهِ. قَوْلُهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 (وَ) الشَّرْطُ السَّادِسُ لِلْوُجُوبِ (تَخْلِيَةُ الطَّرِيقِ) أَيْ أَمْنُهُ وَلَوْ ظَنًّا فِي كُلِّ مَكَان بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ، فَلَوْ خَافَ فِي طَرِيقِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ أَوْ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ مَعَهُ أَوْ عُضْوِهَا أَوْ مَالِهِ وَلَوْ يَسِيرًا سَبُعًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ رَصَدِيًّا وَلَا طَرِيقَ لَهُ سِوَاهُ لَمْ يَجِبْ النُّسُكُ عَلَيْهِ لِحُصُولِ الضَّرَرِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْنِ الْأَمْنُ الْعَامُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخَوْفُ فِي حَقِّهِ وَحْدَهُ قَضَى مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ. وَيَجِبُ رُكُوبُ الْبَحْرِ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فِي رُكُوبِهِ وَتَعَيَّنَ طَرِيقًا كَسُلُوكِ طَرِيقِ الْبَرِّ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ، فَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ لَمْ يَجِبْ بَلْ يَحْرُمُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ. (وَ) السَّابِعُ (إمْكَانُ الْمَسِيرِ) إلَى مَكَّةَ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ السَّيْرِ الْمُعْتَادِ لِأَدَاءِ النُّسُكِ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ لِاسْتِقْرَارِهِ لَا لِوُجُوبِهِ، فَقَدْ صَوَّبَ   [حاشية البجيرمي] مَا تِجَارَتُهُ) أَيْ وَثَمَنُ ضَيْعَتِهِ الَّتِي يَسْتَغِلُّهَا وَإِنْ بَطَلَتْ تِجَارَتُهُ وَمُسْتَغِلَّاتُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهَا فِي دَيْنِهِ. وَفَارَقَ الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ بِأَنَّهُ. يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا فِي الْحَالِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ يَتَّخِذُهُ ذَخِيرَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ شَرْحُ الرَّوْضِ، وَلَوْ اسْتَغْنَى بِسُكْنَى الرَّبْطِ وَجَبَ بَيْعُ مَسْكَنِهِ. وَلَا يَلْزَمُ بَيْعُ آلَةِ مُحْتَرَفٍ وَلَا كُتُبِ فَقِيهٍ وَلَا بَهَائِمَ زُرَّاعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْأَفْضَلُ لِخَائِفِ الْعَنَتِ تَقْدِيمُ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ نَاجِزَةٌ. وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي، وَقَدْ صَرَّحَ كَثِيرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ بِوُجُوبِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا، فَإِنْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ فَتَقْدِيمُ الْحَجِّ أَوْلَى، وَإِذَا قَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَى الْحَجِّ وَمَاتَ كَانَ عَاصِيًا؛ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَمْنُهُ) أَيْ أَمْنٌ فِيهِ لَائِقٌ بِالسَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يَلْقَ بِالْحَضَرِ. قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ) أَيْ بِالطَّرِيقِ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ أَمْنَ السَّفَرِ دُونَ أَمْنِ الْحَضَرِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَالُهُ) أَيْ الَّذِي يَحْتَاجُ لِاسْتِصْحَابِهِ مَعَهُ لَا مَا مَعَهُ مِنْ مَالِ تِجَارَةٍ أَمِنَ عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ، ز ي، قَوْلُهُ: (سَبْعًا) مَفْعُولُ " خَافَ ". قَوْلُهُ: (أَوْ رَصَدِيًّا) بِالْمُهْمَلَاتِ مَفْتُوحُ الْأَوَّلِينَ، وَهُوَ مَنْ يَقِفُ فِي الطَّرِيقِ يَرْصُدُ مَنْ يَمُرُّ بِهَا لِيَأْخُذَ مَالَهُ وَمَا مَعَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ قَتْلِهِ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ الَّذِي يَطْلُبُهُ، وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْخَفِيرُ أُجْرَةَ الْخِفَارَةِ ق ل مَعَ زِيَادَةٍ. وَقَوْلُهُ " وَلَوْ بِغَيْرِ قَتْلِهِ " بِهِ فَارَقَ الْعَدُوَّ، نَعَمْ إنْ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ الرَّصَدِيُّ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبُهُ بِأَنْ جَعَلَهُ لَهُ وَجَبَ الْحَجُّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ النُّسُكُ) بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ، بَلْ رُبَّمَا حَرُمَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الضَّرَرُ. قَوْلُهُ: (قَضَى مِنْ تَرِكَتِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَحُجَّ وَمَاتَ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ خَوْفِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَوْفِ الْعَامِ وَالْخَاصِّ فَيُشْتَرَطُ عَدَمُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأَمْنِ الْعَامِ وَالْخَاصِّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ رُكُوبُ الْبَحْرِ) أَيْ عَلَى الرَّجُلِ، وَكَذَا عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ وُجِدَتْ لَهَا مَحَلًّا تَنْعَزِلُ فِيهِ عَنْ الرِّجَالِ. وَخَرَجَ بِالْبَحْرِ أَيْ الْمِلْحِ الْأَنْهَارُ الْعَظِيمَةُ كَسِيحُونَ وَالنِّيلِ فَيَجِبُ رُكُوبُهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ فِيهَا لَا يَطُولُ وَالْخَوْفُ لَا يَعْظُمُ، خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ حَيْثُ قَالَ: مَحَلُّهُ إذَا كَانَ يَقْطَعُهُ عَرْضًا وَإِلَّا فَهِيَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ كَالْبَحْرِ وَأَخْطَرُ. وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْبَرَّ فِيهَا قَرِيبٌ يَسْهُلُ الْوُصُولُ إلَيْهِ، ز ي. قَوْلُهُ: (أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ) أَيْ اسْتِوَاءً عُرْفِيًّا لَا حَقِيقِيًّا، فَالْمُرَادُ الِاسْتِوَاءُ وَمَا قَارَبَهُ، فَلَا يَلْزَمُ رُكُوبُهُ فِيمَا إذَا كَانَ يَغْرَقُ فِيهِ تِسْعَةٌ وَيَسْلَمُ عَشْرَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ حَجّ. قَوْلُهُ: (قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ) الصَّوَابُ حَذْفُ " عَلَيْهِ " لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهَا، مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ عَدُّ إمْكَانِ الْمَسِيرِ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ) أَيْ إمْكَانُ الْمَسِيرِ يُشْتَرَطُ لِاسْتِقْرَارِهِ، أَيْ الْحَجِّ فِي ذِمَّتِهِ لَيَجِبَ قَضَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ لَا لِوُجُوبِهِ أَيْ الْحَجِّ، أَيْ لَيْسَ شَرْطًا لِأَصْلِ الْوُجُوبِ. قَالَ سم: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يَبْقَ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ السَّفَرُ بَيْنَ أَنْ يَقْطَعَ بِعَدَمِ الْوُصُولِ فِيهِ أَوْ لَا؛ لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَأَوْهَمَتْ عِبَارَةُ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّ مَنْ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ قَبْلَ عَرَفَةَ بِيَوْمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ شَهْرٌ وَمَاتَ تِلْكَ السَّنَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ ثُمَّ سَقَطَ، وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ. وَرُدَّ بِأَنَّ السَّرَخْسِيَّ وَالسِّنْجِيَّ قَالَاهُ. قَوْلُهُ: (لِاسْتِقْرَارِهِ) فَإِنْ لَمْ يَبْقَ زَمَنٌ يَسَعُ السَّيْرَ بَعْدَ وُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ بِأَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ إلَّا بَعْدَ ذَهَابِ الْحَاجِّ فَابْنُ الصَّلَاحِ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: إنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ وُجُوبُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 النَّوَوِيُّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا يَشْهَدُ لَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ رُفْقَةٍ يَخْرُجُ مَعَهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالْخُرُوجِ فِيهِ، وَأَنْ يَسِيرُوا السَّيْرَ الْمُعْتَادَ، فَإِنْ خَرَجُوا قَبْلَهُ أَوْ أَخَّرُوا الْخُرُوجَ بِحَيْثُ لَا يَصِلُونَ مَكَّةَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ، أَوْ كَانُوا يَسِيرُونَ فَوْقَ الْعَادَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْخُرُوجُ هَذَا إنْ اُحْتِيجَ إلَى الرُّفْقَةِ لِدَفْعِ الْخَوْفِ، فَإِنْ أَمِنَ الطَّرِيقَ بِحَيْثُ لَا يَخَافُ الْوَاحِدُ فِيهَا لَزِمَهُ، وَلَا حَاجَةَ لِلرُّفْقَةِ وَلَا نَظَرَ إلَى الْوَحْشَةِ بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِمَا هُنَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ. وَالثَّامِنُ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَهُوَ مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَوْ فِي مَحْمَلٍ وَنَحْوِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا أَصْلًا أَوْ ثَبَتَ فِي مَحْمَلٍ عَلَيْهَا لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لِكِبَرٍ أَوْ نَحْوِهِ انْتَفَى عَنْهُ اسْتِطَاعَةُ الْمُبَاشَرَةِ وَلَا تَضُرُّ مَشَقَّةٌ تُحْتَمَلُ فِي الْعَادَةِ. وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ مَاءٍ وَزَادٍ بِمَحَالٍّ يَعْتَادُ حَمْلُهَا مِنْهَا بِثَمَنٍ مِثْلٍ زَمَانًا وَمَكَانًا، وَوُجُودُ عَلَفِ دَابَّةٍ كُلَّ مَرْحَلَةٍ، وَخُرُوجُ نَحْوِ زَوْجِ امْرَأَةٍ كَمُحْرِمِهَا وَعَبْدِهَا أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ مَعَهَا لِتَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهَا وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَحْرَمٌ» وَيَكْفِي فِي الْجَوَازِ لِفَرْضِهَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَسَفَرُهَا وَحْدَهَا إنْ أَمِنَتْ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُ مَنْ ذُكِرَ بِأُجْرَةٍ فَيَلْزَمُهَا أُجْرَتُهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِهَا، فَيُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ النُّسُكِ لَهَا قُدْرَتُهَا عَلَى   [حاشية البجيرمي] عَلَيْهِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَإِنْ كَانَ يُوصَفُ بِالْإِيجَابِ وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَنْهُ قَطْعًا كَمَا قَالَ ح ل. وَعَلَى كَلَامِ غَيْرِ ابْنِ الصَّلَاحِ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ مِنْ أَصْلِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ أَيْ وَالنَّفَلُ فِي جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَنْهُ خِلَافُ الْأَصَحِّ الْجَوَازُ. قَوْلُهُ: (فَقَدْ صَوَّبَ) مُفَرَّعٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: " وَاعْتِرَاضُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَقَدْ. . . إلَخْ ". قَوْلُهُ: (أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ النَّوَوِيَّ صَوَّبَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانُوا إلَخْ) أَيْ أَوْ لَمْ يُؤَخِّرُوا الْخُرُوجَ لَكِنْ كَانُوا يَسِيرُونَ إلَخْ، فَهُوَ مُغَايِرٌ لِمَا قَبْلَهُ؛ وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " السَّيْرُ الْمُعْتَادُ ". قَوْلُهُ: (بِخِلَافِهَا) أَيْ الْوَحْشَةُ فِي التَّيَمُّمِ بِأَنْ كَانَ يَلْزَمُ عَلَى تَخَلُّفِهِ لِتَحْصِيلِ مَاءِ الْوُضُوءِ الْوَحْشَةِ. قَوْلُهُ: (بِمَشَقَّةِ) أَيْ تُبِيحُ التَّيَمُّمَ أَوْ يَحْصُلُ بِهَا ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً حَجّ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ مَاءٍ) أَيْ وُجُودُ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ، فَالْمُرَادُ هُنَا حُصُولُ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ وَفِيمَا مَرَّ الْقُدْرَةُ عَلَى ثَمَنِهِ فَلَا تَكْرَارَ قَوْلُهُ: (بِثَمَنِ مِثْلٍ) نَعَمْ تُغْتَفَرُ الزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ، وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ وَهُوَ الْقَدْرُ اللَّائِقُ بِهِ فِي شِرَاءِ مَاءِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا بِخِلَافِ الْحَجِّ م ر قَوْلُهُ: (كُلُّ مَرْحَلَةٍ) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنْ يُعْتَبَرَ وُجُودُ الْعَلَفِ فِي الْمُحَالِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهَا مِنْهَا نَظِيرُ مَا قَبْلَهُ كَالْبَنَادِرِ قَوْلُهُ: (زَوْجٍ) وَلَوْ غَيْرَ ثِقَةٍ وَكَذَا الْمُحْرِمُ؛ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ رِضَاهُ بِالزِّنَا بِهَا. وَهَذَا هُوَ الشَّرْطُ السَّابِعُ مِنْ شُرُوطِهِ الِاسْتِطَاعَةُ. قَوْلُهُ: (أَوْ نِسْوَةٍ) أَيْ اثْنَتَانِ فَأَكْثَرَ ق ل، أَيْ مُتَّصِفَاتٌ بِالْعَدَالَةِ وَلَوْ إمَاءً. وَيَتَّجِهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُرَاهِقَاتِ لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِنَّ ذَوَاتِ فِطْنَةٍ، وَلَا فَرْقَ فِي النِّسْوَةِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَالْمَحَارِمِ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحَارِمِ الْعَدَالَةُ لِأَنَّ لَهُنَّ الْغَيْرَةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كُنَّ غَيْرَ عُدُولٍ. قَالَ م د: وَكَالْمَرْأَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ الْخُنْثَى، وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي حَقِّهِ بِالنِّسْوَةِ الثِّقَاتِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّهُ رَجُلٌ لِجَوَازِ خَلْوَةِ الرَّجُلِ بِامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ وَقَعَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا يُخَالِفُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ كَذَلِكَ أَيْ كَالْمَرْأَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَأَنْ لَا يَكْتَفِيَ فِيهِ بِمِثْلِهِ وَإِنْ كَثُرَ لِحُرْمَةِ نَظَرِ كُلٍّ إلَى الْآخَرِ وَالْخَلْوَةِ بِهِ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مَحْرَمٍ أَوْ سَيِّدٍ اهـ. وَقَوْلُهُ " لِحُرْمَةِ نَظَرِ كُلٍّ إلَخْ " أَيْ وَلَا كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِي بِحَضْرَةِ مِثْلِهَا مَا لَمْ يَسْتَحِيهِ الذَّكَرُ بِحَضْرَةِ مِثْلِهِ، وَمِنْ ثَمَّ يَحْرُمُ فِيمَا يَظْهَرُ الْخَلْوَةُ بِأَمْرَدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ اهـ أج لَا بِامْرَأَتَيْنِ قَوْلُهُ: (يَوْمَيْنِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ قَوْلُهُ: (لِفَرْضِهَا) خَرَجَ بِهِ النَّفَلُ، فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ لَهُ مَعَ النِّسْوَةِ وَإِنْ كَثُرْنَ وَكَذَا لِسَائِرِ الْأَسْفَارِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِفَرْضِ الْحَجِّ هُنَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالنَّذْرِ وَالْقَضَاءِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ خُرُوجِهَا مَعَ الْوَاحِدَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَطِيعَةً أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 أُجْرَتِهِ، وَيَلْزَمُهَا أُجْرَةُ الْمَحْرَمِ كَقَائِدِ أَعْمَى وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَغَيْرِهِ فِي وُجُوبِ النُّسُكِ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ إحْرَامُهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَكِنْ لَا يَدْفَعُ لَهُ الْمَالَ لِئَلَّا يُبَذِّرَهُ بَلْ يَخْرُجُ مَعَهُ الْوَلِيُّ بِنَفْسِهِ إنْ شَاءَ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُنَصِّبُ شَخْصًا لَهُ ثِقَةً يَنُوبُ عَنْ الْوَلِيِّ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مُتَبَرِّعًا لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُجْرَتَهُ كَأُجْرَةِ مَنْ يَخْرُجُ مَعَ الْمَرْأَةِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي اسْتِطَاعَةٌ بِغَيْرِهِ فَتَجِبُ إنَابَةً عَنْ مَيِّتٍ غَيْرِ مُرْتَدٍّ عَلَيْهِ نُسُكٌ مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَا يَقْضِي مِنْهَا دُيُونَهُ، وَلَوْ فَعَلَهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ جَازَ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ كَمَا يَقْضِي دُيُونَهُ بِلَا إذْنٍ، وَعَنْ مَعْضُوبٍ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ عَاجِزٍ عَنْ النُّسُكِ بِنَفْسِهِ لِكِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرُ، إمَّا بِأُجْرَةٍ مِثْلٍ فَضَلْت عَمَّا مَرَّ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ غَيْرَ مُؤْنَةِ عِيَالِهِ سَفَرًا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفَارِقْهُمْ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ مُؤْنَتِهِمْ، أَوْ بِوُجُودِ مُطِيعٍ بِنُسُكٍ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلُهُ أَمْ فَرْعُهُ أَمْ أَجْنَبِيًّا بِشَرْطِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعْضُوبٍ مَوْثُوقًا بِهِ أَدَّى فَرْضَهُ، وَكَوْنُ بَعْضِهِ غَيْرَ مَاشٍ وَلَا مَعُولًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ السُّؤَالِ إلَّا أَنْ يَكْتَسِبَ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ وَسَفَرِهِ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إنَابَةُ مُطِيعٍ بِمَالٍ لِلْأُجْرَةِ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ، بِخِلَافِ الْمِنَّةِ فِي بَذْلِ الطَّاعَةِ بِنُسُكٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَنْكِفُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِمَالِ غَيْرِهِ وَلَا يَسْتَنْكِفُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِبَدَنِهِ فِي الْأَشْغَالِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ شُرُوطِ صِحَّةِ النُّسُكِ، فَيَشْتَرِطُ لِصِحَّتِهِ الْإِسْلَامَ فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَكْلِيفٌ، فَلِوَلِيِّ مَالٍ وَلَوْ بِمَأْذُونِهِ إحْرَامٌ عَنْ صَغِيرٍ وَلَوْ مُمَيِّزًا؛ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ   [حاشية البجيرمي] لَا بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَلَوْ أَحْرَمَتْ بِهِ مَعَ مُحْرِمٍ فَمَاتَ قَبْلَ إتْمَامِهِ أَتَمَّتْهُ مَعَ فَقْدِهِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ قَوْلُهُ: (مِنْ ذَكَرٍ) أَيْ غَيْرِ عَبْدِهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا أُجْرَةٌ لَهُ قَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُهَا) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (كَقَائِدِ أَعْمَى) فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا إذَا وَجَدَ قَائِدًا لَائِقًا بِهِ وَقَدَرَ عَلَى أُجْرَتِهِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ؛ بَلْ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (شَخْصًا لَهُ) لَوْ قَدِمَ لَهُ عَلَى شَخْصٍ لَكَانَ أَظْهَرَ قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِلَا إذْنٍ) وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَوَقُّفِ الصَّوْمِ عَنْهُ عَلَى إذْنِ الْقَرِيبِ بِأَنَّ هَذَا أَشْبَهُ بِالدُّيُونِ، فَأُعْطِيَ حُكْمُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ قَوْلُهُ: (وَعَنْ مَعْضُوبٍ) مِنْ الْعَضْبِ وَهُوَ الْقَطْعُ، كَأَنَّهُ قَطَعَ عَنْ كَمَالِ الْحَرَكَةِ. وَيُقَالُ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ كَأَنَّهُ قَطَعَ عَصَبَهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. فَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ ثُمَّ شَفَى لَمْ يَجُزْهُ وَلَمْ يَقَعْ عَنْهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ أُجْرَةً كَمَا رَجَّحَاهُ هُنَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ شَرْحُ م ر؛ أَيْ يَقَعُ نَفْلًا لِلْأَجِيرِ، وَلَوْ حَضَرَ مَكَّةَ أَوْ عَرَفَةَ فِي سَنَةِ حَجِّ الْأَجِيرِ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ لِتَعَيُّنِ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَيَلْزَمُهُ لِلْأَجِيرِ الْأُجْرَةُ. وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا شُفِيَ بَعْدَ حَجِّ الْأَجِيرِ بِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ فِي حَقِّ الْأَجِيرِ بِالشِّفَاءِ، بِخِلَافِ الْحُضُورِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ وَرَّطَ الْأَجِيرَ مُقَصِّرٌ بِهِ فَلَزِمَتْهُ أُجْرَتُهُ، سم عَنْ شَرْحِ الْعُبَابِ. وَقَوْلُهُ " وَيَقَعُ نَفْلًا " لَعَلَّ مُرَادَهُ بِالنَّفْلِ عَدَمُ كَوْنِهِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَإِلَّا فَهُوَ لَا يَكُونُ نَفْلًا إلَّا مِنْ الصَّبِيِّ وَالرَّقِيقِ أَوْ يُصَوِّرُ بِمَا إذَا كَانَ الْأَجِيرُ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ: (مَرْحَلَتَانِ) أَمَّا لَوْ كَانَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ أَوْ كَانَ بِمَكَّةَ لَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ، إلَّا إنْ أَنْهَاهُ الضَّنَى إلَى حَالَةِ لَا يَحْتَمِل الْحَرَكَة مَعَهَا بِحَالِ فَتَجُوزُ الْإِنَابَةُ حِينَئِذٍ، م ر مُلَخَّصًا قَوْله: (بِأُجْرَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْإِنَابَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَوْلُهُ: (عَمَّا مَرَّ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ) أَيْ مِنْ مَلْبَسِ وَمَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَدَيْنِهِ وَمُؤْنَةٍ يَوْمَ الِاسْتِئْجَارِ كَمَا فِي م ر. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْضُوبِ لَا لِلْمَيِّتِ قَوْلُهُ: (وَكَوْنُ بَعْضُهُ غَيْرُ مَاشٍ) شَرْطٌ لِوُجُوبِ إنَابَتِهِ مَجَّانًا كَمَا فِي م ر، أَيْ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَعْضُوبُ سِوَى أُجْرَةِ مَاشٍ، وَالسَّفَرُ طَوِيلٌ لَزِمَهُ اسْتِئْجَارُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَيْ الْمَعْضُوبُ مُكَلَّفًا بِالْمَشْيِ لَوْ فَعَلَهُ لِنَفْسِهِ إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا، فَلَا يَلْزَمُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْمُطِيعِ. قَوْلُهُ: (لِلْأُجْرَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ يَدْفَعُهُ لِلْأُجْرَةِ قَوْلُهُ: (يَسْتَنْكِفُ) أَيْ يَمْتَنِعُ. قَوْله: (فَلِوَلِيِّ مَالٍ) وَوَلِيُّ الْمَالُ هُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْحَاكِمُ وَالْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ. وَخَرَجَ بِهِ غَيْرُ وَلِيِّ الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْأُمِّ، فَلَا يُحْرِمُ عَمَّنْ ذَكَرَ شَرْحُ م ر. وَأَجَابُوا عَنْ ذِكْرِ الْأُمِّ فِي الْحَدِيثِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ أَوْ أَنَّ وَلِيَّهُ أَذِنَ لَهَا أَنْ تُحْرِمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَفَزِعَتْ امْرَأَةٌ فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» . وَعَنْ مَجْنُونٍ قِيَاسًا عَلَى الصَّغِيرِ، وَيُشْتَرَطُ لِلْمُبَاشَرَةِ مَعَ الْإِسْلَامِ التَّمْيِيزُ وَلَوْ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ رَقِيقٍ كَمَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، فَلِلْمُمَيِّزِ أَنْ يُحْرِمَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ مِنْ أَبٍ ثُمَّ جَدٍّ ثُمَّ وَصِيٍّ ثُمَّ حَاكِمٍ أَوْ قَيِّمِهِ. وَيُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ مَعَ الْإِسْلَامِ التَّمْيِيزُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ فَيُجْزِئُ ذَلِكَ مِنْ فَقِيرٍ لِكَمَالِ حَالِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ الْمَشَقَّةَ وَحَضَرَ الْجُمُعَةَ، لَا مِنْ صَغِيرٍ وَرَقِيقٍ إنْ كَمُلَا بَعْدَهُ لِخَبَرِ: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ أُخْرَى» فَالْمَرَاتِبُ الْمَذْكُورَةُ لِلصِّحَّةِ وَالْوُجُوبِ أَرْبَعُ: الْوُجُوبُ وَالصِّحَّةُ الْمُطْلَقَةُ وَصِحَّةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْوُقُوعُ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ. وَأَرْكَانُ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ بَلْ سِتَّةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (الْإِحْرَامُ) بِهِ (مَعَ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ لِخَبَرِ: «إنَّمَا   [حاشية البجيرمي] عَنْهُ، أَوْ أَنَّ الْحَاصِلَ لَهَا أَجْرُ الْحَمْلِ وَالنَّفَقَةِ وَالتَّرْبِيَةِ لَا الْإِحْرَامِ إذَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهَا أَحْرَمَتْ عَنْهُ. اهـ. س ل قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِمَأْذُونِهِ) كَأَنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ؛ وَإِذَا ارْتَكَبَ الصَّبِيُّ مَحْظُورًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَإِذَا فَعَلَ الْوَلِيُّ أَوْ غَيْرُهُ بِهِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ق ل قَوْلُهُ: (عَنْ صَغِيرٍ) أَيْ مُسْلِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ رَقِيقًا مَعَ سَيِّدِهِ ق ل قَوْلُهُ: (بِالرَّوْحَاءِ) اسْمٌ لِوَادٍ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى نَحْوِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْهَا ق ل قَوْلُهُ: (فَفَزِعَتْ) بِفَاءِ مَفْتُوحَةٍ فَزَايٌ مُعْجَمَةٌ مَكْسُورَةٌ فَمُهْمَلَةٌ، أَيْ أَسْرَعَتْ. وَلَعَلَّهَا كَانَتْ وَصِيَّةً حَتَّى تَكُونَ وَلِيَّ مَالٍ وَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، أَوْ كَانَ الْمُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيَّ غَيْرِهَا. وَالْوَاقِعُ مِنْهَا مُجَرَّدُ الِاسْتِفْتَاءِ وَيَكُونُ لَهَا الْأَجْرُ عَلَى الِاسْتِفْتَاءِ لَا عَلَى الْإِحْرَامِ قَوْلُهُ: (بِعَضُدِ صَبِيٍّ) أَيْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِيمَنْ يُؤْخَذُ بِعَضُدِهِ اهـ ح ل قَوْلُهُ: (مِنْ مِحَفَّتِهَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ. اهـ. مِصْبَاحٌ. وَهِيَ الَّتِي تُوضَعُ عَلَى الرَّاحِلَةِ عَرْضًا كَاَلَّتِي يَضَعُهَا الْمَغَارِبَةُ وَالصَّعَايِدَةُ، وَالْهَوْدَجُ مَا يَضَعُهُ أَهْلُ مَكَّةَ وَنَحْوُهُ مَا عَلَى الْجَمَلِ الْمُغَطَّى بِهَا قَوْلُهُ: (وَلَك أَجْرٌ) أَيْ ثَوَابٌ بِإِحْرَامِهَا عَنْهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَأَمَّا ثَوَابُ الْأَعْمَالِ فَهِيَ لَهُ ق ل. وَصِفَةُ إحْرَامِهِ أَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ مُحْرِمًا فَيَصِيرُ مَنْ أَحْرَمَ عَنْهُ مُحْرِمًا بِذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ وَمُوَاجِهَتُهُ وَيَطُوفُ الْوَلِيُّ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَيُصَلِّي عَنْهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَيَسْعَى بِهِ وَيُحْضِرُهُ الْمَوَاقِفَ، وَلَا يَكْفِي حُضُورُ الْوَلِيِّ بِدُونِهِ. وَيُنَاوِلُهُ الْأَحْجَارَ فَيَرْمِيهَا إنْ قَدَرَ وَإِلَّا رَمَى عَنْهُ مَنْ لَا رَمْيَ عَلَيْهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَصُورَةُ إحْرَامِهِ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مِنْ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَنْ يَقُولَ الْوَلِيُّ: أَحْرَمْت عَنْ هَذَا أَوْ فُلَانٍ أَوْ جَعَلْته مُحْرِمًا، سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ مُحْرِمًا أَوْ أَحْرَمَ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ كَالرَّمْيِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْمِيَ الْوَلِيُّ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ. وَقَوْلُهُ: وَيَطُوفُ الْوَلِيُّ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِشَرْطِ طَهَارَتِهِمَا وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ فِي طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ عَنْهُ تَقَدُّمُ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَيَرْمِي عَنْهُ الْوَلِيُّ بَعْدَ رَمْيِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِفَرَاغِهِ مِنْ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ. وَيُمْتَنَعُ الْإِحْرَامُ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَكَالْمَجْنُونِ قَوْلُهُ: (إنْ كَمُلَا بَعْدَهُ) فَإِنْ كَمُلَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَجْزَأَهُمَا وَأَعَادَ السَّعْيَ، مَنْهَجٌ. وَقَوْلُهُ " وَأَجْزَأَهُمَا إلَخْ " وَلَا بُدَّ فِي الْإِجْزَاءِ مِنْ إعَادَةِ مَا فَعَلَاهُ مِنْ الطَّوَافِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ سم. قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُ الْحَجِّ) التَّغَايُرُ بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ، أَيْ فَالْحَجُّ مُجْمَلٌ وَالْأَرْكَانُ مُفَصَّلَةٌ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي بَيَانُهَا فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْحَجَّ نَفْسُ الْأَرْكَانِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ. قَالَ الشِّهَابِ الْعَبَّادِيُّ، فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ: هَلْ يَأْتِي فِيمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ الْفُرُوضَ مِنْ السُّنَنِ مَا تَقَرَّرَ فِي نَحْوِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ اعْتَقَدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ نَفْلًا لَمْ يَصِحَّ؟ أَوْ يُفَرِّقُ بِأَنَّ النُّسُكَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ؛ وَلِهَذَا لَوْ نَوَى بِهِ النَّفَلَ وَقَعَ عَنْ نُسُكِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ يَتَّجِهُ الْفَرْقُ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ وَاعْتَقَدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ نَفْلًا؟ فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الْإِحْرَامُ مَعَ النِّيَّةِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ، أَيْ النِّيَّةُ مَعَ الْإِحْرَامِ، أَيْ النِّيَّةُ الْمُصَاحَبَةُ لِلْإِحْرَامِ أَيْ الدُّخُولُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» (وَ) الثَّانِي (الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) لِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» . (وَ) الثَّالِثُ (الطَّوَافُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] .   [حاشية البجيرمي] النُّسُكِ وَالشُّرُوعِ فِي أَعْمَالِهِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِتَفْسِيرِهِ. فَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ هُنَا الدُّخُولُ فِي النُّسُكِ، وَهُوَ الَّذِي يُفْسِدُهُ الْجِمَاعُ وَتُبْطِلُهُ الرِّدَّةُ. وَيُطْلَقُ الْإِحْرَامُ عَلَى نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى يُعَدُّ رُكْنًا ح ل. وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الثَّانِيَ لَكَانَ الْمَعْنَى نِيَّةَ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ مَعَ النِّيَّةِ، وَالْمُرَادُ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ الْإِحْرَامُ. وَسُمِّيَ إحْرَامًا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ الْحَرَمِ، أَوْ لِأَنَّ بِهِ تَحْرُمُ الْأَنْوَاعُ الْآتِيَةِ ح ل. وَلَوْ شَكَّ فِي نِيَّةِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْحَجِّ هَلْ كَانَ نَوَى أَوْ لَا فَالْقِيَاسُ عَدَمُ صِحَّتِهِ كَمَا فِي صَلَاةٍ، وَفَرَّقَ بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ يَشُقُّ لَا أَثَرَ لَهُ بَلْ هُوَ وَهْمٌ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ الْأَقْرَبُ عَدَمُ الْقَضَاءِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ شَكَّ فِي النِّيَّةِ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّوْمِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي نِيَّةِ الْحَجِّ مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ فَقَالُوا: لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي رَمَضَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ انْعَقَدَ عُمْرَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، قَالُوا: لَوْ نَوَى الْحَجَّ ظَانًّا بَقَاءَ رَمَضَانَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَحْرَمَ فِي شَوَّالٍ اعْتَدَّ بِنِيَّتِهِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَالُوا: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ وَتَرَدَّدَ فِي وَقْتِ إحْرَامِهِ هَلْ هُوَ قَبْلَ شَوَّالٍ أَوْ فِيهِ اعْتَدَّ بِنِيَّتِهِ وَيَبْرَأُ مِنْ الْحَجِّ إذَا أَتَى بِأَعْمَالِهِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) أَيْ بِأَيِّ جُزْءٍ مِنْهَا بِأَرْضِهَا أَوْ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهَا فِي هَوَائِهَا، كَأَنْ وَقَفَ عَلَى غُصْنٍ فِي هَوَائِهَا وَأَصْلُهُ فِي أَرْضِهَا فَلَا يَكْفِي كَوْنُهُ طَائِرًا فِي هَوَائِهَا، أَوْ عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ أَصْلُهَا فِيهِ دُونَ الْغُصْنِ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ عَلَى قِطْعَةٍ نُقِلَتْ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا، ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ وَالشَّارِحُ. وَصَرَّحَ ابْنُ شَرَفٍ بِأَنَّهُ يَكْفِي الْوُقُوفَ عَلَى الْقِطْعَةِ الْمَنْقُولَةِ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا. وَصَرَّحَ الشَّوْبَرِيُّ وسم عَلَى حَجّ بِصِحَّةِ الْوُقُوفِ عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ فِيهِ وَأَصْلُهَا خَارِجَةٌ قِيَاسًا عَلَى الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا وَالْغُصْنُ فِي هَوَائِهَا. قَالَ الزِّيَادِيُّ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَإِذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةٍ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» أَخْرَجَهُ رَزِينٌ. «وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ غَفَرَ اللَّهُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ» . قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ: سُئِلَ وَالِدِي عَنْ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ هَلْ لَهَا مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ لَهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ. الثَّالِثُ: الْعَمَلُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْأَزْمِنَةِ كَمَا يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْأَمْكِنَةِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ أَفْضَلَ. الرَّابِعُ: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ مِنْ حِينِ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ. الْخَامِسُ: مُوَافَقَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ وَقْفَتَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا يَخْتَارُ اللَّهُ لَهُ الْأَفْضَلَ. قَالَ وَالِدِي: أَمَّا مِنْ حَيْثُ إسْقَاطِ الْفَرْضِ فَلَا مَزِيَّةَ لَهَا عَلَى غَيْرِهَا. وَسَأَلَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ فَقَالَ: قَدْ جَاءَ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الْحَدِيثِ؟ يَعْنِي الْمُتَقَدِّمِ. فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَفِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَهَبُ قَوْمًا اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الْحِكْمَةُ بِوُقُوفِ جَبَلِ عَرَفَاتٍ مَا فِيهِ مِنْ الْمَعَانِي الْبَدِيعَةِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ فِيهِ تَشْبِيهًا وَتَذْكِيرًا بِالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً مَكْشُوفِينَ الرُّءُوسِ وَاقِفِينَ عَلَى أَقْدَامِ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ يَضِجُّونَ بِالْبُكَاءِ وَالْعَوِيلِ وَيَدْعُونَ مَوْلَاهُمْ فِي اللَّيْلِ الطَّوِيلِ دُعَاءَ عَبْدٍ ذَلِيلٍ. وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ تِلْمِيذُ النَّوَوِيِّ فِي مَنَاسِكِهِ: وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ عَرَفَاتُ بِمَوْضِعِ الْوُقُوفِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهَا كَالْمَيْدَانِ عَلَى فِنَاءِ حَرَمِهِ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 172] الْآيَةَ، كَانَ ذَلِكَ بِعَرَفَاتٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنُعْمَانِ، يَعْنِي عَرَفَةَ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا فَنَشَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ. فَتَلَا قَوْله تَعَالَى قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: 172] » أَخْرَجَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُثِيرِ الْعَزْمِ السَّاكِنِ إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 (وَ) الرَّابِعُ (السَّعْيُ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي الْمَسْعَى وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ» . وَالْخَامِسُ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ لِتَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ جَبْرِهِ بِدَمٍ كَالطَّوَافِ. وَالسَّادِسُ تَرْتِيبُ الْمُعَظِّمِ بِأَنْ يُقَدِّمَ الْإِحْرَامَ عَلَى الْجَمِيعِ، وَالْوُقُوفَ عَلَى طَوَافِ الرُّكْنِ،   [حاشية البجيرمي] أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ. قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَيْ جَبَلَ عَرَفَاتٍ أَوَّلُ وَطَنٍ وَالنَّفْسُ أَبَدًا تُنَازِعُ أَيْ تَمِيلُ إلَى الْوَطَنِ. فَإِنْ قُلْت: فَلِمَ كَانَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ. أَوَّلَ أَرْكَانِ الْحَجِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِلْآتِي مِنْ طَرِيقِ مِصْرَ دُونَ الطَّوَافِ أَوْ السَّعْيِ مَثَلًا؟ فَالْجَوَابُ: إنَّمَا كَانَ أَوَّلُ الْأَرْكَانِ الْوُقُوفَ اقْتِدَاءً بِأَبِينَا آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ بَعْدَ هُبُوطِهِ مِنْ الْجَنَّةِ عَلَى رَأْسِ جَبَلِ الْيَاقُوتِ إلَى مَكَّةَ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا لَاقَاهُ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لِأَنَّهَا الْبَابُ الْأَوَّلُ لِلْمَلِكِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَيَلِيهِ مُزْدَلِفَةُ وَهِيَ كَالْبَابِ الثَّانِي لِازْدِلَافِهَا وَقُرْبِهَا مِنْ مَكَّةَ. فَإِنْ قُلْت: فَلِمَ سُومِحَ الْحَجُّ الْمِصْرِيُّ وَغَيْرُهُ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ؟ فَالْجَوَابُ: إنَّمَا سَامَحَهُمْ الْحَقُّ تَعَالَى بِالدُّخُولِ رَحْمَةً بِالْخَلْقِ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ إلَى رُؤْيَةِ بَيْتِ رَبِّهِمْ الْخَاصِّ، فَكَانَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ مَنْ هَاجَرَ إلَى دَارِ سَيِّدِهِ فَمَكَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَنْظُرَ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ السَّيِّدُ مِنْ الْأَعْمَالِ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ اذْهَبْ إلَى عَرَفَاتٍ الَّتِي مِنْهَا سَعَى آدَم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا وَسِعَهُ إلَّا امْتِثَالُ أَمْرِ رَبِّهِ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُطْبُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ. وَسُمِّيَتْ عَرَفَةُ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا فِيهَا حِينَ هَبَطَا مِنْ الْجَنَّةِ وَنَزَلَ بِالْهِنْدِ وَنَزَلَتْ بِجُدَّةِ، وَقِيلَ: إنَّ جِبْرِيلَ لَمَّا عَرَّفَ إبْرَاهِيمَ مَنَاسِكَ الْحَجِّ وَبَلَغَ الشِّعْبَ الْأَوْسَطَ الَّذِي هُوَ مَوْقِفُ الْإِمَامِ قَالَ لَهُ: أَعَرَفَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَسُمِّيَتْ عَرَفَاتٌ. وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَرَفْت الْمَكَانَ، إذَا طَيَّبْته؛ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 6] عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (الْحَجُّ عَرَفَةَ) جُمْلَةٌ مُعَرَّفَةُ الطَّرَفَيْنِ فَتُفِيدُ الْحَصْرَ، أَيْ الْحَجُّ مُنْحَصِرٌ فِي عَرَفَةَ أَيْ فِي الْوُقُوفِ لَا بِتَجَاوُزِهِ إلَى غَيْرِهِ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَنَّهَا مُعْظَمُهُ، وَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْهَا كَمَا يَأْتِي لِكَوْنِهِ يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهَا دُونَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (الطَّوَافُ) وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ ثُمَّ الْوُقُوفُ ثُمَّ السَّعْيُ ثُمَّ الْحَلْقُ، أَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ وَسِيلَةٌ لِلْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ رُكْنًا؛ شَرْحُ الرَّوْضِ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي أَنَّ رَبَّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَنْزِلُ عَلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ رَحْمَةً مِنْ ذَلِكَ لِلطَّائِفِينَ سِتُّونَ وَلِلْمُصَلِّينَ أَرْبَعُونَ وَلِلنَّاظِرِينَ لِلْبَيْتِ عِشْرُونَ. فَأَجَابَ: الطَّائِفُونَ يَجْمَعُونَ بَيْنَ ثَلَاثٍ: طَوَافٍ وَصَلَاةٍ وَنَظَرٍ، فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ سِتُّونَ؛ وَالْمُصَلُّونَ فَاتَهُمْ الطَّوَافُ فَصَارَ لَهُمْ أَرْبَعُونَ، وَالنَّاظِرُونَ فَاتَهُمْ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ فَصَارَ لَهُمْ عِشْرُونَ، اهـ أج قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الدَّلِيلِ مَعَ عَدَمِ جَبْرِهِ بِالدَّمِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي دَلِيلِ السَّعْيِ اهـ قَوْلُهُ: (وَالسَّعْيُ) وَلَهُ شُرُوطٌ سَبْعَةٌ: كَوْنُهُ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ أَيْ طَوَافِ قُدُومٍ أَوْ إفَاضَةٍ، وَلَا يَتَأَتَّى بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَقَطْعِ جَمِيعِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ، وَكَوْنُهُ سَبْعًا، وَكَوْنُهُ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي؛ وَالتَّرْتِيبُ بِأَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا فِي الْأَوْتَارِ وَبِالْمَرْوَةِ فِي الْأَشْفَاعِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَنْكُوسًا وَلَا مُعْتَرَضًا كَالطَّوَافِ وَعَدَمِ الصَّارِفِ عَنْهُ كَمَا يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْعَوَامّ مِنْ الْمُسَابِقَةِ. وَقَدْ نَظَّمَهَا م د فَقَالَ: شُرُوطُ سَعْيٍ سَبْعَةٌ وُقُوعُهُ ... بَعْدَ طَوَافٍ صَحَّ ثُمَّ قَطْعُهُ مَسَافَةٍ سَبْعًا بِبَطْنِ الْوَادِي ... مَعَ فَقْدِ صَارِفٍ عَنْ الْمُرَادِ وَلَيْسَ مَنْكُوسًا وَلَا مُعْتَرِضًا ... وَالْبَدْءُ بِالصَّفَا كَمَا قَدْ فُرِضَا قَوْلُهُ: (اسْعَوْا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَصْلُهُ: اسْعَيُوا قَوْلُهُ: (مَعَ عَدَمِ جَبْرِهِ بِدَمٍ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيَخْرُجَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَالطَّوَافُ عَلَى السَّعْيِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَدَلِيلُهُ الِاتِّبَاعُ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَقَدْ عَدَّهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا رُكْنًا وَفِي الْمَجْمُوعِ شَرْطًا وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا دَخْلَ لِلْجَبْرِ فِي الْأَرْكَانِ. وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ بَلْ خَمْسَةُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (الْإِحْرَامُ وَ) الثَّانِي (الطَّوَافُ وَ) الثَّالِثُ (السَّعْيُ وَ) الرَّابِعُ (الْحَلْقُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) الْقَائِلُ بِأَنَّهُ نُسُكٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَمِثْلُهُ التَّقْصِيرُ وَالْخَامِسُ التَّرْتِيبُ فِي جَمِيعِ أَرْكَانِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ الْأَفْضَلُ أَنْ يُعَيَّنَ فِي إحْرَامِهِ النُّسُكَ الَّذِي يُحْرِمُ بِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ كِلَيْهِمَا، فَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَتْ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ فَإِنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَرَفَهُ إلَى مَا شَاءَ بِالنِّيَّةِ مِنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا إنْ صَلَحَ الْوَقْتُ لَهُمَا، ثُمَّ بَعْدَ النِّيَّةِ يَأْتِي بِمَا شَاءَ فَلَا يُجْزِئُ الْعَمَلُ قَبْلَ النِّيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ الْوَقْتُ لَهُمَا بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ الْحَجِّ صَرَفَهُ لِلْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ انْعَقَدَتْ عُمْرَةٌ فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَ الْعُمْرَةِ وَيُسَنُّ النُّطْقُ بِنِيَّةٍ وَتَلْبِيَةٍ فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ: نَوَيْتُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ هُمَا   [حاشية البجيرمي] النَّحْرِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يُجْبَرُ بِدَمٍ، شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (تَرْتِيبُ الْمُعْظَمِ) مَحَلُّ تَرْتِيبِ الْمُعْظَمِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعْيٌ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، فَإِنْ كَانَ سَعْيٌ بَعْدَهُ فَلَيْسَ فِيهَا تَرْتِيبُ الْمُعْظَمِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ حِينَئِذٍ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوُقُوفِ نَعَمْ النِّيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْوُقُوفُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُقَدَّمَ الْإِحْرَامُ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ قَوْلُهُ: (الْوُقُوفُ) أَيْ وَيُقَدَّمُ الْوُقُوفُ قَوْلُهُ: (وَالْحَلْقُ) أَيْ وَعَلَى الْحَلْقِ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْحَلْقِ عَلَى الطَّوَافِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي مَنَاسِكِهِ قَوْلُهُ: (وَالطَّوَافُ) أَيْ وَيُقَدَّمُ الطَّوَافِ عَلَى السَّعْيِ إنْ لَمْ يُفْعَلْ، أَيْ السَّعْيُ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: مُشْتَمِلًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى جَمِيعِ الْأَرْكَانِ، إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَحْرَمَ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ: وَلَوْ أَحْرَمَ كَمَا فِي م ر، إذْ لَا يَظْهَرُ تَفْرِيعُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا وَاحِدًا أَوْ عُمْرَةً وَاحِدَةً قَوْلُهُ: (انْعَقَدَتْ وَاحِدَةٌ) فَاعِلُ قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ) أَيْ قَالَ: نَوَيْت الْإِحْرَامَ، فَقَطْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ صُورَتَانِ: هَذِهِ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الْإِحْرَامَ بِالنُّسُكِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْإِطْلَاقُ الْمَفْهُومُ مِنْ أَطْلَقَ. قَوْلُهُ: (مِنْ النُّسُكَيْنِ) أَيْ أَحَدُهُمَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " أَوْ كِلَيْهِمَا " قَوْلُهُ: (إنْ صَلَحَ الْوَقْتُ لَهُمَا) شَرْطٌ لِقَوْلِهِ " صَرَفَهُ إلَخْ " وَالْفَرْضُ أَنَّهُ كَانَ نَوَى الْإِحْرَامَ الْمُطْلَقَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صَلَاحِيَّةِ الْوَقْتِ لَهُمَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ صَلَاحِيَّتُهُ عِنْدَ الصَّرْفِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَعْدَ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الصَّرْفِ قَوْلُهُ: (بِمَا شَاءَ) أَيْ بِعَمَلِ مَا شَاءَهُ أَيْ أَرَادَهُ بِالنِّيَّةِ الصَّارِفَةِ قَوْلُهُ: (قَبْلَ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الصَّرْفِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ الْحَجِّ) أَيْ عِنْدَ الصَّرْفِ وَالْحَالُ أَنَّهُ كَانَ أَحْرَمَ فِي وَقْتٍ يَتَأَتَّى لَهُ فِيهِ صَرْفُهُ لِلْحَجِّ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْكَلَامِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ: " فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ " قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْإِحْرَامُ الْمُطْلَقُ، وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَخْ قَوْلُهُ: (فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ) أَيْ لَوْ فَرَضَ أَنَّهُ صَابَرَ الْإِحْرَامَ إلَى أَشْهُرٍ وَالْحَجَّ وَصَرَفَهُ إلَيْهِ لَا يَصِحُّ لِانْعِقَادِهِ وَالْحَالَةُ مَا ذَكَرَ عُمْرَةً م د. قَوْلُهُ: (وَتَلْبِيَةٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى النُّطْقِ، وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْفَاءِ لِلتَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلْغُسْلِ) وَلَوْ لِحَائِضٍ قَوْلُهُ: (وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) وَوَقْتُ غُسْلِهِ مِنْ الْفَجْرِ، وَلَكِنْ تَقْرِيبُهُ مِنْ وُقُوفِهِ أَفْضَلُ كَتَقْرِيبِهِ مِنْ ذَهَابِهِ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ قَوْلُهُ: (غَدَاةَ النَّحْرِ) ظَرْفٌ لِلْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي نَدْبِ الْغُسْلِ ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؛ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الشَّارِحِ ق ل، فَفِي قَوْلِهِ " وَبِمُزْدَلِفَةَ " مُسَامَحَةً، إذَا الْوُقُوفُ غَدَاةَ النَّحْرِ إنَّمَا هُوَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، فَلَعَلَّهُ سَمَّاهُ مُزْدَلِفَةً لِمَجَازِ الْمُجَاوِرَةِ، أَوْ لِكَوْنِ بَعْضُهُ مِنْهَا. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ " وَبِمُزْدَلِفَةَ غَدَاةَ النَّحْرِ " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إلَى آخِرِهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَلَا تُسَنُّ التَّلْبِيَةُ فِي طَوَافٍ وَلَا سَعْيٍ لِأَنَّ فِيهِمَا أَذْكَارًا خَاصَّةً، وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِفَةَ غَدَاةَ النَّحْرِ وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلرَّمْيِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ، وَيُسَنُّ أَنْ يُطَيِّبُ مَرِيدُ الْإِحْرَامِ بَدَنَهُ لِلْإِحْرَامِ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا يُسَنُّ تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمِنْهَاجِ. وَيُسَنُّ خَضْبُ يَدَيْ امْرَأَةٍ لِلْإِحْرَامِ إلَى الْكُوعَيْنِ بِالْحِنَّاءِ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَنْكَشِفَانِ، وَمَسْحُ وَجْهِهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ. وَيُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ مُرِيدُ الْإِحْرَامِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ رَكْعَتَيْنِ لِلْإِحْرَامِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ الشَّخْصُ إذَا تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ. وَيُسَنُّ لِلْمُحْرِمِ إكْثَارُ التَّلْبِيَةِ فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ وَيَرْفَعُ بِالذِّكْرِ صَوْتَهُ بِهَا، وَتَتَأَكَّدُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ كَرُكُوبٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَاخْتِلَاطٍ رُفْقَةً وَإِقْبَالِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَوَقْتَ سَحَرٍ. وَلَفْظُهَا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ   [حاشية البجيرمي] الْمُرَادُ مِنْهُ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَهُوَ يُسَنُّ لَهُ الْغُسْلُ إنْ لَمْ يَغْتَسِلْ لِلْعِيدِ، فَسَقَطَ مَا لِلْمُحَشَّيْ قَوْلُهُ: (وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) أَيْ: بَعْدَ الزَّوَالِ م ر قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ) أَيْ لِأَنَّ الْغُسْلَ يُرَادُ لِلْقُرْبَةِ وَالنَّظَافَةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ؛ وَلِأَنَّهُ يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ فَعَنْ الْمَنْدُوبِ أَوْلَى شَرْحِ م ر. قَالَ السُّيُوطِيّ: فَائِدَةٌ: لِمَ أَمَرَك بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ أَصْلَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ التُّرَابِ وَالْمَاءِ لِأَنَّ التُّرَابَ عُجِنَ بِالْمَاءِ وَإِنَّهُمَا أَوْسَعُ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وُجُودًا، فَأَمَرَك بِالتَّطْهِيرِ بِهِمَا لِئَلَّا تَعْتَذِرَ بِفِقْدَانِهِمَا، فَالْآنَ لَيْسَ لَك عُذْرٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَنُّ تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ) أَيْ إزَارِهِ وَرِدَائِهِ قَوْلُهُ: (خَضْبُ يَدَيْ امْرَأَةٍ) أَيْ غَيْرِ مُحِدَّةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعَدَدِ. وَيُسَنُّ الْخَضْبُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمَةِ أَيْضًا إنْ كَانَتْ خَلِيَّةً وَإِلَّا كُرِهَ، وَلَا يُسَنُّ لَهَا نَقْشٌ وَتَسْوِيدٌ وَتَطْرِيفٌ وَتَحْمِيرُ وَجَنَّةٍ بَلْ يَحْرُمُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ عَلَى خَلِيَّةٍ وَمَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا حَلِيلُهَا. وَقَوْلُهُ " عَلَى خَلِيَّةٍ " أَيْ وَلَوْ غَيْرَ شَابَّةٍ، شَرْحُ حَجّ. وَخَرَجَ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى، فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا الْخَضْبُ بَلْ يَحْرُمُ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (بِشَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخِضَابِ الَّذِي هُوَ الْحِنَّاءُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكْشِفُهُمَا فَيَرَوْنَهُمَا فَالْمَقْصُودُ تَغْيِيرُ اللَّوْنِ الْأَصْلِيِّ. وَسُمِّيَتْ حِنَّاءً لِأَنَّهَا حَنَّتْ عَلَى آدَمَ حِينَ سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِوَرِقِ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ فَصَارَتْ تَطِيرُ مِنْ عَلَى بَدَنِهِ إلَّا وَرِقَ الْحِنَّاءِ فَاسْتَمَرَّ عَلَى بَدَنِهِ قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ) أَمَّا فِي وَقْتِهَا فَلَا يُصَلِّي لِتَأْخِيرِ السَّبَبِ مَا لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَرَمِ الْمَكِّيِّ قَوْلُهُ: (فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ) خَرَجَ ابْتِدَاؤُهُ فَلَا يُسَنُّ الرَّفْعُ بَلْ يُسْمِعُ نَفْسَهُ فَقَطْ؛ مَنْهَجٌ قَوْلُهُ: (وَيَرْفَعَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى (إكْثَارَ) عَلَى حَدِّ: وَلُبْسِ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي قَوْلُهُ: (الذَّكَرُ) بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى فَيُكْرَهُ لَهُمَا الرَّفْعُ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَذَانِهِمَا حَيْثُ حُرِّمَ فِيهِ ذَلِكَ بِالْإِصْغَاءِ إلَى الْأَذَانِ وَاشْتِغَالِ كُلِّ أَحَدٍ بِتَلْبِيَتِهِ عَنْ سَمَاعِ تَلْبِيَةِ غَيْرِهِ، مَنْهَجٌ. قَوْلُهُ: (لَبَّيْكَ إلَخْ) أَيْ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ وَإِجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ، وَهُوَ مُثَنًّى، أَيْ عَلَى صُورَتِهِ، أُرِيدَ بِهِ التَّكْثِيرُ، وَسَقَطَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " وَإِجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ " أَيْ لِدَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ، لَمَّا قَالَ اللَّهُ لَهُ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] إلَخْ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ حُجُّوا» . وَقَوْلُهُ: وَسَقَطَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ، وَأَصْلُهُ " لِبَيْنٍ لَك " بِكَسْرِ النُّونِ حُذِفَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ، وَاللَّامُ لِلتَّخْفِيفِ وَالْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ أَيْ: أُلَبِّي لِبَيْنٍ لَك، وَلَبَّيْكَ الثَّانِيَةُ تَأْكِيدٌ، وَكَذَا الثَّالِثَةُ. وَسَنَّ وَقْفَةً لَطِيفَةً عَلَى الثَّالِثَةِ وَعَلَى " لَبَّيْكَ " بَعْدَ " لَا شَرِيكَ لَك " وَوَقْفَةً عَلَى الْمُلْكِ وَقَبْلَ " لَا شَرِيكَ لَك ". وَلَا يَتَكَلَّمُ أَثْنَاءَ تَلْبِيَةٍ، نَعَمْ يَنْدُبُ رَدُّ السَّلَامِ وَإِنْ كَرِهَ التَّسْلِيمَ عَلَيْهِ. وَيَتَّجِهُ جَوَازُهَا بِالْعَجَمِيَّةِ وَلَوْ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ، وَقَدْ يَجِبُ الْكَلَامُ فِي أَثْنَائِهَا لِعَارِضٍ كَإِنْقَاذِ نَحْوِ أَعْمَى يَقَعُ فِي مَهْلَكٍ. اهـ. ز ي وم ر وَيُكْرَهُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ عِنْدَ السَّادَةِ الْمَالِكِيَّةِ الْإِجَابَةُ بِقَوْلِهِ " لَبَّيْكَ " فِي غَيْرِ الْحَاجِّ جَوَابًا لِمَنْ خَاطَبَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك، وَاذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ أَوْ يَكْرَهُهُ نَدَبَ أَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى وَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ، وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ. وَالْأَفْضَلُ دُخُولُ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَالْأَفْضَلُ دُخُولُهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءَ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، وَهِيَ الْعُلْيَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًا بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَهِيَ السُّفْلَى وَالثَّنِيَّةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ وَرَأَى الْكَعْبَةَ أَوْ وَصَلَ مَحَلَّ رُؤْيَتِهَا وَلَمْ يَرَهَا لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ نَدْبًا رَافِعًا يَدَيْهِ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ   [حاشية البجيرمي] غَيْرِ إجَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَحْرُمُ أَنْ يُجِيبَ بِهَا كَافِرًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّعْظِيمِ اهـ خ ض. وَلْيَحْذَرْ الْمُلَبِّي فِي حَالِ تَلْبِيَتِهِ مِنْ أُمُورٍ يَفْعَلُهَا بَعْضُ الْغَافِلِينَ مِنْ الضَّحِكِ وَاللَّعِبِ، وَلِيَكُنْ مُقْبِلًا عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَلْيُشْعِرْ نَفْسَهُ أَنَّهُ يُجِيبُ الْبَارِيَ؛ فَإِنْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ بِقَلْبِهِ أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعْرَضَ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ) مُنَادَى مَبْنِيٌّ عَلَى ضَمِّهِ الْهَاءَ لِعِلْمِيَّتِهِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ بَدَلُ حَرْفِ النِّدَاءِ أَوْ مُقَدَّرَةٌ عَلَى الْمِيمِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ كَالْإِعْرَابِ مَحَلُّهُ الْآخَرُ؛ رَحْمَانِيٌّ قَوْلُهُ: (إنَّ الْحَمْدَ) يَجُوزُ كَسْرِ هَمْزَةِ " إنَّ " اسْتِئْنَافًا وَفَتْحُهَا تَعْلِيلًا، وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ إيهَامِ التَّعْلِيلِ مِنْ الْفَتْحِ لِاسْتِحْقَاقِهِ تَعَالَى التَّلْبِيَةَ وُجِدَ حَمْدٌ أَمْ لَا، وَلِصَيْرُورَةِ الْكَلَامِ جُمْلَتَيْنِ. قَالَ م ر: وَيُسَنُّ بَعْدَ لَفْظِ الْمُلْكَ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مَنْفِيٌّ بِالنَّفْيِ الَّذِي بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (وَالنِّعْمَةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْحَمْدِ، وَبِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَوْ خَبَرُهُ " لَك " وَخَبَرُ " إنَّ " مَحْذُوفٌ. اهـ. م د قَوْلُهُ: (لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ) أَيْ إنْ كَانَ مُحْرِمًا، فَإِنْ كَانَ حَلَالًا لَمْ يَذْكُرْ التَّلْبِيَةَ بَلْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّ الْعَيْشَ إلَخْ، لِمَا جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ؛ وَمَعْنَاهُ إنَّ الْحَيَاةَ الْهَنِيئَةَ الدَّائِمَةَ هِيَ حَيَاةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ وحج. وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ: لَا تَرْغَبَنَّ إلَى الثِّيَابِ الْفَاخِرَهْ ... وَاذْكُرْ عِظَامَك حِينَ تُمْسِي نَاخِرَهْ وَإِذَا رَأَيْت زَخَارِفَ الدُّنْيَا فَقُلْ ... لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَة قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ) كَأَهْلِ الطَّائِفِ وَالْيَمَنِ. وَفِي سِيرَةِ ح ل: وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ» وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ دَخَلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ وَهِيَ ثَنِيَّةُ كُدًا بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ، وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذِهِ. وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ أَئِمَّتُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ دُخُولُ مَكَّةَ فِي الْأُولَى وَالْخُرُوجُ مِنْ الثَّانِيَةِ. وَاخْتَصَّتْ الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ وَالسُّفْلَى بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ يَقْصِدُ مَحَلًّا عَالِيَ الْمِقْدَارِ، وَالْخَارِجَ عَكْسُهُ؛ وَقَضِيَّتُهُ التَّسْوِيَةُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا) أَيْ تَرَفُّعًا وَعُلُوًّا وَتَعْظِيمًا، أَيْ تَبْجِيلًا وَتَكْرِيمًا، أَيْ تَفْضِيلًا وَمَهَابَةً، أَيْ تَوْقِيرًا وَإِجْلَالًا. وَقَوْلُهُ " وَبِرًّا " الْبِرُّ هُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ " فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ " أَيْ سَلِّمْنَا بِتَحِيَّتِك مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ؛ وَيَدْعُو بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَأَهُمُّهَا الْمَغْفِرَةُ وَأَنْ يَدْعُوَ وَاقِفًا. وَالْبَيْتُ كَانَ الدَّاخِلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا يَرَاهُ مِنْ رَأْسِ الرَّدْمِ وَالْآنَ لَا يُرَى إلَّا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَالسُّنَّةُ الْوُقُوفُ فِيهِ لَا فِي رَأْسِ الرَّدْمِ لِذَلِكَ بَلْ لِكَوْنِهِ مَوْقِفَ الْأَخْيَارِ شَرْحُ م ر. وَرَأْسُ الرَّدْمِ هُوَ الْمَشْهُورُ الْآنَ بِالْمُدَّعِي. وَكَأَنَّ حِكْمَةَ تَقْدِيمِ التَّعْظِيمِ عَلَى التَّكْرِيمِ فِي الْبَيْتِ، وَعَكْسُهُ فِي قَاصِدِهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ فِي الْبَيْتِ إظْهَارُ عَظَمَتِهِ فِي النُّفُوسِ حَتَّى تَخْضَعَ لِشَرَفِهِ وَتَقُومَ بِحُقُوقِهِ، ثُمَّ كَرَامَتِهِ بِإِكْرَامِ زَائِرِيهِ بِإِعْطَائِهِمْ مَا طَلَبُوهُ. وَإِنْجَازِهِمْ مَا أَمَّلُوهُ، وَفِي زَائِرِهِ وُجُودُ كَرَامَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِإِسْبَاغِ رِضَاهُ عَلَيْهِ وَعَفْوِهِ عَمَّا جَنَاهُ وَاقْتَرَفَهُ، ثُمَّ عَظَمَتِهِ بَيْنَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ بِظُهُورِ تَقْوَاهُ وَهِدَايَته؛ وَيُرْشِدُ إلَى هَذَا خَتْمُ دُعَاءِ الْبَيْتِ بِالْمَهَابَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ تِلْكَ الْعَظَمَةِ إذْ هِيَ التَّوْقِيرُ وَالْإِجْلَالُ وَدُعَاءُ الزَّائِرِ بِالْبِرِّ النَّاشِئِ عَنْ ذَلِكَ التَّكْرِيمِ إذْ هُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ، فَتَأَمَّلْ حَجّ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (تَشْرِيفًا) التَّشْرِيفُ الْعُلُوُّ. وَلَمَّا كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِهِ عَالِيًا رَفِيعًا أَنْ يُعَظَّمَ وَيُبَجَّلَ قِيلَ " وَتَعْظِيمًا " وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يُعَظَّمَ أَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا. اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ فَأَحْيِنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِهِ، وَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ إلَّا لِعُذْرٍ كَإِقَامَةِ جَمَاعَةٍ وَضِيقِ وَقْتِ صَلَاةٍ، وَيَخْتَصُّ بِطَوَافِ الْقُدُومِ حَلَالٌ وَحَاجٌّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ لَا لِنُسُكِ بَلْ. لِنَحْوِ تِجَارَةٍ سُنَّ لَهُ إحْرَامٌ بِنُسُكٍ. التَّنْبِيهُ الثَّانِي: وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ بِأَنْوَاعِهِ ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ. وَالثَّانِي طُهْرٌ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ وَأَكْبَرَ وَعَنْ نَجَسٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، فَلَوْ زَالَا فِي الطَّوَافِ جَدَّدَ السَّتْرَ وَالطُّهْرَ وَبَنَى عَلَى طَوَافِهِ، وَالثَّالِثُ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ مَارًّا.   [حاشية البجيرمي] فِي نَفْسِهِ أَنْ يَفْضُلَ، عَلَى غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْبُيُوتِ؛ قِيلَ: وَتَكْرِيمًا أَيْ تَفْضِيلًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يَفْضُلَ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَهَابَ قِيلَ وَمَهَابَةً، فَلْيُتَأَمَّلْ ق ل. وَالتَّعْظِيمُ: التَّبْجِيلُ، وَالتَّكْرِيمُ: التَّفْضِيلُ، وَالْمَهَابَةُ: التَّوْقِيرُ وَالْبِرُّ الْإِحْسَانُ قَوْلُهُ: (أَنْتَ السَّلَامُ) أَيْ ذُو سَلَامَةٍ مِنْ النَّقَائِصِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا قَوْلُهُ: (وَمِنْك السَّلَامُ) أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا أَيْ يَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ أَيْ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْآفَاتِ؛ فَالثَّانِي وَالثَّالِثُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. فَائِدَةٌ: وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ الْبَيْتَ بِأَنْ يَحُجُّهُ فِي كُلِّ عَامٍ سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ فَإِنْ نَقَصُوا كَمُلُوا بِمَلَائِكَةٍ، وَأَنَّ الْكَعْبَةَ تُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَالْعَرُوسِ الْمَزْفُوفِ فَكُلُّ مَنْ حَجَّهَا يَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِهَا وَيَسْعَوْنَ حَوْلَهَا حَتَّى تَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَيَدْخُلُونَ مَعَهَا، ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) الْأَوْلَى: فَيَدْخُلُ، كَمَا فِي الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) الْمُسَمَّى بِبَابِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الْبُيُوتَ تُؤْتَى مِنْ أَبْوَابِهَا. وَشَيْبَةُ اسْمُ رَجُلٍ، مِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِ وَلَدِهِ، وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْوُقُوفِ) أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يَدْخُلُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ، وَلَا يَطْلُبُ طَوَافُ الْقُدُومِ حِينَئِذٍ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِأَنْوَاعِهِ) أَيْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَالطَّوَافِ الْمَنْذُورِ وَطَوَافِ التَّحَلُّلِ. وَالْمُرَادُ بِوَاجِبَاتِهِ شُرُوطُهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا لَكَانَ أَوْلَى قَوْلُهُ: (فَلَوْ زَالَا إلَخْ) فَإِنْ كَانَ فَاقِدًا لِلسَّتْرِ جَازَ الطَّوَافُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ بِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ كَانَ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ فَاقِدًا لِلْمَاءِ جَازَ الطَّوَافُ مُطْلَقًا بِالتَّيَمُّمِ؛ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فِي طَوَافِ الرُّكْنِ إلَّا إذَا كَانَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ. وَهَذَا هُوَ حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا السِّجِّينِيُّ. وَمِنْ الْحَدَثِ الْحَيْضُ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ تَطُوفَ حَتَّى تَطْهُرَ، فَإِنْ رَحَلَ الْحَاجُّ وَخَافَتْ مِنْ التَّخَلُّفِ فَلَهَا الرَّحِيلُ بِلَا طَوَافٍ. وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا مُحْرِمَاتُ الْإِحْرَامِ وَيَسْتَمِرُّ فِي ذِمَّتِهَا، فَإِذَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ طَافَتْ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّ إحْرَامَهَا بَاقٍ بِالنِّسْبَةِ لَهُ ق ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَسَيَأْتِي أَنْ مَنْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الرُّكْنِ وَلَمْ يُمَكِّنْهَا الْإِقَامَةُ حَتَّى تَطْهُرَ لَهَا أَنْ تَرْحَلَ، فَإِذَا وَصَلَتْ إلَى مَحَلٍّ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ مِنْهُ إلَى مَكَّةَ جَازَ لَهَا حِينَئِذٍ أَنْ تَتَحَلَّلَ بِذَبْحٍ فَحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ مَعَ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ كَالْمَحْصِرِ، وَتَحِلُّ حِينَئِذٍ مِنْ إحْرَامِهَا وَيَبْقَى الطَّوَافُ فِي ذِمَّتِهَا إلَى أَنْ تَعُودَ؛ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَأَنَّهَا تَحْتَاجُ عِنْدَ فِعْلِهِ إلَى إحْرَامٍ لِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَجِّ بِالتَّحَلُّلِ. وَقَوْلُهُ " إنَّهَا تَحْتَاجُ عِنْدَ فِعْلِهِ إلَى إحْرَامٍ " أَيْ لِلْإِتْيَانِ بِالطَّوَافِ دُونَ مَا فَعَلَتْهُ قَبْلُ كَالْوُقُوفِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَبَنَى) وَإِنْ تَعَمَّدَ وَطَالَ الْفَصْلُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ. وَالْأَوْلَى الِاسْتِئْنَافُ، فَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ اسْتَأْنَفَ وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَنُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَدَثِ وَبَيْنَ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ، وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِهِمَا عَنْهَا. اهـ. عَنَانِيٌّ قَوْلُهُ: (جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) فَيَجِبُ كَوْنُهُ خَارِجًا بِكُلِّ بَدَنِهِ عَنْهُ، فَلَوْ مَسَّ الْبَيْتَ مَثَلًا أَوْ أَدْخَلَ جُزْءًا مِنْهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ أَوْ هَوَاءِ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَيْتِ لَمْ يَصِحَّ بَعْضُ طَوْفَتِهِ كَمَا قَالَهُ م ر فِي شَرْحِهِ. قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي مَنَاسِكِهِ: لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَوْلُهُ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّ. الْعَرَبَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَيَجْعَلُونَهُ عَنْ يَمِينِهِمْ، رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ اهـ وَقَوْلُهُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَخْ " بِهَذَا يُجَابُ عَمَّا يُقَالُ هَلَّا جَعَلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. وَالرَّابِعُ بَدْؤُهُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُحَاذِيًا لَهُ أَوْ لِجُزْئِهِ فِي مُرُورِهِ بِبَدَنِهِ، فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَحْسِبْ مَا طَافَهُ، فَإِذَا   [حاشية البجيرمي] الْبَيْتَ عَنْ الْيَمِينِ مُوَافَقَةً لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ يَكُونُ بِالْيَمِينِ وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ التَّكْرِيمِ يَكُونُ بِالْيَسَارِ، وَقَدْ خَطَرَ ذَلِكَ بِي حَالَةَ الطَّوَافِ وَصِرْت أَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ كَثِيرًا وَأَسْأَلُ عَنْهُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَلَمْ يُوفِ أَحَدٌ بِالْمُرَادِ؛ حَتَّى اطَّلَعْت عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ فَاسْتَرَاحَ مِنَى الْفُؤَادُ؛ ثُمَّ رَأَيْت مَا هُوَ أَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: فَائِدَةٌ: مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْبَيْتَ يُجْعَلُ عَلَى يَسَارِ الطَّائِفِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي جِهَةِ الْيَسَارِ فَيَكُونُ مِمَّا يَلِيهِ، وَقِيلَ: إنَّ مَنْ طَافَهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقًا بِهِ كَمَا طَافُوهُ بِشِمَالِهِمْ وَأَيْمَانِهِمْ الصُّحُفَ قَوْلُهُ: (مَارًّا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ) وَلَوْ مُنَكَّسًا حَيْثُ جَعَلَهُ عَلَى يَسَارِهِ وَمَرَّ جِهَةَ الْبَابِ. قَوْلُهُ: (بَدْؤُهُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) وَجَاءَ أَنَّ آدَمَ نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مُتَأَبِّطُهُ أَيْ تَحْتَ إبْطِهِ، وَهُوَ يَاقُوتَةٌ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ؛ وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَمَسَ ضَوْأَهُ مَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبَّهٍ: أَنَّ آدَمَ لَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْخُرُوجِ مِنْ الْجَنَّةِ أَخَذَ جَوْهَرَةً مِنْ الْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مَسَحَ بِهَا دُمُوعَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ إلَى الْأَرْضِ لَمْ يَزَلْ يَبْكِي وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَمْسَحُ دُمُوعَهُ بِتِلْكَ الْجَوْهَرَةِ حَتَّى اسْوَدَّتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ لَمَّا بَنَى الْبَيْتَ أَمَرَهُ جِبْرِيلُ أَنْ يَجْعَلَ تِلْكَ الْجَوْهَرَةَ فِي الرُّكْنِ فَفَعَلَ. وَفِي بَهْجَةِ الْأَنْوَارِ: أَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مَلَكًا صَالِحًا، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَأَبَاحَ لَهُ الْجَنَّةَ كُلَّهَا إلَّا الشَّجَرَةَ الَّتِي نَهَاهُ عَنْهَا ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ الْمَلَكَ مُوَكَّلًا عَلَى آدَمَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ آدَمَ يَأْكُلُ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ غَابَ عَنْهُ ذَلِكَ الْمَلَكُ فَنَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى ذَلِكَ الْمَلَكِ بِالْهَيْبَةِ فَصَارَ جَوْهَرًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ: «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ يَدٌ وَلِسَانٌ وَأُذُنٌ وَعَيْنٌ» لِأَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مَلَكًا. وَرَأَيْت فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ الْإِخْمِيمِيِّ: أَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ بِمَكَّةَ رَأَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَانِهِ فَصَارَ لَهُ يَدَانِ وَرَجُلَانِ وَوَجْهٌ وَمَشَى سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَانِهِ. وَقَدْ جَاءَ: «أَكْثِرُوا مِنْ اسْتِلَامِ هَذَا الْحَجَرِ فَإِنَّكُمْ تُوشِكُونَ أَنْ تَفْقِدُوهُ، بَيْنَمَا النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ إذْ أَصْبَحُوا وَقَدْ فَقَدُوهُ» حَتَّى إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُنَزِّلُ شَيْئًا مِنْ الْجَنَّةِ فِي الْأَرْضِ إلَّا أَعَادَهُ فِيهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَدْ جَاءَ: «لَيْسَ فِي الْأَرْضِ مِنْ الْجَنَّةِ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَالْمَقَامُ، فَإِنَّهُمَا جَوْهَرَتَانِ مِنْ جَوَاهِرِ الْجَنَّةِ مَا مَسَّهُمَا ذُو عَاهَةٍ إلَّا شَفَاهُ اللَّهُ» وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيُّ: تَنْبِيهٌ: خَمْسَةُ أَشْيَاءَ خَرَجَتْ مِنْ الْجَنَّةِ مَعَ آدَمَ: عُودُ الْبَخُورِ، وَعَصَا مُوسَى مِنْ شَجَرِ الْآسِ، وَأَوْرَاقُ التِّينِ الَّتِي كَانَ يَسْتَتِرُ بِهَا آدَم، وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ. قَالَ شَيْخُنَا أج: وَآدَمُ مَعَهُ أُهْبِطَ الْعُودُ وَالْعَصَا ... لِمُوسَى مِنْ الْآسِ النَّبَاتِ الْمُكَرَّمِ وَأَوْرَاقِ تِينٍ وَالْيَمِينُ بِمَكَّةَ ... وَخَتْمُ سُلَيْمَانَ النَّبِيِّ الْمُعَظَّمِ زَادَ شَيْخُنَا: الْحَجَرُ الَّذِي رَبَطَهُ نَبِيُّنَا عَلَى بَطْنِهِ وَمَقَامَ إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي كَانَ يَقِفُ عَلَيْهِ لِبِنَاءِ الْبَيْتِ فَيَرْتَفِعُ بِهِ حَتَّى يَضَعَ الْحَجَرَ وَيَهْبِطَ حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ مِنْ إسْمَاعِيلَ وَفِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ، نَادَى عَلَيْهِ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ بَنَى لَكُمْ بَيْتًا فَحُجُّوهُ، فَأَجَابَتْهُ النُّطَفُ وَالْأَجِنَّةُ بِلَبَّيْكَ، أَوْ عَلَى الْحَجُونِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ جَبَلٌ بِمُعَلَّاةِ مَكَّةَ، وَجُمِعَ بِتَعَدُّدِ النِّدَاءِ. وَمِنْ آيَاتِهِ الْبَاهِرَةِ بَقَاؤُهُ مَعَ كَثْرَةِ الْمُعَانِدِينَ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامًا عَلَى حَالِهِ وَمَعَ كَثْرَةِ السُّيُولِ الْمُحَرِّكَةِ لِأَكْبَرَ مِنْهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ مُلَاصِقًا الْبَيْتَ فَرَدَّهُ عُمَرُ بِاجْتِهَادِهِ؛ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ. اهـ. حَجّ. قَوْلُهُ: (مُحَاذِيًا لَهُ أَوْ لِجُزْئِهِ) أَيْ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ شِقُّهُ الْأَيْسَرُ أَيْ جَمِيعُهُ؛ فَلَوْ تَقَدَّمَ جُزْءٌ مِنْ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى الْحَجَرِ لَمْ يَكْفِ، فَقَوْلُهُ " أَوْ جُزْئِهِ " أَيْ بِأَنْ كَانَ نَحِيفًا وَحَاذَى بِجَمِيعِ بَدَنِهِ بَعْضَ الْحَجَرِ كَمَا فِي ز ي. وَقَالَ ع ش فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى م ر: وَالْمُرَادُ بِالشِّقِّ الْأَيْسَرِ أَعْلَاهُ الْمُحَاذِي لِلصَّدْرِ وَهُوَ الْمَنْكِبُ، فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهُ بِهَذَا أَوْ حَاذَاهُ بِمَا تَحْتَهُ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 انْتَهَى إلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ، وَلَوْ أُزِيلَ الْحَجَرُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ مُحَاذَاةُ مَحَلِّهِ، وَلَوْ مَشَى عَلَى الشَّاذَرْوَانِ الْخَارِجِ عَنْ عَرْضِ جِدَارِ الْبَيْتِ أَوْ مَسِّ الْجِدَارِ فِي مُوَازَاتِهِ أَوْ دَخَلَ مِنْ إحْدَى فَتْحَتَيْ الْحَجَرِ الْمَحُوطِ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيِّينَ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ. وَالْخَامِسُ كَوْنِهِ سَبْعًا. وَالسَّادِسُ كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ. وَالسَّابِعُ نِيَّةُ الطَّوَافِ إنْ اسْتَقَلَّ بِأَنْ لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ وَالثَّامِنُ عَدَمُ صَرْفِهِ لِغَيْرِهِ كَطَلَبِ غَرِيمٍ. وَسُنَنُهُ أَنْ يَمْشِيَ فِي كُلِّهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَأَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ أَوَّلَ طَوَافِهِ   [حاشية البجيرمي] الشِّقِّ الْأَيْسَرِ لَمْ يَكْفِ؛ شَرْحِ حَجّ بِحُرُوفِهِ قَوْلُهُ: (وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) أَيْ مِنْ الْحَيَاةِ إلَى زَمَنِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ وَاقِعٌ قَطْعًا فَلَا تُفِيدُ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُ قَوْلُهُ: (الْخَارِجِ) تَفْسِيرٌ لِلشَّاذَرْوَانِ بِفَتْحِ الذَّالِ: وَهُوَ مُرْتَفَعٌ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، تَرَكَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ عَرْضِ الْأَسَاسِ عِنْدَ بِنَائِهِمْ لِضِيقِ النَّفَقَةِ م ر؛ أَيْ لِقِلَّةِ الدَّرَاهِمِ الْحَلَالُ الَّتِي يَصْرِفُونَهَا فِي الْبِنَاءِ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَالشَّاذَرْوَانُ هُوَ الَّذِي فِي وُجْهَة الْبَابِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ حَادِثٌ فَلَا يَضُرُّ الْمَشْيُ عَلَيْهِ، وَيُسَمَّى تَأْزِيرًا لِأَنَّهُ كَالْإِزَارِ لِلْبَيْتِ. اهـ. مِصْبَاحٌ قَوْلُهُ: (أَوْ مَسِّ الْجِدَارِ) أَيْ أَوْ مَسِّ الْجِدَارِ الْكَائِنِ فِي مُوَازَاةِ الشَّاذَرْوَانِ كَمَا فِي م ر، أَيْ فِي مُحَاذَاتِهِ؛ بِخِلَافِ مَا فِي الْحَاشِيَةِ مِنْ قَوْلِهِ " أَيْ مُرُورِهِ ". قَوْلُهُ: (فَتَحْتِي الْحِجْرِ إلَخْ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ: عَرْصَةٌ مُرَخَّمَةٌ عَلَيْهَا جِدَارٌ عَلَى صُورَةِ نِصْفِ دَائِرَةٍ. وَأَوَّلُ مَنْ رَخَّمَهُ الْمَنْصُورُ الْعَبَّاسِيُّ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ ثُمَّ جُدِّدَ بَعْدَهُ مِرَارًا. رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: وَكُنْت أُحِبُّ أَنْ أَدْخَلَ الْبَيْتَ فَأُصَلِّي فِيهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيْ فَأَدْخَلَنِي الْحِجْرَ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلِّ فِيهِ: إنْ أَرَدْت دُخُولَ الْبَيْتِ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ» وَالصَّحِيحُ أَنَّ الَّذِي فِيهِ مِنْ الْبَيْتِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْهَا أَيْضًا. وَأَخْرَجَ الْحَسَنُ «إنَّ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَكَا إلَى رَبِّهِ حَرَّ مَكَّةَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ افْتَحْ لَك بَابًا مِنْ الْجَنَّةِ فِي الْحِجْرِ يَخْرُجُ عَلَيْك الرَّوْحُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَالرَّوْحُ بِالْفَتْحِ نَسِيمُ الرِّيحِ. وَمِنْ فَضَائِلِهِ أَنَّ فِيهِ قَبْرَ إسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ وَقَبْرُهُ الْبَلَاطَةُ الْخَضْرَاءُ قَوْلُهُ: (الشَّامِيِّينَ) فِيهِ تَغْلِيبٌ وَإِلَّا فَأَحَدُهُمَا عِرَاقِيٌّ قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ) أَيْ بَعْضُهُ. قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ) زَادَ فِي الْمَنْهَجِ: وَإِنْ وَسِعَ. قَالَ ز ي: دَخَلَ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ مَسْأَلَةٌ تُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِحَانِ وَالْفَرْضِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَسْجِدَ لَوْ وُسِّعَ حَتَّى انْتَهَى إلَى الْحِلِّ وَطَافَ فِي الْحَاشِيَةِ الَّتِي مِنْ الْحِلِّ صَحَّ فِيهَا نَظَرٌ. اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحَرَمِ مَعَ الْمَسْجِدِ، فَقَوْلُهُ " وَإِنْ وُسِّعَ " أَيْ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ. وَأَوَّلُ مَنْ وَسَّعَ الْمَسْجِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاِتَّخَذَ لَهُ جِدَارًا، ثُمَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدُورٍ اشْتَرَاهَا وَزَادَهَا فِيهِ، وَاِتَّخَذَ لَهُ جِدَارًا دُونَ الْقَامَةِ، ثُمَّ وَسَّعَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاِتَّخَذَ لَهُ الْأَرْوِقَةَ، ثُمَّ وَسَّعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثُمَّ الْمَنْصُورُ ثُمَّ الْمَهْدِيُّ، وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ بِنَاؤُهُ إلَى وَقْتِنَا؛ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ وَسَّعَهُ قَبْلَ وَلَدِهِ وَبِأَنَّ الْمَأْمُونَ زَادَ بَعْدَ الْمَهْدِيِّ، شَرْحُ م ر. تَنْبِيهٌ: هَلْ يَصِحُّ الطَّوَافُ فِي الْهَوَاءِ حَوْلَ الْبَيْتِ أَوْ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الْوُقُوفِ؟ رَاجَعَهُ ق ل. وَذَكَرَ الْعَنَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ) أَمَّا لَوْ شَمَلَهُ نُسُكٌ بِأَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحِلِّ فَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ يَشْمَلُهُ. وَأَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ فَيَنْوِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ قَوْلُهُ: (عَدَمُ صَرْفِهِ لِغَيْرِهِ) أَيْ فَقَطْ ح ل فَلَا يَضُرُّ التَّشْرِيكُ. وَقَدْ نَظَّمَ م د وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ بِقَوْلِهِ: وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ سِتْرٌ وَطُهْرٌ ... جَعْلُهُ الْبَيْتَ يَا فَتَى عَنْ يَسَارِ فِي مُرُورٍ تِلْقَاءَ وَجْهٍ وَبِالْأَسْوَدِ ... يَبْدَا مُحَاذِيًا وَهُوَ سَارِي مَعَ سَبْعٍ بِمَسْجِدٍ ثُمَّ قَصْدٍ ... لِطَوَافٍ فِي النُّسُكِ لَيْسَ بِجَارِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 وَأَنْ يُقَبِّلَهُ وَيَسْجُدَ عَلَيْهِ وَيَفْعَلَ بِمَحَلِّهِ إذَا أُزِيلَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّقْبِيلِ اسْتَلَمَ بِيَدِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ. وَيُرَاعِي ذَلِكَ الِاسْتِلَامُ وَمَا بَعْدَهُ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، وَلَا يُسَنُّ تَقْبِيلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيِّينَ وَلَا اسْتِلَامُهُمَا، وَيُسَنُّ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَلَا يُسَنُّ تَقْبِيلُهُ، وَلِلطَّوَافِ سُنَنٌ أُخَرُ وَأَدْعِيَةٌ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ.   [حاشية البجيرمي] فَقَدْ صَرَفَ لِغَيْرِهِ ذِي ثَمَانٍ ... قَدْ حَكَى نَظْمَهَا نَظَّامُ الدَّرَارِي قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ. وَإِنَّمَا تُسَنُّ الثَّلَاثَةُ لِلْمَرْأَةِ إذَا خَلَا الْمَطَافُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَإِنْ خَصَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِاللَّيْلِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ؛ مَنْهَجٌ. وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَثَبَتَ أَنَّهُ اسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَهَا، وَثَبَتَ أَنَّهُ اسْتَلَمَهُ بِمِحْجَنِهِ فَقِيلَ الْمِحْجَنُ» وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَلَا قَبَّلَ يَدَهُ حِينَ اسْتَلَمَهُ. وَرَوَى إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: «اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ طَوِيلًا: وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَقَالَ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201] » إلَخْ. وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ مِنْ الْأَذْكَارِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَلَمْ يَسْتَلِمْ الرُّكْنَيْنِ الْمُقَابِلِينَ لِلْحَجَرِ أَيْ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى قَوَاعِدِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ تُؤْذِي الضَّعِيفَ، إنْ وَجَدَتْ خَلْوَةً فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» . وَأَخَذَ مِنْهُ بَعْضُ فُقَهَائِنَا أَنَّ مَنْ شُقَّ عَلَيْهِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ سُنَّ لَهُ أَنْ يُهَلَّلَ وَيُكَبِّرَ، ذَكَرَهُ ح ل فِي السِّيرَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُقَبِّلَهُ) قَالَ ز ي: وَيَلْزَمُ مَنْ قَبَّلَ الْحَجَرَ أَنْ يُقِرَّ قَدَمَيْهِ فِي مَحَلٍّ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا، فَإِنْ مَسَّ بِرَأْسِهِ حَالَ التَّقْبِيلِ جُزْءًا مِنْ الْبَيْتِ أَعَادَهُ؛ وَبِهِ يُقَاسُ مَنْ يَسْتَلِمُهُ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ أَيْضًا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَفِّفَ الْقُبْلَةَ لِلْحَجَرِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ مَا طَلَبَ تَقْبِيلَهُ مِنْ يَدِ عَالِمٍ وَوَلِيٌّ وَوَالِدٌ وَأَضْرِحَةٍ. تَنْبِيهٌ: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُسَنَّ تَقْبِيلُ يَدِ الصَّالِحِ بَلْ وَرِجْلُهُ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا يُمْكِنُ مِنْ نَظِيرِ مَا هُنَا حَتَّى يَسْتَلِمَ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَقْبِيلِهَا ثُمَّ يُقَبِّلُ مَا اسْتَلَمَ بِهِ وَحَتَّى يُشِيرَ إلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِلَامِهَا أَيْضًا ثُمَّ يُقَبِّلُ مَا أَشَارَ بِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: الْأَقْرَبُ عَدَمُ سَنِّ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الِاتِّبَاعُ فِي طَلَبِ مَا وَرَدَ فِعْلُهُ عَنْ الشَّارِعِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَا كَذَلِكَ يَدُ الصَّالِحِ فَإِنَّ تَقْبِيلَهَا شُرِعَ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَبَرُّكًا بِهَا فَلَا يَتَعَدَّاهَا إلَى غَيْرِهَا ع ش عَلَى م ر. فَائِدَةٌ: اسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ تَقْبِيلَ الْمُصْحَفِ وَالْقَبْرِ النَّبَوِيِّ وَالْقُبُورِ الشَّرِيفَةِ وَقُبُورِ الصُّلَحَاءِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَنِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ) أَيْ يَضَعُ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّقْبِيلِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْأَخِيرَيْنِ أَوْ الْأَخِيرِ اسْتَلَمَ بِلَا تَقْبِيلٍ فِي الْأُولَى وَبِهِ فِي الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ) أَيْ الْيُمْنَى، فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْيُسْرَى. قَوْلُهُ: (وَيُرَاعِي ذَلِكَ الِاسْتِلَامَ) كَالتَّقْبِيلِ وَالسُّجُودِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَنُّ تَقْبِيلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيِّينَ) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِ الْأَرْكَانِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ أَنَّ رُكْنَ الْحَجَرِ فِيهِ فَضِيلَتَانِ: كَوْنُ الْحَجَرِ فِيهِ، وَكَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ؛ وَالْيَمَانِيُّ فِيهِ فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الشَّامِيَّانِ فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْفَضِيلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ) وَمِمَّا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْيَمَانِيِّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مَرَرْت بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ إلَّا وَعِنْدَهُ مَلَكٍ يُنَادِي آمِينَ آمِينَ فَإِذَا مَرَرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وُكِّلَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ سَبْعُونَ مَلَكًا، مَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً قَالُوا آمِينَ» . قَالَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ: وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ إذْ يَحْتَمِلُ أَنَّ السَّبْعِينَ مُوَكَّلُونَ بِهِ لَمْ يُكَلَّفُوا التَّأْمِينَ، وَإِنَّمَا يُؤَمِّنُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ: وَاجِبَاتُ السَّعْيِ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ. وَالثَّانِي أَنْ يَسْعَى سَبْعًا ذَهَابُهُ مِنْ الصَّفَّا إلَى الْمَرْوَةِ مَرَّةً وَعَوْدُهُ مِنْهَا إلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ قُدُومٍ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَ السَّعْيِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَمَنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ لَمْ تُسَنُّ لَهُ إعَادَتُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَهُ سُنَنٌ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ: وَاجِبُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حُضُورُهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِهَا وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُحْرِمًا أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ جَمِيعُ وَقْتِ الْوُقُوفِ وَلَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ وَقْتِ زَوَالِ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا وَلَمْ يَقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ أَجْزَأَهُمْ وُقُوفُهُمْ، فَإِنْ قَلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَجَبَ الْقَضَاءُ.   [حاشية البجيرمي] عِنْدَ سَمَاعِ الدُّعَاءِ وَالْمَلَكُ كُلِّفَ قَوْلَ آمِينَ؛ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ عِنْدَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَالرُّكْنُ الْأَسْوَدُ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَمَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو عِنْدَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْمِيزَابِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُكْثِرُ مِنْ اسْتِلَامِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ: قَالَ: مَا أَتَيْت عَلَيْهِ قَطُّ إلَّا وَجِبْرِيلُ قَائِمٌ عِنْدَهُ يَسْتَغْفِرُ لِمَنْ يَسْتَلِمُهُ» وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: " مَا مِنْ إنْسَانٍ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَيَدْعُو إلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ. وَإِنَّ بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يُفَارِقُونَهُ هُمْ هُنَالِكَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ الْبَيْتَ ". قَالَ م ر: وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ أَعْمَالِ الْحَجِّ حَتَّى الْوُقُوفُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيّ بِأَنَّ أَفْضَلَهَا الْوُقُوفُ لِخَبَرِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَلِهَذَا لَا يَفُوتُ الْحَجُّ إلَّا بِفَوَاتِهِ، وَلَمْ يَرِدْ غُفْرَانٌ فِي شَيْءٍ مَا وَرَدَ فِي الْوُقُوفِ، فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالصَّلَاةِ وَقُرْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَالْوُقُوفُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِ الْحَجِّ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ وَالطَّوَافُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ. وَيُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالزَّرْكَشِيِّ عَلَى الثَّانِي اهـ. وَقَوْلُهُ " مُشَبَّهٌ بِالصَّلَاةِ " أَيْ وَلِذَا لَمْ تُشْتَرَطْ الطَّهَارَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ حَتَّى الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إلَّا فِيهِ. قَوْلُهُ: (بِالصَّفَا) بِالْقَصْرِ طَرَفُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، وَالْمَرْوَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّفَا لِأَنَّ الصَّفَا وَسِيلَةٌ وَالْمَرْوَةُ مَقْصِدٌ وَالْمَقَاصِدُ أَفْضَلُ مِنْ الْوَسَائِلِ وَلِأَنَّهَا مُرُورُ الْحَاجِّ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ وَالصَّفَا مُرُورُهُ ثَلَاثًا، أَيْ يَرْجِعُ إلَيْهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ) فَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا الْوُقُوفُ امْتَنَعَ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْفَرْضِ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ نَفْلِ مَعَ إمْكَانِهِ بَعْدَ طَوَافِ فَرْضِ مَنْهَجٍ. قَوْلُهُ (وَلَهُ سُنَنٌ) مِنْهَا الْمَشْيُ. قَوْلُهُ: (بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِهَا) وَلَوْ كَانَ رَاكِبًا عَلَى دَابَّةٍ فِي أَرْضِهَا، بَلْ وُقُوفُهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ أَوْ كَانَ عَائِمًا فِي الْمَاءِ فِي أَرْضِهَا أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ بِعَرَفَةَ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَكِبَ عَلَى طَيْرٍ طَائِرٍ فِي هَوَاءِ عَرَفَاتٍ أَوْ رَكِبَ عَلَى السَّحَابِ فَلَا يَكْفِي فَلَيْسَ لِهَوَائِهَا حُكْمُهَا، فَلَوْ طَارَ فِيهِ لَمْ يَجُزْهُ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ سَعَى طَائِرًا أَوْ طَافَ طَائِرًا فَإِنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِهِمَا، عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ) وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا عَرَفَةُ وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ صَرَفَ الْوُقُوفَ إلَى غَيْرِهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، بَلْ وَإِنْ نَفَاهُ فِيمَا يَظْهَرُ، فَرَاجَعَهُ ق ل. وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي الطَّوَافِ: بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَشْبَهَتْ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ. وَأَلْحَقَ السَّعْيَ وَالرَّمْيَ بِالطَّوَافِ لِأَنَّهُ عَهْدُ التَّطَوُّعِ بِنَظِيرِهِمَا، وَلَا كَذَلِكَ الْوُقُوفُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ كَالسَّعْيِ لِلْمَسَاجِدِ وَرَمْيِ الْعَدُوِّ بِالْأَحْجَارِ. قَالَ سم: وَقَدْ يَدُلُّ اقْتِصَارُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ كَالْوُقُوفِ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (غَلَطًا) أَيْ لِأَجْلِ الْغَلَطِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى حَالَ كَوْنِهِمْ غَالِطِينَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَثْنَاءَ الْوُقُوفِ أَنَّهُ الْعَاشِرُ لَا يَضُرُّ م د. وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْعَاشِرُ أَثْنَاءَ الْوُقُوفِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَالَ مُقَارَنَتِهِ لِلْوُقُوفِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ لَحْظَةٌ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ الْغَلَطُ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَضُرُّ. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ " غَلَطًا " أَيْ لِأَجْلِ الْغَلَطِ فِي الرُّؤْيَةِ وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ قَبْلَهُ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 وَوَاجِبَاتُ الْحَجِّ غَيْرُ الْأَرْكَانِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ بَلْ خَمْسَةُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ، وَغَايَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْوَاجِبِ وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ إلَّا فِي هَذَا الْبَابِ فَقَطْ، فَالْفَرْضُ مَا لَا تُوجَدُ مَاهِيَّةُ الْحَجِّ إلَّا بِهِ. وَالْوَاجِبُ مَا يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُودُ الْحَجِّ عَلَى فِعْلِهِ: الْأَوَّلُ (الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَوْ مِنْ آخِرِهِ وَالْأَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ) وَالْمِيقَاتُ فِي اللُّغَةِ الْحَدُّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا زَمَنُ الْعِبَادَةِ وَمَكَانُهَا؛ فَالْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْحَجِّ، شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرِ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْإِحْرَامُ بِهَا لِعَوَارِضَ: مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ نَفْرِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ فَإِنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى أُخْرَى، وَأَمَّا الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَمْ لَا نَفْسَ مَكَّةَ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَهِيَ عَلَى نَحْوِ عَشَرِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، وَالْمُتَوَجِّهُ مِنْ الشَّامِ   [حاشية البجيرمي] بَعْدَهُ أَنَّهُ الْعَاشِرُ، وَيَجْرِي عَلَى الْعَاشِرِ جَمِيعُ أَحْكَامِ التَّاسِعِ مِنْ كَوْنِ مَا بَعْدَهُ يَوْمَ الْعِيدِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْعِيدِ لِلتَّشْرِيقِ، وَحُرْمَةِ صَوْمِهَا وَجَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْعَاشِرِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَوْ وَقَفُوا لَيْلَةَ الْحَادِيَ. عَشَرَ لَا يُجْزِئُ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ ز ي تَبَعًا لِلرَّمْلِيِّ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ الْعَاشِرِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَلَطَ إنْ كَانَ فِي الْمَكَانِ وَجَبَ الْقَضَاءُ إنْ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا أَوْ فِي الزَّمَانِ، فَإِنْ وَقَفُوا فِي الْحَادِيَ عَشَرَ وَجَبَ الْقَضَاءُ أَوْ فِي الْعَاشِرِ وَكَانُوا قَلِيلًا كَذَلِكَ وَإِلَّا أَجْزَأَهُمْ الْوُقُوفُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الثَّامِنِ وَعَلِمُوا الْخَطَأَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ وَتَمَكَّنُوا مِنْ الْوُقُوفِ فِيهِ لَزِمَهُمْ وَإِلَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ،. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَوَاجِبَاتُ الْحَجِّ) وَأَمَّا وَاجِبَاتُ الْعُمْرَةِ فَشَيْئَانِ: الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَاجْتِنَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ: (وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ) الْأُولَى أَنَّ بَيْنَهُمَا الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ الْمُطْلَقَ، فَكُلُّ رُكْنٍ وَاجِبٌ وَلَيْسَ كُلُّ وَاجِبٍ رُكْنًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ لَا يَكُونُ رُكْنًا بِأَنْ يَكُونَ شَرْطًا. قَوْلُهُ: (فَالْفَرْضُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَالرُّكْنُ لِأَنَّهُ الْمُتَقَدِّمُ. قَوْلُهُ: (الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ) أَيْ كَوْنُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَإِلَّا فَهُوَ رُكْنٌ. وَأَصْلُهُ مِوْقَاتٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِوُقُوعِهَا إثْرَ كَسْرَةٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَوَّلِهِ) إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَالْإِحْرَامُ مِنْ مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْمَكَانِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّعٍ، وَقَوْلُ ح ل: الْمِيقَاتُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَقْتِ وَهُوَ الزَّمَانُ ثُمَّ أَطْلَقَ عَلَى الْمَكَانِ تَوَسُّعًا بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ اللُّغَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَارَتْ الْمَوَاقِيتُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِي كُلٍّ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ. قَوْلُهُ: (شَوَّالٌ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْإِبِلَ كَانَتْ تَشُولُ أَذْنَابَهَا لِلسِّفَاحِ أَيْ نَطُّ الذُّكُورِ فِيهِ عَلَى الْإِنَاثِ فِي هَذَا الشَّهْرِ وَيُجْمَعُ عَلَى شَوَاوِيلَ وَشَوَّالَاتٍ. وَهُوَ الَّذِي عَقَدَ النَّبِيُّ فِيهِ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَتَزَوَّجَ بِهَا فِيهِ، وَكَانَ يُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ فِيهِ. وَسُمِّيَ الْقَعْدَةُ لِقُعُودِهِمْ فِيهِ عَنْ الْقِتَالِ وَالْحِجَّةِ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهِ، وَجَمْعُهُمَا ذَوَاتُ الْقَعْدَةِ وَذَوَاتُ الْحِجَّةِ. اهـ. سُيُوطِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعَشْرَ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) وَهِيَ الْمُرَادَةُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] فَغَلَبَ شَهْرَيْنِ عَلَى الْعَشَرَةِ وَسَمَّاهَا كُلَّهَا أَشْهُرًا اهـ. قَوْلُهُ: (انْعَقَدَ عُمْرَةً) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ بِوَجْهٍ، حَجّ ز ي. قَوْلُهُ: (قَبْلَ نَفْرِهِ) فِيهِ أَنَّهُ دَاخِلٌ فَمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ " قَبْلَ نَفْرِهِ " لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِمَا قَبْلَ النَّفْرِ مَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمِنًى. قَوْلُهُ: (نَفْسُ مَكَّةَ) أَيْ فَيَنْدُبُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَذْهَبَ إلَى بَيْتِهِ إنْ كَانَ فَيُحْرِمُ مِنْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (ذُو الْحُلَيْفَةِ) تَصْغِيرُ الْحَلْفَةِ بِفَتْحِ أَوَّلَيْهِ، وَاحِدَةُ الْحُلَفَاءِ نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ، شَرْحُ حَجّ. قَوْلُهُ: (عَشَرُ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ) أَيْ وَسِتَّةُ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ، أَيْ لِزَعْمِ الْعَامَّةِ أَنَّهُ قَاتَلَ الْجِنَّ فِيهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ الشَّامِ) أَيْ الَّذِينَ لَا يَمُرُّونَ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ وَهُمْ الْآنَ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا؛ وَلِذَا قَالَ ق ل: أَيْ فِيمَا كَانَ وَالْآنَ مِيقَاتُهُمْ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ. وَهِيَ بِالْهَمْزِ وَتَرَكَهُ، سَمَّيْت بِذَلِكَ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَكَنَهَا سَامُ بْنُ نُوحٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 وَمِنْ مِصْرَ وَمِنْ الْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ، وَهِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ، مِنْ مَكَّةَ. وَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ، وَهُوَ مَوْضِعٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. وَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ قَرْنٌ، وَهُوَ جَبَلٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. وَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَشْرِقِ الْعِرَاقُ وَغَيْرُ ذَاتِ عِرْقٍ وَهِيَ قَرْيَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَقَالَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ   [حاشية البجيرمي] وَالْعَجَمُ تَقْلِبُ السِّينَ شِينًا أج. وَذَهَبَ النَّوَوِيُّ إلَى أَنَّهُ أَيْ الشَّامُ أَفْضَلُ مِنْ مِصْرَ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْحَشْرِ وَمَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ وَجَنَّةُ الدُّنْيَا. وَذَهَبَ غَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمِعْوَلُ إلَى تَفْضِيلِ مِصْرَ لِكَثْرَةِ ذِكْرِهَا فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ، وَأَيْضًا قَدْ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَزَايَا لَا تُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ. فَائِدَةٌ: مَا اُشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْبِلَادِ وَالْقَبَائِلِ يَجُوزُ تَذْكِيرُهَا عَلَى إرَادَةِ الْمَكَانِ وَالْحَيِّ وَتَأْنِيثُهَا عَلَى إرَادَةِ الْبُقْعَةِ: وَالْقَبِيلَةُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَمْ يُسْمَعْ فِيهِ إلَّا التَّذْكِيرُ فَيُتَعَيَّنُ صَرْفُهُ، وَمَا لَمْ يُسْمَعْ فِيهِ إلَّا التَّأْنِيثُ فَيُتَعَيَّنُ عَدَمُ صَرْفِهِ، وَمِنْهَا مَا سُمِعَ فِيهِ الْأَمْرَانِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فَيَئُولُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ السَّابِقَيْنِ؛ وَمِنْ ثَمَّ تَرَاهُمْ كَثِيرًا يَخْتَلِفُونَ كَثِيرًا فِي أَسْمَاءَ هَلْ هِيَ مَصْرُوفَةٌ أَوْ لَا؟ فَلَوْ كَانَ الِاعْتِبَارَانِ جَارِيَيْنِ فِي كُلِّ اسْمٍ مِنْ ذَلِكَ لَمَا تَأَتَّى لَهُمْ الِاخْتِلَافُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا اط ف. قَوْلُهُ: (وَمِنْ مِصْرَ) تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، سَمَّيْت بِاسْمِ مَنْ سَكَنَهَا أَوَّلًا وَهُوَ مِصْرُ بْنُ بِيُصِر بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ ز ي. قَوْلُهُ: (الْجُحْفَةُ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ السُّيُولَ أَجْحَفَتْهَا؛ وَهِيَ عَلَى سِتِّ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَعَلَّهُ بِسَيْرِ الْبِغَالِ النَّفِيسَةِ شَرْحُ م ر. وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ بِرَابِغٍ كَمَا قَالَهُ ق ل وخ ض عَلَى التَّحْرِيرِ. وَفِي حَجّ أَنَّ رَابِغَ قَبْلَ الْجُحْفَةِ، وَإِحْرَامُهُمْ مِنْهَا لِانْبِهَامِ الْجُحْفَةِ عَلَى أَكْثَرِ الْحُجَّاجِ وَلِعَدَمِ مَاءٍ بِهَا يَغْتَسِلُونَ بِهِ لِلْإِحْرَامِ، تَأَمَّلْ. وَرَابِغُ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ الْآنَ الْحَاجُّ الْمِصْرِيُّ يُحَاذِيهَا وَصَحَّ الْإِحْرَامُ مِنْهُ لِمُحَاذَاتِهِ. قَوْلُهُ: (قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَالْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهَا عَلَى خَمْسِينَ فَرْسَخًا مِنْهَا وَهِيَ الْآنَ خَرَابٌ اهـ. أَيْ فَتَكُونُ عَلَى سِتَّةِ مَرَاحِلَ وَرُبُعُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَرْحَلَةٍ ثَمَانِيَةُ فَرَاسِخَ. اهـ. سم. وَلَعَلَّ مَنْ عَبَّرَ بِالثَّلَاثِ أَرَادَ سَيْرَ الْبِغَالِ بِسُرْعَةٍ وَمَنْ عَبَّرَ بِخَمْسِينَ فَرْسَخًا أَرَادَ سَيْرَ الْإِبِلِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ. قَوْلُهُ: (مِنْ تِهَامَةَ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ) وَيُقَالُ أَلَمْلَمُ، وَهُوَ أَصْلُهُ، قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً. وَيُقَالُ أَيْضًا يَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ أج. وَلِبَعْضِهِمْ. قَرْنُ يَلَمْلَمَ ذَاتُ عِرْقٍ كُلُّهَا فِي الْبُعْدِ مَرْحَلَتَانِ مِنْ أُمِّ الْقُرَى وَلِذِي الْحُلَيْفَةِ بِالْمَرَاحِلِ عَشَرَةٌ وَبِهَا لِجُحْفَةَ سِتَّةٌ فَأَخْبِرْ تَرَى قَوْلُهُ: (قَرْنٌ) بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَيُقَالُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (الْعِرَاقِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ فِيهِ جَمِيعُ الْمَوَاقِيتِ، فَلَوْ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا مِصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْمَشْرِقُ لَوَفَى بِالْمُرَادِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بَعْدَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبَ الْجُحْفَةَ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» . قَوْلُهُ: (وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ) لَمْ يَذْكُرْ أَهْلَ الْمَغْرِبِ. لِأَنَّهُمْ مُلْحَقُونَ بِأَهْلِ مِصْرَ لِسَفَرِهِمْ مِنْهَا، فَهُمْ يَمُرُّونَ عَلَى مِيقَاتِهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ: «وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ» . قَوْلُهُ: (هُنَّ) أَيْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ، وَقَوْلُهُ " لَهُنَّ " أَيْ لِهَذِهِ النَّوَاحِي أَيْ لِأَهْلِهَا، فَهُوَ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» . فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلْت الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فِي أَيِّ سَنَةٍ أَقَّتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوَاقِيتَ الْإِحْرَامِ؟ فَقَالَ: سُنَّةُ عَامَ حَجَّ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا تَنْتَهِي إلَى مِيقَاتٍ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِ، فَإِنْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ أَبْعَدِهِمَا مِنْ مَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَمَنْ مَسْكَنُهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ مَسْكَنُهُ وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتًا غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَمِيقَاتُهُ مَوْضِعُهُ، وَمَنْ وَصَلَ إلَيْهِ مُرِيدًا نُسُكًا لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ جَاوَزَهُ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ أَحْرَمَ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا. وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ الْمَكَانِيِّ لِمَنْ هُوَ خَارِجُ الْحَرَمِ مِيقَاتُ الْحَجِّ، وَمَنْ بِالْحَرَمِ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِأَقَلَّ مِنْ خُطْوَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ فِي الْأَظْهَرِ وَلَكِنْ عَلَيْهِ دَمٌ، فَلَوْ خَرَجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ بَعْدَ إحْرَامِهِ وَقَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ، وَأَفْضَلُ بِقَاعِ الْحِلِّ الْجِعْرَانَةُ ثُمَّ التَّنْعِيمُ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ. (وَ) الْوَاجِبُ الثَّانِي (رَمْيُ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ) كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثِ، وَيَدْخُلُ رَمْيُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ شَمْسِهِ، وَيَخْرُجُ وَقْتُ اخْتِيَارِهِ بِغُرُوبِهَا، وَأَمَّا وَقْتُ جَوَازِهِ فَإِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ نَفَرَ وَلَوْ انْفَصَلَ   [حاشية البجيرمي] حَذْفِ مُضَافٍ، وَالْقَرِينَةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَقَّتَ لِأَهْلِ إلَخْ. أَنَّثَهُ لِمُشَاكَلَةِ مَا قَبْلَهُ. وَلِأَبِي دَاوُد: " هُنَّ لَهُمْ " وَهُوَ الْوَجْهُ، قَالَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ؛ إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) مَحَلُّهُ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ مَكَانَ الْعُمْرَةِ لِمَنْ يُحْرِمُ الْخُرُوجُ لِأَدْنَى الْحِلِّ. " وَأَهْلُ " بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ، " وَمِنْ مَكَّةَ " خَبَرُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: يُحْرِمُونَ مِنْ مَكَّةَ، فَفِي الْحَقِيقَةِ الْخَبَرُ مُتَعَلِّقُ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ، " وَحَتَّى " ابْتِدَائِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (سَنَةَ عَامٍ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ " سَنَّهُ " بِسِينِ مُهْمَلِهِ وَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ وَهَاءٍ مَضْمُومَةٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوَالِيقِيِّ: وَلَا تُفَرِّقُ عَوَامُّ النَّاسِ بَيْنَ الْعَامِ وَالسَّنَةِ وَيَجْعَلُونَهُ بِمَعْنًى، وَالصَّوَابُ أَنَّ السَّنَةَ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ عَدَدْته إلَى مِثْلِهِ وَالْعَامُ لَا يَكُونُ إلَّا شِتَاءً وَصَيْفًا. وَفِي التَّهْذِيبِ وَالْبَارِعِ أَيْضًا: الْعَامُ حَوْلٌ يَأْتِي عَلَى شَتْوَةٍ وَصَيْفٍ، وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ عَامٍ سَنَةٌ وَلَا عَكْسَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ) بِأَنْ كَانَ طَرِيقُهُ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ حَاذَاهُمَا مَعًا، فَإِنْ حَاذَاهُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ أَحْرَمَ مِنْ أَوَّلِهِمَا. وَعِبَارَةُ م ر: أَوْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ عَلَى التَّرْتِيبِ أَحْرَمَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مَعًا أَحْرَمَ مِنْ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَبْعَدَ مِنْ مَكَّةَ بِأَنْ كَانَ فِي طَرِيقِهِ انْعِطَافٌ إذْ لَوْ كَانَ أَمَامَهُ مِيقَاتٌ فَإِنَّهُ مِيقَاتُهُ، وَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَبْعَدَ فَكَذَا مَا هُوَ بِقُرْبِهِ. قَوْلُهُ: (أَبْعَدِهِمَا مِنْ مَكَّةَ) أَيْ وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا، كَأَنْ كَانَ الْأَبْعَدُ مُنْحَرِفًا أَوْ وَعْرًا شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (سَقَطَ الدَّمُ عَنْهُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَلَا دَمَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ إنَّهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ " سَقَطَ الدَّمُ " لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ، وَهُوَ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُ بِقَاعِ إلَخْ) أَيْ لِلْإِحْرَامِ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ. قَوْلُهُ: (الْجِعْرَانَةُ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ؛ سُمِّيَتْ بِاسْمِ امْرَأَةٍ هُنَاكَ. وَالتَّنْعِيمُ اسْمٌ لِجَبَلٍ نَاعِمٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثِ) وَهِيَ الْمَعْدُودَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] وَالْمَعْلُومَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] هِيَ الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَفَرَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: نَفَرَتْ الدَّابَّةُ تَنْفُرُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا نِفَارًا وَنُفُورًا، وَيُقَالُ فِي الْحَجِيجِ: نَفَرَ يَنْفِرُ نَفْرًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ. وَالْمُرَادُ بِالنَّفْرِ التَّهَيُّؤُ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ مَعَ شَدِّ الرِّحَالِ، وَالْمَعْنَى: فَإِنْ تَهَيَّأَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَعْدَ رَمْيِهِ وَلَوْ لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 مِنْ مِنًى بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ عَادَ لِشُغْلٍ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَعْدَ رَمْيِهِ جَازَ وَسَقَطَ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمَى يَوْمَهَا. وَشَرَطَ لِصِحَّةِ الرَّمْيِ تَرْتِيبَ الْجَمَرَاتِ بِأَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا إلَى الْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، ثُمَّ إلَى الْوُسْطَى ثُمَّ إلَى جَمْرَةِ الْعُقْبَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالرَّمْيُ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَجْوَدَ لِيَشْمَلَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةَ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ، وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَيَبْقَى وَقْتُ اخْتِيَارِهِ إلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِهِ، وَأَمَّا وَقْتُ الْجَوَازِ فَإِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَيُشْتَرَطُ فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ كَوْنُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَكَوْنُهُ بِيَدٍ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ، وَكَوْنُهُ بِحَجَرٍ فَيُجْزِئُ بِأَنْوَاعِهِ، وَقَصْدُ الْمَرْمَى وَتَحَقُّقُ إصَابَتِهِ بِالْحَجَرِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْمَرْمَى حَدًّا مَعْلُومًا غَيْرَ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ عَلَيْهَا عَلَمٌ   [حاشية البجيرمي] يَنْفَصِلُ مِنْ مِنًى إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ، أَوْ نَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَعْدَ رَمْيِهِ ثُمَّ عَادَ لِمِنًى لِشُغْلٍ أَوْ لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ وَلَوْ بَعْدَ الْغُرُوبِ، نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ تَقْيِيدُ مَسْأَلَةِ الْعَوْدِ بِمَنْ لَمْ يَعْزِمْ حَالَ نَفْرِهِ عَلَى الْعَوْدِ، أج مُلَخَّصًا وَقَوْلُهُ: " فَإِنْ تَهَيَّأَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي " أَيْ وَشَرَعَ فِي السَّفَرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ كَمَا قَالَهُ ع ش وَغُرُوبُهَا وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ فَيُمْتَنَعُ النَّفْرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَاعْتَمَدَهُ ع ش خِلَافًا لحج. قَوْلُهُ: (وَلَوْ انْفَصَلَ مِنْ مِنًى بَعْدَ الْغُرُوبِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ حَمَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَادَ إلَخْ) لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى " انْفَصَلَ " لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ ثُمَّ عَادَ، وَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الْعَوْدَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ. نَعَمْ يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِهِ، إذْ الْمَعْنَى أَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ بَعْدَ الْغُرُوبِ، أَيْ بِأَنْ انْفَصَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ لِشُغْلٍ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، عَنَانِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) مُتَعَلِّقٌ بِ " نَفَرَ ". قَوْلُهُ: (بَعْدَ رَمْيِهِ) أَيْ وَبَاتَ اللَّيْلَتَيْنِ قَبْلَهُ، أَوْ تَرَكَ مَبِيتَهُمَا لِعُذْرٍ؛ مَنْهَجٌ. قَوْلُهُ: (تَرْتِيبُ الْجَمَرَاتِ) وَقَدْ نَظَّمَ شَيْخُنَا م د الشُّرُوطَ بِقَوْلِهِ: شُرُوطُ رَمْيٍ لِلْجِمَارِ سِتَّةٌ ... سَبْعٌ بِتَرْتِيبِ وَكَفٍّ وَحَجَرْ وَقَصْدُ مَرْمًى يَا فَتَى وَسَادِسٌ ... تَحَقَّقَ لَأَنْ يُصِيبَهُ الْحَجَرْ قَوْلُهُ: (ثُمَّ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى بَلْ مِنًى تَنْتَهِي إلَيْهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِيَشْمَلَ رَمْيَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ تَقْيِيدَ الْجِمَارِ بِالثَّلَاثِ يُخْرِجُهَا. قَوْلُهُ (سَبْعَ مَرَّاتٍ) فَلَوْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ حَصَاتَيْنِ كَذَلِكَ إحْدَاهُمَا بِيَمِينِهِ وَالْأُخْرَى بِيَسَارِهِ لَمْ يُحْسَبْ إلَّا وَاحِدَةً وَلَوْ رَمَى حَصَاةً وَاحِدَةً سَبْعَ مَرَّاتٍ كَفَى؛ وَلَا يَكْفِي وَضْعُ الْحَصَاةِ فِي الْمَرْمَى لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَمْيًا وَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَارِدِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَكَوْنُهُ بِيَدٍ) فَلَا يَكْفِي بِرَجُلٍ وَلَا بِفَمٍ وَلَا رَمَى بِمِقْلَاعٍ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَيُجْزِئُ بِأَنْوَاعِهِ) أَيْ الْحَجَرِ، وَمِنْهُ الذَّهَبُ وَنَحْوُهُ كَالْحَدِيدِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِمَا، وَالزَّبَرْجَدُ وَالْعَقِيقُ وَالْكَذَّانُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْبَلَاطُ الْمَعْرُوفُ، وَلَيْسَ مِنْهُ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَعْدِنُ وَلَا الْخَزَفُ كَالطُّوبِ الْمُحْرَقِ وَلَا النُّورَةِ وَهُوَ الْمَحْرُوقُ مِنْ الْكَذَّانِ الْمَذْكُورِ؛ فَلَا يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ رَمَى بِخَاتَمِ فِضَّةٍ مَثَلًا وَفَصَّهُ مِنْ نَحْوِ عَقِيقٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ، رَجَّحَ مِنْهُمَا الْعَبَّادِيُّ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ؛ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ، لِأَنَّ فِيهِ وُجُودَ مُقْتَضٍ وَغَيْرِ مَانِعٍ ق ل. وَكَتَبَ ز ي عَلَى قَوْلِ الْمَنْهَجِ " وَلَوْ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْفُصُوصُ " مَا نَصُّهُ: وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِجْزَاءِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْجَوَازِ فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى الرَّمْيِ بِالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهِ كَسْرٍ أَوْ إضَاعَةِ مَالٍ حُرِّمَ وَإِنْ أَجْزَأَ اهـ م ر. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا حُرْمَةَ لِأَنَّهُ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَمَا قِيلَ فِي رَشِّ الْقَبْرِ بِمَاءِ الْوَرْدِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِنَفَاسَةِ هَذَا وَتَفَاهَةِ ذَلِكَ؛ وَأَيْضًا مَاءُ الْوَرْدِ لَهُ رَائِحَةٌ يُنْتَفَعُ بِهَا، فَالْمُتَّجَهُ حُرْمَةُ الرَّمْيِ بِالْفَصِّ إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْكَسْرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَهُ أَوْ غَصَبَهُ وَرَمَى بِهِ كَفَى كَالصَّلَاةِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ؛ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَجَرِ الرَّمْيِ طَهَارَتُهُ عَنَانِيٌّ وخ ض. قَوْلُهُ: (وَقَصَدَ الْمَرْمَى) فَلَوْ رَمَى شَخْصًا فَأَصَابَ الْمَرْمَى لَمْ يُحْسَبْ، أَيْ فَلَوْ قَصَدَ الشَّاخِصَ لَمْ يَكْفِ وَإِنْ وَقَعَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْمِيَ تَحْتَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَبْعُدُ عَنْهُ احْتِيَاطًا. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْجَمْرَةُ مُجْتَمَعُ الْحَصَى لَا مَا سَالَ مِنْ الْحَصَى. وَحَدَّهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ إلَّا فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. (وَ) الْوَاجِبُ الثَّالِثُ (الْحَلْقُ) عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ رُكْنٌ عَلَى الْقَوْلِ الْأَظْهَرِ أَنَّهُ نُسُكٌ كَمَا مَرَّ بَلْ نَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَى رُكْنِيَّتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُصَحِّحُ لِلْمُصَنِّفِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعَدَدِ بِإِبْدَالِ هَذَا الْمَرْجُوحِ بِالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ، وَالْوَاجِبُ فِيهِ سَاعَةٌ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ، فَإِنَّ دَفَعَ قَبْلَ النِّصْفِ الثَّانِي لَزِمَهُ الْعَوْدُ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَزِمَهُ دَمٌ، وَيُسَنُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَصَى الرَّمْيِ وَهُوَ سَبْعُونَ حَصَاةً مِنْهَا سَبْعٌ لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ حَصَاةً لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ كُلُّ وَاحِدٍ إحْدَى وَعِشْرُونَ حَصَاةٍ لِكُلِّ جَمْرَةٍ سَبْعُ حَصَيَاتٍ، وَسُنَّ أَنْ يَرْمِيَ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ هُوَ دُونَ الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا بِقَدْرِ الْبَاقِلَا، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّمْيِ أَنَابَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ، وَلَوْ تَرَكَ رَمْيًا مِنْ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَدَاءً   [حاشية البجيرمي] الْمَرْمَى، وَإِنْ قَصَدَ الْمَرْمَى كَفَاهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ رَمَى الشَّاخِصُ أَوْ لَا إنْ وَقَعَ فِي الْمَرْمَى وَإِلَّا فَلَا ق ل. وَقَوْلُهُ " وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَرْمَى " ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنْ يَكْفِيَ إنْ وَقَعَ فِيهِ كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر، وَعِبَارَتُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى الْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ فِي الْجَمْرَةِ أَوْ الْحَائِطِ الَّتِي لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَأَصَابَهُ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمَرْمَى لَا يُجْزِئُ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي؛ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ بِفِعْلِهِ مَعَ قَصْدِ الرَّمْيِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي مِنْ احْتِمَالَيْهِ أَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. فَرْعٌ: لَوْ أُزِيلَ الْعَلَمُ الَّذِي هُوَ الْبِنَاءُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْجَمْرَةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي الرَّمْيُ إلَى مَحَلِّهِ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّ الْعَلَمَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ رَمَى هُوَ وَأَصْحَابُهُ إلَى الْجَمْرَةِ وَلَمْ يُنْقَلُ أَنَّهُمْ تَحَرَّوْا مَوْضِعًا مِنْهَا دُونَ آخَرَ؛ وَتَرَكَ النَّقْلَ مَعَ تَقْدِيرِ تَحْرِيمِهِمْ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ ح ف. قَوْلُهُ: (عَلَمٌ) أَيْ عَلَامَةُ بِنَاءٍ كَالْعَمُودِ. قَوْلُهُ: (لَا مَا سَالَ) أَيْ عَنْ الْحَدِّ الْمَعْلُومِ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ) لِأَنَّهَا مُلْتَصِقَةٌ بِالْجَبَلِ؛ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْعِمَادِ: وَالْحِكْمَةُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا قَصَدَ ذَبْحَ إسْمَاعِيلَ تَعَرَّضَ لَهُ الشَّيْطَانُ بِعَدَمِ الذَّبْحِ فَقَالَ إنَّ هَذَا وَسْوَسَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَأُمِرَ بِالرَّمْيِ إلَى الشَّيْطَانِ، فَصَارَ سُنَّةً لِأَوْلَادِهِ. قَوْلُهُ: (بِالْمَبِيتِ) أَيْ الْمُكْثِ فِيهَا وَلَوْ لَحْظَةً، بَلْ يَكْفِي الْمُرُورُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَبِيتِ لَمْ يَرِدْ فِيهَا. وَانْظُرْ مَا الْحِكْمَةُ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْمَبِيتِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ، وَأَيْضًا لَمْ يَرِدْ الْأَمْرُ بِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِهِ لِمُشَاكَلَةِ الْمَبِيتِ بِمِنًى. قَوْلُهُ: (وَالْوَاجِبُ فِيهِ سَاعَةٌ) أَيْ لَحْظَةٌ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ دَفَعَ) أَيْ فَارَقَ الْمُزْدَلِفَةَ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا حَصْيَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَيُؤْخَذُ الْبَاقِي مِنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ. وَسُمِّيَ مُحَسِّرًا لِأَنَّ الْفِيلَ حَسِرَ فِيهِ أَيْ أَعْيَا أَوْ مِنْ مِنًى، فَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِالْأَخْذِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَيُكْرَهُ أَخْذُ الْحَصَى مِنْ الْمَرْمَى لِمَا قِيلَ إنَّ الْمَقْبُولَ يُرْفَعُ وَالْمَرْدُودَ يُتْرَكُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسُدَّ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ؛ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ) وَهَيْئَةُ الْخَذْفِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَى عَلَى بَطْنِ إبْهَامِهِ وَيَرْمِيَهُ بِرَأْسِ السَّبَّابَة، شَرْحِ م ر. فَهُوَ حَذْفٌ بِهَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّمْيِ) أَيْ لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فِي هَذَا الزَّمَنِ، عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَنَابَ) أَيْ وُجُوبًا مَنْ يَرْمِي عَنْهُ بِأَنْ يَرْمِيَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ أَوَّلًا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ يَرْمِيَهَا عَنْ الْمُسْتَنِيبِ، فَلَوْ رَمَى عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ عَنْهُ نَفْسَهُ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ م ر، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ رَمَاهَا عَنْ الْمُسْتَنِيبِ فَإِنَّهُ يُمْتَنَعُ لِأَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ، ز ي. قَالَ م ر: وَلَوْ زَالَ عُذْرُ الْمُسْتَنِيبِ بَعْدَ رَمْيِ النَّائِبِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الرَّمْيِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَرَكَ رَمْيًا إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ مَا بَعْدَ الْمَتْرُوكِ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَهُ عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ بِتَرْكِ رَمْيٍ ثَلَاثَ رَمَيَاتٍ فَأَكْثَرَ. وَالْوَاجِبُ الرَّابِعُ الْمَبِيتُ بِمِنًى لَيَالِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مُعْظَمَ اللَّيْلِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمَبِيتٍ مُعْظَمَ اللَّيْلِ فَإِنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ دَمٌ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ مَبِيتِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ لِمَنْ لَمْ يَنْفِرْ النَّفَرَ الْأَوَّلَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَالْوَاجِبُ الْخَامِسُ التَّحَرُّزُ عَنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ فَهُوَ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَيَجِبُ عَلَى غَيْرِ نَحْوِ حَائِضٍ كَنُفَسَاءَ بِفِرَاقِ مَكَّةَ وَلَوْ مَكِّيًّا أَوْ غَيْرَ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ، أَوْ فَارَقَهَا لِسَفَرٍ قَصِيرٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ فِرَاقِهِ بِلَا طَوَافٍ قَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَطَافَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَكَثَ بَعْدَ الطَّوَافِ لَا لِصَلَاةِ أُقِيمَتْ أَوْ شُغْلِ سَفَرٍ كَشِرَاءِ زَادٍ أَعَادَ الطَّوَافَ تَنْبِيهٌ: يُسَنُّ دُخُولُ الْبَيْتِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَشُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ، وَسُنَّ لِمَنْ   [حاشية البجيرمي] الْأَدَاءِ أَوْ لَا، وَيُحْسَبُ الْمَعَادُ عَنْ الْمَتْرُوكِ فَلَوْ تَرَكَ رَمْيَةً مِنْ سَبْعَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ وَرَمَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَسَبَ رَمْيِهِ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ عَنْ الْمَتْرُوكَةِ وَيَلْغُو الْبَاقِي وَيُعِيدُ الثَّلَاثَ ق ل. قَوْلُهُ: (فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) لَوْ حَذَفَ أَيَّامَ لِيَشْمَلَهَا وَاللَّيَالِي لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فِي الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فَأَكْثَرَ) وَلَوْ فِي الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ فِيهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ رَمَى كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةً بِرَأْسِهَا. اهـ. الْمَنْهَجُ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمَبِيتِ مُعْظَمِ اللَّيْلِ) هَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَ: لَا أَبِيت بِهَذَا الْمَكَانِ فَقَطْ، فَإِذَا زَادَ: لَا أَبِيت هَذِهِ اللَّيْلَةَ؛ فَإِذَا فَارَقَ الْمَكَانَ مَثَلًا قُبَيْلَ الْفَجْرِ لَا يَحْنَثُ إذْ لَا حِنْثَ فِي هَذِهِ إلَّا بِمَبِيتِ جَمِيعٍ اللَّيْلِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ جَمِيعِهِ لَا بِأَكْلِ مُعْظَمِهِ وَغَالِبُهُ اهـ بِخَطِّ خ ض الشَّوْبَرِيُّ بِهَامِشِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ دَمٌ) وَفِي تَرْكِهِ لَيْلَةَ مُدٍّ وَلَيْلَتَيْنِ مُدَّانِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ كَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَالرِّعَاءِ أَمَّا هُمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ اِ هـ أج. وَقَوْلُهُ: " وَفِي تَرْكِهِ لَيْلَةً مُدٌّ " فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا ثُلُثُ الْعَشَرَةِ الْوَاجِبَةِ بَدَلَ الدَّمِ الْوَاجِبُ ثُلُثُهَا فِي اللَّيْلَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ فَيَكْمُلُ يَوْمٌ، فَيَصِيرُ جُمْلَةُ ذَلِكَ أَرْبَعًا؛ وَذَلِكَ أَنَّا نَجْعَلُ الثَّلَاثَةَ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ أَيْ تِسْعَةَ أَثْلَاثٍ وَمَعَنَا ثُلُثٌ فَيَصِيرُ جُمْلَةُ ذَلِكَ عَشْرَةُ أَثْلَاثٍ يَصُومُ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَةً وَذَلِكَ بِيَوْمٍ كَامِلٍ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ وَذَلِكَ يَوْمَانِ وَثُلُثٌ فَيَكْمُلُ الثَّالِثُ فَيَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اهـ عَنَانِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِسَفَرٍ قَصِيرٍ) أَيْ بِغَيْرِ قَصْدِ الرُّجُوعِ. أَيْ بِأَنْ كَانَ لِوَطَنِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَدَاعَ عَلَى مَنْ خَرَجَ لِغَيْرِ مَنْزِلِهِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ وَكَانَ سَفَرُهُ قَصِيرًا كَمَنْ خَرَجَ لِلْعُمْرَةِ، وَلَا عَلَى مُحْرِمٍ خَرَجَ إلَى مِنًى، وَأَنَّ الْحَاجَّ إذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ مِنْ مِنًى فَعَلَيْهِ الْوَدَاعُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: (فَلَا دَمَ عَلَيْهِ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَلَغَ مَنْزِلَهُ الَّذِي هُوَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَإِلَّا اسْتَقَرَّ بِبُلُوغِهِ، وَلَا يَسْقُطُ بِالْعَوْدِ كَمَا بَحْثه السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَكَثَ بَعْدَ الطَّوَافِ) وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، مَنْهَجٌ. قَوْلُهُ: (يُسَنُّ دُخُولُ الْبَيْتِ) أَيْ الْكَعْبَةِ، أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ وَلَا يُؤْذَى. أَمَّا إذَا لَزِمَ عَلَى الدُّخُولِ الْإِيذَاءُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ وَبِهِ يُعْلَمْ مَا يَقَعُ الْآنَ فِي دُخُولِهِ يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ كِسْوَةِ الْبَيْتِ مِنْ الْإِيذَاءِ الشَّدِيدِ فَإِنَّهُ مِنْ أَقْبَحِ الْمُحَرَّمَاتِ أج. قَوْلُهُ: (وَشَرِبَ مَاءَ زَمْزَمَ) وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ عِنْدَ شُرْبِهِ وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ، وَيُسَنُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» هُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ شُرِبَ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالشَّارِبِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ تَعَدِّي ذَلِكَ إلَى الْغَيْرِ، فَإِذَا شَرِبَهُ إنْسَانٌ بِقَصْدِ نَفْعِ وَلَدِهِ وَأَخِيهِ مَثَلًا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ إذَا شَرِبَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ. وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ شُرْبِهِ: اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَبِيِّك أَنَّهُ قَالَ مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ، وَأَنَا أَشْرَبُهُ لِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ، فَافْعَلْ " ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيَشْرَبُ وَيَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 قَصَدَ الْمَدِينَةَ الشَّرِيفَةَ لِزِيَارَتِهِ أَنْ يُكْثِرَ فِي طَرِيقِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَصَدَ الرَّوْضَةَ وَهِيَ بَيْنَ قَبْرِهِ وَمِنْبَرِهِ وَصَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَانِبِ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ وَقَفَ مُسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ رَأْسِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَيَبْعُدُ عَنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عَلَقِ الدُّنْيَا، وَيُسَلِّمُ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ صَوْبَ   [حاشية البجيرمي] إذَا شَرِبَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ " فَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَنَالُوا مَطْلُوبَهُمْ. وَيُسَنُّ الدُّخُولُ إلَى الْبِئْرِ وَالنَّظَرُ فِيهَا، وَيَنْضَحُ مِنْهَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَصَدْرِهِ وَأَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْ مَائِهَا وَيُسْتَصْحَبُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَصَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ) وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ التَّحِيَّةُ عَلَى زِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ «عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَدِمْت مِنْ سَفَرٍ، فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: أَدَخَلْتَ الْمَسْجِدَ وَصَلَّيْت فِيهِ؟ فَقُلْت: لَا، قَالَ: فَاذْهَبْ فَادْخُلْ الْمَسْجِدَ صَلِّ فِيهِ ثُمَّ ائْتِ سَلِّمْ عَلَيَّ» وَبِهِ يُعْلَمُ رَدُّ قَوْلِ بَعْضِهِمْ مَحَلَّ الْبُدَاءَةِ بِالتَّحِيَّةِ لَمْ يَمُرَّ أَمَامَ الْوَجْهِ الشَّرِيفِ وَإِلَّا بَدَأَ بِالزِّيَارَةِ، بَلْ الْأَكْمَلُ الْبُدَاءَةُ بِالتَّحِيَّةِ مُطْلَقًا. وَعِنْدَ الْمُرُورِ أَمَامَ الْوَجْهِ الشَّرِيفِ يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ وَقْفَةً لَطِيفَةً وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَتَنَحَّى وَيُصَلِّي ثُمَّ يَأْتِي لِلزِّيَارَةِ الْكَامِلَةِ، هَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَخِلَافُهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ مِنْ الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ. قَوْلُهُ: (مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ) أَيْ فَيَكُونُ وُقُوفُهُ عِنْدَ الشُّبَّاكِ الْكَائِنِ فِي الْمَحَلِّ الْخَالِي مِنْ الْفُرُشِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ مُسْتَقْبِلَ الرَّأْسِ الشَّرِيفِ الْمُكَرَّمِ الَّذِي عِنْدَهُ الْكَوْكَبُ الْمُنِيرُ الْمُفَخَّمُ وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ مُسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ بِالْحِسِّ. وَقَدْ عَايَنَتْ ذَلِكَ مَنَّ اللَّهِ عَلَيَّ بِالْعَوْدِ إلَى مَا هُنَالِكَ عَلَى أَحْسَنِ حَالٍ وَأَتَمِّ مِنْوَالٍ أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِهِ قَدِيرٌ فَعَّالٌ وَمُعْطِي النَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ أج. قَوْلُهُ: (وَيَبْعُدُ عَنْهُ نَحْوُ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ) وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: الْقُرْبُ أَوْلَى؛ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا الْبُعْدُ أَوْلَى. وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي إيضَاحِهِ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الصَّوَابِ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ كَمَا يَبْعُدُ عَنْهُ لَوْ حَضَرَ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا: وَيَقْرُبُ زَائِرُ الْمَيِّتِ مِنْهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ حَيًّا؛ وَحِينَئِذٍ فَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ الْبُعْدَ بِأَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ أَيْ مِنْ النَّاسِ كَانُوا يُصَلُّونَ لِجِدَارِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ، وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ جُعِلَ عَلَيْهِ مَقْصُورَةٌ بَعِيدَةٌ عَنْهُ مَنَعَتْ النَّاسَ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ أَوْ إلَى قَرِيبٍ مِنْهُ فَإِنَّمَا يَقِفُ خَلْفَ الشُّبَّاكِ الْحَدِيدِ الَّذِي فِي الْمَقْصُورَةِ الدَّائِرَةِ حَوْلَ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ دُخُولِ الْمَقْصُورَةِ فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَوْقِفُ السَّلَفِ سَوَاءٌ قُلْنَا يَبْعُدُ بِنَحْوِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أَوْ أَرْبَعَةِ يَرِدُ بِمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْبُعْدَ كُلَّمَا زَادَ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالْأَدَبِ، وَلِأَنَّهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ الْمَذْكُورُ اهـ مِنْ الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ فِي زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُكَرَّمِ. قَوْلُهُ: عُلَقُ الدُّنْيَا جَمْعُ عَلْقَةٍ كَغَرْفَةٍ وَغُرَفٍ أَيْ تَعَلُّقَاتُهَا وَالْعَلْقَةُ لُغَةً مَا يَبْتَلِعُ مِنْ الْعَيْشِ وَمِنْهُ إنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعَلَقَةَ مِنْ الطَّعَامِ أَيْ الْقَلِيلَ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَعَمُّ. قَوْلُهُ: (وَيُسَلِّمُ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ) قَالَ الْعَلَّامَةُ حَجّ فِي الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ: يُسَنُّ لَهُ إذَا أَوْصَاهُ أَحَدٌ بِالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ أَوْ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ يُسَلِّمُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنْ الْعِبَارَاتِ. فَإِنْ قُلْت: يَشْكُلُ عَلَى تَصْرِيحِهِمْ بِسُنَّةِ هَذَا قَوْلُهُمْ: لَوْ أُمِرَ إنْسَانٌ آخَرُ بِالسَّلَامِ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ، أَيْ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِعَدَمِ الْقَوْلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ عَنْهُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِلِسَانِهِ فَوْرًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ حَاضِرًا، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ فِي قَبْرِهِ فَلِمَ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ حَمَلَ سَلَامًا عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ نَظِيرَ مَا تَقَرَّرَ فِي الْحَيِّ. قُلْت: يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقَصْدَ بِالسَّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدَا مِنْ الْأَحْيَاءِ التَّوَاصُلُ وَعَدَمُ التَّقَاطُعِ الَّذِي يَغْلِبُ وُقُوعُهُ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ، وَحِينَئِذٍ فَإِرْسَالُ السَّلَامِ لِلْغَائِبِ الْقَصْدُ بِهِ مُوَاصَلَتُهُ وَعَدَمُ مُقَاطَعَتِهِ: وَإِذَا كَانَ هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ، وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ وَدَّعَ الْمَسْجِدَ بِرَكْعَتَيْنِ وَأَتَى الْقَبْرَ الشَّرِيفَ وَأَعَادَ نَحْوَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ. (وَسُنَنُ الْحَجِّ) كَثِيرَةٌ الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا سَبْعٌ، بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ وَمَشَى الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِهَا عَلَى ضَعِيفٍ كَمَا سَتَعْرِفُهُ. الْأَوَّلُ: (الْإِفْرَادُ) فِي عَامٍ وَاحِدٍ (وَهُوَ) (تَقْدِيمُ) أَعْمَالِ (الْحَجِّ عَلَى) أَعْمَالِ (الْعُمْرَةِ) فَإِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ يُؤَدَّيَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ هَذَا الْإِفْرَادُ وَالثَّانِي التَّمَتُّعُ وَعَكْسُهُ، وَالثَّالِثُ الْقِرَانُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يَحُجُّ قَبْلَ شُرُوعٍ فِي طَوَافٍ ثُمَّ يَعْمَلُ عَمَلَ الْحَجِّ فِيهِمَا، وَأَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ إنْ اعْتَمَرَ عَامَهُ، ثُمَّ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمٌ إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهُ. (وَ) الثَّانِيَةُ (التَّلْبِيَةُ) إلَّا عِنْدَ الرَّمْيِ فَيُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ فِيهِ دُونَهَا وَتَقَدَّمَ صِيغَتُهَا، وَمَنْ لَا يُحْسِنُهَا   [حاشية البجيرمي] هُوَ الْقَصْدُ بِهِ كَانَ تَرَكَهُ مَعَ تَحَمُّلِهِ سَبَبًا أَوْ وَسِيلَةً إلَى الْمُقَاطَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ، أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، فَاتُّجِهَ تَحْرِيمُ تَرْكِ إبْلَاغِ السَّلَامِ. وَأَمَّا إرْسَالُ السَّلَامِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْقَصْدُ مِنْهُ الِامْتِدَادُ مِنْهُ وَعَوْدُ الْبَرَكَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَتَرْكُهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا عَدَمُ اكْتِسَابِ فَضِيلَةٍ لِلْغَيْرِ، فَلَمْ يَكُنْ لِتَحْرِيمِهِ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ، فَاتُّجِهَ أَنَّ ذَلِكَ التَّبْلِيغَ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ. فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِأَنَّ تَفْوِيتَ الْفَضَائِلِ عَلَى الْغَيْرِ حَرَامٌ كَإِزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ. قُلْت: هَذَا اشْتِبَاهٌ، إذْ فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ عَدَمِ اكْتِسَابِ الْفَضِيلَةِ لِلْغَيْرِ وَتَفْوِيتِ الْفَضِيلَةِ الْحَاصِلَةِ عَلَى الْغَيْرِ، فَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَ هَذَا التَّفْوِيتُ وَلَمْ يَحْرُمُ تَرْكُ ذَلِكَ الِاكْتِسَابِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (الْإِفْرَادُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِفْرَادِ كُلِّ نُسُكٍ بِإِحْرَامٍ وَعَمِلَ. قَوْلُهُ: (فِي عَامٍ وَاحِدٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ يَحْصُلُ الْإِفْرَادُ بِوُجُودِ الْعُمْرَةِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ؛ نَعَمْ يُشْتَرَطُ لِأَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي عَامَّةِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَهُوَ عَكْسُهُ) وَسُمِّيَ الْآتِي بِذَلِكَ مُتَمَتِّعًا لِتَمَتُّعِهِ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَلِتَمَتُّعِهِ بِسُقُوطِ الْعَوْدِ لِلْمِيقَاتِ عَنْهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِلْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ كَأَهْلِ مَكَّةَ. وَقَوْلُهُ " بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ " أَيْ بِفِعْلِهَا، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا يَأْتِي فِي الْإِفْرَادِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ لَا يُوجِبُ التَّسْمِيَةَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (قَبْلَ شُرُوعٍ فِي طَوَافٍ) أَمَّا إذَا شَرَعَ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ لِاتِّصَالِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِمَقْصُودِهِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَفْعَالِهَا فَيَقَعُ عَنْهَا وَلَا يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَعْمَلُ عَمَلَ الْحَجِّ فِيهِمَا) أَيْ فَيَحْصُلَانِ انْدِرَاجًا لِلْأَصْغَرِ فِي الْأَكْبَرِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» شَرْحُ حَجّ؛ وَعِبَارَةُ ح ل: وَتِلْكَ الْأَعْمَالُ لَهُمَا مَعًا، وَقِيلَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مُنْدَرِجَةٌ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ إنْ اعْتَمَرَ إلَخْ) فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ كَانَ مَكْرُوهًا وَالْمُرَادُ بِالْعَامِ مَا بَقِيَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الَّذِي أَوْقَعَ حَجَّهُ فِيهِ. وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَيُسَمَّى إفْرَادًا أَيْضًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ الْمُوجِبِ لِلدَّمِ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ التَّمَتُّعِ يَشْمَلُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ أج. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَكُونَا إلَخْ) وَالْمَعْنَى فِيهِ أَيْ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ أَيْ لَمْ يَسْتَفِيدُوا تَرْكَ مِيقَاتِ عَامٍ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ، بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ فَإِنَّهُ اسْتَفَادَ تَرْكُ مِيقَاتِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ صَارَ يُحْرِمُ مِنْ مَكَّةَ، وَالْقَارِنُ اسْتَفَادَ تَرْكُ مِيقَاتِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ الْخُرُوجُ لِأَدْنَى الْحِلِّ. وَعِبَارَةُ سم: كَيْفَ عُدِمَ الرِّيحُ مَعَ وُجُوبِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمَاكِنِهِمْ؛ ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ اعْتَذَرَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا عَامًا لِأَهْلِهِ وَلَمَنْ يَمُرُّ بِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّلْبِيَةُ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ مُسْلِم يُلَبِّي إلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا» أَيْ مِنْ مُنْتَهَى الْأَرْض مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ وَإِلَى مُنْتَهَى الْأَرْضِ مِنْ جَانِبِ الْغَرْبِ، يَعْنِي يُوَافِقُهُ فِي التَّلْبِيَةِ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَفِيهِ تَفْضِيلٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 بِالْعَرَبِيَّةِ يَأْتِي بِهَا بِلِسَانِهِ (وَ) الثَّالِثَةُ (طَوَافُ الْقُدُومِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِحَلَالٍ وَبِحَاجٍّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ، فَلَوْ دَخَلَ بَعْدَ الْوُقُوفِ تَعَيَّنَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ لِدُخُولِ وَقْتِهِ. (وَ) الرَّابِعَةُ (الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ) عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا مَرَّ. (وَ) الْخَامِسَةُ (رَكْعَتَا الطَّوَافِ) خَلْفَ الْمَقَامِ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَفِي الْحِجْرِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَفِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَحَيْثُ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ. (وَ) السَّادِسَةُ (الْمَبِيتُ بِمِنًى) لَيْلَةَ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَا لِلنُّسُكِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ عَرَفَةَ الْمَبِيتُ بِهَا لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ. (و) السَّابِعَةُ (طَوَافُ الْوَدَاعِ) عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ. وَقَدْ بَقِيَ لِلْحَجِّ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرْت مِنْهَا جُمْلَةً فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ. (وَيَتَجَرَّدُ) الرَّجُلُ (عِنْدَ الْإِحْرَامِ عَنْ الْمَخِيطِ) وُجُوبًا كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ خَالَفَ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى فَقَالَ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُحِيطِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ بَدَلَ الْمَخِيطِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْخُفَّ وَاللُّبَدَ وَالْمَنْسُوجَ (وَيَلْبَسُ) نَدْبًا (إزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ) جَدِيدَيْنِ وَإِلَّا فَمَغْسُولَيْنِ وَنَعْلَيْنِ، وَخَرَجَ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى إذْ لَا نَزْعَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.   [حاشية البجيرمي] لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لِحُرْمَةِ نَبِيِّهَا، فَإِنَّ اللَّهَ أَعْطَاهَا تَسْبِيحَ الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ مَعَهَا كَمَا كَانَتْ تُسَبِّحُ مَعَ دَاوُد، وَخُصَّ دَاوُد بِالْمَنْزِلَةِ الْعُلْيَا لِأَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُهَا وَيَدْعُوهَا فَتُجِيبُهُ وَتُسَاعِدُهُ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: (بِلِسَانِهِ) أَيْ بِلُغَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ دَخَلَ بَعْدَ الْوُقُوفِ) أَيْ وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَلَوْ دَخَلَ قَبْلَ النِّصْفِ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ: (الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ) أَيْ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ عَرَفَةَ. قَوْلُهُ: (خَلْفَ الْمَقَامِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُصَلَّى وَالْكَعْبَةِ؛ وَالْأُولَى: وَخَلْفُ الْمَقَامِ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ) أَيْ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَحَيْثُ شَاءَ) وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِالْمَوْتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شَرَفٍ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُمَا فَرِيضَةٌ وَنَافِلَةٌ؟ قُلْت لَا يَضُرُّ هَذِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ بَعْدَ الطَّوَافِ أَصْلًا أَوْ صَلَّى لَكِنَّهُ نَفَى سُنَّةَ الطَّوَافِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مِنْ الْحَرَمِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ أج. قَوْلُهُ: (الْمَبِيتُ بِمِنًى) فِي حَالِ ذَهَابِهِمْ إلَى عَرَفَةَ، وَقَوْلُهُ " لَيْلَةَ عَرَفَةَ " أَيْ لَيْلَةَ التَّاسِعِ. قَوْلُهُ: (لَيْلَةَ عَرَفَةَ) وَهِيَ لَيْلَةُ التَّاسِعِ. وَقَدْ تَرَكَ النَّاسُ الْيَوْمَ هَذِهِ السُّنَّةَ وَابْتَدَعُوا الْمَبِيتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِعَرَفَةَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ كَمَا قَرَّرَهُ النُّورُ الزِّيَادِيُّ. قَوْلُهُ: (وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ) أَيْ الذَّكَرُ وَلَوْ صَبِيًّا وَمَجْنُونًا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُقَالُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الْأُنْثَى. فَإِنْ قُلْت: فَلِأَيِّ شَيْءٍ أُمِرَ الْمُحْرِمُ بِالتَّجَرُّدِ مِنْ لُبْسِ الْمِخْيَطِ مَعَ أَنَّ مِنْ الْأَدَبِ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْأَكَابِرِ لُبْسِ أَفْخَرِ الثِّيَابِ عَادَةً؟ فَالْجَوَابُ: إنَّمَا أُمِرَ الْعَبْدُ بِمِثْلِ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّ مِنْ الْأَدَبِ مِنْ كُلِّ مُذْنِبٍ أَنْ يَأْتِيَ رَبَّهُ خَاشِعًا ذَلِيلًا مُتَجَرِّدًا مِنْ جَمِيعِ الْعَلَائِقِ الدُّنْيَوِيَّةِ لِيَقْبَلَهُ السَّيِّدُ وَيَخْلَعَ عَلَيْهِ خُلَعَ الرِّضَا، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ، إذْ الْغَنِيُّ اللَّابِسُ لِثِيَابِ الزِّينَةِ لَا يَسْتَحِقُّ صَدَقَةً مِنْ الْحَقِّ تَعَالَى فِي الْعَادَةِ، وَقَدْ يَتَفَضَّلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْأَغْنِيَاءِ بِالصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ زِيَادَةً عَلَى مَا عِنْدَهُمْ كَالْفَقِيرِ بِحَسَبِ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ. اهـ. شَعْرَانِيُّ. وَقَوْلُهُ " عِنْدَ الْإِحْرَامِ " أَيْ إرَادَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ بِالِاسْتِحْبَابِ) وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ الْوُجُوبِ عَلَى مَا بَعْدَهُ الْإِحْرَامُ وَمَا مَعَهُ وَالِاسْتِحْبَابُ عَلَى مَا قَبْلَهُ، ذَكَرَهُ م د. قَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَا بَعْدَهُ، إذْ لَا خِلَافَ فِيمَا بَعْدَهُ فَالْخِلَافُ مَعْنَوِيٌّ وَهَذَا الْجَمْعُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي مِنْ الْجَمْعِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَقَوْلُهُ فَقَالَ فِيهِ بِالِاسْتِحْبَابِ وَعَلَيْهِ لَا يَجِبُ التَّجَرُّدُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَمَعَهُ. قَوْلُهُ: (لِيَشْمَلَ الْخُفَّ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ الْمَخِيطِ، وَإِلَّا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَخِيطِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ ز ي: وَالضَّابِطُ لِمَا يُحْرِمُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إحَاطَةٌ لِلْبَدَنِ أَوْ لِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ كَجَعْلِ لِحْيَتِهِ فِي خَرِيطَةٍ. قَوْلُهُ: (نَدْبًا) لَوْ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَبْيَضَ كَغَيْرِهِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَنَعْلَيْنِ) الْمُرَادُ بِهِمَا مَا لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَحُكْمِ الْفَوَاتِ وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أُمُورٌ كَثِيرَةٌ الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (عَشْرَةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (لُبْسُ الْمَخِيطِ) وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْمَنْسُوجِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَالْمَلْزُوقِ وَاللَّبِدِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ قُطْنٍ أَمْ مِنْ جِلْدٍ أَمْ غَيْرِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ إذَا كَانَ مَعْمُولًا عَلَى قَدْرِهِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَأْلُوفَةِ فِيهِ لِيَخْرُجَ مَا إذَا ارْتَدَى بِقَمِيصٍ أَوْ قَبَاءٍ أَوْ اتَّزَرَ   [حاشية البجيرمي] يُحْرِمُ بِالْإِحْرَامِ كَالْمَدَاسِ وَالتَّاسُومَةُ وَالْقَبْقَابُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْتُرْنَ جَمِيعَ أَصَابِعِ الرِّجْلِ وَإِلَّا حُرِّمَ الْجَمِيعُ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَاحْتَاجَ لِلُّبْسِ الْخُفَّيْنِ وَقَطَعَهُمَا فَلَا فِدْيَةَ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ، أَيْ قَوْلُهُ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَالِاحْتِيَاجُ وَالْقَطْعُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيُسَنُّ لُبْسُ نَعْلَيْنِ لِخَبَرِ: «لِيُحْرِمَ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ» انْتَهَتْ. فَقَوْلُ ق ل إنَّ عَطْفَهُمَا عَلَى إزَارٍ يَقْتَضِي نَدْبَ لُبْسِهِمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّمْسُ م ر. [فَصْلٌ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ] ِ إلَخْ أَيْ مَا يَحْرُمُ بِسَبَبِهِ، فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ. وَكُلُّهَا صَغَائِرُ إلَّا قَتْلَ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ وَالْجِمَاعَ الْمُفْسِدَ فَإِنَّهُمَا مِنْ الْكَبَائِرِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ فَقَطْ كَسَتْرِ بَعْضِ رَأْسِهِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ، وَمِنْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَقَطْ كَسَتْرِ بَعْضِ وَجْهِهَا وَالْقُفَّازِ، وَمِنْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا كَبَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ. وَقَدْ نَظَمَهَا م د بِقَوْلِهِ: يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ لُبْسُ رَجُلٍ ... لِمَا يَخِيطُ مَعَ سَتْرِ الرَّاسِ كَذَاك سَتْرُ امْرَأَةٍ لِوَجْهِهَا ... قُفَّازُهَا لَا غَيْرَ مِنْ لِبَاسِ وَامْنَعَنَّ الطِّيبَ لِكُلِّ مُحْرِمٍ ... وَدَهْنِ شَعْرِ وَجْهِهِ أَوْ رَاسٍ وَأَنْ يُزِيلَ شَعْرًا وَظُفْرًا ... وَالْوَطْءُ وَالْوَدَاعُ لَا مِنْ نَاسِي كَذَا تَعَرُّضٌ لِصَيْدِ بَرٍّ ... يُؤْكَلُ ذُو تَوَحُّشٍ بِبَاسِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ مُطْلَقًا وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا وَهُوَ الْإِتْلَافُ، كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقِسْمٌ لَا فِدْيَةَ فِيهِ وَإِنْ تَعَمَّدَ وَهُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ وَإِنْ حَرُمَ عَلَى الْعَالِمِ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا وَقِسْمٌ إنْ تَعَمَّدَ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا، كَالتَّرَفُّهَاتِ كَالدَّهْنِ وَاللُّبْثِ وَالطِّيبِ اهـ قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ إحْرَامُهُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا، وَسَوَاءٌ كَانَ فَسَادُهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ فِي الدَّوَامِ. قَوْلُهُ: (لُبْسُ الْمَخِيطِ) أَيْ عَلَى الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ تَقْيِيدُهُ بِالرَّجُلِ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ. قَوْلُهُ وَاللِّبْدُ بِكَسْرِ اللَّامِ بِوَزْنِ حِمْلٍ وَهُوَ مَا تَلَبَّدَ مِنْ شَعْرٍ أَوْ صُوفٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، فَقَوْلُ م د إنَّ عَطْفَ اللِّبْدِ عَلَى الْمَلْزُوقِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، إذْ هُوَ مِنْ الْمَلْزُوقِ وَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْمَلْزُوقِ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَطْفُ مُرَادِفٍ، وَعَلَى كَلَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ يَكُونُ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ شَامِلًا لِلْمَلْزُوقِ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللِّبْدَ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٌ مَعْقُودٌ وَنَوْعٌ مَلْزُوقٌ. قَوْلُهُ: (فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ) أَيْ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ بَدَنِهِ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ إنَّمَا هُوَ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ وَتَغْطِيَةُ الْوَجْهِ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ مَعْمُولًا عَلَى قَدْرِهِ) لَيْسَ قَيْدًا؛ نَعَمْ الْوَجْهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى قَدْرِهِ لَا أَزْيَدَ، وَحِينَئِذٍ فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ الزَّائِدَ يَحْرُمُ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَلَا يَحْرُمُ فِي الْوَجْهِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ وَضَعَ شَيْئًا لَا عَلَى وَجْهِهِ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا فِدْيَةَ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَأْلُوفَةِ) مُتَعَلِّقٌ ب " لُبْسِ " الَّذِي فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ أَوْ قَبَاءٍ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُفْطَانِ الَّذِي يُلْبَسُ مَفْتُوحًا فَإِنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَالْقَبَا بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ قِيلَ هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَقِيلَ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنْ قَبَوْتُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 بِسَرَاوِيلَ فَإِنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدًا لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» . فَإِنْ قِيلَ السُّؤَالُ عَمَّا يُلْبَسُ فَأُجِيبَ بِمَا لَا يُلْبَسُ مَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَا لَا يُلْبَسُ مَحْصُورٌ بِخِلَافِ مَا يُلْبَسُ إذْ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي السُّؤَالُ عَمَّا لَا يُلْبَسُ وَبِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجَوَابِ مَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ السُّؤَالَ صَرِيحًا. (وَ) الثَّانِي (تَغْطِيَةُ) بَعْضِ (الرَّأْسِ مِنْ الرَّجُلِ) وَلَوْ الْبَيَاضُ الَّذِي وَرَاءَ الْأُذُنِ سَوَاءٌ أَسَتَرَ الْبَعْضَ الْآخَرَ أَمْ لَا بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا عُرْفًا، مَخِيطًا أَوْ غَيْرَهُ كَالْعِمَامَةِ وَالطَّيْلَسَانِ، وَكَذَا الطِّينُ وَالْحِنَّاءُ الثَّخِينَانِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ عَلَى بَعِيرِهِ مَيِّتًا: لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» بِخِلَافِ مَا لَا يُعَدُّ سَاتِرًا كَاسْتِظْلَالٍ بِمَحْمِلٍ وَإِنْ مَسَّهُ، فَإِنْ لَبِسَ أَوْ سَتَرَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَرُمَ عَلَيْهِ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مُدَاوَاةٍ كَأَنْ جُرِحَ رَأْسُهُ فَشَدَّ عَلَيْهِ خِرْقَةً فَيَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] لَكِنْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ قِيَاسًا عَلَى الْحَلْقِ بِسَبَبِ الْأَذَى. (وَ) الثَّالِثُ سَتْرُ   [حاشية البجيرمي] الشَّيْءَ إذَا ضَمَمْتَ أَصَابِعَك عَلَيْهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْضِمَامِ أَطْرَافِهِ. وَرُوِيَ عَنْ كَعْبٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ لَبِسَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَالْأَوْلَى فِي الْمُقَابَلَةِ فَلَا حُرْمَةَ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ " وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ " أَيْ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَقَوْلُهُ " أَنَّ رَجُلًا " اُنْظُرْ مَا اسْمُهُ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ لَا يَلْبَسُ إلَخْ) حَاصِلُ مَا أَجَابَ بِهِ سَبْعَةٌ، وَقَوْلُهُ " الْقُمُصَ " بِصِيغَةِ الْجَمْعِ جَمْعُ قَمِيصٍ، وَقَوْلُهُ " لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ " أَيْ جَائِزَيْنِ كَالتَّاسُومَةِ، قَوْلُهُ: (وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ إلَخْ) بِأَنْ يَجْعَلَهُمَا كَالْبَابُوجِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الِاكْتِفَاءِ بِقَطْعِهِ الْخُفَّ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يُحِيطُ بِالْعَقِبِ وَالْأَصَابِعِ وَظَهْرِ الْقَدَمَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي تَحْرِيمَ السُّرْمُوجَةِ لِأَنَّهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَلْيَقْطَعْهُمَا " أَيْ قَبْلَ لُبْسِهِمَا، فَهُوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. وَمَحَلُّ جَوَازِ لُبْسِهِمَا بَعْدَ الْقَطْعِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِمَا وَعِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ " إلَّا أَحَدًا لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ " كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ إلَخْ) فَإِنْ لَبِسَهُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُعْتَادَةِ حَرُمَ مِنْ جِهَتَيْنِ اللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُعْتَادِ فِي لُبْسِهِ حَرُمَ مِنْ جِهَةِ الطِّيبِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (مِنْ الرَّجُلِ) رَاجِعٌ لِلُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ. قَوْلُهُ: (وَرَاءَ الْأُذُنِ) نَعَمْ لَا يَحْرُمُ سَتْرُ شَعْرٍ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ. قَوْلُهُ: (بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا عُرْفًا) وَإِنْ حَكَى الْبَشَرَةَ كَثَوْبٍ رَقِيقٍ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاتِرًا هُنَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَالطَّيْلَسَانُ) مَا يُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ كَالشَّالِ. قَوْلُهُ: (الثَّخِينَانِ) فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الثَّخِينَيْنِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ قَطْعَ النَّعْتِ لَا يَجُوزُ فِي مِثْلِ هَذَا، بِخِلَافِ الرَّقِيقَيْنِ وَالْمَاءِ الْكَدِرِ فَلَا يَحْرُمُ انْغِمَاسُهُ فِي مَاءٍ كَدِرٍ، وَكَذَا وَضْعُ يَدِهِ عَلَى رَأْسِهِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ السَّتْرَ، وَكَذَا وَضْعُ نَحْوِ قُفَّةٍ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَعُمَّهَا أَوْ غَالِبَهَا وَلَمْ يَقْصِدْ السَّتْرَ، شَرَحَ م ر. قَوْلُهُ (مِنْ عَلَى بَعِيرِهِ) أَيْ مِنْ فَوْقِهِ فَعَلَى اسْمٌ. قَوْلُهُ: (كَاسْتِظْلَالٍ بِمَحْمِلٍ) أَيْ وَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ السَّتْرَ، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا عُرْفًا. وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ قَصْدِ السَّتْرِ فَيَفْدِي وَإِلَّا فَلَا قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ زِنْبِيلًا، وَرُدَّ بِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ إذْ السَّاتِرُ مَا يَشْمَلُ الْمَسْتُورَ لُبْسًا أَوْ نَحْوَهُ وَنَحْوُ الزِّنْبِيلِ يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ، فَأَثَرُ الْقَصْدِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْهَوْدَجِ، اهـ شَرْحُ الْعُبَابِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَسَّهُ) غَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَبِسَ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ، وَقَوْلُهُ " أَوْ سَتَرَ ذَلِكَ " أَيْ الْمُحِيطَ بِالنَّظَرِ لِلُّبْسِ أَوْ بَعْضَ الرَّأْسِ بِالنَّظَرِ لِلسَّتْرِ، فَالْفِعْلَانِ تَنَازَعَا فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لِبَعْضِ الرَّأْسِ، وَمَفْعُولُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 بَعْضِ (الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ الْمَرْأَةِ) وَلَوْ أَمَةً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا إلَّا لِحَاجَةٍ فَيَجُوزُ مَعَ الْفِدْيَةِ، وَعَلَى الْحُرَّةِ أَنْ تَسْتُرَ مِنْهُ مَا لَا يَتَأَتَّى سَتْرُ جَمِيعِ رَأْسِهَا إلَّا بِهِ احْتِيَاطًا لِلرَّأْسِ إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِهِ إلَّا بِسَتْرِ قَدْرٍ يَسِيرٍ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى سَتْرِهِ بِكَمَالِهِ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَشْفِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْوَجْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتُرُ ذَلِكَ لِأَنَّ رَأْسَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَإِذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ سَتْرَ وَجْهِهَا عَنْ النَّاسِ أَرْخَتْ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ بِنَحْوِ ثَوْبٍ مُتَجَافٍ عَنْهُ بِنَحْوِ خَشَبَةٍ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ عَلَى الْبَشَرَةِ وَسَوَاءٌ فَعَلَته لِحَاجَةٍ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ أَمْ لَا، وَلَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ فِي الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ إلَّا الْقُفَّازَ فَلَيْسَ لَهَا سَتْرُ الْكَفَّيْنِ وَلَا أَحَدِهِمَا بِهِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ يُحْشَى بِقُطْنٍ وَيَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ تَزُرُّ عَلَى السَّاعِدَيْنِ مِنْ الْبَرْدِ تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فِي يَدَيْهَا. وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ مَا يَشْمَلُ الْمَحْشُوَّ وَغَيْرَهُ. تَنْبِيهٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ سَتْرُ وَجْهِهِ مَعَ رَأْسِهِ وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ، وَلَهُ سَتْرُ وَجْهِهِ مَعَ كَشْفِ رَأْسِهِ وَلَا فِدْيَةَ   [حاشية البجيرمي] لَبِسَ " مَحْذُوفٌ أَيْ الْمَخِيطَ، وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا مِنْ التَّنَازُعِ لِاخْتِلَافِ مَرْجِعِ اسْمِ الْإِشَارَةِ. 1 - فَرْعٌ: إذَا لَبِسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا فَوْقَ ثَوْبٍ مَعَ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنْ سَتَرَ الثَّانِي مَا لَمْ يَسْتُرْهُ الْأَوَّلُ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ مَا لَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ بِسَاتِرٍ فَوْقَ سَاتِرٍ. سم عَنْ م ر. قَوْلُهُ: (سَتْرُ بَعْضِ الْوَجْهِ إلَخْ) الْأَوْلَى تَغْطِيَةٌ لِأَنَّهَا الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (وَالْكَفَّيْنِ) كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ وَبِإِسْقَاطِهَا عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزِّيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ، إذْ لِلْمَرْأَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ لُبْسُ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ فِي الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ إلَّا الْقُفَّازَ فَلَيْسَ لَهَا سَتْرُ الْكَفَّيْنِ وَلَا إحْدَاهُمَا بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَتَرَتْ كَفَّيْهَا بِكُمَّيْهَا أَوْ بِخِرْقَةٍ لَفَّتْهَا فَلَا يَحْرُمُ م د. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " وَالْكَفَّيْنِ " أَيْ بِالْقُفَّازَيْنِ خَاصَّةً لَا بِنَحْوِ كُمَّيْهَا فَلَا يَحْرُمُ، وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الْأَوْلَى حَذْفُهُمَا؛ بِشْبِيشِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمَرْأَةِ) رَاجِعً لِلْأَمْرَيْنِ قَبْلَهُ، وَهُوَ لَيْسَ قَيْدًا لِأَنَّهُمَا حَرَامَانِ عَلَى الرَّجُلِ أَيْضًا إذَا كَانَا مَخِيطَيْنِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَرْقًا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا فِي الْكَفَّيْنِ إلَّا الْقُفَّازَانِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ يَحْرُمَانِ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ كُلِّ مَخِيطٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَمَةً) أَيْ مَعَ أَنَّ الْأَمَةَ. تُوُسِّعَ فِيهَا فِي الصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَوْرَةِ لَكِنْ لَمْ يُتَوَسَّعْ فِيهَا هُنَا، بَلْ كَانَتْ كَالْحُرَّةِ، وَبِهَذَا صَحَّ جَعْلُهَا غَايَةً. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْحُرَّةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ وَجَبَ عَلَيْهَا سَتْرُ رَأْسِهَا وَيَجِبُ عَلَيْهَا كَشْفُ وَجْهِهَا لِلْإِحْرَامِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهَا سَتْرُ رَأْسِهَا إلَّا بِسَتْرِ شَيْءٍ مِنْ وَجْهِهَا فَقَدْ تَعَارَضَ عَلَيْهَا وَاجِبَانِ الصَّلَاةُ وَالْإِحْرَامُ فَمَا الْمُخَلِّصُ لَهَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهَا تُرَاعِي الصَّلَاةَ. قَوْلُهُ: (مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ) فِيهِ أَنَّ مَا يَلِي الْوَجْهَ مِنْ الرَّأْسِ؛ وَلَا مَعْنَى لَهُ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ، أَوْ يَقُولُ: مِنْ الْوَجْهِ. وَعِبَارَةُ م ر: مِمَّا يَلِيهِ، أَيْ الرَّأْسِ مِنْ الْوَجْهِ، وَهِيَ أَوْلَى بَلْ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ مَا يَلِي الْوَجْهَ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهَا تَسْتُرُ مِنْ الْوَجْهِ مَا لَا يَتِمُّ سَتْرُ الرَّأْسِ إلَّا بِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُحَافَظَةُ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: لَا يُقَالُ لِمَ لَا عَكَسَ ذَلِكَ بِأَنْ تَكْشِفَ مِنْ رَأْسِهَا مَا لَا يَتَأَتَّى كَشْفُ وَجْهِهَا إلَّا بِهِ؟ لِأَنَّا نَقُولُ السَّتْرُ أَحْوَطُ مِنْ الْكَشْفِ. قَوْلُهُ: (عَلَى سَتْرِهِ) أَيْ الرَّأْسِ. قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهِ عَوْرَةً) أَيْ فِي الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ رَأْسَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ لَا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ سَتْرَ وَجْهِهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى وُجُوبِ كَشْفِ وَجْهِهَا وَلَوْ بِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ وَمَعَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ غَضُّ الْبَصَرِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ. وَالْمُتَّجَهُ فِي هَذِهِ وُجُوبُ السَّتْرِ عَلَيْهَا بِمَا لَا يَمَسُّهُ الْآتِي. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (بِثَوْبٍ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ الْبَاءِ، مَرْحُومِيٌّ؛ لِأَنَّ " ثَوْبًا " بَدَلٌ مِنْ مَا. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا يَقَعُ) أَيْ نَحْوُ الثَّوْبِ عَلَى الْبَشَرَةِ، فَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهَا أَوْ اسْتِدَامَتِهِ لَزِمَتْهَا الْفِدْيَةُ وَإِلَّا بِأَنْ سَقَطَ قَهْرًا وَرَفَعَتْهُ حَالًا فَلَا فِدْيَةَ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ أَفَعَلْته إلَخْ) لَا يُلَائِمُ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ مَا قَبْلَهُ مُقَيَّدٌ بِالْحَاجَةِ، إذْ سَتْرُ الْوَجْهِ عَنْ النَّاسِ مِنْ السَّتْرِ لِحَاجَةٍ؛ فَالْمُنَاسِبُ لَفْظًا أَنْ يُطْلَقَ أَوَّلًا فِي السَّتْرِ كَأَنْ يَقُولَ: فَإِذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ سَتْرَ وَجْهِهَا أَرْخَتْ إلَخْ، ثُمَّ يَقُولُ: وَسَوَاءٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (يَحْرُمُ عَلَى الْخُنْثَى إلَخْ) لِأَنَّهُ إمَّا أُنْثَى أَوْ ذَكَرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ سَتْرُ وَجْهِهِ إلَخْ) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 عَلَيْهِ لِأَنَّا لَا نُوجِبُهَا بِالشَّكِّ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَسْتَتِرَ بِالْمَخِيطِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا وَيُمْكِنُ سَتْرُهُ بِغَيْرِهِ. (وَ) الرَّابِعُ (تَرْجِيلُ) أَيْ تَسْرِيحُ (الشَّعْرِ) أَيْ شَعْرِ رَأْسِ الْمُحْرِمِ أَوْ لِحْيَتِهِ وَلَوْ مِنْ امْرَأَةٍ (بِالدُّهْنِ) وَلَوْ غَيْرَ مُطَيَّبٍ كَزَيْتٍ وَشَمْعٍ مُذَابٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّزْيِينِ الْمُنَافِي لِحَالِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ، وَلَا فَرْقَ فِي الشَّعْرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلَوْ وَاحِدَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ كَانَ شَعْرُ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْيِينِ الشَّعْرِ وَتَنْمِيَتِهِ بِخِلَافِ رَأْسِ الْأَقْرَعِ وَالْأَصْلَعِ وَذَقَنِ الْأَمْرَدِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى، وَلَهُ دَهْنُ بَدَنِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَسَائِرِ شَعْرِهِ بِذَلِكَ، وَلَهُ أَكْلُهُ وَجَعْلُهُ فِي شَجَّةٍ وَلَوْ بِرَأْسِهِ، وَأَلْحَقَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِشَعْرِ اللِّحْيَةِ شَعْرَ الْوَجْهِ كَحَاجِبٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ، وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: التَّحْرِيمُ ظَاهِرٌ فِيمَا اتَّصَلَ بِاللِّحْيَةِ كَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ وَالْعِذَارِ، وَأَمَّا الْحَاجِبُ وَالْهُدْبُ وَمَا عَلَى الْجَبْهَةِ أَيْ وَالْخَدِّ فَفِيهِ بُعْدٌ انْتَهَى وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَزَيَّنُ بِهِ، وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ بَدَنِهِ وَرَأْسِهِ بِخَطْمِيٍّ وَنَحْوِهِ كَسِدْرٍ مِنْ غَيْرِ نَتْفِ شَعْرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ الْوَسَخِ لَا لِلتَّزْيِينِ وَالتَّنْمِيَةِ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ وَتَرْكُ الِاكْتِحَالِ الَّذِي لَا طِيبَ فِيهِ، وَلِلْمُحْرِمِ الِاحْتِجَامُ وَالْفَصْدُ مَا لَمْ يُقْطَعْ بِهِمَا شَعْرٌ. (وَ) الْخَامِسُ (حَلْقُهُ) أَيْ الشَّعْرِ مِنْ سَائِرِ جَسَدِهِ وَمِثْلُ الْحَلْقِ النَّتْفُ وَالْإِحْرَاقُ وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] أَيْ شَعْرَهَا، وَشَعْرُ سَائِرِ الْجَسَدِ مُلْحَقٌ بِهِ. (وَ) السَّادِسُ (تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ)   [حاشية البجيرمي] ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْأُنْثَى. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَيْسَ لَهُ سَتْرُ وَجْهِهِ مَعَ كَشْفِ رَأْسِهِ خِلَافًا لِمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ. قَالَ ق ل: وَلَعَلَّ كَلَامَ الشَّارِحِ سَبْقُ قَلَمٍ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ كَشْفُ وَجْهِهِ وَسَتْرُ رَأْسِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ هُنَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْخُنْثَى أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَسْتُرَ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ أَوْ يَكْشِفَهُمَا أَوْ يَسْتُرَ الْوَجْهَ وَيَكْشِفَ الرَّأْسَ أَوْ يَعْكِسَ، فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَأْثَمُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ يَأْثَمُ وَلَا فِدْيَةَ، وَفِي الرَّابِعَةِ لَا إثْمَ وَلَا فِدْيَةَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف؛ لِأَنَّ الرَّابِعَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (لَا نُوجِبُهَا بِالشَّكِّ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ. قَوْلُهُ (وَأَنْ لَا يَسْتَتِرَ) لَوْ قَالَ أَنْ لَا يَلْبَسَ الْمَخِيطَ لَكَانَ أَوْلَى ق ل؛ لِأَنَّ السَّتْرَ يَصْدُقُ بِمَا إذَا اتَّزَرَ بِسَرَاوِيلَ أَوْ ارْتَدَى بِقَمِيصٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتَرْجِيلُ الشَّعْرِ) أَيْ تَسْرِيحُهُ؛ وَالْأَوْلَى حَذْفُ (تَرْجِيلُ) بِأَنْ يَقُولَ: وَدَهْنُ الشَّعْرِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ اسْتِعْمَالُ الدُّهْنِ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ وَلَوْ بَعْضَ شَعْرَةٍ ق ل بِالْمَعْنَى. فَالْمَدَارُ هُنَا عَلَى التَّدْهِينِ وَالتَّرْجِيلِ لَيْسَ قَيْدًا، وَمِنْ هُنَا إلَى آخِرِ الْمُحَرَّمَاتِ عَامٌّ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى التَّوْزِيعِ الْأَوَّلَانِ لِلرَّجُلِ وَمَا بَعْدَهُمَا إلَى هُنَا لِلْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (بِالدُّهْنِ) بِالضَّمِّ مَا يُدْهَنُ بِهِ، وَأَمَّا بِفَتْحِهَا فَهُوَ الْفِعْلُ أَعْنِي التَّدْهِينَ أج. قَوْلُهُ: (وَشَمَعٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّيُوطِيّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَاحِدَةً) أَيْ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ التَّزْيِينُ كَشَعْرِ اللِّحْيَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ مَنَاطُ التَّحْرِيمِ، مَرْحُومِيٌّ؛ أَيْ بِخِلَافِ وَاحِدَةٍ مِنْ الْإِبْطِ أَوْ الْعَانَةِ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ) أَيْ تَرْجِيلِ الشَّعْرِ بِالدُّهْنِ، وَقَوْلُهُ " مِنْ تَزْيِينٍ " أَيْ وَلَوْ بَعْدَ طُلُوعِهِ. قَوْلُهُ: (الْأَقْرَعِ) أَيْ الَّذِي لَا يُنْبِتُ، وَقَوْلُهُ " وَالْأَصْلَعِ " أَيْ فِي مَحَلِّ الصَّلَعِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ " وَذَقَنِ الْأَمْرَدِ " أَيْ إذَا لَمْ يَبْلُغْ أَوَانُ نَبَاتِ لِحْيَتِهِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كَالرَّأْسِ الْمَحْلُوقِ م ر. فَإِذَا بَلَغَ أَوَانُ الطُّلُوعِ وَلَمْ يَلْتَحِ يُقَالُ لَهُ ثَطٌّ. قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى) أَيْ التَّزْيِينِ وَالتَّنْمِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَبَاطِنًا) كَبَاطِنِ أَنْفِهِ وَأُذُنَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَأَكْلُهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَمَسَّ شَيْئًا مِنْ نَحْوِ شَارِبِهِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ ق ل، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَشَارِبٍ) وَحِينَئِذٍ فَلْيُتَنَبَّهْ لِمَا يُغْفَلُ عَنْهُ كَثِيرًا مِنْ تَلْوِيثِ الشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ بِالدُّهْنِ عِنْدَ أَكْلِ اللَّحْمِ، فَإِنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ وَالتَّعَمُّدِ حَرَامٌ فِيهِ الْفِدْيَةُ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ مَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّ مِنْ التَّفْصِيلِ. فَجُمْلَةُ الْأَقْوَالِ ثَلَاثَةٌ فِي شَعْرِ الْوَجْهِ الْحُرْمَةُ وَعَدَمُهَا وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ؛ لَكِنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَدُّ عِنْدَ م ر مَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (غَسْلُ بَدَنِهِ) أَيْ وَمَلْبُوسِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ نَتْفٍ) أَمَّا بِنَتْفٍ فَحَرَامٌ. قَوْلُهُ: (الَّذِي لَا طِيبَ فِيهِ) أَمَّا مَا فِيهِ طِيبٌ فَحَرَامٌ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُقْطَعْ بِهِمَا شَعْرٌ) وَإِلَّا حَرُمَا. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُ الْحَلْقِ النَّتْفُ) وَلَوْ كَشَطَ الْمُحْرِمُ جِلْدَةَ الرَّأْسِ فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 قِيَاسًا عَلَى الشَّعْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَفُّهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِبَعْضِ شَعْرَةٍ أَوْ ظُفْرٍ. (وَ) السَّابِعُ (الطِّيبُ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُحْرِمُ ذَكَرًا أَمْ غَيْرَهُ وَلَوْ أَخْشَمَ، بِمَا يُقْصَدُ مِنْهُ رَائِحَتُهُ غَالِبًا وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ كَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَالْكَافُورِ وَالْوَرْسِ وَهُوَ أَشْهُرُ طِيبٍ بِبِلَادِ الْيَمَنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَإِنْ كَانَ يُطْلَبُ لِلصَّبْغِ وَالتَّدَاوِي أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَلْبُوسِهِ كَثَوْبِهِ أَمْ فِي بَدَنِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ «وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ مَا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ» وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِأَكْلٍ أَوْ إسْعَاطٍ أَمْ احْتِقَانٍ فَيَجِبُ مَعَ التَّحْرِيمِ فِي ذَلِكَ الْفِدْيَةُ، وَاسْتِعْمَالُهُ أَنْ يُلْصِقَ الطِّيبَ بِبَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ، وَلَوْ اُسْتُهْلِكَ الطِّيبُ فِي الْمُخَالِطِ لَهُ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ رِيحٌ وَلَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ كَأَنْ اُسْتُعْمِلَ فِي دَوَاءٍ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَأَكْلُهُ وَلَا فِدْيَةَ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْأَكْلُ أَوْ التَّدَاوِي وَإِنْ كَانَ لَهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ كَالتُّفَّاحِ وَالسُّنْبُلِ وَسَائِرِ الْأَبَازِيرِ الطَّيِّبَةِ كَالْمُصْطَكَى لَمْ يَحْرُمْ، وَلَمْ يَجِبْ فِيهِ فِدْيَةٌ لِأَنَّ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْأَكْلُ أَوْ التَّدَاوِي لَا فِدْيَةَ فِيهِ. (وَ) الثَّامِنُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ (قَتْلُ الصَّيْدِ) إذَا كَانَ مَأْكُولًا بَرِّيًّا وَحْشِيًّا كَبَقَرِ وَحْشِيٍّ وَدَجَاجَةٍ أَوْ كَانَ مُتَوَلِّدًا بَيْنَ   [حاشية البجيرمي] فِدْيَةَ، إذْ الشَّعْرُ تَابِعٌ؛ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (الصَّادِقُ بِبَعْضِ شَعْرَةٍ) كَيْفَ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ: " وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْفِدْيَةُ " مَعَ أَنَّ الْوَاحِدَةَ فِيهَا مُدٌّ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِدْيَةِ مَا يَشْمَلُ الْمُدَّ، أَوْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحُرْمَةِ وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِي ثَلَاثٍ فَأَكْثَرَ، بِخِلَافِ الدَّهْنِ فَإِنَّ فِيهِ الْفِدْيَةَ وَلَوْ لِبَعْضِ شَعْرَةٍ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ لِحُصُولِ التَّرَفُّهِ بِذَلِكَ ق ل وأج. قَوْلُهُ: (وَالطِّيبُ) أَيْ التَّطَيُّبُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْلُوفِ فِيهِ كَالتَّبَخُّرِ بِالْعُودِ، بِخِلَافِ أَكْلِهِ وَحَمْلِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِأَيِّ شَيْءٍ حُرِّمَ الطِّيبُ عَلَى الْمُحْرِمِ مَعَ أَنَّهُ فِي حَضْرَةِ اللَّهِ الْخَاصَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالطِّيبُ مُسْتَحَبٌّ فِي الْجُمُعَةِ؟ فَالْجَوَابُ إنَّمَا حُرِّمَ ذَلِكَ لِحَدِيثِ: " الْمُحْرِمُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ " وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْمُحْرِمِ إظْهَارُ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ وَاسْتِشْعَارُ الْخَجَلِ مِنْ الْحَقِّ تَعَالَى وَطَلَبُ الصَّفْحِ وَالْعَفْوِ خَوْفًا مِنْ مُعَاجَلَةِ الْعُقُوبَةِ كَمَا وَرَدَ: «إنَّ السَّيِّدَ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا حَجَّ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ مَاشِيًا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي عَرَفَاتٍ وَتَلَقَّى هُنَاكَ كَلِمَاتِ الِاسْتِغْفَارِ بِقَوْلِهِ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] » . قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ) الْمُنَاسِبُ: " وَلَوْ مَعَ غَيْرِهَا " أَيْ الرَّائِحَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، أَيْ وَلَوْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ رَائِحَتُهُ مَعَ غَيْرِهِ كَالتَّدَاوِي فَيَكُونُ غَايَةً فِي يُقْصَدُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَإِنْ كَانَ يُطْلَبُ لِلصَّبْغِ وَالتَّدَاوِي أَيْضًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ كَأَنْ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ وَتَطَيَّبَ بِهِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَرُبَّمَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ الْآتِي: وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الطِّيبَ إلَخْ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ (أَشْهَرُ طِيبٍ إلَخْ) وَهُوَ نَبْتٌ أَصْفَرُ يُزْرَعُ بِالْيَمَنِ وَيُصْبَغُ بِهِ، قِيلَ: وَهُوَ صِنْفٌ مِنْ الْكُرْكُمِ، وَقِيلَ: يُشْبِهُهُ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (فِي مَلْبُوسِهِ) أَيْ وَلَوْ نَعْلًا. قَوْلُهُ: (بِأَكْلٍ) أَيْ اُعْتِيدَ الطِّيبُ بِهِ لِذَلِكَ كَالْمِسْكِ، بِخِلَافِ أَكْلِ الْعُودِ. قَوْلُهُ: أَوْ إسْعَاطٌ هُوَ الْإِدْخَالُ فِي الْأَنْفِ قَوْلُهُ: (أَيْنَ يُلْصَقُ) وَمِنْ ذَلِكَ الْبَخُورُ بِنَحْوِ الْعُودِ فَإِنَّ فِيهِ لَصْقَ أَجْزَاءِ الدُّخَانِ بِبَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ وَخَرَجَ بِهِ مُجَرَّدُ الشَّمِّ كَمَا فِي م ر وَمَا إذَا أَلْقَتْهُ عَلَيْهِ الرِّيحُ. قَوْلُهُ: (وَلَا لَوْنَ) اعْتَمَدَ م ر. أَنَّهُ لَا ضَرَرَ بِبَقَاءِ اللَّوْنِ، وَعِبَارَتُهُ: فَلَوْ كَانَ فِي مَأْكُولٍ بَقِيَ فِيهِ رِيحُ الطِّيبِ أَوْ طَعْمُهُ حَرُمَ لِأَنَّ الرِّيحَ هُوَ الْغَرَضُ الْأَعْظَمُ مِنْ الطِّيبِ وَالطَّعْمُ مَقْصُودٌ مِنْهُ أَيْضًا، بِخِلَافِ اللَّوْنِ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْأَكْلُ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِمَا يُقْصَدُ مِنْهُ رَائِحَتُهُ. قَوْلُهُ: (الْأَبَازِيرُ) أَيْ أَنْوَاعُ الرَّوَائِحِ وَهُوَ جَمْعُ بِزْرٍ كَحَبَّهَانَ. وَفِي إطْلَاقِ الْأَبَازِيرِ عَلَى الْمُصْطَكَى تَغْلِيبٌ لِأَنَّ الْمُصْطَكَى لَيْسَ لَهَا بِزْرٌ، وَكَذَا الْمِسْكُ، ثُمَّ رَأَيْت الْمَرْحُومِيَّ قَالَ: قَوْلُهُ " كَالْمُصْطَكَى " تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ اهـ. وَالْمُصْطَكَى بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ وَالْقَصْرُ أَكْثَرُ مِنْ الْمَدِّ قَالَ بَعْضُهُمْ تُشَدَّدُ فَتُقْصَرُ وَتُخَفَّفُ فَتُمَدُّ وَحَكَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فَتْحَ الْمِيمِ وَالتَّخْفِيفَ وَالْمَدَّ وَذَكَرَ غَيْرُهُ الْقَصْرَ أَيْضًا وَيُقَالُ مُصْتَكَى بِالتَّاءِ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ) لَا حَاجَةَ لِهَذَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ، وَانْظُرْ لِمَ صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا دُونَ غَيْرِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ الْوَحْشِيِّ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ أَوْ بَيْنَ شَاةٍ وَظَبْيٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96] أَيْ أَخْذُهُ {مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] وَأَمَّا الثَّانِي فَلِلِاحْتِيَاطِ. وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ وَحْشِيٍّ غَيْرِ مَأْكُولٍ وَإِنْسِيٍّ مَأْكُولٍ، كَالتَّوَلُّدِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَشَاةٍ، وَمَا تَوَلَّدَ بَيْنَ غَيْرِ مَأْكُولَيْنِ أَحَدُهُمَا وَحْشِيٌّ كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ حِمَارٍ وَذِئْبٍ وَمَا تَوَلَّدَ بَيْنَ أَهْلِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مَأْكُولٍ كَبَغْلٍ فَلَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِشَيْءٍ مِنْهَا، وَيَحْرُمُ أَيْضًا اصْطِيَادُ الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ وَالْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا مُلْتَزِمَ الْأَحْكَامِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ (ص) يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ: «إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ» أَيْ لَا يَجُوزُ تَنْفِيرُ صَيْدِهِ لِمُحْرِمٍ وَلَا لِحَلَالٍ فَغَيْرُ التَّنْفِيرِ أَوْلَى وَقِيسَ بِمَكَّةَ بَاقِي الْحَرَمِ. (وَ) التَّاسِعُ (عَقْدُ النِّكَاحِ) بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ، وَكَذَا قَبُولُهُ لَهُ أَوْ لِوَكِيلِهِ، وَاحْتَرَزَ بِالْعَقْدِ عَنْ الرَّجْعَةِ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةُ نِكَاحٍ. (وَ) الْعَاشِرُ (الْوَطْءُ) بِإِدْخَالِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَلَالِ تَمْكِينُ زَوْجِهَا الْمُحْرِمِ مِنْ الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْحَلَالِ جِمَاعُ زَوْجَتِهِ الْمُحْرِمَةِ   [حاشية البجيرمي] وَلَعَلَّهُ لِأَجْلِ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ " إذَا كَانَ إلَخْ " أَوْ اعْتِنَاءً بِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ. قَوْلُهُ: (قَتْلُ الصَّيْدِ) الْقَتْلُ لَيْسَ قَيْدًا إذْ يَحْرُمُ أَيْضًا التَّعَرُّضُ لَهُ بِاصْطِيَادٍ أَوْ نَحْوِهِ، نَعَمْ الْفِدْيَةُ إنَّمَا هِيَ فِي قَتْلِهِ أَوْ نَحْوِهِ. قَوْلُهُ: (مَأْكُولًا) أَيْ يَقِينًا ح ف. وَقَوْلُهُ " وَحْشِيًّا " أَيْ أَصَالَةً وَإِنْ تَأَنَّسَ بِخِلَافِ الْإِنْسِيِّ وَإِنْ تَوَحَّشَ نَظَرًا لِأَصْلِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدَ الْبَرِّ إلَخْ) قَالَ الْقَفَّالُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَرِّيِّ وَالْبَحْرِيِّ: إنَّ الْبَرِّيَّ إنَّمَا يُصَادُ غَالِبًا لِلتَّنَزُّهِ وَالتَّفَرُّجِ وَالْإِحْرَامُ يُنَافِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْبَحْرِيِّ فَإِنَّهُ يُصَادُ غَالِبًا لِلِاضْطِرَارِ وَالْمَسْكَنَةِ فَحَلَّ مُطْلَقًا حِينَئِذٍ م ر اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَخْذُهُ) حَمَلَ الشَّارِحُ الصَّيْدَ عَلَى الْمَصِيدِ فَاحْتَاجَ إلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ لَا بِالذَّوَاتِ، وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَى الِاصْطِيَادِ لَاسْتَغْنَى عَنْ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ ذِئْبٍ) فَالذِّئْبُ وَحْشِيٌّ لِأَنَّهُ لَا يُؤْنَسُ بِهِ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَشَاةٍ وَبَيْنَ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ وَحِمَارٍ وَحْشِيٍّ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ وَبَيْنَ وَحْشِيٍّ وَغَيْرِهِ؟ قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ الذِّئْبَ وَحْشِيٌّ غَيْرُ مَأْكُولٍ وَالْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ مَأْكُولٌ، وَقَوْلُهُ " كَبَغْلٍ " فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ وَفَرَسٍ. قَوْلُهُ: (مُلْتَزِمَ الْأَحْكَامِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ إلَّا مِنْ حَيْثُ الضَّمَانُ. قَوْلُهُ: (بِحُرْمَةِ اللَّهِ) أَيْ بِحُكْمِهِ الْأَزَلِيِّ الْقَدِيمِ. قَوْلُهُ: (وَقِيسَ بِمَكَّةَ بَاقِي الْحَرَمِ) يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْبَلَدِ مَا يَشْمَلُ الْحَرَمَ، فَلَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا قَبُولُهُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ يَشْمَلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَشْمَلُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ، وَمِثْلُ الْعَقْدُ الْإِذْنُ فِيهِ. نَعَمْ لَا يَمْتَنِعُ عَقْدُ النِّكَاحِ عَلَى نَائِبِ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي بِإِحْرَامِهِمَا. وَبِهَذَا يَلْغُو وَيُقَالُ: لَنَا رَجُلٌ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ يَعْقِدُ نَائِبُهُ النِّكَاحَ وَيَصِحُّ مِنْهُ وَهُوَ عَامِدٌ عَالِمٌ ذَاكِرٌ مُخْتَارٌ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ اهـ م د. قَوْلُهُ: (أَوْ لِوَكِيلِهِ) صَوَابُهُ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا وَالْوَكِيلُ مُحْرِمٌ وَلَا بُدَّ. قَوْلُهُ: (عَنْ الرَّجْعَةِ) وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الْعَقْدِ وَزِفَافُ الْمُحْرِمَةِ لِلْحَلَالِ، وَعَكْسُهُ ق ل. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَنُدِبَ لَهُ تَرْكُ الْخِطْبَةِ وَكُرِهَتْ رَجْعَتُهُ، وَجَازَ كَوْنُهُ شَاهِدًا فِي نِكَاحِ الْحَلَالَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَالْوَطْءُ) فَيَحْرُمُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْمُحْرِمِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا حَتَّى يَحْرُمَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَلَالِ تَمْكِينُ الْمُحْرِمِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ. وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ الْحَلَالِ أَيْضًا حَالَ إحْرَامِ الْمَرْأَةِ مَا لَمْ يُرِدْ تَحْلِيلَهَا بِشَرْطِهِ اهـ. وَمَحَلُّ حُرْمَتِهِ وَإِفْسَادِهِ الْحَجَّ إذَا كَانَ مِنْ عَاقِلٍ عَالِمٍ مُخْتَارٍ، فَإِنْ فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا إفْسَادَ. قَوْلُهُ: (فِي قُبُلٍ) أَيْ مُتَّصِلٍ أَوْ مُنْفَصِلٍ ق ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَوَطْءٌ، أَيْ وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ بِذَكَرٍ مُتَّصِلٍ أَوْ بِمَقْطُوعٍ وَلَوْ مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ مِنْ قَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْ فَاقِدِهَا اهـ. وَكَتَبَ الرَّشِيدِيُّ عَلَى قَوْلِهِ " أَوْ بِمَقْطُوعٍ ": أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 (وَ) كَذَا (الْمُبَاشَرَةُ) قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ (بِشَهْوَةٍ) لَا بِغَيْرِهَا وَكَذَا يَحْرُمُ الِاسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ (وَ) يَجِبُ (فِي) كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ (جَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ (الْفِدْيَةُ) الْآتِي بَيَانُهَا فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ (إلَّا عَقْدَ النِّكَاحِ) أَوْ قَبُولَهُ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ (فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ) فَوُجُودُهُ كَالْعَدَمِ، وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْمُبَاشَرَةِ بِشَهْوَةٍ أَوْ الِاسْتِمْنَاءِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْفِدْيَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِدُخُولِهَا فِي فِدْيَةِ الْجِمَاعِ (وَلَا يُفْسِدُهُ) أَيْ الْإِحْرَامَ شَيْءٌ مِنْ مُحَرَّمَاتِهِ (إلَّا الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ) فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ إذَا وَقَعَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَفِي الْحَجِّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَعْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ إحْرَامًا صَحِيحًا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ الْمُجَامِعُ فِي الْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ رَقِيقًا أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] أَيْ لَا تَرْفُثُوا فَلَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ، وَلَوْ بَقِيَ عَلَى الْخَبَرِ امْتَنَعَ وُقُوعُهُ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ إخْبَارَ اللَّهِ تَعَالَى صِدْقٌ قَطْعًا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ كَثِيرًا، وَالْأَصْلُ فِي النَّهْيِ اقْتِضَاءُ الْفَسَادِ. وَقَاسُوا الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ فَلَا يَفْسُدُ ذَلِكَ بِجِمَاعِهِ، وَكَذَا النَّاسِي وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ، وَلَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ عَلَى   [حاشية البجيرمي] بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا وَيَفْسُدُ حَجُّهَا وَإِنْ كَانَتْ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ هَذَا مِنْ جَعْلِهِ الْعَشْرَ. وَعِبَارَةُ م ر: وَتَحْرُمُ مُقَدِّمَاتُهُ أَيْضًا كَقُبْلَةٍ وَنَظَرٍ وَلَمْسٍ وَمُعَانَقَةٍ بِشَهْوَةٍ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ إنْزَالٍ، أَوْ مَعَ حَائِلٍ وَلَا دَمَ فِي النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ، وَالْقُبْلَةِ بِحَائِلٍ وَإِنْ أَنْزَلَ؛ بِخِلَافِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ فَإِنَّ فِيهِ الدَّمَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ إنْ بَاشَرَ عَمْدًا بِشَهْوَةٍ اهـ. وَالدَّمُ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ الْمُبَاشَرَةُ عَمْدًا وَالشَّهْوَةُ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ التَّحَلُّلِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا يَحْرُمُ الِاسْتِمْنَاءُ) وَلَا تَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ إلَّا إذَا أَنْزَلَ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِمْنَاءَ بِيَدِ غَيْرِ الْحَلِيلَةِ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَكَذَا بِيَدِ حَلِيلَتِهِ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ صَوْمِ الْفَرْضِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ) هُوَ تَفْسِيرٌ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ الْمُفْرَدِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ " ذَا " لَا يُشَارُ بِهِ إلَّا لِلْمُفْرَدِ الْمُذَكَّرِ وَالْمُشَارُ بِهَا عَلَى كَلَامِهِ جَمْعٌ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِالْمَذْكُورِ وَبَيَّنَهُ بِالْمُحَرَّمَاتِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (أَوْ قَبُولُهُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ) أَتَى الشَّارِحُ بِهَذَا لِيَحْسُنَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ، وَلَا مَعْنَى لِاسْتِثْنَاءِ عَدَمِ الِانْعِقَادِ مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ؛ فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عِلَّةً لِمَحْذُوفٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالِاسْتِثْنَاءِ. قَوْلُهُ: (فِي فِدْيَةِ الْجِمَاعِ) أَيْ أَوْ بَدَلِهَا، وَكَذَا فِي شَاتِهِ كَالْوَاقِعِ بَعْدَ الْجِمَاعِ غَيْرِ الْمُفْسِدِ أَوْ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ سَوَاءٌ طَالَ الزَّمَنُ بَيْنَ الْمُقَدِّمَاتِ وَالْجِمَاعِ أَمْ قَصُرَ، شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يُفْسِدُهُ) اُنْظُرْ لَوْ عَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَرَكَةٌ وَلَمْ يُنْزِلْ، هَلْ يَجْرِي فِيهِ مَا فِي الصَّوْمِ مِنْ عَدَمِ فَسَادِ صَوْمِهِ وَعَدَمِ الْفِدْيَةِ،؟ لَا يَبْعُدُ الْجَرَيَانُ، حَرِّرْ قَوْلُهُ: (أَيْ الْإِحْرَامُ) أَيْ إحْرَامُ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ، وَالْفِدْيَةُ خَاصَّةٌ بِالرَّجُلِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (إلَّا الْوَطْءَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْخُنْثَى. قَوْلُهُ: (إذَا وَقَعَ فِي الْعُمْرَةِ) أَيْ الْمُفْرَدَةِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُفْرَدَةِ فَهِيَ تَابِعَةٌ لِلْحَجِّ صِحَّةً وَفَسَادًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْحَجِّ) أَيْ إذَا وَقَعَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، إذَا تَكَرَّرَ الْجِمَاعُ حِينَئِذٍ وَجَبَ فِيمَا عَدَا الْأَوَّلِ فِي كُلِّ جِمَاعٍ شَاةٌ ح ل. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْوُقُوفِ) أَيْ يُفْسِدُهُ الْوَطْءُ إذَا وَقَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِإِجْمَاعٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ الْمُجَامِعُ إلَخْ) غَايَةٌ. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ كَانَ نُسُكُهُ تَطَوُّعًا مِنْ صَبِيٍّ أَوْ قِنٍّ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ صَحِيحٌ وَتَطَوُّعُهُ كَتَطَوُّعِ الْبَالِغِ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَإِيجَابُهُ عَلَيْهِ لَيْسَ إيجَابَ تَكْلِيفٍ، بَلْ مَعْنَاهُ تَرَتُّبُهُ فِي ذِمَّتِهِ كَغَرَامَةِ مَا أَتْلَفَهُ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَفْسَدَهُ الْجِمَاعُ قَضَاءً وَجَبَ قَضَاءُ الْمَقْضِيِّ لَا الْقَضَاءِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَأَفْسَدَ الْجَمِيعَ لَزِمَهُ قَضَاءٌ وَاحِدٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَكَفَّارَةٌ لِكُلٍّ مِنْ الْعَشْرِ. قَوْلُهُ: {فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] أَيْ مَشْرُوعٌ وَجَائِزٌ. وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي وَالْجِدَالُ الْخِصَامُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَلَا يَفْسُدُ ذَلِكَ بِجِمَاعِهِ) أَيْ وَلَا فِدْيَةَ أَيْضًا. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (صَحَّ) أَيْ إذَا قَصَدَ بِالنَّزْعِ تَرْكَ الْجِمَاعِ لَا الِاسْتِلْذَاذَ، فَإِنْ قَصَدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 الْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ حَالَ النَّزْعِ صَحَّ فِي أَحَدِ أَوْجُهٍ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ لِأَنَّ النَّزْعَ لَيْسَ بِجِمَاعٍ. تَنْبِيهٌ: يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ فِي الْحَجِّ بِفِعْلِ اثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ وَهِيَ: رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَالطَّوَافُ الْمَتْبُوعُ بِالسَّعْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَ قَبْلُ، وَيَحِلُّ بِهِ اللُّبْسُ وَسَتْرُ الرَّأْسِ لِلرَّجُلِ وَالْوَجْهِ لِلْمَرْأَةِ، وَالْحَلْقُ وَالْقَلْمُ وَالطِّيبُ وَالصَّيْدُ، وَلَا يَحِلُّ بِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ وَلَا الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ «إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» وَإِذَا فَعَلَ الثَّالِثَ بَعْدَ الِاثْنَيْنِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي وَحَلَّ بِهِ بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ بِالْإِجْمَاعِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ كَمَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَتُطْلَبُ مِنْهُ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ، لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَهُنَاكَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ، أَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْحَجَّ يَطُولُ زَمَنُهُ وَتَكْثُرُ أَعْمَالُهُ فَأُبِيحَ بَعْضُ مُحَرَّمَاتِهِ فِي وَقْتٍ وَبَعْضُهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْحَيْضُ وَالْجَنَابَةُ لَمَّا طَالَ زَمَنُ الْحَيْضِ جُعِلَ لِارْتِفَاعِ مَحْظُورَاتِهِ مَحِلَّانِ انْقِطَاعُ الدَّمِ وَالِاغْتِسَالُ، وَالْجَنَابَةُ لَمَّا قَصُرَ زَمَنُهَا جُعِلَ لِارْتِفَاعِ مَحْظُورَاتِهَا مَحِلٌّ وَاحِدٌ. (وَ) إذَا جَامَعَ الْمُحْرِمُ (لَا يَخْرُجُ مِنْهُ) أَيْ الْإِحْرَامُ (بِالْفَسَادِ) بَلْ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِ نُسُكِهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ   [حاشية البجيرمي] الِاسْتِلْذَاذَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ م د. قَوْلُهُ: (بِفِعْلِ اثْنَيْنِ) قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِوَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ الرَّمْيُ أَوْ الطَّوَافُ وَحَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالثَّانِي اهـ. وَيُتَّجَهُ مِثْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ، شَوْبَرِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: رَمْيٌ وَحَلْقٌ مَعَ طَوَافٍ تُبِعَا ... بِالسَّعْيِ ذِي ثَلَاثٌ فَاسْتَمِعَا بِاثْنَيْنِ مِنْهَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ ... إلَّا النَّسَا وَبِالثَّلَاثِ يَحْصُلُ قَوْلُهُ: (وَالْقَلْمُ) أَيْ وَالدَّهْنُ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ فَجُمْلَةُ مَا يَحِلُّ بِهِ ثَمَانِيَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحِلُّ بِهِ) أَيْ لَا يَحِلُّ بِهِ الِاثْنَانِ الْبَاقِيَانِ مِنْ الْعَشَرَةِ، فَكَانَ حَقُّ الشَّارِحِ ذِكْرُ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ الْعَاشِرُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوْ إطْلَاقُ الْمُبَاشَرَةِ عَنْ تَقْيِيدِهَا بِمَا دُونَ الْفَرْجِ فَتَكُونُ شَامِلَةً لَهُ، فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ ق ل. قَوْلُهُ: (إذَا رَمَيْتُمْ) أَيْ وَطُفْتُمْ أَوْ حَلَقْتُمْ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ وَفِي رِوَايَةٍ: «إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ» . قَوْلُهُ: (إلَّا النِّسَاءَ) أَيْ الْعَقْدَ عَلَيْهِنَّ وَوَطْأَهُنَّ وَمُقَدِّمَاتِهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرَّمْيُ) أَيْ رَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. قَوْلُهُ: (تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ) وَهُوَ يَحْصُلُ بِأَعْمَالِهَا، أَعْنِي الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ. قَوْلُهُ: (مُحِلَّانِ) تَثْنِيَةُ مُحِلٍّ، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَحَلَّ ضِدُّ حَرَّمَ م د. قَوْلُهُ: (انْقِطَاعُ الدَّمِ) قَالَ فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ: وَإِذَا انْقَطَعَ لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ طُهْرٍ غَيْرُ صَوْمٍ وَطَلَاقٍ وَطُهْرٍ اهـ. وَمُرَادُهُ بِالطُّهْرِ الْأَوَّلِ الرَّافِعُ لِلْحَدَثِ، وَبِالثَّانِي غَيْرُهُ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا جَامَعَ الْمُحْرِمُ) أَيْ جِمَاعًا يُفْسِدُ نُسُكَهُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا أَوْ رَقِيقًا. قَوْلُهُ: (بَلْ يَجِبُ) بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ حَيْثُ يَخْرُجُ مِنْهَا بِالْفَسَادِ كَالصَّوْمِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ الْحَجَّ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِالْمَوْتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا مَاتَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَإِنَّ آثَارَهُ بَاقِيَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ: «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» فَعَدَمُ خُرُوجِهِ مِنْهُ بِغَيْرِهِ أَوْلَى فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ وَطِئَ قَبْلَ اشْتِغَالِهِ بِأَعْمَالِهِ فَسَدَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ، وَالْبَدَنَةُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ ثَانِيًا لِيَأْتِيَ بِحَجٍّ صَحِيحٍ وَيَتَخَلَّصَ مِنْ الْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ فَيَكُونُ لَازِمًا لِلْمُحْرِمِ حَتَّى يَأْتِيَ بِأَعْمَالِهِ. قَوْلُهُ: (فِي فَاسِدِ نُسُكِهِ) خَرَجَ بِالْفَاسِدِ الْبَاطِلُ كَأَنْ ارْتَدَّ فِيهِ، فَلَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهِ ق ل. وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الْفَاسِدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَصُورَةُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَاسِدًا أَنْ يُفْسِدَ الْعُمْرَةَ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَنْعَقِدُ فَاسِدًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَإِذَا سُئِلْت عَنْ إحْرَامٍ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا فَهَذِهِ صُورَتُهُ وَلَا أَعْلَمُ لَهَا أُخْرَى اهـ. وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَلَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْفَوَاتُ فَقَالَ: (وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ حُضُورِهِ عَرَفَاتٍ وَبِفَوَاتِهِ يَفُوتُ الْحَجُّ (تَحَلَّلَ) وُجُوبًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِئَلَّا يَصِيرَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، وَاسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ وَابْتِدَاؤُهُ حِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ وَلَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ (بِعُمْرَةٍ) أَيْ بِعَمَلِهَا فَيَأْتِيَ بِأَرْكَانِهَا الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَيَانُهَا. نَعَمْ شَرْطُ إيجَابِ السَّعْيِ أَنْ لَا يَكُونَ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ، فَإِنْ كَانَ سَعَى لَمْ يَحْتَجْ لِإِعَادَتِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ (وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) فَوْرًا مِنْ قَابِلٍ لِلْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَمَا فِي الْإِفْسَادِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي فَوَاتٍ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ حَصْرٍ فَإِنْ نَشَأَ عَنْهُ بِأَنْ أُحْصِرَ فَسَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَا فِي وُسْعِهِ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تُوصَفُ حِجَّةُ   [حاشية البجيرمي] وَالْبَاطِلِ. قَوْلُهُ: (وَصُورَةُ الْإِحْرَامِ إلَخْ) هَذِهِ فَائِدَةٌ جَدِيدَةٌ لَيْسَتْ تَصْوِيرًا لِمَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا طَرَأَ فِيهِ الْفَسَادُ بَعْدَ صِحَّتِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ) أَيْ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَصِحُّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ وَهُوَ مُجَامِعٌ إلَخْ) هَذِهِ تَقَدَّمَتْ، وَغَرَضُهُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا الرَّدُّ عَلَى مَنْ جَعَلَهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " عَلَى الْأَصَحِّ ". قَوْلُهُ: (وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، أَمَّا مَعَ الْحَصْرِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِعُذْرٍ) أَيْ غَيْرِ الْحَصْرِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ حُضُورِهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: " وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ ". قَوْلُهُ: (تَحَلَّلَ وُجُوبًا) أَيْ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ، أَيْ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَجِّ عَلَى الْأَوْجَهِ ز ي؛ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِأَعْمَالِهَا خَرَجَ مِنْ الْحَجِّ وَصَارَ حَلَالًا. وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْعُمْرَةِ كَمَا قَالَهُ ز ي؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا التَّحَلُّلُ، وَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَأْتِي، فَلَوْ اسْتَدَامَهُ أَيْ الْحَجَّ الْفَاسِدَ حَتَّى حَجَّ مِنْ قَابِلٍ لَمْ يُجْزِهِ مَا لَوْ وَقَفَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُصَابِرَ الْإِحْرَامَ لِلطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِبَقَاءِ وَقْتِهِمَا لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لَهُ مَعَ تَبَعِيَّتِهِمَا لِلْوُقُوفِ، فَإِنَّهُ الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَابْتِدَاؤُهُ) أَيْ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، وَقَوْلُهُ " لَا يَجُوزُ " أَيْ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ عَلَيْهِ ح ل. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَابْتِدَاؤُهُ " أَيْ مِنْ هَذَا الْمُحْرِمِ أَوْ ابْتِدَاؤُهُ حَجًّا كَمَا قَالَهُ سُلْطَانُ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ ابْتِدَاءَهُ حِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْمُحْرِمِ أَوْ ابْتِدَاؤُهُ حَجًّا، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِشَخْصٍ آخَرَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً، شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَيْ بِعَمَلِهَا) وَمَا فَعَلَهُ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيَحْصُلُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ الْمَتْبُوعِ بِالسَّعْيِ لِسُقُوطِ حُكْمِ الرَّمْيِ بِالْفَوَاتِ، فَصَارَ كَمَنْ رَمَى وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْعُمْرَةِ؛ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ بِهَا. قَالَ سم: يَنْبَغِي عِنْدَ كُلٍّ مِنْهَا أَيْ مِنْ أَعْمَالِهَا إذْ لَيْسَتْ عُمْرَةً حَتَّى يَكْفِي لَهَا نِيَّةٌ فِي أَوَّلِهَا. قَوْلُهُ: (بِأَرْكَانِهَا الْخَمْسَةِ) لَوْ سَكَتَ عَنْ لَفْظِ خَمْسَةٍ لَكَانَ صَوَابًا، إذْ لَيْسَ هُنَا نِيَّةُ إحْرَامٍ بِهَا وَإِنَّمَا هُنَا نِيَّةُ تَحَلُّلٍ وَلَيْسَتْ مِنْ أَرْكَانِهَا م د. قَوْلُهُ: (فَوْرًا) وَلَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِطَاعَةُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ مَاشِيًا، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرَ؛ وَهَذِهِ الْعُمْرَةُ الَّتِي حَصَلَ التَّحَلُّلُ بِهَا لَهَا تَحَلُّلَانِ: الْأَوَّلُ: يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْحَلْقِ أَوْ الطَّوَافِ الْمَتْبُوعِ بِالسَّعْيِ إنْ كَانَ هُنَاكَ سَعْيٌ، وَالتَّحَلُّلُ الثَّانِي بِفِعْلِ الْآخَرِ؛ فَقَوْلُهُمْ " الْعُمْرَةُ لَهَا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ " أَيْ غَيْرُ عُمْرَةِ الْفَوَاتِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ. قَوْلُهُ: (فَسَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ) أَيْ أَطْوَلَ مِنْ الْأَوَّلِ، أَمَّا لَوْ سَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَقْرَبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 الْإِسْلَامِ بِالْقَضَاءِ وَلَا وَقْتَ لَهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْقَضَاءُ اللُّغَوِيُّ لَا الْقَضَاءُ الْحَقِيقِيُّ، وَقِيلَ لِأَنَّ مَا أَحْرَمَ بِهِ تَضَيَّقَ وَقْتُهُ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ مَعَ الْحَجِّ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ عُمْرَةَ التَّحَلُّلِ لَا تُجْزِئُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ. (وَ) عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ (الْهَدْيُ) أَيْضًا وَهُوَ كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَسَيَأْتِي. (وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا) مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ غَيْرَ الْوُقُوفِ أَوْ مِنْ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ سَوَاءٌ أَتَرَكَهُ مَعَ إمْكَانِ فِعْلِهِ أَمْ لَا كَالْحَائِضِ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (لَمْ يَحِلَّ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَمْ يَخْرُجْ (مِنْ إحْرَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ) أَيْ الْمَتْرُوكِ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالْحَلْقَ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا، أَمَّا تَرْكُ الْوُقُوفِ فَقَدْ عُرِفَ حُكْمُهُ مِنْ كَلَامِهِ سَابِقًا. (وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا) مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ سَوَاءٌ أَتَرَكَهُ عَمْدًا أَمْ سَهْوًا أَمْ جَهْلًا (لَزِمَهُ) بِتَرْكِهِ (دَمٌ) وَهُوَ شَاةٌ كَمَا سَيَأْتِي. (وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً) مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ (لَمْ يَلْزَمْهُ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ) كَتَرْكِهَا مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ.   [حاشية البجيرمي] مِنْهُ أَوْ صَابَرَ إحْرَامَهُ غَيْرَ مُتَوَقِّعٍ زَوَالَ الْإِحْصَارِ فَفَاتَهُ الْوُقُوفُ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. قَوْلُهُ: (فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) أَيْ إنْ كَانَ نُسُكُهُ غَيْرَ فَرْضٍ، فَإِنْ كَانَ فَرْضًا فَفِي ذِمَّتِهِ إنْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ، وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ اُعْتُبِرَ اسْتِطَاعَتُهُ بَعْدُ، أَيْ بَعْدَ زَوَالِ الْحَصْرِ إنْ وُجِدَتْ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ " أَيْ الْمُحْصَرِ. قَوْلُهُ: (الْقَضَاءُ اللُّغَوِيُّ) وَهُوَ الْأَدَاءُ. قَوْلُهُ: (تَضَيَّقَ وَقْتُهُ) فَلَمَّا تَضَيَّقَ وَقْتُهُ كَانَ فِعْلُهُ فِي السَّنَةِ الَّتِي أُفْسِدَ فِيهَا أَدَاءً، فَيَكُونُ فِعْلُهُ فِي السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا قَضَاءً حَقِيقِيًّا. قَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ) أَيْ أَدَاؤُهَا وَقَوْلُهُ " مَعَ الْحَجِّ " لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَجُوزُ فِعْلُهَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ " مَعَ الْحَجِّ " ظَرْفٌ لِيَلْزَمَ فَالْمَعِيَّةُ فِي اللُّزُومِ لَا فِي الْفِعْلِ. قَوْلُهُ: (كَالْحَائِضِ) مِثَالٌ لِقَوْلِهِ " أَمْ لَا ". وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ قَرِيبَةً مِنْهَا لَزِمَهَا مُصَابَرَةُ الْإِحْرَامِ حَتَّى تَأْتِيَ بِالطَّوَافِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مُحَرَّمَاتُ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ وَرَحَلَتْ الْقَافِلَةُ وَخَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا لَوْ تَخَلَّفَتْ فَتَخْرُجُ مَعَهُمْ حَتَّى تَصِلَ لِمَحَلٍّ لَا يُمْكِنُهَا فِيهِ الرُّجُوعُ إلَى مَكَّةَ فَتَتَحَلَّلُ كَالْمُحْصَرِ أَيْ بِذَبْحٍ فَحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ مَعَ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ، وَيَسْتَقِرُّ الطَّوَافُ عَلَيْهَا حَتَّى تَأْتِيَ بِإِحْرَامٍ أَيْ مُطْلَقٍ أَوْ لِأَجْلِ الطَّوَافِ لِأَنَّ إحْرَامَهَا بَطَلَ بِالتَّحَلُّلِ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهَا الْمُحَرَّمَاتُ. قَوْلُهُ: (وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ) وَلِبَعْضِهِمْ: اُضْمُمْ أَوْ اكْسِرْ فِي مُضَارِعٍ لِحَلِّ ... هَذَا إذَا اسْتَعْمَلْتَ فِي مَعْنَى نَزَلْ أَمَّا إذَا اسْتَعْمَلْتَ فِي فَكَّ فَضُمَّ ... وَاكْسِرْهُ مِنْ حَلَّ الْمُقَابِلْ لِحَرُمْ أَيْ فِي مُضَارِعِ حَلَّ الْمُقَابِلِ لِحَرُمَ: وَحَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ يَحِلُّ وَغَالِبًا أَحَلَّ ذَا يُحِلُّ. قَوْلُهُ: (الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ) أَيْ ذِكْرُ الْوَاجِبِ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهَا قَوْلُهُ: (مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ) كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ. [فَصْلٌ فِي الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا] مِنْ الْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ هَذَا الْفَصْلِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ مُنَاسِبٌ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْهَا أَوْ عَنْ تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فِي الْبَابِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّمَ يُطْلَقُ عَلَى الْحَيَوَانِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ طَعَامٍ وَصِيَامٍ وَيُطْلَقُ عَلَى نَفْسِ الْحَيَوَانِ فَقَطْ، وَالشَّارِحُ جَرَى عَلَى هَذَا الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَالْمُرَادُ بَيَانُ أَحْكَامِهَا مِنْ كَوْنِهَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي، فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 فَصْلٌ فِي الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا (وَالدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِحْرَامِ) بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ أَوْ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ (خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) بِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ وَبِطَرِيقِ الْبَسْطِ تِسْعَةُ أَنْوَاعٍ: دَمُ التَّمَتُّعِ، وَدَمُ الْفَوَاتِ، وَالدَّمُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ، وَدَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ، وَدَمُ الْإِحْصَارِ، وَدَمُ قَتْلِ الصَّيْدِ، وَدَمُ الْجِمَاعِ، وَدَمُ الِاسْتِمْتَاعِ، وَدَمُ الْقِرَانِ. فَهَذِهِ تِسْعَةُ أَنْوَاعٍ أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِالْأَخِيرِ مِنْهَا وَالثَّمَانِيَةُ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِ إذْ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ دَاخِلَةٌ فِي تَعْبِيرِهِ بِالنُّسُكِ كَمَا سَيَظْهَرُ لَك، وَدَمُ الِاسْتِمْتَاعِ دَاخِلٌ فِي تَعْبِيرِهِ بِالتَّرَفُّهِ كَمَا سَيَظْهَرُ لَك أَيْضًا وَسَتَعْرِفُ التَّاسِعَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (أَحَدُهَا) أَيْ الدِّمَاءِ (الدَّمُ الْوَاجِبُ بِتَرْكِ نُسُكٍ) وَهُوَ شَامِلٌ لِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ. الْأَوَّلُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ، وَالثَّانِي دَمُ الْفَوَاتِ لِلْوُقُوفِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَا مَرَّ. وَالثَّالِثُ: الدَّمُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَهُوَ) أَيْ الدَّمُ الْوَاجِبُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ (عَلَى التَّرْتِيبِ) وَالتَّقْدِيرِ وَسَيَأْتِي   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (خَمْسَةٌ) هِيَ بِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الْمَتْنِ مُنَوَّنَةٌ وَالشَّارِحُ حَذَفَ التَّنْوِينَ حَيْثُ أَضَافَهَا، فَفِيهِ عَدَمُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ؛ وَهَذَا عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ. وَاعْلَمْ أَنَّهَا بِالنَّظَرِ لِلْأَحْكَامِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأَفْرَادِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ لَا يُوَافِقُ وَاحِدًا مِنْهُمَا. وَيُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ مَشَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ أَفْرَدَ دَمَ الْجِمَاعِ بِالْعَدِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا لِغِلَظِهِ وَفُحْشِهِ، وَفِي جَعْلِ الشَّارِحِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التِّسْعَةِ أَنْوَاعًا نَظَرٌ فَإِنَّهَا أَفْرَادٌ لَا أَنْوَاعٌ؛ نَعَمْ الدَّمُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ نَوْعٌ فَيَكُونُ غَلَّبَهُ م د. قَوْلُهُ: (وَبِطَرِيقِ الْبَسْطِ تِسْعَةٌ) فِيهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِاعْتِبَارِ الْأَحْكَامِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ كَمَا سَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْخَاتِمَةِ، وَإِنْ أَزَادَ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إذْ هِيَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ؛ وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الشَّارِحِ غَيْرُ ظَاهِرٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْأَنْوَاعِ مَا بَعْضُهُ نَوْعٌ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ الْآخَرُ أَفْرَادًا فَفِيهِ تَغْلِيبُ النَّوْعِ عَلَى الْأَفْرَادِ، فَهَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْرَادًا إلَّا أَنَّ بَعْضَهَا وَهُوَ الدَّمُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ نَوْعٌ فَغَلَّبَهُ وَعَبَّرَ بِالْأَنْوَاعِ. وَلَوْ أَبْقَى الْمَتْنَ بِحَالِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَحْكَامِ لَكَانَ أَوْلَى، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَفْرَدَ الدَّمَ الْوَاجِبَ بِالْوَطْءِ لِغِلَظِهِ فَلَا يُنَافِيهِ عَدُّ غَيْرِهِ لَهَا أَرْبَعَةً. قَوْلُهُ: (الْمَنُوطُ) أَيْ الْمُتَعَلِّقُ. قَوْلُهُ: (وَدَمُ الِاسْتِمْتَاعِ) كَالتَّطَيُّبِ وَاللُّبْسِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ وَالْجِمَاعِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ وَالدَّهْنِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ) قَدْ يُقَالُ لَا إخْلَالَ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ دَمُ تَرْكِ النُّسُكِ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ فِيهِ تَرْكُ مِيقَاتِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِهِمَا مَعًا مِنْ مِيقَاتٍ. وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِيمَا يَأْتِي: وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ هَذَا النَّوْعُ أَعْنِي الْقِرَانَ فِي تَعْبِيرِهِ بِتَرْكِ النُّسُكِ لِأَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ لَا دَمُ نُسُكٍ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ: (أَحَدُهَا الدَّمُ الْوَاجِبُ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَيَلْحَقُ بِهَذَا الدَّمُ الْمَنْدُوبُ لِتَرْكِ طَوَافِ الْقُدُومِ، أَوْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، أَوْ الْجَمْعِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِعَرَفَةَ؛ فَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ يُسَنُّ فِيهِ دَمٌ كَدَمِ التَّمَتُّعِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهَا مَا قِيلَ بِوُجُوبِهِ وَتَرْكِهِ، فَيُسَنُّ فِيمَا يَظْهَرُ أَنْ يُخْرِجَ فِيهِ دَمًا كَدَمِ التَّمَتُّعِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ أج. قَوْلُهُ: (وَهُوَ شَامِلٌ لِثَلَاثَةٍ) لِأَنَّ النُّسُكَ شَامِلٌ لِلرُّكْنِ وَالْوَاجِبِ. وَفِي كَلَامِهِ مُسَامَحَةٌ، بَلْ هُوَ شَامِلٌ لِتِسْعَةِ أَفْرَادٍ، وَهَذَا هُوَ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي وَلَفْظُهُ فِيهِ: أَرْبَعَةُ دِمَاءِ حَجٍّ تُحْصَرُ ... أَوَّلُهَا الْمُرَتَّبُ الْمُقَدَّرُ تَمَتُّعٌ فَوْتٌ وَحَجٌّ قُرِنَا ... وَتَرْكُ رَمْيٍ وَالْمَبِيتُ بِمِنَى وَتَرْكُهُ الْمِيقَاتَ وَالْمُزْدَلِفَهْ ... أَوْ لَمْ يُوَدِّعْ أَوْ كَمَشْيٍ أَخْلَفَهْ نَاذِرُهُ يَصُومُ إنْ دَمًا فَقَدْ ... ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعًا فِي الْبَلَدْ فَهَذِهِ التِّسْعَةُ دَاخِلَةٌ فِي تَرْكِ النُّسُكِ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ، وَيَدَّعِي أَنَّ الْمَشْيَ الْمَنْذُورَ نُسُكٌ فَتَارِكُهُ قَدْ تَرَكَ النُّسُكَ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّحَلُّلِ) ظَرْفٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ ذَبْحُهُ إلَّا فِي عَامِ الْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: (الدَّمُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ) وَتَحْتَهُ تِسْعَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي. قَوْلُهُ: (مِنْ الْوَاجِبَاتِ) انْدَفَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 بَيَانُ التَّقْدِيرِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (شَاةٌ) مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ سُبْعُ بَقَرَةٍ، وَوَقْتُ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَشَرْطُ وُجُوبِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ مَنْ مَسْكَنُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ، وَأَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ، وَأَنْ يَحُجَّ بَعْدَهَا فِي سَنَتِهَا وَأَنْ لَا يَعُودَ إلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ وَقَدْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةٌ فَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) تَارِكُ النُّسُكِ شَاةً بِأَنْ عَجَزَ عَنْهَا حِسًّا بِأَنْ فَقَدَهَا أَوْ ثَمَنَهَا، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وَجَدَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا، أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ غَابَ عَنْهُ مَالُهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ الْحَرَمُ، سَوَاءٌ أَقَدَرَ عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ وَالْكَفَّارَةُ لَا تَخْتَصُّ بِهِ (فَصِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ) بَدَلَهَا وُجُوبًا (ثَلَاثَةٌ) مِنْهَا (فِي الْحَجِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى   [حاشية البجيرمي] بِهَذَا مَا يُقَالُ إنَّ الِاثْنَيْنِ قَبْلَهُ دَاخِلَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَجَبَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَدَمُ الْفَوَاتِ أَيْضًا بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ وَهُوَ الْوُقُوفُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ عَلَى التَّرْتِيبِ شَاةٌ) هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَعَلَى التَّرْتِيبِ خَبَرٌ أَوَّلٌ وَشَاةٌ خَبَرٌ ثَانٍ. قَوْلُهُ: (وَالتَّقْدِيرُ) بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ قَدَّرَ مَا يُعْدَلُ إلَيْهِ وَهُوَ الصَّوْمُ بِمَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ إلَخْ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا هِيَ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ) لَا يَخْفَى أَنَّ لِوُجُوبِهِ سَبَبَيْنِ: فَرَاغُ الْعُمْرَةِ وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِ سَبَبَيْهِ كَزَكَاةِ الْفِطْرَةِ. قَوْلُهُ: (بِالْعُمْرَةِ) أَيْ بِسَبَبِ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ، أَيْ مُنْتَفِعًا بِمَحْظُورَاتِهَا، أَيْ بِمَا كَانَ يَحْرُمُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ بِهَا. وَقَوْلُهُ " إلَى الْحَجِّ " أَيْ وَيَنْتَهِي انْتِفَاعُهُ بِهَا إلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ. قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ وُجُوبِهِ) مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، إذْ شُرُوطُهُ الَّتِي ذَكَرَهَا أَرْبَعَةٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ) لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يَعُودَ) هَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ إلَى آخِرِهِ. قَوْلُهُ: (إلَى الْإِحْرَامِ) لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ لَوْ عَادَ مُحْرِمًا وَوَصَلَ إلَى الْمِيقَاتِ ثُمَّ رَجَعَ فَلَا دَمَ أَيْضًا اهـ م د. قَوْلُهُ: (الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَيَكْفِيهِ الْخُرُوجُ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ إلَى أَيِّ مِيقَاتٍ وَلَوْ أَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ ق ل. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَلَمْ يَعُدْ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى مِيقَاتٍ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا ل " يَعُودَ " وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ لَا يَعُودَ بَعْدَ مُجَاوَزَةٍ إلَخْ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا عَادَ لَا دَمَ وَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ " بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ " لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ " أَنْ لَا يَعُودَ " أَنَّهُ جَاوَزَ وَيَصِحُّ جَعْلُهَا ظَرْفًا لِقَوْلِهِ " أَحْرَمَ " أَيْ أَحْرَمَ الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ الْأَصْلِيِّ لِلْعُمْرَةِ ثُمَّ تَمَّمَ الْأَعْمَالَ لِلْعُمْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ فِي الْحَجِّ لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ عَادَ إلَى ذَلِكَ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ فَلَا دَمَ. وَهَذَا صَحِيحٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ يَكُونُ قَاصِرًا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهِيَ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ قَيْدًا، فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهَا، أَيْ حَذْفُ قَوْلِهِ " بَعْدَ مُجَاوَزَةِ إلَخْ " كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ بَقِيَ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ، إذْ لَا مَعْنَى لَهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا كَمَا قَالَهُ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ لَهَا مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَهُوَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ لَا دَمَ عَلَيْهِ، كَذَا بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ؛ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةً، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّكْرَارُ مَعَ قَوْلِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ) أَيْ التَّقْصِيرِ بِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِهِ، أَيْ فَإِنْ وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ وَهُوَ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي وُجُوبِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) هَذَا هُوَ مَحَلُّ التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَابَ عَنْهُ مَالُهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ لِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) كَتَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَى مَالِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (بَدَلَهَا) أَيْ الشَّاةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا ق ل. قَوْلُهُ: (فِي الْحَجِّ) مَحَلُّهُ فِي تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ بِالْحَجِّ وَفِي الْمُتَمَتِّعِ. وَأَمَّا إذَا تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى أَوْ مُزْدَلِفَةَ أَوْ الرَّمْيَ وَقَدْ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَقَدْ فَرَغَ الْحَجُّ، فَكَيْفَ يَتَأَتَّى صَوْمُهَا فِي الْحَجِّ؟ وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ إذْ لَا حَجَّ، وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ طَوَافَ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [البقرة: 196] أَيْ الْهَدْيَ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] أَيْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الدَّمِ، لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِهَا كَالصَّلَاةِ، وَالدَّمُ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ فَأَشْبَهَ الزَّكَاةَ. وَيُسْتَحَبُّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُهُ فَيَحْرُمُ قَبْلَ سَادِسِ ذِي الْحِجَّةِ وَيَصُومُهُ وَتَالِيَيْهِ، وَإِذَا أَحْرَمَ فِي زَمَنٍ يَسَعُ الثَّلَاثَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهَا عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ أَثِمَ وَصَارَتْ قَضَاءً، وَلَيْسَ السَّفَرُ عُذْرًا فِي تَأْخِيرِ صَوْمِهَا لِأَنَّ صَوْمَهَا مُتَعَيِّنٌ إيقَاعُهُ فِي الْحَجِّ بِالنَّصِّ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يَكُونُ السَّفَرُ عُذْرًا بِخِلَافِ رَمَضَانَ، وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَكَذَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِزَمَنٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ إذْ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ، وَيُسَنُّ لِلْمُوسِرِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ ثَامِنُ ذِي الْحِجَّةِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَسُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِانْتِقَالِهِمْ، فِيهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى (وَ) صَامَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ (سَبْعَةَ) أَيَّامٍ (إذَا رَجَعَ) إلَى أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ صَامَهَا بِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ أَدَاءً كَانَتْ أَوْ قَضَاءً لِأَنَّ فِيهِ مُبَادَرَةً لِقَضَاءِ الْوَاجِبِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ. نَعَمْ إنْ أَحْرَمَ   [حاشية البجيرمي] وَالصَّوْمُ فِي الْحَجِّ بِبَعْضِ الصُّوَرِ ... مُمْتَنِعٌ كَالصَّوْمِ لِلْمُعْتَمِرِ وَصَوْمِ تَارِكِ الْمَبِيتَيْنِ مَعَا ... وَالرَّمْيِ أَوْ صَوْمِ الَّذِي مَا وَدَّعَا فَيَجِبُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي تَرْكِ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِمْكَانِ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَصَوْمُهَا فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ يَكُونُ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى حَيْثُ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِأَنْ لَمْ يَرْجِعْ لِلطَّوَافِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ؛ قَالَ: فَإِنْ صَامَهَا كَذَلِكَ وُصِفَتْ بِالْأَدَاءِ وَإِلَّا وُصِفَتْ بِالْقَضَاءِ، وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يُمْكِنُ وُقُوعُ الثَّلَاثَةِ فِيهِ فِي الْحَجِّ، سم بِتَغَيُّرٍ وَزِيَادَةٍ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ أج. وَقَوْلُهُ: " الْمَبِيتَيْنِ " أَيْ مَبِيتُ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ، وَقَوْلُهُ " حَيْثُ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الدَّمُ إلَخْ " أَيْ أَمَّا قَبْلَ تَقَرُّرِهِ، بِأَنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى مَكَّةَ لِيَطُوفَ طَوَافَ الْوَدَاعِ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ الدَّمُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَرْجِعَ وَيَطُوفَ؛ وَقَوْلُهُ " فِي الْحَجِّ " أَيْ فِي أَيَّامِ الِاشْتِغَالِ بِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ التَّحَلُّلِ، بَيْضَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ سَادِسِ) صَادَفَ بِمَا إذَا أَحْرَمَ لَيْلًا فَيَصُومُ السَّادِسَ وَتَالِيَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ) أَيْ صَوْمُ شَيْءٍ مِنْهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ جَمِيعِهَا لَا يَتَأَتَّى فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَالْأَوْلَى حَذْفُ يَوْمِ النَّحْرِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ فِيهِ؛ شِهَابٌ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ إلَخْ) مِنْ تَمَامِ التَّعْلِيلِ، أَيْ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ إلَخْ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلْمُوسِرِ) أَيْ بِالدَّمِ. قَوْلُهُ: (لِانْتِقَالِهِمْ فِيهِ مِنْ مَكَّةَ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: لِأَنَّهُمْ يَتَرَوَّوْنَ فِيهِ الْمَاءَ أَيْ يَشْتَهُونَ الْمَاءَ فِيهِ لِقِلَّتِهِ إذْ ذَاكَ، مِنْ التَّرَوِّي وَهُوَ التَّشَهِّي. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إنَّمَا يُنَاسِبُ تَسْمِيَتَهُ بِيَوْمِ النَّقْلَةِ. قَوْلُهُ: (وَسَبْعَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى " ثَلَاثَةٍ " وَالشَّارِحُ غَيَّرَ إعْرَابَهَا حَيْثُ جَعَلَهَا مَنْصُوبَةً وَجَعَلَهَا أَيْضًا غَيْرَ مَنُونَةٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَنُونَةً. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ حَلَّ مَعْنًى. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْآيَةِ وَالْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ) أَيْ مَعَ الِاسْتِيطَانِ الْمَارِّ فِي الْجُمُعَةِ م ر. قَوْلُهُ: (صَامَهَا بِهَا) وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ، أَيْ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ق ل وع ش. قَوْلُهُ: (أَوْ قَضَاءً) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّلَاثَةِ لَا لِلسَّبْعَةِ، إذْ السَّبْعَةُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا، أَوْ يُتَصَوَّرُ فِيمَا لَوْ صَامَهَا وَلِيُّهُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ أَحْرَمَ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا وَإِذَا أَحْرَمَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا) أَيْ فَوْرًا إنْ فَاتَتْ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 بِالْحَجِّ سَادِسَ ذِي الْحِجَّةِ لَزِمَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ مُتَتَابِعَةً فِي الْحَجِّ لِضِيقِ الْوَقْتِ لَا لِتَتَابُعِ نَفْسِهِ، وَلَوْ فَاتَتْهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجِّ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا. وَيُفَرِّقُ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ كَمَا فِي الْأَدَاءِ، فَلَوْ صَامَ عَشَرَةً وِلَاءً حَصَلَتْ الثَّلَاثَةُ وَلَا يُعْتَدُّ بِالْبَقِيَّةِ لِعَدَمِ التَّفْرِيقِ. (وَالثَّانِي الدَّمُ الْوَاجِبُ بِالْحَلْقِ وَالتَّرَفُّهِ) كَالْقَلْمِ مِنْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ، وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِي إزَالَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ أَوْ إزَالَةِ ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ وِلَاءً بِأَنْ اتَّحَدَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] أَيْ شَعْرَهَا، وَشَعْرُ سَائِرِ   [حاشية البجيرمي] السَّفَرِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ، سم. قَوْلُهُ: (وَيُفَرِّقُ فِي قَضَائِهَا) هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْآفَاقِيِّ، أَمَّا الْمَكِّيِّ فَيُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَلَوْ بِيَوْمٍ، سم عَلَى الْكِتَابِ. هَذَا غَيْرُ دَمِ التَّمَتُّعِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَكِّيِّ لِأَنَّهُ مِنْ حَاضِرِي الْحَرَمِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي الدَّمُ الْوَاجِبُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الرَّابِعُ فِي نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي قَوْلِهِ: وَخَيِّرَنْ وَقَدِّرَنْ فِي الرَّابِعِ ... إنْ شِئْتَ فَاذْبَحْ أَوْ فَجُدْ بِآصُعِ لِلشَّخْصِ نِصْفٌ أَوْ فَصُمْ ثَلَاثًا ... تَجْتَثَّ مَا اجْتَثَثْتَهُ اجْتِثَاثًا فِي الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَلُبْسِ دُهْنِ ... طِيبٌ وَتَقْبِيلٌ وَوَطْءٌ ثُنِّيَ أَوْ بَيْنَ تَحَلُّلَيْ ذَوِي إحْرَامِ ... هَذِي دِمَاءُ الْحَجِّ بِالتَّمَامِ ق ل. فَيَجِبُ هَذَا الدَّمُ فِي ثَمَانِيَةِ أَفْرَادٍ. قَوْلُهُ: (وَالتَّرَفُّهُ) عَطْفٌ عَامٌّ. قَوْلُهُ: (وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ إلَخْ) هَذَا إذَا أَزَالَهَا مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَزَالَ الْمُحْرِمُ مِنْ غَيْرِهِ الْحَلَالِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ الْمُحْرِمِ بِإِذْنِهِ أَثِمَا وَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُحْرِمُ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْفِدْيَةَ عَلَى الْفَاعِلِ مَعَ إثْمِهِ زي مُلَخَّصًا، أج. قَوْلُهُ: (فِي إزَالَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ) أَيْ فَأَكْثَرَ، فَلَوْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَلَوْ مَعَ شَعْرِ بَاقِي بَدَنِهِ وِلَاءً لَزِمَتْهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يُعَدُّ فِعْلًا وَاحِدًا، وَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ إنْ أَطَاقَ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ لِتَفْرِيطِهِ فِيمَا عَلَيْهِ حِفْظُهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّ شَعْرَ الْمُحْرِمِ بِيَدِهِ كَالْأَمَانَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ مُتْلِفَاتِهَا. وَقَوْلُهُ " فِي إزَالَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ " أَوْ بَعْضِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثِ بِأَنْ قَطَعَ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بَعْضَهَا. قَوْلُهُ: (وَالْمَكَانُ) أَيْ مَكَانُ الْحَالِقِ، أَيْ الَّذِي أَزَالَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْعَنَانِيُّ الْمَنْهَجُ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَحَلُّ الْمُزَالِ كَالرَّأْسِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، حَتَّى لَوْ أَزَالَ شَعْرَةً مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَعْرَةً مِنْ رَأْسِهِ وَشَعْرَةً مِنْ بَاقِي بَدَنِهِ فِي مَكَان وَاحِدٍ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. لَا يُقَالُ يَلْزَمُ مِنْ تَعَدُّدِ الْمَكَانِ تَعَدُّدُ الزَّمَانِ فَهَلَّا اكْتَفَى بِهِ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: التَّعَدُّدُ هُنَا عُرْفِيٌّ وَقَدْ يَتَعَدَّدُ الْمَكَانُ عُرْفًا وَلَا يَتَعَدَّدُ الزَّمَانُ عُرْفًا لِعَدَمِ طُولِ الْفَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِاتِّحَادِ الزَّمَانِ عَدَمُ طُولِ الْفَصْلِ عُرْفًا، وَبِاتِّحَادِ الْمَكَانِ أَنْ لَا يَتَعَدَّدَ الْمَكَانُ الَّذِي زَالَ فِيهِ؛ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَالْمُرَادُ بِاتِّحَادِ الزَّمَانِ وُقُوعُ الْفِعْلِ عَلَى الْأَثَرِ الْمُعْتَادِ، وَإِلَّا فَالِاتِّحَادُ الْحَقِيقِيُّ مَعَ الِاتِّحَادِ فِي الْفِعْلِ مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ بِمَا إذَا أَزَالَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مَعًا فِي مَكَان وَاحِدٍ، قَالَ ز ي: أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ مَحَلُّ الْإِزَالَةِ أَوْ زَمَنُهَا عُرْفًا فَيَجِبُ فِي كُلِّ شَعْرَةٍ أَوْ بَعْضِهَا مُدٌّ وَالظُّفْرُ كَذَلِكَ اهـ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ " مَكَانُ الْإِزَالَةِ " قِيلَ: هُوَ الْأَرْضُ الَّتِي يَجْلِسُ فِيهَا، وَقِيلَ: مَكَانُ الشَّعْرِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ؛ وَلَوْ أَزَالَ الشَّعْرَةَ فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَكَانُ أَوْ الزَّمَانُ لَزِمَ ثَلَاثَةُ أَمْدَادٍ، وَإِنْ اتَّحَدَا فَقِيلَ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ وَقِيلَ مُدٌّ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَرْحُومِيِّ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ تَوَاصَلَتْ الْإِزَالَةُ فَكَالشَّعْرَةِ وَلَوْ شَقَّ الشَّعْرَةَ نِصْفَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 الْجَسَدِ مُلْحَقٌ بِهِ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ، وَأَمَّا الظُّفْرُ فَقِيَاسًا عَلَى الشَّعْرِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَفُّهِ. وَالشَّعْرُ يَصْدُقُ بِالثَّلَاثَةِ وَقِيسَ بِهِ الْأَظْفَارُ، وَلَا يُعْتَبَرُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِي لِلْإِحْرَامِ وَالْجَاهِلِ بِالْحُرْمَةِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَكَسَائِرِ الْإِتْلَافَاتِ وَهَذَا بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ فِي التَّمَتُّعِ بِاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالدَّهْنِ وَالْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ لِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ فِيهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا، وَلَوْ أَزَالَهَا مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ صَبِيٌّ غَيْرُ مُمَيِّزٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي أَنَّهُمَا يَعْقِلَانِ فِعْلَهُمَا فَيُنْسَبَانِ إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ الْجَارِيَ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا، وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ النَّائِمُ، وَلَوْ أُزِيلَ ذَلِكَ بِقَطْعِ جِلْدٍ أَوْ عُضْوٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ مَا أُزِيلَ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِزَالَةِ، وَيَلْزَمُهُ فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الظُّفْرِ الْوَاحِدِ أَوْ بَعْضِ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِهِمَا مُدُّ طَعَامٍ، وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ أَوْ الظُّفْرَيْنِ مُدَّانِ، وَلِلْمَعْذُورِ فِي الْحَلْقِ بِإِيذَاءِ قَمْلٍ أَوْ نَحْوِهِ كَوَسَخٍ أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْدِيَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 196] الْآيَةَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَذَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَّا لُبْسُ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى) وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ: " رُءُوسَكُمْ " إذْ تَقْدِيرُهُ: شَعْرَهَا، وَهُوَ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: (جَمِيعُهُ) أَيْ قَصُّ جَمِيعِ الْأَظْفَارِ وَلَا إزَالَةُ جَمِيعِ الشَّعْرِ قَوْلُهُ: (فِي التَّمَتُّعِ) أَيْ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ، وَقَوْلُهُ " فِيهِ " أَيْ التَّمَتُّعِ، وَقَوْلُهُ " وَهُوَ " أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ، وَقَوْلُهُ " مُنْتَفٍ فِيهِمَا " أَيْ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ، وَقَوْلُهُ " وَلَوْ أَزَالَهَا " أَيْ الثَّلَاثَ شَعَرَاتٍ قَوْلُهُ: (لَمْ تَلْزَمْهُ) أَيْ الْأَحَدَ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ إحْرَامَهُمْ نَاقِصٌ. لَا يُقَالُ الْإِتْلَافُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ فَيَخْتَصُّ بِالْمُمَيِّزِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ ح ل مُلَخَّصًا، وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف قَوْلُهُ: (عَلَى أَنَّ الْجَارِيَ إلَخْ) أَيْ فَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ النَّائِمُ) وَلَوْ نَتَفَ فِي نَوْمِهِ لِحْيَتَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: (تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِزَالَةِ) وَشَبَّهُوهُ بِالزَّوْجَةِ تُقْتَلُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَجِبُ مَهْرُهَا عَلَى الْقَاتِلِ، وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى لَزِمَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْبِضْعَ فِي تِلْكَ تَلِفَ تَبَعًا، بِخِلَافِهِ فِي هَذِهِ شَرْحُ الرَّوْضِ قَوْلُهُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 196] مَرَضًا يَحُوجُهُ إلَى الْحَلْقِ {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] كَجِرَاحَةٍ وَقَمْلٍ {فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] أَيْ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ إنْ حَلَقَ، بَيْضَاوِيٌّ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سِفْرِ السَّعَادَةِ: أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِلَاجِ الْقَمْلِ بِحَلْقِ الرَّأْسِ لِتَنْفَتِحَ الْمَسَامُّ وَتَتَصَاعَدَ الْأَبْخِرَةُ وَتَضْعُفَ الْمَادَّةُ الْفَاسِدَةُ الَّتِي يَتَوَلَّدُ الْقَمْلُ مِنْهَا. وَذُكِرَ فِي الْهَدْيِ أَنَّ أُصُولَ الطِّبِّ ثَلَاثَةٌ: الْحِمْيَةُ وَحِفْظُ الصِّحَّةِ وَالِاسْتِفْرَاغُ، فَإِلَى الْأَوَّلِ شُرِعَ التَّيَمُّمُ خَوْفًا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَإِلَى الثَّانِي شُرِعَ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ لِئَلَّا يَتَوَالَى مَعَهُ السَّفَرُ وَمَشَقَّةُ الصَّوْمِ، وَإِلَى الثَّالِثِ حَلْقُ رَأْسِ الْمُحْرِمِ إذَا كَانَ بِهِ أَذًى مِنْ قَمْلٍ. وَعِنْدَ أَئِمَّتِنَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا يَذْبَحُهُ مُجْزِيًا فِي الْأُضْحِيَّةِ ح ل فِي السِّيرَةِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: حَيْثُ أَطْلَقْنَا فِي الْمَنَاسِكِ الدَّمَ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ أَمْ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ أَمْ بِغَيْرِهِمَا فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ فِي سِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا، فَتُجْزِي الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةِ دِمَاءٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهَا، كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَتَرْكِ الرَّمْيِ بِهَا وَالتَّطَيُّبِ وَحَلْقِ شَعْرٍ وَقَلْمِ أَظْفَارٍ؛ وَسَيَأْتِي فِي الضَّحَايَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي شَاتَيْنِ، فَإِنْ ذَبَحَهَا أَيْ الْبَدَنَةَ عَنْ دَمٍ وَاجِبٍ فَالْوَاجِبُ سُبْعُهَا فَلَهُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ وَأَكْلُ الْبَاقِي إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ فِي سِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا، بَلْ يَجِبُ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ كَمَا مَرَّ، بَلْ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ شَاتِه أَيْ الْمِثْلِيِّ وَإِنْ أَجْزَأَتْ فِي الْأُضْحِيَّةِ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُمْ رَاعُوا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمُمَاثَلَةَ أَيْ فِي الْجِنْسِ، فَلَا يُشْكِلُ بِإِجْزَاءِ الْكَبِيرِ عَنْ الصَّغِيرِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْبَعِيرُ عَنْ الْبَقَرَةِ وَلَا عَكْسُهُ وَلَا سَبْعُ شِيَاهٍ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ. وَمِثْلُهُ مَا وَجَبَ فِي الشَّجَرِ، إلَّا أَنَّ الصَّيْدَ يُفَارِقُ الشَّجَرَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْمِثْلُ وَلَا يُجْزِي فِيهِ غَيْرُهُ وَلَوْ أَعْلَى، بِخِلَافِ مَا وَجَبَ فِي الشَّجَرِ فَإِنَّهُ إذَا أَخْرَجَ عَنْهُ مَا فَوْقَهُ أَجْزَأَ عَنَانِيٌّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 الْمَقْطُوعَيْنِ، لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَوِقَايَةَ الرَّجُلِ عَنْ النَّجَاسَةِ مَأْمُورٌ بِهِمَا فَخُفِّفَ فِيهِمَا وَالْحَصْرُ فِيمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ، فَقَدْ اُسْتُثْنِيَ صُوَرٌ لَا فِدْيَةَ فِيهَا مِنْهَا مَا إذَا أَزَالَ مَا نَبَتَ مِنْ شَعْرٍ فِي عَيْنِهِ وَتَأَذَّى بِهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَزَالَ قَدْرَ مَا يُغَطِّيهَا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَحَاجِبَيْهِ إذَا طَالَ بِحَيْثُ سَتَرَ بَصَرَهُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَقَطَعَ الْمُؤْذِيَ مِنْهُ فَقَطْ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ التَّرَفُّهَ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي تَعْدَادِ الْأَنْوَاعِ دَمُ الِاسْتِمْتَاعِ كَالتَّطَيُّبِ وَاللُّبْسِ، وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ، وَالْجِمَاعِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ، وَدَهْنِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَلَوْ مَحْلُوقَيْنِ، وَأَلْحَقَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِذَلِكَ بَحْثًا الْحَاجِبَ وَالْعِذَارَ وَالشَّارِبَ وَالْعَنْفَقَةَ. وَفَصَّلَ ابْنُ النَّقِيبِ فَأَلْحَقَ بِاللِّحْيَةِ مَا اتَّصَلَ بِهَا كَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ وَالْعِذَارِ دُونَ الْحَاجِبِ وَالْهَدِبِ وَمَا عَلَى الْجَبْهَةِ وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. (وَهُوَ) أَيْ الدَّمُ الْوَاجِبُ بِمَا ذُكِرَ هُنَا (عَلَى التَّخْيِيرِ) وَالتَّقْدِيرِ فَتَجِبُ (شَاةٌ) مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ سُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ سُبْعِ بَقَرَةٍ (أَوْ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً (أَوْ التَّصَدُّقُ بِثَلَاثَةِ آصُعَ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ صَاعٍ (عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ) لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَتَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بَيَانُ الصَّاعِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] أَيْ فَحَلَقَ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] . فَائِدَةٌ: سَائِرُ الْكَفَّارَاتِ لَا يُزَادُ الْمِسْكِينُ فِيهَا عَلَى مُدٍّ إلَّا فِي هَذَا.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ) كَاللُّبْسِ لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ قَوْلُهُ: (إلَّا لُبْسُ السَّرَاوِيلِ) أَيْ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَلَمْ يُمْكِنْ الِاتِّزَارُ بِهَا. وَقَوْلُهُ " وَالْخُفَّيْنِ " أَيْ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَجُوزُ مِنْ النَّعْلَيْنِ وَالتَّاسُومَةِ وَالْقَبْقَابِ. تَتِمَّةٌ: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَ السَّرَاوِيلَ، لَكِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا. وَقَوْلُ الْهَدْيِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا لِيَلْبَسَهَا؛ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَقَدْ يَكُونُ اشْتَرَاهَا لِبَعْضِ عِيَالِهِ. قَوْلُهُ: (مَمْنُوعٌ) أَيْ إنْ كَانَ حَقِيقِيًّا قَوْلُهُ: (أَوْ مُؤَوَّلٌ) أَيْ بِأَنَّ الْحَصْرَ إضَافِيٌّ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلُّبْسِ قَوْلُهُ: (مِنْهَا مَا إذَا أَزَالَ إلَخْ) وَيُحْمَلُ الْأَذَى الَّذِي فِي الْآيَةِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] ، أَيْ بِسَبَبِ قَمْلٍ أَوْ وَسَخٍ مَثَلًا، قَوْلُهُ: (كَالتَّطَيُّبِ) بَقِيَ لِلْكَافِ الْجِمَاعُ الثَّانِي بَعْدَ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ، فَكَمُلَتْ الْأَفْرَادُ الثَّمَانِيَةُ. قَوْلُهُ: (وَفَصَّلَ ابْنُ النَّقِيبِ) ذُكِرَ فِيمَا سَبَقَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ دُونَ ابْنِ النَّقِيبِ، لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ ابْنُ النَّقِيبِ قَوْلُهُ: (آصُعَ) أَصْلُهُ أَصْوُعَ أُبْدِلَ مِنْ وَاوِهِ هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ فَصَارَ أَصْؤُعَ، ثُمَّ نُقِلَتْ ضَمَّةُ الْهَمْزَةِ لِلصَّادِ فَصَارَ أَصْؤُعَ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الصَّادِ، ثُمَّ قُدِّمَتْ الْهَمْزَةُ عَلَى الصَّادِ فَصَارَ أَأْصُعَ، ثُمَّ قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ أَلِفًا فَصَارَ آصُعَ؛ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَعْمَالٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ بِإِيضَاحٍ. وَوَزْنُهُ أَعْفُلْ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ الْمُقَدَّمَةَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ وَالصَّادَ فَاؤُهَا قَوْلُهُ: (أَوْ نُسُكٍ) أَيْ ذَبْحِ شَاةٍ. قَوْلُهُ: (وَالثَّالِثُ الدَّمُ الْوَاجِبُ) هَذَا هُوَ الثَّانِي فِي نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي، وَنَصُّهُ: وَالثَّانِ تَرْتِيبٌ وَتَعْدِيلٌ وَرَدْ ... فِي مُحْصَرٍ وَوَطْءِ حَجٍّ إنْ فَسَدْ إنْ لَمْ يَجِدْ قَوَّمَهُ ثُمَّ اشْتَرَى ... بِهِ طَعَامًا طُعْمَةً لِلْفُقَرَا ثُمَّ لِعَجْزٍ عَدْلُ ذَاكَ صَوْمًا ... أَعْنِي بِهِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا فَيَجِبُ هَذَا الدَّمُ فِي شَيْئَيْنِ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَحَدَهُمَا وَسَيَذْكُرُ الْآخَرَ فِي الْخَامِسِ؛ وَأَخَّرَهُ لِفُحْشِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 (وَالثَّالِثُ الدَّمُ الْوَاجِبُ) بِالْإِحْصَارِ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ عَنْ إتْمَامِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ. وَسَكَتَ عَنْ بَيَانِ الدَّمِ هُنَا وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ كَمَا سَيَأْتِي (فَيَتَحَلَّلُ) جَوَازًا بِمَا سَيَأْتِي لَا وُجُوبًا سَوَاءٌ أَكَانَ حَاجًّا أَمْ مُعْتَمِرًا أَمْ قَارِنًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَنْعُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ أَمْ بِغَيْرِهِ مَنَعَ مِنْ الرُّجُوعِ أَمْ لَا وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] أَيْ وَأَرَدْتُمْ التَّحَلُّلَ {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] إذْ الْإِحْصَارُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُوجِبُ الْهَدْيَ، وَالْأَوْلَى لِلْمُحْصَرِ الْمُعْتَمِرِ الصَّبْرُ عَنْ التَّحَلُّلِ وَكَذَا لِلْحَاجِّ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى التَّعْجِيلُ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ. نَعَمْ إنْ كَانَ فِي الْحَجِّ وَتَيَقَّنَ زَوَالَ الْحَصْرِ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ بَعْدَهَا أَوْ فِي الْعُمْرَةِ وَتَيَقَّنَ قُرْبَ زَوَالِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ امْتَنَعَ تَحَلُّلُهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَانِعِ مِنْ إتْمَامِ النُّسُكِ وَهِيَ سِتَّةٌ. وَثَانِي الْمَوَانِعِ الْحَبْسُ ظُلْمًا كَأَنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ كَمَا فِي الْحَصْرِ الْعَامِّ، وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ كَإِضْلَالِ طَرِيقٍ فَإِنْ شَرَطَ فِي إحْرَامِهِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ (وَيَهْدِي) الْمُحْصَرُ إذَا أَرَادَ التَّحَلُّلَ (شَاةً) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ سُبْعِ إحْدَاهُمَا حَيْثُ أُحْصِرَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (بِالْإِحْصَارِ) أَيْ الْعَامِّ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ أَوْ الْخَاصِّ كَبَقِيَّةِ الْمَوَانِعِ الْآتِيَةِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ) فَلَوْ ظَنَّ أَنْ لَا طَرِيقَ آخَرَ فَتَحَلَّلَ فَبَانَ أَنَّ ثَمَّ طَرِيقًا آخَرَ يَتَأَتَّى مِنْهَا سُلُوكُهُ فَيَنْبَغِي تَبَيَّنَ عَدَمُ صِحَّةِ التَّحَلُّلِ، م ر سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ: (عَنْ إتْمَامِ الْحَجِّ) أَيْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (أَوْ الْعُمْرَةِ) (أَوْ) مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتَجَوَّزَ الْجَمْعُ قَوْلُهُ: (وَسَكَتَ إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنَّ سُكُوتَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الدَّمَ لَا بَدَلَ لَهُ، قَوْلُهُ: (فَيَتَحَلَّلُ) أَيْ يَنْوِي الْخُرُوجَ مِنْ الْإِحْرَامِ وَوَرْطَتِهِ. قَوْلُهُ: (جَوَازًا) وَلَهُ أَنْ يُصَابِرَ الْإِحْرَامَ مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (بِمَا سَيَأْتِي) أَيْ بِذَبْحِ شَاةٍ وَنِيَّةُ التَّحَلُّلِ الْمُقَارِنَةُ لَهُ. وَنَصُّ كَلَامِ الشَّارِحِ الْآتِي فِي مَعْنَى التَّعْدِيلِ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ قَوْلُهُ: (أَمْ بِغَيْرِهِ) كَمَنْعِ الْكُفَّارِ مَثَلًا الْحَاجَّ عَنْ الْبَيْتِ حَسَدًا لَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا أَوْ يَقْتُلُوا أَوْ يُخِيفُوا الطَّرِيقَ كَمَا فِي مَنْعِ الْمُشْرِكِينَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا كَالْحَبْسِ، لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ مَا يَأْتِي؛ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] أَيْ مُنِعْتُمْ أَيْ وَأَرَدْتُمْ التَّحَلُّلَ قَوْلُهُ: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] أَيْ فَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ، أَيْ تَيَسَّرَ أَيْ فَالْوَاجِبُ مَا اسْتَيْسَرَ أَوْ فَأَهْدُوا،. اهـ. بَيْضَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (لَا يُوجِبُ الْهَدْيَ) بَلْ إنَّمَا يُوجِبُهُ التَّحَلُّلُ مَعَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الْوُصُولِ إلَى عَرَفَاتٍ فَالْأَوْلَى التَّعْجِيلُ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ أَيْ فَوَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حَالَةَ إحْرَامِهِ فَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَاتَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ لَزِمْته الْإِعَادَةُ وَإِنْ تَحَلَّلَ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَلَالًا؛ تَأَمَّلْ، قَوْلُهُ (نَعَمْ إلَخْ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ قُرْبُ زَوَالِهِ، قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ الْإِحْصَارُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَيُسَمَّى الْإِحْصَارُ الْعَامُّ وَمَا بَعْدَهُ إحْصَارٌ خَاصٌّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ) أَيْ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَقَوْلُهُ " وَهُوَ " أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ قَوْلُهُ: (وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ) أَيْ لَا خُرُوجَ مِنْ الْإِحْرَامِ، أَيْ مَا لَمْ يَشْرِطْ التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَإِنْ شَرَطَ إلَخْ " قَالَ أج: وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَرَضِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشُقَّ مَعَهُ بَقَاؤُهُ مُحْرِمًا وَإِنْ لَمْ يُبَحْ التَّيَمُّمُ، ز ي قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَرَطَ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ إنْ لَمْ يَشْرِطْهُ فَإِنْ شَرَطَهُ إلَخْ، فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ فَلَيْسَ لَهُ تَحَلُّلٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْعُذْرِ، بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ؛ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ، فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا أَوْ بِحَجٍّ وَفَاته تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ؛ مَنْهَجٌ قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ ذَلِكَ) أَيْ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا حَيْثُ قَالَ: إذَا مَرِضْتُ تَحَلَّلْتُ، فَيَتَحَلَّلُ إذَا وُجِدَ الْمَرَضُ بِالْحَلْقِ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ مَا لَمْ يَشْرِطْ هَدْيًا، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ؛ وَأَمَّا لَوْ قَالَ: إذَا مَرِضْتُ فَأَنَا حَلَالٌ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى شَيْءٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ سُبْعِ إحْدَاهُمَا) أَيْ حَيًّا فَلَا يَكْفِي السُّبْعُ لَحْمًا قَوْلُهُ: (حَيْثُ أُحْصِرَ) أَيْ يُهْدِيَ الشَّاةَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 فِي حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ إذَا شَرَطَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ فِي الْمَرَضِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِلَا هَدْيٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ حَصْرَ الْعَدُوِّ لَا يَفْتَقِرُ إلَى شَرْطٍ، فَالشَّرْطُ فِيهِ لَاغٍ، وَلَوْ أَطْلَقَ فِي التَّحَلُّلِ مِنْ الْمَرَضِ بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ هَدْيًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ بِمَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ غَيْرَ الَّذِي أَحُصِرَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالذَّبْحِ، وَنِيَّةُ التَّحَلُّلِ الْمُقَارَنَةُ لَهُ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّحَلُّلِ وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ صَارِفٍ، وَكَيْفِيَّتُهَا أَنْ يَنْوِيَ خُرُوجَهُ عَنْ الْإِحْرَامِ وَكَذَا الْحَلْقُ أَوْ نَحْوُهُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا مَرَّ. وَلَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ كَمَا فِي الذَّبْحِ وَيُشْتَرَطُ تَأَخُّرُهُ عَنْ الذَّبْحِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، فَإِنْ فَقَدَ الدَّمَ حِسًّا كَأَنْ لَمْ يَجِدْ ثَمَنَهُ أَوْ شَرْعًا كَأَنْ احْتَاجَ إلَى ثَمَنِهِ أَوْ وَجَدَهُ غَالِيًا فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ بَدَلًا قِيَاسًا عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ   [حاشية البجيرمي] الْمَكَانِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ يَذْبَحُ هُنَاكَ مَا لَزِمَهُ مِنْ دِمَاءِ الْمَحْظُورَاتِ قَبْلَ الْإِحْصَارِ وَمَا مَعَهُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَلَهُ ذَبْحُهُ عَنْ إحْصَارِهِ؛ سم عَلَى الْكِتَابِ أج قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ) أَيْ بِلَا هَدْيٍ كَمَا فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ، كَأَنْ قَالَ: نَوَيْتُ الْإِحْرَامَ وَإِذَا أُحْصِرْتُ تَحَلَّلْتُ بِلَا هَدْيٍ قَوْلُهُ: (فَالشَّرْطُ) أَيْ شَرْطُ التَّحَلُّلِ بِلَا هَدْيٍ. وَقَوْلُهُ " لَاغٍ " أَيْ فَيَلْغُو نَفْيُ الْهَدْيِ أَيْضًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ لَمَّا اُعْتُبِرَ الشَّرْطُ فِيهِ اُعْتُبِرَ فِيهِ نَفْيُ الْهَدْيِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَطْلَقَ) مُقَابِلَ قَوْلِهِ: " بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ إلَخْ " قَوْلُهُ: (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) أَيْ شَيْءٌ مِنْ الْهَدْيِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حَيْثُ أَرَادَ التَّحَلُّلَ الْحَلْقُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ " لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ " ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلْقُ أَيْضًا. وَحَاصِلُ هَذِهِ أَنَّ الْمَرَضَ وَنَحْوَهُ لَا يُبِيحُ التَّحَلُّلَ بِدُونِ شَرْطٍ، أَمَّا إذَا شَرَطَهُ جَازَ التَّحَلُّلُ بِهِ ثُمَّ تَارَةً يَشْتَرِطُ التَّحَلُّلَ بِنَفْسِ الْمَرَضِ كَأَنْ قَالَ فِي إحْرَامِهِ: فَإِنْ مَرِضْتُ فَأَنَا حَلَالٌ فَإِنَّهُ يَصِيرُ حَلَالًا حِينَئِذٍ بِنَفْسِ الْمَرَضِ، وَتَارَةً يَشْتَرِطُ التَّحَلُّلَ أَيْ جَوَازَهُ بِسَبَبِ حُصُولِ الْمَرَضِ كَأَنْ قَالَ: فَإِذَا مَرِضْتُ تَحَلَّلْتُ، فَلَا بُدَّ فِي هَذِهِ مِنْ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ مَعَ النِّيَّةِ؛ وَأَمَّا الدَّمُ فَإِنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ أَيْضًا، فَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ أَوْ نَفَاهُ فَلَا يَجِبُ، قَوْلُهُ: (بِمَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ) لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِحْصَارِ صَارَ فِي حَقِّهِ كَنَفْسِ الْحَرَمِ، شَرْحُ م ر. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أُحْصِرَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمَنْقُولُ أَنَّ جَمِيعَ الْحَرَمِ كَالْبُقْعَةِ الْوَاحِدَةِ، أج. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعَةٌ: صُورَتَانِ فِيمَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ وَصُورَتَانِ فِيمَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ، فَإِذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْسِلَ الشَّاةَ إلَى الْحَرَمِ فَتُذْبَحَ فِيهِ، وَهِيَ الصُّورَةُ الْأُولَى مِنْ الْأَوَّلِيَّيْنِ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الذَّبْحُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ غَيْرِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ، وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ. فَإِنْ أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ جَازَ لَهُ الذَّبْحُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْحَرَمِ غَيْرِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ، لِأَنَّ بِقَاعَ الْحَرَمِ لَا تَتَفَاوَتُ، وَهَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الْأُولَى مِنْ الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إرْسَالُهُ إلَى مَحَلٍّ مِنْ الْحِلِّ لِيُذْبَحَ فِيهِ وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدٍ) بِالتَّنْوِينِ. وَقَوْلُهُ " صَارِفٍ " أَيْ لِلتَّحَلُّلِ، قَوْلُهُ: (وَكَيْفِيَّتُهَا) أَيْ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ، وَقَوْلُهُ " وَكَذَا الْحَلْقُ " بِالرَّفْعِ أَيْ يَتَحَلَّلُ بِهِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ " أَوْ نَحْوُهُ " أَيْ التَّقْصِيرُ قَوْلُهُ: (إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا) وَإِنْ جَعَلْنَاهُ اسْتِبَاحَةً مَحْظُورٌ فَلَا يَجِبُ فِي التَّحَلُّلِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ) أَيْ لِلْحَلْقِ قَوْلُهُ: (لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ) وَهِيَ: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَبُلُوغُهُ مَحِلَّهُ نَحْرُهُ. اهـ. م د قَوْلُهُ: (فَالْأَظْهَرُ) مُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، بَلْ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ قَوْلُهُ: (قِيَاسًا عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ دَمُ التَّمَتُّعِ دَمَ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ وَدَمُ الْإِحْصَارِ دَمَ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: كَمَا فِي الدَّمِ الْوَاجِبِ بِالْإِفْسَادِ؛ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَا هُنَا لِأَنَّهُ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ كَالدَّمِ الْوَاجِبِ بِالْإِفْسَادِ. وَأَمَّا الدَّمُ الْوَاجِبُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ فَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ فَلَا يُنَاسِبُ قِيَاسَ مَا هُنَا عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 وَغَيْرِهِ. وَالْبَدَلُ طَعَامٌ بِقِيمَةِ الشَّاةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الطَّعَامِ صَامَ حَيْثُ شَاءَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا قِيَاسًا عَلَى الدَّمِ الْوَاجِبِ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَلَهُ إذَا انْتَقَلَ إلَى الصَّوْمِ التَّحَلُّلُ فِي الْحَالِ بِالْحَلْقِ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ عِنْدَهُ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ لِتَضَرُّرِهِ بِالْمُقَامِ عَلَى الْإِحْرَامِ. وَثَالِثُ الْمَوَانِعِ الرِّقُّ، فَإِذَا أَحْرَمَ الرَّقِيقُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ فَلَهُ تَحَلُّلُهُ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالتَّحَلُّلِ لِأَنَّ إحْرَامَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرَامٌ لِأَنَّهُ يُعَطِّلُ عَلَيْهِ مَنَافِعَهُ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا، فَإِنَّهُ قَدْ يُرِيدُ مِنْهُ مَا لَا يُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ كَالِاصْطِيَادِ، وَلَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ سَيِّدُهُ فَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ لَزِمَهُ، فَيَحْلِقُ وَيَنْوِي التَّحَلُّلَ، فَعُلِمَ أَنَّ إحْرَامَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحِيحٌ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ فَلَهُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَتِهِ مِنْهُ وَالْإِثْمُ عَلَيْهِ. وَرَابِعُ الْمَوَانِعِ الزَّوْجِيَّةُ، فَلِلزَّوْجِ الْحَلَالِ أَوْ الْمُحْرِمِ تَحْلِيلُ زَوْجَتِهِ كَمَا لَهُ مَنْعُهَا ابْتِدَاءً مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةِ تَطَوُّعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَلَهُ تَحْلِيلُهَا أَيْضًا مِنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَالنُّسُكُ عَلَى التَّرَاخِي. فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مُدَّتَهُمَا لَا تَطُولُ فَلَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ كَبِيرُ ضَرَرٍ. وَخَامِسُ الْمَوَانِعِ الْأُبُوَّةُ، فَإِنْ أَحْرَمَ الْوَلَدُ بِنَفْلٍ بِلَا إذْنٍ مِنْ أَبَوَيْهِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (طَعَامٌ بِقِيمَةِ الشَّاةِ) أَيْ مَعَ الْحَلْقِ وَالنِّيَّةِ. وَالْمُرَادُ بِقِيمَةِ الشَّاةِ أَيْ وَقْتَ الْوُجُوبِ بِمَحَلِّ الْإِحْصَارِ، وَقَوْلُهُ " عِنْدَهُ " أَيْ الْحَلْقِ. قَوْلُهُ: (الرِّقُّ) أَيْ لِلْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُهَايَأَةً، أَوْ كَانَ مُهَايَأَةً وَوَقَعَ الْإِحْرَامُ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: (بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) الْمُرَادُ بِهِ مَالِكُ مَنْفَعَتِهِ بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِغَيْرِهِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ كَمَا قَالَهُ حَجّ؛ وَيَصَّدَّقُ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ وَفِي تَصْدِيقِهِ فِي تَقَدُّمِ رُجُوعِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ تَرَدُّدٌ. وَالْأَوْجَهُ مِنْهُ تَصْدِيقُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ السَّيِّدُ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الرَّجْعَةِ كَمَا قَالَهُ م ر قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ) وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبًا لِكَوْنِهِ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ جَوَازِ رِضَا السَّيِّدِ بِدَوَامِهِ م ر. وَالْمُرَادُ بِالسَّيِّدِ مَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْحُرَّ وَالرَّقِيقَ كَالْمُكَاتَبِ فَلَهُ تَحْلِيلُ رَقِيقِهِ. قَوْلُهُ: (فَيَحْلِقُ) وَلَا يَذْبَحُ لِأَنَّ لَا مِلْكَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ تَحَلَّلَ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ. نَعَمْ لَوْ كَانَ حَلْقُ الرَّأْسِ يَشِينُهُ وَمَنَعَهُ سَيِّدُهُ مِنْهُ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ فَبَحَثَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ التَّقْصِيرِ، وَقَدْ يُتَّجَهُ؛ سم. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ صَوْمٌ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الدَّمِ الْغَيْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَعِبَارَةُ ق ل مُصَرِّحَةٌ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ فَلْيُحَرَّرْ، ذَكَرَهُ م د. وَأَقَرَّ شَيْخُنَا كَلَامَ سم وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَالْمُدْرِكُ مَعَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْإِثْمُ عَلَيْهِ) أَيْ الرَّقِيقِ، قَوْلُهُ: (فَلِلزَّوْجِ الْحَلَالِ) وَلَوْ سَفِيهًا. وَشَمِلَ الزَّوْجَ الصَّغِيرَ الَّذِي يَتَأَتَّى وَطْؤُهُ. فَيُعْتَدُّ بِأَمْرِهِ لَهَا بِالتَّحَلُّلِ كَالْبَالِغِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْوَلِيِّ أَيْ وَلِيِّ الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ، طَبَلَاوِيٌّ. وَتَتَحَلَّلُ الزَّوْجَةُ الْحُرَّةُ بِمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ الْمُحْصِرُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمُحْرِمِ) وَإِنْ زَادَ إحْرَامُهَا عَلَى إحْرَامِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجَةِ التَّحَلُّلُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ زَوْجِهَا بِهِ، بِخِلَافِ الرَّقِيقِ كَمَا مَرَّ. وَالْفَرْقُ أَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ فِي الْفَرْضِ لِوُقُوعِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الرَّقِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ م د قَوْلُهُ: (تَطَوُّعٍ) هَلَّا حَذَفَهُ وَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ: " وَلَهُ تَحْلِيلُهَا أَيْضًا إلَخْ " وَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ شَامِلًا لِلْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ؟ وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ: وَلَوْ أَحْرَمَ رَقِيقٌ أَوْ زَوْجَةٌ بِلَا إذْنٍ فَلِمَالِك أَمْرِهِ تَحْلِيلُهُ أَيْ الْأَحَدَ قَوْلُهُ: (وَلَهُ تَحْلِيلُهَا) أَيْ وَلَهُ مَنْعُهَا ابْتِدَاءً بِالْأَوْلَى. وَسَكَتَ عَنْهُ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (بِأَنَّ مُدَّتَهُمَا إلَخْ) بِخِلَافِ مُدَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ شَأْنَهُمَا طُولُ الْمُدَّةِ، وَحِينَئِذٍ لَا يُرَدُّ أَنَّ مُدَّةَ الْعُمْرَةِ لَا تَطُولُ، قَوْلُهُ: (الْأُبُوَّةُ) أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْأُمُومَةَ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْأَصْلِيَّةِ لَكَانَ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ " بِنَفْلٍ بِلَا إذْنٍ " أَيْ إنْ كَانَ غَيْرَ مُقِيمٍ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ مُصَاحِبًا لَهُ فِي السَّفَرِ، فَالشُّرُوطُ أَرْبَعَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُبُوَّةِ الْأُصُولُ مُطْلَقًا أَحْرَارًا أَمْ أَرِقَّاءَ، مُسْلِمِينَ أَمْ كُفَّارًا، حَتَّى لِلْأَبْعَدِ الْمَنْعُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ؛ وَلَكِنْ لِلْمَنْعِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ كَمَا عَلِمْتَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْوَلَدِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ إذَا كَانَ حَجُّهُ نَفْلًا بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ، وَإِنْ كَانَ لَوْ وَقَعَ يَقَعُ فَرْضًا فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ سُنَّةٌ. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: قَوْلُهُ " الْأُبُوَّةُ " أَيْ أَحَدُ الْآبَاءِ وَأَحَدُ الْأُمَّهَاتِ، فَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ مَنْعُ فَرْعٍ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، أَمَّا الْفَرْضُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَنْعُهُ وَتَحْلِيلُهُمَا لَهُ كَتَحْلِيلِ السَّيِّدِ رَقِيقَهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ فَرْضِ النُّسُكِ لَا ابْتِدَاءً وَلَا دَوَامًا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَيُفَارِقُ الْجِهَادَ بِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْخَوْفُ فِيهِ كَالْخَوْفِ فِي الْجِهَادِ. وَيُسَنُّ لِلْوَلَدِ اسْتِئْذَانُهُمَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ فِي النُّسُكِ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ كَانَ لِأَبَوَيْهَا مَنْعُهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يُسَافِرَ مَعَهَا الزَّوْجُ. وَسَادِسُ الْمَوَانِعِ الدَّيْنُ، فَلَيْسَ لِغَرِيمِ الْمَدِينِ تَحْلِيلُهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ حَالًّا لِيُوَفِّيَهُ حَقَّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِيَهُ عِنْدَ حُلُولِهِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ الْمُتَطَوِّعِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، فَإِنْ كَانَ نُسُكُهُ فَرْضًا مُسْتَقِرًّا كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِيمَا بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ أَوْ كَانَتْ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ اُعْتُبِرَتْ الِاسْتِطَاعَةُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِحْصَارِ.   [حاشية البجيرمي] فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ الْمَنْعُ مِنْهُ وَلَا التَّحَلُّلُ وَإِنْ وَقَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَفَاقِيِّ وَالْمَكِّيِّ وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ، خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ فِي تَخْصِيصِ الْمَنْعِ بِالْآفَاقِيِّ دُونَ الْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ تَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي مَتْنِ إرْشَادِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَحْرَمَ الْوَلَدُ إلَخْ) أَيْ أَوْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَنْعُهُ وَتَحْلِيلُهُ " فَالْمَنْعُ رَاجِعٌ لِلْإِرَادَةِ وَالتَّحْلِيلُ لِلْإِحْرَامِ قَوْلُهُ: (مَنْعُهُ) مَحِلُّهُ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ قَوْلُهُ: (كَتَحْلِيلِ السَّيِّدِ إلَخْ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ، بِأَنْ يَأْمُرَ فَرْعَهُ بِالتَّحَلُّلِ كَمَا يَأْمُرُ السَّيِّدُ رَقِيقَهُ. هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّشْبِيهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ حُرًّا فَكَتَحَلُّلِ الْحُرِّ أَوْ رَقِيقًا فَكَتَحَلُّلِ الرَّقِيقِ قَوْلُهُ: (مَنْعُهُ مِنْ فَرْضِ النُّسُكِ) وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ م ر قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ الْخَوْفُ فِيهِ كَالْخَوْفِ فِي الْجِهَادِ) أَيْ فَالْجِهَادُ أَقْوَى خَوْفًا، فَهَذَا فَارِقٌ آخَرَ، قَوْلُهُ: (مَنْعُهَا) أَيْ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ كَمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (وَسَادِسُ الْمَوَانِعِ الدَّيْنُ) الْأَوْلَى عَدَمُ عَدِّهِ مِنْ الْمَوَانِعِ، إذْ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ " فَلَيْسَ لِغَرِيمِ الْمَدِينِ تَحْلِيلُهُ " نَعَمْ إنْ مَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إتْمَامِ النُّسُكِ وَخَافَ الْفَوَاتَ تَحَلَّلَ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ الدَّيْنُ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْعِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ) أَيْ لِلسَّفَرِ وَلَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ: قَوْلُهُ " وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ " أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَإِنْ فَاتَهُ النُّسُكُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَهُوَ مُوسِرٌ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ وَلَيْسَ لَهُ نَائِبٌ فِي قَضَائِهِ لِتَعَدِّيهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ كَمَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا. وَإِذَا فَاتَهُ الْحَجُّ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ إلَّا بِإِتْيَانِ مَكَّةَ وَأَعْمَالُ الْعُمْرَةِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ كَأَنْ حَبَسَهُ ظُلْمًا تَحَلَّلَ كَغَيْرِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ اهـ. وَإِنَّمَا صَحَّ عَدُّ هَذَا مِنْ الْمَوَانِعِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ بَعْدَ التَّحَرُّمِ، فَقَوْلُ م د: عَدُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَوَانِعِ، فِيهِ نَظَرٌ غَيْر ظَاهِرٍ. قَوْلُهُ: (لِيُوَفِّيَهُ حَقَّهُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ حِينَئِذٍ بَلْ عَلَيْهِ التَّوْفِيَةُ وَالْخُرُوجُ لِإِتْمَامِ نُسُكِهِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ الْمُتَطَوِّعِ إلَخْ) أَيْ إنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ حَلَالٌ بِأَنْ تَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامِهِ ثُمَّ فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَهُوَ حَلَالٌ، أَمَّا إذَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْإِحْرَامِ فَيُفَصَّلُ؛ فَإِنْ اسْتَمَرَّ مَاكِثًا فِي طَرِيقِهِ وَصَابَرَ الْإِحْرَامَ غَيْرَ مُتَوَقِّعٍ زَوَالَ الْحَصْرِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَكَذَلِكَ إذَا سَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ أَقْصَرَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مُسَاوِيًا وَفَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ مُحْرِمًا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَأَمَّا إذَا سَلَكَ طَرِيقًا أَطْوَلَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ صَابَرَ الْإِحْرَامَ مُتَوَقِّعًا زَوَالَ الْحَصْرِ فَفَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي التَّطَوُّعِ، أَمَّا الْفَرْضُ فَإِنْ كَانَ مُسْتَقِرًّا كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِيمَا بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى أَوْ كَانَ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِطَاعَتِهِ بَعْدُ، فَإِنْ زَالَ عَنْهُ الْحَصْرُ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَقَوْلُهُ " مَنْ سِنِي الْإِمْكَانِ " بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَأَصْلُهَا سِنِينَ فَحُذِفَتْ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 (وَالرَّابِعُ الدَّمُ الْوَاجِبُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ) الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ الْوَحْشِيِّ، أَوْ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ الْوَحْشِيِّ وَمِنْ غَيْرِهِ كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ ضَرْبَانِ مَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ تَقْرِيبًا فَيُضْمَنُ بِهِ، وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَيُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْلٌ، وَمِنْ الْأَوَّلِ مَا فِيهِ نَقْلٌ بَعْضُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْضُهُ عَنْ السَّلَفِ فَيُتْبَعُ. وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ: (وَهُوَ) أَيْ الدَّمُ الْمَذْكُورُ (عَلَى التَّخْيِيرِ) بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ (إنْ كَانَ الصَّيْدُ) الْمَقْتُولُ أَوْ الْمُزْمِنُ (مِمَّا لَهُ مِثْلٌ) أَيْ شَبَهٌ صُورِيٌّ مِنْ النَّعَمِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ (أَخْرَجَ الْمِثْلَ مِنْ النَّعَمِ) أَيْ يَذْبَحُ الْمِثْلَ مِنْ النَّعَمِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ، فَفِي إتْلَافِ النَّعَامَةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بَدَنَةٌ كَذَلِكَ فَلَا تُجْزِئُ بَقَرَةٌ وَلَا سَبْعُ شِيَاهٍ أَوْ أَكْثَرُ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ تُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ، وَفِي وَاحِدٍ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ أَوْ حِمَارِهِ بَقَرَةٌ، وَفِي الْغَزَالِ وَهُوَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنَاهُ مَعْزٌ صَغِيرٌ، فَفِي الذَّكَرِ جَدْيٌ وَفِي الْأُنْثَى عَنَاقٌ، فَإِنْ طَلَعَ قَرْنَاهُ سُمِّيَ الذَّكَرُ ظَبْيًا وَالْأُنْثَى ظَبْيَةً، وَفِيهَا عَنْزٌ وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ الَّتِي تَمَّ لَهَا سَنَةٌ، وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا قَوِيَتْ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَفِي الضَّبُعِ كَبْشٌ، وَفِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ   [حاشية البجيرمي] وَبَقِيَتْ الْيَاءُ عَلَى سُكُونِهَا ثُمَّ حُذِفَتْ. قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ الدَّمُ الْوَاجِبُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الثَّالِثُ فِي نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي وَتَحْتَهُ الصَّيْدُ وَالْأَشْجَارُ، وَنَصُّهُ: وَالثَّالِثُ التَّخْيِيرُ وَالتَّعْدِيلُ فِي ... صَيْدٍ وَأَشْجَارٍ بِلَا تَكَلُّفِ إنْ شِئْت فَاذْبَحْ أَوْ فَعَدْلُ مِثْلِ مَا ... عَدَّلْت فِي قِيمَةِ مَا تَقَدَّمَا قَوْلُهُ: (بِقَتْلِ الصَّيْدِ) أَوْ أَيْ زَمِنًا بِجَرْحِهِ وَإِزْمَانِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (الْبَرِّيِّ) وَمَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ، وَالْبَحْرِ كَالْبَرِّيِّ؛ أَيْ فَيَحِلُّ بِالتَّذْكِيَةِ إذَا كَانَ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ مِمَّا يُؤْكَلُ أج. وَقَوْلُهُ " إذَا كَانَ نَظِيرُهُ إلَخْ " أَيْ كَقِرْشِ الْبَحْرِ، زَادَ الزِّيَادِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ " إذَا كَانَ نَظِيرُهُ " فِي الْبَرِّ مِمَّا يُؤْكَلُ وَالْمَنْفِيُّ حِلُّهُ مَيِّتًا " اهـ: وَقَوْلُهُ " وَالْمَنْفِيُّ " أَيْ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ حِلِّهِ وَمَا قَالُوهُ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ حُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّذْكِيَةِ وَمَا هُنَاكَ مِنْ الْحُرْمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُذَكَّ. قَوْلُهُ: (حِمَارٍ وَحْشِيٍّ) هُوَ مَأْكُولٌ، وَقَوْلُهُ " وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ " الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " وَحِمَارَةٍ أَهْلِيَّةٍ " لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى لَا بَيْنَ ذَكَرَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَيَتْبَعُ) أَيْ النَّقْلُ، أَيْ وَاَلَّذِي لَا نَقْلَ فِيهِ بِحُكْمِ عَدْلَانِ قَوْلُهُ: (عَلَى التَّخْيِيرِ) أَيْ وَالتَّعْدِيلِ قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةِ أُمُورٍ) أَيْ أَوْ أَمْرَيْنِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمُزْمِنِ) أَيْ الْمُقْعَدِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ زَمِنَ الشَّخْصُ زَمَنًا وَزَمَانَةً فَهُوَ زَمِنٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَهُوَ مَرَضٌ يَدُومُ زَمَانًا طَوِيلًا وَأَزْمَنَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُزْمَنٌ. قَوْلُهُ: (أَخْرَجَ الْمِثْلَ) أَفْهَمَ ذِكْرُ الْمِثْلِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْحَامِلِ حَامِلٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا تُذْبَحُ بَلْ تُقَوَّمُ حَامِلًا وَيُتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا أَوْ يُصَامُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ صَيْدٍ حَامِلٍ فَأَلْقَى جَنِينًا مَيِّتًا، فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ أَيْضًا فَهُوَ كَقَتْلِ الْحَامِلِ وَإِلَّا ضَمِنَ مَا نَقَصَتْ الْأُمُّ، وَلَا يَضْمَنُ الْجَنِينَ؛ وَفَارَقَ جَنِينَ الْأَمَةِ حَيْثُ يَضْمَنُ بِعُشْرِ قِيمَتِهَا بِأَنَّ الْحَمْلَ يَزِيدُ فِي قِيمَةِ الْبَهَائِمِ وَيُنْقِصُ الْآدَمِيَّاتِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَاوُتِ فِي الْآدَمِيَّاتِ، أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَ كُلًّا مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ أَوْ الْوَلَدَ فَقَطْ ضَمِنَ الْوَلَدَ بِانْفِرَادِهِ وَضَمِنَ نَقْصَ الْأُمِّ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (أَيْ يَذْبَحُ) وَالذَّبْحُ وَالتَّصَدُّقُ وَكَوْنُهُ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ وَاجِبَاتٌ ق ل. قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَتَاؤُهَا لِلْوَحْدَةِ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً) أَيْ وَقَدْ بَلَغَتْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. قَوْلُهُ: (جَفْرَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَيُسَمَّى الذَّكَرُ جَفْرًا لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ أَيْ عَظُمَا؛ وَيُجْمَعُ عَلَى أَجْفَارٍ وَجِفَارٍ. قَوْلُهُ: (وَفِي الضَّبُعِ) هُوَ مَعْرُوفٌ. وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ سَنَةً ذَكَرًا وَسَنَةً أُنْثَى، فَيُلَقِّحُ فِي حَالَةِ الذُّكُورَةِ وَيَلِدُ فِي حَالَةِ الْأُنُوثَةِ. وَهَذَا اللَّفْظُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْأُنْثَى وَأَنَّ الذَّكَرَ ضِبْعَانِ بِكَسْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 وَمَا لَا نَقْلَ فِيهِ مِنْ الصَّيْدِ عَمَّنْ سَيَأْتِي يَحْكُمُ فِيهِ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ عَدْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] الْآيَةَ. وَالْعِبْرَةُ بِالْمُمَاثَلَةِ بِالْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ تَقْرِيبًا لَا تَحْقِيقًا، فَابْنُ النَّعَامَةِ مِنْ الْبَدَنَةِ لَا بِالْقِيمَةِ فَيَلْزَمُ فِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ، وَفِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَفِي الذَّكَرِ ذَكَرٌ، وَفِي الْأُنْثَى أُنْثَى، وَفِي الصَّحِيحِ صَحِيحٌ، وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ، وَفِي السَّمِينِ سَمِينٌ، وَفِي الْهَزِيلِ هَزِيلٌ. وَلَوْ فَدَى الْمَرِيضَ بِالصَّحِيحِ أَوْ الْمَعِيبَ بِالسَّلِيمِ أَوْ الْهَزِيلَ بِالسَّمِينِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلَانِ فَقِيهَيْنِ فَطِنَيْنِ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أَعْرَفُ بِالشَّبَهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا. وَمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ الْفِقْهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْفِقْهِ الْخَاصِّ بِمَا يُحْكَمُ بِهِ هُنَا وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْفِقْهَ مُسْتَحَبٌّ مَحْمُولٌ عَلَى زِيَادَتِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِأَنَّ لَهُ مِثْلًا وَعَدْلَانِ بِعَدَمِهِ فَهُوَ مِثْلِيٌّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ وَآخَرَانِ بِمِثْلٍ آخَرَ تَخَيَّرَ عَلَى الْأَصَحِّ. ثُمَّ ذَكَرَ الثَّانِي مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ (أَوْ قَوَّمَهُ) أَيْ الْمِثْلَ بِدَرَاهِمَ بِقِيمَةِ مِثْلِهِ بِمَكَّةَ يَوْمَ الْإِخْرَاجِ (وَاشْتَرَى بِقِيمَتِهِ) أَيْ بِقَدْرِهَا (طَعَامًا) مُجْزِئًا فِي الْفِطْرَةِ أَوْ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ (وَتَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ الطَّعَامِ وُجُوبًا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ الْقَاطِنِينَ   [حاشية البجيرمي] الضَّادِ فَسُكُون،. اهـ. خَضِرٌ. قَوْلُهُ: (عَمَّنْ سَيَأْتِي) الْأَوْلَى عَمَّنْ سَبَقَ، وَهُوَ النَّبِيُّ وَالسَّلَفُ. قَوْلُهُ: (يَحْكُمُ) يُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ حُكْمًا اشْتِرَاطُ ذُكُورَتِهِمَا وَحُرِّيَّتِهِمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ م ر. قَوْلُهُ: (عَدْلَانِ) أَيْ وَلَوْ ظَاهِرًا أَوْ بِلَا اسْتِبْرَاءِ سَنَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (بِالْخِلْقَةِ) أَيْ الصُّورَةِ، فَعَطْفُ الصُّورَةِ عَلَيْهِ تَفْسِيرِيٌّ. وَقَوْلُهُ " لَا بِالْقِيمَةِ " عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْخِلْقَةِ. قَوْلُهُ: (فَيَلْزَمُ إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ: " وَالْعِبْرَةُ بِالْمُمَاثَلَةِ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (وَفِي الذَّكَرِ ذَكَرٌ) هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ شَارِحِ الْمَنْهَجِ: وَيُجْزِئُ فِدَاءُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَعَكْسُهُ، فَلْيُحَرَّرْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ " وَفِي الذَّكَرِ ذَكَرٌ " أَيْ الْأَفْضَلُ ذَلِكَ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الصَّحِيحِ صَحِيحٌ) وَيَجِبُ فِي الْحَامِلِ حَامِلٌ؛ لَكِنْ لَا تُذْبَحُ وَلَا تُعْطَى حَيَّةً بَلْ تُقَوَّمُ بِمَكَّةَ فِي مَحَلِّ ذَبْحِهَا لَوْ ذُبِحَتْ وَيُتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. قَوْلُهُ: (إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ) كَالْعَوَرِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَحَلُّهُ، كَأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْوَرَ يَمِينًا وَالْآخَرُ شِمَالًا فَلَا يَضُرُّ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَيْبُ كَالْعَوَرِ وَالْجَرَبِ فَلَا يَكْفِي؛ سم قَوْلُهُ: (فَقِيهَيْنِ) أَيْ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّبَهِ وَيَحْتَمِلُ بِجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ. وَفِي م ر. الْأَوَّلُ: وَعِبَارَةُ حَجّ: فَقِيهَيْنِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشَّبَهِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (فَطِنَيْنِ) تَثْنِيَةُ فَطِنٍ وَهُوَ الذَّكِيُّ. قَوْلُهُ: (بِمَا يُحْكَمُ بِهِ هُنَا) أَيْ مِنْ كَوْنِ الصَّيْدِ لَهُ مِثْلٌ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (وَآخَرَانِ بِمِثْلٍ) وَانْظُرْ لَوْ كَانَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ أَكْثَرَ عَدَدًا، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ وَأَكْثَرُ بِمِثْلٍ آخَرَ هَلْ يَتَخَيَّرُ أَيْضًا أَوْ يُرَجَّحُ؟ الْأَكْثَرُ الْقِيَاسُ الثَّانِي؛ وَلَوْ ذَبَحَ الدَّمَ الْوَاجِبَ بِالْحَرَمِ فَسُرِقَ مِنْهُ أَوْ غُصِبَ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لَمْ يُجْزِهِ، ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ آخَرَ وَهُوَ أَوْلَى، أَوْ يَشْتَرِيَ بَدَلَهُ لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ وُجِدَ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَصَّرَ فِي تَأْخِيرِ التَّفْرِقَةِ وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ، كَمَا لَوْ سُرِقَ الْمَالُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الزَّكَاةُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَالزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ أَيْ بِعَيْنِ الْمَالِ، وَلَوْ عُدِمَ الْمَسَاكِينُ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ حَتَّى يَجِدَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْلُ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ النَّقْلُ كَالزَّكَاةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْتَحَقِّينَ فِي بَلَدِ وُجُوبِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ هَذَا، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْمِثْلُ) فَالْمُقَوَّمُ الْمِثْلُ لَا الصَّيْدُ الْمَقْتُولُ. قَوْلُهُ: (بِمَكَّةَ) الْمُرَادُ بِهَا جَمِيعُ الْحَرَمِ، شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " بِقِيمَتِهِ " وَلَا مَعْنَى لَهُ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ أَوْ أَخْرَجَ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالدَّرَاهِمِ. ثُمَّ ذَكَرَ الثَّالِثَ مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ (أَوْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ) مِنْ الطَّعَامِ (يَوْمًا) فِي أَيِّ مَكَان كَانَ (وَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ) الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ (مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ) مِمَّا لَا نَقْلَ فِيهِ كَالْجَرَادِ وَبَقِيَّةِ الطُّيُورِ مَا عَدَا الْحَمَامِ كَمَا سَيَأْتِي سَوَاءٌ كَانَ أَكْبَرَ جُثَّةً مِنْ الْحَمَامِ أَمْ لَا، (أَخْرَجَ بِقِيمَتِهِ) أَيْ بِقَدْرِهَا (طَعَامًا) وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ، وَقَدْ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ بِهَا فِي الْجَرَادِ وَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ لَا مِثْلَ لَهُ، فَضُمِنَ بِالْقِيمَةِ كَمَالِ الْآدَمِيِّ وَيُرْجَعُ فِي الْقِيمَةِ إلَى عَدْلَيْنِ، أَمَّا مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِمَّا فِيهِ نَقْلٌ وَهُوَ الْحَمَامُ وَهُوَ مَا عَبَّ أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ بِلَا مَصٍّ وَهَدَرَ أَيْ رَجَّعَ صَوْتَهُ وَغَرَّدَ كَالْيَمَامِ وَالْقَمَرِيِّ وَالْفَاخِتَةِ وَكُلِّ مُطَوَّقٍ فَفِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُ شَاةٌ مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ بِحُكْمِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ) الْأَوْلَى الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَمَ هُنَا، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَيَّرٌ فِي جَزَائِهِ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ طَعَامًا أَوْ يَصُومَ. قَوْلُهُ: (كَالْجَرَادِ) هَذَا تَنْظِيرٌ، إذْ الْجَرَادُ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ ". قَوْلُهُ: (أَخْرَجَ بِقِيمَتِهِ) أَيْ حَيًّا، فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إذْ لَا يَحِلُّ أَيْ بَاقِي الطُّيُورِ مَا عَدَا الْحَمَامِ، بِخِلَافِ الْجَرَادِ فَإِنَّ مَيْتَتَهُ حَلَالٌ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ) لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَمْثِيلِهِ مَا لَا نَقْلَ فِيهِ بِالْجَرَادِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَرَادَ لَا نَقْلَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْمِثْلُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ فِيهِ نَقْلًا مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْحَمَامُ) قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي السِّيرَةِ: وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فَوَقَفَتَا بِفَمِ الْغَارِ، وَيُرْوَى أَنَّهُمَا بَاضَتَا وَفَرَّخَتَا، وَبَارَكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْحَمَامَتَيْنِ أَيْ وَفَرَضَ جَزَاءَ الْحَمَامِ وَانْحَدَرَتَا فِي الْحَرَمِ فَأَفْرَخَتَا كُلَّ شَيْءٍ فِي الْحَرَمِ مِنْ الْحَمَامِ؛ أَيْ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ ذَهَبَ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا إلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى حَمَامِ مَكَّةَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الطُّيُورِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَنُظِرَ فِي الْإِمْتَاعِ فِي كَوْنِ حَمَامِ الْحَرَمِ مِنْ نَسْلِ ذَلِكَ الزَّوْجِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ بَعَثَ الْحَمَامَةَ مِنْ السَّفِينَةِ لِتَأْتِيَهِ بِخَبَرِ الْأَرْضِ فَوَقَعَتْ بِوَادِي الْحَرَمِ فَإِذَا الْمَاءُ قَدْ نَضَبَ بِمَوْضِعِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ طِينَتُهَا حَمْرَاءَ فَاخْتَضَبَتْ رِجْلَاهَا، ثُمَّ جَاءَتْهُ فَمَسَحَ عُنُقَهَا وَطَوَّقَهَا طَوْقًا وَوَهَبَ لَهَا الْحُمْرَةَ فِي رِجْلِهَا وَأَسْكَنَهَا الْحَرَمَ وَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ. فَفِي هَذَا أَنَّ الْحَمَامَ قَدْ كَانَ فِي الْحَرَمِ مِنْ عَهْدِ جُرْهُمٍ، أَيْ وَنُوحٍ؛ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ حَمَامَ مَكَّةَ أَظَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتَحَ مَكَّةَ فَدَعَا بِالْبَرَكَةِ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا عَبَّ) بَابُهُ رَدَّ يَرُدُّ، وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ الْعَبَّ يُورِثُ الْكُبَادَ» وَهُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ يَعْنِي وَجَعَ الْكَبِدِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُصُّوا الْمَاءَ مَصًّا وَلَا تَعُبُّوهُ عَبًّا فَإِنَّ الْعَبَّ يُورِثُ الْكُبَادَ» اهـ. وَقَوْلُهُ: وَهَدَرَ بَابُهُ ضَرَبَ يَضْرِبُ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَهُوَ لَازِمٌ لِعَبَّ. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ " عَبَّ " أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ بِلَا مَصٍّ، هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ، فَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ بَعْضِهِمْ: وَهَدَرَ؛ أَيْ صَوَّتَ، لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَغَرَّدَ) أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ؛ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ غَرِدَ غَرَدًا فَهُوَ غَرِدٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا أَطْرَبَ فِي صَوْتِهِ وَغِنَائِهِ كَالطَّائِرِ وَغَرَّدَ تَغْرِيدًا مِثْلُهُ. اهـ. وَالتَّطْرِيبُ تَرْجِيعُ الصَّوْتِ وَمَدُّهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْفَاخِتَةُ) نَوْعٌ مِنْ الْحَمَامِ، وَالْمُطَوَّقُ مَا فِيهِ لَوْنٌ حَوْلَ رَقَبَتِهِ مُخَالِفٌ لِبَاقِي بَدَنِهِ. قَوْلُهُ: (شَاةٌ) وَلَوْ صَغُرَتْ الْحَمَامَةُ جِدًّا وَالْمُرَادُ شَاةٌ مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الرَّمْلِيُّ، وَإِنْ بَحَثَ عَدَمَ اعْتِبَارِ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَحَمَامٌ شَاةٌ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ إجْزَاؤُهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ. أَقُولُ: وَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ فِي الصَّيْدِ أَنَّ فِي الْكَبِيرِ كَبِيرَةً وَفِي الصَّغِيرِ صَغِيرَةً أَنَّهُ يَجِبُ هُنَا فِي الْحَمَامَةِ الْكَبِيرَةِ شَاةٌ مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَفِي الْحَمَامَةِ الصَّغِيرَةِ شَاةٌ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ فِي الْأُضْحِيَّةِ، انْتَهَتْ بِحُرُوفِهَا. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَإِنْ لَمْ تَجُزْ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا اسْتَوْجَهَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ اهـ، قَالَ الشَّيْخُ خ ض: لَكِنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُجْزِئَةً فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَالْحِكْمَةُ فِي إيجَابِ الشَّاةِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّاةِ وَالْحَمَامِ يَأْلَفُ الْبُيُوتَ، فَبَيْنَهُمَا مُشَابَهَةٌ فِي الطَّبْعِ وَإِلَّا فَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُمَا فِي الصُّورَةِ. قَوْلُهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 وَفِي مُسْتَنَدِهِمْ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَوْقِيفٌ بَلَغَهُمْ فِيهِ وَالثَّانِي مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الشَّبَهِ وَهُوَ إلْفُ الْبُيُوتِ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْحَمَامِ إذْ لَا يَتَأَتَّى فِي الْفَوَاخِتِ وَنَحْوِهَا، وَيُتَصَدَّقُ بِالطَّعَامِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ كَمَا مَرَّ (أَوْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ) مِنْ الطَّعَامِ (يَوْمًا) فِي أَيْ مَوْضِعٍ كَانَ قِيَاسًا عَلَى الْمِثْلِيِّ. تَنْبِيهٌ: تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمِثْلِيِّ وَالطَّعَامِ فِي الزَّمَانِ بِحَالَةِ الْإِخْرَاجِ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي الْمَكَانِ بِجَمِيعِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الذَّبْحِ لَا بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي الزَّمَانِ بِحَالَةِ الْإِتْلَافِ لَا الْإِخْرَاجِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الْمَكَانِ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ لَا بِالْحَرَمِ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَالْخَامِسُ الدَّمُ الْوَاجِبُ بِالْوَطْءِ) الْمُفْسِدِ (وَهُوَ) أَيْ الدَّمُ الْمَذْكُورُ (عَلَى التَّرْتِيبِ) وَالتَّعْدِيلِ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَجِبُ بِهِ (بَدَنَةٌ) عَلَى الرَّجُلِ بِصِفَةِ الْأُضْحِيَّةِ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْوَطْءِ الْمُفْسِدِ مَسْأَلَتَانِ   [حاشية البجيرمي] إلْفٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرُ أَلِف كَعَلِمَ بِمَعْنَى أَنِسَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي حَاشِيَةِ الَأُجْهُورِيُّ: بِالضَّمِّ نَقْلًا عَنْ خَطِّ الشَّارِحِ، قَالَ م د: وَالْقِيَاسُ الْكَسْرُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَمَامَ الَّذِي يَأْلَفُ الْبُيُوتَ أَصْلُهُ وَحْشِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي قَتْلِهِ شَاةٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إذَا كَانَ لَهُ حَمَامٌ فِي بُرْجٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَحْرَمَ: زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَفِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ " وَاصْطِيَادٌ " يَشْمَلُ الرَّجُلَ وَغَيْرَهُ، وَلَوْ أَحْرَمَ وَفِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مِنْهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَوَجَبَ إرْسَالُهُ وَلَوْ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، وَمَنْ أَخَذَهُ مَلَكَهُ أَيْ مَنْ أَخَذَهُ يَمْلِكُهُ وَلَوْ قَبْلَ إرْسَالِهِ وَيَضْمَنُهُ هُوَ إنْ مَاتَ بِيَدِهِ؛ نَعَمْ يَتَّجِهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ إرْسَالِهِ وَلَمْ يُرْسِلْهُ، م ر اهـ. قَوْلُهُ: (قِيمَةُ الْمِثْلِيِّ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ مِثْلُ الْمِثْلِيِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ قِيمَةَ الطَّعَامِ وَالْمِثْلِيِّ مُعْتَبَرَةٌ بِقِيمَةِ الْحَرَمِ يَوْمَ الْإِخْرَاجِ، وَأَنَّ قِيمَةَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْجَرَادِ مُعْتَبَرَةٌ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ زَمَانًا وَمَكَانًا ق ل. وَقَوْلُهُ: " يَوْمَ الْإِخْرَاجِ " كَمَا لَوْ أَتْلَفَ نَعَامَةً فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَثَلًا فَأَخْرَجَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَالْعِبْرَةُ فِي قِيمَةِ الْمَذْبُوحِ وَالطَّعَامِ بِيَوْمِ الِاثْنَيْنِ فِي الْحَرَمِ لَا بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي مَحَلِّ الْإِتْلَافِ. وَأَمَّا مَا لَا مِثْلَ لَهُ فَحُكْمُهُ عَكْسُ مَالَهُ مِثْلٌ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَالطَّعَامُ فِي الزَّمَانِ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى اعْتِبَارِ قِيمَةِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ قِيمَتُهُ فَيُشْتَرَى بِهَا شَيْءٌ آخَرَ وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ أَمْدَادًا وَيَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ زَمَانًا وَمَكَانًا، فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ) هُوَ بِالْيَاءِ هُنَا لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ يُقَوَّمُ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّيْدَ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ مِثْلِهِ يَوْمَ الْإِخْرَاجِ بِسِعْرِ الطَّعَامِ فِي الْحَرَمِ لَا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ وَلَا بِمَكَانِ الْإِتْلَافِ، وَقِيمَةُ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ تُعْتَبَرُ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ لَا بِوَقْتِ الْإِخْرَاجِ، وَتُعْتَبَرُ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ لَا بِالْحَرَمِ؛ مِثَالُ ذَلِكَ إذَا أَتْلَفَ نَعَامَةً مَثَلًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْحِلِّ وَأَرَادَ الْإِخْرَاجَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِسِعْرِ مَكَّةَ لَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ، وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي لَوْ كَانَ الْمُتْلَفُ جَرَادَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ لَا بِالْحَرَمِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَأَمَّا قِيمَةُ الْبَدَنَةِ فِي الْوَطْءِ فَتُعْتَبَرُ يَوْمَ الْوُجُوبِ بِسِعْرِ مَكَّةَ؛ وَأَمَّا قِيمَةُ الدَّمِ فِي جَزَاءِ الشَّجَرِ فَتُعْتَبَرُ وَقْتَ الْوُجُوبِ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ، وَكَذَا دَمُ الْإِحْصَارِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ بِمَحِلِّ الْإِحْصَارِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَذْهَبِ) اُنْظُرْ مُقَابِلَهُ. قَوْلُهُ: (بَدَنَةٌ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ بَدَنِهَا، وَتُجْمَعُ عَلَى بَدَنَاتٍ مِثْلُ قَصَبَةٍ وَقَصَبَاتٍ، وَعَلَى بُدْنٍ أَيْضًا بِضَمَّتَيْنِ أَوْ إسْكَانِ الدَّالِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ} [الحج: 36] مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْوَطْءِ الْمُفْسِدِ) الْإِخْرَاجُ إنَّمَا هُوَ بِالْمُفْسِدِ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا تَلْزَمُهُ شَاةٌ) وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْوَطْءِ. وَقَوْلُهُ " شَاةٌ " أَيْ لَا بَدَنَةٌ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الشَّاةِ وَبَيْنَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالتَّصَدُّقُ بِثَلَاثَةِ آصُعَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّمَ هُوَ الرَّابِعُ فِي نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 الْأُولَى أَنْ يُجَامِعَ فِي الْحَجِّ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ، الثَّانِيَةُ أَنْ يُجَامِعَ ثَانِيًا بَعْدَ جِمَاعِهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ إنَّمَا تَلْزَمُهُ شَاةٌ، وَبِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ وَإِنْ شَمِلَتْهَا عِبَارَتُهُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا عَلَى الصَّحِيحِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاطِئُ زَوْجًا أَمْ غَيْرَهُ مُحْرِمًا أَمْ حَلَالًا. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أُطْلِقَتْ الْبَدَنَةُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ الْمُرَادُ بِهَا الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ الْبَدَنَةَ (فَبَقَرَةٌ) تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ الْبَقَرَةَ (فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ) مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الْمَعْزِ أَوْ مِنْهُمَا (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ الْغَنَمَ (قَوَّمَ الْبَدَنَةَ بِدَرَاهِمَ) بِسِعْرِ مَكَّةَ حَالَةَ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ. وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ (وَاشْتَرَى بِقِيمَتِهَا) أَيْ بِقَدْرِهَا (طَعَامًا) أَوْ أَخْرَجَهُ مِمَّا عِنْدَهُ (وَتَصَدَّقَ بِهِ) فِي الْحَرَمِ عَلَى مَسَاكِينِهِ وَفُقَرَائِهِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) طَعَامًا (صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا) فِي أَيِّ مَكَان كَانَ وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُجْزِئُ عَنْ الْفِطْرَةِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الطَّعَامِ وَعَجَزَ عَنْ الْبَاقِي أَخْرَجَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَصَامَ عَمَّا عَجَزَ عَنْهُ، وَقَدْ عَرَفْت مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ. وَأَمَّا النَّوْعُ التَّاسِعُ الْمَوْعُودُ بِذِكْرِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ وَهُوَ كَدَمِ التَّمَتُّعِ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ هَذَا النَّوْعُ فِي تَعْبِيرِهِ بِتَرْكِ النُّسُكِ لِأَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ لَا دَمُ نُسُكٍ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الرَّوْضَةِ وَسَيَأْتِي جَمِيعُ الدِّمَاءِ فِي خَاتِمَةِ آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَلَا يُجْزِئُهُ الْهَدْيُ وَلَا الْإِطْعَامُ إلَّا بِالْحَرَمِ) مَعَ التَّفْرِقَةِ عَلَى مَسَاكِينِهِ وَفُقَرَائِهِ بِالنِّيَّةِ عِنْدَهَا، وَلَا يُجْزِئُهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ مِنْهُمَا وَلَوْ غُرَبَاءَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا نَقْلُهُ إلَى غَيْرِ الْحَرَمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَبِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ) وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْمَوْطُوءِ. وَلَوْ قُيِّدَ الرَّجُلُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِالْوَاطِئِ لَخَرَجَ الرَّجُلُ الْمَوْطُوءُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (عَلَى الصَّحِيحِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّ عَلَى كُلِّ بَدَنَةٍ كَمَا فِي الْإِفْطَارِ بِالْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ. قَوْلُهُ: (حَالَةَ الْوُجُوبِ) أَيْ وَهُوَ وَقْتُ الْوَطْءِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ غَالِبَ الْأَحْوَالِ مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ وَقْتُ الْوَطْءِ إلَى وَقْتِ الْإِخْرَاجِ. قَوْلُهُ: (فِي الشَّرْحَيْنِ) أَيْ شَرْحَيْ الرَّافِعِيِّ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ عَلَى الْوَجِيزِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ) فَإِنْ بَقِيَ دُونَ مُدٍّ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا. قَوْلُهُ: (فَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ) فَإِنْ قِيلَ: الْقِرَانُ تَرْكُ الْإِفْرَادِ وَالْإِفْرَادُ سُنَّةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي السُّنَّةِ الدَّاخِلَةِ فِي النُّسُكِ وَالْإِفْرَادُ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ) كَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ فِي الْبَلَدِ إذَا انْتَقَلَ لِلصَّوْمِ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ أَخَّرَ الثَّلَاثَةَ لِبَلَدِهِ كَمَا مَرَّ وَأَنَّهُ يُسَنُّ التَّتَابُعُ فِي الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ أَدَاءً وَقَضَاءً إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (دَمُ جَبْرٍ لَا دَمُ نُسُكٍ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ جَبْرَ تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَهُوَ دَمُ نُسُكٍ وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلْيُبَيِّنْهُ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ جَبْرُ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي نُسُكِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَدَّى النُّسُكَيْنِ بِعَمَلٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّهُ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ نُسُكٍ بِعَمَلٍ فَيَحْتَاجُ لِجَبْرِ ذَلِكَ بِدَمٍ، فَالْمُرَادُ جَبْرُ الْخَلَلِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ جَبْرُ تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ إلَّا أَنَّهُ حَاصِلٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ. قَوْلُهُ: (الْهَدْيُ) بِسُكُونِ الدَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِ الدَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَالْأَصْلُ التَّشْدِيدُ: مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ النَّعَمِ، وَيُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ اهـ خ ض. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهَدْيَ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَسُوقُهُ الْحَاجُّ لِلْكَعْبَةِ تَطَوُّعًا أَوْ وُجُوبًا بِالنَّذْرِ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ دَمِ الْجُبْرَانَاتِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَعَمُّ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْأَوَّلَ. قَوْلُهُ: (مَعَ التَّفْرِقَةِ) الْأَوْلَى مَعَ الصَّرْفِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَقْطِيعُهُ وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ غُرَبَاءَ) لَكِنْ الْقَاطِنُونَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ إذَا كَانَ وَاجِبًا، وَأَمَّا الْمُتَطَوَّعُ بِهِ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِذَبْحِ مُعْتَمِرٍ) أَيْ غَيْرَ قَارِنٍ بِأَنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ مُرِيدَ تَمَتُّعٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 مِسْكِينًا وَلَا فَقِيرًا. تَنْبِيهٌ: أَفْضَلُ بُقْعَةٍ مِنْ الْحَرَمِ لِذَبْحِ مُعْتَمِرٍ الْمَرْوَةُ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ، وَلِذَبْحِ الْحَاجِّ مِنًى لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ، وَكَذَا حُكْمُ مَا سَاقَهُ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ مِنْ هَدْيِ نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ مَكَانًا فِي الِاخْتِصَاصِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ. وَوَقْتُ ذَبْحِ هَذَا الْهَدْيِ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْهَدْيُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يَسُوقُهُ الْمُحْرِمُ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ دَمِ الْجُبْرَانَاتِ، وَهَذَا الثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ. (وَيُجْزِئُهُ أَنْ يَصُومَ) مَا وَجَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّخْيِيرِ أَوْ الْعَجْزِ (حَيْثُ شَاءَ) مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ كَمَا مَرَّ إذْ لَا مَنْفَعَةَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ فِي صِيَامِهِ، وَيَجِبُ فِيهِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ وَكَذَا تَعْيِينُ جِهَتِهِ مِنْ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ. (وَلَا يَجُوزُ) لِمُحْرِمٍ وَلَا لِحَلَالٍ (قَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ) أَمَّا حَرَمُ مَكَّةَ فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَلَوْ كَانَ كَافِرًا مُلْتَزِمَ الْأَحْكَامِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (الْمَرْوَةُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الصَّفَا، لِأَنَّهَا مَقْصِدٌ وَالصَّفَا وَسِيلَةٌ وَالْمَقَاصِدُ أَفْضَلُ مِنْ الْوَسَائِلِ، وَلِأَنَّهَا مُرُورُ الْحَاجِّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَالصَّفَا مُرُورُهُ ثَلَاثًا، أَيْ يَرْجِعُ إلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ خ ض. قَوْلُهُ: (وَلِذَبْحِ الْحَاجِّ) بِأَنْ كَانَ مُرِيدَ إفْرَادٍ أَوْ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (فِي الِاخْتِصَاصِ) أَيْ بِالْحَرَمِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلِيَّةُ) أَيْ الْمَرْوَةُ لِلْمُعْتَمِرِ غَيْرِ الْقَارِنِ، وَمِنًى لِلْحَاجِّ، وَهِيَ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ مَكَّةَ بِالصَّرْفِ وَعَدَمِهِ وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ، لِكَوْنِهَا مَكَانًا أَوْ بُقْعَةً؛ وَتَخْفِيفُ نُونِهَا أَشْهُرُ مِنْ تَشْدِيدِهَا. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا يُمْنَى فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ، أَيْ دِمَاءِ الْهَدْيِ وَالضَّحَايَا، أَيْ يُرَاقُ؛ أَوْ لِأَنَّ آدَمَ لَمَا أَرَادَ مُفَارَقَةَ جِبْرِيلَ قَالَ لَهُ: تَمَنَّ قَالَ: أَتَمَنَّى الْجَنَّةَ. أَوْ لِتَقْدِيرِ الشَّعَائِرِ فِيهَا، مِنْ مَنَّى اللَّهُ الشَّيْءَ أَيْ قَدَّرَهُ، وَامْتَنُّوا أَيْ أَتَوْا مِنًى اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (هَذَا الْهَدْيُ) أَيْ الْمَنْذُورُ وَالنَّفَلُ. قَوْلُهُ: (وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ) مَا لَمْ يُعَيِّنْ غَيْرَهُ، فَإِنْ أَخَّرَ ذَبْحَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا ذَبَحَهُ قَضَاءً وَإِلَّا فَقَدْ فَاتَ، فَإِنْ ذَبَحَهُ كَانَتْ شَاةَ لَحْمٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاجِبَ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي وُقُوعِ النَّفْلِ مَوْقِعَهُ مِنْ صَرْفِهِ إلَيْهِمْ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " مَا لَمْ يُعَيِّنْ غَيْرَهُ " فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ وَقْتٌ بِخُصُوصِهِ لَا وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا مَا عَيَّنَهُ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا الثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ) وَكَذَا إذَا عَيَّنَ لِهَدْيِ التَّقَرُّبِ غَيْرِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ التَّخَيُّرِ) أَيْ إذَا كَانَ مُخَيَّرًا، وَقَوْلُهُ " أَوْ الْعَجْزِ " أَيْ إذَا كَانَ مُرَتَّبًا. قَوْلُهُ: (إذْ لَا مَنْفَعَةَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ) لَكِنَّهُ فِي الْحَرَمِ أَوْلَى لِشَرَفِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا تَعْيِينُ جِهَتِهِ) ضَعِيفٌ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ إلَخْ) هَذَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ خَاصٌّ بِالْمُحْرِمِ وَمَا هُنَا عَامٌّ لَهُ وَلِلْحَلَالِ وَاهْتِمَامًا بِهِ، وَلَوْ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ، لَكَانَ أَوْلَى؛ لِيَشْمَلَ التَّعَرُّضَ لِجُزْئِهِ كَشَعْرِهِ وَبَيْضِهِ أَيْ غَيْرِ الْمَذَرِ وَلَوْ بِإِعَانَتِهِ غَيْرَهُ، أَمَّا الْمَذَرُ فَلَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَلَا يُضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْضَ نَعَامٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَحُدُودُ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ الَّذِي يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِصَيْدِهِ وَنَبَاتِهِ لِلْآتِي مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، وَمِنْ الْعِرَاقِ وَالطَّائِفِ سَبْعَةٌ بِتَقْدِيمِ السِّينِ، وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ تِسْعٌ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ، وَمِنْ جَدَّةَ عَشْرٌ سم. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ تِلْكَ الْحُدُودَ فَقَالَ: وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طِيبَةَ ... ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ ... وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهِ ... وَقَدْ كَمَلَتْ فَاشْكُرْ لِرَبِّك إحْسَانَهْ قِيلَ: إنَّ حِكْمَةَ تَحْدِيدِ الْحَرَمِ بِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا نَزَلَ هُنَاكَ فَحَصَلَ لَهُ خَوْفٌ أَرْسَلَ اللَّهُ مَلَائِكَةً وَقَفَتْ عَلَى حَدِّ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، وَقِيلَ: إنَّ غَنَمَ إسْمَاعِيلَ لَمَّا كَانَتْ تَرْعَى تَذْهَب إلَى هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، وَقِيلَ: إنَّ اللَّهَ عَلَّمَهَا لِإِبْرَاهِيمَ لَمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ: «إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ» أَيْ لَا يَجُوزُ تَنْفِيرُ صَيْدِهِ لِمُحْرِمٍ وَلَا لِحَلَالٍ، فَغَيْرُ التَّنْفِيرِ أَوْلَى. وَقِيسَ بِمَكَّةَ بَاقِي الْحَرَمِ فَإِنْ أَتْلَفَ فِيهِ صَيْدًا ضَمِنَهُ كَمَا مَرَّ فِي الْمُحْرِمِ، وَأَمَّا حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَحَرَامٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا» وَلَكِنْ لَا يَضْمَنُ فِي الْجَدِيدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلنُّسُكِ بِخِلَافِ حَرَمِ مَكَّةَ. (وَلَا) يَجُوزُ (قَطْعُ) وَلَا قَلْعُ (شَجَرِهِ) أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَسَوَاءٌ فِي الشَّجَرِ الْمُسْتَنْبَتِ وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَمَحَلُّ   [حاشية البجيرمي] عَلَّمَهُ مَنَاسِكَ الْحَجِّ، وَقِيلَ: إنَّ الْحَجَرَ لَمَّا نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ فَوَصَلَ شُعَاعُهُ إلَى هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، وَقِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّدَهُ حِينَ حَجَّ؛ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ،. اهـ. ق ل. وَقَوْلُهُ: " مِنْ أَرْضِ طِيبَةَ " أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالتَّنْعِيمِ، وَقَوْلُهُ " جِعْرَانَهْ " بِالتَّشْدِيدِ وَلَوْ قَالَ لِجِعْرَانَهْ بِاللَّامِ لَسَلِمَ مِنْ التَّشْدِيدِ الَّذِي أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ بَلْ عَيَّنَ فِيهَا التَّخْفِيفَ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ بِاسْمِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَاكِنَةٍ بِهَا تُسَمَّى جِعْرَانَةُ اهـ. وَقَوْلُهُ: " إنَّ إبْرَاهِيمَ إلَخْ " وَيُرْوَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ أَنْ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الشَّيَاطِينِ فَاسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً حَفُّوا بِمَكَّةَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَكَانَ الْحَرَمُ مِنْ حَيْثُ وَقَفَتْ الْمَلَائِكَةُ كَمَا فِي مَنَاسِكِ ابْنِ جَمَاعَةَ الْبَكْرِيِّ. قَوْلُهُ: (صَيْدُ الْحَرَمِ) أَيْ الْحَرَمَيْنِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (مُلْتَزَمُ الْأَحْكَامِ) لَيْسَ قَيْدًا إلَّا فِي الضَّمَانِ. قَوْلُهُ: (بِحُرْمَةِ اللَّهِ) أَيْ بِحُكْمِ اللَّهِ الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ، الْمُتَعَلِّقُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِهَا وَيَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهَذَا التَّعَلُّقُ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِتَحْرِيمِهَا يَوْمئِذٍ. وَبِهَذَا يُجَابُ عَمَّا اسْتَشْكَلَهُ سم، اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَحَرَامٌ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَلِقَوْلِهِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الدَّلِيلُ. قَوْلُهُ: (حَرَّمَ مَكَّةَ) أَيْ أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قَدِيمٌ، فَلَا يُنَافِي الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ؛ وَقَوْلُهُ: " وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ " أَيْ أَحْدَثْتُ تَحْرِيمَهَا بِأَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ مُفَوَّضًا إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ اللَّابَتَيْنِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَدِينَةِ. وَاللَّابَتَانِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ، وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ، وَهُمَا شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ وَغَرْبِيَّهَا، فَحَرَمُهَا مَا بَيْنَهُمَا عَرْضًا وَمَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا عَيْرٌ وَثَوْرٌ طُولًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذِكْرَ ثَوْرٍ هُنَا وَهُوَ بِمَكَّةَ مِنْ غَلَطِ الرُّوَاةِ، وَأَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ " أُحُدٌ ". وَدُفِعَ بِأَنَّ وَرَاءَهُ جَبَلًا صَغِيرًا يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ وَهُوَ غَيْرُ ثَوْرٍ الَّذِي بِمَكَّةَ ز ي وح ف؛ لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ مَا بَيْنَ عَيْرٍ وَأُحُدٍ فَكَانَ يَأْتِي بِأُحُدٍ بَدَلَ ثَوْرٍ. قَوْلُهُ: (عِضَاهُهَا) بِهَاءَيْنِ جَمْعُ عِضَاهَةٍ أَوْ عِضَهَةٍ أَوْ عِضَةٍ، وَالْهَاءُ الْأُولَى فِي الْجَمْعِ مِنْ تَمَامِهِ وَالْهَاءُ الثَّانِيَةُ مُضَافٌ إلَيْهَا عَائِدَةٌ لِلْمَدِينَةِ؛ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: " عِضَاهَا " بِهَاءٍ، أَيْ شَجَرُهَا، وَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ كَمَا قَالَهُ ح ل وَبِكَسْرِهَا كَمَا فِي ع ش. وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ بِوَزْنِ كِتَابٍ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ إلَخْ) وَلَوْ لِحَلَالٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَلَا قَلْعُ شَجَرِهِ) أَيْ شَجَرِ الْحَرَمِ الرَّطْبِ غَيْرِ الْمُؤْذِي بِأَنْ نَبَتَ فِيهِ أَصَالَةً وَلَوْ مُثْمِرًا فِي مِلْكِهِ، خِلَافًا لِجَمْعٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ، وَلَوْ بِبَعْضِ أَصْلِهِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ؛ أَيْ وَلَوْ كَانَ الشَّجَرُ بِبَعْضِ أَصْلِ الْحَرَمِ بِأَنْ كَانَ بَعْضُهَا فِيهِ وَبَعْضُهَا الْآخَرُ فِي الْحِلِّ سَوَاءٌ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَمَا يَسْتَنْبِتُهُ النَّاسُ كَالنَّخِيلِ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ مِنْ الْحِلِّ إلَيْهِ وَإِنْ نَبَتَ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مِنْ شَجَرِهِ. وَفَارَقَ صَيْدَ الْحِلِّ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَاعْتُبِرَ مَكَانُهُ، بِخِلَافِ الشَّجَرِ فَلَهُ حُكْمُ مَنْبَتِهِ. وَخَرَجَ بِالرَّطْبِ الْجَافُّ، فَيَجُوزُ قَطْعُهُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَقَلْعُهُ كَمَا فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ لِلنَّوَوِيِّ. وَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْحَرَمِ وَالْأَغْصَانُ فِي الْحِلِّ حَرُمَ قَطْعُهَا لَا رَمْيُ صَيْدٍ عَلَيْهَا، أَوْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْحِلِّ وَالْأَغْصَانُ فِي الْحَرَمِ حَلَّ قَطْعُهَا لَا رَمْيُ صَيْدٍ عَلَيْهَا، وَلَوْ نَقَلَ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ لَزِمَهُ رَدُّهَا أَوْ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مِنْهُ فَلَا، فَإِنْ جَفَّتْ بِالنَّقْلِ ضَمِنَهَا وَإِنْ نَبَتَتْ فِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ، فَلَوْ قَلَعَهَا قَالِعٌ لَزِمَهُ أَيْ الْقَالِعَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْجَزَاءُ لِبَقَاءِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ؛ قَالَ الْفُورَانِيُّ: وَلَوْ غَرَسَ فِي الْحِلِّ نَوَاةَ شَجَرَةٍ حَرَمِيَّةٍ ثَبَتَ لَهَا حُرْمَةُ الْأَصْلِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: قَالَ أَئِمَّتُنَا: لَا خِلَاف أَنَّهُ لَوْ غَرَسَ فِي الْحَرَمِ نَوَاةً أَوْ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ حِلِّيَّةٌ لَمْ تَصِرْ حَرَمِيَّةً نَظَرًا لِلْأَصْلِ، سم مَعَ تَصَرُّفٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 ذَلِكَ فِي الشَّجَرِ الرَّطْبِ غَيْرِ الْمُؤْذِي، أَمَّا الْيَابِسُ وَالْمُؤْذِي كَالشَّوْكِ وَالْعَوْسَجِ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الشَّوْكِ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْقَطْعِ تَحْرِيمُ قَلْعِهِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ شَجَرُ الْحِلِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْضُ أَصْلِهِ فِي الْحَرَمِ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ وَلَوْ بَعْدَ غَرْسِهِ فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، أَمَّا مَا بَعْضُ أَصْلِهِ فِي الْحَرَمِ فَيَحْرُمُ تَغْلِيبًا لِلْحَرَمِ، وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ غَيْرِ الْمُسْتَنْبَتِ بِالشَّجَرِ الْحِنْطَةُ وَنَحْوُهَا كَالشَّعِيرِ وَالْخَضْرَاوَاتِ فَيَجُوزُ قَطْعُهَا وَقَلْعُهَا مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ضَمَانِ شَجَرِ حَرَمِ مَكَّةَ، فَيَجِبُ فِي قَطْعِ أَوْ قَلْعِ الشَّجَرَةِ الْحَرَمِيَّةِ الْكَبِيرَةِ بِأَنْ تُسَمَّى كَبِيرَةً عُرْفًا بَقَرَةٌ سَوَاءٌ أَخْلَفَتْ أَمْ لَا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَالْبَدَنَةُ فِي مَعْنَى الْبَقَرَةِ، وَفِي الصَّغِيرَةِ إنْ قَارَبَتْ سُبْعَ الْكَبِيرَةِ شَاةٌ، فَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا فَفِيهَا الْقِيمَةُ، وَلَوْ أَخَذَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ حَرَمِيَّةٍ فَأَخْلَفَ مِثْلَهُ فِي سَنَتِهِ بِأَنْ كَانَ لَطِيفًا كَالسِّوَاكِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُخْلِفْ أَوْ أَخْلَفَ لَا مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَهُ لَا فِي سَنَتِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَالْوَاجِبُ فِي غَيْرِ الشَّجَرِ مِنْ النَّبَاتِ الْقِيمَةُ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ يَدْفَعُهُ، وَيَحِلُّ أَخْذُ نَبَاتِهِ لِعَلَفِ الْبَهَائِمِ وَلِلدَّوَاءِ كَالْحَنْظَلِ وَلِلتَّغَذِّي كَالرِّجْلَةِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (الْمُسْتَنْبَتُ) كَالنَّخْلِ وَقَوْلُهُ وَغَيْرُهُ كَالسَّنْطِ وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الشَّجَرِ بَيْنَ الْمُسْتَنْبَتِ وَغَيْرِهِ فَيَحْرُمُ قَطْعُهُ، وَأَمَّا غَيْرُ الشَّجَرِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَيَحِلُّ التَّعَرُّضُ لِلْمُسْتَنْبَتِ أَيْ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَسْتَنْبِتَهُ النَّاسُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَحَرُمَ تَعَرُّضٌ لِنَابِتٍ حَرَمِيٍّ مِمَّا لَا يُسْتَنْبَتُ وَمِنْ شَجَرٍ لَا أَخْذُهُ لِعَلَفِ بَهَائِمَ وَلَا لِدَوَاءٍ وَلَا أَخْذُ إذْخِرٍ وَمُؤْذٍ اهـ. وَالْإِذْخِرُ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ وَذَالٍ سَاكِنَةٍ وَخَاءٍ مَكْسُورَةٍ مُعْجَمَةٍ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ هُوَ حَلْفَاءُ مَكَّةَ ح ف. قَوْلُهُ: (وَالْعَوْسَجُ) هُوَ الْمُسَمَّى بِأُمِّ الْغَيْلَانِ. قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ قَطْعُهُ) أَيْ وَقَلْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: " عُلِمَ إلَخْ " إنَّمَا ذَكَرَ الْقَلْعَ هُنَا ثَانِيًا لِإِفَادَةِ أَخْذِهِ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ بِالْأَوْلَى، فَلَا تَكْرَارَ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَا قَلْعُ شَجَرِهِ " وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ق ل حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَهُ؛ وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى هَذَا فِيمَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ غَرْسِهِ) بِأَنْ نُقِلَ وَغُرِسَ فِيهِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ عَكْسِهِ) بِأَنْ كَانَ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ ثُمَّ نُقِلَ وَغُرِسَ فِي الْحِلِّ قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلْحَرَمِ) أَيْ لِأَنَّهُ مَانِعٌ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمَانِعَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُقْتَضَى قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ غَيْرِ الْمُسْتَنْبَتِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَنْبَتِ هُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الشَّجَرِ وَغَيْرِهِ فِي تَحْرِيمِ التَّعَرُّضِ لَهُ، فَالصَّوَابُ حَذْفُ " غَيْرِ " لِأَنَّ تَقْيِيدَ غَيْرِ الْمُسْتَنْبَتِ بِالشَّجَرِ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِهِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَيْضًا تَقْيِيدُ الْمُسْتَنْبَتِ، وَإِنَّمَا الَّذِي تَقَدَّمَ التَّعْمِيمُ بِقَوْلِهِ: وَسَوَاءٌ فِي الشَّجَرِ الْمُسْتَنْبَتِ وَغَيْرِهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَخَرَجَ بِالشَّجَرِ غَيْرُهُ، فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِغَيْرِ الْمُسْتَنْبَتِ وَهُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَيَحِلُّ التَّعَرُّضُ لِلْمُسْتَنْبَتِ أَيْ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَسْتَنْبِتَهُ النَّاسُ؛ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُسْتَنْبَتَ إنَّمَا يَحْرُمُ إذَا كَانَ مِنْ الشَّجَرِ قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ، وَيَحِلُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ق ل قَوْلُهُ: (بَقَرَةٌ) أَيْ مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَكَذَا الشَّاةُ، بَلْ سَائِرُ الدِّمَاءِ كَذَلِكَ إلَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ قَوْلُهُ: (وَالْبَدَنَةُ) أَيْ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ م ر، بِأَنْ يَكُونَ لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي السَّادِسَةِ ثُمَّ إنْ شَاءَ ذَبَحَ وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَأَعْطَاهُمْ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا أَوْ صَامَ لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. فَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ كَدَمِ الصَّيْدِ، ز ي. قَوْلُهُ: (إنْ قَارَبَتْ سُبْعَ الْكَبِيرَةِ) فَمَا زَادَ عَلَيْهَا يُزَادُ فِيهِ مِنْ الشَّاةِ إلَى سَبْعِ شِيَاهٍ ق ل. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَمَّا جَاوَزَ سُبْعَ الْكَبِيرَةِ وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الْكُبْرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهِ شَاةٌ أَعْظَمُ مِنْ الْوَاجِبَةِ فِي سُبْعِ الْكَبِيرَةِ اهـ. فَإِذَا قَارَبَتْ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِهَا مَثَلًا وَجَبَتْ شَاةٌ أَعْظَمُ مِنْ الْوَاجِبَةِ فِي سُبْعِهَا قَوْلُهُ: (شَاةٌ) لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ سُبْعِ الْبَقَرَةِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا) بِأَنْ لَمْ تُقَارِبْ السُّبْعَ، قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ) أَيْ بِالْقِيمَةِ، فَإِنْ أَخْلَفَ مِثْلَهُ بَعْدَ وُجُوبِ ضَمَانِهِ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ قُلِعَ سِنٌّ غَيْرُ مُتَعَوِّرٍ فَنَبَتَتْ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: (مِنْ النَّبَاتِ) أَيْ الَّذِي لَا يُسْتَنْبَتُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ) أَيْ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى وُجُوبِ الْقِيمَةِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الزَّرْعِ وَلَا يُقْطَعُ لِذَلِكَ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ لِلْبَيْعِ مِمَّنْ يَعْلِفُ بِهِ لِأَنَّهُ كَالطَّعَامِ الَّذِي أُبِيحَ أَكْلُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّا حَيْثُ جَوَّزْنَا أَخْذَ السِّوَاكِ كَمَا سَيَأْتِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيَجُوزُ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِالْبَهَائِمِ، وَيَجُوزُ أَخْذُ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ بِلَا خَبْطٍ لِئَلَّا يَضُرَّ بِهَا وَخَبْطُهَا حَرَامٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَنُقِلَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ ثَمَرِهَا وَعُودِ السِّوَاكِ وَنَحْوِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ الْغُصْنُ اللَّطِيفُ وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيَحْرُمُ أَخْذُ نَبَاتِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَلَا يُضْمَنُ، وَيَحْرُمُ صَيْدُ وَجِّ الطَّائِفِ وَنَبَاتِهِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِمَا قَطْعًا. فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ نَقْلُ تُرَابٍ مِنْ الْحَرَمَيْنِ أَوْ أَحْجَارٍ أَوْ مَا عُمِلَ مِنْ طِينِ أَحَدِهِمَا كَالْأَبَارِيقِ وَغَيْرِهَا إلَى الْحِلِّ، فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ بِخِلَافِ مَاءِ زَمْزَمَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُهُ، وَيَحْرُمُ أَخْذُ طِيبِ الْكَعْبَةِ، فَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ مَسَحَهَا بِطِيبِ نَفْسِهِ ثُمَّ   [حاشية البجيرمي] ضَمَانِ الْمُتَقَوِّمَاتِ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ مُتْلَفٌ، فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ الْقِيمَةُ قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ أَخْذُ نَبَاتِهِ) أَيْ قَلْعًا وَقَطْعًا كَمَا فِي الْمَنْهَجِ، أَيْ لِلْحَاجَةِ؛ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَخْذُهُ بِالْإِضْمَارِ أَيْ النَّبَاتِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي لَا يُسْتَنْبَتُ، هَكَذَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْحَشِيشِ لَا الشَّجَرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ لَفْظِ نَبَاتٍ، إذْ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ الشَّجَرِ لِذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّعْيِ، أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ عَامٌّ فَيَجُوزُ فِي النَّبَاتِ وَالشَّجَرِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ م ر وَسَيَأْتِي لِلشَّارِحِ قَوْلُهُ: (لِعَلَفِ الْبَهَائِمِ) أَيْ عِنْدَهُ وَإِنْ ادَّخَرَ لَهَا ح ل قَوْلُهُ: (وَلِلدَّوَاءِ) وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَرَضُ بِأَنْ ادَّخَرَهُ لِمَرَضٍ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمُتَّجَهِ م ر. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ يَعْلِفُ) أَيْ لِمَنْ يَعْلِفُ بِهِ. قَوْلُهُ: (كَالطَّعَامِ) أَيْ كَالطَّعَامِ الَّذِي قُدِّمَ لِلضَّيْفِ قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) هَلْ مِثْلُهُ الْوَرَقُ وَالثَّمَرُ؟ ح ل؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُهُ قَوْلُهُ: (بِالْبَهَائِمِ) أَيْ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تُسَاقُ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا كَانَتْ تُسَدُّ أَفْوَاهُهَا قَوْلُهُ: (قَالَ الْأَذْرَعِيُّ) مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ضَعِيفٌ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ حُكْمَهُ مَا تَقَدَّمَ هُوَ أَنَّهُ إذَا أَخْلَفَ مِثْلَهُ فِي سَنَتِهِ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا ضَمِنَ كَمَا فِي م ر؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: اقْطَعْ وَلَا ضَمَانَ غُصْنَ الْحَرَمِ ... إنْ مِثْلُهُ فِي الْعَامِ يُخْلِفْ فَاعْلَمْ قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ أَخْذُ نَبَاتٍ إلَخْ) أَيْ لِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَلَفِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّبَاتِ هُنَا مُقَابِلُ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّجَرِ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (وَجِّ الطَّائِفِ) وَهُوَ وَادٍ بِصَحْرَائِهِ ح ل. وَسُمِّيَ بِوَجِّ ابْنِ عَبْدِ الْحَيِّ مِنْ الْعَمَالِقَةِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ. وَسَبَبُ الْحُرْمَةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ إلَى الطَّائِفِ فَحَصَلَ لَهُ غَايَةُ الْإِيذَاءِ مِنْ الْكُفَّارِ حَتَّى دَمِيَتْ رِجْلَاهُ، فَجَلَسَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَأُكْرِمَ فِيهِ غَايَةَ الْإِكْرَامِ، فَأُكْرِمَ الْمَكَانُ بِتَحْرِيمِ قَطْعِ شَجَرِهِ وَقَتْلِ صَيْدِهِ. وَسُمِّيَ الطَّائِفَ لِطَوَافِ جِبْرِيلَ بِهِ سَبْعًا حَوْلَ الْبَيْتِ لَمَّا اقْتَلَعَهُ مِنْ الشَّامِ، حِينَ قَالَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 126] وَالطَّائِفُ بَلَدٌ كَثِيرُ الْفَوَاكِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ. قَوْلُهُ: (وَنَبَاتِهِ) أَيْ التَّعَرُّضُ لَهُمَا بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ قَلْعٍ ق ل. قَوْلُهُ: (يَحْرُمُ نَقْلُ تُرَابٍ إلَخْ) وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلتَّبَرُّكِ، فَيَنْبَغِي تَقْلِيدُهُ. وَالْأَبَارِيقُ الْآنَ لَيْسَتْ مِنْ طِينِ الْحَرَمِ بَلْ مِنْ طِينِ الْحِلِّ قَوْلُهُ: (وَمَا عُمِلَ مِنْ طِينِ أَحَدِهِمَا) وَلَوْ لِلْحَرَمِ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ) فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَامٍ فَأَشْبَهَ الْكَلَأَ الْيَابِسَ، وَبِالرَّدِّ تَنْقَطِعُ الْحُرْمَةُ كَدَفْنِ بُصَاقِ الْمَسْجِدِ وَنَقْلُ تُرَابِ الْحِلِّ وَأَحْجَارِهِ إلَى الْحَرَمِ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِئَلَّا يَحْدُثَ لَهُ حُرْمَةٌ لَمْ تَكُنْ، وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّهْيِ فِيهِ؛ قَالَهُ م ر خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ الْقَائِلِ بِالْكَرَاهَةِ. وَقَوْلُهُ " لِئَلَّا يَحْدُثَ لَهُ حُرْمَةٌ " أَيْ يُعْتَقَدَ احْتِرَامُهُ، فَرُبَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ أَخْذِهَا مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُهُ) بَلْ يُسَنُّ تَبَرُّكًا بِهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 يَأْخُذُهُ، وَأَمَّا سِتْرُهَا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ يَصْرِفُهُ فِي بَعْضِ مَصَارِيفِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعًا وَعَطَاءً لِئَلَّا يَتْلَفَ بِالْبِلَى وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأَمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَجَوَّزُوا لِمَنْ أَخَذَهُ لُبْسَهُ وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا. (وَالْمُحِلُّ وَالْمُحْرِمُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي تَحْرِيمِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَقَطْعِ شَجَرِهِ وَالضَّمَانِ (سَوَاءٌ) بِلَا فَرْقٍ لِعُمُومِ النَّهْيِ. (قَاعِدَةٌ نَافِعَةٌ فِيمَا سَبَقَ) : مَا كَانَ إتْلَافًا مَحْضًا كَالصَّيْدِ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا كَانَ اسْتِمْتَاعًا أَوْ تَرَفُّهًا كَالطِّيبِ وَاللُّبْسِ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا كَانَ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْجِمَاعِ وَالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ فِي الْجِمَاعِ عَدَمُ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ، وَفِي الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ الْوُجُوبُ مَعَهُمَا. خَاتِمَةٌ: حَيْثُ أُطْلِقَ فِي الْمَنَاسِكِ الدَّمُ فَالْمُرَادُ بِهِ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ، فَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةِ دِمَاءٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهَا، فَلَوْ ذَبَحَهَا عَنْ دَمٍ وَاجِبٍ فَالْفَرْضُ سُبْعُهَا فَلَهُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ وَأَكْلُ الْبَاقِي إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ، فَيَجِبُ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ كَمَا مَرَّ بَلْ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ   [حاشية البجيرمي] وَمَا قِيلَ إنَّهُ يُبَدَّلُ فَمِنْ خُرَافَاتِ الْعَوَامّ ق ل قَوْلُهُ: (سِتْرُهَا) بِكَسْرِ السِّينِ قَوْلُهُ: (فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ) أَيْ إنْ كُسِيَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ كُسِيَتْ مِنْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهَا رُوعِيَ شَرْطُ الْوَاقِفِ إنْ عُلِمَ، وَإِلَّا اتَّبَعَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. أَمَّا إذَا كَسَاهَا شَخْصٌ مِنْ عِنْدِهِ وَقَصَدَ تَمْلِيكَ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهَا تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْكَعْبَةِ، وَإِنْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى الْعَارِيَّةَ رَجَعَ فِيهِ مَتَى شَاءَ، قَوْلُهُ: (بَيْعًا) بِأَنْ يَبِيعَهُ وَيَصْرِفَ ثَمَنَهُ فِي الْمَصَارِفِ. وَقَوْلُهُ " وَعَطَاءً " الْأَوْلَى " وَإِعْطَاءً " بِأَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ؛ لِأَنَّ عَطَا بِلَا هَمْزَةٍ مَعْنَاهُ أَخَذَ وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ هُنَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَطَاءً اسْمٌ مِنْ الْإِعْطَاءِ، وَلَمْ يُعَبَّرُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لِشَيْءٍ مِنْ الْمَصَادِرِ فِي الْخَارِجِ بَلْ آثَارُهَا؛ ذَكَرَهُ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الْمُحَشِّي. قَوْلُهُ: (وَلَوْ جُنُبًا) لَكِنَّهَا الْآنَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا قُرْآنٌ وَذِكْرٌ فَيَنْبَغِي احْتِرَامُهَا وَصَوْنُهَا عَنْ اللُّبْسِ مُطْلَقًا تَعْظِيمًا لِمَا فِيهَا مِنْ الْقُرْآنِ؛ شَرْحُ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ قَوْلُهُ: (أَوْ حَائِضًا) وَلَا يَحْرُمُ تَنْجِيسُهُ أَيْضًا ق ل، أَيْ الْمَأْخُوذِ مِنْ سِتْرِ الْكَعْبَةِ. قَوْلُهُ: (قَاعِدَةٌ نَافِعَةٌ) نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: مَا كَانَ مَحْضَ مُتْلَفٍ فِيهِ الْفِدَا ... وَلَوْ يَكُونُ نَاسِيًا بِلَا اعْتِدَا وَإِنْ يَكُنْ تَرَفُّهٌ كَاللُّبْسِ ... فَعِنْدَ عَمْدِهِ بِدُونِ لَبْسِ فِي آخِذٍ مِنْ دَيْنِ يَاذَا شُبِّهَا ... خُلْفٌ بِغَيْرِ الْعَمْدِ لِمَنْ يَشْتَبِهَا فَعِنْدَ حَلْقٍ مِثْلِ قَلْمٍ يَفْتَدِي ... لَا وَطْؤُهُ بِغَيْرِ عَمْدٍ اعْتَمِدْ قَوْلُهُ: (كَالصَّيْدِ) وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ الصَّيْدِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ وَكَانَ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ ق ل قَوْلُهُ: (وَالنِّسْيَانِ) وَأَمَّا قَيْدُ التَّعَمُّدِ فِي الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] إلَخْ فَقَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (أَوْ تَرَفُّهًا) الظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فِي التَّعْبِيرِ لِأَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ، فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ وَالْعَطْفُ لِلتَّفْسِيرِ قَوْلُهُ: (كَالْجِمَاعِ) فَإِنْ فِيهِ إتْلَافُ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ وَاسْتِمْتَاعًا، فَأَشْبَهَ إتْلَافَ الصَّيْدِ مِنْ الْجِهَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (حَيْثُ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يُوصَفْ بِشَيْءٍ يُخَصِّصُهُ، كَقَوْلِهِمْ فِي كَذَا شَاةٌ أَوْ دَمٌ ق ل قَوْلُهُ: (فَالْفَرْضُ سُبْعُهَا) أَيْ لِإِمْكَانِ التَّجَزُّؤِ بَعْدَ الذَّبْحِ، لِأَنَّ الذَّبْحَ وَاجِبٌ هُنَا بِخِلَافِ بِنْتِ الْمَخَاضِ الْمُخْرَجَةِ عَنْ دَمِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ حَيْثُ يَقَعُ جَمِيعُهَا فَرْضًا لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّجَزُّؤِ مَعَ وُجُودِ الْحَيَاةِ، فَتَأَمَّلْ م د قَوْلُهُ: (بَلْ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ) أَيْ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ بِخُصُوصِهِ كَالشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَمَامَةِ ق ل قَوْلُهُ: (وَحَاصِلُ الدِّمَاءِ) أَيْ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 شَاةٍ، وَحَاصِلُ الدِّمَاءِ تَرْجِعُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهَا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْفَوَاتِ وَالْمَنُوطِ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ وَهُوَ تَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَطَوَافُ الْوَدَاعِ، فَهَذِهِ الدِّمَاءُ دِمَاءُ تَرْتِيبٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَلَا يُجْزِئُهُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْهُ، وَتَقْدِيرٍ بِمَعْنًى أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ مَا يَعْدِلُ إلَيْهِ بِمَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ الْجِمَاعِ فَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ، بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ فَتَجِبُ فِيهِ بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ بِدَرَاهِمَ وَاشْتَرَى بِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ كَمَا مَرَّ، وَعَلَى دَمِ الْإِحْصَارِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ ثُمَّ طَعَامٌ بِالتَّعْدِيلِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ فَيَتَخَيَّرُ إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ أَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ وِلَاءً بَيْنَ ذَبْحِ دَمٍ وَإِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَصَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَعَلَى دَمِ الِاسْتِمْتَاعِ وَهُوَ التَّطَيُّبُ وَالدَّهْنُ بِفَتْحِ الدَّالِ لِلرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَبَعْضِ شَعْرِ الْوَجْهِ عَلَى خِلَافٍ تَقَدَّمَ وَاللُّبْسُ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ وَالِاسْتِمْنَاءُ وَالْجِمَاعُ غَيْرُ الْمُفْسِدِ. وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالشَّجَرِ، فَجُمْلَةُ هَذِهِ الدِّمَاءِ عِشْرُونَ دَمًا وَكُلُّهَا لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ   [حاشية البجيرمي] حَيْثُ هِيَ غَيْرُ مَا سَبَقَ هَدْيًا. قَوْلُهُ: (إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ) لِأَنَّ الدَّمَ إمَّا مُخَيَّرٌ أَوْ مُرَتَّبٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا فَإِمَّا مُعَدَّلٌ أَوْ مُقَدَّرٌ. وَلِابْنِ الْمُقْرِي: أَرْبَعَةُ دِمَاءِ حَجٍّ تُحْصَرُ ... أَوَّلُهَا الْمُرَتَّبُ الْمُقَدَّرُ تَمَتُّعٌ فَوْتٌ وَحَجٌّ قُرِنَا ... وَتَرْكُ رَمْيٍ وَالْمَبِيتُ بِمِنَى وَتَرْكُهُ الْمِيقَاتَ وَالْمُزْدَلِفَهْ ... أَوْ لَمْ يُوَدِّعْ أَوْ كَمَشْيٍ أَخْلَفَهْ نَاذِرُهُ يَصُومُ إنْ دَمًا فَقَدْ ... ثَلَاثَةً فِيهِ وَسَبْعًا فِي الْبَلَدْ وَالثَّانِ تَرْتِيبٌ وَتَعْدِيلٌ وَرَدْ ... فِي مُحْصَرٍ وَوَطْءِ حَجٍّ إنْ فَسَدْ إنْ لَمْ يَجِدْ قَوَّمَهُ ثُمَّ اشْتَرَى ... بِهِ طَعَامًا طُعْمَةً لِلْفُقَرَا ثُمَّ لِعَجْزٍ عَدْلُ ذَاكَ صَوْمَا ... أَعْنِي بِهِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمَا وَالثَّالِثُ التَّخْيِيرُ وَالتَّعْدِيلُ فِي ... صَيْدٍ وَأَشْجَارٍ بِلَا تَكَلُّفٍ إنْ شِئْتَ فَاذْبَحْ أَوْ فَعَدْلُ مِثْلِ مَا ... عَدَّلْتَ فِي قِيمَةِ مَا تَقَدَّمَا وَخَيِّرَنْ وَقَدِّرَنْ فِي الرَّابِعِ ... فَاذْبَحْهُ أَوْ جُدْ بِثَلَاثِ آصُعَ لِلشَّخْصِ نِصْفٌ أَوْ فَصُمْ ثَلَاثًا ... تَجْتَثَّ مَا اجْتَثَثْتُهُ اجْتِثَاثًا فِي الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَلُبْسِ دُهْنِ ... طِيبٌ وَتَقْبِيلٌ وَوَطْءُ ثُنِّيَ أَوْ بَيْنَ تَحَلُّلَيْ ذَوِي إحْرَامِ ... هَذِي دِمَاءُ الْحَجِّ بِالتَّمَامِ وَقَوْلُهُ " ثُنِّيَ " أَيْ فُعِلَ ثَانِيًا، قَوْلُهُ تَجْتَثَّ أَيْ تَقْطَعَ مَا اجْتَثَثْتَهُ. قَوْلُهُ: (قَدْرُ مَا يُعْدَلُ إلَيْهِ) وَهُوَ الصَّوْمُ قَوْلُهُ: (بِمَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ) أَيْ بِنِيَّةِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَعَاطَى عِبَادَةً فَاسِدَةً فَيَحْرُمُ حَيْثُ تَعَمَّدَ، وَإِلَّا وَقَعَ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (أُمِرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ التَّعْدِيلَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي التَّقْدِيرِ لِأَنَّ فِيهِ الْعُدُولَ فَقَطْ قَوْلُهُ: (وَعَلَى دَمِ الْإِحْصَارِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " عَلَى دَمِ الْجِمَاعِ " فَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى دَمَيْنِ قَوْلُهُ: (وَبَعْضُ شَعْرِ الْوَجْهِ) أَيْ عَلَى مَا اُسْتُظْهِرَ مِنْ اعْتِمَادِ التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ جَمِيعَ شَعْرِ الْوَجْهِ مُلْحَقٌ بِشَعْرِ اللِّحْيَةِ قَوْلُهُ: (عِشْرُونَ) وَزَادَ ابْنُ الْمُقْرِي: دَمُ نَذْرِ الْمَشْيِ إذَا أَخْلَفَ، وَهُوَ كَدَمِ التَّمَتُّعِ ق ل قَوْلُهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمُعَامَلَاتِ كَقِرَاضٍ وَشَرِكَةٍ وَعَبَّرَ بِالْبُيُوعِ دُونَ الْبَيْعِ الْمُنَاسِبِ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ نَظَرًا إلَى تَنَوُّعِهِ وَتَقْسِيمِ أَحْكَامِهِ، فَإِنَّهُ يَتَنَوَّعُ إلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَحْكَامُهُ تَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ، وَالصَّحِيحُ إلَى لَازِمٍ وَغَيْرِ لَازِمٍ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ. وَالْبَيْعُ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ قَالَ الشَّاعِرُ   [حاشية البجيرمي] يُجْزِئُ بَعْدَ دُخُولِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ قَوْلُهُ: (فَإِنْ عُدِمَ الْمَسَاكِينُ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَهُ) فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا جَازَ نَقْلُهُ كَالزَّكَاةِ، أَيْ إذَا عُدِمَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي بَلَدِ وُجُوبِهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ لِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ هَذَا كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (أَنْ يُهْدِيَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى فُقَرَائِهَا قَوْلُهُ: (مِائَةَ بَدَنَةٍ) ذَبَحَ مِنْهَا بِيَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَأَنَابَ عَلِيًّا فِي الْبَاقِي؛ قَالُوا: وَحِكْمَةُ اقْتِصَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا ذَبَحَهُ لِأَنَّهُ مِقْدَارُ عُمْرِهِ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ عَامٍ فِدَاءً ق ل. قَوْلُهُ: (أَنْ يُقَلِّدَ الْبَدَنَةَ) أَيْ بَدَنَةَ الْهَدْيِ أَيْ يَجْعَلَ فَرْدَةً مِنْ النِّعَالِ الْمَذْكُورَةِ مُعَلَّقَةً فِي عُنُقِهَا لِيَعْلَمَ وَاجِدُهَا لَوْ ضَلَّتْ أَنَّهَا مِنْ الْهَدْيِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَجْرَحُ) فَهُوَ مِنْ التَّعْذِيبِ لِحَاجَةٍ فَيَجُوزُ، وَمِثْلُهُ التَّلْطِيخُ بِالدَّمِ فَهُوَ لِحَاجَةٍ قَوْلُهُ: (لِتُعْرَفَ) أَيْ إذَا ضَاعَتْ قَوْلُهُ: (وَالْغَنَمُ لَا تُجْرَحُ) أَيْ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْجُرْحِ فِيهَا قَوْلُهُ: (عُرَى الْقِرَبِ) جَمْعُ قِرْبَةٍ؛ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْعُرَى أَطْرَافُهَا أَيْ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تُمْسَكُ مِنْهَا كَفَمِهَا، فَيُقْطَعُ فَمُ الْقِرْبَةِ مَثَلًا وَيُعَلَّقُ بِخَيْطٍ فِي رَقَبَتِهَا. وَعَطْفُ الْآذَانِ فِي قَوْلِهِ " وَآذَانُهَا " عَلَى الْعُرَى عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ، وَقِيلَ عَطْفُ مُرَادِفٍ، وَقِيلَ إنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى الْعُرَى؛ لِأَنَّ آذَانَهَا عِبَارَةٌ عَنْ جِلْدِ يَدَيْ الْبَهِيمَةِ الْمَسْلُوخَةِ وَجِلْدِ رِجْلَيْهَا لِأَنَّهَا تُمْسَكُ مِنْهُمَا فَتُشَبَّهُ بِآذَانِ الْقُفَّةِ، أَوْ الْمُرَادُ آذَانُ الْحَيَوَانِ الَّذِي تُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِرَبُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْآذَانُ فِي الْقِرَبِ فَإِضَافَتُهَا إلَيْهَا لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ إلَخْ) أَيْ بِالتَّقْلِيدِ الْمَذْكُورِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِذَلِكَ وَاجِبَةً كَمَا لَوْ كَتَبَ الْوَقْفَ عَلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ شَرْحُ الرَّوْضِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمُعَامَلَاتِ كَقِرَاضٍ وَشَرِكَةٍ وَعَبَّرَ بِالْبُيُوعِ دُونَ الْبَيْعِ الْمُنَاسِبِ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ نَظَرًا إلَى تَنَوُّعِهِ وَتَقْسِيمِ أَحْكَامِهِ، فَإِنَّهُ يَتَنَوَّعُ إلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَحْكَامُهُ تَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ، وَالصَّحِيحُ إلَى لَازِمٍ وَغَيْرِ لَازِمٍ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ. وَالْبَيْعُ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ قَالَ الشَّاعِرُ   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ الْبُيُوعِ] ِ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ مُنْحَصِرٌ فِي أَطْرَافٍ خَمْسَةٍ: الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ، وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ، وَالْجَوَازُ وَاللُّزُومُ، وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْخِيَارِ، وَحُكْمُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَلْفَاظٌ يَتْبَعُهَا غَيْرُ مُسَمَّاهَا لُغَةً، وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَالْمُرَابَحَةِ وَالْمُحَاطَّةِ وَغَيْرِهَا وَالتَّخَالُفُ وَمُعَامَلَةُ الْعَبِيدِ وَهُوَ آخِرُ الْأَطْرَافِ؛ وَالْمَتْنُ هُنَا لَمْ يَذْكُرْ إلَّا الِاثْنَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَقِيَّةَ إلَّا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ. وَلَمَّا أَنْهَى رُبْعَ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودُ بِهَا التَّحْصِيلُ الْأُخْرَوِيُّ وَهِيَ أَهَمُّ مَا خُلِقَ لَهُ الْإِنْسَانُ أَعْقَبَهُ بِرُبْعِ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي الْمَقْصُودُ مِنْهَا التَّحْصِيلُ الدُّنْيَوِيُّ لِيَكُونَ سَبَبًا لِلْأُخْرَوِيِّ، وَأَخَّرَ عَنْهُمَا رُبْعَ النِّكَاحِ لِأَنَّ شَهْوَتَهُ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ شَهْوَةِ الْبَطْنِ، وَأَخَّرَ رُبْعَ الْجِنَايَاتِ وَالْمُخَاصَمَاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ. فَإِنْ قُلْت: الْبَيْعُ مَصْدَرٌ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ. قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّهُ جَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ. وَأَفْرَدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ فَقَالَ: كِتَابُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ وَهُوَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ لِأَنَّهُ أَفْرَدَ السَّلَمَ بِكِتَابٍ أَيْضًا. وَقِيلَ: مَحَلُّ كَوْنِهِ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ إنْ كَانَ لِلتَّوْكِيدِ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَمَا لِتَوْكِيدٍ فَوَحِّدْ أَبَدَا ... وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ وَأَفْرِدَا قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ كَالسَّلَمِ وَالرَّهْنِ وَالشَّرِكَةِ وَالْإِجَارَةِ، فَنَحْوُ الْإِقْرَارِ وَالْغَصْبِ زِيَادَةٌ عَلَى التَّرْجَمَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْمَالِ مُطْلَقًا فَلَا زِيَادَةَ؛ لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِي إطْلَاقِ الْمُعَامَلَةِ عَلَى نَحْوِ الْإِقْرَارِ وَالْغَصْبِ بَلْ عَلَى نَحْوِ الصُّلْحِ وَالْوَكَالَةِ مِنْ الْبُعْدِ؛ سم قَوْلُهُ: (فِي قَوْله تَعَالَى) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِلْبَيْعِ، أَيْ دُونَ الْبَيْعِ الْوَاقِعِ فِي قَوْله تَعَالَى إلَخْ قَوْلُهُ: (وَلِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " لِلْآيَةِ " قَوْلُهُ: (نَظَرًا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَعَبَّرَ بِالْبُيُوعِ. قَوْلُهُ: (كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْبُيُوعُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ مَعَ مَا زَادَهُ. قَوْلُهُ: (مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ) أَيْ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ لِيَخْرُجَ رَدُّ السَّلَامِ فِي مُقَابَلَةِ ابْتِدَائِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 مَا بِعْتُكُمْ مُهْجَتِي إلَّا بِوَصْلِكُمْ ... وَلَا أُسَلِّمُهَا إلَّا يَدًا بِيَدِ وَشَرْعًا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَأَحَادِيثُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» (الْبُيُوعُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) أَيْ أَنْوَاعٍ بَلْ أَرْبَعَةٌ كَمَا سَيَأْتِي. الْأَوَّلُ. (بَيْعُ عَيْنٍ مُشَاهَدَةٍ) أَيْ مَرْئِيَّةٍ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ (فَجَائِزٌ) لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ. (وَ) الثَّانِي (بَيْعُ شَيْءٍ) يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ (مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ)   [حاشية البجيرمي] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ التَّبَادُلُ لَا نَحْوُ سَلَامٍ بِسَلَامٍ وَقِيَامٍ بِقِيَامٍ وَنَحْوُهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَإِنْ جَرَى فِي تَدْرِيبِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقِيلَ: الْأَوْلَى بَقَاءُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ عَلَى إطْلَاقِهِ بِدَلِيلِ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ؛ وَلِأَنَّ الْفُقَهَاءَ لَا دَخْلَ لَهُمْ فِي تَقْيِيدِ كَلَامِ اللُّغَوِيِّينَ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ كَقَوْلِهِمْ: بَيْعٌ رَابِحٌ وَبَيْعٌ خَاسِرٌ، وَذَلِكَ حَقِيقَةٌ فِي وَصْفِ الْأَعْيَانِ؛ لَكِنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ اهـ. وَقَوْلُهُ: " مَجَازًا " أَيْ لُغَوِيًّا، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْعَقْدِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ لُغَةً إلَّا عَلَى مُقَابَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " مَا بِعْتُكُمْ مُهْجَتِي إلَخْ " فَهُوَ مَجَازٌ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُوَلَّدٌ. قَوْلُهُ: (مَا بِعْتُكُمْ مُهْجَتِي إلَخْ) وَبَعْدَهُ: فَإِنْ وَفَيْتُمْ بِمَا قُلْتُمْ وَفَيْت أَنَا وَإِنْ غَدَرْتُمْ فَإِنَّ الرَّهْنَ تَحْتَ يَدِي وَالْمُرَادُ بِالْمُهْجَةِ الرُّوحُ. قَوْلُهُ: (إلَّا يَدًا) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ إلَّا مُقَابَضَةً. قَوْلُهُ: (مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ إلَخْ) هُوَ مِنْ التَّعْرِيفِ بِالْأَعَمِّ الْمُحَالِ عَلَى الْمَجْهُولِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " مُقَابَلَةُ " أَيْ ذُو مُقَابَلَةٍ، أَيْ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ الْمُقَابَلَةَ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يَشْمَلُ الْعَقْدَ وَالشُّرُوطَ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَرَفَهُ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: " هُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ يَقْتَضِي مِلْكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى الدَّوَامِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ " لَكَانَ وَافِيًا بِالْمَقْصُودِ، فَخَرَجَ بِالْمُعَاوَضَةِ نَحْوُ الْهِبَةِ وَبِالْمَحْضَةِ نَحْوُ النِّكَاحِ وَبِمِلْكِ الْعَيْنِ الْإِجَارَةُ وَبِغَيْرِ وَجْهِ الْقُرْبَةِ الْقَرْضُ. وَالْمُرَادُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمُؤَبَّدَةِ بَيْعُ حَقِّ الْمَمَرِّ ق ل، أَيْ لِلْمَاءِ مَثَلًا بِأَنْ لَا يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَحَلِّهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ بَيْعُ حَقِّ الْبِنَاءِ وَالْخَشَبِ عَلَى جِدَارٍ. فَرْعٌ: لَا يَبْعُدُ اشْتِرَاطُ الصِّيغَةِ فِي نَقْلِ الْيَدِ فِي الِاخْتِصَاصِ، كَأَنْ يَقُولَ: رَفَعْت يَدَيَّ عَنْ هَذَا الِاخْتِصَاصِ. وَلَا يَبْعُدُ جَوَازُ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ نَقْلِ الْيَدِ كَمَا فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ. قَوْلُهُ: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) أَيْ الْمَعْهُودَ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، فَالْآيَةُ مُتَّضِحَةُ الدَّلَالَةِ لَا مُجْمَلَةٌ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] فَإِنَّهَا مُجْمَلَةٌ وَلَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهَا إلَّا بِكِتَابِ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِالصَّدَقَاتِ. قَوْلُهُ: (أَيْ مَرْئِيَّةٍ) أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ تَتَغَيَّرُ فِيهِ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، وَأَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ لِكُلِّ الْمَبِيعِ كَصَاعٍ أَوْ لِبَعْضِهِ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ بِتَمَامِهَا أَوْ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ لِظَرْفِهِ كَالرُّمَّانِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَأْتِي؛ لِأَنَّهُ صَوَانِي لَهُ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ " مَرْئِيَّةٍ " أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَوْ حُكْمًا فِيمَا كَانَ صِوَانًا لَهُ. قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ) وَهُوَ مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ أَوْ تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا، أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ كَالسَّمَكِ فِي الْبَحْرِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ. قَوْلُهُ: (بَيْعُ شَيْءٍ) أَيْ عَيْنٍ. قَوْلُهُ: (يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ، فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْبَيْعِ فِي الذِّمَّةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَهُوَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ أَيْ صِحَّةُ السَّلَمِ فِيهِ، بَلْ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِ كَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا مَثَلًا مَعَ صِفَاتِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلُؤْلُؤٌ كِبَارٌ وَيَاقُوتٌ، فَإِنَّ هَذَا إذَا وُصِفَ وَعُقِدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ يَصِحُّ وَإِنْ عُقِدَ بِلَفْظِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 بِلَفْظِ السَّلَمِ (فَجَائِزٌ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ) الْمَشْرُوطُ ذِكْرُهَا فِيهِ (عَلَى مَا وُصِفَتْ بِهِ) الْعَيْنُ الْمُسَلَّمُ فِيهَا مَعَ بَقِيَّةِ شُرُوطِهِ الْآتِيَةِ فِي بَابِهِ. (وَ) الثَّالِثُ (بَيْعُ عَيْنٍ غَائِبَةٍ) عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ حَاضِرَةٍ فِيهِ (لَمْ تُشَاهَدْ) لِلْعَاقِدَيْنِ (فَلَا يَجُوزُ) لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِالْجَوَازِ فِيمَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مَا يَعُمُّ الصِّحَّةَ وَالْإِبَاحَةَ، إذْ تَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ. وَالرَّابِعُ بَيْعُ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَسَيَأْتِي؛ وَلِلْمَبِيعِ شُرُوطٌ خَمْسَةٌ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا ثَلَاثَةً:   [حاشية البجيرمي] السَّلَمِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ " يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ " لَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ الشَّارِحُ قَصَرَ هَذَا النَّوْعَ الثَّانِي عَلَى السَّلَمِ وَذَلِكَ لَا خَلَلَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قُصُورٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَشْمَلُ غَيْرَ السَّلَمِ مِمَّا بِيعَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ السَّلَمِ؛ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بِلَفْظِ السَّلَمِ صَوَابٌ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَصَرَهُ عَلَيْهِ مِنْ السَّلَمِ، فَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ: وَلَوْ بِلَفْظِ السَّلَمِ لَمْ يُوَافِقُ قَصْرُهُ إيَّاهُ عَلَى السَّلَمِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا لِلْقَلْيُوبِيِّ. قَوْلُهُ: (مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ) الذِّمَّةُ مَعْنَاهَا لُغَةً الْعَهْدُ وَالْأَمَانُ وَشَرْعًا مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ وَالِالْتِزَامِ مِنْ جِهَةِ الْمُكَلَّفِ ق ل. قَوْلُهُ: (بِلَفْظِ السَّلَمِ) لَوْ قَالَ: وَلَوْ بِلَفْظِ السَّلَمِ لَكَانَ صَوَابًا؛ قَالَهُ ق ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ السَّلَمَ لَهُ أَحْكَامٌ وَالْبَيْعُ فِي الذِّمَّةِ لَهُ أَحْكَامٌ، فَأَحْكَامُ السَّلَمِ يُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ وَلَا الْحَوَالَةُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ. قَوْلُهُ: (إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ لَا بِجَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا وُجِدَتْ الصِّفَةُ أَوْ لَا، وَتَقْدِيرُ الْمَحْذُوفِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قَبُولُهُ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ قَبُولُهُ بَلْ لَهُ الْخِيَارُ، أَوْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ أَيْ ذُكِرَتْ الصِّفَةُ أَيْ ذُكِرَتْ فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا وُصِفَتْ بِهِ، أَيْ مَعَ مَا وُصِفَتْ بِهِ أَيْ مَعَ مَا وَصَفَهَا بِهِ الْأَئِمَّةُ، أَيْ اعْتَبَرُوهُ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهَا فِي الْعَقْدِ؛ وَحِينَئِذٍ فَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِجَائِزٍ. قَوْلُهُ: (مَعَ بَقِيَّةِ شُرُوطِهِ) كَتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَقْدُ السَّلَمِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْمُرَادَ عَقْدُ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تُشَاهَدْ) هُوَ تَفْسِيرٌ لِغَائِبَةٍ، فَشَمِلَ الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الشَّرْحِ، وَالشَّارِحُ جَعَلَهُ قَيْدًا فِي الثَّانِيَةِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْأُولَى لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا وَإِنْ شُوهِدَتْ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَلَى التَّفْصِيلِ، فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُ حُذِفَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِيَةِ أَيْ لَمْ تُشَاهَدْ كُلٌّ مِنْ الْغَائِبَةِ وَالْحَاضِرَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ قَوْلُهُ " لَمْ تُشَاهَدْ " مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَكَيْفَ يَكُونُ صِفَةً لِحَاضِرَةٍ الْوَاقِعَةِ مِنْ الشَّارِحِ، فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إنَّ غَائِبَةً يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ لَمْ تُشَاهَدْ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ " بِقَوْلِهِ: أَوْ حَاضِرَةٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مَا يَعُمُّ الصِّحَّةَ) فَقَوْلُهُ " فَجَائِزٌ " أَيْ صَحِيحٌ وَمُبَاحٌ، وَقَوْلُهُ " فَلَا يَجُوزُ " أَيْ فَلَا يَصِحُّ وَلَا يُبَاحُ. قَوْلُهُ: (وَالْإِبَاحَةَ) لَوْ أَسْقَطَ هَذِهِ لَكَانَ صَوَابًا لِيَشْمَلَ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ الْحَرَامَ وَالْمَكْرُوهَ كَبَيْعِ الْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ إنْ ظَنَّ الْبَائِعُ ذَلِكَ حَرُمَ أَوْ تَوَهَّمَهُ كُرِهَ لِأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِعُمُومِ الْأَحْكَامِ أَوْلَى مِنْهُ بِمَعَانِي الْأَلْفَاظِ، فَإِنْ أُرِيدَ إبَاحَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ مُسْتَدْرِكٌ لِأَنَّ الصِّحَّةَ كَافِيَةٌ عَنْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ بَيْعُ الْمَنَافِعِ إلَخْ) لَوْ جَعَلَ هَذَا الرَّابِعَ بَيْعَ حَقِّ الْمَمَرِّ كَمَا تَقَدَّمَ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا، إذْ الْإِجَارَةُ لَا تُسَمَّى بَيْعًا لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ تَعْرِيفِهِ وَتَسْمِيَتُهَا بَيْعًا تَجَوُّزٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَلِلْمَبِيعِ إلَخْ) لَوْ قَالَ: وَلِلْعِوَضِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَعَمَّ لِشُمُولِهِ لِلثَّمَنِ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُهُ بِالْمَبِيعِ مَا يَشْمَلُ الثَّمَنَ، فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مُثَمَّنًا كَانَ أَوْ ثَمَنًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الثَّمَنَ النَّقْدُ وَالْمَبِيعَ مُقَابِلُهُ وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ، وَإِنْ كَانَا نَقْدَيْنِ أَوْ عَرْضَيْنِ فَالثَّمَنُ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ وَالْمَبِيعُ مُقَابِلُهُ، فَالثَّمَنُ فِي قَوْلِنَا: بِعْتُك هَذَا الدِّينَارَ بِحِمَارِ الدِّينَارِ، وَفِي قَوْلِنَا: بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِحِمَارِ الْحِمَارِ اهـ م د. وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الشَّارِحَ جَرَى عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي الْمَبِيعِ غَيْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَصِحُّ بَيْعُ كُلِّ) شَيْءٍ (طَاهِرٍ) عَيْنًا أَوْ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُتَنَجِّسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَجِسِ الْعَيْنِ، وَكَذَا الدُّهْنُ كَالزَّيْتِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَةِ السَّمْنِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ: إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَأَرِيقُوهُ» أَمَّا مَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ وَالْآجُرِّ الْمَعْجُونِ بِمَائِعٍ نَجِسٍ كَبَوْلٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ. وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: طَاهِرٍ فِي كَلَامِهِ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (مُنْتَفَعٍ بِهِ) شَرْعًا وَلَوْ فِي الْمَآلِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ. وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي كَلَامِهِ. وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (مَمْلُوكٍ) أَيْ أَنْ يَكُونَ لِلْعَاقِدِ عَلَيْهِ   [حاشية البجيرمي] الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَمْثِلَةِ الشَّارِحِ الْآتِيَةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ مِمَّا يَشْمَلُ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ لِأَنَّهُ مِنْ زِيَادَةِ الشَّارِحِ عَلَى الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (خَمْسَةٌ) وَيَزِيدُ الرِّبَوِيُّ بِمَا يَأْتِي فِيهِ ع ش م ر. قَوْلُهُ: (كُلِّ طَاهِرٍ) وَلَوْ بِالِاجْتِهَادِ فِي مُشْتَبَهَيْنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى طَهَارَتِهِ ش م ر. فَلَوْ اشْتَرَى مُجْتَهَدًا فِيهِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ الْأَوَّلِ سم، وَمِثْلُهُ مَائِعٌ إذَا وَقَعَ فِيهِ مَيْتَةٌ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ، وَيَنْبَغِي ثُبُوتُ الْخِيَارِ عِنْدَ الْجَهْلِ اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (أَوْ يَطْهُرُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ " عَيْنًا " لِأَنَّ مَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ عَيْنُهُ طَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُتَنَجِّسِ) أَيْ بَيْعُهُ اسْتِقْلَالًا لَا تَبَعًا لِمَا هُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهُ، وَإِلَّا فَبَيْعُ أَرْضٍ بُنِيَتْ بِلَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ عُجِنَ بِنَجِسٍ صَحِيحٌ ح ل. وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ حَذْفُ هَذَا فَإِنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الدُّهْنُ) فَصَلَهُ بِكَذَا لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ عِنْدَنَا. قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) وَمُقَابِلُهُ قَوْلٌ صَحِيحٌ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْمَاءِ بِأَنْ يُوضَعَ الْمَاءُ عَلَيْهِ وَيُدَارُ بِآلَةٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّ الْمَاءَ وَصَلَ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، ثُمَّ تَصْبِرُ حَتَّى يَطْفُوَ الدُّهْنُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَتَثْقُبَ أَسْفَلَ الْإِنَاءِ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَاءُ وَيَبْقَى الدُّهْنُ. قَوْلُهُ: «فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا» زَادَ بَعْدَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. وَكُلُوهُ، أَيْ الْبَاقِي. قَوْلُهُ: (أَمَّا مَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ) أَيْ بِالْغَسْلِ؛ خَرَجَ مَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَجِلْدٍ قَبْلَ دَبْغِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَإِمْكَانُ طُهْرِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ الْمُتَغَيِّرِ بِالْمُكَاثَرَةِ وَإِمْكَانِ طُهْرِ الْخَمْرِ بِالتَّخَلُّلِ فَالْغَسْلُ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ. قَوْلُهُ: (وَالْآجُرِّ) أَيْ الطُّوبِ الْمُحْرَقِ، أَيْ لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ لِأَنَّ الْآجُرَّ إذَا نُقِعَ فِي الْمَاءِ يَطْهُرُ لِتَشَرُّبِهِ الْمَاءَ فَيَصِلُ الْمَاءُ إلَى بَاطِنِهِ وَظَاهِرُهُ. قَوْلُهُ: (بِمَائِعٍ نَجِسٍ) مَفْهُومُهُ أَنَّ الْمَعْجُونَ بِجَامِدٍ نَجِسٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْمَعْجُونِ بِالزِّبْلِ إذَا هُوَ فِي مَعْنَى نَجِسِ الْعَيْنِ، إلَّا دَارًا بُنِيَتْ بِهِ وَأَرْضًا سُمِّدَتْ بِهِ وَقِنًّا عَلَيْهِ وَشْمٌ وَإِنْ وَجَبَتْ إزَالَتُهُ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِوُقُوعِ النَّجِسِ تَابِعًا، ش م ر. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّجَاسَةَ إنْ كَانَتْ مُسْتَهْلِكَةً بِأَنْ أَمْكَنَ طُهْرُهُ كَالْآجُرِّ الْمَذْكُورِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَهْلَكَةٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ طُهْرُهُ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ كَاللَّبَنِ الْمَعْجُونِ بِالنَّجِسِ مَائِعًا كَانَ أَوْ جَامِدًا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُبْزَ الْمَخْبُوزَ بِالنَّجَاسَةِ إذَا كَثُرَ الدُّخَانُ وَتَخَلَّلَ بِأَجْزَائِهِ كَذَلِكَ، أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. م د. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ. قَوْلُهُ: (مُنْتَفَعٍ بِهِ) أَيْ وَلَوْ فِي الْآخِرَةِ كَالْعَبْدِ الزَّمِنِ لِلْعِتْقِ، بِخِلَافِ الْحِمَارِ الزَّمِنِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ فِي الْمَآلِ) أَيْ فِيمَا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّفْعُ حَالًا، فَلَا يَرِدُ عَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِ دَارٍ دُونَ مَمَرِّهَا إذَا كَانَ يُمْكِنُ اتِّخَاذُ مَمَرٍّ لَهَا؛ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ) أَيْ إنْ مَاتَتْ أُمُّهُ أَوْ اسْتَغْنَى عَنْ اللَّبَنِ. وَالضَّابِطُ أَنْ لَا يَلْزَمَ عَلَيْهِ تَفْرِيقُ مُحَرَّمٍ ش م ر. قَوْلُهُ: (مَمْلُوكٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِعَيْنِهِ كَالْوَكِيلِ وَالْوَلِيِّ. قَوْله: (أَنْ يَكُونَ لِلْعَاقِدِ إلَخْ) إنَّمَا فُسِّرَ بِذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ قَاصِرٌ عَلَى الْمِلْكِ، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْوِلَايَةِ بِمِلْكٍ أَوْ وَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ مَثَلًا، أَوْ أُذِنَ مِنْ الشَّارِعِ كَالْمُلْتَقِطِ فِيمَا يُخَافُ فَسَادُهُ فَلَهُ بَيْعُهُ، وَالظَّافِرُ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ بَيْعُهُ بِجِنْسِ حَقِّهِ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ. وَقَوْلُهُ " لِلْعَاقِدِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ " أَيْ وَلَوْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، وَإِنْ ظَنَّ الْعَاقِدُ خِلَافَهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ " وَيَصِحُّ بَيْعُ مَالِ غَيْرِهِ " لَكِنَّ إقْدَامَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 وِلَايَةٌ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ فُضُولِيٍّ وَإِنْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ مَالِ غَيْرِهِ ظَاهِرًا إنْ بَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّهُ لَهُ كَأَنْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ مِلْكُهُ. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ قُدْرَةُ تَسَلُّمِهِ فِي بَيْعٍ غَيْرِ ضِمْنِيٍّ لِيُوثَقَ بِحُصُولِ الْعِوَضِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نَحْوِ ضَالٍّ كَآبِقٍ وَمَغْصُوبٍ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ لِعَجْزِهِ عَنْ تَسَلُّمِهِ حَالًا بِخِلَافِ بَيْعِهِ لِقَادِرٍ عَلَى ذَلِكَ. نَعَمْ إنْ احْتَاجَ فِيهِ إلَى مُؤْنَةِ الْمَطْلَبِ فَفِيهِ يَنْبَغِي الْمَنْعُ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ تَنْقُصُ بِقَطْعِهِ قِيمَتُهُ أَوْ قِيمَةُ الْبَاقِي كَجُزْءِ إنَاءٍ أَوْ ثَوْبٍ نَفِيسٍ يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ مَا ذُكِرَ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ ذَلِكَ شَرْعًا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْكَسْرِ أَوْ الْقَطْعِ، وَفِيهِ نَقْصٌ وَتَضْيِيعُ مَالٍ بِخِلَافِ مَا لَا يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ مَا ذُكِرَ كَجُزْءٍ غَلِيظٍ كِرْبَاسٍ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ. وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ الْعِلْمُ بِهِ لِلْعَاقِدَيْنِ عَيْنًا وَقَدْرًا وَصِفَةً عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ حَذَرًا مِنْ الْغَرَرِ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ: أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ   [حاشية البجيرمي] حِينَئِذٍ حَرَامٌ صَغِيرَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (عَقْدُ فُضُولِيٍّ) بِالْإِضَافَةِ، وَهُوَ مَنْ لَيْسَ مَالِكًا وَلَا وَكِيلًا وَلَا وَلِيًّا، وَمِثْلُ الْعَقْدِ الْحِلُّ كَطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ؛ فَلَوْ عَبَّرَ بِالتَّصَرُّفِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ. وَعَقْدُ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ غَيْرِنَا مَوْقُوفٌ إنْ أَجَازَهُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ) هِيَ لِلرَّدِّ، وَعِبَارَةُ ش م ر: وَفِي الْقَدِيمِ وَحُكِيَ عَنْ الْجَدِيدِ أَنَّ عَقْدَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَا الْمَالِكِ إنْ أَجَازَهُ نَفَذَ وَإِلَّا فَلَا، وَالْمُعْتَبَرُ إجَازَةُ مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عِنْدَ الْعَقْدِ؛ فَلَوْ بَاعَ مَالَ الطِّفْلِ فَبَلَغَ وَأَجَازَ لَمْ يَنْفُذْ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ، فَلَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ اهـ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرًا) مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ فِي الظَّاهِرِ. وَهُوَ صِفَةٌ لِمَالٍ، أَيْ الْمَالِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ فِي الظَّاهِرِ، وَيَكُونُ فِي الْوَاقِعِ مِلْكًا لَهُ. وَإِنَّمَا صَحَّ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ م د. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَهُ) لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، فَيَشْمَلُ مَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِبَيْعِ الْعَيْنِ أَوْ أَنَّهُ وَلِيٌّ عَلَى الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ لِلْبَيْعِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ) أَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَبَانَ إذْنُهُ لَهُ فِيهِ ح ل. قَوْلُهُ: (ظَانًّا حَيَاتَهُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ إذَا لَمْ يَظُنَّ بِالْأَوْلَى قَوْلُهُ: (قُدْرَةُ تَسَلُّمِهِ) وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قُدْرَةُ التَّسْلِيمِ، وَالْمُرَادُ قُدْرَةُ تَسَلُّمِهِ يَقِينًا حَالًّا بِلَا مُؤْنَةٍ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ، فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي: لَوْ احْتَمَلَ قُدْرَتَهُ وَعَدَمَهَا لَمْ يَجُزْ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ ضِمْنِيٍّ) أَمَّا الضِّمْنِيُّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قُدْرَةُ التَّسَلُّمِ؛ فَإِذَا قُلْت لِمَالِكِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِكَذَا، فَقَالَ: أَعْتَقْته عَنْك، صَحَّ، وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْ غَاصِبِهِ؛ وَإِنَّمَا كَانَ بَيْعًا ضِمْنِيًّا لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ: بِعْنِيهِ وَأَعْتِقْهُ عَنِّي، فَإِذَا أَعْتَقَهُ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: بِعْته لَك وَأَعْتَقْته عَنْك كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَمِثْلُ الضِّمْنِيِّ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْعِتْقُ كَشِرَاءِ مَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ أَوْ شَهِدَ بِهَا وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، أَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا، ز ي. قَوْلُهُ: (حَالًا) أَيْ حَالَةَ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (لِقَادِرٍ) أَيْ حَالًا وَمَآلًا، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ تَخْلِيصِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بَطَلَ، وَيَصْدُقُ فِي عَدَمِ قُدْرَتِهِ ق ل. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعَجْزَ إذَا طَرَأَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (إلَى مُؤْنَةِ) أَيْ لَهَا وَقْعٌ وَإِنْ تَحَمَّلَهَا الْبَائِعُ، شَوْبَرِيٌّ. وَمِثْلُ الْمُؤْنَةِ الْكُلْفَةُ أَيْ الْمَشَقَّةُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ السَّمَكِ فِي الْبِرْكَةِ الْوَاسِعَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (جُزْءٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ بِالشَّخْصِ كَمِنْ هُنَا إلَى هُنَا. أَمَّا الْمُعَيَّنُ بِالْقَدْرِ وَالنِّصْفِ وَنَحْوِهِ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ شَرِيكًا. قَوْلُهُ: (نَفِيسٍ) لَمْ يَقُلْ نَفِيسَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِنَاءَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النَّفَاسَةُ، لِأَنَّ كَسْرَهُ يُنْقِصُ قِيمَتَهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (عَنْ تَسْلِيمِ) الْمُنَاسِبُ تَسَلُّمِ كَمَا فِي خَطِّهِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ " لِلْعَجْزِ إلَخْ " صِحَّةُ بَيْعِ جُزْءِ إنَاءِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَلَوْ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ كَسْرَهَا وَاجِبٌ فَالنَّقْصُ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةِ الْمُحَرَّمَةِ م د. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ) أَيْ فِي كُلِّ نَقْصٍ. قَوْلُهُ: (كِرْبَاسَ) أَيْ قُطْنٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وع ش. وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ مَا هُوَ أَعَمُّ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (الْعِلْمُ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ وَإِنْ لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 الْغَرَرِ» . وَيَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَإِنْ جُهِلَتْ صِيعَانُهَا لِعِلْمِهِمَا بِقَدْرِ الْمَبِيعِ مَعَ تَسَاوِي الْأَجْزَاءِ فَلَا غَرَرَ. وَيَصِحُّ بَيْعُ صُبْرَةٍ وَإِنْ جُهِلَتْ صِيعَانُهَا كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمِ. وَلَا يَضُرُّ فِي مَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ الْجَهْلُ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالتَّفْصِيلِ، وَبَيْعُ صُبْرَةٍ مَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ إنْ خَرَجَتْ مِائَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ لِعُذْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ جُمْلَةِ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلِهِ، لَا بَيْعَ أَحَدِ ثَوْبَيْنِ مَثَلًا مُبْهَمًا. وَلَا بَيْعَ بِأَحَدِهِمَا وَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا، أَوْ بِمِلْءِ ذَا الْبَيْتِ بُرًّا أَوْ بِزِنَةِ ذِي الْحَصَاةِ ذَهَبًا وَمِلْءُ الْبَيْتِ وَزِنَةُ الْحَصَاةِ مَجْهُولَانِ، أَوْ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ لِلْجَهْلِ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ فِي الْأُولَى وَبِعَيْنِ الثَّمَنِ فِي الثَّانِيَةِ وَبِقَدْرِهِ فِي الْبَاقِي. فَإِنْ عَيَّنَ الْبُرَّ كَأَنْ قَالَ: بِعْتُك مِلْءَ ذَا الْبَيْتِ مِنْ ذَا الْبُرِّ صَحَّ لِإِمْكَانِ أَخْذِهِ قَبْلَ تَلَفِهِ فَلَا   [حاشية البجيرمي] يُطَابِقْ الْوَاقِعَ، بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الزُّجَاجَةِ الَّتِي ظَنَّهَا جَوْهَرَةً؛ بَلْ يَكْتَفِي بِرُؤْيَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَظُنَّ مِنْ أَيِّ الْأَجْنَاسِ هُوَ ح ل. قَوْلُهُ: (عَيْنًا) أَيْ فِي الْمُعَيَّنِ غَيْرِ الْمُخْتَلِطِ، وَقَدْرًا فِي الْمُعَيَّنِ الْمُخْتَلِطِ كَصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ، وَصِفَةً أَيْ مَعَ الْقَدْرِ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ؛ شَوْبَرِيٌّ. وَلِذَا قَالَ " عَلَى مَا يَأْتِي " فَقَوْلُهُ " وَقَدْرًا " الْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ ". وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا غَيْرَ مُخْتَلِطٍ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ تَحْقِيقًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا ذَرْعٍ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ كَصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ، فَالشَّرْطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ لَا عَيْنِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَاءُ الشُّرْبِ مِنْ السِّقَاءِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ بِعِوَضٍ مَعَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الشُّرْبِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ) عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ) الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ، فَكَانَ الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّهُ شُرُوعٌ فِي فُرُوعٍ ثَمَانِيَةٍ: الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ مُفَرَّعَةٌ عَلَى مَنْطُوقِ الشَّرْطِ، وَالْخَمْسَةُ بَعْدَهَا عَلَى الْمَفْهُومِ. قَوْلُهُ: (مِنْ صُبْرَةٍ) هِيَ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُجْتَمِعَةٍ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ غَيْرِهَا وَالْمُرَادُ هُنَا مَا تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَخَرَجَ مَا إذَا بَاعَ رُمَّانَةً أَوْ لَيْمُونَةً مِنْ صُبْرَةِ الرُّمَّانِ وَاللَّيْمُونِ فَلَا يَصِحُّ وَعُلِمَ مِنْ لَفْظِ مِنْ أَنَّ الصُّبْرَةَ أَكْثَرُ مِنْ صَاعٍ وَإِلَّا فَبَاطِلٌ ق ل. قَوْلُهُ: (مَعَ تَسَاوِي الْأَجْزَاءِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ تَسْلِيمُ الصَّاعِ مِنْ بَاطِنِهَا وَتَسْلِيمُهُ مِنْ بَاطِنِهَا لَا يَصِيرُ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا لِأَنَّهَا مُتَسَاوِيَةُ الْأَجْزَاءِ، أَيْ فَتَسَاوِي الْأَجْزَاءِ بِمَنْزِلَةِ التَّعْيِينِ، فَصَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَيْعِ الْمُعَيَّنَاتِ لَا مِنْ بَيْعِ الذِّمَمِ، وَلَا يُرَدُّ عَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِ شَاةٍ مِنْ شِيَاهٍ لِعَدَمِ تَسَاوِي الشِّيَاهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ جُهِلَتْ) أَيْ فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: (كُلَّ صَاعٍ) بِنَصْبِ كُلَّ عَلَى الْحَالِيَّةِ مِنْ صُبْرَةٍ، أَيْ حَالَةَ كَوْنِهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَيْ مُسَعَّرَةً بِذَلِكَ. وَأَمَّا رَفْعُهُ فَيُوهِمُ الِاسْتِئْنَافُ، فَيَكُونُ لَيْسَ مِنْ الصِّيغَةِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ مِنْهَا، وَجَرُّهُ مُفْسِدٌ لِلْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَدَلًا مِنْ صُبْرَةٍ فَيَصِيرُ الْبَيْعُ وَاقِعًا عَلَى كُلِّ صَاعٍ لَا عَلَى الصُّبْرَةِ لِأَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ، ح ل وَشَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ جُمْلَةِ الثَّمَنِ) وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَقَوْلُهُ " وَتَفْصِيلِهِ " وَهُوَ كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ. قَوْلُهُ: (لَا بَيْعَ إلَخْ) مُحْتَرَزُ الْعِلْمِ فِيمَا مَرَّ، فَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْمُبْهَمَ وَالْمَجْهُولَ مَعًا، وَأَشَارَ إلَى عُمُومِهِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ جَمِيعًا ق ل. قَوْلُهُ: (بُرًّا) أَيْ فِي الذِّمَّةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَنْكِيرُهُ ش م ر. قَوْلُهُ: (وَمِلْءَ الْبَيْتِ) حَالٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ) أَيْ وَلَمْ يُعَيِّنْ مِقْدَارَ كُلٍّ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَلَوْ عَيَّنَ كَأَنْ قَالَ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ الدَّرَاهِمُ خَمْسُمِائَةٍ وَالدَّنَانِيرُ خَمْسُمِائَةٍ مَثَلًا صَحَّ. قَوْلُهُ: (فِي الْأُولَى) أَيْ بَيْعُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ، وَقَوْلُهُ " فِي الثَّانِيَةِ " أَيْ قَوْلُهُ: وَلَا بَيْعَ بِأَحَدِهِمَا. قَوْله: (وَيُقَدِّرُهُ فِي الْبَاقِي) الْمُرَادُ بِالْجَهْلِ بِقَدْرِهِ فِي قَوْلِهِ " بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ " الْجَهْلُ بِقَدْرِ الدَّرَاهِمِ وَقَدْرِ الدَّنَانِيرِ هَلْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْأَلْفِ أَوْ ثُلُثُهَا مَثَلًا؟ وَإِلَّا فَالْعِلْمُ بِجُمْلَةِ قَدْرِهِ حَاصِلٌ لِأَنَّهُ أَلْفٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَيَّنَ إلَخْ) فَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ الْعِلْمِ قَدْرًا. قَوْلُهُ (بِعْتُك مِلْءَ ذَا الْبَيْتِ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ لِمَا سَبَقَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك بِمِلْءِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا سَبَقَ جَعَلَ الْمِلْءَ ثَمَنًا وَجَعَلَهُ هُنَا مَبِيعًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (مِنْ ذَا الْبُرِّ) وَكَذَا بِعْتُك بِزِنَةِ هَذِهِ الْحَصَاةِ مِنْ هَذَا الذَّهَبِ. قَوْلُهُ: (لِإِمْكَانِ أَخْذِهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْجَهْلَ بِقَدْرِهِ مَوْجُودًا أَيْضًا حَالَةَ الْبَيْعِ، وَعِبَارَةُ م ر: أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَيَصِحُّ وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُهُ لِإِحَاطَةِ التَّخْمِينِ بِرُؤْيَتِهِ مَعَ إمْكَانِ الْأَخْذِ قَبْلَ تَلَفِهِ فَلَا غَرَرَ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ تَلَفِهِ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 غَرَرَ. وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ. ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ ظَاهِرٍ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ عَيْنٍ نَجِسَةٍ) سَوَاءٌ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهَا بِالِاسْتِحَالَةِ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ أَمْ لَا، كَالسِّرْجِينِ وَالْكَلْبِ وَلَوْ مُعَلَّمًا وَالْخَمْرِ وَلَوْ مُحْتَرَمَةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» وَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ» وَقِيسَ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا. ثُمَّ أَخَذَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ مُنْتَفَعٍ بِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالًا، فَأَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ مُمْتَنِعٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَعَدَمِ مَنْفَعَتِهِ إمَّا لِخِسَّتِهِ كَالْحَشَرَاتِ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا كَالْخُنْفِسَاءِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يُذْكَرُ مِنْ مَنَافِعِهَا فِي   [حاشية البجيرمي] تَلَفِ الْبَيْتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْبَاطِلَةِ أَنَّ الْبَائِعَ هُنَا عَيَّنَ الْبُرَّ ثُمَّ أَبْهَمَهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحِيطَا بِجَوَانِب الْبَيْتِ وَيَعْرِفَا تَخْمِينًا أَنَّهُ يَأْخُذُ كَذَا وَبِمِلْءِ الْبَيْتِ مِنْ الْبُرِّ الْمُعَيَّنِ حَالًا قَبْلَ تَلَفِ الْبَيْتِ، فَقَلَّ الْجَهْلُ هُنَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ؛ لِأَنَّ الْبُرَّ مُبْهَمٌ وَيُمْكِنُ تَلَفُ الْبَيْتِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِالْبُرِّ فَكَثُرَ الْجَهْلُ، وَلَوْ تَلِفَ الْبَيْتُ هُنَا فَالظَّاهِرُ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَأَيْضًا الْبُرُّ الْمُعَيَّنُ يَكْفِي فِيهِ التَّخْمِينُ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ الْغَيْرِ الْمَكِيلَةِ؛ بِخِلَافِ الْمُبْهَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ عَيْنٍ نَجِسَةٍ) أَيْ اسْتِقْلَالًا لَا تَبَعًا لِمَا هُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهُ، وَإِلَّا فَبَيْعُ أَرْضٍ بُنِيَتْ بِلَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ عُجِنَ بِنَجِسٍ صَحِيحٌ وَالْبَيْعُ وَاقِعٌ عَلَى الْجَمِيعِ م ر. وَقَالَ سم: الْوَجْهُ أَنَّ الْبَيْعَ وَاقِعٌ عَلَى الظَّاهِرِ؛ وَإِنَّمَا دَخَلَ غَيْرُهُ تَبَعًا بِنَقْلِ الْيَدِ فَرَاجِعْهُ. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ بَيْعَ الْخَزَفِ الْمَخْلُوطِ بِالرَّمَادِ النَّجِسِ وَالسِّرْجِينِ صَحِيحٌ كَالْأَزْيَارِ وَالْقُلَلِ وَالْجُرُرِ وَالْمَوَاجِيرِ وَغَيْرِهَا، وَيُعْفَى عَمَّا يُوضَعُ فِيهَا مِنْ الْمَائِعَاتِ فَلَا يَتَنَجَّسُ م د. قَوْلُهُ: (كَالسِّرْجِينِ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُعَلَّمًا) لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِطْفِيحِيُّ. قَوْلُهُ: (وَالْخَمْرِ) فِيهِ أَنَّ الْخَمْرَ يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ طُهْرَهُ لَيْسَ مَعَ بَقَاءِ كَوْنِهِ خَمْرًا، بَلْ انْتَقَلَ لِكَوْنِهِ خَلًّا بِخِلَافِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ مَعَ كَوْنِهِ جِلْدًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُحْتَرَمَةً) وَهِيَ مَا عُصِرَتْ، أَيْ عُصِرَ أَصْلُهَا لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِيَّةِ. وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُحْتَرَمَةِ، هَذَا إنْ كَانَ الْعَاصِرُ لَهَا مُسْلِمًا، أَمَّا خَمْرَةُ الْكَافِرِ فَمُحْتَرَمَةٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا مُطْلَقًا وَلَوْ لِكَافِرٍ مِثْلِهِ وَإِنَّ اعْتَقَدَ الْحِلَّ. قَوْلُهُ: «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» وَالنَّهْيُ عَنْ ثَمَنِهِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ بَيْعِهِ ع ش. فَرْعٌ: لَا تَدْخُلُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَهَلْ لَا تَدْخُلُ وَإِنْ جَازَ اقْتِنَاؤُهُ أَوْ وَجَبَ كَمَا لَوْ عُلِمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ لَوْلَا اقْتِنَاؤُهُ لِحِرَاسَتِهِ؟ قَالَ الرَّمْلِيُّ: ظَاهِرُ مَا وَرَدَ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ حَائِضٌ مَعَ أَنَّهَا مَعْذُورَةٌ لَا صُنْعَ لَهَا فِي الْحَيْضِ عَدَمُ الدُّخُولِ هُنَا، سم عَلَى الْمَنْهَجِ ع ش عَلَى م ر. وَأَيْضًا لَا تُدَخِّلُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ أَوْ أَوَزٌّ أَوْ بَوْلٌ مَنْقُوعٌ أَيْ مَخْزُونٌ أَوْ فِيهِ صُورَةٌ. وَسَبَبُ عَدَمِ دُخُولِهَا أَنَّ إبْلِيسَ لَمَّا بَصَقَ عَلَى آدَمَ حِينَ كَانَ مُلْقًى عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ هَبَطَ جِبْرِيلُ وَكَشَطَ مِنْ الْبَزْقَةِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَأَلْقَاهَا فَخُلِقَ مِنْهَا الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ، وَثَانِي كَشْطَةٍ خُلِقَ مِنْهَا كَلْبُ الصَّيْدِ، فَهُمَا مَخْلُوقَانِ مِنْ أَثَرِ بَصْقَةِ إبْلِيسَ؛ وَالْمَلَكُ النَّازِلُ بِالرَّحْمَةِ وَإِبْلِيسُ لَا يَجْتَمِعَانِ. قَوْلُهُ: (كَالْحَشَرَاتِ) وَأَصْلُهَا صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ، وَيُسْتَثْنَى نَحْوُ يَرْبُوعٍ وَضَبٍّ مِمَّا يُؤْكَلُ وَنَحْلٍ وَدُودِ قَزٍّ وَعَلَقٍ لِمَنْفَعَةِ امْتِصَاصِ الدَّمِ م ر. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ مَنْفَعَةَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْخَوَاصِّ فَمَا وَجْهُ اسْتِثْنَائِهَا دُونَ غَيْرِهَا؟ قُلْت: أَجَابَ شَيْخُنَا بِأَنَّ هَذِهِ لَمَّا اشْتَهَرَتْ وَعَلِمَهَا غَالِبُ النَّاسِ اُسْتُثْنِيَتْ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا لِاخْتِصَاصِهَا بِحُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ أج. قَوْلُهُ: (كَالْخُنْفِسَاءِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مَمْدُودَةٌ، وَالْأُنْثَى خُنْفَسَاءَةٌ بِالْهَاءِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَقْرَبِ صَدَاقَةٌ. وَمِنْ مَنَافِعِهَا، أَيْ الْخُنْفُسَاءِ، أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 الْخَوَاصِّ، وَلَا بَيْعَ كُلِّ سَبُعٍ أَوْ طَيْرٍ لَا يَنْفَعُ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، وَلَا نَظَرَ لِمَنْفَعَةِ الْجِلْدِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا لِمَنْفَعَةِ الرِّيشِ فِي النَّبْلِ، وَلَا لِاقْتِنَاءِ الْمُلُوكِ لِبَعْضِهَا لِلْهَيْبَةِ وَالسِّيَاسَةِ. أَمَّا مَا يَنْفَعُ مِنْ ذَلِكَ كَالْفَهْدِ لِلصَّيْدِ وَالْفِيلِ لِلْقِتَالِ وَالنَّحْلِ لِلْعَسَلِ وَالطَّاوُوسِ لِلْأُنْسِ بِلَوْنِهِ فَيَصِحُّ، وَإِمَّا لِقِلَّتِهِ كَحَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا أَثَرَ لِضَمِّ ذَلِكَ إلَى أَمْثَالِهِ أَوْ وَضْعِهِ فِي فَخٍّ وَمَعَ هَذَا يَحْرُمُ غَصْبُهُ وَيَجِبُ رَدُّهُ، وَلَا ضَمَانَ فِيهِ إنْ تَلِفَ إذْ لَا مَالِيَّةَ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ آلَةِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةِ كَالطُّنْبُورِ وَالْمِزْمَارِ وَالرَّبَابِ وَإِنْ اتَّخَذَ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ نَقْدٍ إذْ لَا نَفْعَ بِهَا شَرْعًا. وَيَصِحُّ بَيْعُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ. وَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ آلَاتِ الْمَلَاهِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْهُمَا لِأَنَّ آنِيَتَهُمَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهَا لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ تِلْكَ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ كُتُبِ الْكُفْرِ وَالتَّنْجِيمِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالْفَلْسَفَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ إلَّا إذَا كَانَ فِي بِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يَمْنَعُ الْمَاءُ رُؤْيَتَهُ وَسَهُلَ أَخْذُهُ فَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ كَانَتْ الْبِرْكَةُ كَبِيرَةً لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ   [حاشية البجيرمي] إذَا قُطِعَ مُؤْخِرُهَا وَغُمِسَ فِيهِ مِيلٌ وَاكْتُحِلَ بِرُطُوبَتِهِ قَوِيَ الْبَصَرُ وَمَنَعَ مِنْ الْإِغْشَاءِ، وَإِذَا طُبِخَتْ فِي زَيْتٍ وَقُطِّرَ فِي الْأُذُنِ الْوَجِعَةِ نَفَعَهَا، وَإِذَا أُدِيمَ ذَلِكَ نَفَعَ مِنْ الصَّمَمِ الْحَادِثِ، وَإِذَا دُهِنَ بِهِ قُرُوحَ السَّاقَيْنِ أَوْ الْبَوَاسِيرِ النَّاتِئَةِ فِي الْمَقْعَدَةِ نَفَعَهَا نَفْعًا جَيِّدًا عَجِيبًا وَإِذَا شُدِخَتْ وَرُبِطَتْ عَلَى لَسْعَةِ الْعَقْرَبِ نَفَعَتْهَا اهـ مِنْ مُخْتَصَرِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلسُّيُوطِيِّ. وَإِنْ كَانَ فِي تَشْدِيخِهَا تَعْذِيبٌ لَهَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْحَيَّةِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِطُولِ حَيَاتِهَا جِدًّا. قَوْلُهُ: (وَالْعَقْرَبِ) وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوَلَدِ لَهَا ثَمَانِيَةُ أَرْجُلٍ وَعَيْنَاهَا فِي ظَهْرِهَا وَأَشَرُّ مَا تَكُونُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا؛ سُيُوطِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا بَيْعُ كُلِّ سَبُعٍ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ الْمَأْكُولِ) خَرَجَ الْمَأْكُولُ كَغُرَابِ الزَّرْعِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ الْغُدَافُ الصَّغِيرُ وَالزَّاغُ، أَمَّا الْغُدَافُ الْكَبِيرُ وَكَذَا الْعَقْعَقُ وَالْأَبْقَعُ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهَا م ر. وَقَوْلُهُ " الْعَقْعَقُ " أَيْ الَّذِي صَوْتُهُ الْعَقْعَقَةُ وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ غَاقْ غَاقْ وَقَوْلُهُ " وَالزَّاغُ " وَهُوَ مُحْمَرُّ الْمِنْقَارِ. قَوْلُهُ: (لِمَنْفَعَةِ الْجِلْدِ) يَرْجِعُ لِلْأَسَدِ وَالذِّئْبِ. وَقَوْلُهُ " وَلَا لِمَنْفَعَةِ الرِّيشِ " يَرْجِعُ لِلْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ قَوْلُهُ: (لِلْهَيْبَةِ) أَيْ هَيْبَةِ الْخَلْقِ لَهُمْ بِسَبَبِ اقْتِنَائِهِمْ لَهَا وَالسِّيَاسَةِ بِإِصْلَاحِ أُمُورِ الرَّعِيَّةِ بِامْتِثَالِهِمْ لَهُمْ؛ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: يُقَالُ سَاسَ النَّاسَ أَصْلَحَ أُمُورَهُمْ، فَهُوَ عَطْفٌ مُسَبَّبٌ عَلَى سَبَبٍ أَوْ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ (لِلْأُنْسِ بِلَوْنِهِ) وَكَذَا الْعَنْدَلِيبُ لِصَوْتِهِ، وَكَذَا الْقِرْدُ لِلْحِرَاسَةِ وَالْهِرَّةُ الْأَهْلِيَّةُ لِدَفْعِ الْفَأْرِ. وَأَمَّا الْوَحْشِيَّةُ فَإِنْ كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهَا الزَّبَادُ صَحَّ بَيْعُهَا وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْيَرْبُوعُ وَالضَّبُّ وَالْعَلَقُ لِمَصِّ الدَّمِ وَالدُّودُ لِلْقَزِّ. قَوْلُهُ: (وَلَا أَثَرَ لِضَمٍّ ذَلِكَ) أَيْ حَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ زَمَانَيْ الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ اتِّفَاقًا، وَأَغْرَبَ الْمُتَوَلِّي فَحَكَى وَجْهًا بِجَوَازِ بَيْعِهِمَا. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَضْعِهِ) أَيْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ فِي فَخٍّ أَيْ أَوْ شَرَكٍ، وَهُمَا آلَتَانِ يُصَادُ بِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَمَعَ هَذَا) أَيْ مَعَ عَدَمِ نَفْعِهِ لِقِلَّتِهِ أَوْ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا) أَيْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الْمَقْصُودَانِ، أَيْ بِجَعْلِهِمَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَلَيْسَتْ الْآنِيَةُ مَقْصُودَةً. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ تِلْكَ) فَإِنَّهَا لَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهَا لِلْحَاجَةِ بَلْ لِلضَّرُورَةِ فِيمَا إذَا أَخْبَرَهُ الطَّبِيبُ الْعَدْلُ بِأَنَّ هَذَا الْمَرَضَ يَزُولُ بِسَمَاعِهَا كَمَا فِي سم. قَوْلُهُ: (وَالتَّنْجِيمِ) أَيْ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى عِلْمِ النُّجُومِ، بِأَنْ كَانَ فِيهَا إذَا طَلَعَ نَجْمٌ كَذَا حَصَلَ كَذَا؛ قَالَ ق ل: مَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى تَجْرِبَةٍ أَوْ عَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَالشَّعْبَذَةِ) فِي نُسْخَةٍ. " وَالشَّعْبَثَةِ " بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَدَلُ الذَّالِ: نَوْعٌ مِنْ السِّحْرِ وَالْفَلْسَفَةِ مِنْ كُتُبِ الْكُفْرِ، فَعَطْفُهَا خَاصٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا بَيْعُ السَّمَكِ) هَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَبَيْعُ الْحَمَامِ فِي الْبُرْجِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَلَوْ حَمَامًا اعْتِمَادًا عَلَى عَادَةِ عَوْدِهَا عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِعَوْدِهَا إلَّا النَّحْلَ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ طَائِرًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الزَّوَائِدِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ. تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْيَعْسُوبُ فِي الْخَلِيَّةِ فَارِقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَمَامِ بِأَنَّ النَّحْلَ لَا يُقْصَدُ بِالْجَوَارِحِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الطُّيُورِ فَإِنَّهَا تُقْصَدُ بِهَا. وَيَصِحُّ بَيْعُهُ فِي الْكُوَّارَةِ إنْ شَاهَدَ جَمِيعَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ فَلَا يَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سِتَّةٌ: عَاقِدٌ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ ثَمَنٌ وَمُثَمَّنٌ وَصِيغَةٌ وَلَوْ كِنَايَةً، وَهِيَ إيجَابٌ كَبِعْتُكَ وَمَلَّكْتُك، وَاشْتَرِ مِنِّي وَكَجَعَلْتُهُ لَك بِكَذَا نَاوِيًا الْبَيْعَ. وَقَبُولٌ كَاشْتَرَيْتُ وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْإِيجَابِ كَبِعْنِي بِكَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ مَنُوطٌ بِالرِّضَا لِخَبَرِ: «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ   [حاشية البجيرمي] عَيْنًا فِي قَوْلِهِ عَلِمَ بِهِ عَيْنًا، فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " لَا بَيْعُ " بِأَحَدِ الثَّوْبَيْنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) أَيْ فَيَصِحُّ إنْ كَانَ الْبُرْجُ صَغِيرًا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ فِيهِ وَسَهُلَ أَخْذُهُ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَمَامًا) لِلرَّدِّ. قَوْلُهُ: (الْيَعْسُوبُ) أَيْ أُمُّهُ. قَالَ السُّيُوطِيّ: الْيَعْسُوبُ هُوَ مَلِكُ النَّحْلِ وَأَمِيرُهَا الَّذِي لَا يَتِمُّ لَهَا أَمْرٌ إلَّا بِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تُقْصَدُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ، فَإِنَّهُ أَيْ الْغَيْرُ؛ لَكِنَّهُ أُنِّثَ نَظَرًا لِمَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْكُوَّارَةِ) فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ: ضَمُّ الْكَافِ وَفَتْحُهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ فِيهِمَا، وَضَمُّ الْكَافِ وَكَسْرُهَا مَعَ تَخْفِيفِ الْوَاوِ أج مُلَخَّصًا. وَهِيَ الْخَلِيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَغَايَرَ التَّعْبِيرَ لِلتَّفَنُّنِ. قَوْلُهُ: (سَكَتَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ عَنْ التَّصْرِيحِ وَإِلَّا فَهِيَ مَعْلُومَةٌ ضِمْنًا مِنْ قَوْلِهِ " بَيْعُ عَيْنٍ إلَخْ " لِأَنَّهُ مَبِيعٌ يَتَضَمَّنُ الْعَاقِدَيْنِ وَالْعِوَضَيْنِ وَالْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ) أَيْ التَّفْصِيلِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كِنَايَةً) وَلَوْ مِنْ سَكْرَانَ مُتَعَدٍّ بِسُكْرِهِ إذَا أَقَرَّ بِالنِّيَّةِ، خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ. اهـ. ز ي. وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِعَدَمِ انْعِقَادِهِ بِالْكِنَايَةِ. لَا يُقَالُ إنَّ الشُّهُودَ لَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْكِنَايَةُ كِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (هِيَ إيجَابٌ إلَخْ) وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا أَيْ الصِّيغَةِ أَنْ يُذْكَرَ الْمُبْتَدِي بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا كُلًّا مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ. وَأَمَّا الْمُجِيبُ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَهُمَا وَلَا أَحَدَهُمَا، فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك كَذَا بِكَذَا، فَقَالَ: قَبِلْت، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت مِنْك كَذَا بِكَذَا، فَقَالَ: بِعْتُك؛ كَفَى فِيهِمَا. فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُبْتَدِي مِنْهُمَا الْعِوَضَيْنِ مَعًا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. قَوْلُهُ: (كَبِعْتُكَ إلَخْ) أُتِيَ بِالْكَافِ إشَارَةً لِعَدَمِ الْحَصْرِ فِي الْأَمْثِلَةِ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. قَوْلُهُ: (وَاشْتَرِ مِنِّي) هُوَ اسْتِقْبَالٌ، أَيْ طَلَبُ الْقَبُولِ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِيجَابِ ح ل؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: اقْبَلْ مِنِّي كَذَا بِكَذَا. قَوْلُهُ: (وَكَجَعَلْتُهُ لَك إلَخْ) أُتِيَ بِالْكَافِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ وَمَا قَبْلَهُ صَرِيحٌ؛ وَلِذَا قَالَ نَاوِيًا الْبَيْعَ أَيْ نِيَّةً مُقْتَرِنَةً بِجَمِيعِ اللَّفْظِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر، خِلَافًا لِلزِّيَادِيِّ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ. وَأَشَارَ بِالْكَافِ فِي الْكِنَايَةِ إلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهَا: بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهِ بِكَذَا، وَبَاعَك اللَّهُ بِكَذَا، أَوْ سَلَّطْتُك عَلَيْهِ بِكَذَا، وَتَمَلَّكْهُ بِكَذَا. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَالصِّيغَةُ تَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَإِلَى كِنَايَةٍ، فَمِنْ الصَّرِيحِ: بِعْتُك وَمَلَّكْتُك وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَالْكِنَايَةُ كَأَنْ يَقُولَ: خُذْهُ بِعَشَرَةٍ، أَوْ بَاعَهُ اللَّهُ لَك بِعَشَرَةٍ، وَفِي الْإِقَالَةِ: كَأَقَالَك اللَّهُ مِنْهُ. وَقَالُوا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ: لَوْ قَالَ " طَلَّقَك اللَّهُ " أَوْ " أَعْتَقَك اللَّهُ " كَانَ صَرِيحًا فَحَصَلَ التَّنَاقُضُ. قَالَ الشَّيْخُ الْبُلْقِينِيُّ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا أُضِيفَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَقَلَّ بِهِ الْعَبْدُ كَانَ صَرِيحًا، وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ. اهـ. عَنَانِيٌّ. وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: مَا فِيهِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْإِنْشَاءِ ... وَكَانَ مُسْنَدًا لِذِي الْآلَاءِ فَهْوَ صَرِيحٌ ضِدُّهُ كِنَايَهْ ... فَكُنْ لِذَا الضَّابِطِ ذَا دِرَايَهْ قَوْلُهُ: (كَبِعْنِي بِكَذَا) هَذَا اسْتِيجَابٌ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَبُولِ أَيْ مَعَ صِيغَةِ الْأَمْرِ، بِخِلَافِ صِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْمَلْفُوظِ بِهِ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 تَرَاضٍ» وَالرِّضَا خَفِيٌّ فَاعْتُبِرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ اللَّفْظِ، فَلَا بَيْعَ بِمُعَاطَاةٍ وَيَرُدُّ كُلَّ مَا أَخَذَهُ بِهَا أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ. وَشَرْطٌ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَوْ بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَهُمَا كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ، وَلَا سُكُوتٌ   [حاشية البجيرمي] الْمُقَدَّرِ نَحْوُ أَتَبِيعُنِيهِ أَوْ بِعْتنِيهِ ح ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْبَيْعَ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الصِّيغَةُ لِأَنَّ الْبَيْعَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مِنْ اللَّفْظِ) أَيْ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى مَا فِي النَّفْسِ مِنْ الرِّضَا أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْقَرَائِنِ عَلَيْهِ، فَلَا يُقَالُ إنَّ الْقَرَائِنَ قَدْ تَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. وَمِثْلُ اللَّفْظِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ. وَالْمُرَادُ بِاللَّفْظِ مَا يَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً فَخَرَجَ الْمُعَاطَاةُ حَيْثُ اقْتَرَنَ بِهَا لَفْظٌ لَيْسَتْ دَلَالَتُهُ ظَاهِرَةً. قَوْلُهُ: (وَيَرُدُّ كُلَّ مَا أَخَذَهُ) أَيْ وُجُوبًا وَلَوْ بِلَا طَلَبٍ مِنْ الْآخَرِ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ فَلَا عِقَابَ فِي الْآخِرَةِ إنْ كَانَ عَنْ رِضًا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ، لِطِيبِ النَّفْسِ بِهَا وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. اهـ. رَوْضٌ وَشَرَحَهُ. وَالْمُعَاطَاةُ مِنْ الصَّغَائِرِ عَلَى الرَّاجِحِ لِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا، وَكَذَا كُلُّ بَيْعٍ فَاسِدٍ؛ قَالَهُ ع ش. وَقَوْلُهُ: " فَلَا عِقَابَ " أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ يُعَاقِبُ مِنْ حَيْثُ تَعَاطِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُكَفِّرٌ كَمَا فِي شَرْحِ م ر؛ وَلَوْ اخْتَلَفَ اعْتِقَادُهُمَا كَمَالِكِيٍّ وَشَافِعِيٍّ عُومِلَ كُلٌّ بِاعْتِقَادِهِ فَيَجِبُ عَلَى الشَّافِعِيِّ الرَّدُّ دُونَ الْمَالِكِيِّ، فَإِذَا رَدَّ الشَّافِعِيُّ أَتَى فِيهِ الظُّفْرُ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ أَوْ يَرْفَعُ الْمَالِكِيُّ لِلْحَاكِمِ. وَفِي ع ش عَلَى م ر: فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ وَقَعَ بَيْعٌ بِمُعَاطَاةٍ بَيْنَ مَالِكِيٍّ وَشَافِعِيٍّ، هَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِيِّ ذَلِكَ لِإِعَانَتِهِ الشَّافِعِيَّ عَلَى مَعْصِيَةٍ فِي اعْتِقَادِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْأَقْرَبَ الْحُرْمَةُ كَمَا لَوْ لَعِبَ الشَّافِعِيُّ مَعَ الْحَنَفِيِّ الشِّطْرَنْجَ حَيْثُ قِيلَ يَحْرُمُ عَلَى الشَّافِعِيِّ لِإِعَانَتِهِ الْحَنَفِيَّ عَلَى مَعْصِيَةٍ فِي اعْتِقَادِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَدَلُهُ إنْ تَلِفَ) أَيْ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَأَقْصَى الْقِيمَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ، وَكَذَا كُلُّ مَقْبُوضٍ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ سم ع ش عَلَى م ر؛ أَيْ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَغْصُوبِ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَتَخَلَّلَهُمَا إلَخْ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي الْحَاضِرِ، أَمَّا الْغَائِبُ فَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ الْكَلَامِ مِنْ الْكَاتِبِ وَلَا مِنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْكِتَابِ ع ش. قَوْلُهُ: (أَجْنَبِيٌّ) بِأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ كَالْقَبْضِ وَالِانْتِفَاعِ وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ، وَلَا مِنْ مَصَالِحِهِ كَشَرْطِ الرَّهْنِ وَالْإِشْهَادِ، وَلَا مِنْ مُسْتَحَبَّاتِهِ كَالْخِطْبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخِطْبَةَ تُسْتَحَبُّ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ كَمَا قَالَهُ ح ل وم ر. فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَضُرُّ، وَالْكَلَامُ الْأَجْنَبِيُّ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ بِقَدْرِ مَا أَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَلَوْ حَرْفًا مُفْهِمًا أَوْ حَرْفَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُفْهِمَا. نَعَمْ يُغْتَفَرُ الْيَسِيرُ لِنِسْيَانٍ أَوْ جَهْلٍ إنْ عُذِرَ كَالصَّلَاةِ، وَيُغْتَفَرُ لَفْظُ قَدْ لِأَنَّهَا لِلتَّحْقِيقِ شَرَحَ م ر. وَيُغْتَفَرُ لَفْظُ: وَاَللَّهِ اشْتَرَيْت، وَيَضُرُّ: وَأَنَا اشْتَرَيْت؛ قَالَهُ ق ل. وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ شُرُوطِ الصِّيغَةِ خَمْسَةٌ، وَذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يُغَيِّرَ الْأَوَّلُ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ مَا أُتِيَ بِهِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُك ذَا الْعَبْدَ بَلْ الْجَارِيَةَ فَقَبِلَ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ: بِعْتُك هَذَا بِكَذَا حَالًّا بَلْ مُؤَجَّلًا لَمْ يَصِحَّ لِضَعْفِ الْإِيجَابِ بِالتَّغْيِيرِ. الثَّانِي: أَنْ يَتَلَفَّظَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ بِقُرْبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ صَاحِبُهُ بِأَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ فَوْرًا أَوْ حَمَلَتْهُ الرِّيحُ إلَيْهِ فَقَبِلَ. الثَّالِثُ: بَقَاءُ الْأَهْلِيَّةِ إلَى وُجُودِ الشِّقِّ الثَّانِي، فَلَوْ جُنَّ الْأَوَّلُ قَبْلَ وُجُودِ الْقَبُولِ لَمْ يَصِحَّ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ مِمَّنْ صَدَرَ مَعَهُ الْخِطَابُ، فَلَوْ قَبِلَ غَيْرُهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَصِحَّ. وَبَقِيَ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَنْ يَذْكُرَ الْمُبْتَدِئُ مِنْهُمَا الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ. وَأَنْ يَأْتِيَ بِكَافِ الْخِطَابِ، وَأَنْ يُضِيفَ الْبَيْعَ لِجُمْلَتِهِ؛ فَلَوْ قَالَ: بِعْت يَدَك لَمْ يَصِحَّ إلَّا إنْ أَرَادَ التَّجَوُّزَ عَنْ الْجُمْلَةِ وَأَنْ يَقْصِدَ اللَّفْظَ لِمَعْنَاهُ، فَلَوْ سَبَقَ بِهِ لِسَانُهُ أَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا لَا يُعْرَفُ مَعْنَى الْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ م ر. وَقَوْلُهُ " بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ بِقُرْبِهِ " فَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَنْ بِقُرْبِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ سَمِعَهُ صَاحِبُهُ لِحِدَّةِ سَمْعِهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ كُلًّا لَفْظٌ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ ع ش اط ف. فَيَكُونُ شُرُوطُ الصِّيغَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَرْطًا. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَغْتَفِرُ مِنْ الْعَامِّيِّ فَتْحُ التَّاءِ فِي التَّكَلُّمِ وَضَمُّهَا فِي التَّخَاطُبِ لِأَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ إبْدَالُ الْكَافِ أَلِفًا وَنَحْوَهُ سم. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَافِ مِنْ الْعَامِّيِّ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِهَا مِنْ غَيْرِ الْعَامِّيِّ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ قَدَرَ عَلَى النُّطْقِ بِالْكَافِ؛. اهـ. ع ش عَلَى م ر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 طَوِيلٌ وَهُوَ مَا أَشْعَرَ بِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْقَبُولِ، وَأَنْ يَتَوَافَقَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعْنًى، فَلَوْ أَوْجَبَ بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ فَقَبِلَ بِصَحِيحَةٍ أَوْ عَكْسِهِ لَمْ يَصِحَّ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا عَدَمُ التَّعْلِيقِ وَالتَّأْقِيتِ، فَلَوْ قَالَ: إنْ مَاتَ أَبِي فَقَدْ بِعْتُكِ هَذَا بِكَذَا أَوْ بِعْتُكَهُ بِكَذَا شَهْرًا لَمْ يَصِحَّ. وَشَرْطٌ فِي الْعَاقِدِ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا إطْلَاقُ تَصَرُّفٍ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا أَشْعَرَ بِإِعْرَاضِهِ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ بِقَدْرِ مَا يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ فِي الْفَاتِحَةِ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ، أَوْ الْقَصِيرُ إذَا قَصَدَ بِهِ الْإِعْرَاضَ بِخِلَافِ السُّكُوتِ الطَّوِيلِ لِعُذْرِ مَنْ جَهِلَ أَوْ نِسْيَانٍ فَيَضُرُّ كَالْفَاتِحَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَتَوَافَقَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعْنًى) وَإِنْ لَمْ يَتَوَافَقَا لَفْظًا كَأَنْ قَالَ: بِعْتُك بِقِرْشٍ فَقَبِلَ بِثَلَاثِينَ نِصْفِ فِضَّةٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَأَنْ يَتَوَافَقَا مَعْنًى بِأَنْ يَتَّفِقَا فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْعَدَدِ وَالْحُلُولِ وَالْأَجَلِ وَإِنْ اخْتَلَفَ لَفْظُهُمَا صَرِيحًا وَكِنَايَةً اهـ. وَقَالَ ع ش عَلَيْهِ: قَوْلُهُ " مَعْنًى " أَيْ لَا لَفْظًا، حَتَّى لَوْ قَالَ: وَهَبْتُكَهُ بِكَذَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت أَوْ عُكِسَ صَحَّ مَعَ اخْتِلَافِ صِيغَتِهِمَا لَفْظًا اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَوْجَبَ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ الشَّرْطِ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ تُسَاوِهِ قِيمَةُ الصِّحَاحِ قِيمَةَ الْمُكَسَّرَةِ، أَمَّا إذَا تَسَاوَيَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ كَذَا قِيلَ، لَكِنْ فِي الْبِرْمَاوِيِّ وَالْحَلَبِيِّ: وَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا، وَاعْتَمَدَ كَلَامَهُمَا شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ. قَوْلُهُ: (مُكَسَّرَةً) وَهِيَ قِطَعُ نَقْدٍ مَضْرُوبَةٍ لَا نَحْوُ أَنْصَافِ الْقُرُوشِ وَأَرْبَاعِهَا، وَقَالَ ق ل عَلَى الْمُحَلَّى: الْمُرَادُ بِالْمُكَسَّرَةِ قِطَعٌ صِغَارٌ تُقْرَضُ مِنْ نَحْوِ الدَّنَانِيرِ لِشِرَاءِ الْحَوَائِجِ الصَّغِيرَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ الْقُرُوشِ. قَوْلُهُ: (فَقَبِلَ بِصَحِيحَةٍ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَوْجَبَ بِأَلْفٍ فَقِيلَ بِأَلْفٍ مِنْ نَقْدٍ آخَرَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ فِي السِّكَّةِ دُونَ الْقِيمَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ بَرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ (أَوْ عَكْسَهُ) بِالنَّصْبِ، أَيْ أَوْ كَانَ عَكْسَهُ أَوْ بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: أَوْ حَصَلَ عَكْسُهُ، وَالْجُمْلَةُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى " أَوْجَبَ ". قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) أَيْ لِقَبُولِهِ مَا لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ؛ قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (عَدَمُ التَّعْلِيقِ) أَيْ الَّذِي لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ بِخِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ ك " إنْ كَانَ مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُكَهُ " أَوْ " بِعْتُك إنْ شِئْت " كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّأْقِيتِ) وَلَوْ بِمَا يُبْعِدُ بَقَاءَ الدُّنْيَا إلَيْهِ كَأَلْفِ سَنَةٍ ح ل، وَعِبَارَةُ ز ي: وَعَدَمُ تَأْقِيتٍ وَلَوْ بِنَحْوِ حَيَاتِك أَوْ أَلْفِ سَنَةٍ عَلَى الْأَوْجَهِ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ عَلَى مَا فِيهِ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْتَهِي بِالْمَوْتِ لِانْتِقَالِهِ لِلْوَارِثِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَشَرْطٌ فِي الْعَاقِدِ) أَيْ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: اثْنَانِ لِلْعَاقِدِ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا وَهُمَا الْأَوَّلَانِ، وَالِاثْنَانِ الْآخَرَانِ خَاصَّانِ بِالْمُشْتَرِي؛ فَلِذَا أَظْهَرَ فِي مَحِلِّ الْإِضْمَارِ فِي قَوْلِهِ " وَإِسْلَامُ مَنْ يَشْتَرِي " حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَإِسْلَامُهُ، أَيْ الْعَاقِدِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَحَاصِلُ شُرُوطِهِ أَنَّ بَعْضَهَا عَامٌّ وَهُوَ الْأَوَّلَانِ، وَمِثْلُهُمَا فِي الْعُمُومِ الْإِبْصَارُ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا. أَمَّا قَوْلُهُ " وَإِسْلَامُ " فَهُوَ مِنْ الْخَاصِّ. وَمِنْهَا عَدَمُ إحْرَامِ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ صَيْدَ بَرِّيٍّ وَحْشِيٍّ، وَعَدَمُ حِرَابَةِ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ عِدَّةَ حَرْبٍ. وَخَرَجَ بِالْعَاقِدِ الْمُتَوَسِّطُ كَالدَّلَّالِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فِيهِمَا بَلْ الشَّرْطُ فِيهِ التَّمْيِيزُ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (إطْلَاقُ تَصَرُّفٍ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبَ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْوَكِيلِ، فَإِنَّ كُلًّا غَيْرُ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ لِأَنَّ كُلًّا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَ وَلَا أَنْ يَتَصَدَّقَ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ. اهـ. ح ل. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: الْمُرَادُ بِإِطْلَاقِ التَّصَرُّفِ صِحَّتُهُ وَلَوْ بِالْبَيْعِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ " إطْلَاقُ تَصَرُّفٍ دُونَ الرُّشْدِ " لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَيْهِ لَا عَلَى الرُّشْدِ فَيَدْخُلُ مَنْ بَلَغَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ وَدَيْنِهِ ثُمَّ بَذَّرَ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَهُوَ السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ، فَهُوَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ رَشِيدًا. وَدَخَلَ الْمُفْلِسُ إذَا عَقَدَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً فَيَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ عَلَى الْعَيْنِ. دَخَلَ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ جَرَيَانَ الْعَقْدِ مَعَهُ كَالْإِذْنِ لَهُ، وَهُوَ إذَا أَذِنَ لَهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ صَبِيٍّ إلَخْ) ثُمَّ إنْ تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَ مَا قَبَضَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ قَبَضَهُ مِنْ رَشِيدٍ ضَاعَ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ لِمَالِهِ وَيَلْزَمُ الرَّشِيدَ رَدُّ الثَّمَنِ لِلْوَلِيِّ، وَأَمَّا إنْ قَبَضَ مِنْ غَيْرِ رَشِيدٍ فَيَضْمَنُ كُلٌّ مَا أَخَذَهُ مِنْ صَاحِبِهِ إنْ كَانَ بِغَيْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 وَعَدَمُ إكْرَاهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ مُكْرَهٍ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِعَدَمِ رِضَاهُ، وَيَصِحُّ بِحَقٍّ كَأَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ بَيْعُ مَالِهِ لَهُ وَفَاءَ دَيْنٍ فَأَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. وَلَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِإِكْرَاهِهِ عَلَيْهِ صَحَّ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِذْنِ. وَإِسْلَامُ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ وَلَوْ بِوَكَالَةِ مُصْحَفٍ أَوْ نَحْوِهِ كَكُتُبِ حَدِيثٍ أَوْ كُتُبِ عِلْمٍ فِيهَا آثَارُ السَّلَفِ أَوْ مُسْلِمٍ أَوْ مُرْتَدٍّ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِمَا فِي مِلْكِ الْكَافِرِ لِلْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْإِهَانَةِ وَلِلْمُسْلِمِ مِنْ الْإِذْلَالِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141]   [حاشية البجيرمي] إذْنِ الْوَلِيِّ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَّطَهُ. قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ إكْرَاهٍ) أَيْ إنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِاخْتِيَارِ، فَإِنْ وُجِدَتْ صَحَّ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ ز ي. وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ: وَعَدَمُ إكْرَاهٍ إلَخْ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ: الِاخْتِيَارُ وَالْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فَيَصِحُّ مِنْهُ الْعَقْدِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ مُكْرَهٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَ الْبَيْعِ، وَإِلَّا صَحَّ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِ طَلَاقٍ فَقَصَدَ إيقَاعَهُ صَحَّ الْقَصْدُ، سم. فَالصَّرِيحُ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ كِنَايَةٌ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (فِي مَالِهِ) مِثْلُهُ وَكِيلٌ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ (فَأَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ الْمُتَغَلِّبُ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ، وَالْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَأْمُرُهُ بِالْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُتَغَلِّبِ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِنَفْسِهِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إنْ لَمْ تَبِعْنِي شَيْئًا مِنْ بَهَائِمِك وَإِلَّا قَتَلْتُك، فَبَاعَهُ شَيْئًا مِنْهَا صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، كَذَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا ز ي. أَيْضًا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ الَأُجْهُورِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُصَادَرِ وَهُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ مِنْ أُلْجِئَ إلَى دَفْعِ دَرَاهِمَ فَبَاعَ بَعْضَ مَالِهِ وَدَفَعَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ، وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِيلَةِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ الْفَلَاحُ بَعْضَ دَوَابِّهِ مَثَلًا بِثَمَنٍ يَسِيرٍ خَوْفًا مِنْ الْمُلْتَزِمِ. وَيَكُونُ الشَّرْطُ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُولَ لِشَخْصٍ: بِعْتُك هَذَا بِكَذَا، لَكِنْ لَمَّا يَخْرُجُ الْمُلْتَزِمُ آخُذُهُ مِنْك. فَإِنَّ هَذَا صَحِيحٌ إنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْعَقْدِ، وَإِلَّا فَلَا. وَيَصِحُّ عَقْدُ السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ الَّذِي هُوَ خِطَابُ الْوَضْعِ، شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَإِسْلَامُ مَنْ يَشْتَرِي إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْمُصْحَفِ مَا فِيهِ قُرْآنٌ وَإِنْ قَلَّ، وَذَلِكَ يَشْمَلُ التَّمِيمَةَ؛ وَهُوَ مُتَّجَهٌ. وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ جِلْدُهُ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ، فَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِلْكَافِرِ وَإِنْ لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْهُ سم. نَعَمْ يُتَسَامَحُ بِتَمْلِيكِ الْكَافِرِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الَّتِي عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَيُلْحَقُ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ شِرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الدُّورَ وَقَدْ كُتِبَ فِي سَقْفِهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ مُغْتَفَرًا لِلْمُسَامَحَةِ بِهِ غَالِبًا إذْ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقُرْآنِيَّةُ كَمَا وَسَمَّوْا نَعَمْ الْجِزْيَةُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّهَا قَدْ تَتَمَرَّغُ فِي النَّجَاسَةِ. وَمِثْلُ الْقُرْآنِ الْحَدِيثُ وَلَوْ ضَعِيفًا فِيمَا يَظْهَرُ إذْ هُوَ أَوْلَى مِنْ آثَارِ السَّلَفِ. بِخِلَافِ مَا إذَا خَلَتْ عَنْ الْآثَارِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالشَّرْعِ كَكُتُبِ نَحْوِ فِقْهٍ خَلَا عَنْ اسْمِ اللَّهِ. وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْمُصْحَفِ لِتَجْلِيدِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ، بِخِلَافِ تَمْكِينِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ لِمَا فِي تَمْكِينِهِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِهَانَةِ شَرْحِ م ر وع ش. قَوْلُهُ (آثَارَ السَّلَفِ) أَيْ حِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ كَطَبَقَاتِ الشَّعْرَانِيِّ، أَمَّا الْخَالِيَةُ كَكُتُبِ نَحْوٍ وَلُغَةٍ فَيَصِحُّ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالشَّرْعِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ؛ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ مُسْلِمٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " مُصْحَفٍ ". قَوْلُهُ: (أَوْ مُرْتَدٍّ) خَرَجَ بِهِ الْمُتَنَقِّلُ مِنْ دِينٍ إلَى آخَرَ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ لِلْكَافِرِ. قَوْلُهُ: (لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ عَلَيْهِ لِيَشْمَلَ مَنْ أُقِرَّ بِحُرِّيَّتِهِ أَوْ شُهِدَ بِهَا ز ي. وَقَوْلُهُ. " لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ " رَاجِعٌ لِلِاثْنَيْنِ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِي مِلْكِ الْكَافِرِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَهُ لِمَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْإِهَانَةِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا اسْتَفْتَاهُ ذِمِّيٌّ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ لَفْظَ الْجَلَالَةِ، فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا الْخَطَأُ فِيهِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مِنْ الْإِذْلَالِ) عَبَّرَ بِالْإِذْلَالِ فِي جَانِبِ الْمُسْلِمِ وَالْإِهَانَةِ فِي الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِيقَةِ الْإِذْلَالِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُذِلِّ شُعُورٌ يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ فِي الْجُمْلَةِ ع ش؛ وَلِأَنَّهُ يُقَالُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمُصْحَفِ فِي يَدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 وَلِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فِي الْمُرْتَدِّ بِخِلَافِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ كَأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ، فَيَصِحُّ لِانْتِفَاءِ إذْلَالِهِ بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ. فَائِدَةٌ: يُتَصَوَّرُ دُخُولُ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ فِي مَسَائِلَ نَحْوِ الْأَرْبَعِينَ صُورَةً، وَقَدْ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَأَفْرَدَهَا الْبُلْقِينِيُّ بِتَصْنِيفٍ دُونَ الْكُرَّاسَةِ وَالشَّامِلِ لِجَمِيعِهَا ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ: الْأَوَّلُ الْمِلْكُ الْقَهْرِيُّ. الثَّانِي: مَا يُفِيدُ الْفَسْخَ. الثَّالِثُ: مَا اسْتَعْقَبَ الْعِتْقَ. فَاسْتَفِدْهُ فَإِنَّهُ ضَابِطٌ مُهِمٌّ، لِبَعْضِهِمْ فِي ذَلِكَ نَظْمٌ وَهُوَ: وَمُسْلِمٌ يَدْخُلُ مِلْكَ كَافِرْ ... بِالْإِرْثِ وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ ظَاهِرْ إقَالَةٌ وَفَسْخُهُ وَمَا وَهَبْ ... أَصْلٌ وَمَا اسْتَعْقَبَ عِتْقًا بِسَبَبْ وَتَقَدَّمَتْ شُرُوطُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مَثَلًا وَثَمَّ نَقْدٌ غَالِبٌ تَعَيَّنَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَتُهُمَا لَهُ، أَوْ نَقْدَانِ مَثَلًا وَلَوْ   [حاشية البجيرمي] مَنْ لَا يُعَظِّمُهُ أَهَانَهُ وَلَا يُقَالُ أَذَلَّهُ وَالْمُسْلِمُ بِالْعَكْسِ. قَوْلُهُ: (سَبِيلًا) أَيْ مِلْكًا م د. قَوْلُهُ: (وَلِبَقَاءِ عُلْقَةِ الْإِسْلَامِ إلَخْ) أَيْ وَفِي تَمْكِينِ الْكَافِرِ مِنْهُ إزَالَةً لَهَا؛ شَرْحُ حَجّ. قَوْلُهُ: (دُونَ الْكُرَّاسَةِ) بِضَمِّ الْكَافِ قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ) وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: مَا اسْتَعْقَبَ الْعِتْقَ وَمِلْكَ قَهْرِيٍّ ... وَمَا يُفِيدُ الْفَسْخَ فَاحْفَظْ وَادْرِي قَوْلُهُ: (مَا اسْتَعْقَبَ الْعِتْقَ) كَأَنْ اشْتَرَى الْكَافِرُ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ الْمُسْلِمَ كُلٌّ مِنْهُمَا، فَإِنَّ الشِّرَاءَ صَحِيحٌ وَيُقَدَّرُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ. وَقَدْ اشْتَمَلَ هَذَا النَّظْمُ عَلَى الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ: فَالْأَوَّلَانِ لِلْمِلْكِ الْقَهْرِيِّ، وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهُمَا لِلْفَسْخِ وَالْأَخِيرُ لِاسْتِعْقَابِ الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (وَالرَّدُّ بِعَيْبٍ) بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ ثَمَنًا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ وَفَسْخِهِ، أَوْ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ شَامِلٌ لِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، فَإِنَّ لِلْبَائِعِ فَسْخَ الْبَيْعِ، وَشَامِلٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ. قَوْلُهُ: (إقَالَةٍ) بِالْجَرِّ عَلَى تَقْدِيرِ حَرْفِ الْعَطْفِ. وَهِيَ وَالْفَسْخُ وَالرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ تَرْجِعُ لِقَوْلِهِ مَا يُفِيدُ الْفَسْخَ. وَصُورَةُ الْإِقَالَةِ أَنْ يُقِيلَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمَبِيعِ بَعْدَ إسْلَامِ الْعَبْدِ، فَهِيَ فَسْخٌ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ. وَصُورَةُ الْفَسْخِ أَنْ يَخْتَلِفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَلَا بَيِّنَةَ ثُمَّ يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَيَرْجِعَ الْعَبْدُ لِلْبَائِعِ. وَصُورَةُ الْهِبَةِ أَنْ يَهَبَ الْأَصْلُ لِفَرْعِهِ عَبْدًا ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ، فَيَأْخُذَهُ وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا. قَوْلُهُ: (وَمَا وُهِبَ) اُنْظُرْ هَذَا دَاخِلٌ فِي أَيِّ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي الثَّانِي. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ " وَمَا وَهَبَ " أَيْ مَا وَهَبَهُ الْأَصْلُ لِفَرْعِهِ، أَيْ رُجُوعُ الْأَصْلِ فِيمَا وَهَبَهُ لِفَرْعِهِ. وَهَذَا مِنْ صُوَرِ الْفَسْخِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْعِلْمِ بِالصِّفَةِ الشَّامِلَةِ لِلْجِنْسِ، أَيْ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالصِّفَةِ؛ يَعْنِي يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالصِّفَةِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ: (مَثَلًا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " بَاعَ ". قَوْلُهُ: (بِنَقْدٍ) كَدِينَارٍ، فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْمَحْبُوبَ وَالْجَنْزِيرَ وَالْفُنْدُقْلِيَّ. قَوْلُهُ: (وَثُمَّ نَقْدٍ غَالِبٍ) أَيْ فِي مَكَانِ الْبَيْعِ، قَالَ فِي التُّحْفَةِ: سَوَاءٌ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ أَهْلِهَا أَيْ بَلَدِ الْبَيْعِ وَيَعْلَمُ نَقُودَهَا أَوْ لَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ اهـ. وَفِيهِ وَقْفَةٌ لِمُنَافَاتِهِ لِلتَّعْلِيلِ الْآتِي، وَلِأَنَّهُ إذَا جَهِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَقُودَ الْبَلَدِ كَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا لَهُمَا وَالْوَجْهُ عَدَمُ الْعَمَلِ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ، شَوْبَرِيٌّ. وَكَلَامُ الْحَلَبِيِّ يُوَافِقُ التُّحْفَةَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ وَلَوْ مَعَ جَهْلِهِمَا بِهِ. قَوْلُهُ: (نَقْدٍ غَالِبٍ) أَيْ نَوْعٍ مِنْهُ. وَعُلِمَ بِقَوْلِهِ " غَلَبَ " أَنَّ هُنَاكَ نَقْدًا آخَرَ أَوْ أَكْثَرَ، إذْ لَا أَغْلَبِيَّةَ مَعَ الِانْفِرَادِ لِأَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ قَطْعًا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 صَحِيحًا وَمُكَسَّرًا وَلَا غَالِبَ اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ لَفْظًا إنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَتْ لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْيِينٌ وَتَكْفِي مُعَايَنَةُ عِوَضٍ عَنْ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ اكْتِفَاءً بِالتَّخْمِينِ الْمَصْحُوبِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَتَكْفِي رُؤْيَةٌ قَبْلَ عَقْدٍ فِيمَا لَا يَغْلِبُ تَغَيُّرُهُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ ذَاكِرًا لِلْأَوْصَافِ عِنْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا يَغْلِبُ تَغَيُّرُهُ كَالْأَطْعِمَةِ. وَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ مَبِيعٍ إنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيهِ كَظَاهِرِ صُبْرَةٍ نَحْوِ بُرٍّ كَشَعِيرٍ أَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى بَاقِيهِ بَلْ كَانَ صِوَانًا لِلْبَاقِي لِبَقَائِهِ كَقِشْرِ رُمَّانٍ وَبَيْضٍ وَقِشْرَةٍ سُفْلَى لِجَوْزٍ أَوْ   [حاشية البجيرمي] وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ النَّوْعَانِ جِنْسًا أَوْ نَوْعًا أَوْ اخْتَلَفَا ق ل. قَوْلُهُ: (تَعَيَّنَ) أَيْ الْغَالِبُ وَإِنْ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ، أَوْ كَانَ نَاقِصًا، أَوْ نَوَيَا خِلَافَهُ ق ل. قَوْلُهُ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ أَرَادَا غَيْرَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ بِاللَّفْظِ؛ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَتَكْفِي مُعَايَنَةُ عِوَضٍ) وَلَا خِيَارَ لَهُ إذَا ظَهَرَ مَعِيبًا لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الْبَحْثِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَدَابِغِيُّ. قَوْلُهُ: (فِيمَا لَا يَغْلِبُ) بِأَنْ غَلَبَ عَدَمُ تَغَيُّرِهِ، أَيْ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِالْفِعْلِ كَأَرْضٍ وَإِنَاءٍ وَحَدِيدٍ، أَوْ اسْتَوَى تَغَيُّرُهُ وَعَدَمُهُ كَالْحَيَوَانِ ق ل. وَقَوْلُهُ " كَالْحَيَوَانِ " قَالَ الزِّيَادِيُّ: الْكَافُ لِلتَّنْظِيرِ لَا لِلتَّمْثِيلِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَغْلِبُ فِيهِ التَّغَيُّرُ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ إنَّ الْحَيَوَانَ يَتَغَذَّى فِي الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتُحَوَّلُ طِبَاعُهُ فَقَلَّمَا يَنْفَكُّ عَنْ عَيْبٍ خَفِيٍّ أَوْ ظَاهِرٍ اهـ. وَقَوْلُهُ " لِلتَّنْظِيرِ " أَيْ نَظِيرِ مَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ، أَيْ وَإِنْ غَلَبَ فِيهِ التَّغَيُّرُ وَجَعَلَهَا سُلْطَانًا لِلتَّمْثِيلِ؛ وَارْتَضَاهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَعِبَارَتُهُ: الْكَافُ لِلتَّمْثِيلِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْحَيَوَانُ يَتَغَذَّى فِي الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتُحَوَّلُ طِبَاعُهُ فَقَلَّمَا يَنْفَكُّ عَنْ عَيْبٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " لَا يَنْفَكُّ عَنْ عَيْبٍ " لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ غَلَبَةَ تَغَيُّرِهِ عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي رُئِيَ عَلَيْهَا. لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعِيبًا، وَتَسْتَمِرُّ تِلْكَ الصِّفَةُ الْمَرْئِيَّةُ مَعَ حُصُولِ الْعَيْبِ فِيهِ إلَى الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (ذَاكِرًا لِلْأَوْصَافِ) الَّتِي رَآهَا حِينَ الرُّؤْيَةِ. قَوْلُهُ: (رُؤْيَةُ بَعْضِ مَبِيعٍ) أَيْ لَا مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ أَوْ مَاءٍ صَافٍ كَمَا لَا يُكْتَفَى بِهِمَا فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْبَابَيْنِ، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالرُّؤْيَةِ إذَا وُجِدَتْ مِنْ وَرَاءِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْمَدَارَ ثَمَّ عَلَى مُرَادِ مُطْلَقِهَا وَقَدْ وُجِدَ وَهُنَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ التَّامَّةِ فَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ، رَحْمَانِيٌّ. وَانْظُرْ هَلْ يُكْتَفَى بِالْمَعْرِفَةِ وَالرُّؤْيَةِ بِوَاسِطَةِ الْآلَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْعُيُونِ؟ وَحَرِّرْهُ، قَالَ خ ض: نَعَمْ يَصِحُّ بَيْعُ السَّمَكِ وَالْأَرْضِ الْمَسْتُورَيْنِ بِالْمَاءِ الصَّافِي لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِهِمَا؛ هَكَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ امْتِنَاعُهُ مَعَ الْكُدُورَةِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِحَّةِ إيجَارِ الْأَرْضِ مَعَ مِثْلِ ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ أَوْسَعُ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ التَّأْقِيتَ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ،. اهـ. مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (كَظَاهِرِ صُبْرَةٍ) مَبِيعَةٍ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا عَلَى الْإِشَاعَةِ. وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " كَظَاهِرِ صُبْرَةِ " نَحْوِ بُرٍّ، أَيْ مِنْ كُلِّ مَا اسْتَوَتْ أَجْزَاؤُهُ، وَكَذَا تَكْفِي رُؤْيَةُ السَّمْنِ فِي ظَرْفِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْبَلَّاصَ فِيهِ غِلَظٌ وَرِقَّةٌ بِأَنْ عَلِمَ الِاسْتِوَاءَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الْبُرُّ فِي ظَاهِرِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ فِيهَا انْعِطَافٌ وَانْخِفَاضٌ بِأَنْ ظَنَّ التَّسَاوِي أَوْ لَمْ يَظُنَّ شَيْئًا وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ اعْتِمَادًا عَلَى هَذِهِ الرُّؤْيَةِ. قَوْلُهُ: (نَحْوُ بُرٍّ كَشَعِيرٍ) مِمَّا لَا تَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهُ غَالِبًا، بِخِلَافِ صُبْرَةِ بِطِّيخٍ وَرُمَّانٍ وَسَفَرْجَلٍ وَنَحْوِهَا. قَوْله: (صِوَانًا) بِكَسْرِ الصَّادِ وَضَمِّهَا، أَيْ حِفْظًا لِبَقَائِهِ أَيْ لِأَجْلِ بَقَائِهِ، فَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ " صِوَانًا ". وَيُقَالُ " صِيَانٌ " بِالْيَاءِ أَيْ وِعَاءٌ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. وَقَوْلُهُ " لِلْبَاقِي " مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَلَامُهُ لِلتَّعْدِيَةِ، فَاخْتَلَفَ مَعْنَى الْحَرْفَيْنِ فَلَا اعْتِرَاضَ. قَوْلُهُ: (كَقِشْرِ رُمَّانٍ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ أَمْثِلَةٌ لِلصِّوَانِ خِلْقَةً، وَلَوْ ذَكَرَ غَيْرَ الْخِلْقِيِّ مَعَهُ لَكَانَ أَوْلَى كَالْخُشْكَنَانِ وَالْجُبَّةِ الْمُحَشِّيَةِ وَالطَّاقِيَّةِ الْمُحَشِّيَةِ وَالْمُجَوَّزَةِ، بِخِلَافِ اللُّحُفِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ بَعْضِ قُطْنِهَا ق ل. وَقَوْلُهُ " كَالْخُشْكَنَانِ " كَلِمَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ لِأَنَّ خشن اسْمٌ لِلْيَابِسِ وكنان اسْمٌ لِلْعَجِينِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: عَجِينٌ يَابِسٌ بِتَقْدِيمِ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: قَوْلُهُ (خُشْكَنَانَ) الْخُشْكَنَانُ اسْمٌ لِقِطْعَةٍ عَجِينَةٍ يُضَافُ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ السُّكَّرِ وَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَفَطِيرَةٌ رَقِيقَةٌ وَيُجْعَلُ الْمَجْمُوعُ فِي هَذِهِ الْفَطِيرَةِ وَيُسَوَّى بِالنَّارِ، فَالْفَطِيرَةُ الرَّقِيقَةُ هِيَ قِشْرَةٌ فَتَكْفِي رُؤْيَتُهَا عَنْ رُؤْيَةِ مَا فِيهَا لِأَنَّهَا صَوَانِي لَهُ. وَقَوْلُهُ " رُمَّانٍ " رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: كُلُوا الرُّمَّانَ بِشَحْمِهِ فَإِنَّهُ دِبَاغُ الْمَعِدَةِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَقَطَتْ مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 لَوْزٍ، فَتَكْفِي رُؤْيَتُهُ لِأَنَّ صَلَاحَ بَاطِنِهِ فِي إبْقَائِهِ فِيهِ. وَخَرَجَ بِالسُّفْلَى وَهِيَ الَّتِي تُكْسَرُ حَالَةَ الْأَكْلِ الْعُلْيَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَصَالِحِ مَا فِي بَطْنِهِ. نَعَمْ إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ السُّفْلَى كَاللَّوْزِ الْأَخْضَرِ، كَفَتْ رُؤْيَةُ الْعُلْيَا لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَأْكُولٌ. وَيَجُوزُ بَيْعُ قَصَبِ السُّكْرِ فِي قِشْرِهِ الْأَعْلَى لِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَسْفَلَ كَبَاطِنِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُمَصُّ مَعَهُ، وَلِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَعْلَى لَا يَسْتُرُ جَمِيعَهُ. وَيَصِحُّ سَلَمُ الْأَعْمَى وَإِنْ عَمِيَ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ بِعِوَضٍ فِي ذِمَّتِهِ يُعَيِّنُ فِي الْمَجْلِسِ وَيُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُ عَنْهُ أَوْ مَنْ يَقْبِضُ لَهُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ رَأَى قَبْلَ الْعَمَى شَيْئًا مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ قَبْلَ عَقْدِهِ صَحَّ عَقْدُهُ عَلَيْهِ كَالْبَصِيرِ. وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ شَيْئًا ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ فِيهِ الْبَيْعُ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبَصَلِ وَالْجَزَرِ وَنَحْوِهِمَا فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ. فَصْلٌ: فِي الرِّبَا وَهُوَ بِالْقَصْرِ لُغَةً الزِّيَادَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5] أَيْ زَادَتْ وَنَمَتْ وَشَرْعًا نَقْدٌ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ   [حاشية البجيرمي] حَبَّةُ رُمَّانَةٍ أَكَلَهَا، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ رُمَّانَةٌ تُلَقَّحُ إلَّا وَفِيهَا حَبَّةٌ مِنْ حَبِّ الْجَنَّةِ فَلَعَلَّهَا هَذِهِ. قَالَ صَاحِبُ الْفِلَاحَةِ: تُؤْخَذُ رُمَّانَةٌ مِنْ شَجَرَةٍ وَتَعُدُّ حَبَّاتِهَا فَيَكُونُ عَدَدُ حَبَّاتِ رُمَّانِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تَعُدُّ شُرَافَاتِ قَمْعِ رُمَّانَةٍ فَإِنْ كَانَتْ زَوْجًا فَعَدَدُ حَبَّاتِهَا زَوْجٌ وَإِنْ كَانَتْ فَرْدًا فَعَدَدُ حَبَّاتِهَا فَرْدٌ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِي قِشْرِهِ الْأَعْلَى) وَلَا يُرَدُّ الْقَوْلُ، فَإِنَّهُ قِشْرُ الْقَصَبِ الْأَعْلَى لَيْسَ سَاتِرًا لِجَمِيعِهِ فِي الْأَغْلَبِ فَيُرَى الْقَصَبُ مِنْ بَعْضِهِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ،. اهـ. سُلْطَانٌ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَعْلَى إلَخْ) وَبِهِ فَارَقَ الْفُولَ الْأَخْضَرَ وَالْمُلَانَةَ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا فِي قِشْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ يُؤْكَلُ مَعَهُمَا، مَدَابِغِيٌّ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْفُولِ الْأَخْضَرِ بِقِشْرِهِ إنْ كَانَ يُؤْكَلُ مَعَهُ. قَوْلُهُ: (سَلَمُ الْأَعْمَى) أَيْ أَنْ يُسْلِمَ أَوْ أَنْ يُسْلَمَ إلَيْهِ، فَهُوَ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ أَوْ مَفْعُولِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ بَعْدُ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ " سَلَمُ الْأَعْمَى " يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ شَرْطَ الْعَاقِدِ لِلْبَيْعِ الْإِبْصَارُ، وَإِضَافَةُ سَلَمٍ إلَى الْأَعْمَى لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ السَّلَمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَعْمَى بِأَنْ يُسْلِمَ أَوْ يُسْلَمَ إلَيْهِ وَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِهِ نَفْسَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ تَمْيِيزِهِ) أَيْ الْأَشْيَاءَ لَا التَّمْيِيزُ الشَّرْعِيُّ. قَوْلُهُ: (بِعِوَضٍ) وَهُوَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ، وَقَوْلُهُ " فِي ذِمَّتِهِ " صَوَابُهُ: فِي ذِمَّةٍ بِالتَّنْكِيرِ، لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ مُسْلَمًا إلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ وَلَوْ بَصِيرًا لِيُوَافِقَ كَوْنَهُ مُسْلِمًا أَوْ مُسْلَمًا إلَيْهِ. وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ: قَوْلُهُ " فِي ذِمَّتِهِ " قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُ عَلَى عِوَضٍ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا يُعْتَبَرُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ مَعَ أَنَّهُ فَاقِدٌ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (يُعَيِّنُ فِي الْمَجْلِسِ) نَعْتُ عِوَضٍ. قَوْلُهُ: (مَنْ يُقْبِضُ عَنْهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَقْبَضَ، وَقَوْلُهُ " يَقْبِضُ لَهُ " بِفَتْحِهَا مِنْ قَبَضَ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُمَا) أَيْ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ مَسْتُورٌ بِالْأَرْضِ كَالْفُجْلِ وَالْقُلْقَاسِ، نَعَمْ الْخَسُّ وَالْكُرُنْبُ يَصِحُّ بَيْعُهُمَا فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْهُمَا غَيْرُ مَقْصُودٍ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ وَيُرْمَى ق ل. [فَصْلٌ فِي الرِّبَا] وَهُوَ يَشْمَلُ الْمُعَيَّنَ وَمَا فِي الذِّمَّةِ؛ فَلِذَلِكَ ذَكَرَ عَقِبَهُمَا. وَلَا يَقَعُ فِيهِ السَّلَمُ أَيْضًا فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُسْلِمَ ذَهَبًا فِي فِضَّةٍ وَعَكْسُهُ، وَكَذَلِكَ فُولًا فِي قَمْحٍ وَعَكْسُهُ،. اهـ. ق ل. وَلِبَعْضِهِمْ: وَلَّى صَاحِبُ مَا كَانَ يَمْلِكُ دِرْهَمًا وَكَانَ فَقِيرَ الْحَالِ وَهُوَ تُرَابِيٌّ فَصَادَفَهُ مَالٌ فَأَضْحَى مُرَابِيًا فَقُلْت لَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ تُرَابِي قَوْلُهُ: (بِالْقَصْرِ) أَيْ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَبِفَتْحِهَا مَعَ الْمَدِّ أَلِفُهُ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ، وَيُكْتَبُ بِهِمَا أَوْ بِالْيَاءِ ش م ر. قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ حَالَةَ الْعَقْدِ أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا. وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ زِيَادَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. وَرِبَا الْيَدِ وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ تَأْخِيرِ قَبْضِهِمَا أَوْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا. وَرِبَا النَّسَاءِ وَهُوَ الْبَيْعُ لِأَجَلٍ. (وَالرِّبَا حَرَامٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَلِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا   [حاشية البجيرمي] الْبَيْضَاوِيُّ: وَإِنَّمَا كُتِبَ بِالْوَاوِ كَالصَّلَاةِ لِلتَّفْخِيمِ عَلَى لُغَةٍ، وَزِيدَتْ الْأَلِفُ بَعْدَهَا تَشْبِيهًا بِوَاوِ الْجَمْعِ اهـ؛ أَيْ وَالتَّفْخِيمُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ وَاوِيٌّ بِدَلِيلِ عَدَمِ الْإِمَالَةِ. وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يُكْتَبُ بِوَاوٍ كَالصَّلَاةِ وَيُكْتَبُ بَعْدَ تِلْكَ الْوَاوِ أَلِفٌ، نَحْوُ قَالُوا. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى رَسْمِ الْقُرْآنِ، أَمَّا رَسْمُهُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يُرْسَمُ إلَّا بِالْأَلِفِ لِأَنَّهُ وَاوِيٌّ، وَيَجُوزُ رَسْمُهُ بِالْيَاءِ عَلَى قِلَّةٍ. وَإِنَّمَا لَمْ يُرْسَمْ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ كَالْقُرْآنِ لِخُرُوجِ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ عَنْ الْقَوَاعِدِ، وَقَدْ قَالُوا: خَطَّانِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا: خَطُّ الْمُصْحَفِ وَخَطُّ الْعَرُوضِيِّينَ. وَيُثَنَّى بِالْوَاوِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَالْبَصْرِيِّينَ وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ بِالْيَاءِ لِأَجْلِ كَسْرَةِ الرَّاءِ؛ وَلِهَذَا قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: " الرِّبَا " بِالْإِمَالَةِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّفْخِيمِ أَيْ عَدَمِ الْإِمَالَةِ، قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَالْوَاوُ أَوْلَى لِأَنَّهَا الَّتِي فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ وَتُبْدَلُ بَاؤُهُ مِيمًا فَيُمَدُّ م د. قَوْلُهُ: (اهْتَزَّتْ) أَيْ تَحَرَّكَتْ. قَوْلُهُ: (وَشَرْعًا إلَخْ) هَذَا ضَابِطٌ لِلرِّبَا الَّذِي تَعَاطِيهِ حَرَامٌ، فَإِنْ اخْتَلَّ قَيْدٌ مِنْ قُيُودِ التَّعْرِيفِ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ رِبًا. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ " غَيْرُ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ " يَصْدُقُ بِالتَّفَاضُلِ فِي غَيْرِ مُتَّحِدِي الْجِنْسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَلْ فِي التَّمَاثُلِ لِلْعَهْدِ أَيْ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مُتَّحِدِي الْجِنْسِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ " أَوْ مَعَ تَأْخِيرِ إلَخْ " عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، وَالتَّقْدِيرُ: أَوْ كَانَ مَعْلُومَ التَّمَاثُلِ لَكِنْ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَيَكُونُ خَاصًّا بِمُتَّحِدِي الْجِنْسِ مِنْ الرِّبَوِيِّ، فَيَخْرُجُ عِنْدَمَا لَوْ حَصَلَ تَأَخُّرُ الْقَبْضِ لِلْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا عِنْدَ عَدَمِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ " أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ " عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ " أَيْ عَقْدٍ وَاقِعٍ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ، أَوْ وَاقِعٍ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ. فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الرِّبَوِيُّ فَيَصْدُقُ بِغَيْرِ الرِّبَوِيِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ " أَلْ " فِي الْبَدَلَيْنِ لِلْعَهْدِ أَيْ الرِّبَوِيَّيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: التَّعْرِيفُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَصْدُقُ بِالْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ رِبَا الْفَضْلِ وَالثَّانِي رِبَا الْيَدِ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ " أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ " أَيْ قَبْضًا أَوْ اسْتِحْقَاقًا، فَيَصْدُقُ بِرِبَا النَّسَاءِ. وَعِبَارَةُ سم: قَوْلُهُ " عَقَدَ إلَخْ " هَذَا الْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ، إذْ يَخْرُجُ عَنْهُ مَا لَوْ أَجَلًا الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ لِقِصَرِ الْأَجَلِ أَوْ لِلتَّبَرُّعِ بِالْإِقْبَاضِ مَعَ أَنَّ فِيهِ الرِّبَا. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْخِيرِ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَعَمُّ مِنْ تَأْخِيرِ اسْتِحْقَاقِ الْقَبْضِ أَوْ تَأْخِيرِ نَفْسِ الْقَبْضِ اهـ. قَوْلُهُ: (مَخْصُوصٍ) وَهُوَ النَّقْلُ وَالْمَطْعُومُ. قَوْلُهُ: (فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ) وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ. وَالتَّعْرِيفُ يَصْدُقُ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: بِأَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ التَّمَاثُلِ، أَوْ مَعْلُومَ التَّفَاضُلِ، أَوْ مَعْلُومَ التَّمَاثُلِ لَا فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ كَقِنْطَارِ بُرٍّ بِقِنْطَارِ بُرٍّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَعَ تَأْخِيرِ) أَيْ أَوْ وَاقِعٌ مَعَ تَأْخِيرٍ أَيْ قَبْضًا، وَهُوَ رِبَا الْيَدِ، أَوْ اسْتِحْقَاقًا وَهُوَ رِبَا النَّسَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ. قَوْلُهُ: (رِبَا الْفَضْلِ) وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ، وَأَمَّا الْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ فَيَكُونَانِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ وَمُخْتَلِفِهِ. قَوْلُهُ: (وَرِبَا الْيَدِ) نُسِبَ إلَيْهَا لِعَدَمِ الْقَبْضِ بِهَا أَصَالَةً. قَوْلُهُ: (وَرِبَا النَّسَاءِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمَدِّ، أَيْ الْأَجَلِ؛ بِمَعْنَى اشْتِمَالِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُدَّةِ وَإِنْ قَصُرَتْ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ رِبَا الْقَرْضِ، كَأَنْ يُقْرِضَهُ مَقَاصِيصَ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا دِيوَانِيَّةٌ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا فَهُوَ رِبًا» وَيُمْكِنُ رَدُّهُ لِرِبَا الْفَضْلِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ اهـ ش فِي الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: «لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا» إلَخْ فَإِنْ قُلْت: الرِّبَا اسْمٌ لِلْعَقْدِ وَالْعَقْدُ لَا يُؤْكَلُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَهُ عَلَى حَذْفِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَهُ وَكَاتِبَهُ» وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] يَعْنِي فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ. وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْفَصْلِ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي (الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ (وَ) فِي (الْمَطْعُومَاتِ) لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ بِالْمَطْعُومِ مَا قُصِدَ لِلطَّعْمِ اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا، كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ   [حاشية البجيرمي] مُضَافٍ، التَّقْدِيرُ: آكِلُ مُتَعَلِّقِ الرِّبَا وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ. وَاللَّعْنُ لُغَةً هُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ. وَاعْلَمْ أَنَّ لَعْنَ الْمُسْلِمِ الْمُعَيَّنِ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا لَعْنُ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ وَالْمَعْرُوفِينَ كَقَوْلِك: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ، لَعَنْ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَجَائِزٌ، وَأَمَّا لَعْنُ الْإِنْسَانِ بِعَيْنِهِ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي كَيَهُودِيٍّ أَوْ آكِلِ الرِّبَا فَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، أَشَارَ الْغَزَالِيُّ إلَى تَحْرِيمِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ. وَأَمَّا لَعْنُ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادِ فَكُلُّهُ مَذْمُومٌ؛ عَلْقَمِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَشَاهِدَهُ) الَّذِي فِي مُسْلِمٍ: " وَشَاهِدَيْهِ " بِالتَّثْنِيَةِ، وَالْأَوَّلُ يَشْمَلُ الْحَاضِرَ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ) أَيْ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ثُمَّ الْقَتْلُ ثُمَّ الزِّنَا ثُمَّ السَّرِقَةُ ثُمَّ شُرْبُ الْخَمْرِ ثُمَّ الرِّبَا وَالْغَصْبُ؛ مَدَابِغِيٌّ. وَكَوْنُهُ مِنْ الْكَبَائِرِ ظَاهِرٌ فِي بَعْضِ أَقْسَامِهِ وَهُوَ رِبَا الزِّيَادَةِ، وَأَمَّا الرِّبَا مِنْ أَجْلِ التَّأْخِيرِ أَوْ الْأَجْلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعُقُودَ الْفَاسِدَةَ مِنْ قَبِيلِ الصَّغَائِرِ كَمَا قَالَهُ ع ش، وَهُوَ أَيْ رِبَا الزِّيَادَةِ يَدُلُّ عَلَى سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَإِيذَاءِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ أَمْوَاتًا، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْذَنْ بِالْمُحَارَبَةِ إلَّا فِيهِمَا، قَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ) وَقَالَ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنَتْهُ بِالْحَرْبِ» . وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْمُنَاوِيُّ أَنَّ أَكْلَ الرِّبَا وَالْإِيمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ الشَّخْصِ، أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] وَحُرْمَتُهُ تَعَبُّدِيَّةٌ، وَمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيقِ الْأَثْمَانِ وَنَحْوُهُ حُكْمٌ لَا عِلَلٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِمْ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ إلَخْ وَهَذَا قِيَاسٌ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ الْأُمُورَ التَّعَبُّدِيَّةَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى أَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ حُكْمٌ عَلَى الْمَجْمُوعِ فَلَا يُنَافِي الْقِيَاسَ عَلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ كَمَا قِيلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، عَنَانِيٌّ. وَقَوْلُهُ " حُكْمٌ عَلَى الْمَجْمُوعِ " أَيْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقِيسُوا عَلَى جِنْسِ النَّقْدِ وَالْمَطْعُومِ جِنْسًا ثَالِثًا، وَقَاسُوا عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا يُقْتَاتُ، وَهَكَذَا. وَلَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] . أَيْ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، بَرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ " حُكْمٌ " هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحِكْمَةِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا، فَلْيُرَاجَعْ فَإِنَّ فِيهِ نَظَرًا ظَاهِرًا. اهـ. سم وع ش عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ. قَوْلُهُ: (مَا قُصِدَ لِلطَّعْمِ) أَيْ قَصَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ أَيْ أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْقَصْدَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا لِبَعْضِ أَصْفِيَائِهِ كَآدَمَ بِأَنَّ هَذَا لِلْآدَمِيِّينَ وَهَذَا لِلْبَهَائِمِ؛ قَالَ الرَّشِيدِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ قَصَدَ لِلْآدَمِيِّينَ مَثَلًا أَنْ يَكُونَ الْآدَمِيُّ يَقْصِدُهُ لِلتَّنَاوُلِ مِنْهُ، وَهَذَا غَيْرُ التَّنَاوُلِ بِالْفِعْلِ وَإِلَّا فَمَا مَعْنَى كَوْنِ الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ مَقْصُودًا لِلْآدَمِيِّ؟ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ قَصْدًا لِلْآدَمِيِّ مَثَلًا أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ الْحِكْمَةِ الْأَزَلِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ هَذَا إلَّا لِطُعْمِ الْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ: (اقْتِيَاتًا) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَوْ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ، أَيْ قَصْدَ تَقَوُّتِهِ؛ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَفَكُّهًا) أَيْ تَلَذُّذًا، وَمُرَادُهُ بِهِ مَا يَشْمَلُ التَّأَدُّمَ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي م ر. قَوْلُهُ: (كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: كَمَا تُؤْخَذُ الثَّلَاثَةُ. وَالْكَافُ بِمَعْنَى لَامِ التَّعْلِيلِ، " وَمَا " مَصْدَرِيَّةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لِأَخْذِ الثَّلَاثَةِ، أَيْ أَخْذِ بَعْضِ أَفْرَادِهَا بِالنَّصِّ وَالْبَعْضِ الْآخَرِ بِالْقِيَاسِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» أَيْ مُقَابَضَةً، فَإِنَّهُ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا التَّقَوُّتُ فَأُلْحِقَ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ. وَنَصَّ عَلَى التَّمْرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّفَكُّهُ وَالتَّأَدُّمُ. فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالتِّينِ وَالزَّبِيبِ، وَعَلَى الْمِلْحِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِصْلَاحُ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْمُصْطَكَى وَالزَّنْجَبِيلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُصْلِحُ الْغِذَاءَ أَوْ يُصْلِحُ الْبَدَنَ، فَإِنَّ الْأَغْذِيَةَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ (مِثْلًا بِمِثْلٍ) أَيْ حَالَ كَوْنِ كُلٍّ مِثْلًا مُقَابِلًا بِمِثْلٍ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ) تَوْكِيدٌ وَإِشَارَةٌ إلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْمِقْدَارِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّةَ تَصْدُقُ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَبِحَسَبِ الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ ح ل. وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُ الْمِثْلِيَّةِ إلَى الْمَكِيلِ وَالتَّسْوِيَةِ إلَى الْمَوْزُونِ؛ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُقَابَضَةً، فَيَدًا بِيَدٍ حَالٌ مِنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ هُوَ الْمَجْرُورُ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: يُبَاعُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ) أَيْ وَاتَّحَدَتْ عِلَّةُ الرِّبَا. قَوْلُهُ: (أَيْ مُقَابَضَةً) تَفْسِيرٌ لِمَجْمُوعِ يَدًا بِيَدٍ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ) زِيَادَةُ الْمِثَالِ الثَّانِي هُنَا لِدَفْعِ إرَادَةِ أَكْمَلِ الْأَقْوَاتِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبُرِّ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَالذُّرَةِ) وَالتُّرْمُسِ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ بَعْدَ نَقْعِهِ فِي الْمَاءِ، وَأَظُنُّهُ يُتَدَاوَى بِهِ، وَمِثْلُهُ الْحُلْبَةُ فَإِنَّهُ يُتَدَاوَى بِهَا، أَمَّا الْخَضْرَاءُ فَلَيْسَتْ رِبَوِيَّةً، وَفِي الْحَدِيثِ: «لَوْ تَعْلَمُ أُمَّتِي مَا فِي الْحُلْبَةِ لَاشْتَرَوْهَا وَلَوْ بِوَزْنِهَا ذَهَبًا» كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْبَرَكَةِ. وَمِمَّا جُرِّبَ لِوَرَمِ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَوْ كَبُرَتْ وَنَفَرَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ لَحْمًا أَوْ رِيحًا أَوْ الرِّيحُ الْمَعْقُودُ تَأْخُذُ مِنْ الْحُلْبَةِ جُزْءًا وَمِنْ الْبَابُونَجِ جُزْءًا ثُمَّ تَغْلِيهِمَا مَعًا وَيَشْرَبُ الْعَلِيلُ مِنْهُ قَدْرَ فِنْجَانٍ ثُمَّ يَتَفَوَّرُ عَلَى الْبَاقِي فَإِنَّهُ جَيِّدٌ لِكُلِّ وَرَمٍ سَوَاءٌ كَانَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا، يَفْعَلُ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، مُجَرَّبٌ مِرَارًا بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ، وَقَدْ جَرَّبْته بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَحَصَلَ الشِّفَاءُ. وَالْمَاءُ الْعَذْبُ رِبَوِيٌّ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] وَالْبُنُّ رِبَوِيٌّ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، أَيْ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قِسْمِ مَا قُصِدَ بِهِ التَّدَاوِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّيْءَ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ طُعْمُ الْآدَمِيِّ أَوْ الْبَهَائِمِ أَوْ طُعْمِهِمَا مَعًا، فَاَلَّذِي قُصِدَ بِهِ طُعْمُ الْآدَمِيِّ رِبَوِيٌّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ غَلَبَ تَنَاوُلُ الْآدَمِيِّ لَهُ أَوْ لَا؛ بَلْ قَالَ الَأُجْهُورِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ نَقْلًا عَنْ الزِّيَادِيِّ: وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهُ الْآدَمِيُّونَ. وَاَلَّذِي قُصِدَ بِهِ طُعْمُ الْبَهَائِمِ غَيْرُ رِبَوِيٍّ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الَّذِي قُصِدَ بِهِ طُعْمُهُمَا مَعًا فَإِنْ غَلَبَ تَنَاوُلُ الْآدَمِيِّ لَهُ أَوْ كَانَ أَكْلُهُ لَهُ وَالْبَهَائِمُ سَوَاءٌ فَهُوَ رِبَوِيٌّ، وَأَمَّا إذَا غَلَبَ تَنَاوُلُ الْبَهَائِمِ لَهُ فَهُوَ غَيْرُ رِبَوِيٍّ. وَالتَّفْصِيلُ فِي ذَلِكَ، أَيْ فِي مَعْرِفَةِ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ قُصِدَ بِهِ طُعْمُ الْآدَمِيِّينَ أَوْ الْبَهَائِمِ، يُعْلَمُ مِنْ نَصِّ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ؛ شَيْخُنَا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْقَوْلِ، فَقَالَ م ر: إنَّهُ رِبَوِيٌّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ حَيْثُ قَالُوا: إنَّهُ يَغْلِبُ تَنَاوُلُ الْبَهَائِمِ لَهُ. وَحَمَلَهُ م ر عَلَى أَغْلَبِ الْبِلَادِ، قَالَ ع ش: فَيَكُونُ رِبَوِيًّا لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لَيْسَتْ عَامَّةً. قَوْلُهُ (وَالتَّأَدُّمُ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَالتَّفَكُّهُ يَشْمَلُ التَّأَدُّمَ وَالتَّحَلِّي بِحَلْوَى. قَوْلُهُ: (الْمِلْحِ) وَمِثْلُهُ النَّطْرُونُ، زِيَادِيٌّ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ الشَّرَفِ الْمُنَاوِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ النَّطْرُونِ هَلْ هُوَ رِبَوِيٌّ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ رِبَوِيٌّ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ الْإِصْلَاحُ، فَلْيُرَاجَعْ. أَقُولُ: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ، فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ أَيْ إصْلَاحٌ يُرَادُ مِنْهُ مِمَّا هُوَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمَطْعُومِ مِنْ الِاقْتِيَاتِ وَالتَّفَكُّهِ وَالتَّأَدُّمِ وَالتَّدَاوِي، وَاَلَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْغِشِّ فِي الْبِضَاعَةِ الَّتِي يُضَافُ إلَيْهَا اهـ. وَنُقِلَ عَنْ ع ش أَيْضًا أَنَّهُ رِبَوِيٌّ، أَيْ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا قُصِدَ بِهِ التَّدَاوِي لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُتَدَاوَى بِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِصْلَاحُ) كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَبَّرَ بِهِ فِيمَا سَبَقَ بَدَلَ قَوْلِهِ " أَوْ تَدَاوِيًا " بِأَنْ يَقُولَ: " أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 تَحْفَظُ الصِّحَّةَ وَالْأَدْوِيَةُ تَرُدُّ الصِّحَّةَ. وَلَا رِبَا فِي حَبِّ الْكَتَّانِ وَدُهْنِهِ وَدُهْنِ السَّمَكِ لِأَنَّهَا لَا تُقْصَدُ لِلطَّعْمِ، وَلَا فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ الْجِنُّ كَالْعَظْمِ أَوْ الْبَهَائِمِ كَالتِّبْنِ وَالْحَشِيشِ أَوْ غَلَبَ تَنَاوُلُهَا لَهُ. أَمَّا إذَا كَانَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الرِّبَا فِيهِ، وَلَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ جَازَ بَلْعُهُ كَصِغَارِ السَّمَكِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ عَلَى هَيْئَتِهِ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ) عَيْنِ (الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَ) لَا بَيْعُ عَيْنِ (الْفِضَّةِ كَذَلِكَ) أَيْ بِالْفِضَّةِ (إلَّا) بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ: كَوْنُهُ (مُتَمَاثِلًا) أَيْ مُتَسَاوِيًا فِي الْقَدْرِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ حَبَّةٍ وَلَا نَقْصِهَا. وَالثَّانِي كَوْنُهُ (نَقْدًا) أَيْ حَالًّا مِنْ غَيْرِ نَسِيئَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. وَالثَّالِثُ: كَوْنُهُ مَقْبُوضًا قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَايُرِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ. وَعِلَّةُ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جِنْسِيَّةُ الْأَثْمَانِ غَالِبًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ أَيْضًا بِجَوْهَرِيَّةِ الْأَثْمَانِ غَالِبًا وَهُوَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ الْفُلُوسِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ. وَاحْتُرِزَ بِغَالِبًا عَنْ الْفُلُوسِ   [حاشية البجيرمي] إصْلَاحًا " لِأَنَّهُ عَبَّرَ فِيمَا سَبَقَ بِالْجَامِعِ بَيْنَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ فِي كُلٍّ وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْمِلْحِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ هُوَ الْإِصْلَاحُ لَا التَّدَاوِي، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالتَّدَاوِي فِيمَا سَبَقَ ق ل لَازِمُهُ وَهُوَ الْإِصْلَاحُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَالْمُصْطَكَى) بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَيُمَدُّ فِي الْفَتْحِ فَقَطْ: عِلْكٌ أَيْ مَعْلُوكٌ رُومِيٌّ أَبْيَضُ، نَافِعٌ لِلْمَعِدَةِ وَالْمَقْعَدَةِ وَالْأَمْعَاءِ وَالْكَبِدِ وَالسُّعَالِ شُرْبًا وَالنَّكْهَةُ وَاللِّثَةُ وَيُفَتِّقُ الشَّهْوَةَ وَيَفْتَحُ السُّدُدَ أَيْ الْعُقَدَ الَّتِي فِي الْمَعِدَةِ؛ وَالْأَوْلَى فِي اسْتِعْمَالِهَا فِي التَّدَاوِي شُرْبًا أَنْ تَغْلِيَ وَتُقْصَرَ عَلَى النَّارِ حَتَّى تَنْقُصَ الثُّلُثَ. قَوْلُهُ: (وَالزَّنْجَبِيلِ) إذَا خُلِطَ بِرُطُوبَةِ كَبِدِ الْمَعْزِ وَجُفِّفَ وَسُحِقَ وَاكْتُحِلَ بِهِ أَزَالَ الْغِشَاوَةَ وَظُلْمَةَ الْبَصَرِ. اهـ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ إلَخْ) فِيهِ دَفْعُ تَوَهُّمِ إرَادَةِ مَا يُصْلِحُ الْغِذَاءَ خَاصَّةً ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ يُصْلِحَ الْبَدَنَ) أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّ بَيْنَ لَا تُضَافُ إلَّا لِمُتَعَدِّدٍ. قَوْلُهُ: (تَحْفَظُ الصِّحَّةَ) أَيْ دَوَامُهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا رِبَا فِي حَبِّ الْكَتَّانِ) وَهُوَ بِزْرُهُ، وَإِذَا أُكَلَ فَإِنَّهُ يُقَوِّي شَهْوَةَ الْجِمَاعِ؛ وَكَذَا الْجُمَّارُ كَمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الطِّبِّ. قَوْلُهُ: (وَدُهْنِهِ) وَهُوَ الزَّيْتُ الْحَارُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَظْهَرُ مَقَاصِدِهِ الطُّعْمَ بَلْ الْإِسْرَاجُ بِهِ. قَوْله: (أَوْ غَلَبَ تَنَاوُلُهَا لَهُ) هَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا كَانَ مَوْضُوعًا لَهُمَا، وَكَذَا قَوْلُهُ " أَمَّا إذَا كَانَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) بَيَانُ الْإِطْلَاقِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (كَصِغَارِ السَّمَكِ) خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي حَيْثُ قَالَ: أَمَّا بَيْعُ السَّمَكِ الْحَيِّ بِمِثْلِهِ فَإِنْ جَوَّزْنَا ابْتِلَاعَهُ حَيًّا لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ اهـ. وَتَابَعَهُ سم فِي شَرْحِ الْكِتَابِ أج. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ عَلَى هَيْئَتِهِ) أَيْ مُدَّةَ دَوَامِ حَيَاتِهِ بِبَقَاءِ رُوحِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ عَيْنٍ) زَادَ لَفْظَ " عَيْنٍ " إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمُمَاثَلَةُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ لَا بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الصَّنْعَةِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَا أَثَرَ لِقِيمَةِ الصَّنْعَةِ إلَخْ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: لَعَلَّ زِيَادَةَ " عَيْنٍ " لِلِاحْتِرَازِ مِنْ الْحِيلَةِ الْآتِيَةِ. وَقَالَ ق ل: اُنْظُرْ هَلْ لِزِيَادَةِ لَفْظِ عَيْنٍ حِكْمَةٌ أَوْ مُحْتَرَزٌ؟ رَاجِعْهُ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ رُبَّمَا يُقَالُ إنَّ زِيَادَتَهَا مُضِرَّةٌ لِأَنَّهَا تُوهِمُ امْتِنَاعَ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِمِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مُتَمَاثِلًا) أَيْ يَقِينًا بِأَنْ يَعْلَمَهُ كُلٌّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ح ل. وَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي شَرْطَانِ لِلصِّحَّةِ، وَالثَّالِثُ شَرْطٌ لِدَوَامِهَا. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ حَبَّةٍ) أَيْ مَا يُوَازِنُ حَبَّةً، أَيْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَاشْتِمَالِ أَحَدِ الدِّينَارَيْنِ عَلَى فِضَّةٍ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلِيَتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ يَغْفُلُ عَنْهَا، وَهِيَ أَنَّهُ يَبْطُلُ كَمَا عُرِفَ مِمَّا تَقَرَّرَ بَيْعُ دِينَارٍ مَثَلًا فِيهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَلَوْ خَالِصًا وَإِنْ قَلَّ الْخَلِيطُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْوَزْنِ مُطْلَقًا، فَإِنْ فُرِضَ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ فِيهِ وَلَمْ يَظْهَرْ بِهِ تَفَاوُتٌ فِي الْقِيمَةِ صَحَّ الْبَيْعُ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ امْتِنَاعُ بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا الْآنَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى النُّحَاسِ. قَوْلُهُ: (فِي شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أج. قَوْلُهُ: (وَالثَّالِثُ كَوْنُهُ مَقْبُوضًا) . أَيْ حَقِيقَةً فَلَا تَكْفِي الْحَوَالَةُ، وَإِنْ حَصَلَ بِهَا قَبْضٌ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا قَالَهُ ح ل. قَوْلُهُ: (أَوْ التَّخَايُرِ) أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ. قَوْلُهُ: (وَعِلَّةُ الرِّبَا إلَخْ) أَيْ حِكْمَتُهُ، فَلَا يُنَافِي كَوْنُ حُرْمَةِ الرِّبَا مِنْ الْأُمُورِ التَّعَبُّدِيَّةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ؛ وَإِنَّمَا كَانَ حِكْمَةً لَا عِلَّةً لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَالْحِكْمَةُ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا. وَعِبَارَةُ ق ل: لَوْ قَالَ " وَحِكْمَةُ الرِّبَا " لَكَانَ أَقْوَمَ، إذْ لَا رِبَا فِي غَيْرِهَا وَإِنْ غَلَبَتْ الثَّمَنِيَّةُ فَتَأَمَّلْ، وَلَعَلَّ عَزْوَهُ لِبَرَاءَتِهِ مِنْ عُهْدَتِهِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ، فَقَوْلُهُ " وَهِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 إذَا رَاجَتْ فَإِنَّهُ لَا رِبَا فِيهَا كَمَا مَرَّ، وَلَا أَثَرَ لِقِيمَةِ الصَّنْعَةِ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ ذَهَبًا مَصُوغًا قِيمَتُهُ أَضْعَافُ الدَّنَانِيرِ اُعْتُبِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا نَظَرَ إلَى الْقِيمَةِ. وَالْحِيلَةُ فِي تَمْلِيكِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَبَيْعِ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ مُتَفَاضِلًا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ بِدَرَاهِمَ أَوْ عَرْضٍ، وَيَشْتَرِي مِنْهُ بِهَا أَوْ بِهِ الذَّهَبَ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَمْ يَتَخَايَرَا. (وَلَا) يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ (بَيْعُ مَا ابْتَاعَهُ) وَلَا الْإِشْرَاكُ فِيهِ وَلَا التَّوْلِيَةُ (حَتَّى يَقْبِضَهُ) سَوَاءٌ كَانَ مَنْقُولًا أَمْ عَقَارًا أَذِنَ الْبَائِعُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَمْ لَا لِخَبَرِ: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَبَيْعُهُ لِلْبَائِعِ كَغَيْرِهِ. فَلَا يَصِحُّ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ وَلِضَعْفِ الْمِلْكِ. وَالْإِجَارَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ وَالصَّدَاقُ وَالْهِبَةُ   [حاشية البجيرمي] مُنْتَفِيَةٌ إلَخْ " مُضِرٌّ أَوْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (بِجَوْهَرِيَّةِ الْأَثْمَانِ) أَيْ أَعْلَاهَا. قَوْلُهُ: (وَالْحِيلَةُ فِي تَمْلِيكِ الرِّبَوِيِّ) وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا، خِلَافًا لِمَنْ حَصَرَ الْكَرَاهَةَ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ أج. وَمُحَرَّمَةٌ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، شَيْخُنَا. وَقَالَ: " فِي تَمْلِيكِ " وَلَمْ يَقُلْ: فِي بَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ. وَلَا حَاجَةَ لِهَذِهِ الْحِيلَةِ لِأَنَّهَا مِنْ أَفْرَادِ الْبُيُوعِ الْجَائِزَةِ. فَتَأَمَّلْ اهـ ق ل. وَمِنْ الْحِيَلِ أَنْ يُقْرِضَ كُلٌّ صَاحِبَهُ مَا مَعَهُ ثُمَّ يَتَوَاهَبَا أَوْ يَهَبَ الْفَاضِلُ مَالِكَهُ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ) أَيْ لِصَاحِبِهِ. وَقَوْلُهُ " يَشْتَرِي مِنْهُ " أَيْ مِنْ صَاحِبِهِ. وَقَوْلُهُ " بِهَا " أَيْ بِالدَّرَاهِمِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ بِهِ " أَيْ بِالْعَرْضِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّقَابُضِ) أَيْ إنْ كَانَ مَا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ ثَانِيًا هُوَ مَا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ ثَانِيًا بِجَعْلِهِ ثَمَنًا إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ، أَمَّا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ ثَانِيًا بِغَيْرِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ فَإِنْ بَاعَ أَوَّلًا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ الْمَذْكُورُ إنْ كَانَ عَرْضًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي أَخَذَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَخَايَرَا) أَيْ بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِي إجَازَةٌ لِلْأَوَّلِ ق ل، فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ قَاطِعًا لِخِيَارِ الثَّانِي لِأَنَّ الثَّانِي بِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَوَّلِ قَطَعَ خِيَارَ نَفْسِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ مَعَ الْمُشْتَرِي إجَازَةٌ. قَوْلُهُ (وَلَا بَيْعَ مَا ابْتَاعَهُ) أَيْ اشْتَرَاهُ وَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى مَبِيعٍ، وَسَوَاءٌ الْمَبِيعُ الْمُعَيَّنُ أَوْ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: " وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلِمِ فِيهِ إلَخْ " وَمَفْهُومُ مَا الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَبِيعِ وَهُوَ الثَّمَنُ سَيَأْتِي التَّفْصِيلُ فِيهِ بِقَوْلِ الشَّارِحِ " وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ إلَخْ " وَبِقَوْلِهِ " وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ إلَخْ ". وَالْبَيْعُ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " مَا ابْتَاعَهُ " زَوَائِدُهُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَيَصِحُّ بَيْعُهَا لِعَدَمِ ضَمَانِهَا، وَيَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ وح ل وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَكَذَا بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَكَذَا بَيْعُ الْغَرَرِ دَخِيلَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بَيَانُ مَسَائِلِ الرِّبَا وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْهَا. قَوْلُهُ (وَلَا الْإِشْرَاكُ فِيهِ وَلَا التَّوْلِيَةُ) عَطْفُهُمَا عَلَى الْبَيْعِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ لِأَنَّهُمَا بَيْعٌ بِلَفْظِ خَاصٍّ، وَالْإِشْرَاكُ بَيْعُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِأَنْ يَقُولَ: أَشْرَكْتُك فِيهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَالتَّوْلِيَةُ بَيْعُ جَمِيعِ الْمَبِيعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً لِآخَرَ وَلَّيْتُك الْمَبِيعَ بِمَا اشْتَرَيْت أَوْ بِجَمِيعِ مَا قَامَ عَلَيَّ بِهِ. قَوْلُهُ: (أَمْ لَا) رَاجِعٌ لَهُمَا. قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَخْ) هُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَهُوَ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ بَلَغَهُ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ أَوْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، فَيُحْتَجُّ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا أَحْسِبُ) أَيْ لَا أَعْتَقِدُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ إلَّا مِثْلَهُ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ قِيَاسًا عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنْ يُقَالَ: مَالُ الشَّخْصِ تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِعَقْدٍ كَالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ تَحْتَ يَدِ الزَّوْجِ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِغَيْرِ عَقْدٍ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَامِ وَالْمُعَارِ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَإِمَّا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ وَلَا عَمَلٌ جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ تَحْتَ يَدِ الشَّرِيكِ أَوْ الْوَكِيلِ أَوْ تَحْتَ يَدِ الْعَامِلِ وَالرَّهْنِ بَعْدَ انْفِكَاكِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ عَمَلٌ كَالْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ خَيَّاطٍ أَوْ قَصَّارٍ أَوْ صَبَّاغٍ أَوْ طَحَّانٍ فَإِنْ فَرَغَ وَدَفَعَ لَهُ الْأُجْرَةَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، مَيْدَانِيٌّ؛ فَلَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَ الْأُجْرَةَ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " وَكَذَا بَعْدَهُ إلَخْ " أَيْ إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِسَبَبِ الصَّبْغِ وَإِلَّا صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ زِيَادِيٌّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 وَالْإِقْرَاضُ وَجَعْلُهُ عِوَضًا فِي نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَالْبَيْعِ، فَلَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْبَيْعِ ضَعْفُ الْمِلْكِ، وَيَصِحُّ الْإِعْتَاقُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَسَوَاءٌ أَكَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ أَمْ لَا لِقُوَّتِهِ، وَضَعْفُ حَقِّ الْحَبْسِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْوَقْفِ كَالْعِتْقِ وَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ كَالْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ وَهُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَمَانَةٌ كَوَدِيعَةٍ وَمُشْتَرَكٍ وَقِرَاضٍ وَمَرْهُونٍ بَعْدَ انْفِكَاكِهِ وَمَوْرُوثٍ وَبَاقٍ فِي يَدِ وَلِيِّهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَى ذَلِكَ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَبَيْعُهُ لِلْبَائِعِ كَغَيْرِهِ) وَمَحَلُّ مَنْعِ بَيْعِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَكُنْ بِعَيْنِ الْمُقَابِلِ أَوْ بِمِثْلِهِ إنْ تَلِفَ، أَوْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ كَانَ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ تَفَاوُتِ صِفَةٍ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ بِعَيْنِ الْمُقَابِلِ أَوْ بِمِثْلِهِ إنْ تَلِفَ أَوْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ إقَالَةٌ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَيَصِحُّ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ بِإِيضَاحٍ. قَوْلُهُ: (وَالْإِجَارَةُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَيْعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهُ سَائِرُ الْعُقُودِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ. قَوْلُهُ: (وَالصَّدَاقُ) أَيْ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَيَرْجِعُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَعِبَارَةُ م ر: " وَالصَّدَقَةُ " بَدَلُ الصَّدَاقِ، وَهِيَ أَوْلَى فَلَعَلَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النَّاسِخِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ " وَجَعْلُهُ عِوَضًا فِي نِكَاحٍ ". وَيُمْكِنُ أَنَّ صُورَتَهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ عِوَضًا عَنْ صَدَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَجُوزُ وَالصَّدَاقُ عَلَى حَالِهِ بِذِمَّتِهِ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَجْعَلَ لِزَوْجَتِهِ صَدَاقًا فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ يَجْعَلَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ الصَّدَاقِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَجَعَلَهُ عِوَضًا عَنْ مَهْرٍ مُسَمًّى فِي نِكَاحٍ وَالصَّدَاقُ فِي الْأُولَى صُورَتُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ صَدَاقًا لِزَوْجَتِهِ؛ فَلَا تَكْرَارَ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ) كَالْعَارِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (فِي الْبَيْعِ) أَيْ فِي مَنْعِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الْإِعْتَاقُ) أَيْ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ كَفَّارَتِهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَلَى مَالٍ وَلَا عَنْ كَفَّارَةِ الْغَيْرِ. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ أَكَانَ إلَخْ) يَنْبَغِي رُجُوعُهُ لِمَا لَا يَصِحُّ وَلِمَا يَصِحُّ ق ل. قَوْلُهُ: (حَقُّ الْحَبْسِ) بِأَنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا وَلَمْ يَقْبِضْهُ، وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِلْمَبِيعِ بِالْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْوَقْفِ لَا بِالتَّزْوِيجِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِي مَفْهُومِ الْمَتْنِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ، وَسَيَأْتِي مُقَابِلُ الْمُعَيَّنِ فِي قَوْلِهِ: وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ إلَخْ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَوْ فَتْحِهَا وَعَلَى الثَّانِي، فَ " مَا " مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ) أَيْ مِمَّا لَا يُضْمَنُ بِعَقْدٍ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (أَمَانَةٌ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ الْمَغْصُوبُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا ضَمِنَ ضَمَانَ عَقْدٍ كَالْمَبِيعِ وَالصَّدَاقِ فِي يَدِ الزَّوْجِ لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَمَا ضَمِنَ ضَمَانَ يَدٍ كَمُعَارٍ وَمُسْتَامٍ أَوْ لَمْ يَضْمَنْ أَصْلًا كَمُودَعٍ يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَمَعْنَى ضَمَانِ الْعَقْدِ الضَّمَانُ بِالْمُقَابَلِ كَالْمَبِيعِ يُضْمَنُ بِالثَّمَنِ، وَضَمَانُ الْيَدِ الضَّمَانُ بِالْبَدَلِ الشَّرْعِيِّ أَعْنِي الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْقِيمَةَ فِي الْمُتَقَوِّمِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ انْفِكَاكِهِ) أَوْ قَبْلَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ. قَوْلُهُ: (وَمَوْرُوثٍ) أَيْ كَانَ لِلْمُوَرِّثِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَنْ كَانَ اشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ، أَمَّا لَوْ كَانَ اشْتَرَى شَيْئًا وَمَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ مُوَرِّثِهِ وَالْمَوْرُوثُ لَيْسَ أَمَانَةً، فَالتَّمْثِيلُ بِهِ فِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ) أَيْ بِمَا لَا يَتَضَمَّنُ إقَالَةً وَإِلَّا صَحَّ. وَمِثْلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ الْمَبِيعُ فِي الذِّمَّةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَهَذَانِ مِنْ الْمُثَمَّنِ وَمِثْلُهُمَا مِنْ الثَّمَنِ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ وَالرِّبَوِيُّ الْمَبِيعُ بِرِبَوِيٍّ آخَرَ، وَمِثْلُهَا الْأُجْرَةُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ؛ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الْخَمْسُ لَا يَجُوزُ فِيهَا الِاعْتِيَاضُ وَلَا الْبَيْعُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ " أَيْ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، أَمَّا مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ لَهُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَوْ بِمِثْلِهِ إنْ تَلِفَ فَيَكُونُ إقَالَةً. وَقَوْلُهُ " وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ " أَيْ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ يُعَبِّرُونَ عَنْ الْبَيْعِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَلِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِبْدَالِ أَوْ الِاعْتِيَاضِ. وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ " وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ " فِيهِ تَعْمِيمٌ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ: وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا ابْتَاعَهُ إلَخْ، فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْطُوقِ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى التَّكَلُّمِ عَلَى الْمَفْهُومِ بِقَوْلِهِ: وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ إلَخْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 الثَّمَنِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ اسْتَبْدَلَ مُوَافِقًا فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَدَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ أَوْ عَكْسِهِ اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ الصَّرْفَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ. وَيَصِحُّ بَيْعُ الدَّيْنِ بِغَيْرِ دَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَأَنْ بَاعَ بَكْرٌ لِعَمْرٍو مِائَةً لَهُ عَلَى زَيْدٍ بِمِائَةٍ كَبَيْعِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَإِنْ رَجَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ الْبُطْلَانَ. أَمَّا بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَلَا يَصِحُّ سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَمْ لَا لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، وَفُسِّرَ بِبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَقَبْضُ غَيْرِ مَنْقُولٍ مِنْ أَرْضٍ وَشَجَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِتَخَلِّيهِ لِمُشْتَرٍ بِأَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُ الْبَائِعُ وَيُسَلِّمَهُ الْمِفْتَاحَ، وَبِتَفْرِيغِهِ مِنْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ) وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ. وَلَا بُدَّ مِنْ صِيغَةِ اسْتِبْدَالٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَيْ بِلَفْظِ صَرِيحٍ كَاسْتَبْدَلْتُ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِك بِكَذَا مَثَلًا أَوْ بِلَفْظِ كِنَايَةٍ كَاسْتَعْوَضْتُ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِك بِكَذَا مَثَلًا. وَسَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِبْدَالُ بِعَيْنٍ أَوْ بِدَيْنٍ مُنْشَأٍ. قَوْلُهُ: (عَنْ الثَّمَنِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ، فَخَرَجَ الرِّبَوِيُّ وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ وَالثَّمَنُ النَّقْدُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقْدٌ أَوْ كَانَا نَقْدَيْنِ فَهُوَ مَا اتَّصَلَتْ بِهِ الْبَاءُ وَالْمُثَمَّنُ مُقَابِلُهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. فَقَوْلُهُ " وَالثَّمَنُ النَّقْدُ " أَيْ وَلَوْ دَخَلَتْ الْبَاءُ عَلَى غَيْرِهِ كَأَنْ قَالَ: بِعْتُك دِينَارًا بِإِرْدَبِّ قَمْحٍ، فَالثَّمَنُ هُوَ الدِّينَارُ. قَوْلُهُ: (الثَّابِتِ) أَيْ بَعْدَ اللُّزُومِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اسْتَبْدَلَ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ مُطْلَقًا، أَيْ وَلَوْ فِي غَيْرِ مُتَّفِقِي عِلَّةِ الرِّبَا كَمَا قَالَهُ ز ي. قَوْلُهُ (اُشْتُرِطَ) لَوْ أَخَّرَ هَذَا عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِيهِ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الِاسْتِبْدَالِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ) أَيْ الْبَدَلِ، اكْتِفَاءً بِالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ اللَّازِمِ لَهُ تَعْيِينُهُ. وَقَوْلُهُ " لِأَنَّ الصَّرْفَ " أَيْ الْعَقْدَ الْوَاقِعَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " لِأَنَّ الصَّرْفَ أَيْ بَيْعَ النُّقُودِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ كَمَا لَوْ تَصَارَفَا فِي الذِّمَّةِ اهـ كَأَنْ قَالَ بِعْتُك دِينَارًا فِي ذِمَّتِي بِدِينَارٍ فِي ذِمَّتِك قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَبَيْعُ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ مِنْ جِنْسِهِ وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ يُسَمَّى صَرْفًا قَالَ ابْنُ يُونُسَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِصَرْفِ حُكْمِهِ عَنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَعِنْدِي أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الصَّرِيفِ وَهُوَ الْفِضَّةُ قَالَ الشَّاعِرُ بَنَى غُدَانَةَ مَا إنْ أَنْتُمْ ذَهَبٌ ... وَلَا صَرِيفٌ وَلَكِنْ أَنْتُمْ الْخَزَفُ قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ بَيْعُ الدَّيْنِ إلَخْ) وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَدْيُونِ مَلِيئًا مُقِرًّا، وَأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا مُسْتَقِرًّا. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (كَبَيْعِهِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِهِ الْمَذْكُورِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ كَمَا رَجَّحَهُ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ق ل. وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اتَّفَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا أَمْ اخْتَلَفَا لِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَأَمَّا بَيْعُ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ إلَّا فِي مُتَّحِدِي الْعِلَّةِ، أَمَّا مُخْتَلِفُهَا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَجَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ الْبُطْلَانَ) أَيْ لِعَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ مَا عَيَّنَ لَيْسَ مَا فِي الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ) أَيْ الثَّابِتُ قَبْلُ، كَأَنْ اسْتَبْدَلَ عَنْ دَيْنِهِ دَيْنًا آخَرَ كَأَنْ كَانَ لَهُ عَلَى عَمْرٍو دَيْنٌ وَزَيْدٌ لَهُ عَلَى بَكْرٍ دَيْنٌ فَاسْتَبْدَلَ مَا عَلَى عَمْرٍو بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَى بَكْرٍ بِأَنْ يَأْخُذَ زَيْدٌ مَا عَلَى عَمْرٍو وَصَاحِبُ الدَّيْنِ يَأْخُذُ مَا عَلَى بَكْرٍ. وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الثَّابِتِ قَبْلَ بَيْعِ الدَّيْنِ بِدَيْنٍ مُنْشَأٍ فِي الذِّمَّةِ لَا ثَابِتٌ قَبْلُ، فَيَجُوزُ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ: (الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ) بِالْهَمْزِ كَمَا ضَبَطَهُ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ، فَتْحُ الْبَارِي لِابْنِ حَجَرٍ عَلَى الْبُخَارِيِّ. وَهُوَ مِنْ الْكِلَاءَةِ وَهِيَ الْحِفْظُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّيْنَ مَحْفُوظٌ فَكَيْفَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْفَاعِلِ وَالْقِيَاسُ اسْمُ الْمَفْعُولِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ أَنَّهُ وَضَعَ الْأَوَّلَ مَوْضِعَ الثَّانِي مَجَازًا كَمَا فِي {مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] أَيْ مَدْفُوقٍ شَوْبَرِيٌّ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْمَكْلُوءُ أَيْ الْمَحْفُوظُ. قَوْلُهُ: (وَقَبْضُ غَيْرِ مَنْقُولٍ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِ الْمَتْنِ " حَتَّى يَقْبِضَهُ " فَكَأَنَّ سَائِلًا قَالَ لَهُ: وَمَا الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْقَبْضُ؟ فَقَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 مَتَاعِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي نَظَرًا لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ وَقَبْضُ الْمَنْقُولِ مِنْ سَفِينَةٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِهِمَا بِنَقْلِهِ مَعَ تَفْرِيغِ السَّفِينَةِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ فِيهِ. وَيَكْفِي فِي قَبْضِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُتَنَاوَلُ بِالْيَدِ التَّنَاوُلُ وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْضٌ لَهُ وَلَوْ   [حاشية البجيرمي] وَقَبْضُ إلَخْ. وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ فِيهِ سِتُّ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " وَقَبْضُ غَيْرِ مَنْقُولٍ " صَادِقٌ بِالْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ لَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، وَقَوْلُهُ " وَقَبْضُ الْمَنْقُولِ " كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ " وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي " فِيهِ صُورَتَانِ فَهَذِهِ سِتَّةٌ، وَبَقِيَ الْمَنْقُولُ وَغَيْرُهُ الْغَائِبَانِ اللَّذَانِ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي وَحُكْمُهُمَا أَنَّ قَبْضَهُمَا يَحْصُلُ بِمُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْوُصُولُ إلَيْهِمَا، وَيُمْكِنُ فِيهِ النَّقْلُ أَوْ التَّخْلِيَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا نَقْلٌ وَلَا تَخْلِيَةٌ بِالْفِعْلِ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَبْضِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى صِحَّةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ وَالتَّخْلِيَةِ فِي غَيْرِهِ وَعَلَى إذْنِ الْبَائِعِ فِي التَّصَرُّفِ إنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَعَلَى تَفْرِيغِ كُلٍّ مِنْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي وَعَلَى تَقْدِيرِ كُلٍّ إنْ كَانَ مُقَدَّرًا وَعَلَى مُضِيِّ زَمَنٍ مِنْ حِينِ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ يُمْكِنُ فِيهِ الْوُصُولُ إلَيْهِ إنْ كَانَ غَائِبًا بِيَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِيَدِ غَيْرِهِ. أَمَّا الْقَبْضُ النَّاقِلُ لِلضَّمَانِ عَنْ يَدِ الْبَائِعِ إلَى يَدِ الْمُشْتَرِي فَمَدَارُهُ عَلَى اسْتِيلَاءِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ؛ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ إمَّا مَنْقُولٌ أَوْ غَيْرُ مَنْقُولٍ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا غَائِبٌ أَوْ حَاضِرٌ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ؛ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِيَدِ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٍّ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْغُولًا أَوْ غَيْرَ مَشْغُولٍ، وَالْمَشْغُولُ إمَّا بِأَمْتِعَةِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٍّ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُ ذَلِكَ) أَيْ كَثَمَرِ عَلَى شَجَرٍ قَبْلَ أَوَانِ الْجُدَادِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ الْمَنْقُولِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ: فَيُشْتَرَطُ فِي قَبْضِهِ نَقَلَهُ. وَجَعَلَهُ م ر مِنْ غَيْرِ الْمَنْقُولِ مُطْلَقًا. قَوْله: (بِتَخْلِيَةٍ لِمُشْتَرٍ) أَيْ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى التَّخْلِيَةِ مِنْ الْبَائِعِ إنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، كَخَلَّيْتُ بَيْنَك وَبَيْنَهُ اهـ. وَإِلَّا فَيَسْتَقِلُّ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِهِ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيُسَلِّمُهُ الْمِفْتَاحَ) أَيْ إنْ كَانَ مُغْلَقًا وَكَانَ الْمِفْتَاحُ مَوْجُودًا، وَلَوْ اشْتَمَلَتْ الدَّارُ عَلَى أَمَاكِنَ لَهَا مَفَاتِيحُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهَا وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَمَاكِنُ صَغِيرَةً كَالْخَزَائِنِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَبِتَفْرِيغِهِ) أَيْ إنْ كَانَ ظَرْفًا فِي الْعَادَةِ، لِيَخْرُجَ مَا لَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَى رَأْسِهَا ثَوْبٌ مَثَلًا فَلَا يُشْتَرَطُ فِي قَبْضِهَا إزَالَةُ الثَّوْبِ عَنْهَا. وَهَذَا الشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَنْقُولِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا فِي السَّفِينَةِ، فَقَوْلُهُ فِيهِ بِنَقْلِهِ أَيْ مَعَ تَفْرِيغِهِ مِنْ مَتَاعِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ ظَرْفًا فِي الْعَادَةِ كَالصُّنْدُوقِ، فَيَخْرُجُ مَا لَوْ بَاعَ حَيَوَانًا عَلَى ظَهْرِهِ مَتَاعٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي قَبْضِهِ وَضْعُهُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَتَاعِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي) أَيْ وَحْدَهُ، فَيَشْمَلُ مَتَاعَ الْبَائِعِ وَحْدَهُ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ وَحْدَهُ أَوْ مَتَاعَهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ الْمُشْتَرِي. وَالْمُرَادُ بِأَمْتِعَةِ الْمُشْتَرِي مَا كَانَ لَهُ يَدٌ عَلَيْهَا وَلَوْ وَدِيعَةً وَإِنْ كَانَتْ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِلْبَائِعِ بِأَنْ كَانَ الْمُشْتَرِي سَاكِنًا فِيهَا قَبْلَ الْبَيْعِ؛ وَقَالَ أج: قَوْلُهُ " مِنْ مَتَاعٍ إلَخْ " لِتَأَتِّي التَّفْرِيغِ هُنَا حَالًّا، وَبِهِ فَارَقَ قَبْضَ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ بِالتَّخْلِيَةِ مَعَ بَقَاءِ الزَّرْعِ. وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ الْحَقِيرَ مِنْ الْأَمْتِعَةِ كَالْحَصِيرِ وَبَعْضِ الْمَاعُونِ، فَلَا يُقْدَحُ فِي التَّخْلِيَةِ وَلَوْ جُمِعَتْ الْأَمْتِعَةُ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ وَخَلَّى بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَهَا حَصَلَ الْقَبْضُ فِيمَا عَدَاهُ، فَإِنْ نُقِلَتْ مِنْهُ إلَى بَيْتٍ آخَرَ مِنْهَا حَصَلَ الْقَبْضُ فِي الْجَمِيعِ، اهـ شَرَحَ م ر. قَوْلُهُ: (نَظَرًا لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْقَبْضِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي كُلِّ مَا لَا ضَابِطَ لَهُ لُغَةً وَلَا شَرْعًا. قَوْلُهُ: (مِنْ سَفِينَةٍ) لَوْ حَذَفَهَا لَسَلِمَ مِنْ تَكْرَارِهَا فِيمَا سَيَأْتِي ق ل. قَوْلُهُ: (بِنَقْلِهِ) فَلَوْ تَحَوَّلَتْ الدَّابَّةُ مَثَلًا بِنَفْسِهَا ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَكْفِ. وَنَقَلَ سم عَنْ م ر أَنَّهُ لَا يَكْفِي نَقْلُهُ عَلَى كَتِفِهِ أَيْ الْمُشْتَرِي مَثَلًا إذَا كَانَ ثَقِيلًا إلَّا إنْ وَضَعَهُ عَلَى مَكَان، فَمَا دَامَ حَامِلُهُ عَلَى كَتِفِهِ لَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ الْمُفِيدُ لِلتَّصَرُّفِ. اهـ. سُلْطَانٌ. قَوْلُهُ: (مَعَ تَفْرِيغِ السَّفِينَةِ) وَكَذَا كُلُّ مَا يُعَدُّ ظَرْفًا كَصُنْدُوقٍ، وَقَوْلُهُ " الْمَشْحُونَةُ بِالْأَمْتِعَةِ " أَيْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي فِي قَبْضِ الثَّوْبِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ مِنْ يَدِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَكَثَوْبٍ لَبِسَهُ، فَهَذَا قَبْضٌ لَا نَقْلَ فِيهِ مِنْ مَكَانِ الْبَائِعِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ النَّقْلِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْخَفِيفِ لَا بُدَّ أَنْ يَضَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَنْقُولًا إلَّا إنْ وَضَعَهُ فِي مَكَان لِغَيْرِ الْبَائِعِ ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ " وَيَكْفِي إلَخْ " كَالتَّقْيِيدِ لِقَوْلِهِ: وَقَبْضُ مَنْقُولٍ بِنَقْلِهِ وَقَبْضُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ فِي الْمَنْقُولِ كَأَنْ بَاعَ نِصْفَ بَقَرَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ بِقَبْضِ كُلِّهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَنَصِيبُهُ مَضْمُونٌ بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَالْقَرَارُ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 كَانَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونًا وَهُوَ حَاضِرٌ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ صَارَ مَقْبُوضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ. وَلَوْ اشْتَرَى الْأَمْتِعَةَ مَعَ الدَّارِ صَفْقَةً اُشْتُرِطَ فِي قَبْضِهَا نَقَلَهَا كَمَا لَوْ أُفْرِدَتْ، وَلَوْ اشْتَرَى صُبْرَةً ثُمَّ اشْتَرَى مَكَانَهَا لَمْ يَكْفِ. وَالسَّفِينَةُ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْوِيلِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الصَّغِيرَةِ وَفِي الْكَبِيرَةِ فِي مَاءٍ تَسِيرُ بِهِ. أَمَّا الْكَبِيرَةُ فِي الْبَرِّ فَكَالْعَقَارِ فَيَكْفِي فِيهَا التَّخْلِيَةُ لِعُسْرِ النَّقْلِ. فُرُوعٌ: لِلْمُشْتَرِي اسْتِقْلَالٌ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا، وَإِنْ حَلَّ أَوْ كَانَ حَالًّا كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ وَسَلَّمَ الْحَالَ لِمُسْتَحِقِّهِ وَشَرْطٌ فِي قَبْضِ مَا بِيعَ مُقَدَّرًا مَعَ مَا مَرَّ نَحْوُ ذَرْعٍ مِنْ كَيْلٍ وَوَزْنٍ وَلَوْ كَانَ لِبَكْرٍ طَعَامٌ مَثَلًا مُقَدَّرٌ عَلَى زَيْدٍ   [حاشية البجيرمي] الْمُشْتَرِي وَإِنْ جَهِلَ أَنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ لِأَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، بِخِلَافِ نِصْفِ الْعَقَارِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَحْتَاجُ فِي قَبْضِهِ إلَى إذْنِ شَرِيكِهِ لِأَنَّ الْيَدَ عَلَيْهِ حُكْمِيَّةٌ وَعَلَى الْمَنْقُولِ حِسِّيَّةٌ، سم. قَوْلُهُ: (وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي) أَيْ الْمَالِكِ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْعَقْدَ لَا وَكِيلُهُ وَإِنْ بَاشَرَ، بَلْ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي الْقَبْضِ أَمْ لَا، م ر. وَقَوْلُهُ " قَبْضٌ " أَيْ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لَهُمَا وَإِلَّا انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَإِتْلَافُ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ يَتَخَيَّرُ فِيهِ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ، وَتَلَفُهُ بِنَفْسِهِ كَإِتْلَافِ الْبَائِعِ لَهُ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ. وَمَحَلُّهُ، أَيْ مَحَلُّ كَوْنِ إتْلَافِ الْمُشْتَرِي قَبْضًا، إذَا كَانَ الْإِتْلَافُ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَمَّا إتْلَافُهُ لَهُ بِحَقٍّ كَصِيَالِ وُقُودٍ وَكَرِدَّةٍ وَالْمُشْتَرِي الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فَلَيْسَ بِقَبْضٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْقَبْضِ، فَخَرَجَ الصَّبِيُّ فَإِتْلَافُهُ غَيْرُ قَبْضٍ، بَلْ عَلَيْهِ الْبَدَلُ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ. وَقَدْ يَتَقَاصَّانِ بِأَنْ يَكُونَ مَا وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ الْبَدَلِ مِثْلُ مَا وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ لِلْوَلِيِّ، كَأَنْ اشْتَرَى وَلِيُّ الصَّبِيِّ دِينَارًا بِدِينَارٍ وَوُجِدَتْ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ فَإِنَّهُ يَقَعُ التَّقَاصُّ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ (قَبْضٌ لَهُ) وَإِنْ جَهِلَ أَنَّهُ الْمَبِيعُ، كَأَكْلِ الْمَالِكِ طَعَامَهُ الْمَغْصُوبَ بِهِبَتِهِ ضَيْفًا فِي الظَّاهِرِ لِلْغَاصِبِ وَلَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ طَعَامُهُ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ بِذَلِكَ م د. قَوْلُهُ: (أَوْ مَضْمُونًا) أَيْ بِأَنْ كَانَ مَغْصُوبًا أَوْ مُعَارًا؛ وَقَوْلُهُ " وَهُوَ " أَيْ الْمَبِيعُ حَاضِرٌ. قَوْلُهُ: (صَارَ مَقْبُوضًا) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْقَبْضُ. وَمَحَلُّ كَوْنِهِ مَقْبُوضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى كَلَامِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَمْتِعَةٌ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْرِيغِهَا بِالْفِعْلِ إنْ كَانَتْ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَمُضِيُّ زَمَنِهِ كَمَا مَرَّ. اهـ. ق ل وم د. وَفِي قَوْلِهِ " وَإِلَّا فَمَضَى زَمَنُهُ " نَظَرٌ، وَكَذَا تَضْعِيفُ كَلَامِ الشَّارِحِ فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَكْفِ) أَيْ لَمْ يَكْفِ فِي قَبْضِ الصُّبْرَةِ بَقَاؤُهَا فِي مَكَانِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهَا، وَأَمَّا الْمَكَانُ فَيَحْصُلُ قَبْضُهُ بِالْعَقْدِ مَعَ التَّخْلِيَةِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَفْرِيغِهِ لِأَنَّ الصُّبْرَةَ مِلْكُهُ قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَى الْمَكَانِ. قَوْلُهُ: (فِي الصَّغِيرَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْبَرِّ أَوْ فِي الْبَحْرِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْكَبِيرَةُ فِي الْبَرِّ إلَخْ) وَنَقَلَ سم عَنْ م ر أَنَّ الْكَبِيرَةَ فِي الْبَحْرِ الَّتِي لَا تَنْجَرُّ بِالْجَرِّ كَالْكَبِيرَةِ فِي الْبَرِّ. وَمِثْلُ السَّفِينَةِ كُلُّ مَنْقُولٍ يُعَدُّ ظَرْفًا لِمَا هُوَ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى دَابَّةً وَعَلَيْهَا أَمْتِعَةٌ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي لَا يُشْتَرَطُ تَفْرِيغُهَا،. اهـ. سُلْطَانٌ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ عِنْدَ م ر أَنَّ الصَّغِيرَةَ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَاءٍ أَوْ لَا وَالْكَبِيرَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَاءٍ أَوْ لَا، فَتَكُونُ مِثْلَ الْعَقَارِ فَيَكْفِي فِيهَا التَّخْلِيَةُ وَتَفْرِيغُهَا مِنْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي؛ فَقَوْلُ الشَّارِحِ " وَفِي الْكَبِيرَةِ فِي مَاءٍ تَسِيرُ بِهِ " ضَعِيفٌ اهـ. قَوْلُهُ (فُرُوعٌ) أَيْ أَرْبَعَةٌ. قَوْلُهُ: (وَسَلَّمَ الْحَالَّ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ بِأَنْ لَمْ يُسَلِّمْ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ سَلَّمَ بَعْضَهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِقَبْضِهِ، فَإِنْ اسْتَقَلَّ بِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَحِقُّ حَبْسَهُ. قَوْلُهُ: (وَشَرْطٌ فِي قَبْضِ مَا بِيعَ مُقَدَّرًا) كَأَنْ قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ: بِعْتُكهَا بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ. ثُمَّ إنْ اتَّفَقَا عَلَى كَيَّالٍ مَثَلًا فَذَاكَ، وَإِلَّا نَصَّبَ الْحَاكِمُ أَمِينًا يَتَوَلَّاهُ، فَلَوْ قَبَضَ مَا ذُكِرَ جُزَافًا لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ لَكِنْ يَدْخُلُ الْمَقْبُوضُ فِي ضَمَانِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ أَيْ ضَمَانُ يَدٍ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ ضَمَانُ عَقْدٍ م ر، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ ضَمَانُ يَدٍ إنْ تَلِفَ وَخَرَجَ مُسْتَحَقًّا وَضَمَانُ عَقْدٍ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مُسْتَحَقًّا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ح ل: إنَّهُ مَضْمُونٌ ضَمَانَ يَدٍ وَعَقْدٍ. وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ م ر وَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ كَأُجْرَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 كَعَشَرَةِ آصُعٍ وَلِعَمْرٍو عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَلْيَكْتَلْ لِنَفْسِهِ مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ يَكْتَلْ لِعَمْرٍو لِيَكُونَ الْقَبْضُ وَالْإِقْبَاضُ صَحِيحَيْنِ. وَيَكْفِي اسْتِدَامَتُهُ فِي نَحْوِ الْمِكْيَالِ. فَلَوْ قَالَ بَكْرٌ لِعَمْرٍو: اقْبِضْ مِنْ زَيْدٍ مَا لِي عَلَيْهِ لَك فَفَعَلَ فَسَدَ الْقَبْضُ لَهُ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ حَبْسُ عِوَضِهِ حَتَّى يَقْبِضَ مُقَابِلَهُ إنْ خَافَ فَوْتَهُ بِهَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ وَتَنَازَعَا فِي الِابْتِدَاءِ أُجْبِرَا إنْ عَيَّنَ الثَّمَنَ كَالْمَبِيعِ، فَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ أُجْبِرَ الْبَائِعُ، فَإِذَا سَلَّمَ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي إنْ حَضَرَ الثَّمَنُ وَإِلَّا فَإِنْ أَعْسَرَ بِهِ فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ وَإِنْ أَيْسَرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي أَمْوَالِهِ كُلِّهَا   [حاشية البجيرمي] إحْضَارِهِ إلَى مَحَلِّ الْعَقْدِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَأُجْرَةُ نَقْدِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَأُجْرَةُ نَقْدِ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إظْهَارُ عَيْبٍ بِهِ إنْ كَانَ لِيَرُدَّهُ م ر. وَلَوْ أَخْطَأَ الْكَيَّالُ وَمَا بَعْدَهُ ضَمِنَ بِخِلَافِ خَطَأِ النَّقَّادِ الْعَارِفِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ لَكِنْ لَا أُجْرَةَ لَهُ، قَالَ الْإِطْفِيحِيُّ: إذَا كَانَ النَّقَّادُ غَيْرَ أَهْلٍ يَضْمَنُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَمَّا الْقَبَّانِيُّ فَيَضْمَنُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ فَهُوَ مُقَصِّرٌ كَالْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَالْعَدَّادِ، أَمَّا لَوْ أَخْطَأَ نَاقِشُ الْقَبَّانِ وَهُوَ الْحَدِيدَةُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ س ل. وَاعْتَمَدَ ع ش عَلَى م ر عَدَمَ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاشِرٍ. فَرْعٌ: الدَّلَالَةُ عَلَى الْبَائِعِ فَلَوْ شَرَطَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَسَدَ الْعَقْدُ، وَمِنْ ذَلِكَ: بِعْتُك مَثَلًا بِعَشَرَةٍ سَالِمًا، فَيَقُولُ: اشْتَرَيْت؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " سَالِمًا " أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَيْك فَيَكُونُ الْعَقْدُ فَاسِدًا. اهـ. سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (مَعَ مَا مَرَّ) أَيْ النَّقْلُ فِي الْمَنْقُولِ. قَوْلُهُ: (وَوَزْنٍ) أَيْ وَعَدٍّ. قَوْلُهُ: (وَلِعَمْرٍو عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى بَكْرٍ. قَوْلُهُ: (فَلْيَكْتَلْ لِنَفْسِهِ) أَيْ يَطْلُبُ أَنْ يُكَالَ لَهُ لَا أَنَّهُ يَكِيلُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ. قَوْلُهُ: (فَسَدَ الْقَبْضُ لَهُ) أَيْ لِعَمْرٍو. وَأَمَّا قَبْضُهُ لِبَكْرٍ فَصَحِيحٌ تَبْرَأُ بِهِ ذِمَّةُ زَيْدٍ لِإِذْنِهِ فِي الْقَبْضِ مِنْهُ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ) أَيْ لَوْ قُلْنَا حَصَلَا مَعًا؛ لِأَنَّ عَمْرًا يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ وَمُقْبِضًا لَهَا. قَوْلُهُ: (وَلِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ إلَخْ) أَيْ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ حَالٌّ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ بَعْدُ: وَأَمَّا الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ إلَخْ فَهُوَ مُقَابِلٌ لِهَذَا الْمُقَدَّرِ. قَوْلُهُ: (حَبْسُ عِوَضِهِ) وَيَأْتِي فِيهِمَا مَا يَأْتِي مِنْ إجْبَارِ الْحَاكِمِ كُلًّا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُهُ) كَأَنْ يَبِيعَهُ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَتَنَازَعَا فِي الِابْتِدَاءِ) أَيْ فِيمَنْ يُسَلِّمُ أَوَّلًا بِأَنْ قَالَ: لَا أُسَلِّمُ عِوَضِي حَتَّى يُسَلِّمَنِي عِوَضَهُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَالْمُرَادُ تَنَازَعَا بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ لِتَمَكُّنِهِمَا مِنْ الْفَسْخِ. قَوْلُهُ: (أُجْبِرَا) أَيْ بِإِلْزَامِ الْحَاكِمِ كُلًّا بِإِحْضَارِ عِوَضِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى عَدْلٍ، فَإِنْ فَعَلَ سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ وَالْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ،. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (إنْ عَيَّنَ الثَّمَنَ كَالْمَبِيعِ) أَيْ أَوْ كَانَا فِي الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ) أَيْ وَهُوَ حَالٌّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمَبِيعَ مُعَيَّنٌ فَيُجْبَرُ الْبَائِعُ وَيَجِيءُ فِي الْمُشْتَرِي الْأَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ الَّتِي فِي الشَّرْحِ، وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا وَالْمَبِيعُ فِي الذِّمَّةِ فَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي وَيَأْتِي فِي الْبَائِعِ الْأَحْوَالُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (أُجْبِرَ الْبَائِعُ) لِرِضَاهُ بِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالذِّمَّةِ. وَالْكَلَامُ فِيمَنْ بَاعَ لِنَفْسِهِ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّسْلِيمُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ الْحَالَّ، فَلَا يَتَأَتَّى هُنَا إلَّا إجْبَارُهُمَا، وَكَذَا لَوْ تَبَايَعَ نَائِبَانِ عَنْ الْغَيْرِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (إنْ حَضَرَ الثَّمَنُ) أَيْ نَوْعُهُ الَّذِي يُقْبَضْ مِنْهُ إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا يُسَمَّى ثَمَنًا إلَّا مَجَازًا؛ سُلْطَانٌ. وَالْمُرَادُ حَضَرَ مَجْلِسَ الْعَقْدِ أَوْ مَجْلِسَ الْخُصُومَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَعْسَرَ بِهِ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ مِنْهُ غَيْرُ الْمَبِيعِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ لَا تَفِي بِالثَّمَنِ، وَإِلَّا بِيعَ وَوَفَّى الثَّمَنَ مِنْهُ ح ل. قَوْلُهُ: (فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ) أَيْ وَأَخْذُ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ حَجْرِ الْحَاكِمِ. وَقَوْلُهُ " بِالْفَلَسِ " أَيْ بِسَبَبِ الْفَلَسِ وَهُوَ الْإِعْسَارُ، وَلَا يُفْسَخُ إلَّا إنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَعْسَرَ) بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ يَفِي بِالثَّمَنِ غَيْرَ الْمَبِيعِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ عَنْ ح ل. قَوْلِهِ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ) بِأَنْ كَانَ دُونَهَا. قَوْلُهُ: (حَجَرَ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَا فَسْخَ أَيْ حَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ؛ وَهَذَا يُسَمَّى بِالْحَجْرِ الْغَرِيبِ إذْ يُفَارِقُ حَجْرَ الْفَلَسِ فِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 حَتَّى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ، فَإِنْ صَبَرَ فَالْحَجْرُ كَمَا مَرَّ. وَمَحَلُّ الْحَجْرِ فِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ وَإِلَّا فَلَا حَجْرَ، وَأَمَّا الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِهِ لِرِضَاهُ بِتَأْخِيرِهِ وَلَوْ حَلَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا حَبْسَ أَيْضًا. (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ اللَّحْمِ) وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالشَّحْمِ وَالْكَبِدِ وَالْقَلْبِ وَالْكُلْيَةِ وَالطِّحَالِ وَالْأَلْيَةِ. (بِالْحَيَوَانِ) مِنْ جِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ مَأْكُولٍ، كَبَيْعِ لَحْمِ الْبَقَرِ بِالضَّأْنِ وَغَيْرِهِ كَبَيْعِ لَحْمِ ضَأْنٍ بِحِمَارٍ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ. أَمَّا بَيْعُ الْجِلْدِ بِالْحَيَوَانِ فَيَصِحُّ بَعْدَ دَبْغِهِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ. (وَيَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ) وَعَكْسُهُ (مُتَفَاضِلًا) أَيْ زَائِدًا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ: كَوْنُهُ (نَقْدًا) أَيْ حَالًّا. وَالثَّانِي: كَوْنُهُ مَقْبُوضًا بِيَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا أَوْ تَخَايُرِهِمَا. (وَكَذَا الْمَطْعُومَات) الْمُتَقَدِّمُ بَيَانُهَا (لَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّجِسِ مِنْهَا) أَيْ الْمَطْعُومَاتِ (بِمِثْلِهِ) سَوَاءٌ اتَّفَقَ نَوْعُهُ أَمْ اخْتَلَفَ (إلَّا) بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ كَوْنُهُ (مُتَمَاثِلًا) وَالثَّانِي: كَوْنُهُ (نَقْدًا) وَالثَّالِثُ: كَوْنُهُ مَقْبُوضًا بِيَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَبْلَ   [حاشية البجيرمي] بِعَيْنِ الْمَبِيعِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سُؤَالِ غَرِيمٍ وَلَا عَلَى فَكِّ قَاضٍ بَلْ يَنْفَكُّ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ عَلَى الْأَوْجَهِ، وَلَا عَلَى نَقْصِ مَالِهِ عَنْ الْوَفَاءِ لِعُذْرِ الْبَائِعِ هُنَا حَيْثُ سَلَّمَ بِإِجْبَارِهِ الْحَاكِمَ. وَمِنْ ثَمَّ لَوْ سَلَّمَ مُتَبَرِّعًا اُعْتُبِرَ النَّقْصُ كَمَا فِي الْفَلَسِ وَفِي أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى مَمُونِهِ نَفَقَةَ مُوسِرٍ، وَلَا يَتَعَدَّى لِلْحَادِثِ، وَلَا يُبَاعُ فِيهِ مَسْكَنٌ وَخَادِمٌ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِهِمَا، أَيْ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ سَعَةٌ، ز ي. قَوْلُهُ (فِي أَمْوَالِهِ كُلِّهَا) وَإِنْ كَانَتْ أُلُوفًا وَالثَّمَنُ دِرْهَمًا؛ لِئَلَّا يَتَصَرَّفَ فِيهَا بِمَا يَفُوتُ حَقُّ الْبَائِعِ. وَقَوْلُهُ " كَانَ لَهُ الْفَسْخُ " أَيْ وَأَخْذُ الْمَبِيعِ لِتَعَذُّرِ تَحْصِيلِ الثَّمَنِ كَالْإِفْلَاسِ بِهِ، فَلَا يُكَلَّفُ الصَّبْرُ إلَى إحْضَارِ الْمَالِ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (كَانَ لَهُ الْفَسْخُ) وَلَا حَجْرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ صَبَرَ فَالْحَجْرُ) أَيْ يُضْرَبُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَفُوتَ الْمَالُ م ر. فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ إنْ فَسَخَ لَا حَجْرَ أَوْ صَبْرَ، فَالْحَجْرُ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ نَفْيَ الْحَجْرِ فِي الصُّورَتَيْنِ أج. وَهَذَا مُعْتَمَدٌ خِلَافًا لِمَنْ ضَعَّفَهُ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَمْوَالِهِ كُلِّهَا حَتَّى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ. وَقَوْلُهُ " وَمَحَلُّ الْحَجْرِ " فِي هَذَا، أَيْ قَوْلُهُ: فَإِنْ صَبَرَ فَالْحَجْرُ، وَقَوْلُهُ: وَمَا قَبْلَهُ، أَيْ قَوْلُهُ " حُجِرَ عَلَيْهِ فِي أَمْوَالِهِ ". قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: إنْ حَضَرَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ) وَمِنْ ثَمَّ كَانَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِرَهْنٍ وَلَا ضَامِنٍ وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا وَخَافَ الْفَوَاتَ ح ل. قَوْلُهُ: (فَلَا حَبْسَ أَيْضًا) هَلَّا حَذَفَ هَذَا وَتَكُونُ " لَوْ " غَايَةً، قَوْلُهُ: (وَلَا بَيْعُ اللَّحْمِ) خَرَجَ بِهِ اللَّبَنُ وَالْبَيْضُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا بِالْحَيَوَانِ نَعَمْ إنْ كَانَ فِيهِ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ كَبَيْعِ لَبَنِ شَاةٍ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَبَيْضِ دَجَاجَةٍ بِدَجَاجَةٍ فِيهَا بَيْضٌ لَمْ يَصِحَّ لِلرِّبَا، وَكَذَا بَيْعُ حَيَوَانٍ بِمِثْلِهِ فِيهِمَا لَبَنٌ كَبَقَرَةٍ بِمِثْلِهَا فِيهِمَا ذَلِكَ أَوْ فِيهِمَا بَيْضٌ كَدَجَاجَةٍ بِمِثْلِهَا فِيهِمَا ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ، سم مَعَ زِيَادَةٍ أج، وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر. قَالَ م د: وَاللَّحْمُ بِسُكُونِ الْحَاءِ وَتُحَرَّكُ، وَجَمْعُهُ لُحُومٌ وَلُحْمَانٌ بِالضَّمِّ لِحَامٌ بِالْكَسْرِ. قَوْلُهُ: (بِالْحَيَوَانِ) وَمِنْهُ السَّمَكُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَرَكَةٌ مَذْبُوحٌ. قَوْلُهُ: (وَالْكَبِدِ) الْكَبِدُ بِوَزْنِ الْكَذِبِ وَاحِدُ الْأَكْبَادِ وَيُقَالُ كَبْدٌ بِوَزْنِ فَلْسٍ لِلتَّخْفِيفِ كَمَا يُقَالُ لِلْفَخِذِ فَخْذٌ بِالسُّكُونِ وَكَبِدُ السَّمَاءِ وَسَطُهَا وَالْكَبَدُ بِفَتْحَتَيْنِ الشِّدَّةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4] وَالْكُبَادُ بِالضَّمِّ وَجَعُ الْكَبِدِ. وَقَوْلُهُ " وَالْكُلْيَةِ " الْكُلْيَةُ وَالْكُلْوَةُ بِضَمِّ الْكَافِ فِيهِمَا مَعْرُوفَةٌ، وَلَا تَقُلْ كِلْوَةٌ بِالْكَسْرِ، وَالْجَمْعُ كُلُيَاتٌ. وَقَوْلُهُ " وَالْأَلْيَةِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَلْيَةُ الشَّاةِ وَلَا تَقُلْ إلْيَةٌ بِالْكَسْرِ وَلَا لِيَّةٌ وَتَثْنِيَتُهَا أَلْيَانِ بِغَيْرِ تَاءٍ. اهـ. مُخْتَارٌ وَقَرَّرَهُ الْحِفْنِيُّ وَجَمْعُهَا أَلَيَاتٌ مِثْلُ سَجْدَةٍ وَسَجَدَاتٍ اهـ مِصْبَاحٌ قَوْلُهُ (بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ) أَيْ إذَا كَانَ جِلْدَ مَأْكُولٍ وَكَانَ الْجِلْدُ مِمَّا يُؤْكَلُ غَالِبًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَمَّا الَّذِي لَا يُمْكِنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 تَفَرُّقِهِمَا أَوْ تَخَايُرِهِمَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَيْعِ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ، وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا وَإِنْ تَفَاوَتَ فِي الْوَزْنِ، وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا وَإِنْ تَفَاوَتَ فِي الْكَيْلِ. وَالْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الشَّيْءِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِظُهُورِ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ. وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ أَوْ كَانَ وَجُهِلَ حَالُهُ وَجُرْمُهُ كَالتَّمْرِ يُرَاعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ فَالْوَزْنُ. وَلَوْ بَاعَ جُزَافًا نَقْدًا أَوْ طَعَامًا بِجِنْسِهِ تَخْمِينًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ خَرَجَا سَوَاءٌ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ. وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ لِلرِّبَوِيِّ حَالَ الْكَمَالِ، فَتُعْتَبَرُ فِي الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَقْتَ الْجَفَافِ وَتَنْقِيَتِهَا، فَلَا يُبَاعُ رَطْبُ الْمَطْعُومَاتِ بِرَطْبِهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا. وَلَا بِجَافِّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا، وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَالْخُبْزِ بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْحُبُوبِ حَبًّا وَفِي حُبُوبِ الدُّهْنِ كَالسِّمْسِمِ بِكَسْرِ السِّينَيْنِ حَبًّا أَوْ دُهْنًا، وَفِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ زَبِيبًا أَوْ تَمْرًا أَوْ خَلَّ عِنَبٍ وَرُطَبٍ أَوْ عَصِيرِ ذَلِكَ، وَفِي اللَّبَنِ لَبَنًا أَوْ سَمْنًا خَالِصًا مُصَفًّى بِشَمْسٍ أَوْ نَارٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا عَلَى النَّصِّ، فَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ أَوْ الْقَلْيِ أَوْ الشَّيِّ، وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ تَمْيِيزٍ كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ.   [حاشية البجيرمي] أَكْلُهُ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِالْحَيَوَانِ وَلَوْ قَبْلَ الدَّبْغِ قَوْلُهُ: (أَوْ تَخَايُرِهِمَا) أَيْ إلْزَامُهُمَا الْعَقْدَ. وَ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ. قَوْلُهُ: (الْحِجَازِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَقُرَاهَا. قَوْلُهُ: (فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ حَيَاتِهِ، فَلَوْ أَحْدَثَ النَّاسُ خِلَافَهُ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ. وَقَوْلُهُ: وَجُهِلَ حَالُهُ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجَازِ أَوْ اُسْتُعْمِلَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِيهِ سَوَاءٌ أَوْ لَمْ يُسْتَعْمَلَا، وَقَوْلُهُ " كَالتَّمْرِ " أَيْ أَوْ دُونَهُ. قَوْلُهُ: (يُرَاعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْمَبِيعِ) أَيْ حَالَةَ الْبَيْعِ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْأَغْلَبُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَغْلَبُ أُلْحِقَ بِالْأَكْثَرِ شَبَهًا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَيْ الْأَكْثَرُ شَبَهًا جَازَ فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ) كَجَوْزٍ وَبَيْضٍ. وَقَوْلُهُ " فَالْوَزْنُ " إذْ لَمْ يُعْهَدُ الْكَيْلُ بِالْحِجَازِ فِيمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (جُزَافًا) بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ م ر، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ اللُّطَفَاءِ: جِيمُ الْجُزَافِ جُزَافٌ وَالْقِيَاسُ كَسْرُهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ. " لِفَاعِلِ الْفِعَالِ وَالْمُفَاعَلَةِ ". قَوْلُهُ: (تَخْمِينًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ جُزَافًا بِغَيْرِ تَخْمِينٍ كَانَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ) لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ بِتَفَاوُتِ الدَّقِيقِ فِي النُّعُومَةِ وَالْخُشُونَةِ وَالْخُبْزِ فِي تَأْثِيرِ النَّارِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ بِالنُّخَالَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رِبَوِيَّةً؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَالسَّوِيقُ هُوَ دَقِيقُ الشَّعِيرِ الْمُحَمَّصِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ: السَّوِيقُ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ. قَوْلُهُ: (حَبًّا أَوْ دُهْنًا) أَيْ أَوْ كَسْبًا خَالِصًا مِنْ نَحْوِ مِلْحٍ وَدُهْنٍ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ السِّمْسِمِ وَمَا اُتُّخِذَ مِنْهُ أَنَّ السِّمْسِمَ وَالشَّيْرَجَ وَالْكُسْبَ الْخَالِصَ يُبَاعُ كُلٌّ مِنْهَا بِمِثْلِهِ، وَكَذَا الشَّيْرَجُ بِالْكُسْبِ الْخَالِصِ مِنْ الدُّهْنِ وَلَوْ مَعَ التَّفَاضُلِ، وَيَمْتَنِعُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَبِالطَّحِينَةِ وَبِالْكُسْبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دُهْنِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُبَاعُ بِمَا اُتُّخِذَ مِنْهُ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الطَّحِينَةِ بِمِثْلِهَا وَلَا بِكُسْبٍ وَلَا بِالشَّيْرَجِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِمَا. فَصُوَرُهُ عَشْرَةٌ: أَرْبَعَةٌ صَحِيحَةٌ وَسِتَّةٌ بَاطِلَةٌ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشُّرَّاحِ؛ سم عَلَى حَجّ. وَالشَّيْرَجُ بِفَتْحِ الشِّينِ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ كَمَا نَقَلَهُ ع ش عَلَى م ر عَنْ الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (وَفِي اللَّبَنِ) أَيْ فِي مَاهِيَّةِ هَذَا الْجِنْسِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى لَبَنٍ وَغَيْرِهِ شَرْحُ م ر، أَيْ لِيُنَاسِبَ قَوْلُهُ بَعْدُ: لَبَنًا أَوْ سَمْنًا، أَيْ حَالَ كَوْنِ اللَّبَنِ بَاقِيًا لَبَنًا بِحَالِهِ أَوْ صَائِرًا سَمْنًا. قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ) أَيْ السَّمْنِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مَائِعًا) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّمْنِ الْوَزْنُ إنْ كَانَ جَامِدًا وَالْكَيْلُ إنْ كَانَ مَائِعًا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي اللَّبَنِ الْكَيْلُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ الْحَلِيبُ وَغَيْرُهُ مَا لَمْ يَغْلِ بِالنَّارِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ مُلَخَّصًا وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (بِالطَّبْخِ) كَاللَّحْمِ، وَالْقَلْيِ كَالسِّمْسِمِ، وَالشَّيِّ كَالْبَيْضِ. قَوْلُهُ: (كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ) مُيِّزَا بِالنَّارِ عَنْ الشَّمْعِ وَاللَّبَنِ، فَيُبَاعُ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِبَعْضٍ حِينَئِذٍ لِأَنَّ نَارَ التَّمْيِيزِ لَطِيفَةٌ، أَمَّا قَبْلَ التَّمْيِيزِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَفَارَقَ بَيْعُ التَّمْرِ بِبَعْضِهِ وَفِيهِ نَوَاهُ بِأَنَّ النَّوَى غَيْرُ مَقْصُودٍ، بِخِلَافِ الشَّمْعِ فِي الْعَسَلِ فَاجْتِمَاعُهُمَا مُفْضٍ لِلْجَهَالَةِ شَرْحُ م ر. وَالْعَسَلُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، الْمُرَادُ بِهِ عَسَلُ النَّحْلِ وَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عَسَلٌ مِنْ السُّكَّرِ وَغَيْرُهُ مَجَازٌ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النَّحْلِ مُتَفَاضِلًا. اهـ. دَمِيرِيٌّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 (وَيَجُوزُ) (بَيْعُ الْجِنْسِ مِنْهَا) أَيْ الْمَطْعُومَاتِ (بِغَيْرِهِ) كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ (مُتَفَاضِلًا) بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ كَوْنُهُ (نَقْدًا) أَيْ حَالًّا. وَالثَّانِي: كَوْنُهُ مَقْبُوضًا بِيَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا، أَوْ قَبْلَ تَخَايُرِهِمَا. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَرَرِ) وَهُوَ غَيْرُ الْمَعْلُومِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ إلَّا إذَا كَانَ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا كَالْأَرْضِ وَالْأَوَانِي وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْفَصْلِ قَبْلَ هَذَا. وَتُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ، فَفِي الْكِتَابِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَرَقَةً وَرَقَةً وَفِي الْوَرَقِ الْبَيَاضُ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الطَّاقَاتِ، وَفِي الدَّارِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْبُيُوتِ وَالسُّقُوفِ وَالسُّطُوحِ وَالْجُدْرَانِ وَالْمُسْتَحَمِّ وَالْبَالُوعَةِ وَكَذَا رُؤْيَةُ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَفِي الْبُسْتَانِ رُؤْيَةُ أَشْجَارِهِ وَمَجْرَى مَائِهِ وَكَذَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَاءِ الَّذِي تَدُورُ بِهِ الرَّحَى خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ. وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ أَسَاسِ جُدْرَانِ الْبُسْتَانِ، وَلَا رُؤْيَةُ عُرُوقِ الْأَشْجَارِ وَنَحْوِهَا، وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ رَأَى آلَةَ بِنَاءِ الْحَمَّامِ وَأَرْضَهَا قَبْلَ بِنَائِهَا لَمْ يَكْفِ عَنْ رُؤْيَتِهَا كَمَا لَا يَكْفِي فِي التَّمْرِ رُؤْيَتُهُ رَطْبًا كَمَا لَوْ رَأَى سَخْلَةً أَوْ صَبِيًّا فَكَمُلَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا بِلَا رُؤْيَةٍ أُخْرَى. وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّقِيقِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ رُؤْيَةُ مَا سِوَى الْعَوْرَةِ لَا اللِّسَانُ وَالْأَسْنَانُ، وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ كُلِّهَا حَتَّى شَعَرِهَا، فَيَجِبُ رَفْعُ السَّرْجِ وَالْإِكَافِ وَلَا يُشْتَرَطُ إجْرَاؤُهَا لِيَعْرِفَ سَيْرَهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ نَشْرُهُ لِيَرَى الْجَمِيعَ وَلَوْ لَمْ يُنْشَرْ مِثْلُهُ إلَّا عِنْدَ الْقَطْعِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ رُؤْيَةُ وَجْهَيْ مَا يَخْتَلِفُ مِنْهُ كَأَنْ يَكُونَ صَفِيقًا كَدِيبَاجٍ مُنَقَّشٍ وَبُسُطٍ، بِخِلَافِ مَا لَا يَخْتَلِفُ وَجْهَاهُ كَكِرْبَاسٍ فَيَكْفِي رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَإِنْ حُلِبَ مِنْهُ شَيْءٌ وَرُئِيَ قَبْلَ الْبَيْعِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الصُّوفِ قَبْلَ الْجَزِّ أَوْ التَّذْكِيَةِ لِاخْتِلَاطِهِ بِالْحَادِثِ، فَإِنْ قَبَضَ   [حاشية البجيرمي] فَائِدَةٌ: سَمْنُ الْبَقَرِ إذَا شُرِبَ نَفَعَ مِنْ شُرْبِ السُّمِّ الْقَاتِلِ وَمِنْ لَدْغِ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَبْلَ تَخَايُرِهِمَا) " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ لِيُوَافِقَ الْمُعْتَمَدَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ الصِّحَاحِ فَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ إسْقَاطِ الْأَلِفِ تَصْلِيحٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَرَرِ) أَيْ الْبَيْعُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْغَرَرِ أَوْ بَيْعُ مَا فِيهِ الْغَرَرُ. قَوْلُهُ: (بِعَيْنِ الْمَبِيعِ) أَيْ فِي الْمُعَيَّنِ. وَقَوْلُهُ " وَقَدْرُهُ وَصِفَتُهُ " فِيمَا فِي الذِّمَّةِ، فَالْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ ". قَوْلُهُ: (وَتُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُ هَذَا فِي شُرُوطِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَفِي الْوَرَقِ الْبَيَاضُ) أَيْ ذِي الْبَيَاضِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي لَمْ يُكْتَبْ فِيهِ فَيَشْمَلُ الْأَصْفَرَ وَغَيْرَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ رُؤْيَةِ الْبُيُوتِ) دَاخِلَهَا وَخَارِجَهَا. قَوْلُهُ: (عُرُوقِ الْأَشْجَارِ) أَيْ جُذُورِهَا وَنَحْوِهَا كَوَرَقِهَا مَثَلًا. قَوْلُهُ: (سَخْلَةً) أَيْ شَاةً صَغِيرَةً. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّقِيقِ إلَخْ) وَظَاهِرُ ذَلِكَ اعْتِبَارُ رُؤْيَةِ بَاطِنِ قَدَمِ الرَّقِيقِ وَحَافِرِ الدَّابَّةِ وَهُوَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ؛ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ، وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِنَا فِي الْأَمَةِ وَمِثْلُهَا غَيْرُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ سم. قَوْلُهُ: (لَا اللِّسَانُ وَالْأَسْنَانُ) وَكَذَا بَاطِنُ الْقَدَمِ وَكَذَا حَافِرُ بَاطِنِ الدَّابَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر، خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ. وَلَوْ قَالَ " وَاللِّسَانُ إلَخْ " لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ، فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْعَوْرَةِ؛ لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فَيُوهِمُ اشْتِرَاطَ رُؤْيَتِهِمَا فَمَا صَنَعَهُ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّابَّةِ) لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ " يُشْتَرَطُ " وَقَالَ: فِي الدَّابَّةِ إلَخْ بِجَعْلِهِ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ لَكَانَ أَخْصَرَ لَكِنَّ قَصْدَهُ الْإِيضَاحُ. قَوْلُهُ: (وَالْإِكَافِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَهُوَ مَا تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ إلَخْ) لَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ: حَتَّى شَعَرَهَا مَا عَدَا اللِّسَانَ وَالْأَسْنَانَ، لَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ وَكَانَ أَخْصَرَ. قَوْلُهُ: (كَكِرْبَاسَ) ثَوْبٌ مِنْ الْقُطْنِ الْأَبْيَضِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ؛ لَكِنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَيَكْفِي رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْوَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْجَزِّ أَوْ التَّذْكِيَةِ) هِيَ عِبَارَةُ الرَّوْضِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: " أَوْ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَبِهَا عَبَّرَ فِي نُسْخَةٍ اهـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 قِطْعَةً وَقَالَ: بِعْتُك هَذِهِ صَحَّ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مِسْكٍ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ لِجَهْلِ الْمَقْصُودِ كَنَحْوِ لَبَنٍ مَخْلُوطٍ بِنَحْوِ مَاءٍ، نَعَمْ إنْ كَانَ مَعْجُونًا بِغَيْرِهِ كَالْغَالِيَةِ وَالنِّدِّ صَحَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ جَمِيعُهُمَا لَا الْمِسْكُ وَحْدَهُ. وَلَوْ بَاعَ الْمِسْكَ فِي فَأْرَتِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَهَا كَاللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ فَإِنْ رَآهَا فَارِغَةً ثُمَّ مُلِئَتْ مِسْكًا لَمْ يَرَهُ ثُمَّ رَأَى أَعْلَاهُ مِنْ رَأْسِهَا أَوْ رَآهُ خَارِجَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ رَدِّهِ إلَيْهَا جَازَ. وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ، شَرَعَ فِي لُزُومِهِ وَجَوَازِهِ وَذَلِكَ بِسَبَبِ الْخِيَارِ وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ نَقْلُ الْمِلْكِ وَقَضِيَّةُ الْمِلْكِ التَّصَرُّفُ وَكِلَاهُمَا فَرْعُ اللُّزُومِ، إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ فِيهِ الْخِيَارَ رِفْقًا بِالْمُتَعَاقِدِينَ وَهُوَ نَوْعَانِ: خِيَارُ تَشَهٍّ، وَخِيَارُ نَقِيصَةٍ. فَخِيَارُ التَّشَهِّي مَا يَتَعَاطَاهُ الْمُتَعَاقِدَانِ بِاخْتِيَارِهِمَا وَشَهْوَتِهِمَا مِنْ   [حاشية البجيرمي] مَرْحُومِيٌّ. أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ بَيْعِ الصُّوفِ مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْجَزِّ وَأَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّذْكِيَةِ. أَمَّا بَعْدَ جَزِّهِ فَيَجُوزُ وَكَذَا بَعْدَ التَّذْكِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ بَعْدَهَا فَلَا يُخْلَطُ بِحَادِثٍ، وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ) أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ التَّرْكِيبِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ لَبَنٍ مَخْلُوطٍ) مِثْلُهُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِعَظْمِهِ وَبَيْعُ الطَّحِينَةِ وَالْقِشْدَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالدَّرَاهِمِ، فَإِنَّهُ بَاطِلٌ مُطْلَقًا لِلْجَهْلِ بِأَحَدِ الْمَقْصُودَيْنِ فِيهِ؛ قَالَهُ شَيْخُنَا قِيَاسًا وَعَلَى مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ بُطْلَانِ بَيْعِ اللَّبَنِ الْمَشُوبِ بِالْمَاءِ وَلَوْ بِالدَّرَاهِمِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ قَاسِمٍ وَالرَّمْلِيِّ. وَخَالَفَ شَيْخُنَا ع ش فَاعْتَمَدَ الصِّحَّةَ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّبَنِ الْمَشُوبِ بِالْمَاءِ فَتَأَمَّلْ،. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَاءَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ اللَّبَنِ بِخِلَافِ الشَّيْرَجِ مَعَ الْكُسْبِ وَاللَّبَنِ مَعَ الْقِشْدَةِ، وَكَذَا السَّمْنُ مَعَهَا، وَالْعَظْمُ مَعَ اللَّحْمِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ أَجْنَبِيَّةً؛ فَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ. قَوْلُهُ: (كَالْغَالِيَةِ) نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ مُرَكَّبٌ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَمَعَهُمَا دُهْنٌ أَوْ عُودٌ وَكَافُورٌ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَالنَّدِّ) بِفَتْحِ النُّونِ، مُرَكَّبٌ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَعُودٍ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فِي فَأْرَتِهِ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ، وَفَأْرَةُ الْبَيْتِ بِالْهَمْزِ لَا غَيْرُ، وَفَارَةُ النَّجَّارِ بِالْأَلِفِ لَا غَيْرُ. قَالَ الشَّاعِرُ: وَفَأْرَةُ الْبَيْتِ اهْمِزْنَهَا يَا فَتَى ... هَمْزًا وَإِبْدَالًا لِغَيْرٍ أُثْبِتَا قَوْلُهُ: (شَرَعَ فِي لُزُومِهِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْحَصِرُ فِي خَمْسَةِ أَطْرَافٍ: الطَّرَفُ الْأَوَّلُ: فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ. الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي جَوَازِهِ وَلُزُومِهِ. الطَّرَفُ الثَّالِثُ: فِي حُكْمِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ. الطَّرَفُ الرَّابِعُ: فِي أَلْفَاظٍ تَتَأَثَّرُ بِالْقَرَائِنِ. الطَّرَفُ الْخَامِسُ: فِي التَّحَالُفِ وَمُعَامَلَةِ الرَّقِيقِ؛ زِيَادِيٌّ. وَقَوْلُهُ " تَتَأَثَّرُ بِالْقَرَائِنِ " أَيْ وَتَسْتَتْبِعُ غَيْرَ مُسَمَّاهَا كَبِعْتُكَ الْأَرْضَ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَا فِيهَا مِنْ الشَّجَرِ، إذْ مُسَمَّى الشَّجَرِ غَيْرُ مُسَمَّى الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ الْجَوَازُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ) أَيْ وَضْعُهُ اللُّزُومُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ إلَخْ " أَيْ فَالْخِيَارُ عَارِضٌ، لَكِنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ صَارَ كَاللَّازِمِ بِدَلِيلِ بُطْلَانِ الْعَقْدِ بِنَفْيِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ) أَيْ شَرْعًا وَعَقْلًا وَقَوْلُهُ التَّصَرُّفُ أَيْ حِلُّ التَّصَرُّفِ. وَقَوْلُهُ " وَكِلَاهُمَا فَرْعُ اللُّزُومِ " أَيْ عَقْلًا. وَفِي كَوْنِ نَقْلِ الْمِلْكِ فَرْعَ اللُّزُومِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ نَقْلُ الْمِلْكِ التَّامِّ أَيْ الَّذِي لَا فَسْخَ بَعْدَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ، فَجَاءَ الشَّرْعُ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْلِ. قَوْلُهُ: (خِيَارُ تَشَهٍّ) مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ. أَيْ خِيَارٌ سَبَبُهُ الشَّهْوَةُ وَالْخِيرَةُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. أَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَيَثْبُتُ قَهْرًا. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَثْبُتُ أَصْلُهُ بِالشَّهْوَةِ وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ أَوْ دَوَامُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ بِاخْتِيَارِهِمَا، أَوْ أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالشَّهْوَةِ هُوَ أَثَرُهُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ؛ وَهَذَا التَّقْدِيرُ يَجْرِي فِي قَوْلِهِ: مَا يَتَعَاطَاهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (نَقِيصَةٍ) أَيْ عَيْبٍ. قَوْلُهُ: (مَا يَتَعَاطَاهُ الْمُتَعَاقِدَانِ) أَيْ يَتَعَاطَيَا نَفْسَهُ وَأَثَرُهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَيَتَعَاطَيَا أَثَرَهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ. قَوْلُهُ: (بِاخْتِيَارِهِمَا) كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ يَثْبُتُ قَهْرًا حَتَّى لَوْ نَفَيَاهُ بَطَلَ الْعَقْدُ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ بِاخْتِيَارِهِمَا أَنَّ اسْتِمْرَارَهُ بِاخْتِيَارِهِمَا أَوْ أَنَّ أَثَرَهُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ بِاخْتِيَارِهِمَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى فَوَاتِ أَمْرٍ فِي الْمَبِيعِ وَسَبَبُهُ الْمَجْلِسُ أَوْ الشَّرْطُ. وَقَدْ بَدَأَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) بِبَدَنِهِمَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ يَخْتَارَا لُزُومَ الْعَقْدِ كَقَوْلِهِمَا: تَخَايَرْنَا، فَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا لُزُومَهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْخِيَارِ وَبَقِيَ الْحَقُّ فِيهِ لِلْآخَرِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي كُلِّ بَيْعٍ وَإِنْ اسْتَعْقَبَ عِتْقًا كَشِرَاءِ بَعْضِهِ وَذَلِكَ كَرِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ   [حاشية البجيرمي] الشَّارِحِ: مَا يَتَعَاطَاهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَوْ الشَّرْطُ) أَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتَجَوَّزَ الْجَمْعُ. قَوْلُهُ: (بِقَوْلِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ مُتَعَلِّقٌ يَبْدَأُ، فَسَقَطَ مَا يُقَالُ إنَّ فِي كَلَامِهِ تَعَلُّقُ جَرٍّ فِي جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (وَالْمُتَبَايِعَانِ إلَخْ) تَثْنِيَةُ مُتَبَايِعٍ بِمَعْنَى بَائِعٍ، وَالْمُرَادُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَهُوَ تَغْلِيبٌ. وَقَوْلُهُ " بِالْخِيَارِ " أَيْ مُلْتَبِسَانِ وَمَوْصُوفَانِ بِهِ، وَالْخِيَارُ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ الِاخْتِيَارِ بِمَعْنَى طَلَبِ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) " مَا " مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ، أَيْ مُدَّةَ عَدَمِ تَفَرُّقِهِمَا، وَالتَّثْنِيَةُ لَيْسَتْ قَيْدًا بَلْ مَتَى فَارَقَ أَحَدُهُمَا مُخْتَارًا انْقَطَعَ خِيَارُهُمَا، بِخِلَافِ اخْتِيَارِ اللُّزُومِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا خِيَارُ مَنْ اخْتَارَ لُزُومَ الْعَقْدِ. وَقَوْلُهُ. " مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا " وَيُزَادُ أَوْ " يَخْتَارَا لُزُومَ الْعَقْدِ أَوْ أَحَدُهُمَا " فَيَكُونُ الْمَتْنُ نَاقِصًا، أَيْ وَلَوْ كَانَ التَّفَرُّقُ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلًا. وَخَرَجَ بِالْبَدَنِ فُرْقَةُ الرُّوحِ وَالْعَقْلِ، فَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِمَا ذُكِرَ بَلْ يَخْلُفُ الْعَاقِدَ. وَارِثُهُ أَوْ وَلِيُّهُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا إلَخْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَخَرَجَ أَيْضًا تَفَرُّقُهُمَا بِالْمَكَانِ، كَأَنْ جَعَلَ الْمَكَانَ مَكَانَيْنِ بِإِرْخَاءِ سَاتِرٍ بَيْنَهُمَا أَوْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فِي نَامُوسِيَّةٍ وَالْآخَرُ خَارِجَهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَكَانِ الْعَقْدِ، أَوْ كَأَنْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ فِي وَسَطِ ذَلِكَ الْمَكَانِ. قَوْلُهُ: (بِبَدَنِهِمَا) أَوْ بَدَنِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا. اهـ. سُلْطَانٌ. قَوْلُهُ: (عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ) الْمُرَادُ الْحَالَةُ الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا حَالَةَ الْعَقْدِ مِنْ جُلُوسٍ أَوْ قِيَامٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ أَوْ مَشْيٍ، فَمَتَى انْفَصَلَا عَنْهَا عُرْفًا لَزِمَ الْبَيْعُ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا) مَفْهُومَ قَوْلِهِ: أَوْ يَخْتَارَا. قَوْلُهُ: (وَبَقِيَ الْحَقُّ فِيهِ لِلْآخَرِ) أَيْ وَيَسْتَمِرُّ إلَى الْمُفَارَقَةِ أَوْ الِاخْتِيَارِ أَيْضًا. وَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا لُزُومَ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ فَسْخَهُ قُدِّمَ الْفَسْخُ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْإِجَازَةِ، لِأَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْفَسْخِ دُونَ الْإِجَازَةِ لِأَصَالَتِهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ) دَلِيلٌ لِلْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (الْبَيِّعَانِ) تَثْنِيَةُ بَيْعٍ بِمَعْنَى بَائِعٍ، وَيُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ أَنَّهُ بَائِعٌ كَمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَأَنَّهُ بَاعَ الثَّمَنَ لِلْآخَرِ، لَكِنْ إذَا أُطْلِقَ الْبَائِعُ فَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ إلَى الذِّهْنِ بَاذِلُ السِّلْعَةِ فَيَكُونُ فِيهِ تَغْلِيبٌ عَلَى هَذَا وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَغْلِيبَ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ خِيَارَهُمَا يَنْقَطِعُ إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا خِيَارُ الْقَائِلِ فَقَطْ وَيَبْقَى الْخِيَارُ لِلْآخَرِ قَوْلُهُ: (أَوْ يَقُولَ) مَنْصُوبٌ بِتَقْدِيرِ: إلَّا أَنْ، أَوْ إلَى أَنْ. وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا لَجَزَمَهُ فَقَالَ: أَوْ يَقُلْ؛ قَالَهُ النَّوَوِيُّ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَنْصُوبٌ بِ " أَنْ " مُضْمَرَةٍ وَأَوْ بِمَعْنَى إلَّا أَوْ إلَى. قَالَ الْبُرُلُّسِيُّ: الْمَعْنَى عَلَى الْعَطْفِ أَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ لَهُمَا فِي مُدَّةِ انْتِفَاءِ التَّفَرُّقِ أَوْ مُدَّةِ انْتِفَاءِ قَوْلِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ، فَيَقْتَضِي ثُبُوتَهُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَإِنْ انْتَفَتْ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: اخْتَرْ، وَثُبُوتُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ انْتَفَتْ الْأُولَى بِأَنْ تَفَرَّقَا. وَيَتَخَلَّصُ مِنْهُمَا بِمَا ذُكِرَ وَهُوَ نَصْبُهُ بِأَنْ وَأَوْ بِمَعْنَى إلَّا أَوْ إلَى، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ وَضْعِ اللُّغَةِ وَهُوَ أَنَّ أَوْ بَعْدَ النَّفْيِ لِانْتِفَاءِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ كَمَا قَالَهُ الرَّضِيُّ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِاسْتِعْمَالِ اللُّغَةِ وَهُوَ أَنَّ أَوْ بَعْدَ النَّفْيِ لِانْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] أَيْ وَلَا كَفُورًا، فَالْعَطْفُ هُنَا ظَاهِرٌ؛ لَكِنْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْعَطْفَ جَارٍ عَلَى أَصْلِ الْوَضْعِ فَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَاطِعٌ لِذَلِكَ سم مُلَخَّصًا. وَقَوْلُهُ " اسْتِعْمَالُ اللُّغَةِ " أَيْ اسْتِعْمَالُ أَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي الِاسْتِعْمَالِ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ بَيْعٍ) أَيْ فِي كُلِّ مَا يُسَمَّى بَيْعًا كَمَا يَأْتِي. وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي كُلِّ مُعَارَضَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 وَتَوْلِيَةٍ وَتَشْرِيكٍ لَا فِي بَيْعِ عَبْدٍ مِنْهُ وَلَا فِي بَيْعٍ ضِمْنِيٍّ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا الْعِتْقُ، وَلَا فِي قِسْمَةِ غَيْرِ رَدٍّ وَلَا فِي حَوَالَةٍ، وَلَا فِي إبْرَاءٍ وَصُلْحِ حَطِيطَةٍ وَنِكَاحٍ وَهِبَةٍ بِلَا ثَوَابٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسَمَّى بَيْعًا لِأَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْبَيْعِ. أَمَّا الْهِبَةُ بِثَوَابٍ فَإِنَّهَا بَيْعٌ فَيَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاجِ، وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ فَمَا يَعُدُّهُ   [حاشية البجيرمي] مَحْضَةٍ وَاقِعَةٍ عَلَى عَيْنٍ لَازِمَةٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَيْسَ فِيهَا تَمَلُّكٌ قَهْرِيٌّ وَلَا جَارِيَةٌ مَجْرَى الرُّخَصِ. اهـ. ق ل. وَالْمَحْضَةُ هِيَ الَّتِي تَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمُقَابِلِ، وَقَوْلُهُ " وَاقِعَةٍ عَلَى الْعَيْنِ " أَيْ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَبَيْعِ حَقِّ وَضْعِ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ، فَخَرَجَ بِالْمُعَارَضَةِ الْهِبَةُ وَالْإِبْرَاءُ وَصُلْحُ الْحَطِيطَةِ لِأَنَّهُ فِي الدَّيْنِ إبْرَاءٌ وَفِي الْعَيْنِ هِبَةٌ، وَبِالْمَحْضَةِ النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ فَإِنَّهُمَا لَا يَفْسُدَانِ بِفَسَادِ الْمُقَابِلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَبِالْوَاقِعَةِ عَلَى الْعَيْنِ الْإِجَارَةُ، وَبِلَازِمَةٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ الشَّرِكَةُ وَالْقِرَاضُ وَالرَّهْنُ وَالْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ جَائِزَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْأَخِيرَيْنِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَلَا مَعْنَى لِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيمَا هُوَ جَائِزٌ وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ، وَبِقَوْلِهِ " لَيْسَ فِيهَا تَمَلُّكٌ قَهْرِيٌّ " الشُّفْعَةُ، وَبِمَا بَعْدَهُ الْحَوَالَةُ. وَانْظُرْ بَيْعَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ وَالْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ يَخْرُجَانِ بِأَيِّ قَيْدٍ؟ وَالظَّاهِرُ خُرُوجُهُمَا بِالْأَخِيرِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَعْقَبَ عِتْقًا) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي، مَدَابِغِيٌّ. وَقَوْلُهُ " لَا لِلْمُشْتَرِي " هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، أَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ مَوْقُوفٌ أَوْ قُلْنَا إنَّهُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ فَإِنَّ الْخِيَارَ لَهُمَا؛ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَيْ الْعِتْقَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ لَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ حَتَّى يَلْزَمَ الْبَيْعُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ، قَالَ اج: قَوْلُهُ " وَإِنْ اسْتَعْقَبَ عِتْقًا " أَيْ فَلَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ خِيَارُهُمَا أَوْ خِيَارُ الْبَائِعِ فَقَطْ،. اهـ. سم. أَيْ فَيَتَبَيَّنُ عِتْقُهُ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ كَمَا قَالَهُ سم أَيْضًا. وَقَوْلُهُ " خِيَارُهُمَا " فَيَكُونُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ قَبْلَ خِيَارِ الْبَائِعِ، وَمَتَى أَجَازَ الْبَائِعُ عَتَقَ عَلَى الْمُشْتَرِي اهـ. وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ مَا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ. قَوْلُهُ: (كَرِبَوِيٍّ) أَيْ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ التَّشَهِّي، فَلَا يُقَالُ هُمَا أَيْ الْعِوَضَانِ فِي الرِّبَوِيِّ مُتَسَاوِيَانِ فَلَا أَحْسَنِيَّةَ حَتَّى يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِأَجْلِهَا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْسَنَ بِالنُّعُومَةِ وَالْخُشُونَةِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (لَا فِي بَيْعِ عَبْدٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَبْدِ أَيْ لَهُ بِأَنْ يَبِيعَهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ. وَهَذِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ " فِي كُلِّ بَيْعٍ " فَكَأَنَّهُ قَالَ " إلَّا فِي كَذَا ". وَقَوْلُهُ " وَلَا فِي قِسْمَةِ " مَفْهُومُ قَوْلِهِ " بَيْعِ " يُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي مِمَّا لَا يُسَمَّى بَيْعًا. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي قِسْمَةِ غَيْرِ رَدٍّ) أَيْ مِنْ إفْرَازٍ وَتَعْدِيلٍ، فَصُورَةُ الْإِفْرَازِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ مُتَسَاوِيَةُ الْأَجْزَاءِ شَرِكَةٌ فَقَسَمَاهَا فَلَا خِيَارَ فِيهَا. وَصُورَةُ التَّعْدِيلِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَرْضُ شَرِكَةٍ وَالْأَرْضُ فِيهَا تَفَاوُتٌ فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا ثُلُثًا وَالْآخَرُ ثُلُثَيْنِ بِالتَّعْدِيلِ فَلَا خِيَارَ أَيْضًا. وَأَمَّا قِسْمَةُ الرَّدِّ كَأَنْ يَكُونَ بِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِئْرٌ أَوْ بُسْتَانٌ فَيُجْعَلُ لِلْآخَرِ فِي مُقَابَلَتِهِ دَرَاهِمُ فَفِيهَا الْخِيَارُ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ فَتَأَمَّلْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَقْسُومَ إنْ تَسَاوَتْ الْأَنْصِبَاءُ مِنْهُ صُورَةً وَقِيمَةً فَهُوَ إفْرَازٌ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى رَدِّ شَيْءٍ آخَرَ وَلَمْ تَتَسَاوَ الْأَنْصِبَاءُ فَالتَّعْدِيلُ وَإِلَّا فَالرَّدُّ. قَوْلُهُ (وَلَا فِي حَوَالَةٍ) وَإِنْ جُعِلَتْ بَيْعًا لِعَدَمِ تَبَادُرِهَا مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَصُلْحِ حَطِيطَةٍ) بِأَنْ صَالَحَ مِنْ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى بَعْضِهِ وَهُوَ إبْرَاءٌ إنْ كَانَ فِي دَيْنٍ وَهِبَةٍ إنْ كَانَ فِي عَيْنٍ، فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِ عَلَى الْخَاصِّ. أَوْ أَرَادَ بِالْإِبْرَاءِ السَّابِقِ مَا لَيْسَ بِصُلْحٍ،. اهـ. سم. وَأَمَّا صُلْحُ الْمُعَاوَضَةِ كَأَنْ يُصَالِحَهُ، مِنْ دَارٍ بِعَبْدٍ فَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ. قَوْلُهُ: (وَنِكَاحٍ) أَيْ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ غَيْرُ مَحْضَةٍ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْهِبَةُ بِثَوَابٍ) أَيْ عِوَضٍ. قَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ) وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّفَرُّقُ اخْتِيَارِيًّا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُكْرِهَ أَحَدُهُمَا عَلَى التَّفَرُّقِ فَلَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ. وَأَمَّا الْآخَرُ فَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُ بَقِيَ خِيَارُهُ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا، نَعَمْ إنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ كَمَا إذَا غَصَبَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَ الْعَقْدِ فَأُكْرِهَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ فَظَاهِرُ انْقِطَاعِ خِيَارِ الْآخَرِ، نَعَمْ إنْ خَرَجَ مَعَهُ بِحَيْثُ يُعَدَّانِ مُجْتَمِعَيْنِ فَظَاهِرُ بَقَاءِ خِيَارِهِمَا سم أج. وَلَوْ هَرَبَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتْبَعْهُ الْآخَرُ بَطَلَ خِيَارُهُ كَالْهَارِبِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَنْ يَتْبَعَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 النَّاسُ تَفَرُّقًا يَلْزَمُ بِهِ الْعَقْدُ وَمَا لَا فَلَا لِأَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ شَرْعًا وَلَا لُغَةً يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، فَلَوْ قَامَا وَتَمَاشَيَا مَنَازِلَ دَامَ خِيَارُهُمَا كَمَا لَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَعْرَضَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَاوِي الْخَبَرِ إذَا ابْتَاعَ شَيْئًا فَارَقَ صَاحِبَهُ، فَلَوْ كَانَا فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ فَالتَّفَرُّقُ فِيهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ إلَى الصَّحْنِ، أَوْ مِنْ الصَّحْنِ إلَى الصُّفَّةِ، أَوْ الْبَيْتِ. وَإِنْ كَانَا فِي سُوقٍ أَوْ صَحْرَاءَ فَبِأَنْ يُوَلِّيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ظَهْرَهُ وَيَمْشِيَ قَلِيلًا وَلَوْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ سَمَاعِ خِطَابِهِ. وَإِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ أَوْ دَارٍ صَغِيرَةٍ فَبِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا مِنْهَا، وَلَوْ تَنَادَيَا بِالْبَيْعِ مِنْ بُعْدٍ ثَبَتَ لَهُمَا الْخِيَارُ وَامْتَدَّ مَا لَمْ يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا مَكَانَهُ، فَإِنَّهُ فَارَقَهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ الْآخَرُ مَعَهُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ عُدَّ تَفَرُّقًا بَطَلَ خِيَارُهُمَا، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ انْتَقَلَ الْخِيَارُ فِي الْأُولَى إلَى الْوَارِثِ وَلَوْ عَامًّا، وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إلَى الْوَلِيِّ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَلَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ أَوْ فَسَخَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ نَفَذَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ. وَلَوْ اشْتَرَى الْوَلِيُّ لِطِفْلِهِ شَيْئًا فَبَلَغَ رَشِيدًا قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ الْخِيَارُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَيَبْقَى لِلْوَلِيِّ عَلَى الْأَوْجُهِ مِنْ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الْبَحْرِ وَأَجْرَاهُمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَلَهُمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (أَنْ يَشْرِطَا الْخِيَارَ لَهُمَا) أَوْ لِأَحَدِهِمَا، سَوَاءٌ أَشَرَطَا إيقَاعَ أَثَرِهِ مِنْهُمَا أَمْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَمْ أَجْنَبِيٍّ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ، وَسَوَاءٌ أَشَرَطَا ذَلِكَ مِنْ وَاحِدٍ أَمْ مِنْ اثْنَيْنِ مَثَلًا،   [حاشية البجيرمي] بِالْقَوْلِ مِنْ كَوْنِ الْهَارِبِ فَارَقَ مُخْتَارًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (حَدٌّ) أَيْ ضَابِطٌ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ قَامَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ: مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ: فَيَبْقَى وَلَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا أَوْ تَمَاشَيَا مَنَازِلَ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا) وَإِنْ بَنَى جِدَارَ حَائِلٍ بَيْنَهُمَا وَلَوْ بِأَمْرِهِمَا أَوْ بِفِعْلِهِمَا، ق ل وسم. قَوْلُهُ: (وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ) وَلَوْ سِنِينَ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا زَعَمَ نَسْخَهُ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ جُلَّ عَمَلِهِمْ لَا يَثْبُتُ بِهِ نَسْخٌ كَمَا مَرَّ فِي الْأُصُولِ، خُصُوصًا وَابْنُ عُمَرَ مِنْ أَجَلِّهِمْ كَانَ يَعْمَلُ بِهِ ش م ر وَحَجَرَ أج؛ أَيْ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ. وَنَسْخُ النَّصِّ لَا يَحْصُلُ بِالِاجْتِهَادِ وَإِنَّمَا يَنْسَخُهُ نَصٌّ آخَرُ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ. قَوْلُهُ: (فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ) وَمِثْلُهَا السَّفِينَةُ الْكَبِيرَةُ. قَوْلُهُ: (بِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ) أَيْ كَقَاعَةٍ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (إلَى الصَّحْنِ) الصَّحْنُ كِنَايَةٌ عَنْ قَعْرِ الدَّارِ، وَالصُّفَّةُ كِنَايَةٌ عَنْ مِصْطَبَةٍ عَالِيَةٍ فِيهَا. قَوْلُهُ: (فَبِأَنْ يُوَلِّيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ظَهْرَهُ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا رَجَعَ الْقَهْقَرَى، فَقَوْلُهُ " فَبِأَنْ يُوَلِّيَ إلَخْ " لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَهُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (وَيَمْشِي قَلِيلًا) أَيْ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ كَمَا نَقَلَهُ ح ل عَنْ الْأَنْوَارِ، وَمِثْلُهُ م ر وَقِ ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ) أَيْ صَغِيرَةٍ بِأَنْ تَنْجَرَّ بِجَرِّهِ عَادَةً؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ كَالدَّارِ الْكَبِيرَةِ ق ل، فَقَوْلُهُ " صَغِيرَةٍ " رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ السَّفِينَةِ وَالدَّارِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَارَقَهُ) أَيْ وَلَوْ إلَى جِهَةِ صَاحِبِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ م د. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِبَدَنِهِمَا. قَوْلُهُ: (إلَى الْوَارِثِ) أَيْ وَإِنْ تَعَدَّدَ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا بِمُفَارَقَةِ جَمِيعِهِمْ مَجْلِسَ الْعِلْمِ بِالْمَوْتِ، وَلَوْ فَسَخَ بَعْضُهُمْ وَأَجَازَ الْبَاقُونَ قُدِّمَ الْفَسْخُ سم؛ أَيْ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْفَسْخِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْفَسْخُ وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ الْفَاسِخُ أَقَلَّ مِنْ الْمُجِيزِ وَلَوْ وَاحِدًا، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَامًّا) أَيْ وَهُوَ الْإِمَامُ. قَوْلُهُ: (وَفِي الثَّانِيَةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ وَلَمْ يَيْأَسْ مِنْ إفَاقَتِهِ م د؛ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي صُورَةِ الْإِغْمَاءِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَلِيِّ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا إنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ أَيِسَ مِنْ إفَاقَتِهِ، فَإِنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ بِأَنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اُنْتُظِرَتْ إفَاقَتُهُ وَلَا يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلَى الْوَلِيِّ؛ قَالَ الْحَلَبِيُّ: وَلَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْمَجْلِسِ عَادَ لَهُ الْخِيَارُ. قَوْلُهُ: (نَفَذَ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَسْخِ أَوْ الْإِجَازَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَيْ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ مُوَافَقَةِ الْآخَرِ لَهُ. وَأَمَّا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَقَالَ الْآخَرُ: لَا أَشْتَرِطُ الْخِيَارَ أَصْلًا؛ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (لَهُمَا) مُتَعَلِّقٌ بِيَشْرِطَا أَوْ بِالْخِيَارِ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ: أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ. قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 وَلَيْسَ لِشَارِطِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ خِيَارٌ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْأَجْنَبِيُّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، وَلَيْسَ لِوَكِيلِ أَحَدِهِمَا شَرْطُهُ لِلْآخَرِ وَلَا لِأَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ، وَلَهُ شَرْطُهُ لِمُوَكِّلِهِ وَلِنَفْسِهِ. وَإِمَّا يَجُوزُ شَرْطُهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً مُتَّصِلَةً بِالشَّرْطِ مُتَوَالِيَةً (إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) فَأَقَلَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُطْلِقَ أَوْ قُدِّرَ بِمُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ أَوْ زَادَتْ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ لَهُ: مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ   [حاشية البجيرمي] سَوَاءٌ أَشَرَطَا إيقَاعَ أَثَرِهِ إلَخْ) وَهُوَ الْإِجَازَةُ أَوْ الْفَسْخُ. وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ مَنْ شَرَطَ إيقَاعَ الْأَثَرِ مِنْهُ غَيْرُ مَنْ شَرَطَ لَهُ الْخِيَارَ، وَهِيَ عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ. قَالَ مَشَايِخُنَا: وَهِيَ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ إلَيْهَا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ مَنْ شَرَطَ إيقَاعَ الْأَثَرِ مِنْهُ هُوَ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ أَشَرَطَا إيقَاعَ أَثَرِهِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَلَا تَعَدُّدَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ اشْتِرَاطُ إيقَاعِ الْأَثَرِ إذْ هُوَ ثَمَرَتُهُ م د. قَوْلُهُ: (أَمْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ مُكَلَّفٍ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِشَارِطِهِ) أَيْ وُقُوعِ الْأَثَرِ، فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْأَثَرِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَجُوزُ شَرْطُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ. وَقَوْلُهُ " خِيَارٌ " أَيْ إيقَاعُ أَثَرِ خِيَارٍ، وَإِلَّا فَالْخِيَارُ لَهُ اتِّفَاقًا؛ وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ عَنْهُ أَثَرُهُ كَمَا ذَكَرَهُ ق ل. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ: وَسُئِلَ عَمَّنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ، هَلْ يُقَالُ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكِ كَتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ قَبُولُهُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ التَّوْكِيلِ فَيَأْتِي فِي قَبُولِهِ الْخِلَافَ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: مُقْتَضَى تَصْرِيحِ الْبَغَوِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ وَوَالِدُ الرُّويَانِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ كَافِرٍ وَالْمَبِيعُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ مُحْرِمٌ وَالْمَبِيعُ صَيْدٌ وَأَنَّ الشَّارِطَ لَوْ مَاتَ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُ الْأَجْنَبِيِّ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ، وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ إذْ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَانْعَزَلَ بِالْعَزْلِ وَلَجَازَ شَرْطُهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُحْرِمًا فِي مُسْلِمٍ وَصَيْدٍ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي شِرَاءِ الْمُسْلِمِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَالَ الْمَرْحُومِيُّ: وَيَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ إلَّا فِي رِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ وَفِيمَا يُعْتَقُ فِيهِ الْمَبِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَمَا يُخَافُ فَسَادُهُ مُدَّةَ الْخِيَارِ وَالْمُصَرَّاةِ إنْ شَرَطَ فِيهَا الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا اهـ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَحْلُبُهَا لِعَدَمِ مِلْكِهِ لَهَا وَالْبَائِعُ يَتْرُكُ حَلْبَهَا لِأَجْلِ التَّصْرِيَةِ وَتَرْكُهُ يَضُرُّهَا. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ) فَلَوْ أَذِنَ لَهُ مُوَكِّلُهُ فِيهِ وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لَك فَاشْتَرَطَهُ الْوَكِيلُ وَأَطْلَقَ ثَبَتَ لَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ سم. قَوْلُهُ: (وَلِنَفْسِهِ) وَعَلَيْهِ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ فِي الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَلَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَإِنْ مَنَعَهُ الْمُوَكِّلُ سم. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَجُوزُ شَرْطُهُ) حَاصِلُ الشُّرُوطِ خَمْسَةٌ، أَوَّلُهَا التَّقْيِيدُ بِمُدَّةٍ. قَوْلُهُ: (إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَتَدْخُلُ لَيَالِي الْأَيَّامِ الْمَشْرُوطَةِ سَوَاءٌ السَّابِقُ مِنْهَا عَلَى الْأَيَّامِ وَالْمُتَأَخِّرُ حَجّ. وَفِي شَرْحِ م ر: أَنَّ اللَّيْلَةَ الْأَخِيرَةَ لَا تَدْخُلُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ أَنَّ الشَّارِعَ نَصَّ عَلَى اللَّيَالِي فِيهِ دُونَ مَا هُنَا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ " مُدَّةً " وَهَذَا شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزَاتِ الْقُيُودِ الْخَمْسَةِ، وَمَتَى انْتَفَى قَيْدٌ مِنْهَا بَطَلَ الْعَقْدُ اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مَعَهُ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ، فَخَرَجَ مَا لَوْ أُطْلِقَ كَأَنْ قَالَ: حَتَّى أُشَاوِرَ. وَأَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً، فَخَرَجَ مَا لَوْ قَالَ: بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَيَّامًا. وَأَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً بِالشَّرْطِ، فَخَرَجَ مَا لَوْ قَالَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا مِنْ الْغَدِ. وَأَنْ تَكُونَ مُتَوَالِيَةً، فَخَرَجَ مَا لَوْ قَالَ: يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ. وَأَنْ تَكُونَ ثَلَاثَةً فَأَقَلَّ، فَخَرَجَ مَا لَوْ زَادَتْ. فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْخِيَارِ إلَّا فِيمَا أَذِنَ فِيهِ الشَّارِعُ وَلَمْ يَأْذَنْ إلَّا فِي ذَلِكَ؛ قَالَ م ر: وَإِنَّمَا بَطَلَ بِشَرْطِ الزِّيَادَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ إسْقَاطَ الزِّيَادَةِ يَسْتَلْزِمُ إسْقَاطَ بَعْضِ الثَّمَنِ فَيُؤَدِّي لِجَهْلِهِ اهـ. وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ تَعْيِينِ مَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَعِبَارَتُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمَشْرُوطِ لَهُ بِأَنْ يَتَلَفَّظَ هُوَ بِهِ إذَا كَانَ هُوَ الْمُبْتَدِئُ بِالْإِيجَابِ أَوْ الْقَبُولِ وَيُوَافِقُهُ الْآخَرُ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ. قَالَ ع ش: قَضِيَّتُهُ الْبُطْلَانُ فِيمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك بِشَرْطِ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِي أَوْ لَك أَوْ لَنَا، وَيُوَجَّهُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ لَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُبْهَمٌ. قَوْلُهُ: (ذَكَرَ الرَّجُلُ) بِبِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ، فَالذَّاكِرُ هُوَ الرَّجُلُ بِدَلِيلِ مَا فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الدَّمِيرِيُّ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يَشْكُو إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ» ، وَاسْمُ الرَّجُلِ حِبَّانُ بْنُ مُنْقِذِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 سِلْعَةٍ ابْتَعْتهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَجَعَلَ لَهُ عُهْدَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» . وَخِلَابَةٌ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْغَبْنُ وَالْخَدِيعَةُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: اُشْتُهِرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ قَوْلَهُ: " لَا خِلَابَةَ " عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَتُحْسَبُ الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ مِنْ حِينِ شَرْطِ الْخِيَارِ سَوَاءٌ أَشُرِطَ فِي الْعَقْدِ أَمْ فِي مَجْلِسِهِ. وَلَوْ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ الْخِيَارُ مِنْ الْغَدِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى جَوَازِهِ بَعْدَ لُزُومِهِ. وَلَوْ شُرِطَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ يَوْمٌ وَلِلْآخَرِ يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ جَازَ وَالْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِمَنْ انْفَرَدَ بِهِ مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ   [حاشية البجيرمي] م د عَلَى التَّحْرِيرِ. وَنَصُّهُ: وَذَلِكَ «أَنَّ شَخْصًا مِنْ الصَّحَابَةِ اسْمُهُ حِبَّانُ بْنُ مُنْقِذٍ كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَكَا لَهُ فَقَالَ مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» إلَخْ. وَمَعْنَى " لَا خِلَابَةَ " أَيْ لَا غَبْنَ وَلَا خَدِيعَةَ. وَصَارَ عُرْفًا عَلَى الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ عَرَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ مَعْنَى ذَلِكَ صَحَّ الْعَقْدُ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (يُخْدَعُ) أَيْ يُغْبَنُ، وَفِي الْمُخْتَارِ خَدَعَهُ غَبَنَهُ وَأَرَادَ بِهِ الْمَكْرُوهَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ وَبَابُهُ قَطَعَ اهـ. قَوْلُهُ: (مَنْ بَايَعْت) أَيْ اشْتَرَيْت، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ابْتَعْتهَا، وَقَوْلُهُ: " ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ إلَخْ " هَذَا كَالتَّفْسِيرِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا خِلَابَةَ ح ل. وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِاللَّيَالِيِ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يُؤَرِّخُونَ بِهَا،. اهـ. بَرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ سِلْعَةٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: السِّلْعَةُ الْبِضَاعَةُ وَالْجَمْعُ سِلَعٌ كَسِدْرَةِ وَسِدَرٍ وَالسِّلْعَةُ الشَّجَّةُ وَالْجَمْعُ سَلَعَاتٍ كَسَجْدَةٍ وَسَجَدَاتٍ وَلِبَعْضِهِمْ وَسِلْعَةُ الْمَتَاعِ سِلْعَةُ الْجَسَدْ ... كُلٌّ بِكَسْرِ السِّينِ هَكَذَا وَرَدْ أَمَّا الَّتِي بِالْفَتْحِ فَهِيَ الشَّجَّهْ ... كَذَاكَ فِي الْمِصْبَاحِ فَاحْفَظْ نَهْجَهْ وَالسَّلْعَةُ بِفَتْحِ السِّينِ اسْمٌ لِمَا يُبَاعُ وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلْخُرَّاجِ كَالْغُدَّةِ وَنَحْوِهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَهِيَ مِنْ الْحِمَّصَةِ إلَى الْبِطِّيخَةِ. قَوْلُهُ: (ابْتَعْتهَا) أَيْ اشْتَرَيْتهَا. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَ لَيَالٍ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعِيَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَلَاثُ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا بِدَلِيلِ ذِكْرِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (فَجَعَلَ لَهُ عُهْدَةَ) أَيْ عَلَقَةً، أَيْ جَعَلَ لَهُ تَعَلُّقًا بِالْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ الْفَسْخِ أَوْ الْإِجَازَةِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي. وَيَجُوزُ تَنْوِينُ " عُهْدَةً " وَثَلَاثَةَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى هَذَا التَّعَلُّقِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْعُهْدَةُ الرَّجْعَةُ تَقُولُ لَا عُهْدَةَ أَيْ لَا رَجْعَةَ؛ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (الْغَبْنُ) أَيْ فِي الْأَصْلِ، وَقَوْلُهُ " وَالْخَدِيعَةُ " تَفْسِيرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " مُتَّصِلَةً " وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا لَأَدَّى إلَخْ " مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ يُعْلَمُ بُطْلَانُ غَيْرِ الْمُتَوَالِيَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْ مُحْتَرَزَهُ ح ل. قَوْلُهُ: (إلَى جَوَازِهِ) أَيْ جَوَازِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَاقِدَيْنِ بَعْدَ اللُّزُومِ مِنْ جِهَتِهِمَا، فَلَا يُرَدُّ مَا لَوْ حَدَثَ عَيْبٌ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ فَقَدْ صَارَ جَائِزًا بَعْدَ لُزُومِهِ، شَوْبَرِيٌّ. وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ سَنَةٍ مَثَلًا لِأَنَّ جَوَازَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَيْبِ لَا مِنْ جِهَتِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَالْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَالْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ مَعَ تَوَابِعِهِ مِنْ فَوَائِدِهِ كَنُفُوذِ عِتْقٍ وَحِلِّ وَطْءٍ إلَخْ اهـ. شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ حَمَلَتْ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَائِعِ. ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْحَمْلَ لَهُ يَأْخُذُهُ إذَا انْفَصَلَ وَكَذَلِكَ إذَا حَمَلَتْ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْحَمْلَ لَهُ يَأْخُذُهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْفَوَائِدِ، وَهُوَ غَرِيبٌ فَلْيُحَرَّرْ. وَالْمُؤَنُ تَابِعَةٌ لِلْمِلْكِ فَهِيَ عَلَى مَنْ انْفَرَدَ بِالْخِيَارِ، وَتَكُونُ عَلَيْهِمَا فِي حَالَةِ الْوَقْفِ، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا مَوَّنَهُ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي إنْ انْفَسَخَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَمِثْلُهُ فِي م ر وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ أَوْ إذْنِ الْآخَرِ أَوْ إشْهَادٍ. وَنُقِلَ فِي الدَّرْسِ أَنَّ مَنْ نَوَى الرُّجُوعَ عِنْدَ فَقْدِ الْحَاكِمِ وَالْمَالِكِ وَمَنْ يَشْهَدُ يَرْجِعُ، قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ قَرِيبٌ ق ل؛ لَكِنَّهُ فَرْضُهُ فِيمَا إذَا أَنْفَقَ فِي زَمَنِ خِيَارِ غَيْرِهِ، وَانْظُرْ هَلْ مِثْلُهُ مَنْ أَنْفَقَ فِي زَمَنِ وَقْفِ الْمِلْكِ أَوْ يَرْجِعُ مُطْلَقًا؟ حَرِّرْ. ثُمَّ رَأَيْت م ر قَالَ: وَفِي حَالَةِ الْوَقْفِ يُطَالَبَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 بَانَ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ خِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الْمَجْلِسِ وَكَوْنُهُ لِأَحَدِهِمَا فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ بِأَنْ يَخْتَارَ الْآخَرُ لُزُومَ الْعَقْدِ، وَحَيْثُ حُكِمَ بِمِلْكِ الْمَبِيعِ لِأَحَدِهِمَا حُكِمَ بِمِلْكِ الثَّمَنِ لِلْآخَرِ، وَحَيْثُ وُقِفَ وُقِفَ مِلْكُ الثَّمَنِ وَيَحْصُلُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِنَحْوِ فَسَخْت الْبَيْعَ كَرَفَعْتُهُ، وَالْإِجَازَةُ فِيهَا بِنَحْوِ أَجَزْت الْبَيْعَ كَأَمْضَيْتُهُ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا كَوَطْءٍ وَإِعْتَاقٍ وَبَيْعِ إجَازَةٍ وَتَزْوِيجٍ مِنْ بَائِعٍ وَالْخِيَارُ لَهُ أَوْ لَهُمَا فَسْخٌ لِلْبَيْعِ لِإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ الْبَقَاءِ عَلَيْهِ، وَصَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَالتَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْخِيَارُ لَهُ أَوْ لَهُمَا إجَازَةٌ لِلشِّرَاءِ لِإِشْعَارِهِ بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ وَالْإِعْتَاقُ نَافِذٌ مِنْهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ، وَغَيْرُ نَافِذٍ إنْ كَانَ لِلْبَائِعِ، وَمَوْقُوفٌ إنْ كَانَ لَهُمَا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْبَائِعُ، وَوَطْؤُهُ حَلَالٌ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَإِلَّا فَحَرَامٌ وَالْبَقِيَّةُ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْوَطْءُ فَسْخًا أَوْ إجَازَةً إذَا كَانَ الْمَوْطُوءُ   [حاشية البجيرمي] بِالْإِنْفَاقِ ثُمَّ يَرْجِعُ مَنْ بَانَ عَدَمُ مِلْكِهِ عَلَى الْآخَرِ. وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا لَوْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ لِوُجُودِ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ كَافٍ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ أَنْفَقَ نَاوِيًا الرُّجُوعَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا أَيْ النِّيَّةِ عِنْدَ امْتِنَاعِ صَاحِبِهِ وَفَقْدِ الْحَاكِمِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْمُسَاقَاةِ وَهَرَبَ الْحَمَّالُ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِيهِ) أَيْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالْمِلْكَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَكَوْنُهُ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ: مَا صُورَةُ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِالْخِيَارِ فِي الْمَجْلِسِ؟ وَالضَّمِيرُ فِي كَوْنِهِ لِلْخِيَارِ. قَوْلُهُ: (فِي خِيَارِ الْمَجْلِس) كَانَ الْأَوْلَى: وَكَوْنُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لِأَحَدِهِمَا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَكَوْنُهُ لِأَحَدِهِمَا بِأَنْ يَخْتَارَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَخْتَارَ) أَيْ بِالْقَوْلِ. [فَرَع لَوْ تلف الْمَبِيع بِآفَةِ فِي زَمَن الْخِيَار قَبْلَ الْقَبْضِ] قَوْلُهُ: (وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا) مُبْتَدَأٌ، خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي: فَسْخٌ لِلْبَيْعِ. وَهَذَا بِالْفِعْلِ وَمَا تَقَدَّمَ بِالْقَوْلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ذَكَرَ تَصَرُّفَاتِ الْبَائِعِ أَحْوَالًا ثَلَاثَةً: الْأُولَى قَوْلُهُ فَسْخُ، وَالثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ وَصَحَّ ذَلِكَ. وَالثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ وَوَطْؤُهُ حَلَالٌ إلَخْ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَكُلُّهَا حَلَالٌ إلَّا الْوَطْءُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ. قَوْلُهُ: (كَوَطْءٍ) أَيْ إنْ كَانَ الْوَاطِئُ ذَكَرًا يَقِينًا وَالْمَوْطُوءُ أُنْثَى يَقِينًا لَمْ تَكُنْ حَرَامًا عَلَيْهِ كَأُخْتِهِ وَعَلِمَ أَنَّهَا الْمَبِيعَةُ وَلَمْ يَقْصِدْ الزِّنَا فَلَا فَسْخَ فِي ذَلِكَ. وَسَيَذْكُرُ بَعْضَ ذَلِكَ ق ل فَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ خَمْسَةٌ. قَوْلُهُ: (وَبَيْعٍ) أَيْ بَتَّ أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا لَمْ يَكُنْ فَسْخًا ح ل. قَوْلُهُ: (وَتَزْوِيجٍ) وَلَوْ لِلْعَبْدِ؛ بَرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصِّحَّةَ تَتَأَخَّرُ عَنْ الْفَسْخِ فَيُقَدَّرُ الْفَسْخُ قُبَيْلَ الْعَقْدِ ز ي، كَمَا يُقَدَّرُ الْمِلْكُ قُبَيْلَ الْعِتْقِ فِي قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِكَذَا فَأَجَابَهُ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ صَحَّ. قَوْلُهُ: (وَالْإِعْتَاقُ نَافِذٌ) ذَكَرَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَحْكَامٍ: نَافِذٌ فِي اثْنَتَيْنِ، وَغَيْرُ نَافِذٍ فِي وَاحِدَةٍ، وَمَوْقُوفٌ فِي وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ) شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ، بَرْمَاوِيٌّ. فَيَنْفُذُ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ وَلَا يَنْفُذُ فِي صُورَةٍ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ نَافِذٍ) أَتَى بِهِ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ، وَإِلَّا فَالْمُقْسَمُ أَنَّ الْخِيَارَ لَهُ أَوْ لَهُمَا. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ لِلْبَائِعِ) أَيْ وَحْدَهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ ح ل وَمَرْحُومِيٌّ، خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ. قَوْلُهُ: (وَوَطْؤُهُ حَلَالٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمِلْكُ، فَلَا يُنَافِي الْحُرْمَةَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الِاسْتِبْرَاءِ ع ش. وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ. وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الْوَطْءُ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ الْحُرْمَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا، فَقَدْ رَدَّهُ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ تَبَعًا لِلْخَادِمِ؛ زِيَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا فَحَرَامٌ، وَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ؛ وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ وَلَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ ح ل، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ؛ بَرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْبَقِيَّةُ) أَيْ مَا عَدَا الْوَطْءَ وَالْإِعْتَاقَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا حَيْثُ لَمْ يَتَوَقَّفْ صِحَّةُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى إذْنِ الْمُشْتَرِي دُونَ الْعَكْسِ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ تَصَرُّفَ الْبَائِعِ أَقْوَى لِأَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ لَهُ. فَرْعٌ: لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ بِآفَةٍ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ أَيْضًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 أُنْثَى لَا ذَكَرًا وَلَا خُنْثَى، فَإِنْ بَانَتْ أُنُوثَتُهُ وَلَوْ بِإِخْبَارِهِ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ الْوَطْءِ. وَلَيْسَ عَرْضُ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَيْعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَالتَّوْكِيلِ فِيهِ فَسْخًا مِنْ الْبَائِعِ وَلَا إجَازَةً مِنْ الْبَائِعِ وَلَا إجَازَةً مِنْ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ إشْعَارِهِمَا مِنْ الْبَائِعِ بِعَدَمِ الْبَقَاءِ عَلَيْهِ وَمِنْ الْمُشْتَرِي بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِفَوَاتِ مَقْصُودٍ مَظْنُونٍ نَشَأَ الظَّنُّ فِيهِ مِنْ قَضَاءٍ عُرْفِيٍّ أَوْ الْتِزَامٍ شَرْطِيٍّ أَوْ تَغْرِيرٍ فِعْلِيٍّ مُبْتَدِئًا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا يُظَنُّ حُصُولُهُ بِالْعُرْفِ وَهُوَ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ فَقَالَ: (وَإِذَا وُجِدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ فَلِلْمُشْتَرِي) حِينَئِذٍ (رَدُّهُ) إذَا كَانَ الْعَيْبُ بَاقِيًا، وَتَنْقُصُ الْعَيْنُ بِهِ نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ أَوْ يُنْقِصُ قِيمَتَهَا، وَغَلَبَ   [حاشية البجيرمي] وَأَمَّا إذَا تَعَيَّبَ بِنَفْسِهِ أَوْ عَيَّبَهُ الْبَائِعُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ أَيْضًا فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ فَسَخَ اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ وَإِنْ أَجَازَ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ فِي تَعْيِيبِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِالْقِيمَةِ فِي إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَا أَرْشَ لَهُ فِي تَعْيِيبِ الْبَائِعِ أَوْ تَعْيب الْمَبِيعِ بِنَفْسِهِ لِرِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْفَسْخِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَتَلِفَ الْمَبِيعُ بِآفَةٍ أَوْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ انْفَسَخَ، وَأَمَّا إنْ عَيَّبَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ كَمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ، وَإِذَا عَيَّبَهُ الْبَائِعُ أَوْ تَعَيَّبَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي فَظَاهِرٌ وَإِنْ أَجَازَ فَلَا أَرْشَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا وَتَلِفَ الْمَبِيعُ بِآفَةٍ أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْخِيَارُ بَاقٍ، فَإِنْ فَسَخَ اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِلْبَائِعِ فِي صُورَةِ التَّلَفِ وَيَغْرَمُهَا الْأَجْنَبِيُّ فِي صُورَةِ إتْلَافِهِ لِلْبَائِعِ وَإِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي صُورَةِ التَّلَفِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ لَهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي صُورَةِ إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، اهـ مُلَخَّصًا مِنْ مَتْنِ الْمَنْهَجِ مَعَ زِيَادَةٍ فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ شَخْصٍ اشْتَرَى حَبًّا وَبَذَرَهُ فَنَبَتَ بَعْضُهُ وَبَعْضُهُ لَمْ يَنْبُتْ، فَادَّعَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِأَنَّ عَدَمَ نَبَاتِ الْبَعْضِ لِعَيْبٍ فِيهِ مَنَعَهُ مِنْ الْإِنْبَاتِ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ بَذْرَ الْحَبِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يُعَدُّ إتْلَافًا لَهُ، فَإِنْ أَثْبَتَ الْمُشْتَرِي عَيْبَ الْمَبِيعِ اسْتَحَقَّ أَرْشَهُ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي عَدَمِ الْعَيْبِ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهِ فَذَاكَ إلَّا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَحْلِفُ أَنَّ بِهِ عَيْبًا مَنَعَ مِنْ الْإِنْبَاتِ وَيَقْضِي لَهُ بِالْأَرْشِ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ شَيْئًا مِمَّا صَرَفَهُ فِي حِرَاثَةِ الْأَرْضِ وَأُجْرَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُصْرَفُ بِسَبَبِ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلْجِئْ الْمُشْتَرِي إلَى مَا فَعَلَهُ بَلْ ذَلِكَ نَاشِئٌ مِنْ مُجَرَّدِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِهِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (تَعَلَّقَ الْحُكْمُ) أَيْ الْفَسْخُ أَوْ الْإِجَازَةُ. قَوْلُهُ: (وَالتَّوْكِيلُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ ". قَوْلُهُ: (ل عَدَمِ الْبَقَاءِ عَلَيْهِ) لِاحْتِمَالِهِمَا التَّرَدُّدَ فِي الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ أَنْ يَعْرِفَ مَا يَدْفَعُ فِيهِ لِيَعْلَمَ أَرَبِحَ أَمْ خَسِرَ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (مَظْنُونٍ) أَيْ مَظْنُونٍ حُصُولُهُ وَهُوَ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ. قَوْلُهُ: (مُبْتَدِئًا) أَيْ آتِيًا بِالْأَوَّلِ، وَأَمَّا اللَّذَانِ بَعْدَهُ فَلَمْ يَذْكُرْهُمَا الْمَاتِنُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا وُجِدَ بِالْمَبِيعِ) الْمُرَادُ بِوُجُودِهِ بِهِ اتِّصَافُهُ بِهِ وَلَوْ فِيمَا مَضَى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَالزِّنَا، فَإِنَّ بَعْضَ الْعُيُوبِ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِيَ بَلْ يَكْفِي الْعِلْمُ بِوُجُودِهَا عِنْدَ الْبَائِعِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ، بِخِلَافِ الْبَخَرِ وَالصُّنَانِ وَالْبَوْلِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي زِيَادَةً عَلَى وُجُودِهَا عِنْدَ الْبَائِعِ؛ فَلَفْظُ وُجِدَ فِي الْمَتْنِ مِنْ الْوُجْدَانِ وَهُوَ الْعِلْمُ لَا مِنْ الْوُجُودِ اهـ وَمِثْلُ الْمَبِيعِ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ. قَوْلُهُ: (نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ) هَلْ الْمُرَادُ غَرَضُ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ غَالِبُ النَّاسِ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ ح ل؟ وَالظَّاهِرُ الْأَخِيرُ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ " أَوْ يَنْقُصَ قِيمَتُهَا " لِيَكُونَ قَيْدًا فِيهِمَا. اهـ. م د. وَالْمُرَادُ بِالْغَرَضِ الصَّحِيحِ الَّذِي يُتَسَامَحُ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَنْقُصُ قِيمَتَهَا) بِوَزْنِ يَنْصُرُ عَلَى الْأَفْصَحِ، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ إذْ الْغَالِبُ فِي الْأَعْيَانِ السَّلَامَةُ. وَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ مَا لَوْ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ الرَّدِّ، وَبِالثَّانِي قَطْعُ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَفِلْقَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ فَخِذٍ أَوْ سَاقٍ لَا يُورِثُ شَيْئًا وَلَا يُفَوِّتُ غَرَضًا فَلَا رَدَّ بِهِمَا. وَبِالثَّالِثِ مَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ مَا ذُكِرَ كَقَلْعِ سِنِّ الْكَبِيرِ وَثُيُوبَةٍ فِي أَوَانِهَا فِي الْأَمَةِ فَلَا رَدَّ بِهِ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِهِ. وَذَلِكَ الْعَيْبُ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ كَخِصَاءِ حَيَوَانٍ لِنَقْصِهِ الْمُفَوِّتِ لِلْغَرَضِ مِنْ الْفَحْلِ، فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الْخَصِيُّ رَقِيقًا كَانَ الْحَيَوَانُ أَوْ بَهِيمَةً. نَعَمْ الْغَالِبُ فِي الثِّيرَانِ الْخِصَاءُ، فَيَكُونُ كَثُيُوبَةِ الْأَمَةِ وَجِمَاحِهِ وَعَضِّهِ وَرُمْحِهِ لِنَقْصِ الْقِيمَةِ بِذَلِكَ وَزْنًا رَقِيقٌ وَسَرِقَتُهُ وَإِبَاقُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ تَابَ عَنْهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا خِلَافًا لِلْهَرَوِيِّ فِي الصَّغِيرِ وَبَخَرُهُ وَهُوَ النَّاشِئُ مِنْ تَغَيُّرِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَفِلْقَةٍ) بِفَاءِ مَكْسُورَةٌ فَلَامٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍ،. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ فَخِذٍ) بِخِلَافِهَا مِنْ أُذُنِ شَاةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَيَكُونُ عَيْبًا كَمَا سَيَأْتِي ح ل. قَوْلُهُ: (لَا يُورِثُ) أَيْ قَطْعُ الْفِلْقَةِ شَيْنًا أَيْ عَيْبًا، وَلَا يُفَوِّتُ أَيْ ذَلِكَ الْقَطْعُ غَرَضًا. قَوْلُهُ: (فَلَا رَدَّ بِهِمَا) أَيْ بِالْعَيْبِ وَبِمَا خَرَجَ بِالثَّانِي. قَوْلُهُ: (وَبِالثَّالِثِ مَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ مَا ذُكِرَ) بِأَنْ غَلَبَ الْوُجُودُ كَقَلْعِ سِنِّ قِنٍّ بَعْدَ السِّتِّينَ، أَوْ اسْتَوَى وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ كَقَلْعِ سِنِّهِ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَقَلْعِ سِنٍّ) وَمِنْ ذَلِكَ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَخِصَاءُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ الْآنَ لِغَلَبَتِهِمَا، سم. قَوْلُهُ: (وَثُيُوبَةٍ) بِأَنْ غَلَبَ وُجُودُهَا أَوْ اسْتَوَى هُوَ وَعَدَمُهَا، وَيَظْهَرُ ضَبْطُ الْأَوَّلِ بِبِنْتِ سَبْعٍ وَالثَّانِي بِمَا قَارَبَهَا بِخِلَافِ مَا لَمْ يُقَارِبْهَا فَتَكُونُ الثُّيُوبَةُ فِيهِ عَيْبًا. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ " بِبِنْتِ سَبْعٍ يَغْلِبُ ثُيُوبَتُهَا " فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْلَى إبْدَالُهَا بِبِنْتِ تِسْعٍ. وَالثُّيُوبَةُ مِثَالٌ لِنَقْصِ الْقِيمَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَكَارَةَ وَهِيَ الْجِلْدَةُ لَا تَزُولُ وَإِنَّمَا يَتَّسِعُ الْمَحَلُّ، وَقِيلَ: مِثَالٌ لِنَقْصِ الْقِيمَةِ وَالْعَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَزُولُ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي أَوَانِهَا) وَهُوَ بُلُوغُهَا حَدًّا تُشْتَهَى فِيهِ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (فَلَا رَدَّ بِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعَيْبَيْنِ. قَوْلُهُ: (كَخِصَاءِ حَيَوَانٍ) أَيْ وَإِنْ زَادَتْ بِهِ قِيمَتُهُ، سم. وَمَحَلُّ كَوْنِ الْخِصَاءِ عَيْبًا إذَا كَانَ يَغْلِبُ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْخِصَاءُ فِيمَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ فِيهِ فَلَا يَكُونُ عَيْبًا كَثَوْرٍ، وَمِثْلُهُ الضَّأْنُ لِلْأَكْلِ وَالْبَرَاذِينُ وَالْبِغَالُ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِيهِمْ، مَرْوَزِيٌّ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْخِصَاءُ حَرَامٌ إلَّا فِي مَأْكُولٍ صَغِيرٍ لِطِيبِ لَحْمٍ فِي زَمَنٍ مُعْتَدِلٍ، وَهُوَ عَيْبٌ فِي الْآدَمِيِّ مُطْلَقًا اهـ. وَعِبَارَةُ خ ض: الْخِصَاءُ بِالْمَدِّ سَلُّ الْخُصْيَتَيْنِ سَوَاءٌ أَقَطَعَ الْوِعَاءَ وَالذَّكَرَ مَعَهُمَا أَمْ لَا وَهُوَ مِمَّا يَغْلِبُ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْخِصَاءُ فِي مَأْكُولٍ يَغْلِبُ وُجُودُهُ فِيهِ أَوْ نَحْوُ بِغَالٍ أَوْ بَرَاذِينَ فَلَا يَكُونُ عَيْبًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بِدَلِيلِ الضَّابِطِ شَرْحُ م ر اهـ. وَقَضِيَّةُ تَقْيِيدِ الْجَوَازِ بِكَوْنِهِ فِي صَغِيرٍ مَأْكُولٍ أَنَّ مَا كَبِرَ مِنْ فُحُولِ الْبَهَائِمِ يَحْرُمُ خِصَاؤُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَوْ عَسُرَ مَا دَامَ فَحْلًا، وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ حَيْثُ أَمِنَ هَلَاكَهُ بِأَنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فِيهِ، كَمَا يَجُوزُ قَطْعُ الْغُدَّةِ مِنْ الْعَبْدِ مَثَلًا إزَالَةً لِلشَّيْنِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَطْعِ خَطَرٌ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر اهـ. قَوْلُهُ: (الْخَصِيُّ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، شَرْحُ الرَّوْضِ. وَهُوَ الْمَخْصِيُّ وَالْخَصِيُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، لُغَةً: حَيَوَانٌ قُطِعَ خُصْيَتَاهُ، وَالْمُرَادُ هُنَا فَقْدُهُمَا خِلْقَةً أَوْ بِقَطْعٍ أَوْ سَلٍّ لَهُمَا أَوْ لِجِلْدَتِهِمَا أَوْ لَهُمَا مَعًا أَوْ مَعَ الذَّكَرِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَمْسُوحِ،. اهـ. ق ل عَلَى الْمُحَلَّى. قَوْلُهُ: (وَجِمَاحِهِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى خِصَاءٍ أَيْ امْتِنَاعِهِ عَلَى رَاكِبِهِ ق ل. وَكَوْنُهَا تَشْرَبُ لَبَنَهَا أَوْ لَبَنَ غَيْرِهَا أَوْ قَلِيلَةَ الْأَكْلِ أَوْ تَنْفِرُ مِنْ شَيْءٍ تَرَاهُ، ح ل. قَوْلُهُ: (وَرَمْحِهِ) أَيْ رَفْسِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْجَرْيُ، زِيَادِيٌّ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: رَفْسُهُ ضَرْبُهُ بِرِجْلِهِ وَبَابُهُ ضَرَبَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَسَرِقَتِهِ) إلَّا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهَا غَنِيمَةٌ، نَعَمْ هُوَ صُورَةُ سَرِقَةٍ شَرْحُ م ر، أَيْ فَيَحْتَاجُ لِاسْتِثْنَائِهِ نَظَرًا لِلصُّورَةِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي السَّرِقَةِ حَقِيقَةً. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَابَ عَنْهُ) أَيْ عَمَّا ذُكِرَ مِنْ الزِّنَا وَمَا بَعْدَهُ، وَكَذَا اللِّوَاطُ وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ وَتَمْكِينُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَالرِّدَّةُ وَجِنَايَةُ الْعَمْدِ؛ فَهَذِهِ الثَّمَانِيَةُ يُرَدُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ أَوْ تَابَ مِنْهَا وَمَا عَدَاهَا تَنْفَعُ فِيهِ التَّوْبَةُ، أج وَشَوْبَرِيٌّ. وَنَظَمَهَا الْمُحَشِّي فَقَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 الْمَعِدَةِ. أَمَّا تَغَيُّرُ الْفَمِ لِقَلَحِ الْأَسْنَانِ فَلَا لِزَوَالِهِ بِالتَّنْظِيفِ وَصُنَانِهِ إنْ كَانَ مُسْتَحْكِمًا، أَمَّا الصُّنَانُ لِعَارِضِ عَرَقٍ أَوْ اجْتِمَاعِ وَسَخٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَحَرَكَةٍ عَنِيفَةٍ فَلَا، وَبَوْلُهُ بِالْفِرَاشِ إنْ خَالَفَ الْعَادَةَ سَوَاءٌ أَحَدَثَ الْعَيْبَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِأَنْ قَارَنَ النَّقْدَ أَمْ حَدَثَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَكَذَا جُزْؤُهُ وَصِفَتُهُ. أَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَاسْتَنَدَ لِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْقَبْضِ كَقَطْعِ يَدِ الرَّقِيقِ الْمَبِيعِ بِجِنَايَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْقَبْضِ جَهِلَهَا الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ كَالْمُتَقَدِّمِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَا أَرْشَ. وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بِقَتْلِهِ بِرِدَّةٍ مَثَلًا سَابِقَةٍ عَلَى قَبْضِهِ   [حاشية البجيرمي] ثَمَانِيَةٌ يَعْتَادُهَا الْعَبْدُ لَوْ يَتُبْ ... بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا يُرَدُّ لِبَائِعِ زِنًا وَإِبَاقٌ سَرِقَةٌ وَلِوَاطُهُ ... وَتَمْكِينُهُ مِنْ نَفْسِهِ لِلْمَضَاجِعِ وَرِدَّتُهُ إتْيَانُهُ لِبَهِيمَةٍ ... جِنَايَتُهُ عَمْدًا فَجَانِبْ لَهَا وَعِ وَقَوْلُهُ " أَوْ تَابَ عَنْهُ وَإِنْ حَسُنَ حَالُهُ " لِأَنَّهُ قَدْ يَأْلَفُهَا، وَلِأَنَّ تُهْمَتَهَا لَا تَزُولُ كَمَا قَالَهُ م ر، بِخِلَافِ مَا عَدَا هَذِهِ كَشُرْبِ الْمُسْكِرِ فَإِنَّ التَّوْبَةَ مِنْهُ تَنْفِي كَوْنَهُ عَيْبًا. قَوْلُهُ: (وَبَخَرُهُ) الْبَخَرُ بِفَتْحَتَيْنِ نَتِنُ الْفَمِ وَغَيْرِهِ كَالْأَنْفِ يُقَالُ بَخِرَ كَفَرِحَ فَهُوَ أَبْخَرُ. اهـ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (إنْ خَالَفَ الْعَادَةَ) بِأَنْ اعْتَادَهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، بِأَنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ فَلَهُ الرَّدُّ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ كِبَرِهِ وَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِ الْكِبَرِ نَقَصَ الْقِيمَةَ؛ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ: قَالَ لَا رَدَّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ كِبَرَهُ كَعَيْبٍ حَدَثَ ح ل. وَقَوْلُهُ " إنْ خَالَفَ الْعَادَةَ " أَيْ وَكَانَ مُعْتَادًا لَهُ كَمَا فِي م ر بِأَنْ يَعْلَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْبَائِعِ، تَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَحَدَثَ الْعَيْبُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ تَارَةً يُوجَدُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ اسْتَنَدَ لِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَعْلَمَهُ أَوْ لَا. فَهَذِهِ ثَمَانٍ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا. قَوْلُهُ: (قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ) أَيْ وَوُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ بِأَنْ يَعْلَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بَعْدَهُ) أَيْ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ الْقَبْضِ) أَوْ مَعَهُ، ز ي. وَمِنْ ذَلِكَ وُقُوعُ نَجَاسَةٍ فِيمَا يَتَعَذَّرُ تَطْهِيرُهُ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ فِي إنَاءِ الْمُشْتَرِي، بِأَنْ وَقَعَتْ حَالَةَ التَّفْرِيغِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ قَوْلُهُ: (فَكَذَا جُزْؤُهُ) كَقَطْعِ يَدِهِ. وَقَوْلُهُ " وَصِفَتُهُ " كَأَنْ حَصَلَ لَهُ جُذَامٌ أَوْ نَحْوُهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ) وَلَمْ يُبَيِّنُوا حُكْمَ الْمُقَارِنِ لِلْقَبْضِ مَعَ أَنَّ مَفْهُومَ قَبْلَ وَبَعْدَ فِيهِ مُتَنَافٍ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ يَدَ الْبَائِعِ عَلَيْهِ حِسًّا فَلَا يَرْتَفِعُ ضَمَانُهُ إلَّا بِتَحَقُّقِ ارْتِفَاعِهَا، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَمَامِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ سَلِيمًا:. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ ز ي. قَوْلُهُ: (وَاسْتَنَدَ لِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ) أَيْ أَوْ لَمْ يَسْتَنِدْ لَكِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ ضَمَانِهِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْقَبْضِ، مِنْ الْعُيُوبِ نَجَاسَةُ ثَوْبٍ يَنْقُصُ بِغَسْلِهِ أَوْ لِغَسْلِهِ مُؤْنَةٌ وَكَوْنُ أَرْضِ الْبِنَاءِ فِي بَاطِنِهَا رَمْلٌ أَوْ أَحْجَارٌ مَخْلُوقَةٌ وَقُصِدَتْ لِزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ وَإِنْ أَضَرَّتْ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ. وَالْحُمُوضَةُ فِي الْبِطِّيخِ لَا الرُّمَّانِ عَيْبٌ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ حُلْوٍ. وَلَا رَدَّ بِكَوْنِ الرَّقِيقِ رَطْبَ الْكَلَامِ أَوْ غَلِيظَ الصَّوْتِ، أَوْ يُعْتَقُ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ، أَوْ وَلَدَ زِنًا، أَوْ مُغَنِّيًا، أَوْ زَامِرًا، أَوْ عَازِفًا بِالضَّرْبِ بِالْعُودِ، أَوْ قَلِيلَ الْأَكْلِ أَوْ كَثِيرَهُ، أَوْ أَصْلَعَ، أَوْ أَغَمَّ، أَوْ عِنِّينًا، أَوْ فَاسِقًا بِأَنْ لَا يَكُونُ سَبَبُ فِسْقِهِ عَيْبًا. وَلَيْسَ عَدَمُ الْخِتَانِ عَيْبًا إلَّا فِي عَبْدٍ كَبِيرٍ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَلَوْ كَبِيرَةً. وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مِنْ قَوْمٍ يَخْتَتِنُونَ أَوْ لَا عَلَى الْأَوْجَهِ، خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ؛ شَرْحُ م ر مُلَخَّصًا اهـ أج. وَلَوْ شُرِطَ كَوْنُهَا حَامِلًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ الْعَقْدِ غَيْرَ حَامِلٍ لَكِنْ حَمَلَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلْ يَسْقُطُ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ رَدَّ اللَّبَنَ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي أَشْعَرَتْ بِهِ التَّصْرِيَةُ بِجَامِعِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ السُّقُوطُ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْغَرَضَ مُخْتَلِفٌ بِتَقَدُّمِ الْحَمْلِ وَتَأَخُّرِهِ؛ وَلَوْ شُرِطَ كَوْنُهَا ثَيِّبًا فَبَانَتْ بِكْرًا فَلَا خِيَارَ لِأَنَّهَا أَعْلَى مِمَّا شُرِطَ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ الْبَكَارَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى التَّعْلِيلِ مَا لَوْ شُرِطَ كَوْنُ الْمَبِيعِ كَافِرًا فَبَانَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ مَعَ أَنَّهُ أَعْلَى مِمَّا شُرِطَ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَرْغَبُ فِيهِ الْفَرِيقَانِ الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ. اهـ. عَنَانِيٌّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 جَهِلَهَا الْمُشْتَرِي لِأَنَّ قَتْلَهُ بِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ كَالْمُتَقَدِّمِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ قُبَيْلَ الْقَتْلِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ بِمَرَضٍ سَابِقٍ عَلَى قَبْضِهِ جَهِلَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُهُ الْبَائِعُ لِأَنَّ الْمَرَضَ يَزْدَادُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى الْمَوْتِ فَلَمْ يَحْصُلْ بِالسَّابِقِ وَلِلْمُشْتَرِي أَرْشُ الْمَرَضِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الْمُبِيعِ صَحِيحًا وَمَرِيضًا مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى مَسْأَلَتَيْ الرِّدَّةِ وَالْمَرَضِ مُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ فَهِيَ عَلَى الْبَائِعِ فِي تِلْكَ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ. وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُظَنُّ حُصُولُهُ بِشَرْطٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْمَبِيعِ فَيَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِحَيَوَانٍ مَوْجُودٍ فِيهِ حَالَ الْعَقْدِ جَهِلَهُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْعَيْبِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَلَا فِيهِ، لَكِنْ حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا لِانْصِرَافِ الشَّرْطِ إلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَا مِنْ عَيْبٍ ظَاهِرٍ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِهِ فَلَا خِيَارَ) لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِهِ كَأَنَّهُ رَضِيَ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مَثَلًا) أَيْ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ تَرْكِ صَلَاةٍ أَوْ حِرَابَةٍ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ " مَثَلًا ". اهـ. أُجْهُورِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ بِمَرَضٍ) أَيْ أَوْ جُرْحٍ سَارٍ أَوْ طَلْقِ حَمْلٍ سَابِقٍ عَلَى الْقَبْضِ، ز ي. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَرَضَ يَزْدَادُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى الْمَوْتِ) وَكَذَا يُقَالُ فِي الْجُرْحِ يَزْدَادُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَالْحَمْلُ يَنْمُو شَيْئًا فَشَيْئًا. وَلَوْ زَادَ الْمَرَضُ وَلَمْ يَمُتْ رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَالْمَوْتِ لَيْسَ قَيْدًا، ز ي. وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ " وَكَذَا يُقَالُ فِي الْجُرْحِ يَزْدَادُ شَيْئًا فَشَيْئًا جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ لِي السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا اسْتَعَارَ مِنْ شَخْصٍ فَرَسًا لِيَرْكَبَهَا إلَى مَحَلٍّ، فَرَكِبَهَا وَتَوَجَّهَ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ الْقَوْمُ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَخَذَهَا مِنْ الْقَوْمِ وَقَدْ جُرِحَتْ بِرَصَاصَةٍ فَرَدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا وَهِيَ مَجْرُوحَةٌ فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَتْ، وَهُوَ، أَعْنِي الْجَوَابَ ضَمَانُ الْمُسْتَعِيرِ أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْفَرَسِ صَحِيحَةٌ وَمَجْرُوحَةٌ أَيْ يُضْمَنُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا صَحِيحَةٌ وَمَجْرُوحَةٌ لَا أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا كُلَّهَا لِمَوْتِهَا بِسَبَبِ الْجُرْحِ؛ فَافْهَمْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا بَيْنَ إلَخْ) أَيْ قَدْرَ نِسْبَةِ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الْمَبِيعِ صَحِيحًا وَمَرِيضًا إلَى الثَّمَنِ، لَا أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ نَفْسُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَدْرَ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ مَثَلًا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ صَحِيحًا تِسْعِينَ وَمَرِيضًا ثَلَاثِينَ وَكَانَ الثَّمَنُ سِتِّينَ، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ سِتُّونَ. فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَأْخُذُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ وَهُوَ سِتُّونَ لَجَمَعَ إذْ ذَاكَ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ وَهُوَ الْمَبِيعُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرَ نِسْبَةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ وَهُوَ ثُلُثَا الْقِيمَةِ، فَيَأْخُذُ ثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ؛ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَيُعْتَبَرُ مَا بَيْنَ أَقَلَّ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَعِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الرَّدِّ كَمَا قَالَهُ ق ل، فَقَوْلُهُ " إلَى وَقْتِ الرَّدِّ " فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ مَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَرُدَّهُ لِلْبَائِعِ؛ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي تِلْكَ) أَيْ مَسْأَلَةِ الرِّدَّةِ. فَإِنْ قُلْت: الْمُرْتَدُّ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ بَلْ يَجُوزُ إغْرَاءُ الْكِلَابِ عَلَى جِيفَتِهِ فَكَيْفَ يَجِبُ تَجْهِيزُهُ؟ قُلْنَا: إذَا تَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ وَاحْتِيجَ إلَى مُوَارَاتِهِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَى بَائِعِهِ لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ قَبْلَ قَتْلِهِ وَمَاتَ عَلَى مِلْكِ بَائِعِهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ إلَخْ) هَذَا الْمِثَالُ لَا يُنَاسِبُ الْأَمْرَ الثَّانِي، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُمَثِّلَهُ بِمَا إذَا شُرِطَ كَوْنُ الرَّقِيقِ الْمَبِيعِ كَاتِبًا أَوْ خَيَّاطًا أَوْ مُسْلِمًا أَوْ كَوْنُ الدَّابَّةِ حَامِلًا؛ فَبَانَ خِلَافُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُك بِشَرْطِ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي بِالْمَبِيعِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ: إنَّ بِهِ جَمِيعَ الْعُيُوبِ، أَوْ لَا يُرَدُّ عَلَيَّ بِعَيْبٍ، أَوْ عَظْمٍ فِي قُفَّةٍ، أَوْ أُعْلِمُك أَنَّ بِهِ جَمِيعَ الْعُيُوبِ؛ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُؤَكِّدُ الْعَقْدَ وَيُوَافِقُ ظَاهِرَ الْحَالِ مِنْ السَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ. اهـ. خَضِرٌ عَلَى التَّحْرِيرِ. فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ " بَرَاءَتِهِ " لِلْبَائِعِ، وَأَمَّا شَرْطُ بَرَاءَةِ الْمَبِيعِ بِأَنْ قَالَ: بِشَرْطِ أَنَّهُ سَلِيمٌ أَوْ لَا عَيْبَ فِيهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الْعَيْبِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَالَهُ ح ل وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطِ الْبَرَاءَةِ بِأَنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَأَنْكَرَهُ الْمُشْتَرِي تَحَالَفَا؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي صِفَةِ الْعَقْدِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (فَيَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ) ضَمَّنَ " بَرِئَ " مَعْنَى " بَعُدَ " فَعَدَّاهُ بِ " عَنْ " وَإِلَّا فَهُوَ يَتَعَدَّى بِ " مِنْ " أَوْ أَنَّ " عَنْ " بِمَعْنَى " مِنْ ". قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ عَلِمَهُ أَوْ جَهِلَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 فِي الْحَيَوَانِ عَلِمَهُ الْبَائِعُ أَمْ لَا، وَلَا عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ فِي الْحَيَوَانِ عَلِمَهُ. وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ مَعَ الْمَوْجُودِ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ. وَلَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ غَيْرُ الرِّبَوِيِّ الْمَبِيعُ بِجِنْسِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا بِهِ رَجَعَ بِالْأَرْشِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِفَوَاتِ الْمَبِيعِ. أَمَّا الرِّبَوِيُّ الْمَذْكُورُ كَحُلِيِّ ذَهَبٍ بِيعَ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا فَبَانَ مَعِيبًا بَعْدَ تَلَفِهِ فَلَا أَرْشَ فِيهِ وَلَا لِنَقْصِ الثَّمَنِ، فَيَصِيرُ الْبَاقِي مِنْهُ مُقَابَلًا بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَذَلِكَ رِبًا. وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ (عَلَى الْفَوْرِ) فَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ بِلَا عُذْرٍ، وَيُعْتَبَرُ الْفَوْرُ عَادَةً فَلَا يَضُرُّ نَحْوُ صَلَاةٍ وَأَكْلٍ دَخَلَ وَقْتُهُمَا كَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَتَكْمِيلٍ لِذَلِكَ أَوْ لِلَيْلٍ. وَقَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَوْنَ اللَّيْلِ عُذْرًا بِكُلْفَةِ الْمَسِيرِ فِيهِ، فَيَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ بِوَكِيلِهِ   [حاشية البجيرمي] أج. وَسَوَاءٌ كَانَ ظَاهِرًا أَمْ بَاطِنًا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ) وَأَمَّا الْبَيْعُ فَصَحِيحٌ. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ: شَرَطْت عَلَيْهِمْ قَبْلَ تَسْلِيمِ مُهْجَتِي ... وَقَبْلَ انْقِضَاءِ الْبَيْعِ شَرْطًا يُوَاصِلُ فَلَمَّا طَلَبْت الْوَصْلَ بِالشَّرْطِ أَعْرَضُوا ... وَقَالُوا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ بَاطِلُ وَكَتَبَ ع ش عَلَى قَوْلِ الْمَنْهَجِ " لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ ": أَيْ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَادِثِ، أَمَّا الْمَوْجُودُ فَلَا يَبْعُدُ صِحَّةُ الشَّرْطِ بِالنِّسْبَةِ لَهُ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَلِفَ) حِسِّيًّا كَانَ التَّلَفُ أَوْ شَرْعِيًّا، كَأَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ وَقَفَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ الرِّبَوِيِّ) بِأَنْ لَا يَكُونَ رِبَوِيًّا أَصْلًا أَوْ رِبَوِيًّا بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ. قَوْلُهُ: (بِفَوَاتِ الْمَبِيعِ) وَيُسَمَّى الْمَأْخُوذُ أَرْشًا لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَرْشِ وَهُوَ الْخُصُومَةُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (مُقَابَلًا بِأَكْثَرَ مِنْهُ) بَلْ يُفْسَخُ وَيَغْرَمُ الْبَدَلَ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ. هَذَا كُلُّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ، أَمَّا مَا وَرَدَ عَلَى الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَ غُرْمَ بَدَلِهِ وَاسْتَبْدَلَ وَإِنْ كَانَ تَفَرُّقًا فِي الْأَصَحِّ، ز ي مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْفَوْرِ) هَذِهِ بِقَلَمِ الْحُمْرَةِ فِي صِحَاحِ النُّسَخِ، فَهِيَ مَتْنٌ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا الشَّارِحُ. فَرْعٌ: مُؤْنَةُ رَدِّ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْفَسْخِ بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى مَحَلِّ قَبْضِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَا كُلُّ يَدٍ ضَامِنَةٍ يَجِبُ عَلَيْهَا مُؤْنَةُ الرَّدِّ بِخِلَافِ يَدِ الْأَمَانَةِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَلَوْ بَعْدَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ هُنَا عَنْ مَحَلِّ الْأَخْذِ وَانْتَهَى الْمُشْتَرِي إلَى مَحَلِّ الْقَبْضِ فَلَمْ يَجِدْ الْبَائِعَ فِيهِ وَاحْتَاجَ فِي الذَّهَابِ إلَيْهِ إلَى مُؤْنَةٍ، فَهَلْ يَصْرِفُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ يُسَلِّمُ الْمَبِيعَ لِلْحَاكِمِ إنْ وَجَدَهُ؟ وَلَا بَعْدَ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ إنْ وَجَدَهُ فَيَسْتَأْذِنُهُ فِي الصَّرْفِ وَإِلَّا نَوَى الرُّجُوعَ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى حُكْمِ الضَّمَانِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِلَا عُذْرٍ) أَمَّا مَعَ الْعُذْرِ فَلَا يَبْطُلُ، كَالْجَهْلِ بِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ أَوْ بِكَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَكَانَ مَعْذُورًا فِي ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِ أَوْ عَامِّيًّا جَاهِلًا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي، وَكَالْأَعْذَارِ الَّتِي قَالَهَا الشَّارِحُ؛ فَإِذَا اسْتَعْمَلَ فِي مُدَّةِ الْعُذْرِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَلَا يَسْقُطُ عَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَهَلْ مِنْ الْعُذْرِ نِسْيَانُ الْحُكْمِ أَوْ الْعَيْبِ؟ حَلَبِيٌّ. وَقَالَ ع ش: لَيْسَ مِنْ الْعُذْرِ نِسْيَانُ الْحُكْمِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ نِسْيَانَ الْعَيْبِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَنْ تَقْصِيرٍ اهـ. قَوْلُهُ: (عَادَةً) أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ الْفَوْرَ حَقِيقَةً بَلْ عُرْفًا. قَوْلُهُ: (نَحْوُ صَلَاةٍ) فِي الْإِيعَابِ شَمِلَ كَلَامُهُمْ النَّافِلَةَ مُؤَقَّتَةً وَذَاتَ السَّبَبِ لَا مُطْلَقَةً، بَلْ إنْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا فَيَتِمُّ مَا نَوَاهُ وَإِلَّا اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، شَوْبَرِيٌّ. وَتُعْتَبَرُ عَادَتُهُ فِي الصَّلَاةِ تَطْوِيلًا وَغَيْرَهُ، سم. قَوْلُهُ: (وَأَكْلٍ) أَيْ وَلَوْ تَفَكُّهًا،. اهـ. م ر سُلْطَانٌ. قَوْلُهُ: (دَخَلَ وَقْتُهُمَا) أَيْ بِحُضُورِ الطَّعَامِ وَتَوَقَانُ نَفْسِهِ إلَيْهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (كَقَضَاءِ حَاجَةٍ) مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَالْجِمَاعِ وَدُخُولِ الْحَمَّامِ،. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (وَتَكْمِيلٍ لِذَلِكَ) أَيْ لِلصَّلَاةِ وَالْأَكْلِ. فَهَذَا نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالْأَكْلِ اللَّذَيْنِ دَخَلَ وَقْتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا حِينَئِذٍ، أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْأَكْلِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِلَّيْلِ) عَطْفٌ عَلَى لِذَلِكَ أَيْ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 عَلَى الْبَائِعِ أَوْ مُوَكِّلِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ وَارِثِهِ، أَوْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيَفْصِلَهُ وَهُوَ آكَدُ فِي الرَّدِّ فِي حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ مِمَّنْ يَرِدُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَحْوَجَهُ، إلَى الرَّفْعِ. وَوَاجِبٌ فِي غَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي إشْهَادٌ بِفَسْخٍ فِي طَرِيقِهِ إلَى الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ أَوْ   [حاشية البجيرمي] تَكْمِيلٌ لِلَّيْلِ إلَى الْفَجْرِ، وَالْأَحْسَنُ إلَى ضَوْءِ النَّهَارِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْهَرَوِيُّ ح ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِوَكِيلِهِ) مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَحْصُلْ بِالتَّوْكِيلِ تَأْخِيرٌ مُضِرٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُوَكِّلِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ وَكِيلِهِ " بِأَنْ بَاعَ مَالَهُ بِنَفْسِهِ وَوَكَّلَ فِي قَبُولِ الرَّدِّ، شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ الْعَزِيزِيُّ: قَوْلُهُ " أَوْ وَكِيلِهِ " أَيْ الَّذِي وَكَّلَهُ فِي قَبُولِ السِّلَعِ الْمَرْدُودَةِ بِالْعَيْبِ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى تَفْسِيرِ الْوَكِيلِ بِمَا ذُكِرَ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ صَاحِبَ السِّلْعَةِ وَوَكِيلَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَارِثِهِ) أَيْ أَوْ وَلِيِّهِ بِأَنْ سَفَّهُ وَبَذَّرَ الْبَائِعُ. وَهَذِهِ تَأْتِي فِي الرَّادِّ مَا عَدَا الْحَاكِمَ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَائِعِ يَجْرِي فِي الْمُشْتَرِي، فَيَنْتَظِمُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُونَ صُورَةً مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي سِتَّةٍ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّدَّ يَكُونُ مِنْ الْحَاكِمِ أَيْضًا فَتَكُونُ الصُّوَرُ سِتًّا وَثَلَاثِينَ، وَإِنْ نَظَرَ لِلسَّيِّدِ فِي كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي كَانَتْ الصُّوَرُ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ مِنْ ضَرْبِ سَبْعَةٍ فِي مِثْلِهَا. وَحَاصِلُ الصُّوَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِتٌّ وَخَمْسُونَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّادَّ إمَّا الْمُشْتَرِي أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ مُوَكِّلُهُ أَوْ وَلِيُّهُ أَوْ مُوَلِّيهِ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا أَوْ سَيِّدَهُ أَوْ وَارِثَهُ، وَالْمَرْدُودُ عَلَيْهِ إمَّا الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ مُوَكِّلُهُ أَوْ وَلِيُّهُ أَوْ مُوَلِّيهِ أَوْ سَيِّدُهُ أَوْ وَارِثُهُ أَوْ الْحَاكِمُ، فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ مِنْ جَانِبِ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ فَتُضْرَبُ فِيهَا سَبْعَةُ الرَّادِّ تَبْلُغُ مَا ذَكَرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ) أَيْ أَوْ يَفْسَخُ مَعَ تَحَرِّي الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ، وَلَا يَجِبُ الْفَوْرُ حِينَئِذٍ فِي الرَّدِّ فَهُوَ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الرَّدِّ وَالرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ وَالْفَسْخُ مَعَ الْإِشْهَادِ فَوْرًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ " أَوْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ " أَيْ شَأْنَ الْفَسْخِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ آكَدُ مِنْ رَدِّهِ لِمَنْ يُرِيدُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ) بَيَانٌ لِلْحَاضِرِ الصَّادِقِ بِالْبَائِعِ وَوَكِيلِهِ وَمُوَكِّلِهِ وَوَلِيِّهِ وَمُوَرِّثِهِ. قَوْلُهُ: (وَوَاجِبٌ) مَعْنَى كَوْنِهِ وَاجِبًا أَنَّهُ إذَا تَرَاخَى عَنْ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ لَا أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَقَدْ صَوَّرَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ الرَّفْعَ وَفَصَلَ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يَدَّعِيَ رَافِعُ الْأَمْرِ شِرَاءَ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ قَبَضَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ وَأَنَّهُ فَسَخَ الْبَيْعَ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ وَيُحَلِّفُهُ أَنَّ الْأَمْرَ جَرَى كَذَلِكَ، وَيَحْكُمُ بِالرَّدِّ عَلَى الْغَائِبِ وَيَبْقَى الثَّمَنُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ الْمَبِيعَ وَيَضَعُهُ عِنْدَ عَدْلٍ وَيَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ سِوَى الْمَبِيعِ بَاعَهُ فِيهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمُشْتَرِي إشْهَادٌ) أَيْ وَلَوْ لِعَدْلٍ م ر. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْإِنْهَاءُ إلَى أَحَدِهِمَا، أَيْ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْحَاكِمِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِشْهَادُ لَزِمَهُ، فَإِذَا أَشْهَدَ عَلَى الْفَسْخِ سَقَطَ وُجُوبُ الْإِنْهَاءِ؛ شَرْحُ الرَّوْضِ. فَإِذَا أَشْهَدَ فِي طَرِيقِهِ إلَى الْحَاكِمِ سَقَطَ عَنْهُ الْإِنْهَاءُ إلَيْهِ إلَّا لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ. وَإِذَا شَرَعَ فِي التَّوْكِيلِ فَوَجَدَ شَاهِدًا لَزِمَهُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَهُ فِي الرَّدِّ لَا يَزِيدُ عَلَى الرَّدِّ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَلْزَمُهُ إذَا وَجَدَ شَاهِدًا أَنْ يُشْهِدَهُ عَلَى الْفَسْخِ، وَإِذَا أَشْهَدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اسْتَغْنَى الْوَكِيلُ عَنْ الْمُبَادَرَةِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَلْقَ الشُّهُودَ إلَّا بَعْدَ التَّوْكِيلِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ اكْتِفَاءً بِقِيَامِ الْوَكِيلِ مَقَامَهُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ " حَالَ تَوْكِيلِهِ ". وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى الرَّدِّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ وَصَادَفَ عَدْلًا فِي طَرِيقِهِ أَوْ عِنْدَ تَوْكِيلِهِ فِي الرَّدِّ أَشْهَدَ عَلَى الْفَسْخِ، وَمَتَى عَجَزَ عَنْ الذَّهَابِ لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْحَاكِمِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى عَدْلًا يُشْهِدُهُ عَلَى الْفَسْخِ كَمَا أَفَادَهُ م ر وَحَجَرٌ. فَفِي الْعَجْزِ يَجِبُ التَّحَرِّي بِخِلَافِ مَا عَدَاهُ. وَفَرَّقَ م ر وحج بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا يَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ بِحَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ إذَا ذَهَبَ لِطَلَبِ الشُّفْعَةِ أَنْ يُشْهِدَ فِي طَرِيقِهِ مَنْ صَادَفَهُ مِنْ الْعَدْلِ، وَإِذَا وَكَّلَ فِي طَلَبِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى التَّوْكِيلِ؛ بِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُسْتَمِرًّا عَلَى الْمِلْكِ، فَتَرْكُ الْإِشْهَادِ مَعَ إمْكَانِهِ يُشْعِرُ بِالْبَقَاءِ، فَاحْتَاجَ إلَى الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ أَوْ عَلَى التَّوْكِيلِ فِيهِ، وَالشَّفِيعُ إنَّمَا يَقْصِدُ بِالْإِشْهَادِ إظْهَارَ الطَّلَبِ وَذَهَابُهُ لِأَجْلِهِ كَافٍ فِي ذَلِكَ اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 الْحَاكِمِ أَوْ حَالَ تَوْكِيلِهِ أَوْ عُذْرِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِشْهَادِ بِالْفَسْخِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَلَفُّظٌ بِالْفَسْخِ وَعَلَيْهِ تَرْكُ اسْتِعْمَالٍ لَا تَرْكُ رُكُوبٍ مَا عَسُرَ سَوْقُهُ وَقَوْدُهُ، فَلَوْ اسْتَخْدَمَ رَقِيقًا أَوْ تَرَكَ عَلَى دَابَّةٍ سَرْجًا أَوْ إكَافًا فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ لِإِشْعَارِ ذَلِكَ بِالرِّضَا بِالْعَيْبِ. وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ سَقَطَ الرَّدُّ الْقَهْرِيُّ لِإِضْرَارِهِ بِالْبَائِعِ. ثُمَّ إنْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ الْبَائِعُ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِلَا أَرْشٍ لِلْحَادِثِ أَوْ قَنَعَ بِهِ بِلَا أَرْشٍ لِلْقَدِيمِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْبَائِعُ، فَإِنْ اتَّفَقَا فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ عَلَى فَسْخٍ أَوْ إجَازَةٍ مَعَ أَرْشٍ لِلْحَادِثِ أَوْ الْقَدِيمِ فَذَاكَ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا أُجِيبَ طَالِبُ الْإِمْسَاكِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُشْتَرِي أَمْ الْبَائِعُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْرِيرِ الْعَقْدِ. أَمَّا الرِّبَوِيُّ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْفَسْخُ مَعَ أَرْشِ الْحَادِثِ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي إعْلَامُ الْبَائِعِ فَوْرًا بِالْحَادِثِ مَعَ الْقَدِيمِ لِيَخْتَارَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَوْ حَالَ تَوْكِيلِهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ غَيْرَ أَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ، وَإِلَّا فَيَكْفِي. قَوْلُهُ: (أَوْ عُذْرِهِ) ، أَيْ وَعَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فِي حَالِ وُجُودِهِ وَالْمُرَادُ تَحَرِّي ذَلِكَ. فَالْإِشْهَادُ فِي كَلَامِهِ أَرَادَ بِهِ الْأَعَمَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ وَتَحَرِّيهِ ح ل. فَالتَّحَرِّي فِي الْعُذْرِ فَقَطْ وَعَدَمُ التَّحَرِّي فِي غَيْرِهِ، فَإِذَا سَارَ فِي طَرِيقِهِ لِيَرُدَّ الْمَبِيعَ وَرَأَى شُهُودًا أَشْهَدَهُمْ عَلَى الْفَسْخِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ فِي طَرِيقِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحَرِّيهِمْ وَالتَّفْتِيشُ عَلَيْهِ لِلْإِشْهَادِ كَمَا فِي م ر وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَكَذَا فِي حَالِ تَوْكِيلٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ مَعْذُورًا بِالْغَيْبَةِ أَوْ الْخَوْفِ أَوْ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَحَرِّي الْإِشْهَادِ وَلَوْ حَالَةَ تَوْكِيلِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَحَرِّي الْإِشْهَادِ بَلْ يَذْهَبُ لِيَرُدَّ، فَإِنْ وَجَدَ فِي طَرِيقِهِ مَنْ يُشْهِدُهُ أَشْهَدَ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَلْزَمْهُ إلَخْ) إذْ يَبْعُدُ لُزُومُ الْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ سَامِعٍ فَيُؤَخِّرُهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عِنْدَ الْمَرْدُودِ إلَيْهِ أَوْ الْحَاكِمِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَقَوْدُهُ) أَيْ سَحْبُهُ بِنَحْوِ اللِّجَامِ وَالْمِقْوَدِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اسْتَخْدَمَ) أَيْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَخْدُمَهُ كَقَوْلِهِ: نَاوِلْنِي كَذَا، وَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلْ، وَمِثْلُ اسْتِخْدَامِهِ خِدْمَتُهُ كَأَنْ أَعْطَاهُ كُوزًا مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ فَأَخَذَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرُدَّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ أَخْذِ السَّيِّدِ لَهُ لَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا، لِأَنَّ وَضْعَهُ فِي يَدِ السَّيِّدِ كَوَضْعِهِ فِي الْأَرْضِ، شَرْحُ م ر مَعَ تَغْيِيرٍ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " فَلَوْ اسْتَخْدَمَ " أَيْ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ وَقَبْلَ الْفَسْخِ، فَلَوْ اسْتَخْدَمَهُ بَعْدَ الْفَسْخِ فَلَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَرَكَ عَلَى دَابَّةٍ سَرْجًا) أَيْ وَلَوْ مِلْكًا لِلْبَائِعِ، أَوْ اشْتَرَاهُ مَعَهَا؛ شَرْحُ م ر، خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ، بِخِلَافِ اللِّجَامِ لِتَوَقُّفِ حِفْظِهَا عَلَيْهِ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ نَزْعُ السَّرْجِ أَوْ الْإِكَافِ يَضُرُّهَا، كَأَنْ عَرِقَتْ وَخَشِيَ مِنْ النَّزْعِ تَعَيُّبَهَا، وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُ لِمَشَقَّةِ حَمْلِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ لَا يَلِيقُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ يُعْذَرُ فِي مِثْلِهِ لِجَهْلِهِ، شَرْحُ م ر مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (أَوْ إكَافًا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا مَا تَحْتَ الْبَرْذعَةِ وَقِيلَ نَفْسَهَا م ر قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ) أَيْ لَمْ يَتَقَدَّمْ سَبَبُهُ ح ل. قَاعِدَةٌ: كُلُّ عَيْبٍ يُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَا رَدَّ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ،. اهـ. مُنَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (سَقَطَ الرَّدُّ) أَيْ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْبَائِعِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ مِنْ حَيْثُ التَّرَوِّي أَيْ التَّشَهِّي، فَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ مَعَ جَهْلِ الْبَائِعِ بِالْحَادِثِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ كَانَ لَهُ فَسْخُ هَذَا الْفَسْخِ ح ل. وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ " فَلَوْ رَدَّهُ " أَيْ مَا لَمْ يَحْدُثْ عَيْبٌ جَدِيدٌ. قَوْلُهُ: (رَدَّهُ الْمُشْتَرِي) أَيْ تَخَيَّرَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَنَعَ) أَيْ الْمُشْتَرِي لَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَرْضَ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: إنْ رَضِيَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ) أَيْ الَّذِي بِيعَ بِجِنْسِهِ لَا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (مَعَ أَرْشِ لِلْحَادِثِ) يَرْجِعُ لِلْفَسْخِ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ الْقَدِيمُ " يَرْجِعُ لِلْإِجَازَةِ، بِأَنْ يَغْرَمَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ أَرْشَ الْحَادِثِ وَيَفْسَخُ أَوْ يَغْرَمُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَرْشَ الْقَدِيمِ وَلَا يُفْسَخُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ مَعَ أَرْشِ الْحَادِثِ وَالْآخَرُ الْإِجَازَةُ مَعَ أَرْشِ الْقَدِيمِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الرِّبَوِيُّ) أَيْ الَّذِي بِيعَ بِجِنْسِهِ. قَوْلُهُ: (فَيَتَعَيَّنُ) وَإِلَّا كَانَ رِبًا. قَوْلُهُ: (مَعَ أَرْشِ الْحَادِثِ) أَيْ لِلْبَائِعِ، وَيَمْتَنِعُ إمْسَاكُهُ مَعَ أَرْشِ الْقَدِيمِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، بِخِلَافِ رَدِّهِ مَعَ أَرْشِ الْحَادِثِ إذْ لَا مُفَاضَلَةَ بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ فِي الْبَيْعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ أَخَّرَ إعْلَامَهُ بِلَا عُذْرٍ فَلَا رَدَّ لَهُ وَلَا أَرْشَ عَنْهُ لِإِشْعَارِ التَّأْخِيرِ بِالرِّضَا بِهِ وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ لَا يُعْرَفُ الْقَدِيمُ بِدُونِهِ كَكَسْرِ بَيْضِ نَعَامٍ وَجَوْزٍ وَتَقْوِيرِ بِطِّيخٍ مُدَوِّدٍ بَعْضُهُ رُدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ لِلْحَادِثِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهِ. وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا يُظَنُّ حُصُولُهُ بِالتَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ فَهُوَ التَّصْرِيَةُ وَهِيَ أَنْ يَتْرُكَ الْبَائِعُ حَلْبَ النَّاقَةِ أَوْ غَيْرِهَا عَمْدًا قَبْلَ بَيْعِهَا لِيَتَوَهَّمَ الْمُشْتَرِي كَثْرَةَ اللَّبَنِ فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، فَإِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً رَدَّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ بَدَلَ اللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ وَإِنْ قَلَّ اللَّبَنُ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْمُصَرَّاةُ تَعَدَّدَ الصَّاعُ بِعَدَدِهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ هَذَا إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى رَدِّ غَيْرِ الصَّاعِ   [حاشية البجيرمي] لِتَمَاثُلِهِمَا فِيهِ؛ وَإِنَّمَا الْعَيْبُ الْحَادِثُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ كَعَيْبِ الْمَأْخُوذِ عَلَى جِهَةِ السَّوْمِ فَعَلَيْهِ غُرْمُهُ. قَوْلُهُ: (لِيَخْتَارَ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ الْفَسْخِ وَأَخْذُ الْأَرْشِ لِلْحَادِثِ أَوْ الْإِجَازَةِ وَدَفْعُ أَرْشِ الْقَدِيمِ. قَوْلُهُ: (فَلَا رَدَّ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " فَلَا رَدَّ " لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ فَلَا رَدَّ قَهْرًا فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا رَدَّ قَهْرًا وَإِنْ بَادَرَ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ لَا رَدَّ وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ جَازَ، فَهَذَا أَوْلَى. وَيُجَابُ بِأَنَّ النَّفْيَ لِمَجْمُوعِ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ فَلَا أَرْشَ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ " سَقَطَ الرَّدُّ الْقَهْرِيُّ " أَيْ إلَّا إذَا كَانَ الْقَدِيمُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْجَدِيدِ فَيُرَدُّ لِلْعُذْرِ. قَوْلُهُ: (لَا يُعْرَفُ الْقَدِيمُ بِدُونِهِ) فَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْقَدِيمِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَحْدَثَهُ كَتَقْوِيرِ بِطِّيخٍ حَامِضٍ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ حُمُوضَتِهِ بِغَرْزِ شَيْءٍ فِيهِ وَكَتَقْوِيرِ كَبِيرٍ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِصَغِيرٍ يَسْقُطُ الرَّدُّ الْقَهْرِيُّ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَمِثْلُ تَقْوِيرِ الْبِطِّيخِ الْمَذْكُورِ تَقْوِيرُ الرُّمَّانِ. وَلَوْ اشْتَرَى نَحْوَ بَيْضٍ أَوْ بِطِّيخٍ كَثِيرٍ فَكَسَرَ وَاحِدَةً فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً لَمْ يَتَجَاوَزْهَا لِثُبُوتِ مُقْتَضَى الرَّدِّ بِذَلِكَ، لِمَا يَأْتِي مِنْ امْتِنَاعِ رَدِّ الْبَعْضِ فَقَطْ؛ فَإِنْ كَسَرَ الثَّانِيَةَ فَلَا رَدَّ لَهُ مُطْلَقًا فِيمَا يَظْهَرُ، أَيْ سَوَاءٌ وَجَدَهَا مَعِيبَةً أَوْ سَلِيمَةً لِوُقُوفِهِ عَلَى الْعَيْبِ الْمُقْتَضِي لِلرَّدِّ بِالْأَوَّلِ فَكَانَ الثَّانِي عَيْبًا حَادِثًا، شَرْحُ م ر. فَرْعٌ: شَخْصٌ اشْتَرَى بَقَرَةً مَثَلًا وَذَبَحَهَا فَرَأَى لَحْمَهَا مُنْتِنًا، فَيَنْظُرُ إنْ كَانَ يَظْهَرُ هَذَا الْعَيْبُ بِغَيْرِ الذَّبْحِ وَذَبَحَهَا رَدَّهَا وَغَرِمَ أَرْشَ النَّقْصِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِالذَّبْحِ رَدَّهَا وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ،. اهـ. زِيَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَيْضِ نَعَامٍ) خَرَجَ بَيْضُ غَيْرِ النَّعَامِ، فَلَا رَدَّ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ الْبَيْعِ لِوُرُودِهِ عَلَى غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ، فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْبِطِّيخُ مُدَوِّدًا كُلُّهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " كَكَسْرِ بَيْضِ نَعَامٍ " أَيْ ثَقْبِهِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ يُعْرَفُ أَيْ فِي الْعُرْفِ لَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (بِطِّيخٍ) بِكَسْرِ " الْبَاءِ أَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا، وَبَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ يَجْعَلُ الطَّاءَ مَكَانَ الْبَاءِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي بَابِ مَا هُوَ مَكْسُورٌ: وَتَقُولُ هُوَ الْبِطِّيخُ وَالطَّبِيخُ وَالْعَامَّةُ تَفْتَحُ الْأَوَّلَ، وَهُوَ غَلَطٌ لِفَقْدِ فَعِيلٍ بِالْفَتْحِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الشَّمَائِلِ. قَوْلُهُ: (مُدَوِّدٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبَعْضُهُ فَاعِلٌ. وَخَرَجَ بَيْضُ غَيْرِ النَّعَامِ، فَلَا رَدَّ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ الْبَيْعِ لِوُرُودِهِ عَلَى غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ، بِخِلَافِ بَيْضِ النَّعَامِ فَإِنَّ قِشْرَهُ مُتَقَوِّمٌ. وَخَرَجَ الْمُدَوِّدُ كُلُّهُ، فَكَذَلِكَ لَا رَدَّ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ التَّصْرِيَةُ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ، إذْ مَا يُظَنُّ حُصُولُهُ بِالتَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ هُوَ كَثْرَةُ اللَّبَنِ لَا التَّصْرِيَةُ، إذْ التَّصْرِيَةُ هِيَ التَّغْرِيرُ الْفِعْلِيُّ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ " فَهُوَ التَّصْرِيَةُ " أَيْ فَهُوَ مُسَبَّبُ التَّصْرِيَةِ. قَوْلُهُ: (عَمْدًا) لَيْسَ بِقَيْدٍ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ حُصُولُ الضَّرَرِ، مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِيُتَوَهَّمَ) فِي نُسْخَةٍ: لِيُوهِمَ. قَوْلُهُ: (فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ) فَإِنْ قُلْت: اللَّبَنُ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَتَلَفُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ رَدَّ الْبَاقِي وَقِيَاسُهُ مَنْعُ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ؟ قُلْت: صَدَّ عَنْ ذَلِكَ وُرُودُ الْأَخْبَارِ بِالرَّدِّ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهَا، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً) وَلَوْ نَحْوُ أَرْنَبٍ أَوْ بِنْتِ عُرْسٍ وَيَنْتَفِعُ بِلَبَنِهَا بِإِضَافَتِهِ إلَى الْأَكْحَالِ وَالشِّشْمِ. قَوْلُهُ: (رَدَّ مَعَهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثُبُوتُ الْخِيَارِ بِالتَّصْرِيَةِ بَلْ بِعَيْبٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: (الْمَحْلُوبِ) مِثْلُ حَلَبَهُ مَا لَوْ شَرِبَهُ الْوَلَدُ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ نَزَلَ عَلَى الْأَرْضِ، ح ل وسم. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَلَّ اللَّبَنُ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُتَمَوَّلًا وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِصَاعٍ م ر. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ رَدُّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ عِوَضًا عَنْ اللَّبَنِ. قَوْلُهُ: (عَلَى رَدِّ غَيْرِ صَاعٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى غَيْرِ رَدِّ الصَّاعِ لِيَشْمَلَ مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 مِنْ اللَّبَنِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ تَلِفَ اللَّبَنُ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تُحْلَبْ، أَوْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّدِّ. وَالْعِبْرَةُ فِي التَّمْرِ بِالْمُتَوَسِّطِ مِنْ تَمْرِ الْبَلَدِ، فَإِنْ فُقِدَ فَقِيمَتُهُ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَقِيلَ بِأَقْرَبِ بَلَدِ التَّمْرِ إلَيْهِ. وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْجَاهِلِ بِالتَّصْرِيَةِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يَخْتَصُّ خِيَارُهَا بِالنَّعَمِ بَلْ يَعُمُّ كُلَّ مَأْكُولٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْجَارِيَةِ وَالْأَتَانِ، وَلَا يَرُدُّ مَعَهُمَا شَيْئًا بَدَلَ اللَّبَنِ لِأَنَّ لَبَنَ الْجَارِيَةِ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ غَالِبًا، وَلَبَنُ الْأَتَانِ نَجِسٌ لَا عِوَضَ لَهُ. فُرُوعٌ: لَا يَرُدُّ قَهْرًا بِعَيْبِ بَعْضِ مَا بِيعَ صَفْقَةً لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ عَيْبٍ يُمْكِنُ حُدُوثُهُ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ لِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْعَقْدِ وَيَحْلِفُ كَجَوَابِهِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ الْمُتَّصِلَةِ كَسَمْنٍ   [حاشية البجيرمي] لَوْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ رَدِّ شَيْءٍ أَصْلًا بِأَنْ سَامَحَهُ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ؛ ح ل مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ) تَعْمِيمٌ فِي رَدِّ الصَّاعِ. قَوْلُهُ: (أَوْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّدِّ) أَيْ رَدِّ اللَّبَنِ ح ل. وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " هَذَا إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى رَدِّ غَيْرِ الصَّاعِ " فَقَوْلُهُ " أَوْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّدِّ " أَيْ رَدُّ غَيْرِ الصَّاعِ، وَيَتَعَدَّدُ الصَّاعُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ وَبِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي وَبِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ؛ قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ أج عَلَى التَّحْرِيرِ، وَقَالَ ق ل: لَا بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (مِنْ تَمْرِ الْبَلَدِ) هَلْ الْمُرَادُ بَلَدُ الْبَيْعِ أَوْ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْعَيْبِ أَوْ الْفَسْخِ؟ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ كَشَرْحِ الْمَنْهَجِ أَنَّ الْمُرَادَ بَلَدُ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ فُقِدَ) بِأَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ فِي بَلَدِهِ وَدُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إلَيْهَا ح ل. قَوْلُهُ: (فَقِيمَتُهُ بِالْمَدِينَةِ) مُعْتَمَدٌ، أَيْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الرَّدِّ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ بِأَقْرَبَ) أَيْ وَقِيلَ قِيمَتُهُ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ فِيهِ تَمْرٌ إلَى بَلَدِ الْبَيْعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ " وَالْعِبْرَةُ فِي التَّمْرِ إلَخْ " فِيهِ قَوْلَانِ: قِيلَ تَمْرُ بَلَدِ الْبَيْعِ، فَإِنْ فُقِدَ فَقِيمَتُهُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَقِيلَ: بِتَمْرِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ فَإِنْ فُقِدَ فَقِيمَتُهُ بِهَا وَقْتَ الرَّدِّ؛ وَالشَّارِحُ لَمْ يُوَافِقْ هَذَا وَلَا هَذَا. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَلَوْ فُقِدَ التَّمْرُ فِي بَلَدٍ تَلِفَ فِيهِ اللَّبَنُ وَحَوَالَيْهِ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِأَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ فِي بَلَدِهِ وَدُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّدِّ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ تَعَيَّنَ التَّمْرُ هُنَا وَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ فِي الْقِيمَةِ وَالِاقْتِيَاتِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا قَطْعُ النِّزَاعِ مَعَ ضَرْبِ تَعَبُّدٍ، وَالْمَقْصُودُ فِي الْفِطْرَةِ سَدُّ الْخُلَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالْجَارِيَةَ وَالْأَتَانَ) بِالنَّصْبِ، عَطْفٌ عَلَى كُلَّ. قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) أَيْ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ غَرَضُهُ بِهِ تَقْيِيدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رَدِّ الْمَعِيبِ بِالْعَيْبِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَلَهُ رَدُّهُ أَيْ كُلِّهِ لَا بَعْضِهِ. وَالْفَرْعُ الثَّانِي تَقْيِيدُهُ أَيْضًا، أَيْ فَلَهُ رَدُّهُ أَيْ إنْ ثَبَتَ الْعَيْبُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِاتِّفَاقِهِمَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا إلَخْ صُدِّقَ الْبَائِعُ وَلَا رَدَّ. وَالْفَرْعُ الثَّالِثُ قَصْدُهُ بِهِ التَّعْمِيمُ، أَيْ فَلَهُ رَدُّهُ وَلَوْ مَعَ زِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ. قَوْلُهُ: (لَا يُرَدُّ قَهْرًا) أَمَّا بِالرِّضَا فَيَجُوزُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إذْ لِلْبَائِعِ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْمَبِيعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَدَفَعَ الثَّمَنَ، اهـ أج. قَوْلُهُ: (بِعَيْبٍ) أَيْ وَلَا غَيْرِهِ كَخِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ، بَلْ إمَّا أَنْ يَرْضَى بِالْكُلِّ أَوْ يَرُدُّ الْكُلَّ وَإِذَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَلَيْسَ لَهُ أَرْشٌ لَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ. قَوْلُهُ: (صَفْقَةً) أَيْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (يُمْكِنُ حُدُوثُهُ) أَيْ وَقَدَّمَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا حُدُوثُهُ، فَإِنَّ الْمُصَدَّقَ الْبَائِعُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا قَدَّمَهُ فَإِنَّ الْمُصَدَّقَ الْمُشْتَرِي. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حُدُوثُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَشَيْنِ الشَّجَّةِ الْمُنْدَمِلَةِ وَالْبَيْعِ أَمْسِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي بِلَا يَمِينٍ، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ قَدَّمَهُ كَجُرْحٍ طَرِيٍّ وَالْبَيْعُ وَالْقَبْضُ مِنْ سَنَةٍ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِلَا يَمِينٍ. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ) وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي حُدُوثَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ لِيَرُدَّهُ، وَادَّعَى الْبَائِعُ قَدَّمَهُ حَتَّى لَا يَرُدَّ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَيْضًا. وَصُورَةُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ لَا لِمَا حَدَثَ بَعْدَهُ، فَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي حُدُوثَهُ لِيَرُدَّ بِهِ وَالْبَائِعُ قَدَّمَهُ حَتَّى لَا يَرُدَّ بِهِ لِشُمُولِ الشَّرْطِ لَهُ،. اهـ. ز ي وَمَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ) وَإِنَّمَا حَلَفَ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: (وَيَحْلِفُ كَجَوَابِهِ) أَيْ يَكُونُ حَلِفُهُ مُطَابِقًا لِجَوَابِهِ، فَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ: لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَيَّ بِالْعَيْبِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوْ لَا يَلْزَمُنِي قَبُولُهُ أَوْ مَا أَقْبَضْتُهُ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ أَوْ مَا أَقْبَضْتُهُ إلَّا سَلِيمًا مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 تَتَبَّعَهُ فِي الرَّدِّ إذْ لَا يُمْكِنُ إفْرَادُهَا كَحَمْلٍ قَارَنَ بَيْعًا، فَإِنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرَّدِّ وَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْوَلَدِ وَالْأُجْرَةُ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَهِيَ لِمَنْ حَصَلَتْ فِي مِلْكِهِ مِنْ مُشْتَرٍ أَوْ بَائِعٍ وَإِنْ رُدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا فَرْعُ مِلْكِهِ وَحَبْسُ مَاءِ الْقَنَاةِ وَمَاءِ الرَّحَى الَّذِي يُدِيرُهَا لِلطَّحْنِ الْمُرْسِلِ مَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْبَيْعِ وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ وَتَسْوِيدُ الشَّعْرِ وَتَجْعِيدُهُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ، لَا لَطْخُ ثَوْبِ الرَّقِيقِ بِمِدَادٍ تَخْيِيلًا لِكِتَابَتِهِ فَظَهَرَ كَوْنُهُ غَيْرَ كَاتِبٍ فَلَا رَدَّ لَهُ إذْ لَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ غَرَرٍ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ مُطْلَقًا) أَيْ بِغَيْرِ شَرْطِ قَطْعٍ وَلَا تَبْقِيَةٍ (إلَّا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا) فَيَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهَا وَبِشَرْطِ إبْقَائِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُصُولُ لِأَحَدِهِمَا أَمْ لِغَيْرِهِ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا» . فَيَجُوزُ بَعْدَ بُدُوِّهِ وَهُوَ صَادِقٌ بِكُلٍّ مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَالْمَعْنَى الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا أَمْنُ الْعَاهَةِ بَعْدَهُ غَالِبًا لِغِلَظِهَا وَكِبَرِ نَوَاهَا، وَقَبْلَ الصَّلَاحِ إنْ   [حاشية البجيرمي] الْعَيْبُ، حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ لِيُطَابِقَ الْحَلِفُ الْجَوَابَ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتِّ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ السَّلَامَةِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ يُظَنُّ خِلَافُهُ. قَوْلُهُ: (كَسَمْنٍ) أَيْ وَتَعَلَّمَ صَنْعَةً أَيْ وَلَوْ بِمُعَلِّمٍ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ هُنَا، سُلْطَانٌ. قَوْلُهُ: (كَحَمْلٍ) هُوَ تَنْظِيرٌ لَا مِثَالٌ بِدَلِيلِ عَوْدِ الْكَافِ وَعَدَمِ عَطْفِهِ عَلَى مَا مِثْلِ بِهِ، وَأَيْضًا الْفَرْضُ أَنَّهُ قَارَنَ فَلَمْ يَكُنْ زِيَادَةً. قَالَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ بَعْدَ تَقْرِيرِ مَا ذُكِرَ: وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ مِثَالًا بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَالْعَاطِفِ، أَيْ وَكَزِيَادَةِ الْحَمْلِ بِمَعْنَى نُمُوِّهِ وَكِبَرِهِ؛ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ وَالِدُ شَيْخِنَا: الرَّاجِحُ أَنَّ الصُّوفَ وَاللَّبَنَ كَالْحَمْلِ وَمِثْلُهُمَا الْبَيْضُ،. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (قَارَنَ بَيْعًا) فَإِنْ وُجِدَ بَعْدَهُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي يَأْخُذُهُ إذَا انْفَصَلَ. قَوْلُهُ: (يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرَّدِّ) وَإِنْ انْفَصَلَ، أَيْ إنْ كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِأَنْ لَمْ تَنْقُصْ أُمُّهُ بِالْوِلَادَةِ. أَمَّا إذَا نَقَصَتْ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الرَّدُّ الْقَهْرِيُّ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ بِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي. وَخَرَجَ بِالْمُقَارِنِ الْحَادِثِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَلَا يَتْبَعُ فِي الرَّدِّ بَلْ هُوَ لَهُ يَأْخُذُهُ إذَا انْفَصَلَ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَهَذَا فِي حَمْلِ الْبَهِيمَةِ، أَمَّا حَمْلُ الْأَمَةِ إذَا حَدَثَ فَهُوَ عَيْبٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ الْقَهْرِيَّ،. اهـ. سُلْطَانٌ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً فَبَانَتْ حَامِلًا مَلَكَ الرَّدَّ وَلَوْ كَانَتْ بَهِيمَةً لَمْ يَمْلِكْ الرَّدَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَمْلَ فِي الْأَمَةِ عَيْبٌ لِأَنَّهُ يُخَافُ مَعَهُ التَّلَفُ بِالطَّلْقِ بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا التَّلَفُ فِي الْغَالِبِ اهـ. قَوْلُهُ: (لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ) أَيْ الْقَدِيمِ، أَيْ الَّذِي حَدَثَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ أَوْ عِنْدَ الْقَبْضِ، فَ " أَلْ " لِلْعَهْدِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (مِنْ مُشْتَرٍ) أَيْ إنْ حَصَلَتْ مِنْ الْمَبِيعِ أَوْ بَائِعٍ إنْ حَصَلَتْ مِنْ الثَّمَنِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: إذَا اشْتَرَى أَغْنَامًا وَلَمْ يَتَسَلَّمْهَا وَمَكَثَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ نَتَجَتْ نِتَاجًا كَثِيرًا وَمَاتَتْ الْأُصُولُ قُبَيْلَ تَسَلُّمِهَا لِلْمُشْتَرِي فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُ جَمِيعَ النِّتَاجِ لِأَنَّهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِهِ، فَتَفَطَّنْ لَهَا: فَإِنَّهَا مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةُ عَزِيزَةُ الْوُجُودِ يَعْجِزُ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَلَمْ أَرَ لَهَا مُدْرِكًا؛ كَذَا بِخَطِّ الزِّيَادِيِّ بِهَامِشِ نُسْخَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَدَّ) أَيْ أَحَدُهُمَا. قَوْلُهُ: (وَحَبْسُ مَاءِ الْقَنَاةِ) هَذَا خَارِجٌ عَنْ الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ: (الْمُرْسِلُ مَاءَ إلَخْ) جَعَلَهُ نَعْتًا سَبَبِيًّا لِلْقَنَاةِ وَالرَّحَى، وَلَوْ جَعَلَهُ نَعْتًا لِلْمَاءَيْنِ لَكَانَ نَعْتًا حَقِيقِيًّا. قَوْلُهُ: (لَا لَطْخُ ثَوْبِ الرَّقِيقِ إلَخْ) وَكَذَا تَوْرِيمُ ضَرْعِ الدَّابَّةِ وَكَذَا إشْبَاعُهَا بِالْعَلَفِ لِيَتَوَهَّمَ الْمُشْتَرِي كَثْرَةَ اللَّبَنِ أَوْ السَّمْنِ، فَلَا رَدَّ بِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا رَدَّ لَهُ) لِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي بِعَدَمِ امْتِحَانِهِ وَالسُّؤَالِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) اقْتَضَى كَلَامُهُ جَوَازَ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَوْ فَسَّرَ الْإِطْلَاقَ بِجَوَازِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي السُّكُوتَ وَشَرْطَ الْقَطْعِ وَشَرْطَ الْإِبْقَاءِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا. اهـ. ق ل. وَكَذَا لَوْ قَالَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مُطْلَقًا " أَيْ عَنْ شَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا قَالَ سم، لَسَلِمَ مِمَّا ذُكِرَ، تَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ " مُطْلَقًا " صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ بَيْعًا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ) فِي نُسَخٍ وَيَجُوزُ بِالْوَاوِ بِشَرْطٍ إلَخْ، وَهِيَ الصَّوَابُ إذْ التَّفْرِيغُ يُوهِمُ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ م د. وَنُسْخَةُ الْوَاوِ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ، وَأَمَّا الْفَاءُ فَإِنَّهَا تُوهِمُ أَنَّهُ بَيَانٌ لِمَعْنَى الْمَتْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي فِي الْمَتْنِ بَيْعُهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ قَطْعٍ، وَأَمَّا مَفْهُومُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ إلَخْ) تَعْمِيمٌ فِي الْمَفْهُومِ وَالْمَنْطُوقِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) دَلِيلٌ لِمَنْطُوقِ الْمَتْنِ وَمَفْهُومُهُ، لَكِنَّ مَنْطُوقَ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَفْهُومِ الْمَتْنِ وَمَفْهُومَ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْطُوقِ الْمَتْنِ. قَالَ ق ل: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 بِيعَتْ مُفْرَدَةً عَنْ الشَّجَرِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ. وَلَا يَصِحُّ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ، وَإِذَا كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ إذْ لَا مَعْنَى لِتَكْلِيفِهِ قَطْعَ ثَمَرِهِ عَنْ شَجَرِهِ وَإِنْ بِيعَتْ الثَّمَرَةُ مَعَ الشَّجَرَةِ جَازَ بِلَا شَرْطٍ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ هُنَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْعَاهَةِ، وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهَا لِأَنَّ فِيهِ حَجْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِهِ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَنَحْوِهِمَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَإِنْ بِيعَ مِنْ مَالِكِ الْأُصُولِ لِمَا مَرَّ. وَلَوْ بَاعَهُ مَعَ أُصُولِهِ فَكَبَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَبِّ وَالثَّمَرَةِ لِئَلَّا يَكُونَ بَيْعُ غَائِبٍ كَتِينٍ وَعِنَبٍ لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا كِمَامَ لَهُ، وَشَعِيرٍ لِظُهُورِهِ فِي سُنْبُلِهِ وَمَا لَا يُرَى حَبُّهُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ فِي السُّنْبُلِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ سُنْبُلِهِ لِاسْتِتَارِهِ، وَلَا   [حاشية البجيرمي] وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ مَنْعُ بَيْعِهَا وَلَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ خَصَّصَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَشْرِطْ الْقَطْعَ. قَوْلُهُ (الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ) أَيْ الْإِطْلَاقُ، وَشَرَطَ الْقَطْعَ، وَشَرَطَ التَّبْقِيَةَ. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ قَبْلِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَعْدَ بُدُوِّهِ. وَقَوْلُهُ: أَمِنَ الْعَاهَةَ بَعْدَهُ وَقَبْلَهُ يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ لِضَعْفِهِ فَيَفُوتُ بِتَلَفِهِ الثَّمَنُ، وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ الصَّلَاحِ) مُسْتَأْنَفٌ، وَهُوَ مَفْهُومُ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِمُشْتَرٍ فَيَجِبُ شَرْطُ الْقَطْعِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ اهـ، فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا بَاعَهُ لِمَالِكِ أَصْلِهِ وَالْإِجْمَاعُ خَصَّصَهُ بِمَا إذَا شَرَطَ الْقَطْعَ، فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ صَحَّ وَلَوْ اخْتَلَفَا هَلْ شَرَطَ الْقَطْعَ أَمْ لَا صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ. اهـ. سُلْطَانٌ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَالِ) هُوَ مِنْ تَمَامِ الصِّيغَةِ، فَلَا يَكْفِي شَرْطُهُ بَعْدَ يَوْمٍ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ) هَذَا الشَّرْطُ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا لِأَنَّهُ فِيمَا تَقَدَّمَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ وَلَوْ مَآلًا، وَهُنَا لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَنْفَعَةِ حَالًّا أج قَوْلُهُ: (مَعَ الشَّجَرَةِ) أَيْ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً، أَمَّا لَوْ فَصَلَ الثَّمَنَ بِأَنْ بِيعَتْ الشَّجَرَةُ بِعَشَرَةٍ وَالثَّمَرَةُ بِخَمْسَةٍ مَثَلًا فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ حِينَئِذٍ؛ وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهَا) أَيْ وَلَا بِشَرْطِ إبْقَائِهَا لِلتَّحْجِيرِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبِطِّيخِ إلَخْ) يُمْكِنُ شُمُولُ الْمَتْنِ لِمَا ذُكِرَ بِجَعْلِ الثَّمَرَةِ شَامِلَةً لَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَالِكِ الْأُصُولِ) أَيْ لَهُ وَهِيَ اللِّبَانُ الَّتِي هِيَ فِيهِ، لَا الْأَرْضُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أج. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ الْحَدِيثُ. قَوْلُهُ: (فَكَبَيْعِ الثَّمَرَةِ) أَيْ إنْ بِيعَتْ مُطْلَقًا صَحَّ، أَوْ بِشَرْطِ قَطْعٍ أَوْ تَبْقِيَةٍ فَلَا. وَلَوْ بَاعَ بِرْسِيمًا بِشَرْطِ قَطْعِهِ وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُخْلِفَ فَقَطَعَهُ فَأَخْلَفَ فَاَلَّذِي أَخْلَفَهُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَقُومُ رَعْيُ الْبَهَائِمِ مَقَامَ شَرْطِ الْقَطْعِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ. وَطَرِيقُ مَنْ أَرَادَ رَعْيَ الْبَهَائِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْقَلْعِ ثُمَّ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ لِدُخُولِ نَحْوِ الْبَهَائِمِ فِيهَا، لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَلْعِ كَانَ الْمُخْلِفُ لَهُ أَمَّا إذَا كَانَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَا يَتَأَتَّى اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْحَادِثَ لِلْبَائِعِ فَتَأَمَّلْ. فَرْعٌ: سُئِلَ م ر بِالدَّرْسِ: عَمَّنْ اشْتَرَى إنَاءً فِيهِ زَرْعٌ يُجَزُّ مِرَارًا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَدْخُلُ الْإِنَاءُ وَمَا فِيهِ دُونَ الْجِزَّةِ الظَّاهِرَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ قَطْعِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِنَاءَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِيهِ كَالْأَرْضِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِيهَا، سم عَلَى الْمَنْهَجِ. وَمِنْ قَوْلِهِ: وَالْحَاصِلُ إلَخْ يُعْلَمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ أُطْلِقَ فِي بَيْعِ الْإِنَاءِ، أَمَّا لَوْ قَالَ بِعْتُك الْإِنَاءَ وَمَا فِيهِ كَانَتْ الظَّاهِرَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبِيعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ قَطْعِهَا بَلْ لَا يَصِحُّ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ) صَوَابُهُ إسْقَاطُ هَذَا الْقَيْدِ كَمَا قَالَهُ ق ل؛ أَيْ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَبِّ وَالثَّمَرَةِ مُطْلَقًا وَلَوْ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَرْئِيًّا. قَوْلُهُ: (ظُهُورُ الْمَقْصُودِ) أَيْ رُؤْيَتُهُ. قَوْلُهُ: (كَتِينٍ) مِثَالٌ لِمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. قَوْلُهُ: مِمَّا لَا كِمَامَ لَهُ بِكَسْرِ الْكَافِ هُوَ وِعَاءُ الطَّلْعِ وَغِطَاءُ النَّوْرِ وَغَيْرِهِمَا وَجَمْعُهُ أَكِمَّةٌ مِثْلُ سِلَاحٍ وَأَسْلِحَةٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا السَّاتِرُ لِمَا هُوَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ سُنْبُلِهِ إلَخْ) مِثْلُ الْبُرِّ فِي سُنْبُلِهِ جُزِرَ فِي أَرْضِهِ وَفُولٍ فِي قِشْرِهِ الْأَعْلَى، وَيَصِحُّ بَيْعُ كَتَّانٍ بَدَا صَلَاحُهُ؛ لِأَنَّ مَا يُغْزَلُ مِنْهُ ظَاهِرٌ وَالسَّاسُ فِي بَاطِنِهِ كَنَوَى التَّمْرِ، وَمَحَلُّهُ إذَا بِيعَ قَبْلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 مَعَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مُسْتَتِرٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ كَالْحِنْطَةِ فِي تِبْنِهَا بَعْدَ الدِّرَاسِ وَبُدُوُّ صَلَاحِ مَا مَرَّ مِنْ ثَمَرٍ وَغَيْرِهِ بُلُوغُهُ صِفَةً يَطْلُعُ فِيهَا غَالِبًا وَعَلَامَتُهُ فِي الثَّمَرِ الْمَأْكُولِ الْمُتَلَوِّنِ أَخْذُهُ فِي حُمْرَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَسَوَادٍ وَفِي غَيْرِ الْمُتَلَوِّنِ مِنْهُ كَالْعِنَبِ الْأَبْيَضِ لِينُهُ وَجَرَيَانُ الْمَاءِ فِيهِ وَفِي نَحْوِ الْقِثَّاءِ أَنْ تُجْنَى غَالِبًا لِلْأَكْلِ وَفِي الزَّرْعِ اشْتِدَادُهُ وَفِي الْوَرْدِ انْفِتَاحُهُ وَبُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ كَظُهُورِهِ وَعَلَى بَائِعِ مَا بَدَا صَلَاحُهُ مِنْ الثَّمَرِ وَغَيْرِهِ سَقْيُهُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ   [حاشية البجيرمي] انْعِقَادِ بِزْرِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَعْدَ نَفْضِهِ أَوْ بَاعَهُ دُونَهُ وَإِلَّا بَطَلَ الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِالْمَقْصُودِ مِنْ الْبِزْرِ وَالْكَتَّانِ ز ي أج. وَقَوْلُهُ " قَبْلَ انْعِقَادِ بِزْرِهِ " فِيهِ أَنَّهُ لَا كَتَّانَ فِيهِ حِينَئِذٍ يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَا يَظْهَرُ كَلَامُ الزِّيَادِيِّ، إلَّا إنْ أَجَّرَهُ الْأَرْضَ مُدَّةً يَكْمُلُ فِيهَا وَيَكُونُ الْبِزْرُ لِلْمُشْتَرِي إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ. قَوْلُهُ: (الدِّرَاسِ) وَفِي نُسْخَةٍ: الدِّيَاسِ، مَصْدَرُ دَاسَ الرَّجُلُ الْحِنْطَةَ يَدُوسُهَا بِمَعْنَى دَرَسَهَا. وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ الدِّيَاسِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ هُوَ مَجَازٌ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ دَاسَ الْأَرْضَ إذَا شَدَّدَ وَطْأَهُ عَلَيْهَا بِقَدَمِهِ،. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (وَبُدُوُّ صَلَاحِ مَا مَرَّ إلَخْ) جَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ: اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالنُّضْجُ وَالِاشْتِدَادُ وَالطُّولُ وَالْكِبَرُ وَالتَّشْقِيقُ وَالِانْفِتَاحُ كَحُمْرَةِ الْعُنَّابِ وَذَهَابِ مَرَارَةِ الرُّمَّانِ بِحَلَاوَةِ الْحُلْوِ وَحُمُوضَةِ الْحَامِضِ وَنُضْجِ التِّينِ وَالْبِطِّيخِ وَاشْتِدَادِ الْقَمْحِ وَطُولِ الْبُقُولِ وَكِبَرِ الْقِثَّاءِ وَانْشِقَاقِ مَا لَهُ كِمَامُ الْقُطْنِ وَالْجَوْزِ. اهـ. ح ل. وَالْبُقُولُ هِيَ خَضْرَاوَاتُ الْأَرْضِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِ) وَهُوَ الزَّرْعُ. قَوْلُهُ: (يَطَّلِعُ فِيهَا) أَيْ بِسَبَبِهَا أَوْ مَعَهَا أَوْ فِي أَوَانِهَا، فَيَكُونُ كَلَامُهُ عَلَى حَذْفٍ مُضَافٍ. قَوْلُهُ: (الْأَبْيَضِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْبَيَاضَ لَوْنٌ لَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَلَوِّنِ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لَهُ لَوْنٌ بَعْدَ آخَرَ وَالْبَيَاضُ لَازِمٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (لِينُهُ وَجَرَيَانُ الْمَاءِ فِيهِ) وَمِثْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ اللَّيْمُونُ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ فِي الصُّفْرَةِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُتَلَوِّنِ. قَوْلُهُ: (وَفِي نَحْوِ الْقِثَّاءِ) ظَاهِرُ عَطْفِهِ عَلَى الثَّمَرِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَالْقِثَّاءُ أُخْتُ الْخِيَارِ وَتَصَرَّفَ مَعَ مَدِّهَا. قَوْلُهُ: (وَفِي الْوَرْدِ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى الزَّرْعِ لِأَنَّهُ مِنْ الثَّمَرِ. قَوْلُهُ: (وَبُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ إلَخْ) التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ التَّبَعِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ جِهَتُهَا مُخْتَلِفَةً، فَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ إذَا بَدَا صَلَاحُ الْبَعْضِ وَإِنْ قَلَّ يَتْبَعُهُ. وَيُلْحَقُ بِهِ الْبَعْضُ الْآخَرُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ، فَيَكُونُ كَمَا لَوْ بَدَا صَلَاحُ الْجَمِيعِ. هَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَبُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ كَبُدُوِّ صَلَاحِ كُلِّهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ " كَظُهُورِهِ " فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا فِي الْمَنْهَجِ أَوَّلًا ثُمَّ أَحَالَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ " كَظُهُورِهِ " فَصَنِيعُ الشَّارِحِ هُنَا فِيهِ حَوَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ. وَصُورَةُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ تُبَاعَ الْأَشْجَارُ فَقَطْ، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا وَقْتَ الْعَقْدِ ظَاهِرَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَلَا تَتْبَعُ الشَّجَرَةُ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَا إذَا ظَهَرَ بَعْضُهَا وَلَوْ قَلِيلًا فَإِنَّ الْبَعْضَ الْآخَرَ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ يَتْبَعُ وَيُلْحَقُ بِمَا ظَهَرَ فِي كَوْنِ كُلٍّ لِلْبَائِعِ. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ: وَثَمَرَةُ شَجَرٍ مَبِيعٍ إنْ شُرِطَتْ لِأَحَدِهِمَا فَلَهُ، وَإِلَّا فَإِنْ ظَهَرَ مِنْهَا شَيْءٌ فَهِيَ لِبَائِعٍ وَإِلَّا فَلِمُشْتَرٍ؛ وَإِنَّمَا تَكُونُ لِبَائِعٍ إنْ اتَّحَدَ حَمْلٌ وَبُسْتَانٌ وَجِنْسٌ وَعَقْدٌ وَإِلَّا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، اهـ. وَقَوْلُهُ " وَإِنَّمَا تَكُونُ لِبَائِعٍ " مَعَ قَوْلِهِ " وَبُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ كَظُهُورِهِ " يُفِيدُ أَنَّ الشُّرُوطَ الْأَرْبَعَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيمَا هُنَا، فَيُقَالُ: وَإِنَّمَا يَكُونُ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ كَاَلَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ فِي عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ إنْ اتَّحَدَ حَمْلٌ وَبُسْتَانٌ وَجِنْسٌ وَعَقْدٌ، وَإِلَّا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ فَيُشْتَرَطُ الْقَطْعُ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ دُونَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى بَائِعٍ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ مَالِكِ الْأُصُولِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ لِمُخَالَفَتِهِ مُقْتَضَاهُ؛ لِأَنَّ السَّقْيَ مِنْ تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ، أَيْ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ كَيَّالِ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: إيضَاحُهُ أَنَّ الْبَائِعَ كَأَنَّهُ الْتَزَمَ الْبَقَاءَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ وَهُوَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالسَّقْيِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَعَلَى بَائِعٍ مَا بَدَا صَلَاحُهُ " أَيْ حَيْثُ بَاعَهُ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأَصْلِ مِنْ شَجَرٍ وَأَرْضٍ، فَإِنْ بَاعَهُ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ سَقْيٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِانْقِطَاعِ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ السَّقْيُ إذَا بَاعَهُ مَعَ الْأَصْلِ بِالْأَوْلَى، قَالَ ع ش: بَقِيَ مَا لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ لِزَيْدٍ ثُمَّ بَاعَ الشَّجَرَةَ لِعَمْرٍو هَلْ يَلْزَمُ الْبَائِعَ السَّقْيُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ اللُّزُومُ. وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُ السَّقْيُ فَبَيْعُ الشَّجَرَةِ لِغَيْرِهِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ مَا الْتَزَمَهُ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا الْمَدَابِغِيُّ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ السَّقْيُ عَلَى الْبَائِعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 الْمُشْتَرِي الْإِبْقَاءَ بِقَدْرِ مَا يَنْمُو وَيَسْلَمُ مِنْ التَّلَفِ وَالْفَسَادِ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ مُشْتَرِيهِ وَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ، فَلَوْ تَلِفَ بِتَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ أَوْ تَعَيَّبَ بِهِ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُ وَاخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِمَوْجُودِهِ كَتِينٍ وَقِثَّاءٍ إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ عِنْدَ خَوْفِ الِاخْتِلَاطِ، فَإِنْ وَقَعَ اخْتِلَاطٌ فِيهِ أَوْ فِيمَا لَا يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَسْمَحْ لَهُ بِهِ الْبَائِعُ، فَإِنْ بَادَرَ الْبَائِعُ وَسَمَحَ سَقَطَ خِيَارُهُ. أَمَّا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ فَلَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَلْ إنْ تَوَافَقَا عَلَى قَدْرٍ فَذَاكَ وَإِلَّا صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ حَقِّ الْآخَرِ، وَالْيَدُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِلْمُشْتَرِي. (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ مَا فِيهِ الرِّبَا) مِنْ الْمَطْعُومِ (بِجِنْسِهِ رَطْبًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَلَوْ فِي الْجَانِبَيْنِ، كَالرَّطْبِ بِالرَّطْبِ وَالْحِصْرِمِ بِالْحِصْرِمِ، وَاللَّحْمِ بِاللَّحْمِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَاللَّحْمِ بِقَدِيدِهِ إلَّا اللَّبَنَ وَمَا شَابَهَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ   [حاشية البجيرمي] بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَكُونَ قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ، وَأَنْ يَسْتَحِقَّ الْمُشْتَرِي الْإِبْقَاءَ، وَأَنْ لَا يَتَعَذَّرَ السَّقْيُ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي الْإِبْقَاءَ) أَيْ فِيمَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ، فَلَوْ بِيعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ السَّقْيُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ. اهـ. مَنْهَجٌ. أَمَّا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ فَيَلْزَمُهُ. وَلَا يُقَالُ شَرْطُ الْقَطْعِ قَطْعُ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سُلْطَانٌ. وَالْعَلَقَةُ هِيَ الْمُطَالَبَةُ بِمَا يَلْزَمُهُ، وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ وَغَيْرِهِ؛ لَكِنْ قَالَ سم: أَمَّا إذَا بَاعَهُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَلَا سَقْيَ عَلَى الْبَائِعِ لِانْقِطَاعِ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا بِاشْتِرَاطِ الْقَلْعِ؛ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ لَا سَقْيَ عَلَيْهِ فِيمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرِ، أَيْ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَفِي الرَّوْضَةِ مَا يَدُلُّ لَهُ،. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّخْلِيَةِ) تَنَازَعَ فِيهِ يَتَصَرَّفُ وَيَدْخُلُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَخَّرَ قَوْلُهُ: وَيَتَصَرَّفُ إلَخْ عَنْ قَوْلِهِ: فَلَوْ تَلِفَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَعَيَّبَ بِهِ) أَيْ بِتَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ. قَوْلُهُ: (تَخَيَّرَ) أَيْ فَوْرًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا يَغْلِبُ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ بَدَا صَلَاحُهُ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ خَوْفٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ وَيُكَلَّفُ قَطْعُهُ عِنْدَ خَوْفٍ إلَخْ؛ وَأَمَّا الشَّرْطُ فَفِي الْحَالِ. قَوْلُهُ: (خُيِّرَ الْمُشْتَرِي) وَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حَاكِمٍ لِصِدْقِ حَدِّ الْعَيْبِ السَّابِقِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بِالِاخْتِلَاطِ صَارَ نَاقِصَ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِيهِ حِينَئِذٍ م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَادَرَ إلَخْ) فَلَوْ وَقَعَ الْفَسْخُ وَالْمُسَامَحَةُ مَعًا هَلْ يَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَأَجَازَ أَحَدُهُمَا وَفَسَخَ الْآخَرُ حَيْثُ يُرَجَّحُ الْفَسْخُ أَوْ لَا نَظَرًا لِبَقَاءِ الْعَقْدِ؟ نُقِلَ عَنْ تَقْرِيرِ الزِّيَادِيِّ الثَّانِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ الْأَصْلُ تَقْرِيرُ الْعُقُودِ اهـ أج. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا إذَا وَقَعَ الْفَسْخُ وَالْمُسَامَحَةُ مَعًا فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ رِعَايَةً لِبَقَاءِ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا فِيهِ الرِّبَا إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهَا فِي بَابِ الرِّبَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَكَذَا الْمَطْعُومَاتُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى شَرْطٍ فِي الْمُمَاثَلَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي بَيْعِ الْمَطْعُومِ بِمِثْلِهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُمَاثَلَةِ أَنْ تَكُونَ حَالَ الْجَفَافِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الْمَتْنُ وَالشَّرْحُ. قَوْلُهُ: (رَطْبًا) حَالٌ مِنْ " مَا ". قَوْلُهُ: (وَلَوْ فِي الْجَانِبَيْنِ) مَعَ قَوْلِهِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا، فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ قَبْلَ الْغَايَةِ شَيْءٌ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَوَهَّمُ فِيهِ الْجَوَازُ. قَوْلُهُ: (وَالْحِصْرِمِ) وَهُوَ حَبُّ الْعِنَبِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ فَهُوَ خَاصٌّ بِالْعِنَبِ وَأَمَّا حَبُّ الرُّطَبِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ فَيُسَمَّى بُسْرًا وَكَذَا قِيلَ لَكِنْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحِصْرِمُ كَزِبْرِجٍ الثَّمَرُ قَبْلَ النُّضْجِ. قَوْلُهُ: (إلَّا اللَّبَنَ وَمَا شَابَهَهُ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ " وَمَا شَابَهَهُ " إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ أَوْ إشَارَةٌ إلَى كُلِّ مَا فِيهِ رُطُوبَةٌ م د. وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: إلَّا اللَّبَنَ إلَخْ، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إذَا كَانَ غَيْرَ مَغْلِيٍّ بِالنَّارِ وَغَيْرَ مَخْلُوطٍ بِالْمَاءِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ وَلَا فَرْقَ فِي اللَّبَنِ بَيْنَ الْحَلِيبِ وَغَيْرِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 كَالْأَدْهَانِ وَالْخُلُولِ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ خَلَّيْنِ لَا مَاءَ فِيهِمَا وَاتَّحَدَ جِنْسُهُمَا اُشْتُرِطَ التَّمَاثُلُ وَإِلَّا فَلَا، وَكُلُّ خَلَّيْنِ فِيهِمَا مَاءٌ لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ وَقُلْنَا الْمَاءُ الْعَذْبُ رِبَوِيٌّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي أَحَدِهِمَا وَهُمَا جِنْسَانِ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ جَازَ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْخَلَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ. وَالْخُلُولُ تُتَّخَذُ غَالِبًا مِنْ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَيَنْتَظِمُ مِنْ هَذِهِ الْخُلُولِ عَشْرُ مَسَائِلَ. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ كُلَّ وَاحِدٍ مَعَ نَفْسِهِ ثُمَّ تَأْخُذَهُ مَعَ مَا بَعْدَهُ، وَلَا تَأْخُذُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّك قَدْ عَدَدْته قَبْلَ   [حاشية البجيرمي] فَيَجُوزُ حَلِيبٌ بِحَلِيبٍ أَوْ رَائِبٌ بِرَائِبٍ أَوْ مَخِيضٌ خَالِصٌ مِنْ الزُّبْدِ بِمِثْلِهِ أَوْ أَقِطٍ بِمِثْلِهِ خَالِصٍ مِنْ الْمِلْحِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ هَذِهِ بِبَعْضٍ مَا عَدَا الْمَخِيضَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ الْمَخِيضِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالزُّبْدِ وَلَا بِالسَّمْنِ وَلَا بِالْمَخِيضِ وَلَا بِالْجُبْنِ وَلَا الْجُبْنِ بِالْجُبْنِ وَلَا الزُّبْدِ بِالزُّبْدِ وَلَا الْأَقِطِ بِمِثْلِهِ إذَا كَانَ فِيهِ مِلْحٌ وَلَا الْمَصْلُ بِمِثْلِهِ. قَوْلُهُ: (وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ خَلَّيْنِ لَا مَاءَ فِيهِمَا وَاتَّحَدَ جِنْسُهُمَا) هَاتَانِ صُورَتَانِ. وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ الْجِنْسُ، " فَلَا " أَيْ لَا يُشْتَرَطُ التَّمَاثُلُ صُورَةً وَاحِدَةً. وَقَوْلُهُ " وَكُلُّ خَلَّيْنِ فِيهِمَا مَاءٌ إلَخْ " هَاتَانِ صُورَتَانِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ " صُورَةً وَاحِدَةً. وَقَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي أَحَدِهِمَا " فِيهِ صُورَتَانِ، هَذِهِ ثَمَانِيَةٌ صَرِيحَةٌ مِنْ كَلَامِهِ، وَبَقِيَ صُورَتَانِ تُفْهَمَانِ مِنْ قَوْلِهِ " وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي أَحَدِهِمَا وَهُمَا جِنْسَانِ " فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا وَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَفِي هَذَا صُورَتَانِ. قَوْلُهُ: (كَخَلِّ الْعِنَبِ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَاءَ إلَخْ) أَيْ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ. قَوْلُهُ: (الْمَذْكُورَيْنِ) أَيْ اللَّذَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ. قَوْلُهُ: (تُتَّخَذُ غَالِبًا مِنْ الْعِنَبِ) وَزَادَ الرَّمْلِيُّ بِهَامِشِ الرَّوْضِ اتِّخَاذُهَا مِنْ عَصِيرِ الرُّمَّانِ وَعَصِيرِ الْقَصَبِ. وَأَلْغَزَ بَعْضُهُمْ فِي الْقَصَبِ فَقَالَ: مُهَفْهَفَةُ الْأَعْطَافِ عَذْبُ مَذَاقِهَا ... تَفُوقُ الْقَنَا لَكِنْ بِغَيْرِ سِنَانِ وَتَأْخُذُ كُلَّ النَّاسِ مِنْهَا مَنَافِعَا ... وَتُؤْكَلُ قَبْلَ الْعَصْرِ فِي رَمَضَانِ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ " الْقَنَا هُوَ الرُّمْحُ الصَّغِيرُ. قَوْلُهُ: (الْأَوْلَى بَيْعُ إلَخْ) وَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَكَذَا الثَّانِيَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ. وَقَوْلُهُ " وَالثَّالِثَةُ بَيْعٌ إلَخْ " وَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَكَذَا الرَّابِعَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالْعَاشِرَةُ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى الزَّيْتُونُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا اُسْتُثْنِيَ اللَّبَنُ. وَقَدْ يُقَالُ لَا رُطُوبَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ دُهْنٌ وَالْجَفَافُ مَوْجُودٌ فِيهِ، شَرْحُ تَصْحِيحٍ اهـ شَوْبَرِيٌّ؛ أَيْ فَلَا اسْتِثْنَاءَ. وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ كُلُّ خَلَّيْنِ لَا مَاءٌ فِيهِمَا جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَا كَخَلِّ عِنَبٍ بِخَلِّ عِنَبٍ وَخَلِّ رَطْبٍ بِخَلِّ رَطْبٍ وَخَلِّ عِنَبٍ بِخَلِّ رَطْبٍ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَخَلِّ زَبِيبٍ بِخَلِّ رَطْبٍ وَخَلِّ تَمْرٍ بِخَلِّ عِنَبٍ، وَكُلُّ خَلَّيْنِ فِيهِمَا مَاءٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ كَخَلِّ زَبِيبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ وَخَلِّ تَمْرٍ بِخَلِّ تَمْرٍ وَخَلِّ زَبِيبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَخَلِّ عِنَبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ وَخَلِّ رَطْبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ رِبَوِيٌّ فَمِنْ ثَمَّ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ عَذْبًا. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْعَرَايَا) أَيْ تُسْتَثْنَى وَالْعَرَايَا جَمْعُ عَرِيَّةٍ وَهِيَ لُغَةً مَا يُفْرِدُهَا مَالِكُهَا لِلْأَكْلِ لِأَنَّهَا عَرِيَتْ عَنْ حُكْمِ جَمِيعِ الْبُسْتَانِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ قَوْلُهُ (وَهُوَ) أَيْ شَرْعًا وَذِكْرُ الضَّمِيرِ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ. قَوْلُهُ: (فِيمَا دُونَ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَمَحَلُّ الرُّخْصَةِ فِيمَا دُونَ إلَخْ، فَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِيُسْتَثْنَى الْمُقَدَّرُ فِي قَوْلِهِ: وَكَذَا الْعَرَايَا، أَيْ وَكَذَا تُسْتَثْنَى الْعَرَايَا فِيمَا دُونَ إلَخْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الدُّونُ زِيَادَةً عَلَى التَّفَاوُتِ الَّذِي يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، وَلَا يَكْفِي نَقْصُ رُبْعِ مُدٍّ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ، سُلْطَانٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الدُّونُ " أَيْ الْحَاصِلُ بِهِ النَّقْصُ عَنْ الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَقَوْلُهُ " وَلَا يَكْفِي " أَيْ فِي مَحَلِّ النَّقْصِ عَنْ الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ نَقَصَ رُبْعُ مُدٍّ؛ أَيْ لِأَنَّ رُبْعَ الْمُدِّ يَقَعُ بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ وَقَدْ اُشْتُرِطَ فِي النَّقْصِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 هَذَا فَلَا تَعُدُّهُ مَرَّةً أُخْرَى: الْأَوْلَى بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِمِثْلِهِ. الثَّانِيَةُ: بَيْعُ خَلِّ الرُّطَبِ بِمِثْلِهِ. الثَّالِثَةُ: بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِمِثْلِهِ. الرَّابِعَةُ: بَيْعُ خَلِّ التَّمْرِ بِمِثْلِهِ. الْخَامِسَةُ: بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ. السَّادِسَةُ: بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ. السَّابِعَةُ: بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ. الثَّامِنَةُ: بَيْعُ خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ، التَّاسِعَةُ: بَيْعُ خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ. الْعَاشِرَةُ: بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ. فَفِي خَمْسَةٍ مِنْهَا يُجْزَمُ بِالْجَوَازِ، وَفِي خَمْسَةٍ بِالْمَنْعِ. فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ عِنَبٍ خَلُّ رُطَبٍ بِخَلِّ رُطَبٍ خَلُّ رُطَبٍ بِخَلِّ عِنَبٍ خَلُّ تَمْرٍ بِخَلِّ عِنَبٍ خَلُّ زَبِيبٍ بِخَلِّ رُطَبٍ؛ وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ خَلُّ رُطَبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ خَلُّ زَبِيبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ خَلُّ تَمْرٍ بِخَلِّ تَمْرٍ خَلُّ زَبِيبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ. وَيُسْتَثْنَى الزَّيْتُونُ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إذْ لَا يَتَجَفَّفُ وَجَعَلُوهُ حَالَةَ كَمَالٍ وَكَذَا الْعَرَايَا وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ خَرْصًا بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ كَيْلًا أَوْ الْعِنَبِ عَلَى الشَّجَرِ خَرْصًا بِزَبِيبٍ فِي الْأَرْضِ كَيْلًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ تَحْدِيدًا بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ بِمِثْلِهِ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فَمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» شَكَّ دَاوُد بْنُ حُصَيْنٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ، فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِالْأَقَلِّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ. وَلَوْ زَادَ عَلَى مَا دُونَهَا فِي صَفْقَتَيْنِ جَازَ، وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ بِتَسْلِيمِ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ إلَى الْبَائِعِ كَيْلًا، وَالتَّخْلِيَةُ فِي رُطَبِ النَّخْلِ وَعِنَبِ الْكَرْمِ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ بِمَطْعُومٍ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مِثْلِ الْعَرَايَا فِي بَاقِي الثِّمَارِ كَالْخَوْخِ وَاللَّوْزِ لِأَنَّهَا مَسْتُورَةٌ بِالْأَوْرَاقِ، فَلَا يَتَأَتَّى الْخَرْصُ فِيهَا وَلَا يَخْتَصُّ بَيْعُ الْعَرَايَا بِالْفُقَرَاءِ لِإِطْلَاقِ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ. فَصْلٌ فِي السَّلَمِ   [حاشية البجيرمي] أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً عَلَى الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّفَاوُتُ. قَوْلُهُ: (بِمِثْلِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: وَبِيعَ بِمِثْلِهِ بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ. قَوْلُهُ: (بِخَرْصِهَا) أَيْ بِمَخْرُوصِهَا، أَيْ بِقَدْرِ مَخْرُوصِهَا، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِبَيْعٍ أَيْ بَيْعِ الْعَرَايَا بِقَدْرِ مَخْرُوصِهَا مِنْ الرَّطْبِ أَوْ الْعِنَبِ، فَالْعَرَايَا هُنَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الرَّطْبُ أَوْ الْعِنَبُ الْمَخْرُوصُ؛ لِأَنَّهُ عَرِيَ عَنْ أَحْكَامِ الْبُسْتَانِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَالَ الْمَدَابِغِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَرَايَا إلَّا بِتِسْعَةِ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ عِنَبًا أَوْ رَطْبًا. وَأَنْ يَكُونَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مَكِيلًا وَالْآخَرُ مَخْرُوصًا، وَأَنْ يَكُونَ مَا عَلَى الْأَرْضِ يَابِسًا وَالْآخَرُ رَطْبًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ، وَأَنْ يَكُونَ الرَّطْبُ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الرُّخْصَةِ أَكْلَ الرَّطْبِ عَلَى التَّدْرِيجِ فَلَوْ كَانَ الرَّطْبُ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَصِحَّ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ إذْ الرُّخْصَةُ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَحَلِّ وُرُودِهَا شَرْحُ م ر، وَأَنْ يَكُونَ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَأَنْ يَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِمِثْلِهِ وَهُوَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ بِنَقْلِ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ وَبِالتَّخْلِيَةِ فِي الرَّطْبِ وَالْعِنَبِ الَّذِي عَلَى الشَّجَرِ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ زَكَاةٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَعَ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ فَلْيُحْفَظْ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مِثْلِ الْعَرَايَا فِي بَاقِي الثِّمَارِ كَالْخَوْخِ وَاللَّوْزِ) أَيْ بِأَنْ يُبَاعَ خَوْخٌ عَلَى الشَّجَرِ بِخَوْخٍ نَاشِفٍ عَلَى الْأَرْضِ وَلَوْزٍ عَلَى الشَّجَرِ بِلَوْزٍ عَلَى الْأَرْضِ نَاشِفٍ يَابِسٍ؛ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، أَمَّا بَيْعُ الْخَوْخِ مَثَلًا بِالتَّمْرِ فَصَحِيحٌ بِشَرْطِ الْحُلُولِ وَالتَّقَابُضِ فَقَطْ إذَا كَانَ مَا عَلَى الشَّجَرِ ظَاهِرًا غَيْرَ مَسْتُورٍ بِأَوْرَاقٍ. قَوْلُهُ: (بِالْفُقَرَاءِ) وَالْمُرَادُ بِالْفَقِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ مَنْ لَا نَقْدَ بِيَدِهِ ز ي [فَصْلٌ فِي السَّلَمِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى بُيُوعِ الْأَعْيَانِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بُيُوعِ الذِّمَمِ بِلَفْظِ السَّلَمِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ إلَّا أَنَّهُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ. وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِفَصْلٍ لِأَنَّهُ لَهُ شُرُوطٌ زَائِدَةٌ وَتَفَاصِيلُ زَائِدَةٌ عَلَى أَنْوَاعِ الْبَيْعِ. وَلَفْظُ السَّلَمِ وَالسَّلَفِ اسْمُ مَصْدَرٍ لِأَسْلَمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 وَيُقَالُ لَهُ السَّلَفُ يُقَالُ أَسْلَمَ وَسَلَّمَ وَأَسْلَفَ وَسَلَّفَ وَالسَّلَمُ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالسَّلَفُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ سُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَسَلَفًا لِتَقْدِيمِ رَأْسِ الْمَالِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: نَزَلَتْ فِي السَّلَمِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُ السَّلَمِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ. (وَيَصِحُّ السَّلَمُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا) بِأَنْ يُصَرِّحَ بِهِمَا أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَبِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْحَالُّ فَبِالْأَوْلَى لِبُعْدِهِ عَنْ الْغَرَرِ. فَإِنْ قِيلَ الْكِتَابَةُ لَا تَصِحُّ بِالْحَالِّ وَتَصِحُّ بِالْمُؤَجَّلِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَجَلَ فِيهَا إنَّمَا وَجَبَ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الرَّقِيقِ وَالْحُلُولُ يُنَافِي ذَلِكَ. وَيُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْلَ لُزُومِهِ، فَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَلْزَمَاهُ بَطَلَ   [حاشية البجيرمي] وَأَسْلَفَ وَالْمَصْدَرُ الْإِسْلَامُ وَالْإِسْلَافُ وَلَفْظُ السَّلَمِ خَاصٌّ بِمَا فِي الْبَابِ بِخِلَافِ لَفْظِ السَّلَفِ فَمُشْتَرِكٌ بَيْنَ السَّلَمِ وَالْقَرْضِ قَوْلُهُ (فِي السَّلَمِ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَعْنَاهُ لُغَةً لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْمُلَّا مِسْكِينٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّهُ لُغَةً الِاسْتِعْجَالُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ كَأَنَّهُ اسْتَعْجَلَهُ وَذَكَرَ الْمَدَابِغِيُّ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَعْنَاهُ لُغَةً التَّقْدِيمُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ حِينَ أَسْلَمَ «أَسْلَمْت عَلَى مَا أَسْلَفْت مِنْ خَيْرٍ» أَيْ قَدَّمْت قَوْلُهُ وَيُقَالُ لَهُ السَّلَفُ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي الْحَدِيثِ ق ل وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ رِوَايَتَيْنِ بِالْفَاءِ وَبِالْمِيمِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا فِي أج لَكِنْ الْمَذْكُورُ فِي الشَّارِحِ مَنْ أَسَلَفَ فَكَلَامُ ق ل نَاظِرٌ لَهُ قَوْلُهُ لِتَقْدِيمِ رَأْسِ الْمَالِ أَيْ وَالسَّلَفُ مَعْنَاهُ لُغَةً السَّابِقُ قَوْلُهُ {إِذَا تَدَايَنْتُمْ} [البقرة: 282] أَيْ تَحَمَّلْتُمْ دَيْنًا فَالْبَاءُ صِلَةٌ وَفُسِّرَ الدَّيْنُ فِيهَا بِدَيْنِ السَّلَمِ وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَعِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ أَيْ إذَا دَايَنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا تَقُولُ دَايَنْته إذَا عَامَلْته نَسِيئَةً مُعْطِيًا أَوْ آخِذًا قَوْلُهُ مَنْ أَسْلَفَ أَيْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّفَ فِي مَكِيلٍ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا لَا أَنَّهُ حَصَرَهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمُؤَجَّلِ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي أَنَّهُ يَكُونُ حَالًّا أَيْضًا وَيَكُونُ فِيمَا يُعَدُّ كَاللَّبَنِ وَفِيمَا يُذْرَعُ كَالثِّيَابِ وَفِي الْحَيَوَانَاتِ ح ل مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ (وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُ السَّلَمِ) وَهُوَ بَيْعُ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ بِلَفْظِ السَّلَمِ لِأَنَّهُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ بَيْعٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى لَفْظٍ مَخْصُوصٍ إلَّا ثَلَاثَةٌ السَّلَمُ وَالنِّكَاحُ وَالْكِتَابَةُ وَقَضِيَّةُ كَوْنِهِ بَيْعًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَلَمُ كَافِرٍ فِي كُلِّ مَا امْتَنَعَ تَمَلُّكُهُ مِنْ رَقِيقٍ مُسْلِمٍ أَوْ مُرْتَدٍّ أَوْ مُصْحَفٍ أَوْ كُتُبِ حَدِيثٍ أَوْ كُتُبِ فِقْهٍ فِيهَا آثَارُ السَّلَفِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ السَّلَمُ فِي عِدَّةِ الْقِتَالِ مِنْ سِلَاحٍ وَخَيْلٍ وَكَذَلِكَ الْمُحْرِمُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ السَّلَمُ فِي الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ الْوَحْشِيِّ الْمَأْكُولِ فَيُعْتَبَرُ لَهُ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ إلَّا الرُّؤْيَةَ وَلِهَذَا صَحَّ سَلَمُ الْأَعْمَى قَوْلُهُ: (حَالًّا) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ وَمُؤَجَّلًا حَالَّانِ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ، وَالْأَصْلُ: حَالًّا الْمُسَلَّمُ فِيهِ وَمُؤَجَّلًا الْمُسَلَّمُ فِيهِ. قَالَ سم: وَلَوْ أَلْحَقَا بِهِ أَجَلًا فِي الْمَجْلِسِ لَحِقَ أَوْ ذَكَرَا أَجَلًا ثُمَّ أَسْقَطَاهُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُصَرِّحَ بِهِمَا) فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ حَالًّا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ سم. وَلَوْ قَالَ بِهِ لِيَرْجِعَ إلَى الْمُؤَجَّلِ فَقَطْ لَكَانَ أَوْلَى، إذْ الْحُلُولُ لَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِهِ لِحَمْلِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَأَمَّا الْحَالُّ فَبِالْأَوْلَى " فَهُوَ مِنْ طَرَفِ الْمُخَالِفِ كَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ السَّلَمَ لَا يَصِحُّ حَالًّا كَالْكِتَابَةِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 الْعَقْدُ، أَوْ قَبْلَ تَسْلِيمِ بَعْضِهِ بَطَلَ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ وَفِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، فَلَوْ أُطْلِقَ كَأَسْلَمْت إلَيْك دِينَارًا فِي ذِمَّتِي فِي كَذَا ثُمَّ عَيَّنَ الدِّينَارَ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّخَايُرِ جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ حَرِيمُ الْعَقْدِ، وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ وَأَوْدَعَهُ الْمُسَلِّمَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمِلْكِ وَكَذَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّبَا، وَيَجُوزُ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَنْفَعَةً وَتُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ. وَرُؤْيَةُ رَأْسِ الْمَالِ تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَلَا يُسَلَّمُ إلَّا (فِيمَا تَكَامَلَ) أَيْ اجْتَمَعَ (فِيهِ خَمْسُ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ: (أَنْ يَكُونَ) الْمُسَلَّمُ فِيهِ (مَضْبُوطًا بِالصِّفَةِ) الَّتِي لَا يَعِزُّ وُجُودُهَا كَالْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ وَالثِّمَارِ وَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَرِقَّاءِ وَالْأَصْوَافِ وَالْأَخْشَابِ وَالْأَحْجَارِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ إلَخْ) سَيَأْتِي هَذَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَنْ يَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الشَّارِحِ لَهُ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا حُلُولُهُ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ. وَسَيَأْتِي آخِرَ الشَّرْحِ، فَلَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَتَقَابَضَاهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. قَوْلُهُ: (فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) كَقَوْلِهِمَا: اخْتَرْنَا لُزُومَ الْعَقْدِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: قَبْلَ التَّفَرُّقِ، إذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ فِي مَعْنَى بَيْعِ الْكَالِئِ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ، وَلِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ غَرَرٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرٌ آخَرُ أَيْ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُعَيَّنًا. قَوْلُهُ: (أَوْ أَلْزَمَاهُ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (بَطَلَ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ) أَيْ وَيَثْبُتُ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الْخِيَارُ لَا لِلْمُسَلِّمِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمْ تَتَفَرَّقْ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ، مَدَابِغِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَطْلَقَ) أَيْ رَأْسَ الْمَالِ، أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْعَقْدِ؛ فَالْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ عَدَمُ التَّعْيِينِ وَإِلَّا فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي الذِّمَّةِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَيْهِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَجْلِسَ حَرِيمُ الْعَقْدِ) أَيْ فَلَهُ حُكْمُهُ، وَكَذَا يَجُوزُ فِيهِ إلْحَاقُ الْأَجَلِ وَإِسْقَاطُهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ سم. وَفِي الْقَامُوسِ: حَرِيمُ الدَّارِ حُقُوقُهَا اهـ فَيَكُونُ الْمَعْنَى حَرِيمُ الْعَقْدِ أَيْ حَقُّهُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ،. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (وَأَوْدَعَهُ الْمُسَلِّمَ) لَا إنْ أُحِيلَ بِهِ مِنْ الْمُسَلِّمِ، فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ قَبَضَ فِيهِ، أَيْ قَبَضَهُ الْمُحْتَالُ وَهُوَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (جَازَ) أَيْ وَلَا يُقَالُ إنَّ رُجُوعَهُ لِيَدِ الْمُسَلِّمِ عَلَى جِهَةِ الْوَدِيعَةِ يُبْطِلُ الْقَبْضَ السَّابِقَ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّقَ حَصَلَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُسَلِّمِ وَدِيعَةً، فَرُبَّمَا يُقَالُ إنَّ هَذَا كَعَدَمِ الْقَبْضِ بِالْكُلِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَسْتَدْعِي إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ التَّصَرُّفَ الَّذِي يَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمِلْكِ لَا يَصِحُّ مِنْ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَعَ الْآخَرِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ " وَكَذَا يَجُوزُ رَدُّهُ لَهُ عَنْ دَيْنِهِ " إذْ مَحَلُّ التَّفْصِيلِ إذَا كَانَ التَّصَرُّفُ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مَعَ أَجْنَبِيٍّ لَا مَعَ صَاحِبِهِ، فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ بِتَصَرُّفٍ يَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَاضِ. قَوْلُهُ: (لَا تَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمِلْكِ) كَأَنَّ الْمَعْنَى لَا تَتَوَقَّفْ عَلَى لُزُومِ الْمِلْكِ بَلْ تَصِحُّ قَبْلَ لُزُومِهِ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَنْفَعَةً) أَيْ مَعْلُومَةً، كَمَا يَجُوزُ جَعْلُهَا ثَمَنًا وَأُجْرَةً وَصَدَاقًا كَأَسْلَمْت إلَيْك مَنْفَعَةَ دَارِي سَنَةً فِي كَذَا، وَيُشْتَرَطُ تَسْلِيمُهَا أَيْ الدَّارِ بِالْمَجْلِسِ. قَوْلُهُ: (وَتُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ) أَيْ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ اكْتَفَى بِهَذَا لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ فِي قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْعَيْنِ. وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ عَقَارًا غَائِبًا وَمَضَى فِي الْمَجْلِسِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُضِيُّ إلَيْهِ وَالتَّخْلِيَةُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مُتَعَلِّقَةً بِبَدَنِهِ كَأَسْلَمْت إلَيْك خِدْمَتِي شَهْرًا أَوْ تَعْلِيمِي سُورَةَ كَذَا فِي كَذَا صَحَّ، فَيُسَلِّمُ نَفْسَهُ وَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهَا عَنْ التَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْإِجَازَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ) كَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ. هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِثْلِيًّا، وَمِثْلُهُ الْمُتَقَوِّمُ إذَا كَانَ مُنْضَبِطَ الصِّفَاتِ، فَإِنْ اتَّفَقَ فُسِخَ وَتَنَازَعَا فِي الْقَدْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ كَمَا قَالَهُ الْعَنَانِيُّ. قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا يَعِزُّ وُجُودُهَا) الْعِزَّةُ مَعْنَاهَا الْقِلَّةُ. وَيُغْنِي عَنْ هَذَا الْقَيْدِ قَوْلُهُ الْآتِي: وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُضْبَطُ بِالصِّفَاتِ فَمَا لَا يُضْبَطُ بِهَا كَالنَّبْلِ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، وَكَذَا مَا يَعِزُّ وُجُودُهُ كَاللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ وَالْجَارِيَةِ وَأُخْتِهَا أَوْ وَلَدِهَا (وَ) الثَّانِي: (أَنْ يَكُونَ) الْمُسَلَّمُ فِيهِ (جِنْسًا) وَاحِدًا (لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِ) جِنْسٌ (غَيْرُهُ) اخْتِلَاطًا لَا يَنْضَبِطُ مَقْصُودُهُ كَالْمُخْتَلِطِ الْمَقْصُودِ، الْأَرْكَانُ الَّتِي لَا تَنْضَبِطُ كَهَرِيسَةٍ وَمَعْجُونٍ وَغَالِيَةٍ وَخُفٍّ مُرَكَّبٍ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى ظِهَارَةٍ وَبِطَانَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْخُفُّ مُفْرَدًا صَحَّ السَّلَمُ فِيهِ إنْ كَانَ جَدِيدًا وَاُتُّخِذَ مِنْ غَيْرِ جِلْدٍ وَإِلَّا امْتَنَعَ، وَلَا يَصِحُّ فِي التِّرْيَاقِ الْمَخْلُوطِ، فَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا جَازَ السَّلَمُ فِيهِ.   [حاشية البجيرمي] الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (كَالْحُبُوبِ) أَيْ الصَّحِيحَةِ، أَمَّا الْمَدْشُوشَةُ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا؛ قَالَ سم: أَفْتَى شَيْخُنَا م ر بِعَدَمِ صِحَّةِ السَّلَمِ فِي الْفُولِ الْمَدْشُوشِ وَالْقَمْحِ الْمَدْشُوشِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَدْهَانِ) أَيْ غَيْرِ نَحْوِ الْمُطَيَّبَةِ قَوْلُهُ: (وَالثِّمَارِ) أَيْ غَيْرِ نَحْوِ الْمُشَدَّخَةِ، أَيْ غَيْرِ الْمُعَالَجَةِ بِالْمَاءِ وَالْمِلْحِ. قَوْلُهُ: (وَالثِّيَابِ) أَيْ غَيْرِ الْمَلْبُوسَةِ، أَمَّا الْمَلْبُوسَةُ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا قَوْلُهُ: (وَالْأَرِقَّاءِ) عَطْفُ خَاصٍّ رَدًّا عَلَى مُخَالَفَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (كَالنَّبْلِ) أَيْ السِّهَامِ لِاخْتِلَافِ وَسَطِهِ وَطَرَفَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ النَّبْلُ الْمَرِيشُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ بِوَزْنِ كَرِيمٍ، أَيْ الَّذِي فِيهِ الرِّيشُ، لِاخْتِلَافِ وَسَطِهِ وَطَرَفَيْهِ رِقَّةً وَغِلَظًا وَتَعَذَّرَ ضَبْطُهُ. أَمَّا النَّبْلُ قَبْلَ خَرْطِهِ وَعَمَلِ الرِّيشِ فِيهِ فَيَصِحُّ لِتَيَسُّرِ ضَبْطِهِ،. اهـ. مَدَابِغِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَاللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ) وَهِيَ مَا يَقْبَلُ الثَّقْبَ لِلتَّزَيُّنِ. وَخَرَجَ بِالْكِبَارِ الصِّغَارُ، وَهِيَ مَا تُطْلَبُ لِلتَّدَاوِي، فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا كَيْلًا وَوَزْنًا؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَالْجَارِيَةِ وَأُخْتِهَا) وَكَذَا الْبَهِيمَةُ وَوَلَدُهَا ح ل. فَإِنْ قُلْت: هَذَا لَا يَنْدُرُ اجْتِمَاعُهُمَا. قُلْت: يَنْدُرُ بِالنَّظَرِ لِلْأَوْصَافِ الَّتِي يَجِبُ ذِكْرُهَا فِي السَّلَمِ، فَكَوْنُ الْبَهِيمَةِ بِأَوْصَافٍ مَخْصُوصَةٍ وَوَلَدُهَا بِأَوْصَافٍ مَخْصُوصَةٍ مِمَّا يَنْدُرُ؛ وَكَذَا تَقُولُ فِي الْأَمَةِ وَأُخْتِهَا أَوْ وَلَدِهَا وَفِي اللُّؤْلُؤِ وَالْيَوَاقِيتِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: لِنُدْرَةِ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطِ ذِكْرُهَا؛ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ الْجَارِيَةِ وَأُخْتِهَا وَإِنْ كَانَتَا عِنْدَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَالْمُسَلَّمُ حَالٌّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَنُقِلَ عَنْ ز ي الصِّحَّةُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ؛ قَالَهُ أج قَالَ الزِّيَادِيُّ نَقْلًا عَنْ الْإِسْنَوِيِّ. وَإِنَّمَا صَحَّ اشْتِرَاطُ نَحْوِ الْكِتَابَةِ فِي قَوْلِهِ: أَسْلَمْت إلَيْك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فِي عَبْدٍ كَاتِبٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَنْدُرُ اجْتِمَاعُهَا مَعَ الصِّفَاتِ لِسُهُولَةِ تَحْصِيلِهَا بِالتَّعَلُّمِ. قَوْلُهُ: (اخْتِلَاطًا لَا يَنْضَبِطُ إلَخْ) لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْمُخْتَلِطِ بِجِنْسٍ آخَرَ مُطْلَقًا، قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: اخْتِلَاطًا إلَخْ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا وَاحِدًا وَأَنْ يَكُونَ جِنْسَيْنِ فَأَكْثَرَ مَعَ انْضِبَاطِ الْمَقْصُودِ كَعِتَابِيِّ وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ حَرِيرٍ وَقُطْنٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَجُمْلَةُ " لَا يَنْضَبِطُ " صِفَةً لَا اخْتِلَاطًا، وَالرَّابِطُ مُقَدَّرٌ أَيْ: لَا يَنْضَبِطُ بِهِ، أَيْ بِالِاخْتِلَاطِ مَقْصُودُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ اهـ. قَالَ م ر: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِانْضِبَاطِ هُنَا مَعْرِفَةُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَزْنَ كُلٍّ مِنْ الْأَجْزَاءِ. قَوْلُهُ: (الْمَقْصُودُ الْأَرْكَانُ) أَيْ الْأَجْزَاءُ. قَوْلُهُ: (وَغَالِيَةٌ) هِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَعُودِ وَكَافُورٍ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَفِي تَحْرِيرِ النَّوَوِيِّ ذَكَرَ الدُّهْنَ مَعَ الْأَوَّلِينَ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَالْمُرَادُ بِالدُّهْنِ دُهْنُ الْبَانِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهَا أَيْ الْغَالِيَةَ بِذَلِكَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَنَظَرَ فِيهِ الدَّمِيرِيُّ بِقَوْلِ فَاطِمَةَ مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَ ... أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا وَمِثْلُهَا النَّدُّ بِفَتْحِ النُّونِ مِسْكٌ وَعَنْبَرٌ وَعُودٌ خُلِطَ بِغَيْرِ دُهْنٍ عَنَانِيٍّ. قَوْلُهُ: (وَخُفٍّ) أَيْ وَنَعْلٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْخُفُّ مُفْرَدًا إلَخْ) فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْخُفِّ إلَّا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (فِي التِّرْيَاقِ) وَهُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ أَوْ دَالٍ مُهْمَلَةٍ أَوْ طَاءٍ كَذَلِكَ مَكْسُورَاتٍ وَمَضْمُومَاتٍ، فَفِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ؛ وَيُقَالُ دِرَاكٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 وَلَا يَصِحُّ فِي رُءُوسِ الْحَيَوَانِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ أَجْنَاسًا مَقْصُودَةً وَلَا تَنْضَبِطُ بِالْوَصْفِ. (وَلَمْ تَدْخُلْهُ النَّارُ لِإِحَالَتِهِ) أَيْ فَيَصِيرُ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ. فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي خُبْزٍ وَمَطْبُوخٍ وَمَشْوِيٍّ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِ النَّارِ فِيهِ، وَتَعَذُّرُ الضَّبْطِ بِخِلَافِ مَا يَنْضَبِطُ تَأْثِيرُ نَارِهِ كَالْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِهَا وَالسُّكَّرِ وَالْفَانِيدِ وَالدِّبْسِ وَاللِّبَأِ، فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا كَمَا مَالَ إلَى تَرْجِيحِهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الرِّبَا. وَفُرِّقَ بِضِيقِ بَابِ الرِّبَا، وَلَا يَصِحُّ فِي مُخْتَلِفٍ أَجْزَاؤُهُ كَقِدْرٍ وَكُوزٍ وَقُمْقُمٍ وَمَنَارَةٍ وَدِسْتٍ مَعْمُولَةٍ لِتَعَذُّرِ ضَبْطِهَا. وَخَرَجَ بِمَعْمُولَةٍ الْمَصْبُوبَةُ فِي قَالِبٍ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا   [حاشية البجيرمي] وَطِرَاقٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَالدَّالُ وَالطَّاءُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مَكْسُورَتَانِ أَوْ مَضْمُومَتَانِ فَيَكُونُ فِيهِ عَشْرُ لُغَاتٍ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ: التِّرْيَاقُ نَجِسٌ فَإِنَّهُ يُطْرَحُ فِيهِ لُحُومُ الْحَيَّاتِ وَابْنُ الْأَتَانِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ؛ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ عَلَى تِرْيَاقٍ طَاهِرٍ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّشِيدِيُّ عَلَى م ر، أَيْ بِأَنْ كَانَ مِنْ نَبَاتٍ قَوْلُهُ: (فِي رُءُوسِ الْحَيَوَانِ) وَكَذَا الْأَكَارِعُ وَإِنْ كَانَتْ نِيئَةً. قَوْلُهُ: (تَجْمَعُ أَجْنَاسًا) مِنْ عَظْمٍ وَلَحْمٍ وَدُهْنٍ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَدْخُلْهُ النَّارُ إلَخْ) هَلَّا جَعَلَ هَذَا شَرْطًا، قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي خُبْزٍ) بِخِلَافِ الْإِقْرَاضِ، فَيَجُوزُ إقْرَاضُ الْخُبْزِ وَزْنًا لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمُقَابِلُهُ مَا فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ عَدَدًا، وَكَذَلِكَ خَمِيرَةُ الْعَجِينِ فَيَجُوزُ إقْرَاضُهَا لَا السَّلَمُ فِيهَا لِاخْتِلَافِهَا بِالْحُمُوضَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَدَابِغِيُّ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُ النِّيدَةِ بِالْخُبْزِ اهـ. وَأَوَّلُ مَنْ صَنَعَهَا مَرْيَمُ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - حِينَ قَلَّ لَبَنُهَا لِسَيِّدِنَا عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَالَ خِضْرٌ: الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا لِأَنَّ نَارَهَا مُنْضَبِطَةٌ، وَأَمَّا النِّيلَةُ فَإِنْ خَلَتْ عَنْ الطِّينِ جَازَ السَّلَمُ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَلِكَ الْكِشْكُ لِاخْتِلَافِهِ بِالْحُمُوضَةِ وَحِنْطَةٌ مَخْلُوطَةٌ بِشَعِيرٍ إذَا كَثُرَتْ حَبَّاتُ الشَّعِيرِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمُفَتَّقَةُ؛ فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ أَجْزَائِهِ الْمَقْصُودَةِ، أَمَّا مَا اخْتَلَطَ بِمَا لَا يُقْصَدُ كَالْأَقِطِ وَالْجُبْنِ وَالسَّمَكِ الْمُمَلَّحِ وَخَلِّ نَحْوِ الزَّبِيبِ وَحَبَّاتِ شَعِيرٍ لَا تُقْصَدُ فِي بُرٍّ وَعَكْسُهُ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، وَيَصِحُّ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ وَفِي الْعَجْوَةِ غَيْرِ الْمَعْجُونَةِ بِنَوَاهَا. قَوْلُهُ: (كَالْعَسَلِ) أَيْ عَسَلِ النَّحْلِ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَقَوْلُهُ " الْمُصَفَّى بِهَا " أَيْ عَنْ شَمْعِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْفَانِيدِ) وَهُوَ عَسَلُ الْقَصَبِ الْمُتَّخَذِ مِنْ لَكَالِيك الْقَصَبِ أَيْ الزَّعَازِيعِ. قَوْلُهُ (وَالدِّبْسِ) وَهُوَ عَصِيرُ الْعِنَبِ بَعْدَ طَبْخِهِ وَقَوْلُهُ (وَاللِّبَأِ) بِالْهَمْزِ وَالْقَصْرِ أَوَّلُ مَا يُحْلَبُ بِرْمَاوِيٌّ قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثُ حَلَبَاتٍ وَأَقَلُّهُ حَلْبَةٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الرِّبَا) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْمَدَابِغِيُّ: أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْعَسَلِ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ فِيمَا سَبَقَ: وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ تَمْيِيزٍ كَعَسَلٍ وَسَمْنٍ. قَوْلُهُ: (وَفُرِّقَ إلَخْ) هَذَا الْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (كَقِدْرٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ آنِيَةٌ يُطْبَخُ فِيهَا وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَلِهَذَا تَدْخُلُ الْهَاءُ فِي التَّصْغِيرِ فَيُقَالُ قُدَيْرَةٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ قَوْلُهُ (وَكُوزٍ) عِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الشَّمَائِلِ لَا يُقَالُ لِلْإِنَاءِ كُوزٌ إلَّا إذَا كَانَتْ عُرْوَةٌ. اهـ. . قَوْلُهُ: (وَمَنَارَةٍ) وَهِيَ مَا يُوضَعُ فَوْقَهَا السِّرَاجُ الْمُسَمَّاةُ بِالْمِسْرَجَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ النُّورِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأَشْهَرُ فِي جَمْعِهَا مَنَاوِرٌ لَا مَنَائِرُ. اهـ. ز ي وَفِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ مَنَارَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَجَمْعُهَا مَنَاوِرٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهَا مِنْ النُّورِ وَيَجُوزُ مَنَائِرُ بِالْهَمْزِ تَشْبِيهًا لِلْأَصْلِيِّ بِالزَّائِدِ كَمَا هَمَزُوا مَصَائِبَ مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ مَصَاوِبُ وَمَا نُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّ ذَاكَ غَلَطٌ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ فَقَدْ قُرِئَ مَعَائِشُ بِالْهَمْزِ شَرْحُ عُبَابٍ خ ض وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فَإِنَّ حَرْفَ الْمَدِّ إذَا وَقَعَ ثَالِثًا فِي الْمُفْرَدِ وَكَانَ أَصْلِيًّا يُصَحَّحُ وَلَا يُبَدَّلُ هَمْزًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ زَائِدًا فَإِنَّهُ يُبَدَّلُ هَمْزًا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثًا فِي الْوَاحِدِ ... هَمْزًا يُرَى فِي مِثْلِ كَالْقَلَائِدِ وَمَنَارَةٌ أَصْلُهَا مُنَوَّرَةٌ بِوَزْنِ مُفَعَّلَةٌ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ إلَى النُّونِ ثُمَّ قِيلَ تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ سَابِقًا وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا الْآنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 وَلَا يَصِحُّ فِي الْجِلْدِ لِاخْتِلَافِ الْأَجْزَاءِ فِي الرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ، وَيَصِحُّ فِي أَسْطَالٍ مُرَبَّعَةٍ أَوْ مُدَوَّرَةٍ. وَيَصِحُّ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِغَيْرِهِمَا لَا بِمِثْلِهِمَا وَلَا فِي أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا وَشُرِطَ فِي السَّلَمِ فِي الرَّقِيقِ ذِكْرُ نَوْعِهِ كَتُرْكِيٍّ، فَإِنْ اخْتَلَفَ صِنْفُ النَّوْعِ كَرُومِيٍّ وَجَبَ ذِكْرُهُ وَذِكْرُ لَوْنِهِ إنْ اخْتَلَفَ كَأَبْيَضَ، مَعَ وَصْفِهِ كَأَنْ يَصِفَ بَيَاضَهُ بِسُمْرَةٍ، وَذِكْرِ سِنِّهِ كَابْنِ خَمْسِ سِنِينَ، وَذِكْرِ قَدِّهِ طُولًا أَوْ غَيْرَهُ تَقْرِيبًا فِي الْوَصْفِ وَالسِّنِّ وَالْقَدِّ حَتَّى لَوْ شُرِطَ كَوْنُهُ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ مَثَلًا بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ لِنُدْرَتِهِ، وَيُعْتَمَدُ قَوْلُ الرَّقِيقِ فِي الِاحْتِلَامِ وَفِي السِّنِّ إنْ كَانَ بَالِغًا وَإِلَّا فَقَوْلُ   [حاشية البجيرمي] فَقُلِبَتْ أَلِفًا فَصَارَ مَنَارَةً وَمِثْلُهَا مَعِيشَةٌ فَيُقَالُ مَنَاوِرُ وَمَعَايِشُ بِالْوَاوِ فِي الْأَوَّلِ وَبِالْيَاءِ فِي الثَّانِي وَأَمَّا قِرَاءَةُ مَعَائِشَ بِالْهَمْزِ فَشَاذَّةٌ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَدِسْتٍ) وَيُقَالُ لَهُ طِنْجِيرٌ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِهَا، م ر. قَوْلُهُ: (مَعْمُولَةٍ) أَيْ مَحْفُورَةٍ بِالْآلَةِ وَهُوَ صِفَةٌ لِلْقِدْرِ وَمَا بَعْدَهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: مَعْمُولَةُ كُلٍّ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (الْمَصْبُوبَةُ فِي قَالَبٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا، وَمِثْلُهَا الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الْفَخَّارِ بِلَا صَبٍّ وَلَا حَفْرٍ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا لِتَسَاوِي أَجْزَائِهَا. قَوْلُهُ: (فِي الْجِلْدِ) إلَّا فِي قِطَعٍ صِغَارٍ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ جُمْلَتُهَا فَجُعِلَ تَفَاوُتُهَا عَفْوًا سم. وَمِثْلُ الْجِلْدِ الرِّقُّ فَمُرَادُ الشَّارِحِ بِالْجِلْدِ الْجِلْدُ الْكَامِلُ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ فِي أَسْطَالٍ) وَلَوْ مَعْمُولَةً كَمَا يَقْتَضِيهِ صَنِيعُهُ لِعَدَمِ اخْتِلَافِهَا. وَهَذَا فِي مُتَّسِعَةِ الرَّأْسِ عِنْدَ اتِّحَادِ مَعْدِنِهَا، بِخِلَافِ ضَيِّقَةِ الرَّأْسِ وَالْمُخْتَلِفِ مَعْدِنِهَا فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِمَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ ضَيِّقَةِ الرَّأْسِ وَوَاسِعَتِهِ أَنَّ ضَيِّقَهَا لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الصَّانِعُ مِنْ تَسَاوِي الْأَجْزَاءِ، بِخِلَافِ وَاسِعِهَا فَيَتَمَكَّنُ مِنْهُ وَيُسَاوِي بَيْنَ أَجْزَائِهَا فَتَكُونُ مُنْضَبِطَةً اهـ م د. قَوْلُهُ: (لَا بِمِثْلِهِمَا) لِتَضَادِّ أَحْكَامِ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ يَقْتَضِي قَبْضَ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَالسَّلَمُ إنَّمَا يَقْتَضِي قَبْضَ أَحَدِهِمَا، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ يَسْتَحِقُّ قَبْضُهُمَا وَلَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُمَا وَلَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ ح ل. وَفِيهِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَصِحُّ إذَا كَانَ السَّلَمُ حَالًّا وَقُبِضَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ السَّلَمِ الدَّيْنِيَّةِ وَمِنْ شَأْنِ الدَّيْنِيَّةِ التَّأْخِيرُ. قَوْلُهُ: (وَشُرِطَ فِي السَّلَمِ فِي الرَّقِيقِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يُذْكَرَ هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ أَنْ يَصِفَهُ بَعْدَ ذِكْرِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الْغَرَضُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي صِفَاتِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا، وَأَمَّا ذِكْرُهَا فِي الْعَقْدِ فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا مِنْهُ؛ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (ذِكْرُ نَوْعِهِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُذْكَرُ فِي الرَّقِيقِ نَوْعُهُ وَصِنْفُهُ وَلَوْنُهُ وَوَصْفُهُ وَسِنُّهُ وَقَدُّهُ وَذَكَرٌ أَوْ ضِدُّهُ، فَتِلْكَ سَبْعَةٌ. وَوَصْفُ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ. قَوْلُهُ: (كَتُرْكِيٍّ) فِيهِ أَنَّ التُّرْكِيَّ لَيْسَ نَوْعًا وَإِنَّمَا هُوَ صِنْفٌ مِنْ النَّوْعِ الَّذِي هُوَ إنْسَانٌ. وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّقِيقَ جِنْسٌ وَالتُّرْكِيَّ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِهِ مَعَ أَنَّ الْجِنْسَ إنَّمَا هُوَ الْحَيَوَانُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ اللُّغَوِيَّانِ، فَإِنَّ اللُّغَوِيِّينَ يُطْلِقُونَ الْجِنْسَ عَلَى مَا تَحْتَهُ أَصْنَافٌ وَالنَّوْعُ عَلَى مَا تَحْتَهُ أَفْرَادٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ اصْطِلَاحُ الْمَنَاطِقَةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (كَرُومِيٍّ) مِثَالٌ لِلصِّنْفِ. قَوْلُهُ: (وَذِكْرُ لَوْنِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى ذِكْرِ نَوْعِهِ. قَوْلُهُ (إنْ اخْتَلَفَ) فَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ لَوْنُ الرَّقِيقِ لَمْ يَجِبْ ذِكْرُهُ. قَوْلُهُ: (مَعَ وَصْفِهِ) أَيْ اللَّوْنِ. قَوْلُهُ: (بِسُمْرَةٍ) أَيْ حُمْرَةٍ بِأَنْ يَكُونَ بَيَاضُهُ مَشُوبًا بِحُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْحُمْرَةَ سُمْرَةً. وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهَا بِذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ السُّمْرَةِ أَعْنِي السَّوَادَ لَا تُجَامِعُ الْبَيَاضَ. قَوْلُهُ: (كَابْنِ خَمْسٍ) أَوْ مُحْتَلِمٍ. قَوْلُهُ: (وَذِكْرُ قَدِّهِ) أَيْ قَامَتِهِ أَيْ كَسِتَّةِ أَشْبَارٍ أَوْ خَمْسَةٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ قِصَرٍ أَوْ رَبْعَةٍ. قَوْلُهُ: (فِي الِاحْتِلَامِ) وَإِنْ كَانَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ بِخِلَافِهِ فِي السِّنِّ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَاعْتَمَدَهُ الطُّوخِيُّ؛ فَإِذَا أَسْلَمَ فِي رَقِيقٍ بَالِغٍ بِالِاحْتِلَامِ عُمُرُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الِاحْتِلَامِ مُطْلَقًا وَفِي السِّنِّ إنْ كَانَ مُسْلِمًا، كَذَا صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ كَلَامَهُ عَلَى التَّوْزِيعِ. فَقَوْلُهُ " فِي الِاحْتِلَامِ " أَيْ إنْ أَسْلَمَ فِي مُحْتَلِمٍ، وَقَوْلُهُ " وَالسِّنُّ " أَيْ إنْ ذَكَرَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَذِكْرُ سِنِّهِ ": كَابْنِ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ مُحْتَلِمٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَيُعْتَمَدُ قَوْلُ الرَّقِيقِ فِي الِاحْتِلَامِ وَكَذَا فِي السِّنِّ إنْ كَانَ بَالِغًا اهـ. وَكَتَبَ سُلْطَانٌ عَلَى قَوْلِهِ قَوْلُ الرَّقِيقِ أَيْ الْعَدْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 سَيِّدِهِ إنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِلَّا فَقَوْلُ النَّخَّاسِينَ أَيْ الدَّلَّالِينَ بِظُنُونِهِمْ. وَذِكْرِ ذُكُورَتِهِ أَوْ أُنُوثَتِهِ، وَشُرِطَ فِي مَاشِيَةٍ مِنْ بَقَرٍ وَإِبِلٍ وَغَيْرِهِمَا مَا ذُكِرَ فِي الرَّقِيقِ إلَّا ذِكْرَ وَصْفِ اللَّوْنِ وَالْقَدِّ فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُمَا وَشُرِطَ فِي طَيْرٍ وَسَمَكٍ نَوْعٌ وَجُثَّةٌ، وَفِي لَحْمِ غَيْرِ صَيْدٍ وَطَيْرٍ نَوْعٌ كَلَحْمِ بَقَرٍ. وَذِكْرِ خَصِيٍّ رَضِيعٍ مَعْلُوفٍ جِذْعٌ أَوْ ضِدُّهَا مِنْ فَخِذٍ أَوْ غَيْرِهَا كَكَتِفٍ وَيُقْبَلُ عَظْمٌ لِلَحْمِ مُعْتَادٍ وَشُرِطَ فِي ثَوْبٍ أَنْ يُذْكَرَ جِنْسُهُ كَقُطْنٍ وَنَوْعُهُ وَبَلَدُهُ الَّذِي يُنْسَجُ فِيهِ إنْ اخْتَلَفَ بِهِ الْغَرَضُ، وَطُولُهُ وَعَرْضُهُ وَكَذَا غِلَظُهُ وَصَفَاقَتُهُ وَنُعُومَتُهُ أَوْ ضِدُّهَا. وَمُطْلَقُ الثَّوْبِ يُحْمَلُ عَلَى الْخَامِ. وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَقْصُورِ وَفِي مَصْبُوغٍ قَبْلَ نَسْجِهِ، وَشُرِطَ فِي تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ حَبٍّ كَبُرٍّ أَنْ يُذْكَرَ نَوْعُهُ كَبَرْنِيِّ، وَلَوْنُهُ كَأَحْمَرَ، وَبَلَدُهُ كَمَدَنِيٍّ،   [حاشية البجيرمي] فِي دِينِهِ وَلَوْ كَافِرًا فَقَطْ، وَعَلَى قَوْلِهِ وَكَذَا فِي السِّنِّ إنْ كَانَ بَالِغًا مُسْلِمًا عَاقِلًا. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَقَوْلُ سَيِّدِهِ) أَيْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْعَدْلِ الْمُسْلِمِ سُلْطَانٌ. قَوْلُهُ: (إنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَالْمَدَارُ عَلَى عِلْمِ السَّيِّدِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ. قَوْلُهُ: (النَّخَّاسِينَ) مِنْ النَّخْسِ وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ عَلَى الْكِفْلِ، ز ي. قَوْلُهُ: (أَيْ الدَّلَّالِينَ) وَيَكْفِي وَاحِدٌ مِنْهُمْ، ابْنُ حَجَرٍ فَإِنْ لَمْ يُخْبِرُوا بِشَيْءٍ وَقَفَ الْأَمْرُ إلَى الِاصْطِلَاحِ عَلَى شَيْءٍ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر اهـ. قَوْلُهُ: (مَا ذُكِرَ فِي الرَّقِيقِ) مِنْ بَيَانِ نَوْعٍ كَقَوْلِهِ مِنْ نِعَمِ بَلَدِ كَذَا أَوْ نِعَمِ بَنِي فُلَانٍ وَلَوْنٍ وَذُكُورَةٍ أَوْ أُنُوثَةٍ وَسِنٍّ كَابْنِ مَخَاضٍ أَوْ ابْنِ لَبُونٍ، اهـ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (إلَّا ذِكْرَ وَصْفِ اللَّوْنِ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقَدِّ. وَعِبَارَةُ م ر: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقَدِّ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ؛ لَكِنْ جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي إرْشَادِهِ بِاشْتِرَاطِهِ فِي الرَّقِيقِ وَفِي الْإِبِلِ وَفِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْأَبْلَقِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ وَلَا فِي الْحَيَوَانِ الْحَامِلِ مِنْ أُمِّهِ أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَا فِي الْبَطْنِ. اهـ. عَنَانِيٌّ. قَالَ ع ش عَلَى م ر: الْأَبْلَقُ مَا اشْتَمَلَ عَلَى لَوْنَيْنِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ أَوْ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ. وَمَحَلُّ مَنْعِ السَّلَمِ فِيهِ فِي مَحَلٍّ يَنْدُرُ وُجُودُهُ فِيهِ، وَالْأَصَحُّ السَّلَمُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (نَوْعٌ) أَيْ ذِكْرُ نَوْعٍ. قَوْلُهُ: (وَجُثَّةٌ) كَأَنْ يَقُولَ مِنْ الْحَمَامِ الْفُلَانِيِّ وَمِنْ الشَّلَبَةِ أَوْ الْحِيتَانِ كَبِيرُ الْجُثَّةِ أَوْ صَغِيرُهَا ح ل. وَقَوْلُهُ " نَوْعٌ " أَيْ ذِكْرُ نَوْعٍ، فَكَلَامُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. قَوْلُهُ: (وَفِي لَحْمِ غَيْرِ صَيْدٍ وَطَيْرٍ إلَخْ) أَمَّا لَحْمُ الصَّيْدِ، فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ أَنَّهُ خَصِيٌّ مَعْلُوفٌ أَوْ ضِدُّهُمَا، بَلْ يُذْكَرُ فِيهِ أَنَّهُ لَحْمُ ذَكَرٍ أَوْ ضِدُّهُ رَضِيعٌ أَوْ ضِدُّهُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَيُذْكَرُ أَنَّهُ صَيْدٌ بِأُحْبُولَةٍ أَوْ سَهْمٍ أَوْ جَارِحَةٍ وَأَنَّهَا كَلْبٌ أَوْ فَهْدٌ، فَإِنَّ صَيْدَ الْكَلْبِ أَطْيَبُ لِطِيبِ نَكْهَتِهِ، وَأَمَّا لَحْمُ الطَّيْرِ وَمِثْلُهُ السَّمَكُ فَيُذْكَرُ فِيهِ النَّوْعُ وَالْجُثَّةُ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ يَذْكُرُهُمَا فِيهِ حَالَ الْحَيَاةِ؛ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الصَّيْدِ نَفْسِهِ لِدُخُولِهِ فِي الْمَاشِيَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (كَلَحْمِ بَقَرٍ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْبَقَرَ جِنْسٌ وَالْفَرْضُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَهِيَ الْعِرَابُ وَالْجَوَامِيسُ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ تَخْيِيرُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بَيْنَ الْعِرَابِ وَالْجَوَامِيسِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْبَقَرِ خُصُوصَ الْعِرَابِ، مَدَابِغِيٌّ. وَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيَّنَ الْبَقَرُ هَلْ هِيَ جَوَامِيسُ أَوْ عِرَابٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَالْعِرَابُ هُوَ الَّذِي اُشْتُهِرَ بِإِطْلَاقِ الْبَقَرِ عَلَيْهِ الْآنَ. قَوْلُهُ: (جَذَعٌ) الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا لَهُ سَنَةٌ أَوْ أَجَذَعٌ مُقَدَّمُ أَسْنَانِهِ وَمِنْ الْإِبِلِ مَا لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ وَطَعَنَ فِي الْخَامِسَةِ، وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ مَا لَهُ سَنَتَانِ وَمِنْ الْإِبِلِ مَا لَهُ خَمْسُ سِنِينَ. قَوْلُهُ: (أَوْ ضِدُّهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ، أَيْ أُنْثَى فَحْلٍ فَطِيمٍ رَاعٍ ثَنِيٍّ. قَوْلُهُ: (وَبَلَدُهُ الَّذِي يُنْسَجُ فِيهِ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ نَسْجُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ إضَافَةَ تَعْرِيفٍ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ نَسْجِهِ فَيَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ م د. وَاعْتَمَدَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ لَوْنِ الثَّوْبِ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ ضِدُّهَا) أَيْ الثَّلَاثَةِ، فَضِدُّ الْغِلَظِ الدِّقَّةُ بِالدَّالِ وَهُمَا وَصْفَانِ لِلْغَزْلِ. وَضِدُّ الصَّفَاقَةِ الرِّقَّةُ بِالرَّاءِ وَهُمَا وَصْفَانِ لِلنَّسْجِ. وَالْأُولَى مِنْهُمَا انْضِمَامُ بَعْضِ الْخُيُوطِ إلَى بَعْضٍ وَالثَّانِيَةُ عَدَمُ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُهَلْهَلُ النَّسْجِ. وَضِدُّ النُّعُومَةِ الْخُشُونَةُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ بِإِيضَاحٍ. قَوْلُهُ: (وَمُطْلَقُ الثَّوْبِ) أَيْ عَنْ الْقِصَرِ وَعَدَمِهِ. وَقَوْلُهُ يُحْمَلُ عَلَى الْخَامِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَقْصُورِ؛ لِأَنَّ الْقِصَرَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ مَقْصُودَةٌ، لَكِنْ يَجِبُ قَبُولُ الْمَقْصُورِ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ بِهِ غَرَضٌ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ نَسْجِهِ) وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ الصَّبْغُ تَمْوِيهًا لَمْ يَسُدَّ فَرْجَهُ أَوْ غَسَلَ مَا سَدَّ الْفَرْجِ،. اهـ. م د. وَإِنَّمَا قَيَّدَ الشَّارِحُ بِقَبْلِ نَسْجِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ نَسْجِهِ قِيلَ يَصِحُّ، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ بَعْدَهُ يَسُدُّ الْفَرْجَ. وَالْمُعْتَمَدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 وَجُرْمُهُ كِبَرًا وَصِغَرًا وَعَتْقُهُ أَوْ حَدَاثَتُهُ وَشُرِطَ فِي عَسَلِ نَحْلٍ مَكَانُهُ كَجَبَلِيٍّ وَزَمَانُهُ كَصَيْفِيٍّ وَلَوْنُهُ كَأَبْيَضَ. (وَ) الثَّالِثُ: أَنْ (لَا يَكُونَ) الْمُسَلَّمُ فِيهِ (مُعَيَّنًا) بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا لِأَنَّ لَفْظَ السَّلَمِ مَوْضُوعٌ لَهُ، فَلَوْ أَسْلَمَ فِي مُعَيَّنٍ كَأَنْ قَالَ: أَسْلَمْت إلَيْك هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْعَبْدِ فَقَبِلَ لَمْ تَنْعَقِدْ سَلَمًا لِانْتِفَاءِ الدَّيْنِيَّةِ، وَلَا بَيْعًا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ. (وَ) الرَّابِعُ: أَنْ (لَا) يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ (مِنْ) مَوْضِعٍ (مُعَيَّنٍ) لَا يُؤْمَنُ انْقِطَاعُهُ فِيهِ، فَلَوْ أَسْلَمَ فِي تَمْرِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ بُسْتَانٍ أَوْ ضَيْعَةٍ أَيْ فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ بِجَائِحَةٍ وَنَحْوِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ السَّلَمِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَهُوَ كَذَلِكَ. أَمَّا إذَا أَسْلَمَ فِي تَمْرِ نَاحِيَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَظِيمَةٍ صَحَّ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ غَالِبًا. (وَ) الْخَامِسُ: (أَنْ يَكُونَ) الْمُسَلَّمُ فِيهِ (مِمَّا يَصِحُّ بَيْعُهُ) لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ السَّلَمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَخْتَصُّ بِصِيغَةٍ إلَّا هَذَا وَالنِّكَاحُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ السَّلَمِ بَيْعًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ فِي الرَّقِيقِ   [حاشية البجيرمي] أَنَّ الصَّبْغَ إنْ كَانَ تَمْوِيهًا وَلَمْ يَسُدَّ فَرْجَهُ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا. وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَلْبُوسِ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ. قَوْلُهُ: (وَشُرِطَ فِي تَمْرٍ إلَخْ) وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي التَّمْرِ الْمَكْنُوزِ فِي الْقَوَاصِرِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْعَجْوَةِ لِتَعَذُّرِ اسْتِقْصَاءِ صِفَاتِهِ الْمُشْتَرَطَةِ حِينَئِذٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ غَالِبًا كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (كَبَرْنِيِّ) نَوْعٌ مِنْ أَجْوَدِ التَّمْرِ قَالَ ح ل فِي السِّيرَةِ وَالْبَرْنِيُّ بِالْفَارِسِيَّةِ جَمَلٌ مُبَارَكٌ أَوْ جَيِّدٌ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ نَقَلَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ جَمَلٌ مُبَارَكٌ قَالَ بَرُّ جَمَلٌ وَنِيٌّ جَيِّدٌ وَأَدْخَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي كَلَامِهَا وَتَكَلَّمَتْ بِهِ وَالْبَرْنِيُّ مِنْ أَنْوَاعِ التَّمْرِ بِالْمَدِينَةِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ أَنَّهَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ نَوْعًا. وَفِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ الْكَبِيرِ لِلسَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ أَنَّ أَنْوَاعَ التَّمْرِ بِالْمَدِينَةِ الَّتِي أَمْكَنَ جَمْعُهَا بَلَغَتْ مِائَةً وَبِضْعًا وَثَلَاثِينَ؛ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: اخْتَبَرْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ. قَالَ: وَلَعَلَّ مَا زَادَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا أَنْوَاعُ التَّمْرِ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ كَالْمَغْرِبِ فَلَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ عَالِمِ فَاسَ مُحَمَّدِ بْنِ غَازِيٍّ أَرْسَلَ إلَى عَالِمِ سِجِلْمَاسَةَ إبْرَاهِيمَ بْنِ هِلَالٍ سَأَلَهُ عَنْ حَصْرِ أَنْوَاعِ تَمْرِ الْبَلْدَةِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ حِمْلًا أَوْ حِمْلَيْنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ تَمْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَتَبَ إلَيْهِ: هَذَا مَا تَعَلَّقَ بِهِ عِلْمُ الْفَقِيرِ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] وَقَدْ رُوِيَ: «عَلَيْكُمْ بِالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ فَكُلُوهُ فَإِنَّهُ يُسَبِّحُ فِي شَجَرِهِ وَيَسْتَغْفِرُ لِآكِلِهِ» . قَوْلُهُ: {وَعَتْقُهُ} بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا ضِدُّ الْحَدَاثَةِ. قَوْلُهُ: (كَجَبَلِيٍّ) هُوَ أَطْيَبُ وَالْخَرِيفِيُّ أَطْيَبُ مِنْ الصَّيْفِيِّ. اهـ دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ دَيْنًا) فِيهِ أَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَقِيقَةِ السَّلَمِ لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، فَكَيْفَ عَدَّهُ مِنْ الشُّرُوطِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (مَوْضُوعٌ لَهُ) أَيْ لِلدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ) لِأَنَّ السَّلَمَ يَقْتَضِي الدَّيْنِيَّةَ وَالدَّيْنِيَّةُ مَعَ التَّعْيِينِ مُتَنَاقِضَانِ، عَنَانِيٌّ قَوْلُهُ: (لَا يُؤْمَنُ انْقِطَاعُهُ) بِأَنْ كَانَ يَخَافُ انْقِطَاعَهُ. وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّهُ مَتَى كَانَ مِنْ مُعَيَّنٍ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ: (فِي تَمْرِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ) لَوْ قَالَ فِي تَمْرِ قَرْيَةٍ قَلِيلٍ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِكَثْرَةِ التَّمْرِ وَقِلَّتِهِ لَا بِصِغَرِ الْقَرْيَةِ وَكِبَرِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ ضَيْعَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا مَا فِيهِ ثِمَارٌ مِنْ الْعَقَارَاتِ كَالدُّورِ. وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: وَالضَّيْعَةُ هِيَ الْعَقَارُ وَجَمْعُهَا ضِيَاعٌ كَكَلْبَةٍ وَكِلَابٍ وَسُمِّيَتْ ضَيْعَةً لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَضِيعُ بِتَرْكِهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ بِجَائِحَةٍ وَنَحْوِهَا) فَلَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَذَلِكَ غَرَرٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ قَاصِرٌ عَلَى الْمُؤَجَّلِ وَتَعْلِيلُهُ لِلْحَالِّ، هُوَ أَنَّهُ قَدْ لَا يُوجَدُ الْقَدْرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِّ. قَوْلُهُ: (فِي تَمْرِ نَاحِيَةٍ) أَيْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَمَّا إذَا أَسْلَمَ فِي كُلِّهِ، فَلَا يَصِحُّ لِلْقَطْعِ بِتَلَفِ شَيْءٍ مِنْهُ قَوْلُهُ: (وَالْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ بَيْعُهُ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ هَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَعْرِيفِهِ، لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، وَالْكَلَامُ فِي الشُّرُوطِ الزَّائِدَةِ عَلَى شُرُوطِ الْبَيْعِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قَوْلُهُ: (إلَّا هَذَا) فِيهِ أَنَّ لَهُ صِيغَتَيْنِ: أَسْلَمْتُك، وَأَسْلَفْتُك. وَكَذَا النِّكَاحُ لَهُ صِيغَتَانِ: النِّكَاحُ، وَالتَّزْوِيجُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 الْمُسْلِمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَمِثْلُ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ الرَّقِيقُ الْمُرْتَدُّ. (ثُمَّ لِصِحَّةِ) عَقْدِ (الْمُسَلَّمِ فِيهِ) حِينَئِذٍ (ثَمَانِيَةُ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ: (أَنْ يَصِفَهُ بَعْدَ ذِكْرِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الثَّمَنُ) اخْتِلَافًا ظَاهِرًا وَيَنْضَبِطُ بِهَا الْمُسَلَّمُ فِيهِ، وَلَيْسَ الْأَصْلُ عَدَمَهَا لِتَقْرِيبِهِ مِنْ الْمُعَايَنَةِ. وَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ مَا يُتَسَامَحُ بِإِهْمَالِ ذِكْرِهِ كَالْكَحَلِ وَالسِّمَنِ فِي الرَّقِيقِ، وَبِالثَّانِي مَا لَا يَنْضَبِطُ كَمَا مَرَّ، وَبِالثَّالِثِ كَوْنُ الرَّقِيقِ قَوِيًّا عَلَى الْعَمَلِ أَوْ ضَعِيفًا أَوْ كَاتِبًا أَوْ أُمِّيًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ وَصْفٌ يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. (وَ) الثَّانِي (أَنْ يَذْكُرَ قَدْرَهُ) أَيْ الْمُسَلَّمَ فِيهِ (بِمَا يَنْفِي الْجَهَالَةَ عَنْهُ) مِنْ كَيْلٍ فِيمَا يُكَالُ أَوْ وَزْنٍ فِيمَا يُوزَنُ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ. أَوَّلَ الْبَابِ، أَوْ عَدٍّ فِيمَا يُعَدُّ، أَوْ ذَرْعٍ فِيمَا يُذْرَعُ قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُمَا. وَيَصِحُّ سَلَمُ الْمَكِيلِ وَزْنًا وَالْمَوْزُونِ الَّذِي يَتَأَتَّى كَيْلُهُ كَيْلًا، وَحَمَلَ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ جَوَازَ كَيْلِ الْمَوْزُونِ عَلَى مَا يُعَدُّ الْكَيْلُ فِي مِثْلِهِ ضَابِطًا فِيهِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسَلَّمَ. فِي فُتَاتِ الْمِسْكِ وَنَحْوِهِ كَيْلًا. وَقِيلَ: يَصِحُّ كَاللَّآلِئِ الصِّغَارِ. وَفُرِّقَ بِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ فِي الْمِسْكِ وَنَحْوِهِ بِالثِّقَلِ عَلَى الْمَحَلِّ وَتَرَاكُمِهِ بِخِلَافِ اللُّؤْلُؤِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ تَفَاوُتٌ كَالْقَمْحِ وَالْفُولِ: وَاسْتَثْنَى الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ النَّقْدَيْنِ أَيْضًا، فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِمَا إلَّا بِالْوَزْنِ، وَيُشْتَرَطُ الْوَزْنُ فِي الْبِطِّيخِ   [حاشية البجيرمي] بِقَوْلِهِ " بِصِيغَةٍ " أَيْ بِجِنْسِ الصِّيغَةِ أَيْ بِجِنْسٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الصِّيغَةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَقَدْ يُقَالُ هَذَا يَجْرِي فِي كُلِّ عَقْدٍ وَقَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ أَيْ وَالْكِتَابَةُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ) أَيْ الْعَقْدِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ؛ لَكِنْ بَعْضُ الشُّرُوطِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ وَبَعْضُهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْعَقْدِ، وَعَلَى كُلٍّ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إلَّا بِهَا، فَلِذَا قَدَّرَ الشَّارِحُ عَقْدًا. وَأَيْضًا الصِّحَّةُ وَصْفٌ لِلْعَقْدِ لَا لِلْمُسَلَّمِ فِيهِ حَدُّ ذَاتِهِ. " وَثُمَّ " لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ صَنِيعُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ وُجُودُهَا فِي الْعَقْدِ إلَّا السَّابِعَ فَيَكْفِي فِي حَرِيمِهِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي تِلْكَ وُجُودُهَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ سم مَعَ زِيَادَةٍ قَلِيلَةٍ أج. قَوْلُهُ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَصِفَهُ) أَيْ يَذْكُرُهُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (وَنَوْعِهِ) قَدْ يُغْنِي ذِكْرُ النَّوْعِ عَنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْغَنَمِ، سم. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ) أَيْ الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الثَّمَنُ. قَوْلُهُ: (مَا يُتَسَامَحُ بِإِهْمَالِ ذِكْرِهِ) وَلَوْ شُرِطَ ذَلِكَ اُعْتُبِرَ وَلَمْ يَجِبْ الْقَبُولُ بِدُونِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (كَالْكَحْلِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْحَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَعْلُوَ جُفُونَ الْعَيْنَيْنِ سَوَادٌ مِنْ غَيْرِ اكْتِحَالٍ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَبِالثَّالِثِ) وَهُوَ لَيْسَ الْأَصْلُ عَدَمَهَا. وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي كَوْنِ الْأَصْلِ فِي الْعَبْدِ أَنْ لَا يَكُونَ قَوِيًّا عَلَى الْعَمَلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ شِدَّةُ الْقُوَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وحج قَوْلُهُ: (أَوْ أُمِّيًّا) الْمُرَادُ بِهِ مَا عَدَا الْكَاتِبَ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ. وَكَوْنُ الْأَصْلِ عَدَمُهُ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ قَدْ يَدَّعِي أَنَّ الْأَصْلَ وُجُودُهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَارِضَةٌ. قَوْلُهُ: (بِمَا يَنْفِي) أَيْ بِوَجْهٍ يَنْفِي إلَخْ. وَهُوَ وَجْهٌ مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَهِيَ قَوْلُهُ " مِنْ كَيْلٍ إلَخْ ". وَقَوْلُهُ الْجَهَالَةُ أَيْ جَهَالَةُ الْعَاقِدَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَدٍّ إلَخْ) كَالطُّوبِ غَيْرِ الْمَحْرُوقِ. قَوْلُهُ: (أَوْ ذَرْعٍ فِيمَا يُذْرَعُ) كَالْقُمَاشِ، وَقَدْ يُحْتَاجُ إلَى الْعَدِّ وَالذَّرْعِ فَلَا بُدَّ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي أَرْبَعَةِ بُسُطٍ فَهَذَا عَدَدٌ فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الذَّرْعِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَبِيعِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ حَمْلٍ لِمَحَلِّ الْقَبْضِ يَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ يَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْله: (وَيَصِحُّ سَلَمُ الْمَكِيلِ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَتَعَيَّنْ هُنَا فِي الْمَكِيلِ الْكَيْلُ وَفِي الْمَوْزُونِ الْوَزْنُ كَمَا فِي الرِّبَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ وَثَمَّ الْمُمَاثَلَةُ بِعَادَةِ عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (الَّذِي يَتَأَتَّى كَيْلُهُ) كَاللَّوْزِ. قَوْلُهُ: (ضَابِطًا فِيهِ) كَالسَّمْنِ. قَوْلُهُ: (فِي فُتَاتِ الْمِسْكِ) بِضَمِّ الْفَاءِ، أَيْ قِطَعِهِ وَكِسَرِهِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) كَالْعَنْبَرِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يَصِحُّ كَاللَّآلِئِ إلَخْ) ضَعِيفٌ فِي الْمَقِيسِ دُونَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ، فَالرَّاجِحُ فِي نَحْوِ فُتَاتِ الْمِسْكِ كَالْعَنْبَرِ الْوَزْنُ فَقَطْ دُونَ اللَّآلِئِ الصِّغَارِ فَتَصِحُّ كَيْلًا وَوَزْنًا إذَا عَمَّ وُجُودُهَا، سم وَقَدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 وَالْقِثَّاءِ وَالْبَاذِنْجَانِ. وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَضْبِطُهُ الْكَيْلُ لِتَجَافِيهِ فِي الْمِكْيَالِ، كَقَصَبِ السُّكَّرِ وَالْبُقُولِ، وَلَا يَكْفِي فِيهَا الْعَدُّ لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ فِيهَا، وَالْجَمْعُ فِيهَا بَيْنَ الْعَدِّ وَالْوَزْنِ مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى ذِكْرِ الْجُرْمِ فَيُورِثُ عِزَّةَ الْوُجُودِ. وَيَصِحُّ فِي اللَّوْزِ وَالْجَوْزِ وَإِنْ لَمْ يَقِلَّ اخْتِلَافُهُ وَزْنًا وَكَذَا كَيْلًا قِيَاسًا عَلَى الْحُبُوبِ وَالتَّمْرِ، وَلَوْ عُيِّنَ كَيْلًا فَسَدَ السَّلَمُ وَلَوْ كَانَ حَالًّا إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْكَيْلُ مُعْتَادًا كَكُوزٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ مَا يَسَعُ. فَإِنْ كَانَ الْكَيْلُ مُعْتَادًا بِأَنْ عُرِفَ قَدْرُ مَا يَسَعُ وَلَمْ يَفْسُدْ السَّلَمُ وَيَلْغُو تَعْيِينُهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا غَرَضَ فِيهَا. (وَ) الثَّالِثُ: (إنْ كَانَ) السَّلَمُ (مُؤَجَّلًا ذُكِرَ وَقْتُ مَحِلِّهِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ وَقْتُ حُلُولِ الْأَجَلِ فَيَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ الْعَاقِدُ أَجَلًا مَعْلُومًا وَالْأَجَلُ الْمَعْلُومُ مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ كَشُهُورِ   [حاشية البجيرمي] يُقَالُ: الْكَيْلُ لَا يُعَدُّ فِيهَا ضَابِطًا لِأَنَّ لِلْقَدْرِ الْيَسِيرِ مِنْهَا مَالِيَّةٌ كَثِيرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَالْبَاذِنْجَانُ) بِكَسْرِ الذَّالِ وَفَتْحِهَا، بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْبُقُولُ) وَهِيَ الْخَضْرَاوَاتُ كَالْمُلُوخِيَّةِ وَالرِّجْلَةِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْبَقْلُ كُلُّ نَبَاتٍ اخْضَرَّتْ بِهِ الْأَرْضُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْجَمْعُ فِيهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْبِطِّيخِ وَمَا بَعْدَهُ، كَأَسْلَمْت إلَيْك فِي مِائَةِ بِطِّيخَةٍ كُلُّ بِطِّيخَةٍ رِطْلَانِ. وَكَذَا لَا يَصِحُّ فِي الْوَاحِدَةِ بِأَنْ يَقُولَ: فِي بِطِّيخَةٍ وَزْنُهَا رِطْلٌ. وَهَذَا إذَا أُرِيدَ الْوَزْنُ التَّحْدِيدِيُّ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ اهـ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيَصِحُّ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا وَكَذَا عَكْسُهُ إنْ عُدَّ فِيهِ ضَابِطًا، بِخِلَافِ مَا لَا يُعَدُّ الْكَيْلُ فِيهِ ضَابِطًا كَعَنْبَرٍ وَفُتَاتِ مِسْكٍ وَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ. وَلَا يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ كَإِرْدَبِّ قَمْحٍ وَزْنُهُ كَذَا، وَلَا بَيْنَ الْوَزْنِ وَغَيْرِهِ، كَذَلِكَ كَالذَّرْعِ فَيَمْتَنِعُ كَثَوْبٍ ذَرْعُهُ كَذَا أَوْ وَزْنُهُ كَذَا إلَّا فِي نَحْوِ لَبِنٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ مِمَّا يُضْرَبُ عَنْ اخْتِيَارٍ فَيَصِحُّ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَدِّ وَالْوَزْنِ. وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ جَمْعُ الْعَدِّ مَعَ الذَّرْعِ فِي الْبُسُطِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا فِيهَا. اهـ. ق ل. وَفِي شَرْحِ م ر: وَقَوْلُ السُّبْكِيّ " لَوْ أَسْلَمَ فِي عِدَّةٍ مِنْ بِطِّيخٍ مَثَلًا كَمِائَةٍ بِالْوَزْنِ فِي الْجَمِيعِ دُونَ كُلِّ وَاحِدَةٍ جَازَ اتِّفَاقًا " مَمْنُوعٌ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أَيْ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَزْنُ فَقَطْ بِأَنْ يَقُولَ: أَسْلَمْت إلَيْك فِي قِنْطَارٍ مِنْ الْبِطِّيخِ مَثَلًا اهـ. وَأَمَّا فِي الْبِطِّيخَةِ الْوَاحِدَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَزْنِ مَعَ الْأَوْصَافِ، وَذَلِكَ يُورِثُ عِزَّةَ الْوُجُودِ مَا لَمْ يُرَدْ الْوَزْنُ التَّقْرِيبِيُّ. قَالَ سم: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْتِجُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْبِطِّيخَةَ الْوَاحِدَةَ مُتَقَوِّمَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا، بِخِلَافِ الْجُمْلَةِ فَإِنَّهَا مِثْلِيَّةٌ لِجَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا. وَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَيْضَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْجُمْلَةِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا جُمِعَ بَيْنَ الْعَدِّ وَالْوَزْنِ فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْبِطِّيخِ مَثَلًا، فَإِنْ أَرَادَ التَّقْرِيبِيَّ صَحَّ كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَزْنِ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ: (فَيُورِثُ عِزَّةَ الْوُجُودِ) فَتَعَيَّنَ الْوَزْنُ بِأَنْ يَقُولَ: أَسْلَمْت إلَيْك فِي قِنْطَارٍ مِنْ الْبِطِّيخِ مَثَلًا ح ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَقِلَّ اخْتِلَافُهُ) أَيْ بِأَنْ كَثُرَ اخْتِلَافُ قُشُورِهِ بِالْغِلَظِ وَالرِّقَّةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ لِلْمُسَامَحَةِ فِيهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعٍ يَكْثُرُ اخْتِلَافُهُ بِغِلَظِ قُشُورِهِ وَرِقَّتِهَا، خِلَافًا لِلْإِمَامِ اهـ. وَقَوْلُهُ " خِلَافًا لِلْإِمَامِ " حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ إذَا كَثُرَ اخْتِلَافُهُ لَا يَصِحُّ كَيْلًا وَلَا وَزْنًا كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا كَيْلًا) قَدْ يُقَالُ الْكَيْلُ لَا يُعَدُّ فِيهِ ضَابِطًا. وَالْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَيَّنَ كَيْلًا) أَوْ مِيزَانًا أَوْ ذِرَاعًا. وَفِي مَعْنَى تَعْيِينِ الْمِكْيَالِ مَا لَوْ شُرِطَ الذِّرَاعُ بِذِرَاعِ يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَلَوْ عُيِّنَ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ وَهِيَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ إذْ لَا يَظْهَرُ تَفْرِيعُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ، فَنُسْخَةُ الْوَاوِ ظَاهِرَةٌ. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ: وَفَسَدَ بِتَعْيِينِ نَحْوِ مِكْيَالٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ. قَوْلُهُ: (فَسَدَ السَّلَمُ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُؤَجَّلِ، وَأَمَّا الْحَالُّ فَلِأَنَّهُ قَدْ يُؤَخِّرُ الْقَبْضَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعْتَادٍ فَيَتْلَفُ اهـ. قَوْلُهُ: (كَكُوزٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ قَبْلَ قَبْضِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَيُؤَدِّي إلَى التَّنَازُعِ. قَوْلُهُ: (لَا يُعْرَفُ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِغَيْرِ الْمُعْتَادِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ تَفْسِيرُ الْمُعْتَادِ بِقَوْلِهِ: بِأَنْ عُرِفَ قَدْرُ مَا يَسَعُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا ذُكِرَ وَقْتُ مَحِلِّهِ) مَعْنَاهُ إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَجَبَ أَنْ يَذْكُرَ أَجَلًا مَعْلُومًا؛ وَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ قَوْلَهُ: فَيَجِبُ إلَخْ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَتْنِ أَنَّ مُطْلَقَ بَيَانِ الْوَقْتِ يَكْفِي، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مَعْلُومًا) أَيْ لَهُمَا أَوْ لِعَدْلَيْنِ غَيْرِهِمَا كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ؛ أَيْ لِيَرْجِعَ إلَيْهِمَا عِنْدَ التَّنَازُعِ. فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ اكْتَفَى هُنَا بِمَعْرِفَةِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ عَدْلَيْنِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 الْعَرَبِ أَوْ الْفُرْسِ أَوْ الرُّومِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مَضْبُوطَةٌ. وَيَصِحُّ التَّأْقِيتُ بِالنَّيْرُوزِ وَهُوَ نُزُولُ الشَّمْسِ بُرْجَ الْمِيزَانِ، وَبِعِيدِ الْكُفَّارِ إنْ عَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَوْ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ أَوْ الْمُتَعَاقِدَانِ، فَإِنْ أُطْلِقَ الشَّهْرُ حُمِلَ عَلَى الْهِلَالِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ لِأَنَّهُ عُرْفُ الشَّرْعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَإِنْ انْكَسَرَ شَهْرٌ بِأَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي أَثْنَائِهِ وَالتَّأْجِيلُ بِالْأَشْهُرِ حَسَبَ الْبَاقِي بَعْدَ الْأَوَّلِ الْمُنْكَسِرِ بِالْأَهِلَّةِ. وَتَمَّمَ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ مِمَّا بَعْدَهَا. نَعَمْ إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ اكْتَفَى بِالْأَشْهُرِ بَعْدَهُ بِأَهِلَّةٍ تَامَّةً كَانَتْ أَوْ نَاقِصَةً، وَالسَّنَةُ الْمُطْلَقَةُ تُحْمَلُ عَلَى الْهِلَالِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا عُرْفُ الشَّرْعِ قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] وَلَوْ قَالَا إلَى يَوْمِ كَذَا أَوْ شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةِ كَذَا حَلَّ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَا فِي يَوْمِ كَذَا أَوْ شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، أَوْ قَالَا إلَى أَوَّلِ شَهْرِ كَذَا أَوْ آخِرِهِ صَحَّ وَحُمِلَ   [حاشية البجيرمي] فِي صِفَاتِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا لِلْعَاقِدَيْنِ وَعَدْلَيْنِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ؟ قُلْتُ: أَجَابَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِأَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا رَاجِعَةٌ إلَى الْأَجَلِ وَهُنَاكَ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَجَازَ أَنْ يُحْتَمَلَ هُنَا مَا لَا يُحْتَمَلُ هُنَاكَ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا وَثَمَّ عَدْلَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ يَغِيبَا فِي وَقْتِ الْمَحِلِّ فَيَتَعَذَّرُ مَعْرِفَتُهَا أَيْ الصِّفَاتِ وَالْأَجَلِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يُوجَدَ أَبَدًا فِي الْغَالِبِ مِمَّنْ يَعْرِفُهَا عَدْلَانِ أَوْ أَكْثَرُ فِي مَحِلِّ التَّسْلِيمِ فَمَا فَوْقَهُ إلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى؛ لِأَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ إلَّا مِنْ الْمَحِلِّ الْمَذْكُورِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَالْحَلَبِيُّ. وَقَوْلُهُ: لَهُمَا وَلِعَدْلَيْنِ فَلَا يَكْفِي دُونَ الْأَرْبَعَةِ، وَالْمُرَادُ أَنْ يُوجَدَ أَبَدًا عَدْلَانِ يَعْرِفَانِهَا وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ حُضُورُهُمَا خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (كَشُهُورِ الْعَرَبِ) وَهِيَ الْهِلَالِيَّةُ شَهْرٌ مِنْهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَشَهْرٌ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ إلَّا ذَا الْحِجَّةِ فَإِنَّهُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَخُمُسٌ وَسُدُسٌ، فَالسَّنَةُ الْعَرَبِيَّةُ ثَلَثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَخُمُسُ وَسُدُسُ يَوْمٍ؛ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ. وَتَوَقَّفَ مُجَلِّي فِيهِ وَقَالَ: لَمْ يَبِنْ لِي وَجْهُ زِيَادَةِ الْخُمُسِ وَالسُّدُسِ، وَصَحَّحَ الْجِيلِيُّ أَنَّ الْهِلَالِيَّةَ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَالسَّنَةُ الشَّمْسِيَّةُ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا أَوَّلُهَا الْحَمَلُ وَرُبَّمَا يُجْعَلُ أَوَّلُهَا النَّيْرُوزَ، وَالْهِلَالِيَّةُ أَوَّلُهَا الْمُحَرَّمُ، دَمِيرِيٌّ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَقَرَّرَ الْفَرْغَانِيُّ زِيَادَةَ الْكَسْرَيْنِ بِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِذَا قُسِّطَتْ عَلَى السِّنِينَ خَصَّ كُلَّ سَنَةٍ خُمُسُ وَسُدُسُ يَوْمٍ، قَالَ: وَهَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِاجْتِمَاعِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَمَّا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَلَا زِيَادَةَ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي مُجَلِّي، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِ الْمُهَذَّبِ فِي الْهِلَالِيَّةِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ عَلَى بُعْدٍ: لَا مُنَاقَضَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْهِلَالِيَّةَ تَزِيدُ مِنْ حَيْثُ الِاجْتِمَاعُ الْمَذْكُورُ لَا مِنْ حَيْثُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ اهـ. قَوْلُهُ: (إنْ عَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ) بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَصَّ الْكُفَّارُ بِمَعْرِفَتِهِ لِعَدَمِ اعْتِمَادِ قَوْلِهِمْ، نَعَمْ إنْ كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ جَازَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِقَوْلِهِمْ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمُتَعَاقِدَانِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْلِمُونَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَطْلَقَ الشَّهْرَ) بِأَنْ قَالَ: تُحْضِرُهُ بَعْدَ شَهْرٍ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْأَوَّلِ الْمُنْكَسِرِ) وَلَا يُلْغِي الْمُنْكَسِرَ لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ الْأَجَلِ عَنْ الْعَقْدِ، م ر. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ وَقَعَ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: تَمَّمَ الْأَوَّلَ ثَلَاثِينَ. قَوْلُهُ: (بِالْأَهِلَّةِ تَامَّةٌ) أَيْ وَلَا يُتَمِّمُ الْيَوْمَ مِمَّا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ نَاقِصَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَإِنْ نَقَصَ بَعْضُهَا هُوَ الْأَخِيرُ وَلَا يُتَمِّمُ الْأَوَّلَ مِمَّا بَعْدَهَا لِأَنَّهَا مَضَتْ عَرَبِيَّةً كَوَامِلَ، هَذَا إذَا نَقَصَ الشَّهْرُ الْأَخِيرُ وَإِلَّا لَمْ يُشْتَرَطْ انْسِلَاخُهُ بَلْ يُتَمِّمُ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عِنْدَ الزَّوَالِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَثَلًا وَأَجَّلَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ اكْتَفَى بِالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ مُطْلَقًا كَامِلَيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ، وَكَذَا رَبِيعٌ الْأَوَّلُ إنْ نَقَصَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَمُلَ فَإِنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ وَقْتَ الزَّوَالِ مِنْ آخِرِهِ ع ش. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ إلَخْ) لِأَنَّهُمَا أَيْ الْعَاقِدَيْنِ جَعَلَا جَمِيعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ. وَيَصِحُّ التَّأْجِيلُ بِالْعِيدِ، وَجُمَادَى وَرَبِيعٍ وَنَفَرِ الْحَجِّ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الِاسْمِ بِهِ نَعَمْ لَوْ قَالَ بَعْدَ عِيدِ الْفِطْرِ إلَى الْعِيدِ حُمِلَ عَلَى الْأَضْحَى لِأَنَّهُ الَّذِي يَلِي الْعَقْدَ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. (وَ) الرَّابِعُ: (أَنْ يَكُونَ) الْمُسَلَّمُ فِيهِ (مَوْجُودًا عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْمَعْجُوزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ فَيَمْتَنِعُ السَّلَمُ فِيهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ فِي مُنْقَطِعٍ عِنْدَ الْحُلُولِ كَالرُّطَبِ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ مُسْلِمٌ كَافِرًا فِي عَبْدٍ مُسْلِمٍ. نَعَمْ إنْ كَانَ فِي يَدِ الْكَافِرِ وَكَانَ السَّلَمُ حَالًّا صَحَّ، وَلَوْ ظَنَّ تَحْصِيلَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ كَقَدْرٍ كَثِيرٍ مِنْ الْبَاكُورَةِ وَهِيَ أَوَّلُ الْفَاكِهَةِ لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ يُوجَدُ بِبَلَدٍ آخَرَ صَحَّ السَّلَمُ فِيهِ إنْ اُعْتِيدَ نَقْلُهُ غَالِبًا مِنْهُ لِلْبَيْعِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَسْلَمَ   [حاشية البجيرمي] الشَّهْرِ مَثَلًا ظَرْفًا، فَيَصْدُقُ بِأَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ كَمَا فِي ش م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ آخِرِهِ) أَيْ قَالَ إلَى أَوَّلِ آخِرِهِ فَيَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى الْآخِرِ وَيَلْغُو ذِكْرُ أَوَّلِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي م د. قَوْلُهُ: (عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ) أَيْ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ، فَيَحِلُّ فِي الثَّانِيَةِ بِأَوَّلِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ، فَيَحِلُّ الْأَجَلُ بِأَوَّلِ اللَّحْظَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهُ، أَيْ فَيَتَبَيَّنُ بِأَوَّلِ الشَّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ حُلُولُ الْأَجَلِ بِأَوَّلِ آخِرِ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ، ق ل بِإِيضَاحٍ. وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ م ر: أَنَّهُ يَحِلُّ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ " أَوْ آخِرِهِ " عَطَفَا عَلَى أَوَّلِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُضَافٍ، إذْ لَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ وَإِلْغَائِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ تَقْدِيرِهِ فَيَكُونُ غَيْرَ مُلْغًى؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ يَحِلُّ بِأَوَّلِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ كَمَا قَالَهُ الْمُحَشِّي، فَعِبَارَتُهُ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ تَأَمَّلْ. وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ م ر. قَوْلُهُ: (وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ) إنْ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا يَلِي الْعَقْدَ فَالِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَهُ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ الْعِيدَ الْأَكْبَرَ حِينَئِذٍ يَلِي الْعَقْدَ، وَإِنْ أَرَادَ حَقِيقَةَ الْأَوَّلِ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُضِرٌّ أَيْ لِقُصُورِهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْعِيدِ مِثْلُهُ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا) يَعْنِي يُوجَدُ بِلَا مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً ق ل. وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي: وَلَوْ ظَنَّ تَحْصِيلَهُ إلَخْ. وَهَذَا الشَّرْطُ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَأَنْ يَكُونَ فِيمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْمَعْجُوزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ إلَخْ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. إلَّا أَنْ يُقَالَ أُتِيَ بِهِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ الْآتِي فِي الْغَالِبِ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مَوْجُودًا عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ السَّلَمُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا. قَوْلُهُ: (أَيْ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ) وَذَلِكَ بِالْعَقْدِ فِي الْحَالِّ وَبِحُلُولِ الْأَجَلِ فِي الْمُؤَجَّلِ، وَهَذَا وَإِنْ عُلِمَ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ. وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الزَّائِدِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ وَقْتُ الْقُدْرَةِ هُنَا عَدَّهُ زَائِدًا. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الشَّرْطُ فِي الْبَيْعِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسَلُّمِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالشَّرْطُ هُنَا الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ مِنْ الْبَائِعِ الَّذِي هُوَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ إلَخْ) إنَّمَا فَصَّلَهُ بِكَذَا لِلْخِلَافِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لَوْ أَسْلَمَ مُسْلِمٌ كَافِرًا) أَيْ لِكَافِرٍ فِي عَبْدٍ مُسْلِمٍ. وَفِيهِ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ دُخُولُ مِلْكِ الْمُسْلِمِ فِي يَدِ الْكَافِرِ فِي صُوَرٍ كَمَا تَقَدَّمَ، فَيُمْكِنُ وُجُودُهُ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لَكِنَّهُ نَادِرٌ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ هَذَا بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ظَنَّ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِشَيْءٍ مَحْذُوفٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، أَيْ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ. قَوْلُهُ: (بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ) أَيْ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ إلَخْ) مُحْتَرِزُ قَيْدٍ مَلْحُوظٍ أَيْضًا، وَالتَّقْدِيرُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ بِبَلَدِ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ آخَرَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ. قَوْلُهُ: (غَالِبًا) لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ غَالِبًا بَعْدَ اُعْتِيدَ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ مَا لَا يَغْلِبُ نَقْلُهُ خَارِجٌ بِالْآخِرِ ق ل. قَالَ شَيْخُنَا: الْعَادَةُ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَمَرَّتَيْنِ فَالِاعْتِيَادُ لَا يُفِيدُ الْغَلَبَةَ فَلَا يُغْنِي عَنْهَا. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ) يَنْبَغِي إسْقَاطُهُ. اهـ. ق ل. أَيْ لِأَنَّ نَقْلَهُ لِغَيْرِ الْبَيْعِ كَالْهَدِيَّةِ وَالْهِبَةِ لَا يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يُعْتَدْ بَيْعُ الْمُهْدَى إلَيْهِ الْهَدِيَّةَ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْهَدِيَّةَ وَالْهِبَةَ يُقَالُ لَهُمَا مُعَامَلَةٌ بِأَنْ يُرَادَ بِهَا مَا يَقَعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِنَحْوِهِ الْمُعَاوَضَاتُ كَالسَّلَمِ وَالْأُجْرَةِ وَالصَّدَاقِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُنْقَلْ أَصْلًا، أَوْ نُقِلَ نَادِرًا لِلْبَيْعِ، أَوْ نُقِلَ غَالِبًا لِلْهَدِيَّةِ نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُهْدَى إلَيْهِ يَبِيعُ صَحَّ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ أَمْ غَيْرُهُ كَمَا قَالَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 فِيمَا يَعُمُّ وُجُودُهُ فَانْقَطَعَ وَقْتُ حُلُولِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، فَأَشْبَهَ إفْلَاسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَيَتَخَيَّرُ الْمُسَلِّمُ بَيْنَ فَسْخِهِ وَالصَّبْرِ حَتَّى يُوجَدَ فَيُطَالِبَ بِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْمَحِلِّ انْقِطَاعَهُ عِنْدَهُ فَلَا خِيَارَ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ وُجُوبِ التَّسَلُّمِ. وَالْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ (فِي الْغَالِبِ) مِنْ الْأَزْمَانِ، فَلَا يَصِحُّ فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَلَحْمِ الصَّيْدِ بِمَحَلٍّ يَعِزُّ وُجُودُهُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ الْوُثُوقِ بِتَسْلِيمِهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ السَّلَمُ حَالًّا وَكَانَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ يَنْدُرُ فِيهِ صَحَّ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ، وَلَا فِيمَا لَوْ اسْتَقْصَى وَصْفُهُ عَزَّ وُجُودُهُ كَاللَّآلِئِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ، وَجَارِيَةٍ وَأُخْتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ وَلَدِهَا، أَوْ شَاةٍ وَسَخْلَتِهَا فَإِنَّ اجْتِمَاعَ ذَلِكَ بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِيهَا نَادِرٌ. (وَ) السَّادِسُ: (أَنْ يُذْكَرَ) فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ (مَوْضِعُ قَبْضِهِ) إذَا عَقَدَا بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ كَالْبَادِيَةِ، أَوْ يَصْلُحُ وَلِحَمْلِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ مُؤْنَةٌ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ فِيمَا يُرَادُ مِنْ الْأَمْكِنَةِ. أَمَّا إذَا صَلُحَ لِلتَّسْلِيمِ وَلَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ فَلَا   [حاشية البجيرمي] الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ إلَخْ) يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ فِيهِ الْبَيْعُ بِالتَّلَفِ. قَوْلُهُ: (فَيَتَخَيَّرُ) أَيْ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل، فَلَهُ الْفَسْخُ وَلَوْ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ فَسْخِهِ) أَيْ فِي جَمِيعِهِ دُونَ بَعْضِهِ الْمُنْقَطِعِ فَقَطْ، م ر قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ) اسْمُ كِتَابٍ لِابْنِ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَقْصَى فِيهِ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَدِيمَةَ وَالْجَدِيدَةَ،. اهـ. ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِيمَا اسْتَقْصَى) أَيْ اسْتَوْعَبَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهَا عِزَّةَ الْوُجُودِ، قَالَ الْعَبَّادِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَتْنِ: وَكَاللَّآلِئِ الْكِبَارِ لِنُدْرَةِ اسْتِقْصَاءِ الْأَوْصَافِ مِنْ ذِكْرِ حَجْمٍ وَشَكْلٍ وَوَزْنٍ وَصَفَاءٍ وَلَوْنٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ) لَيْسَ قَيْدًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، فَمَفْهُومُهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ؛ فَالْأَوْلَى حَمْلُ الْمَتْنِ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ الْمُؤَجَّلِ وَالْحَالِّ وَتَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ غَيْرُ صَالِحٍ لِلتَّسْلِيمِ، سَوَاءٌ كَانَ لِلنَّقْلِ إلَيْهِ مُؤْنَةٌ أَوْ لَا، فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ يَجِبُ فِيهَا الْبَيَانُ وَيَبْقَى التَّفْصِيلُ فِي مَفْهُومِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ صَالِحًا، فَيُقَالُ: إنْ كَانَ السَّلَمُ مُؤَجَّلًا وَجَبَ الْبَيَانُ إنْ كَانَ لِلنَّقْلِ إلَيْهِ مُؤْنَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ حَالًّا لَا يَجِبُ الْبَيَانُ سَوَاءٌ كَانَ لِلنَّقْلِ إلَيْهِ مُؤْنَةٌ أَوْ لَا. فَمُحَصِّلُ الصُّوَرِ ثَمَانِيَةٌ يَجِبُ الْبَيَانُ فِي خَمْسَةٍ وَلَا يَجِبُ فِي ثَلَاثَةٍ وَكُلُّهَا فِي الشَّرْحِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَصَنِيعُ الشَّارِحِ هُنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّلَمَ إمَّا حَالٌّ وَإِمَّا مُؤَجَّلٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَحِلٍّ صَالِحٍ لِلتَّسْلِيمِ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ أَمْ لَا؛ فَالصُّوَرُ ثَمَانِيَةٌ. فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ مَحِلُّ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ وَجَبَ الْبَيَانُ مُطْلَقًا، أَيْ حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا، لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً أَمْ لَا، وَإِنْ صَلُحَ لِذَلِكَ وَلَيْسَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ لَمْ يَجِبْ الْبَيَانُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا وَإِنْ صَلُحَ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ وَجَبَ الْبَيَانُ فِي الْمُؤَجَّلِ دُونَ الْحَالِّ، فَيَجِبُ الْبَيَانُ فِي خَمْسِ صُوَرٍ؛ قَالَهُ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ نَقْلًا عَنْ م ر. وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: مَهْمَا يَكُنْ مَحِلُّ عَقْدِ السَّلَمِ ... بِهِ انْتَفَى الصَّلَاحُ لِلتَّسَلُّمِ فَوَاجِبٌ بَيَانُ ذَاكَ مُطْلَقًا ... أَوْ كَانَ صَالِحًا فَفِيهِ حُقِّقَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُؤْنَةٌ لِلْحَمْلِ ... فَذَا الْبَيَانُ لَمْ يَجِبْ فِي كُلِّ وَإِنْ تَكُنْ مُؤْنَةٌ تَحَقَّقَتْ ... فَفِي الْمُؤَجَّلِ الْبَيَانُ قَدْ ثَبَتَ قَوْلُهُ: (بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ) صَادِقٌ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ بِالْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْحَالِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 يُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ، وَيَتَعَيَّنُ مَكَانَ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ لِلْعُرْفِ، وَيَكْفِي فِي تَعْيِينِهِ أَنْ يَقُولَ: تُسَلَّمُ لِي فِي بَلْدَةِ كَذَا إلَّا أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ فَيَكْفِي إحْضَارُهُ فِي أَوَّلِهَا. وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ إلَى مَنْزِلِهِ. وَلَوْ قَالَ: فِي أَيِّ الْبِلَادِ شِئْت، فَسَدَ. أَوْ فِي أَيِّ مَكَان شِئْت مِنْ بَلَدِ كَذَا. فَإِنْ اتَّسَعَ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ أَوْ بِبَلَدِ كَذَا وَبَلَدِ كَذَا فَهَلْ يَفْسُدُ أَوْ يَصِحُّ وَيَنْزِلُ عَلَى تَسْلِيمِ النِّصْفِ بِكُلِّ بَلَدٍ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الشَّاشِيُّ الْأَوَّلُ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ فِي بَلَدِ كَذَا حَيْثُ يَصِحُّ وَتَسْلِيمُهُ فِي شَهْرِ كَذَا حَيْثُ لَا يَصِحُّ اخْتِلَافُ الْغَرَضِ فِي الزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ، فَلَوْ عَيَّنَ مَكَانًا فَخَرِبَ وَخَرَجَ عَنْ صَلَاحِيَّةِ التَّسْلِيمِ تَعَيَّنَ أَقْرَبَ مَوْضِعٍ صَالِحٍ لَهُ عَلَى الْأَقْيَسِ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَمَّا السَّلَمُ الْحَالُّ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ. نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرَ صَالِحٍ لِلتَّسْلِيمِ اشْتَرَطَ الْبَيَانَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَإِنْ عَيَّنَّا غَيْرَهُ تَعَيَّنَ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّ السَّلَمَ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ فَقَبِلَ شَرْطًا يَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ وَالْمُرَادُ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ تِلْكَ الْمَحَلَّةُ لَا نَفْسُ مَوْضِعِ الْعَقْدِ. (وَ) السَّابِعُ: (أَنْ يَتَقَابَضَا) أَيْ الْمُسَلِّمُ وَالْمُسَلَّمُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ، وَهُوَ الثَّمَنُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ   [حاشية البجيرمي] وَالْمُؤَجَّلِ سَوَاءٌ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ أَوْ لَا. وَقَوْلُهُ " أَوْ يَصْلُحُ إلَخْ " صُورَةٌ خَامِسَةٌ، فَهَذِهِ صُوَرُ وُجُوبِ الْبَيَانِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَصْلُحُ) أَيْ وَكَانَ مُؤَجَّلًا كَمَا فَرَضَهُ. قَوْلُهُ: (لِتَفَاوُتِ الْأَعْرَاضِ) عِلَّةٌ لِلْمَتْنِ. وَقَوْلُهُ " فِيمَا يُرَادُ " مُتَعَلِّقٌ بِتَفَاوُتٍ وَقَوْلُهُ مِنْ الْأَمْكِنَةِ بَيَانٌ لِمَا. قَوْلُهُ: (فَلَا يُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ) أَيْ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا، وَكَذَا إذَا كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ وَكَانَ حَالًّا. قَوْلُهُ: (وَيَتَعَيَّنُ مَكَانٌ إلَخْ) أَيْ مَا لَمْ يُعَيِّنَا غَيْرَهُ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ إنْ كَانَ صَالِحًا لِلتَّسْلِيمِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ. قَوْلُهُ: (فِي بَلْدَةِ كَذَا) أَيْ إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً. قَوْلُهُ: (فَكَفَى إحْضَارُهُ) هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ: يُسَلِّمُ لِي فِي بَلْدَةِ كَذَا. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " إلَّا أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً " مَا لَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَعْيِينِ مَحِلِّ التَّسْلِيمِ؛ مَدَابِغِيٌّ. قَوْلُهُ: (اخْتِلَافُ الْغَرَضِ) فِيهِ أَنَّ الْمَكَانَ قَدْ يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الزَّمَانَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا مِنْ الْمَكَانِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ " اخْتِلَافُ الْغَرَضِ " أَيْ اخْتِلَافًا أَشَدَّ مِنْ الْمَكَانِ. قَوْلُهُ: (مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) ثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ مَكَانٌ، ثَالِثُهَا: يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْمَكَانُ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لِلتَّسْلِيمِ قَوْلُهُ: (أَمَّا السَّلَمُ الْحَالُّ إلَخْ) مُحْتَرِزُ الْمُؤَجَّلِ. قَوْلُهُ: (فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ) سَوَاءٌ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ أَمْ لَا، أَيْ إنْ كَانَ صَالِحًا أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَيَّنَا غَيْرَهُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَمَّا السَّلَمُ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ، وَلِقَوْلِهِ سَابِقًا: أَمَّا إذَا صَلُحَ لِلتَّسْلِيمِ وَلَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (تَعَيَّنَ) أَيْ إذَا كَانَ صَالِحًا وَإِلَّا تَعَيَّنَ أَقْرَبُ الْمَجَالِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْهُ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِاقْتِضَاءِ الْعَقْدِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُسَلِّمِ وَلَا لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ فَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي مَحِلِّ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ، فَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِشَرْطِ أَنَّ تُسَلِّمَهُ لِي فِي مَكَانِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ؛. اهـ. م د وَح ف. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ السَّلَمَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ. قَوْلُهُ: (فَقَبِلَ) أَيْ السَّلَمُ شَرْطًا يَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ بَيَانُ مَحِلٍّ غَيْرِ مَحِلِّ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ إنْ كَانَ مَحِلُّ الْعَقْدِ صَالِحًا، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ لَا يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ فَلَا يَقْبَلُ شَرْطًا يَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ الْقَبْضِ عَنْ مَحِلِّ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ مَحِلُّ الْعَقْدِ غَيْرَ صَالِحٍ. قَوْلُهُ: (تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ) أَيْ إلَى الْوُصُولِ لِذَلِكَ الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَهُ التَّأْجِيلُ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَبْلَ تَأْخِيرِ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ إلَخْ) رَاجِعٌ لِمَسْأَلَتَيْ الْحَالِّ إذَا كَانَ الْمُؤَجَّلُ صَالِحًا، وَلِمَسْأَلَةِ الْمُؤَجَّلِ إذَا كَانَ صَالِحًا وَلَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ. قَوْلُهُ: (وَالسَّابِعُ أَنْ يَتَقَابَضَا) هَذَا شَرْطٌ لِاسْتِمْرَارِ الصِّحَّةِ. وَعِبَارَةُ سم: أَنْ يَتَقَابَضَا أَيْ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، بِأَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُسَلِّمُ وَيَتَسَلَّمَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ. فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالتَّقَابُضِ تَسَامُحًا مَعَ ظُهُورِ الْمُرَادِ. وَعِبَارَةُ ق ل: لَا يَخْفَى أَنَّ صِيغَةَ الْمُفَاعَلَةِ بَاطِلَةٌ، إذْ لَيْسَ فِي كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ قَبْضٌ وَلَا إقْبَاضٌ، وَإِنَّمَا الْإِقْبَاضُ مِنْ الْمُسَلِّمِ وَالْقَبْضُ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ، بَلْ يَكْفِي اسْتِقْلَالُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بِالْقَبْضِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الْحَالَّ مَعَ أَنَّ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا مَرَّ اهـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 قَبْضًا حَقِيقِيًّا (قَبْلَ التَّفَرُّقِ) أَوْ التَّخَايُرِ لِأَنَّ اللُّزُومَ كَالتَّفَرُّقِ كَمَا مَرَّ فِي الْخِيَارِ، إذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ فِي مَعْنَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ، وَلِأَنَّ فِي السَّلَمِ غَرَرًا فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرُ تَأْخِيرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا بُدَّ مِنْ حُلُولِ رَأْسِ الْمَالِ كَالصَّرْفِ، فَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ أَوْ أَلْزَمَاهُ بَطَلَ الْعَقْدُ، أَوْ قَبْلَ تَسْلِيمِ بَعْضِهِ بَطَلَ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ وَفِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَصَحَّ فِي الْبَاقِي بِقِسْطِهِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحَقِيقِيِّ مَا لَوْ أَحَالَ الْمُسَلِّمُ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ وَقَبَضَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَذِنَ فِي قَبْضِهِ الْمُحِيلُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَيْسَتْ قَبْضًا حَقِيقِيًّا، فَإِنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ يُؤَدِّي عَنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لَا عَنْ جِهَةِ الْمُسَلِّمِ. نَعَمْ إنْ قَبَضَهُ الْمُسَلِّمُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِهِ بِإِذْنِهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْعَقْدِ بَلْ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ فِي الذِّمَّةِ، فَلَوْ قَالَ: أَسْلَمْت إلَيْك دِينَارًا فِي ذِمَّتِي فِي كَذَا ثُمَّ عَيَّنَ الدِّينَارَ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّخَايُرِ جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ حَرِيمُ الْعَقْدِ فَلَهُ حُكْمُهُ، فَإِنْ تَفَرَّقَا أَوْ تَخَايَرَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ (وَ) الثَّامِنُ: (أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ نَاجِزًا لَا يَدْخُلُهُ خِيَارُ الشَّرْطِ) لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ، وَالْخِيَارُ   [حاشية البجيرمي] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِاسْتِمْرَارِ الصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: (قَبْضًا حَقِيقِيًّا) خَرَجَ بِهِ صُورَةُ الْحَوَالَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ التَّخَايُرُ) أَيْ اخْتِيَارُ اللُّزُومِ وَأَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر. وَعِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى بَابِهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (لَكَانَ فِي مَعْنَى إلَخْ) إنَّمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهَا، لِأَنَّ بَيْعَ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ هُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ الثَّابِتِ قَبْلُ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ قَبْلُ وَهُنَا الدَّيْنُ مُنْشَأٌ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (غَرَرُ تَأْخِيرِ رَأْسِ الْمَالِ) أَيْ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُعَيَّنًا لِيُقَابِلَ قَوْلَهُ: إنْ كَانَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ مِنْ حُلُولِ رَأْسِ الْمَالِ إلَخْ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (كَالصَّرْفِ) وَهُوَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَبَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ أَوْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ سُمِّيَ صَرْفًا لِصَرْفِهِ عَنْ مُقْتَضَى الْمُبَايَعَاتِ مِنْ جَوَازِ التَّفَاضُلِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ دُونَ اتِّحَادِهِ أَوْ لِأَخْذِهِ مِنْ الصَّرِيفِ وَهُوَ التَّصْوِيتُ عِنْدَ عَدِّ النَّقْدِ وَمِنْهُ صَرِيفُ الْأَقْلَامِ وَهُوَ صَوْتُ حَرَكَتِهَا عَلَى الْمَكْتُوبِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: أَوْ قَبْلَ تَسْلِيمِ بَعْضِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَلْزَمَاهُ) أَيْ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (بِرَأْسِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَوَالَةَ بِهِ وَعَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، فَالتَّقْيِيدُ فِيهِ نَظَرٌ ح ل. قَوْلُهُ: (وَقَبَضَهُ) قَيَّدَ بِهِ لِيُعْلَمَ مِنْهُ صُورَةُ عَدَمِ الْقَبْضِ بِالْأُولَى. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ السَّلَمِ. قَوْلُهُ (سَوَاءٌ أَذِنَ إلَخْ) أَيْ إذْنًا جَدِيدًا غَيْرَ إذْنِ الْحَوَالَةِ. قَوْلُهُ: (يُؤَدِّي عَنْ جِهَةِ نَفْسِهِ) أَيْ لِأَنَّ بِالْحَوَالَةِ يَتَحَوَّلُ الْحَقُّ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَهُوَ يُؤَدِّيهِ عَنْ جِهَةِ نَفْسِهِ، قَوْلُهُ: (بِإِذْنِهِ) أَيْ إذْنٍ جَدِيدٍ غَيْرِ إذْنِ الْحَوَالَةِ لِفَسَادِهَا مَرْحُومِيٌّ، فَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَمْ يَصِحَّ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ لِبَقَائِهِ. عَلَى مِلْكِ الْأَوَّلِ لِبُطْلَانِ الْقَبْضِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَحَالَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ ثَالِثًا بِرَأْسِ الْمَالِ عَلَى الْمُسَلِّمِ فَالْحَوَالَةُ بَاطِلَةٌ أَيْضًا، فَإِنْ أَذِنَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ لِلْمُسَلِّمِ فِي التَّسْلِيمِ إلَى الْمُحْتَالِ فَفَعَلَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَكَانَ الثَّالِثُ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَلَوْ قَالَ لِمَدِينِهِ: اجْعَلْ مَا فِي ذِمَّتِك رَأْسَ مَالٍ عَلَى كَذَا فِي ذِمَّتِك أَوْ ذِمَّةِ غَيْرِك، فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إمَّا قَابِضُ مُقْبَضٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلٌ فِي إزَالَةِ مِلْكِ نَفْسِهِ، وَكُلٌّ بَاطِلٌ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ إلَخْ) هَذَا تَقَدَّمَ فَهُوَ مُكَرَّرٌ، وَلَا يَضُرُّ تَكْرِيرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ فَائِدَةٍ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي ذِهْنِ الطَّالِبِ رُسُوخَ الْحُكْمِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ أَصْلُ وَضْعِهِ لِلْمُبْتَدِينَ. قَالُوا لِمُسْلِمٍ فَضْلٌ ... قُلْت الْبُخَارِيُّ أَعْلَى قَالُوا الْمُكَرَّرُ فِيهِ ... قُلْت الْمُكَرَّرُ أَحْلَى قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَيَّنَ) أَيْ وَسَلَّمَهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لَا يَدْخُلُهُ خِيَارُ الشَّرْطِ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " نَاجِزًا ". قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُسَلِّمِ بِالنِّسْبَةِ لِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ. قَوْلُهُ: (لَا يَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ) أَيْ تَأْجِيلَ رَأْسِ الْمَالِ، أَمَّا تَأْجِيلُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَيَصِحُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 أَعْظَمُ غَرَرًا مِنْهُ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْمِلْكِ أَوْ مِنْ لُزُومِهِ اُحْتُرِزَ بِقَيْدِ الشَّرْطِ عَنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَالسَّلَمُ بَيْعٌ مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ كَمَا مَرَّ. تَتِمَّةٌ: لَوْ أَحْضَرَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ الْمُسَلَّمَ فِيهِ الْمُؤَجَّلَ قَبْلَ وَقْتِ حُلُولِهِ فَامْتَنَعَ الْمُسَلِّمُ مِنْ قَبُولِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا يَحْتَاجُ لِمُؤْنَةٍ لَهَا وَقَعَ أَوْ وَقْتَ إغَارَةٍ، أَوْ كَانَ ثَمَرًا أَوْ لَحْمًا يُرِيدُ أَكْلَهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ طَرِيًّا، أَوْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى مَكَان لَهُ مُؤْنَةٌ كَالْحِنْطَةِ الْكَثِيرَةِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسَلِّمِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الِامْتِنَاعِ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي التَّعْجِيلِ كَفَكِّ رَهْنٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ مُجَرَّدِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ أَمْ لَا، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضِ لِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِهِ لَهُ تَعَنُّتٌ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ لَهُ أَخَذَهُ الْحَاكِمُ لَهُ، وَلَوْ أَحْضَرَ الْمُسَلَّمَ فِيهِ الْحَالَّ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ لِغَرَضٍ غَيْرِ الْبَرَاءَةِ أُجْبِرَ الْمُسَلِّمُ عَلَى قَبُولِهِ، أَوْ لِغَرَضِهَا أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ أَوْ الْإِبْرَاءِ. وَلَوْ ظَفِرَ الْمُسَلِّمُ بِالْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بَعْدَ الْمَحِلِّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ وَطَالَبَهُ بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ وَلِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَلَمْ يَتَحَمَّلْهَا الْمُسَلِّمُ عَنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ وَلَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْمِلْكِ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ، أَوْ مِنْ لُزُومِهِ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: (لَوْ أَحْضَرَ الْمُسَلِّمُ) أَيْ عَجَّلَهُ قَبْلَ وَقْتِ حُلُولِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَحِلِّ التَّسْلِيمِ أَوْ فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (الْمُسَلَّمُ فِيهِ الْمُؤَجَّلُ) وَمِثْلُهُ كُلُّ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ إذَا عُجِّلَ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا) أَوْ كَانَ الْمُسَلِّمُ مُحْرِمَا وَالْمُسَلَّمُ فِيهِ صَيْدًا فِيمَا يَظْهَرُ؛ قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَلَوْ عَبَّرَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ " كَأَنْ " بَدَلَ قَوْلَهُ " بِأَنْ " لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْحَصْرَ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَلَكِنْ يَكْثُرُ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْإِتْيَانُ " بِأَنْ " بَدَلَ " كَأَنْ " وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَقْتَ إغَارَةِ) التَّقْدِيرِ: أَوْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ إغَارَةٍ. وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى خَبَرِ " كَانَ "، مَرْحُومِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ أَوْ كَانَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ وَقْتَ إغَارَةٍ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ بِاسْمِ الزَّمَانِ عَنْ الذَّاتِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَلَا يَكُونُ اسْمُ زَمَانٍ خَبَرًا ... عَنْ جُثَّةٍ وَإِنْ يُفِدْ فَأَخْبِرَا قَوْلُهُ: (يُرِيدُ أَكْلَهُ) أَيْ الْأَحَدَ. قَوْلُهُ: (طَرِيًّا) لَمْ يَقُلْ طَرِيَّيْنِ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِ " أَوْ ". وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: لَمْ يَقُلْ طَرِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ طَرِيًّا بِوَزْنِ فَعِيلٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُفْرَدُ وَالْمَثْنَى وَالْجَمْعُ، قَالَ تَعَالَى: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4] . قَوْلُهُ: (مُؤْنَةٌ) أَوْ كَانَ يَتَرَقَّبُ زِيَادَةَ سِعْرِهِ عِنْدَ الْمَحِلِّ فِيمَا يَظْهَرُ، م ر. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ) وَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ لِتَضَرُّرِهِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ غَرَضَاهُمَا رُوعِيَ جَانِبُ الْمُسْتَحِقِّ. قَوْلُهُ: (أَمْ لَا) أَيْ لَا لِغَرَضٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ غَرَضَ الْبَرَاءَةِ حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَارَةً يُلَاحِظُهُ وَتَارَةً لَا يُلَاحِظُهُ ع ن. وَقَوْلُهُ " لَا لِغَرَضٍ " بِأَنْ لَمْ يُلَاحِظْ الْبَرَاءَةَ وَإِنْ كَانَتْ حَاصِلَةً. قَوْلُهُ: (أَخَذَهُ الْحَاكِمُ) وَيَظْهَرُ وُجُوبُهُ عِنْدَ الطَّلَبِ، أَيْ طَلَبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الْمُسَلِّمَ بِأَخْذِ حَقِّهِ؛ شَوْبَرِيٌّ أَيْ وَبَرِئَ الْمَدِينُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُسَلِّمُ غَائِبًا وَأَتَى بِهِ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ فِي وَقْتِهِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَقْبِضُهُ لَهُ اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (الْمُسَلَّمُ فِيهِ الْحَالُّ) أَيْ أَصَالَةً أَوْ عَرْضًا بِأَنْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَحَلَّ، وَهَذَا مُحْتَرِزُ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ " الْمُؤَجَّلُ " وَقَوْلُهُ " فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ " مُتَعَلِّقٌ بِأَحْضَرَ. قَوْلُهُ: (لِغَرَضٍ غَيْرِ الْبَرَاءَةِ) كَفَكِّ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ غَرَضٌ لِوُجُودِ مَحِلِّ التَّسْلِيمِ وَزَمَانِهِ، فَامْتِنَاعُهُ مَحْضُ عِنَادٍ فَضُيِّقَ عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْإِبْرَاءِ. قَوْلُهُ: (أُجْبِرَ الْمُسَلِّمِ عَلَى قَبُولِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الزَّمَنُ زَمَنَ نَهْبٍ، بِخِلَافِهِ فِي الْقَرْضِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَإِنْ وَقَعَ الْإِقْرَاضُ وَقْتَهُ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ هُنَاكَ بِخِلَافِهِ هُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ظَفِرَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْمَكَانِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْمَحِلِّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ. قَوْلُهُ: (مَحَلٌّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ مَكَانُهُ الْمُعَيَّنُ بِالشَّرْطِ أَوْ الْعَقْدِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَحَمَّلْهَا الْمُسَلِّمُ) بِأَنْ يَدْفَعَ الْمُسَلِّمُ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ مُؤْنَةَ النَّقْلِ مِنْ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ إلَى مَحِلِّ الظَّفْرِ، ح ل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُسَلِّمُ مِنْ قَبُولِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ إنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ كَتَحْصِيلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ اتَّفَقَ كَوْنُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بِصِفَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَأَحْضَرَهُ وَجَبَ قَبُولُهُ. فَصْلٌ: فِي الرَّهْنِ وَهُوَ لُغَةً الثُّبُوتُ وَمِنْهُ الْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ وَشَرْعًا جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ وَثِيقَةٍ بِدَيْنٍ يَسْتَوْفِي مِنْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَائِهِ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ) لِتَضَرُّرِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَيَسِيرِ نَقْدٍ وَمَالُهُ مُؤْنَةٌ وَتَحَمُّلُهَا بِالْمُسَلِّمِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ حِينَئِذٍ م ر. وَقَالَ س ل: لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ أَشَارَ بِنَفْيِ الْأَدَاءِ خَاصَّةً إلَى أَنَّ لَهُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَإِلْزَامُهُ بِالسَّفَرِ مَعَهُ إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ أَوْ بِالتَّوْكِيلِ وَلَا يُحْبَسُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ) وَلَوْ لِلْحَيْلُولَةِ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ، فَلَهُ الْفَسْخُ وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا لَوْ انْقَطَعَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ أَوْ تَحَمَّلَهَا الْمُسَلِّمُ فَيَلْزَمُ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ الْأَدَاءُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) كَأَنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مِنْهُ إلَى مَحِلِّ التَّسْلِيمِ مُؤْنَةٌ وَلَمْ يَتَحَمَّلْهَا الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ أَوْ الطَّرِيقُ مَخُوفًا؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. فَإِنْ رَضِيَ بِأَخْذِهِ لَمْ يَجِبْ لَهُ مُؤْنَةُ النَّقْلِ، بَلْ لَوْ بَذَلَهَا لَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهَا لِأَنَّهُ كَالِاعْتِيَاضِ. اهـ. م ر. فَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ لِمَنْ يَحْمِلُهُ فَلَا اعْتِيَاضَ فَحِينَئِذٍ لِلْمُسَلِّمِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَخْذِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَيَقُولَ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ: أَرْسِلْهُ إلَى مَحَلِّ التَّسْلِيمِ. قَوْلُهُ: (أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ) أَيْ عَيْنًا نَظِيرَ مَا مَرَّ لِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي إلَخْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (بِصِفَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ) كَأَنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ جَارِيَةً صَغِيرَةً فِي جَارِيَةٍ كَبِيرَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِأَوْصَافٍ فَكَبِرَتْ عِنْدَهُ مُتَّصِفَةً بِالصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا حَتَّى صَارَتْ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَإِنْ وَطِئَهَا مَا لَمْ تَحْبَلْ مِنْهُ. اهـ. ز ي وَم د. [فَصْلٌ فِي الرَّهْنِ] ِ قَوْلُهُ وَهُوَ لُغَةً الثُّبُوتُ هَذَا ظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرُ رَهَنَ لَازِمًا بِمَعْنَى دَامَ وَثَبَتَ لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلُهُ الْآتِي مَعْنَاهُ فَارْهَنُوا أَمَّا إذَا جُعِلَ مَصْدَرًا لِرَهَنَ مُتَعَدِّيًا فَإِنَّمَا يُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ هُوَ لُغَةً الْإِثْبَاتُ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَطْلَقَ الثُّبُوتَ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْإِثْبَاتِ وَأَرَادَ الْإِثْبَاتَ نَفْسَهُ لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَمِنْهُ الْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ رَهَنَ بِمَعْنَى ثَبَتَ وَدَامَ لِأَنَّ الْأَرْكَانَ الْآتِيَةَ لَا تُنَاسِبُهُ. اهـ. ع ش وَرَهَنَ أَفْصَحُ مِنْ أَرْهَنَ بَلْ مَنَعَ الْأَزْهَرِيُّ الثَّانِيَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (جَعْلُ عَيْنٍ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ بَعْدَ حَذْفِ الْفَاعِلِ، تَقْدِيرُهُ: حَمْلُ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ عَيْنًا وَثِيقَةً إلَخْ. وَدَخَلَ تَحْتَهُ الْعَقْدُ وَالصِّيغَةُ. وَقَوْلُهُ " عَيْنٍ مَالِيَّةٍ "، هِيَ الْمَرْهُونُ، وَقَوْلُهُ " وَثِيقَةٍ بِدَيْنٍ " هُوَ الْمَرْهُونُ بِهِ، فَاشْتَمَلَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَرْكَانِ. وَقَوْلُهُ " يَسْتَوْفِي " تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " وَثِيقَةٍ " وَخَرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ غَيْرُ الْمَمْلُوكِ كَالْمَوْقُوفِ وَالْمَغْصُوبِ. قَوْلُهُ: (يَسْتَوْفِي) أَيْ الدَّيْنَ أَوْ بَعْضَهُ مِنْهَا. فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ قَدْرَ الدَّيْنِ، فَلَوْ رَهَنَ عِنْدَهُ حُجَّةَ بَيْتٍ مَثَلًا كَانَتْ تِلْكَ الْوَرَقَةُ وَحْدَهَا مَرْهُونَةً، وَأَمَّا الْبَيْتُ فَلَا يَحْصُلُ قَبْضُهُ إلَّا بِالتَّخْلِيَةِ وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ " يَسْتَوْفِي مِنْهُ " لَيْسَ مِنْ التَّعْرِيفِ بَلْ بَيَانٌ لِغَايَتِهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْهُ لِإِخْرَاجِ مَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ كَالْمَوْقُوفِ. قَوْلُهُ: (مِنْهَا) مِنْ ابْتِدَائِيَّةٍ فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ مُسَاوِيَةً لَهُ. وَجَعْلُهَا تَبْعِيضِيَّةً يَقْتَضِي أَنَّ الرَّهْنَ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَقَالَ ق ل: وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ إلَّا فِي رَهْنِ وَلِيٍّ عَلَى مَالِ مَحْجُورٍ اهـ. وَقَوْلُهُ " عِنْدَ تَعَذُّرِ " لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَقَوْلُهُ " وَفَائِهِ " قَالَ الرَّمْلِيُّ: لِلْحَاكِمِ تَعْزِيرُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ بَعْدَ طَلَبِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْهُ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ وَإِنْ زَادَ عَلَى التَّعْزِيرِ بَلْ وَإِنْ أَدَّى إلَى مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ فَارْهَنُوا وَاقْبِضُوا لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ جُعِلَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ بِالْفَاءِ فَجَرَى مَجْرَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] . وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ أَبُو الشَّحْمِ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ» . وَالْوَثَائِقُ بِالْحُقُوقِ ثَلَاثَةٌ: شَهَادَةٌ وَرَهْنٌ وَضَمَانٌ، فَالشَّهَادَةُ لِخَوْفِ الْجَحْدِ وَالْآخَرَانِ لِخَوْفِ الْإِفْلَاسِ. وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: مَرْهُونٌ وَمَرْهُونٌ بِهِ وَصِيغَةٌ وَعَاقِدَانِ، وَقَدْ بَدَأَ بِذَكَرِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَرْهُونُ فَقَالَ: (وَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ) مِنْ الْأَعْيَانِ (جَازَ رَهْنُهُ) فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ دَيْنٍ وَلَوْ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَلَا رَهْنُ مَنْفَعَةٍ كَأَنْ يَرْهَنَ سُكْنَى دَارِهِ   [حاشية البجيرمي] عَزَّرَهُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ إلَى أَنْ يَبِيعَهُ أَيْ الْمَرْهُونَ وَيُكَرِّرُ ضَرْبَهُ، لَكِنْ يُمْهَلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَلَمِ الْأَوَّلِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى قَتْلِهِ ؛ خِلَافًا لِمَا أَطَالَ بِهِ السُّبْكِيُّ. وَقَوْلُهُ " فَرَهْنٌ " وَقُرِئَ " فَرِهَانٌ " وَهِيَ جَمْعُ رَهْنٍ، وَقِيلَ: جَمْعُ الْجَمْعِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (قَالَ الْقَاضِي) أَيْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْبَيْضَاوِيُّ فَأَعْرَبَ الْآيَةَ إعْرَابًا آخَرَ حَيْثُ جَعَلَ " فَرَهْنٌ " مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَالتَّقْدِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ: فَعَلَيْكُمْ رَهْنٌ، وَعَلَى الثَّانِي: فَالْوَاجِبُ عَلَيْكُمْ رَهْنٌ. وَانْظُرْ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ رُفِعَ رَهْنٌ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ وُضِعَ مَوْضِعَ فِعْلِهِ فَصَارَ مَنْصُوبًا ثُمَّ عَدَلَ إلَى الرَّفْعِ كَمَا فِي " الْحَمْدُ لِلَّهِ " وَفِيهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا حِينَئِذٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، فَيَرْجِعُ إلَى كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مُفْرَدِهِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ فِي الْآيَةِ جَمْعٌ وَأَنَّهُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ الْمَرْهُونِ، بِدَلِيلِ وَصْفِهِ بِمَقْبُوضَةٍ. يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَصْفُهُ بِمَقْبُوضَةٍ بِالنَّظَرِ لِمُتَعَلِّقِهِ، أَوْ أَنَّ فِيهِ اسْتِخْدَامًا بِمَعْنَى أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّهْنَ أَوَّلًا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ؛ وَأُعِيدَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ مَقْبُوضَةٍ بِمَعْنَى الْعَيْنِ، شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (جُعِلَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ) أَيْ مَقْرُونًا بِالْفَاءِ، يَعْنِي وَالْجَوَابُ لَا يَكُونُ إلَّا جُمْلَةً فَيُؤَوَّلُ بِفِعْلِ الْأَمْرِ لِيَصِيرَ جُمْلَةً. وَفِيهِ أَنَّ تَصْيِيرَهُ جُمْلَةً لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْأَمْرِ، إذْ يَجُوزُ جَعْلُهُ مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: تَسْتَوْثِقُونَ بِهَا كَمَا قَدَّرَهُ الْجَلَالُ، فَيَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً؛ وَإِنَّمَا قَالَ " فَارْهَنُوا " وَاقْبِضُوا الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَعْنَى لِأَنَّ الرَّهْنَ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ فَلَا يَتِمُّ لُزُومُهُ إلَّا بِذِكْرِ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (رَهَنَ دِرْعَهُ إلَخْ) وَآثَرَهُ عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ لِيَسْلَمَ مِنْ نَوْعِ مِنَّةٍ أَوْ تَكَلُّفِ مَيَاسِيرِ أَصْحَابِهِ بِإِبْرَائِهِ، أَوْ عَدَمِ الْأَخْذِ مِنْهُ، أَوْ بَيَانًا لِجَوَازِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ مَيَاسِيرِ الْمَدِينَةِ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ غَيْرَ الْيَهُودِيِّ، دَمِيرِيٌّ عَلَى الْمِنْهَاجِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَفْتَكَّهُ، حَجّ، وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر. وَإِنَّمَا افْتَكَّهُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقِيلَ افْتَكَّهُ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَ ق ل: الرَّاجِحُ أَنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ؛ وَلَكِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ الْيَهُودِيِّ فَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ أَخْذِهِ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَى رَهْنِهِ، فَتَأَمَّلْ. وَمِثْلُهُ الْبِرْمَاوِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ؛ لَكِنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ ع ش الْأَوَّلُ. وَخَبَرُ: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مَرْهُونَةٌ بِدَيْنِهِ» أَيْ مَحْبُوسَةٌ فِي الْقَبْرِ غَيْرَ مُنْبَسِطَةٍ مَعَ الْأَرْوَاحِ فِي عَالَمِ الْبَرْزَخِ، وَفِي الْآخِرَةِ مَعُوقَةٌ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَقْضِيَ عَنْهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً وَعَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ تَنْزِيهًا لَهُمْ وَعَلَى غَيْرِ مَنْ لَمْ يُقَصِّرْ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَفِي عَزْمِهِ الْوَفَاءُ فَلَا تُحْبَسُ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ اهـ ع ن عَلَى الْمَنْهَجِ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ خَلَّفَ وَفَاءً لَا يُحْبَسُ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ حِينَئِذٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِمْ لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى ثَلَاثِينَ) أَيْ عَلَى ثَمَنِهَا. قَوْلُهُ: (لِأَهْلِهِ) أَيْ اشْتَرَاهَا لِأَهْلِهِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ نَفَقَتَهُمْ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ وَغَيْرِهِ الْقَائِلِينَ إنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةٌ) أَيْ إجْمَالًا، وَإِلَّا فَسِتَّةٌ تَفْصِيلًا. قَوْلُهُ: (وَعَاقِدَانِ) لَوْ قَالَ " عَاقِدٌ " لَكَانَ أَنْسَبَ بِكَوْنِهَا أَرْبَعَةً، وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى كَلَامِهِ خَمْسَةٌ قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ دَيْنٍ إلَى قَوْلِهِ وَلَا مَنْفَعَةٍ) أَيْ ابْتِدَاءً، فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الْمَرْهُونِ قَدْ يَكُونُ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً بِلَا إنْشَاءٍ كَبَدَلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 مُدَّةً لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَتْلَفُ فَلَا يَحْصُلُ بِهَا اسْتِيثَاقٌ، وَلَا رَهْنُ عَيْنٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا كَوَقْفٍ وَمُكَاتَبٍ وَأَمِّ وَلَدٍ . وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ وَيُقْبَضُ بِتَسْلِيمِ كُلِّهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، فَيَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ وَبِالنَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ، فَإِنْ أَبَى الْإِذْنَ فَإِنْ رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ جَازَ وَنَابَ عَنْهُ فِي الْقَبْضِ، وَإِنْ تَنَازَعَا نَصَّبَ الْحَاكِمُ عَدْلًا يَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْطُوقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صُورَتَانِ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُمَا وَيَصِحُّ بَيْعُهُمَا: الْأُولَى الْمُدَبَّرُ رَهْنُهُ بَاطِلٌ وَإِنْ جَازَ بَيْعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ يَمُوتُ فَجْأَةً فَيَبْطُلُ مَقْصُودُ الرَّهْنِ. الثَّانِيَةُ: الْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهَا. وَمِنْ مَفْهُومِهِ صُورَةٌ يَصِحُّ رَهْنُهَا وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا الْأَمَةُ الَّتِي لَهَا   [حاشية البجيرمي] الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَرْهُونِ، فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي بِأَنَّهُ رَهْنٌ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الرَّاهِنِ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ، وَمَنْ مَاتَ مَدِينًا وَلَهُ مَنْفَعَةٌ وَدَيْنٌ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِتَرِكَتِهِ تَعَلُّقَ رَهْنٍ وَمِنْهَا دَيْنُهُ وَمَنْفَعَتُهُ شَرْحُ م ر، وَكَمَنْفَعَةِ مُؤَجَّرٍ. وَكَتَبَ الزِّيَادِيُّ عَلَى قَوْلِ الْمَنْهَجِ " فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ دَيْنٍ ": أَيْ ابْتِدَاءً، وَالْكَلَامُ فِي الرَّهْنِ الْجَعْلِيِّ فَلَا يُنَافِي الرَّهْنَ الشَّرْعِيَّ فِيمَا لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ دَيْنٌ، فَإِنَّ التَّرِكَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا الدَّيْنُ وَمِنْهُ دَيْنُهُ الَّذِي لَهُ عَلَى غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ عِنْدَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، كَأَنْ يَكُونَ لَك عَلَى شَخْصٍ دَيْنٌ فَتَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَتَرْهَنَ عَلَيْهِ الدَّيْنَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الدَّيْنِ، فَيَكُونُ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ قَوْلِهِمْ: كُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُمْلَكُ، وَالْمَأْخُوذُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ مِثْلُهُ لَا عَيْنُهُ، فَكَانَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (كَوَقْفٍ) أَيْ مَوْقُوفٍ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْمِلْكِ، وَشَرْطُ الْمَرْهُونِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الرَّهْنُ الْمَشَاعُ) أَيْ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ، أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الشَّرِيكِ، أَيْ لَهُ. قَوْلُهُ: (فَيَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ) وَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْرِيغِ لِيَحْصُلَ الْقَبْضُ الشَّرْعِيُّ، ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ) أَيْ فَيَحْرُمُ، وَلَكِنْ يَصِحُّ وَتَصِيرُ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مَضْمُومَةً عَلَيْهِ، فَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ الْقَبْضِ بَلْ لِتَكُونَ حِصَّةُ الشَّرِيكِ أَمَانَةً تَحْتَ يَدِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ أَنَّ وَضْعَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ حِسِّيٌّ وَعَلَى غَيْرِهِ حُكْمِيٌّ فَلَمْ يُحْتَجْ فِيهِ لِلْإِذْنِ فَافْهَمْ. وَقَالَ ع ش: قَوْلُهُ " وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَخْ " أَيْ يَحْرُمُ وَيَصِحُّ، وَخَرَجَ بِهِ الْعَقَارُ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ حِينَئِذٍ عُدِمَ الضَّمَانُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْيَدَ عَلَيْهِ لَيْسَتْ حِسِّيَّةً لِأَنَّهُ لَا تَعَدِّي فِي قَبْضِهِ لِجَوَازِهِ اهـ. قَالَ السُّبْكِيُّ: النَّقْلُ يَحْصُلُ بِهِ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ أَوْ بِغَيْرِهِ، لَكِنْ لَا يَحِلُّ إلَّا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ، فَالْمَوْقُوفُ عَلَى إذْنِ الشَّرِيكِ فِي الْمَنْقُولِ حِلُّ الْقَبْضِ لَا صِحَّتُهُ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَبَى) أَيْ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ رَضِيَ إلَخْ، فَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَنَازَعَا) أَيْ الْمُرْتَهِنُ وَشَرِيكُ الرَّاهِنِ. قَوْلُهُ: (صُورَتَانِ) لَعَلَّ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا لِعُمُومِهِمَا، وَإِلَّا فَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لَمْ يُعْلَمْ حُلُولُ الدَّيْنِ قَبْلَهَا، بَلْ وَكَذَا مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ إنْ لَمْ يُشْرَطْ بَيْعُهُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ وَجَعْلُ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ كَذَلِكَ ق ل. قَوْلُهُ: (يَجُوزُ بَيْعُهَا) أَيْ حَيْثُ رُئِيَتْ قَبْلَ الزَّرْعِ أَوْ مِنْ خِلَالِهِ؛ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى هَذَا أَنَّ الْبَيْعَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَحَيْثُ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالزَّرْعِ حِينَ الشِّرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَأَجَازَ الْبَيْعَ فَقَدْ رَضِيَ بِالْأَرْضِ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ فَكَانَ كَشِرَاءِ الْمَعِيبِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ الرَّهْنِ التَّوَثُّقُ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْمَحِلِّ، وَالزَّرْعُ قَدْ يَتَأَخَّرُ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ يُضْعِفُ الْأَرْضَ، فَلَا يَتَيَسَّرُ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِيهَا فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الرَّهْنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ التَّوَثُّقُ وَتَوْفِيَةُ الدَّيْنِ عِنْدَ الْحُلُولِ، وَرُبَّمَا يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَ التَّفْرِيغِ فَيَحْصُلُ النِّزَاعُ لَا إلَى غَايَةٍ. وَكَتَبَ الْمَرْحُومِيُّ عَلَى قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهَا ": كَذَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ وَافَقَهُ وَلَا مَنْ خَالَفَهُ، وَانْظُرْ عِلَّةَ مَنْعِ الرَّهْنِ مَعَ جَوَازِ الْبَيْعِ وَحَرَّرَهُ اهـ. قُلْت: بَلْ وَافَقَهُ الدَّمِيرِيُّ عَلَى الْمِنْهَاجِ، فَقَالَ: فَرْعُ رَهْنِ الْأَرْضِ الْمُشْتَغِلَةِ بِالزِّرَاعَةِ بَاطِلٌ، كَذَا بِخَطِّ بَعْضِهِمْ وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَد أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا؛ وَانْظُرْ هَلْ يُمْكِنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 وَلَدٌ غَيْرُ مُمَيِّزٍ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالْبَيْعِ، وَيَجُوزُ بِالرَّهْنِ وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يُبَاعَانِ وَيَقُومُ الْمَرْهُونُ مِنْهُمَا مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ حَاضِنًا أَوْ مَحْضُونًا ثُمَّ يَقُومُ مَعَ الْآخَرِ، فَالزَّائِدُ عَلَى قِيمَتِهِ قِيمَةُ الْآخَرِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِتِلْكَ النِّسْبَةِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَرْهُونِ مِائَةً وَقِيمَتُهُ مَعَ الْآخَرِ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَالنِّسْبَةُ بِالْأَثْلَاثِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْمَرْهُونُ بِهِ فَقَالَ: (فِي الدُّيُونِ) أَيْ وَشَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا، فَلَا يَصِحُّ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ كَالْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَعَارَةِ، وَلَا بِغَيْرِ الْمَضْمُونَةِ كَمَالِ الْقِرَاضِ وَالْمُودِعِ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الرَّهْنَ فِي الْمُدَايَنَةِ فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهَا، وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِغَرَضِ الرَّهْنِ عِنْدَ الْبَيْعِ. تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَهِيَ أَنَّ الْوَاقِفَ يَقِفُ كُتُبًا وَيَشْرِطُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا كِتَابٌ مِنْ مَكَان يَحْبِسُهَا فِيهِ إلَّا بِرَهْنٍ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ أَفْتَى الْقَفَّالُ بِخِلَافِهِ وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ مَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ بِأَنَّ الرَّاهِنَ أَحَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَالرَّاهِنُ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا إذْ الْمَقْصُودُ بِالرَّهْنِ الْوَفَاءُ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ التَّلَفِ، وَهَذَا   [حاشية البجيرمي] حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى مَا إذَا رَهَنَ الْأَرْضَ مَعَ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ؟ فَإِنَّ الزَّرْعَ الْأَخْضَرَ عَلَى انْفِرَادِهِ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَإِذَا انْضَمَّ إلَى الْأَرْضِ مُنِعَ رَهْنُهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ اجْتِمَاعِ الْمَانِعِ وَالْمُقْتَضِي فَيَغْلِبُ الْمَانِعُ، حَرَّرَهُ م د. قَوْلُهُ: (وَمِنْ مَفْهُومِهِ) وَهُوَ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ. وَقَوْلُهُ " وَصُورَةٌ " اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لِعُمُومِهَا وَإِلَّا فَرَهْنُ مُصْحَفٍ وَعَبْدٍ مُسْلِمٍ عِنْدَ كَافِرٍ وَسِلَاحٍ لِحَرْبِيٍّ صَحِيحٍ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ لَهُ، وَكَرَهْنِ الْمُسْتَعَارِ أَيْ إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمُسْتَعِيرِ لَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (الْأَمَةُ) بَدَلٌ مِنْ صُورَةٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَهِيَ الْأَمَةُ. قَوْلُهُ: (وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ إلَخْ) وَفَائِدَةُ هَذَا التَّوْزِيعِ مَعَ وُجُوبِ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِكُلِّ حَالٍ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا تَزَاحَمَ الْغُرَمَاءُ ابْنُ حَجَرٍ مَرْحُومِيٌّ، أَوْ فِي تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ فِي غَيْرِ الْمَرْهُونِ، شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ " فِيمَا إذَا تَزَاحَمَ الْغُرَمَاءُ " أَيْ فَيُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَنِ الرَّهْنِ عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ بَقِيَّةِ دَيْنِهِ يُحَاصِصْ بِهِ مَعَهُمْ بِنِسْبَةِ مَا يَخُصُّهُ بِدَيْنِهِ إنْ قَلِيلًا فَقَلِيلٌ أَوْ كَثِيرًا فَكَثِيرٌ اهـ. قَوْلُهُ: (بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ) وَيُزَاحِمُ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي الْبَاقِي بِنِسْبَةِ الْبَاقِي مِنْ دَيْنِهِ مَعَ بَقِيَّةِ الدُّيُونِ قَوْلُهُ: (فِي الدُّيُونِ) أَيْ عَلَى الدُّيُونِ. قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ) أَيْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ دَيْنًا) أُطْلِقَ فِي الدَّيْنِ، فَشَمِلَ دَيْنَ الزَّكَاةِ إذَا تَعَلَّقَتْ بِالذِّمَّةِ لَا بِالْعَيْنِ وَشَمِلَ الْمَنْفَعَةَ إذَا تَعَلَّقَتْ بِالذِّمَّةِ لَا بِالْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ بِالْعَيْنِ) أَيْ عَلَيْهَا، فَالْبَاءُ بِمَعْنَى " عَلَى ". قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَعَارَةُ) بِأَنْ يُعِيرَهُ عَيْنًا وَيَأْخُذَ عَلَيْهَا رَهْنًا. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَوْفَى إلَخْ) أَيْ لَيْسَتْ دُيُونًا حَتَّى تُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ قِيمَةُ تِلْكَ الْأَعْيَانِ إذَا تَلِفَتْ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دُيُونًا؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ الدَّيْنَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا، وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ أَيْ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِيفَاءُ ذَاتِهَا مِنْ ثَمَنِهَا، وَأَمَّا إنْ تَلِفَتْ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ فَلَا دَيْنَ أَصْلًا وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فَيَجِبُ بَدَلُهَا وَيَصِيرُ دَيْنًا عَلَى وَاضِعِ الْيَدِ؛ لَكِنْ هَذَا الدَّيْنُ إنَّمَا وُجِدَ وَثَبَتَ بَعْدَ تَلَفِهَا وَهُوَ بَعْدَ الرَّهْنِ فَوَقْتُ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَيْنٌ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ. قَوْلُهُ: (مُخَالِفٌ لِغَرَضِ الرَّهْنِ) أَيْ الْغَرَضِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الرَّهْنِ عَلَى الْعَيْنِ أَوْ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَأَعْنِي قَوْلَهُ: لِأَنَّهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا كِتَابٌ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إنْ أَرَادَ بِشَرْطِ الرَّهْنِ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيَّ لَغَا الشَّرْطُ، وَلِلنَّاظِرِ إخْرَاجُ الْمَوْقُوفِ بِلَا رَهْنٍ. وَإِنْ أَرَادَ بِهِ اللُّغَوِيَّ بِمَعْنَى التَّوَثُّقِ صَحَّ الشَّرْطُ، وَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ إخْرَاجُهُ إلَّا بِرَهْنٍ وَافٍ بِهِ ق ل. وَإِنْ أُطْلِقَ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ: أَقْرَبُهُمَا الصِّحَّةُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْهَذَيَانِ، وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِرَهْنٍ يُسَاوِي قِيمَتَهُ لَوْ أُرِيدَ بَيْعُهُ وَالْوَقْفُ صَحِيحٌ مُطْلَقًا أج. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ " وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ " أَيْ الشَّرْطُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَرَادَ الرَّهْنَ الشَّرْعِيَّ أَوْ اللُّغَوِيَّ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، كَذَا بِخَطِّ أج. وَصَرَّحَ بِهِ سم فَاعْتُمِدَ كَلَامُ الشَّارِحِ وَضُعِّفَ كَلَامُ ق ل. قَوْلُهُ: (أَحَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ) أَيْ لِلْمَوْقُوفِ. قَوْلُهُ: (لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا) أَيْ لَا يَكُون مُسْتَحِقًّا لِمَا يَرْهَنُ عَلَيْهِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 الْمَوْقُوفُ لَوْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ وَعَلَى إلْغَاءِ الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِرَهْنٍ وَلَا بِغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَخْرُجُ مُطْلَقًا. نَعَمْ إنْ تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْمَحَلِّ الْمَوْقُوفِ فِيهِ وَوَثِقَ بِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى مَحَلِّهِ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ جَازَ إخْرَاجُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي يُرْهَنُ بِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ كَوْنُهُ ثَابِتًا فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ كَنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ فِي الْغَدِ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةُ حَقٍّ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: كَوْنُهُ مَعْلُومًا لِلْعَاقِدَيْنِ، فَلَوْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ. وَالثَّالِثُ: كَوْنُهُ لَازِمًا أَوْ آيِلًا إلَى اللُّزُومِ فَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَمَالِ الْكِتَابَةِ، وَلَا بِجَعْلِ الْجَعَالَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ، وَالْأَصْلُ فِي   [حاشية البجيرمي] يَكُنْ مِنْ أَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِأَنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى طَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَإِنْ انْتَفَتْ لَكِنْ خَلَّفَتْهَا عِلَّةٌ أُخْرَى وَهِيَ عَدَمُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ،. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (إذْ الْمَقْصُودُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ " وَلَا يَصِحُّ ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ وَلَا يَظْهَرُ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ وَجْهٌ ثَانٍ لِتَضْعِيفِ كَلَامِ الْقَفَّالِ، فَلَوْ قَالَ: وَلِأَنَّ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ) أَيْ الَّذِي رُهِنَ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْوَقْفِ. وَقَوْلُهُ " عِنْدَ التَّلَفِ " أَيْ تَلَفِ الَّذِي أُخِذَ مِنْ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ تَعَدٍّ إلَخْ) لَيْسَ قَيْدًا، وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَهُوَ قَيْدٌ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ وَإِلَّا ضَمِنَ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ فَلَا فَائِدَةَ لِلرَّهْنِ فَكَانَ شَرْطُهُ بَاطِلًا، وَبِفَرْضِ الضَّمَانِ لَا فَائِدَةَ لِلرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْمَرْهُونِ لِأَنَّ قِيمَتَهُ بَعْدَ تَلَفِهِ دَيْنٌ حَدَثَ بَعْدَ الرَّهْنِ فَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى إلْغَاءِ الشَّرْطِ) أَيْ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ " لَا يَصِحُّ " فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَخْرُجُ أَصْلًا، أَيْ إنْ تَيَسَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي مَحِلِّهِ وَإِلَّا أُخْرِجَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُلْغَ شَرْطُ الرَّهْنِ بِأَنْ أُرِيدَ الرَّهْنُ اللُّغَوِيُّ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِرَهْنٍ وَافٍ؛ لَكِنْ لَيْسَ رَهْنًا شَرْعِيًّا بَلْ لِلتَّوَثُّقِ فَقَطْ. قَالَ السُّبْكِيُّ: إنْ عَنَى الرَّهْنَ الشَّرْعِيَّ فَبَاطِلٌ، أَوْ اللُّغَوِيَّ وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ تَذْكِرَةً صَحَّ، وَإِنْ جَهِلَ مُرَادَهُ احْتَمَلَ بُطْلَانَ الشَّرْطِ حَمْلًا عَلَى الشَّرْعِيِّ، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِرَهْنٍ لِتَعَذُّرِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ أَوْ لِفَسَادِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَخْرُجُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مَظِنَّةُ ضَيَاعِهِ، وَاحْتَمَلَ صِحَّتَهُ حَمْلًا عَلَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ أَقْرَبُ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ مَا أَمْكَنَ،. اهـ. ش م ر. ثُمَّ قَالَ م ر: وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ اعْتِبَارِ شَرْطِ إخْرَاجِهِ وَإِنْ أَلْغَيْنَا شَرْطَ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَتَعَسَّرْ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَإِلَّا جَازَ إخْرَاجُهُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ مُطْلَقًا قُصِدَ الشَّرْعِيُّ أَوْ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْحَبْسُ؛ لَكِنْ مَعَ إلْغَاءِ الشَّرْطِ فَقَطْ. وَقَالَ سم عَلَى حَجّ: الْمُعْتَمَدُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مُطْلَقًا، وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى كَلَامِ السُّبْكِيّ اهـ أج. قَوْلُهُ: (نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَحَلِّ الْمَوْقُوفِ) كَخَزَائِنِ الْأَزْهَرِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجُلُوسُ فِيهَا لِلْمُطَالَعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ خَلْوَةً كَبِيرَةً فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ فِيهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ التَّعَذُّرِ مَا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ الْمَوْقُوفُ فِيهِ خَارِجَ الْأَزْهَرِ وَأَرَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْوَقْفِ لِلْحُضُورِ فِيهِ فِي الْأَزْهَرِ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا السِّجِّينِيُّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَرُدَّهُ) هُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ " بِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ " أَيْ وَثِقَ بِرَدِّهِ إلَى مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (جَازَ إخْرَاجُهُ) عِبَارَةُ ق ل: وَلَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ إلَّا بِرَهْنٍ وَافٍ بِهِ لِيَكُونَ بَاعِثًا عَلَى رَدِّهِ، وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ الْمَوْقُوفُ لَوْ تَلِفَ. قَوْلُهُ: (ثَابِتًا) أَيْ مَوْجُودًا، بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ) وَإِنْ جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ كَالْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (مَعْلُومًا) أَيْ قَدْرًا وَصِفَةً. قَوْلُهُ: (أَوْ آيِلًا إلَى اللُّزُومِ) أَيْ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَجُعْلِ الْجَعَالَةِ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا يَئُولَانِ لِلُّزُومِ لَكِنْ لَا بِنَفْسِهِمَا بَلْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ، كَدَفْعِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَرَدِّ الضَّالَّةِ فِي الْجَعَالَةِ. وَأَيْضًا الثَّمَنُ وَضْعُهُ اللُّزُومُ بِخِلَافِهِمَا كَمَا أَشَارَ إلَى هَذَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَالْأَصْلُ فِي وَضْعِهِ اللُّزُومُ،. اهـ. شَيْخُنَا جَوْهَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِجُعْلِ الْجَعَالَةِ) لِأَنَّ لَهُ فَسْخَهَا مَتَى شَاءَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَنَّ مُوجِبَ الثَّمَنِ الْبَيْعُ وَقَدْ تَمَّ بِخِلَافِ مُوجِبِ الْجُعْلِ وَهُوَ الْعَمَلُ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ دِينَارٌ، فَيَقُولُ شَخْصٌ: ائْتِنِي بِرَهْنٍ وَأَنَا أَرُدُّهُ، وَمِثْلُهُ إنْ رَدَدْته فَلَكَ دِينَارٌ وَهَذَا رَهْنٌ بِهِ. أَوْ: مَنْ جَاءَ بِهِ فَلَهُ دِينَارٌ وَهَذَا رَهْنٌ بِهِ،. اهـ. عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِالثَّمَنِ) أَيْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ) أَيْ الَّذِي لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وَضْعِهِ اللُّزُومُ بِخِلَافِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَجُعْلِ الْجَعَالَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ قُلْنَا مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِيَمْلِكَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ (إذَا اسْتَقَرَّ ثُبُوتُهَا) أَيْ الدُّيُونِ (فِي الذِّمَّةِ) بَلْ هُوَ مُضِرٌّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُسْتَقِرًّا كَثَمَنِ الْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ وَدَيْنِ الْمُسْلِمِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَالْأُجْرَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الرُّكْنَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. أَمَّا الصِّيغَةُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا مَرَّ. فِيهَا فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ شُرِطَ فِي الرَّهْنِ مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَرْهُونِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْغُرَمَاءِ أَوْ شُرِطَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ كَإِشْهَادٍ بِهِ أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ كَأَنْ يَأْكُلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ كَذَا صَحَّ الْعَقْدُ وَلَغَا الشَّرْطُ الْأَخِيرُ، وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الرَّاهِنَ كَأَنْ لَا يُبَاعُ عِنْدَ الْمَحِلِّ أَوْ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ   [حاشية البجيرمي] أَشَارَ إلَيْهِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرٌ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ. قَوْلُهُ: (مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (لِيَمْلِكَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ) أَيْ حَتَّى يَصِحَّ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ، وَلَا يُبَاعُ الْمَرْهُونُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ. اهـ. ش م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ إنْ أُرِيدَ بِالْمُسْتَقِرِّ مَا حَصَلَ اسْتِيفَاءُ مُقَابِلِهِ كَالْأُجْرَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، فَتَخْرُجُ الْأُجْرَةُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ عَلَيْهَا؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. أَمَّا إذَا أُرِيدَ بِالِاسْتِقْرَارِ اللُّزُومُ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كَمَا فِي ق ل، وَعِبَارَتُهُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِقْرَارَ يُطْلَقُ بِمَعْنَى اللُّزُومِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّدَاقُ وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمَنْفَعَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ وَالزَّكَاةِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَالِ وَالْأُجْرَةِ بِالْعَقْدِ، وَقَدْ يُطْلَقُ بِمَعْنَى مَا حَصَلَ اسْتِيفَاءُ مُقَابِلِهِ كَقَوْلِهِمْ يَسْتَقِرُّ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ زَمَنِ الْمَنْفَعَةِ. وَفَهِمَ الشَّارِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِقْرَارِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمَعْنَى الثَّانِي، فَرُتِّبَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَلَّ بِشَرْطِ اللُّزُومِ، وَذَكَرَ مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَهُوَ اللُّزُومُ خُصُوصًا، وَقَدْ رَتَّبَهُ عَلَى الثُّبُوتِ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا، فَلَوْ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا، فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِالْمُسْتَقِرِّ مَا يُؤْمَنُ سُقُوطُهُ كَالثَّمَنِ وَلَوْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ سُقُوطُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِدُونِ فَسْخٍ، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالْفُرْقَةِ الَّتِي بِسَبَبِهَا، وَبِخِلَافِ الْأُجْرَةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ شُرِطَ إلَخْ) فَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِهِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، كَمَا لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ بِمَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَاهُ. فَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ " فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا مَرَّ إلَخْ " أَيْ عَلَى مَفْهُومِهِ، إذْ مَا مَرَّ هُوَ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا كَلَامُ أَجْنَبِيٍّ وَإِنْ قَلَّ وَلَا سُكُوتَ طَالَ عُرْفًا، فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِهِ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ أَوْ مَصَالِحِهِ أَوْ مُسْتَحَبَّاتِهِ؛ لَكِنْ قَوْلُهُ " أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ إلَخْ " يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْفَصْلَ بِهَذَا مُضِرٌّ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَكَذَا قَوْلُهُ " وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ إلَخْ " فَإِنَّهُ يَضُرُّ مُطْلَقًا، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ " فَإِنْ شُرِطَ فِي الرَّهْنِ مُقْتَضَاهُ إلَخْ " كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ. قَوْلُهُ: (مُقْتَضَاهُ) أَيْ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، أَيْ مَا كَانَ مَوْضُوعًا لَهُ وَالْمَصْلَحَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مَصْلَحَةٌ لَهُ) أَيْ لِلرَّهْنِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (كَإِشْهَادٍ بِهِ) أَيْ الْعَقْدِ. وَالْبَاءُ بِمَعْنَى " عَلَى " إذْ الْإِشْهَادُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى الْعَقْدِ رُبَّمَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَدَّعِي أَنَّهُ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ لَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْهَدْ لَرُبَّمَا يَدَّعِي الرَّاهِنُ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ أَوْ غَصْبٌ. قَوْلُهُ: (الْأَخِيرُ) وَالْأَوَّلُ تَأْكِيدٌ وَالثَّانِي مُعْتَبَرٌ، ق ل. وَفِي كَوْنِ الْأَخِيرِ لَا غَرَضَ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ كَسِمَنٍ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ لَا يُبَاعَ) هَذَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ وَمَا بَعْدَهُ الرَّاهِنَ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَرْهَنَهُ الْبَيْتَ مَثَلًا وَيَجْعَلَ أُجْرَةَ سُكْنَاهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَمِنْهُ رَهْنُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا يَصِحُّ كَالْغَارُوقَةِ، فَيَلْزَمُ مَنْ أَخَذَ الْأَرْضَ أُجْرَةُ مِثْلِهَا كُلَّ عَامٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ) هَذَا إذَا أَطْلَقَ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ قَدَّرَهَا وَكَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 مَرْهُونَةً لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ فِي الثَّلَاثِ لِإِخْلَالِ الشَّرْطِ بِالْغَرَضِ مِنْهُ فِي الْأُولَى، وَلِتَغَيُّرِ قَضِيَّةِ الْعَقْدِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلِجَهَالَةِ الزَّوَائِدِ وَعَدَمِهَا فِي الثَّالِثَةِ وَأَمَّا الْعَاقِدَانِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَالِاخْتِبَارِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مَالَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يَرْتَهِنُ لَهُمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ فَيَجُوزُ لَهُ الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ فِيهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا، مِثَالُهُمَا لِلضَّرُورَةِ أَنْ يَرْهَنَ عَلَى مَا يَقْتَرِضُ لِحَاجَةِ الْمُؤْنَةِ لِيُوفِيَ مِمَّا يَنْتَظِرُ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ حُلُولِ دَيْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَنَفَاقِ مَتَاعٍ كَاسِدٍ، وَأَنْ يَرْتَهِنَ عَلَى مَا يُقْرِضُهُ أَوْ يَبِيعُهُ مُؤَجَّلًا لِضَرُورَةِ نَهْبٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَمِثَالُهُمَا لِلْغِبْطَةِ أَنْ يَرْهَنَ مَا يُسَاوِي مِائَةً عَلَى ثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ نَسِيئَةً وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ، وَأَنْ يَرْتَهِنَ عَلَى ثَمَنِ مَا يَبِيعُهُ نَسِيئَةً لِغِبْطَةٍ. وَلَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ إلَّا بِقَبْضِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ بِإِذْنٍ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ إقْبَاضٍ مِنْهُ مِمَّنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ لِلرَّهْنِ. وَلِلْعَاقِدِ إنَابَةُ غَيْرِهِ فِيهِ   [حاشية البجيرمي] بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ. وَصُورَتُهَا كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ: أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك عَبْدِي بِمِائَةٍ مَثَلًا بِشَرْطِ أَنْ تَرْهَنَنِي بِهَا دَارَك وَأَنْ تَكُونَ مَنْفَعَتُهَا لِي سَنَةً، فَبَعْضُ الْعَبْدِ مَبِيعٌ وَبَعْضُهُ أُجْرَةٌ فِي مُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ الدَّارِ، تَأَمَّلْ هَذَا التَّصْوِيرَ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَعْجِزُ عَنْهُ وَقَدْ ظَفِرْت بِهِ فِي بَعْضِ شُرُوحِ التَّنْبِيهِ لِلزَّنْكَلُونِيِّ بَعْدَ التَّوَقُّفِ فِيهِ كَثِيرًا وَالسُّؤَالِ عَنْهُ كَثِيرًا، فَيُوَزَّعُ الْعَبْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَالْمِائَةِ. قَوْلُهُ: (لِإِخْلَالِ الشَّرْطِ بِالْغَرَضِ مِنْهُ) لِأَنَّ الْغَرَضَ بَيْعُهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ ح ل. قَوْلُهُ: (وَلِتَغَيُّرِ قَضِيَّةِ الْعَقْدِ إلَخْ) لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْعَقْدِ أَنْ تَكُونَ مَنَافِعُ الْمَرْهُونِ لِلرَّاهِنِ ح ل؛ لِأَنَّ التَّوَثُّقَ إنَّمَا هُوَ بِالْعَيْنِ وَالْمَنَافِعُ لِلرَّاهِنِ. وَقَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الثَّالِثَةِ أَيْضًا، فَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَقُولَ: وَلِتَغَيُّرِ قَضِيَّةِ الْعَقْدِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلِجَهَالَةِ الزَّوَائِدِ فِي الثَّالِثَةِ فَتَكُونُ الثَّالِثَةُ مُعَلَّلَةٌ بِعِلَّتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ بِوَاحِدَةٍ ع ش. وَالتَّوَثُّقُ هُوَ التَّحَفُّظُ لِلدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ حِفْظٌ لِلدَّيْنِ، أَيْ صَوْنٌ لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ. قَوْلُهُ: (فَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا) أَيْ لِيَرْهَنَ الرَّاهِنُ وَيَرْتَهِنَ الْمُرْتَهِنُ رَهْنًا مُطْلَقًا أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَرْهَنُ أَصْلًا مَالَ مُوَلِّيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ فِيهِ، وَكَذَا مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَرْتَهِنُ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ يَرْهَنُ وَيَرْتَهِنُ لِلضَّرُورَةِ وَالْغِبْطَةِ. قَوْلُهُ: (أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الرَّاهِنَ هُنَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِشَيْءٍ بَلْ فَوَائِدُ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ لَهُ وَالْمُرْتَهِنُ دَيْنُهُ بِحَالَةٍ فَلَا تَبَرُّعَ هُنَا، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالرُّشْدِ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْبَيْعِ) فِيهِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ بَيْعِ الْوَكِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلَ تَبَرُّعٍ فِي مَالِ مُوَكِّلِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُنَاسِبُ كَمَا فِي الْقَرْضِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقْرِضِ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ التَّبَرُّعُ فِي مَالِهِ وَالْوَلِيُّ أَهْلُ تَبَرُّعٍ فِي مَالِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ) اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَوْ اشْتَرَى مَتَاعًا بِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ وَهُوَ يُسَاوِي مِائَةً حَالَّةً، فَإِنَّ الْغِبْطَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَوْجُودَةٌ لَكِنَّهَا لَا تَظْهَرُ لِكُلِّ أَحَدٍ، شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: أَوْ غِبْطَةٌ ظَاهِرَةٌ، سَيَأْتِي فِي الشَّرِكَةِ أَنَّ الْغِبْطَةَ مَالٌ لَهُ وَقَعَ أَيْ قَدْرٌ لَا يُتَسَامَحُ أَيْ لَا يُتَسَاهَلُ بِهِ، فَانْظُرْ مَا مُفَادُ قَوْلِهِ ظَاهِرَةً. اهـ. . وَيُجَابُ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ظَاهِرَةً أَيْ مُتَحَقِّقَةً لِلْوَلِيِّ قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ لَهُ الرَّهْنُ) هَذَا جَوَازٌ بَعْدَ امْتِنَاعٍ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ . اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِثَالُهُمَا) أَيْ الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ. قَوْلُهُ: (لِحَاجَةِ الْمُؤْنَةِ) أَيْ حَاجَةٍ شَاقَّةٍ لِيُلَائِمَ قَوْلَهُ " إلَّا لِضَرُورَةٍ إلَخْ " وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ الْحَاجَةُ أَعَمُّ مِنْ الضَّرُورَةِ، فَإِنَّهَا تَشْمَلُ التَّفَكُّهَ وَثِيَابَ الزِّينَةِ، فَكَيْفَ تُفَسَّرُ الضَّرُورَةُ بِذَلِكَ؟ . اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (كَنَفَاقِ) مَتَاعٍ أَيْ رَوَاجٍ يُقَالُ نَفَقَتْ السِّلْعَةُ وَالْمَرْأَةُ نَفَاقًا بِالْفَتْحِ كَثُرَ طُلَّابُهَا وَخُطَّابُهَا، وَقَوْلُهُ " (كَاسِدٍ) " أَيْ بَائِرٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهِ) كَتَلَفٍ. قَوْلُهُ: (وَمِثَالُهُمَا لِلْغِبْطَةِ إلَخْ) وَإِذَا رَهَنَ فَلَا يَرْهَنُ إلَّا مِنْ أَمِينٍ آمِنٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالِهِ مُؤَجَّلًا لِغِبْطَةٍ مِنْ أَمِينٍ غَنِيٍّ وَبِإِشْهَادٍ وَبِأَجَلٍ قَصِيرٍ عُرْفًا وَكَوْنُ الْمَرْهُونِ وَافِيًا بِالثَّمَنِ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ بَطَلَ الْبَيْعُ. قَوْلُهُ: (مَا يُسَاوِي مِائَةً) أَيْ حَالَّةً، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَلَوْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ إلَّا بِرَهْنِ مَا يَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ تُرِكَ الشِّرَاءُ خِلَافًا لِجَمْعِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ) أَيْ حَالَّةً ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ) وَاللُّزُومُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ، وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي حَقِّهِ فَلَهُ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ قَبْضًا مِثْلُ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، أَيْ مِنْ النَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ وَالتَّخْلِيَةِ فِي غَيْرِهِ؛ وَفِي نُسْخَةٍ: " بِمَا مَرَّ " وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَبْضٍ وَإِذْنٍ وَإِقْبَاضٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ غَيْرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 كَالْعَقْدِ لَا إنَابَةُ مُقْبِضٍ مِنْ رَاهِنٍ أَوْ نَائِبِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ. (وَلِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ فِيهِ) أَيْ الْمَرْهُونِ (مَا لَمْ يُقْبِضْهُ) الْمُرْتَهِنَ أَوْ نَائِبَهُ، وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبْضِهِ بِتَصَرُّفٍ يُزِيلُ مِلْكًا كَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ لِزَوَالِ مَحِلِّ الرَّهْنِ، وَبِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَتَقْيِيدُهُمَا بِالْقَبْضِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ بِدُونِ قَبْضٍ لَا يَكُونُ رُجُوعًا. لَكِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ رُجُوعٌ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ أَيْضًا بِكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَإِحْبَالٍ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْعِتْقُ وَهُوَ مُنَافٍ لِلرَّهْنِ، وَلَا يَحْصُلُ بِوَطْءٍ وَتَزْوِيجٍ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِمَا لَهُ وَلَا   [حاشية البجيرمي] الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلِلْعَاقِدِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ رَاهِنًا أَوْ مُرْتَهِنًا. وَقَوْلُهُ " فِيهِ " أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْقَبْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْإِقْبَاضِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاهِنِ، فَالْقَبْضُ تَنَاوَلَ الْمُرْتَهِنَ وَالْإِقْبَاضُ دَفَعَ الْمَرْهُونَ لِلْمُرْتَهِنِ. قَوْلُهُ: (لَا إنَابَةَ مُقْبِضٍ) أَيْ لَا إنَابَةَ الْمُرْتَهِنِ الْمُقْبِضَ فِي الْقَبْضِ، أَيْ إنَّ الْمُرْتَهِنَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إنَابَةُ الرَّاهِنِ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ عَبْدِهِ فِي الْقَبْضِ، وَأَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ إنَابَةُ الرَّاهِنِ الْمُرْتَهِنَ فِي الْإِقْبَاضِ فَيَصِحُّ وَكَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ لِأَنَّهُ كَالْإِقْبَاضِ. قَوْلُهُ: (الرُّجُوعُ فِيهِ) أَيْ فِي الرَّهْنِ بِفَسْخِهِ أَوْ فِي الْمَرْهُونِ بَعْدَ فَسْخِ عَقْدِهِ. وَسَلَكَ الشَّارِحُ الثَّانِيَ لِمُنَاسَبَةِ الضَّمِيرِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَرْهُونِ، وَفَاعِلُ يَقْبِضُ إمَّا الرَّاهِنُ بِجَعْلِهِ مِنْ أَقْبَضَ وَهُوَ أَوْلَى، أَوْ الْمُرْتَهِنُ بِجَعْلِهِ مِنْ قَبْضَ، وَسَلَكَ الشَّارِحُ الثَّانِيَ لِيَدْخُلَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ق ل؛ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ الْفَاعِلِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ لَا مِنْ كَلَامِ الْمَاتِنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ أَيْ الْمَرْهُونِ الْمُنَاسِبِ أَيْ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ الْمُتَقَدِّمُ، نَعَمْ ضَمِيرُ يَقْبِضُهُ رَاجِعٌ لِلْمَرْهُونِ فَيَكُونُ فِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامٌ. قَوْلُهُ: (مَقْبُوضَةٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، أَيْ مَقْبُوضٌ مُتَعَلِّقُهَا وَهُوَ الْمَوْهُوبُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ اسْمٌ لِلْعَقْدِ وَهُوَ لَا يُقْبَضُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (وَبِرَهْنٍ) أَعَادَ الْعَامِلَ إشَارَةً إلَى اسْتِقْلَالِهِ، أَيْ فَلَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى الْهِبَةِ لِأَنَّ هَذَا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، شَوْبَرِيٌّ؛ بَلْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِتَصَرُّفٍ. قَوْلُهُ: (مَقْبُوضٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (لَا يَكُونُ رُجُوعًا) زَادَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِتَخْرِيجِ الرَّبِيعِ اهـ. وَقَوْلُهُ " لِتَخْرِيجِ الرَّبِيعِ " أَيْ عَلَى الْهِبَةِ لِلْفَرْعِ؛ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا وَهَبَهَا الْأَصْلَ لِفَرْعِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا إلَّا بِالْقَبْضِ فَجَرَى ذَلِكَ فِي نَظِيرِهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ التَّخْرِيجِ عِنْدَهُمْ. وَأَشَارَ ابْنُ السُّبْكِيّ إلَى ضَابِطِ التَّخْرِيجِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُجْتَهِدِ قَوْلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ لَكِنْ عُرِفَ لَهُ قَوْلٌ فِي نَظِيرِهَا فَهُوَ قَوْلُهُ الْمُخَرَّجُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. وَحَاصِلُهُ كَمَا أَوْضَحَهُ شَارِحُهُ وَحَوَاشِيهِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَسْأَلَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَيَنُصُّ الْمُجْتَهِدُ فِي كُلٍّ حُكْمًا غَيْرَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُخْرَى، فَيُخَرِّجُ الْأَصْحَابُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلًا آخَرَ اسْتِنْبَاطًا لَهُ مِنْ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُخْرَى. وَهُنَا قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرُّجُوعِ عَنْ الرَّهْنِ بِهِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِهِمَا وَلَوْ بِلَا قَبْضٍ، وَنَصَّ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ هِبَةُ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِهِبَةٍ أُخْرَى أَوْ رَهْنٍ إلَّا مَعَ الْقَبْضِ؛ فَخَرَّجَ الرَّبِيعُ فِي مَسْأَلَتِنَا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِهِمَا إلَّا مَعَ الْقَبْضِ اسْتِنْبَاطًا مِنْ الْمَنْصُوصِ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ لِلْفَرْعِ؛ وَمُقْتَضَى الضَّابِطِ أَنَّ الرَّبِيعَ خَرَّجَ لِلشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ لِلْفَرْعِ قَوْلًا بِأَنَّهُ يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِهَا وَلَوْ بِدُونِ قَبْضٍ اسْتِنْبَاطًا مِمَّا هُنَا، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ اهـ، أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ: أَوْصَيْت بِهَذَا الْعَبْدِ لِزَيْدٍ ثُمَّ وَهَبَهُ لِعَمْرٍو فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ الْمَوْهُوبَ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) اعْتَمَدَهُ م ر. قَوْلُهُ: (بِكِتَابَةٍ) وَلَوْ فَاسِدَةً، حَجّ. قَوْلُهُ: (وَإِحْبَالٍ) أَيْ مِنْهُ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ طَرَيَانُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الرَّهْنَ، وَكُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَهُ لَا يَفْسَخُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا الرَّهْنَ وَالْهِبَةَ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ اهـ شَرْحُ م ر. قُلْتُ: اقْتِصَارُهُ عَلَى إحْبَالِهِ وَأَصْلُهُ يُخْرِجُ إحْبَالَ فَرْعِهِ. وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَصْلَ لَهُ فِي مَالٍ فَرْعُهُ شُبْهَةُ الْإِعْفَافِ دُونَ عَكْسِهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (بِوَطْءٍ) أَيْ وَإِنْ أَنْزَلَ أَوْ أَزَالَ الْبَكَارَةَ، سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (وَتَزْوِيجٍ) سَوَاءٌ كَانَ لِعَبْدٍ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 بِمَوْتِ عَاقِدٍ وَجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ وَتَخَمُّرِ عَصِيرٍ وَإِبَاقِ رَقِيقٍ، وَلَيْسَ لِرَاهِنٍ مَقْبِضُ رَهْنٍ وَلَا وَطْءٌ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تَحْبَلُ، وَلَا تَصَرُّفَ يُزِيلُ مِلْكًا كَوَقْفٍ أَوْ يَنْقُصُهُ كَتَزْوِيجٍ فَلَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ إلَّا إعْتَاقُ مُوسِرٍ وَإِيلَادُهُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَقْتَ إعْتَاقِهِ وَإِحْبَالِهِ وَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ لِقِيَامِهَا مَقَامَهُ، وَالْوَلَدُ الْحَاصِلُ مِنْ وَطْءِ الرَّاهِنِ حُرٌّ نَسِيبٌ وَلَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ. وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ وَالْإِيلَادُ لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا فَانْفَكَّ الرَّهْنُ نَفَذَ الْإِيلَادُ لَا الْإِعْتَاقُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَوْلٌ فَإِذَا رُدَّ لَغَا،   [حاشية البجيرمي] أَمَةٍ أج. قَوْلُهُ: (وَلَا بِمَوْتِ عَاقِدٍ) مِنْ رَاهِنٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ، أَيْ فَيَقُومُ فِي الْمَوْتِ وَرَثَةُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ مَقَامَهُمَا فِي الْقَبْضِ وَالْإِقْبَاضِ وَفِي غَيْرِهِ مَنْ يَنْظُرُ فِي حَالِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يَنْتَظِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (وَتَخَمُّرِ عَصِيرٍ) لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِقَبْضِهِ حَالَ التَّخَمُّرِ فَيَقْبِضُ بَعْدَ تَخَلُّلِهِ ق ل، فَإِنْ قَبَضَ حَالَ التَّخَمُّرِ اُسْتُؤْنِفَ الْقَبْضُ بَعْدَ التَّخَلُّلِ لِفَسَادِ الْقَبْضِ الْأَوَّلِ م ر وَح ل. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِرَاهِنٍ مَقْبِضُ إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " مَا لَمْ يُقْبِضْهُ " أَيْ أَمَّا إذَا أَقْبَضَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (رَهْنٍ) لِئَلَّا يُزَاحِمَ الْمُرْتَهِنَ. وَهَذِهِ الْعِلَّةُ قَاصِرَةٌ عَلَى رَهْنِهِ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ، وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ: " رَهْنٍ " أَيْ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ وَلَا لَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ وَإِنْ وَفَّى أَيْ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ وَالْمَشْغُولُ لَا يُشْغَلُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَوْقَ الرَّهْنِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ شَغْلُ فَارِغٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا وَطْءٌ) لِخَوْفِ الْإِحْبَالِ فِيمَنْ تَحْبَلُ وَحَسْمًا لِلْبَابِ فِي غَيْرِهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. نَعَمْ لَوْ خَافَ الزِّنَا لَوْ لَمْ يَطَأْ فَلَهُ وَطْؤُهَا فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الْوَطْءِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا كَمَا قَالَهُ ح ل. وَخَرَجَ بِالْوَطْءِ بَقِيَّةُ التَّمَتُّعَاتِ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تَحْرُمُ. وَجَمَعَ الشَّيْخُ يَعْنِي شَيْخَ الْإِسْلَامِ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الثَّانِي عَلَى مَا لَوْ خَافَ الْوَطْءَ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا لَوْ أَمِنَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (مِمَّا لَا تَحْبَلُ) الْأَوْلَى مِمَّنْ كَمَا فِي نُسْخَةِ لِأَنَّ " مَا " لِغَيْرِ الْعَاقِلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمَةَ تُشْبِهُ غَيْرَ الْعَاقِلِ وَالْوَطْءُ حَرَامٌ، وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ زَوْجًا كَأَنْ اسْتَعَارَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ مِنْ سَيِّدِهَا لِيَرْهَنَهَا فَرَهَنَهَا. وَبِهِ يُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا زَوْجٌ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهُ لِزَوْجَتِهِ إلَّا بِإِذْنِ أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ. قَوْلُهُ: (كَوَقْفٍ إلَخْ) نَعَمْ لَهُ قَتْلُهُ قَوَدًا وَدَفْعًا لَهُ إذَا كَانَ صَائِلًا، وَكَذَا لِنَحْوِ رِدَّةٍ إذَا كَانَ وَالِيًا اهـ م ر وأ ج. قَوْلُهُ: (أَوْ يَنْقُصُهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَالصَّادِ. قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] . وَبِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ الْمَكْسُورَةِ، وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ لِمَجِيءِ الْقُرْآنِ بِهِ. وَأَمَّا " يُنْقِصُ " بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ فَلَمْ يَثْبُتْ، وَجَاءَ " نَقَصَ " بِالتَّخْفِيفِ لَازِمًا يُقَالُ نَقَصَ الْمَالُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَنْفُذُ) فَالتَّزْوِيجُ بَاطِلٌ وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالدَّيْنُ حَالٌّ أَوْ يَحِلُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْقُصُ الْقِيمَةَ وَيُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ مَعَ فَرَاغِهَا جَازَتْ، وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ مَعَ الْمُرْتَهِنِ وَمَعَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (مُوسِرٍ) الْمُرَادُ يَسَارُهُ بِأَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ وَالدَّيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، م ر ز ي وع ش. قَوْلُهُ: (وَإِيلَادُهُ) وَإِقْدَامُ الْمُوسِرِ عَلَيْهِمَا جَائِزٌ ح ل. قَوْلُهُ: (وَتَكُونُ رَهْنًا إلَخْ) وَقَبْلَ الْغُرْمِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ، أَيْ فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا رَهْنٌ فِي الدَّوَامِ فَلَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ رَهْنِ الدَّيْنِ لِأَنَّ مَحِلَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ. وَفَائِدَةُ ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْمُرْتَهِنِ بِذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَعَلَى مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ، وَلَيْسَ لَهُ سِوَى قَدْرِ الْقِيمَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَالْوَلَدُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ إيلَادُهُ، ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ) وَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ؛ لَكِنْ يَغْرَمُ أَرْشَ الْبَكَارَةِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الذَّاهِبِ وَتَكُونُ رَهْنًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا) وَيُبَاعُ عَلَى الْمُعْسِرِ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَإِنْ نَقَصَتْ بِالتَّشْقِيصِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْإِيلَادِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ الْمَرْهُونَةِ حَيْثُ يُبَاعُ كُلُّهُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَالِكِ؛ لَكِنْ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ وَضْعِ وَلَدِهَا لِحَمْلِهَا بِحُرٍّ بَلْ وَبَعْدَ أَنْ تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ وَيُوجَدُ مَنْ يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْهَا، فَإِنْ اسْتَغْرَقَهَا الدَّيْنُ أَوْ عَدِمَ مُشْتَرِي الْبَعْضِ بِيعَتْ كُلُّهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي الْأُولَى وَلِلضَّرُورَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا يَضُرُّ التَّفْرِيقُ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَانْفَكَّ الرَّهْنُ) أَيْ بِغَيْرِ بَيْعٍ، فَإِنْ انْفَكَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 وَالْإِيلَادُ فِعْلٌ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ فَإِذَا زَالَ الْحَقُّ ثَبَتَ حُكْمُهُ. وَلِلرَّاهِنِ انْتِفَاعٌ بِالْمَرْهُونِ لَا يَنْقُصُهُ كَرُكُوبٍ وَسُكْنَى لَا بِنَاءٌ وَغِرَاسٌ لِأَنَّهُمَا يَنْقُصَانِ قِيمَةَ الْأَرْضِ ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ بِلَا اسْتِرْدَادِ الْمَرْهُونِ انْتِفَاعٌ يُرِيدُهُ الرَّاهِنُ مِنْهُ لَمْ يَسْتَرِدَّ وَإِلَّا فَيَسْتَرِدُّهُ كَأَنْ يَكُونَ دَارًا يَسْكُنُهَا وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِرْدَادِ إنْ اتَّهَمَهُ وَلَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ، وَلَهُ رُجُوعٌ عَنْ الْإِذْنِ قَبْلَ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ كَمَا لِلْمُوَكِّلِ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ بَعْدَ رُجُوعِهِ لَغَا تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِ وَكِيلٍ عَزَلَهُ مُوَكِّلُهُ. وَعَلَى الرَّاهِنِ الْمَالِكِ مُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ كَنَفَقَةِ رَقِيقٍ وَعَلْفِ دَابَّةٍ وَأُجْرَةِ سَقْيِ أَشْجَارٍ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَرْهُونِ كَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَهُوَ أَمَانَةٌ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ. (وَلَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ) بِمِثْلٍ وَلَا قِيمَةٍ إذَا تَلِفَ (إلَّا بِالتَّعَدِّي) بِالتَّفْرِيطِ فَيَضْمَنُهُ   [حاشية البجيرمي] بِبَيْعٍ لَمْ يَنْفُذْ الْإِيلَادُ إلَّا إنْ مَلَكَ الْأَمَةَ بَعْدُ، فَإِنْ مَلَكَ بَعْضَهَا نَفَذَ الْإِيلَادُ فِيهِ وَسَرَى النُّفُوذُ إلَى الْبَاقِي إنْ كَانَ مُوسِرًا حِينَئِذٍ فِيمَا يَظْهَرُ، فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ الْمِلْكِ فَفِيهِ نَظَرٌ. وَيَظْهَرُ النُّفُوذُ لِلْحُكْمِ بِثُبُوتِ الْإِيلَادِ فِي حَقِّهِ بِمُجَرَّدِ الْإِحْبَالِ، وَإِنَّمَا تَخَلَّفَ لِمَانِعٍ وَقَدْ زَالَ؛ سم. قَوْلُهُ: (وَالْإِيلَادُ فِعْلٌ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ) وَإِنَّمَا يُمْنَعُ حُكْمُهُ فِي الْحَالِ لِحَقِّ الْغَيْرِ، فَإِذَا زَالَ إلَخْ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، فَفِيهِ حَذْفٌ. قَوْلُهُ: (لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ) بِدَلِيلِ نُفُوذِهِ مِنْ السَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ، فَهُوَ أَقْوَى دُونَ إعْتَاقِهِمَا ز ي. قَوْلُهُ: (فَإِذَا زَالَ الْحَقُّ) وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الرَّهْنِ بِهِ، وَقَوْلُهُ " ثَبَتَ حُكْمُهُ " أَيْ الْإِيلَادِ وَهُوَ صَيْرُورَتُهَا أُمَّ وَلَدٍ وَعَدَمُ صِحَّةِ نَحْوِ بَيْعِهَا، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلِلرَّاهِنِ انْتِفَاعٌ) فَإِنْ تَلِفَ بِالِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ يَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، فَإِنْ ادَّعَى رَدَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ نَظِيرَ عَكْسِهِ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (لَا بِنَاءٌ وَغِرَاسٌ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَصَرُّفٌ إلَخْ. وَهُوَ مَرْفُوعٌ مَعْطُوفٌ عَلَى انْتِفَاعٍ، قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ اسْتِثْنَاءَ بِنَاءٍ خَفِيفٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِاللَّبِنِ كَمِظَلَّةِ النَّاظُورِ؛ لِأَنَّهُ يُزَالُ عَنْ قُرْبٍ كَالزَّرْعِ وَلَا تَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ وَلَهُ زَرْعُ مَا يُدْرَكُ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ أَوْ مَعَهُ وَلَمْ تَنْقُصْ بِهِ قِيمَةُ الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا يُنْقِصَانِ قِيمَةَ الْأَرْضِ) أَيْ إذَا بِيعَتْ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّهَا تُبَاعُ خَالِيَةً عَنْهُمَا. مَعَ شَغْلِهَا بِهِمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ قِيمَتَهَا وَحْدَهَا مَعَ اشْتِغَالِهَا بِهِمَا أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا خَالِيَةً عَنْهُمَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ بِلَا اسْتِرْدَادٍ) كَأَنْ يَكُونَ عَبْدًا يَخِيطُ وَأَرَادَ مِنْهُ الْخِيَاطَةَ. وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا فَيَسْتَرِدُّهُ كَأَنْ يَكُونَ دَارًا يَسْكُنُهَا " أَوْ عَبْدًا يَخْدُمُهُ أَوْ دَابَّةً يَرْكَبُهَا أَيْ لِغَيْرِ سَفَرٍ وَإِنْ قَصَرَ، وَيَرُدُّ الدَّابَّةَ وَالْعَبْدَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَيْلًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ وح ل. قَوْلُهُ: (وَيَشْهَدُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ وَلَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ إلَّا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ م ر. وَعِبَارَةُ س ل: وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ أَيْ يُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ وَإِنْ لَمْ تُشْتَهَرْ عَدَالَتُهُ، أَمَّا مَشْهُورُ الْخِيَانَةِ فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ أَصْلًا وَإِنْ أَشْهَدَ. قَوْلُهُ: (بِالِاسْتِرْدَادِ) وَشَرْطُ اسْتِرْدَادِ الْأَمَةِ أَمْنُ وَطْئِهَا لِكَوْنِهَا مَحْرَمًا لَهُ أَوْ كَوْنِهِ ثِقَةً وَلَهُ أَهْلٌ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ تَصَرُّفٍ وَانْتِفَاعٍ فَيَحِلُّ الْوَطْءُ، فَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ، وَإِنْ أَحْبَلَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ بَاعَ نَفَذَتْ وَبَطَلَ الرَّهْنُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَإِنْ رَدَّ الْإِذْنَ لَمْ يَرْتَدَّ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. وَفَارَقَتْ الْوَكَالَةُ بِأَنَّهَا عَقْدٌ س ل. قَوْلُهُ: (قَبْلَ تَصَرُّفِ) وَكَذَا مَعَهُ عَلَى الْأَوْجَهِ لِبَقَاءِ حَقِّهِ،. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَصَرَّفَ) وَلَوْ جَاهِلًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ رُجُوعِهِ) أَيْ بِغَيْرِ إعْتَاقٍ وَإِيلَادٍ مِنْ الْمُوسِرِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الرَّاهِنِ الْمَالِكِ إلَخْ) خَرَجَ مُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ الْمُسْتَعَارِ فَإِنَّهَا عَلَى مَالِكِهِ لَا عَلَى الرَّاهِنِ م ر. قَوْلُ: (وَلَا يَضْمَنُهُ) أَيْ لَا قَبْلَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا بَعْدَهَا. وَلَوْ اسْتَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ، وَلَوْ ارْتَهَنَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَضْمَنَهُ فَسَدَ الرَّهْنُ وَلَا ضَمَانَ إذْ فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ؛ سم. قَوْلُهُ: (إلَّا بِالتَّعَدِّي) أَوْ الِامْتِنَاعِ مِنْ رَدِّهِ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ. وَمِنْ التَّعَدِّي رُكُوبُ الدَّابَّةِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا وَاسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 حِينَئِذٍ لِخُرُوجِ يَدِهِ عَنْ الْأَمَانَةِ، وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِيَمِينِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ضَابِطٌ: كُلُّ أَمِينٍ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُسْتَأْجِرَ. (وَإِذَا قَضَى) بِمَعْنَى أَدَّى، الرَّاهِنُ (بَعْضَ الْحَقِّ) أَيْ الدَّيْنِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الرَّهْنُ (لَمْ يَخْرُجْ) أَيْ لَمْ يَنْفَكَّ (شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْضِيَ) أَيْ يُؤَدِّيَ (جَمِيعَهُ) لِتَعَلُّقِهِ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ كَرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ، وَيَنْفَكُّ أَيْضًا بِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ بِدُونِ الرَّاهِنِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ جَمِيعِ الدَّيْنِ. وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ بِدَيْنٍ وَنِصْفَهُ بِآخَرَ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى فَبَرِئَ مِنْ أَحَدِهِمَا انْفَكَّ قِسْطُهُ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ. وَلَوْ رَهَنَاهُ بِدَيْنٍ فَبَرِئَ أَحَدُهُمَا مِمَّا عَلَيْهِ انْفَكَّ نَصِيبُهُ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْعَاقِدِ. وَلَوْ رَهَنَهُ عِنْدَ اثْنَيْنِ فَبَرِئَ مِنْ دَيْنِ أَحَدِهِمَا انْفَكَّ قِسْطُهُ لِتَعَدُّدِ مُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ. فُرُوعٌ: لَوْ رَهَنَ شَخْصٌ آخَرَ عَبْدَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَسَلَّمَ أَحَدَهُمَا لَهُ كَانَ مَرْهُونًا عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ سَلَّمَهُمَا   [حاشية البجيرمي] م د. قَوْلُهُ: (وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: " فَلَا " بِالْفَاءِ وَهِيَ أَحْسَنُ، وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ بِتَلَفِهِ قَدْرُهُ مِنْ الدَّيْنِ،. اهـ. ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ) وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأُمَنَاءِ، وَكَذَا كُلُّ ضَامِنٍ كَالْغَاصِبِ؛ لَكِنْ الْأَمِينُ يُصَدَّقُ وَلَا يَضْمَنُ، وَالْغَاصِبُ يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ الْبَدَلَ. قَوْلُهُ: (فِي دَعْوَى التَّلَفِ) أَيْ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ سَبَبًا، أَوْ ذَكَرَ سَبَبًا خَفِيًّا كَسَرِقَةٍ، أَوْ سَبَبًا ظَاهِرًا كَحَرِيقٍ عُرِفَ دُونَ عُمُومِهِ أَوْ عُرِفَ هُوَ وَعُمُومُهُ وَاتُّهِمَ، فَإِنْ لَمْ يُتَّهَمْ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ، فَإِنْ ادَّعَى سَبَبًا ظَاهِرًا لَمْ يُعْرَفْ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى السَّبَبِ وَيَمِينٍ عَلَى التَّلَفِ، فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْوَدِيعَةِ. قَوْلُهُ: (كُلُّ أَمِينٍ) خَرَجَ الْغَاصِبُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَامُ. قَوْلُهُ: (إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُسْتَأْجِرَ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأُمَنَاءِ أَنَّهُمَا يَقْبِضَانِ الْعَيْنَ لِغَرَضِ أَنْفُسِهِمَا، الْمُرْتَهِنُ لِلتَّوَثُّقِ وَالْمُسْتَأْجِرُ لِلِانْتِفَاعِ بِالْمُؤَجَّرِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا فَكَانَا كَالْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ. اهـ. م د. بِخِلَافِ الْأَجِيرِ كَالْخَيَّاطِ وَالطَّحَّانِ وَالصَّبَّاغِ، فَإِنَّهُمْ يُصَدَّقُونَ فِي دَعْوَى الرَّدِّ بِيَمِينِهِمْ لِدُخُولِهِمْ فِي الْقَاعِدَةِ. قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى أَدَّى) فَالْقَضَاءُ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ. قَوْلُهُ: (الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الرَّهْنُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ الدَّيْنُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالرَّهْنِ لَا الْعَكْسُ، فَلَعَلَّ فِي الْعِبَارَةِ قَلْبًا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ) أَيْ الَّذِي فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَاَلَّذِي لَمْ يَتَعَدَّدْ فِيهِ الرَّاهِنُ وَلَا الْمُرْتَهِنُ ابْتِدَاءً، أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (لِتَعَلُّقِهِ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ) لَوْ قَالَ " لِتَعَلُّقِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ بِجَمِيعِ الرَّهْنِ " لَكَانَ أَوْضَحَ، مَرْحُومِيٌّ؛ فَالْعِبَارَةُ فِيهَا قَلْبٌ. قَوْلُهُ: (وَيَنْفَكُّ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَنْفَكُّ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الْحَقِّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ، فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ جِهَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا اتَّحَدَتْ الصَّفْقَةُ وَفِيمَا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ وَاحِدًا وَالْمُرْتَهِنُ وَاحِدًا فَهُوَ تَقْيِيدٌ لِلْمَتْنِ، أَوْ هَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ. وَقَدْ صَرَّحَ فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ: وَيَنْفَكُّ بِفَسْخِ مُرْتَهِنٍ وَبِبَرَاءَةٍ مِنْ الدَّيْنِ لَا بَعْضِهِ، فَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ إلَّا إنْ تَعَدَّدَ عَقْدٌ أَوْ مُسْتَحِقٌّ أَوْ مَدِينٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ رَهَنَاهُ) أَيْ الْعَبْدَ قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) أَيْ ثَلَاثَةٌ. وَهَذِهِ الْفُرُوعُ مِنْ مَعْنَى الْمَتْنِ، وَحَاصِلُهَا أَنَّ مَا أَصْلُهُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَصِيرُ صَفْقَتَيْنِ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ فِي الدَّوَامِ نَظَرًا لِأَصْلِهِ، وَالْفَرْعَانِ الْأَخِيرَانِ دَاخِلَانِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِذَا قَضَى بَعْضَ الْحَقِّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (آخَرَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ، أَيْ شَخْصًا آخَرَ. قَوْلُهُ: (كَانَ مَرْهُونًا عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ) لَا عَلَى نِصْفِهِ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ رَهْنٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ سَلَّمَهُمَا) هَذِهِ نُسْخَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَهُنَاكَ نُسْخَةٌ " سَلَّمَهُمَاهُ " فَضَمِيرُ الْمُثَنَّى رَاجِعٌ لِلْعَبْدَيْنِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ عَنْ وَرَثَةٍ فَفَدَى أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ لَمْ يَنْفَكَّ كَمَا فِي الْمُوَرِّثِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ وَرَثَةٍ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَنْفَكَّ نَصِيبُهُ كَمَا لَوْ وَفَّى مُوَرِّثُهُ بَعْضَ دَيْنِهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي أَصْلِ الرَّهْنِ أَوْ فِي قَدْرِهِ صُدِّقَ الرَّاهِنُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْمُرْتَهِنُ هَذَا إنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ، أَمَّا الرَّهْنُ الْمَشْرُوطُ فِي بَيْعٍ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِهِ فِيهِ أَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ غَيْرَ الْأُولَى فَيَتَحَالَفَانِ فِيهِ كَسَائِرِ صُوَرِ الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفَا فِيهَا، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبْدَهُمَا بِمِائَةٍ وَأَقْبَضَاهُ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا، فَنَصِيبُهُ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَحَلَفَ الْمُكَذِّبُ لِمَا مَرَّ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدَّقِ عَلَيْهِ لِخُلُوِّهَا عَنْ التُّهْمَةِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الْمَرْهُونِ وَهُوَ بِيَدِ رَاهِنٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ وَقَالَ الرَّاهِنُ: غَصَبْته أَوْ أَقَبَضْته عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى كَإِعَارَةٍ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ مَثَلًا بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَأَدَّى أَلْفًا وَقَالَ: أَدَّيْته عَنْ أَلْفِ الرَّهْنِ، صُدِّقَ   [حاشية البجيرمي] وَالْمُفْرَدُ الَّذِي بَعْدَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، وَهُمَا ضَمِيرَا غَيْبَةٍ، فَكَانَ الْوَاجِبُ الْفَصْلَ فِي الثَّانِي بِأَنْ يَقُولَ: سَلَّمَهُمَا إيَّاهُ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ الْوَصْلُ عِنْدَ اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ الْزَمْ فَصْلَا ... وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبَ فِيهِ وَصْلَا قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ إلَخْ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ شَمِلَهُمَا قَوْلُ الْمَتْنِ: وَإِذَا قُضِيَ بَعْضُ الْحَقِّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَفَدَى إلَخْ) فِي نُسْخَةٍ " فَوَفَّى " وَهِيَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (لَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) تَسْمِيَتُهُمَا رَاهِنًا وَمُرْتَهِنًا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِحَسَبِ الدَّعْوَى. اهـ. ق ل، وَإِلَّا فَالرَّاهِنُ يُنْكِرُ الرَّهْنَ؛ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ رَاهِنٌ بِالنَّظَرِ لِزَعْمِ الْمُرْتَهِنِ. قَوْلُهُ: (فِي أَصْلِ الرَّهْنِ) كَأَنْ قَالَ: رَهَنْتنِي كَذَا، فَأَنْكَرَ. وَقَوْلُهُ " أَوْ فِي قَدْرِهِ " أَيْ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ، كَأَنْ قَالَ: رَهَنْتنِي الْأَرْضَ بِشَجَرِهَا، فَقَالَ: بَلْ وَحْدَهَا. زَادَ فِي الْمَنْهَجِ: أَوْ عَيَّنَهُ كَهَذَا الْعَبْدِ، فَقَالَ: بَلْ الثَّوْبُ، أَوْ: قُدِّرَ مَرْهُونٌ بِهِ كَبِأَلْفَيْنِ، فَقَالَ: بَلْ أَلْفٌ،. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (الْمَالِكُ) لَيْسَ قَيْدًا أَوْ الْمُرَادُ بِهِ وَاضِعُ الْيَدِ فَيَشْمَلُ الْمُسْتَعِيرَ لِلرَّهْنِ اهـ د م. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ تَصْدِيقُ الرَّاهِنِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ) أَيْ لَمْ يُشْرَطْ فِي بَيْعٍ أَخْذًا مِنْ الْمُقَابَلَةِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الرَّهْنُ الْمَشْرُوطُ فِي بَيْعٍ) كَأَنْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ تَرْهَنَ عَلَيْهِ عَبْدَك. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِهِ) أَيْ الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ) أَيْ الِاشْتِرَاطِ. قَوْلُهُ: (وَاخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْأُولَى غَيْرُ الْقَدْرِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَاخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ. نَعَمْ هَذَا التَّعْبِيرُ يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمَنْهَجِ لِأَنَّهُ قَالَ: اخْتَلَفَا فِي رَهْنِ تَبَرُّعٍ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ عَيْنِهِ أَوْ قَدْرِ مَرْهُونٍ بِهِ حَلَفَ رَاهِنٌ، فَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَرَى عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ لَا أَنَّ ذَاكَ ذَكَرَ جُمْلَةَ مَسَائِلَ كَمَا عَرَفْت. قَوْلُهُ: (غَيْرُ الْأَوْلَى) أَمَّا الْأَوْلَى وَهِيَ اخْتِلَافُهُمَا فِي أَصْلِ الرَّهْنِ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى الِاشْتِرَاطِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي إيجَادِ الرَّهْنِ وَالْوَفَاءِ بِهِ بِأَنْ ادَّعَاهُ الْمُرْتَهِنُ أَيْ قَالَ: وَفَّيْت بِالشَّرْطِ؛ وَأَنْكَرَهُ الرَّاهِنُ، أَيْ قَالَ: لَمْ أَعْقِدْ الرَّهْنَ وَلَمْ أُوفِ بِالِاشْتِرَاطِ، لِيَأْخُذَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ غَصْبًا أَوْ إعَارَةً، فَلَا تَخَالُفَ فِيهَا بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَلِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُ الْبَيْعِ إنْ لَمْ يَرْهَنْ الْمَشْرُوطَ رَهْنُهُ، ز ي. قَوْلُهُ: (فَيَتَحَالَفَانِ فِيهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " فِي شَيْءٍ " وَإِذَا تَحَالَفَا يَفْسَخَانِهِ أَيْ عَقْدَ الرَّهْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ كَمَا فِي بَابِ التَّحَالُفِ فِي الْبَيْعِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْمُرْتَهِنُ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدَّقِ إلَخْ) شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ أَوْ حَلَفَ الْمُدَّعِي ثَبَتَ رَهْنُ الْجَمِيعِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ الرَّاهِنُ إلَخْ) يَرْجِعُ لِلثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ " أَوْ مُرْتَهِنٌ " بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَوَافَقَهُ الرَّاهِنُ عَلَى إذْنِهِ لَهُ فِي قَبْضِهِ عَنْهُ، لَكِنَّهُ قَالَ: إنَّك لَمْ تَقْبِضْهُ عَنْ الرَّهْنِ أَوْ رَجَعْت عَنْ الْإِذْنِ، فَيَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ. قَوْلُهُ: (كَإِعَارَةٍ) أَيْ وَإِجَارَةٍ وَإِيدَاعٍ. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ مِنْهَا وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ كَمَرْهُونٍ وَلَا يَمْنَعُ التَّعَلُّقُ إرْثًا فَلَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ، وَلِلْوَارِثِ إمْسَاكُهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا وَالدَّيْنِ، وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَارِثُ   [حاشية البجيرمي] الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ لُزُومِ الرَّهْنِ وَعَدَمُ إذْنِهِ فِي الْقَبْضِ عَنْ الرَّهْنِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ اقْتَرَضَ شَيْئًا وَنَظَرَ أَنَّ لِلْمُقْرِضِ كَذَا مَا دَامَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ ثُمَّ دَفَعَ لَهُ قَدْرًا يَفِي بِجَمِيعِ الْمَالِ وَقَالَ: قَصَدْت بِهِ الْأَصْلَ، فَيُصَدَّقُ وَلَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ ع ش. قَوْلُهُ: (جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ مِنْهُمَا) كَمَا فِي زَكَاةِ الْمَالَيْنِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، فَإِنْ جَعَلَهُ عَنْهُمَا قَسَّطَ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ لَا بِالْقِسْطِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ التَّعْيِينِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) هَذَا شُرُوعٌ فِي الرَّهْنِ الشَّرْعِيِّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الرَّهْنِ الْجَعْلِيِّ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) أَيْ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ غَيْرُهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْآدَمِيِّ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَعَلَيْهِ دَيْنٌ " أَيْ غَيْرِ لُقَطَةٍ تَمَلَّكَهَا وَتَلِفَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِتَعَلُّقِهِ، لِأَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ لَا يَظْهَرُ فَيَلْزَمُ دَوَامُ الْحَجْرِ لَا إلَى غَايَةٍ. وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهَا مِنْ جُمْلَةِ كَسْبِهِ، بِخِلَافِ دَيْنِ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِانْتِقَالِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ بَعْدَ مُضِيِّ الْعُمُرِ الْغَالِبِ بِشَرْطِهِ وَهُوَ انْتِظَامُهُ، فَيُدْفَعُ لِإِمَامٍ عَادِلٍ فَقَاضٍ أَمِينٍ فَثِقَةٍ وَلَوْ مِنْ الْوَرَثَةِ يَصْرِفُهُ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي مَصَارِفِهِ. وَشَمِلَ الدَّيْنُ مَا بِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ، وَشَمِلَ دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ الْحَجُّ، فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يُتِمَّ الْحَجَّ، وَلَا يَكْفِي الِاسْتِئْجَارُ وَدَفْعُ الْأُجْرَةِ. وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثٍ سَقَطَ مِنْهَا بِقَدْرِهِ أَيْ فَيَكُونُ لِلْوَارِثِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الرَّهْنُ الشَّرْعِيُّ،. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَوْلُهُ " مَا بِهِ رَهْنٌ " أَيْ وَيَكُونُ لَهُ تَعَلُّقَانِ تَعَلُّقٌ خَاصٌّ وَتَعَلُّقٌ عَامٌّ، وَفَائِدَةُ الثَّانِي أَنَّ الرَّهْنَ إذَا لَمْ يَفِ بِهِ أَيْ بِالدَّيْنِ يُزَاحِمُ بِمَا بَقِيَ لَهُ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ كَمَرْهُونٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ لِلْمَيِّتِ وَأَقْرَبُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا غَيْرِ إعْتَاقِهِ وَإِيلَادِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا كَالْمَرْهُونِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْوَارِثُ الدَّيْنَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْحُقُوقِ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ أَيْ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ " ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ الدَّيْنُ وَكَثُرَتْ التَّرِكَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بِتَرِكَتِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَرْهُونِ مِنْهَا، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ فَإِنْ انْفَكَّ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِهِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (كَمَرْهُونٍ) أَيْ كَتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالْمَرْهُونِ، فَتَكُونُ التَّرِكَةُ كَالْمَرْهُونِ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ التَّرِكَةِ فَوَفَّى الْوَارِثُ قَدْرَهَا فَقَطْ أَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ مِنْ الرَّهْنِيَّةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا عَنَانِيٌّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ التَّعَلُّقِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْنَعُ التَّعَلُّقُ إرْثًا) بِدَلِيلِ نُفُوذِ إعْتَاقِ الْوَارِثِ الْمُوسِرِ وَإِيلَادِهِ وَتَقْدِيمِ الدَّيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى قِسْمَةِ التَّرِكَةِ لَا عَلَى الْإِرْثِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ) أَيْ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ كَوَلَدٍ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَثَمَرٍ وَمَهْرٍ وَكَسْبٍ فَهِيَ لِلْوَارِثِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِأَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ مَاتَ عَنْ زَرْعٍ أَخْضَرَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِقَدْرِ مَا كَانَ مَوْجُودًا مِنْ الزَّرْعِ وَقْت الْمَوْتِ، وَمَا زَادَ حَتَّى السَّنَابِلَ فَهِيَ لِلْوَارِثِ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلِلْوَارِثِ إمْسَاكُهَا إلَخْ) حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ التَّرِكَةِ وَقَالَ الْوَارِثُ: آخُذُهَا بِقِيمَتِهَا، وَأَرَادَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَهَا لِتَوَقُّعِ زِيَادَةِ رَاغِبٍ أُجِيبَ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْقِيمَةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ التَّرِكَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ " وَلِلْوَارِثِ إمْسَاكُهَا إلَخْ " نَعَمْ لَوْ وَصَّى بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهَا بَعْدَ بَيْعِهَا أَوْ مِنْ عَيْنِهَا أَوْ بِدَفْعِهَا بَدَلًا عَنْهُ أَوْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ إمْسَاكُهَا وَالْقَضَاءُ مِنْ غَيْرِهَا اهـ ق ل وَح ل. قَالَ ع ش: فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ، وَإِنْ أَثِمَ بِإِمْسَاكِهَا لِرِضَا الْمُسْتَحِقِّ بِمَا بَذَلَهُ الْوَارِثُ وَوُصُولُهُ إلَى حَقِّهِ مِنْ الدَّيْنِ وَيُحْتَمَلُ فَسَادُ الْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِهِ غَرَضَ الْمُوَرِّثِ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. وَكَذَا لَوْ اشْتَمَلَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وَلَا دَيْنَ فَظَهَرَ دَيْنٌ بِنَحْوِ رَدِّ مَبِيعٍ بِعَيْبٍ تَلِفَ ثَمَنُهُ. وَلَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ فُسِخَ التَّصَرُّفُ لِأَنَّهُ كَانَ سَائِغًا لَهُ فِي الظَّاهِرِ. فَصْلٌ: فِي الْحَجْرِ وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] الْآيَةَ. وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا} [البقرة: 282] الْآيَةَ (وَالْحَجْرُ) يُضْرَبُ (عَلَى) جَمَاعَةٍ   [حاشية البجيرمي] التَّرِكَةُ عَلَى جِنْسِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ إمْسَاكُهَا وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْأَخْذِ،. اهـ. ز ي بِالْمَعْنَى. أَقُولُ: يُتَأَمَّلُ وَجْهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ اسْتِقْلَالِ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِأَخْذِهِ مِنْ التَّرِكَةِ لَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْوَارِثِ مِنْ أَخْذِ التَّرِكَةِ وَدَفْعِ جِنْسِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِالتَّرِكَةِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهَا تَعَلُّقَ رَهْنٍ وَالرَّاهِنُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَوْفِيَةُ الدَّيْنِ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ، اهـ. ثُمَّ رَأَيْته فِي حَجّ. فَرْعٌ: لَوْ طَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بَيْعَ مَالٍ مَخْصُوصٍ مِنْ أَمْوَالِ الْمَدِينِ الْمُمْتَنِعِ لَمْ يَتَعَيَّنْ إجَابَتُهُ وَلِلْقَاضِي بَيْعُ غَيْرِهِ بِالْمَصْلَحَةِ ، وَكَذَا لَوْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ الْمَرْهُونِ لِلْقَاضِي بِيعَ غَيْرُهُ مِنْ أَمْوَالِ الرَّاهِنِ بِالْمَصْلَحَةِ ، اهـ م ر سم عَنْ الْعُبَابِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَظَهَرَ دَيْنٌ) الصَّوَابُ: " فَطَرَأَ " كَمَا فِي نُسْخَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَفِيًّا ثُمَّ ظَهَرَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ خَفِيًّا ثُمَّ ظَهَرَ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ التَّصَرُّفِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَعِبَارَتُهُ: أَمَّا لَوْ كَانَ ثَمَّ دَيْنٌ خَفِيٌّ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ فَاسِدًا تَكُونُ فَوَائِدُ الْمَبِيعِ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَإِذَا كَانَ صَحِيحًا ثُمَّ فُسِخَ تَكُونُ فَوَائِدُهُ قَبْلَ الْفَسْخِ لِلْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ رَدِّ مَبِيعٍ) وَكَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي حَيَاتِهِ عُدْوَانًا ثُمَّ تَرَدَّى فِيهَا شَخْصٌ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا عَاقِلَةَ، فَإِنَّ الدِّيَةَ دَيْنٌ عَلَى التَّرِكَةِ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهِ) كَحَوَالَةٍ. قَوْلُهُ: (فُسِخَ التَّصَرُّفُ) . أَيْ فَسَخَهُ الْحَاكِمُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ فَسَادُهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ كَانَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فُسِخَ التَّصَرُّفُ الْمُقْتَضِي صِحَّتَهُ، أَيْ فَلَمْ يَكُنْ التَّصَرُّفُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ كَانَ سَائِغًا لَهُ ظَاهِرًا. وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ عِلَّةً لِمَحْذُوفٍ، حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ " فُسِخَ ": فَعُلِمَ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ " فُسِخَ " أَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ فَسَادُهُ لِأَنَّهُ كَانَ جَائِزًا لَهُ ظَاهِرًا، وَقَوْلُهُ " لَمْ يَتَبَيَّنْ فَسَادُهُ " وَحِينَئِذٍ فَالزَّوَائِدُ قَبْلَ طُرُوُّ الدَّيْنِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ. قَوْلُهُ: (فِي الظَّاهِرِ) أَيْ وَفِي الْبَاطِنِ كَمَا قَالَهُ حَجّ، فَفِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءٌ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: لِأَنَّهُ كَانَ سَائِغًا لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. [فَصْلٌ فِي الْحَجْرِ] ِ ذَكَرَهُ بَعْدَ الرَّهْنِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ كَمَا يَأْتِي. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ أَقْسَامَ الْحَجْرِ فِي قَوْلِهِ: ثَمَانِيَةٌ لَا يَشْمَلُ الْحَجْرُ غَيْرَهُمْ ... تَضَمَّنَهُمْ بَيْتٌ وَفِيهِ مَحَاسِنُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ سَفِيهٌ وَمُفْلِسُ ... رَقِيقٌ وَمُرْتَدٌّ مَرِيضٌ وَرَاهِنُ قَوْلُهُ (مِنْ التَّصَرُّفَاتِ) أَيْ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا كَالْمُفْلِسِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا. . . إلَخْ) فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (سِتَّةٌ) وَالْحَجْرُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَنَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ. فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ الَّذِي شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ يُضْرَبُ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَقَطْ: الْأَوَّلُ الْحَجْرُ عَلَى (الصَّبِيِّ) أَيْ الصَّغِيرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ مُمَيِّزًا إلَى بُلُوغِهِ، فَيَنْفَكُّ بِلَا قَاضٍ لِأَنَّهُ حَجْرٌ ثَبَتَ بِلَا قَاضٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ زَوَالُهُ عَلَى فَكِّ قَاضٍ. وَعَبَّرَ فِي الْمِنْهَاجِ كَكَثِيرٍ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَلَيْسَ اخْتِلَافًا بَلْ مَنْ عَبَّرَ بِالثَّانِي أَرَادَ الْإِطْلَاقَ الْكُلِّيَّ، وَمَنْ عَبَّرَ بِالْأَوَّلِ أَرَادَ حَجْرَ الصِّبَا، وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ وَكَذَا التَّبْذِيرُ وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ. (وَ) الثَّانِي: الْحَجْرُ عَلَى (الْمَجْنُونِ) إلَى إفَاقَتِهِ مِنْهُ فَيَنْفَكُّ بِلَا فَكِّ قَاضٍ كَمَا مَرَّ فِي الصَّبِيِّ. (وَ) الثَّالِثُ الْحَجْرُ عَلَى الْبَالِغِ (السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ لِمَالِهِ) كَأَنْ يَرْمِيَهُ فِي بَحْرٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ يُضَيِّعَهُ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي مُعَامَلَةٍ أَوْ يَصْرِفَهُ فِي مُحَرَّمٍ، لَا فِي خَيْرٍ كَصَدَقَةٍ، وَلَا فِي نَحْوِ مَطَاعِمَ، وَمَلَابِسَ وَشِرَاءِ إمَاءٍ كَثِيرَةٍ لِلتَّمَتُّعِ وَإِنْ لَمْ تَلِقْ بِحَالِهِ لِأَنَّ الْمَالَ يُتَّخَذُ لِيُنْتَفَعَ وَيُلْتَذَّ بِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ كَذَلِكَ. نَعَمْ إنْ صَرَفَهُ فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاقْتِرَاضِ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوَفِّيهِ بِهِ فَحَرَامٌ.   [حاشية البجيرمي] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - السَّفِيهَ بِالْمُبَذِّرِ وَالضَّعِيفَ بِالصَّبِيِّ وَبِالْكَبِيرِ الْمُخْتَلِّ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ بِالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ تَنُوبُ عَنْهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ. وَالْإِمْلَالُ بِمَعْنَى الْإِلْقَاءِ عَلَى الْكَاتِبِ مَا يَكْتُبُهُ وَفِعْلُهُ أَمْلَلْت، ثُمَّ أُبْدِلَ أَحَدُ الْمُضَاعَفَيْنِ يَاءً وَتَبِعَهُ الْمَصْدَرُ وَأُبْدِلَتْ هَمْزَةً لِتَطَرُّفِهَا بَعْدَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ،. اهـ. شِهَابٌ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ. وَأَقُولُ: هَذَا التَّصْرِيفُ لَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْإِمْلَالَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْإِمْلَاءَ لُغَةُ تَمِيمٍ؛ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عِنْدَ قَوْلِ الْبَيْضَاوِيِّ: وَالْإِمْلَالُ وَالْإِمْلَاءُ وَاحِدٌ اهـ. فَكَيْفَ يَرْجِعُ أَحَدُ اللُّغَتَيْنِ لِلْأُخْرَى مَعَ أَنَّ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ الْإِتْيَانُ بِاللَّامَيْنِ بِلَا إبْدَالٍ فِي قَوْلِهِ: {أَنْ يُمِلَّ} [البقرة: 282] {وَلْيُمْلِلِ} [البقرة: 282] فَيَكُونُ الْقُرْآنُ جَارِيًا عَلَى لُغَةِ الْحِجَازِيِّينَ؟ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (يَضْرِبُ) لَوْ أَبْدَلَهُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِنَحْوِ " يَتَعَلَّقُ " أَوْ " يُوجَدُ " لَكَانَ مُسْتَقِيمًا، إذْ لَا ضَرْبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ق ل. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ غَلَبَ مَا فِيهِ ضَرْبٌ عَلَى مَا لَا ضَرْبَ فِيهِ أج. قَوْلُهُ: (الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا سِتَّةٌ) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ اللَّفْظِيِّ، وَهُوَ مَعِيبٌ. قَوْلُهُ: (أَرَادَ الْإِطْلَاقَ) أَيْ الِانْفِكَاكَ. قَوْلُهُ: (وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ) لِأَنَّ السَّفِيهَ يَصِحُّ مِنْهُ التَّدْبِيرُ وَقَبُولُ الْهِبَةِ لِبَعْضِهِ وَالْوَصِيَّةُ وَالصُّلْحُ عَنْ قِصَاصٍ وَلَوْ بِزَائِدٍ عَلَى الدِّيَةِ وَالْعَفْوُ عَنْ قِصَاصٍ لَهُ وَالنِّكَاحُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَالطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ؛ شَوْبَرِيٌّ وع ش. وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ، أَيْ السَّفِيهِ بِمُوجَبِ عُقُوبَةٍ كَحَدٍّ وَقَوَدٍ وَتَصِحُّ عِبَادَتُهُ بَدَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَالِيَّةً وَاجِبَةً؛ لَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ مِنْ زَكَاةٍ وَغَيْرِهَا بِلَا إذْنٍ مِنْ وَلِيِّهِ وَلَا تَعْيِينٍ مِنْهُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (الْمُبَذِّرِ) أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا وَحَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، أَوْ بَلَغَ غَيْرَ مُصْلِحٍ لِمَالِهِ وَدِينِهِ. وَهَذَا الثَّانِي مَحْجُورٌ عَلَيْهِ شَرْعًا، وَالْأَوَّلُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ حِسًّا وَشَرْعًا، وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَنْ بَلَغَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ وَدِينِهِ ثُمَّ بَذَّرَ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي فَهُوَ غَيْرُ رَشِيدٍ أَيْضًا لَكِنْ تَصَرُّفُهُ صَحِيحٌ وَيُقَالُ لَهُ سَفِيهٌ مُهْمِلٌ. أَمَّا مَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لِجُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ بِاخْتِلَالِ إصْلَاحِ الدِّينِ أَوْ الْمَالِ فَإِنَّ وَلِيَّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ فَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ مَنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لِمَفْهُومِ آيَةِ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] وَالْإِينَاسُ هُوَ الْعِلْمُ،. اهـ. ش مَنْهَجٌ. قَوْلُهُ: (بِاحْتِمَالِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ. قَوْلُهُ: (غَبْنٍ فَاحِشٍ) وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ؛ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشْرَةً بِتِسْعَةٍ أَيْ: عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَا دَنَانِيرَ. وَمَحِلُّ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ عِنْدَ جَهْلِهِ بِحَالِ الْمُعَامَلَةِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا وَأَعْطَى أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا كَانَ الزَّائِدُ صَدَقَةً خَفِيَّةً مَحْمُودَةً، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ يَصْرِفُهُ فِي مُحَرَّمٍ) وَلَوْ صَغِيرَةً لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الدِّينِ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّتُهُ) أَيْ التَّعْلِيلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ " لِأَنَّ الْمَالَ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (فَحَرَامٌ) مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَعْرِضْ الْمُقْرِضُ بِحَالِهِ، فَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 (وَ) النَّوْعُ الثَّانِي الَّذِي شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ يُضْرَبُ عَلَى (الْمُفْلِسِ) وَهُوَ الَّذِي ارْتَكَبَتْهُ الدُّيُونُ الْحَالَّةُ اللَّازِمَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى مَالِهِ إذَا كَانَتْ لِآدَمِيٍّ، فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ وُجُوبًا فِي مَالِهِ إنْ اسْتَقَلَّ، أَوْ عَلَى وَلِيِّهِ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ إنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِطَلَبِهِ أَوْ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ بِنُوَّابِهِمْ كَأَوْلِيَائِهِمْ، فَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ. وَإِذَا حَجَرَ بِحَالٍّ لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ لِأَنَّ الْأَجَلَ مَقْصُودٌ لَهُ. فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ. وَلَوْ جُنَّ الْمَدْيُونُ لَمْ يَحِلَّ دَيْنُهُ وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ تَصْحِيحِ الْحُلُولِ بِهِ نُسِبَ فِيهِ إلَى السَّهْوِ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمَوْتِ أَوْ الرِّدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَوْتِ أَوْ اسْتِرْقَاقِ الْحَرْبِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَلَا بِدَيْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَنُجُومِ كِتَابَةٍ لِتَمَكُّنِ الْمَدْيُونِ مِنْ إسْقَاطِهِ، وَلَا بِدَيْنٍ مُسَاوٍ لِمَالِهِ أَوْ نَاقِصٍ عَنْهُ، وَلَا بِدَيْنٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فَوْرِيًّا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالْمُرَادُ بِمَالِهِ مَالُهُ الْعَيْنِيُّ أَوْ الدَّيْنِيُّ الَّذِي يَتَيَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ وَالْمَغْصُوبِ وَالْغَائِبِ وَنَحْوِهِمَا. وَيُبَاعُ فِي الدُّيُونِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَمَرْكُوبُهُ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ أَوْ مَرْكُوبٍ لِزَمَانَتِهِ أَوْ مَنْصِبِهِ لِأَنَّ تَحْصِيلَهَا بِالْكِرَاءِ أَسْهَلُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَتُرِكَ لَهُ دِسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَمِنْدِيلُ وَمُكَعَّبٌ، وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً أَوْ فَرْوَةً. وَلَا   [حاشية البجيرمي] كَانَ عَالِمًا فَلَا حُرْمَةَ ع ش. قَوْلُهُ: (الْمُفْلِسِ) هُوَ لُغَةً مَنْ صَارَ مَالُهُ فُلُوسًا ثُمَّ كُنِّيَ بِهِ عَنْ قِلَّةِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ، وَشَرْعًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمُفْلِسُ فِي الْآخِرَةِ مَنْ تُعْطَى حَسَنَاتُهُ لِخُصَمَائِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ. فَائِدَةٌ: قِيلَ الْغُرَمَاءُ يَتَعَلَّقُونَ بِحَسَنَاتِ الْمُفْلِسِ مَا عَدَا الْإِيمَانَ كَمَا يُتْرَكُ فِي الدُّنْيَا دِسْتُ ثَوْبٍ. وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا تَوْقِيفِيٌّ فَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَقِيلَ مَا عَدَا الصَّوْمَ لِخَبَرِ: «الصَّوْمُ لِي» وَيَرُدُّهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُمْ يَتَعَلَّقُونَ حَتَّى بِالصَّوْمِ اهـ حَجّ. قَوْلُهُ: (الْحَالَّةُ) الْقُيُودُ أَرْبَعَةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَيُمَوِّنُ الْقَاضِي مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ مُمَوِّنَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَزَوْجَاتِهِ اللَّاتِي نَكَحَهُنَّ قَبْلَ الْحَجْرِ وَمَمَالِيكِهِ كَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَأَقَارِبِهِ وَإِنْ حَدَثُوا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فِي مَالِ مُوَلِّيهِ) فَإِنْ قُلْت: مُوَلِّيهِ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فَمِنْ أَيْنَ لَزِمَهُ الدَّيْنُ؟ وَيُصَوَّرُ بِدَيْنِ الْإِتْلَافِ ع ش. قَوْلُهُ: (بِطَلَبِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ " وَالْحَاجِرُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ نَحْوُ مَنَعْتُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِ أَوْ حَجَرْت عَلَيْهِ فِيهَا أَوْ أَبْطَلْت تَصَرُّفَاتِهِ فِيهَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ) أَيْ لَمْ يَصِرْ حَالًّا. قَوْلُهُ: (الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَوْتِ) فَيَتَبَيَّنُ بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا الْحُلُولُ مِنْ حِينِ الرِّدَّةِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ اسْتِرْقَاقِ الْحَرْبِيِّ " أَيْ وَكَانَ الدَّيْنُ لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَيَقْضِي مِنْ مَالِهِ إنْ غَنِمَ بَعْدَ رَقِّهِ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ فِي بَابِ الْجِهَادِ، وَلَا يَمْلِكُ الْغَانِمُونَ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا زَادَ عَلَى دَيْنِهِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ فَوْرِيًّا) كَالنَّذْرِ الْمُقَيَّدِ بِزَمَنٍ وَالْكَفَّارَةِ الَّتِي عَصَى بِسَبَبِهَا. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِمَالِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: " الزَّائِدَةُ عَلَى مَالِهِ "، وَقَوْلُهُ: " الَّذِي يَتَيَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ حَالًّا " بِأَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ حَاضِرَةً غَيْرَ مَرْهُونَةٍ وَالدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ مُوسِرٍ أَوْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَهُوَ حَاضِرٌ، اهـ ح ل وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ " وَالْمُرَادُ بِمَالِهِ إلَخْ " جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ، كَأَنَّ سَائِلًا قَالَ: مَا الْمَالُ الَّذِي يُعْتَبَرُ زِيَادَةُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ الْمَالُ الْعَيْنِيُّ أَوْ الدَّيْنِيُّ الَّذِي يَتَيَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ؛ بِخِلَافِ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُقَابَلَةِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ تَعَدَّى الْحَجْرُ لِمَالِهِ كُلِّهِ سَوَاءٌ تَيَسَّرَ مِنْهُ الْأَدَاءُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ أَعْيَانًا أَوْ مَنَافِعَ وَيَتَعَدَّى لِمَا حَدَثَ أَيْضًا بِهِبَةٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ شِرَاءٍ فِي ذِمَّةٍ أَوْ كَسْبٍ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ) بِأَنْ كَانَ يَسْتَحِقُّهَا بِوَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ زِيَادَةُ الدَّيْنِ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَحْصِيلِ أُجْرَتِهَا حَالًّا وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ م ر. وَقَوْلُهُ: " وَالْمَغْصُوبِ " أَيْ الَّذِي لَا يَتَيَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ حَالًّا ح ل. وَقَوْلُهُ " وَالْغَائِبِ " أَيْ الَّذِي لَا يَتَيَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ فِي الْحَالِّ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْغَائِبِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِمَا) كَالْمَرْهُونِ، وَكَذَا دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ أَوْ حَالٌّ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ مَلِيءٍ مُنْكِرٍ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ: وَنَحْوُهُمَا، أَيْ الْمَغْصُوبِ وَالْغَائِبِ؛ وَلَمْ يَقُلْ وَنَحْوَهَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا نَحْوَ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَيُبَاعُ) أَيْ بَعْدَ الْحَجْرِ وُجُوبًا عَلَى الْقَاضِي فَوْرًا، وَيَكُونُ الْبَيْعُ بِحَضْرَتِهِ أَيْضًا أَيْ الْمُفْلِسِ وَيُبَاعُ كُلُّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ وَيُقَدَّمُ مَا يُخَافُ فَسَادُهُ، ثُمَّ الْحَيَوَانُ ثُمَّ الْمَنْقُولُ ثُمَّ الْعَقَارُ. قَوْلُهُ: (أَسْهَلُ) أَيْ مِنْ إبْقَائِهَا وَإِبْقَاءِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ) أَيْ أَغْنِيَائِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَيُتْرَكُ لَهُ) وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَإِذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ، أَوْ قَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوا مَا زَعَمَهُ، فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِإِعْسَارِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَبِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ لَزِمَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ سَوْءًا أَكَانَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (دِسْتُ ثَوْبٍ) أَيْ كِسْوَةٌ كَامِلَةٌ وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ الدَّسْتُ اسْمٌ لِلرِّزْمَةِ أَيْ الْجُمْلَةِ مِنْ الثِّيَابِ. وَعَلَيْهِ فَإِضَافَتُهُ لِثَوْبٍ بَيَانِيَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالثَّوْبِ الْجِنْسُ أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّيَابِ، وَيُقَالُ لَهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ بَدْلَةٌ قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الدَّسْتُ. قَوْلُهُ: (وَسَرَاوِيلُ) أَيْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَلْبَسُ ذَلِكَ ح ل. وَهُوَ مُفْرَدٌ جِيءَ بِهِ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلِسَرَاوِيلَ بِهَذَا الْجَمْعِ شَبَهٌ اقْتَضَى عُمُومَ الْمَنْعِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَأْنِيثِهِ. وَأَوَّلُ مَنْ لَبِسَهُ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ، «وَوُجِدَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَاسٌ اشْتَرَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَلْبَسْهُ» أَيْ النَّبِيُّ وَلَمْ يَلْبَسْهُ عُثْمَانُ أَبَدًا إلَّا يَوْمَ قَتْلِهِ فَإِنَّهُ لَبِسَهُ وَقَالَ: " رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَارِحَةَ فِي النَّوْمِ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالُوا لِي: اصْبِرْ فَإِنَّك تُنْقَلُ عِنْدَنَا الْقَابِلَةَ، " فَأَصْبَحَ عُثْمَانُ صَائِمًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقُتِلَ فِي يَوْمِهِ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ،. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَمُكَعَّبٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ مُثَقَّلًا وَبِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مُخَفَّفًا وَهُوَ الْمَدَاسُ. قَوْلُهُ: (وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةٌ) أَيْ إنْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِيهِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الشِّتَاءِ فِي الْحَجْرِ عَلَى مَا اسْتَوْجَهَهُ، سم شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ ع ش: قَوْلُهُ " فِي الشِّتَاءِ " أَيْ وَإِنْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي الصَّيْفِ. وَلَا يُنَافِيهِ تَعْبِيرُهُمْ بِ " فِي " لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ بِدَلِيلِ قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَيُزَادُ لِلْبَرْدِ،. اهـ. حَجّ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُ ذَلِكَ. اهـ. م ر. أَيْ فَلَا يُعْطَى ذَلِكَ إلَّا إذَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي الشِّتَاءِ أَوْ دَخَلَ الشِّتَاءُ زَمَنَ الْحَجْرِ اهـ. وَيُتْرَكُ لِلْعَالِمِ كُتُبُهُ مَا لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْهَا بِمَوْقُوفٍ، وَلِلْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ خَيْلُهُ وَسِلَاحُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَكُلُّ مَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي مَالِهِ اشْتَرَى لَهُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. بِخِلَافِ آلَاتِ الْحِرَفِ فَلَا تُتْرَكُ، وَمِثْلُهَا رَأْسُ مَالٍ لِلتِّجَارَةِ، شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ م ر: قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يُتْرَكُ لَهُ رَأْسُ مَالٍ يَتَّجِرُ فِيهِ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْكَسْبَ إلَّا بِهِ، اهـ. وَفِي الزِّيَادِيِّ: وَلَا رَأْسَ مَالٍ وَإِنْ قَلَّ، وَقَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ: يُتْرَكُ لَهُ رَأْسُ مَالٍ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْكَسْبَ إلَّا بِهِ، حَمَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَلَى تَافِهٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ هُنَا عِنْدَ تَعَدُّدِ النُّسَخِ مَا يَأْتِي فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ لَكِنَّهَا تُبَاعُ إلَّا وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَرِّسًا فَيَبْقَى لَهُ نُسْخَتَانِ لِأَجْلِ الْمُرَاجَعَةِ، وَيُبَاعُ الْمُصْحَفُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ يَسْهُلُ مُرَاجَعَةُ الْحَفَظَةِ فَلَوْ كَانَ بِمَحَلٍّ لَا حَافِظَ فِيهِ تُرِكَ لَهُ،. اهـ. شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ) مَحَلُّهُ فِي دَيْنٍ لَمْ يَعْصِ بِسَبَبِهِ، فَإِنْ عَصَى بِسَبَبِهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لَهُ، وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ وَلَوْ بِغَيْرِ لَائِقٍ بِهِ كَمَا قَالَهُ أج. وَقَالَ ق ل: قَوْلُهُ " وَلَا يَجِبُ إلَخْ " وَإِنْ عَصَى مِنْ حَيْثُ الدَّيْنُ وَإِنْ وَجَبَ مِنْ حَيْثُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ. قَوْلُهُ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280] أَيْ وَإِنْ وُجِدَ غَرِيمٌ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ أَيْ فَالْحُكْمُ نَظِرَةٌ، أَوْ فَعَلَيْكُمْ نَظِرَةٌ، أَوْ فَلْيَكْفِ نَظِرَةٌ وَهِيَ الْإِنْظَارُ،. اهـ. بَيْضَاوِيٌّ. وَالْإِنْظَارُ: التَّأْخِيرُ. وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ دَيْنُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فَيُؤَخِّرُهُ إلَّا كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ» ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ أَيْضًا. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ: (وَأَنْكَرُوا مَا زَعَمَهُ) مُرَادُهُ بِهِ مَا يَشْمَلُ مَا ادَّعَاهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ) أَيْ إنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ تُخْبِرُ بَاطِنَهُ بِجَوَازِهِ مَثَلًا كَمَا فِي الْمَنْهَجِ؛ وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ " فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ " لِأَنَّهُ بِشِرَائِهِ وَاعْتِرَافِهِ بِذَلِكَ عُرِفَ لَهُ مَالٌ فَاحْتَاجَ فِي إثْبَاتِ إعْسَارِهِ لِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ وَفِيمَا إذَا لَزِمَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ عِلْمَ مَالٍ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 بِاخْتِيَارِهِ كَضَمَانٍ وَصَدَاقٍ أَمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَأَرْشِ جِنَايَةٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. (وَ) يُضْرَبُ عَلَى (الْمَرِيضِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ) بِمَا سَتَعْرِفُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَصِيَّةِ. (فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) لِحَقِّ الْوَرَثَةِ إرْثٌ لَا دَيْنٌ وَفِي الْجَمِيعِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ. (وَ) يُضْرَبُ عَلَى (الْعَبْدِ الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ)) لِحَقِّ سَيِّدِهِ وَعَلَى الْمُكَاتَبِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى، زَادَ الشَّيْخَانِ فِي هَذَا النَّوْعِ، وَعَلَى الرَّاهِنِ فِي الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَعَلَى الْمُرْتَدِّ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِمَا فِي الْمُهِمَّاتِ ثَلَاثِينَ نَوْعًا فِيهَا الْحَجْرُ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَسَبَقَهُ إلَى بَعْضِهَا شَيْخُهُ السُّبْكِيُّ. فَمَنْ أَرَادَ فَلْيُرَاجِعْ ذَلِكَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَلِيلٌ مَنْ صَارَ لَهُ هِمَّةٌ لِذَلِكَ. (وَتَصَرُّفُ) كُلٍّ مِنْ (الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ) فِي مَالِهِ (غَيْرُ صَحِيحٍ) أَمَّا الصَّبِيُّ فَمَسْلُوبُ الْعِبَارَةِ وَالْوِلَايَةِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ عِبَادَةِ مُمَيِّزٍ، وَإِذْنٍ فِي دُخُولٍ، وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ مِنْ مُمَيِّزٍ مَأْمُونٍ. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَمَسْلُوبُ الْعِبَارَةِ مِنْ عِبَادَةٍ   [حاشية البجيرمي] فَصُدِّقَ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَبِهَذَا اتَّضَحَ قَوْلُ ق ل. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. قَوْلُهُ: (كَأَرْشِ جِنَايَةٍ) بِأَنْ كَانَتْ خَطَأً. قَوْلُهُ: (وَيُضْرَبُ عَلَى الْمَرِيضِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا ضَرْبَ عَلَى الْمَرِيضِ، فَالْمُنَاسِبُ وَيَثْبُتُ الْحَجْرُ عَلَى الْمَرِيضِ شَرْعًا. قَوْلُهُ: (الْمَخُوفِ عَلَيْهِ) وَمِثْلُ الْمَرَضِ حَالَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّبَرُّعُ مِنْ الثُّلُثِ كَالتَّقْدِيمِ لِلْقَتْلِ، ز ي. قَوْلُهُ: (بِمَا سَتَعْرِفُهُ) أَيْ بِمَرَضٍ سَتَعْرِفُهُ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " الْمَخُوفِ " كَابْتِدَاءِ فَالِجٍ وَحُمَّى لَازِمَةٍ وَإِسْهَالٍ مُتَتَابِعٍ وَرُعَافٍ دَائِمٍ، فَمَنْ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَرِيضٌ بِمَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْجَمِيعِ إلَخْ) هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّبَرُّعَاتِ، وَإِلَّا فَلَوْ وَفَّى الْمَرِيضُ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ لَمْ يُزَاحِمْهُ غَيْرُهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِدَيْنِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ. اهـ. م د. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمَرِيضِ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّبَرُّعَاتِ كَوَقْفٍ وَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ وَعِتْقٍ، وَأَمَّا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ لِلْغُرَمَاءِ فَصَحِيحٌ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ) وَإِلَّا فَفِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إنْ وَفَّى بِالدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (لِحَقِّ سَيِّدِهِ) وَهُوَ نُجُومُ الْكِتَابَةِ. وَقَوْلُهُ " وَلِلَّهِ تَعَالَى " وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ: قَوْلُهُ " لِحَقِّ سَيِّدِهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى " الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: الْحَجْرُ فِيهِ لِنَفْسِهِ وَسَيِّدِهِ، إذْ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ سَيِّدُهُ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ بَلْ يَصِحُّ. قَوْلُهُ: (وَأَوْرَدَ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الشَّيْخَيْنِ، قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: فَقَدْ أَنْهَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ سَبْعِينَ صُورَةً، بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا بَابٌ وَاسِعٌ جِدًّا لَا تَنْحَصِرُ أَفْرَادُ مَسَائِلِهِ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ صَحِيحٍ) وَمَا قَبَضُوهُ إذَا تَلِفَ فِي أَيْدِيهِمْ أَوْ أَتْلَفُوهُ يَضِيعُ عَلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ رَشِيدًا، أَوْ تَلِفَ قَبْلَ طَلَبٍ مِنْ صَاحِبِهِ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ مِثْلًا، لِأَوْلِيَائِهِمْ. وَأَمَّا إذَا تَلِفَ مَا أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ رَشِيدٍ أَوْ مِنْ رَشِيدٍ بَعْدَ طَلَبِهِ وَامْتِنَاعِهِمْ مِنْ رَدِّهِ أَوْ قَبَضُوهُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَهُ فِي مَالِهِمْ إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ، وَإِلَّا فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ. وَأَمَّا إذَا بَقِيَ الشَّيْءُ إلَى أَنْ كَمَّلُوا وَأَتْلَفُوهُ فَلَا يَشُكُّ فِي الضَّمَانِ، حَرِّرْ هَذِهِ الْقَوْلَةَ، فَإِنَّ ضَمَانَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ وَامْتِنَاعِهِمَا مِنْ الرَّدِّ فِيهِ وَقْفَةٌ. قَوْلُهُ: (فَمَسْلُوبُ الْعِبَارَةِ) كَعِبَارَةِ الْمُعَامَلَةِ، وَالدَّيْنُ كَالْبَيْعِ، وَالْإِسْلَامُ وَالْوِلَايَةُ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَالْإِيصَاءِ وَالْأَيْتَامِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. أَيْ كَوْنُهُ وَصِيًّا عَلَى الْأَيْتَامِ. وَالْعِبَارَةُ أَيْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ، أَيْ مَسْلُوبُ الْكَلَامِ. وَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ اسْتِقْلَالًا، وَأَمَّا إسْلَامُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فَلِكَوْنِ الْإِسْلَامِ إذْ ذَاكَ مَنُوطًا بِالتَّمْيِيزِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، بَلْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، إنَّهُ كَانَ بَالِغًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ اِ هـ. قَوْلُهُ: (وَإِيصَالُ هَدِيَّةٍ) وَشَمِلَتْ الْهَدِيَّةُ نَفْسَهُ، كَمَا لَوْ قَالَتْ جَارِيَةٌ لِشَخْصٍ: سَيِّدِي أَهْدَانِي إلَيْك؛ فَيَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا إنْ صَدَّقَهَا وَقَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ رَجُلًا مَشْهُورًا بِالْفَضْلِ. ق ل مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (مَأْمُونٍ) أَيْ لَمْ يُعْهَدْ عَلَيْهِ كَذِبٌ ح ل. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَمَسْلُوبُ الْعِبَارَةِ إلَخْ) وَأَمَّا الْأَفْعَالُ فَيُعْتَبَرُ مِنْهَا التَّمَلُّكُ بِاحْتِطَابٍ وَنَحْوِهِ وَالْإِتْلَافُ، فَيَنْفُذُ مِنْهُ الِاسْتِيلَادُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِزِنَاهُ الصُّورِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 وَغَيْرِهَا، وَالْوِلَايَةُ مِنْ وِلَايَةِ نِكَاحٍ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا السَّفِيهُ فَمَسْلُوبُ الْعِبَارَةِ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ كَبَيْعٍ وَلَوْ بِغِبْطَةٍ أَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ كَحَدٍّ وَقَوَدٍ، وَتَصِحُّ عِبَادَتُهُ بَدَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَالِيَّةً وَاجِبَةً لَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ مِنْ زَكَاةٍ وَغَيْرِهَا بِلَا إذْنٍ مِنْ وَلِيِّهِ، وَلَا تَعْيِينَ مِنْهُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ. أَمَّا الْمَالِيَّةُ الْمَنْدُوبَةُ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ، فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ وَالرُّشْدِ صَحَّ التَّصَرُّفُ مِنْ حِينَئِذٍ. وَالْبُلُوغُ يَحْصُلُ إمَّا بِكَمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَمَرِيَّةً تَحْدِيدِيَّةً وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ انْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ، أَوْ بِإِمْنَاءٍ لِآيَةِ: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور: 59] وَالْحُلُمُ الِاحْتِلَامُ وَهُوَ لُغَةً مَا يَرَاهُ النَّائِمُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقِظَةٍ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَوَقْتُ إمْكَانِ الْإِمْنَاءِ كَمَالُ تِسْعِ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَهِيَ تَحْدِيدِيَّةٌ بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّ السِّنِينَ فِيهِ تَقْرِيبِيَّةٌ. أَوْ حَيْضٌ فِي حَقِّ أُنْثَى بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا حَبَلُهَا فَعَلَامَةٌ عَلَى بُلُوغِهَا بِالْإِمْنَاءِ فَلَيْسَ بُلُوغًا لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِنْزَالِ، فَيُحْكَمُ بَعْدَ الْوَضْعِ بِالْبُلُوغِ قَبْلَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَشَيْءٍ وَالرُّشْدُ يَحْصُلُ ابْتِدَاءً بِصَلَاحِ دِينٍ وَمَالٍ حَتَّى مِنْ كَافِرٍ كَمَا فُسِّرَ بِهِ آيَةُ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] بِأَنْ   [حاشية البجيرمي] مَسْلُوبَ الْعَقْلِ صَارَ زِنَاهُ صُورِيًّا لَا حَقِيقِيًّا، لِأَنَّ زَوَالَ عَقْلِهِ صَيَّرَ زِنَاهُ كَوَطْئِهِ بِشُبْهَةٍ لِعَدَمِ قَصْدِهِ. وَإِذَا وَطِئَ امْرَأَةً حَرُمَ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِإِرْضَاعِهِ كَأَنْ أَرْضَعَتْ الْمَجْنُونَةُ شَخْصًا سَنَةً دُونَ حَوْلَيْنِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ بِشَرْطِهِ؛ ز ي. وَيَغْرَمُ بَدَلَ مَا أَتْلَفَهُ إلَّا فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ وَأَتْلَفَ صَيْدًا فَلَا يَلْزَمُهُ جَزَاؤُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَعَبَّرَ بِالسَّلْبِ دُونَ الْمَنْعِ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَا يُفِيدُ السَّلْبَ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَا يَسْلُبُهَا؛ وَلِهَذَا يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ نِيَابَةً عَنْهُ دُونَ الْأَبْعَدِ اهـ س ل. قَوْلُهُ: (فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ) أَيْ الصِّبَا وَالْجُنُونُ وَالسَّفَهُ، وَقَوْلُهُ " بِالْبُلُوغِ إلَخْ " لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ قَوْلُهُ: (مِنْ حِينَئِذٍ) أَيْ مِنْ حِينِ زَوَالِ الْمَانِعِ. قَوْلُهُ: (جَمِيعِ الْوَلَدِ) نُسْخَةُ الْبَدَنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِإِمْنَاءٍ) وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الْمَنِيُّ مِنْ الذَّكَرِ كَأَنْ أَحَسَّ بِخُرُوجِهِ فَأَمْسَكَهُ. وَخَرَجَ بِالْإِمْنَاءِ غَيْرُهُ كَنَبَاتِ عَانَةٍ أَوْ شَارِبٍ أَوْ لِحْيَةٍ أَوْ ثِقَلِ صَوْتٍ أَوْ نُهُودِ ثَدْيٍ، فَلَا بُلُوغَ بِشَيْءٍ مِنْهَا؛ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (مَا يَرَاهُ النَّائِمُ) مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ،. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (خُرُوجُ الْمَنِيِّ) أَيْ مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِ الْغُسْلِ، ز ي. قَالَ م ر: وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، فَلَوْ أَتَتْ زَوْجَةُ صَبِيٍّ يُمْكِنُ بُلُوغُهُ بِأَنْ اسْتَكْمَلَ تِسْعَ سِنِينَ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَهُ وَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ وَالْبُلُوغُ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَحَقُّقِهِ. وَعَلَى هَذَا لَا يَثْبُتُ إيلَادُهُ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ فِي ثُبُوتِ إيلَادِهِ وَالْحُكْمِ بِبُلُوغِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَيْضٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى " كَمَالِ " فِي قَوْلِهِ " إمَّا بِكَمَالِ ". قَوْلُهُ: (بِالْبُلُوغِ قَبْلَهُ) أَيْ الْوَضْعِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّ تَصَرُّفَهَا صَحِيحٌ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ، ع ش. قَوْلُهُ: (بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَشَيْءٍ) أَيْ وَلَحْظَتَيْنِ، شَرْحُ م ر تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُؤَلِّفُ عَنْ بُلُوغِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ أَمْنَى بِذَكَرِهِ وَحَاضَ مِنْ فَرْجِهِ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ لَا إنْ وُجِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ الْآخَرِ مَا يُعَارِضُهُ، كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِبُلُوغِهِ بِأَحَدِهِمَا كَمَا يُحْكَمُ بِالِاتِّضَاحِ بِهِ ثُمَّ بِغَيْرِهِ إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ؛ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر قَوْلُهُ: (وَالرُّشْدُ) هُوَ لُغَةً نَقِيضُ الضَّلَالِ وَاصْطِلَاحًا صَلَاحُ دِينٍ وَمَالٍ كَمَا ذَكَرَهُ. وَلَوْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِالْإِنْزَالِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ أَوْ بِالسِّنِّ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ،. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (ابْتِدَاءً) أَيْ وَقْتَ الْبُلُوغِ فَهُوَ مِنْهُ، وَأَمَّا دَوَامًا فَيَكْفِي فِيهِ صَلَاحُ الْمَالِ فَقَطْ؛ مَرْحُومِيٌّ. وَقَوْلُهُ " فَهُوَ " أَيْ الرُّشْدُ، قَوْلُهُ " وَمِنْهُ " أَيْ الْبُلُوغِ، وَعِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ: قَوْلُهُ " ابْتِدَاءً " أَوْ بَعْدَ بُلُوغِهِ غَيْرُ صَالِحٍ اهـ وَاعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ صَلَاحَ الْمَالِ فَقَطْ حَتَّى فِي الِابْتِدَاءِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 لَا يَفْعَلَ فِي الْأَوَّلِ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ. وَيُخْتَبَرُ رُشْدُ الصَّبِيِّ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ لِيُعْرَفَ رُشْدُهُ وَعَدَمُ رُشْدِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لِآيَةِ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] وَالْيَتِيمُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغِ فَوْقَ مَرَّةٍ، بِحَيْثُ يُظَنُّ رُشْدُهُ فَلَا تَكْفِي الْمَرَّةُ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ فِيهَا اتِّفَاقًا. أَمَّا فِي الدِّينِ فَبِمُشَاهَدَةِ حَالِهِ فِي الْعِبَادَاتِ بِقِيَامِهِ بِالْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِهِ الْمَحْظُورَاتِ وَالشُّبُهَاتِ، وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَيَخْتَلِفُ بِمَرَاتِبِ النَّاسِ، فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ تَاجِرٍ بِمُشَاحَّةٍ فِي مُعَامَلَةٍ وَيُسَلَّمُ لَهُ الْمَالُ لِيُشَاحِحْ لَا لِيَعْقِدَ، ثُمَّ إنْ أُرِيدَ الْعَقْدُ عَقَدَ وَلِيُّهُ. وَيُخْتَبَرُ وَلَدُ زُرَّاعٍ بِزِرَاعَةٍ وَنَفَقَةٍ عَلَيْهَا بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْقِوَامِ بِمَصَالِحِ الزَّرْعِ. وَالْمَرْأَةُ بِأَمْرِ غَزْلٍ وَصَوْنٍ نَحْوُ أَطْعِمَةٍ عَنْ نَحْوِ هِرَّةٍ. فَلَوْ فَسَقَ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ، أَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي لَا غَيْرُهُ وَهُوَ وَلِيُّهُ، أَوْ جُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ، وَوَلِيُّ   [حاشية البجيرمي] فَرْعٌ: سُئِلَ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ هَلْ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الرُّشْدُ أَوْ ضِدُّهُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ عُلِمَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ اسْتِصْحَابُهُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ رُشْدُهُ بِالِاخْتِبَارِ، وَأَمَّا مَنْ جُهِلَ حَالُهُ فَعُقُودُهُ صَحِيحَةٌ كَمَنْ عُلِمَ رُشْدُهُ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَيَكُونُ مَنْ جُهِلَ حَالُهُ الْأَصْلُ فِيهِ الرُّشْدُ. قَوْلُهُ: (حَتَّى مِنْ كَافِرٍ) بِأَنْ يَصِيرَ عَدْلًا فِي دِينِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا فُسِّرَ بِهِ آيَةُ) أَيْ كَمَا فُسِّرَ بِهِ الرُّشْدُ فِيهَا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَهِيَ لِلْعُمُومِ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ آنَسْتُمْ) أَيْ عَلِمْتُمْ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَفْعَلَ فِي الْأَوَّلِ مُحَرَّمًا) كَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: وَلَا يُبَذِّرَ فِي الثَّانِي، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: الْمُبَذِّرِ سَكَتَ عَنْهُ هُنَا. قَوْلُهُ: (مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ) خَرَجَ بِالْمُحَرَّمِ خَارِجُ الْمُرُوءَةِ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ، فَلَا يَمْنَعُ الرُّشْدَ وَإِنْ مَنَعَ الشَّهَادَةَ. قَوْلُهُ: (يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ) أَيْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِ، وَعِنْدَ الْكُفَّارِ فِي الْكَافِرِ. بِاعْتِبَارِ اعْتِقَادِهِمْ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَغْلِبْ) رَاجِعٌ لِلْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغِيرَةِ حَجّ ع ش، بِأَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَنٌ وَهُوَ مُوَاظِبٌ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ رُشْدُهُ قَوْلُهُ: (وَيُخْتَبَرُ) أَيْ وُجُوبًا، وَقَوْلُهُ " الصَّبِيِّ " بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْأُنْثَى. قَوْلُهُ: (قَبْلَ بُلُوغِهِ) أَيْ قَرِيبًا مِنْهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقُبَيْلٍ مُصَغَّرًا لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَالشُّبُهَاتُ) لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ ارْتِكَابَ الشُّبُهَاتِ مُخِلٌّ بِالرُّشْدِ إذْ ارْتِكَابُهَا لَيْسَ مُحَرَّمًا، بَلْ الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي اسْتِكْشَافِ حَالِ الصَّبِيِّ. قَوْلُهُ: (فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ تَاجِرٍ) أَيْ إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى صَنْعَةِ أَبِيهِ. قَوْلُهُ: (بِمُشَاحَّةٍ) وَهِيَ طَلَبُ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَدَفْعُ الْأَقَلِّ عِنْدَ الشِّرَاءِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَلَّمُ لَهُ الْمَالُ) قَالَ سم: أَيُّ حَاجَةٍ لِتَسْلِيمِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ الْمُمَاكَسَةَ مُمْكِنَةٌ بِدُونِهِ، اهـ. وَقَدْ يُقَالُ فِي تَسْلِيمِهِ لَهُ قُوَّةٌ دَاعِيَةٌ لَهُ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَتَنْشِيطٌ لَهُ فِي الْمُعَامَلَةِ وَزِيَادَةُ رَغْبَةٍ وَإِقْدَامٍ عَلَى إجَابَتِهِ مِمَّنْ يُمَاكِسُهُ،. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَالَ سم: وَلَا يَضْمَنُهُ الْوَلِيُّ إنْ تَلِفَ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، كَذَا أَطْلَقُوهُ وَلَوْ قِيلَ: يَلْزَمُهُ مُرَاقَبَتُهُ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ إغْفَالُهُ حَامِلًا عَلَى تَضْيِيعِهِ وَإِلَّا ضَمِنَهُ. لَمْ يَبْعُدْ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَنَفَقَةٍ عَلَيْهَا) الْمُرَادُ بِهَا الْأُجْرَةُ، وَقَوْلُهُ " بِأَنْ يُنْفِقَ إلَخْ " بِأَنْ يُعَاقِدَهُمْ الْوَلِيُّ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ أُجْرَةً مَعْلُومَةً ثُمَّ يَدْفَعَ الْمَالَ لِلصَّبِيِّ وَيَأْمُرَهُ بِإِعْطَائِهِمْ وَيَنْظُرَ هَلْ يَنْقُصُ أَحَدًا عَنْ أُجْرَتِهِ أَوْ لَا كَمَا فِي ع ش، وَيُعْلَمُ رُشْدُهُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَدْفَعَ أَقَلَّ مِمَّا شُرِطَ لَا أَكْثَرَ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ النَّفَقَةَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ، وَمَالَ شَيْخُنَا إلَى أَنَّ الْوَلَدَ يُمَاكِسُ فَقَطْ وَالْوَلِيُّ هُوَ الَّذِي يَعْقِدُ وَيُسَلِّمُ الْأُجْرَةَ. قَوْلُهُ: (وَالْمَرْأَةُ بِأَمْرِ غَزْلٍ) أَيْ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، أَوْ بِمَعْنَى الْمَغْزُولِ، أَيْ فِيمَنْ يَلِيقُ بِهَا ذَلِكَ؛ بِخِلَافِ بَنَاتِ الْمُلُوكِ وَالْمُخْتَبِرُ لَهَا الْوَلِيُّ أَوْ غَيْرُهُ ح ل، وَالْخُنْثَى يُخْتَبَرُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا أَيْ بِمَا يُخْتَبَرُ بِهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ كَمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. قَوْلُهُ: (هِرَّةٍ) جَمْعُ الْأُنْثَى هِرَرٌ كَقِرْبَةٍ وَقِرَبٍ، وَجَمْعُ الذَّكَرِ هِرَرَةٌ كَقِرْدٍ وَقِرَدَةٍ؛ ز ي. وَخُلِقَتْ الْهِرَّةُ مِنْ عَطْسَةِ الْأَسَدِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْكُبْرَى قَوْلُهُ: (فَلَوْ فَسَقَ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَالرُّشْدُ يَحْصُلُ ابْتِدَاءً وَالْمُرَادُ فَسَقَ بِغَيْرِ تَبْذِيرٍ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَحْجُرُوا عَلَى الْفَسَقَةِ. قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 الصَّغِيرِ أَبٌ فَأَبُو أَبٍ وَإِنْ عَلَا كَوَلِيِّ النِّكَاحِ فَوَصِيٌّ فَقَاضٍ، وَيَتَصَرَّفُ بِمَصْلَحَةٍ وَلَوْ كَانَ تَصَرُّفُهُ بِأَجَلٍ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَبِعَرْضِيٍّ وَأَخْذِ شُفْعَةٍ، وَيَشْهَدُ حَتْمًا فِي بَيْعِهِ لِأَجَلٍ، وَيَرْتَهِنُ بِالثَّمَنِ رَهْنًا وَافِيًا، وَيَبْنِي عَقَارَهُ بِطِينٍ وَآجُرٍّ وَلَا يَبِيعُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ كَنَفَقَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ بِأَنْ يُرَغِّبَ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ يَجِدُ مِثْلَهُ بِبَعْضِ ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ بِكُلِّهِ، وَيُزَكِّي مَالَهُ وَيُمَوِّنُهُ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ كَمَالِهِ بَيْعًا بِلَا مُصْلِحَةٍ عَلَى وَصِيٍّ أَوْ أَمِينٍ حَلَفَ الْمُدَّعِي أَوْ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَى أَبٍ أَوْ أَبِيهِ حَلَفَ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمِينَ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ، أَمَّا الْقَاضِي فَيَقْبَلُ قَوْلَهُ بِلَا تَحْلِيفٍ. (وَتَصَرُّفُ الْمُفْلِسِ) بَعْدَ ضَرْبِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ (يَصِحُّ) فِيمَا يُثْبِتُهُ (فِي ذِمَّتِهِ) كَأَنْ بَاعَ سَلَمًا طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ. أَوْ بَاعَ فِيهَا لَا بِلَفْظِ الثَّمَنِ أَوْ اقْتَرَضَ أَوْ اسْتَأْجَرَ صَحَّ وَثَبَتَ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ وَنَحْوُهُمَا فِي ذِمَّتِهِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْغُرَمَاءِ فِيهِ (دُونَ) تَصَرُّفِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ (أَعْيَانِ مَالِهِ) الْمُفَوِّتِ فِي الْحَيَاةِ بِالْإِنْشَاءِ مُبْتَدَأً كَأَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِالْعَيْنِ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ آجَرَ أَوْ وَقَفَ، فَلَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ كَالْمَرْهُونِ، وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ عَلَى مُرَاغَمَةِ مَقْصُودِ الْحَجْرِ كَالسَّفِيهِ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحَيَاةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ التَّدْبِيرُ وَالْوَصِيَّةُ، فَيَصِحُّ مِنْهُ؛ وَبِقَيْدِ الْإِنْشَاءِ الْإِقْرَارُ، فَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ. أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ قُبِلَ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ بِمُعَامَلَةٍ أَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمُعَامَلَةٍ   [حاشية البجيرمي] حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي) أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ هَذَا مَا دَامَ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَهَذَا هُوَ مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ: السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ مُلْحَقٌ بِالرَّشِيدِ، فَمَتَى أَطْلَقُوا السَّفِيهَ الْمُهْمَلَ اخْتَصَّ بِهَذَا إيعَابٌ؛ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا. قَوْلُهُ: (فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ) كَمَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ بِجُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ، فَإِنَّ وَلِيَّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّبْذِيرِ وَالْجُنُونِ أَنَّ التَّبْذِيرَ لِكَوْنِهِ سَفَهًا مَحَلُّ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ فَلَا يَعُودُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَاضٍ، بِخِلَافِ الْجُنُونِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بِطِينٍ) لَا بِجِبْسٍ بَدَلَ الطِّينِ لِكَثْرَةِ مُؤْنَتِهِ وَلَا بِلَبِنٍ بَدَلَ الْآجُرِّ لِقِلَّةِ بَقَائِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَآجُرٍّ) وَهُوَ الطُّوبُ الْمُحَرَّقُ وَأَوَّلُ مَنْ صَنَعَهُ هَامَانُ، وَهَذَا إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ إذْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ ق ل وَنَقَلَهُ سم وَالْمَرْحُومِيُّ عَنْ الرَّمْلِيِّ فِي غَيْرِ الشَّرْحِ. وَعِبَارَةُ م ر بَعْدَ قَوْلِهِ " وَآجُرٍّ ": وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ اخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ جَوَازَ الْبِنَاءِ عَلَى عَادَةِ الْبَلَدِ كَيْفَ كَانَ، اهـ بِحُرُوفِهِ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ " وَآجُرٍّ " وَلَكِنْ هَذَا بِحَسَبِ الْمُعْتَادِ فِي زَمَانِهِمْ، أَمَّا الْآنَ فَالْمُعْتَبَرُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ؛ لَكِنْ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر مُوَافَقَةُ الشَّارِحِ مُطْلَقًا وَإِنْ خَالَفَ الْعَادَةَ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَيُزَكِّي مَالَهُ) أَيْ الصَّبِيِّ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُقَلِّدًا لِمَنْ يَرَى الزَّكَاةَ فِي مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا لِمَنْ لَا يَرَى وُجُوبَهَا فِيهِ امْتَنَعَ عَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُهَا وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ يَرَى ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْجُورِ مَذْهَبٌ فَالْأَوْلَى بِالْوَلِيِّ إذَا رَأَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ لِحَاكِمٍ يَرَاهَا لِيَأْمُرَهُ بِهَا حَتَّى لَا يُطَالِبَهُ الْوَلَدُ بَعْدَ بُلُوغِهِ،. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (حَلَفَ الْمُدَّعِي) أَيْ الصَّبِيُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ) لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْقَاضِي فَيَقْبَلُ إلَخْ) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ كَالْوَصِيِّ شَرْحُ م ر، أَيْ فَيَقْبَلُ قَوْلَ الصَّبِيِّ بِيَمِينِهِ. قَوْلُهُ: (فِي مَالِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْحَجْرِ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ بَاعَ سَلَمًا) بِأَنْ يَكُونَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَاعَ فِيهَا) أَيْ فِي ذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: (لَا بِلَفْظِ السَّلَمِ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ: كَأَنْ بَاعَ سَلَمًا إلَخْ قَوْلُهُ: (صَحَّ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ " يَصِحُّ فِي ذِمَّتِهِ ". وَلَيْسَ وَاقِعًا جَوَابًا لِشَرْطٍ تَقَدَّمَ لَكِنَّهُ سَرَى لَهُ مِنْ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ، وَهِيَ: وَلَوْ بَاعَ سَلَمًا، إلَى أَنْ قَالَ: صَحَّ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا ضَرَرَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ: يَصِحُّ فِي ذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: (الْمُفَوِّتِ) صِفَةٌ لِلتَّصَرُّفِ وَهُوَ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، أَيْ الْمُفَوِّتِ عَلَى الْغُرَمَاءِ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ. وَخَرَجَ بِهِ الْعَارِيَّةُ فَتَصِحُّ مِنْهُ كَمَا فِي م ر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَفْوِيتٌ. قَوْلُهُ: (بِالْإِنْشَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُفَوِّتِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. قَوْلُهُ: (مُبْتَدَأً) حَالٌ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْقُيُودُ أَرْبَعَةٌ. قَوْلُهُ: (مُرَاغَمَةِ) أَيْ مُخَالَفَةٍ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الْحَجْرِ إنْ كَانَ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ لَمْ يَقْبَلْ وَإِلَّا قَبِلَ وَزَاحَمَ الْغُرَمَاءَ س ل. قَوْلُهُ: (أَوْ دَيْنٍ) هَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 وَلَا غَيْرِهَا لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ قَالَ عَنْ جِنَايَةٍ بَعْدَ الْحَجْرِ قُبِلَ فَيُزَاحِمُهُمْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَبِقَيْدٍ مُبْتَدَأٍ رَدُّ مَا كَانَ اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ بَعْدَ الْحَجْرِ إذَا كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ، وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ زَوْجَتَهُ وَاسْتِيفَاؤُهُ الْقِصَاصَ وَإِسْقَاطُهُ الْقِصَاصَ وَلَوْ مَجَّانًا إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَالٌ، وَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ النَّسَبَ وَنَفْيُهُ بِاللِّعَانِ. (وَتَصَرُّفُ الْمَرِيضِ) الْمُتَّصِلِ مَرَضُهُ بِالْمَوْتِ (فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) مِنْ مَالِهِ (مَوْقُوفٌ) تَنْفِيذُهُ (عَلَى إجَازَةِ) جَمِيعِ (الْوَرَثَةِ) بِالْقُيُودِ الْآتِي بَيَانُهَا فِي الْوَصِيَّةِ (مِنْ بَعْدِهِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا قَبْلَهُ، وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ مِنْ لَكَانَ أَخْصَرَ. (وَتَصَرُّفُ الْعَبْدِ) أَيْ الرَّقِيقِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَفْظُ الْعَبْدِ يَشْمَلُ الْأَمَةَ فَكَأَنَّهُ قَالَ الرَّقِيقُ الَّذِي يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ،   [حاشية البجيرمي] مُحْتَرَزِ الْقُيُودِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَعْيَانِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (قُبِلَ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ) أَيْ فَيُزَاحِمُهُمْ الْمُقَرُّ لَهُ. قَوْلُهُ: (بِمُعَامَلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا) أَوْ لَمْ يُسْنَدُ وُجُوبُهُ لِمَا قَبْلَ الْحَجْرِ وَلَا لِمَا بَعْدَهُ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِي حَقِّهِمْ، فَلَا يُزَاحِمُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الثَّلَاثِ لِتَقْصِيرِهِ بِمُعَامَلَتِهِ لَهُ فِي الْأُولَى وَلِتَنْزِيلِهِ عَلَى أَقَلِّ الْمَرَاتِبِ وَهُوَ دِينُ الْمُعَامَلَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ حَادِثٍ تَقْدِيرُهُ بِأَقَلَّ زَمَنٍ فِي الثَّالِثَةِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ) فَلَا يُزَاحِمُهُمْ الْمُقَرُّ لَهُ، بَلْ يُطَالِبُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ) أَيْ بِصَدَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَالٌ) أَيْ شَيْءٌ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ الَّتِي يَمْتَنِعُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا، فَلَا يُرَدُّ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ مَالٌ لَكِنْ لَيْسَ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ النَّسَبَ) أَمَّا اسْتِيلَادُهُ فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ نُفُوذِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ؛ لِأَنَّ حَجْرَ الْفَلَسِ امْتَازَ عَنْ حَجْرِ الْمَرَضِ بِكَوْنِهِ يَتَصَرَّفُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ وَعَنْ حَجْرِ السَّفَهِ بِكَوْنِهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ. اهـ. م ر. وَيُنْفَقُ عَلَى الْمُسْتَلْحَقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا مِنْ أَعْيَانِ مَالِ مُسْتَلْحِقِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَالَ ع ش: وَانْظُرْ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مَجَّانًا أَوْ قَرْضًا؟ الْأَقْرَبُ الثَّانِي إنْ تَبَيَّنَ لِلْمُسْتَلْحَقِ مَالٌ قَبْلَ الِاسْتِلْحَاقِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ مَالٍ لَهُ. أَمَّا لَوْ طَرَأَ لَهُ مَالٌ بَعْدُ أَوْ صَارَ الْمُسْتَلْحَقُ رَشِيدًا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، كَالْإِنْفَاقِ عَلَى الْفَقِيرِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا طَرَأَ لَهُ مَالٌ. وَإِنَّمَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْمُسْتَلْحَقِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْمُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الْمَالِ عَلَيْهِ لَغْوٌ فَقُبِلَ لِثُبُوتِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ثُبُوتِ النَّسَبِ لَا يُفَوَّتُ عَلَيْهِ مَالٌ وَأُلْغِيَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ حَذَرًا مِنْ التَّفْوِيتِ لِلْمَالِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَصَرُّفُ الْمَرِيضِ) أَيْ بِإِبْرَاءٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ بَيْعٍ بِمُحَابَاةٍ، ق ل. قَوْلُهُ: (فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لَهُ فَتَصَرُّفُهُ حَتَّى فِي الثُّلُثِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَالِهِ) أَيْ وَقْتَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: (تَنْفِيذُهُ) دُفِعَ بِهِ تَوَهُّمُ أَنَّ التَّصَرُّفَ هُوَ الْمَوْقُوفُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ق ل. قَوْلُهُ: (جَمِيعُ الْوَرَثَةِ) أَيْ فِي جَمِيعِ الزَّائِدِ، فَإِنْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ نَفَذَ فِيمَا يَخُصُّهُ، فَلَوْ جَعَلَ الشَّارِحُ حَرْفَ التَّعْرِيفِ لِلْجِنْسِ الشَّامِلِ لِبَعْضِهِمْ لَكَانَ أَوْلَى وَأَعَمَّ ق ل. وَمُرَادُهُ بِحَرْفِ التَّعْرِيفِ " أَلْ " فِي الْوَرَثَةِ وَجَعْلِهَا لِلْجِنْسِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا أَجَازَ بَعْضُهُمْ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الزَّائِدِ وَالشَّارِحُ جَعَلَهَا لِلِاسْتِغْرَاقِ حَيْثُ قَالَ: جَمِيعُ الْوَرَثَةِ. قَوْلُهُ: (بِالْقُيُودِ الْآتِي بَيَانُهَا) أَيْ بِأَنْ يَكُونُوا بَالِغِينَ عَاقِلِينَ مُطْلَقِي التَّصَرُّفِ فَلَوْ كَانُوا غَيْرَ مُطْلَقِي التَّصَرُّفِ لَمْ تَصِحَّ إجَازَتُهُمْ وَلَا إجَازَةُ وَلِيِّهِمْ بَلْ يَبْطُلُ ذَلِكَ التَّبَرُّعُ لِمَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ؛ لَكِنْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تُتَوَقَّعْ أَهْلِيَّتُهُ كَمَجْنُونٍ أَخْبَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ جُنُونَهُ مُسْتَحْكَمٌ، وَإِلَّا وَقَفَ الْأَمْرُ إلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ سم. قَوْلُهُ: (مِنْ بَعْدِهِ) قَيْدٌ فِي الْكُلِّ أَيْ الْإِجَازَةِ وَالْوَرَثَةِ وَالثُّلُثِ بَعْدَ الْمَوْتِ،. اهـ. م د. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِجَازَةِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْوَرَثَةُ وَالثُّلُثُ فَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَذَفَ إلَخْ) وَلَوْ حَذَفَ " مِنْ " وَمَجْرُورَهَا مَعًا لَكَانَ أَخْصَرَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَعْلُومٌ مِنْ لَفْظِ الْوَرَثَةِ فَتَأَمَّلْ ق ل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 لَوْ كَانَ حُرًّا يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَا لَا يَنْفُذُ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ كَالْوِلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ، وَمَا يَنْفُذُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَالْعِبَادَاتِ وَالطَّلَاقِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنٍ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، فَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِالتِّجَارَةِ لَمْ يَصِحَّ شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ كَمَا مَرَّ فَيَسْتَرِدُّهُ الْبَائِعُ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَمْ فِي يَدِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ (يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ) لِثُبُوتِهِ بِرِضَا مَالِكِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ السَّيِّدُ. وَالضَّابِطُ فِيمَا يُتْلِفُهُ الْعَبْدُ أَوْ يَتْلَفُ تَحْتَ يَدِهِ إنْ لَزِمَ بِغَيْرِ رِضَا مُسْتَحِقِّهِ كَإِتْلَافٍ أَوْ تَلَفٍ بِغَصْبٍ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ وَإِنْ لَزِمَ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ سَوَاءٌ رَآهُ السَّيِّدُ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَمْ لَا، أَوْ بِإِذْنِهِ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ وَكَسْبِهِ وَمَالِ تِجَارَتِهِ وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ السَّيِّدِ كَانَ لِلْبَائِعِ تَضْمِينُ السَّيِّدِ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ أَيْضًا بَعْدَ الْعِتْقِ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التِّجَارَةِ تَصَرَّفَ بِالْإِجْمَاعِ بِحَسَبِ الْإِذْنِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْإِذْنِ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ كَالْوَكِيلِ وَلَيْسَ لَهُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ النِّكَاحُ وَلَا يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ وَلَا يَتَبَرَّعُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَيْ الرَّقِيقِ) فَعِيلٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ. قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ حَزْمٍ) هُوَ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ. قَوْلُهُ: (فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ كَلَامِهِ أَصْلًا فَهُوَ لَيْسَ مَقُولًا لَهُ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَتَصَرُّفَاتُ الرَّقِيقِ الَّذِي إلَخْ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " يَنْقَسِمُ " أَيْ مِنْ حَيْثُ تَصَرُّفَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ. قَوْلُهُ: (الَّذِي يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ إلَخْ) لَيْسَ مِنْ مَقُولِ الْقَوْلِ بَلْ هُوَ صِفَةٌ لِلْعَبْدِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ، فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى قَيْدٍ مَحْذُوفٍ فِي الْمَتْنِ تَقْدِيرُهُ: وَتَصَرُّفُ الْعَبْدِ الَّذِي يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لَوْ كَانَ حُرًّا يَنْقَسِمُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لَوْ كَانَ حُرًّا) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا رَشِيدًا. قَوْلُهُ: (يَنْقَسِمُ) أَيْ الرَّقِيقُ مِنْ حَيْثُ تَصَرُّفَاتُهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " مَا لَا يَنْفُذُ إلَخْ " وَلَا يَصِحُّ تَقْسِيمُ الرَّقِيقِ إلَيْهَا بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: الرَّقِيقُ تَصَرُّفَاتُهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (مَا لَا يَنْفُذُ) أَيْ تَصَرُّفُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَالْوِلَايَاتِ) أَيْ أَثَرِ الْوِلَايَاتِ، أَيْ مَا يَنْشَأُ عَنْهَا مِنْ تَزْوِيجٍ وَالْحُكْمِ مَثَلًا، وَإِلَّا فَالْوِلَايَاتُ أَنْفُسُهَا لَا تَتَّصِفُ بِكَوْنِهَا تَصَرُّفًا بَلْ هِيَ مَعْنًى قَائِمٌ بِالشَّخْصِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَالشَّهَادَاتِ) فِي إطْلَاقِ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى الشَّهَادَاتِ وَالْعِبَادَاتِ مُسَامَحَةٌ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالتَّصَرُّفَاتِ مُطْلَقُ الْأَفْعَالِ وَالشَّهَادَةُ فِعْلُ اللِّسَانِ، وَمَعْنَى نُفُوذِ الْعِبَادَةِ أَنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهَا فِي إسْقَاطِ الْفَرْضِ وَالطَّلَبِ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ إذْنِهِ) بَلْ وَإِنْ نَهَاهُ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) مُسْتَدْرَكُ ق ل، أَيْ وَإِنْ سَكَتَ عَلَيْهِ إذْ لَا يُنْسَبُ لِلسَّاكِتِ قَوْلٌ. قَوْلُهُ: (فَيَسْتَرِدُّهُ الْبَائِعُ) وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ، وَعَلَى السَّيِّدِ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ ح ل. قَوْلُهُ: (إذَا عَتَقَ) أَيْ وَأَيْسَرَ. وَالْمُرَادُ عَتَقَ كُلُّهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (وَالضَّابِطُ إلَخْ) وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْسَامِ السَّابِقَةِ، وَتَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ إذْنِ سَيِّدِهِ. اهـ. ق ل وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: يَضْمَنُ عَبْدٌ تَالِفًا فِي ذِمَّتِهْ ... إنْ رَضِيَ الْمَالِكُ دُونَ سَادَتِهْ وَإِنْ يَكُنْ بِلَا رِضَا مَنْ اسْتَحَقْ ... فَلَيْسَ إلَّا بِالرَّقِيبَةِ اعْتَلَقْ وَبِرِضَا الْمَالِكِ مَعَ سَيِّدِهِ ... عَلِّقْ بِذِمَّةٍ وَمَا فِي يَدِهِ قَوْلُهُ: (تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ) سَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (بِرَقَبَتِهِ) فَيُبَاعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَفْتَدِيَهُ السَّيِّدُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ عِتْقِهِ) فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُعْتَقْ فَلَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ إذَا كَانَ الْمُسْتَحِقُّ عَالِمًا بِرِقِّهِ وَلَمْ يُقَصِّرْ الْعَبْدُ فِي تَلَفِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ السَّيِّدِ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ " فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الْعَبْدِ " فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ) لَكِنَّهُ إذَا غَرِمَ الْعَبْدُ رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّ الْقَرَارَ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْعَبْدِ، وَيُرَشَّحُ لِهَذَا تَعْبِيرُهُ حَيْثُ عَبَّرَ فِي جَانِبِ السَّيِّدِ بِالتَّضْمِينِ وَفِي جَانِبِ الرَّقِيقِ بِالْمُطَالَبَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ، فَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَصِحَّ شِرَاؤُهُ. قَوْلُهُ: (تَصَرُّفٌ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ وَإِنْ رَدَّ الْإِذْنَ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِخْدَامٌ لَا تَوْكِيلٌ ز ي. قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ الْإِذْنِ) أَيْ عَلَى قَدْرِهِ. قَوْلُهُ: (النِّكَاحُ) أَيْ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِعَبِيدِ التِّجَارَةِ ق ل. وَلَا يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُرَاجِعُ الْحَاكِمَ فِي غَيْبَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ وَلَا رَقِيقَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لِلسَّيِّدِ، وَيَدُ رَقِيقِ السَّيِّدِ كَالسَّيِّدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ وَلَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ سَيِّدِهِ، وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِدُيُونِ الْمُعَامَلَةِ. وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ شَخْصٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُعَامَلَتُهُ حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ لَهُ بِسَمَاعِ سَيِّدِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ شُيُوعٍ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ: أَنَا مَأْذُونٌ لِي لِأَنَّهُ رِقٌّ وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ وَلَا بِتَمْلِيكِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَأَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ. فَصْلٌ: فِي الصُّلْحِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ إشْرَاعِ الرَّوْشَنِ فِي الطَّرِيقِ وَالصُّلْحُ لُغَةً قَطْعُ النِّزَاعِ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ: صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ، وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ، وَصُلْحٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وَخَبَرُ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ   [حاشية البجيرمي] سَيِّدِهِ لِيَأْذَنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ جَازَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْإِنْفَاقِ لِلضَّرُورَةِ وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِرَاضُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، ز ي. وَيُصَدَّقُ فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَبَرَّعُ) وَلَوْ بِلُقْمَةٍ لِهِرَّةٍ مَا لَمْ يُعْلَمْ رِضَا السَّيِّدِ بِهِ أَيْ بِالتَّبَرُّعِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ؛ ق ل وَع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا يُعَامَلُ سَيِّدُهُ) أَيْ وَلَوْ وَكِيلًا مِنْ غَيْرِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ، وَلَا وَكِيلُ سَيِّدِهِ بِمَالِ سَيِّدِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا رَقِيقُهُ) أَيْ رَقِيقُ سَيِّدِهِ. وَقَوْلُهُ " بِبَيْعٍ " مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يُعَامَلُ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ) أَيْ فَيُعَامَلُ سَيِّدُهُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ " أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً، أَمَّا فَاسِدُهَا فَلَا يُعَامَلُ سَيِّدُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ) مُرَادُهُ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ لِثُبُوتِهِ بِعَدْلٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِبَيِّنَةٍ) وَلَوْ عَدْلًا وَاحِدًا، وَلَا يَبْطُلُ الْإِذْنُ بِجُنُونِ أَحَدِهِمَا أَوْ إغْمَائِهِ خِلَافًا لِلْعَبَّادِيِّ، وَلَا بِإِبَاقِ الْعَبْدِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا أَبَقَ إلَيْهِ اهـ ق ل. تَتِمَّةٌ: أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِجَوَازِ بَيْعِ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفَقَتِهِ بِنِهَايَةِ مَا دَفَعَ فِيهِ وَإِنْ رُخِّصَ لِضَرُورَةٍ. اهـ. حَجّ. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ وَقْفَةٌ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الِاقْتِرَاضُ أَوْ الِارْتِهَانُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ " لِضَرُورَةٍ " أَوْ يُقَالُ: حَيْثُ انْتَهَتْ الرَّغَبَاتُ فِيهِ بِقَدْرٍ كَانَ ثَمَنُ مِثْلِهِ وَالرُّخْصُ لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ يَكُونُ غَالِيًا وَقَدْ يَكُونُ رَخِيصًا اهـ. ع ش عَلَى م ر. [فَصْلٌ فِي الصُّلْحِ] ِ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ مُنَاسَبَةٍ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرَهُ عَمَّا فِي الْكِتَابِ كُلِّهِ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي غَالِبِهَا فَيَكُونُ بَيْعًا وَسَلَمًا وَهِبَةً وَإِجَارَةً. وَهُوَ رُخْصَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ هِيَ الْحُكْمُ الْمُتَغَيَّرُ إلَيْهِ السَّهْلُ لِعُذْرٍ مِنْ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِتَسْمِيَتِهِ رُخْصَةُ التَّغْيِيرِ بِالْفِعْلِ بَلْ وُرُودُ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ مَا تَقْتَضِيهِ الْأُصُولُ الْعَامَّةُ كَافٍ فِي كَوْنِهِ رُخْصَةً؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَكَرَهُ عَقِبَ الْحَجْرِ لِأَنَّ غَالِبَ وُقُوعِهِ بَعْدَ حَجْرِ الْفَلَسِ. قَوْلُهُ: (مِنْ إشْرَاعِ الرَّوْشَنِ) أَيْ وَحُكْمُ تَقْدِيمِ الْبَابِ وَتَأْخِيرِهِ. قَوْلُهُ: (وَشَرْعًا عَقْدٌ إلَخْ) هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَعَمُّ مِنْ الِاصْطِلَاحِيِّ إذْ هُمَا مُتَغَايِرَانِ هُنَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ قَطَعَ النِّزَاعَ أَيْ بِعَقْدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الصُّلْحُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا الْمَذْكُورُ فِي التَّرْجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمُعَامَلَاتِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ، وَإِلَّا لَزِمَ تَقْسِيمُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ " أَنْوَاعٌ " أَيْ أَرْبَعَةٌ صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَعَقَدُوا لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 بِمِنْ وَعَنْ وَلِلْمَأْخُوذِ بِعَلَى وَالْبَاءِ غَالِبًا. وَهُوَ قِسْمَانِ صُلْحٌ عَلَى إقْرَارٍ وَصُلْحٌ عَلَى إنْكَارٍ. وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَيَصِحُّ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ فِي الْأَمْوَالِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ) فَلَا يَصِحُّ عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ مِنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ سُلَيْمٍ الرَّازِيِّ وَغَيْرِهِ، كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَأَنْكَرَ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى بَعْضِهَا، أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَثَوْبٍ أَوْ دَيْنٍ لِأَنَّهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ صُلْحٌ مُحَرِّمٌ لِلْحَلَالِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي   [حاشية البجيرمي] بَابُ الْهُدْنَةِ وَهِيَ الصُّلْحُ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا وَعَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا. قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ الْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ وَالْبُغَاةِ، وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْبُغَاةِ. قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ) وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ. قَوْلُهُ: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى الصُّلْحِ مُطْلَقًا، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ هُوَ الْوَاقِعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُ أُعِيدَتْ فِيهِ النَّكِرَةُ مَعْرِفَةً، وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ عَيْنًا، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: هَذَا الصُّلْحُ أَيْ الْوَاقِعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ خَيْرٌ ح ل. وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ وَبِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَيَدُلُّ لِإِرَادَةِ الْعُمُومِ إعَادَتُهُ بِلَفْظِ الظَّاهِرِ لَا بِالضَّمِيرِ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ لِلْأَحْكَامِ غَالِبًا، وَإِلَّا فَمِثْلُهُمْ الْكُفَّارُ. قَوْلُهُ: (إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا إلَخْ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ أَيْ يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ ق ل، أَيْ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا لَيْسَ صُلْحًا لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْ الصُّلْحِ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ لَا يُسَمَّى صُلْحًا وَفِيهِ خِلَافٌ م د. قَوْلُهُ: (أَحَلَّ حَرَامًا) كَأَنْ صَالَحَ عَلَى نَحْوِ خَمْرٍ م ر، وَسَيَأْتِي تَمْثِيلُهُ أَيْضًا فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا) كَأَنْ صَالَحَ عَلَى أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمَصَالِحِ عَلَيْهِ، شَرْحُ م ر. فَإِنْ قِيلَ: الصُّلْحُ لَمْ يُحَرِّمْ الْحَلَالَ وَلَمْ يُحَلِّلْ الْحَرَامَ بَلْ هُوَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الْمُجَوِّزُ لَنَا الْإِقْدَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ، عَنَانِيٌّ؛ أَيْ فَلَوْ صَحَّحْنَاهُ لَكَانَ هُوَ الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَرِّمُ فِي الظَّاهِرِ. قَوْلُهُ: (وَلَفْظُهُ إلَخْ) وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: فِي الصُّلْحِ لِلْمَأْخُوذِ بَاءٌ وَعَلَى ... وَالتَّرْكُ مِنْ وَعَنْ كَثِيرًا ذَا جَعْلَا وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: بِالْبَاءِ أَوْ عَلَى يُعَدَّى الصُّلْحُ ... لِمَا أَخَذْته فَهَذَا نُصْحُ وَمِنْ وَعَنْ أَيْضًا لِمَا قَدْ تُرِكَا ... فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ ذَا قَدْ سُلِكَا قَوْلُهُ: (عَلَى إقْرَارٍ) وَمِثْلُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا عَقْدَ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَنَازَعَ الْمُتَعَاقِدَانِ هَلْ وَقَعَ الْعَقْدُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْبَيْعِ فَهَلَّا يَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ، أُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالْغَالِبَ جَرَيَانُ الْبَيْعِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالْغَالِبُ وُقُوعُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ؛. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (عَلَى إنْكَارٍ) أَيْ أَوْ سُكُوتٍ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ قَالَ عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ لَكَانَ أَوْلَى ق ل. قَوْلُهُ: (مَعَ الْإِقْرَارِ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ أَوْ مَعَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، ق ل. قَوْلُهُ: (الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ) الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً فِي الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ إنْكَارٍ) أَيْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ ذَهَبُوا إلَى صِحَّتِهِ، أج. قَوْلُهُ: (كَمَا قَالَهُ إلَخْ) يَرْجِعُ لِلسُّكُوتِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَيْهَا) أَيْ مِنْهَا عَلَيْهَا بِأَنْ تُجْعَلَ لِلْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ م ر، كَأَنْ قَالَ: صَالَحْتُك مِنْهَا عَلَيْهَا، وَهَذَا تَصْوِيرُ الْمِنْهَاجِ الْآتِي؛ أَوْ قَالَ: صَالَحْتُك مِنْهَا عَلَى نِصْفِهَا، أَوْ قَالَ: صَالَحْتُك مِنْهَا أَوْ مِنْ بَعْضِهَا عَلَى ثَوْبٍ مَثَلًا؛ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ عَلَى إنْكَارٍ. اهـ. شَيْخُنَا. وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ مِنْ صُوَرِ الصُّلْحِ الْبَاطِلَةِ أَرْبَعَةٌ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ، فَذَكَرَ الشَّارِحُ دَلِيلَ الْأَخِيرَتَيْنِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ فِي الصُّلْحِ إلَخْ، وَأَمَّا الِاثْنَانِ الْأَوَّلَانِ فَسَيَأْتِي يَقُولُ: وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ) سَوَاءٌ كَانَ الصُّلْحُ مِنْهَا أَوْ مِنْ بَعْضِهَا كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لِتَحْرِيمِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ بَعْضِهِ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 صَادِقًا لِتَحْرِيمِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ بَعْضِهِ عَلَيْهِ، أَوْ مُحَلِّلٌ لِلْحَرَامِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا بِأَخْذِهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ. وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الصُّلْحُ عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ بَعْضِهِ فَقَوْلُ الْمِنْهَاجِ إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعَى بِهِ صَحِيحٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ عَلَى وَالْبَاءَ يَدْخُلَانِ عَلَى الْمَأْخُوذِ وَمِنْ وَعَنْ عَلَى الْمَتْرُوكِ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَبِأَنَّ الْمُدَّعِيَ الْمَذْكُورَ مَأْخُوذٌ وَمَتْرُوكٌ بِاعْتِبَارَيْنِ غَايَتُهُ أَنَّ إلْغَاءَ الصُّلْحِ فِي ذَلِكَ لِلْإِنْكَارِ وَلِفَسَادِ الصِّيغَةِ بِاتِّحَادِ الْعِوَضَيْنِ. وَقَوْلُهُ: صَالِحْنِي عَمَّا تَدَّعِيهِ لَيْسَ إقْرَارًا لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِهِ قَطْعَ   [حاشية البجيرمي] لِأَنَّهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ إلَخْ) أَيْ لَوْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا إلَخْ، أَيْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ بِصُورَةِ عَقْدٍ مَقْهُورٍ عَلَيْهِ لِإِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَا يُقَالُ إنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ تَرْكُ حَقِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بِعَقْدِ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ،. اهـ. ح ل بِتَصَرُّفٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْضِهِ) أَيْ فِيمَا إذَا صَالَحَهُ مِنْ بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ عَلَى ثَوْبٍ مَثَلًا وَلَمْ يُصَالِحْ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ " أَوْ بَعْضِهِ " لِأَنَّهُ بِصَدَدِ الصُّلْحِ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ وَلِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْمُلْحَقِ بَعْدَهُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَدَّعِيَ الدَّارَ مَثَلًا وَيُصَالِحَهُ مِنْ بَعْضِهَا عَلَى ثَوْبٍ مَثَلًا سَاكِتًا عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا غَيْرُ مَا يَأْتِي فَلَا تَكْرَارَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ قَوْلَهُ: أَوْ بَعْضِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي " بِهِ " بِدُونِ إعَادَةِ الْخَافِضِ. وَهُوَ بَعِيدٌ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالصُّلْحِ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ الصُّلْحُ عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ فِي الْبُطْلَانِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجْرِي فِيهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ، أَيْ قَوْلُهُ " لِأَنَّهُ فِي الصُّلْحِ إلَخْ " وَإِنَّمَا قَالَ " يَلْحَقُ " لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ أَنَّهُ يَتْرُكُهُ لِلْمُنْكِرِ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَحْرِيمُ الْحَلَالِ إنْ كَانَ صَادِقًا دُونَ تَحْلِيلِ الْحَرَامِ إنْ كَانَ كَاذِبًا، لِكَوْنِ الْمُدَّعِي لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُنْكِرِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَحْلِيلُ الْحَرَامِ لِأَخْذِهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ إنْ كَانَ كَاذِبًا؛ فَسَقَطَ قَوْلُ ق ل: لَا حَاجَةَ لِلْإِلْحَاقِ لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ، اهـ. نَعَمْ يَظْهَرُ وُجُودُ الْمَعْنَيَيْنِ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ اهـ م د قَوْلُهُ: (فَقَوْلُ الْمِنْهَاجِ إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَصْوِيرِ الصُّلْحِ الْبَاطِلِ بِمَا مَرَّ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فَقَوْلُ الْمِنْهَاجِ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ إنْ جَرَى مَقُولُ الْقَوْلِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ أَيْ فَيَبْطُلُ. وَقَوْلُهُ " صَحِيحٌ " خَبَرُ قَوْلِ أَيْ تَصْوِيرُ الْمِنْهَاجِ لِبُطْلَانِ الصُّلْحِ بِمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ. وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ: النَّوْعُ الثَّانِي الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ فَيَبْطُلُ إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ بَعْضِهِ، اهـ. وَتَعْبِيرُهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَكِنْ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ عَدَمُ ذِكْرِ هَذَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُحَرَّرِ إلَخْ) بَلْ الَّذِي فِيهَا لَفْظَةُ " غَيْرٍ " بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إلَخْ) قَائِلُهُ الْإِسْنَوِيُّ: وَوَجْهُ عَدَمِ اسْتِقَامَتِهِ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ إمَّا مَتْرُوكَةٌ وَإِمَّا مَأْخُوذَةٌ. فَإِنْ كَانَتْ مَتْرُوكَةً وَرَدَ عَلَيْهِ دُخُولُ عَلَى، وَإِنْ كَانَتْ مَأْخُوذَةً وَرَدَ عَلَيْهِ دُخُولُ " مِنْ " وَ " عَنْ ". قَوْلُهُ: (لِأَنَّ عَلَى إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ هُنَا مَتْرُوكٌ وَمَأْخُوذٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ وَاحِدَةٌ ق ل. وَهَذَا تَوْجِيهٌ لِلِاعْتِرَاضِ، أَيْ أَنَّ وَضْعَ الصُّلْحِ أَنْ يَكُونَ مَعَنَا شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا مَتْرُوكٌ تَدْخُلُ عَلَيْهِ " مِنْ " وَالثَّانِي مَأْخُوذٌ تَدْخُلُ عَلَيْهِ " عَلَى " وَلَيْسَ هُنَا إلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ دَخَلَتْ عَلَيْهِ " مِنْ " وَ " عَلَى " قَالَ م د. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْمُدَّعِي صَادِقٌ بِتَرْكِهِ وَبِأَخْذِهِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ خِلَافَهُ. قَوْلُهُ: (مَرْدُودٌ) خَبَرٌ. وَحَاصِلُ الرَّدِّ جَوَابَانِ: الْأَوَّلُ: بِالتَّسْلِيمِ، وَالثَّانِي: بِالْمَنْعِ، وَحَاصِلُهُ تَصْحِيحُ تَصْوِيرِ الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (جَرَى عَلَى الْغَالِبِ) أَيْ وَهَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (بِاعْتِبَارَيْنِ) فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُدَّعِي مَتْرُوكٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَكَأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَخَذَهَا وَتَرَكَهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ح ل. قَوْلُهُ: (أَنَّ إلْغَاءَ الصُّلْحِ) أَيْ بُطْلَانُهُ. قَوْلُهُ: (وَلِفَسَادِ الصِّيغَةِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ التَّصْوِيرِ وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا وَمَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ الْمُقْتَضِي لِصِحَّتِهِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ، ق ل. فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ هَذَا التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَهُ أج؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ التَّصْوِيرِ وَالْقَصْدُ تَصْحِيحُهُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَسَادَ الصِّيغَةِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ قَبْلَ الْجَوَابِ عَنْهَا. قَوْلُهُ: (بِاتِّحَادٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِفَسَادِ وَقَوْلُهُ الْعِوَضَيْنِ، أَيْ الْمُصَالَحُ بِهِ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 الْخُصُومَةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ بُطْلَانِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ مَسَائِلُ: مِنْهَا اصْطِلَاحُ الْوَرَثَةِ فِيمَا وُقِفَ بَيْنَهُمْ إذَا لَمْ يَبْذُلْ أَحَدُهُمْ عِوَضًا مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ، أَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ وَوُقِفَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُنَّ فَاصْطَلَحْنَ، وَمِنْهَا مَا لَوْ تَدَاعَيَا وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ لِأَيِّكُمَا هِيَ أَوْ دَارًا فِي يَدِهِمَا وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً ثُمَّ اصْطَلَحَا، وَإِذَا تَصَالَحَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُمَا تَصَالَحَا عَلَى إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، فَاَلَّذِي نَصَّ   [حاشية البجيرمي] جَعَلَ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ مَتْرُوكَةً لِدُخُولِ " مِنْ " عَلَيْهَا وَمَأْخُوذَةً لِدُخُولِ " عَلَى " عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ إذْ هُوَ مِنْ الصُّلْحِ مَعَ الْجَهْلِ لَا مَعَ الْإِنْكَارِ ق ل، كَأَنْ مَاتَ عَنْ ابْنٍ وَخُنْثَى فَأَخَذَ الِابْنُ النِّصْفَ وَالْخُنْثَى الثُّلُثَ وَاصْطَلَحَا عَلَى السُّدُسِ الْبَاقِي؛ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا لَمْ يُعْلَمْ مَا لِكُلٍّ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْإِنْكَارِ تَدَبَّرْ لِكَاتِبِهِ أج. قَوْلُهُ: (عَلَى الْإِنْكَارِ) الْأَوْلَى: عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ كَمَا فِي م ر، لِيَشْمَلَ السُّكُوتَ؛ إذْ لَا إنْكَارَ هُنَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُنَا إنْكَارٌ بِالْقُوَّةِ، وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ: وَإِقْرَارُ الْخَصْمِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَ الْإِنْكَارِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا مَعَ السُّكُوتِ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْرُمُ عَلَى نَحْوِ قَاضٍ ادَّعَى بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى آخَرَ بِنَحْوِ دَيْنٍ فَأَنْكَرَ الْأَمْرَ بِالصُّلْحِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِبَاطِلٍ، وَكَذَا تَحْرُمُ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إلَّا إذَا قَلَّدَ الْآمِرُ أَوْ الْمُشِيرُ مَنْ يَرَى الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ؛ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَرَادَ الصُّلْحَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ أَرَادَ النَّظَرَ بَيْنَهُمَا لِيَحْصُلَ إقْرَارٌ فَلَا حُرْمَةَ،. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِيمَا وَقَفَ بَيْنَهُمْ) كَأَنْ مَاتَ شَخْصٌ عَنْ جَدٍّ وَأَخٍ شَقِيقٍ وَأَخٍ لِأَبٍ مَفْقُودٍ، فَإِنَّ الْجَدَّ يَأْخُذُ اثْنَيْنِ مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ لَهُ الثُّلُثَ وَالْأَخُ الشَّقِيقُ يَأْخُذُ ثَلَاثَةً وَيُوقَفُ الْوَاحِدُ إنْ تَبَيَّنَ مَوْتُ الْمَفْقُودِ أَخَذَهُ الْجَدُّ وَإِلَّا أَخَذَهُ الشَّقِيقُ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ اصْطَلَحَ الشَّقِيقُ مَعَ الْجَدِّ اج. وَفِي جَعْلِهَا مِنْ سِتَّةٍ نَظَرٌ، وَكَذَا فِي إعْطَاءِ الْأَخِ ثَلَاثَةً وَالْجَدِّ اثْنَيْنِ نَظَرٌ؛ وَالصَّوَابُ جَعْلُهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ فَيُعْطَى الْجَدُّ وَاحِدًا وَالشَّقِيقُ وَاحِدًا وَيُوقَفُ وَاحِدٌ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ الشَّقِيقِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَوْتُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَلَا حَيَاتُهُ، فَالْأَوْلَى تَمْثِيلُ الْمَدَابِغِيِّ بِابْنٍ وَخُنْثَى مَاتَ عَنْهُمَا فَيُعْطَى الِابْنُ ثَلَاثَةً وَالْخُنْثَى اثْنَيْنِ وَيُوقَفُ وَاحِدٌ لِلِاتِّضَاحِ أَوْ الصُّلْحِ، فَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الِابْنُ الْوَاضِحُ نِصْفَ الْقِيرَاطِ أَيْ الْمَوْقُوفِ أَوْ ثُلُثَيْهِ مَثَلًا وَالْبَاقِي لِلْخُنْثَى صَحَّ الصُّلْحُ. وَإِنَّمَا جُعِلَتْ مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الذُّكُورَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَمَسْأَلَةَ الْأُنُوثَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالْجَامِعَةُ لَهُمَا سِتَّةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ، وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ " فِيمَا وُقِفَ بَيْنَهُمْ " أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ خُنْثَى مَثَلًا كَأَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَخُنْثَى، فَمَسْأَلَةُ الذُّكُورَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَمَسْأَلَةُ الْأُنُوثَةِ مِنْ خَمْسَةٍ وَالْجَامِعَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَيُعْطَى كُلُّ ابْنٍ خَمْسَةً وَيُعْطَى الْخُنْثَى ثَلَاثَةً لِأَنَّهَا خُمُسُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَكَانَ لَهُ خُمُسُ الْخَمْسَةِ فِي الْأُولَى بِتَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ وَيُوقَفُ اثْنَانِ لِلِاتِّضَاحِ أَوْ الصُّلْحِ، فَإِذَا اصْطَلَحُوا صَحَّ اصْطِلَاحُهُمْ بِتَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ مَعَ أَنَّهُ لَا إقْرَارَ اهـ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَبْذُلْ إلَخْ) أَمَّا إذَا بَذَلَ أَحَدُهُمْ عِوَضًا مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ بَطَلَ الصُّلْحُ لِاقْتِضَاءِ الْمُعَاوَضَةِ الْمِلْكِيَّةِ لِلْمَوْقُوفِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ، وَلِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِقْرَارِ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَوْقُوفِ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ) أَيْ وَأَسْلَمْنَ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَمَّا لَوْ لَمْ يُسْلِمْنَ أَوْ أَسْلَمْنَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا إرْثَ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهِنَّ حَالَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (أَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ) أَيْ طَلَاقًا بَائِنًا لِأَنَّهَا لَا تَرِثُ، فَاحْتِيجَ إلَى الصُّلْحِ. أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَإِنَّهَا تَرِثُ فَلَا حَاجَةَ لِلصُّلْحِ. قَوْلُهُ: (وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ مُعَيَّنَةً عِنْدَهُ فِي قَصْدِهِ، لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْهَا قَبْلَ مَوْتِهِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ التَّعْيِينِ " إنْ كَانَتْ مُبْهَمَةً عِنْدَهُ لَكِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا قَبْلَ مَوْتَةِ. قَوْلُهُ: (فَاصْطَلَحْنَ) أَيْ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَالزَّوْجَتَانِ الْمُطَلَّقَةُ إحْدَاهُمَا، أَيْ اصْطَلَحْنَ عَلَى الْقِسْمَةِ بِالتَّسَاوِي أَوْ التَّفَاوُتِ. قَوْلُهُ: (لَا أَعْلَمُ لِأَيِّكُمَا هِيَ) بِأَنْ أَوْدَعَ شَخْصَانِ عِنْدَ آخَرَ وَدِيعَتَيْنِ فَضَاعَتْ إحْدَاهُمَا مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ وَلَمْ يُعْلَمْ لِأَيِّهِمَا هِيَ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْ الْمُودِعَيْنِ أَنَّ الْبَاقِيَةَ لَهُ، فَإِنَّهُمَا يَصْطَلِحَانِ عَلَى التَّفَاضُلِ أَوْ التَّسَاوِي لَا عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْإِنْكَارِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا عَقْدَ، وَلَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بَعْدَ الْإِنْكَارِ جَازَ الصُّلْحُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ لُزُومَ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ كَلُزُومِهِ بِالْإِقْرَارِ. وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ أَنْكَرَ جَازَ الصُّلْحُ، وَلَوْ أَنْكَرَ فَصُولِحَ ثُمَّ أَقَرَّ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. (وَ) يَصِحُّ الصُّلْحُ أَيْضًا فِي كُلِّ (مَا يُفْضِي) أَيْ يَئُولُ (إلَيْهَا) أَيْ الْأَمْوَالِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، كَمَنْ ثَبَتَ لَهُ عَلَى شَخْصٍ قِصَاصٌ فَصَالَحَهُ عَلَيْهِ عَلَى مَالٍ بِلَفْظِ الصُّلْحِ كَصَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ مِنْ قِصَاصٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، أَوْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَلَا. (وَهُوَ) أَيْ الصُّلْحُ ضَرْبَانِ: صُلْحٌ عَنْ دَيْنٍ وَصُلْحٌ عَنْ عَيْنٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا (نَوْعَانِ) فَالْأَوَّلُ مِنْ نَوْعَيْ الدَّيْنِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ (إبْرَاءٌ) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ. وَالثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الدَّيْنِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتِصَارًا مُعَاوَضَةٌ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى غَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ. فَإِنْ صَالَحَ عَنْ بَعْضِ أَمْوَالِ الرِّبَا عَلَى مَا يُوَافِقُهُ فِي الْعِلَّةِ اشْتَرَطَ قَبْضَ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ فِي نَفْسِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا صَحَّ الصُّلْحُ وَإِنْ لَمْ   [حاشية البجيرمي] اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِهَا وَبَذْلِ شَيْءٍ مِنْهُ لِلْآخَرِ م د، قَوْلُهُ: (أَوْ دَارًا فِي يَدِهِمَا) يُقَالُ: أَيْ حَاجَةً لِلصُّلْحِ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّهَا لَهُمَا مُنَاصَفَةً بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ؟ قَوْلُهُ: (وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً) رَاجِعٌ لِلِاثْنَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ إذَا لَمْ يُقِمْ أَحَدٌ بَيِّنَةً لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ كَالْعَدَمِ لِتَعَارُضِهِمَا. قَوْلُهُ: (أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْإِنْكَارِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَرَجَتْ عَنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا وَأَحَدُهُمَا يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَالْآخَرُ يَدَّعِي الْفَسَادَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أُقِيمَتْ) فِي مَعْنَى تَعْمِيمِ الْإِقْرَارِ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ " مَعَ الْإِقْرَارِ " فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْإِقْرَارَ وَلَوْ حُكْمًا، وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ كَالْإِقْرَارِ وَمِثْلُهَا الشَّاهِدُ مَعَ الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: (كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فَاسِدًا لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا ق ل قَوْلُهُ: (فَصَالَحَهُ عَلَيْهِ) صَوَابُهُ " عَنْهُ " ق ل؛ لِأَنَّ عَنْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْرُوكِ وَالْقِصَاصُ مَتْرُوكٌ هُنَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْقِصَاصَ كَالْمَأْخُوذِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَخَذَهُ سَقَطَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (كَصَالَحْتُك مِنْ كَذَا) هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: " مِنْ " دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَتْرُوكِ وَعَلَى دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَأْخُوذِ، فَهَذَا مِنْ الْغَالِبِ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ صَادِرٌ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ: عَلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ وَهُوَ يَأْخُذُ الْقِصَاصَ، أَيْ وَإِذَا أَخَذَهُ سَقَطَ عَنْهُ وَيُتْرَكُ غَيْرُهُ، فَمَنْ قَالَ إنَّ هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ كَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا صَادِرٌ مِنْ الْمُدَّعِي. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَصِحُّ) وَيَسْقُطُ بِهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، وَمَتَى مَلَكَ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ سَقَطَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَلَا) أَيْ أَوْ صَالَحَهُ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَبِعْتُكَ الْقِصَاصَ الَّذِي أَسْتَحِقُّهُ عَلَيْك بِكَذَا فَلَا يَصِحُّ، أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَقْلُهُ بِالْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (نَوْعَانِ) وَكُلٌّ مِنْهُمَا نَوْعَانِ، فَذَكَرَ فِي الدَّيْنِ الْإِبْرَاءَ وَتَرَكَ الْمُعَاوَضَةَ لِكَوْنِهِ ذَكَرَهَا فِي الْعَيْنِ، وَذَكَرَ فِي الْعَيْنِ الْمُعَاوَضَةَ وَتَرَكَ صُلْحَ الْحَطِيطَةِ لِكَوْنِهِ ذَكَرَ نَظِيرَهُ فِي صُلْحِ الدَّيْنِ، فَيَكُونُ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ شَبَهُ احْتِبَاكٍ. قَوْلُهُ: (وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ " وَالْمُعَاوَضَةُ إلَخْ " شَامِلٌ لِلْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ الْعَيْنِ) فِي هَذَا التَّعْبِيرِ نَظَرٌ، فَإِنْ فُرِضَ الْكَلَامُ فِي الصُّلْحِ عَنْ الدَّيْنِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ: عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الدَّيْنِ، تَأَمَّلْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ فِي كَلَامِهِ الْمُعَيَّنِ، فَهُوَ وَاقِعٌ فِي كَلَامِهِ وَصْفٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: عَلَى غَيْرِ الدَّيْنِ الْمُعَيَّنِ وَوَصْفُهُ بِالْمُدَّعَاةِ نَظَرًا لِلَفْظِ الْعَيْنِ لَا لِمَعْنَاهَا. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْلَى مِنْ الِاعْتِرَاضِ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الدَّيْنِ لَا الْعَيْنِ، وَكَانَ يَقُولُ عَلَى غَيْرِ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا يُوَافِقُهُ) كَأَنْ صَالَحَ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ أَوْ عَنْ بُرٍّ بِشَعِيرٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (اُشْتُرِطَ قَبْضُ إلَخْ) أَيْ حَذَرًا مِنْ التَّفَرُّقِ الْمُؤَدِّي لِلرِّبَا، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ فِي الْعَقْدِ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا) أَيْ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ كَأَنْ صَالَحَهُ عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ بِهَذَا الْعَبْدِ، كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الثَّوْبِ فِي الْمَجْلِسِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ فِي الْمَجْلِسِ. وَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ نَوْعَيْ الْعَيْنِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتِصَارًا: صُلْحُ الْحَطِيطَةِ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، كَمَنْ صَالَحَ مِنْ دَارٍ عَلَى بَعْضِهَا أَوْ مِنْ ثَوْبَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهَذَا هِبَةٌ لِبَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ الْقَبُولُ وَمُضِيُّ مُدَّةِ إمْكَانِ الْقَبْضِ. وَيَصِحُّ فِي الْبَعْضِ الْمَتْرُوكِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَشَبَهِهِمَا وَكَذَا بِلَفْظِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَصَحِّ كَصَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ عَلَى رُبْعِهَا، وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لِعَدَمِ الثَّمَنِ. (وَ) الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْعَيْنِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ (مُعَاوَضَةٌ) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ (فَالْإِبْرَاءُ) الَّذِي هُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ نَوْعَيْ الدَّيْنِ (اقْتِصَارُهُ مِنْ حَقِّهِ) مِنْ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ (عَلَى بَعْضِهِ) وَيُسَمَّى صُلْحُ الْحَطِيطَةِ، وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالْحَطِّ وَنَحْوِهِمَا كَالْوَضْعِ وَالْإِسْقَاطِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ «كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ طَلَبَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَخَرَجَ إلَيْهِمَا وَنَادَى: يَا كَعْبُ فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْت، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُمْ فَاقْضِهِ» وَإِذَا جَرَى ذَلِكَ بِصِيغَةِ الْإِبْرَاءِ: كَأَبْرَأْتُك مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي عَلَيْك أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ كَوَضَعْتُهَا أَوْ أَسْقَطْتهَا عَنْك لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ عَلَى الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ أَمْ تَمْلِيكٌ. وَكَوْنُهُ إسْقَاطًا أَوْ تَمْلِيكًا اخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي الْأَصَحِّ كَصَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي   [حاشية البجيرمي] فَرْعٌ: ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَأَقَرَّ لَهُ بِهَا فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى خَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَمِائَتَيْ نِصْفِ فِضَّةٍ صَحَّ، وَلَا يُقَالُ هَذَا مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تِلْكَ مَفْرُوضَةٌ فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا هُنَا،. اهـ. عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ دَيْنًا) كَأَنْ قَالَ: صَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي عَلَيْك بِعَبْدٍ فِي ذِمَّتِك صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْعَبْدِ فِي الْمَجْلِسِ، وَفِي قَبْضِهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِاشْتِرَاطُ م د. وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ) صَوَابُهُ: لِمَنْ هِيَ أَيْ الْعَيْنُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمِيرَ بِتَأْوِيلِ الْعَيْنِ بِالشَّيْءِ الْمُدَّعَى، اهـ أج. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْبَعْضِ لَا لِلْعَيْنِ كَمَا فَهِمَهُ الْحَوَاشِي، فَاعْتِرَاضُهُمْ عَلَى الشَّارِحِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ) أَيْ الصُّلْحِ. قَوْلُهُ: (وَمَضَى مُدَّةُ إمْكَانِ الْقَبْضِ) هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ شَرْطٌ لِلُزُومِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ لَا لِأَصْلِ صِحَّةِ الْعَقْدِ، فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ تَسَاهُلٌ، وَالْأَوْجَهُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ وَلَا لِدَوَامِهَا، ق ل. بَلْ شَرْطٌ لِلُّزُومِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (بِلَفْظِ الْهِبَةِ) أَيْ مَعَ لَفْظِ الصُّلْحِ لِيَكُونَ مِنْ أَنْوَاعِهِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ سَبْقُ الْخُصُومَةِ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُولَ وَهَبْتُك نِصْفَ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ وَصَالَحْتُك عَلَى بَاقِيهَا، فَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ " وَصَالَحْتُك إلَخْ " صَحَّ وَكَانَ هِبَةً مَحْضَةً لَا صُلْحًا فَلَا يُشْتَرَطُ سَبْقُ الْخُصُومَةِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ جَرَى بِلَفْظِ الْهِبَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى سَبْقِ خُصُومَةٍ، وَإِنْ جَرَى بِلَفْظِ الصُّلْحِ فَقَطْ أَوْ بِلَفْظِ الصُّلْحِ مَعَ لَفْظِ الْهِبَةِ اُشْتُرِطَ سَبْقُ خُصُومَةٍ، وَأَمَّا الْقَبُولُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْكُلِّ. قَوْلُهُ: (وَشَبَهُهُمَا) كَالْإِعْطَاءِ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ الثَّمَنِ) أَيْ لِأَنَّ الْعَيْنَ كُلَّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَإِذَا بَاعَهَا بِبَعْضِهَا فَقَدْ بَاعَ مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ وَالشَّيْءَ بِبَعْضِهِ وَهُوَ مُحَالٌ، حَجّ. قَوْلُهُ: (فَالْإِبْرَاءُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ لَا يُشْتَرَطُ سَبْقُ خُصُومَةٍ وَلَا قَبُولٍ، وَإِنْ جَرَى بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ مَعًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ خُصُومَةٍ، وَإِنْ جَرَى بِلَفْظِ الصُّلْحِ فَقَدْ اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ خُصُومَةٍ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ) أَيْ مَعَ لَفْظِ الصُّلْحِ لِيَكُونَ مِنْهُ، وَعَلَى مَا مَرَّ لَا يَحْتَاجُ لِقَبُولٍ نَظَرًا لِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ، ق ل وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ إلَيْهِمَا) أَيْ مِنْ بَيْتِهِ. قَوْلُهُ: (قَدْ فَعَلْت) اُنْظُرْ هَلْ هُوَ إنْشَاءٌ أَوْ إخْبَارٌ عَمَّا وَقَعَ مِنْهُ. أَقُولُ: نَظَرْت فَوَجَدْت لِشَيْخِنَا الْعَشْمَاوِيِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ " قَدْ فَعَلْت " أَيْ أَنْشَأْت ذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهَا) أَيْ صِيغَةُ الْإِبْرَاءِ. قَوْلُهُ: (الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (اخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ) أَيْ إنْ قُلْنَا إنَّهُ تَمْلِيكٌ تَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ وَإِلَّا فَلَا، وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَى الْقَبُولِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ) أَيْ فَقَطْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 عَلَيْك عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِيهِ خِلَافٌ مُدْرَكُهُ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ أَوْ الْمَعْنَى، وَالْأَصَحُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ هُنَا اشْتِرَاطُهُ، وَلَا يَصِحُّ هُنَا الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَنَظِيرِهِ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْنِ (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ (فِعْلُهُ) أَيْ تَعْلِيقُ الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْإِبْرَاءِ (عَلَى شَرْطٍ) كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ صَالَحْتُك. (وَالْمُعَاوَضَةُ) الَّذِي هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْعَيْنِ عُدُولُهُ عَنْ حَقِّهِ الْمُدَّعَى بِهِ إلَى غَيْرِهِ كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا أَوْ شِقْصًا مِنْهَا، فَأَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ وَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَعَبْدٍ صَحَّ (وَيَجْرِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الصُّلْحِ (حُكْمُ الْبَيْعِ) مِنْ الرَّدِّ بِعَيْبٍ وَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَمَنْعِ تَصَرُّفِهِ فِي الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَفَسَادِهِ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ وَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَعَقَدَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ أَمْ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ حَدَّ الْبَيْعِ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ. وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى دَيْنٍ فَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا مَثَلًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ السَّلَمِ فَهُوَ سَلَمٌ تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ، وَإِنْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (مُدْرَكُهِ) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ مَوْضِعُ إدْرَاكِهِ، وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ: " مَدْرَكُهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ؛ وَلَيْسَ لِتَخْرِيجِهِ وَجْهٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَدْرَكَ إدْرَاكًا، وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى طَرْدِ الْبَابِ فَيُقَالُ مُفْعَلٌ بِضَمِّ الْمِيمِ مِنْ أَفْعَلَ، وَاسْتُثْنِيَتْ كَلِمَاتٌ مَسْمُوعَةٌ خَرَجَتْ عَنْ الْقِيَاسِ وَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْهَا الْمُدْرَكَ فَالْوَجْهُ الْأَخْذُ بِالْأُصُولِ الْقِيَاسِيَّةِ حَتَّى يَصِحَّ سَمَاعُ غَيْرِهَا اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْمِصْبَاحِ. وَقَوْلُهُ: " بِلَفْظِ الْبَيْعِ " أَيْ لِعَدَمِ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى الْإِبْرَاءِ) لَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصُّلْحِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيهِ وَأَمَّا صُلْحُ الْمُعَاوَضَةِ فَسَيُذْكَرُ أَوْ أَنَّ صُلْحَ الْمُعَاوَضَةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ لِأَنَّهُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ يَكُونُ بَيْعًا فَلَهُ حُكْمُهُ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَالْمُعَاوَضَةُ عُدُولُهُ عَنْ حَقِّهِ إلَى غَيْرِهِ) كَلَامُ الْمَتْنِ شَامِلٌ لِصُورَتَيْنِ، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَتْنُ أَسْقَطَ قِسْمًا وَاحِدًا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا وَصَالَحَهُ عَلَى بَعْضِهَا، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ، فَالْإِبْرَاءُ اقْتِصَارُهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَى بَعْضِهِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الدَّيْنِ. وَعَلَى فَهْمِ الشَّارِحِ يَكُونُ الْمُصَنِّفُ أَسْقَطَ قِسْمًا ثَانِيًا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا وَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَصَالَحَهُ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ الدَّارِ أَوْ بَعْضِهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى ثَوْبٍ) أَيْ مُعَيَّنٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ كَعَبْدٍ الْمُرَادُ مُعَيَّنٌ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي: وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى دَيْنٍ. قَوْلُهُ: (صَحَّ) لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا فَالْأَوْلَى إسْقَاطُهُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَصْوِيرٍ لَا بَيَانَ الْحُكْمِ. قَوْلُهُ: (وَيَجْرِي عَلَيْهِ) الْأَنْسَبُ " عَلَيْهَا " لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ) أَيْ فِيمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شِقْصًا مِنْ دَارٍ كَانَ غَاصِبًا لَهُ فَأَقَرَّ بِهِ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى ثَوْبٍ مَثَلًا فَقَدْ بَاعَهُ لَهُ بِالثَّوْبِ، فَإِذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي شَرِيكٌ فِي الدَّارِ فَيَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَالْجَهَالَةِ) مِنْ عَطْفِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ. قَوْلُهُ: (إلَى غَيْرِ ذَلِكَ) كَالْخِيَارِ بِأَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْرِي فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَيَسْرِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْعَقْدِ بِأَيِّ اللَّفْظَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ) أَتَى بِهَذَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْلُومٌ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا) مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَلَمًا بِأَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَالذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ هُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ إلَخْ، بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ: فَهُوَ بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِمَا بِالْآخَرِ، وَالْمُرَادُ بِهَا بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ: " فَهُوَ سَلَمٌ " مَا يَعُمُّ النَّقْدَ وَغَيْرَهُ، فَقَوْلُهُ: " فَهُوَ سَلَمٌ " أَيْ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا إذَا لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ السَّلَمِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ شَرْحِ حَجّ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ " فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا " فَيَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَاشْتِرَاطُ التَّقَابُضِ وَالتَّسَاوِي إنْ كَانَ جِنْسًا رِبَوِيًّا كَمَا مُثِّلَ بِهِ، وَاشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَجَرَيَانِ التَّحَالُفِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ سَلَمٌ) أَيْ حَقِيقَةً إنْ كَانَ بِلَفْظِهِ، كَأَنْ يَقُولَ: صَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ الَّتِي أَدَّعِيهَا عَلَيْك عَلَى عَبْدٍ فِي ذِمَّتِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 صَالَحَ مِنْ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ عَلَى مَنْفَعَةٍ لِغَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَإِجَارَةٌ تُثْبِتُ أَحْكَامَ الْإِجَارَةِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ حَدَّ الْإِجَارَةِ صَادِقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ صَالَحَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْعَارِيَّةِ فِيهَا، فَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةً فَإِعَارَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَإِلَّا فَمُطْلَقَةٌ. وَلَوْ قَالَ: صَالِحْنِي عَنْ دَارِك مَثَلًا بِكَذَا مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ فَأَجَابَهُ، فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَسْتَدْعِي الْخُصُومَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَ حَاكِمٍ أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ أَقْسَامَ الصُّلْحِ سَبْعَةٌ: الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْهِبَةُ وَالسَّلَمُ وَالْإِبْرَاءُ وَالْمُعَاوَضَةُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ. وَبَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاءُ أُخَرُ: مِنْهَا الْخُلْعُ كَصَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي طَلْقَةً. وَمِنْهَا الْجَعَالَةُ كَصَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى رَدِّ عَبْدِي. وَمِنْهَا: الْفِدَاءُ كَقَوْلِهِ لِلْحَرْبِيِّ: صَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى إطْلَاقِ هَذَا الْأَسِيرِ. وَمِنْهَا: الْفَسْخُ كَأَنْ صَالَحَ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ حَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ مِثْلِهِ، أَوْ صَالَحَ مِنْ مُؤَجَّلٍ عَلَى حَالٍّ مِثْلِهِ، لَغَا الصُّلْحُ لِأَنَّهُ وَعْدٌ فِي   [حاشية البجيرمي] صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا سَلَمًا وَتَكُونُ الْعَيْنُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ. قَوْلُهُ: (فَإِجَارَةٍ) فَالْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ مَتْرُوكَةٌ فِي نَظِيرِ الْمَنْفَعَةِ فَتَكُونُ أُجْرَةً، وَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْعَيْنَ الَّتِي أَخَذَهَا بِالْعَيْنِ الْمُقَرِّ بِهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ صَالَحَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ) كَأَنْ قَالَ الْمُدَّعِي: صَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ الَّتِي أَدَّعِيهَا عَلَيْك عَلَى سُكْنَاهَا سَنَةً، فَالْمُعِيرُ الْمُدَّعِي وَالْمُسْتَعِيرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ عَلَى تَدْخُلُ عَلَى الْمَأْخُوذِ وَمِنْ عَلَى الْمَتْرُوكِ وَهَذَا بِالْعَكْسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ صَالِحْنِي عَنْ دَارِك إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَيُشْتَرَطُ فِي الصُّلْحِ سَبْقُ الْخُصُومَةِ فَلَوْ قَالَ صَالِحْنِي إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ) مَحَلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، فَإِنْ نَوَيَا بِهِ الْبَيْعَ كَانَ كِنَايَةً مِنْ غَيْرِ شَكٍّ كَمَا قَالَاهُ وَإِنْ رَدَّهُ فِي الْمَطْلَبِ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (الْبَيْعُ) كَصَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ أَوْ مِنْ الْأَلْفِ الَّذِي عَلَيْك عَلَى هَذِهِ الدَّرَاهِمِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِجَارَةُ) تَحْتَهَا صُورَتَانِ كَصَالَحْتُك مِنْ سُكْنَى الدَّارِ سَنَةً بِهَذَا الْعَبْدِ فَيَكُونُ إجَارَةً لِلْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ بِغَيْرِهَا لِغَرِيمِهِ، أَوْ صَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ بِخِدْمَةِ عَبْدِك هَذَا إلَى سَنَةٍ فَيَكُونُ إجَارَةً لِغَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ بِهَا مِنْ غَرِيمِهِ م د. قَوْلُهُ: (وَالْعَارِيَّةُ) أَيْ مُؤَقَّتَةً أَوْ مُطْلَقَةً، كَصَالَحْتُك مِنْ سُكْنَى الدَّارِ سَنَةً عَلَيْهَا أَوْ مِنْ سُكْنَى الدَّارِ عَلَيْهَا؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ. قَوْلُهُ: (وَالْهِبَةُ) كَصَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ عَلَى نِصْفِهَا مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَالسَّلَمُ) بِأَنْ تُجْعَلَ الْعَيْنُ الْمُدَّعَى بِهَا رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَالْمُعَاوَضَةُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، كَقَوْلِهِ: صَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى مَا أَسْتَحِقُّهُ عَلَيْك مِنْ الْقَوَدِ،. اهـ. ز ي. وَهَذَا التَّمْثِيلُ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ مِنْ أَنَّ مِنْ أُدْخِلَتْ عَلَى الْمَأْخُوذِ وَعَلَى عَلَى الْمَتْرُوكِ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي) أَيْ فَيَقُولُ لَهَا: " صَالَحْتُك " لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ طَلَّقْتُك فَيَحْصُلُ بِهِ الْخُلْعُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ أَوْ لَفْظَ الطَّلَاقِ أَوْ قَبِلْت ذَلِكَ وَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَعِبَارَةُ أج: هَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ صَالَحْتُك عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ هَذَا هُوَ عَيْنُ الْخُلْعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ طَلَاقٍ بَعْدَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ صَالَحْتُك وَطَلَّقْتُك؟ قَالَ ع ش: يَكْفِي أَحَدُهُمَا وَقَالَ ق ل لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ طَلَاقٍ اهـ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ صَالَحَ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ صَحِيحٌ مَاشٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إقَالَةٌ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، شَوْبَرِيٌّ أج. قَوْلُهُ: (لَغَا الصُّلْحُ) وَصَحَّ تَعْجِيلٌ لِلْمُؤَجَّلِ، لَا إنْ ظَنَّ صِحَّةَ الصُّلْحِ فَلَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ فَيَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَهُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ وَعْدٌ فِي الْأُولَى) أَيْ وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ حَالًّا عَلَى حَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَصِفَةُ الْحُلُولِ) مِثْلُهُ م ر، قَالَ الرَّشِيدِيُّ: صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ " وَصِفَةُ التَّأْجِيلِ اهـ " لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَالْأَنْسَبُ ذِكْرُ ذَلِكَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَصِفَةُ التَّأْجِيلِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا لِلْحَالِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ إلْحَاقُهَا الْأَجَلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 الْأُولَى مِنْ الدَّائِنِ بِإِلْحَاقِ الْأَجَلِ، وَصِفَةُ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا وَفِي الثَّانِيَةِ وَعْدٌ مِنْ الْمَدْيُونِ بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ وَهُوَ لَا يَسْقُطُ، فَلَوْ صَالَحَ مِنْ عَشْرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ بَرِئَ مِنْ خَمْسَةٍ وَبَقِيَ خَمْسَةٌ حَالَّةٌ لِأَنَّهُ سَامَحَ بِحَطِّ الْبَعْضِ وَوَعَدَ بِتَأْجِيلِ الْبَاقِي، وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ وَالْحَطُّ صَحِيحٌ. وَلَوْ عُكِسَ بِأَنْ صَالَحَ مِنْ عَشْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ حَالَّةٍ لَغَا الصُّلْحُ لِأَنَّ صِفَةَ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا، وَالْخَمْسَةُ الْأُخْرَى إنَّمَا تَرَكَهَا فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْحُلُولُ لَا يَصِحُّ التَّرْكُ. (وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُشْرِعَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ، أَيْ يُخْرِجُ (رَوْشَنًا) أَيْ جَنَاحًا وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ نَحْوِ الْخَشَبِ وَسَابَاطًا وَهُوَ السَّقِيفَةُ عَلَى حَائِطَيْنِ وَالطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا (فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ) وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ وَقِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ اجْتِمَاعٌ وَافْتِرَاقٌ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْبُنْيَانِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا نَافِذًا وَالطَّرِيقُ يَكُونُ بِبُنْيَانٍ أَوْ صَحْرَاءَ وَنَافِذًا أَوْ غَيْرَ نَافِذٍ، وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ بِحَيْثُ (لَا يَضُرُّ) كُلٌّ مِنْ الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ (الْمَارَّةَ) فِي مُرُورِهِمْ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ   [حاشية البجيرمي] فَتَرْجِعُ لِمَا ذُكِرَ فِي الْمَعْنَى. قَوْلُهُ: (وَصِفَةُ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا) الْمَعْنَى أَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يَلْحَقُهُ صِفَةُ الْحُلُولِ، وَهُوَ إنَّمَا أَسْقَطَ الْخَمْسَةَ فِي مُقَابَلَةِ حُلُولِ الْخَمْسَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ لَا تَحِلُّ فَيَلْغُو الصُّلْحُ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ إلَخْ) أَيْ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَنْ يَكُونَ الْمُخْرِجُ مُسْلِمًا وَأَنْ لَا يَضُرَّ الْمَارَّةَ وَأَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعَ إظْلَامًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ وَيَضُرَّ ضَرَرًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً، كَعَجْنِ طِينٍ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ الْمُرُورِ لِلنَّاسِ وَإِلْقَاءِ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إذَا تُرِكَتْ بِقَدْرِ مُدَّةِ نَقْلِهَا وَرَبْطِ الدَّوَابِّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ؛ شَرْحُ الرَّوْضِ. أَيْ وَمَعَ جَوَازِ ذَلِكَ، فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالشَّارِعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ؛ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَصِيرِ وَغَيْرِهِ، قَالَ م ر: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَلَّافِينَ مِنْ رَبْطِ الدَّوَابِّ فِي الشَّوَارِعِ لِلْكِرَاءِ فَلَا يَجُوزُ، وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَزِيدِ الضَّرَرِ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَقَوْلُهُ " دَوَابَّ الْعَلَّافِينَ " قَالَ شَيْخُنَا: وَكَذَا دَوَابُّ الْمُدَرِّسِينَ الْوَاقِفَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا مُدَّةَ التَّدْرِيسِ، وَنُوزِعَ فِيهِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (رَوْشَنًا) أَيْ شَيْئًا يَئُولُ أَمْرُهُ إلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالرَّوْشَنُ هُوَ الْخَارِجُ كَمَا قَالَهُ وَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِ الْخَارِجِ. قَوْلُهُ: (أَيْ جَنَاحًا) مِنْ جَنَحَ يَجْنَحُ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا: إذَا مَالَ،. اهـ. ز ي. وَقِيلَ: مِنْ جَنَاحِ الطَّيْرِ، فَتَسْمِيَتُهُ بِمَا ذُكِرَ مَجَازٌ بِالِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرَّحَةِ بِأَنْ شُبِّهَ الْبِنَاءُ الْخَارِجُ مِنْ جَانِبِ الْجِدَارِ بِجَنَاحِ الطَّائِرِ بِجَامِعِ الِانْتِفَاعِ بِكُلٍّ وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْجَنَاحِ لِلْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْخَارِجُ) أَيْ إلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ، زِيَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَسَابَاطًا) وَيُجْمَعُ عَلَى سَوَابِيطَ وَسَابَاطَاتٍ. قَوْلُهُ: (وَالطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ تَحْتَ السَّقِيفَةِ. قَوْلُهُ: (فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ) سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ فِي الدَّرْبِ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ فَقَطْ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الدَّرْبِ الْمُشْتَرَكِ الْخَالِي عَنْ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ فَيُزَادُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ الْإِذْنُ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ بَيْنَهُ إلَخْ) فَبَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ عَلَى هَذَا وَعَلَى الْأَوَّلِ مُتَرَادِفَانِ. قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ الطَّرِيقِ) أَيْ لَا بِقَيْدِ النُّفُوذِ. قَوْلُهُ: (اجْتِمَاعٌ) فَيَجْتَمِعَانِ فِي نَافِذٍ بِبُنْيَانٍ وَيَنْفَرِدُ الطَّرِيقُ بِالْبُنْيَانِ الْمُنْسَدِّ أَوْ الصَّحْرَاءِ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَافْتِرَاقٌ) أَيْ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَقَوْلُهُ " لِأَنَّهُ " أَيْ الشَّارِعَ. قَوْلُهُ: (وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ) فَيُقَالُ الطَّرِيقُ سَلَكْته وَسَلَكْتهَا. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ) أَيْ ضَرَرًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً. وَلَا يَخْفَى أَنَّ فَاعِلَ " يَضُرُّ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ضَمِيرُ الرَّوْشَنِ. وَزَادَ الشَّارِحُ السَّابَاطَ، فَلَزِمَ عَلَيْهِ كَوْنُ الْفَاعِلِ مَحْذُوفًا وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ. وَفِي نُسْخَةٍ: لَا تَسْتَضِرُّ الْمَارَّةُ بِهِ وَهِيَ سَالِمَةٌ مِنْ ذَلِكَ، ق ل. وَقَوْلُهُ " لَا يَضُرُّ " هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ أَمَّا هَوَاءُ الْمَسْجِدِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ فَلَا يَجُوزُ، وَأَمَّا الْمَقْبَرَةُ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ مَا حَرُمَ الْبِنَاءُ فِيهَا بِأَنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً أَوْ اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا حَرُمَ الْإِشْرَاعُ فِي هَوَائِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَلَوْ أَشْرَعَ إلَى مِلْكِهِ ثُمَّ سَبِلَ مَا تَحْتَ جَنَاحِهِ وَهُوَ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ أُمِرَ بِرَفْعِهِ أَيْ إزَالَتِهِ عَلَى مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ، شَرْحُ م ر مُلَخَّصًا. أَمَّا لَوْ وَقَفَ مَا تَحْتَهُ مَسْجِدًا وَنَحْوَهُ أَوْ مَقْبَرَةً وَجَبَ الْهَدْمُ مُطْلَقًا، أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 الْمَاشِي مُنْتَصِبًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى أَنْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إضْرَارٌ حَقِيقِيٌّ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِهِ الْحُمُولَةُ الْعَالِيَةُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنْ كَانَ مَمَرُّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمُحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا. وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ: إنَّ الْمِيزَابَ كَانَ شَارِعًا لِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.   [حاشية البجيرمي] سَوَاءٌ ضَرَّ الْمَارَّةَ أَوْ لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ الْأَمَاكِنَ يَمْتَنِعُ الْإِشْرَاعُ إلَيْهَا مُطْلَقًا وَلَا كَذَلِكَ الشَّارِعُ،. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (فَيُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَخْ) وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعَ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ، أَيْ إظْلَامًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ، فَلَا تَضُرُّ الظُّلْمَةُ الْيَسِيرَةُ ح ل وم ر. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَاشِي) اُنْظُرْ لَوْ رَفَعَهُ ثُمَّ عَلَا الطَّرِيقُ هَلْ يُهْدَمُ نَظَرًا لِتَضَرُّرِ الْمَارَّةِ حِينَئِذٍ أَوْ لَا نَظَرًا لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ؟ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ أج: يَجِبُ عَلَيْهِ رَفْعُ مَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ إزَالَتِهِ أَوْ قَطْعُ الْأَرْضِ، إذْ الِانْتِفَاعُ بِالشَّوَارِعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ؛ قَالَهُ شَيْخُنَا. قُلْت: وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ قَطْعِ الْأَرْضِ عَلَى الْإِمَامِ لَمْ يَبْعُدْ تَأَمَّلْ أج. وَمِثْلُهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَمَرَّ فُرْسَانٍ وَقَوَافِلَ فَصَارَ كَذَلِكَ فَيُكَلَّفُ رَفْعَهُ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر، وَقَالَ: إنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ م ر وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَنَى جِدَارَهُ مُسْتَقِيمًا ثُمَّ مَالَ فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِهَدْمِهِ أَوْ إصْلَاحِهِ مَعَ أَنَّهُ وَضَعَهُ فِي الْأَصْلِ بِحَقٍّ، وَلَا يُشْكِلُ مُطَالَبَتُهُ بِهَدْمِهِ بِأَنَّهُ لَوْ انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ فَأَتْلَفَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُهُ مُعَلِّلِينَ لَهُ بِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُتَوَقَّعِ، اهـ عَزِيزِيٌّ نَقْلًا عَنْ ع ش. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ) أَيْ مُرُورَ الْمَاشِي تَحْتَهُ مُنْتَصِبًا إلَخْ قَوْلُهُ: (الْحُمُولَةُ) بِضَمِّ الْحَاءِ اسْمٌ لِلْحِمْلِ الَّذِي عَلَى الْبَعِيرِ، وَهُوَ خَشَبٌ فِي جَانِبِ الْبَعِيرِ يُرَكَّبُ فِيهِ. وَالْحُمُولُ بِالضَّمِّ بِلَا هَاءٍ اسْمٌ لِلْإِبِلِ الَّتِي عَلَيْهَا الْهَوَادِجُ. قَوْلُهُ: (الْعَالِيَةُ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتِيَّةِ بَعْدَ اللَّامِ أَوْ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ اللَّامِ، ضَبَطَهُ بِذَلِكَ سم أَيْضًا؛ وَهَذَا أَوْجَهُ بَلْ مُتَعَيِّنٌ، قَالَ: لِأَنَّهُ يُفِيدُ عَلَى هَذَا الضَّبْطِ حُكْمًا وَهُوَ عَدَمُ تَأْثِيرِ مَا جَاوَزَ فِي عُلُوِّهِ الْعَادَةَ الْغَالِبَةَ، شَوْبَرِيٌّ. لَكِنْ قَالَ ز ي: الضَّبْطُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُرْتَفِعَةِ وَلَوْ نَادِرَةً اهـ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا. وَاسْتُبْعِدَ ق ل الْعَالِيَةُ بِمُهْمَلَةٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِقَدْرِهَا، وَعِبَارَتُهُ: الْحُمُولَةُ الْغَالِبَةُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ اللَّامِ، وَهُوَ أَضْبَطُ مِنْ كَوْنِهِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتِيَّةِ بَعْدَ اللَّامِ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهَا. قَوْلُهُ: (الْمَحْمِلُ) كَالشُّقْدُفِ. قَوْلُهُ: (مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُشَالَةِ وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ م ر عَلَى الرَّوْضِ، وَهِيَ أَعْوَادٌ مُرْتَفِعَةٌ فَوْقَ الْمَحْمِلِ يُوضَعُ عَلَيْهَا سُتْرَةً تَقِي الرَّاكِبَ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ؛ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ) فِيهِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ إلَخْ، فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَلَوْ نَادِرًا. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ) أَيْ إخْرَاجِ الرَّوْشَنِ وَالسَّابَاطِ. قَوْلُهُ: (نَصَبَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ) أَيْ خَارِجَ الدَّارِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: كَانَ شَارِعًا إلَخْ، قَالَ ق ل: وَفِي هَذَا الدَّلِيلِ تَأَمُّلٌ اهـ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إخْرَاجِ الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا يُشْبِهُ الْجَنَاحَ، أَوْ يُقَالُ: إذَا جَازَ فِي الْمِيزَابِ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُمَا جَازَ ذَلِكَ فِيهِمَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَقَالَ) أَيْ الْبَيْهَقِيُّ؛ وَلَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ زَادَ الْحَاكِمُ: فَيَكُونُ ضَمِيرُ " قَالَ " لَهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (كَانَ شَارِعًا) أَيْ فِي شَارِعٍ، وَذَلِكَ الشَّارِعُ طَرِيقٌ لِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَا ضَرَرَ) أَيْ لَا تَضُرُّ نَفْسَك، وَقَوْلُهُ " وَلَا ضِرَارَ " أَيْ لَا تَضُرُّ غَيْرَك. وَخَبَرُ " لَا " مَحْذُوفٌ، أَيْ فِي دِينِنَا أَوْ جَائِزَانِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ وَكَوْنُ خَبَرِ " لَا " مَحْذُوفًا عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا فِي الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَوْلُهُ " فِي الْإِسْلَامِ " هُوَ الْخَبَرُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، أَيْ لَا تَضُرَّ نَفْسَك وَلَا تَضُرَّ غَيْرَك وَقَوْلُهُ وَلَا ضِرَارَ فِعَالٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا تُجَازِيهِ عَلَى إضْرَارِهِ بَلْ تَعْفُو وَتَصْفَحُ، أَيْ لَا يَضُرُّ مَنْ لَا يَضُرُّهُ وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 فَإِنْ فَعَلَ مَا مُنِعَ أُزِيلَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَالْمُزِيلُ لَهُ الْحَاكِمُ لَا كُلُّ أَحَدٍ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ لَكِنْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مِنْ جَوَازِ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ غَيْرِ الْمُضِرِّ هُوَ فِي الْمُسْلِمِ، أَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ لَهُ الْإِشْرَاعُ إلَى شَوَارِعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ جَازَ اسْتِطْرَاقُهُ، لِأَنَّهُ كَإِعْلَاءِ الْبِنَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الْمَنْعِ.   [حاشية البجيرمي] يَضُرُّ مَنْ يَضُرُّهُ، فَالضَّرَرُ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ وَالضِّرَارُ الْجَزَاءُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الضَّرَرُ مَا يَضُرُّ بِهِ الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ وَيَنْتَفِعُ هُوَ بِهِ وَالضِّرَارُ أَنْ يَضُرَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَفِعَ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ نَهْيٌ لِلشَّخْصِ عَنْ تَعَاطِي مَا يَضُرُّ نَفْسَهُ وَالثَّانِي نَهْيٌ لَهُ عَنْ فِعْلِ مَا يَضُرُّ غَيْرَهُ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ مَا يَنْفَعُ الْغَيْرَ وَالثَّانِي عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ مَا يَضُرُّ بِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْأَوَّلِ لَا يَضُرُّ الشَّخْصُ أَخَاهُ فَيَنْتَقِصُ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ وَمَعْنَى الثَّانِي لَا يُضَارَّ الرَّجُلُ جَارَهُ بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ عَلَى الضَّرَرِ وَمَعْنَى الثَّانِي لَا يَجُوزُ لَهُ إضْرَارُ غَيْرِهِ؛ وَحِينَئِذٍ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْسِيسِ، وَقِيلَ: إنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ جُمِعَ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَضُرُّ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْأَمْرَ بَيْنَ الْحَمْلِ عَلَى التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ فَحَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى لَا سِيَّمَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَوْلُهُ: «وَلَا ضِرَارَ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " إضْرَارٌ " بِالْهَمْزَةِ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَا صِحَّةَ لَهَا، وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ: «مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ سَائِرِ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ مَا قَلَّ مِنْهُ وَمَا كَثُرَ إلَّا لِدَلِيلٍ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ فَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ فَتْحُ كُوَّةٍ فِي جِدَارِهِ يَطَّلِعُ مِنْهَا عَلَى عَوْرَاتِ جَارِهِ أَوْ إحْدَاثُ فُرْنٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ رَحًى أَوْ مَعْصَرَةٍ لِوُجُودِ الضَّرَرِ بِالدُّخَانِ وَصَوْتِ الرَّحَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَعْلِيَةُ بِنَائِهِ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَبْوَابُ غُرَفِهِ وَمَنَعَ الشَّمْسَ أَنْ تَقَعَ فِي حُجْرَتِهِ وَإِذَا انْهَارَتْ بِئْرُ جَارِهِ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُ فَضْلِ مَائِهِ إلَى زَرْعِ جَارِهِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ زَرَعَ عَلَى أَصْلِ مَاءٍ، الثَّانِي: أَنْ يَتَشَاغَلَ بِإِصْلَاحِ بِئْرِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا مَا يَكْفِيهِ، الثَّالِثُ: أَنْ يَخْشَى عَلَى زَرْعِهِ الْهَلَاكَ،. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. قَوْلُهُ: (وَالْمُزِيلُ لَهُ الْحَاكِمُ) وَكَذَا غَيْرُهُ إنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. فَائِدَةٌ: نَقَلَ الْغَزِّيُّ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَنَاحِ الْمُخْرَجِ قَدْرٌ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمِيزَابِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ نِصْفَ السِّكَّةِ. وَوَجَّهَهُ الْغَزِّيُّ بِأَنَّ الْجَنَاحَ قَدْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَبِفَرْضِهِ هُوَ نَادِرٌ، بِخِلَافِ الْمِيزَابِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَجَاوِزَيْنِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِخْرَاجِ الْمَاءِ، فَمُجَاوَزَةُ أَحَدِ الْمُتَجَاوِزَيْنِ بِمِيزَابِهِ لِنِصْفِ السِّكَّةِ مُبْطِلٌ لِحَقِّ الْآخَرِ الْمُقَابِلِ لَهُ. وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: فَالْوَجْهُ جَوَازُ إخْرَاجِهِ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ لِمِلْكِ الْجَارِ سَوَاءٌ أَجَاوَزَ النِّصْفَ أَمْ لَا. وَمِثْلُ سم فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ الضَّرَرُ بِأَنْ يُصِيبَ مَاؤُهُ جِدَارَ الْغَيْرِ بِحَيْثُ يَعِيبُهُ أَوْ يُتْلِفُهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لَا كُلُّ أَحَدٍ) فَلَوْ أَزَالَهُ آحَادُ النَّاسِ لَمْ يَضْمَنْ بَلْ يُعَزَّرُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ أَيْ تَعَدِّيًا عَلَيْهِ. وَمَا هُنَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، فَإِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّ الْقَاتِلَ لِهَؤُلَاءِ لَا يَضْمَنُ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ لِلِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ إزَالَةِ كُلِّ أَحَدٍ لَهُ، شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مُطَالَبَتُهُ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْحَاكِمِ لَا عَلَى الْمُشَرِّعِ اهـ مَدَابِغِيٌّ؛ لَكِنْ الْمُتَبَادَرُ رُجُوعُهُ لِلْمُشَرِّعِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ كَإِعْلَاءِ الْبِنَاءِ) يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُ أَيْ الْكَافِرُ يُمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ فِي الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا وَرَضِيَ أَهْلُهُ، ز ي. وَقَوْلُهُ " كَإِعْلَاءِ الْبِنَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِ " ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْمَنْعِ مِنْ الْمُسَاوَاةِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْهَا أَيْضًا تَمْيِيزًا بَيْنَهُمَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ قَصِيرًا وَقَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ، نَعَمْ يُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا اُعْتِيدَ مِثْلُهُ لِلسُّكْنَى وَإِلَّا لَمْ يُكَلَّفْ الذِّمِّيُّ النَّقْصَ عَنْ أَقَلِّ الْمُعْتَادِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُسْلِمُ عَنْ تَتْمِيمِ بِنَائِهِ وَذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ فَلَا يُبَاحُ بِرِضَا الْجَارِ، اهـ شَرْحُ م ر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا مِنْ آبَارِ حُشُوشِهِمْ، فِي أَفْنِيَةِ دُورِهِمْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُمْنَعُوا مِنْ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ وَلَا مِنْ حَفْرِ آبَارِ حُشُوشِهِمْ فِي مَحَالِّهِمْ وَشَوَارِعِهِمْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ وَحُكْمُ الشَّارِعِ الْمَوْقُوفِ حُكْمُ غَيْرِهِ فِيمَا مَرَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ. وَالطَّرِيقُ مَا جُعِلَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْبَلَدِ أَوْ قَبْلَهُ طَرِيقًا أَوْ وَقَفَهُ الْمَالِكُ. وَلَوْ بِغَيْرِ إحْيَاءٍ كَذَلِكَ. وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي ذَلِكَ إلَى لَفْظٍ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَحَلُّهُ فِيمَا عَدَا مِلْكَهُ. أَمَّا فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يُصَيِّرُهُ بِهِ وَقْفًا عَلَى قَاعِدَةِ الْأَوْقَافِ انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَحَيْثُ وَجَدْنَا طَرِيقًا اعْتَمَدْنَا فِيهِ الظَّاهِرَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَبْدَأِ جَعْلِهِ طَرِيقًا، فَإِنْ اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِحْيَاءِ فِي تَقْدِيرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: جُعِلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الطَّرِيقِ أَنْ يَجْعَلَ عَرْضَهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ أَوْ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ، وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا حَوْلَهُ مِنْ الْمَوَاتِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ مَمْلُوكَةً يُسْلِيهَا مَالِكُهَا فَتَقْدِيرُهَا إلَى خِيرَتِهِ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ تَوْسِيعُهَا. وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الْجَنَاحِ، أَوْ السَّابَاطِ بِعِوَضٍ وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا) أَيْ الْكُفَّارُ. قَوْلُهُ: (مِنْ آبَارِ حُشُوشِهِمْ) أَيْ مِنْ حَفْرِ آبَارِ حُشُوشِهِمْ، جَمْعُ بِئْرٍ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْزِلُ فِيهِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَهِيَ الْحَاصِلُ الَّذِي تَحْتَ بَيْتِ الرَّاحَةِ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالْقَصَبَةِ. وَقَوْلُهُ " حُشُوشُهُمْ " هِيَ بُيُوتُ الْأَخْلِيَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (دُورِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، أج؛ لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ: الْمُرَادُ دُورُهُمْ الَّتِي بَيْنَ دُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِ فَالضَّمِيرُ لِلْكُفَّارِ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَالْفِنَاءُ مَا حَوْلَ الدَّارِ، فَالْمُرَادُ بِالْأَفْنِيَةِ مَا قُدَّامُ دُورِ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: (الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ) بِأَنْ لَا يُسَاكِنَهُمْ فِيهَا مُسْلِمٌ، ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ) أَيْ ابْتِدَاءً، أَمَّا الدَّوَامُ فَيُغْتَفَرُ كَأَنْ اشْتَرَى دَارَ مُسْلِمٍ عَالِيَةً فَيَجُوزُ إبْقَاؤُهَا لِأَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَنَاهَا عَالِيَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا الْمُسْلِمُ فَتُهْدَمُ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَوْ أَسْلَمَ هُوَ هَلْ تَبْقَى أَوْ لَا؟ الرَّاجِحُ لَا تَبْقَى، وَاعْتَمَدَ م ر أَنَّهَا تَبْقَى تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَهَذَا حُكْمُ الرَّوْشَنِ لِلْكَافِرِ، أَمَّا فَتْحُ الْبَابِ لِلْكَافِرِ فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ غَيْرَ نَافِذٍ وَفِيهِ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ أَوْ نَافِذٌ جَازَ فَتْحُ الْبَابِ لَهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّرْبُ مُشْتَرَكًا وَلَيْسَ فِيهِ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ جَازَ فَتْحُ الْبَابِ أَيْضًا بِشَرْطِ عَدَمِ الضَّرَرِ وَالْإِذْنِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَشَرْطُهُ عَدَمُ الضَّرَرِ فَقَطْ، وَيَجُوزُ فِي هَذَا الثَّانِي أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى الْفَتْحِ دُونَ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (وَحُكْمُ الشَّارِعِ الْمَوْقُوفِ) مُرْتَبِطٌ بِالْمَتْنِ وَالْمَوْقُوفُ ظَاهِرٌ. وَغَيْرُ الْمَوْقُوفِ هُوَ الَّذِي جُعِلَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْبَلَدِ طَرِيقًا. قَوْلُهُ: (فِيمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ. قَوْلُهُ: (فِيمَا عَدَا مِلْكَهُ) وَهُوَ الْمَوَاتُ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْوَقْفِ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (اعْتَمَدْنَا فِيهِ الظَّاهِرَ) أَيْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَلَا يُوَسَّعُ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا. وَقَوْلُهُ " وَلَا يُلْتَفَتُ إلَخْ " أَيْ لَا يُنْظَرُ لِأَصْلِ وَضْعِهِ وَلَا يُبْحَثُ عَنْهُ بِكَوْنِهِ مَوَاتًا فِي الْأَصْلِ فَتَكُونُ الطَّرِيقُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ قَدْرَ الْحَاجَةِ،. اهـ. شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ الْمُشْتَرِكُونَ فِي الْإِحْيَاءِ مَثَلًا، وَهُوَ مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: ثُمَّ إنْ اتَّفَقُوا فَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ اخْتَلَفُوا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْخِلَافِ فِي قَدْرِ الطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا فِي كَوْنِهَا سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ) أَيْ الشَّيْءُ، أَمَّا مِنْ تُرَابِهِ فَيَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ تُرَابِ السُّورِ فَيَحْرُمُ؛ لِأَنَّ شَأْنَ أَخْذِ تُرَابِ السُّورِ أَنْ يَضُرَّ بِخِلَافِ تُرَابِ الطَّرِيقِ، وَيَجُوزُ أَخْذُ تُرَابِ الْخَلِيجِ بِخِلَافِ طِينِ الْبِرَكِ الْمَوْقُوفَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ إلَّا بِإِذْنِ أَصْحَابِهَا أَوْ ظَنِّ رِضَاهُمْ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ مَمْلُوكَةً) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ " فَإِنْ اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِحْيَاءِ فِي تَقْدِيرِهِ إلَخْ " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 الْإِمَامَ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ. وَيَحْرُمُ أَنْ يُبْنَى فِي الطَّرِيقِ دِكَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا أَوْ يُغْرَسُ فِيهَا شَجَرَةٌ. وَلَوْ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ وَأَذِنَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الْجَنَاحِ أَوْ السَّابَاطِ بِعِوَضٍ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الرَّوْشَنِ، وَكَذَا السَّابَاطُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ عَلَى أَصْلِ إخْرَاجِهِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْجِدَارِ فَلَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِهِ. وَهَذَا عَامٌّ سَوَاءٌ كَانَ الرَّوْشَنُ فِي نَافِذٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى فَتْحِ الْبَابِ بِعِوَضٍ فَجَائِزٌ فِي غَيْرِ النَّافِذِ دُونَ النَّافِذِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: (الْإِمَامَ) مَفْعُولٌ، أَيْ صَالَحَ مُخْرِجُهُ الْإِمَامَ. قَوْلُهُ: (دَكَّةٌ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ الَّذِي يُجْلَسُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمِسْطَبَةُ م ر، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَسَاطِبُ الَّتِي تُفْعَلُ فِي تُجَاهِ الصَّهَارِيجِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْحَاجَةِ فِي شَوَارِعِ مِصْرِنَا فَتَنَبَّهْ لَهُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِثْلُهَا مَا يُجْعَلُ بِالْجِدَارِ الْمُسَمَّى بِالدِّعَامَةِ إلَّا إنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ لِخَلَلِ بِنَائِهِ وَلَمْ يَضُرَّ الْمَارَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ ع ش عَلَى م ر. وَأَمَّا التَّكَّةُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ فَهِيَ مَا تُوضَعُ فِي السَّرَاوِيلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُهَا) كَدِعَامَةٍ لِجِدَارِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الدَّكَّةِ وَنَحْوِهَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَتْ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا غَرْسُ الشَّجَرَةِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ، فَإِنْ كَانَتْ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ تَضُرَّ بِالْمَارَّةِ جَازَ وَإِلَّا امْتَنَعَ وَغَرْسُ الشَّجَرَةِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ فِي نَحْوِ الْمَسْجِدِ كَذَلِكَ ق ل. قَالَ حَجّ: لَوْ جَعَلَ الدَّكَّةَ لِلصَّلَاةِ وَلَا ضَرَرَ بِوَجْهٍ جَازَتْ، وَقَالَ: إنَّ الْبِئْرَ فِيهِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ جَائِزَةٌ بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ وَفُرِّقَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَاجَةَ لِلْمَاءِ آكَدُ سم. وَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْمَنْعُ مِنْ الشَّجَرَةِ وَالدَّكَّةِ مُطْلَقًا فِي الشَّارِعِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ اتَّسَعَ أَمْ لَا مَا لَمْ يَقِفْهَا مَسْجِدًا. اهـ. ز ي. وَجَازَ حَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ اهـ أج. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَنْ تَكُونَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا يَحْصُلَ بِهَا ضَرَرٌ لِلْمَارَّةِ، فَإِذَا قَصَدَ نَفْسُهُ بِالْغَرْسِ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَيَقْلَعُ مَجَّانًا وَتَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ مُدَّةَ الْغَرْسِ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، كَمَا لَوْ وَضَعَ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ فِيهِ أَيْ كَالْخَزَائِنِ وَكَالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ كَفَسْقِيَّتِه وَحَرِيمِهِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ عُلِمَ مَا ذُكِرَ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَأَنْ وَجَدْنَا شَجَرًا فِيهِ وَلَمْ نَعْلَمْ مَا قَصَدَ بِهِ وَاضِعُهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْتَفِعُونَ بِثَمَرِهِ وَمَا بَقِيَ بَعْدَ الثَّمَرِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ مِنْ نَحْوِ جَرِيدٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ. اهـ. ع ش. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ هَذَا حُرْمَةُ وَضْعِ الْخَزَائِنِ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا ضَرَرَ، وَيَلْزَمُ الْوَاضِعَ الْأُجْرَةُ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْوَضْعُ. وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ: وَيَجُوزُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ فِي الشَّارِعِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ، فَلَوْ تَعَثَّرَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ أَوْ سَقَطَ نَحْوُ جِدَارِهِ أَوْ عَمُودِهِ أَوْ قِنْدِيلِهِ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ بَنَى بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ اهـ. وَيُكْرَهُ غَرْسُ الشَّجَرِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. قُلْت: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَسْجِدِ أَوْ بِالْمُصَلِّينَ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَا نَفْسَهُ وَإِلَّا حَرُمَ، فَإِنْ غَرَسَ قَلَعَ وَالْقَالِعُ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دُونَ الْآحَادِ سَوَاءٌ حَرُمَ غَرْسُهُ أَوْ كُرِهَ لِأَنَّ لَهُ إزَالَةَ الْمَكْرُوهِ نَعَمْ مَا غُرِسَ لِيَكُونَ لِلْمَسْجِدِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَسْجِدِ؛ قَالَهُ الْقَاضِي، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ ثَمَرٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسْجِدُ وَإِلَّا قُلِعَ. وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ وُجُوبُ رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ مِنْ الْإِبْقَاءِ أَوْ الْقَلْعِ، وَثَمَرَةُ مَا اسْتَحَقَّ الْقَلْعَ وَغَيْرَهُ إنْ غُرِسَ لِلْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهَا إلَّا بِعِوَضٍ يَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسَبَّلًا لِلْأَكْلِ أَوْ جُهِلَ قَصْدُ الْغَارِسِ جَازَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَمِثْلُهَا ثَمَرَةُ مَا فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَكَجَهْلِ قَصْدِهِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا نَبَتَتْ فِيهِ بِنَفْسِهَا؛ مَدَابِغِيٌّ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ: وَلَوْ حَصَلَتْ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ فِي هَوَاءٍ مِلْكِ غَيْرِهِ لَزِمَهُ إزَالَةُ الْأَغْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُ الْمِلْكِ بِتَرْكِهَا، فَإِنْ طَالَبَهُ بِذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ فَلَهُ تَحْوِيلُ الْأَغْصَانِ عَنْ مِلْكِهِ بِتَلْيِينٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَهُ قَطْعُهَا وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنِ الْقَاضِي عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى إبْقَائِهَا بِعِوَضٍ، فَإِنْ لَمْ يُسْنَدْ الْغُصْنُ إلَى شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ اسْتَنَدَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْجَفَافِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَزِيدُ انْتِشَارُ الْعُرُوقِ لِانْتِشَارِ الْأَغْصَانِ، وَكَذَلِكَ مَيْلُ الْجِدَارِ وَمِنْهُ مَيْلُ جِدَارِ بَعْضِ أَهْلِ السِّكَّةِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَيْهَا فَلِغَيْرِ مَالِكِ الْجِدَارِ هَدْمُهُ وَإِنْ كَانَتْ السِّكَّةُ مُشْتَرِكَةً بَيْنَ مَالِكِ الْجِدَارِ وَبَيْنَ الْهَادِمِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 الْإِمَامُ وَانْتَفَى الضَّرَرُ لِمَنْعِ الطُّرُوقِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَلِتَعَثُّرِ الْمَارِّ بِهِمَا عِنْدَ الِازْدِحَامِ، وَلِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهَا الْأَمْلَاكَ وَانْقَطَعَ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الطَّرِيقِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَجْنِحَةِ وَنَحْوِهَا. (وَلَا يَجُوزُ) إخْرَاجُ رَوْشَنٍ (فِي الدَّرْبِ الْمُشْتَرَكِ) وَهُوَ غَيْرُ النَّافِذِ الْخَالِي عَنْ نَحْوِ مَسْجِدٍ كَرِبَاطٍ وَبِئْرٍ مَوْقُوفَيْنِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ لِغَيْرِ أَهْلِهِ وَلِبَعْضِهِمْ (إلَّا بِإِذْنِ الشُّرَكَاءِ) كُلِّهِمْ فِي الْأُولَى وَمِنْ بَاقِيهِمْ مِمَّنْ بَابُهُ أَبْعَدُ عَنْ رَأْسِهِ مِنْ مَحَلِّ الْمَخْرَجِ، أَوْ مُقَابِلُهُ فِي الثَّانِيَةِ. فَلَوْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ بِالْإِذْنِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ. فَيُشْبِهُ مَنْعَ قَلْعِهِ لِأَنَّهُ وَضْعٌ بِحَقٍّ، وَمَنْعَ إبْقَائِهِ بِأُجْرَةٍ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا أُجْرَةَ لَهُ، وَيُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُكْتَرِي إنْ تَضَرَّرَ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ. وَأَهْلُ غَيْرِ النَّافِذِ مَنْ نَفَذَ بَابُهُ إلَيْهِ لَا مَنْ لَاصَقَ جِدَارُهُ مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ بَابٍ إلَيْهِ، وَتَخْتَصُّ شَرِكَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِمَا بَيْنَ بَابِهِ وَرَأْسِ غَيْرِ النَّافِذِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلَوْ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ. قَوْلُهُ: (وَلِتَعَثُّرِ الْمَارِّ بِهِمَا) أَيْ بِالْمَبْنِيِّ وَالْمَغْرُوسِ. قَوْلُهُ: (اسْتِحْقَاقِ الطَّرِيقِ) أَيْ اسْتِحْقَاقِ طُرُوقِ الطَّرِيقِ. وَعِبَارَةُ م ر: اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهَا) كَالسَّابَاطِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ يَحْرُمُ وَيُمْنَعُ مِنْهُ ق ل قَوْلُهُ: (إخْرَاجُ رَوْشَنٍ) لَوْ قَالَ الرَّوْشَنَ لَكَانَ أَوْلَى ق ل. قَوْلُهُ: (الْخَالِي عَنْ نَحْوِ مَسْجِدٍ) أَيْ قَدِيمٍ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُ قَدِيمًا اُشْتُرِطَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا أَصْلًا أَوْ كَانَ حَادِثًا بَعْدَ جَعْلِهِ دَرْبًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَحُكْمُ فَتْحِ الْبَابِ فِيهِ أَنَّهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ فَتْحُ الْبَابِ بِشَرْطِ عَدَمِ الضَّرَرِ، وَفِي الثَّانِي بِشَرْطِ عَدَمِ الضَّرَرِ وَالْإِذْنِ. وَلَا فَرْقَ فِي الْبَابِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، بِخِلَافِ الرَّوْشَنِ فَخَاصٌّ جَوَازُهُ بِالْمُسْلِمِ كَمَا مَرَّ. وَقَالَ سم عَلَى الْمَنْهَجِ: حَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ قَدِيمًا اُشْتُرِطَ أَمْرٌ وَاحِدٌ لِجَوَازِ الْإِشْرَاعِ وَهُوَ عَدَمُ الضَّرَرِ لِلْمَارَّةِ، أَوْ حَادِثًا اُشْتُرِطَ أَمْرَانِ عَدَمُ الضَّرَرِ وَرِضَا أَهْلِ السِّكَّةِ؛ وَأَمَّا الْمُرُورُ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَجْرِي فِي فَتْحِ الْبَابِ وَالدَّارِ وَالرِّبَاطِ الْمَوْقُوفَيْنِ عَلَى مُعَيَّنٍ. قَوْلُهُ: (لِغَيْرِ أَهْلِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِلَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِإِذْنِ الشُّرَكَاءِ) الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي مَحَلِّ الْإِشْرَاعِ. قَوْلُهُ: (كُلِّهِمْ فِي الْأَوْلَى) وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمُخْرِجُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بَابُهُ أَقْرَبُ إلَى رَأْسِ الدَّرْبِ أَيْ أَوَّلِهِ؛ مَرْحُومِيٌّ. وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ الْمَنْهَجِ. وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ وَالشَّوْبَرِيُّ أَنَّ الْأَوْلَى كَالثَّانِيَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا إذْنُ الْمُقَابِلِ وَاَلَّذِي يَمُرُّ تَحْتَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إذْنُ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْمُرُورِ تَحْتَ الرَّوْشَنِ أَوْ بَابُهُ مُقَابِلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْرِجُ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَيْ لِأَنَّ شَرِكَةَ كُلٍّ مِنْهُمْ تَخْتَصُّ بِمَا بَيْنَ دَارِهِ وَرَأْسِ غَيْرِ النَّافِذِ كَمَا سَيَأْتِي، فَيَكُونُ الْخَارِجُونَ عَنْ الْجَنَاحِ لَا حَقَّ لَهُمْ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ بَاقِيهِمْ) الْمُنَاسِبُ حَذْفُ " مِنْ ". وَقَوْلُهُ: " عَنْ رَأْسِهِ " الْمُرَادُ بِرَأْسِهِ أَوَّلُهُ الَّذِي فِيهِ الْبَوَّابَةُ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَحَلِّ الْمُخْرِجِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " أَبْعَدُ ". قَوْلُهُ: (أَوْ مُقَابِلُهُ) أَيْ أَوْ بَابُهُ مُقَابِلٌ مَحَلَّ الْمُخْرِجِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ إلَخْ) حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ الرُّجُوعُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُخْرِجُ لِلرَّوْشَنِ مِنْ الشُّرَكَاءِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ وَإِبْقَاؤُهُ بِأُجْرَةٍ بَلْ يَبْقَى مَجَّانًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ جَازَ الرُّجُوعُ وَيَغْرَمُونَ أَرْشَ النَّقْصِ. وَأَمَّا الرُّجُوعُ فِي فَتْحِ الْبَابِ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَيْ وَكَانَ فَتْحُ الْبَابِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّوْشَنِ وَالْبَابِ أَنَّ الرَّوْشَنَ شَأْنُهُ عَدَمُ الضَّرَرِ، فَلَمَّا أَذِنُوا لَهُ وَوَرَّطُوهُ غَرِمُوا عِنْدَ الرُّجُوعِ لِتَقْصِيرِهِمْ. وَأَمَّا الْبَابُ فَشَأْنُهُ الضَّرَرُ فَإِذَا رَجَعُوا كَانُوا مَعْذُورِينَ، فَيُحْمَلُ رُجُوعُهُمْ عَلَى الْعُذْرِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ كَانَ الْفَاتِحُ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَوْ لَا، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْإِخْرَاجِ) هُوَ قَيْدٌ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ وَيُمْنَعُ مِنْ الْإِخْرَاجِ ع ش. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْهَوَاءَ إلَخْ) أَيْ فَيَبْقَى بِلَا مُقَابِلٍ ع ش. قَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُكْتَرِي إلَخْ) وَمِثْلُهُ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ شَرْحُ م ر. وَيُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُعِيرِ لَا الْمُسْتَعِيرِ وَيُعْتَبَرُ إذْنُ غَيْرِ الْكَامِلِ بِنَحْوِ صِبَا بَعْدَ كَمَالِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (مَنْ نَفَذَ بَابُهُ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَالْمُرَادُ مَنْ لَهُ الْمُرُورُ فِيهِ إلَى مِلْكِهِ مِنْ دَارٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ فُرْنٍ أَوْ حَانُوتٍ، شَرْحُ م ر أج. قَوْلُهُ: (لَا مَنْ لَاصَقَ) أَيْ الدَّرْبُ جِدَارَهُ، وَيَصِحُّ رَفْعُ الْجِدَارِ أَيْ لَاصَقَ جِدَارَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 تَرَدُّدِهِ. (وَيَجُوزُ) لِمَنْ لَهُ بَابٌ (تَقْدِيمُ الْبَابِ) بِغَيْرِ إذْنِ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ (فِي الدَّرْبِ الْمُشْتَرَكِ) إذَا سَدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَسُدَّهُ فَلِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ لِأَنَّ انْضِمَامَ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ يُورِثُ زَحْمَةً، وَوُقُوفُ الدَّوَابِّ فِي الدَّرْبِ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ. وَلَوْ كَانَ بَابُهُ آخِرَ الدَّرْبِ فَأَرَادَ تَقْدِيمَهُ وَجَعَلَ الْبَاقِيَ دِهْلِيزًا لِدَارِهِ جَازَ (وَلَا يَجُوزُ) لِمَنْ لَهُ بَابٌ فِي رَأْسِ الدَّرْبِ الْمُشْتَرَكِ (تَأْخِيرُهُ) أَيْ الْبَابِ الْجَدِيدِ إلَى أَسْفَلِ الدَّرْبِ سَوَاءٌ أَقَرُبَ مِنْ الْقَدِيمِ أَمْ بَعُدَ عَنْهُ، وَسَوَاءٌ أَسَدَّ الْأَوَّلَ أَمْ لَا (إلَّا بِإِذْنٍ) مِمَّنْ تَأَخَّرَ بَابُ دَارِهِ (مِنْ الشُّرَكَاءِ) عَنْ بَابِ دَارِ الْمُرِيدِ لِذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَقَّ فِي زِيَادَةِ الِاسْتِطْرَاقِ لِمَنْ تَأَخَّرَ دَارُهُ فَجَازَ لَهُ إسْقَاطُهُ بِخِلَافِ مَنْ بَابُهُ بَيْنَ الْمَفْتُوحِ وَرَأْسِ الدَّرْبِ، أَوْ مُقَابِلٌ لِلْمَفْتُوحِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَيْ الْمَفْتُوحُ الْقَدِيمُ كَمَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ. وَفَهِمَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ الْجَدِيدُ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُقَابِلَ لِلْمَفْتُوحِ مُشَارِكٌ فِي الْقَدْرِ الْمَفْتُوحِ فِيهِ، فَلَهُ الْمَنْعُ. وَخَرَجَ بِالْخَالِي عَنْ نَحْوِ مَسْجِدٍ مَا لَوْ كَانَ بِهِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ بِقَيْدِهِ السَّابِقِ عِنْدَ الْإِضْرَارِ وَإِنْ أَذِنَ الْبَاقُونَ، وَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ بِمَالٍ عَلَى إخْرَاجِ جَنَاحٍ أَوْ فَتْحِ بَابٍ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الِاسْتِطْرَاقِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. تَتِمَّةٌ: يَجُوزُ لِمَنْ لَاصَقَ جِدَارُهُ الدَّرْبَ الْمَسْدُودَ أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ بَابًا لِاسْتِضَاءَةٍ وَغَيْرِهَا، سَوَاءٌ أَسْمَرَهُ أَمْ لَا، لِأَنَّ لَهُ رَفْعَ الْجِدَارِ فَبَعْضُهُ أَوْلَى لَا فَتْحُهُ لِتَطَرُّقٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ لِتَضَرُّرِهِمْ بِمُرُورِ الْفَاتِحِ أَوْ بِمُرُورِهِمْ عَلَيْهِ. وَلَهُمْ بَعْدَ الْفَتْحِ بِإِذْنِهِمْ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءُوا وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ، وَلِلْمَالِكِ فَتْحُ الطَّاقَاتِ لِاسْتِضَاءَةٍ وَغَيْرِهَا، بَلْ لَهُ " إزَالَةُ بَعْضِ الْجِدَارِ وَجَعْلُ شِبَاكٍ   [حاشية البجيرمي] الدَّرْبَ قَوْلُهُ: (تَقْدِيمُ الْبَابِ) أَيْ لِجِهَةِ رَأْسِ الدَّرْبِ. قَوْلُهُ: (إذَا سَدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ) بِمَعْنَى عَدَمِ اسْتِطْرَاقِهِ مِنْهُ وَلَوْ بِتَسْمِيرِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْمَفْتُوحِ) أَيْ الْقَدِيمِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَاعْتَرَضَ) أَيْ الْبُلْقِينِيُّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ النَّاقِلِ عَنْ الْإِمَامِ، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلْإِمَامِ. وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مَدْفُوعٌ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى فَهْمٍ سَقِيمٍ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْخَالِي عَنْ نَحْوِ مَسْجِدٍ إلَخْ) نَعَمْ لَيْسَ ذَلِكَ عَامًّا فِي كُلِّهِ بَلْ مِنْ رَأْسِ الدَّرْبِ إلَى نَحْوِ الْمَسْجِدِ اهـ ابْنُ حَجَرٍ مَرْحُومِيٌّ. وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى فَتْحِ الْبَابِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ عَلَى الرَّوْشَنِ لَا عَلَى فَتْحِ الْبَابِ. قَوْلُهُ: (بِقَيْدِهِ السَّابِقِ) أَيْ مِنْ كَوْنِ الْبَابِ أَبْعَدَ عَنْ رَأْسِ الدَّرْبِ أَوْ أَقْرَبَ مَعَ التَّطَرُّقِ مِنْ الْقَدِيمِ، كَذَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ. وَهَذَا لَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ فِي فَتْحِ الْبَابِ لَا فِي إخْرَاجِ الرَّوْشَنِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَلَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ وَلَا الْفَتْحُ بِقَيْدِهِ السَّابِقِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُعْتَبَرٌ فِيهِ، فَكَلَامُ الْمَرْحُومِيِّ لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ زَادَ الشَّارِحُ الْفَتْحَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ؛ فَلَعَلَّهُ سَقْطٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ. وَوُجِدَ بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَيْدِ السَّابِقِ كَوْنُ الْمُخْرِجِ مُسْلِمًا. وَقَوْلُهُ بِقَيْدِهِ السَّابِقِ فِيهِ أَنَّ قَيْدَهُ السَّابِقَ الْإِضْرَارُ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْإِضْرَارِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَمَفْهُومُهُ جَوَازُ الْإِشْرَاعِ الَّذِي لَا يَضُرُّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَهْلُهَا، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ حَادِثًا وَإِلَّا فَإِنْ رَضِيَ بِهِ أَهْلُهَا فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَهُمْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَعِبَارَةُ ق ل: نَعَمْ إنْ كَانَ فِيهِ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُ بِئْرٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الْعُمُومِ أَوْ نَحْوُ حَمَّامٍ فَكَالشَّارِعِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْقُوفِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ الْمَارَّ، أَيْ إضْرَارًا بَيِّنًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى إخْرَاجِ جَنَاحٍ إلَخْ) أَيْ فِي الدَّرْبِ الْمَسْدُودِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى نَحْوِ مَسْجِدٍ، فَهَذَا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ إذْ ذَاكَ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ فَلَا تَكْرَارَ. قَوْلُهُ: (فَبَعْضُهُ أَوْلَى) أَيْ فَرَفْعُ بَعْضِهِ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (لَا فَتْحَهُ لِتَطَرُّقٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ) أَيْ إذْنِ الْجَمِيعِ، أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِ لِأَنَّ الدَّاخِلِينَ يَتَضَرَّرُونَ بِمُرُورِهِمْ عَلَيْهِ وَالْخَارِجِينَ يَتَضَرَّرُونَ بِمُرُورِهِ عَلَيْهِمْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ) عَزَاهُ فِي م ر لِلْإِمَامِ، وَعِبَارَتُهُ: قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِبِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ حَيْثُ لَا يُقْلَعُ مَجَّانًا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْفَرْقِ. وَفَرَّقَ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ هُنَا بَنَى فِي مِلْكِهِ وَالْمَبْنَى بَاقٍ بِحَالِهِ لَا يَزَالُ فَلَا غُرْمَ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّ الْمُعِيرَ يَقْلَعُ فَغَرِمَ أَرْشَ النَّقْصِ. وَأَوْضَحَهُ الشَّيْخُ بِأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 مَكَانَهُ وَفَتْحُ بَابٍ بَيْنَ دَارَيْهِ، وَإِنْ كَانَتَا تُفْتَحَانِ إلَى دَرْبَيْنِ أَوْ دَرْبٍ وَشَارِعٍ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُصَادِفٌ لِلْمِلْكِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَزَالَ الْحَائِطَ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهُمَا دَارًا وَاحِدَةً وَتَرَكَ بَابَيْهِمَا بِحَالِهِمَا. وَلَوْ تَنَازَعَا جِدَارًا أَوْ سَقْفًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَنَى مَعَ بِنَاءِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ الْيَدُ لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْمِلْكِ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَلَهُمَا الْيَدُ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ أَوْ حَلَفَ وَنَكَلَ الْآخَرُ قَضَى لَهُ بِهِ وَإِلَّا جَعَلَ بَيْنَهُمَا لِظَاهِرِ الْيَدِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ كُلٌّ مِمَّا يَلِيهِ. فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا لُغَةً التَّحَوُّلُ وَالِانْتِقَالُ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَقْتَضِي نَقْلَ دَيْنٍ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ   [حاشية البجيرمي] الرُّجُوعَ هُنَاكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْقَلْعُ وَهُوَ خَسَارَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ مَجَّانًا، بِخِلَافِهِ هُنَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خَسَارَةٌ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لُزُومَ سَدِّ الْبَابِ، وَخَسَارَةُ فَتْحِهِ إنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِذْنِ لَا عَلَى الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّ فَتْحَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ وَإِنَّمَا الْمُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الِاسْتِطْرَاقُ؛ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (فَتْحُ الطَّاقَاتِ) وَلَوْ كَانَ يُشْرِفُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حَرِيمِ جَارِهِ لِتَمَكُّنِ الْجَارِ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ بِبِنَاءِ سُتْرَةٍ أَمَامَ الْكُوَّةِ وَإِنْ تَضَرَّرَ صَاحِبُهَا بِمَنْعِ الضَّوْءِ مِنْهَا أَوْ النَّظَرِ؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَهَا لَوْ أَرَادَ رَفْعَ جَمِيعِ الْحَائِطِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا بَابٌ يُقْفَلُ عَلَيْهَا أَوْ لَهَا وَكَانَ فِي دَاخِلِ مِلْكِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا بَابٌ وَيُفْتَحُ لِهَوَاءِ الطَّرِيقِ كَانَ حُكْمُهَا كَالرَّوْشَنِ فَيُمْنَعُ مِنْهَا لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِهِ عَدَمُ الضَّرَرِ وَهَذَا فِيهِ ضَرَرٌ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا غِطَاءٌ أَوْ شُبَّاكٌ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ الدَّرْبِ مُنِعَتْ، وَإِنْ كَانَ فَاتِحُهَا مِنْ أَهْلِهِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ اهـ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ دَارَيْهِ) أَيْ فِي الْحَائِطِ الَّتِي بَيْنَ الدَّارَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ بَنَى مَعَ بِنَاءِ أَحَدِهِمَا) كَأَنْ دَخَلَ نِصْفُ لَبِنَاتِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي لَبِنَاتِ الْآخَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِدَارِ. وَيُتَصَوَّرُ كَوْنُ السَّقْفِ بُنِيَ مَعَ بِنَاءِ أَحَدِهِمَا فِي الرُّبْعِ مَثَلًا، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمَالِكَيْنِ فِيهِ سَاكِنٌ فَوْقَ الْآخَرِ، فَالسَّقْفُ الَّذِي بَيْنَ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ إذَا كَانَ عَقْدًا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ لِلْأَسْفَلِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ اتِّصَالًا بِبِنَائِهِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. تَنْبِيهٌ: السَّقْفُ بَيْنَ عُلُوٍّ وَسُفْلٍ كَالْجِدَارِ الْمَذْكُورِ. وَفِي الرَّوْضِ: يَجُوزُ لِأَصْحَابِ الْعُلُوِّ وَضْعُ الْأَثْقَالِ الْمُعْتَادَةِ عَلَى السَّقْفِ الْمَمْلُوكِ لِلْآخَرِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَلِلْآخَرِ تَعْلِيقُ الْمُعْتَادِ بِهِ كَثَوْبٍ وَلَوْ بِوَتَدٍ يَدُقُّهُ فِيهِ اهـ. وَلِلْآخَرِ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَ مَا يُرِيدُ فِي مِلْكِهِ، وَلَيْسَ لِلْأَعْلَى غَرْزُ وَتِدٍ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُ وَحْدَهُ بِخِلَافِ الْأَسْفَلِ كَمَا مَرَّ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فِي الِانْتِفَاعِ ق ل. فَرْعٌ: مَا يَعْتَمِدُهُ الْمُهَنْدِسُونَ وَأَرْبَابُ الْبُنْيَانِ مِنْ وَضْعِ الْجُذُوعِ وَالطَّاقَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَقْضُونَ بِهِ لِلْجَارِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ الْمِلْكُ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى الْحُدُودِ وَالْجِهَاتِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (فَلَهُ الْيَدُ) لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْمِلْكِ بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ وَيُحْكَمُ لَهُ بِالْجِدَارِ أَوْ السَّقْفِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَوْ حَلَفَ كُلٌّ لِلْآخَرِ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يُسَلَّمُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ادَّعَى الْجَمِيعَ أَوْ نَكَلَ كُلٌّ عَنْ الْيَمِينِ جُعِلَ بَيْنَهُمَا؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (مِمَّا يَلِيهِ) عَلَى الْعَادَةِ، وَيَبْقَى الْخَشَبُ الْمَوْجُودُ عَلَى الْجِدَارِ بِحَالِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا فِي صُورَتَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا فِي صُورَتَيْنِ، وَإِذَا تَأَمَّلْت وَجَدْته لِأَحَدِهِمَا فِي صُوَرٍ وَلَهُمَا فِي صُوَرٍ اهـ م د. وَهُوَ مَا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ بَنَى عَلَى بِنَائِهِ أَوْ حَلَفَ وَنَكَلَ الْآخَرُ أَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً بِأَنَّهُ لَهُ [فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ] ِ ذَكَرَهَا بَعْدَ الصُّلْحِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النِّزَاعِ، وَهِيَ اسْمُ مَصْدَرٍ لِتَحَوَّلَ وَهِيَ رُخْصَةٌ جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ كَمَا يَأْتِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 أُخْرَى وَتُطْلَقُ عَلَى انْتِقَالِهِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى أُخْرَى وَالْأَوَّلُ هُوَ غَالِبُ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» بِإِسْكَانِ التَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ فَلْيَحْتَلْ كَمَا رَوَاهُ هَكَذَا الْبَيْهَقِيُّ وَيُسَنُّ قَبُولُهَا عَلَى مَلِيءٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَلِيءُ وَفِيًّا وَلَا شُبْهَةَ فِي مَالِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ رِبَوِيَّيْنِ. وَأَرْكَانُهَا سِتَّةٌ: مُحِيلٌ وَمُحْتَالٌ وَمُحَالٌ عَلَيْهِ وَدَيْنٌ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ وَدَيْنٌ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ، وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَإِنْ سُمِّيَ بَعْضُهَا شَرْطًا كَمَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَالِانْتِقَالُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ ع ش. قَوْلُهُ: (نَقْلٌ) الْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ وَلِمَا بَعْدَهُ أَنْ يَقُولَ انْتِقَالٌ. وَقَوْلُهُ " دَيْنٌ " أَيْ نَظِيرُهُ وَالْمُرَادُ أَنْ يَصِيرَ مِثْلَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَيَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (عَلَى انْتِقَالِهِ) أَيْ الْأَثَرُ النَّاشِئُ عَنْ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ» مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَالْمَحْذُوفُ هُوَ الْمَفْعُولُ وَالتَّقْدِيرُ: مَطْلُ الْمَدِينِ الْغَنِيِّ الدَّائِنَ فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ قَدَرَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: «ظُلْمٌ» أَيْ كَبِيرَةٌ مُفَسِّقٌ لِأَنَّ الْمَطْلَ كَمَا قَالَهُ م ر إطَالَةُ الْمُدَافَعَةِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ كَبِيرَةً إلَّا إذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ اهـ. وَإِذَا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ فَهُوَ صَغِيرَةٌ، خِلَافًا لحج الْقَائِلِ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ مُطْلَقًا. قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: وَكَثِيرًا مَا يَصْدُرُ مِنْ الْعَامَّةِ أَنْ يَقُولَ لَا أُوَفِّيهِ إلَّا بِالْحَاكِمِ، وَهُوَ حَرَامٌ وَإِنَّهُ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ الْمَطْلِ الْمُجَرَّدِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْطِيلِ الْمُدَّعِي بِانْطِلَاقِهِ عَلَى الْحَاكِمِ وَوُقُوفِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَا يَغْرَمُهُ لِلْمُعِينِ عَلَى الْإِحْضَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: «عَلَى مَلِيءٍ» بِالْهَمْزِ مَأْخُوذٌ مِنْ الِامْتِلَاءِ يُقَالُ مَلُؤَ الرَّجُلُ بِضَمِّ اللَّامِ مَرْحُومِيٌّ وَعِبَارَةُ ع ش مَلِيءٌ بِالْهَمْزِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَيْ مُوسِرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَلَاءَةِ وَهِيَ الْيَسَارُ يُقَالُ مَلُؤَ الرَّجُلُ مَلَاءَةً كَظَرُفَ ظَرَافَةً خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنْ الِامْتِلَاءِ؛ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (بِإِسْكَانِ التَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) وَتَشْدِيدِهَا فِي الثَّانِي، حَجّ. قَوْلُهُ: (كَمَا رَوَاهُ هَكَذَا الْبَيْهَقِيُّ) الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ: «وَإِذَا أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ» كَذَا فِي شَرْحِ م ر، فَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّ رِوَايَتَهُ: «وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ» . وَقَدْ يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ كَمَا رَوَاهُ هَكَذَا إلَخْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ «فَلْيَحْتَلْ» وَغَرَضُهُ بِذَلِكَ الدَّلِيلُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَخَيْرُ مَا فَسَّرْته بِالْوَارِدِ. قَوْلُهُ: (وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ إلَخْ) أَيْ فَقَدْ صَرَفَ الْقِيَاسُ النَّصَّ عَنْ ظَاهِرِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ خُرُوجَهَا عَنْ الْقِيَاسِ يَقْتَضِي فِيهَا عَدَمَ الْقِيَاسِ اهـ؛ لَكِنَّ الْجِهَةَ مُنْفَكَّةٌ فَلَا اعْتِرَاضَ، لِأَنَّ قِيَاسَهَا عَلَى الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ وَخُرُوجَهَا عَنْ الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. وَقَوْلُهُ " عَنْ الْوُجُوبِ " أَيْ الَّذِي قَالَ بِهِ أَحْمَدُ، وَمَحِلُّ النَّدْبِ فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي مَالِهِ حَرَامًا وَيُكْرَهُ فِي الْمَشْكُوكِ فِيهِ، فَالنَّدْبُ لَهُ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ: أَنْ يَكُونَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَلِيًّا وَفِيًّا وَلَا شُبْهَةَ فِي مَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَفِيًّا) أَيْ يُوَفِّي مِنْ غَيْرِ مَطْلٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا شُبْهَةَ فِي مَالِهِ) وَإِلَّا كُرِهَتْ. قَوْلُهُ: (أَنَّهَا بَيْعٌ) لَكِنْ لَا تَصِحُّ بِلَفْظِهِ وَلَا تَدْخُلُهَا الْإِقَالَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقِيلَ إنَّهَا اسْتِيفَاءٌ لِاعْتِبَارِهِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهَا كَمَا يَأْتِي ق ل. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهَا بَيْعًا تَوَقُّفُهَا عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ، وَيَتَرَتَّبُ أَيْضًا الْحَلِفُ وَالتَّعَالِيقُ كَأَنْ قَالَ: إنْ صَدَرَ مِنِّي بَيْعٌ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ أَحَالَ وَقَعَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ دُونَ الْقَوْلِ الْآخَرِ. وَمَعْنَى كَوْنِهَا بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ أَنَّ الْمُحِيلَ بَاعَ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِمَا فِي ذِمَّتِهِ لِلْمُحْتَالِ وَالْمُحْتَالَ بَاعَ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَالْبَائِعُ الْمُحِيلُ وَالْمُشْتَرِي الْمُحْتَالُ وَالْمَبِيعُ دَيْنُ الْمُحِيلِ وَالثَّمَنُ دَيْنُ الْمُحْتَالِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَيْعِ الدَّيْنِ أَنَّ الْبَائِعَ هُنَا لَهُ وَعَلَيْهِ بِخِلَافِهِ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَهُ لَا عَلَيْهِ اهـ عُمَيْرَةُ. قَوْلُهُ: (جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ) يُرِيدُ أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ كَمَا جُوِّزَ الْقَرْضُ مَعَ كَوْنِهِ بَيْعَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ تَقَابُضٍ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ، أَيْ لِوُجُودِهَا. فَالتَّشْبِيهُ إنَّمَا هُوَ فِي خُرُوجِ كُلٍّ عَنْ الْقَوَاعِدِ مَعَ جَوَازِهِ لِلْحَاجَةِ، أَوْ التَّشْبِيهُ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ إرْفَاقٍ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَنْ يُرَدَّ زَائِدٌ فِي الْقَرْضِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا) أَيْ لِلْحَاجَةِ وَقَوْلُهُ التَّقَابُضُ الْمُرَادُ بِهِ الْقَبْضُ، فَفِي التَّعْبِيرِ بِالتَّقَابُضِ مُسَامَحَةٌ. قَوْلُهُ: (وَدَيْنٌ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 قَالَ. : (وَشَرَائِطُ) صِحَّةِ (الْحَوَالَةِ) (أَرْبَعَةٌ) بَلْ خَمْسَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ الْأَوَّلُ: (رِضَا الْمُحِيلِ. وَ) الثَّانِي: (قَبُولُ الْمُحْتَالِ) لِأَنَّ لِلْمُحِيلِ إيفَاءُ الْحَقِّ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، فَلَا يُلْزَمُ بِجِهَةٍ وَحَقُّ الْمُحْتَالِ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِرِضَاهُ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَتَفَاوَتُ وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ لِلنَّدْبِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا عَبَّرَ بِالْقَبُولِ الْمُسْتَدْعِي لِلْإِيجَابِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إيجَابِ الْمُحِيلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. وَهِيَ دَقِيقَةٌ حَسَنَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَحِلُّ الْحَقِّ وَالتَّصَرُّفِ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ، وَلِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُحِيلِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِالِاسْتِيفَاءِ. (وَ) الثَّالِثُ (كَوْنُ الْحَقِّ) أَيْ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ وَعَلَيْهِ لَازِمًا وَهُوَ مَا لَا خِيَارَ فِيهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَجُوزَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ   [حاشية البجيرمي] الْمُحِيلِ إلَخْ) لَوْ قَالَ وَدَيْنَانِ لَكَانَ أَخْصَرَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي التَّحْرِيرِ، وَشُرِطَ فِي الدَّيْنَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ: ثُبُوتُهُمَا وَلُزُومُهُمَا وَصِحَّةُ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُمَا وَتَسَاوِيهِمَا وَالْعِلْمُ بِقَدْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَدَيْنٌ لِلْمُحِيلِ) لَوْ بِاعْتِرَافِ الْمُحْتَالِ أَوْ بِقَبُولِهِ الْحَوَالَةَ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ اسْتِيفَاءَ شُرُوطِهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ اهـ ق ل. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: لَوْ قَبِلَ الْمُحْتَالُ الْحَوَالَةَ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَافٍ بِالدَّيْنِ كَانَ قَبُولُهُ مُتَضَمَّنًا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ، فَلَا أَثَرَ لِتَبَيُّنِ أَنْ لَا دَيْنَ. نَعَمْ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُحِيلِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَرَاءَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُحْتَالُ فِيمَا يَظْهَرُ وَبَانَ بُطْلَانُ الْحَوَالَةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ الْإِقْرَارَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ وَفَّى الْمُحِيلَ فَتَبْطُلُ الْحَوَالَةُ إذْ التَّقْصِيرُ حِينَئِذٍ وَالتَّدْلِيسُ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْمُحِيلِ اهـ م ر وع ش. فَائِدَةٌ: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَنْكَرَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَحَلَفَ رَجَعَ الْمُحْتَالُ، ع ش. قَوْلُهُ: (وَصِيغَةٌ) وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَوَالَةِ بَلْ هُوَ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ، كَنَقَلْتُ حَقَّك إلَى فُلَانٍ أَوْ جَعَلْت مَا اسْتَحَقَّهُ عَلَى فُلَانٍ لَك أَوْ مَلَّكْتُك الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ بِحَقِّك؛ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَمَّى بَعْضَهَا شَرْطًا) وَهُوَ الصِّيغَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ رِضَا الْمُحِيلِ وَقَبُولُ الْمُحْتَالِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (صِحَّةِ) إنَّمَا زَادَ الشَّارِحُ لَفْظَ صِحَّةٍ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ لِكَمَالِ الشَّيْءِ وَقَدْ يَكُونُ لِصِحَّتِهِ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (رِضَا الْمُحِيلِ) هَذَا إنْ كَانَ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ فَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الصِّيغَةِ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْإِيجَابُ فَهُوَ شَرْطٌ لَكِنْ لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الصِّيغَةِ فَتَأَمَّلْ ق ل؛ أَيْ فَيَكُونُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ لَا مِنْ الشُّرُوطِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الرِّضَا الْقَلْبِيَّ فَهَذَا لَا يُشْتَرَطُ. وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَدَخَلَ الرُّكْنُ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَيْسَ ذِكْرُ الرِّضَا بِهَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودًا لِذَاتِهِ بَلْ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً وَتَوْطِئَةً لِلْإِيجَابِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الرِّضَا إلَّا بِهِ، فَيَكُونُ عَبَّرَ بِالْمَلْزُومِ وَأَرَادَ اللَّازِمَ فَرَجَعَ لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّضَا عَدَمُ الْإِلْزَامِ أَيْ إلْزَامِ الْمُحِيلِ بِالْحَوَالَةِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِنْ الشُّرُوطِ وَيَكُونُ اسْتِفَادَةُ الْإِيجَابِ مِنْ ذِكْرِ الْقَبُولِ كَمَا فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ لِلْمُحِيلِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ رِضَا الْمُحِيلِ، وَقَوْلُهُ: " وَحَقُّ الْمُحْتَالِ إلَخْ " رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: " وَقَبُولُ ". قَوْلِهِ: (إلَّا بِرِضَاهُ) أَيْ الْمُحْتَالِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى قَوْلِهِ: فَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِرِضَاهُ، مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ قَبُولِهَا. وَحَاصِلُ السُّؤَالِ أَنَّ قَوْلَهُ: " فَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِرِضَاهُ " لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقَبُولِ، وَقَوْلُهُ: " فِي الْحَدِيثِ فَلْيَتْبَعْ " يَقْتَضِي ذَلِكَ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَدْعِي) أَيْ الْمُسْتَلْزِمِ. قَوْلُهُ: (لَا بُدَّ مِنْ إيجَابِ الْمُحِيلِ) هُوَ كَذَلِكَ، وَإِمَّا عَبَّرَ فِيهِ بِالرِّضَا إشَارَةً إلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا الْمَفْهُومِ مِنْ الْحَدِيثِ ق ل. وَقَوْلُهُ " لِإِفَادَتِهِ إلَخْ " لَوْ قَالَ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّضَا الْإِيجَابُ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الْإِفَادَةُ الْمَذْكُورَةُ. قَوْلُهُ: (وَالتَّصَرُّفُ) أَيْ فِي الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ بِالْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (كَوْنُ الْحَقِّ مُسْتَقِرًّا إلَخْ) إعْرَابُ الْمَتْنِ أَنَّ مُسْتَقِرًّا خَبَرٌ عَنْ الْكَوْنِ الْمُثْبَتِ، وَالشَّارِحُ غَيَّرَ إعْرَابَهُ وَجَعَلَ خَبَرَهُ مَحْذُوفًا قَدَّرَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 كَالثَّمَنِ بَعْدَ زَمَنِ الْخِيَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ (مُسْتَقِرًّا فِي الذِّمَّةِ) كَالصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْمَوْتِ وَالْأُجْرَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِأَنْ يُحِيلَ بِهِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى ثَالِثٍ وَعَلَيْهِ كَذَلِكَ بِأَنْ يُحِيلَ الْبَائِعُ غَيْرَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي سَوَاءً اتَّفَقَ الدَّيْنَانِ فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ أَمْ اخْتَلَفَا، كَأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ثَمَنًا وَالْآخَرُ أُجْرَةً أَوْ قَرْضًا فَلَا تَصِحُّ بِالْعَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَا بِمَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَدَيْنِ السَّلَمِ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَازِمًا، وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ لِلسَّاعِي وَلَا لِلْمُسْتَحِقِّ بِالزَّكَاةِ مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ وَلَا عَكْسُهُ وَإِنْ تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا وَتَصِحُّ   [حاشية البجيرمي] بِقَوْلِهِ لَازِمًا، وَجَعَلَ مُسْتَقِرًّا خَبَرًا لِيَكُنْ الْمَنْفِيِّ قَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا. وَهَذَا مَعِيبٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ عُذْرُ الشَّارِحِ أَنَّ إبْقَاءَ الْمَتْنِ عَلَى إعْرَابِهِ الْمَذْكُورِ فِيهِ خَلَلٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الِاسْتِقْرَارِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فَلِذَلِكَ غَيَّرَ الْإِعْرَابَ بِمَا ذَكَرَهُ. وَهَذَا نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي الرَّهْنِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الِاسْتِقْرَارِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِقْرَارِ مَا اسْتَوْفَى مُقَابِلَهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ لَهُ مَعْنًى آخَرَ تَصِحُّ إرَادَتُهُ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اللَّازِمُ، فَلَوْ حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى ذَلِكَ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرَهُ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: لَمْ يُنَبِّهْ الشَّارِحُ عَلَى ضَعْفِ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْحَوَالَةِ عَلَى نَظِيرِ مَا فَعَلَهُ فِي الرَّهْنِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الشُّرَّاحِ، تَأَمَّلْ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: أَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا حَيْثُ جَعَلَهُ مَنْفِيًّا، تَأَمَّلْ. وَقَالَ ق ل: تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِقْرَارَ اللُّزُومُ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَلَا تَغْفُلْ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَبْقَى الْمَتْنُ عَلَى حَالِهِ مِنْ الْإِثْبَاتِ وَيُنَبِّهَ عَلَى ضَعْفِهِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (لَازِمًا) وَلَوْ مَآلًا بِثَمَنٍ بَعْدَ اللُّزُومِ أَوْ قَبْلَهُ فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ، وَعَلَيْهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ قَبْلَهُ " أَيْ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَتَكُونُ إجَازَةً مِنْهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ كَيْفَ يَصِحُّ بَيْعُ الثَّمَنِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ لَمَّا جَوَّزُوا بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ تَوَسُّعًا وُسِّعَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا م ر. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا لَا خِيَارَ فِيهِ) مِثْلُهُ الْآيِلُ إلَى اللُّزُومِ وَهُوَ مَا فِيهِ خِيَارٌ كَمَا عُلِمَ. وَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ هُنَا عَلَى اللَّازِمِ الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِالثَّمَنِ أَوْ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ تَأَمَّلْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا قُيِّدَ هُنَا بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَمَا سَيَأْتِي مِمَّا فِيهِ اللُّزُومُ مَآلًا فِيهِ خِلَافٌ، فَالشَّارِحُ إنَّمَا ذَكَرَ اللُّزُومَ هُنَا لِعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّ مِثْلَهُ الْآيِلُ إلَى اللُّزُومِ؛ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ بَعْضِ الْحَوَاشِي،. اهـ. ح ف وَعَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ أَنْ يَجُوزَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ) فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِمَا لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ وَلَا عَلَيْهِ كَدَيْنِ السَّلَمِ وَدَيْنِ الْجِعَالَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ نُجُومُ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا عَلَى الرَّاجِحِ، وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهَا مِنْ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ عَلَى ثَالِثٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ لِلُزُومِهِ أَيْ الدَّيْنِ الْمُحَالَ بِهِ وَعَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ مَعَ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ) إنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِيَكُونَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ لِسُقُوطِهِ بِتَلَفِ الْبَيْعِ عِنْدَ الْبَائِعِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِهِ أَيْ وَالْحَوَالَةُ عَلَيْهِ كَالْحَوَالَةِ بِهِ، وَقَوْلُهُ " كَذَلِكَ " أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، وَفِي نُسْخَةٍ: وَعَكْسُهُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُحِيلَ الْبَائِعُ) وَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ فِي هَذِهِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِيهَا بِثَالِثٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ ق ل. قَوْلُهُ: (سَوَاءً اتَّفَقَ) تَعْمِيمٌ فِي الْحَقِّ الَّذِي فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ بِالْعَيْنِ) لِأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ دَيْنًا وَالْحَوَالَةُ بَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ " كَوْنُ الْحَقِّ أَيْ الدَّيْنِ إلَخْ " وَيُصَوَّرُ ذَلِكَ بِمَا إذَا أَحَالَ بِعَيْنٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ مُودَعَةٍ أَوْ عَلَيْهَا كَأَنْ غَصَبَ مِنْ زَيْدٍ كِتَابًا " وَلَهُ كِتَابٌ عَلَى آخَرَ نَظِيرُهُ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ بِهِ اهـ، وَكَأَنْ اشْتَرَى كِتَابًا بِدِينَارٍ مُعَيَّنٍ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى الدِّينَارِ الْمُعَيَّنِ وَلَا بِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِمَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ) مُحْتَرَزُ جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ وَاَلَّذِي لَا يَجُوزُ عَنْهُ الِاعْتِيَاضُ دَيْنُ السَّلَمِ مُسَلَّمًا فِيهِ وَرَأْسُ مَالٍ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَالْمَبِيعُ فِي الذِّمَّةِ وَالثَّمَنُ فِي الرِّبَوِيِّ الْمَبِيعِ بِرِبَوِيٍّ آخَرَ وَالْأُجْرَةُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ وَالزَّكَاةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ لِلسَّاعِي) عِبَارَةُ سم: فَرْعٌ: اعْتَمَدَ م ر امْتِنَاعَ الْحَوَالَةِ بِالزَّكَاةِ وَعَلَيْهَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ فَلَا يَدْخُلُهَا ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا) عِلَّةٌ لِلْغَايَةِ، وَأَمَّا عِلَّةُ الْمَطْوِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَلَيْهِ مَعَ خَرَابِ ذِمَّتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ، أَيْ لَمْ تَقْبَلْ ذِمَّتُهُ شَيْئًا بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِلَّا فَذِمَّتُهُ مَرْهُونَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يَقْضِيَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَرِكَةٌ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِي خِلَافٌ، وَلَا تَصِحُّ عَلَى التَّرِكَةِ لِعَدَمِ الشَّخْصِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَتَصِحُّ بِالدَّيْنِ الْمِثْلِيِّ كَالنُّقُودِ وَالْحُبُوبِ وَبِالْمُتَقَوِّمِ كَالْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ، وَبِالثَّمَنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بِأَنْ يُحِيلَ بِهِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى إنْسَانٍ وَعَلَيْهِ بِأَنْ يُحِيلَ الْبَائِعُ إنْسَانًا عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ بِنَفْسِهِ وَالْجَوَازُ عَارِضٌ فِيهِ. وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ بِالْحَوَالَةِ بِالثَّمَنِ لِتُرَاضِي عَاقِدَيْهَا، وَلِأَنَّ مُقْتَضَاهَا اللُّزُومُ فَلَوْ بَقِيَ الْخِيَارُ فَاتَ مُقْتَضَاهَا، وَفِي الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ يَبْطُلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ لِرِضَاهُ بِهَا لَا فِي حَقِّ مُشْتَرٍ لَمْ يَرْضَ، فَإِنْ رَضِيَ بِهَا بَطَلَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ،   [حاشية البجيرمي] تَحْتَ الْغَايَةِ فَلِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَعْيَانٌ مُشْتَرَكَةٌ. وَمِثَالُ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا كَأَنْ كَانَ وَاجِبُهَا فِضَّةً فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا بِذَهَبٍ وَعَكْسُهُ. وَعِبَارَةُ م د: لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ أَصْلَهَا أَعْيَانٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ وَالْمَالِكِ، فَغَلَبَ فِيهَا ذَلِكَ دُونَ الِانْتِقَالِ لِلذِّمَّةِ بِالتَّقْصِيرِ بِأَنْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ دَفْعِهِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ. قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ عَلَى الْمَيِّتِ إلَخْ) بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: وَلَا فَرْقَ فِي الْمُحَالِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ. وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: وَلَوْ أَحَالَ مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ صَحَّتْ وَيَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ الْمُحَالُ بِهِ عَلَى الْمَيِّتِ بِالتَّرِكَةِ إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ أَحَدٌ عَنْهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي سم عَلَى الْمَنْهَجِ: قَالَ طب: وَحَوَالَةُ نَاظِرِ الْوَقْفِ أَحَدَ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْوَقْفِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَهُ مَالٌ فِي جِهَةِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِجِهَةِ الْوَقْفِ لَا تَصِحُّ، وَمَا وَقَعَ مِنْ النَّاظِرِ مِنْ التَّسْوِيغِ لَيْسَ حَوَالَةً بَلْ إذْنٌ فِي الْقَبْضِ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ قَبْضِهِ؛ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ م ر وَقَالَ: لِأَنَّ شَرْطَهَا أَنْ يَكُونَ الْمُحِيلُ مَدِينًا وَالنَّاظِرُ ذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ، وَلَوْ أَحَالَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى النَّاظِرِ بِمَعْلُومِهِ لَمْ تَصِحَّ أَيْضًا لِعَدَمِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، قَالَ: وَلَوْ أَحَالَ عَلَى مَالِ الْوَقْفِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ أَحَالَ عَلَى التَّرِكَةِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحَوَالَةِ أَنْ تَكُونَ عَلَى شَخْصٍ مَدِينٍ، إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ اهـ. وَقَوْلُهُ " بِلَا إذْنٍ فِي الْقَبْضِ " قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْوَظِيفَةِ مُخَاصَمَةُ السَّاكِنِ الْمَتْبُوعِ عَلَيْهِ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَقَوْلُهُ " وَالنَّاظِرُ ذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ " يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ النَّاظِرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُسْتَحَقَّ فِي الْوَقْفِ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ خَرَابَ ذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ لَمْ تُقْبَلْ ذِمَّتُهُ) الْمُرَادُ بِهَا مَعْنًى صَالِحٌ لِلْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ، وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا فَذِمَّتُهُ مَرْهُونَةٌ " فِيهِ أَنَّ الْمَرْهُونَ لَيْسَ نَفْسَ الذِّمَّةِ بَلْ النَّفْسُ بِمَعْنَى الرُّوحِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالذِّمَّةِ هُنَا النَّفْسَ؛ لِأَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَيْهَا كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ؛ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَا تَحْسُنُ الْمُقَابَلَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُهُ) أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَتَصِحُّ عَلَى الْمَيِّتِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ م ر. قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَذَلِكَ) مُعْتَمَدٌ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ مَعَ عَدَمِ التَّرِكَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقْضِي عَنْهُ مُتَبَرِّعٌ. قَوْلُهُ: (وَبِالْمُتَقَوِّمِ) كَأَنْ اشْتَرَى عَيْنًا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ مُتَقَوِّمٌ مَوْصُوفٍ بِمَا يَنْفِي الْجَهَالَةَ عَنْهُ، أَيْ بِمَا يُعَيِّنُهُ وَيُمَيِّزُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ. وَكَأَنْ اقْتَرَضَ شَيْئًا مُتَقَوِّمًا فَيَصِحُّ أَنْ يُحِيلَ الْمُقْرِضُ بِهِ عَلَى آخَرَ، كَأَنْ يَقْتَرِضَ عَمْرٌو حَيَوَانًا مِنْ زَيْدٍ وَلِعَمْرٍو عَلَى بَكْرٍ حَيَوَانٌ فَأَحَالَ عَمْرٌو زَيْدًا بِهِ عَلَى بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ دَيْنٌ، وَلَا يَصِحُّ التَّمْثِيلُ لَهُ بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَبِالثَّمَنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ) لَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، أَوْ مَا تَقَدَّمَ كَانَ لَا خِيَارَ فِيهِ بِخِلَافِهِ هُنَا. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " بِالثَّمَنِ ". قَوْلُهُ: (وَلَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِالْحَوَالَةِ بِالثَّمَنِ) أَيْ خِيَارُ كُلٍّ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ لِمَا ذَكَرَهُ، فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَأَحَالَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى آخَرَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ سَقَطَ خِيَارُهُ، فَالْمُرَادُ بِبُطْلَانِهِ سُقُوطُهُ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ مُقْتَضَاهَا اللُّزُومُ) أَيْ فَلَا يَدْخُلُهَا خِيَارٌ، أَيْ فَكَأَنَّهُ أَلْزَمهُ بِهَا أَيْ أَلْزَمَ الْعَقْدَ بِالْحَوَالَةِ. قَوْلُهُ: (لَا فِي حَقِّ مُشْتَرٍ) أَيْ فَإِذَا أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فِي زَمَنِ خِيَارِهِمَا بَطَلَ خِيَارُ الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَرْضَ وَفَسَخَ الْبَيْعَ بَطَلَتْ. لَا يُقَالُ هَذَا مُخَالِفٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 وَتَصِحُّ حَوَالَةُ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ لِوُجُودِ اللُّزُومِ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَيَتِمُّ الْغَرَضُ مِنْهُمَا دُونَ حَوَالَةِ السَّيِّدِ غَيْرَهُ عَلَيْهِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، فَلَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُحْتَالُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ وَإِلْزَامِهِ. وَخَرَجَ بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَلَوْ كَانَ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ وَأُحَال عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ. وَلَا نَظَرَ إلَى سُقُوطِهِ بِالتَّعْجِيزِ لِأَنَّ دَيْنَ الْمُعَامَلَةِ لَازِمٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا تَصِحُّ بِجَعْلِ الْجِعَالَةِ وَلَا عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ دَيْنِهَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ بَعْدَ التَّمَامِ. (وَ) الرَّابِعُ (اتِّفَاقُ) أَيْ مُوَافَقَةُ (مَا فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ) لِلْمُحْتَالِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ (وَ) مَا فِي ذِمَّةِ (الْمُحَالِ عَلَيْهِ) لِلْمُحِيلِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ (فِي الْجِنْسِ) فَلَا يَصِحُّ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَعَكْسُهُ، وَفِي الْقَدْرِ فَلَا يَصِحُّ بِخَمْسَةٍ عَلَى عَشْرَةٍ وَعَكْسُهُ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مُعَاوَضَةُ إرْفَاقٍ جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا الِاتِّفَاقُ فِيمَا ذُكِرَ كَالْقَرْضِ. (وَ) فِي (النَّوْعِ وَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ) وَفِي قَدْرِ الْأَجَلِ وَفِي الصِّحَّةِ وَالتَّكْسِيرِ إلْحَاقًا لِتَفَاوُتِ الْوَصْفِ بِتَفَاوُتِ الْقَدْرِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُهُمَا فِي الرَّهْنِ وَلَا فِي الضَّمَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ لَوْ أَحَالَ بِدَيْنٍ أَوْ عَلَى دَيْنٍ بِهِ رَهْنٌ أَوْ ضَامِنٌ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَبَرِئَ الضَّامِنُ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْقَبْضِ، وَالْخَامِسُ الْعِلْمُ بِمَا يُحَالُ بِهِ وَعَلَيْهِ قَدْرًا وَصِفَةً بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي السَّلَمِ.   [حاشية البجيرمي] لِعُمُومِ مَا قَالُوهُ مِنْ كَوْنِ الْحَوَالَةِ عَلَى الثَّمَنِ لَا تَبْطُلُ بِالْفَسْخِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْفَسْخُ بِالْخِيَارِ مُسْتَثْنًى، وَلَا بُعْدَ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ إلَخْ) هَذَا مُسْتَثْنًى مِمَّا لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَكَتَبَ الَأُجْهُورِيُّ عَلَى قَوْلِهِ " وَتَصِحُّ حَوَالَةُ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ إلَخْ " قَضِيَّتُهُ صِحَّةُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ وَجْهٌ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْحَوَالَةُ صَحِيحَةٌ، وَلَكِنْ يُشْكِلُ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ بِالنُّجُومِ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا بِدَيْنِ السَّلَمِ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ لِلْعِتْقِ، وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا احْتَالَ بِالنَّجْمِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ أَنْ يَصِيرَ الدَّيْنُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ التَّعْجِيزِ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ الْمُكَاتَبِ وَيَصِيرُ بِالتَّعْجِيزِ لِلسَّيِّدِ، بِخِلَافِ دَيْنِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَصِلَ الْمُحْتَالُ إلَى حَقِّهِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِوُجُودِ اللُّزُومِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ اللَّازِمَ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ إنَّمَا هُوَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ فَسْخُهَا، وَكَلَامُنَا إنَّمَا هُوَ فِي لُزُومِ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لَازِمًا مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ أَنْ يَكُونَ دَيْنُهَا وَهُوَ النُّجُومُ لَازِمًا مِنْ جِهَتِهِ أَيْضًا، أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ إسْقَاطُهُ بِالْفَسْخِ أَوْ التَّعْجِيزِ. قَوْلُهُ: (وَلَا نَظَرَ إلَى سُقُوطِهِ بِالتَّعْجِيزِ) فَلَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ تَعَلَّقَ الْمُحْتَالُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ أُخِذَ مِنْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْيَسَارِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ دَيْنَ الْمُعَامَلَةِ لَازِمٌ فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، أَيْ إذَا لَمْ يَحْصُلْ تَعْجِيزٌ أَوْ كَانَ السَّيِّدُ أَحَالَ عَلَى الْمُكَاتَبِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الدَّيْنِ) بَيَانُ " مَا ". قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ بِخَمْسَةٍ) أَيْ بِأَنْ يَأْخُذَ الْعَشَرَةَ بِتَمَامِهَا فِي مُقَابَلَةِ الْخَمْسَةِ وَقَوْلُهُ عَلَى عَشْرَةٍ، أَيْ وَتَصِحُّ عَلَى خَمْسَةٍ مِنْ الْعَشَرَةِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي بَيْنَ دَيْنِ الْمُحِيلِ وَدَيْنِ الْمُحْتَالِ مِنْ حَيْثُ هُمَا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى التَّسَاوِي بَيْنَ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ وَعَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ دَيْنُ الْمُحِيلِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُحَالِ بِهِ؛ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا أَحَالَ عَلَى بَعْضِ دَيْنِهِ لَا عَلَى كُلِّهِ. قَوْلُهُ: (إلْحَاقًا) عِلَّةٌ لِمَفْهُومِ الصِّفَةِ، أَيْ فَلَا تَصِحُّ بِالصَّحِيحَةِ عَلَى الْمُكَسَّرَةِ وَعَكْسُهُ إلْحَاقًا إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَفْهَمَ) حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِرَهْنٍ وَلَا ضَمَانٍ. قَوْلُهُ: (بِهِ رَهْنٌ) رَاجِعٌ لِلِاثْنَيْنِ. قَوْلُهُ: (انْفَكَّ) فَإِنْ شَرَطَ بَقَاءَ الرَّهْنِ وَنَحْوَهُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَالْخَامِسُ الْعِلْمُ) أَيْ الظَّنُّ، أَيْ أَنْ يَظُنَّ الْعَاقِدَانِ تُسَاوِيَ الدَّيْنَيْنِ. وَزَادَهُ الشَّارِحُ: كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ، وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 (وَتَبْرَأُ بِهَا) أَيْ بِالْحَوَالَةِ الصَّحِيحَةِ (ذِمَّةُ الْمُحِيلِ) عَنْ دَيْنِ الْمُحْتَالِ، وَيَسْقُطُ دَيْنُهُ عَنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ دَيْنُ مُحْتَالٍ مُحَالًا عَلَيْهِ، أَيْ يَصِيرُ نَظِيرَهُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْهُ بِفَلَسٍ أَوْ غَيْرِهِ كَجَحْدٍ وَمَوْتٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا لَوْ أَخَذَ عِوَضًا عَنْ الدَّيْنِ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ، وَإِنْ شَرَطَ يَسَارَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ جَهْلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا هُوَ مَغْبُونٌ فِيهِ. وَلَا عِبْرَةَ لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْفَحْصِ عَنْهُ، وَلَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ عِنْدَ التَّعَذُّرِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ، وَلَوْ شَرَطَ الْعَاقِدُ فِي الْحَوَالَةِ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الْأَوَّلَ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ الثَّانِيَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَلَا يَثْبُتُ فِي عَقْدِهَا خِيَارُ شَرْطٍ لِأَنَّهَا لَمْ تُبْنَ عَلَى الْمُعَايَنَةِ وَلَا خِيَارُ مَجْلِسٍ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لِأَنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ فُسِخَ بَيْعٌ بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ كَإِقَالَةٍ وَقَدْ أَحَالَ مُشْتَرٍ بَائِعًا بِثَمَنٍ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ لِارْتِفَاعِ الثَّمَنِ بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ، لَا إنْ أَحَالَ بَائِعٌ بِهِ ثَالِثًا عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى. وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَالَ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمُحْتَالُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا الْعَبْدُ، أَوْ شَهِدَتْ حِسْبَةٌ بَطَلَتْ   [حاشية البجيرمي] حَاجَةَ إلَيْهِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ الرَّابِعُ. وَفِي إغْنَائِهِ عَنْهُ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِقَدْرِ الدَّيْنَيْنِ لَمْ يُعْلَمْ مِمَّا قَبْلَهُ، وَكَذَا عُلِمَ اتِّفَاقُهُمَا فِيمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِاتِّفَاقِهِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَتَبْرَأُ بِهَا) شُرُوعٌ فِي ثَمَرَةِ الْحَوَالَةِ بَعْدَ اجْتِمَاعِ شُرُوطِهَا. قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ دَيْنُهُ) أَيْ الْمُحِيلِ. قَوْلُهُ: (كَجَحْدٍ) أَيْ لِلدَّيْنِ، أَيْ فَلَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ لَكِنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُحِيلَ بِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ) وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ مِنْ شَرْطِ الْيَسَارِ بِأَنَّ شَرْطَ الرُّجُوعِ مُنَافٍ صَرِيحٌ فَأَبْطَلَهَا، بِخِلَافِ شَرْطِ الْيَسَارِ فَإِنَّهُ مُنَافٍ غَيْرُ صَرِيحٍ فَبَطَلَ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَرَطَ الْعَاقِدُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمُحِيلِ أَوْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ ضَمِينًا) أَيْ ضَامِنًا. قَوْلُهُ: (هَلْ يَصِحُّ) أَيْ الشَّرْطُ أَوْ لَا؟ أَمَّا الْحَوَالَةُ فَصَحِيحَةٌ وَالشَّرْطُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الشَّرْطِ اُنْظُرْ م ر. وَمَحِلُّ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ دُونَ الشَّرْطِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ إذَا شَرَطَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا شَرَطَ عَلَى الْمُحِيلِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ فَاسِدَةٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الْأَوَّلَ) أَيْ الصِّحَّةَ. قَالَ م ر: حَمَلَهُ الْوَالِدُ عَلَى مَا إذَا شَرَطَ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِذَلِكَ فَتَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ الشَّرْطُ، وَحُمِلَ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا شَرَطَهُ أَعْنِي الرَّهْنَ أَوْ الضَّمَانَ عَلَى الْمُحِيلِ فَيَبْطُلُ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ بِالْحَوَالَةِ وَالشَّرْطُ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ، وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ شَرْحُ م ر بِإِيضَاحٍ. وَلَا خَلَلَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ لِأَنَّ كُلَّ قَوْلٍ يُحْمَلُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهِ، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَمْعِ لِتَرْجِيحِهِ أَحَدَهُمَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا لَمْ تُبْنَ عَلَى الْمُعَايَنَةِ) أَيْ مُعَايَنَةِ الْعِوَضِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّمَا دَخَلَهُ الْخِيَارُ لِابْتِنَائِهِ عَلَى الْمُعَايَنَةِ أَيْ الْوَصْفِ الْقَائِمِ مَقَامَهَا فِي الْمَبِيعِ فِي الذِّمَّةِ اهـ م د. وَفِي نُسْخَةٍ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ الْمُغَابَنَةُ، أَيْ لَمْ تُبْنَ عَلَى الْغَبْنِ لِاتِّفَاقِ الدِّينَيْنِ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، أَيْ لِأَنَّهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الِاتِّفَاقُ جِنْسًا وَقَدْرًا إلَخْ، فَلَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ. قَوْلُهُ: (كَإِقَالَةٍ) أَوْ تَحَالُفٍ لَا بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ مَجْلِسٍ؛ لِأَنَّ بِالْحَوَالَةِ يَبْطُلُ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْعَقْدُ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَحَالَ مُشْتَرٍ بَائِعًا بِثَمَنٍ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ إذَا أَحَالَهَا بِهِ ثُمَّ فَسَخَ النِّكَاحَ حَيْثُ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ أَنَّ الصَّدَاقَ أَثْبَتُ وَأَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأُولَى كَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَالِثٌ لَهُ الْحَقُّ غَيْرُ الْعَاقِدَيْنِ فَلَا يَضِيعُ عَلَيْهِ حَقُّهُ، بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْبَائِعُ، وَأَنَّ الثَّالِثَ عَلَيْهِ الْحَقُّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ أَيْ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْمُحْتَالُ، أَيْ سَوَاءً قَبَضَ الْمُحْتَالُ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَإِلَّا فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ أَوْ لَا يَرْجِعُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، مُعْتَمَدٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (عَلَى حُرِّيَّتِهِ) أَوْ وَقْفِهِ أَوْ إيلَادِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ مَثَلًا لَا لِكَوْنِهِ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 الْحَوَالَةُ لِأَنَّهُ بَانَ أَنْ لَا ثَمَنَ حَتَّى يُحَالَ بِهِ فَيَرُدُّ الْمُحْتَالُ مَا أَخَذَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَبْقَى حَقُّهُ كَمَا كَانَ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمُحْتَالُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَّفَاهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهَا، ثُمَّ بَعْدَ حَلِفِهِ يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِبَقَاءِ الْحَوَالَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِإِذْنِهِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْحَوَالَةُ. وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَيْهِ لِلْمُسْتَحِقِّ: وَكَّلْتُك لِتَقْبِضَ لِي دَيْنِي مِنْ فُلَانٍ. وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ أَحَلْتنِي بِهِ. أَوْ قَالَ الْأَوَّلُ أَرَدْت بِقَوْلِي أُحِلُّك بِهِ الْوَكَالَةَ. وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ: بَلْ أَرَدْت بِذَلِكَ الْحَوَالَةَ صُدِّقَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِإِرَادَتِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَقَّيْنِ وَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ أَحَلْتُك فَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ وَكَّلْتنِي، أَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي أُحِلْتُك الْوَكَالَةَ صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَقِّهِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ أُحِلْتُك بِالْمِائَةِ الَّتِي لَك عَلَيَّ عَلَى عَمْرٍو فَلَا يَحْلِفُ مُنْكِرُ الْحَوَالَةِ لِأَنَّ هَذَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا حَقِيقَتَهَا فَيَحْلِفُ مُدَّعِيهَا، وَلِلْمُحْتَالِ أَنْ يُحِيلَ وَأَنْ يَحْتَالَ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى مَدِينِهِ.   [حاشية البجيرمي] بِصِفَةٍ فَإِنَّ كُلًّا يَجُوزُ بَيْعُهُ. قَوْلُهُ: (يُقِيمُهَا) الْأَوْلَى أَقَامَهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالرِّقِّ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ تَصْرِيحَهُ بِهِ يُكَذِّبُهَا. قَوْلُهُ: (حِسْبَةً) أَيْ بِلَا سَبْقِ دَعْوَى. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَالُ وَالشَّأْنُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ بَانَ) أَيْ ظَهَرَ أَنْ لَا ثَمَنَ تُشْكِلُ بِمَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا ثَمَنَ أَيْضًا؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّقْصِيرُ هُنَا مِنْ الْمُحْتَالِ حَيْثُ وَافَقَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَأَمَّا فِيمَا قَبْلَهَا فَالتَّقْصِيرُ مِنْ الْبَائِعِ حَيْثُ أَقَالَ مِنْ الْبَيْعِ أَوْ بَاعَ الْمَعِيبَ وَلَمْ يُخْبِرْ بِعَيْبِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَبْقَى حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الْمُحْتَالِ كَمَا كَانَ أَيْ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، أَيْ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (حَلَّفَاهُ) وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا بَلْ يَحْلِفُ لِمَنْ اسْتَحْلَفَهُ مِنْهُمَا، نَعَمْ لَوْ حَلَّفَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي تَحْلِيفُهُ فِي أَوْجَهِ احْتِمَالَيْنِ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إذْ خُصُومَتُهُمَا مُتَّحِدَةٌ، شَرْحُ م ر. فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَا وَانْفَسَخَتْ الْحَوَالَةُ. قَوْلُهُ: (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهَا) قَوْلُهُ: أَيْ بِالْحُرِّيَّةِ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ حُرٌّ مَثَلًا، فَإِنْ نَكَلَ كَانَ مُقِرًّا بَحَرِيَّةِ الْعَبْدِ وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمُحِيلُ لِأَنَّهُ الَّذِي وَقَعَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: " لِلْمُسْتَحِقِّ " وَهُوَ الْمُحْتَالُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُمَا بِلَفْظِ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ لِإِنْكَارِ الْحَوَالَةِ ق ل. وَقَالَ ح ف: إنَّمَا لَمْ يُعَبِّرْ بِالْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ يَكُونُ مُوَكِّلًا وَالثَّانِي وَكِيلًا. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ) وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْحَاءِ، أَيْ وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَبِإِنْكَارِ الْمُحْتَالِ الْوَكَالَةَ انْعَزَلَ، وَحِينَئِذٍ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْقَبْضُ لِأَنَّهُ لَا مُحْتَالَ وَلَا وَكِيلَ فِي ظَنِّهِ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَ رَدَّ مَا قَبَضَهُ عَلَى الْمُحِيلِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي ظَنِّهِ وَيَبْقَى حَقُّهُ فِي ذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَالَ) أَيْ الْمُسْتَحِقُّ أَرَدْت بِقَوْلِي، صَوَابُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: أَرَدْت بِفَتْحِ التَّاءِ بِقَوْلِك أَحَلْتُك الْوَكَالَةَ. وَعِبَارَةُ أج: قَوْلُهُ: " أَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي إلَخْ " هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِيهَا مُسَامَحَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، إذْ قَوْلُهُ أَرَدْت بِقَوْلِي أَحَلْتُك الْوَكَالَةَ هِيَ بِعَيْنِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ، وَأَيْضًا قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُصَدَّقَ فِيهَا الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ، وَعِبَارَةُ الْمُؤَلَّفِ صَرِيحَةٌ فِي تَصْدِيقِ الْمُسْتَحِقِّ فِيهَا فَكَلَامُهُ فِيهِ تَنَاقُضٌ، فَالصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِهِ أَوْ أَرَدْت بِقَوْلِي إلَخْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: " أَوْ قَالَ أَرَدْت " بِفَتْحِ التَّاءِ " بِقَوْلِك " بِكَافٍ الْخِطَابِ، وَالضَّمِيرُ فِي " قَالَ " لِلْمُسْتَحِقِّ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ. وَهُنَاكَ نُسْخَةٌ أُخْرَى بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ " أَرَدْت " وَبِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ فِي قَوْلِهِ " بِقَوْلِي " وَتَقْدِيرُهَا: أَوْ قَالَ أَرَدْت بِضَمِّ التَّاءِ بِقَوْلِي أَحَلْتُك الْوَكَالَةَ. وَفِيهَا مُسَامَحَةٌ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُنَاسِبُ الْمُسْتَحِقَّ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ الْمُحِيلَ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَكُونُ عَيْنَ الثَّانِيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْقَسَمِ الْأَوَّلِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ الشَّارِحَ نَصَّ عَلَى تَصْدِيقِ الْمُسْتَحِقِّ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ نَصٌّ عَلَى تَصْدِيقِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ، أَيْ مَحِلُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَصْدِيقِ مُنْكِرِ الْحَوَالَةِ إذَا كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لَهَا وَلِلْوَكَالَةِ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ وَكَالَةً صُدِّقَ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَدِينِهِ) أَيْ مَدِينِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الِالْتِزَامُ وَشَرْعًا يُقَالُ لِالْتِزَامِ حَقٍّ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ أَوْ إحْضَارُ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ أَوْ بَدَنِ مَنْ يُسْتَحَقُّ حُضُورُهُ وَيُقَالُ لِلْعَقْدِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ لِذَلِكَ ضَامِنًا وَزَعِيمًا وَكَفِيلًا وَغَيْرَ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَخَبَرِ الْحَاكِمِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَمَّلَ عَنْ رَجُلٍ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ» وَأَرْكَانُ ضَمَانِ الْمَالِ خَمْسَةٌ ضَامِنٌ وَمَضْمُونٌ لَهُ وَمَضْمُونٌ عَنْهُ وَمَضْمُونٌ بِهِ وَصِيغَةٌ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَبْدَأُ بِشَرْطِ الضَّامِنِ فَنَقُولُ (وَيَصِحُّ ضَمَانُ) مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ وَيَكُونُ مُخْتَارًا فَيَصِحُّ الضَّمَانُ مِنْ سَكْرَانَ وَسَفِيهٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ] ذَكَرَهُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النِّزَاعِ وَلِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا شَغْلُ ذِمَّةٍ بِدَيْنٍ لَمْ تَكُنْ مَشْغُولَةً بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَالنُّونُ فِي الضَّمَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً إنْ أُخِذَ مِنْ الضَّمِّ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ ذِمَّةٍ إلَى أُخْرَى، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ إنْ أُخِذَ مِنْ الضِّمْنِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي ضِمْنِ ذِمَّةِ الضَّامِنِ، وَعِبَارَةُ ق ل: مِنْ الضِّمْنِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي ضِمْنِ ذِمَّةِ الضَّامِنِ لَا مِنْ الضَّمِّ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ ذِمَّةٍ إلَى أُخْرَى لِأَنَّ نُونَهُ أَصْلِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِالْتِزَامِ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءً كَانَ لِمَالٍ أَوْ لَا، وَسَوَاءً كَانَ بِعَقْدٍ أَوْ لَا. وَالِالْتِزَامُ أَثَرُ الْعَقْدِ وَثَمَرَتُهُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْتِزَامُ الْمَالِ ضَمَانًا لِأَنَّ الْمُتَكَفِّلَ بِدَيْنِ غَيْرِهِ يَجْعَلُهُ فِي ذِمَّتِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ جَعَلْتَهُ فِي شَيْءٍ فَقَدْ ضَمَّنْتَهُ إيَّاهُ، فَالضَّمَانُ مِنْ الضِّمْنِ عَلَى هَذَا. وَذَكَرَ أَقْسَامَ الضَّمَانِ الثَّلَاثَةَ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ أَشَارَ لِضَمَانِ الْمَالِ بِالْأَوَّلِ وَأَشَارَ لِضَمَانِ رَدِّ الْعَيْنِ بِقَوْلِهِ أَوْ إحْضَارِ عَيْنٍ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى حَقٍّ وَالِالْتِزَامُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ لِلْكَفَالَةِ بِقَوْلِهِ: أَوْ بَدَنٍ، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى عَيْنٍ وَالْإِحْضَارُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَطْفَ ب " أَوْ " فَكُلُّ وَاحِدٍ عُطِفَ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَأَدْخَلَ " أَوْ " فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّهَا لِلتَّنْوِيعِ وَالتَّقْسِيمِ أَوْ أَنَّهُ رَسْمٌ لَا حَدٌّ. قَوْلُهُ: (وَيُقَالُ لِلْعَقْدِ) الْمُرَادُ بِالْعَقْدِ قَوْلُهُ: ضَمِنْت أَوْ كَفَلْت، وَهَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْعَقْدَ مُرَكَّبٌ مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ ذَلِكَ) كَحَمِيلًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا؛ لَكِنَّ الْعُرْفَ خَصَّ الضَّامِنَ بِالْمَالِ مُطْلَقًا وَالزَّعِيمَ بِالْمَالِ الْعَظِيمِ وَالْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ وَالْحَمِيلَ بِالدِّيَةِ وَالصَّبِيرُ وَالْقَبِيلُ يَعُمَّانِ الْكُلَّ ح ل. وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: ضَمَانٌ بِمَالٍ وَالزَّعِيمُ بِهِ إذَا ... يَكُونُ عَظِيمًا وَالْكَفِيلُ بِأَبْدَانِ حَمِيلٌ بِدِيَاتٍ صَبِيرٌ يَعُمُّهَا ... كَذَاك قَبِيلٌ قَدْ أَتَاك بِإِتْقَانِ قَوْلُهُ: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» هَذَا قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيثٍ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ» أَيْ مُوَفًّى اهـ. وَيُسَمَّى زَعِيمًا لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَعْمَى فِي أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا أَمَامَهُ، فَالْأَعْمَى لَا يُبْصِرُ مَا أَمَامَهُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ أَنَّهَا سَالِكَةٌ أَوْ لَا أَوْ أَنَّ قُدَّامَهُ بِئْرٌ يَقَعُ فِيهَا أَوْ لَا، فَكَذَلِكَ الزَّعِيمُ لَا يَدْرِي هَلْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ يَدْفَعُ الدَّيْنَ أَوْ لَا أَوْ أَنَّهُ هُوَ يَسْلَمُ مِنْ الْغُرْمِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (تُحْمَلُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ مَنْعُ قَوْلِهِمْ إنَّهُ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ سُنَّةٌ. وَيَتَّجِهُ أَنَّ مَحِلَّهُ فِي قَادِرٍ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ يَأْمَنُ غَائِلَتَهُ ز ي. قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُ ضَمَانِ الْمَالِ) أَمَّا ضَمَانُ إحْضَارِ الْبَدَنِ أَوْ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ فَأَرْبَعَةٌ لِسُقُوطِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ الَّذِي هُوَ الشَّخْصُ م د، وَفِي ع ش عَلَى م ر: أَنَّ الْخَمْسَةَ آتِيَةٌ فِي ضَمَانِ الْعَيْنِ وَالْمَضْمُونُ عَنْهُ هُوَ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ الْعَيْنُ. قَوْلُهُ: (وَمَضْمُونٌ لَهُ) وَهُوَ صَاحِبُ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (وَمَضْمُونٌ عَنْهُ) وَهُوَ الْمَدِينُ أَيْ ضَمِنَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَمَضْمُونٌ بِهِ) أَيْ الَّذِي وَقَعَ الضَّمَانُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ وَالْأَوْلَى حَذْفُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَضْمُونٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 وَمَحْجُورٌ فَلَّسَ كَشِرَائِهِ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ إلَّا بَعْدَ فَكَّ الْحَجَرِ لَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ وَمَرِيضٍ مَرَضَ الْمَوْتِ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَالِهِ وَمُكْرَهٌ وَلَوْ بِإِكْرَاهِ سَيِّدِهِ وَصَحَّ ضَمَانُ رَقِيقٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لَا ضَمَانُهُ لِسَيِّدِهِ وَكَالرَّقِيقِ الْمُبَعَّضِ إنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةٌ أَوْ كَانَتْ وَضَمِنَ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ فَإِنْ عَيَّنَ لِلْأَدَاءِ جِهَةً فَذَاكَ وَإِلَّا فَمِمَّا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ وَمِمَّا بِيَدِ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ كَوْنُهُ حَقًّا ثَابِتًا حَالَ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ كَنَفَقَةِ مَا بَعْدَ الْيَوْمِ لِلزَّوْجَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي (الدُّيُونِ) الْمَضْمُونَةِ أَنْ تَكُونَ لَازِمَةً. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (الْمُسْتَقِرَّةُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ (فَيَصِحُّ الضَّمَانُ مِنْ سَكْرَانَ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَنْطُوقِ، وَالْمُرَادُ السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّعَدِّي وَعَدَمِهِ صُدِّقَ مُدَّعِي عَدَمِ التَّعَدِّي لِأَنَّهُ الْأَصْلُ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (وَسَفِيهٍ) أَيْ سَفِيهٍ بَعْدَ رُشْدِهِ وَهُوَ السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُطَالَبْ) الْوَاوُ لِلْحَالِ. قَوْلُهُ: (لَا مِنْ صَبِيٍّ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَفْهُومِ. قَوْلُهُ: (وَمَحْجُورِ سَفَهٍ) وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فَلَوْ ادَّعَى الضَّامِنُ الصِّبَا أَوْ الْجُنُونَ وَقْتَ الضَّمَانِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ الصِّبَا وَعَهْدُ الْجُنُونُ، وَمِثْلُهُ السَّفِيهُ إنْ عُهِدَ لَهُ سَفَهٌ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الصِّبَا أَوْ الْجُنُونَ أَوْ السَّفَهَ بَعْدَ صُدُورِ الْبَيْعِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ فَاحْتِيطَ لَهُ، ز ي. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ) مَحِلُّهُ مَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ يُوسِرُ بَعْدُ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ صِحَّةُ ضَمَانِهِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِإِكْرَاهِ سَيِّدِهِ) أَيْ وَلَمْ يَرْضَ هُوَ بِهِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَالْإِكْرَاهُ أَبْلَغُ فِي الْإِذْنِ لِأَنَّ هَذَا مَحِلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ رَاضِيًا بِهِ اهـ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَلَوْ بِإِكْرَاهِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ لَا تَسْلِيطَ لَهُ عَلَى ذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّ ضَمَانُ رَقِيقٍ) مُكَاتَبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ أَيْ أَجْنَبِيًّا لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ سَيِّدِهِ لِأَجْنَبِيٍّ. وَلَمْ يُفَرِّعْهُ. لِأَنَّ الْعَبْدَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لَا يُقَالُ لَهُ أَهْلُ تَبَرُّعٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ ح ل مَعَ زِيَادَةٍ. وَقَالَ سُلْطَانٌ: أَيْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا سَلْطَنَةَ لَهُ عَلَى ذِمَّةِ عَبْدِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ السَّيِّدِ بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَكَذَلِكَ مَعْرِفَتُهُ الْمَضْمُونَ لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي. قَوْلُهُ: (لَا ضَمَانُهُ لِسَيِّدِهِ) أَيْ لِأَنَّ مَا يُؤَدِّي مِنْهُ مَالُ السَّيِّدِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ ضَمَانَ السَّيِّدِ مَالَ نَفْسِهِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَكُونَ لِلسَّيِّدِ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَضَمِنَهُ لَهُ عَبْدُهُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَا ضَمَانُهُ شَخْصًا لِسَيِّدِهِ، أَمَّا ضَمَانُ دَيْنٍ عَلَى سَيِّدِهِ لِأَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَيَصِحُّ. وَقَالَ الشَّارِحُ: لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَكَالرَّقِيقِ الْمُبَعَّضِ) أَيْ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ سَيِّدِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ عَيْنَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَصَحَّ ضَمَانُ رَقِيقٍ إلَخْ: فَإِنْ لَمْ يَفِ مَا عَيَّنَهُ لَهُ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ كَسْبِهِ وَمَا بِيَدِهِ اُتُّبِعَ الرَّقِيقُ بِالْبَاقِي بَعْدَ عِتْقِهِ لِأَنَّ التَّعْيِينَ قَصْرُ الطَّمَعِ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِكَسْبِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْإِذْنِ) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ وُجُودِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ هُنَا ثَابِتٌ وَقْتَ الْإِذْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ فَلَا يُؤَدِّي إلَّا مِمَّا يَكْسِبُهُ بَعْدَ النِّكَاحِ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَهْرِ وَالْمُؤَنِ وَقْتَ الْإِذْنِ. قَوْلُهُ: (وَمِمَّا بِيَدِ مَأْذُونٍ لَهُ) أَيْ رِبْحًا وَرَأْسَ مَالٍ. قَوْلُهُ: (ثَابِتًا) أَيْ مَوْجُودًا لِئَلَّا يَضِيعَ قَوْلُهُ بَعْدُ لَازِمَةً وَلَوْ بِاعْتِرَافِ الضَّامِنِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْمَضْمُونِ شَيْءٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُتَضَمِّنٌ لِاعْتِرَافِهِ بِوُجُودِ شَرَائِطِهِ، فَيَلْزَمُ الضَّامِنَ الْمَالُ الَّذِي ضَمِنَهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْمَضْمُونِ لِاعْتِرَافِ الضَّامِنِ بِهِ بِسَبَبِ ضَمَانِهِ، وَكَذَا قَبُولُهُ الْحَوَالَةَ مُتَضَمِّنٌ لِاعْتِرَافِهِ بِوُجُودِ شَرَائِطِهَا. قَوْلُهُ: (مَا بَعْدَ الْيَوْمِ) أَمَّا نَفَقَةُ الْيَوْمِ وَمَا قَبْلَهُ فَيَصِحُّ ضَمَانُهَا لِوُجُوبِهَا. قَوْلُهُ: (لِلزَّوْجَةِ) خَرَجَ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَلِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ سَبِيلَ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ سَبِيلُ الْبَرِّ أَيْ الْإِحْسَانِ، أَيْ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً أَيْضًا، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَسَبِيلُهَا الْوُجُوبُ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي مُقَابَلَةِ التَّمَتُّعِ، فَنَفَقَتُهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ س ل. قَوْلُهُ: (فِي الدُّيُونِ) لَا يَخْفَى أَنَّهَا هِيَ الْمَضْمُونُ الْمَذْكُورُ قَبْلَهَا، فَهُوَ مُكَرَّرٌ فَتَأَمَّلْهُ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: الْمُتَقَدِّمُ كَوْنُ الْمَضْمُونِ ثَابِتًا وَهَذَا كَوْنُهُ لَازِمًا وَلَا يُغْنِي أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الثُّبُوتِ الْوُجُودُ لِإِخْرَاجِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فِي الْغَدِ وَمَفْهُومُ اللُّزُومِ أَنْ لَا يَتَطَرَّقَ إلَيْهِ الْإِبْطَالُ لِإِخْرَاجِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ وَجَعْلِ الْجِعَالَةِ قَبْلَ الْعَمَلِ م د. قَوْلُهُ: (لَازِمَةً) وَلَوْ مَآلًا. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَقِرَّةُ إلَخْ) تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِقْرَارِ اللُّزُومُ فَلَا تَغْفُلْ ق ل. وَقِيلَ: الْمُرَادُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 فِي الذِّمَّةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَصِحُّ ضَمَانُهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِرَّةً، كَالْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى الِاسْتِقْرَارِ لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ إسْقَاطَهَا بِالْفَسْخِ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَثُّقِ عَلَيْهِ. وَيَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِهَا لِأَجْنَبِيٍّ لَا لِلسَّيِّدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا يَسْقُطُ أَيْضًا عَنْ الْمُكَاتَبِ بِعَجْزِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَيَصِحُّ بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ بِنَفْسِهِ، فَأُلْحِقَ بِاللَّازِمِ وَصِحَّةُ الضَّمَانِ فِي الدُّيُونِ مَشْرُوطَةٌ بِمَا (إذَا عَلِمَ) الضَّامِنُ (قَدْرَهَا) وَجِنْسَهَا وَصِفَتَهَا لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ لِآدَمِيٍّ بِعَقْدٍ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَأَحَدِ الدَّيْنَيْنِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ الْمَجْهُولِ جِنْسًا أَوْ قَدْرًا أَوْ صِفَةً بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الرِّضَا وَلَا يُعْقَلُ   [حاشية البجيرمي] بِالْمُسْتَقِرِّ الَّتِي أُمِنَ مِنْ سُقُوطِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمُؤَنُ) أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمُكَاتَبِ) أَيْ يَصِحُّ أَنْ يَضْمَنَ أَجْنَبِيٌّ مُكَاتَبًا فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ لِأَجْنَبِيٍّ لَا لِسَيِّدِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ نُجُومِ الْكِتَابَةِ إذَا كَانَ لِلسَّيِّدِ سَقَطَ أَيْضًا، أَيْ فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ ضَمَانُهَا لِلسَّيِّدِ. وَحِينَئِذٍ يُسْأَلُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ ضَمَانِهِ لَهُ فَلَا يَصِحُّ وَالْحَوَالَةِ مِنْ السَّيِّدِ بِهَا أَيْ بِدَيْنِ الْمُعَامَلَةِ غَيْرِ النُّجُومِ عَلَيْهِ أَوْ الْحَوَالَةِ مِنْهُ لِلسَّيِّدِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِمْ دُيُونُ مُعَامَلَةٍ حَيْثُ صَحَّ؟ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الضَّمَانَ لِلْأَمْنِ مِنْ سُقُوطِ الْمَالِ وَهَذَا مَأْمُونٌ بِالتَّعْجِيزِ لِرُجُوعِ مَالِ الْمُكَاتَبِ لِلسَّيِّدِ؟ وَأَمَّا الْحَوَالَةُ فَإِنَّهَا مِنْ السَّيِّدِ رِضًا بِوَفَاءِ دَيْنِهِ مِمَّا فِي. يَدِ عَبْدِهِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ. وَقَالَ م ر: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْحَوَالَةِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ كَمَا بَيَّنَّاهُ ثَمَّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَقَّ هُنَاكَ لِثَالِثٍ فَقَوِيَ وَأَفَادَ، وَهُنَا لِلسَّيِّدِ؛ لَكِنَّ هَذَا لَا يَجْرِي فِي حَوَالَةِ الْمُكَاتَبِ لِلسَّيِّدِ وَإِنَّمَا يَجْرِي فِي حَوَالَةِ السَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَائِزٌ اهـ. وَفَرَّقَ ابْنُ الْفَقِيهِ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ رُخْصَةٌ دُونَ الضَّمَانِ فَاغْتُفِرَ فِيهَا مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي لِتَمَلُّكِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ، ز ي. قَوْلُهُ: (إذَا عُلِمَ) هُوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، وَخَالَفَهُ الشَّارِحُ وَلَزِمَ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ الْإِعْرَابِ الظَّاهِرِ وَهُوَ مَعِيبٌ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: لَا مَانِعَ مِنْ قِرَاءَةِ الْمَتْنِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ لِلْعِلْمِ بِهِ، فَيَكُونُ مِنْ حَذْفِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ لِإِفَادَةِ أَنَّ عِلْمَهُ كَافٍ عَنْ عِلْمِ الْمَضْمُونِ لَهُ وَالْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ عُلِمَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ لِإِيهَامِهِ بِذَلِكَ الِاكْتِفَاءَ بِعِلْمِ غَيْرِ الضَّامِنِ كَالْمَضْمُونِ لَهُ أَوْ وَكِيلِهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ق ل فِي قَوْلَةٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ: أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِلدُّيُونِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالْإِبْرَاءُ إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ لِمُنَاسَبَةِ عَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِ الْمَجْهُولِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الدَّيْنِ) لَوْ سَكَتَ عَنْ الدَّيْنِ لِيَدْخُلَ نَحْوُ الْغِيبَةِ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْ اغْتَابَ إنْسَانًا وَطَلَبَ مِنْهُ الْإِبْرَاءَ فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ مَا اغْتَابَهُ بِهِ وَمَنْ حَضَرَهُ صَحَّتْ بَرَاءَتُهُ وَإِلَّا فَلَا ق ل. قَالَ أج: وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، قَالَ الْحَنَّاطِيُّ: وَلَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ كَذَا هَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي الْبَرَاءَةِ أَوْ كِنَايَةٌ فِيهِ؟ وَجْهَانِ اهـ دَمِيرِيٌّ عَلَى الْمِنْهَاجِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغِيبَةَ إذَا لَمْ تَصِلْ لِلْمُغْتَابِ تُكَفَّرُ بِالِاسْتِغْفَارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَصَلَتْ إلَيْهِ وَلَوْ بِقَوْلِهِ أَبْرِئْنِي لَا بُدَّ مِنْ الْإِبْرَاءِ، وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ إلَّا بِعِلْمِهِ بِهَا تَفْصِيلًا، وَلَا يَتَوَقَّفُ الْإِبْرَاءُ عَلَى لَفْظِ الْإِبْرَاءِ بَلْ يَكْفِي: سَامَحَك اللَّهُ، أَوْ. أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَك مِنْ الْعُثُورِ وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الْغِيبَةِ. وَإِذَا أَبْرَأَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُعَاقَبْ الْمُبَرَّأُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ، فَإِنْ لَمْ يُبْرِئْهُ فِي الدُّنْيَا. فَإِنْ أَبْرَأَهُ فِي الْآخِرَةِ كَفَى بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقَعْ إبْرَاءٌ أَصْلًا. وَلَوْ أَبْرَأَ ثُمَّ ادَّعَى الْجَهْلَ قُبِلَ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا؛ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهُ إنْ بَاشَرَ سَبَبَ الدَّيْنِ لَمْ يُقْبَلْ وَإِلَّا كَدَيْنٍ وَرِثَهُ قَبْلُ. وَفِي الْجَوَاهِرِ نَحْوُهُ، وَفِيهَا عَنْ الزَّبِيلِيَّ تَصْدِيقُ الصَّغِيرَةِ الْمُزَوَّجَةِ إجْبَارًا بِيَمِينِهَا فِي جَهْلِهَا بِمَهْرِهَا؛ قَالَ الْغَزِّيُّ: وَكَذَا الْكَبِيرَةُ الْمُجْبَرَةُ إنْ دَلَّ الْحَالُ عَلَى جَهْلِهَا. وَيَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ فَيَمْلِكُ الدَّائِنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] الْعِوَضَ الْمَبْذُولَ لَهُ بِالْإِبْرَاءِ وَيَبْرَأُ الْمَدِينُ، وَطَرِيقُ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ قَدْرٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْقُصُ عَنْ دَيْنِهِ كَأَلْفٍ شَكَّ هَلْ يَبْلُغُهَا أَوْ يَنْقُصُ عَنْهَا وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ مُعَيَّنٍ مُعْتَقِدًا عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ فَتَبَيَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ بَرِئَ اهـ شَرْحُ م ر. وَكَتَبَ عَلَيْهِ ع ش: قَوْلُهُ: " وَيَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ " أَيْ كَأَنْ يُعْطِيَهُ " ثَوْبًا مَثَلًا فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، أَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ بَعْضَ الدَّيْنِ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْبَاقِي فَلَيْسَ مِنْ التَّعْوِيضِ فِي شَيْءٍ بَلْ مَا قَبَضَهُ بَعْضُ حَقِّهِ وَالْبَاقِي مَا عَدَاهُ اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ فَيَمْلِكُ الدَّائِنُ عِبَارَةُ الشَّارِحِ قُبَيْلَ فَصْلِ الطَّرِيقِ النَّافِذِ نَصُّهَا وَإِنْكَارُ حَقِّ الْغَيْرِ حَرَامٌ، فَلَوْ بَذَلَ لِلْمُنْكِرِ مَالًا لِيُقِرَّ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ بَلْ يَحْرُمُ بَذْلُهُ وَأَخْذُهُ لِذَلِكَ وَلَا يَكُونُ بِهِ مُقِرًّا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِشَرْطٍ. قَالَ فِي الْخَادِمِ: يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَعْتَقِدَ فَسَادَ الصُّلْحِ فَيَصِحَّ أَوْ يَجْهَلَهُ، فَلَا كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ عَلَى الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُصَوَّرَ مَا هُنَا بِمَا لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ بِالْمُوَاطَأَةِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ دَفَعَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا، كَانَ كَمَا لَوْ قَالَ: صَالَحْتُك عَلَى أَنْ تُقِرَّ لِي عَلَى أَنَّ لَك عَلَيَّ كَذَا؛ فَكَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ بِالْبُطْلَانِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الشَّرْطِ يُقَالُ هُنَا كَذَلِكَ لِاشْتِمَالِ الْبَرَاءَةِ عَلَى الشَّرْطِ. وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَالِاسْتِغْفَارُ أَيْ لِلْمُغْتَابِ حَجّ: كَأَنْ يَقُولَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِفُلَانٍ، أَوْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِي غِيبَةِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَأَمَّا غِيبَةُ الصَّبِيِّ فَهَلْ يُقَالُ فِيهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ التَّفْصِيلِ؟ وَهُوَ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بُلُوغِهِ وَذِكْرِهَا لَهُ وَذَكَرَ مَنْ ذَكَرْت مَنْ عِنْدَهُ أَيْضًا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ بَرَاءَتَهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، أَوْ يَكْفِي مُجَرَّدُ الِاسْتِغْفَارِ حَالًا مُطْلَقًا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِحْلَالِ مِنْهُ الْآنَ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ. وَقَالَ سم عَلَى حَجّ: أَطْلَقَ السُّيُوطِيّ فِيمَنْ خَانَ رَجُلًا فِي أَهْلِهِ بِزِنًا أَوْ غَيْرِهِ لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْهُ إلَّا بِالشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ، وَمِنْهَا اسْتِحْلَالُهُ بَعْدَ أَنْ يُعَرِّفَهُ بِعَيْنِهِ. ثُمَّ لَهُ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِأَنْ أَكْرَهَهَا فَهَذَا كَمَا وَصَفْنَا، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِأَنْ تَكُونَ مُطَاوِعَةً فَهَذَا قَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي إزَالَةِ ضَرَرِهِ فِي الْآخِرَةِ بِضَرَرِ الْمَرْأَةِ فِي الدُّنْيَا وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَسُوغَ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إخْبَارُهُ بِهِ وَإِنْ أَدَّى إلَى بَقَاءِ ضَرَرِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا وَنَحْكُمُ بِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ إذَا عَلِمَ اللَّهُ حُسْنَ النِّيَّةِ، وَيَحْتَمِل أَنْ يُكَلَّفَ الْإِخْبَارَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَكِنْ يَذْكُرُ مَعَهُ مَا يَنْفِي الضَّرَرَ عَنْهَا بِأَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا؛ وَيَجُوزُ الْكَذِبُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَهَذَا فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ لَكِنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي وَلَوْ خَافَ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عُذْرًا لِأَنَّ التَّخَلُّصَ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ بِضَرَرِ الدُّنْيَا مَطْلُوبٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُعْذَرُ بِذَلِكَ وَيُرْجَى مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرْضَى عَنْهُ خَصْمُهُ إذَا عَلِمَ مِنْهُ حُسْنَ نِيَّتِهِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الْحَقِّ فِي الْغِيبَةِ وَالزِّنَا وَنَحْوِهِمَا أَنْ يَعْفُوَ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ، فَلَهُ بَذْلُهُ سَبَبًا فِي خَلَاصِ ذِمَّتِهِ. ثُمَّ رَأَيْت الْغَزَالِيَّ قَالَ فِيمَنْ خَانَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ نَحْوِهِ: لَا وَجْهَ لِلِاسْتِحْلَالِ وَالْإِظْهَارِ، فَإِنَّهُ يُولِدُ فِتْنَةً وَغَيْظًا، بَلْ تَفْزَعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِتُرْضِيَهُ عَنْك اهـ: أَقُولُ: الْأَقْرَبُ مَا اقْتَضَاهُ. كَلَامُ الْغَزَالِيِّ، حَتَّى لَوْ أَكْرَهَ الْمَرْأَةَ عَلَى الزِّنَا لَا يَسُوغُ لَهُ ذِكْرُ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ عِرْضِهَا وَيَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِغَاثَةُ وَلَوْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، وَحِينَئِذٍ تَمُوتُ شَهِيدَةً وَيَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ بِكْرًا وَثَيِّبًا وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا وَلَا إثْمَ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْمُكْرَهَةُ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ وَلَا إثْمَ عَلَيْهَا، وَعِنْدَهُ يُحَدُّ الذَّكَرُ دُونَ الْأُنْثَى؛ وَالْفَرْقُ أَنَّ الذَّكَرَ لَهُ قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ بِانْتِشَارِ الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ اغْتَابَ ذِمِّيًّا فَهَلْ يَسُوغُ لَهُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِيَتَخَلَّصَ هُوَ مِنْ إثْمِ الْغِيبَةِ أَوْ لَا وَيَكْتَفِي بِالنَّدَمِ لِامْتِنَاعِ الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ؛ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ بِمَغْفِرَةِ غَيْرِ الشِّرْكِ أَوْ كَثْرَةِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ مَعَ النَّدَمِ؛ وَأَمَّا دُعَاءُ الْخَلِيلِ لِأَبِيهِ: {لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} [الممتحنة: 4] فَكَانَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ الدُّعَاءِ بِدَلِيلِ: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ} [التوبة: 114] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 مَعَ الْجَهَالَةِ، وَلَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْأَعْيَانِ. وَيَصِحُّ ضَمَانُ رَدِّ كُلِّ عَيْنٍ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ كَمَغْصُوبَةٍ وَمُسْتَعَارَةٍ، كَمَا يَصِحُّ بِالْبَدَنِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْمَالُ، وَيَبْرَأُ الضَّامِنُ بِرَدِّهَا لِلْمَضْمُونِ لَهُ وَيَبْرَأُ أَيْضًا بِتَلَفِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِبَدَنِهِ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الدَّيْنُ. وَلَوْ قَالَ: ضَمِنْت مِمَّا لَك عَلَى زَيْدٍ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرَةٍ صَحَّ وَكَانَ ضَامِنًا تِسْعَةً إدْخَالًا لِلطَّرَفِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الِالْتِزَامِ، وَقِيلَ عَشْرَةٌ إدْخَالًا لِلطَّرَفَيْنِ فِي الِالْتِزَامِ. فَإِنْ قِيلَ: رَجَّحَ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وُقُوعَ الثَّلَاثِ، وَقِيَاسُهُ تَعَيُّنُ الْعَشَرَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ فِي عَدَدٍ فَالظَّاهِرُ اسْتِيفَاؤُهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ. وَلَوْ ضَمِنَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشْرَةٍ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ. وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ لِلضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ الْآتِيَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ كَضَمِنْتُ دَيْنَك الَّذِي عَلَى فُلَانٍ، أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ وَلَا يَصِحَّانِ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ أَصِيلٍ لِمُخَالَفَتِهِ مُقْتَضَاهُمَا، وَلَا بِتَعْلِيقٍ وَلَا بِتَوْقِيتٍ. وَلَوْ كَفَلَ بَدَنَ غَيْرِهِ وَأَجَّلَ إحْضَارَهُ   [حاشية البجيرمي] إلَخْ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ أَتَى بَهِيمَةَ غَيْرِهِ. فَهَلْ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إظْهَارٌ لِقُبْحِ مَا صَنَعَهُ أَوْ لَا وَيَكْفِي النَّدَمُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الثَّانِي، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ أَتَى أَهْلَ غَيْرِهِ حَيْثُ امْتَنَعَ الْإِخْبَارُ بِمَا وَقَعَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضْرَارًا بِالْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ وَلِأَهْلِهَا فَامْتَنَعَ لِذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ الْبَهِيمَةُ اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ " وَتَعْيِينُ حَاضِرِيهَا ": هَذَا مِمَّا لَا مَحِيصَ عَنْهُ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ بَلَغَتْهُ وَقَبْلَ الْإِبْرَاءِ لَمْ يَصِحَّ إبْرَاءُ وَارِثِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْمَالِ: م ر سم عَلَى حَجّ. قَوْلُهُ: (الْمَجْهُولُ) أَيْ الَّذِي، لَا تُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ، بِخِلَافِ مَا تُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ كَإِبْرَائِهِ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ تَرِكَةِ مُورَثِهِ التَّالِفَةِ حَتَّى يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ وَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ حِصَّتِهِ لَكِنَّهُ يَعْلَمُ قَدْرَ التَّرِكَةِ ح ل، فَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِالتَّرِكَةِ كَمَا فِي م ر وَلَوْ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ. قَوْلُهُ: (بَاطِلٌ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ الْمُبَرِّئِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْمَدِينُ فَإِنْ كَانَ الْإِبْرَاءُ فِي مُعَاوَضَةٍ كَالْخُلْعِ بِأَنْ أَبْرَأَتْهُ مِمَّا عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ أَيْضًا حَتَّى يَصِحَّ، وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي. وَمَحِلُّ الْبُطْلَانِ فِي الدُّنْيَا، أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا مُطَالَبَةَ بِهِ لِرِضَا صَاحِبِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُعْقَلُ) أَيْ الرِّضَا. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ ضَمَانُ رَدِّ كُلِّ عَيْنٍ إلَخْ) فَالدُّيُونُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ، وَقَوْلُهُ: " مِمَّنْ هِيَ " مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " رَدُّ " وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَتِمَّ الْكَلَامُ عَلَى ضَمَانِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (كُلُّ عَيْنٍ) أَيْ بِشَرْطِ إذْنِ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ عَلَى انْتِزَاعِهَا مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا لِنَحْوِ تَلَفٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَيَصِحُّ ضَمَانُ رَدِّ الْأَعْيَانِ إنْ قَدَرَ الضَّامِنُ عَلَى الِانْتِزَاعِ أَوْ أَذِنَ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ. فَضَمَانُ رَدِّ الْأَعْيَانِ مَشْرُوطٌ بِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً، وَالثَّانِي: أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ وَاضِعُ الْيَدِ أَوْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الِانْتِزَاعِ؛ فَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الِانْتِزَاعِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ؛ وَفِي صُورَةِ الصِّحَّةِ يُطَالَبُ بِرَدِّ الْعَيْنِ فَإِنْ تَلِفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ تَكَفَّلَ بِبَدَنِ شَخْصٍ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ حُضُورُهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمَالَ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُغَرِّمَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (مَضْمُونَةٍ) بِالْجَرِّ نَعْتُ عَيْنٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا) أَيْ فِي ضَمَانِ رَدِّ الْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي قَالَهُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْعِلْمِ فِي الْمَتْنِ. وَقَوْلُهُ: (وَشَرْطٌ فِي الصِّيغَةِ) كَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَيَصِحُّ ضَمَانُ رَدِّ كُلِّ عَيْنٍ. قَوْلُهُ: (لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ إلَخْ) وَسَيَأْتِي فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ أَنَّهُ يُحِيلُ عَلَى مَا هُنَا وَيَقُولُ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ؛ وَيُرِيدُ بِذَلِكَ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ وَنَحْوَ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَمُرَّ هُنَا ذَلِكَ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُرِيدُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا فِي كَلَامِهِ هَذَا، وَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَذْكُرَ هُنَا الَّذِي يُحِيلُ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَوْ يَسْكُتَ هُنَاكَ عَنْ الْحَوَالَةِ لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْ الْحَوَالَةِ أَنَّهُ مَرَّ فِي كَلَامِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: خَرَجَ مَا لَا يُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ نَحْوُ دَيْنُ فُلَانٍ إلَيَّ أَوْ أُؤَدِّي الْمَالَ أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ إذَا خَلَا عَنْ النِّيَّةِ فَلَيْسَ بِضَمَانٍ بَلْ وَعْدٌ أَيْ فَيَكُونُ كِنَايَةً. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ بَرَاءَةِ أَصِيلٍ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمَضْمُونِ عَنْهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى أَصِيلًا، وَأَمَّا الْمَكْفُولُ فَلَا يُسَمَّى أَصِيلًا. قَالَ ع ش: هَذَا ظَاهِرٌ فِي الضَّمَانِ، وَمَعْنَاهُ فِي الْكَفَالَةِ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ بِأَنْ يَقُولَ: تَكَفَّلْت بِإِحْضَارِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 لَهُ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ صَحَّ لِلْحَاجَةِ كَضَمَانِ حَالٍ مُؤَجَّلًا بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ. وَيَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُؤَجَّلِ حَالًا، وَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ تَعْجِيلُ الْمَضْمُونِ وَإِنْ الْتَزَمَهُ حَالًا كَمَا الْتَزَمَهُ الْأَصِيلُ. (وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ) وَلَوْ وَارِثًا (مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْ الضَّامِنِ) وَلَوْ مُتَبَرِّعًا (وَالْمَضْمُونُ عَنْهُ) بِأَنْ يُطَالِبَهُمَا جَمِيعًا أَوْ يُطَالِبَ أَيَّهمَا شَاءَ بِالْجَمِيعِ، أَوْ يُطَالِبَ أَحَدَهُمَا بِبَعْضِهِ وَالْآخَرَ بِبَاقِيهِ أَمَّا الضَّامِنُ فَلِخَبَرِ: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَأَمَّا الْأَصِيلُ فَلِأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ عَلَيْهِ. وَلَوْ بَرِئَ الْأَصِيلُ مِنْ الدَّيْنِ بَرِئَ الضَّامِنُ مِنْهُ، وَلَا عَكْسَ فِي إبْرَاءٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرِئَ بِغَيْرِ إبْرَاءٍ كَأَدَاءٍ. وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ حَلَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ خَرِبَتْ بِخِلَافِ الْحَيِّ فَلَا يَحِلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَرْتَفِقُ بِالْأَجَلِ. وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ فِي الْمُطَالَبَةِ (إذَا كَانَ الضَّمَانُ) صَحِيحًا (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الدِّينِ لَازِمًا مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ   [حاشية البجيرمي] مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَكَفَّلَ بِهِ قَبْلُ بَرِئَ بِأَنْ تَكَفَّلَ بِهِ إنْسَانٌ قَبْلُ اهـ. وَفِي كَوْنِ هَذَا يُسَمَّى أَصِيلًا نَظَرٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَصِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي. قَوْلُهُ: (لِمُخَالَفَتِهِ مُقْتَضَاهُمَا) يُؤْخَذُ مِنْهُ الْبُطْلَانُ أَيْضًا بِشَرْطِ عَدَمِ مُطَالَبَتِهِ، سم. قَوْلُهُ: (وَلَا بِتَعْلِيقٍ) نَحْوُ إذَا جَاءَ الْغَدُ فَقَدْ ضَمِنْت مَا عَلَى فُلَانٍ أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ وَأَعَادَ الْبَاءَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ عَطَفَ عَلَى بَرَاءَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِتَوْقِيتٍ) نَحْوُ: أَنَا ضَامِنٌ مَا عَلَى فُلَانٍ أَوْ كَفِيلٌ بِبَدَنِهِ إلَى شَهْرٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَأَجَلُ إحْضَارِهِ لَهُ بِأَجَلٍ) نَحْوُ: أَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ أُحْضِرُهُ بَعْدَ شَهْرٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ تَعْجِيلٌ) لِأَنَّ الْأَجَلَ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا لِلْأَصِيلِ، وَعَلَيْهِ إذَا مَاتَ الْأَصِيلُ حَلَّ عَلَيْهِمَا أَوْ مَاتَ الضَّامِنُ حَلَّ عَلَيْهِ، اهـ م ر أج. قَوْلُهُ: (وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ إلَخْ) هَذَا ثَمَرَةُ الضَّمَانِ وَفَائِدَتُهُ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الذِّمَّتَيْنِ إنَّمَا اُشْتُغِلَتَا بِدَيْنٍ وَاحِدٍ كَالرَّهْنَيْنِ بِدَيْنٍ فَهُوَ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْكُلِّ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، فَالتَّعَدُّدُ فِيهِ لَيْسَ فِي ذَاتِهِ بَلْ بِحَسَبِ ذَاتَيْهِمَا، وَمِنْ ثَمَّ حَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَتَأَجَّلَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا فَقَطْ. وَلَوْ أَفْلَسَ الْأَصِيلُ وَطَلَبَ الضَّامِنُ بَيْعَ مَالِهِ أَوَّلًا أُجِيبَ إنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ اهـ حَجّ ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُتَبَرِّعًا) أَيْ بِالضَّمَانِ بِأَنْ ضَمِنَ بِلَا إذْنٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَرِئَ الْأَصِيلُ) أَيْ بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ أَوْ حَوَالَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا عَكْسَ فِي إبْرَاءٍ) أَيْ لَوْ بَرِئَ الضَّامِنُ بِإِبْرَاءٍ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْوَثِيقَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ كَفَكِّ الرَّهْنِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. فَيَكُونُ مَحِلُّ ذَلِكَ إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ الضَّمَانِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ، فَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك مِنْ الدَّيْنِ بَرِئَا لِاتِّحَادِهِ. وَفِيمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ نَظَرٌ لِأَنَّ صُورَةَ كَلَامِ الشَّارِحِ فِيمَا إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ. الدَّيْنِ لِأَنَّهُ الَّذِي قُيِّدَ بِهِ فِي جَانِبِ الْأَصِيلِ، وَجُعِلَ إبْرَاءُ الضَّامِنِ عَكْسًا لَهُ، فَالْعَكْسُ لَا يَأْتِي، لَا فِي الْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَشَمِلَ كَلَامُهُ، أَيْ قَوْلُهُ: " وَلَا عَكْسَ فِي إبْرَاءِ " مَا لَوْ أَبْرَأَ الضَّامِنُ مِنْ الدَّيْنِ، فَلَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ إلَّا إنْ قَصَدَ إسْقَاطَهُ عَنْ الْمَضْمُونِ اهـ. فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِلضَّامِنِ: أَبْرَأْتُك مِنْ الضَّمَانِ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: أَبْرَأْتُك مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إسْقَاطَهُ عَنْ الْمَضْمُونِ لَمْ يَبْرَأْ أَيْضًا وَإِلَّا بَرِئَ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرِئَ) أَيْ الضَّامِنُ بِغَيْرِ إبْرَاءٍ، أَيْ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ الْأَصِيلُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) وَمِثْلُهُ اسْتِرْقَاقُ الْحَرْبِيِّ وَالرِّدَّةُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْمَوْتِ، ز ي. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذِمَّتَهُ خَرِبَتْ) الْمُرَادُ بِالذِّمَّةِ الْعُهْدَةُ وَالِالْتِزَامُ، وَقَوْلُهُ: " خَرِبَتْ " أَيْ خَرِبَ مَحِلُّهَا اهـ عَزِيزِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْحَيِّ) مَا لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا لِلْمَيِّتِ، قَالَهُ ق ل. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْأَصِيلُ حَلَّ عَلَى الضَّامِنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ حَالًا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي. وَعَلَيْهِ إذَا مَاتَ الْأَصِيلُ حَلَّ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ مَاتَ الضَّامِنُ حَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا م ر ز ي. وَقَوْلُهُ: " حَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا " أَيْ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّهِ يَكُونُ تَبَعًا كَمَا عُرِفَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يُرْتَفَقُ) أَيْ يُنْتَفَعُ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ الضَّمَانُ إلَخْ) هَذَا مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ ضَامِنٌ إلَّا إذَا كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 وَالصِّفَةِ وَشَرَطَ فِي الْمَضْمُونِ لَهُ. هُوَ الدَّائِنُ مَعْرِفَةَ الضَّامِنِ عَيْنِهِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ تَشْدِيدًا وَتَسْهِيلًا، وَمَعْرِفَةُ وَكِيلِهِ كَمَعْرِفَتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِخِلَافِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الشَّخْصَ لَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ لِأَنَّ الضَّمَانَ مَحْضُ الْتِزَامٍ لَمْ يُوضَعْ عَلَى قَوَاعِدِ الْمُعَاقَدَاتِ وَلَا رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَهُوَ الْمَدِينُ، وَلَا مَعْرِفَتُهُ لِجَوَازِ التَّبَرُّعِ بِأَدَاءِ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَمَعْرِفَتِهِ. (وَإِذَا غَرِمَ الضَّامِنُ) الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ (رَجَعَ) بِمَا غَرِمَهُ (عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ إذَا كَانَ الضَّمَانُ وَالْقَضَاءُ) لِلدَّيْنِ (بِإِذْنِهِ) أَيْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ لَهُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ صَرَفَ مَالَهُ إلَى مَنْفَعَةِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ، هَذَا إذَا أَدَّى مِنْ مَالِهِ. أَمَّا لَوْ أَخَذَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ فَأَدَّى بِهِ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَإِنْ انْتَفَى إذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِتَبَرُّعِهِ، فَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ وَسَكَتَ عَنْ الْأَدَاءِ رَجَعَ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي سَبَبِ الْأَدَاءِ، وَلَا يَرْجِعُ إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ وَأَدَّى بِالْإِذْنِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَلَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ. نَعَمْ لَوْ أَدَّى بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ كَغَيْرِ الضَّامِنِ، وَحَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرْضِ حَتَّى يَرْجِعَ فِي الْمُتَقَوِّمِ بِمِثْلِهِ صُورَةً كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَمَنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِإِذْنٍ وَلَا ضَمَانَ رَجَعَ وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ الرُّجُوعَ لِلْعُرْفِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّاهُ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ مُؤَدٍّ وَلَوْ ضَامِنًا إذَا أَشْهَدَ بِذَلِكَ وَلَوْ رَجُلًا لِيَحْلِفَ   [حاشية البجيرمي] مُسْتَوْفِيًا لِلشُّرُوطِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ. قَوْلُهُ: (وَشَرْطٌ فِي الْمَضْمُونِ لَهُ) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهَا عَلَى الْمَتْنِ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الْأَرْكَانِ. قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ الضَّامِنِ إلَخْ) وَكَذَا مَعْرِفَةُ السَّيِّدِ إنْ كَانَ الضَّامِنُ عَبْدَهُ بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ الْمَضْمُونَ لَهُ يُطَالِبُ كُلًّا مِنْ الْعَبْدِ وَالسَّيِّدِ الْآذِنِ اهـ حَجّ. وَإِنَّمَا كَفَتْ مَعْرِفَةُ عَيْنِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عِنْوَانُ الْبَاطِنِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَمَعْرِفَةُ وَكِيلِهِ) أَيْ وَكِيلِهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْغَالِبَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ كَمَعْرِفَتِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُوضَعْ عَلَى قَوَاعِدِ الْمُعَاقَدَاتِ) وَجْهُ ذَلِكَ كَوْنُهُ لَا مُقَابِلَ لَهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْجِعَالَةِ وَالْهِبَةِ الَّتِي بِثَوَابٍ وَمَا شَاكَلَهَا مِمَّا لَهُ مُقَابِلٌ. قَوْلُهُ: (رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ ضَمِنَ بِالْإِذْنِ رَجَعَ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءً أَدَّى بِالْإِذْنِ أَمْ لَا. وَإِنْ ضَمِنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ فَلَا رُجُوعَ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءً أَدَّى بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَيْضًا أَوْ بِالْإِذْنِ إنْ لَمْ يَشْرُطْ الرُّجُوعَ فِي الْأَخِيرَةِ، أَعْنِي فِيمَا إذَا أَدَّى بِالْإِذْنِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِالْأَدَاءِ ثُمَّ ضَمِنَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ ثُمَّ أَدَّى، فَقَالَ الطَّبَلَاوِيُّ: لَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَقَعُ عَنْ جِهَةِ الضَّمَانِ بِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِهِ وَهُوَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ، وَقَالَ ابْنُ الرَّمْلِيِّ: إنْ أَدَّى عَنْ جِهَةِ الْإِذْنِ السَّابِقِ رَجَعَ أَوْ عَنْ الضَّمَانِ فَلَا، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ؛ وَقَرَّرَ فِي الْعَكْسِ كَذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ضَمِنَ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ أَدَّى بِإِذْنٍ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ إنْ أَدَّى عَنْ جِهَةِ الْإِذْنِ وَإِلَّا فَلَا، فَرَاجِعْهُ سم، وَسَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَرْبَعُ صُوَرٍ: الْأُولَى: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الضَّمَانِ وَفِي الْقَضَاءِ، الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْتَفِيَ الْأَمْرَانِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ فَقَطْ؛ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ يَرْجِعُ وَفِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ لَا يَرْجِعُ. قَوْلُهُ: (وَالْقَضَاءُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (لَهُ) أَيْ لِلضَّامِنِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِإِذْنِهِ. قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) أَيْ الضَّمَانِ وَالْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا لَوْ أَخَذَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ) وَمَحِلُّ جَوَازِ أَخْذِهِ إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ أَدَّى) أَيْ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ. قَوْلُهُ: (كَغَيْرِ الضَّامِنِ) التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَمَانٌ وَأَدَّى بِالْإِذْنِ يَرْجِعُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ وَأَدَّى بِالْإِذْنِ إنْ شَرَطَ الرُّجُوعَ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَحَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ) بِأَنْ أَذِنَ لَهُ فِي الضَّمَانِ أَوْ فِي الْأَدَاءِ وَأَدَّى بِشَرْطِ الرُّجُوعِ. قَوْلُهُ: (وَلَا ضَمَانَ) أَيْ مَوْجُودٌ، وَتَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْجَرِّ أَيْ وَبِلَا ضَمَانٍ ع ش. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ الرُّجُوعَ) لَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُ سَابِقًا، نَعَمْ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ لِأَنَّهُ هُنَاكَ ضَامِنٌ بِلَا إذْنٍ، فَلَمَّا وُجِدَ هُنَاكَ سَبَبُ الْأَدَاءِ غَيْرَ الْإِذْنِ فِيهِ وَهُوَ كَوْنُ الْأَدَاءِ عَنْ جِهَةِ الضَّمَانِ الَّذِي بِلَا إذْنٍ اُعْتُبِرَ شَرْطُ الرُّجُوعِ وَمِنْ ثَمَّ اُشْتُرِطَ فِي رُجُوعِهِ أَيْضًا الْأَدَاءُ عَنْ جِهَةِ الْإِذْنِ لَا عَنْ الضَّمَانِ، قَوْلُهُ: (إذَا أَشْهَدَ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْأَدَاءِ. قَوْلُهُ: (لِيَحْلِفَ مَعَهُ) عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ لَا بَاعِثَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 مَعَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ، أَوْ أَدَّى بِحَضْرَةِ مَدِينٍ وَلَوْ مَعَ تَكْذِيبِ الدَّائِنِ أَوْ غِيبَتِهِ لَكِنْ صَدَّقَهُ الدَّائِنُ لِسُقُوطِ الطَّلَبِ بِإِقْرَارِهِ. (وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ) الدَّيْنِ (الْمَجْهُولِ) قَدْرُهُ أَوْ قِيمَتُهُ أَوْ صِفَتُهُ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِنَقْدٍ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ إلَّا فِي إبِلِ دِيَةٍ فَيَصِحُّ ضَمَانُهَا مَعَ الْجَهْلِ بِصِفَتِهَا لِأَنَّهَا مَعْلُومَةُ السِّنِّ وَالْعَدَدِ وَلِأَنَّهُ قَدْ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي إثْبَاتِهَا فِي ذِمَّةِ الْجَانِي فَيُغْتَفَرُ فِي الضَّمَانِ وَيُرْجَعُ فِي صِفَتِهَا إلَى غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ. (وَ) لَا يَصِحُّ ضَمَانُ (مَا لَمْ يَجِبْ) كَضَمَانِ مَا سَيُقْرِضُهُ زَيْدٌ، وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَتَسْلِيمِ ثَوْبٍ رَهَنَهُ شَخْصٌ وَلَمْ يَتَسَلَّمْهُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ (إلَّا) ضَمَانَ (دَرْكِ الْمَبِيعِ) أَوْ الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِ مَا يُضْمَنُ كَأَنْ يَضْمَنَ لِمُشْتَرٍ الثَّمَنَ أَوْ لِبَائِعٍ الْمَبِيعَ. إنْ خَرَجَ مُقَابِلُهُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا وَرُدَّ أَوْ نَاقِصًا، لِنَقْصِ صِفَةٍ شُرِطَتْ أَوْ صَنْجَةٍ وَرُدَّ وَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَمَا وُجِّهَ بِهِ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهِ مِنْ أَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنْ خَرَجَ الْمُقَابِلُ كَمَا ذَكَرَ تَبَيَّنَ وُجُوبُ رَدِّ الْمَضْمُونِ، وَلَا يَصِحُّ قَبْلَ قَبْضِ الْمَضْمُونِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي.   [حاشية البجيرمي] عَلَى الْإِشْهَادِ، فَلَا يُشْتَرَطُ عَزْمُهُ عَلَى الْحَلِفِ حِينَ الْإِشْهَادِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ) عِبَارَةُ م ر: لِأَنَّهُ كَافٍ فِي إثْبَاتِ الْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ حَاكِمُ الْبَلَدِ حَنَفِيًّا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، نَعَمْ لَوْ كَانَ كُلُّ الْإِقْلِيمِ كَذَلِكَ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِهِ اهـ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَكْفِي عِنْدَهُمْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي غَيْبَتِهِ) أَيْ الْمَدِينِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الدَّيْنِ إلَخْ) هَذَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (قَدْ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ) أَيْ الْجَهْلُ. قَوْلُهُ: (وَتَسْلِيمِ ثَوْبٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مَا سَيُقْرِضُهُ زَيْدٌ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَسَلَّمْهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ تَسْلِيمِ الْمَرْهُونِ لِلْمُرْتَهِنِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ. قَوْلُهُ: (إلَّا دَرَكِ الْمَبِيعِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا، وَهُوَ بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ " مَا " أَوْ بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ. وَأَصْلُ الدَّرَكِ التَّبَعَةُ أَيْ الْمُطَالَبَةُ وَالْمُؤَاخَذَةُ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِالْتِزَامِهِ الْغَرَامَةَ عِنْدَ إدْرَاكِ الْمُسْتَحِقِّ لِعَيْنِ مَالِهِ اهـ حَجّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ الثَّمَنُ أَوْ الْمَبِيعُ لَا نَفْسُ التَّبَعَةِ، فَالدَّرَكُ هُنَا إمَّا بِمَعْنَى الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذَا دَرَكٍ، وَهُوَ الْحَقُّ الْوَاجِبُ لِلْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ عِنْدَ إدْرَاكِ الْمَبِيعِ، أَوْ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا وَهُوَ الثَّمَنُ أَوْ الْمَبِيعُ. وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِالدَّرَكِ كَوْنُهُ مَضْمُونًا بِتَقْدِيرِ الدَّرَكِ، أَيْ إدْرَاكُ الْمُسْتَحِقِّ عَيْنَ مَالِهِ وَمُطَالَبَتُهُ بِهِ؛ سم عَلَى الْمَتْنِ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (بَعْدَ قَبْضِ مَا يُضْمَنُ) أَيْ مَا يُرَادُ تَضْمِينُهُ، وَهُوَ الْمَبِيعُ لِلْبَائِعِ أَوْ الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: (مُسْتَحَقًّا إلَخْ) ثُمَّ إنْ عَيَّنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى خُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا. وَكَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ أَنَّ الضَّامِنَ إذَا ضَمِنَ الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ ثُمَّ خَرَجَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا يُطَالَبُ بِرَدِّ الْبَقَرَةِ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَسَهُلَ رَدُّهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ ضَمِنَ قِيمَتَهَا لِلْحَيْلُولَةِ، فَإِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ ضَمِنَ الضَّامِنُ بَدَلَهُ مِنْ مِثْلٍ فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ لِلْفَيْصُولَةِ، وَفِي الرُّجُوعِ عَلَى الْمُشْتَرِي التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ. وَكَذَا يُقَالُ فِي ضَمَانِ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا الضَّمَانُ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ ضَمَانِ الْأَعْيَانِ الَّذِي تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (أَوْ صَنْجَةٍ) أَيْ وَزْنٍ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي نَقْصِ صَنْجَةِ الثَّمَنِ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ فَإِذَا حَلَفَ طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ بِالنَّقْصِ وَلَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، إلَّا إذَا اعْتَرَفَ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالضَّامِنُ صُدِّقَ الضَّامِنُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ ذِمَّتَهُ كَانَتْ مَشْغُولَةً؛ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ سم. قَوْلُهُ: (وَمَا وُجِّهَ بِهِ إلَخْ) حَاصِلُ الْجَوَابِ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: تَسْلِيمُ الِاعْتِرَاضِ وَأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى، وَالثَّانِي: جَوَابٌ بِالْمَنْعِ وَأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ مَا وَجَبَ وَثَبَتَ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ آخِرِ الْأَمْرِ عِنْدَ خُرُوجِ مُقَابِلِ الْمَضْمُونِ مُسْتَحَقًّا؛ فَالِاعْتِرَاضُ نَاظِرٌ لِلِابْتِدَاءِ، وَالظَّاهِرُ وَالْجَوَابُ نَاظِرٌ لِلِانْتِهَاءِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ. قَوْلُهُ: (أُجِيبَ) لَا حَاجَةَ لِلْجَوَابِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَا يُرَدُّ نَقْضًا، سم وَقِ ل. وَقَالَ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ: قَوْلُهُ: " أُجِيبَ عَنْهُ " هَذَا الْجَوَابُ لَا يَأْتِي فِي غَيْرِ الْخُرُوجِ مُسْتَحَقًّا إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ قَبْضِ الْمَضْمُونِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: بَعْدَ قَبْضِ مَا يُضْمَنُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 تَتِمَّةٌ: لَوْ صَالَحَ الضَّامِنُ عَنْ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ بِمَا دُونَهُ كَأَنْ صَالَحَ عَنْ مِائَةٍ بِبَعْضِهَا أَوْ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَهَا لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِمَا غَرِمَ لِأَنَّهُ الَّذِي بَذَلَهُ. نَعَمْ لَوْ ضَمِنَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ دَيْنًا عَلَى مُسْلِمٍ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى خَمْرٍ لَمْ يَرْجِعْ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُسَلَّمِ وَلَا قِيمَةَ لِلْخَمْرِ عِنْدَهُ، وَحَوَالَةُ الضَّامِنِ الْمَضْمُونِ لَهُ كَالْأَدَاءِ فِي ثُبُوتِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ، وَلَوْ ضَمِنَ اثْنَانِ أَلْفًا لِشَخْصٍ كَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأَلْفِ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ فِي جَمِيعِهَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لَوْ صَالَحَ الضَّامِنُ) خَرَجَ بِ " بِصَالَحَ " مَا لَوْ بَاعَهُ الثَّوْبَ بِمِائَةٍ أَوْ بِالْمِائَةِ الْمَضْمُونَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهَا لَا بِقِيمَةِ الثَّوْبِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَرْجِعْ) ظَاهِرُهُ صِحَّةُ الصُّلْحِ عَلَى خَمْرٍ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ عَنْ الْمُسَلَّمِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْخَمْرِ بَاطِلٌ وَالدَّيْنُ بَاقٍ ع ش. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلَوْ ضَمِنَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ عَنْ مُسْلِمٍ دَيْنًا فَصَالَحَ صَاحِبَهُ عَلَى خَمْرٍ لَغَا الصُّلْحُ، لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ أَدَاءَ الضَّامِنِ لِلْمُسْتَحَقِّ يَتَضَمَّنُ إقْرَاضَ الْأَصِيلِ مَا أَدَّاهُ وَتَمْلِيكَهُ إيَّاهُ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا، فَلَا يَبْرَأُ الْمُسْلِمُ كَمَا لَوْ دَفَعَ الْخَمْرَ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (لِتَعَلُّقِهَا) أَيْ الْمُصَالَحَةِ. قَوْلُهُ: (وَحَوَالَةُ الضَّامِنِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ عَكْسُهُ وَهُوَ الْحَوَالَةُ عَلَى الضَّامِنِ مِنْ مُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ. وَظَاهِرُ جَعْلِ الْحَوَالَةِ كَالْأَدَاءِ ثُبُوتُ الرُّجُوعِ قَبْلَ دَفْعِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِلْمُحْتَالِ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَقْتَضِي انْتِقَالَ الْحَقِّ وَفَرَاغَ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ؛ نَعَمْ تَرَدَّدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَا لَوْ أَحَالَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الضَّامِنِ فَأَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الضَّامِنَ وَمَالَ إلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ سم. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ضَمِنَ إلَخْ) عِبَارَةُ سم: فَرْعٌ: ضَمِنَ اثْنَانِ دَيْنًا كَانَ كُلٌّ ضَامِنًا لِنِصْفِهِ، كَمَا لَوْ رَهَنَاهُ عَلَيْهِ شَيْئًا يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا رَاهِنًا عَلَى النِّصْفِ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ كُلًّا ضَامِنٌ لِلْجَمِيعِ كَمَسْأَلَةِ الرَّهْنِ ضَعِيفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ م ر سم عَلَى الْمَنْهَجِ. وَفِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ: فَرْعٌ: بَاعَ شَيْئًا لِاثْنَيْنِ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَا مُتَضَامِنَيْنِ، أَيْ يَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ سَالِمًا وَإِنْ عُلِمَ قَدْرُ الدَّلَالَةِ، أَيْ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْبَائِعِ. وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا م ر الصِّحَّةُ فِي الْعِلْمِ وَكَأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَنَقَلَ ذَلِكَ الْحَلَبِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ وَاعْتَمَدَهُ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا؛ وَلَوْ قَالَا ضَمِنَا الْعَشَرَةَ الَّتِي لَك عَلَى زَيْدٍ فَكُلٌّ ضَامِنٌ لِنِصْفِهَا فَقَطْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ ضَمَّنَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَأَدَّى الْعَشَرَةَ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْأَصْلِ إلَّا بِخَمْسَةٍ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (كَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا) لِأَنَّ قَوْلَهُمَا ضَمِنَا مَالَك عَلَى زَيْدٍ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُوَزَّعُ عَلَيْنَا بَلْ كُلٌّ مِنَّا ضَامِنٌ جَمِيعَهُ، فَلَوْ أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا هَلْ يُغَرِّمُ رَفِيقَهُ نِصْفَهُ الظَّاهِرُ؟ لَا. وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي أَحَدُ وَجْهَيْنِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ م ر خِلَافُهُ، فَيُطَالَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ فَقَطْ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَشَغْلُ كُلِّ وَاحِدٍ بِالزَّائِدِ مَشْكُوكٌ فِيهِ؛ نَعَمْ إنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَمِنْت الْأَلْفَ اتَّجَهَ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي اهـ م ر. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى هَذَا. فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا فِي قُرَى الرِّيفِ مِنْ ضَمَانِ دَوَابِّ اللَّبَنِ كَالْجَامُوسِ وَالْبَقَرِ مَا حُكْمُهُ وَمَا يَجِبُ فِيهِ عَلَى الْآخِذِ وَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّ اللَّبَنَ مَقْبُوضٌ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ وَذَاتُ اللَّبَنِ مَقْبُوضَةٌ هِيَ وَوَلَدُهَا بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنَّ مَا يَدْفَعُهُ الْآخِذُ لِلدَّابَّةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْعَلَفِ فِي مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ وَالِانْتِفَاعِ بِالْبَهِيمَةِ فِي الْوُصُولِ إلَى اللَّبَنِ، فَاللَّبَنُ مَضْمُونٌ عَلَى الْآخِذِ بِمِثْلِهِ وَالْبَهِيمَةُ وَوَلَدُهَا أَمَانَتَانِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، فَإِنْ تَلِفَتْ هِيَ أَوْ وَلَدُهَا بِلَا تَقْصِيرٍ لَمْ يَضْمَنُ أَوْ بِتَقْصِيرٍ ضَمِنَ ع ش عَلَى م ر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 فَصْلٌ: فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ وَتُسَمَّى أَيْضًا كَفَالَةَ الْوَجْهِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْكَافِ اسْمٌ لِضَمَانِ الْإِحْضَارِ دُونَ الْمَالِ وَالْكَفَالَةُ بِالْبَدَنِ أَيْ بِبَدَنِ مَنْ يَسْتَحِقُّ حُضُورُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ عِنْدَ الِاسْتِدْعَاءِ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ لِلْمَكْفُولِ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَاسْتُؤْنِسَ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} [يوسف: 66] بِخِلَافِ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا تَصِحُّ كَفَالَةُ بَدَنِ مَنْ ذُكِرَ بِإِذْنِهِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ وَلَوْ كَانَ مَنْ ذُكِرَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ مَحْبُوسًا وَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ فِي الْحَالِ أَوْ مَيِّتًا قَبْلَ دَفْنِهِ لِيَشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِ إذَا تَحَمَّلَ الشَّاهِدُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَلَمْ يُعْرَفْ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَيَظْهَرُ اشْتِرَاطُ إذْنِ الْوَارِثِ إذَا اشْتَرَطْنَا إذْنَ الْمَكْفُولِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّهُ فِيمَنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ إذْنُ وَلِيِّهِ فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ شَرَطَ لُزُومَهُ لَا عِلْمَ بِهِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ لِلْكَفِيلِ وَكَالْبَدَنِ الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَثُلُثِهِ وَالْجُزْءُ الَّذِي لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ كَرَأْسِهِ ثُمَّ إنْ عَيَّنَ مَحِلَّ تَسْلِيمٍ فِي الْكَفَالَةِ فَذَاكَ وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَحِلُّهَا كَمَا فِي السَّلَمِ فِيهِمَا وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ فِي مَحِلِّ التَّسْلِيمِ الْمَذْكُورِ بِلَا حَائِلٍ كَتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ عَنْ الْكَفِيلِ فَإِنْ   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ] قَوْلُهُ: (وَتُسَمَّى أَيْضًا كَفَالَةُ الْوَجْهِ) لَعَلَّ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَنَّى بِالْوَجْهِ عَنْ الذَّاتِ. قَوْلُهُ: (بِالْبَدَنِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ، أَيْ كَفَالَةُ الْبَدَنِ أَيْ الْتِزَامُ إحْضَارِ الْبَدَنِ، أَوْ بِمَعْنَى اللَّامِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ اسْتِدْعَاءِ) أَيْ الطَّلَبِ، وَفِي نُسْخَةٍ: " الِاسْتِعْدَاءِ " أَيْ الطَّلَبِ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى. قَوْلُهُ: (جَائِزَةٌ) أَيْ صَحِيحَةٌ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمَكْفُولِ وَالْمَكْفُولِ لَهُ وَتَعْيِينِ الْمَكْفُولِ رِضَاهُ أَوْ إذْنِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ لِلْمَكْفُولِ) أَيْ عَلَيْهِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ. قَوْلُهُ: (بِهِ) هَلَّا حَذَفَهَا لِأَنَّ الْمَعْنَى يَتِمُّ بِدُونِهَا. قَوْلُهُ: (حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ مَالِيٌّ كَزَكَاةٍ وَفِي كَفَّارَةٍ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بِخِلَافِ عُقُوبَةِ اللَّهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ) وَلَوْ عُقُوبَةً كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَتَعْزِيرٍ، وَسَوَاءً كَانَ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا مَضْمُونَةً أَوْ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) فِيهِ أَنَّهَا كَفَالَةُ بَدَنٍ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ عَلَى الْمَكْفُولِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَكْفُولِ حَقٌّ، وَأَيْضًا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: وَاسْتُؤْنِسَ. قَوْلُهُ: (صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَحَقُّ إحْضَارُهُمَا لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى صُورَتِهِمَا فِي الْإِتْلَافِ وَغَيْرِهِ كَالْغَصْبِ، وَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ وَلِيَّهُمَا بِإِحْضَارِهِمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) أَيْ الْأَحَدِ، وَأَمَّا السَّفِيهُ الَّذِي يُرَادُ كَفَالَتُهُ فَإِنَّهُ إنْ خَلَا عَنْ تَفْوِيتِ مَالٍ فَيُعْتَبَرُ إذْنُهُ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فِيهِ تَفْوِيتُ مَالٍ كَأَنْ احْتَاجَ إلَى مُؤْنَةِ سَفَرٍ لِإِحْضَارِهِ فَالْمُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ إذْنُ الْوَلِيِّ. وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ كَلَامَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ: اعْتِبَارُ إذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ اعْتِبَارُ إذْنِهِ، ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ وَإِلَى الثَّانِي جَمَاعَةٌ وَجُمِعَ بِمَا تَقَدَّمَ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (قَبْلَ دَفْنِهِ) أَيْ وَضْعِهِ فِي الْقَبْرِ وَإِنْ لَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَمَحِلُّهُ قَبْلَ الدَّفْنِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي مُدَّةِ الْإِحْضَارِ ح ل. قَوْلُهُ: (لِيَشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِ) كَأَنْ كَانَ عَلَيْهِ لِشَخْصٍ دَيْنٌ وَهُنَاكَ شُهُودٌ تَشْهَدُ عَلَى صُورَتِهِ وَلَمْ تَعْرِفْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ، ثُمَّ مَاتَ فَأَرَادَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَنْ يُحْضِرَهُ لِلْقَاضِي لِيَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى صُورَتِهِ خَوْفًا مِنْ ضَيَاعِ حَقِّهِ فَيَكْفُلُ الْمَيِّتَ شَخْصٌ، اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى صُورَتِهِ. قَوْلُهُ: (إذْنِ الْوَارِثِ) أَيْ كُلُّ الْوَرَثَةِ. قَوْلُهُ: (لُزُومُهُ) أَيْ الْمَالِ وَقَوْلُهُ لَا عِلْمَ بِهِ أَيْ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (وَكَالْبَدَنِ إلَخْ) تَكْمِيلٌ لِلْمَتْنِ، وَهَذَا فِي الْحَيِّ أَمَّا الْمَيِّتُ فَلَا بُدَّ مِنْ كَفَالَتِهِ كُلِّهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ عَيَّنَ إلَخْ) أَيْ وَالتَّعْيِينُ وَاجِبٌ إنْ لَمْ يَصْلُحْ مَكَانُهَا لِلتَّسْلِيمِ وَإِلَّا فَجَائِزٌ وَيَتَعَيَّنُ الْمُعَيَّنُ، وَمَحِلُّهُ إذَا كَانَ الْمَحِلُّ صَالِحًا وَإِلَّا تَعَيَّنَ أَقْرَبُ الْمُحَالِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا تَعَيَّنَ) أَيْ إنْ صَلَحَ ق ل. قَوْلُهُ: (بِلَا حَائِلٍ) كَمُتَغَلِّبٍ يَمْنَعُ الْمَكْفُولَ لَهُ مِنْ التَّسْلِيمِ، فَمَعَ وُجُودِهِ لَا يَبْرَأُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 غَابَ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ إنْ أَمْكَنَ بِأَنْ عَرَفَ مَحِلَّهُ وَأَمِنَ الطَّرِيقَ وَلَا حَائِلَ وَلَوْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَيُمْهَلُ مُدَّةَ إحْضَارِهِ بِأَنْ يُمْهَلَ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ عَلَى الْعَادَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا أُمْهِلَ مُدَّةَ إقَامَةِ الْمَسَافَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ ثُمَّ إنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حُبِسَ إلَى أَنْ يَتَعَذَّرَ إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ يُوَفِّي الدَّيْنَ فَإِنْ وَفَّاهُ ثُمَّ حَضَرَ الْمَكْفُولُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَالْمُتَّجِهُ أَنَّ لَهُ الِاسْتِرْدَادَ وَلَا يُطَالَبُ كَفِيلٌ بِمَالٍ وَلَا عُقُوبَةٍ وَإِنْ فَاتَ التَّسْلِيمُ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ وَلَوْ مَعَ قَوْلِهِ إنْ فَاتَ التَّسْلِيمُ لِلْمَكْفُولِ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مُقْتَضَاهَا فَصْلٌ: فِي الشَّرِكَةِ هِيَ بِكَسْرِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِفَتْحِ الشِّينِ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا لُغَةً الِاخْتِلَاطُ وَشَرْعًا ثُبُوتُ الْحَقِّ فِي شَيْءٍ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ هَذَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هِيَ عَقْدٌ يَقْتَضِي ثُبُوتَ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ   [حاشية البجيرمي] الْكَفِيلُ، فَإِنْ أَتَى بِهِ فِي غَيْرِ مَحِلِّ التَّسْلِيمِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَحَقَّ الْقَبُولُ إنْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي الِامْتِنَاعِ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقَبُولُ، فَإِنْ امْتَنَعَ رَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ يَقْبِضُ عَنْهُ، فَإِنْ فَقَدَ أَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ سَلَّمَهُ وَبَرِئَ. قَوْلُهُ: (كَتَسْلِيمِهِ) أَيْ الْمَكْفُولِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ نَفْسَهُ، أَيْ بِلَا حَائِلٍ، كَأَنْ يَقُولَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ: سَلَّمْت نَفْسِي عَلَى جِهَةِ الْكَفِيلِ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحِلِّ التَّسْلِيمِ وَزَمَنِهِ الْمُعَيَّنِ حَيْثُ لَا غَرَضَ. وَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، فَلَا عِبْرَةَ بِتَسْلِيمِهِمَا إلَّا إنْ رَضِيَ بِهِ الْمَكْفُولُ لَهُ ح ل. قَوْلُهُ: (إحْضَارُ الْمَكْفُولِ) الْمَقَامُ لِلْإِضْمَارِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) كَانْقِطَاعِ خَبَرِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يُوَفِّي) أَيْ الْكَفِيلُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ حَضَرَ الْمَكْفُولُ) الْمَقَامُ لِلْإِضْمَارِ قَوْلُهُ: (فَالْمُتَّجِهُ إلَخْ) فَلَوْ تَعَذَّرَ رُجُوعُهُ عَلَى الْمُؤَدَّى إلَيْهِ، فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ لِأَنَّ أَدَاءَهُ عَنْهُ يُشْبِهُ الْقَرْضَ الضِّمْنِيَّ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يُرَاعِ فِي الْأَدَاءِ جِهَةَ الْمَكْفُولِ بَلْ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ بِتَخْلِيصِهِ لَهَا مِنْ الْحَبْسِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالثَّانِي أَقْرَبُ اهـ ابْنُ حَجَرٍ، وَأَقَرَّهُ ع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ: " أَنَّ لَهُ الِاسْتِرْدَادَ " أَيْ مِنْ الْمَكْفُولِ لَهُ وَالدَّائِنِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ حُضُورُ الْمَكْفُولِ لَمْ يَرْجِعْ ق ل. وَالْمُرَادُ أَنَّ لَهُ الِاسْتِرْدَادَ أَيْ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَبَرِّعٍ بِالْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا غَرِمَهُ لِلْفُرْقَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، أَيْ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ. زَادَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: " لِلْفُرْقَةِ ": أَيْ وَالْكَلَامُ حَيْثُ لَمْ يَنْوِ الْوَفَاءَ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ لِتَبَرُّعِهِ بِأَدَاءِ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ) كَقَوْلِهِ: كَفَلْت بَدَنَهُ بِشَرْطِ الْغُرْمِ أَوْ عَلَى أَنِّي أَغْرَمُ أَوْ نَحْوَهُ ح ل. وَلَيْسَ مِنْ الشَّرْطِ. مَا لَوْ قَالَ: كَفَلْت بَدَنَهُ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَيَّ ضَمَانُ الْمَالِ، فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَهَذَا وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مُقْتَضَاهَا) وَهُوَ عَدَمُ غُرْمِ الْكَفِيلِ الْمَالَ. [فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ] وَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا لِلضَّمَانِ ضَمَانُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. وَهِيَ اسْمُ مَصْدَرٍ لِأَشْرَكَ، وَمَصْدَرُهُ الْإِشْرَاكُ، وَيُقَالُ لِمَنْ أَثْبَتَهَا مُشْرِكٌ وَشَرِيكٌ؛ لَكِنَّ الْعُرْفَ خَصَّصَ الْإِشْرَاكَ وَالْمُشْرِكَ لِمَنْ جَعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا. قَوْلُهُ: (هِيَ بِكَسْرِ الشِّينِ) حَاصِلُ مَا ذُكِرَ فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ: ثَلَاثَةٌ فِي الشَّرْحِ، وَالرَّابِعَةُ شِرْكٌ بِحَذْفِ التَّاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ؛ لَكِنَّ هَذَا الرَّابِعَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الشَّرِكَةِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَبَيْنَ النَّصِيبِ مِنْ الشَّيْءِ. قَوْلُهُ: (الِاخْتِلَاطُ) أَيْ سَوَاءً كَانَ بِعَقْدٍ أَوْ لَا مَعَ تَمْيِيزٍ أَوْ لَا فِي مِثْلِيٍّ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (ثُبُوتُ الْحَقِّ) الْمُرَادُ بِالْحَقِّ مِلْكُ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَيَدْخُلُ الْمُؤَجِّرُ. وَهَذَا لَيْسَ بِمَقْصُودِ الْبَابِ، إذْ مَقْصُودُهُ عَقْدٌ يَقْتَضِي ثُبُوتَ ذَلِكَ الْحَقِّ بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ فَتَفْسِيرُ الْحَقِّ فِي الْأَوَّلِ غَيْرُ تَفْسِيرِهِ فِي الثَّانِي كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ اهـ شَيْخُنَا. وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا سَطَرَهُ الْمُحَشِّي. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ) لِأَنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لِلشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ أَيْ الَّتِي تُفِيدُ التَّصَرُّفَ لِلْعَاقِدَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا بِعَقْدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ «أَنَّهُ كَانَ شَرِيكَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَافْتَخَرَ بِشَرِكَتِهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ» وَخَبَرُ «يَقُولُ اللَّهُ أَنَا ثَالِثُ   [حاشية البجيرمي] فَيَخْرُجُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْأَعْيَانِ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ الشَّامِلِ لَهُ الْأَوَّلُ إذْ لَا يُفِيدُ ثُبُوتَ التَّصَرُّفَاتِ الْآتِيَةِ؛ لَكِنَّ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ عَقْدٌ يَقْتَضِي ثُبُوتَ التَّصَرُّفِ دُونَ قَوْلِهِ ثُبُوتُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِثُبُوتِ الْحَقِّ السَّابِقِ ثُبُوتَ التَّصَرُّفِ، فَقَوْلُ ق ل: قَوْلُهُ وَالْأُولَى لَيْسَ بِأَوْلَى بَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِيَدْخُلَ نَحْوُ الْمَوْرُوثِ وَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالشُّفْعَةِ وَنَحْوِهَا غَفْلَةً عَمَّا عُقِدَ لَهُ الْبَابُ، تَأَمَّلْ م د مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْأَعْلَامِ: مَنْ قَالَ إنَّهُ ابْنُ يَزِيدَ فَقَدْ وَهِمَ بَلْ هُوَ ابْنُ أَبِي السَّائِبِ الصَّيْفِيِّ بْنِ عَائِدٍ الْمَخْزُومِيِّ اهـ م د. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ كَانَ) بَدَلٌ مِنْ خَبَرٍ. قَوْلُهُ: (وَافْتَخَرَ) أَيْ السَّائِبُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ عَلَى ذَلِكَ؛ شَوْبَرِيٌّ وع ش. وَقِيلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَوْجَهَهُ ق ل لِكَوْنِهِ وَافَقَ شَرْعَهُ، قَالَ: لِأَنَّهُ «يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ جَاءَ السَّائِبُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَرْحَبًا بِأَخِي وَشَرِيكِي كَانَ لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي وَلَا يُشَارِي أَيْ لَا يُرَائِي: وَلَا يُخَاصِمُ وَلَا يُشَاحِحُ» تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ، وَلِكَوْنِهِ قَدْ وَافَقَ شَرْعَهُ؛ فَذِكْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّرِكَةَ تَقْرِيرٌ لِجَوَازِهَا. وَعِبَارَةُ السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ: «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَّجِرُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ قَبْلَ أَنْ يَتَّجِرَ لِخَدِيجَةَ، وَكَانَ شَرِيكًا لِلسَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ صَيْفِيٍّ، وَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ السَّائِبُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ لَهُ: مَرْحَبًا بِأَخِي وَشَرِيكِي كَانَ لَا يُدَارِي أَيْ لَا يُرَائِي وَلَا يُمَارِي» أَيْ لَا يُخَاصِمُ صَاحِبَهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ «كَانَ لَا يُدَارِي» إلَى آخِرِهِ مِنْ مَقُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ قَالَ فُقَهَاؤُنَا: وَالْأَصْلُ فِي الشَّرِكَةِ خَبَرُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ شَرِيكًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَافْتَخَرَ بِشَرِكَتِهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ، أَيْ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِيكِي نَعَمْ شَرِيكٌ لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي وَلَا يُشَارِي؛ وَالْمُشَارَاةُ الْمُشَاحَّةُ فِي الْأَمْرِ وَاللِّحَاحُ فِيهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ مَقُولِ السَّائِبِ. وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالسَّائِبِ قَالَ فِي حَقِّ الْآخَرِ: «كَانَ لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي» وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ كَانَ خَيْرَ شَرِيكٍ لَا يُشَارِي وَلَا يُمَارِي؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّائِبِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ قَوْلِ السَّائِبِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالَفَةً بَيْنَ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ صَيْفِيٍّ وَبَيْنَ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَيْفِيٌّ لَقَبًا لِوَالِدِهِ وَاسْمُهُ يَزِيدُ. وَفِي الِاسْتِيعَابِ: وَقَعَ اضْطِرَابٌ هَلْ الشَّرِيكُ كَانَ أَبَا السَّائِبِ أَوْ وَلَدَ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ أَوْ وَلَدُهُ السَّائِبُ وَهُوَ قَيْسُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ أَوْ لِأَخِي السَّائِبِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّائِبِ؟ قَالَ: وَهَذَا اضْطِرَابٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَالسَّائِبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْجِعْرَانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ، وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ السَّائِبَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ كَانَتْ لِقَيْسِ بْنِ السَّائِبِ قَوْلُهُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَاهِلِيَّةِ شَرِيكِي فَكَانَ خَيْرَ شَرِيكٍ، كَانَ لَا يُشَارِينِي وَلَا يُمَارِينِي» وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ كَانَ شَرِيكِي وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي الْإِمْتَاعِ «أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ اشْتَرَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَزًّا مِنْ بَزِّ تِهَامَةَ بِسُوقِ حُبَاشَةَ وَقَدِمَ بِهِ مَكَّةَ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِرْسَالِ خَدِيجَةَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عَبْدِهَا مَيْسَرَةَ إلَى سُوقِ حُبَاشَةَ لِيَشْتَرِيَا لَهَا بَزًّا» . وَفِي سِفْرِ السَّعَادَةِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَعَ مِنْهُ أَنَّهُ بَاعَ وَاشْتَرَى، إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ الْوَحْيِ وَقَبْلَ الْهِجْرَةِ كَانَ شِرَاؤُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْبَيْعِ وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَبِعْ إلَّا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» ، وَأَمَّا شِرَاؤُهُ فَكَثِيرٌ وَاسْتَأْجَرَ وَالِاسْتِئْجَارُ أَغْلَبُ وَوَكَّلَ وَتَوَكَّلَ وَكَانَ تَوَكُّلُهُ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ: وَخَبَرُ «يَقُولُ اللَّهُ» إلَخْ وَهَذَا يُقَالُ لَهُ حَدِيثٌ قُدُسِيٌّ نِسْبَةً إلَى الْقُدُسِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَسُمِّيَتْ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ لِنِسْبَتِهَا لَهُ جَلَّ وَعَلَا حَيْثُ أَنْزَلَ أَلْفَاظَهَا كَالْقُرْآنِ لَكِنْ تُخَالِفُهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ إنْزَالِهَا لَيْسَ لِلْإِعْجَازِ وَأَمَّا غَيْرُ الْقُدْسِيَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا» وَالْمَعْنَى أَنَا مَعَهُمَا بِالْحِفْظِ وَالْإِعَانَةِ فَأَمُدُّهُمَا بِالْمَعُونَةِ فِي أَمْوَالِهِمَا وَأُنْزِلُ الْبَرَكَةَ فِي تِجَارَتِهِمَا فَإِذَا وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا الْخِيَانَةُ رُفِعَتْ الْبَرَكَةُ وَالْإِعَانَةُ عَنْهُمَا وَهُوَ مَعْنَى خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ شَرِكَةُ أَبْدَانٍ بِأَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا بِبَدَنِهِمَا وَشَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا بِبَدَنِهِمَا أَوْ مَالِهِمَا وَعَلَيْهِمَا مَا يَعْرِضُ مِنْ غُرْمٍ وَشَرِكَةُ وُجُوهٍ بِأَنْ يَشْتَرِكَا لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا رِبْحُ مَا يَشْتَرِيَانِهِ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ حَالٍّ لَهُمَا ثُمَّ يَبِيعَانِهِ وَشَرِكَةُ عِنَانٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ ظَهَرَ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ وَلِهَذَا   [حاشية البجيرمي] فَأَوْحَى إلَيْهِ مَعَانِيَهَا وَعَبَّرَ عَنْهَا بِأَلْفَاظٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: «أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ» أَوْ وَرَابِعُ الثَّلَاثَةِ وَخَامِسُ الْأَرْبَعَةِ وَهَكَذَا. وَهَذَا مِنْ الْمُتَشَابِهِ، فَمَذْهَبُ السَّلَفِ يُفَوِّضُونَ عِلْمَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْخَلَفُ يُؤَوِّلُونَهُ بِمَا فِي الشَّرْحِ، وَطَرِيقَةُ السَّلَفِ أَسْلَمُ وَطَرِيقَةُ الْخَلْفِ أَعْلَمُ. وَقَدْ أَطْلَقَ اللَّهُ الْمَلْزُومَ وَهُوَ كَوْنُهُ ثَالِثَ الشَّرِيكَيْنِ وَأَرَادَ اللَّازِمَ لَهُ وَهُوَ الْمَعُونَةُ وَالْبَرَكَةُ، فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فَشَرِكَةُ اللَّهِ لَهُمَا اسْتِعَارَةٌ، كَأَنَّهُ جَعَلَ الْبَرَكَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الْمَخْلُوطِ فَسَمَّى ذَاتَه ثَالِثًا لَهُمَا اهـ. وَقَوْلُهُ " خَرَجَتْ " تَرْشِيحٌ لِلِاسْتِعَارَةِ اهـ. قَوْلُهُ: «مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا» إلَخْ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ كَشِرَاءِ طَعَامٍ وَخُبْزٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنْ نَزْعِ الْبَرَكَةِ ع ش. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الشَّرِكَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ، ح ل. قَوْلُهُ: (شَرِكَةُ أَبْدَانٍ) جَوَّزَهَا أَبُو حَنِيفَةَ مُطْلَقًا اتَّحَدَتْ الْحِرْفَةُ أَوْ اخْتَلَفَتْ، وَمَالِكٌ إنْ اتَّحَدَتْ الْحِرْفَةُ. وَمَذْهَبُنَا بُطْلَانُهَا، وَعَلَيْهِ فَمَنْ انْفَرَدَ بِشَيْءٍ فَهُوَ لَهُ، وَمَا اشْتَرَكَا فِيهِ يُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا عَلَى نِسْبَةِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَهُمَا ق ل. قَوْلُهُ: (لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا) أَيْ مَكْسُوبُهُمَا، فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (مُفَاوَضَةً) بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَقَالَ حَجّ: بِكَسْرِهَا. قَوْلُهُ: (بِبَدَنِهِمَا) أَيْ فَقَطْ وَتُفَارِقُ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ بِالشَّرْطِ الَّذِي قَالَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَالِهِمَا) أَيْ فَقَطْ، وَتُفَارِقُ شَرِكَةَ الْعِنَانِ بِالشَّرْطِ الَّذِي بَعْدَهُ وَأَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتَصْدُقُ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ مَعًا. وَحُكْمُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَالٌ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ فَظَاهِرٌ أَنَّ مَالَ كُلٍّ لَهُ وَمَعَ الْخَلْطِ يَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ وَيَرْجِعُ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمَالِ كَسْبٌ مَخْلُوطٌ فَكَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِمَا مَا يَعْرِضُ مِنْ غُرْمٍ) أَيْ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَمِنْ غَيْرِهِ، كَأَنْ قَالَ: إنْ غُصِبَ مِنْ أَحَدِنَا شَيْءٌ يَكُونُ عَلَيْنَا، أَيْ وَلَهُمَا مَا يَحْصُلُ مِنْ غُنْمٍ؛ فَفِيهِ اكْتِفَاءٌ. وَخَرَجَتْ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ وَالْعِنَانِ. قَوْلُهُ: (وَشَرِكَةُ وُجُوهٍ) مِنْ الْوَجَاهَةِ أَيْ الْعَظَمَةِ لَا مِنْ الْوَجْهِ قَوْلُهُ بِأَنْ يَشْتَرِكَا أَيْ الْوَجِيهَانِ أَوْ وَجِيهٌ وَخَامِلٌ ق ل أَوْ أَنْ يَبْتَاعَ وَجِيهٌ فِي ذِمَّتِهِ وَيُفَوِّضُ بَيْعَهُ لِخَامِلٍ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَشْتَرِكَ وَجِيهٌ لَا مَالَ لَهُ وَخَامِلٌ لَهُ مَالٌ لِيَكُونَ الْمَالُ مِنْ هَذَا وَالْعَمَلُ مِنْ هَذَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لِلْمَالِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. وَالْكُلُّ بَاطِلٌ، إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَالٌ مُشْتَرَكٌ، فَكُلُّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَهُوَ لَهُ عَلَيْهِ خُسْرُهُ وَلَهُ رِبْحُهُ. وَالثَّالِثُ: قِرَاضٌ فَاسِدٌ لِاسْتِبْدَادِ الْمَالِكِ بِالْيَدِ، أَيْ اسْتِقْلَالِهِ؛ شَرْحُ م ر وس ل. قَوْلُهُ: (رِبْحُ مَا يَشْتَرِيَانِهِ) أَيْ مَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَوْكِيلٍ. وَلَعَلَّ عَدَمَ التَّوْكِيلِ هُوَ مَانِعُ الصِّحَّةِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ وَلِصَاحِبِهِ بِالْإِذْنِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ، اهـ ح ل. وَلَهُ صُورَةٌ أُخْرَى: وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ وَجِيهٌ فِي الذِّمَّةِ وَيَبِيعَ خَامِلٌ لِيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، أَوْ يَدْفَعَ خَامِلٌ لِوَجِيهٍ مَالًا لِيَبِيعَهُ بِزِيَادَةٍ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ: " لَهُمَا " أَيْ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ يَكُونُ لَهُمَا، فَإِنْ قَصَدَ حَالَةَ الْعَقْدِ أَنَّهُ لَهُمَا فَهُوَ مِنْ شَرِكَةِ الْعِنَانِ وَيَكُونُ مَا يَخُصُّ الْآخَرَ مِنْ الثَّمَنِ دَيْنًا عَلَيْهِ لَكِنْ بِشَرْطِ بَيَانِ قَدْرِ مَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرِّبْحِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ الْمَالَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَشْهُورِ) فَيَجُوزُ فَتْحُهَا، لَكِنَّ الصَّحِيحَ فِي فَتْحِهَا أَنَّهُ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ أَيْ سَحَابِهَا لِعُلُوِّهَا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ ق ل. قَوْلُهُ: (ظَهَرَ) لِظُهُورِهَا بِصِحَّتِهَا، فَهِيَ أَظْهَرُ الْأَنْوَاعِ، أَوْ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مَالُ الْآخَرِ، أَوْ مِنْ عَنَانِ الدَّابَّةِ لِاسْتِوَاءِ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا مِنْ نَحْوِ الْوِلَايَةِ وَالرِّبْحِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْغَرَرِ كَاسْتِوَاءِ طَرَفَيْ الْعَنَانِ، أَوْ لِمَنْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا دُونَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ فَبَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ فِي غَيْرِ مَالٍ كَالشَّرِكَةِ فِي احْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ وَلِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهَا لَا سِيَّمَا شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ نَعَمْ إنْ نَوَيَا بِالْمُفَاوَضَةِ وَفِيهَا مَالَ شَرِكَةِ الْعِنَانِ صَحَّتْ وَأَرْكَانُ شَرِكَةِ الْعِنَانِ خَمْسَةٌ: عَاقِدَانِ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَعَمَلٌ وَصِيغَةٌ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا وَذَكَرَ شُرُوطًا خَمْسَةً فَقَالَ: (وَلِلشَّرِكَةِ) الْمَذْكُورَةِ (خَمْسُ شَرَائِطَ) وَالْخَامِسُ مِنْهَا عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَهُوَ الْمَبْدُوءُ بِهِ فِي كَلَامِهِ بِقَوْلِهِ: (أَنْ تَكُونَ عَلَى نَاضٍّ) أَيْ مَضْرُوبٍ (مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) لَا عَلَى التِّبْرِ وَالسَّبَائِكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمِثْلِيِّ وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهَا فِي كُلِّ مِثْلِيٍّ؛ أَمَّا النَّقْدُ الْخَالِصُ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْمَغْشُوشُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ جَوَازُهُ إنْ اسْتَمَرَّ رَوَاجُهُ؛ وَأَمَّا غَيْرُ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْحَدِيدِ فَعَلَى الْأَظْهَرِ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَطَ بِجِنْسِهِ ارْتَفَعَ التَّمْيِيزُ فَأَشْبَهَ النَّقْدَيْنِ وَمِنْ الْمِثْلِيِّ تِبْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ فَمَا أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُونَ هُنَا مِنْ مَنْعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ وَلَعَلَّ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهِيَ لَا تَصِحُّ فِي الْمُتَقَوِّمِ إذْ لَا   [حاشية البجيرمي] الْآخَرَ لِمَا يُشْتَهَى كَمَنْعِ الْعَنَانِ الدَّابَّةَ، اهـ ز ي قَوْلُهُ: (وَهِيَ الصَّحِيحَةُ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. قَوْلُهُ: (فَبَاطِلَةٌ) تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ دُونَ الثَّلَاثَةِ، وَذَكَرَهُ تَحْقِيقًا لِمَفْهُومِ الصَّحِيحَةِ ع ش. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ نَوَيَا إلَخْ) أَيْ إنْ وُجِدَ خَلْطُ الْمَالَيْنِ بِشَرْطِهِ، فَيَصِيرُ لَفْظُ الْمُفَاوَضَةِ كِنَايَةً عَنْ شَرِكَةِ الْعِنَانِ، أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقُولَا فِيهَا: وَعَلَيْنَا غُرْمُ مَا يَعْرِضُ. نَعَمْ إنْ قَصَدَا بِقَوْلِهِمَا: وَعَلَيْنَا غُرْمُ مَا يَعْرِضُ. مِمَّا يَكُونُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ لَمْ يَضُرَّ اهـ. وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ: " نَعَمْ إلَخْ " اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: " فَبَاطِلَةٌ " وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ إنْ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ صَحَّتْ إذْ النِّيَّةُ لَيْسَتْ كَافِيَةً. قَوْلُهُ: (وَفِيهَا مَالٌ) أَيْ فَقَطْ، أَيْ مَعَ تَوَفُّرِ الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: (وَعَمَلٌ) تَبِعَ الْمَنْهَجَ فِي جَعْلِهِ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهَا مُرَتَّبٌ عَلَيْهَا ق ل. وَأَجَابَ ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ بِأَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يَقَعُ بَعْدَ الْعَقْدِ هُوَ مُبَاشَرَةُ الْفِعْلِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَاَلَّذِي اُعْتُبِرَ رُكْنًا هُوَ تَصَوُّرُ الْفِعْلِ وَذَكَرَ فِي الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ يُعْلَمُ مِنْهُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْعَقْدُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَصِيغَةٌ) الْمُرَادُ بِهَا مَجْمُوعُ قَوْلِهِ: اشْتَرَكْنَا وَأَذِنَّا فِي التَّصَرُّفِ لِأَجْلِ حُصُولِ الشَّرِكَةِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّصَرُّفِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا قَوْلُهُ اشْتَرَكْنَا فَقَطْ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ. قَوْلُهُ: (بَعْضُهَا) لَعَلَّهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لِتَضَمُّنِ قَوْلِهِ: أَنْ يَقَعَ عَلَى نَاضٍّ لَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ الْآتِي: أَنْ يَتَّفِقَا فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَنْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ. وَكَذَا الْعَمَلُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ الْآتِي، وَأَنْ يَأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ هُوَ الْعَمَلُ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ تُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَنْ يَأْذَنَ إلَخْ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ذَكَرَهَا فَالْمَالُ صَرِيحٌ وَالْعَاقِدَانِ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْ يَخْلِطَا، وَالصِّيغَةُ وَالْعَمَلُ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْ يَأْذَنَ إلَخْ؛ فَإِنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الصِّيغَةِ وَالْعَمَلِ. قَوْلُهُ: (وَالْخَامِسُ مِنْهَا عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْأَوَّلُ مِنْهَا عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ؛ لِأَنَّ الضَّعِيفَ هُوَ الْأَوَّلُ. وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ خَامِسًا بِالنَّظَرِ لِانْضِمَامِهِ لِلْأَرْبَعَةِ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَوَّلًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ؛ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ: (ضَعِيفٌ) وَيُمْكِنُ عَدَمُ ضَعْفِهِ بِأَنْ يُفْصَلَ فِي الْمَفْهُومِ، وَإِذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَلَا اعْتِرَاضَ بِهِ كَمَا فِي الْأُصُولِ. قَوْلُهُ: (عَلَى نَاضٍّ) هُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لُغَةً، فَذِكْرُهُمَا بَعْدَهُ بَيَانٌ ق ل. قَوْلُهُ: (لَا عَلَى التِّبْرِ) قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: التِّبْرُ مَا كَانَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ. قَوْلُهُ: (وَلَعَلَّ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ) لَعَلَّهُ لَمْ يَجْزِمْ أَيْ مَعَ أَنَّ مَفْهُومَ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَفْهُومُ فِيهِ تَفْصِيلٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَأَنْ يَقُولَ وَخَرَجَ بِالنَّاضِّ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ تِبْرًا أَوْ حُلِيًّا أَوْ سَبَائِكَ صَحَّتْ الشَّرِكَةُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا؛ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ اهـ م د. قَوْلُهُ: (عَلَى أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ) أَيْ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ ق ل. قَوْلُهُ (وَهِيَ لَا تَصِحُّ فِي الْمُتَقَوِّمِ إلَخْ) سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا كَانَ مُشَاعًا صَحَّتْ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 يُمْكِنُ الْخَلْطُ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ، وَحِينَئِذٍ قَدْ يَتْلَفُ مَالُ أَحَدِهِمَا أَوْ يَنْقُصُ فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ حِينَئِذٍ أَنَّ الشُّرُوطَ أَرْبَعَةٌ: فَقَطْ: الْأَوَّلُ مِنْهَا (أَنْ يَتَّفِقَا) أَيْ الْمَالَانِ (فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ) دُونَ الْقَدْرِ إذْ لَا مَحْذُورَ فِي التَّفَاوُتِ فِيهِ لِأَنَّ الرِّبْحَ وَالْخُسْرَانَ عَلَى قَدْرِهِمَا. (وَ) الثَّانِي (أَنْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ) بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ لِمَا مَرَّ فِي امْتِنَاعِ الْمُتَقَوِّمِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْخَلْطِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهُ وَلَوْ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَكْفِ إذْ لَا اشْتِرَاكَ حَالَ الْعَقْدِ فَيُعَادُ الْعَقْدُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَا يَكْفِي الْخَلْطُ مَعَ إمْكَانِ التَّمْيِيزِ لِنَحْوِ اخْتِلَافِ جِنْسٍ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، أَوْ صِفَةٍ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ وَحِنْطَةٍ جَدِيدَةٍ وَحِنْطَةٍ عَتِيقَةٍ أَوْ بَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ عُسْرٌ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ تُسَاوِي الْمِثْلَيْنِ فِي الْقِيمَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ خَلَطَا قَفِيزًا مُقَوَّمًا بِمِائَةِ قَفِيزٍ مُقَوَّمٍ بِخَمْسِينَ صَحَّ وَكَانَتْ الشَّرِكَةُ أَثْلَاثًا بِنَاءً عَلَى قَطْعِ النَّظَرِ فِي الْمِثْلِيِّ عَنْ تُسَاوِي الْأَجْزَاءِ فِي الْقِيمَةِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ هَذَا الْقَفِيزُ مِثْلًا لِهَذَا الْقَفِيزِ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فِي نَفْسِهِ. وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَعْرِفُ مَالَهُ بِعَلَامَةٍ لَا يَعْرِفُهَا غَيْرُهُ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ   [حاشية البجيرمي] الْمُشَاعَ أَقْوَى مِنْ الْمِثْلِيِّ إذَا اخْتَلَطَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ مُشْتَرَكٌ كَمَا سَيَأْتِي، فَقَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ فِي الْمُتَقَوِّمِ أَيْ فِي غَيْرِ مَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ لَا يُمْكِنُ شَرْعًا لِأَنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا، فَلَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ، وَإِلَّا فَالْقِسْمَةُ مُمْكِنَةٌ حِسًّا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إذَا عَلِمْت ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْخَامِسَ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَّفِقَا) الْمَتْنُ: " وَأَنْ يَتَّفِقَا " فَفِيهِ حَذْفُ الْوَاوِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهَا الشَّارِحُ قَبْلَ قَوْلِهِ: " إذَا عَلِمْت " بِأَنْ يَقُولَ: وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ؛ وَتَكُونُ الْوَاوُ بِقَلَمِ الْحُمْرَةِ. أَوْ يَقُولُ: " وَالْأَوَّلُ مِنْهَا " بِوَاوٍ حَمْرَاءَ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالنَّوْعُ) بِمَعْنَى مَا يَشْمَلُ الصِّفَةَ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَخْلِطَا) هَلَّا قَالَ اخْتِلَاطٌ إلَخْ لِيَشْمَلَ مَا خَلَطَهُ الْغَيْرُ أَوْ نَحْوُ رِيحٍ، وَحِينَئِذٍ فَخَلْطُ الْأَعْمَى لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَكْفِي اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ الْخَلْطِ الْمَذْكُورِ، لِمَا مَرَّ؛ أَيْ لِنَظِيرِ مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَكْفِ) إذْ لَا يَنْقَلِبُ الْفَاسِدُ صَحِيحًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِهِمَا اهـ خ ض. قَالَ ع ش: وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ بُطْلَانُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مَنْ يُرِيدُ الِاشْتِرَاكَ فِي زِرَاعَةِ الْقَمْحِ مَثَلًا مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَبْذُرُ يَوْمًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ يَوْمًا وَهَكَذَا إلَى تَمَامِ الزِّرَاعَةِ لِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ، فَيَخْتَصُّ كُلٌّ بِمَا يَبْذُرُهُ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ فِيمَا يُقَابِلُهُ. وَطَرِيقُ الصِّحَّةِ أَنْ يَخْلِطَا مَا يُرَادُ بَذْرُهُ ثُمَّ يُبْذَرُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. فَلَوْ جُمِعَ الزَّرْعُ بَعْدَ الْحَصَادِ عِنْدَ الدِّيَاسَةِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ مَا حَصَلَ مِنْهُ مِنْ قَمْحٍ وَتِبْنٍ وَغَيْرِهِمَا عَلَى حَسَبِ الْبَذْرِ اهـ. قَوْلُهُ: (قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الِاتِّفَاقِ فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ. قَوْلُهُ: (قَفِيزًا) قَالَ الشَّاطِبِيُّ: الْقَفِيزُ مِكْيَالٌ بِقَدْرِ ثَمَانِيَةِ مَكَاكِيكَ جَمْعُ مَكُّوكٍ اهـ. وَالْمَكُّوكُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ مِكْيَالٌ وَهُوَ صَاعَانِ وَنِصْفٌ. فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَفِيزَ عِشْرُونَ صَاعًا. وَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْفَارِضِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْقَفِيزَ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي مِصْرِنَا بِالْإِرْدَبِّ، وَذَكَرَ أَنَّ الْقَفِيزَ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لَكِنَّ أَهْلَ مِصْرَ اصْطَلَحُوا عَلَى تَجْزِئَةِ الْأَشْيَاءِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَأَهْلَ الْعِرَاقِ عِشْرِينَ. قَوْلُهُ: (بِنَاءً) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: صَحَّ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " وَإِلَّا فَلَيْسَ إلَخْ " أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ النَّظَرُ عَنْ تُسَاوِي الْأَجْزَاءِ فِي الْقِيمَةِ بِأَنْ قُلْنَا لَا تَحْصُلُ الْمُمَاثَلَةُ إلَّا إذَا تَسَاوَتْ الْأَجْزَاءُ فِي الْقِيمَةِ بَلْ نَظَرْنَا لِذَلِكَ، فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا الْقَفِيزُ إلَخْ، فَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ. وَقَوْلُهُ: " فَلَيْسَ " تَعْلِيلٌ لَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى الْعِبَارَةِ أَنَّنَا إذَا قَطَعْنَا النَّظَرَ عَنْ التَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ صَحَّتْ الشَّرِكَةُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ، وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ فَلَا نَظَرَ لِلْقِيمَةِ. وَهَذَا مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ الْعَقْدِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ قِسْمَةُ الرِّبْحِ فَهِيَ بِالنَّظَرِ لِلْقِيمَةِ وَلَا بُدَّ، فَقَوْلُهُ: " وَإِلَّا " مَرْكَبَةٌ مِنْ " إنْ " الشَّرْطِيَّةِ " وَلَا " النَّافِيَةِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ، أَيْ: وَإِلَّا انْقَطَعَ النَّظَرُ فِي الْمِثْلِيِّ عَنْ تُسَاوِي الْأَجْزَاءِ فِي الْقِيمَةِ فَيُشْكِلُ. وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: " فَلَيْسَ إلَخْ " وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ لَامِ التَّعْلِيلِ، أَيْ لِأَنَّ هَذَا الْقَفِيزَ لَيْسَ مِثْلًا لِذَلِكَ الْقَفِيزِ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فِي نَفْسِهِ؛ تَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 التَّمْيِيزِ هَلْ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ نَظَرًا إلَى حَالِ النَّاسِ أَوْ لَا نَظَرًا إلَى حَالِهِمَا؟ قَالَ فِي الْبَحْرِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ انْتَهَى. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ أَخْذًا مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَمَحِلُّ هَذَا الشَّرْطِ إنْ أَخْرَجَا مَالَيْنِ وَعَقَدَا فَإِنْ كَانَ مِلْكًا مُشْتَرَكًا مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ أَوْ لَا كَالْعَرُوضِ بِإِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَةِ تَمَّتْ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ بِالْخَلْطِ حَاصِلٌ، وَمِنْ الْحِيلَةِ فِي الشَّرِكَةِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ أَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا بَعْضَ عَرَضِهِ بِبَعْضِ عَرَضِ الْآخَرِ كَنِصْفٍ بِنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ بِثُلُثَيْنِ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخَلْطِ حَاصِلٌ بَلْ ذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ الْخَلْطِ، لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ هُنَا إلَّا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَهُنَاكَ وَإِنْ وُجِدَ الْخَلْطُ فَإِنَّ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مُمْتَازٌ عَنْ مَالِ الْآخَرِ، وَحِينَئِذٍ فَيَمْلِكَانِهِ بِالسَّوِيَّةِ إنْ بِيعَ نِصْفٌ بِنِصْفٍ. فَإِنْ بِيعَ ثُلُثٌ بِثُلُثَيْنِ لِأَجَلِ تَفَاوُتِهِمَا فِي الْقِيمَةِ مَلَكَاهُ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ. (وَ) الثَّالِثُ (أَنْ يَأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ) بَعْدَ الْخَلْطِ، وَفِي هَذَا الشَّرْطِ إشَارَةٌ إلَى الصِّيغَةِ وَهِيَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ لِمَنْ يَتَصَرَّفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَا يُعْرَفُ الْإِذْنُ إلَّا بِصِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: اتَّجِرْ أَوْ تَصَرَّفْ اتَّجِرْ فِي الْجَمِيعِ فِيمَا شَاءَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ فِيمَا شِئْت كَالْقِرَاضِ، وَلَا يَتَصَرَّفُ الْقَائِلُ إلَّا فِي نَصِيبِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَمَكَّنُ) أَيْ الْغَيْرُ، وَهُوَ عَطْفُ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ) فَالشَّرْطُ عَدَمُ التَّمْيِيزِ عِنْدَ الْعَاقِدَيْنِ كَمَا نَقَلَهُ سم عَنْ م ر وَاعْتَمَدَهُ أج. وَقِيلَ: الشَّرْطُ عَدَمُ التَّمْيِيزِ عِنْدَ الْعَاقِدَيْنِ وَالنَّاسِ. قَوْلُهُ: (أَخْذًا مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ) أَيْ قَوْلِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ، فَعَدَمُ التَّمَيُّزِ شَامِلٌ لِلْعَاقِدَيْنِ وَهَذَانِ يَتَمَيَّزَانِ عِنْدَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَمَحِلُّ هَذَا الشَّرْطِ) وَهُوَ خَلْطُ الْمَالَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَا) بِأَوْ الْعَاطِفَةِ وَلَا النَّافِيَةِ م د. قَوْلُهُ: (وَشِرَاءٌ) الْوَاوُ بِمَعْنَى: " أَوْ ". قَوْلُهُ: (وَأَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ يَكْفِي الْإِذْنُ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّرِكَةِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّصَرُّفِ وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّقَابُضِ) إنَّمَا اُعْتُبِرَ التَّقَابُضُ لِيَسْتَقِرَّ الْمِلْكُ، وَمِثْلُ التَّقَابُضِ غَيْرُهُ مِمَّا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ كَعَدٍّ أَوْ ذَرْعٍ أَوْ كَيْلٍ. قَوْلُهُ: (فِي التَّصَرُّفِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " يَأْذَنُ ". قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ) وَهُوَ عَدَمُ التَّمَيُّزِ. قَوْلُهُ: (وَهُنَاكَ) أَيْ فِي الْمِثْلِيَّاتِ. قَوْلُهُ: (مُمْتَازٌ) أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (مِلْكَانِ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ) فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثُونَ نَعْجَةً وَلِلثَّانِي ثَلَاثُونَ مِنْ الْمَعْزِ فَبَاعَ صَاحِبُ الْغَنَمِ ثُلُثَهَا بِثُلُثَيْ الْمَعْزِ كَانَ لَهُ فِي كُلٍّ مِنْ النِّعَاجِ وَالْمَعْزِ الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ، وَلَكِنَّ الرِّبْحَ وَالْخُسْرَانَ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ) أَيْ إنْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ وَإِلَّا فَيَكْفِي الْإِذْنُ مِنْ غَيْرِ التَّصَرُّفِ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَصَرَّفَ؛ مَرْحُومِيٌّ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْخَلْطِ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْخَلْطِ قَبْلَ الْعَقْدِ إذْ الْعَقْدُ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إشَارَةٌ إلَى الصِّيغَةِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ مَجْمُوعَ قَوْلِهِ اشْتَرَكْنَا وَأَذِنَّا فِي التَّصَرُّفِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمَنْهَجِ: وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِإِذْنٍ فِي تِجَارَةٍ، فَيَقْتَضِي أَنَّ الصِّيغَةَ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنْ جُمْلَتِهِ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ؛ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا لَفْظُ قَوْلِهِ أَذِنْت لَك فِي التَّصَرُّفِ لِأَنَّهُمْ لَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْإِذْنِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ اشْتَرَكْنَا كَفَى، اهـ. وَعِبَارَةُ سم: فَلَوْ وُجِدَ مُجَرَّدُ الْإِذْنِ مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ بِدُونِ صِيغَةِ اشْتَرَكْنَا وَنَحْوِهَا كَفَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَحُذِفَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (لِمَنْ يَتَصَرَّفُ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلٍ لِلْآخَرِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِذْنِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ إمَّا هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُتَصَرِّفُ هُمَا يَكُونُ الْإِذْنُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْمُتَصَرِّفُ أَحَدَهُمَا يَكُونُ الْإِذْنُ مِنْ الْآخَرِ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ قَالَ الْإِذْنُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِمَنْ يَتَصَرَّفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْأَوَّلُ فِيهِ تَقْدِيرٌ أَيْ الْإِذْنُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَيَكُونُ حَذْفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ رَاجِعًا لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) أَيْ لِأَجْلِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ، أَمَّا صِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِي قَدْرِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 لَهُ الْآخَرُ فَيَتَصَرَّفُ فِي الْجَمِيعِ أَيْضًا، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى اشْتَرَكْنَا لَمْ يَكْفِ الْإِذْنُ الْمَذْكُورُ وَلَمْ يَتَصَرَّفْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا فِي نَصِيبِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ حُصُولِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِهَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ الْمَالِ الْمَوْرُوثِ شَرِكَةً. (وَ) الرَّابِعُ (أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ) بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَا الْأَجْزَاءِ سَوَاءً شَرَطَا ذَلِكَ أَمْ لَا، تَسَاوَى الشَّرِيكَانِ فِي الْعَمَلِ أَمْ تَفَاوَتَا فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَمَرَةُ الْمَالَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِهِمَا، كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ فَأَثْمَرَتْ أَوْ شَاةٌ فَنَتَجَتْ فَإِنْ شَرَطَا خِلَافَهُ بِأَنْ شَرَطَا التَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْمَالَيْنِ أَوْ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالَيْنِ، فَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ، وَلَوْ شَرَطَا زِيَادَةً فِي الرِّبْحِ لِلْأَكْثَرِ مِنْهُمَا عَمَلًا بَطَلَ الشَّرْطُ كَمَا لَوْ شَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي الْخُسْرَانِ فَيَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي مَالِ الْآخَرِ كَالْقِرَاضِ إذَا فَسَدَ، وَتَنْفُذُ التَّصَرُّفَاتُ مِنْهُمَا لِوُجُودِ الْإِذْنِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَيَتَسَلَّطُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ إذَا   [حاشية البجيرمي] عَلَى إذْنِ شَرِيكِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَكْفِ فِي الْإِذْنِ الْمَذْكُورِ) مَحِلُّهُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مَا لَمْ يَنْوِيَا بِقَوْلِهِمَا اشْتَرَكْنَا الْإِذْنَ فِي التَّصَرُّفِ وَإِلَّا صَحَّتْ، فَهُوَ كِنَايَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ سم، وَنَقَلَهُ الْمَرْحُومِيُّ عَنْ الزِّيَادِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِ كَوْنِ إلَخْ) لَا يُقَالُ هَذَا الِاحْتِمَالُ جَارٍ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهَا وَجَعَلُوهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحِلِّ مِنْ الصَّرَائِحِ، فَإِذَا قَالَ: بِعْتُك ذَا بِكَذَا فَقَبِلَ الْعَقْدَ بَيْعًا مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ: بِعْتُك ذَا إلَخْ مُحْتَمَلٌ لِلْإِخْبَارِ عَنْ بَيْعٍ سَبَقَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا كَانَتْ الشَّرِكَةُ مُشْتَرَكَةً شَرْعًا بَيْنَ مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْحَقِّ وَبَيْنَ الْعَقْدِ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ، فَإِذَا قَالَ: اشْتَرَكْنَا وَلَمْ يَزِدْ احْتَمَلَ الشَّرِكَةَ الَّتِي هِيَ ثُبُوتُ الْحَقِّ وَلَوْ بِإِرْثٍ اُحْتِيجَ إلَى الْإِذْنِ لِلِانْصِرَافِ إلَى الْعَقْدِ اهـ مِنْ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِهَا إلَخْ) مُرَتَّبٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، أَيْ وَبِفَرْضِ كَوْنِ ذَلِكَ إنْشَاءً لِشَرِكَةٍ بِالْفِعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ إلَخْ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَشْتَرِطَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ خِلَافُهُ سَوَاءً صَرَّحَ بِهِ أَوْ أَطْلَقَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ شَرَطَا ذَلِكَ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (وَالْخُسْرَانُ) وَمِنْهُ مَا يُدْفَعُ لِلرَّصَدِيِّ وَالْمُكَّاسِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ سَرَقَ الْمَالَ وَاحْتَاجَ فِي رَدِّهِ إلَى مَالٍ عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ نَشَأَ عَنْ الشَّرِكَةِ فَيُسَاوِي مَا يَدْفَعُ لِلْمُكَّاسِ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ مِثْلُ ذَلِكَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ سَرِقَةِ الدَّوَابِّ الْمُشْتَرَكَةِ ثُمَّ إنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ يَغْرَمُ عَلَى عَوْدِهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى شَرِيكِهِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِمَا دَفَعَهُ، وَلَوْ اسْتَأْذَنَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِذْنُ لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ عَلَى ذَلِكَ ظُلْمٌ وَالْحَاكِمُ لَا يَأْذَنُ بِهِ، وَلَيْسَ الْقَصْدُ مِنْ شَرِكَةِ الدَّوَابِّ غُرْمًا وَلَا هُوَ مُعْتَادٌ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا يَصْرِفُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَأُجْرَةِ دَلَّالٍ وَحَمَّالٍ؛. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ ثَمَرَةُ الْمَالَيْنِ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الرِّبْحِ لِأَنَّ الْخُسْرَانَ لَا يُقَالُ لَهُ ثَمَرَةٌ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا الْأَمْرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الشَّيْءِ. قَوْلُهُ: (شَجَرَةٌ فَأَثْمَرَتْ إلَخْ) فَإِنَّ الثَّمَرَةَ وَالنِّتَاجَ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَنَتَجَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَمَعْنَاهُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ " فَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فَاعِلٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَرَطَا خِلَافَهُ) حَاصِلُهُ صُوَرٌ أَرْبَعَةٌ وَكُلُّهَا بَاطِلَةٌ، اثْنَانِ هُنَا وَاثْنَانِ يَأْتِيَانِ فِي قَوْلِهِ: " وَلَوْ شَرَطَا زِيَادَةً فِي الرِّبْحِ لِلْأَكْثَرِ مِنْهُمَا عَمَلًا إلَخْ ". قَوْلُهُ: (بَطَلَ الشَّرْطُ) ظَاهِرُهُ بَقَاءُ الْعَقْدِ صَحِيحًا. وَكَلَامُهُ بَعْدُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ ق ل، فَقَوْلُهُ: بَطَلَ الشَّرْطُ، أَيْ وَالْعَقْدُ. قَوْلُهُ: (فَيَرْجِعُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ " بَطَلَ " وَقَوْلُهُ: " وَتَنْفُذُ التَّصَرُّفَاتُ " مَعْطُوفٌ عَلَى " يَرْجِعُ ". قَوْلُهُ: (بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ) فَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفَانِ وَلِلْآخَرِ أَلْفٌ وَأُجْرَةُ عَمَلِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِائَةٌ فَثُلُثَا عَمَلِ الْأَوَّلِ فِي مَالِهِ وَثُلُثُهُ عَلَى الثَّانِي وَعَمَلُ الثَّانِي بِالْعَكْسِ، فَلِلْأَوَّلِ عَلَيْهِ ثُلُثُ الْمِائَةِ وَلَهُ عَلَى الْأَوَّلِ ثُلُثَاهَا فَيَقَعُ التَّقَاصُّ بِثُلُثِهَا وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ بِثُلُثِهَا زي. قَوْلُهُ: (كَالْقِرَاضِ إذَا فَسَدَ) قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِالْفَسَادِ وَأَنَّهُ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 وُجِدَ الْإِذْنُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِلَا ضَرَرٍ فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً لِلْغَرَرِ. وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَلَا يَشْتَرِي بِغَبْنٍ وَلَا يُسَافِرُ بِالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ لِمَا فِي السَّفَرِ مِنْ الْخَطَرِ، فَإِنْ سَافَرَ ضَمِنَ فَإِنْ بَاعَ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ ضَامِنًا وَلَا يَدْفَعُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِ يَدِهِ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ هَذَا كُلَّهُ إذَا فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ جَازَ وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَاقِدِ أَهْلِيَّةُ تَوْكِيلٍ وَتَوَكُّلٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْمُتَصَرِّفُ اشْتَرَطَ فِيهِ أَهْلِيَّةَ التَّوَكُّلِ وَفِي الْآخَرِ أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ فَقَطْ حَتَّى يَجُوزَ كَوْنُهُ أَعْمَى كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ. (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (فَسْخُهَا) أَيْ الشَّرِكَةِ (مَتَى شَاءَ) وَلَوْ بَعْدَ التَّصَرُّفِ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَيَنْعَزِلَانِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِفَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: عَزَلْتُك أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي لَمْ يَنْعَزِلْ الْعَازِلُ فَيَتَصَرَّفُ فِي نَصِيبِ الْمَعْزُولِ. (وَمَتَى مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ (بَطَلَتْ) أَيْ انْفَسَخَتْ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَاسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ إغْمَاءً لَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ صَلَاةٍ فَلَا فَسْخَ بِهِ لِأَنَّهُ خَفِيفٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يُخَالِفُهُ. تَتِمَّةٌ: يَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ كَالْمُودَعِ وَالْوَكِيلِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ وَفِي التَّلَفِ إنْ ادَّعَاهُ بِلَا سَبَبٍ، أَوْ   [حاشية البجيرمي] أُجْرَةَ لَهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ. وَهَذَا ضَعِيفٌ، فَالْمُعْتَمَدُ اسْتِحْقَاقُ الْأُجْرَةِ وَإِنْ عَلِمَ بِالْفَسَادِ اهـ زي. قَوْلُهُ: (وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا) أَيْ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا، أَيْ بَعْدَ إخْرَاجِ أُجْرَةِ عَمَلِ الْعَامِلِ اهـ م د. وَقَوْلُهُ: " بَعْدَ إخْرَاجِ إلَخْ " لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (وَيَتَسَلَّطُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي شُرُوطِ الْعَمَلِ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْبَابِ وَلَيْسَ مُرْتَبِطًا بِمَسَائِلِ الْفَاسِدِ. قَوْلُهُ: (بِلَا ضَرَرٍ) تَبِعَ فِيهِ الْمِنْهَاجَ وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ مَعَ وُجُودِ رَاغِبٍ بِأَزْيَدَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَعِبَارَتُهُ: وَشَرْطٌ فِي الْعَمَلِ مَصْلَحَةٌ فَلَا يَبِيعُ بِثَمَنِ مِثْلٍ وَثَمَّ رَاغِبٌ بِأَزْيَدَ، ثُمَّ قَالَ: وَتَعْبِيرِي بِمَصْلَحَةٍ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ بِلَا ضَرَرٍ لِاقْتِضَائِهِ جَوَازَ الْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ مَعَ وُجُودِ رَاغِبٍ بِزِيَادَةٍ؛ فَلَوْ عَبَّرَ الشَّارِحُ بِالْمَصْلَحَةِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً إلَخْ) وَفِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي حِصَّتِهِ دُونَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، إلَّا فِي مَسْأَلَةِ السَّفَرِ إذَا خَالَفَ وَسَافَرَ وَبَاعَ يَصِحُّ فِي الْكُلِّ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) وَإِنْ رَاجَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَافِرُ بِالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ) أَيْ بِلَا إذْنٍ، وَمُجَرَّدُ الْإِذْنِ فِي السَّفَرِ لَا يَتَنَاوَلُ سَفَرَ الْبَحْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّصِّ عَلَيْهِ أَوْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ؛ شَرْحُ م ر. كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي السَّفَرِ إلَى بَلَدٍ لَا يُمْكِنُ وُصُولُهُ لَهَا إلَّا فِي الْبَحْرِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْخَطَرِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الْإِشْرَافِ عَلَى الْهَلَاكِ أَوْ خَوْفِ التَّلَفِ وَالْجَمْعُ أَخْطَارٌ كَسَبَبٍ وَأَسْبَابٍ اهـ مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (هَذَا كُلُّهُ) أَيْ قَوْلُهُ فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً إلَخْ ق ل. قَوْلُهُ: (أَهْلِيَّةُ تَوْكِيلٍ) وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُشَارِكَ عَلَى مَالِ مُوَلِّيهِ إذَا كَانَ الشَّرِيكُ أَمِينًا إنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ، فَإِنْ تَصَرَّفَ الْوَلِيُّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّرِيكِ ذَلِكَ؛ وَتَصِحُّ شَرِكَةُ الْمُكَاتَبِ مَعَ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ يَتَصَرَّفُ، فَإِنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ السَّيِّدِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَبَرُّعًا بِعَمَلٍ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَجُوزَ كَوْنُهُ أَعْمَى) أَيْ وَالْعَاقِدُ وَكِيلُهُ لَا هُوَ لِعَدَمِ صِحَّةِ عَقْدِهِ ع ش. وَيُوَكِّلُ فِي الْخَلْطِ وَالتَّصَرُّفِ لِكَوْنِ الْإِذْنِ مِنْهُ، بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّصَرُّفِ) أَيْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَقَبْلَ انْتِهَائِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ انْتَهَتْ مِنْهُ الشَّرِكَةُ. قَوْلُهُ: (وَيَنْعَزِلَانِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِفَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ إذَا فَسَخَهَا أَحَدُهُمَا انْعَزَلَا مَعًا بِخِلَافِ الْعَزْلِ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمَا مَعًا انْعَزَلَا وَإِلَّا انْعَزَلَ الْمَعْزُولُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) وَلَوْ قَدْرًا يَسِيرًا. قَوْلُهُ: (أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) أَوْ فَلَسٍ. قَوْلُهُ: (أَيْ انْفَسَخَتْ) دَفَعَ بِذَلِكَ مَا يُوهِمُ الْبُطْلَانَ مِنْ عَدَمِ الِانْعِقَادِ، فَأَوَّلَهُ الشَّارِحُ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ بُطْلَانُهَا مِنْ أَصْلِهَا فَتَبْطُلُ التَّصَرُّفَاتُ الْمَاضِيَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (إغْمَاءٌ لَا يَسْقُطُ إلَخْ) بِأَنْ أَفَاقَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةً وَلَوْ وَقْتَ عُذْرٍ م د. وَقَالَ ح ل: أَيْ لَا يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ فَرْضِ الصَّلَاةِ، وَمِنْهُ التَّقْرِيفُ الْمَشْهُورُ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْحَمَّامِ، فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَالسُّكْرُ كَذَلِكَ؛ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَا فَسْخَ بِهِ) الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِ الْمَتْنِ: بَطَلَ أَنْ يَقُولَ فَلَا بُطْلَانَ بِهِ؛ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ الْفَسْخُ عَبَّرَ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ وَبَعْدَ الْإِفَاقَةِ إنْ شَاءَ قَسَمَ وَأَخَذَ مَالَهُ وَإِنْ شَاءَ أَعَادَ الشَّرِكَةَ وَلَوْ بِلَفْظِ التَّقْرِيرِ بِأَنْ يَقُولَ: قَرَّرْت الشَّرِكَةَ. قَوْلُهُ: (يَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمِينَ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ، وَهِيَ: مَا إذَا ادَّعَى تَلَفًا مُطْلَقًا، أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَالسَّرِقَةِ فَإِنْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ كَحَرِيقٍ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِالسَّبَبِ، ثُمَّ بَعْدَ إقَامَتِهَا يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ بِهِ بِيَمِينِهِ فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ دُونَ عُمُومِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَوْ عُمُومِهِ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ. وَلَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ: هُوَ لِي وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ مُشْتَرَكٌ أَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ هُوَ مُشْتَرَكٌ. وَقَالَ الْآخَرُ هُوَ لِي صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الْيَدِ اقْتَسَمْنَا وَصَارَ مَا فِي يَدِي لِي، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقِسْمَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا وَقَالَ: اشْتَرَيْته لِلشَّرِكَةِ أَوْ لِنَفْسِي وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ.   [حاشية البجيرمي] بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ، أَوْ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ عُرِفَ دُونَ عُمُومِهِ، أَوْ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ عُرِفَ وَعُمُومُهُ وَاتُّهِمَ، فَإِنْ لَمْ يُتَّهَمْ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ. وَإِذَا ادَّعَى سَبَبًا ظَاهِرًا وَجُهِلَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى وُجُودِهِ وَيَمِينٍ عَلَى تَلَفِهَا بِهِ. قَوْلُهُ: (كَحَرِيقٍ) أَيْ وَجُهِلَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: " فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ إلَخْ " فَيَكُونُ مُقَابِلًا لِهَذَا الْمُقَدَّرِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ) وَكَذَا فِي رَدِّ الْمَالِ بِالنِّسْبَةِ لِحِصَّةِ الشَّرِيكِ لَا لِإِثْبَاتِ حِصَّتِهِ عَلَى الشَّرِيكِ، شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (دُونَ عُمُومِهِ) أَيْ لِلْمَحِلِّ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ) أَيْ مَا لَمْ يُتَّهَمْ وَإِلَّا حَلَفَ، اهـ مَرْحُومِيٌّ. 1 - فَرْعٌ: سُئِلَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ عَنْ الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهِيَ تَحْتَ يَدِ أَحَدِهِمَا وَتَلِفَتْ بِمَوْتٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ يَدٍ عَادِيَةٍ أَوْ بِتَفْرِيطٍ، هَلْ يَكُونُ ضَامِنًا لِحِصَّةِ شَرِيكِهِ أَوْ يَدُهُ يَدَ أَمَانَةٍ؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: إذَا تَلِفَتْ الدَّابَّةُ تَحْتَ يَدِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِإِذْنٍ مِنْ شَرِيكِهِ وَأَذِنَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَهِيَ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ ضَمَانَ الْعَوَارِيِّ، وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهَا بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ شَرِيكِهِ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ ضَمَانَ الْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِ الشَّرِيكِ بِإِذْنِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهَا فَهِيَ أَمَانَةٌ جَزْمًا لَا تُضْمَنُ إلَّا إذَا قَصَّرَ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَقَالَ اعْلِفْهَا فِي نَظِيرِ رُكُوبِهَا مَثَلًا فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ مُهَايَأَةٌ وَاسْتَعْمَلَ كُلٌّ فِي نَوْبَتِهِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ هَذِهِ تُشْبِهُ الْإِجَارَةَ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ شَرْطِ عَلْفِهَا عَلَيْهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا دَفَعَ الدَّابَّةَ الْمُشْتَرَكَةَ لِشَرِيكِهِ لِتَكُونَ تَحْتَ يَدِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعَلَفِ لَا إثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا، فَإِذَا تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِ مَنْ هِيَ عِنْدَهُ بِلَا تَقْصِيرٍ لَمْ يَضْمَنْ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِمَا عَلَفَ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالدَّابَّةِ كَأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْعَلَفِ وَإِنْ قَالَ قَصَدْت الرُّجُوعَ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ مُرَاجَعَةُ الْمَالِكِ إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا رَاجَعَ الْحَاكِمَ؛ اهـ ع ش عَلَى م ر. 1 - فَرْعٌ: إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ صَارَا ضَامِنَيْنِ وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي، ع ش عَلَى م ر. فَرْعٌ: جَمَاعَةٌ مُشْتَرِكُونَ فِي بَهَائِمَ وَحُبُوبٍ وَزَرْعٍ وَغَيْرِهَا وَيَتَصَرَّفُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِبَيْعٍ وَحَجٍّ وَزَوَاجٍ وَبَعْضُهُمْ يَكْتَسِبُ دُونَ بَعْضٍ. وَحَاصِلُ مَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ تَصَرُّفَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شُرَكَائِهِ بَاطِلٌ فِي نَصِيبِهِمْ نَافِذٌ فِي نَصِيبِهِ، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي الْجَمِيعِ. وَإِذَا تَزَوَّجَ أَوْ حَجَّ أَحَدُهُمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ حُسِبَ عَلَيْهِ حِصَّتُهُمْ، وَإِذَا حَصَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ كَسْبٌ فَهُوَ لَهُ وَحْدَهُ، وَإِذَا حَصَلَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَسْبٌ وَتَمَيَّزَ فَهُوَ لِكَاسِبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ قُسِمَ مَا حَصَلَ مِنْ الْكَسْبِ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوِيَّةِ حَيْثُ تُسَاوَوْا فِي الْكَسْبِ، فَلَوْ حَصَلَ نِتَاجٌ مِنْ الْبَهَائِمِ وَحُبُوبٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الزَّرْعِ الَّذِي أَصْلُهُ مِنْ الْحَبِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمْ قُسِمَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ بِقَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ، وَإِذَا حَصَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ زَرْعٌ وَرَعْيُ بَهَائِمَ وَحَصَادٌ وَدِرَاسٌ مَثَلًا فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنْ كَانَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِعَمَلِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ فَلَهُ مِثْلُ أُجْرَةِ عَمَلِهِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوَلَدِ مَعَ أَبِيهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ مُتَمَيِّزٌ فَهُوَ لَهُ؛ وَمِثْلُ الْإِذْنِ مَا لَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الرِّضَا كَأَنْ يَشْتَرِيَ مَعَ مَرِيدِ الْحَجِّ أَوْ الزَّوَاجِ حَوَائِجَ سَفَرِ الْحَجِّ وَالزَّوَاجِ اهـ ع ش بِزِيَادَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 فَصْلٌ: فِي الْوَكَالَةِ هِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا لُغَةً التَّفْوِيضُ يُقَالُ وَكَلَ أَمْرَهُ إلَى فُلَانٍ فَوَّضَهُ إلَيْهِ وَاكْتَفَى بِهِ وَمِنْهُ {تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ} [هود: 56] وَشَرْعًا تَفْوِيضُ شَخْصٍ مَا لَهُ فِعْلُهُ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ إلَى غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ وَالْأَصْلُ فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] وَمِنْ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ مِنْهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ السُّعَاةَ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ» وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ مُوَكِّلٌ وَوَكِيلٌ وَمُوَكَّلٌ فِيهِ وَصِيغَةٌ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُوَكِّلِ فَقَالَ: (وَكُلُّ مَا جَازَ لِلْإِنْسَانِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِنَفْسِهِ) بِمِلْكٍ أَوْ وِلَايَةٍ (جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ) غَيْرَهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فَبِنَائِبِهِ أَوْلَى. وَهَذَا فِي   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ] مَصْدَرُ " وَكَلَ " بِالتَّخْفِيفِ وَاسْمُ مَصْدَرِ " وَكَلَ " أَوْ " تَوَكَّلَ " بِالتَّشْدِيدِ فِيهِمَا. وَذَكَرَهَا بَعْدَ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ جَائِزٌ يَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ وَنَحْوِهِ، وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ كَالشَّرِيكِ وَفِي الشَّرِكَةِ مَعْنَى التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا النَّدْبُ، وَقَدْ تَحْرُمُ إنْ كَانَ فِيهَا إعَانَةٌ عَلَى حَرَامٍ، وَتُكْرَهُ إنْ كَانَ فِيهَا إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ، وَتَجِبُ إنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهَا دَفْعُ ضَرُورَةِ الْمُوَكِّلِ كَتَوْكِيلِ الْمُضْطَرِّ غَيْرَهُ فِي شِرَاءِ طَعَامٍ قَدْ عَجَزَ الْمُضْطَرُّ عَنْ شِرَائِهِ. وَقَدْ تُتَصَوَّرُ فِيهَا الْإِبَاحَةُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّلِ حَاجَةٌ فِي الْوَكَالَةِ وَسَأَلَهُ الْوَكِيلُ لَا لِغَرَضٍ، اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (يُقَالُ وَكَلَ) بِتَخْفِيفِ الْكَافِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. قَوْلُهُ: (تَفْوِيضُ شَخْصٍ مَا لَهُ فِعْلُهُ إلَخْ) هَذَا التَّعْرِيفُ لَا يَشْمَلُ الصُّوَرَ الْمُسْتَثْنَاةَ الْآتِيَةَ، فَهُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ) أَيْ شَرْعًا وَالْمُرَادُ بِهَا مَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، فَلَا دَوْرَ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ اهـ ابْنُ حَجَرٍ. وَوَجْهُ الدَّوْرِ أَنَّ النِّيَابَةَ هِيَ الْوَكَالَةُ، وَقَدْ أَخَذْت فِي تَعْرِيفِهَا فَخَرَجَ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ. قَوْلُهُ: (لِيَفْعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ) خَرَجَ الْإِيصَاءُ، وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ. وَعِبَارَةُ التَّحْرِيرِ: لَا لِيَفْعَلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهِيَ أَحْسَنُ إذْ هِيَ صَادِقَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يُقَيَّدْ أَصْلًا كَأَنْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي بَيْعِ كَذَا، وَبِمَا إذَا قُيِّدَ بِحَالِ الْحَيَاةِ كَأَنْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي كَذَا حَالَ حَيَاتِي، فَلْيُتَأَمَّلْ: لِكَاتِبِهِ أج. وَقَدْ اشْتَمَلَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ، ثَلَاثَةٌ صَرِيحَةٌ وَالصِّيغَةُ بِالِالْتِزَامِ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ صِيغَةٍ. وَاشْتَمَلَ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى قُيُودٍ ثَلَاثَةٍ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ مَنْطُوقُهُ هُوَ أَنَّ الَّذِي يَفْعَلُهُ فِي حَيَاتِهِ يُوَكَّلُ فِيهِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ لَا يُوَكَّلُ فِيهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْغَالِبِ، فَهُوَ كَالْمَتْنِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا. قَوْلُهُ: {فَابْعَثُوا حَكَمًا} [النساء: 35] وَهُمَا وَكِيلَانِ فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا جَازَ) بِالرَّفْعِ، وَتُكْتَبُ مَفْصُولَةً مِنْ " مَا " إذَا كَانَتْ غَيْرَ ظَرْفٍ كَمَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَتُكْتَبُ مَوْصُولَةً إنْ كَانَتْ ظَرْفًا، أَيْ وَتَكُونُ حَالَةَ الِاتِّصَالِ مَنْصُوبَةً نَحْوَ: كُلَّمَا جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْته؛ اهـ مَرْحُومِيٌّ بِالْمَعْنَى. وَحَاصِلُ مَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُهُ أَرْبَعُ قَوَاعِدَ: اثْنَانِ بِالْمَنْطُوقِ، وَاثْنَانِ بِالْمَفْهُومِ. بَيَانُ الْأُولَى: كُلُّ مَا جَازَ لِلْإِنْسَانِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ، وَمَفْهُومُ ذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ. وَالثَّالِثَةُ كُلُّ مَا جَازَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَمَفْهُومُهُ كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ غَيْرَهُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ إلَخْ كَمَا شَرَحَ فِي الْمَنْهَجِ مَرْحُومِيٌّ. فَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: " وَإِلَّا فَلَا " وَعِبَارَةُ أج: قَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ إلَخْ " تَعْلِيلٌ لِمَفْهُومِ الْمَتْنِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ هَذَا الْمَفْهُومِ لِأَنَّ مَنْطُوقَ الْمَتْنِ قَوِيُّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَفْهُومِ فَأَتَى بِالتَّعْلِيلِ دَلِيلًا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ مَنْطُوقُ الْمَتْنِ وَمَفْهُومُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مَسَائِلُ طَرْدًا وَعَكْسًا. فَمِنْ الطَّرْدِ الظَّافِرُ بِحَقِّهِ فَلَا يُوَكِّلُ فِي كَسْرِ الْبَابِ وَأَخْذِ حَقِّهِ. وَكَوَكِيلٍ قَادِرٍ وَعَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ وَسَفِيهٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي نِكَاحٍ، وَمِنْ الْعَكْسِ كَأَعْمَى يُوَكِّلُ فِي تَصَرُّفٍ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ مُبَاشَرَتُهُ لَهُ لِلضَّرُورَةِ، وَكَالْمُحْرِمِ يُوَكِّلُ حَلَالًا فِي النِّكَاحِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَيَصِحُّ تَوْكِيلُ وَلِيٍّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مُوَلِّيهِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ لِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِ لَهُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ شَرْطِ الْمُوَكِّلِ فِيهِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُوَكِّلُ حِينَ التَّوْكِيلِ فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ وَمَا سَيَمْلِكُهُ وَطَلَاقُ مَنْ سَيَنْكِحُهَا لِأَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَسْتَنِيبُ غَيْرَهُ إلَّا تَبَعًا؟ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِبَيْعِ مَا لَا يَمْلِكُهُ تَبَعًا لِلْمَمْلُوكِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَقْبَلَ نِيَابَةً فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي كُلِّ عَقْدٍ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ، وَكُلُّ فَسْخٍ كَإِقَالَةٍ وَرَدٍّ بِعَيْبٍ وَقَبْضٍ وَإِقْبَاضٍ وَخُصُومَةٍ مِنْ دَعْوَى وَجَوَابٍ وَتَمَلُّكٍ مُبَاحٍ كَإِحْيَاءٍ وَاصْطِيَادٍ وَاسْتِيفَاءِ عُقُوبَةٍ لَا فِي إقْرَارٍ فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَلَا فِي الْتِقَاطٍ، وَلَا فِي عِبَادَةٍ كَصَلَاةٍ إلَّا فِي نُسُكٍ مِنْ حَجٍّ أَوْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (طَرْدًا) أَيْ مَنْطُوقًا وَهُوَ التَّلَازُمُ فِي الثُّبُوتِ، وَعَكْسًا أَيْ مَفْهُومًا وَهُوَ التَّلَازُمُ فِي الِانْتِفَاءِ، وَقَوْلُهُ: " فَمِنْ الطَّرْدِ " أَيْ فَالْمُسْتَثْنَى مِنْ الطَّرْدِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: " وَمِنْ الْعَكْسِ ". وَطَرْدًا وَعَكْسًا مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ الْمُضَافِ، أَيْ مِنْ طَرْدِهِ وَعَكْسِهِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ إلَيْهِ ثُمَّ أَتَى بِهِ وَجُعِلَ تَمْيِيزًا. قَوْلُهُ: (فَلَا يُوَكِّلُ فِي كَسْرِ الْبَابِ) وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَكَوَكِيلٍ قَادِرٍ إلَخْ) أَتَى بِالْكَافِ عَلَى تَوَهُّمِ وُجُودِ الْكَافِ فِيمَا قَبْلَهُ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: يُسْتَثْنَى مَسَائِلُ كَكَذَا وَكَوَكِيلٍ، وَإِلَّا فَحَقُّهُ حَذْفُ الْكَافِ وَرَفْعُهُ عَطْفًا عَلَى الظَّافِرِ، قَوْلُهُ: (مَأْذُونٌ لَهُ) أَيْ فِي التِّجَارَةِ. وَقَوْلُهُ: " وَسَفِيهٍ " فَلَا يَجُوزُ لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُوَكِّلُوا غَيْرَهُمْ مَعَ جَوَازِ التَّصَرُّفِ بِأَنْفُسِهِمْ. قَوْلُهُ: (فِي نِكَاحٍ) أَيْ فِي قَبُولِهِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْعَكْسِ كَأَعْمَى) تَرْكِيبٌ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ، أَيْ وَمِنْ الْعَكْسِ مَسَائِلُ كَأَعْمَى إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِلضَّرُورَةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: " يُوَكِّلُ ". قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّحَلُّلِ) أَيْ الثَّانِي، أَوْ يُطْلَقُ وَعَقْدُ الْوَكِيلِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ. وَعِبَارَةُ سم: أَيْ أَوْ يُطْلَقُ بِخِلَافِ مَا إذَا قُيِّدَ بِحَالِ الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ تَوْكِيلُ إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (عَنْ نَفْسِهِ إلَخْ) وَالْحَالُ أَنَّ الْمَالَ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُوَلِّيهِ) أَيْ أَوْ عَنْهُمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْ يُطْلَقُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَفَائِدَةُ وَكَالَتِهِ عَنْ الْوَلِيِّ أَوْ عَنْ الطِّفْلِ أَوْ عَنْهُمَا عَدَمُ انْعِزَالِهِ بِبُلُوغِ الطِّفْلِ رَشِيدًا إذَا كَانَ وَكِيلًا عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَنْ الْوَلِيِّ. وَلَوْ كَانَ وَكِيلًا عَنْهُمَا مَعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَلِيِّ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلطِّفْلِ الَّذِي بَلَغَ رَشِيدًا، شَوْبَرِيٌّ. فَإِنْ أَطْلَقَ التَّوْكِيلَ كَانَ عَنْ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ ح ل. قَوْلُهُ: (أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُوَكِّلُ) فِيهِ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْمُوَكَّلِ فِيهِ، وَهَذَا قَاصِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْوَلِيَّ فِي مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَالِكًا لَعَيْنِ مَالِ مُوَلِّيهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَمْلِكَهُ أَيْ يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ، وَمَعْنَى مِلْكِهِ لِلتَّصَرُّفِ أَنْ يَصِحَّ مِنْهُ وَيَقْدِرَ عَلَى إنْشَائِهِ سَوَاءً كَانَ بِمِلْكٍ لِلْعَيْنِ أَوْ وِلَايَةً، فَدَخَلَ الْأَبُ وَالْجَدُّ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ إلَخْ) الَّذِي بِخَطِّهِ: لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَاشِرْ إلَخْ وَهِيَ أَنْسَبُ. قَوْلُهُ: (إلَّا تَبَعًا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: " فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ " وَقَوْلُهُ: " فِيمَا سَيَمْلِكُهُ " أَيْ فِي بَيْعِ مَا سَيَمْلِكُهُ. قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَنْطُوقِ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ بِطَلَاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا تَبَعًا لِمَنْكُوحَتِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَلَا يُشْتَرَطُ مُنَاسَبَتُهُ لِمَتْبُوعِهِ فَلَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ وَطَلَاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا صَحَّ كَمَا قَالَهُ سم وَالشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَقْبَلَ نِيَابَةً) ذَكَرَ الشَّارِحُ شُرُوطًا ثَلَاثَةً، وَالثَّالِثُ قَوْلُهُ الْآتِي: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ فَسْخٍ) لَوْ قَالَ: " وَحَلٍّ " لَكَانَ أَوْلَى، لِيَشْمَلَ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ. قَوْلُهُ: (وَرَدٍّ بِعَيْبٍ) أَيْ إنْ حَصَلَ عُذْرٌ فِي الْفَسْخِ لَا يُعَدُّ بِهِ مُقَصِّرًا فِي الْعُدُولِ عَنْ الْفَسْخِ إلَى التَّوْكِيلِ س ل؛ كَأَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا امْرَأَةً أَوْ كَافِرًا فَيَقُولُ لَهَا أَوْ لَهُ: وَكَّلْتُك لِتَرُدَّ هَذَا الْعَبْدَ الْمَعِيبَ، وَلَا يَقُولُ: فَسَخْت، وَيَشْهَدُ إذْ لَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ وَالْكَافِرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ يَفْسَخُ وَيُشْهِدُهُ وَيُوَكِّلُهُ فِي الرَّدِّ. قَوْلُهُ: (وَخُصُومَةٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ق ل. قَوْلُهُ: (وَتَمَلُّكٍ مُبَاح) أَيْ شَيْءٍ مُبَاحٍ أَيْ إنْ قَصَدَهُ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ، فَإِنْ قَصَدَ نَفْسَهُ فَقَطْ أَوْ أَطْلَقَ فَهُوَ لَهُ أَوْ قَصَدَهُمَا فَهُوَ مُشْتَرَكٌ ق ل، وَلَوْ قَصَدَ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَقَالَ ع ش: يَكُونُ الْقَصْدُ لَاغِيًا فَيَكُونُ لِلْوَكِيلِ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَاسْتِيفَاءِ عُقُوبَةٍ) لِآدَمِيٍّ أَوْ لِلَّهِ كَقَوَدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 عُمْرَةٍ وَدَفْعِ نَحْوِ زَكَاةٍ كَكَفَّارَةٍ، وَذَبْحِ نَحْوِ أُضْحِيَّةٍ كَعَقِيقَةٍ. وَلَا يَصِحُّ فِي شَهَادَةٍ إلْحَاقًا لَهَا بِالْعِبَادَةِ، وَلَا فِي نَحْوِ ظِهَارٍ كَقَتْلٍ، وَلَا فِي نَحْوِ يَمِينٍ كَإِيلَاءٍ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ مَعْلُومًا وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ كَوَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِ أَمْوَالِي وَعِتْقِ أَرِقَّائِي، لَا فِي نَحْوِ كُلِّ أُمُورِي كَكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِمُعَيَّنٍ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ بِأَنَّ التَّابِعَ ثَمَّ مُعَيَّنٌ بِخِلَافِهِ هُنَا وَيَجِبُ فِي تَوْكِيلِهِ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ بَيَانُ نَوْعِهِ كَتُرْكِيٍّ، وَفِي شِرَاءِ دَارٍ مُحِلَّةٍ وَسِكَّةٍ، وَلَا يَجِبُ بَيَانُ ثَمَنٍ فِي   [حاشية البجيرمي] وَحَدِّ قَذْفٍ وَحَدِّ زِنًا وَشُرْبٍ وَلَوْ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَالْغَايَةُ رَاجِعَةٌ لِلِاسْتِيفَاءِ، أَيْ فَيَسْتَوْفِي الْوَكِيلُ الْعُقُوبَةَ وَلَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا بِأَنْ أَذِنَ نَحْوُ السُّلْطَانِ لِصَاحِبِ الْحَقِّ بِالِاسْتِيفَاءِ، فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُوَكِّلَ. فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ الْقَوَدُ لَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لَا الْمُسْتَحِقُّ، فَكَيْفَ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لَا فِي إقْرَارٍ فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهِ) بِأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ: وَكَّلْتُك لِتُقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا، فَيَقُولُ الْوَكِيلُ: أَقْرَرْت عَنْهُ بِكَذَا أَوْ جَعَلْته مُقِرًّا بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ فَلَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ كَالشَّهَادَةِ، لَكِنَّ الْمُوَكِّلَ يَكُونُ مُقِرًّا بِالتَّوْكِيلِ عَلَى الْأَصَحِّ لِإِشْعَارِهِ بِثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الْتِقَاطٍ) أَيْ عَامٍّ كَوَكَّلْتُكَ لِتَلْتَقِطَ عَنِّي، بِخِلَافِ وَكَّلْتُك لِتَلْتَقِطَ عَنِّي هَذِهِ اللُّقَطَةَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنْ يُوَكِّلْ فِي الْتِقَاطٍ خُصَّا ... صَحَّ وَإِلَّا أَبْطَلُوهُ نَصَّا فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْكِيلِ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحِ؟ قُلْتُ: الْفَرْقُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: تَغْلِيبًا لِشَائِبَةِ الْوِلَايَةِ وَهِيَ حِفْظُهَا عَلَى شَائِبَةِ الِاكْتِسَابِ، أَيْ بِخِلَافِ تَمَلُّكِ الْمُبَاحِ، فَإِنَّهُ لَا وِلَايَةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي نُسُكٍ) وَيَنْدَرِجُ فِيهِ تَوَابِعُهُ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعِبَادَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إمَّا أَنْ تَكُونَ بَدَنِيَّةً مَحْضَةً فَيَمْتَنِعُ التَّوْكِيلُ فِيهَا إلَّا فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَبَعًا لِلنُّسُكِ فَيَجُوزُ فَلَوْ أَفْرَدَهُمَا بِالتَّوْكِيلِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَالِيَّةً مَحْضَةً فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهَا مُطْلَقًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَهُمَا كَالْحَجِّ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ عَنْ مَيِّتٍ أَوْ مَعْضُوبٍ. وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الزِّيَادِيِّ، اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ فِي شَهَادَةٍ) وَهَذَا غَيْرُ تَحَمُّلِهَا الْجَائِزِ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: (إلْحَاقًا لَهَا بِالْعِبَادَةِ) أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ مِنْ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي نَحْوِ ظِهَارٍ) أَيْ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّشْنِيعُ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ. قَوْلُهُ: (كَقَتْلٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ، بِأَنْ يَقُولَ: وَكَّلْتُك فِي أَنْ تَقْتُلَ عَنِّي فُلَانًا ظُلْمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِحَقٍّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ وَكَّلَ فِي الْقِصَاصِ ثُمَّ عَفَا قَبْلَ الْقَتْلِ فَقَتَلَهُ الْوَكِيلُ جَاهِلًا بِالْعَفْوِ فَالدِّيَةُ عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ فَالدِّيَةُ عَلَى الْوَكِيلِ زَجْرًا لَهُ فِي تَوَكُّلِهِ فِي الْقَتْلِ اهـ. وَصُورَةُ الظِّهَارِ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ عَلَى مُوَكِّلِي كَظَهْرِ أُمِّهِ أَوْ جَعَلْت مُوَكِّلِي مُظَاهِرًا مِنْك؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ النِّيَابَةَ. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا كَانَ مَعْصِيَةً بِأَصْلِ الشَّرْعِ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، وَمَا كَانَ مَعْصِيَةً لَا بِأَصْلِ الشَّرْعِ بَلْ لِعَارِضٍ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ؛ فَمِنْ الْأَوَّلِ الْقَتْلُ وَالْقَذْفُ وَالسَّرِقَةُ لِأَنَّ أَحْكَامَهَا تَخْتَصُّ بِمُرْتَكِبِهَا لِأَنَّ كُلَّ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ مَقْصُودٌ بِالِامْتِنَاعِ مِنْهَا، وَمِنْ الثَّانِي الْبَيْعُ بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ وَالطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ لِأَنَّ الْإِثْمَ فِيهِ لِمَعْنًى خَارِجٍ؛ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (كَإِيلَاءٍ) وَلِعَانٍ وَنَذْرٍ. وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يَقُولَ: مُوَكِّلِي يَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك مُدَّةَ كَذَا؛ وَنُوزِعَ فِيهِ، اهـ عَبْدُ الْبَرِّ الَأُجْهُورِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ) كَوَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِ أَمْوَالِي. فَالْوَجْهُ الَّذِي هُوَ مَعْلُومٌ مِنْهُ خُصُوصُ كَوْنِهِ مَالًا، وَالْوَجْهُ الْمَجْهُولُ مِنْهُ أَنْوَاعُ الْمَالِ، وَالْوَجْهُ الْمَعْلُومُ فِي عِتْقِ الْأَرِقَّاءِ خُصُوصُ كَوْنِهِ عِتْقًا وَجِهَةُ الْجَهْلِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْعَدَدِ وَكَوْنِهَا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ التَّابِعَ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا لِلتَّصْوِيرِ. قَوْلُهُ: (مُعَيَّنٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْبَيْعُ ح ل، أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ الشَّخْصُ. قَوْلُهُ: (بَيَانُ نَوْعِهِ) وَبَيَانُ صِفَتِهِ إنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا ذِكْرُ الذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْصَاءُ أَوْصَافِ السَّلَمِ وَلَا مَا يَقْرُبُ مِنْهَا اتِّفَاقًا س ل. قَوْلُهُ: (مَحِلَّةٌ) الْمَحَلَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ الْحَارَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى السِّكَكِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُوَكِّلِ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ نَفِيسًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ خَسِيسًا، ثُمَّ مَحِلُّ بَيَانِ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ التِّجَارَةَ. وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ بَيَانُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَأَشَارَ إلَى الْوَكِيلِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يَتَوَكَّلُ) فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ فَأَوْ هُنَا تَقْسِيمِيَّةٌ، أَيْ شَرْطُ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ الْمَأْذُونَ فِيهِ لِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ تَوَكُّلُهُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ فَلِغَيْرِهِ أَوْلَى، فَلَا يَصِحُّ تَوَكُّلُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ، وَلَا تَوَكُّلُ امْرَأَةٍ فِي نِكَاحٍ وَلَا مُحْرِمٍ لِيَعْقِدَهُ إحْرَامهُ وَهَذَا فِي الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ مِنْهَا: لِلْمَرْأَةِ فَتَتَوَكَّلُ فِي طَلَاقِ غَيْرِهَا وَمِنْهَا السَّفِيهُ وَالْعَبْدُ فَيَتَوَكَّلَانِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَالسَّيِّدِ لَا فِي إيجَابِهِ، وَمِنْهَا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ فَيَتَوَكَّلُ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ مُبَاشَرَتُهُ لَهُ بِلَا إذْنٍ، وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْوَكِيلِ فَلَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ: وَكَّلْت أَحَدَكُمَا فِي بَيْعِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي بَيْعِ كَذَا مَثَلًا وَكُلُّ مُسْلِمٍ صَحَّ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ مِنْ مُوَكِّلٍ وَلَوْ بِنَائِبِهِ مَا يُشْعِرُ بِرِضَاهُ، كَوَكَّلْتُكَ فِي كَذَا أَوْ بِعْ كَذَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْأَوَّلُ إيجَابٌ وَالثَّانِي قَائِمٌ مَقَامَهُ. أَمَّا الْوَكِيلُ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لَفْظًا أَوْ نَحْوَهُ إلْحَاقًا لِلتَّوْكِيلِ   [حاشية البجيرمي] وَالسِّكَّةُ الزُّقَاقُ أَيْ الْعَطْفَةُ؛ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى السِّكَّةِ كَفَى. قَوْلُهُ: (نَفِيسًا كَانَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ قُيِّدَ بِالنَّفِيسِ قَدْ لَا يَجِدُهُ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُوَكِّلُ فَيُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ. قَوْلُهُ: (فَأَوْ هُنَا تَقْسِيمِيَّةٌ) اُنْظُرْ أَيْ شَيْءٌ شَامِلٌ لِلتَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ هُنَا حَتَّى تَكُونَ أَوْ تَقْسِيمِيَّةً. وَقَدْ يُقَالُ الْمُقَسَّمُ جَوَازُ التَّصَرُّفِ بِالنَّفْسِ، أَيْ مَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ بِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ وَأَنْ يَتَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (تَوَكُّلُ صَبِيٍّ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُوَكَّلُ امْرَأَةٌ فِي نِكَاحٍ) أَيْ لَا إيجَابًا وَلَا قَبُولًا، وَكَذَا الرَّجْعَةُ وَالِاخْتِيَارُ لِلنِّكَاحِ وَالْفِرَاقُ إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى. قَوْلُهُ: (وَلَا مَحْرَمَ لِيَعْقِدَهُ) أَيْ النِّكَاحَ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا فِي الْغَالِبِ) اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى الْعَكْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " وَإِلَّا " كَمَا تَدُلُّ لَهُ الْأَمْثِلَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُسْتَثْنَى مِنْ الطَّرْدِ وَلَعَلَّهُ لِعِلْمِهِ مِنْ بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ فَرَاجِعْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ الْعَكْسُ. قَوْلُهُ: (فِي طَلَاقِ غَيْرِهَا) أَمَّا تَوْكِيلُهَا فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا، فَسَيَأْتِي أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَا تَوْكِيلٌ. قَوْلُهُ: (لَا فِي إيجَابِهِ) أَيْ مُطْلَقًا بِإِذْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَنَّ الْإِيجَابَ وِلَايَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، بِخِلَافِ الْقَبُولِ. قَوْلُهُ: (وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَقَالَتْ لِرَجُلٍ: سَيِّدِي أَهْدَانِي إلَيْك، وَصَدَقَهَا فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا وَلَوْ بِالِاسْتِمْتَاعِ وَالْوَطْءِ ق ل وحج؛ أَيْ وَلَوْ رَجَعَتْ وَكَذَّبَتْ نَفْسَهَا لِاتِّهَامِهَا فِي إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهَا. وَخَرَجَ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهَا مَا لَوْ كَذَّبَهَا السَّيِّدُ، فَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ وَطْءُ الْمُهْدَى إلَيْهِ وَطْءَ شُبْهَةٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّ السَّيِّدَ بِدَعْوَاهُ ذَلِكَ يَدَّعِي زِنَاهَا وَالزَّانِيَةُ لَا مَهْرَ لَهَا، وَلَا الْحَدُّ أَيْضًا لِلشُّبْهَةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا أَيْضًا لِزَعْمِهَا أَنَّ السَّيِّدَ أَهْدَاهَا وَأَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ لِظَنِّهِ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لِتَفْوِيتِهِ رِقَّهُ عَلَى السَّيِّدِ بِزَعْمِهِ، وَأَمَّا لَوْ وَافَقَهَا السَّيِّدُ عَلَى الشُّبْهَةِ كَأَنْ قَالَ: أَهْدَيْتهَا لِرَجُلٍ مُوَافِقٍ لَك فِي الِاسْمِ فَظَنَّتْ أَنَّهُ أَنْتَ، فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْمَهْرِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ سَيِّدِهَا الْوَاهِبِ، وَانْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَقُومَ قَرِينَةٌ عَلَى إهْدَائِهَا لَهُ كَعَالِمٍ أَوْ صَالِحٍ؟ حَرَّرَهُ مَيْدَانِيٌّ. قُلْت: تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مُسْلِمٍ) الظَّاهِرُ تَنَاوُلُ مَا ذُكِرَ لِلْمُسْلِمِينَ الْمَوْجُودِينَ وَالْحَادِثِينَ وَأَنَّهُمْ لَا يَنْعَزِلُونَ إذَا عُزِلَ الْوَكِيلُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ فَقَطْ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ) أَيْ عَمَلُ الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ زي؛ أَيْ فَيَكُونُ كُلُّ مُسْلِمٍ وَكِيلًا عَنْهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ وَكَّلْتُك فِي هَذَا وَكُلِّ أُمُورِي حَيْثُ لَا يَصِحُّ أَنَّ الْإِبْهَامَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْفَاعِلِ وَفِي الثَّانِي فِي الْمُوَكَّلِ فِيهِ، وَيُغْتَفَرُ فِي الْأَوَّلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الثَّانِي ح ل. قَوْلُهُ: (كَوَكَّلْتُكَ فِي كَذَا) أَوْ فَوَّضْت إلَيْك كَذَا، سَوَاءً كَانَ مُشَافَهَةً لَهُ أَوْ كِتَابَةً أَوْ مُرَاسَلَةً. وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهَا، فَلَوْ وَكَّلَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ صَحَّتْ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 بِالْإِبَاحَةِ، أَمَّا قَبُولُهُ مَعْنًى وَهُوَ عَدَمُ رَدِّ الْوَكَالَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، فَلَوْ رَدَّ فَقَالَ: لَا أَقْبَلُ أَوْ لَا أَفْعَلُ بَطَلَتْ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَبُولِ هُنَا الْفَوْرُ وَلَا الْمَجْلِسُ، وَيَصِحُّ تَوْقِيتُ الْوَكَالَةِ نَحْوَ وَكَّلْتُك فِي كَذَا إلَى رَجَبٍ، وَتَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ نَحْوَ وَكَّلْتُك الْآنَ فِي بَيْعِ كَذَا وَلَا تَبِعْهُ حَتَّى يَجِيءَ رَمَضَانُ لَا تَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ نَحْوَ إذَا جَاءَ شَعْبَانُ فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي كَذَا. فَلَا يَصِحُّ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، لَكِنْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لِلْإِذْنِ فِيهِ. (وَ) الْوَكَالَةُ وَلَوْ بِجُعْلٍ غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ فَيَجُوزُ (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ) وَلَوْ بَعْدَ التَّصَرُّفِ سَوَاءً أَتَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ ثَالِثٌ كَبَيْعِ الْمَرْهُونِ أَمْ لَا. (وَتَنْفَسِخُ) حُكْمًا (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) وَبِجُنُونِهِ وَبِإِغْمَائِهِ، وَشَرْعًا بِعَزْلِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ أَوْ يَعْزِلَهُ الْمُوَكِّلُ سَوَاءً أَكَانَ بِلَفْظِ الْعَزْلِ أَمْ لَا، كَفَسَخْتُ الْوَكَالَةَ أَوْ أَبْطَلْتهَا أَوْ رَفَعْتهَا وَبِتَعَمُّدِهِ إنْكَارَهَا بِلَا غَرَضٍ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِ إنْكَارِهِ لَهَا نِسْيَانًا، أَوْ لِغَرَضٍ كَإِخْفَائِهَا مِنْ ظَالِمٍ، وَبِطُرُوِّ رِقٍّ وَحَجْرٍ كَحَجْرِ سَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ عَمَّا لَا يَنْفُذُ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِهَا وَبِفِسْقِهِ فِيمَا   [حاشية البجيرمي] قَبْلَ عِلْمِهِ صَحَّ كَبَيْعِ مَالِ أَبِيهِ يَظُنُّ حَيَاتَهُ، اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (الْأَوَّلُ) وَهُوَ وَكَّلْتُك فِي كَذَا إيجَابٌ، وَالثَّانِي وَهُوَ بِعْ كَذَا. قَوْلُهُ: (فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لَفْظًا) قَضِيَّتُهُ اشْتِرَاطُ الْإِيجَابِ. وَلَيْسَ مُرَادًا، فَالْأَوْلَى وَيُشْتَرَطُ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَالْفِعْلُ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ، شَوْبَرِيٌّ وق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَيْهِ: لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ أَيْ فِي وَكَالَةٍ بِغَيْرِ جُعْلٍ الْقَبُولُ لَفْظًا، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَرُدَّ، فَالشَّرْطُ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْفِعْلُ مِنْ الْآخَرِ، وَقَدْ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَيْنٌ مُؤَجَّرَةٌ أَوْ مُعَارَةٌ أَوْ مَغْصُوبَةٌ فَوَهَبَهَا الْآخَرُ وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهَا فَوَكَّلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْغَاصِبِ فِي قَبْضِهَا لَهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ لَفْظًا لِتَزُولَ يَدُهُ عَنْهَا بِهِ، وَلَا يُكْتَفَى بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِمَا سَبَقَ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الرِّضَا بِقَبْضِهِ؛ اهـ شَرْحُ م ر اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوُهُ) مِنْ إشَارَةِ الْأَخْرَسِ وَالْكِتَابَةِ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِجُعْلٍ إنْ كَانَ الْإِيجَابُ بِصِيغَةِ الْعَقْدِ لَا الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ: بِعْ هَذَا وَلَك دِرْهَمٌ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ وَكَانَ عَمَلُ الْوَكِيلِ مَضْبُوطًا لِأَنَّهَا إجَارَةٌ اهـ س ل. قَوْلُهُ: (بِالْإِبَاحَةِ) كَقَوْلِ شَخْصٍ لِآخَرَ: أَبَحْتك هَذَا، فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا مِنْ الْمُبَاحِ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَبُولِ) أَيْ الْمَعْنَوِيِّ وَهُوَ عَدَمُ الرَّدِّ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا وُكِّلَ فِيهِ فَوْرًا، أَوْ يُقَالَ: لَا يُشْتَرَطُ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ اللَّفْظِ ع ش. قَوْلُهُ: (لَكِنْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ إلَخْ) إنْ قُلْت حَيْثُ نَفَذَ بِعُمُومِ الْإِذْنِ، فَمَا الْمَعْنَى الْفَارِقُ حِينَئِذٍ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ مَعَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ؟ قُلْت: يَظْهَرُ الْفَرْقُ فِيمَا لَوْ عَيَّنَ لَهُ جُعْلًا فَلَا يَجِبُ وَإِنَّمَا لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّ لَهُ الْمُسَمَّى اهـ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِجُعْلٍ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِجُعْلٍ تَكُونُ لَازِمَةً لِأَنَّهَا إجَارَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَقَدْ صَرَّحَ م ر بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ لَفْظًا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِجُعْلٍ وَعَلَى كَوْنِهَا جِعَالَةً لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ التَّصَرُّفِ) أَيْ فِي بَعْضِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ، وَإِلَّا فَقَدْ انْتَهَتْ الْوَكَالَةُ بِالتَّصَرُّفِ. قَوْلُهُ: (حَقُّ ثَالِثٍ) بِالْإِضَافَةِ. قَوْلُهُ: (كَبَيْعِ الْمَرْهُونِ) أَيْ إنْ أَذِنَ صَاحِبُهُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي بَيْعِهِ كَذَا قَالَهُ ق ل، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: كَأَنْ وَكَّلَ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِهِ بَعْدَ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ حِينَئِذٍ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (حُكْمًا) كَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْحُكْمِيِّ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صِيغَةٍ، وَبِالشَّرْعِيِّ مَا كَانَ بِلَفْظٍ وَهُوَ اصْطِلَاحٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. وَلَوْ فَسَّرَ الِانْفِسَاخَ بِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا وَجَعَلَ شَامِلًا لِلْأَمْرَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى، وَيَنْعَزِلُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ تَتَعَلَّقَ الْمَصَالِحُ الْكُلِّيَّةُ بِهِ فَاحْفَظْهُ. وَقَوْلُهُ: " حُكْمًا " وَهُوَ شَرْعِيٌّ أَيْضًا، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا عُرِّيَ عَنْ اللَّفْظِ سُمِّيَ فَسْخًا حُكْمًا اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَبِإِغْمَائِهِ) وَمِنْهُ التَّقْرِيفُ فِي نَحْوِ الْحَمَّامِ، فَيَنْفَسِخُ بِهِ كُلُّ عَقْدٍ جَائِزٍ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهَا عُمَيْرَةُ مَرْحُومِيٌّ وَقِ ل. قَوْلُهُ: (وَبِتَعَمُّدِهِ) أَيْ تَعَمُّدِ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَبِطُرُوِّ رِقٍّ) كَأَنْ وَكَّلَ حَرْبِيًّا فَاسْتُرِقَّ. وَقَوْلُهُ: " عَمَّا لَا يَنْفُذُ " مُتَعَلِّقٌ بِتَنْفَسِخُ أَوْ بِيَنْعَزِلُ مُقَدَّرًا، أَيْ فَيَنْعَزِلُ عَمَّا لَا يَنْفُذُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَوْ فَلَسٍ) بِأَنْ وَكَّلَهُ إنْسَانٌ لِيَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا بِعَيْنِ مَالِهِ أَيْ مَالِ الْوَكِيلِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَى الْوَكِيلِ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَيَنْعَزِلُ لِأَنَّ شِرَاءَهُ بِمَالِهِ لِلْمُوَكِّلِ إمَّا قَرْضٌ أَوْ هِبَةٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُمَا، فَتَأَمَّلْ هَذَا التَّصْوِيرَ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الطَّلَبَةِ عَجَزَ عَنْهُ، زِيَادِيٌّ. وَلِهَذَا التَّصْوِيرِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: عَمَّا لَا يَنْفُذُ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِهَا، وَهَذَا فِي الْوَكِيلِ. وَصُورَةُ انْعِزَالِ الْمُوَكِّلِ بِذَلِكَ، أَيْ بِالْعَكْسِ، أَنْ يَقُولَ: وَكَّلْتُك لِتَشْتَرِي لِي هَذِهِ السِّلْعَةَ بِهَذَا الدِّينَارِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 فِيهِ الْعَدَالَةُ شَرْطٌ كَوَكَالَةِ النِّكَاحِ وَالْوَصَايَا، وَبِزَوَالِ مِلْكِ مُوَكِّلٍ عَنْ مَحِلِّ التَّصَرُّفِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ كَبَيْعٍ وَوَقْفٍ لِزَوَالِ الْوِلَايَةِ وَإِيجَارِ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ، وَمِثْلُهُ تَزْوِيجُهُ وَرَهْنُهُ مَعَ قَبْضٍ لِإِشْعَارِهَا بِالنَّدَمِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ. (وَالْوَكِيلُ) وَلَوْ بِجُعْلٍ (أَمِينٌ فِيمَا يَقْبِضُهُ) لِمُوَكِّلِهِ (وَفِيمَا يَصْرِفُهُ) مِنْ مَالِ مُوَكِّلِهِ عَنْهُ (وَلَا يَضْمَنُ) مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ مُوَكِّلِهِ. (إلَّا بِالتَّفْرِيطِ) فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالتَّعَدِّي لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ التَّعَدِّي التَّفْرِيطُ، وَلَا عَكْسَ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ. وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَالرَّدِّ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ بِخِلَافِ دَعْوَى الرَّدِّ عَلَى غَيْرِ الْمُوَكِّلِ كَرَسُولِهِ: وَإِذَا تَعَدَّى كَأَنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ تَعَدِّيًا ضَمِنَ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ، وَلَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ وَالْأَمَانَةُ حُكْمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِفَاعِهِ بُطْلَانُ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهَا مَحْضُ ائْتِمَانٍ، فَإِذَا بَاعَ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ زَالَ الضَّمَانُ عَنْهُ وَلَا يَضْمَنُ الثَّمَنَ، وَلَوْ رُدَّ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ عَادَ الضَّمَانُ.   [حاشية البجيرمي] بِخِلَافِهِ فِي دِينَارٍ فِي ذِمَّتِك أَوْ ذِمَّتِي، فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَبِفِسْقِهِ) أَيْ سَوَاءً كَانَ الْوَكِيلُ أَوْ الْمُوَكِّلُ بِالنِّسْبَةِ لِمَسْأَلَةِ النِّكَاحِ، أَوْ الْوَكِيلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِيصَاءِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ وَكِيلٌ. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ زَوَالِ الْمِلْكِ تَزْوِيجُهُ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً، زي وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَكَذَا تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ وَخَرَجَ بِالْجَارِيَةِ الْعَبْدُ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الزِّيَادِيِّ، وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ الزِّيَادِيِّ. قَوْلُهُ: (بِالنَّدَمِ) أَيْ نَدَمِ الْمُوَكِّلِ عَلَى التَّصَرُّفِ الَّذِي كَانَ يَصْدُرُ مِنْ الْوَكِيلِ، وَفِيهِ أَنَّ النَّدَمَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ شَيْءٍ وَقَعَ وَالتَّصَرُّفُ لَمْ يَقَعْ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِإِشْعَارِهَا بِالرُّجُوعِ عَنْ التَّصَرُّفِ، أَيْ عَنْ الْإِذْنِ فِيهِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ) أَيْ فِي أَنَّ مَنْ فَرَّطَ مِنْهُمْ ضَمِنَ، فَلَوْ تَنَازَعَا فِي التَّفْرِيطِ صُدِّقَ مُنْكِرُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ التَّعَدِّي إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ هُوَ الظُّلْمُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَأَمَّا التَّفْرِيطُ فَيُطْلَقُ عَلَى التَّقْصِيرِ وَتَضْيِيعِ الشَّيْءِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ صِحَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ عَنْهُ اهـ ح ف. قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِ نِسْيَانٍ) أَيْ فَالنَّاسِي مُفَرِّطٌ لَا مُتَعَدٍّ، فَيَقْتَضِي كَلَامُهُ أَيْ الْمُصَنِّفِ ضَمَانَهُ مَعَ النِّسْيَانِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ. وَقَوْلُهُ: " وَلَيْسَ كَذَلِكَ " بَلْ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ م ر بَعْدُ؛ وَلِذَا لَمْ يَعْتَرِضْ سم فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَتْنِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَمِنْ التَّعَدِّي أَنْ يَضِيعَ الْمَالُ مِنْهُ وَلَا يَعْرِفَ كَيْفَ ضَاعَ أَوْ وَضَعَهُ بِمَحِلٍّ ثُمَّ نَسِيَهُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُ) أَيْ كَشَغْلٍ بِقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ نَحْوِ أَكْلٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهَا. قَوْلُهُ: (وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ) وَلَوْ قَالَ: قَضَيْت الدَّيْنَ وَصَدَّقَهُ الْمُسْتَحِقُّ صُدِّقَ الْوَكِيلُ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ الْيَمِينِ مَعَ تَصْدِيقِ الْمُسْتَحِقِّ؟ قُلْنَا: فَائِدَتُهَا تَظْهَرُ إذَا كَانَ وَكِيلًا بِجُعْلٍ فَالْوَكِيلُ يَدَّعِي الدَّفْعَ لِلْمُسْتَحِقِّ لِيَأْخُذَ الْجُعْلَ وَالْمُوَكِّلُ يُنْكِرُهُ لِيَمْنَعَهُ مِنْهُ، فَفَائِدَتُهَا اسْتِحْقَاقُ الْوَكِيلِ الْجُعْلَ كَمَا تَقَرَّرَ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ الْمُوَكِّلِ كَرَسُولِهِ) أَوْ وَارِثِهِ أَوْ وَكِيلِهِ، وَكَذَا دَعْوَى الرَّدِّ مِنْ رَسُولِ الْوَكِيلِ أَوْ وَارِثِهِ أَوْ وَكِيلِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ) أَيْ حَيْثُ كَانَ يَلِيقُ بِهِ سَوْقُهَا وَلَمْ تَكُنْ جَمُوحًا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ رُكُوبُهَا تَعَدِّيًا. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) أَيْ صَارَ مُتَسَبِّبًا فِي الضَّمَانِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ ضَمِنَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِفَاعِهِ) أَيْ الْحُكْمِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا مَحْضُ ائْتِمَانٍ) فَإِذَا تَعَدَّى فِيهَا خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا أَمَانَةً. قَوْلُهُ: " فَإِذَا بَاعَ " مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ: " وَلَا يَنْعَزِلُ " وَهُوَ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ: " ضَمِنَ ". قَوْلُهُ: (وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ) أَيْ الَّذِي تَعَدَّى فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضْمَنُ الثَّمَنَ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ مَضْمُونًا وَالثَّمَنَ بَدَلٌ عَنْهُ وَالْبَدَلُ عَنْهُ يُعْطَى حُكْمَ الْمُبْدَلِ عَنْهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَضْمَنُ الثَّمَنَ، أَيْ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِسَبَبِ التَّعَدِّي الَّذِي حَصَلَ فِي الْمَبِيعِ، فَإِذَا بَاعَ شَيْئًا مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الثَّمَنِ، وَقَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ أَيْ إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ. قَوْلُهُ: (عَادَ الضَّمَانُ) فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ، اهـ مَيْدَانِيٌّ. قَالَ الشَّيْخُ سُلْطَانٌ: وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الضَّمَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ رَفَعَهُ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ لَا يُقْطَعُ النَّظَرُ عَلَى أَصْلِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 (وَلَا يَجُوزُ) لِلْوَكِيلِ (أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ) بِالْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ (إلَّا بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ: أَنْ يَعْقِدَ (بِثَمَنِ الْمِثْلِ) إذَا لَمْ يَجِدْ رَاغِبًا بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِدُونِهِ فَلَا يَصِحُّ إذَا كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا بِخِلَافِ الْيَسِيرِ وَهُوَ مَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا فَيُغْتَفَرُ، فَبَيْعُ مَا يُسَاوِي عَشْرَةً بِتِسْعَةٍ مُحْتَمَلٌ وَبِثَمَانِيَةٍ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ. وَالثَّانِي كَوْنُ الثَّمَنِ (نَقْدًا) أَيْ حَالًا فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً وَالثَّالِثُ أَنْ يَبِيعَ (بِنَقْدِ الْبَلَدِ) أَيْ بَلَدِ الْبَيْعِ لَا بَلَدِ التَّوْكِيلِ، فَلَوْ خَالَفَ فَبَاعَ عَلَى أَحَدٍ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ ضَمِنَ بَدَلَهُ لِتَعَدِّيهِ بِتَسْلِيمِهِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ فَيَسْتَرِدُّهُ إنْ بَقِيَ وَلَهُ بَيْعُهُ بِالْإِذْنِ السَّابِقِ وَلَا يَضْمَنُ ثَمَنَهُ، وَإِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ غَرِمَ الْمُوَكِّلُ بَدَلَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْوَكِيلِ وَالْمُشْتَرِي وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (بِالْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ) سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي: وَلَوْ وَكَّلَهُ لِيَبِيعَ مُؤَجَّلًا إلَخْ، مَعَ الْفَرْعِ الَّذِي بَعْدَهُ اهـ م د. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَجِدْ رَاغِبًا إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِلْمَتْنِ، لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ مُطْلَقًا وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الرَّاغِبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ) أَيْ وَإِنْ قَلَّتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أج، فَلَوْ وَجَدَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ الْفَسْخُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ " بِالْوَكَالَةِ " بِمَعْنَى " فِي " وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ فِي صُورَةِ الْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ، أَوْ أَنَّهَا زَائِدَةٌ أَيْ الْوَكِيلُ وَكَالَةً مُطْلَقَةً وَالْمُرَادُ بِالْمُطْلَقَةِ غَيْرُ الْمُقَيَّدَةِ بِثَمَنٍ أَوْ حُلُولِ أَجَلٍ أَوْ مُشْتَرًى. قَوْلُهُ: (فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِدُونِهِ) فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ: أَنْ يُوجَدَ رَاغِبٌ، وَأَنْ لَا؛ فَإِنْ وُجِدَ رَاغِبٌ وَبَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمَرْغُوبِ فِيهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ أَوْ بِلَا غَبْنٍ فَاحِشٍ فَيَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ رَاغِبٌ فَإِنْ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا صَحَّ، اهـ م د. وَقَوْلُهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِدُونِهِ، أَيْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ صُورَتَانِ: الْبَيْعُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَالْبَيْعُ بِأَقَلَّ مِنْ الْمَرْغُوبِ بِهِ. وَقَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ إذَا كَانَ أَيْ النُّقْصَانُ، سَوَاءً كَانَ نُقْصَانًا عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ عَنْ الْقَدْرِ الْمَرْغُوبِ بِهِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ بِهِ الْمُوَكِّلُ، حَرَّرَ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَشْرَةٌ) أَيْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَنْصَافٍ مَثَلًا لَا دَنَانِيرَ. قَوْلُهُ: (مُحْتَمَلٌ) أَيْ مُغْتَفَرٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً) وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ. وَقَالَ الَأُجْهُورِيُّ: وَلَوْ بِرَهْنٍ وَافٍ؛ لَكِنْ إذَا وَكَّلَهُ وَقْتَ نَهْبٍ جَازَ لَهُ الْبَيْعُ نَسِيئَةً إذَا حُفِظَ بِهِ عَنْ النَّهْبِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْهُ بِبَلَدِ كَذَا وَعَلِمَ أَنَّ أَهْلَهُ لَا يَشْتَرُونَ إلَّا نَسِيئَةً اهـ س ل. قَوْلُهُ: (بِنَقْدِ الْبَلَدِ) أَيْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالْبَيْعِ التِّجَارَةَ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَبِالْغَرَضِ، م ر شَوْبَرِيٌّ وح ل. وَعِبَارَةُ س ل: الْمُرَادُ مَا يَتَعَامَلُ بِهِ أَهْلُهَا نَقْدًا كَانَ أَوْ عَرَضًا. وَكَتَبَ ع ش عَلَى قَوْلِ م ر " نَقْدًا كَانَ أَوْ عَرَضًا ": تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ عِنْدَ الشَّارِحِ أَنَّ الْأَوْجَهَ امْتِنَاعُ الْبَيْعِ بِالْعَرَضِ مُطْلَقًا، فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ فَالْمُرَادُ بِالنَّقْدِ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَهُوَ مَا يَغْلِبُ التَّعَامُلُ بِهِ وَلَوْ عَرَضًا، وَعَلَيْهِ فَالْعَرَضُ الَّذِي يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ بِهِ ثَمَّ مَا لَا يَتَعَامَلُ بِهِ أَهْلُهَا مَثَلًا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ يَتَعَامَلُونَ بِالْفُلُوسِ فَهِيَ نَقْدُهَا فَيَبِيعُ الشَّرِيكُ بِهَا دُونَ نَحْوِ الْقُمَاشِ اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ) أَيْ بَاعَ بَيْعًا مُشْتَمِلًا عَلَى إلَخْ. وَلَعَلَّ التَّقْدِيرَ: عَلَى غَيْرِ أَحَدِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ إلَخْ. وَالْمَنْهَجُ ذَكَرَ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ: فَلَا يَبِيعُ بِثَمَنِ مِثْلٍ وَثَمَّ رَاغِبٌ بِأَزْيَدَ وَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً وَلَا يَبِيعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، فَقَالَ عَقِبَ هَذَا: فَلَوْ خَالَفَ فَبَاعَ إلَخْ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ إنَّمَا تُنَاسِبُ عِبَارَةَ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ بَدَلَهُ) صَوَابُهُ قِيمَتَهُ لِأَنَّ مَا يَغْرَمُهُ الْوَكِيلُ لِلْحَيْلُولَةِ وَهُوَ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا، وَمَا يَغْرَمُهُ الْمُشْتَرِي لِلْفَيْصُولَةِ وَهُوَ الْبَدَلُ مُطْلَقًا ق ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ التَّسْلِيمِ وَلَوْ مِثْلِيًّا اهـ. قَالَ ع ش: قَوْلُهُ " ضَمِنَ " أَيْ الْوَكِيلُ قِيمَتَهُ، أَيْ أَقْصَى قِيَمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ وَالْقِيمَةُ الْمَغْرُومَةُ لِلْحَيْلُولَةِ، وَيَجُوزُ لِلْمُوَكِّلِ التَّصَرُّفُ فِيمَا أَخَذَهُ مِنْ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا كَمِلْكِ الْقَرْضِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ قَبَضَ الْوَكِيلُ الْبَدَلَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ التَّلَفِ وَكَانَ الْبَدَلُ مُسَاوِيًا لِلْقِيمَةِ الَّتِي غَرِمَهَا لِلْمُوَكِّلِ لِلْحَيْلُولَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بَدَلًا عَنْ الْقِيمَةِ الَّتِي غَرِمَهَا وَيَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِتَرَاضِيهِمَا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضْمَنُ ثَمَنَهُ) أَيْ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي، وَأَمَّا الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لَوْ قَبَضَهُ فَيَضْمَنُهُ لِتَعَدِّيهِ بِقَبْضِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ. قَوْلُهُ: (غَرِمَ الْمُوَكِّلُ بَدَلَهُ) التَّعْبِيرُ بِالْبَدَلِ هُنَا صَحِيحٌ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْبَدَلُ الشَّرْعِيُّ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَكِيلِ. وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَيَضْمَنُ الْمِثْلَ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَأَقْصَى الْقِيَمِ إنْ كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ نَقْدَانِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِأَغْلَبِهِمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْمُعَامَلَةِ بَاعَ بِأَنْفَعِهِمَا لِلْمُوَكِّلِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا بَاعَ بِهِمَا قَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْأَصْحَابِ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ. وَلَوْ وَكَّلَهُ لِيَبِيعَ مُؤَجَّلًا صَحَّ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْأَجَلَ وَحُمِلَ مُطْلَقُ أَجَلٍ عَلَى عُرْفٍ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ رَاعَى الْوَكِيلُ الْأَنْفَعَ لِلْمُوَكِّلِ. وَيُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ وَحَيْثُ قَدَّرَ الْأَجَلَ اتَّبَعَ الْوَكِيلُ مَا قَدَّرَهُ الْمُوَكِّلُ، فَإِنْ بَاعَ بِحَالٍ أَوْ نَقَصَ عَنْ الْأَجَلِ كَأَنْ بَاعَ إلَى شَهْرٍ مَا قَالَ الْمُوَكِّلُ بِعْهُ إلَيَّ شَهْرَيْنِ صَحَّ الْبَيْعُ إنْ لَمْ يَنْهَهُ الْمُوَكِّلُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ كَنَقْصِ ثَمَنٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ مُؤْنَةِ حِفْظٍ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ حَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُشْتَرِيَ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ لِظُهُورِ قَصْدِ الْمُحَابَاةِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ بِعْ هَذَا بِكَمْ شِئْت، فَلَهُ بَيْعُهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا بِنَسِيئَةٍ وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ بِمَا شِئْت أَوْ بِمَا تَرَاهُ، فَلَهُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ لَا بِغَبْنٍ وَلَا بِنَسِيئَةٍ، وَبِكَيْفَ شِئْت، فَلَهُ بَيْعُهُ بِنَسِيئَةٍ لَا بِغَبْنٍ وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ بِمَا عَزَّ وَهَانَ فَلَهُ بَيْعُهُ بِعَرَضٍ وَغَبْنٍ لَا بِنَسِيئَةٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ كَمْ لِلْعَدَدِ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَمَا لِلْجِنْسِ فَشَمِلَ النَّقْدَ وَالْعَرَضَ، لَكِنَّهُ فِي الْأَخِيرَةِ لَمَّا قَرَنَ بِعَزَّ وَهَانَ شَمِلَ عُرْفًا الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ أَيْضًا وَكَيْفَ لِلْحَالِ فَشَمِلَ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ. (وَلَا يَجُوزُ) لِلْوَكِيلِ (أَنْ يَبِيعَ) مَا وُكِّلَ فِيهِ (مِنْ نَفْسِهِ) وَلَا مِنْ مُوَلِّيهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا كَأَبِيهِ وَوَلَدِهِ الرَّشِيدِ، وَلَهُ قَبْضُ ثَمَنٍ حَالٍّ ثُمَّ يُسَلِّمُ الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ إنْ تَسَلَّمَهُ لِأَنَّهُمَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبَيْعِ فَإِنْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ لِتَعَدِّيهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَإِذَا غَرِمَهَا ثُمَّ قَبَضَ الثَّمَنَ   [حاشية البجيرمي] مُتَقَوِّمًا، لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِأَغْلَبِهِمَا) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ إنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ وَاحِدًا فَظَاهِرٌ لُزُومُ الْبَيْعِ بِهِ فَإِنْ تَعَدَّدَ فَهُوَ مَا قَالَهُ. وَحَيْثُ خَالَفَ مَا لَزِمَهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَيَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (بِأَنْفَعِهِمَا) أَيْ وُجُوبًا، فَإِنْ خَالَفَ فَسَدَ الْبَيْعُ وَكَانَ ضَامِنًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ تَيَسَّرَ مَنْ يَشْتَرِي بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَنْ يَشْتَرِي بِغَيْرِ الْأَنْفَعِ فَهَلْ لَهُ الْبَيْعُ مِنْهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ الثَّانِي، وَلَوْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ الْأَنْفَعَ حِينَئِذٍ كَالْمَعْدُومِ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ) أَيْ أَنْ يُشْهِدَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا بَاعَ مُؤَجَّلًا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ، وَهُوَ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ، وَيَظْهَرُ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمُشْتَرِي ثِقَةً مُوسِرًا اهـ س ل. قَوْلُهُ: (صَحَّ الْبَيْعُ) أَيْ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُؤْنَةِ حِفْظٍ) أَيْ لِلثَّمَنِ، مَنْهَجٌ. قَوْلُهُ: (حَمَلَهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الصِّحَّةِ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى شَرْطٍ ثَالِثٍ وَهُوَ لَمْ يُعَيِّنْ مُشْتَرِيًا. قَوْلُهُ: (لِظُهُورِ قَصْدِ الْمُحَابَاةِ) أَيْ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ فَوَّتَهَا الْوَكِيلُ عَلَيْهِ؛ وَالْمُحَابَاةُ الْإِكْرَامُ وَالْمُسَامَحَةُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (فَرْعٌ إلَخْ) الْأَوْلَى: " فُرُوعٌ " وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مَا ذُكِرَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهَا الْعَاقِدَانِ وَتَرْجِعُ لِمَعَانِيهَا الْمَوْضُوعَةِ لَهَا مِنْ أَرْبَابِهَا، وَقَالَ حَجّ: إنْ عَرَفَا مَعْنَاهَا الْمَذْكُورَ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَإِنْ عُرِفَ لَهُمَا عُرْفٌ مُطَّرِدٌ فِيهَا فَظَاهِرٌ إنَّهَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ لِلْجَهْلِ بِمُرَادِ الْكُلِّ اهـ. وَمِثْلُهُ الشَّوْبَرِيِّ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَهُوَ قَوْلُهُ " بِثَمَنِ الْمِثْلِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ إلَخْ " أَيْ مَحِلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ وَتَوْجِيهُ الْمَذْكُورَاتِ. قَوْلُهُ: (مِنْ نَفْسِهِ) أَيْ لِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ) وَإِنْ قَدَّرَ لَهُ الثَّمَنَ وَنَهَاهُ عَنْ الزِّيَادَةِ أَيْضًا. وَالتَّعْلِيلُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا قَدَّرَ لَهُ الثَّمَنَ جَازَ أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ حِينَئِذٍ، وَالْعِلَّةُ الْمُطَّرِدَةُ اتِّحَادُ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ وَاتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبَضِ. وَإِنَّمَا جَازَ تَوَلِّي الْجَدِّ تَزْوِيجَ بِنْتِ ابْنِهِ ابْنَ ابْنِهِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ أَصَالَةٌ مِنْ الشَّرْعِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ نَفْسِهِ وَمُوَلِّيهِ. قَوْلُهُ: (كَأَبِيهِ وَوَلَدِهِ الرَّشِيدِ إلَخْ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بِوُجُوبِ الْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ أَمْرَ الْقَضَاءِ فَوَلَّى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ فَلَا يَصِحُّ لِلتُّهْمَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ قَبْضُ ثَمَنٍ حَالٍّ) بَلْ عَلَيْهِ ذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 دَفَعَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَاسْتَرَدَّ مَا غَرِمَ. أَمَّا الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ فَلَهُ فِيهِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ، وَلَيْسَ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ إذَا حَلَّ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ، وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ بِشِرَاءٍ شِرَاءُ مَعِيبٍ لِاقْتِضَاءِ الْإِطْلَاقِ عُرْفًا السَّلِيمَ وَلَهُ تَوْكِيلٌ بِلَا إذْنٍ فِيمَا لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ كَوْنِهِ عَاجِزًا عَنْهُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ لِمِثْلِ هَذَا لَا يُقْصَدُ مِنْهُ عَيْنُهُ، فَلَا يُوَكِّلُ الْعَاجِزُ إلَّا فِي الْقَدْرِ الَّذِي عَجَزَ عَنْهُ، وَلَا يُوَكِّلُ الْوَكِيلُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ عَنْ مُوَكِّلِهِ. (وَلَا) يَجُوزُ لَهُ أَنْ (يُقِرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ) بِمَا يَلْزَمُهُ (إلَّا بِإِذْنِهِ) عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا فَإِذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: وَكَّلْتُك لِتُقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَيَقُولُ الْوَكِيلُ أَقْرَرْت عَنْهُ بِكَذَا أَوْ جَعَلْته مُقِرًّا بِكَذَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ فَلَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ كَالشَّهَادَةِ، لَكِنَّ الْمُوَكِّلَ يَكُونُ مُقِرًّا بِالتَّوْكِيلِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ لِإِشْعَارِهِ بِثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا قَالَ: وَكَّلْتُك لِتُقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا كَمَا مَثَّلْته. فَلَوْ قَالَ: أُقِرُّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ لَهُ عَلَيَّ كَانَ إقْرَارًا قَطْعًا. وَلَوْ قَالَ: أُقِرُّ لَهُ عَلَيَّ بِأَلْفٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا قَطْعًا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ. تَتِمَّةٌ: أَحْكَامُ عَقْدِ الْوَكِيلِ كَرُؤْيَةِ الْمَبِيعِ وَمُفَارَقَةِ مَجْلِسٍ وَتَقَابُضٍ فِيهِ تَتَعَلَّقُ بِهِ لَا بِالْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً، وَلِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ كَالْمُوَكِّلِ. بِثَمَنٍ إنْ قَبَضَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ، سَوَاءً اشْتَرَى بِعَيْنِهِ أَمْ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ مِنْهُ لَمْ يُطَالِبْهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَدِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ طَالَبَهُ بِهِ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِوَكَالَتِهِ بِأَنْ أَنْكَرَهَا أَوْ قَالَ لَا أَعْرِفُهَا، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا طَالَبَ كُلًّا مِنْهُمَا بِهِ وَالْوَكِيلُ كَضَامِنٍ وَالْمُوَكِّلُ كَأَصِيلٍ، فَإِذَا غَرِمَ رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ تَلِفَ ثَمَنٌ قَبَضَهُ وَاسْتُحِقَّ مَبِيعٌ طَلَبَهُ مُشْتَرٍ بِبَدَلِ الثَّمَنِ سَوَاءً اعْتَرَفَ الْمُشْتَرِي بِالْوَكَالَةِ أَمْ لَا، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَيَرْجِعُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُسَلِّمَ) مَنْصُوبٌ بِ " أَنْ " مُضْمَرَةٍ، وَهُوَ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ قِيمَتَهُ) أَيْ لِلْحَيْلُولَةِ، سَوَاءً كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ مُتَقَوِّمًا. قَوْلُهُ: (وَاسْتَرَدَّ مَا غَرِمَ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ غَرَامَتَهَا لِلْحَيْلُولَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ إلَخْ) أَيْ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ كَمَا سَيَأْتِي؛ فَإِنْ اشْتَرَاهُ جَاهِلًا بِالْعَيْبِ فَإِنْ رَضِيَ الْمُوَكِّلُ بِهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنٍ مَالَ الْمُوَكِّلِ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الشِّرَاءِ، وَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَوْنُهُ عَاجِزًا عَنْهُ) بِأَنْ شَقَّ عَلَيْهِ تَعَاطِيهِ مَشَقَّةً لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً كَمَا هُوَ وَاضِحٌ م ر اهـ ع ش. وَقَوْلُهُ أَيْضًا أَوْ كَوْنُهُ عَاجِزًا عَنْهُ، أَيْ حِينَ التَّوْكِيلِ؛ فَلَوْ طَرَأَ عَجْزُهُ لِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ وَكَانَ قَادِرًا عِنْدَ التَّوْكِيلِ لَمْ يُوَكَّلْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ التَّفْوِيضَ لِمِثْلِ هَذَا) يُشْعِرُ بِعِلْمِ الْمُوَكِّلِ بِحَالِهِ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِحَالِهِ امْتَنَعَ التَّوْكِيلُ. قَوْلُهُ: (عَلَى مُوَكِّلِهِ) أَيْ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَمَحِلُّ الْخِلَافِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ يَكُونُ مُقِرًّا بِالتَّوْكِيلِ أَوْ لَا. وَقَوْلُهُ " لِتُقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ " حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إنْ أَتَى بِلَفْظِ " عَنِّي " مَعَ الْمُضَارِعِ كَانَ إقْرَارًا عَلَى الْأَصَحِّ، أَوْ مَعَ " عَلَيَّ " مَعَ الْأَمْرِ كَانَ إقْرَارًا قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا أَوْ أَتَى بِ " عَلَيَّ " فَقَطْ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا قَطْعًا، تَأَمَّلْ سم. قَوْلُهُ: (وَتَقَابَضَ فِيهِ) أَيْ حَيْثُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ كَمَا فِي الرِّبَوِيَّاتِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً) حَتَّى إنَّ لَهُ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ وَإِنْ أَجَازَ الْمُوَكِّلُ، لِكَوْنِ الْعَقْدِ مَعَهُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ) بِأَنْ كَانَ وَكِيلًا فِي الشِّرَاءِ. قَوْلُهُ: (إنْ قَبَضَهُ) أَيْ قَبَضَ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا) كَقَوْلِ الْوَكِيلِ لِلْبَائِعِ: اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الثَّوْبَ بِهَذَا الدِّينَارِ، وَكَانَ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ زي. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ) أَيْ الْبَائِعُ بِوَكَالَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَلِفَ ثَمَنٌ قَبَضَهُ) أَيْ الْوَكِيلُ. قَوْلُهُ: (وَاسْتُحِقَّ مَبِيعٌ) أَيْ الَّذِي بَاعَهُ الْوَكِيلُ. قَوْلُهُ: (إنْ صَدَّقَهُ) وَكَذَا إنْ كَذَّبَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ حَضَرَ الْمُسْتَحِقُّ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، ز ي. ثُمَّ إنْ كَانَ الْحَقُّ عَيْنًا فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً فِي يَدِ الْوَكِيلِ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا مِنْهُ، وَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ رَجَعَ صَاحِبُ الْعَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ غَرِمَ أَحَدُهُمَا لَا رُجُوعَ لِلْغَارِمِ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِ الْقَابِضِ فَإِنْ غَرَّمَهُ الْمُسْتَحِقُّ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ غَرِمَ الدَّافِعُ رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ وَالْوَكِيلُ يَضْمَنُ بِالتَّفْرِيطِ وَالْمُسْتَحِقُّ ظَلَمَهُ بِأَخْذِ الْبَدَلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ دَيْنًا وَهُوَ بَاقٍ فِي يَدِ الْوَكِيلِ رَجَعَ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْأَصِيلِ وَيَرْجِعُ الدَّافِعُ عَلَى الْمَدْفُوعِ لَهُ بِالدَّيْنِ، اهـ. وَقَوْلُهُ " لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ فَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 الْوَكِيلُ بِمَا غَرِمَهُ لِأَنَّهُ غَرَّهُ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضٍ مَا عَلَى زَيْدٍ لَمْ يَجِبْ دَفْعُهُ لَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِوَكَالَتِهِ إنْكَارُ الْمُوَكِّلِ لَهَا، وَلَكِنْ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُهُ إنْ صَدَّقَهُ فِي دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ مُحِقٌّ عِنْدَهُ، أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مُحْتَالٌ بِهِ أَوْ أَنَّهُ وَارِثٌ لَهُ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ مُوصًى لَهُ مِنْهُ وَصَدَّقَهُ وَجَبَ دَفْعُهُ لَهُ لِاعْتِرَافِهِ بِانْتِقَالِ الْمَالِ إلَيْهِ. فَصْلٌ: فِي الْإِقْرَارِ وَهُوَ لُغَةً الْإِثْبَاتُ مِنْ قَرَّ الشَّيْءُ أَيْ ثَبَتَ وَشَرْعًا إخْبَارُ الشَّخْصِ بِحَقٍّ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَدَعْوَى أَوْ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَشَهَادَةٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81]   [حاشية البجيرمي] يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ " يُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ الشَّكِيَّةِ الْمَعْلُومَةِ، وَهُوَ مَا لَوْ اشْتَكَى شَخْصٌ شَخْصًا لِذِي شَوْكَةٍ وَغَرَّمَهُ مَالًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الشَّاكِي، خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مُحْتَالٌ) فَإِنْ رَجَعَ أَيْ الْمُحِيلُ وَأَنْكَرَ الْحَوَالَةَ أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا رُجُوعَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحْتَالِ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ لَهُ بِانْتِقَالِ الْحَقِّ إلَيْهِ، فَهُوَ أَيْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَظْلُومٌ بِإِنْكَارِ الْمُحِيلِ الْحَوَالَةَ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ وَهُوَ الْمُحِيلُ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَارِثٌ لَهُ) أَيْ مُسْتَغْرِقٌ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ لَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُوصًى لَهُ) بِأَنْ قَالَ: مَاتَ فُلَانٌ وَلَهُ عِنْدَك كَذَا وَأَنَا وَصِيُّهُ أَوْ أَوْصَى لِي بِهِ، ز ي. وَقَوْلُهُ " مِنْهُ " أَيْ مِنْ زَيْدٍ الْمَيِّتِ، وَلَوْ قَالَ " بِهِ " لَكَانَ أَوْضَحَ. قَوْلُهُ: (لِاعْتِرَافِهِ) فَلَوْ أَنْكَرَ الْمُحِيلُ الْحَوَالَةَ وَرَجَعَ عَلَى الدَّافِعِ لَيْسَ لِلدَّافِعِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحْتَالِ لِأَنَّهُ مُصَدِّقٌ لَهُ بِأَنَّ مَا قَبَضَهُ صَارَ لَهُ بِالْحَوَالَةِ وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ ظَلَمَهُ فِيمَا أَخَذَهُ كَمَا قَالَهُ س ل. وَبِقَوْلِ الشَّارِحِ " لِاعْتِرَافِهِ إلَخْ " حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ إذَا صَدَّقَهُ وَلَا يَجِبُ. 1 - فَرْعٌ: وَكَّلَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ، خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَابِضًا مُقْبِضًا مِنْ نَفْسِهِ، سم. وَاعْتَمَدَ حَجّ فِي شَرْحِهِ مَا فِي الْأَنْوَارِ وَمَنَعَ كَوْنَهُ مِنْ اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ. وَقَوْلُ سم " لَمْ يَصِحَّ " أَيْ وَإِذَا فَعَلَ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمَدِينِ، ثُمَّ إنْ دَفَعَهُ لِلدَّائِنِ رَدَّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا رَدَّ بَدَلَهُ، اهـ ع ش عَلَى م ر. [فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ] لَمَّا كَانَ الْإِقْرَارُ يُشْبِهُ الْوَكَالَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُقِرَّ قَبْلَ إقْرَارِهِ كَانَ مُتَصَرِّفًا فِيمَا بِيَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ وَقَدْ عُزِلَ عَنْهُ بِإِقْرَارِهِ ذُكِرَ عَقِبَهَا، فَالْمُقَرُّ لَهُ شَبِيهٌ بِالْمُوَكِّلِ وَالْمُقِرُّ شَبِيهٌ بِالْوَكِيلِ وَالْمُقَرُّ بِهِ شَبِيهٌ بِالْمُوَكَّلِ فِيهِ. اهـ. وَهُوَ مَصْدَرُ أَقَرَّ، فَقَوْلُهُمْ مَأْخُوذٌ مِنْ " قَرَّ " بِمَعْنَى ثَبَتَ فِيهِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُشْتَقُّ مِنْ الْفِعْلِ. وَقَوْلُهُ: لُغَةً الْإِثْبَاتُ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: مِنْ قَرَّ الشَّيْءُ أَيْ ثَبَتَ، أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ لُغَةً الثُّبُوتُ ق ل بِزِيَادَةٍ. وَيُجَابُ عَنْ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ " الْمُنَاسِبُ إلَخْ " بِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِعْلُ الْمُقِرِّ فَيُنَاسِبُ تَفْسِيرَهُ بِالْإِثْبَاتِ لَا الثُّبُوتِ، وَعَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَخْذُ لَا الِاشْتِقَاقُ، وَدَائِرَةُ الْأَخْذِ أَوْسَعُ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ اشْتِمَالُهُ عَلَى أَكْثَرِ الْحُرُوفِ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ جَمِيعِهَا. قَوْلُهُ: (مِنْ قَرَّ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَمِنْ بَابِ تَعِبَ. قَوْلُهُ: (بِحَقٍّ عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ عِنْدَهُ لِيَشْمَلَ الْعَيْنَ. قَوْلُهُ: (فَشَهَادَةٌ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلْزَامٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ فَهُوَ حُكْمٌ. هَذَا إذَا كَانَ خَبَرًا خَاصًّا، فَإِنْ كَانَ عَامًّا فَإِنْ كَانَ عَنْ مَحْسُوسٍ فَرِوَايَةٌ، وَإِنْ كَانَ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَفَتْوَى اهـ حَجّ. وَقَوْلُهُ " عَنْ مَحْسُوسٍ " كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَنْ حَرَمِ مَكَّةَ أَوْ عَنْ أَبْوَابِ الْحَرَمِ عِدَّتُهَا كَذَا. قَوْلُهُ: قَوْله تَعَالَى {أَأَقْرَرْتُمْ} [آل عمران: 81] إلَخْ الْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 أَيْ عَهْدِي {قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «اُغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ مُقِرٌّ وَمُقَرٌّ لَهُ وَصِيغَةٌ وَمُقَرٌّ بِهِ (وَالْمُقَرُّ بِهِ) مِنْ الْحُقُوقِ (ضَرْبَانِ) أَحَدُهُمَا: (حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَطْعِ السَّرِقَةِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ، وَإِلَى مَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ. (وَ) الثَّانِي: (حَقُّ الْآدَمِيِّ) كَحَدِّ الْقَذْفِ لِشَخْصٍ. (فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) الَّذِي يَسْقُطُ بِذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ. (يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ) لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الدَّرْءِ وَالسَّتْرِ؛ وَلِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَضَ لِمَاعِزٍ بِالرُّجُوعِ بِقَوْلِهِ: لَعَلَّك قَبَّلْت؟ لَعَلَّك لَمَسْت؟ أَبِكَ جُنُونٌ» وَلِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ وَلَا يَقُولَ لَهُ ارْجِعْ فَيَكُونُ آمِرًا لَهُ بِالْكَذِبِ. وَخَرَجَ بِالْإِقْرَارِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ بِمَا لَا   [حاشية البجيرمي] لِأَنَّهَا أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ فُسِّرَتْ شَهَادَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: «اُغْدُ يَا أُنَيْسُ» فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ الْغُدُوِّ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ اذْهَبْ، وَسَبَبُهُ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَسْأَلُك يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَحْكُمَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَهُ؛ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا بِذَلِكَ فَقَالَ الْأَوَّلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا أَيْ أَجِيرًا عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ أَيْ رَاعِيًا وَإِنَّهُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ. فَقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا تَقُولُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُغْدُ يَا أُنَيْسُ فَذَهَبَ إلَيْهَا أُنَيْسُ فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمُوهَا» ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. وَأُنَيْسٌ هُوَ أُنَيْسُ بْنُ الضَّحَّاكِ الْأَسْلَمِيُّ لَا أَنَسٌ خَادِمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَسْلَمِيٌّ وَالثَّانِيَ أَنْصَارِيٌّ. وَإِنَّمَا اخْتَارَهُ النَّبِيُّ لِلْإِرْسَالِ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَرَبُ تَكْرَهُ أَنْ يُؤَمَّرَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهَا. قَوْلُهُ: «فَإِنْ اعْتَرَفَتْ» إلَخْ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ عَلَّقَ رَجْمَهَا عَلَى الِاعْتِرَافِ وَالْقَتْلُ أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَغَيْرُهُ مِنْ الْأَمْوَالِ أَوْلَى بِالثُّبُوتِ أَفَادَهُ الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ) وَلَوْ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا أَوْ كَاذِبًا وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ. قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةٌ) وَلَا يُشْتَرَطُ مُقِرٌّ عِنْدَهُ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ شَاهِدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (إلَى مَا يَسْقُطُ) وَهُوَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَحَدِّ الزِّنَا، وَمَا لَا يَسْقُطُ هُوَ مَا تَعَلَّقَ بِآدَمِيٍّ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ. قَوْلُهُ: (بِالشُّبْهَةِ) أَيْ الطَّرِيقُ فِي سُقُوطِهِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الشَّخْصَ يَرَى هَذَا الْأَمْرَ أَيْ الْحَدَّ لِلَّهِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَفْوِ وَالْمُسَامَحَةِ وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ لِقُوَّةِ رَجَائِهِ فِي اللَّهِ وَالْأَوْلَى أَنْ تُفَسَّر الشُّبْهَةُ بِأَنَّهُ حَصَلَ لِلْقَاضِي بِرُجُوعِهِ تَرَدُّدٌ فِي أَنَّهُ صَادِقٌ فِي الْأَوَّل أَوْ فِي الثَّانِي، وَإِذَا كَانَ صَادِقًا فِي الْأَوَّلِ أَيْ الْإِقْرَارِ فَرُجُوعُهُ عَنْهُ لِقُوَّةِ رَجَائِهِ فِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ. قَوْلُهُ: (كَالزَّكَاةِ) كَأَنْ قَالَ عَلَيَّ زَكَاةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ ثُمَّ رَجَعَ. قَوْلُهُ: (الَّذِي يَسْقُطُ إلَخْ) لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ يَصِحُّ فِيهِ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ " الَّذِي يَسْقُطُ إلَخْ " فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمَتْنِ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي مَحِلِّ التَّقْيِيدِ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّقْيِيدُ. وَيُجَابُ عَنْ الْمَتْنِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِحَقِّ اللَّهِ حَقُّ اللَّهِ الْمَحْضُ وَمُرَادُهُ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ الْمَحْضُ أَوْ مَا فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ وَآدَمِيٍّ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ. قَوْلُهُ: (يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ) فَلَوْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ حَدٍّ فَتَمَّمُوهُ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ وَتَجِبُ حِصَّةُ الْبَاقِي مِنْ الدِّيَةِ بِعَدَدِ الضَّرَبَاتِ. وَتَعْبِيرُهُ بِالصِّحَّةِ لَا يُنَافِي أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ الْحَدِّ فَحَدُّوهُ ضَمِنَ بِالدِّيَةِ لَا الْقَوَدِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِظَنِّهِمْ كَذِبَهُ فِي الرُّجُوعِ وَلِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالرُّجُوعِ اهـ م د. وَقَوْلُهُ: لَا يُنَافِي أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ بَلْ الْأَوْلَى عَدَمُ الْإِقْرَارِ بِالْمَرَّةِ وَالتَّوْبَةِ بَاطِنًا، وَكَذَا الشُّهُودُ يُنْدَبُ لَهُمْ عَدَمُ الشَّهَادَةِ إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: فَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ بِنَحْوِ " كَذَبْت " أَوْ " رَجَعْت " أَوْ " مَا زَنَيْت " وَإِنْ قَالَ بَعْدَهُ: " كَذَبْت فِي رُجُوعِي ". وَقَبُولُ رُجُوعِهِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ كَسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ قَاذِفِهِ فَهُوَ بَاقٍ، فَلَا يَجِبُ بِرُجُوعِهِ بَلْ يُسْتَصْحَبُ حُكْمُ إقْرَارِهِ فِيهِ مِنْ عَدَمِ حَدِّهِ لِثُبُوتِ عَدَمِ إحْصَانِهِ بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا قَوْلُهُ: (عَلَى الدَّرْءِ) أَيْ التَّرْكِ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ) أَيْ فَلَا عِبْرَةَ بِالرُّجُوعِ وَفِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ. (وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي (حَقُّ الْآدَمِيِّ) إذَا أَقَرَّ بِهِ (لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ، إلَّا إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي شُرُوطِ الْمُقَرِّ لَهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الْمُقِرِّ فَقَالَ: (وَتَفْتَقِرُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ) فِي الْمُقِرِّ (إلَى ثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ: (الْبُلُوغُ) فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مَنْ هُوَ دُونَ الْبُلُوغِ وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ، فَإِنْ ادَّعَى بُلُوغًا بِإِمْنَاءٍ مُمْكِنٍ بِأَنْ اسْتَكْمَلَ تِسْعَ سِنِينَ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ فُرِضَ ذَلِكَ فِي خُصُومَةٍ بِبُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ مَثَلًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِيهَا لِأَنَّ يَمِينَ الصَّغِيرِ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ. وَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ فَبَلَغَ مَبْلَغًا يُقْطَعُ فِيهَا بِبُلُوغِهِ قَالَ الْإِمَامُ: فَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ، وَكَالْإِمْنَاءِ فِي ذَلِكَ الْحَيْضُ. (وَ) الثَّانِي (الْعَقْلُ) فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِعُذْرٍ كَشُرْبِ دَوَاءٍ وَإِكْرَاهٍ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمْ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ السَّكْرَانِ   [حاشية البجيرمي] أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ إقْرَارٍ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَا يُعْتَبَرُ رُجُوعُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ اُعْتُبِرَ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْحُكْمُ مِنْ الْحَاكِمِ اهـ مَدَابِغِيٌّ. فَإِنْ اسْتَنَدَ الْحُكْمُ إلَى الْإِقْرَارِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ وَإِنْ اسْتَنَدَ لِلْبَيِّنَةِ لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ كَذَّبَ رُجُوعَهُ، قَالَ الدَّارِمِيُّ: لَا يُقْطَعُ. وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ قَالَ: لَا تَحُدُّونِي، فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ لِنَفْيِ الْحَدِّ احْتِمَالَانِ، قَالَ سم: وَلَوْ قَالَ لَا تَحُدُّونِي أَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ أَوْ هَرَبَ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ لَكِنْ يُكَفُّ عَنْهُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ رَجَعَ فَلَا حَدَّ وَإِلَّا حُدَّ، فَإِنْ لَمْ يُكَفَّ عَنْهُ وَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ. قَالَ سم: وَظَاهِرٌ أَنَّهُ حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْإِقْرَارُ فَأَسْقَطَهُ بِالرُّجُوعِ جَازَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَةِ بِشَرْطِهَا، وَقَدْ يَتَّجِهُ حَيْثُ لَمْ يُسْنِدْ الْحُكْمَ إلَى خُصُوصِ أَحَدِهِمَا اعْتِبَارُ الْبَيِّنَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ لِقَبُولِ الرُّجُوعِ عَنْهُ، بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ فِيهِ أَقْوَى وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِهِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَالْمُسْتَنَدُ إلَيْهِ مُطْلَقًا اهـ. قَوْلُهُ: (بِمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) الْبَاءُ بِمَعْنَى " فِي " فَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ الْمُوجِبِ لِلْمَهْرِ وَالْحَدِّ يُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَدِّ لَا لِلْمَهْرِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ بِالنِّسْبَةِ لِقَطْعِ يَدِهِ لَا لِغُرْمِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (وَحَقُّ الْآدَمِيِّ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ) نَعَمْ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ فِي الرُّجُوعِ بَطَلَ الْإِقْرَارُ إنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ثُمَّ رَجَعَ وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ أَوْ ادَّعَى جَارِيَةً وَحُكِمَ لَهُ بِهَا بِيَمِينِهِ فَأَوْلَدَهَا ثُمَّ كَذَّبَ نَفْسَهُ وَقَالَ: لَيْسَتْ لِي، وَصَدَّقَتْهُ الْجَارِيَةُ، لَمْ تَبْطُلْ الْحُرِّيَّةُ فِي الْأُولَى وَلَا يُحْكَمُ بِرِقِّ الْوَلَدِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا تُرَدُّ الْجَارِيَةُ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ: (وَتَفْتَقِرُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ) أَيْ سَوَاءً كَانَ فِي حَقِّ اللَّهِ أَوْ الْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ: (فِي الْمُقِرِّ) " فِي " بِمَعْنَى " مِنْ " وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِصِحَّةٍ. قَوْلُهُ: (بِإِمْنَاءٍ) أَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ فَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا لِإِمْكَانِهَا وَسُهُولَتِهَا، فَلَوْ أَطْلَقَ دَعْوَى الْبُلُوغِ فَيُسْتَفْسَرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَعَقَّبَهُ م ر بِأَنَّهُ يُقْبَلُ مُطْلَقًا وَيُحْمَلُ عَلَى الْبُلُوغِ بِالْإِمْنَاءِ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى بَيِّنَةٍ، فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالْبَيِّنَةُ رَجُلَانِ، نَعَمْ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِوِلَادَتِهِ يَوْمَ كَذَا قُبِلَتْ وَثَبَتَ بِهَا السِّنُّ تَبَعًا م ر. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْإِمْنَاءِ الْمُمْكِنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ) أَيْ الْإِمْنَاءِ الْمُمْكِنِ؛ وَمَحِلُّهُ فِيمَا لَا مُزَاحِمَةَ فِيهِ، أَمَّا مَا فِيهِ مُزَاحِمَةٌ كَطَلَبِ سَهْمِ الْمُغَازَاةِ فَيَحْلِفُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " صُدِّقَ " وَقَوْلُهُ " وَلِأَنَّهُ إلَخْ " رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَلَا يَحْلِفُ ". قَوْلُهُ: (لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ) أَيْ الْمُنَازَعَةِ فِي كَوْنِهِ بَلَغَ أَوْ لَا بِتَحَقُّقِ الْبُلُوغِ وَبِالْوُصُولِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَحْلِفُ أَنَّهُ كَانَ مُتَّصِفًا بِهَا حَالَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا حَاجَةَ لِلْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَلَا يُطْلَبُ إلْجَاؤُهُ إلَى الْكَذِبِ. قَوْلُهُ: (وَكَالْإِمْنَاءِ فِي ذَلِكَ الْحَيْضُ) أَيْ فَتُصَدَّقُ وَلَا تَحْلِفُ، نَعَمْ لَوْ عَلَّقَ زَوْجُهَا طَلَاقَهَا بِحَيْضِهَا فَادَّعَتْهُ فَلَا بُدَّ لِوُقُوعِهِ مِنْ تَحْلِيفِهَا إذَا اتَّهَمَهَا اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَسَيَأْتِي حُكْمُ السَّكْرَانِ) وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا، أَيْ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الطَّلَاقِ. (وَ) الثَّالِثُ (الِاخْتِيَارُ) فَلَا يَصِحُّ، وَيُمْكِنُ: إقْرَارُ مُكْرَهٍ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] جَعَلَ الْإِكْرَاهَ مُسْقِطًا لِحُكْمِ الْكُفْرِ فَبِالْأَوْلَى مَا عَدَاهُ. وَصُورَةُ إقْرَارِهِ أَنْ يُضْرَبَ لِيُقِرَّ، فَلَوْ ضُرِبَ لِيَصْدُقَ فِي الْقَضِيَّةِ فَأَقَرَّ حَالَ الضَّرْبِ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكْرَهًا إذْ الْمُكْرَهُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا إنَّمَا ضُرِبَ لِيَصْدُقَ. وَلَا يَنْحَصِرُ الصِّدْقُ فِي الْإِقْرَارِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ. وَالْوُلَاةُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَأْتِيهِمْ مَنْ يُتَّهَمُ بِسَرِقَةٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَيَضْرِبُونَهُ لِيُقِرَّ بِالْحَقِّ وَيُرَادُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِمَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ، وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ سَوَاءً أَقَرَّ فِي حَالِ ضَرْبِهِ أَمْ بَعْدَهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لَضُرِبَ ثَانِيًا انْتَهَى. وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ. (وَإِنْ كَانَ) بِحَقِّ آدَمِيٍّ كَإِقْرَارِهِ (بِمَالٍ) أَوْ نِكَاحٍ (اُعْتُبِرَ فِيهِ) مَعَ مَا تَقَدَّمَ (شَرْطٌ رَابِعٌ) أَيْضًا (وَهُوَ الرُّشْدُ) فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ سَفِيهٍ بِدَيْنٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ، نَعَمْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي الْبَاطِنِ فَيَغْرَمُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ إنْ   [حاشية البجيرمي] وَالْعَقْلُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مُكْرَهٍ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ م ر، قَالَ سم: اُنْظُرْ مَا صُورَةُ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ، قَالَ شَيْخُنَا وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ فَلِلْقَاضِي إكْرَاهُهُ عَلَى الْبَيَانِ وَهُوَ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَصُورَةُ إقْرَارِهِ) أَيْ الْمُكْرَهِ الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِإِقْرَارِهِ أَنْ يُضْرَبَ لِيُقِرَّ لَا أَنْ يَضْرِبَ لِيَصْدُقَ، فَإِنَّ هَذَا يُعْتَدُّ بِإِقْرَارِهِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يُسْأَلَ فَلَا يُجِيبُ بِشَيْءٍ نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا، فَيُضْرَبُ حِينَئِذٍ لِيَتَكَلَّمَ بِالصِّدْقِ، فَإِذَا أَجَابَ بِشَيْءٍ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا حَرُمَ التَّعَرُّضُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَالْكَلَامُ فِي الْإِقْرَارِ وَأَمَّا الضَّرْبُ فَحَرَامٌ مُطْلَقًا م د. قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْحَصِرُ الصِّدْقُ فِي الْإِقْرَارِ) بَلْ يَكُونُ فِي عَدَمِهِ كَقَوْلِهِ: لَيْسَ عِنْدِي مَا ادَّعَيْت بِهِ. قَوْلُهُ: (لِيُقِرَّ بِالْحَقِّ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ لَا الْحَقُّ الْمُوَافِقُ لِلْوَاقِعِ. قَوْلُهُ: (وَيُرَادُ بِذَلِكَ) أَيْ بِإِقْرَارِهِ بِالْحَقِّ وَبِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ أَيْ بِضَرْبِهِ. قَوْلُهُ: (الْإِقْرَارُ بِمَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ) فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ. وَأَمَّا لَوْ أُرِيدَ بِالْحَقِّ حَقِيقَتُهُ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِالْوَاقِعِ فَأَخْبَرَ بِمَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ فَيُعْمَلُ بِهِ. وَلَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا إكْرَاهٍ وَاخْتِيَارٍ قُدِّمَتْ الْأُولَى لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ، إلَّا إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ زَالَ الْإِكْرَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ فَتَقَدَّمَ كَمَا فِي الْعُبَابِ، قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ. وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا وَقْتَهُ، فَإِنْ كَانَتْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تَصْدِيقِهِ كَحَبْسٍ وَتَرْسِيمٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَلَا بِرْمَاوِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. وَالتَّرْسِيمُ التَّضْيِيقُ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَذْهَبَ مِنْ مَحِلٍّ إلَى الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (سَوَاءً أَقَرَّ إلَخْ) وَسَوَاءً أَضُرِبَ لِيُقِرَّ أَوْ لِيَصْدُقَ، فَمَحِلُّ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ مَا لَمْ يَكُنْ مُرَادُ الْمُكْرِهِ طَلَبَ الْإِقْرَارِ بِمَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الضَّرْبُ إكْرَاهًا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ بِمَالٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ عَامٌّ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْآدَمِيِّ وَخَاصٌّ بِالْمَالِ، وَالشَّارِحُ صَرَفَهُ عَنْهُمَا فَزَادَ عَلَى الْمَالِ النِّكَاحَ وَخَصَّهُ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ، فَلَوْ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ أَوْلَى. وَالْعُمُومُ مُرَادٌ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ الْمَالِيَّ يُعْتَبَرُ فِيهِ الرُّشْدُ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ لِأَنَّ السَّفِيهَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ مِنْ الْوَلِيِّ لِلْقَدْرِ الْمَدْفُوعِ وَالشَّخْصِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نِكَاحٍ) أَيْ أَنَّهُ تَزَوَّجَ. قَوْلُهُ: (الرُّشْدُ) الْمُرَادُ بِهِ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ، فَيَشْمَلُ الرَّشِيدَ حَقِيقَةً وَالسَّفِيهَ الْمُهْمَلَ وَهُوَ الَّذِي بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ بَذَّرَ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ سَفِيهٍ) أَيْ سَوَاءً بَلَغَ غَيْرَ مُصْلِحٍ لِمَالِهِ وَدَيْنِهِ أَوْ بَلَغَ مُصْلِحًا وَبَذَّرَ وَحَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ. (بِدَيْنٍ) أَيْ وَلَا بِعَيْنٍ، وَأَمَّا الْمُفْلِسُ فَيَصِحُّ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ لَا فِي أَعْيَانِ مَالِهِ؛ كَذَا قِيلَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَنْهَجِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ أَيْ الْمُفْلِسِ بِعَيْنٍ أَوْ جِنَايَةٍ أَوْ بِدَيْنٍ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ لِمَا قَبْلَ الْحَجْرِ اهـ. وَقَالَ الْحَلَبِيُّ: أَمَّا الْمُفْلِسُ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِعَيْنٍ أَوْ جِنَايَةٍ وَلَوْ بَعْدَ الْحَجْرِ أَوْ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ أَوْ إتْلَافٍ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ لِمَا قَبْلَ الْحَجْرِ. وَأَمَّا السَّفِيهُ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ دُونَ غَيْرِهَا اهـ. وَفِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ: حَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْمُفْلِسِ أَنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 كَانَ صَادِقًا فِيهِ وَخَرَجَ بِالْمَالِ إقْرَارُهُ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ كَحَدٍّ وَقَوَدٍ وَإِنْ عُفِيَ عَنْهُ عَلَى مَالٍ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَالِ. وَأَمَّا شُرُوطُ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ، فَمِنْهَا كَوْنُ الْمُقَرِّ لَهُ مُعَيَّنًا نَوْعَ تَعْيِينٍ بِحَيْثُ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الدَّعْوَى وَالطَّلَبُ، فَلَوْ قَالَ لِإِنْسَانٍ أَوْ لِوَاحِدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ: عَلَيَّ أَلْفٌ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَمِنْهَا كَوْنُ الْمُقَرِّ لَهُ فِيهِ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقُ الْمُقَرِّ بِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُصَادِفُ مَحِلَّهُ وَصِدْقُهُ مُحْتَمَلٌ، وَبِهَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِصَدَاقِهَا عَقِبَ النِّكَاحِ لِغَيْرِهَا أَوْ الزَّوْجُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ عَقِبَ الْمُخَالَعَةِ لِغَيْرِهِ أَوْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ عَقِبَ اسْتِحْقَاقِهِ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ الدَّابَّةِ: عَلَيَّ كَذَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ بِسَبَبِهَا لِفُلَانٍ كَذَا صَحَّ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ اكْتَرَاهَا أَوْ اسْتَعْمَلَهَا تَعَدِّيًا كَصِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِحَمْلِ هِنْدٍ. وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى جِهَةٍ لَا تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ كَقَوْلِهِ: أَقْرَضَنِيهِ وَبَاعَنِي بِهِ شَيْئًا وَيَلْغُو الْإِسْنَادُ الْمَذْكُورُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحَيْهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَمَا وَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَسْنَدَهُ إلَى جِهَةٍ لَا   [حاشية البجيرمي] جِنَايَةً قُبِلَ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُعَامَلَةً فَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ لِمَا قَبْلَ الْحَجْرِ قُبِلَ أَيْضًا، وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ لِمَا بَعْدَ الْحَجْرِ وَقُيِّدَ بِمُعَامَلَةٍ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ أَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِمُعَامَلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا رُوجِعَ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْوُجُوبَ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمُعَامَلَةٍ وَلَا جِنَايَةٍ وَلَا بِمَا قَبْلَ الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَهُ رُوجِعَ أَيْضًا، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ لَمْ يُقْبَلْ اهـ. وَقَوْلُهُ " فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ " بِخِلَافِهِ فِي حَقِّهِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْحَجْرِ) أَيْ لَزِمَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ يَصِحُّ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا م ر وز ي؛ أَيْ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ وَمَا لَا فَلَا، لَكِنَّ الْغُرْمَ لَازِمٌ لَهُ لَا مِنْ جِهَةِ الْإِقْرَارِ بَلْ مِنْ جِهَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ كَالصَّبِيِّ فَتَفْرِيعُ الْغُرْمِ عَلَى الْإِقْرَارِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ يَلْزَمُهُ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْمَالِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَخَرَجَ بِإِقْرَارِهِ بِإِتْلَافِ الْمَالِ لِأَجْلِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمَخْرَجِ وَالْمَخْرَجِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ كَمَا فَعَلَ فِي الْمَنْهَجِ، فَالتَّعْبِيرُ بِالْخُرُوجِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ جَعْلَهَا مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً أَوْلَى. قَوْلُهُ: (بِمُوجِبٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ بِشَيْءٍ يُوجِبُ عُقُوبَةً كَالزِّنَا وَالْقَتْلِ. وَقَوْلُهُ " كَحَدٍّ " مِثَالٌ لِلْعُقُوبَةِ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَالِ) أَيْ ابْتِدَاءً فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الرُّشْدِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ابْتِدَاءً لِئَلَّا يُرَدَّ وُجُوبُ الْمَالِ عَنْهُ بِالْعَفْوِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمَالِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (فَمِنْهَا كَوْنُ الْمُقَرِّ لَهُ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ. قَوْلُهُ: (نَوْعَ تَعْيِينٍ) أَيْ وَلَوْ نَوْعَ تَعْيِينٍ، فَدَخَلَ قَوْلُهُ " عَلَيَّ مَالٌ " لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَا الْمُرَادُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْمُقِرُّ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الدَّعْوَى) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نَوْعُ تَعْيِينٍ خَاصٍّ بِحَالَةٍ وَهِيَ تَوَقُّعُ الدَّعْوَى وَالطَّلَبِ مِنْهُ، فَلِذَا خَرَجَ قَوْلُهُ لِوَاحِدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَيَّ أَلْفٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ تَعْيِينٍ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: مُعَيَّنًا تَعْيِينًا يُتَوَقَّعُ مَعَهُ طَلَبٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) إلَّا إذَا كَانُوا مَحْصُورِينَ فِيمَا يَظْهَرُ، حَجّ شَوْبَرِيٌّ وم ر. فَيَصِحُّ وَيُعَيِّنُ مَنْ أَرَادَهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِقْرَارُ حِينَئِذٍ يُصَادِفُ مَحِلَّهُ. قَوْلُهُ: (وَصَدَّقَهُ) أَيْ الْمُقِرُّ مُحْتَمِلٌ جُمْلَةً حَالِيَّةً، فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْعِلَّةِ، فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى شَرْطٍ فِي الْمُقِرِّ وَهُوَ كَوْنُ صِدْقِهِ مُحْتَمَلًا، فَإِنْ لَمْ يُحْتَمَلْ لَمْ يَصِحَّ كَالْأَمْثِلَةِ الَّتِي قَالَهَا الشَّارِحُ؛ لَكِنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ مِنْ جِهَتَيْنِ: الْأُولَى: أَنَّ الْكَلَامَ فِي شُرُوطِ الْمُقَرِّ لَهُ وَهَذَا مِنْ شُرُوطِ الْمُقِرِّ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ ذَكَرَ مُحْتَرَزَ الشَّرْطِ الزَّائِدِ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَ مُحْتَرَزَ الشَّرْطِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْمُقَرِّ لَهُ لِلْمُقَرِّ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَبِهَذَا يَخْرُجُ إلَخْ) أَيْ بِقَوْلِهِ " وَصِدْقُهُ مُحْتَمَلٌ " أَيْ فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ احْتِمَالُ صِدْقِهِ، فَلَوْ قُطِعَ بِكَذِبِهِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ، وَحِينَئِذٍ تَعْلَمُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ تَسَمُّحًا مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: ذِكْرُهُ هَذَا الْحُكْمَ فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ شَرْطٌ مُسْتَقِلٌّ، وَالثَّانِي: ذِكْرُهُ فِي مُعْرِضِ شُرُوطِ الْمُقَرِّ لَهُ مَعَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ شُرُوطِ الْمُقِرِّ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: (عَقِبَ النِّكَاحِ) أَيْ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبُولِ بِلَحْظَةٍ كَانَ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ وَلَمْ يَحْتَمِلْ فِي هَذَا الزَّمَانِ الضَّيِّقِ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ الزَّوْجِ إلَيْهَا وَمِنْهَا لِغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (فَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ الدَّابَّةِ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ، وَيَنْبَغِي فَرْضُ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْمَمْلُوكَةِ. أَمَّا لَوْ أَقَرَّ لِخَيْلٍ مُسَبَّلَةٍ فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ كَالْإِقْرَارِ لِمَقْبَرَةٍ أَيْ لِأَهْلِهَا، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ غَلَّةٍ وُقِفَ عَلَيْهَا أَوْ وَصِيَّةٍ ز ي أج. قَوْلُهُ: (لِفُلَانٍ) أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكُهَا أَوْ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَيَلْغُو الْإِسْنَادُ) أَيْ وَكَذَا الْإِقْرَارُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ لَغْوٌ ضَعِيفٌ. وَمِنْهَا عَدَمُ تَكْذِيبِهِ لِلْمُقِرِّ فَلَوْ كَذَّبَهُ فِي إقْرَارِهِ لَهُ بِمَالٍ تُرِكَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ يَدَهُ تُشْعِرُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا، وَسَقَطَ إقْرَارُهُ بِمُعَارَضَةِ الْإِنْكَارِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ بَعْدَ التَّكْذِيبِ قَبْلَ رُجُوعِهِ سَوَاءً أَقَالَ غَلِطْت فِي الْإِقْرَارِ أَمْ تَعَمَّدْت الْكَذِبَ، وَلَوْ رَجَعَ الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ التَّكْذِيبِ لَمْ يُقْبَلْ فَلَا يُعْطَى إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ. وَأَمَّا شُرُوطُ الصِّيغَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فَيُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ، وَفِي مَعْنَاهُ الْكِتَابَةُ مَعَ النِّيَّةِ وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٌ كَقَوْلِهِ: لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي كَذَا. أَمَّا لَوْ حَذَفَ " عَلَيَّ " أَوْ " عِنْدِي " لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مُعَيَّنًا كَهَذَا الثَّوْبُ فَيَكُونُ إقْرَارًا وَعَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ، وَمَعِي أَوْ عِنْدِي لِلْعَيْنِ. وَجَوَابُ لِي عَلَيْك أَلْفٌ أَوْ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ بِبَلَى أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْت، أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهَا أَوْ نَحْوُهَا كَأَبْرَأْتَنِي مِنْهُ، إقْرَارٌ كَجَوَابِ اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي عَلَيْك بِنَعَمْ، أَوْ بِقَوْلِهِ أَقْضِي غَدًا أَوْ أَمْهِلْنِي أَوْ حَتَّى أَفْتَحَ الْكِيسَ أَوْ أَجِدَ الْمِفْتَاحَ مَثَلًا أَوْ نَحْوَهَا كَابْعَثْ مَنْ يَأْخُذُهُ لَا جَوَابُ ذَلِكَ بِزِنْهُ أَوْ خُذْهُ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسِك أَوْ أَنَا مُقِرٌّ أَوْ أُقِرُّ بِهِ أَوْ نَحْوَهَا كَهِيَ صِحَاحٌ أَوْ رُومِيَّةٌ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُذْكَرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ.   [حاشية البجيرمي] وَإِنْ أَسْنَدَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَمَا وَقَعَ) مُبْتَدَأً، وَقَوْلُهُ " ضَعِيفٌ " خَبَرٌ. وَقَوْلُهُ " مِنْ أَنَّهُ " بَيَانٌ لِمَا أَوْ بَدَلٌ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ " لَغْوٌ " خَبَرُ " أَنَّ " وَإِذَا أَسْنَدَهُ إلَخْ مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ لَغْوٌ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (ضَعِيفٌ) هُوَ الضَّعِيفُ، فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَغْوٌ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا قَالَهُ سم. قَوْلُهُ: (تُرِكَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ) إنْ كَانَ عَيْنًا وَلَمْ يُطَالَبْ بِهِ إنْ كَانَ دَيْنًا. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ رَجَعَ) أَيْ الْمُقِرُّ إلَخْ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ لَا حَاجَةَ لِهَذَا لِبُطْلَانِ إقْرَارِهِ بِمُعَارَضَةِ الْإِنْكَارِ اهـ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (أَمَّا لَوْ حَذَفَ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي) أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفِهِمَا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَاهُ مُسْقِطًا إذَا كَانَ مُقِرًّا بِعَيْنٍ كَمَا إذَا طُلِبَ مِنْهُ الْعَيْنُ فَقَالَ: كَانَتْ وَدِيعَةً وَتَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَلِبَعْضِهِمْ: عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ ... مَعِي وَعِنْدِي يَا فَتَى لِلْعَيْنِ وَقِبَلِي إنْ قُلْته فَمُحْتَمِلْ ... لِلدَّيْنِ مَعَ عَيْنٍ كَمَا عَنْهُمْ نُقِلْ قَوْلُهُ: (بِبَلَى أَوْ نَعَمْ) وَفِي نَعَمْ وَجْهٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهَا فِي اللُّغَةِ تَصْدِيقٌ لِلنَّفْيِ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ، بِخِلَافِ " بَلَى " فَإِنَّهَا رَدٌّ لَهُ وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَلِهَذَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي آيَةِ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] لَوْ قَالُوا نَعَمْ لَكَفَرُوا. وَرُدَّ هَذَا الْوَجْهُ بِأَنَّ الْأَقَارِيرَ وَنَحْوَهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ الْمُتَبَادِرِ مِنْ اللَّفْظِ لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ شَرْحُ م ر، وَلِبَعْضِهِمْ: بَلَى تُقَرِّرُ الِاسْتِفْهَامَ مِثْلَ نَعَمْ ... لَكِنْ جَوَابُ بَلَى فِي النَّفْيِ إثْبَاتُ قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَهَا) كَمُرَادِفِ نَعَمْ وَهُوَ جَيْرَ وَأَجَلْ وَإِي اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (كَجَوَابِ اقْضِ الْأَلْفَ إلَخْ) جَعَلَ هَذِهِ مُشَبَّهَةً بِمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَضُمَّهَا إلَيْهَا كَأَنْ يَقُولَ: وَاقْضِ الْأَلْفَ إلَخْ لِأَنَّ فِيهَا خِلَافًا، وَمَا قَبْلَهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَنَا مُقِرٌّ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُذْكَرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ) هُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا عَدَا الْخَامِسِ وَالسَّادِسِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَلَيْسَ إقْرَارًا بَلْ مَا عَدَا الْخَامِسَ وَالسَّادِسَ لَيْسَ إقْرَارًا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ وَالْخَامِسُ مُحْتَمِلٌ لِلْإِقْرَارِ بِغَيْرِ الْأَلْفِ كَوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَالسَّادِسُ لِلْوَعْدِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ بَعْدُ اهـ، أَيْ وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 وَأَمَّا شَرْطُ الْمُقَرِّ بِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَيْضًا فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ حِينَ يُقِرُّ، فَقَوْلُهُ: دَارِي أَوْ دَيْنِي لِعَمْرٍو لَغْوٌ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ لَهُ فَتُنَافِي الْإِقْرَارَ لِغَيْرِهِ لَا قَوْلُهُ: هَذَا لِفُلَانٍ وَكَانَ مِلْكِي إلَى أَنْ أَقْرَرْت بِهِ، فَلَيْسَ لَغْوًا اعْتِبَارًا بِأَوَّلِهِ. وَكَذَا لَوْ عَكَسَ فَقَالَ: هَذَا مِلْكِي هَذَا لِفُلَانٍ غَايَتُهُ أَنَّهُ إقْرَارٌ بَعْدَ إنْكَارٍ، وَأَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ وَلَوْ مَآلًا لِيُسَلِّمَ بِالْإِقْرَارِ لَلْمُقَرِّ لَهُ حِينَئِذٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ حَالًا ثُمَّ صَارَ بِهَا عُمِلَ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ بِأَنْ يُسَلَّمَ لَلْمُقَرِّ لَهُ حِينَئِذٍ، فَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ شَخْصٍ بِيَدِ غَيْرِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ حُكِمَ بِهَا وَكَانَ شِرَاؤُهُ افْتِدَاءً لَهُ وَبَيْعًا مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَلَهُ الْخِيَارُ دُونَ الْمُشْتَرِي. (وَإِذَا أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ) كَشَيْءٍ وَكَذَا صَحَّ إقْرَارُهُ وَ (رَجَعَ لَهُ فِي بَيَانِهِ) فَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ أَوْ كَذَا قَبْلَ تَفْسِيرِهِ بِغَيْرِ   [حاشية البجيرمي] الْوَفَاءُ بِهِ. قَوْلُهُ: (فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ " فَشَرْطُهُ إلَخْ " فَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ لِأَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ الشَّرْطُ لَا الْمَشْرُوطُ وَقَدْ ذَكَرَ شَرْطَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا) أَيْ أَنْ لَا يَكُونَ فِي صِيغَتِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مِلْكِهِ لَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (فَقَوْلُهُ دَارِي أَوْ دَيْنِي لِعَمْرٍو إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يُرِدْ الْإِقْرَارَ، فَلَوْ أَرَادَ بِالْإِضَافَةِ فِي دَارِي إضَافَةَ سَكَنِي صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ اسْتِفْسَارَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالْعَمَلِ بِقَوْلِهِ، شَرْحُ م ر أج. وَقَوْلُهُ: " أَوْ دَيْنِي " أَيْ الَّذِي عَلَيْك. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْمُضَافُ مُشْتَقًّا وَلَا فِي حُكْمِهِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ اقْتَضَتْ الِاخْتِصَاصَ بِالنَّظَرِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَبْدَأُ الِاشْتِقَاقُ، فَمِنْ ثَمَّ كَانَ قَوْلُهُ دَارِي أَوْ دَيْنِي لِعَمْرٍو لَغْوًا لِأَنَّ الْمُضَافَ فِيهِ غَيْرُ مُشْتَقٍّ، فَأَفَادَتْ الْإِضَافَةُ الِاخْتِصَاصَ مُطْلَقًا، وَمِنْ لَازِمِهِ الْمِلْكُ بِخِلَافِ مَسْكَنِي وَمَلْبُوسِي فَإِنَّ إضَافَتَهُ إنَّمَا تُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ مِنْ حَيْثُ السُّكْنَى لَا مُطْلَقًا لِاشْتِقَاقِهِ، اهـ ع ش م ر. قَوْلُهُ: (فَتُنَافِي الْإِقْرَارَ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ إزَالَةً عَنْ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى الْخَبَرِ اهـ عَنَانِيٌّ. وَمَحِلُّ كَوْنِهِ لَغْوًا مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِقْرَارَ بِمَعْنَى أَنَّ الدَّارَ الَّتِي كَانَتْ مِلْكِي قَبْلُ هِيَ لِزَيْدٍ الْآنَ غَايَتُهُ أَنَّهُ أَضَافَهَا لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ مَجَازًا، اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (هَذَا مِلْكِي هَذَا لِفُلَانٍ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا حَيْثُ صَحَّحُوهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ سَابِقًا " دَارِي " أَوْ " دَيْنِي لِعَمْرٍو " حَيْثُ جَعَلُوهُ لَغْوًا، أَنَّ مَا تَقَدَّمَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ أَوَّلُهَا مُنَافٍ لِآخِرِهَا بِخِلَافِ هَذِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِجُمْلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا تَضُرُّهُ وَالْأُخْرَى تَنْفَعُهُ عُمِلَ بِمَا يَضُرُّهُ مِنْهُمَا سَوَاءً تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَإِنْ أَتَى بِجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ فِيهَا مَا يَضُرُّهُ وَمَا يَنْفَعُهُ لَغَتْ إنْ قُدِّمَ النَّافِعُ كَقَوْلِهِ: دَارِي لِفُلَانٍ اهـ عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُسَلِّمَ لِلْمُقَرِّ لَهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَوْنِهِ بِيَدِهِ، وَمَعْنَى كَوْنِ الْمُقَرِّ بِهِ يُسَلَّمُ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ مَعَ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ الْحُرِّيَّةُ وَهِيَ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا تَسْلِيمَ نَفْسِهِ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُخَلَّى سَبِيلُهُ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ شَخْصٍ إلَخْ) مِثْلُ الْإِقْرَارِ الشَّهَادَةُ، فَلَوْ شَهِدَ بِأَنَّ مَا فِي يَدِ زَيْدٍ مَغْصُوبٌ صَحَّ شِرَاؤُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُقْصَدُ اسْتِنْقَاذُهُ وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ لِمَنْ يَطْلُبُ الشِّرَاءَ مِلْكًا لِنَفْسِهِ أَوْ مُوَلِّيهِ اهـ شَرْحُ م ر. وَكَتَبَ ع ش عَلَى قَوْلِهِ " صَحَّ شِرَاؤُهُ " أَيْ حُكِمَ بِصِحَّةِ شِرَائِهِ مِنْهُ، وَلَا يَجِبُ رَدُّهُ لِمَنْ قَالَ إنَّهُ مَغْصُوبٌ مِنْهُ إنْ عُرِفَ وَإِلَّا انْتَزَعَهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ اشْتَرَاهُ) أَيْ لِنَفْسِهِ أَوْ مِلْكه بِوَجْهٍ آخَرَ كَالْإِرْثِ. وَخَصَّ الشِّرَاءَ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ شَرْحُ م ر. فَلَوْ اشْتَرَاهُ لِمُوَكِّلِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِحُرِّيَّتِهِ. قَوْلُهُ: (افْتِدَاءً لَهُ) لِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِ الْمَانِعَةِ مِنْ شِرَائِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ شِرَاءٌ صُورِيٌّ وَالْقَصْدُ مِنْهُ الِافْتِدَاءُ؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ بِالْحُرِّيَّةِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الشِّرَاءِ. قَالَ ع ش: وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْوَقْفِ، فَإِذَا عَلِمَ بِوَقْفِيَّتِهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا كَانَ شِرَاؤُهُ افْتِدَاءً فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِمَنْ لَهُ وِلَايَةُ حِفْظِهَا إنْ عُرِفَ وَإِلَّا سَلَّمَهَا لِمَنْ يَعْرِفُ الْمَصْلَحَةَ، فَإِنْ عَرَّفَهَا هُوَ وَأَبْقَاهَا فِي يَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَارَةُ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَلَيْسَ مِنْ الْعِلْمِ بِوَقْفِيَّتِهَا مَا يُكْتَبُ بِهَوَامِشِهَا مِنْ لَفْظِ وَقْفٌ. قَوْلُهُ: (فَلَهُ الْخِيَارُ) أَيْ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ وَالْعَيْبِ، أَيْ عَيْبِ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ. قَوْلُهُ: (دُونَ الْمُشْتَرِي) أَيْ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَوْ وَجَدَ فِيهِ عَيْبًا، فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ وَلَا أَرْشَ لَهُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: ثُمَّ إنْ أَقَرَّ بِمَعْلُومٍ، فَذَاكَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ مِنْ كُلِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 عِيَادَةِ مَرِيضٍ وَرَدِّ سَلَامٍ وَنَجَسٍ لَا يُقْتَنَى كَخِنْزِيرٍ سَوَاءً أَكَانَ مَالًا وَإِنْ لَمْ يَتَمَوَّلْ كَفَلْسٍ وَحَبَّةِ بُرٍّ أَمْ لَا كَقَوَدٍ وَحَقِّ شُفْعَةٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَزِبْلٍ لَصَدَقَ كُلٌّ مِنْهَا بِالشَّيْءِ مَعَ كَوْنِهِ مُحْتَرَمًا وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ، وَإِنْ وَصَفَهُ بِنَحْوِ عِظَمٍ كَقَوْلِهِ: مَالٌ عَظِيمٌ أَوْ كَبِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَلَّ مِنْ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَوَّلْ كَحَبَّةِ بُرٍّ، وَيَكُونُ وَصْفُهُ بِالْعِظَمِ وَنَحْوِهِ مِنْ حَيْثُ إثْمُ غَاصِبِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ أَنْ أَلْزَمَ الْيَقِينَ وَأَطْرَحَ الشَّكَّ وَلَا أَسْتَعْمِلَ الْغَلَبَةَ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي شَيْءٌ شَيْءٌ أَوْ كَذَا كَذَا. لَزِمَهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الثَّانِيَ تَأْكِيدٌ. فَإِنْ قَالَ: شَيْءٌ وَشَيْءٌ أَوْ كَذَا وَكَذَا لَزِمَهُ شَيْئَانِ لِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ الْمُغَايِرَةَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٍ بِرَفْعٍ أَوْ نَصْبٍ أَوْ جَرٍّ أَوْ سُكُونٍ، أَوْ كَذَا كَذَا بِالْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ، أَوْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمٍ بِلَا نَصْبٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، فَإِنْ ذَكَرَهُ بِالنَّصْبِ بِأَنْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ؛   [حاشية البجيرمي] الْوُجُوهِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ أَوْ قَدْرًا وَصِفَةً لَا جِنْسًا كَقَوْلِهِ: لَهُ مَالٌ عَلَيَّ، وَسَوَاءً كَانَ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ ابْتِدَاءً أَوْ جَوَابًا لِدَعْوَى لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ فَيَصِحُّ مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا. قَوْلُهُ: (رَجَعَ لَهُ) فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ عَلَيْهِ حَتَّى يُبَيِّنَ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ طُولِبَ بِهِ الْوَارِثُ وَوُقِفَ جَمِيعُ التَّرِكَةِ وَلَوْ بَيَّنَ بِمَا يُقْبَلُ وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي أَنَّهُ حَقُّهُ فَلْيُبَيِّنْ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ جِنْسُ حَقِّهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ وَلْيَدَّعِ بِهِ وَيَحْلِفْ الْمُقَرُّ عَلَى نَفْيِهِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ) خَرَجَ مَا لَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِنَجَسٍ لَا يُقْتَنَى لِأَنَّهُ لَا يُشْعِرُ بِالْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (سَوَاءً أَكَانَ) أَيْ غَيْرُ مَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (كَفَلْسٍ) مِثَالٌ لِلْمُتَمَوَّلِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ سَوَاءً تَمَوَّلَ أَمْ لَا، وَالْمُتَمَوَّلُ مَا سَدَّ مَسَدًّا مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ. قَوْلُهُ: (وَحَبَّةُ بُرٍّ) أَيْ وَقِمْعِ بَاذِنْجَانَةٍ اهـ سم. قَوْلُهُ: (وَزِبْلٍ) أَيْ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا لَكِنَّهُ يُقْتَنَى. قَوْلُهُ: (لِصِدْقِ كُلٍّ مِنْهَا) لَوْ قَالَ لِصِدْقِ الشَّيْءِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا كَانَ أَوْلَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَصْدُقْ الشَّيْءُ بِالسَّلَامِ وَالْعِيَادَةِ لِبُعْدِ فَهْمِهِمَا مِنْهُ. قَوْلُهُ: (مَعَ كَوْنِهِ مُحْتَرَمًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مُرَكَّبَةٌ لِيَخْرُجَ النَّجِسُ الَّذِي لَا يُقْتَنَى كَالْخِنْزِيرِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ. قَوْلُهُ: (أَثِمَ غَاصِبُهُ) أَيْ وَكَفَرَ مُسْتَحِلُّهُ. وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَوْجُودٌ. قَوْلُهُ: (أَصْلُ مَا أَبْنِي) مُبْتَدَأٌ، خَبَرُهُ قَوْلُهُ " أَنْ أَلْزَمَ الْيَقِينَ " وَمَا بَعْدَهُ عَطْفٌ لَازِمٌ عَلَى مَلْزُومٍ وَإِضَافَةُ أَصْلٍ لِمَا بَعْدَهُ بَيَانِيَّةٌ، أَيْ أَصْلٌ هُوَ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ إلَخْ، أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ لِلصِّفَةِ أَيْ الْأَصْلُ الَّذِي أَبْنِي عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ. وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ الظَّنُّ الْغَالِبُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. وَقَالَ الَأُجْهُورِيُّ: الْمُرَادُ بِالْيَقِينِ الشَّيْءُ الْمُفَسَّرُ بِهِ وَهُوَ حَبَّةُ الْبُرِّ مَثَلًا وَمَا زَادَ عَلَيْهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ وَصْفَهُ بِالْعِظَمِ لِكَثْرَتِهِ فَلَا يُعْمَلُ بِهَذَا الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (وَأَطْرَحَ الشَّكَّ) مَثَلًا إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي عَشْرَةٍ وَأَطْلَقَ، فَإِنَّ الْمُتَيَقَّنَ دِرْهَمٌ وَاحْتِمَالُ كَوْنِ فِي بِمَعْنَى مَعَ حَتَّى يَلْزَمَهُ أَحَدَ عَشَرَ مَشْكُوكٌ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا أَسْتَعْمِلُ الْغَلَبَةَ) فِيهِ الشَّاهِدُ لِأَنَّهُ إذَا قُبِلَ تَفْسِيرُ الْمَالِ الْعَظِيمِ بِمَا قَلَّ مِنْهُ لَا يَكُونُ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْغَلَبَةِ، أَيْ مَا يَغْلِبُ فِي عُرْفِ النَّاسِ، وَهُوَ أَنَّهُ مَالٌ كَثِيرٌ؛ فَقَوْلُهُ: وَلَا أَسْتَعْمِلُ الْغَلَبَةَ " أَيْ لَا أُعَوِّلُ عَلَيْهَا. وَفِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ: فِي قَوْلِهِ: " وَلَا أَسْتَعْمِلُ الْغَلَبَةَ " تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَتْرُكُ الْحَقِيقَةَ فِي الْأَقَارِيرَ وَيَحْمِلُ اللَّفْظَ عَلَى غَيْرِ غَالِبِهِ وَهُوَ الْمَجَازُ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَذَا) هِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ مَرْكَبٌ مِنْ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَكَافِ التَّشْبِيهِ، ثُمَّ نُقِلَ ذَلِكَ وَصَارَ كِنَايَةً عَنْ الْمُبْهَمِ مِنْ الْعَدَدِ؛ وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا عَنْ الْمُبْهَمِ مِنْ الْعَدَدِ وَغَيْرِهِ ح ل. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَهِيَ فِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى شَيْءٍ وَلَيْسَتْ كِنَايَةً عَنْ الْعَدَدِ. قَوْلُهُ: (بِرَفْعِ) أَيْ بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَصْبٍ) أَيْ تَمْيِيزًا. قَوْلُهُ: (أَوْ جَرٍّ) أَيْ لَحْنًا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ؛ لِأَنَّ تَمْيِيزَ كَذَا يَجِبُ نَصْبُهُ عِنْدَهُمْ وَيَجُوزُ جَرُّهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ بِ " مِنْ " مُقَدَّرَةٍ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (أَوْ سُكُونٍ) أَيْ وَقْفًا. قَوْلُهُ: (أَوْ كَذَا كَذَا بِالْأَحْوَالِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: أَوْ كَذَا كَذَا دِرْهَمٍ بِالْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ؛ فَلَعَلَّ لَفْظَ دِرْهَمٍ سَاقِطٌ مِنْ النَّاسِخِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ " كَذَا " إمَّا أَنْ يُؤْتَى بِهَا مُفْرَدَةً أَوْ مُكَرَّرَةً مَعَ الْعَطْفِ أَوْ بِدُونِهِ، وَالدِّرْهَمُ إمَّا أَنْ يُرْفَعَ أَوْ يُنْصَبَ أَوْ يُجَرَّ أَوْ يُسَكَّنَ. وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ اثْنَا عَشَرَ، وَالْوَاجِبُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ دِرْهَمٌ إلَّا إذَا أَتَى بِكَذَا مَعْطُوفَةً وَنَصَبَ الدِّرْهَمَ فَالْوَاجِبُ دِرْهَمًا ح ل وز ي. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ دِرْهَمٌ) لِأَنَّ كَذَا مُبْهَمٌ وَقَدْ فَسَّرَهُ بِدِرْهَمٍ فِي الْأُولَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 لِأَنَّ التَّمْيِيزَ وَصْفٌ فِي الْمَعْنَى فَيَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ. وَلَوْ قَالَ: الدَّرَاهِمُ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا نَاقِصَةُ الْوَزْنِ أَوْ مَغْشُوشَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا كَذَلِكَ أَوْ وَصَلَ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ بِالْإِقْرَارِ قَبْلَ قَوْلِهِ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي عَشْرَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ مَعِيَّةً فَأَحَدَ عَشَرَ أَوْ حِسَابًا عَرَّفَهُ فَعَشْرَةٌ، وَإِنْ أَرَادَ ظَرْفًا أَوْ حِسَابًا لَمْ يُعَرِّفْهُ أَوْ أَطْلَقَ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. (وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ) بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا (فِي الْإِقْرَارِ) وَغَيْرِهِ لِكَثْرَةِ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ بِشُرُوطٍ: الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ (إذَا وَصَلَهُ بِهِ) أَيْ اتَّصَلَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عُرْفًا، فَلَا تَضُرُّ سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ وَتَذَكُّرٍ وَانْقِطَاعِ صَوْتٍ بِخِلَافِ الْفَصْلِ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ وَكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ يَسِيرًا. الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ   [حاشية البجيرمي] وَالثَّانِيَةِ، وَتَخْتَصُّ الثَّانِيَةُ بِاحْتِمَالِ التَّأْكِيدِ هُوَ مُشْكِلٌ مَعَ الْعَطْفِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ. وَأَجَابَ الْمَدَابِغِيُّ بِأَنَّ " دِرْهَمٍ " رَاجِعٌ لِأَحَدِهِمَا اهـ. فَيَكُونُ الْآخَرُ لَغْوًا وَهُوَ بَعِيدٌ. وَلَوْ قَالَ " رَاجِعٌ لِلثَّانِي " لَكَانَ أَوْلَى لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ بَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ مَجْمُوعُهُمَا دِرْهَمًا. وَانْظُرْ هَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الْمَدَابِغِيِّ أَوْ لَا؟ تَأَمَّلْ وَحَرِّرْ. وَالدِّرْهَمُ فِي الثَّالِثَةِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّمْيِيزِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، أَيْ بَلْ هُوَ خَبَرٌ عَنْهُمَا فِي الرَّفْعِ أَيْ هُمَا دِرْهَمٌ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُمَا أَوْ بَيَانٌ لَهُمَا، وَأَمَّا الْجَرُّ وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنَى لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهُ عُرْفًا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِجُمْلَةِ مَا سَبَقَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي السُّكُونِ ح ل. قَوْلُهُ: (فَيَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ) فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْعَطْفُ يَمْنَعُ احْتِمَالَ وَصْلِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَرَادَ مَعِيَّةَ إلَخْ) . حَاصِلُهُ أَنَّ فِيهِ خَمْسَةَ أَحْوَالٍ، يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ فِي حَالَةٍ وَعَشْرَةٌ فِي حَالَةٍ وَدِرْهَمٌ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ. قَوْلُهُ: (الِاسْتِثْنَاءُ) مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ وَهُوَ الرُّجُوعُ لِرُجُوعِ الْمُسْتَثْنِي عَمَّا اقْتَضَاهُ لَفْظُهُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (لِكَثْرَةِ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ) مِنْ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] {إِلا إِبْلِيسَ} [الحجر: 31] وَفِي السُّنَّةِ «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ إلَّا أَرْبَعَةً» وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ: وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ قَوْلُهُ: (بِشُرُوطٍ) هِيَ فِي كَلَامِهِ صَرِيحًا ثَلَاثَةٌ، وَذَكَرَ رَابِعًا لَا بِعِنْوَانِ الشَّرْطِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَا يُجْمَعُ مُفَرَّقٌ إلَخْ. وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ كَمَا قَالَهُ ق ل وَأَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ وَأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ اهـ. وَقَالَ سم: وَأَنْ يُسْمِعَ بِهِ غَيْرَهُ. قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ بِيَمِينِهِ، أَيْ فِي نَفْيِ الْإِتْيَانِ بِهِ بِخِلَافِ نَفْيِ مُجَرَّدِ السَّمَاعِ فَلَا أَثَرَ لَهُ. قَوْلُهُ: (إذَا وَصَلَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَعْنَى الْمُسْتَثْنَى فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَضُرُّ سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ) أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْقَطْعَ. قَوْلُهُ: (وَعِيٌّ) أَيْ تَعَبٌ. وَقَوْلُهُ " وَتَذَكُّرٌ " أَيْ تَذَكُّرُ قَدْرِ مَا يَسْتَثْنِيهِ، أَيْ إذَا كَانَ بِقَدْرِ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ ع ش، كَأَنْ سَكَتَ لِيَتَذَكَّرَ مَا يُخْرِجُهُ بِأَنْ دَفَعَ لَهُ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ وَنَسِيَ فَقَالَ: لَهُ عِنْدِي عَشْرَةٌ وَسَكَتَ لِيَتَذَكَّرَ مَا دَفَعَهُ مِنْهَا لِيُخْرِجَهُ. قَوْلُهُ: (وَانْقِطَاعُ صَوْتٍ) وَسُعَالٌ وَنَحْوُهُ. وَانْظُرْ وَلَوْ طَالَ زَمَنُهُ أَوْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ تَأَمَّلْ، شَوْبَرِيٌّ ". قَوْلُهُ: (وَكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ) مِنْ الْمُقِرِّ، نَعَمْ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَيَانِ وَالْعُدَّةِ ز ي؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلتَّذَكُّرِ أَيْ تَذَكُّرِ قَدْرِ مَا يَسْتَثْنِيهِ، وَهُوَ أَيْضًا مُنَاسِبٌ لِلْمَقَامِ بِخِلَافِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ. قَوْلُهُ: (الشَّرْطُ الثَّانِي إلَخْ) عِبَارَةُ سم: وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ يَقْصِدَهُ قَبْلَ فَرَاغِ صِيغَةِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يُقَارِنْ أَوَّلَهَا إنْ تَأَخَّرَ، فَإِنْ تَقَدَّمَ فَهَلْ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ هَذَا الشَّرْطِ لِحُصُولِ الِارْتِبَاطِ بِدُونِهِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُتَأَخِّرًا يُوجِبُ ارْتِبَاطَهُ بِالْمُسْتَثْنَى الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي. وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْإِخْرَاجِ بِهِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِهِ أَوْ تَكْفِي مُقَارَنَتُهُ لِلتَّلَفُّظِ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي اهـ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ) وَلَوْ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ ع ش. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ الصَّرِيحِ ح ل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 الْكَلَامَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِتَمَامِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَا يَكْفِي بَعْدَ الْفَرَاغِ وَإِلَّا لَزِمَ رَفْعُ الْإِقْرَارِ بَعْدَ لُزُومِهِ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ: عَدَمُ اسْتِغْرَاقِ الْمُسْتَثْنَى لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا عَشْرَةً لَمْ يَصِحَّ فَيَلْزَمُهُ عَشْرَةٌ، وَلَا يُجْمَعُ مُفَرَّقٌ فِي اسْتِغْرَاقٍ لَا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَا فِي الْمُسْتَثْنَى وَلَا فِيهِمَا، فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا لَزِمَهُ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى إذَا لَمْ يُجْمَعْ مُفَرَّقُهُ لَمْ يُلْغَ إلَّا مَا يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ وَهُوَ دِرْهَمٌ فَيَبْقَى الدِّرْهَمَانِ مُسْتَثْنَيَيْنِ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا وَدِرْهَمًا لَزِمَهُ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَخِيرِ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا لَزِمَهُ دِرْهَمٌ لِجَوَازِ الْجَمْعِ هُنَا، إذْ لَا اسْتِغْرَاقَ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ إثْبَاتِ نَفْيٍ وَمِنْ نَفْيِ   [حاشية البجيرمي] وَمَحِلُّ عَدَمِ الصِّحَّةِ مَا لَمْ يُتْبِعْهُ بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ نَحْوِ لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا عَشْرَةً إلَّا خَمْسَةً، فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْمَعُ مُفَرَّقٌ) أَيْ لَا يُجْمَعُ مُفَرَّقٌ فِي حَالَةِ اسْتِغْرَاقٍ أَيْ لِدَفْعِهِ إنْ كَانَ الْجَمْعُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلَا لِتَحْصِيلِهِ إنْ كَانَ فِي الْمُسْتَثْنَى أَوْ فِيهِمَا. قَوْلُهُ " أَيْ لِدَفْعِهِ إلَخْ " كَمَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَقَوْلُهُ " وَلَا لِتَحْصِيلِهِ " كَمَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِيهِمَا) كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا وَدِرْهَمًا فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ؛ لَكِنْ لَا فَائِدَةَ فِي عَدَمِ جَمْعِ الْمُفَرَّقِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءً جَمَعَ الْمُفَرَّقَ أَوْ لَا، فَالْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ وَلَا فِيهِمَا كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُصَوَّرَ بِأَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمَيْنِ فَيَكُونُ الدِّرْهَمُ مُسْتَثْنًى مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ قَبْلَهُ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ، وَلَوْ جَمَعَ الْمُفَرَّقَ لَزِمَهُ ثَلَاثُ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذَا لَمْ يُجْمَعْ مُفَرَّقُهُ كَانَ الدِّرْهَمُ مُسْتَثْنًى مِنْ دِرْهَمٍ فَيَسْتَغْرِقُ فَيَلْغُو اهـ ع ن. قَوْلُهُ: (لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ إلَخْ) أَتَى بِمِثَالَيْنِ فِي اسْتِغْرَاقِ الْمُسْتَثْنَى، إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ أَفْرَادِهِ مُفَرَّقَةً أَوْ بَعْضُهَا مُفَرَّقٌ وَبَعْضُهَا مَجْمُوعٌ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَخِيرِ) وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ الدِّرْهَمِ الثَّالِثِ مِنْ الدِّرْهَمِ الْفَاضِلِ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ إثْبَاتٍ) أَيْ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْ مُثْبَتٍ مَنْفِيٌّ وَمِنْ مَنْفِيٍّ مُثْبَتٌ. وَهَذَا إشَارَةٌ لِقَاعِدَةٍ يَنْبَنِي عَلَيْهَا اخْتِلَافُ الْحُكْمِ. قَوْلُهُ: (مِنْ إثْبَاتِ نَفْيٍ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا، وَقِيلَ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ فَقَالَ: إنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، فَنَحْوُ مَا قَامَ أَحَدٌ إلَّا زَيْدٌ وَقَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا، وَيَدُلُّ الْأَوَّلُ عَلَى إثْبَاتِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ وَالثَّانِي عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا وَزَيْدٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ الْقِيَامُ وَعَدَمُهُ، وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مُخْرَجٌ مِنْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَيَدْخُلُ فِي نَقِيضِهِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ عَدَمِهِ مَثَلًا أَوْ مُخْرَجٌ مِنْ الْحُكْمِ فَيَدْخُلُ فِي نَقِيضِهِ أَيْ لَا حُكْمٍ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ شَيْءٍ دَخَلَ فِي نَقِيضِهِ، وَجُعِلَ الْإِثْبَاتُ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ بِعُرْفِ الشَّرْعِ وَفِي الْمُفَرَّغِ نَحْوُ مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ بِالْعُرْفِ الْعَامِّ اهـ مَحَلِّيٌّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ. وَقَوْلُهُ " وَمَبْنَى الْخِلَافِ إلَخْ " قَالَ السَّيِّدُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ إلَّا لِلْإِخْرَاجِ وَأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُخْرَجٌ وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ خَرَجَ مِنْ نَقِيضٍ دَخَلَ فِي النَّقِيضِ الْآخَرِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَبَقِيَ أَمْرٌ رَابِعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ: وَهُوَ أَنَّا إذَا قُلْنَا قَامَ الْقَوْمُ فَهُنَاكَ أَمْرَانِ الْقِيَامُ وَالْحُكْمُ، فَاخْتَلَفُوا هَلْ الْمُسْتَثْنَى مُخْرَجٌ مِنْ الْقِيَامِ أَوْ الْحُكْمِ بِهِ؟ فَنَحْنُ نَقُولُ بِالْقِيَامِ، فَيَدْخُلُ فِي نَقِيضِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْقِيَامِ، وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْحُكْمِ فَيَخْرُجُ لِنَقِيضِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ، فَيَكُونُ غَيْرَ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ، فَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا وَأَنْ لَا يَكُونَ، فَعِنْدَنَا انْتَقَلَ إلَى عَدَمِ الْقِيَامِ، وَعِنْدَهُمْ انْتَقَلَ إلَى عَدَمِ الْحُكْمِ، وَعِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ مُخْرَجٌ وَدَاخِلٌ فِي نَقِيضِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ حَتَّى يَتَحَرَّرَ لَك مَحِلُّ النِّزَاعِ. وَالْعُرْفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ شَاهِدٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا قُصِدَ إخْرَاجُهُ مِنْ الْقِيَامِ لَا مِنْ الْحُكْمِ، وَلَا يَفْهَمُ أَهْلُ الْعُرْفِ إلَّا ذَلِكَ، فَيَكُونُ هُوَ اللُّغَةَ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ عَدَمَ النَّقْلِ وَالتَّغْيِيرِ، اهـ مِنْ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 إثْبَاتٍ؛ فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ، لِأَنَّ الْمَعْنَى إلَّا تِسْعَةً لَا تَلْزَمُ إلَّا ثَمَانِيَةً تَلْزَمُ فَتَلْزَمُهُ الثَّمَانِيَةُ وَالْوَاحِدُ الْبَاقِي مِنْ الْعَشَرَةِ. وَمِنْ طُرُقِ بَيَانِهِ أَيْضًا أَنْ تَجْمَعَ كُلًّا مِنْ الْمُثْبَتِ وَالْمَنْفِيِّ وَتُسْقِطَ الْمَنْفِيَّ مِنْهُ فَالْبَاقِي هُوَ الْمُقِرُّ بِهِ، فَالْعَشَرَةُ وَالثَّمَانِيَةُ فِي الْمِثَالِ مُثْبَتَانِ وَمَجْمُوعُهُمَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَالتِّسْعَةُ مَنْفِيَّةٌ فَإِنْ أَسْقَطْتهَا مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ بَقِيَ تِسْعَةٌ وَهُوَ الْمُقَرُّ بِهِ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً إلَّا سَبْعَةً إلَّا سِتَّةً إلَّا خَمْسَةً إلَّا أَرْبَعَةً إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا اثْنَيْنِ إلَّا وَاحِدًا لَزِمَهُ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَعْدَادَ الْمُثْبَتَةَ هُنَا ثَلَاثُونَ وَالْمَنْفِيَّةَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَيَلْزَمُ الْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَةٌ. وَلَك طَرِيقٌ أُخْرَى: وَهِيَ أَنْ تُخْرِجَ الْمُسْتَثْنَى الْأَخِيرَ مِمَّا قَبْلَهُ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يُخْرِجُ مِمَّا قَبْلَهُ، فَتُخْرِجَ الْوَاحِدَ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَمَا بَقِيَ تُخْرِجُهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَمَا بَقِيَ تُخْرِجُهُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ، وَهَكَذَا حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ. أَوْ لَك أَنْ تُخْرِجَ الْوَاحِدَ مِنْ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْخَمْسَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّبْعَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ التِّسْعَةِ، وَهَذَا أَسْهَلُ مِنْ الْأَوَّلِ وَمُحَصِّلٌ لَهُ، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا خَمْسَةً لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، أَوْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا خَمْسَةً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ إلَّا خَمْسَةً خَمْسَةٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ، فَجَعَلَ النَّفْيَ الْأَوَّلَ مُتَوَجِّهًا إلَى مَجْمُوعِ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ فِي الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مُجْمَلٌ فَيَبْقَى عَلَيْهِ مَا اسْتَثْنَاهُ. وَلَوْ قَدَّمَ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَمِنْ طُرُقِ بَيَانِهِ أَيْضًا) أَيْ اللَّازِمِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَيْضًا إلَى ضَابِطٍ مُفِيدٍ لِلطَّرِيقِ الْأُولَى وَهِيَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ. قَوْلُهُ: (هُوَ الْمُقَرُّ بِهِ) ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا شَفْعًا، فَالْأَشْفَاعُ مُثْبَتَةٌ، أَوْ وِتْرًا فَعَكْسُهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَعْدَادَ الْمُثْبَتَةَ هُنَا) وَهِيَ الْأَزْوَاجُ وَالْمَنْفِيَّةَ الْأَفْرَادُ ق ل. قَوْلُهُ: (إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ التِّسْعَةُ. قَوْلُهُ: (وَلَك أَنْ تُخْرِجَ الْوَاحِدَ إلَخْ) حَاصِلُ هَذِهِ الطَّرِيقِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الْأَفْرَادِ فَقَطْ فَتُخْرِجَ الْوَاحِدَ مِنْ الثَّلَاثَةِ، يَبْقَى اثْنَانِ تُخْرِجُهُمَا مِنْ الْخَمْسَةِ، وَيَبْقَى ثَلَاثَةٌ تُخْرِجُهَا مِنْ السَّبْعَةِ، يَبْقَى أَرْبَعَةٌ تُخْرِجُهَا مِنْ التِّسْعَةِ، يَبْقَى خَمْسَةٌ وَهِيَ اللَّازِمَةُ. قَوْلُهُ: (لَهُ) أَيْ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ: قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْعَشَرَةَ إلَّا خَمْسَةً خَمْسَةً) لِأَنَّ الْمَعْنَى لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ مُتَّصِفَةٌ بِكَوْنِهَا نَاقِصَةً خَمْسَةً. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَحَدَاتِ الْخَمْسَةَ لَهَا اسْمَانِ مُفْرَدٌ وَهُوَ لَفْظُ خَمْسَةٍ وَمُرَكَّبٌ وَهُوَ عَشْرَةٌ إلَّا خَمْسَةً، فَإِنَّ مَعْنَاهُ عَشْرَةٌ مُخْرَجٌ مِنْهَا خَمْسَةٌ أَوْ نَاقِصَةٌ مِنْهَا خَمْسَةٌ وَذَلِكَ هُوَ الْخَمْسَةُ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ وُجُودِ شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، فَالنَّفْيُ تَوَجَّهَ لِجَمِيعِ مَا بَعْدَهُ كُلِّهِ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مَمْزُوجٌ مَعْنَاهُ خَمْسَةٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مُثْبَتٌ يَبْقَى بَعْدَ النَّفْيِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا فَإِنَّ النَّفْيَ تَوَجَّهَ لِلَّفْظِ شَيْءٍ وَهُوَ عَامٌّ وَبَعْدَهُ مُثْبَتٌ فَيَبْقَى عَلَى الْقَاعِدَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى بَعْدَ النَّفْيِ يَكُونُ مُثْبَتًا، فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ " فَجَعَلَ النَّفْيَ مُتَوَجِّهًا إلَى مَجْمُوعِ الْمُسْتَثْنَى إلَخْ " فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ مَا بَعْدَ النَّفْيِ كَلَامٌ مُرَكَّبٌ مَعْنَاهُ لَفْظُ خَمْسَةٍ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مُسْتَثْنًى مِنْهُ وَلَا مُسْتَثْنًى إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَاكَ بِحَسَبِ الْأَصْلِ قَبْلَ النَّفْيِ. قَوْلُهُ: (النَّفْيُ الْأَوَّلُ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ إلَّا نَفْيٌ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَرَجَ عَنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إلَخْ) أَيْ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْإِلْزَامِ، قَالَ ز ي: وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ ضَابِطٌ حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَامًّا عُمِلَ بِالِاسْتِثْنَاءِ كَقَوْلِهِ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا خَمْسَةً، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا أُلْغِيَ الِاسْتِثْنَاءُ كَقَوْلِهِ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا خَمْسَةً، فَلَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْمِثَالِ، فَيَجْرِي فِيمَا لَوْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا مِائَةً فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ نَفْيٌ مُجْمَلٌ) أَيْ عَامٌّ، فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَعْدَادِ الَّتِي مِنْهَا الْخَمْسَةُ وَقَدْ اسْتَثْنَاهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَدَّمَ الْمُسْتَثْنَى) كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ إلَّا خَمْسَةَ عَشْرَةَ، وَلَا بُدَّ مِنْ الشُّرُوطِ وَالنِّيَّةُ حِينَئِذٍ تَكُونُ عِنْدَ الْمُسْتَثْنَى لِأَنَّهُ حَالٌّ مَحِلَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ جِنْسٍ إلَخْ) أَيْ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ ع ش، وَدَلِيلُهُ: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 77] {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157] {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا} [مريم: 62] اهـ م ر. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي خَاتَمٌ وَأَطْلَقَ دَخَلَ فِي الْإِقْرَارِ فَصُّهُ لِتَنَاوُلِ الْخَاتَمِ لَهُ، وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 مِنْهُ وَيُسَمَّى اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا، إنْ بُيِّنَ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ فَإِنْ بُيِّنَ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَالْبَيَانُ لَغْوٌ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ بُيِّنَ بِمَا أَرَادَهُ بِهِ فَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ، وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ مُعَيَّنٍ كَغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا، وَحَلَفَ فِي بَيَانِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ حَتَّى لَوْ مَاتُوا بِقَتْلٍ أَوْ دُونِهِ إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ. وَقَدْ ذَكَرْت فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ فَوَائِدَ مُهِمَّةً لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ فَلْيُرَاجِعْهَا مَنْ أَرَادَ. (وَهُوَ) أَيْ الْإِقْرَارُ (فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ) وَلَوْ مَخُوفًا (سَوَاءً) فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ، فَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ وَفِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ بَلْ يَتَسَاوَيَانِ، كَمَا لَوْ ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ. وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ وَأَقَرَّ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَيْنٍ لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَارِثِ كَإِقْرَارِ الْمُورَثِ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِالدَّيْنَيْنِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِإِنْسَانٍ بِدَيْنٍ وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا ثُمَّ أَقَرَّ لِآخَرَ بِعَيْنٍ قُدِّمَ صَاحِبُهَا كَعَكْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ لَا يَتَضَمَّنُ حَجْرًا فِي الْعَيْنِ، بِدَلِيلِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا بِغَيْرِ تَبَرُّعٍ. وَلَوْ أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ أَخِيهِ فِي الصِّحَّةِ عَتَقَ وَوَرِثَهُ إنْ لَمْ يَحْجُبْهُ غَيْرُهُ، أَوْ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ فِي الصِّحَّةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِتَرِكَتِهِ عَتَقَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ لَا تَبَرُّعٌ، وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي مَرَضِهِ لِوَارِثِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَالْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُحِقٌّ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيَتُوبُ فِيهَا الْفَاجِرُ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِحِرْمَانِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ. وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إقْرَارِ الزَّوْجَةِ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا فِي مَرَضِ   [حاشية البجيرمي] يُقْبَلُ مِنْهُ عَدَمُ إرَادَتِهِ الْفَصَّ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ شَرْحُ م ر. وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ عَدَمُ لُزُومِ الْفَصِّ فِيمَا لَوْ قَالَ: فِيهِ فَصٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ فِي لَفْظِهِ عَلَى الْفَصِّ كَانَ خَارِجًا وَلَمَّا أَطْلَقَ هُنَا كَانَ دَاخِلًا اهـ أج. قَوْلُهُ: (إنْ بَيَّنَ إلَخْ) كَأَنَّهُ قَالَ: إلَّا قِيمَةَ ثَوْبٍ سم. قَوْلُهُ: (بِمَا أَرَادَهُ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى الثَّوْبِ. وَقَوْلُهُ " بِهِ " أَيْ بِالْأَلْفِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِبَيَّنَ، أَيْ لِأَنَّهُ بَيَّنَ الثَّوْبَ الَّذِي أَرَادَهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِالْأَلْفِ أَيْ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ، فَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِالْأَلْفِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: لِأَنَّهُ بَيَّنَ مَا أَرَادَهُ بِهِ أَيْ بَيَّنَ الثَّوْبَ الَّذِي أَرَادَهُ بِالْأَلْفِ. قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهِ) وَهُوَ مَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَخْ، فَقَوْلُ ق ل: إنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ دَائِمًا مُعَيَّنٌ، وَقَوْلُهُ إنَّ " مِنْ " فِي قَوْلِهِ " مِنْ مُعَيَّنٍ " زَائِدَةٌ مَمْنُوعٌ. قَوْلُهُ: (وَزَعَمَ) أَيْ ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ) بَدَلٌ مِنْ بِيَمِينِهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ حَالٌ، وَقَوْلُهُ " سَوَاءٌ " خَبَرٌ، أَيْ مُسْتَوِيَانِ، فَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمُبْتَدَإِ الْمُفْرَدِ؛ وَذَلِكَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَا يُخْبَرُ بِهِ إلَّا عَنْ مُتَعَدِّدٍ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَالتَّقْدِيرُ: وَحُكْمُهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ وَحُكْمٌ مُضَافٌ لِمَعْرِفَةٍ فَيَعُمُّ حَالَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَحُكْمُهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَحُكْمُهُ فِي حَالِ الْمَرَضِ سَوَاءٌ، نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَذَانِ حَرَامٌ» أَيْ اسْتِعْمَالُ هَذَيْنِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ مَا هُنَا عَلَى الْعَكْسِ. قَوْلُهُ: (قُدِّمَ صَاحِبُهَا) أَيْ الْعَيْنِ، أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا، نَعَمْ لِلْوَرَثَةِ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُقَرَّ بِهِ وَلَا تَسْقُطُ الْيَمِينُ بِإِسْقَاطِ الْوَارِثِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفُوا وَبَطَلَ الْإِقْرَارُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ. اهـ. م ر ع ش. وَقَوْلُهُ " كَعَكْسِهِ " أَيْ بِأَنْ قُدِّمَ الْإِقْرَارُ بِالْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (بِدَلِيلِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ) أَيْ الْمَرِيضِ أَيْ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِهَا، أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْعَيْنِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ، وَأَمَّا التَّبَرُّعُ بِهَا فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ نَفَذَ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَقَرَّ) أَيْ الْمَرِيضُ بِإِعْتَاقِ أَخِيهِ بِأَنْ كَانَ أَخُوهُ رَقِيقًا لَهُ فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ عَتَقَ وَوَرِثَهُ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَحْجُبْهُ غَيْرُهُ) مِنْ ابْنٍ أَوْ أَبٍ وَهُوَ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ وَوَرِثَهُ. قَوْلُهُ: (لِتَرِكَتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُسْتَغْرِقٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ إلَخْ) وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَجْرِي فِي الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهَا ضَعُفَتْ بِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ إلَخْ؛ وَقَوْلُهُ " لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ إلَخْ " غَرَضُهُ بِهَذَا الرَّدِّ عَلَى الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 مَوْتِهَا وَفِي إقْرَارِهِ لِوَارِثِهِ بِهِبَةٍ أَقْبَضَهَا لَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الصِّحَّةِ وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَعِنْدَ قَصْدِ الْحِرْمَانِ لَا شَكَّ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ انْتَهَى. وَالْخِلَافُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِنِكَاحٍ أَوْ عُقُوبَةٍ فَيَصِحُّ جَزْمًا وَإِنْ أَفْضَى إلَى الْمَالِ بِالْعَفْوِ أَوْ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ. فَصْلٌ فِي الْعَارِيَّةِ وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَقَدْ تُخَفَّفُ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ وَلِعَقْدِهَا مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ بِسُرْعَةٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغُلَامِ الْخَفِيفِ عَيَّارٌ لِكَثْرَةِ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَفَسَّرَ جُمْهُورُ   [حاشية البجيرمي] إقْرَارُهُ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِحِرْمَانِ بَاقِيهِمْ، قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَاخْتَارَ جَمْعٌ عَدَمَ قَبُولِهِ إنْ اُتُّهِمَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، بَلْ قَدْ تَقْطَعُ الْقَرَائِنُ بِكَذِبِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَخْشَى اللَّهَ أَنْ يَقْضِيَ أَوْ يُفْتِيَ بِالصِّحَّةِ وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ الْحِرْمَانُ وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ بِالْحُرْمَةِ حِينَئِذٍ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إقْرَارِ الزَّوْجَةِ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا، اهـ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَهُوَ حَسَنٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إقْرَارِ الزَّوْجَةِ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا) هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ: " وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي مَرَضِهِ لِوَارِثِهِ " فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ نَبَّهَ عَلَيْهَا اهْتِمَامًا بِهَا لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا، وَقَدْ يُقَالُ: مَا مَرَّ فِي إقْرَارِهِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَهَذَا إقْرَارٌ بِقَبْضِ مَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فِي الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: (لَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ) يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ قَصَدَ الْمُقِرُّ بِذَلِكَ حِرْمَانَ الْوَرَثَةِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَهُ الْمُقَرَّ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْخِلَافُ فِي الْإِقْرَارِ) أَيْ إقْرَارِ الْمَرِيضِ. قَوْلُهُ: (بِنِكَاحٍ) أَيْ بِأَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (أَوْ عُقُوبَةً) أَيْ مُوجِبُ عُقُوبَةٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَفْضَى إلَى الْمَالِ بِالْعَفْوِ إلَخْ) عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ، فَالْعَفْوُ رَاجِعٌ لِلْعُقُوبَةِ، وَالْمَوْتُ رَاجِعٌ لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَإِنْ وَجَبَ بِالْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ إلَّا بِالْمَوْتِ أَوْ الدُّخُولِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَلَمْ يُوجَدْ دُخُولٌ فَيَكُونُ تَقَرُّرُهُ بِالْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ) رَاجِعٌ لِلْمَوْتِ أَيْ مَاتَ الزَّوْجُ مَثَلًا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الزَّوْجَةِ الْمَهْرَ. [فَصْلٌ فِي الْعَارِيَّةِ] ِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي كُلِّ إزَالَةٍ مَا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ لِغَيْرِهِ، لَكِنْ فِي الْإِقْرَارِ لَا عَوْدَ وَفِي الْعَارِيَّةِ عَوْدٌ وَذَكَرَهَا فِي التَّحْرِيرِ عَقِبَ الْإِجَارَةِ وَهُوَ أَنْسَبُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ، لَكِنَّ الْإِجَارَةَ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ بِمُقَابِلٍ وَالْعَارِيَّةُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ بِلَا مُقَابِلٍ، وَلِاتِّحَادِ شَرْطِ مَا يُؤَجَّرُ وَمَا يُعَارُ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا؛ وَلِذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ: كُلُّ مَا جَازَتْ إجَارَتُهُ جَازَتْ إعَارَتُهُ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ فُرُوعٍ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ تُخَفَّفُ) وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ: بِوَزْنِ نَاقَةٍ م ر عَارَةٌ ع ش. قَوْلُهُ؛ (اسْمٌ لِمَا يُعَارُ) أَيْ شَرْعًا، وَلِعَقْدِهَا أَيْ فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا ع ش. وَعِبَارَةُ ح ل: قَوْلُهُ " اسْمٌ لِمَا يُعَارُ " أَيْ لُغَةً وَشَرْعًا أَوْ لُغَةً فَقَطْ أَوْ لُغَةً لِمَا يُعَارُ وَشَرْعًا لِلْعَقْدِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا يُفِيدُ أَنَّ إطْلَاقَهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعَقْدِ وَمَا يُعَارُ لُغَوِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَحَقِيقَتُهَا الشَّرْعِيَّةُ إبَاحَةُ مَنْفَعَةِ مَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. قَوْلُهُ: (إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ بِسُرْعَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا تُرَدُّ لِصَاحِبِهَا بِالسُّرْعَةِ، وَقِيلَ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّنَاوُبُ لِتَنَاوُبِ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَارِ أَيْ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ. وَرُدَّ بِأَنَّ عَيْنَ الْعَارِيَّةِ وَاوٌ وَعَيْنَ الْعَارِ يَاءٌ وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ فَرَسًا اهـ قَوْلُهُ: (عَيَّارٌ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ. قَوْلُهُ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 الْمُفَسِّرِينَ قَوْله تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] مَا يَسْتَعِيرُهُ الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَالدَّلْوِ وَالْفَأْسِ وَالْإِبْرَةِ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَكِبَهُ» وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَقَدْ تَحْرُمُ كَإِعَارَةِ الْأَمَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَقَدْ تُكْرَهُ كَإِعَارَةِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ.   [حاشية البجيرمي] الْبِرُّ فِعْلُ الْخَيْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْعَارِيَّةِ فِعْلُ الْخَيْرِ وَالتَّقْوَى امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي. وَسُمِّيَتْ تَقْوًى؛ لِأَنَّهَا تَقِي أَيْ تَحْفَظُ صَاحِبَهَا مِنْ الْمَهَالِكِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَفَسَّرَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ) أَيْ فَسَرُّوا الْمَاعُونَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] وَغَيْرُ الْجُمْهُورِ فَسَّرَهُ بِالزَّكَاةِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ كُلُّ مَعْرُوفٍ. اهـ. سَمِّ. وَحَكَى الْبَيْضَاوِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِقِيلَ وَقَدَّمَ عَلَيْهِ تَفْسِيرَهُ بِالزَّكَاةِ اهـ. وَكَانَتْ وَاجِبَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِلْوَعِيدِ عَلَيْهَا فِي الْآيَةِ ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. فَلَا حَاجَةَ لِمَا يُقَالُ إنَّ الْوَعِيدَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَجْمُوعِ مَا فِيهَا أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَمْنَعُ الْمَاعُونَ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إعَارَتُهُ. قَوْله: (كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ إلَخْ) مَعَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ حَيْثُ كَانَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ ز ي وَهَلْ وَإِنْ لَمْ يُعْقَدْ بِذَلِكَ أَوْ حَيْثُ عُقِدَ بِهِ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَارِيَّةٍ بَلْ إجَارَةٍ، وَكَذَا تَجِبُ إعَارَةُ كُلِّ مَا فِيهِ إحْيَاءُ مُهْجَةٍ مُحْتَرَمَةٍ، وَكَذَا إعَارَةُ سِكِّينٍ لِذَبْحِ مَأْكُولٍ يُخْشَى مَوْتُهُ ح ل. وَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْإِعَارَةِ هُنَا أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ؛ لِأَنَّهَا بِالتَّرْكِ هُنَا، وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ إسْعَافِهِ إذَا أَرَادَ حِفْظَ مَالِهِ كَمَا يَجِبُ الِاسْتِيدَاعُ إنْ تَعَيَّنَ وَإِنْ جَازَ لِلْمَالِكِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ إلَى التَّلَفِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ الْمُنَافَاةَ. اهـ. عِ ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ؛ (وَقَدْ تَحْرُمُ) وَلَا تَصِحُّ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ سم. قَوْلُهُ: (كَإِعَارَةِ الْأَمَةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ حِينَئِذٍ فَاسِدَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ شَامِلٌ لِلْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ، تَدَبَّرْ. وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ اعْتِرَاضِ الْقَلْيُوبِيِّ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ لَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ مَرِضَ الْأَجْنَبِيُّ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ إلَّا أَمَةً فَاسْتَعَارَهَا لِذَلِكَ فَتَصِحُّ لِلضَّرُورَةِ. وَقَوْلُهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَكَالصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ وَالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ لِلْحَرْبِيِّ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْبَاغِي إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عِصْيَانُهُمْ بِذَلِكَ اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (مِنْ كَافِرٍ) وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَقْدُ وَإِلَّا فَخِدْمَةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ حَرَامٌ قَطْعًا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ وَلَوْ فِي حَمَّامٍ أَوْ حَلْقِ رَأْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ كَمَا قَالَهُ قِ ل. وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعِيرُهُ وَلَا يُؤَجِّرُهُ، وَلَعَلَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّعَالِيقِ. اهـ. م د. أَقُولُ: فَائِدَةُ ذَلِكَ إذَا اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا تَعْتَرِيهَا الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ وَضْعِهَا السُّنَّةُ، قَالَ ع ش: وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهَا فِي إعَارَةِ شَيْءٍ لِغَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَرِّ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَصَالَةً إجْمَاعًا، وَكَانَتْ وَاجِبَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ " وَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَكَإِعَارَةِ الْحَبْلِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَالسِّكِّينِ لِذَبْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخْشَى مَوْتُهُ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ إذَا كَانَ سَبَبُهَا تَرْكًا لَا تَحْرُمُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ قَدْ يَكُونُ لِمَحْجُورٍ بِحَضْرَةِ وَلِيِّهِ اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ إعَارَةُ السِّكِّينِ لِذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورِ إلَّا إذَا كَانَ لِمَحْجُورٍ إلَخْ رَاجِعْهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَهِيَ سُنَّةٌ، وَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً كَإِعَارَةِ ثَوْبٍ لِدَفْعِ نَحْوِ مُؤْذٍ كَحَرٍّ وَمُصْحَفٍ لِمَنْ لَمْ يَحْفَظْ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ يَعْرِفُ الْمُطَالَعَةَ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ تَبَعًا لِلْكِفَايَةِ، أَوْ ثَوْبٍ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ حَيْثُ الْفِقْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ إعَارَةِ كُلِّ مَا فِيهِ إحْيَاءُ مُهْجَةٍ مُحْتَرَمَةٍ وَلَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ، وَكَذَا إعَارَةُ سِكِّينٍ لِذَبْحِ مَأْكُولٍ يُخْشَى مَوْتُهُ، وَكَإِعَارَةِ مَا كَتَبَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ فِيهِ سَمَاعُ غَيْرِهِ أَوْ رِوَايَتُهُ لِيَنْسَخَهُ مِنْهُ تَحْرُمُ كَإِعَارَةِ غَيْرِ صَغِيرَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَتُكْرَهُ كَإِعَارَةِ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ اهـ. وَتَعْتَرِيهَا الْإِبَاحَةُ بِأَنْ أَعَارَ لِغَنِيٍّ غَيْرِ مُحْتَاجٍ، كَمَا إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ وَمُعَارٌ وَصِيغَةٌ. وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُسْتَعَارِ فَقَالَ وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ، فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَا يُعَارُ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَالْحِمَارِ الزَّمِنِ، وَأَمَّا مَا يُتَوَقَّعُ نَفْعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ إنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُؤَقَّتَةً بِزَمَنٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الثَّانِي مَا لَوْ كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ مُحَرَّمَةً، فَلَا يُعَارُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُحَرَّمًا كَآلَاتِ الْمَلَاهِي، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَنْفَعَتُهُ قَوِيَّةً فَلَا يُعَارُ النَّقْدَانِ لِلتَّزَيُّنِ إذْ مَنْفَعَتُهُ بِهِمَا، أَوْ الضَّرْبُ عَلَى طَبْعِهِمَا مَنْفَعَةٌ ضَعِيفَةٌ قَلَّمَا تُقْصَدُ، وَمُعْظَمُ مَنْفَعَتِهِمَا فِي الْإِنْفَاقِ وَالْإِخْرَاجِ، نَعَمْ إنْ صَرَّحَ بِالتَّزَيُّنِ أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا أَوْ نَوَى ذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ صَحَّتْ لِاِتِّخَاذِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مَقْصِدًا وَإِنْ ضَعُفَتْ، وَيَنْبَغِي مَجِيءُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ   [حاشية البجيرمي] كَانَ عِنْدَ شَخْصٍ ثِيَابٌ كَثِيرَةٌ مَثَلًا وَعِنْدَ آخَرَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَقَطْ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ بِهِ فَاسْتَعَارَ صَاحِبُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ مِنْ صَاحِبِ الثِّيَابِ ثَوْبًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: (بِالْمُسْتَعَارِ) الْمُنَاسِبِ " بِالْمُعَارِ ". قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي الْمَتْنِ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ، وَزَادَ الشَّارِحُ رَابِعًا وَخَامِسًا. قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ) فِي هَذَا الْإِخْرَاجِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ قَوْلِهِ " جَازَتْ إعَارَتُهُ " عَلَى قَوْلِهِ " فَخَرَجَ إلَخْ " إلَّا أَنْ يُقَالَ لَاحَظَ الْإِخْبَارَ أَوَّلًا ثُمَّ أَخْرَجَ أَوْ اتَّكَلَ عَلَى الْمُعَلِّمِ. قَوْلُهُ: (مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ) الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ إدْخَالُ مَا تَوَقَّعَ نَفْعَهُ، كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَتْ إعَارَتُهُ مُقَيَّدَةً فِي زَمَنٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (الزَّمِنِ) بِفَتْحِ الزَّاي وَكَسْرِ الْمِيمِ قَالَ فِي الْمِصْبَاح زَمِنَ الشَّخْصُ زَمِنًا وَزَمَانَةً فَهُوَ زَمِنٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَهُوَ مَرَضٌ يَدُومُ زَمَانًا طَوِيلًا. قَوْلُهُ: (كَآلَاتِ الْمَلَاهِي) قَضِيَّةُ التَّمْثِيلِ بِمَا ذَكَرَ لِلْمُحَرَّمِ أَنَّ مَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ الطُّبُولِ وَنَحْوِهَا لَا يُسَمَّى آلَةَ لَهْوٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَلَيْهِ فَالشِّطْرَنْجُ تُبَاحُ إعَارَتُهُ بَلْ إجَازَتُهُ. اهـ. عِ ش. قَوْلُهُ: (قَوِيَّةً) عِبَارَةُ م ر: " مَقْصُودَةً " بَدَلَ " قَوِيَّةً " وَهِيَ أَوْلَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ بَعْدُ: " قَلَّمَا تُقْصَدُ اهـ " وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلَا بُدَّ إلَى قَيْدٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: (لِلتَّزَيُّنِ) أَيْ أَوْ لِلضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا، أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ وَالِاسْتِدْرَاكِ الْآتِي وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ مَا ذَكَرَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَوْ الضَّرْبِ عِلَّةً بِلَا مُعَلِّلٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " أَوْ الضَّرْبِ " بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى " لِلتَّزَيُّنِ " فَهُوَ مُؤَخَّرٌ مِنْ تَقْدِيمٍ، وَقَوْلُهُ " إذْ مَنْفَعَتُهُ " عِلَّةٌ لِذَلِكَ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ " لِلتَّزَيُّنِ " هِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ بِأَنْ اسْتَعَارَ النَّقْدَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِجِهَةِ الِانْتِفَاعِ لِيُوَافِقَ مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إنْ صَرَّحَ بِالتَّزَيُّنِ أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا صَحَّ لِجَعْلِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مَقْصُودَةً؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً تَتَقَوَّى بِالْقَصْدِ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ " لِلتَّزَيُّنِ " أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَتَّى لَا يُنَافِي الِاسْتِدْرَاكَ الْآتِي، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يُعَارُ النَّقْدَانِ فَقَطْ، وَيُحْذَفُ قَوْلُهُ " لِلتَّزَيُّنِ " ثُمَّ يَسْتَدْرِكُ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (إذْ مَنْفَعَتُهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ بِهِمَا، أَيْ بِالنَّقْدَيْنِ، أَيْ لِلتَّزَيُّنِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ضَمِيرَ مَنْفَعَتِهِ لِلتَّزَيُّنِ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. وَقَوْلُهُ " أَوْ الضَّرْبُ " الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى " مَنْفَعَتُهُ " مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَيَكُونُ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَجَرُّهُ مَعْطُوفًا عَلَى " التَّزَيُّنِ " مِنْ بَابِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالْمُبْتَدَإِ وَهُوَ " مَنْفَعَتُهُ " وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمُبْتَدَإِ وَخَبَرِهِ بِقَوْلِهِ " أَوْ الضَّرْبُ " تَأَمَّلْ. نَعَمْ يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى ضَمِيرِ مَنْفَعَتِهِ إذَا كَانَ رَاجِعًا لِلتَّزَيُّنِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ مَالِكٍ الْمُجَوِّزِ لِلْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَخْفُوضِ بِدُونِ إعَادَةِ الْخَافِضِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " أَوْ الضَّرْبُ " مَعْطُوفًا عَلَى " التَّزَيُّنِ " فَهُوَ مُؤَخَّرٌ مِنْ تَقْدِيمٍ وَحَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ بِجَنْبِهِ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي مَنْفَعَتِهِ لِلْمُسْتَعَارِ وَفِي بِهِمَا لِلتَّزَيُّنِ وَالضَّرْبِ، وَفِيهِ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى مُتَأَخِّرٍ لَفْظًا لَكِنَّهُ مُتَقَدِّمٌ رُتْبَةً، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ مُسَامَحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالْمُبْتَدَإِ وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ بِالْمَعْطُوفِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ فِي " مَنْفَعَتُهُ " عَائِدٌ عَلَى " التَّزَيُّنِ " وَقَوْلُهُ " أَوْ الضَّرْبِ " بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ " التَّزَيُّنِ " وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الضَّرْبَ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الدَّعْوَى وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ فِيهَا التَّزَيُّنُ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّرْبَ مُقَدَّرٌ أَيْضًا، وَالتَّقْدِيرُ: فَلَا يُعَارُ النَّقْدَانِ لِلتَّزَيُّنِ أَوْ الضَّرْبِ، فَحُذِفَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 فِي الْمَطْعُومِ الْآتِي. وَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الثَّالِثِ مَا لَوْ كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ فِي إذْهَابِ عَيْنِهِ، فَلَا يُعَارُ الْمَطْعُومُ وَنَحْوُهُ فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِالِاسْتِهْلَاكِ، فَانْتَفَى الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِعَارَةِ. فَإِنْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْمُعَارِ (جَازَتْ إعَارَتُهُ إذَا كَانَتْ مَنَافِعُهُ آثَارًا) بِالْقَصْرِ أَيْ بَاقِيَةً كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ كَمَا مَرَّ، فَخَرَجَ بِالْمَنَافِعِ الْأَعْيَانُ، فَلَوْ أَعَارَهُ شَاةً لِلَبَنِهَا أَوْ شَجَرَةً لِثَمَرَتِهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ أَعَارَهُ شَاةً أَوْ دَفَعَهَا لَهُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَالْإِخْرَاجِ) أَيْ فِي الْمَصَالِحِ وَهُوَ عَطْفُ مُرَادِفٍ. قَوْلُهُ: (عَلَى طَبْعِهِمَا) أَيْ صُورَتِهِمَا. قَوْلُهُ: (فِي الْمَطْعُومِ الْآتِي) أَيْ فَإِذَا اسْتَعَارَ طَعَامًا لِيَطْبُخَ مِثْلَهُ صَحَّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُعَارُ الْمَطْعُومُ وَنَحْوُهُ) أَيْ كَالشَّمْعِ وَالصَّابُونِ. وَهَلْ يُنَزَّلُ الِاسْتِقْذَارُ مَنْزِلَةَ إذْهَابِ الْعَيْنِ فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْمَاءِ لِلْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَجَّسْ أَوْ تَصِحَّ نَظَرًا لِبَقَاءِ عَيْنِهِ مَعَ طَهَارَتِهِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَجَرَى ق ل عَلَى صِحَّةِ إعَارَةِ ذَلِكَ لَكِنْ تَبَعًا لِلظَّرْفِ، وَمَشَى الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى جَوَازِ إعَارَةِ الْمَاءِ لِلْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَالتَّبَرُّدِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِي ظَرْفِهِ وَالْأَجْزَاءُ الذَّاهِبَةُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ مَا يَذْهَبُ مِنْ الثَّوْبِ الْمُعَارِ بِالِانْمِحَاقِ. اهـ. م د؛ وَعِبَارَتُهُ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنْ الْمُعَارِ أَيْ مِنْ ذَاتِهِ أَوْ وَصْفِهِ، فَلَوْ أَعَارَهُ ثَوْبًا لِلُبْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَا انْسَحَقَ مِنْهُ أَوْ انْمَحَقَ وَإِنْ ذَهَبَ جَمِيعُهُ، أَوْ أَعَارَهُ مَاءً لِوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَشَرَّبَتْهُ الْأَعْضَاءُ مِنْهُ وَلَا نَقَصَ قِيمَتُهُ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَلَوْ أَعَارَهُ دَوَاةً لِلْكِتَابَةِ مِنْهَا أَوْ دَابَّةً لِأَخْذِ لَبَنِهَا أَوْ شَجَرَةً لِأَخْذِ ثَمَرَتِهَا لَمْ يَضْمَنْ تِلْكَ الْأَعْيَانَ الْمَأْخُوذَةَ. نَعَمْ لَوْ قَالَ شَيْخُنَا: الْحَقُّ أَنَّ تِلْكَ الْأَعْيَانَ مَأْخُوذَةٌ بِالْإِبَاحَةِ وَأَنَّ الْمُعَارَ مَحَالُّهَا فَقَطْ لِأَخْذِهَا مِنْهَا ق ل. وَعِبَارَةُ م ر: وَحَقَّقَ الْأُشْمُونِيُّ فَقَالَ: إنَّ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ لَيْسَا مُسْتَفَادَيْنِ بِالْعَارِيَّةِ بَلْ الْإِبَاحَةُ وَالْمُسْتَعَارُ هُوَ الشَّاةُ لِمَنْفَعَةٍ هُوَ التَّوَصُّلُ لِمَا أُبِيحَ وَكَذَا الْبَاقِي اهـ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْمُعَارِ إلَخْ) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ جَازَتْ إعَارَتُهُ خَبَرُ كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ جَعَلَهَا الشَّارِحُ جَوَابَ الشَّرْطِ، وَيَلْزَمُ عَلَى كَلَامِهِ خُلُوُّ الْمُبْتَدَإِ عَنْ الْخَبَرِ تَأَمَّلْ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ حَلَّ مَعْنًى. قَوْلُهُ: (جَازَتْ إعَارَتُهُ) أَيْ وَاسْتِعَارَتُهُ، وَمُرَادُهُ بِالْجَوَازِ مَا قَابَلَ الْحُرْمَةَ فَيُصَدَّقُ بِالنَّدْبِ وَالْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَتْ مَنَافِعُهُ) هَذَا الشَّرْطُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. قَوْلُهُ: (بِالْقَصْرِ) فِيهِ نَظَرٌ، فَفِي الْمِصْبَاحِ: وَأَثَرُ الدَّارِ بَقِيَّتُهَا وَالْجَمْعُ آثَارٌ كَسَبَبٍ وَأَسْبَابٍ اهـ فَالْقَصْرُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُفْرَدِ دُونَ الْجَمْعِ، فَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى الشَّارِحِ. وَفِي نُسْخَةٍ " أَثَرًا " بِالْإِفْرَادِ، وَلَا إشْكَالَ عَلَيْهَا فَيُمْكِنُ أَنَّ الشَّارِحَ شَرَحَ عَلَيْهَا؛ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ عَدَمُ الْمُطَابِقَةِ بَيْنَ اسْمِ كَانَ وَخَبَرِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ ذَوَاتَ أَثَرٍ. قَوْلُهُ: (أَيْ بَاقِيَةً) فِيهِ مُسَامَحَةً؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْآثَارِ بِبَقَاءِ الْعَيْنِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ: مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَ، فَيَكُونُ مُسْتَدْرَكًا، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ مَنَافِعَ غَيْرَ أَعْيَانٍ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ أَيْضًا وَاتِّحَادُ اسْمِ كَانَ وَخَبَرِهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَتْ مَنَافِعُهُ مَنَافِعَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي الْأَوَّلِ الْمُرَادُ بِهَا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَعَمُّ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْآثَارِ وَالثَّانِي الْمُرَادُ بِهِ الْآثَارُ فَقَطْ فَيَكُونُ الثَّانِي أَخَصَّ سم. قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ بِالْمَنَافِعِ إلَخْ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ، فَإِنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي فِي الْمَتْنِ لَمْ تُجْعَلْ شَرْطًا وَقَيْدًا. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ قَيَّدَ الْمَنَافِعَ وَهُوَ قَوْلُهُ آثَارًا، وَهَذَا الْإِخْرَاجُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ صَحِيحَةٌ وَالْمُسْتَفَادُ مِنْهَا مَنَافِعُ وَهِيَ تُوَصِّلُك لِحَقِّك مِنْ اللَّبَنِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا اللَّبَنُ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِالْإِبَاحَةِ لَا الْعَارِيَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ ق ل: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعَارَ فِي ذَلِكَ هُوَ الشَّاةُ لِتُوَصِّلَك إلَى مَا أُبِيحَ لَك وَأَنَّ اللَّبَنَ مَأْخُوذٌ بِالْإِبَاحَةِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ فَقَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ إلَّا إنْ كَانَ مُرَادُهُ إعَارَةَ نَفْسِ اللَّبَنِ أَوْ نَفْسِ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ. وَعِبَارَةُ ز ي: الْحَقُّ أَنَّ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ لَيْسَا مُسْتَفَادَيْنِ بِالْعَارِيَّةِ بَلْ بِالْإِبَاحَةِ وَالْمُسْتَعَارُ هُوَ الشَّاةُ لِمَنْفَعَةٍ وَهِيَ إيصَالُك إلَى مَا أُبِيحَ لَك، فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَعَرْت مَجْرًى فِي أَرْضِ غَيْرِك لِتُوَصِّلَ مَاءَك إلَى أَرْضِك. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) كَإِعَارَةِ دَوَاةٍ لِلْكِتَابَةِ مِنْهَا وَمَاءٍ لِلْوُضُوءِ بِهِ مَثَلًا أَوْ لِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ بِهِ وَإِنْ تَنَجَّسَ أَوْ بُسْتَانٍ لِأَخْذِ ثَمَرِهِ، فَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ ق ل. وَقَوْلُهُ " وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ " أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " لَمْ يَصِحَّ " ضَعِيفٌ، وَقَوْلُهُ " وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ " وَهُوَ أَنَّ الْحِبْرَ وَالْمَاءَ وَالثَّمَرَةَ مَأْخُوذَةٌ بِالْإِبَاحَةِ وَالْمُسْتَعَارُ إنَّمَا هُوَ ظَرْفُ الْحِبْرِ وَظَرْفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 وَمَلَّكَهُ دَرَّهَا وَنَسْلَهَا لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَضْمَنْ آخُذُهَا الدَّرَّ وَالنَّسْلَ لِأَنَّهُ أَخَذَهُمَا بِهِبَةٍ، فَاسِدَةٍ وَيَضْمَنُ الشَّاةَ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ. (وَتَجُوزُ) إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ ذَكَرٍ مُحَرَّمٍ لِلْجَارِيَةِ لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ فِي ذَلِكَ. وَفِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ وَالْمُحَرَّمِ الْمَمْسُوحُ وَزَوْجُ الْجَارِيَةِ وَمَالِكُهَا كَأَنْ يَسْتَعِيرَهَا مِنْ مُسْتَأْجِرِهَا أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا. وَيَلْحَقُ بِالْجَارِيَةِ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ، لَا سِيَّمَا مِمَّنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ إعَارَةِ الْعَبْدِ لِلْمَرْأَةِ وَهُوَ كَعَكْسِهِ بِلَا شَكٍّ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُعَارُ خُنْثَى امْتَنَعَ احْتِيَاطًا وَيُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ اسْتِعَارَةُ وَإِعَارَةُ فَرْعِ أَصْلِهِ لِخِدْمَةٍ وَاسْتِعَارَةُ، وَإِعَارَةُ كَافِرٍ مُسْلِمًا صِيَانَةً لَهُمَا عَنْ الْإِذْلَالِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شُرُوطِ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ، فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ وَلِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِإِبَاحَةِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَفَلَسٍ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا فَلَا   [حاشية البجيرمي] الْمَاءِ لِمَنْفَعَةٍ وَهِيَ إيصَالك لِمَا أُبِيحَ لَك، وَكَذَا الْبُسْتَانُ مُعَارٌ لِإِيصَالِك لِلثَّمَرِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى حِينَئِذٍ أَعْيَانٌ لَا مَنَافِعُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (الْمَمْسُوحُ) أَيْ إذَا كَانَ عَفِيفًا، وَمِثْلُهُ الْمَرْأَةُ. قَوْلُهُ: (وَزَوْجُ الْجَارِيَةِ) أَيْ بِأَنْ يَسْتَعِيرَهَا مِنْ سَيِّدِهَا وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ سَلِمَتْ لَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا؛ لِأَنَّ تَسَلُّمَهُ لَهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْعَارِيَّةِ وَالْمُعَارُ نَفَقَتُهُ عَلَى مَالِكِهِ. اهـ. م د. وَيُلْغِزُ بِهَا وَيُقَالُ: لَنَا زَوْجَةٌ مُسْلِمَةٌ لِزَوْجِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَسْتَعِيرَهَا) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ وَمَالِكُهَا. قَوْلُهُ: (وَيَلْحَقُ بِالْجَارِيَةِ إلَخْ) ذَكَرَ م ر هَذَا بَعْدَ أَنْ قَالَ بِخِلَافِ إعَارَتِهَا لِأَجْنَبِيٍّ وَلَوْ شَيْخَاهُمَا أَوْ مُرَاهِقًا أَوْ خَصِيًّا. وَقَدْ تَضَمَّنَتْ نَظَرًا أَوْ خَلْوَةً مُحَرَّمَةً وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَظِنَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ لِحُرْمَتِهِ اهـ. وَهُوَ أَصْنَعُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِلْحَاقُ فِي الْحُرْمَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَا سِيَّمَا إلَخْ، وَقَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ إلَخْ؛ أَيْ فِي صِحَّةِ إعَارَتِهِ لِلْمُحْرِمِ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَهَذَا مَأْخُوذٌ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ مِمَّا ذَكَرَ فِي الْجَارِيَةِ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ " وَيَلْحَقُ إلَخْ " يَقْتَضِي حُرْمَةَ ذَلِكَ وَلَوْ لِعَدْلٍ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَدْلِ وَلَا يُقَالُ لَوْ نَظَرَ لِلْعَدَالَةِ لَجَازَتْ إعَارَةُ الْأَمَةِ لِغَيْرِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْجِنْسِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَعَكْسِهِ) وَهُوَ إعَارَةُ الْجَارِيَةِ لِلرَّجُلِ أَيْ الْأَجْنَبِيِّ وَالْعَكْسُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِهِ، لَكِنْ مُلَاحَظٌ فِيهِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (امْتَنَعَ احْتِيَاطًا) فَلَا يُعَارُ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَا لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَلَا يَسْتَعِيرُ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً. قَوْلُهُ: (اسْتِعَارَةٍ إلَخْ) هَذَا مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا كَانَ الْأَصْلُ رَقِيقًا فَيُكْرَهُ لِمَالِكِهِ إعَارَتُهُ لِفَرْعِهِ وَيُكْرَهُ لِلْفَرْعِ اسْتِعَارَتُهُ اهـ. فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِعَارَةِ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلْإِعَارَةِ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ إعَارَةُ الْمَالِكِ الْكَافِرِ مُسْلِمًا وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَصْلِ فَتُكْرَهُ لَهُ إعَارَتُهُ اهـ وَصَوَّرَهُ أج بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ أَصْلَهُ فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَتُكْرَهُ لَهُ إعَارَتُهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا خِلَافُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ فِي جَانِبِ الْوَلَدِ لِمَكَانِ الْوِلَادَةِ فَلَمْ يَتَعَدَّ لِغَيْرِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَصْلَ لَوْ أَعَارَ نَفْسَهُ لِفَرْعِهِ بِأَنْ كَانَ حُرًّا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ وَهِيَ اسْتِعَارَتُهُ إيَّاهُ. قَوْلُهُ: (لِخِدْمَةٍ) أَفْهَمَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِلِاسْتِرَاحَةِ جَازَتْ. قَوْلُهُ: (وَاسْتِعَارَةِ وَإِعَارَةِ كَافِرٍ مُسْلِمًا) أَيْ يُكْرَهُ عَقْدُ الِاسْتِعَارَةِ، وَأَمَّا خِدْمَةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ فَحَرَامٌ فَلَا يُمْكِنُ مِنْهَا الْكَافِرُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِذْلَالِ. وَانْظُرْ أَيَّ فَائِدَةٍ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ مُضَافَانِ لِلْفَاعِلِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْكَافِرَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُعِيرَ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِعَارَةِ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلْإِعَارَةِ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَمُسْلِمًا مَفْعُولٌ ثَانٍ وَعَلَيْهِ فَلَا يَقْتَضِي مَا ذَكَرَ شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ " مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ " أَيْ يُكْرَهُ لِلْمَالِكِ أَنْ يُعِيرَ الْكَافِرَ الْمُسْلِمَ وَلَا يُوضَعُ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ) أَيْ إلَّا إعَارَةَ نَفْسِهِ لِخِدْمَةِ نَحْوِ مُعَلِّمِهِ مِنْ وَلِيِّهِ، وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ ق ل. أَوْ لِمَا لَا يُقْصَدُ مِنْ مَنَافِعِهِ بِأَنْ لَمْ يُقَابَلْ بِأُجْرَةٍ؛ وَلِذَلِكَ سُئِلَ م ر عَمَّنْ قَالَ لِوَلَدِ غَيْرِهِ: اقْضِ لِي هَذِهِ الْحَاجَةَ مَثَلًا، هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ، وَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَنْفَعَةِ الْمُعَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ إنَّمَا تَرِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، فَتَصِحُّ مِنْ مُكْتِرٍ لَا مِنْ مُسْتَعِيرٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ فَلَا يَمْلِكُ نَقْلَ الْإِبَاحَةِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَعِيرِ تَعْيِينٌ وَإِطْلَاقُ تَصَرُّفٍ، فَلَا تَصِحُّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَنْ قَالَ: أَعَرْت أَحَدَكُمَا. وَلَا لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ إلَّا بِعَقْدِ وَلِيِّهِمْ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَارِيَّةُ مُضَمَّنَةً، كَأَنْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ. وَلِلْمُسْتَعِيرِ إنَابَةُ مَنْ يَسْتَوْفِي لَهُ الْمَنْفَعَةَ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ رَاجِعٌ إلَيْهِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْإِذْنِ فِي الِانْتِفَاعِ كَأَعَرْتُكَ، أَوْ بِطَلَبِهِ كَأَعِرْنِي مَعَ لَفْظِ الْآخَرِ أَوْ فِعْلِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ   [حاشية البجيرمي] أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ وَعَلِمَ رِضَا وَلِيِّهِ جَازَ. وَفِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ فِي خِدْمَةٍ لَهَا أُجْرَةٌ أَوْ تَضُرُّ بِهِ الْخِدْمَةُ كَمَا لَا يُعِيرُ مَالَهُمَا بِخِلَافِ خِدْمَةٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، كَأَنْ يُعِيرَهُ لِخِدْمَةِ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَجْنُونُ وَالْبَالِغُ السَّفِيهُ كَذَلِكَ،. اهـ. رَوْضٌ وَشَرْحُهُ. فَرْعٌ: لَوْ أَرْسَلَ بَالِغٌ صَبِيًّا لِيَسْتَعِيرَ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ، فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ هُوَ وَلَا مُرْسِلُهُ؛ كَذَا فِي الْجَوَاهِرِ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِ أَيْ الْمُرْسِلِ وَنَظَرَ غَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ وَالنَّظَرُ وَاضِحٌ إذْ الْإِعَارَةُ مِمَّنْ عُلِمَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ تَقْتَضِي تَسْلِيطَهُ عَلَى الْإِتْلَافِ، فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ رَسُولٌ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ وَكَتَبَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى قَوْلِهِ " فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ إلَخْ ". أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تَقْتَضِي تَسْلِيطَ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الْإِتْلَافِ أَيْ فَيَضْمَنُ فِيهِ لَا فِي التَّلَفِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا تَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ بِوَاسِطَةِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَفَلَسٍ) أَيْ إلَّا زَمَنًا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ ق ل، كَإِعَارَةِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِ زَمَنًا يَسِيرًا. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَلَوْ لِنَحْوِ دَارِهِ يَوْمًا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ، خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ مُطْلَقًا وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ حَيْثُ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ. قَوْلُهُ: (مَالِكًا لِمَنْفَعَةِ الْمُعَارِ) الْمُرَادُ بِالْمِلْكِ مَا يَشْمَلُ الِاخْتِصَاصَ بِهَا لِتَصْحِيحِهِمْ إعَارَةَ كَلْبٍ لِصَيْدٍ وَإِعَارَةِ أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ وَلَوْ مَنْذُورَيْنِ، وَإِعَارَةِ الْإِمَامِ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ ز ي أج. وَإِذَا أَعَارَ الْأُضْحِيَّةَ وَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ. وَيُلْغَزُ بِهَذَا فَيُقَالُ: لَنَا مُعِيرٌ يَضْمَنُ سم. قَوْلُهُ: (لَا مِنْ مُسْتَعِيرٍ) هَذَا مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ثُمَّ إنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَالِكُ مَنْ يُعِيرُ لَهُ فَالْأَوَّلُ عَلَى عَارِيَّتِهِ وَهُوَ الْمُعِيرُ لِلثَّانِي وَالضَّمَانُ بَاقٍ عَلَيْهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَإِنْ رَدَّهَا الثَّانِي عَلَيْهِ بَرِيءَ أَيْ الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَبَاقٍ عَلَى الضَّمَانِ، وَإِنْ سَمَّاهُ انْعَكَسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ اهـ خ ض وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلَوْ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْعَيْنِ؛ وَقَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَوَازَ الْإِعَارَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِمَا إذَا كَانَ نَاظِرًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. . قَوْلُهُ: (تَعْيِينٌ) سَكَتَ عَنْ هَذَا فِي الْمُعِيرِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ كَالْمُعَارِ، فَلَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ: لِيُعِرْنِي أَحَدُكُمَا كَذَا فَدَفَعَهُ أَحَدُهُمَا لَهُ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ صَحَّ، وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ بِأَنَّ الدَّفْعَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِضًا بِإِتْلَافِ مَنْفَعَةِ مَتَاعِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَصِحُّ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا لِصَبِيٍّ إلَخْ) وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ إنْ أَخَذُوا مِنْ رَشِيدٍ وَإِلَّا ضَمِنُوا. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ: فَلَا تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ إلَخْ فَيَضْمَنُهَا مِنْ أَخْذِهَا مِنْهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَارِيَّةُ مُضَمَّنَةً) أَيْ فَتَصِحُّ حِينَئِذٍ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَحْجُورِ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُضَمَّنَةِ كَالَّتِي مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْوَلِيِّ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمَانِ الْمَحْجُورِ لَوْ تَلِفَتْ. مَسْأَلَةٌ: فِي جَمَاعَةٍ مُشْتَرِكِينَ فِي سَاقِيَّةٍ أَوْ دِرَاسٍ أَوْ حَرْثٍ، فَهَلْ إذَا مَاتَتْ بَهِيمَةُ أَحَدِهِمْ فِي شُغْلِ ذَلِكَ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ؟ وَهَلْ إذَا كَانَ لِكُلِّ شَرِيكٍ حَيَوَانٌ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ أَجَابَ إذَا أَخَذَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثَوْرَ الْآخَرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ غَاصِبٌ لَهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ ضَمِنَهُ ضَمَانَ الْعَارِيَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ ثَوْرِهِ كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَإِذَا مَاتَ لَا يَضْمَنُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الْإِبَاحَةِ، وَفِي مَعْنَى اللَّفْظِ الْكِتَابَةُ مَعَ نِيَّةِ وَإِشَارَةِ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٍ. وَلَوْ قَالَ: أَعَرْتُك فَرَسِي مَثَلًا لِتَعْلِفَهُ بِعَلَفِك أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَك فَهُوَ إجَارَةٌ لَا إعَارَةٌ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ وَالْعِوَضِ تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَمُؤْنَةَ رَدِّ الْمُعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ مَالِكٍ أَوْ مِنْ نَحْوِ مُكْتَرٍ إنْ رَدَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عَلَى الْمَالِكِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ رَدَّ عَلَى الْمُكْتَرِي. وَخَرَجَ بِمُؤْنَةِ رَدِّهِ مُؤْنَتُهُ فَتَلْزَمُ الْمَالِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَإِنْ خَالَفَ الْقَاضِي، وَقَالَ: إنَّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَتَصِحُّ (الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً) مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِزَمَنٍ (وَمُقَيَّدَةً بِمُدَّةٍ) كَشَهْرٍ فَلَا يُفْتَرَقُ الْحَالُ بَيْنَهُمَا. نَعَمْ الْمُؤَقَّتَةُ يَجُوزُ فِيهَا تَكْرِيرُ الْمُسْتَعِيرِ مَا اسْتَعَارَ لَهُ، فَإِذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يَغْرِسَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى مَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ أَوْ يَرْجِعْ الْمُعِيرُ، وَفِي الْمُطْلَقَةِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنْ قَلَعَ مَا بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ إعَادَتُهُ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ إلَّا إنْ صَرَّحَ لَهُ بِالتَّجْدِيدِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً أَمْ مُؤَقَّتَةً لِكُلٍّ مِنْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ رُجُوعٌ فِي الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَتَنْفَسِخُ بِمَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْوَكَالَةُ وَنَحْوُهَا مِنْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَغَيْرِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ رُجُوعِ الْمُعِيرِ مَا إذَا أَعَارَ أَرْضًا لِدَفْنِ مَيِّتٍ مُحْتَرَمٍ، فَلَا يَرْجِعُ الْمُعِيرُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ وَامْتَنَعَ أَيْضًا عَلَى   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لَفْظٌ يُشْعِرُ إلَخْ) يُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَسَلَّمَهُ لَهُ الْبَائِعُ فِي ظَرْفٍ فَالظَّرْفُ مُعَارٌ فِي الْأَصَحِّ، وَمَا لَوْ أَكَلَ الْمُهْدَى إلَيْهِ الْهَدِيَّةَ فِي ظَرْفِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ مِنْ الْقَصْعَةِ الْمَبْعُوثِ فِيهَا، وَهُوَ مُعَارٌ، فَيَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ إلَّا إذَا كَانَ لِلْهَدِيَّةِ عِوَضٌ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ فَلَا يَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمَا ذَكَرَ ضَمَّنَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ سُلْطَانٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّرْفَ أَمَانَةٌ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ مُطْلَقًا، وَمَغْصُوبٌ بِالِاسْتِعْمَالِ الْغَيْرِ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا، وَعَارِيَّةٌ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ إنْ لَمْ يَكُنْ عِوَضٌ وَإِلَّا فَمُؤَجَّرٌ إجَارَةً فَاسِدَةً اهـ وَيُؤْخَذ مِنْ هَذَا حُكْمُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مُرِيدَ الشِّرَاءِ يَدْفَعُ ظَرْفَهُ لِزَيَّاتٍ مَثَلًا فَيَتْلَفُ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّلَفُ قَبْلَ وَضْعِ الْمَبِيعِ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وَضْعِ الْمَبِيعِ فِيهِ ضَمَّنَهُ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ اهـ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا) أَيْ وَإِنْ تَرَاخَى وَإِلَّا فَالتَّأَخُّرُ مَوْجُودٌ قَطْعًا. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْإِبَاحَةِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَتَوَقَّفُ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ عَلَى لَفْظٍ وَلَا فِعْلٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ م ر. قَوْلُهُ: (نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى) رَاجِعٌ لِلْإِجَارَةِ الْمُثْبَتَةِ وَالْإِعَارَةُ الْمَنْفِيَّةُ، وَقَوْلُهُ " فَاسِدَةٌ " صِفَةٌ لِ " إجَارَةٌ ". وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُ " فَاسِدَةٌ " عَلَى قَوْلِهِ " لَا إعَارَةٌ ". قَوْلُهُ: (لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ) عِبَارَةُ م ر لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ مَعَ التَّعْلِيقِ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَوْلُهُ " وَالْعِوَضِ " أَيْ فِي الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ) وَلَا تُضْمَنُ الْعَيْنُ وَيَرْجِعُ بِالْعَلَفِ عَلَى صَاحِبِ الْفَرَسِ لِعَدَمِ تَبَرُّعِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَالِكٍ) أَيْ اسْتَعَارَ مِنْ مَالِكٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ نَحْوِ مُكْتِرٍ) نَحْوَ الْمُكْتَرِي الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ " إنْ رَدَّ عَلَيْهِ " أَيْ عَلَى نَحْوِ الْمُكْتَرِي، وَقَوْلُهُ " فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ " أَيْ الْمَالِكِ، وَقَوْلُهُ " كَمَا لَوْ وَرَدَ عَلَى الْمُكْتَرِي " أَيْ فَإِنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ، أَيْ وَالْمُسْتَعِيرُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُسْتَأْجِرِ، أَيْ وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ. وَفِي ق ل عَلَى الْغَزِّيِّ: وَلَا ضَمَانَ فِي الدَّابَّةِ أَيْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ وَلَوْ بِغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَلَا مُؤْنَةُ رَدِّهَا. فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ أَيْضًا عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مُسْتَعِيرَ الدَّابَّةِ إذَا نَزَلَ عَنْهَا بَعْدَ رُكُوبِهِ لَهَا يُرْسِلُهَا مَعَ تَابِعِهِ فَيَرْكَبُهَا التَّابِعُ فِي الْعَوْدِ ثُمَّ تَتْلَفُ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، فَهَلْ يَضْمَنُهَا الْمُسْتَعِيرُ أَمْ التَّابِعُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ وَإِنْ رَكِبَهَا فَهُوَ فِي حَاجَةِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ إيصَالِهَا إلَى مَحَلِّ الْحِفْظِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ أُجْرَةَ الْمُعَدِّيَةِ أَوْ مَنْ يَسُوقُهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ دُونَ الْمُعِيرِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ الْقَاضِي وَقَالَ إلَخْ) قَوْلُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ فَلَوْ عَلَفَهَا الْمُسْتَعِيرُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا إنْ عَلَفَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ أَوْ إشْهَادٍ ق ل. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِعَارَةُ إلَخْ) اسْتِئْنَافٌ. قَوْلُهُ: (مَيِّتٍ مُحْتَرَمٍ) وَهُوَ كُلُّ مَنْ وَجَبَ دَفْنُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 الْمُسْتَعِيرِ رَدُّهَا فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَتِهِمَا حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ إلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ وَهُوَ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ فِي طَرَفِ الْعُصْعُصِ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَةِ الْمَيِّتِ، وَلَهُمَا الرُّجُوعُ قَبْلَ وَضْعِهِ فِي الْقَبْرِ لَا بَعْدَ وَضْعِهِ وَإِنْ لَمْ يُوَارَ بِالتُّرَابِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي. وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً مُسْتَثْنَاةً مِنْ الرُّجُوعِ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا، فَمَنْ أَرَادَهَا فَلْيُرَاجِعْهَا مِنْ تِلْكَ الْكُتُبِ. وَلَكِنَّ الْهِمَمَ قَدْ قَصُرَتْ وَإِنْ أَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ وَلَوْ إلَى مُدَّةٍ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَرَسَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ قَلْعَ ذَلِكَ لَزِمَهُ قَلْعُهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ قَلَعَهُ الْمُعِيرُ وَإِنْ لَمْ   [حاشية البجيرمي] الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ وَالذِّمِّيُّ ع ش. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَنْدَرِسَ) فَلَوْ أَقَّتَ الْعَارِيَّةَ بِمُدَّةٍ لَا يَبْلَى فِيهَا الْمَيِّتُ عَادَةً فَسَدَتْ، وَإِذَا أَعَارَ أَرْضًا لِلدَّفْنِ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ كَوْنِ الْمَيِّتِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا. نَعَمْ إنْ كَانَ شَهِيدًا فَيَنْبَغِي تَعْيِينُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْلَى. وَهَلْ يَجُوزُ زِيَارَةُ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعِيرِ؟ قَرَّرَ شَيْخُنَا أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ لِلْعَادَةِ. اهـ. ح ل. وَعُلِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالِانْدِرَاسِ لُزُومُهَا فِي دَفْنِ النَّبِيِّ وَالشَّهِيدِ لِعَدَمِ بِلَائِهِمَا فَلَا يَرِدَانِ، اهـ شَرْحُ م ر وَجُمْلَةُ مَنْ لَا تَأْكُلُ الْأَرْضُ جَسَدَهُ نَظَمَهُمْ التَّتَّائِيُّ فَقَالَ: لَا تَأْكُلْ الْأَرْضُ جِسْمًا لِلنَّبِيِّ وَلَا ... لِعَالِمٍ وَشَهِيدٍ قُتِلَ مُعْتَرِكْ وَلَا لِقَارِئِ قُرْآنٍ وَمُحْتَسِبٍ ... أَذَانَهُ لِإِلَهٍ مُجْرِي الْفُلْك وَنَظَمَهُمْ الشَّمْسُ الْبُرُلُّسِيُّ بِقَوْلِهِ: أَبَتْ الْأَرْضُ أَنْ تُمَزِّقَ لَحْمًا ... لِشَهِيدٍ وَعَالِمٍ وَنَبِيٍّ وَكَذَا قَارِئُ الْقُرْآنِ وَمَنْ ... أَذَّنَ لِلَّهِ حِسْبَةً دُونَ شَيْءٍ قَوْلُهُ: (أَثَرُ الْمَدْفُونِ) فَيَرْجِعُ حِينَ الِانْدِرَاسِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي تَكْرِيرِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَالْعَارِيَّةُ انْتَهَتْ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (عَجْبَ الذَّنَبِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِسُكُونِ الْجِيمِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ آخِرُهُ وَإِبْدَالُهَا مِيمًا لُغَةً كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَقَوْلُهُ: الْعُصْعُصُ بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيُضَمُّ وَقَدْ يُفْتَحُ تَخْفِيفًا مِثْلَ طُحْلُبٍ وَطُحْلَبٍ وَالْجَمْعُ عَصَاعِصُ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ وَضْعِهِ فِي الْقَبْرِ) أَيْ قَبْلَ إدْلَائِهِ فِي الْقَبْرِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى أَسْفَلِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ فِي عَوْدِهِ إزْرَاءٌ بِهِ ق ل. وَإِذَا رَجَعَ قَبْلَ الْإِدْلَاءِ غَرِمَ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ مُؤْنَةَ حَفْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرُ رَدْمُ مَا حَفَرَهُ لِلْإِذْنِ فِيهِ. اهـ. م ر، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فَحَرَثَهَا ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الْحَرْثِ؛ لِأَنَّ الدَّفْنَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْحَفْرِ فَهُوَ مُوَرِّطٌ لَهُ فِيهِ، بِخِلَافِ زَرْعِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ بِدُونِ حَرْثٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْ زَرْعُهَا إلَّا بِالْحَرْثِ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الدَّفْنِ ز ي، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَفَرَ لِلْمَيِّتِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا غُرْمَ إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَفْرَ إلَّا عِنْدَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ امْتَنَعَ قَلَعَهُ) أَيْ وَإِذَا احْتَاجَ الْقَلْعُ إلَى مُؤْنَةٍ صَرَفَهَا الْمُعِيرُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ صَرَفَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 يَشْرِطْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنْ اخْتَارَهُ الْمُسْتَعِيرُ قَلَعَ مَجَّانًا وَلَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ. وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ قَلْعَهُ خُيِّرَ الْمُعِيرُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ وَهِيَ تَمَلُّكُهُ بِعَقْدٍ بِقِيمَتِهِ مُسْتَحَقِّ الْقَلْعِ حِينَ التَّمَلُّكِ، أَوْ قَلْعِهِ بِضَمَانِ أَرْشِ نَقْصِهِ أَوْ تَبْقِيَتِهِ بِأُجْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْمُعِيرُ شَيْئًا تُرِكَا حَتَّى يَخْتَارَ أَحَدُهُمَا مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيْعُ مِلْكِهِ مِمَّنْ شَاءَ، وَإِذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ إدْرَاكِ زَرْعٍ لَمْ يُعْتَدْ قَلْعُهُ لَزِمَهُ تَبْقِيَتُهُ إلَى قَلْعِهِ، وَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يُدْرِكْ فِيهَا لِتَقْصِيرٍ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ قَلَعَهُ الْمُعِيرُ مَجَّانًا كَمَا لَوْ حَمَلَ نَحْوُ سَيْلٍ كَهَوَاءٍ بَذْرًا إلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ فِيهَا فَإِنَّ لَهُ قَلْعَهُ مَجَّانًا. (وَهِيَ) أَيْ الْعَيْنُ الْمُسْتَعَارَةُ (مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ كَتَلَفِهَا   [حاشية البجيرمي] قَلَعَ مَجَّانًا) أَيْ فَلَا يَغْرَمُ لَهُ الْمُعِيرُ أَرْشَ مَا نَقَصَ مِنْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ. قَوْلُهُ: (تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) أَيْ الْحَفْرُ الْحَاصِلَةُ بِالْقَلْعِ دُونَ الْحَاصِلَةِ بِالْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ لِحُدُوثِهَا بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَلَعَهُ بِضَمَانٍ) أَيْ مَعَهُ. قَوْلُهُ: (أَرْشِ نَقْصِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا مُسْتَحَقَّ الْقَلْعِ وَمَقْلُوعًا، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مُسْتَحَقَّ الْإِبْقَاءِ عَشَرَةً وَمُسْتَحَقَّ الْقَلْعِ تِسْعَةً وَمَقْلُوعًا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ وَاحِدٌ، فَإِذَا تَمَلَّكَهُ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَأُجْرَةُ الْقَلْعِ عَلَى الْمُعِيرِ وَأُجْرَةُ نَقْلِ النَّقْضِ عَلَى مَالِكِهِ س ل، وَكَذَا أُجْرَةُ نَقْلِ الْمَغْرُوسِ. وَإِذَا اخْتَارَ مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ مُوَافَقَتُهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ كُلِّفَ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَخْتَارَ أَحَدُهُمَا مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ) فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَيْسَ لَهُ إلَّا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْقَلْعُ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُخَيَّرًا؟ قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ تَبْقِيَتُهُ) أَيْ بِالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ انْقَطَعَتْ بِالرُّجُوعِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَهَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى عَقْدِ إيجَارٍ مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ أَمْ يَكْفِي مُجَرَّدُ اخْتِيَارِ الْمُعِيرِ فَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ بِمُجَرَّدِهِ؟ الْوَجْهُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَقْدِ إيجَارٍ، ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي فَتْوَى وَاسْتَدَلَّ مِنْ كَلَامِهِمْ بِمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ إنْ عَقَدَ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. اهـ. سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً) أَيْ قَبْلَ إدْرَاكِهِ. قَوْلُهُ: (قَلَعَهُ الْمُعِيرُ مَجَّانًا) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَزْرَعَ. قَوْلُهُ: (بَذْرًا) اسْمٌ لِمَا يَشْمَلُ الْحَبَّ وَالنَّوَى وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الْمَبْذُورُ؛ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ مَبْذُورًا، فَفِيهِ مَجَازٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: إطْلَاقُ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِمَا سَيَصِيرُ إلَيْهِ زي. قَوْلُهُ: (أَيْ الْعَيْنُ) هَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ، وَإِلَّا فَالضَّمِيرُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَائِدٌ عَلَى الْإِعَارَةِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى؛ فَفِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا الْعَارِيَّةَ بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَأَعَادَ عَلَيْهَا الضَّمِيرَ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمُعَارِ قَوْلُهُ: (مَضْمُونَةٌ) بَدَلًا وَأَرْشًا وَإِنْ شَرَطَا عَدَمَ ضَمَانِهَا. قَالَ الْقَفَّالُ: وَلَوْ أَخَذَ الْكُوزَ مِنْ السِّقَاءِ لِيَشْرَبَ فَانْكَسَرَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَالْمَاءُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي يَدِهِ بِحُكْمِ الْإِبَاحَةِ وَالْكُوزُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَ عِوَضًا فَالْمَاءُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ وَالْكُوزُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْعُرْفُ يَقْتَضِي الْبَدَلَ لِجَرَيَانِهِ بِهِ، فَإِنْ انْكَسَرَ الْكُوزُ بَعْدَ الشُّرْبِ فَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَمْ يَضْمَنْ الْكُوزَ وَلَا بَقِيَّةَ الْمَاءِ الْفَاضِلَةِ فِي الْكُوزِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ الْقَدْرُ الَّذِي شَرِبَهُ دُونَ الْبَاقِي فَيَكُونُ الْبَاقِي أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الْعِوَضَ فَالْكُوزُ مَضْمُونٌ وَالْمَاءُ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي فِنْجَانِ الْقَهْوَةِ؛ اهـ ابْنُ الْعِمَادِ فِي أَحْكَامِ الْأَوَانِي وَالظُّرُوفِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَظْرُوفِ. فَرْعٌ: لَوْ اسْتَعَارَ قِنْدِيلًا لِلِاسْتِضَاءَةِ بِزِينَتِهِ فَالْقِنْدِيلُ مَضْمُونٌ بِالْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ وَالزَّيْتُ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ اسْتَعَارَهُ لِيَقْضِيَ بِهِ حَاجَتَهُ وَيَرُدَّهُ فَالْقَدْرُ الزَّائِدُ مِنْ الزَّيْتِ عَلَى مِقْدَارِ الْحَاجَةِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ يَضْمَنُهُ إذَا فَرَّطَ، وَإِنْ اسْتَعَارَهُ لِيَقْضِيَ بِجَمِيعِ الزَّيْتِ فَتَلِفَ الزَّيْتُ قَبْلَ الِاسْتِضَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ فَاسِدَةٌ،. اهـ. ابْنُ الْعِمَادِ. قَوْلُهُ: (إذَا تَلِفَتْ) خَرَجَ بِهِ الْإِتْلَافُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ لَزِمَهُ الْبَدَلُ الشَّرْعِيُّ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ كُلٍّ، فَإِنْ غَرِمَ الْمُتْلِفُ بَرِئَ الْمُسْتَعِيرُ وَإِنْ غَرِمَ الْمُسْتَعِيرُ الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ رَجَعَ عَلَى الْمُتْلِفِ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لِخَبَرِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» وَحِينَئِذٍ يَضْمَنُهَا (بِقِيمَتِهَا) مُتَقَوِّمَةً كَانَتْ أَوْ مِثْلِيَّةً (يَوْمَ تَلَفِهَا) هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ. فِي الْأَنْوَار وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ جَمْعٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ: يَضْمَنُ الْمِثْلِيَّ بِالْمِثْلِ وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِيَسْتَعْمِلَهَا بِخِلَافِ إكَافِ الدَّابَّةِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ مَسَائِلُ مِنْهَا: جِلْدُ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ، فَإِنَّ إعَارَتَهُ جَائِزَةٌ وَلَا يَضْمَنُهُ الْمُسْتَعِيرُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ. وَمِنْهَا الْمُسْتَعَارُ لِلرَّهْنِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ صَيْدًا مِنْ مُحَرَّمٍ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأَصَحِّ. وَمِنْهَا مَا لَوْ أَعَارَ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِيهِ فَتَلِفَ   [حاشية البجيرمي] الْمَأْذُونِ فِيهِ) حَاصِلُهُ أَنْ يُقَالَ إنْ تَلِفَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ لَا ضَمَانَ وَلَوْ بِالتَّعَثُّرِ مِنْ ثِقَلِ حَمْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَمَوْتٍ بِهِ وَانْمِحَاقِ ثَوْبِ بِلُبْسِهِ لَا نَوْمِهِ فِيهِ حَيْثُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ تَعَثُّرِهِ بِانْزِعَاجٍ أَوْ عُثُورِهِ فِي وَهْدَةٍ أَوْ رَبْوَةٍ أَوْ تَعَثُّرِهِ لَا فِي الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فِي هَذَا الْأُمُورِ، وَمِثْلُهُ سُقُوطُهَا فِي بِئْرٍ حَالَ السَّيْرِ كَمَا قَالَهُ م ر. وَمِنْهُ مَا لَوْ اسْتَعَارَ ثَوْرًا لِاسْتِعْمَالِهِ فِي سَاقِيَّةٍ فَسَقَطَ فِي بِئْرِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ بِغَيْرِهِ لَا بِهِ، وَمَنْ عَدَمِ الضَّمَانِ تَزَايُدُ مَرَضٍ تَوَلَّدَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ أَيْ يَتْلَفُ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ يَنْسَحِقُ أَيْ يَنْقُصُ بِاسْتِعْمَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ لِحُدُوثِهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ؛ وَمَوْتِ الدَّابَّةِ كَالِانْمِحَاقِ، وَتَقَرُّحِ ظَهْرِهَا وَعَرَجِهَا بِاسْتِعْمَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَكَسْرِهِ سَيْفًا أَعَارَهُ لِيُقَاتِلَ بِهِ كَالِانْمِحَاقِ كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْأَخِيرَةِ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ " وَمَوْتُ الدَّابَّةِ " أَيْ بِالِاسْتِعْمَالِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ سم، وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنَّهُ حَمَلَهَا حَمْلًا ثَقِيلًا بِالْإِذْنِ فَمَاتَتْ بِسَبَبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَفِيفًا لَا تَمُوتُ بِمِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ فَاتَّفَقَ مَوْتُهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا مَاتَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ وَمَا إذَا مَاتَتْ فِي الِاسْتِعْمَالِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَعِيرِ كَوْنُ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ بَلْ يُضَمَّنُ وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِ الْمَالِكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، كَمَا لَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا وَمَعَهَا مَالِكُهَا. وَلَوْ سَخَّرَ شَخْصٌ رَجُلًا وَدَابَّتَهُ فَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدِ صَاحِبِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا الْمُسَخَّرُ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا شَرْحُ م ر؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْغَصْبِ اسْتِيلَاءُ الْغَاصِبِ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمُعَارِ كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ مِثْلِيَّةً) كَالْخَشَبِ وَالْحَجَرِ، سم. قَوْلُهُ: (هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْمُعْتَمَدِ ضَعِيفٌ وَاقْتَصَرَ م ر فِي شَرْحِهِ عَلَى الضَّمَانِ فَقَطْ، وَفِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الثَّانِيَ وَهُوَ الضَّمَانُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ وَالْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ كَمَا فِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ اهـ. فَرْعٌ: اسْتَامَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ سُوسِيَّةٍ مَثَلًا وَأَخَذَهَا لِيَقْلِبَهَا ثُمَّ تَلِفَتْ ضَمِنَ الْعَشَرَةَ فَقَطْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَامَ عَشَرَةً ظُهُورًا لِيَأْخُذَ مِنْهَا وَاحِدًا فَتَلِفَتْ بِيَدِهِ حَيْثُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ؛ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوَّلَ الْمُسْتَامُ فِيهِ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَهُنَا الْمُسْتَامُ الْجَمِيعُ. اهـ. عَنَانِيٌّ، وَلِبَعْضِهِمْ: ضَمَانُ عَيْبٍ أَوْ مَبِيعٍ فَسَدَا ... أَقْصَاهُ قِيمَةً وَمِثْلًا وُجِدَا فِي السَّوْمِ قِيمَةً كَذَا الْعَوَارِيُّ ... زَمَانَ إتْلَافٍ عَلَى الْمُخْتَارِ وَاحْكُمْ لَدَى الْإِتْلَافِ بِالْإِبْدَالِ ... شَرْعًا بِقِيمَةٍ أَوْ الْأَمْثَالِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ إكَافِ الدَّابَّةِ) أَيْ سَرْجِهَا وَوَلَدِ الدَّابَّةِ، وَلَوْ وَلَدَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ كَثِيَابِ الْعَبْدِ فَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَإِنْ تَبِعَهَا ق ل. قَوْلُهُ: (صَيْدًا) أَيْ حَرَمِيًّا أَوْ لَا بِأَنْ أَخَذَهُ مَعَهُ مِنْ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ بِإِحْرَامِهِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ. فَتَسْمِيَةُ هَذَا اسْتِعَارَةٌ فِيهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالِكَ هُنَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا اسْتِعَارَةٌ صُورِيَّةٌ. هَذَا إذَا اسْتَعَارَ الْحَلَالُ مِنْ الْمُحْرِمِ أَمَّا عَكْسُهُ بِأَنْ اسْتَعَارَ الْمُحْرِمُ مِنْ الْحَلَالِ صَيْدًا بَرِّيًّا وَحْشِيًّا مَأْكُولًا فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ الْجَزَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْقِيمَةَ لِلْحَلَالِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْوَرْدِيِّ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ لَمْ يَضْمَنْهُ. وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ الْفَقِيهُ كِتَابًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، أَمَّا مَا تَلِفَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ لِلْإِذْنِ فِيهِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ عَيْنٌ كَدَابَّةٍ وَأَرْضٍ لِمَالِكِهَا. أَعَرْتَنِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ مَالِكُهَا: بَلْ أَجَرْتُك أَوْ غَصَبْتنِي. وَمَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ صُدِّقَ الْمَالِكُ كَمَا لَوْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ وَقَالَ كُنْت أَبَحْته لِي وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ، إذَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَيُصَدَّقُ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ بِيَمِينِهِ فِي الْأُولَى، وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِعَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ، فَإِنْ مَضَتْ فَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ بِالْأُجْرَةِ لِمُنْكَرِهَا؛ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ صُدِّقَ الْمُعِيرُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: الضَّمَانُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْجَهْلِ وَعَدَمِهِ أُجِيبَ   [حاشية البجيرمي] عِنْدِي سُؤَالٌ حَسَنٌ مُسْتَظْرَفٌ ... فَرْعٌ عَلَى أَصْلَيْنِ قَدْ تَفَرَّعَا قَابِضُ شَيْءٍ بِرِضَا مَالِكِهِ ... وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَالْمِثْلَ مَعَا قَوْله: (لَمْ يَضْمَنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِعَارَةِ. قَوْلُهُ: (فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ لَمْ يَضْمَنْهُ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ جَوَازُ الْعَارِيَّةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إنْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فَهَذِهِ لَيْسَتْ عَارِيَّةً؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ يَمْلِكُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ امْتَنَعَتْ الْعَارِيَّةُ فَقَوْلُهُ لِمَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ فِيهِ نَظَرٌ؛ تَأَمَّلْ شَيْخَنَا. قَوْلُهُ: (أَمَّا مَا تَلِفَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ) وَلَوْ بِدَعْوَى الْمُسْتَعِيرِ فَيُصَدَّقُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ كَمَا قَالَهُ ح ل وز ي، أَيْ وَلِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا لَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحَبَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ اخْتَلَفَ فِي حُصُولِ التَّلَفِ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ أَوْ لَا صُدِّقَ الْمُسْتَعِيرُ بِيَمِينِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ خِلَافًا لِمَا عُزِيَ لِلْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ تَصْدِيقِ الْمُعِيرِ اهـ. قَوْلُهُ: (لَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ عَيْنٌ إلَخْ) يَحْصُلُ مِنْ هُنَا صُوَرٌ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْعَيْنِ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْإِجَارَةَ أَوْ الْغَصْبَ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ بَاقِيَةً أَوْ تَالِفَةً وَوَاضِعُ الْيَدِ يَدَّعِي الْإِعَادَةَ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَصَبَتْنِي) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ تَقُولُ غَصَبَهُ مِنْهُ وَغَصَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ غَصَبْته مِنِّي لَا غَصَبْتنِي اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ الْمَالِكُ) أَيْ بِيَمِينِهِ إنْ تَعَيَّنَتْ الْعَيْنُ فَيَحْلِفُ إنَّهُ مَا أَعَارَهُ وَأَنَّهُ أَجَرَهُ أَوْ غَصَبَهُ وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، أَيْ فَيَجْمَعُ فِي يَمِينِهِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا بِأَنْ يَنْفِيَ الْإِعَارَةَ وَيُثْبِتَ دَعْوَاهُ، فَإِذَا حَلَفَ أَخَذَ الْعَيْنَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ أَيْضًا، فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَخَذَ الْأُجْرَةَ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَأَمَّا الْقِيمَةُ فَهُوَ يَدَّعِي أَقْصَى الْقِيَمِ فِي الْغَصْبِ وَوَاضِعُ الْيَدِ يَدَّعِي الْقِيمَةَ إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْقِيمَةِ فَيَأْخُذُهَا وَيَتْرُكُ الزَّائِدَ إلَى الْبَيَانِ. قَوْلُهُ: (وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ) فَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً فِي الْأُولَى فَهُوَ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكَرِهَا فَتُتْرَكُ فِي يَده، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بِيَمِينِهِ فِي الْأُولَى) اُنْظُرْ أَيَّ فَائِدَةٍ فِي يَمِينِهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَعَدَمِ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ وَتَمَكَّنَ صَاحِبُهَا مِنْ أَخْذِهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا مَعْنَى إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ أَيْضًا وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَيَأْخُذُهَا الْمَالِكُ وَلَا أُجْرَةَ، فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَهُوَ يَدَّعِي أَقْصَى الْقِيَمِ وَالْمُسْتَعِيرُ يَدَّعِي الْقِيمَةَ فَاتَّفَقَا عَلَى الْقِيمَةِ فَيَأْخُذُهَا الْمَالِكُ وَيَتْرُكُ الزَّائِدَ إلَى الْبَيَانِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ إلَخْ) هَذَا عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ فَيَأْخُذُ الْعَيْنَ صَاحِبُهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ فَالْمَالِكُ يَدَّعِي الْقِيمَةَ وَالْغَاصِبُ يَدَّعِي أَقْصَى الْقِيَمِ فَيَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ وَيَتْرُكُ الزَّائِدَ إلَى الْبَيَانِ، وَأَمَّا إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَيَأْخُذُ الْعَيْنَ صَاحِبُهَا وَيَتْرُكُ الْأُجْرَةَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إلَى الْبَيَانِ، وَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَيَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ وَيَتْرُكُ الزَّائِدَ عَنْ الْقِيمَةِ إلَى الْبَيَانِ. قَوْلُهُ: (جَاهِلًا بِرُجُوعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ تَسْلِيطِ الْمَالِكِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ السَّلْطَنَةِ وَبِأَنَّ الْمَالِكَ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ فَصْلٌ: فِي الْغَصْبِ وَهُوَ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا وَقِيلَ أَخْذُهُ ظَلَمَا جِهَارًا وَشَرْعًا اسْتِيلَاءٌ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ بِلَا حَقٍّ. وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] أَيْ لَا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَدَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ   [حاشية البجيرمي] الْمُعِيرِ) خَرَجَ بِالرُّجُوعِ جَهْلُهُ بِالْمَوْتِ أَوْ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ فَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ مِنْ الْمَالِكِ حِينَئِذٍ، وَكَذَا لَوْ أَبَاحَ الطَّعَامَ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ أَكَلَهُ الْمُبَاحُ لَهُ جَاهِلًا بِالرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَنَافِعِ أَضْعَفُ مِنْ إبَاحَةِ الْأَعْيَانِ فَضَيَّقَ فِي الْأَعْيَانِ ز ي. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَهُ شَاةً لِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا أَوْ أَعَارَهُ شَجَرَةً لِأَخْذِ ثَمَرِهَا ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ بَدَلَ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَكَذَا نَقَلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ بَقَاءُ السَّلْطَنَةِ) أَيْ سَلْطَنَةِ الْمُسْتَعِيرِ. [فَصْلٌ فِي الْغَصْبِ] ِ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْعَارِيَّةِ لِمُنَاسَبَتِهِ لَهَا فِي الضَّمَانِ فِي الْجُمْلَةِ؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ وَهُوَ كَبِيرَةٌ، قِيلَ: إنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا أَيْ رُبُعَ دِينَارٍ، وَقِيلَ: إنْ بَلَغَهُ وَلَوْ حَبَّةَ بُرٍّ اهـ. وَاعْتَمَدَ م ر الْأَوَّلَ. قَوْلُهُ: (جِهَارًا) لِإِخْرَاجِ السَّرِقَةِ. قَوْلُهُ: (اسْتِيلَاءً) أَيْ فِي الْوَاقِعِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ، فَالْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ مِنْ جِهَتَيْنِ: أُولَاهُمَا قَوْلُهُ اسْتِيلَاءً يَشْمَلُ الْمَنَافِعَ كَإِقَامَةِ مَنْ قَعَدَ بِمَسْجِدٍ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيلَاءٌ حُكْمًا وَالثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: " بِلَا حَقٍّ " يَشْمَلُ مَا لَوْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ مَالَهُ وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُقَيَّدٌ بِالْأَخْذِ ظُلْمًا فَيَكُونُ أَخَصَّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَعَمُّ. قَوْلُهُ: (عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ) وَلَوْ مَنْفَعَةً كَإِقَامَةِ مَنْ قَعَدَ بِمَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَى مَحَلِّهِ، أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَكَلْبٍ نَافِعٍ وَزِبْلٍ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: كَإِقَامَةِ مَنْ قَعَدَ بِمَسْجِدٍ أَيْ فَيَصِيرُ أَحَقَّ بِمَحَلِّهِ، فَإِنْ فَارَقَهُ لِعُذْرٍ كَإِجَابَةِ دَاعٍ وَحَدَثٍ وَرُعَافٍ لِيَعُودَ لَمْ يَبْطُلْ اخْتِصَاصُهُ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَتَاعَهُ، وَإِنْ فَارَقَهُ لَا لِعُذْرٍ أَوْ لَهُ لَا لِيَعُودَ بَطَلَ اخْتِصَاصُهُ، وَالْقُعُودُ لِذِكْرٍ أَوْ تَسْبِيحٍ أَوْ سَمَاعِ قُرْآنٍ حُكْمُهُ كَالْجَالِسِ لِلصَّلَاةِ، وَإِذَا اعْتَادَ مَوْضِعًا لِيَقْرَأَ فِيهِ قُرْآنًا أَوْ عِلْمًا شَرْعِيًّا أَوْ يُفْتِيَ فِيهِ فَإِنْ فَارَقَهُ تَارِكًا لِحَقِّهِ أَوْ مُنْتَقِلًا لِغَيْرِهِ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِلَّا فَلَا، وَمِثْلُهُ جُلُوسُ الطَّلَبَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُدَرِّسِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَفِيدَ،. اهـ. مُنَاوِيٌّ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ. وَلَيْسَ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ مَا لَوْ مَنَعَ شَخْصًا عَنْ سَقْيِ زَرْعِهِ أَوْ شَجَرِهِ حَتَّى تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَ دَابَّةً فِيهَا لَبَنٌ فَمَاتَ وَلَدُهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْوَلَدَ لِلْفِعْلِ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ إتْلَافُ غِذَائِهِ. قَوْلُهُ: (الْغَيْرِ) دُخُولُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَى " الْغَيْرِ " قَلِيلٌ فِي اللُّغَةِ كَثِيرٌ فِي أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ عَدَّهُ الْحَرِيرِيُّ لَحْنًا اهـ دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِلَا حَقٍّ) خَرَجَ الْعَارِيَّةُ وَالسَّوْمُ وَنَحْوُهُمَا؛ زَادَ بَعْضُهُمْ " جِهَارًا " لِإِخْرَاجِ السَّرِقَةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِخُرُوجِهَا بِقَوْلِهِ " اسْتِيلَاءً "؛ لِأَنَّهُ مُنْبِئٌ عَنْ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} [البقرة: 188] هُوَ مِنْ بَابِ الْكُلِّيَّةِ، أَيْ لَا يَأْكُلْ وَاحِدٌ مِنْكُمْ مَالَ غَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ: قَوْلُهُ لَا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ أَيْ بِالْوَجْهِ الَّذِي لَمْ يُبِحْهُ اللَّهُ لَهُ وَبَيْنَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ أَوْ الْحَالِ مِنْ الْأَمْوَالِ. قَوْلُهُ: (بِالْبَاطِلِ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَمَّا إذَا كَانَ بِحَقٍّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَالظَّافِرِ بِجِنْسِ حَقِّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ. قَوْلُهُ: (إنَّ دِمَاءَكُمْ) أَيْ سَفْكَ دِمَاءِ بَعْضِكُمْ وَأَكْلَ أَمْوَالِ بَعْضِكُمْ وَالْخَوْضَ فِي أَعْرَاضِ بَعْضِكُمْ، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ فِي الْكُلِّ. وَعِبَارَةُ ع ش: أَيْ إنَّ دِمَاءَ بَعْضِكُمْ إلَخْ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِكُمْ، وَتَرَكَ الشَّارِحُ ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِمَا قَبْلَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 مَا لَوْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ مَالَهُ فَإِنَّهُ غَصْبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إثْمٌ. وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ: إنَّ الثَّابِتَ فِي هَذِهِ حُكْمُ الْغَصْبِ لَا حَقِيقَتُهُ مَمْنُوعٌ وَهُوَ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْغَصْبَ. يَقْتَضِي الْإِثْمَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنْ كَانَ غَالِبًا، فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً لِغَيْرِهِ أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشِهِ فَغَاصِبٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ. (وَمَنْ غَصَبَ مَالًا) أَوْ غَيْرَهُ (لِأَحَدٍ) وَلَوْ ذِمِّيًّا وَكَانَ بَاقِيًا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَدَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ) أَيْ كَمَا دَخَلَ فِيهِ أَيْضًا مَا فِيهِ الضَّمَانُ وَالْإِثْمُ كَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْمُتَمَوِّلِ عُدْوَانًا، وَمَا فِيهِ الْإِثْمُ فَقَطْ كَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ عُدْوَانًا. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ مَالَهُ إلَخْ) قَالَ م ر: وَقَدْ أَفَادَ الْوَالِدُ أَنَّ الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي تَعْرِيفِ الْغَصْبِ أَنَّهُ: حَقِيقَةً وَإِثْمًا وَضَمَانًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عُدْوَانًا، وَضَمَانًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِثْمًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْغَصْبُ فِيهِ الْإِثْمُ وَالضَّمَانُ كَمَا إذَا اسْتَوْلَى عَلَى مَالِ غَيْرِهِ عُدْوَانًا وَمِنْهُ الْقَبْضُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، أَوْ الضَّمَانُ دُونَ الْإِثْمِ كَمَا إذَا اسْتَوْلَى عَلَى مَالِ غَيْرِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ مَالُهُ، أَوْ الْإِثْمُ دُونَ الضَّمَانِ كَمَا إذَا اسْتَوْلَى عَلَى الِاخْتِصَاصِ غَيْرُهُ عَالِمًا بِهِ. وَمِثْلُ الِاخْتِصَاصِ الْمَالُ الَّذِي لَا يُتَمَوَّلُ كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ بِالْحَيَاءِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْغَصْبِ فَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ: مَنْ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ مَالًا فِي الْمَلَإِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ لِبَاعِثِ الْحَيَاءِ فَقَطْ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ فِي كُلِّ الصُّوَرِ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ مُرَادًا) أَيْ الِاقْتِضَاءُ. وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ كَانَ " أَيْ اقْتِضَاؤُهُ الْإِثْمَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ هَذَا الصَّنِيعُ مِنْ الشَّارِحِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ عَرَّفَ الْغَصْبَ بِاعْتِبَارِ الْإِثْمِ فَقَطْ فَخُرُوجُ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ تَعْرِيفِهِ صَحِيحٌ وَالْمُصَنِّفُ عَرَّفَ بِتَعْرِيفٍ عَامٍّ شَامِلٍ لَهَا وَلِغَيْرِهَا وَشُمُولُهُ لَهَا صَحِيحٌ وَلَا يُعْتَرَضُ بِتَعْرِيفٍ عَلَى تَعْرِيفٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ رَكِبَ إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى التَّعْرِيفِ، وَالرُّكُوبُ لَيْسَ قَيْدًا أَيْ أَوْ سَحَبَهَا أَوْ سَاقَهَا أَوْ زَاوَلَ لَهَا بِشَيْءِ بِشَرْطِ عَدَمِ الرِّضَا مِنْ صَاحِبِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشِهِ) أَيْ وَلَمْ تَدُلَّ قَرِينَةُ الْحَالِ عَلَى إبَاحَةِ الْجُلُوسِ مُطْلَقًا أَوْ لِنَاسٍ مَخْصُوصِينَ مِنْهُمْ هَذَا الْجَالِسُ كَفُرُشِ مَسَاطِبِ الْبَزَّازِينَ لِمُرِيدِ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ، شَرْحُ م ر وحج. وَمِثْلُ الْجُلُوسِ مَا لَوْ تَحَامَلَ بِرِجْلِهِ وَإِنْ تَحَامَلَ مَعَهَا عَلَى الرِّجْلِ الْأُخْرَى الْخَارِجَةِ عَنْ الْفِرَاشِ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ الْمَشْيِ عَلَى مَا يُفْرَشُ فِي صَحْنِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ مِنْ الْفَرَاوِيّ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِهِمَا. وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ الضَّمَانِ مَا لَمْ تَعُمَّ الْفَرَاوِيّ وَنَحْوُهَا الْمَسْجِدَ بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَثُرَتْ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ وَلَا حُرْمَةَ لِتَعَدِّي الْوَاضِعِ بِذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَانْظُرْ لَوْ كَانَ الْفِرَاشُ كَبِيرًا هَلْ يَضْمَنُ جَمِيعَهُ أَوْ قَدْرَ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ؟ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْغَاصِبُ عَلَى فِرَاشٍ كَبِيرٍ فَهَلْ يَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمْ الْجَمِيعَ أَوْ قَدْرَ مَا عُدَّ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ فَقَطْ؟ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي فِيهِمَا بِرْمَاوِيٌّ. وَلَوْ جَلَسَ عَلَيْهِ آخَرُ بَعْدَ قِيَامِ الْأَوَّلِ فَهُوَ غَاصِبٌ أَيْضًا وَهَكَذَا وَالْقَرَارُ عَلَى الْأَخِيرِ ق ل. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَلَوْ جَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ ثُمَّ جَلَسَ آخَرُ عَلَيْهِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا غَاصِبٌ، وَلَا يَزُولُ الْغَصْبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِانْتِقَالِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ إنَّمَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ لِلْمَالِكِ أَوْ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَلَوْ تَلِفَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ تَلِفَ فِي يَدِ الثَّانِي فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَ انْتِقَالِهِ أَيْضًا عَنْهُ فَعَلَى كُلٍّ الضَّمَانُ، لَكِنْ هَلْ لِلْكُلِّ أَوْ النِّصْفِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَظْهَرُ الْأَوَّلُ. وَمَعْنَى كَوْنِ الْقَرَارِ عَلَى كُلٍّ أَنَّ كُلًّا لَوْ غَرِمَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ لَا أَنَّ الْمَالِكَ يَغْرَمُ كُلَّ الْقِيمَةِ، وَلَوْ نَقَلَ الدَّابَّةَ وَمَالِكُهَا رَاكِبٌ عَلَيْهَا بِأَنْ أَخَذَ بِرَأْسِهَا وَسَيَّرَهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ غَاصِبًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهَا مَعَ اسْتِقْلَالِ مَالِكِهَا بِالرُّكُوبِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَاهَا حُكِمَ أَنَّهَا لِلرَّاكِبِ وَاخْتَصَّ بِهِ الضَّمَانُ إذَا أَتْلَفَتْ شَيْئًا سم. وَلَوْ غَصَبَ حَيَوَانًا فَتَبِعَهُ وَلَدُهُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتْبَعَهُ أَوْ هَادِي الْغَنَمِ فَتَبِعَتْهُ الْغَنَمُ لَمْ يَضْمَنْ التَّابِعُ فِي الْأَصَحِّ لِانْتِفَاءِ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أُمَّ النَّحْلِ فَتَبِعَهَا النَّحْلُ لَا يَضْمَنُهُ إلَّا إنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ، وَلَوْ أَوْقَدَ نَارًا فِي مِلْكِهِ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ وَأَحْرَقَتْ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَهُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَلَوْ دَخَلَ عَلَى حَدَّادٍ يَطْرُقُ الْحَدِيدَ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ أَحْرَقَتْ ثَوْبَهُ لَمْ يَضْمَنْ الْحَدَّادُ وَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ. أَقُولُ: وَكَذَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ طَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْ الدُّكَّانِ وَأَحْرَقَتْ شَيْئًا حَيْثُ أَوْقَدَ الْكُورَ عَلَى الْعَادَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ جَلَسَ بِالشَّارِعِ، أَوْ أَوْقَدَ لَا عَلَى الْعَادَةِ وَتَوَلَّدَ ذَلِكَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالشَّارِعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 (لَزِمَهُ رَدُّهُ) عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ وَإِنْ عَظُمَتْ الْمُؤْنَةُ فِي رَدِّهِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ كَحَبَّةِ بُرٍّ أَوْ كَلْبٍ يُقْتَنَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» فَلَوْ لَقِيَ الْغَاصِبُ الْمَالِكَ بِمَفَازَةٍ وَالْمَغْصُوبُ مَعَهُ فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ أُجْرَةَ النَّقْلِ، وَإِنْ امْتَنَعَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بَرِئَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، وَلَوْ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَشَرَطَ عَلَى الْغَاصِبِ مُؤْنَةَ النَّقْلِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ مِلْكَ نَفْسِهِ؛ وَلَوْ رَدَّ الْغَاصِبُ الدَّابَّةَ لِإِصْطَبْلِ الْمَالِكِ بَرِيءَ إنْ عَلِمَ الْمَالِكُ بِهِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ إخْبَارِ ثِقَةٍ وَلَا يَبْرَأُ قَبْلَ الْعِلْمِ، وَلَوْ غَصَبَ مِنْ الْمُودَعِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ بَرِئَ بِالرَّدِّ إلَى كُلِّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ لَا إلَى الْمُلْتَقَطِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فِي الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَامِ وَجْهَانِ، أَوْجُهُهُمَا أَنَّهُ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْذُونٌ لَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ لَكِنَّهُمَا ضَامِنَانِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ بِحَالِهَا شَيْءٌ، وَيُسْتَثْنَى مَسْأَلَةٌ يَجِبُ   [حاشية البجيرمي] مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ إلَخْ) وَلَيْسَ مِنْ الْمَنْقُولِ مَا يُضْمَنُ بِلَا نَقْلٍ غَيْرِ هَذَيْنِ، وَمَحَلُّهُ فِي مَنْقُولٍ لَيْسَ بِيَدِهِ فَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ كَوَدِيعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَنَفْسُ إنْكَارِهِ غَصْبٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ. وَأَفْهَمَ اشْتِرَاطُ النَّقْلِ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِيَدِ قِنٍّ وَلَمْ يُسَيِّرْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ. اهـ. م ر قَالَ ع ش: وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِزِمَامِ دَابَّةٍ أَوْ بِرَأْسِهَا وَلَمْ يُسَيِّرْهَا لَمْ يَكُنْ غَاصِبًا. قَوْلُهُ: (مَالًا) إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْآتِيَةَ إنَّمَا تَأْتِي فِي الْمَالِ، وَالشَّارِحُ زَادَ: " أَوْ غَيْرَهُ " وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ كُلَّهَا لَا تُجْرَى عَلَيْهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ زَادَهُ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ رَدُّهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ فَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ لَهُ حُرْمَةٌ وَلَوْ مَأْكُولًا وَخِيفَ مِنْ نَزْعِهِ الضَّرَرُ الْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ غَيْرِ الشَّيْنِ الْفَاحِشِ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا لِحِفْظِ الْحَيَوَانِ ابْتِدَاءً، فَأَوْلَى أَنْ لَا يُنْزَعَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حُرْمَةٌ كَالْمُرْتَدِّ وَلَوْ بَعْدَ الْخِيَاطَةِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ نُزِعَ وَلَزِمَهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَهْلَكٌ فَلَا يُنْزَعُ بَلْ تَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا لَا يُنْزَعُ مِنْ الْآدَمِيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنْ لِمَ يُسْتَهْلَكْ لِحُرْمَتِهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَلَوْ لَقِيَ الْغَاصِبُ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ لِشُمُولِهِ رَدَّهُ فِي، أَيْ مَحَلٍّ كَانَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُنَاسِبُ " وَلَوْ " وَقَوْلُهُ: " بِمَفَازَةٍ " لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّ الْغَصْبِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ) أَيْ طَلَبَ الْمَالِكُ رَدَّهُ. قَوْلُهُ: (بَرِئَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ) أَيْ وَلَمْ يَضَعْ الْمَالِكُ يَدَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْغَاصِبُ مُؤْنَةَ النَّقْلِ ق ل. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَضَعْ إلَخْ قَيْدٌ فِي الْمَنْفِيِّ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ لَمْ يَبْرَأْ إنْ لَمْ يَضَعْ الْمَالِكُ يَدَهُ عَلَيْهِ إلَخْ. وَقَالَ أج: فَإِنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ لَمْ يَبْرَأْ وَالْمُرَادُ بِمُؤْنَةِ النَّقْلِ ارْتِفَاعُ الْأَسْعَارِ بِسَبَبِ النَّقْلِ بِأَنْ كَانَ سِعْرُهُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي ظَفِرَ بِهِ فِيهَا أَغْلَى مِنْ سِعْرِهِ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي غَصَبَهُ مِنْهَا، هَكَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ ز ي؛ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْمُؤْنَةِ الْمُضَافَةِ إلَى النَّقْلِ الْأُجْرَةُ، بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَشْمَلُهُمَا؛ وَلِهَذَا أَفْتَى الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ آخَرَ فِي دَرْبِ الْحِجَازِ فُولًا وَدَقِيقًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ بِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ فِي مَحَلِّ الْإِتْلَافِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْمِثْلِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَشَرَطَ إلَخْ) هُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ الْمَالِكُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ أُجْرَةٍ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَا إجْبَارٍ عَلَى الْتِزَامِهَا كُلِّفَ الْغَاصِبُ حِينَئِذٍ رَدُّهُ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ) أَيْ بِطَرِيقِ الْإِجْبَارِ أَمَّا بِالرِّضَا فَلَا مَانِعَ مِنْهُ فَلْيُرَاجَعْ، وَلَعَلَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ " لَمْ يُجْبَرْ " فَحَرَّفَهَا النَّاسِخُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَنْقُلُ مِلْكَ نَفْسِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْلُ مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: (إنْ عَلِمَ الْمَالِكُ بِهِ) أَيْ بِالرَّدِّ. قَوْلُهُ: (إلَى كُلِّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ) كَمَا لَوْ رَدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ. قَوْلُهُ (لَا إلَى الْمُلْتَقَطِ) وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ مِنْهُ بِالرَّدِّ إلَى الْحَاكِمِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ إنَّهُ لَوْ تَمَلَّكَهَا بَعْدَ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ الشَّرْعِيَّةِ كَفَاهُ الرَّدُّ عَلَيْهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَةِ الْمِلْكِ) بَلْ مِنْ الشَّارِعِ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يَبْرَأُ) أَيْ بِالرَّدِّ إلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُمَا ضَامِنَانِ) الْأُولَى أَنْ يَقُولَ وَإِنْ كَانَا ضَامِنَيْنِ. قَوْلُهُ: (قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الرَّدِّ وَلَمْ يَقُلْ وَرَدَّ مَعَهُ غَيْرَهُ، قَالَ الَأُجْهُورِيُّ: مُقْتَضَى هَذِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 فِيهَا مَعَ الرَّدِّ الْقِيمَةُ، وَهِيَ مَا لَوْ غَصَبَ أَمَةً فَحَمَلَتْ بِحُرٍّ فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا لِمَالِكِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْحَيْلُولَةِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ بِحُرٍّ لَا تُبَاعُ ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ. قَالَ: وَعَلَى الْغَاصِبِ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْإِمَامِ، وَلَا يَسْقُطُ بِإِبْرَاءِ الْمَالِكِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى مَا لَوْ غَصَبَ لَوْحًا وَأَدْرَجَهُ فِي سَفِينَةٍ وَكَانَتْ فِي لُجَّةٍ، وَخِيفَ مِنْ نَزْعِهِ هَلَاكٌ مُحْتَرَمٌ فِي السَّفِينَةِ وَلَوْ لِلْغَاصِبِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يُنْزَعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. الثَّانِيَةُ: تَأْخِيرُهُ لِلْإِشْهَادِ وَإِنْ طَالَبَهُ الْمَالِكُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُشْكِلٌ لِاسْتِمْرَارِ الْغَصْبِ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ اُغْتُفِرَ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ يُنْكِرُهُ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي الرَّدِّ. (وَ) لَزِمَهُ مَعَ رَدِّهِ (أَرْشُ نَقْصِهِ) أَيْ نَقْصُ عَيْنِهِ كَقَطْعِ يَدِهِ أَوْ صِفَتِهِ كَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ لَا   [حاشية البجيرمي] الْقَضِيَّةِ أَنَّهَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً لَا يَجِبُ رَدُّ شَيْءٍ مَعَهَا إنْ نَقَصَ وَصْفُهَا أَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، وَهُوَ نَصٌّ فِي مُخَالَفَةِ مَا يَأْتِي مِنْ كَلَامِهِ مَعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَلَزِمَهُ مَعَ رَدِّهِ أَرْشُ نَقْصِهِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا مُخَالَفَةَ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا بَقِيَتْ الْعَيْنُ عَارِيَّةً عَنْ النَّقْصِ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَهَا أُجْرَةٌ، وَمَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا حَدَثَ نَقْصٌ فِيهِ أَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّارِحِ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ غَصَبَ أَمَةً إلَخْ) وَالْحَالُ أَنَّهَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا نَقْصٌ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ. قَوْلُهُ: (فَحَمَلَتْ بِحُرٍّ) أَيْ بِشُبْهَةٍ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ غَيْرِهِ وَيَلْزَمُهُ مَهْرٌ لَهَا وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ وَعَلَى الْوَاطِئِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهَا. أَمَّا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ زِنًا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْوَلَدُ حِينَئِذٍ رَقِيقٌ، اهـ قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَدَّهَا) أَيْ وَهِيَ حَامِلٌ. قَوْلُهُ: (لِلْحَيْلُولَةِ) وَيَمْلِكُهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِلْكَ قَرْضٍ فَيَتَصَرَّفُ فِيهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا بَعْدَ وِلَادَةِ الْجَارِيَةِ كَمَا فِي سم، فَإِنْ وَضَعَتْهُ اسْتَرْجَعَتْ الْقِيمَةَ وَإِنْ مَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ اسْتَقَرَّتْ الْقِيمَةُ لَهُ م د. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْغَاصِبِ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا التَّعْزِيرُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، فَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (الْأَوْلَى مَا لَوْ غَصَبَ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي هَذِهِ مِنْ رَدِّهِ، وَقَدْ شَرَطَ الْفَوْرَ بِالتَّمَكُّنِ اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ عَلَى الْفَوْرِ بِدُونِ مَا قَيَّدَ بِهِ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ: " عِنْدَ التَّمَكُّنِ " وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِلْغَاصِبِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُحْتَرَمُ لِلْغَاصِبِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الْبَهْجَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ع ش. قَوْلُهُ: (لِاسْتِمْرَارِ الْغَصْبِ) أَيْ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْغَصْبِ وَاجِبٌ فَوْرًا. قَوْلُهُ: (زَمَنٌ يَسِيرٌ) أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ طَالَ كَانَ لَهُ التَّأْخِيرُ، أَوْ هُوَ لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (أَرْشُ نَقْصِهِ) فَلَوْ غَصَبَ فَرْدَتَيْ خُفٍّ قِيمَتُهُمَا عَشْرَةٌ فَتَلِفَتْ إحْدَاهُمَا فَصَارَتْ قِيمَةُ الْبَاقِيَةِ دِرْهَمَيْنِ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ، وَمِثْلُهُمَا مِصْرَاعَا الْبَابِ أَيْ الضَّرْفَتَانِ. وَقَدْ أَلْغَزَ فِيهِمَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: خَلِيلَانِ مَمْنُوعَانِ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ ... يَبِيتَانِ طُولَ اللَّيْلِ يَعْتَنِقَانِ هُمَا يَحْفَظَانِ الْأَهْلَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ ... وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَفْتَرِقَانِ وَلَوْ مَشَى شَخْصٌ عَلَى فَرْدَةِ نَعْلِ غَيْرِهِ فَجَذَبَهَا صَاحِبُ النَّعْلِ فَانْقَطَعَتْ، فَتُقَوَّمُ النَّعْلُ سَلِيمَةً هِيَ وَرَفِيقَتُهَا ثُمَّ يُقَوَّمَانِ مَعَ الْعَيْبِ وَمَا نَقَصَ يُقَسَّمُ عَلَى الْمَاشِي وَصَاحِبِ النَّعْلِ، فَمَا يَخُصُّ صَاحِبَ النَّعْلِ سَقَطَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ هَدَرٌ وَمَا يَخُصُّ الْآخَرَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ أَخَذَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ مِنْ غَاصِبٍ أَوْ سَبُعٍ حِسْبَةً لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ إمْكَانِ رَدِّهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ غَيْرَ أَهْلٍ لِلضَّمَانِ كَحَرْبِيٍّ وَقِنٍّ لِلْمَالِكِ، وَإِلَّا ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ مُعَرَّضًا لِلتَّلَفِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ؛ شَرْحُ م ر. قَالَ ع ش: بَقِيَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ بَعْضَ الدَّوَابِّ يَفِرُّ مِنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ إنَّ شَخْصًا يَحُوزُهُ عَلَى نِيَّةِ عَوْدِهِ لِمَالِكِهِ فَيَتْلَفُ حِينَئِذٍ، هَلْ يَضْمَنُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِلْعِلْمِ بِرِضَا صَاحِبِهِ بِذَلِكَ، إذَا الْمَالِكُ لَا يَرْضَى بِضَيَاعِ مَالِهِ وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ نَوَى رَدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الضَّمَانِ اهـ. وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ كَانَ مُعَرَّضًا لِلتَّلَفِ " قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ مَتَاعًا مَعَ سَارِقٍ أَوْ مُنْتَهِبٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ ضَاعَ عَلَى صَاحِبِهِ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ الْآخِذَ فَأَخَذَهُ مِنْهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ بِصُورَةِ شِرَاءٍ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ حَتَّى لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِلَا تَقْصِيرٍ غَرِمَ بَدَلَهُ لِصَاحِبِهِ وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 نَقْصُ قِيمَتِهِ (وَ) لَزِمَهُ مَعَ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ (أُجْرَةُ مِثْلِهِ) لِمُدَّةِ إقَامَتِهِ فِي يَدِهِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمَنْفَعَةَ، وَلَوْ تَفَاوَتَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْمُدَّةِ ضَمِنَ فِي كُلِّ بَعْضٍ مِنْ أَبْعَاضِ الْمُدَّةِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِيهِ، وَإِذَا وَجَبَتْ أُجْرَتُهُ فَدَخَلَهُ نَقْصٌ فَإِنْ كَانَ بِسَبَبِ الِاسْتِعْمَالِ كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَجَبَ مَعَ الْأُجْرَةِ أَرْشُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ غَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ كَأَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَسُقُوطِ عُضْوٍ بِمَرَضٍ وَجَبَ مَعَ الْأُجْرَةِ الْأَرْشُ أَيْضًا ثُمَّ الْأُجْرَةُ حِينَئِذٍ لِمَا قَبْلَ حُدُوثِ النَّقْصِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ سَلِيمًا وَلِمَا بَعْدَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مَعِيبًا، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ (فَإِنْ تَلِفَ) الْمَغْصُوبُ الْمُتَمَوِّلُ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِآفَةٍ أَوْ إتْلَافٍ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (ضَمِنَهُ) الْغَاصِبُ بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُتَمَوِّلِ كَحَبَّةِ بُرٍّ وَكَلْبٍ يُقْتَنَى وَزِبْلٍ وَحَشَرَاتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقُّ الزِّبْلِ قَدْ غَرِمَ عَلَى نَقْلِهِ أُجْرَةً لَمْ يُوجِبْهَا عَلَى الْغَاصِبِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمُتَمَوِّلِ إذَا تَلِفَ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ غَصَبَ الْحَرْبِيُّ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ بَعْدَ التَّلَفِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ، وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا وَجَبَ رَدُّهُ. وَمِنْهَا: مَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا وَجَبَ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِرِدَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَصَحِّ وَمِنْهَا: مَا لَوْ قُتِلَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَاقْتَصَّ الْمَالِكُ مِنْ الْقَاتِلِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ أَخَذَ بَدَلَهُ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " تَلِفَ " لَا يَتَنَاوَلُ مَا إذَا أَتْلَفَهُ هُوَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ لَكِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَلِذَا قُلْت أَوْ إتْلَافٌ لَكِنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ أَتْلَفَهُ مَنْ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَنْ يَرَى طَاعَةَ الْأَمْرِ بِأَمْرِ الْمَالِكِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ، نَعَمْ لَوْ   [حاشية البجيرمي] رُجُوعَ لَهُ بِمَا غَرِمَهُ فِي اسْتِخْلَاصِهِ عَلَى مَالِكِهِ لِعَدَمِ إذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ مَعْرِفَةُ مَالِكِهِ لَوْ بَقِيَ بِيَدِ السَّارِقِ فَإِنَّ مَا ذُكِرَ طَرِيقٌ لِحِفْظِ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ لَا يَرْضَى بِضَيَاعِهِ اهـ. فَرْعٌ: مَنْ ضَلَّ نَعْلَهُ فِي مَسْجِدٍ وَوَجَدَ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ لُبْسُهُ وَإِنْ كَانَ لِمَنْ أَخَذَ نَعْلَهُ، وَلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَيْعُهُ وَأَخْذُ قَدْرِ قِيمَةِ نَعْلِهِ مِنْ ثَمَنِهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لِمَنْ أَخَذَ نَعْلَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لُقَطَةٌ. فَرْعٌ: مَنْ أَخَذَ إنْسَانًا ظَنَّهُ عَبْدًا حِسْبَةً فَقَالَ: أَنَا حُرٌّ، وَهُوَ عَبْدٌ فَتَرَكَهُ فَأَبِقَ ضَمِنَهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْله: (لَا نَقْصُ قِيمَتِهِ) أَيْ لِنَحْوِ رُخْصِ سِعْرٍ أَوْ كَسَادٍ ق ل. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصَحِّ) وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يَضْمَنُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِ نَقْصِهِ وَأُجْرَةِ مِثْلِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ غَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ) فَصَلَهَا عَمَّا قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا، لِوُجُودِ الْخِلَافِ فِي الْأُولَى. قَوْلُهُ: (بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ) خَرَجَ مَا لَوْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ حِينَئِذٍ بِسَبَبِ رُخْصِ سِعْرٍ فَلَا ضَمَانَ، أج. قَوْلُهُ: (وَجَبَ مَعَ الْأُجْرَةِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، قَدْ يُقَالُ: الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْأُولَى لَيْسَ فِيهَا خِلَافٌ وَيَكُونَ الْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْأُجْرَةُ حِينَئِذٍ) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَوْلُهُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَغْصُوبٍ نَقَصَ وَلَا يَخْتَصُّ نَقْصُهُ بِالْآفَةِ كَمَا أَطْلَقَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ) أَيْ قَوْلُهُ: وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ. قَوْلُهُ: (كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ) بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ عَلَى الْمَغْصُوبِ وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ تَلِفَ كُلُّ الْمَغْصُوبِ أَوْ بَعْضُهُ. قَوْلُهُ: (مِنْهَا) إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، فَمِنْهَا مَا أَفْتَى بِهِ السُّيُوطِيّ أَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ فَغَصَبَ ثُمَّ مَاتَ سِرَايَةً لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِاسْتِنَادِهِ لِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ لِلْأَحْكَامِ حَالَ حِرَابَتِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَهَا) كَتَرْكِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (فَقَتَلَهُ) وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ اسْتِيفَاءَ حَقِّ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ افْتِيَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ. قَوْلُهُ: (قَالَهُ فِي الْبَحْرِ) مُعْتَمَدٌ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، فَمَا قَالَهُ ق ل فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (هُوَ) أَيْ الْغَاصِبُ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَجْنَبِيٌّ) أَيْ إذَا لَمْ يَقْتَصَّ مَالِكُ الْمَغْصُوبِ، فَإِنْ اُقْتُصَّ الْمَالِكُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ كَمَا ذَكَرَهُ قَبْلُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَلِذَا قُلْت أَوْ إتْلَافٌ) لَكِنَّ صَنِيعَ الشَّارِحِ فِيمَا سَبَقَ يَقْتَضِي شُمُولَهُ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إتْلَافِ الْغَاصِبِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ. وَهَذَا، أَعْنِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 صَالَ الْمَغْصُوبُ عَلَى الْمَالِكِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لِصِيَالِهِ لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ سَوَاءً أَعَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ كَتَلَفِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا عِنْدَ الْغَاصِبِ مَا لَوْ تَلِفَ بَعْدَ الرَّدِّ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ رَدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ بِإِجَارَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ فَتَلِفَ عِنْدَ الْمَالِكِ، فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَمَا لَوْ قُتِلَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَالِكِ بِرِدَّةٍ أَوْ جِنَايَةٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ. وَيَضْمَنُ مَغْصُوبَ تَلَفٍ (بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ) مَوْجُودٌ، وَالْمِثْلِيُّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ كَمَاءٍ وَلَوْ أَغْلَى وَتُرَابٍ وَنُحَاسٍ وَمِسْكٍ وَقُطْنٍ وَإِنْ لَمْ يُنْزَعْ حَبُّهُ وَدَقِيقٌ وَنُخَالَةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ بِمِثْلِهِ لِآيَةِ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّالِفِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مُتَقَوِّمٌ، وَسَيَأْتِي كَالْمَذْرُوعِ وَالْمَعْدُودِ وَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَمَعْجُونٍ وَغَالِيَةٍ وَمَعِيبٍ، وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْرِيفِ الْبُرَّ الْمُخْتَلِطَ بِالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلَهُ: لَكِنَّهُ إلَخْ، شُرُوعٌ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ لَا ضَمَانَ فِيهَا أَيْضًا تُضَمُّ لِلثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَكُونُ سِتَّةً، وَلَوْ قَدَّمَهَا عَلَى التَّنْبِيهِ لَكَانَ أَوْلَى، وَتَعْبِيرُهُ بِ " لَكِنَّ " فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِمَا عَلِمْتَ. قَوْلُهُ: (بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ) أَيْ مِنْ قَرَارِ الضَّمَانِ وَإِنْ كَانَ يُطْلَبُ، وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمَجْنُونِ وَعَلَى الْآمِرِ. قَوْلُهُ: (بِأَمْرِ الْمَالِكِ) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَقَتَلَهُ) أَيْ الْمَالِكُ. قَوْلُهُ: (كَتَلَفِ الْعَبْدِ إلَخْ) مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ، وَنَفْسُهُ مَفْعُولٌ بِهِ أج؛ لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ حِينَئِذٍ التَّعْبِيرَ بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مُتَعَدٍّ لَا التَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ، فَالْأَحْسَنُ جَرُّهُ تَوْكِيدًا لِلْعَبْدِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: كَتَلَفِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ " أَيْ كَتَلَفِ الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ فَاعِلٍ كَتَلَفِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ انْتَهَى بِالرَّدِّ، وَهَذَا مَعْلُومٌ وَأَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدُ. قَوْلُهُ: (وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ نَفْيِ الضَّمَانِ بَعْدَ الرَّدِّ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَعْلَمْ) أَيْ بِكَوْنِهِ مِلْكَهُ وَتَسْمِيَةُ مَا ذَكَرَ إجَازَةً وَرَهْنًا وَدِيعَةً بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَقَطْ. وَإِنَّمَا قَالَ: وَلَمْ يَعْلَمْ لِيَتَأَتَّى رَهْنُهُ لَهُ أَوْ إجَارَتُهُ لَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْغَاصِبِ) لِبَقَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ حُكْمًا. قَوْلُهُ: (أَوْ جِنَايَةٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ) فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ فِي يَدِهِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ. قَوْلُهُ: (وَيَضْمَنُ مَغْصُوبَ إلَخْ) جَعَلَ كَلَامَ الْمَتْنِ مُتَعَلِّقًا بِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْمَتْنِ مُتَعَلِّقٌ بِضَمِنَهُ، فَلَوْ أَبْقَاهُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ كَانَ أَوْلَى؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ حَلَّ مَعْنًى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدَّرَهُ لِطُولِ الْفَصْلِ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِضَمِنَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (مَوْجُودٌ) أَيْ مَا بَقِيَتْ لَهُ قِيمَةٌ كَمَا سَيَذْكُرُ مُحْتَرَزَهُمَا. وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى شَرْطٍ، وَسَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ الْإِشَارَةُ إلَى شَرْطَيْنِ فَلَا تَغْفُلْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّرُوطَ خَمْسَةٌ: أَنْ يَكُونَ الْمِثْلُ مَوْجُودًا، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ، وَأَنْ لَا يَصِيرَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا، وَأَنْ لَا يَتَرَاضَيَا عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ، وَأَنْ يَقَعَ التَّقْوِيمُ فِي مَكَانِ التَّلَفِ فَإِنْ وَقَعَ بِغَيْرِهِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ أَيْ أُجْرَةٌ وَمِثْلُهَا ارْتِفَاعُ الْأَسْعَارِ لَمْ يَضْمَنْ بِالْمِثْلِ وَإِلَّا ضَمِنَ بِالْمِثْلِ. قَوْلُهُ: (مَا حَصْره كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ شَرْعًا قُدِّرَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا أَمْكَنَ فِيهِ ذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ مَالٍ يُمْكِنُ وَزْنُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ كَيْلُهُ. وَيُعْرَفُ بِهَذَا أَنَّ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ مِثْلِيَّانِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ قُدِّرَا كَانَ تَقْدِيرُهُمَا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ. اهـ. حَجّ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَمَاءٍ) أَيْ سَوَاءً كَانَ مِلْحًا أَوْ عَذْبًا أَغْلَى أَوْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَقَوْلُهُ: " وَلَوْ أَغْلَى " لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إذَا أَغْلَى يَكُونُ مُتَقَوِّمًا قَوْلُهُ: (وَنُحَاسٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهِ م ر قَوْلُهُ: (وَدَقِيقٍ) فِي صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ نَظَرٌ لِاخْتِلَافِهِ بِالنُّعُومَةِ وَالْخُشُونَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ، تَأَمَّلْ وَحَرِّرْ. قَوْلُهُ: (أَقْرَبُ إلَى التَّالِفِ) أَيْ مِنْ غُرْمِ الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَا عَدَا ذَلِكَ) أَيْ مَا حَصْرُهُ كَيْلٌ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " مُتَقَوِّمٌ " بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا كَمَا قَالَهُ حَجّ. قَوْلُهُ: (وَمَا لَا يَجُوزُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " كَالْمَذْرُوعِ ". قَوْلُهُ: (وَمَعِيبٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَنْضَبِطُ. قَوْلُهُ: (وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْرِيفِ إلَخْ) الْمُورِدُ هُوَ الْإِسْنَوِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 فِيهِ الْمِثْلُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّالِفِ، فَيَخْرُجُ الْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ مِنْهُمَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ إيجَابَ رَدِّ مِثْلِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مِثْلِيًّا كَمَا فِي إيجَابِ رَدِّ مِثْلِ الْمُتَقَوِّمِ فِي الْقَرْضِ، وَبِأَنَّ امْتِنَاعَ السَّلَمِ فِي جُمْلَتِهِ لَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي جُزْأَيْهِ الْبَاقِيَيْنِ بِحَالِهِمَا، وَرَدُّ الْمِثْلِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا وَالسَّلَمُ فِيهِمَا جَائِزٌ، وَيَضْمَنُ الْمِثْلِيَّ بِمِثْلِهِ فِي أَيِّ مَكَان حَلَّ بِهِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمِثْلِيَّ بِمِثْلِهِ إذَا بَقِيَ لَهُ قِيمَةٌ فَلَوْ أَتْلَفَ مَاءً بِمَفَازَةٍ مَثَلًا ثُمَّ اجْتَمَعَا عِنْدَ نَهْرٍ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ بِالْمَفَازَةِ، وَلَوْ صَارَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا أَوْ مِثْلِيًّا، أَوْ الْمُتَقَوِّمُ مِثْلِيًّا كَجَعْلِ الدَّقِيقِ خُبْزًا أَوْ السِّمْسِمِ شَيْرَجًا، أَوْ الشَّاةِ لَحْمًا ثُمَّ تَلِفَ ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَكْثَرَ قِيمَةً فَيَضْمَنُ بِهِ فِي الثَّانِي وَبِقِيمَتِهِ فِي الْآخَرَيْنِ، وَالْمَالِكُ فِي الثَّانِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ. أَمَّا لَوْ صَارَ الْمُتَقَوِّمُ مُتَقَوِّمًا كَإِنَاءِ نُحَاسٍ صِيغَ مِنْهُ حُلِيٌّ فَيَجِبُ فِيهِ أَقْصَى الْقِيَمِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْوُجُودِ مَا إذَا فَقَدَ الْمِثْلَ حِسًّا أَوْ شَرْعًا كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَكَانِ الْغَصْبِ وَلَا حَوَالَيْهِ، أَوْ وُجِدَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ فَيَضْمَنُ بِأَقْصَى قِيَمِ الْمَكَانِ الَّذِي حَلَّ بِهِ الْمِثْلِيُّ مِنْ   [حاشية البجيرمي] وَحَاصِلُ الْإِيرَادِ أَنَّهُ قَالَ لَنَا مِثْلِيٌّ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ مَعَ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمِثْلِيِّ غَيْرُ شَامِلٍ لَهُ فَيَكُونُ غَيْرَ جَامِعٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْإِيرَادُ عَلَى مَنْطُوقِهِ لَا عَلَى مَفْهُومِهِ كَمَا فَهِمَ الْمُحَشِّي. اهـ. شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَيَخْرُجُ الْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ) وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِإِخْرَاجِ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ، فَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ إرْدَبًّا مَثَلًا وَبَعْضُهُ بُرٌّ وَبَعْضُهُ شَعِيرٌ وَشَكَّ هَلْ الْبُرُّ نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ فَيُخْرِجُ مِنْ الْبُرِّ نِصْفًا وَمِنْ الشَّعِيرِ ثُلُثَيْنِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنَّنَا إنْ تَحَقَّقْنَا قَدْرَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَخْرَجْنَاهُ وَإِلَّا عَدَلْنَا إلَى الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: (وَأُجِيبُ إلَخْ) حَاصِلُ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ مَنْعُ كَوْنِهِ مِثْلِيًّا بَلْ هُوَ مُتَقَوِّمٌ، وَإِنْ وَجَبَ رَدُّ مِثْلِهِ فَهُوَ جَوَابٌ بِالْمَنْعِ. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ مِثْلِيٌّ بِالنَّظَرِ إلَى جُزْأَيْهِ، أَيْ بِأَنَّهُ لَوْ مَيَّزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ لَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ، وَامْتِنَاعُ السَّلَمِ فِيهِ لِعَارِضِ الِاخْتِلَاطِ؛ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا صَنَعَهُ الْمُحَشِّي. قَوْلُهُ: (لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مِثْلِيًّا) أَيْ فَهُوَ مُتَقَوِّمٌ، وَرَدُّ الْمِثْلِيِّ فِيهِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَبِأَنَّ إلَخْ) جَوَابٌ بِالتَّسْلِيمِ وَالْأَوَّلُ بِالْمَنْعِ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي جُزْأَيْهِ الْبَاقِيَيْنِ) أَخْرَجَ الْمَعَاجِينَ الْمُرَكَّبَةَ لِاسْتِهْلَاكِ أَجْزَائِهَا، شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (وَيَضْمَنُ الْمِثْلِيَّ بِمِثْلِهِ فِي أَيِّ مَكَان حَلَّ) أَيْ الْمِثْلِيَّ أَيْ فِي أَيِّ مَكَان نَقَلَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ الْمِثْلِيَّ إلَيْهِ فَيُطَالَبُ بِهِ فِي ذَلِكَ، يَعْنِي أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا نَقَلَ الْمَغْصُوبَ مِنْ كَذَا إلَى كَذَا ثُمَّ تَلِفَ ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ الْمَالِكُ، فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِهِ فِي أَيِّ مَكَان حَلَّ بِهِ الْمِثْلَ وَلَوْ طَرِيقَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَضْمَنُ) شُرُوعٌ فِي قَيْدٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: (إذَا بَقِيَ لَهُ قِيمَةٌ) وَلَوْ تَافِهَةً ح ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: فَيَضْمَنُ الْمِثْلِيَّ بِمِثْلِهِ مَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ، فَإِنْ خَرَجَ الْمِثْلِيُّ عَنْ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَاءً بِمَفَازَةٍ ثُمَّ اجْتَمَعَا بِمَحَلٍّ لَا قِيمَةَ فِيهِ لِلْمَاءِ أَصْلًا لَزِمَهُ قِيمَتُهُ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَلَوْ تَافِهَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمِثْلُ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَّا حَيْثُ زَالَتْ مَالِيَّتُهُ مِنْ أَصْلِهَا وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَا نَظَرَ عِنْدَ رَدِّ الْعَيْنِ إلَى تَفَاوُتِ الْأَسْعَارِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: " وَلَوْ ظَفِرَ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ إلَخْ " فِيمَا لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ وَإِلَّا غَرَّمَهُ قِيمَتَهُ بِمَحَلِّ التَّلَفِ كَمَا لَوْ نَقَلَ الْمَالِكُ بُرًّا مِنْ مِصْرَ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ غَصَبَهُ آخَرُ هُنَاكَ، ثُمَّ طَالَبَ مَالِكُهُ بِمِصْرَ، فَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ بِمَكَّةَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُرَادُ بِمُؤْنَةِ النَّقْلِ الْأُجْرَةُ وَمِثْلُهَا ارْتِفَاعُ الْأَسْعَارِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَارَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا) حَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَصِيرَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا أَوْ مِثْلِيًّا أَوْ يَصِيرَ الْمُتَقَوِّمُ مِثْلِيًّا أَوْ مُتَقَوِّمًا آخَرَ، وَالصُّورَةُ الرَّابِعَةُ تَأْتِي فِي قَوْلِهِ: أَمَّا لَوْ صَارَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَجَعْلِ الدَّقِيقِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. قَوْلُهُ: (شَيْرَجًا) بِفَتْحِ الشِّينِ هُوَ دُهْنُ السِّمْسِمِ، وَلَا يَجُوزُ كَسْرُهَا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ) فَيَضْمَنُ الدَّقِيقَ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَالسِّمْسِمَ أَوْ الشَّيْرَجَ فِي الثَّانِي وَاللَّحْمَ فِي الثَّالِثِ، فَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي جِنْسُ الْمِثْلِ الصَّادِقِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وع ش كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ بَعْدُ، وَالْمَالِكُ فِي الثَّانِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ هَذَا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا صَنَعَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ) أَيْ أَحَدُ الْمِثْلَيْنِ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْقِيمَةُ فِي الْآخَرِ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَيَضْمَنُ بِهِ) أَيْ الْأَكْثَرَ. قَوْلُهُ: (وَبِقِيمَتِهِ فِي الْآخَرَيْنِ) هُمَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ. قَوْلُهُ: (وَالْمَالِكُ فِي الثَّانِي مُخَيَّرٌ) أَيْ إنْ اسْتَوَيَا فِي الْقِيمَةِ فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ ع ش وَشَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ فِيهِ أَقْصَى الْقِيَمِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصَّنْعَةَ مُتَقَوِّمَةٌ وَذَاتُ الْإِنَاءِ مِثْلِيَّةٌ، فَيَضْمَنُ الْوَزْنَ بِمِثْلِهِ وَالصَّنْعَةَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ز ي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 حِينَ غَصَبَ إلَى حِينِ فَقْدِ الْمِثْلِيِّ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمِثْلِ كَبَقَاءِ الْعَيْنِ فِي وُجُوبِ تَسْلِيمِهِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُتَقَوِّمِ، وَلَا نَظَرَ إلَى مَا بَعْدَ الْفَقْدِ كَمَا لَا نَظَرَ إلَى مَا بَعْدَ تَلَفِ الْمُتَقَوِّمِ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِثْلُ مَفْقُودًا عِنْدَ التَّلَفِ كَمَا صَوَّرَهُ الْمُحَرِّرُ وَإِلَّا ضَمِنَ الْأَكْثَرَ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ (أَوْ) يَضْمَنُ الْمَغْصُوبَ (بِقِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ) بِأَنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ إنْ تَلِفَ بِإِتْلَافٍ. أَوْ بِدُونِهِ حَيَوَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُسْتَوْلَدَةً (أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ يَوْمِ) أَيْ حِينِ (الْغَصْبِ إلَى يَوْمِ) أَيْ حِينِ (التَّلَفِ) وَإِنْ زَادَ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ لِتَوَجُّهِ الرَّدِّ عَلَيْهِ حَالَ الزِّيَادَةِ فَيَضْمَنُ الزَّائِدَ، وَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ بِنَقْدِ مَكَانِ التَّلَفِ إنْ لَمْ يَنْقُلْهُ وَإِلَّا فَيُتَّجَهُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ اعْتِبَارُ نَقْدِ أَكْثَرِ الْأَمْكِنَةِ، وَتَضَمُّنُ أَبْعَاضِهِ بِمَا نَقَضَ مِنْ الْأَقْصَى إلَّا إنْ أُتْلِفَتْ بِأَنْ أَتْلَفَهَا الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ رَقِيقٍ، وَلَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ حُرٍّ كَيَدٍ وَرِجْلٍ فَيَضْمَنُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْوُجُودِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ مَوْجُودٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا حَوَالَيْهِ) أَيْ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ ق ل وَحَوَالَيْهِ مُلْحَقٌ بِالْمَثْنَى وَالْمُرَادُ بِهِ التَّكْثِيرُ كَسَعْدَيْهِ وَدَوَالَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَيَضْمَنُ) أَيْ الْمِثْلَ الْمَفْقُودَ لَا الْمَغْصُوبَ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ بَعْدَ تَلَفِهِ لَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ فِيهِ بَعْدَ التَّلَفِ شَرْحُ م ر بِأَقْصَى قِيَمِ الْمَكَانِ، وَإِذَا غَرِمَ الْقِيمَةَ ثُمَّ وَجَدَ الْمِثْلَ فَلَا تَرَادَّ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَنْتَظِرَ وُجُودَ الْمِثْلِ وَلَا يَأْخُذَ الْقِيمَةَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَيَانِ سم. قَوْلُهُ: (إلَى حِينِ فَقْدِ الْمِثْلِيِّ) صَوَابُهُ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ: إلَى حِينِ فَقْدِ الْمِثْلِ بِلَا يَاءِ النِّسْبَةِ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ: الْحَاصِلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ غَصَبَ عَيْنًا مِثْلِيَّةً وَأَتْلَفَهَا يَلْزَمُهُ مِثْلُهَا، فَإِنْ فَقَدَهُ أَوْ وَجَدَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ أَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إلَى وَقْتِ فَقْدِ الْمِثْلِ، فَلَوْ كَانَ وَقْتَ الْغَصْبِ يُسَاوِي مِائَةً وَوَقْتَ الْفَقْدِ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ وَفِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ يُسَاوِي أَلْفًا لَزِمَهُ الْأَلْفُ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمُتَقَوِّمُ فَيَضْمَنُ بِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ اهـ م د. وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ مَعَ شَرْحِهِ لِلرَّمْلِيِّ: وَالْأَصَحُّ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمِثْلُ مَوْجُودًا عِنْدَ التَّلَفِ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ حَتَّى فَقَدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقْصَى قِيَمِهِ أَيْ الْمِثْلِ كَمَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْ وَهُوَ ابْنُ حَجَرٍ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَقْصَى قِيَمِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ بَعْدَ تَلَفِهِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ فِيهِ بَعْدَ التَّلَفِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إلَى تَعَذُّرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمِثْلِ إلَى إلَخْ اهـ. قَوْلُهُ: (فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ) أَيْ التَّسْلِيمُ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْمُتَقَوِّمِ) فَإِنَّهُ مَتَى وُجِدَ فَالْوَاجِبُ رَدُّهُ وَالْقِيمَةُ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الْفَقْدِ. اهـ. ع ن. قَوْلُهُ: (وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ مَسْأَلَةِ ضَمَانِهِ بِأَقْصَى قِيَمِ الْمَكَانِ الَّذِي حَلَّ بِهِ الْمِثْلِيُّ مِنْ حِينِ الْغَصْبِ إلَى فَقْدِ الْمِثْلِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِثْلُ مَفْقُودًا عِنْدَ التَّلَفِ، فَإِنْ كَانَ مَفْقُودًا عِنْدَهُ انْتَهَى الْأَقْصَى إلَى وَقْتِ التَّلَفِ لَا إلَى وَقْتِ الْفَقْدِ فَقَطْ م د. قَوْلُهُ: (كَمَا صَوَّرَهُ الْمُحَرَّرُ) أَيْ صَاحِبُهُ وَهُوَ الرَّافِعِيُّ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْمِثْلُ مَفْقُودًا عِنْدَ التَّلَفِ. وَقَوْلُهُ: " بِالْأَكْثَرِ " أَيْ بِأَكْثَرِ الْقِيَمِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُسْتَوْلَدَةً) إنَّمَا أَخَذَهُمَا غَايَةَ إشَارَةٍ إلَى أَنَّ تَعَلُّقَ الْعِتْقِ بِهِمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِمَا مَضْمُونِينَ ع ش. قَوْلُهُ: (أَكْثَرَ مَا) أَيْ قِيمَةً، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ " قِيمَةً " أَيْ حَالَ كَوْنِ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ الْقِيَمِ. وَقَوْلُهُ: " كَانَتْ " أَيْ وُجِدَتْ فَكَانَ تَامَّةً. قَوْلُهُ: (أَيْ حِينَ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الزَّمَنِ فَيَشْمَلُ اللَّيْلَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ زَمَنُ الْغَصْبِ وَالتَّلَفِ لَا يَوْمَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ زَادَ) أَيْ الْأَكْثَرُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ رَقِيقًا. قَوْلُهُ: (نَقَدَ أَكْثَرَ الْأَمْكِنَةِ) أَيْ أَكْثَرَهَا قِيمَةً كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ، وَالْمُرَادُ الْأَمْكِنَةُ الَّتِي حَلَّ بِهَا الْمَغْصُوبُ، أَيْ يُعْتَبَرُ أَقْصَى قِيَمِ الْمَكَانِ ثُمَّ نَقَدَ ذَلِكَ الْمَكَانَ ع ن؛ مَثَلًا إذَا تَلِفَ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان فَإِنَّنَا نَعْتَبِرُ أَكْثَرَ قِيَمِ مَكَان مِنْ الْأَمْكِنَةِ الْمَنْقُولِ لَهَا الْمَغْصُوبُ، وَإِذَا اعْتَبَرْنَا الْأَكْثَرَ فِيهِ اعْتَبَرْنَا نَقْدَهُ. قَوْلُهُ: (بِمَا نَقَصَ) أَيْ إنْ تَلِفَتْ بِآفَةٍ. وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ كَأَنْ سَقَطَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ عَدَمِ نَقْصٍ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَطْعًا، وَهُوَ كَذَلِكَ خَطِيبٌ عَلَى الْمِنْهَاجِ وم ر. قَوْلُهُ: (إلَّا إنْ أُتْلِفَتْ) خَرَجَ مَا إذَا تَلِفَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَإِنَّهَا تُضْمَنُ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْأَقْصَى فَتَكُونُ دَاخِلَةً فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا ضَرْبٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَأَشْبَهَ الْأَمْوَالَ اهـ شَرْحُ م ر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 مِمَّا نَقَصَ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ لِاجْتِمَاعِ الشَّبَهَيْنِ، فَلَوْ نَقَصَ بِقَطْعِهَا ثُلُثَا قِيمَتِهِ لَزِمَاهُ النِّصْفُ بِالْقَطْعِ وَالسُّدُسُ بِالْغَصْبِ. نَعَمْ إنْ قَطَعَهَا الْمَالِكُ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الزَّائِدَ عَلَى النِّصْفِ فَقَطْ، وَزَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ الْمُتَّصِلَةِ كَالسِّمْنِ وَالْمُنْفَصِلَةِ كَالْوَلَدِ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ كَالْأَصْلِ وَإِنْ لِمَ يَطْلُبْهَا الْمَالِكُ بِالرَّدِّ. وَيُضْمَنُ مُتَقَوِّمٌ أُتْلِفَ بِلَا غَصْبٍ بِقِيمَتِهِ وَقْتَ تَلَفٍ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ مَعْدُومٌ، وَضَمَانُ الزَّائِدِ فِي الْمَغْصُوبِ إنَّمَا كَانَ بِالْغَصْبِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا. وَلَوْ أَتْلَفَ عَبْدًا مُغَنِّيًا لَزِمَهُ تَمَامُ قِيمَتِهِ أَوْ أَمَةً مُغَنِّيَةً لَمْ يَلْزَمْهُ مَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا بِسَبَبِ الْغِنَاءِ عَلَى النَّصِّ الْمُخْتَارِ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِمَاعَهُ مِنْهَا مُحَرَّمٌ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ؛ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْعَبْدَ الْأَمْرَدَ الْحَسَنَ كَذَلِكَ فَإِنْ تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَةٍ ضَمِنَ بِالْأَقْصَى مِنْ الْجِنَايَةِ إلَى التَّلَفِ؛ لِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْأَقْصَى فِي الْغَصْبِ فَفِي نَفْسِ الْإِتْلَافِ أَوْلَى. تَتِمَّةٌ: لَوْ وَقَعَ فَصِيلٌ فِي بَيْتٍ أَوْ دِينَارٌ فِي مَحْبَرَةٍ، وَلَمْ يَخْرُجْ الْأَوَّلُ إلَّا بِهَدْمِ الْبَيْتِ وَالثَّانِي إلَّا بِكَسْرِ الْمَحْبَرَةِ فَإِنْ   [حاشية البجيرمي] مُلَخَّصًا. وَخَرَجَ أَيْضًا إذَا تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ رَقِيقٍ وَمَا إذَا تَلِفَتْ مِنْ رَقِيقٍ وَلَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ حُرٍّ، فَهِيَ تُضْمَنُ بِمَا نَقَصَ، كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبْعَاضَهُ إنْ تَلِفَتْ أَوْ أُتْلِفَتْ وَكَانَ غَيْرَ رَقِيقٍ أَوْ تَلِفَتْ وَكَانَ رَقِيقًا أَوْ أُتْلِفَتْ مِنْ رَقِيقٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُقَدَّرٌ مِنْ حُرٍّ، فَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ تُضْمَنُ الْأَبْعَاضُ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْأَقْصَى فَقَطْ، وَأَمَّا الصُّورَةُ الْبَاقِيَةُ أَشَارَ لَهَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: " إلَّا إنْ تَلِفَتْ " وَقَيَّدَهَا بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ: " أُتْلِفَتْ " وَقَوْلُهُ: " مِنْ رَقِيقٍ " وَقَوْلُهُ: " وَلَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ حُرٍّ " فَإِنْ انْتَفَى وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْأَقْصَى فَقَطْ. قَوْلُهُ: (مِمَّا نَقَصَ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْأَمْرَيْنِ وَالتَّعْبِيرُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ نَظَرًا لِلتَّمْثِيلِ بِالْيَدِ وَالرِّجْلِ، أَيْ بِأَحَدِهِمَا. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَتُضْمَنُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا نَقَصَ وَالْمُقَدَّرُ، فَفِي يَدِهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ بِمَا نَقَصَ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ اهـ. فَلَعَلَّ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ سَقْطًا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِاجْتِمَاعِ الشَّبَهَيْنِ) أَيْ شَبَهِ الْآدَمِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَشَبَهِ الدَّابَّةِ مَثَلًا مِنْ حَيْثُ جَرَيَانُ التَّصَرُّفِ فِيهِ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ قَطَعَهَا الْمَالِكُ) أَيْ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَيَضْمَنُ الْأَجْنَبِيُّ النِّصْفَ وَالْغَاصِبُ مَا زَادَ عَلَيْهِ ع ش. قَوْلُهُ: (كَالسِّمَنِ) وَإِنْ طَرَأَ سِمَنٌ آخَرُ كَأَنْ غَصَبَ دَابَّةً سَمِينَةً فَهَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ رَدَّهَا وَأَرْشَ السِّمَنِ الْأَوَّلِ الَّذِي زَالَ عِنْدَهُ اهـ. وَيُجْبَرُ نِسْيَانُ صَنْعَةٍ تَذَكَّرَهَا لَا تَعْلَمُ أُخْرَى، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْمَالِكُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ رَدَّهَا أَيْ الزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ وَكَذَا الْمُتَّصِلَةَ. قَوْلُهُ: (وَيُضْمَنُ مُتَقَوِّمٌ) ذَكَرَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ لِمُنَاسَبَةِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْغَصْبِ. قَوْلُهُ: (وَالزِّيَادَةُ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَوْجُودَةَ بَعْدَ التَّلَفِ تُضْمَنُ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُرَادَ الزِّيَادَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْمَغْصُوبِ قَبْلَ تَلَفِهِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ الْغِنَاءِ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَالْمَدِّ رَفْعُ الصَّوْتِ وَبِفَتْحِ الْغَيْنِ مَعَ الْمَدِّ أَيْضًا النَّفْعُ وَبِكَسْرِ الْغَيْنِ مَعَ الْقَصْرِ ضِدُّ الْفَقْرِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (مُحَرَّمٌ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ) وَمَكْرُوهٌ عِنْدَ عَدَمِهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَلِفَ بِسِرَايَةٍ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا لَمْ يَكُنْ التَّلَفُ بِسِرَايَةِ جِنَايَةٍ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْجِنَايَةِ إلَى التَّلَفِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ أَتْلَفَ عَبْدًا مُعَيَّنًا، لِتَعَلُّقِ هَذَا بِمَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) التَّتِمَّةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ: الْأُولَى: وُقُوعُ فَصِيلٍ فِي بَيْتٍ أَوْ دِينَارٍ فِي مَحْبَرَةٍ أَيْ دَوَاةٍ وَلَمْ يَخْلُصْ الْفَصِيلُ أَوْ الدِّينَارُ إلَّا بِتَلَفِ الْبَيْتِ أَوْ الدَّوَاةِ، وَلَهَا ثَلَاثُ أَحْوَالٍ: التَّقْصِيرُ مِنْ صَاحِبِ الْبَيْتِ أَوْ الدَّوَاةِ وَالتَّقْصِيرُ مِنْ صَاحِبِ الْفَصِيلِ أَوْ الدِّينَارِ وَالتَّقْصِيرُ مِنْهُمَا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ أَدْخَلَتْ بَهِيمَةٌ رَأْسَهَا فِي قِدْرٍ وَلَمْ تَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرِهَا كُسِرَتْ لِتَخْلِيصِهَا رِعَايَةً لِحِفْظِ ذِي الرُّوحِ، وَلَهَا أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: التَّفْرِيطُ مِنْ مَالِكِ الدَّابَّةِ أَوْ مِنْ مَالِكِ الْقِدْرِ أَوْ مِنْهُمَا وَالْأَرْشُ تَابِعٌ لِذَلِكَ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ابْتِلَاعُ بَهِيمَةٍ جَوْهَرَةً، وَلَهَا حَالَتَانِ: أَنْ يُنْسَبَ لِمَالِكِ الْبَهِيمَةِ التَّقْصِيرُ فَيَضْمَنُ الْجَوْهَرَةَ لِلْحَيْلُولَةِ، أَوْ لَا يُنْسَبُ فَلَا يَضْمَنُهَا وَعَلَى كُلٍّ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَبْحِ الْبَهِيمَةِ لِأَخْذِ الْجَوْهَرَةِ. قَوْلُهُ: (لَوْ وَقَعَ فَصِيلٌ) هُوَ وَلَدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 كَانَ الْوُقُوعُ بِتَفْرِيطِ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَالْمَحْبَرَةِ فَلَا غُرْمَ عَلَى مَالِكِ الْفَصِيلِ وَالدِّينَارِ وَإِلَّا غَرِمَ الْأَرْشَ، فَإِنْ كَانَ الْوُقُوعُ بِتَفْرِيطِهِمَا فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ النِّصْفَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّفْرِيطِ كَالْمُتَصَادَمِينَ؛ وَلَوْ أَدْخَلَتْ بَهِيمَةٌ رَأْسَهَا فِي قِدْرٍ وَلَمْ تَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرِهَا كُسِرَتْ لِتَخْلِيصِهَا وَلَا تُذْبَحُ الْمَأْكُولَةُ لِذَلِكَ. ثُمَّ إنْ صَحِبَهَا مَالِكُهَا فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ لِتَفْرِيطِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا فَإِنْ تَعَدَّى صَاحِبُ الْقِدْرِ بِوَضْعِهَا بِمَوْضِعٍ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ أَوْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ لَكِنَّهُ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ الْبَهِيمَةِ فَلَمْ يَدْفَعْهَا فَلَا أَرْشَ لَهُ، وَلَوْ تَعَدَّى كُلٌّ مِنْ مَالِكِ الْقِدْرِ وَالْبَهِيمَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ ابْتَلَعَتْ بَهِيمَةٌ جَوْهَرَةً لَمْ تُذْبَحْ لِتَخْلِيصِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً بَلْ يَغْرَمُ مَالِكُهَا إنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا قِيمَةَ الْجَوْهَرَةِ لِلْحَيْلُولَةِ، فَإِنْ بَلَعَتْ مَا يَفْسُدُ، بِالِابْتِلَاعِ غَرِمَ قِيمَتَهُ لِلْفَيْصُولَةِ. فَصْلٌ: فِي الشُّفْعَةِ وَهِيَ إسْكَانُ الْفَاءِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا لُغَةً الضَّمُّ وَشَرْعًا حَقُّ تَمَلُّكٍ قَهْرِيٍّ يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ عَلَى الشَّرِيكِ   [حاشية البجيرمي] النَّاقَةِ إذَا كَانَ صَغِيرًا وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفْصَلُ عَنْ أُمِّهِ وَالْجَمْعُ فُصْلَانٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى فِصَالٍ بِالْكَسْرِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ؛ وَالْفَصِيلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (فِي مَحْبَرَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْبَاءِ وَهَذَا أَفْصَحُ اللُّغَاتِ فِيهَا وَيَجُوزُ ضَمُّ الْبَاءِ مِثْلَ الْمَقْبَرَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ لِأَنَّهَا اسْمُ آلَةٍ وَالْجَمْعُ مَحَابِرُ أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمِحْبَرَةُ الدَّوَاةُ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْحِبْرِ. قَوْلُهُ: (بِتَفْرِيطِ صَاحِبِ الْبَيْتِ) بِأَنْ فَرَّطَ فِي فَتْحِهِ مَعَ وُجُودِ الْفَصِيلِ وَفَرَّطَ صَاحِبُ الْمِحْبَرَةِ بِتَقْدِيمِهَا عِنْدَ مَنْ يَعُدُّ الدَّرَاهِمَ مِثْلًا. قَوْلُهُ: (فَلَا غُرْمَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَجَبَ الْهَدْمُ وَالْكَسْرُ وَلَا غُرْمَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ التَّفْرِيطُ مِنْ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَالْمَحْبَرَةِ بِأَنْ كَانَ مِنْ مَالِكِ الْفَصِيلِ وَالدِّينَارِ فَقَطْ أَوْ لَا بِتَفْرِيطٍ أَصْلًا لَا مِنْ مَالِكِ الْفَصِيلِ وَالدِّينَارِ وَلَا مِنْ مَالِكِ الْبَيْتِ وَالْمَحْبَرَةِ؛ وَبَقِيَ مِنْ مَصْدُوقِ قَوْلِهِ وَإِلَّا مَا إذَا كَانَ التَّفْرِيطُ مِنْ مَالِكِ الْفَصِيلِ وَالدِّينَارِ وَمِنْ مَالِكِ الْبَيْتِ وَالْمَحْبَرَةِ، وَإِلَّا أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ الثَّالِثَ لَيْسَ مُرَادًا مِنْ قَوْلِهِ: " وَإِلَّا " بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: " فَإِنْ كَانَ الْوُقُوعُ بِتَفْرِيطِهِمَا إلَخْ " أَيْ بِتَفْرِيطِ مَالِكِ الدِّينَارِ وَالْفَصِيلِ وَمَالِكِ الْبَيْتِ وَالْمَحْبَرَةِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا الْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (غَرِمَ) أَيْ مَالِكُ الْفَصِيلِ وَالدِّينَارِ الْأَرْشَ أَيْ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ وَالْمَحْبَرَةَ إنَّمَا أُتْلِفَا لِتَخْلِيصِ مَالِهِمَا. قَوْلُهُ: (إنَّهُ) أَيْ مَالِكَ الْفَصِيلِ وَالدِّينَارِ. وَقَوْلُهُ: " إنَّمَا يَغْرَمُ النِّصْفَ " أَيْ نِصْفَ أَرْشِ الْبَيْتِ الَّذِي هُدِمَ وَنِصْفَ أَرْشِ الْمَحْبَرَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُذْبَحُ) أَيْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ صَحِبَهَا مَالِكُهَا إلَخْ) فِي شَرْحِ الرَّوْضِ؛ قَالَ، يَعْنِي الْبُلْقِينِيُّ: وَسَأَلْت عَنْ رَجُلٍ رَكِبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْمَرْعَى ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا فَجَاءَتْ إلَى الْجُرْنِ فَرَدَّهَا الْحَارِسُ فَرَفَسَتْهُ فَكَسَرَتْ أَسْنَانَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ وَذَلِكَ بِالنَّهَارِ، فَأَفْتَيْت بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا وَلَا عَلَى الَّذِي رَكِبَهَا اهـ. وَاعْتَمَدَهُ م ر، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ رَكِبَهَا لِصَيْرُورَتِهِ غَاصِبًا بِالرُّكُوبِ، إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حِينَئِذٍ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْحَارِسِ لَهَا قَطَعَ أَثَرَ يَدِ الْغَاصِبِ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ مَالِكِهَا فَاسْتَقْبَلَهَا إنْسَانٌ وَرَدَّهَا فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَإِنَّ الْمَالِكَ لَا يَضْمَنُ ذَلِكَ الشَّيْءَ، تَأَمَّلْ. وَالضَّمَانُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الرَّادِّ مَا دَامَ السَّيْرُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ، تَأَمَّلْ. كَذَا وَجَدْته بِخَطِّ الشِّهَابِ سم بِهَامِشِ الْعُبَابِ، وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (إنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا) فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَلَا ضَمَانَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَلِعَتْ) بِكَسْرِ اللَّامِ. [فَصْلٌ فِي الشُّفْعَةِ] ِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ شَفَعْت كَذَا بِكَذَا: إذَا ضَمَمْته إلَيْهِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِضَمِّ نَصِيبِ الشَّرِيكِ إلَى نَصِيبِهِ. أَوْ مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ ضِدُّ الْوِتْرُ، فَكَأَنَّ الشَّرِيكَ يَجْعَلُ نَصِيبَهُ شَفْعًا بِضَمِّ نَصِيبِ شَرِيكِهِ إلَيْهِ. أَوْ مِنْ الشَّفَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ بِهَا أَيْ بِالشَّفَاعَةِ بِرْمَاوِيٌّ. وَسَيَأْتِي وَجْهُ مُنَاسَبَةٍ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْغَصْبِ وَهُوَ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ. وَيُلْغِزُ بِهَا وَيُقَالُ: لَنَا شَيْءٌ يُؤْخَذُ قَهْرًا عَنْ مَالِكِهِ وَلَا حُرْمَةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 الْحَادِثِ فِيمَا مَلَكَ بِعِوَضٍ. وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " فِي أَرْضٍ أَوْ رِيعٍ أَوْ حَائِطٍ " وَالرَّبْعُ الْمَنْزِلُ، وَالْحَائِطُ الْبُسْتَانُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِحْدَاثُ الْمَرَافِقِ كَالْمِصْعَدِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْبَالُوعَةِ فِي الْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ إلَيْهِ. وَذُكِرَتْ عَقِبَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ قَهْرًا فَكَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ تَحْرِيمِ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا ، وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ آخُذ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَحُكِيَ ضَمُّهَا) قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَغَلِطَ مَنْ ضَمَّ الْفَاءَ وَفِي الْمِصْبَاحِ الشُّفْعَةُ وِزَانُ غُرْفَةٍ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يُشَفِّعُ مَالَهُ بِهَا، قَوْلُهُ: (حَقُّ تَمَلُّكٍ) أَيْ اسْتِحْقَاقٍ. وَهُوَ غَيْرُ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ يَكُونُ بِالصِّيغَةِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْحَقُّ يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الْمَوْتِ وَعَلَى الْمُقْتَضَى وَالْمُسْتَحَقِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. قَوْلُهُ: (قَهْرِيٌّ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِ " حَقٌّ " وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَصِحُّ بِالْجَرِّ صِفَةً لِ " التَّمَلُّكِ " وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِالِاخْتِيَارِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ، أَيْ قَهْرِيٌّ سَبَبُهُ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهَا لِثُبُوتِهِ لِلشَّرِيكِ قَهْرًا كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أَيْ رَاضٍ صَاحِبُهَا. وَقَدْ اشْتَمَلَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: " لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ " وَلَوْ حُكْمًا لِيَشْمَلَ مَا لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ لِشَخْصٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا وَبَاعَ شَرِيكُهُ بَيْعَ بَتٍّ فَلِمَنْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ الشُّفْعَةُ عَلَى الثَّانِي كَمَا سَيَأْتِي، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ شَرِيكٍ لِعَدَمِ مِلْكِهِ، وَالشَّرِيكُ الْقَدِيمُ شَامِلٌ لِلذِّمِّيِّ. وَقَوْلُهُ: " لِلشَّرِيكِ " أَيْ الْمَالِكِ لِلرَّقَبَةِ لَا نَحْوَ مُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةٍ وَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِعِوَضٍ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ مَلَكَهَا بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَلَا شُفْعَةَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهَا) أَيْ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ، شَرْحُ الْبَهْجَةِ. وَلَعَلَّهُ أَسْقَطَهُ هُنَا مُرَاعَاةً لِمَنْ شَذَّ فَمَنَعَ الْأَخْذَ بِهَا فَفِيهَا خِلَافُ الْجُمْلَةِ وَذَكَرَهُ هُنَاكَ تَنْزِيلًا لِلشَّاذِّ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (قَضَى) أَيْ أَجَازَ الشُّفْعَةَ فِي ذَلِكَ لَا فِي غَيْرِهِ أَوْ أَجَازَ أَنْ يَقْضِيَ كَذَلِكَ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (فِيمَا) أَيْ فِي نَصِيبِ مِلْكٍ بِمُعَاوَضَةٍ لَمْ يُقَسَّمْ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، إذْ الْأَصْلُ فِيمَا نُفِيَ بِ " لَمْ " كَوْنُهُ فِي الْمُمْكِنِ، بِخِلَافِ مَا نُفِيَ بِ (لَا) نَحْوَ: لَا شَرِيكَ لَهُ، وَاسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا مَكَانَ الْآخَرِ تَجَوُّزٌ أَوْ إجْمَالٌ قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ شَرْحُ م ر. وَإِنَّمَا قَالَ الْأَصْلُ أَيْ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّ لَمْ قَدْ تَدْخُلُ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ نَحْوَ: (لَمْ يَلِدْ) وَقَدْ تَدْخُلُ لَا عَلَى مَا يُمْكِنُ نَحْوَ: " لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ " اهـ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ) أَيْ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالْحُدُودِ الْعَلَامَاتُ بِأَنْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ، وَالْمُرَادُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ قَوْلُهُ: (وَصُرِّفَتْ) بِالتَّشْدِيدِ: أَيْ بُيِّنَتْ، وَبِالتَّخْفِيفِ: فُرِّقَتْ، ح ل؛ بِأَنْ صَارَتْ الْحِصَصُ مُنْفَصِلَةً عَنْ بَعْضِهَا، وَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ مُرَادِفٍ. اهـ. ق ل. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفٌ مُغَايِرٌ أَوْ عَطْفٌ لَازِمٌ عَلَى مَلْزُومٍ نَظَرًا لِلتَّفْسِيرِ السَّابِقِ لِقَوْلِهِ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَا شُفْعَةَ) ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا جَارَيْنِ. قَوْلُهُ (فِي أَرْضٍ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَجْرِي فِي الْمَنْقُولِ أَصَالَةً بِخِلَافِهِ تَبَعًا. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ أَمْرًا تَعَبُّدِيًّا بَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى اهـ. قَوْلُهُ: (وَاسْتِحْدَاثٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قِسْمَةٍ، وَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ لَرُبَّمَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا قِسْمَةٌ وَطَلَعَتْ الْمَرَافِقُ لِلْجَدِيدِ فَيَحْتَاجُ الْقَدِيمُ إلَى الْمَرَافِقِ، فَإِذَا أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ انْدَفَعَ عَنْهُ ضَرَرُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: " فِي الْحِصَّةِ " مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِحْدَاثٍ، وَبَقِيَّةُ الْعِبَارَةِ سَتَأْتِي فِي الشَّرْحِ، وَهِيَ: وَهَذَا الضَّرَرُ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبَيْعِ إلَخْ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهَا هُنَا فَقَوْلُهُ: وَاسْتِحْدَاثُ الْمَرَافِقِ أَيْ الَّتِي تَحْدُثُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ قَوْلُهُ (الصَّائِرَةِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الشَّفِيعِ وَهُوَ الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ، وَالْمُرَادُ بِالْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ إلَيْهِ أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ الشَّرِيكِ الْحَادِثِ لَوْ قُسِّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَدِيمِ، قَوْلُهُ: (تُؤْخَذُ قَهْرًا) وَالْعَفْوُ عَنْهَا أَفْضَلُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي نَادِمًا أَوْ مَغْبُونًا، شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: " وَالْعَفْوُ عَنْهَا أَفْضَلُ " ظَاهِرُهُ وَإِنْ اشْتَدَّتْ إلَيْهَا حَاجَةُ الشَّرِيكِ الْقَدِيمِ وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ وَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِيثَارِ، وَهُوَ أَوْلَى حَيْثُ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَالِاحْتِيَاجِ لِلْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 وَمَأْخُوذٌ مِنْهُ وَمَأْخُوذٌ وَالصِّيغَةُ إنَّمَا تَجِبُ فِي التَّمَلُّكِ. وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِشَرْطِ الْأَخْذِ فَقَالَ: (وَالشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ) أَيْ ثَابِتَةٌ لِلشَّرِيكِ (بِالْخُلْطَةِ) أَيْ خُلْطَةِ الشُّيُوعِ، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ مُكَاتَبًا أَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ كَمَسْجِدٍ لَهُ شِقْصٌ لَمْ يُوقَفْ بَاعَ شَرِيكُهُ يَأْخُذُ لَهُ النَّاظِرَ بِالشُّفْعَةِ (دُونَ) خُلْطَةِ (الْجِوَارِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ، فَلَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ وَلَوْ مُلَاصِقًا لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَارِ الشَّرِيكِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. وَلَوْ قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ حَنَفِيٌّ لَمْ يَنْقَضِ حُكْمُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِهَا لِشَافِعِيِّ كَنَظَائِرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ. وَلَا تَثْبُتُ أَيْضًا لِشَرِيكٍ فِي الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ كَأَنْ مَلَكَهَا بِوَصِيَّةٍ، وَتَثْبُتُ لِذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ وَمُكَاتَبٍ عَلَى سَيِّدِهِ كَعَكْسِهِمَا، وَلَوْ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ شَرِيكٌ فِي أَرْضِ فَبَاعَ شَرِيكُهُ كَانَ لِلْإِمَامِ الْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، وَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ شِقْصٍ مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ إذَا بَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ، وَلَا لِشَرِيكِهِ إذَا بَاعَ شَرِيكٌ آخَرُ نَصِيبَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ   [حاشية البجيرمي] عَلَى التَّرْكِ مَعْصِيَةٌ فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مَشْهُورًا بِالْفُجُورِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَخْذُ مُسْتَحَبًّا بَلْ وَاجِبًا إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ مَا يُرِيدُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُجُورِ،. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: قَوْلُهُ: (فَكَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ تَحْرِيمِ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ) وَهُوَ الشَّرِيكُ الْحَادِثُ، وَفِيهِ أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ حَقِيقَةً فَلَعَلَّ الْأَوْلَى حَذْفُ كَأَنْ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: فَكَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْغَصْبِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ اُعْتُبِرَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَوْلُهُ: (آخِذٌ) بِالْمَدِّ هُوَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ، وَأَمَّا الْأَخْذُ بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ فَهُوَ الصِّيغَةُ أَوْ مُفَادُهَا أَيْ مَا تُفِيدُهُ وَشَرْطُ الْآخِذِ كَوْنُهُ شَرِيكًا مَالِكًا، فَخَرَجَ بِالشَّرِيكِ الْجَارُ وَبِالْمَالِكِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُمْ. وَسَوَاءٌ كَانَ مِلْكُ الشَّرِيكِ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ بِخِلَافِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ يُمْلَكَ بِعِوَضٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَالصِّيغَةُ إنَّمَا تَجِبُ فِي التَّمَلُّكِ) أَيْ لَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ ثَابِتٌ بِلَا لَفْظٍ أَيْ فَلَا يَصِحُّ عَدُّهَا مِنْ الْأَرْكَانِ، أَيْ وَالشُّفْعَةُ حَقُّ التَّمَلُّكِ لَا الْمِلْكِ؛ فَقَوْلُهُ: " وَالصِّيغَةُ إنَّمَا تَجِبُ إلَخْ " جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: لِمَاذَا جَعَلْت الْأَرْكَانَ ثَلَاثَةً وَلَمْ تَعُدَّ الصِّيغَةَ مِنْهَا وَهِيَ قَوْلُهُ تَمَلَّكْت؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِي أَرْكَانِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى صِيغَةٍ. قَوْلُهُ: (أَيْ ثَابِتَةٌ لِلشَّرِيكِ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ حَمْلِ الْوُجُوبِ عَلَى حَقِيقَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِتَحْرِيمِ تَرْكِهِ قَوْلُهُ: (بِالْخِلْطَةِ) أَيْ الشَّرِكَةِ فِي الْأَعْيَانِ، أَمَّا الشَّرِكَةُ فِي الْمَنَافِعِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يُوقَفْ) بِأَنْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ النَّاظِرُ مِنْ رِيعِ الْوُقُوفِ وَلَمْ يُوقَفْ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُقِفَ عَلَى الْمَسْجِدِ فَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَأْخُذَ الْحِصَّةَ الْأُخْرَى لِلْمَسْجِدِ ح ل. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ مُعْتَبَرًا وَلَا يَصِيرُ وَقْفًا إلَّا بِصِيغَةٍ مِنْ النَّاظِرِ وَلَهُ أَنْ يَصْرِفَ رِيعَهُ فِي مَصَالِحِهِ. قَوْلُهُ: (دُونَ خَلْطِ الْجِوَارِ) الصَّوَابُ حَذْفُ خُلْطَةٍ ق ل؛ لِأَنَّ الْجِوَارَ لَيْسَ فِيهِ خُلْطَةٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ وَلَوْ مُلَاصِقًا) خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ فَمَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْمَنْعِ أَوْ خُصُوصِيَّةٍ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَثْبُتُ لِلْجَارِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُلَاصِقُ، وَكَذَا الْمُقَابِلُ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ الَّذِي بَيْنَهُمَا غَيْرَ نَافِذٍ لَنَا، أَيْ يَدُلُّ لَنَا حَدِيثُ: " الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ " قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ) وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ فِيهِ قَوْلُهُ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ إلَخْ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ جَارًا. قَوْلُهُ: (وَمَا وَرَدَ فِيهِ) أَيْ فِي الْجَارِ. قَوْلُهُ: (لِشَرِيكٍ فِي الْمَنْفَعَةِ) أَيْ عَلَى شَرِيكٍ فِي الْعَيْنِ، كَأَنْ أَوْصَى لَهُ بِنِصْفِ مَنْفَعَةِ الدَّارِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَادَ الْوَارِثُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَ الدَّارِ فَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِنِصْفِ الْمَنْفَعَةِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مُسْلِمٍ) أَيْ عَلَى مُشْتَرٍ مُسْلِمٍ، فَإِذَا اشْتَرَى مُسْلِمٌ حِصَّةَ الشَّرِيكِ وَمَالِكُ الْبَاقِي كَافِرٌ فَلَهُ الشُّفْعَةُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ إلَخْ) كَأَنْ مَاتَ رَجُلٌ عَنْ بِنْتٍ فَنِصْفُ تَرِكَتِهِ لَهَا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَإِذَا بَاعَتْ الْبِنْتُ نِصْفَهَا فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ مَثَلًا فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ لِبَيْتِ الْمَالِ بِالشُّفْعَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ شِقْصٍ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْعَيْنِ وَأَيْضًا الْمَالِكُ لِلْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ اخْتِلَاطٌ، فَيَكُونُ خَارِجًا بِقَوْلِهِ بِالْخُلْطَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا الشَّرِكَةُ فِي الْأَعْيَانِ، وَلَوْ ذَكَرَ هَذَا عَقِبَ ذِكْرِ الْمَنْفَعَةِ لَكَانَ أَنْسَبَ ق ل. قَوْلُهُ: (مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ) صِفَةُ شِقْصٍ. قَوْلُهُ: (إذَا بَاعَ شَرِيكُهُ) ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ لِلشُّفْعَةِ فِي هَذِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 الْبُلْقِينِيُّ لِامْتِنَاعِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ عَنْ الْمِلْكِ، وَلِانْتِفَاءِ مِلْكِ الْأَوَّلِ عَنْ الرَّقَبَةِ. نَعَمْ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَالنَّوَوِيُّ مِنْ جَوَازِ قِسْمَتِهِ عَنْهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ إفْرَازٍ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَأْخُوذِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ: (فِيمَا يَنْقَسِمُ) أَيْ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ إذَا طَلَبَهَا الشَّرِيكُ بِأَنْ لَا يَبْطُلَ نَفْعُهُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ لَوْ قَسَمَ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلَهَا، كَطَاحُونٍ وَحَمَّامٍ كَبِيرَيْنِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الْمُنْقَسِمِ كَمَا مَرَّ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَالْحَاجَةِ إلَى إفْرَادِ الْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ لِلشَّرِيكِ بِالْمَرَافِقِ، وَهَذَا الضَّرَرُ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَمِنْ حَقِّ الرَّاغِبِ فِيهِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُخَلِّصَ صَاحِبَهُ مِنْهُ بِالْبَيْعِ لَهُ، فَلَمَّا بَاعَ لِغَيْرِهِ سَلَّطَهُ الشَّرْعُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ (دُونَ مَا لَا يَنْقَسِمُ) بِأَنْ يَبْطُلَ نَفْعُهُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ لَوْ قُسِمَ كَحَمَّامٍ وَطَاحُونٍ صَغِيرَيْنِ؛ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ لِمَالِكِ عُشْرِ دَارٍ صَغِيرَةٍ إنْ بَاعَ شَرِيكُهُ بَقِيَّتَهَا لَا عَكْسَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُجْبَرُ   [حاشية البجيرمي] لَيْسَ مَالِكًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (إذَا بَاعَ شَرِيكٌ آخَرَ نَصِيبَهُ) كَأَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ أَثْلَاثًا: ثُلُثُهَا وَقْفٌ عَلَى شَخْصٍ وَكُلُّ ثُلُثٍ مِنْ الثُّلُثَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لِشَخْصٍ، ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا بَاعَ ثُلُثَهُ لِآخَرَ لَا يَأْخُذُ شَرِيكُهُ بِالشُّفْعَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ لَهُ الْآخِذَ كَمَا اعْتَمَدَهُ آخِرًا اهـ م د. قَوْلُهُ: (لِامْتِنَاعِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ) أَيْ تَمْيِيزِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ شَائِعٌ أَيْ وَإِذَا امْتَنَعَتْ قِسْمَةُ الْوَقْفِ انْتَفَى الضَّرَرُ، وَإِذَا انْتَفَى الضَّرَرُ انْتَفَتْ الشُّفْعَةُ. وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ: " لِامْتِنَاعٍ " تَعْلِيلٌ لِلصُّورَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ: " وَلِانْتِفَاءِ إلَخْ " تَعْلِيلٌ لِلْأُولَى. قَوْلُهُ: (مِلْكِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ صَاحِبُ شِقْصٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا لِشَرِيكِهِ إلَخْ. وَأَمَّا الْأُولَى وَهِيَ الْمَوْقُوفَةُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا بِاتِّفَاقٍ، وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ مُعْتَمَدٌ إنْ كَانَتْ قِسْمَةَ إفْرَازٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَقْفِ مِنْ الْمِلْكِ أَوْ وَقْفٍ آخَرَ إنْ كَانَتْ إفْرَازًا لَا بَيْعًا بِأَنْ كَانَتْ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ أَوْ رَدٍّ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَنْ قَالَ يَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَقْفِ مِنْ الْمِلْكِ أَيْ تَمْيِيزُهَا عَنْهُ. وَمَنْ مَنَعَهَا فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى قِسْمَةِ الْإِفْرَازِ وَالثَّانِي عَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ أَوْ الرَّدِّ، سَوَاءٌ كَانَ الطَّالِبُ الْمَالِكَ أَوْ النَّاظِرَ أَوْ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْأُضْحِيَّةُ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ إنْ قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبَيْنَ أَرْبَابِ الْوَقْفِ تَمْتَنِعُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرًا لِشَرْطِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: " لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرًا لِشَرْطِهِ " كَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مُقْتَضَى الْوَقْفِ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ لِجَمِيعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَعِنْدَ الْقِسْمَةِ يَخْتَصُّ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (مِنْ جَوَازِ قِسْمَتِهِ) أَيْ قِسْمَةِ الْوَقْفِ عَنْ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْجَوَازُ الْمَذْكُورُ الْمُعْتَمَدُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (قِسْمَةَ إفْرَازٍ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةَ الْأَجْزَاءِ. بِوَاجِبَةٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَعَلَّقَهُ الشَّارِحُ بِمَحْذُوفٍ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمَتْنُ شَرْطَانِ: الْأَوَّلُ هَذَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ لَا يَبْطُلَ نَفْعُهُ لَوْ قُسِمَ. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ " وَفِي كُلِّ مَا لَا يُنْقَلُ " وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ أَرْضًا أَوْ أَرْضًا مَعَ تَابِعِهَا، وَسَيَأْتِي شَرْطٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ بِعِوَضٍ. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ بِالْقِسْمِ الصَّائِرِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَالطَّاحُونِ) وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِلطَّحْنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْحَجَرُ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيهِ تَبَعًا لِلْمَكَانِ زي وَكَذَلِكَ كُلُّ مُنْفَصِلٍ: تَوَقَّفَ عَلَيْهِ نَفْعٌ مُتَّصِلٌ كَصُنْدُوقِ الطَّاحُونِ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ وَوَجْهُ اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَبْطُلَ نَفْعُهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " دَفْعُ ضَرَرِ إلَخْ " أَيْ وَاَلَّذِي يَبْطُلُ نَفْعُهُ بِالْقِسْمَةِ لَا يُقْسَمُ فَلَا ضَرَرَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (فِي الْمُنْقَسِمِ) أَيْ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ. قَوْلُهُ: (وَالْحَاجَةُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " دَفْعُ " وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْقِسْمَةِ، أَيْ وَدَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْحَاجَةِ إلَى أَفْرَادٍ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " بِالْمَرَافِقِ " مُتَعَلِّقٌ بِأَفْرَادٍ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا الضَّرَرُ حَاصِلٌ) أَيْ عَلَى فَرْضِ وُقُوعِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ حَقِّ الرَّاغِبِ فِيهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ عُرِضَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ فَأَبَى ثُمَّ بَاعَ لِأَجْنَبِيٍّ لَيْسَ لَهُ أَيْ لِلشَّرِيكِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ حِكْمَةً. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَبِذَلِكَ) أَيْ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ إلَخْ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ فِيمَا لَا إجْبَارَ فِيهِ وَتَثْبُتُ فِيمَا فِيهِ إجْبَارٌ عَلَى الْقِسْمَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 عَلَى الْقِسْمَةِ دُونَ الثَّانِي (وَ) أَنْ يَكُونَ (فِي كُلِّ مَا لَا يُنْقَلُ مِنْ الْأَرْضِ) بِأَنْ يَكُونَ أَرْضًا بِتَابِعِهَا كَشَجَرٍ وَثَمَرٍ غَيْرِ مُؤَبَّرٍ وَبِنَاءٍ وَتَوَابِعِهِ مِنْ أَبْوَابٍ وَغَيْرِهَا غَيْرِ نَحْوِ مَمَرٍّ، كَمَجْرَى نَهْرٍ لَا غِنًى عَنْهُ فَلَا شُفْعَةَ فِي بَيْتٍ عَلَى سَقْفٍ وَلَوْ مُشْتَرَكًا، وَلَا فِي شَجَرٍ أُفْرِدَ بِالْبَيْعِ أَوْ بِيعَ مَعَ مَغْرِسِهِ فَقَطْ، وَلَا فِي شَجَرٍ جَافٍّ شُرِطَ دُخُولُهُ فِي بَيْعِ أَرْضٍ لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ؛ وَلَا فِي نَحْوِ مَمَرِّ دَارٍ لَا غِنَى عَنْهُ؛ فَلَوْ بَاعَ دَارِهِ وَلَهُ شَرِيكٌ فِي مَمَرِّهَا الَّذِي لَا غِنَى عَنْهُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ حَذَرًا مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُشْتَرِي   [حاشية البجيرمي] وَفِيهِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ مُتَضَمِّنٌ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَصَحَّ قَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ إلَخْ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: فَعُلِمَ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا فِيمَا يُجْبَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ عَلَى الْقِسْمَةِ إذَا طَلَبَهَا شَرِيكُهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (صَغِيرَةً) هَذَا قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً بِحَيْثُ يَكُونُ عُشْرُهَا دَارًا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُجْبَرُ بِطَلَبِ صَاحِبِهِ. قَوْلُهُ: (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا تَثْبُتُ لِمَالِكِ التِّسْعَةِ أَعْشَارٍ إذَا بَاعَ مَالِكُ الْعُشْرِ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ لَوْ طَلَبَ الْقِسْمَةَ لَمْ يَجِبْ إلَيْهَا فَهُوَ آمِنٌ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى الشَّرِكَةِ مِنْ طَلَبِ الْقِسْمَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي مِلْكٌ مُلَاصِقٌ لَهُ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ حِينَئِذٍ لِصَاحِبِ التِّسْعَةِ أَعْشَارٍ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ الْعُشْرِ يُجَابُ حِينَئِذٍ لِطَلَبِ الْقِسْمَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ وَهُوَ مَالِكُ الْعُشْرِ يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ، أَيْ فَالضَّرَرُ يَحْصُلُ لَهُ لَوْ قَسَمَ الْمُشْتَرِي مِنْ شَرِيكِهِ؛ فَلِذَلِكَ تَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ يَعْنِي إذَا أَرَادَ شَرِيكُهُ الْحَادِثُ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي لِلتِّسْعَةِ أَعْشَارٍ الْقِسْمَةَ يُجَابُ إلَيْهَا وَيُجْبَرُ مَالِكُ الْعُشْرِ عَلَى الْقِسْمَةِ فَلِذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ) مَعْطُوفٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِيمَا يَنْقَسِمُ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَكُونَ أَرْضًا بِتَابِعِهَا) أَيْ مَعَ تَابِعِهَا أَيْ إنْ كَانَ، فَلَا يُقَالُ مَفْهُومُهُ أَنَّ الْأَرْضَ الْخَالِيَةَ عَنْ التَّابِعِ لَا شُفْعَةَ فِيهَا ع ش. وَقَوْلُهُ: " بِتَابِعِهَا " أَيْ مَا يَتْبَعُهَا فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ أَيْ يَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ حَلَبِيٌّ، فَالْمُرَادُ بِالتَّابِعِ مَا لَوْ سَكَتَ عَنْهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ. وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ بِتَابِعِهَا لِيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ مِنْ التَّوَابِعِ. قَوْلُهُ: (شَجَرٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْأَرْضَ فِي الْبَيْعِ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ فَإِنَّهُ إذَا رَهَنَ أَرْضًا لَا يَدْخُلُ فِيهَا ذِكْرٌ؟ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ قَوِيٌّ يُسْتَتْبَعُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يُسْتَتْبَعُ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ مُؤَبَّرٍ) أَمَّا مُؤَبَّرٌ بِشَرْطِ التَّوَابِعِ. قَوْلُهُ (شَجَرٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْأَرْضَ فِي الْبَيْعِ. فَإِذَا قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ فَإِنَّهُ إذَا رَهَنَ أَرْضًا لَا يَدْخُلُ فِيهَا ذِكْرٌ؟ قُلْتُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ قَوِيٌّ يُسْتَتْبَعُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يُسْتَتْبَعُ اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ مُؤَبَّرٍ) أَمَّا مُؤَبَّرٌ بِشَرْطِ دُخُولِهِ فَلَا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ ع ش. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " غَيْرَ مُؤَبَّرٍ " أَيْ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَيُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ، وَلَوْ لَمْ يُتَّفَقْ الْأَخْذُ حَتَّى أَبَرَ أَوْ قَطَعَ. وَكَذَا كُلُّ مَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ ثُمَّ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ. قَوْلُهُ: (وَبِنَاءٍ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأَرْضَ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِلشَّرِيكِ وَبَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْبِنَاءِ فَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْبِنَاءِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. اهـ. عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ نَحْوِ مَمَرٍّ) صِفَةٌ لِ " أَرْضًا ". قَوْلُهُ: (لَا غِنًى عَنْهُ) رَاجِعٌ لَهُمَا، أَيْ الْمَمَرِّ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا شُفْعَةَ فِي بَيْتٍ عَلَى سَقْفٍ) لِعَدَمِ الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُشْتَرَكًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ السَّقْفُ مُشْتَرَكًا، وَأَمَّا الْبَيْتُ فَالْفَرْضُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي شَجَرٍ أُفْرِدَ بِالْبَيْعِ) هَلْ الْمُرَادُ نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ خُصَّ بِالْبَيْعِ دُونَ الْأَرْضِ ح ل، يَصِحُّ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا شُفْعَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا فِي ع ش. قَوْلُهُ: (أَوْ بِيعَ مَعَ مَغْرِسِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ هُنَا تَابِعَةٌ لِلشَّجَرِ وَالْمَتْبُوعُ مَنْقُولٌ. قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ صَرَّحَ بِدُخُولِ الْأُسِّ وَالْمَغْرِسِ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَا مَرْئِيَّيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَرَهُمَا وَصَرَّحَ بِدُخُولِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُك الْجِدَارَ وَأَسَاسَهُ حَيْثُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَرَ الْأَسَاسَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الَّذِي هُوَ بَعْضُ الْجِدَارِ كَحَشْوِ الْجُبَّةِ، أَمَّا الْأَسَاسُ الَّذِي هُوَ مَكَانُ الْبِنَاءِ فَهُوَ عَيْنٌ مُنْفَصِلَةٌ لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِذَا صَرَّحَ اُشْتُرِطَ فِيهِ شُرُوطُ الْبَيْعِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ: " كَحَشْوِ الْجُبَّةِ " أَيْ فِي أَنَّهُ يَكْفِي فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ رُؤْيَةُ بَعْضِهِ وَلَا تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِهِ، فَالْأُسُّ مَحَلُّ الْبِنَاءِ مِنْ الْأَرْضِ وَالْأَسَاسُ أَصْلُ الْجِدَارِ. قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْقُولَاتِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي نَحْوِ مَمَرٍّ) أَعَادَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ غِنًى عَنْهُ بِأَنْ كَانَ لِلدَّارِ مَمَرٌّ آخَرُ، أَوْ أَمْكَنَهُ إحْدَاثُ مَمَرٍّ لَهَا إلَى شَارِعٍ أَوْ نَحْوِهِ وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفُ لِمَا لَا يُنْقَلُ بِقَوْلِهِ كَالْعَقَارِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَنْزِلِ وَلِلْأَرْضِ وَالضِّيَاعِ كَمَا فِي تَهْذِيبِ النَّوَوِيِّ وَتَحْرِيرِهِ حِكَايَةً عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ الْعَقَارِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ كَالْحَمَّامِ الْكَبِيرِ إذَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَمَّامَيْنِ، وَالْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ كُلَّ مَا يُنْقَلُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ شُفْعَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ تَابِعًا كَمَا مَرَّ. وَمِنْ الْمَنْقُولِ الَّذِي لَا تَثْبُتُ فِيهِ شُفْعَةُ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الدَّمِيرِيُّ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَأَنْ يَمْلِكَ الْمَأْخُوذَ بِعِوَضٍ كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَصُلْحِ دَمٍ، فَلَا شُفْعَةَ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ، وَإِنْ جَرَى سَبَبُ مِلْكِهِ كَالْجُعْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ وَلَا فِيمَا مُلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ وَهِبَةٍ بِلَا ثَوَابٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ تَأْخِيرُ سَبَبِ مِلْكِهِ عَنْ سَبَبِ مِلْكِ الْآخِذِ، فَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ فَبَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَيْعَ بَتٍّ فَالشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَشْفَعْ بَائِعُهُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِ مِلْكِهِ عَلَى سَبَبِ مِلْكِ الثَّانِي لَا لِلثَّانِي، وَإِنْ   [حاشية البجيرمي] ثَانِيًا لِأَجْلِ التَّصْوِيرِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ بَاعَ دَارِهِ) أَيْ الْخَاصَّةَ بِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ بُسْتَانَه الْخَاصَّ بِهِ وَلَهُ شَرِيكٌ فِي مَجْرَى النَّهْرِ الَّذِي لَا غِنَى عَنْهُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ. وَخَرَجَ مَا لَوْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً وَبَاعَ حِصَّتَهُ وَتَبِعَهَا حَقُّهَا فِي الْمَمَرِّ فَإِنَّ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَأْخُذَ الْحِصَّةَ مَعَ حَقِّهَا مِنْ الْمَمَرِّ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ: الثَّانِي تَثْبُتُ مُطْلَقًا وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْمُضِرُّ بِنَفْسِهِ لِشِرَائِهِ هَذِهِ الدَّارَ، وَالثَّالِثُ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا إذَا كَانَ فِي اتِّخَاذِ الْمَمَرِّ عُسْرٌ أَوْ مُؤْنَةٌ لَهَا وَقْعٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَتَّسِعْ الْمَمَرُّ، فَإِنْ اتَّسَعَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَتْرُكَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ شَيْءٌ يَمُرُّ فِيهِ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ فِي الْبَاقِي قَطْعًا. وَمَجْرَى النَّهْرِ كَالْمَمَرِّ فِيمَا ذَكَرَ اهـ أج. قَوْلُهُ: (كَالْعَقَارِ) مِثَالٌ لِلَّذِي لَا يُنْقَلُ الَّذِي هُوَ الْأَرْضُ وَتَوَابِعُهَا. قَوْلُهُ: (وَالضِّيَاعِ) بِكَسْرِ الضَّادِ جَمْعُ ضَيْعَةٍ وَهِيَ الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَتْرُكُهَا. قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَكُنْ تَابِعًا) فَإِنْ كَانَ تَابِعًا ثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، أَيْ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ تَمَامُ الِانْتِفَاعِ بِالْعَقَارِ عَلَى ذَلِكَ الْمَنْقُولِ كَالْأَبْوَابِ وَمِفْتَاحِ الْغَلْقِ الْمُثَبَّتِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمَنْقُولِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَنْقُولٍ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ الْمَنْقُولِ الْبِنَاءُ عَلَى الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ، أَوْ يَقُولَ: وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِتَابِعِهَا الْبِنَاءُ عَلَى الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلْأَرْضِ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْقُولِ مَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ. قَوْلُهُ: (الْمُحْتَكَرَةِ) أَيْ الْمَجْعُولِ عَلَيْهَا أُجْرَةٌ مُؤَبَّدَةٌ. وَصُورَةُ الْمُحْتَكَرَةِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْآنَ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي الْبِنَاءِ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ بِأُجْرَةٍ مُقَدَّرَةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي مُقَابَلَةِ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ، فَهِيَ كَالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الْأَرْضِ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِكَذَا ع ش عَلَى م ر. فَرْعٌ: قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ حَجَرٍ: أَرَاضِي مِصْرَ كُلُّهَا وَقْفٌ؛ لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا. وَنُوزِعَ فِيهِ. وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا م ر خِلَافُهُ، وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (كَمَبِيعٍ) مِثَالٌ لِلْمَأْخُوذِ بِعِوَضٍ. قَوْلُهُ: (وَمَهْرٍ) كَأَنْ أَصْدَقَهَا نِصْفَ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَوْ زَادَ عَلَى ثَمَنِ نِصْفِ الدَّارِ أَوْ نَقَصَ. وَقَوْلُهُ: " وَعِوَضِ خُلْعٍ " بِأَنْ خَالَعَتْ زَوْجَهَا عَلَى نِصْفِ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ فَيَأْخُذُ الشَّرِيكُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَقَوْلُهُ: " وَصُلْحِ دَمٍ " أَيْ عَمْدٍ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَتْلَ الْجَانِي فَصَالَحَهُ مِنْ الْقَوَدِ عَلَى نِصْفِ دَارِهِ الْمُشْتَرَكَةِ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الدَّارِ بِقِيمَةِ الْإِبِلِ الْوَاجِبَةِ فِي دِيَةِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ مُتَقَوِّمًا يَأْخُذُ بِقِيمَتِهِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ) وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ يَأْخُذُ، بِأُجْرَةِ مِثْلِ الرَّدِّ ح ل. قَوْلُهُ: (كَإِرْثٍ) كَأَنْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ عَنْ نِصْفِ عَقَارٍ فَمَلَكَهُ وَارِثُهُ بِالْإِرْثِ فَلَا شُفْعَةَ لِشَرِيكِ الْمُوَرِّثِ، أَمَّا لَوْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ عَنْ أَخَوَيْنِ مَثَلًا ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا بَاعَ حِصَّتَهُ لِشَخْصٍ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لِلْأَخِ الثَّانِي. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ لِلْبَائِعِ أَيْ أَوْ لَهُمَا سم. أَمَّا إذَا كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 تَأَخَّرَ عَنْ مِلْكِهِ مَلَّكَ الْأَوَّلَ لِتَأَخُّرِ سَبَبِ مِلْكِهِ عَنْ سَبَبِ مِلْكِ الْأَوَّلِ. وَكَذَا لَوْ بَاعَا مُرَتَّبًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا دُونَ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ أَجَازَا مَعًا أَمْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا أَوْ بَعْضَهَا مَعًا فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِعَدَمِ السَّبَقِ. وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ مِنْ الْمُشْتَرِي (بِالثَّمَنِ) الْمَعْلُومِ (الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ) عَقْدُ (الْبَيْعِ) أَوْ غَيْرُهُ، فَيَأْخُذُ فِي ثَمَنِ مِثْلِيٍّ كَنَقْدٍ وَجَبَ بِمِثْلِهِ إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ. وَفِي مُتَقَوِّمٍ كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ بِقِيمَتِهِ كَمَا فِي الْغَصْبِ.   [حاشية البجيرمي] بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَلَا تَوَقُّفَ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لَهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ،. اهـ. رَشِيدِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِي زَمَنِ الْخِيَارِ) أَيْ الثَّابِتِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ فَقَطْ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَالشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ) أَيْ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَائِعِ لَيْسَ مَالِكًا، أَوْ الْمُرَادُ بِكَوْنِ الشُّفْعَةِ لَهُ ثُبُوتُ حَقِّ الْأَخْذِ بِهَا لَا الْأَخْذُ بِالْفِعْلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ ح ل. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ: فَلَوْ ثَبَتَ خِيَارُ الْبَائِعِ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَشْفَعْ بَائِعُهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَفْسَخْ الْبَائِعُ الْبَيْعَ، وَيَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَقُولُ أَخَذْتُ بِالشُّفْعَةِ وَيَكُونُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فَسْخًا لِلْبَيْعِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْوَاوِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ، وَيُمْكِنُ جَعْلُهَا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ جَعْلَهَا غَايَةً يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ سَوَاءٌ شَفَعَ بَائِعُهُ أَوْ لَا مَعَ أَنَّ بَائِعَهُ إنْ شَفَعَ لَا يُتَصَوَّرُ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (لِتَقَدُّمِ سَبَبِ مِلْكِهِ) أَيْ وَهُوَ الْبَيْعُ. قَوْلُهُ: (لِتَأَخُّرِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا لِلثَّانِي. وَقَوْلُهُ: " عَنْ سَبَبِ الْأَوَّلِ " لَعَلَّهَا عَنْ سَبَبِ مِلْكِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا) أَيْ الْبَائِعَيْنِ. وَقَوْلُهُ: " دُونَ الْمُشْتَرِي " أَيْ وَحْدَهُ، وَقَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِلْكُ الْأَوَّلِ لَا سَبَبُهُ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى أَيْ وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: تَأَخَّرَ سَبَبِ مِلْكِهِ إلَخْ. وَفِي هَذِهِ تَقَارَنَا قَوْلُهُ: (بِالثَّمَنِ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى شَرْطٍ فِي الْمَأْخُوذِ وَهُوَ أَنْ يُمْلَكَ بِعِوَضٍ، وَلَوْ قَالَ بِالْعِوَضِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ لَكَانَ أَعَمَّ لِشُمُولِهِ نَحْوَ الْمَهْرِ. اهـ. م د. وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَتِهِ؛ لَكِنَّ مَحَلَّ هَذَا التَّقْدِيرِ مَا لَمْ يَرْجِعْ ذَلِكَ الثَّمَنُ لِلشَّفِيعِ الَّذِي هُوَ الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ، فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ وَصَارَ مَالِكًا لَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ لَهُ الْأَخْذُ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ لِتَعَذُّرِهِ فَلَمَّا رَجَعَ لَهُ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ، هَكَذَا اعْتَمَدَهُ ز ي. قَوْلُهُ: (عَقْدُ الْبَيْع) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ، فَلَوْ حَذَفَ لَفْظَ " عَقْدُ " لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُهُ) عَطْفٌ عَلَى الثَّمَنِ لَا عَلَى الْبَيْعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (فَيَأْخُذُ فِي ثَمَنِ مِثْلِيٍّ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْمِثْلِ بِأَنْ اشْتَرَى دَارًا بِمَكَّةَ بِحَبٍّ غَالٍ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهَا بِمِصْرَ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْحَبِّ وَإِنْ رَخُصَ جِدًّا، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ هُوَ الَّذِي لَزِمَ بِالْعَقْدِ شَرْحُ م ر اهـ. قَوْلُهُ: (إنْ تَيَسَّرَ) ضَابِطُ التَّيَسُّرِ مَا دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ: " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ بِأَنْ فُقِدَ حِسًّا أَوْ شَرْعًا كَأَنْ وُجِدَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ) أَيْ وَبُضْعٍ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (بِقِيمَتِهِ) أَيْ الْمُتَقَوِّمِ لَا قِيمَةِ الشِّقْصِ؛ لِأَنَّ مَا يَبْذُلُهُ الشَّفِيعُ فِي مُقَابَلَةِ مَا بَذَلَهُ الْمُشْتَرِي لَا فِي مُقَابَلَةِ الشِّقْصِ، وَلَوْ حُطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضُ الثَّمَنِ قَبْلَ اللُّزُومِ انْحَطَّ عَنْ الشَّفِيعِ، أَوْ كُلُّهُ فَلَا شُفْعَةَ لِانْتِفَاءِ الْبَيْعِ شَرْحُ م ر. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِانْتِفَاءِ الثَّمَنِ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: أَمَّا لَوْ حُطَّ بَعْدَ اللُّزُومِ فَلَا يَنْحَطُّ عَنْ الشَّفِيعِ شَيْءٌ اهـ أج. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْغَصْبِ) التَّشْبِيهُ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَاعْتِبَارُهُمْ الْمِثْلَ وَالْقِيمَةَ فِيمَا ذَكَرَ مَقِيسٌ عَلَى الْغَصْبِ اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا نَظِيرُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ ظَفِرَ الشَّفِيعُ بِالْمُشْتَرِي بِبَلَدٍ آخَرَ وَأَخَذَ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالْمِثْلِ أَوْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي. عَلَى قَبْضِهِ هُنَاكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَالطَّرِيقُ آمِنٌ وَإِلَّا أَخَذَ بِالْقِيمَةِ لِحُصُولِ الضَّرَرِ بِقَبْضِ الْمِثْلِ وَأَنَّ الْقِيمَةَ حَيْثُ أُخِذَتْ تَكُونُ لِلْحَيْلُولَةِ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ مِنْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ؛ وَلِأَنَّ مَا زَادَ زَادَ فِي مِلْكِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ. وَخُيِّرَ الشَّفِيعُ فِي ثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ بَيْنَ تَعْجِيلِهِ مَعَ أَخْذِهِ حَالًا وَبَيْنَ صَبْرِهِ إلَى الْحُلُولِ ثُمَّ يَأْخُذُ، وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ لِاخْتِلَافِ الذِّمَمِ، وَإِنْ أُلْزِمَ بِالْأَخْذِ حَالًا بِنَظِيرِهِ مِنْ الْحَالِ أَضَرَّ بِالشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ لَوْ رَضِيَ بِذِمَّةِ الشَّفِيعِ لَمْ يُخَيَّرْ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ وَغَيْرُهُ كَثَوْبٍ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ) وَالْمَأْخُوذُ بِهِ فِيهِمَا مَهْرُ الْمِثْلِ م ر. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهَا) كَالْمُتْعَةِ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِمُتْعَةِ الْمِثْلِ لَهَا وَقْتَ الْإِمْتَاعِ، وَكَالصُّلْحِ بِهِ أَيْ بِالشِّقْصِ عَنْ دَمٍ، فَيَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ الدِّيَةِ وَقْتَ الصُّلْحِ، وَكَجَعْلِهِ أُجْرَةً فَيَأْخُذُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَقْتَ الِاسْتِئْجَارِ، وَكَجَعْلِهِ جُعْلًا فَيَأْخُذُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ وَقْتُ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ) أَيْ ثُبُوتِ سَبَبِهَا، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ سم ع ش. قَوْلُهُ: (فِي مِلْكِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ) أَيْ أَصَالَةً وَهُوَ الْبَائِعُ وَالزَّوْجُ فِي النِّكَاحِ وَالزَّوْجَةُ فِي الْخُلْعِ بِرْمَاوِيٌّ؛ فَلَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى الشَّفِيعِ. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: قَوْلُهُ: "؛ وَلِأَنَّ مَا زَادَ زَادَ فِي مِلْكِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ " أَيْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَهُوَ الْبَائِعُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ الْمُشْتَرِيَ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَةُ الشِّقْصِ لَا عِوَضُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَيَدُلُّ لِلتَّأْوِيلِ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ؛ وَلِأَنَّ مَا زَادَ زَادَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ. وَيُقَالُ فِي الصَّدَاقِ: إذَا كَانَ شِقْصًا مَشْفُوعًا وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَزَادَ مَهْرَ مِثْلِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّ مَا زَادَ زَادَ فِي مِلْكِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَهُوَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَمَا زَادَ بَعْدَهُ زَادَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَيُقَالُ فِيهِ: إذَا كَانَ عِوَضُ الْخُلْعِ أَنَّ مَا زَادَ زَادَ فِي مِلْكِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ مَنْفَعَةَ بُضْعِهَا. قَوْلُهُ: (وَخُيِّرَ الشَّفِيعُ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا تَسَلَّطَ الشَّفِيعُ عَلَى الْأَخْذِ حَالًا، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا خُيِّرَ. قَالَ س ل: وَإِذَا خُيِّرَ لَمْ يَلْزَمْهُ إعْلَامُ الْمُشْتَرِي بِالطَّلَبِ أَيْ طَلَبِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا. قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ صَبْرِهِ إلَى الْحُلُولِ) وَلَوْ اخْتَارَ الصَّبْرَ ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ وَيَأْخُذَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الزَّمَنُ زَمَنَ نَهْبٍ يُخْشَى مِنْهُ ضَيَاعُ الثَّمَنِ الْمُعَجَّلِ س ل. " إلَى الْحُلُولِ " لَيْسَ الْمُرَادُ الْحُلُولَ بِالْفِعْلِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: " وَإِنْ حَلَّ بِمَوْتِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ " بَلْ الْمُرَادُ وَقْتُ حُلُولِهِ لَوْ مَضَى الْأَجَلُ سم. قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ) غَايَةٌ. وَقَوْلُهُ: " بِمَوْتِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ " أَيْ وَهُوَ الْمُشْتَرِي. وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الشَّرِيكُ الْحَادِثُ الشِّقْصَ لِأَجَلٍ ثُمَّ يَمُوتُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلِلشَّفِيعِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَخْذِ حَالًا وَبَيْنَ الصَّبْرِ إلَى الْأَجَلِ. قَوْلُهُ: (لِاخْتِلَافِ الذِّمَمِ) أَيْ ذِمَّةِ الشَّفِيعِ وَذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ أَلْزَمَ بِالْأَخْذِ حَالًا وَبَقَاءُ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْحُلُولِ أَضَرَّ بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي لِاخْتِلَافِ الذِّمَمِ؛؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَتْ ذِمَّةُ الشَّفِيعِ صَعْبَةً، وَلَعَلَّ فِي كَلَامِهِ سَقْطًا. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ حَلَّ بِمَوْتِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ " دَفْعًا لِلضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جُوِّزَ لَهُ الْأَخْذُ أَيْ حَالًّا بِالْمُؤَجَّلِ أَضَرَّ بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ لِاخْتِلَافِ الذِّمَمِ، فَفِي الْعِبَارَةِ سَقْطٌ مِنْ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ إلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَدَفْعًا فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ عِلَّةٌ لِلتَّخْيِيرِ، وَمُرَادُهُ بِالْجَانِبَيْنِ جَانِبُ الشَّفِيعِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي، وَمُرَادُهُ بِالذِّمَمِ ذِمَّةُ الشَّفِيعِ وَذِمَّةُ الْمُشْتَرِي أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي الرِّضَا بِذِمَّةِ الشَّفِيعِ كَمَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَتْ ذِمَّةُ الشَّفِيعِ صَعْبَةً لَا يُوفِي عِنْدَ الْحُلُولِ بَلْ يُمَاطِلُ. قَوْلُهُ: (بِنَظِيرِهِ) أَيْ بِقَدْرِهِ مِنْ الْحَالِّ وَمِنْ بَيَانِيَّةٌ. وَلَوْ قَالَ: بِقَدْرِهِ حَالًا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ. قَوْلُهُ: (بِالشَّفِيعِ) أَظْهَرُ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ لِلْإِيضَاحِ. قَوْلُهُ: (وَعُلِمَ بِذَلِكَ) أَيْ بِقَوْلِهِ لِاخْتِلَافِ الذِّمَمِ. قَوْلُهُ: (أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ) وَهُوَ الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: (وَلَوْ رَضِيَ بِذِمَّةِ الشَّفِيعِ) أَيْ بِأَنْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي لَهُ الشِّقْصَ وَأَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى مَحَلِّهِ وَأَبَى الشَّفِيعُ الصَّبْرَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ: لَمْ يُخَيَّرْ اهـ أج. قَوْلُهُ: (لَمْ يُخَيَّرْ) بِالْخَاءِ لَا بِالْجِيمِ أَيْ لَمْ يُخَيَّرْ الشَّفِيعُ بَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ مُؤَجَّلًا، فَيَأْخُذُ حَالًا بِالشُّفْعَةِ وَلَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ الْحُلُولِ. وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ. وَقَالَ ع ش: لَمْ يُخَيَّرْ، أَيْ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْأَخْذِ حَالًا أَوْ يَتْرُكُ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 أَخَذَ الشِّقْصَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مِائَتَيْنِ وَقِيمَةُ الشِّقْصِ ثَمَانِينَ وَقِيمَةُ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ عِشْرِينَ أَخَذَ الشِّقْصَ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِيهَا عَالِمًا بِالْحَالِ. وَخَرَجَ بِالْمَعْلُومِ الَّذِي قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ مَا إذَا اشْتَرَى بِجُزَافٍ نَقْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، امْتَنَعَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الثَّمَنِ وَالْأَخْذُ بِالْمَجْهُولِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَهَذَا مِنْ الْحِيَلِ الْمُسْقِطَةِ لِلشُّفْعَةِ، وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ إبْقَاءِ الضَّرَرِ. وَصُوَرُهَا كَثِيرَةٌ: مِنْهَا أَنْ يَبِيعَهُ الشِّقْصَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ بِكَثِيرٍ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ عَرْضًا يُسَاوِي مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ عِوَضًا عَنْ الثَّمَنِ، أَوْ يَحُطُّ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ. وَمِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِمَجْهُولٍ مُشَاهَدٍ وَيَقْبِضَهُ وَيَخْلِطَهُ بِغَيْرِهِ بِلَا وَزْنٍ فِي الْمَوْزُونِ، أَوْ يُنْفِقَهُ أَوْ يُتْلِفَهُ. وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الشِّقْصِ جُزْءًا بِقِيمَةِ الْكُلِّ ثُمَّ يَهَبَهُ الْبَاقِيَ. وَمِنْهَا أَنْ يَهَبَ كُلٌّ مِنْ مَالِكِ الشِّقْصِ وَآخِذُهُ لِلْآخَرِ بِأَنْ يَهَبَ لَهُ الشِّقْصَ بِلَا ثَوَابٍ، ثُمَّ يَهَبَ لَهُ الْآخَرُ قَدْرَ قِيمَتِهِ، فَإِنْ خَشِيَ عَدَمَ الْوَفَاءِ بِالْهِبَةِ وَكَّلَا أَمِينَيْنِ لِيَقْبِضَاهُمَا مِنْهُمَا مَعًا بِأَنْ يَهَبَهُ الشِّقْصَ وَيَجْعَلَهُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِيَقْبِضَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ يَتَقَابَضَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِمُتَقَوِّمٍ قِيمَتَهُ مَجْهُولَةً كَفَصٍّ ثُمَّ يُضَيِّعُهُ أَوْ يَخْلِطُهُ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ إحْضَارُهُ وَلَا الْإِخْبَارُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ إلَخْ) تَعْمِيمٌ فِي الْمَتْنِ وَالتَّقْدِيرُ بِالثَّمَنِ أَيْ كُلِّهِ إنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ كُلَّ الْمَبِيعِ، أَوْ بَعْضَهُ إنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ بَعْضَ الْمَبِيعِ كَمَا هُنَا. قَوْلُهُ: (وَقِيمَةُ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ) أَيْ وَهُوَ الثَّوْبُ. قَوْلُهُ: (بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ) أَيْ ثَمَنِ الشِّقْصِ وَالثَّوْبِ مَعًا، وَهُوَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فِي هَذَا الْمِثَالِ. قَوْلُهُ: (عَالِمًا بِالْحَالِ) هَذَا جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ السُّؤَالُ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الْبَحْثِ. قَوْلُهُ: (الَّذِي قَدَّرْته) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ بِالثَّمَنِ الْمَعْلُومِ الَّذِي إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِجُزَافٍ) بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ جِيمُ الْجُزَافِ جُزَافٌ وَالْقِيَاسُ الْكَسْرُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ قَوْلُهُ بِجُزَافٍ أَيْ مُشَاهَدٍ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ وَالْجُزَافُ بَيْعُ الشَّيْءِ وَشِرَاؤُهُ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى الْمُسَاهَلَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. اهـ. قَوْلُهُ: (لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ) أَيْ بِتَلَفِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ الْجَهْلُ، وَقَوْلُهُ " الْمُسْقِطَةِ " أَيْ الْحَامِلَةِ عَلَى تَرْكِهَا، فَدَخَلَ نَحْوُ الصُّورَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ) أَيْ قَبْلَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ، أَمَّا بَعْدَ ثُبُوتِهَا فَتَحْرُمُ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ م ر. وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ فِي الثَّانِيَةِ تَفْوِيتُهُ الْحَقَّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى فَإِنَّ الْحَقَّ لَمْ يَثْبُتْ. وَقَوْلُهُ " مَكْرُوهَةٌ " أَيْ لَا فِي دَفْعِ شُفْعَةِ الْجَارِ الَّذِي يَأْخُذُ بِهَا عِنْدَ الْقَائِلِ بِهَا، شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَصُوَرُهَا) أَيْ الْحِيَلِ كَثِيرَةٌ. قَوْلُهُ: (بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ) أَيْ فَتَكُونُ كَثْرَةُ الثَّمَنِ مَانِعَةً لِلشَّفِيعِ مِنْ الْأَخْذِ، أَيْ بَاعِثَةً لَهُ عَلَى التَّرْكِ. فَسَقَطَ قَوْلُهُ ق ل: فِي جَعْلِهِ مِنْ الْحِيَلِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحِيلَةَ مَا لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى الشَّيْءِ مَعَهَا وَهَذِهِ يُمْكِنُ الْوُصُولُ مَعَهَا اهـ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِيلَةِ الْبَاعِثُ عَلَى التَّرْكِ. وَإِيضَاحُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنْ يَتَوَافَقَا بَاطِنًا عَلَى ثَمَنٍ قَلِيلٍ، ثُمَّ يُسَمِّيَا بَيْنَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ يَدْفَعُ عَرْضًا يُسَاوِي مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَاطِنًا وَيَجْعَلَاهُ عِوَضًا عَنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى ظَاهِرًا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ) أَيْ بَدَلِهِ. قَوْلُهُ: (مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ) أَيْ قَبْلَ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا أَنْ يَبِيعَهُ بِمَجْهُولٍ) هَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ صُورَةِ الْجُزَافِ وَهِيَ الْأُولَى. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ أُتِيَ بِهَا لِأَجْلِ مَا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الشِّقْصِ إلَخْ) وَهَذِهِ الْحِيلَةُ فِيهَا غَرَرٌ فَقَدْ لَا يَفِي صَاحِبُهُ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَشِيَ) أَيْ كُلٌّ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ: خَشِيَا، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ " وَكَّلَا " نَعَمْ الْإِفْرَادُ يُنَاسِبُ قَوْلَهُ: أَنْ يَهَبَ. قَوْلُهُ: (لِيَقْبِضَاهُمَا) أَيْ الْأَمِينَانِ مِنْهُمَا أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَقَوْلُهُ " مَعًا " لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (لِيَقْبِضَهُ إيَّاهُ) أَيْ وَيَهَبَهُ الْآخَرُ قَدْرَ قِيمَتِهِ وَيَجْعَلَهُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِيَقْبِضَهُ إيَّاهُ كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَقَابَضَا شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ إلَخْ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّهَا مُكَرَّرَةٌ مَعَ الَّذِي تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (كَفَصٍّ) بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ وَوَهَمَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ فِي جَعْلِهِ الْكَسْرَ لَحْنًا مُنَاوِيٌّ عَلَى الشَّمَائِلِ، وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ " كَفَصٍّ " وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَدَّعِيَ قَدْرًا بَعْدَ قَدْرٍ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيُحَلِّفُهُ حَتَّى إذَا نَكَلَ حَلَفَ الشَّفِيعُ وَأَخَذَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الثَّمَنُ غَائِبًا إلَخْ. وَهَذَا مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الثَّمَنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 بِقِيمَتِهِ؛ وَلَوْ عَيَّنَ الشَّفِيعُ قَدْرَ ثَمَنِ الشِّقْصِ كَقَوْلِهِ لِلْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْته بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهِ بِهِ، فَإِنْ ادَّعَى الشَّفِيعُ عِلْمَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ قَدْرًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ حَقًّا لَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ ظَهَرَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا بَعْدَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَأَنْ اشْتَرَى بِهَذِهِ الْمِائَةِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَإِنْ اشْتَرَى بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَدَفَعَ عَمَّا فِيهَا فَخَرَجَ الْمَدْفُوعُ مُسْتَحَقًّا، أَبْدَلَ الْمَدْفُوعَ وَبَقِيَ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ. وَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ مُسْتَحَقًّا لَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَةُ. وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الطَّلَبِ وَالْأَخْذِ سَوَاءٌ أَخَذَ بِمُعَيَّنٍ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ احْتَاجَ تَمَلُّكًا جَدِيدًا. وَكَخُرُوجِ مَا ذَكَرَ مُسْتَحَقًّا خُرُوجُهُ نُحَاسًا. وَلِمُشْتَرٍ تَصَرُّفٌ فِي الشِّقْصِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلِشَفِيعٍ فَسْخُهُ بِأَخْذِ الشِّقْصِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ شُفْعَةٌ كَبَيْعٍ أَمْ لَا كَوَقْفٍ وَهِبَةٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَى هَذَا التَّصَرُّفِ، وَلَهُ أَخْذٌ بِمَا فِيهِ شُفْعَةٌ مِنْ التَّصَرُّفِ كَبَيْعٍ لِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ الْعِوَضُ فِيهِ أَقَلَّ أَوْ مِنْ جِنْسٍ هُوَ عَلَيْهِ أَيْسَرُ. (وَهِيَ) أَيْ الشُّفْعَةُ بَعْدَ عِلْمِ الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ (عَلَى الْفَوْرِ) ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ. فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا عَلَى الْفَوْرِ هُوَ طَلَبُهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ التَّمَلُّكُ. وَاسْتَثْنَى مِنْ الْفَوْرِيَّةِ عَشَرَ صُوَرٍ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ   [حاشية البجيرمي] مُعَيَّنًا مَعْلُومًا حَاضِرًا، فَظَاهِرٌ لِتَسَلُّطِ الشَّفِيعِ عَلَى الْأَخْذِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ مَجْهُولًا لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَقَوْلِهِ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته) بِفَتْحِ التَّاءِ لِلْخِطَابِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ حَقًّا لَهُ) قَدْ يُقَالُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ عِلْمُهُ بِالثَّمَنِ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي فَيَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ. قَوْلُهُ: (لَوْ ظَهَرَ الثَّمَنُ) أَيْ الَّذِي دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي لِبَائِعِ الشِّقْصِ. وَقَوْلُهُ " مُسْتَحَقًّا " كَأَنْ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ أَوْ مَغْصُوبًا عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (بِهَذِهِ الْمِائَةِ) أَيْ بِعَيْنِ هَذِهِ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ: (وَدَفَعَ عَمَّا فِيهَا) أَيْ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ، وَإِلَّا فَالْمُعَيَّنُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ كَالْمُعَيَّنِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ مُسْتَحَقًّا) أَيْ ثَمَنًا مُسْتَحَقًّا، بِأَنْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ شَخْصٌ فَأَخَذَهَا وَدَفَعَ ثَمَنًا لَيْسَ مِلْكًا لَهُ بَلْ هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِهِ أج. وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي رَدِيئًا وَرَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي الرِّضَا بِمِثْلِهِ مِنْ الشَّفِيعِ بَلْ يَأْخُذُ مِنْهَا الْجَيِّدَ؛ قَالَهُ الْبَغَوِيّ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (تَمَلُّكًا جَدِيدًا) أَيْ عَقْدًا جَدِيدًا. قَوْلُهُ: (خُرُوجُهُ نُحَاسًا) أَيْ فِي التَّفْصِيلِ الْمَارِّ فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مِلْكُهُ) بِضَمِّ الْكَافِ خَبَرُ " أَنَّ " وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قِرَاءَتِهِ مَاضِيًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخَبَرِ الْإِفْرَادُ. قَوْلُهُ: (وَلِلشَّفِيعِ فَسْخُهُ إلَخْ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ فَسَخْت، بَلْ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَسْخٌ لِتَصَرُّفِهِ بِالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَخْذٌ بِالشُّفْعَةِ مِنْ هَذَا الْمُشْتَرِي لَا لِمَنْ اشْتَرَى مِنْهُ فِي صُورَةِ التَّصَرُّفِ بِالْبَيْعِ، بِخِلَافِ الشَّفِيعِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَهُ أَخْذٌ بِمَا فِيهِ شُفْعَةٌ فَإِنَّهُ أَخْذٌ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَتَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَلِشَفِيعٍ فَسْخُهُ أَيْ فَسْخُ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي بِأَخْذِ الشِّقْصِ أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقَدُّمِ فَسْخٍ عَلَى الْأَخْذِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِأَخْذِ الشِّقْصِ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَوْ لِلتَّصْوِيرِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقَدُّمِ فَسْخٍ عَلَى الْأَخْذِ كَمَا قَالَهُ زي. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ) أَيْ التَّصَرُّفِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَخْذُ) أَيْ فَيُخَيَّرُ الشَّفِيعُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الشِّقْصَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي. وَقَوْلُهُ " بِمَا فِيهِ " أَيْ بِعِوَضٍ مَا، أَيْ تَصَرُّفٌ فِيهِ شُفْعَةٌ، أَوْ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى " فِي ". وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إنْ كَانَ وَقْفًا أَوْ هِبَةً تَعَيَّنَ عَلَى الشَّفِيعِ الْأَخْذُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ بَيْعًا كَانَ الشَّفِيعُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ الْعِوَضُ فِي الثَّانِي أَسْهَلَ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ الشُّفْعَةُ) أَيْ طَلَبُهَا بِأَنْ يَقُولَ: أَنَا طَالِبٌ لِلشُّفْعَةِ. قَوْلُهُ: (بِالْبَيْعِ) أَيْ مَثَلًا كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِيمَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ هُنَا مُجَارَاةً لِقَوْلِ الْمَتْنِ سَابِقًا: بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ؛ وَلِأَنَّهُ الْغَالِبُ. قَوْلُهُ: (هُوَ طَلَبُهَا) أَيْ بِأَنْ يَأْخُذَ فِي السَّبَبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي الشُّفْعَةَ وَهُوَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ الْعَامِّيُّ: لَا أَعْلَمُ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ هُنَا وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبُولُ قَوْلِهِ، فَإِذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ مَثَلًا فَلْيُبَادِرْ عَقِبَ عِلْمِهِ بِالشِّرَاءِ عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يُكَلَّفُ الْبِدَارُ عَلَى خِلَافِهَا بِالْعَدْوِ وَنَحْوِهِ، بَلْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ فَمَا عَدَّهُ تَقْصِيرًا وَتَوَانِيًا كَانَ مُسْقِطًا وَمَا لَا فَلَا (فَإِنْ أَخَّرَهَا) أَيْ الشُّفْعَةَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ مَثَلًا بِأَنْ لَمْ يَطْلُبْهَا (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ (بَطَلَتْ) أَيْ الشُّفْعَةُ لِتَقْصِيرِهِ، وَخَرَجَ بِالْعِلْمِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ وَلَوْ مَضَى سِنُونَ وَلَا يُكَلَّفُ الْإِشْهَادُ عَلَى الطَّلَبِ إذَا سَارَ طَالِبًا فِي الْحَالِ، أَوْ وَكَّلَ فِي الطَّلَبِ فَلَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ لِتَرْكِهِ. وَخَرَجَ بِعَدَمِ الْعُذْرِ مَا إذَا كَانَ مَعْذُورًا كَكَوْنِهِ مَرِيضًا مَرَضًا يَمْنَعُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ لَا كَصُدَاعٍ يَسِيرٍ، أَوْ كَانَ مَحْبُوسًا ظُلْمًا أَوْ بِدَيْنٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَعَاجِزٌ عَنْ الْبَيِّنَةِ، أَوْ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا   [حاشية البجيرمي] كَالسَّيْرِ لِمَحَلِّ الْمُشْتَرِي أَوْ لِلْحَاكِمِ وَيَقُولُ: أَنَا طَالِبٌ لِلشُّفْعَةِ، أَوْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ. بَلْ حَتَّى تُوجَدَ الشُّرُوطُ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ: وَشَرْطٌ فِي تَمَلُّكٍ إلَخْ، إذْ الْمُرَادُ بِالتَّمَلُّكِ حُصُولُ الْمِلْكِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ م ر. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ هُوَ طَلَبُهَا أَيْ وَلَوْ بِوَكِيلِهِ، وَإِنَّمَا فَرَضُوا التَّوْكِيلَ عِنْدَ الْعَجْزِ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا اهـ. فَرْعٌ: اتَّفَقَا عَلَى أَصْلِ الطَّلَبِ، لَكِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي إنَّهُ لَمْ يُبَادِرْ فَسَقَطَ حَقُّهُ، وَقَالَ الشَّفِيعُ بَلْ بَادَرْتُ؛ فَيَنْبَغِي تَصْدِيقُ الشَّفِيعِ. فَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ فَالْوَجْهُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهَا مُثْبَتَةٌ وَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِالْفَوْرِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَأَخَّرَ التَّمَلُّكُ) هَذَا ضَعِيفٌ، وَالْأَوْجُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْفَوْرِ فِي التَّمَلُّكِ عَقِبَ الْفَوْرِ فِي سَبَبِ الْأَخْذِ وَهُوَ الطَّلَبُ بِأَنْ يَقُولَ: أَنَا طَالِبٌ لِلشُّفْعَةِ وَأَخَذْت بِهَا ز ي. وَالْحَاصِلُ أَنَّ طَلَبَهَا فَوْرِيٌّ حَقِيقَةً وَأَنَّ التَّمَلُّكَ بِهَا فَوْرِيٌّ إضَافِيٌّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الشُّفْعَةَ أَيْ طَلَبَهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ التَّمَلُّكُ عَلَى الْفَوْرِ اهـ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الشَّرْحِ فَكَلَامُ الشَّارِحِ مُعْتَمَدٌ خِلَافًا لِمَنْ ضَعَّفَهُ. قَوْلُهُ: (عَشْرُ صُوَرٍ) مِنْهَا التَّأْخِيرُ لِانْتِظَارِ إدْرَاكِ الزَّرْعِ وَحَصَادِهِ، وَمِنْهَا تَأْخِيرُ الْوَلِيِّ أَوْ عَفْوُهُ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَلَوْ أَخَذَ الشَّفِيعُ الْأَرْضَ الْمَزْرُوعَةَ بَقِيَ زَرْعُهُ أَيْ الْمُشْتَرِي إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ بِلَا أُجْرَةٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ) بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الدَّقَائِقِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ: " مَا لَوْ قَالَ الْعَامِّيُّ " أَيْ وَلَوْ كَانَ مُخَالِطًا لَنَا؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا عَلَى الْفَوْرِ مِنْ الدَّقَائِقِ، تَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ " ذَلِكَ " أَيْ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ لَهُ، يُشِيرُ لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ) بَلْ مَا هُنَا أَقْوَى مِنْ تَسْلِيطِ الْمُشْتَرِي عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّفِيعَ لَهُ نَقْضُ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ وَأَخْذُهُ، بِخِلَافِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ز ي. وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي نَقْضُ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَهِيَ عَلَى الْفَوْرِ. قَوْلُهُ: (مَثَلًا) أَيْ أَوْ عَلِمَ. جَعَلَ الشِّقْصَ صَدَاقًا أَوْ عِوَضَ خُلْعٍ. قَوْلُهُ: (فَلْيُبَادِرْ) أَيْ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ عَقِبَ عِلْمِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَيُبَادِرُ عَادَةً وَلَوْ بِوَكِيلِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ مَثَلًا بِالطَّلَبِ أَوْ بِرَفْعِ الْأَمْرِ إلَى الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَادَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَلْيُبَادِرْ. قَوْلُهُ: (الْبِدَادُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَصْدَرُ بَادَّ كَقَاتَلَ، أَيْ الْإِسْرَاعُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُ) كَالرُّكُوبِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَرْجِعُ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَوْرِ أَوْ فِي الْبَدَارِ. قَوْلُهُ: (وَتَوَانِيًا) مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ) مَعْنَى بُطْلَانِهَا سُقُوطُ حَقِّهِ وَامْتِنَاعُ الْأَخْذِ بِهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى شُفْعَتِهِ) أَيْ بَاقٍ وَمُسْتَمِرٌّ عَلَى شُفْعَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَلَّفُ الْإِشْهَادُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَهِيَ عَلَى الْفَوْرِ " أَيْ لَا يُكَلَّفُ الْإِشْهَادُ فِي طَرِيقِهِ عَلَى الطَّلَبِ، وَلَا يُكَلَّفُ الْإِشْهَادُ حَالَ تَوْكِيلِهِ فِي الطَّلَبِ، لَكِنْ إذَا شَهِدَ وَلَوْ عَدْلًا سَقَطَ الْإِنْهَاءُ، وَلَوْ أَنْكَرَ الشُّهُودُ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ ق ل. قَوْلُهُ: (عَلَى الطَّلَبِ) بِخِلَافِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الطَّلَبُ وَالسَّيْرُ يُغْنِي عَنْهُ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْفَسْخُ وَالسَّيْرُ لَا يُغْنِي عَنْهُ. قَوْلُهُ: (طَالِبًا) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ طَالِبًا. قَوْلُهُ: (بِتَرْكِهِ) أَيْ الْإِشْهَادِ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِعَدَمِ الْعُذْرِ) أَيْ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِي الْمَتْنِ بِالْقُدْرَةِ. قَوْلُهُ: (كَكَوْنِهِ مَرِيضًا إلَخْ) وَيَلْزَمُهُ لِعُذْرِ تَوْكِيلٍ، فَإِنْ عَجَزَ فَيَلْزَمُهُ إشْهَادٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ مَحْبُوسًا) الْأَوْلَى حَذْفُ كَانَ وَيَقُولُ أَوْ مَحْبُوسًا وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ، فَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ يَزُولُ عَنْ قُرْبٍ كَالْمُصَلِّي وَالْآكِلِ وَقَاضِي الْحَاجَةِ وَاَلَّذِي فِي الْحَمَّامِ كَانَ لَهُ التَّأْخِيرُ أَيْضًا إلَى زَوَالِهِ؛ وَلَا يُكَلَّفُ الْقَطْعُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، وَلَا يُكَلَّفُ الِاقْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ بَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُسْتَحَبَّ لِلْمُنْفَرِدِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا. وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ. وَلَوْ حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا وَأَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَهُ فَإِذَا فَرَغَ طَالَبَ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي لَيْلٍ فَحَتَّى يُصْبِحَ وَلَوْ أَخَّرَ الطَّلَبَ لَهَا وَقَالَ: لَمْ أُصَدِّقْ الْمُخْبِرَ بِبَيْعِ الشَّرِيكِ الشِّقْصَ لَمْ يُعْذَرْ إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَوْ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ بِذَلِكَ، وَكَذَا إنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَخَبَرُ الثِّقَةِ مَقْبُولٌ، وَيُعْذَرُ فِي خَبَرِ مَنْ لَا يَقْبَلُ خَبَرُهُ كَفَاسِقٍ وَصَبِيٍّ وَلَوْ مُمَيِّزًا. وَلَوْ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَتَرَكَ الشُّفْعَةَ فَبَانَ بِخَمْسِمِائَةٍ بَقِيَ حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ زُهْدًا بَلْ لِلْغَلَاءِ فَلَيْسَ مُقَصِّرًا، وَإِنْ بَانَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ بَطَلَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ بِالْأَقَلِّ فَبِالْأَكْثَرِ أَوْلَى، وَلَوْ لَقِيَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَوْ سَأَلَهُ الثَّمَنَ أَوْ قَالَ لَهُ: بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَتِك لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ. أَمَّا فِي   [حاشية البجيرمي] مَرِيضًا "، أَوْ يَقُولُ أَوْ كَوْنُهُ مَحْبُوسًا. قَوْلُهُ: (أَوْ بِدَيْنٍ) أَيْ بِسَبَبِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَائِبًا) أَيْ وَكَانَ عَاجِزًا عَنْ الذَّهَابِ إلَيْهِ وَعَنْ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: " وَخَرَجَ " وَهَذَا مُجْمَلٌ يَحْتَاجُ لِبَيَانٍ بِأَنْ يَقُولَ: فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا إلَخْ، وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْكِيلُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ عَلَى أَنَّهُ طَالِبُ الشُّفْعَةِ فَحَيْثُ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْ ذَلِكَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ فَإِنْ تَرَكَ مَقْدُورَهُ مِنْهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ. قَوْلُهُ: (كَالْمُصَلِّي) أَيْ كَصَلَاةِ الْمُصَلِّي وَأَكْلِ الْآكِلِ وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَلَّفُ الْقَطْعُ) أَيْ قَطْعُ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ صَلَاةٍ وَأَكْلٍ وَغَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (بَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ لَهُ الزِّيَادَةَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِيمَا لَوْ نَوَى نَفْلًا مُطْلَقًا، لَكِنْ يَزِيدُ إلَى حَدٍّ لَا يُعَدُّ بِهِ مُقَصِّرًا؛ لِأَنَّ لَهُ إنْشَاءَ النَّفْلِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ زي. قَوْلُهُ: (فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشَّيْءِ الْمُسْتَحَبِّ لِلْمُنْفَرِدِ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا) أَيْ إنْ عُدَّ مُقَصِّرًا عُرْفًا، وَإِلَّا فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ) لَكِنَّهُمْ اكْتَفَوْا عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ عُرْفًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ) وَلَوْ نَافِلَةً شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ الطَّعَامِ) ضَبَطَهُ الْمُحَشِّي هُوَ وَمَا بَعْدَهُ بِالرَّفْعِ، وَقَالَ: لِأَنَّهُمَا لَا وَقْتَ لَهُمَا مُعَيَّنٌ؛ لَكِنَّ عِبَارَةَ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَلَا يَضُرُّ نَحْوُ صَلَاةٍ وَأَكْلٍ دَخَلَ وَقْتُهُمَا اهـ، فَتَقْتَضِي الْجَرَّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُقَدِّمَهَا) أَيْ الثَّلَاثَةَ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَهُ) وَلَوْ لِلتَّجَمُّلِ. أَيْ وَيَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَهُ فَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ إذْ لَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَيَلْبَسُ بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنْ بَابِ عَلِمَ يَعْلَمُ قَالَ تَعَالَى {يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ} [الدخان: 53] . قَوْلُهُ: (طَالَبَ بِالشُّفْعَةِ) بِأَنْ يَسِيرَ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: (فَحَتَّى يُصْبِحَ) أَيْ إنْ عُدَّ اللَّيْلُ عُذْرًا فِي حَقِّهِ، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرًا كَأَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدَّوْلَةِ أَوْ كَانَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الطَّلَبُ فِيهِ. قَالَ سم: وَالْكَلَامُ فِي مَسْأَلَةِ اللَّيْلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُ إعْلَامُ الْمُشْتَرِي بِلَا مَشَقَّةٍ، كَكَوْنِهِ عِنْدَهُ أَوْ بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ إشْهَادِ جِيرَانِهِ لَيْلًا أَوْ مُوَاكِلِيهِ لَوْ كَانَ عَلَى طَعَامٍ فَتَرَكَهُ فَفِي بُطْلَانِ شُفْعَتِهِ وَجْهَانِ لِلْقَاضِي أَظْهَرُهُمَا لَا تَبْطُلُ. وَلَوْ قَرَنَ شُغْلًا بِشُغْلٍ بِأَنْ فَرَغَ مِنْ الْأَكْلِ وَدَخَلَ الْحَمَّامَ بَطَلَ حَقُّهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَاجَةٌ مُرْهِقَةٌ كَالْجَنَابَةِ؛ قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ. وَقَوْلُهُ " كَكَوْنِهِ عِنْدَهُ " مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا إنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ) وَلَوْ كَذَبَ الْمُخْبِرُ فِي تَعْيِينِ الْمُشْتَرِي أَوْ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ فِي نَوْعِهِ أَوْ فِي حُلُولِهِ أَوْ قُرْبِ أَجَلِهِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ فِي الْبَيْعِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَبَانَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ عَكْسُهُ بَقِيَ حَقُّهُ،. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (حُرٌّ) هُوَ وَاَللَّذَانِ بَعْدَهُ بَدَلٌ مِنْ " ثِقَةٌ ". قَوْلُهُ: (وَيُعْذَرُ فِي خَبَرِ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الصِّدْقِ، فَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدًا بَطَلَتْ. قَالَ م ر: وَلَوْ ادَّعَى جَهْلَهُ بِعَدَالَتِهِمَا صُدِّقَ فِيمَا يَظْهَرُ حَيْثُ أَمْكَنَ خَفَاءُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَفَاسِقٍ وَصَبِيٍّ) أَيْ إنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ، فَالْجَمْعُ مِنْ الْفُسَّاقِ وَنَحْوِهِمْ كَالْعُدُولِ ق ل. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْفُسَّاقِ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ فَإِنْ قَيَّدُوا بِمَا إذَا صَدَّقَهُمْ صَحَّ كَلَامُهُ، لَكِنَّ الْجَمْعَ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مِمَّا أُخْبِرَ بِهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (فَسَلَّمَ عَلَيْهِ) أَيْ إنْ كَانَ مِمَّنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 الْأُولَى؛ فَلِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ قَبْلَ الْكَلَامِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّ جَاهِلَ الثَّمَنِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَقَدْ يُرِيدُ الْعَارِفُ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَدْعُو بِالْبَرَكَةِ لِيَأْخُذَ صَفْقَةً مُبَارَكَةً. (وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً) أَوْ خَالَعَهَا (عَلَى شِقْصٍ) فِيهِ شُفْعَةٌ وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْقِطْعَةِ مِنْ الْأَرْضِ وَلِلطَّائِفَةِ مِنْ الشَّيْءِ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ (أَخَذَهُ الشَّفِيعُ) أَيْ شَرِيكُ الْمُصْدِقِ أَوْ الْمُخَالَعِ مِنْ الْمَرْأَةِ فِي الْأُولَى وَمِنْ الْمُخَالِعِ فِي الثَّانِيَةِ (بِمَهْرِ الْمِثْلِ) مُعْتَبَرًا بِيَوْمِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ وَقِيمَتُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَتَجِبُ فِي الْمُتْعَةِ مُتْعَةُ مِثْلِهَا لَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ بِالْفِرَاقِ وَالشِّقْصُ عِوَضٌ عَنْهَا. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ الْمَأْخُوذِ بِهَا الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ صُدِّقَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ بِيَمِينِهِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ (وَإِنْ كَانَ الشُّفَعَاءُ جَمَاعَةً) مِنْ الشُّرَكَاءِ (اسْتَحَقُّوهَا عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ بِالْمِلْكِ فَقُسِّطَ عَلَى قَدْرِهِ كَالْأُجْرَةِ وَالثَّمَرَةِ، فَلَوْ كَانَتْ أَرْضٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِوَاحِدٍ نِصْفُهَا وَلِآخَرَ ثُلُثُهَا وَلِآخَرَ سُدُسُهَا فَبَاعَ الْأَوَّلُ حِصَّتَهُ أَخَذَ الثَّانِي سَهْمَيْنِ وَالثَّالِثُ سَهْمًا وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ: يَأْخُذُونَ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ الْأَوَّلَ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ   [حاشية البجيرمي] يُسَنُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: " السَّلَامُ سُنَّةٌ ". قَوْلُهُ: (أَوْ سَأَلَهُ الثَّمَنَ) وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ، أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَبَارَكَ لَهُ وَسَأَلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ، خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ تَعْبِيرِهِ كَغَيْرِهِ بِأَوْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ " أَوْ " فِي كَلَامِهِ مَانِعَةَ خُلُوٍّ فَتُجَوِّزُ الْجَمْعَ فَشَمِلَ مَا ذَكَرَ. فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْبَرَكَةُ وَالسَّلَامُ وَسُؤَالُهُ عَنْ الثَّمَنِ لَمْ يَضُرَّ فِي الْأَخْذِ بِهَا بَلْ حَقُّهُ بَاقٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ جَائِزٌ وَتَابِعُ الْجَائِزِ جَائِزٌ اهـ. قَوْلُهُ: (بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَتِك) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا الشِّقْصُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لِيَأْخُذَ صَفْقَةً مُبَارَكَةً. قَوْلُهُ: (لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ) أَيْ فِي الطَّلَبِ. قَوْلُهُ: (فَلِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ قَبْلَ الْكَلَامِ) أَيْ أَصَالَةً، فَلَا يَرِدُ كَوْنُهُ لَا يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ لِنَحْوِ فِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ، فَإِنْ سَلَّمَ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَنَّ السَّلَامُ عَلَيْهِ عَالِمًا بِالْحَالِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ حِينَئِذٍ، وَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ بِالزَّرْعِ بَقِيَ زَرْعُهُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ بِلَا أُجْرَةٍ وَإِنْ تَصَرَّفَ بِالْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ تَخَيَّرَ الشَّفِيعُ بَيْنَ أَخْذِهِ بِقِيمَتِهِ وَبَيْنَ قَلْعِهِ وَضَمَانِ أَرْشِ مَا نَقَصَ وَبَيْنَ تَبْقِيَتِهِ بِأُجْرَةٍ؛ وَمَحَلُّ تَخْيِيرِ الشَّفِيعِ حَيْثُ لَمْ يَخْتَرْ الْمُشْتَرِي قَلْعَ بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ قَلْعَهُمَا فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يُكَلَّفُ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ زي. قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ الشِّينِ) وَيُجْمَعُ عَلَى أَشْقَاصٍ مِثْلَ حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (اسْمٌ لِلْقِطْعَةِ مِنْ الْأَرْضِ) وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. قَوْلُهُ: (الْمُصْدِقِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَقَوْلُهُ " أَوْ الْمُخَالَعِ بَعْدَهُ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَالْمُخَالِعِ الثَّانِي بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْأَوَّلُ الْمَرْأَةُ وَالثَّانِي الزَّوْجُ قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمَرْأَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَخَذَ فَتَكُونُ الْمَرْأَةُ فِي النِّكَاحِ، كَأَنَّهَا بَاعَتْ بُضْعَهَا وَأَخَذَتْ الشِّقْصَ وَكَأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْخُلْعِ بَاعَهَا بُضْعَهَا وَأَخَذَ الشِّقْصَ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُخَالِعِ) بِكَسْرِ اللَّامِ فِي الثَّانِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجًا أَوْ غَيْرَهُ كَسَيِّدِ الزَّوْجِ الرَّقِيقِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ وَمِنْ الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (مُعْتَبَرًا بِيَوْمِ الْعَقْدِ) أَيْ إنْ اخْتَلَفَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي، وَقَوْلُهُ " فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ " وَمِثْلُ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَعِبَارَةُ سم: وَلَوْ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا بَاشَرَهُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ عَرْضًا وَتَلِفَ وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ فَكَذَلِكَ اهـ. فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي قَدْرِ الْمَأْخُوذِ بِهِ الشِّقْصُ، قَالَ ح ل: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي وَلَا لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ) الشِّقْصُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا بَاشَرَهُ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ تَصْدِيقُ الْغَارِمِ. قَوْلُهُ: (اسْتَحَقُّوهَا) أَيْ الشُّفْعَةَ بِمَعْنَى الْمَشْفُوعِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) ذَكَرَهُ بِالنَّظَرِ لِلْخَبَرِ، وَفِي نُسْخَةٍ: "؛ لِأَنَّهَا " أَيْ الشُّفْعَةَ وَهِيَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (كَالْأُجْرَةِ وَالثَّمَرَةِ) أَيْ كَاسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ فَإِنَّهُ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ أَوْ كَتَقْسِيطِ الْأُجْرَةِ وَالثَّمَرَةِ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ قَوْلُهُ: (سَهْمَيْنِ) أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَيْ الَّتِي هِيَ نِصْفُ السِّتَّةِ الَّتِي هِيَ مَخْرَجُ تِلْكَ الْكُسُورِ، وَلَوْ قَالَ: أَخَذَ الثَّانِي ثُلْثَيْ الْمَبِيعِ وَالثَّالِثُ ثُلُثَهُ لَكَانَ أَنْسَبَ؛ لِأَنَّهُ نِسْبَةُ سِهَامِهِمَا ق ل. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يَأْخُذُونَ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ) فَإِنْ قُلْت: يُرَدُّ عَلَى الْأَوَّلِ مَا لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفٌ وَلِآخَرَ ثُلُثٌ وَلِآخَرَ سُدُسٌ وَأَعْتَقَ صَاحِبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 الشَّرِيكَيْنِ بَعْضَ حِصَّتِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ بَاقِيهَا لِآخَرَ فَالشُّفْعَةُ فِي الْبَعْضِ الْأَوَّلِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ لِانْفِرَادِهِ بِالْحَقِّ، فَإِنْ عَفَا عَنْهُ شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فِي الْبَعْضِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَرِيكًا مِثْلَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ الثَّانِي، فَإِنْ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ بَلْ أَخَذَهُ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَلَوْ عَفَا أَحَدُ شَفِيعَيْنِ عَنْ حَقِّهِ أَوْ بَعْضِهِ سَقَطَ حَقُّهُ كَالْقَوَدِ وَأَخَذَ الْآخَرُ الْكُلَّ أَوْ تَرَكَهُ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى حِصَّتِهِ لِئَلَّا تَتَبَعَّضُ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، أَوْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا وَغَابَ الْآخَرُ أَخَّرَ الْأَخْذَ إلَى حُضُورِ الْغَائِبِ لِعُذْرِهِ فِي أَنْ لَا يَأْخُذَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَوْ أَخَذَ الْكُلَّ، فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ شَارَكَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ الِاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ لِئَلَّا تَتَبَعَّضَ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْغَائِبُ. وَمَا اسْتَوْفَاهُ الْحَاضِرُ مِنْ الْمَنَافِعِ كَالْأُجْرَةِ وَالثَّمَرَةِ لَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ الْغَائِبُ. وَتَتَعَدَّدُ الشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ أَوْ الشِّقْصِ، فَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ شِقْصًا أَوْ اشْتَرَاهُ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ لِانْتِفَاءِ تَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، أَوْ وَاحِدٌ شِقْصَيْنِ مِنْ دَارَيْنِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى تَبْعِيضِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ. تَتِمَّةٌ: لَوْ كَانَ لِمُشْتَرٍ حِصَّةٌ فِي أَرْضٍ كَأَنْ كَانَتْ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ أَثْلَاثًا فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِأَحَدِ صَاحِبَيْهِ، اشْتَرَكَ مَعَ الشَّفِيعِ فِي الْمَبِيعِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الشَّرِكَةِ، فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ فِي الْمِثَالِ السُّدُسَ لَا جَمِيعَ الْمَبِيعِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ حُكْمٌ بِهَا مِنْ حَاكِمٍ لِثُبُوتِهَا بِالنَّصِّ، وَلَا حُضُورُ ثَمَنٍ كَالْبَيْعِ، وَلَا حُضُورُ   [حاشية البجيرمي] الثُّلُثِ وَصَاحِبُ السُّدُسِ نَصِيبَهُمَا مَعًا وَهُمَا مُوسِرَانِ بِقِيمَةِ الْبَاقِي فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ قِيمَةَ النِّصْفِ بِالسَّوِيَّةِ، فَهَذَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ؟ قُلْت: يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْعِتْقَ إتْلَافٌ وَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ. وَلَا كَذَلِكَ الشُّفْعَةُ فَإِنَّ سَبَبَهَا الْأَمْلَاكُ اهـ كَاتِبه أج. قَوْلُهُ: (وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلَخْ) هُوَ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ. وَهُوَ ضَعِيفٌ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا تَتَبَعَّضَ الصَّفْقَةُ) أَيْ وَلَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ وَإِنْ اقْتَضَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ خِلَافَهُ، شَرْحُ الْمِنْهَاجِ لِلشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (أَخَّرَ الْأَخْذَ إلَخْ) وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ كَوْنِهَا عَلَى الْفَوْرِ. قَوْلُهُ: (لِعُذْرِهِ فِي أَنْ لَا يَأْخُذَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ فِي عَدَمِ أَخْذِهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بَعْدُ، فَ " أَنْ " وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِ " فِي " وَهِيَ لِلسَّبَبِيَّةِ وَمَا مَفْعُولٌ يَأْخُذُ الْأُولَى وَهِيَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيُؤْخَذُ الثَّانِيَةُ بِضَمِّ الْيَاءِ صِفَةٌ لِ " مَا " وَ " مَا " وَاقِعَةٌ عَلَى شِقْصٍ، وَالْمَعْنَى لِعُذْرِ الْحَاضِرِ فِي عَدَمِ أَخْذِ جُزْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ الْغَائِبُ لَوْ حَضَرَ، وَالْمَعْنَى لِعُذْرِهِ بِعَدَمِ اسْتِمْرَارِ ذَلِكَ الْجُزْءِ لَهُ. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَاضِرَ يَقُولُ لَا حَاجَةَ لِي فِي أَخْذِ الْكُلِّ الَّذِي تُلْزِمُونِي بِهِ الْآنَ؛ لِأَنِّي لَوْ أَخَذْته لَمْ يَدُمْ كُلُّهُ لِي بَلْ يَأْخُذُ مِنْهُ الْغَائِبُ حِصَّتَهُ لَوْ حَضَرَ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ إذَا كَانَ بِالْإِلْزَامِ فَإِنْ كَانَ بِالرِّضَا مِنْ الْحَاضِرِ جَازَ. قَوْلُهُ: (شَارَكَهُ) اُنْظُرْ هَلْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الرِّضَا مِنْ الْحَاضِرِ أَوْ قَهْرًا عَنْهُ؟ فَإِذَا حَضَرَ وَدَفَعَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَخَذَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَوَجَدَ الْأَرْضَ مَزْرُوعَةً كَانَ لَهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ مِنْ حِينِ حُضُورِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بَعْدَ زَرْعِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَبْقَى بِلَا أُجْرَةٍ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَائِبَ مَعْذُورٌ بِغَيْبَتِهِ، بِخِلَافِ الشَّفِيعِ يُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: (لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْغَائِبُ) وَلَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَأْخُذَ الْحَاضِرُ حِصَّتَهُ فَقَطْ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ الْوَاحِدُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ حَقِّهِ وَالْأَصَحُّ مَنْعُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ. م ر كَبِيرٌ ز ي. قَوْلُهُ: (وَمَا اسْتَوْفَاهُ الْحَاضِرُ) أَيْ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْكُلَّ. قَوْلُهُ: (بِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ) أَيْ أَوْ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ أَوْ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ هُمَا ق ل. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ إلَخْ) الْمِثَالُ الْأَوَّلُ: لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي، وَالثَّانِي: لِتَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ، وَالثَّالِثُ: لِتَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الشِّقْصِ. وَتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ فِي الْجَمِيعِ حُكْمِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ فِي الْعَقْدِ تَعَدُّدُ مَا ذَكَرَ صَارَ كَأَنَّ الْعَقْدَ تَعَدَّدَ وَإِلَّا فَهُوَ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ) عِبَارَةُ م ر: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّمَلُّكِ بِهَا. قَوْلُهُ: (فِي تَمَلُّكٍ بِهَا) أَيْ مِلْكِ الشَّفِيعِ لِلشِّقْصِ وَهُوَ بَعْدَ الْأَخْذِ السَّابِقِ ق ل. وَعِبَارَةُ م ر: وَشَرْطٌ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ بِهَا إلَخْ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّمَلُّكِ قَوْلُهُ: تَمَلَّكْت بِالشُّفْعَةِ وَإِلَّا كَانَ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ الْآتِي، وَلَفْظٌ يُشْعِرُ بِهِ، فَهَذِهِ شُرُوطٌ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ لَا لِثُبُوتِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَنَا طَالِبٌ لِلشُّفْعَةِ أَوْ أَخَذْت بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَرَ الشِّقْصَ وَلَا عَرَفَ الثَّمَنَ. قَوْلُهُ: (رُؤْيَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 مُشْتَرٍ وَلَا رِضَاهُ كَالرَّدِّ بِعَيْبٍ. وَشَرْطٌ فِي تَمَلُّكٍ بِهَا رُؤْيَةُ شَفِيعِ الشِّقْصِ وَعِلْمُهُ بِالثَّمَنِ كَالْمُشْتَرِي، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُهُ مِنْ رُؤْيَتِهِ. وَشَرْطٌ فِيهِ أَيْضًا لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالتَّمَلُّكِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ كَتَمَلَّكْت أَوْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ مَعَ قَبْضِ مُشْتَرٍ الثَّمَنَ، أَوْ مَعَ رِضَاهُ بِكَوْنِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الشَّفِيعِ وَلَا رِبًا أَوْ مَعَ حُكْمٍ لَهُ بِالشُّفْعَةِ إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ وَأَثْبَتَ حَقَّهُ فِيهَا وَطَلَبَهُ. فَصْلٌ: فِي الْقِرَاضِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ وَهُوَ الْقَطْعُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا وَقِطْعَةً مِنْ الرِّبْحِ وَيُسَمَّى أَيْضًا مُضَارَبَةً وَمُقَارَضَةً. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ وَالْحَاجَةُ وَاحْتَجَّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] «وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بِمَالِهَا إلَى الشَّامِ، وَأَنْفَذَتْ   [حاشية البجيرمي] شَفِيعِ الشِّقْصِ) لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ شَرِيكًا أَنْ يَرَاهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَكَّلَ فِي شِرَائِهِ أَوْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ. اهـ. م د، أَيْ وَقَبِلَ لَهُ وَكِيلُهُ وَقَبَضَ. قَوْلُهُ: (وَشَرْطٌ فِيهِ) أَيْ التَّمَلُّكِ، أَيْ مِلْكِ الشَّفِيعِ لِلشِّقْصِ وَهُوَ بَعْدَ الْأَخْذِ السَّابِقِ، أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنَا طَالِبٌ لِلشُّفْعَةِ. قَوْلُهُ: (مَعَ قَبْضِ مُشْتَرٍ الثَّمَنَ) حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ خَلَّى الشَّفِيعُ بَيْنَهُمَا أَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَا رِبًا) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ بِالْمَبِيعِ صَفَائِحُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالثَّمَنُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَكْفِ الرِّضَا بِكَوْنِ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ، بَلْ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ بَابِ الرِّبَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَعَ حُكْمٍ لَهُ إلَخْ) أَيْ وَلَا رِبًا أَيْضًا فِي الْعِوَضِ، فَقَوْلُهُ " وَلَا رِبًا " رَاجِعٌ لَهُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَيْدَ الْمُتَوَسِّطَ يَرْجِعُ لِمَا بَعْدَهُ أَيْضًا، وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ حُذِفَ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ) أَيْ مَجْلِسَ الْحُكْمِ. قَوْلُهُ: (حَقَّهُ فِيهَا) لَا مَعْنَى لِهَذِهِ الظَّرْفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ الشُّفْعَةُ فَيَلْزَمُ ظَرْفِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهَا أَوْ يَأْتِي بِالضَّمِيرِ مُذَكَّرًا وَيَقُولُ فِيهِ وَيَكُونُ عَائِدًا عَلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ. [فَصْلٌ فِي الْقِرَاضِ] ِ ذَكَرَهُ عَقِبَ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى جَوَازِ كُلٍّ مِنْهُمَا، لَكِنَّ الْحَاجَةَ فِي الشُّفْعَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَهُنَا لِنَفْعِ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ. وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَقِبَ الْوَدِيعَةِ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى دَفْعِ الْمَالِكِ عَيْنَ مَالِهِ لِغَيْرِهِ وَعَلَى تَصْدِيقِ الْآخِذِ فِيهِمَا فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ. وَالْقِرَاضُ بِكَسْرِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَارَضَ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لِفَاعِلِ الْفِعَالِ وَالْمُفَاعَلَةِ وَهُوَ وَالْمُقَارَضَةُ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْمُضَارَبَةُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ الضَّرْبِ وَهُوَ السَّفَرُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهِ غَالِبًا كَمَا قَالَهُ م ر، أَيْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ: قَارَضَ بَدَلَ ضَارَبَ. قَوْلُهُ: (مُشْتَقٌّ إلَخْ) وَإِنَّمَا جَازَ اشْتِقَاقُهُ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ لَا يُشْتَقُّ مِنْ الْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّ الْمَزِيدَ يُشْتَقُّ مِنْ الْمُجَرَّدِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاشْتِقَاقِ الْأَخْذُ. قَوْلُهُ: (سُمِّيَ) أَيْ الْقِرَاضُ الشَّرْعِيُّ بِذَلِكَ، أَيْ لَفْظِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ إلَخْ. وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَنْ قَوْلِهِ وَحَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ. قَوْلُهُ: (أَنْ تَبْتَغُوا) أَيْ تَطْلُبُوا فَضْلًا، أَيْ زِيَادَةً عَلَى مَالِكُمْ أَوْ مَالِ غَيْرِكُمْ وَهِيَ الرِّبْحُ، فَصَحَّ الِاحْتِجَاجُ بِالْآيَةِ مِنْ حَيْثُ عُمُومُهَا. وَأَسْنَدَ الِاحْتِجَاجَ إلَى الْمَاوَرْدِيُّ لِمَا فِي الْآيَةِ مِنْ الْخَفَاءِ فِي خُصُوصِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ الدُّعَاءَ وَغَيْرَهُ، أَيْ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ بِالدُّعَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] مُقَارِضًا؛ لِأَنَّ خَدِيجَةَ لَمْ تَدْفَعْ لَهُ مَالًا يَشْتَرِي بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ عَنْهَا فَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِجُعْلٍ، فَقَوْلُهُ: ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُقَارَضَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الْمَعْهُودَةِ، وَإِنَّمَا دَفَعَتْهُ لَهُ لِمَا بَلَغَهَا مِنْ أَبِي طَالِبٍ بِالِاسْتِفَاضَةِ مِنْ النَّاسِ مِنْ أَمَانَتِهِ، وَفِي هَذِهِ الْمَرَّةِ كَسَبَ الْمَالَ أَضْعَافَ أَمْثَالِهِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مَرَّةً فَكَانَ هَذَا هُوَ الْحَامِلُ وَالْبَاعِثُ لَهَا عَلَى تَزْوِيجِهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. قَوْلُهُ: (ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِنَحْوِ شَهْرَيْنِ وَسَنَةٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ ذَاكَ نَحْوَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَكَانَ وَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ حَكَاهُ مُقَرَّرًا لَهُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ز ي. وَتَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَشَيْءٍ، وَتُوُفِّيَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ بِنْتُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَمَّهُ أَبَا طَالِب قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي أَنَا رَجُلٌ لَا مَالَ لِي وَقَدْ اشْتَدَّ الزَّمَانُ أَيْ الْقَحْطُ وَأَقْبَلَتْ وَدَامَتْ عَلَيْنَا سِنُونَ مُنْكَرَةٌ أَيْ شَدِيدَةُ الْجَدْبِ وَلَيْسَ لَنَا مَادَّةٌ، أَيْ مَا يَمُدُّنَا وَمَا يَقُومُنَا وَلَا تِجَارَةٌ، وَهَذِهِ عِيرُ قَوْمِك وَهِيَ الْإِبِلُ الَّتِي تَحْمِلُ الْمَيْرَةَ وَقَدْ حَضَرَ خُرُوجُهَا إلَى الشَّامِ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ تَبْعَثُ رِجَالًا مِنْ قَوْمِك فِي عِيرِهَا فَيَتَّجِرُونَ لَهَا فِي مَالِهَا وَيُصِيبُونَ مَنَافِعَ، فَلَوْ جِئْتهَا فَعَرَضْت نَفْسَك عَلَيْهَا لَأَسْرَعَتْ إلَيْك وَفَضَّلَتْك عَلَى غَيْرِك لِمَا يَبْلُغُهَا عَنْك مِنْ طَهَارَتِك، وَإِنْ كُنْت لَأَكْرَهُ أَنْ تَأْتِيَ إلَى الشَّام وَأَخَافُ عَلَيْك مِنْ الْيَهُودِ، وَلَكِنْ لَا تَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَلَعَلَّهَا تُرْسِلُ إلَيَّ فِي ذَلِكَ " فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: إنِّي أَخَافُ أَنْ تُوَلِّيَ غَيْرَك فَتَطْلُبَ أَمْرًا مُدْبِرًا. فَافْتَرَقَا، فَبَلَغَ خَدِيجَةَ مَا كَانَ مِنْ مُحَاوَرَةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ لَهُ فَقَالَتْ: مَا عَلِمْت أَنَّهُ يُرِيدُ هَذَا. ثُمَّ أَرْسَلَتْ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنِّي دَعَانِي إلَى الْبَعْثِ إلَيْك مَا بَلَغَنِي مِنْ صِدْقِ حَدِيثِك وَعِظَمِ أَمَانَتِك وَكَرَمِ أَخْلَاقِك وَأَنَا أُعْطِيك ضِعْفَ مَا أُعْطِي رَجُلًا مِنْ قَوْمِك. فَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَقِيَ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ هَذَا لَرِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْك. فَخَرَجَ مَعَ غُلَامِهَا مَيْسَرَةَ يُرِيدُ الشَّامَ وَقَالَتْ خَدِيجَةُ لِمَيْسَرَةِ: لَا تَعْصِ لَهُ أَمْرًا وَلَا تُخَالِفْ لَهُ رَأْيًا. وَمِنْ حِينِ سَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَظَلَّتْهُ الْغَمَامَةُ، فَلَمَّا قَدِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ فِي سُوقِ بُصْرَى فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ يُقَالُ لَهُ نُسْطُورًا بِالْقَصْرِ، فَاطَّلَعَ الرَّاهِبُ إلَى مَيْسَرَةَ وَكَانَ يَعْرِفُهُ فَقَالَ: يَا مَيْسَرَةُ مَنْ هَذَا الَّذِي نَزَلَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ؟ فَقَالَ مَيْسَرَةُ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ. فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلَّا نَبِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ؟ قَالَ مَيْسَرَةُ: نَعَمْ لَا تُفَارِقُهُ. قَالَ الرَّاهِبُ: هُوَ هُوَ، وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَا لَيْتَ أَنِّي أُدْرِكُهُ حِينَ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ أَيْ يُبْعَثُ فَوَعَى ذَلِكَ مَيْسَرَةُ؛ وَالْحُمْرَةُ كَانَتْ فِي بَيَاضِ عَيْنَيْهِ وَهِيَ الشَّكْلَةُ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ فِي وَصْفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَهَذِهِ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ. وَلَمَّا رَأَى الرَّاهِبُ الْغَمَامَةَ تُظِلُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزِعَ فَدَنَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرًا وَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَقَدَمَهُ وَقَالَ: آمَنْت بِك وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّك الَّذِي ذَكَرَك اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَرَفْت فِيك الْعَلَامَاتِ كُلَّهَا أَيْ الْعَلَامَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِك الْمَذْكُورَةِ فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ، خَلَا خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَوْضِحْ لِي عَنْ كَتِفِك، فَأَوْضَحَ لَهُ فَإِذَا هُوَ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ يَتَلَأْلَأُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِك عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَنْزِلُ بَعْدِي تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلَّا النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْهَاشِمِيُّ الْعَرَبِيُّ الْمَكِّيُّ صَاحِبُ الْحَوْضِ وَالشَّفَاعَةِ وَصَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ. وَكَانَتْ اسْتَأْجَرَتْهُ بِبَكْرَتَيْنِ وَكَانَتْ تُسَمَّى لِغَيْرِهِ بَكْرَةً، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: اسْتَأْجَرَتْهُ عَلَى أَرْبَعِ بَكَرَاتٍ اهـ مِنْ السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ، وَفِيهَا كَلَامٌ طَوِيلٌ فَارْجِعْ إلَيْهِ إنْ شِئْت. وَقَوْلُهُ " اسْتَأْجَرَتْهُ بِبَعِيرَيْنِ " يُنَافِي قَوْلَ الشَّارِحِ " ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ إلَخْ "؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قِرَاضٌ لَا إجَارَةٌ، وَيُمْكِنُ وُقُوعُ ذَلِكَ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ فَلْيُرَاجَعْ. وَقَوْلُهُ " الَّذِي بَشَّرَ بِك عِيسَى " أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 مَعَهُ عَبْدَهَا مَيْسَرَةَ.» وَحَقِيقَتُهُ تَوْكِيلُ مَالِكٍ بِجَعْلِ مَالِهِ بِيَدِ آخَرَ لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ: مَالِكٌ وَعَامِلٌ وَعَمَلٌ وَرِبْحٌ وَصِيغَةٌ وَمَالٌ، يُعْرَفُ بَعْضُهَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَبَاقِيهَا مِنْ شَرْحِهِ. (وَلِلْقِرَاضِ أَرْبَعَةُ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ: (أَنْ يَكُونَ) عَقْدُهُ (عَلَى نَاضٍّ) بِالْمَدِّ وَتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَا ضُرِبَ (مِنْ الدَّرَاهِمِ) الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ (وَ) مِنْ (الدَّنَانِيرِ) الْخَالِصَةِ، وَفِي هَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ شَرْطَ الْمَالِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ أَنْ يَكُون نَقْدًا خَالِصًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً؛ وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا بِيَدِ الْعَامِلِ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى عَرْضٍ وَلَوْ فُلُوسًا وَتِبْرًا وَحُلِيًّا وَمَنْفَعَةً؛ لِأَنَّ فِي الْقِرَاضِ إغْرَارًا، إذْ الْعَمَلُ فِيهِ غَيْرُ مَضْبُوطٍ وَالرِّبْحُ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فَاخْتَصَّ بِمَا يَرُوجُ بِكُلِّ حَالٍ وَتَسْهُلُ التِّجَارَةُ بِهِ. وَلَا عَلَى نَقْدٍ مَغْشُوشٍ وَلَوْ رَائِجًا لِانْتِفَاءِ خُلُوصِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ غِشُّهُ مُسْتَهْلَكًا جَازَ قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ. وَلَا عَلَى مَجْهُولِ جِنْسًا أَوْ قَدْرًا أَوْ صِفَةً، وَلَا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَنْ قَارَضَهُ عَلَى   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ عَبْدَهَا مَيْسَرَةَ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا، أَيْ لِيَكُونَ مُعَاوِنًا لَهُ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْمَشَاقَّ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَمَيْسَرَةُ هَذَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْ الصَّحَابَةِ بَلْ مَاتَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ قَوْلُهُ: (وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ شَرْعًا. قَوْلُهُ: (تَوْكِيلُ إلَخْ) اشْتَمَلَ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَرْكَانِ الْآتِيَةِ وَالصِّيغَةُ تُفْهَمُ مِنْ التَّوْكِيلِ. قَوْلُهُ: (مَالِكٍ) أَيْ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْوَلِيِّ. قَوْلُهُ: (بِجَعْلِ مَالِهِ) أَيْ مَعَ جَعْلِ أَيْ الْعَقْدِ الْمُصَاحِبِ لِلْجَعْلِ لَا الْجَعْلِ وَحْدَهُ ع ش. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّصْوِيرِ، أَيْ التَّوْكِيلُ مُصَوَّرٌ بِجَعْلِ مَالِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (عَمَلٌ وَرِبْحٌ) فَإِنْ قُلْت: لَا يَحْسُنُ عَدُّهَا مِنْ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُمَا أَمْرٌ مُنْتَظَرٌ مُتَرَقَّبٌ. قُلْت: الْمُرَادُ بِعَدِّهِمَا مِنْهَا ذِكْرُهُمَا فِي الْعَقْدِ، فَالرُّكْنُ ذِكْرُهُمَا فِي الْعَقْدِ لِتُوجَدَ مَاهِيَّةُ الْقِرَاضِ، فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ الْعَمَلُ وَالرِّبْحُ إنَّمَا يُوجَدَانِ بَعْدَ عَقْدِ الْقِرَاضِ، بَلْ قَدْ يُقَارِضُ وَلَا يُوجَدُ عَمَلٌ مِنْ الْعَامِلِ أَوْ يَعْمَلُ وَلَا يُوجَدُ رِبْحٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُعْرَفُ بَعْضُهَا) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ شُرُوطُ بَعْضِهَا. وَقَوْلُهُ " وَبَاقِيهَا " أَيْ شُرُوطُ بَاقِيهَا. قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةُ شَرَائِطَ) الْأُولَى حَذْفُ التَّاءِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُؤَنَّثٌ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالشَّرَائِطِ الشُّرُوطُ. وَفِي نُسْخَةٍ: أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ، وَهِيَ سَالِمَةٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا ضُرِبَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّاضَّ هُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَضْرُوبَةُ كَمَا مَرَّ فَ " مِنْ " بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) قَالَ سم: شَمَلَتْ عِبَارَتُهُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي نَاحِيَةٍ لَا يُتَعَامَلُ بِهَا فِيهَا، وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ عَلَى نَقْدٍ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ إذَا عَزَّ وُجُودُهُ أَوْ خِيفَ عِزَّتُهُ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ؛ لَكِنْ نَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ إلْحَاقَهُ بِمَا يَرُوجُ مِنْ الْفُلُوسِ اهـ. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ جَازَ عَقْدُهُ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَتَنْظِيرُ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ بِأَنَّهُ قَدْ يَعِزُّ وُجُودُهُ أَوْ يُخَافُ عِزَّتُهُ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ؛ يُرَدُّ بِأَنَّ الْغَالِبَ مَعَ ذَلِكَ تَعَسُّرُ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ. وَقَوْلُهُ " لَكِنْ نَقَلَ إلَخْ " أَيْ فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ صِحَّةِ الْقِرَاضِ عَلَيْهَا، لَكِنْ اُنْظُرْ عَلَى هَذَا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يُقَارِضُ. اهـ. م د، وَهَذَا يُخَالِفُ كَلَامَ م ر. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ نَقْدًا إلَخْ) . حَاصِلُ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ نَقْدًا مَضْرُوبًا. خَالِصًا مَعْلُومًا مُعَيَّنًا بِيَدِ عَامِلٍ. قَوْلُهُ: (وَتِبْرًا) هُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَبْلَ الضَّرْبِ، وَجُعِلَ التِّبْرُ عَرَضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَضْرُوبًا. قَوْلُهُ: (وَمَنْفَعَةً) بِأَنْ يَقُولَ قَارَضْتُك عَلَى مَنْفَعَةِ هَذِهِ الدَّارِ وَتُؤَجِّرُهَا الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَمَا زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ يَكُونُ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ. اهـ. م د. وَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى عَرْضٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِي الْقِرَاضِ أَغْرَارًا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ غَرَرٍ وَأَرَادَ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا شَيْئَيْنِ بِقَوْلِهِ إذْ الْعَمَلُ إلَخْ وَقِيلَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرُ أَغَرَّهُ. اهـ. ز ي بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَتَسْهُلُ التِّجَارَةُ بِهِ) أَيْ فِيهِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ غِشُّهُ مُسْتَهْلَكًا) بِفَتْحِ اللَّامِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ اسْتَهْلَكَهُ وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَكَأَنْ قَارَضَهُ عَلَى إحْدَى صُرَّتَيْنِ وَلَوْ مُتَسَاوِيَتَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَالِ بِيَدِ غَيْرِ الْعَامِلِ كَالْمَالِكِ لِيُوفِيَ مِنْهُ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَشُرِطَ فِي الْمَالِكِ مَا شُرِطَ فِي مُوَكِّلٍ، وَفِي الْعَامِلِ مَا شُرِطَ فِي وَكِيلٍ وَهُمَا الرُّكْنَانِ الْأَوَّلَانِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ، وَأَنْ يَسْتَقِلَّ الْعَامِلُ بِالْعَمَلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ مَتَى شَاءَ، فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ عَمَلِ غَيْرِهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ الْعَمَلِ يَقْتَضِي انْقِسَامَ الْيَدِ، وَيَصِحُّ شَرْطُ إعَانَةِ مَمْلُوكِ الْمَالِكِ مَعَهُ فِي الْعَمَلِ، وَلَا يَدَ لِلْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَجَعَلَ عَمَلَهُ تَبَعًا لِلْمَالِ؛ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِرُؤْيَةٍ أَوْ وَصْفٍ،   [حاشية البجيرمي] الْمُخْتَارِ أَهْلَكَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ، وَمُرَادُهُ بِهِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ. اهـ. م ر سم. وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ الْمُتَعَارِفَةَ الْآنَ الْمَغْشُوشَةَ يَتَحَصَّلُ مِنْهَا مَا لَهُ مَالِيَّةٌ إذَا عُرِضَ عَلَى النَّارِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ كَثِيرَةً، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْتَهْلَكِ مَا لَا يَتَمَيَّزُ فِيهِ النُّحَاسُ مِنْ الْفِضَّةِ كَالْقُرُوشِ وَالْأَنْصَافِ الْمُتَعَامِلِ بِهَا الْآنَ. اهـ. ع ش كَالْفِضَّةِ الْمَضْرُوبَةِ بِمِصْرَ. قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى مَجْهُولٍ) نَعَمْ لَوْ قَارَضَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ عَيَّنَهَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي مَجْهُولِ الْقَدْرِ فَإِذَا قَارَضَهُ عَلَى مَجْهُولِ الْقَدْرِ ثُمَّ عَلِمَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَكَذَا الْمُبْهَمُ كَأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَلْفَيْنِ فَيَصِحُّ إذَا عَيَّنَهُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ الْجِنْسَ وَالْقَدْرَ وَالصِّفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَشْبَهِ فِي الْمَطْلَبِ، أَيْ وَكَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَجْهُولَةً عِنْدَ الْعَقْدِ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ دَرَاهِمُ شَرِكَةٍ فَقَالَ لَهُ: قَارَضْتُك عَلَى نَصِيبِي مِنْهَا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ لَا تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، قَالَ الْمُتَوَلِّي سم. قَالَ ع ش: وَمِنْ ذَلِكَ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ التَّعَامُلِ بِالْفِضَّةِ الْمَقْصُوصَةِ، فَلَا يَصِحُّ الْقِرَاضُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْقَصِّ وَإِنْ عُلِمَتْ، إلَّا أَنَّ مِقْدَارَ الْقَصِّ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُ مِثْلِهِ عِنْدَ التَّفَاصُلِ، حَتَّى لَوْ قَارَضَهُ عَلَى قَدْرٍ مِنْهَا مَعْلُومِ الْقَدْرِ وَزْنًا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الرَّدِّ وَإِنْ أَحْضَرَ قَدْرَهُ وَزْنًا لَكِنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِتَفَاوُتِ الْقَصِّ قِلَّةً وَكَثْرَةً. قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " مُعَيَّنًا ". قَوْلُهُ: (عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ) وَيَشْمَلُ ذِمَّةَ غَيْرِ الْعَامِلِ بِأَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ فَقَالَ لِغَيْرِهِ: قَارَضْتُك عَلَى دَيْنِي الَّذِي عَلَى فُلَانٍ فَاقْبِضْهُ وَاتَّجِرْ فِيهِ، وَيَشْمَلُ ذِمَّةَ الْعَامِلِ أَيْضًا بِأَنْ قَالَ لَهُ: قَارَضْتُك عَلَى الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك اهـ ز ي. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِكَوْنِ الْمَالِكِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعْيِينِ مَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ، وَاعْتَمَدَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ " عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ ": أَيْ إلَّا إنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الدَّيْنِ بِأَنْ يَكُونَ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ. وَمَعْنَى كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ غَيْرُ دَيْنٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ ح ل، كَأَنْ يُقَارِضَهُ الْمَالِكُ عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (عَلَى إحْدَى صُرَّتَيْنِ) نَعَمْ إنْ عُيِّنَتْ الْمُرَادَةُ مِنْهُمَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُتَسَاوِيَتَيْنِ) أَيْ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، أَيْ فَلَا يَصِحُّ وَهَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ. وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلرَّمْلِيِّ: وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ إنْ عُلِمَ مَا فِيهِمَا وَتَسَاوَتَا جِنْسًا وَصِفَةً. وَقَدْرًا، فَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ فَتَتَعَيَّنُ لِلْقِرَاضِ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِانْتِفَاءِ التَّعَيُّنِ كَالْبَيْعِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِيُوفِيَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: كَوْنِ الْمَالِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ) فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ أَعْمَى دُونَ الْعَامِلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا سَفِيهًا وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَجْنُونًا، وَلِوَلِيِّهِمْ أَنْ يُقَارِضَ لَهُمْ مَنْ يَجُوزُ الْإِيدَاعُ عِنْدَهُ وَلَهُ أَنْ يَشْرِطَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَجِدْ كَافِيًا غَيْرَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ مُقَارَضَةُ الْأَعْمَى عَلَى مُعَيَّنٍ كَمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ الْمُعَيَّنَ، وَأَنْ لَا يَجُوزَ إقْبَاضُهُ الْمُعَيَّنَ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْكِيلٍ سم. وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَارِضَ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا، وَيَصِحُّ الْقِرَاضُ مِنْ الْمَرِيضِ، وَلَا يُحْسَبُ مَا زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْمَحْسُوبَ مِنْهُ مَا يَفُوتُهُ مِنْ مَالِهِ وَالرِّبْحُ لَيْسَ بِحَاصِلٍ حَتَّى يَفُوتَهُ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ، بِخِلَافِ مُسَاقَاتِهِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِيهَا ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ فِيهَا مِنْ عَيْنِ الْمَالِ اهـ س ل. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسْتَقِلَّ الْعَامِلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " مَا شُرِطَ فِي وَكِيلٍ ". قَوْلُهُ: (مَمْلُوكِ الْمَالِكِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ حُرٌّ يَسْتَحِقُّ الْمَالِكُ مَنْفَعَتَهُ، وَيُمْكِنُ شُمُولُ كَلَامِهِ لَهُ بِأَنْ يُرَادَ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ ق ل. وَالْمُرَادُ بِالْمَمْلُوكِ وَلَوْ بَهِيمَةً كَمَا فِي ع ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 وَإِنْ شُرِطَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ جَازَ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي (أَنْ يَأْذَنَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ فِي التَّصَرُّفِ) فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (مُطْلَقًا) وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْعَمَلُ، فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي تِجَارَةٍ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: مُطْلَقًا إلَى اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يُضَيِّقَ الْعَمَلَ عَلَى الْعَامِلِ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى شِرَاءِ بُرٍّ يَطْحَنُهُ وَيَخْبِزُهُ، أَوْ غَزْلٍ يَنْسِجُهُ وَيَبِيعُهُ؛ لِأَنَّ الطَّحْنَ وَمَا مَعَهُ أَعْمَالٌ لَا تُسَمَّى تِجَارَةً بَلْ أَعْمَالٌ مَضْبُوطَةٌ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهَا، وَلَا عَلَى شِرَاءِ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ: وَلَا تَشْتَرِ إلَّا هَذِهِ السِّلْعَةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَقْدِ حُصُولُ الرِّبْحِ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ فِيمَا يُعَيِّنُهُ فَيَخْتَلُّ الْعَقْدُ (أَوْ) أَيْ لَا يَضُرُّ فِي الْعَقْدِ إذْنُهُ (فِيمَا لَا يَنْقَطِعُ وُجُودُهُ غَالِبًا) كَالْبُرِّ، وَيَضُرُّ فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَالْخَيْلِ الْبَلَقِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الرِّبْحُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَلَا يَصِحُّ عَلَى مُعَامَلَةِ شَخْصٍ كَقَوْلِهِ: وَلَا تَبِعْ إلَّا لِزَيْدٍ أَوْ لَا تَشْتَرِ إلَّا مِنْهُ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَهُوَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ (أَنْ يَشْتَرِطَ) الْمَالِكُ (لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. (جُزْءًا) وَلَوْ قَلِيلًا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْمَمْلُوكِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ شُرِطَتْ نَفَقَتُهُ) أَيْ الْمَمْلُوكِ وَالْأَوْجَهُ اشْتِرَاطُ تَقْدِيرِهَا وَكَأَنَّ الْعَامِلَ اسْتَأْجَرَهُ بِهَا م ر. وَلَا يُقَاسُ عَلَى الْحَجِّ بِالنَّفَقَةِ الْغَيْرِ الْمُقَدَّرَةِ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى التَّوْسِعَةِ فِي تَحْصِيلِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ الْمَشَقَّةِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْذَنَ رَبُّ الْمَالِ) أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ وَلِيُّهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْبَيْعِ) بَدَلٌ مِنْ التَّصَرُّفِ بَدَلُ جَارٍ وَمَجْرُورٍ مِنْ جَارٍ وَمَجْرُورٍ، أَوْ أَنَّ " فِي " بِمَعْنَى " الْبَاءِ " وَلَمَّا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ التَّصَرُّفَ فَكَانَ شَامِلًا لِنَحْوِ شِرَاءِ بُرٍّ يَطْحَنُهُ وَيَخْبِزُهُ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ، قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِيَكُونَ الْعَمَلُ تِجَارَةً. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ إذْنًا مُطْلَقًا أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِنَوْعٍ، أَوْ تَصَرُّفًا مُطْلَقًا أَوْ حَالٌ مِنْ التَّصَرُّفِ. قَوْلُهُ: (إلَى الرُّكْنِ الرَّابِعِ) صَوَابُهُ: إلَى الرُّكْنِ الثَّالِثِ. قَوْلُهُ: (فِي تِجَارَةٍ) " فِي " ظَرْفِيَّةُ الْعَامِّ وَهُوَ الْعَمَلُ فِي الْخَاصِّ، أَوْ أَنَّ " فِي " زَائِدَةٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ عَلَى شِرَاءِ بُرٍّ إلَخْ) مُحْتَرَزُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إذَا فَعَلَ مَا ذَكَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ م ر. قَوْلُهُ: (وَيَخْبِزُهُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ. وَقَوْلُهُ " يَنْسِجُهُ " بَابُهُ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (لَا تُسَمَّى تِجَارَةً) بَلْ حِرْفَةً. قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى شِرَاءِ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ) مُحْتَرَزُ الشَّرْطِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ لَا يُضَيِّقَ الْعَمَلَ عَلَى الْعَامِلِ، وَلَوْ قَارَضَهُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ وَيَخْزُنَهَا مُدَّةً فَإِذَا ارْتَفَعَ سِعْرُهَا بَاعَهَا لَمْ يَصِحَّ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ غَيْرُ حَاصِلٍ مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ. وَفِي الْبَحْرِ نَحْوُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، بَلْ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ حِنْطَةً وَتَبِيعَهَا فِي الْحَالِ لَمْ يَصِحَّ اهـ شَرْحُ م ر، أَيْ لِتَضْيِيقِهِ عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْفَوْرِيَّةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ " فِي الْحَالِ " كَانَ قِرَاضًا صَحِيحًا ع ش. وَظَاهِرُ أَنَّهُ لَوْ قَارَضَهُ وَلَمْ يَشْرِطْ الْخَزْنَ فَاشْتَرَى هُوَ وَخَزَنَهُ بِاخْتِيَارِهِ إلَى ارْتِفَاعِ السِّعْرِ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ لَمْ يَجْعَلْ التَّصَرُّفَ إلَى رَأْيِ الْعَامِلِ، بِخِلَافِهِ إذَا لَمْ يَشْرِطْ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (إلَّا هَذِهِ السِّلْعَةَ) فَتَكُونُ مُعَيَّنَةً بِالشَّخْصِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ تَعْيِينَ النَّوْعِ وَكَانَ هَذَا النَّوْعُ لَا يَنْقَطِعُ وُجُودُهُ غَالِبًا كَالْبُرِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا يَأْتِي، وَيَجُوزُ مَنْعُ شِرَاءِ الْمُعَيَّنِ بِأَنْ يَقُولَ: وَلَا تَشْتَرِ الْمَتَاعَ الْفُلَانِيَّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَقْدِ) أَيْ عَقْدِ الْقِرَاضِ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِيمَا لَا يَنْقَطِعُ) مَعْنَاهُ أَيْ أَوْ يَأْذَنُ لَهُ إذْنًا مُقَيَّدًا فِيمَا لَا يَنْقَطِعُ. وَالشَّارِحُ قَدَّرَ غَيْرَ ذَلِكَ، أَيْ لَا يَضُرُّ فِي الْعَقْدِ، وَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِكَلَامِ الْمَتْنِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ. وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ " فِي حِلِّ كَلَامِهِ " أَيْ أَوْ أَنْ يَأْذَنَ فِي مُقَيَّدٍ لَا يَنْقَطِعُ وُجُودُهُ لِأَجْلِ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِطْلَاقِ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا لَا يَنْقَطِعُ، وَالثَّانِي: وَهُوَ مَا يَعِزُّ وُجُودُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ عَلَى مُعَامَلَةِ شَخْصٍ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ " وَلَا عَلَى شِرَاءِ مَتَاعٍ إلَخْ "؛ لِأَنَّهُمَا خَارِجَانِ بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يُضَيِّقَ، وَالْمُرَادُ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ بِخِلَافِ أَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ يَتَأَتَّى مِنْ جِهَتِهِمْ الرِّبْحُ فَيَصِحُّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ) وَهُوَ الرِّبْحُ وَهُوَ خَامِسٌ بِالنِّسْبَةِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ رَابِعًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 (مَعْلُومًا) لَهُمَا (مِنْ الرِّبْحِ) بِجُزْئِيَّتِهِ كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ، فَلَا يَصِحُّ الْقِرَاضُ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا أَوْ مُبْهَمًا مِنْ الرِّبْحِ، أَوْ أَنَّ لِغَيْرِهِمَا مِنْهُ شَيْئًا لِعَدَمِ كَوْنِهِ لَهُمَا. وَالْمَشْرُوطُ لِمَمْلُوكِ أَحَدِهِمَا كَالْمَشْرُوطِ لَهُ، فَيَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى، أَوْ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا شَرِكَةً أَوْ نَصِيبًا فِيهِ لِلْجَهْلِ بِحِصَّةِ الْعَامِلِ، أَوْ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا عَشْرَةً أَوْ رِبْحَ صِنْفٍ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرْبَحُ غَيْرَ الْعَشَرَةِ أَوْ غَيْرَ رِبْحِ ذَلِكَ الصِّنْفِ فَيَفُوزُ أَحَدُهُمَا بِجَمِيعِ الرِّبْحِ، أَوْ عَلَى أَنَّ لِلْمَالِكِ النِّصْفَ مَثَلًا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَائِدَةُ رَأْسِ الْمَالِ فَهُوَ لِلْمَالِكِ إلَّا مَا يُنْسَبُ مِنْهُ لِلْعَامِلِ وَلَمْ يُنْسَبْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ النِّصْفَ مَثَلًا فَيَصِحُّ، وَيَكُونُ الْبَاقِي لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ مَا لِلْعَامِلِ وَالْبَاقِي لِلْمَالِكِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ. وَصَحَّ فِي قَوْلِهِ: قَارَضْتُك وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا وَكَانَ نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو. وَشَرْطٌ فِي الصِّيغَةِ وَهُوَ الرُّكْنُ السَّادِسُ مَا مَرَّ فِيهَا فِي الْبَيْعِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَقَارَضْتُكَ أَوْ عَامَلْتُك فِي كَذَا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا، فَقَبِلَ الْعَامِلُ لَفْظًا. (وَ) الرَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ لَا يُقَدِّرَ) أَحَدُهُمَا الْعَمَلَ (بِمُدَّةٍ) كَسَنَةٍ سَوَاءٌ أَسَكَتَ أَمْ مَنَعَهُ التَّصَرُّفَ أَمْ الْبَيْعَ بَعْدَهَا أَمْ   [حاشية البجيرمي] الْمُتَقَدِّمِ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ خَامِسًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمَالَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: أَنْ يَكُونَ عَلَى نَاضٍّ إلَخْ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَخِيرُ فِي عَدِّ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهَا. وَقَوْلُهُ: " أَنْ يَأْذَنَ رَبُّ الْمَالِ " اشْتَمَلَ عَلَى أَرْكَانٍ ثَلَاثَةٍ، وَهِيَ: الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ وَالْعَمَلُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فِي التَّصَرُّفِ فَيَكُونُ الرِّبْحُ هُوَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ فِي كَلَامِهِ. وَاعْتَرَضَ ق ل قَوْلَهُ: " وَالرُّكْنُ الْخَامِسُ " بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الشُّرُوطِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِذِكْرِ الرُّكْنِ تَأَمَّلْ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ شَرْطُ الرُّكْنِ. قَوْلُهُ: (بِجُزْئِيَّتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " مَعْلُومًا " فَخَرَجَ مَا لَوْ كَانَ مَعْلُومًا بِغَيْرِهَا كَالْقَدْرِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. وَقَدْ أَغْفَلَ الشَّارِحُ هُنَا شَرْطًا تَقْدِيرُهُ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ: وَكَوْنُ الرِّبْحِ لَهُمَا مَعْلُومًا إلَخْ، أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: لِعَدَمِ كَوْنِهِ لَهُمَا. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ الْقِرَاضُ إلَخْ) فَرَّعَ هَذَا فِي الْمَنْهَجِ عَلَى قَوْلِهِ وَشَرْطٌ فِي الرِّبْحِ كَوْنُهُ لَهُمَا، فَلَعَلَّهُ مُقَدَّرٌ هُنَا أَوْ سَقْطٌ مِنْ الْكَاتِبِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لِعَدَمِ كَوْنِهِ لَهُمَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْ كَلَامِهِ بِتَكَلُّفٍ بِأَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ لَهُمَا حَالًا مِنْ الرِّبْحِ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَنَّ لِغَيْرِهِمَا) كَأَنْ يَقُولَ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ لِي الثُّلُثَ وَلَك الثُّلُثُ وَلِزَوْجَتِي أَوْ ابْنِي الثُّلُثُ ح ل، أَوْ لِفُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ؛ أَيْ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَامِلٍ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ جَعَلَ لِغَيْرِهِمَا مِنْهُ شَيْئًا مَعَ عَدَمِ الْعَمَلِ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فَهُوَ قِرَاضٌ لِاثْنَيْنِ كَمَا قَالَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، فَإِذَا قَالَ وَلِمَمْلُوكِي الثُّلُثُ صَحَّ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (لِمَمْلُوكٍ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ مَا شَرَطَ لِأَجِيرِهِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا وَمِلْكًا بِخِلَافِ مَمْلُوكِهِ فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ. اهـ. ع ش. وَفِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ: فَمَا شُرِطَ لَهُ أَيْ لِعَبْدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، فَلَوْ صَرَّحَا بِكَوْنِهِ لِلْعَبْدِ نَفْسِهِ قَالَ الْقَمُولِيُّ: يَنْبَغِي بُطْلَانُهُ عَلَى الصَّحِيحِ إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَهُ سَيِّدُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي الثَّانِيَةِ) وَهِيَ قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّ لِغَيْرِهِمَا مِنْهُ شَيْئًا، دُونَ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا أَوْ مُبْهَمًا الرِّبْحَ؛ فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ لِلْمَالِكِ نِصْفَ الرِّبْحِ وَلِمَمْلُوكِهِ النِّصْفَ الْآخَرَ كَانَ كَمَا لَوْ شَرَطَ كُلَّ الرِّبْحِ لِلْمَالِكِ وَإِنْ شَرَطَ لِلْعَامِلِ نِصْفَ الرِّبْحِ وَلِمَمْلُوكِهِ النِّصْفَ الْآخَرَ كَانَ كَمَا لَوْ شَرَطَ جَمِيعَ الرِّبْحِ لِلْعَامِلِ ح ل وز ي. وَقَوْلُهُ: " فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ لِلْمَالِكِ إلَخْ " الْأَوْلَى أَنْ يُصَوَّرَ بِأَنْ يُجْعَلَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِمَمْلُوكِ أَحَدِهِمَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ: " عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ " وَإِذَا قَالَ: قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ لِي الثُّلُثَ وَلِمَمْلُوكِي الثُّلُثَ وَلَك الثُّلُثَ، فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ الثُّلُثَيْنِ. فَرْعٌ: يَقَعُ السُّؤَالُ كَثِيرًا عَنْ شَرْطِ جُزْءٍ لِلْمَالِكِ وَجُزْءٍ لِلْعَامِلِ وَجُزْءٍ لِلْمَالِ أَوْ الدَّابَّةِ الَّتِي يَدْفَعُهَا الْمَالِكُ لِلْعَامِلِ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَالَ الْقِرَاضِ مَثَلًا هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ بَاطِلٌ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّتُهُ، وَكَأَنَّ الْمَالِكَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ جُزْأَيْنِ وَلِلْعَامِلِ جُزْءًا وَهُوَ صَحِيحٌ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَقَبِلَ) إتْيَانُهُ بِالْفَاءِ يَقْتَضِي الْفَوْرِيَّةَ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يُقَدِّرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ عَلَى حَلَّ الشَّارِحِ وَبِالْبِنَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 الشِّرَاءَ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الرِّبْحُ فِيهَا، فَإِنْ مَنَعَهُ الشِّرَاءَ فَقَطْ بَعْدَ مُدَّةٍ كَقَوْلِهِ: وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَ سَنَةٍ صَحَّ لِحُصُولِ الِاسْتِرْبَاحِ بِالْبَيْعِ الَّذِي لَهُ فِعْلُهُ بَعْدَهَا، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ يَتَأَتَّى فِيهَا الشِّرَاءُ لِغَرَضِ الرِّبْحِ بِخِلَافِ نَحْوِ سَاعَةٍ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ امْتِنَاعِ التَّأْقِيتِ امْتِنَاعُ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ التَّأْقِيتَ أَسْهَلُ مِنْهُ بِدَلِيلِ احْتِمَالِهِ فِي الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ، وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا تَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ لِمُنَافَاتِهِ غَرَضَ الرِّبْحِ، وَيَجُوزُ تَعَدُّدُ كُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُقَارِضَ اثْنَيْنِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا فِي الْمَشْرُوطِ لَهُمَا مِنْ الرِّبْحِ كَأَنْ يَشْرِطَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَ الرِّبْحِ وَلِلْآخَرِ الرُّبُعَ، أَوْ يَشْرِطَ لَهُمَا النِّصْفَ بِالسَّوِيَّةِ سَوَاءٌ أَشَرَطَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُرَاجَعَةَ الْآخَرِ أَمْ لَا، وَلِمَالِكَيْنِ أَنْ يُقَارِضَا وَاحِدًا وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَعْدَ نَصِيبِ الْعَامِلِ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْمَالِ. فَإِذَا شَرَطَا لِلْعَامِلِ نِصْفَ الرِّبْحِ وَمَالُ أَحَدِهِمَا مِائَتَانِ وَمَالُ الْآخَرِ مِائَةٌ اقْتَسَمَا النِّصْفَ الْآخَرَ أَثْلَاثًا، فَإِنْ شَرَطَا غَيْرَ مَا تَقْتَضِيهِ النِّسْبَةُ فَسَدَ الْعَقْدُ وَإِنْ فَسَدَ قِرَاضٌ صَحَّ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ لِلْإِذْنِ فِيهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ إنْ لَمْ يَقُلْ وَالرِّبْحُ لِي أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَجَّانًا وَقَدْ فَاتَهُ الْمُسَمَّى،   [حاشية البجيرمي] لِلْمَفْعُولِ عَلَى حَلَّ سم وَعِبَارَتُهُ. وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يُقَدِّرَ أَيْ الْقِرَاضَ أَوْ التَّصَرُّفَ بِمُدَّةٍ. وَقَوْلُهُ: " بِمُدَّةٍ " احْتَرَزَ بِهِ عَنْ التَّقْدِيرِ بِمَشِيئَةِ أَحَدِهِمَا كَقَارَضْتُكَ مَا شِئْت أَوْ مَا شِئْت، فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ. قَوْلُهُ: (أَمْ الشِّرَاءَ) أَيْ إذَا تَرَاخَى قَوْلُهُ وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ قَارَضْتُك سَنَةً سم ع ش، لِقُوَّةِ التَّأْقِيتِ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ مَنْعَ الشِّرَاءِ مُتَّصِلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا يَأْتِي لِضَعْفِ التَّأْقِيتِ حِينَئِذٍ؛ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ سَوَاءٌ ذُكِرَ مُتَّصِلًا أَوْ مُتَرَاخِيًا؛ لِأَنَّ هَذَا فِيمَا لَوْ أَقَّتَ الْقِرَاضَ كَأَنْ قَالَ قَارَضْتُك سَنَةً وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَهَا، وَمَا بَعْدَهَا فِيمَا لَمْ يُؤَقَّتْ كَأَنْ قَالَ قَارَضْتُك وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَهَذَا جَوَابٌ آخَرُ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصِّيَغَ سِتٌّ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِي ثِنْتَيْنِ، وَهِيَ مَا إذَا قَالَ قَارَضْتُك سَنَةً وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَهَا أَيْ وَكَانَ مُتَّصِلًا بِالْعَقْدِ، وَمَا إذَا قَالَ قَارَضْتُك وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَ سَنَةٍ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَارَضْتُك سَنَةً أَوْ زَادَ وَلَا تَتَصَرَّفْ أَوْ قَالَ وَلَا تَبِعْ بَعْدَهَا أَوْ قَالَ بَعْدَ مُدَّةٍ مُزَارَعَةً وَلَا تَشْتَرِ بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: (بِدَلِيلِ احْتِمَالِهِ) الْأَوْلَى اشْتِرَاطُهُ. وَعِبَارَةُ ش قَوْلُهُ: " بِدَلِيلِ احْتِمَالِهِ " أَيْ جَوَازِهِ، وَالْجَوَازُ يُصَدَّقُ بِالْوُجُوبِ فَلَا يُقَالُ التَّأْقِيتُ شَرْطٌ فِيهِمَا؛ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا تَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ. قَوْلُهُ: (وَالْعَامِلُ) أَيْ ابْتِدَاءً، أَمَّا دَوَامًا فَإِنْ قَارَضَ الْعَامِلُ آخَرَ لِيُشَارِكَهُ فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ أَوْ لَا، فَإِنْ قَارَضَهُ لِيَنْفَرِدَ بِالْعَمَلِ وَالرِّبْحِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَتَصَرُّفُ الْعَامِلِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ غَصْبٌ، فَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ لَمْ يَصِحَّ أَوْ فِي ذِمَّةٍ لَهُ أَيْ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ فَالرِّبْحُ لِلْأَوَّلِ مِنْ الْعَامِلَيْنِ وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي أُجْرَتُهُ إنْ عَمِلَ طَامِعًا، وَهَذَا إذَا نَوَى بِالشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ الْعَامِلَ الْأَوَّلَ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ نَوَى نَفْسَهُ كَانَ الرِّبْحُ لَهُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُقَارِضَ اثْنَيْنِ) وَلَا يُعَامِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِمَا الِاشْتِرَاكَ، فَإِنْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَالٍ وَثَبَتَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ مِنْ الْآخَرِ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ز ي. قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ الْمَالِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الشَّرِكَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَإِذَا فَسَدَ قِرَاضٌ) أَيْ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ لِصِحَّتِهِ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ إلَى هُنَا، أَيْ وَكَانَ الْمُقَارِضُ مَالِكًا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ أَوْ وَلِيًّا وَفَسَدَ الْقِرَاضُ فَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَاقِدُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ سَفِيهًا فَالْمُرَادُ فَسَدَ بِغَيْرِ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمَالِكِ. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: قَوْلُهُ وَإِذَا فَسَدَ قِرَاضٌ أَيْ لِفَوَاتِ شَرْطٍ كَكَوْنِهِ غَيْرَ نَقْدٍ وَالْمُقَارِضُ مَالِكٌ، أَمَّا إذَا فَسَدَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْعَاقِدِ أَوْ الْمُقَارِضُ وَلِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (أُجْرَةُ مِثْلِهِ) وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْمُسَمَّى وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَرَجَعَ إلَى الْأُجْرَةِ م ر ع ش قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 وَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ وَلَوْ بِعَرْضٍ بِمَصْلَحَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْحَقِيقَةِ وَكِيلٌ لَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا بِنَسِيئَةٍ بِلَا إذْنٍ. وَلِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ رَدٌّ بِعَيْبٍ إنْ فُقِدَتْ مَصْلَحَةُ الْإِبْقَاءِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا عُمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُعَامِلُ الْعَامِلُ الْمَالِكَ كَأَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ، وَلَا يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ رَأْسَ مَالٍ وَرِبْحًا، وَلَا يَشْتَرِي زَوْجُ الْمَالِكِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَا مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ بَعْضَهُ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ فِي غَيْرِ الْأُولَى وَلَا فِي الزَّائِدِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الزَّائِدِ فِيهَا، وَلِتَضَرُّرِهِ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ وَتَفْوِيتِ الْمَالِ فِي غَيْرِهَا إلَّا إنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ فَيَقَعُ لِلْعَامِلِ. وَلَا يُسَافِرُ بِالْمَالِ بِلَا إذْنٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ جَازَ لَكِنْ يَجُوزُ فِي الْبَحْرِ إلَّا بِنَصٍّ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَوِّنُ مِنْهُ نَفْسَهُ حَضَرًا وَلَا سَفَرًا، وَعَلَيْهِ فِعْلُ مَا يُعْتَادُ فِعْلُهُ كَطَيِّ ثَوْبٍ وَوَزْنٍ خَفِيفٍ كَذَهَبٍ. (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ) بِتَلَفِ الْمَالِ أَوْ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَضْمَنُ (إلَّا بِعُدْوَانٍ) مِنْهُ كَتَفْرِيطٍ أَوْ سَفَرٍ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ   [حاشية البجيرمي] وَلَوْ بِعَرْضٍ) بِخِلَافِ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ وَفَرَّقَ بِأَنَّ نَقْدَ غَيْرِهَا لَا يَرُوجُ فِيهَا، وَمَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُ إنْ رَاجَ جَازَ التَّصَرُّفُ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (بِمَصْلَحَةٍ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا بِثَمَنٍ وَهُوَ لَا يَرْجُو حُصُولَ رِبْحٍ فِيهِ س ل. قَوْلُهُ: (وَكِيلٌ) أَيْ يُشْبِهُ الْوَكِيلَ، فَلَيْسَ وَكِيلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُ بِالْعَرْضِ ح ل. قَوْلُهُ: (إنْ فُقِدَتْ مَصْلَحَةُ الْإِبْقَاءِ) بِأَنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الرَّدِّ أَوْ انْتَفَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الرَّدِّ وَالْإِبْقَاءِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: بِأَنْ اسْتَوَى الْحَالُ فِي الرَّدِّ وَالْإِبْقَاءِ فَفِي الْمَطْلَبِ يُجَابُ الْعَامِلُ اهـ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: " إنْ فُقِدَتْ مَصْلَحَةُ الْإِبْقَاءِ " أَيْ وَلَوْ مَعَ فَقْدِ مَصْلَحَةِ الرَّدِّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ فِي الرَّدِّ أَيْ أَرَادَهُ أَحَدُهُمَا وَأَبَاهُ الْآخَرُ، وَهَذَا مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: ثُمَّ إنْ اتَّفَقَا فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، فَإِنْ اخْتَلَفَا بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا الْمَصْلَحَةُ فِي الرَّدِّ فَأَرُدُّ وَقَالَ الْآخَرُ فِي الْإِبْقَاءِ فَلَا أَرُدُّ عَمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ ، أَيْ عَمِلَ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ أَوْسَعُ مِنْهُمَا وَكَذَا الْمُحْكَمُ. قَوْلُهُ: (الْمَالِكَ) وَلَا وَكِيلَهُ بِمَالِهِ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا) بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَامِلِ مَالَ الْقِرَاضِ مِنْ الْمَالِكِ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ فَإِنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِيهِ لِتَضَمُّنِهِ فَسْخَ الْقِرَاضِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْقِرَاضِ بَطَلَ س ل. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الزَّائِدِ فِيهَا) أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّ الْعَقْدَ تَعَدَّدَ وَإِلَّا فَيَبْطُلُ الشِّرَاءُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا فِي ح ل، وَعِبَارَتُهُ: قَوْلُهُ وَلَا فِي الزَّائِدِ فِيهَا أَيْ فِي الْأُولَى فَلَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ بِالزَّائِدِ لِلْقِرَاضِ وَلَا يَقَعُ لِلْعَامِلِ. وَصُورَةُ الشِّرَاءِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ أَنْ يَقَعَ الشِّرَاءُ فِي عَقْدَيْنِ بِأَنْ كَانَ مَالُ الْقِرَاضِ مِائَةً وَاشْتَرَى سِلْعَةً بِمِائَةٍ أَوْ بِعَيْنِ تِلْكَ الْمِائَةِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يَنْقُدْهَا ثُمَّ اشْتَرَى بِخَمْسِينَ مِنْ تِلْكَ الْمِائَةِ أَوْ بِهَا، فَإِنَّ الشِّرَاءَ الثَّانِيَ بَاطِلٌ لِمَحَلِّ الْمِائَةِ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (فَيَقَعُ لِلْعَامِلِ) وَإِنْ صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَجُوزُ شِرَاءُ الشَّيْءِ لِلْقِرَاضِ وَاشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ كَانَ لِلْقِرَاضِ وَإِنْ نَوَى نَفْسَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ كَزَوْجِ الْمَالِكِ وَمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَ بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ بَطَلَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَقَعَ لَهُ أَيْ لِلْعَامِلِ مُطْلَقًا، وَإِنْ نَوَى الْقِرَاضَ وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ فِي الذِّمَّةِ وَكَانَ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ لِلْقِرَاضِ، فَإِنْ نَوَى الْقِرَاضَ أَوْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ وَإِنْ نَوَى نَفْسَهُ كَانَ لَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْخَطَرِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْخَطَرُ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ أَوْ خَوْفُ التَّلَفِ. قَوْلُهُ: (جَازَ) ثُمَّ إنْ عَيَّنَ بَلَدًا تَعَيَّنَ، وَإِلَّا مَا اُعْتِيدَ لِأَهْلِ بَلَدِ الْقِرَاضِ السَّفَرُ إلَيْهِ س ل. قَوْلُهُ: (فِي الْبَحْرِ) وَمِثْلُهُ الْأَنْهَارُ الْعَظِيمَةُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُمَوِّنُ مِنْهُ نَفْسَهُ) فَلَوْ شَرَطَ الْمُؤْنَةَ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ وَإِنْ قُدِّرَتْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ فِعْلُ إلَخْ) مَعْنَى كَوْنِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اكْتَرَى مِنْ فِعْلِهِ فَالْأُجْرَةُ فِي مَالِهِ وَلَهُ اكْتِرَاءٌ لِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ فِعْلُهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَلَوْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَوَزْنٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى طَيٍّ وَضَبَطَهُ الْمَحَلِّيُّ بِالرَّفْعِ، وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ وَعِبَارَةُ م ر، وَوَزْنُ الْخَفِيفِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ فَرَفْعُهُ مُتَعَيِّنٌ كَمَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِعُدْوَانٍ) فَإِنْ قَصَّرَ فِي حِفْظِهِ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ لِغَيْرِ جِهَةِ الْقِرَاضِ أَوْ سَافَرَ بِهِ بِلَا إذْنٍ أَوْ فِي الْبَحْرِ بِلَا نَصٍّ وَخَلَطَ مَالَ الْقِرَاضِ بِمَالِ نَفْسِهِ أَوْ بِمَالِ مُقَارِضٍ لَهُ آخَرُ أَوْ بِمَالِ آخَرَ لِذَلِكَ الْمُقَارِضِ وَقَدْ قَارَضَهُ عَلَيْهِمَا فِي عَقْدَيْنِ أَوْ أَخَذَ لِلْقِرَاضِ مَا عَسُرَ عَنْهُ أَوْ قَصَّرَ ثَوْبَ الْقِرَاضِ أَوْ صَبَغَهُ بِلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 بِغَيْرِ إذْنٍ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ إذَا أَطْلَقَ، فَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى سَبَبٍ فَعَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي الْوَدِيعَةِ، وَيَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِقِسْمَةٍ لَا بِظُهُورٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهَا بِالظُّهُورِ لَكَانَ شَرِيكًا فِي الْمَالِ فَيَكُونُ النَّقْصُ الْحَاصِلُ بَعْدَ ذَلِكَ مَحْسُوبًا عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ بِالْقِسْمَةِ إنْ نَضَّ رَأْسُ الْمَالِ وَفُسِخَ الْعَقْدُ حَتَّى لَوْ حَصَلَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَقَطْ نَقْصٌ جُبِرَ بِالرِّبْحِ الْمَقْسُومِ، وَيَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ أَيْضًا بِنَضُوضِ الْمَالِ وَالْفَسْخِ بِلَا قِسْمَةٍ، وَلِلْمَالِكِ مَا حَصَلَ مِنْ مَالِ قِرَاضٍ كَثَمَرٍ وَنِتَاجٍ   [حاشية البجيرمي] إذْنٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى عَلَى وَرَثَتِهِ إلَّا إنْ ادَّعَى تَفْرِيطَ مُوَرِّثِهِمْ أَوْ أَنَّ الْمَالَ بِأَيْدِيهِمْ فَيَحْلِفُونَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي الْأُولَى وَعَلَى الْبَتِّ فِي الثَّانِيَةِ؛ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ. فَرْعٌ: لَوْ اسْتَعْمَلَ الْعَامِلُ دَوَابَّ الْقِرَاضِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِهِ لِلْمَالِكِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ دَوَابِّ الْقِرَاضِ إلَّا بِإِذْنِ الْعَامِلِ فَإِنْ خَالَفَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى الْإِثْمِ اهـ سم. فَرْعٌ: يَحْرُمُ وَطْءُ جَارِيَةِ الْقِرَاضِ وَتَزْوِيجُهَا، وَلَيْسَ وَطْءُ الْمَالِكِ لَهَا فَسْخًا وَلَا مُوجِبًا مَهْرًا، وَاسْتِيلَادُهُ كَإِعْتَاقِهِ وَيَغْرَمُ لِلْعَامِلِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنْ وَطِئَ الْعَامِلُ عَالِمًا وَلَا رِبْحَ حُدَّ وَإِلَّا فَلَا وَيَثْبُتُ الْمَهْرُ وَيُجْعَلُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِ؛ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ حَيْثُ اعْتَمَدَ أَنَّهُ لِلْمَالِكِ وَقَالَ: إنَّ الْأَوَّلَ طَرِيقَةٌ عِنْدَهُمَا ز ي. قَوْلُهُ: (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ إذَا أَطْلَقَ) نَعَمْ لَوْ أَخَذَ مَا لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِهِ فَتَلِفَ بَعْضُهُ ضَمِنَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ بِأَخْذِهِ وَيَتَعَيَّنُ طَرْدُهُ فِي الْوَكِيلِ وَالْوَدِيعِ وَالْوَصِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمَنَاءِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ كَالْأَذْرَعِيِّ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: " فَتَلِفَ " أَيْ بَعْدَ عَمَلِهِ فِيهِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْبُوَيْطِيِّ، وَقَوْلُهُ: " ضَمِنَهُ " أَيْ وَإِنْ عَلِمَ الْمَالِكُ كَمَا نَقَلَهُ سم عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِابْنِ حَجَرٍ؛ كَذَا بِخَطِّ الرَّشِيدِيِّ، وَفِي شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ عَلَى مَتْنِ عِمَادِ الرِّضَا فِي آدَابِ الْقَضَاءِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ مَا نَصُّهُ: وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا إذَا ظَنَّ الْمَالِكُ قُدْرَتَهُ عَلَى جَمِيعِهِ أَوْ جَهِلَ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا ضَمَانَ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي الْوَدِيعَةِ) وَهُوَ أَنْ يُصَدَّقَ بِيَمِينِهِ فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ إذَا لَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا، أَوْ ذَكَرَ سَبَبًا خَفِيًّا كَسَرِقَةٍ، أَوْ ظَاهِرًا كَحَرِيقٍ عُرِفَ دُونَ عُمُومِهِ، أَوْ عُرِفَ هُوَ وَعُمُومُهُ وَاتُّهِمَ. وَيُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ فِي صُورَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا ذَكَرَ سَبَبًا ظَاهِرًا عُرِفَ هُوَ وَعُمُومُهُ وَلَمْ يُتَّهَمْ، وَيُصَدَّقُ بِالْيَمِينِ وَالْبَيِّنَةِ مَعًا فِي صُورَةٍ وَهِيَ مَا إذَا جَهِلَ السَّبَبَ الظَّاهِرَ فَإِنَّهُ يُطَالِبُ بِالْبَيِّنَةِ بِوُجُودِهِ ثُمَّ يَحْلِفُ أَنَّ التَّلَفَ بِهِ. فَالصُّوَرُ سِتَّةٌ، لَكِنْ هَلْ مِنْ السَّبَبِ الْخَفِيِّ مَا لَوْ ادَّعَى مَوْتَ الْحَيَوَانِ أَمْ لَا بَلْ هُوَ مِنْ الظَّاهِرِ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِمَوْتِهِ لِأَهْلِ مَحَلَّتِهِ كَمَوْتِ جَمَلٍ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ كَانَ مِنْ الظَّاهِرِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا كَأَنْ كَانَ بِبَرِّيَّةٍ أَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ صَغِيرًا لَا يُعْلَمُ مَوْتُهُ عَادَةً كَدَجَاجَةٍ قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَفِيِّ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِقِسْمَةٍ لَا بِظُهُورٍ) لَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ فَيُوَرَّثُ عَنْهُ وَيَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَيَصِحُّ إعْرَاضُهُ عَنْهُ وَيَغْرَمُهُ الْمَالِكُ بِإِتْلَافِهِ لِلْمَالِ شَرْحُ م ر. قَالَ م د: عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ، مَقَامِ مِلْكٍ فَقَطْ وَمَقَامِ اسْتِقْرَارِ مِلْكٍ، فَبِالْقِسْمَةِ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ حَتَّى لَوْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ نَقْصٌ كَانَ مَحْسُوبًا عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِقْرَارُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ نَضُوضِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ فَسْخِ الْعَقْدِ أَوْ بِنَضُوضِ الْمَالِ وَالْفَسْخِ وَلَوْ بِلَا قِسْمَةٍ؛ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (مَحْسُوبًا عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ كَذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ بِالرِّبْحِ فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَى الرِّبْحِ، مِثَالُ ذَلِكَ الْمَالِ مِائَةٌ وَالرِّبْحُ مِائَةٌ ثُمَّ حَصَلَ خُسْرُ مِائَةٍ فَتَكُونُ هِيَ الرِّبْحُ فَيَرْجِعُ الْمَالُ إلَى مِائَةٍ، فَلَوْ مَلَكَ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ بِالظُّهُورِ لَكَانَ لَهُ نِصْفُ الرِّبْحِ فَإِذَا حَصَلَ خُسْرُ مِائَةٍ عَلَى مَا مَرَّ كَانَ ذَلِكَ الْخُسْرُ مُوَزَّعًا عَلَى الرِّبْحِ وَأَصْلُ الْمَالِ فَيَخُصُّ الْمَالِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْخُسْرِ وَالْعَامِلَ رُبُعُ الْخُسْرِ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْعَامِلِ حِينَئِذٍ خَمْسُونَ وَهِيَ رُبُعُ الْمَالِ فَيَخُصُّهُ مِنْ الْخُسْرَانِ رُبْعُهُ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ عَلَى الْمَالِكِ. قَوْلُهُ: (إنْ نَضَّ) أَيْ صَارَ نَاضًّا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ. قَوْلُهُ: (فَقَطْ) أَيْ بِلَا تَنْضِيضٍ وَلَا فَسْخٍ. قَوْلُهُ: (مَا حَصَلَ) خَرَجَ بِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 وَكَسْبٍ وَمَهْرٍ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الزَّوَائِدِ الْعَيْنِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِغَيْرِ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَوَائِدِ التِّجَارَةِ (وَإِذَا حَصَلَ) فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ (رِبْحٌ وَخُسْرَانٌ) بَعْدَهُ بِسَبَبِ رُخْصٍ أَوْ عَيْبٍ حَادِثٍ (جُبِرَ الْخُسْرَانُ) الْحَاصِلُ بِرُخْصٍ أَوْ عَيْبٍ حَادِثٍ (بِالرِّبْحِ) لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ. وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ. وَلَوْ أَخَذَ الْمَالِكُ بَعْضَهُ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ وَخُسْرٍ رَجَعَ رَأْسُ الْمَالِ لِلْبَاقِي بَعْدَ الْمَأْخُوذِ، أَوْ أَخَذَ بَعْضَهُ بَعْدَ ظُهُورِ رِبْحٍ فَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ رِبْحٌ وَرَأْسُ مَالٍ؛ مِثَالُهُ الْمَالُ مِائَةٌ وَالرِّبْحُ عِشْرُونَ، وَأَخَذَ عِشْرِينَ فَسُدُسُهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ سُدُسُ الْمَالِ فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ الْمَشْرُوطِ لَهُ مِنْهُ، وَهُوَ وَاحِدٌ وَثُلُثَانِ إنْ شَرَطَ لَهُ نِصْفَ الرِّبْحِ أَوْ أَخَذَ بَعْضَهُ بَعْدَ ظُهُورِ خُسْرٍ فَالْخُسْرُ مُوَزَّعٌ عَلَى الْمَأْخُوذِ، وَبِالْبَاقِي مِثَالُهُ الْمَالُ مِائَةٌ وَالْخُسْرُ عِشْرُونَ، وَأَخَذَ عِشْرِينَ فَحِصَّتُهَا مِنْ الْخُسْرِ رُبُعُ الْخُسْرِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، فَيَعُودُ رَأْسُ الْمَالِ إلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ فِي عَدَمِ الرِّبْحِ وَفِي قَدْرِهِ   [حاشية البجيرمي] حَصَلَ مِنْهُ الظَّاهِرُ فِي حُدُوثِهِ مِنْهُ مَا لَوْ اشْتَرَى حَيَوَانًا حَامِلًا أَوْ شَجَرًا عَلَيْهِ ثَمَرٌ غَيْرُ مُؤَبَّرٍ، فَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْوَلَدَ وَالثَّمَرَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَمَهْرٍ) أَيْ بِغَيْرِ وَطْءِ الْعَامِلِ وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ قِرَاضٍ كَمَا قَالَهُ ق ل، لِكَوْنِهِ تَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهِ، وَاعْتَمَدَهُ ز ي. وَقَالَ ح ل: وَمَهْرٍ، أَيْ وَلَوْ بِفِعْلِ الْعَامِلِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ ثَمَّ رِبْحٌ وَإِلَّا حُدَّ اهـ. وَالْمَهْرُ عَلَى مَنْ وَطِئَ أَمَةَ الْقِرَاضِ بِشُبْهَةٍ مِنْهَا أَوْ زِنًا مُكْرَهَةً أَوْ مُطَاوِعَةً وَهِيَ مِمَّنْ لَا يُعْتَبَرُ مُطَاوَعَتُهَا أَوْ نِكَاحُهَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (بَعْدَهُ) أَوْ قَبْلَهُ سم. قَوْلُهُ: (أَوْ عَيْبٍ حَادِثٍ) صُورَةُ هَذِهِ أَنَّهُ اشْتَرَى عَرْضًا بِعِشْرِينَ فَصَارَ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ، ثُمَّ رَجَعَ لِلْعِشْرِينِ بِالرُّخْصِ فَكَأَنَّ الْمَالَ لَمْ يَرْبَحْ. قَوْلُهُ: (جُبِرَ الْخُسْرَانُ بِالرِّبْحِ) أَيْ إذَا تَأَكَّدَ الْعَمَلُ بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا فَاشْتَرَى بِهِ شَيْئًا فَتَلِفَ بَعْضُهُ أَوْ رَخُصَ السِّعْرُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَامِلِ، إذْ الرِّبْحُ هُنَا وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، أَمَّا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مِائَتَيْنِ مَثَلًا فَتَلِفَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَتْلَفُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ مِائَةً، شَرْحُ الدِّمْيَاطِيِّ. وَقَدْ أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ بِجِنَايَةٍ وَتَعَذَّرَ أَخْذُ بَدَلِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (الْحَاصِلُ إلَخْ) الْأَنْسَبُ وَالْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: الْمَذْكُورُ ق ل. قَوْلُهُ: (بِآفَةٍ أَوْ بِجِنَايَةٍ) كَغَصْبٍ وَتَعَذَّرَ أَخْذُ بَدَلِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، فَإِنْ أَخَذَ بَدَلَهُ اسْتَمَرَّ فِيهِ الْقِرَاضُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ) فَإِنْ تَلِفَ بِذَلِكَ قَبْلَهُ فَلَا يُجْبَرُ بِهِ بَلْ يُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِالْعَمَلِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ النَّقْصُ بِرُخْصٍ أَوْ عَيْبٍ حَادِثٍ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ " مَا لَوْ تَلِفَ كُلُّهُ فَإِنَّ الْقِرَاضَ يَرْتَفِعُ سَوَاءٌ كَانَ التَّلَفُ بِآفَةٍ أَمْ بِإِتْلَافِ الْمَالِكِ أَمْ الْعَامِلِ أَمْ أَجْنَبِيٍّ، لَكِنْ يَسْتَقِرُّ نَصِيبُ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ فِي إتْلَافِ الْمَالِكِ وَيَبْقَى الْقِرَاضُ فِي الْبَدَنِ إنْ أَخَذَهُ فِي إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا الْعَامِلُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِإِتْلَافِهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ رِبْحٌ إلَخْ) هَذَا إنْ أَخَذَ بِغَيْرِ رِضَا الْعَامِلِ أَوْ بِرِضَاهُ وَصَرَّحَا بِالْإِشَاعَةِ أَوْ أَطْلَقَا، فَإِنْ قَصَدَ الْأَخْذَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ اخْتَصَّ بِهِ أَوْ مِنْ الرِّبْحِ فَكَذَلِكَ يَمْلِكُ الْعَامِلُ مِمَّا بِيَدِهِ قَدْرَ حِصَّتِهِ عَلَى الْإِشَاعَةِ؛ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَطْلَبِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. فَإِنْ اخْتَلَفَ قَصْدُهُمَا عَمِلَ بِقَصْدِ الْمَالِكِ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (رِبْحٌ وَرَأْسُ مَالٍ) أَيْ عَلَى النِّسْبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا فَلَا يُجْبَرُ بِالرِّبْحِ خُسْرٌ يَقَعُ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْأَخْذِ. قَوْلُهُ: (فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ) أَيْ وَهُوَ قَرْضٌ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ، وَلِلْعَامِلِ أَنْ يَمْلِكَ مِمَّا فِي يَدِهِ قَدْرَ ذَلِكَ ح ل، قَوْلُهُ: (الْمَشْرُوطُ لَهُ إلَخْ) فَعُلِمَ أَنَّ بَاقِيَ الْمَأْخُوذِ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَعُودُ إلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ وَثُلُثٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فَحِصَّتُهَا مِنْ الْخُسْرِ رُبُعُ الْخُسْرِ) ؛ لِأَنَّ الْخُسْرَانَ إذَا وُزِّعَ عَلَى الثَّمَانِينَ خَصَّ كُلَّ عِشْرِينَ خَمْسَةٌ، فَالْعِشْرُونَ الْمَأْخُوذَةُ حِصَّتُهَا خَمْسَةٌ شَرْحُ م ر، وَالسِّتُّونَ الْبَاقِيَةُ عِنْدَ الْعَامِلِ يَخُصُّهَا مِنْ الْخُسْرَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالْجُمْلَةُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا حَصَلَ رِبْحٌ جَبَرْنَا السِّتِّينَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي تَخُصُّهَا فَيَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ. قَوْلُهُ: (فَيَعُودُ رَأْسُ الْمَالِ إلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ) أَيْ حُكْمًا؛ لِأَنَّ كُلَّ عِشْرِينَ مِنْ السِّتِّينَ الْبَاقِيَةِ مُتَحَمِّلَةٌ خَمْسَةً مِنْ الْخُسْرِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا حَصَلَ رِبْحٌ بَعْدَ ذَلِكَ أُخِذَ مِنْهُ خَمْسَةٌ وَجُعِلَتْ رَأْسَ مَالٍ مَضْمُومَةً إلَى السِّتِّينَ الْبَاقِيَةِ فَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ بِالْقُوَّةِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْعِشْرِينَ الْمَأْخُوذَةِ. وَالْعِشْرِينَ الْخُسْرِ سِتُّونَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: حَتَّى لَوْ بَلَغَ ثَمَانِينَ لَمْ يَأْخُذْ الْمَالِكُ الْجَمِيعَ بَلْ تُقَسَّمُ الْخَمْسَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إنْ شَرَطَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 لِمُوَافَقَتِهِ فِيمَا نَفَاهُ لِلْأَصْلِ، وَفِي شِرَاءٍ لَهُ أَوْ لِلْقِرَاضِ وَإِنْ كَانَ خَاسِرًا وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ تَحَالَفَا كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَلِلْعَامِلِ بَعْدَ الْفَسْخِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى رَدِّ الْمَالِ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ كَالْمُودَعِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ. تَنْبِيهٌ: فَائِدَةٌ: كُلُّ أَمِينٍ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُسْتَأْجِرَ. تَتِمَّةٌ: الْقِرَاضُ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ، وَيَنْفَسِخُ بِمَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْوَكَالَةُ كَمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَجُنُونِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَسْخِ أَوْ الِانْفِسَاخِ يَلْزَمُ الْعَامِلُ. اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَبْضَتِهِ وَرَدُّ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ لِمِثْلِهِ بِأَنْ يَنْضِضَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ بَاعَهُ بِنَقْدٍ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ فِي عُهْدَةِ رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا أَخَذَهُ، هَذَا إذَا طَلَبَ الْمَالِكُ الِاسْتِيفَاءَ أَوْ التَّنْضِيضَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَحَظُّهُ فِيهِ. وَلَوْ تَعَاقَدَا عَلَى نَقْدٍ وَتَصَرَّفَ فِيهِ الْعَامِلُ فَأَبْطَلَ السُّلْطَانُ ذَلِكَ النَّقْدَ ثُمَّ فَسَخَ الْعَقْدَ، فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ عَلَى الْعَامِلِ إلَّا مِثْلَ النَّقْدِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الزَّوَائِدِ. فَصْلٌ: فِي الْمُسَاقَاةِ   [حاشية البجيرمي] الْمُنَاصَفَةَ. قَوْلُهُ: (فِي عَدَمِ الرِّبْحِ) فَإِنْ أَقَرَّ بِالرِّبْحِ ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا أَوْ كَذِبًا لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْهُ، نَعَمْ لَهُ تَحْلِيفُ الْمَالِكِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ غَلَطَهُ إنْ ذَكَرَ شُبْهَةً وَإِلَّا فَوَجْهَانِ: أَشْبَهُهُمَا بَلْ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَحْلِيفُهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ مَرْوَانَ؛ أَوْ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ خَسِرَ وَأَمْكَنَ كَأَنْ عَرَضَ كَسَادٌ أَوْ أَنَّهُ رَدَّ مَا اشْتَرَاهُ بِعَيْبٍ وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ وَتَلِفَ بِيَدِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ قَالَهُ الدَّيْرَبِيُّ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ) كَذَا فِي نُسَخٍ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ مَنْ اسْتَأْمَنَهُ. خَاتِمَةٌ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ فَادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ قَرْضٌ فَيَضْمَنُهُ وَالْعَامِلُ أَنَّهُ قِرَاضٌ فَلَا يَضْمَنُهُ فَالْمُصَدَّقُ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ. وَرَجَّحَ الزَّرْكَشِيّ تَصْدِيقَ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ اعْتَرَفَ بِوَضْعِ الْيَدِ وَادَّعَى عَدَمَ شَغْلِ الذِّمَّةِ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَكَذَا إذَا أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَالُ بَاقِيًا وَرَبِحَ فِيهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَالِكُ: قِرَاضٌ فَأَسْتَحِقُّ حِصَّتِي مِنْ الرِّبْحِ، وَقَالَ الْعَامِلُ: قَرْضٌ فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي، صُدِّقَ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الرَّمْلِيُّ زِيَادِيٌّ أج. قَوْلُهُ: (لِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ فَسْخُهُ) وَمَحَلُّ نُفُوذِهِ مِنْ الْعَامِلِ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ اسْتِيلَاءُ ظَالِمٍ عَلَى الْمَالِ أَوْ ضَيَاعُهُ وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذْ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ مِنْ الْمَالِكِ أَيْضًا إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَيَاعِ حِصَّةِ الْعَامِلِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَعْدَ الْفَسْخِ) أَيْ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا. وَقَوْلُهُ: " أَوْ الِانْفِسَاخِ " بِالْمَوْتِ أَوْ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ. قَوْلُهُ: (يَلْزَمُ الْعَامِلَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ) بِأَنْ بَاعَ نَسِيئَةً وَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْمَالِكُ ع ش. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَنْضِضَهُ) أَيْ عَلَى صِفَتِهِ أَيْ بِجَعْلِهِ نَاضًّا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَخَرَجَ بِرَأْسِ الْمَالِ الزَّائِدُ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَنْضِيضُهُ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ فِي عُهْدَةٍ إلَخْ) الْعِبَارَةُ فِيهَا قَلْبٌ وَالتَّقْدِيرُ؛ لِأَنَّ رَدَّ رَأْسِ الْمَالِ فِي عُهْدَتِهِ أَيْ فِي عَلَقَتِهِ أَيْ مُتَعَلِّقٌ بِهِ. [فَصْلٌ فِي الْمُسَاقَاةِ] ِ لَمَّا أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْقِرَاضِ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ فِي شَيْءٍ بِبَعْضِ نَمَائِهِ وَجَهَالَةِ الْعِوَضِ وَشَبَهًا مِنْ الْإِجَارَةِ مِنْ جِهَةِ اللُّزُومِ وَالتَّأْقِيتِ جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا، شَرْحُ م ر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 وَهِيَ لُغَةً مَأْخُوذَةٌ مِنْ السَّقْيِ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِيهَا غَالِبًا لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ فَإِنَّهُمْ يَسْقُونَ مِنْ الْآبَارِ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ أَعْمَالِهَا وَحَقِيقَتُهَا أَنْ يُعَامِلَ غَيْرَهُ عَلَى نَخْلٍ أَوْ شَجَرِ عِنَبٍ لِيَتَعَهَّدَهُ بِالسَّقْيِ وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُمَا. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «دَفَعَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَهَا وَأَرْضَهَا بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَشْجَارِ قَدْ لَا يُحْسِنُ تَعَهُّدَهَا أَوْ لَا يَتَفَرَّغُ لَهُ. وَمَنْ يُحْسِنُ وَيَتَفَرَّغُ قَدْ لَا يَمْلِكُ الْأَشْجَارَ فَيَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَهَذَا إلَى الْعَمَلِ، وَلَوْ اكْتَرَى الْمَالِكُ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ فِي الْحَالِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثِّمَارِ وَيَتَهَاوَنُ الْعَامِلُ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَجْوِيزِهَا. وَأَرْكَانُهَا سِتَّةٌ عَاقِدَانِ وَعَمَلٌ وَثَمَرٌ وَصِيغَةٌ وَمَوْرِدُ الْعَمَلِ. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ بَعْضَهَا وَنَذْكُرُ الْبَاقِيَ فِي الشَّرْحِ (وَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا كَمَا مَرَّ ، وَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا إلَّا (عَلَى) شَجَرِ (النَّخْلِ وَالْكَرْمِ) هَذَا أَحَدُ الْأَرْكَانِ وَهُوَ الْمَوْرِدُ، أَمَّا النَّخْلُ فَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلَوْ ذُكُورًا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الْخَفَّافُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَغْرُوسًا مُعَيَّنًا مَرْئِيًّا بِيَدِ عَامِلٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، وَمِثْلُهُ الْعِنَبُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّخْلِ بِجَامِعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَتَأَتِّي الْخَرْصِ وَتَسْمِيَةُ الْعِنَبِ بِالْكَرْمِ وَرَدَ النَّهْيُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (الْمُحْتَاجِ) بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِلسَّقْيِ. جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: لِمَاذَا أُخِذَتْ مِنْ السَّقْيِ وَاشْتُقَّ لَهَا مِنْهُ اسْمٌ مَعَ أَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى غَيْرِهِ كَالتَّلْقِيحِ وَالتَّعْرِيشِ وَالْحِفْظِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ السَّقْيَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (يَسْقُونَ) وَفِي نُسْخَةٍ " يَسْتَقُونَ " بِتَاءٍ قَبْلَ الْقَافِ، فَالْخِلَافُ فِي ذِكْرِ التَّاءِ وَعَدَمِهَا وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي النُّونِ؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ عَلَى كِلْتَا النُّسْخَتَيْنِ، وَكَذَا بِخَطِّ الَأُجْهُورِيُّ بِهَامِشِ نُسْخَتِهِ، فَمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَابِغِيِّ نَقْلًا عَنْ الَأُجْهُورِيُّ تَحْرِيفٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَنْفَعُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ السَّقْيِ وَالْمُرَادُ أَنَّ فِعْلَ الْعَامِلِ لَيْسَ قَاصِرًا عَلَى السَّقْيِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَنْفَعَ أَعْمَالِهَا أُخِذَتْ مِنْهُ ع ش. قَوْلُهُ: (أَنْ يُعَامِلَ) أَيْ بِصِيغَةٍ مَعْلُومَةٍ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُ أَرْكَانِهَا السِّتَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّرْبِيَةُ) عَطْفٌ عَامٌّ وَهِيَ حِفْظُ الشَّيْءِ الْمُرَبَّى بِتَعَهُّدِهِ بِسَقْيٍ وَغَيْرِهِ إلَى الْحَدِّ الَّذِي أَرَادَهُ الْمُرَبِّي. وَقَوْلُهُ: " قَبْلَ الْإِجْمَاعِ " هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَنَعَهَا وَإِنْ خَالَفَهُ صَاحِبَاهُ مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ. اهـ. ق ل. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ: (عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ) أَيْ عَامَ فَتْحِ خَيْبَرَ لَمَّا فَتَحَهَا عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا وَمَلَكَ أَرْضَهَا وَنَخْلَهَا وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ ثُمَّ رَدَّ لَهُمْ النَّخْلَ وَالْأَرْضَ لِيَكُونُوا عُمَّالًا فِيهِمَا بِالشُّرُوطِ لِمَا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ، وَإِنَّمَا تَعَاطَى النَّبِيُّ الْعَقْدَ نِيَابَةً عَنْ الْغَانِمِينَ؛ وَلَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ وَأَمَّا دَفْعُ الْأَرْضِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُخَابَرَةِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ وَلَوْ تَبَعًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ دَفْعُ الْأَرْضِ عَلَى أَنَّهَا مُزَارَعَةٌ وَالْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ مَثَلًا وَعَسُرَ إفْرَادُ الْأَرْضِ بِالزَّرْعِ وَاتَّحَدَ الْعَقْدُ وَالْعَامِلُ وَقُدِّمَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْمُزَارَعَةِ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ تَبَعًا. وَقَالَ فِي الرَّوْضِ: الْمُعَامَلَةُ تَشْمَلُ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُسَاقَاةَ اهـ. وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَبَعٌ لِلْمُسَاقَاةِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا) فَهِيَ مِمَّا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (جَائِزَةٌ) أَيْ حَلَالٌ صَحِيحَةٌ فَالْجَوَازُ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْبُطْلَانِ لَا الْمُقَابِلِ لِلُّزُومِ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهَا لَازِمَةٌ فَكَيْفَ يَقُولُ جَائِزَةٌ فَتَأَمَّلْ مَداَبِغِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى النَّخْلِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ عَلَى شَجَرٍ مُثْمِرٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ سم. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ذُكُورًا) قَالَ م ر: وَقَدْ يُنَازَعُ فِيهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَبِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ عَلَى الْقَدِيمِ اهـ. وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي سَائِرِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: ذَكَرَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ ذُكُورَ النَّخْلِ قَدْ تُثْمِرُ اهـ. وَأَيْضًا الطَّلْعُ يُقَالُ لَهُ ثَمَرٌ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي النَّخْلِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِهِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ مُعْتَبَرَةً فِي الْعِنَبِ وَأَيْضًا، وَيَبْعُدُ رُجُوعُهُ لِلْمَوْرِدِ الشَّامِلِ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي الْعِنَبُ فِي قَوْلِهِ: وَمِثْلُهُ الْعِنَبُ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ مَغْرُوسًا) ذَكَرَ هُنَا شُرُوطًا خَمْسَةً، وَيُضَمُّ لَهَا كَوْنُهُ نَخْلًا أَوْ عِنَبًا. قَوْلُهُ (لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ) أَيْ صَلَاحُ ثَمَرِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْمَنْهَجُ، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ ظَهَرَ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ الْعِنَبُ) أَيْ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ. وَالْمُنَاسِبُ فِي الْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا الْعِنَبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 عَنْهَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ كَرْمًا إنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاخْتَلَفُوا أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ النَّخْلَ أَفْضَلُ لِوُرُودِ: «أَكْرِمُوا عَمَّاتِكُمْ النَّخْلَ الْمُطْعَمَاتِ فِي الْمَحَلِّ وَأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ طِينَةِ آدَمَ» وَالنَّخْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِنَبِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَشَبَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّخْلَةَ بِالْمُؤْمِنِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِرَأْسِهَا وَإِذَا قُطِعَتْ مَاتَتْ، وَيُنْتَفَعُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَشَبَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيْنَ الدَّجَّالِ بِحَبَّةِ الْعِنَبِ؛ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْخَمْرِ، وَهِيَ أُمُّ الْخَبَائِثِ فَلَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى غَيْرِ نَخْلٍ وَعِنَبٍ اسْتِقْلَالًا كَتِينٍ وَتُفَّاحٍ وَمِشْمِشٍ وَبِطِّيخٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْمُو مِنْ غَيْرِ تَعَهُّدٍ بِخِلَافِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ، وَلَا عَلَى غَيْرِ مَرْئِيٍّ وَلَا عَلَى مُبْهَمٍ   [حاشية البجيرمي] فَبِالْقِيَاسِ عَلَى النَّخْلِ بِجَامِعٍ إلَخْ. وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُ الشُّرُوطِ عَنْهُمَا كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ قَاسِمٍ. قَوْلُهُ: (بِجَامِعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ إلَخْ) فَهُوَ مَقِيسٌ عَلَى النَّخْلِ. وَقِيلَ: إنَّ الشَّافِعِيَّ أَخَذَهُ مِنْ النَّصِّ، وَهُوَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ» كَمَا فِي خَطِّ الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ. فَائِدَةٌ: النَّخْلُ وَالْعِنَبُ يُخَالِفَانِ بَقِيَّةَ الْأَشْجَارِ فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ الزَّكَاةِ وَالْخَرْصِ وَبَيْعِ الْعَرَايَا وَالْمُسَاقَاةِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَأَسْقَطَ خَامِسًا، وَهُوَ جَوَازُ اسْتِقْرَاضِ ثَمَرَتِهِمَا لِإِمْكَانِ مَعْرِفَتِهَا بِالْخَرْصِ فِيهِمَا وَتَعَذَّرَ خَرْصُهَا فِي غَيْرِهِمَا. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهَا) فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَهُ بِالْعِنَبِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ ق ل. فَقَوْلُهُ: " وَرَدَ النَّهْيُ " أَيْ تَنْزِيهًا. قَوْلُهُ: (إنَّمَا الْكَرْمُ) بِسُكُونِ الرَّاءِ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ كَضَخْمٍ وَالْمَصْدَرُ بِفَتْحِهَا. قَوْلُهُ: (وَاخْتَلَفُوا أَيُّهُمَا أَفْضَلُ) أَيْ فِي جَوَابِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ. وَانْظُرْ مَا مَعْنَى الْأَفْضَلِيَّةِ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ مِنْ الذَّوَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مَحَلًّا لِعَمَلٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ أَوْ عِقَابٌ ع ش. وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ هُنَا الشَّرَفُ بِاعْتِبَارِ خَصَائِصَ قَامَتْ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ: «فَضْلُ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ كَفَضْلِ عَائِشَةَ عَلَى سَائِرِ النِّسَاءِ» أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْبَدَنِ فَإِنَّهُ طَعَامٌ مَرِيءٌ سَهْلُ التَّنَاوُلِ سَرِيعُ الِانْهِضَامِ سَهْلُ الْخُرُوجِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّفْضِيلَ بِاعْتِبَارِ زِيَادَةِ الثَّوَابِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْفَعُك فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ أَقَامَ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى أَرْبَعَةَ أَدِلَّةٍ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ لِوُرُودِ، الثَّانِي: وَأَنَّهَا خُلِقَتْ، وَالثَّالِثُ: التَّقْدِيمُ، وَالرَّابِعُ: قَوْلُهُ: " وَشَبَّهَ ". وَقَوْلُهُ أَكْرِمُوا عَمَّاتِكُمْ أَيْ بِالسَّقْيِ وَالتَّعَهُّدِ، وَسُمِّيَتْ النَّخْلَةُ عَمَّةٌ وَهِيَ أُخْتُ الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ آدَمَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الطِّينَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا آدَم. وَذَكَرَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا أَصْلَ لَهُ فَهُوَ مَوْضُوعٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَحْلِ) أَيْ الْجَدْبِ وَالْقَحْطِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّهَا خُلِقَتْ) يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ بِكَسْرِ إنْ وَأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى وَلِوُرُودِ إلَخْ؛ فَيَكُونُ دَلِيلًا آخَرَ لِلْأَفْضَلِيَّةِ. وَفِي نُسْخَةٍ " فَإِنَّهَا " بِالْفَاءِ، وَعَلَيْهَا فَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: " أَكْرِمُوا " وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالنَّخْلِ بَلْ الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ كَذَلِكَ خُلِقَا مِنْ فَضْلِ طِينَتِهِ. كَمَا وَرَدَتْ الثَّلَاثَةُ مُفَرَّقَةً فِي أَحَادِيثَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُخْتَصُّ بِالنَّخْلِ اجْتِمَاعُ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي فِي الشَّرْحِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَالنَّخْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِنَبِ) أَيْ مَعَ الِاتِّصَالِ فَلَا يَرُدُّ مَا فِي عَبَسَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: " فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا " وَلَعَلَّ أَفْضَلِيَّةَ النَّخْلِ عَلَى بَقِيَّةِ الشَّجَرِ كَثْرَةُ نَفْعِهِ، فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِسَائِرِ أَجْزَائِهِ حَتَّى جُذُورِهِ فَهِيَ دَوَاءٌ مِنْ مَرَضِ السُّوسَةِ الَّتِي تَضُرُّ أَسْنَانَ الْإِنْسَانِ تُوضَعُ فِي الْحَجَرِ وَتُشْرَبُ كَالدُّخَانِ الْمَعْرُوفِ. قَوْلُهُ: (وَشَبَّهَ) أَيْ؛ وَلِأَنَّهُ شَبَّهَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِرَأْسِهَا) وَهُوَ مَوْضِعُ الثَّمَرِ فَرَأْسُهَا أَعْلَاهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَسْرِي إلَيْهِ مِنْ بَاطِنِهَا؛ لِأَنَّهَا تَجْذِبُ الْمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ بِعُرُوقِهَا حَتَّى يَصْعَدَ إلَى رَأْسِهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رُطُوبَةُ بَاطِنِهَا إذَا قُطِعَتْ. وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْآدَمِيِّ الْمُؤْمِنِ بَلْ كُلُّ حَيَوَانٍ إذَا قُطِعَ رَأْسُهُ مَاتَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ وَجْهُ الشَّبَهِ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُهُ فِي غَيْرِهَا وَمِنْ ثَمَّ ضَعَّفَ الْحَافِظُ حَجّ شَبَهَهَا بِالْمُؤْمِنِ لِمَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (عَيْنَ الدَّجَّالِ) أَيْ الصَّحِيحَةَ. قَوْلُهُ: (اسْتِقْلَالًا) وَأَمَّا تَبَعًا فَيَجُوزُ إنْ عَسُرَ إفْرَادُ الْغَيْرِ بِالسَّقْيِ كَالْمُزَارَعَةِ. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 كَأَحَدِ الْبُسْتَانَيْنِ كَمَا فِي سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، وَلَا عَلَى كَوْنِهِ بِيَدِ غَيْرِ الْعَامِلِ كَأَنْ جَعَلَ بِيَدِهِ وَبِيَدِ الْمَالِكِ كَمَا فِي الْقِرَاضِ وَلَا عَلَى وَدِيٍّ يَغْرِسُهُ وَيَتَعَهَّدُهُ وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ سَلَّمَهُ بَذْرًا لِيَزْرَعَهُ؛ وَلِأَنَّ الْغَرْسَ لَيْسَ عَمَلَ الْمُسَاقَاةِ فَضَمُّهُ إلَيْهِ يُفْسِدُهَا، وَلَا عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُ ثَمَرِهِ لِفَوَاتِ مُعْظَمِ الْأَعْمَالِ، وَشَرْطٌ فِي الْعَاقِدَيْنِ وَهُمَا الرُّكْنُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مَا مَرَّ فِيهِمَا فِي الْقِرَاضِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَشَرِيكُ مَالِكٍ كَأَجْنَبِيٍّ فَتَصِحُّ مُسَاقَاتُهُ لَهُ إنْ شَرَطَ لَهُ زِيَادَةً عَلَى حِصَّتِهِ وَشَرَطَ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَاقِدِ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ، فَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ كَأَنْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَبْنِيَ جِدَارَ الْحَدِيقَةِ، أَوْ عَلَى الْمَالِكِ تَنْقِيَةُ النَّهْرِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. وَشُرِطَ فِي الثَّمَرِ وَهُوَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ شُرُوطًا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا شَرْطَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَلَهَا شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ   [حاشية البجيرمي] فَلَوْ كَانَ بَيْنَ الشَّجَرِ بَيَاضٌ صَحَّتْ مَعَ الْمُسَاقَاةِ إنْ اتَّحَدَ عَقْدٌ وَعَامِلٌ وَعَسُرَ إفْرَادُ الشَّجَرِ بِالسَّقْيِ وَقُدِّمَتْ الْمُسَاقَاةُ وَإِنْ تَفَاوَتَ الْجُزْءَانِ الْمَشْرُوطَانِ. قَوْلُهُ: (مِشْمِشٍ) بِكَسْرِ الْمِيمَيْنِ أَوْ فَتْحِهِمَا أَوْ ضَمِّهِمَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَنْمُو إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ. قَوْلُهُ: (كَأَحَدِ الْبُسْتَانَيْنِ) أَيْ وَإِنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُنَا لَازِمٌ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ فِي الْقِرَاضِ ق ل أَيْ حَيْثُ جَازَ إذَا عَيَّنَ إحْدَاهُمَا فِي الْمَجْلِسِ، أَيْ وَاللَّازِمُ يُحْتَاطُ لَهُ وَالْجَائِزُ يُغْتَفَرُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى كَوْنِهِ) أَيْ وَلَا عَلَى شَجَرٍ يَكُونُ تَحْتَ يَدِ غَيْرِ الْعَامِلِ، فَفِي الْعِبَارَةِ مُسَامَحَةٌ إذْ الْكَوْنُ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ ع ش. قَوْلُهُ: وَدِيٍّ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ صِغَارُ النَّخْلِ وَإِذَا عَمِلَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ تُوُقِّعَتْ الثَّمَرَةُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَإِلَّا فَلَا، ز ي. وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: " مَغْرُوسًا " وَيُقَالُ لِلْوَدِيِّ فَسِيلٌ وَشَتْلٌ وَاحِدَتُهَا وَدِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (يَغْرِسُهُ) أَيْ الْعَامِلُ وَهُوَ لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ لَوْ جُعِلَ الْغَرْسُ عَلَى الْمَالِكِ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ "؛ وَلِأَنَّ الْغَرْسَ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ " قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى وَدِيٍّ لِيَغْرِسَهُ الْمَالِكُ وَيَتَعَهَّدُهُ هُوَ بَعْدَ الْغَرْسِ لَمْ يَمْتَنِعْ. وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ شَيْخِنَا الْحَلَبِيِّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُرَادًا. أَقُولُ: وَلَوْ قِيلَ بِالصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ عَقَدَ عَلَيْهِ غَيْرَ مَغْرُوسٍ أَوْ مَغْرُوسًا بِمَحَلٍّ كَالشَّتْلِ عَلَى أَنْ يَنْقُلَهُ الْمَالِكُ وَيَغْرِسَهُ وَيَعْمَلَ فِيهِ الْعَامِلُ لَمْ يَبْعُدْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ عَلَى الْعَامِلِ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (إلَيْهِ) أَيْ إلَى عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ. قَوْلُهُ: (مَا بَدَا صَلَاحُ ثَمَرِهِ) وَلَوْ الْبَعْضَ فِي الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ س ل. قَوْلُهُ: (وَهُمَا الرُّكْنُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِتَفْصِيلِ الْأَرْكَانِ، أَمَّا بِالنَّظَرِ لِلْإِجْمَالِ فَهُمَا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي إنْ عُدَّا اثْنَيْنِ أَوْ الْأَوَّلُ إنْ عُدَّا وَاحِدًا. قَوْلُهُ: (مَا مَرَّ فِي الْقِرَاضِ) إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ أَعْمَى؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مُشَاهَدٌ وَهُوَ لَا يَرَاهُ، وَأَمَّا الْعَامِلُ فَإِنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِهِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا جَازَ كَوْنُهُ أَعْمَى. قَوْلُهُ: (فَتَصِحُّ مُسَاقَاتُهُ لَهُ) بِأَنْ يَقُولَ سَاقَيْتُك عَلَى حِصَّتِي أَوْ عَلَى جَمِيعِ الشَّجَرِ. وَاسْتِشْكَالُهُ هَذَا بِأَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ يَجِبُ كَوْنُهُ فِي خَالِصِ مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ. أُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْمُسَاقَاةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْإِجَارَةِ، شَرْحُ م ر مُلَخَّصًا. وَكَتَبَ ع ش عَلَى قَوْلِهِ: " مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْإِجَارَةِ " " هَذَا بِنَاءً عَلَى تَفْرِقَتِهِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ كَمَا سَيَأْتِي لَهُ فِي الْإِجَارَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لَتُرْضِعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ فِي الْحَالِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (إنْ شَرَطَ لَهُ زِيَادَةً) فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ بَطَلَتْ لِخُلُوِّهَا عَنْ الْعِوَضِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ طَامِعًا، فَإِنْ شَرَطَ لَهُ جَمِيعَ الثِّمَارِ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لَكِنْ لَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا. وَقَيَّدَ الْغَزَالِيُّ تَبَعًا لِإِمَامِهِ بِمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْفَسَادُ وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ مُسَاقَاةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى حِصَّتِهِ أَجْنَبِيًّا وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ. اهـ. شَرْحُ الْبَهْجَةِ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ وَأَفْتَى بِهِ م ر. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (مَا لَيْسَ عَلَيْهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إحَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ لَمْ يُعْلَمْ مِمَّا سَبَقَ بَلْ مِمَّا يَأْتِي. وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ سَيُذْكَرُ قَرِيبًا كَانَ كَأَنَّهُ مَعْلُومٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَشُرِطَ فِي الثَّمَرِ) يُتَأَمَّلُ، فَإِنَّ هَذَا شَرْطٌ لِلْعَمَلِ لَا لِلثَّمَرِ. وَعِبَارَةُ ق ل: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَذْكُورَ شُرُوطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ الْمُعْتَبَرِ فِيهِ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ شُرُوطِ الْأَرْكَانِ الَّذِي مِنْهَا مَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ كَالنَّخْلِ أَوْ الْعِنَبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَمَلِ وَاشْتِرَاكِهِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 يُقَدِّرَهَا) أَيْ الْعَاقِدَانِ (بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ) يُثْمِرُ فِيهَا الشَّجَرُ غَالِبًا كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ كَالْإِجَارَةِ، فَلَا تَصِحُّ مُؤَبَّدَةً وَلَا مُطْلَقَةً وَلَا مُؤَقَّتَةً بِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ لِلْجَهْلِ بِوَقْتِهِ فَإِنَّهُ يَتَقَدَّمُ تَارَةً وَيَتَأَخَّرُ أُخْرَى، وَلَا مُؤَقَّتَةً بِزَمَنٍ لَا يُثْمِرُ فِيهِ الشَّجَرُ غَالِبًا لِخُلُوِّ الْمُسَاقَاةِ عَنْ الْعِوَضِ وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُثْمِرُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ، وَإِنْ اسْتَوَى الِاحْتِمَالَانِ أَوْ جَهِلَ الْحَالَ فَلَهُ أُجْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا وَإِنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ بَاطِلَةً (وَ) الشَّرْطُ (الثَّانِي أَنْ يُعَيِّنَ) الْمَالِكُ (لِلْعَامِلِ جُزْءًا) كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا (مَعْلُومًا) كَالثُّلُثِ فِي الثَّمَرَةِ الَّتِي أَوْقَعَ عَلَيْهَا الْعَقْدَ. وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالثَّمَرَةِ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ بَعْضِهِ لِغَيْرِهِمَا وَلَا كُلِّهِ لِلْمَالِكِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ. وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ عِنْدَ شَرْطِ الْكُلِّ لِلْمَالِكِ وَجْهَانِ كَالْقِرَاضِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ. وَشَرْطٌ فِي الصِّيغَةِ وَهُوَ الرُّكْنُ السَّادِسُ مَا مَرَّ فِيهَا فِي الْبَيْعِ. غَيْرُ عَدَمِ التَّأْقِيتِ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ آنِفًا كَسَاقَيْتُكَ أَوْ عَامَلْتُك عَلَى هَذَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَنَا، فَيَقْبَلُ الْعَامِلُ لَا تَفْصِيلَ أَعْمَالٍ بِنَاحِيَةٍ بِهَا عُرْفٌ غَالِبٌ فِي الْعَمَلِ عَرَّفَهُ الْعَاقِدَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عُرْفٌ غَالِبٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يُعَرِّفَاهُ اُشْتُرِطَ. وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ الَّذِي عَرَّفَاهُ   [حاشية البجيرمي] فِي الرِّبْحِ الْمُتَعَلِّقِ بِالثَّمَرَةِ، وَلَيْسَ ذِكْرُ الْمُدَّةِ مُتَعَلِّقًا بِالثَّمَرَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ جَعَلَهُ مُتَعَلِّقًا بِالصِّيغَةِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا شَرْطَيْنِ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ شَرْطٌ فِي الْعَمَلِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ لَا فِي الثَّمَرَةِ، وَقَدْ جَعَلَ سم كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَنْ يُقَدِّرَ عَمَلَهَا أَيْ الْعَمَلَ فِيهَا بِعِدَّةٍ. قَوْلُهُ؛ (وَلَهَا) أَيْ لِصِحَّتِهَا شَرْطَانِ. قَوْلُهُ: (يُثْمِرُ) هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْمُدَّةِ ق ل. قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ مُؤَبَّدَةً وَلَا مُطْلَقَةً) مُحْتَرَزُ التَّقْدِيرِ بِمُدَّةٍ. وَقَوْلُهُ: " وَلَا بِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ " مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " مَعْلُومَةً ". وَفِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَكَذَا لَوْ قُدِّرَ بِمُدَّةٍ لَا يُثْمِرُ فِيهَا الشَّجَرُ وَأَمَّا تَفْصِيلُ الشَّارِحِ فَهُوَ فِي الرَّابِعَةِ فَقَطْ. بَقِيَ مَا لَوْ أَثْمَرَ الثَّمَرُ فِي الْمُدَّةِ وَفَرَغَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، فَهَلْ يَبْقَى إلَى أَوَانِهِ أَوْ يُقْطَعُ؟ الظَّاهِرُ إبْقَاؤُهُ، وَهَلْ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى الْمَالِكِ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا لَوْ أَثْمَرَ وَبَدَا صَلَاحُهُ وَلَمْ تَفْرُغْ الْمُدَّةُ فَهَلْ يَلْزَمُ الْعَامِلَ الْعَمَلُ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ؟ الظَّاهِرُ اللُّزُومُ، وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ لَوْ غُصِبَ الثَّمَرُ أَوْ لَمْ يُثْمِرْ وَفِيهِمَا لَا شَيْءَ لَهُ، وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ سم. قَوْلُهُ: (كَسَنَةٍ) وَلَوْ كَانَ النَّخِيلُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مِمَّا يُثْمِرُ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ فَأَطْلَعَتْ الثَّمَرَةُ الْأُولَى قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَالثَّانِيَةُ بَعْدَهَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَهَلْ تَقُولُ يَفُوزُ بِهَا الْمَالِكُ أَوْ يَكُونُ الْعَامِلُ شَرِيكًا لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا ثَمَرَةُ الْعَامِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا سم. قَوْلُهُ: (لَا يُثْمِرُ فِيهِ الشَّجَرُ غَالِبًا) بِأَنْ يُمْكِنَ فِيهِ الْإِثْمَارُ نَادِرًا أَوْ يَسْتَوِي الْإِثْمَارُ وَعَدَمُهُ أَوْ جَهِلَ الْحَالَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَوَى إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ) كَمَا لَوْ قُدِّرَتْ بِمُدَّةٍ يُثْمِرُ فِيهَا الشَّجَرُ غَالِبًا فَلَمْ يُثْمِرْ أَوْ أَثْمَرَ بَعْدَهَا سم. قَوْلُهُ: (فَلَهُ أُجْرَتُهُ) وَإِنْ عُلِمَ الْفَسَادُ وَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ سم. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا) أَيْ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي الِاسْتِوَاءِ وَغَلَبَةِ ظَنِّهِ فِي جَهْلِ الْحَالِ. قَوْلُهُ: (وَقَعَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ) أَيْ لِأَجْلِهَا فَ " عَلَى " بِمَعْنَى لَامِ التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى الثَّمَرَةِ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " عَلَيْهَا " أَيْ عَلَى أَصْلِهَا، وَهُوَ الشَّجَرُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى الثَّمَرَةِ وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الشَّجَرِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ بَعْضِهِ) مُحْتَرَزُ الثَّالِثِ الَّذِي زَادَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (وَلَا كُلِّهِ لِلْمَالِكِ) هَذَا مَفْهُومُ الشَّرْطِ الثَّانِي، فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى الثَّالِثِ لَكَانَ أَنْسَبَ ق ل. وَيُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَهُ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ بَلْ هُمَا رَاجِعَانِ لِلثَّالِثِ، إذْ مَعْنَى قَوْلِهِ اخْتِصَاصُهُمَا بِالثَّمَرِ أَنَّهُ لَا تُجَاوِزُهُمَا لِغَيْرِهِمَا بَلْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ صَادِقٌ بِمَا ذَكَرَ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الرَّوْضِ وَحَاشِيَتِهِ لِلشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ مَا يُعَيِّنُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ) أَيْ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ السَّادِسُ) فِيهِ أَنَّهَا خَامِسٌ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي عَدِّ الْأَرْكَانِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ سَادِسٌ أَيْضًا بِالنَّظَرِ لِجُمْلَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهَا وَذِكْرُ الضَّمِيرِ بِالنَّظَرِ لِلْخَبَرِ. قَوْلُهُ: (بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ) وَهُوَ أَنْ يُقَدِّرَاهَا بِمُدَّةٍ مَا ق ل بَلْ يُشْتَرَطُ التَّأْقِيتُ. قَوْلُهُ: (آنِفًا) يُمَدُّ وَيُقْصَرُ أَيْ قَرِيبًا اهـ. تَقْرِيبٌ. قَوْلُهُ: (كَسَاقَيْتُكَ إلَخْ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ الْمُدَّةَ فِي الصِّيغَةِ. قَوْلُهُ: (فَيَقْبَلُ الْعَامِلُ) أَيْ لَفْظًا م ر. قَوْلُهُ: " لَا تَفْصِيلَ أَعْمَالٍ " عَطْفٌ عَلَى مَا مَرَّ وَسَوَاءً عُقِدَ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ أَوْ غَيْرِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَوْلُهُ: (فَلَا يُشْتَرَطُ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الصِّيغَةِ ق ل. قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 فِي نَاحِيَةٍ (ثُمَّ الْعَمَلُ فِيهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ حُكْمِهَا الْأَوَّلُ (عَمَلٌ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الثَّمَرَةِ) لِزِيَادَتِهَا أَوْ صَلَاحِهَا أَوْ يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَسَقْيِ وَتَنْقِيَةِ مَجْرَى الْمَاءِ مِنْ طِينٍ وَنَحْوِهِ، وَإِصْلَاحِ أَجَاجِينَ يَقِفُ فِيهَا الْمَاءُ حَوْلَ الشَّجَرِ لِيَشْرَبَهُ شُبِّهَتْ بِأَجَاجِينِ الْغَسِيلِ جَمْعُ إجَّانَةٍ، وَتَلْقِيحِ النَّخْلِ وَتَنْحِيَةِ حَشِيشٍ وَقُضْبَانٍ مُضِرَّةٍ بِالشَّجَرِ وَتَعْرِيشٍ لِلْعِنَبِ إنْ جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَنْصِبَ أَعْوَادًا وَيُظَلِّلَهَا وَيَرْفَعَهُ عَلَيْهَا. وَيَحْفَظَ الثَّمَرَ عَلَى الشَّجَرِ. وَفِي الْبَيْدَرِ عَنْ السَّرِقَةِ وَالشَّمْسِ وَالطَّيْرِ بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ عُنْقُودٍ فِي وِعَاءٍ يُهَيِّئُهُ الْمَالِكُ كَقَوْصَرَّةٍ وَقَطْعِهِ وَتَجْفِيفِهِ (فَهُوَ) كُلُّهُ (عَلَى الْعَامِلِ) دُونَ   [حاشية البجيرمي] اشْتَرَطَ) أَيْ التَّفْصِيلَ. قَوْلُهُ: (وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: فَلَا يُشْتَرَطُ قَوْلُهُ: (هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ حُكْمِهَا إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ مَعَ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَمَلِ. اهـ. ق ل. إلَّا أَنْ يُقَالَ عُذْرُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَتْنُ لَيْسَ كُلُّهُ مِنْ تَعَلُّقِ عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمَالِكِ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ. قَوْلُهُ: (الْأَوَّلُ) أَيْ مِنْ الضَّرْبَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ) الْأَوْلَى وَيَتَكَرَّرُ بِالْوَاوِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ؛ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْوَاوِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَعَلَى الْعَامِلِ مَا يَحْتَاجُهُ الثَّمَرُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ. قَوْلُهُ: (كُلَّ سَنَةٍ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ كُلَّمَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَسَقْيٍ) بَيَّنَ الْعَمَلَ الَّذِي عَلَى الْعَامِلِ بِعَشْرَةِ أُمُورٍ. قَوْلُهُ (يَقِفُ فِيهَا الْمَاءُ) وَهِيَ الْحُفَرُ حَوْلَ الشَّجَرِ. قَوْلُهُ: (جَمْعُ إجَّانَةٍ) بِالتَّشْدِيدِ أَصْلُهُ إنَاءٌ يُغْسَلُ فِيهِ الثِّيَابُ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ ذَلِكَ وَأُطْلِقَ عَلَى مَا حَوْلَ النَّخْلِ، فَقَوْلُهُمْ إصْلَاحُ الْأَجَاجِينِ الْمُرَادُ بِهَا مَا حَوَالَيْ الْأَشْجَارِ شَبَّهَ الْأَحْوَاضَ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (وَتَلْقِيحُ النَّخْلِ) وَهُوَ وَضْعُ شَيْءٍ مِنْ طَلْعِ الذُّكُورِ فِي طَلْعِ الْإِنَاثِ، وَقَدْ يَسْتَغْنِي بَعْضُ النَّخْلِ عَنْ طَلْعِ الذُّكُورِ لِكَوْنِهَا تَحْتَ رِيحِ الذُّكُورِ فَيَحْمِلُ الْهَوَاءُ رِيحَ الذُّكُورِ إلَيْهَا اهـ ز ي. قَوْلُهُ: حَشِيشٍ اسْمٌ لِلْيَابِسِ فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْكَلَإِ لِيَشْمَلَ الرَّطْبَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ ق ل نَقَلَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْجَلَالِ إطْلَاقَهُ عَلَيْهِمَا لُغَةً فَقَالَ الْحَشِيشُ اسْمٌ لِلرَّطْبِ وَالْيَابِسِ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. قَوْلُهُ (وَتَعْرِيشٍ لِلْعِنَبِ) قَالَ سم: وَيَتْبَعُ الْعُرْفَ فِي تَعْرِيشِ الْعِنَبِ وَوَضْعِ الشَّوْكِ عَلَى رَأْسِ الْجِدَارِ وَسَدِّ الثُّلْمِ الْيَسِيرَةِ الَّتِي تَتَّفِقُ فِي الْجِدَارِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُظَلِّلُهَا) أَيْ يَرْبِطُهَا بِالْحِبَالِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَذَا كَانَ أَوْلَى ق ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: " وَيُظَلِّلُهَا " أَيْ يَجْعَلُ عَلَيْهَا مِظَلَّةً كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ الْآنَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَيَحْفَظُ الثَّمَرَ) مَعْطُوفٌ عَلَى سَقْيٍ مِنْ كَسَقْيٍ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِ " أَنْ " مُضْمَرَةٍ عَلَى حَدِّ: وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ إلَخْ. فَهُوَ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ مَعْطُوفٍ عَلَى سَقْيٍ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَحِفْظِ الثَّمَرِ، وَهِيَ تَدُلُّ لِذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ تَمَامِ تَعْرِيفِ التَّعْرِيشِ وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْبَيْدَرِ) أَيْ الْجُرْنِ. قَوْلُهُ:. (عَنْ السَّرِقَةِ) لَوْ كَثُرَ السُّرَّاقُ أَوْ كَبُرَ الْبُسْتَانُ وَعَجَزَ عَنْ الْحِفْظِ ضُمَّ إلَيْهِ مُسَاعِدٌ وَأُجْرَتُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: عَلَى الْمَالِكِ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. قَوْلُهُ: كَقَوْصَرَّةٍ أَيْ قَوْطَةٍ بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ وَوَاوٍ سَاكِنَةٍ فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْقَوْصَرَةُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ وِعَاءُ التَّمْرِ يُتَّخَذُ مِنْ قَصَبٍ أَوْ خُوصٍ اهـ. قَالَ الرَّاجِزُ: أَفْلَحَ مَنْ كَانَتْ لَهُ قَوْصَرَّهْ ... يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّهْ قَوْلُهُ: (وَقَطْعِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى سَقْيٍ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ) هَذَا كَانَ خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ عَمَلٍ يَعُودُ نَفْعُهُ فِي الْمَتْنِ، وَالشَّارِحُ جَعَلَ قَوْلَهُ عَمَلٍ يَعُودُ إلَخْ خَبَرًا عَنْ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْأَوَّلُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ مُفَرَّعًا عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَإِ لَا مَحَلَّ لَهُ مِنْ الْإِعْرَابِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ، فَلَوْ شَرَطَ مَا عَلَى أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بَطَلَ الْعَقْدُ. نَعَمْ اسْتَثْنَى الْبَنْدَنِيجِيُّ مَا إذَا شَرَطَ السَّقْيَ عَلَى الْمَالِكِ فَيَلْزَمُهُ وَرَوَاهُ عَنْ النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَاقَاهُ عَلَى الْبَعْلِيِّ وَهُوَ مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ جَازَ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَصْحَابِ خِلَافُهُ وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا مَا عَلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا أَوْ بِإِذْنِهِ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ. وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْإِذْنِ لَا يَقْتَضِي الْأُجْرَةَ فَالْمُتَّجَهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا إذَا قَالَ اغْسِلْ ثَوْبِي وَالصَّحِيحُ فِيهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا تَابِعٌ لِعَمَلٍ تَجِبُ فِيهِ الْأُجْرَةُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ اغْسِلْ ثَوْبِي. اهـ. سم. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ لَهُ اسْتِئْجَارُ الْمَالِ عَلَيْهِ وَمَا وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ لَوْ فَعَلَهُ الْعَامِلُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ تَنْزِيلًا لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 الْمَالِكِ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَكَرَّرُ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُسَاقَاةِ، وَتَكْلِيفُ الْعَامِلِ مِثْلُ هَذَا إجْحَافٌ بِهِ (وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي (عَمَلٌ يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى الْأَرْضِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَرَّرَ كُلَّ سَنَةٍ وَلَكِنْ يُقْصَدُ بِهِ حِفْظُ الْأُصُولِ كَبِنَاءِ حِيطَانِ الْبُسْتَانِ وَحَفْرِ نَهْرٍ وَإِصْلَاحِ مَا انْهَارَ مِنْ النَّهْرِ، وَنَصْبِ الْأَبْوَابِ وَالدُّولَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَآلَاتِ الْعَمَلِ كَالْفَأْسِ وَالْمِعْوَلِ وَالْمِنْجَلِ وَالطَّلْعِ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهِ النَّخْلُ وَالْبَهِيمَةِ الَّتِي تُدِيرُ الدُّولَابَ (فَهُوَ) كُلُّهُ (عَلَى رَبِّ الْمَالِ) دُونَ الْعَامِلِ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ، وَيَمْلِكُ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَرِ بِالظُّهُورِ إنْ عُقِدَ قَبْلَ ظُهُورِهِ وَفَارَقَ الْقِرَاضَ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ فِيهِ الرِّبْحَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ وَالثَّمَرُ لَيْسَ وِقَايَةً لِلشَّجَرِ، أَمَّا إذَا عُقِدَ بَعْدَ ظُهُورِهِ فَيَمْلِكُهَا بِالْعَقْدِ. وَخَرَجَ بِالثَّمَرِ الْجَرِيدُ وَالْكِرْنَافُ وَاللِّيفُ فَلَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بَلْ يَخْتَصُّ بِهِ الْمَالِكُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ: وَلَوْ شَرَطَ جَعَلَهُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَاهُ فِي الثَّمَرِ فَوَجْهَانِ فِي الْحَاوِي اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَلَوْ شَرَطَهَا لِلْعَامِلِ بَطَلَ قَطْعًا، وَعَامِلُ الْمُسَاقَاةِ أَمِينٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ الْعِوَضِ غَيْرَ الثَّمَرِ، فَلَوْ سَاقَاهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِهِمَا لَمْ تَنْعَقِدْ مُسَاقَاةٌ وَلَا إجَارَةٌ إلَّا إنْ فَصَّلَ الْأَعْمَالَ وَكَانَتْ مَعْلُومَةً. وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى نَوْعٍ بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى آخَرَ بِالثُّلُثِ فَسَدَ الْأَوَّلُ لِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ عَقَدَهُ جَاهِلًا بِفَسَادِ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَيَصِحُّ. تَتِمَّةٌ: الْمُسَاقَاةُ لَازِمَةٌ كَالْإِجَارَةِ، فَلَوْ هَرَبَ الْعَامِلُ أَوْ عَجَزَ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ وَتَبَرَّعَ غَيْرُهُ بِالْعَمَلِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَالِهِ بَقِيَ حَقُّ الْعَامِلِ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ غَيْرُهُ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ اكْتَرَى الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَنْ يَعْمَلُ بَعْدَ   [حاشية البجيرمي] مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ اقْضِ دَيْنِي، وَبِهِ فَارَقَ قَوْلَهُ اغْسِلْ ثَوْبِي اهـ. وَإِذَا تَرَكَ الْعَامِلُ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ نَقَصَ مِنْ حِصَّتِهِ بِقَدْرِهِ كَمَا قَالَهُ س ل. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَرَّرَ كُلَّ سَنَةٍ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ فِيمَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (مَا انْهَارَ) أَيْ هُدِمَ. قَوْلُهُ: (وَالدُّولَابِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَبْوَابِ. قَوْلُهُ: (وَآلَاتُ الْعَمَلِ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى عَمَلٍ، لَا بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بِنَاءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ عَمَلًا. قَوْلُهُ: (وَالْمِعْوَلُ) هُوَ الْفَأْسُ الْعَظِيمَةُ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. وَالْمِنْجَلِ آلَةٌ يُقَلَّمُ بِهَا النَّخْلُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ. قَوْلُهُ: (بِالظُّهُورِ) أَيْ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فَلَوْ ظَهَرَ ثَمَرٌ فِي الْمُدَّةِ وَأُدْرِكَ فِيهَا ثُمَّ أُدْرِكَ ثَمَرٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَهَلْ يَخْتَصُّ الْمَالِكُ بِالثَّانِي أَوْ يُشَارِكُهُ الْعَامِلُ؟ الظَّاهِرُ اخْتِصَاصُ الْمَالِكِ بِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِالْقِسْمَةِ) أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهَا وَهُوَ الْفَسْخُ وَالتَّنْضِيضُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وِقَايَةً لِرَأْسِ الْمَالِ) أَيْ يَقِيهِ عَنْ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ نَقْصٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ جُبِرَ بِالرِّبْحِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا عُقِدَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ وَفَارَقَ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالثَّمَرِ إلَخْ) وَفِي الْعُرْجُونِ وَهُوَ السَّاعِدُ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ لِلْمَالِكِ وَاعْتَمَدَهُ كُلَّهُ م ر سم بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْكِرْنَافُ) بِكَسْرِ الْكَافِ، شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَرَطَ جُعْلَهُ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ) الْمُعْتَمَدُ الْبُطْلَانُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَرَطَهُمَا لِلْعَامِلِ) أَيْ الثَّلَاثَةِ، وَقَوْلُهُ: " بَطَلَ " أَيْ الْعَقْدُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى نَوْعٍ) كَالنَّخْلِ كَأَنْ قَالَ سَاقَيْتُك عَلَى النَّخْلِ بِنِصْفِ ثَمَرِهِ بِشَرْطِ أَنْ أُسَاقِيَك عَلَى الْعِنَبِ بِثُلُثِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى آخَرَ) كَالْعِنَبِ. قَوْلُهُ: (لَازِمَةٌ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأَعْمَالِ وَإِنْ تَلِفَتْ الثَّمَرَةُ بِآفَةٍ أَوْ نَحْوِ غَصْبٍ شَرْحُ م ر، وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمَالِكِ اهـ عُبَابٌ. قَوْلُهُ: (كَالْإِجَارَةِ) أَيْ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ وَعَمَلٍ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ بِمُعَاوَضَةٍ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ هَرَبَ الْعَامِلُ إلَخْ) شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْعَيْنِ أَوْ الذِّمَّةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْتِدْرَاكُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُفْهَمُ مِنْ الِاسْتِدْرَاكِ تَقْيِيدُ كَلَامِهِ بِكَوْنِ الْمُسَاقَاةِ فِي الذِّمَّةِ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتَبَرَّعَ غَيْرُهُ) أَيْ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمَالِكَ بِعَمَلِهِ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ يَكُونُ كَمَا لَوْ قَصَدَ الْمَالِكَ ح ل. قَوْلُهُ: (بَقِيَ حَقُّ الْعَامِلِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَنْفَسِخُ بِصَرِيحِ الْفَسْخِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: وَفِيهِ أَنَّهُ اسْتِحْقَاقٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ. وَأُجِيبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 ثُبُوتِ الْمُسَاقَاةِ وَهَرَبَ الْعَامِلُ مَثَلًا وَتَعَذَّرَ إحْضَارُهُ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا اكْتَرَى بِمُؤَجَّلٍ إنْ تَأَتَّى. نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْعَيْنِ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُعِينِ الْيَمَنِيُّ وَالنَّشَائِيُّ أَنَّهُ لَا يَكْتَرِي عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِ الْمَالِكِ مِنْ الْفَسْخِ، ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ اكْتِرَاؤُهُ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ غَيْرِهِ وَيُوَفِّي نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَرِ. ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ اقْتِرَاضُهُ عَمِلَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَنْفَقَ بِإِشْهَادٍ بِذَلِكَ شَرَطَ فِيهِ رُجُوعًا بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ أَوْ بِمَا أَنْفَقَهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمُسَاقِي فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ وَخَلَّفَ تَرِكَةً عَمِلَ وَارِثُهُ إمَّا مِنْهَا بِأَنْ يَكْتَرِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبُ عَلَى مُوَرَّثِهِ، أَوْ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِنَفْسِهِ وَيُسَلِّمُ لَهُ الْمَشْرُوطَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ تَمْكِينُهُ مِنْ الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ أَمِينًا عَارِفًا بِالْأَعْمَالِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرِكَةٌ فَلِلْوَارِثِ الْعَمَلُ وَلَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ دَابَّةً لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا أَوْ يَتَعَهَّدَهَا وَفَوَائِدُهَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ فِي   [حاشية البجيرمي] بِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا ذَلِكَ مَنْزِلَةَ التَّبَرُّعِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (مَثَلًا) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: " وَهَرَبَ " وَمِثْلُهُ مَا إذَا امْتَنَعَ وَهُوَ حَاضِرٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَالِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِاكْتَرَى. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: اكْتَرَى الْحَاكِمُ. قَوْلُهُ: (صَاحِبُ الْمُعِينِ) هُوَ كِتَابٌ جَلِيلٌ، اهـ أج. قَوْلُهُ: وَالنَّشَائِيُّ بِكَسْرِ النُّونِ وَالْمَدِّ نِسْبَةً لِبَيْعِ النِّشَا بِرْمَاوِيٌّ وَضَبَطَهُ السُّيُوطِيّ فِي اللُّبِّ بِفَتْحِ النُّونِ نِسْبَةً إلَى النَّشَا الْمَعْرُوفِ بِرِيفِ مِصْرَ وَقِيلَ النَّشَا بِفَتْحِ النُّونِ اسْمُ بَلَدٍ أَوْ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْحَلْوَى. قَوْلُهُ: (لِتَمَكُّنِ الْمَالِكِ مِنْ الْفَسْخِ) أَيْ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يَعْمَلَ بِلَا رُجُوعٍ ق ل. فَرْعٌ: لَوْ أَرَادَ مَالِكُ الْأَشْجَارِ الْمُسَاقِي عَلَيْهَا بَيْعَهَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ امْتَنَعَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ ظُهُورِهَا جَازَ وَالْعَامِلُ مَعَ الْمُشْتَرِي كَهُوَ مَعَ الْبَائِعِ، وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ فَقَطْ مِنْ الثَّمَرَةِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ بَاطِلٌ لِشُيُوعِهِ ز ي. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ فِي الذِّمَّةِ ح ل. قَوْلُهُ: (اقْتَرَضَ عَلَيْهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَقَوْلُهُمْ اقْتَرَضَ وَاكْتَرَى يُفْهَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَاقِيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ ذَلِكَ. سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِإِشْهَادٍ بِذَلِكَ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ وَالْعَمَلِ فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ كَمَا ذَكَرَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِشْهَادُ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْعَمَلِ وَالْإِنْفَاقِ وَلَمْ تَظْهَرْ الثَّمَرَةُ فَلَهُ الْفَسْخُ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ فَلَا فَسْخَ وَهِيَ لَهُمَا؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: " وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ " فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ عَلَى الْمَحَلِّ اهـ ح ل. وَقَوْلُهُ: " فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِشْهَادُ " ظَاهِرُهُ عَدَمُ الرُّجُوعِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ بَاطِنًا لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، بَلْ وَمِثْلُهُ سَائِرُ الصُّوَرِ الَّتِي قِيلَ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ لِفَقْدِ الشُّهُودِ، فَإِنَّ الشُّهُودَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ ظَاهِرًا، وَإِلَّا فَالْمَدَارُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَعَدَمِهِ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي الْإِشْهَادِ. قَوْلُهُ: (بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِمَا أَنْفَقَهُ) وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَهُ كَمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ الْمُسَاقِي) بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَيْ الْعَامِلُ الْمُسَاقِي فِي ذِمَّتِهِ قَوْلُهُ: (فِي ذِمَّتِهِ) خَرَجَ بِهِ الْمُسَاقِي عَلَى عَيْنِهِ فَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ قَوْلَ الْمَالِكِ لِلْعَامِلِ فِي صُورَةِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى الْعَيْنِ سَاقَيْتُك عَلَى هَذَا النَّخْلِ مَثَلًا إلَخْ، يَقْتَضِي أَنَّ الْعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ عَيْنِ هَذَا الْعَامِلِ بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ فِي الذِّمَّةِ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ. وَصُورَةُ الْمُسَاقَاةِ فِي ذِمَّتِهِ أَنْ يَقُولَ الْمَالِكُ لِلْعَامِلِ: أَلْزَمْت ذِمَّتَك تَعَهُّدَ هَذَا النَّخْلِ مَثَلًا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَنَا مَثَلًا مَعَ ذِكْرِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ. قَوْلُهُ: (وَيُسَلَّمُ لَهُ الْمَشْرُوطُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْمَشْرُوطُ نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الثَّمَرُ قَدْ ظَهَرَ وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَبَقِيَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ شَيْءٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ الْوَارِثُ نِصْفَ الثَّمَرَةِ إنْ كَانَ النِّصْفُ مُشْتَرَطًا، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْقِسْطِ بَعْدَ اعْتِبَارِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ اهـ سم، أَيْ إذَا مَضَى ثُلُثُ الْمُدَّةِ مَثَلًا اسْتَحَقَّ ثُلُثَ الْمَشْرُوطِ لَهُ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " لَوْ كَانَ الثَّمَرُ قَدْ ظَهَرَ " مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الظُّهُورِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَارِثُهُ شَيْئًا اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ تَمْكِينُهُ مِنْ الْعَمَلِ) بَلْ يُمَكَّنُ الْمَالِكُ مِنْ الْفَسْخِ وَلِلْوَارِثِ أُجْرَةُ مَا عَمِلَهُ مُوَرِّثُهُ س ل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 الْأُولَى يُمْكِنُهُ إيجَارُ الدَّابَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِ عَقْدٍ عَلَيْهَا فِيهِ غَرَرٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَوَائِدُ لَا تَحْصُلُ بِعَمَلِهِ. فَصْلٌ: فِي الْإِجَارَةِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَفَتْحِهَا لُغَةً اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَشَرْعًا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِعِوَضٍ بِشُرُوطٍ تَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: 6] وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِرْضَاعَ بِلَا عَقْدٍ تَبَرُّعٌ لَا يُوجِبُ أُجْرَةً وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا ظَاهِرًا الْعَقْدُ فَتَعَيَّنَ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ» وَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا إذْ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ مَرْكُوبٌ وَمَسْكَنٌ وَخَادِمٌ فَجُوِّزَتْ لِذَلِكَ كَمَا جُوِّزَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ صِيغَةٌ وَأُجْرَةٌ وَمَنْفَعَةٌ وَعَاقِدَانِ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَحَدِ الْأَرْكَانِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ بِقَوْلِهِ وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً مَعْلُومَةً قَابِلَةً لِلْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ (مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) مُدَّةَ الْإِجَارَةِ (صَحَّتْ إجَارَتُهُ) بِصِيغَةٍ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي، كَأَجَرْتك هَذَا الثَّوْبَ مَثَلًا فَيَقُولُ الْمُسْتَأْجِرُ: قَبِلْت أَوْ اسْتَأْجَرْت. وَتَنْعَقِدُ أَيْضًا بِقَوْلِ الْمُؤَجِّرِ لِدَارٍ مَثَلًا: أَجَرْتُك مَنْفَعَتَهَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَعْطَى شَخْصٌ إلَخْ) . صُورَةُ ذَلِكَ: خُذْ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَاجْرِ وَرَاءَهَا وَلَك نِصْفُ مَا حَصَلَ مِنْهَا مَثَلًا. وَصُورَةُ الثَّانِيَةِ: خُذْ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَأَلْقِ نَظَرَك عَلَيْهَا وَمُؤْنَتُهَا مِنْ عِنْدِي، فَالْفَوَائِدُ كُلُّهَا لِلْمَالِكِ وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي الْأُولَى، وَكَذَا الثَّانِيَةُ إنْ كَانَ عَمَلُهُ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَتَعَهَّدُهَا) كَمَا يَقَعُ لِلْفَلَّاحِينَ حَيْثُ يُعْطِي أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عِجْلًا مَثَلًا لِيُرَبِّيَهُ وَيَكُونَ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا. قَوْلُهُ: (لَا تَحِلُّ بِعَمَلِهِ) وَهُوَ التَّعَهُّدُ. [فَصْلٌ فِي الْإِجَارَةِ] ِ مِنْ آجَرَهُ بِالْمَدِّ يُؤَاجِرُهُ إيجَارًا. وَيُقَالُ أَجَرَهُ بِالْقَصْرِ يَأْجُرُهُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا أَجْرًا ق ل. وَذَكَرَهَا بَعْدَ الْمُسَاقَاةِ لِمُنَاسَبَتِهَا لَهَا فِي اللُّزُومِ وَالتَّأْقِيتِ. قَوْلُهُ: (اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ) وَقَدْ اُشْتُهِرَتْ فِي الْعَقْدِ م ر، وَلَيْسَ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ مُنَاسَبَةٌ بَلْ الْغَالِبُ أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَعَمُّ مِنْ الشَّرْعِيِّ. قَوْلُهُ: (تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ) أَيْ بِصِيغَةٍ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " تَمْلِيكُ " عَقْدُ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُمْلَكُ بِهِ الْمَنْفَعَةُ، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِهِ الِانْتِفَاعُ ح ل، وَكَذَا تَخْرُجُ بِهِ الْعَارِيَّةُ، وَهِيَ خَارِجَةٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: " بِعِوَضٍ " قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا) أَيْ الْأُجْرَةَ بِمَعْنَى الْمُسَمَّى الْعَقْدُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ تَجِبُ بِلَا عَقْدٍ فِيمَا إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ أَوْ الشَّرِكَةُ أَوْ الْمُسَاقَاةُ أَوْ الْقِرَاضُ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرًا) قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ حَقِيقَةً إلَّا بِتَمَامِ الْمُدَّةِ ح ل؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ وُجُوبِهَا، كَمَا إذَا خَرِبَتْ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ مَرْحُومِيٌّ: وَرُدَّ بِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَبَيَّنُ عَدَمُ الِاسْتِقْرَارِ. وَتَوَقَّفَ شَيْخُنَا فِي قَوْلِهِ: " ظَاهِرًا " وَقَالَ: لَا مَفْهُومَ لَهُ. اهـ. س ل، بَلْ الْعَقْدُ يُوجِبُهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. قَوْلُهُ: (فَتَعَيَّنَ) أَيْ لِإِيجَابِ الْأُجْرَةِ. قَوْلُهُ: (أَنَّ الْحَاجَةَ) بَلْ الضَّرُورَةَ؛؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ أَقْوَى مِنْ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهَا شِدَّةُ الِاحْتِيَاجِ، وَهُوَ الِاضْطِرَارُ. قَوْلُهُ: (فَجُوِّزَتْ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (بَيْعُ الْأَعْيَانِ) أَيْ لِيَنْتَفِعَ بِهَا مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَعَاقِدَانِ) الْمُنَاسِبُ لِكَوْنِهَا أَرْبَعَةً أَنْ يَقُولَ: وَعَاقِدٌ. قَوْلُهُ: (مَنْفَعَةً) مَنْفَعَةً مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ. وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقُيُودِ ثَمَانِيَةٌ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ: " وَالْإِبَاحَةُ " وَلَعَلَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُمَا قَيْدٌ وَاحِدٌ لِتَلَازُمِهِمَا، فَإِنَّ مَا يَقْبَلُ الْبَذْلَ لَا يَكُونُ حَرَامًا لِذَاتِهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَالْإِبَاحَةِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي) أَيْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَتْ أَوَّلًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (هَذَا الثَّوْبَ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 سَنَةً مَثَلًا عَلَى الْأَصَحِّ، فَيَقْبَلُ الْمُسْتَأْجِرُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَجَرْتُك، وَيَكُونُ ذِكْرُ الْمَنْفَعَةِ تَأْكِيدًا كَقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُك عَيْنَ هَذِهِ الدَّارِ وَرَقَبَتَهَا، فَخَرَجَ بِمَنْفَعَةٍ الْعَيْنُ وَبِمَقْصُودَةٍ التَّافِهَةُ كَاسْتِئْجَارِ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ وَبِمَعْلُومَةٍ الْقِرَاضُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ، وَبِقَابِلَةٍ لِمَا ذُكِرَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا لَا يُسَمَّى إجَارَةً وَبِعِوَضٍ هِبَةُ الْمَنَافِعِ وَالْوَصِيَّةُ بِهَا وَالشَّرِكَةُ وَالْإِعَارَةُ، وَبِمَعْلُومٍ الْمُسَاقَاةُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ كَالْحَجِّ بِالرِّزْقِ، وَدَلَالَةِ الْكَافِرِ لَنَا عَلَى قَلْعَةٍ بِجَارِيَةٍ مِنْهَا، وَبِبَقَاءِ عَيْنِهِ مَا تَذْهَبُ عَيْنُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ كَالشَّمْعِ لِلسِّرَاجِ فَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَذَكَرْت لَهَا شُرُوطًا أُخَرَ أَوْضَحْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. وَإِنَّمَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ هَذِهِ الشُّرُوطِ (إذَا قُدِّرَتْ مَنْفَعَتُهُ) فِي الْعَقْدِ (بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ) الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ بِتَعْيِينِ (مُدَّةٍ) فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَجْهُولَةِ الْقَدْرِ كَالسُّكْنَى وَالرَّضَاعِ وَسَقْيِ الْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، إذْ السُّكْنَى وَمَا يُشْبِعُ   [حاشية البجيرمي] سَنَةً مَثَلًا بِكَذَا حَتَّى يَصِحَّ الْعَقْدُ، فَلَا يَصِحُّ بِمُجَرَّدِ تَعْيِينِ الثَّوْبِ. قَوْلُهُ: (وَتَنْعَقِدُ أَيْضًا) إنَّمَا فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لِكَوْنِهِ فِيهِ خِلَافٌ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَبِاتِّفَاقٍ. قَوْلُهُ: (أَجَرْتُك مَنْفَعَتَهَا سَنَةً) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إضَافَةِ الْإِجَارَةِ لِلْعَيْنِ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ أَوْ لِلْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي الْمِثَالِ الثَّانِي لِوُضُوحِ الْمُرَادِ، وَسَنَةً لَيْسَ مَفْعُولًا فِيهِ لِأَجَرَ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ وَزَمَنُهُ يَسِيرٌ بَلْ لِمُقَدَّرٍ. أَيْ أَجَرْتُكَهُ وَانْتَفِعْ بِهِ سَنَةً كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة: 259] إنَّ التَّقْدِيرَ وَأَلْبَثَهُ مِائَةَ عَامٍ شَرْحِ الْمَنْهَجِ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَجَرْتُك) أَيْ الدَّارَ مَثَلًا، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ الْمَفْعُولَ إمَّا ضَمِيرًا أَوْ اسْمًا ظَاهِرًا. قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ بِمَنْفَعَةِ) يُتَأَمَّلْ فِيهِ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ: وَشَرْعًا عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ إلَخْ، ثُمَّ قَالَ: فَخَرَجَ بِمَنْفَعَةِ الْعَيْنِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: (الْعَيْنِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ لِلَبَنِهَا أَوْ نِتَاجِهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ) وَإِنْ رُوِّجَتْ السِّلْعَةُ إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا، فَإِنْ أَتْعَبَتْ بِتَرَدُّدٍ أَوْ كَلَامٍ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ق ل. وَاسْتَشْكَلَ الْأَذْرَعِيُّ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ لِنَحْوِ الْفَصْدِ دُونَ كَلِمَةِ " لَا تُتْعِبُ ". قَوْلُهُ: (عَلَى عَمَلٍ) رَاجِعٌ لِلْجَعَالَةِ. قَوْلُهُ: (مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ) خُرُوجُهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (هِبَةِ الْمَنَافِعِ) كَأَنْ وَهَبَهُ مَنْفَعَةَ دَارِهِ سَنَةً. قَوْلُهُ: (وَالْوَصِيَّةُ بِهَا) أَيْ الْمَنَافِعِ. قَوْلُهُ: (وَالشَّرِكَةُ) ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِكَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلشَّرِيكَيْنِ مَنْفَعَةً مَعْلُومَةً إلَخْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ لَكِنْ لَا بِعِوَضٍ بَلْ مَجَّانًا اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَالْإِعَارَةُ) خُرُوجُهَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا مِلْكَ فِيهَا فَلَمْ تَدْخُلْ. قَوْلُهُ: (بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ) لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ الْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ فَتَدْخُلُ فِي الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ فَيَقْتَضِي أَنَّهَا إجَارَةٌ، إلَّا أَنْ يُزَادَ فِيهِ بِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَالْحَجِّ بِالرَّزْقِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ النَّفَقَةَ مِثَالَانِ لِلْجَعَالَةِ، وَمِثَالُ الْمُسَاقَاةِ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ إذَا فَصَّلَ لَهُ الْأَعْمَالَ وَبَيَّنَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَرِ يُقَالُ إنَّ الْعَمَلَ مَعْلُومٌ وَالْعِوَضَ مَجْهُولٌ، أَيْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ كَمْ يَخُصُّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَرِ وَسْقٌ أَوْ وَسْقَانِ مَثَلًا، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ نِصْفًا مَثَلًا. قَوْلُهُ: (كَالشَّمَعِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانُهَا لَحْنٌ م د. صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: خِلَافُ الْأَفْصَحِ؛؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إسْكَانُهَا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُزْهِرِ لِلسُّيُوطِيِّ. قَوْلُهُ: (وَذَكَرْت لَهَا) أَيْ لِلْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ) أَيْ التَّقْدِيرُ. وَقَوْلُهُ: " بِتَعْيِينِ مُدَّةٍ " يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إجَارَةُ الْإِمَامِ لِلْأَذَانِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ مِنْ مَالِهِ أَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْآحَادِ فَيُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ. فَرْعٌ: يَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ لِلْأَذَانِ الْإِقَامَةُ وَلَا يَجُوزُ إجَارَةٌ لَهَا وَحْدَهَا إذْ لَا كُلْفَةَ اهـ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَالسُّكْنَى) كَأَنْ يَقُولَ أَجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً أَوْ شَهْرًا لِتَسْكُنَهَا، فَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَسْكُنَهَا لَمْ يَجُزْ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ سم. وَمِثْلُهُ: عَلَى أَنْ تَنْتَفِعَ بِهَا اهـ زي. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَذْكُرْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ شَرْطًا بِخِلَافِهِ فِي تَسْكُنَهَا أَوْ لِتَنْتَفِعَ بِهَا. قَوْلُهُ: (إذْ السُّكْنَى إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهَا مَجْهُولَةَ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْكُنُ فِيهَا جَمِيعَ اللَّيْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 الصَّبِيَّ مِنْ اللَّبَنِ وَمَا تُرْوَى بِهِ الْأَرْضُ مِنْ السَّقْيِ يَخْتَلِفُ وَلَا يَنْضَبِطُ، فَاحْتِيجَ فِي مَنْفَعَتِهِ إلَى تَقْدِيرِهِ بِمُدَّةٍ (أَوْ) أَيْ وَالْأَمْرُ الثَّانِي بِتَعْيِينِ مَحِلِّ (عَمَلٍ) فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَعْلُومَةِ الْقَدْرِ فِي نَفْسِهَا كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَالرُّكُوبِ إلَى مَكَان فَتَعْيِينُ الْعَمَلِ فِيهَا طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَتِهَا، فَلَوْ قَالَ لِتَخِيطَ لِي ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ، بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا يُرِيدُ مِنْ الثَّوْبِ مِنْ قَمِيصٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يُبَيِّنَ نَوْعَ الْخِيَاطَةِ أَهِيَ فَارِسِيَّةٌ أَوْ رُومِيَّةٌ إلَّا أَنْ تَطَّرِدَ عَادَةٌ بِنَوْعٍ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ تَقْدِيرُهَا بِهِمَا مَعًا كَقَوْلِهِ فِي اسْتِئْجَارِ عَيْنٍ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَعْمَلَ لِي كَذَا شَهْرًا. أَمَّا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الزَّمَنِ وَمَحِلِّ الْعَمَلِ كَاكْتَرَيْتُكَ لِتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ بَيَاضَ النَّهَارِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ قَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ. كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ بِشَرْطِ كَوْنِ وَزْنِهِ كَذَا لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ يَنْقُصَ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّوْبُ صَغِيرًا يُقْطَعُ بِفَرَاغِهِ فِي الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ.   [حاشية البجيرمي] وَالنَّهَارِ فَقَدْ تَقِلُّ وَقَدْ تَكْثُرُ قَوْلُهُ: (وَمَا يُشْبِعُ الصَّبِيَّ) أَيْ وَإِرْضَاعُ مَا يُشْبِعُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي مَنْفَعَتِهِ) أَيْ فِي مَنْفَعَةٍ هِيَ هُوَ، فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (بِتَعْيِينِ) أَيْ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُ الْمَنْفَعَةِ بِتَعْيِينِ مَحَلِّ عَمَلٍ، فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعَمَلِ فَقَطْ كَالْخِيَاطَةِ لَا يَكْفِي. قَوْلُهُ: (كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ) أَيْ فَإِنَّ خِيَاطَةَ الثَّوْبِ تَتْمِيمُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْلُومِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِي خِيَاطَةِ الثَّوْبِ إبْهَامًا لِاحْتِمَالِ الثَّوْبِ لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، لَكِنَّ الْإِبْهَامَ لَا يُنَافِي الْعِلْمَ كَمَا فِي الْعِلْمِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الْإِبْهَامِ بِخِلَافِ السُّكْنَى إنْ أُضِيفَتْ إلَى الدَّارِ فَإِنَّهَا مَجْهُولَةٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. وَلَمَّا كَانَ فِي الثَّوْبِ نَوْعُ إبْهَامٍ اُحْتِيجَ إلَى تَعْيِينِهِ بِنَحْوِ إشَارَةٍ لِتَعْيِينِ الْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ: (فَتَعْيِينُ الْعَمَلِ) أَيْ مَحَلُّ الْعَمَلِ بِنَحْوِ إشَارَةٍ. وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ " طَرِيقٌ " وَقَوْلُهُ " فِيهَا " أَيْ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَعْلُومَةِ، وَقَوْلُهُ: " إلَى مَعْرِفَتِهَا " أَيْ تَمْيِيزِهَا وَتَعْيِينِهَا. قَوْلُهُ: (فَلَوْ قَالَ لِتَخِيطَ إلَخْ) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى تَعْيِينِ الْمَحَلِّ. وَقَوْلُهُ: " لَمْ يَصِحَّ " أَيْ لِعَدَمِ تَعْيِينِ مَحَلِّ الْعَمَلِ. وَقَوْلُهُ: " بَلْ يُشْتَرَطُ " إضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ ثَابِتٌ وَانْتَقَلَ عَنْهُ لِحُكْمٍ آخَرَ، وَفِي عِبَارَتِهِ نَقْصٌ تَقْدِيرُهُ: بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُعَيِّنَ الثَّوْبَ وَأَنْ يُبَيِّنَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَوْ رُومِيَّةٌ) الرُّومِيَّةُ بِغُرْزَتَيْنِ وَالْفَارِسِيَّةُ بِغُرْزَةٍ وَاحِدَةٍ ق ل. قَوْلُهُ: (بِهِمَا مَعًا) أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ يَصِحُّ أَنْ يُقَدَّرَ بِالْمُدَّةِ فَقَطْ وَأَنْ يُقَدَّرَ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ فَقَطْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُقَدَّرُ بِهِمَا مَعًا مُجْتَمِعَيْنِ كَمَا تَوَهَّمَ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْمَسْأَلَةَ الْبَاطِلَةَ الْآتِيَةَ فِي قَوْلِهِ: أَمَّا لَوْ جَمَعَ إلَخْ. هَكَذَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ: " مَعًا " وَكَذَا تَمْثِيلُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اجْتِمَاعِهَا، وَهُوَ يُقَوِّي اعْتِرَاضَ الْقَلْيُوبِيِّ بِأَنَّ فِي قَوْلِهِ: " بَقِيَ إلَخْ " نَظَرًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِتَعْمَلَ لِي كَذَا شَهْرًا " إنْ كَانَ " كَذَا " كِنَايَةً عَنْ مُعَيَّنٍ كَخِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْبَاطِلِ الَّذِي سَيَذْكُرُهُ بَعْدُ؛ وَإِنْ كَانَ كِنَايَةً عَنْ عَمَلٍ فَقَطْ كَخِيَاطَةٍ أَوْ بِنَاءٍ فَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا لَا تَنْضَبِطُ مَنْفَعَتُهُ كَالسُّكْنَى وَالْإِرْضَاعِ يَجِبُ فِيهِ التَّقْدِيرُ بِالزَّمَنِ فَقَطْ، وَمَا تَنْضَبِطُ إمَّا أَنْ يُقَدَّرَ بِالزَّمَنِ أَوْ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ كَأَجَرْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ لِتَرْكَبَهَا شَهْرًا أَوْ لِتَرْكَبَهَا إلَى مَكَّةَ. وَسُئِلَ شَيْخُنَا عَمَّا يَقَعُ فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ مِنْ اسْتِئْجَارِ الدَّوَابِّ لِحَمْلِ الزَّرْعِ فِي سُنْبُلِهِ مِنْ مَكَانِ ضَمِّهِ إلَى مَكَانِ دِرَاسِهِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِقَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي يُسْتَوْفَى فِيهَا الْحَمْلُ. فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ يَسْتَحِقُّ فِيهَا الْأَجِيرُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ، فَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً تَعَيَّنَتْ وَصَحَّتْ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَأْجِرُونَ عَلَى حَمْلِ زَرْعٍ مُبْهَمٍ بَلْ يَقُولُونَ: هَذَا الزَّرْعُ أَوْ الزَّرْعُ الْفُلَانِيُّ، نَعَمْ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَجِيرُ الزَّرْعَ وَإِنْ عَرَفَ قَدْرَ أَرْضِهِ بِالْمِسَاحَةِ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَكُونُ قَصِيرًا وَيَكُونُ طَوِيلًا وَيَخْتَلِفُ بِالْبُعْدِ وَعَدَمِهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (لِتَعْمَلَ لِي كَذَا) أَيْ خِيَاطَةً أَوْ بِنَاءً مَثَلًا. قَوْلُهُ: (أَمَّا لَوْ جَمَعَ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) نَعَمْ إنْ قَصَدَ التَّقْدِيرَ بِالْمَحَلِّ. وَذِكْرُ النَّهَارِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِلتَّحْدِيدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فِي قَفِيزِ) هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 وَشُرِطَ فِي الْعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مَا شُرِطَ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ ثُمَّ نَعَمْ إسْلَامُ الْمُشْتَرِي شَرْطٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا مُسْلِمًا، وَهُنَا لَا يُشْتَرَطُ فَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ اسْتِئْجَارُ الْمُسْلِمِ إجَارَةَ ذِمَّةٍ وَكَذَا إجَارَةَ عَيْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْمَنَافِعِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنْ يُؤَجِّرَهُ لِمُسْلِمٍ. وَلَا تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ مَوْضُوعٌ لِمِلْكِ الْأَعْيَانِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنَافِعِ، كَمَا لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَكَلَفْظِ الْبَيْعِ لَفْظُ الشِّرَاءِ، وَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِعْتُك يُنَافِي قَوْلَهُ سَنَةً مَثَلًا فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ فِيهَا كِنَايَةٌ، وَتَرِدُ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنٍ كَإِجَارَةِ مُعَيَّنٍ مِنْ عَقَارٍ وَرَقِيقٍ وَنَحْوِهِمَا، كَاكْتَرَيْتُكَ لِكَذَا سَنَةٍ، وَإِجَارَةُ الْعَقَارِ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى الْعَيْنِ وَعَلَى ذِمَّةٍ كَإِجَارَةِ مَوْصُوفٍ مِنْ دَابَّةٍ وَنَحْوِهَا لِحَمْلٍ مَثَلًا، وَإِلْزَامُ ذِمَّتِهِ عَمَلًا كَخِيَاطَةٍ وَبِنَاءٍ وَمَوْرِدُ الْإِجَارَةِ الْمَنْفَعَةُ لَا الْعَيْنُ عَلَى الْأَصَحِّ سَوَاءٌ أَوَرَدَتْ عَلَى الْعَيْنِ أَمْ عَلَى الذِّمَّةِ. وَشُرِطَ فِي الْأُجْرَةِ وَهِيَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ مَا مَرَّ فِي الثَّمَنِ، فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مَعْلُومَةً جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً فَتَكْفِي رُؤْيَتُهَا، فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ دَارٍ أَوْ دَابَّةٍ بِعِمَارَةٍ وَعَلَفٍ لِلْجَهْلِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ ذَكَرَ مَعْلُومًا وَأَذِنَ لَهُ خَارِجَ الْعَقْدِ فِي صَرْفِهِ فِي الْعِمَارَةِ   [حاشية البجيرمي] مِكْتَلٌ يَسَعُ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا اهـ. أج. قَوْلُهُ: (وَبِهَذَا) أَيْ بِقَوْلِهِ قَدْ يَتَأَخَّرُ قَوْلُهُ: (مَا شُرِطَ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ) أَيْ مِنْ إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ وَعَدَمِ الْإِكْرَاهِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يَكُونُ مُؤَجِّرًا وَإِنْ جَازَ لَهُ إجَارَةُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْهَلُهَا. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ يُؤْمَرُ) أَيْ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَلَا إذْ يُمْكِنُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ كَافِرًا يَنُوبُ عَنْهُ فِي خِدْمَةِ الْكَافِرِ ق ل؛ لِأَنَّ صُورَةَ الذِّمَّةِ أَنْ يَقُولَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ أَلْزَمْت ذِمَّتَك خِدْمَتِي شَهْرًا مَثَلًا. وَقَالَ ق ل أَيْضًا: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَ السَّيِّدُ لِلْعَبْدِ نَفْسَهُ وَإِنْ صَحَّ بَيْعُهَا لَهُ اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَلَا يَصِحُّ اكْتِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ وَإِنْ صَحَّ شِرَاؤُهُ نَفْسَهُ اهـ، أَيْ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْعِتْقِ فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْإِجَارَةِ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا تَنْعَقِدُ إلَخْ) هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِالصِّيغَةِ فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ عَقِبَهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى عَيْنٍ) أَيْ عَلَى مَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ. وَعِبَارَةُ زي: قَوْلُهُ وَتُرَدُّ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنٍ أَيْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِعَيْنٍ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ الْإِجَارَةِ الْمَنْفَعَةُ، وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ هُنَا مُقَابِلُ الذِّمَّةِ، وَفِي قَوْلِهِمْ مَوْرِدُهَا الْمَنْفَعَةُ لَا الْعَيْنُ مُقَابِلُ الْمَنْفَعَةِ؛ فَلَا تَنَافِيَ. قَوْلُهُ: (لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى الْعَيْنِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَمَحَلُّهُ فِي الْعَقَارِ الْكَامِلِ، أَمَّا بَعْضُهُ إذَا كَانَ النِّصْفَ فَأَقَلَّ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَرْضُهُ، وَمِثْلُ الْعَقَارِ السَّفِينَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا زي. قَوْلُهُ: (وَعَلَى ذِمَّةِ) أَيْ عَلَى مَنْفَعَةِ مَا فِي الذِّمَّةِ إذْ هِيَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَارِدَةٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهَا) كَرَقِيقٍ وَلَا يُقَالُ هُوَ دَاخِلٌ فِي الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِهَا فِي الْعُرْفِ ذَاتُ الْأَرْبَعِ. فَرْعٌ: ذَهَبَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ إلَى صِحَّةِ اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ بِنَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْوَسَطِ اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَإِلْزَامِ ذِمَّتِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَجْرُورِ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَإِجَارَةِ مَوْصُوفٍ. قَوْلُهُ: (لَا الْعَيْنُ عَلَى الْأَصَحِّ) مُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهَا وَارِدَةٌ عَلَى الْعَيْنِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: قَالَ الشَّيْخَانِ: وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ، وَأَوْرَدَ لَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَوَائِدَ مِنْهَا إجَارَةُ مَا اسْتَأْجَرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإجَارَةُ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ إنْ قُلْنَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ صَحَّ أَوْ الْعَيْنُ فَلَا لِعَدَمِ قَبْضِهَا فِي الْأَوَّلِ وَلِنَجَاسَتِهَا فِي الثَّانِي، وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ لَفْظِيًّا اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ) أَيْ فِي تَفْصِيلِ الْأَرْكَانِ، وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْإِجْمَالِ ثَالِثٌ. قَوْلُهُ: (كَوْنُهَا مَعْلُومَةً) لَا يُقَالُ يُشْكِلُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ صِحَّةُ الِاسْتِئْجَارِ لِلْحَجِّ بِالرِّزْقِ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَارَةٍ بَلْ نَوْعُ جَعَالَةٍ يُغْتَفَرُ فِيهَا الْجَهْلُ بِالْجُعْلِ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تَكُونَ) مُسْتَثْنًى مِنْ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (لِلْجَهْلِ فِي ذَلِكَ) فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً، فَإِنْ صَرَفَ وَقَصَدَ الرُّجُوعَ بِهِ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا وَيُصَدِّقُ الْمُسْتَأْجَرَ فِي أَصْلِ الْإِنْفَاقِ وَقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ، وَمَحَلُّهُ إذَا ادَّعَى قَدْرًا لَائِقًا فِي الْعَادَةِ كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْوَصِيِّ وَالْوَلِيِّ، شَرْحِ م ر؛ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصُّنَّاعِ إنْ قَالُوا صَرَفَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 أَوْ الْعَلَفِ صَحَّ، وَلَا لِسَلْخِ شَاةٍ بِجِلْدِهَا وَلَا لِطَحْنِ الْبُرِّ مَثَلًا بِبَعْضِ دَقِيقِهِ كَثُلُثِهِ لِلْجَهْلِ بِثَخَانَةِ الْجِلْدِ وَبِقَدْرِ الدَّقِيقِ وَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأُجْرَةِ حَالًا. وَفِي مَعْنَى الدَّقِيقِ النُّخَالَةُ. وَتَصِحُّ إجَارَةُ امْرَأَةٍ مَثَلًا بِبَعْضِ رَقِيقٍ حَالًا لِإِرْضَاعِ بَاقِيهِ لِلْعِلْمِ بِالْأُجْرَةِ، وَالْعَمَلُ الْمُكْتَرَى لَهُ إنَّمَا وَقَعَ فِي مِلْكِ غَيْرِ الْمُكْتَرِي تَبَعًا. وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ، وَأَنْ تَكُونَ حَالَّةً كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ فِي الْمَنَافِعِ، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا تَأْخِيرُ الْأُجْرَةِ وَلَا تَأْجِيلُهَا وَلَا الِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا وَلَا الْحَوَالَةُ بِهَا وَلَا عَلَيْهَا، وَلَا الْإِبْرَاءُ مِنْهَا.   [حاشية البجيرمي] عَلَيْنَا كَذَا فِي نَظِيرِ حَمْلِنَا؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ عَمَلُهُمْ فِي الْعِمَارَةِ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ اهـ. قَوْلُهُ: (مَعْلُومًا) أَيْ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ الدَّرَاهِمِ كَعَشْرَةٍ. قَوْلُهُ: (خَارِجَ الْعَقْدِ) عِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: فَإِنْ كَانَ فِي صُلْبِهِ فَلَا يَصِحُّ كَأَجَرْتُكَهَا بِدِينَارٍ عَلَى أَنْ تَصْرِفَهُ فِي عِمَارَتِهَا أَوْ عَلَفِهَا لِلْجَهْلِ بِالصَّرْفِ فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً، فَإِذَا صَرَفَ وَقَصَدَ الرُّجُوعَ بِهِ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا؛ وَالْأَوْجُهُ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْجَهْلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، فَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِالصَّرْفِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ كَبَيْعِ زَرْعٍ بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ شَرْطٌ بَطَلَتْ مُطْلَقًا وَإِلَّا كَأَجَرْتُكَهَا بِعِمَارَتِهَا، فَإِنْ عُيِّنَتْ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي زَمَانِنَا مِنْ تَسْوِيغِ النَّاظِرِ الْمُسْتَحِقِّ بِاسْتِحْقَاقِهِ عَلَى سَاكِنِ الْوَقْفِ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ. قَوْلُهُ: (صَحَّ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ عَلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبَضِ لِوُقُوعِهِ ضِمْنًا، شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَا لِسَلْخِ شَاةٍ) الضَّابِطُ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ شَيْئًا يَحْصُلُ بِعَمَلِ الْأَجِيرِ،. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (بِجِلْدِهَا) أَوْ بِجِلْدِ غَيْرِهَا إذَا لَمْ يُسْلَخْ، بِخِلَافِ مَا إذَا سُلِخَ فَيَصِحُّ ح ل. قَوْلُهُ: (بِبَعْضِ دَقِيقِهِ) وَكَذَا بِبَعْضِ دَقِيقِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يُطْحَنْ، بِخِلَافِ مَا إذَا طُحِنَ فَتَصِحُّ ح ل. قَوْلُهُ: (وَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأُجْرَةِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهَا فِي الْحَالِ كَأَنْ عَيَّنَ لَهُ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ الْحَبِّ وَسَلَّمَهُ لَهُ فِي الْحَالِ صَحَّ، كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ إجَارَةُ امْرَأَةٍ إلَخْ) خَرَجَ بِالْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا اسْتِئْجَارُ شَاةٍ لِإِرْضَاعِ طِفْلٍ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: أَوْ سَخْلَةٍ، فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ مَعَ عَدَمِ قُدْرَةِ الْمُؤَجِّرِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ كَالِاسْتِئْجَارِ لِضِرَابِ الْفَحْلِ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لِإِرْضَاعِ سَخْلَةٍ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ: " لِعَدَمِ " الْحَاجَةِ أَيْ؛ وَلِأَنَّهَا قَدْ لَا تَنْقَادُ لِلْإِرْضَاعِ، بِخِلَافِ الْهِرَّةِ فَإِنَّهَا تَنْقَادُ بِطَبْعِهَا لِصَيْدِ الْفَأْرِ فَصَحَّ اسْتِئْجَارُهَا لَهُ، سم عَلَى حَجّ. وَمِنْ طُرُقِ اسْتِحْقَاقِ أُجْرَةِ الْهِرَّةِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا لِعَدَمِ مَالِكٍ لَهَا وَيَتَعَهَّدَهَا بِالْحِفْظِ وَالتَّرْبِيَةِ فَيَمْلِكَهَا بِذَلِكَ كَالْوُحُوشِ الْمُبَاحَةِ حَيْثُ تَمْلِكُهَا بِالِاصْطِيَادِ اهـ. فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ إلَى آخَرَ بَيْضًا يَخْدُمُهُ إلَى أَنْ يُفْرِخَ وَقَالَ لَهُ: لَك مِنْهُ كَذَا هَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ أَوْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ إنْ اسْتَأْجَرَهُ بِبَعْضِهِ حَالًّا صَحَّ وَاسْتَحَقَّهُ شَائِعًا وَإِلَّا كَانَ إجَارَةً فَاسِدَةً، فَالْفَرْخُ لِلْمَالِكِ وَعَلَيْهِ لِلْمَقُولِ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ لِإِرْضَاعِ الرَّقِيقِ؛ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مَثَلًا) أَيْ أَوْ رَجُلًا ذَا لَبَنٍ، أَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ وَارِدَةً عَلَى الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَحْصُلُ الرَّجُلُ امْرَأَةً، وَالْبَهِيمَةُ لَيْسَتْ كَالْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ. وَصُورَةُ اسْتِئْجَارِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَقُولَ: اسْتَأْجَرْتُك لِإِرْضَاعِ هَذَا الرَّقِيقِ بِرُبْعِهِ لِإِرْضَاعِ بَاقِيهِ، وَإِنْ قَالَ: بِرُبْعِهِ لِإِرْضَاعِ كُلِّهِ، فَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: لَا يَصِحُّ لِوُقُوعِ الْعَمَلِ فِي مِلْكِ غَيْرِ الْمُكْتَرِي قَصْدًا، وَهُوَ الْوَجْهُ وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا م ر قَلْيُوبِيٌّ، فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى اكْتَرَاهَا بِرُبْعِهِ حَالًّا لِإِرْضَاعِ بَاقِيهِ أَوْ لِإِرْضَاعِ كُلِّهِ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِبَعْضِ رَقِيقٍ) أَيْ بَعْضِ مُعَيَّنٍ. قَوْلُهُ: (حَالًّا) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِبَعْضِهِ بَعْدَ الْفِطَامِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَالْعَمَلُ الْمُكْتَرَى لَهُ) وَهُوَ الْإِرْضَاعُ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا وَقَعَ فِي مِلْكِ غَيْرِ الْمُكْتَرِي) وَالْغَيْرُ هُوَ الْمَرْأَةُ الْمُرْضِعَةُ وَالْمُكْتَرِي هُوَ مَالِكُ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ اكْتَرَاهَا لِلْإِرْضَاعِ. وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ أَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ يَجِبُ كَوْنُهُ فِي خَالِصِ مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُنَا فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، فَأَجَابَ بِأَنَّ الْغَيْرَ وَقَعَ تَبَعًا لَا قَصْدًا. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ إلَخْ) دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ مُعَيَّنَةً كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَوْ فِي الذِّمَّةِ كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ، ثُمَّ إنْ عَيَّنَ لِمَكَانِ التَّسْلِيمِ مَكَانًا تَعَيَّنَ وَإِلَّا فَمَوْضِعُ الْعَقْدِ. وَيَجُوزُ فِي الْأُجْرَةِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ وَتَأْجِيلُهَا إنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ فِي الذِّمَّةِ كَالثَّمَنِ (وَإِطْلَاقُهَا يَقْتَضِي تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ) فَتَكُونُ حَالَّةً كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ (إلَّا أَنْ يُشْتَرَطُ التَّأْجِيلُ) فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَتَتَأَجَّلُ كَالثَّمَنِ، وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا وَالْحَوَالَةُ بِهَا وَعَلَيْهَا وَالْإِبْرَاءُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً لَمْ يَجُزْ التَّأْجِيلُ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُؤَجَّلُ وَتُمْلَكُ فِي الْحَالِ بِالْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ مُطْلَقَةً أَمْ فِي الذِّمَّةِ، مِلْكًا مُرَاعًى، بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا مَضَى زَمَنٌ عَلَى السَّلَامَةِ بَانَ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ إنْ قَبَضَ الْمُكْتَرِي   [حاشية البجيرمي] فَكَمَّلَ الشَّارِحُ ذَلِكَ بِبَيَانِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ وَبَقِيَّةِ حُكْمِ إجَارَةِ الْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا الِاسْتِبْدَالُ إلَخْ) إذْ لَا تَسْلِيمَ فِي الْمَجْلِسِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ عَيَّنَ لِمَكَانِ التَّسْلِيمِ) أَيْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ، وَهَذَا مُتَعَلِّقٌ بِإِجَارَةِ الذِّمَّةِ فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ عَقِبَهَا. قَوْلُهُ: (تَعَيَّنَ) وَجْهٌ. ذَلِكَ أَنَّ إجَارَةَ الذِّمَّةِ لَمَّا أَشْبَهَتْ السَّلَمَ بِتَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ مَحَلُّ الْعَمَلِ كَمَحَلِّ الْمُسَلَّمِ فِيهِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ فِي الْأُجْرَةِ إلَخْ) دُخُولٌ عَلَى الْمَتْنِ. وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ إلَخْ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ وَتَأْجِيلُهَا) أَيْ بِأَنْ يُصَرِّحَ بِذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ. قَوْلُهُ: (وَإِطْلَاقُهَا) أَيْ إجَارَةُ الْعَيْنِ بِأُجْرَةٍ فِي الذِّمَّةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَبْلَهُ،. اهـ. قَلْيُوبِيٌّ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ التَّأْجِيلُ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ سم؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْإِطْلَاقِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِجَارَةَ إمَّا إجَارَةُ عَيْنٍ أَوْ إجَارَةُ ذِمَّةٍ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مُعَيَّنَةً أَوْ فِي الذِّمَّةِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِحُلُولِهَا أَوْ بِتَأْجِيلِهَا أَوْ يُطْلِقَ فَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ، فَإِنْ صَرَّحَ بِحُلُولِهَا أَوْ أَطْلَقَ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ صَحَّ وَكَانَتْ مُؤَجَّلَةً كَالثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِحُلُولِهَا أَوْ يُطْلِقُ فَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ، فَإِنْ صَرَّحَ بِحُلُولِهَا أَوْ أَطْلَقَ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ وَالْأُجْرَةُ مُعَيَّنَةٌ صَحَّ وَكَانَتْ حَالَّةً، وَإِنْ صَرَّحَ بِتَأْجِيلِهَا فَسَدَ الْعَقْدُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأُجْرَةَ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ صَحَّ وَكَانَتْ حَالَّةً وَلَا كَلَامَ، وَإِنْ صَرَّحَ بِتَأْجِيلِهَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ؛ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مُعَيَّنَةً أَوْ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِتَأْجِيلِهَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مُعَيَّنَةً أَوْ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِحُلُولِهَا أَوْ أَطْلَقَ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ وَالْأُجْرَةِ فِي الذِّمَّةِ صَحَّ وَكَانَتْ حَالَّةً، وَإِنْ صَرَّحَ بِتَأْجِيلِهَا صَحَّ وَكَانَتْ مُؤَجَّلَةً كَالثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ وَالْأُجْرَةِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، كَذَلِكَ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ قَبِلَتْهُ. وَهَذَا كُلُّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ شَرْحِ سم. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً لَمْ يَجُزْ التَّأْجِيلُ) كَأَجَرْتُكَ الدَّارَ بِهَذِهِ الدِّينَارِ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ، وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: إنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ فِي الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: (وَتُمْلَكُ) أَيْ الْأُجْرَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةً. قَوْلُهُ: (أَوْ مُطْلَقَةً) أَيْ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَعْيِينِهَا وَلَا بِكَوْنِهَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْمُقَابَلَةِ. وَانْظُرْ مَا صُورَتُهُ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: أَجَرْتُك هَذَا بِدِينَارٍ مَثَلًا كَانَتْ الْأُجْرَةُ حَالَّةً فِي الذِّمَّةِ فَلَيْسَتْ قِسْمًا ثَالِثًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ عَنْ الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ تَكُونُ حَالَّةً فِي الذِّمَّةِ تَأَمَّلْ، فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ مُعَيَّنَةً أَمْ فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقَةً مَا فِي الذِّمَّةِ أَمْ حَالَّةً أَمْ مُؤَجَّلَةً اهـ. قَوْلُهُ: (مِلْكًا مُرَاعًى إلَخْ) هَذَا رَاجِعٌ لِإِجَارَةِ الْعَيْنِ فَقَطْ، وَأَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَتَسْتَقِرُّ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِالتَّلَفِ بَلْ يُبَدِّلُهَا بِغَيْرِهَا، وَيَنْبَنِي عَلَى مِلْكِهَا بِالْعَقْدِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِأَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى بِالْوَطْءِ لَوْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ كَانَتْ إجَارَةَ وَقْفٍ عَلَى بُطُونٍ، وَبِهَذَا صَرَّحَ سم بِقَوْلِهِ: وَقَضِيَّةُ مِلْكِهَا بِالْعَقْدِ أَنَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ التَّصَرُّفَ فِي جَمِيعِهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ فِي الْحَالِ، وَهُوَ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ فَأَفْتَى بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلْبَطْنِ الثَّانِي عَلَى النَّاظِرِ إذَا مَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ بَلْ عَلَى تَرِكَةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ؛ وَخَالَفَ الْقَفَّالُ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي الْأَمْرَيْنِ اهـ. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَلَوْ قَبَضَ النَّاظِرُ أُجْرَةً مُعَجَّلَةً وَصَرَفَهَا عَلَى أَرْبَابِ الْوَقْفِ، ثُمَّ انْتَقَلَ الْوَقْفُ عَنْهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ بِأَنْ كَانَ وَقْفَ تَرْتِيبٍ رَجَعَ مُسْتَحِقُّو الْبَطْنِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ لَا عَلَى النَّاظِرِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ اهـ. وَقَوْلُهُ: " رَجَعَ مُسْتَحِقُّو الْبَطْنِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ ". فَإِنْ خَرَجَ الْأَوَّلُ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ حَيٌّ طُولِبَ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ مُدَّةِ خُرُوجِهِ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ أَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ كَانَ كَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يُلْزَمُ بِهِ أَحَدٌ، اهـ أج مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (كُلَّمَا مَضَى زَمَنٌ) كُلَّمَا ظَرْفِيَّةٌ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 الْعَيْنَ أَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ، فَلَا تَسْتَقِرُّ كُلُّهَا إلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ انْتَفَعَ الْمُكْتَرِي أَمْ لَا لَتَلِفَ الْمَنْفَعَةِ تَحْتَ يَدِهِ وَتَسْتَقِرُّ فِي إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ أُجْرَةُ مِثْلٍ بِمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ مُسَمًّى فِي صَحِيحَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِثْلَ الْمُسَمَّى أَمْ أَقَلَّ أَمْ أَكْثَرَ. هَذَا هُوَ الْغَالِبُ وَقَدْ تُخَالِفُهَا فِي أَشْيَاءَ: مِنْهَا التَّخْلِيَةُ فِي الْعَقَارِ، وَمِنْهَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُكْتَرِي، وَمِنْهَا الْعَرْضُ عَلَيْهِ وَامْتِنَاعَهُ مِنْ الْقَبْضِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَلَا تَسْتَقِرُّ فِيهَا الْأُجْرَةُ فِي الْفَاسِدَةِ وَيَسْتَقِرُّ بِهَا الْمُسَمَّى فِي الصَّحِيحَةِ. وَشُرِطَ فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ إجَارَةَ عَيْنٍ لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ رُؤْيَةُ الدَّابَّةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَشُرِطَ فِي إجَارَتِهَا إجَارَةَ ذِمَّةٍ لِرُكُوبٍ ذِكْرُ جِنْسِهَا كَإِبِلٍ أَوْ خَيْلٍ وَنَوْعِهَا كَبَخَاتِيٍّ أَوْ عِرَابٍ، وَذُكُورَةٍ أَوْ أُنُوثَةٍ، وَصِفَةِ سَيْرِهَا مِنْ كَوْنِهَا مُهَمْلِجَةً أَوْ بَحْرًا أَوْ قَطُوفًا؛ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ. وَشُرِطَ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ لِلرُّكُوبِ ذِكْرُ قَدْرِ سُرًى وَهُوَ السَّيْرُ لَيْلًا أَوْ قَدْرِ تَأْوِيبٍ وَهُوَ السَّيْرُ نَهَارًا حَيْثُ لَمْ يَطَّرِدْ عُرْفٌ، فَإِنْ اطَّرَدَ عُرْفٌ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَشُرِطَ فِيهِمَا لِحَمْلٍ رُؤْيَةُ الْمَحْمُولِ إنْ حَضَرَ أَوْ امْتِحَانُهُ بِيَدٍ أَوْ تَقْدِيرُهُ حَضَرَ أَوْ غَابَ، وَذِكْرُ جِنْسِ مَكِيلٍ، وَعَلَى مُكْرِي دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ إكَافٌ وَهُوَ مَا تَحْتَ الْبَرْذعَةِ وَبَرْذعَةٌ وَحِزَامٌ وَثَفَرٌ وَبَرَةٌ وَهِيَ الْحَلْقَةُ تُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ وَخِطَامٌ وَهُوَ زِمَامٌ يُجْعَلُ فِي الْحَلْقَةِ وَيُتْبَعُ فِي نَحْوِ سَرْجٍ وَحِبْرٍ وَكُحْلٍ وَخَيْطٍ وَصَبْغٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ عُرْفٌ مُطَرِّدٌ فِي مَحِلِّ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي   [حاشية البجيرمي] بِإِنْ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ " إنَّهُ " وَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى زَمَنٍ، فَيَكُونُ ذِكْرُ زَمَنٍ بَعْدَهُ إظْهَارًا فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَسْتَقِرُّ كُلُّهَا إلَخْ) وَالْعِبْرَةُ فِي الْأُجْرَةِ إذَا كَانَتْ نَقْدًا بِنَقْدِ بَلَدِ الْعَقْدِ وَقْتَهُ، فَإِنْ كَانَ بِبَادِيَةٍ اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَالْعِبْرَةُ بِمَوْضِعِ إتْلَافِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِذَا حَلَّتْ الْأُجْرَةُ الْمُؤَجَّلَةُ وَقَدْ تَغَيَّرَ النَّقْدُ وَجَبَ مِنْ نَقْدِ يَوْمِ الْعَقْدِ لَا يَوْمِ تَمَامِ الْعَمَلِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُكْتَرِي) أَيْ فِي الْمَنْقُولِ. وَقَوْلُهُ: " وَمِنْهَا الْعَرْضُ " أَيْ فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَامْتِنَاعَهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَعِيَّةِ، أَيْ مَعَ امْتِنَاعِهِ إلَخْ. فَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (مُهَمْلِجَةً) الْمُهَمْلِجَةُ بِوَزْنِ مُدَحْرِجَةٍ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ سَرِيعَةُ السَّيْرِ مَعَ حُسْنِهِ، وَالْقُطُوفُ بَطِيئَتُهُ وَالْبَحْرُ مَا بَيْنَهُمَا؛ فَلِذَا وَسَطُهَا، وَهِيَ مُنَوَّنَةٌ كَمَا قَالَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (سُرًى) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُنَوَّنًا مَقْصُورًا ق ل. قَوْلُهُ: (حُمِلَ إلَخْ) فَإِنْ شُرِطَ خِلَافُهُ اُتُّبِعَ. قَوْلُهُ: (وَشُرِطَ فِيهِمَا) أَيْ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ امْتِحَانُهُ إلَخْ " أَيْ اخْتِبَارُهُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: أَوْ امْتِحَانُهُ بِيَدٍ، أَيْ إنْ حَضَرَ أَيْ وَكَانَ فِي ظَرْفٍ أَوْ حَجَرًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ تَخْمِينًا لِوَزْنِهِ. قَوْلُهُ: (وَذِكْرُ جِنْسِ مَكِيلٍ) خَرَجَ الْمَوْزُونُ فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِهِ، فَلَوْ قَالَ أَجَرْتُكَهَا لِتَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةَ رِطْلٍ وَلَوْ بِدُونِ مِمَّا شِئْت صَحَّ وَيَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِأَضَرِّ الْأَجْنَاسِ، شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَيُحْسَبُ الظَّرْفُ مِنْ الْوَزْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: وَثَفَرٌ بِالْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ تَحْتَ دُبُرِ الدَّابَّةِ ق ل وَيُسَمَّى بِذَلِكَ لِمُجَاوَرَتِهِ لِثُفْرِ الدَّابَّةِ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَهُوَ حَيَاهَا زي. قَوْلُهُ: وَبَرَةٌ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُخَفَّفَةً مَحْذُوفَةَ اللَّامِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ فَأَصْلُهَا بُرَوٌ حُذِفَتْ لَامُهَا وَعُوِّضَ عَنْهَا هَاءُ التَّأْنِيثِ قَوْلُهُ وَهِيَ الْحَلْقَةُ أَيْ الْمُسَمَّاةُ بِالْخِزَامِ بِالْخَاءِ وَالزَّايِ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَلْقَةِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّكُوبِ بِدُونِهَا. قَوْلُهُ: (وَحِبْرٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْبَرُ بِهِ الْكُتُبُ أَيْ يُحْسَنُ. وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَلَمَ وَاجِبٌ عَلَى الْوَرَّاقِ أَيْ النَّاسِخِ كَإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ. وَيَجِبُ فِي الْإِجَارَةِ لِلنَّسْخِ بَيَانُ عَدَدِ الْأَوْرَاقِ وَالْأَسْطُرِ فِي كُلِّ صَفْحَةٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلتَّقْدِيرِ بِالْمُدَّةِ وَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ وَأَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ تَقْدِيرِ الْعَمَلِ بَيَانُ قَدْرِ الْحَوَاشِي وَقِطَعِ الْوَرَقِ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ اهـ. وَالْحَوَاشِي هِيَ الْبَيَاضُ الْخَالِي عَنْ الْكِتَابَةِ، وَقَوْلُهُ: " وَقِطَعِ الْوَرِقِ " بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ كَنِصْفِ الْفَرْخِ أَوْ رُبْعِهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَسَكَتُوا عَنْ بَيَانِ دِقَّةِ الْخَطِّ وَغِلَظِهِ وَعَنْ رُؤْيَةِ خَطِّ النَّاسِخِ وَهُوَ أَمْرٌ مُهِمٌّ، وَإِذَا غَلِطَ النَّاسِخُ فِي كِتَابَتِهِ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَيَغْرَمُ أَرْشَ الْوَرَقِ قَالَهُ زي. وَقَوْلُهُ: " إذَا غَلِطَ النَّاسِخُ فِي كِتَابَتِهِ " أَيْ غَلَطًا فَاحِشًا. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ وَمِرْوَدِ الْكَحَّالِ وَذَرُورِهِ وَمَرْهَمِ الْجَرَايِحِيِّ وَصَابُونِ الْغَسَّالِ وَمَائِهِ وَوُقُودِ الْخَبَّازِ ق ل. وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 اللُّغَةِ، فَمَنْ اطَّرَدَ فِي حَقِّهِ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَوْ اخْتَلَفَ الْعُرْفُ فِي مَحِلِّ الْإِجَارَةِ وَجَبَ الْبَيَانُ. وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ غَالِبًا، فَيُؤَجَّرُ الرَّقِيقُ وَالدَّارُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَالدَّابَّةُ عَشْرَ سِنِينَ وَالثَّوْبُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَالْأَرْضُ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ. (وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ) سَوَاءٌ كَانَتْ وَارِدَةً عَلَى الْعَيْنِ أَمْ عَلَى الذِّمَّةِ (بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) وَلَا بِمَوْتِهِمَا بَلْ تَبْقَى إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ كَالْبَيْعِ وَيَخْلُفُ الْمُسْتَأْجَرَ وَارِثُهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُ مَوْرِدُ الْعَقْدِ لَا؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ فَلَا يُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ، لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، فَوُجِدَتْ مَعَ مَوْتِهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَمِنْهَا مَا لَوْ أَجَّرَ أُمَّ وَلَدِهِ وَمَاتَ فِي الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ. وَمِنْهَا الْمُدَبَّرُ فَإِنَّهُ كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ. وَاسْتُثْنِيَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْته فِي شَرْحِ   [حاشية البجيرمي] نَحْوِ سَرْجٍ. قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ مُدَّةً، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالْمُدَّةُ الَّتِي تُقَدَّرُ بِهَا الْإِجَارَةُ هِيَ الَّتِي تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ، وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عَقِبَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ فَيَجِبُ الْمُسَمَّى إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً وَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ كَانَتْ فَاسِدَةً، وَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ بَيْنَهُمَا إلَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ فَفِي الصَّحِيحَةِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَفِي الْفَاسِدَةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ إذَا لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَى الْعَيْنِ وَإِلَّا فَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ لِتَقْصِيرِهِ. قَوْلُهُ: (مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ يَقُولُ أَجَرْتُك هَذِهِ الْعَيْنَ مُدَّةَ بَقَائِهَا. فَإِنَّهُ مَجْهُولٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ، بَلْ أَنْ يَعْقِدَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ فِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ ابْتِدَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، فَلَوْ قَالَ: أَجَرْتُك سَنَةً أَوْ شَهْرًا وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الْآنَ صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى مَا يَتَّصِلُ بِالْعَقْدِ، أَمَّا انْتِهَاءُ الْمُدَّةِ فَشَرْطٌ حَتَّى لَوْ قَالَ أَجَرْتُكَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ. فَرْعٌ: لَوْ أَجَرَ الْعَيْنَ مُدَّةً لَا تَبْقَى فِيهَا فَهَلْ تَبْطُلُ فِي الْكُلِّ أَوْ فِي الزَّائِدِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَبْطُلُ فِي الزَّائِدِ وَتَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ، فَإِذَا أَخْلَفَ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ لِبَقَائِهَا بِالْقَدْرِ الزَّائِدِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ فِي الزَّائِدِ لِظَنٍّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَيُؤَجِّرُ الرَّقِيقَ إلَخْ) مَا لَمْ يَبْلُغْ الرَّقِيقُ الْعُمْرَ الْغَالِبَ وَإِلَّا فَسَنَةً سَنَةً ح ل. قَوْلُهُ: (وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ وَذَكَرَ لَهَا أَحْكَامًا ثَلَاثَةً. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَيْنِ) أَيْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُرْتَبِطَةٍ وَمُتَعَلِّقَةٍ بِالْعَيْنِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَيَخْلُفُ الْمُسْتَأْجِرَ إلَخْ) وَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ تُرِكَتْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَوْ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ وَمَاتَ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ سَتُؤَجَّرُ مِنْهَا وَإِلَّا فَإِنْ قَامَ الْوَارِثُ بِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ سم. قَوْلُهُ (الْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ فِي الْعَقْدِ كَالْمُكْتَرِي لِخِيَاطَةِ الثَّوْبِ، وَلَوْ قَالَ: نَعَمْ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْأَجِيرِ إلَخْ كَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْأَجِيرَ مِنْ حَيْثُ مَنْفَعَتِهِ لَا مِنْ حَيْثُ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْرِدًا. قَوْلُهُ: (لَا؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ) أَيْ فَفِي الْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ جِهَتَانِ: كَوْنُهُ مَوْرِدًا وَكَوْنُهُ عَاقِدًا، وَالِانْفِسَاخُ مِنْ الْأُولَى لَا مِنْ الثَّانِيَةِ؛ فَلِذَلِكَ لَا يُسْتَثْنَى. قَوْلُهُ: (مِنْ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ) أَيْ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ اسْتَثْنَى مِنْهُ) أَيْ مِنْ الِانْفِسَاخِ اسْتِثْنَاءٌ صُورِيٌّ، فَإِنَّ الِانْفِسَاخَ فِي الثَّلَاثَةِ لِأَجْلِ الْعِتْقِ وَفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ لَا لِأَجْلِ مَوْتِ الْعَاقِدِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَاقِدُ فِي الْأُولَى بَطَلَتْ. قَوْلُهُ: (الْمُعَلَّقَ إلَخْ) كَأَنْ قَالَ لَهُ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ أَجَرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَاتَّفَقَ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ مَعَ مَوْتِ السَّيِّدِ. فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ، لَكِنْ لَا بِمَوْتِ الْعَاقِدِ بَلْ لِمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ وُجُودِ الصِّفَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ فَلَا حَاجَةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ. قَوْلُهُ: (مَعَ مَوْتِهِ) أَيْ السَّيِّدِ. وَقَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الِانْفِسَاخِ بِالْمَوْتِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: م د قَوْلُهُ: " مَعَ مَوْتِهِ " لَيْسَ بِقَيْدٍ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِيَظْهَرَ وَجْهُ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ يُعْتَقُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ مُطْلَقًا وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (تَنْفَسِخُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ. . وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ نَاظِرِ الْوَقْفِ مِنْ حَاكِمً أَوْ مَنْصُوبِهِ أَوْ مَنْ شُرِطَ لَهُ النَّظَرُ عَلَى جَمِيعِ الْبُطُونِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ النَّاظِرُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْوَقْفِ وَأَجَرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ. وَلَوْ أَجَرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ مُدَّةً وَمَاتَ الْبَطْنُ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ تَمَامِهَا، وَشَرَطَ الْوَاقِفُ لِكُلِّ بَطْنٍ مِنْهُمْ النَّظَرَ فِي حِصَّتِهِ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ فَقَطْ، أَوْ أَجَّرَ الْوَلِيُّ صَبِيًّا أَوْ مَا لَهُ مُدَّةٌ لَا يَبْلُغُ فِيهَا الصَّبِيُّ بِالسِّنِّ فَبَلَغَ فِيهَا بِالِاحْتِلَامِ وَهُوَ رَشِيدٌ انْفَسَخَتْ فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ انْتَقَلَ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ لِغَيْرِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا نِيَابَةَ. وَلَا تَنْفَسِخُ فِي الصَّبِيِّ [] ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ تَصَرَّفَ فِيهِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ. (وَتَبْطُلُ) أَيْ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (بِتَلَفِ) كُلِّ (الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ) كَانْهِدَامِ كُلِّ الدَّارِ لِزَوَالِ الِاسْمِ   [حاشية البجيرمي] بِمَوْتِهِ) قَدْ يُقَالُ انْفِسَاخُهَا بِعِتْقِهَا بِمَوْتِهِ لَا بِمَوْتِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُدَبَّرِ فَلَا اسْتِثْنَاءَ. قَوْلُهُ: (بِمَوْتِ نَاظِرِ الْوَقْفِ) أَيْ إذَا أَجَرَهُ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَامَّةٌ تُوجَدُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَوُجُودُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ حُكْمًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ عَقْدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَكَأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ بَعْدَهُ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (عَلَى جَمِيعِ الْبُطُونِ) الظَّاهِرُ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِهِ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ شُرِطَ النَّظَرُ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الرَّمْلِيِّ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ عَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِمَوْتِ النَّاظِرِ الْمَذْكُورِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْوَقْفِ) بِأَنْ قَالَ الْوَاقِفُ: وَقَفْتُ كَذَا عَلَى زَيْدٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ مَثَلًا وَشَرَطَ النَّظَرَ لَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِمُدَّةِ حَيَاتِهِ. قَوْلُهُ: (يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ عَائِدٌ عَلَيْهِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (انْفَسَخَتْ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ لِغَيْرِهِ وَلَا حَقَّ لِوَارِثِهِ فِيهِ ق ل، قَدْ يُقَالُ: انْفِسَاخُهَا بِمَوْتِهِ لِكَوْنِهِ أَجَرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَجَرَ إلَخْ) هَلَّا قَالَ: وَمَا لَوْ أَجَرَ إلَخْ. وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: " مَا لَوْ كَانَ إلَخْ " وَيَجْعَلُ مَسْأَلَةَ إيجَارِ الْوَلِيِّ مَسْأَلَةَ الْوَلِيِّ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَلَا تَنْفَسِخُ بِبُلُوغٍ بِغَيْرِ سِنٍّ. قَوْلُهُ: (لِكُلِّ بَطْنٍ مِنْهُمْ) الْمُرَادُ لِكُلِّ شَخْصٍ سَوَاءٌ كَانَ بَطْنًا أَوْ بَعْضَهَا ق ل، أَوْ الْمُرَادُ بِالْبَطْنِ أَفْرَادُهَا أَيْ أَفْرَادُ كُلِّ بَطْنٍ. قَوْلُهُ: (مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ الْوَاقِفُ شَرْطَ النَّظَرِ لِكُلِّ بَطْنٍ أَوْ قَيَّدَهُ بِنَحْوِ الْأَرْشَدِ مِنْهُمْ وَمَا لَوْ تَأَخَّرَ التَّدْبِيرُ أَوْ الْإِيلَادُ أَوْ التَّعْلِيقُ عَنْ الْإِيجَارِ، فَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِالْمَوْتِ لِعَدَمِ تَقْيِيدِ النَّظَرِ بِاسْتِحْقَاقِ الْمُؤَجِّرِ فِي الْأُولَى وَتَقَدُّمِ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى سَبَبِ الْعِتْقِ فِي الثَّانِيَةِ سم. قَوْلُهُ: (مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا الصَّبِيُّ) فَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ فَبَلَغَ بِهِ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهَا فِيمَا زَادَ إنْ بَلَغَ رَشِيدًا وَإِلَّا اسْتَمَرَّتْ ق ل. قَوْلُهُ: (انْفَسَخَتْ) جَوَابُ لَوْ. قَوْلُهُ: (لِغَيْرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " انْتَقَلَ " وَقَوْلُهُ: " وَلَا وِلَايَةَ لَهُ " أَيْ لِلْمُؤَجِّرِ، وَقَوْلُهُ: " عَلَيْهِ " أَيْ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ: (وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ) كَالْحَاكِمِ وَمَنْ شُرِطَ لَهُ النَّظَرُ. قَوْلُهُ: " وَلَا نِيَابَةَ " كَمَنْصُوبِ الْحَاكِمِ، بِخِلَافِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَعْنِي قَوْلَهُ: " وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ نَاظِرِ الْوَقْفِ إلَخْ " شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا تَنْفَسِخُ) عَطْفٌ عَلَى انْفَسَخَتْ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ إجَارَةِ الصَّبِيِّ عَنْ إجَارَةِ الْوَقْفِ وَجَعْلَهَا مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً؛ لِأَنَّ جَوَابَهَا مُخَالِفٌ لِجَوَابِ مَا قَبْلَهَا. قَوْلُهُ: (أَيْ وَتَنْفَسِخُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ لِتَأْوِيلِ الْبُطْلَانِ بِالِانْفِسَاخِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَذِكْرُ الْمُسْتَقْبَلِ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ لَهُ حَاجَةٌ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ يُوهِمُ بُطْلَانَهَا مِنْ أَصْلِهَا مَعَ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ إلَّا مِنْ حِينِ عُرُوضِ الْمَانِعِ، وَالْبُطْلَانُ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ: التَّلَفُ، وَكَوْنُهُ لِكُلِّ الْعَيْنِ، وَكَوْنُ الْإِجَارَةِ إجَارَةَ عَيْنٍ. أَمَّا التَّعَيُّبُ وَتَلَفُ الْبَعْضِ فَيُثْبِتُ الْخِيَارَ لَا الْفَسْخَ، وَأَمَّا التَّلَفُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَيَجِبُ فِيهِ الْإِبْدَالُ فَلَا فَسْخَ وَلَا خِيَارَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ إذَا تَلِفَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ كَمَوْتِ الدَّابَّةِ وَسَلِمَ الْمَحْمُولُ أَوْ غَرِقَتْ السَّفِينَةُ وَسَلِمَ الْحَمْلُ وَمَوْتِ الْخَيَّاطِ وَالْبَنَّاءِ وَالصَّبَّاغِ وَالْمُعَلِّمِ وَسَلِمَ الثَّوْبُ وَالْبِنَاءُ وَالصَّبِيُّ الْمُتَعَلِّمُ وَجَبَ قِسْطُ الْأُجْرَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، أَمَّا عَكْسُ ذَلِكَ كَأَنْ غَرِقَتْ الْحُمُولُ وَسَلِمَتْ السَّفِينَةُ أَوْ انْكَسَرَتْ الْجَرَّةُ الْمَحْمُولَةُ وَسَلِمَ الْحَامِلُ فَلَا أُجْرَةَ لِلْمَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ عَلَى الْمَحَلِّ، وَأَمَّا إذَا تَلِفَ الثَّوْبُ بِسَرِقَةٍ بَعْدَ خِيَاطَةِ بَعْضِهِ أَوْ قَبْلَ تَكْمِيلِ صَبْغِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا بِأَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ أَوْ فِي بَيْتِهِ وَجَبَ الْقِسْطُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا فَلَا يَجِبُ الْقِسْطُ كَغَرَقِ الْمَحْمُولِ وَسَلَامَةِ السَّفِينَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 وَفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَلَفِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي الْبَيْعِ حَصَلَ عَلَى جُمْلَةِ الْمَبِيعِ، وَالِاسْتِيلَاءَ عَلَى الْمَنَافِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا شَيْئًا فَشَيْئًا. وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ مَاءِ أَرْضٍ اُسْتُؤْجِرَتْ لِزِرَاعَةٍ لِبَقَاءِ الِاسْمِ مَعَ إمْكَانِ زَرْعِهَا بِغَيْرِ الْمُنْقَطِعِ، بَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْعَيْبِ عَلَى التَّرَاخِي. وَتَنْفَسِخُ بِحَبْسِ غَيْرِ مُكْتَرٍ لِلْمُعَيِّنِ مُدَّةَ حَبْسِهِ إنْ قَدَّرَ بِمُدَّةٍ سَوَاءٌ أَحَبَسَهُ الْمُكْرِي أَمْ غَيْرُهُ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِبَيْعِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لِلْمُكْتَرِي، أَوْ لِغَيْرِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكْتَرِي، وَلَا بِزِيَادَةِ أُجْرَةٍ وَلَا بِظُهُورِ طَالِبٍ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَتْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (بِتَلَفِ كُلِّ الْعَيْنِ) سَوَاءٌ كَانَ التَّلَفُ حِسًّا كَمَا مَثَّلَ أَوْ شَرْعًا، كَامْرَأَةٍ اُكْتُرِيَتْ لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ مُدَّةً فَحَاضَتْ فِيهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: " فَحَاضَتْ " قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ، وَنَحْوُهُ تَخْصِيصُ الِانْفِسَاخِ بِمُدَّةِ الْحَيْضِ دُونَ مَا بَعْدَهَا وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الشَّارِحِ الِانْفِسَاخُ فِي الْجَمِيعِ. وَبَقِيَ مَا لَوْ خَالَفَتْ وَخَدَمَتْ بِنَفْسِهَا هَلْ تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ؛ قَالَ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ (الْمُسْتَأْجَرَةِ) أَيْ إجَارَةَ عَيْنٍ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجَرَةِ إجَارَةَ ذِمَّةٍ كَأَنْ أَسْلَمَهُ دَابَّةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ فَتَلِفَتْ، فَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِتَلِفِهَا وَلَوْ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِتَعَيُّبِهَا وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ إبْدَالُهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ اكْتَرَى الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّهُ عِنْدَ يَسَارِهِ دُونَ إعْسَارِهِ فَيَتَخَيَّرُ الْمُسْتَأْجِرُ أَيْ عِنْدَ الْإِعْسَارِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (كَانْهِدَامِ كُلِّ الدَّارِ) سَوَاءٌ هَدَمَهَا الْمُؤَجِّرُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، أَوْ انْهَدَمَتْ بِنَفْسِهَا. وَفِي هَدْمِ الْمُسْتَأْجِرِ لَهَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَاعِدَةِ: مَنْ اسْتَعْجَلَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ. كَمَا لَوْ جَبَّتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ أَوْ اسْتَعْجَلَتْ إلْقَاءَ الْحَمْلِ أَوْ الْحَيْضَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَكِنْ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: " عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ " أَيْ بِحِرْمَانِ الِانْفِسَاخِ بِأَنْ تَبْقَى الْإِجَارَةُ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِزَوَالِ الِاسْمِ) فِيهِ أَنَّ الِاسْمَ لَا يَزُولُ؛ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ الثَّانِي إلَّا أَنْ يُقَالَ: إطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَيْهَا فِي حَالِ الِانْهِدَامِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ. قَوْلُهُ: (مَعَ إمْكَانِ) فَلَوْ لَمْ يُمْكِنُ ذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يَتَأَتَّ سَوْقُ مَاءٍ إلَيْهَا أَصْلًا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ اهـ مَرْحُومِيٌّ وَأُجْرَةُ سَوْقِ الْمَاءِ إلَيْهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ لَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْعَيْبِ عَلَى التَّرَاخِي) وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ انْحِسَارِ الْمَاءِ عَنْهَا فَانْحَسَرَ عَنْ بَعْضِهَا دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيمَا لَمْ يَنْحَسِرْ الْمَاءُ عَنْهُ دُونَ مَا انْحَسَرَ عَنْهُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ تَفْرِيقِ صَفْقَةٍ. اهـ. زي. وَالصُّورَةُ أَنَّهُ قَدْ رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى تَصِحَّ الْإِجَارَةُ، وَكَذَا لَهُ الْخِيَارُ إنْ تَأَخَّرَ انْحِسَارُ الْمَاءِ عَنْهَا عَنْ أَوَانِ الزَّرْعِ. قَوْلُهُ: (بِحَبْسِ غَيْرِ مُكْتَرٍ) مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ أَيْ مِنْ مُكْرٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ. وَلَوْ كَانَ حَبْسُ الْمُكْرِي لِأَجْلِ الْأُجْرَةِ، وَأَمَّا حَبْسُ الْأَجْنَبِيِّ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ظُلْمًا أَوْ عَنْ جِهَةِ الْمُكْرِي كَدَيْنٍ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا تَنْفَسِخُ مُدَّةَ الْحَبْسِ. قَوْلُهُ: (لِلْمُعَيِّنِ) خَرَجَ مَا فِي الذِّمَّةِ، فَلَا تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ بَلْ يُبْدَلُ. وَفِي نُسْخَةٍ لِلْعَيْنِ: وَهُوَ تَحْرِيفٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَذْكِيرُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: " حَبْسِهِ ". قَوْلُهُ: (مُدَّةَ حَبْسِهِ) ظَرْفٌ لِتَنْفَسِخَ وَانْفِسَاخُ الْإِجَارَةِ فِي هَذِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا مَضَى زَمَنٌ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لَا تَسْتَقِرُّ أُجْرَتُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ مُدَّةَ حَبْسِهِ أَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْحَبْسِ لَا تَعُودُ الْإِجَارَةُ بِلَا عَقْدٍ، وَكَوْنُ الشَّيْءِ يَعُودُ صَحِيحًا بِلَا عَقْدٍ بَعْدَ انْفِسَاخِهِ مِمَّا لَا نَظِيرَ لَهُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إنْ قُدِّرَ) أَيْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: إنْ قُدِّرَتْ؛ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَخَرَجَ بِالتَّقْدِيرِ بِالْمُدَّةِ التَّقْدِيرُ بِالْمَحَلِّ كَأَنْ آجَرَ دَابَّةً لِرُكُوبِهَا إلَى مَكَان وَحُبِسَتْ مُدَّةَ إمْكَانِ الْمَسِيرِ إلَيْهِ فَلَا تَنْفَسِخُ إذْ لَا يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَحَبَسَهُ) أَيْ الْمُعَيَّنَ وَقَوْلُهُ الْمُكْرَى وَلَوْ لِقَبْضِ الْأُجْرَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ قَبْضَ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ شَامِلٌ لِمَا بَعْدَ قَبْضِ الْعَيْنِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ قَبْضُ الْمَنْفَعَةِ أَيْ اسْتِيفَاؤُهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا تَنْفَسِخُ بِبَيْعِ الْعَيْنِ) وَلَا خِيَارَ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكْتَرِي) وَحِينَئِذٍ يَأْخُذُهَا الْمُشْتَرِي مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ وَعَلَيْهِ دَفْعُ الْأُجْرَةِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَلَا بِظُهُورِ طَالِبٍ) هَذِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 إجَارَةَ وَقْفٍ لِجَرَيَانِهَا بِالْغِبْطَةِ فِي وَقْتِهَا، كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ مُولِيهِ ثُمَّ زَادَتْ الْقِيمَةُ أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ، وَلَا بِإِعْتَاقِ رَقِيقٍ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ حَالَةَ مِلْكِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ وَاسْتَقَرَّ مَهْرُهَا بِالدُّخُولِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ إبْدَالُ مُسْتَوْفٍ وَمُسْتَوْفًى بِهِ كَمَحْمُولٍ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ، وَمُسْتَوْفًى فِيهِ كَأَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ فِي طَرِيقٍ إلَى قَرْيَةٍ بِمِثْلِ الْمُسْتَوْفِي وَالْمُسْتَوْفَى بِهِ وَالْمُسْتَوْفَى فِيهِ أَوْ بِدُونِ مِثْلِهَا الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى. أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَمَا لَوْ أَكْرَى مَا اكْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلِأَنَّهُمَا طَرِيقَانِ لِلِاسْتِيفَاءِ كَالرَّاكِبِ لَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِمَا. وَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ مُسْتَوْفًى مِنْهُ كَدَابَّةٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ أَوْ مُتَعَيِّنٌ بِالْقَبْضِ إلَّا فِي إجَارَةِ ذِمَّةٍ، فَيَجِبُ إبْدَالُهُ لِتَلَفٍ أَوْ تَعْيِيبٍ. وَيَجُوزُ مَعَ سَلَامَةٍ مِنْهُمَا بِرِضَا مُكْتَرٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ. (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ) فِي تَلِفِ مَا بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى الْعَيْنِ الْمُكْتَرَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ إلَّا بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهَا وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ إنْ قُدِّرَتْ بِزَمَنٍ، أَوْ مُدَّةِ إمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ إنْ قُدِّرَتْ بِمَحِلِّ عَمَلٍ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ كَالْوَدِيعِ، فَلَوْ اكْتَرَى دَابَّةً وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا فَتَلِفَتْ أَوْ اكْتَرَاهُ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ صَبْغِهِ فَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ انْفَرَدَ الْأَجِيرُ بِالْيَدِ أَمْ لَا، كَأَنْ   [حاشية البجيرمي] دَاخِلَةٌ فِيمَا قَبْلَهَا ق ل. قَوْلُهُ: (بِالْغِبْطَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغِبْطَةِ هُنَا الْمَصْلَحَةُ؛ لِأَنَّ الْغِبْطَةَ مَا لَهُ وَقْعٌ وَهُوَ لَا يُشْتَرَطُ. قَوْلُهُ: (أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ) أَيْ بَعْدَ زَمَنِ الْخِيَارِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِإِعْتَاقِ رَقِيقٍ) كَأَنْ أَجَرَ عَبْدَهُ مُدَّةً ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي أَثْنَائِهَا وَخَرَجَ بِإِعْتَاقِهِ عِتْقُهُ كَأَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ ثُمَّ أَجَرَهُ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ قَبْلَهَا، شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَقَدْ مَرَّ فِي الشَّرْحِ وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ عَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَهُ م ر وع ش. قَوْلُهُ: (وَاسْتَقَرَّ مَهْرُهَا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَكُونُ الْمَهْرُ لَهَا، مَعَ أَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ وُجِدَ فِي مِلْكِهِ حَرَّرَهُ. قَوْلُهُ: (يَجُوزُ إبْدَالُ مُسْتَوْفٍ) كَالرَّاكِبِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا بِمَا شَاءَ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرَرِ. فَإِنْ شُرِطَ عَدَمُ إبْدَالِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ وَيُعْمَلُ بِالشَّرْطِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَإِنْ شُرِطَ عَدَمُ إبْدَالِ الْمَحْمُولِ اُتُّبِعَ. قَوْلُهُ: (بِمِثْلِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِبْدَالِ فِي الثَّلَاثَةِ. وَقَوْلُهُ " أَمَّا الْأَوَّلُ " أَيْ جَوَازُ إبْدَالِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا يُقَدَّرُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فَكَمَا) أَيْ فَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَكْرَى إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إمَّا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ) أَيْ إنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ مُتَعَيِّنٌ بِالْقَبْضِ " أَيْ إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا وَكَانَ الْأَجِيرُ مُكَلَّفًا، فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا بِإِجَارَةٍ مَعَهُ فَلَا ضَمَانَ إلَّا بِالْإِتْلَافِ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مَعَ وَلِيِّهِ فَلَا ضَمَانَ إلَّا بِالتَّقْصِيرِ، وَالضَّمَانُ عَلَى وَلِيِّهِ لَا عَلَيْهِ. وَحَمَلَ الشَّارِحُ الْأَجِيرَ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْمُسْتَأْجِرَ لِدَابَّةٍ مَثَلًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " فَلَوْ اكْتَرَى دَابَّةً إلَخْ ". وَحَمَلَهُ سم عَلَى مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ كَخِيَاطَةٍ وَأَلْحَقَ الْمُسْتَأْجِرَ بِهِ فَقَالَ: وَكَالْأَجِيرِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الْمُسْتَأْجِرُ اهـ. وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْأَجِيرِ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ فِيهِ تَغْلِيبٌ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَالْمُكْتَرِي أَمِينٌ وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ كَأَجِيرٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَمِينٌ) هَذَا رَاجِعٌ لِلْأَجِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ) الْأَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ بِالْعَطْفِ عَطَفَ عِلَّةً عَلَى عِلَّةٍ، وَالثَّانِيَةُ رَاجِعَةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: "؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ إلَخْ " إذْ لَا حَقَّ لِلْأَجِيرِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ) غَايَةٌ فِي الْمَتْنِ، إذْ لَا يَلْزَمُهَا رَدُّهَا حِينَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ بَلْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِكِ إذَا طَلَبَهَا كَالْوَدِيعَةِ اهـ سم. قَوْلُهُ: (اسْتِصْحَابًا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: " وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ بِالنَّظَرِ لِمَا بَعْدَ الْغَايَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَوْ بَعْدَ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (كَالْوَدِيعِ) أَيْ فِي أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ التَّخْلِيَةُ فَقَطْ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَكَالْوَدِيعِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا) لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (فَتَلِفَتْ) أَيْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِيَ: كَأَنْ تَرَكَ الِانْتِفَاعَ إلَخْ حُرِّرَ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَكْتَرَاهُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْأَجِيرُ وَقَوْلُهُ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ لِحِرَاسَةٍ كَالرَّاعِي. وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْخُفَرَاءَ الَّذِينَ يَحْرُسُونَ الْأَسْوَاقَ بِاللَّيْلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ حَيْثُ لَا تَقْصِيرَ، وَمِنْ التَّقْصِيرِ النَّوْمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 قَعَدَ الْمُكْتَرِي مِنْهُ حَتَّى يَعْمَلَ أَوْ أَحْضَرَ مَنْزِلَهُ لِيَعْمَلَ كَعَامِلِ الْقِرَاضِ (إلَّا بِعُدْوَانٍ) كَأَنْ تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بِالدَّابَّةِ فَتَلِفَتْ بِسَبَبٍ، كَانْهِدَامِ سَقْفِ إصْطَبْلِهَا عَلَيْهَا فِي وَقْتِ لَوْ انْتَفَعَ بِهَا فِيهِ عَادَةً لَسَلِمَتْ وَكَأَنْ ضَرَبَهَا أَوْ نَخَعَهَا بِاللِّجَامِ فَوْقَ عَادَةٍ فِيهِمَا، أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ، أَوْ أَسْكَنَ مَا اكْتَرَاهُ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارَ دَقٍّ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ، أَوْ حَمَّلَ الدَّابَّةَ مِائَةَ رِطْلِ شَعِيرٍ بَدَلَ مِائَةِ رِطْلِ بُرٍّ أَوْ عَكْسَهُ، أَوْ حَمَّلَهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةِ بُرٍّ بَدَلَ عَشَرَةِ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَيَصِيرَ ضَامِنًا لَهَا لِتَعَدِّيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَّلَهَا عَشْرَةَ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ بَدَلَ عَشْرَةِ أَقْفِزَةِ بُرٍّ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِخِفَّةِ الشَّعِيرِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَجْمِ.   [حاشية البجيرمي] وَالنِّسْيَانُ وَالْغَيْبَةُ إذَا لَمْ يَسْتَحْفِظْ مِثْلَهُ أَوْ أَحْفَظَ مِنْهُ أَوْ دَخَلَ اللَّيْلُ وَلَمْ يُبَادِرْ حَتَّى سُرِقَتْ وَلَوْ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، ح ل وَز ي مَعَ زِيَادَةٍ. وَيُؤْخَذُ مِنْ فَرْضِ ذَلِكَ فِي الْبُيُوتِ وَنَحْوِهَا أَنَّ خَفِيرَ الْجُرْنِ وَخَفِيرَ الْغَيْطِ وَنَحْوَهُمَا عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ حَيْثُ قَصَّرُوا. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (لَمْ يَضْمَنْ) لَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَيْنَ كَمَا تَسَلَّمَهَا، فَلَوْ تَعَجَّلَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِصَاحِبِهَا. وَمِنْهُ مَا يَقَعُ مِنْ دَفْعِ كِرَاءِ الْمَحْمُولِ مُعَجَّلًا ثُمَّ تَغْرَقُ السَّفِينَةُ قَبْلَ وُصُولِهَا مَكَانَ التَّسْلِيمِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُتَعَجِّلِ رَدُّهَا لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا. قَوْلُهُ: (إلَّا بِعُدْوَانٍ) وَمِنْ التَّعَدِّي مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى دَابَّةً فَأَعْطَاهَا لِآخَرَ يَرْعَاهَا فَتَلِفَتْ فَيَضْمَنُهَا كُلٌّ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ حَيْثُ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَهُ، وَإِلَّا فَالْقَرَارُ عَلَى الْأَوَّلِ. وَكَذَا لَوْ أَسْرَفَ الْخَبَّازُ فِي الْوَقُودِ أَوْ مَاتَ الْمُتَعَلِّمُ مِنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ شَرْحِ م ر. وَلَوْ كَانَ الضَّرْبُ مِثْلَ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّمَ يَحْصُلُ بِدُونِ ضَرْبٍ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ س ل. وَمِثْلُهُمْ الْحَمَّامِيُّ إذَا اُسْتُحْفِظَ عَلَى الْأَمْتِعَةِ وَالْتَزَمَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَفْرَادَ الْأَمْتِعَةِ قِطْعَةً قِطْعَةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَفْرَادِ الضَّائِعِ صُدِّقَ الْغَارِمُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّعَدِّي وَعَدَمِهِ صُدِّقَ الْأَجِيرُ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الضَّمَانِ سم، نَعَمْ إنْ أَخْبَرَ عَدْلَانِ خَبِيرَانِ بِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ تَعَدٍّ لَمْ يُصَدَّقْ وَعُمِلَ بِقَوْلِهِمَا اهـ. قَوْلُهُ: (كَانْهِدَامِ سَقْفِ إصْطَبْلِهَا إلَخْ) وَأَمَّا لَوْ لُسِعَتْ بِحَيَّةٍ فِي الْمَكَانِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ انْهِدَامِ الْإِصْطَبْلِ أَنَّ ذَاكَ مِنْ بَابِ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِ هَذَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سُرِقَتْ. اهـ. عَزِيزِيٌّ. وَقَوْلُهُ: " إصْطَبْلِهَا " هَمْزَةُ قَطْعٍ لَا هَمْزَةُ وَصْلٍ. قَوْلُهُ: (فِي وَقْتٍ لَوْ انْتَفَعَ بِهَا) أَيْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا فِيهِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ ضَمَانَ الدَّابَّةِ بِوَضْعِهَا فِي الْأَصْلِ فِي وَقْتٍ جَرَى الْعَادَةُ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا فِيهِ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ يَدٍ، خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ز ي، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ تَتْلَفْ بِذَلِكَ م ر، كَأَنْ سُرِقَتْ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الضَّمَانَيْنِ أَنَّ ضَمَانَ الْيَدِ يَحْصُلُ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا، فَإِنْ سُرِقَتْ مَثَلًا ضَمِنَ وَضَمَانُ الْجِنَايَةِ إنَّمَا يَضْمَنُهَا بِوُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ هُنَا الْهَدْمُ بِسَبَبِ الرَّبْطِ أج. وَمِثْلُ السَّرِقَةِ لَسْعُ عَقْرَبٍ أَوْ حَيَّةٍ أَوْ نَزَلَتْ عَلَيْهَا صَاعِقَةٌ، أَيْ فَيَضْمَنُ ضَمَانَ الْيَدِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ التَّلَفَ الْحَاصِلَ بِالرَّبْطِ يُضْمَنُ ضَمَانَ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانَ يَدٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ تَتْلَفْ بِذَلِكَ، خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيّ اهـ. وَقَالَ سم: وَلَوْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْهَا وَإِنْ تَرَكَ السَّعْيَ فِي رَدِّهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ أَوْ تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي وَقْتِهِ فَمَاتَتْ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْهَا وَكَذَا لَوْ تَلِفَتْ بِمَا لَا يُعَدُّ تَقْصِيرًا مِنْهُ كَانْهِدَامِ السَّقْفِ عَلَيْهَا فِي لَيْلٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (لَسَلِمَتْ) أَيْ مِنْ التَّلَفِ بِهَذَا السَّبَبِ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ تَعَدِّيًا أَنَّهُ لَمَّا نَشَأَ الِانْهِدَامُ عَلَيْهَا مِنْ تَرْكِهِ لَهَا كَانَ كَأَنْ بِفِعْلِهِ. قَوْلُهُ: (فَوْقَ عَادَةٍ) هَذَا ضَمَانُ يَدٍ فَمَتَى تَلِفَتْ، وَلَوْ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ ضَمِنَهَا، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أج. قَوْلُهُ: (مِائَةَ رِطْلِ شَعِيرٍ إلَخْ) أَيْ لِاجْتِمَاعِ الْبُرِّ بِسَبَبِ ثِقَلِهِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَالشَّعِيرِ لِخِفَّتِهِ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ، فَضَرَرُهُمَا مُخْتَلِفٌ شَرْحِ م ر بِتَغْيِيرٍ. وَأَيْضًا الشَّعِيرُ وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ يَتَمَوَّجُ بِسَبَبِ الْهَوَاءِ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ ضَرَرٌ لِلدَّابَّةِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الشَّعِيرَ أَخَفُّ مِنْ الْبُرِّ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُ الْمُسْتَوْفَى بِهِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِدُونِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَضُرُّ إبْدَالُ الْمَوْزُونِ بِمِثْلِهِ وَبِدُونِهِ وَبِأَثْقَلَ، وَالْمَكِيلُ يَضُرُّ إبْدَالُهُ بِأَثْقَلَ مِنْهُ فَقَطْ مَيْدَانِيٌّ، أَيْ وَيَجُوزُ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ وَبِدُونِهِ، فَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ يَجُوزُ إبْدَالُ الْمُسْتَوْفَى بِهِ بِمِثْلِهِ وَبِدُونِهِ أَيْ إذَا كَانَ مَكِيلًا، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِمِثْلِهِ أَيْ مِثْلِهِ فِي الْحَجْمِ. قَوْلُهُ: (مَعَ اسْتِوَائِهِمَا) فَلَا يَرِدُ عَدَمُ جَوَازِ إبْدَالِ مِائَةِ رِطْلِ بُرٍّ بِمِائَةِ رِطْلِ شَعِيرٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِعَدَمِ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَجْمِ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 تَنْبِيهٌ: لَا أُجْرَةَ لِعَمَلٍ كَحَلْقِ رَأْسٍ وَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِلَا شَرْطِ أُجْرَةٍ، وَإِنْ عُرِفَ ذَلِكَ الْعَمَلُ بِهَا لِعَدَمِ الْتِزَامِهَا مَعَ صَرْفِ الْعَامِلِ مَنْفَعَتَهُ. هَذَا إذَا كَانَ حُرًّا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، أَمَّا لَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا إذْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِمَنَافِعِهِمْ، وَهَذَا بِخِلَافِ دَاخِلِ الْحَمَّامِ بِلَا إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْحَمَّامِ بِسُكُونِهِ فِيهِ، وَبِخِلَافِ عَامِلِ الْمُسَاقَاةِ إذَا عَمِلَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ لِلْإِذْنِ فِي أَصْلِ الْعَمَلِ الْمُقَابَلِ بِعِوَضٍ. تَتِمَّةٌ: لَوْ قَطَعَ الْخَيَّاطُ ثَوْبًا وَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ لِمَالِكِهِ: بِذَا أَمَرَتْنِي. فَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ أَمَرْتُك بِقَطْعِهِ قَمِيصًا صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِذْنِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَذِنَ لَهُ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ. وَلَهُ عَلَى الْخَيَّاطِ أَرْشُ نَقْصِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِلَا إذْنٍ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً. وَالثَّانِي: مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَقْطُوعًا قَمِيصًا وَمَقْطُوعًا قَبَاءً وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ: لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَطْعِ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ أَوْ كَانَ مَقْطُوعًا قَبَاءً أَكْثَرَ قِيمَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. . وَيَجِبُ عَلَى الْمُكْرِي تَسْلِيمُ   [حاشية البجيرمي] حَجْمَ الشَّعِيرِ أَكْبَرُ. بَقِيَ مَا لَوْ ابْتَلَّ الْمَحْمُولُ وَثَقُلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَهَلْ يَثْبُتُ لِلْمُكْرِي الْخِيَارُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ وَبِدَابَّتِهِ أَخْذًا مِمَّا لَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ الْمُعَيَّنِ حَيْثُ قَالُوا فِيهِ لَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ نَقْلُهُ إلَيْهِ لِثِقَلِ الْمَيِّتِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ: لَا أُجْرَةَ لِعَمَلٍ) وَمِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَوْ جَلَسَ إنْسَانٌ عِنْدَ الطَّبَّاخِ وَقَالَ: أَطْعِمْنِي رَطْلًا مِنْ اللَّحْمِ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَأَطْعَمَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّقْدِيمِ لَهُ مُسَلِّطٌ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى يُضْمَنَ بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الثَّمَنَ، وَالْبَيْعُ إنْ صَحَّ أَوْ فَسَدَ يُعْتَبَرُ فِيهِ ذِكْرُ الثَّمَنِ اهـ مِنْ الْقَوْلِ التَّامِّ فِي آدَابِ دُخُولِ الْحَمَّامِ لِابْنِ الْعِمَادِ. وَلَوْ دَفَعَ الثَّوْبَ إلَى الْقَصَّارِ أَوْ الْخَيَّاطِ أَوْ نَحْوِهِمَا وَعَرَّضَ بِالْأُجْرَةِ كَقَوْلِهِ: اعْمَلْ وَأَنَا أُرْضِيك، أَوْ مَا تَرَى مِنِّي إلَّا مَا يَسُرُّك؛ فَعَمِلَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَيَسْتَحِقُّ عَامِلُ الزَّكَاةِ أُجْرَتَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهَا الْإِمَامُ عِنْدَ بَعْثِهِ. قَوْلُهُ: (بِهَا) أَيْ بِالْأُجْرَةِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " عُرِفَ ". قَوْلُهُ: (فَلَا) أَيْ فَلَا لَا أُجْرَةَ بَلْ الْأُجْرَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ. فَرْعٌ: لَوْ أَكْرَى بَيْتًا يَضَعُ فِيهِ مِائَةَ إرْدَبٍّ فَوَضَعَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ أَرْضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَ غُرْفَةً فَطَرِيقَانِ: إحْدَاهُمَا يُخَيَّرُ الْمُؤَجِّرُ بَيْنَ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ، وَالثَّانِيَةُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَالثَّانِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِكُلٍّ اهـ عَمِيرَةَ. قَوْلُهُ: (بِلَا إذْنٍ) خَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ دَخَلَ بِإِذْنٍ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الْحَمَّامِ السَّفِينَةُ مَرْحُومِيٌّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَمَّامَ وَالسَّفِينَةَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ، فَإِنْ دَخَلَهُمَا بِلَا إذْنٍ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ بِجُلُوسِهِ فِيهِمَا صَارَ غَاصِبًا لِتِلْكَ الْبُقْعَةِ بِخِلَافِ وَضْعِ الْمَتَاعِ عَلَى الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ غَاصِبًا لَهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النَّقْلِ أَوْ الرُّكُوبِ، فَهُوَ أَيْ الدُّخُولُ بِلَا إذْنٍ نَظِيرُ مَا لَوْ وَجَدَهُ يُتْلِفُ مَالَهُ وَسَكَتَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ زِيَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (قَبَاءً) بِفَتْحِ الْقَافِ جَمْعُهُ أَقْبِيَةٌ كَقَضَاءٍ وَأَقْضِيَةٍ. قَوْلُهُ: (بِذَا أَمَرَتْنِي) أَيْ فَتَلْزَمُكَ الْأُجْرَةُ لِي. قَوْلُهُ: (بَلْ أَمَرْتُك بِقَطْعِهِ) أَيْ فَلَا أُجْرَةَ لَك وَيَلْزَمُك أَرْشُ نَقْصِهِ ح ل. وَلَوْ أَحْضَرَ الْخَيَّاطُ ثَوْبًا فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: لَيْسَتْ هَذِهِ ثَوْبِي، وَقَالَ الْخَيَّاطُ: بَلْ هِيَ ثَوْبُك؛ صُدِّقَ الْخَيَّاطُ بِيَمِينِهِ ح ل؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، أَيْ وَصَارَ الْخَيَّاطُ مُقِرًّا بِهَا لِمَنْ يُنْكِرُهَا فَلَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ سم. قَوْلُهُ: (فَيَحْلِفُ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ، فَهُوَ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لَا لِقَوْلِهِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِذْنِ م د. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَثْبَتَ إلَخْ) هَذَا لَا يُلَائِمُ الْمُدَّعِيَ وَإِنَّمَا يُلَائِمُ الْمُعْتَمَدَ الْآتِيَ، وَالْمُنْتِجُ لِهَذَا الْقَوْلِ إنَّمَا هُوَ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْقَطْعِ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَى الْمُكْرِي إلَخْ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ مَا ذَكَرَ وَاجِبًا عَلَى الْمُكْرِي أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 مِفْتَاحِ الدَّارِ إلَى الْمُكْتَرِي إذَا سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِتَوَقُّفِ الِانْتِفَاعِ عَلَيْهِ، وَإِذَا تَسَلَّمَهُ الْمُكْتَرِي فَهُوَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ فَلَا يَضْمَنُهُ بِلَا تَفْرِيطٍ وَهَذَا فِي مِفْتَاحِ غَلْقٍ مُثَبِّتٍ. أَمَّا الْقُفْلُ الْمَنْقُولُ وَمِفْتَاحُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُكْتَرِي وَإِنْ اُعْتِيدَ، وَعِمَارَتُهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ سَوَاءٌ أَقَارَنَ الْخَلَلُ الْعَقْدَ كَدَارٍ لَا بَابَ لَهَا أَمْ عَرَضَ لَهَا دَوَامًا، فَإِنْ بَادَرَ وَأَصْلَحَهَا فَذَاكَ وَإِلَّا فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ وَرَفْعُ الثَّلْجِ عَنْ السَّطْحِ فِي دَوَامِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ كَعِمَارَةِ الدَّارِ وَتَنْظِيفِ عَرْصَةِ الدَّارِ مِنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ عَلَى الْمُكْتَرِي إنْ حَصَلَا فِي دَوَامِ الْمُدَّةِ، فَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أُجْبِرَ عَلَى نَقْلِ الْكُنَاسَةِ دُونَ الثَّلْجِ. وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ أَوْ الرَّمَادُ أَوْ الثَّلْجُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ كَانَتْ إزَالَتُهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ إذْ يَحْصُلُ بِهِ التَّسْلِيمُ التَّامُّ. فَصْلٌ: فِي الْجَعَالَةِ وَجِيمُهَا مُثَلَّثَةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَهُوَ لُغَةً اسْمٌ لِمَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ وَشَرْعًا الْتِزَامُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ عَسُرَ عِلْمُهُ، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ كَصَاحِبِ التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيِّ وَتَبِعَهُمْ فِي الرَّوْضَةِ   [حاشية البجيرمي] يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ أَوْ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ، بَلْ إنَّهُ إنْ تَرَكَهُ ثَبَتَ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ بَادَرَ إلَخْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا فِي مِفْتَاحِ غَلْقٍ) كَالضَّبَّةِ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَغْلَقْت الْبَابَ بِالْهَمْزِ أَوْثَقْته بِالْغَلْقِ، وَغَلَّقْته بِالتَّشْدِيدِ مُبَالَغَةٌ وَتَكْثِيرٌ وَغَلَقَهُ غَلْقًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَسْتَحِقُّهُ) أَيْ تَسْلِيمَهُمَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَادَرَ) أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَأَصْلَحَهَا) أَيْ فَذَاكَ ظَاهِرٌ، فَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ، أَوْ التَّقْدِيرُ: فَلَا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَمَا بَعْدَهُ. فَرْعٌ: لَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ عَلَى مَتَاعِ الْمُسْتَأْجِرِ وَجَبَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ التَّنْحِيَةُ سم، أَيْ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ الْأَمْتِعَةِ التَّالِفَةِ وَإِنْ وَعَدَهُ بِالْإِصْلَاحِ؛ لِأَنَّا لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الْإِصْلَاحَ وَقَدْ خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (عَنْ السَّطْحِ) أَيْ سَطْحٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَجَمَلُونٍ، كَأَنْ كَانَ عَقْدًا بِطُوبٍ. قَوْلُهُ: (وَتَنْظِيفُ عَرْصَةِ الدَّارِ) الْعَرْصَةُ كُلُّ بُقْعَةٍ بَيْنَ الدُّورِ لَا بِنَاءَ فِيهَا، وَجَمْعُهَا عِرَاصٌ وَعَرَصَاتٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ) أَمَّا الْكُنَاسَةُ وَهِيَ مَا يَسْقُطُ مِنْ الْقُشُورِ وَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِمَا فَلِحُصُولِهَا بِفِعْلِهِ، وَأَمَّا الثَّلْجُ فَلِلتَّسَامُحِ بِنَقْلِهِ؛ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِيهِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ نَقْلُهُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛ فَإِذَا تَرَكَ لَك الْمُؤَجِّرُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُكْتَرِي. قَوْلُهُ: (دُونَ الثَّلْجِ) وَمِثْلُهُ تَفْرِيغُ الْحُشِّ فَهُوَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ ق ل. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكُنَاسَةِ وَالثَّلْجِ أَنَّ الْكُنَاسَةَ يُعْتَادُ نَقْلُهَا شَيْئًا فَشَيْئًا بِخِلَافِ الثَّلْجِ. فَرْعٌ: لَوْ امْتَلَأَ الْحُشُّ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ هَلْ يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ تَفْرِيغُ الْجَمِيعِ أَوْ تَفْرِيغُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَقَطْ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي؛ وَعَلَيْهِ لَوْ تَضَرَّرَ الْمُكْتَرِي وَأَوْلَادُهُ بِرَائِحَةِ الْبَاقِي مِنْ الْحُشِّ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ لَا؟ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِلَّا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ اهـ ع ش عَلَى م ر مَعَ تَصَرُّفٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ إنْ حَصَلَ فِي دَوَامِ الْمُدَّةِ. وَأَمَّا التُّرَابُ الْحَاصِلُ مِنْ الرِّيَاحِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا. [فَصْلٌ فِي الْجِعَالَةِ] قَوْلُهُ: (وَجِيمُهَا مُثَلَّثَةٌ) وَفِيهَا لُغَتَانِ أُخْرَيَانِ جَعِيلَةٌ وَجَعَلٌ أج. وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: لِفَاعِلِ الْفِعَالِ، وَيَلِيهِ الْفَتْحُ ثُمَّ الضَّمُّ. قَوْلُهُ: (ابْنُ مَالِكٍ) أَيْ وَغَيْرُهُ، وَاقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى كَسْرِهَا سم. قَوْلُهُ: (مَعْلُومٍ) فَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أُرْضِيَك أَوْ نَحْوَهُ وَجَبَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي، " وَمَعْلُومٍ " لَيْسَ بِقَيْدٍ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِلْجِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: (عَسُرَ عِلْمُهُ) فَإِنْ سَهُلَ عِلْمُهُ اُشْتُرِطَ ضَبْطُهُ بِمَا يَأْتِي ضَبْطُهُ بِهِ كَمَا فِي بِنَاءِ الْحَائِطِ وَالْخِيَاطَةِ كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 عَقِبَ الْإِجَارَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ، إذْ الْجَعَالَةُ لَا تُخَالِفُ الْإِجَارَةَ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ: صِحَّتُهَا عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ عَسُرَ عِلْمُهُ كَرَدِّ الضَّالِّ وَالْآبِقِ، وَصِحَّتُهَا مَعَ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَكَوْنُهَا جَائِزَةً وَكَوْنُ الْعَامِلِ لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ. وَذَكَرَهَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ عَقِبَ بَابِ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّهَا طَلَبُ الْتِقَاطِ الضَّالَّةِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الَّذِي رَقَاهُ الصَّحَابِيُّ بِالْفَاتِحَةِ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ   [حاشية البجيرمي] يَأْتِي. قَوْلُهُ: (عَقِبَ الْإِجَارَةِ) وَهُوَ أَنْسَبُ مِنْ ذِكْرِهَا عَقِبَ بَابِ اللَّقِيطِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ) بَلْ سِتَّةٌ، وَالْخَامِسُ: عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ، وَالسَّادِسُ: جَهْلُ الْعِوَضِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ اهـ م ر أج. قَوْلُهُ: (الَّذِي رَقَاهُ الصَّحَابِيُّ) وَكَانَ الْمُرْقَى لَدِيغًا وَكَانَ رَئِيسَ الْعَرَبِ وَذَلِكَ «أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ كَانَ مَعَ جَمَاعَةٍ فَمَرَّ عَلَى مَحَلٍّ فِيهِ عَرَبٌ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمْ فَبَاتُوا بِالْوَادِي، فَلُدِغَ رَئِيسُ الْعَرَبِ فَأُتِيَ لَهُ بِكُلِّ دَوَاءٍ فَلَمْ يَنْجَحْ أَيْ لَمْ يَنْفَعْ، فَقَالَ: اسْأَلُوا هَذَا الْحَيَّ الَّذِي نَزَلَ عِنْدَكُمْ، فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا: نَعَمْ لَكِنْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِجُعْلٍ، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنْ الْغَنَمِ، فَقَرَأَ أَبُو سَعِيدٍ الْفَاتِحَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَصَارَ يَتْفُلُ فَنَشِطَ كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالِ بَعِيرٍ، فَتَوَقَّفُوا فِي قِسْمَةِ ذَلِكَ الْقَطِيعِ حَتَّى جَاءُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: إنَّ أَحَقَّ وَفِي رِوَايَةٍ إنَّ أَحْسَنَ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» فَيَكُونُ الدَّلِيلُ قَوْلُ النَّبِيِّ وَتَقْرِيرُهُ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ فِعْلَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَلَعَلَّ الْقِصَّةَ حَصَلَ فِيهَا تَعَبٌ كَذَهَابِهِ لِمَوْضِعِ الْمَرِيضِ فَلَا يَقُولُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لَا تَعَبَ فِيهَا فَلَا تَصِحُّ الْجِعَالَةُ عَلَيْهَا، أَوْ أَنَّهُ قَرَأَهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ مَثَلًا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّعَبِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَاعِلِ بِأَنْ كَانَ يُتْعِبُهُ مَا لَا يُتْعِبُ غَيْرَهُ مَثَلًا، فَإِنْ جَعَلَ الشِّفَاءَ غَايَةً لِذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْجُعْلَ إلَّا إذَا وُجِدَ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ غَايَةً كَأَنْ قَالَ لِتَقْرَأَ عَلَى عِلَّتِي كَذَا سَبْعًا اسْتَحَقَّ بِقِرَاءَتِهَا سَبْعًا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الشِّفَاءُ. فَائِدَةٌ: مَا يَقَعُ مِنْ كَوْنِ الشَّخْصِ يَقِيسُ بِشِبْرِهِ الْعِصَابَةَ أَوْ الطَّاقِيَّةَ مَثَلًا فَهُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السِّحْرِ وَالْإِخْبَارِ بِالْمُغَيَّبَاتِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْمُخَلِّصُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَقِيسُ وَيَكْتُبُ مَا يُنَاسِبُ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ هَذَا مِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ الْأَرْضِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ الدِّيرِيّ فِي الْفَوَائِدِ: مِنْ خَوَاصِّ سُورَةِ الْهُمَزَةِ إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْلَمَ حَالَ إنْسَانٍ هَلْ بِهِ عَيْنُ إنْسٍ أَوْ جِنٍّ أَوْ غَيْرِهِ؟ فَلْتَأْخُذْ أَثَرَهُ وَتَقِيسَهُ قِيَاسًا جَيِّدًا وَتَقْرَأَهَا عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ قِرَاءَتِهَا تَقُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: أَقْسَمْتُ عَلَيْك يَا مَيْمُونُ يَا أَبَا نُوحٍ أَنْ تَنْزِلَ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ وَتُبَيِّنَ مَا بِصَاحِبِهِ، إنْ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَقَصِّرْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْإِنْسِ فَطَوِّلْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ اللَّهِ فَأَبْقِهِ عَلَى حَالِهِ بِحَقِّ هَذِهِ السُّورَةِ الشَّرِيفَةِ الْوَحَا الْعِجْلَ السَّاعَةَ؛ ثُمَّ تَقِيسُ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ، فَإِنْ قَصُرَ تَكْتُبُ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [الإسراء: 45] إلَى {نُفُورًا} [الإسراء: 46] وقَوْله تَعَالَى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَقَوْلَهُ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الرحمن: 33] إلَى قَوْلِهِ: {فَلا تَنْتَصِرَانِ} [الرحمن: 35] وَتَكْتُبُ لَهُ مَعَ ذَلِكَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَالْفَاتِحَةَ وَيَحْمِلُهُ صَاحِبُ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ؛ وَإِنْ طَالَ يَكْتُبُ لَهُ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] بِتَمَامِهَا أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُكْتَبُ لِلْعَيْنِ؛ وَإِنْ بَقِيَ بِحَالِهِ يُكْتَبُ لَهُ آيَاتُ الشِّفَاءِ وَآخِرُ سُورَةِ الْحَشْرِ: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ} [الحشر: 21] إلَخْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي مَعْرِفَةِ قِيَاسِ الْأَثَرِ: بَعْدَ قِيَاسِهِ قِيَاسًا جَيِّدًا يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي هِيَ سُورَةُ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] إلَخْ. ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ قِرَاءَتِهِمَا تَقِيسُهُ فَهُوَ إمَّا أَنْ يَقْصُرَ أَوْ يَطُولَ أَوْ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ، وَقَدْ عَرَفْتَ مَا تَكْتُبُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ؛ وَلَا تَقُلْ لِصَاحِبِ الْأَثَرِ هَذَا الشَّيْءُ الَّذِي بِك مِنْ الْجِنِّ أَوْ الْإِنْسِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا اهـ بِحُرُوفِهِ. وَالطَّلْسَمَاتُ الَّتِي تُكْتَبُ فِي الْمَنَافِعِ وَهِيَ مَجْهُولَةُ الْمَعْنَى هَلْ يَحِلُّ كِتَابَتُهَا؟ الْجَوَابُ: يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ كَمَا فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ الرَّاقِي كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَالْقَطِيعُ ثَلَاثُونَ رَأْسًا مِنْ الْغَنَمِ. وَأَيْضًا الْحَاجَةُ قَدْ تَدْعُو إلَيْهَا فَجَازَتْ كَالْإِجَارَةِ وَيُسْتَأْنَسُ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ كَالْوَسْقِ، وَلَمْ أَسْتَدِلُّ بِالْآيَةِ؛ لِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلِنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: عَمَلٌ وَجُعْلٌ وَصِيغَةٌ وَعَاقِدٌ. وَشُرِطَ فِي الْعَاقِدِ وَهُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ اخْتِيَارٌ، وَإِطْلَاقُ تَصَرُّفٍ مُلْتَزِمٍ وَلَوْ غَيْرَ الْمَالِكِ، فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُ مُكْرَهٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ وَعِلْمُ عَامِلٍ وَلَوْ مُبْهَمًا بِالِالْتِزَامِ، فَلَوْ قَالَ: إنْ رَدَّهُ زَيْدٌ فَلَهُ كَذَا. فَرَدَّهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ أَوْ: مَنْ رَدَّ آبَقِيَ فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا. وَأَهْلِيَّةُ عَمَلِ عَامِلٍ فَيَصِحُّ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَلَوْ عَبْدًا وَصَبِيًّا وَمَجْنُونًا وَمَحْجُورَ سَفَهٍ، وَلَوْ بِلَا إذْنٍ بِخِلَافِ صَغِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ مَعْدُومَةٌ كَاسْتِئْجَارِ أَعْمَى لِلْحِفْظِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ) الْقَطِيعُ فِي اللُّغَةِ الطَّائِفَةُ مِنْ الْغَنَمِ أَوْ الْبَقَرِ، فَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ لَهُ بِالثَّلَاثِينَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي تِلْكَ الرُّقْيَةِ. وَاسْتَنْبَطَ مِنْ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيّ جَوَازَهَا عَلَى مَا يَنْفَعُ الْمَرِيضَ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رُقْيَةٍ أَيْ إذَا كَانَ فِيهِ كُلْفَةٌ ز ي. قَوْلُهُ: (وَأَيْضًا الْحَاجَةُ إلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ بَعْدَ النَّقْلِيِّ ق ل. قَوْلُهُ " فَجَازَتْ " كَالْإِجَارَةِ وَلَمْ يُسْتَغْنَ عَنْهَا بِالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَقَعُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَأْنَسُ إلَخْ) الِاسْتِئْنَاسُ هُوَ الْإِشْعَارُ بِالْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ صَرَاحَةٍ فِي الدَّلَالَةِ. اهـ. م د. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: اسْتَأْنَسْتُ بِهِ وَتَأَنَّسْتُ إذَا سَكَنَ الْقَلْبُ وَلَمْ يَنْفِرْ اهـ. فَمَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَابِغِيِّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ هُوَ الْإِشْعَارُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ. قَوْلُهُ: (مَا يُقَرِّرُهُ) أَيْ يُوَافِقُهُ، إنَّمَا دَلِيلُنَا مَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا. قَوْلُهُ: (عَمَلٌ) فِي عِدَّةٍ مِنْ الْأَرْكَانِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِعَدِّهِ مِنْهَا ذِكْرُهُ فَقَطْ فِي الْعَقْدِ وَالْمُتَأَخِّرُ إنَّمَا هُوَ ذَاتُ الْعَمَلِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَعَاقِدٌ) الْمُرَادُ بِالْعَاقِدِ مَا يَشْمَلُ الْعَامِلَ، وَلَكِنْ فِي جَعْلِ الْعَامِلِ مِنْ الْأَرْكَانِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ مِنْهُ وَلَا حُضُورُهُ وَقْتَ خِطَابِ الْمَالِكِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ جَعَلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُتَمِّمٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ الْعَقْدِ وَمُحَصِّلٌ لِثَمَرَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ) أَيْ فِي الْعَدِّ لَا فِي الذِّكْرِ وَالْوَضْعِ، وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرَ أَوَّلًا الْعَمَلَ أج فَهُوَ أَوَّلٌ فِي عَدِّهِ الْآتِي وَإِلَّا فَهُوَ أَخِيرٌ فِي عَدِّهِ السَّابِقِ إجْمَالًا. قَوْلُهُ: (تَصَرُّفٍ مُلْتَزِمٍ) بِالْإِضَافَةِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَيْرَ الْمَالِكِ) وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ اسْتِحْقَاقَ الرَّادِّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ بَلْ يَضْمَنُهُ. وَأُجِيبُ بِفَرْضِهِ فِيمَا إذَا أَذِنَ الْمَالِكُ لِمَنْ شَاءَ فِي الرَّدِّ وَالْتَزَمَ الْأَجْنَبِيُّ الْجُعْلَ، فَلَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ مُخْتَارٌ: مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ فَلَهُ كَذَا اسْتَحَقَّهُ الرَّادُّ الْعَالِمُ بِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلِالْتِزَامِ ز ي وَمَرْحُومِيٌّ. وَقَوْلُهُ: " بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ " أَيْ فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً، وَيُصَوَّرُ أَيْضًا بِأَنْ تَكُونَ لِلْأَجْنَبِيِّ وِلَايَةٌ عَلَى الْمَالِكِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُ مُكْرَهٍ) أُخِذَ مِنْهُ أَنَّ الِاخْتِيَارَ شَرْطٌ فِي الْمُلْتَزِمِ فَقَطْ، فَيُقْرَأُ " اخْتِيَارُ " بِلَا تَنْوِينٍ مُضَافًا لِمُلْتَزِمِ. قَوْلُهُ: (وَأَهْلِيَّةُ عَمَلِ عَامِلٍ) الْمُرَادُ بِالْأَهْلِيَّةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْعَمَلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ. وَفِي نُسْخَةٍ: " وَأَهْلِيَّةُ عَمَلٍ مُعَيَّنٍ " أَيْ عَمَلُ عَامِلٍ مُعَيَّنٍ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ لَا يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّتُهُ لِلْعَمَلِ، وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يَكُونَ حَالَ النِّدَاءِ غَيْرَ أَهْلٍ كَصَغِيرٍ لَا يَقْدِرُ ثُمَّ يَصِيرُ أَهْلًا وَيُرَدُّ لِكَوْنِهِ سَمِعَ حِينَ النِّدَاءِ أَوْ بَلَغَهُ النِّدَاءُ حِينَ صَيْرُورَتِهِ قَادِرًا كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (وَمَجْنُونًا) قَالَ سم: قُلْتُ وَمَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ مَنْ عَمِلَ مَجْنُونًا مُعَيَّنًا كَانَ أَيْ الْعَامِلُ الْمَجْنُونُ أَوْ لَا مُخَالِفَ لِمَا قَالُوهُ مِنْ انْفِسَاخِ الْجِعَالَةِ بِجُنُونِ الْعَامِلِ، إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْمُقَارِنِ وَالطَّارِئِ فَلَا يَضُرُّ الْأَوَّلَ وَلَا يَضُرُّ الثَّانِيَ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِانْفِسَاخَ بِالْجُنُونِ يَخْتَصُّ بِالْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ لِعَدَمِ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ بِغَيْرِ الْعَيْنِ، فَلَوْ طَرَأَ لِأَحَدٍ جُنُونٌ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَكَانَ الْعَامِلُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ أَوْ قَبْلَهَا اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ إذْ لَا مَعْنَى لِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِجُنُونِهِ مَعَ عَدَمِ ارْتِبَاطِهِ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِلَا إذْنٍ) أَيْ مِنْ السَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ صَغِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُرَدُّ مَعَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ فَهُوَ مَعْلُومُ الِانْتِفَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ، وَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 (وَالْجَعَالَةُ جَائِزَةٌ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ الْفَسْخُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ ابْتِدَاءً مِنْ الْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ أَوْ الْعَامِلُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ الْمَالِكِ. وَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا عَمِلَهُ الْعَامِلُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّسْلِيطَ عَلَى رَفْعِهِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ لَمْ يَجِبْ الْمُسَمَّى كَسَائِرِ الْفُسُوخِ لَكِنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ وَقَعَ مُحْتَرَمًا فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ فَرَجَعَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. (وَهِيَ) أَيْ لَفْظُ الْجَعَالَةِ أَيْ الصِّيغَةُ فِيهَا وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي (أَنْ يَشْتَرِطَ) الْعَاقِدُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ (فِي رَدِّ ضَالَّتِهِ) الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِمَا ضَاعَ مِنْ الْحَيَوَانِ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ فِي رَدِّ مَا سِوَاهَا أَيْضًا مِنْ مَالٍ وَأَمْتِعَةٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ فِي عَمَلٍ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ (عِوَضًا) كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا. (مَعْلُومًا) ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَافْتَقَرَتْ إلَى صِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ طَرَفِ الْعَامِلِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ صِيغَةٌ، فَلَوْ عَمِلَ أَحَدٌ بِقَوْلِ أَجْنَبِيٍّ قَالَ زَيْدٌ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا فَلَا شَيْءَ لَهُ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَهُ عَلَى زَيْدٍ مَا الْتَزَمَهُ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً،   [حاشية البجيرمي] كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ سَمَاعَهُ حَالَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ بَعْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ وَرُدَّ اسْتَحَقَّ الْمَشْرُوطَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ كَلَامُ الشَّارِحِ فِي الْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ وَقَوْلُهُمْ إذَا قَدَرَ بَعْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ، وَرُدَّ اسْتَحَقَّ مَحَلُّهُ فِي الْعَامِلِ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا نَظَرَ، وَلَا مُخَالَفَةَ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (جَائِزَةٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ عَادَةَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَذْكُرُ الْجَوَازَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْعِ وَالْفَسَادِ لَا فِي مُقَابَلَةِ اللُّزُومِ، فَمَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ جَوَازِهَا قَبْلَ ذِكْرِ حَقِيقَتِهَا غَيْرُ مُنَاسِبٍ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (فَلِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ) أَمَّا الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ الْمُعَيَّنُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ، هَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَأَمَّا الْعَامِلُ الْمُبْهَمُ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَالصُّوَرُ خَمْسٌ. قَوْلُهُ: (ابْتِدَاءً) أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا فَهُوَ تَعْلِيقٌ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْعَمَلِ، فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ: فَسَخْتُ الْجِعَالَةَ لَغَا إذْ لَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْسَخَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ) أَيْ فِيمَا إذَا عَقَدَ مَعَ مُعَيَّنٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَالِكِ مُلْتَزِمُ الْعِوَضِ. قَوْلُهُ: (أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ) سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ الْفَسْخِ قَبْلَ الشُّرُوعِ مُطْلَقًا، وَالْفَسْخِ مِنْ الْعَامِلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ. قَوْلُهُ: (عَلَى رَفْعِهِ) أَيْ فَسْخِهِ. قَوْلُهُ: (وَقَعَ مُحْتَرَمًا) أَيْ مَضْمُونًا. قَوْلُهُ: (أَيْ لَفْظُ الْجِعَالَةِ) فِيهِ أَنَّ لَفْظَ مُذَكَّرٌ فَكَيْفَ يَجْعَلُهُ تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ الْمُؤَنَّثِ؟ فَالْأَوْلَى حَذْفُ " لَفْظُ " إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّفْظَ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ الصِّيغَةِ كَانَ مُؤَوَّلًا بِالْمُؤَنَّثِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَيْ لَفْظُ الْجِعَالَةِ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامًا إذْ ذُكِرَتْ أَوَّلًا بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَأَعَادَ عَلَيْهَا الضَّمِيرَ بِمَعْنَى اللَّفْظِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَشْتَرِطَ) أَيْ دَالٌّ أَنْ يَشْتَرِطَ، أَيْ دَالُّ الِاشْتِرَاطِ؛ وَيَشْتَرِطُ مَعْنَاهُ يَلْتَزِمُ. قَوْلُهُ: (الْعَاقِدُ) الْمُرَادُ بِهِ الْمُلْتَزِمُ لَا مَا يَعُمُّهُ وَالْعَامِلُ. قَوْلُهُ: (فِي رَدِّ ضَالَّتِهِ) الرَّدُّ لَيْسَ قَيْدًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: " أَوْ فِي عَمَلٍ كَخِيَاطَةٍ إلَخْ " وَلَا الضَّالَّةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " أَوْ فِي رَدِّ مَا سِوَاهَا مِنْ مَالٍ إلَخْ " وَلَا الْإِضَافَةُ لَهُ كَقَوْلِهِ: مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ مَثَلًا فَلَهُ كَذَا لِصِحَّةِ الْتِزَامِ الْأَجْنَبِيِّ بَعْدَ إذْنِ الْمَالِكِ فِي الرَّدِّ اهـ. قَوْلُهُ: (كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ) وَيَصِفُهَا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُغْتَفَرُ إلَّا إذَا عَسُرَ الْعِلْمُ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ كَاذِبًا) حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَلْزَمْ الْمَالِكَ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَإِنْ كَانَ ثِقَةً لَزِمَهُ لِتَرَجُّحِ طَمَاعِيَةِ الْعَامِلِ بِوُثُوقِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ لِضَعْفِ طَمَاعِيَتِهِ بِخَبَرِ غَيْرِ الثِّقَةِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَلَا شَيْءَ لَهُ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ) وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى زَيْدٍ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَرْوِيجِ قَوْلِهِ س ل. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ قَالَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ فِي رَقِيقٍ. مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلِيَّ فَرَدَّهُ شَرِيكُهُ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ أَيْ عَلَى الْقَائِلِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ رَدَّهُ غَيْرُ الشَّرِيكِ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ شَرِكَةٌ فِي بَهَائِمَ فَسُرِقَتْ الْبَهَائِمُ أَوْ غُصِبَتْ فَسَعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي تَخْلِيصِهَا وَرَدِّهَا وَغَرِمَ عَلَى ذَلِكَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَلْتَزِمْ شَرِيكُهُ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ أَنَّ الْغَارِمَ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ غَيْرَ عَالَمٍ بِإِذْنِهِ وَالْتِزَامِهِ. وَلِمَنْ رَدَّهُ مِنْ أَقْرَبَ مِنْ الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ قِسْطُهُ مِنْ الْجُعْلِ، فَإِنْ رَدَّهُ مِنْ أَبْعَدَ مِنْهُ فَلَا زِيَادَةَ لَهُ لِعَدَمِ الْتِزَامِهَا، أَوْ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَهُ كُلُّ الْجُعْلِ لِحُصُولِ الْغَرَضِ. وَقَوْلُهُ عِوَضًا مَعْلُومًا إشَارَةٌ إلَى الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْجُعْلُ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ فَمَا لَا يَصِحُّ ثَمَنًا لِجَهْلٍ أَوْ نَجَاسَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ مَعَ الْجَهْلِ لَا حَاجَةَ إلَى احْتِمَالِهِ هُنَا كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْعَمَلِ وَالْعَامِلِ وَلِأَنَّهُ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَرْغَبُ فِي الْعَمَلِ مَعَ جَهْلِهِ بِالْجُعْلِ. فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْعِلْجِ إذَا جَعَلَ لَهُ الْإِمَامُ إنْ دَلَّنَا عَلَى قَلْعَةٍ جَارِيَةٍ مِنْهَا، وَمَا لَوْ وَصَفَ الْجُعْلَ بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ كَوْنُهُ ثَمَنًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ فَاحْتِيطَ لَهُ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ. وَشُرِطَ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ كُلْفَةٌ وَعَدَمُ تَعَيُّنِهِ، فَلَا جُعْلَ فِيمَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ وَلَا فِيمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ: مَنْ دَلَّنِي عَلَى مَالِي فَلَهُ كَذَا وَالْمَالُ بِيَدِ غَيْرِهِ، أَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الرَّدُّ لِنَحْوِ غَصْبٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ كُلْفَةٌ؛ لِأَنَّ مَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ وَمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ شَرْعًا لَا يُقَابَلَانِ بِعِوَضٍ، وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ شَامِلٌ لِلْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَنْ حُبِسَ ظُلْمًا فَبَذَلَ مَالًا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَعَدَمُ تَأْقِيتِهِ؛ لِأَنَّ تَأْقِيتَهُ قَدْ يُفَوِّتُ الْغَرَضَ   [حاشية البجيرمي] رُجُوعَ لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا غَرِمَهُ، وَمِنْ الِالْتِزَامِ مَا لَوْ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ غَرِمْته أَوْ صَرَفْته كَانَ عَلَيْنَا، وَيُغْتَفَرُ الْجَهْلُ فِي مِثْلِهِ لِلْحَاجَةِ. اهـ. ع ش عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ) أَيْ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ، إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ صِدْقَ الْقَائِلِ فِيمَا يَظْهَرُ سم. لَا يُقَالُ لَا وَجْهَ لِهَذَا مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِي الْوَاقِعِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الْعَامِلُ، وَإِنَّمَا اعْتَقَدَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (قِسْطُهُ مِنْ الْجُعْلِ) فَإِنْ رَدَّهُ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْجُعْلِ، أَوْ مِنْ ثُلُثِهِ اسْتَحَقَّ ثُلُثَهُ؛ وَمَحَلُّهُ إذَا تَسَاوَتْ الطَّرِيقُ سُهُولَةً وَحُزُونَةً أَيْ صُعُوبَةً، وَإِلَّا كَأَنْ كَانَتْ أُجْرَةُ النِّصْفِ ضِعْفَ أُجْرَةِ النِّصْفِ الْآخَرِ اسْتَحَقَّ ثُلُثَيْ الْجُعْلِ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ الْتِزَامِهَا) مَحَلُّ اسْتِحْقَاقِ كُلِّ الْجُعْلِ إذَا قَطَعَ الْمَسَافَةَ الْمُعَيَّنَةَ، فَلَوْ رَدَّهُ وَرَأَى الْمَالِكَ فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْجُعْلِ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (يُفْسِدُ الْعَقْدَ) وَلِلْعَامِلِ فِي جُعْلٍ فَاسِدٍ يَقْصِدُ أُجْرَةَ مِثْلٍ كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ مَا لَا يُقْصَدُ كَالدَّمِ؛ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِهِ فِي الْعَمَلِ وَالْعَامِلِ) أَيْ فَيُغْتَفَرُ فِيهِمَا لِلْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (الْعِلْجِ) هُوَ فِي الْأَصْلِ الْكَافِرُ الْغَلِيظُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْكَافِرُ مُطْلَقًا، قَوْلُهُ: (جَارِيَةٍ مِنْهَا) لَيْسَتْ قَيْدًا. وَعِبَارَةُ م ر: وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْجُعْلِ مَا لَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ لِمَنْ يَدُلُّ عَلَى قَلْعَةٍ جُعْلًا كَجَارِيَةٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ جَهَالَةِ الْعِوَضِ أج. قَوْلُهُ: (بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ) أَيْ وَكَانَ مُعَيَّنًا، كَأَنْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ الثَّوْبُ الَّذِي صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، فَاسْتَغْنَى بِوَصْفِهِ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ، فَيَصِحُّ هَهُنَا دُونَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ فِيهِ وَصْفُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَ التَّعَيُّنِ م د. قَوْلُهُ: (كَأَنْ قَالَ مَنْ دَلَّنِي إلَخْ) هَكَذَا بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ سَقْطًا كَمَا يَدُلُّ لَهُ عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَهِيَ: فَلَا جُعْلَ فِيمَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ كَأَنْ قَالَ: مَنْ دَلَّنِي عَلَى مَالِي فَلَهُ كَذَا فَدَلَّهُ وَالْمَالُ بِيَدِ غَيْرِهِ، وَلَا كُلْفَةَ وَلَا فِيمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ: مَنْ رَدَّ مَالِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الرَّدُّ لِنَحْوِ غَصْبٍ إلَخْ مَرْحُومِيٌّ. وَأَجَابَ أج بِأَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: " وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ " بِمَعْنَى " أَوْ " فَيَكُونُ تَصْوِيرًا لِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ، وَلَكِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَمَا قَبْلَهُ تَصْوِيرٌ لِمَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (كَمَنْ حُبِسَ ظُلْمًا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا حُبِسَ بِحَقٍّ لَا يَسْتَحِقُّ مَا جُعِلَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَحْبُوسَ إذَا جَاعَلَ الْعَامِلَ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ مَنْ يُطْلِقُهُ عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ كَأَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَنْتَظِرَ الْمَدِينُ إلَى أَنْ يَبِيعَ غِلَالَهُ مَثَلًا اسْتَحَقَّ مَا جُعِلَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا بِمِصْرِنَا مِنْ أَنَّ الزَّيَّاتِينَ وَالطَّحَّانِينَ وَنَحْوَهُمْ، كَالْمَرَاكِبِيَّةِ يَجْعَلُونَ لِمَنْ يَمْنَعُ عَنْهُمْ الْمُحْتَسِبَ وَأَعْوَانَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا هَلْ ذَلِكَ مِنْ الْجِعَالَةِ أَوْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ الْجِعَالَةِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ مَا يَلْتَزِمُهُ مِنْ الْمَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ مَا يَلْتَزِمُهُ الْإِنْسَانُ فِي مُقَابَلَةِ تَخْلِيصِهِ مِنْ الْحَبْسِ، وَهَذَا مِثْلُهُ ع ش عَلَى م ر. وَمِنْ ذَلِكَ الْحِمَايَةُ الَّتِي تَقَعُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ. قَوْلُهُ: (لِمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي خَلَاصِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ فِي خَلَاصِهِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ إطْلَاقُ الْمَحْبُوسِ بِكَلَامِهِ. وَقِيَاسُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 فَيَفْسُدُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْعَمَلُ الَّذِي يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا عَسُرَ عِلْمُهُ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الْقِرَاضِ بَلْ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَعْسُرْ عِلْمُهُ اُعْتُبِرَ ضَبْطُهُ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى احْتِمَالِ الْجَهْلِ. فَفِي بِنَاءِ حَائِطٍ يَذْكُرُ مَوْضِعَهُ وَطُولَهُ وَعَرْضَهُ وَارْتِفَاعَهُ وَمَا يَبْنِي بِهِ، وَفِي الْخِيَاطَةِ يُعْتَبَرُ وَصْفُهَا وَوَصْفُ الثَّوْبِ. (وَإِذَا رَدَّهَا) أَيْ الضَّالَّةَ، أَوْ رَدَّ غَيْرَهَا مِنْ الْمَالِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِ الْخِيَاطَةِ مَثَلًا (اسْتَحَقَّ) الْعَامِلُ   [حاشية البجيرمي] نَظَائِرِهِ أَنَّهُ إنْ جَعَلَ الْخَلَاصَ غَايَةً لِلتَّكَلُّمِ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا بِالْخَلَاصِ، وَفِي كَلَامِ سم جَوَازُ الْجِعَالَةِ عَلَى رَدِّ الزَّوْجَةِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهَا نَقْلًا عَنْ الرَّافِعِيِّ ثُمَّ تَوَقَّفَ فِيهِ. وَأَقُولُ: الْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ حُبِسَ ظُلْمًا ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ) أَيْ الْبَذْلُ جَائِزٌ، أَيْ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ تُقَابَلُ بِمَالٍ مَرْحُومِيٌّ وم ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَأْقِيتَهُ قَدْ يُفَوِّتُ الْغَرَضَ) فَلَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي إلَى شَهْرٍ فَلَهُ كَذَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمُدَّةِ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ فَقَدْ لَا يَظْفَرُ بِهِ فِيهَا فَيَضِيعُ سَعْيُهُ، وَلَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ سَوَاءٌ أَضُمُّ إلَيْهِ مِنْ مَحَلِّ كَذَا أَمْ لَا شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (بَلْ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُغْتُفِرَ الْجَهْلُ فِي الْقِرَاضِ مُطْلَقًا فَلَأَنْ يُغْتَفَرَ الْجَهْلُ الَّذِي عَسُرَ عِلْمُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ح ل قَوْلُهُ: (اسْتَحَقَّ إلَخْ) وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا وَفِي الْمُسَاقَاةِ كَمَا أَفَادَهُ السُّبْكِيُّ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِمَامَةِ وَالتَّدْرِيسِ وَسَائِرِ الْوَظَائِفِ الَّتِي تَقْبَلُ النِّيَابَةَ، أَيْ وَلَوْ بِدُونِ عُذْرٍ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ الْوَاقِفُ إذَا اسْتَنَابَ مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ، وَيَسْتَحِقُّ الْمُسْتَنِيبُ أَيْ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ جَمِيعَ الْمَعْلُومِ، وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، إذْ الْمُسْتَنِيبُ لَمْ يُبَاشِرْ وَالنَّائِبُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ النَّاظِرُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ، شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ: " الَّتِي تَقْبَلُ النِّيَابَةَ " أَيْ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، كَالْمُتَفَقِّهِ أَيْ طَالِبِ الْفِقْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ حَتَّى عِنْدَ السُّبْكِيّ إذْ لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَتَفَقَّهَ عَنْ غَيْرِهِ؛ ابْنُ حَجَرٍ. أَيْ إذَا كَانَ مُدَرِّسٌ لَهُ طَلَبَةٌ طَالِبُونَ لِلْفِقْهِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُنِيبَ غَيْرَهُ عَلَى كَلَامِهِ. قَالَ سم: اعْتَمَدَ م ر جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ لِلْمُتَفَقِّهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إحْيَاءُ الْبُقْعَةِ بِتَعَلُّمِ الْفِقْهِ فِيهَا وَذَلِكَ حَاصِلٌ مَعَ الِاسْتِنَابَةِ، وَيَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ لِلْأَيْتَامِ الْمُنْزَلِينَ بِمَكَاتِبِ الْأَيْتَامِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ يَتِيمًا مِثْلَهُ اَ هـ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ خَيْرًا مِنْهُ " أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِرَاءَةَ جُزْءٍ مَثَلًا وَكَانَ الْمُسْتَنِيبُ عَالِمًا لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّائِبِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بَلْ يَكْفِي كَوْنُهُ يُحْسِنُ قِرَاءَةَ الْجُزْءِ كَقِرَاءَةِ الْمُسْتَنِيبِ لَهُ اهـ. وَقَوْلُهُ: " وَيَسْتَحِقُّ الْمُسْتَنِيبُ جَمِيعَ الْمَعْلُومِ " أَيْ وَالنَّائِبُ مَا الْتَزَمَهُ لَهُ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ بَاشَرَ شَخْصٌ بِلَا اسْتِنَابَةٍ مِنْ صَاحِبِهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُبَاشِرُ لَهَا عِوَضًا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ لَهُ، وَكَذَا صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ حَيْثُ لَمْ يُبَاشِرْ لَا شَيْءَ لَهُ، إلَّا إذَا مَنَعَهُ النَّاظِرُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ فَيَسْتَحِقُّ لِعُذْرِهِ بِتَرْكِ الْمُبَاشَرَةِ. وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا، وَهِيَ: أَنَّ رَجُلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ إمَامَةُ شَرِكَةٍ بِمَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ مَاتَ الْأَخُ، ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ صَارَ يُبَاشِرُ الْإِمَامَةَ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَابَةٍ مِنْ وَلَدِ أَخِيهِ وَهُوَ أَنَّ وَلَدَ الْأَخِ لَا شَيْءَ لَهُ لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ لَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْعَمِّ زِيَادَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ نِصْفَهُ الْمُقَرَّرَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَّ حَيْثُ عَمِلَ بِلَا اسْتِنَابَةٍ كَانَ مُتَبَرِّعًا وَوَلَدُ الْأَخِ حَيْثُ لَمْ يُبَاشِرْ وَلَمْ يَسْتَنِبْ لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا جَعَلَ الْمَعْلُومَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُبَاشَرَةِ، فَمَا يَخُصُّ وَلَدَ الْأَخِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ النَّاظِرُ لِمَصَالِح الْمَسْجِدِ؛ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا. وَوَقَعَ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ إفْتَاءٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّهُ خَطَأٌ،. اهـ. ع ش عَلَى م ر. فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الْخَطَابَةِ يَسْتَنِيبُ خَطِيبًا يَخْطُبُ عَنْهُ، ثُمَّ إنَّ النَّائِبَ يَسْتَنِيبُ آخَرَ؛ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَيَسْتَحِقُّ مَا جَعَلَهُ لَهُ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنْ حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلِمَ بِهِ الْمُسْتَنِيبُ أَوْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى رِضَا صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ بِذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِثْلَهُ وَيَسْتَحِقَّ مَا جُعِلَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ تَدُلَّ الْقَرِينَةُ عَلَى الرِّضَا بِغَيْرِهِ لَا تَجُوزُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 حِينَئِذٍ عَلَى الْجَاعِلِ (ذَلِكَ الْعِوَضَ الْمَشْرُوطَ لَهُ) فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْجُعْلِ الَّذِي شَرَطَهُ لِلْعَامِلِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، أَوْ بِتَغْيِيرِ جِنْسِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِ الْعَامِلِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَمْ بَعْدَهُ، كَمَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَلْ أَوْلَى كَأَنْ يَقُولَ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ عَشَرَةٌ. ثُمَّ يَقُولَ فَلَهُ خَمْسَةٌ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّهُ فَلَهُ دِينَارٌ، ثُمَّ يَقُولَ فَلَهُ دِرْهَمٌ فَإِنْ سَمِعَ الْعَامِلُ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ اُعْتُبِرَ النِّدَاءُ الْأَخِيرُ، وَلِلْعَامِلِ مَا ذُكِرَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ الْعَامِلُ أَوْ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ الْأَخِيرَ فَسْخٌ لِلْأَوَّلِ، وَالْفَسْخُ مِنْ الْمَالِكِ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَلَوْ عَمِلَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ الْأَوَّلَ خَاصَّةً وَمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ الثَّانِيَ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ نِصْفَ   [حاشية البجيرمي] لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ، وَعَلَيْهِ لِمَنْ اسْتَنَابَهُ مِنْ بَاطِنِهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ. اهـ. ع ش. وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِيهِ أَيْضًا عَنْ مَسْجِدٍ انْهَدَمَ وَتَعَطَّلَتْ شَعَائِرُهُ هَلْ يَسْتَحِقُّ أَرْبَابُ الشَّعَائِرِ الْمَعْلُومَ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ: الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَنْ تُمْكِنُهُ الْمُبَاشَرَةُ مَعَ الِانْهِدَامِ كَقِرَاءَةِ حِزْبِهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، فَلَوْ صَارَ كَوْمًا اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ إنْ بَاشَرَ، وَمَنْ لَا تُمْكِنُهُ الْمُبَاشَرَةُ كَبَوَّابِ الْمَسْجِدِ وَفَرَّاشِهِ اسْتَحَقَّ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ وَيَجِبُ عَلَى إمَامِهِ الصَّلَاةُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ الصَّلَاةُ فِيهِ وَكَوْنُهُ إمَامًا، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ عَوْدُهُ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى النَّاظِرِ الْقَطْعُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ وَعَوْدُهُ وَإِلَّا نَقَلَ مَعْلُومَهُمْ لِأَقْرَبَ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (فِي الْجُعْلِ) وَمِثْلُهُ الْعَمَلُ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَا يَجُوزُ) أَيْ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (بَلْ أَوْلَى) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَجَازَ فِيهِ ذَلِكَ، فَهَذَا أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ) أَيْ النِّدَاءَ الْأَخِيرَ، أَيْ أَصْلًا، سَوَاءٌ كَانَ التَّغْيِيرُ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؛ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: " لِأَنَّ النِّدَاءَ الْأَخِيرَ إلَخْ " عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ لِعَدَمِ شُمُولِهَا لِمَا إذَا كَانَ التَّغْيِيرُ قَبْلَ الشُّرُوعِ، وَلِهَذَا جَعَلَ هَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ مُلْحَقًا بِالتَّغْيِيرِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ الثَّانِيَ) أَيْ عَمِلَا مَعًا بِأَنْ رَدَّا مَعًا الضَّالَّةَ مَثَلًا ق ل. وَلَوْ قَالَ لِوَاحِدٍ: إنْ رَدَدْته فَلَكَ دِينَارٌ وَلِآخَرَ إنْ رَدَدْته أَرْضَيْتُك فَرَدَّاهُ فَلِلْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّينَارِ وَلِلْآخَرِ نِصْفُ أُجْرَةِ عَمَلٍ مِثْلِهِ، فَلَوْ قَالَ: إنْ رَدَدْت عَبْدِي فَلَكَ كَذَا فَأَمَرَ رَقِيقَهُ بِرَدِّهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْإِعْتَاقِ؛ وَلَا يَضُرُّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ طَرَيَانُ حُرِّيَّتِهِ أَيْ عَدَمُ أَصَالَتِهَا كَمَا لَوْ أَعَانَهُ أَجْنَبِيٌّ فِيهِ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمَالِكَ. وَأَفْتَى أَيْضًا فِي وَلَدٍ قَرَأَ عِنْدَ فَقِيهٍ مُدَّةً ثُمَّ نُقِلَ إلَى فَقِيهٍ آخَرَ فَطَلَعَ عِنْدَهُ سُورَةٌ يَعْمَلُ لَهَا سُرُورٌ كَالْأَصَارِيفِ مَثَلًا وَحَصَلَ لَهُ فُتُوحٌ بِأَنَّهُ لِلثَّانِي وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْأَوَّلُ، اهـ شَرْحِ م ر اهـ. فِي فَتَاوَى الْكَفُورِيِّ الْمَالِكِيِّ مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ: هَلْ لِمُعَلِّمِ الْأَطْفَالِ أَخْذُ الصِّرَافَةِ وَإِنْ لَمْ تُشْرَطْ هُنَاكَ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ: لَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ لَمْ تُشْرَطْ، أَيْ يُقْضَى لَهُ بِهَا عَلَى الْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَخْذِهَا مِنْهُ إذَا امْتَنَعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ حَيْثُ جَرَى الْعُرْفُ بِهَا زِيَادَةً عَلَى الْأُجْرَةِ وَلَا حَدَّ فِيهَا وَأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى حَالِ الْأَبِ فِي يُسْرِهِ وَعُدْمِهِ، وَيُنْظَرُ فِيهَا أَيْضًا إلَى حَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ حَافِظًا فَتَكُونُ حِذْقَتُهُ أَيْ صِرَافَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي لَا يَحْفَظُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْأَبُ تَرْكَهَا؛ وَمَحَلُّ الْحِذْقَةِ مِنْ السُّوَرِ مَا تَقَرَّرَ بِهِ الْعُرْفُ بَيْنَ النَّاسِ مِثْلَ " لَمْ يَكُنْ " وَ " عَمَّ " وَ " تَبَارَكَ " وَ " الْفَتْحِ " وَ " الصَّافَّاتِ ". وَالْعُرْفُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ، وَلَا يَقْضِي بِهَا فِي مِثْلِ الْأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ وَتُسْتَحَبُّ هُنَاكَ أَيْضًا. قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَإِذَا قُلْنَا يَقْضِي بِالْحِذْقَةِ فَمَاتَ الْأَبُ قَبْلَ أَخْذِهَا وَالْقَضَاءِ بِهَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُعَلِّمِ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ الْمُعَلِّمُ فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ عَلَى الْأَبِ، إذَا وَقَفَ الصَّبِيُّ فِي غَيْرِ الْمُتَشَابِهِ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يَضُرُّ بِالْحِذْقَةِ وَإِلَّا ضَرَّ وَلَا حِذْقَةَ فَإِنْ أَخْرَجَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ مِنْ عِنْدِ الْمُعَلِّمِ وَالْبَاقِي عَلَى مَحَلِّ الْحِذْقَةِ يَسِيرٌ فَهِيَ لَازِمَةٌ، وَإِنْ بَقِيَ كَالسُّدُسِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُعَلِّمُ أَيْضًا فَيَلْزَمُ الْأَبَ بِحِسَابِ مَا مَضَى، اهـ وَهُوَ كَلَامٌ نَفِيسٌ فَاحْفَظْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالثَّانِي نِصْفَ الْمُسَمَّى الثَّانِي. وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاعِ الْعِلْمُ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا ذُكِرَ لِجَمِيعِ الْعَمَلِ لَا لِلْمَاضِي خَاصَّةً. تَتِمَّةٌ: لَوْ تَلِفَ الْمَرْدُودُ قَبْلَ وُصُولِهِ كَأَنْ مَاتَ الْآبِقُ بِغَيْرِ قَتْلِ الْمَالِكِ لَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَلَوْ بِقُرْبِ دَارِ سَيِّدِهِ، أَوْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (الْعِلْمُ) وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ. قَوْلُهُ: (وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ نِصْفَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَالْمُرَادُ بِهِ نِصْفُ أُجْرَةِ الْمُدَّةِ بِكَمَالِهَا لَا الْمَاضِي قَبْلَ النِّدَاءِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا مِنْ ابْتِدَاءِ الْعَمَلِ إلَى تَمَامِهِ، فَلَوْ اشْتَرَكَا فِي بَعْضِهِ فَلَهُ نِصْفُ أُجْرَةِ مِثْلِ قِسْطِ مَا عَمِلَ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) نَاقَشَ ق ل فِي جَعْلِ مَا ذَكَرَ تَتِمَّةً مَعَ كَوْنِهِ مَفْهُومَ الْمَتْنِ، فَإِنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ إذَا رَدَّهَا اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرُدَّهَا لَا يَسْتَحِقُّهُ. قَوْلُهُ: (لَوْ تَلِفَ الْمَرْدُودُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَخْ) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَيَدُ الْعَامِلِ عَلَى الْمَأْخُوذِ إلَى رَدِّهِ يَدُ أَمَانَةٍ، وَلَوْ رَفَعَ يَدَهُ عَنْهُ وَخَلَّاهُ بِتَفْرِيطٍ كَأَنْ خَلَّاهُ بِمَضْيَعَةٍ ضَمِنَهُ لِتَقْصِيرِهِ، وَإِنْ خَلَّاهُ بِلَا تَفْرِيطٍ كَأَنْ خَلَّاهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَنَفَقَتُهُ عَلَى مَالِكِهِ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُدَّةَ الرَّدِّ فَمُتَبَرِّعٌ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ أَشْهَدَ عِنْدَ فَقْدِهِ لِيَرْجِعَ. وَلَوْ كَانَ رَجُلَانِ بِبَادِيَةٍ وَنَحْوِهَا فَمَرِضَ أَحَدُهُمَا أَوْ غُشِيَ عَلَيْهِ وَعَجَزَ عَنْ السَّيْرِ وَجَبَ عَلَى الْآخَرِ الْمُقَامُ عِنْدَهُ إلَّا إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَإِذَا أَقَامَ مَعَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، فَإِنْ مَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَخْذُ مَالِهِ وَإِيصَالُهُ إلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ ثِقَةً، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَخْذُ وَإِنْ جَازَ لَهُ وَلَا يَضْمَنُهُ فِي الْحَالَيْنِ، وَالْحَاكِمُ يَحْبِسُ الْآبِقَ إذَا وَجَدَهُ انْتِظَارًا لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ أَبْطَأَ سَيِّدُهُ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ، فَإِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ وَإِنْ سَرَقَ الْآبِقُ قُطِعَ كَغَيْرِهِ، وَلَوْ عَمِلَ شَخْصٌ حُرٌّ لِغَيْرِهِ عَمَلًا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ وَلَا جَعَالَةً فَدَفَعَ عَلَيْهِ مَالًا عَلَى ظَنِّ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ لِلْعَامِلِ أَخْذُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَذْلُ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَذْلُ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ هَدِيَّةً حَلَّ، وَلَوْ أُكْرِهَ مُسْتَحِقٌّ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَةِ وَظِيفَتِهِ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ كَمَا أَفْتَى بِهِ التَّاجُ الْفَزَارِيّ. وَاعْتِرَاضُ الزَّرْكَشِيّ لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ؟ يُرَدُّ بِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى شَرْعًا وَعُرْفًا مِنْ تَنَاوُلِ الشَّرْطِ لَهُ لِعُذْرِهِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ مُدَرِّسٍ يَحْضُرُ مَوْضِعَ الدَّرْسِ وَلَا يَحْضُرُ أَحَدٌ مِنْ الطَّلَبَةِ، أَوْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ لَا يَحْضُرُونَ؛ بَلْ يَظْهَرُ الْجَزْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يُمْكِنُهُ الِاسْتِنَابَةُ فَيَحْصُلُ غَرَضُ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ الْمُدَرِّسِ، نَعَمْ لَوْ أَمْكَنَهُ إعْلَامُ النَّاظِرِ بِهِمْ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَجْبُرُهُمْ عَلَى الْحُضُورِ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ أَفَادَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ ذَلِكَ أَيْضًا، بَلْ جَعَلَهُ أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ الْمُدَرِّسَ لَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ اسْتَحَقَّ؛ لِأَنَّ حُضُورَ الْمُصَلِّي وَالْمُتَعَلِّمِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الِانْتِصَابُ لِذَلِكَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ دُونَ الْمُدَرِّسِ. وَأَفْتَى أَيْضًا فِيمَنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ قَطْعَهُ عَنْ وَظِيفَتِهِ إنْ غَابَ، أَيْ لَمْ يُبَاشِرْ وَظِيفَتَهُ فَغَابَ لِعُذْرٍ كَخَوْفِ طَرِيقٍ بِعَدَمِ سُقُوطِ حَقِّهِ بِغَيْبَتِهِ، قَالَ: وَلِذَلِكَ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ. وَأَفْتَى الْوَالِدُ بِحِلِّ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ بِالْمَالِ لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ خَيْرٌ مِنْهُ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْجِعَالَةِ، فَيَسْتَحِقُّهُ النَّازِلُ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ وَإِنْ لَمْ يُقَرِّرْ النَّاظِرُ الْمَنْزُولَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ اهـ شَرْحِ م ر. وَإِنْ لَمْ يُقَرِّرْ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ إلَّا إنْ شَرَطَهُ. وَقَوْلُ م ر: وَلَوْ أُكْرِهَ عَنْ مُبَاشَرَةِ وَظِيفَتِهِ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ، وَمِثْلُ الْإِكْرَاهِ مَا لَوْ عُزِلَ عَنْ وَظِيفَتِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقُرِّرَ فِيهَا غَيْرُهُ إذْ لَا يَنْفُذُ عَزْلُهُ، نَعَمْ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا فَيَنْبَغِي تَوَقُّفُ اسْتِحْقَاقِ الْمَعْلُومِ عَلَيْهَا، سم عَلَى حَجّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ شُيُوخِ الْعُرْبَانِ شُرِطَ لَهُمْ طِينٌ مُرْصَدٌ عَلَى خَفْرِ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ وَفِيهِمْ كِفَايَةٌ لِذَلِكَ وَقُوَّةٌ وَبِيَدِهِمْ تَقْرِيرٌ بِذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْرِيرِ كَالْبَاشَا وَتَصَرَّفُوا فِي الطِّينِ الْمُرْصَدِ مُدَّةً، ثُمَّ إنَّ مُلْتَزِمَ الْبَلَدِ أَخْرَجَ الْمَشْيَخَةَ عَنْهُمْ ظُلْمًا وَدَفَعَهَا لِغَيْرِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ مِثْلَهُمْ فِي الْكِفَايَةِ بِالْقِيَامِ بِذَلِكَ بَلْ وَإِنْ كَانُوا أَقْوَى مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ حَيْثُ صَحَّ تَقْرِيرُهُمْ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ ذَلِكَ عَنْهُمْ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: " وَلَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مِنْ الطَّلَبَةِ " أَيْ لَمْ يَحْضُرْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُقَرَّرِينَ فِي وَظِيفَةِ الطَّلَبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 غُصِبَ أَوْ تَرَكَهُ الْعَامِلُ أَوْ هَرَبَ وَلَوْ فِي دَارِ الْمَالِكِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ وَإِنْ حَضَرَ الْآبِقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اكْتَرَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ. فَأَتَى بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ وَمَاتَ، حِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَجِّ الثَّوَابُ، وَقَدْ حَصَلَ بِبَعْضِ الْعَمَلِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ الْمَقْصُودِ، وَإِذَا رَدَّ الْآبِقَ عَلَى سَيِّدِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْجُعْلِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّسْلِيمِ، وَلَا حَبْسَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ وَكَذَا لَا يَحْبِسُهُ لِاسْتِيفَاءِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ إذَا أَنْكَرَ شَرْطَ الْجُعْلِ لِلْعَامِلِ بِأَنْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الْعَامِلُ: شَرَطْتَ لِي جُعْلًا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ أَوْ أَنْكَرَ سَعْيَ الْعَامِلِ فِي رَدِّ الْآبِقِ بِأَنْ قَالَ: لَمْ تَرُدَّهُ، وَإِنَّمَا رَجَعَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَالرَّدِّ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُلْتَزِمُ مِنْ مَالِكٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْعَامِلُ فِي قَدْرِ الْجُعْلِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعَمَلِ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ، وَوَجَبَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ   [حاشية البجيرمي] لِأَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ إحْيَاءُ الْمَحَلِّ وَهُوَ حَاصِلٌ بِحُضُورِ غَيْرِ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ. وَقَوْلُهُ: " وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الِانْتِصَابُ " هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الْمَعْلُومَ مَشْرُوطٌ بِحُضُورِهِ، وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ فِي الْمُدَرِّسِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ حُضُورَ الْإِمَامِ بِدُونِ الْمُقْتَدِينَ يَحْصُلُ بِهِ إحْيَاءُ الْبُقْعَةِ بِالصَّلَاةِ فِيهَا وَلَا كَذَلِكَ الْمُدَرِّسُ فَإِنَّ حُضُورَهُ بِدُونِ مُتَعَلِّمٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَحُضُورُهُ يُعَدُّ عَبَثًا. وَقَوْلُهُ: " بِعَدَمِ سُقُوطِ حَقِّهِ بِغَيْبَتِهِ " أَيْ وَإِنْ طَالَتْ مَا دَامَ الْعُذْرُ قَائِمًا، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ اسْتَنَابَ أَوْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِنَابَةِ، أَمَّا لَوْ غَابَ لِعُذْرٍ وَقَدَرَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَيَنْبَغِي سُقُوطُ حَقِّهِ لِتَقْصِيرِهِ. وَقَوْلُهُ: " بِحِلِّ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ " وَمِنْ ذَلِكَ الْجَوَامِكُ الْمُقَرَّرُ فِيهَا فَيَجُوزُ لِمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَةٍ بِبَيْتِ الْمَالِ النُّزُولُ عَنْهُ، وَيَصِيرُ الْحَالُ فِي تَقْرِيرِ مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَهُ مَوْكُولًا إلَى نَظَرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْرِيرِ فِيهِ كَالْبَاشَا، فَيُقَرِّرُ مَنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَقْرِيرِهِ مِنْ الْمَفْرُوغِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ. وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يُقْرَأَ فِي مَدْرَسَتِهِ كِتَابٌ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَجِدْ الْمُدَرِّسُ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِسَمَاعِ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَالِانْتِفَاعِ مِنْهُ قَرَأَ غَيْرَهُ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ شَرْطُ الْوَاقِفِ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَفُعِلَ مَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَا يَقْصِدُ تَعْطِيلَ وَقْفِهِ؛ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (يَسْتَحِقُّ) عِبَارَةُ م ر: فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ. وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ إبْدَالُ " حِينَئِذٍ " بِقَوْلِهِ: حَيْثُ يَسْتَحِقُّ إلَخْ. فَلَعَلَّهُ تَحْرِيفٌ مِنْ النَّاسِخِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ الْمَقْصُودِ) الْأَوْلَى لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ بِحَذْفِ شَيْءٌ وَمِنْ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (بِإِذْنِ الْمَالِكِ) فَإِنْ تَعَذَّرَ فَبِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَبِالْإِشْهَادِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ قَصَدَ الرُّجُوعَ ق ل. تَنْبِيهٌ: حَاصِلُ مَا هُنَا كَالْإِجَارَةِ أَنَّهُ إنْ سَلِمَ الْعَامِلُ وَوَصَلَ مَا عَمِلَ فِيهِ إلَى الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْجُعْلِ، وَإِنْ سَلِمَ الْعَامِلُ وَحْدَهُ وَتَلِفَ مَعْمُولُهُ قَبْلَ تَمَامِ عَمَلِهِ، فَإِنْ وَقَعَ مُسَلَّمًا لِلْمَالِكِ كَأَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ فِي مِلْكِهِ وَظَهَرَ أَثَرُهُ عَلَى الْمَحَلِّ وَأَمْكَنَ الْإِتْمَامُ عَلَيْهِ كَخِيَاطَةِ بَعْضِ الثَّوْبِ وَتَعْلِيمِ بَعْضِ مَا جُوعِلَ عَلَيْهِ وَبَعْضِ الْبِنَاءِ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَقَعْ مُسَلَّمًا لِلْمَالِكِ بِمَا مَرَّ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ عَلَى الْمَحَلِّ كَجَرَّةٍ انْكَسَرَتْ أَوْ لَمْ يُمْكِنُ الْإِتْمَامُ عَلَيْهِ كَثَوْبٍ احْتَرَقَ بَعْدَ خِيَاطَةِ بَعْضِهِ وَمُتَعَلِّمٍ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ تَعَلُّمِهِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. ق ل [فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ] ِ ذَكَرَهُمَا عَقِبَ الْجِعَالَةِ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ عَمَلًا مَجْهُولًا. وَالْمُخَابَرَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْخَبْرِ أَيْ الزَّرْعُ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: خَبَرْت الْأَرْضَ شَقَقْتهَا لِلزِّرَاعَةِ فَأَنَا خَبِيرٌ وَمِنْهُ الْمُخَابَرَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ ثُمَّ الصِّنَاعَةُ ثُمَّ التِّجَارَةُ حَيْثُ خَلَتْ مِنْ الْغِشِّ وَالْخِيَانَةِ وَالْأَيْمَانِ الْفَاجِرَةِ، قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: يَنْبَغِي لِلصَّانِعِ وَالتَّاجِرِ أَنْ يَقْصِدَ بِصَنْعَتِهِ أَوْ تِجَارَتَهُ الْقِيَامَ بِفَرْضٍ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 فَالْمُزَارَعَةُ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ لِرَجُلٍ لِيَزْرَعَهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَالْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ. وَالْمُخَابَرَةُ كَالْمُزَارَعَةِ لَكِنَّ الْبَذْرَ مِنْ الْعَامِلِ. وَكِرَاءُ الْأَرْضِ سَيَأْتِي. فَلَوْ كَانَ بَيْنَ الشَّجَرِ نَخْلًا كَانَ أَوْ عِنَبًا أَرْضٌ لَا زَرْعَ فِيهَا صَحَّتْ الزِّرَاعَةُ عَلَيْهَا مَعَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى الشَّجَرِ تَبَعًا لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، إنْ اتَّحَدَ عَقْدٌ وَعَامِلٌ بِأَنْ يَكُونَ عَامِلُ الْمُزَارَعَةِ هُوَ عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ   [حاشية البجيرمي] فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَإِنَّ الصِّنَاعَاتِ لَوْ تُرِكَتْ لَبَطَلَتْ الْمَعَايِشُ وَهَلَكَتْ الْخَلْقُ، وَلَوْ أَقْبَلَ كُلُّهُمْ عَلَى صَنْعَةٍ وَاحِدَةٍ تَعَطَّلَتْ الْبَوَاقِي وَهَلَكُوا؛ وَعَلَى هَذَا حُمِلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ» أَيْ اخْتِلَافُ هِمَمِهِمْ فِي الصِّنَاعَاتِ وَالْحِرَفِ. وَمِنْ الصِّنَاعَاتِ مَا هِيَ مُهِمَّةٌ وَمَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا لِخَسَّتِهَا كَالْحِجَامَةِ لِخُبْثِ كَسْبِ صَاحِبِهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» فَيَنْبَغِي لِذِي الْهِمَّةِ وَالْمُرُوءَةِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِصَنْعَةٍ مُهِمَّةٍ لِيَكُونَ فِي قِيَامِهِ بِهَا كِفَايَةُ الْمُسْلِمِينَ بِمُهِمٍّ فِي الدِّينِ. وَيَجْتَنِبُ أَيْضًا صِنَاعَةَ الْغِشِّ وَالصِّيَاغَةِ وَمِنْ ذَلِكَ خِيَاطَةُ الْإِبْرَيْسَمِ لِلرِّجَالِ وَصِيَاغَةِ الصَّائِغِ خَوَاتِيمَ الذَّهَبِ لِلرِّجَالِ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْأُجْرَةُ الْمَأْخُوذَةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْحُرْمَةِ قَزَّازَةُ الشُّدُودِ الْحَرِيرَ لِلرِّجَالِ؛ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْبَرِّ الَأُجْهُورِيُّ. وَعِبَارَةُ ع ش: أَفْضَلُ الْكَسْبِ الزِّرَاعَةُ ثُمَّ الصِّنَاعَةُ ثُمَّ التِّجَارَةُ أَيْ لِمَا فِي الزِّرَاعَةِ مِنْ مَزِيدِ التَّوَكُّلِ وَنَفْعِ الطُّيُورِ وَغَيْرِهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَكْتَسِبُ بِالتِّجَارَةِ مَنْ لَهُ مَنْ يَتَّجِرُ لَهُ وَمِمَّنْ يَكْتَسِبُ بِالصِّنَاعَةِ مَنْ لَهُ صُنَّاعٌ تَحْتَ يَدِهِ وَهُوَ لَا يُبَاشِرُ وَمِمَّنْ يَكْتَسِبُ بِالزِّرَاعَةِ مَنْ لَهُ مَنْ يَزْرَعُ لَهُ وَهُوَ لَا يُبَاشِرُ اهـ ح ل. وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» اهـ؛؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِ إيصَالُ النَّفْعِ إلَى الْكَاسِبِ وَإِلَى غَيْرِهِ وَالسَّلَامَةُ عَنْ الْبَطَالَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الْفُضُولِ؛ لِأَنَّ فِي الْكَسْبِ كَسْرُ النَّفْسِ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذُلِّ السُّؤَالِ. وَكَانَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَعْمَلُ الزَّرَدَ يَبِيعُهُ لِقَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا ابْتَغَى الْأَكْلَ مِنْ طَرِيقِ الْأَفْضَلِ. وَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مِنْ سَعْيِهِ الَّذِي يَكْتَسِبُهُ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِالْجِهَادِ، وَهُوَ أَشْرَفُ الْمَكَاسِبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ. وَكَانَ نُوحٌ نَجَّارًا وَإِبْرَاهِيمُ بَزَّازًا وَإِدْرِيسُ خَيَّاطًا، وَنَحْوُ هَذَا لَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ مِنْ ذَلِكَ. وَذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ: بَصَائِرُ الْقُدَمَاءِ وَسَرَائِرُ الْحُكَمَاءِ صِنَاعَةَ كُلِّ مَنْ عُلِمَتْ صِنَاعَتُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَزَّازًا وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ عُمَرُ دَلَّالًا يَسْعَى بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَكَانَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ حَدَّادًا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَدْعَانَ نَخَّاسًا أَيْ دَلَّالًا يَبِيعُ الْجَوَارِيَ، وَكَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ عَوَّادًا يَضْرِبُ بِالْعُودِ. وَكَانَ الْحَكَمُ بْنُ الْعَاصِ يَخْصِي الْغَنَمَ، وَكَانَ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ بَيْطَارًا يُعَالِجُ الْخَيْلَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا وَلَهُ صِنَاعَةٌ، وَكَذَلِكَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا تَقَدَّمَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ فَمِنْهُمْ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ كَانَا يَصْنَعَانِ الْأَقْفَالِ إلَى أَنْ فَعَلَ قُفْلًا بِمِفْتَاحِهِ وَزْنَ ثَلَاثِ حَبَّاتِ شَعِيرٍ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ وَسَأَلَتْهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَمْ يُجِبْهَا، فَخَايَلَتْ عَلَيْهِ فَتَرَكَ الصَّنْعَةَ وَاشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ. وَالزَّجَّاجَانِ كَانَا يَصْنَعَانِ الزُّجَاجَ، وَالْفَرَّاءُ كَانَ يَصْنَعُ الْفِرَاءَ، وَالْإِسْنَوِيُّ كَانَ نَجَّارًا وَالشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْمَحَلِّيُّ كَانَ تَاجِرًا تَحْتَ الرَّبْعِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ بَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ. قَوْلُهُ: (فَالْمُزَارَعَةُ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ) أَيْ بِعَقْدٍ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ عَامَلْتُك عَلَى الْأَرْضِ لِتَزْرَعَهَا وَالْغَلَّةُ الْحَاصِلَةُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (لِرَجُلٍ) أَيْ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَكِرَاءُ الْأَرْضِ سَيَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ أَكْرَاهُ إيَّاهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَ بَيْنَ الشَّجَرِ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذَا بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ لَمْ يَجُزْ بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ اسْتِقْلَالًا فِي جَانِبِ الْمُزَارَعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ دُخُولٌ عَلَى الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَكُونَ عَامِلُ الْمُزَارَعَةِ) أَيْ فَلَا يَضُرُّ تَعَدُّدُهُ فَالْمُرَادُ بِاتِّحَادِهِ أَنْ لَا تُفْرَدَ الْمُسَاقَاةُ بِعَامِلٍ وَالْمُزَارَعَةُ بِعَامِلٍ. قَوْلُهُ: (وَقُدِّمَتْ الْمُسَاقَاةُ) أَيْ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ أَيْ لَمْ تَتَأَخَّرْ الْمُسَاقَاةُ، فَيَدْخُلُ مَا لَوْ كَانَا مَعًا كَعَامَلْتُكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 وَعَسُرَ إفْرَادُ الشَّجَرِ بِالسَّقْيِ وَقُدِّمَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْمُزَارَعَةِ لِتَحْصِيلِ التَّبَعِيَّةِ، وَأَنْ تَفَاوَتَ الْجُزْءَانِ الْمَشْرُوطَانِ مِنْ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَخَرَجَ بِالْمُزَارَعَةِ الْمُخَابَرَةُ فَلَا تَصِحُّ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ لِعَدَمِ وُرُودِهَا كَذَلِكَ (وَإِذَا) أَفْرَدَتْ الْمُزَارَعَةَ أَوْ الْمُخَابَرَةَ بِأَنْ (دَفَعَ) مُطْلِقٌ التَّصَرُّفَ (إلَى رَجُلٍ أَرْضًا) أَيْ مَكَّنَهُ مِنْهَا (لِيَزْرَعَهَا) وَكَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ (وَشَرَطَ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (جُزْءًا) كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا (مَعْلُومًا) كَالثُّلُثِ (مِنْ زَرْعِهَا) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُزَارَعَةِ أَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ وَشَرَطَ لَلْمَالِك كَمَا مَرَّ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُخَابَرَةِ (لَمْ يَجُزْ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْأُولَى فِي مُسْلِمٍ وَعَنْ الثَّانِيَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالْمَعْنَى فِي الْمَنْعِ فِيهِمَا أَنَّ تَحْصِيلَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مُمْكِنَةٌ بِالْإِجَارَةِ فَلَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ فِيهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَالْمَوَاشِي بِخِلَافِ الشَّجَرِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ، فَجُوِّزَتْ الْمُسَاقَاةُ لِلْحَاجَةِ وَالْمُغَلُّ فِي الْمُخَابَرَةِ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَتْبَعُ الْبَذْرَ وَعَلَيْهِ لِلْمَالِكِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَعَمَلِ دَوَابِّهِ وَعَمَلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ آلَاتِهِ، سَوَاءٌ أَحَصَلَ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ أَمْ لَا أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْقِرَاضِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِبُطْلَانِ مَنْفَعَتِهِ إلَّا لِيَحْصُلَ لَهُ بَعْضُ الزَّرْعِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَانْصَرَفَ كُلُّ الْمَنْفَعَةِ لِلْمَالِكِ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ. وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا فِي صُورَةِ إفْرَادِ الْأَرْضِ بِالْمُزَارَعَةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْمَالِكُ الْعَامِلَ بِنِصْفِ الْبَذْرِ شَائِعًا لِيَزْرَعَ لَهُ   [حاشية البجيرمي] عَلَى كَذَا ق ل؛ لِأَنَّ عَامَلْتُك يَشْمَلُ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ، وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ أَيْ تَابِعَةٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ مَكَّنَهُ مِنْهَا) تَفْسِيرٌ لِدَفْعٍ دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ إنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مَنْقُولَةٍ فَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ) أَيْ يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ ق ل. قَوْلُهُ: (فِي الصُّورَتَيْنِ) أَمَّا فِي الْمُخَابَرَةِ فَوِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَيَضْمَنُ الْعَامِلُ أُجْرَةَ الْأَرْضِ إذَا أَخَّرَ حَتَّى فَاتَ الزَّرْعُ، وَأَمَّا فِي الْمُزَارَعَةِ فَمُخَالِفٌ الْإِمَامَ أَحْمَدَ وَلَا يَضْمَنُ الْعَامِلُ فِيهَا أُجْرَةَ الْأَرْضِ إذَا أَخَّرَ حَتَّى فَاتَ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، إذَا وَقَعَ ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْحِفْظَ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (مُمْكِنَةٌ) الْمُنَاسِبُ مُمْكِنٌ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ " تَحْصِيلَ " اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَالْمَوَاشِي) وَسَيَأْتِي تَصْوِيرُهُ فِي كَلَامٍ فِي التَّتِمَّةِ الْآتِيَةِ، وَهُوَ مَا لَوْ أَعْطَاهَا لَهُ لِيَتَعَهَّدَهَا أَوْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا وَالْفَوَائِدُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ. فَرْعٌ: مَوْتُ الْعَامِلِ وَهَرَبُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ كَالْمُسَاقَاةِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ الْتَزَمَ عَمَلًا بِذِمَّتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ إتْمَامِهِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشَّجَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ، وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ شَخْصٍ لِخِدْمَتِهِ فَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ إجَارَةِ الشَّجَرِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (نَمَاءُ) هُوَ بِالْمَدِّ الزِّيَادَةُ، أَمَّا بِلَا مَدٍّ فَاسْمٌ لِصِغَارِ النَّمْلِ سم. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَجَّانًا، سم. قَوْلُهُ: (فِي الْقِرَاضِ) أَيْ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الْمَالِكَ يَلْزَمُهُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ، وَإِلَّا فَالْقِرَاضُ الصَّحِيحُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ رِبْحٌ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ. قَوْلُهُ: (بِبُطْلَانِ مَنْفَعَتِهِ) أَيْ إتْلَافِهَا. قَوْلُهُ: (وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا إلَخْ) وَمَنْ زَارَعَ عَلَى أَرْضٍ بِجُزْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ فَعَطِلَ بَعْضُهَا لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ غَلَّطَهُ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَهُوَ الْأَوْجُهُ، وَلَوْ تَرَكَ الْفَلَاحُ السَّقْيَ مَعَ صِحَّةِ الْمُعَامَلَةِ حَتَّى فَسَدَ الزَّرْعُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ، وَعَلَيْهِ حِفْظُهُ شَرْحِ م ر. وَكَتَبَ ع ش عَلَى قَوْلِهِ: " وَهُوَ الْأَوْجُهُ "، وَخَرَجَ بِالْمُزَارَعَةِ الْمُخَابَرَةُ فَتُضْمَنُ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ، قَالَ سم: كَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْمُخَابِرَ فِي مَعْنَى مُسْتَأْجِرِ الْأَرْضِ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهَا وَإِنْ عَطَّلَهَا بِخِلَافِ الْمُزَارِعِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَجِيرِ عَلَى عَمَلٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذَا عَطَّلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ مَنْفَعَتَهَا وَلَا بَاشَرَ إتْلَافَهَا فَلَا وَجْهَ لِلُّزُومِ. وَقَوْلُهُ: " مَعَ صِحَّةِ الْمُعَامَلَةِ " أَيْ بِخِلَافِهِ مَعَ فَسَادِهَا، إذْ لَا يَلْزَمُهُ عَمَلٌ وَقَدْ بَذَرَ الْبَذْرَ بِالْإِذْنِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ. وَقَالَ الْحِفْنِيُّ: قَوْلُهُ: " وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا إلَخْ " الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ أَنَّ الْأُجْرَةَ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ عَيْنٌ وَفِي الثَّانِيَةِ عَيْنٌ وَمَنْفَعَةٌ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْمَالِكُ الْعَامِلَ) أَيْ وَدَوَابَّهُ وَآلَاتِهِ فَيَكُونُ نِصْفُ الْبَذْرِ وَنِصْفُ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَعًا أُجْرَةً لِنِصْفِ عَمَلِ الْعَامِلِ وَآلَاتِهِ وَدَوَابِّهِ جَمِيعًا، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ نِصْفَ الْبَذْرِ وَحْدَهُ وَيُعِيرُهُ الْمَالِكُ نِصْفَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ نِصْفَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَيُقْرِضُهُ الْمَالِكُ أَوْ يَهَبُهُ نِصْفَ الْبَذْرِ، وَيَجُوزُ كَوْنُ نِصْفِ الْبَذْرِ وَنِصْفِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 النِّصْفَ الْآخَرَ فِي الْأَرْضِ، وَيُعِيرَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ شَائِعًا أَوْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلَ بِنِصْفِ الْبَذْرِ شَائِعًا وَنِصْفِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ كَذَلِكَ لِيَزْرَعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الْبَذْرِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ الْأَرْضِ، فَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الزَّرْعِ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ وَلَا أُجْرَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ، وَلِلْمَالِكِ مِنْ مَنْفَعَتِهِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ، وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا فِي الْمُخَابَرَةِ وَلَا أُجْرَةَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ نِصْفَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَنِصْفِ عَمَلِهِ وَمَنَافِعِ دَوَابِّهِ وَآلَاتِهِ، أَوْ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَيَتَبَرَّعَ بِالْعَمَلِ وَالْمَنَافِعِ. وَلَا بُدَّ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ مِنْ رِعَايَةِ الرُّؤْيَةِ وَتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ. (وَإِنْ أَكْرَاهُ إيَّاهَا) أَيْ الْأَرْضَ لِلزِّرَاعَةِ (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) أَوْ بِهِمَا مَعًا أَوْ بِعُرُوضٍ كَالْفُلُوسِ وَالثِّيَابِ (أَوْ شَرَطَ لَهُ طَعَامًا مَعْلُومًا فِي ذِمَّتِهِ) قَدْرُهُ وَجِنْسُهُ وَنَوْعُهُ وَصِفَتُهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْمُكْتَرِي (جَازَ) ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ بَلْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ فِيهِ الْإِجْمَاعَ.   [حاشية البجيرمي] مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَعًا أَوْ أَحَدَهُمَا أُجْرَةً لِعَمَلِ الْعَامِلِ وَحْدَهُ وَيُعِيرُ لِلْمَالِكِ نِصْفَ مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ أَوْ عَكْسُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ رِعَايَةِ الرُّؤْيَةِ) أَيْ رُؤْيَةِ الْأُجْرَةِ وَالْمُؤَجِّرُ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ شَرَطَ " أَيْ الْمُكْرِي، وَقَوْلُهُ: " لَهُ " أَيْ لِمُكْرِي، وَقَوْلُهُ: " فِي ذِمَّتِهِ " أَيْ الْمُكْتَرِي. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ بِطَعَامٍ مَعْلُومٍ إلَخْ، بَدَلَ قَوْلِهِ: وَشَرَطَ إلَخْ، وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: بِذَهَبٍ. فَائِدَةٌ: كُلُّ مَنْ زَرَعَ أَرْضًا بِبَذْرِهِ فَالزَّرْعُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَلَّاحًا يَزْرَعُ بِالْمُقَاسَمَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَمَلُ الشَّامِ، وَأَنَا أَرَاهُ وَأَرَى وَجْهَهُ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ أَنَّ الْفَلَّاحَ كَأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْبَذْرِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِالشَّرْطِ الْمَعْلُومِ بَيْنَهُمَا فَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا وَتَعَدَّى شَخْصٌ عَلَى أَرْضٍ وَغَصَبَهَا وَهِيَ فِي يَدِ الْفَلَّاحِ فَزَرَعَهَا عَلَى الْعَادَةِ لَا تَقُولُ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ بَلْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى يَدِ الْمُقَاسَمَةِ؛ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ تَنْفَعُك فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ اهـ مِنْ فَتَاوَى السُّبْكِيّ، وَمِنْهَا نُقِلَتْ. وَهُوَ غَرِيبٌ، أَيْ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، إذَا فِيهِ دُخُولُ الْبَذْرِ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْفَلَّاحِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ فَلْيُحَرَّرْ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ: " الْبَرَكَةُ فِي فَضْلِ السَّعْيِ وَالْحَرَكَةِ وَمَا يُنْجِي بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْهَلَكَةِ " لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَصَّابِيِّ مَا نَصُّهُ: وَعِنْدَ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُزَارَعَةَ وَهِيَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى بَيَاضٍ يَتَخَلَّلُ النَّخْلَ وَالْعِنَبَ تَبَعًا لَهُمَا، وَلَا تَجُوزُ عَلَى أَرْضٍ لَا نَخِيلَ فِيهَا وَلَا عِنَبَ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ الْعَامِلِ؛ لِمَا رَوَى ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ» وَقَالَ: أَحْمَدُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ وَتِلْكَ الْمُزَارَعَةُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ وَهِيَ الْمُخَابَرَةُ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى جَوَازِهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ الْعَامِلِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: زَارَعْتُكَ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ زَرْعِهَا أَوْ ثُلُثَهُ؛ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ» . قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَزَارَعَ عَلِيٌّ وَسَعْدٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاسِمُ وَعُرْوَةُ وَآلُ أَبِي بَكْرٍ وَآلُ عُمَرَ وَآلُ عَلِيٍّ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَامَلَ عُمَرُ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَاءَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ الشَّطْرُ وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَلِكَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ وَالْمُخَابَرَةُ، وَصَنَّفَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِيهَا جُزْءًا وَبَيَّنَ عِلَلَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالنَّهْيِ وَجَمَعَ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ، ثُمَّ تَابَعَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ: ضَعَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثَ النَّهْيِ وَقَالَ: هُوَ مُضْطَرِبٌ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَبْطَلَهَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ وَهِيَ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ، وَتَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ إذَا شَرَطَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا زَرْعَ قِطْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلِآخَرَ أُخْرَى قُلْت بِصِحَّتِهَا؛ وَالْقَوْلُ بِجَوَازِهَا حَسَنٌ يَنْبَغِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 تَتِمَّةٌ: لَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ دَابَّةً لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا، أَوْ يَتَعَهَّدَهَا وَفَوَائِدُهَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى يُمْكِنُهُ إيجَارُ الدَّابَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِ عَقْدٍ عَلَيْهَا فِيهِ غَرَرٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَوَائِدُ لَا تَحْصُلُ بِعَمَلِهِ. وَلَوْ أَعْطَاهَا لَهُ لِيَعْلِفَهَا مِنْ عِنْدِهِ بِنِصْفِ دَرِّهَا فَفَعَلَ ضَمِنَ لَهُ الْمَالِكُ الْعَلَفَ، وَضَمِنَ الْآخَرُ لِلْمَالِكِ نِصْفَ الدَّرِّ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمَشْرُوطُ لَهُ لِحُصُولِهِ بِحُكْمِ بَيْعٍ فَاسِدٍ، وَلَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقَابَلَةٍ بَعُوضٍ. وَإِنْ قَالَ: لِتَعْلِفْهَا بِنِصْفِهَا فَفَعَلَ فَالنِّصْفُ الْمَشْرُوطُ مَضْمُونٌ عَلَى الْعَالِفِ لِحُصُولِهِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ. فَصْلٌ: فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ الَّذِي لَمْ   [حاشية البجيرمي] الْمَصِيرُ إلَيْهِ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ رَحْمَةٌ وَلِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ لِذَلِكَ اهـ كَلَامُهُ. وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ الْآنَ مُرَاعَاةً لِأَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ اهـ لِكَاتِبِهِ عَمَّهُ اللَّهُ بِالْغُفْرَانِ. قَوْلُهُ: (لَوْ أَعْطَى شَخْصٌ إلَخْ) هَذِهِ تَقَدَّمَتْ بِعَيْنِهَا فِي الْمُسَاقَاةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَعَادَهَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهَا أج. قَوْلُهُ: (لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا) أَيْ وَأُجْرَةُ الْعَمَلِ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَفَوَائِدُهَا) أَيْ مَا يَحْصُلُ مِنْهَا مِنْ أُجْرَةٍ وَنَحْوِهَا ق ل. قَوْلُهُ: (لَا تَحْصُلُ بِعَمَلِهِ) وَهُوَ التَّعَهُّدُ. قَوْلُهُ: (نِصْفَ الدَّرِّ) أَيْ بَدَلَهُ. قَوْلُهُ: (لِحُصُولِهِ) أَيْ الدَّرِّ أَوْ الْمَذْكُورِ مِنْ الدَّرِّ وَالْعَلَفِ، وَهُوَ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ أَظْهَرُ فِي الْأَوَّلِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ) أَيْ فَهِيَ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهَا لِأَجْلِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ اهـ م د. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقَابَلَةٍ بِعِوَضٍ) هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهَا مُعَارَةً مَعَهُ لِأَخْذِ اللَّبَنِ الَّذِي هُوَ لَهُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْهَا فَتَكُونُ مَضْمُونَةً فَرَاجِعْ وَتَأَمَّلْ ق ل؛ لَكِنْ نَحْنُ مَعَ الشَّارِحِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ. قَوْلُهُ: (فَالنِّصْفُ الْمَشْرُوطُ مَضْمُونٌ) وَيَضْمَنُ لَهُ الْمَالِكُ جَمِيعَ الْعَلَفِ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ. قَوْلُهُ: (دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْأَمَانَةِ فِي يَدِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلُ الدَّابَّةَ ق ل. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: سَمِّنْ هَذِهِ الشَّاةَ وَلَك نِصْفُهَا أَوْ هَاتَيْنِ عَلَى أَنَّ لَك إحْدَاهُمَا، لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ وَاسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلنِّصْفِ الَّذِي سَمَّنَهُ لِلْمَالِكِ. وَهَذِهِ الْحَالَةُ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي الْفَرَارِيجِ بِدَفْعِ كَاشِفِ الْبَرِيَّةِ أَوْ مُلْتَزِمِ الْبَلَدِ لِبَعْضِ أَهْلِ الْبُيُوتِ الْمِائَةَ أَوْ الْأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَيَقُولُ لَهُمْ: رَبُّوهَا وَلَكُمْ نِصْفُهَا؛ فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يَفْعَلُ هَكَذَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَظِيمًا عَلَى النَّاسِ اهـ خَطِيبٌ عَلَى الْمِنْهَاجِ. اهـ. . [فَصْلٌ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] أَيْ عِمَارَةِ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ، فَشَبَّهَ الْعِمَارَةَ بِالْإِحْيَاءِ وَأَطْلَقَهُ عَلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْجَامِعُ الِانْتِفَاعُ فِي كُلٍّ مِنْ الْإِحْيَاءِ وَالْعِمَارَةِ أَوْ شَبَّهَ الْأَرْضَ الْخَرِبَةَ بِالْمَيِّتِ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ. وَإِثْبَاتُ الْإِحْيَاءِ تَخَيُّلٌ، وَالْجَامِعُ عَدَمُ النَّفْعِ فِي كُلٍّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَرْضُ مِلْكٌ لِلَّهِ ثُمَّ مَلَّكَهَا لِلشَّارِعِ ثُمَّ رَدَّهَا الشَّارِعُ عَلَى أُمَّتِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْأَرْضِ. قَوْلُهُ: (لَا مَالَك لَهَا) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا مَالِكَ لَهَا مَعْلُومٌ، فَيَكُونُ مِنْ الْمَوَاتِ مَا ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ مِلْكٍ كَغَرْسِ شَجَرٍ وَأَسَاسِ جُدْرَانٍ وَنَحْوِ أَوْتَادٍ، فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ أَرَادَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكٌ أَصْلًا لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْمَوَاتِ، أَيْ فَلَا يَشْمَلُ الْعَامِرَ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ مَالِكُهُ، وَيُسَاوِي كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَالْمُرَادُ: لَمْ يَعْمُرْ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا عِبْرَةَ بِعِمَارَتِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا يَأْتِي ق ل. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي تَعْرِيفِ الْمَوَاتِ أَرْبَعُ عِبَارَاتٍ: عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيُّ وَعِبَارَةُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَعِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ، وَهِيَ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى أَوْ بَيْنَ بَعْضِهَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ أَوْ التَّرَادُفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 يَكُنْ غَامِرًا وَلَا حَرِيمًا لِعَامِرٍ قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ أَوْ بَعُدَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ: «مَنْ عَمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَإِحْيَاءُ الْمَوَاتِ جَائِزٌ) بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ وَمَا أَكَلَتْ الْعَوَافِي» أَيْ طُلَّابُ الرِّزْقِ: " مِنْهَا فَهُوَ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ قِسْمَانِ: أَصْلِيٌّ وَهُوَ مَا لَمْ يُعْمَرْ قَطُّ، وَطَارِئٌ وَهُوَ مَا خَرِبَ بَعْدَ عِمَارَتِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: بِقَاعُ الْأَرْضِ إمَّا مَمْلُوكَةٌ أَوْ مَحْبُوسَةٌ عَلَى الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ، وَإِمَّا مُنْفَكَّةٌ عَنْ الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ وَهِيَ الْمَوَاتُ. وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُحَيِّي مَا أَحْيَاهُ (بِشَرْطَيْنِ) الْأَوَّلُ: (أَنْ يَكُونَ الْمُحَيِّي مُسْلِمًا) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ   [حاشية البجيرمي] اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ) خَرَجَ الشَّوَارِعُ وَالْمَقَابِرُ وَحَرِيمُ الْعَامِرِ. قَوْلُهُ: (مَنْ عَمَرَ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ مِنْ الْعِمَارَةِ، أَمَّا عَمَّرَ بِالتَّشْدِيدِ فَمِنْ التَّعْمِيرِ بِالسِّنِّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: 18] وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُهُ: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة: 96] {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} [فاطر: 37] الْآيَةَ أج وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُعْلَمْ الرِّوَايَةُ. وللدنوشري بَيْتٌ مِنْ الطَّوِيلِ: وَعَمَّرَ بِالتَّشْدِيدِ فِي السِّنِّ قَدْ أَتَى ... كَمَا أَنَّ فِي الْبُنْيَانِ تَخْفِيفُهُ وَجَبْ قَوْلُهُ: (فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا) أَيْ مُسْتَحِقٌّ لَهَا يَمْلِكُهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ: " فَهِيَ لَهُ " ق ل، فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِحْيَاءُ الْمَوَاتِ) أَيْ عِمَارَةُ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ لِلشَّرْطِ الثَّانِي فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ. قَوْلُهُ: (فِيهَا أَجْرٌ) أَيْ فِي إحْيَائِهَا أَيْ بِسَبَبِ إحْيَائِهَا، فَ " فِي " سَبَبِيَّةٌ كَمَا فِي: «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ» الْحَدِيثَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: " أَجْرٌ " وَمِنْ قَوْلِهِ " صَدَقَةٌ " عَدَمُ جَوَازِ إحْيَاءِ الْكَافِرِ لِعَدَمِ أَجْرِهِ وَثَوَابِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى صَدَقَتِهِ وَعِتْقِهِ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ فِي الدُّنْيَا بِالْجَاهِ وَالْمَالِ وَالْأَوْلَادِ وَفِي الْآخِرَةِ يُخَفَّفُ عَنْهُ مِنْ عَذَابِ غَيْرِ الْكُفْرِ، وَمِنْ ثَمَّ جَازَ إحْيَاؤُهُ فِي دَرَاهِمِ. قَوْلُهُ: (الْعَوَافِي) جَمْعُ عَافِيَةٍ. قَوْلُهُ: (مِنْهَا) أَيْ مِنْ زَرْعِهَا، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَوْ أَنَّ مِنْ لِلتَّعْلِيلِ وَالتَّبْعِيضِ مَعًا أَيْ مِنْ أَجَلِهَا وَمِمَّا يَنْبُتُ مِنْهَا فَيَشْمَلُ أَكْلَ الْعُمْلَةِ كَمَا قَالَهُ أج؛ لِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْأُجْرَةَ مِنْ أَجَلِهَا. وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ: «فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ» ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَكُونُ صَدَقَةً فَالتَّبْعِيضُ أَوْلَى. وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجْ فِي الْمِلْكِ هُنَا إلَى لَفْظٍ؛ لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ عَامٌّ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَطَعَهُ أَرْضَ الدُّنْيَا كَأَرْضِ الْجَنَّةِ لِيَقْطَعَ مِنْهُمَا مَا شَاءَ لِمَنْ شَاءَ، وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِكُفْرِ مُعَارِضِ أَوْلَادِ تَمِيمٍ فِيمَا أَقَطَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِأَرْضِ الشَّامِ. اهـ. حَجّ. وَنُوزِعَ السُّبْكِيُّ فِيمَا أَفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْآحَادِ وَلَا نُكَفِّرُ بِخَبَرِ الْآحَادِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا اُشْتُهِرَ عَنْ الصَّحَابَةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ قِسْمَانِ) هَذَا إنَّمَا يَجْرِي عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ الشَّامِلَةِ لِمَا لَمْ يَعْمُرْ قَطُّ أَوْ عَمُرَ ثُمَّ خَرِبَ، بِخِلَافِهِ عَلَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ الثَّانِيَ مِنْ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا عَمُرَ جَاهِلِيَّةً فَقَطْ ثُمَّ خَرِبَ. قَوْلُهُ: (بِقَاعُ الْأَرْضِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ جَمْعُ بُقْعَةٍ مِثْلُ كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (الْعَامَّةِ) كَالْمَسَاجِدِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ وَالْخَاصَّةِ، كَأَنْ وَقَفَ رِبَاطًا عَلَى طَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الْمُنْفَكَّةُ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَمْلِكُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرْطَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلْجَوَازِ، فَجَعْلُهُمَا لِلْمِلْكِ خُرُوجٌ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَتَأَمَّلْ ق ل، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الشَّارِحِ صَحِيحًا أَيْضًا؛؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالشَّرْطَيْنِ أَيْضًا. وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لِلشَّارِحِ عَلَى مَا صَنَعَهُ صِحَّةُ الشَّرْطِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ شَرْطًا لِلْإِحْيَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ حُرَّةً هُوَ عَيْنُ الْمَوَاتِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ. قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ بِحَرَمٍ، أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِعْلَاءِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ بِدَارِنَا. وَقَالَ السُّبْكِيُّ عَنْ الْجُورِيِّ بِضَمِّ الْجِيمِ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ مَوَاتَ الْأَرْضِ كَانَ مِلْكًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى أُمَّتِهِ. وَلِلذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ الِاحْتِطَابُ وَالِاحْتِشَاشُ وَالِاصْطِيَادُ بِدَارِنَا، وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءٌ فِي عَرَفَةَ وَلَا الْمُزْدَلِفَةِ وَلَا مِنًى لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوُقُوفِ بِالْأَوَّلِ وَالْمَبِيتِ بِالْآخَرَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْمُحَصَّبِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَجِيجِ الْمَبِيتُ بِهِ اهـ. لَكِنْ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، فَمَنْ أَحْيَا شَيْئًا مِنْهُ مَلَكَهُ انْتَهَى، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ: أَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بِبِلَادِهِمْ فَلَهُمْ إحْيَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْنَا فِيهِ، وَكَذَا لِلْمُسْلِمِ إحْيَاؤُهَا إنْ لَمْ يَذُبُّونَا عَنْهَا بِخِلَافِ مَا يَذُبُّونَا عَنْهَا وَقَدْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي (أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ) الَّتِي يُرَادُ مِلْكُهَا بِالْإِحْيَاءِ (حُرَّةً) وَهِيَ الَّتِي (لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا مِلْكٌ لِمُسْلِمٍ) وَلَا لِغَيْرِهِ. فَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ مِلْكٌ وَإِنْ كَانَ خَرَابًا فَهُوَ لِمَالِكِهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، فَإِنْ جُهِلَ مَالِكُهُ وَالْعِمَارَةُ إسْلَامِيَّةٌ فَمَالٌ   [حاشية البجيرمي] وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ) أَيْ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدٍ كَإِحْيَاءِ الْمَسْكَنِ وَالزَّرِيبَةِ، بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ فِي الْمَوَاتِ إذَا حَفَرَ بِهَا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَلَا يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهَا يَحْتَاجُ إلَى قَصْدِ الْمِلْكِ وَقَصْدُهُ لَاغٍ. نَعَمْ تُحْمَلُ عَلَى الِارْتِفَاقِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ) الْمُرَادُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ مَا بَنَاهُ الْمُسْلِمُونَ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ، أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ، أَوْ فُتِحَ عَنْوَةٍ كَخَيْبَرِ وَمِصْرَ وَسَوَادِ الْعِرَاقِ، أَوْ صُلْحًا. وَالْأَرْضُ لَنَا وَهُمْ يَدْفَعُونَ الْخَرَاجَ، وَفِي هَذِهِ عِمَارَتُهَا فَيْءٌ وَمَوَاتُهَا مُتَحَجِّرٌ لِأَهْلِ الْفَيْءِ، وَحِفْظُهُ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنْ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ فَمَوَاتُهَا مُتَحَجِّرٌ لَهُمْ، وَمَعْمُورُهَا مِلْكٌ لَهُمْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَرْضَ إمَّا بِدَارِ كُفْرٍ لَا أَمَانَ لِأَهْلِهَا أَوْ بِدَارِ كُفْرٍ لَهُمْ أَمَانٌ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا إنْ تَكُونَ عَامِرَةً أَوْ خَرَابًا فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، أَوْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ عَامِرَةٌ عِمَارَةً جَاهِلِيَّةٍ أَوْ عِمَارَةً إسْلَامِيَّةٍ أَوْ عِمَارَةً مَشْكُوكًا فِيهَا أَوْ خَرَابًا، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ، وَلَا تَخْفَى أَحْكَامُهَا؛. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِحَرَمٍ) تَعْمِيمٌ ثَانٍ أَيْ مَا لَمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (كَالِاسْتِعْلَاءِ) فِي نُسْخَةٍ كَالِاسْتِيلَاءِ وَهِيَ غَيْرُ طَاهِرَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهَا تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ نَفْسُ الِاسْتِيلَاءِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ اسْتِيلَاءٌ إلَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَأَمَّا بِإِذْنِهِ فَلَا بَلْ هُوَ كَالِاسْتِيلَاءِ، فَكَلَامُ الشَّارِحِ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى أُمَّتِهِ) أَيْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ لِيُلَائِمَ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِأُمَّةِ الدَّعْوَى فَيَشْمَلُ إحْيَاءَ الْكَافِرِ فِي بِلَادِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَلِلذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ الِاحْتِطَابُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْلَفُ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ. وَخَرَجَ الْحَرْبِيُّ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: إلَّا أَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ مَلَكَهُ. قَوْلُهُ: (لِلْحَجِيجِ) جَمْعُ حَاجٍّ، وَقَوْلُهُ: لَيْسَ ذَلِكَ أَيْ الْمَبِيتَ. قَوْلُهُ: (بِبِلَادِهِمْ) وَهِيَ مَا فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ فَعَامِرُهَا مَمْلُوكٌ لَهُمْ وَمَوَاتُهَا مُتَحَجِّرٌ لَهُمْ. قَوْلُهُ: (مَا يَذُبُّونَا) بِحَذْفِ النُّونِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلتَّخْفِيفِ وَهُوَ بِكَسْرِ الذَّالِ وَضَمِّهَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا) أَيْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ جَرَى عَلَيْهَا مِلْكٌ لِمُسْلِمٍ أج. قَوْلُهُ: (وَلَا لِغَيْرِهِ) إلَّا جَاهِلِيًّا لَمْ يُعْرَفْ سم، وَيُعْرَفُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ: " وَالْعِمَارَةُ جَاهِلِيَّةٌ إلَخْ " فَفِي مَفْهُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِلْكٌ لِمُسْلِمٍ تَفْصِيلٌ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا جَرَى عَلَيْهَا مِلْكُ مُسْلِمٍ إنْ عُرِفَ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا فَمَالٌ ضَائِعٌ، وَإِنْ جَرَى عَلَيْهَا مِلْكُ كَافِرٍ فَإِنْ عُرِفَ فَهِيَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَإِنْ كَانَ جَاهِلِيًّا مَلَكَ بِالْإِحْيَاءِ وَإِلَّا فَمَالٌ ضَائِعٌ؛ فَالْأَقْسَامُ خَمْسَةٌ اهـ م د. قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَرْضِ. وَفِي نُسْخَةٍ: " عَلَيْهَا " وَالْمُرَادُ عُلِمَ وَتُحُقِّقَ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ لِمَالِكِهِ) أَيْ إنْ عُرِفَ. فَرْعٌ: لَوْ رَكِبَ الْأَرْضَ مَاءٌ أَوْ رَمْلٌ أَوْ طِينٌ فَهِيَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ مِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الرَّمَلُ مَثَلًا مَمْلُوكًا فَلِمَالِكِهِ أَخْذُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْحَسِرْ عَنْهَا، وَلَوْ انْحَسَرَ مَاءُ النَّهْرِ عَنْ جَانِبٍ مِنْهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 ضَائِعٌ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِي حِفْظِهِ أَوْ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ أَوْ اقْتِرَاضِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ أَوْ جَاهِلِيَّةٍ، فَيُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ كَالرِّكَازِ نَعَمْ إنْ كَانَ بِبِلَادِهِمْ وَذَبُّونَا عَنْهُ وَقَدْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ فَظَاهِرٌ أَنَّا لَا نَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ، وَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ حَرِيمُ عَامِرٍ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِمَالِكِ الْعَامِرِ، وَحَرِيمُ الْعَامِرِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ بِالْعَامِرِ، فَالْحَرِيمُ لِقَرْيَةٍ مُحَيَّاةٍ نَادٍ وَهُوَ مُجْتَمَعُ الْقَوْمِ لِلْحَدِيثِ وَمُرْتَكَضِ الْخَيْلِ وَنَحْوِهَا، وَمُنَاخُ إبِلٍ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَاخُ فِيهِ،   [حاشية البجيرمي] وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إقْطَاعُهُ أَيْ إعْطَاؤُهُ لِأَحَدٍ كَالنَّهْرِ وَحَرِيمِهِ. وَلَوْ زَرَعَهُ أَحَدٌ لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ. نَعَمْ لِلْإِمَامِ دَفْعُهُ لِمَنْ يَرْتَفِقُ بِهِ بِمَا لَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ، وَمِثْلُهُ مَا يَنْحَسِرُ عَنْهُ الْمَاءُ مِنْ الْجَزَائِرِ فِي الْبَحْرِ وَيَجُوزُ زَرْعُهُ، وَنَحْوُهُ لِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ إحْيَاءَهُ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْبِنَاءُ وَلَا الْغِرَاسُ وَلَا مَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا م ر، وَبَالَغَ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ شَيْئًا مِمَّا يُخَالِفُهُ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ اقْتِرَاضُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) بِأَنْ يَجْعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ قَرْضًا عَلَيْهِ فَهُوَ قَرْضٌ حُكْمِيٌّ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " أَوْ اقْتِرَاضُهُ " أَيْ اقْتِرَاضُ ثَمَنِهِ لَا اقْتِرَاضُ الْعَقَارِ إذْ لَا يُقْتَرَضُ. قَوْلُهُ: (إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ) أَيْ إنْ رُجِيَ وَإِلَّا كَانَ مِلْكًا لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ إقْطَاعُهُ رَقَبَةً أَوْ مَنْفَعَةً إنْ لَمْ يَبِعْ، لَكِنْ يَسْتَحِقُّ فِي الْأَخِيرِ الِانْتِقَاعَ بِهِ مُدَّةَ الْإِقْطَاعِ خَاصَّةً. وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ أَخْذِ الظَّلَمَةِ الْمُكُوسَ وَجُلُودَ الْبَهَائِمِ وَنَحْوَهَا كَالْأَكَارِعِ الَّتِي تُذْبَحُ وَتُؤْخَذُ قَهْرًا، وَتَعَذَّرَ رَدُّ ذَلِكَ لَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ لِجَهْلِهِمْ وَهُوَ صَيْرُورَتُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ، فَيَحِلُّ بَيْعُهَا وَأَكْلُهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ شَرْحِ م ر مُلَخَّصًا. قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْجُلُودِ وَالْأَكَارِعِ وَالرُّءُوسِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ أَصْحَابَهَا مَضْبُوطَةٌ مَعْلُومَةٌ يَعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَالَهُ، وَبِفَرْضِ عَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ صَارَ مُشْتَرَكًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى التَّعَذُّرِ وَلَا تَعَذُّرَ. صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ سم مُتَعَقِّبًا شَيْخَهُ م ر اهـ أج. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ كَانَ بِبِلَادِهِمْ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَقَدَّمَتْ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ. قَوْلُهُ: (حَرِيمٌ إلَخْ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَحْرِيمِ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِغَيْرِ صَاحِبِ الدَّارِ سم. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ) أَيْ كَالْمَمْلُوكِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ق ل: فِيهِ تَجَوُّزٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ غَيْرِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِمَا لَا يَضُرُّ مَالِكَ الْعَامِرِ. قَوْلُهُ: (فَالْحَرِيمُ لِقَرْيَةٍ إلَخْ) وَحَرِيمُ النَّهْرِ كَالنِّيلِ مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ لَهُ لِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَمَا يُحْتَاجُ لَهُ لِإِلْقَاءِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ فِيهِ لَوْ أُرِيدَ حَفْرُهُ أَوْ تَنْظِيفُهُ فَيَمْتَنِعُ الْبِنَاءُ فِيهِ وَلَوْ مَسْجِدًا وَيُهْدَمُ مَا بُنِيَ فِيهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ إجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِذَلِكَ فِي مِصْرِنَا حَتَّى أَلَّفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَأَطَالُوا لِيَنْزَجِرَ النَّاسُ فَلَمْ يَنْزَجِرُوا وَلَا يُغَيَّرُ هَذَا الْحُكْمُ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ بَعُدَ عَنْ الْمَاءِ بِحَيْثُ لَمْ يَصِرْ مِنْ حَرِيمِهِ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ إلَيْهِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ حَرِيمًا لَا يَزُولُ وَصْفُهُ بِزَوَالِ مَتْبُوعِهِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ اهـ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ مَسْجِدًا وَيُهْدَمُ " قَالَ الشَّيْخُ فِي حَاشِيَتِهِ: وَمَعَ وُجُوبِ هَدْمِهِ لَا تَحْرُمُ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ أَمْرِهِ أَنَّهَا صَلَاةٌ فِي حَرِيمِ النَّهْرِ وَهِيَ جَائِزَةٌ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْبِنَاءِ، فَمَعَ وُجُودِهِ كَذَلِكَ، أَيْ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ وَاضِعِهِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ وَقْفَ الْبِنَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْإِزَالَةَ. وَبَقِيَ مَا إذَا مَاتَ الْوَاضِعُ هَلْ يُعْتَبَرُ إذْنُ كُلِّ مَنْ آلَ إلَيْهِ إرْثُ ذَلِكَ أَوْ عُلِمَ رِضَاهُ إذْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمِلْكِ بِالْوَضْعِ الْمَذْكُورِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؟ يَنْبَغِي نَعَمْ كَذَا ظَهَرَ لِي فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ: وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ إمَامٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ خَدَمَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ مِمَّنْ لَهُ وَظِيفَةٌ فِيهِ كَقِرَاءَةٍ يَنْبَغِي اسْتِحْقَاقُهُمْ الْمَعْلُومَ كَمَا فِي الْمَسْجِدِ الْمَوْقُوفِ وَقْفًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالْإِمَامَةَ وَنَحْوَهُمَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مَسْجِدٍ وَاعْتِقَادُ الْوَاقِفِ صِحَّةَ وَقْفِيَّتِهِ مَسْجِدًا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الشَّرْطِ، وَتَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْقَصْرِ مُجَاوَزَةُ مَحَلِّهِ فَهُوَ كَسَاحَةٍ بَيْنَ الدُّورِ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ اهـ. وَقَوْلُهُ: " يَنْبَغِي اسْتِحْقَاقُهُمْ الْمَعْلُومَ " لَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ اسْتِحْقَاقِهِمْ لَهُ مِنْ حَيْثُ الشَّرْطُ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَةَ مَا جُعِلَ الْمَعْلُومُ مِنْهُ، أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِأَنْ جَعَلَ الْمَعْلُومَ مِنْ أَمَاكِنَ بِجَوَانِبِ الْمَسْجِدِ أَوْ أَسْفَلِهِ فِي الْحَرِيمِ أَيْضًا كَمَا هُوَ وَاقِعٌ كَثِيرًا فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا دَخْلَ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِيهِ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ وَقْفِيَّتِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ مَنْ لَهُ الْمَعْلُومُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ فِي بَيْتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 وَمَطْرَحُ رَمَادٍ وَسِرْجِينٌ وَنَحْوُهَا كَمَرَاحِ غَنَمٍ وَمَلْعَبِ صِبْيَانٍ. وَالْحَرِيمُ لِبِئْرِ اسْتِقَاءٍ مُحَيَّاةٍ مَوْضِعُ نَازِحٍ مِنْهَا وَمَوْضِعُ دُولَابٍ إنْ كَانَ الِاسْتِقَاءُ بِهِ، وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَسْتَقِي بِهِ النَّازِحُ وَمَا يَسْتَقِي بِهِ بِالدَّابَّةِ وَنَحْوِهِمَا كَالْمَوْضِعِ الَّذِي يَصُبُّ فِيهِ النَّازِحُ الْمَاءَ، وَمُتَرَدَّدُ الدَّابَّةِ إنْ كَانَ الِاسْتِقَاءُ بِهَا، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَطْرَحُ فِيهِ مَا يَخْرُجُ مِنْ مَصَبِّ الْمَاءِ أَوْ نَحْوِهِ، وَالْحَرِيمُ لِبِئْرٍ قَنَاةٌ مَا لَوْ حَفَرَ فِيهِ نَقَصَ مَاؤُهَا أَوْ خِيفَ انْهِيَارُهَا. وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِصَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى   [حاشية البجيرمي] الْمَالِ جَازَ لَهُ تَعَاطِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحَرِيمِ تُصْرَفُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَعَاطِيهِ اهـ رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مُحَيَّاةٍ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هُوَ مُضِرٌّ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمَمْلُوكَةَ لَا حَرِيمَ لَهَا ق ل، أَوْ؛ لِأَنَّ مِثْلَهَا الْمَمْلُوكَةُ فَلَيْسَ قَيْدًا. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِحْيَاءِ. قَوْلُهُ: (نَادٍ) بِالتَّخْفِيفِ. قَوْلُهُ: (لِلْحَدِيثِ) وَإِنْ لَمْ يَتَحَدَّثُوا، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَمُرْتَكَضُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ خَيْلٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَدَثَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مُنَاخِ الْإِبِلِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَمُنَاخُ) بِضَمِّ الْمِيمِ. قَوْلُهُ: (وَمَطْرَحُ رَمَادٍ) أَيْ مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. أَمَّا لَوْ اتَّسَعَ الْحَرِيمُ وَاعْتِيدَ طَرْحُ الرَّمَادِ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ ثُمَّ اُحْتِيجَ إلَى عِمَارَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَعَ بَقَاءِ مَا زَادَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ عِمَارَتُهُ لِعَدَمِ تَفْوِيتِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ أُرِيدَ عِمَارَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِتَمَامِهِ وَتَكْلِيفُهُمْ طَرْحَ الرَّمَادِ فِي غَيْرِهِ بِجِوَارِهِ وَلَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِيَادِهِمْ الرَّمْيَ فِيهِ صَارَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَكَذَا يَجُوزُ الْغِرَاسُ فِيهِ بِمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ انْتِفَاعِهِمْ بِالْحَرِيمِ كَأَنْ غَرَسَ فِي مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ بِحَيْثُ لَا يُفَوِّتُ مَنَافِعَهُمْ الْمَقْصُودَةَ مِنْ الْحَرِيمِ. وَفِي سم عَلَى حَجّ فَرْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الِانْتِفَاعُ بِحَرِيمِ الْأَنْهَارِ كَحَافَّاتِهَا بِوَضْعِ الْأَحْمَالِ وَالْأَثْقَالِ وَجَعْلِ زَرْبِيَةٍ مِنْ قَصَبٍ وَنَحْوِهِ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ فِيهَا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ الْيَوْمَ فِي سَاحِلِ بُولَاقَ وَمِصْرَ الْقَدِيمَةِ وَنَحْوِهَا، يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنْ فَعَلَهُ لِلِارْتِفَاقِ بِهِ وَلَمْ يَضُرَّ بِانْتِفَاعِ غَيْرِهِ وَلَا ضَيِّقَ عَلَى الْمَارَّةِ وَنَحْوِهِمْ وَلَا عَطَّلَ أَوْ نَقَصَ مَنْفَعَةَ النَّهْرِ كَانَ جَائِزًا وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا حَرُمَ وَلَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ لِلْمَصَالِحِ. وَالثَّانِي: مَا يَحْدُثُ فِي خِلَالِ النَّهْرِ مِنْ الْجَزَائِرِ، وَالْوَجْهُ الَّذِي لَا يَصِحُّ غَيْرُهُ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ امْتِنَاعُ أَحْيَائِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ النَّهْرِ أَوْ حَرِيمِهِ لِاحْتِيَاجِ رَاكِبِ الْبَحْرِ وَالْمَارِّ بِهِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا لِوَضْعِ الْأَحْمَالِ وَالِاسْتِرَاحَةِ وَالْمُرُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، بَلْ هِيَ أَوْلَى بِمَنْعِ إحْيَائِهَا مِنْ الْحَرِيمِ الَّذِي يَتَبَاعَدُ عَنْهُ الْمَاءُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِذَلِكَ. اهـ. م ر. وَهَلْ يَتَوَقَّفُ الِانْتِفَاعُ بِهَا عَلَى إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي فَلَا إثْمَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَزِمَتْ الْأُجْرَةُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهَا) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " نَادٍ " وَمِنْهُ مَرْعَى الْبَهَائِمِ إنْ قَرُبَ عُرْفًا وَاسْتَقَلَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَكَذَا إنْ بَعُدَ وَمَسَّتْ حَاجَتُهُمْ لَهُ وَلَوْ فِي بَعْضِ السَّنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْمُحْتَطَبُ. وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ مَنْعُ الْمَارَّةِ مِنْ رَعْيِ مَوَاشِيهِمْ فِي مَرَافِقِهَا الْمُبَاحَةِ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ: " وَاسْتَقَلَّ " أَيْ بِأَنْ كَانَ مَقْصُودًا لِلرَّعْيِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ مَرْعَى وَإِنْ كَانَتْ الْبَهَائِمُ تَرْعَى فِيهِ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ الْإِبْعَادِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَوْضِعُ نَازِحٍ) وَهُوَ الشَّخْصُ الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ لِيَسْتَقِيَ كَمَا قَالَهُ الْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْهَاجِ، قَالَ م ر: وَهَلْ يُعْتَبَرُ قَدْرُ مَوْقِفِ النَّازِحِ مِنْ سَائِرِ جَوَانِبِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ أَحَدِهَا فَقَطْ؟ الْأَقْرَبُ اعْتِبَارُ الْعَادَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُمَا) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مَوْضِعُ، أَيْ نَحْوُ مَوْضِعِ النَّازِحِ وَمَوْضِعِ الدُّولَابِ. قَوْلُهُ: (وَمُتَرَدَّدُ الدَّابَّةِ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَيْ مَحَلُّ تَرَدُّدِهَا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَدَارِ. قَوْلُهُ: (لِبِئْرِ قَنَاةٍ) قَالَ الشرنبلالي: الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِئْرُ الْقَنَاةِ حُفْرَةٌ فِي الْأَرْضِ تَنْبُعُ مِنْهَا عَيْنٌ وَتَسِيلُ فِي الْقَنَاةِ، وَقَالَ ع ن: بِأَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 مَوْضِعٍ نَازِحٍ وَلَا غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ فِي بِئْرِ الِاسْتِقَاءِ، وَالْحَرِيمُ لِدَارٍ مَمَرٌّ وَفِنَاءٌ لِجُدْرَانِهَا وَمَطْرَحٌ نَحْوُ رَمَادٍ كَكُنَاسَةٍ وَثَلْجٍ. وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِدُورٍ بِأَنْ أُحْيِيَتْ كُلُّهَا مَعًا؛ لِأَنَّ مَا يُجْعَلُ حَرِيمًا لَهَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ حَرِيمًا لِأُخْرَى، وَيَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْ الْمُلَّاكِ فِي مِلْكِهِ عَادَةً وَإِنْ أَدَّى إلَى ضَرَرِ جَارِهِ أَوْ إتْلَافِ مَالِهِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرَ مَاءٍ أَوْ حَشٍّ فَاخْتَلَّ بِهِ جِدَارُ جَارِهِ، أَوْ تَغَيَّرَ بِمَا فِي الْحَشِّ مَاءُ بِئْرِهِ، فَإِنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فِيمَا ذُكِرَ ضَمِنَ بِمَا جَاوَزَ فِيهِ كَأَنْ دَقَّ دَقًّا عَنِيفًا أَزْعَجَ الْأَبْنِيَةَ، أَوْ حَبَسَ الْمَاءَ فِي مِلْكِهِ فَانْتَشَرَتْ النَّدَاوَةُ إلَى جِدَارِ جَارِهِ. وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ مِلْكَهُ وَلَوْ بِحَوَانِيتَ بَزَّازِينَ حَمَّامًا وَإِصْطَبْلًا وَطَاحُونَةً وَحَانُوتَ حَدَّادٍ إنْ أَحْكَمَ جُدْرَانَهُ بِمَا يَلِيقُ بِمَقْصُودِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ الْمِلْكَ وَإِنْ ضَرَّ الْمَالِكَ بِنَحْوِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ. (وَصِفَةُ الْإِحْيَاءِ) الَّذِي يُمْلَكُ بِهِ الْمَوَاتُ شَرْعًا (مَا كَانَ فِي الْعَادَةِ) الَّتِي هِيَ الْعُرْفُ الَّذِي يَعُدُّ مِثْلَهُ (عِمَارَةً لِلْمُحْيَا)   [حاشية البجيرمي] كَانَ الْمَاءُ يَأْتِي فِي تِلْكَ الْقَنَاةِ إلَى تِلْكَ الْبِئْرِ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا ثُمَّ يَعْلُو وَيَطْلُعُ. قَوْلُهُ: (انْهِيَارُهَا) أَيْ سُقُوطُهَا. قَوْلُهُ: (وَالْحَرِيمُ) أَيْ لِدَارٍ أُحْيِيَتْ فِي مَوَاتٍ وَأَمَّا مَا بَيْنَ الْأَزِقَّةِ فَلَا يَخْتَصُّ بِدَارٍ دُونَ أُخْرَى فَهُوَ مُشْتَرَكٌ كَالشَّارِعِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (وَفِنَاءٌ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْمَدَّةِ أَيْ مَا حَوَالَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ) فِيهِ تَنَافٍ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْحَرِيمَ، ثُمَّ أَثْبَتَهُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ مَا يُجْعَلُ إلَخْ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ هُنَاكَ حَرِيمًا. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ فِي الْأَوَّلِ الِاخْتِصَاصُ وَالثَّابِتُ الْمُشْتَرَكُ وَالتَّقْدِيرُ، وَلَا حَرِيمَ مُخْتَصٌّ أَيْ بَلْ مُشْتَرَكٌ؛ لِأَنَّ مَا يُجْعَلُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مَعًا) أَوْ جُهِلَ الْحَالُ م ر. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَدَّى) أَيْ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ عَادَةً. وَالْحَاصِلُ أَنْ يُمْنَعُ مَا يَضُرُّ بِالْمِلْكِ دُونَ الْمَالِكِ كَتَأَذِّيه بِرَائِحَةِ الْمَدْبَغَةِ وَدُخَانِ الْحَمَّامِ وَنَحْوِهِمَا. وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ فِي الْجَمِيعِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَجْتَهِدُ وَيَمْنَعُ مِمَّا ظَهَرَ فِيهِ قَصْدُ التَّعَنُّتِ، وَمِنْهُ إطَالَةُ الْبِنَاءِ وَمَنْعُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَهُوَ حَسَنٌ. وَاخْتَارَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ رَزِينٍ فِي فَتَاوِيهِمَا مَنْعَهُ مِنْ كُلِّ مُؤْذٍ لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ،. اهـ. إسْعَادٌ. اهـ. زي قَوْلُهُ: (أَوْ حَشٍّ) هُوَ بَيْتُ الْخَلَاءِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا. اهـ. مُخْتَارٌ ع ش. قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْحُشُّ الْبُسْتَانُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ حَشًّا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَغَوَّطُونَ فِيهِ فَلَمَّا اتَّخَذُوا الْكُنُفَ وَجَعَلُوهَا خَلَفًا عَنْهُ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا ذَلِكَ الِاسْمَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ: " عَادَةً ". قَوْلُهُ: (فِيمَا ذَكَرَ) أَيْ فِي مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) أَيْ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا قَوِيًّا، كَأَنْ شَهِدَ بِهِ خَبِيرَانِ لِتَقْصِيرِهِ؛ وَلِهَذَا أَفْتَى الْوَالِدُ بِضَمَانِ مَنْ جَعَلَ دَارِهِ بَيْنَ النَّاسِ مَعْمَلُ نَشَادِرٍ وَشَمَّهُ أَطْفَالٌ وَمَاتُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ الْعَادَةَ، شَرْحِ م ر. وَمِثْلُهُ فَتْحُ السَّرَابِ فَيَضْمَنُ السِّرَابَاتِيِّ، أَيْ إذَا كَانَ بِغَيْرِ إنْذَارٍ، فَإِنْ أَنْذَرَ وَلَوْ بِوَكِيلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَصَّرَ الْوَكِيلُ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْوَكِيلِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ إطْفَاءُ الْجِيرِ وَمَعْمَلُ بَارُودٍ. وَالضَّابِطُ: أَنَّهُ يُمْنَعُ مِمَّا خَالَفَ الْعَادَةَ مِمَّا يَضُرُّ دُونَ مَا هُوَ عَلَى الْعَادَةِ. وَإِذَا عَمِلَ شَخْصٌ طَعَامًا وَكَانَتْ تَتَأَذَّى مِنْهُ حَامِلٌ كَسَمَكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ لَهَا شَيْئًا مِنْهُ، لَكِنْ لَا مَجَّانًا بَلْ بِثَمَنِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الضَّمَانِ كُلُّ مَا لَهُ رَائِحَةٌ وَيَتْلَفُ بِهِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِتَقْصِيرِهِ،. اهـ. عَبْدُ رَبِّهِ الدَّيْوِيُّ. وَيَنْفَعُ الْحَامِلَ مِنْ شَمِّ الْأَطْعِمَةِ الْمُضِرَّةِ فِي الْإِجْهَاضِ أَوْ شَمِّ السَّرَابِ أَوْ الْجِيرِ أَنْ تُحْرِقَ قِطْعَةً خِرْقَةً مِنْ صُوفٍ وَتَشُمُّهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ نَافِعٌ مِنْ الْإِجْهَاضِ. قَوْلُهُ: (بِمَا جَاوَزَ فِيهِ) أَيْ بِسَبَبِ مَا جَاوَزَ إلَخْ، أَوْ الْبَاءُ زَائِدَةٌ كَمَا سَقَطَتْ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ إلَخْ) مِنْهُ مَا لَوْ اتَّخَذَهُ مَسْجِدًا وَحَمَّامًا وَخَانًا وَسَبِيلًا وَهُوَ فِي دَرْبٍ مُنْسَدٍّ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الشُّرَكَاءُ كَمَا اعْتَمَدَهُ ابْنُ حَجٍّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَاعْتَمَدَهُ زي فِي حَاشِيَتِهِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِسْعَادِ اهـ أج. قَوْلُهُ: بَزَّازِينَ جَمْعُ بَزَّازٍ نِسْبَةٌ إلَى الْبَزِّ بِالْفَتْحِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الثِّيَابِ وَقِيلَ الثِّيَابُ خَاصَّةً مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَيْتِ وَقِيلَ أَمْتِعَةُ التَّاجِرِ مِنْ الثِّيَابِ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ (جُدْرَانَهُ) أَيْ كُلًّا مِنْهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ الْمِلْكَ) عِبَارَةُ م ر لِتَصَرُّفِهِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَلَمَا فِي مَنْعِهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَصِفَةُ الْإِحْيَاءِ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: " مَا كَانَ إلَخْ " وَاقِعَةٌ عَلَى فِعْلٍ، وَجُمْلَةُ: " كَانَ عِمَارَةً " فِي مَحَلِّ رَفْعٍ صِفَةٌ لِمَا. قَوْلُهُ: (يُعَدُّ مِثْلُهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ لِلْعُرْفِ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ لَا: يُعِدُّ الْعُرْفُ مِثْلَهُ عِمَارَةً. قَوْلُهُ: (عِمَارَةً) بِالنَّصْبِ خَبَرُ كَانَ؛ لِأَنَّ اسْمَهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى " مَا ". قَوْلُهُ: (لِلْمُحْيَا) هُوَ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْغَرَضِ مِنْهُ. وَضَابِطُهُ أَنْ يُهَيِّئَ الْأَرْضَ لِمَا يُرِيدُهُ، فَيُعْتَبَرُ فِي مَسْكَنٍ تَحْوِيطٌ لِلْبُقْعَةِ بِآجُرٍّ أَوْ لَبِنٍ أَوْ طِينٍ أَوْ أَلْوَاحِ خَشَبٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَنَصْبُ بَابِ وَسَقْفِ بَعْضِ الْبُقْعَةِ لِيُهَيِّئَهَا لِلسُّكْنَى. وَفِي زَرِيبَةٍ لِلدَّوَابِّ أَوْ غَيْرِهَا كَثِمَارٍ وَغِلَالٍ التَّحْوِيطُ وَنَصْبُ الْبَابِ لَا السَّقْفِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ، وَلَا يَكْفِي التَّحْوِيطُ بِنَصْبِ سَعَفٍ أَوْ أَحْجَارٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ. وَفِي مَزْرَعَةِ جَمْعٍ نَحْوَ تُرَابٍ كَقَصَبٍ وَشَوْكٍ حَوْلَهَا لِيَنْفَصِلَ الْمُحْيَا عَنْ غَيْرِهِ، وَتَسْوِيَتُهَا بِطَمٍّ مُنْخَفِضٍ وَكَسْحٍ مُسْتَعْلٍ وَيُعْتَبَرُ حَرْثُهَا إنْ لَمْ تُزْرَعْ إلَّا بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ. إلَّا بِمَا يُسَاقُ إلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِتَتَهَيَّأَ لِلزِّرَاعَةِ وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ لَهَا إنْ لَمْ يَكْفِهَا مَطَرٌ مُعْتَادٌ، وَفِي بُسْتَانٍ تَحْوِيطٌ وَلَوْ بِجَمْعِ تُرَابٍ حَوْلَ أَرْضِهِ وَتَهْيِئَةِ مَاءٍ لَهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَغَرْسٌ لِيَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ اسْمُ الْبُسْتَانِ. وَمَنْ شَرَعَ فِي إحْيَاءِ مَا يَقْدِرُ عَلَى إحْيَائِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى كِفَايَتِهِ، أَوْ نَصَبَ عَلَيْهِ عَلَامَةً كَنَصْبِ أَحْجَارٍ أَوْ أَقَطَعَهُ لَهُ إمَامٌ فَمُتَحَجِّرٌ لِذَلِكَ الْقَدْرِ، وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ وَلَوْ طَالَتْ عُرْفًا مُدَّةُ تَحَجُّرِهِ بِلَا عُذْرٍ   [حاشية البجيرمي] اسْمِ الْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (وَضَابِطُهُ) أَيْ الْإِحْيَاءِ. قَوْلُهُ: (تَحْوِيطٌ لِلْبُقْعَةِ) وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ لِلْبُقْعَةِ أَرْبَعَ حِيطَانٍ. قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ الْعَادَةِ) وَلَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ التَّحْوِيطِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبِنَاءِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي الْمَسْكَنِ؛ وَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِحْيَاءِ لِنَوْعٍ فَأَحْيَاهُ لِنَوْعٍ آخَرَ كَأَنْ قَصَدَ إحْيَاءَهُ لِلزِّرَاعَةِ بَعْدَ أَنْ قَصَدَهُ لِلسُّكْنَى مَلَكَهُ اعْتِبَارًا بِالْقَصْدِ الطَّارِئِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ نَوْعًا وَأَحْيَاهُ بِمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ نَوْعٌ آخَرُ كَأَنْ حَوَّطَ الْبُقْعَةَ بِحَيْثُ تَصْلُحُ زَرِيبَةً بِقَصْدِ السُّكْنَى لَمْ يَمْلِكْهَا، خِلَافًا لِلْإِمَامِ اهـ أج. وَعِبَارَةُ الْعَبَّادِيِّ: وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ صِفَةَ الْإِحْيَاءِ مُخْتَلِفَةٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَقْصِدُهُ الْمُحْيِي مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، وَزَادَ الْإِمَامُ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَصْدَ إلَى الْإِحْيَاءِ هَلْ يُعْتَبَرُ لِحُصُولِ الْمِلْكِ فَقَالَ مَا لَا يَفْعَلُهُ فِي الْعَادَةِ إلَّا الْمُتَمَلِّكُ كَبِنَاءِ الدَّارِ وَاِتِّخَاذِ الْبُسْتَانِ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَصْدٌ وَمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَمَلِّكُ وَغَيْرُهُ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الْمَوَاتِ وَكَزِرَاعَةِ قِطْعَةٍ مِنْ الْمَوَاتِ اعْتِمَادًا عَلَى مَاءِ السَّمَاءِ إنْ انْضَمَّ إلَيْهِ قَصْدٌ أَفَادَ الْمِلْكَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ، وَمَا لَا يَكْتَفِي بِهِ الْمُتَمَلِّكُ كَتَسْوِيَةِ مَوْضِعِ النُّزُولِ وَتَنْقِيَتِهِ عَنْ الْحِجَارَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ قَصَدَهُ. قَوْلُهُ: (وَفِي زَرِيبَةٍ لِلدَّوَابِّ) الزَّرِيبَةُ فِي الْأَصْلِ حَظِيرَةُ الْغَنَمِ. وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْعُمُومُ لِجَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ، وَجَمْعُهَا زَرَائِبَ مِثْلُ كَرِيمَةٍ وَكَرَائِمَ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (وَنَصْبُ) بِالرَّفْعِ، وَكَذَا سَقْفٌ وَالْمُرَادُ بِنَصْبِ الْبَابِ تَرْكِيبُهُ. قَوْلُهُ: (سَعَفٍ) هُوَ جَرِيدُ النَّخْلِ زي وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ السَّعَفُ أَغْصَانُ النَّخْلَةِ مَا دَامَتْ بِالْخُوصِ فَإِنْ زَالَ الْخُوصُ عَنْهَا قِيلَ لَهُ جَرِيدٌ وَالْوَاحِدَةُ سَعَفَةٌ مِثْلُ قَصَبٍ وَقَصَبَةٍ. قَوْلُهُ: (مَزْرَعَةٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا وَكَسْرِهَا، فَهُوَ مُثَلَّثُ الرَّاءِ. قَوْلُهُ: (وَكَسَحٍّ مُسْتَعْلٍ) أَيْ إزَالَتُهُ. قَوْلُهُ: (وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ لَهَا) بِشِقِّ سَاقِيَةٍ مِنْ نَهْرٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ إنْ لَمْ يَكْفِهَا مَطَرٌ مُعْتَادٌ، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَهْيِئَةِ مَاءٍ، فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّرَاعَةُ؛ لِأَنَّهَا اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْإِحْيَاءِ، وَكَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي إحْيَاءِ الْمَسْكَنِ أَنْ يَسْكُنَهُ، فَإِحْيَاءُ الْمَزْرَعَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَوْ أَرْبَعَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِجَمْعِ إلَخْ) فَأَحَدُهُمَا أَعْنِي التَّحْوِيطَ أَوْ الْجَمْعَ كَافٍ، خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ لَهُ) إنْ لَمْ يَكْفِهِ مَطَرٌ كَالْمَزْرَعَةِ، م ر. قَوْلُهُ: (لِيَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ) وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ اعْتِبَارِ الزَّرْعِ فِي الْمَزْرَعَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْوَجْهُ اعْتِبَارُ غَرْسٍ يُسَمَّى بِهِ بُسْتَانًا، فَلَا تَكْفِي شَجَرَةٌ وَلَا شَجَرَتَانِ فِي الْمَكَانِ الْوَاسِعِ. قَوْلُهُ: (مَا يَقْدِرُ إلَخْ) وَأَمَّا لَوْ شَرَعَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إحْيَائِهِ أَوْ زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يُحْيِيَ الزَّائِدَ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَقَطَعَهُ لَهُ إمَامٌ) أَيْ لَا لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ، أَمَّا لَوْ أَقَطَعَهُ لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ. وَسَكَتُوا عَنْ الْإِقْطَاعَاتِ الْمَعْرُوفَةِ لِلْجُنْدِيِّ فِي أَرْضٍ عَامِرَةٍ لِلِاسْتِغْلَالِ بِحَيْثُ تَكُونُ مَنَافِعُهَا لَهُ مَا لَمْ يَنْزِعْهَا الْإِمَامُ مِنْهُ، وَسَكَتُوا عَنْ مِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ؛ لَكِنْ فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ جَوَازُ إجَارَتِهَا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجُنْدِيَّ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَا يَحْصُلُ لِلْجُنْدِيِّ مِنْ الْفَلَّاحِ مِنْ مُغَلٍّ وَغَيْرِهِ فَحَلَالٌ بِطَرِيقِهِ. اهـ. زي بِأَنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 وَلَمْ يُحْيِ قَالَ لَهُ الْإِمَامُ: أَحْيِ أَوْ اُتْرُكْ، فَإِنْ اسْتَمْهَلَ بِعُذْرٍ أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً. تَنْبِيهٌ: مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ بِلَا عِلَاجٍ كَنِفْطٍ وَكِبْرِيتٍ وَقَارٍ وَمُومْيَا، أَوْ مَعْدِنٌ بَاطِنٌ، وَهُوَ مَا لَا يَخْرُجُ إلَّا بِعِلَاجٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَقَدْ مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ. وَخَرَجَ بِظُهُورِهِ مَا لَوْ عَلِمَهُ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَعْدِنَ الْبَاطِنَ دُونَ الظَّاهِرِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَأَقَرَّ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ صَاحِبَ التَّنْبِيهِ. أَمَّا بُقْعَتُهُمَا فَلَا يَمْلِكُهَا بِإِحْيَائِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِهِمَا لِفَسَادِ قَصْدِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يُتَّخَذُ دَارًا وَلَا بُسْتَانًا وَلَا   [حاشية البجيرمي] فَرْعٌ: فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ رَجُلٌ بِيَدِهِ رِزْقَةٌ اشْتَرَاهَا ثُمَّ مَاتَ فَوَضَعَ شَخْصٌ يَدَهُ عَلَيْهَا بِتَوْقِيعٍ سُلْطَانِيٍّ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ مُنَازَعَتُهُ. الْجَوَابُ: إنْ كَانَتْ الرِّزْقَةُ وَصَلَتْ إلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ بِأَنْ أَقَطَعَهُ السُّلْطَانُ إيَّاهَا أَيْ مَلَّكَهُ إيَّاهَا وَمَنَعَ مِنْهُ غَيْرَهُ وَهِيَ أَرْضٌ مَوَاتٌ فَهُوَ يَمْلِكُهَا وَيَصِحُّ مِنْهُ بَيْعُهَا وَيَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي مِنْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَهِيَ لِوَرَثَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهَا لِأَمْرٍ سُلْطَانِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ أَقَطَعَهُ إيَّاهَا وَهِيَ غَيْرُ مَوَاتٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ الْآنَ فَإِنَّ الْمُقْطَعُ لَا يَمْلِكُهَا بَلْ يَنْتَفِعُ بِهَا بِحَسَبِ مَا يُقِرُّهَا السُّلْطَانُ وَلِلسُّلْطَانِ انْتِزَاعُهَا مَتَى شَاءَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُقْطَعِ بَيْعُهَا، فَإِنْ بَاعَ فَفَاسِدٌ. وَإِذَا أَعْطَاهَا السُّلْطَانُ لِأَحَدٍ نَفَذَ وَلَا يُطَالَبُ اهـ. وَأَقُولُ: مَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ إقْطَاعَ السُّلْطَانِ لِغَيْرِ الْمَوَاتِ لَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا أَقَطَعَهُ غَيْرَ الْمَوَاتِ تَمْلِيكًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ. اهـ. سم عَلَى حَجّ. وَبَقِيَ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ أَوْ إرْفَاقٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّمْلِيكِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَمُتَحَجِّرٌ) أَيْ مَانِعُ لِغَيْرِهِ مِنْهُ بِمَا فَعَلَهُ م ر، وَلَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى إحْيَائِهِ اهـ قَالَ ع ش: وَهَلْ يَلْزَمُ الثَّانِيَ لِلْأَوَّلِ شَيْءٌ فِي مُقَابَلَةِ آلَاتِهِ وَمَا صَرَفَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ خُذْ بِنَاءَك أَوْ اُتْرُكْهُ، فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ) إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اسْتَمْهَلَ) أَيْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ. قَوْلُهُ: (مُدَّةً قَرِيبَةً) أَيْ يَتَأَتَّى فِيهَا الْعِمَارَةُ عَادَةً يُقَدِّرُهَا الْإِمَامُ بِرَأْيِهِ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِالْعِمَارَةِ بَطَلَ حَقُّهُ؛ شَرْحِ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (بِلَا عِلَاجٍ) أَيْ بَعْدَ الْوُصُولِ إلَيْهِ بِنَحْوِ حَفْرٍ. سم. قَوْلُهُ: (كَنِفْطٍ) بِكَسْرِ النُّونِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا مَا يُرْمَى بِهِ كَالْبَارُودِ. قَوْلُهُ: (وَكِبْرِيتٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهِيَ عَيْنٌ تَجْرِي تُضِيءُ فِي الْمَعْدِنِ فَإِذَا فَارَقَهُ وَجَمَدَ مَاؤُهَا زَالَ ضَوْءُهُ وَصَارَ كِبْرِيتًا أَحْمَرَ وَأَبْيَضَ وَأَصْفَرَ وَكَدُرَا، وَالْأَحْمَرُ مِنْهُ يُضْرَبُ بِهِ الْمِثْلُ فِي الْعِزَّةِ فَيُقَالُ: أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ؛ زِيَادِيٌّ. وَيُقَالُ إنَّ مَعْدِنَهُ بِلَادُ وَادِي النَّمْلِ الَّذِي مَرَّ بِهِ سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. اهـ. زي. قَوْلُهُ: (وَقَارٍ) أَيْ زِفْتٍ. قَوْلُهُ: (وَمُومْيَا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ وَهُوَ شَيْءٌ يُلْقِيهِ الْبَحْرُ إلَى السَّاحِلِ فَيَجْمُدُ وَيَصِيرُ كَالْقَارِ وَقِيلَ حِجَارَةٌ سُودٌ بِالْيَمَنِ وَمِنْهُ نَوْعٌ مِنْ عِظَامِ مَوْتَى الْكُفَّارِ وَهُوَ مُتَنَجِّسٌ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَعْدِنَ الْبَاطِنَ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، فَإِنْ عَلِمَهُمَا لَمْ يَمْلِكْهُمَا وَلَا بُقْعَتَهُمَا، وَإِنْ جَهِلَهُمَا مَلَكَهُمَا وَبُقْعَتَهُمَا زي. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ كَالْمِلْحِ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِعَمَلٍ، وَاعْتَادَ الْوُلَاةُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ إذَا هَلَكَ الْوَالِي الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ خَلَفَهُ مَنْ بَعْدَهُ فَمَرَّةً يَسْتَأْجِرُ الْوَالِي عُمَّالًا يَعْمَلُونَ فِي الْمَعْدِنِ الْمَذْكُورِ وَمَرَّةً يُكْرِهُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَلِمَنْ يَكُونُ الْمُتَحَصِّلُ مِنْ الْمَعْدِنِ لِلْوَالِي أَمْ لِلْعُمَّالِ. وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ لِصٌّ وَأَخَذَ مِنْ الْمَعْدِنِ بِنَفْسِهِ فَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ فَأَجَابَ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ مَعْدِنٍ شَيْئًا لَمْ يَرَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ غَيْرَهُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْأَجِيرِ بِأَنْ نَوَى نَفْسَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَمَا لَمْ يَنْوِ نَفْسَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجِيرِ. اهـ. عَنَانِيٌّ اهـ. قَوْلُهُ: (صَاحِبَ التَّنْبِيهِ) هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 مَزْرَعَةً أَوْ نَحْوَهَا، وَالْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ مِنْ الْأَوْدِيَةِ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا وَسُيُولِ الْأَمْطَارِ يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهَا لِخَبَرِ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَحَجُّرُهَا وَلَا لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرْضِهِمْ مِنْ الْمِيَاهِ الْمُبَاحَةِ فَضَاقَ الْمَاءُ عَنْهُمْ سَقَى الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، وَحَبَسَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ أُفْرِدَ كُلُّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ وَمَا أُخِذَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ الْمُبَاحِ فِي إنَاءٍ أَوْ بِرْكَةٍ أَوْ حُفْرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِلْكٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَحَافِرُ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ لَا لِلتَّمْلِيكِ بَلْ لِلِارْتِفَاقِ بِهَا لِنَفْسِهِ مُدَّةَ إقَامَتِهِ هُنَاكَ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَرْتَحِلَ لِحَدِيثِ: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَالْبِئْرُ الْمَحْفُورَةُ فِي الْمَوَاتِ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكِهِ يَمْلِكُ الْحَافِرُ مَاءَهَا؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ. (وَيَجِبُ) عَلَيْهِ (بَذْلُ الْمَاءِ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ بَلْ بِسِتَّةٍ كَمَا سَتَعْرِفُهُ) الْأَوَّلُ (أَنْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِفَسَادِ قَصْدِهِ) أَيْ بِسَبَبِ مَنْعِهِ لِلْغَيْرِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الْعَامِّ النَّفْعِ كَالْمَاءِ، فَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ عِلَّةُ فَسَادِ قَصْدِهِ. وَقَوْلُهُ: "؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ " أَيْ هَذِهِ الْبُقْعَةَ لَا يُتَّخَذُ دَارًا أَيْ؛ لِأَنَّ مَا فِيهَا عَامُّ النَّفْعِ كَمَحَلِّ الْمِيَاهِ الْمُبَاحَةِ كَنِيلِ مِصْرَ، شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا بُسْتَانًا) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبُقْعَةِ وَهِيَ يُمْكِنُ اتِّخَاذُهَا دَارًا مَثَلًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى لَا تُتَّخَذُ أَيْ عَادَةً. قَوْلُهُ: (وَالْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ) دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْمَتْنَ بَيَّنَ حُكْمَ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ، فَكَمَّلَ الشَّارِحُ الْفَائِدَةَ بِبَيَانِ حُكْمِ الْمُبَاحِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَاءِ) أَيْ مَاءِ السَّمَاءِ وَمَاءِ الْعُيُونِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا، وَالْكَلَأُ مَرَاعِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا، وَالنَّارُ الَّتِي ضُرِبَتْ فِي حَطَبٍ مُبَاحٍ. اهـ. ح ل. أَمَّا الْمَمْلُوكُ فَالْجَمْرُ نَفْسُهُ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَأَمَّا الْجُرْمُ الْمُضِيءُ فَالْوَجْهُ عَدَمُ مَنْعِ مَنْ يَقْتَبِسُ مِنْهُ ضَوْءًا زي وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَضَاقَ إلَخْ) خَرَجَ مَا إذَا كَانَ يَفِي بِالْجَمِيعِ، فَيَسْقِي مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ مَتَى شَاءَ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (سَقَى الْأَعْلَى) أَيْ الْأَوَّلُ، فَالْأَوَّلُ حَالَ الْإِحْيَاءِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ فَإِنَّهُ قَالَ عَقِبَ " فَضَاقَ الْمَاءُ عَنْهُمْ " وَبَعْضُهُمْ أَحْيَا أَوَّلًا سَقَى الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ أَيْ وَإِنْ زَادَ عَلَى مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَرْضَهُ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا دَامَتْ لَهُ حَاجَةٌ، وَإِنْ هَلَكَ زَرْعُ الْأَسْفَلِ قَبْلَ انْتِهَاءِ النَّوْبَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ أَحْيَوْا مَعًا أَوْ جَهِلَ السَّابِقُ أَقْرَعَ، قَالَ ق ل: وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْأَعْلَى؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُحْيِيَ يَحْرِصُ عَلَى الْقُرْبِ مِنْ الْمَاءِ م د. وَمَحَلُّ الْإِقْرَاعِ فِي ذَلِكَ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْقُرْبِ إلَى الْمَاءِ، أَمَّا إذَا قَرُبَ أَحَدُهُمْ إلَى الْمَاءِ فَهُوَ الْأَحَقُّ بِالسَّقْيِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ) أَيْ إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ ح ل. وَقَالَ ق ل: قَوْلُهُ: " حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ " لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمُعْتَبَرُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. قَوْلُهُ: (وَمَا أُخِذَ) الْأَخْذُ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ، وَخَرَجَ بِهِ الْمَاءُ الدَّاخِلُ فِي نَهْرٍ حَفَرَهُ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ، لَكِنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ كَالسَّبِيلِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ، شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: " أَوْ حُفْرَةٍ أَيْ بِمِلْكِهِ، فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ، فَإِنْ سَدَّ عَلَيْهِ مَثَلًا أَوْ قَصَدَ تَمَلُّكَهُ مَلَكَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ هَذَا الْمَاءِ) وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِرْكَةٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: بِرْكَةُ الْمَاءِ مَعْرُوفَةٌ وَالْجَمْعُ بِرَكٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ أَنَّ السُّيُوطِيّ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّ فِيهَا لُغَةً بِضَمِّ الْبَاءِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) كَيَدٍ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى مَحَلِّهِ لَمْ يَصِرْ شَرِيكًا بِهِ بَلْ هُوَ عَلَى إبَاحَتِهِ، أَيْ فَهُوَ. بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ، وَلَا يَحْرُمُ إعَادَتُهُ لِلْمَاءِ عَلَى الْأَوْجُهِ عِنْدَ شَيْخِنَا. اهـ. ح ل. وَقَالَ الْخَطِيبُ: وَسَأَلْت عَنْ شَخْصٍ أَخَذَ مَاءً مِنْ النَّهْرِ ثُمَّ صَبَّهُ فِيهِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالِهِ؟ فَتَوَقَّفْت فِي ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ مَاءَ النَّهْرِ لَا يُمْلَكُ وَلِأَنَّ الْمَاءَ الْمَصْبُوبَ مَوْجُودٌ فِي النَّهْرِ لَمْ يَتْلَفْ. قَوْلُهُ: (بِلَا لِلِارْتِفَاقِ) أَيْ الِانْتِفَاعِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَرْتَحِلَ) فَإِذَا ارْتَحَلَ صَارَ كَغَيْرِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ وَإِنْ عَادَ إلَيْهَا، كَمَا لَوْ حَفَرَهَا بِقَصْدِ ارْتِفَاقِ الْمَارَّةِ أَوْ لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ فَإِنَّهُ فِيهَا كَغَيْرِهِ كَمَا فُهِمَ مِنْ ضَمِيرِ لِارْتِفَاقِهِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِلتَّمَلُّكِ) أَيْ بِقَصْدِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَالِكِ الْمَاءِ ق ل. وَفِيهِ قُصُورٌ، وَالْأَوْلَى قَوْلُ سم عَلَى مُسْتَحِقِّهِ كَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكِهِ أَوْ انْفَجَرَ فِيهِ عَيْنٌ أَوْ اخْتِصَاصٌ كَأَنْ حَفَرَهَا فِي مَوَاتٍ لِلِارْتِفَاقِ بِهَا. قَوْلُهُ: (بَذْلُ الْمَاءِ) أَيْ التَّمْكِينُ مِنْهُ بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَالْمَاءُ قَيْدٌ، وَخَرَجَ الدَّلْوُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَجِبُ. وَقَوْلُهُ " بِثَلَاثَةِ " الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ. قَوْلُهُ: (بَلْ بِسِتَّةٍ) وَنَظَمَهَا الْمَدَابِغِيُّ بِقَوْلِهِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 يَفْضُلَ عَنْ حَاجَتِهِ) لِنَفْسِهِ وَمَاشِيَتِهِ وَشَجَرِهِ وَزَرْعِهِ (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي (أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ غَيْرُهُ لِنَفْسِهِ) فَيَجِبُ بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنْهُ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ الْمُحْتَرَمِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَقَوْلُهُ: (أَوْ لِبَهِيمَتِهِ) أَيْ يَجِبُ بَذْلُ مَا فَضَلَ عَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِبَهِيمَةِ غَيْرِهِ الْمُحْتَرَمَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ» . تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْحَاجَةَ وَقَيَّدَهَا الْمَاوَرْدِيُّ بِالنَّاجِزَةِ، قَالَ: فَلَوْ فَضَلَ عَنْهُ الْآنَ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ وَجَبَ بَذْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَكَذَا تَارِكُ الْوُضُوءِ فِي الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْبَهِيمَةُ الْمَأْكُولَةُ إذَا وُطِئَتْ مُحْتَرَمَةً، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا لَا تُذْبَحُ فَيَجِبُ الْبَذْلُ لَهَا. (وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ) الْمَاءُ الْفَاضِلُ عَمَّا تَقَدَّمَ (مِمَّا يُسْتَخْلَفُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَخْلُفُهُ مَاءٌ غَيْرُهُ (فِي بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ) فِي جَبَلٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يُخْلَفُ كَالْقَارِ فِي إنَاءٍ أَوْ حَوْضٍ مَسْدُودٍ فَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِخْلَافِ لَا يَلْحَقُهُ، ضَرَرٌ بِالِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِهِ. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ الْمَاءِ كَلَأٌ مُبَاحٌ تَرْعَاهُ الْمَوَاشِي، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ» أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَاشِيَةَ إنَّمَا تَرْعَى بِقُرْبِ الْمَاءِ، فَإِذَا مُنِعَ مِنْ الْمَاءِ فَقَدْ مُنِعَ مِنْ الْكَلَإِ وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ أَنْ لَا يَجِدَ مَالِكُ الْمَاشِيَةِ عِنْدَ الْكَلَإِ مَاءً مُبَاحًا، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ بَذْلُهُ. وَالشَّرْطُ السَّادِسُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ فِي وُرُودِ الْمَاشِيَةِ إلَى مَائِهِ ضَرَرٌ فِي زَرْعٍ وَلَا مَاشِيَةٍ، فَإِنْ لَحِقَهُ فِي وُرُودِهَا ضَرَرٌ مُنِعَتْ، لَكِنْ يَجُوزُ لِلرُّعَاةِ اسْتِقَاءُ   [حاشية البجيرمي] وَوَاجِبٌ بِذَلِكَ لِلْمَا الْفَاضِلِ ... لِحُرْمَةِ الرُّوحِ بِلَا مُقَابِلِ إنْ كَانَ فِي بِئْرٍ وَنَحْوِهَا وَثَمْ ... كَلَأٌ مُبَاحٌ قَدْ رَعَاهُ الْمُحْتَرَمْ وَلَمْ يَكُنْ مَاءٌ مُبَاحٌ وَالضَّرَرْ ... قَدْ انْتَفَى عَنْ صَاحِبِ الْمَا فِي الشَّجَرْ قَوْلُهُ: (وَزَرْعِهِ) اقْتَضَى هَذَا تَقْدِيمَ زَرْعِ صَاحِبِ الْمَاءِ عَلَى نَفْسِ غَيْرِهِ وَمَاشِيَتِهِ، الْأَوْجَهُ تَقْدِيمُ ذِي رُوحٍ لِغَيْرِهِ عَلَى زَرْعِهِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ الْآدَمِيِّينَ) أَيْ وَغَيْرِهِمْ، بِدَلِيلِ إخْرَاجِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ بَعْدَ مِنْ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ. قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ: إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَيْ يَجِبُ تَقْدِيرُهُ، مَعْنَاهُ يَجِبُ، فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِ " أَيْ "؛ لِأَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ بِمَعْنَاهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَوْ لِبَهِيمَتِهِ) خَرَجَ بِهِ زَرْعُ الْغَيْرِ، فَلَا يَجِبُ بَذْلُ الْمَاءِ لِأَجْلِهِ مُطْلَقًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ ق ل. قَوْلُهُ: (لِتَمْنَعُوا) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنْفِيِّ وَاللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ، وَالْمَعْنَى إنْ مَنَعْتُمْ فَضْلَ الْمَاءِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَنْعُ الْكَلَإِ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ إذَا عَطِشَتْ لَا تَأْكُلُ وَهِيَ عَطْشَانَةُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَطَشَ يَسُدُّ مُنَافِسَ شَهْوَةِ الْأَكْلِ وَقَدْ يَجِدُ الْإِنْسَانُ ذَلِكَ عِنْدَ مَا يَقُومُ بِهِ الْعَطَشُ لِوُجُودِ الْحَرَارَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْعَطَشِ وَمِثْلُ الْعَطَشِ حَرَارَةُ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ أَوْ تَعَبُ أَوْ مَرَضٌ، شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَكَذَا تَارِكُ الْوُضُوءِ) كَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا طَهَارَةٍ، فَهُوَ فِي الْمَعْنَى تَارِكٌ الصَّلَاةَ، فَلَا يَجِبُ بَذْلُ الْمَاءِ لَهُ لِإِهْدَارِهِ. فَإِنْ قُلْتَ: يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْوُضُوءِ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَلِمَ فَصَلَهُ عَنْهَا وَقَالَ فِي الْأَصَحِّ؟ قُلْت: لَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَيَكُونُ لَهُ شُبْهَةٌ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَالْبَهِيمَةُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ مُحْتَرَمَةٌ خَبَرٌ وَقَوْلُهُ إذَا وُطِئَتْ مُعْتَرِضٌ بَيْنَهُمَا أَيْ وَطِئَهَا آدَمِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَا تُذْبَحُ) أَيْ بِسَبَبِ الْوَطْءِ، أَيْ لَا يَجِبُ ذَبْحُهَا بَلْ يُسْتَحَبُّ خِلَافًا لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ ذَبْحِهَا سَتْرًا عَلَى الْوَاطِئِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِهِ) أَيْ مَجَّانًا، وَإِلَّا فَيَجِبُ بَذْلُهُ لِلْمُضْطَرِّ بِعِوَضٍ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ إلَخْ) هَلْ هَذَا قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ فَلَا يَجِبُ بَذْلُ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ يُعْلَفُ بِعَلَفٍ مَمْلُوكٍ أَوْ يَرْعَى فِي كَلَإٍ مَمْلُوكٍ، وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ حَيْثُ لَمْ يَعُدَّ الْمَاءَ أَيْ يُهَيِّئُ الْمَاءَ كَالْعَلَفِ مَثَلًا ح ل وَشَرْحِ م ر كَالشَّارِحِ، وَاسْتَظْهَرَ الرَّشِيدِيُّ أَنَّهُ أَيْ الْمُبَاحَ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ) أَتَى بِهِ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَإِنْ تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (عَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 فَضْلِ الْمَاءِ لَهَا وَلَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِزَرْعِ الْغَيْرِ كَسَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بَذْلُهُ لِلْمَاشِيَةِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، وَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِ الْكَلَإِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَخْلَفُ فِي الْحَالِ وَيُتَمَوَّلُ فِي الْعَادَةِ وَزَمَنُ رَعْيِهِ يَطُولُ بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَحَيْثُ لَزِمَهُ بَذْلُ الْمَاءِ لِلْمَاشِيَةِ لَزِمَهُ أَنْ يُمَكِّنَهَا مِنْ وُرُودِ الْبِئْرِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا مَرَّ وَحَيْثُ لَزِمَهُ الْبَذْلُ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِ وَإِنْ صَحَّ بَيْعُ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَذْلُ إعَارَةُ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ. تَتِمَّةٌ: يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَاءِ التَّقْدِيرُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ لَا بِرَيِّ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ بِعِوَضٍ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي شُرْبِ الْآدَمِيِّ أَهْوَنُ مِنْهُ فِي شُرْبِ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ وَيَجُوزُ الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ مِنْ الْجَدْوَلِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ إذَا كَانَ السَّقْيُ لَا يَضُرُّ بِمَالِكِهَا إقَامَةً لِلْإِذْنِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ اللَّفْظِيِّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ لَوْ كَانَ النَّهْرُ لِمَنْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ كَالْيَتِيمِ وَالْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ فَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ. وَالْقَنَاةُ أَوْ الْعَيْنُ الْمُشْتَرَكَةُ يُقَسَّمُ مَاؤُهَا عِنْدَ ضِيقِهِ عَنْهُمْ بِنَصْبِ خَشَبَةٍ فِي عُرْضِ النَّهْرِ فِيهَا ثُقَبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ مِنْ الْقَنَاةِ أَوْ الْعَيْنِ، وَلِلشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةُ مُهَايَأَةً وَهِيَ أَمْرٌ يَتَرَاضَوْنَ عَلَيْهِ كَأَنْ يَسْقِيَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَوْمًا، أَوْ بَعْضُهُمْ يَوْمًا وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ حِصَّتِهِ. وَإِذَا سَقَى زَرْعَهُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ ضَمِنَ الْمَاءَ بِبَدَلِهِ وَالْغَلَّةُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْبَذْرِ، فَإِنْ غَرِمَ الْبَدَلَ وَتَحَلَّلَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ كَانَتْ الْغَلَّةُ أَطْيَبَ لَهُ مِمَّا لَوْ غَرِمَ الْبَدَلَ فَقَطْ؛ وَلَوْ أَشْعَلَ نَارًا فِي حَطَبٍ مُبَاحٍ لَمْ يَمْنَعْ أَحَدًا الِانْتِفَاعَ بِهَا، وَلَا الِاسْتِصْبَاحَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ الْحَطَبُ لَهُ فَلَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْهَا كَالْمَاءِ لَا الِاصْطِلَاءِ بِهَا وَلَا الِاسْتِصْبَاحِ مِنْهَا. فَصْلٌ: فِي الْوَقْفِ   [حاشية البجيرمي] الْأَوْلَى الْمَاءُ. قَوْلُهُ: (وَلَا مَاشِيَةٍ) كَنَطْحِهَا. قَوْلُهُ: (اسْتِقَاءُ فَضْلِ الْمَاءِ) بِأَنْ يَنْقُلُوهُ لَهَا. قَوْلُهُ: (كَسَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بَذْلُهَا لِلْغَيْرِ مَجَّانًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِ الْكَلَإِ) هَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِهِ " الْمَاءِ ". قَوْلُهُ: (مِنْ وُرُودِ الْبِئْرِ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْعَيْنِ كَمَا سَلَف. قَوْلُهُ: (وَإِنْ صَحَّ بَيْعُ الطَّعَامِ) ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ يُتَمَوَّلُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ عَلَى إلَخْ) هَذَا خَارِجٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ " الْمَاءِ ". قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ إلَخْ) فِيهَا مَسَائِلُ خَمْسَةٌ: الْأُولَى: تَقْدِيرُ الْمَاءِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ. الثَّانِيَةُ: جَوَازُ الشُّرْبِ مِنْ الْجَدْوَلِ إلَخْ. الثَّالِثَةُ: كَيْفِيَّةُ قِسْمَةِ الْمَاءِ الْمُشْتَرَكِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ غَصَبَ الْمَاءَ. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَشْعَلَ نَارًا فِي حَطَبٍ مُبَاحٍ إلَخْ وَالِاصْطِلَاءُ التَّدَفِّي وَالِاسْتِصْبَاحُ الْإِسْرَاجُ. قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا بِرَيِّ الْآدَمِيِّ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ: ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ الْجَدَاوِلِ) جَمْعُ جَدْوَلٍ وَهُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ، فَعَطْفُ الْأَنْهَارِ عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ. قَوْلُهُ: (مُتَسَاوِيَةٌ) أَيْ إنْ تَسَاوَتْ الْحِصَصُ وَقَوْلُهُ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ، أَيْ إنْ تَفَاوَتَتْ الْحِصَصُ فَاَلَّذِي لَهُ فَدَّانَانِ ثَقَبْته قَدْرَ ثُقْبَةِ الَّذِي لَهُ فَدَّانٌ مَرَّتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَتَحَلَّلَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ) أَيْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُبَرِّئَ ذِمَّتَهُ وَأَنْ يُسَامِحَهُ. قَوْلُهُ: (كَانَتْ الْغَلَّةُ أَطْيَبَ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى الْأَطْيَبِيَّةِ، فَإِنَّ الْحِلَّ يَحْصُلُ بِرَدِّ الْبَدَلِ إلَيْهِ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: " لِلتَّحَلُّلِ فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى فِي النَّفْسِ شَيْءٌ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِالتَّحَلُّلِ. [فَصْلٌ فِي الْوَقْفِ] ذَكَرَهُ عَقِبَ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لِمُنَاسَبَتِهِ لَهُ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ إثْبَاتُ مِلْكٍ وَإِحْدَاثُهُ وَفِي الثَّانِي إزَالَةُ مِلْكٍ وَمِنْ جُمْلَةِ الْعَلَّاقَاتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 هُوَ وَالتَّحْبِيسُ وَالتَّسْبِيلُ بِمَعْنًى وَهُوَ لُغَةً الْحَبْسُ يُقَالُ وَقَفْتُ كَذَا أَيْ حَبَسْتُهُ وَلَا يُقَالُ أَوْقَفْته إلَّا فِي لُغَةٍ تَمِيمِيَّةٍ وَهِيَ رَدِيئَةٌ وَعَلَيْهَا الْعَامَّةُ وَهُوَ عَكْسُ حَبَسَ فَإِنَّ الْفَصِيحَ أَحْبِسُ وَأَمَّا حَبَسَ فَلُغَةٌ رَدِيئَةٌ وَشَرْعًا حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ مَوْجُودٍ وَيُجْمَعُ عَلَى وُقُوفٍ وَأَوْقَافٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] فَإِنَّ أَبَا طَلْحَةَ لَمَّا سَمِعَهَا رَغِبَ فِي وَقْفِ بَيْرُحَا وَهِيَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إلَيْهِ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ   [حاشية البجيرمي] الضِّدْيَةِ، وَالْوَقْفُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَهُ م ر وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْوَقْفَ مِنْ خَصَائِصِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَيْ وَقْفَ الْأَرْضِ وَالْعَقَارِ، قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اهـ وَفِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَاخْتَصَّ وَأُمَّتَهُ بِالْأَشْهُرِ الْهِلَالِيَّةِ وَبِالْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ، قَالُوا: الْوَقْفُ مِمَّا اُخْتُصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، قَالَ: الشَّافِعِيُّ لَمْ يَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا عَلِمْت إنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، يَعْنِي تَحْبِيسَ الْأَرَاضِيِ وَالْعَقَارِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَإِلَّا فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمِلَلَ السَّابِقَةَ كَانُوا يَحْبِسُونَ أَمْوَالًا لَا يُبَيِّنُونَ لَهَا مَصْرِفًا بَلْ الْوَقْفُ شَهِيرٌ بَيْنَ أَكْثَرِ الْمِلَلِ، فَقَدْ نَقَلَ الْمَقْرِيزِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرُّومَ تَزْعُمُ أَنَّ بِلَادَ مَقْدُونِيَّةَ بِأَسْرِهَا مِنْ إسْكَنْدَرِيَّةَ إلَى الصَّعِيدِ الْأَعْلَى وَقْفٌ فِي الْقَدِيمِ عَلَى الْكَنِيسَةِ الْعُظْمَى الَّتِي بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَمَقْدُونِيَّةُ بِاللِّسَانِ الْعِبْرَانِيُّ مِصْرُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ بِمَدِينَةِ سُومَانَ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ صَنَمٌ لَهُ مِنْ الْوُقُوفِ مَا يَزِيدُ عَلَى عَشْرَةِ آلَافِ قَرْيَةٍ يُصْرَفُ رِيعُهَا عَلَى أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ الْبَرْهَمِيِّينَ يَعْبُدُونَهُ. فَمُرَادُ إمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ الْآنَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَمِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ اسْتَبَانَ أَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِنَا خِلَافًا لِلْمُؤَلِّفِ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَمِمَّا يُرْشِدُكَ إلَى ذَلِكَ تَصْرِيحُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ أَوْقَافَ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاقِيَةٌ إلَى الْآنَ. اهـ. مُنَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (حَبَّسْتُهُ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا حَبَسَ) أَيْ بِالتَّخْفِيفِ، وَأَمَّا بِالتَّشْدِيدِ فَلَا رَدَاءَةَ فِيهِ أج. قَوْلُهُ: (حَبْسُ مَالٍ إلَخْ) اشْتَمَلَ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّ مَالًا هُوَ الْمَوْقُوفُ. وَقَوْلُهُ " عَلَى مَصْرِفٍ " هُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَالْحَبْسُ يَتَضَمَّنُ حَابِسًا وَهُوَ الْمَوْقُوفُ وَيَتَضَمَّنُ صِيغَةً. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " مَالٍ " أَوْ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ مُتَمَوِّلَةٍ بِشَرْطِهَا الْآتِي، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَالِ عَيْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَدِمُ بِصَرْفِهَا فَلَا يَبْقَى لَهَا عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ. قَوْلُهُ: (بِقَطْعِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " حَبْسُ " وَالْمُرَادُ بِالْقَطْعِ الْمَنْعُ، وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ أَوْ لِلتَّصْوِيرِ، وَيَعْنِي أَنَّ الْحَبْسَ مُصَوَّرٌ بِقَطْعِ إلَخْ أَوْ مُتَلَبِّسٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ " عَلَى مَصْرِفٍ " مُتَعَلِّقٌ بِحَبْسِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (لَمَّا سَمِعَهَا رَغِبَ إلَخْ) كَذَا قَالُوهُ، وَهُوَ مُشْكِل فَإِنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءُ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى» وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا تُفِيدُ الْوَقْفَ لِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كِنَايَةٌ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ نَوَى الْوَقْفَ بِهَا، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ سِيَاقُ الْحَدِيثِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ نَوَاهُ بِهَا. ثَانِيهِمَا، وَهُوَ الْعُمْدَةُ: أَنَّهُمْ شَرَطُوا فِي الْوَقْفِ بَيَانُ الْمَصْرِفِ فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ " لِلَّهِ عَنْهُ " بِخِلَافِهِ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا يَأْتِي مَعَ الْفَرْقِ، فَقَوْلُهُ " صَدَقَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " لَا يَصْلُحُ لِلْوَقْفِ عِنْدَنَا وَإِنْ نَوَاهُ، وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَقُولُونَ إنَّهُ وَقَفَهَا؟ فَهُوَ إمَّا غَفْلَةٌ عَمَّا فِي الْحَدِيثِ أَوْ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ كَالْوَصِيَّةِ. اهـ. حَجّ مَرْحُومِيٌّ. وَفِي شَرْحِ سم: وَخَرَجَ بِكَوْنِهِ عَلَى أَصْلٍ وَفَرْعٍ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ، كَوَقَفْتُ هَذَا مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ إذَا لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ لِخَبَرِ أَبِي طَلْحَةَ: «هِيَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ» ثُمَّ يُعَيِّنُ الْمَصْرِفَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بَيْرُحَا) بِإِضَافَةِ بِئْرٍ إلَى لَفْظِ الْحَرْفِ ق ل، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ غَيْرِ إضَافَةِ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَالْمَدُّ فِيهِمَا وَبِفَتْحِهِمَا وَالْقَصْرُ فَفِيهَا خَمْسُ لُغَاتٍ، وَهُوَ اسْمُ مَاءٍ وَمَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ مُسْتَقْبِلٌ الْمَسْجِدَ اهـ وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَهِيَ حَدِيقَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَتَبِعَهُ أج. قَوْلُهُ: (ابْنُ آدَمَ) عِبَارَةُ م ر وحج: «إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ انْقَطَعَ» إلَخْ فَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ ع ش. قَوْلُهُ: (انْقَطَعَ عَمَلُهُ) أَيْ ثَوَابُ عَمَلِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ) هَذَا الْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ وَاقِفٌ وَمَوْقُوفٌ وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ بَعْضَهَا مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشُّرُوطِ فَقَالَ: (وَالْوَقْفُ) أَيْ مِنْ مُخْتَارٍ أَهْلِ تَبَرُّعٍ (جَائِزٌ) أَيْ صَحِيحٌ، وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْوَاقِفُ فَيَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ؛ وَمِنْ مُبَعَّضٍ لَا مِنْ مُكْرَهٍ وَمُكَاتَبٍ. وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَلَوْ بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ. وَقَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ)   [حاشية البجيرمي] لَهُ، فَقَدْ زِيدَ عَلَى ذَلِكَ أَشْيَاءُ نَظَمَهَا السُّيُوطِيّ فَقَالَ: إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ لَيْسَ يَجْرِي ... عَلَيْهِ مِنْ خِصَالٍ غَيْرُ عَشْرِ عُلُومٌ بَثَّهَا وَدُعَاءُ نَجْلٍ ... وَغَرْسُ النَّخْلِ وَالصَّدَقَاتُ تَجْرِي وِرَاثَةُ مُصْحَفٍ وَرِبَاطُ ثَغْرٍ ... وَحَفْرُ الْبِئْرِ أَوْ إجْرَاءُ نَهْرِ وَبَيْتٌ لِلْغَرِيبِ بَنَاهُ يَأْوِي ... إلَيْهِ أَوْ بِنَاءُ مَحَلِّ ذِكْرِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ: وَتَعْلِيمٌ لِقُرْآنٍ كَرِيمٍ ... فَخُذْهَا مِنْ أَحَادِيث بِحَصْرِ قَوْلُهُ " وَعُلُومٌ بَثَّهَا " أَيْ بِتَعْلِيمٍ أَوْ تَأْلِيفٍ أَوْ تَقْيِيدٍ بِهَوَامِشَ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ) أَيْ مُسْلِمٍ يَدْعُو لَهُ. وَفَائِدَةُ تَقْيِيدِهِ بِالْوَلَدِ مَعَ أَنَّ دُعَاءَ الْغَيْرِ يَنْفَعُهُ تَحْرِيضُ الْوَلَدِ عَلَى الدُّعَاءِ لِأَصْلِهِ. قَوْلُهُ: (يَدْعُو لَهُ) مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَشَمَلَ الدُّعَاءَ لَهُ بِسَبَبِهِ. قَوْلُهُ: (مَحْمُولَةٌ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ بِالْوَقْفِ مَعَ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْعُلَمَاءِ) أَيْ الْعَارِفِينَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ لِلنَّاسِ يَوْمًا فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّبِعُوا الْعُلَمَاءَ فَإِنَّهُمْ سُرُجُ الدُّنْيَا وَمَصَابِيحُ الْآخِرَةِ» عَزِيزِيٌّ. وَسُرُجُ الدُّنْيَا أَيْ مُنَوِّرُوهَا جَمْعُ سِرَاجٍ. وَوَرَدَ: «ثَلَاثَةٌ تُضِيءُ فِي الْأَرْضِ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِيءُ النُّجُومُ فِي السَّمَاءِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، وَهِيَ الْمَسَاجِدُ وَبَيْتُ الْعَالِمِ وَبَيْتُ حَافِظِ الْقُرْآنِ» . قَوْلُهُ: (عَلَى الْوَقْفِ) وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا عَدَمُ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَيْ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا، وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى مَصَالِحِهِمْ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ يَصِحُّ. قَوْلُهُ: (مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشُّرُوطِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ شَرْطَ الرُّكْنَيْنِ وَهُمَا الْمَوْقُوفُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ شَرْطَهُمَا حَقِيقَةً، فَالرُّكْنَانِ مَذْكُورَانِ ضِمْنًا فِي ذِكْرِ الشَّرْطَيْنِ، فَفِي قَوْلِهِ " مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشُّرُوطِ " مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَتْنَ عَبَّرَ بِالشُّرُوطِ وَمُرَادُهُ الْأَرْكَانُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ يَتَضَمَّنُ بَعْضَ الْأَرْكَانِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ الْوَقْفُ وَالْمُرَادُ لَازِمُهُ وَهُوَ الْوَاقِفُ، فَفِيهِ إطْلَاقُ الْمَصْدَرِ وَإِرَادَةُ لَازِمِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ مُخْتَارٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ) وَلَوْ لِمَسْجِدٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهُ قُرْبَةٌ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِنَا، وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لَوْ عَظَّمَ الْمَسْجِدَ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ لَوْ عَظَّمَ الْكَنِيسَةَ فَإِنَّهُ يَرْتَدُّ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ وَالتَّعْظِيمُ لَهَا مِنْ شِعَارِ الْكُفْرِ، بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِشَرْطِهِمَا اهـ. مَدَابِغِيٌّ. وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ فَيَصِحُّ إلَخْ " تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَنْطُوقِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ مُبْعِضٍ) أَيْ فِي نَوْبَتِهِ إنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً، بِخِلَافِ الْعِتْقِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ، وَأَمَّا الْوَقْفُ فَفِيهِ إخْرَاجُ مِلْكِهِ عَنْهُ وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ الْوَقْفُ وَلَوْ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ. قَوْلُهُ: (لَا مِنْ مُكْرَهٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَفْهُومِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) كَالسَّفَهِ وَصِحَّةِ نَحْوِ وَصِيَّتِهِ، وَلَوْ بِوَقْفِ دَارِهِ لِارْتِفَاعِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِمَوْتِهِ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ) أَيْ كَأَنْ أَذِنَ لِوَلِيِّهِ فِي الْوَقْفِ فَبَاشَرَهُ. قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ. وَقَوْلُهُ " بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ " مَقُولُ الْقَوْلِ، وَقَوْلُهُ " ذَكَرَ أَرْبَعَةً " تَعْلِيلٌ لِلْمَحْذُوفِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَرْبَعَةً فَكَيْفَ يَعُدُّهَا ثَلَاثَةً، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْحَقَّ مَعَ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ عَدَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ شَرْطًا وَاحِدًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 ذَكَرَ أَرْبَعَةً وَأَسْقَطَ خَامِسًا وَسَادِسًا وَسَابِعًا وَثَامِنًا كَمَا سَتَعْرِفُهُ. الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَوْقُوفُ (أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ) عَيْنًا مُعَيَّنًا (مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ. نَعَمْ يَصِحُّ وَقْفُ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقْبَلَ النَّقْلَ مِنْ مِلْكِ شَخْصٍ إلَى مِلْكِ آخَرَ وَيُفِيدُ لَا بِفَوَاتِهِ نَفْعًا مُبَاحًا مَقْصُودًا وَسَوَاءٌ أَكَانَ النَّفْعُ فِي الْحَالِ أَمْ فِي الْمَآلِ كَوَقْفِ عَبْدٍ وَجَحْشٍ صَغِيرَيْنِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ عَقَارًا أَمْ مَنْقُولًا كَمُشَاعٍ وَلَوْ مَسْجِدًا كَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَيُعْتَقَانِ بِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَيَبْطُلُ الْوَقْفُ بِعِتْقِهِمَا وَبِنَاءٍ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي) فِيهِ تَنَافٍ حَيْثُ جَعَلَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ رُكْنًا وَشَرْطًا؛ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ، أَيْ وَهُوَ شَرْطُ الرُّكْنِ الثَّانِي. وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ كَلَامِ ق ل بِقَوْلِهِ: لَيْسَ بِخَافٍ أَنَّ الرُّكْنَ هُوَ ضَمِيرٌ يَكُونُ غَيْرُ الرَّاجِعِ إلَى الْوَقْفِ كَوْنَهُ مُنْتَفِعًا بِهِ فَصَنِيعُهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ) أَيْ الْوَقْفُ بِمَعْنَى الْمَوْقُوفِ، فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ. قَوْلُهُ: (مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ) جُمْلَةُ الشُّرُوطِ عَشْرَةٌ: مِنْهَا اثْنَانِ مُكَرَّرَانِ وَهُمَا قَوْلُهُ: يُفِيدُ لَا بِفَوَاتِهِ، وَقَوْلُهُ: نَفْعًا وَالْبَاقِي غَيْرُ مُكَرَّرٍ. قَوْلُهُ: (عَيْنًا) حَالٌ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ الْوَاقِفُ فَيَصِحُّ وَقْفُ الْأَعْمَى وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمَغْصُوبِ مِنْ مَالِكِهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ انْتِزَاعِهِ. قَوْلُهُ: (مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) لَوْ قَدَّمَ هَذَا عَلَى الشَّرْطَيْنِ اللَّذَيْنِ زَادَهُمَا قَبْلَهُ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا، إذْ هَذَا مِنْ تَعَلُّقِ الِانْتِفَاعِ تَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إلَخْ) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مِنْ مَمْلُوكًا؛؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لَيْسَ مِلْكًا لِلْإِمَامِ لَكِنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ ق ل. وَحَيْثُ صَحَّ الْوَقْفُ تَعَيَّنَ الْوَفَاءُ بِشَرْطِ وَاقِفِهِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَعْلُومِ فِيهِ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا قَالَهُ: ق ل. قَوْلُهُ: (وَقْفُ الْإِمَامِ) أَيْ بِشَرْطِ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ م ر. قَوْلُهُ: (وَيُفِيدُ إلَخْ) هَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ " أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَهُ نَفْعًا مُبَاحًا عَقِبَ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (لَا بِفَوَاتِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ، بِذَاتِهِ لَا بِفَوَاتِهِ أَيْ ذَهَابِ عَيْنِهِ، قَالَ الْمَدَابِغِيُّ وَشَمِلَتْ عِبَارَتُهُ الْمُؤَجِّرَ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ، أَيْ مِنْ مَالِكِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِوَقْفِهِ مَسْجِدًا، وَحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ التَّعَبُّدُ فِيهِ بِنَحْوِ صَلَاةٍ أَوْ اعْتِكَافٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَحْرُمُ الْمُكْثُ فِيهِ وَيُكْرَهُ نَشْدُ الضَّالَّةِ فِيهِ وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ وَالتَّحِيَّةُ فِيهِ وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ مَعَ التَّبَاعُدِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْمُسْتَأْجِرُ، وَاسْتِحْقَاقُهُ الْمَنْفَعَةَ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَيَمْتَنِعُ فِيهِ أَيْضًا مَا يَمْتَنِعُ فِي الْمَسْجِدِ كَوَضْعِ النَّجَاسَاتِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُكْثِ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ تَمْكِينُ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْفَسْخِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ الْأَوْجَهَ إنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ لِمَا يَمْتَنِعُ فِي الْمَسْجِدِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا، سم فِي شَرْحِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (كَوَقْفِ عَبْدٍ وَجَحْشٍ صَغِيرَيْنِ) وَكَمَنْ أَجَرَ أَرْضَهُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ وَقَفَهَا، حَتَّى لَوْ وَقَفَهَا مَسْجِدًا صَحَّ وَأُجْرِيَ عَلَيْهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ، فَيُمْنَعُ أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِيهَا وَمِنْ مُكْثِهَا حَالَ حَيْضِهَا وَنِفَاسِهَا فِيهَا وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَهَذِهِ، أَيْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ الْوَقْفِ. حِيلَةٌ لِمَنْ يُرِيدُ إبْقَاءَ مَنْفَعَةِ الْمَوْقُوفِ لِنَفْسِهِ مُدَّةً بَعْدَ وَقْفِهِ اهـ. قَالَهُ الزِّيَادِيُّ. وَقَوْلُهُ: " وَيَثْبُتُ لَهُ " أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ فَسَخَ فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَعُودُ لِلْوَاقِفِ. اهـ. زي. قَوْلُهُ: (أَوْ مَنْقُولًا) وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمَنْقُولِ وَلَوْ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ كَالْخَزَائِنِ فِي الْمَسَاجِدِ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا. نَعَمْ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ مَسْجِدًا إلَّا إذَا أَثْبَتَهُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَسْجِدِيَّةِ بِنَقْلِهِ، وَيَحْرُمُ نَقْلُهُ مِنْ مَحَلِّهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ق ل. وَمَعْنَى قَوْلِهِ " وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَسْجِدِيَّةِ " أَيْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ دُونَ بَقِيَّةِ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ، حَتَّى لَوْ أَثْبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعُودُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ م د. وَقَوْلُهُ " وَلَا يَعُودُ " ضَعِيفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ حُرْمَةُ نَقْلِهِ عَنْ مَحَلِّ وَقْفِهِ. قَوْلُهُ: (كَمُشَاعٍ) كَنِصْفِ دَارٍ أَوْ نِصْفِ عَبْدٍ، فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَسْجِدًا) رَاجِعٌ لِلْمُشَاعِ وَتَجِبُ قِسْمَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ قُلْنَا إنَّهَا إفْرَازٌ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ قِسْمَةَ رَدٍّ أَوْ تَعْدِيلٍ، وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ عَنْ الْمِلْكِ لِلضَّرُورَةِ، وَقَبْلَ قِسْمَتِهِ يَحْرُمُ فِيهِ مَا يَحْرُمُ فِي الْمَسَاجِدِ. وَتَصِحُّ فِيهِ التَّحِيَّةُ دُونَ الِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 وَغِرَاسٍ وُضِعَا بِأَرْضٍ بِحَقٍّ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ، وَلَا مَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا أَحَدِ عَبْدَيْهِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِمَا وَلَا مَا لَا يُمْلَكُ لِلْوَاقِفِ كَمُكْتَرٍ وَمُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ لَهُ وَحُرٍّ وَكَلْبٍ وَلَوْ مُعَلَّمًا، وَلَا مُسْتَوْلَدَةٍ وَمُكَاتَبٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النَّقْلَ، وَلَا آلَةِ لَهْوٍ وَلَا دَرَاهِمَ لِزِينَةٍ؛ لِأَنَّ آلَةَ اللَّهْوِ مُحَرَّمَةٌ وَالزِّينَةُ مَقْصُودَةٌ، وَلَا مَا لَا يُفِيدُ نَفْعًا كَزَمِنٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَلَا مَا لَا يُفِيدُ إلَّا بِفَوَاتِهِ كَطَعَامٍ وَرَيْحَانٍ غَيْرِ مَزْرُوعٍ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ فِي فَوْتِهِ وَمَقْصُودُ الْوَقْفِ الدَّوَامُ بِخِلَافِ مَا يَدُومُ كَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَرَيْحَانٍ مَزْرُوعٍ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (أَنْ يَكُونَ) الْوَقْفُ (عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ) فِي الْحَالِ، وَهُوَ   [حاشية البجيرمي] الْمَسْجِدِ الْخَالِصِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّبَاعُدُ عَنْ الْإِمَامِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِوُجُودِ الصِّفَةِ) أَيْ مِنْ مَوْتِ السَّيِّدِ وَوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَيَبْطُلُ الْوَقْفُ) وَإِنَّمَا أَبْطَلْنَا الْوَقْفَ بِعِتْقِهِمَا مَعَ أَنَّ فِيهِ قُرْبَةً وَلَمْ نُبْطِلْ الْعِتْقَ وَنُبْقِ الْوَقْفَ عَلَى صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى فَكِّ الرِّقَابِ مَا أَمْكَنَ. وَأَيْضًا مُقْتَضَى الْعِتْقِ سَابِقٌ فَقُدِّمَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِدَوَامِ الْوَقْفِ دَامَا عَلَى رَقِّهِمَا إلَى الْمَوْتِ وَلَزِمَ عَلَيْهِ إلْغَاءُ الصِّفَةِ الَّتِي عُلِّقَ بِهَا الْمُعَلَّقُ. قَوْلُهُ: (بِحَقٍّ) كَأَنْ وُضِعَا بِأَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ لَهُمَا وَإِنْ اسْتَحَقَّا الْقَلْعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ شَرْحِ م ر، ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ قَلَعَ ذَلِكَ وَبَقِيَ مُنْتَفِعًا بِهِ فَهُوَ وَقْفٌ كَمَا كَانَ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَهَلْ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ يَرْجِعُ لِلْوَاقِفِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا اهـ م د. وَقَوْلُ الْجَمَّالِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ الصَّحِيحَ غَيْرُهُمَا وَهُوَ شِرَاءُ عَقَارٍ أَوْ جُزْءِ عَقَارٍ يُوقَفُ مَكَانَهُ " مَحْمُولٌ عَلَى إمْكَانِ الشِّرَاءِ الْمَذْكُورِ، وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِهِ، وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ بِالْقَلْعِ أَرْشُ نَقْصِهِ يُصْرَفُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَأْجَرَةِ الْمَغْصُوبَةُ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَا فِيهَا لِعَدَمِ دَوَامِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَهَذَا مُسْتَحِقٌّ الْإِزَالَةَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ شَرْحِ م ر قَوْلُهُ " فَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ " وَيَجُوزُ بَقَاؤُهُ بِأُجْرَةٍ مِنْ رِيعِهِ وَلَا تَجِبُ هُنَا الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ تَمَلُّكُهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ لَا يُبَاعُ. قَوْلُهُ: (وَلَا مَا فِي الذِّمَّةِ) مُحْتَرَزُ مَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ " مُعَيَّنًا ". قَوْلُهُ: (وَحُرٍّ) بِأَنْ يَقُولَ: أَوْقَفْتُ نَفْسِي عَلَى زَيْدٍ كَمَا فِي الرَّوْضِ. أَوْ أَوْقَفْت وَلَدِي، وَهَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِهِ مَمْلُوكٍ. قَوْلُهُ: (وَمُكَاتَبٍ) أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا دَرَاهِمَ لِزِينَةٍ) أَوْ لِلِاتِّجَارِ فِيهَا وَصَرْفِ رِبْحِهَا لِلْفُقَرَاءِ زي. قَالَ ع ش وَمِثْلُهَا، يَعْنِي الدَّرَاهِمَ، وَقْفُ الْجَامِكِيَّةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ وَهِيَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِمَنْ تَحْتَ يَدِهِ، وَمَا يَقَعُ مِنْ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ فِي الْفَرَاغِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْجَامِكِيَّةِ لِتَكُونَ لِبَعْضِ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ مِنْ وَقْفِهَا بَلْ بِفَرَاغِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا وَصَارَ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ لِمَنْ شَاءَ حَيْثُ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً. قَوْلُهُ: (وَلَا مَا لَا يُفِيدُ) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ " آلَةِ لَهْوٍ "؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ قَبْلَهَا فِي عَدِّ الْقُيُودِ. وَجَمِيعُ الطُّبُولِ جَائِزَةٌ إلَّا الدَّرَبُكَّةَ، وَجَمِيعُ الْمَزَامِيرِ حَرَامٌ إلَّا النَّفِيرَ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ الطُّبُولُ حَرَامٌ إلَّا فِي الزَّوَاجِ لِشُهْرَتِهِ بِخِلَافِ الْخِتَانِ فَيَحْرُمُ فِيهِ الطَّبْلُ لِعَدَمِ شُهْرَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَرَيْحَانٍ) وَهُوَ كُلُّ نَبْتٍ غَضٍّ طَيِّبِ الرَّائِحَةِ كَالْوِرْدِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ دَوَامَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَبْسِهِ لَا كَوْنِهِ مُؤَبَّدًا، فَالْمُرَادُ الدَّوَامُ النِّسْبِيُّ. قَوْلُهُ: (كَمِسْكٍ) أَيْ إنْ لَمْ يُرَدْ لِلْأَكْلِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ كَالطَّعَامِ. وَقَوْلُهُ " وَعَنْبَرٍ " أَيْ لِلشَّمِّ لَا لِلْبَخُورِ بِهِ وَقَوْلُهُ " وَرَيْحَانٍ " أَيْ لِلشَّمِّ لَا لِلْأَكْلِ. قَوْلُهُ: (مَزْرُوعٍ) فَإِنْ زَالَتْ الرَّائِحَةُ كَانَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وُقِفَ عَلَى شَخْصٍ غِرَاسًا فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْغِرَاسَ يَكُونُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْوَقْفِ كَمَا قَرَّرَهُ الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الشَّرْطَ مُتَضَمِّنٌ لِلرُّكْنِ، فَالشَّرْطُ كَوْنُهُ عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ، وَالرُّكْنُ الثَّالِثُ هُوَ الْأَصْلُ الْمَوْجُودُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مُتَعَلِّقِ الرُّكْنِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ) أَيْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ مَتْبُوعٍ بِغَيْرِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ " مَوْجُودٍ " تَفْسِيرُ الْأَصْلِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ " لَا يَنْقَطِعُ " تَفْسِيرٌ لِفَرْعٍ؛ قَالَهُ ق ل. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَصْلٍ مَوْجُودٍ أَيْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ مُعَيَّنٍ وَقَوْلِهِ وَفَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ أَيْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " أَيْ الشَّرْطُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا كَوْنُهُ مُعَيَّنًا أَوْ كَوْنُهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونَانِ شَرْطًا وَاحِدًا إلَّا أَنَّهُ مُرَدَّدٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يَأْتِي. وَالثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " مَوْجُودٍ " تَفْسِيرًا لِ " أَصْلٍ " وَقَوْلُهُ " وَلَا يَنْقَطِعُ " تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 عَلَى قِسْمَيْنِ مُعَيَّنٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ اُشْتُرِطَ إمْكَانُ تَمْلِيكِهِ فِي حَالِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ بِوُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ، فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى وَلَدِهِ وَهُوَ لَا وَلَدَ لَهُ، وَلَا عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادِهِ وَلَا فَقِيرَ فِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ فَقِيرٌ وَغَنِيٌّ صَحَّ وَيُعْطَى مِنْهُ   [حاشية البجيرمي] فَرْعٍ " وَالْوَاوُ عَلَى مَعْنَاهَا، وَيَكُونُ مَعْنَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مُتَحَقِّقًا عِنْدَ الْوَقْفِ، فَخَرَجَ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ " وَفَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ " أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ دَائِمًا فَيَخْرُجُ مُنْقَطِعُ الْآخِرِ فَلَا يَصِحُّ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَالْمُعْتَمَدُ حِصَّتُهُ كَمَا يَأْتِي. وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَكُونَانِ شَرْطَيْنِ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ فِي مُحْتَرَزِ الْأَوَّلِ: فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مُؤَبَّدًا عَلَى فَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ، أَيْ دَائِمًا فَيَخْرُجُ مُنْقَطِعُ الْآخِرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصْلِ الشَّيْءُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَسَمَّاهُ أَصْلًا بِالنَّظَرِ لِمَا بَعْدَهُ وَسَمَّى الَّذِي بَعْدَهُ فَرْعًا؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَنْهُ أَيْ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ مُعَيَّنٍ وَغَيْرِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " أَصْلٍ " مَوْجُودٍ. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَتَيْنِ، الْأُولَى: أَنَّهُ جَعَلَهُ قِسْمَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِيَ، وَأَيْضًا الثَّانِي مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ هُوَ الثَّانِي فِي الْمَتْنِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَوَّلُ شَامِلًا لِنَفْسِهِ وَلِلثَّانِي؟ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَبْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ " عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ إلَخْ " ثُمَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ قِسْمَانِ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ مَا عَنَاهُ الْمَتْنُ بِقَوْلِهِ " عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ " وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَهُوَ مَا عَنَاهُ الْمَتْنُ بِقَوْلِهِ " وَفَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ " وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ عَلَى جَعْلِ الضَّمِيرِ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ " أَصْلٍ مَوْجُودٍ " وَيُمْكِنُ رُجُوعُهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَيَكُونُ الشَّارِحُ تَرَكَ الْقِسْمَ الثَّانِيَ فِي التَّفْصِيلِ لِكَوْنِهِ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مُعَيَّنٍ) وَلَوْ جَمَاعَةً، وَشُرِطَ قَبُولُهُ فَوْرًا كَالْبَيْعِ، وَإِنْ رَدَّ قَبْلَ قَبُولِهِ بَطَلَ وَلَا يَعُودُ بِعَوْدِهِ كَالْإِقْرَارِ، أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَبْطُلْ وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِ ق ل. وَلَمْ يَأْتِ الشَّارِحُ بِمُقَابِلِ قَوْلِهِ " فَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ " وَهُوَ: وَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ شُرِطَ عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ، اكْتِفَاءً بِقَوْلِهِ: الْآتِي: أَوْ فَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ. قَوْلُهُ: (إمْكَانُ تَمْلِيكِهِ) الْأَوْلَى إمْكَانُ تَمَلُّكِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بِوُجُودِهِ) أَيْ مُتَأَهِّلًا لِلْمِلْكِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِمْكَانُ ". وَعِبَارَةُ م ر: وَإِمْكَانُ تَمَلُّكِهِ بِأَنْ يُوجَدَ خَارِجًا مُتَأَهِّلًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَعْدُومٍ كَعَلَى مَسْجِدٍ سَيُبْنَى أَوْ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا وَلَدَ لَهُ أَوْ عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادٍ وَلَيْسَ فِيهِمْ فَقِيرٌ، أَوْ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ أَوْ قَبْرِ أَبِيهِ الْحَيِّ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ فِيهِمْ فَقِيرٌ صَحَّ، وَصُرِفَ لِلْحَادِثِ وُجُودُهُ فِي الْأُولَى أَوْ فَقْرُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِصِحَّتِهِ عَلَى الْمَعْدُومِ تَبَعًا كَوَقَفْتُهُ عَلَى وَلَدِي ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ لَهُ وَكَعَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَكُلُّ مَسْجِدٍ سَيُبْنَى فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ، وَلَا عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ وَلَا عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَبْنِهِ بِخِلَافِ دَارِي عَلَى مَنْ أَرَادَ سُكْنَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا عَلَى مَيِّتٍ اهـ. وَقَوْلُهُ " أَوْ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ أَوْ قَبْرِ أَبِيهِ وَهُوَ حَيٌّ أَيْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ بَيَانِ الصَّرْفِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ وَهُوَ حَيٌّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُهُ إنْ كَانَ أَهْلًا وَإِلَّا فَقَبُولُ وَلِيِّهِ عَقِبَ الْإِيجَابِ أَوْ بُلُوغُ الْخَبَرِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، إذْ دُخُولُ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ الْإِرْثِ بَعِيدٌ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ، نَظَرًا إلَى أَنَّهُ بِالْقُرْبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْعُقُودِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولٌ مَنْ بَعْدِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ الْوَاقِفِ، فَإِنْ رَدُّوا فَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ، فَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ بَطَلَ الْوَقْفُ، وَلَوْ رَجَعَ بَعْدَ الرَّدِّ لَمْ يَعُدْ لَهُ؛ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ بَعْدَ قَبُولِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ وَمَنْ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْوَلَدُ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ " يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُهُ " أَيْ وَلَوْ مُتَرَاخِيًا وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ، حَيْثُ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَائِبًا فَلَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ إلَّا بَعْدَ الطُّولِ، أَمَّا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَيُشْتَرَطُ الْفَوْرُ. وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا فَقَبُولُ وَلِيِّهِ " فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَلِيُّهُ بَطَلَ الْوَقْفُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ الْوَاقِفَ أَوْ غَيْرُهُ، وَمَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ خَاصٌّ فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي فَيَقْبَلُ لَهُ عِنْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ أَوْ يُقِيمُ عَلَى الصَّبِيِّ مَنْ يَقْبَلُ الْوَقْفَ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَهُوَ لَا وَلَدَ لَهُ) أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ صَحَّ وَصُرِفَ لَهُ أَوْ وُلِدَ وَلَدٌ صُرِفَ لَهُ أَيْضًا صَوْنًا لِكَلَامِ الْوَاقِفِ عَنْ الْإِلْغَاءِ إنْ حُمِلَ الْوَلَدُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَالصَّرْفُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ ظَاهِرٌ، فَلَوْ صُرِفَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ وَحَدَثَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ زي. قَوْلُهُ: (وَلَا فَقِيرَ فِيهِمْ) قَالَ شَيْخُنَا وَالْمُرَادُ بِالْفَقِيرِ هُنَا مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُكْتَسِبًا؛؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ إغْنَاؤُهُ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 أَيْضًا مَنْ افْتَقَرَ بَعْدُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ. وَلَا عَلَى جَنِينٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَمَلُّكِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَقْصُودًا أَمْ تَابِعًا حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ وَلَهُ جَنِينٌ عِنْدَ الْوَقْفِ لَمْ يَدْخُلْ. نَعَمْ إنْ انْفَصَلَ دَخَلَ مَعَهُمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ قَدْ سَمَّى الْمُوجِدِينَ أَوْ ذَكَرَ عَدَدَهُمْ فَلَا يَدْخُلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ، وَلَا عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الشَّخْصَيْنِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى نَفْسِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ. فَإِنْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ لِلْوَاقِفِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى سَيِّدِهِ؛ وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمُبَعَّضِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُهَايَأَةً وَصَدَرَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَكَالْحُرِّ أَوْ يَوْمَ نَوْبَةِ سَيِّدِهِ فَكَالْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةً وُزِّعَ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَهِيمَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ بِحَالٍ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ مَالِكَهَا فَهُوَ وَقْفٌ عَلَيْهِ وَخَرَجَ بِالْمَمْلُوكَةِ   [حاشية البجيرمي] الْكَسْبِ لَا فَقِيرُ الزَّكَاةِ الْمَارُّ فِي بَابِهَا اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى جَنِينٍ) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَسْلِيطٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَالْمُرَادُ مَا دَامَ مُتَّصِلًا فَلَا يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْهُ مَا دَامَ جَنِينًا، أَيْ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَفِيهِمْ جَنِينٌ، نَعَمْ يَدْخُلُ الْجَنِينُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ وَالْعَقِبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ حَيْثُ تَصِحُّ لَهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ أَنَّهُمْ لَمَّا تَوَسَّعُوا فِي الْوَصِيَّةِ وَجَوَّزُوهَا فِي الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ كَانَتْ أَوْسَعَ بَابًا مِنْ الْوَقْفِ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى جَنِينٍ بِأَنْ قَالَ وَقَفْتُ كَذَا عَلَى هَذَا الْجَنِينِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهُ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِقْبَالِ وَالْوَقْفُ تَسْلِيطٌ فِي الْحَالِ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنِينُ فِي الْوَلَدِ إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَلَا يُوقَفُ لَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ انْفَصَلَ شَارَكَ مِنْ حِينِ الِانْفِصَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ قَالَ الْمَوْجُودِينَ أَوْ ذَكَرَ عَدَدَهُمْ فَلَا يَدْخُلُ، نَعَمْ يَدْخُلُ فِيمَا إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَلَا فَرْعَ لَهُ أَصْلًا وَلَا يَدْخُلُ مَنْفِيٌّ بِلِعَانٍ، فَإِنْ اُسْتُلْحِقَ اسْتَحَقَّ مَا مَضَى فَيُطَالَبُ بِهِ، وَيَدْخُلُ الْخُنْثَى فِي بَلَدٍ وَيُعْطَى الْمُتَيَقَّنُ وَلَا يَدْخُلُ فِي بِنْتٍ وَلَا ابْنٍ وَلَا يُوقَفُ لَهُ شَيْءٌ، وَلَا يَدْخُلُ ابْنٌ فِي بِنْتٍ وَعَكْسُهُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ صِحَّةِ تَمَلُّكِهِ) وَأَمَّا إرْثُهُ مِنْ أَبِيهِ مَثَلًا إذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَمِنْ بَابِ التَّوَسُّعِ فِيهِ حَيْثُ أَلْحَقُوهُ بِالْحَيِّ هُنَاكَ. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ أَكَانَ إلَخْ) أَيْ الْجَنِينُ، وَقَوْلُهُ " مَقْصُودًا " بِأَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ انْفَصَلَ) أَيْ حَيًّا دَخَلَ مَعَهُمْ، أَيْ مِنْ حِينِ انْفِصَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْوَقْفِ، فَلَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ أَصْلًا بِأَنْ ذَابَ فِي بَطْنِهَا أَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَلَا يَدْخُلُ. قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ " أَوْ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ اُشْتُرِطَ إمْكَانُ تَمْلِيكِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْعَبْدُ لَهُ أَيْ لِلْوَاقِفِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى سَيِّدِهِ) وَالْقَبُولُ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ سَيِّدِهِ كَالْوَصِيَّةِ زي، وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَقْبَلَ فَوْرًا وَإِنْ مَنَعَهُ سَيِّدُهُ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمُبَعَّضِ إلَخْ) وَلَوْ وَقَفَ مَالِكُ الْبَعْضِ بَعْضَهُ الرَّقِيقَ عَلَى بَعْضِهِ الْحُرِّ صَحَّ، وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَيُصْرَفُ لَهُ وَيَسْتَمِرُّ حُكْمُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ، فَإِنْ قَيَّدَهُ بِمُدَّةِ الْكِتَابَةِ كَانَ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ، فَإِنْ عَجَزَ بَانَ أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ. اهـ. م د، وَعِبَارَتُهُ عَلَى التَّحْرِيرِ: نَعَمْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مُكَاتَبِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مُكَاتَبِ نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ إنْ عَقَدَ وَقَدْ قَيَّدَ الْوَاقِفُ. قَوْلُهُ: (وُزِّعَ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ) فَمَا خَصَّ الْحُرِّيَّةَ فَهُوَ لِلْجُزْءِ الْحُرِّ فَلَهُ رِيعُهُ، وَمَا خَصَّ الرِّقَّ يَكُونُ وَقْفًا عَلَى رَقِيقٍ فَيَأْتِي فِيهِ تَفْصِيلُهُ، مِنْهُ: أَنْ يَقْصِدَهُ لِنَفْسِهِ فَيَبْطُلُ اهـ سم. قَوْلُهُ: (بَهِيمَةٍ مَمْلُوكَةٍ) أَيْ أَوْ مُبَاحَةٍ إلَّا حَمَامَ مَكَّةَ، فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الطُّيُورِ وَالْوُحُوشِ الْمُبَاحَةِ، فَمَا يُفْعَلُ الْآنَ مِنْ وَقْفِ شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْ غَلَّتِهِ قَمْحٌ تُوضَعُ لِلطُّيُورِ الْمُبَاحَةِ بَاطِلٌ. اهـ. م د. وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى نَحْوِ أَرِقَّاءِ خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ، أَوْ الْخَيْلِ الْمُسْبَلَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ حَمَامِ مَكَّةَ فَهُوَ صَحِيحٌ مُطْلَقًا ق ل. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ) سَوَاءٌ قَصَدَهَا أَوْ أَطْلَقَ أَوْ وَقَفَ عَلَى عَلَفِهَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِلْيَدِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ لَهُ الْمِلْكُ أَيْ إذَا عَتَقَ اهـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 الْمَوْقُوفَةُ كَالْخَيْلِ الْمَوْقُوفَةِ فِي الثُّغُورِ وَنَحْوِهَا فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى عَلَفِهَا وَيَصِحُّ عَلَى ذِمِّيٍّ مُعَيَّنٍ مِمَّا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ لَهُ، فَيَمْتَنِعُ وَقْفُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَلَا وَقْفَ الشَّخْصِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَا دَوَامَ لَهُمَا مَعَ كُفْرِهِمَا، وَالثَّالِثُ لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ الْإِنْسَانِ مِلْكَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ.   [حاشية البجيرمي] وَقَوْلُهُ " عَلَى عَلَفِهَا " ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى عَلَفِهَا، وَأَفْتَى الزِّيَادِيُّ أَيْضًا بِالصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى عَلَفِهَا) مُقْتَضَى الْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا؛؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى عَلَفِ الْمَمْلُوكَةِ يَصِحُّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ عَلَى ذِمِّيٍّ إلَخْ) . تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالذِّمِّيِّ وَمِثْلُهُ الْمُعَاهِدُ وَالْمُؤَمَّنُ الْجِنْسُ فَيَصِحُّ عَلَى الذِّمِّيِّينَ وَالنَّصَارَى، وَعِبَارَةُ ح ل: وَيَصِحُّ عَلَى يَهُودٍ أَوْ نَصَارَى أَوْ فُسَّاقٍ أَوْ قُطَّاعِ طَرِيقٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الصِّحَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِهِمْ بَاعِثًا عَلَى الْوَقْفِ بِأَنْ أَرَادَ ذَوَاتَهمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى مَنْ يَفْسُقُ أَوْ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ فَلَا يَصِحُّ. قَالَ م ر بَعْدَ كَلَامٍ: وَمِنْ ثَمَّ اسْتَحْسَنَّا بُطْلَانَهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْفُسَّاقِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَهُوَ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَمَعْنًى اهـ وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مُصْحَفٍ عَلَى كَافِرٍ، وَكَذَا مُسْلِمٍ، إلَّا إنْ كَانَ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ، فَإِذَا مَلَكَهَا زَالَتْ عَنْهُ لِلْبَعْضِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ وَلَوْ حَارَبَ الذِّمِّيُّ انْقَطَعَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ أَوْ الْآخِرِ ق ل. وَقَوْلُهُ " انْقَطَعَ الْوَقْفُ " ظَاهِرُهُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى دَارِنَا، وَقَوْلُهُ " فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ " أَيْ إنْ كَانَ وَسَطًا أَوْ الْآخِرِ أَيْ إنْ كَانَ آخِرًا. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِوَقَفَ. قَوْلُهُ: (وَلَا وَقْفُ الشَّخْصِ عَلَى نَفْسِهِ) وَمِنْ الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَشْرِطَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِهِ أَوْ تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ صُوَرٌ: مِنْهَا مَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَجَعَلَ لِذَلِكَ أُجْرَةً فَيَجُوزُ عَلَى الْمُرَجَّحُ. فِي الرَّوْضَةِ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَمَا لَوْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ الْمُتَّصِفِينَ بِالْفِقْهِ مَثَلًا وَلَيْسَ فِيهِمْ فَقِيهٌ مَثَلًا غَيْرُهُ زي. وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ لَا يَمْنَعُ الشَّافِعِيَّ بَاطِنًا مِنْ بَيْعِهِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ، قَالَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَمْنَعُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ سِيَاسَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ؛ لَكِنْ رَدَّهُ جَمْعٌ بِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافٍ لِلْمُجْتَهِدِينَ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ تَعْلِيلُهُ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي مَوَاضِعِ نُفُوذِهِ بَاطِنًا، وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا تَرَتُّبَ الْآثَارِ عَلَيْهِ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيَصِيرُ الْأَمْرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ اهـ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ: " بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِم " لَوْ حَاكِمَ ضَرُورَةٍ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْثُ صَدَرَ حُكْمٌ صَحِيحٌ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى وَجَوَابٍ، أَمَّا لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ الْحَنَفِيُّ مَثَلًا: حَكَمْت بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَبِمُوجَبِهِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ دَعْوَى فِي ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ حُكْمًا بَلْ هُوَ إفْتَاءٌ مُجَرَّدٌ وَهُوَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ فَكَانَ لَا حُكْمَ فَيَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ بَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (مَعَ كُفْرِهِمَا) بِخِلَافِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُمَا لَا دَوَامَ لَهُمَا مَعَ عَدَمِ كُفْرِهِمَا، فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ زي. وَبِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ كَافِرًا إلَّا أَنَّ لَهُ دَوَامًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ. قَوْلُهُ: (وَالثَّالِثَ لِتَعَذُّرِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِتَعَذُّرِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ إلَخْ) هَذَا يُنَاسِبُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْقُوفِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلَّهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامُهُ بِالنَّظَرِ لِفَوَائِدِهِ فَإِنَّهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 (وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ مُؤَبَّدًا عَلَى (فَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ) سَوَاءٌ أَظْهَرَ فِيهِ جِهَةَ قُرْبَةٍ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُجَاهِدِينَ وَالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ، أَمْ لَمْ تَظْهَرْ كَالْأَغْنِيَاءِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْفَسَقَةِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ جَائِزَةٌ، وَلَوْ وَقَفَ شَخْصٌ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ غَنِيٌّ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ فَقِيرٌ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ فَيُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ نَظَرًا لِلْأَصْلِ فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ عَطْفِ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ وَفَرْعٌ لَا يَنْقَطِعُ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَنَّهُمَا شَرْطٌ وَاحِدٌ، وَلِهَذَا عَدَّ الشُّرُوطَ ثَلَاثَةً وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُمْ شَرْطَانِ كَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَهُ. (وَ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ (أَنْ لَا يَكُونَ فِي مَحْظُورٍ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ، أَيْ مُحَرَّمٍ كَعِمَارَةِ الْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا مِنْ مُتَعَبَّدَاتِ الْكُفَّارِ لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا، أَوْ حُصُرِهَا أَوْ قَنَادِيلِهَا أَوْ خُدَّامِهَا، أَوْ كُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَوْ السِّلَاحِ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (مُؤَبَّدًا) أَيْ مُؤَبَّدًا مُتَعَلِّقُهُ وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ عَلَى فَرْعٍ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " مُؤَبَّدًا " بِحَذْفِ أَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " مُؤَبَّدًا " وَلَوْ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ كَزَيْدٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ، وَيُشْتَرَطُ فِي كُلِّ مَنْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ الْوَقْفُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْفَرْعَ بِالْمَوْجُودِ كَمَا فِي " الْأَصْلِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِيهِ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (فَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ وَالْآخِرِ بَاطِلٌ وَهُوَ مَرْجُوحٌ كَمَا سَيَأْتِي ق ل. فَالْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ " وَفَرْعٍ لَا يَنْقَطِعُ " عَلَى أَنَّ فِي جَعْلِهِ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا نَظَرًا. قَوْلُهُ: (جِهَةِ قُرْبَةٍ) أَيْ قَصْدِ قُرْبَةٍ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْفُقَرَاءِ) وَيُعْتَبَرُونَ بِمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الزَّكَاةِ، نَعَمْ الْقَادِرُ عَلَى كَسْبٍ يَكْفِيهِ فَقِيرٌ هُنَا، وَالْعُلَمَاءُ أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ وَهِيَ التَّفْسِيرُ وَالْحَدِيثُ وَالْفِقْهُ ق ل. وَالرُّبُطُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْبَاءِ جَمْعُ رِبَاطٍ وَهُوَ مُتَعَبَّدُ الصُّوفِيَّةِ ق ل، وَسُمِّيَ رِبَاطًا لِرَبْطِ الصُّوفِيَّةِ أَنْفُسَهُمْ فِيهِ، وَالْخَانِقَاهُ لِخَنْقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ فِيهَا عَنْ الْمَعَاصِي وَالْغَنِيُّ هُنَا مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَالْمَسَاجِدِ) وَلَوْ عَلَى أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، لَكِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَنْفَعَتِهَا بِنَحْوِ وَصِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ فَبَسَطَ فِيهَا أَحْجَارًا مَمْلُوكَةً لَهُ وَوَقَفَهَا مَسْجِدًا، وَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْمَسْجِدِيَّةِ عَنْ الْحِجَارَةِ إذَا نُقِلَتْ عَنْ مَحَلِّهَا. وَالْوَقْفُ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ يَدْخُلُ فِيهِ تَرْمِيمُهُ وَتَجْصِيصُهُ لِلْإِحْكَامِ وَالسَّوَارِي وَالسَّلَالِمُ وَالْمَكَانِسُ وَالْمَسَاحِي وَالْبَوَارِي لِدَفْعِ نَحْوِ حَرٍّ وَالْمَيَازِيبُ لِدَفْعِ مَاءٍ نَحْوِ مَطَرٍ، وَأُجْرَةٌ نَحْوُ قَيِّمٍ، وَعَلَى مَصَالِحِهِ أَوْ مُطْلَقًا يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ. وَإِذَا خَصَّ الْوَاقِفُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِمَّا وَقَفَهُ عَلَى نَحْوِ تَزْوِيقٍ وَنَقْشٍ وَسِرَاجٍ لَا نَفْعَ بِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. م د. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ إسْرَاجُهُ مِنْ زَيْتِ الْمَسْجِدِ طُولَ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضَاعَةَ مَالٍ. قَوْلُهُ: (أَمْ لَمْ تَظْهَرْ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِجِهَةِ الْقُرْبَةِ مَا ظَهَرَ فِيهِ قَصْدُهَا، وَإِلَّا فَالْوَقْفُ كُلُّهُ قُرْبَةٌ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (كَالْأَغْنِيَاءِ) وَلَوْ حَصَرَهُمْ كَأَغْنِيَاءِ أَقَارِبَةِ جَزْمًا كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (نَظَرًا لِلْأَصْلِ) غَرَضُهُ بِذَلِكَ تَوْفِيقُهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ: أَنَّ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُ الظَّاهِرَ يَكُونُ مُدَّعِيًا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَمَنْ وَافَقَ قَوْلَهُ الظَّاهِرَ يَكُونُ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيَكْفِي مِنْهُ الْيَمِينُ. قَوْلُهُ: (وَفِي مَحْظُورٍ) أَيْ عَلَى مَحْظُورٍ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ) وُصِفَتْ بِالْمُشَالَةِ؛ لِأَنَّ اللِّسَانَ يَرْتَفِعُ عِنْدَ النُّطْقِ بِهَا. قَوْلُهُ: (أَيْ مُحَرَّمٍ) مِنْهُ الْوَقْفُ عَلَى التَّزْوِيقِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ كَانَ التَّزْوِيقُ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُصَلِّي لِإِذْهَابِهِ الْخُشُوعَ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى السُّتُورِ وَلَوْ حَرِيرًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا زي. قَوْلُهُ: (كَعِمَارَةِ الْكَنَائِسِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ ذِمِّيًّا وَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنَائِسِ فَهَلْ يَبْطُلُ؟ أَفْتَى شَيْخُنَا صَالِحٌ بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَيْهَا الْوَقْفُ عَلَى مَصَالِحِهَا الْمَمْنُوعِ، وَهُوَ مَا كَانَ يُظْهِرُ؛ شَوْبَرِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (لِلتَّعَبُّدِ) صِفَةٌ لِلْكَنَائِسِ أَيْ الْمَوْضُوعَةُ لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا، أَيْ وَلَوْ مَعَ نُزُولِ الْمَارَّةِ كَمَا قَالَهُ ع ش، وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ " لِلتَّعَبُّدِ " أَيْ عِبَادَةُ الْكُفَّارِ وَلَوْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَعَ نُزُولِ الْمَارَّةِ، وَيَصِحُّ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ وَلَوْ مِنْ الْكُفَّارِ. قَوْلُهُ: (أَوْ حُصُرِهَا) عَطْفٌ عَلَى عِمَارَةِ بِأَنْ يَقِفَ شَيْئًا عَلَى شِرَاءِ حُصُرِهَا أَوْ قَنَادِيلِهَا أَوْ خُدَّامِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ كُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) أَيْ الْمُبْدَلَيْنِ أَوْ وَقَفَهَا نَفْسَهَا، وَهُوَ مَعْطُوفٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَالْوَقْفُ شُرِعَ لِلتَّقَرُّبِ فَهُمَا مُتَضَادَّانِ. وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْمُرَادِ كَالْعِتْقِ بَلْ أَوْلَى، وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ صَرِيحُهُ كَوَقَفْتُ وَسَلَبْتُ وَحَبَسْتُ كَذَا عَلَى كَذَا أَوْ تَصَدَّقْتُ بِكَذَا عَلَى كَذَا صَدَقَةً مُحَرَّمَةً أَوْ مُؤَبَّدَةً أَوْ مَوْقُوفَةً، أَوْ لَا تُبَاعُ أَوْ لَا تُوهَبُ وَجَعَلْتُ هَذَا الْمَكَانَ مَسْجِدًا، وَكِنَايَتُهُ كَحَرَّمْتُ وَأَبَّدْت هَذَا لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُسْتَعْمَلُ مُسْتَقِلًّا، وَإِنَّمَا يُؤَكَّدُ بِهِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا وَكَتَصَدَّقْتُ بِهِ مَعَ إضَافَتِهِ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ. وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِاللَّفْظِ أَيْضًا مَا لَوْ بَنَى مَسْجِدًا بِنِيَّتِهِ بِمَوَاتٍ. وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ: التَّأْبِيدُ كَالْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَمْ يَنْقَرِضْ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ كَالْفُقَرَاءِ، أَوْ عَلَى مَنْ يَنْقَرِضُ ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَنْقَرِضُ كَزَيْدٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ، فَلَا يَصِحُّ تَأْقِيتُ الْوَقْفِ. فَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى كَذَا سَنَةً لَمْ يَصِحَّ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ، فَإِنْ أَعْقَبَهُ بِمَصْرِفٍ كَوَقَفْتُهُ عَلَى زَيْدٍ سَنَةً ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ صَحَّ وَرُوعِيَ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ، وَهَذَا فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ، أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ كَالْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالرِّبَاطِ كَقَوْلِهِ: جَعَلْته مَسْجِدًا سَنَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُؤَبَّدًا، كَمَا لَوْ ذَكَرَ فِيهِ شَرْطًا فَاسِدًا   [حاشية البجيرمي] عَلَى قَوْلِهِ كَعِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَالثَّانِي مَوْقُوفًا فَإِنَّهُمَا مِثَالٌ لِلْوَقْفِ فِي مَحْظُورٍ وَقَوْلُهُ " أَوْ كُتُبِ " الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ عِبَارَةُ غَيْرِهِ بِلَفْظِ كِتَابَةٍ فَيَكُونُ كَالْعِمَارَةِ؛ وَالتَّوْرَاةُ لِمُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ صُحُفٍ عَشْرَةٍ قَبْلَهَا، وَالْإِنْجِيلُ لِعِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ: وَالتَّوْرَاةُ أَجَلُّ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَأَصْلُ تَوْرَاةٍ وَوْرَيَةٌ أُبْدِلَتْ الْوَاوُ تَاءً وَوَزْنُهَا تَفْعِلَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَوْ كَسْرِهَا، وَقِيلَ: وَزْنُهَا فَوْعَلَةٌ. وَالْإِنْجِيلُ بِالْكَسْرِ وَقَدْ يُفْتَحُ مِنْ النَّجْلِ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ خُلَاصَةِ الشَّيْءِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْوَلَدِ نَجْلُ أَبِيهِ كَأَنَّ الْإِنْجِيلَ اسْتَخْلَصَ خُلَاصَةَ نُورِ التَّوْرَاةِ، اهـ بِحُرُوفِهِ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ) ذَكَرَ الضَّمِيرَ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَأْنِيثِ الضَّمِيرِ الثَّابِتِ فِي نُسَخٍ مُرَاعَاةً لِمَرْجِعِهِ وَهُوَ لَفْظُ الصِّيغَةِ. وَاَلَّذِي فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ مُحْتَمِلَةٌ لَهُمَا لِوُجُودِ حِبْرٍ عَلَى الْخَطِّ اهـ أج. قَوْلُهُ: (بَلْ أَوْلَى) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا تَمْلِيكَ أَصْلًا وَإِنَّمَا فِيهِ إزَالَةُ رِقٍّ عَلَى الْعَتِيقِ، وَمَعَ ذَلِكَ اُشْتُرِطَ فِيهِ اللَّفْظُ فَشَرْطُهُ فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَى التَّمْلِيكِ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (مُحَرَّمَةً) أَيْ عَلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ) أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى مُعَيَّنٍ وَلَوْ جَمَاعَةً فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَقْفِ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي الْمِلْكِ كَتَصَدَّقْتُ بِهَذَا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ وَخَالِدٍ مَثَلًا فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ عَيْنًا وَمَنْفَعَةً وَلَهُمْ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ، عَلَى سَبِيلِ الْمِلْكِيَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛؛ لِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوُجِدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ) هُوَ مُكَرَّرٌ مَعَ الشَّرْطِ الثَّالِثِ تَأَمَّلْ أج. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْبِيدِ هُنَا عَدَمُ التَّأْقِيتِ بِدَلِيلِ تَفْرِيعِهِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَالْفُقَرَاءِ) فَهَذَا يُقَالُ لَهُ تَأْبِيدٌ أَيْ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالتَّأْبِيدِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ تَأْقِيتُ الْوَقْفِ) وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مُكَرَّرًا، لَكِنْ رُبَّمَا يُنَافِي فِي هَذَا الْمُرَادِ قَوْلَهُ كَالْوَقْفِ عَلَى إلَخْ تَأَمَّلْ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْبِيدِ عَدَمُ التَّأْقِيتِ فَيَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ، أَيْ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِالتَّأْبِيدِ أَوْ أَطْلَقَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَ الشَّارِحُ اقْتَصَرَ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ. قَوْلُهُ: (تَأْقِيتُ الْوَقْفِ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَا لَوْ قَالَ وَقَفْته عَلَى الْفُقَرَاءِ أَلْفَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَبْعُدُ بَقَاءُ الدُّنْيَا إلَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهُوَ يُوَافِقُ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ عَدَمِ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ يَكُونُ الْمُرَادُ تَأْبِيدَ الْوَقْفِ بِمُدَّةِ بَقَاءِ الدُّنْيَا إلَيْهِ فَلَا يَرِدُ إطْلَاقُهُمْ اهـ إسْعَادٌ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَوْلُهُ " مِنْ عَدَمِ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ بِذَلِكَ " أَيْ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ الطَّوِيلَةِ بَلْ يَكُونُ حَالًّا، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: اشْتَرَيْتُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ مَثَلًا بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي ذِمَّتِي مُؤَجَّلَةٍ بِأَلْفِ سَنَةٍ فَيَلْغُو هَذَا الْأَجَلُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ حَالًّا وَيَصِحُّ الْبَيْعُ. قَوْلُهُ: (بِمَصْرِفٍ) أَيْ آخَرَ. قَوْلُهُ: (فِيمَا لَا يُضَاهِي) أَيْ يُشَابِهُ التَّحْرِيرَ أَيْ الْإِعْتَاقَ وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُشَابَهَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ إزَالَةٌ لَا إلَى مَالِكٍ وَوَقْفُ غَيْرِ الْمَسْجِدِ فِيهِ إزَالَةُ مَالِكٍ، وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الْمُضَاهَاةِ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ إزَالَةُ مِلْكٍ لَا إلَى مَالِكٍ. قَوْلُهُ: (أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ) أَيْ فِي انْفِكَاكِهِ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّينَ س ل فَلِقُوَّةِ جَانِبِ الْمَسْجِدِ وَمَا بَعْدَهُ بِالشَّبَهِ الْمَذْكُورِ أُلْغِيَ التَّأْقِيتُ فِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 وَهُوَ لَا يُفْسِدُ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ وَلَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي أَوْ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ نَسْلِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَدُومُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ مَنْ يَصْرِفُ إلَيْهِ بَعْدَهُمْ صَحَّ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَقْفِ الْقُرْبَةُ وَالدَّوَامُ، فَإِذَا بَيَّنَ مَصْرِفَهُ ابْتِدَاءً سَهُلَ إدَامَتُهُ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ وَيُسَمَّى مُنْقَطِعَ الْآخِرِ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْمَذْكُورُ صُرِفَ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ يَوْمَ انْقِرَاضِ الْمَذْكُورِ وَيَخْتَصُّ الْمَصْرِفُ وُجُوبًا بِفُقَرَاءِ قَرَابَةِ الرَّحِمِ لَا الْإِرْثِ فِي الْأَصَحِّ، فَيُقَدَّمُ ابْنُ بِنْتٍ عَلَى ابْنِ عَمٍّ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ كَوَقَفْتُهُ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ الصَّرْفِ إلَيْهِ فِي الْحَالِ؛ فَكَذَا مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ صَحَّ لِوُجُودِ الْمَصْرِفِ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ، ثُمَّ بَعْدَ أَوْلَادِهِ يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ. وَالشَّرْطُ السَّادِسُ: بَيَانُ الْمَصْرِفِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَفْت كَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَصْرِفَهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ ذِكْرِ مَصْرِفِهِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْمَصْرِفَ إجْمَالًا كَقَوْلِهِ: وَقَفْت هَذَا عَلَى مَسْجِدِ كَذَا كَفَى وَصُرِفَ إلَى مَصَالِحِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.   [حاشية البجيرمي] وَصَحَّتْ مُؤَبَّدَةً كَالْعِتْقِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: أَعْتَقْت عَبْدِي سَنَةً فَإِنَّ الْعِتْقَ يَصِحُّ وَيَكُونُ مُؤَبَّدًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: وَقَفْته عَلَى زَيْدٍ سَنَةً وَمَعْنَى مُضَاهَاةِ التَّحْرِيرِ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى زَيْدٍ سَنَةً مَثَلًا فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِمَنْفَعَتِهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ ذَكَرَ فِيهِ شَرْطًا فَاسِدًا) كَمَا لَوْ قَالَ وَقَفْت هَذَا الْمَكَانَ مَسْجِدًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُصَلَّى فِيهِ أَوْ لَا يُعْتَكَفَ فِيهِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيتَ فِيهِ النِّسَاءُ الْحُيَّضُ أَوْ الْجُنُبُ مِنْ الرِّجَالِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ لَا يُفْسِدُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ، فَهُوَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الْآخِرِ. وَحَاصِلُ الْوَقْفِ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: إمَّا مَقْطُوعُ الْأَوَّلِ كَالْوَقْفِ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لَهُ، وَإِمَّا مَقْطُوعُ الْآخِرِ كَقَوْلِهِ عَلَى أَوْلَادِي، وَإِمَّا مَقْطُوعُ الْوَسَطِ كَقَوْلِهِ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ رَجُلٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ. فَيَصِحُّ فِيمَا عَدَا مَقْطُوعِ الْأَوَّلِ وَيُصْرَفُ فِي مُنْقَطِعِ الْآخِرِ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَفِي مُنْقَطِعِ الْوَسَطِ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (صُرِفَ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَخْ) أَيْ إنْ وُجِدُوا بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِلَّا فَإِلَى الْأَهَمِّ مِنْ الْمَسَاكِينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. ق ل. قَالَ الَأُجْهُورِيُّ: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ نِصْفَ هَذَا وَعَلَى عَمْرٍو نِصْفَهُ الْآخَرَ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمَا عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَتْ أَحَدُهُمَا صُرِفَ نَصِيبُهُ لِلْأَقْرَبِ لِلْوَاقِفِ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ احْتِمَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا وَقْفَانِ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ، فَلَوْ قَالَ: وَقَفْته عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ الْآخَرُ الْجَمِيعَ أَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَهُ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَالْأَقْرَبُ مِنْ احْتِمَالَيْنِ أَنَّهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا يَنْتَقِلُ لِلْفُقَرَاءِ. اهـ. شَرْحِ الرَّوْضِ. قُلْت: فِي هَذَا التَّقْرِيرِ يَصِيرُ لِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالٌ ثَلَاثَةٌ: إذَا وَقَفَ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا يَنْتَقِلُ لِلْآخَرِ، وَفِي وَقْفِ النِّصْفِ لِزَيْدٍ وَالنِّصْفِ لِعَمْرٍو ثُمَّ قَالَ مَنْ بَعْدَهُمَا لِلْفُقَرَاءِ يَنْتَقِلُ لِلْأَقْرَبِ لِلْوَاقِفِ حِصَّةُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا لَا لِلْآخَرِ وَلَا لِلْفُقَرَاءِ، وَالثَّالِثَةُ: إذَا وَقَفَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَهُ ثُمَّ قَالَ عَلَى الْفُقَرَاءِ يَنْتَقِلُ لِلْفُقَرَاءِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (أَقْرَبِ النَّاسِ) فَإِذَا انْقَرَضَ الْأَقْرَبُ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْعَلُ الْوَقْفَ حَبْسًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ تُصْرَفُ غَلَّتُهُ فِي مَصَالِحِهِمْ، وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ وَفِي الْفَتَاوَى لِابْنِ الصَّبَّاغِ: تُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، دِمْيَاطِيٌّ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (فَيُقَدَّمُ ابْنُ بِنْتٍ) أَيْ وَلَا يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأَوْجَهِ،. اهـ. تُحْفَةٌ. قَوْلُهُ: (لِوُجُودِ الْمَصْرِفِ فِي الْحَالِ) وَهُمْ الْأَوْلَادُ وَالْمَآلِ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ. قَوْلُهُ: (يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُتَوَسِّطُ مُعَيَّنًا، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَالدَّابَّةِ فَمَصْرِفُهُ مُدَّةَ وُجُودِهَا كَمُنْقَطِعِ الْآخِرِ ق ل. وَقَوْلُهُ " كَالدَّابَّةِ " أَيْ أَوْ الْعَبْدِ نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ " مُدَّةَ وُجُودِهَا " أَيْ مُدَّةَ حَيَاةِ الدَّابَّةِ. قَوْلُهُ: (بَيَانُ الْمَصْرِفِ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ " أَصْلٍ مَوْجُودٍ إلَخْ "؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ الْمَصْرِفِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَذْكُرْ مَصْرِفَهُ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ وَإِنْ أَضَافَهُ لِلَّهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ. وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَصْرِفَ كَأَنْ قَالَ: أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي وَأَطْلَقَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَيُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ تَكُونَ لِلْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ (فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) أَيْ أَصْلًا أَوْ إعْطَاءً إلَّا بِالْمَوْتِ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ " أَصْلًا " كَأَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى أَوْلَادِي بَعْدَ مَوْتِي وَقَوْلُهُ " أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 وَالشَّرْطُ السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ وَقَفْت كَذَا عَلَى كَذَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقْتَضِي نَقْلَ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ لَمْ يُبْنَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ. أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ كَجَعَلْتُهُ مَسْجِدًا إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالْمَوْتِ، فَإِنْ عَلَّقَهُ بِهِ كَقَوْلِهِ وَقَفْت دَارِي بَعْدَ مَوْتِي عَلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَالَ الشَّيْخَانِ وَكَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِقَوْلِ الْقَفَّالِ إنَّهُ لَوْ عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ كَانَ رُجُوعًا، وَلَوْ نَجَّزَ الْوَقْفَ وَعَلَّقَ الْإِعْطَاءَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ جَازَ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ. وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى مَنْ شِئْت أَوْ فِيمَا شِئْت وَكَانَ قَدْ عَيَّنَ لَهُ مَا شَاءَ أَوْ مَنْ يَشَاءُ عِنْدَ وَقْفِهِ صَحَّ وَأُخِذَ بِبَيَانِهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ. وَلَوْ قَالَ: وَقَفْته فِيمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى. وَالشَّرْطُ الثَّامِنُ: الْإِلْزَامُ، فَلَوْ قَالَ: وَقَفْت هَذَا عَلَى كَذَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ فِي إبْقَاءِ وُقْفِهِ أَوْ الرُّجُوعِ فِيهِ مَتَى شَاءَ، أَوْ شَرَطَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ شَرَطَ عَوْدَهُ إلَيْهِ بِوَجْهِ مَا كَانَ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَدْخُلَ مَنْ شَاءَ وَيَخْرُجُ مَنْ شَاءَ لَمْ يَصِحَّ قَالَ الرَّافِعِيُّ كَالْعِتْقِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ بُطْلَانِ الْعِتْقِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. وَأَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ. (وَهُوَ) أَيْ الْوَقْفُ (عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ) سَوَاءٌ أَقُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ أَمْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، أَمْ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى   [حاشية البجيرمي] إعْطَاءٍ " كَأَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى أَوْلَادِي الْآنَ وَلَا يُصْرَفُ لَهُمْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِي. قَوْلُهُ: (نَقْلَ الْمِلْكِ) أَيْ إزَالَةِ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُبْنَ عَلَى التَّغْلِيبِ) أَيْ الْقَهْرُ مَيْدَانِيٌّ، أَيْ كَمَا فِي الْعِتْقِ فَإِنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْقَهْرِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بَعْضُهُ قَهْرًا إذَا اشْتَرَاهُ وَقَوْلُهُ " وَالسِّرَايَةِ " كَمَا فِي الْعِتْقِ أَيْضًا فِيمَا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَسْرِي الْعِتْقُ لِلنِّصْفِ الثَّانِي بِخِلَافِ الْوَقْفِ فِيهِمَا، فَإِذَا وَقَفَ نِصْفَ دَارِهِ لَا يَسْرِي لِلْبَاقِي. وَهَذَا إشَارَةٌ لِقَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ قَبِلَ التَّعْلِيقَ كَالْخُلْعِ فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ بِشَوْبِ جَعَالَةٍ فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، فَلَوْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتِنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيبَ الْجِعَالَةِ، وَهِيَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، وَكَذَا الطَّلَاقُ يَقْبَلُ السِّرَايَةَ فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ أَيْضًا بِخِلَافِ الْوَقْفِ م د. قَوْلُهُ: (فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ) وَلَا يَكُونُ مَسْجِدًا إلَّا إذَا جَاءَ رَمَضَانُ زي. قَوْلُهُ: (وَكَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ: وَالْحَاصِلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَصَايَا فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي جَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْهُ وَفِي عَدَمِ صَرْفِهِ لِلْوَارِثِ، وَحُكْمُ الْأَوْقَافِ فِي تَأْبِيدِهِ وَعَدَمِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَإِرْثِهِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَعَلَّقَ الْإِعْطَاءَ إلَخْ) اُسْتُشْكِلَ هَذَا بِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَوْقُوفِ لِلْوَاقِفِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَمَا الْفَائِدَةُ لِلْفُقَرَاءِ فِي الْوَقْفِ؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِيهِ لَهُمْ انْتِقَالُ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا يُشْبِهُ الْحِيلَةَ فِي الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْفَوَائِدَ فِي هَذَا تَكُونُ لَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَهُوَ يُشْبِهُهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِيمَا شِئْت) أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ. " وَفِي " بِمَعْنَى " عَلَى " وَالْأَوَّلُ الْعَاقِلُ وَالثَّانِي لِغَيْرِ الْعَاقِلِ كَالْمَسَاجِدِ. وَقَوْلُهُ " وَكَانَ قَدْ عَيَّنَ إلَخْ " لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ) أَيْ الْوَاقِفُ، " وَكَانَ " زَائِدَةٌ، وَقَوْلُهُ " لَهُ " أَيْ لِلْوَقْفِ؛ فَالْمُنَاسِبُ وَقَدْ عَيَّنَ إلَخْ بِحَذْفِ كَانَ؛ لِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّهُ عَيَّنَ قَبْلَ الْوَقْفِ مَعَ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي حَالِ الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَنْ يَشَاءُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ مَنْ شَاءَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَلَا يُعَيِّنُ فَلَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَشَاء زَيْدٌ وَيَعْمَلُ بِبَيَانِ زَيْدٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ إنْ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ مَنْ يَرَاهُ وَإِلَّا فَيَصِحُّ جَزْمًا. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (مِنْ بُطْلَانِ الْعِتْقِ) أَيْ إذَا أَعْتَقَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ الرُّجُوعِ أَوْ رِضَا فُلَانٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ نُفُوذُهُ لِقُوَّةِ الْعِتْقِ دُونَ الْوَقْفِ، فَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُ عَبْدِي وَأَبِيعُهُ مَتَى شِئْتُ بَطَلَ عَلَى قَوْلٍ، وَالرَّاجِحُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيرَ لَا يَتَأَثَّرُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَمَا مَرَّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ) وَلِقُوَّةِ الْعِتْقِ، فَلَا يَتَأَثَّرُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ كَمَا مَرَّ فِي التَّعْلِيقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 أَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّينَ كَمَا هُوَ الْأَظْهَرُ، إذْ مَبْنَى الْوَقْفِ عَلَى اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ (مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَتَسْوِيَةٍ وَتَفْصِيلٍ) وَجَمْعٍ وَتَرْتِيبٍ وَإِدْخَالِ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ وَإِخْرَاجِهِ بِصِفَةٍ مِثَالُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي بِشَرْطِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَوْرَعُ مِنْهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْبَاقِينَ. وَمِثَالُ التَّسْوِيَةِ كَقَوْلِهِ: بِشَرْطِ أَنْ يُصْرَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَمِثَالُ التَّفْضِيلِ كَقَوْلِهِ: بِشَرْطِ أَنْ يُصْرَفَ لِزَيْدٍ مِائَةٌ وَلِعَمْرٍو خَمْسُونَ. وَمِثَالُ الْجَمْعِ خَاصَّةً كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِي أَصْلِ الْإِعْطَاءِ وَالْمِقْدَارِ بَيْنَ الْكُلِّ، وَهُوَ جَمِيعُ أَفْرَادِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا لِلتَّرْتِيبِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَنُقِلَ عَنْ إجْمَاعِ النُّحَاةِ وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ مَا تَنَاسَلُوا أَوْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ إذْ الْمَزِيدُ لِلتَّعْمِيمِ فِي النَّسْلِ، وَمِثَالُ التَّرْتِيبِ خَاصَّةً كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْوَقْفُ مِنْ حَيْثُ صَرْفُهُ غَلَّتَهُ أَوْ اسْتِحْقَاقٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا شَرَطَ إلَخْ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ، أَوْ مَوْصُولَةٌ أَيْ اتِّبَاعِ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ؛ فَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَوْ اخْتِصَاصَ نَحْوِ مَسْجِدٍ بِطَائِفَةٍ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ رِعَايَةً لِغَرَضِهِ أَيْ فَشَرْطُهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ. قَوْلُهُ: (الْمِلْكُ لَهُ) أَيْ لِلْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَزَالَ الْمِلْكَ عَنْ فُؤَادِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَوْلُهُ " أَمْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ " وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْقَوْلَانِ ضَعِيفَانِ فِي مَذْهَبِنَا. قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْفَكُّ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الِانْتِقَالِ إلَيْهِ تَعَالَى، وَإِلَّا فَكُلُّ الْمَوْجُودَاتِ بِأَسْرِهَا مِلْكٌ لَهُ تَعَالَى فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَغَيْرِهِ وَإِنْ سُمِّيَ مَالِكًا فَإِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّوَسُّعِ وَالْمَجَازِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَمَا هُوَ) أَيْ قَوْلُهُ أَمْ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (إذْ مَبْنَى الْوَقْفِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّلَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ شَرَطَ الْوَاقِفُ كَنَصِّ الشَّارِعِ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَعَلَّلَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ رِعَايَةً لِغَرَضِهِ وَعَمَلًا بِشَرْطِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ) بَيَانٌ لِمَا وَأَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ، فَهُوَ مِنْ عَطْفِ أَحَدِ الْمُتَلَازِمِينَ عَلَى الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (وَتَرْتِيبٍ) قَالَ ق ل: لَعَلَّهُ مُسْتَدْرَكٌ مَعَ قَوْلِهِ " تَقْدِيمٍ " اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا اسْتِدْرَاكَ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَا يُجَامِعُ التَّقْدِيمَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ لَا يُجَامِعُهُ فِيمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي بِشَرْطِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَوْرَعُ مِنْهُمْ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا وَقْفُ جَمْعٍ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْوَاقِفِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْبَاقِينَ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَقْفُ جَمْعٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ قَوْلُ الْوَاقِفِ بِشَرْطِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَوْرَعُ فَالْأَوْرَعُ أَيْ يُقَدَّمُ بِكِفَايَتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَإِنْ فَضَلَ إلَخْ " فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَإِخْرَاجِهِ بِصِفَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا الصِّفَةُ السَّابِقَةُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَإِخْرَاجُهُ بِهَا؛ فَالْأَوْلَى الْإِضْمَارُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْوَاحِدَةَ لِلْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ " وَإِخْرَاجِهِ " مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً تَكُونُ غَيْرَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبِيٌّ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الْأَوْرَعُ) هُوَ مَنْ يَتَّقِي الشُّبُهَاتِ وَإِنْ زَادَ الْحَلَالُ عَلَى كِفَايَتِهِ، وَأَمَّا الزَّاهِدُ فَهُوَ مَنْ تَرَكَ الزَّائِدَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ الْحَلَالِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ) أَيْ عَنْ كِفَايَتِهِ. وَكُلُّ هَذَا مِنْ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ. فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ق ل بِقَوْلِهِ فَإِنْ فَضَلَ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ إذْ لَمْ يُجْعَلْ لِلْمُقَدَّمِ مِقْدَارٌ يُتَصَوَّرُ فِيهِ فَضْلٌ أَوْ عَدَمُهُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَمِثَالُ التَّسْوِيَةِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي الْإِطْلَاقِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مَا بَعْدَهُ ق ل. فَهُوَ مُكَرَّرٌ مَعَ الْجَمْعِ؛ فَإِنَّ فِيهِ تَسْوِيَةً كَمَا يَأْتِي؛ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّسْوِيَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ شَرْطِ الْوَاقِفِ هُنَا وَمَا يَأْتِي مِنْ الْإِطْلَاقِ وَجَوْهَرِ اللَّفْظِ فَلَا تَكْرَارَ. قَوْلُهُ: (وَمِثَالُ الْجَمْعِ خَاصَّةً) أَيْ بِدُونِ التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ) ؛ لِأَنَّ " الْوَاوَ " حَرْفٌ مُشْتَرَكٌ. قَوْلُهُ: (ذُكُورِهِمْ) أَيْ وَخَنَاثَاهُمْ. قَوْلُهُ: (وَنُقِلَ) أَيْ كَوْنُ الْوَاوِ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ سَفَلُوا، وَقِيلَ: إنَّهُ لِلتَّرْتِيبِ بَيْنَ الْبَطْنِيِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَكَذَا يُسَوَّى بَيْنَ الْجَمِيعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي، أَوْ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، أَوْ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، أَوْ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ. وَمِثَالُ الْجَمْعِ وَالتَّرْتِيبِ كَوَقَفْتُهُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا. فَتَكُونُ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ مُشْتَرَكِينَ وَبَعْدَهُمْ يَكُونُونَ مُرَتَّبِينَ، وَحَيْثُ وُجِدَ لَفْظُ التَّرْتِيبِ فَلَا يُصْرَفُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي شَيْءٌ مَا بَقِيَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَحَدٌ. وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ الْبُطُونِ لَا يُصْرَفُ إلَى بَطْنٍ وَهُنَاكَ مِنْ بَطْنٍ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، فَيُتَّبَعُ شَرْطُهُ وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْوَلَدِ حَقِيقَةً. وَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَعَلَى النَّسْلِ وَعَلَى الْعَقِبِ وَعَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لِصِدْقِ اللَّفْظِ بِهِمْ، أَمَّا فِي الذُّرِّيَّةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84] إلَى أَنْ ذَكَرَ عِيسَى، وَلَيْسَ هُوَ إلَّا وَلَدُ الْبِنْتِ وَالنَّسْلُ   [حاشية البجيرمي] لَوْ زَادَ مَا تَنَاسَلُوا أَوْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَوْ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ لِاقْتِضَائِهِ التَّشْرِيكَ؛ لِأَنَّهُ لِمَزِيدِ التَّعْمِيمِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمِثْلُ مَا تَنَاسَلُوا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ، وَقِيلَ: الْمَزِيدُ فِيهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لِلتَّرْتِيبِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَطْنًا) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَأَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ، فَالصُّوَرُ ثَلَاثَةٌ: زِيَادَةُ مَا تَنَاسَلُوا فَقَطْ، زِيَادَةُ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَقَطْ، زِيَادَةُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، وَالْخِلَافُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ دُونَ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (التَّرْتِيبِ خَاصَّةً) أَيْ بِدُونِ الْجَمْعِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى) وَيَشْمَلُ ذَلِكَ جَمِيعَ الطَّبَقَاتِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ) أَيْ لِلْوَاقِفِ، وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ وَقْفُ تَرْتِيبٍ أَوْ تَسْوِيَةٍ صُدِّقَ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ مِنْ نَاظِرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِلَّا حَلَفُوا وَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ ق ل وَقَوْلُهُ " وَلَوْ اخْتَلَفُوا " أَيْ وَلَمْ يُعْلَمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ. قَوْلُهُ: (لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَوْلَادِي) هَذَا هُوَ الْجَمْعُ. وَقَوْلُهُ " فَإِذَا انْقَرَضُوا " هَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ. قَوْلُهُ: (لَفْظُ التَّرْتِيبِ) أَيْ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ بَطْنٍ) أَيْ هُنَاكَ أَحَدٌ مِنْ بَطْنٍ أَقْرَبَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَقُولَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ " فَلَا يُصْرَفُ إلَخْ " وَقَوْلُهُ " مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ " كَأَنْ يَقُولَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَخَلَفَ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ، فَيَكُونُ مُخَصَّصًا لِمَا تُفِيدُهُ الصِّيغَةُ الْأُولَى مِنْ نَقْلِ نَصِيبِهِ إذَا مَاتَ لِبَاقِيهِمْ. قَوْلُهُ: (فَيُتْبَعُ شَرْطُهُ) فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ اخْتَصَّ بِنَصِيبِهِ وَلَدُهُ،. اهـ. رَوْضٌ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: هَلَّا قِيلَ بِدُخُولِهِمْ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، قُلْت: شَرْطُهُ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ وَكَلَامُنَا هُنَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، شَرْحِ الرَّوْضِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ حُمِلَ عَلَى الْمَجَاز، فَلَوْ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ شَارَكَ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ وَلَا يَحْجُبُهُمْ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ وَلَدَ الْوَالِدِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُمْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمْ اسْمُ الْأَوْلَادِ حَقِيقَةً. قَوْلُهُ: (لَا يَقَعُ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَدِ الْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ " وَعَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ " نَعَمْ إنْ قَيَّدَ بِالْهَاشِمِيِّينَ لَمْ تَدْخُلْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إلَّا إنْ كَانَ أَبُوهُمْ هَاشِمِيًّا ق ل. قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي بِالْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَمْ يَزِدْ صُرِفَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ، وَأَمَّا أَوْلَادُ الْبُطُونِ فَفِيهِ نَظَرٌ. ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعَصْرِ أَفْتَى بِأَنَّهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ وَأَوْلَادِ الْبُطُونِ، فَعَرَضْتُ الْإِفْتَاءَ عَلَى شَيْخِنَا فَلَمْ يَرْتَضِ الْإِفْتَاءَ وَتَوَقَّفَ، ثُمَّ فَتْحَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَنْقُولِ الْمُؤَيِّدِ لِلْحَقِّ فِي عِمَادِ الرِّضَا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ: وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَقَالَ: مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ أَوْ عَقِبٍ صُرِفَ نَصِيبُهُ لِمَنْ يُوجَدُ مِنْ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمِيرَاثِ فَمَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ بِنْتٍ وَابْنِ بِنْتٍ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِأَنَّ النِّصْفَ لِلْبِنْتِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ لِابْنِ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ النَّسْلِ وَالْعَقِبِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ الْإِفْتَاءِ وَأَنَّهُ مِنْ التَّجَرُّؤِ عَلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَأَمَّلْ أج. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَقَعُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَمَنْ مَاتَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ تَأْسِيسٌ لَا تَأْكِيدٌ فَيُحْمَلُ عَلَى وَصْفِهِ الْمَعْرُوفِ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ الِاتِّصَافِ حَقِيقَةً بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْوَقْفِ حَالَ الْمَوْتِ مَنْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ نَصِيبُهُ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ أَيْضًا بِأَنْ يُرَادَ الِاسْتِحْقَاقُ وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا أَفَادَ السُّبْكِيُّ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ كَافٍ فِي إفَادَةِ هَذَا فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاءُ قَوْلِهِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَأَنَّهُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ وَالتَّأْسِيسِ خَيْرٌ مِنْهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 وَالْعَقِبُ فِي مَعْنَاهُ، إلَّا إنْ قَالَ: عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْهُمْ فَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِيمَا ذُكِرَ نَظَرًا لِلْقَيْدِ الْمَذْكُورِ. هَذَا إنْ كَانَ الْوَاقِفُ رَجُلًا فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً دَخَلُوا فِيهِ بِجَعْلِ الِانْتِسَابِ فِيهَا لُغَوِيًّا لَا شَرْعِيًّا، فَالتَّقْيِيدُ فِيهَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلْإِخْرَاجِ، وَمِثَالُ الْإِدْخَالِ بِصِفَةٍ وَالْإِخْرَاجِ بِصِفَةٍ كَوَقَفْتُهُ عَلَى أَوْلَادِي الْأَرَامِلِ وَأَوْلَادِي الْفُقَرَاءِ، فَلَا تَدْخُلُ الْمُتَزَوِّجَةُ وَلَا يَدْخُلُ الْغَنِيُّ، فَلَوْ عَادَتْ أَرْمَلَةً أَوْ عَادَ فَقِيرًا عَادَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَتَسْتَحِقُّ غَيْرُ الرَّجْعِيَّةِ فِي زَمَنِ عِدَّتِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الزَّوَائِدِ تَفَقُّهًا. تَتِمَّةٌ: الْمَوْلَى يَشْمَلُ الْأَعْلَى، وَهُوَ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ، وَالْأَسْفَلَ وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، فَلَوْ اجْتَمَعَا اشْتَرَكَا لِتَنَاوُلِ اسْمِهِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) أَيْ نُوحٌ وَقِيلَ إبْرَاهِيمُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ اقْتَصَرَ الْجَلَالُ قَالَ الْخَازِنُ: وَهُوَ أَيْ الْأَوَّلُ اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي جَمَاعَةِ هَذِهِ الذُّرِّيَّةِ لُوطًا وَهُوَ ابْنُ أَخِي إبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِإِبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّ مَسَاقَ النَّظْمِ الْكَرِيمِ لِبَيَانِ شُؤُونِهِ الْعَظِيمَةِ مِنْ إتْيَانِ الْحُجَّةِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَهِبَةِ الْأَوْلَادِ وَإِبْقَاءِ هَذِهِ الْكَرَامَةِ فِي نَسْلِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَلَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْقِيلِ لُوطٌ الَّذِي هُوَ خَارِجٌ عَنْ ذُرِّيَّةِ إبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ الْعَمَّ أَبًا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} [البقرة: 133] ؛ لِأَنَّ إسْمَاعِيلَ عَمُّ يَعْقُوبَ اهـ. وَقَالَ زَكَرِيَّا عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ: وَلَمَّا كَانَ لُوطٌ ابْنَ أَخِيهِ آمَنَ بِهِ وَهَاجَرَ مَعَهُ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ اهـ قَالَ أج: وَيَدْخُلُ فِي الذُّرِّيَّةِ الْحَمْلُ وَيُصْرَفُ لَهُ زَمَنَ اجْتِنَانِهِ إلَّا فِي أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فَلَا يُصْرَفُ لَهُ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي مَعْنَاهُ) أَيْ الذُّرِّيَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فِي مَعْنَاهَا. قَوْلُهُ: (إلَّا إنْ قَالَ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ، وَهُوَ تَقْيِيدٌ لِكُلِّ مَا قَبْلَهُ مِنْ الذُّرِّيَّةِ وَمَا بَعْدَهُ لَهُ. قَوْلُهُ: (نَظَرًا لِلْقَيْدِ الْمَذْكُورِ) ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُنْسَبُونَ لِآبَائِهِمْ قَالَ تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] وَأَمَّا خَبَرُ «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» فِي حَقِّ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَجَوَابُهُ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْسَبَ أَوْلَادُ بَنَاتِهِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَالتَّقْيِيدُ فِيهَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ) أَيْ فَتَقْيِيدُ الْأُمِّ بِقَوْلِهَا عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْهُمْ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلْإِخْرَاجِ؛ لِأَنَّ كُلَّ فُرُوعِهَا يُنْسَبُونَ إلَيْهَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. قَوْلُهُ: (لَا لِلْإِخْرَاجِ) أَيْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ اللُّغَةِ أَنْ يُنْسَبَ الْوَلَدُ إلَى مَنْ وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ مَنْ وَلَدَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمِثَالُ الْإِدْخَالِ بِصِفَةٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ أَحَدَهُمَا أَيْ الْإِدْخَالَ وَالْإِخْرَاجَ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَغْنًى عَنْ الْآخَرِ فَتَأَمَّلْ ق ل. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ مَا دَامَ فَقِيرًا فَاسْتَغْنَى ثُمَّ افْتَقَرَ لَا يَسْتَحِقُّ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ، م ر وَكَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى بِنْتِهِ مَا دَامَتْ عَزَبَةً فَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ طَلُقَتْ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ لِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (وَالْإِخْرَاجُ بِصِفَةٍ) أَيْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِعَيْنِهَا، عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ مِنْ أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمِثَالُ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إلَّا صِفَةً وَاحِدَةً، فَالْأَرَامِلُ وَالْفُقَرَاءُ يَدْخُلُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَيَخْرُجُ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْإِخْرَاجُ بِهَا. قَوْلُهُ: (عَادَ الِاسْتِحْقَاقُ) مَحَلُّ الْعَوْدِ إذَا لَمْ يَقُلْ فِي وَقْفِهِ مَا دَامَ فَقِيرًا، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فَاسْتَغْنَى وَاحِدٌ ثُمَّ افْتَقَرَ لَا يَعُودُ الِاسْتِحْقَاقُ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَهَذَا مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ مُطْلَقًا حَالَ فَقْرِهِ فَلَا تُقْبَلُ الدَّيْمُومَةُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَتَسْتَحِقُّ غَيْرُ الرَّجْعِيَّةِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا أَيْ الرَّجْعِيَّةَ لَيْسَتْ أَرْمَلَةً؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ حُكْمًا؛ وَلَوْ قَالَ لَا تَدْخُلُ الرَّجْعِيَّةُ لَكَانَ وَاضِحًا ق ل بِزِيَادَةٍ، وَعِبَارَةُ أج وَتَسْتَحِقُّ غَيْرُ الرَّجْعِيَّةِ أَيْ وَهِيَ الْبَائِنُ، وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا لِوُجُوبِ مُؤْنَتِهَا عَلَى زَوْجِهَا وَلِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ إلَّا بِبَيْنُونَتِهَا. وَقَوْلُهُ " فِي زَمَنِ عِدَّتِهَا " لَيْسَ بِقَيْدٍ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تُخَالِفُ فِيهِ الْبَائِنُ الرَّجْعِيَّةَ. قَوْلُهُ: (الْمَوْلَى يَشْمَلُ الْأَعْلَى إلَخْ) إنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَ وَبَيْنَ الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ فِي عَدَمِ شُمُولِهِ لِلْأَسْفَلِ فِي ذَاكَ دُونَ هَذَا؟ أُجِيبُ بِأَنَّ الْمَدَارَ فِي ذَاكَ عَلَى الْأَقْرَبِيَّةِ وَالرَّحِمِ وَهُمَا فِي الْأَوْلَادِ أَقْوَى مِنْهُمَا فِي أَوْلَادِهِمْ، وَفِي هَذَا عَلَى الشَّرَفِ لِلْوَاقِفِ وَهُوَ كَمَا يَكُونُ فِي الْأَعْلَى يَكُونُ فِي الْأَسْفَلِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (وَالْأَسْفَلَ) فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، أَيْ بَيْنَ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُعْتَمَدِ لِلْبَنْدَنِيجِيِّ، لَا عَلَى الْجِهَتَيْنِ مُنَاصَفَةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 لَهُمَا. وَالصِّفَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَلْحَقَانِ الْمُتَعَاطِفَاتِ بِحَرْفٍ مُشَرِّكٍ كَالْوَاوِ وَالْفَاءِ، وَثُمَّ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْهَا كَلَامٌ طَوِيلٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي جَمِيعِ الْمُتَعَاطِفَاتِ سَوَاءٌ أَتَقَدَّمَا عَلَيْهَا أَمْ تَأَخَّرَا أَمْ تَوَسَّطَا كَوَقَفْتُ هَذَا عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي، أَوْ عَلَى أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ، أَوْ عَلَى أَوْلَادِي الْمُحْتَاجِينَ وَأَحْفَادِي، أَوْ عَلَى مَنْ ذُكِرَ إلَّا مَنْ يَفْسُقُ مِنْهُمْ، وَالْحَاجَةُ هُنَا مُعْتَبَرَةٌ بِجَوَازِ أَخْذِ الزَّكَاةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ، فَإِنْ تَخَلَّلَ الْمُتَعَاطِفَاتُ مَا ذُكِرَ كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَأَعْقَبَ، فَنَصِيبُهُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِلَّا فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ. فَإِذَا انْقَرَضُوا صُرِفَ إلَى إخْوَةِ الْمُحْتَاجِينَ أَوْ إلَّا مَنْ يَفْسُقُ مِنْهُمْ اخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمَعْطُوفِ الْأَخِيرِ، وَنَفَقَةُ الْمَوْقُوفِ وَمُؤْنَةُ   [حاشية البجيرمي] لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُمَا، نَعَمْ لَا يَدْخُلُ مُدَبَّرٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْمَوَالِي حَالَ الْوَقْفِ وَلَا حَالَ الْمَوْتِ اهـ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اجْتَمَعَا اشْتَرَكَا) أَيْ سَوِيَّةً وَالذَّكَرُ كَالْأُنْثَى، فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا اخْتَصَّ بِهِ وَلَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ لَوْ وُجِدَ بَعْدُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالصِّفَةُ) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا يُفِيدُ قَيْدًا فِي غَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الصِّفَةُ النَّحْوِيَّةُ أَيْ خَاصَّةً شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (بِحَرْفِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْمُتَعَاطِفَاتِ. قَوْلُهُ: (كَالْوَاوِ إلَخْ) بَقِيَ لِلْكَافِّ حَتَّى، وَقَوْلُهُ " اشْتِرَاكُهُمَا " أَيْ اشْتِرَاكُ كُلٍّ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ. قَوْلُهُ: (أَتَقَدَّمَا عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمُتَعَاطِفَاتِ. قَوْلُهُ: (أَمْ تَوَسَّطَا) خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَعِبَارَتُهُ: أَمَّا الْمُتَوَسِّطَةُ نَحْوُ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي الْمُحْتَاجِينَ وَأَوْلَادِهِمْ، قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَوْلِهِ: " لَا نَعْلَمُ فِيهَا نَقْلًا ": فَالْمُخْتَارُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: تَعُودُ إلَى مَا وَلِيَهَا أَيْضًا، بَلْ قِيلَ: إنَّ عَوْدَهَا إلَيْهِمَا أَيْضًا أَوْلَى مِمَّا إذَا تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِمَا، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اشْتِرَاكُ الْمُتَعَاطِفَاتِ، وَإِنَّمَا سَكَتَ كَغَيْرِهِ عَنْ الْمُتَوَسِّطِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهَا مُتَأَخِّرَةٌ وَلِمَا بَعْدَهَا مُتَقَدِّمَةٌ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ كَجٍّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخَيْنِ عَقِبَ مَا مَرَّ: وَكُلُّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَقَدِّمًا وَمُتَأَخِّرًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَسِّطًا اهـ. فَالصِّفَةُ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (إلَّا مَنْ يَفْسُقُ مِنْهُمْ) أَشَارَ بِذَلِكَ لِلِاسْتِثْنَاءِ، وَهَذَا مِثَالٌ لِتَأْخِيرِهِ، وَمِثَالُ تَقْدِيمِهِ: وَقَفْت هَذَا عَلَى غَيْرِ الْغَنِيِّ مِنْ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، وَمِثْلُهُ فِي الرَّوْضِ بِوَقَفْتُ إلَّا عَلَى مَنْ فَسَقَ مِنْ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، قَالَ م ر: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِسْقِ ارْتِكَابُ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٌ عَلَى صَغِيرَةٍ أَوْ صَغَائِرَ وَلَمْ تَغْلِبُ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ، وَبِالْعَدَالَةِ انْتِفَاءُ ذَلِكَ وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِخَرْمِ مُرُوءَتِهِ مَثَلًا اهـ. فَلَوْ تَابَ الْفَاسِقُ هَلْ يَسْتَحِقُّ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الِاسْتِحْقَاقُ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى بِنْتِهِ الْأَرْمَلَةِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ تَغَرَّبَتْ. مِنْ أَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي أَنْ لَا تَحْتَاجَ أَلْبَتَّةَ يَعْنِي قَطْعًا، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ فِيمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى وَلَدِي مَا دَامَ فَقِيرًا فَاسْتَغْنَى ثُمَّ افْتَقَرَ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْمُومَةَ تَنْقَطِعُ بِالِاسْتِغْنَاءِ، وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْوَاقِفِ مَا يَشْمَلُ اسْتِحْقَاقَهُ بَعْدَ عَوْدِ الْفَقْرِ. اهـ. عِ ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مَا ذُكِرَ) أَيْ الْكَلَامُ الطَّوِيلُ، وَهُوَ فَاعِلٌ. قَوْلُهُ: (بِالْمَعْطُوفِ الْأَخِيرِ) وَهُوَ الْإِخْوَةُ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ فِي الْمَعْنَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِخْوَتِي بَعْدَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِي. قَوْلُهُ: (وَنَفَقَةُ الْمَوْقُوفِ إلَخْ) وَلِأَهْلِ الْوَقْفِ الْمُهَايَأَةُ لَا قِسْمَتُهُ وَلَوْ إفْرَازًا وَلَا تَغْيِيرُهُ كَجَعْلِ الْبُسْتَانِ دَارًا، وَعَكْسُهُ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ الْعَمَلَ بِالْمَصْلَحَةِ فَيَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِحَبْسِهَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ تَغْيِيرُهُ فِي غَيْرِهَا وَلَكِنْ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُغَيَّرُ مُسَمَّاهُ، وَأَنْ لَا يُزِيلَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يَنْقُلُهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى آخَرَ، وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْوَقْفِ؛ وَعَلَيْهِ فَفَتْحُ شُبَّاكٍ الطَّبَرَسِيَّةِ فِي جِدَارِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ لَا يَجُوزُ إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْجَامِعِ الْأَزْهَرِ فِيهِ. اهـ. شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ " أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُغَيَّرُ مُسَمَّاهُ " مِنْهُ يُؤْخَذُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ مَطْهَرَةَ مَسْجِدِ مُجَاوِرٍ لِشَارِعٍ مِنْ شَوَارِعِ الْمُسْلِمِينَ آلَتْ لِلسُّقُوطِ وَلَيْسَ فِي الْوَقْفِ مَا تَعْمُرُ بِهِ فَطَلَبَ شَخْصٌ أَنْ يُعَمِّرَهَا مِنْ مَالِهِ بِشَرْطِ تَرْكِ قِطْعَةٍ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَتْ حَامِلَةً لِلْجِدَارِ لِتَتَّسِعَ الطَّرِيقُ فَظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ انْهِدَامِهَا وَعَدَمِ مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 تَجْهِيزِهِ وَعِمَارَتِهِ مِنْ حَيْثُ شَرَطَهَا الْوَاقِفُ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَمِنْ مَنَافِعِ الْمَوْقُوفِ كَكَسْبِ الْعَبْدِ وَغَلَّةِ الْعَقَارِ، فَإِذَا انْقَطَعَتْ مَنَافِعُهُ فَالنَّفَقَةُ وَمُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ لَا الْعِمَارَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ نَظَرًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْقَاضِي وَشَرْطُ النَّاظِرِ عَدَالَةٌ وَكِفَايَةٌ، وَوَظِيفَتُهُ عِمَارَةٌ وَإِجَارَةٌ وَحِفْظُ أَصْلٍ وَغَلَّةٍ وَجَمْعُهَا وَقِسْمَتُهَا عَلَى   [حاشية البجيرمي] تَعْمُرُ بِهِ هَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ أَوْ لَا؟ وَهُوَ الْجَوَازُ نَظَرًا لِلْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَوْلُهُ " إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْجَامِعِ فِيهِ " يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهُوَ أَنَّ شَخْصًا أَرَادَ عِمَارَةَ مَسْجِدٍ خَرِبٍ بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ غَيْرِ آلَتِهِ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي جَعْلِ بَابِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ غَيْرِ الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ بِجِوَارِ مَنْ يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمُعْتَادِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْجَامِعِ وَالْمُسْلِمِينَ. اهـ. ع ش. فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ حَادِثَةٍ، وَهِيَ أَنَّ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَأَلْفٍ وَجَدَ مِنْ رِيعِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ دَرَاهِمَ لَهَا صُورَةٌ مُسْتَغْنٍ عَنْهَا فَاشْتَرَى بِهَا جِرَايَاتٍ وَجُعِلَتْ خُبْزًا وَوُزِّعَتْ عَلَى فُقَرَائِهِ، هَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ أَمْ لَا؟ وَجَوَابُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَاحْفَظْهُ اهـ ع ش وَفِي فَتَاوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: يَجُوزُ إيقَادُ الْيَسِيرِ فِي الْمَسْجِدِ الْخَالِي لَيْلًا تَعْظِيمًا لَهُ لَا نَهَارًا لِلسَّرَفِ وَالتَّشْبِيهِ بِالنَّصَارَى. وَفِي الرَّوْضَةِ: يَحْرُمُ إسْرَاجُ الْخَالِي وَجُمِعَ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى مَا إذَا أُسْرِجَ مِنْ وَقْفِ الْمَسْجِدَ أَوْ مِلْكِهِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا تَبَرَّعَ بِهِ مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بَلْ الَّذِي يَتَّجِهُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ مَا إذَا تَوَقَّعَ وَلَوْ عَلَى نَذْرِ احْتِيَاجِ أَحَدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ النُّورِ، وَالثَّانِي: عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَوَقَّعْ ذَلِكَ. اهـ. حَجّ. وَقَوْلُهُ " وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ " أَيْ إذَا مَاتَ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ نَظَرًا لِنَفْسِهِ إلَخْ) وَلَوْ شَرَطَ نَظَرَهُ حَالَ الْوَقْفِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِنَفْسِهِ عَلَى الرَّاجِحِ، نَعَمْ يُقِيمُ الْحَاكِمُ مُتَكَلِّمًا غَيْرَ مُدَّةِ إعْرَاضِهِ فَلَوْ أَرَادَ الْعَوْدَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ " لَمْ يَنْعَزِلْ بِنَفْسِهِ " وَمَنْ عَزَلَ لِنَفْسِهِ مَا لَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ النَّظَرِ لِغَيْرِهِ بِفَرَاغٍ لَهُ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ وَيَسْتَنِيبُ الْقَاضِي مَنْ يُبَاشِرُ عَنْهُ فِي الْوَظِيفَةِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ مِنْ الْوَظَائِفِ شَيْئًا لِأَحَدٍ حَالَ الْوَقْفِ اُتُّبِعَ، وَمِنْهُ مَا لَوْ شَرَطَ الْإِمَامَةَ أَوْ الْخَطَابَةَ لِشَخْصٍ وَلِذُرِّيَّتِهِ، ثُمَّ إنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ ذَلِكَ فَرَغَ عَنْهَا لِآخَرَ وَبَاشَرَ الْفُرُوعُ لَهُ فِيهِمَا مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ الْفَارِغُ عَنْ أَوْلَادٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ يَنْتَقِلُ لِأَوْلَادِ الْفَارِغِ عَلَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ، ثُمَّ مَا اسْتَغَلَّهُ الْمَفْرُوغُ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ سِيَّمَا وَقَدْ قَرَّرَهُ الْحَاكِمُ؛ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ تَقْرِيرَهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لِلنِّيَابَةِ عَنْ الْفَارِغِ ثَابِتٌ لَهُ مُدَّةَ حَيَاةِ الْفَارِغِ؛ وَكَذَلِكَ لَا رُجُوعَ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ عَلَى تَرِكَةِ الْفَارِغِ بِمَا أَخَذَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَرَاغِ وَإِنْ انْتَقَلَتْ الْوَظِيفَةُ عَنْهُ لِأَوْلَادِ الْفَارِغِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ الدَّرَاهِمَ فِي مُقَابَلَةِ إسْقَاطِ الْحَقِّ لَهُ وَقَدْ وُجِدَ وَقَرَّرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى مُقْتَضَاهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (اُتُّبِعَ شَرْطُهُ) وَمِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَنَّهُ يَقِفُ مَالَهُ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ حَالَ صِحَّتِهِ قَاصِدًا بِذَلِكَ حِرْمَانَ إنَاثِهِمْ، وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ " حَالَ صِحَّتِهِ " أَمَّا فِي حَالِ مَرَضِهِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِإِجَازَةِ الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا الْبَاقِينَ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (لِلْقَاضِي) أَيْ قَاضِي بَلَدِ الْوَقْفِ مِنْ حَيْثُ إجَارَتُهُ وَحِفْظُهُ وَنَحْوُهُمَا وَقَاضِي بَلَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ قِسْمَةُ الْغَلَّةِ كَمَا فِي الْمَالِ الْيَتِيمِ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْقَاضِيَيْنِ فِعْلُ مَا لَيْسَ لَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَعَدَالَةٌ) أَيْ بَاطِنَةٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَنْصُوبَ الْحَاكِمِ أَوْ مَنْصُوبَ الْوَاقِفِ، خِلَافًا لِمَنْ شَرَطَ الْبَاطِنَةَ فِي مَنْصُوبِ الْحَاكِمِ وَاكْتَفَى بِالظَّاهِرَةِ فِي مَنْصُوبِ الْوَاقِفِ. اهـ. ز ي. وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَتَنَاوَلُ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الْبَصَرُ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِاشْتِرَاطِ الْبَصَرِ فِي النَّاظِرِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ النَّاظِرُ الْقَاضِيَ وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَأَمَّا مَنْصُوبُهُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْعَدَالَةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَكِفَايَةٌ) أَيْ لِمَا يَتَوَلَّاهُ. قَوْلُهُ: (وَوَظِيفَتُهُ عِمَارَةٌ) وَالْعِمَارَةُ إنْ شَرَطَهَا مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ تَعَيَّنَ، فَإِنْ فُقِدَ فَبَيْتُ الْمَالِ ثُمَّ الْمَيَاسِيرُ لَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ الْعِمَارَةَ عَلَى السَّاكِنِ وَشَرَطَ إنَّ تِلْكَ الدَّارَ لَا تُؤَجَّرُ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ كَلَامِهِمْ بَعْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 مُسْتَحِقِّيهَا، فَإِنْ فَوَّضَ لَهُ بَعْضَهَا لَمْ يَتَعَدَّهُ وَلِوَاقِفِ نَاظِرٍ عَزْلُ مَنْ وَلَّاهُ النَّظَرَ عَنْهُ وَنَصْبُ غَيْرِهِ مَكَانَهُ.   [حاشية البجيرمي] الْفَحْصِ أَيْ التَّفْتِيشِ أَنَّ شَرْطَ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ كَمَا شَمَلَهُ عُمُومُ قَوْلِهِمْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مَا لَمْ يُنَافِ الْوَقْفَ أَوْ الشَّرْعَ. وَفَائِدَةُ صِحَّتِهِ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعِمَارَةَ لَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ، فَلَا يَلْزَمُ بِهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَرْكَ مِلْكِهِ بِلَا عِمَارَةٍ فَمَا يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ بِالْأَوْلَى، فَلَوْ تَوَقَّفَ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى تَعْمِيرِهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيمَا إذَا أَشْرَفَتْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا عَلَى الِانْهِدَامِ لَا بِسَبَبِهِ بَيْنَ أَنْ يُعَمِّرَ وَيَسْكُنَ وَبَيْنَ أَنْ يُهْمِلَ وَإِنْ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى خَرَابِهَا، نَعَمْ عَلَى النَّاظِرِ إيجَارُهَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ بَقَاؤُهَا وَإِنْ خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ. لَا يُقَالُ شَرْطُ الْعِمَارَةِ عَلَى السَّاكِنِ يُنَافِي مَقْصُودَ الْوَقْفِ مِنْ إدْخَالِ الرِّفْقِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، إذْ شَأْنُهُ أَنْ يَغْنَمَ وَلَا يَغْرَمَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ قَطَعَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِالصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْكُنَ مَكَانَ كَذَا كَمَا مَرَّ. وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا عَيَّنَ مَكَانًا لَا يُسْكَنُ إلَّا بِأُجْرَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِسُكْنَاهُ أَوْ زَادَتْ أُجْرَتُهُ عَلَى مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ، فَكَمَا وَجَبَ لِاسْتِحْقَاقِهِ السُّكْنَى بِالْأُجْرَةِ مَعَ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فَكَذَلِكَ تَجِبُ الْعِمَارَةُ لِاسْتِحْقَاقِ السُّكْنَى إذَا أَرَادَهَا، وَإِلَّا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ قَدْ يَغْرَمُ ذَلِكَ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ رِفْقٌ بِالْمَوْقُوفِ، وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْوَقْفِ حَتَّى يُلْغَى كَشَرْطِ الْخِيَارِ فِيهِ مَثَلًا وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُ قَيَّدَ اسْتِحْقَاقَهُ لِسُكْنَاهُ بِأَنْ يُعَمِّرَ مَا انْهَدَمَ مِنْهُ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيُعَمِّرْهُ وَإِلَّا فَلْيُعْرِضْ عَنْهُ؛ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ مَشَايِخِنَا أَيَّدَهُ. اهـ. شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِابْنِ حَجَرٍ عِ ش عَلَى م ر. وَفِي حَاشِيَتِهِ ن ز عَلَى الْمَنْهَجِ فِي بَابِ الْغَصْبِ: وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي تَارِيخِ قَزْوِينَ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ وَضْعِ مُجَاوِرِي الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ خَزَائِنَهُمْ فِيهِ الَّتِي يَحْتَاجُونَهَا لِكُتُبِهِمْ وَلِمَا يُضْطَرُّونَ لِوَضْعِهِ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْإِقَامَةُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ دُونَ الَّتِي يَجْعَلُونَهَا لِأَمْتِعَتِهِمْ الَّتِي يَسْتَغْنُونَ عَنْهَا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِمْ لِمَا جَازَ وَضْعُهُ، بِخِلَافِ وَضْعِ مَا لَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ فِيهِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَلِوَاقِفِ نَاظِرٍ إلَخْ) وَأَفْتَى السُّبْكِيُّ بِأَنَّ لِلْوَاقِفِ وَالنَّاظِرِ عَزْلُ الْمُدَرِّسِ وَنَحْوِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْوَقْفِ وَلَوْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إسْقَاطُ بَعْضِ الْأَجْنَادِ الْمُثْبَتِينَ فِي الدِّيوَانِ بِغَيْرِ سَبَبٍ، فَالنَّاظِرُ الْخَاصُّ أَوْلَى. وَلَا أَثَرَ لِلْفَرْقِ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْجِهَادِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ، وَمَنْ رَبَطَ نَفْسَهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِلَا سَبَبٍ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، بَلْ يُرَدُّ بِأَنَّ التَّدْرِيسَ فَرْضٌ أَيْضًا أَيْ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَمَنْ رَبَطَ نَفْسَهُ بِهِمَا فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ عَلَى تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الرَّبْطَ بِهِ كَالتَّلَبُّسِ بِهِ وَإِلَّا فَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا. وَمِنْ ثَمَّ اعْتَمَدَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ عَزْلَهُ مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغٍ لَا يَنْفُذُ، بَلْ هُوَ قَادِحٌ فِي نَظَرِهِ. وَلَوْ طَلَبَ الْمُسْتَحِقُّونَ مِنْ النَّاظِرِ كِتَابَ الْوَقْفِ أَيْ الْكِتَابَ الْمَكْتُوبَ فِيهِ وَقْفِيَّةُ الشَّيْءِ الْمَوْقُوفِ لِيَكْتُبُوا مِنْهُ نُسْخَةً حِفْظًا لِاسْتِحْقَاقِهِمْ لَزِمَهُ تَمْكِينُهُمْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (نَاظِرٍ) أَيْ شَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ، أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَعْزِلُهُ النَّاظِرُ إلَّا بِنَحْوِ فِسْقٍ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَعِنْدَ زَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ يَكُونُ النَّظَرُ لِلْحَاكِمِ كَمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ لَا لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَهْلِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِلْمُتَأَخِّرِ نَظَرًا إلَّا بَعْدَ فَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا سَبَبَ لِنَظَرِهِ بِغَيْرِ فَقْدِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ انْتِقَالَ وِلَايَةِ النِّكَاحِ لِلْأَبْعَدِ بِفِسْقِ الْأَقْرَبِ لِوُجُودِ السَّبَبِ فِيهِ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ اهـ بِحُرُوفِهِ. 1 - فَرْعٌ: لَوْ قَرَّرَ الْبَاشَا فِي وَظِيفَةٍ وَاحِدًا وَالْقَاضِي شَخْصًا آخَرَ فَهَلْ يُقَدَّمُ مَنْ وَلَّاهُ الْبَاشَا أَوْ الْقَاضِي؟ يُنْظَرُ، إنْ شُرِطَ التَّقْرِيرُ لِأَحَدِهِمَا اُتُّبِعَ وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ مَنْ قَرَّرَهُ الْبَاشَا نَظَرًا لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ. اهـ. م د. 1 - فَرْعٌ: قَرَّرَ شَيْخُنَا فِي دَرْسِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَأْخُذَ الضِّيَافَةَ وَالْحُلْوَانَ عِنْدَ إيجَارِ لِوَقْفٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَخْذٌ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 فَصْلٌ: فِي الْهِبَةِ تُقَالُ لِمَا يَعُمُّ الصَّدَقَةَ وَالْهَدِيَّةَ وَلِمَا يُقَابِلُهُمَا وَاسْتُعْمِلَ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِهَا وَالثَّانِي فِي أَرْكَانِهَا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهَا عَلَى الْأَوَّلِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَالْهِبَةُ بِرٌّ وقَوْله تَعَالَى {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177] الْآيَةَ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُحَقِّرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» أَيْ ظِلْفَهَا وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْهِبَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا أَسْبَابٌ تُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ مِنْهَا الْهِبَةُ لِأَرْبَابِ   [حاشية البجيرمي] خَاتِمَةٌ: فِي الدَّمِيرِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ: قَالَ الشَّيْخُ السُّبْكِيُّ: قَالَ: لِي ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَفْتَيْت بِبُطْلَانِ وَقْفِ خِزَانَةِ كُتُبٍ وَقَفَهَا وَاقِفُهَا لِتَكُونَ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ فِي مَدْرَسَةِ الصَّلَاحِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَنَظِيرُهُ إحْدَاثُ مِنْبَرٍ فِي مَسْجِدٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جُمُعَةٌ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا إحْدَاثُ كُرْسِيِّ مُصْحَفٍ مُؤَبَّدٍ يُقْرَأُ فِيهِ كَمَا يُفْعَلُ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَيَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ لِغَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ؛ وَالْعَجَبُ مِنْ قُضَاةٍ يُثْبِتُونَ وَقْفَ ذَلِكَ شَرْعًا (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [فَصْلٌ فِي الْهِبَةِ] ِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْوَقْفِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَبَرُّعٌ وَتَمْلِيكٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الْمَنَافِعَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَكَرَهَا عَقِبَ الْوَقْفِ لِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ مَعَ الْعَيْنِ كَمَا أَنَّ الْوَقْفَ كَذَلِكَ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ هَبَّ إذَا مَرَّ لِمُرُورِهَا مِنْ يَدٍ إلَى أُخْرَى أَوْ اسْتَيْقَظَ لِتَيَقُّظِ فَاعِلِهَا لِلْإِحْسَانِ. قَوْلُهُ: (لِمَا يَعُمُّ إلَخْ) . فَتَجْتَمِعُ الثَّلَاثَةُ فِيمَا إذَا نَقَلَ إلَيْهِ شَيْئًا إكْرَامًا وَقَصَدَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177] أَيْ حُبِّ اللَّهِ. " وَعَلَى " لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلِ حُبِّ اللَّهِ، أَوْ الضَّمِيرُ يَعُودُ لِلْمَالِ وَتَكُونُ " عَلَى " بِمَعْنَى " مَعَ ". قَوْلُهُ: (لَا تُحَقِّرَن) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلْمُعْطِيَةِ وَأَنْ يَكُونَ لِلْمَهْدِيِّ إلَيْهَا. قُلْت: وَلَا يَتِمُّ حَمْلُهُ إلَيْهَا إلَّا بِجَعْلِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ لِجَارَتِهَا بِمَعْنَى مِنْ وَلَا يَمْتَنِعُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ اهـ فَتْحُ الْبَارِي شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: وَالنَّهْيُ لِلْمُهْدِيَةِ وَالْمُهْدَى إلَيْهَا؛ وَالْمَعْنَى لَا تَمْتَنِعُ جَارَةٌ مِنْ إهْدَاءِ شَيْءٍ قَلِيلٍ بَلْ تَجُودُ بِمَا تَيَسَّرَ لَهَا وَلَا تَمْتَنِعُ جَارَةٌ مِنْ قَبُولِهَا مَا أُهْدِيَ لَهَا وَإِنْ قَلَّ، وَأُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي إهْدَاءِ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ وَقَبُولِهِ لَا إلَى حَقِيقَةِ الْفِرْسِنِ إذْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِإِهْدَائِهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطَتْ سَائِلًا حَبَّةَ عِنَبٍ فَأَخَذَ يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ اسْتِحْقَارًا لَهَا فَقَالَتْ لَهُ زَجْرًا: كَمْ فِي هَذِهِ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] . اهـ. قِ ل. قَوْلُهُ: (فِرْسِن) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالسِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِ السِّينِ قَوْلُهُ (أَيْ ظِلْفَهَا) فَسَّرَ الْفِرْسِنَ بِهِ لِإِضَافَتِهِ فِي الْحَدِيثِ لِلشَّاةِ فَإِنَّ الَّذِي لِلشَّاةِ هُوَ الظِّلْفُ لَا الْفِرْسِنُ لِأَنَّهُ لِلْإِبِلِ خَاصَّةً فَإِطْلَاقُهُ عَلَى الظِّلْفِ فِي الْحَدِيثِ مَجَازٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْفِرْسِنُ عَظْمٌ قَلِيلُ اللَّحْمِ وَهُوَ مِنْ الْبَعِيرِ كَالْحَافِرِ لِلدَّابَّةِ وَقَدْ يُسْتَعَارُ لِلشَّاةِ فَيُقَالُ فِرْسِنُ شَاةٍ وَاَلَّذِي لِلشَّاةِ هُوَ الظِّلْفُ وَالنُّونُ زَائِدَةٌ وَقِيلَ أَصْلِيَّةٌ وَالْمُرَادُ الظِّلْفُ الْمَشْوِيُّ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ بِالْمُحْرِقِ إذْ لَوْ حُمِلَ الْمُحْرِقُ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الظِّلْفَ يَكُونُ لِلْبَقَرِ أَيْضًا وَاَلَّذِي لِنَحْوِ الْحِمَارِ فِي مَحَلِّهِ حَافِرٌ وَلِلطَّيْرِ ظُفْرٌ. قَوْلُهُ: (تُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ إمَّا لِلْحُرْمَةِ أَوْ لِلْوُجُوبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ، وَلَا تُبَاحُ لِأَنَّ وَضْعَهَا النَّدْبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 الْوِلَايَاتِ وَالْعُمَّالِ وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْمُتَّهَبُ يَسْتَعِينُ بِذَلِكَ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَهِيَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ تَمْلِيكُ تَطَوُّعٍ فِي حَيَاةٍ فَخَرَجَ بِالتَّمْلِيكِ الْعَارِيَّةُ وَالضِّيَافَةُ وَالْوَقْفُ وَبِالتَّطَوُّعِ غَيْرُهُ كَالْبَيْعِ وَالزَّكَاةِ فَإِنْ مَلَكَ لِاحْتِيَاجٍ أَوْ لِثَوَابِ آخِرَةٍ فَصَدَقَةٌ أَيْضًا أَوْ نَقَلَهُ لِلْمُتَّهَبِ إكْرَامًا لَهُ فَهَدِيَّةٌ (وَأَرْكَانُهَا) بِالْمَعْنَى الثَّانِي الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ثَلَاثَةٌ: صِيغَةٌ وَعَاقِدٌ وَمَوْهُوبٌ، وَعَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ هِبَتُهُ) بِالْأَوْلَى لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ التَّاءَ مِنْ جَازَ هِبَتُهُ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ تَأْنِيثَ الْهِبَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ أَوْ لِمُشَاكَلَةٍ جَازَ بَيْعُهُ.   [حاشية البجيرمي] ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْهَا الْهِبَةُ لِأَرْبَابِ الْوِلَايَاتِ وَالْعُمَّالِ) لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ وَالرِّشْوَةُ حَرَامٌ إذَا كَانَتْ وَسِيلَةً لِمُحَرَّمٍ، كَإِقَامَةِ بَاطِلٍ أَوْ تَرْكِ حَقٍّ، وَإِلَّا فَلَا تَحْرُمُ، وَقَدْ وَرَدَ: «هَدَايَا الْعُمَّالِ سُحْتٌ» لِأَنَّهَا تُذْهِبُ الْبَرَكَةَ، أَوْ لِأَنَّهَا تُسْحِتُ فِي النَّارِ أَيْ تُلْقِيهِ فِيهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى مَعْصِيَةٍ) أَيْ إنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ أَوْ ظُنَّ وَإِلَّا فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِثَالًا لِلْوَاجِبَةِ كَمَا لَوْ نَذَرَهَا. قَوْلُهُ: (تَمْلِيكُ تَطَوُّعٍ فِي حَيَاةٍ) يُؤْخَذُ مِنْهُ امْتِنَاعُ الْهِبَةِ لِلْحَمْلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ وَلَا تَمَلُّكُ الْوَلِيِّ لَهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (الْعَارِيَّةُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا تَمْلِيكَ فِيهَا وَلَا مِلْكَ أَيْضًا بَلْ إبَاحَةٌ. قَوْلُهُ: (وَالضِّيَافَةُ) فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مِلْكٌ لَكِنْ لَا بِالتَّمْلِيكِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ بِالْوَضْعِ فِي الْفَمِ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِزَيْدٍ طَعَامًا فَأَكَلَ ضَيْفًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ وَضْعِهِ فِي فَمِهِ، فَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ إلَّا طَعَامَ نَفْسِهِ أج. وَقَوْلُهُ " بِالْوَضْعِ فِي الْفَمِ " لَكِنَّهُ يَكُونُ مُرَاعًى وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِازْدِرَادٍ فَلَوْ لَفَظَهُ بَطَلَ مِلْكُهُ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْوَقْفُ) فَإِنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ لَا تَمْلِيكَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِبَاحَةِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ السُّبْكِيُّ، فَقَالَ: الْأَوْجَهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْوَقْفِ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْوَقْفِ بَلْ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " فِي حَيَاةٍ " الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِيهَا إنَّمَا يَتِمُّ بِالْقَبُولِ وَهُوَ بَعْدَ الْمَوْتِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَلَكَ لِاحْتِيَاجٍ) أَيْ احْتِيَاجِ الْآخِذِ. قَوْلُهُ: (فَصَدَقَةٌ أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّهَا هِبَةٌ فَكُلٌّ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ هِبَةٌ وَلَا عَكْسَ، وَكُلُّهَا مَسْنُونَةٌ وَأَفْضَلُهَا الصَّدَقَةُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " وَلَا عَكْسَ " أَيْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَلَيْسَ كُلُّ هِبَةٍ صَدَقَةً وَهَدِيَّةً. وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي الْحَلِفِ، فَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ وَلَا بِهَدِيَّةٍ أَيْضًا أَوْ حَلَفَ لَا يُهْدِي لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ وَلَا بِصَدَقَةٍ أَيْضًا أَوْ لَا يَهَبُ حَنِثَ بِهِمَا وَعَتَقَ عَبْدُهُ وَإِبْرَاءُ مَدِينِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ اهـ ق ل. وَتُعْرَفُ بِنَاءً عَلَى إطْلَاقِهَا عَلَى مَا يُقَابِلُ الصَّدَقَةَ وَالْهَدِيَّةَ بِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الشَّيْءِ لَا لِطَلَبِ الثَّوَابِ وَلَا لِلنَّقْلِ عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَامِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْأَرْكَانُ لِلْهِبَةِ الْمُقَابِلَةِ لَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا إيجَابٌ وَقَبُولٌ. قَوْلُهُ: (إكْرَامًا لَهُ) خَرَجَ بِذَلِكَ الْهَدِيَّةُ لِلظُّلْمَةِ وَرِشْوَةُ الْقَاضِي وَمَا يُعْطَى لِلشَّاعِرِ خَوْفًا مِنْ هَجْوِهِ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ السُّبْكِيّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِكْرَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالشَّرْطُ هُوَ النَّقْلُ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (فَهَدِيَّةٌ) أَيْضًا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ مَلَكَ لِأَجْلِ الثَّوَابِ مَعَ صِيغَةٍ كَانَ هِبَةً وَصَدَقَةً، وَإِنْ مَلَكَ بِقَصْدِ الْإِكْرَامِ مَعَ صِيغَةٍ كَانَ هِبَةً وَهَدِيَّةً، وَإِنْ مَلَكَ لَا لِأَجْلِ الثَّوَابِ وَلَا الْإِكْرَامِ بِصِيغَةٍ كَانَ هِبَةً فَقَطْ، وَإِنْ مَلَكَ لِأَجْلِ الثَّوَابِ مِنْ غَيْرِ صِيغَةٍ كَانَ صَدَقَةً فَقَطْ، وَإِنْ مَلَكَ لِأَجْلِ الْإِكْرَامِ مِنْ غَيْرِ صِيغَةٍ كَانَ هَدِيَّةً فَقَطْ فَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ وَالْكِتَابُ هَدِيَّةٌ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ إلَّا إنْ شَرَطَ كِتَابَةَ الْجَوَابِ عَلَى ظَهْرِهِ اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: سِتُّ كَلِمَاتٍ جَوْهَرِيَّةٍ لَا يَحْوِيهَا إلَّا الْعُقُولُ الزَّكِيَّةُ: أَصْلُ الْمَحَبَّةِ الْهَدِيَّةُ وَأَصْلُ الْبُغْضَةِ الْأَسِيَّةُ وَأَصْلُ الْقُرْبِ الْأَمَانَةُ وَأَصْلُ الْبَعْدِ الْخِيَانَةُ وَأَصْلُ زَوَالِ النِّعْمَةِ الْبَطَرُ وَأَصْلُ الْعِفَّةِ غَضُّ الْبَصَرِ. قَوْلُهُ: (وَعَرَّفَهُ) أَيْ الْمَوْهُوبُ الْمُصَنِّفُ، نُوزِعَ فِيهِ بِأَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهَا لَا تَعْرِيفٌ، وَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ رَسْمٌ لِأَنَّهُ يُمَيِّزُهَا فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ إلَخْ) أَفْهَمَ كَلَامُهُ امْتِنَاعَ هِبَةِ الِاخْتِصَاصِ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ، أَمَّا بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ فَجَائِزٌ. اهـ. سم. وَقَوْلُهُ " بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ إلَخْ " أَيْ فَإِذَا قَالَ: وَهَبْتُك هَذَا الْخَمْرَ مَثَلًا فَإِنْ أَرَادَ مَلَّكْتُك لَا يَصِحُّ، وَإِنْ أَرَادَ نَقَلْت يَدَيْ عَنْهُ صَحَّ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ) إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ هِبَةُ أَشْيَاءَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فَالْبَيْعُ كَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ الْأَشْيَاءِ وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِ الْهِبَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى صِيغَةٍ وَهُوَ الصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا صِيغَةٌ بَلْ يَكْفِي فِيهِمَا بَعْثٌ وَقَبْضٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ هِبَتِهِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الضَّابِطِ مَسَائِلُ مِنْهَا: الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ إذَا اسْتَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ أَوْ أَعْتَقَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا لِلضَّرُورَةِ وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهَا لَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ. وَمِنْهَا الْمُكَاتَبُ يَصِحُّ بَيْعُ مَا فِي يَدِهِ وَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ. وَمِنْهَا: هِبَةُ الْمَنَافِعِ فَإِنَّهَا تُبَاعُ بِالْأُجْرَةِ، وَفِي هِبَتِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وُهِبَتْ مَنَافِعُهُ عَارِيَّةٌ وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ. وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيّ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وُهِبَتْ مَنَافِعُهُ أَمَانَةٌ، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَاسْتَثْنَى مَسَائِلَ غَيْرَ ذَلِكَ ذَكَرْتُهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ لِغَيْرِ قَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَضَالٍّ وَآبِقٍ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ بِجَامِعِ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ. وَاسْتَثْنَى أَيْضًا مِنْ هَذَا مَسَائِلَ مِنْهَا: حَبَّتَا الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ كَشَعِيرٍ فَإِنَّهُمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَتَجُوزُ هِبَتُهُمَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاجِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِانْتِفَاءِ الْمُقَابِلِ لَهُمَا وَإِنْ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ إنَّ هَذَا سَبْقُ قَلَمٍ. وَمِنْهَا: حَقُّ التَّحْجِيرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ هِبَتُهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَمِنْهَا صُوفُ الشَّاةِ الْمَجْعُولَةِ أُضْحِيَّةً وَلَبَنُهَا، وَمِنْهَا: الثِّمَارُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَجُوزُ هِبَتُهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَاسْتَثْنَى مَسَائِلَ غَيْرَ ذَلِكَ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. وَشَرَطَ فِي الْعَاقِدِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، فَيُشْتَرَطُ فِي الْوَاهِبِ الْمِلْكُ وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ وَلِيٍّ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ، وَلَا مِنْ مُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ   [حاشية البجيرمي] أَيْ مِنْ فِعْلِهَا الَّذِي هُوَ جَازَ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِمُشَاكَلَةٍ) أَيْ مُنَاسَبَةٍ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُعْسِرٌ) رَاجِعٌ لِكُلِّ مِمَّا قَبْلَهُ، أَمَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا نَفَذَ وَلَا يَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ. قَوْلُهُ: (لِلضَّرُورَةِ) وَهِيَ وَفَاءُ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (هِبَةُ الْمَنَافِعِ) الْأَوْلَى حَذْفُ " هِبَةُ " بِأَنْ يَقُولَ: وَمِنْهَا الْمَنَافِعُ لِيُنَاسِبَ الْخِلَافَ الَّذِي بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ أَيْ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهَا، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ إلَخْ، وَالثَّانِي: تَصِحُّ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ) الْمُنَاسِبُ أَنَّ إبَاحَتَهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّلَازُمَ بَيْنَ عَارِيَّةِ الْمَحَلِّ وَإِبَاحَةِ الْمَحَلِّ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِالْعَارِيَّةِ لِلْعَيْنِ عَلَى مَنَافِعِهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً، أَيْ وَشَأْنُ الْعَارِيَّةِ أَنَّ مَنَافِعَهَا لَا يَمْلِكُهَا الْمُسْتَعِيرُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ. وَقَضِيَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيهَا مَتَى شَاءَ لِأَنَّهُ فَرَضَ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (أَنَّهَا تَمْلِيكٌ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وُهِبَتْ مَنَافِعُهُ) أُطْلِقَ عَلَيْهِ هِبَةً بِالنَّظَرِ لِلصُّورَةِ، أَوْ بِالنَّظَرِ لِلْقَوْلِ الثَّانِي، وَإِلَّا فَهِيَ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا أُبِيحَتْ مَنَافِعُهُ عَارِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (عَارِيَّةٌ) فَإِذَا تَلِفَ ضَمِنَهُ الْمُتَّهَبُ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) وَعَلَيْهِ فَلَا اسْتِثْنَاءَ، قَالَ م ر: وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَعَلَيْهِ فَلَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهُوَ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا بِقَبْضِ الْعَيْنِ اهـ فَلَوْ بَقِيَ بَعْضُ الْمُدَّةِ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُتَّهَبِ فِيمَا بَقِيَ. قَوْلُهُ: (حَقُّ التَّحْجِيرِ) أَيْ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بِتَمَامِ الْإِحْيَاءِ؛ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَ الْهِبَةِ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ. قَوْلُهُ: (صُوفُ الشَّاةِ إلَخْ) أَيْ فَتَصِحُّ هِبَتُهُمَا لَا بَيْعُهُمَا. قَوْلُهُ: (يَجُوزُ هِبَتُهَا) وَهَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ أَوْ الْإِبْقَاءُ إلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي، وَتَكُونُ هِبَتُهَا رِضًا بِإِبْقَائِهَا إلَيْهِ أَيْ إلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ اهـ د م. قَوْلُهُ: (فَيُشْتَرَطُ فِي الْوَاهِبِ الْمِلْكُ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ حَقَّ التَّحْجِيرِ الْمُتَقَدِّمَ وَصُوفَ الشَّاةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ هِبَتُهُمَا مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَمْلُوكٌ مِلْكًا مُرَاعًى، أَيْ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ الصُّوفَ جُبَّةً وَفُرُشًا وَغَيْرَهُمَا، وَحَقُّ التَّحَجُّرِ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَصَحَّ كَلَامُ الشَّارِحِ بِاعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ: وَأَهْلِيَّةُ تَبَرُّعٍ، لِيَصِحَّ إخْرَاجُ الْوَلِيِّ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ وَالْمُكَاتَبِ مَعَ أَنَّهُمَا مُطْلَقَا التَّصَرُّفِ أَيْ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِمَا؛ وَلَكِنْ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ الْمِلْكِ) أَيْ التَّمَلُّكِ، وَهَذَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَّهَبِ الرُّشْدُ بَلْ يَقْتَضِي صِحَّةَ قَبُولِ الْهِبَةِ مِنْ وَلِيِّ الطِّفْلِ. وَفِي حَاشِيَتِهِ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: فَرْعٌ: سُئِلَ شَيْخُنَا م ر. عَنْ شَخْصٍ بَالِغٍ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدٍ مُمَيِّزٍ وَوَقَعَتْ الصَّدَقَةُ فِي يَدِهِ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ فَهَلْ يَمْلِكُهَا الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ بِوُقُوعِهَا فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ احْتَطَبَ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 لِمَا يُوهَبُ لَهُ مِنْ مُكَلَّفٍ وَغَيْرِهِ، وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ يَقْبَلُ لَهُ وَلِيُّهُ فَلَا تَصِحُّ لِحَمْلٍ وَلَا لِبَهِيمَةٍ وَلَا لِرَقِيقٍ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَطْلَقَ   [حاشية البجيرمي] احْتَشَّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ صَحِيحٍ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الصَّبِيُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ إلَّا بِقَبْضِ وَلِيِّهِ اهـ. وَعَلَى عَدَمِ الْمِلْكِ فَهَلْ يَحْرُمُ الدَّفْعُ لَهُ كَمَا يَحْرُمُ تَعَاطِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ مِنْهُ أَمْ لَا لِانْتِقَاءِ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ. وَيُحْمَلُ ذَلِكَ مِنْ الْبَالِغِ عَلَى الْإِبَاحَةِ كَتَقْدِيمِ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ، فَلِلْمُبِيحِ الرُّجُوعُ فِيهِ مَا دَامَ بَاقِيًا هَذَا، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ حَيْثُ لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ فِي عَدَمِ رِضَا الْوَلِيِّ بِالدَّفْعِ لَهُ سِيَّمَا إنْ كَانَ ذَلِكَ يُعَوِّدُهُمْ عَلَى دَنَاءَةِ النَّفْسِ وَالرَّذَالَةِ فَيَحْرُمُ الْإِعْطَاءُ لَهُمْ لَا لِعَدَمِ الْمِلْكِ بَلْ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الظَّاهِرَةِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ) يَشْمَلُ ذَلِكَ الْهِبَةَ لِلْعَبْدِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ إذَا قَصَدَ الْوَاهِبُ سَيِّدَهُ وَأَطْلَقَ، فَإِنَّ الْقَبُولَ مِنْ السَّيِّدِ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَلِيِّ. قَوْلُهُ: (يَقْبَلُ لَهُ وَلِيُّهُ) فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ انْعَزَلَ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ دُونَ الْأَبِ وَالْجَدِّ، فَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ الْوَلِيَّ قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ إلَّا إنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا فَيَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ غَرَسَ شَجَرًا وَقَالَ عِنْدَ غِرَاسِهِ: أَغْرِسهُ لِطِفْلِي أَوْ جَعَلْته لَهُ أَوْ اشْتَرَى حُلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ لِزَوْجَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَزَيَّنَهُمَا بِهِ أَوْ جَهَّزَ بِنْتَه بِأَمْتِعَةٍ، لَمْ يَحْصُلْ الْمِلْكُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَلَوْ ادَّعَتْ بِنْتُهُ أَنَّهُ مَلَّكَهَا إيَّاهُ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ: أَنَّهُ لَوْ نَقَلَ ابْنَتَهُ وَجَهَازَهَا إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ فَإِنْ قَالَ: هَذَا جَهَازُ بِنْتِي فَهُوَ مِلْكٌ لَهَا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فَهُوَ إعَارَةٌ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ سم. قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ لِحَمْلٍ) وَفَارَقَتْ مِلْكَهُ لِلْإِرْثِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَهْرِيٌّ، وَفَارَقَتْ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ بَابًا مِنْ الْهِبَةِ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِالْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ. قَوْلُهُ: (وَلَا لِرَقِيقٍ نَفْسِهِ) بِتَنْوِينِ رَقِيقٍ وَإِبْدَالِ نَفْسِهِ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَلِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِرَقِيقِ الْوَاهِبِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَصَدَهُ أَمْ السَّيِّدَ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَإِلَّا فَالْهِبَةُ لَهُ وَلَوْ مِنْ سَيِّدِهِ صَحِيحَةً وَلَمْ يَجْعَلْ نَفْسَهُ تَوْكِيدًا لِأَنَّ رَقِيقَ نَكِرَةٌ وَالتَّوْكِيدُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمَعْرِفَةِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَأَمَّا عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ فَيَجُوزُ تَوْكِيدُ النَّكِرَةِ إنْ أَفَادَ وَعَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ يَفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ. وَفِي نُسْخَةٍ " لِنَفْسِهِ " وَهُوَ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ. وَأَمَّا الْهِبَةُ لِلْمُكَاتَبِ فَصَحِيحَةٌ وَيَمْلِكُهَا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً فَلِمَنْ وُجِدَتْ فِي نَوْبَتِهِ فَإِنْ وُجِدَتْ فِي نَوْبَةِ الْمُبَعَّضِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِنْ وُجِدَتْ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ فَإِنْ أَطْلَقَ الْوَاهِبُ أَوْ قَصَدَ السَّيِّدُ صَحَّ وَكَانَ الْقَبُولُ مِنْ الْمُبَعَّضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُهَايَأَةً، فَمَا خَصَّ الْبَعْضَ الْحُرَّ تَصِحُّ فِيهِ وَمَا قَابَلَ الْبَعْضَ الرَّقِيقَ يَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَصْدِ السَّيِّدِ أَوْ الْإِطْلَاقِ فَيَصِحُّ أَوْ قَصَدَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَلَا تَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ هُنَا مَا سَيَذْكُرُهُ بَعْدُ مِنْ قَوْلِهِ " وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْوَهْبِ مِنْ صِيغَةٍ إلَخْ " لِيَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى الْأَرْكَانِ مُنْضَمًّا بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَالصِّيغَةُ إيجَابٌ: كَوَهَبْتُكَ وَمَلَّكْتُك وَمَنَحْتُك وَأَكْرَمْتُك وَعَظَّمْتُك وَنَحَلْتُك وَكَذَا أَطْعَمْتُك وَلَوْ فِي غَيْرِ طَعَامٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَبُولٌ: كَقَبِلْتُ وَرَضِيت وَاتَّهَبْت لَفْظًا فِي حَقِّ النَّاطِقِ وَإِشَارَةً مِنْ الْأَخْرَسِ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ كَالْبَيْعِ؛ وَلِهَذَا انْعَقَدَتْ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ: " لَك هَذَا " كَذَا " وَكَسَوْتُك هَذَا " وَبِالْمُعَاطَاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا، فَاشْتَرَطَ هُنَا فِي الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ جَمِيعَ مَا مَرَّ فِيهَا فِي الْبَيْعِ، وَمِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ مُطَابِقًا لِلْإِيجَابِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ هُنَا، وَمِنْهُ أَيْضًا اعْتِبَارُ الْفَوْرِيَّةِ فِي الصِّيغَةِ فَشَرْطُ الصِّيغَةِ عُلِمَ مِنْ الْبَيْعِ، وَمِنْهُ الْقَبُولُ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ فَلَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدَهُمَا أَوْ شَيْئًا فَقَبِلَ بَعْضَهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعٌ فِيهِمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ مِنْ الْأَعْمَى وَلَا لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْهِبَةِ الْمُقَيَّدَةِ لِأَنَّهَا بَيْعٌ وَأَمَّا الْهِبَةُ الْمُطْلَقَةُ فَفِيهَا نَظَرٌ لِاقْتِضَائِهِ عَدَمَ صِحَّةِ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ مِنْ الْأَعْمَى أَوْ عَلَيْهِ إلَّا إنْ وَكَّلَ بَصِيرًا فِي الْإِقْبَاضِ وَالْقَبْضِ، وَشَيْخُنَا قَالَ بِهَذَا وَاعْتَمَدَهُ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِهِمْ. وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ وِفَاقًا لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا خِلَافُهُ لِإِطْبَاقِ الْأُمَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ عَلَى خِلَافِهِ، قَالَهُ قِ ل وَنَقَلَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 الْهِبَةَ لَهُ فَهِيَ لِسَيِّدِهِ. (وَلَا تَلْزَمُ) أَيْ لَا تُمْلَكُ (الْهِبَةُ) الصَّحِيحَةُ غَيْرُ الضِّمْنِيَّةِ وَذَاتُ الثَّوَابِ الشَّامِلَةِ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ (إلَّا بِالْقَبْضِ) فَلَا تُمْلَكُ، بِالْعَقْدِ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى إلَى النَّجَاشِيِّ ثَلَاثِينَ أُوقِيَّةً مِسْكًا، ثُمَّ قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: إنِّي لَأُرَى النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ وَلَا أَرَى الْهَدِيَّةَ الَّتِي أَهْدَيْتُ إلَيْهِ إلَّا سَتُرَدُّ فَإِذَا رُدَّتْ إلَيَّ فَهِيَ لَكِ» فَكَانَ كَذَلِكَ.   [حاشية البجيرمي] وَهِبَةُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ لِلْمَدِينِ أَوْ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَيْهِ إبْرَاءٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ نَظَرًا لِلْمَعْنَى، وَهَذَا صَرِيحٌ فِيهِ خِلَافًا لِمَا فِي الذَّخَائِرِ مِنْ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، نَعَمْ تَرْكُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ أَيْ بِلَفْظِ التَّرْكِ كِنَايَةُ إبْرَاءٍ وَهِبَتُهُ لِغَيْرِهِ أَيْ الْمَدِينِ بَاطِلَةٌ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُقْبَضُ مِنْ الْمَدِينِ عَيْنٌ فَهِيَ غَيْرُ مَا وَهَبَ لَا دَيْنٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَاعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بُطْلَانُ ذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا بِمَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِهِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِشُرُوطِهِ السَّابِقَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ. اهـ. . قَوْلُهُ: (وَلَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ) عِبَارَةُ سم: وَلَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ الشَّامِلَةُ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ، وَلَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ فِيهَا إلَّا بِالْقَبْضِ مِنْ الْوَاهِبِ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ فِيهِ فَتَلْزَمُ وَيَحْصُلُ الْمِلْكُ، فَإِنْ اسْتَقَلَّ بِهِ لَمْ يَمْلِكْهَا وَدَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ أَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ جُزْءًا شَائِعًا فَقَبَضَ الْجُمْلَةَ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ دُونَ الشَّرِيكِ صَحَّ وَأَثِمَ وَضَمِنَ نَصِيبَ الشَّرِيكِ، وَلَوْ حَصَلَتْ زِيَادَةٌ قَبْلَهُ مُنْفَصِلَةٌ فَهِيَ لِلْوَاهِبِ لِحُدُوثِهَا عَلَى مِلْكِهِ أَوْ تَصَرَّفَ قَبْلَهُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَكَانَ رُجُوعًا وَإِنْ ظَنَّ لُزُومَ الْهِبَةِ بِالْعَقْدِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ لَا تُمْلَكُ) هُوَ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ وَالْمُرَادُ بِالْهِبَةِ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ لِأَنَّهَا الَّتِي تُمْلَكُ، وَقَوْلُهُ " الصَّحِيحَةُ " أَيْ الصَّحِيحُ عَقْدُهَا أَوْ الضَّمِيرُ لَهَا بِمَعْنَى عَقْدِهَا فَيَكُونُ فِيهِ اسْتِخْدَامٌ، وَلَوْ قَالَ: وَلَا تُمْلَكُ كَمَا فَعَلَ سم لَكَانَ أَوْلَى مُفِيدًا لِفَائِدَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْمَتْنِ وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ أَيْضًا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمَتْنِ أَنَّ الْهِبَةَ تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ؛ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَبْضِ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ " أَيْ لَا تُمْلَكُ " يَقْتَضِي أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُفِدْ مِلْكًا أَصْلًا، وَهَذَا مَا حَلَّ بِهِ ابْنُ قَاسِمٍ كَلَامَ الْمَتْنِ، إلَّا أَنْ يُقَدِّرَ أَيْ مِلْكًا تَامًّا وَإِلَّا فَأَصْلُ الْمِلْكِ حَصَلَ بِالْعَقْدِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ شَيْخِنَا ح ف: قَوْلُهُ " وَلَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ " أَيْ لَا تَصِيرُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَهِيَ الَّتِي يَمْتَنِعُ فَسْخُهَا شَرْعًا لِغَيْرِ مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ إلَّا بِالْقَبْضِ اهـ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ الضِّمْنِيَّةِ) سَيَأْتِي مُحْتَرِزُهُ بِقَوْلِهِ كَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي مَجَّانًا فَأَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضٍ. قَوْلُهُ: (الشَّامِلَةُ إلَخْ) صِفَةٌ لِلْهِبَةِ، فَكَانَ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ أَيْ مِمَّنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ لِذَلِكَ، فَلَوْ قَبَضَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَفِيهٌ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ هَدِيَّةً فَلَا يَمْلِكُهَا وَلِمَالِكِهَا الرُّجُوعُ فِيهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ لَا ضَمَانَ إنْ كَانَ الدَّافِعُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ إذَا قَبَضَ الْوَلِيُّ، وَإِمَّا إذَا كَانَ الدَّافِعُ لِذَلِكَ غَيْرُ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ فَإِنَّهَا لَا تُمْلَكُ وَلَوْ قُبِضَتْ، وَلَوْ كَانَ الْقَابِضُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فَلِوَلِيِّ مَنْ ذُكِرَ الرُّجُوعُ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَهَا مَنْ أَخَذَهَا وَلَوْ تَلِفَتْ بِنَفْسِهَا. قَوْلُهُ: (إلَّا بِالْقَبْضِ) أَيْ الَّذِي فِي الْبَيْعِ إمَّا لَهَا فِي الْأَعْيَانِ أَوْ لِمَحَلِّهَا فِي الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ هِبَتَهَا صَحِيحَةٌ فَلَا يَمْلِكُهَا بِالْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (أَهْدَى إلَى النَّجَّاشِي) بِفَتْحِ النُّونِ وَنُقِلَ كَسْرُهَا وَآخِرُهُ يَاءٌ سَاكِنَةٌ وَهُوَ الْأَكْثَرُ رِوَايَةً، وَنَقَلَ ابْنُ الْأَثِيرِ تَشْدِيدَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ غَلَطًا؛ وَهُوَ لَقَبٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ وَمَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّةُ وَهُوَ الَّذِي هَاجَرَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ النُّبُوَّةِ فَآمَنَ وَأَسْلَمَ بِكِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَنَعَاهُ، أَيْ أَخْبَرَ بِمَوْتِهِ، وَذَكَرَ مَحَاسِنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصُورَةُ الْكِتَابِ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلَى النَّجَّاشِي مَلِكِ الْحَبَشَةِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ وَأَشْهَدُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ الْبَتُولِ الطَّيِّبَةِ الْحَصِينَةِ فَحَمَلَتْ بِعِيسَى فَخَلَقَهُ مِنْ رُوحِهِ وَنَفَخَهُ كَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَإِنِّي أَدْعُوَك إلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْمُوَالَاةِ عَلَى طَاعَتِهِ وَأَنْ تَتَّبِعَنِي وَتَرْضَى بِاَلَّذِي جَاءَنِي فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ؛ وَإِنِّي أَدْعُوَك وَجُنْدَك إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ فَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي، وَقَدْ بَعَثْتُ إلَيْكُمْ ابْنَ عَمِّي جَعْفَرًا وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى. وَبَعَثَ الْكِتَابَ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ اهـ. قَوْلُهُ: (أُوقِيَّةً) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَفْصَحُ مِنْ تَخْفِيفِهَا وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ) اسْمُهَا هِنْدٌ، فَلَمَّا مَاتَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ كَالْقِرَاضِ فَلَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَخَرَجَ بِالصَّحِيحَةِ الْفَاسِدَةُ فَلَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ. وَبِغَيْرِ الضِّمْنِيَّةِ الضِّمْنِيَّةُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي مَجَّانًا فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَنْهُ وَيَسْقُطُ الْقَبْضُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا يَسْقُطُ الْقَبُولُ إذَا كَانَ الْتِمَاسُ الْعِتْقِ بِعِوَضٍ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ، وَبِغَيْرِ ذَاتِ الثَّوَابِ ذَاتُهُ فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الثَّوَابَ اسْتَقَلَّ بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ كَلَامُهُ هِبَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، خِلَافًا لِمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ فِيهِ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْوَاهِبُ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي يَدِ الْمُتَّهَبِ أَمْ لَا فَلَوْ قَبَضَ بِلَا إذْنٍ وَلَا إقْبَاضٍ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ سَوَاءٌ أَقَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَمْ بَعْدَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ إنْ كَانَ غَائِبًا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّهُ هُنَا لَا يَكْفِي الْإِتْلَافُ وَلَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ   [حاشية البجيرمي] أَبُو سَلَمَةَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَبَتْ ثُمَّ عُمَرُ فَأَبَتْ ثُمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَكَتْ إلَيْهِ شِدَّةَ الْغَيْرَةِ، فَدَعَا لَهَا أَنْ يُذْهِبَهَا اللَّهُ عَنْهَا فَكَانَتْ فِي نِسَائِهِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا تَجِدُ مَا يَجِدُونَ مِنْ الْغَيْرَةِ اهـ مِنْ بُسْتَانِ الْفُقَرَاءِ. قَوْلُهُ: (إنِّي لَأُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا مِنْ الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الظَّنِّ. اهـ. م د. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا رُدَّتْ إلَخْ) فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالصِّيغَةِ. قَوْلُهُ: (فَكَانَ كَذَلِكَ) أَيْ مَوْتُ النَّجَّاشِي وَرَدُّ الْهَدِيَّةِ، لَكِنْ مَا رُدَّتْ قَسَمَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ نِسَائِهِ وَلَمْ يَخُصَّ بِهَا أُمَّ سَلَمَةَ م ر، وَذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ لَمْ تَقْبِضْهَا وَهِيَ هِبَةٌ. فَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ لَا بِالْعَقْدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ رَدَّ الْهَدِيَّةِ لِمَوْتِ النَّجَّاشِي قَبْلَ قَبْضِهِ لَهَا، فَرَدُّهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَعْدٌ لَا عَقْدُ هِبَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا. قَوْلُهُ: (الْفَاسِدَةُ) أَيْ بِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْمَوْهُوبِ مَثَلًا فَلَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَلَا ضَمَانَ لَوْ تَلِفَتْ، وَأَمَّا الْفَاسِدَةُ بِفَوَاتِ شَرْطٍ فِي الْوَاهِبِ أَوْ الْمُتَّهَبِ فَقَدْ عَرَفْت حُكْمَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (فَلَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ) نَعَمْ لَوْ تَلِفَتْ بَعْدَ قَبْضِهَا لَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ. قَوْلُهُ: (أَعْتِقْ عَبْدَك إلَخْ) أَيْ فَفَعَلَ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ الْتِمَاسٌ إلَخْ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا ضِمْنِيًّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الثَّوَابَ) أَيْ الْعِوَضَ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَإِنَّهَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (اسْتَقَلَّ بِالْقَبْضِ) مُقْتَضَى مُقَابَلَتِهِ لِكَلَامِ الْمَتْنِ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضٍ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ خَارِجٌ بِقَيْدٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ بِقَبْضٍ مَعَ إذْنٍ، أَمَّا ذَاتُ الثَّوَابِ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى الْإِذْنِ إذَا سَلَّمَ الْمُقَابِلَ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ) أَيْ مِنْ حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي الْإِشْهَادُ بِالْمِلْكِ فِي هِبَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي م ر، وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى النَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ وَإِمْكَانِ السَّيْرِ إلَى الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (بِإِذْنِ الْوَاهِبِ فِيهِ) أَيْ الْقَبْضِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ عَنْ جِهَةِ الْهِبَةِ أَيْضًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ بَعْدَ تَمَامِ الصِّيغَةِ، فَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُكَ هَذَا وَأَذِنْتُ لَك فِي قَبْضِهِ فَقَالَ قَبِلْتُ لَمْ يَكْفِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. وَمِثْلُ الْقَبْضِ بِالْإِذْنِ الْإِقْبَاضُ، فَلَا تُمْلَكُ بِدُونِهِمَا. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ صَدَقَ الْوَاهِبُ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ لَكِنْ قَالَ الْوَاهِبُ رَجَعْت قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَوْهُوبَ، وَقَالَ الْمُتَّهَبُ: بَلْ بَعْدَهُ، صَدَقَ الْمُتَّهَبُ ز ي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ حَادِثٍ تَقْدِيرُهُ بِأَقْرَبِ زَمَنٍ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ) تَعْمِيمٌ فِي قَوْلِهِ: دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ غَائِبًا) وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ مُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْقَبْضِ) أَيْ أَنَّ الْمَنْقُولَ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ، وَالْعَقَارُ يَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَةُ وَتَفْرِيغُهُ مِنْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي وَالْغَائِبُ لَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، فَيَجْرِي ذَلِكَ فِي قَبْضِ الْمَوْهُوبِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ هُنَا لَا يَكْفِي الْإِتْلَافُ) إلَّا إنْ كَانَ الْإِتْلَافُ بِالْأَكْلِ أَوْ الْعِتْقِ وَأَذِنَ فِيهِ الْوَاهِبُ فَيَكُونُ قَبْضًا وَيُقَدَّرُ انْتِقَالُهُ إلَيْهِ قُبَيْلَ الِازْدِرَادِ وَالْعِتْقِ ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَتُمْلَكُ الْهَدِيَّةُ بِوَضْعِهَا بَيْنَ يَدَيْ الْمُهْدَى إلَيْهِ الْبَالِغِ لَا الصَّبِيِّ وَإِنْ أَخَذَهَا اهـ. بَقِيَ مَا لَوْ أَتْلَفَهَا الصَّبِيُّ وَالْحَالُ مَا ذَكَرَ فَهَلْ يَضْمَنُهَا، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهَا بِإِهْدَائِهَا لَهُ وَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ لِلصَّبِيِّ شَيْئًا وَسَلَّمَهُ لَهُ فَأَتْلَفَهُ لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 مُسْتَحِقٍّ الْقَبْضَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَلَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَامَ وَارِثُ الْوَاهِبِ مَقَامَهُ فِي الْإِقْبَاضِ وَالْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ وَوَارِثُ الْمُتَّهَبِ فِي الْقَبْضِ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ وَلَا بِالْجُنُونِ وَلَا بِالْإِغْمَاءِ لِأَنَّهَا تَئُولُ إلَى اللُّزُومِ كَالْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ. (وَإِذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ) أَيْ الْهِبَةَ الشَّامِلَةَ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ (لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ) حِينَئِذٍ (الرُّجُوعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْوَاهِبُ (وَالِدًا) وَكَذَا سَائِرُ الْأُصُولِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ عَلَى الْمَشْهُورِ، سَوَاءٌ أَقَبَضَهَا الْوَلَدُ أَمْ لَا، غَنِيًّا كَانَ أَمْ فَقِيرًا، صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا لِخَبَرِ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَالْوَلَدُ يَشْمَلُ كُلَّ الْأُصُولِ إنْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَإِلَّا   [حاشية البجيرمي] يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، وَالْهِبَةُ كَالْبَيْعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَالْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ إقْبَاضٌ كَمَا تَقَرَّرَ سم عَلَى حَجّ. وَقَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِالْبَالِغِ أَنَّهُ يَكْفِي الْقَبُولُ مِنْ السَّفِيهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ وَلِيِّهِ وَلَا قَبْضِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ. اهـ. عِ ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ إذْنِ الْمُتَّهَبِ فِي الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَوْهُوبُ. وَقَوْلُهُ " غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ " بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلْمُتَّهِبِ " وَمُسْتَحِقٌّ " يَكُونُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ قَاسِمٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فَاعْتُبِرَ تَحْقِيقُهُ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَجَعَلَ التَّمْكِينَ مِنْهُ قَبْضًا. قَوْلُهُ: (قَامَ وَارِثُ الْوَاهِبِ إلَخْ) فَلَوْ لَمْ يَرِثْ الْوَاهِبَ إلَّا بَيْتُ الْمَالِ فَهَلْ يَقُومُ الْإِمَامُ مَقَامَهُ فِي الْإِقْبَاضِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ لَوْ كَانَتْ مِلْكًا لِبَيْتِ الْمَالِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرُهُ كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَلِّكُهَا لِلْمُتَّهِبِ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ إقْبَاضَهُ إيَّاهَا وَإِلَّا فَلَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَلَا تَتَفَسَّخُ بِالْمَوْتِ) هُوَ مُسْتَدْرَكٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّفْرِيعَ، وَيَقُومُ وَلِيُّ الْمَجْنُونِ وَلَوْ حَاكِمًا مَقَامَهُ وَلَا وَلِيٌّ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ أَيْ فَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ، فَإِنْ أَيِسَ مِنْهَا فَكَمَا لِمَجْنُونٍ ق ل. قَوْلُهُ: (كَالْبَيْعِ) فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ بَلْ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْهِبَةُ) الَّتِي هِيَ الْعَيْنُ، أَمَّا الدَّيْنُ فَلَا مَعْنَى لِلْقَبْضِ فِيهِ وَلَا رُجُوعَ فِيهِ مُطْلَقًا عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالصَّدَقَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ بِشَيْءٍ يَكُونُ لَهُ رُجُوعٌ فِيهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ هُنَا؛ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَفِي الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ خِلَافُهُ كَمَا ذَكَرَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي شَرْحِهِ فَلْيُحَرَّرْ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً» إلَخْ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ، وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْمُتَطَوَّعِ بِهَا غَيْرِ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فِي زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ فِدْيَةٍ فَلَا رُجُوعَ لِلْوَالِدِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ لَحْمَ أُضْحِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ لِيَسْتَفِيدَ التَّصَرُّفَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ اهـ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ وَالِدًا) أَيْ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا. نَعَمْ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِي الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ امْتَنَعَ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا سَائِرُ الْأُصُولِ) أَيْ مَا عَدَا الْأَبِ وَالْأُمِّ، فَمُرَادُهُ بِالْوَالِدِ مَا يَشْمَلُ الْأُمَّ. وَحَمَلَ الشَّارِحُ الْوَالِدَ عَلَى الْحَقِيقِيِّ فَأَتَى بِذَلِكَ، وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ لَشَمِلَ سَائِرَ الْأُصُولِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْجِهَتَيْنِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَقَبَضَهَا) هَذَا التَّعْمِيمُ سَرَى إلَيْهِ مِنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: وَلِلْوَالِدِ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ إلَخْ، وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمَتْنِ لِأَنَّهُ فَرَضَ كَلَامَهُ فِي الْقَبْضِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ق ل: هَذَا التَّعْمِيمُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ اهـ وَأَيْضًا كُلُّ أَحَدٍ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَدَمُ الْقَبْضِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ) يُرْفَعُ الْوَالِدُ بَدَلٌ مِنْ فَاعِلِ يَرْجِعُ أَوْ بِجَرِّهِ بَدَلٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْ بِنَصْبِهِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمُخْتَارُ الْإِتْبَاعُ. وَذِكْرُ الرَّجُلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَاخْتَصَّ الْوَالِدُ بِذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِيهِ إذْ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ مِنْ إيثَارِهِ وَلَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ وَيُكْرَهُ لَهُ الرُّجُوعُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ وُجِدَ كَكَوْنِ الْوَلَدِ عَاقًّا أَوْ يَصْرِفُهُ فِي مَعْصِيَةٍ أَنْذَرَهُ بِهِ، فَإِنْ أَصَرَّ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا قَالَا. وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ نَدْبَهُ فِي الْعَاصِي وَكَرَاهَتَهُ فِي الْعَاقِّ إنْ زَادَ عُقُوقُهُ بِهِ وَنَدْبُهُ إنْ أَزَالَهُ وَإِبَاحَتُهُ إنْ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا، وَالْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ كَرَاهَتِهِ إنْ احْتَاجَ الْأَبُ لِنَفَقَتِهِ أَوْ دَيْنٍ بَلْ نَدْبُهُ حَيْثُ كَانَ الْوَلَدُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لَهُ وَوُجُوبُهُ فِي الْعَاصِي إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ تَعَيُّنُهُ طَرِيقًا إلَى كَفِّهِ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 أُلْحِقَ بِهِ بَقِيَّةُ الْأُصُولِ بِجَامِعِ أَنَّ لِكُلٍّ وِلَادَةً كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَحُصُولِ الْعِتْقِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الرُّجُوعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا، أَمَّا الْهِبَةُ لِوَلَدِهِ الرَّقِيقِ فَهِبَةٌ لِسَيِّدِهِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي هِبَةِ الْأَعْيَانِ. أَمَّا لَوْ وَهَبْ وَلَدَهُ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ سَوَاءٌ أَقُلْنَا إنَّهُ تَمْلِيكٌ أَمْ إسْقَاطٌ إذْ لَا بَقَاءَ لِلدَّيْنِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا فَتَلِفَ، وَشَرْطُ رُجُوعِ الْأَبِ أَوْ أَحَدِ سَائِرِ الْأُصُولِ بَقَاءُ الْمَوْهُوبِ فِي سَلْطَنَةِ الْوَلَدِ. وَيَدْخُلُ فِي السَّلْطَنَةِ مَا لَوْ أَبَقَ الْمَوْهُوبُ أَوْ غُصِبَ فَيَثْبُتُ الرُّجُوعُ فِيهِمَا، وَخَرَجَ بِهِمَا مَا لَوْ جَنَى الْمَوْهُوبُ أَوْ أَفْلَسَ الْمُتَّهَبُ وَحُجِرَ عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ، نَعَمْ لَوْ قَالَ: أَنَا أُؤَدِّي أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَأَرْجِعُ. مُكِّنَ فِي الْأَصَحِّ، وَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ أَيْضًا بِبَيْعِ الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ أَوْ وَقْفِهِ أَوْ عِتْقِهِ أَوْ   [حاشية البجيرمي] الْمَعْصِيَةِ؛ شَرْحِ م ر شَوْبَرِيٌّ. وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ عَكْسُ مَذْهَبِنَا وَهُوَ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ لِأَجْنَبِيٍّ دُونَ مَا وَهَبَهُ الْأَصْلُ لِفَرْعِهِ، وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ الْآتِي بِعَدَمِ صِحَّتِهِ عِنْدَهُمْ؛ شَيْخُنَا. قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ بِحَالٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ لَهُ الرُّجُوعَ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي كُلِّ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ عَلَى جِهَةِ الصِّلَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَهُ عَلَى جِهَةِ الصَّدَقَةِ، قَالَ: وَإِنَّمَا يَسُوغُ الرُّجُوعُ إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الْهِبَةُ فِي يَدِ الْوَلَدِ أَوْ يُسْتَحْدَثُ دَيْنًا بَعْدَ الْهِبَةِ أَوْ تَتَزَوَّجُ الْبِنْتُ أَوْ يَخْتَلِطُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِمَالٍ مِنْ جِنْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي إحْدَى رِوَايَاتِهِ: وَأَظْهَرِهَا أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ بِكُلِّ حَالٍ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ بَعْضَ الْأَوْلَادِ قَدْ يَكُونُ مَعَ أَبِيهِ كَالْأَجَانِبِ بَلْ كَالْأَعْدَاءِ، وَوَجْهُ الثَّانِي «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَلَدٍ أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْوَالِدُ يَشْمَلُ كُلَّ الْأُصُولِ) أَيْ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، فَذِكْرُ الرَّجُلِ فِي الْحَدِيثِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَالْمُرَادُ مِنْ النَّسَبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْلَ مِنْ النَّسَبِ لَا يَرْجِعُ فِي هِبَةِ الْفَرْعِ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ حُرًّا وَأَنْ يَبْقَى الْمَوْهُوبُ فِي سَلْطَنَتِهِ وَأَنْ يَكُونَ عَيْنًا لَا دَيْنًا فَالشُّرُوطُ ثَلَاثَةٌ اهـ. وَلَوْ وَهَبَهُ، أَيْ الْأَجْنَبِيُّ، وَأَقْبَضَهُ وَمَاتَ فَادَّعَى الْوَارِثُ صُدُورَهُ فِي الْمَرَضِ وَالْمُتَّهَبُ كَوْنُهُ فِي الصِّحَّةِ صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ، وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي النَّفَقَةِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ " أَلْحَقَ ". قَوْلُهُ: (وَسُقُوطُ الْقَوَدِ) كَمَا إذَا قَتَلَ الْجَدُّ وَلَدَ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فَهِبَةٌ لِسَيِّدِهِ) أَيْ فَلَا رُجُوعَ. قَوْلُهُ: (أَمَّا لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ) أَمَّا هِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَقِيلَ صَحِيحَةٌ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي بَيْعِهِ، وَصَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ بُطْلَانَهَا نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ. هَذَا وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ صِحَّةِ هِبَتِهِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّةِ بَيْعِهِ أَمْ لَا م ر أج. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ هِبَةِ الدَّيْنِ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ إنَّهَا أَوْ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْهِبَةِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ أَوْ أَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمِيرَ بِالنَّظَرِ لِلْخَبَرِ. قَوْلُهُ: (أَمْ إسْقَاطٌ) أَيْ إبْرَاءٌ. قَوْلُهُ: (فِي سَلْطَنَةِ الْوَلَدِ) هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ جَوَازِ التَّصَرُّفِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْمِلْكَ بِدَلِيلِ شُمُولِ زَوَالِهَا لِمَا لَوْ جَنَى الْمَوْهُوبُ أَوْ أَفْلَسَ الْمُتَّهَبُ وَحُجِرَ عَلَيْهِ أَوْ رَهَنَ الْمَوْهُوبَ وَأَقْبَضَهُ فَإِنَّ هَذِهِ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ لَكِنَّهَا تُزِيلُ جَوَازَ التَّصَرُّفِ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَقَوْلُهُ " فِي سَلْطَنَتِهِ " أَيْ اسْتِيلَائِهِ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِبَقَاءِ الْمِلْكِ لِشُمُولِهَا مَا لَوْ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ لِبَقَاءِ السَّلْطَنَةِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ الْمِلْكُ خ ض. وَقَالَ ق ل: عَدَلَ إلَيْهَا عَنْ الْمِلْكِ لِصِحَّةِ إخْرَاجِ الْمُكَاتَبِ الْمَذْكُورِ، وَالْمُسْتَوْلَدَةِ أَيْ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُسْتَوْلَدَةِ زَالَتْ عَنْهُمَا السَّلْطَنَةُ دُونَ الْمِلْكِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِهَا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّلْطَنَةِ الِاسْتِيلَاءُ التَّامُّ فَصَحَّ مَا ذَكَرَهُ اهـ. وَقَوْلُهُ بِهَا الْأَنْسَبُ بِهِ أَيْ الْبَقَاءِ. قَوْلُهُ: (وَحُجِرَ عَلَيْهِ) أَيْ بِالْفَلَسِ. وَخَرَجَ مَا لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ، لِأَنَّ الْحَجْرَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَيْنِ، وَإِذَا انْفَكَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ بِالْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ أَبِيهِ الْوَاهِبِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعُ رَهْنَهُ وَلَا هِبَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِبَقَاءِ السَّلْطَنَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ؛ وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِزَوَالِ سَلْطَنَتِهِ، وَلَا يَمْنَعُ أَيْضًا تَعْلِيقَ عِتْقِهِ وَلَا تَدْبِيرِهِ وَلَا تَزْوِيجَ الرَّقِيقِ وَلَا زِرَاعَةَ الْأَرْضِ وَلَا إجَارَتَهَا لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ الرُّجُوعِ مَعَ بَقَاءِ السَّلْطَنَةِ صُوَرٌ: مِنْهَا مَا لَوْ جُنَّ الْأَبُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ حَالَ جُنُونِهِ، وَلَا رُجُوعُ وَلِيِّهِ بَلْ إذَا أَفَاقَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ أَحْرَمَ وَالْمَوْهُوبُ صَيْدٌ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ يَدِهِ عَلَى الصَّيْدِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَمِنْهَا مَا لَوْ ارْتَدَّ الْوَالِدُ، وَفَرَّعْنَا عَلَى وَقْفِ مِلْكِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَقْبَلُ الْوَقْفَ كَمَا لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، فَلَوْ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ أَوْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَوْهُوبُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَلَدِ رَجَعَ. . فُرُوعٌ: لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا وَوَهَبَهُ الْوَلَدُ لِوَلَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهُ، وَلَوْ وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ فَوَهَبَهُ الْوَلَدُ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ لَمْ يَثْبُتْ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ لِأَنَّ الْوَاهِبَ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فَالْأَبُ أَوْلَى، وَلَوْ وَهَبَهُ الْوَلَدُ لِجَدِّهِ ثُمَّ الْجَدُّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فَالرُّجُوعُ لِلْجَدِّ فَقَطْ، وَلَوْ زَالَ مِلْكُ الْوَلَدِ عَنْ الْمَوْهُوبِ وَعَادَ إلَيْهِ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهُ حَتَّى يَرْجِعَ فِيهِ. وَلَوْ زَرَعَ الْوَلَدُ الْحَبَّ أَوْ فَرَّخَ الْبَيْضَ لَمْ يَرْجِعْ الْأَصْلُ فِيهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَإِنْ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِهِ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا، وَلَوْ زَادَ الْمَوْهُوبُ رَجَعَ فِيهِ بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ   [حاشية البجيرمي] الْحَجْرُ مُكِّنَ مِنْ الرُّجُوعِ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَقَفَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يُخْرِجَ هَذَا بِبَقَاءِ السَّلْطَنَةِ كَمَا فَعَلَهُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (مِمَّا يُزِيلُ الْمِلْكَ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ غَيْرُهُ كَالْكِتَابَةِ وَالْإِيلَادِ وَالرَّهْنِ بَعْدَ قَبْضِهِ كَمَا أَشَارَ بِهِ؛ لَكِنْ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الرَّهْنُ لِغَيْرِ الْوَالِدِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ؛ سم مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (مِنْ أَبِيهِ) أَيْ لِأَبِيهِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْقَبْضِ) يَرْجِعُ لِلرَّهْنِ وَالْهِبَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمِلْكَ) فِيهِ قُصُورٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْنَعُ أَيْضًا) كَمَا لَوْ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَالْكِتَابَةُ سم فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ. قَوْلُهُ: (وَلَا إجَارَتُهَا) لَوْ قَالَ: وَلَا الْإِجَارَةُ لَكَانَ أَعَمَّ، وَلَا يَفْسَخُ الْوَالِدُ الْإِجَارَةَ إنْ رَجَعَ بَلْ تَبْقَى بِحَالِهَا لَكِنْ أُجْرَةُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الرُّجُوعِ لِلْوَالِدِ كَالتَّزْوِيجِ فَيَكُونُ الْمَهْرُ لِلْوَلَدِ. قَوْلُهُ: (عَلَى وَقْفِ مِلْكِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى وَقْفِ تَصَرُّفِهِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ مِنْ قِبَلِ التَّصَرُّفِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْإِمْلَاكِ، وَالْمُرْتَدُّ تُوقَفُ أَمْلَاكُهُ إنْ عَادَ لِلْإِسْلَامِ تَبَيَّنَ اسْتِمْرَارُهَا، وَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا تَبَيَّنَ زَوَالُهَا عَنْ الْمَمْلُوكَاتِ مِنْ حِينِ الرِّدَّةِ، وَتَصَرُّفَاتُهُ الَّتِي تَقَعُ مِنْهُ حَالَ الرِّدَّةِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَقْبَلُ التَّعَالِيقَ كَالْعِتْقِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ إنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَ نُفُوذُهَا، وَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا تَبَيَّنَ فَسَادُهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ تَقْبَلْ التَّعْلِيقَ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ مِنْ وَقْتِهَا وَلَا تُوقَفُ؛ وَسَيَأْتِي هَذَا كُلُّهُ فِي بَابِ الرِّدَّةِ. قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) أَيْ سِتَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمِلْكَ) أَيْ مِلْكَ وَلَدِ الْوَلَدِ، وَقَوْلُهُ " غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهُ " أَيْ مِنْ الْوَاهِبِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ أَصْلًا لِوَلَدِ الْوَلَدِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ أَصْلٌ عَلَى فَرْعِ إلَّا إذَا اسْتَفَادَ الْفَرْعُ الْمِلْكَ مِنْ الرَّاجِعِ. قَوْلُهُ: (لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ) سَوَاءٌ كَانَ شَقِيقًا أَمْ لَا، وَقَيَّدَ بِالْأَبِ لِإِخْرَاجِ الْأَخِ لِلْأُمِّ فَإِنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ الرُّجُوعُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَهَبَهُ الْوَلَدُ لِجَدِّهِ) أَيْ وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ وَهَبَهُ لَهُ. وَقَوْلُهُ " ثُمَّ الْجَدُّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ " وَهُوَ الْوَاهِبُ لَهُ أَوَّلًا فَكَانَ الْأَوْلَى الْإِضْمَارُ، أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ وَلَدُ وَلَدٍ آخَرُ غَيْرُ الْوَاهِبِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَالرُّجُوعُ لِلْجَدِّ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْأَبِ الْوَاهِبِ لِوَلَدِهِ أَوَّلًا الَّذِي وَهَبَ لِجَدِّهِ. وَعِلَّةُ عَدَمِ رُجُوعِ الْأَبِ خُرُوجُ الْمَوْهُوبِ عَنْ سَلْطَنَةِ الْوَلَدِ الْوَاهِبِ لِلْجَدِّ، لِأَنَّ الْمِلْكَ الْآنَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْجَدِّ لَا مِنْ الْأَبِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْمُحَشِّي. قَوْلُهُ: (لَمْ يَرْجِعْ الْأَصْلُ) وَيَكُونُ الزَّائِلُ الْعَائِدُ هُنَا كَاَلَّذِي لَمْ يُعَدَّ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: وَعَائِدٌ كَزَائِلٍ لَمْ يُعَدَّ فِي فَلَسٍ مَعَ هِبَةٍ لِلْوَلَدْ فِي الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَفِي الصَّدَاقِ بِعَكْسِ ذَاكَ الْحُكْمِ بِاتِّفَاقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 كَالسِّمَنِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ فَإِنَّهُ يَبْقَى لِلْمُتَّهَبِ لِحُدُوثِهِ عَلَى مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْمُقَارِنِ لِلْهِبَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ وَإِنْ انْفَصَلَ، وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِرَجَعْتُ فِيمَا وَهَبْتُ أَوْ اسْتَرْجَعْتُهُ أَوْ رَدَدْتُهُ إلَى مِلْكِي. أَوْ نَقَضْت الْهِبَةَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَأَبْطَلْتُهَا أَوْ فَسَخْتُهَا، وَلَا يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِبَيْعِ مَا وَهَبَهُ الْأَصْلُ لِفَرْعِهِ، وَلَا بِوَقْفِهِ وَلَا بِهِبَتِهِ وَلَا بِإِعْتَاقِهِ، وَلَا بِوَطْءِ الْأَمَةِ. وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ مِنْ صِيغَةٍ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ، وَتَحْصُلُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولِ لَفْظٍ مِنْ النَّاطِقِ مَعَ التَّوَاصُلِ الْمُعْتَادِ كَالْبَيْعِ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (صَارَ مُسْتَهْلَكًا) أَيْ لِأَنَّهُ أَوْجَدَ فِيهِ فِعْلًا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مَنْ اقْتَرَضَ حَبًّا فَبَذَرَهُ مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ رُجُوعِ الْمُقْرِضِ، وَقَوْلُهُمْ لِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ فِي الْعَيْنِ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً عِنْدَ الْمُقْتَرِضِ لَا يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً بِحَالِهَا، فَلَا يُقَالُ إنَّ مَا يُوجِدُهُ اللَّهُ مِنْ الزَّرْعِ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُقْرِضِ؛ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَ حَبًّا فَنَبَتَتْ فَإِنَّ الزَّرْعَ كُلَّهُ لِلْمَالِكِ وَعَلَى الْغَاصِبِ أَرْشُ نَقْصِهِ إنْ فُرِضَ أَنَّ الزَّرْعَ أَنْقَصُ مِنْ الْحَبِّ الْمَغْصُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَنَقَلَهُ أج عَنْ الزِّيَادِيِّ، وَعِبَارَتُهُ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّ بَذْرَ الْحَبِّ وَتَفْرِيخَ الْبَيْضِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الرُّجُوعِ، وَإِنْ تَدَاوَلَتْ الْأَيْدِي عَلَى الْمَغْصُوبِ وَالتَّعَلُّقُ بِذَلِكَ أَيْ بِمَا نَشَأَ مِنْ الْبَذْرِ وَالْبَيْضِ أَوْلَى مِنْ التَّعَلُّقِ بِبَدَلِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْهِبَةُ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ. قَوْلُهُ: (بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ) أَيْ غَيْرِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ وَلَوْ قَبْلَ وَضْعِهِ سم. قَوْلُهُ: (كَالسِّمَنِ) أَيْ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ لَا مُعَالَجَةَ لِلسَّيِّدِ فِيهِ، زي. وَالْمُرَادُ بِالسَّيِّدِ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ التَّعَلُّمَ إنْ كَانَ فِيهِ مُعَالَجَةٌ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ دَفَعَهَا الْوَاهِبُ لِابْنِهِ إنْ طَلَبَهَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ لِحُدُوثِهِ، ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بِبَيْعِ مَا وَهَبَهُ الْأَصْلُ إلَخْ) أَيْ بَيْعَهُ مَعَ كَوْنِهِ فِي يَدِ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ بِتَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِيهِ وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بَاطِلَةٌ. قَوْلُهُ: (لِفَرْعِهِ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الْفَرْعِ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِوَقْفِهِ) أَيْ وَلَا بِإِيلَادِهِ وَإِتْلَافِهِ، وَيَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَبِالْإِيلَادِ وَالْإِتْلَافِ الْقِيمَةُ وَتَلْغُو الْبَقِيَّةُ، وَالْوَطْءُ حَرَامٌ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الرُّجُوعَ، وَإِذَا رَجَعَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَوْهُوبَ مِنْ الْوَلَدِ فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ سم. قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَإِذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَخْ، لِيُتِمَّ الْكَلَامَ عَلَى الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ صِيغَةٍ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَصِحُّ مِنْ الْأَعْمَى وَلَا لَهُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُوَ لَا يَتَصَرَّفُ فِي الْأَعْيَانِ، أَمَّا الصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ فَتَصِحُّ مِنْهُ وَلَهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ عَلَى طَبَقِ الْإِيجَابِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ هُنَا، وَمِنْهُ أَيْضًا اعْتِبَارُ الْفَوْرِيَّةِ فِي الصِّيغَةِ فَيَضُرُّ الْفَصْلُ بِأَجْنَبِيٍّ وَالْأَوْجَهُ كَمَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ اغْتِفَارُ قَوْلِهِ بَعْدَ وَهَبْتُكَ وَسَلَّطْتُكَ عَلَى قَبْضِهِ، فَلَا يَكُونُ فَاصِلًا مُضِرًّا لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَقْدِ؛ نَعَمْ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْإِذْنِ قَبْلَ وُجُودِ الْقَبُولِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي مَزْجِ الرَّهْنِ بِالْبَيْعِ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَقَدْ لَا يَشْتَرِطُ صِيغَةً كَمَا لَوْ كَانَتْ ضِمْنِيَّةً كَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَأَعْتَقَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مَجَّانًا، وَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَأَقَرَّهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ زَيَّنَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ بِحُلِيٍّ كَانَ تَمْلِيكًا لَهُ بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَمْلِيكِهِ بِتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ كَلَامَهُمَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ اشْتَرَطَا فِي هِبَةِ الْأَصْلِ تَوَلِّيَ الطَّرَفَيْنِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَهِبَةُ وَلِيِّ غَيْرِهِ لِمُوَلِّيهِ قَبُولُهَا مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ نَائِبِهِ؛ شَرْحِ م ر. نَعَمْ إنْ دَفَعَ ذَلِكَ لِاحْتِيَاجِهِ لَهُ أَوْ قَصَدَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ كَانَ صَدَقَةً فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْهُ، وَقَدْ تَدُلُّ الْقَرَائِنُ الظَّاهِرَةُ عَلَى شَيْءٍ فَيَعْمَلُ بِهِ ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ وَحَمَلَتْ لَهُ هَدَايَا مَلَكَهَا الْأَبُ وَقَالَ جَمْعٌ لِلِابْنِ فَيَلْزَمُ الْأَبَ قَبُولُهَا، أَيْ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ؛ وَمِنْهُ قَصْدُ التَّقَرُّبِ لِلْأَبِ، وَهُوَ نَحْوُ قَاضٍ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ الْمُهْدِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ قَصَدَهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا يُعْطَاهُ خَادِمُ الصُّوفِيَّةِ، فَيَكُونُ لَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ قَصْدِهِ وَلَهُمْ عِنْدَ قَصْدِهِمْ وَلَهُ وَلَهُمْ عِنْدَ قَصْدِهِمَا، أَيْ فَيَكُونُ لَهُ النِّصْفُ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ مَثَلًا، وَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 وَمِنْ صَرَائِحِ الْإِيجَابِ وَهَبْتُكَ وَمَنَحْتُكَ وَمَلَّكْتُكَ بِلَا ثَمَنٍ، وَمِنْ صَرَائِحِ الْقَبُولِ قَبِلْتُ وَرَضِيتُ، وَيَقْبَلُ الْهِبَةَ لِلصَّغِيرِ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْقَبُولِ الْوَلِيُّ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي الْهَدِيَّةِ وَلَا فِي الصَّدَقَةِ، بَلْ يَكْفِي الْإِعْطَاءُ مِنْ الْمَالِكِ وَالْأَخْذُ مِنْ الْمَدْفُوعِ لَهُ (وَ) تَصِحُّ بِعُمْرَى وَرُقْبَى، فَالْعُمْرَى كَمَا إذَا أَعْمَرَ شَيْئًا كَأَنْ قَالَ أَعْمَرْتُكَ هَذَا أَيْ: جَعَلْتُهُ لَك عُمْرَك أَوْ حَيَاتَك أَوْ مَا عِشْتَ وَإِنْ زَادَ فَإِذَا مِتَّ عَادَ لِي لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا» وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا: جَعَلْتُهُ لَك عُمْرَك مَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُهُ لَك عُمْرِي أَوْ عُمْرَ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِخُرُوجِهِ عَنْ اللَّفْظِ الْمُعْتَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ   [حاشية البجيرمي] جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ وَضْعِ طَاسَةٍ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْفَرَحِ لِيَضَعَ النَّاسُ فِيهَا دَرَاهِمَ ثُمَّ تُقْسَمُ عَلَى الْمُزَيِّنِ وَنَحْوِهِ يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ قَصَدَ الْمُزَيِّنَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ نُظَرَائِهِ الْمُعَاوِنِينَ لَهُ عُمِلَ بِالْقَصْدِ، وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْفَرَحِ يُعْطِيهِ لِمَنْ شَاءَ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ هُنَا شَرْحِ م ر. وَلَوْ نَذَرَ لِوَلِيِّ مَيِّتٍ بِمَالٍ فَإِنْ قَصَدَ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ لَغَا، وَإِنْ أَطْلَقَ فَإِنْ كَانَ عَلَى قَبْرِهِ مَا يَحْتَاجُ لِلصَّرْفِ فِي مَصَالِحِهِ صُرِفَ لَهَا، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ اُعْتِيدَ قَصْدُهُمْ بِالنَّذْرِ لِلْوَلِيِّ صُرِفَ لَهُمْ اهـ وَلَوْ أَهْدَى لِمَنْ خَلَّصَهُ مِنْ ظَالِمٍ لِئَلَّا يَنْقُضَ مَا فَعَلَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ قَبُولُهُ وَإِلَّا حَلَّ، أَيْ وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ، بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى الْوَاجِبِ الْمُعَيَّنِ إذَا كَانَ فِيهِ كُلْفَةٌ، خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا. وَلَوْ قَالَ: خُذْ وَاشْتَرِ لَك بِهِ كَذَا، تَعَيَّنَ الشِّرَاءُ بِهِ مَا لَمْ يُرِدْ التَّبَسُّطَ، أَيْ أَوْ تَدُلُّ قَرِينَةُ مَالٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ مُحَكَّمَةٌ هُنَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَوْ أَعْطَى فَقِيرًا دِرْهَمًا بِنِيَّةِ أَنْ يَغْسِلَ بِهِ ثَوْبَهُ، أَيْ وَقَدْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ، تَعَيَّنَ لَهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ كَفَنًا لِأَبِيهِ فَكَفَّنَهُ فِي غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ لَهُ إنْ كَانَ قَصَدَ التَّبَرُّكَ بِأَبِيهِ لِفِقْهٍ أَوْ وَرَعٍ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: أَوْ قَصَدَ الْقِيَامَ بِفَرْضِ التَّكْفِينِ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ عَلَى الْوَارِثِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا عَلِمَ قَصْدَهُ. فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ بَلْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ إنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ " فِي اشْتَرِ لَك بِهَذَا عِمَامَةً " رَوْضٌ وَشَرْحُهُ. وَلَوْ شَكَا إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُوَفِّ أُجْرَتَهُ كَاذِبًا فَأَعْطَاهُ دِرْهَمًا أَوْ أَعْطَى بِظَنِّ صِفَةٍ فِيهِ أَوْ فِي نِسْبَةٍ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بَاطِنًا، لَمْ يَحِلَّ لَهُ قَبُولُهُ وَلَمْ يَمْلِكْهُ وَيَكْتَفِي فِي كَوْنِهِ أَعْطَى لِتِلْكَ الصِّفَةِ بِالْقَرِينَةِ. وَمِثْلُ هَذَا مَنْ دَفَعَ لِمَخْطُوبَتِهِ أَوْ وَكِيلِهَا أَوْ وَلِيِّهَا أَوْ غَيْرِهِ لِيَتَزَوَّجَهَا فَرَدَّ قَبْلَ الْعَقْدِ رَجَعَ عَلَى مَنْ أَقْبَضَهُ، وَحَيْثُ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ مَا يُعْطَاهُ إنَّمَا يُعْطَاهُ لِلْحَيَاءِ حَرُمَ الْأَخْذُ وَلَمْ يَمْلِكْهُ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: إجْمَاعًا. وَكَذَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ أَوْ تَسْلِيمِ مَا هُوَ عَلَيْهِ إلَّا بِمَالٍ كَتَزْوِيجِ بِنْتِهِ، بِخِلَافِ إمْسَاكِهِ لِزَوْجَتِهِ حَتَّى تُبْرِئَهُ أَوْ تَفْتَدِيَ بِمَالٍ. وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ هُنَا فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ الْمُتَقَوِّمِ عَلَيْهِ بِمَالٍ؛. اهـ. حَجّ. فَرْعٌ: مَا تَقَرَّرَ فِي الرُّجُوعِ فِي النُّقُوطِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا يُسْتَهْلَكُ كَالْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهِ؛ وَمَدَارُ الرُّجُوعِ عَلَى عَادَةِ أَمْثَالِ الدَّافِعِ لِهَذَا الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، فَحَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالرُّجُوعِ رَجَعَ فَلَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَمَنَحْتُك) أَيْ أَعْطَيْتُك. قَوْلُهُ: (بِلَا ثَمَنٍ) أَيْ حَالَ كَوْنِ الثَّلَاثَةِ صَادِرَةً بِلَا ذِكْرِ ثَمَنٍ، فَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا الثَّمَنَ فَهِيَ هِبَةٌ بِثَوَابٍ وَلَا كَلَامَ فِيهَا. قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ) أَيْ الْهِبَةُ وَقَوْلُهُ بِعُمْرَى، أَيْ فَهِيَ صِيغَةُ هِبَةٍ طَوَّلَ فِيهَا الْعِبَارَةَ، فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْقَبُولُ وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ. وَالْعُمْرَى وَالرُّقْبَى كَانَا عَقْدَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ قَالَهُ) أَيْ الْعَارِفُ بِمَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى الرُّقْبَى وَالْعُمْرَى وَلَوْ بِوَجْهٍ حَتَّى يَقْصِدَهُ، فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ جَاهِلًا بِهِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا انْحَطَّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ م ر وحج، وَلَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِمَعْنَاهُ بَعْدَهُ إنْ صُدِّقَ إنْ أَمْكَنَ جَهْلُهُ؛. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. فَرْعٌ يُشْتَرَطُ فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى الْقَبُولُ كَالْهِبَةِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (أَيْ جَعَلْته إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ: أَوْ جَعَلْته لَك عُمْرَك، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا) أَيْ فَلَا يَعْمَلُ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا مِتّ عَادَ لِي، وَمِنْ ثَمَّ عَدَلُوا بِهِ عَنْ قِيَاسِ سَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ إذْ لَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَصِحُّ مَعَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ الْمُنَافِي لِمُقْتَضَاهُ وَيَلْغُو إلَّا هَذَا زي. قَوْلُهُ: (الْمُعْتَادُ) أَيْ الْمُعْتَادُ مَعَ النَّاسِ فِي عَقْدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 تَأْقِيتِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ الْوَاهِبَ أَوْ زَيْدًا قَدْ يَمُوتُ أَوَّلًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعُمْرَى كَإِذَا جَاءَ فُلَانٌ أَوْ رَأْسُ الشَّهْرِ فَهَذَا الشَّيْءُ لَك عُمْرَك. وَالرُّقْبَى كَمَا إذَا قَالَ جَعَلْتُهُ لَك رُقْبَى أَوْ أَرْقُبُهُ كَأَنْ قَالَ أَرْقَبْتُكَهُ أَيْ إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَ إلَيَّ وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ لَك (كَانَ) ذَلِكَ الشَّيْءُ (لِلْمُعْمَرِ) فِي الْأُولَى (أَوْ لِلْمُرْقَبِ) فِي الثَّانِيَةِ بِلَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ فِيهِمَا (وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) وَيَلْغُو الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «لَا تَعْمُرُوا وَلَا تَرْقُبُوا فَمَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» أَيْ لَا تَعْمُرُوا وَلَا تَرْقُبُوا طَمَعًا فِي أَنْ يَعُودَ إلَيْكُمْ فَإِنَّ مَصِيرَهُ الْمِيرَاثُ. وَالرُّقْبَى مِنْ الرُّقُوبِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ الْآخَرِ وَالْهِبَةُ إنْ أُطْلِقَتْ بِأَنْ لَمْ تُقَيَّدْ بِثَوَابٍ وَلَا بِعَدَمِهِ فَلَا ثَوَابَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِأَعْلَى مِنْ الْوَاهِبِ أَوْ قُيِّدَتْ بِثَوَابٍ مَجْهُولٍ كَثَوْبٍ فَبَاطِلَةٌ، أَوْ بِمَعْلُومٍ فَبَيْعٌ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى. وَظَرْفُ الْهِبَةِ إنْ لَمْ يُعْتَدْ رَدُّهُ كَقَوْصَرَّةِ تَمْرٍ هِبَةً أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هِبَةً حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا فِي أَكْلِ الْهِبَةِ مِنْهُ إنْ اُعْتِيدَ. تَتِمَّةٌ: يُسَنُّ لِلْوَالِدِ وَإِنْ عَلَا الْعَدْلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «اتَّقُوا اللَّهَ   [حاشية البجيرمي] الْهِبَةِ بِلَفْظِ الْعُمْرَى. قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ) الْأَوْلَى وَلِمَا فِيهِ بِالْوَاوِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْعَكْسِ) أَيْ إذَا قَالَ: جَعَلْتُهُ لَك عُمُرَكَ. قَوْلُهُ: (إلَّا مُدَّةَ حَيَاتِهِ) أَيْ فَلَا تَأْقِيتَ فِي الْحَقِيقَةِ، شَرْحِ الْبَهْجَةِ. قَوْلُهُ: (وَلِوَرَثَتِهِ) أَيْ الْآخِذِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِهِ ذَكَرَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهَا فِي الْحَالِ لَهُ وَلِمَنْ يَرِثُهُ بِتَقْدِيرِ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: (الْمَذْكُورُ) لَوْ حَذَفَ الْمَذْكُورَ إلَخْ، لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الرُّقْبَى شَرْطًا بَلْ فِي الْعُمْرَى فَقَطْ، وَهُوَ: فَإِذَا مِتَّ عَادَ لِي إلَّا أَنْ يُرَادَ وَلَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْ ق ل. وَقَوْلُهُ " وَلَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ " وَهُوَ قَوْلُهُ أَرْقَبْتُكَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ مِتّ قَبْلِي عَادَ إلَيَّ وَإِنْ مِتّ قَبْلَك اسْتَقَرَّ لَك كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (فَمَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا أَوْ أُرْقِبَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَيْ لَا تَعْمُرُوا إلَخْ) فَالنَّهْيُ مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْقَيْدِ، وَإِلَّا فَالْعُمْرَى وَالرُّقْبَى جَائِزَانِ. قَوْلُهُ: (بِثَوَابٍ) أَيْ بِذِكْرِ عِوَضٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ) غَايَةٌ. قَوْلُهُ: (كَقَوْصَرَّةِ) بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ فَوَاوٍ سَاكِنَةٍ فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَلَا تُسَمَّى بِذَلِكَ إلَّا وَفِيهَا التَّمْرُ وَإِلَّا فَهِيَ مِكْتَلٌ وَزِنْبِيلٌ وَهِيَ الْجِرَابُ الَّذِي يُكْنَزُ فِيهِ التَّمْرُ مِنْ الْبَوَادِي قَالَ الرَّاجِزُ أَفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ قَوْصَرَّهْ ... يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّهْ قَوْلُهُ: (إلَّا فِي أَكْلٍ) أَيْ فَيَجُوزُ أَكْلُهَا مِنْهُ حِينَئِذٍ وَيَكُونُ عَارِيَّةً، شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ ظَرْفَ الْهَدِيَّةِ هِبَةٌ إنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ وَإِلَّا فَعَارِيَّةٌ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهَا مِنْهُ وَإِلَّا فَغَصْبٌ، اهـ وَيَنْدُبُ رَدُّ ظَرْفِ الْهَدِيَّةِ حَالًا بَلْ يَجِبُ إنْ اُعْتِيدَ تَفْرِيغُهُ حَالًا، إذْ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْعَادَةُ. فَالْحَاصِل أَنَّهُ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَفْرِيغِهِ حَالًا وَالْمُرَادُ عَادَةُ الْمُهْدِي، وَجَبَ وَإِنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِإِبْقَائِهَا فِيهِ مُدَّةً جَازَ؛ وَلَكِنْ الْأَفْضَلُ رَدُّهُ حَالًا. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ الْهَدِيَّةِ حَتَّى يَأْمُرَ صَاحِبَهَا بِالْأَكْلِ مِنْهَا وَيَأْكُلَ مِنْهَا، لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَأْكُلُ هَدِيَّةً حَتَّى يَأْمُرَ صَاحِبَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا لِلشَّاةِ الَّتِي أُهْدِيَتْ إلَيْهِ فِي خَيْبَرَ وَهِيَ مَسْمُومَةٌ» وَهَذَا أَصْلٌ لِمَا يَعْتَادُهُ الْمُلُوكُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَلْحَقَ بِهِمْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ كُبَرَاءِ النَّاسِ. اهـ. م د مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الشَّوْبَرِيِّ. قَوْلُهُ: (وَفِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ صَدَقَةً أَمْ هَدِيَّةً أَمْ هِبَةً أَمْ وَقْفًا أَمْ تَبَرُّعًا آخَرَ، فَأَفْهَمَ قَوْلُهُ " كَغَيْرِهِ عَطِيَّةً " أَنَّهُ لَا تُطْلَبُ مِنْهُ التَّسْوِيَةُ فِي غَيْرِهَا كَالتَّوَدُّدِ بِالْكَلَامِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الدَّمِيرِيِّ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ مَطْلُوبَةٌ حَتَّى فِي التَّقْبِيلِ وَلَهُ وَجْهٌ،. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ زي. وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي الْمُمَيِّزِينَ. وَفِي ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: فَرْعٌ: يَنْدُبُ لِلْأَصْلِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ بِنَحْوِ قُبْلَةٍ، نَعَمْ إنْ تَمَيَّزَ أَحَدُهُمْ بِنَحْوِ فَضِيلَةٍ فَلَهُ تَمْيِيزُهُ أَوْ بِنَحْوِ عُقُوقٍ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْإِعْطَاءِ، بَلْ يَجِبُ إنْ لَزِمَ عَلَى إعْطَائِهِ مَعْصِيَةً اهـ. قَوْلُهُ: (يُسَوِّي إلَخْ) خَصَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى بِالذِّكْرِ لِمَا قِيلَ إنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ لِهَذَا الْخَبَرِ. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ تَفْضِيلُ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ الصِّدِّيقَ فَضَّلَ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَوْلَادِهِ، وَفَضَّلَ عُمَرُ ابْنَهُ عَاصِمًا بِشَيْءٍ، وَفَضَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بَعْضَ أَوْلَادِهِ عَلَى بَعْضِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. وَيُسَنُّ أَيْضًا أَنْ يُسَوِّيَ الْوَلَدُ إذَا وَهَبَ لِوَالِدَيْهِ شَيْئًا، وَيُكْرَهُ لَهُ تَرْكُ التَّسْوِيَةِ كَمَا مَرَّ فِي الْأَوْلَادِ، فَإِنْ فَضَّلَ أَحَدَهُمَا فَالْأُمُّ أَوْلَى لِخَبَرِ: «إنَّ لَهَا ثُلُثَيْ الْبِرِّ» وَالْإِخْوَةُ وَنَحْوُهُمْ لَا يَجْرِي فِيهِمْ هَذَا الْحُكْمُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ مَطْلُوبَةٌ لَكِنْ دُونَ طَلَبِهَا فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَأَفْضَلُ الْبِرِّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا وَفِعْلِ مَا يَسُرُّهُمَا مِنْ الطَّاعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَعُقُوقُ   [حاشية البجيرمي] مَعْنَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَنْ يُعْطِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلَيْ الْأُنْثَى كَالْإِرْثِ، بَلْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِعْطَاءِ وَقَدْرِ الْمُعْطَى اهـ. قَوْلُهُ: (وَاعْدِلُوا) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ) أَيْ الْعَدْلِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْحَاجَةِ) أَيْ وَفِي الْبِرِّ وَعَدَمِهِ وَالدِّينِ وَقِلَّتِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَضَّلَ أَحَدَهُمَا) أَيْ أَرَادَ أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدَهُمَا أج. قَوْلُهُ: (هَذَا الْحُكْمُ) وَهُوَ كَرَاهَةُ تَرْكِ التَّسْوِيَةِ. قَوْلُهُ: (إنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ) أَيْ لَكِنْ تَرْكُ ذَلِكَ خِلَافُ الْأَوْلَى فَقَطْ لَا مَكْرُوهٌ، فَقَوْلُهُ " مَطْلُوبَةٌ " أَيْ فِيهَا أَصْلُ الطَّلَبِ وَلَا يَتَأَكَّدُ. قَوْلُهُ: (بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا) مِنْ الْإِحْسَانِ إلَى الْوَالِدِ أَنْ يَسْتَمِعَ كَلَامَهُ وَأَنْ يَقُومَ لِقِيَامِهِ وَيَمْتَثِلَ أَمْرَهُ وَلَا يَمْشِيَ أَمَامَهُ وَلَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِهِ وَيُلَبِّيَ دَعْوَتَهُ وَيَحْرِصَ عَلَى طَلَبِ مَرْضَاتِهِ وَيَخْفِضَ لَهُ جَنَاحَهُ بِالصَّبْرِ وَلَا يَمَلَّ بِالْبِرِّ لَهُ وَلَا بِالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ وَلَا يَنْظُرَ إلَيْهِ شَزْرًا أَيْ عَبُوسًا. وَفِي خَبَرٍ مَرْفُوعٍ: «لَعَنَ اللَّهُ الْعَاقَّ لِوَالِدَيْهِ» قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ: وَقَالَ وَهْبٌ: «أَوْحَى اللَّهُ إلَى مُوسَى: وَقِّرْ وَالِدَيْك فَإِنَّ مَنْ وَقَّرَ وَالِدَيْهِ مَدَدْتُ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَوَهَبْتُ لَهُ وَلَدًا يَبَرُّهُ» وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَأَيْت أَقْوَامًا مُعَلَّقِينَ فِي جُذُوعِ النَّارِ فَقُلْت: مَالِكُ، مَا كَانَ ذَنْبُهُمْ؟ قَالَ كَانُوا عَاقِّينَ لِوَالِدَيْهِمْ فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا: لَا أُخْرِجُهُمْ إلَّا بِرِضَا وَالِدَيْهِمْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَخْرِجْهُمْ مَعِي يَنْظُرُونَ عَذَابَهُمْ لَعَلَّ أَنْ يَرْحَمُوهُمْ. فَيَأْمُرُ اللَّهُ بِخُرُوجِ عَشْرِ رِجَالٍ فَيَمْشُونَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَأْتُونَ إلَى جَهَنَّمَ فَيَأْمُرُ اللَّهُ مَالِكًا يَفْتَحُ لَهُمْ فَإِذَا رَأَوْا أَوْلَادَهُمْ يُعَذَّبُونَ فَيَبْكُونَ وَيَقُولُونَ: مَا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ فِي هَذَا الْعَذَابِ الشَّدِيدِ، فَيَصِيحُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِوَلَدِهِ فَإِذَا سَمِعُوا صَوْتَ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ بَكَوْا وَقَالُوا: النَّارُ أَحْرَقَتْ أَكْبَادَنَا وَالْعُقُوبَةُ أَهْلَكَتْنَا. فَيَبْكِي الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ اشْفَعْ فِيهِمْ: فَيَقُولُ: لَهُمْ: لَا يَخْرُجُونَ إلَّا بِشَفَاعَتِكُمْ. فَيَقُولُونَ: إلَهَنَا وَسَيِّدَنَا تَفَضَّلْ عَلَيْنَا بِخُرُوجِهِمْ مِنْ النَّارِ إلَى الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ لَهُمْ اللَّهُ: أَنْتُمْ رَضِيتُمْ عَنْ أَوْلَادِكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَالِكٍ: أَخْرِجْ كُلَّ مَنْ طَلَبَهُ أَبَوَاهُ وَأَخِّرْ مَنْ لَمْ يَطْلُبَاهُ، فَيُخْرِجُهُمْ فَحْمًا فَيُغْمَسُونَ فِي مَاءِ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُ عَلَيْهِمْ اللَّحْمُ وَالشَّعْرُ وَالْجِلْدُ وَيَدْخُلُونَ بِهِمْ الْجَنَّةَ» . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَإِنَّهُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ ضَمَّهُ الْقَبْرُ ضَمَّةً حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ. وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا فِي جَهَنَّمَ عَاقٌّ لِوَالِدَيْهِ وَالزَّانِي وَالْمُشْرِكُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ وَسُخْطُ الرَّبِّ فِي سُخْطِ الْوَالِدَيْنِ» . وَعَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ: الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا قُلْت: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قُلْت: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا شَكَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَاهُ وَأَنَّهُ يَأْخُذُ مَالَهُ، فَدَعَاهُ فَإِذَا هُوَ بِشَيْخٍ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ ضَعِيفًا وَأَنَا قَوِيٌّ وَفَقِيرًا وَأَنَا غَنِيٌّ فَكُنْت لَا أَمْنَعُهُ شَيْئًا مِنْ مَالِي وَالْيَوْمَ أَنَا ضَعِيفٌ وَهُوَ قَوِيٌّ وَأَنَا فَقِيرٌ وَهُوَ غَنِيٌّ وَيَبْخَلُ عَلَيَّ بِمَالِهِ. فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: مَا مِنْ حَجَرٍ وَلَا مَدَرٍ يَسْمَعُ بِهَذَا إلَّا بَكَى قَالَ لِلْوَلَدِ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . «وَشَكَا إلَيْهِ آخَرُ سُوءَ خُلُقِ أُمِّهِ فَقَالَ: لِمَ لَمْ تَكُنْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ حِينَ حَمَلَتْكَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: إنَّهَا سَيِّئَةُ الْخُلُقِ. قَالَ: لِمَ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ حِينَ أَرْضَعَتْك حَوْلَيْنِ؟ قَالَ إنَّهَا سَيِّئَةُ الْخُلُقِ. قَالَ: لِمَ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ حِينَ أَسْهَرَتْ لَك لَيْلَهَا وَأَظْمَأَتْ لَك نَهَارَهَا؟ قَالَ: لَقَدْ جَازَيْتُهَا. قَالَ: مَاذَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: حَجَجْتُ بِهَا عَلَى عُنُقِي. قَالَ: مَا جَازَيْتَهَا» . «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاكُمْ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ يُوجَدُ رِيحُهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَلَا يَجِدُ رِيحَهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلَا شَيْخٌ عَاصٍ وَلَا جَارٌّ إزَارَهُ خُيَلَاءَ إنَّ الْكِبْرِيَاءَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» اهـ مِنْ تَفْسِيرِ الْخَطِيبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَهُوَ أَنْ يُؤْذِيَهُ أَذًى لَيْسَ بِالْهَيِّنِ مَا لَمْ يَكُنْ مَا آذَاهُ بِهِ وَاجِبًا وَصِلَةُ الْقَرَابَةِ وَهِيَ فِعْلُكَ مَعَ قَرِيبِكَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) أَيْ كَأَنْ يَكُونَ تَارِكًا لِلصَّلَاةِ وَلَا يَفْعَلُهَا إلَّا بِإِيذَاءٍ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ أَوْ ذَا غِيبَةٍ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مَأْمُورٌ بِهَا) أَيْ أَمْرَ نَدْبٍ وَقَطِيعَتُهَا بِتَرْكِ الْمُوَاصَلَةِ الْمَأْلُوفَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ الْكَبَائِرِ. وَبِهِ يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا مَنْدُوبٌ يَكُونُ تَرْكُهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الرَّحِمُ حَجْنَةٌ مُتَمَسِّكَةٌ بِالْعَرْشِ تَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ ذَلْقٍ: اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَإِنِّي شَقَقْتُ لِلرَّحِمِ اسْمًا مِنْ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ بَتَكَهَا بَتَكْتُهُ» اهـ. وَالْحَجْنَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ مَعًا بَعْدَهُمَا نُونٌ هِيَ سِنَّارَةُ الْمِغْزَلِ، وَقَوْلُهُ " بَتَكَهَا بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ مُحَرَّكًا أَيْ قَطَعَهَا اهـ وَالْمُرَادُ أَنَّ حَالَهَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَوْ أَنَّهَا تَتَجَسَّمُ وَتَقُولُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ فَلَا يُقَالُ الرَّحِمُ الْعَلَقَةُ الَّتِي بَيْنَك وَبَيْنَ قَرِيبِك فَكَيْفَ تَقُولُ. وَعَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ " إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَيَصِلُ رَحِمَهُ فَيُبَارَك لَهُ فِيهِ فَيَصِيرُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً فَيَقْطَعُ رَحِمَهُ فَيَصِيرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: " مَنْ اتَّقَى رَبَّهُ وَوَصَلَ رَحِمَهُ أُنْسِئَ لَهُ فِي عُمُرِهِ " يَعْنِي يُزَادُ فِي عُمُرِهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِرُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ» . وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِصِلَةِ الرَّحِمِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] يَعْنِي اتَّقُوا الْأَرْحَامَ فَصِلُوهَا وَلَا تَقْطَعُوهَا، وَقَالَ تَعَالَى. {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] يَعْنِي أَعْطِهِ حَقَّهُ مِنْ الصِّلَةِ وَالْبِرِّ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] يَعْنِي التَّوْحِيدَ وَشَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيَأْمُرُ بِالْإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ {وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90] يَعْنِي يَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ: كَانَ عِنْدَنَا بِمَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ وَكَانَ صَالِحًا وَكَانَ النَّاسُ يُودِعُونَهُ الْوَدَائِعَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَوْدَعَهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ وَخَرَجَ الرَّجُلُ فِي حَاجَتِهِ وَقَدِمَ مَكَّةَ وَقَدْ مَاتَ الْخُرَاسَانِيُّ، فَسَأَلَ أَهْلَ مَكَّةَ: أَوْدَعْتُ فُلَانًا عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ وَقَدْ مَاتَ وَقَدْ سَأَلْت وَلَدَهُ وَأَهْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلْمٌ فَمَا تَأْمُرُونِي؟ فَقَالُوا: نَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْخُرَاسَانِيُّ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا مَضَى مِنْ اللَّيْلِ ثُلُثُهُ أَوْ نِصْفُهُ ائْتِ زَمْزَمَ فَتَطَلَّعْ فِيهَا وَنَادِ يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ أَنَا صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فَقَالُوا: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] ، يُخْشَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبُك مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَائْتِ الْيَمَنَ فَإِنَّ بِهَا وَادِيًا يُقَالُ لَهُ بَرَهُوتُ وَفِيهِ بِئْرٌ فَتَطَلَّعْ فِيهَا؛ فَإِذَا مَضَى مِنْ اللَّيْلِ ثُلُثُهُ أَوْ نِصْفُهُ فَنَادِ يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ أَنَا صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ، فَفَعَلَ، فَأَجَابَهُ مِنْ أَوَّلِ صَوْتٍ فَقَالَ: وَيْحَك مَا أَنْزَلَك هَهُنَا وَقَدْ كُنْت صَاحِبَ خَيْرٍ؟ قَالَ: كَانَ لِي أَهْلُ بَيْتٍ بِخُرَاسَانَ فَقَطَعْتُهُمْ حَتَّى مِتُّ فَآخَذَنِي اللَّهُ بِذَلِكَ فَأَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ وَأَمَّا مَالَك فَهُوَ عَلَى حَالِهِ وَقَدْ دَفَنْتُهُ فِي بَيْتِ كَذَا فَقُلْ لِوَلَدِي يُدْخِلُك دَارِي وَاحْفِرْ فِي مَوْضِعِ كَذَا فَإِنَّك تَجِدُ مَالَك. فَوَجَدَ مَالَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَفَهُ. فَالْوَاجِبُ صِلَةُ الرَّحِمِ بِالزِّيَارَةِ وَالْهَدِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصِّلَةِ بِالْمَالِ فَلْيَصِلْهُمْ بِالزِّيَارَةِ وَبِالْإِعَانَةِ فِي أَعْمَالِهِمْ إنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا يَصِلُهُمْ بِالْكِتَابِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى السَّيْرِ إلَيْهِمْ كَانَ أَفْضَلَ. وَفِي صِلَةِ الرَّحِمِ عَشْرُ خِصَالٍ مَحْمُودَةٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ فِيهَا رِضَا اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ أَمَرَ بِصِلَةِ الرَّحِمِ: الثَّانِي: إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ: «إنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ» . الثَّالِثُ: أَنَّ فِيهَا فَرَحَ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُمْ يَفْرَحُونَ بِصِلَةِ الرَّحِمِ. الرَّابِعُ: أَنَّ فِيهَا حُسْنَ الثَّنَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ. الْخَامِسُ: أَنَّ فِيهَا إدْخَالَ الْهَمِّ عَلَى إبْلِيسَ. السَّادِسُ: أَنَّ فِيهَا زِيَادَةً فِي الْعُمْرِ. السَّابِعُ: أَنَّ فِيهَا بَرَكَةً فِي الرِّزْقِ. الثَّامِنُ: أَنَّ فِيهَا سُرُورَ الْأَمْوَاتِ لِأَنَّ الْآبَاءَ وَالْأَجْدَادَ يُسَرُّونَ بِصِلَةِ الْقَرَابَةِ. التَّاسِعُ: أَنَّ فِيهَا زِيَادَةً فِي الْمُرُوءَةِ. الْعَاشِرُ: زِيَادَةُ الْأَجْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كُلَّمَا ذَكَرُوا إحْسَانَهُ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثَةٌ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: وَاصِلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 مَا تُعَدُّ بِهِ وَاصِلًا مَأْمُورٌ بِهَا، وَتَحْصُلُ بِالْمَالِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالزِّيَارَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ بِالسَّلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَصْلٌ: فِي اللُّقَطَةِ وَهِيَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِهَا لُغَةً الشَّيْءُ الْمُلْتَقَطُ وَشَرْعًا مَا وُجِدَ مِنْ حَقٍّ مُحْتَرَمٍ غَيْرِ مُحْتَرَزٍ لَا يَعْرِفُ الْوَاجِدُ مُسْتَحِقَّهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَاتُ الْآمِرَةُ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، إذْ فِي أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ وَالرَّدِّ بِرٌّ   [حاشية البجيرمي] الرَّحِمِ وَامْرَأَةٌ مَاتَ زَوْجُهَا وَتَرَكَ أَيْتَامًا فَتَقُومُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ أَوْ يَمُوتُوا وَرَجُلٌ اتَّخَذَ طَعَامًا وَدَعَا إلَيْهِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَأَيْت فِي الْجَنَّةِ قُصُورًا مِنْ دُرٍّ وَيَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ يُرَى بَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا وَظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، فَقُلْت: يَا جِبْرِيلُ لِمَنْ هَذِهِ الْمَنَازِلُ؟ قَالَ: لِمَنْ وَصَلَ الْأَرْحَامَ وَأَفْشَى السَّلَامَ وَأَطَابَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَرَفَقَ بِالْأَيْتَامِ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» . وَيُقَالُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ مَنْ دَاوَمَ عَلَيْهَا يَزِيدُ فِي حَسَنَاتِهِ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ وَيُوَسِّعُ اللَّهُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ: أَوَّلُهَا: مَنْ دَاوَمَ عَلَى الصَّدَقَةِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، وَمَنْ وَصَلَ الرَّحِمَ، وَمَنْ دَاوَمَ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ دَاوَمَ عَلَى الْوُضُوءِ وَلَمْ يُسْرِفْ، وَمَنْ أَطَاعَ وَالِدَيْهِ وَدَاوَمَ عَلَى طَاعَتِهِمَا ذَكَرَهُ فِي سَفِينَةِ الْأَبْرَارِ. وَاسْتَشْكَلَ كَوْنُ الصِّلَةِ سُنَّةً وَقَطْعُهَا حَرَامٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَحَلَّ تَحْرِيمِ الْقَطْعِ إذَا سَبَقَ لَهُ مَعْرُوفٌ مَعَهُمْ، وَأَنَّ سُنَّةَ الصِّلَةِ بِالنَّظَرِ لِابْتِدَاءِ فِعْلِ الْمَعْرُوفِ مَعَهُمْ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِ الْمَعْرُوفِ مَعَ الْأَقَارِبِ سُنَّةٌ وَأَنَّ قَطْعَهُ بَعْدَ حُصُولِهِ كَبِيرَةٌ كَمَا فِي سم فِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ فِعْلَهُ دَوَامًا وَاجِبٌ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ فَلْيُحَرَّرْ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَاسَلَةُ) أَيْ بِغَيْرِ مُكَاتَبَةٍ وَإِلَّا فَعَطْفُهَا مُرَادِفٌ وَقَوْلُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ أَيْ مِنْ وُجُوهِ الْإِحْسَانِ ق ل. [فَصْلٌ فِي اللُّقَطَةِ] هِيَ نَوْعٌ مِنْ الْكَسْبِ كَمَا أَنَّ الْهِبَةَ نَوْعٌ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ، فَلِذَا ذَكَرَهَا عَقِبَ الْهِبَةِ، وَلَوْ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْقَرْضِ لَكَانَ أَنْسَبَ، لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقْرَضَهَا لِلْمُلْتَقِطِ، وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ هَذَا الْكِتَابَ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقَرْضَ فَهُنَا وَقَعَ فِي مَرْكَزِهِ، وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَالَ م ر: إنَّمَا ذَكَرَهَا عَقِبَ الْهِبَةِ لِأَنَّ كُلًّا تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ، وَعَقَّبَهَا غَيْرُهُ لِإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ مِنْ الشَّارِعِ اهـ وَذَكَرَهَا فِي التَّحْرِيرِ عَقِبَ الْغَصْبِ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا اسْتِيلَاءٌ إلَّا أَنَّ هَذَا جَائِزٌ وَالْغَصْبُ حَرَامٌ، وَفِيهَا مَعْنَى الِاكْتِسَابِ لِجَوَازِ التَّمَلُّكِ وَمَعْنَى الْأَمَانَةِ وَالْوِلَايَةِ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهُ أَمِينًا عَلَيْهَا وَمُتَوَلِّيًا حِفْظَهَا، وَالْمُغَلَّبُ فِيهَا الْأَوَّلُ لِصِحَّةِ لَقْطِ الصَّبِيِّ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِسْكَانُهَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَقِيلَ إنَّهَا بِفَتْحِ الْقَافِ: اسْمٌ لِلَّاقِطِ أَيْ الشَّخْصِ الْمُلْتَقِطِ، وَبِإِسْكَانِهَا: لِلشَّيْءِ الْمَلْقُوطِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْفَعْلَةَ بِالْإِسْكَانِ لِلْمَفْعُولِ كَالضَّحْكَةِ وَبِالتَّحْرِيكِ لِلْفَاعِلِ وَالتَّحْرِيكُ لِلْمَفْعُولِ نَادِرٌ. اهـ. زِيَادِيٌّ: قَوْلُهُ: (مَا وُجِدَ) أَيْ مَالٌ أَوْ اخْتِصَاصُ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَتَعْبِيرُهُ بِمَا لَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ عَاقِلًا كَالرَّقِيقِ إلَّا أَنْ يُقَالَ غَلَبَ غَيْرُ الْعَاقِلِ عَلَى الْعَاقِلِ. قَوْلُهُ: (لَا يَعْرِفُ الْوَاجِدُ مُسْتَحِقَّهُ) أَيْ وَقَدْ ضَاعَ بِنَحْوِ غَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ، فَخَرَجَ مَا طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ أَوْ أَلْقَتْهُ فِي دَارِك وَمَا أَلْقَاهُ هَارِبٌ كَذَلِكَ أَوْ فِي حِجْرِ إنْسَانٍ وَوَدَائِعَ عِنْدَك لَمْ تَعْرِفْ صَاحِبَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَمِنْ هَذَا جَمَلٌ أَثْقَلُهُ حَمْلُهُ فَتَرَكَهُ صَاحِبُهُ فِي الْبَرِّيَّةِ فَالْأَمْرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ أَيْ الْعَادِلِ وَإِلَّا تَصَرَّفَ فِيهِ وَاجِدُهُ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِذَا ظَهَرَ مَالِكُهُ أَخَذَهُ وَوَجَبَ دَفْعُهُ لَهُ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ، وَلَا رُجُوعَ لِمَنْ أَنْفَقَ عَلَى مَالِكِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ أَيْ بِلَا إذْنٍ وَلَا إشْهَادٍ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْجَمَلِ الْمَذْكُورِ: يَرْجِعُ عَلَى مَالِكِهِ بِالنَّفَقَةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَاللَّيْثُ، يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ. اهـ. ق ل؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَالِكَهُ أَعْرَضَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ) أَيْ إعَانَةً كَامِلَةً؛ وَإِلَّا فَاَللَّهُ فِي عَوْنِ كُلِّ أَحَدٍ دَائِمًا، وَانْظُرْ مَعْنَى هَذِهِ الظَّرْفِيَّةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ " فِي " زَائِدَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 وَإِحْسَانٌ، وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ: «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» (وَإِذَا وَجَدَ) أَيْ الْحُرُّ (لُقَطَةً فِي مَوَاتٍ أَوْ طَرِيقٍ) وَلَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ آمِنٌ فِي الْحَالِ، خَشْيَةَ الضَّيَاعِ أَوْ طُرُوُّ الْخِيَانَةِ (فَلَهُ أَخْذُهَا) جَوَازًا لِأَنَّ خِيَانَتَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَعَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ (وَ) لَهُ (تَرْكُهَا) خَشْيَةَ اسْتِهْلَاكِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَضْمَنُ بِالتَّرْكِ، فَلَا يُنْدَبُ لَهُ الْأَخْذُ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ التَّرْكُ. وَخَرَجَ بِالْحُرِّ الرَّقِيقُ فَلَا يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ لِأَنَّ اللُّقَطَةَ أَمَانَةٌ وَوِلَايَةٌ ابْتِدَاءً وَتَمْلِيكٌ انْتِهَاءً وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، فَإِنْ الْتَقَطَ بِإِذْنِهِ صَحَّ وَكَأَنَّ سَيِّدَهُ هُوَ الْمُلْتَقِطُ، وَأَمَّا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ كَانَ هُوَ الْمُلْتَقِطُ سَيِّدًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَلَوْ أَقَرَّهَا فِي يَدِهِ سَيِّدُهُ وَاسْتَحْفَظَهُ عَلَيْهَا لِيُعَرِّفَهَا وَهُوَ أَمِينٌ جَاءَ وَإِلَّا فَلَا وَتَصِحُّ اللُّقَطَةُ مِنْ مُكَاتَبٍ كِتَابَةً صَحِيحَةً لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِالْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ، وَخَرَجَ بِالْمَوَاتِ الْمَمْلُوكُ   [حاشية البجيرمي] وَعَوْنٌ " بِمَعْنَى مُعِينٍ وَالْإِضَافَةُ بِمَعْنَى اللَّامِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَاَللَّهُ مُعِينٌ لِلْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ مُعِينًا لِأَخِيهِ. قَوْلُهُ: (فِي مَوَاتٍ) أَيْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا بِدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ تُخَمَّسُ خُمُسُهَا لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِلْمُلْتَقِطِ ح ل. قَوْلُهُ: (أَوْ طَرِيقٍ) وَمِنْهَا الشَّارِعُ لِأَنَّهُ الطَّرِيقُ النَّافِذُ فِي الْأَبْنِيَةِ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُهُ الْمَسْجِدُ وَالرِّبَاطُ وَالْمَدْرَسَةُ لِأَنَّهَا أَمَاكِنُ مُشْتَرَكَةٌ فَلَا يَخْتَصُّ مَا يُوجَدُ فِيهَا بِأَحَدٍ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا كَانَ مَظِنَّةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ كَالْحَمَّامِ وَالْقَهْوَةِ وَالْمَرْكَبِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَثِقْ إلَخْ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ: وَأَخْذُهَا أَوْلَى إلَخْ، وَلِمُنَاسَبَةِ اللَّامِ الْمُفِيدَةِ لِلْإِبَاحَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ق ل، أَيْ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ فَلَهُ أَخْذُهَا. قَوْلُهُ: (خَشْيَةَ الضَّيَاعِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ مُقَدَّمَةٌ لِقَوْلِهِ فَلَهُ أَخْذُهَا جَوَازًا، أَيْ يُبَاحُ لَهُ أَخْذُهَا خَشْيَةَ الضَّيَاعِ، أَيْ لَوْ تَرَكَهَا، وَلَمْ يُنْدَبْ خَشْيَةَ طُرُوُّ الْخِيَانَةِ؛ وَعَلَيْهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: " وَلِأَنَّ الْخِيَانَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ إلَخْ " بِوَاوِ الْعَطْفِ م د. وَقَوْلُهُ " خَشْيَةَ طُرُوُّ إلَخْ " هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ " أَوْ طُرُوُّ الْخِيَانَةِ " عِلَّةٌ لِمُقَدَّرٍ وَهُوَ الَّذِي قَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ " وَلَمْ يُنْدَبْ " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ " وَلَهُ تَرْكُهَا " فَمَجْمُوعُ قَوْلِهِ " خَشْيَةَ إلَخْ " عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ " فَلَهُ أَخْذُهَا وَتَرْكُهَا " لَكِنْ عَلَى التَّوْزِيعِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ خَشْيَةِ اسْتِهْلَاكِهَا عِلَّةً ثَانِيَةً فَالْمُنَاسِبُ الْوَاوُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ عِلَّةٌ لِلْمُعَلَّلِ مَعَ عِلَّتِهِ، وَلَا يَخْفَى بَعْدُ مَا قَالَهُ الْمَدَابِغِيُّ، وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ مَفْعُولًا لِقَوْلِهِ " وَهُوَ آمِنٌ " أَيْ وَهُوَ آمِنٌ خَوْفَ الضَّيَاعِ وَآمِنٌ طُرُوُّ الْخِيَانَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ طُرُوُّ) مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّيَاعِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ خِيَانَتَهُ إلَخْ) أَمَّا إذَا عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا كَالْوَدِيعَةِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ) أَيْ مِنْ الْخِيَانَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُنْدَبُ لَهُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَتْنِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ اللُّقَطَةَ تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ: فَتَكُونُ مُبَاحَةً إذَا أَمِنَ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَثِقْ بِأَمَانَتِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَسُنَّةً إذَا وَثِقَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَوَاجِبَةً إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَعَلِمَ ضَيَاعَهَا لَوْ لَمْ يَأْخُذْهَا، وَمَكْرُوهَةً لِلْفَاسِقِ، وَحَرَامًا إذَا نَوَى الْخِيَانَةَ؛ وَعَلَى كُلٍّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا تَرَكَهَا وَلَوْ فِي صُورَةِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَيْهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إنْ وَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ نُدِبَ لَهُ الِالْتِقَاطُ، إنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ آمِنٌ فِي الْحَالِ أُبِيحَ لَهُ الْأَخْذُ مَا لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا وَإِلَّا كُرِهَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ آمِنًا فِي الْحَالِ وَمُحَقِّقًا مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ وَصَارَ ضَامِنًا إنْ أَخَذَهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ. اهـ. م د، وَتَكُونُ وَاجِبَةً إذَا وَثِقَ بِنَفْسِهِ حَالًا وَمَآلًا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَمِينٌ غَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ " وَمَكْرُوهَةً لِلْفَاسِقِ " أَيْ وَلَوْ بِنَحْوِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَإِنْ عُلِمَتْ أَمَانَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ حَجّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَابَ يُكْرَهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِانْتِفَاءِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْخِيَانَةِ حَالَ الْأَخْذِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (الرَّقِيقُ) أَيْ كُلًّا. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) أَيْ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ سَيِّدَهُ سم. قَوْلُهُ: (مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ الثَّلَاثَةِ وَفِي نُسْخَةٍ: " أَهْلِهِمَا " بِضَمِيرِ الْمُثَنَّى لِغَيْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّ الرَّقِيقَ مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ. وَهَلْ إذْنُهُ لَهُ فِي الِاكْتِسَابِ مُطْلَقًا إذْنٌ لَهُ فِي الِالْتِقَاطِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ بَحَثَ الزَّرْكَشِيّ تَرْجِيحَ أَوَّلِهِمَا اهـ سم. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَقَرَّهَا فِي يَدِهِ) أَيْ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الِالْتِقَاطِ، فَإِقْرَارُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ اهـ. قَوْلُهُ: (جَازَ) أَيْ وَكَانَ قَائِمًا مَقَامَ الْإِذْنِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّقِيقُ أَمِينًا، فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ سَيِّدِهِ لَهُ وَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِالْإِقْرَارِ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ وَرَدَّهَا إلَيْهِ فَيَضْمَنُهَا السَّيِّدُ وَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِسَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَمِنْهَا رَقَبَةُ الْعَبْدِ فَيُقَدِّمُ صَاحِبَهَا بِرَقَبَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ الْعَبْدُ فَقَطْ كَمَا شُرِحَ فِي م ر، وَلِبَعْضِهِمْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ لِلتَّمَلُّكِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ بَلْ هِيَ لِصَاحِبِ الْيَدِ فِيهِ إذَا ادَّعَاهَا وَإِلَّا فَلِمَنْ كَانَ مَالِكًا قَبْلَهُ، وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمُحْيِي، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهَا كَانَتْ لُقَطَةً كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَبِغَيْرِ الْوَاثِقِ بِنَفْسِهِ الْوَاثِقُ بِهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَأَخْذُهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا) فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ (إنْ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ) مِنْ نَفْسِهِ (مِنْ الْقِيَامِ بِهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ الْبِرِّ بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهَا وَسُنَّ إشْهَادٌ بِهَا مَعَ تَعْرِيفِ شَيْءٍ مِنْ اللُّقَطَةِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ، وَحَمَلُوا الْأَمْرَ بِالْإِشْهَادِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد: «مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّبْ» عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ. وَتَصِحُّ لُقَطَةُ الْمُبَعَّضِ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ فِي الْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ وَالذِّمَّةِ، وَلُقَطَتُهُ لَهُ وَلِسَيِّدِهِ فِي غَيْرِ مُهَايَأَةٍ فَيُعَرِّفَانِهَا   [حاشية البجيرمي] يَضْمَنُ عَبْدٌ تَالِفًا فِي ذِمَّتِهْ ... إنْ يَرْضَهُ الْمَالِكُ دُونَ سَادَتِهْ وَإِنْ يَكُنْ بِلَا رِضَا مَنْ اسْتَحَقْ ... فَلَيْسَ إلَّا بِالرَّقِيبَةِ اعْتَلَقْ قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ اللُّقَطَةُ مِنْ مُكَاتَبٍ) وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. الْأَوْلَى: " وَيَصِحُّ اللَّقْطُ " كَمَا فِي نُسْخَةٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُوصَفُ بِالصِّحَّةِ، أَيْ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، أَيْ الْمَلْقُوطِ، بَعْدَ تَعْرِيفِهِ وَتَمَلُّكِهِ، فَإِنْ رُقَّ الْمُكَاتَبُ أَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّمَلُّكِ أَخَذَهُ الْقَاضِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَحَفِظَهُ الْمَالِكُ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ وَتَمَلُّكُهُ لِأَنَّ الْتِقَاطَ الْمُكَاتَبِ لَا يَقَعُ لِسَيِّدِهِ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ. فَرْعٌ: أَفْتَى الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ فِي عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بِصِحَّةِ الْتِقَاطِهِ بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِلشَّرِيكَيْنِ وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا الْآذِنُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي الْمُبَعَّضِ حَيْثُ لَا مُهَايَأَةَ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِتَغْلِيبِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا. اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (كِتَابَةً صَحِيحَةً) أَمَّا الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَكَالْقِنِّ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْمَوَاتِ) أَيْ وَالطَّرِيقُ لِأَنَّهُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي الْمَتْنِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ هَذَا عَنْ الْكَلَامِ فِي الْمُبَعَّضِ الْآتِي تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ. قَوْلُهُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَمْلُوكِ. وَقَوْلُهُ " لِلتَّمَلُّكِ " أَيْ وَلَا لِلْحِفْظِ. وَقَوْلُهُ " بَعْدَ التَّعْرِيفِ " ظَرْفٌ لِلتَّمَلُّكِ. وَقَوْلُهُ " لِصَاحِبِ الْيَدِ " بِمِلْكٍ أَوْ غَيْرِهِ زي. وَقَوْلُهُ " فِيهِ " أَيْ فِي الْمَمْلُوكِ. قَوْلُهُ: (مَالِكًا) لَوْ قَالَ: لِذِي الْيَدِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ ق ل. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهَا إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لِلْمُحْيِي وَإِنْ نَفَاهَا، فَقَوْلُهُ: " كَانَتْ لُقَطَةً " ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (وَبِغَيْرِ الْوَاثِقِ) أَيْ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَمْ يَثِقْ إلَخْ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الْوَاثِقُ أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَوْلُهُ: الْوَاثِقُ بِهَا أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قَوْلُهُ: (عَلَى ثِقَةٍ) أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْحَالِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْقِيَامِ بِهَا) أَيْ بِحِفْظِهَا وَمِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ) أَيْ فِي أَخْذِهَا. قَوْلُهُ: (وَسُنَّ إشْهَادٌ بِهَا) عِبَارَةُ سم: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الِالْتِقَاطِ وَلَا يَجِبُ، وَيَذْكُرَ فِي الْإِشْهَادِ بَعْضَ الصِّفَاتِ وَلَا يَسْكُتَ عَنْهَا لِيَكُونَ فِي الْإِشْهَادِ فَائِدَةٌ. وَقَوْلُهُ " وَسُنَّ إشْهَادٌ " أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ عَدْلًا. وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ فِي الشَّاهِدِ بِالْمَسْتُورِ قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ، وَقَدْ يُقَالُ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْمَسْتُورِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَالنِّكَاحِ بِأَنَّ النِّكَاحَ يَشْتَهِرُ غَالِبًا بَيْنَ النَّاسِ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالْمَسْتُورِ، وَالْغَرَضُ مِنْ الْإِشْهَادِ هُنَا أَمْنُ الْخِيَانَةِ فِيهَا وَجَحْدُ الْوَارِثِ لَهَا فَلَمْ يُكْتَفَ بِالْمَسْتُورِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَمَحَلُّ سَنِّ الْإِشْهَادِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا مُتَغَلِّبًا إذَا عَلِمَ بِهَا أَخَذَهَا وَإِلَّا امْتَنَعَ الْإِشْهَادُ وَالتَّعْرِيفُ اهـ. قَوْلُهُ: (مَعَ تَعْرِيفِ شَيْءٍ مِنْ اللُّقَطَةِ) أَيْ مِنْ أَوْصَافِهَا، وَالْمَحَلُّ لِلْإِضْمَارِ وَلَا يَسْتَوْعِبُهَا لِلشُّهُودِ، فَإِنْ خَالَفَ كُرِهَ وَلَا يَضْمَنُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَوْعَبَ الْأَوْصَافَ فِي التَّعْرِيفِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِحَصْرِ الشُّهُودِ وَعَدَمِ تُهْمَتِهِمْ. قَالَ سم عَلَى الْمَنْهَجِ: وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ اسْتِيعَابَهَا لِلشُّهُودِ يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِهَا حَرُمَ وَضَمِنَ اهـ، فَمَحَلُّ سَنِّ الْإِشْهَادِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْتُمُ) أَيْ لَا يَكْتُمُ اللُّقَطَةَ بِأَنْ لَا يُعَرِّفَهَا، وَلَا يُغَيِّبَهَا عَنْ النَّاسِ بِأَنْ يَتْرُكَ تَعْرِيفَهَا؛ وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى النَّدْبِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " حَمَلُوا " وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْعَدْلَيْنِ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْإِشْهَادُ وَاجِبًا لَمْ يَكْفِ الْعَدْلُ. قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ لُقَطَةُ الْمُبَعَّضِ) لَوْ قَالَ " لَقْطُ الْمُبَعَّضِ " لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اللُّقَطَةَ اسْمٌ لِلْعَيْنِ وَالْمَوْصُوفُ بِالصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ الْفِعْلُ، وَسَوَاءٌ تَسَاوَى الرِّقُّ وَالْحُرِّيَّةُ أَوْ لَا؛ وَلَا يُنَافِيهِ التَّشْبِيهُ بَعْدَهُ أَعْنِي قَوْلَهُ " كَشَخْصَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 وَيَتَمَلَّكَانِهَا بِحَسَبِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَشَخْصَيْنِ الْتَقَطَا. وَفِي مُنَاوَبَةٍ لِذِي نَوْبَةٍ كَبَاقِي الْأَكْسَابِ، كَوَصِيَّةٍ وَهِبَةٍ وَرِكَازٍ، وَالْمُؤَنُ كَأُجْرَةِ طَبِيبٍ وَحَجَّامٍ وَثَمَنِ دَوَاءٍ، فَالْأَكْسَابُ لِمَنْ حَصَلَتْ فِي نَوْبَتِهِ، وَالْمُؤَنُ عَلَى مَنْ وَجَبَ سَبَبُهَا فِي نَوْبَتِهِ، وَأَمَّا أَرْشُ الْجِنَايَةِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ، وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ كَالْجِنَايَةِ مِنْهُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ وَكَلَامُ الْمِنْهَاجِ يَشْمَلُهُمَا. وَكُرِهَ اللَّقْطُ لِفَاسِقٍ لِئَلَّا تَدْعُوَهُ نَفْسُهُ إلَى الْخِيَانَةِ، فَيَصِحُّ اللَّقْطُ مِنْهُ كَمَا يَصِحُّ مِنْ مُرْتَدٍّ وَكَافِرٍ مَعْصُومٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَاصْطِيَادِهِمْ وَاحْتِطَابِهِمْ، وَتُنْزَعُ اللُّقَطَةُ مِنْهُمْ وَتُسَلَّمُ لِعَدْلٍ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ لِعَدَمِ أَمَانَتِهِمْ. وَيُضَمُّ لَهُمْ مُشْرِفٌ فِي التَّعْرِيفِ فَإِنْ تَمَّ التَّعْرِيفُ تَمَلَّكُوا. وَتَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَيَنْزِعُ اللُّقَطَةَ مِنْهُمَا وَلِيُّهُمَا،   [حاشية البجيرمي] الْتَقَطَا " قَالَ سم: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ صِحَّةُ الْتِقَاطِ الْمُبَعَّضِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَ الِالْتِقَاطُ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ لِأَنَّهُ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ م ر أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ السَّيِّدِ إذَا كَانَتْ مُهَايَأَةً وَحَصَلَتْ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي غَيْرِ الْمُهَايَأَةِ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ؛ فَإِنْ نَهَاهُ السَّيِّدُ عَنْ الِالْتِقَاطِ فَالْتَقَطَ صَحَّ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحُرِّيَّةِ، وَيَخْتَصُّ بِهَا حِينَئِذٍ الْمُبَعَّضُ الْمَذْكُورُ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ إلَّا فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ وَحْدَهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ اللُّقَطَةِ فِي أَيِّ النَّوْبَتَيْنِ صُدِّقَ الْمُبَعَّضُ عَلَى النَّصِّ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ، فَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ السَّيِّدِ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِمَا أَوْ لَا فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ وَجُعِلَتْ بَيْنَهُمَا اهـ سم. قَوْلُهُ: (كَبَاقِي الْأَكْسَابِ) يَرْجِعُ لِلْمُهَايَأَةِ وَعَدَمِهَا. وَقَوْلُهُ " وَالْمُؤَنِ " بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى " بَاقِي ". قَوْلُهُ: (فَالْأَكْسَابُ إلَخْ) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْكَسْبِ وَالْمُؤَنِ بِوَقْتِ الِاحْتِيَاجِ لِلْمُؤَنِ وَإِنْ وُجِدَ سَبَبُهَا فِي نَوْبَةِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْكَسْبِ بِوُجُودِهِ وَفِي الْمُؤَنِ بِوَقْتِ وُجُودِ سَبَبِهَا كَالْمَرَضِ اهـ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ " وَالْمُؤَنُ عَلَى مَنْ وَجَدَ إلَخْ " ضَعِيفٌ، فَإِذَا مَرِضَ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ وَاحْتِيجَ لِلدَّوَاءِ فِي نَوْبَتِهِ هُوَ لَزِمَهُ، وَعَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ تَكُونُ عَلَى السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا أَرْشُ الْجِنَايَةِ) أَيْ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا سَيَذْكُرُهُ. وَالضَّابِطُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّ الْمُبَعَّضَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ الْعِبْرَةُ فِيهِ بِذِي النَّوْبَةِ إلَّا فِي الْجِنَايَةِ مِنْهُ أَوْ عَلَيْهِ فَلَا يَتْبَعُ النَّوْبَةَ بَلْ الرَّقَبَةَ م د، وَلَوْ جَعَلَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ شَامِلًا لِلْجِنَايَةِ مِنْهُ وَعَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ) فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَإِذَا كَانَ نِصْفُهُ رَقِيقًا وَنِصْفُهُ حُرًّا تَعَلَّقَ نِصْفُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِنِصْفِ الرَّقِيقِ فَيُبَاعُ فِيهِ أَوْ يَفْدِيهِ السَّيِّدُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْمُبَعَّضِ؛ لَكِنْ قَوْلُ الشَّارِحِ " لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ إلَخْ " يُفْهَمُ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ مَا يُقَابِلُ النِّصْفَ الْحُرَّ بِالرَّقَبَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَعَلُّقِهِ لَهَا لِأَنَّ التَّعَلُّقَ بِالرَّقَبَةِ بَيْعُهَا فِيهِ وَالنِّصْفُ الْحُرُّ لَا يُبَاعُ، فَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِالتَّعَلُّقِ بِالرَّقَبَةِ مَا يَشْمَلُ التَّعَلُّقَ بِالذِّمَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِهِ الْحُرِّ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ) فَإِذَا كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا وَقَطَعَ شَخْصٌ يَدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رُبُعُ الدِّيَةِ نَظَرًا لِلْحُرِّيَّةِ وَيَكُونُ لَهُ أَيْ لِلْمُبَعَّضِ، وَيَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ أَيْضًا رُبُعُ الْقِيمَةِ نَظَرًا لِنِصْفِهِ الرَّقِيقِ وَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ. قَوْلُهُ: (يَشْمَلُهُمَا) أَيْ الْجِنَايَةَ مِنْهُ وَالْجِنَايَةَ عَلَيْهِ، وَفِي نُسْخَةٍ. " يَشْمَلُهَا " أَيْ الْجِنَايَةَ بِقِسْمَيْهَا، وَهُمَا صَحِيحَتَانِ. قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ اللَّقْطُ لِفَاسِقٍ) إنْ الْتَقَطَهَا لِلتَّمَلُّكِ وَأَمَّا لَقْطُهَا لِلْحِفْظِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ ق ل. وَقَوْلُهُ " لِفَاسِقٍ " أَيْ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْخِيَانَةَ مِنْ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا يَصِحُّ مِنْ مُرْتَدٍّ) وَالْأَوْجَه أَنَّهُ كَالْحَرْبِيِّ، فَلِمَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بَعْدَ أَنْ يُعَرِّفَهَا خ ض. وَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ بَعْدُ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فَلَهُ أَنْ يُعَرِّفَهَا وَيَتَمَلَّكَهَا. قَوْلُهُ: (فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) أَيْ لَا بِدَارِ الْحَرْبِ، فَمَا وُجِدَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا مُسْلِمَ فِيهَا فَغَنِيمَةٌ الْخُمُسُ لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِلْوَاجِدِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِهَا مُسْلِمٌ فَلُقَطَةٌ احْتِرَامًا لِلْمُسْلِمِ وَتَغْلِيبًا لَهُ. اهـ. زِيَادِيٌّ. وَقَوْلُهُ: " وَالْبَاقِي لِلْوَاجِدِ " أَيْ الْوَاجِدِ لَهَا وَهُوَ الْكَافِرُ الْمَعْصُومُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ " فِي دَارِ الْإِسْلَامِ " رَاجِعٌ لِلْكَافِرِ الْمَعْصُومِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَتُنْزَعُ اللُّقَطَةُ مِنْهُمْ) أَيْ يَنْزِعُهَا الْحَاكِمُ مِنْهُمْ فَقَطْ وَيُسَلِّمُهَا لِلْعَدْلِ وَأُجْرَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ مُنْتَظِمًا وَإِلَّا فَعَلَى الْمُلْتَقِطِ، فَإِنْ قَصَّرَ فَلَا ضَمَانَ. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْكَافِرِ، وَكَذَا فِي الْكَافِرِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فِي دِينِهِ وَإِلَّا لَمْ تُنْتَزَعْ مِنْهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مُشْرِفٌ) أَيْ مُرَاقِبٌ وَأُجْرَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَأَمَّا مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ فَعَلَيْهِمْ إنْ قَصَدُوا التَّمَلُّكَ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ تَعْرِيفَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 وَيُعَرِّفُهَا وَيَتَمَلَّكُهَا لَهُمَا إنْ رَآهُ حَيْثُ يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لَهُمَا لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِي مَعْنَى الِاقْتِرَاضِ، فَإِنْ لَمْ يَرَهُ حَفِظَهَا أَوْ سَلَّمَهَا لِلْقَاضِي وَكَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ السَّفِيهُ إلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ تَعْرِيفُهُ دُونَهُمَا. ؛ وَمَنْ أَخَذَ لُقَطَةً لَا لِخِيَانَةٍ بِأَنْ لَقَطَهَا لِحِفْظٍ أَوْ تَمَلُّكٍ أَوْ اخْتِصَاصٍ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ خِيَانَةً وَلَا غَيْرَهَا، أَوْ قَصَدَ أَحَدَهُمَا وَنَسِيَهُ فَأَمِينٌ وَإِنْ قَصَدَ الْخِيَانَةَ بَعْدَ أَخْذِهَا مَا لَمْ يَتَمَلَّكْ أَوْ يَخْتَصَّ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا وَإِنْ لَقَطَهَا لِحِفْظٍ وَإِنْ أَخَذَهَا لِلْخِيَانَةِ فَضَامِنٌ وَلَيْسَ لَهُ تَعْرِيفُهَا. وَلَوْ دَفَعَ لُقَطَةً لِقَاضٍ لَزِمَهُ قَبُولُهَا. (وَإِذَا أَخَذَهَا) أَيْ اللُّقَطَةَ الْمُلْتَقِطُ الْوَاثِقُ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ (فَعَلَيْهِ) حِينَئِذٍ (أَنْ يَعْرِفَ) بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ (سِتَّةَ أَشْيَاءَ) وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَرْجِعُ إلَى أَرْبَعَةٍ وَتَرْكِ مَعْرِفَةَ اثْنَيْنِ كَمَا سَيَظْهَرُ: الْأَوَّلَ أَنْ يَعْرِفَ (وِعَاءَهَا) وَهُوَ بِكَسْرِ الْوَاوِ   [حاشية البجيرمي] وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ عَدْلٍ. قَوْلُهُ: (تَمَلَّكُوا) أَيْ حَتَّى الْمُرْتَدِّ إنْ أَسْلَمَ وَتَكُونُ مَوْقُوفَةً قَبْلَ إسْلَامِهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) أَيْ لَهُمَا نَوْعُ تَمْيِيزٍ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي اللُّقَطَةِ الِاكْتِسَابُ لَا الْأَمَانَةُ وَالْوِلَايَةُ شَرْحِ م ر، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا نَوْعُ تَمْيِيزٍ لَمْ يَصِحَّ الْتِقَاطُهُمَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْهُمَا؛. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (وَيَنْزِعُ اللُّقَطَةَ مِنْهُمَا) فَإِنْ قَصَّرَ فِي نَزْعِهَا مِنْهُمَا فَتَلِفَتْ وَلَوْ بِإِتْلَافِهِمَا ضَمِنَ فِي مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ يُعَرِّفُ التَّالِفَ، فَإِنْ لَمْ يَقْتَصِرْ فَلَا ضَمَانَ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَم ر. وَقَوْلُهُ " فَإِنْ يُقَصِّرْ فَلَا ضَمَانَ " أَيْ عَلَى الْوَلِيِّ وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا عَلَى الْمَجْنُونِ أَيْضًا فِي التَّلَفِ، وَأَمَّا الْإِتْلَافُ فَالضَّمَانُ فِيهِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ اهـ خ ض. فَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ إتْلَافِهِمَا ضَاعَتْ عَلَى صَاحِبِهَا. قَوْلُهُ: (إنْ رَآهُ) أَيْ مَصْلَحَةً بِأَنْ احْتَاجَ إلَى النَّفَقَةِ أَوْ الْكِسْوَةِ وَلَهُمَا مَا يُوَفَّى كَدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ مَتَاعٍ كَاسِدٍ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (حَيْثُ يَجُوزُ) فَهُوَ تَقْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ وَبَيَانٌ لَهُ، وَلَيْسَ زَائِدًا عَلَيْهِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ كَأَنَّهُ قَالَ: وَذَلِكَ حَيْثُ يَجُوزُ إلَخْ كَمَا عَبَّرَ بِهِ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: (يَصِحُّ تَعْرِيفُهُ) وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ جَوَازِ إبْقَائِهَا فِي يَدِهِ لِأَنَّ يَدَهُ لَا تَصْلُحُ لِلْمَالِ، فَإِنْ قَصَّرَ الْوَلِيُّ فِي انْتِزَاعِهَا مِنْهُ فَتَلِفَتْ أَوْ أَتْلَفَهَا ضَمِنَهَا الْوَلِيُّ أَيْ غَيْرُ الْحَاكِمِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي مَالِهِ أَصَالَةً لَا قَرَارًا، فَلَا يُطَالَبُ السَّفِيهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مُعْتَرِضًا بِهِ مَا أَفْهَمَهُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي قَوْلِ الْقَرَارِ الضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ فِي التَّعْجِيزِ، كَمَا لَوْ قَصَّرَ بِتَرْكِ مَا احْتَطَبَهُ فِي يَدِهِ حَتَّى تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ لِأَنَّ عَلَيْهِ حِفْظَهُ ثُمَّ يُعَرِّفُ التَّالِفَةَ، ثُمَّ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَمَلُّكِهَا لَهُ تَمَلَّكَ لَهُ قِيمَتَهَا هُوَ أَوْ السَّفِيهُ بِإِذْنِهِ بَعْدَ قَبْضِ الْحَاكِمِ إيَّاهَا مِنْ الْوَلِيِّ إذْ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُمْكِنُ تَمَلُّكُهُ. اهـ. سم. وَقَوْلُهُ " ضَمِنَهَا الْوَلِيُّ أَيْ غَيْرُ الْحَاكِمِ إلَخْ " عِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيَضْمَنُ أَيْ فِي مَالِ نَفْسِهِ وَلَوْ الْحُكْمُ فِيمَا يَظْهَرُ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (أَوْ تَمَلُّكٍ) أَيْ فِيمَا يُمْلَكُ أَيْ بَعْدَ التَّعْرِيفِ بِشُرُوطِهِ، وَقَوْلُهُ " أَوْ اخْتِصَاصٍ " أَيْ فِيمَا لَا يُمْلَكُ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَصَدَ أَحَدَهُمَا) أَيْ الْخِيَانَةَ وَغَيْرَهَا. وَوَجْهُهُ فِي قَصْدِ الْخِيَانَةِ أَنَّهُ لَمَّا نَسِيَهَا ضَعُفَ قَصْدُهَا فَكَانَ أَمِينًا وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلْحِفْظِ أَوْ التَّمَلُّكِ، فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَصَدَ الْخِيَانَةَ) غَايَةٌ، أَيْ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا بِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْخِيَانَةِ بَلْ إنَّمَا يَكُونُ ضَامِنًا، إنْ تَمَلَّكَ أَوْ اخْتَصَّ بَعْدَ التَّعْرِيفِ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَتَمَلَّكْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ فَأَمِينٌ. أَيْ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الِاخْتِصَاصِ أَمِينًا مَا لَمْ يُتْلِفْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَإِنْ تَلِفَ فَلَا ضَمَانَ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْغَصْبِ، شَرْحِ م ر. وَانْظُرْ مَا مَعْنَى الْأَمَانَةِ فِي الِاخْتِصَاصِ مَعَ أَنَّهُ إنْ تَلِفَ بِتَقْصِيرٍ لَا يَضْمَنُ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا) هَذَا اسْتِطْرَادٌ لِأَنَّ مَحَلَّهُ سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَخَذَهَا لِلْخِيَانَةِ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ: لَا لِخِيَانَةٍ. قَوْلُهُ: (فَضَامِنٌ) وَيَبْرَأُ بِالدَّفْعِ لِحَاكِمٍ أَمِينٍ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِمَنْ أَخَذَ لِلْخِيَانَةِ تَعْرِيفُهَا أَيْ لِيَتَمَلَّكَهَا بَعْدَهُ، فَالْمَنْفِيُّ التَّمَلُّكُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهَا لِلْقَاضِي مَا لَمْ يَقْصِدْ الْحِفْظَ وَيَتْرُكُ الْخِيَانَةَ فَإِنْ عَرَّفَهَا فَمُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى قَصْدِ الْأَمَانَةِ وَالْحِفْظِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ دَفَعَ) أَيْ الْخَائِنُ أَوْ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (تَرْجِعُ إلَى أَرْبَعَةٍ) لِأَنَّ الْوِعَاءَ وَالْعِفَاصَ وَاحِدٌ وَالْعَدَّ وَالْوَزْنَ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ يَشْمَلُهُمَا كَمَا يَشْمَلُ أَيْضًا الْكَيْلَ وَالذَّرْعَ. قَوْلُهُ؛ (مَعْرِفَةُ اثْنَيْنِ) كَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ: وَتَرْكُ مَعْرِفَةِ أَرْبَعَةٍ كَزِيَادَةِ الْكَيْلِ وَالذَّرْعِ كَمَا يَأْتِي ق ل. قَوْلُهُ: (وَأَصْلُهُ) أَيْ فِي اللُّغَةِ. وَقَوْلُهُ " كَمَا فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ " هُوَ لِأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَهُوَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ، وَتَحْرِيرُ التَّنْبِيهِ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 وَالْمَدُّ مَا هِيَ فِيهِ مِنْ جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَ) الثَّانِيَ أَنْ يَعْرِفَ (عِفَاصَهَا) وَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَأَصْلُهُ كَمَا فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ عَنْ الْخَطَّابِيِّ الْجِلْدُ الَّذِي يَلْبَسُ رَأْسَ الْقَارُورَةِ وَهِيَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ كَصَاحِبِ التَّنْبِيهِ لِأَنَّهُمَا جَمَعَا بَيْنَ الْوِعَاءِ وَالْعِفَاصِ وَالْمَحْكِيُّ فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْعِفَاصَ هُوَ الْوِعَاءُ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فَيَعْرِفُ عِفَاصَهَا وَهِيَ الْوِعَاءُ مِنْ جِلْدٍ وَخِرْقَةٍ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى فَأَطْلَقَ الْعِفَاصَ عَلَى الْوِعَاءِ تَوَسُّعًا، (وَ) الثَّالِثَ: أَنْ يَعْرِفَ (وِكَاءَهَا) وَهُوَ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْمَدِّ مَا تُرْبَطُ بِهِ مِنْ خَيْطٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَ) الرَّابِعَ: أَنْ يَعْرِفَ (جِنْسَهَا) مِنْ نَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَ) الْخَامِسَ: أَنْ يَعْرِفَ (عَدَدَهَا) كَاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (وَ) السَّادِسَ: أَنْ يَعْرِفَ (وَزْنَهَا) كَدِرْهَمٍ فَأَكْثَرَ. أَمَّا كَوْنُهَا تَرْجِعُ إلَى أَرْبَعٍ فَإِنَّ الْعِفَاصَ وَالْوِعَاءَ وَاحِدٌ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَالْعَدَدُ وَالْوَزْنُ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِالْقَدْرِ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْقَدْرِ شَامِلَةٌ لِلْوَزْنِ وَالْعَدَدِ وَالْكَيْلِ وَالذَّرْعِ. وَالسَّابِعَ: وَهُوَ الْمَتْرُوكُ مِنْ كَلَامِهِ أَنْ يَعْرِفَ صِنْفَهَا أَهَرَوِيَّةً أَمْ مَرْوِيَّةً. وَالثَّامِنَ: أَنْ يَعْرِفَ صِفَتَهَا مِنْ صِحَّةٍ وَتَكْسِيرٍ وَنَحْوِهِمَا، وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ تَكُونُ عَقِبَ الْأَخْذِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ. وَهِيَ سُنَّةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ. وَفِي الْكَافِي أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَيَنْدُبُ كَتْبُ الْأَوْصَافِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَنَّهُ الْتَقَطَهَا فِي وَقْتِ كَذَا. (وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ (أَنْ يَحْفَظَهَا) لِمَالِكِهَا (فِي حِرْزِ مِثْلِهَا) إلَى ظُهُورِهِ لِأَنَّهَا فِيهَا مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالِاكْتِسَابِ، فَالْأَمَانَةُ وَالْوِلَايَةُ أَوَّلًا وَالِاكْتِسَابُ آخِرًا بَعْدَ التَّعْرِيفِ. وَهَلْ الْمُغَلَّبُ فِيهَا الْأَمَانَةُ وَالْوِلَايَةُ لِأَنَّهُمَا نَاجِزَانِ أَوْ الِاكْتِسَابُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ؟ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَالْمُرَجَّحُ فِيهَا تَغْلِيبُ الِاكْتِسَابِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْتِقَاطُ الْفَاسِقِ   [حاشية البجيرمي] وَقَوْلُهُ " الْقَارُورَةُ هِيَ مِنْ الزُّجَاجِ وَقَالَ م د هِيَ ظَرْفُ الشَّيْءِ وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ الْقَارُورَةُ إنَاءٌ مِنْ زُجَاجٍ وَالْجَمْعُ الْقَوَارِيرُ وَالْقَارُورَةُ أَيْضًا وِعَاءُ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَهِيَ الْقَوْصَرَّةُ وَتُطْلَقُ الْقَارُورَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْوَلَدَ أَوْ الْمَنِيَّ يَقَرُّ فِي رَحِمِهَا كَمَا يَقَرُّ الشَّيْءُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ تَشْبِيهًا بِآنِيَةِ الزُّجَاجِ لِضَعْفِهَا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ) الْمُنَاسِبُ هُوَ أَيْ الْجِلْدُ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أُنِّثَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ آنِيَةً. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْمُصَنِّفَ وَصَاحِبَ التَّنْبِيهِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْوِعَاءُ) الْأَوْلَى وَهُوَ كَمَا فِي نُسْخَةٍ. وَيُجَابُ عَنْ التَّأْنِيثِ بِمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (انْتَهَى) أَيْ كَلَامُ الرَّوْضَةِ. وَقَوْلُهُ " فَأَطْلَقَ " أَيْ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الْعِفَاصِ، بِخِلَافِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوِعَاءِ فَجَعَلَ لَهُ مَعْنًى يَخُصُّهُ. قَوْلُهُ: (تَوَسُّعًا) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إطْلَاقٌ لُغَوِيٌّ فَلَا تَوَسُّعَ فِيهِ. اهـ. ق ل، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْقَامُوسِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوِعَاءِ الَّذِي فِيهِ النَّفَقَةُ جِلْدًا أَوْ خِرْقَةً وَغِلَافُ الْقَارُورَةِ وَالْجِلْدُ الَّذِي يُغَطَّى بِهِ رَأْسُهَا كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ حَجّ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُهُ) كَجِلْدٍ. قَوْلُهُ: (جِنْسَهَا) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلنَّوْعِ وَالصِّفَةِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِمَا، فَلَا حَاجَةَ لِمَا زَادَهُ الشَّارِحُ مَعَ أَنَّهُ عَدَّ الصِّفَةَ وَأَسْقَطَ النَّوْعَ ق ل. قَوْلُهُ: (كَدِرْهَمٍ) كَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ كَرَطْلٍ مَثَلًا لِأَنَّ الدِّرْهَمَ مِنْ الْعَدِّ، إلَّا إنْ قَيَّدَ بِالْوَزْنِ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الدِّرْهَمَ مُتَضَمِّنٌ لِلْوَزْنِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْعِفَاصَ وَالْوِعَاءَ وَاحِدٌ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الرَّوْضَةِ. وَغَايَرَ أَوَّلًا بَيْنَهُمَا مُجَارَاةً لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ ق ل هَذَا لَا يُلَائِمُ مَا قَرَّرَ بِهِ الْمَتْنُ مِنْ تَغَايُرِهِمَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْقَدْرِ) الْمُنَاسِبُ: فَإِنَّ الْقَدْرَ. قَوْلُهُ: (أَهَرَوِيَّةً) بِفَتَحَاتٍ نِسْبَةً إلَى هَرَاةَ قَرْيَةٌ بِالْعَجَمِ، وَمَرْوِيَّةٌ بِسُكُونِ الرَّاءِ نِسْبَةً إلَى مَرْوَ قَرْيَةٌ كَذَلِكَ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا مَرْوَزِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. قَوْلُهُ: (وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ) الْأَوْلَى الْأَشْيَاءُ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ سُنَّةٌ) أَيْ بِقَيْدِ كَوْنِ الْمَعْرِفَةِ الْمَذْكُورَةِ عَقِبَ الْأَخْذِ، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ التَّمَلُّكِ فَوَاجِبَةٌ ق ل عَلَى الْغَزِّيِّ. قَوْلُهُ: (أَنَّهَا وَاجِبَةٌ) هُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَيُنْدَبُ كَتْبُ الْأَوْصَافِ) أَيْ خَوْفًا مِنْ نِسْيَانِهَا. قَوْلُهُ: (فِي وَقْتِ كَذَا) أَيْ وَفِي مَكَانِ كَذَا. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَخَذَ الشَّارِحُ الْوُجُوبَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ إلَخْ، فَالْمَعْنَى: وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَهَا فَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ " عَلَى " لِلْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (مَعْنَى الْأَمَانَةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُلْتَقِطَ أَمِينٌ فِيمَا لَقَطَهُ وَالشَّرْعُ وَلَّاهُ حِفْظَهُ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ الطِّفْلِ، مَنْهَجٌ. قَوْلُهُ: (أَوَّلًا) أَيْ قَبْلَ التَّعْرِيفِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَجَّحُ فِيهَا) أَيْ اللُّقَطَةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمُغَلَّبَ ذَلِكَ لَمَا صَحَّ الْتِقَاطُهُمَا. (ثُمَّ إذَا أَرَادَ) الْمُلْتَقِطُ (تَمَلُّكَهَا عَرَّفَهَا سَنَةً) أَيْ مِنْ يَوْمِ التَّعْرِيفِ تَحْدِيدًا، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَأَخَّرُ فِيهَا الْقَوَافِلُ غَالِبًا وَتَمْضِي فِيهَا الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ. قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَرِّفْ سَنَةً لَضَاعَتْ الْأَمْوَالُ عَلَى أَرْبَابِهَا، وَلَوْ جَعَلَ التَّعْرِيفَ أَبَدًا لَامْتَنَعَ مِنْ الْتِقَاطِهَا فَكَانَ فِي السُّنَّةِ نَظَرٌ لِلْفَرِيقَيْنِ مَعًا. وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ مُتَّصِلَةً بَلْ تَكْفِي وَلَوْ مُفَرَّقَةً عَلَى الْعَادَةِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ حَقِيرَةٍ، وَلَوْ مِنْ الِاخْتِصَاصَاتِ فَيُعَرِّفُهَا أَوَّلًا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ طَرَفَيْهِ أُسْبُوعًا ثُمَّ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً طَرَفَهُ أُسْبُوعًا أَوْ أُسْبُوعَيْنِ ثُمَّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ كُلَّ شَهْرٍ كَذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَنْسَى أَنَّهُ تَكْرَارٌ لِمَا مَضَى. وَإِنَّمَا جَعَلَ التَّعْرِيفَ فِي الْأَزْمِنَةِ الْأُوَلِ أَكْثَرَ لِأَنَّ طَلَبَ الْمَالِكِ فِيهَا أَكْثَرُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: قِيلَ وَمُرَادُهُمْ أَنْ يُعَرِّفَ كُلَّ مُدَّةٍ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَلَوْ مَاتَ الْمُلْتَقِطُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ بَنَى وَارِثُهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ وَلَوْ الْتَقَطَ اثْنَانِ لُقَطَةً عَرَّفَهَا كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ سَنَةٍ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِأَنَّهَا لُقَطَةٌ وَاحِدَةٌ؛ وَالتَّعْرِيفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِكُلِّهَا لَا لِنِصْفِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ التَّمَلُّكِ.   [حاشية البجيرمي] وَرُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ بَعِيدٌ إذْ لَوْ رَجَعَ إلَيْهَا لَقَالَ " مِنْهَا " وَقَدْ صَرَّحَ الشَّارِحُ بِاللُّقَطَةِ فِيمَا مَرَّ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهَا أَيْ اللُّقَطَةَ فِيهَا مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَالْوِلَايَةِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (تَغْلِيبٌ) أَيْ تَقْدِيمُ مُرَاعَاةِ الِاكْتِسَابِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ. قَوْلُهُ: (الْفَاسِقُ وَالذِّمِّيُّ) وَكَذَا الصَّبِيُّ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ. قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ الِاكْتِسَابُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إذَا أَرَادَ إلَخْ) خَرَجَ مَا لَوْ الْتَقَطَهَا لِلْحِفْظِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ وَلَوْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ سِنِينَ. وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ وُجُوبُ التَّعْرِيفِ مُطْلَقًا. وَعِبَارَةُ م د: " إذَا أَرَادَ تَمَلُّكَهَا " لَيْسَ بِقَيْدٍ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ التَّعْرِيفُ عَلَى مَنْ الْتَقَطَ لِلْحِفْظِ عَلَى الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (أَيْ مِنْ يَوْمِ التَّعْرِيفِ) لَا مِنْ الِالْتِقَاطِ، فَالتَّعْرِيفُ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى) أَيْ الْحِكْمَةُ فِي تَعْرِيفِهَا سَنَةً. قَوْلُهُ: (وَتَمْضِي إلَخْ) اُنْظُرْ وَجْهَ مَدْخَلِيَّةِ ذَلِكَ فِي الْحِكْمَةِ إذْ لَا دَخْلَ لِلْفُصُولِ فِي ذَلِكَ وَلَا مُنَاسَبَةَ، وَيُمْكِنُ الْمُنَاسَبَةُ بِأَنْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَرَتْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِأَنَّ الْقَوَافِلَ كَانَتْ تُسَافِرُ كُلُّ قَافِلَةٍ مِنْهَا فِي فَصْلٍ مِنْ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: (لَوْ لَمْ يُعَرِّفْ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ. قَوْلُهُ: (لَامْتُنِعَ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ النُّونِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (نَظَرٌ) أَيْ رِعَايَةٌ وَمَصْلَحَةٌ وَرِفْقٌ. قَوْلُهُ: (لِلْفَرِيقَيْنِ) أَيْ الْمَالِكِ وَالْمُلْتَقِطِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَادَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِسَنَةٍ، أَيْ عَلَى الْعَادَةِ فِي الْقَدْرِ وَالْمَحَلِّ، فَقَوْلُهُ " فَيُعَرِّفُهَا أَوَّلًا إلَخْ " بَيَانٌ لِلْقَدْرِ، وَقَوْلُهُ " وَعَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ " بَيَانٌ لِلْمَحَلِّ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ) أَيْ اللُّقَطَةُ وَهَذَا قَيْدٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ عَرَّفَهَا سَنَةً، وَمَفْهُومُهُ سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَيُعَرَّفُ حَقِيرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ الِاخْتِصَاصَاتِ) بِأَنْ كَانَ اخْتِصَاصًا عَظِيمَ الْمَنْفَعَةِ يَكْثُرُ أَسَفُ فَاقِدِهِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (طَرَفَيْهِ) أَيْ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ إلَخْ) إلَى أَنْ يُتِمَّ أَسَابِيعَ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ شَرْحِ م ر. قَالَ الرَّشِيدِيُّ: التَّعْبِيرُ بِيُتِمَّ أَيْ فِي قَوْلِهِ إلَى أَنْ يُتِمَّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُحْسَبُ مِنْ السَّبْعَةِ الْأُسْبُوعَانِ الْأَوَّلَانِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ كُلُّ شَهْرٍ كَذَلِكَ) أَيْ إلَى آخِرِ السَّنَةِ فَالْمَرَّةُ الْمَذْكُورَةُ تَقْرِيبِيَّةٌ. وَالضَّابِطُ مَا ذُكِرَ، وَهُوَ أَنَّهُ بِحَيْثُ لَا يَنْسَى أَنَّهُ تَكْرَارٌ لِمَا مَضَى حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمَرَّةَ فِي الْأَسَابِيعِ الَّتِي بَعْدَ التَّعْرِيفِ كُلُّ يَوْمٍ لَا تَدْفَعُ النِّسْيَانَ وَجَبَ مَرَّتَانِ كُلَّ أُسْبُوعٍ ثُمَّ مَرَّةٌ كُلَّ أُسْبُوعٍ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ (قِيلَ إلَخْ) هَذَا فِي مُقَابَلَةِ التَّقْرِيرِ السَّابِقِ، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الزَّرْكَشِيّ نَقَلَ أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْهُ أَنْ يُعَرِّفَهَا طَرَفَيْ النَّهَارِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ طَرَفَهُ فَقَطْ ثَلَاثَةً أُخْرَى ثُمَّ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فِي طَرَفِ يَوْمٍ مِنْهَا ثَلَاثَةً أُخْرَى ثُمَّ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً أُخْرَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ م د. قَوْلُهُ: (كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ سَنَةٍ) بِأَنْ يَكُونَ يَوْمًا وَيَوْمًا ثُمَّ جُمُعَةً وَجُمُعَةً ثُمَّ شَهْرًا وَشَهْرًا. قَوْلُهُ: (إنَّهُ الْأَشْبَهُ) أَيْ الْمُشَابِهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُشْتَرَكِ فِيهَا، وَيَكْفِي تَعْرِيفُ أَحَدِهِمَا وَلَوْ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ، وَيَكْفِي إذْنُهُمَا لِأَجْنَبِيٍّ، وَلَوْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ الِالْتِقَاطِ لَمْ يَسْقُطْ، وَمِثْلُهُمَا الْوَارِثُ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ) حَيْثُ قَالَ: يُعَرِّفُهَا كُلُّ وَاحِدٍ سَنَةً. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا لُقَطَةٌ وَاحِدَةٌ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِ السُّبْكِيّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 تَنْبِيهٌ: قَدْ يُتَصَوَّرُ التَّعْرِيفُ سَنَتَيْنِ وَذَلِكَ إذَا قَصَدَ الْحِفْظَ فَعَرَّفَهَا سَنَةً ثُمَّ قَصَدَ التَّمْلِيكَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ سَنَةً مِنْ حِينَئِذٍ، وَيُبَيِّنُ فِي التَّعْرِيفِ زَمَنَ وِجْدَانِ اللُّقَطَةِ، وَيَذْكُرُ نَدْبًا اللَّاقِطُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ بَعْضَ أَوْصَافِهَا فِي التَّعْرِيفِ فَلَا يَسْتَوْعِبُهَا لِئَلَّا يَعْتَمِدَهَا الْكَاذِبُ، فَإِنْ اسْتَوْعَبَهَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْفَعُهُ إلَى مَنْ يُلْزِمُ الدَّفْعُ بِالصِّفَاتِ. وَيُعَرِّفُهَا فِي بَلَدِ الِالْتِقَاطِ وَ (عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ) عِنْدَ خُرُوجِ النَّاسِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى وُجُودِ صَاحِبِهَا (وَ) يَجِبُ التَّعْرِيفُ (فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ) وَلْيُكْثِرْ مِنْهُ فِيهِ، لِأَنَّ طَلَبَ الشَّيْءِ فِي مَكَانِهِ أَكْثَرُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ الْمَسَاجِدُ فَيُكْرَهُ التَّعْرِيفُ فِيهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ التَّحْرِيمَ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَلَا يُكْرَهُ التَّعْرِيفُ فِيهِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ، وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ النَّاسِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى كَذَلِكَ. وَلَوْ أَرَادَ الْمُلْتَقِطُ سَفَرًا اسْتَنَابَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ مَنْ يَحْفَظُهَا وَيُعَرِّفُهَا، فَإِنْ سَافَرَ بِهَا أَوْ اسْتَنَابَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ مَعَ وُجُودِهِ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ الْتَقَطَ فِي الصَّحْرَاءِ وَهُنَاكَ قَافِلَةٌ تَبِعَهَا وَعَرَّفَ فِيهَا إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّعْرِيفِ فِي الْأَمَاكِنِ الْخَالِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَفِي بَلَدٍ يَقْصِدُهَا قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ سَوَاءٌ أَقَصَدَهَا ابْتِدَاءً أَمْ لَا حَتَّى لَوْ قَصَدَ بَعْدَ قَصْدِهِ الْأَوَّلِ بَلْدَةً أُخْرَى. وَلَوْ بَلْدَتَهُ الَّتِي سَافَرَ مِنْهَا عَرَّفَ فِيهَا وَلَا يُكَلَّفُ الْعُدُولَ عَنْهَا إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَيُعَرَّفُ حَقِيرٌ لَا يَعْرِضُ عَنْهُ غَالِبًا مُتَمَوِّلًا كَانَ أَوْ مُخْتَصًّا وَلَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ بَلْ هُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ فَاقِدَهُ لَا يُكْثِرُ أَسَفَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُطَوِّلُ طَلَبَهُ لَهُ غَالِبًا إلَى أَنْ يَظُنَّ إعْرَاضَ فَاقِدِهِ عَنْهُ غَالِبًا، وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ إنْ قَصَدَ تَمَلُّكًا وَلَوْ بَعْدَ لَقْطِهِ لِلْحِفْظِ أَوْ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَتَمَلَّكْ لِوُجُوبِ التَّعْرِيفِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (قَدْ يُتَصَوَّرُ إلَخْ) لَكِنَّ التَّعْرِيفَ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ وَالثَّانِيَ وَاجِبٌ م د؛ لَكِنْ فِي شَرْحِ م ر الْوُجُوبُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (مِنْ حِينَئِذٍ) أَيْ مِنْ حِينِ قَصَدَ التَّمَلُّكَ. قَوْلُهُ: (وَيُبَيِّنُ فِي التَّعْرِيفِ) أَيْ يَذْكُرُ زَمَنَ وِجْدَانِ اللُّقَطَةِ وَمَكَانَهُ وُجُوبًا فِيهِمَا، وَمَحَلَّهُ فِي الْمَكَانِ مَا لَمْ يَكُنْ التَّعْرِيفُ وَاقِعًا فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ ذِكْرُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْكَاذِبَ قَدْ يَرْفَعُ اللَّاقِطَ إلَى حَاكِمٍ يُلْزِمُ اللَّاقِطَ دَفْعَ اللُّقَطَةِ لِمَنْ وَصَفَهَا لَهُ. قَوْلُهُ: (إلَى مَنْ يُلْزِمُ الدَّفْعَ بِالصِّفَاتِ) أَيْ إلَى حَاكِمٍ مَذْهَبُهُ إلْزَامُ اللَّاقِطِ دَفْعَ اللُّقَطَةِ لِمَنْ وَصَفَهَا بِصِفَاتِهَا. قَوْلُهُ: (عِنْدَ خُرُوجِ النَّاسِ) أَيْ مِنْ الْجَمَاعَاتِ قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ التَّعْرِيفُ) الْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ، وَيَقُولُ: وَلْيُكْثِرْ مِنْ التَّعْرِيفِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلْيُكْثِرْ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّعْرِيفِ. قَوْلُهُ: (فَيُكْرَهُ التَّعْرِيفُ فِيهَا) أَيْ فِي الْمَسَاجِدِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ بِرَفْعِ صَوْتٍ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ ق ل. وَيُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ وَسَائِرُ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ إلَّا النِّكَاحَ فَيُسَنُّ عَقْدُهُ فِيهِ، وَكَذَا يُكْرَهُ نَشْدُ الضَّالَّةِ فِيهِ وَيُنْدَبُ أَنْ يُقَالَ لِلْعَاقِدِ فِيهِ لَا رَبَّحَ اللَّهُ تِجَارَتَك وَلِلْمُنْشِدِ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك، وَيُكْرَهُ السُّؤَالُ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ نَحْوُ مُصَلٍّ وَلَمْ يَتَخَطَّ الرِّقَابَ وَلَمْ يَمْشِ أَمَامَ الصُّفُوفِ وَإِلَّا حَرُمَ، وَلَا يُكْرَهُ إعْطَاؤُهُ إلَّا إنْ تَأَذَّى بِهِ النَّاسُ فَيُكْرَهُ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الْأَذَى، بَلْ لَوْ قِيلَ يَحْرُمُ لَمْ يَبْعُدْ وَلَا يُكْرَهُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ؛ اهـ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ لِلْمُنَاوِيِّ. قَوْلُهُ: (وَمُقْتَضَى ذَلِكَ) أَيْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، أَيْ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ النَّاسِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَقْصَى كَذَلِكَ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَيُكْرَهُ فِيهِمَا كَغَيْرِهِمَا م ر. قَوْلُهُ: (تَبِعَهَا) أَيْ إنْ كَانَتْ لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ) أَيْ إنْ لَمْ يُرِدْ اتِّبَاعَ الْقَافِلَةِ فَلَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ أَبَدًا. قَوْلُهُ: (عَرَّفَ مِنْهَا) أَيْ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِتَغَيُّرِ الْقَصْدِ. قَوْلُهُ: (بِشَيْءٍ) أَيْ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ. قَوْلُهُ: (إلَى أَنْ يُظَنَّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " وَيُعَرَّفُ حَقِيرٌ " وَمَرَاتِبُ الْحَقِيرِ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّ النِّصْفَ يُعَرَّفُ أَكْثَرَ مِنْ الْفَلْسِ، وَأَمَّا مَا يَعْرَضُ عَنْهُ غَالِبًا فَلَا يُعَرَّفُ كَزَبِيبَةٍ وَزِبْلٍ يَسِيرٍ بَلْ يَسْتَبِدُّ أَيْ يَسْتَقِلُّ بِهِ وَاجِدُهُ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُعَرِّفُ زَبِيبَةً فَضَرَبَهُ بِالدُّرَّةِ وَقَالَ: " إنَّ مِنْ الْوَرَعِ مَا يَمْقُتُ اللَّهُ عَلَيْهِ " وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَحْصُلُ لِلْمُقَلِّشِينَ فَإِنْ كَانَ الْحَاصِلُ حَقِيرًا كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، أَوْ غَيْرَ حَقِيرٍ وَجَبَ تَعْرِيفُهُ سَنَةً، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّشِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ م د. وَالْمُقَلِّشُ هُوَ الَّذِي يُفَتِّشُ فِي التُّلُولِ وَغَيْرِهَا عَلَى الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا وَمِنْهُ الْمُكَرْبِلُونَ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ) أَيْ إنْ كَانَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنْ رَأَى وَلِيُّهُ تَمَلُّكَ اللُّقَطَةِ لَهُ لَمْ يَصْرِفْ مُؤْنَةَ تَعْرِيفِهَا مِنْ مَالِهِ بَلْ يَرْفَعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّمَلُّكَ كَأَنْ لَقَطَ لِحِفْظٍ أَوْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَقْصِدْ تَمْلِيكًا أَوْ اخْتِصَاصًا فَمُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَى مَالِكٍ بِأَنْ يُرَتِّبَهَا الْحَاكِمُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يَقْتَرِضَهَا عَلَى الْمَالِكِ مِنْ اللَّاقِطِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ يَأْمُرَهُ بِصَرْفِهَا لِيَرْجِعَ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ يَبِيعَ بَعْضَهَا إنْ رَآهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَلْزَمْ اللَّاقِطَ لِأَنَّ الْحَظَّ لِلْمَالِكِ فَقَطْ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا) بَعْدَ تَعْرِيفِهَا (كَانَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ) إذَا ظَهَرَ مَالِكُهَا وَلَا يَمْلِكُهَا الْمُلْتَقِطُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَتَمَلَّكْتُ لِأَنَّهُ تَمَلُّكُ مَالٍ بِبَدَلٍ فَافْتَقَرَ إلَى ذَلِكَ كَالتَّمَلُّكِ بِشِرَاءٍ. وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي لُقَطَةٍ لَا تُمْلَكُ كَخَمْرٍ وَكَلْبٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى نَقْلِ الِاخْتِصَاصِ، فَإِنْ تَمَلَّكَهَا فَظَهَرَ الْمَالِكُ وَلَمْ يَرْضَ بِبَدَلِهَا وَلَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لَازِمٌ يَمْنَعُ بَيْعَهَا لَزِمَهُ رَدُّهَا بِهِ بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَكَذَا الْمُنْفَصِلَةُ إنْ حَدَثَتْ قَبْلَ التَّمَلُّكِ تَبَعًا لِلُّقَطَةِ، فَإِنْ تَلِفَ حِسًّا أَوْ شَرْعًا بَعْدَ التَّمَلُّكِ غَرِمَ مِثْلَهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً أَوْ قِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً وَقْتَ التَّمَلُّكِ لِأَنَّهُ وَقْتُ دُخُولِهَا فِي ضَمَانِهِ ، وَلَا تُدْفَعُ اللُّقَطَةُ لِمُدَّعِيهَا بِلَا وَصْفٍ وَلَا حُجَّةٍ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ اللَّاقِطُ أَنَّهَا لَهُ فَيَلْزَمُهُ دَفْعُهَا لَهُ، وَإِنْ وَصَفَهَا لَهُ وَظَنَّ صِدْقَهُ جَازَ دَفْعُهَا لَهُ عَمَلًا بِظَنِّهِ بَلْ يُسَنُّ نَعَمْ إنْ تَعَدَّدَ الْوَاصِفُ لَمْ يَدْفَعْ إلَّا بِحُجَّةٍ، فَإِنْ دَفَعَهَا لَهُ بِالْوَصْفِ فَثَبَتَتْ لِآخَرَ بِحُجَّةٍ حُوِّلَتْ لَهُ عَمَلًا بِالْحُجَّةِ، فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَ الْوَاصِفِ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الْمَدْفُوعِ لَهُ وَإِذَا تَمَلَّكَ الْمُلْتَقِطُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا صَاحِبٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي إنْفَاقِهَا فَإِنَّهَا كَسْبٌ مِنْ أَكْسَابِهِ لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ بِهَا فِي الْآخِرَةِ. فَصْلٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ فِي أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ وَبَيَانِ حُكْمِ كُلٍّ مِنْهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُلْتَقَطَ قِسْمَانِ. وَيُعْلَمُ مَالٌ وَغَيْرُهُ. وَالْمَالُ نَوْعَانِ: حَيَوَانٌ وَغَيْرُهُ. وَالْحَيَوَانُ ضَرْبَانِ: آدَمِيٌّ وَغَيْرُهُ. وَعُلِمَ غَالِبُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -   [حاشية البجيرمي] الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيَبِيعَ جُزْءًا مِنْهَا وَكَالتَّمَلُّكِ الِاخْتِصَاصُ وَكَقَصْدِهِ لُقَطَةً لِلْخِيَانَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ اهـ. قَوْلُهُ: (إنْ قَصَدَ تَمَلُّكًا) أَوْ الْخِيَانَةَ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكًا) أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ تَبَرُّعًا لَا قَرْضًا، بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ الضَّمَانِ) هُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهَا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الضَّمَانَ، بَلْ مَتَى تَمَلَّكَ ضَمِنَ وَوَلَدُهَا الْحَاصِلُ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا لَهُ حُكْمُهَا وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ. وَبِهِ يُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا شَيْءٌ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لُقَطَةٌ وَلَمْ يَضِعْ مِنْ مَالِكِهِ وَيُتَمَلَّكُ بَعْدَ سَنَةٍ وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، أَيْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَعْرِيفُ أُمِّهِ فَقَطْ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّمَلُّكِ وَوَرِثَهُ نَحْوُ صَبِيٍّ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَنْتَقِلُ حَقُّ التَّمَلُّكِ لِلصَّغِيرِ فِي الْأُولَى فَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَتَمَلَّكَ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِي الثَّانِيَةِ فَلِلْإِمَامِ التَّمَلُّكُ لَهُمْ؟ تَرَدَّدَ فِيهِ الزَّرْكَشِيّ وَلَا يَبْعُدُ الِانْتِقَالُ. قَوْلُهُ (أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا) بِأَنْ يَقُولَ: نَقَلْت الِاخْتِصَاصَ بِهَذَا إلَيَّ. قَوْلُهُ: (حَقٌّ لَازِمٌ) أَيْ مِنْ الْمُلْتَقِطِ كَالِاسْتِيلَادِ وَالرَّهْنِ الْمَقْبُوضِ. قَوْلُهُ: (فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ اللَّاقِطِ وَالْمَدْفُوعِ لَهُ، وَمَحَلُّ تَضْمِينِ اللَّاقِطِ إذَا دَفَعَ بِنَفْسِهِ لَا إنْ أَلْزَمَهُ بِهِ الْحَاكِمُ اهـ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَالْقَرَارُ عَلَى الْمَدْفُوعِ لَهُ) أَيْ لِحُصُولِ التَّلَفِ عِنْدَهُ فَيَرْجِعُ اللَّاقِطُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ، فَإِنْ أَقَرَّ لَمْ يَرْجِعْ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ. قَوْلُهُ: (لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ بِهَا فِي الْآخِرَةِ) مَحَلُّهُ إذَا عَزَمَ عَلَى رَدِّهَا أَوْ رَدِّ بَدَلِهَا إذَا ظَهَرَ مَالِكُهَا ن ز. [فَصْلٌ فِي أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ اللُّقَطَةِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ مِنْ إبَاحَتِهِ وَنَدْبِهِ وَكَرَاهَتِهِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَيَانِ مَا يُفْعَلُ فِي الشَّيْءِ الْمَلْقُوطِ. قَوْلُهُ: (فِي بَعْضِ النُّسَخِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ لَفْظِ فَصْلٌ، وَهُوَ خَبَرٌ عَنْ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا فَصْلٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ فَصْلٌ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ خَبَرُهُ. وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِالنَّكِرَةِ إرَادَةُ لَفْظِهِ فَيَصِيرُ مَعْرِفَةً. قَوْلُهُ: (آدَمِيٌّ) جَعَلَهُ دَاخِلًا تَحْتَ الْمَالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 فِي قَوْلِهِ: (وَاللُّقَطَةُ) أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يُفْعَلُ فِيهَا (عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ أَحَدِهَا مَا يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ) كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (فَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ تَمَلُّكِهَا وَبَيْنَ إدَامَةِ حِفْظِهَا إذَا عَرَّفَهَا وَلَمْ يَجِدْ مَالِكَهَا هُوَ (حُكْمُهُ) أَيْ هَذَا الضَّرْبِ (وَ) الضَّرْبِ (الثَّانِي مَا لَا يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ) بَلْ يَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ (كَالطَّعَامِ الرَّطْبِ) كَالرَّطْبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ وَالْبُقُولِ (فَهُوَ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ (مُخَيَّرٌ) فِيهِ (بَيْنَ) تَمَلُّكِهِ ثُمَّ (أَكْلِهِ) وَشُرْبِهِ (وَغُرْمِهِ) أَيْ وَغُرْمِ بَدَلِهِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ (أَوْ بَيْعِهِ) بِثَمَنِ مِثْلِهِ (وَحِفْظِ ثَمَنِهِ) لِمَالِكِهِ (وَ) الضَّرْبِ (الثَّالِثِ مَا يَبْقَى) عَلَى الدَّوَامِ لَكِنْ (بِعِلَاجٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (كَالرَّطْبِ) الَّذِي يَتَجَفَّفُ (فَيَفْعَلُ) الْمُلْتَقِطُ (مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ) لِمَالِكِهِ (مِنْ بَيْعِهِ) بِثَمَنِ مِثْلِهِ (وَحِفْظِ ثَمَنِهِ) لَهُ (أَوْ تَجْفِيفِهِ وَحِفْظِهِ) لِمَالِكِهِ إنْ تَبَرَّعَ الْمُلْتَقِطُ بِالتَّجْفِيفِ، وَإِلَّا فَيَبِيعُ بَعْضَهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ إنْ وَجَدَهُ وَيُنْفِقُهُ عَلَى تَجْفِيفِ الْبَاقِي. وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ الَّذِي يُبَاعُ مَا يُسَاوِي مُؤْنَةَ التَّجْفِيفِ (وَ) الضَّرْبِ (الرَّابِعِ مَا يَحْتَاجُ إلَى نَفَقَةٍ كَالْحَيَوَانِ) آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَالْآدَمِيُّ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ   [حاشية البجيرمي] بِالنَّظَرِ لِلرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لُقَطَةً بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَقِيطٌ لَا لُقَطَةٌ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُ) فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ أَرْبَعَةٌ مَالٌ وَغَيْرُهُ، فَغَيْرُ الْمَالِ قِسْمٌ وَالْمَالُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَحَيَوَانٍ آدَمِيٍّ وَحَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ. قَوْلُهُ: (وَيُعْلَمُ غَالِبُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ غَيْرِ الْمَالِ وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْآدَمِيِّ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَيُعْلَمُ بَعْضُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّك عَلِمْت أَنَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةٌ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ قِسْمَيْنِ مِنْهَا وَهُمَا لُقَطَةُ الْمَالِ غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَالْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ، فَقَدْ ذَكَرَ نِصْفَ الْأَقْسَامِ لَا غَالَبَهَا، شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فِي قَوْلِهِ) لَعَلَّ (فِي) بِمَعْنَى (مِنْ) الْبَيَانِيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ ظَرْفِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، أَيْ كَلَامُهُ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ إلَخْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ قَوْلَهُ " فِي قَوْلِهِ " طَرَفٌ لِقَوْلِهِ: " كَلَامِهِ " مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ) أَيْ إجْمَالًا وَإِلَّا فَهِيَ بِالنَّظَرِ لِلتَّفَاصِيلِ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللُّقَطَةَ إمَّا أَنْ تَحْتَاجَ إلَى نَفَقَةٍ أَوْ لَا، فَإِنْ احْتَاجَتْ فَهِيَ الضَّرْبُ الرَّابِعُ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ بِطُولِ الْبَقَاءِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُخَيَّرُ الْمُلْتَقِطُ بَيْنَ أَمِينٍ تَمَلَّكَهَا مَعَ غُرْمِ الْبَدَلِ وَإِدَامَةِ الْحِفْظِ، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ فَإِمَّا أَنْ لَا تَقْبَلَ التَّجْفِيفَ بِالْعِلَاجِ أَوْ تَقْبَلَهُ، فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْهُ خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ تَمَلُّكِهَا بَيْنَ التَّمَلُّكِ ثُمَّ الْأَكْلِ وَالْغُرْمِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ مَعَ حِفْظِ الثَّمَنِ، وَإِنْ قَبِلَتْ التَّجْفِيفَ خُيِّرَ بَيْنَ بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا وَبَيْنَ التَّجْفِيفِ لَهَا إمَّا بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ أَوْ بَيْعِ جُزْءٍ مِنْهَا لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: " عَلَى الدَّوَامِ " أَيْ الْمُعْتَادِ، وَلَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى عِلَاجٍ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (مِنْ التَّخْيِيرِ) أَيْ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ، أَيْ وَكَانَ لَهُ إدَامَةُ الْحِفْظِ. قَوْلُهُ: (إذَا عَرَّفَهَا) يَرْجِعُ لِلتَّخْيِيرِ. قَوْلُهُ: (كَالطَّعَامِ) مُرَادُهُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْمَشْرُوبَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُخَيَّرٌ) أَيْ إنْ أَخَذَهُ لِلتَّمَلُّكِ، فَإِنْ أَخَذَهُ لِلْحِفْظِ فَالظَّاهِرُ تَعَيُّنُ الْخُصْلَةِ الثَّانِيَةِ الْآتِيَةِ سم. قَوْلُهُ: (بَيْنَ تَمَلُّكِهِ) أَيْ بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (وَشُرْبِهِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ. قَوْلُهُ: (وَغُرْمِهِ) أَيْ لِمَالِكِهِ حِينَ يَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَيْعِهِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَبَيْعِهِ؛ لِأَنَّ أَوْ لَا تَقَعُ بَعْدَ بَيْنَ لِأَنَّهَا لَا تُضَافُ إلَّا لِمُتَعَدِّدٍ. وَيُجَابُ بِأَنَّ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهَا إلَى أَوْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى وَغُرْمِهِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " أَوْ بَيْعِهِ " أَيْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ إنْ وَجَدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَتِهِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ أُلَاحِظُ الْبَيْعَ لَمْ يَبِعْ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ أُلَاحِظُ الْأَكْلَ أَكَلَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ ع ش عَلَى الْغَزِّيِّ؛ ثُمَّ يُعَرِّفُهُ لِيَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الدَّوَامِ) أَيْ الْمُعْتَادِ. قَوْلُهُ: (وَحِفْظِ ثَمَنِهِ) ثُمَّ يُعَرِّفُ الْمَبِيعَ. قَوْلُهُ: (إنْ تَبَرَّعَ الْمُلْتَقِطُ) أَيْ أَوْ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ الَّذِي يُبَاعُ) وَهَذَا بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي الْحَيَوَانِ مِنْ أَنَّهُ يُبَاعُ كُلُّهُ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّ عَلْفَهُ يَتَكَرَّرُ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ يَأْكُلُ نَفْسَهُ؛ فَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ أَعْنِي الْبَيْعَ وَالتَّجْفِيفَ فَكَمَا لَوْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي التَّجْفِيفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ مَشَايِخِنَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ثُمَّ بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ التَّجْفِيفِ يُعَرِّفُهُ وَيَظْهَرُ جَوَازُ التَّعْرِيفِ أَيْضًا قَبْلَهُمَا وَمَعَهُمَا، لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ الرَّطْبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَيْسَ لَهُ الْأَكْلُ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. اهـ. سم. وَيُنْفِقُهُ، أَيْ يُنْفِقُ ثَمَنَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 اخْتِصَارًا لِنُدْرَةِ وُقُوعِهِ فَيَصِحُّ لَقْطُ رَقِيقٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ أَوْ مُمَيِّزٍ زَمَنَ نَهْبٍ بِخِلَافِ زَمَنِ الْأَمْنِ لِأَنَّهُ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى سَيِّدِهِ فَيَصِلُ إلَيْهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي الْأَمَةِ إذَا الْتَقَطَهَا لِلْحِفْظِ أَوْ لِلتَّمَلُّكِ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ كَمَجُوسِيَّةٍ وَمَحْرَمٍ بِخِلَافِ مَنْ تَحِلُّ لَهُ لِأَنَّ تَمَلُّكَ اللُّقَطَةِ كَالِاقْتِرَاضِ، وَيُنْفِقُ عَلَى الرَّقِيقِ مُدَّةَ الْحِفْظِ مِنْ كَسْبِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ فَإِنْ تَبَرَّعَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَذَاكَ، وَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ فَلْيُنْفِقْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَشْهَدَ وَإِذَا بِيعَ ثُمَّ ظَهَرَ الْمَالِكُ وَقَالَ: كُنْتُ أَعْتَقْتُهُ قُبِلَ قَوْلُهُ وَحُكِمَ بِفَسَادِ الْبَيْعِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْآدَمِيِّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ لِغَلَبَةِ وُقُوعِهِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ ضَرْبَانِ) الْأَوَّلُ (حَيَوَانٌ لَا يَمْتَنِعُ بِنَفْسِهِ) مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ كَشَاةٍ وَعِجْلٍ وَفَصِيلٍ وَالْكَسِيرِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا إذَا تَرَكَهُ يَضِيعُ بِكَاسِرٍ مِنْ السِّبَاعِ أَوْ بِخَائِنٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِنْ وَجَدَهُ بِمَفَازَةٍ (فَهُوَ مُخَيَّرٌ) فِيهِ (بَيْنَ) تَمَلُّكِهِ ثُمَّ (أَكْلِهِ وَغُرْمِ ثَمَنِهِ) لِمَالِكِهِ (أَوْ تَرْكِهِ) أَيْ إمْسَاكِهِ عِنْدَهُ (وَالتَّطَوُّعِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ) إنْ شَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَلْيُنْفِقْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَشْهَدَ كَمَا مَرَّ فِي الرَّقِيقِ (أَوْ بَيْعِهِ) بِثَمَنِ مِثْلِهِ (وَحِفْظِ ثَمَنِهِ) لِمَالِكِهِ وَيُعَرِّفُهَا ثُمَّ يَتَمَلَّكُ الثَّمَنَ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمَفَازَةِ الْعُمْرَانُ فَإِذَا وَجَدَهُ فِيهِ فَلَهُ الْإِمْسَاكُ مَعَ التَّعْرِيفِ وَلَهُ الْبَيْعُ وَالتَّعْرِيفُ وَتَمَلُّكُ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ وَغُرْمُ ثَمَنِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ لِسُهُولَةِ الْبَيْعِ فِي الْعُمْرَانِ بِخِلَافِ الْمَفَازَةِ فَقَدْ لَا يَجِدُ فِيهَا مَنْ يَشْتَرِي وَيَشُقُّ النَّقْلُ إلَيْهِ وَالْخُصْلَةُ الْأُولَى مِنْ الثَّلَاثِ عِنْدَ اسْتِوَائِهَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فَالْآدَمِيُّ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ، أَوْ قَوْلُهُ (فَيَصِحُّ لَقْطُ رَقِيقٍ) خَبَرٌ وَالْفَاءُ زَائِدَةٌ، أَوْ عَلَى تَوَهُّمٍ فِي الْكَلَامِ؛ وَلَكِنْ الْجُمْلَةُ لَا رَابِطَ فِيهَا يَرْبِطُهَا بِالْمُبْتَدَإِ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ تَقْدِيرُهُ رَقِيقٌ مِنْهُ أَيْ الْآدَمِيِّ أَوْ إعَادَةٌ لِلْمُبْتَدَإِ بِمُرَادِفِهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآدَمِيِّ الرَّقِيقُ، وَيُخَيَّرُ فِي هَذَا الرَّقِيقِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ بَيْعِهِ أَوْ إمْسَاكِهِ، وَيَجِبُ التَّعْرِيفُ ثُمَّ إذَا تَمَّ التَّعْرِيفُ تَمَلَّكَ الثَّمَنَ أَوْ اللَّقِيطَ أَوْ أَبْقَى ذَلِكَ لِمَالِكِهِ، وَيَعْرِفُ كَوْنَهُ رَقِيقًا بِعَلَامَةٍ فِيهِ كَعَبِيدِ الْحَبَشَةِ أَوْ الزِّنْجِ وَيَعْرِفُ كَوْنَهَا مَجُوسِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ فِي دَارِ مَجُوسٍ أَوْ بِإِخْبَارِهَا إنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ زَمَنِ الْأَمْنِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ لَقْطُهُ لِأَنَّهُ يَسْتَدِلُّ، فَهُوَ عِلَّةٌ لِهَذَا الْمُقَدَّرِ. وَقَوْلُهُ: " يَسْتَدِلُّ " بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَضَمِيرُهُ " لِلرَّقِيقِ " أَيْ يَسْتَدِلُّ بِالسُّؤَالِ. قَوْلُهُ: (كَالِاقْتِرَاضِ) أَيْ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْأَمَةِ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ إعَارَةَ الْإِمَاءِ لِلْوَطْءِ. قَوْلُهُ: (مِنْ كَسْبِهِ) فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ حُفِظَ لِمَالِكِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ) وَهَلْ لَهُ إيجَارُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ مَعَ وُجُودِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ سم؛ الظَّاهِرُ لَا. قَوْلُهُ: (تَبَرَّعَ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ. قَوْلُهُ: (فَذَاكَ) أَيْ وَاضِحٌ، فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ حُكْمِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَرَادَ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ الرُّجُوعَ. قَوْلُهُ: (أَشْهَدَ) فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ وَلِنُدْرَةِ عَدَمِ الشُّهُودِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا بِيعَ) أَيْ بَعْدَ تَمَلُّكِهِ. قَوْلُهُ: (وَحُكِمَ بِفَسَادِ الْبَيْعِ) وَانْظُرْ مَا حُكْمُ النَّفَقَةِ هَلْ تَضِيعُ عَلَى الْمُنْفِقِ أَوْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ بَعْدَ يَسَارِهِ أَوْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَى الْمُعْتِقِ نَفْسِهِ؟ . اهـ. مَيْدَانِيٌّ. وَقَالَ ع ش: ضَاعَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ. قَوْلُهُ: (مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ) قُيِّدُوا بِالصِّغَارِ لِأَنَّ الْكِبَارَ قَلَّمَا يَسْلَمُ مِنْهَا ضَالَّةٌ لِشِدَّةِ ضَرَاوَتِهَا، شَرْحُ الرَّوْضِ. وَإِضَافَةُ " صِغَارٍ " مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، أَيْ السِّبَاعِ الصِّغَارِ كَذِئْبٍ وَفَهْدٍ وَنَمِرٍ. قَوْلُهُ: وَفَصِيلٍ هُوَ الصَّغِيرُ مِنْ الْإِبِلِ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ لَهُ سَنَةٌ. قَوْلُهُ: (وَالْكَسِيرِ) أَيْ الْعَاجِزِ عَنْ الْمَشْيِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْكَسِيرُ بِفَتْحِ الْكَاف بِوَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ الْمَكْسُورَةُ إحْدَى قَوَائِمِهِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (بِمَفَازَةٍ) أَيْ مَهْلَكَةٍ، فَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ تَفَاؤُلًا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَكَلَهُ) فَيَفْعَلُ مَا فِيهِ الْأَحَظُّ مِنْ الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ قَبْلَ التَّمَلُّكِ. قَوْلُهُ: (وَغُرْمِ ثَمَنِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَغُرْمِ قِيمَتِهِ، كَمَا فِي الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ هُنَا لِعَدَمِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (لِمَالِكِهِ) أَيْ إذَا ظَهَرَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَشْهَدَ) قَالَ سم: وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ إيجَارُهُ وَإِلَّا أَوْجَرَ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ إنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَحِفْظِ الْفَاضِلِ. وَهَلْ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِإِيجَارِهِ مَعَ وُجُودِ الْحَاكِمِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ (وَيُعَرِّفُهَا) أَيْ اللُّقَطَةَ، وَالْأَنْسَبُ وَيُعَرِّفُهُ. وَلَعَلَّهُ عَدَلَ عَنْهُ خَوْفَ رُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلْبَدَلِ أَوْ الثَّمَنِ فَتَأَمَّلْ ق ل؛ أَيْ مَعَ أَنَّ الْمُعَرَّفَ اللُّقَطَةُ لَا الثَّمَنُ. وَمَحَلُّ التَّعْرِيفِ إذَا انْتَقَلَ إلَى الْعُمْرَانِ وَأَمَّا مَا دَامَ فِي الْمَفَازَةِ فَلَا تَعْرِيفَ اهـ عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْعُمْرَانِ) كَالشَّوَارِعِ وَالْمَسَاجِدِ. قَوْلُهُ: (فَلَهُ الْإِمْسَاكُ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَطْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 فِي الْأَحَظِّيَّةِ أَوْلَى مِنْ الثَّانِيَةِ، وَالثَّانِيَةُ أَوْلَى مِنْ الثَّالِثَةِ. وَزَادَ الْمَاوَرْدِيُّ خُصْلَةً رَابِعَةً وَهِيَ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ فِي الْحَالِ لِيَسْتَبْقِيَهُ حَيًّا لِدَرٍّ أَوْ نَسْلٍ قَالَ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَبَاحَ تَمَلُّكَهُ مَعَ اسْتِهْلَاكِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَسْتَبِيحَ تَمَلُّكَهُ مَعَ اسْتِبْقَائِهِ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ، فَأَمَّا غَيْرُهُ كَالْجَحْشِ وَصِغَارِ مَا لَا يُؤْكَلُ فَفِيهِ الْخُصْلَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ حَتَّى يُعَرِّفَهُ سَنَةً عَلَى الْعَادَةِ. (وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي (حَيَوَانٌ يَمْتَنِعُ) مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ كَذِئْبٍ وَنَمِرٍ وَفَهْدٍ (بِنَفْسِهِ) إمَّا بِفَضْلِ قُوَّةٍ كَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَإِمَّا بِشِدَّةِ عَدْوِهِ كَالْأَرَانِبِ وَالظِّبَاءِ الْمَمْلُوكَةِ، وَإِمَّا بِطَيَرَانِهِ كَالْحَمَامِ (فَإِنْ وَجَدَهُ) الْمُلْتَقِطُ (فِي الصَّحْرَاءِ) الْآمِنَةِ وَأَرَادَ أَخْذَهُ لِلتَّمَلُّكِ لَمْ يَجُزْ. وَ (تَرَكَهُ) وُجُوبًا لِأَنَّهُ مَصُونٌ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ أَكْثَرِ السِّبَاعِ مُسْتَغْنٍ بِالرَّعْيِ إلَى أَنْ يَجِدَهُ صَاحِبُهُ لِطَلَبِهِ لَهُ، وَلِأَنَّ طُرُوقَ النَّاسِ فِيهَا لَا يَعُمُّ فَمَنْ أَخَذَهُ لِلتَّمَلُّكِ ضَمِنَهُ وَيَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ بِدَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي لَا بِرَدِّهِ إلَى مَوْضِعِهِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ التَّمَلُّكِ إرَادَةُ أَخْذِهِ لِلْحِفْظِ فَيَجُوزُ لِلْحَاكِمِ وَنُوَّابِهِ وَكَذَا لِلْآحَادِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ لِئَلَّا يَضِيعَ بِأَخْذِ خَائِنٍ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْآمِنَةِ مَا لَوْ كَانَ فِي صَحْرَاءَ زَمَنِ نَهْبٍ فَيَجُوزُ لَقْطُهُ لِلتَّمَلُّكِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَضِيعُ بِامْتِدَادِ الْيَدِ الْخَائِنَةِ إلَيْهِ (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ) بِبَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُمَا كَانَ لَهُ أَخْذُهُ لِلتَّمَلُّكِ وَحِينَئِذٍ (فَهُوَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيَشُقُّ النَّقْلُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعُمْرَانِ. قَوْلُهُ: (وَالْخُصْلَةُ الْأُولَى إلَخْ) مِثْلُهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ لَكِنْ الْخَصْلَةُ الْأُولَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّف هِيَ أَكْلُهُ وَغُرْمُ ثَمَنِهِ وَالْخَصْلَةُ الْأُولَى فِي الْمَنْهَجِ هِيَ تَعْرِيفُهُ ثُمَّ تَمَلُّكُهُ فَهِيَ الثَّانِيَةُ هُنَا فَتَدَافَعَا فِي الْأُولَى مِنْ الْخِصَالِ عِنْدَ اسْتِوَائِهَا فِي الْأَحَظِّيَّةِ تَأَمَّلْ، فَالثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّف أَوْلَى مِنْ الثَّالِثَةِ وَالثَّالِثَةُ أَوْلَى مِنْ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَظْهَرُ رَاغِبٌ يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَتَى الشَّارِحُ بِكَلَامِ غَيْرِهِ سَاهِيًا عَنْ تَرْتِيبِ الْمَتْنِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَقَدْ بَيَّنَ م ر وَجْهَ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَعِبَارَتُهُ: وَالْأُولَى أَوْلَى لِحِفْظِ الْعَيْنِ بِهَا عَلَى مَالِكِهَا، ثُمَّ الثَّانِيَةُ لِتَوَقُّفِ اسْتِبَاحَةِ الثَّمَنِ عَلَى التَّعْرِيفِ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَحَظِّيَّةِ) أَيْ لِلْمَالِكِ. قَوْلُهُ: (فَفِيهِ الْخَصْلَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ) وَهُمَا التَّطَوُّعُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَبَيْعُهُ مَعَ حِفْظِ ثَمَنِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمَلْقُوطُ جَحْشَةً جَازَتْ فِيهَا الْخَصْلَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ أَنْ يُبْقِيَهَا لِنَسْلِهَا ز ي. قَوْلُهُ: (إمَّا بِفَضْلٍ) أَيْ زِيَادَةِ قُوَّةٍ. قَوْلُهُ: (الْمَمْلُوكَةِ) نَعْتٌ لِلْأَرَانِبِ وَالظِّبَاءِ بِأَنْ يَكُونَ فِيهَا عَلَامَةُ الْمِلْكِ كَخَضْبِ جُنَاحٍ وَخَيْطٍ فِي عُنُقٍ، بِخِلَافِ الْمُبَاحَةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا عَلَامَةُ الْمِلْكِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لُقَطَةً بَلْ كُلُّ مَنْ أَخَذَهَا مَلَكَهَا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَتَرَكَهُ) هُوَ بِلَفْظِ الْمَاضِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَقْطُ الْحَيَوَانِ فِي الْمَفَازَةِ وَالْعُمْرَانِ لِلتَّمَلُّكِ وَالْحِفْظِ إلَّا الْمُمْتَنِعَ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ فِي مَفَازَةٍ آمِنَةٍ لِلتَّمَلُّكِ ق ل. قَوْلُهُ: (مُسْتَغْنٍ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ خَبَرٌ ثَانٍ لِأَنَّ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مَصُونٌ. قَوْلُهُ: (إلَى أَنْ يَجِدَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِالرَّعْيِ. وَقَوْلُهُ: " لِطَلَبِهِ " عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: " يَجِدَهُ ". قَوْلُهُ: (بِبَلْدَةٍ) اعْلَمْ أَنَّ الْبَادِيَةَ خِلَافُ الْحَاضِرَةِ وَهِيَ الْعِمَارَةُ، فَإِنْ قَلَّتْ: فَقَرْيَةٌ، أَوْ كَبُرَتْ: فَبَلْدَةٌ، أَوْ عَظُمَتْ: فَمَدِينَةٌ، أَوْ إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَرْعٍ وَخِصْبٍ: فَرِيفٌ. وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: عِمَارَةٌ إنْ صَغُرَتْ فَقَرْيَةٌ ... أَوْ كَبُرَتْ يَا صَاحِبِي فَبَلْدَةٌ أَوْ عَظُمَتْ فَهِيَ مَدِينَةٌ وَمَا ... زَرْعًا حَوَى وَالْخِصْبُ لِلرِّيفِ انْتَمَى وَكُلُّ هَذَا سَمِّهِ بِالْحَاضِرَةِ ... وَمَا عَدَا بَادِيَةٌ مُشْتَهِرَهْ قَوْلُهُ: (أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُمَا) بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ أَنَّهُ فِي مَهْلَكَةٍ شَرْحِ م ر. فَرْعٌ: مِنْ اللُّقَطَةِ أَنْ تُبَدَّلَ نَعْلُهُ بِغَيْرِهَا فَيَأْخُذَهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ اسْتِعْمَالُهَا إلَّا بَعْدَ تَعْرِيفِهَا بِشَرْطِهِ وَهُوَ التَّمَلُّكُ أَوْ تَحَقُّقُ إعْرَاضِ الْمَالِكِ عَنْهَا، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا تَعَمَّدَ أَخْذَ نَعْلِهِ جَازَ لَهُ بَيْعُ ذَلِكَ ظَفَرًا بِشَرْطِهِ وَهُوَ تَعَذُّرُ وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ، ثُمَّ إنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 مُخَيَّرٌ) فِيهِ (بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ) الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا قَرِيبًا (فِيهِ) أَيْ الضَّرْبِ الرَّابِعِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهَا هُنَا وَإِنَّمَا جَازَ أَخْذُ هَذَا الْحَيَوَانِ فِي الْعُمْرَانِ دُونَ الصَّحْرَاءِ الْآمِنَةِ لِلتَّمَلُّكِ لِئَلَّا يَضِيعَ بِامْتِدَادِ الْأَيْدِي الْخَائِنَةِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّحْرَاءِ الْآمِنَةِ فَإِنَّ طُرُوقَ النَّاسِ بِهَا نَادِرٌ. . تَتِمَّةٌ: لَا يَحِلُّ لَقْطُ حَرَمِ مَكَّةَ إلَّا لِحِفْظٍ، فَلَا يَحِلُّ إنْ لَقَطَ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ أَطْلَقَ وَيَجِبُ تَعْرِيفُ مَا الْتَقَطَهُ لِلْحِفْظِ لِخَبَرِ: «إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا» وَيَلْزَمُ اللَّاقِطَ الْإِقَامَةُ لِلتَّعْرِيفِ أَوْ دَفْعُهَا إلَى الْحَاكِمِ، وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ حَرَمَ مَكَّةَ مَثَابَةٌ لِلنَّاسِ يَعُودُونَ إلَيْهِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى، فَرُبَّمَا يَعُودُ مَالِكُهَا مِنْ أَجْلِهَا أَوْ يَبْعَثُ فِي طَلَبِهَا فَكَأَنَّهُ جَعَلَ مَالَهُ بِهِ مَحْفُوظًا عَلَيْهِ كَمَا غَلُظَتْ الدِّيَةُ فِيهِ. وَخَرَجَ بِحَرَمِ مَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَحَرَمِ مَكَّةَ بَلْ هِيَ كَسَائِرِ الْبِلَادِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ، وَلَيْسَتْ لُقَطَةُ عَرَفَةَ وَمُصَلَّى إبْرَاهِيمَ كَلُقَطَةِ الْحَرَمِ. فَصْلٌ: فِي اللَّقِيطِ   [حاشية البجيرمي] وَفَّى بِقَدْرِ حَقِّهِ فَذَاكَ وَإِلَّا ضَاعَ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ كَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ الدُّيُونِ ش ع. قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى وَهِيَ تَمَلُّكُهُ فِي الْحَالِ وَأَكْلُهُ لَا تَأْتِي هُنَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ سم. وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَيْضًا فِيمَا سَبَقَ لِتَقْيِيدِهِ بِالْمَفَازَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا وَجَدَهُ فِي الْعُمْرَانِ فَلَهُ الْخُصْلَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " مُخَيَّرٌ ". قَوْلُهُ: (دُونَ الصَّحْرَاءِ الْآمِنَةِ لِلتَّمَلُّكِ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْهَا لِلتَّمَلُّكِ، فَغَرَضُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُمْرَانِ حَيْثُ جَازَ أَخْذُ الْحَيَوَانِ مِنْهُ لِلتَّمَلُّكِ وَبَيْنَ الصَّحْرَاءِ الْآمِنَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا مِنْهَا لِلتَّمَلُّكِ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَضِيعَ) أَيْ فِي الْعُمْرَانِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الصَّحْرَاءِ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْهَا لِلتَّمَلُّكِ لِأَنَّ طُرُوقَ إلَخْ، فَهُوَ عِلَّةٌ لِهَذَا الْمُقَدَّرِ. وَفِي قَوْلِهِ: بِخِلَافِ الصَّحْرَاءِ " إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِهَا. قَوْلُهُ: (لَا يَحِلُّ لُقَطٌ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ جَمْعُ لُقْطَةٍ بِسُكُونِ الْقَافِ كَغُرْفَةِ وَغُرَفٍ لَا بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ مَصْدَرًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " حَرُمَ " وَقَوْلُهُ: " إلَّا لِحِفْظٍ " لَا يُنَاسِبَانِهِ بَلْ يُنَاسِبَانِ الْمَلْقُوطَ، وَهَذَا لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَصِحُّ كَوْنُهُ مَصْدَرًا وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى " مِنْ ". وَقَوْلُهُ " إلَّا لِحِفْظٍ " أَيْ حِفْظِ الْمَلْقُوطِ، وَيَصِحُّ كَوْنُ اللَّقْطِ بِمَعْنَى الْمَلْقُوطِ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (لِلتَّمَلُّكِ) كَذَا فِي نُسَخٍ، وَاَلَّذِي بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ لِتَمَلُّكٍ بِدُونِ تَعْرِيفٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَطْلَقَ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكًا وَلَا حِفْظًا. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَعْرِيفُ مَا الْتَقَطَهُ لِلْحِفْظِ) يَعْنِي عَلَى الدَّوَامِ وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَلْزَمُهُ الْإِقَامَةُ بِهَا لِلتَّعْرِيفِ أَوْ دَفْعُهَا إلَى الْحَاكِمِ، نَعَمْ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَمَوِّلَةٍ فَيُتَّجَهُ عَدَمُ وُجُوبِ تَعْرِيفِهَا وَجَوَازُ الِاسْتِبْدَادِ بِهَا سم. قَوْلُهُ: (إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا) أَيْ عَلَى الدَّوَامِ، وَإِلَّا فَسَائِرُ الْبِلَادِ كَذَلِكَ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (مَثَابَةً) أَيْ مَرْجِعًا، مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ. وَقَوْلُهُ " فَكَأَنَّهُ " أَيْ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ مَالَهُ أَيْ الْمَالِكِ مَحْفُوظًا عَلَيْهِ، أَيْ لَهُ. قَوْلُهُ: (بَلْ هِيَ) فِي نُسْخَةٍ بَلْ هُوَ وَهِيَ أَنْسَبُ ق ل وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي اللَّقِيطِ] ِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ سُمِّيَ لَقِيطًا وَمَلْقُوطًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُلْقَطُ إلَّا فَهُوَ قَبْلَ اللَّقْطِ لَيْسَ لَقِيطًا وَمَنْبُوذًا بِاعْتِبَارِ أَنْ يُنْبَذَ، وَتَسْمِيَتُهُ بِذَيْنِك أَيْ لَقِيطٍ، وَمَلْقُوطٍ قَبْلَ أَخْذِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَجَازِ الْأَوَّلِ؛ لَكِنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً، وَكَذَا تَسْمِيَتُهُ مَنْبُوذًا أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ بَعْدَهُ أَخَذَهُ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ الْحَقِيقَةِ بِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَقَوْلُهُ " وَدَعِيًّا بِكَسْرِ الدَّالِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَيْ لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَهَذَا بِاعْتِبَارِ آخِرِ أَمْرِهِ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 وَيُسَمَّى مَلْقُوطًا وَمَنْبُوذًا وَدَعِيًّا. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وقَوْله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] . وَأَرْكَانُ اللَّقِيطِ الشَّرْعِيِّ: لَقْطٌ وَلَقِيطٌ وَلَاقِطٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ اللَّقْطُ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا وُجِدَ لَقِيطٌ) أَيْ مَلْقُوطٌ (بِقَارِعَةِ الطَّرِيقِ) أَيْ طَرِيقِ الْبَلَدِ وَغَيْرِهِ (فَأَخْذُهُ وَتَرْبِيَتُهُ) وَهِيَ تَوْلِيَةُ أَمْرِ الطِّفْلِ بِمَا يُصْلِحُهُ (وَكَفَالَتُهُ) وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ حِفْظُهُ وَتَرْبِيَتُهُ (وَاجِبَةٌ) أَيْ فَرْضٌ (عَلَى الْكِفَايَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُحْتَرَمٌ، فَوَجَبَ حِفْظُهُ كَالْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ. وَفَارَقَ اللُّقَطَةَ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَقْطُهَا بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا الِاكْتِسَابُ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ، فَاسْتُغْنِيَ بِذَلِكَ عَنْ الْوُجُوبِ كَالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ فِيهِ وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى اللَّقِيطِ وَإِنْ كَانَ اللَّاقِطُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ، وَفَارَقَ الْإِشْهَادَ عَلَى لَقْطِ اللُّقَطَةِ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الْمَالُ، وَالْإِشْهَادُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ مُسْتَحَبٌّ، وَمِنْ اللَّقِيطِ حِفْظُ حُرِّيَّتِهِ وَنَسَبِهِ، فَوَجَبَ الْإِشْهَادُ كَمَا فِي   [حاشية البجيرمي] الْمَحَلِّيِّ وَدَعِيًّا بِفَتْحِ الدَّالِ بِوَزْنِ بَغِيًّا فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ بِكَسْرِ الدَّالِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ دَعِيٌّ هُوَ الدَّعْوَةُ بِالْكَسْرِ إذَا كَانَ يَدَّعِي الْقَرَابَةَ أَوْ يَدَّعِيهِ غَيْرُ أَبِيهِ فَهُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ عَلَى الثَّانِي وَبِمَعْنَى مَفْعُولٍ عَلَى الْأَوَّلِ فَالْكَسْرُ فِي كَلَامِهِ رَاجِعٌ لِلدَّعْوَةِ لَا لِلدَّاعِي اهـ. قَوْلُهُ: (اللَّقْطُ الشَّرْعِيُّ) دَفَعَ بِهَذَا مَا يَلْزَمُ عَلَى كَلَامِهِ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ رُكْنًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ اللَّقْطَ مِنْ أَرْكَانِ اللَّقْطِ. وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ الَّذِي جُعِلَ رُكْنًا وَهُوَ اللَّقْطُ اللُّغَوِيُّ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْأَخْذِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ اللَّقْطُ الشَّرْعِيُّ. قَوْلُهُ: (فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ " وَإِذَا وُجِدَ إلَخْ " لِأَنَّ الْمَتْنَ ذَكَرَ رُكْنَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ " فَأَخْذُهُ " عِبَارَةٌ عَنْ اللَّقْطِ. قَوْلُهُ: (بِقَارِعَةِ الطَّرِيقِ) وَهِيَ أَعْلَاهُ أَوْ صَدْرُهُ أَوْ مَا بَرَزَ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ هُنَا مُطْلَقُ الطَّرِيقِ أَيْ فَهِيَ مِنْ الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ أَيْ بِقَارِعَةٍ هِيَ الطَّرِيقُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النِّعَالَ تَقْرَعُ فِيهَا. وَالطَّرِيقُ لَيْسَتْ قَيْدًا أَيْضًا بَلْ مِثْلُهَا الْمَسَاجِدُ وَنَحْوُهَا. قَوْلُهُ: (تَوْلِيَةُ أَمْرِ الطِّفْلِ) أَيْ تَعَهُّدُهُ وَالْمُرَادُ بِأَمْرِ الطِّفْلِ حَالُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. قَوْلُهُ: (حِفْظُهُ وَتَرْبِيَتُهُ) فَذِكْرُهَا مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، وَدَفَعَ بِذَلِكَ إرَادَةَ الْحَضَانَةِ لِأَنَّهَا كَفَالَةٌ ق ل. قَوْلُهُ: (فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) أَيْ حَيْثُ عَلِمَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَفَرْضُ عَيْنٍ زِيَادِيٌّ. وَقَوْلُهُ " حَيْثُ عَلِمَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ " أَيْ وَلَوْ فَسَقَةً عَلِمُوهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الِالْتِقَاطُ وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لَهُمْ، أَيْ بِمَعْنَى أَنَّ لِلْغَيْرِ انْتِزَاعَهُ مِنْهُمْ وَلَعَلَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ هَذَا لِعِلْمِهِ مِنْ كَلَامِهِمْ كَمَا قَالَ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: {وَمَنْ أَحْيَاهَا} [المائدة: 32] أَيْ حَفِظَهَا وَصَانَهَا أَيْ النَّفْسَ عَنْ الْهَلَاكِ، أَيْ أَدَامَ إحْيَاءَهَا. وَقَوْلُهُ: {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] بِدَفْعِ الْإِثْمِ عَنْهُمْ إذْ بِإِحْيَائِهَا أَسْقَطَ الْحَرَجَ عَنْ النَّاسِ فَأَحْيَاهُمْ بِالنَّجَاةِ مِنْ الْعَذَابِ زي. قَوْلُهُ: (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الِاكْتِسَابِ. قَوْلُهُ: (بِذَلِكَ) أَيْ الْمَيْلِ. قَوْلُهُ: (كَالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ) أَيْ لَمْ يُوجِبُوا الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَمِيلُ إلَيْهِ، فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ الْوُجُوبِ. أَوْ يُقَالُ: لَمَّا كَانَ الْمُغَلَّبُ فِي النِّكَاحِ مَعْنَى الْوَطْءِ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ لَمْ يُوجِبُوا النِّكَاحَ أَيْ الْعَقْدَ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِمَيْلِ النَّفْسِ إلَيْهِ أَيْ النِّكَاحِ. لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْوَطْءِ زي. قَوْلُهُ: (عَلَى اللَّقِيطِ) الْأَوْلَى عَلَى اللَّقْطِ. وَيُمْكِنُ أَنَّ كَلَامَهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ عَلَى لَقْطِ اللَّقِيطِ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ) أَيْ ثَابِتُهَا بِأَنْ تَكُونَ بَاطِنَةً؛ وَهِيَ مَا ثَبَتَتْ بِقَوْلِ الْمُزَكِّينَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأَنْ تَكُونَ الْعَدَالَةُ ظَاهِرَةً لِأَنَّ هَذَا لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ مَعَهُ وَإِنَّمَا الْمُتَوَهَّمُ عَدَمُ وُجُوبِهِ مَعَ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ الْمَذْكُورَةَ تَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ اهـ ع ش بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ اللَّقِيطِ) أَيْ وَالْغَرَضُ مِنْ اللَّقِيطِ فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ: (حِفْظُ حُرِّيَّتِهِ وَنَسَبِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ اللَّاقِطَ لَوْ لَمْ يَشْهَدْ لَتَوَهَّمَ أَنَّهُ ابْنُ اللَّاقِطِ أَوْ عَبْدُهُ. قَوْلُهُ: (كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 النِّكَاحِ وَبِأَنَّ اللُّقَطَةَ يَشِيعُ أَمْرُهَا بِالتَّعْرِيفِ وَلَا تَعْرِيفَ فِي اللَّقِيطِ. وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ أَيْضًا عَلَى مَا مَعَهُ تَبَعًا وَلِئَلَّا يَتَمَلَّكَهُ، فَلَوْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَجَازَ نَزْعُهُ مِنْهُ قَالَهُ فِي الْوَسِيطِ. وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ فِيمَا ذُكِرَ عَلَى لَاقِطٍ بِنَفْسِهِ، أَمَّا مَنْ سَلَّمَهُ لَهُ الْحَاكِمُ فَالْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَاللَّقِيطُ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ مَنْبُوذٌ لَا كَافِلَ لَهُ مَعْلُومٌ وَلَوْ مُمَيِّزًا لِحَاجَتِهِ إلَى التَّعَهُّدِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ اللَّاقِطُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُقَرُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لَا يُتْرَكُ اللَّقِيطُ (إلَّا فِي يَدِ أَمِينٍ) وَهُوَ الْحُرُّ الرَّشِيدُ الْعَدْلُ وَلَوْ مَسْتُورًا فَلَوْ لَقَطَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ بِهِ رِقٌّ وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ كُفْرٌ أَوْ صِبًا أَوْ جُنُونٌ أَوْ فِسْقٌ لَمْ يَصِحَّ، فَيُنْزَعُ اللَّقِيطُ مِنْهُ لِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ وِلَايَةٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، لَكِنْ لِكَافِرٍ لَقْطُ كَافِرٍ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُوَالَاةِ، فَإِنْ أَذِنَ لِرَقِيقِهِ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ فِي لَقْطِهِ أَوْ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ اللَّاقِطُ وَرَقِيقُهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْبِيَةِ إذْ يَدُهُ كَيَدِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِاسْتِقْلَالِهِ، فَلَا يَكُونُ السَّيِّدُ هُوَ اللَّاقِطُ بَلْ وَلَا هُوَ أَيْضًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَإِنْ قَالَ لَهُ السَّيِّدُ: الْتَقِطْ لِي فَالسَّيِّدُ هُوَ اللَّاقِطُ وَالْمُبَعَّضُ كَالرَّقِيقِ، وَلَوْ ازْدَحَمَ اثْنَانِ أَهْلَانِ لِلَّقْطِ عَلَى لَقِيطٍ قَبْلَ أَخْذِهِ بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَا آخُذُهُ عَيَّنَ الْحَاكِمُ مَنْ يَرَاهُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا أَوْ بَعْدَ أَخْذِهِ قُدِّمَ سَابِقٌ لِسَبْقِهِ، وَإِنْ لَقَطَاهُ مَعًا قُدِّمَ غَنِيٌّ عَلَى فَقِيرٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُوَاسِيهِ بِبَعْضِ مَالِهِ، وَعَدْلٌ بَاطِنًا عَلَى   [حاشية البجيرمي] فِي النِّكَاحِ) يَرْجِعُ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا هَذَا ظَاهِرٌ فِي النَّسَبِ دُونَ الْحُرِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (تَبَعًا) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ إنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ اللُّقَطَةِ فَأَجَابَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ تَبَعًا لِلَّقِيطِ. قَوْلُهُ: (وَجَازَ نَزْعُهُ) أَيْ وَجَبَ لِأَنَّهُ جَوَازٌ بَعْدَ امْتِنَاعٍ فَيَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ أَيْ مَا لَمْ يَتُبْ وَيُشْهِدْ فَيَكُونُ الْتِقَاطًا جَدِيدًا كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ مُصَرِّحًا بِأَنَّ تَرْكَ الْإِشْهَادِ فِسْقٌ م ر. قَوْلُهُ: (فِيمَا ذُكِرَ) وَهُوَ اللَّقِيطُ وَمَا مَعَهُ. قَوْلُهُ: (فَالْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ) لِأَنَّ هَذَا فِي الْغَالِبِ يَشْتَهِرُ أَمْرُهُ. قَوْلُهُ: (مَنْبُوذٌ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَ يَمْشِي. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْمَنْبُوذِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لَا كَافِلَ لَهُ مَعْلُومٌ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَافِلٌ أَصْلًا أَوْ لَهُ كَافِلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ. قَوْلُهُ: (الْعَدْلُ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَةً وَلَمْ يُصِرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ أَوْ أَصَرَّ عَلَيْهَا وَغَلَبَتْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ. وَذَكَرَهُ بَعْدَ الرُّشْدِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرُّشْدِ الْعَدَالَةُ، فَتَفْسِيرُهُ الْأَوْصَافَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَلَوْ فَسَّرَهُ بِحَقِيقَتِهِ وَهِيَ الْعَدْلُ وَذَكَرَ بَعْدَهُ الْوَصْفَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَهُمَا الْحُرُّ الرَّشِيدُ لَكَانَ أَوْلَى اهـ ق ل. وَشَمِلَ الْعَدْلُ عَدْلَ الرِّوَايَةِ فَيَشْمَلُ الْمَرْأَةَ، الْأَوْجَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ اعْتِبَارُ الْبَصَرِ وَعَدَمُ نَحْوِ بَرَصٍ إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ يَتَعَهَّدُ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْحَضَانَةِ، وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَلْتَقِطُ، وَلَوْ كَانَ بِاللَّقِيطِ مَا بِالْمُلْتَقِطِ مِنْ بَرَصٍ وَجُذَامٍ وَغَيْرِهِمَا كَمَا فِي عُيُوبِ النِّكَاحِ. وَسُئِلَ شَيْخُنَا عَمَّا لَوْ تَعَارَضَ الْعَمَى وَالْبَصَرُ كَأَنْ كَانَ الْبَصِيرُ لَا مَالَ لَهُ وَالْأَعْمَى لَهُ مَالٌ مَنْ الْأَوْلَى مِنْهُمَا. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْبَصِيرَ الْفَقِيرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَعْمَى الْغَنِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْغَنِيِّ الْأَعْمَى عَلَى الْبَصِيرِ الْفَقِيرِ اهـ خ ض، أَيْ إذَا كَانَ الْأَعْمَى لَا يَتَعَهَّدُ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِغَيْرِ الْحُرِّ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ بَعْدُ: وَلَيْسَ هُوَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ مُكَاتَبًا. قَوْلُهُ: (وَالْمُبَعَّضُ) عِبَارَةُ م ر: وَلَوْ أَذِنَ لِمُبَعَّضٍ وَلَا مُهَايَأَةَ أَوْ كَانَتْ وَالْتَقَطَ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ فَكَالْقِنِّ، فَإِنْ نَوَى السَّيِّدُ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ، وَإِنْ نَوَى نَفْسَهُ فَلَا يَصِحُّ أَوْ فِي نَوْبَةِ الْمُبَعَّضِ فَبَاطِلٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي اللُّقَطَةِ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ هُنَا جَانِبُ الْوِلَايَةِ وَالرَّقِيقُ وَلَوْ مُبَعَّضًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْمُغَلَّبُ فِي اللُّقَطَةِ جَانِبُ الِاكْتِسَابِ. قَوْلُهُ: (مَنْ يَرَاهُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جَعْلُهُ تَحْتَ يَدِهِمَا مَعًا، وَعَلَيْهِ فَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ جَعْلَهُ تَحْتَ يَدِهِمَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرِ الطِّفْلِ بِتَوَاكُلِهِمَا فِي شَأْنِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَوْ ازْدَحَمَ عَلَيْهِ كَامِلٌ وَنَاقِصٌ كَصَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ اخْتَصَّ بِهِ الْبَالِغُ وَلَا يُشْرِكُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِيهِ، لَكِنْ فِي سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْزِعُ النِّصْفَ مِنْ غَيْرِ الْكَامِلِ وَيَجْعَلَهُ تَحْتَ يَدِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْكَامِلِ الْمُزَاحِمِ لَهُ وَغَيْرِهِ ع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: قَوْلُهُ: " أَهْلَانِ " فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ أَهْلٍ فَهُوَ كَالْعَدَمِ وَيَسْتَقِلُّ الْأَهْلُ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 مَسْتُورٍ احْتِيَاطًا لِلَّقِيطِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. وَلِلَاقِطٍ نَقْلُهُ مِنْ بَادِيَةِ الْقَرْيَةِ وَمِنْهُمَا لِبَلَدٍ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ لَا نَقْلُهُ مِنْ قَرْيَةٍ لِبَادِيَةٍ أَوْ مِنْ بَلَدٍ لِقَرْيَةٍ أَوْ بَادِيَةٍ لِخُشُونَةِ عَيْشِهِمَا وَفَوَاتِ الْعِلْمِ بِالدِّينِ وَالصَّنْعَةِ فِيهِمَا. نَعَمْ لَوْ نَقَلَهُ مِنْ بَلَدٍ أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ لِبَادِيَةٍ قَرِيبَةٍ يَسْهُلُ الْمُرَادُ مِنْهَا، جَازَ عَلَى النَّصِّ. وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: وَلَهُ نَقْلُهُ مِنْ بَادِيَةٍ وَقَرْيَةٍ وَبَلَدٍ لِمِثْلِهِ (فَإِنْ) (وُجِدَ مَعَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (مَالٌ) عَامٌّ كَوَقْفٍ عَلَى اللُّقَطَاءِ أَوْ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ أَوْ خَاصٌّ كَثِيَابٍ عَلَيْهِ أَوْ مَلْبُوسَةٍ لَهُ أَوْ مُغَطًّى بِهَا أَوْ تَحْتَهُ مَفْرُوشَةً وَدَنَانِيرَ عَلَيْهِ أَوْ تَحْتَهُ وَلَوْ مَنْثُورَةً، وَدَارٍ هُوَ فِيهَا وَحْدَهُ وَحِصَّتُهُ مِنْهَا إنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ لَهُ يَدًا وَحِصَّةً   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَ أَخْذِهِ) أَيْ أَخْذِهِمَا لَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ وَتَشَاحَّا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " اسْتَوَيَا " أَيْ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُ الْغِنَى بِغِنَى الزَّكَاةِ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالْفَقِيرِ، وَلَا يُقَدَّمُ عَلَى غَنِيٍّ بَلْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، نَعَمْ يُقَدَّمُ جَوَّادٌ عَلَى بَخِيلٍ. قَوْلُهُ: (أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا) إذْ لَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ قَبْلَ الْقُرْعَةِ انْفَرَدَ بِهِ الْآخَرُ، وَلَيْسَ لِمَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ تَرْكُ حَقِّهِ لِلْآخَرِ كَمَا لَيْسَ لِلْمُنْفَرِدِ تَرْكُ حَقِّهِ إلَى غَيْرِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّوَاكُلِ، وَلَا يُقَدَّمُ مُسْلِمٌ عَلَى كَافِرٍ فِي كَافِرٍ وَلَا رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ وَإِنْ كَانَتْ أَصْبَرَ عَلَى التَّرْبِيَةِ مِنْهُ، إلَّا مُرْضِعَةٌ فِي رَضِيعٍ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُمَا الْبَلَدُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ نَقْلَهُ مِنْ مَحَلٍّ لِمِثْلِهِ أَوْ أَعْلَى لَا دُونَهُ، وَمَحَلُّ جَوَازِ نَقْلِهِ إذَا أَمِنَ الطَّرِيقَ وَالْمَقْصِدَ وَتَوَاصَلَتْ الْأَخْبَارُ وَاخْتُبِرَتْ أَمَانَةُ اللَّاقِطِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَلَا فَرْقَ فِي النَّقْلِ بَيْنَ كَوْنِهِ لِلسُّكْنَى أَوْ غَيْرِهَا كَقَضَاءِ حَاجَةٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّفَرُ بِهِ لِلنُّقْلَةِ أَمْ غَيْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ م ر اهـ. قَوْلُهُ: (لَا نَقْلَهُ مِنْ قَرْيَةٍ لِبَادِيَةٍ) الْبَادِيَةُ خِلَافُ الْحَاضِرَةِ وَهِيَ الْعِمَارَةُ، فَإِنْ قَلَّتْ فَقَرْيَةٌ أَوْ كَبُرَتْ فَبَلْدَةٌ أَوْ عَظُمَتْ فَمَدِينَةٌ أَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَرْعٍ أَوْ خِصْبٍ فَرِيفٌ، وَقِيلَ: الْمَدِينَةُ مَا فِيهَا حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ وَشُرَطِيٌّ وَسُوقٌ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْبَلَدُ مَا فِيهَا بَعْضُ ذَلِكَ وَالْقَرْيَةُ مَا خَلَتْ عَنْ الْجَمِيعِ وَالْبَادِيَةُ خِلَافُ الْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: (لِخُشُونَةِ عَيْشِهِمَا) هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلَّقِيطِ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا مُطَاوَعَتُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ خَشِنَ الْعَيْشِ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا مُقَدَّرَةٌ وَيُمْكِنُهَا إبْدَالُهَا، كَذَا رَأَيْته فِي حَاشِيَةِ الْعَزِيزِيِّ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ وَالتَّفْتِيشِ فَاحْفَظْهُ. اهـ. . قَوْلُهُ: (كَوَقْفٍ عَلَى اللُّقَطَاءِ) أَيْ أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَعَهُ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَمُؤْنَتُهُ فِي مَالِهِ الْعَامِّ كَوَقْفٍ عَلَى اللُّقَطَاءِ أَوْ الْخَاصِّ إلَخْ، فَسَرَى لِلشَّارِحِ مَا ذَكَرَهُ مِنْهُمَا وَيُمْكِنُ عَلَى بُعْدٍ أَنَّ " مَعَ " فِي قَوْلِهِ " مَعَهُ " بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ فَإِنْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ مِلْكًا أَوْ اسْتِحْقَاقًا اهـ قَالَ الزِّيَادِيُّ: لَا يُقَالُ كَيْفَ صَحَّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُودِهِمْ، لِأَنَّا نَقُولُ الْجِهَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَحَقُّقُ الْوُجُودِ بَلْ يَكْفِي إمْكَانُهُ؛ قَالَ سم: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ وَقْفِ اللُّقَطَةِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ سَيِّدٌ أَوْ قَرِيبٌ رَجَعَ عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ حِينَ الْإِنْفَاقِ كَانَ لَقِيطًا فَيَصْرِفُ لَهُ بِشَرْطِ الْوَقْفِ، وَلَوْ وُجِدَ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَهَلْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ مُقَدَّمًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَقْفِ عَلَى اللُّقَطَاءِ أَوْ لَا؟ قَالَ السُّبْكِيُّ: فِيهِ احْتِمَالَانِ أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي لِأَنَّ فَقْرَهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَعَلَّ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّرْفِ إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ تَحَقُّقُهُ بَلْ يَكْفِي ظَاهِرُ الْحَالِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ خَاصٍّ) قَضِيَّةُ كَلَامِهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالْأَوْجَهُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَقْدِيمُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ حُمِلَتْ " أَوْ " فِي كَلَامِهِ عَلَى التَّنْوِيعِ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ شَرْحُ م ر. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَاكِمَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ إمَّا مِنْ مَالِهِ الْعَامِّ أَوْ الْخَاصِّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا الْمُقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُعْلَمُ مِنْ خَارِجٍ أَنَّ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يُنْفِقُ مِنْ الْعَامِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا بِالْحَاجَةِ كَوَقَفْتُ عَلَى اللُّقَطَاءِ الْمُحْتَاجِينَ وَإِلَّا فَيُقَدِّمُ الْخَاصَّ عَلَيْهِ كَمَا فِي س ل. قَوْلُهُ: (كَثِيَابٍ عَلَيْهِ) وَالْمُرَادُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ بِكَوْنِ مَا ذَكَرَ لَهُ صَلَاحِيَتُهُ لِلتَّصَرُّفِ فِيهِ وَدَفْعُ الْمُنَازِعِ لَهُ لَا أَنَّهُ طَرِيقٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ مِلْكِهِ ابْتِدَاءً فَلَا يَسُوغُ لِلْحَاكِمِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ مِلْكُهُ شَرْحُ م ر. وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ أَحَدٌ بِبَيِّنَةٍ سُلِّمَ لِلْمُدَّعِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ مَلْبُوسَةٍ) أَوْ دَابَّةٍ زِمَامُهَا بِيَدِهِ أَوْ مَرْبُوطٍ بِنَحْوِ وَسَطِهِ أَوْ رَاكِبٍ عَلَيْهَا وَمَا عَلَيْهَا تَابِعٌ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَدَارٍ هُوَ فِيهَا وَحْدَهُ) أَيْ لَا تُعْلَمُ لِغَيْرِهِ أَوْ حَانُوتٍ أَوْ بُسْتَانٍ أَوْ خَيْمَةٍ كَذَلِكَ، وَكَذَا قَرْيَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لَكِنْ اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ ثُمَّ بَحَثَ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ، أَيْ إنْ كَانَتْ الْيَدُ غَيْرَ صَالِحَةٍ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 وَاخْتِصَاصًا كَالْبَالِغِ. وَالْأَصْلُ الْحُرِّيَّةُ مَا لَمْ يُعْرَفْ غَيْرُهَا (أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ) أَوْ مَأْذُونُهُ (مِنْهُ) وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ الْمَالُ الْمَدْفُونُ وَلَوْ تَحْتَهُ، أَوْ كَانَ فِيهِ أَوْ مَعَ اللَّقِيطِ رُقْعَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا أَنَّهُ لَهُ فَلَا يَكُونُ مِلْكًا لَهُ كَالْمُكَلَّفِ. نَعَمْ إنْ حَكَمَ بِأَنَّ الْمَكَانَ لَهُ فَهُوَ لَهُ مَعَ الْمَكَانِ وَلَا مَالَ مَوْضُوعٌ بِقُرْبِهِ كَالْبَعِيدِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَوْضُوعِ بِقُرْبِ الْمُكَلَّفِ لِأَنَّ لَهُ رِعَايَةً (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَالٌ) وَلَا عُرِفَ لَهُ مَالٌ (فَنَفَقَتُهُ) حِينَئِذٍ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ أَوْ كَانَ ثَمَّ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، فَإِنْ عَسَرَ الِاقْتِرَاضُ وَجَبَ عَلَى مُوسِرِينَا قَرْضًا بِالْقَافِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ حُرًّا وَإِلَّا فَعَلَى سَيِّدِهِ. وَلِلَاقِطِهِ اسْتِقْلَالٌ بِحِفْظِ مَالِهِ كَحِفْظِهِ، وَإِنَّمَا يُمَوِّنُهُ مِنْهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمَالِ لَا تَثْبُتُ لِغَيْرِ أَبٍ وَجَدٍّ مِنْ الْأَقَارِبِ فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْحَاكِمُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِإِشْهَادٍ فَإِنْ أَنْفَقَ بِدُونِ ذَلِكَ ضَمِنَ. تَتِمَّةٌ: اللَّقِيطُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلدَّارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا، وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ كَافِرٌ بِلَا بَيِّنَةٍ إنْ وُجِدَ بِمَحَلٍّ وَلَوْ بِدَارِ الْكُفْرِ بِهِ مُسْلِمٌ   [حاشية البجيرمي] فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا صَلَحَتْ الْيَدُ حَجّ زي. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ وَدَارٍ هُوَ فِيهَا وَكَذَا فِي قَرْيَةٍ لَا فِي بَابِهِمَا وَلَا فِي بُسْتَانٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالسُّكْنَى فِيهِ، وَإِلَّا فَكَالدَّارِ وَمَا فِي الدَّارِ وَالْبُسْتَانُ تَابِعٌ لَهُمَا مِلْكًا وَعَدَمُهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ فِيهِ) عَطْفٌ عَلَى الْغَايَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَكُونُ مِلْكًا لَهُ) نَعَمْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَ خَيْطٌ بِالدُّفَّيْنِ وَرُبِطَ بِنَحْوِ ثَوْبِهِ قَضَى لَهُ بِهِ، لَا سِيَّمَا إنْ انْضَمَّتْ الرُّقْعَةُ عَلَيْهِ شَرْحِ م ر اهـ. قَوْلُهُ: (كَالْمُكَلَّفِ) أَيْ لَوْ كَانَ تَحْتَ الْمُكَلَّفِ مَالٌ وَمَعَهُ تَشْهَدُ لَهُ بِهِ فَلَا يَكُونُ مِلْكًا لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا مَالٌ) بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى فَاعِلِ خَرَجَ وَلَا زَائِدَةٌ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَالْمَالُ الْمَوْضُوعُ بِقُرْبِهِ. وَهَذَا التَّعْبِيرُ سَرَى لَهُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَنْهَجِ حَيْثُ قَالَ: وَمُؤْنَتُهُ فِي مَالِهِ الْعَامِّ كَوَقْفٍ عَلَى اللُّقَطَاءِ أَوْ الْخَاصِّ كَثِيَابٍ عَلَيْهِ، إلَى أَنْ قَالَ: لَا مَالَ مَدْفُونٌ وَلَا مَوْضُوعٌ بِقُرْبِهِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمَوْضُوعِ بِقُرْبِ الْمُكَلَّفِ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ نَازَعَ هَذَا الْمُكَلَّفَ غَيْرُهُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَلَّفِ وَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ سم. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ لَهُ عَارِيَّةً) أَيْ يَدًا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ ثَمَّ مَا هُوَ أَهَمُّ) أَوْ مَنَعَ مُتَوَلِّيهِ ظُلْمًا زي. قَوْلُهُ: (عَلَى مُوسِرِينَا) أَيْ مُوسِرِي بَلَدِهِ زي أَيْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ امْتَنَعُوا قُوتِلُوا. وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُهُمْ بِمَا يَأْتِي فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ؛ وَقِيلَ: مَنْ يَمْلِكُ مُؤْنَةَ سَنَةٍ فَلَا تُعْتَبَرُ قُدْرَتُهُ بِالْكَسْبِ، وَإِذَا لَزِمَتْهُمْ وَزَّعَهَا الْإِمَامُ عَلَى مَيَاسِيرِ بَلَدِهِ، فَإِنْ شَقَّ فَعَلَى مَنْ يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْهُمْ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي نَظَرِهِ تَخَيَّرَ. وَهَذَا إنْ لَمْ يَبْلُغْ اللَّقِيطُ، فَإِنْ بَلَغَ فَمِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ الْغَارِمِينَ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ سَيِّدٌ أَوْ قَرِيبٌ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ ضَعَّفَهُ فِي الرَّوْضَةِ؛ وَمَا نُوزِعَ بِهِ مِنْ سُقُوطِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَنَحْوِهِ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ يُرَدُّ بِمَا سَيَأْتِي أَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالِاقْتِرَاضِ أَيْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ وَلَا قَرِيبٌ وَلَا سَيِّدٌ وَلَا كَسْبٌ فَالرُّجُوعُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْغَارِمِينَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ اهـ. شَرْحِ م ر وس ل. قَوْلُهُ: (قَرْضًا بِالْقَافِ) أَيْ عَلَى جِهَةِ الْقَرْضِ، فَالنَّصْبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، أَيْ لَا فَرْضًا بِالْفَاءِ وَإِلَّا لَامْتَنَعَ النَّاسُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِهَا هُنَا قَرْضًا وَفِي بَيْتِ الْمَالِ مَجَّانًا بِأَنَّ وَضْعَ بَيْتِ الْمَالِ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ فَلَهُمْ فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ دُونَ الْمَالِ الْمَيَاسِيرِ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (بِإِشْهَادٍ) أَيْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا م ر وُجُوبُهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَقَطْ ق ل وح ل وع ش، أَيْ وَيُصَدَّقُ فِي قَدْرِ الْإِنْفَاقِ إنْ كَانَ لَائِقًا بِهِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا أَذِنَ لِوَالِدِ زَوْجَتِهِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى بِنْتِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَةَ أَنْصَافٍ مِنْ الْفِضَّةِ الْعَدَدِيَّةِ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ ثُمَّ إنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِأَنَّهُ أَنْفَقَ مَا أَذِنَ لَهُ فِي إنْفَاقِهِ وَهُوَ الْخَمْسَةُ أَنْصَافِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِكَوْنِهِمْ شَاهَدُوا الْإِنْفَاقَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيَجُوزُ لَهُمْ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ لِرُؤْيَةِ أَصْلِ النَّفَقَةِ مِنْهُ وَالتَّعْوِيلُ عَلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ فِي أَدَاءِ النَّفَقَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَمَا أُلْحِقَ بِهَا) وَهُوَ دَارُ الْكُفْرِ الَّتِي بِهَا مُسْلِمٌ كَتَاجِرٍ ح ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ كَافِرٌ بِلَا بَيِّنَةٍ إلَخْ) فَيَتْبَعُهُ فِي النَّسَبِ لَا فِي الْكُفْرِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ بِشُبْهَةٍ مِنْ وَطْءِ مُسْلِمَةٍ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كُفْرِ أَبِيهِ كُفْرُهُ إذْ الْفَرْعُ يَتْبَعُ أَشْرَفَ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ م د. وَعِبَارَةُ م ر: لِأَنَّنَا حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ فَلَا نُغَيِّرُهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى كَافِرٍ اهـ. فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً تَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ أَيْضًا ق ل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ غَيْرِ لَقِيطٍ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ تَبَعًا لِأَحَدِ أُصُولِهِ وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَتَبَعًا لِسَابِيهِ الْمُسْلِمِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي السَّبْيِ أَحَدُ أُصُولِهِ لِأَنَّهُ صَارَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ، فَإِنْ كَفَرَ بَعْدَ كَمَالِهِ بِالْبُلُوغِ أَوْ الْإِفَاقَةِ فِي التَّبَعِيَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَمُرْتَدٌّ لِسَبْقِ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ بِخِلَافِهِ فِي التَّبَعِيَّةِ الْأُولَى وَهِيَ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا فَإِنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ لَا مُرْتَدٌّ لِبِنَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ. وَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ ادَّعَى رِقَّهُ لَاقِطٌ أَوْ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ تُقَامَ بِرِقِّهِ بَيِّنَةٌ مُتَعَرِّضَةٌ لِسَبَبِ الْمِلْكِ كَإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ يُقِرُّ بِهِ بَعْدَ كَمَالِهِ. وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَلَمْ يَسْبِقْ إقْرَارُهُ بَعْدَ كَمَالِهِ بِحُرِّيَّتِهِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ فِي تَصَرُّفٍ مَاضٍ مُضِرٍّ بِغَيْرِهِ، فَلَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِرِقٍّ وَبِيَدِهِ مَالٌ قَضَى مِنْهُ وَلَا يَجْعَلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالرِّقِّ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ اُتُّبِعَ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ. أَمَّا التَّصَرُّفُ الْمَاضِي الْمُضِرُّ بِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِدَارِ الْكُفْرِ) الْمُرَادُ بِدَارِ الْكُفْرِ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْكُفَّارُ مِنْ غَيْرِ صُلْحٍ وَلَا جِزْيَةٍ وَلَمْ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا عَدَا دَارِ الْإِسْلَامِ، ابْنُ حَجَرٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إلَّا إنْ وُجِدَ بِهَا مُسْلِمٌ مُقِيمٌ إقَامَةً يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ فِيهَا بِأُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنْ وُجِدَ بِدَارِنَا اكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى الْإِمْكَانِ حَتَّى الْمُرُورِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ فِي صُورَتَيْنِ إذَا اسْتَلْحَقَهُ الْكَافِرُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ بِمَحَلٍّ مَنْسُوبٍ لِلْكُفَّارِ أَصَالَةً لَيْسَ بِهِ مُسْلِمٌ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِهِ مُسْلِمٌ) وَلَوْ أُنْثَى م ر. وَالْجُمْلَةُ نَعْتٌ لِدَارٍ، وَالضَّمِيرُ فِي " بِهِ " رَاجِعٌ لِلدَّارِ لِاكْتِسَابِهَا التَّذْكِيرَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كَانَتْ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا إذْ جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا: إنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِك أَنْتِ، وَقَالَتْ الْأُخْرَى إنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِك. فَتَحَاكَمَا إلَى دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتَاهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَقْسِمْهُ: فَقَالَتْ الصُّغْرَى: لَا يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا. فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاَللَّهِ مَا سَمِعْت بِالسِّكِّينِ قَطُّ إلَّا يَوْمئِذٍ وَمَا كُنَّا نَقُولُ إلَّا الْمُدْيَةُ. وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ جَوَّزَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَلْحِقُ اللَّقِيطَ وَأَنَّهُ يَلْحَقُهَا لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا إذَا اُسْتُلْحِقَتْ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ بِطَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ. وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ يَلْحَقُ الْخَلِيَّةَ دُونَ الْمُزَوَّجَةِ لِتَعَذُّرِ الْإِلْحَاقِ بِهَا دُونَهُ، وَإِذَا قُلْنَا يَلْحَقُهَا بِالِاسْتِلْحَاقِ وَكَانَ لَهَا زَوْجٌ لَمْ يَلْحَقْهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالزَّوْجِ مَنْ هِيَ فِي عِصْمَتِهِ بَلْ كَوْنُهَا فِرَاشًا لِشَخْصٍ لَوْ ثَبَتَ نَسَبُ اللَّقِيطِ مِنْهَا بِالْبَيِّنَةِ لَحِقَ صَاحِبَ الْفِرَاشِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ. وَتَأَمَّلْ فِي قَوْلِ الْمَرْأَةِ لِسُلَيْمَانَ لَا، يَرْحَمُك اللَّهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (صَبِيٌّ) بَدَلٌ. قَوْلُهُ: (تَبَعًا لِأَحَدِ أُصُولِهِ) فَإِنْ قُلْت: إطْلَاقُ ذَلِكَ يَقْتَضِي إسْلَامَ جَمِيعِ الْأَطْفَالِ بِإِسْلَامِ جَدِّهِمْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قُلْت: أَجَابَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي جَدٍّ يُعْرَفُ النَّسَبُ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ. وَبِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ حُكْمٌ جَدِيدٌ أَيْ فَيَقْطَعُ التَّبَعِيَّةَ لِآدَمَ، لِخَبَرِ: «إنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ» . اهـ. زَكَرِيَّا. قَوْلُهُ: (وَتَبَعًا لِسَابِيهِ) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، وَلَوْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَمُسْلِمٌ. قَوْلُهُ: (لِبِنَائِهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ عَلَى ظَاهِرِهَا، أَيْ الدَّارِ. فَإِنْ أَعْرَبَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ تَبَيَّنَّا أَيْ تَبَيَّنَ لَنَا خِلَافُ مَا ظَنَنَّاهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ وَحَكَى الْكُفْرَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ ارْتِدَادًا بِخِلَافِ التَّابِعِ لِأَحَدِ أُصُولِهِ أَوْ السَّابِي فَإِنَّهُ إذَا حَكَى الْكُفْرَ بَعْدَ كَمَالِهِ كَانَ ارْتِدَادًا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ حُرٌّ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ حُرِّيَّةِ اللَّقِيطِ وَرِقِّهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ ادَّعَى رِقَّةً إلَخْ) غَايَةٌ لِأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ أَحْرَارٌ فَهَذَا حُكْمٌ بِالْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (فِي تَصَرُّفٍ) أَيْ فِي حُكْمِ تَصَرُّفٍ مَاضٍ كَعَدَمِ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْمِثَالِ ذَكَرَهُ. وَقَوْلُهُ " مَاضٍ " بِخِلَافِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا التَّصَرُّفُ الْمَاضِي) صُورَتُهُ أَنْ يَقْتُلَ اللَّقِيطُ رَقِيقًا ثُمَّ يُقِرُّ بِالرِّقِّ فَهُوَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ غَيْرُ مُكَافِئٍ لَهُ فَلَا يُقْتَلُ فِيهِ وَبَعْدَ الْإِقْرَارِ مُكَافِئٌ لَهُ فَيُقْتَلُ فِيهِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 وَلَوْ كَانَ اللَّقِيطُ امْرَأَةً مُتَزَوِّجَةً وَلَوْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا وَتُسَلَّمُ لِزَوْجِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَيُسَافِرُ بِهَا زَوْجُهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا وَوَلَدُهَا قَبْلَ إقْرَارِهَا حُرٌّ وَبَعْدَهُ رَقِيقٌ. فَصْلٌ: فِي الْوَدِيعَةِ تُقَالُ عَلَى الْإِيدَاعِ وَعَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِهَا بَعْدَ اللَّقِيطِ ظَاهِرَةٌ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَخَبَرُ «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ   [حاشية البجيرمي] شَرْحِ الرَّوْضِ. وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ لِنَفْسِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ دَعْوَاهُ الرِّقَّ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ وَفِيهِ إضْرَارٌ بِهِ. [فَرْعٌ أَقَرَّتْ حَامِلٌ بِالرِّقِّ] ِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتْبَعَهَا الْحَمْلُ، رَاجِعْهُ م ر سم عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ اللَّقِيطُ امْرَأَةً) هَذَا يَتَفَرَّعُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ إلَخْ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ قَوْلُهُ " أَمَّا التَّصَرُّفُ الْمَاضِي " لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " فَلَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ " فَيَكُونُ الْمُضِرُّ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالزَّوْجِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يُتَوَهَّمُ فِيهِ انْفِسَاخُ النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَنْفَسِخْ) لِأَنَّ انْفِسَاخَهُ يَضُرُّ بِالزَّوْجِ شَرْحُ الرَّوْضِ. أَيْ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ، فِي تَصَرُّفٍ مَاضٍ يَضُرُّ بِغَيْرِهِ، أَيْ وَإِنْ كَانَ فَسْخُهُ مُضِرًّا بِهَا أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَبَعْدَهُ رَقِيقٌ) أَيْ تَبَعًا لَهَا مَمْلُوكٌ لِمَنْ أَقَرَّتْ لَهُ ق ل. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ بِالنَّظَرِ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ إقْرَارَهَا بِالرِّقِّ لَا يُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَبِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ لِلْمَوْتِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا مَاتَ حُكِمَ بِرِقِّهَا بِالنَّظَرِ لِلسَّيِّدِ لِأَصَالَتِهِ بِالنَّظَرِ لِإِقْرَارِهَا، وَعِدَّةُ الرَّقِيقَةِ مَا ذُكِرَ. [فَصْلٌ فِي الْوَدِيعَةِ] هِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَذَكَرَهَا عَقِبَ اللُّقَطَةِ وَمَا بَعْدَهَا لِمُشَارَكَتِهَا لَهُمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ مُعَاوَنَةٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَذَكَرَهَا فِي الْمَنْهَجِ عَقِبَ الْإِيصَاءِ لِأَنَّ الْمُودِعَ جَعَلَ الْوَدِيعَ وَصِيًّا عَلَى الْوَدِيعَةِ مِنْ جِهَةِ حِفْظِهَا وَتَعَهُّدِهَا وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا يُوصَى بِهِ نَدْبًا أَوْ وُجُوبًا وَلِأَنَّ مَالَ الْمَيِّتِ بِلَا وَارِثٍ يَصِيرُ كَالْوَدِيعَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِلْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ تُقَالُ أَيْ تُطْلَقُ عَلَى الْإِيدَاعِ أَيْ شَرْعًا فَقَطْ وَهُوَ الْعَقْدُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَإِلَّا فَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْفِعْلُ وَهُوَ دَفْعُهَا لِلْوَدِيعِ ن ز وَقَوْلُهُ وَعَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ أَيْ شَرْعًا وَلُغَةً وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْمَعْنَيَيْنِ فَمِنْ اسْتِعْمَالِهَا بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ قَوْلُهُ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَقَوْلُهُ وَلَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي وَمِنْ اسْتِعْمَالِهَا بِمَعْنَى الْعَقْدِ قَوْلُهُ وَأَرْكَانُهَا شَيْخُنَا وَالْإِيدَاعُ لُغَةً وَضْعُ الشَّيْءِ عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِهِ لِلْحِفْظِ وَشَرْعًا تَوْكِيلٌ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ لِآخَرَ بِحِفْظِ مَالٍ أَوْ اخْتِصَاصٍ فَخَرَجَ بِتَوْكِيلِ اللُّقَطَةِ وَالْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ الِائْتِمَانَ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَيَتَفَرَّغُ عَلَى كَوْنِهِ تَوْكِيلًا أَنَّ الْإِيدَاعَ عَقْدٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر هِيَ لُغَةً مَا وُضِعَ عِنْدَ غَيْرِ مَالِكِهِ لِحِفْظِهِ وَشَرْعًا الْعَقْدُ الْمُقْتَضِي لِلِاسْتِحْفَاظِ أَوْ الْعَيْنُ الْمُسْتَحْفَظَةُ حَقِيقَةً فِيهِمَا وَتَصِحُّ إرَادَتُهُمَا وَإِرَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ ظَاهِرَةٌ لَعَلَّ وَجْهَهُ سُكُونُهَا تَحْتَ يَدِ الْوَدِيعِ كَمَا أَنَّ اللَّقِيطَ تَحْتَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَرِعَايَتِهِ وَبِخَطِّ الَأُجْهُورِيُّ هُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمَانَةٌ م د وَاللَّقِيطُ يُشْبِهُ الْأَمَانَةَ مِنْ جِهَةِ وُجُوبِ حِفْظِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ حِفْظُهُ قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى إلَخْ فِيهِ أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الرَّدِّ لَا عَلَى الْإِيدَاعِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالرَّدِّ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ الْإِيدَاعِ قَوْلُهُ يَأْمُرُكُمْ إلَخْ أَيْ كُلُّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ أَمَانَةٌ وَطَلَبَهَا مَالِكُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا لَهُ فَالْآيَةُ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 بَلْ ضَرُورَةٌ إلَيْهَا وَأَرْكَانُهَا بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ أَرْبَعَةٌ وَدِيعَةٌ بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ وَصِيغَةٌ وَمُودِعٌ وَوَدِيعٌ وَشُرِطَ فِي الْمُودِعِ وَالْوَدِيعِ مَا مَرَّ فِي مُوَكِّلٍ وَوَكِيلٍ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ اسْتِنَابَةٌ فِي الْحِفْظِ فَلَوْ أَوْدَعَهُ نَحْوَ صَبِيٍّ كَمَجْنُونٍ ضَمِنَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ وَإِنْ أَوْدَعَ شَخْصٌ نَحْوَ صَبِيٍّ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ فَيُشْتَرَطُ اللَّفْظُ مِنْ جَانِبِ   [حاشية البجيرمي] مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي رَدِّ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَنْزِلْ جَوْفَ الْكَعْبَةِ آيَةٌ سِوَاهَا شَرْحُ م ر وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ لَمَّا أَخَذَهُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ ابْنِ بَنِي شَيْبَةَ قَهْرًا وَقَالَ نَحْنُ أَحَقُّ بِسِدَانَتِهَا أَيْ خِدْمَتِهَا مِنْكُمْ وَلَيْسَ فِيهَا دَفْعٌ وَلَا أَخْذٌ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ وَإِنَّمَا فِيهَا الرَّدُّ إلَى الْأَمِينِ لِأَنَّ سَيِّدَنَا عَلِيًّا أَخَذَهُ قَهْرًا مِنْ خَادِمِهَا لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ دُخُولَهَا فَامْتَنَعَ مِنْ إعْطَاءِ الْمِفْتَاحِ لِعَلِيٍّ فَيَكُونُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِأَمَانَةٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ كَانَ عِنْدَهُ كَالْأَمَانَةِ قَوْلُهُ «وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» تَسْمِيَةُ الثَّانِي خِيَانَةً مُشَاكَلَةٌ لِأَنَّ الثَّانِي اسْتِنْصَارٌ وَتَخْلِيصُ حَقٍّ وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَمْرُ الثَّانِي مِمَّا جَوَّزَ الشَّرْعُ الْمُجَازَاةَ بِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُجَوِّزْ الشَّرْعُ الْمُجَازَاةَ بِهِ كَمَنْ زَنَى بِامْرَأَتِك فَزَنَيْت أَنْتَ بِامْرَأَتِهِ فَالْأَوَّلُ خِيَانَةٌ وَالثَّانِي خِيَانَةٌ أَيْضًا فَلَا مُشَاكَلَةَ وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ قَوْلُهُ «وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ فَهُوَ مَجَازٌ أَوْ مَعْنَاهُ لَا تَخُنْ بَعْدَ أَنْ اسْتَنْصَرْت مِنْهُ بِأَخْذِ حَقِّك إذْ مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ لَيْسَ خَائِنًا وَإِنَّمَا الْخَائِنُ مَنْ أَخَذَ غَيْرَ حَقِّهِ أَيْ زِيَادَةً عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَلْ ضَرُورَةٌ أَيْ لِأَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِحِفْظِهَا وَالضَّرُورَةُ الْحَاجَةُ الشَّدِيدَةُ قَوْلُهُ إلَيْهَا أَيْ الْوَدِيعَةِ قَوْلُهُ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ أَيْ الْعَقْدُ لَا بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ وَإِلَّا لَزِمَ عَلَيْهِ كَوْنُ الشَّيْءِ رُكْنًا لِنَفْسِهِ وَأَنَّ الصِّيغَةَ وَمَا بَعْدَهَا تَكُونُ أَرْكَانًا لِلْعَيْنِ الْمُودَعَةِ وَلَا مَعْنَى لَهُ وَإِذَا حُمِلَتْ الْوَدِيعَةُ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ كَانَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ اسْتِخْدَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى قَوْلُهُ مَا مَرَّ فِي مُوَكِّلٍ وَوَكِيلٍ أَيْ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ بِحَيْثُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي الشَّيْءِ الْمُودَعِ وَهَذَا تَقَدَّمَ بِالْمَعْنَى لَا بِاللَّفْظِ فَلَا يُودَعُ كَافِرٌ مُصْحَفًا وَلَا مُسْلِمًا وَلَا مُحْرِمٌ صَيْدًا وَقَالَ شَيْخُنَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَلَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ بَلْ يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ ق ل وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ فَلَا يُودَعُ كَافِرٌ مُصْحَفًا قَالَ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ وَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ ارْتِهَانٌ وَاسْتِيدَاعٌ وَاسْتِعَارَةُ الْمُسْلِمِ وَنَحْوِهِ الْمُصْحَفَ وَبِكَرَاهَةٍ إجَارَةُ عَيْنِهِ وَإِعَارَتِهِ وَإِيدَاعِهِ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِوَضْعِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ عَدْلٍ وَيَنُوبُ عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي قَبْضِ الْمُصْحَفِ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ اهـ قَالَ شَيْخُنَا ز ي وَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى وَضْعِ الْيَدِ وَمَا هُنَاكَ عَلَى الْعَقْدِ اهـ لَكِنْ يُتَأَمَّلُ هَذَا الْجَوَابُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَدِيعَةِ فَإِنَّ الْوَدِيعَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِي حِفْظِهَا اهـ بِحُرُوفِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْقِيتُ الْوَدِيعَةِ وَتَعْلِيقُ إعْطَائِهَا بَعْدَ تَنْجِيزِ عَقْدِهَا كَالْوَكَالَةِ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ نَفْسِ الْوَدِيعَةِ فَلَا يَصِحُّ كَتَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَاسِدًا وَيَجُوزُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُودِعِ وَالْوَدِيعِ أَعْمَى وَيُوَكِّلَانِ فِي الْإِقْبَاضِ وَالْقَبْضِ قَوْلُهُ فَلَوْ أَوْدَعَهُ أَيْ الشَّخْصُ سَوَاءٌ كَانَ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا كَصَبِيٍّ ع ش وَعِبَارَةُ ق ل فَلَوْ أَوْدَعَهُ نَحْوَ صَبِيٍّ إلَخْ إذَا أُودِعَ نَاقِصٌ كَامِلًا فَهُوَ ضَامِنٌ مُطْلَقًا أَوْ عَكْسُهُ فَلَا ضَمَانَ إلَّا بِالْإِتْلَافِ اهـ وَالْكَامِلُ يَضْمَنُ مَا أَخَذَهُ مِنْ نَحْوِ صَبِيٍّ بِأَقْصَى الْقِيَمِ كَالْغَاصِبِ وَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ إلَّا بِالرَّدِّ لِوَلِيِّ أَمْرِهِ نَعَمْ إنْ أَخَذَهُ مِنْهُ خَوْفًا عَلَى تَلَفِهِ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ فَإِنْ رَدَّهُ لِلصَّبِيِّ ضَمِنَ وَلَا يُخَلِّصُهُ إلَّا الرَّدُّ لِوَلِيِّهِ ز ي وسم قَوْلُهُ وَإِنْ أُوْدَعَ شَخْصٌ نَحْوَ صَبِيٍّ هَذِهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُودِعَ كَامِلٌ وَالْوَدِيعَ نَاقِصٌ وَبَقِيَ صُورَةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَامِلًا فَلَا ضَمَانَ إلَّا بِالتَّقْصِيرِ قَوْلُهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى إتْلَافِهِ وَخَرَجَ التَّلَفُ فَلَا يَضْمَنُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهُ لِإِلْغَاءِ الْتِزَامِهِ وَتَلَخَّصَ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ لِأَنَّ الْمُودِعَ إمَّا نَاقِصٌ أَوْ كَامِلٌ وَالْمُودَعَ كَذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُودِعَ كَامِلٌ كَامِلًا فَهِيَ الْوَدِيعَةُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْرِيطِ أَوْ يُودِعَ نَاقِصٌ نَاقِصًا فَيَضْمَنُ بِالتَّلَفِ كَالْإِتْلَافِ أَوْ يُودِعَ كَامِلٌ نَاقِصًا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالْإِتْلَافِ لَا بِالتَّلَفِ أَوْ عَكْسُهُ فَيَضْمَنُ بِالتَّلَفِ كَالْإِتْلَافِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْدَعَ نَاقِصٌ نَاقِصًا لَكِنْ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالتَّلَفِ إنْ لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 الْمُودِعِ وَعَدَمُ الرَّدِّ مِنْ جَانِبِ الْوَدِيعِ نَعَمْ لَوْ قَالَ الْوَدِيعُ أَوْدَعَنِيهِ مَثَلًا فَدَفَعَهُ لَهُ سَاكِتًا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكْفِيَ ذَلِكَ كَالْعَارِيَّةِ وَعَلَيْهِ فَالشَّرْطُ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِهِمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ وَالْإِيجَابُ إمَّا صَرِيحٌ كَأَوْدَعْتُكَ هَذَا أَوْ اسْتَحْفَظْتُكَهُ أَوْ كِنَايَةٌ مَعَ النِّيَّةِ كَخُذْهُ (الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ) أَصَالَةً فِي يَدِ الْوَدِيعِ (يُسْتَحَبُّ) لَهُ (قَبُولُهَا) أَيْ أَخْذُهَا (لِمَنْ قَامَ بِالْأَمَانَةِ فِيهَا) بِأَنْ قَدَرَ عَلَى   [حاشية البجيرمي] يَأْخُذْهَا حِسْبَةً أَيْ احْتِسَابًا وَطَلَبًا لِلْأَجْرِ أَوْ خَوْفًا عَلَيْهَا فَلَا يَضْمَنُ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى وَلِيِّ أَمْرِ النَّاقِصِ وَقَوْلُهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ الصَّوَابُ فَإِنَّمَا بِالْفَاءِ وَإِسْقَاطُهَا سَرَى لَهُ مِنْ قَوْلِ الْمَنْهَجِ وَفِي عَكْسِ ذَلِكَ إنَّمَا يَضْمَنُ إلَخْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُودِعِ وَالْوَدِيعِ إمَّا كَامِلٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُكْرَهٌ أَوْ عَبْدٌ وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ سَبْعَةٍ فِي سَبْعَةٍ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ تَتْلَفَ الْوَدِيعَةُ بِنَفْسِهَا أَوْ يُتْلِفَهَا الْمُودِعُ أَوْ الْوَدِيعُ وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِائَةٌ وَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ قَوْلُهُ مِنْ جَانِبِ الْمُودِعِ إلَخْ لَوْ قَالَ فَيُشْتَرَطُ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَعَدَمُ الرَّدِّ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَكَانَ أَوْلَى وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ ق ل وَمَعَ ذَلِكَ فَالشَّرْطُ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْفِعْلُ أَوْ اللَّفْظُ مِنْ الْآخَرِ وَلَا يَكْفِي السُّكُوتُ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ كَمَا مَرَّ فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِاللَّفْظِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْفِعْلُ مِنْ الْآخَرِ أَوْ بِاللَّفْظِ مِنْهُمَا مَعًا فَلَا يَكْفِي غَيْرُ ذَلِكَ فَلَوْ قَالَ لَهُ احْفَظْ مَتَاعِي فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ لَمْ يَكُنْ وَدِيعًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَبُولٌ بِاللَّفْظِ وَلَا بِالْفِعْلِ وَإِشَارَةُ النَّاطِقِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُنَا وَلَا يَقُومُ أَخْذُ أُجْرَةٍ قِيَامَ الْقَبُولِ وَخَالَفَهُ بَعْضُهُمْ اهـ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَاسْتَحْفَظَ عَلَى حَوَائِجِهِ فَقَبِلَ أَوْ أَعْطَاهُ الْأُجْرَةَ أَوْ قَبَضَ الْعَيْنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ وَإِلَّا فَلَا يُضْمَنُ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْبَوَّابُ فِي الْخَانِ إذَا أَخَذَ الدَّابَّةَ أَوْ الْأُجْرَةَ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي إدْخَالِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ اهـ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَيَكْفِي قَبْضُهُ وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ مَعَ السُّكُوتِ اهـ وَقَوْلُهُ فَيَكْفِي قَبْضُهُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ اهـ وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ فَالشَّرْطُ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا حَمَّلَ دَابَّتَهُ حَطَبًا وَطَلَبَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَنْ يَأْخُذُوهَا مَعَهُمْ إلَى مِصْرَ وَيَبِيعُوا الْحَطَبَ لَهُ فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلُوهَا مِنْهُ فَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَأْتِيَ بِأَقْوَاتِ السَّفَرِ وَيَلْحَقَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَلَمْ يَفْعَلْ ثُمَّ إنَّهُمْ حَضَرُوا بِهَا إلَى مِصْرَ وَتَصَرَّفُوا فِي الْحَطَبِ لِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَوَضَعُوا الدَّابَّةَ عِنْدَ دَوَابِّهِمْ فَضَاعَتْ بِلَا تَقْصِيرٍ وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ اهـ كَيْفَ هَذَا مَعَ وَضْعِ يَدِهِمْ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا لِرَدِّهِمْ لِإِذْنِهِ قَوْلُهُ: (أَمَانَةٌ) أَيْ إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ أَوْ وَكِيلٍ، أَمَّا وَدِيعُهُمَا فَضَامِنٌ زي فَإِذَا كَانَ الْمُودِعُ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا ضَمِنَهَا الْآخِذُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ. وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ بَيْنَ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ. وَفِي الْكَافِي: لَوْ أَوْدَعَهُ بَهِيمَةً وَأَذِنَ لَهُ فِي رُكُوبِهَا أَوْ ثَوْبًا وَأَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهِ فَهُوَ إيدَاعٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهُ؛ فَإِذَا تَلِفَتْ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَالِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَضْمَنْ أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ فَاسِدَةٌ؛ عَزِيزِيٌّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى ابْنِ قَاسِمٍ الْغَزِّيِّ وَالْمُرَادُ الْوَدِيعَةِ هُنَا الْعَيْنُ الْمُودَعَةُ لَا الْعَقْدُ. قَوْلُهُ: (أَصَالَةً) أَيْ فَالْقَصْدُ مِنْهَا الْحِفْظُ، فَإِنْ طَرَأَ فِعْلٌ مُضَمَّنٌ فَعَلَى خِلَافِ وَضْعِهَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ، فَإِنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّوَثُّقُ وَالْأَمَانَةُ فِيهِ تَابِعَةٌ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى الرَّدَّ مِنْ الْوَدِيعِ وَالْمُرْتَهِنِ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَوْ لَا؟ فَفِي الْوَدِيعَةِ يُقْبَلُ لِأَنَّ وَضْعَهَا الْأَمَانَةُ وَفِي الرَّهْنِ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ وَضْعَهُ التَّوَثُّقُ الْمُنَافِي لِلرَّدِّ فَلَا يَصْدُقُ فِيهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَوْ صَدَرَ مِنْهُ أَمْرٌ مُضَمَّنٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الرَّدُّ فَوْرًا لِأَنَّ مَقْصُودَهُ التَّوَثُّقُ لَا الْحِفْظُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فَيَلْزَمُهُ بِالْأَمْرِ الْمُضَمَّنِ الرَّدَّ فَوْرًا لِأَصَالَةِ الْأَمَانَةِ فِيهَا لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْحِفْظُ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ بِالضَّمَانِ وَجَبَ الرَّدُّ فَوْرًا. اهـ. مَدَابِغِيٌّ. قَوْلُهُ: (قَبُولُهَا) أَيْ قَبُولُ إيدَاعِهَا أَوْ أَخْذُهَا أَوْ عَدَمُ رَدِّهَا وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الثَّانِي وَالضَّمِيرُ فِي قَبُولِهَا إلَخْ لِلْوَدِيعَةِ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ أَوْ بِمَعْنَى الْعَيْنِ مَعَ حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ إيدَاعِهَا اهـ ابْنُ قَاسِمٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا: إنَّمَا قَالَ أَيْ أَخْذُهَا لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 حِفْظِهَا وَوَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ فِيهَا، هَذَا إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ أَخْذُهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» فَإِنْ تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا، لَكِنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةِ حِرْزِهِ مَجَّانًا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ بِحَالِهِ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الزَّرْكَشِيّ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْحِفْظِ، وَهُوَ فِي الْحَالِ أَمِينٌ وَلَكِنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَتِهِ بَلْ خَافَ الْخِيَانَةَ مِنْ نَفْسِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كُرِهَ لَهُ قَبُولُهَا خَشْيَةَ الْخِيَانَةِ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ الْحَالَ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: أَحْكَامُ الْوَدِيعَةِ ثَلَاثَةٌ: الْحُكْمُ الْأَوَّلُ الْأَمَانَةُ، وَالْحُكْمُ الثَّانِي الرَّدُّ، وَالْحُكْمُ الثَّالِثُ الْجَوَازُ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَقَدْ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِعَوَارِضَ غَالِبُهَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي) فِي   [حاشية البجيرمي] الْوَدِيعَةَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَمَانَةٌ وَالْعَيْنُ لَا قَبُولَ فِيهَا وَإِنَّمَا الْقَبُولُ فِي الْإِيدَاعِ وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ قَاسِمٍ يَكُونُ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ اسْتِخْدَامٌ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَخْذُهَا) يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْوَدِيعَةِ هُنَا أَحَدُ جُزْأَيْ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ حَتَّى يُرَادَ بِالْقَبُولِ الْجُزْءُ الْآخَرُ مِنْ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ قَدَرَ عَلَى حِفْظِهَا وَوَثِقَ) أَيْ حَالًا وَمَآلًا لَا فِيهِمَا، أَيْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْحِفْظِ وَالْوُثُوقُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ؛ فَالْقُيُودُ ثَلَاثَةٌ، وَقَدْ أَخَذَ الشَّارِحُ مُحْتَرَزَاتِهَا عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ الِاسْتِحْبَابُ. قَوْلُهُ: (مَجَّانًا) وَقَدْ تُؤْخَذُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَاجِبِ كَتَعْلِيمِ الْفَاتِحَةِ وَسَقْيِ اللُّبَا وَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَتَعْلِيمِ نَحْوِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا أَيْ الْوَدِيعَةِ مَعَ دَفْعِ الْأُجْرَةِ لَهُ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الْأُمَنَاءُ الْقَادِرُونَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ: تَعَيَّنَتْ عَلَى مَنْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ زِيَادِيٌّ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَأَلَهُ مِنْهُمْ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّوَاكُلِ فَتَتْلَفَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ) شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ شُرُوطِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ الشَّارِحَ قَيَّدَهُ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ. قَوْلُهُ: (حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا) أَيْ وَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ فَتَكُونُ أَمَانَةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الِاسْتِحْبَابُ، وَقَدْ تَخْرُجُ عَنْهُ إلَى الْوُجُوبِ أَوْ الْحُرْمَةِ أَوْ الْكَرَاهَةِ لِعَوَارِضَ إنْ تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَا غَيْرُهُ وَلَا يُجْبَرُ حِينَئِذٍ عَلَى إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةِ حِرْزِهِ مَجَّانًا أَيْ بِلَا عِوَضٍ، وَتَحْرُمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ، وَتُكْرَهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِمَنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ. هَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمَالِكُ وَإِلَّا فَتُبَاحُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ) أَيْ الرَّشِيدُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ) أَيْ وَلَا كَرَاهَةَ فَتَكُونُ مُبَاحَةً فَتَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الزَّرْكَشِيّ) حَيْثُ قَالَ الْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمَا، أَمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلِإِضَاعَتِهِ مَالَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْمُودَعِ فَلِإِعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَعِلْمُ الْمَالِكِ بِعَجْزِهِ لَا يُبِيحُ لَهُ الْقَبُولَ. قَوْلُهُ: (أَحْكَامُ الْوَدِيعَةِ ثَلَاثَةٌ) الْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ الْأَحْوَالُ وَالصِّفَاتُ وَإِلَّا فَالْمَذْكُورُ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، أَوْ يُرَادُ بِالْأَحْكَامِ اللُّغَوِيَّةِ وَهِيَ النِّسَبُ التَّامَّةُ كَثُبُوتِ الْأَمَانَةِ وَثُبُوتِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ وَثُبُوتِ جَوَازِ الرَّدِّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُودِعِ وَالْوَدِيعِ. قَوْلُهُ: (الْجَوَازُ) أَيْ عَدَمُ لُزُومِهَا مِنْهُمَا، فَلِكُلٍّ فَسْخُهَا. قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْجُمْلَةَ هُنَا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ وَقَعَ لَهُ نُسْخَةٌ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مُكَرَّرَةً، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرٍ أَيْ أَشَارَ بِقَوْلِهِ الْمَارِّ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِعَوَارِضَ) أَيْ ضَمَانِ يَدٍ لَا ضَمَانِ جِنَايَةٍ أَيْ فِي غَيْرِ مِثَالَيْ الشَّارِحِ، فَهُمَا مِنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمَا تَعَدَّى بِهِ وَبِغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي لَا يَضْمَنُ إلَّا بِمَا تَعَدَّى بِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّقْصِيرِ وَعَدَمِهِ وَإِنَّمَا يُفَرَّقُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَجُمْلَةُ الْعَوَارِضِ الْمَذْكُورَةِ عَشَرَةٌ ذَكَرَ الشَّارِحُ سَبْعَةً خَمْسَةٌ أَدْخَلَ عَلَيْهَا كَأَنَّ وَاثْنَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي قَوْلِهِ أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا سَارِقًا، وَذَكَرَ فِي الْمَتْنِ اثْنَيْنِ فِي قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَهَا إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " وَإِذَا طُولِبَ بِهَا إلَخْ " وَقَدْ نَظَمَهَا الدَّمِيرِيُّ فَقَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 تَلَفِهَا كَأَنْ نَقَلَهَا مِنْ مَحَلَّةٍ وَدَارٍ لِأُخْرَى دُونَهَا حِرْزًا، وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ الْمُودِعُ عَنْ نَقْلِهَا لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلتَّلَفِ. نَعَمْ إنْ نَقَلَهَا يَظُنُّ أَنَّهَا مِلْكَهُ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ. وَكَأَنْ يُودِعَهَا غَيْرَهُ وَلَوْ قَاضِيًا بِلَا إذْنٍ مِنْ الْمُودِعِ وَلَا عُذْرَ لَهُ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ، وَلَهُ اسْتِعَانَةٌ بِمَنْ يَحْمِلُهَا لِحِرْزٍ أَوْ يَعْلِفُهَا أَوْ يَسْقِيهَا لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ لِعُذْرٍ كَإِرَادَةِ سَفَرٍ وَمَرَضٍ رَدُّهَا لِمَالِكِهَا أَوْ وَكِيلِهِ فَإِنْ فَقَدَهُمَا رَدَّهَا لِلْقَاضِي، وَعَلَيْهِ أَخْذُهَا   [حاشية البجيرمي] عَوَارِضُ التَّضْمِينِ عَشْرٌ وَدْعُهَا ... وَسَفَرٌ وَنَقْلُهَا وَجَحْدُهَا وَتَرْكُ إيصَاءٍ وَدَفْعُ مُهْلِكِ ... وَمَنْعُ رَدِّهَا وَتَضْيِيعٌ حُكِيَ وَالِانْتِفَاعُ وَكَذَا الْمُخَالَفَهْ ... فِي حِفْظِهَا إنْ لَمْ يَزِدْ مَا خَالَفَهْ أَيْ الَّذِي خَالَفَهُ كَأَنْ قَالَ لَا تَقْفِلْ عَلَيْهِ قُفْلًا فَأَقْفَلَ، وَأَخْصَرُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ق ل: عَوَارِضُهَا عَشْرٌ ضَيَاعُ وَدِيعَةٍ ... وَنَقْلٌ وَجَحْدٌ مَنْعُ رَدٍّ لِمَالِكٍ مُخَالَفَةٌ فِي الْحِفْظِ تَرْكُ وَصِيَّةٍ ... وَسَفَرٌ بِهَا نَفْعٌ بِهَا تَرْكُ هَالِكٍ أَيْ تَرْكُ الْمُهْلِكِ لَهَا وَلَمْ يَدْفَعْهُ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ نَقَلَهَا) أَيْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. قَوْلُهُ: (دُونَهَا حِرْزًا) أَيْ وَقَدْ عَيَّنَ لَهُ الْمُودِعُ الْحِرْزَ الْأَوَّلَ كَمَا فِي م ر، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الزِّيَادِيِّ: قَوْلُهُ دُونَهَا حِرْزًا أَيْ وَلَوْ حِرْزُ مِثْلِهَا اهـ. وَقَالَ أج: قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ نَقَلَهَا مِنْ حِرْزٍ إلَى آخَرَ وَالْأَوَّلُ أَحْرَزُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الضَّمَانُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا نَقَلَهَا إلَى دُونِ حِرْزِهَا أَيْ الْعَيْنَ الْمُودَعَةَ اهـ. وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْمُودِعُ الْحِرْزَ الْأَوَّلَ. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ " دُونَهَا " أَيْ دُونَ الْمَحَلَّةِ أَوْ الدَّارِ أَوْ دُونَ الْوَدِيعَةِ وَهَذَا قَرِيبٌ إلَى كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ) الصَّوَابُ حَذْفُ الْوَاوِ لِأَنَّهُ مَعَ النَّهْيِ يَضْمَنُ بِنَقْلِهَا مُطْلَقًا وَلَوْ إلَى حِرْزِ مِثْلِهَا أَوْ أَحْرَزَ ق ل. وَيُمْكِنُ جَعْلُ الْوَاوِ لِلْحَالِ. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: نَعَمْ إنْ كَانَ الثَّانِي حِرْزَ مِثْلِهَا وَلَمْ يَنْهَهُ الْمَالِكُ فَلَا ضَمَانَ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَضْمَنْ) لِعُذْرِهِ. قَوْلُهُ: (غَيْرَهُ) أَيْ وَلَوْ وَلَدَهُ. أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ عَبْدَهُ. فَرْعٌ: لَوْ أَخَذَ الظَّافِرُ غَيْرَ جِنْسِ حَقِّهِ وَأَوْدَعَهُ إنْسَانًا فَرَدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ لَمْ يَضْمَنْ أَوْ جِنْسِ حَقِّهِ ضَمِنَ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُودِعَ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر: لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ وَلَا يَدِهِ، أَيْ فَيَكُونُ طَرِيقًا فِي ضَمَانِهَا وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِي وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ جَاهِلًا، أَمَّا الْعَالِمُ فَلَا لِأَنَّهُ غَاضِبٌ أَوْ الْأَوَّلَ رَجَعَ عَلَى الثَّانِي إنْ عَلِمَ لَا إنْ جَهِلَ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ اسْتِعَانَةٌ) تَقْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ أَمَانَةِ الْمُسْتَعَانِ بِهِ أَوْ مُبَاشَرَتِهِ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا وَلَمْ يُبَاشِرْهُ ضَمِنَهَا م ر. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهَا مَنْ يَسْقِيَهَا وَهُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ ضَمِنَهَا. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (بِمَنْ يَحْمِلْهَا) وَلَوْ خَفِيفَةً أَمْكَنَهُ حَمْلُهَا بِلَا مَشَقَّةٍ فِيمَا يَظْهَرُ، شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ لِعُذْرٍ) هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ بَلْ مِنْ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (كَإِرَادَةِ سَفَرٍ) وَإِنْ قَصُرَ وَكَانَ مُبَاحًا ز ي. قَوْلُهُ: (وَمَرَضٍ) أَيْ مَخُوفٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَوْ حَبْسٍ لِقَتْلٍ. وَأَلْحَقَ الْأَذْرَعِيُّ بِذَلِكَ كُلَّ حَالَةٍ يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّبَرُّعُ مِنْ الثُّلُثِ كَوُقُوعِ الطَّاعُونِ بِالْبَلَدِ، نَعَمْ الْحَبْسُ لِلْقَتْلِ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ هُنَا لَا ثَمَّ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ آدَمِيٌّ نَاجِزٌ فَاحْتِيطَ لَهُ أَكْثَرَ بِجَعْلِ مُقَدِّمَةِ مَا يُظَنُّ بِهِ الْمَوْتُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ؛ شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَقَدَهُمَا) أَيْ لِغَيْبَتِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَقَالَ م د: لَعَلَّ ضَابِطَ الْفَقْدِ مَسَافَةُ الْعَدْوَى. وَقَالَ م ر. لَا بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَمِثْلُ الْفَقْدِ حَبْسُهُمَا وَلَوْ فِي الْبَلَدِ وَعَسُرَ الْوُصُولُ إلَيْهِمَا. وَتَرْتِيبُ مَا ذُكِرَ وَاجِبٌ، فَلَوْ تُرِكَ ضَمِنَ كَأَنْ رَدَّهَا لِأَمِينٍ مَعَ إمْكَانِهِ لِقَاضٍ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (رَدَّهَا لِلْقَاضِي) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ جَائِزًا كَقُضَاةِ زَمَانِنَا. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَمَتَى تُرِكَ هَذَا التَّرْتِيبُ حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ ضَمِنَ قَالَ الْفَارِقِيُّ إلَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 فَإِنْ فَقَدَهُ رَدَّهَا الْأَمِينُ وَلَا يُكَلَّفُ تَأْخِيرَ السَّفَرِ. وَيُغْنِي عَنْ الرَّدِّ إلَى الْقَاضِي أَوْ الْأَمِينِ الْوَصِيَّةُ بِهَا إلَيْهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ عِنْدَ فَقْدِ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ بَيْنَ رَدِّهَا لِلْقَاضِي وَالْوَصِيَّةِ بِهَا إلَيْهِ، وَعِنْدَ فَقْدِ الْقَاضِي بَيْنَ رَدِّهَا لِلْأَمِينِ وَالْوَصِيَّةِ بِهَا إلَيْهِ. وَالْمُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ بِهَا الْإِعْلَامُ بِهَا، وَالْأَمْرُ بِرَدِّهَا مَعَ وَصْفِهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ أَوْ الْإِشَارَةُ لِعَيْنِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الْإِشْهَادُ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ عَنْ الْغَزَالِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهَا وَلَمْ يُوصِ بِهَا لِمَنْ ذُكِرَ كَمَا ذُكِرَ ضَمِنَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهَا أَوْ الْإِيصَاءِ بِهَا لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ، وَكَأَنْ يَدْفِنَهَا بِمَوْضِعٍ وَيُسَافِرَ وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا أَمِينًا يُرَاقِبُهَا لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلضَّيَاعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْلَمَ بِهَا مَنْ ذَكَرَ لِأَنَّ إعْلَامَهُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ إيدَاعِهِ فَشَرْطُهُ فَقْدُ الْقَاضِي. وَكَأَنْ لَا يَدْفَعَ مُتْلِفَاتِهَا كَتَرْكِ تَهْوِيَةِ ثِيَابٍ صُوفٍ أَوْ تَرْكِ لُبْسِهَا عِنْدَ حَاجَتِهَا لِذَلِكَ وَقَدْ عَلِمَهَا لِأَنَّ الدُّودَ يُفْسِدُهَا بِتَرْكِ ذَلِكَ، وَكُلٌّ مِنْ الْهَوَاءِ وَعُبُوقِ رَائِحَةِ الْآدَمِيِّ بِهَا يَدْفَعُهُ، أَوْ تَرْكِ عَلْفِ   [حاشية البجيرمي] يَضْمَنُ بِالْإِيدَاعِ لِثِقَةٍ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي قَطْعًا لِمَا ظَهَرَ مِنْ فَسَادِ الْحُكَّامِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْوَصِيَّةِ بِهَا إلَيْهِ) أَيْ الْأَحَدِ. وَقَوْلُهُ: " وَالْوَصِيَّةُ بِهَا إلَيْهِ " أَيْ الْأَمِينِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَمْرُ بِرَدِّهَا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ الْإِعْلَامِ ق ل؛ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ رَدَّهَا لِمَالِكِهَا. وَنَظَرَ فِيهِ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إعْلَامِهِ بِهَا أَمْرُهُ بِرَدِّهَا لِمَالِكِهَا مَعَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْإِشَارَةُ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى " وَصْفِهَا ". قَوْلُهُ: (وَمَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ الْوَصِيَّةِ بِهَا. وَقَوْلُهُ: " يَجِبُ الْإِشْهَادُ " ضَعَّفَهُ الْمَرْحُومِيُّ وَاعْتَمَدَ عَدَمَ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ؛ لَكِنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر مِثْلُ الشَّارِحِ. وَقَوْلُهُ " ضَعَّفَهُ الْمَرْحُومِيُّ " أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّدِّ إلَى الْقَاضِي أَوْ الْأَمِينِ، فَإِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَصِيَّةِ لِمَنْ ذُكِرَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وُجُوبًا كَمَا نَقَلَهُ م ر وَنَقَلَهُ عَنْهُ سم، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا ضَعْفَ فِي كَلَامِهِ كَمَا قَالَهُ الْعَزِيزِيُّ وَالْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (لِمَنْ ذُكِرَ) أَيْ لِلْقَاضِي فَالْأَمِينُ. وَقَوْلُهُ " كَمَا ذُكِرَ " أَيْ مِنْ الْبُدَاءَةِ أَوَّلًا بِالْقَاضِي. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) أَيْ إنْ تَلِفَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِرْمَاوِيٌّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَمَحَلُّ الضَّمَانِ أَيْ فِي الْمَرَضِ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَإِيدَاعٍ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالسَّفَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ إلَّا بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ وَلِأَنَّ مُدَّةَ الْمَرَضِ كَإِرَادَةِ السَّفَرِ. قَوْلُهُ: (لِلْفَوَاتِ) أَيْ فَوَاتِهَا عَلَى مَالِكِهَا؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَدَّعِي أَنَّهَا مِنْ مَالِ مُوَرِّثِهِ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ الْيَدِ. قَوْلُهُ: (وَكَأَنْ يَدْفِنَهَا إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " كَأَنْ نَقَلَهَا " وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بِمَوْضِعٍ) أَيْ حِرْزٍ لَهَا اهـ. قَوْلُهُ: (أَمِينًا) أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَظَنُّ الْأَمَانَةِ لَا يَكْفِي لَوْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ ح ل. قَوْلُهُ: (يُرَاقِبُهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرِهِ إيَّاهَا بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلضَّيَاعِ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْقُطَّاعُ فَطَرَحَهَا بِمَضْيَعَةٍ لِيَحْفَظَهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ، وَكَذَا لَوْ دَفَنَهَا خَوْفًا مِنْهُمْ عِنْدَ إقْبَالِهِمْ ثُمَّ ضَلَّ مَوْضِعَهَا؛ إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُ فَتَصِيرَ مَضْمُونَةً عَلَى آخِذِهَا شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْلَمَ بِهَا) اقْتِصَارُهُ عَلَى الْإِعْلَامِ هُنَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْقَلْيُوبِيِّ السَّابِقِ، فَلْيُحَرَّرْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ إعْلَامَهُ) يُفِيدُ أَنَّ السُّكْنَى غَيْرُ قَيْدٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (بِمَنْزِلَةِ إيدَاعِهِ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ ائْتِمَانٌ فَتَكْفِي فِيهِ الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ بِإِشْهَادٍ حَتَّى يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ شَهَادَةً. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ إعْلَامِهِ بِهَا. قَوْلُهُ: (وَكَأَنْ لَا يَدْفَعَ مُتْلِفَاتِهَا) بِكَسْرِ اللَّامِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَقَعَ فِي خِزَانَةِ الْوَدِيعِ حَرِيقٌ فَبَادَرَ لِنَقْلِ أَمْتِعَتِهِ فَاحْتَرَقَتْ الْوَدِيعَةُ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إنْ أَمْكَنَهُ إخْرَاجُ الْكُلِّ دُفْعَةً أَيْ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً لِمِثْلِهِ، أَوْ كَانَتْ فَوْقَ فَنَحَّاهَا وَأَخْرَجَ مَالَهُ الَّذِي تَحْتَهَا وَتَلِفَتْ بِسَبَبِ التَّنْحِيَةِ كَمَا اسْتَوْجَهَهُ ابْنُ حَجَرٍ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا وَدَائِعُ فَبَادَرَ بِنَقْلِ بَعْضِهَا فَاحْتَرَقَ مَا تَأَخَّرَ نَقْلُهُ. اهـ. س ل عَلَى الْمَنْهَجِ. وَمِثْلُهُ ق ل، أَيْ إذَا أَمْكَنَ نَقْلُهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى عَدَمِ التَّمَكُّنِ فِي هَذِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَرَكَ لُبْسَهَا عِنْدَ حَاجَتِهَا لِذَلِكَ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ اللُّبْسِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَإِلَّا ضَمِنَ، وَيُوَجَّهُ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ بِأَنَّ الْأَصْلَ الضَّمَانُ حَتَّى يُوجَدَ صَارِفٌ. وَعِبَارَةُ م ر. وَكَذَا عَلَيْهِ لُبْسُهَا بِنَفْسِهِ إنْ لَاقَ بِهِ عِنْدَ حَاجَتِهَا بِأَنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الدُّودِ بِسَبَبِ عُبُوقِ رِيحِ الْآدَمِيِّ لَهَا، نَعَمْ إنْ لَمْ يَلْقَ بِهِ لُبْسُهَا أَلْبَسَهَا مَنْ يَلِيقُ بِهَذَا الْقَصْدِ قَدْرَ الْحَاجَةِ مَعَ مُلَاحَظَتِهِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ ضَمِنَ مَا لَمْ يَنْهَهُ. نَعَمْ لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهَا كَثَوْبِ حَرِيرٍ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَلْبَسُهُ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِأُجْرَةٍ فَالْأَوْجَهُ الْجَوَازُ، بَلْ الْوُجُوبُ وَلَوْ كَانَتْ الثِّيَابُ كَثِيرَةً بِحَيْثُ يَحْتَاجُ لُبْسُهَا إلَى مُضِيِّ زَمَنٍ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ لَهُ رَفْعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 دَابَّةٍ بِسُكُونِ اللَّامِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ لَا إنْ نَهَاهُ عَنْ التَّهْوِيَةِ وَاللُّبْسِ وَالْعَلْفِ فَلَا يَضْمَنُ لَكِنَّهُ يَعْصِي   [حاشية البجيرمي] الْأَمْرِ لِلْحَاكِمِ لِيَفْرِضَ لَهُ أُجْرَةً فِي مُقَابَلَةِ لُبْسِهَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْذُلَ مَنْفَعَتَهُ مَجَّانًا كَالْحِرْزِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ عَلِمَهَا) أَيْ الثِّيَابَ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْهَا كَأَنْ كَانَتْ فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ فَلَا ضَمَانَ، أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يُعْطِهِ مِفْتَاحَ الْقُفْلِ وَفَتْحُهُ لِذَلِكَ غَيْرُ مُضَمَّنٍ، وَإِنْ نَهَى لِكَرَاهَةِ الِامْتِثَالِ. وَلَا يَحْرُمُ تَرْكُ التَّهْوِيَةِ إذْ لَا رُوحَ، وَإِضَاعَةُ الْمَالِ إنَّمَا تَحْرُمُ إذَا كَانَ سَبَبُهَا فِعْلًا لَا تَرْكًا، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا تَسْيِيرُ الدَّابَّةِ قَدْرًا يَمْنَعُ بِهِ زَمَانَتَهَا. اهـ. ز ي. قَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ أَوْدَعَهُ بَهِيمَةً وَأَذِنَ لَهُ فِي رُكُوبِهَا أَوْ ثَوْبًا وَأَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهِ فَهُوَ إيدَاعٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ، فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَالِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَضْمَنْ أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَ لِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ فَاسِدَةٌ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. فَهُمَا عَقْدَانِ فَاسِدَانِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الدُّودَ) جَمْعُ دُودَةٍ، وَيُجْمَعُ عَلَى دِيدَانٍ بِالْكَسْرِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِتَرْكِ ذَلِكَ) أَيْ التَّهْوِيَةِ وَاللُّبْسِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْهَوَاءِ) بِالْمَدِّ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَصْرِ هَوَى النَّفْسِ بِمَيْلِهَا لِمَا تُحِبُّهُ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَعُبُوقٌ) يُقَالُ عَبِقَ بِمَعْنَى فَاحَ. قَوْلُهُ: (يَدْفَعُهُ) أَيْ الدُّودَ. فَرْعٌ: لَوْ أَوْدَعَ شَخْصٌ عَنْ آخَرَ بُرًّا أَوْ فُولًا فَدَخَلَهُ السُّوسُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِصَاحِبِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ تَوَلَّى بَيْعَهُ وَأَشْهَدَ، وَمَتَى تَرَكَ الْوَدِيعُ شَيْئًا مِمَّا لَزِمَهُ لِجَهْلِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ وَعُذْرٍ لِنَحْوِ بُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَفِي تَضْمِينِهِ وَقْفَةٌ لَكِنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ. اهـ. م ر. فَرْعٌ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: لَوْ رَأَى أَمِينٌ كَوَدِيعٍ وَرَاعٍ مَأْكُولًا تَحْتَ يَدِهِ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ فَذَبَحَهُ جَازَ وَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِلَا كُلْفَةٍ نَظَرٌ وَاسْتَشْهَدَ غَيْرُهُ لِلضَّمَانِ بِقَوْلِ الْأَنْوَارِ وَتَبِعَهُ الْغَزِّيُّ. وَلَوْ أَوْدَعَهُ بُرًّا أَيْ مَثَلًا فَوَقَعَ فِيهَا السُّوسُ لَزِمَهُ الدَّفْعُ عَنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَاعَهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ تَوَلَّى بَيْعَهُ وَأَشْهَدَ. وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يُشْهِدُهُ عَلَى سَبَبِ الذَّبْحِ فَتَرَكَهُ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا لِعُذْرِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ ذَبَحْتهَا لِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ. ثُمَّ رَأَيْته مُصَرِّحًا بِهِ فِيمَا يَأْتِي. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي نَحْوِ لَبِسْتهَا لِدَفْعِ الدُّودِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ قَبُولُهُ، ثُمَّ رَأَيْت مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْخَاتَمِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيهِ بِأَنَّ مَا هُنَا فِيهِ إذْهَابٌ لِعَيْنِهَا الْمَقْصُودَةِ بِالْكُلِّيَّةِ فَاحْتِيطَ لَهُ أَكْثَرَ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا مَرَّ فِي تَعْيِيبِ الْوَصِيِّ لِلْمَالِ خَشْيَةَ ظَالِمٍ، وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَبْحِهَا لَمْ أَجِدْ شُهُودًا عَلَى سَبَبِهِ، وَكَذَا بَعْدَ الْبَيْعِ لِنَحْوِ السُّوسِ احْتِيَاطًا لِإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ. نَعَمْ إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ اُحْتُمِلَ صِدْقُهُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَرْكِ عَلْفِ دَابَّةٍ) أَيْ مُدَّةً يَمُوتُ مِثْلُهَا فِيهَا غَالِبًا بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِنْ مَاتَتْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ بِهَا جُوعٌ سَابِقٌ وَعَلِمَهُ، فَإِنْ كَانَ بِهَا جُوعٌ سَابِقٌ وَعَلِمَهُ فَيَضْمَنُهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْقِسْطَ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي. وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا لَوْ جَوَّعَ إنْسَانًا وَبِهِ جُوعٌ سَابِقٌ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. اهـ. رَمْلِيٌّ زي. وَمِثْلُ الْعَلْفِ السَّقْيُ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: أَوْ تَرَكَ عَلْفَ دَابَّةٍ، أَيْ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهَا فِيهَا غَالِبًا أَوْ دُونَهَا وَبِهَا جُوعٌ سَابِقٌ وَعَلِمَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ أَصْلًا، وَفَارَقَ ضَمَانَ الْقِسْطِ فِي الْجِنَايَاتِ، أَيْ إذَا حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةٌ بِلَا تَنَاوُلِ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَبْسِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْقِسْطَ بِتَعَدِّيهِ، نَعَمْ يَضْمَنُ الْأَرْشَ هُنَا. قَوْلُهُ: (لَا إنْ نَهَاهُ) أَيْ وَكَانَ مَالِكًا لَا وَلِيًّا وَلَا وَكِيلًا وَإِلَّا ضَمِنَ الْوَدِيعُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَخَالَفَ وَلَبِسَهَا أَوْ هَوَّاهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَهَلْ يَضْمَنُ إذَا تَلِفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا لِمَا فِي فِعْلِهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَالِكِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى نَهْيِهِ عَنْهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْإِقْفَالِ فَأَقْفَلَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ عَلْفِهَا لِنَحْوِ تُخَمَةٍ بِهَا لَزِمَهُ الِامْتِثَالُ، فَإِنْ عَلَفَهَا مَعَ بَقَاءِ الْعِلَّةِ ضَمِنَ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعِلَّتِهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (فَلَا يَضْمَنُ) كَمَا لَوْ قَالَ أَتْلِفْ الثِّيَابَ أَوْ الدَّابَّةَ فَفَعَلَ، وَلَوْ أَخْرَجَ الْفَأْرُ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْحِرْزِ لَمْ يَضْمَنْ الْوَدِيعُ، وَإِنْ أَدْخَلَهَا فِي جِدَارِ الْوَدِيعِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَتَسَلَّطْ الْمَالِكُ عَلَى هَدْمِهِ لِأَنَّ مَالِكَ الْجِدَارِ لَمْ يَتَعَدَّ بِإِدْخَالِ مِلْكِ غَيْرِهِ فِي مِلْكِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَالِكُ عَلَفًا عَلَفَهَا مِنْهُ وَإِلَّا رَاجَعَهُ أَوْ وَكِيلَهُ لِيَعْلِفَهَا أَوْ يَسْتَرِدَّهَا، فَإِنْ فَقَدَهُمَا رَاجَعَ الْقَاضِي لِيَقْتَرِضَ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ يُؤَجِّرَهَا أَوْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنْهَا فِي عَلَفِهَا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ. وَكَأَنْ تَلِفَتْ بِمُخَالَفَةِ حِفْظٍ مَأْمُورٍ بِهِ كَقَوْلِهِ: لَا تَرْقُدْ عَلَى الصُّنْدُوقِ الَّذِي فِيهِ الْوَدِيعَةُ فَرَقَدَ وَانْكَسَرَ بِثِقَلِهِ وَتَلِفَ مَا فِيهِ بِانْكِسَارِهِ، لَا إنْ تَلِفَ بِغَيْرِهِ كَسَرِقَةٍ فَلَا يَضْمَنُ، وَلَا إنْ نَهَاهُ عَنْ قُفْلَيْنِ فَأَقْفَلَهُمَا لِأَنَّ رُقَادَهُ وَقَفْلَهُ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْحِفْظِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي وَهُوَ الرَّدُّ بِقَوْلِهِ: (وَقَوْلُ الْمُودَعِ) بِفَتْحِ الدَّالِ (مَقْبُولٌ فِي رَدِّهَا عَلَى الْمُودِعِ) بِكَسْرِهَا بِيَمِينِهِ وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهَا عِنْدَ دَفْعِهَا لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ.   [حاشية البجيرمي] تَعَدَّى نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي دِينَارٍ وَقَعَ بِمِحْبَرَةٍ أَوْ فَصِيلٍ بِبَيْتٍ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِكَسْرِهَا أَوْ هَدْمِهِ يُكْسَرُ وَيُهْدَمُ بِالْأَرْشِ إنْ لَمْ يَتَعَدَّ مَالِكُ الظَّرْفِ وَإِلَّا فَلَا أَرْشَ اَ هـ م ر. وَقَوْلُهُ: " أَوْ هَدْمِهِ " يُكْسَرُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُفْتَى بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْفَصِيلِ وَالدِّينَارِ: إنْ هَدَمْت الْبَيْتَ وَكَسَرْت الدَّوَاةَ غَرِمْت الْأَرْشَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ إتْلَافُ مَالِهِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ يَعْصِي فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ) نَعَمْ إنْ كَانَ لِعِلَّةٍ بِهَا تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الْإِطْعَامِ كَقُولَنْجَ بِرَقِيقٍ فَلَا حُرْمَةَ، وَإِذَا أَطْعَمَهُ وَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فَمَاتَ نُظِرَ، فَإِنْ عَلِمَ بِهَا ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (لِيَقْتَرِضَ عَلَى الْمَالِكِ) فَإِنْ عَجَزَ الْقَاضِي بِأَنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ اقْتِرَاضٌ وَلَا إجَارَةٌ بَاعَ بَعْضَهَا أَوْ كُلَّهَا بِالْمَصْلَحَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَاَلَّذِي يُنْفِقُهُ عَلَى الْمَالِكِ هُوَ الَّذِي يَحْفَظُهَا مِنْ التَّعْيِيبِ لَا الَّذِي يُسَمِّنُهَا، وَلَوْ كَانَتْ سَمِينَةً عِنْدَ الْإِيدَاعِ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ عَلْفُهَا بِمَا يَحْفَظُ نَقْصَهَا عَنْ عَيْبٍ يُنْقِصُ قِيمَتَهَا. وَلَوْ فَقَدْ الْحَاكِمُ أَنْفَقَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا رُجُوعَ فِي الْأَوْجَهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَتْ رَاعِيَةً فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَسْرِيحِهَا مَعَ ثِقَةٍ، فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا لَمْ يَرْجِعْ أَيْ إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ مَنْ يُسَرِّحُهَا مَعَهُ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَيْ الْوَدِيعِ نَحْوُ الْبَيْعِ أَوْ الْإِيجَارِ أَوْ الِاقْتِرَاضِ كَالْحَاكِمِ، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا إلَّا بِذَلِكَ اهـ شَرْحُ م ر. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: رَاجَعَ الْقَاضِي فَإِنْ فَقَدَهُ أَنْفَقَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ أَشْهَدَ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا نَوَى الرُّجُوعَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي نِيَّةُ الرُّجُوعِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِشْهَادُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ يُؤَجِّرُهَا إلَخْ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ فَيَفْعَلُ الْأَصْلَحَ اهـ أج. قَوْلُهُ: (أَوْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنْهَا فِي عَلْفِهَا) أَيْ إنْ رَأَى مَنْ يَشْتَرِيهِ وَلَمْ تَسْتَغْرِقْ نَفْسَهَا بِأَنْ رَجَا حُضُورَ مَالِكِهَا عَنْ قُرْبٍ، وَإِلَّا بَاعَهَا كُلَّهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى الصُّنْدُوقِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَقَدْ يُفْتَحُ. وَلَوْ أَمَرَهُ بِالرُّقَادِ أَمَامَهُ فَرَقَدَ فَوْقَهُ فَسُرِقَ مِنْ أَمَامِهِ ضَمِنَهُ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَانْكَسَرَ بِثِقَلِهِ) أَيْ فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّاقِدَ ثَقِيلٌ وَأَنَّ خَشَبَ الصُّنْدُوقِ رَقِيقٌ جِدًّا وَأَنَّ الصُّنْدُوقَ مُشْتَمِلٌ عَلَى نَحْوِ زُجَاجٍ مِمَّا يَنْكَسِرُ بِالثِّقَلِ الْمَذْكُورِ اهـ. خ ض. قَوْلُهُ: (وَتَلِفَ مَا فِيهِ بِانْكِسَارِهِ) أَيْ فَيَضْمَنُ، وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ الضَّمَانِ إذَا لَمْ يَتْلَفْ سم. قَوْلُهُ: (وَلَا إنْ نَهَاهُ إلَخْ) أَيْ وَكَذَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ قَفْلٍ فَأَقْفَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقِيلَ يَضْمَنُ لِأَنَّ فِيهِ إغْرَاءَ السَّارِقِ عَلَى السَّرِقَةِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (فَأَقْفَلَهُمَا) فَلَوْ لَمْ يُقْفِلْ عَلَيْهِ أَصْلًا هَلْ يَضْمَنُ لِأَنَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ الْقَفْلُ مَأْمُورًا بِهِ أَوَّلًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الضَّمَانِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرَّدُّ) أَيْ حُكْمُ الرَّدِّ، وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْمُودِعِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ الْمُودَعِ) قَيْدٌ أَوَّلُ وَقَوْلُهُ عَلَى الْمُودِعِ قَيْدٌ ثَانٍ، وَقَدْ أَخَذَ الشَّارِحُ مُحْتَرَزًا عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ. قَوْلُهُ: (فِي رَدِّهَا) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى التَّخْلِيَةَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ التَّخْلِيَةَ، فَلَوْ قَالَ: خَلَّيْت بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِكِ فَأَخَذَهَا قُبِلَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ رَدَدْتهَا عَلَى الْمَالِكِ بِنَفْسِي أَوْ بِوَكِيلِي؛ هَكَذَا فِي حَوَاشِي الْبَكْرِيّ عَلَى الرَّوْضَةِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِيَمِينِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَقْبُولٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ إلَخْ) عِبَارَةُ سم: وَإِنْ تَشَهَّدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الدَّفْعِ أَوْ وَقَعَ النِّزَاعُ مَعَ وَارِثِهِ بِأَنْ ادَّعَى الْوَارِثُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ رَدَّهَا لِمَالِكِهَا فَأَنْكَرَ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْيَمِينِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَانْدَفَعَتْ الْمُطَالَبَةُ بِيَمِينِهِ اهـ. وَسُئِلَ م ر عَمَّنْ دَفَعَ لِآخَرَ مَبْلَغًا بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ هَلْ هُوَ قَرْضٌ أَوْ وَدِيعَةٌ ثُمَّ إنَّهُ دَفَعَ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ لِصَاحِبِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ فَأُجَاب بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَالِكِ الْمُدَّعِي الْقَرْضَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَجْرِي فِي كُلِّ أَمِينٍ كَوَكِيلٍ وَشَرِيكٍ وَعَامِلِ قِرَاضٍ وَجَابٍ فِي رَدِّ مَا جَبَاهُ عَلَى الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ لِلْجِبَايَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. وَضَابِطُ الَّذِي يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الرَّدِّ هُوَ كُلُّ أَمِينٍ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، إلَّا الْمُرْتَهِنُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فَإِنَّهُمَا لَا يَصْدُقَانِ فِي الرَّدِّ لِأَنَّهُمَا أَخَذَا الْعَيْنَ لِغَرَضِ أَنْفُسِهِمَا، فَإِنْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَوَارِثِ الْمَالِكِ، أَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُودَعِ بِفَتْحِ الدَّالِ رَدَّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمَالِكِ، أَوْ أَوْدَعَ الْمُودِعُ عِنْدَ سَفَرِهِ أَمِينًا فَادَّعَى الْأَمِينُ الرَّدّ عَلَى الْمَالِكِ، طُولِبَ كُلٌّ مِمَّنْ ذَكَرَ بِبَيِّنَةٍ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ ذُكِرَ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الرَّدِّ وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ. (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْوَدِيعِ (أَنْ يَحْفَظَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ لِمَالِكِهِ أَوْ وَارِثِهِ (فِي حِرْزِ مِثْلِهَا) فَإِنْ أَخَّرَ إحْرَازَهَا مَعَ التَّمَكُّنِ أَوْ دَلَّ   [حاشية البجيرمي] بِيَمِينِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيُصَدَّقُ فِي عَدَمِ رَدِّهِ عَلَيْهِ اهـ. وَالْحُكْمُ بِأَنَّهُ قَرْضٌ مِنْ غَيْرِ صِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ بَعِيدٌ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَتَى بِصِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ لِلْجِبَايَةِ) خَرَجَ بِهِ رَدُّهُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ وَعَلَى الْوَاقِفِ الَّذِي لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّ مَا جَبَاهُ عَلَيْهِمْ أَيْ دَفَعَهُ لَهُمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَأْجِرُ) بِخِلَافِ الْأَجِيرِ لِلْخِيَاطَةِ أَوْ لِلصَّبْغِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهِ عَلَى الْمَالِكِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ فِي الرَّدِّ) وَإِنْ صُدِّقَا فِي التَّلَفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، بَلْ التَّصْدِيقُ فِي التَّلَفِ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَمِينِ بَلْ يَجْرِي فِي غَيْرِهِ كَالْغَاصِبِ لَكِنَّهُ يَغْرَمُ الْبَدَلَ اهـ سم. وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَنْ ادَّعَى التَّلَفَ صُدِّقَ وَلَوْ غَاصِبًا وَمَنْ ادَّعَى الرَّدَّ، فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ يَدُ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَامِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ كَانَ أَمِينًا ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ فَكَذَلِكَ أَوْ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إلَّا الْمُكْتَرِي وَالْمُرْتَهِنِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر، وَهُوَ ضَابِطٌ حَسَنٌ فَاحْفَظْهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ) مُحْتَرَزُ الثَّانِي. وَقَوْلُهُ: " أَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُودَعِ " مُحْتَرَزُ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ ذُكِرَ) هُوَ الرَّدُّ عَلَى وَارِثِ الْمَالِكِ وَوَارِثُ الْمُودَعِ وَالْأَمِينِ. وَقَوْلُهُ: " عَلَى مَنْ ذُكِرَ " هُوَ وَارِثُ الْمَالِكِ فِي الْأُولَى وَالْمَالِكُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَهَا) هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحُكْمِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ بَلْ مِنْ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَمَانَةُ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَقَوْلُ الْمُودِعِ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَخَّرَ إحْرَازَهَا) التَّأْخِيرُ لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَضَعْهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا ضَمِنَ سَوَاءٌ أَخَّرَ أَوْ لَمْ يُؤَخِّرْ وَكَانَ الْأَوْضَحُ، فَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا إلَخْ. وَلَيْسَ مِنْ الْعُذْرِ فِي تَأْخِيرِ إحْرَازِهَا مَا لَوْ جَرَتْ عَادَتُهُ أَنْ لَا يَذْهَبَ مِنْ حَانُوتِهِ مَثَلًا إلَّا آخِرَ النَّهَارِ وَإِنْ كَانَ حَانُوتُهُ حِرْزًا لَهَا، بِرْمَاوِيٌّ. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ قَالَ لَهُ وَهُوَ فِي حَانُوتِهِ احْمِلْهَا إلَى بَيْتِك لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ فِي الْحَالِ وَيَحْمِلَهَا إلَيْهِ، فَلَوْ تَرَكَهَا فِي حَانُوتِهِ وَلَمْ يَحْمِلْهَا إلَى الْبَيْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ ضَمِنَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَلَا اعْتِبَارَ بِعَادَتِهِ لِأَنَّهُ وَرَّطَ نَفْسَهُ بِقَبُولِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ خَسِيسَةً أَمْ لَا اهـ. وَلَوْ أَوْدَعَهُ دَرَاهِمَ فِي سُوقٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ كَيْفِيَّةَ حِفْظِهَا فَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ وَأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ أَوْ حَفِظَهَا فِي جَيْبِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ بِلَا رَبْطٍ فِي كُمِّهِ وَأَخَذَهَا غَاصِبٌ لَمْ يَضْمَنْ، أَوْ ضَاعَتْ فِي غَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ ضَمِنَ وَلَوْ نَامَ وَمَعَهُ الْوَدِيعَةُ فَضَاعَتْ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ مَنْ يَحْفَظُهَا أَوْ فِي مَحَلٍّ حِرْزٍ لَهَا لَمْ يَضْمَنْ وَإِلَّا ضَمِنَ. اهـ. شَرْحُ م ر. وَلَوْ قَالَ لَهُ: ارْبِطْ الدَّرَاهِمَ، فِي كُمِّك فَأَمْسَكَهَا مُدَّةً فَتَلِفَتْ فَإِنْ ضَاعَتْ بِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ ضَمِنَ، أَوْ بِأَخْذِ غَاصِبٍ فَلَا، وَلَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ بَدَلًا مِنْ الرَّبْطِ فِي الْكُمِّ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إنْ كَانَ الْجَيْبُ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ، أَوْ رَبَطَهَا فِي كُمِّهِ بَدَلًا مِنْ جَعْلِهَا فِي جَيْبِهِ ضَمِنَ إلَّا إنْ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ مَعَ الرَّبْطِ فِي الْكُمِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: اسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مَا إذَا رَبَطَهَا بَيْنَ عَضُدِهِ وَجَنْبِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بَيْنَ ثِيَابِهِ أَحْرَزَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَوْ امْتَثَلَ قَوْلَهُ ارْبِطْهَا فِي كُمِّك فَإِنْ جَعَلَ الْخَيْطَ خَارِجًا فَضَاعَتْ بِأَخْذِ طَرَّارٍ أَيْ شُرْطِيٍّ ضَمِنَ أَوْ بِاسْتِرْسَالٍ فَلَا، وَإِنْ جَعَلَهُ دَاخِلًا فَضَاعَتْ بِاسْتِرْسَالٍ ضَمِنَ أَوْ بِأَخْذِ طَرَّارٍ فَلَا. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى بَيْتِهِ، فَإِنْ رَجَعَ لِبَيْتِهِ لَزِمَهُ إحْرَازُهَا فِيهِ وَلَا يَكُونُ مَا ذُكِرَ حِرْزًا لَهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّ بَيْتَهُ أَحْرَزُ اهـ سم. وَقَوْلُهُ: " إلَّا إنْ كَانَ الْجَيْبُ وَاسِعًا " أَفَادَ بِهِ أَنَّ مَحِلَّ عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 عَلَيْهَا سَارِقًا بِأَنْ عَيَّنَ لَهُ مَكَانَهَا وَضَاعَتْ بِالسَّرِقَةِ، أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ بِأَنْ عَيَّنَ لَهُ مَوْضِعَهَا فَضَاعَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَهَا لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلْحِفْظِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْلَمَ بِهَا غَيْرَهُ. فَلَوْ أَكْرَهَ الْوَدِيعَ ظَالِمٌ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ حَتَّى سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْوَدِيعِ لِتَسْلِيمِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الظَّالِمِ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ إنْكَارُ الْوَدِيعَةِ مِنْ ظَالِمٍ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ إعْلَامِهِ بِهَا جُهْدَهُ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ضَمِنَ وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ حِفْظِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُتَّجَهُ وُجُوبُ الْحَلِفِ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ رَقِيقًا وَالظَّالِمُ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَوْ الْفُجُورَ بِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يُوَرِّيَ فِي يَمِينِهِ إذَا حَلَفَ وَأَمْكَنَهُ التَّوْرِيَةُ وَكَانَ يَعْرِفُهَا لِئَلَّا يَحْلِفَ كَاذِبًا، فَإِنْ لَمْ يُوَرِّ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهَا. فَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ مُكْرَهًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى اعْتِرَافِهِ فَحَلَفَ حَنِثَ لِأَنَّهُ فَدَى الْوَدِيعَةَ بِزَوْجَتِهِ أَوْ رَقِيقِهِ، إنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَسَلَّمَهَا ضَمِنَهَا لِأَنَّهُ   [حاشية البجيرمي] الْجَيْبُ ضَيِّقًا أَوْ وَاسِعًا مَزْرُورًا. وَقَوْلُهُ: " فَإِنْ جَعَلَ الْخَيْطَ خَارِجًا " هَذَا إنْ كَانَ لَهُ ثَوْبٌ فَقَطْ أَوْ جَعَلَهَا فِي الْأَعْلَى، أَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي الثَّوْبِ الْأَسْفَلِ فَلَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ بِأَخْذِ طَرَّارٍ لِأَنَّ فِي الرَّبْطِ خَارِجًا إغْرَاءُ الطَّرَّارِ عَلَيْهَا لِسُهُولَةِ الْقَطْعِ أَوْ الْحَلِّ، عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ. اهـ. حَجّ زي. وَقَوْلُهُ: " أَوْ بِاسْتِرْسَالٍ فَلَا " أَيْ بِأَنْ كَانَتْ ثَقِيلَةً، أَيْ بِأَنْ يُحِسَّ بِهَا إذَا وَقَعَتْ وَإِلَّا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إحْكَامِ الرَّبْطِ بِخِلَافِ الثَّقِيلَةِ. اهـ. ح ل. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَوْ أَرَادَ وَضْعَهَا فِي الْجَيْبِ فَوَضَعَهَا بَيْنَ الثِّيَابِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ فَضَاعَتْ ضَمِنَ، وَلَوْ كَانَ الْجَيْبُ مَثْقُوبًا وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ فَسَقَطَتْ الدَّرَاهِمُ ضَمِنَهَا فِي سم؛ وَلَا فَرْقَ فِي الْجَيْبِ بَيْنَ الَّذِي فِي فَتْحَةِ الْقَمِيصِ وَاَلَّذِي بِجَانِبِهِ أَيْ إنْ غَطَّى بِثَوْبٍ فَوْقَهُ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا) أَيْ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْغَيْرَ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهَا بِخِلَافِهِ هُوَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَالَ حَجّ: وَقَضِيَّةُ ضَمَانِهِ بِمُجَرَّدِ الدَّلَالَةِ إنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِهَا، وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ. لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي تَرْكِ الْعَلَفِ وَتَأْخِيرِ الذَّهَابِ لِلْبَيْتِ عُدْوَانًا بِأَنَّ كُلًّا مِنْ ذَيْنِك سَبَبٌ فِيهِ لِإِذْهَابِ عَيْنِهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ هُنَا فَلَمْ تَدْخُلْ بِهَا فِي ضَمَانِهِ س ل. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر. قَالَ ع ش عَلَيْهِ: قَوْلُهُ " لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ إلَخْ " وَلَا يُنَافِي هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الدَّابَّةَ فِي زَمَنِ الْخَوْفِ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْخَوْفِ، لِأَنَّ إخْرَاجَ الدَّابَّةِ جِنَايَةٌ عَلَيْهَا نَفْسِهَا فَاقْتَضَتْ الضَّمَانَ، بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ فَإِنَّهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ الْوَدِيعَةِ لَا تُعَدُّ جِنَايَةً عَلَيْهَا اهـ. قَوْلُهُ: (مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ) أَيْ يَطْمَعُ فِي مَالِهِ. قَوْلُهُ: (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ مَنْ ذَكَرَ مِنْ السَّارِقِ وَالْمُصَادِرِ، وَقِيلَ: أُفْرِدَ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِهَا مِنْ الْعِلْمِ وَغَيْرُهُ فَاعِلٌ وَهِيَ أَوْلَى، وَمَعْنَاهَا أَنَّ غَيْرَ الْوَدِيعِ عَلِمَ بِهَا مِنْ غَيْرِ إعْلَامِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ فَافْهَمْ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (حَتَّى سَلَّمَهَا إلَيْهِ) أَوْ إلَى شَخْصٍ آخَرَ. وَاحْتَرَزَ بِسَلَّمَهَا إلَيْهِ عَمَّا لَوْ أَخَذَهَا بِنَفْسِهِ قَهْرًا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الظَّالِمِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ إنْكَارُ الْوَدِيعَةِ مِنْ ظَالِمٍ) هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْكَذِبُ، فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ حَرَامٌ؛ وَقَدْ يَجُوزُ كَالزَّوْجَةِ حِفْظًا لِحُسْنِ عِشْرَتِهَا وَكَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيَلْزَمُ الْوَدِيعَ دَفْعُ الظَّالِمِ بِمَا أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْحَلِفِ جَازَ وَكَفَّرَ إنْ كَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ الطَّلَاقِ، نَعَمْ يَتَّجِهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبُ إنْ كَانَ حَيَوَانًا يُرِيدُ قَتْلَهُ أَوْ قِنًّا يُرِيدُ الْفُجُورَ بِهِ اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْحَلِفِ فَقَطْ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِاَللَّهِ فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِي حَلِفِهِ بِأَحَدِهِمَا اخْتِيَارًا لَهُ فَحَنِثَ إذْ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ مَاهِيَّةِ الْحَلِفِ وَالْمَاهِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُوجَدُ إلَّا فِي ضِمْنِ جُزْئِيَّاتِ الْحَلِفِ فَفَرْدٌ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ لَيْسَ مُكْرَهًا عَلَيْهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَالِامْتِنَاعُ) بِالرَّفْعِ أَيْ وَيَجِبُ الِامْتِنَاعُ، وَقَوْلُهُ: " مِنْ إعْلَامِهِ " بِهَا أَيْ بِمَحِلِّهَا شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْإِنْكَارِ وَالِامْتِنَاعِ بِأَنْ يَقُولَ: " وَاَللَّهِ إنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدِي وَلَا أَعْلَمُ بِهَا. قَوْلُهُ: (أَنْ يُوَرِّي) بِأَنْ يَقْصِدَ غَيْرَ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَكَانَ يَعْرِفُهَا) أَيْ التَّوْرِيَةَ وَهِيَ قَصْدُ مَجَازٍ هُجِرَ لَفْظُهُ دُونَ حَقِيقَتِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: عِنْدِي قَمِيصٌ أَيْ غِشَاءُ الْقَلْبِ أَوْ ثَوْبٌ أَيْ رُجُوعٌ مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (مُكْرَهًا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ، فَقَوْلُهُ: " أَوْ عَلَى اعْتِرَافِهِ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى أَحَدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 فَدَى زَوْجَتَهُ أَوْ رَقِيقَهُ بِهَا، وَلَوْ أَعْلَمَ اللُّصُوصَ بِمَكَانِهَا فَضَاعَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلْحِفْظِ لَا إنْ أَعْلَمَهُمْ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَكَانِهَا فَلَا يَضْمَنُ بِذَلِكَ (وَإِذَا طُولِبَ) أَيْ طَلَبَ الْمَالِكُ أَوْ وَارِثَهُ الْوَدِيعَ أَوْ وَارِثَهُ (بِهَا) أَيْ بِرَدِّهَا (لَمْ يُخْرِجْهَا) أَيْ لَمْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا) وَقْتَ طَلَبِهَا (حَتَّى تَلِفَتْ ضَمِنَهَا) بِبَدَلِهَا مِنْ مِثْلٍ إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، أَوْ قِيمَةٍ إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ حَمْلَهَا إلَى مَالِكِهَا، بَلْ يَحْصُلُ بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمَالِكَ الْإِشْهَادَ وَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الدَّفْعِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الدَّفْعِ بِيَمِينِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَبهَا وَكِيلُ الْمُودِعِ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ لِمَالِكِهَا: خُذْ وَدِيعَتَك. لَزِمَهُ أَخْذُهَا كَمَا فِي الْبَيَانِ، وَعَلَى الْمَالِكِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ لِعُذْرٍ كَأَنْ كَانَ فِي جُنْحِ لَيْلٍ الْوَدِيعَةُ فِي خِزَانَةٍ لَا يَتَأَتَّى فَتْحُ بَابِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِصَلَاةٍ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ، أَوْ فِي حَمَّامٍ أَوْ بِأَكْلِ طَعَامٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ.   [حاشية البجيرمي] الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْحَلِفِ أَوْ الِاعْتِرَافِ فَلَيْسَ إكْرَاهًا حَقِيقَةً. قَوْلُهُ: (حَنِثَ) أَيْ لِفَقْدِ شُرُوطِ الْإِكْرَاهِ إذْ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَهَذَا إكْرَاهٌ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الِاعْتِرَافِ بِهَا وَالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ قَوْلُ: (وَسَلَّمَهَا) قَيْدٌ مُضِرٌّ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ق ل، أَيْ لِأَنَّ الِاعْتِرَافَ كَافٍ فِي تَضْمِينِهِ. وَبِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ: تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ ضَمِنَ وَلَوْ مُكْرَهًا لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي إكْرَاهِهِ بِاعْتِرَافِهِ بِهَا وَإِنْ كَانَ لَا إثْمَ فِيهِ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَلَمْ يُسَلِّمْهَا فَلَا ضَمَانَ فَتَأَمَّلْ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَعْلَمُ اللُّصُوصَ) هَذَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ أَعَادَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (الْمَالِكُ) أَيْ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ وَلَوْ كَانَ سَكْرَانًا إلْحَاقًا لَهُ بِالْمُكَلَّفِ. أَمَّا مَالِكٌ حُجِرَ عَلَيْهِ بِنَحْوِ فَلَسٍ أَوْ سَفَهٍ فَلَا يُرَدُّ إلَّا لِوَلِيِّهِ وَإِلَّا ضَمِنَ كَالرَّدِّ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (أَيْ لَمْ يَرُدَّهَا) لَوْ قَالَ: أَيْ لَمْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لَكَانَ مُسْتَقِيمًا؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ. وَلَعَلَّهُ رَاعَى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَلِذَلِكَ احْتَاجَ لِبَيَانِهِ بَعْدَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (ضَمِنَهَا) أَيْ مَعَ الْإِثْمِ لِأَنَّ طَلَبَ الْمَالِكِ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا بِبَقَاءِ الْيَدِ، وَهُوَ ضَمَانُ غَصْبٍ فِي هَذِهِ وَفِي صُوَرِ التَّعَدِّي كُلِّهَا، فَيَضْمَنُ الْوَدِيعُ ضَمَانَ الْغَصْبِ مِنْ وَقْتِ التَّعَدِّي. قَوْلُهُ: (بَلْ يَحْصُلُ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَلْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُخَلِّي بَيْنَهُ) أَيْ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ نَحْوَ خَاتِمٍ أَمَانَةً لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَأَمَرَهُ بِرَدِّهِ بَعْدَ قَضَائِهَا فَتَرَكَهُ فِي حِرْزِهِ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى التَّخْلِيَةِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَتَرَكَهُ) أَيْ مَنْ أَخَذَهُ. وَقَوْلُهُ: " فِي حِرْزِهِ " أَيْ الْخَاتِمِ، أَيْ حِرْزِ مِثْلِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُلْزِمَ الْمَالِكَ الْإِشْهَادَ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَيْ لِلْوَدِيعِ أَنْ يُلْزِمَ الْمَالِكَ بِتَأْخِيرِ أَخْذِهَا حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ ق ل. بِأَنْ يَقُولَ: لَا تَأْخُذْهَا إلَّا إنْ أَشْهَدْت عَلَى أَخْذِهَا مِنِّي. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ إلَخْ) الْغَايَةُ فِيهِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَقَوْلُ الْمُودِعِ إلَخْ، لِلرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ؛ قَالَ فِي الْمِيزَانِ: قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: إنَّهُ إذَا قَبَضَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُودِعَ ائْتَمَنَهُ أَوَّلًا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْخِيَانَةُ بَعْدَ أَنْ اسْتَأْمَنَهُ فَيَدَّعِيَ الرَّدَّ كَذِبًا وَقِلَّةَ دِينٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَكِيلُ الْمُودِعِ) . بِكَسْرِ الدَّالِ، أَيْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالْإِشْهَادِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ) هَذَا مِنْ الْحُكْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْجَوَازُ، فَلَوْ أَخَّرَهُ إلَى قَوْلِهِ الْآتِي الثَّالِثُ الْجَوَازُ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (فِي جُنْحِ لَيْلٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا أَيْ ظُلْمَتِهِ وَاخْتِلَاطِهِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (بِصَلَاةٍ) عِبَارَةُ م ر. بِخِلَافِهِ لِنَحْوِ طُهْرٍ وَصَلَاةٍ وَأَكْلٍ دَخَلَ وَقْتُهَا وَهِيَ بِغَيْرِ مَجْلِسِهِ وَمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ وَلَوْ طَالَ زَمَنُ الْعُذْرِ كَنَذْرِ اعْتِكَافِ شَهْرٍ مُتَتَابِعٍ وَإِحْرَامٍ يَطُولُ زَمَنُهُ، فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَوْكِيلُ أَمِينٍ يَرُدُّهَا إنْ وَجَدَهُ وَإِلَّا بَعَثَ لِلْحَاكِمِ لِيَرُدَّهَا، فَإِنْ تَرَكَ أَحَدَ هَذَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ضَمِنَ اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 الْحُكْمُ الثَّالِثُ الْجَوَازُ فَلِلْمُودِعِ الِاسْتِرْدَادُ وَلِلْوَدِيعِ الرَّدُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ، أَمَّا الْمُودِعُ فَلِأَنَّهُ الْمَالِكُ، وَأَمَّا الْوَدِيعُ فَلِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْحِفْظِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ جَوَازُ الرَّدِّ لِلْوَدِيعِ بِحَالَةٍ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا الْقَبُولُ وَإِلَّا حَرُمَ الرَّدُّ فَإِنْ كَانَ بِحَالَةٍ يُنْدَبُ فِيهَا الْقَبُولُ فَالرَّدُّ خِلَافُ الْأَوْلَى إنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمَالِكُ. وَتَنْفَسِخُ بِمَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْوَكَالَةُ مِنْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ جُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ فِيهَا. خَاتِمَةٌ: لَوْ ادَّعَى الْوَدِيعُ تَلَفَ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سَبَبًا، أَوْ ذَكَرَ لَهُ سَبَبًا خَفِيًّا كَسَرِقَةٍ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعُ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ السَّبَبِ فِي الْأَوْلَى، نَعَمْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ وَإِنْ ذَكَرَ سَبَبًا ظَاهِرًا كَحَرِيقٍ، فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ وَعُمُومُهُ وَلَمْ يُحْتَمَلْ سَلَامَةُ الْوَدِيعَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ يُغْنِيهِ عَنْ الْيَمِينِ، أَمَّا إذَا اُحْتُمِلَ سَلَامَتُهَا بِأَنْ عَمَّ ظَاهِرًا لَا يَقِينًا فَيَحْلِفُ لِاحْتِمَالِ سَلَامَتِهَا فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ دُونَ عُمُومِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ جَهِلَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الظَّاهِرِ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ ثُمَّ يَحْلِفُ عَلَى التَّلَفِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ بِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَى التَّلَفِ بِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى. وَلَوْ أَوْدَعَهُ وَرَقَةً مَكْتُوبًا فِيهَا الْحَقُّ الْمَقَرُّ بِهِ كَمِائَةِ دِينَارٍ وَتَلِفَتْ بِتَقْصِيرِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا مَكْتُوبَةً وَأُجْرَةَ الْكِتَابَةِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَ ثَوْبًا مُطَرَّزًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ التَّطْرِيزِ لِأَنَّ التَّطْرِيزَ يَزِيدُ قِيمَةَ الثَّوْبِ غَالِبًا، وَلَا كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ فَإِنَّهَا قَدْ تُنْقِصُهَا.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (مُتَبَرِّعٌ بِالْحِفْظِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِأُجْرَةٍ لَزِمَتْ، فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (يُنْدَبُ فِيهَا الْقَبُولُ) بِأَنْ كَانَ ثِقَةً قَادِرًا عَلَى حِفْظِهَا وَأَمِنَ الْخِيَانَةَ. قَوْلُهُ: (وَعُمُومُهُ) أَيْ لِلْمَحِلِّ. قَوْلُهُ: (طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ) وَلَوْ وَقَعَتْ دَابَّةٌ فِي مَهْلَكَةٍ وَهِيَ مَعَ رَاعٍ أَوْ وَدِيعٍ فَتَرَكَ تَخْلِيصَهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِلَا كَبِيرِ مَشَقَّةٍ أَوْ ذَبَحَهَا بَعْدَ تَعَذُّرِ تَخْلِيصِهَا فَمَاتَتْ ضَمِنَهَا، وَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَبْحِهَا لِذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا فِي دَعْوَاهُ خَوْفًا أَلْجَأَهُ إلَى إيدَاعِ غَيْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَفِيهِ أَيْضًا؛ وَلَوْ دُفِعَ لَهُ مِفْتَاحُ نَحْوِ بَيْتِهِ فَدَفَعَهُ لِآخَرَ فَفَتَحَ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ حِفْظَ الْمِفْتَاحِ لَا الْمَتَاعِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ الْتَزَمَهُ ضَمِنَهُ اهـ. قَوْلُهُ: " وَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَبْحِهَا لِذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ " قَالَ ع ش عَلَيْهِ: بَقِيَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ رَاعِيًا وَلَا مُودِعًا وَرَأَى نَحْوَ مَأْكُولٍ لِغَيْرِهِ وَقَعَ فِي مَهْلَكَةٍ وَأَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُهُ بِبَيِّنَةٍ بِهِ وَحِفْظُهُ لِمَالِكِهِ وَإِذَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ ذَبْحٍ لَا يَضْمَنُ أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُهُ وَلَهُ تَرْكُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالتَّرْكِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِلْقَطْعِ بِرِضَا مَالِكِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ إتْلَافَ مَالِهِ، لَكِنْ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةِ مَا قَالُوهُ فِي الرَّاعِي، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ اُحْتُمِلَ تَصْدِيقُهُ كَمَا قَالَهُ حَجّ فِي الرَّاعِي، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ مَفْرُوضٌ فِي عَارِفٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْهَلَاكِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَحْلِفُ عَلَى التَّلَفِ) أَيْ بِهِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ. قَوْلُهُ: (مَكْتُوبًا فِيهَا) فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ مَكْتُوبٌ بِالرَّفْعِ وَالصَّوَابُ النَّصْبُ صِفَةً لِوَرَقَةٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالْحَقُّ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِوَرَقَةٍ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ الَّذِينَ يَرْسُمُونَ الْمَنْصُوبَ بِصُورَةِ الْمَرْفُوعِ وَالْمَجْرُورِ. قَوْلُهُ: (مَكْتُوبَةً) حَالٌ أَيْ لَا بَيْضَاءَ لِأَنَّ قِيمَتَهَا مَكْتُوبَةً دُونَ قِيمَتِهَا خَالِيَةً عَنْ الْكِتَابَةِ وَقَدْ جُبِرَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أُجْرَةِ الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: (وَأُجْرَةُ الْكِتَابَةِ) أَيْ الْمُعْتَادَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحُجَجُ الْمَعْرُوفَةُ وَالتَّذَاكِرُ الدِّيوَانِيَّةُ وَنَحْوُهَا؛ وَلَا نَظَرَ لِمَا يَغْرَمُ عَلَى مِثْلِهَا حِينَ أَخَذَهَا لِتَعَدِّي آخِذِيهِ ع ش عَلَى م ر، أَيْ فَلَا عِبْرَةَ بِمَا اُعْتِيدَ فِي مُقَابَلَةِ كِتَابَةِ الْحُجَجِ مِنْ أَخْذِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَلَا يَغْرَمُ الْمُتْلِفُ لِحُجَّةِ تَمَلُّكِ دَارٍ مَثَلًا اشْتَمَلَتْ عَلَى حُكْمِ قَاضٍ قَدْ أَخَذَ فِي نَظِيرِ الْحُكْمِ دَرَاهِمَ وَإِنْ جَازَ لَهُ أَخْذُهَا ضَمَانَ مَا أَخَذَهُ الْقَاضِي، بَلْ أُجْرَةُ مِثْلِ كِتَابَةِ تِلْكَ الْوَرَقَةِ فَقَطْ مَعَ قِيمَةِ الْوَرَقَةِ مَكْتُوبَةً كَمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ جَازَ لَهُ أَخْذُهَا " وَمَحَلُّ جَوَازِ أَخْذِهِ إذَا كَانَ مَا يَأْخُذُهُ هُوَ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ: لَا أَكْتُبُهَا بَلْ حَتَّى تُعْطِينِي كَذَا وَكَذَا زِيَادَةً عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْوَرَقَةِ فَيَجُوزُ لَهُ الْإِعْطَاءُ وَلَوْ كَانَ زِيَادَةً عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ لِحَاجَتِهِ وَاضْطِرَارِهِ إلَى ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ الْإِعْطَاءُ لِلشَّاعِرِ خَوْفًا مِنْ هَجْوِهِ. وَقَوْلُهُ: " ضَمَانَ مَا أَخَذَهُ " الْأَوْلَى حَذْفُ " ضَمَانَ ". قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) أَيْ مُطَرَّزًا، وَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ لُزُومِ أُجْرَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] التَّطْرِيزِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ قَدْ تُنْقِصُ قِيمَةَ الْوَرَقَةِ لَزِمَتْ أُجْرَتُهَا. فَرْعٌ: لَا عِبْرَةَ بِكِتَابَةِ الْمَيِّتِ عَلَى شَيْءٍ أَوْ فِي جَرِيدَتِهِ هَذَا وَدِيعَةُ فُلَانٍ ق ل. وَعِبَارَةُ سم: وَلَا عِبْرَةَ بِكِتَابَةِ الْمَيِّتِ عَلَى شَيْءٍ هَذَا وَدِيعَةُ فُلَانٍ أَوْ جَرِيدَتُهُ لِفُلَانٍ عِنْدِي كَذَا وَدِيعَةً، حَتَّى لَوْ أَنْكَرَ الْوَارِثُ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّسْلِيمُ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُوَرِّثَ أَوْ غَيْرَهُ كَتَبَ ذَلِكَ تَلْبِيسًا أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَى الشَّيْءَ وَعَلَيْهِ الْكِتَابَةُ فَلَمْ يَمْحُهَا أَوْ أَرَادَ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ كِتَابَتِهَا فِي الْجَرِيدَةِ وَلَمْ يَمْحُهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ إقْرَارِ مُوَرِّثِهِ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ اهـ. وَسُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ عَنْ رَجُلٍ تَحْتَ يَدِهِ وَدِيعَةٌ وَمَضَتْ عَلَيْهَا مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ وَلَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهَا وَأَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ، فَقَالَ: يَصْرِفُهَا فِي أَهَمِّ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَيُقَدِّمُ أَهْلَ الضَّرُورَةِ وَلَا يَبْنِي بِهَا مَسْجِدًا وَلَا يَصْرِفُهَا إلَّا فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ صَرْفُهَا فِيهَا، فَإِنْ جَهِلَ فَلْيَسْأَلْ أَوْرَعَ الْعُلَمَاءِ وَأَعْرَفَهُمْ بِالْمَصَالِحِ الْوَاجِبَةِ التَّقْدِيمِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ أج. خَاتِمَةٌ: قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ مَالُ كُلٍّ أَنَّهُ مِلْكَهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَإِنْ أَنْكَرَهُمَا وَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ صُدِّقَ فَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا أَخَذَهُ وَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ، فَإِنْ حَلَفَ لَهُ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْآخَرُ وَغَرِمَ لَهُ الْقِيمَةَ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لَهُمَا فَالْيَدُ لَهُمَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ أَخَذَهُ وَلَا يَدَّعِي الْآخَرُ عَلَى الْوَدِيعِ، وَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا أَخَذَاهُ نِصْفَيْنِ ثُمَّ حَكَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ حُكْمَهُمَا فِي الْكُلِّ فِي غَيْرِ الْمُقَرِّ لَهُ وَقَدْ مَرَّ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا وَقَالَ نَسِيته ضَمِنَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِثَالِثٍ حَلَفَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ لَا أَنَّهُ لِغَيْرِهِمَا وَلَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ الثَّالِثِ، وَإِذَا حَلَفَا أَقَرَّ الْمَالَ بِيَدِهِ، وَكَذَا إنْ نَكَلَ وَنَكَلَا، وَإِنْ نَكَلَ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ أَخَذَهُ وَطُولِبَ بِكَفِيلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا الْوَدِيعَةُ مَنْقُولَةٌ، وَإِنْ حَلَفَ فَهَلْ يَقْسِمَانِهِ وَيَطْلُبَانِ بِكَفِيلٍ أَوْ يَبْقَى مَعَ الْمُقِرِّ؟ وَجْهَانِ، أَرْجَحُهُمَا أَوَّلُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنَاهُ ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ وَيَلْزَمُهُ هُنَا بَيَانُ الْمُقَرِّ لَهُ لِيُخَاصِمَاهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ، وَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي لِمَنْ الْمَالُ وَادَّعَيَا عِلْمَهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ وَأَقَرَّ بِيَدِهِ وَلَا يُحَلِّفُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا الْفَرَائِضُ جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ أَيْ مُقَدَّرَةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ فَغَلَبَتْ عَلَى غَيْرِهَا. وَالْفَرْضُ لُغَةً   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا] أَخَّرَهُ عَنْ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ لِاضْطِرَارِ الْإِنْسَانِ إلَيْهِمَا أَوْ إلَى أَحَدِهِمَا مِنْ حِينِ وِلَادَتِهِ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا إلَى مَوْتِهِ، وَلِأَنَّهُمَا مُتَعَلِّقَانِ بِإِدَامَةِ الْحَيَاةِ السَّابِقَةِ عَلَى الْمَوْتِ، وَلِأَنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ، فَنَاسَبَ ذِكْرَهُ فِي نِصْفِ الْكِتَابِ. قَوْلُهُ: (أَحْكَامُ الْفَرَائِضِ) قَالَ ق ل: الْأَوْلَى حَذْفُ " أَحْكَامُ ". وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَتْنَ تَكَلَّمَ عَلَى ذَوَاتِ الْفُرُوضِ بِقَوْلِهِ الْفُرُوضُ سِتَّةٌ وَذَكَرَ أَحْكَامَهَا بِقَوْلِهِ فَالنِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ إلَخْ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَدَّرَ الْأَحْكَامَ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةَ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِهَا بَيَانُ ذَوَاتِهَا. وَقِيلَ: وَجْهُ كَوْنِ الْأَوْلَى حَذْفُ الْأَحْكَامِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرَائِضِ مَسَائِلُ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ كَكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اثْنَيْنِ مَثَلًا وَهَذَا الْعَدَدُ لَا حُكْمَ لَهُ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ كَزَوْجٍ وَعَمٍّ كَانَ فِيهَا قَضَايَا بِعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَكُلُّ قَضِيَّةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى حُكْمٍ وَهُوَ النِّسْبَةُ بَيْنَ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْكَامِ اللُّغَوِيَّةِ وَهِيَ النِّسَبُ التَّامَّةُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ هَذِهِ تَرْجَمَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُتَرْجَمَ لَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " وَالْوَارِثُونَ إلَخْ " لَيْسَ فِيهِ مَسَائِلُ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ كَوْنُ عَدَدِ الْمَسْأَلَةِ اثْنَيْنِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ فِيمَا يَأْتِي لِلزَّوْجِ النِّصْفُ مَثَلًا مُتَضَمِّنٌ لِكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اثْنَيْنِ، فَيَكُونُ هُوَ الْمُتَرْجَمُ لَهُ وَمَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْوَارِثُونَ مِنْ الرِّجَالِ إلَخْ " تَوْطِئَةٌ لَهُ. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ أَنَّ الْكِتَابَ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعَانِي، وَالْأَحْكَامُ هِيَ النِّسَبُ التَّامَّةُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا الْمَسَائِلُ، وَالْفَرَائِضُ هِيَ الْمَسَائِلُ الْمُدَوَّنَةُ كَقَوْلِهِمْ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَكَقَوْلِهِمْ: فِي الْمَسْأَلَةِ سُدُسٌ وَرُبْعُ؛ وَهَذِهِ هِيَ الْمُعَبِّرُ عَنْهَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِمَسَائِلِ قِسْمَةِ التَّرِكَاتِ، يَعْنِي الْمَسَائِلَ الَّتِي ثَمَرَتُهَا وَفَائِدَتُهَا مَعْرِفَةُ قِسْمَةِ التَّرِكَاتِ، فَكَأَنَّ الشَّارِحَ قَالَ هَذِهِ أَلْفَاظٌ. دَالَّةٌ عَلَى نِسَبٍ تَامَّةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا الْمَسَائِلُ اشْتِمَالَ الْكُلِّ عَلَى أَجْزَائِهِ، فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ أَنَّ الْكِتَابَ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الْفَرَائِضِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ الْآتِي: وَالْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ سِتَّةٌ ذَكَرَ تَوْطِئَةً لِبَيَانِ الْفَرَائِضِ، فَسَقَطَ بِذَلِكَ اعْتِرَاضُ ق ل. اهـ. قَوْلُهُ: (الْفَرَائِضُ) أَيْ مَسَائِلُ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ، فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لِمَا فِيهَا رَاجِعٌ لِمَسَائِلِ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُفَسِّرَ الْفَرَائِضَ بِمَا ذَكَرَ لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ وَلِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ: فَغَلَبَتْ عَلَى غَيْرِهَا أَيْ سُمِّيَتْ مَسَائِلُ قِسْمَةٍ الْمَوَارِيثِ الشَّامِلَةِ لِمَسَائِلِ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ بِالْفَرَائِضِ تَغْلِيبًا وَقَوْلُهُ لِمَا فِيهَا عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَسُمِّيَتْ بِالْفَرَائِضِ لِمَا فِيهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَالْوَصَايَا) سَيَأْتِي بَيَانُهَا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْكَلَامِ عَلَى الْفَرَائِضِ وَهِيَ جَمْعُ وَصِيَّةٍ بِمَعْنَى تَبَرُّعٍ بِحَقٍّ مُضَافٍ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهَا) الظَّرْفِيَّةُ مَجَازِيَّةٌ إذْ لَيْسَ فِي الْفُرُوضِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ ق ل. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرَائِضِ مَا يُوَرَّثُ بِالْفَرْضِ فَقَطْ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْفَرَائِضِ مَسَائِلُ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ كَانَ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ. قَوْلُهُ: (فَغَلَبَتْ عَلَى غَيْرِهَا) أَيْ لِشَرَفِهَا لِثُبُوتِهَا بِالْقُرْآنِ. وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُفَسِّرَ الْفَرَائِضَ بِمَسَائِلِ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ الشَّامِلَةِ لِمَسَائِلِ الْفَرْضِ وَمَسَائِلِ التَّعْصِيبِ ثُمَّ يَقُولُ: فَغَلَبَتْ أَيْ الْفَرَائِضُ فِي التَّسْمِيَةِ بِهَا وَلَمْ يَغْلِبْ التَّعْصِيبُ، وَيُقَالُ كِتَابُ التَّعْصِيبُ، وَقِيلَ التَّعْصِيبُ أَشْرَفُ لِأَنَّ بِهِ قَدْ يُسْتَغْرَقُ الْمَالُ، وَعِبَارَةُ ق ل. عَلَى الْجَلَالِ: قَوْلُهُ: " فَغَلَبَتْ " أَيْ السِّهَامُ الْمُقَدَّرَةُ أَوْ الْفَرَائِضُ، وَهُوَ أَوْلَى وَأَنْسَبُ؛ وَإِنَّمَا غَلَبَتْ عَلَى الْأَصَحِّ لِفَضْلِهَا بِتَقْدِيرِ الشَّارِعِ لَهَا وَلِكَثْرَتِهَا وَلِشَرَفِهَا بِتَقْدِيمِهَا عَلَى التَّعْصِيبِ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ بِهَا، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كِتَابُ الْفَرَائِضِ وَالتَّعْصِيبِ، وَقِيلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 التَّقْدِيرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أَيْ قَدَّرْتُمْ وَشَرْعًا نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لِلْوَارِثِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتُ الْمَوَارِيثِ وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ. «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» فَإِنْ قِيلَ مَا فَائِدَةُ ذِكْرِ (ذَكَرٍ) بَعْدَ (رَجُلٍ) ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مُقَابِلُ الصَّبِيِّ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُقَابِلُ الْأُنْثَى. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ   [حاشية البجيرمي] التَّعْصِيبُ أَشْرَفُ لِأَنَّ بِهِ قَدْ يُسْتَغْرَقُ الْمَالُ. قَوْلُهُ: (نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ) خَرَجَ بِهِ التَّعْصِيبُ، وَقَوْلُهُ: " شَرْعًا " خَرَجَ بِهِ الْوَصِيَّةُ، فَإِنَّهَا بِتَقْدِيرِ الْمَالِكِ لَا بِالشَّرْعِ. وَقَوْلُهُ: " لِلْوَارِثِ " خَرَجَ بِهِ رُبُعُ الْعُشْرِ مَثَلًا فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْوَارِثِ بَلْ لِلْمَذْكُورِينَ فِي آيَةِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] إلَخْ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لِلْوَارِثِ) وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ يُزَادُ بِالرَّدِّ وَيَنْقُصُ بِالْعَوْلِ، بَلْ وَلَا يَصِحُّ وَإِنْ جُعِلَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ. فَائِدَةٌ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ وَالْكِبَارَ دُونَ الصِّغَارِ، وَيَقُولُونَ: أَنُوَرِّثُ أَمْوَالَنَا مَنْ لَا يَرْكَبُ الْخُيُولَ وَلَا يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ؟ وَيَجْعَلُونَ حَظَّ الْمَرْأَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا سَنَةً وَهِيَ كَانَتْ عِدَّتَهَا عِنْدَهُمْ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَكَانُوا يُوَرِّثُونَ الْأَخَ وَابْنَ الْعَمِّ، وَزَوْجَةَ الْأَخِ وَالْعَمِّ كَرْهًا ثُمَّ نُسِخَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ بِقَوْلِهِ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَجَعَلَ لَهَا حَظَّهَا مِنْ الْإِرْثِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ} [النساء: 12] وَنُسِخَ الْإِرْثُ كَرْهًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19] وَكَانُوا يَرِثُونَ بِالْحَلِفِ وَالنُّصْرَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: دَمِي دَمُك وَسِلْمِي سِلْمُك وَحَرَمِي حَرَمُك تَرِثُنِي وَأَرِثُك وَتَنْصُرُنِي وَأَنْصُرُك وَتَعْقِلُ عَنِّي وَأَعْقِلُ عَنْك وَكَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ التَّوَارُثُ بِالتَّبَنِّي وَالْإِخَاءِ وَكَذَا بِالْحَلِفِ وَالنُّصْرَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُقِرَّ التَّوَارُثُ بِالْهِجْرَةِ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 72] إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] فَكَانَ إذَا تَرَكَ الْمُجَاهِدُ أَخَوَيْنِ مُهَاجِرًا وَغَيْرَ مُهَاجِرٍ وَعَمًّا مُهَاجِرًا وَعَمًّا غَيْرَ مُهَاجِرٍ كَانَ إرْثُهُ لِلْمُهَاجِرِ فَقَطْ؛ كَذَا صَوَّرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ قَرَابَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَصْوِيرِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. وَقَدْ يُحْمَلُ الِاخْتِلَافُ عَلَى كَلَامِ أُولَئِكَ عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْقَمُولِيُّ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْإِرْثَ كَانَ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مُطْلَقًا كَمَا دَلَّتْ الْآيَةُ، يَعْنِي قَوْلَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا} [الأنفال: 72] ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُقِرَّ التَّوَارُثُ بِالْقَرَابَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ} [الأنفال: 75] الْآيَةَ. وَيُقَالُ إنَّهُ نُسِخَ بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] فَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَلَى الْمُحْتَضَرِ أَنْ يُوصِيَ لِكُلِّ وَارِثٍ بِنَصِيبِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ فَمَنْ وَافَقَهُ مُصِيبٌ وَإِلَّا فَمُخْطِئٌ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلِأَوْلَى) أَيْ فَلِأَحَقِّ ذَكَرٍ وَهُوَ الْأَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ، كَالِابْنِ مَعَ ابْنِهِ أَوْ الْأَقْرَبِ كَالشَّقِيقِ مَعَ الَّذِي لِلْأَبِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ) الْأَوْلَى أَوْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ فَيَكُونُ جَوَابًا ثَانِيًا. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ) أَيْ رَجُلٌ. وَكَانَ الْأَوْلَى الْإِظْهَارُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْتِيتِ الضَّمَائِرِ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ) أَيْ ذَكَرٌ. وَقَوْلُهُ: " عَامٌّ " فِيهِ أَنَّ ذَكَرًا لَيْسَ عَامًّا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ ذَكَرٍ كَفَى، فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ رَجُلٍ مَعَهُ؟ أُجِيبَ بِأَنْ لَا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوَارِيثُ يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ وَالْكِبَارَ دُونَ الصِّغَارِ، وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ بِالْحَلِفِ وَالنُّصْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ فَتَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، ثُمَّ نُسِخَ بِآيَتَيْ الْمَوَارِيثِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَاشْتُهِرَتْ الْأَخْبَارُ بِالْحَثِّ عَلَى تَعْلِيمِهَا وَتَعَلُّمِهَا مِنْهَا: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ أَيْ عِلْمَ الْفَرَائِضِ: النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَإِنَّ هَذَا الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي   [حاشية البجيرمي] الْإِثْبَاتِ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ وَقَوْلُهُ مَخْصُوصٌ أَيْ بِالْبَالِغِ. وَفِيهِ أَنَّ (رَجُلًا) لَا يُدْفَعُ هَذَا التَّوَهُّمُ بَلْ يُقَوِّيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْأُنْثَى دَفَعَهُ أَيْ دَفَعَ خُصُوصَهُ بِالْبَالِغِ. وَقَالَ م د: فَإِنْ قِيلَ لَوْ اقْتَصَرَ إلَخْ، تَعَقُّبٌ بِأَنَّ مَا جَاءَ فِي مَرْكَزِهِ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ فَرَجُلٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ قَبْلَ ذِكْرِ مَا بَعْدَهُ فَصَارَ الْمُحْتَاجُ لِلْجَوَابِ عَنْهُ هُوَ الثَّانِي. وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِ الشَّارِحِ بِأَنَّ هَذَا سُؤَالٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْجَوَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِالثَّانِي فِي وَفَاءِ الْمُرَادِ إطْنَابٌ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ إرَادَةِ بَعْضِ أَفْرَادِ الذَّكَرِ وَهُوَ الرَّجُلُ الْبَالِغُ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ الْحَالَةُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قَبْلَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسَمَّاهَا مَوَارِيثَ لِلْمُشَاكَلَةِ وَهِيَ ذِكْرُ الشَّيْءِ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا نَحْوُ: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] أَيْ جَازَاهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ، فَذَكَرَ الْمُجَازَاةَ بِلَفْظِ الْمَكْرِ لِوُقُوعِهَا تَحْقِيقًا مُصَاحِبَةً لِمَكْرِهِمْ أَوْ اعْتِبَارِ اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِلَّا فَهِيَ إعْطَاءَاتٌ لَا مَوَارِيثُ. وَقَالَ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَى ثُمَّ نُسِخَ دُونَ الْأُولَى لِأَنَّ الْأُولَى بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فَكَانَ إبْطَالُهَا لَا يُسَمَّى نَسْخًا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمَرَاتِبِ فَإِنَّهَا بِالشَّرْعِ فَكَانَ إبْطَالُهَا نَسْخًا. قَوْلُهُ: (وَكَانَ) أَيْ التَّوَارُثُ وَالْمُرَادُ تَوَارُثٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ تَوَارُثُ السُّدُسِ كَمَا فِي الْجَلَالَيْنِ وَقَوْلُهُ بِالْحَلِفِ إلَخْ، أَيْ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] الْآيَةَ وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] جَمْعُ يَمِينٍ بِمَعْنَى الْقَسَمِ أَوْ الْيَدِ أَوْ الْحُلَفَاءِ الَّذِينَ عَاهَدْتُمُوهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى النُّصْرَةِ وَالْإِرْثِ: {فَآتُوهُمْ} [النساء: 33] أَعْطُوهُمْ {نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] حَظَّهُمْ مِنْ الْمِيرَاثِ وَهُوَ السُّدُسُ. وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] اهـ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَالنُّصْرَةِ عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ بِالْحَلِفِ عَلَى الْإِرْثِ وَالنُّصْرَةِ، أَيْ يَتَحَالَفَانِ عَلَى أَنْ يَنْصُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ فِي حَيَاتِهِ وَيَرِثُهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ. اهـ. شَيْخُنَا. وَيَصِحُّ ضَبْطُ الْحَلِفِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَبِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ الْعَهْدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَفْسِيرِ الْجَلَالِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ) أَيْ مَعًا أَيْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا هَاجَرَا وَتَآخَيَا، أَيْ جُعِلَا أَخَوَيْنِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ. وَهَذَا مُشَارٌ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 72] وَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ {وَالَّذِينَ آوَوْا} [الأنفال: 72] النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَنَصَرُوا} [الأنفال: 72] وَهُمْ الْأَنْصَارُ {أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 72] أَيْ فِي النُّصْرَةِ وَالْإِرْثِ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] فَلَا إرْثَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ: {حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] . وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِآخِرِ السُّورَةِ جَلَالَيْنِ، أَيْ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] . قَوْلُهُ: (فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِلْوَالِدَيْنِ) أَيْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] الْآيَةَ. قَوْلُهُ: (بِآيَتَيْ الْمَوَارِيثِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِآيَاتِ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ لَا تُعَارِضُهُ بَلْ تُؤَكِّدُهُ مِنْ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا وَالْحَدِيثُ مِنْ الْآحَادِ وَتَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ لَا يُلْحِقُهُ بِالْمُتَوَاتِرِ. قَوْلُهُ: (أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) أَيْ وَاجِبَةً. قَوْلُهُ: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ» أَيْ عِلْمَ الْفَرَائِضِ) الْمَفْهُومُ مِنْ تَعَلَّمُوا، وَفِي رِوَايَةٍ: «وَعَلِّمُوهَا» ق ل عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَقْضِي فِيهَا» . وَمِنْهَا: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهُ مِنْ دِينِكُمْ وَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» . وَإِنَّمَا سُمِّيَ نِصْفَ الْعِلْمِ لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ حَالَتَيْنِ حَالَةُ حَيَاةٍ وَحَالَةُ مَوْتٍ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ. وَقِيلَ النِّصْفُ بِمَعْنَى الصِّنْفِ قَالَ الشَّاعِرُ: إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي كُنْت أَصْنَعُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِرْثَ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: وُجُودُ أَسْبَابِهِ وَوُجُودُ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ. فَأَمَّا أَسْبَابُهُ فَأَرْبَعَةٌ: قَرَابَةٌ، وَنِكَاحٌ، وَوَلَاءٌ، وَجِهَةُ الْإِسْلَامِ وَشُرُوطُهُ أَيْضًا أَرْبَعَةٌ: تَحَقُّقُ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ إلْحَاقِهِ بِالْمَوْتَى حُكْمًا كَمَا فِي   [حاشية البجيرمي] الْجَلَالِ. وَقُدِّمَ فِي الْحَدِيثِ التَّعَلُّمُ عَلَى التَّعْلِيمِ لِأَنَّ التَّعَلُّمَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْلِيمِ طَبْعًا حَالَةَ التَّعَلُّمِ، فَقُدِّمَ وَضْعًا لِتَوَافُقِهِمَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقَدُّمِ الطَّبِيعِيِّ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ الْمُتَأَخِّرِ مُحْتَاجًا إلَى الْمُتَقَدِّمِ وَلَا يَكُونُ الْمُتَقَدِّمُ عِلَّةً لَهُ وَتَعَلُّمُ عِلْمِ الْفَرَائِضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَعْلِيمِهِ كَذَلِكَ، أَمَّا إنَّ التَّعَلُّمَ لَيْسَ عِلَّةً لِلتَّعْلِيمِ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا لَزِمَ التَّعْلِيمُ مِنْ حُصُولِ التَّعَلُّمِ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَعْلُولِ عِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ ضَرُورِيٌّ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ حُصُولِهِ لِأَنَّ النَّاسَ كَثِيرًا مَا يَتَعَلَّمُونَ الْفَرَائِضَ وَلَا يُعَلِّمُونَهَا وَأَمَّا إنَّ تَعْلِيمَ الْفَرَائِضِ مُحْتَاجٌ إلَى تَعَلُّمِهِ فَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نَتَعَلَّمْهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَنَا التَّعْلِيمُ وَالْمُرَادُ بِالْفَرَائِضِ أَنْصِبَاءُ الْوَرَثَةِ اهـ شَرْحُ السِّرَاجِيَّةِ لِلسَّيِّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ. قَوْلُهُ: (مَقْبُوضٌ) أَيْ مَيِّتٌ. قَوْلُهُ: (سَيُقْبَضُ) أَيْ يَنْعَدِمُ بِمَوْتِ أَهْلِهِ لَا بِنَزْعِهِ مِنْ الصَّدْرِ، بِخِلَافِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ يُنْزَعُ مِنْ الصُّدُورِ وَالْوَرَقِ فَيُصْبِحُ الرَّجُلُ لَا يَلْقَى مَعَهُ شَيْئًا مِمَّا يَحْفَظُهُ وَيَجِدُ الْمُصْحَفَ وَرَقًا أَبْيَضَ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ) أَيْ الْعِلْمُ الْمَفْهُومُ مِنْ: تَعَلَّمُوا مِنْ دِينِكُمْ إلَخْ قَوْلُهُ: (وَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ) وَلَا يُعَارَضُ؛ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَضْلٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مَاضِيَةٌ وَفَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ» فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَبِتَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّنْصِيفَ بِاعْتِبَارِ أَحْوَالِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ وَاعْتِبَارُ التَّثْلِيثِ بِاعْتِبَارِ الْأَدِلَّةِ وَهِيَ فِي هَذَا الْعِلْمِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الْحِسَابِ الَّذِي نَشَأَ عَنْهُ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ. قَوْلُهُ: (نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ غَرَضُ الشَّاعِرِ تَحْرِيرَ الْمُنَاصَفَةِ بَلْ انْقِسَامُهُمْ فِيهِ قِسْمَيْنِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَكْثَرَ أَفْرَادًا مِنْ الْآخَرِ؛ وَلِذَا قَالَ م ر: الْمُرَادُ بِالنِّصْفِ الشَّطْرُ أَيْ الْجُزْءُ لَا حَقِيقَةَ النِّصْفِ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ جُزْءٌ مِنْ الْعِلْمِ الْمُطْلَقِ فَالْعِبَادَاتُ جُزْءٌ مِنْهُ وَالْبُيُوعُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَهَكَذَا فَلَا يَكُونُ فِيهِ كَبِيرُ مَدْحٍ لِلْفَرَائِضِ، فَالْأَوْلَى حَمْلُ النِّصْفِ فِيهِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي كَثْرَةِ نَفْعِهِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ النِّصْفِ بِمَعْنَى النِّصْفِ لِأَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ صِنْفٌ مِنْ الْعِلْمِ الْمُطْلَقِ فَلَا يَكُونُ لِلْفَرَائِضِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ شَيْخُنَا ح ف: الْجَوَابُ الثَّانِي غَيْرُ ظَاهِرٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِذَا حَكَاهُ بِ " قِيلَ " تَدَبَّرْ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ حَمْلَ النِّصْفِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ حَدِيثُ: «التَّدْبِيرُ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ» فَإِنَّ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ فِي أَنَّهُ نِصْفَهَا، وَهُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُلْزِمُ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ مُطْلَقًا أَوْ اسْمُ كَانَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ وَالنَّاسُ مُبْتَدَأٌ وَنِصْفَانِ خَبَرٌ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ. قَوْلُهُ: (أَنَّ الْإِرْثَ يَتَوَقَّفُ إلَخْ) وَكَذَا كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْإِرْثَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: مُوَرِّثٌ وَوَارِثٌ وَحَقٌّ مَوْرُوثٌ. قَوْلُهُ: (أَسْبَابِهِ) جَمْعُ سَبَبٍ وَهُوَ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْمَقْصُودِ وَاصْطِلَاحًا وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ مُعَرِّفٌ لِلْحُكْمِ كَالْقَرَابَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَصْفٌ يُعْرَفُ بِهِ ثُبُوتُ الْإِرْثِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (قَرَابَةٌ) هِيَ الْأُبُوَّةُ وَالْأُمُومَةُ وَالْبُنُوَّةُ وَالْإِدْلَاءُ إلَى الْمَيِّتِ بِأَحَدِهَا، وَيُورَثُ بِهِمَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ تَارَةً وَمِنْ أَحَدِهِمَا أُخْرَى ق ل. وَقَوْلُهُ " وَمِنْ أَحَدِهِمَا " كَالْعَمَّةِ وَابْنِ أَخِيهَا وَابْنِ الْعَمِّ وَبِنْتِ عَمِّهِ. قَوْلُهُ: (وَنِكَاحٌ) وَهُوَ عَقْدُ الزَّوْجِيَّةِ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَطْءٌ وَلَا خَلْوَةٌ، وَيُورَثُ بِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَالِبًا وَلَوْ فِي طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ. اهـ. م د، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا. وَفِي م ر: نَعَمْ لَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَتَزَوَّجَ بِهَا لَمْ تَرِثْهُ لِلدَّوْرِ، إذْ لَوْ وَرِثَتْ لَكَانَ عِتْقُهَا وَصِيَّةً لِوَارِثٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَهِيَ مِنْهُمْ، وَإِجَازَتُهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى سَبْقِ حُرِّيَّتِهَا وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى سَبْقِ إجَازَتِهَا، فَأَدَّى إرْثُهَا لِعَدَمِ إرْثِهَا اهـ. قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 حُكْمِ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ اجْتِهَادًا، وَتَحَقُّقِ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ، وَمَعْرِفَةُ إدْلَائِهِ لِلْمَيِّتِ بِقَرَابَةٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ وَلَاءٍ، وَالْجِهَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْإِرْثِ تَفْصِيلًا. وَالْمَوَانِعُ أَيْضًا أَرْبَعَةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْهَائِمِ فِي شَرْحِ كَافِيَتِهِ: الرِّقُّ،   [حاشية البجيرمي] وَوَلَاءٌ) وَهُوَ عُصُوبَةٌ سَبَبُهَا نِعْمَةُ الْمُعْتِقِ بِالْعِتْقِ عَلَى رَقِيقٍ، وَيُوَرَّثُ بِهِ أَيْ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيُوَرَّثُ بِالْقَرَابَةِ فَرْضًا وَتَعْصِيبًا وَبِالنِّكَاحِ فَرْضًا فَقَطْ وَبِالْوَلَاءِ وِجْهَةُ الْإِسْلَامِ تَعْصِيبًا فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وِجْهَةُ الْإِسْلَامِ) وَهِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِبَيْتِ الْمَالِ. وَعَبَّرَ بِالْجِهَةِ دُونَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ لِتَعَذُّرِهِ، وَيُعْطَى مِنْهُ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ الْإِرْثَ بِالْجِهَةِ يُرَاعَى فِيهِ الْمَصْلَحَةُ. وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ تَحْقِيقِ حَيَاةِ الْوَارِثِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ إذَا كَانَ إرْثُهُ بِسَبَبٍ خَاصٍّ وَهَذَا بِسَبَبٍ عَامٍّ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْإِسْلَامَ لَوَجَبَ التَّعْمِيمُ حَيْثُ كَانَ الْمَالُ يَكْفِي جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُعْطَ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتٍ أَوْ وُلِدَ لِعَدَمِ كَوْنِهِ وَارِثًا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَيُمْكِنُ اجْتِمَاعُ الْأَسْبَابِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْإِمَامِ كَأَنْ يَمْلِكَ بِنْتَ عَمِّهِ ثُمَّ يُعْتِقَهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ تَمُوتُ وَلَا وَارِثَ لَهَا غَيْرُهُ فَهُوَ زَوْجُهَا وَابْنُ عَمِّهَا وَمُعْتِقُهَا وَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا تُصُوِّرَتْ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَرِثْ بِجَمِيعِهَا وَأَنَّ الْوَارِثَ جِهَةُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِيهِ اهـ شَرْحُ م ر؛ أَيْ فَيَكُونُ السَّبَبُ الرَّابِعُ مَوْجُودًا فِيهِ. وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ لَمْ يَرِثْ بِهِ " أَيْ بَلْ يَرِثُ بِكَوْنِهِ زَوْجًا وَابْنَ عَمٍّ ع ش. قَوْلُهُ: (حُكْمًا أَوْ تَقْدِيرًا) كَجَنِينٍ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ عَلَى أُمِّهِ تُوجِبُ الْغُرَّةَ فَتُوَرَّثُ عَنْهُ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَهُ كَمَا زَادَهُ زي. قَوْلُهُ: (وَتَحَقُّقُ حَيَاةٍ إلَخْ) عِبَارَةُ زي وَثَانِيهَا تَحَقُّقُ وُجُودِ الْمُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِأَحَدِ الْأَسْبَابِ حَيًّا عِنْدَ الْمَوْتِ تَحْقِيقًا كَانَ الْوُجُودُ أَوْ تَقْدِيرًا، كَحَمْلٍ انْفَصَلَ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ نُطْفَةً وَثَالِثُهَا: تَحَقُّقُ اسْتِقْرَارِ حَيَاةِ هَذَا الْمُدْلِي بَعْدَ الْمَوْتِ اهـ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ) وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّنْ عَاشَ بَعْدَ مَوْتِهِ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ أَوْ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ لَمْ يُعَدّ مِلْكه إلَيْهِ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِالْعَوْدِ لِتَبَيُّنِ بَقَاءِ مِلْكِهِ لِتَرِكَتِهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِحْيَاءِ تَبَيَّنَ عَدَمُ مَوْتِهِ؛ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْفَرْضِ فِي السُّؤَالِ إذْ لَا تُوجَدُ الْمُعْجِزَةُ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمَوْتِ وَعِنْدَ تَحَقُّقِهِ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا وُجِدَ الْإِحْيَاءُ كَانَتْ هَذِهِ حَيَاةً جَدِيدَةً مُبْتَدَأَةً بِلَا تَبَيُّنِ عَوْدِ مِلْكٍ، وَيَلْزَمُهُ أَنَّ نِسَاءَهُ لَوْ تَزَوَّجْنَ أَنْ يَعُدْنَ لَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَبْقَى نِكَاحُهُنَّ الثَّانِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ وَالْعِصْمَةِ مُحَقَّقٌ وَعَوْدُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيَسْتَصْحِبُ زَوَالَهُمَا حَتَّى يَثْبُتَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعَوْدِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ فَوَجَبَ الْبَقَاءُ مَعَ الْأَصْلِ. اهـ. شَرْحُ م ر وع ش. قَوْلُهُ: (وَمَعْرِفَةُ إدْلَائِهِ) أَيْ تَوَصُّلِهِ وَانْتِسَابِهِ إلَى الْمَيِّتِ بِأَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، أَيْ إجْمَالًا، وَالْمُرَادُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ لِمَنْ يُقَسِّمُ التَّرِكَةَ. قَوْلُهُ: (وَالْجِهَةُ) أَيْ وَمَعْرِفَةُ الْجِهَةِ تَفْصِيلًا، وَهَذَا يُغْنِي عَنْ الشَّرْطِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ وَهَذَا الشَّرْطُ يَخْتَصُّ بِالْقَاضِي، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِرْثِ مُطْلَقَةً كَقَوْلِ الشَّاهِدِ لِلْقَاضِي: هَذَا وَارِثُ هَذَا، بَلْ لَا بُدَّ فِي شَهَادَتِهِ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ الْإِرْثَ مِنْهُ. اهـ. ز ي. وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ هُوَ ابْنُ عَمِّهِ لِصِدْقِهِ بِالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ الَّتِي اجْتَمَعَ فِيهَا الْوَارِثُ وَالْمُوَرِّثُ وَهُوَ الْجَدُّ الْقَرِيبُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقُرَشِيَّ مَثَلًا إذَا مَاتَ فَكُلُّ قُرَشِيٍّ وُجِدَ عِنْدَ مَوْتِهِ ابْنُ عَمِّهِ وَلَا يَرِثُهُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ عُلِمَ أَقْرَبِيَّتُهُ لِلْمَيِّتِ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: " لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْقُرْبِ " بِأَنْ يَقُولَ ابْنُ عَمِّهِ: بِلَا وَاسِطَةٍ. وَقَوْلُهُ: " وَالدَّرَجَةُ " أَيْ الْقُوَّةُ، كَقَوْلِهِ: هُوَ ابْنُ عَمٍّ شَقِيقٍ. قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةٌ) وَزِيدَ عَلَيْهَا الرِّدَّةُ وَاخْتِلَافُ الدَّارِ بِالذِّمَّةِ وَالْحِرَابَةُ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى الْمَوَانِعِ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ دِينٍ لِآخَرَ فِي مَعْنَى الرِّدَّةِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (كَافِيَتِهِ) صَوَابُهُ كِفَايَتِهِ لِأَنَّهُ قَالَ: سَمَّيْتُهَا كِفَايَةَ أَلْفَاظٍ لِجَمْعِهَا مَعَ قِلَّةِ الْأَلْفَاظِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الَّذِي رَأَيْته بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ كِفَايَتُهُ وَحِينَئِذٍ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ اهـ أج. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 وَالْقَتْلُ، وَاخْتِلَافُ الدِّينِ وَالدُّورِ الْحُكْمِيِّ. وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ تَوْرِيثِ شَخْصٍ عَدَمُ تَوْرِيثِهِ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ فَيَثْبُتُ نَسَبُ الِابْنِ وَلَا يَرِثُ. (وَالْوَارِثُونَ مِنْ) جِنْسِ (الرِّجَالِ) لِيَدْخُلَ فِيهِ الصَّغِيرُ (عَشَرَةٌ) بِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ مِنْهُمْ اثْنَانِ مِنْ أَسْفَلِ النَّسَبِ وَهُمَا (الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ، أَيْ نَزَلَ. وَاثْنَانِ مِنْ أَعْلَاهُ (وَ) هُمَا (الْأَبُ وَالْجَدُّ) أَبُو الْأَبِ (وَإِنْ عَلَا) وَأَرْبَعَةٌ مِنْ الْحَوَاشِي (وَ) هُمْ (الْأَخُ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا (وَابْنُهُ) أَيْ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَقَطْ لِيَخْرُجَ ابْنُ الْأَخِ لِلْأُمِّ فَلَا يَرِثُ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَإِنْ تَرَاخَيَا) أَيْ وَإِنْ سَفَلَ الْأَخُ الْمَذْكُورُ وَابْنُهُ (وَالْعَمُّ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَقَطْ لِيَخْرُجَ الْعَمُّ لِلْأُمِّ فَلَا يَرِثُ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَابْنُهُ) أَيْ الْعَمُّ الْمَذْكُورُ (وَإِنْ تَبَاعَدَا) أَيْ الْعَمُّ الْمَذْكُورُ وَابْنُهُ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعَمِّ بَيْنَ الْقَرِيبِ كَعَمِّ الْمَيِّتِ وَالْبَعِيدِ كَعَمِّ أَبِيهِ وَعَمِّ جَدِّهِ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي، وَكَذَلِكَ ابْنُهُ وَاثْنَانِ بِغَيْرِ النَّسَبِ (وَ) هُمَا (الزَّوْجُ) وَلَوْ فِي عِدَّةٍ رَجْعِيَّةٍ (وَالْمَوْلَى) وَيُطْلَقُ عَلَى نَحْوِ عِشْرِينَ مَعْنًى الْمُرَادُ مِنْهَا هُنَا السَّيِّدُ (الْمُعْتِقُ) بِكَسْرِ التَّاءِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ أَوْ وَرِثَ بِهِ فَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ فِي الْعَشَرَةِ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ وَمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ. وَطَرِيقُ الْبَسْطِ هُنَا أَنْ يُقَالَ الْوَارِثُونَ مِنْ الرِّجَالِ خَمْسَةَ عَشَرَ: الْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، وَالِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ،   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلَا يَرِثُ) أَيْ فِي الظَّاهِرِ، أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُقِرِّ دَفْعُ التَّرِكَةِ لِلْمُقَرِّ لَهُ إنْ كَانَ صَادِقًا لِأَنَّهُ يَعْلَمُ اسْتِحْقَاقَهُ لَهَا شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِنْسِ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمَتْنَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ. وَفَائِدَةُ هَذَا الْمُضَافِ إدْخَالُ الصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِنْسِ مُطْلَقُ الذِّكْرِ فَيَشْمَلُ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ بِخِلَافِ الرِّجَالِ. فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهَا الْبَالِغُونَ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي لَفْظِ الرِّجَالِ أَوْ الضَّمِيرُ يَرْجِعُ لِلْجِنْسِ، أَيْ وَهُوَ الذُّكُورَةُ، وَالْبُلُوغُ فَصْلٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (بِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (ابْنٌ وَابْنُهُ) قَدَّمَ الْفُرُوعَ عَلَى الْأُصُولِ لِفَوْتِهِمْ فِي الْإِرْثِ لِأَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ إلَّا عَصَبَةً، بِخِلَافِ الْأُصُولِ. وَقَدَّمَ عِنْدَ الْبَسْطِ الْأُصُولَ لِتَقَدُّمِ وُجُودِهِمْ عَلَى الْفُرُوعِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي تَقَدُّمِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ فِي النِّسَاءِ فِي طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ، وَعَكْسُ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَسْطِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَاخَيَا) فِيهِ أَنَّ الْأَخَ لَا تَرَاخِيَ فِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّرَاخِيَ فِيهِ بِحَسَبِ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ كَالْأَخِ الشَّقِيقِ وَالْأَخِ لِلْأَبِ أَوْ لِلْأُمِّ. قَوْلُهُ: (لِيَخْرُجَ الْعَمُّ لِلْأُمِّ) وَهُوَ أَخٌ الْأَبِ لِأُمِّهِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ ابْنُهُ) الضَّمِيرُ لِلْعَمِّ أَيْ ابْنُ عَمِّ الْمَيِّتِ وَابْنُ عَمِّ أَبِيهِ أَوْ ابْنُ عَمِّ جَدِّهِ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَلَوْ فِي عِدَّةِ رَجْعِيَّةٍ) بِالْإِضَافَةِ لِأَنَّهَا تَلْحَقُ الزَّوْجَةَ فِي خَمْسَةِ أَحْكَامٍ: التَّوَارُثُ وَلُحُوقُ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَامْتِنَاعُ نِكَاحِ أَرْبَعٍ سِوَاهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: (وَيُطْلَقُ عَلَى نَحْوِ عِشْرِينَ مَعْنًى) قَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: رَبٍّ وَمَالِكٍ وَسَيِّدٍ أَتَى ... وَمُنْعِمٍ وَالْمُعْتِقِ اعْلَمْ يَا فَتَى وَنَاصِرٍ مَعَ الْمُحِبِّ تَابِعٍ ... وَالْجَارِ وَابْنِ الْعَمِّ وَالْحَلِيفِ عِ عَبْدٍ وَمُنْعَمٌ عَلَيْهِ صِهْرِ ... وَعَاصِبٍ مَعَ الْعَتِيقِ فَادْرِ وَقَائِمٍ بِالْأَمْرِ وَالنَّدِيمِ ... كَذَا الشَّرِيكِ نَاظِرِ الْيَتِيمِ فَهَذِهِ عِشْرُونَ مَعْنًى قَدْ أَتَتْ ... لِكِلْمَةِ الْمَوْلَى بِهَا النَّقْلُ ثَبَتْ قَوْلُهُ: (فَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ) فِيهِ أَنَّ عِبَارَةَ الْمِنَنِ لَيْسَ فِيهَا حَصْرٌ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي مَقَامِ الْبَيَانِ يُفِيدُ الْحَصْرَ كَمَا ذَكَرُوهُ. قَوْلُهُ: (وَمُعْتِقُ الْمُعْتِقِ) أَيْ لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْلِهِ أَوْ وَرِثَ بِهِ فَهُمْ مُعْتَقُونَ حُكْمًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 وَالْأَخُ الشَّقِيقُ، وَالْأَخُ لِلْأَبِ، وَالْأَخُ لِلْأُمِّ، وَابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ، وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ، وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ، وَالْعَمُّ لِأَبٍ، وَابْنُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ، وَابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ، وَالزَّوْجُ، وَالْمُعْتِقُ. (وَالْوَارِثَاتُ مِنْ) جِنْسِ (النِّسَاءِ) لِيَدْخُلَ فِيهِنَّ الصَّغِيرَةُ (سَبْعٌ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ بِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ، مِنْهُنَّ ثِنْتَانِ مِنْ أَسْفَلِ النَّسَبِ وَهُمَا (الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَإِنْ سَفَلَتْ) وَهُوَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ أَيْضًا وَصَوَابُهُ وَإِنْ سَفَلَ بِحَذْفِ الْمُثَنَّاةِ، إذْ الْفَاعِلُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، أَيْ وَإِنْ سَفَلَ الِابْنُ فَإِنَّ بِنْتَه تَرِثُ، وَإِثْبَاتُ الْمُثَنَّاةِ يُؤَدِّي إلَى دُخُولِ بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ فِي الْإِرْثِ وَهُوَ خَطَأٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَثِنْتَانِ مِنْ أَعْلَى النَّسَبِ (وَ) هُمَا (الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ) الْمُدْلِيَةُ بِوَارِثٍ كَأُمِّ الْأَبِ وَأَمِّ الْأُمِّ (وَإِنْ عَلَتْ) فَخَرَجَ بِالْمُدْلِيَةِ بِوَارِثٍ أُمُّ أَبِي الْأُمِّ فَلَا تَرِثُ. وَوَاحِدَةٌ مِنْ الْحَوَاشِي (وَ) هِيَ (الْأُخْتُ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَاثْنَتَانِ بِغَيْرِ النَّسَبِ (وَ) هُمَا (الزَّوْجَةُ) وَلَوْ فِي عِدَّةٍ رَجْعِيَّةٍ (و) السَّيِّدَةُ (الْمُعْتِقَةُ) بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَهِيَ مَنْ صَدَرَ مِنْهَا الْعِتْقُ أَوْ وَرِثَتْ بِهِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: الْأَفْصَحُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَرْأَةِ زَوْجٌ، وَالزَّوْجَةُ لُغَةٌ مَرْجُوحَةٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَاسْتِعْمَالُهَا فِي بَابِ الْفَرَائِضِ مُتَعَيِّنٌ لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ انْتَهَى. وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَسْتَعْمِلُ فِي عِبَارَتِهِ الْمَرْأَةَ وَهُوَ حَسَنٌ. وَطَرِيقُ الْبَسْطِ هُنَا أَنْ يُقَالَ: الْوَارِثَاتُ مِنْ النِّسَاءِ عَشْرَةٌ: الْأُمُّ، وَالْجَدَّةُ لِلْأَبِ، وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ وَإِنْ عَلَتَا، وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ، وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ، وَالزَّوْجَةُ وَالْمُعْتِقَةُ. فَلَوْ اجْتَمَعَ كُلُّ الذُّكُورِ فَقَطْ وَلَا يَكُونُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ) اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ بَلْ وَاحِدُهُ امْرَأَةٌ. وَعِبَارَةُ خ ض عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ: " مِنْ النِّسَاءِ " أَيْ الْإِنَاثِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْت النِّسَاءَ بِالْإِنَاثِ تَبَعًا لِغَيْرِي مِنْ الْمُحَقِّقِينَ لِيَدْخُلَ فِيهِنَّ الصَّغِيرَةُ مِنْ الْإِنَاثِ فَإِنَّهَا مِنْ الْإِنَاثِ لَا مِنْ النِّسَاءِ بَلْ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّ النِّسَاءَ يَخْتَصُّ بِالْبَالِغَاتِ اهـ. لَكِنْ قَوْلُهُ: " بَلْ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ إلَخْ " يُفِيدُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ دَاخِلَةٌ فِي التَّعْبِيرِ بِجِنْسِ النِّسَاءِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ الصَّغِيرَ دَاخِلٌ فِي التَّعْبِيرِ بِجِنْسِ الرِّجَالِ، فَكَلَامُ الشَّارِحِ فِي الْمَحَلَّيْنِ صَحِيحٌ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ. قَوْلُهُ: (يُؤَدِّي إلَى دُخُولِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ بِنْتَ بِنْتِ الِابْنِ لَا يُقَالُ لَهَا بِنْتُ ابْنٍ فَلَا يُتَوَهَّمُ دُخُولُهَا، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ خَطَأٌ) أَجَابَ عَنْهُ ق ل بِأَنَّ إضَافَتَهَا إلَى الِابْنِ تُخْرِجُ بِنْتَ الْبِنْتِ وَيَلْزَمُ مِنْ سُفُولِهَا سُفُولُ أَبِيهَا بَعْدَ إرَادَةِ الِابْنِ وَلَوْ مَجَازًا مَعَ انْتِسَابِهِ لِلْمَيِّتِ بِالْبُنُوَّةِ، أَيْ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْمَجَازِيَّةِ. قَوْلُهُ: (أَمُّ أَبِي الْأُمِّ فَلَا تَرِثُ) لِأَنَّهَا أَدْلَتْ بِذِكْرِ غَيْرِ وَارِثٍ، وَتُسَمَّى عِنْدَهُمْ الْجَدَّةُ الْفَاسِدَةُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ فِي عِدَّةِ رَجْعِيَّةٍ) لَا الْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا وَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا عَلَى تَفْصِيلٍ يُعْلَمُ مِنْ الشِّنْشَوْرِيِّ عَلَى الرَّحَبِيَّةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَهِيَ نِكَاحٌ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تَرِثُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ سَوَاءٌ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ، أَمَّا الْبَائِنُ فَلَا تَرِثُ عِنْدَنَا مُطْلَقًا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَغَيْرِهِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَرِثُ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَرِثُ وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِأَزْوَاجٍ. هَذَا وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ الزَّوْجَةُ وَلَوْ فِي عِدَّةِ زَوْجَةٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ رَجْعِيٍّ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَرِثَتْ بِهِ) هُوَ سَهْوٌ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ ق ل، إذْ لَيْسَ لَنَا أُنْثَى تَرِثُ بِالْوَلَاءِ غَيْرِ الْمُعْتَقَةِ، نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مُعْتَقَةِ الْمُعْتِقِ فَإِنَّهَا تَرِثُ عَتِيقَ عَتِيقِهَا، قَالَ فِي الرَّحَبِيَّةِ: وَلَيْسَ فِي النِّسَاءِ طُرًّا عَصَبَهُ ... إلَّا الَّتِي مَنَّتْ بِعِتْقِ الرَّقَبَهْ قَوْلُهُ: (وَهُوَ حَسَنٌ) أَيْ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَدَلَ عَنْ الْمَرْجُوحِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الزَّوْجَةِ بِالتَّاءِ بَلْ اسْتَعْمَلَ الْمَرْأَةَ مَحَلَّهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَلَتَا) الْأَوْلَى عَلَوَا أَوْ عَلَوَتَا؛ لِأَنَّ التَّثْنِيَةَ كَالْجَمْعِ تَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا. وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعُلُوِّ، وَقَدْ يُقَالُ أَصْلُهُ " عَلَوَتَا " تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا ثُمَّ حُذِفَتْ الْأَلِفُ لِالْتِقَائِهَا سَاكِنَةً مَعَ تَاءِ التَّأْنِيثِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 إلَّا وَالْمَيِّتُ أُنْثَى وَرِثَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ: الْأَبُ، وَالِابْنُ، وَالزَّوْجُ فَقَطْ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْجَبُونَ وَمَنْ بَقِيَ مَحْجُوبٌ بِالْإِجْمَاعِ فَابْنُ الِابْنِ بِالِابْنِ وَالْجَدُّ بِالْأَبِ، وَتَصِحُّ مَسْأَلَتُهُمْ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّ فِيهَا رُبُعًا وَسُدُسًا لِلزَّوْجِ الرُّبْعُ وَلِلْأَبِ السُّدُسُ وَلِلِابْنِ الْبَاقِي، أَوْ اجْتَمَعَ كُلُّ الْإِنَاثِ فَقَطْ وَلَا يَكُونُ إلَّا وَالْمَيِّتُ ذَكَرٌ فَالْوَارِثُ مِنْهُنَّ خَمْسٌ وَهِيَ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ وَالْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةُ، وَالْبَاقِي مِنْ الْإِنَاثِ مَحْجُوبٌ: الْجَدَّةُ بِالْأُمِّ وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ بِالْبِنْتِ وَكُلٌّ مِنْ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْمُعْتَقَةِ بِالشَّقِيقَةِ لِكَوْنِهَا مَعَ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ عَصَبَةً تَأْخُذُ الْفَاضِلَ عَنْ الْفُرُوضِ، وَتَصِحُّ مَسْأَلَتُهُمْ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّ فِيهَا سُدُسًا وَثُمُنًا لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتِ الْبَاقِي وَهُوَ سَهْمٌ، أَوْ اجْتَمَعَ الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِأَنْ اجْتَمَعَ كُلُّ الذُّكُورِ وَكُلُّ الْإِنَاثِ إلَّا الزَّوْجَةَ فَإِنَّهَا الْمَيِّتَةُ، أَوْ كُلُّ الْإِنَاثِ وَكُلُّ الذُّكُورِ إلَّا الزَّوْجَ فَإِنَّهُ الْمَيِّتُ وَرِثَ مِنْهُمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الِابْنُ وَالْأَبَوَانِ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَهُوَ الزَّوْجُ   [حاشية البجيرمي] السَّاكِنَةِ أَصَالَةً اهـ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِكَوْنِ التَّاءِ مُتَحَرِّكَةً. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمْ لَا يُحْجَبُونَ) أَيْ حِرْمَانًا وَإِنْ حُجِبُوا نُقْصَانًا وَمَنْ بَقِيَ يُحْجَبُ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: لِأَنَّ غَيْرَهُمْ مَحْجُوبُونَ بِغَيْرِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْأَبَ يَحْجُبُ الْجَدَّ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ وَالِابْنَ يَحْجُبُ ابْنَ الِابْنِ وَكُلٌّ يَحْجُبُ الْأَخَ لِأَبَوَيْنِ وَلِأُمٍّ وَالْعَمَّ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ وَابْنَ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ وَالْمُعْتِقَ كَمَا فِي ح ل. قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ لِلِابْنِ دَخْلًا فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ حَجْبَهُ لَهُمْ بِوَاسِطَةِ حَجْبِهِ لِعُصُوبَةِ الْأَبِ كَمَا سَيَأْتِي؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَدْلَى بِوَاسِطَةٍ فَهِيَ الْحَاجِبَةُ لَهُ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْحَجْبَ قَائِمٌ بِهِمْ بِشَرْطِ فَقْدِ مَنْ قَبْلَهُمْ كَمَا فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا اهـ. أَمَّا الزَّوْجُ فَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا بَلْ هُوَ مَحْجُوبٌ بِالْفَرْعِ الْوَارِثِ عَنْ النِّصْفِ. وَقَوْلُهُ: " لَا يُحْجَبُونَ " أَيْ حِرْمَانًا، وَسَكَتَ عَنْ الْحَوَاشِي لِوُضُوحِ أَنَّهُمْ يُحْجَبُونَ بِالْأَبِ وَالِابْنِ قَوْلُهُ: (فَابْنُ الِابْنِ بِالِابْنِ) أَيْ مَحْجُوبٌ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ مَسْأَلَتُهُمْ إلَخْ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ لَفْظِ تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا اُشْتُهِرَتْ فِي التَّصْحِيحِ لَا التَّأْصِيلِ. قَوْلُهُ: (الْجَدَّةُ) أَيْ جِنْسُ الْجَدَّةِ فَيَشْمَلُ جَمِيعَ الْجَدَّاتِ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مَحْجُوبُونَ بِالْأُمِّ اهـ. قَوْلُهُ: (الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ) إذْ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ. وَصَوَّرَ بَعْضُهُمْ اجْتِمَاعَهُمَا ظَاهِرًا بِمَا إذَا جِيءَ بِمَيِّتٍ مَلْفُوفٍ فِي كَفَنِهِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَمَعَهُ أَوْلَادٌ وَادَّعَى أَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ زَوْجَتُهُ وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهُ مِنْهَا وَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مَعَهَا أَوْلَادٌ وَادَّعَتْ أَنَّ الْمَيِّتَ زَوْجُهَا وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهَا مِنْهُ فَكُشِفَ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ خُنْثَى لَهُ آلَتَانِ، وَصُوِّرَ أَيْضًا بِمَا إذَا حُكِمَ بِمَوْتِ غَائِبٍ وَجَاءَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ كَذَلِكَ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً شَهِدَتْ بِمَا ادَّعَى، فَالرَّاجِحُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الرَّجُلِ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ صَحَّتْ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ وَالْإِلْحَاقُ بِالْأَبِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ وَالْمُشَاهَدَةُ أَقْوَى اهـ شَرْحُ م ر. فَيَرِثُ الْمَيِّتَ أَبَوَاهُ وَالرَّجُلُ وَأَوْلَادُهُ وَتُمْنَعُ الْمَرْأَةُ اهـ ع ش. وَقَوْلُهُ: " وَتُمْنَعُ الْمَرْأَةُ " أَيْ وَأَوْلَادُهَا. قَوْلُهُ: (ضَابِطٌ) أَيْ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ أَيْ هَذَا ضَابِطٌ، فَهُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (حَازَ جَمِيعَ التَّرِكَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَ انْفِرَادِهِمْ يَرِثُونَ بِالتَّعْصِيبِ إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ) الرَّدُّ الزِّيَادَةُ فِي قَدْرِ السِّهَامِ وَنَقْصٌ مَنْ عَدَدِهَا كَمَا فِي بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ أَصْلُ مَسْأَلَتِهِمْ مِنْ سِتَّةٍ وَتَرْجِعُ لِأَرْبَعَةٍ، وَالْعَوْلُ نَقْصٌ مِنْ قَدْرِهَا وَزِيَادَةٌ فِي عَدَدِهَا. قَوْلُهُ: (إلَّا الزَّوْجَ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: وَلَوْ كَانَا مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ رُدَّ عَلَيْهِمَا مِنْ حَيْثُ الرَّحِمُ اهـ. وَرَدَّهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْفُصُولِ فَقَالَ: فَإِنْ قُلْت كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِمَا، قُلْت: مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الرَّدَّ مُخْتَصٌّ بِذَوِي الْفُرُوضِ الْأَصْلِيَّةِ يُرَدُّ بِمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ بِأَنَّ الرَّدَّ يَجْرِي فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَصَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ؛ وَلِذَلِكَ عَلَّلَ الرَّافِعِيُّ تَقْدِيمَ الرَّدِّ عَلَى إرْثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُفِيدَةَ لِاسْتِحْقَاقِ الْفَرْضِ أَقْوَى، فَعُلِمَ أَنَّ عِلَّةَ الرَّدِّ الْقَرَابَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ لِلْفَرْضِ لَا مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا فَرْضٌ آخَرَ فَالزَّوْجَانِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا وَإِرْثُهُمَا بِالرَّحِمِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الرَّدِّ فَافْهَمْ اهـ. أَقُولُ: فَعَلَيْهِ لَوْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ زَوْجَةً فَقَطْ هِيَ بِنْتُ خَالٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ لَهَا الرُّبُعَ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَهَلْ لَهَا الْبَاقِي أَيْضًا لِكَوْنِهَا بِنْتَ خَالٍ وَبِنْتُ الْخَالِ إذَا انْفَرَدَتْ تَحُوزُ جَمِيعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 حَيْثُ الْمَيِّتُ الزَّوْجَةُ، وَهِيَ حَيْثُ الْمَيِّتُ الزَّوْجُ لِحَجْبِهِمْ مَنْ عَدَاهُمْ فَالْأُولَى مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ أَرْبَعَةٌ وَلِلزَّوْجِ الرُّبْعُ ثَلَاثَةٌ، وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَةٌ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ أَثْلَاثًا وَلَا ثُلُثَ لَهُ صَحِيحٌ، فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَبْلُغُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ. وَالثَّانِيَةُ أَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ أَثْلَاثًا وَلَا ثُلُثَ لَهُ صَحِيحٌ، فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ. ضَابِطٌ: كُلُّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْ الذُّكُورِ حَازَ جَمِيعَ التَّرِكَةِ إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ، وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَسْتَثْنِي إلَّا الزَّوْجَ وَكُلُّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْ الْإِنَاثِ لَا يَحُوزُ جَمِيعَ الْمَالِ إلَّا الْمُعْتِقَةَ، وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَسْتَثْنِي مِنْ حَوْزِ جَمِيعِ الْمَالِ إلَّا الزَّوْجَةَ. تَنْبِيهٌ. قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يَرِثُونَ، وَهُمْ كُلُّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِذِي فَرْضٍ وَلَا عَصَبَةٍ وَهُمْ أَحَدَ عَشَرَ صِنْفًا جَدٌّ وَجَدَّةٌ سَاقِطَانِ كَأَبِي أُمٍّ وَأُمِّ أَبِي أُمٍّ وَإِنْ عَلَيَا، وَهَذَانِ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَأَوْلَادُ بَنَاتٍ لِصُلْبٍ أَوْ لِابْنٍ مِنْ ذُكُورِ وَإِنَاثٍ وَبَنَاتِ إخْوَةٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ وَأَوْلَادُ أَخَوَاتٍ كَذَلِكَ، وَبَنُو إخْوَةٍ لِأُمِّ وَعَمٍّ لِأُمِّ أَيْ أَخُو الْأَبِ لِأُمِهْ، وَبَنَاتُ أَعْمَامٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمِّ وَعَمَّاتٌ بِالرَّفْعِ، وَأَخْوَالٌ وَخَالَاتٌ وَمُدْلُونَ بِهِمْ أَيْ بِمَا عَدَا الْأَوَّلِ إذْ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَوَّلِ مَنْ يُدْلِي بِهِ. وَمَحَلُّ هَذَا إذَا اسْتَقَامَ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ وَلَا ذُو فَرْضٍ مُسْتَغْرَقٍ وَرِثَ ذَوُو الْأَرْحَامِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الزَّوَائِدِ. وَفِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ مَذْهَبَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ مَذْهَبُ أَهْلِ   [حاشية البجيرمي] الْمَالِ أَوْ لَهَا الثُّلُثُ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْخَالُ لَوْ كَانَ مَعَهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ صِنْفٌ آخَرَ لَا يَحْجُبُ الْأُمَّ إلَى السُّدُسِ كَعَمَّةٍ لِأَنَّ بِنْتَ الْخَالِ هُنَا مَعَهَا زَوْجَةٌ فَكَانَ مَعَهَا شَخْصٌ آخَرُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ حَرَّرَهُ، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ. اهـ. سم. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الرَّدِّ الْقَرَابَةُ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِيهِمَا، وَمِنْ ثَمَّ تَرِثُ زَوْجَةً تُدْلِي بِعُمُومَةٍ أَوْ خُؤُولَةٍ بِالرَّحِمِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ تَرِثُ زَوْجَةٌ إلَخْ " أَيْ زِيَادَةً عَلَى حِصَّتِهَا بِالزَّوْجِيَّةِ كَمَا قَالَهُ ع ش قَوْلُهُ: (كَأَبِي أُمٍّ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ أَبِي الْأُمِّ وَبَيْنَ أُمِّ الْأُمِّ بِأَنَّ الْوِلَادَةَ فِي النِّسَاءِ مُحَقَّقَةٌ، لَكِنْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ مِيرَاثَ الذُّكُورِ أَقْوَى بِدَلِيلِ حِرْمَانِ الْإِنَاثِ عِنْدَ التَّرَاخِي كَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْعَمِّ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَلَيَا) بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ لِتَغْلِيبِ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى. وَقَالَ ع ش: الْأَنْسَبُ " وَإِنْ عَلَوْا " لِأَنَّ (عَلَا) وَاوِيٌّ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ عَلَى الْهَمَزِيَّةِ أَنَّ الْيَاءَ لُغَةٌ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِابْنٍ) أَيْ أَوْلَادٍ بَنَاتٍ لِابْنٍ. وَقَوْلُهُ: " وَأَوْلَادُ أَخَوَاتٍ " أَيْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا؛ وَلِذَا عَبَّرَ بِالْأَوْلَادِ دُونَ الْبَنَاتِ. قَوْلُهُ: (وَبَنُو إخْوَةٍ لِأُمٍّ) وَبَنَاتِهِمْ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَلِدُخُولِهِمْ فِي بَنَاتِ الْإِخْوَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. اهـ. زي. قَوْلُهُ: (بِالرَّفْعِ) أَيْ لَا بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى أَعْمَامٍ، الْمُقْتَضِي إرَادَةَ بَنَاتِهِنَّ، الْمُقْتَضِي لِتَكَرُّرِهِ مَعَ مَا بَعْدَهُ وَلِلسُّكُوتِ عَنْهُنَّ. قَوْلُهُ: (وَمُدْلُونَ بِهِمْ) أَيْ بِالْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: (إذْ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَوَّلِ مَنْ يُدْلِي بِهِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ عَلَيَا يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ أَفْرَادِ الصِّنْفِ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ عَدَمُ إرْثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ. قَوْلُهُ: (إذَا اسْتَقَامَ) أَيْ فِي قِسْمَةِ التَّرِكَاتِ وَمَا يَأْخُذُهُ فَهُوَ إرْثٌ، أَيْ بِالْعُصُوبَةِ مُرَاعًى فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، فَيُعْطَى مِنْهُ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقَ أَوْ وَلَهُ بَعْدَ الْمُوَرِّثِ لَا رَقِيقَ وَلَا مُكَاتَبَ وَلَا كَافِرَ وَلَا قَاتِلَ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ إرْثًا مَحْضًا وَلَا مَصْلَحَةً مَحْضَةً بَلْ يُرَاعَى فِيهِ الْأَمْرَانِ، وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتِحْقَاقٌ بِصِفَةٍ وَهِيَ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ فَصَارَ كَالْوَصِيَّةِ لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ غَيْرِ مَحْصُورِينَ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ، وَكَالزَّكَاةِ فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ زَكَاةَ شَخْصٍ وَيَدْفَعَهَا إلَى وَاحِدٍ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ؛ شَرْحُ الرَّوْضِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الطَّائِفَةُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفَادَهُ ح ل. وَكَأَنَّ قَضِيَّةَ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ إعْطَاءُ الْقَاتِلِ وَالْقِنِّ لَكِنَّهُمْ رَاعَوْا فِي ذَلِكَ شَائِبَةَ الْإِرْثِ، وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَلَا وَارِثَ لَهُ كَانَ فَيْئًا كَمَا فِي ح ل اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا ذُو فَرْضٍ مُسْتَغْرَقٍ) أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ أَيْضًا مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الرَّدَّ مُقَدَّمٌ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ. قِيلَ: الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَا ذَوُو فَرْضٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مُسْتَغْرَقٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْوَاحِدَ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 التَّنْزِيلِ، وَهُوَ أَنْ يُنَزَّلَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يُدْلِي بِهِ، وَالثَّانِي مَذْهَبُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ: وَهُوَ تَقْدِيمُ الْأَقْرَبِ مِنْهُمْ إلَى الْمَيِّتِ. فَفِي بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتِ بِنْتِ ابْنٍ الْمَالُ عَلَى الْأَوَّلِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا وَعَلَى الثَّانِي لِبِنْتِ الْبِنْتِ لِقُرْبِهَا إلَى الْمَيِّتِ. وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَإِلَّا فَحُكْمُهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. أَنَّهُ إذَا جَارَتْ الْمُلُوكُ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ فَظَفِرَ بِهِ أَحَدٌ يَعْرِفُ الْمَصَارِفَ أَخَذَهُ وَصَرَفَهُ فِيهَا كَمَا يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَنْ يُحْجَبُ وَمَنْ لَا يُحْجَبُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ) أَيْ الَّذِي (لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ) أَيْ الَّذِي لَا يُحْجَبُ حَجْبَ حِرْمَانٍ، وَالْحَجْبُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَنْعُ وَشَرْعًا مَنْعُ مَنْ قَامَ بِهِ سَبَبُ الْإِرْثِ مِنْ الْإِرْثِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ مِنْ أَوْفَرِ حَظَّيْهِ. وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ حَجْبَ حِرْمَانٍ وَالثَّانِي حَجْبَ نُقْصَانٍ، فَالثَّانِي كَحَجْبِ الْوَلَدِ الزَّوْجَ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ   [حاشية البجيرمي] يَكُونُ مُسْتَغْرَقًا وَالْفُرُوضُ الْمُسْتَغْرَقَةُ كَزَوْجٍ وَأَمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ الْجِنْسُ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ مُسْتَغْرَقٌ وَلَوْ بِالرَّدِّ. قَوْلُهُ: (مَنْزِلَةَ مَنْ يُدْلِي بِهِ) فَيُجْعَلُ وَلَدُ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ كَأُمِّهِمَا وَبِنْتِ الْأَخِ وَالْعَمِّ كَأَبِيهِمَا وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ كَالْأُمِّ وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ وَالْعَمَّةُ كَالْأَبِ، وَإِذَا نَزَّلْنَا كُلًّا كَمَا ذُكِرَ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ لِلْوَارِثِ لَا لِلْمَيِّتِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا قُدِّرَ كَأَنَّ الْمَيِّتَ خَلَفَ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ ثُمَّ يُجْعَلُ نَصِيبُ كُلٍّ لِمَنْ أَدْلَى بِهِ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِ مِنْهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ إلَّا أَوْلَادَ الْأُمِّ وَالْأَخْوَالَ وَالْخَالَاتِ مِنْهَا فَبِالسَّوِيَّةِ شَرْحُ م ر. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ: " مَنْزِلَةَ مَنْ يُدْلِي بِهِ " أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِرْثُ فَيَأْخُذُ مَا يَأْخُذُهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا. وَخَرَجَ بِالْإِرْثِ الْحَجْبُ، فَفِي زَوْجَةٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ لِأَنَّ بِنْتَ الْبِنْتِ لَا تَحْجُبُ الزَّوْجَةَ وَإِنْ نُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ الْبِنْتِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَا يَحْجُبُهَا مِنْ الرُّبُعِ إلَى الثُّمُنِ إلَّا الْفَرْعُ الْوَارِثُ بِالْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ كَمَا قَالَهُ الَأُجْهُورِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ بِنْتَ الْبِنْتِ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبِنْتِ، وَبِنْتَ بِنْتِ ابْنٍ مَنْزِلَةَ بِنْتِ الِابْنِ، فَكَأَنَّ الْمَيِّتَ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَمَسْأَلَتُهُمَا مِنْ سِتَّةٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ وَاحِدٌ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ وَمَجْمُوعُهُمَا أَرْبَعَةٌ، وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي وَهُوَ اثْنَانِ بَيْنَهُمَا عَلَى نِسْبَةِ فَرْضَيْهِمَا أَرْبَاعًا لِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ رُبُعُهُمَا وَهُوَ نِصْفٌ لِأَنَّ نِسْبَةَ نَصِيبِهَا وَهُوَ وَاحِدٌ لِلْأَرْبَعَةِ رُبْعٌ وَلِبِنْتِ الْبِنْتِ وَاحِدٌ وَنِصْفٌ فَحَصَلَ الْكَسْرُ عَلَى مَخْرَجِ النِّصْفِ فَيُضْرَبُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ يَحْصُلُ اثْنَا عَشَرَ لِبِنْتِ الْبِنْتِ نِصْفُهَا سِتَّةٌ وَلِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ اثْنَانِ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ يُرَدُّ عَلَى بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ وَاحِدٌ لِأَنَّ نِسْبَةَ نَصِيبِهَا وَهُوَ اثْنَانِ إلَى مَجْمُوعِ الثَّمَانِيَةِ رُبُعٌ فَيَكُونُ لَهَا رُبُعُ الْبَاقِي وَيُرَدُّ عَلَى بِنْتِ الْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّ نِسْبَةَ نَصِيبِهَا وَهُوَ سِتَّةٌ إلَى الثَّمَانِيَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ فَيَكُونُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَيَكُونُ مَعَهَا تِسْعَةٌ وَبَيْنَ الْأَنْصِبَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ تُوَافِقُ بِالثُّلُثِ فَيَرْجِعُ كُلُّ نَصِيبٍ إلَى ثُلُثِهِ فَتَرْجِعُ التِّسْعَةُ إلَى ثَلَاثَةٍ وَالثَّلَاثَةُ إلَى وَاحِدٍ وَالْمَسْأَلَةُ إلَى ثُلُثِهَا وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: " أَرْبَاعًا "، أَوْ يُقْطَعُ النَّظَرُ عَنْ الِاثْنَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَتُجْعَلُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ فَرْضًا وَرَدًّا وَلِبِنْتِ الِابْنِ وَاحِدٌ فَرْضًا وَرَدًّا فَمَا كَانَ لِلْبِنْتِ يُجْعَلُ لِبِنْتِهَا وَمَا كَانَ لِبِنْتِ الِابْنِ وَهُوَ وَاحِدٌ يُجْعَلُ لِبِنْتِهَا. وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ فَالْمَالُ لِبِنْتِ الْبِنْتِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (وَصَرَفَهُ فِيهَا) وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُبَاشِرِ لِذَلِكَ صَرْفُهُ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فَقَطْ، بَلْ لَوْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي صَرْفِهِ فِي مَحَلَّةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ مَحَلَّتِهِ وَجَبَ نَقْلُهُ إلَيْهَا. قَالَ سم: وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ وَلِعِيَالِهِ مَا يَحْتَاجُهُ، وَهَلْ هُوَ مِقْدَارُ حَاجَةِ الْعُمْرِ الْغَالِبِ أَوْ سَنَةٍ أَوْ أَقَلَّ؟ حُرِّرَ؛ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: يَأْخُذُ مَا يَكْفِيهِ الْعُمْرَ الْغَالِبَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يَدْفَعُهُ لَهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ اهـ. {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [النساء: 8] اُسْتُحِبَّ دَفْعُ شَيْءٍ لَهُمْ وَلَا يَجِبُ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَلَا يُدْفَعُ شَيْءٌ مِنْ نَصِيبِ قَاصِرٍ اهـ مُنَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ) وَلَهُ أَنْ يَحْفَظَهُ إلَى أَنْ يَتَوَلَّى سُلْطَانٌ عَادِلٌ. قَوْلُهُ: (بِحَالٍ) أَيْ بِالشَّخْصِ وَقَوْلُهُ حَجْبُ حِرْمَانٍ أَيْ بِالشَّخْصِ. قَوْلُهُ: (مَنْعُ مَنْ قَامَ بِهِ سَبَبُ الْإِرْثِ) أَيْ مِنْ الْإِرْثِ فَمَنْعُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (حَجْبَ حِرْمَانٍ) وَهُوَ بِالْوَصْفِ يَدْخُلُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَبِالشَّخْصِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ؛ وَالْأَوَّلُ قِسْمَانِ: حَجْبٌ بِالْوَصْفِ وَيُسَمَّى مَنْعًا كَالْقَتْلِ وَالرِّقِّ وَسَيَأْتِي وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ أَيْضًا. وَحَجْبٌ بِالشَّخْصِ أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَمَنْ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ: (خَمْسَةٌ) وَهُمْ (الزَّوْجَانِ وَالْأَبَوَانِ وَوَلَدُ الصُّلْبِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَهَذَا إجْمَاعٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ بِنَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ وَلَيْسَ فَرْعًا لِغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ فَخَرَجَ بِقَوْلِنَا: وَلَيْسَ فَرْعًا لِغَيْرِهِ الْمُعْتِقُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَإِنَّهُ وَإِنْ أَدْلَى بِنَفْسِهِ يُحْجَبُ لِأَنَّهُ فَرْعٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ النَّسَبُ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَضَابِطُ مَنْ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْحَجْبُ بِالشَّخْصِ حَجْبُ حِرْمَانٍ كُلُّ مَنْ أَدْلَى إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ إلَّا الْمُعْتِقُ وَالْمُعْتِقَةُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحَجْبِ بِالْوَصْفِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ) أَيْ الَّذِي (لَا يَرِثُ بِحَالٍ) أَيْ مُطْلَقًا سَبْعَةٌ بَلْ أَكْثَرُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ   [حاشية البجيرمي] عَلَى بَعْضِهِمْ، وَهُوَ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (حَجْبَ نُقْصَانٍ) وَلَا يَكُونُ إلَّا بِالشَّخْصِ وَيَدْخُلُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، فَالِابْنُ يُحْجَبُ بِأَخِيهِ أَيْ يُنْقِصُهُ عَنْ نَصِيبِهِ وَهُوَ جَمِيعُ الْمَالِ أَوْ جَمِيعُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ صَارَ يُشَارِكُهُ فِيهِ، وَكَوْنُ هَذَا حَجْبًا فِيهِ مُسَامَحَةٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْبِنْتِ مَعَ أُخْتِهَا فَإِنَّهَا حَجَبَتْهَا مِنْ النِّصْفِ إلَى الثُّلُثِ وَهُوَ إمَّا بِالِانْتِقَالِ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ كَالْأُمِّ أَوْ إلَى التَّعْصِيبِ كَالْبِنْتِ مَعَ أَخِيهَا أَوْ مِنْ تَعْصِيبٍ إلَى تَعْصِيبٍ كَالْأَخِ مَعَ أَخِيهِ أَوْ إلَى فَرْضٍ كَالْجَدِّ أَوْ مُزَاحَمَةٍ فِي فَرْضٍ كَالْبَنَاتِ أَوْ فِي التَّعْصِيبِ كَالْأَخَوَاتِ مَعَهُنَّ؛ فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ. وَمَدَارُ الْحَجْبِ عَلَى التَّقْدِيمِ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثٍ، وَهِيَ: الْجِهَةُ ثُمَّ الْقُرْبُ ثُمَّ الْقُوَّةُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا الْجَعْبَرِيُّ بِقَوْلِهِ: فَبِالْجِهَةِ التَّقْدِيمُ ثُمَّ بِقُرْبِهِ ... وَبَعْدَهُمَا التَّقْدِيمُ بِالْقُوَّةِ اجْعَلَا قَوْلُهُ: (أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ) عَطْفُهُ عَلَى الشَّخْصِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَجْبِ بِالشَّخْصِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ مِنْهُ لِأَنَّ الْحَاجِبَ هُمْ الْوَرَثَةُ الْمُسْتَغْرِقُونَ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ مَعَهُ. قَوْلُهُ: (كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ مِنْ مَنْطُوقِهِ. قَوْلُهُ: (بِنَفْسِهِ) أَيْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ. وَهُمْ سَبْعَةٌ: الِابْنُ وَالْبِنْتُ وَالْأَبَوَانِ وَالزَّوْجَانِ وَالْمُعْتِقُ، فَمَا عَدَا الْأَخِيرِ لَا يُحْجَبُونَ حَجْبَ حِرْمَانٍ بِالشَّخْصِ أَصْلًا، وَقَدْ أَخْرَجَ الْأَخِيرَ بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ فَرْعًا إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ مُقَدَّمٌ) هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِهِ: " وَلَيْسَ فَرْعًا لِغَيْرِهِ " أَيْ فَهُوَ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمْ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْمُعْتِقِ فَهُوَ فَرْعٌ وَالْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ. هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَوْجِيهٌ لِعَدَمِ إرْثِ الْمُعْتِقِ مَعَ عَصَبَةِ النَّسَبِ مَعَ أَنَّهُ يُدْلِي بِنَفْسِهِ لِلْمَيِّتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَوْجِيهٌ لِتَقْدِيمِ الْمُصَنِّفِ الْأَبَوَيْنِ عَلَى وَلَدِ الصُّلْبِ فِي الذَّكَرِ وَإِلَّا فَالْفَرْعُ مُقَدَّمٌ فِي الْجِهَةِ لِأَنَّ جِهَةَ الْبُنُوَّةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى جِهَةِ الْأُبُوَّةِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْجُدُودِ وَالْإِخْوَةِ ثُمَّ بُنُوَّتُهَا ثُمَّ الْعُمُومَةُ ثُمَّ الْوَلَاءُ وَفِي كُلٍّ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَالِابْنِ مَعَ ابْنِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا قُرْبًا فَبِالْقُوَّةِ كَالْأَخِ الشَّقِيقِ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَسَيَأْتِي ق ل. قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْمُعْتِقَ خَرَجَ بِقَوْلِهِ: " بِنَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ " وَحِينَئِذٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ: " وَلَيْسَ فَرْعًا لِغَيْرِهِ " إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ أَفَادَ كَوْنَ الْإِرْثِ بِالْعِتْقِ فَرْعَ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا أَوْلَى) أَيْ قَوْلُهُ وَمَنْ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ. وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ فِيهِ ضَبْطَهُمْ تَفْصِيلًا، بِخِلَافِ هَذَا الضَّابِطِ فَإِنَّ فِيهِ إجْمَالًا إذْ لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينُهُمْ. اهـ. شَيْخُنَا. وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَا فِي الْمُحَشِّي بِحَيْثُ قَالَ: لَمْ يَتَّضِحْ وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ اشْتِمَالُ الْأَوَّلِ عَلَى كَوْنِ الْعِتْقِ فَرْعَ النَّسَبِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمُجَرَّدِهِ فَالْأَمْرُ سَهْلٌ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ بَيَانُهُمْ أَيْ بَيَانُ الَّذِينَ لَا يُحْجَبُونَ تَفْصِيلًا بِخِلَافِ ذَاكَ اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ الَّذِي) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَيْ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ، لِأَنَّ " مَنْ " وَاقِعَةٌ عَلَى مُتَعَدِّدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ أَيْضًا نَحْوَ: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69] . وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ رَاعَى لَفْظَ " مَنْ " لِأَنَّ لَفْظَهَا مُفْرَدٌ وَمَعْنَاهَا مُتَعَدِّدٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 الْأَوَّلُ: (الْعَبْدُ) قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ: الْعَبْدُ هُوَ الْمَمْلُوكُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. (وَ) الثَّانِي: الرَّقِيقُ (الْمُدَبَّرُ و) الثَّالِثُ: (أُمُّ الْوَلَدِ و) الرَّابِعُ: الرَّقِيقُ (الْمُكَاتَبُ) لِنَقْصِهِمْ بِالرِّقِّ. وَكَانَ الْأَخْصَرُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَةٌ بَدَلَ سَبْعَةٍ، وَيُعَبَّرُ عَنْ هَؤُلَاءِ بِالرِّقِّ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ. تَنْبِيهٌ: إطْلَاقُهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَامِلِ الرِّقِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُبَعَّضَ لَا يَرِثُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِالرِّقِّ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْوِلَايَةِ فَلَمْ يَرِثْ كَالْقِنِّ وَلَا يُوَرَّثُ الرَّقِيقُ كُلُّهُ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَيُوَرَّثُ عَنْهُ مَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ لِأَنَّهُ تَامُّ الْمِلْكِ عَلَيْهِ فَيَرِثُهُ عَنْهُ قَرِيبُهُ الْحُرُّ أَوْ مُعْتَقُ بَعْضِهِ وَزَوْجَتِهِ، وَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ لِاسْتِيفَائِهِ حَقَّهُ مِمَّا اكْتَسَبَهُ بِالرِّقِّيَّةِ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ كَوْنِ الرَّقِيقِ لَا يُوَرَّثُ كَافِرٌ لَهُ أَمَانٌ وَجَبَتْ لَهُ جِنَايَةٌ حَالَ حُرِّيَّتِهِ وَأَمَانَةٌ، ثُمَّ نَقَضَ الْأَمَانَ فَسُبِيَ وَاسْتُرِقَّ وَحَصَلَ الْمَوْتُ بِالسِّرَايَةِ فِي حَالِ رِقِّهِ، فَإِنَّ قَدْرَ الْأَرْشِ مِنْ قِيمَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلَيْسَ لَنَا رَقِيقٌ كُلُّهُ يُوَرَّثُ إلَّا هَذَا. (وَ) الْخَامِسُ (الْقَاتِلُ) فَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ مِنْ مَقْتُولِهِ مُطْلَقًا لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ» أَيْ مِنْ   [حاشية البجيرمي] فَيَجُوزُ مُرَاعَاةُ كُلٍّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ أَيْ بِسَبَبٍ دُونَ سَبَبٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: " مُطْلَقًا " أَيْ بِجِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ أَيْ لَا بِجِهَةِ قَرَابَةٍ وَلَا بِجِهَةِ وَلَاءٍ وَلَا بِجِهَةِ زَوْجِيَّةٍ، وَيَحْتَمِلُ تَفْسِيرَ الْإِطْلَاقِ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ تَدَبَّرْ، وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ بَابَ الْحَجْبِ أَنْ يُفْتِيَ فِي الْفَرَائِضِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمَحْجُوبَ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ: (وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ) تَأْيِيدٌ لِكَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ. قَوْلُهُ: (ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى) أَوْ خُنْثَى. قَوْلُهُ: (لِنَقْصِهِمْ بِالرِّقِّ) وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ لَوْ وَرِثَ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ لِسَيِّدِهِ، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَرِثُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَذَلِكَ يَجُوزُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَيُعَبَّرُ عَنْ هَؤُلَاءِ بِالرِّقِّ) أَيْ ذِي الرِّقِّ. قَوْلُهُ: (فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ) فَيَقْتَصِرُ عَلَى زَوْجَتَيْنِ وَيَمْلِكُ طَلْقَتَيْنِ قَوْلُهُ: (وَالْوِلَايَةُ) فَلَا يَلِي أَصْلًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يُوَرَّثُ الرَّقِيقُ إلَخْ) زِيَادَةٌ عَلَى مَا الْكَلَامُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: " كُلُّهُ " فَاعِلُ الرَّقِيقِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُعْتَقُ بَعْضِهِ) عَطَفَ بِأَوْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ قَدْ لَا يَجْتَمِعُ إرْثُ قَرِيبِهِ الْحُرِّ مَعَ إرْثِ مُعْتَقِ بَعْضِهِ، وَأَتَى بِالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَزَوْجَتِهِ إشَارَةً إلَى الِاجْتِمَاعِ. قَوْلُهُ: (وَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ) أَيْ مَالِكِ بَعْضِهِ. قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى) قَالَ م ر يُمْكِنُ مَنْعُ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنَّ أَقَارِبَهُ إنَّمَا وَرِثُوهُ نَظَرًا لِلْحُرِّيَّةِ السَّابِقَةِ لِاسْتِقْرَارِهَا قَبْلَ الرِّقِّ؛ لَكِنْ وَجْهُ الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ النَّظَرُ لِكَوْنِهِمْ حَالَ الْمَوْتِ أَحْرَارًا وَهُوَ قِنٌّ. قَوْلُهُ: (وَجَبَتْ لَهُ جِنَايَةٌ) أَيْ أَرْشُ جِنَايَةٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ قَدْرَ الْأَرْشِ) أَيْ أَرْشِ الْعُضْوِ وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِسَيِّدِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْجَانِيَ يَضْمَنُهُ بِالْقِيمَةِ. ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى مَالِهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ كَقَطْعِ يَدِهِ فَهُوَ الْوَاجِبُ لِلْوَارِثِ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْجَانِي الْبَاقِي مِنْهَا لِمُسْتَرِقِّهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ الْأَرْشِ أَوْ مُسَاوِيَةً لَهُ فَازَ بِهَا الْوَارِثُ وَلَا شَيْءَ لِمُسْتَرَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِ مَا لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَعَلَى الْجَانِي الْقِيمَةُ وَلِلْوَارِثِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ وَدِيَةُ النَّفْسِ الْوَاجِبَةِ بِالسِّرَايَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَازَ بِهَا الْوَارِثُ، وَإِنْ كَانَتْ دِيَةُ النَّفْسِ أَقَلَّ فَالزَّائِدُ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى الدِّيَةِ لِمُسْتَرَقِّهِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِالْجِنَايَةِ فِي مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْجَانِي الْقِيمَةُ مُطْلَقًا لِقَاعِدَةِ أَنَّ مَا كَانَ مَضْمُونًا فِي الْحَالَيْنِ حَالَ الْجِنَايَةِ وَحَالَ الْمَوْتِ الْعِبْرَةُ فِيهِ بِالِانْتِهَاءِ وَهُوَ أَعْنِي الِانْتِهَاءَ فِي حَالِ رِقِّهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ) هُوَ مِنْ الْإِظْهَارِ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ بِلَا فَائِدَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَهُ دَخْلٌ فِي الْقَتْلِ وَلَوْ بِسَبَبٍ أَوْ شَرْطٍ كَحَفْرِ بِئْرٍ عَمْدًا عُدْوَانًا، فَيَشْمَلُ الشَّاهِدَ وَالْمُزَكِّي وَالْقَاضِي مَا عَدَا الْمُفْتِي وَرَاوِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُخْبِرٌ وَالْقَاضِي مُلْزِمٌ وَكُلٌّ مِنْ الشَّاهِدِ وَالْمُزَكِّي سَبَبٌ لِحُكْمِهِ، وَمِثْلُ الْمُفْتِي وَرَاوِي الْحَدِيثِ الْقَاتِلُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالْحَالِ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا. اهـ. م د. وَلَوْ سَقَاهُ دَوَاءً فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ حَاذِقًا وَرِثَ وَإِلَّا فَلَا وَأَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَدْ يَرِثُ الْمَقْتُولُ مِنْ قَاتِلِهِ كَأَنْ يَجْرَحَهُ وَيَمُوتَ هُوَ قَبْلَهُ اهـ. وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى لَحْمًا وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ فَأَكَلَتْ مِنْهُ حَيَّةٌ ثُمَّ أَكَلَتْ مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 الْمِيرَاثِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُسْتَعْجَلَ بِالْقَتْلِ فَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ حِرْمَانَهُ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ قَطْعُ الْمُوَالَاةِ وَهِيَ سَبَبُ الْإِرْثِ. وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَمْ غَيْرَهُ، مَضْمُونًا أَمْ لَا، بِمُبَاشَرَةٍ أَمْ لَا، قَصَدَ مَصْلَحَتَهُ كَضَرْبِ الْأَبِ أَوْ الزَّوْجِ أَوْ الْمُعَلِّمِ أَمْ لَا؛ مُكْرَهًا أَمْ لَا فَكُلُّ ذَلِكَ تَنَاوَلَهُ إطْلَاقُهُ (وَ) السَّادِسُ (الْمُرْتَدُّ) وَنَحْوُهُ كَيَهُودِيٍّ تَنَصَّرَ فَلَا يَرِثُ أَحَدًا إذْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مُوَالَاةٌ فِي الدِّينِ لِأَنَّهُ تَرَكَ دِينًا كَانَ يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَرُّ عَلَى دَيْنِهِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَوْ عَادَ بَعْدَهُ لِلْإِسْلَامِ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ، وَمَا وَقَعَ لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا، وَأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ تَبَيَّنَ إرْثُهُ غَلَّطَهُ فِي ذَلِكَ صَاحِبُهُ السُّبْكِيُّ فِي الِابْتِهَاجِ. وَقَالَ إنَّهُ فِيهِ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ. تَنْبِيهٌ: تَنَاوَلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْمُعْلَنَ وَغَيْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَكَمَا لَا يَرِثُ الْمُرْتَدُّ لَا يُوَرَّثُ لِمَا مَرَّ لَكِنْ لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ طَرَفَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ الْمَقْطُوعُ وَمَاتَ سِرَايَةً وَجَبَ قَوَدُ الطَّرَفِ وَيَسْتَوْفِيهِ مَنْ كَانَ وَارِثَهُ لَوْلَا الرِّدَّةَ، وَمِثْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ. (وَ) السَّابِعُ (أَهْلُ مِلَّتَيْنِ) مُخْتَلِفَتَيْنِ كَمِلَّتَيْ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ، فَلَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا. وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ؛ وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ. فَإِنْ   [حاشية البجيرمي] زَوْجَتُهُ فَمَاتَتْ أَنَّهُ يَرِثُهَا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي أَكْلِ الْحَيَّةِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ إذَا أَحْبَلَ زَوْجَتَهُ وَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ إذْ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مَوْتِهَا وَإِنْ كَانَ وَطْؤُهُ سَبَبًا فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ إلَخْ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَحِكْمَتُهُ خَوْفُ الِاسْتِعْجَالِ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِالْقَتْلِ فِي الْأَصْلِ. وَمِنْ كَلَامِ الْبُلَغَاءِ: مَنْ اسْتَعْجَلَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ، أَيْ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (أَنْ يَسْتَعْجِلَ) أَيْ الْإِرْثَ. قَوْلُهُ: (بِمُبَاشَرَةٍ أَمْ لَا) كَسَبَبٍ وَشَرْطٍ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ فِي الشَّرْطِ ز ي. قَوْلُهُ: (قَصَدَ مَصْلَحَتَهُ) أَيْ الْقَاتِلُ قَصَدَ الْمَصْلَحَةَ لِلْمَقْتُولِ. وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: قَصَدَ بِهِ مَصْلَحَتَهُ، فَالضَّمِيرُ فِي " بِهِ " رَاجِعٌ لِلْقَتْلِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ قَصَدَ بِالْقَتْلِ أَيْ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الضَّرْبُ مَصْلَحَتَهُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُ) كَالْمُنْتَقِلِ مِنْ دِينٍ لِدِينٍ. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ. قَوْلُهُ: (مِنْ تَقْيِيدِهِ) أَيْ تَقْيِيدِ عَدَمِ إرْثِ الْمُرْتَدِّ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ إنَّهُ فِيهِ) أَيْ فِي التَّقْيِيدِ. قَوْلُهُ: (خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ) أَيْ إجْمَاعِ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ. قَوْلُهُ: (الْمُعْلَنَ) أَيْ بِالرِّدَّةِ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ أَنَّهُ لَا مُوَالَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ وَمَالُهُ فَيْءٌ وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ م د. قَوْلُهُ: (وَجَبَ قَوَدُ الطَّرَفِ) لِاحْتِرَامِهِ حَالَ الْجِنَايَةِ، فَلَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ لَمْ يَدْفَعْ لِوَارِثِهِ لِأَنَّ مَالَهُ فَيْءٌ وَقَوْلُهُ وَيَسْتَوْفِيهِ أَيْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (وَأَهْلُ مِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ) أَيْ حَالَ الْمَوْتِ وَإِنْ طَرَأَ خِلَافُهُ فَلَا يُرَدُّ مَا لَوْ مَاتَ الْكَافِرُ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ فَأَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْحَمْلِ تَبَعًا وَيَرِثُ مِنْ أَبِيهِ لِلْحُكْمِ بِكُفْرِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَقَوْلُهُ: " كَمِلَّتَيْ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ " خَرَجَ بِهِ الِاخْتِلَافُ فِي الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ فَيَرِثُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ كَمَا يَأْتِي اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ: " وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ " أَيْ قَطْعًا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ) عِبَارَةُ الشِّنْشَوْرِيِّ: أَمَّا عَدَمُ إرْثِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمِ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا عَكْسُهُ فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِمُعَاذٍ وَمُعَاوِيَةَ وَمَنْ وَافَقَهُمَا، وَدَلِيلُهُمَا وَالْجَوَابُ عَنْهُ ذَكَرْته فِي شَرْحِ التَّرْتِيبِ. وَقَوْلُهُ: " فَبِالْإِجْمَاعِ " مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَوْلُهُ: " خِلَافًا لِمُعَاذٍ وَمُعَاوِيَةَ " أَيْ مِنْ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ: " ذَكَرْته إلَخْ " قَالَ فِيهِ: الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ خَبَرُ: «الْإِسْلَامُ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ» وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخَبَرَ إنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ يَزِيدُ بِفَتْحِ الْبِلَادِ وَلَا يَنْقُصُ بِالِارْتِدَادِ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَمَرْدُودٌ بِالْعَبْدِ يَنْكِحُ الْحُرَّةَ وَلَا يَرِثُهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 قِيلَ: يُرَدُّ عَلَى مَا ذُكِرَ مَا لَوْ مَاتَ كَافِرٌ عَنْ زَوْجَةٍ كَافِرَةٍ حَامِلٍ وَوُقِفَ الْمِيرَاثُ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ مِنْهُ مَعَ حُكْمِنَا بِإِسْلَامِهِ بِإِسْلَامِ أُمِّهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ يَوْمَ مَوْتِ أَبِيهِ وَقَدْ وَرِثَ مُذْ كَانَ حَمْلًا وَلِهَذَا قَالَ الْكَتْنَانِيُّ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ لَنَا جَمَادًا يَمْلِكُ وَهُوَ النُّطْفَةُ. وَاسْتَحْسَنَهُ السُّبْكِيُّ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْجَمَادُ مَا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَلَا كَانَ حَيَوَانًا. يَعْنِي وَلَا أَصْلَ حَيَوَانٍ. وَخَرَجَ بِمِلَّتَيْ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ مِلَّتَا الْكُفْرِ إذَا كَانَ لَهُمَا عَهْدٌ فَيَتَوَارَثَانِ كَيَهُودِيٍّ مِنْ نَصْرَانِيٍّ، وَنَصْرَانِيٍّ مِنْ مَجُوسِيٍّ، وَمَجُوسِيٍّ مِنْ وَثَنِيٍّ وَبِالْعَكْسِ لِأَنَّ جَمِيعَ مِلَلِ الْكُفْرِ فِي الْبُطْلَانِ كَالْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ قَالَ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] . فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إرْثُ الْيَهُودِيِّ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسُهُ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مِلَّةٍ إلَى مِلَّةٍ لَا يُقَرُّ؟ أُجِيبَ بِتَصَوُّرِ ذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ وَالنِّكَاحِ وَفِي النَّسَبِ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يَهُودِيًّا وَالْآخَرُ نَصْرَانِيًّا، إمَّا بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَعْدَ بُلُوغِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدَانِ وَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْيَهُودِيَّةَ وَالْآخَرُ النَّصْرَانِيَّةَ جُعِلَ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا بِالْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ وَالْأُخُوَّةِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ أَمَّا الْحَرْبِيُّ وَغَيْرُهُ كَذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا. وَالثَّامِنُ إبْهَامُ وَقْتِ الْمَوْتِ، فَلَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ فِي بِلَادِ غُرْبَةٍ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا عِلْمُ   [حاشية البجيرمي] وَالْمُسْلِمُ يَغْتَنِمُ مَالَ الْحَرْبِيِّ وَلَا يَرِثُهُ وَبِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنَاهُ عَلَى التَّوَالِي وَقَضَاءُ الْوَطَرِ وَالْإِرْثُ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ فَافْتَرَقَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ اتِّصَالُنَا بِهِمْ فِيهِ شَرَفٌ لَهُمْ اخْتَصَّ بِأَهْلِ الْكِتَابِ اهـ. قَوْلُهُ: (الْكَتْنَانِيُّ) وُجِدَ بِضَبْطِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: الْكَتْنَانِيُّ، بِتَاءٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ نُونٍ وَالتَّاءُ سَاكِنَةٌ وَالْكَافُ مَفْتُوحَةٌ. قَوْلُهُ: (إنَّ لَنَا جَمَادًا يَمْلِكُ) قَدْ يُقَالُ: لَوْ قِيلَ لَنَا جَمَادٌ يَرِثُ لَكَانَ أَغْرَبَ لِظُهُورِ أَنَّ الْجَمَادَ قَدْ يَمْلِكُ كَالْمَسَاجِدِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُ مَا إذَا وُهِبَ لَهَا عَقَارٌ أَوْ نَحْوُهُ سم. وَقَوْلُهُ: " وَهُوَ النُّطْفَةُ " أَيْ وَإِنْ لَمْ تَسْتَدْخِلْهَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، سم أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ نَظَرٌ) أَيْ فِي كَوْنِهِ جَمَادًا. قَوْلُهُ: (إذْ الْجَمَادُ إلَخْ) وَهَذَا مُخْرِجٌ لِلْحَمْلِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْكَتْنَانِيِّ بِالْجَمَادِ الْمَسْجِدَ إنْ لَمْ تُعْلَمْ إرَادَتُهُ الْحَمْلَ فَيَكُونُ النَّظَرُ مُتَوَجِّهًا عَلَى الشَّارِحِ، فَإِنْ عَلِمَ إرَادَتَهُ لَهُ تَوَجَّهَ النَّظَرُ عَلَيْهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ م ر أَنَّ تَفْسِيرَ الْجَمَادِ بِمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ فَلَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهُ فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ فَيُرَادُ بِهِ فِي بَعْضِهَا مَا لَا رُوحَ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَمَا ذَكَرَهُ الْكَتْنَانِيُّ صَحِيحٌ فِي الْحَمْلِ لَكِنَّهُ خَاصٌّ بِبَعْضِ أَوْقَاتِهِ أَيْ وَقْتِ كَوْنِهِ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً، وَأَمَّا بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْجَمَادِ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ عَلَى الْحَمْلِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ بِالْكُفْرِ قَدْ نُظِرَ فِيهِ فَحَرِّرْهُ؛ ح ف عَلَى الشِّنْشَوْرِيِّ. قَوْلُهُ: (وَالنِّكَاحُ) كَأَنْ تَزَوَّجَ يَهُودِيٌّ نَصْرَانِيَّةً فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَهَذَا غَيْرُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: " إمَّا بِنِكَاحٍ " لِأَنَّ الْآتِيَ فِي حُكْمِ أَوْلَادِ الزَّوْجَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا دِينَ أَبِيهِ وَالْآخَرُ دِينَ أُمِّهِ. قَوْلُهُ (بَيْنَهُمَا) أَيْ وَبَيْنَ أَبِيهِمَا وَأُمِّهِمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " بِالْأُبُوَّةِ إلَخْ " أَيْ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ وَرِثَ مِنْهُمَا أَبُوهُمَا وَأُمُّهُمَا وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهَا فِي الدِّينِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْحَرْبِيُّ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: " إذَا كَانَ لَهُمَا عَهْدٌ " وَالْحَرْبِيُّ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ " فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ " وَالرَّابِطُ إعَادَتُهُ بِلَفْظِهِ. قَوْلُهُ: (وَمُعَاهَدٌ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا عَلَى صِيغَةِ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مِنْ اثْنَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ يَفْعَلُ بِصَاحِبِهِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ صَاحِبُهُ بِهِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ فِي الْمَعْنَى فَاعِلٌ، هَذَا كَمَا يُقَالُ مُكَاتَبٌ وَمُكَاتِبٌ وَمُضَارَبٌ وَمُضَارِبٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَا بِدَارٍ وَاحِدَةٍ، كَأَنْ عَقَدَ الذِّمَّةَ لِطَائِفَةٍ مِنْ بَلَدٍ وَاسْتَمَرَّ الْبَاقُونَ عَلَى الْحِرَابَةِ وَبَيْنَهُمْ قَرَابَةٌ وَنَحْوُهَا. وَلَوْ قَالَ: فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، لَكَانَ أَخْصَرَ. قَوْلُهُ: (إبْهَامُ وَقْتِ الْمَوْتِ) أَيْ انْبِهَامُهُ. وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي عَدِّ مَنْ لَا يَرِثُ بِحَالٍ وَهُوَ أَشْخَاصٌ وَالْإِبْهَامُ لَيْسَ مِنْهَا أَيْ الْأَشْخَاصِ بَلْ مِنْ الْمَوَانِعِ فَكَيْفَ عَدَّهُ مِنْهَا؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ ذُو إبْهَامٍ أَيْ الشَّخْصِ الَّذِي أُبْهِمَ وَقْتُ مَوْتِهِ أَيْ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 سَبْقٍ أَوْ جَهْلٍ؛ لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ شَيْئًا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ كَمَا مَرَّ تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ وَالْجَهْلُ بِالسَّبْقِ صَادِقٌ بِأَنْ يُعْلَمَ أَصْلُ السَّبْقِ وَلَا يُعْلَمَ عَيْنُ السَّابِقِ وَبِأَنْ لَا يُعْلَمَ سَبْقٌ أَصْلًا. وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ خَمْسٌ: الْعِلْمُ بِالْمَعِيَّةِ الْعِلْمُ بِالسَّبْقِ وَعَيْنُ السَّابِقِ الْجَهْلُ بِالْمَعِيَّةِ وَالسَّبْقِ الْجَهْلُ بِعَيْنِ السَّابِقِ مَعَ الْعِلْمِ بِالسَّبْقِ الْتِبَاسُ السَّابِقِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ، فَفِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ يُوقَفُ الْمِيرَاثُ إلَى الْبَيَانِ أَوْ الصُّلْحِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ، وَفِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ تَرِكَةُ كُلٍّ مِنْ الْمَيِّتِينَ بِغَرَقٍ وَنَحْوِهِ لِبَاقِي وَرَثَتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَرَّثَ الْأَحْيَاءَ مِنْ الْأَمْوَاتِ، وَهُنَا لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ عِنْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ فَلَمْ يَرِثْ كَالْجَنِينِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا. وَالتَّاسِعُ الدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ وَقَدْ مَرَّ مِثَالُهُ. وَالْعَاشِرُ اللِّعَانُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ التَّوَارُثَ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْهَائِمِ فِي شَرْحِ كَافِيَتِهِ الْمَوَانِعُ: الْحَقِيقِيَّةُ أَرْبَعَةٌ: الْقَتْلُ وَالرِّقُّ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ وَالدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ؛ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَتَسْمِيَتُهُ مَانِعًا مَجَازٌ. وَقَالَ فِي غَيْرِهِ: إنَّهَا سِتَّةٌ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالرِّدَّةُ وَاخْتِلَافُ الْعَهْدِ، وَأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا مَجَازٌ وَانْتِفَاءُ الْإِرْثِ مَعَهُ لَا لِأَنَّهُ مَانِعٌ بَلْ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ كَمَا فِي جَهْلِ التَّارِيخِ، وَهَذَا أَوْجَهُ وَعَدَّ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمَوَانِعِ النُّبُوَّةَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ لَا يَتَمَنَّى أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ مَوْتَهُمْ لِذَلِكَ   [حاشية البجيرمي] يُدْرَى هَلْ هُوَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذِكْرُ إبْهَامِ وَقْتِ الْمَوْتِ سَرَى لَهُ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِهِمْ لَهُ فِي مَوَانِعِ الْإِرْثِ، وَكَذَا الدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ وَاللِّعَانُ سَرَيَا لَهُ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِهِمْ لَهُمَا فِي الْمَوَانِعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: وَقَالَ ابْنُ الْهَائِمِ فِي شَرْحِ كَافِيَتِهِ الْمَوَانِعُ الْحَقِيقِيَّةُ أَرْبَعَةٌ حَيْثُ أَطْلَقَ عَلَيْهَا مَوَانِعُ شَيْخِنَا. قَوْلُهُ: (أَوْ هَدْمٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ: الِانْهِدَامُ وَلَوْ بِغَيْرِ فِعْلٍ، وَبِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ: الْمَهْدُومُ، وَبِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ: الثَّوْبُ الْبَالِي، وَالْهَدْمَةُ الدُّفْعَةُ مِنْ الْمَالِ، وَالْمُهَدَّمُ الْمُصْلَحُ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمَقْبُولِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ، لِكَوْنِهِ أَهَدَمَ الشَّرَّ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (مَعًا) فِيهِ أَنَّ مَوْتَهُمَا حِينَئِذٍ لَا إبْهَامَ فِيهِ وَالْكَلَامُ فِي إبْهَامِ وَقْتِ الْمَوْتِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَهَا تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ. قَوْلُهُ: (صَادِقٌ بِأَنْ يُعْلَمَ إلَخْ) فِي كَوْنِهِ صَادِقًا بِذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالسَّبْقِ يُنَافِي عِلْمَ أَصْلِ السَّبْقِ فَكَيْفَ يَصْدُقُ بِهِ؟ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَالْجَهْلُ بِالْأَسْبَقِ صَادِقٌ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ يَكُونُ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ عِلْمُ سَبْقٍ أَوْ جَهْلٍ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ مَسْأَلَةِ مَوْتِ الْمُتَوَارِثَيْنِ بِغَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ هَدْمٍ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا إبْهَامٌ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (مَجَازٌ) أَيْ بِالِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ بِأَنْ سَمَّيْنَا مَا لَيْسَ بِمَانِعٍ مَانِعًا لِشَبَهِهِ بِهِ فِي قِيَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالشَّخْصِ الْمَمْنُوعِ. وَأَطْلَقْنَا عَلَيْهِ مَانِعًا لِأَنَّ الْمَانِعَ مَا يُجَامِعُ السَّبَبَ وَاللِّعَانُ يَقْطَعُ النَّسَبَ أَصْلًا، فَهُوَ مَانِعٌ لِلسَّبَبِ وَهُوَ النَّسَبُ لَا مَانِعَ لِلْإِرْثِ. قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ) وَهُوَ الْإِسْلَامُ فِي الرِّدَّةِ وَاتِّفَاقِ الْعَهْدِ فِي الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي جَهْلِ التَّارِيخِ) فَإِنَّهُ عَدَمِيٌّ وَالْمَانِعُ وُجُودِيٌّ، وَالْمُرَادُ تَارِيخُ الْمَوْتِ بِأَنْ جُهِلَ السَّابِقُ. قَوْلُهُ: (وَعَدَّ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمَوَانِعِ النُّبُوَّةَ) إنْ قُلْت: مَا فَائِدَةُ ذَلِكَ مَعَ خَتْمِ النُّبُوَّةِ بِنَبِيِّنَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَظْهَرُ فِي سَيِّدِنَا عِيسَى إذَا نَزَلَ فَإِنَّهُ لَا يُوَرَّثُ. قَوْلُهُ: «نَحْنُ مَعَاشِرَ» إلَخْ هَذَا الْحَدِيث بِلَفْظِ " نَحْنُ " قَالَ الْحُفَّاظُ: غَيْرُ مَوْجُودٍ وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ الْكُبْرَى: «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ» ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ خَالِدٍ فِي التَّصْرِيحِ. وَلَفْظُ " مَعَاشِرَ " مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: أَخَصُّ مَعَاشِرَ، جَمْعُ مَعْشَرٍ اسْمٌ لِجَمَاعَةِ الرِّجَالِ خَاصَّةً. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: «مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» فَيَصِيرُ مِنْ جِنْسِ الْأَوْقَافِ الْمُطْلَقَةِ يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَيُقَرُّ تَحْتَ يَدِ مُؤْتَمَنٍ عَلَيْهِ؛ وَلِذَا كَانَ عِنْدَ سَهْلٍ قَدَحٌ وَعِنْدَ أَنَسٍ آخَرُ وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ آخَرُ وَكَانَ النَّاسُ يَشْرَبُونَ مِنْهَا تَبَرُّكًا، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: 16] فَالْمُرَادُ مِنْهُ وَرِثَهُ فِي الْعِلْمِ اهـ؛ سُحَيْمِيٌّ. وَقِيلَ: إنَّ مَا تَرَكَهُ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِمْ فَيُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى أَهَالِيِهِمْ كَحَيَاتِهِمْ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءُ يُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ، وَلَا يُنَافِيهِ إطْلَاقُ الْمَوْتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 فَيَهْلَكَ، وَأَنْ لَا يُظَنُّ بِهِمْ الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يَكُونَ مَالُهُمْ صَدَقَةً بَعْدَ وَفَاتِهِمْ تَوْفِيرًا لِأُجُورِهِمْ. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ النَّاسَ فِي الْإِرْثِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهُمْ مَنْ يَرِثُ وَيُورَثُ وَعَكْسُهُ فِيهِمَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يُورَثُ وَلَا يَرِثُ وَعَكْسُهُ. فَالْأُولَى كَزَوْجَيْنِ وَأَخَوَيْنِ، وَالثَّانِي كَرَقِيقٍ وَمُرْتَدٍّ، وَالثَّالِثُ كَمُبَعَّضٍ وَجَنِينٍ فِي غُرَّتِهِ فَقَطْ فَإِنَّهَا تُورَثُ عَنْهُ لَا غَيْرُهَا. وَالرَّابِعُ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ وَلَا يُوَرَّثُونَ. (وَأَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ) مِنْ النَّسَبِ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ وَهُمْ (الِابْنُ) لِأَنَّهُ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ (ثُمَّ ابْنُهُ) وَإِنْ سَفَلَ لِأَنَّهُ   [حاشية البجيرمي] عَلَيْهِمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ بَعْدَ مَوْتِهِمْ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَطَعَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَصَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ زَوَالِ مِلْكِهِمْ عَنْهُ، وَأَنَّهُ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَرَّفَهُمْ بِقَطْعِ حُظُوظِهِمْ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْهَا عَارِيَّةٌ وَأَمَانَةٌ وَمَنْفَعَةٌ لِعِيَالِهِمْ وَأُمَمِهِمْ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: 16] فَالْمُرَادُ إرْثُ الْعِلْمِ. وَدَخَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ السُّوقَ فَقَالَ: أَرَاكُمْ هَهُنَا وَمِيرَاثُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَسَّمُ فِي الْمَسْجِدِ، فَذَهَبَ النَّاسُ إلَى الْمَسْجِدِ وَتَرَكُوا السُّوقَ فَلَمْ يَرَوْا مِيرَاثًا، فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا رَأَيْنَا مِيرَاثًا يُقَسَّمُ. قَالَ: فَمَاذَا رَأَيْتُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ. قَالَ: فَذَلِكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ مَرْفُوعًا: «الْعِلْمُ مِيرَاثِي وَمِيرَاثُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي» وَأَخْرَجَ ابْنُ النَّجَّارِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ يُحِبُّهُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمْ الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ إذَا مَاتُوا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: «الْعُلَمَاءُ مَصَابِيحُ الْأَرْضِ وَخَلَفُ الْأَنْبِيَاءِ وَوَرَثَتِي وَوَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» ذَكَرَهُ السُّحَيْمِيُّ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ عَبْدِ السَّلَامِ. قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِلْإِرْثِ قَوْلُهُ: (فَهَلَكَ) بِكَسْرِ اللَّامِ، قَالَ تَعَالَى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ} [الأنفال: 42] أَيْ فَيَكْفُرَ. وَفِي الْخَصَائِصِ: وَمَنْ تَمَنَّى مَوْتَهُ كَفَرَ وَلِذَلِكَ لَمْ يُوَرِّثْ لِئَلَّا يَتَمَنَّى وَارِثُهُ مَوْتَهُ فَيَكْفُرَ وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ، ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْأَوْسَطِ. قَوْلُهُ: (وَعَكْسُهُ) أَيْ وَمَنْ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ. وَقَوْلُهُ: " فِيهِمَا " أَيْ فِي يَرِثُ وَيُورَثُ. قَوْلُهُ: (وَأَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ) الْعَصَبَةُ مِنْ النَّسَبِ كُلُّ ذَكَرٍ نَسِيبٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبِينَ الْمَيِّتِ أُنْثَى وَذُو الْوَلَاءِ فَكُلُّ ذَكَرٍ جِنْسٌ يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالْمُعْتِقُ وَجَمِيعُ الْأَقَارِبِ الذُّكُورِ وَخَرَجَ عَنْهُ الْمُعْتِقَةُ. وَقَوْلُهُ: " نَسِيبٍ " خَرَجَ بِهِ الزَّوْجُ وَالْمُعْتِقُ. وَقَوْلُهُ: " لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أُنْثَى " خَرَجَ بِهِ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَلَمَّا لَمْ يَشْمَلْ ذَا الْوَلَاءِ زَادَهُ. هَذَا وَفِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الِابْنِ وَالْأَبِ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ مِنْ الْآخَرِ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ بَعْدَ الشَّقِيقِ مَعَ أَنَّهُمَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَأَقْرَبُ الْعَصَبَةِ مَا يَشْمَلُ الْأَقْوَى، ثُمَّ رَأَيْت لِبَعْضِهِمْ مَا نَصُّهُ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمَتْنِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أَقْرَبُ مَعَ أَنَّ الْأَقْرَبَ عَلَى الْإِطْلَاقِ الِابْنُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أَقْرَبُ حَلُّ الشَّارِحِ حَيْثُ جَعَلَ خَبَرَ الْمُبْتَدَإِ مَحْذُوفًا وَقَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بَيَّنَ الْعَصَبَةَ بِالِابْنِ وَمَا بَعْدَهُ. وَيُجَابُ عَنْ الْمَتْنِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَقْرَبِ حَقِيقَةً أَوْ بِالْإِضَافَةِ لِمَنْ بَعْدَهُ فَالْحَقِيقُ الِابْنُ وَالْإِضَافِيُّ مَنْ بَعْدَهُ كُلُّ وَاحِدٍ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بَعْدَهُ، لَكِنَّ التَّقْدِيمُ بِالْأَقْرَبِيَّةِ فِي غَيْرِ الْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ وَلِأَعْمَامٍ وَبَنِيهِمْ أَمَّا فِيهِمْ فَهُوَ بِالْقُوَّةِ لِاتِّحَادِهِمْ فِي الدَّرَجَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَ الْمَتْنِ مَا يَشْمَلُ الْأَقْوَى. وَقَالَ ع ش عَلَى الْغَزِّيِّ: الْمُرَادُ بِالْأَقْرَبِ الْأَحَقُّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَحَقِّيَّةُ مِنْ الْجِهَةِ أَوْ الْقُرْبِ أَوْ الْقُوَّةِ. وَمَرَاتِبُ الْعُصُوبَةِ سَبْعٌ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ. بُنُوَّةٌ أُبُوَّةٌ أُخُوَّة ... جُدُودَةٌ كَذَا بَنُو الْأُخُوَّة عُمُومَةٌ وَلَا وَبَيْتُ الْمَالِ ... سَبْعٌ لِعَاصِبٍ عَلَى التَّوَالِي وَالْأُخُوَّةُ وَالْجُدُودَةُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِدْلَاءِ إلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي إلَيْهِ بِالْأَبِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّجَالَ كُلَّهُمْ عَصَبَةٌ إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ وَأَنَّ النِّسَاءَ كُلَّهُنَّ صَاحِبَاتُ فَرْضٍ إلَّا الْمُعْتِقَةُ اهـ. قَوْلُهُ: (الْعَصَبَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 يَقُومُ مَقَامَ أَبِيهِ فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي التَّعْصِيبِ (ثُمَّ الْأَبُ) لِإِدْلَاءِ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ بِهِ (ثُمَّ أَبُوهُ) وَإِنْ عَلَا (ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) أَيْ الشَّقِيقُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَخْصَرَ (ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي بِنَفْسِهِ (ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) أَيْ الشَّقِيقُ (ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي بِنَفْسِهِ كَأَبِيهِ (ثُمَّ الْعَمُّ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ) أَيْ فَيُقَدَّمُ الْعَمُّ الشَّقِيقُ عَلَى الْعَمِّ لِلْأَبِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ابْنُ الْجَدِّ وَيُدْلِي لِلْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ. (ثُمَّ ابْنُهُ) أَيْ الْعَمُّ عَلَى تَرْتِيبِ أَبِيهِ، فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَمِّ الشَّقِيقِ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبِ، ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ مِنْ الْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ، ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ مِنْ الْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتِصَارًا (فَإِذَا عُدِمَتْ الْعَصَبَاتُ) مِنْ النَّسَبِ الَّذِينَ يَتَعَصَّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ (فَالْمَوْلَى الْمُعْتِقُ) وَالْعَصَبَاتُ جَمْعُ عَصَبَةٍ وَيُسَمَّى بِهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ قَالَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ، وَأَنْكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ إطْلَاقَهُ عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ جَمْعُ عَاصِبٍ، وَمَعْنَى الْعَصَبَةِ لُغَةً قَرَابَةُ الرَّجُلِ   [حاشية البجيرمي] بِنَفْسِهِ) يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ خَبَرٍ. وَفِيهِ أَيْضًا تَغْيِيرُ مَعْنَى الْمَتْنِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَصَبَةَ كُلَّهُمْ أَقْرَبُ وَأَنَّهُمْ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْأَقْرَبِيَّةِ مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَقْرَبُ مِنْ بَعْضِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَهُمْ) أَيْ الْعَصَبَةُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يُدْلِي) أَيْ يَنْتَسِبُ. وَهَذَا غَيْرُ كَافٍ فِي تَوْجِيهِ الْأَقْرَبِيَّةِ لِأَنَّ الْأَبَ يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ، فَالْأَوْلَى تَوْجِيهُهُ بِقُوَّةِ عُصُوبَتِهِ بِاعْتِبَارِ نَقْلِهِ لِلْأَبِ مِنْ الْعُصُوبَةِ إلَى فَرْضِ السُّدُسِ وَبِأَنَّهُ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ، بِخِلَافِ الْأَبِ. وَلَا يُقَالُ قَدَّمُوا عَلَيْهِ الْأَبَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَالتَّزْوِيجِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ ثُمَّ الْوِلَايَةُ وَهِيَ فِي الْآبَاءِ أَنْسَبُ، وَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُنَا قُوَّةُ التَّعْصِيبِ وَهِيَ فِي الْأَبْنَاءِ أَظْهَرُ اهـ م د. قَوْلُهُ: (فَكَذَا فِي التَّعْصِيبِ) يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ " وَأَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ " يَعْنِي مِنْ جِهَةِ التَّعْصِيبِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ مِنْ حَيْثُ الْإِرْثُ. قَوْلُهُ: (لِإِدْلَاءِ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ بِهِ) فِيهِ أَنَّ الِابْنَ وَابْنَ الِابْنِ لَمْ يُدْلِيَا بِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ سَائِرَ بِمَعْنَى بَاقِي لَا بِمَعْنَى جَمِيعِ كَمَا هُوَ أَحَدُ إطْلَاقَيْهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) الصَّوَابُ التَّعْبِيرُ هُنَا بِالْوَاوِ لِأَنَّ الْجَدَّ فِي مَرْتَبَةِ الْأَخِ الشَّقِيقِ وَلِلْأَبِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ابْنُ الْأَبِ يُدْلِي بِنَفْسِهِ) فِيهِ شَيْءٌ، وَقَوْلُهُ: " لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي بِنَفْسِهِ كَأَبِيهِ " هَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ السَّابِقَ: " لِإِدْلَاءِ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ بِهِ " أَيْ بِالْأَبِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ الْأَخِ يُدْلِي بِنَفْسِهِ مَعَ أَنَّ كَوْنَهُ يُدْلِي بِنَفْسِهِ لِلْمَيِّتِ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُدْلِي لِلْمَيِّتِ إلَّا بِوَاسِطَةِ أَبِيهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلُ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ: " كَأَبِيهِ " " لِأَبِيهِ " بِاللَّامِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ الصَّوَابُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُدْلِي لِأَبِيهِ وَالْأَبُ يُدْلِي لِلْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ فَلَا مُنَافَاةَ وَلَا تَنْظِيرَ، لَكِنْ تَأْتِي الْمُنَافَاةُ وَالتَّنْظِيرُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي: لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ابْنُ الْجَدِّ وَيُدْلِي لِلْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُمَا، هَذَا مَا تَقَرَّرَ فِي دَرْسِ شَيْخِنَا فَتَأَمَّلْ وَحَرِّرْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ابْنُ الْجَدِّ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُمَا فِي الدَّرَجَةِ مَعَ أَنَّهُمَا مُرَتَّبَانِ. قَوْلُهُ: (يَنْتَهِي) أَيْ النَّسَبُ. قَوْلُهُ: (وَتَرْكُهُ) أَيْ تَرْكُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَمِّ الْأَبِ وَعَمِّ الْجَدِّ وَبَنِيهِمَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْعَمَّ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ. قَوْلُهُ: (الَّذِينَ يَتَعَصَّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ) يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْمُعْتِقِ عَلَى الْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ، وَلَيْسَ مُرَادًا. وَقَوْلُهُ: " بِأَنْفُسِهِمْ " لَيْسَ قَيْدًا فَإِنَّ الْمَوْلَى الْمُعْتِقَ لَا يَرِثُ مَعَ وُجُودِ الْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (جَمْعُ عَصَبَةٍ) ثُمَّ هُوَ أَيْ لَفْظُ عَصَبَةٍ إمَّا اسْمُ جِنْسٍ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، أَوْ هُوَ جَمْعُ عَاصِبٍ كَطَالِبٍ وَطَلَبَةٍ فَيَكُونُ عَصَبَاتٍ جَمْعُ الْجَمْعِ عَلَى هَذَا. وَقَوْلُهُ: " وَيُسَمَّى بِهِ " أَيْ بِلَفْظِ عَصَبَةٍ. قَوْلُهُ: (قَالَهُ الْمُطَرِّزِيُّ) وَمَادَّةُ الْعَصَبَةِ وَهِيَ الْعَيْنُ وَالصَّادُ وَالْبَاءُ تَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ وَالْإِحَاطَةِ مِنْ الْجَوَانِبِ كَالْعِصَابَةِ، وَكَذَلِكَ عَصَبَةُ الشَّخْصِ مِنْ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُمْ يُحِيطُونَ بِهِ وَيَتَقَوَّى بِهِمْ، سم زي. قَالَ فِي اللُّبِّ: الْمُطَرِّزِيُّ نِسْبَةً إلَى تَطْرِيزِ الثِّيَابِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ إطْلَاقَهُ عَلَى الْوَاحِدِ) يُدْفَعُ إنْكَارُهُ بِأَنَّ الْعَصَبَةَ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمِصْبَاحِ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْعَصَبَةِ عَلَى الْوَاحِدِ اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ فِي إحْرَازِ جَمِيعِ الْمَالِ وَالشَّرْعُ جَعَلَ الْأُنْثَى عَصَبَةً فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ وَفِي مَسْأَلَةِ بِنْتٍ مَعَ أَخِيهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ جَمْعُ عَاصِبٍ) كَكَامِلٍ وَكَمَلَةٍ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَشَاعَ نَحْوُ كَامِلٍ وَكَمَلَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 لِأَبِيهِ وَشَرْعًا مَنْ لَيْسَ لَهُمْ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ مِنْ الْوَرَثَةِ فَيَرِثُ التَّرِكَةَ إذَا انْفَرَدَ أَوْ مَا فَضَلَ بَعْدَ الْفُرُوضِ فَقَوْلُنَا يَرِثُ التَّرِكَةَ صَادِقٌ بِالْعَصَبَةِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ وَبِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مَعًا. وَالْعَصَبَةُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ غَيْرُ وَلَدِ الْأُمِّ مَعَ أَخِيهِنَّ. وَقَوْلُنَا: أَوْ مَا فَضَلَ إلَى آخِرِهِ صَادِقٌ بِذَلِكَ وَبِالْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ وَهُنَّ الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ فَلَيْسَ لَهُنَّ حَالٌ يَسْتَغْرِقْنَ فِيهِ التَّرِكَةَ. وَالْمُعْتِقُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَلِأَنَّ الْإِنْعَامَ بِالْإِعْتَاقِ مَوْجُودٌ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَاسْتَوَيَا فِي الْإِرْثِ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَإِنَّمَا قُدِّمَ النَّسَبُ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ: " الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ " شُبِّهَ بِهِ وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) أَيْ الْمُعْتِقِ بِنَسَبِ الْمُتَعَصِّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ كَابْنِهِ وَأَخِيهِ لَا كَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ وَلَوْ مَعَ أَخَوَيْهِمَا الْمُعَصِّبَيْنِ لَهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ، وَلَا لِلْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْوَلَاءَ أَضْعَفُ مِنْ النَّسَبِ الْمُتَرَاخِي، وَإِذَا تَرَاخَى النَّسَبُ وَرِثَ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ كَبَنِي الْأَخِ وَبَنِي الْعَمِّ دُونَ أَخَوَاتِهِمْ، فَإِذَا لَمْ تَرِثْ بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْعَمِّ فَبِنْتُ الْمُعْتِقِ أَوْلَى أَنْ لَا تَرِثَ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ مِنْهُمَا، وَالْمُعْتَبَرُ أَقْرَبُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (قَرَابَةُ الرَّجُلِ) فِيهِ أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَخَصُّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِشُمُولِهِ الْمُعْتِقَ وَعَصَبَتَهُ وَهُوَ نَادِرٌ، وَفِيهِ إخْبَارٌ بِالْمَصْدَرِ عَنْ الْعَصَبَةِ وَهُمْ ذَوَاتٌ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ ذُو قَرَابَةٍ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَقَارِبُ. قَوْلُهُ: (مَنْ لَيْسَ لَهُمْ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ) أَيْ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَيَدْخُلُ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْبَنَاتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتِ إذَا وَرِثُوا بِالتَّعْصِيبِ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ فِي غَيْرِ حَالَةِ التَّعْصِيبِ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ شَامِلٌ لِلْعَصَبَةِ بِأَقْسَامِهَا الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَشْمَلُ ذَوِي الْأَرْحَامِ إذَا وَرِثُوا وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ كَالْعَمِّ لِلْأُمِّ مَثَلًا فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ عَصَبَةٌ حِينَئِذٍ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَرَثَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ مِنْ الْوَرَثَةِ يَدْخُلُ فِيهِ ذَوُو الْأَرْحَامِ إذَا وَرَّثْنَاهُمْ. قَوْلُهُ: (وَبِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مَعًا) يُرِيدُ بِهَذَا أَنَّ الِابْنَ مَعَ أُخْتِهِ إذَا انْفَرَدَا يَرِثَانِ جَمِيعَ الْمَالِ فَيَصْدُقُ أَنَّ الْعَصَبَةَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ مَعًا أَخَذَا جَمِيعَ الْمَالِ زي مَرْحُومِيٌّ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِأَنَّ عَصَبَةً بِالْغَيْرِ مَنْ يَرِثُ بِالْفَرْضِ إذَا انْفَرَدَ كَالْبِنْتِ وَهُوَ لَا يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ تَأَمَّلْ. قَوْلَهُ: (هُنَّ الْبَنَاتُ) الشَّامِلَاتُ لِبَنَاتِ الِابْنِ. قَوْلُهُ: (بِذَلِكَ) أَيْ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (يَسْتَغْرِقْنَ) أَيْ عَلَى انْفِرَادِهِنَّ. قَوْلُهُ: (وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ) أَيْ فِي الشُّمُولِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (لُحْمَةٌ) بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، وَالْمُرَادُ ارْتِبَاطٌ وَتَعَلُّقٌ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْعَتِيقِ كَالِارْتِبَاطِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) أَيْ الْمُعْتِقِ فَهُمْ مُقَدَّمُونَ عَلَى مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ كَمَا سَيَأْتِي، وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ الْقُضَاةِ وَهِيَ امْرَأَةٌ اشْتَرَتْ أَبَاهَا فَعَتَقَ عَلَيْهَا ثُمَّ اشْتَرَى هُوَ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ فَمَاتَ الْأَبُ عَنْهَا وَعَنْ ابْنٍ ثُمَّ مَاتَ عَتِيقُهُ عَنْهُمَا فَيَكُونُ مِيرَاثُهُ لِلِابْنِ دُونَهَا لِأَنَّهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ وَهِيَ مُعْتِقَةُ الْمُعْتِقِ وَعَصَبَةُ الْمُعْتِقِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مُعْتِقِ مُعْتِقَتِهِ، وَيُقَالُ أَخْطَأَ فِيهَا أَرْبَعُمِائَةِ قَاضٍ غَيْرُ الْمُتَفَقِّهَةِ؛ وَأَشَارَ السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إذَا مَا اشْتَرَتْ بِنْتٌ مَعَ ابْنٍ أَبَاهُمَا ... وَصَارَ لَهُ بَعْدَ الْعَتَاقِ مَوَالِي وَأَعْتَقَهُمْ ثُمَّ الْمَنِيَّةُ عَجَّلَتْ ... عَلَيْهِ وَمَاتُوا بَعْدَهُ بِلَيَالِي وَقَدْ خَلَّفُوا مَالًا فَمَا حُكْمُ مَالِهِمْ ... هَلْ الِابْنُ يَحْوِيهِ وَلَيْسَ يُبَالِي أَمْ الْأُخْتُ تَبْقَى مَعَ أَخِيهَا شَرِيكَةً ... وَهَذَا أَيْ الْمَذْكُورُ جُلُّ سُؤَالِي فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لِلِابْنِ جَمِيعُ الْمَالِ إذْ هُوَ عَاصِبٌ ... وَلَيْسَ لِفَرْضِ الْبِنْتِ إرْثُ مَوَالِي وَإِعْتَاقُهَا تُدْلِي بِهِ بَعْدَ عَاصِبٍ ... لِذَا حُجِبَتْ فَافْهَمْ حَدِيثَ سُؤَالِي وَقَدْ غَلِطُوا فِيهَا طَوَائِفُ أَرْبَعٌ ... مِئِينَ قُضَاةٍ وَمَا وَعَوْهُ بِبَالِي اهـ. م د قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِيهِ) أَيْ فِي النَّفْيِ الْمَذْكُورِ، أَيْ قَوْلُهُ: لَا كَبِنْتِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا لَمْ تَرِثْ بِنْتُ الْأَخِ) أَيْ بِنْتُ أَخِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 عَصَبَاتِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْعَتِيقِ فَلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَّفَ ابْنًا ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ فَوَلَاؤُهُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ دُونَ ابْنِ ابْنِهِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ، بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ بَلْ الْوَلَاءُ ثَابِتٌ لَهُمْ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ إذْ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ الْوَلَاءُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَرِثُوا. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَتَلَخَّصُ لِلْأَصْحَابِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَهُمْ مَعَهُ لَكِنْ هُوَ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ فِيمَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ لَهُ كَإِرْثِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ اهـ. وَتَرْتِيبُهُمْ هُنَا كَالتَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ فِي النَّسَبِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا: إذَا اجْتَمَعَ الْجَدُّ وَالْأَخُ الشَّقِيقُ أَوْ لِأَبٍ قُدِّمَ الْأَخُ هُنَا فِي الْوَلَاءِ عَلَى الْأَظْهَرِ بِخِلَافِهِ فِي النَّسَبِ، لَوْ اجْتَمَعَا مَعَهُ فَلَا يُقَدَّمُ أَوْلَادُ الْأَبِ عَلَى الْجَدِّ عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ يَقْتَسِمُ الْجَدُّ مَعَ الشَّقِيقِ فَقَطْ. وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ مَعَ الْجَدِّ ابْنُ الْأَخِ فَالْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ ابْنُ الْأَخِ فِي الْوَلَاءِ لِقُوَّةِ الْبُنُوَّةِ. وَمِنْهَا إذَا كَانَ لِلْمُعْتِقِ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَالْمَذْهَبُ تَقْدِيمُهُ. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتِقِ عَصَبَةٌ، وَحُكْمُهُ أَنَّ التَّرِكَةَ لِمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُعْتَبَرِ فِي عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ لِمُعْتِقِ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ وَهَكَذَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، فَإِنْ فُقِدُوا فَمُعْتِقُ الْأَبِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُ الْجَدِّ ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَهَكَذَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ انْتَقَلَ الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ إرْثًا لِلْمُسْلِمِينَ إذَا انْتَظَمَ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ لِكَوْنِ الْإِمَامِ غَيْرَ عَادِلٍ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْفُرُوضِ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ عِلَّةَ الرَّدِّ الْقَرَابَةُ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِيهِمَا. وَنَقَلَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ؛ هَذَا إذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَلَوْ كَانَ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ رَحِمٌ رُدَّ عَلَيْهَا كَبِنْتِ الْخَالَةِ وَبِنْتِ الْعَمِّ لَكِنْ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِنَّمَا   [حاشية البجيرمي] الْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: (كَلَامُ الْمُصَنِّفِ) أَيْ قَوْلُهُ " ثُمَّ عَصَبَتُهُ " وَإِنَّمَا قَالَ كَالصَّرِيحِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ " ثُمَّ " لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ. قَالَ ق ل: وَصَرِيحُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُعْتِقَ لَا يُسَمَّى عَصَبَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ " لَا يُسَمَّى عَصَبَةً " لِقَوْلِهِ: فَإِذَا عُدِمَتْ الْعَصَبَاتُ فَالْمَوْلَى الْمُعْتِقُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَصَبَاتُ مِنْ النَّسَبِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْمُعْتِقَ عَصَبَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَلَاءِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ كَالصَّرِيحِ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِرْثِ لَا فِي الْوَلَاءِ وَعَدَمِهِ فَلَيْسَ كِنَايَةً وَلَا صَرِيحًا فِيمَا ذُكِرَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِرْثَ لَازِمٌ لِلْوَلَاءِ فَمَتَى ثَبَتَ الْوَلَاءُ ثَبَتَ الْإِرْثُ إلَّا لِمَانِعٍ. قَوْلُهُ: (ثَابِتٌ لَهُمْ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ) مِنْ فَوَائِدِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُسْلِمًا وَالْعَتِيقُ نَصْرَانِيًّا وَمَاتَ الْعَتِيقُ وَلِمُعْتِقِهِ أَوْلَادٌ نَصَارَى وَرِثُوهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِمْ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَرِثُوا) لِأَنَّ الْإِرْثَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَالسَّبَبُ هُنَا الْوَلَاءُ، فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ وَقْتُ الْمَوْتِ بَلْ ثَبَتَ بَعْدَهُ لَمْ يَرِثُوا لِفَقْدِ السَّبَبِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِهِ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ. قَوْلُهُ: (فِيمَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إلَخْ) خَرَجَ مَا لَا يُمْكِنُ كَغَسْلِهِ إذَا كَانَ أُنْثَى وَالْمُعْتِقُ ذَكَرًا. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُ) كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَوِلَايَةِ تَزْوِيجِهِ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ ذَكَرًا وَإِلَّا فَيُزَوِّجُ الْعَتِيقَةَ مَنْ يُزَوِّجُ الْمُعْتِقَةَ كَالْأَبِ فِي حَيَاتِهَا، فَإِذَا مَاتَتْ زَوَّجَهَا ابْنُ الْمُعْتِقَةِ. وَهَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إلَخْ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اجْتَمَعَا مَعَهُ) أَيْ فِي النَّسَبِ، فَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ " بِخِلَافِهِ فِي النَّسَبِ ". قَوْلُهُ: (فَلَا يُقَدَّمُ أَوْلَادُ الْأَبِ) أَيْ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ، وَمُرَادُهُ بِهِمْ مَا يَشْمَلُ الْأَشِقَّاءَ. قَوْلُهُ: (مَعَ الشَّقِيقِ فَقَطْ) أَيْ بَعْدَ عَدِّ أَوْلَادِ الْأَبِ عَلَيْهِ؛ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِقُوَّةِ الْبُنُوَّةِ) فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا بُنُوَّةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بُنُوَّةُ الْإِخْوَةِ. قَوْلُهُ: (تَقْدِيمُهُ) أَيْ ابْنُ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ، بِخِلَافِهِ فِي النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ السُّدُسَ بِأُخُوَّةِ الْأُمِّ وَيُشَارِكُ الْآخَرَ سَوِيَّةً فِيمَا بَقِيَ وَلَمَّا كَانَتْ الْأُخُوَّةُ لِلْأُمِّ لَا فَرْضَ لَهَا فِي الْوَلَاءِ كَانَتْ مُرَجِّحَةً لِمَنْ قَامَتْ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَمَّا أَخَذَتْ فَرْضَهَا فِي النَّسَبِ لَمْ تَصْلُحْ لِلتَّرْجِيحِ. قَوْلُهُ: (انْتَقَلَ الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ) الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ مُتَوَلِّي بَيْتِ الْمَالِ يَحْفَظُ الْمَالَ الْمُخَلَّفَ إلَى أَنْ يَصْرِفَهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ مَحِلُّ الْمَالِ أَوْ مُتَوَلِّيهِ وَارِثًا حَقِيقَةً. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يُرَدُّ) وَلَا فَرْقَ فِي الرَّدِّ وَتَوْرِيثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ بَيْنَ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ، وَحَيْثُ صُرِفَتْ التَّرِكَةُ أَوْ بَعْضُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ فِي الْمَيِّتِ الْكَافِرِ كَانَتْ فَيْئًا لَا إرْثًا، وَفِيهِ أَنَّ الْفَيْءَ لِأَرْبَابِهِ فَلِلْمُرْتَزِقَةِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَالْخُمُسُ الْخَامِسُ لِلْمَذْكُورِينَ فِي آيَةِ الْفَيْءِ، وَذِكْرُ اللَّهِ فِيهَا لِلتَّبَرُّكِ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 يُرَدُّ مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسْبَةِ لِسِهَامِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ طَلَبًا لِلْعَدْلِ فِيهِمْ، فَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فَرْضِهِمَا سَهْمَانِ مِنْ سِتَّةٍ لِلْأُمِّ رُبْعُهُمَا نِصْفُ سَهْمٍ وَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِمَا، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى أَرْبَعَةٍ لِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ وَاحِدٌ. وَذَكَرْتُ أَشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمُخْتَصَرُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْفُرُوضِ وَأَصْحَابِهَا وَهُمْ كُلُّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ: (وَالْفُرُوضُ) جَمْعُ فَرْضٍ بِمَعْنَى نَصِيبٍ أَيْ الْأَنْصِبَاءُ الْمَذْكُورَةُ أَيْ الْمَحْصُورَةُ لِلْوَرَثَةِ بِأَنْ لَا يُزَادَ عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُصَ عَنْهَا إلَّا لِعَارِضٍ كَعَوْلٍ فَيُنْقَصُ أَوْ رَدٍّ فَيُزَادُ (فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) لِلْوَرَثَةِ وَخَبَرُ الْفُرُوضُ (سِتَّةٌ) بِعَوْلٍ وَبِدُونِهِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِعِبَارَاتٍ أَوْضَحُهَا (النِّصْفُ وَالرُّبُعُ وَالثُّمُنُ وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ) وَأَخْصَرُهَا الرُّبُعُ وَالثُّلُثُ وَالضِّعْفُ كُلٌّ وَنِصْفُهُ وَإِنْ شِئْت قُلْت: النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ، وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَنِصْفُ نِصْفِهِمَا وَإِنْ شِئْت قُلْت: النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَرُبْعُهُ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَرُبْعُهُمَا. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى السُّدُسُ الَّذِي لِلْجَدَّةِ وَلِبِنْتِ الِابْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ السُّدُسُ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مَعَ كَوْنِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ أُمًّا أَوْ جَدَّةً، أَوْ بِنْتَ ابْنٍ وَالسُّبُعُ وَالتُّسُعُ فِي مَسَائِلِ   [حاشية البجيرمي] الْمَذْكُورِ. أَيْ قَوْلِهِ: غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ. قَوْلُهُ: (مَعَ الزَّوْجِيَّةِ) بِمَعْنَى أَنَّ الزَّوْجَةَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، أَوْ عَكْسُهُ بِأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. قَوْلُهُ: (رُدَّ عَلَيْهَا) وَفِي نُسْخَةٍ: عَلَيْهِمَا فِي تَسْمِيَتِهِ رَدًّا مُسَامَحَةً لِأَنَّهَا تَأْخُذُهُ بِالْإِرْثِ الْمُتَقَدِّمِ لِأَنَّهَا تَرِثُ بِجِهَتَيْنِ. قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ: لَكِنَّ الصَّرْفَ إلَخْ حَيْثُ لَمْ يُعَبِّرْ بِالرَّدِّ. قَوْلُهُ: (لِسِهَامِ) اللَّامُ زَائِدَةٌ لِلتَّقْوِيَةِ، أَيْ لِنِسْبَةِ سِهَامِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَأَصْحَابِهَا) وَهُمْ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ النِّصْفِ خَمْسَةٌ وَالرُّبُعِ اثْنَانِ وَالثُّمُنِ وَاحِدٌ وَالثُّلُثَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَالثُّلُثِ اثْنَانِ وَالسُّدُسِ سَبْعَةٌ. وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ضَابِطَ ذَلِكَ فِي ضِمْنِ بَيْتٍ فَقَالَ: ضَابِطُ ذَوِي الْفُرُوضِ مِنْ هَذَا الرَّجَزْ ... خُذْهُ مُرَتَّبًا وَقُلْ هَبَا دَبَزْ قَوْلُهُ: (وَقَدْرِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْفُرُوضِ أَوْ أَصْحَابِهَا، وَلَكِنْ لَمْ يُفِدْ عَطْفُهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ بَيَانِ الْفُرُوضِ وَأَصْحَابِهَا بَيَانُ قَدْرِ مَا يَخُصُّهُ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَذْكُرَ الْفُرُوضَ سَرْدًا وَأَصْحَابَهَا سَرْدًا وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ نَصِيبِ كُلٍّ فَاحْتَاجَ لِعَطْفِ مَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْمَحْصُورَةُ لِلْوَرَثَةِ) جُعِلَ التَّقْدِيرُ بِمَعْنَى الْحَصْرِ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُقَدَّرٌ ق ل. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يُزَادَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا لَا عَلَى مَجْمُوعِهَا بِأَنْ لَا يُزَادَ عَلَيْهَا فَرْضٌ سَابِعٌ إلَّا لِعَارِضٍ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ مَعَ الْعَارِضِ يُزَادُ عَلَيْهَا نَوْعٌ سَابِعٌ كَمَا فَهِمَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (إلَّا لِعَارِضٍ) كَعَوْلٍ أَوْ رَدٍّ، فَفِي الرَّدِّ زِيَادَةٌ فِي قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ وَنَقْصٌ مِنْ عَدَدِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي الْعَوْلِ زِيَادَةٌ فِي عَدَدِ الْمَسْأَلَةِ وَنَقْصٌ مِنْ الْأَنْصِبَاءِ. قَوْلُهُ: (وَخَبَرُ الْفُرُوضِ سِتَّةٌ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ أَنَّ الْخَبَرَ هُوَ الظَّرْفُ أَعْنِي فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ق ل. وَهَذَا التَّوَهُّمُ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " فِي كِتَابِ اللَّهِ " مُتَعَلِّقٌ بِهِ. قَوْلُهُ: (سِتَّةٌ) أَيْ مُقَدَّرًا أَوْ عَدَدًا وَخَمْسَةٌ مَخْرَجًا؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ. وَقَوْلُهُ " بِعِبَارَاتٍ " أَيْ أَرْبَعَةٍ وَيُزَادُ عَلَيْهَا الثُّمُنُ وَالثُّلُثُ وَضِعْفُهُمَا وَضِعْفُ ضِعْفِهِمَا. وَقَوْلُهُ " وَخَرَجَ إلَى أَخِي " لَوْ قَالَ وَأُورِدَ عَلَى قَوْلِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ السُّدُسُ إلَخْ كَانَ أَوْضَحَ. قَوْلُهُ: (بِعَوْلٍ) صَوَابُهُ إسْقَاطُ هَذَا إذْ لَيْسَ فِيهِ نَقْصٌ وَاحِدٌ مِنْ الْفُرُوضِ وَلَا فِي الرَّدِّ زِيَادَتُهُ، أَيْ بَلْ هِيَ سِتَّةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنَّمَا النَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ فِيمَا يَخُصُّ الْفَرْضَ مِنْ التَّرِكَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (السُّدُسُ الَّذِي لِلْجَدَّةِ وَلِبِنْتِ الِابْنِ) أَيْ فَلَيْسَا مَذْكُورَيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (وَالسُّبُعُ) أَيْ وَخَرَجَ السُّبُعُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ زَوْجٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلشَّقِيقَةِ ثَلَاثَةٌ وَيُعَالُ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ بِوَاحِدٍ وَكَزَوْجٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ مَعَ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ لِأُمٍّ. قَوْلُهُ: (وَالتُّسْعُ) أَيْ فِي بِنْتَيْنِ وَأَبَوَيْنِ وَزَوْجَةٍ، فَأَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَتَعُولُ لِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ فِيهَا ثُمُنًا وَسُدُسًا، فَلِلْبِنْتَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ وَلِلْأَبَوَيْنِ ثَمَانِيَةٌ وَيُعَالُ لِلزَّوْجَةِ بِثَلَاثَةٍ فَعَالَتْ بِثُمُنِهَا وَصَارَ ثُمُنُ الْمَرْأَةِ تُسُعًا، وَتُسَمَّى الْمِنْبَرِيَّةُ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 الْعَوْلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْأَوَّلُ ثُلُثُ عَائِلٍ وَالثَّانِي ثُمُنُ عَائِلٍ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى فِي الْغَرَّاوَيْنِ كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَفِي مَسَائِلِ الْجِدِّ حَيْثُ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ كَأُمٍّ وَجَدٍّ وَخَمْسَةِ إخْوَةٍ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيل الِاجْتِهَادِ (فَ) الْفَرْضُ الْأَوَّلُ (النِّصْفُ) بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهِ كَغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ أَكْبَرَ كَسْرٍ مُفْرَدٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكُنْت أَوَدُّ أَنْ لَوْ بَدَءُوا بِالثُّلُثَيْنِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِهِمَا حَتَّى رَأَيْت أَبَا النَّجَاءِ وَالْحُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَنِّيَّ بَدَءَا بِهِمَا فَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ وَهُوَ (فَرْضُ خَمْسَةٍ) أَحَدُهَا (الْبِنْتُ) إذَا انْفَرَدَتْ عَنْ جِنْسِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] . (وَ) ثَانِيهَا (بِنْتُ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلَ بِالْإِجْمَاعِ (إذَا انْفَرَدَتْ) عَنْ تَعْصِيبٍ وَتَنْقِيصٍ، فَخَرَجَ بِالتَّعْصِيبِ مَا إذَا كَانَ مَعَهَا أَخٌ فِي دَرَجَتِهَا فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهَا وَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ مَا حَلَّ لَهُ وَبِالتَّنْقِيصِ مَا إذَا كَانَ مَعَهَا بِنْتُ صُلْبٍ فَإِنَّ لَهَا مَعَهَا السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ. (وَ) ثَالِثُهَا (الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ) إذَا انْفَرَدَتْ عَنْ جِنْسِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالشَّقِيقَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ. (وَ) رَابِعُهَا (الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ) إذَا   [حاشية البجيرمي] كَانَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ قَائِلًا: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْكُمُ بِالْحَقِّ قَطْعًا وَيَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى، وَإِلَيْهِ الْمَآبُ وَالرُّجْعَى " فَسُئِلَ عَنْهَا حِينَئِذٍ فَقَالَ ارْتِجَالًا: " صَارَ ثُمُنُ الْمَرْأَةِ تُسُعًا " وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ. وَقَوْلُهُ وَيَجْزِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 12] وَقَالَ أَيْضًا: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [النور: 38] . وَقَوْلُهُ " وَالرُّجْعَى " عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَقَوْلُهُ " صَارَ ثُمُنُ الْمَرْأَةِ تُسُعًا " يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ فَصَارَتْ تَسْتَحِقُّ التُّسُعَ فَيَنْقُصُ مَنْ كُلٍّ تُسْعُ مَا بِيَدِهِ. قَوْلُهُ: (وَثُلُثُ مَا يَبْقَى) هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ سُدُسٌ فِي الْأُولَى وَرُبُعٌ فِي الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ) وَمَسْأَلَتُهُمْ ابْتِدَاءً مِنْ سِتَّةٍ مِنْ ضَرْبِ ثُلُثِ الْأُمِّ فِي نِصْفِ الزَّوْجِ لِأَنَّ مَا فِيهِ كَسْرٌ مُضَافٌ لِلْبَاقِي لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي ابْتِدَاءِ الْقِسْمَةِ بَلْ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ الْكَسْرُ الْمُضَافُ لِلْجُمْلَةِ، ثُمَّ بَعْدَ أَخْذِ الزَّوْجِ نَصِيبَهُ تَأْخُذُ الْأُمُّ ثُلُثَ الْبَاقِي وَالْأَبُ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ لَهُ مِثْلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ) هِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي وَاحِدٌ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي. وَسُمِّيَا بِالْغَرَّاوَيْنِ لِشُهْرَتِهِمَا فَكَانَا كَالْكَوْكَبِ الْأَغَرِّ أَيْ الْمُضِيءِ، وَبِالْعُمَرِيَّتَيْنِ لِقَضَاءِ عُمَرَ فِيهِمَا بِمَا ذُكِرَ وَبِالْغَرِيبَتَيْنِ لِغَرَابَتِهِمَا أَيْ عَدَمِ النَّظِيرِ لَهُمَا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (كَأُمٍّ وَجَدٍّ وَخَمْسَةِ إخْوَةٍ) أَيْ فَثُلُثُ الْبَاقِي أُغْبِطَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ نِصْفًا فَأَقَلَّ وَزَادَ الْإِخْوَةُ عَلَى مِثْلَيْهِ فَثُلُثُ الْبَاقِي أُغْبِطَ، وَحِينَئِذٍ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِلْأُمِّ وَاحِدٌ يَبْقَى خَمْسَةٌ ثُلُثُهَا وَاحِدٌ وَثُلُثَانِ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي سِتَّةٍ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَمِنْهَا تَصِحُّ لِلْأُمِّ سُدُسُهَا ثَلَاثَةٌ وَلِلْجَدِّ خَمْسَةٌ وَلِكُلِّ أَخٍ اثْنَانِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الِاجْتِهَادِ) أَيْ فَإِنَّ ثُلُثَ الْبَاقِي مِنْ قَبِيلِ الِاجْتِهَادِ لَا بِالنَّصِّ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ " وَثُلُثُ مَا بَقِيَ ". قَوْلُهُ: (الْوَنِيُّ) بِفَتْحِ الْوَاوِ كَمَا ضَبَطَهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ فِي اللُّبِّ وَقَالَ ابْنُ خِلِّكَان أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَنِّيُّ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ نِسْبَةً إلَى وَنٍّ وَهِيَ مِنْ قُرَى الْعَجَمِ، كَانَ إمَامًا فِي الْفَرَائِضِ وَلَهُ فِيهَا تَصَانِيفُ كَثِيرَةٌ، فَمَا فِي كَلَامِ م د مِنْ ضَمِّ الْوَاوِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَعَلَّ فِيهِ لُغَةً بِالضَّمِّ اطَّلَعَ عَلَيْهَا الشَّيْخُ فَإِنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الِاطِّلَاعِ، وَعِبَارَةُ الَأُجْهُورِيُّ: هُوَ بِضَمِّ الْوَاوِ مَعَ كَسْرِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وَبَعْدَهُ يَاءُ النِّسْبَةِ. قَوْلُهُ: (الْبِنْتُ) بَدَأَ بِالْأَوْلَادِ لِأَنَّهُمْ أَهَمُّ عِنْدَ الْآدَمِيِّ. وَبَدَأَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ بِالزَّوْجِ تَسْهِيلًا عَلَى الْمُتَعَلِّمِ لِأَنَّ كُلَّ مَا قَلَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ يَكُونُ أَرْسَخَ فِي الذِّهْنِ وَهُوَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَقَلُّ مِنْهُ فِي غَيْرِهِمَا، وَمِنْ ثَمَّ بَدَءُوا بِالْقُرْآنِ مِنْ آخِرِهِ فِي تَعَلُّمِهِ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ فِي قِرَاءَتِهِ وَلِتَقْدِيمِ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى الْوَلَدِيَّةِ فِي نَحْوِ زَكَاةِ الْفِطْرِ. قَوْلُهُ: (إذَا انْفَرَدَتْ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ الْأَرْبَعَةِ لِيَعُودَ إلَيْهَا؛ وَلِذَلِكَ وَزَّعَهُ الشَّارِحُ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (عَنْ جِنْسِ الْبُنُوَّةِ) أَيْ لِلْمَيِّتِ وَقَوْلُهُ وَالْإِخْوَةِ، أَيْ لَهَا أَيْ الْبِنْتِ. وَالْمُرَادُ بِالْبُنُوَّةِ بُنُوَّةُ الْمَيِّتِ الشَّامِلَةُ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فَعَطْفُ الْأُخُوَّةِ عَلَيْهَا مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ إخْوَةُ الْبِنْتِ لَا إخْوَةُ الْمَيِّتِ فَتَأَمَّلْ ق ل؛ فَمَقْصُودُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَخٌ لَهَا وَلَا أُخْتٌ كَذَلِكَ فَأَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ. وَعِبَارَةُ الَأُجْهُورِيُّ: الصَّوَابُ حَذْفُ الْإِخْوَةِ إذْ الْمُرَادُ بِالْبُنُوَّةِ أَوْلَادُ الْمَيِّتِ لِصُلْبِهِ وَبِالضَّرُورَةِ هُمْ إخْوَةُ الْبِنْتِ فَلَا دَاعِي لِذِكْرِ الْإِخْوَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 انْفَرَدَتْ عَنْ جِنْسِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الِانْفِرَادِ عَمَّنْ ذُكِرَ فِي الْأَرْبَعَةِ الزَّوْجُ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَعَ وُجُودِهِ النِّصْفُ أَيْضًا. (وَ) خَامِسُهَا (الزَّوْجُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا) أَيْ لِزَوْجَتِهِ (وَلَدٌ) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَصْدُقُ الْوَلَدُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (وَلَا وَلَدُ ابْنٍ) لَهَا وَإِنْ سَفَلَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَمَّا مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الِابْنِ كَوَلَدِ الصُّلْبِ فِي حَجْبِ الزَّوْجِ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبْعِ، إمَّا لِصِدْقِ اسْمِ الْوَلَدِ عَلَيْهِ مَجَازًا، وَإِمَّا قِيَاسًا عَلَى الْإِرْثِ، وَالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُ فِيهِمَا كَوَلَدِ الصُّلْبِ إجْمَاعًا. (وَ) الْفَرْضُ الثَّانِي (الرُّبُعُ وَهُوَ فَرْضُ اثْنَيْنِ) فَرْضُ (الزَّوْجِ مَعَ الْوَلَدِ) لِزَوْجَتِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ (أَوْ) مَعَ (وَلَدِ الِابْنِ) لَهَا وَإِنْ سَفَلَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَمَّا مَعَ الْوَلَدِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ} [النساء: 12] وَأَمَّا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ فَلِمَا مَرَّ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الِابْنِ هُنَا وَفِيمَا قَبْلَهُ وَلَدُ الْبِنْتِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُحْجَبُ (وَهُوَ) أَيْ الرُّبُعُ (لِلزَّوْجَةِ) الْوَاحِدَةِ (وَ) لِكُلِّ (الزَّوْجَاتِ) بِالسَّوِيَّةِ (مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ) لِلزَّوْجِ (أَوْ) عَدَمِ (وَلَدِ الِابْنِ) لَهُ وَإِنْ سَفَلَ، أَمَّا مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء: 12] وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ وَلَدِ الِابْنِ فَبِالْإِجْمَاعِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالزَّوْجَاتِ بَعْدَ الْوَاحِدِ أَنَّ مَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ إلَى انْتِهَاءِ الْأَرْبَعِ فِي اسْتِحْقَاقِ الرُّبُعِ كَالْوَاحِدَةِ، وَهُوَ إجْمَاعٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ تَرِثُ الْأُمُّ الرُّبُعَ فَرْضًا فِيمَا إذَا تَرَكَ زَوْجَةً وَأَبَوَيْنِ فَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَاحِدٌ وَهُوَ فِي   [حاشية البجيرمي] يُحْتَاجُ لِذَلِكَ إلَّا فِي جَانِبِ بِنْتِ الِابْنِ وَالْأُخْتِ فَلْيُتَأَمَّلْ قَوْلُهُ (وَتَنْقِيصُ) أَيْ وَعَنْ حَاجِبٍ أَيْضًا كَابْنِ صُلْبٍ وَبَنِيهِ. وَكَانَ الصَّوَابُ ذِكْرُهُ ق ل وَقَدْ يُقَالُ يُفْهَمُ بِالْأَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ عَنْ التَّنْقِيصِ قَوْلُهُ: (فِي دَرَجَتِهَا) لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (بِنْتُ صُلْبٍ) وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهَا أُخْتٌ لَهَا فَأَكْثَرَ، وَلَفْظُ تَنْقِيصٍ يَشْمَلُهَا وَلَوْ ذَكَرَهَا كَانَ أَوْلَى ق ل. قَوْلُهُ: (عَنْ جِنْسِ الْبُنُوَّةِ) أَيْ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ إنْ كَانَتْ فِي أُنْثَى فَهِيَ صَارَتْ عَصَبَةً مَعَهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي ذَكَرٍ فَهِيَ مَحْجُوبَةٌ بِهِ وَوَجْهُ الْأُخُوَّةِ ظَاهِرٌ، إذْ لَا تَأْخُذُ النِّصْفَ مَعَ إخْوَةٍ لَهَا فَالْمُرَادُ بِهَا الْأُخُوَّةُ لِلْأُخْتِ أَوْ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ حَالَهُمَا وَاحِدٌ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا بِالْبُنُوَّةِ هُنَا. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ عَنْ جِنْسِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ هُمَا مُحْتَاجٌ إلَيْهِمَا هُنَا لِأَنَّ الْمُرَادَ الْبُنُوَّةُ لِلْمَيِّتِ وَالْأُخُوَّةُ لَهَا هِيَ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ لِأَنَّ بُنُوَّةَ الْمَيِّتِ يُنْسَبُونَ إلَيْهَا لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ أَخِيهَا وَأَمَّا إخْوَتُهَا فَهُمْ أَوْلَادُ أَبِيهَا، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأُخْتِ لِلْأَبِ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ عَنْ جِنْسِ الْبُنُوَّةِ الشَّامِلَةِ لِبُنُوَّةِ الْمَيِّتِ وَبُنُوَّةِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ. قَوْلُهُ: (عَمَّا ذُكِرَ) أَيْ عَنْ جِنْسِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ. وَقَوْلُهُ: " الزَّوْجُ أَيْ الِانْفِرَادُ عَنْ الزَّوْجِ، فَلَا يُشْتَرَطُ انْفِرَادُهُنَّ عَنْهُ فِي اسْتِحْقَاقِ النِّصْفِ كَمَا قَالَ فَإِنَّ لِكُلٍّ إلَخْ " وَفِيهِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ فَلَا حَاجَةَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَإِمَّا قِيَاسًا) اُنْظُرْ كَيْفَ يُقَاسُ الثَّابِتُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ " إمَّا قِيَاسًا " مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ وَهَذَا لَا يُرَدُّ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ عَلَى الْإِرْثِ وَالتَّعْصِيبِ، فَقَاسَ حَجْبَ ابْنِ الِابْنِ لِلزَّوْجِ عَلَى الْإِرْثِ وَالتَّعْصِيبِ، أَيْ كَمَا أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الِابْنِ فِي الْإِرْثِ وَالتَّعْصِيبِ كَذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي حَجْبِ الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (فَرْضُ الزَّوْجِ) وَجُعِلَ لَهُ فِي حَالَتَيْهِ ضِعْفُ مَا لِلزَّوْجَةِ فِي حَالَتَيْهَا لِأَنَّ فِيهِ ذُكُورَةً، وَهِيَ تَقْتَضِي التَّعْصِيبَ فَكَانَ مَعَهَا كَالِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ دَرَجَةً فَكَانَ مَعَهَا بِمَنْزِلَةِ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ. وَقَوْلُهُ: " فَكَانَ مَعَهَا " أَيْ بِالنِّسْبَةِ لَهَا لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْإِرْثِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) وَلَوْ مِنْ زِنًا لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (فَلِمَا مَرَّ) الَّذِي مَرَّ هُوَ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الِابْنِ كَوَلَدِ الصُّلْبِ اهـ أح. قَوْلُهُ: (أَوْ عَدَمُ وَلَدِ الِابْنِ) " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ. قَوْلُهُ: (وَاسْتُفِيدَ مِنْ تَعْبِيرِهِ) كَأَنَّهُ يَدْفَعُ تَوَهُّمَ قُصُورِ الْعِبَارَةِ عَمَّا بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ سم: أَرَادَ بِالزَّوْجَاتِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ. قَوْلُهُ: (قَدْ تَرِثُ الْأُمُّ الرُّبُعَ) هِيَ عِبَارَةٌ فِي غَايَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 الْحَقِيقَةِ رُبُعٌ لَكِنَّهُمْ تَأَدَّبُوا مَعَ لَفْظِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. (وَ) الْفَرْضُ الثَّالِثُ (الثَّمَنُ) وَهُوَ (فَرْضُ الزَّوْجَةِ) الْوَاحِدَةِ (وَ) كُلُّ (الزَّوْجَاتِ) بِالسَّوِيَّةِ (مَعَ الْوَلَدِ) لِلزَّوْجِ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (أَوْ) مَعَ (وَلَدِ الِابْنِ) لَهُ وَإِنْ سَفَلَ، أَمَّا مَعَ الْوَلَدِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ} [النساء: 12] وَأَمَّا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ فَلِمَا تَقَدَّمَ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ تَعْبِيرِهِ هُنَا بِالزَّوْجَاتِ بَعْدَ الْوَاحِدَةِ مَا اُسْتُفِيدَ فِيمَا قَبْلَهُ (وَ) الْفَرْضُ الرَّابِعُ (الثُّلُثَانِ) وَهُوَ: " فَرْضُ أَرْبَعَةٍ الْبِنْتَيْنِ " فَأَكْثَرَ، أَمَّا فِي الْبِنْتَيْنِ فَبِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِدِ إلَى مَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى بِنْتَيْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الثُّلُثَيْنِ» وَإِلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْأُخْتَيْنِ وَمِمَّا اُحْتُجَّ بِهِ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَهُوَ لَوْ كَانَ مَعَ وَاحِدَةٍ كَانَ حَظُّهَا الثُّلُثُ فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ يَجِبَ لَهَا ذَلِكَ مَعَ أُخْتِهَا، وَأَمَّا فِي الْأَكْثَرِ مِنْ ثِنْتَيْنِ فَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11]   [حاشية البجيرمي] التَّحْرِيرِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ قَدْ يُفْرَضُ لَهَا الرُّبُعُ لِأَنَّ فَرْضَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي لَا الرُّبُعُ فِيمَا إذَا تَرَكَ زَوْجَةً وَأَبَوَيْنِ، وَهِيَ إحْدَى الْغَرَّاوَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (مَعَ لَفْظِ الْقُرْآنِ) أَيْ قَوْلِهِ: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] . تَنْبِيهٌ: لَا يَجْتَمِعُ الثُّمُنُ مَعَ الثُّلُثِ وَلَا الرُّبُعِ، أَيْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي فَرِيضَةِ الثُّمُنِ مَعَ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُودِ الثُّمُنِ وُجُودُ الْفَرْعِ الْوَارِثِ وَشَرْطُ وُجُودِ الثُّلُثِ عَدَمُ الْفَرْعِ الْوَارِثِ وَشَرْطَاهُمَا مُتَبَايِنَانِ وَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ، وَكَذَا لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الثُّمُنِ مَعَ الرُّبُعِ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُودِ الثُّمُنِ لِلزَّوْجَةِ وَالزَّوْجَاتِ وُجُودُ الْفَرْعِ الْوَارِثِ وَإِذَا وُجِدَ الْفَرْعُ الْوَارِثُ وُجِدَ مَعَهُ الرُّبُعُ وَلَا يَكُونُ إلَّا لِلزَّوْجِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ الزَّوْجَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ؛ م د عَلَى التَّحْرِيرِ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (مَا اُسْتُفِيدَ فِيمَا قَبْلَهُ) أَيْ مَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ كَالْوَاحِدَةِ. قَوْلُهُ: (فَرْضُ أَرْبَعَةٍ الْبِنْتَيْنِ) لَوْ قَالَ فَرْضُ مَنْ تَعَدَّدَ مِنْ أَصْحَابِ النِّصْفِ لَكَانَ أَخْصَرَ، وَهَذَا عِنْدَ انْفِرَادِ كُلٍّ عَنْ أَخَوَاتِهِنَّ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ فَقَدْ يَزِدْنَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ كَمَا لَوْ كُنَّ عَشْرًا وَالذَّكَرُ وَاحِدٌ فَلَهُنَّ عَشْرٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثَيْهَا وَقَدْ يَنْقُصُ كَبِنْتَيْنِ مَعَ ابْنَيْنِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَأَحْرَى) أَيْ أَحَقُّ. قَوْلُهُ: (فَلِعُمُومِ قَوْلِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْأَوْلَادِ فَقَطْ وَالْمَعْنَى فَإِنْ كُنَّ أَيْ الْأَوْلَادُ نِسَاءً إلَخْ. فَلَا حَاجَةَ إلَى لَفْظِ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى الْعُمُومِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا فِي تَوْرِيثِ الْأَخَوَاتِ كَمَا يَأْتِي عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَبَّرَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ عِنْدَ الْفَرْضِيِّينَ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، وَالِاعْتِرَاضُ سَاقِطٌ. قَوْلُهُ: (أَمَّا فِي الْأُخْتَيْنِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَقَالَ فِي الْأُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] . نَزَلَتْ فِي سَبْعِ أَخَوَاتٍ لِجَابِرٍ حِينَ مَرِضَ وَسَأَلَ عَنْ إرْثِهِنَّ مِنْهُ، فَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْأُخْتَانِ فَأَكْثَرَ. وَمَا قِيلَ إنَّهُ حِينَ مَاتَ غَلَطٌ فَإِنَّ جَابِرًا تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ عَنْ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَثِيرٍ. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: فِي قِصَّةِ جَابِرٍ لَمَّا مَرِضَ وَمَا قِيلَ لَمَّا مَاتَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَثِيرٍ اهـ وَقِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ دَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ جَابِرٍ اهـ. قَوْلُهُ: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] إلَخْ فَوْقَ صِلَةٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] لِلْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِدِ إلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بِنْتَيْنِ وَزَوْجَةٍ وَابْنِ عَمٍّ فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزَّوْجَةِ بِالثُّمُنِ وَلِلْبِنْتَيْنِ بِالثُّلُثَيْنِ وَلِابْنِ الْعَمِّ بِالْبَاقِي اهـ خ ض. وَالضَّمِيرُ فِي " كُنَّ " رَاجِعٌ لِلْأَوْلَادِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 (وَ) فَرْضُ (بَنَاتِ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلَ، وَلَوْ عَبَّرَ بِبِنْتَيْ ابْنٍ فَأَكْثَرَ كَانَ أَوْلَى لِيُدْخِلَ بِنْتَا الِابْنِ، وَالْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي الِابْنِ لِلْجِنْسِ حَتَّى لَوْ كُنَّ مِنْ أَبْنَاءٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ بِنْتُ صُلْبٍ فَإِنْ كَانَ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ. (وَ) فَرْضُ (الْأُخْتَيْنِ) فَأَكْثَرَ (مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ) أَمَّا فِي الْأُخْتَيْنِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] وَأَمَّا فِي الْأَكْثَرِ فَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] (وَ) فَرْضُ (الْأُخْتَيْنِ) فَأَكْثَرَ (مِنْ الْأَبِ) عِنْدَ فَقْدِ الشَّقِيقَتَيْنِ، أَمَّا فِي الْأُخْتَيْنِ فَلِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا الصِّنْفَانِ كَمَا حَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَأَمَّا فِي الْأَكْثَرِ فَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] كَمَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: ضَابِطُ مَنْ يَرِثُ الثُّلُثَيْنِ مَنْ تَعَدَّدَ مِنْ الْإِنَاثِ مِمَّنْ فَرْضُهُ النِّصْفُ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ عَمَّنْ يُعَصِّبُهُنَّ أَوْ يَحْجُبُهُنَّ. (وَ) الْفَرْضُ الْخَامِسُ (الثُّلُثُ) وَهُوَ (فَرْضُ اثْنَيْنِ) فَرْضُ (الْأُمِّ إذَا لَمْ تُحْجَبْ) حَجْبَ نُقْصَانٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ وَارِثٍ وَلَا اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْمَيِّتِ، سَوَاءٌ أَكَانُوا أَشِقَّاءَ أَمْ لَا، ذُكُورًا أَمْ لَا، مَحْجُوبِينَ بِغَيْرِهَا كَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ مِنْ جَدٍّ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَوَلَدُ الِابْنِ مُلْحَقٌ بِالْوَلَدِ وَالْمُرَادُ بِالْإِخْوَةِ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ إجْمَاعًا قَبْلَ إظْهَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْخِلَافَ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْأُمِّ أَبٌ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا ذَلِكَ فَفَرْضُهَا ثُلُثُ الْبَاقِي كَمَا مَرَّ. (وَهُوَ) أَيْ الثُّلُثُ (لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا) بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ وَنَاصِبُهُ وَاجِبُ الْإِضْمَارِ، أَيْ ذَاهِبًا مِنْ فَرْضِ عَدَدِ الِاثْنَيْنِ إلَى الصُّعُودِ عَلَى الِاثْنَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ النَّصْبِ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ بِالْفَاءِ وَثُمَّ لَا بِالْوَاوِ كَمَا فِي الْمُحْكَمِ أَيْ فَزَائِدًا (مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ) يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَغَيْرُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] الْآيَةَ.   [حاشية البجيرمي] وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ (نِسَاءً) لَهُ فَائِدَةٌ وَأَتَى بَنُونَ النِّسْوَةِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ كُنَّ مَعَ رُجُوعِهِ لِلْأَوْلَادِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ الْإِنَاثُ. قَوْلُهُ: (الصِّنْفَانِ) أَيْ الْأَخَوَاتُ الشَّقِيقَاتُ وَاَللَّاتِي لِأَبٍ. قَوْلُهُ: (فَلِعُمُومِ قَوْلِهِ) فِي كَوْنِهِ عَامًّا لِلْأَخَوَاتِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي كُنَّ رَاجِعٌ لِلْأَوْلَادِ فَالْآيَةُ خَاصَّةٌ بِالْأَوْلَادِ فَلَا عُمُومَ فِيهَا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى الْبَنَاتِ الْمَذْكُورَاتِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْإِنَاثِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إيضَاحٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَحْجُبُهُنَّ) أَيْ فِي غَيْرِ الْبَنَاتِ. قَوْلُهُ: (حَجْبَ نُقْصَانٍ) بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ أَمَّا حَجْبُ الْحِرْمَانِ بِالشَّخْصِ فَلَا يَعْتَرِيهَا. قَوْلُهُ: (وَارِثٌ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا. وَالْأَوْلَى: وَارِثَانِ. قَوْلُهُ: (مَحْجُوبَيْنِ بِغَيْرِهَا) بِخِلَافِ الْمَحْجُوبِ بِالْوَصْفِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ إظْهَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْخِلَافَ) حَيْثُ قَالَ: لَا يَحْجُبُهَا إلَّا جَمْعُ ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ. وَقَدْ يُقَالُ قَبْلِيَّةُ الظُّهُورِ لَا تَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَبْلِيَّةِ نَفْسِ الْخِلَافِ سم، أَيْ لِأَنَّ إظْهَارَ الْخِلَافِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ لَا يَخْرِقُهُ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا) الصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذَا الشَّرْطِ ق ل. هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي إرْثِهَا الثُّلُثَ كَامِلًا. قَوْلُهُ: (مِنْ فَرْضِ عَدَدٍ) لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ " فَرْضٍ ". وَقَوْلُهُ " أَيْ ذَاهِبًا " تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " صَاعِدًا " لَا لِلْعَامِلِ الْمَحْذُوفِ، وَتَقْدِيرُهُ: فَذَهَبَ الْعَدَدُ حَالَ كَوْنِهِ ذَاهِبًا إلَخْ، وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ. قَوْلُهُ: (يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَغَيْرُهُ) سَيَأْتِي تَوْجِيهُ التَّسْوِيَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِأَنَّهَا عَدَمُ الْعُصُوبَةِ فِيمَنْ أَدْلُوا بِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمْ لَوْ أَخَذُوا جَمِيعَ الْمَالِ فَرْضًا وَرَدًّا أَنَّهُ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ، وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ الْأَخْوَالُ لِإِدْلَائِهِمْ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَبِهِ جَزَمَ م ر تَبَعًا لِشَرْحِ الرَّوْضِ؛ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْفُصُولِ أَنَّ الْأَخْوَالَ يَقْسِمُونَهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَلْيُنْظَرْ وَجْهُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَوْلَادَ الْأُمِّ يُخَالِفُونَ غَيْرَهُمْ فِي خَمْسَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، الثَّانِي: إرْثُهُمْ مَعَ وُجُودِ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ، الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ يُحْجَبُونَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ حَجْبَ نُقْصَانٍ، الرَّابِعُ: أَنَّ ذَكَرَهُمْ يُدْلِي بِأُنْثَى وَهِيَ الْأُمُّ وَيَرِثُ، الْخَامِسُ: أَنَّ مِيرَاثَ الْمُنْفَرِدِ السُّدُسُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. اهـ. م د. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَإِنَّمَا أُعْطُوا الثُّلُثَ وَالسُّدُسَ لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِالْأُمِّ وَهُمَا فَرْضُهَا، وَسَوَّى بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ لَا تَعْصِيبَ فِيمَنْ أَدْلَوْا بِهِ بِخِلَافِ الْأَشِقَّاءِ لَمَّا كَانَ فِيهِمْ تَعْصِيبٌ جُعِلَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَالْأَوْلَادِ، وَعِبَارَةُ م ر: لِأَنَّ إرْثَهُمْ بِالرَّحِمِ كَالْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ وَإِرْثُ غَيْرِهِمْ بِالْعُصُوبَةِ وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِتَفْضِيلِ الذَّكَرِ. قَوْلُهُ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ} [النساء: 12] أَيْ يُورَثُ مِنْهُ. وَجُمْلَةُ " يُورَثُ " نَعْتُ " رَجُلٍ " وَكَلَالَةٌ خَبَرُ كَانَ، أَوْ يُورَثُ خَبَرُهَا، أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 وَالْمُرَادُ أَوْلَادُ الْأُمِّ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ. وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ وَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَتَوَاتَرْ لَكِنَّهَا كَالْخَبَرِ فِي الْعَمَلِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ تَوْقِيفًا. وَإِنَّمَا سَوَّى بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِأَنَّهُ لَا تَعْصِيبَ فِيمَنْ أَدْلُوا بِهِ بِخِلَافِ الْأَشِقَّاءِ وَلِأَبٍ، فَإِنَّ فِيهِمْ تَعْصِيبًا فَكَانَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَالْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَعْلِيقِهِ، وَقَدْ يُفْرَضُ الثُّلُثُ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ فِيمَا إذَا نَقَصَ عَنْهُ بِالْمُقَاسَمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ فَأَكْثَرَ، وَبِهَذَا يَكُونُ فَرْضُ الثُّلُثِ لِثَلَاثَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّالِثُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا مَرَّ. (وَ) الْفَرْضُ السَّادِسُ (السُّدُسُ) وَهُوَ (فَرْضُ سَبْعَةٍ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ (لِلْأُمِّ مَعَ الْوَلَدِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] (أَوْ) مَعَ (وَلَدِ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حَجْبِهَا بِهِ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا مُخَالَفَةَ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ (أَوْ) مَعَ (اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا) أَيْ فَأَكْثَرَ (مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ) لِمَا مَرَّ فِي الْآيَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ اثْنَيْنِ قَدْ يَشْمَلُ مَا لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ وَلَدَيْنِ مُلْتَصِقَيْنِ لَهُمَا رَأْسَانِ وَأَرْبَعُ أَرْجُلٍ وَأَرْبَعُ أَيْدٍ وَفَرْجَانِ، وَلَهُمَا ابْنٌ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ هَذَا الِابْنُ وَتَرَكَ أُمَّهُ وَهَذَيْنِ، فَيُصْرَفُ لَهَا السُّدُسُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ الِاثْنَيْنِ فِي   [حاشية البجيرمي] لَا خَبَرَ لَهَا بِجَعْلِهَا تَامَّةً، وَكَلَالَةً عَلَى هَذَيْنِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُورَثُ وَهِيَ مَنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ. قَوْلُهُ: (كَالْخَبَرِ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَعِبَارَةُ الْإِيعَابِ: الْمُعْتَمَدُ مِنْ اضْطِرَابٍ طَوِيلٍ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ إذَا صَحَّ سَنَدُهَا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْآحَادِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (تَوْقِيفًا) أَيْ تَعْلِيمًا مِنْ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ " فِيمَنْ أَدْلَوْا بِهِ " وَهِيَ الْأُمُّ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ فِيهِمْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَإِنَّ فِيهِ أَيْ مَنْ أَدْلُوا بِهِ وَهُوَ الْأَبُ تَعْصِيبًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى فَإِنَّ فِيهِمْ تَعْصِيبًا لِإِدْلَائِهِمْ بِالْأَبِ الْعَاصِبِ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ نَظِيرُ مَا مَرَّ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَمُرَّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَعَ وَلَدِ الِابْنِ) إنْ قِيلَ: لِمَ جَعَلَ وَلَدَ الِابْنِ كَالِابْنِ فِي حَجْبِهَا إلَى السُّدُسِ وَلَمْ يَجْعَلْ وَلَدَ الْأَخِ كَأَبِيهِ فِي ذَلِكَ؟ أُجِيبَ بِالْفَرْقِ لِإِطْلَاقِ الْوَلَدِ عَلَى وَلَدِ الِابْنِ مَجَازًا شَائِعًا بَلْ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ إطْلَاقِ الْأَخِ عَلَى وَلَدِهِ وَبِأَنَّ الْوَلَدَ أَقْوَى حَجْبًا مِنْ الْإِخْوَةِ يَحْجُبُ مَنْ لَا يَحْجُبُونَهُ وَلِقُصُورِهِمْ عَنْ دَرَجَةِ آبَائِهِمْ قَوِيَ الْجَدُّ عَلَى حَجْبِهِمْ دُونَ آبَائِهِمْ اهـ سم. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَعْتَبِرُوا مُخَالَفَةَ مُجَاهِدٍ) حَيْثُ قَالَ: لَا يَحْجُبُهَا وَلَدُ الِابْنِ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ فِي الْآيَتَيْنِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ: لِلْأُمِّ مَعَ الْوَلَدِ إلَخْ، وَالْآيَةُ الْأُولَى هِيَ قَوْلُهُ: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَسَمَّاهَا آيَةً لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] فَيَكُونُ آخِرَ الْآيَةِ خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَهُمَا آيَةً وَاحِدَةً. وَأَجَابَ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْآيَتَيْنِ الْجُمْلَتَانِ سَوَاءٌ وَرِثَا أَوْ حُجِبَا بِالشَّخْصِ دُونَ الْوَصْفِ كَأَخٍ لِأَبٍ مَعَ شَقِيقٍ وَكَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ مَعَ جَدٍّ فَيَحْجُبَانِهَا وَإِنْ حُجِبَا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَأَرْبَعُ أَرْجُلٍ وَأَرْبَعُ أَيْدٍ) قَالَ حَجّ: وَظَاهِرٌ أَنَّ تَعَدُّدَ غَيْرِ الرَّأْسِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ مَتَى عُلِمَ اسْتِقْلَالُ كُلٍّ بِحَيَاةٍ كَأَنْ نَامَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَدَخَلَ بِالثَّانِي مَا لَوْ كَانَا مُلْتَصِقَيْنِ وَأَعْضَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَامِلَةً حَتَّى الْفَرْجَيْنِ فَلَهُمَا حُكْمُ اثْنَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ حَتَّى إنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ سَوَاءٌ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفِينَ، فَإِنْ نَقَصَتْ أَعْضَاءُ أَحَدِهِمَا فَإِنْ عُلِمَ حَيَاةُ أَحَدِهِمَا اسْتِقْلَالًا كَنَوْمِ أَحَدِهِمَا وَيَقَظَةِ الْآخَرِ فَكَاثْنَيْنِ أَيْضًا وَإِلَّا فَكَوَاحِدٍ اهـ. قَوْلُهُ: (حُكْمُ الِاثْنَيْنِ) وَهَلْ يُكَلَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمُوَافَقَةِ الْآخَرِ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ وَحَجٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَرَكَةِ أَوْ لَا؟ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ حَجّ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا مُوَافَقَةُ الْآخَرِ فِي فِعْلِ شَيْءٍ أَرَادَهُ مِمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 سَائِرِ الْأَحْكَامِ مِنْ قِصَاصٍ وَدِيَةٍ وَغَيْرِهِمَا. وَتُعْطَى أَيْضًا السُّدُسَ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ أَخَوَيْنِ كَأَنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَاشْتَبَهَ الْحَالُ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ لُحُوقِهِ بِأَحَدِهِمَا وَلِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَدَانِ، فَلِلْأُمِّ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ السُّدُسُ فِي الْأَصَحِّ أَوْ الصَّحِيحُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي الْعِدَدِ. وَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأُمِّ الْوَلَدُ أُمُّ وَلَدِ الِابْنِ وَاثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ فَاَلَّذِي رَدَّهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ الْوَلَدُ لِقُوَّتِهِ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. وَقَدْ يُفْرَضُ لَهَا أَيْضًا السُّدُسُ مَعَ عَدَمِ مَنْ ذُكِرَ كَمَا إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ. (وَهُوَ) أَيْ السُّدُسُ (لِلْجَدَّةِ) الْوَارِثَةِ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ» وَالْمُرَادُ بِهَا الْجِنْسُ لِأَنَّ الْجَدَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ الْوَارِثَاتُ يَشْتَرِكَانِ أَوْ يَشْتَرِكْنَ فِي السُّدُسِ، وَرَوَى الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهِ لِلْجَدَّتَيْنِ» ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْجَدَّةُ لِأُمٍّ فَلَهَا ذَلِكَ (مَعَ عَدَمِ الْأُمِّ) فَقَطْ سَوَاءٌ انْفَرَدَتْ أَوْ كَانَتْ مَعَ ذَوِي فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ لِأَنَّهَا لَا يَحْجُبُهَا إلَّا الْأُمُّ فَقَطْ إذْ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ غَيْرُهَا فَلَا تُحْجَبُ بِالْأَبِ وَلَا بِالْجَدِّ، وَالْجَدَّةُ لِلْأَبِ يَحْجُبُهَا الْأَبُ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِهِ وَالْأُمُّ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ بِالْأُمُومَةِ وَالْأُمُّ أَقْرَبُ مِنْهَا، وَالْقُرْبَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْهَا سَوَاءٌ   [حاشية البجيرمي] يَخُصُّهُ أَوْ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِذَلِكَ بِأَنْ كَانَ ظَهْرَ أَحَدِهِمَا لِظَهْرِ الْآخَرِ لِأَنَّ تَكْلِيفَ الْإِنْسَانِ بِفِعْلٍ لِأَجْلِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ نِسْبَتِهِ لِتَقْصِيرٍ وَلَا لِسَبَبٍ فِيهِ مِنْهُ لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا نَظَرَ لِضِيقِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُمَا مَعًا لَا تُمْكِنُ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَخَالُفُهُمَا أَيْ تَخَالُفُ وَجْهَيْهِمَا. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَا نُجْبِرُهُ وَيَلْزَمُ الْآخَرُ بِالْأُجْرَةِ كَمَا هُوَ قِيَاسُ مَسَائِلَ ذَكَرُوهَا؟ قُلْت: تِلْكَ لَيْسَتْ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى حِفْظِ النَّفْسِ تَارَةً كَمُرْضِعَةٍ تَعَيَّنَتْ وَالْمَالِ أُخْرَى كَوَدِيعٍ تَعَيَّنَ، وَمَا هُنَا إنَّمَا هُوَ إجْبَارٌ لِمَحْضِ عِبَادَةٍ وَهِيَ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِيهِمَا أَيْ الْمُرْضِعَةِ الْوَدِيعَةِ. فَإِنْ قُلْت: عَهْدُ الْإِجْبَارِ بِالْأُجْرَةِ لِلْعِبَادَةِ كَتَعْلِيمِ الْفَاتِحَةِ بِالْأُجْرَةِ. قُلْت: يُفَرَّقُ بِأَنَّ ذَاكَ أَمْرٌ يَدُومُ نَفْعُهُ بِفِعْلِ قَلِيلٍ لَا يَتَكَرَّرُ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ تَكْرَارُ الْإِجْبَارِ بَلْ دَوَامُهُ مَا بَقِيَتْ الْحَيَاةُ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُطَاقُ، لَمْ يُتَّجَهْ إيجَابُهُ؛ بَلْ إنْ رُفِعَا إلَى الْحَاكِمِ أَعْرَضَ عَنْهُمَا إلَى أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ اهـ شَرْحُ ابْنِ حَجْرٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ قِصَاصٍ) أَيْ فِيمَا قَتَلَهُمَا شَخْصٌ عَمْدًا فَيُقْتَلُ فِي أَحَدِهِمَا وَعَلَيْهِ دِيَةٌ لِلْآخَرِ، فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ فَدِيَتَانِ، وَكَذَا كَانَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَلَوْ أَصَابَ أَحَدَ الْمُلْتَصِقَيْنِ نَجَاسَةٌ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ زَوَالِ النَّجَاسَةِ مِنْ عَلَى صَاحِبِهِ. وَيُلْغَزُ بِذَلِكَ فَيُقَالُ: شَخْصٌ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ فَحَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى تَزُولَ النَّجَاسَةُ مِنْ عَلَى بَدَنِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِمَا) كَالنِّكَاحِ، فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ سَوَاءً كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ، وَيَجِبُ السَّتْرُ وَالتَّحَفُّظُ مَا أَمْكَنَ وَفِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُمَا يَعَدَّانِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ حَيْثُ كَانَا مُتَوَجِّهَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِجَنْبِ الْآخَرِ، أَمَّا لَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ كَانَ ظَهْرُ أَحَدِهِمَا لِظَهْرِ الْآخَرِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ وَيَكُونُ هَذَا عُذْرًا فِي إسْقَاطِ الْجُمُعَةِ عَنْ أَحَدِهِمَا اهـ. قَوْلُهُ: (فَلِلْأُمِّ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ السُّدُسُ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَيِّتَ ابْنُ الَّذِي لَهُ وَلَدَانِ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمَيِّتُ مَاتَ عَنْ أُمٍّ وَأَخَوَيْنِ فَالسُّدُسُ مُحَقَّقٌ وَالثُّلُثُ مَشْكُوكٌ فِيهِ لِاحْتِمَالِ نِسْبَةِ الْوَلَدِ لِلثَّانِي، فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ الثَّانِي أَخَذَ الثُّلُثَ كَامِلًا. قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ أَوْ الصَّحِيحِ) هَذَا بِالنَّظَرِ لِلْمُدْرِكِ الَّذِي لِلْقَوْلِ الضَّعِيفِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُدْرِكُهُ قَوِيًّا عَبَّرَ فِي مُقَابِلِهِ بِالْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا عَبَّرَ فِيهِ بِالصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (فِي الْعِدَدِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يُفْرَضُ لَهَا أَيْضًا السُّدُسُ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْحَقِيقَةِ، وَإِنْ سَمَّيْنَاهُ ثُلُثَ الْبَاقِي عَمَلًا بِعَدَمِ الْحَاجِبِ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَتَأَدُّبًا مَعَ الْقُرْآنِ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِهَا) فِي كَلَامِ الْمَتْنِ أَوْ فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْهَا) شَمِلَ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ أُمَّهَاتِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ أُمِّ الْأَبِ فَتَسْقُطُ بِالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ أَبِي الْأَبِ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ الْهَائِمِ أَخْذًا مِنْ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ " شَمِلَ إلَخْ " أَيْ لِأَنَّ الْبُعْدَى وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَقَوْلُهُ " أَخْذًا مِنْ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ " وَهُوَ قَوْلُ الشَّارِحِ: وَالْقُرْبَى مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 أَدْلَتْ بِهَا كَأُمِّ أَبٍ وَأُمِّ أُمِّ أَبٍ وَأُمِّ أُمٍّ وَأُمِّ أُمِّ أُمٍّ، أَمْ لَمْ تُدْلِ بِهَا كَأُمِّ أَبٍ وَأُمِّ أَبِي أَبٍ فَلَا تَرِثُ الْبُعْدَى مَعَ وُجُودِ الْقُرْبَى، وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمِّ أُمٍّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ أَبٍ، وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ أَبٍ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمِّ أُمِّ أُمٍّ بَلْ يَكُونُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (وَ) السُّدُسُ أَيْضًا (لِبِنْتِ الِابْنِ) فَأَكْثَرَ (مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ) أَوْ مَعَ بِنْتِ ابْنٍ أَقْرَبَ مِنْهَا تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ لِقَضَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فِي بِنْتِ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَلِأَنَّ الْبَنَاتَ لَيْسَ لَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ، فَالْبِنْتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: اُسْتُفِيدَ مِنْ إفْرَادِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ بِنْتَ الصُّلْبِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ بِنْتَا صُلْبٍ فَأَكْثَرَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِبَنَاتِ الِابْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ بِنْتَ الِابْنِ فَأَكْثَرَ إنَّمَا تَأْخُذُ أَوْ يَأْخُذْنَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَهُوَ السُّدُسُ، وَلِهَذَا سُمِّيَ تَكْمِلَةً كَمَا مَرَّ. (وَهُوَ) أَيْ السُّدُسُ (لِلْأُخْتِ) فَأَكْثَرَ (مِنْ الْأَبِ مَعَ الْأُخْتِ) الْوَاحِدَةِ (مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ) تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي الْبِنْتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ (وَهُوَ) أَيْ السُّدُسُ (فَرْضُ الْأَبِ مَعَ الْوَلَدِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (أَوْ) مَعَ (وَلَدِ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلَ (وَ) هُوَ أَيْضًا (فَرْضُ الْجَدِّ) لِلْأَبِ (عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ) الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] الْآيَةَ وَوَلَدُ الِابْنِ كَالْوَلَدِ كَمَا مَرَّ وَالْجَدُّ كَالْأَبِ (وَهُوَ) أَيْضًا (لِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] الْآيَةَ. تَتِمَّةٌ: أَصْحَابُ الْفُرُوضِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ: أَرْبَعَةٌ مِنْ الذُّكُورِ الزَّوْجُ وَالْأَخُ لِلْأُمِّ وَالْأَبُ وَالْجَدُّ، وَقَدْ يَرِثُ الْأَبُ وَالْجَدُّ بِالتَّعْصِيبِ فَقَطْ وَقَدْ يَجْمَعَانِ بَيْنَهُمَا، وَتِسْعَةٌ مِنْ الْإِنَاثِ الْأُمُّ وَالْجَدَّتَانِ وَالزَّوْجَةُ وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ وَذَوَاتُ النِّصْفِ الْأَرْبَعِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي حَجْبِ الْحِرْمَانِ بِقَوْلِهِ: (وَتَسْقُطُ الْجَدَّاتُ) سَوَاءٌ أُكَنَّ لِلْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ (بِالْأُمِّ) إجْمَاعًا لِأَنَّ الْجَدَّةَ إنَّمَا   [حاشية البجيرمي] كُلِّ جِهَةٍ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْهَا اهـ. قَوْلُهُ: (كَأُمِّ أَبٍ) أَيْ وَهِيَ الْحَاجِبَةُ، وَقَوْلُهُ: وَأُمِّ أُمِّ أَبٍ هِيَ الْمَحْجُوبَةُ. وَقَوْلُهُ: وَأُمِّ أُمٍّ أَيْ وَكَأُمٍّ إلَخْ وَهِيَ الْحَاجِبَةُ، وَقَوْلُهُ: وَأُمِّ أُمِّ أُمٍّ هِيَ الْمَحْجُوبَةُ، وَقَوْلُهُ: كَأُمِّ أَبٍ هِيَ الْحَاجِبَةُ، وَقَوْلُهُ: وَأُمِّ أَبِي أَبٍ هِيَ الْمَحْجُوبَةُ. قَوْلُهُ: (تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ) مُرَادُ الْعُلَمَاءِ بِذَلِكَ أَنَّ السُّدُسَ لَيْسَ فَرْضًا مُسْتَقِلًّا بَلْ هُوَ مُكَمِّلٌ لِلثُّلُثَيْنِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عِنْدَ اسْتِغْرَاقِ الْبَنَاتِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ الْقَرِيبَاتِ الثُّلُثَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَجْمَعَانِ بَيْنَهُمَا) أَيْ إذَا كَانَ مَعَهُ أَيْ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ بِنْتٌ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ أَوْ هُمَا أَوْ بِنْتَا ابْنٍ فَلَهُ السُّدُسُ فَرْضًا وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِ فَفَرْضُ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ أَوْ هُمَا بِالْعُصُوبَةِ. قَوْلُهُ: (فِي حَجْبِ الْحِرْمَانِ) أَيْ بِالشَّخْصِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَيْنِ وَوَلَدِ الصُّلْبِ، وَأَمَّا حَجْبُ الْحِرْمَانِ بِالْوَصْفِ فَيُمْكِنُ دُخُولُهُ عَلَى كُلِّ الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا حَجْبُ النُّقْصَانِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ضِمْنِ بَيَانِ الْفُرُوضِ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمَتْنُ خَمْسَةٌ وَزَادَ الشَّارِحُ سَبْعَةً، فَالْجُمْلَةُ اثْنَتَا عَشَرَةَ، وَهُمْ: الْجَدَّاتُ وَالْأَجْدَادُ وَوَلَدُ الْأُمِّ وَالْأَخُ الشَّقِيقُ وَالْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأَخُ لِلْأُمِّ وَابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْعَمُّ الشَّقِيقُ وَالْعَمُّ لِلْأَبِ وَابْنُ الْعَمِّ الشَّقِيقُ وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْمُعْتِقُ، وَسَكَتَ عَنْ حَجْبِ وَلَدِ الِابْنِ بِالِابْنِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَلِأَنَّهُ لَا يُحْجَبُ دَائِمًا بَلْ إنْ كَانَ وَلَدُ الصُّلْبِ ذَكَرًا حَجَبَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِالْجِهَةِ، ثُمَّ إذَا اتَّحَدَتْ قُدِّمَ بِالْقُرْبِ، فَإِذَا اتَّحَدَا فِي الْقُرْبِ قُدِّمَ بِالْقُوَّةِ كَمَا قَالَ: فَبِالْجِهَةِ التَّقْدِيمُ ثُمَّ بِقُرْبِهِ ... وَبَعْدَهُمَا التَّقْدِيمُ بِالْقُوَّةِ اجْعَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 تَسْتَحِقُّ بِالْأُمُومَةِ، وَالْأُمُّ أَقْرَبُ مِنْهَا كَمَا مَرَّ (وَ) يَسْقُطُ (الْأَجْدَادُ) الْمُدْلُونَ إلَى الْمَيِّتِ بِمَحْضِ الذُّكُورِ (بِالْأَبِ) وَبِكُلِّ جَدٍّ هُوَ إلَى الْمَيِّتِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ بِالْإِجْمَاعِ (وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأُمِّ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (مَعَ) وُجُودِ (أَرْبَعَةٍ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا (الْوَلَدُ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَوَلَدُ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَالْأَبُ وَالْجَدُّ) بِالْإِجْمَاعِ وَلِآيَتَيْ الْكَلَالَةِ الْمُفَسَّرَةِ بِمَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ. وَأَمَّا الْأُمُّ فَلَا تَحْجُبُهُمْ وَإِنْ أَدْلَوْا بِهَا لِأَنَّ شَرْطَ حَجْبِ الْمُدْلِي بِالْمُدْلَى بِهِ أَمَّا اتِّحَادُ جِهَتِهِمَا كَالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ وَالْجَدَّةِ مَعَ الْأُمِّ، أَوْ اسْتِحْقَاقِ الْمُدْلَى بِهِ كُلَّ التَّرِكَةِ لَوْ انْفَرَدَ كَالْأَخِ مَعَ الْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ وَلَدِهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَأْخُذُ بِالْأُمُومَةِ وَهُوَ بِالْأُخُوَّةِ، وَلَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ إذَا انْفَرَدَتْ (وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ) أَيْ الْأَخُ الشَّقِيقُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ (مَعَ ثَلَاثَةٍ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا (الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلَ (وَالْأَبُ) بِالْإِجْمَاعِ فِي الثَّلَاثَةِ (وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأَبِ) أَيْ الْأَخُ لِلْأَبِ فَقَطْ مَعَ أَرْبَعَةٍ (بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَبِالْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ) لِقُوَّتِهِ بِزِيَادَةِ الْقُرْبِ. فَإِنْ قِيلَ: يُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُحْجَبُ أَيْضًا بِبِنْتِ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَنْ يَحْجُبُ بِمُفْرَدِهِ وَكُلٌّ مِنْ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ لَا تَحْجُبُ الْأَخَ بِمُفْرَدِهَا بَلْ مَعَ غَيْرِهَا؛ وَاَلَّذِي يَحْجُبُ ابْنَ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ سِتَّةٌ: أَبٌ لِأَنَّهُ يَحْجُبُ أَبَاهُ فَهُوَ أَوْلَى، وَجَدٌّ لِأَنَّهُ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ، وَابْنٌ وَابْنُهُ لِأَنَّهُمَا يَحْجُبَانِ أَبَاهُ فَهُوَ أَوْلَى، وَالْأَخُ لِأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَبَاهُ فَهُوَ يُدْلِي بِهِ وَإِنْ كَانَ عَمَّهُ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَالْأَخُ لِأَبٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ. وَابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ يَحْجُبُهُ سَبْعَةٌ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ لِمَا سَبَقَ، وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ لِقُوَّتِهِ. وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ ثَمَانِيَةٌ. هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ لِمَا سَبَقَ، وَابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ لِقُرْبِ دَرَجَتِهِ. وَالْعَمُّ لِأَبٍ يَحْجُبُهُ تِسْعَةٌ هَؤُلَاءِ الثَّمَانِيَةِ لِمَا مَرَّ، وَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ لِقُوَّتِهِ، وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ عَشَرَةٌ، هَؤُلَاءِ التِّسْعَةِ لِمَا مَرَّ وَعَمٌّ لِأَبٍ لِأَنَّهُ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِزِيَادَةِ قُرْبِهِ. وَابْنُ عَمٍّ لِأَبٍ يَحْجُبُهُ أَحَدَ عَشَرَ هَؤُلَاءِ الْعَشَرَةُ لِمَا سَلَف وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ لِقُوَّتِهِ. وَالْمُعْتِقُ يَحْجُبُهُ عَصَبَةُ النَّسَبِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْ الْوَلَاءِ إذْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَلَاءِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ذَلِكَ اخْتِصَارًا. (وَأَرْبَعَةٌ يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ) مَنْصُوبٌ بِالْكَسْرَةِ لِكَوْنِهِ جَمْعَ مُؤَنَّثٍ سَالِمٍ الْأَوَّلُ (الِابْنُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]   [حاشية البجيرمي] وَتَرْتِيبُ الْجِهَاتِ الْبُنُوَّةُ ثُمَّ الْأُبُوَّةُ ثُمَّ الْجُدُودَةُ وَالْأُخُوَّةُ ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْعُمُومَةُ ثُمَّ بَنُونَ الْعُمُومَةِ ثُمَّ الْوَلَاءُ ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ، فَالتَّقْدِيمُ بِقُرْبِ الْجِهَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ ثُمَّ إذَا اتَّحَدَتْ قُدِّمَ بِالْقُرْبِ فِي الدَّرَجَةِ ثُمَّ إذَا اتَّحَدَتْ قُدِّمَ بِالْقُوَّةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْجَدَّةَ) الْمُنَاسِبُ الْعَطْفُ لِيَكُونَ مِنْ عَطْفِ عِلَّةٍ عَلَى أُخْرَى. قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأُمِّ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ يَسْقُطُ بِالْفَرْعِ الْوَارِثِ وَالْأَصْلُ الذَّكَرُ. قَوْلُهُ: (وَلِآيَتَيْ الْكَلَالَةِ) وَالْأُولَى هِيَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} [النساء: 12] إلَخْ وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: {يَسْتَفْتُونَكَ} [النساء: 176] إلَخْ؛ لَكِنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى مُدَّعَانَا وَهُوَ سُقُوطُ وَلَدِ الْأُمِّ بِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ الْآيَةَ الْأُولَى بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى مَا هُنَا، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلِآيَةِ الْكَلَالَةِ أَيْ وَلِمَفْهُومِ آيَةِ الْكَلَالَةِ أَيْ الْأُولَى لِأَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ مَذْكُورٌ فِيهَا بِقَوْلِهِ {أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] أَيْ مِنْ أُمٍّ وَمَفْهُومُ الْآيَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا خَلَّفَ وَلَدًا أَوْ وَالِدًا سَقَطَ وَلَدُ الْأُمِّ اهـ. قَوْلُهُ: (أَمَّا اتِّحَادُ جِهَتِهِمَا) أَيْ فِي الْإِرْثِ. قَوْلُهُ: (كَالْأَخِ مَعَ الْأَبِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: كَالْأَبِ مَعَ الْأَخِ. قَوْلُهُ: (لِقُوَّتِهِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ حَيْثُ اتَّفَقَتْ الدَّرَجَةُ يُعَبَّرُ بِالْقُوَّةِ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ يُعَبَّرُ بِالْقُرْبِ. قَوْلُهُ: (بِزِيَادَةِ الْقُرْبِ) صَوَابُهُ بِزِيَادَةِ الْقَرَابَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا يَحْجُبَانِ أَبَاهُ) أَيْ ابْنَ الْأَخِ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ التَّعَالِيلِ السَّابِقَةِ. قَوْلُهُ: (كَالْمَحْرَمِيَّةِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي كُلِّ قُرْبٍ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَسُقُوطُ الْقِصَاصِ) أَيْ فَإِنَّ الْأَصْلَ إذَا قُتِلَ فَرْعُهُ لَا يُقْتَلُ فِيهِ؛ وَأَمَّا الْمُعْتِقُ إذَا قُتِلَ عَتِيقُهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ فِيهِ، وَأَيْضًا الْأَصْلُ يُنْفِقُ عَلَى فَرْعِهِ بِخِلَافِ الْمُعْتِقِ فَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ عَتِيقِهِ. قَوْلُهُ: (وَعَدَمِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ) بِخِلَافِ الْمُعْتِقِ فَتَصِحُّ شَهَادَتُهُ لِعَتِيقِهِ وَشَهَادَةُ عَتِيقِهِ لَهُ. قَوْلُهُ: (مَنْصُوبٌ بِالْكِسْرَةِ) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ تَحْرِيفِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 فَنَصَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى أَوْلَادِ الصُّلْبِ. (وَ) الثَّانِي (ابْنُ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ مَقَامَ أَبِيهِ فِي الْإِرْثِ قَامَ مَقَامَهُ فِي التَّعْصِيبِ. (وَ) الثَّالِثُ (الْأَخُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَ) الرَّابِعُ: (الْأَخُ مِنْ الْأَبِ) فَقَطْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] (وَأَرْبَعَةٌ) لَا يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ بَلْ (يَرِثُونَ دُونَ أَخَوَاتِهِمْ) فَلَا يَرِثْنَ (وَهُمْ الْأَعْمَامُ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (وَبَنُو الْأَعْمَامِ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (وَبَنُو الْإِخْوَةِ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ لِأَنَّ الْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُمْ أَوَّلَ الْكِتَابِ، (وَعَصَبَاتُ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ) الَّذِينَ يَتَعَصَّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ لِانْجِرَارِ الْوَلَاءِ إلَيْهِمْ كَمَا مَرَّ بَيْنَهُمْ، فَيَرِثُونَ عَتِيقَ مُوَرِّثِهِمْ بِالْوَلَاءِ دُونَ أَخَوَاتِهِمْ لِأَنَّ الْإِنَاثَ إذَا لَمْ يَرِثْنَ فِي النَّسَبِ الْبَعِيدِ فَلَأَنْ لَا يَرِثْنَ فِي الْوَلَاءِ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ مِنْ النَّسَبِ الْبَعِيدِ أَوْلَى. وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَّثَ بِنْتَ حَمْزَةَ مِنْ عَتِيقِ أَبِيهَا» قَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ أَنَّهُ كَانَ عَتِيقَهَا وَكَذَا حَكَى تَصْوِيبَ ذَلِكَ عَنْ النَّسَائِيّ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي أَدِلَّةِ التَّنْبِيهِ. تَتِمَّةٌ: الِابْنُ الْمُنْفَرِدُ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ وَكَذَا الِابْنَانِ وَالْبَنُونَ إجْمَاعًا، وَلَوْ اجْتَمَعَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَالتَّرِكَةُ لَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَأَوْلَادُ الِابْنِ وَإِنْ نَزَلَ إذَا انْفَرَدُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ فِيمَا ذُكِرَ، فَلَوْ اجْتَمَعَ أَوْلَادُ الصُّلْبِ وَأَوْلَادُ الِابْنِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الصُّلْبِ ذَكَرٌ حَجَبَ أَوْلَادَ الِابْنِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتٌ فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِأَوْلَادِ الِابْنِ الذُّكُورِ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتَانِ فَصَاعِدًا أَخَذَتَا أَوْ أَخَذْنَ الثُّلُثَيْنِ، وَالْبَاقِي لِأَوْلَادِ الِابْنِ الذُّكُورِ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَلَا شَيْءَ لِلْإِنَاثِ الْخُلَّصِ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ مَعَ بِنْتَيْ الصُّلْبِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ فَيُعَصِّبَهُنَّ فِي الْبَاقِي، وَأَوْلَادُ ابْنِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الِابْنِ كَأَوْلَادِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ   [حاشية البجيرمي] وَقِرَاءَتُهُ بِالنُّونِ جَمْعُ أَخٍ بِأَنْ يُقْرَأَ إخْوَانُهُمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْإِنَاثَ مَقْصُورَاتٌ عَلَى تَعْصِيبِهِنَّ بِإِخْوَتِهِنَّ لَا أَنَّ الْإِخْوَةَ مَقْصُورُونَ عَلَى تَعْصِيبِ أَخَوَاتِهِنَّ؛ لِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ يُعَصِّبُ غَيْرَ أُخْتِهِ كَعَمَّتِهِ وَعَمَّةِ أَبِيهِ وَعَمَّةِ جَدِّهِ وَبِنْتِ عَمِّهِ كَمَا يَأْتِي سم. وَالْقَصْرُ مُسْتَفَادٌ مِنْ خَارِجٍ لَا مِنْ الْعِبَارَةِ. قَوْلُهُ: (جَمْعَ مُؤَنَّثٍ) بِإِضَافَةِ مُؤَنَّثٍ إلَى جَمْعٍ وَجَرِّ سَالِمٍ صِفَةً لِمُؤَنَّثٍ اهـ ق ل. وَالصَّوَابُ أَنَّ سَالِمًا بِالنَّصْبِ صِفَةٌ لِجَمْعٍ لِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِالسَّلَامَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ جَرٌّ لِلْمُجَاوَرَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَرْبَعَةٌ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ وَكَأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَإِنَّهُمَا أَيْضًا يَرِثَانِ دُونَ أُخْتَيْهِمَا لِفَهْمِهِمَا مِنْ الْأَعْمَامِ، بِجَامِعِ أَنَّ الْأُخْتَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَمَّةٌ. فَإِنْ قُلْت: فَلِمَ آثَرَ عَدَمَ إضَافَةِ إرْثِهِمَا لِلْأَعْمَامِ عَلَى إضَافَتِهِ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ؟ قُلْت: لِأَنَّ إرْثَ الْأَعْمَامِ بِالتَّعْصِيبِ فَقَطْ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَإِنَّ لَهُمَا حَالَتَيْنِ فَكَانَ إضَافَةُ عَدَمِ تَعْصِيبِهِمَا لِلْأَعْمَامِ أَوْلَى تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَبَنُو الْأَعْمَامِ) هُوَ مِنْ الْإِظْهَارِ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ لِغَيْرِ حِكْمَةٍ، وَقَدْ يُقَالُ: قَصْدُهُ الْإِيضَاحُ عَلَى الْمُبْتَدِئِ. قَوْلُهُ: (لِانْجِرَارِ الْوَلَاءِ) أَيْ وَلَوْ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى ضَعِيفٍ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُعْتِقِ. قَوْلُهُ: (فَلِأَنَّ) اللَّامَ لَامُ الِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهَا فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مُبْتَدَإٍ، وَقَوْلُهُ " أَوْلَى " خَبَرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَلِعَدَمِ إرْثِهِنَّ فِي الْوَلَاءِ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (مُضْطَرِبٌ) أَيْ حَصَلَ اخْتِلَافٌ فِي سَنَدِهِ، أَيْ رِجَالِهِ، بِأَنْ رَوَاهُ وَاحِدٌ عَلَى وَجْهٍ ثُمَّ رَوَاهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ بِزِيَادَةٍ فِي السَّنَدِ أَوْ نَقْصٍ مِنْهُ، أَوْ حَصَلَ اخْتِلَافٌ فِي مَتْنِهِ بِأَنْ وَقَعَ تَغْيِيرٌ لِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ؛ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَلِذَا قِيلَ: وَذُو اخْتِلَافِ سَنَدٍ أَوْ مَتْنِ ... مُضْطَرِبٍ عِنْدَ أُهَيْلِ الْفَنِّ قَوْلُهُ: (وَلَا شَيْءَ لِلْإِنَاثِ الْخُلَّصِ) فَإِذَا وُجِدَ ابْنُ عَمٍّ مَثَلًا أَوْ مُعْتِقٌ أَوْ عَصَبَتُهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْبَاقِي فَيُقَدَّمُ عَلَى بَنَاتِ الِابْنِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُنَّ قَرِيبٌ مُبَارَكٌ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ أَنْزَلَ مِنْهُنَّ. قَوْلُهُ: (أَسْفَلَ مِنْهُنَّ) أَيْ أَوْ مَعَهُنَّ، كَذَا قِيلَ. وَهَذِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 الصُّلْبِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ، وَكَذَا سَائِرُ الْمَنَازِلِ وَإِنَّمَا يُعَصِّبُ الذَّكَرُ النَّازِلُ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ كَأُخْتِهِ وَبِنْتِ عَمِّهِ، وَيُعَصِّبُ مَنْ فَوْقَهُ كَبِنْتِ عَمِّ أَبِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثَيْنِ كَبِنْتَيْ صُلْبٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثَيْنِ لِأَنَّ لَهَا فَرْضًا اسْتَغْنَتْ بِهِ عَنْ تَعْصِيبِهِ، وَبَابُ الْفَرَائِضِ وَاسِعٌ وَقَدْ أُفْرِدَ بِالتَّأْلِيفِ. وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الْمُخْتَصَرِ. فَصْلٌ: فِي الْوَصِيَّةِ الشَّامِلَةِ لِلْإِيصَاءِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْإِيصَالُ مِنْ وَصَى الشَّيْءَ بِكَذَا وَصَلَهُ بِهِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ بِخَيْرِ عُقْبَاهُ وَشَرْعًا لَا بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٌ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِتَدْبِيرٍ وَلَا تَعْلِيقِ عِتْقٍ وَإِنْ الْتَحَقَا بِهَا حُكْمًا كَالتَّبَرُّعِ   [حاشية البجيرمي] الزِّيَادَةُ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الَّذِي مَعَهُنَّ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَهُ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يُعَصِّبُ) أَيْ فِي صُورَةِ مَا إذَا أَخَذَ بِنْتَا الصُّلْبِ الثُّلُثَيْنِ. [فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ] ِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْفَرَائِضِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَالرَّدَّ وَالْقَبُولَ وَثُلُثَ الْمَالِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْآتِي م ر. وَذَكَرَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي التَّحْرِيرِ عَقِبَ الْحَوَالَةِ، وَمُنَاسَبَتُهَا لِلْحَوَالَةِ أَنَّ الْحَوَالَةَ تُحَوَّلُ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَالْوَصِيَّةَ تُحَوِّلُ الْمُوصَى بِهِ إلَى الْمُوصَى لَهُ، وَالشَّخْصُ لَهُ حَالَتَانِ حَالَةُ حَيَاةٍ وَحَالَةُ مَوْتٍ، فَالْحَوَالَةُ انْتِقَالٌ فِي الْحَيَاةِ وَالْوَصِيَّةُ انْتِقَالٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقُ الِانْتِقَالِ اهـ. فَائِدَةٌ: قَالَ الدَّمِيرِيُّ: رَأَيْت بِخَطِّ ابْنِ الصَّلَاحِ أَبِي عَمْرٍو أَنَّ مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ لَا يَتَكَلَّمُ فِي مُدَّةِ الْبَرْزَخِ وَأَنَّ الْأَمْوَاتَ يَتَزَاوَرُونَ فِي قُبُورِهِمْ سِوَاهُ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا بَالُ هَذَا فَيُقَالُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ اهـ وَيُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَاجِبَةٍ بِأَنْ نَذَرَهَا أَوْ خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ: قَوْلُهُ: (الشَّامِلَةِ لِلْإِيصَاءِ) أَيْ عَلَى الْأَوْلَادِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى أَرْبَعَةِ مَعَانٍ: عَلَى الْعَيْنِ وَعَلَى مُقَابِلِ الْإِيصَاءِ، وَتُعْرَفُ بِمَا فِي الشَّرْحِ، وَتُطْلَقُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْإِيصَاءَ وَتُعْرَفُ بِإِثْبَاتِ حَقٍّ بَعْدَ الْمَوْتِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ تَبَرُّعٌ أَوْ لَا وَتُطْلَقُ عَلَى الْإِيصَاءِ وَتُعْرَفُ بِأَنَّهَا إثْبَاتُ تَصَرُّفٍ بَعْدَ الْمَوْتِ قَوْلُهُ: (مِنْ وَصَى) كَوَعَى يَعِي فَهُوَ بِالتَّخْفِيفِ وَمَنْ قَرَأَهُ بِالتَّشْدِيدِ فَقَدْ صَحَّفَهُ. اهـ. عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُوصِيَ) كَانَ الْأَنْسَبُ تَأْخِيرَهُ عَنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَوْجِيهٌ لِتَسْمِيَتِهِ وَصِيَّةً. قَوْلُهُ: (وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ) أَيْ الْخَيْرَ الْوَاقِعَ مِنْهُ فِي دُنْيَاهُ كَتَبَرُّعَاتِهِ الْمُنَجَّزَةِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَطَاعَاتِهِ الْوَاقِعَةِ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: " بِخَيْرِ عُقْبَاهُ " أَيْ بِالْخَيْرِ الْوَاقِعِ مِنْهُ فِي عُقْبَاهُ أَيْ فِي آخِرَتِهِ أَيْ وَصَلَ الْقُرُبَاتِ الْمُنَجَّزَةَ الْوَاقِعَةَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا بِالْقُرَبِ الْمُعَلَّقَةِ بِمَوْتِهِ الَّتِي تَكُونُ بَعْدَهُ، وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُقَالَ: وَصَلَ خَيْرَ عُقْبَاهُ بِخَيْرِ دُنْيَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إيصَالُ الْمُتَأَخِّرِ بِالْمُتَقَدِّمِ ح ل مُلَخَّصًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِبَارَةَ مَقْلُوبَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ الْقَلْبُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ؛ لِأَنَّ الْإِيصَالَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ فَوَصْلُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ كَوَصْلِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَوْصُولٌ بِالْآخَرِ وَبَعْدَ ذَلِكَ الَّذِي بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ وَاقِعًا مِنْ الْمُوصِي فَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَيْهِ أَنَّهُ وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَهُ أَوْ وَصَلَ مَا قَبْلَهُ بِهِ فَكَانَ الْأَوْلَى وَصْلَ خَيْرِ دُنْيَاهُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ مِنْ الْمُوصِي هُوَ اللَّفْظُ وَالصِّيغَةُ وَهُوَ خَيْرٌ اتَّصَلَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ الْمُوصِي تَسَبَّبَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ نُسِبَ إلَيْهِ مَا ذُكِرَ. وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ الْقَرِيبِ غَيْرِ الْوَارِثِ وَتَقْدِيمُ الْمَحْرَمِ مِنْهُمْ ثُمَّ ذَوِي رَضَاعٍ ثُمَّ ذَوِي وَلَاءٍ ثُمَّ جِوَارٍ، وَأَهْلُ الْخَيْرِ الْمُحْتَاجُونَ مِمَّنْ ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: (لَا بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ، فَلَا تَشْتَمِلُ عَلَى تَبَرُّعٍ كَالْإِيصَاءِ عَلَى أَطْفَالِهِ أَوْ الْإِيصَاءِ بِدَفْعِ أَعْيَانٍ لِمُلَّاكِهَا أَوْ بِقَضَاءِ الدُّيُونِ إذْ لَا تَبَرُّعَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَتَعْرِيفُهَا بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ إثْبَاتُ تَصَرُّفٍ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (مُضَافٌ) بِالرَّفْعِ نَعْتُ تَبَرُّعٍ وَبِالْجَرِّ نَعْتُ حَقٍّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 الْمُنَجَّزِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ الْمُلْحَقِ بِهِ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصِي ثُمَّ يَمُوتُ فَتُقْسَمُ تَرِكَتُهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ: «الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الْوَصِيَّةَ. مَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ مَاتَ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ وَتُقًى وَشَهَادَةٍ وَمَاتَ مَغْفُورًا لَهُ» وَكَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً بِكُلِّ الْمَالِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَبَقِيَ اسْتِحْبَابُهَا فِي الثُّلُثِ فَأَقَلَّ لِغَيْرِ الْوَارِثِ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ وَكَثُرَ الْعِيَالُ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: صِيغَةٌ وَمُوصٍ وَمُوصًى لَهُ وَمُوصًى بِهِ وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مِنْ ذَلِكَ الصِّيغَةَ وَذَكَرَ الْبَقِيَّةَ. وَبَدَأَ بِالْمُوصَى بِهِ بِقَوْلِهِ: (وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِ) الشَّيْءِ (الْمَعْلُومِ) وَإِنْ قَلَّ كَحَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَبِنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِرَّةً، وَبِالْمُكَاتَبِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ، وَبِعَبْدِ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنْ مَلَكْته. وَبِنَجَاسَةٍ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا   [حاشية البجيرمي] الْأَوَّلَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ هُوَ إعْطَاءُ الْحَقِّ الَّذِي هُوَ التَّبَرُّعُ فَهُوَ نَعْتٌ حَقِيقِيٌّ بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ نَعْتَ حَقٍّ يَكُونُ نَعْتًا سَبَبِيًّا اهـ م د. وَالتَّقْدِيرُ مُضَافٌ إعْطَاؤُهُ، وَالْأَوْلَى جَرُّهُ صِفَةً لِحَقٍّ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ فِي الْحَالِ وَالْحَقُّ إنَّمَا يُعْطَى لِلْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ الْمُضَافُ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا التَّبَرُّعُ، فَمَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَابِغِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى قِرَاءَةُ مُضَافٍ بِالرَّفْعِ غَيْرُ ظَاهِرٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَقْدِيرًا) كَأَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْت بِكَذَا فَكَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي؛ مَرْحُومِيٌّ. وَالتَّحْقِيقُ كَأَعْطُوهُ كَذَا بَعْدَ مَوْتِي. قَوْلُهُ: (لَيْسَ بِتَدْبِيرٍ وَلَا تَعْلِيقِ عِتْقٍ) بِصِفَةٍ أَيْ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يَقْبَلَانِ الرُّجُوعَ بِالْقَوْلِ وَإِنْ قَبِلَا الرُّجُوعَ بِالْفِعْلِ كَبَيْعٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ كَانَا مِنْ قَبِيلِ الْوَصِيَّةِ لَصَحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُمَا بِالْقَوْلِ. قَوْلُهُ: (حُكْمًا) وَهُوَ الْحُسْبَانُ مِنْ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمُلْحَقِ بِهِ) كَالتَّقْدِيمِ لِلْقَتْلِ وَاضْطِرَابِ الرِّيحِ فِي حَقِّ رَاكِبِ السَّفِينَةِ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ الْأَنْسَبُ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: كُلٌّ مِنْهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَوْتِ فَلِمَ قَدَّمَ الْفَرَائِضَ؟ قُلْت: لِعَدَمِ تَخَلُّفِهَا أَصْلًا بِخِلَافِ الْوَصَايَا فَقَدْ تَقَعُ وَقَدْ لَا تَقَعُ. اهـ. م د. وَعِبَارَةُ ع ش: قَدْ يُقَالُ مُجَرَّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْمَوْتِ لَا يَسْتَدْعِي تَأْخِيرَهَا عَنْ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَصِيَّةِ وَقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ إنَّمَا هِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَانَ الْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يَقُولَ أَخَّرَهَا عَنْ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ ثَابِتَةٌ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا تَصَرُّفَ لِلْمَيِّتِ فِيهَا وَهَذِهِ عَارِضَةٌ فَقَدْ تُوجَدُ وَقَدْ لَا. قَوْلُهُ: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ إلَخْ) تَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ فِي الْآيَةِ عَلَى الدَّيْنِ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهَا وَلِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ لَا تَسْمَحُ بِهَا وَإِلَّا فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا شَرْعًا، وَأَيْضًا قُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إخْرَاجِهَا لِكَوْنِهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. قَوْلُهُ: «الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ» إلَخْ) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بِخُصُوصِهَا وَإِلَّا فَيُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ. قَوْلُهُ: «مَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ» كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَقَوْلُهُ وَسُنَّةٍ عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ طَرِيقِ الْخَيْرِ وَقَوْلُهُ " وَشَهَادَةٍ " أَيْ تَصْدِيقٍ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ حَيْثُ عَمِلَ بِمَا فِيهِمَا، أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ أَوْ مَاتَ مُعْتَرِفًا بِمَا تَضَمَّنَتْهُ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ مِنْ الْإِقْرَارِ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِنَبِيِّهِ بِالرِّسَالَةِ. قَوْلُهُ: (وَبَقِيَ اسْتِحْبَابُهَا فِي الثُّلُثِ) وَتَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ فَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ فِي الْحَيَاةِ أَفْضَلَ مِنْهَا، وَقَدْ تُبَاحُ كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ وَلِلْكَافِرِ وَالْوَصِيَّةِ بِمَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَعَلَى هَذَا النَّوْعِ أَعْنِي الْمُبَاحَ حُمِلَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ عَقْدَ قُرْبَةٍ أَيْ دَائِمًا بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ، وَقَدْ تَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بِهِ مَرَضٌ فِيمَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهَا ضَيَاعُ حَقٍّ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ، وَقَدْ تَحْرُمُ لِمَنْ عُرِفَ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ لَهُ شَيْءٌ فِي تَرِكَتِهِ أَفْسَدَهَا، وَقَدْ تُكْرَهُ إذَا زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ كَانَتْ لِلْوَارِثِ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ " ضَيَاعُ حَقٍّ إلَخْ " هَذَا إيصَاءٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ فَالْأَوْلَى تَصْوِيرُ الْوُجُوبِ بِمَا إذَا نَذَرَهَا اهـ. قَوْلُهُ: (مُوصًى لَهُ) قَضِيَّةُ جَعْلِهِ مِنْ الْأَرْكَانِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي صَحَّ وَيُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ. قَوْلُهُ: (وَبِالْمُكَاتَبِ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ، ثُمَّ رَأَيْت م ر فِي شَرْحِهِ قَالَ: وَكَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ أَوْ قَابِلٍ التَّعْلِيمَ، وَبِنَحْوِ زِبْلٍ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ كَسَمَادٍ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ قَابِلٍ لِلدِّبَاغِ، وَزَيْتٍ نَجِسٍ وَمَيْتَةٍ لِطُعْمِ الْجَوَارِحِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ لِثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فِي ذَلِكَ. وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ أُعْطِيَ الْمُوصَى لَهُ أَحَدَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلْبٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَغَتْ وَصِيَّتُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ وَأَوْصَى بِهَا كُلِّهَا أَوْ بِبَعْضِهَا نَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ كَثُرَتْ الْكِلَابُ وَقَلَّ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ خَيْرٌ مِنْ الْكِلَابِ (وَ) تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالشَّيْءِ (الْمَجْهُولِ) عَيْنِهِ كَأَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ بِمَالِي الْغَائِبِ أَوْ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي، أَوْ قَدْرُهُ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، أَوْ نَوْعُهُ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِصَاعِ حِنْطَةٍ، أَوْ جِنْسُهُ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِثَوْبٍ، أَوْ صِفَتُهُ كَالْحَمْلِ الْمَوْجُودِ وَكَانَ يَنْفَصِلُ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ، وَبِمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالطَّيْرِ الطَّائِرِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَخْلُفُ   [حاشية البجيرمي] تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِهِ أَيْ بِالْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً إنْ كَانَتْ مُنَجَّزَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَهَا بِعَدَمِ عِتْقِهِ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت بِهِ إنْ لَمْ يُعْتَقْ بِأَنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ حُمِلَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى الْفَاسِدَةِ كَانَتْ الْغَايَةُ صَحِيحَةً وَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى الصَّحِيحَةِ كَانَتْ الْغَايَةُ ضَعِيفَةً. قَوْلُهُ: (كَسَمَادٍ) أَيْ سِرْجِينٍ وَرَمَادٍ وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ السَّمَادُ بِوَزْنِ كَلَامٍ مَا يَصْلُحُ بِهِ الزَّرْعُ مِنْ تُرَابٍ وَسِرْجِينٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالسِّبَاخِ. قَوْلُهُ: (قَابِلٍ لِلدِّبَاغِ) خَرَجَ بِهِ مَا لَا يَقْبَلُ الدِّبَاغَ، أَيْ مَا لَا يَطْهُرُ بِهِ وَهُوَ جِلْدُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِطُعْمِ الْجَوَارِحِ) بِضَمِّ الطَّاءِ كَالْكِلَابِ وَالطُّيُورِ. قَوْلُهُ: (وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ) أَيْ لَا غَيْرِهَا، وَهِيَ مَا عُصِرَتْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِ، أَمَّا خَمْرَةُ الْكَافِرِ فَمُحْتَرَمَةٌ مُطْلَقًا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (أُعْطِيَ الْمُوصَى لَهُ أَحَدَهَا) أَيْ بِتَعْيِينِ الْوَارِثِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ وَقْتَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (لَغَتْ وَصِيَّتُهُ) أَيْ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ يَتَعَذَّرُ شِرَاؤُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ اتِّهَابُهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَلْبَ يَتَعَذَّرُ شِرَاؤُهُ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ النُّزُولِ عَنْ الِاخْتِصَاصِ، فَهَلَّا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إذَا قَالَ مِنْ مَالِي لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِهِ بِالْمَالِ بِهَذَا الطَّرِيقِ. قَالَهُ سم. وَقَوْلُهُ " اتِّهَابُهُ " أَيْ قَبُولُهُ، وَإِلَّا فَالْهِبَةُ لَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا يُمْلَكُ فَالْهِبَةُ هُنَا بِمَعْنَى الْقَبُولِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (نَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " لَهُ مَالٌ " مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَلْ لَهُ كِلَابٌ فَقَطْ وَأَوْصَى بِهَا، أَوْ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ وَأَوْصَى بِهَا، وَبِثُلُثِ الْمَالِ الْمُتَمَوَّلِ فَإِنَّهُ يُدْفَعُ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهَا عَدَدًا لَا قِيمَةً إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ مُلَخَّصًا. فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ سِتَّةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَجْرِي فِي النَّجِسِ الَّذِي يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ اهـ م ر. وَقَوْلُهُ " وَأَوْصَى بِهَا " أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَكَذَا يُقَالُ فِي الَّتِي بَعْدَهَا، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ قَوْلُهُ فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ سِتَّةٌ. وَقَوْلُهُ " فَإِنَّهُ يُدْفَعُ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهَا عَدَدًا " هَذَا إذَا كَانَتْ مُفْرَدَةً عَنْ اخْتِصَاصٍ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْأَجْنَاسِ فَيُعْتَبَرُ الثُّلُثُ بِفَرْضِ الْقِيمَةِ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهَا قِيمَةً كَأَنْ خَلَفَ كَلْبًا نَافِعًا وَخَمْرَةً وَزِبْلًا وَقَدْ أَوْصَى بِهَا فَيَأْخُذُ ثُلُثَهَا بِفَرْضِ الْقِيمَةِ كَمَا ذُكِرَ اهـ. قَوْلُهُ (أَوْ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي) وَيُعَيِّنُهُ الْوَارِثُ سم. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُوصَى بِهِ كَوْنُهُ مَقْصُودًا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: الرُّكْنُ الثُّلُثُ الْمُوصَى بِهِ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِدَمٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُقْصَدُ وَلَا بِمِزْمَارٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ كَالْمُعْدَمَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرُهُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى عَيْنِهِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ يَنْفَصِلُ) الْوَاوُ لِلْحَالِ، لَكِنْ كَيْفَ هَذَا مَعَ مَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ وُجُودِ الْمُوصَى بِهِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلتَّصْوِيرِ لِفَقْدِ الصِّفَةِ فَقَطْ دُونَ الْمَوْصُوفِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مَجْهُولُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَكَانَ يَنْفَصِلُ مِثَالٌ لِلْمَوْجُودِ الَّذِي صِفَتُهُ مَجْهُولَةٌ وَهِيَ الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ وَإِلَّا فَالْوَصِيَّةُ تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَبِالْمَعْدُومِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: إنْ انْفَصَلَ إلَخْ، قَالَ عِ ش: أَيْ وَلَمْ يَحْصُلْ هُنَاكَ تَفْرِيقٌ مُحَرَّمٌ بِأَنْ عَاشَ الْمُوصِي إلَى تَمْيِيزِ الْمُوصَى بِهِ، أَمَّا لَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّمْيِيزِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. اهـ طب. وَمَالَ إلَيْهِ سم نَقْلًا عَنْ م ر خِلَافًا لِلزِّيَادِيِّ. قَوْلُهُ: (لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا) بِأَنْ تَلِدَهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْهَا وَلِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ وَلَمْ تَكُنْ فِرَاشًا، فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ أَوْ كَانَتْ فِرَاشًا لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ وَهَذَا فِي حَمْلِ الْآدَمِيِّ، أَمَّا حَمْلُ الْبَهِيمَةِ فَيُرْجَعُ فِيهِ لِأَهْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 الْمَيِّتَ فِي ثُلُثِهِ كَمَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِي ثُلُثَيْهِ (وَ) تَجُوزُ بِالشَّيْءِ (الْمَوْجُودِ) كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا صَحَّتْ بِالْمَعْدُومِ فَبِالْمَوْجُودِ أَوْلَى (وَ) تَجُوزُ بِالشَّيْءِ (الْمَعْدُومِ) كَأَنْ يُوصِيَ بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اُحْتُمِلَ فِيهَا وُجُوهٌ مِنْ الْغَرَرِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَتَوْسِعَةً، وَلِأَنَّ الْمَعْدُومَ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ، وَتَجُوزُ بِالْمُبْهَمِ كَأَحَدِ عَبْدَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الْإِبْهَامُ وَيُعَيَّنُ الْوَارِثُ، وَتَجُوزُ بِالْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ وَحْدَهَا مُؤَقَّتَةً وَمُؤَبَّدَةً وَمُطْلَقَةً، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُقَابَلَةٌ بِالْأَعْوَاضِ كَالْأَعْيَانِ، وَتَجُوزُ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَبِالْعَيْنِ لِوَاحِدٍ وَبِالْمَنْفَعَةِ لِآخَرَ. وَإِنَّمَا صَحَّتْ فِي الْعَيْنِ وَحْدَهَا لِشَخْصٍ مَعَ عَدَمِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا لِإِمْكَانِ صَيْرُورَةِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ بِإِجَارَةٍ أَوْ إبَاحَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.   [حاشية البجيرمي] الْخِبْرَةِ بِالْبَهَائِمِ. وَقَوْلُهُ: حَيًّا أَوْ مَيِّتًا مَضْمُونًا كَجَنِينِ الْأَمَةِ، بِخِلَافِ حَمْلِ الدَّابَّةِ إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا فَتَبْطُلُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَضْمُونًا أَوْ لَا، وَالْأَرْشُ لِلْوَارِثِ حِينَئِذٍ لَا لِلْمُوصَى لَهُ. وَمَحَلُّ الِاحْتِيَاجِ لِهَذَا كُلِّهِ إذَا قَالَهُ أَوْصَيْت بِهَذَا الْحَمْلِ الْمَوْجُودِ أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِالْحَمْلِ وَلَمْ يَقُلْ الْمَوْجُودِ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ إلَّا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالشَّيْءِ الْمَجْهُولِ، وَفِيهِ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. يُرَدُّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ احْتِمَالُ الْجَهَالَةِ أَيْ اغْتِفَارُهَا، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ بِمَا عُلِّلَ بِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَى عَبْدَهُ التَّصَرُّفَ فِي ثُلُثِ مَالِهِ وَقَدْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ) أَيْ فَالْإِبْهَامُ أَوْلَى وَإِنَّمَا لَمْ تَصِحَّ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الْمُوصَى بِهِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْمُوصَى لَهُ، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّتْ بِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ لَا لِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ. اهـ. شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَبِمَا لَا يُقْدَرُ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِمَجْهُولٍ. وَقَوْلُهُ " كَالطَّيْرِ " أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ كَانَ مِلْكَهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَبِمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَقَوْلُهُ " فِي ثُلُثِهِ " الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُوصَى لَهُ، أَيْ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ فِي مِلْكِ ثُلُثِهِ أَيْ الثُّلُثِ الصَّائِرِ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ كَمَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِي مِلْكِ ثُلُثَيْهِ الصَّائِرَيْنِ لَهُ بِالْإِرْثِ. قَوْلُهُ: (كَمَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِي ثُلُثَيْهِ) أَيْ وَالْوَارِثُ لَا يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهِ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ فِي ثُلُثَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْمُورِثُ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِمَا لَهُ، فَكَذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُوصِي يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ الثُّلُثِ لِلْمُوصَى لَهُ. قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ بِالشَّيْءِ الْمَعْدُومِ) تَفْسِيرُ الْمَعْدُومِ بِالشَّيْءِ فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ عِنْدَنَا هُوَ الْمَوْجُودُ، وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا اصْطِلَاحُ أَهْلِ الْعَقَائِدِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ مَا هُوَ أَعَمُّ. قَوْلُهُ: (بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ) لَكِنْ إنْ أَوْصَى بِهَذَا الْعَامِ أَوْ كُلِّ عَامٍ عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَقَالَ: أَوْصَيْتُ بِمَا يَحْدُثُ فَهَلْ يَعُمُّ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ يَخْتَصُّ بِالسَّنَةِ الْأُولَى؟ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الظَّاهِرُ الْعُمُومُ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ؟ وَهُوَ ظَاهِرٌ. خَطِيبٌ وم ر ع ش. قَوْلُهُ: (سَيَحْدُثُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ. قَوْلُهُ: (بِعَقْدِ السَّلَمِ) أَيْ فَلَوْ أَسْلَمَ فِي رُطَبٍ أَوْ بُرٍّ مِنْ تَمْرِ أَوْ زَرْعِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ لِتَأْتِيَ بِهِ زَمَنَ الْجُذَاذِ أَوْ الْحَصَادِ وَكَانَ عَقْدُ السَّلَمِ قَبْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ الطَّلْعُ وَيَبْرُزَ الْبُرُّ كَانَ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مَعْدُومٍ. قَوْلُهُ: (وَالْمُسَاقَاةِ) أَيْ فَإِذَا سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانٍ لِيَكُونَ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنْ الثَّمَرَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَقَدْ تَمَلَّكَ بِالْعَقْدِ مَا هُوَ مَفْقُودٌ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْإِجَارَةِ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا مَفْقُودَةٌ عِنْدَ الْعَقْدِ إذْ لَا تُسْتَوْفَى حَالًّا. قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ بِالْمُبْهَمِ) لَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمَجْهُولِ، إذْ الْإِبْهَامُ لَا يُنَافِي الْعِلْمَ فَسَقَطَ قَوْلُ ق ل: هَذَا مِنْ أَفْرَادِ مَجْهُولِ الْعَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ بِالْمَنَافِعِ إلَخْ) هَذَا مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْدُومِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ جَعْلُهُ الْإِجَارَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ الْمَعْدُومِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهَا لَا تُسْتَوْفَى حَالًا فَهِيَ مَعْدُومَةٌ عِنْدَ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (مُؤَقَّتَةً وَمُؤَبَّدَةً وَمُطْلَقَةً) ثُمَّ إنَّهُ فِي التَّأْبِيدِ أَوْ الْإِطْلَاقِ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَيْنِ بِمَنْفَعَتِهَا مَعًا مِنْ الثُّلُثِ وَأَمَّا إنْ أُقِّتَتْ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ اُعْتُبِرَتْ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ مِنْ الثُّلُثِ مَثَلًا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ بِمَنْفَعَتِهَا مِائَةً وَبِدُونِ الْمَنْفَعَةِ ثَمَانِينَ اُعْتُبِرَتْ الْمِائَةُ فِي الْأَوَّلِ، أَيْ إذَا أَوْصَى بِهَا مَعَ مَنْفَعَتِهَا وَالْعِشْرِينَ فِي الثَّانِي مِنْ الثُّلُثِ، وَأَمَّا إذَا قُيِّدَ بِمُدَّةِ حَيَاتِهِ أَوْ حَيَاةِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ فَلَا تُورَثُ عَنْهُ، وَكَذَا يَكُونُ إبَاحَةً إذَا قُيِّدَ بِمَجْهُولَةٍ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا فَإِنَّهُ إبَاحَةٌ لَا تُورَثُ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِهِ بِسُكْنَاهَا فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ فَتُورَثُ عَنْ الْمُوصَى لَهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَنَافِعَ. قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ) وَتَصِحُّ بِمَرْهُونٍ جَعْلًا وَشَرْعًا، ثُمَّ إنْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا وَيَصِحُّ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ فَكِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 تَنْبِيهٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُوصَى بِهِ كَوْنُهُ مَقْصُودًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، فَلَا تَصِحُّ بِمَا لَا يُقْصَدُ كَالدَّمِ وَكَوْنِهِ يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ فَمَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ انْتَقِلَا بِالْإِرْثِ لَا يَتَمَكَّنُ مُسْتَحِقُّهُمَا مِنْ نَقْلِهِمَا. نَعَمْ لَوْ أَوْصَى بِهِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ صَحَّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ (وَهِيَ) أَيْ الْوَصِيَّةُ مُعْتَبَرَةٌ (مِنْ الثُّلُثِ) سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ وَقْتَ اللُّزُومِ حَالَ الْمَوْتِ. تَنْبِيهٌ يُعْتَبَرُ الْمَالُ الْمُوصَى بِثُلُثِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ وَلَا عَبْدَ لَهُ ثُمَّ مَلَكَ عِنْدَ الْمَوْتِ عَبْدًا تَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ، لَوْ زَادَ مَالُهُ تَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الثُّلُثَ الَّذِي تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ هُوَ الثُّلُثُ الْفَاضِلُ بَعْدَ الدَّيْنِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ تَنْفُذْ الْوَصِيَّةُ فِي شَيْءٍ لَكِنَّهَا تَنْعَقِدُ حَتَّى نُنَفِّذَهَا لَوْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ أَوْ قَضَى عَنْهُ الدَّيْنَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ تَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ كَوَقْفٍ وَهِبَةٍ وَعِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ لِخَبَرِ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَلَوْ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ وَأَقْبَضَ فِي الْمَرَضِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا إذْ لَا أَثَرَ لِتَقَدُّمِ الْهِبَةِ. وَخَرَجَ بِتَبَرُّعٍ مَا لَوْ اسْتَوْلَدَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ تَبَرُّعًا بَلْ إتْلَافٌ وَاسْتِمْتَاعٌ، فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَبِمَرَضِهِ تَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي صِحَّتِهِ فَيُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي الْمَرَضِ. فَائِدَةٌ قِيمَةُ مَا يَفُوتُ عَلَى الْوَرَثَةِ يُعْتَبَرُ بِوَقْتِ التَّفْوِيتِ فِي الْمُنَجَّزِ وَبِوَقْتِ الْمَوْتِ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَفِيمَا يَبْقَى   [حاشية البجيرمي] الرَّهْنِ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. اهـ. حَجّ. قَوْلُهُ: (صَحَّ) وَيَكُونُ إبْرَاءً وَإِسْقَاطًا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ وَلَا يُقْبَلُ الرُّجُوعُ لَا وَصِيَّةَ حَقِيقَةً حَتَّى يَحْتَاجَ لِلْقَبُولِ مَيْدَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الثُّلُثِ) الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا مُعْتَبَرَةً مِنْ الثُّلُثِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (أَوْصَى بِهِ) أَيْ الثُّلُثِ، وَالْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ لَيْسَ بِلَازِمٍ. قَوْلُهُ: (لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ) أَيْ مَا أَوْصَى بِهِ فِي الصِّحَّةِ وَمَا أَوْصَى بِهِ فِي حَالِ الْمَرَضِ. قَوْلُهُ: (حَالَ الْمَوْتِ) بَدَلٌ مِنْ وَقْتِ اللُّزُومِ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ خُرُوجِ الْأَمْوَالِ حَقِيقَةً عَنْ مِلْكِ الْمَالِكِ. قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْمَوْتِ) أَيْ وَقْتَهُ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ) يُتَأَمَّلُ فِي تَفْرِيعِ هَذِهِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ تَفْرِيعُهَا عَلَى اعْتِبَارِ الْمَالِ يَوْمَ الْمَوْتِ، نَعَمْ يَظْهَرُ تَفْرِيعُ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (تَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ) أَيْ بِثُلُثِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ وَبِكُلِّهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَعْدِلُهُ مَرَّتَيْنِ كَأَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُسَاوِي سِتِّينَ دِينَارًا وَمَلَكَ عَبْدًا قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ دِينَارًا لَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُ هَذَا الْعَبْدِ لِلْوَصِيَّةِ بَلْ لِلْوَارِثِ الْعُدُولُ عَنْهُ وَشِرَاءُ عَبْدٍ غَيْرَهُ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صِفَةِ الْعَبْدِ الَّذِي مَلَكَهُ الْمُوصَى قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ مِنْ مَالِهِ وَكَانَ لَهُ شِيَاهٌ. اهـ. شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ. قَوْلُهُ: (هُوَ الثُّلُثُ الْفَاضِلُ) صَوَابُهُ: " ثُلُثُ الْفَاضِلِ " بِالْإِضَافَةِ وَإِسْقَاطُ " أَلْ " وَلَعَلَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ: الثُّلُثُ لِلْفَاضِلِ، فَاللَّامُ الْجَرِّ، فَحَرَّفَهَا النُّسَّاخُ. قَوْلُهُ: (حَتَّى نُنَفِّذَهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ حَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ أَيْ فَنُنَفِّذَهَا وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ تَعْلِيلِيَّةً أَيْ لِأَجْلِ أَنْ نُنَفِّذَهَا إلَخْ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لَوْ أُبْرِئَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَوْ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ الْمَدِينِ، لَكِنَّ كَوْنَهُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَنْسَبُ لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ) دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ: «تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ» ) أَيْ مَنَّ وَتَفَضَّلَ أَيْ جَوَّزَ لَكُمْ التَّصَرُّفَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ «عِنْدَ وَفَاتِكُمْ» أَيْ عِنْدَ قُرْبِ وَفَاتِكُمْ. وَقَوْلُهُ «فِي أَعْمَالِكُمْ» أَيْ فِي ثَوَابِ أَعْمَالِكُمْ. قَوْلُهُ: (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ الْعِتْقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ التَّنْجِيزُ خِلَافَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي الِاسْتِيلَادِ بَيْنَ وُقُوعِهِ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ. قَوْلُهُ: (قِيمَةُ مَا يَفُوتُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ التَّبَرُّعَ إنْ كَانَ مُنَجَّزًا فَيُعْتَبَرُ مَا يَفُوتُ وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُتَبَرِّعُ لَهُ بِوَقْتِ الْإِعْطَاءِ لَا بِوَقْتِ الْمَوْتِ، وَمَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ وَهُوَ الثُّلُثَانِ يُعْتَبَرُ بِوَقْتِ الْمَوْتِ فَقَطْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَا يَفُوتُ مُضَافًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 لِلْوَرَثَةِ يُعْتَبَرُ بِأَقَلِّ قِيَمِهِ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَوْمَ الْمَوْتِ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ حَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ أَوْ يَوْمَ الْقَبْضِ أَقَلَّ فَمَا نَقَصَ قَبْلَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِ فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَكَيْفِيَّةُ اعْتِبَارِهَا مِنْ الثُّلُثِ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ فِي وَصِيَّةٍ تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ وَإِنْ كَانَتْ مُرَتَّبَةً وَلَمْ يُوفِ الثُّلُثُ بِهَا فَإِنْ تَمَحَّضَ الْعِتْقُ كَأَنْ قَالَ: إذَا مِتّ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ أَوْ غَانِمٌ وَسَالِمٌ وَبَكْرٌ أَحْرَارٌ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ قُرِعَ عَتَقَ مِنْهُ مَا يَفِي بِالثُّلُثِ وَلَا يُعْتَقُ مِنْ كُلٍّ بَعْضُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِتْقِ تَخْلِيصُ الشَّخْصِ مِنْ الرِّقِّ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَرْتِيبُهَا مَعَ إضَافَتِهَا لِلْمَوْتِ لِاشْتِرَاكِهَا فِي وَقْتِ نَفَاذِهَا وَهُوَ وَقْتُ الْمَوْتِ. نَعَمْ إنْ اعْتَبَرَ الْمُوصِي وُقُوعَهَا مُرَتَّبَةً كَأَنْ قَالَ: أَعْتِقُوا سَالِمًا بَعْدَ مَوْتِي ثُمَّ غَانِمًا ثُمَّ بَكْرًا قُدِّمَ مَا قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ اعْتَبَرَ وُقُوعَهَا مُرَتَّبَةً مِنْ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَقَعَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا مَرَّ، أَوْ تَمَحَّضَ تَبَرُّعَاتٌ غَيْرَ الْعِتْقِ قُسِّطَ الثُّلُثُ عَلَى الْجَمِيعِ   [حاشية البجيرمي] بِوَقْتِ الْمَوْتِ فَقَطْ، وَمَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ يُعْتَبَرُ بِأَقَلِّ قِيمَةٍ مِنْ الْمَوْتِ إلَى الْقَبْضِ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَفِيمَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ رَاجِعٌ لِلثَّانِي وَهُوَ الْمُضَافُ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا لَهُ مَعَ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ رُجُوعَهُ لَهُمَا وَيَكُونُ سَكَتَ عَنْ قِيمَةِ مَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ فِي الْمُنَجَّزِ. وَعِبَارَةُ م د: قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: فَسَيَأْتِي فِي الْعِتْقِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِمَعْرِفَةِ الثُّلُثِ فِيمَنْ أَعْتَقَهُ مُنَجَّزًا فِي الْمَرَضِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ وَفِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِيمَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ الْمَوْتِ إلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَفِيمَا يَبْقَى إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ فِي زَائِدَةٌ وَهُوَ رَاجِعٌ لِلصُّورَتَيْنِ، أَيْ فِيمَا إذَا نَجَّزَ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقٍ. قَوْلُهُ: (الْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ الْوَارِثِ بِأَنْ يَكُونَ لَيْسَ عِنْدَهُ حَالَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ مَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ قِيمَتِهِ. قَوْلُهُ: (حَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ) أَيْ فَلَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَكَيْفِيَّةُ اعْتِبَارِهَا إلَخْ) أَيْ التَّبَرُّعَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ وَصِيَّةً أَمْ لَا بِدَلِيلِ كَلَامِهِ الْآتِي، يَعْنِي لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِالتَّوْزِيعِ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَا بِتَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بَلْ فِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَمَحَّضَ عِتْقًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ يَكُونَ الْبَعْضُ عِتْقًا وَالْبَعْضُ الْآخَرُ غَيْرَهُ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ. وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا مُرَتَّبَةً أَوَّلًا أَوْ الْبَعْضُ مُرَتَّبٌ وَالْبَعْضُ غَيْرُ مُرَتَّبٍ، فَهَذِهِ تِسْعَةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ. وَعَلَى كُلٍّ إمَّا تَكُونُ مُعَلَّقَةً أَوْ مُنَجَّزَةً أَوْ الْبَعْضُ مُعَلَّقٌ وَالْبَعْضُ مُنَجَّزٌ، فَالْجُمْلَةُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ. وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَسَعَهَا الثُّلُثُ أَوَّلًا فَتَصِيرُ الصُّوَرُ أَرْبَعًا وَخَمْسِينَ صُورَةً. وَحُكْمُهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَعْضُ مُعَلَّقًا وَالْبَعْضُ مُنَجَّزًا قُدِّمَ الْمُنَجَّزُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَسَوَاءٌ كَانَ عِتْقًا أَوْ غَيْرَهُ لِإِفَادَتِهِ الْمِلْكَ حَالًّا، وَإِنْ كَانَتْ مُرَتَّبَةً قُدِّمَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ الْمُنَجَّزَةُ وَغَيْرُهَا عِتْقًا أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ دَفْعَةً فَالْمُتَمَحِّضَةُ عِتْقًا سَوَاءٌ الْمُعَلَّقَةُ وَالْمُنَجَّزَةُ يُقْرَعُ فِيهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ عِتْقٍ أَوْ عِتْقًا وَغَيْرَهُ وُزِّعَ الثُّلُثُ عَلَى الْجَمِيعِ؛ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فِي وَصِيَّةٍ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ، أَوْ يَقُولُ بَدَلُهُ: فِي مَالٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ مُسْتَدْرَكٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْوَصِيَّةِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ مُرَتَّبَةً) صَوَابُهُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ، بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ ق ل. وَالْوَاوُ فِي كَلَامِهِ لِلْحَالِ. وَأَقُولُ: لَا تَصْوِيبَ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ التَّرْتِيبُ فِي اللَّفْظِ لَا التَّرْتِيبُ النَّحْوِيُّ الَّذِي يَكُونُ بِمُرَتِّبٍ كَالْفَاءِ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ لَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ سَالِمٌ إلَخْ، وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ أَيْضًا: وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَرْتِيبُهَا، وَالْقَلْيُوبِيُّ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ التَّرْتِيبُ النَّحْوِيُّ فَاعْتَرَضَ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَمَحَّضَ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: فَإِنْ تَمَحَّضَتْ عِتْقًا انْتَهَتْ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ قَالَ إذَا مِتّ إلَخْ) الْمِثَالُ الْأَوَّلُ لِغَيْرِ الْمُرَتَّبَةِ وَالثَّانِي لِلْمُرَتَّبَةِ أَيْ فِي اللَّفْظِ. قَوْلُهُ: (فَمَنْ قُرِعَ) أَيْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ. وَقَوْلُهُ " عَتَقَ مِنْهُ " أَيْ مِنْ الْمَذْكُورِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَرْتِيبُهَا) أَيْ اللَّفْظِيُّ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُفِيدُ تَرْتِيبًا. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ اُعْتُبِرَ) اسْتِدْرَاكٌ صُورِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ " أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ ". قَوْلُهُ: (أَوْ تَمَحَّضَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " فَإِنْ تَمَحَّضَ عِتْقًا " وَقَوْلُهُ تَبَرُّعَاتٍ كَأَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ وَلِعَمْرٍو بِخَمْسِينَ وَلِبَكْرٍ بِخَمْسِينَ وَلَمْ يُرَتِّبْ قُسِّطَ الثُّلُثُ عَلَى الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ، فَفِي هَذَا الْمِثَالِ إذَا كَانَ ثُلُثُ الْمَالِ مِائَةً يُعْطَى زَيْدٌ خَمْسِينَ وَكُلٌّ مِنْ عَمْرٍو وَبَكْرٍ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَمِثَالُ التَّقْسِيطِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَأَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِعَيْنٍ قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَلِكُلٍّ مِنْ عَمْرٍو وَبَكْرٍ بِعَيْنٍ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ وَلَمْ يُرَتِّبْ وَكَانَ ثُلُثُ مَالِهِ مِائَةً فَيُعْطَى كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ نِصْفَ الْعَيْنِ الَّتِي أَوْصَى لَهُ بِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِقْدَارِ كَمَا تُقَسَّطُ التَّرِكَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ، أَوْ اجْتَمَعَ عِتْقٌ وَغَيْرُهُ كَأَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ وَلِزَيْدٍ بِمِائَةٍ قُسِّطَ الثُّلُثُ عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ لِلْعَتِيقِ لِاتِّحَادِ وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَالثُّلُثُ مِائَةً عَتَقَ نِصْفُهُ وَلِزَيْدٍ خَمْسُونَ. نَعَمْ لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَوْصَى لَهُ بِمِائَةٍ وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ كُلُّهُ وَلَا شَيْءَ لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، أَوْ اجْتَمَعَ تَبَرُّعَاتٌ مُنَجَّزَةٌ قُدِّمَ الْأَوَّلُ مِنْهَا بِالْأَوَّلِ حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ سَوَاءً أَكَانَ فِيهَا عِتْقٌ أَمْ لَا، وَيَتَوَقَّفُ مَا بَقِيَ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ فَإِنْ وُجِدَتْ هَذِهِ التَّبَرُّعَاتُ دَفْعَةً إمَّا مِنْهُ أَوْ بِوَكَالَةٍ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ فِيهَا كَعِتْقِ عَبِيدٍ أَوْ إبْرَاءِ جَمْعٍ كَقَوْلِهِ: أَعْتَقْتُكُمْ أَوْ أَبْرَأْتُكُمْ أُقْرِعَ فِي الْعِتْقِ خَاصَّةً حَذَرًا مِنْ التَّشْقِيصِ وَقُسِّطَ بِالْقِيمَةِ فِي غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ. وَإِنْ كَانَتْ التَّبَرُّعَاتُ مُنَجَّزَةً وَمُعَلَّقَةً بِالْمَوْتِ قُدِّمَ الْمُنَجَّزُ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ حَالًّا وَلَازِمًا لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ فِيهِ. فُرُوعٌ لَوْ قَالَ إنْ أَعْتَقْتُ غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ فَأَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ تَعَيَّنَ لِلْعِتْقِ إنْ خَرَجَ وَحْدَهُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا إقْرَاعَ، وَلَوْ أَوْصَى بِحَاضِرٍ هُوَ ثُلُثُ مَالِهِ وَبَاقِيهِ غَائِبٌ لَمْ يَتَسَلَّطْ مُوصًى لَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَالًّا وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ دُفِعَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْعَيْنِ وَكُلَّمَا نَضَّ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ دُفِعَ لَهُ ثُلُثُهُ. وَيُنْدَبُ لِلْمُوصِي أَنْ لَا يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُنْقِصَ مِنْهُ شَيْئًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» (فَإِنْ زَادَ) عَلَى الثُّلُثِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ) أَيْ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ كَأَنْ أَوْصَى بِعَيْنٍ وَقَوْلُهُ " أَوْ الْمِقْدَارِ " أَيْ فِي الْمِثْلِيَّاتِ كَأَنْ أَوْصَى بِمِائَةِ دِينَارٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ اجْتَمَعَ عِتْقٌ وَغَيْرُهُ) أَيْ وَلَمْ يُرَتِّبْ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يُعْتَقُ كُلُّهُ) لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (أَوْ اجْتَمَعَ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (مُنَجَّزَةٌ) أَيْ وَكَانَتْ مُرَتَّبَةً، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: قُدِّمَ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُهُ الْآتِي: فَإِنْ وُجِدَتْ هَذِهِ التَّبَرُّعَاتُ دُفْعَةً؛ وَقَوْلُهُ " دُفْعَةً " بِضَمِّ الدَّالِ اهـ حَجّ. قَوْلُهُ: (وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ اخْتَلَفَ، كَأَنْ تَصَرَّفَ وَاحِدٌ مِنْ وُكَلَائِهِ وَوُقِفَ آخَرُ وَأُعْتِقَ آخَرُ دُفْعَةً فَإِنَّهُ يُقَسِّطُ الثُّلُثَ أَيْضًا عَلَى الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ مِائَةً وَكَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ مِائَةً نَفَذَ مِنْ كُلِّ ثُلُثِهِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَإِذَا اجْتَمَعَ تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ وَعَجَزَ الثُّلُثُ عَنْهَا فَإِنْ تَمَحَّضَتْ عِتْقًا أُقْرِعَ وَإِلَّا قُسِّطَ الثُّلُثُ كَمُنَجَّزَةٍ، فَإِنْ تَرَتَّبَتْ قُدِّمَ أَوَّلٌ فَأَوَّلٌ إلَى الثُّلُثِ. قَوْلُهُ: (مِنْ التَّشْقِيصِ) أَيْ التَّبْعِيضِ. قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) أَيْ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا إقْرَاعَ) أَيْ بَيْنَ غَانِمٍ وَسَالِمٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَخْرُجَ الْقُرْعَةُ بِالْحُرِّيَّةِ لِسَالِمٍ فَيَلْزَمَ إرْقَاقُ غَانِمٍ فَيَفُوتَ شَرْطُ عِتْقِ سَالِمٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ بِقِسْطِهِ أَوْ خَرَجَ مَعَ سَالِمٍ أَوْ بَعْضِهِ مِنْهُ عِتْقًا فِي الْأَوَّلِ وَغَانِمٍ وَبَعْضِ سَالِمٍ فِي الثَّانِي شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْصَى بِحَاضِرٍ هُوَ ثُلُثُ مَالِهِ) كَأَنْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِهَذَا الْمَالِ الْحَاضِرِ لِزَيْدٍ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَتَسَلَّطْ مُوصًى لَهُ) ؛ لِأَنَّ تَسَلُّطَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَسَلُّطِ الْوَارِثِ عَلَى مِثْلَيْ مَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ وَالْوَارِثُ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى ثُلُثَيْ الْحَاضِرِ لِاحْتِمَالِ سَلَامَةِ الْغَائِبِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَدْ يُنَاقَشُ فِي مَنْعِ الْمُوصَى لَهُ مِنْ التَّسَلُّطِ عَلَى ثُلُثِ الْحَاضِرِ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ تَلِفَ الْغَائِبُ أَوْ سَلِمَ؛ لَكِنْ لَمَّا تَوَقَّفَ تَسَلُّطُهُ عَلَى تَسَلُّطِ الْوَارِثِ عَلَى مِثْلَيْ مَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِ وَكَانَ الْوَارِثُ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى ثُلُثَيْهِ لِاحْتِمَالِ سَلَامَةِ الْغَائِبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّسَلُّطُ عَلَى ثُلُثِهِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ) بِأَنْ قَالَ: أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي. قَوْلُهُ: (الثُّلُثُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ، يُوصِي بِهِ أَوْ مَفْعُولٌ، أَيْ الْزَمْ الثُّلُثَ. قَوْلُهُ: (وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَهُوَ مَحَلُّ الدَّلِيلِ؛ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ حِينَ مَرِضَ بِمَكَّةَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ يَعُودُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: فَالشَّطْرِ؟ فَقَالَ: لَا فَقَالَ: الثُّلُثُ؟ قَالَ النَّبِيُّ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَقَوْلُهُ " فَالشَّطْرُ " بِالْجَرِّ عَلَى تَقْدِيرِ: فَبِالشَّطْرِ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ: فَالشَّطْرُ أَتَصَدَّقُ بِهِ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، وَمِثْلُهُ " فَالثُّلُثُ ". وَقَوْلُهُ " الثُّلُثُ " بِالنَّصْبِ مَنْصُوبٌ بِالْإِغْرَاءِ أَيْ: الْزَمْ الثُّلُثَ، وَيَصِحُّ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: يَكْفِيك، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: الثُّلُثُ كَافِيك. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ابْنَةٌ وَكَانَ اسْمُهَا عَائِشَةُ، وَقَدْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَلَّك تُخَلَّفُ» أَيْ تَبْقَى " بَعْدَ هَذَا الزَّمَانِ " فَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ نَحْوَ خَمْسِينَ سَنَةً اهـ؛ وَبَقِيَّتُهُ: «فَإِنَّك أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 مَكْرُوهَةٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إنَّهَا مُحَرَّمَةٌ (وُقِفَ) الزَّائِدُ (عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ) فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ إنْ رَدَّهُ وَارِثٌ خَاصٌّ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ خَاصٌّ بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا مُجِيزَ أَوْ كَانَ، وَهُوَ غَيْرُ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ فَالظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إنْ تُوُقِّعَتْ أَهْلِيَّتُهُ وُقِفَ الْأَمْرُ إلَيْهَا وَإِلَّا بَطَلَتْ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ مِنْ الْبُطْلَانِ وَإِنْ أَجَازَهُ فَإِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ لِلْوَصِيَّةِ بِالزَّائِدِ (وَلَا تَجُوزُ   [حاشية البجيرمي] يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» أَيْ فَمَنَعَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ لِأَجْلِ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَتَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِمْ وَكَانَ حَقُّ الشَّارِحِ ذِكْرَ هَذِهِ الْبَقِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الدَّلِيلِ لِمَا ادَّعَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ " وَرَثَتَك " إنَّمَا عَبَّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ سَعْدًا سَيَعِيشُ وَتَأْتِيهِ أَوْلَادٌ غَيْرُ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ، فَكَانَ كَذَلِكَ فَبَلَغُوا عَشَرَةَ أَوْلَادٍ وَذُكِرَ لَهُ مِنْ الْبَنَاتِ ثِنْتَا عَشْرَةَ بِنْتًا، فَعَاشَ بَعْدَ الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ قَرِيبًا مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً، فَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ " عَالَةً أَيْ فُقَرَاءَ وَهُوَ جَمْعُ عَائِلٍ وَهُوَ الْفَقِيرُ وَالْفِعْلُ مِنْهُ عَالَ يُعِيلُ إذَا افْتَقَرَ وَأَصْلُ عَالَةٍ عَيْلَةٌ تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلْفًا قَالَ فِي الْأَلْفِيَّةِ وَشَاعَ نَحْوُ كَامِلٍ وَكَمَّلَهُ وَقَوْلُهُ: " يَتَكَفَّفُونَ أَيْ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِأَكُفِّهِمْ يُقَالُ تَكَفَّفَ النَّاسَ وَاسْتَكَفَّ النَّاسَ إذَا بَسَطَ كَفَّهُ لِلسُّؤَالِ أَوْ سَأَلَ مَا يَكُفُّ عَنْهُ الْجُوعَ أَوْ سَأَلَ كَفًّا مِنْ طَعَامٍ. وَقَوْلُهُ " أَنْ تَذَرَ " بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَ " أَنْ " وَالْفِعْلُ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مُبْتَدَأٌ وَخَيْرٌ خَبَرُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: أَيْ تَرْكُك وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ إلَخْ، وَالْمَصْدَرُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ تَذَرَ لَا مَصْدَرَ لَهُ. فَائِدَةٌ أَوَّلُ مَنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ فِي الْإِسْلَامِ الْبَرَاءُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ مَمْدُودًا مُخَفَّفًا ابْنُ مَعْرُورٍ بِمُهْمَلَاتٍ كَمَقْصُودٍ وَزْنًا وَمَعْنًى؛ وَهُوَ أَنْصَارِيٌّ خَزْرَجِيٌّ أَسْلَمِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْصَى بِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ قَدْ مَاتَ فِي صَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ فَقَبِلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَدَّهُ عَلَى وَرَثَتِهِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (إنَّهَا مُحَرَّمَةٌ) مَرْجُوحٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ حِرْمَانَ الْوَرَثَةِ ق ل. وَتَبِعَ فِي قَوْلِهِ " أَوْ مَحْمُولٌ " الْأَذْرَعِيُّ، وَاعْتَمَدَ م ر فِي شَرْحِهِ خِلَافَهُ. وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ الْحُرْمَةَ مَعَ التَّوَقُّفِ عَلَى الْإِجَازَةِ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ الْمَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ بِالزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِنِصْفِ مَالِي مَثَلًا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ حَيْثُ إتْيَانِهِ بِمَا لَمْ يَرْضَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ نَظَرٌ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَعِبَارَةُ سُلْطَانٍ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَإِنْ قَصَدَ حِرْمَانَ الْوَرَثَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا حِرْمَانَ أَصْلًا. أَمَّا الثُّلُثُ فَإِنَّ الشَّارِعَ وَسَّعَ لَهُ فِي ثُلُثِهِ لِيَسْتَدْرِكَ بِهِ مَا فَرَّطَ مِنْهُ فَلَمْ يُغَيِّرْ قَصْدَهُ ذَلِكَ. وَأَمَّا الزَّائِدُ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَنْفُذُ إنْ أَجَازُوهُ وَمَعَ إجَازَتِهِمْ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ حِرْمَانٌ فَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ فِي قَصْدِهِ. قَوْلُهُ: (إنْ تُوُقِّعَتْ أَهْلِيَّتُهُ) بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا تُوُقِّعَتْ إفَاقَتُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، خَرَجَ بِهِ مَا لَمْ تُتَوَقَّعْ كَجُنُونٍ مُسْتَحْكَمٍ أَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ بِأَنْ شَهِدَ بِذَلِكَ خَبِيرَانِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُوصِي وَقَعَ صَحِيحًا بِحَسْبِ الظَّاهِرِ فَلَا يَبْطُلُ إلَّا بِمَانِعٍ قَوِيٍّ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَمَتَى بَرِئَ وَأَجَازَ بِأَنَّ نُفُوذَهَا. قَوْلُهُ: (تَنْفِيذٌ) أَيْ لِتَصَرُّفِ الْمُوصِي، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الزِّيَادَةَ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ الْوَارِثِ وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزِّيَادَةِ لَغْوٌ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ عَلَى الْأَوَّلِ لِلَفْظِ هِبَةٍ مِنْ الْوَارِثِ وَلَا لِتَجْدِيدِ قَبُولٍ وَقَيْضٍ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُجِيزِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَنْفِيذٍ مِنْ الْمُفْلِسِ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الزَّوَائِدُ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهَا لِلْمُوصَى لَهُ لَا لِلْوَارِثِ وَلَهُ عَلَى الثَّانِي لَا الْمُوصَى لَهُ، وَعَلَيْهِمَا لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ مَا يُجِيزُهُ مِنْ التَّرِكَةِ إنْ كَانَتْ بِمُشَاعٍ لَا مُعَيَّنٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ الْوَارِثُ قَدْرَ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ وَقَدْرَ التَّرِكَةِ، فَلَوْ جَهِلَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ وَلَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ ثُمَّ قَالَ: كُنْت أَعْتَقِدُ قِلَّةَ التَّرِكَةِ فَبَانَتْ أَكْثَرَ مِمَّا ظَنَنْت؛ قَالَ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ: يَحْلِفُ وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ فِي الَّذِي كَانَ يَتَحَقَّقُهُ. وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ مَثَلًا ثُمَّ قَالَ ظَنَنْت أَنَّ التَّرِكَةَ كَثِيرَةٌ وَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهَا فَبَانَ خِلَافُهُ أَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ لَمْ أَعْلَمْهُ أَوْ بَانَ تَلَفُ بَعْضِهَا وَقُلْنَا الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ فَقَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ: الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ هُنَا بِمَعْلُومٍ مُشَاهَدٍ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِنِصْفٍ شَائِعٍ، وَالثَّانِي وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي: يَحْلِفُ وَلَا تَلْزَمُ إلَّا فِي الثُّلُثِ كَمَا فِي الْمُشَاعِ اهـ. إسْعَادٌ زي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 الْوَصِيَّةُ) أَيْ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (لِوَارِثٍ) خَاصٍّ غَيْرِ حَائِزٍ بِزَائِدٍ عَلَى حِصَّتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ (إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ) الْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ. قَالَ الذَّهَبِيُّ صَالِحٌ وَقِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ لِأَجْنَبِيٍّ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَخَرَجَ بِالْخَاصِّ الْوَارِثُ لِلْعَامِّ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إرْثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْإِمَامِ، وَبِغَيْرِ حَائِزٍ مَا لَوْ أَوْصَى لِحَائِزٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِزَائِدٍ عَلَى حِصَّتِهِ مَا لَوْ أَوْصَى لِوَارِثٍ بِقَدْرِ إرْثِهِ فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا يَأْتِي   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ أَيْ تُكْرَهُ إلَخْ) فَالْمَنْفِيُّ الْجَوَازُ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ أَيْ وَلَا تَنْفُذُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا إلَخْ، فَيَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا مِنْ عَدَمِ النُّفُوذِ الْمُقَدَّرِ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ ق ل: صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ أَيْ لَا تَنْفُذُ بَدَلُ قَوْلِهِ أَيْ تُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ عَدَمِ النُّفُوذِ لَا مِنْ الْكَرَاهَةِ اهـ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَزُولُ بِالْإِجَازَةِ. قَوْلُهُ: (لِوَارِثٍ) أَيْ وَقْتَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ حَائِزٍ) أَمَّا الْوَصِيَّةُ لِلْحَائِزِ فَلَاغِيَةٌ، إذْ لَا مَعْنَى لَهَا فَذَكَرَ قُيُودًا أَرْبَعَةً. قَوْلُهُ: (بِزَائِدٍ عَلَى حِصَّتِهِ) أَمَّا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ إلَخْ. وَحَاصِلُ التَّفْصِيلِ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ شَائِعًا فَهِيَ لَغْوٌ وَإِنْ كَانَتْ لِبَعْضِهِمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ صَحَّتْ كَمَا يَأْتِي تَوْضِيحُهُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَصْحَابُ السُّنَنِ) وَهُمْ أَرْبَعَةٌ: أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ. وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: أَعْنِي أَبَا دَاوُد ثُمَّ التِّرْمِذِيَّ ... وَالنَّسَئِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ فَاحْتَذِي قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا) أَيْ فَتَنْفُذَ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " وَلَا تَجُوزُ " أَيْ تُكْرَهُ، وَلَوْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ " إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا إلَخْ " هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَهِيَ لَا تَزُولُ بِالْإِجَازَةِ، فَلَوْ فُسِّرَ عَدَمُ الْجَوَازِ بِعَدَمِ النُّفُوذِ كَانَ أَحْسَنَ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَالَهُ ق ل، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَيْهِ مُتَّصِلًا اهـ. وَكَتَبَ الْمَرْحُومِيُّ عَلَى قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا إلَخْ ": أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِدُونِ الثُّلُثِ، قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: فَإِنْ أَجَازُوا فَلَا رُجُوعَ لَهُمْ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ إجَازَتَهُمْ تَنْفِيذٌ لِلْوَصِيَّةِ لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مِنْهُمْ وَوَلَاءٌ مَنْ أَجَازُوا عِتْقَهُ الْحَاصِلَ بِالْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ ثَابِتٌ لِلْمَيِّتِ يَسْتَحِقُّهُ ذُكُورُ الْعَصَبَةِ اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِهِ: وَلَا أَثَرَ لِلْإِجَازَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَا مَعَ جَهْلِ قَدْرِ الْمَالِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ مَجْهُولٍ، نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِعَبْدٍ لَهُ مَثَلًا مُعَيَّنٍ صَحَّتْ إجَازَتُهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومٌ وَالْجَهَالَةُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُجِيزُ الْجَهْلَ بِقَدْرِ التَّرِكَةِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِأَنْ قَالَ كُنْتُ أَعْتَقِدُ قِلَّةَ الْمَالِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى الْجَهْلِ وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا ظَنَّهُ بِأَنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ بِثُلُثِ مَالِهِ فَأَجَازَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ ظَانًّا قِلَّةَ الْمَالِ؛ هَذَا إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِعِلْمِهِ بِقَدْرِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَبْضٌ عِنْدَ الْإِجَازَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَنْفِيذٌ. قَوْلُهُ: (الْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفَ) أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِمْ فَيُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى كَمَالِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُجِيزَ وَلَا أَنْ يَرُدَّ. قَوْلُهُ: (بِإِسْنَادٍ صَالِحٍ) أَيْ لَيْسَ بِضَعِيفٍ وَلَمْ يَرْتَقِ إلَى دَرَجَةِ الصَّحِيحِ، بِرْمَاوِيٌّ اهـ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ انْتَقَلَ إرْثُهُ) أَيْ الْمُوصِي. قَوْلُهُ: (يُصْرَفُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْإِنْسَانِ الْمُوصَى لَهُ مَعَ كَوْنِهِ وَارِثًا عَامًّا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ حِينَئِذٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ، وَتَسْمِيَةُ هَذَا الشَّخْصِ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا عَامًّا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْوَارِثِ الْعَامِّ وَهُوَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَرِثُ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً بَلْ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْإِمَامِ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْوَارِثِ الْعَامِّ. قَوْلُهُ: (بِمَالِهِ كُلِّهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا أَوْصَى بِبَعْضِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ بِلَا وَصِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ حَائِزٌ لِجَمِيعِ التَّرِكَةِ. قَوْلُهُ: (لِوَارِثٍ) أَيْ لِكُلِّ وَارِثٍ إذْ هِيَ الَّتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمُشَاعِ وَالْمُعَيَّنِ وَقَوْلُهُ " بَيْنَ الْمُشَاعِ " أَيْ فَلَا تَصِحُّ وَقَوْلُهُ وَالْمُعَيَّنُ أَيْ فَتَصِحُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 بَيْنَ الْمُشَاعِ وَالْمُعَيَّنِ، وَبِالْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفَ مَا لَوْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ الْإِجَازَةُ وَلَا مِنْ وَلِيِّهِ. تَنْبِيهٌ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ أَوْ هِبَتُهُ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْوَقْفِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا لَوْ وَقَفَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمْ كَمَنْ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ وَلَهُ دَارٌ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، فَوَقَفَ ثُلُثَيْهَا عَلَى الِابْنِ وَثُلُثَهَا عَلَى الْبِنْتِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةٍ فِي الْأَصَحِّ. فَائِدَةٌ مِنْ الْحِيَلِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ أَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ إنْ تَبَرَّعَ لِوَلَدِي بِخَمْسِمِائَةٍ مَثَلًا فَإِذَا قَبِلَ لَزِمَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَإِجَازَتِهِمْ لِلْوَصِيَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَالْعِبْرَةُ فِي كَوْنِ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا بِوَقْتِ الْمَوْتِ، فَلَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ فَحَدَثَ لَهُ ابْنٌ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّتْ، أَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ فَمَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ شَائِعًا مِنْ نِصْفٍ أَوْ غَيْرِهِ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ. وَخَرَجَ بِكُلِّ وَارِثٍ مَا لَوْ أَوْصَى لِبَعْضِهِمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، كَأَنْ أَوْصَى لِأَحَدِ بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِنْ أُجِيزَ أَخَذَهُ وَقَسَمَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ كَأَنْ أَوْصَى لِأَحَدِ ابْنَيْهِ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ بِدَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَهُمَا مَا يَمْلِكُهُ صَحِيحَةٌ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِبَيْعِ عَيْنٍ مِنْ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلَكِنْ يُفْتَقَرُ إلَى الْإِجَازَةِ فِي الْأَصَحِّ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِالْأَعْيَانِ وَمَنَافِعِهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُوصِي بِقَوْلِهِ: (وَتَجُوزُ) أَيْ تَصِحُّ (الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ) بَالِغٍ (عَاقِلٍ) حُرٍّ مُخْتَارٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ، وَلَوْ كَافِرًا حَرْبِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِمْ وَاحْتِيَاجِهِمْ لِلثَّوَابِ، فَلَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةٍ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَهَا عَلَى أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى إجَازَتِهِمْ فَكَذَا عَلَيْهِمْ؛ وَلِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي ثُلُثِ مَالِهِ نَافِذٌ، فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَطْعِ حَقِّ الْوَارِثِ عَنْ الثُّلُثِ بِالْكُلِّيَّةِ فَتَمَكُّنُهُ مِنْ وَقْفِهِ عَلَيْهِ أَوْلَى كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَضُرَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ لَمْ تَتَوَقَّفْ عَلَى الْإِجَازَةِ وَفَارَقَ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَبِلَ لَزِمَهُ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ فَإِذَا قَبِلَ وَأَدَّى الِابْنُ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ أَخَذَ الْوَصِيَّةَ وَلَمْ يُشَارِكْ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ الِابْنَ فِيمَا حَصَلَ لَهُ. وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ شَيْءٌ يَتَمَيَّزُ بِهِ حَتَّى يَحْتَاجَ لِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ وَصِيَّتَهُ لِزَيْدٍ عَلَى مَا ذُكِرَ جُعِلَ كَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ) وَلَا حَاجَةَ إلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَتَلَقَّ عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا تَلَقَّى عَنْ الْأَجْنَبِيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ ابْنٌ فَمَاتَ) أَيْ الِابْنُ. قَوْلُهُ: (صَحَّتْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهَا قَبْلَ حُدُوثِ الِابْنِ بَاطِلَةٌ مَعَ أَنَّهَا لِوَارِثٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا لَكِنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ الْأَخَ إذَا كَانَ حَائِزًا بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَائِزٍ صَحَّتْ وَتَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ. قَوْلُهُ: (فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ) أَيْ فَلَا تَنْفُذُ. قَوْلُهُ: (وَالْوَصِيَّةُ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ " لَغْوٌ " خَبَرٌ؛ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لَا مُخَالِفٌ لَهُ بِخِلَافِ تَعَاطِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) أَيْ شَائِعًا وَقَوْلُهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لَيْسَ قَيْدًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الْمَتْنِ، بَلْ لَوْ أَوْصَى بِزَائِدٍ وَأَجَازَ الْوَارِثُ صَحَّ وَيُشَارِكُ فِي الْبَاقِي شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بَيْنَهُمْ) أَيْ بَيْنَ الْبَعْضِ الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الِاثْنَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ " صَحِيحَةٌ " خَبَرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ يُفْتَقَرُ إلَخْ) هَذَا رَاجِعٌ لِلْمَقِيسِ، وَهُوَ مَا لَوْ أَوْصَى لِأَحَدِ ابْنَيْهِ بِعَبْدٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ) أَيْ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ. يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُتَقَوِّمِ بِخِلَافِ الْمِثْلِيِّ فَإِنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِي أَعْيَانِهِ، قَالَ الْبُرُلُّسِيُّ: وَمِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْدَالُ مَالِ الْغَيْرِ بِمِثْلِهِ قَوْلُهُ: (مِنْ كُلِّ مَالِكٍ) وَلَوْ مَآلًا وَلَوْ مُبَعَّضًا. وَقَوْلُهُ " حُرٍّ " لَعَلَّ الشَّارِحَ زَادَهُ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ مَالِكٍ لِإِخْرَاجِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مِلْكًا ضَعِيفًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَافِرًا) وَإِنْ أُسِرَ وَرَقَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَرَقِيقٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا، وَمُكْرَهٍ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَلِعَدَمِ مِلْكِ الرَّقِيقِ أَوْ ضَعْفِهِ وَالسَّكْرَانُ كَالْمُكَلَّفِ. تَنْبِيهٌ دَخَلَ فِي الْكَافِرِ الْمُرْتَدُّ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. نَعَمْ إنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ كَافِرًا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَالْمُوصَى لَهُ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (لِكُلِّ مُتَمَلِّكٍ) أَيْ بِأَنْ يَتَصَوَّرَ لَهُ الْمَلَكُ عِنْدَ مَوْتِ   [حاشية البجيرمي] بَعْدَهَا. وَالتَّنْظِيرُ فِيهِ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا أَيْ الْوَصِيَّةِ زِيَادَةُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ أَيْ الْكَافِرُ، لَا عَمَلَ لَهُ بَعْدَهُ يُرَدُّ بِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِيهَا بِطَرِيقِ الذَّاتِ كَوْنُهَا عَقْدًا مَالِيًّا لَا خُصُوصَ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّتْ صَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ كَمَا فِي زي وح ل وم ر، قَالَ ع ش عَلَيْهِ: عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يُجَازَى عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ إلَّا بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ اهـ؛ وَعِبَارَةُ س ل: أَيْ وَإِنْ اُسْتُرِقَّ بَعْدَهَا وَمَالُهُ عِنْدَنَا بِأَمَانٍ وَمَاتَ حُرًّا، أَيْ فَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا تَبَيَّنَ أَنَّ مَالَهُ كُلَّهُ فَيْءٌ اهـ. وَقَوْلُهُ " وَمَالُهُ " أَيْ وَالْحَالُ، وَقَوْلُهُ " عِنْدَنَا بِأَمَانٍ " مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عِنْدَنَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ صَارَ مَالُهُ عِنْدَنَا وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ أَسْلَمَ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا احْتَرَزُوا بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ مَالُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَبَقِيَ فِيهَا كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. وَفَارَقَ عَدَمَ انْعِقَادِ نَذْرِهِ بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ بِخِلَافِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِمْ) بِدَلِيلِ صِحَّةِ إقْرَارِهِمْ بِالطَّلَاقِ وَالْعُقُوبَةِ. قَوْلُهُ: (وَاحْتِيَاجِهِمْ لِلثَّوَابِ) وَهُوَ فِي الْمُسْلِمِ ظَاهِرٌ وَفِي الْكَافِرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ عَذَابٌ غَيْرُ الْكُفْرِ. اهـ. عِ ش. قَوْلُهُ: (وَمُغْمًى عَلَيْهِ) اسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيّ مَا لَوْ كَانَ سَبَبُهُ سُكْرًا عَصَى بِهِ وَكَلَامُهُ مُنْتَظِمٌ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُكَاتَبًا) أَيْ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهَا صَحَّتْ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ عَتَقَ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْعِتْقِ وَالْأَدَاءِ تَعَلَّقَ الْمُوصَى لَهُ بِمَا كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ كَمَا فِي سَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَمِرَّ كِتَابَتُهُ بِأَنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَمَاتَ رَقِيقًا بَطَلَتْ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السَّيِّدِ فِي إذْنِهِ قَدْرًا بَلْ يَكْفِي إطْلَاقُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى الثُّلُثِ. وَهَلْ تَشْمَلُ وَصِيَّتُهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ الْعِتْقَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ رِقَّهُ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْمُبَعَّضِ؟ الظَّاهِرُ الشُّمُولُ؛ لَكِنْ هَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ السَّيِّدِ فِيهِ بِخُصُوصِهِ أَوْ يَكْفِي الْعُمُومُ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. قَوْلُهُ: (وَلِعَدَمِ مِلْكِ الرَّقِيقِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَضَعَّفَهُ فِيهِ. اهـ. ع ش. وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى سَائِرِ الْعُقُودِ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَلَوْ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ إنْ فُرِضَ أَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ كَمَا ذَكَرَهُ زي وح ل. قَوْلُهُ: (وَالسَّكْرَانُ) أَيْ الْمُتَعَدِّي؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِصِحَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ عَقْدًا وَحَلًّا. قَوْلُهُ: (أَوْ قُتِلَ) أَيْ الْمُرْتَدُّ. قَوْلُهُ: (وَالْمُوصَى لَهُ إلَخْ) . حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ غَيْرَ جِهَةٍ اُشْتُرِطَ لَهُ شُرُوطٌ أَرْبَعٌ: أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ فَلَا تَصِحُّ لِدَابَّةٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُبْهَمًا فَلَا تَصِحُّ لِأَحَدِ هَذَيْنِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَعْصِيَةً فَلَا تَصِحُّ بِمُسْلِمٍ لِكَافِرٍ وَلَا بِمُصْحَفٍ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ فَلَا تَصِحُّ لِمَنْ سَيُوجَدُ؛ وَإِنْ كَانَ جِهَةً اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصِيَةً فَلَا تَصِحُّ لِعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ وَلَا لِلْقُطَّاعِ وَلَا لِلْمُحَارَبِينَ وَلَا لِلْمُرْتَدِّينَ. قَوْلُهُ: (إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا إلَخْ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ صِحَّتَهَا مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ جِهَةٍ وَلَا شَخْصٍ كَأَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي وَيُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ بِثُلُثٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَيُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا أُولَئِكَ فَكَانَ إطْلَاقُهَا بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِهِمْ فَفِيهِ ذِكْرُ جِهَةٍ ضِمْنًا وَبِهَذَا فَارَقَ الْوَقْفَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَصْرِفِ. اهـ. م ر وزي. قَوْلُهُ: (لِكُلِّ مُتَمَلِّكٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ، أَيْ مَنْ يَمْلِكُ حَالَ الْوَصِيَّةِ وَلَوْ مِنْ الْجِنِّ وَمِنْ الْوَصِيَّةِ لِلتَّمَلُّكِ الْوَصِيَّةُ لِرَقِيقٍ؛ لِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ السَّيِّدُ وَيَقْبَلُهَا الرَّقِيقُ وَإِنْ نَهَاهُ السَّيِّدُ دُونَ السَّيِّدِ، وَإِنْ مَاتَ الرَّقِيقُ قَبْلَ قَبُولِهِ فَلَا يَصِحُّ قَبُولُ السَّيِّدِ، فَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ قَاصِرًا أَوْ مَجْنُونًا فَهَلْ يَنْتَظِرُ كَمَالَهُ أَوْ يَقْبَلُ السَّيِّدُ كَوَلِيِّ الْحُرِّ؟ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الظَّاهِرُ الثَّانِي. وَلَوْ أَجْبَرَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ عَلَى الْقَبُولِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَوْجَهِ، وَلَوْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَالْوَصِيَّةُ لَهُ أَوْ عَتَقَ بَعْضُهُ فَلَهُ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا عَتَقَ وَالْبَاقِي لِمَالِكِهِ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبُولِ فَهِيَ لِلسَّيِّدِ، وَلَوْ قَارَنَ الْعِتْقُ الْمَوْتَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 الْمُوصِي وَلَوْ بِمُعَاقَدَةِ وَلِيِّهِ، فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِدَابَّةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ. وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِمَيِّتٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ إنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَهُنَاكَ مَيِّتٌ قُدِّمَ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ أَوْ الْمُحْدِثِ الْحَيِّ عَلَى الْأَصَحِّ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ وَصِيَّةٌ لِمَيِّتٍ بَلْ لِوَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَهُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فَلَا تَصِحُّ لِكَافِرٍ بِمُسْلِمٍ لِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً، وَلَا لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ لِلْجَهْلِ بِهِ. نَعَمْ إنْ قَالَ أَعْطُوا هَذَا لِأَحَدِ هَذَيْنِ صَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ بِعْهُ لِأَحَدِ هَذَيْنِ، وَلَا لِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ. تَنْبِيهٌ يُؤْخَذُ مِنْ اعْتِبَارِ تَصَوُّرِ الْمِلْكِ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمُوصَى بِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُوصِي فَتَمْتَنِعُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْغَيْرِ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْكِتَابَةِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قِيَاسُ الْبَابِ الصِّحَّةُ، أَيْ يَصِيرُ مُوصًى بِهِ إذَا مَلَّكَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَلَوْ فَسَّرَ الْوَصِيَّةَ لِلدَّابَّةِ بِالصَّرْفِ فِي عَلَفِهَا صَحَّ؛ لِأَنَّ عَلَفَهَا عَلَى مَالِكِهَا فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْوَصِيَّةِ، فَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَيَتَعَيَّنُ الصَّرْفُ   [حاشية البجيرمي] فَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ كَالْعِتْقِ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِدَابَّةٍ) سَيَأْتِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُفَسِّرْ الْوَصِيَّةَ لَهَا بِعَلَفِهَا، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ صَحَّتْ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَهُ هُنَا بِجَنْبِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَإِنْ أَوْصَى لِدَابَّةٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ فَبَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ لِلتَّمْلِيكِ وَهِيَ لَا تُمْلَكُ. وَفَارَقَتْ الْعَبْدَ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ بِأَنَّهُ يُخَاطَبُ وَيَتَأَتَّى قَبُولُهُ، وَقَدْ يُعْتَقُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بِخِلَافِهَا. وَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لَهَا بَلْ أَوْلَى أَيْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَضِيَّةُ هَذَا) أَيْ قَوْلِهِ " بِأَنْ يَتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ " وَقَوْلُهُ " لَا تَصِحُّ لِمَيِّتٍ " أَيْ كَالْوَقْفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ) فَلَا تَصِحُّ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا لِأَهْلِ الرِّدَّةِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا) فِيهِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ عَيْنُ الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، وَمَنْ عَبَّرَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ جِهَةٍ سَلِمَ مِنْ هَذَا، فَلَعَلَّ هَذَا التَّعْبِيرَ سَرَى إلَيْهِ مِنْهُ تَأَمَّلْ. وَالصَّوَابُ إبْدَالُ الْمُعَيَّنِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبْهَمًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلُ مُعَيَّنٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُبْهَمًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ. وَعِبَارَةُ م د. قَوْلُهُ: " مُعَيَّنًا " الْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْجِهَةَ فَشَمِلَ الْمُتَعَدِّدَ كَأَوْلَادِ زَيْدٍ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ لِكَافِرٍ بِمُسْلِمٍ) نَعَمْ إنْ أَسْلَمَ عِنْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ لَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا لِأَحَدِ هَذَيْنِ) إذْ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْمُبْهَمِ وَأَمَّا أَعْطُوا هَذَا لِأَحَدِ هَذَيْنِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ لِلْمُخَاطَبِ لِيُعْطِيَ أَيَّهمَا شَاءَ فَيَخْتَارَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَعِبَارَةُ سم: لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمُبْهَمِ لَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ أُعْطُوا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ غَيْرِهِ لَا مِنْهُ فَلَا يَضُرُّ الْإِبْهَامُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ قَالَ أَعْطُوا إلَخْ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَوَصْلُهَا غَلَطٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ لَفْظِ الْعَطِيَّةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ لَفْظَ الْعَطِيَّةِ تَفْوِيضٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ لَا يُعْطِي إلَّا مُعَيَّنًا وَلِهَذَا صَحَّ بِهِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ اهـ س ل. قَوْلُهُ: (صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ هُنَا لِلْوَارِثِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا، وَأَيْضًا فَالْأَوْلَى تُمْلَكُ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالثَّانِيَةُ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِإِعْطَاءِ الْوَارِثِ اهـ شَرْحُ الْبَهْجَةِ، أَيْ فَيُعْطِيهِ الْوَارِثُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (وَلَا لِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ) أَيْ إنْ جُعِلَ تَابِعًا لِمَوْجُودٍ بِخِلَافِ الْوَقْفِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ فَلَا تَصِحُّ لِغَيْرِ مَوْجُودٍ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ الْقُرْبَةُ وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ كَالْوَقْفِ. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: نَعَمْ إنْ جُعِلَ الْمَعْدُومُ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ كَأَنْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ زَيْدٍ الْمَوْجُودِينَ وَمَنْ سَيَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ صَحَّتْ لَهُمْ تَبَعًا قِيَاسًا عَلَى الْوَقْفِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يُقْصَدَ بِهَا مُعَيَّنٌ مَوْجُودٌ بِخِلَافِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لِلدَّوَامِ الْمُقْتَضِي لِشُمُولِهِ لِلْمَعْدُومِ ابْتِدَاءً مَرْجُوحٌ اهـ. قَوْلُهُ: (يُؤْخَذُ إلَخْ) هَذَا الْأَخْذُ مَمْنُوعٌ إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ اعْتِبَارِ تَصَوُّرِ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى لَهُ وَكَوْنِ الْمُوصَى بِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُوصِي وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَزْمُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ وُجُودِ الْمُوصَى بِهِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا. وَكَانَ الْأَوْلَى أَخْذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَأَعَادَهَا الشَّارِحُ لِأَجْلِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيهَا. قَوْلُهُ: (قِيَاسُ الْبَابِ الصِّحَّةُ) مُعْتَمَدٌ، أَيْ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِالْمَعْدُومِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ فَسَّرَ الْوَصِيَّةَ لِلدَّابَّةِ) هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِدَابَّةٍ) فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَقِبَهُ؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ لَهُ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّفْسِيرِ رَجَعَ إلَى وَارِثِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَادَ الْعَلَفَ صَحَّتْ وَإِلَّا حَلَفَ وَبَطَلَتْ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا أَرَادَ بَطَلَتْ فَتَصِحُّ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 إلَى جِهَةِ الدَّابَّةِ رِعَايَةً لِغَرَضِ الْمُوصِي، وَلَا يُسَلَّمُ عَلَفُهَا لِلْمَالِكِ بَلْ يَصْرِفُهُ الْوَصِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْقَاضِي وَلَوْ بِنَائِبِهِ وَتَصِحُّ لِكَافِرٍ وَلَوْ حَرْبِيًّا وَمُرْتَدًّا وَقَاتَلَ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ كَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِمَا وَالْهِبَةِ لَهُمَا. وَصُورَتُهَا فِي الْقَاتِلِ أَنْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ فَيَقْتُلَهُ، وَلِحَمْلٍ إنْ انْفَصَلَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهَا لِلْعَمَلِ بِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهَا، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَلِأَرْبَعِ   [حاشية البجيرمي] صُورَةٍ وَتَبْطُلُ فِي صُورَتَيْنِ، وَلَوْ تَنَازَعَ الْوَارِثُ وَمَالِكُ الدَّابَّةِ فَقَالَ الْمَالِكُ أَرَادَ تَمْلِيكِي وَالْوَارِثُ تَمْلِيكَهَا صُدِّقَ الْوَارِثُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَمِثْلُ الدَّابَّةِ الدَّارُ، فَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِهَذِهِ الدَّارِ بِكَذَا وَفَسَّرَ بِعِمَارَتِهَا صَحَّ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فِي عَلَفِهَا) بِسُكُونِ اللَّامِ مَصْدَرٌ، وَبِفَتْحِهَا وَهُوَ الْمَأْكُولُ. قَوْلُهُ: (صَحَّ) فَمَحْمَلُ عَدَمِ الصِّحَّةِ مَا إذَا قَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ عَلَفَهَا عَلَى مَالِكِهَا) هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَالِكٌ، فَالْوَصِيَّةُ لِعَلَفِ الطُّيُورِ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ بَاطِلَةٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَالْوَقْفِ عَمِيرَةُ. قَوْلُهُ: (وَيَتَعَيَّنُ الصَّرْفُ إلَخْ) أَيْ مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ مَالِكَهَا. وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا تَجَمُّلًا أَوْ مُبَاسَطَةً، وَإِلَّا مَلَكَهَا مِلْكًا مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ دَفَعَ دِرْهَمًا لِآخَرَ وَقَالَ لَهُ اشْتَرِ بِهِ عِمَامَةً مَثَلًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ الَّتِي تَعَيَّنَ الصَّرْفُ إلَيْهَا أَيْ فَيَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ مَالِكُهَا مِلْكًا مُطْلَقًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَلَوْ انْتَقَلَتْ الدَّابَّةُ الْمَذْكُورَةُ لِمُشْتَرٍ انْتَقَلَتْ الْوَصِيَّةُ مَعَهَا فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَإِنْ بِيعَتْ بَعْدَهُ فَالْوَصِيَّةُ لِلْبَائِعِ، فَإِذَا قَبِلَهَا صَرَفَهَا لِلدَّابَّةِ وَإِنْ صَارَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَلَّمُ عَلَفُهَا لِلْمَالِكِ) أَيْ لَا يُجْبَرُ الْوَارِثُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَصْرِفُهُ الْوَصِيُّ) أَيْ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِنَائِبِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ النَّائِبُ مَالِكَ الدَّابَّةِ. وَلَوْ تَوَقَّفَ الصَّرْفُ عَلَى مُؤْنَةٍ كَأَنْ عَجَزَ الْوَصِيُّ أَوْ الْحَاكِمُ عَنْ حَمْلِ الْعَلَفِ أَوْ تَقْدِيمِهِ إلَيْهَا أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ وَلَمْ يَتَبَرَّعْ بِهَا أَحَدٌ فَهَلْ تَتَعَلَّقُ تِلْكَ الْمُؤْنَةُ بِالْمُوصَى بِهِ فَتُصْرَفُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ الْقِيَامِ بِتِلْكَ الْوَصِيَّةِ أَوْ تَتَعَلَّقُ بِمَالِك الدَّابَّةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَوْ أَوْصَى بِعَلَفٍ لِدَابَّةٍ لَا تَأْكُلُهُ عَادَةً، فَهَلْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ أَوْ يُصْرَفُ لِمَالِكِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالثَّانِي غَيْرُ بَعِيدٍ. وَلَوْ كَانَ الْعَلَفُ الْمُوصَى بِهِ مِمَّا تَأْكُلُهُ عَادَةً لَكِنْ عُرِضَ لَهَا امْتِنَاعُهَا مِنْ أَكْلِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ أَيِسَ مِنْ أَكْلِهَا إيَّاهُ عَادَةً صَارَ الْمُوصَى بِهِ لِلْمَالِكِ كَمَا لَوْ مَاتَتْ وَإِلَّا حُفِظَ إلَى أَنْ يَتَأَتَّى أَكْلُهَا. اهـ. سم عَلَى حَجّ. قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ لِكَافِرٍ) تَعْمِيمٌ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ " لِكُلِّ مُتَمَلِّكٍ ". قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَرْبِيًّا) أَيْ وَإِنْ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ لِفُلَانٍ الْحَرْبِيِّ. وَقَوْلُهُ " وَمُرْتَدًّا " أَيْ لَمْ يَمُتْ عَلَى رِدَّتِهِ؛ مَرْحُومِيٌّ. وَخَالَفَ الْوَقْفَ بِأَنَّهُ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ فَاعْتُبِرَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الدَّوَامُ وَالْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ لَا دَوَامَ لَهُمَا. اهـ. مَدَابِغِيٌّ. وَمِثْلُهُ ح ل. وَاعْتَمَدَ ع ش أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِعِلْيَةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ لِأَجْلِ حِرَابَتِهِ أَوْ رِدَّتِهِ فَتَفْسُدُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْكُفْرَ حَامِلًا عَلَى الْوَصِيَّةِ. وَصُورَتُهُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ وَلَمْ يَزِدْ وَكَانَ فِي الْوَاقِعِ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ ذَاتَهمَا لَا وَصْفَهُمَا. قَوْلُهُ: (فَيَقْتُلُهُ) فَهُوَ قَاتِلٌ بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ وَخَبَرُ: «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ وَصِيَّةٌ» ضَعِيفٌ سَاقِطٌ، وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَقْتُلُهُ اهـ. أَمَّا لَوْ أَوْصَى لِمَنْ يَرْتَدُّ أَوْ يُحَارِبُ أَوْ يَقْتُلُهُ أَوْ يَقْتُلُ غَيْرَهُ عُدْوَانًا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " عُدْوَانًا " مَفْهُومُهُ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَقْتُلُ خَطَأً سم. وَقَضِيَّتُهُ صِحَّةُ وَصِيَّةِ الْحَرْبِيِّ لِمَنْ يَقْتُلُهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَاسَ بِالْحَرْبِيِّ كُلُّ مَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَلَا نَظَرَ لِتَعْزِيرِ قَاتِلِ نَحْوِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ قَاتِلِ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنًى خَارِجٍ وَهُوَ الِافْتِيَاتُ عَلَى الْإِمَامِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَلِحَمْلٍ) وَيُقْبَلُ لَهُ وَلِيُّهُ وَلَوْ وَصِيًّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ حَيًّا، فَلَوْ قَبِلَ قَبْلَهُ لَمْ يَكْفِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَقِيلَ: يَكْفِي، كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ إلَخْ؛ وَصَحَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (حَيَا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً) فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لَمْ تَبْطُلْ، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ لِلْحَمْلِ أَخَذَهَا وَرَثَةُ الْحَمْلِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْبَلْ قَبْلَ الْآنَ وَأَخَذَ الْوَصِيَّةَ لِوَرَثَةِ الْحَمْلِ. فَرْعٌ أَوْصَى بِحَمْلٍ لِحَمْلٍ، فَإِنْ وُلِدَا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ لَمْ تَصِحَّ، وَكَذَا إنْ وُلِدَ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ. اهـ. س ل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 سِنِينَ فَأَقَلَّ مِنْهَا وَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ أَوْ انْفَصَلَ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ مَعَهَا أَوْ بَعْدَهَا فِي الْأُولَى وَلِعَدَمِ وُجُودِهِ عِنْدَهَا فِي الثَّانِيَةِ. وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ وَمَصَالِحِهِ وَمُطْلَقًا وَتُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِمَا عَمَلًا بِالْعُرْفِ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت تَمْلِيكَهُ فَقِيلَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ. وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ صِحَّتَهَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ، أَيْ وَكَانَتْ فِرَاشًا. قَالَ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ السِّتَّةَ مُلْحَقَةٌ بِمَا فَوْقَهَا لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ الْفِرَاشِ مَعَهَا وَأَنَّ الْأَرْبَعَ سِنِينَ مُلْحَقَةٌ بِمَا دُونَهَا، وَهُوَ الرَّاجِحُ. قَوْلُهُ: (لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا) لَا يُقَالُ الْعِلْمُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَصِلُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَا يَكُونُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَمْكُثَ فِي الْبَطْنِ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ فَلَا يَمْنَعُ غَلَبَةَ الظَّنِّ الْمُرَادَةِ هُنَا بِالْعِلْمِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدُّونِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا فَوْقُ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ) أَيْ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُهُ عِنْدَهَا لِنُدْرَةِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَفِي تَقْدِيرِ الزِّنَا إسَاءَةُ ظَنٍّ، نَعَمْ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا قَطُّ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ اهـ. وَقَوْلُهُ: " لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُهُ عِنْدَهَا "؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ عَقِبَ الْعُلُوقِ فِيمَا إذَا انْفَصَلَ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ فَالْأَرْبَعَةُ مُلْحَقَةٌ بِمَا دُونَهَا كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ أَيْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِنُدْرَةِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، فَلَا يُرَدُّ إذَا وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ تَكُنْ فِرَاشًا فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَوْ الزِّنَا. وَعِبَارَةُ سم. قَوْلُهُ: " لِنُدْرَةِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ " أَيْ وَلَمْ يُلْتَفَتْ لِذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ فِرَاشًا لِوُجُودِ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْفِرَاشُ اهـ. وَقَوْلُهُ: " نَعَمْ لَوْ لَمْ تَكُنْ " أَيْ وَوَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، فَلَوْ وَضَعَتْهُ لِدُونِهَا فَإِنَّهَا تَصِحُّ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ مِنْ زِنًا أَوْ شُبْهَةٍ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ كَمَا أَفَادَهُ ع ش. وَقَوْلُهُ: " لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ " لِانْتِفَاءِ الظُّهُورِ حِينَئِذٍ وَانْحِصَارِ الطَّرِيقِ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَوْ الزِّنَا اهـ. قَوْلُهُ: (لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ) أَيْ أَمْكَنَ كَوْنُ الْحَمْلِ مِنْهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَمْسُوحًا وَلَا غَائِبًا فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ) أَيْ الْأَحَدِ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ انْفَصَلَ " أَيْ أَوْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا لَكِنْ انْفَصَلَ إلَخْ. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: الْمُرَادُ بِالْفِرَاشِ وُجُودُ وَطْءٍ يُمْكِنُ كَوْنُ الْحَمْلِ مِنْهُ بَعْدَ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، بَلْ الْوَطْءُ لَيْسَ قَيْدًا إذْ الْمَدَارُ عَلَى مَا يُحَالُ وُجُودُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ) أَيْ إنْشَاءً أَوْ تَرْمِيمًا كَمَا فِي م ر، فَمَا فِي ق ل مِنْ قَوْلِهِ مَسْجِدٍ مَوْجُودٌ لَيْسَ قَيْدًا شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ. وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِهِ لِلْمَسْجِدِ وَإِنْ أَرَادَ تَمْلِيكَهُ لِمَا مَرَّ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ حُرٌّ يَمْلِكُ أَيْ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهُ، وَتُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَيَصْرِفُهُ النَّاظِرُ لِلْأَهَمِّ وَالْأَصْلَحِ بِاجْتِهَادِهِ اهـ؛ أَيْ فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ الصَّرْفُ بِنَفْسِهِ بَلْ يَدْفَعُهُ لِلنَّاظِرِ أَوْ لِمَنْ أَقَامَهُ النَّاظِرُ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ الْآنَ مِنْ النَّذْرِ لِإِمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ ذَوِي الْأَضْرِحَةِ الْمَشْهُورَةِ فَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ صَرْفُهُ لِمُتَوَلِّي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَرَاهُ فِيهِ. وَمِنْهُ أَنْ يَصْنَعَ بِذَلِكَ طَعَامًا أَوْ خُبْزًا لِمَنْ يَكُونُ بِالْمَحَلِّ الْمَنْذُورِ عَلَيْهِ لِخَدَمَتِهِ الَّذِينَ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ لِقِيَامِهِمْ بِمَصَالِحِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ لِكُسْوَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ الضَّرِيحِ النَّبَوِيِّ وَكَانَا غَيْرَ مُحْتَاجَيْنِ لِذَلِكَ حَالًا وَفِيمَا شُرِطَ مِنْ وَقْفِهِ لِكُسْوَتِهِمَا مَا يَفِي بِذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وَيَدَّخِرَ مَا أَوْصَى بِهِ أَوْ تُجَدَّدَ لَهُ كُسْوَةٌ أُخْرَى لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّعْظِيمِ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (وَمَصَالِحِهِ) عَطْفٌ عَامٌّ أَيْ وَلَوْ غَيْرَ ضَرُورِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَمُطْلَقًا) بِأَنْ يَقُولَ أَوْصَيْتُ بِهِ لِلْمَسْجِدِ، وَمِثْلُهُ الْوَصِيَّةُ لِلْكَعْبَةِ وَالضَّرِيحِ النَّبَوِيِّ فَيُصْرَفُ لِمَصَالِحِهِمَا الْخَاصَّةِ بِهِمَا كَتَرْمِيمِ مَا وَهَى أَيْ سَقَطَ مِنْ الْكَعْبَةِ دُونَ بَقِيَّةِ الْحَرَمِ وَالْأَوْجَهُ صِحَّتُهَا كَالْوَقْفِ عَلَى ضَرِيحِ الشَّيْخِ الْفُلَانِيِّ، وَيُصْرَفُ فِيمَا يُصْلِحُ قَبْرَهُ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ الْجَائِزِ وَمَنْ يَخْدُمُهُ أَوْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا صِحَّتُهَا بِبِنَاءِ قُبَّةٍ عَلَى قَبْرِ وَلِيٍّ أَوْ عَالِمٍ فِي غَيْرِ مُسَبَّلَةٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقَنَاطِرُ وَالْجُسُورُ وَالْآبَارُ الْمُسَبَّلَةُ. اهـ. ع ش. أَمَّا إذَا قَالَ أَوْصَيْتُ بِهِ لِلشَّيْخِ الْفُلَانِيِّ وَلَمْ يَنْوِ ضَرِيحَهُ أَوْ نَحْوَهُ فَبَاطِلَةٌ، وَإِذَا أَوْصَى لِمَسْجِدٍ فَيُشْتَرَطُ قَبُولُ نَاظِرِهِ، قَالَ ع ش: بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ كَذَا هَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ. وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ مَا يُعَمَّرُ بِهِ مَا يُسَمَّى عِمَارَةً عُرْفًا، وَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إنْشَاءِ صِيغَةِ وَقْفٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، حَيْثُ كَانَتْ الْعِمَارَةُ تَرْمِيمًا أَوْصَى بِهِ، أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِإِنْشَاءِ مَسْجِدٍ فَاشْتَرَى قِطْعَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 بِأَنَّ لِلْمَسْجِدِ مِلْكًا وَعَلَيْهِ وَقْفًا قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا هُوَ الْأَفْقَهُ الْأَرْجَحُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ بِقَوْلِهِ: (وَ) تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقُرُبَاتِ، وَتُصْرَفُ إلَى الْغُزَاةِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ لِثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ لَهُمْ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ أَنْ لَا تَكُونَ جِهَةَ مَعْصِيَةٍ كَعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا وَكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقِرَاءَتِهِمَا، وَكِتَابَةِ كُتُبِ الْفَلْسَفَةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُحَرَّمَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِدَهْنِ سِرَاجِ الْكَنِيسَةِ تَعْظِيمًا لَهَا. أَمَّا إذَا قَصَدَ انْتِفَاعَ الْمُقِيمِينَ وَالْمُجَاوِرِينَ بِضَوْئِهَا فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَسَوَاءٌ أَوْصَى بِمَا ذُكِرَ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ، وَإِذَا انْتَفَتْ الْمَعْصِيَةُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قُرْبَةً كَالْفُقَرَاءِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ أَوْ مُبَاحَةً لَا يَظْهَرُ فِيهَا قُرْبَةٌ كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ وَفَكِّ أَسَارَى الْكُفَّارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْوَصِيَّةِ تَدَارُكُ مَا فَاتَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مِنْ الْإِحْسَانِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً. تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الصِّيغَةِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ، وَشُرِطَ فِيهَا لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْوَصِيَّةِ وَفِي مَعْنَاهُ   [حاشية البجيرمي] أَرْضٍ وَبَنَاهَا مَسْجِدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَقْفِ لَهَا وَلِمَا فِيهَا مِنْ الْأَبْنِيَةِ مِنْ الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لِمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ حَالًّا فَيَنْبَغِي حِفْظُ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ حَيْثُ تُوُقِّعَ زَمَانٌ يُمْكِنُ فِيهِ التَّصَرُّفُ، فَإِنْ لَمْ يُتَوَقَّعْ كَأَنْ كَانَ مُحْكَمَ الْبِنَاءِ بِحَيْثُ لَا يُتَوَقَّعُ لَهُ زَمَانٌ يُصْرَفُ فِيهِ مَا أَوْصَى بِهِ فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ وَصَرْفُ مَا عُيِّنَ لَهَا لِلْوَرَثَةِ. قَوْلُهُ: (وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ صِحَّتَهَا) وَإِنْ قَصَدَ تَمْلِيكَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِ بِأَنَّ لِلْمَسْجِدِ مِلْكًا إلَخْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّابَّةِ وَخَرَجَ بِنَحْوِ الْمَسْجِدِ الْوَصِيَّةُ لِدَارٍ لِعِمَارَتِهَا فَبَاطِلَةٌ ق ل. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ لِلْمَسْجِدِ مِلْكًا) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِأَنَّ الصِّيغَةَ الَّتِي فِيهَا لِلْمَسْجِدِ بِأَنْ قَالَ جَعَلْته لِلْمَسْجِدِ تَكُونُ مِلْكًا لَهُ، وَالصِّيغَةُ الَّتِي فِيهَا عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ جَعَلْته عَلَيْهِ تَكُونُ وَقْفًا عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مِلْكًا خَبَرَ يَكُونُ الْمَحْذُوفَةِ أَيْ بِأَنَّ لِلْمَسْجِدِ أَيْ هَذَا اللَّفْظُ يَكُونُ مِلْكًا وَمِثْلُهُ وَقْفًا شَيْخُنَا، وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ الْبَابِلِيِّ؛ فَالتَّعْبِيرُ بِاللَّامِ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَبِعَلَى يُفِيدُ الْوَقْفَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) كَأَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِسَبِيلِ اللَّهِ وَتُصْرَفُ لِفُقَرَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِكَذَا لِلَّهِ صَحَّ وَصُرِفَ لِوُجُوهِ الْبِرِّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ صَحَّ وَصُرِفَ لِلْمَسَاكِينِ. اهـ. سم. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (إلَى الْغُزَاةِ) أَيْ الْمُتَطَوِّعِينَ بِالْجِهَادِ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْطِي مِنْهَا إلَّا الْمُتَطَوِّعَ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ) أَيْ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا تَكُونَ جِهَةَ مَعْصِيَةٍ) أَيْ وَلَا مَكْرُوهَةً فَخَرَجَ الْوَصِيَّةُ بِبِنَاءِ قَبْرٍ لَهُ فِي غَيْرِ الْأَرْضِ الْمُسَبَّلَةِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ. قَوْلُهُ (كَعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ) وَلَوْ كَانَتْ الْعِمَارَةُ تَرْمِيمًا. وَهَذَا فِي الْكَنَائِسِ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَّا مَا وُجِدَ مِنْهَا قَبْلَ شَرِيعَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَسَاجِدِنَا وَلَا يُمَكَّنُ النَّصَارَى مِنْ دُخُولِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ كَمَسَاجِدِنَا، كَذَا نُقِلَ عَنْ إفْتَاءِ السُّبْكِيّ؛ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّعَبُّدِ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ يَتَعَبَّدُونَ فِيهَا الْآنَ هُمْ الْمُسْلِمُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَإِنْ سُمِّيَتْ كَنِيسَةً. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِلتَّعَبُّدِ) أَيْ مَوْضُوعَةٌ وَمَجْعُولَةٌ لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا، بِخِلَافِ كَنِيسَةٍ تَنْزِلُهَا الْمَارَّةُ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَيْ مَجْعُولَةٌ لِذَلِكَ أَوْ صَارَتْ مَعْرُوفَةً بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ مَجْعُولَةً لِلتَّعَبُّدِ، وَمِنْهُ الْكَنَائِسُ الَّتِي فِي جِهَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّتِي تَنْزِلُهَا الْمَارَّةُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِبِنَائِهَا التَّعَبُّدُ وَنُزُولُ الْمَارَّةِ طَارِئٌ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) أَيْ الْمُبَدَّلَيْنِ. قَوْلُهُ: (تَعْظِيمًا لَهَا) أَيْ كَنِيسَةِ التَّعَبُّدِ. قَوْلُهُ: (فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُونُوا مُقِيمِينَ لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ كَافِرٌ) وَإِنْ اعْتَقَدَهَا حَرَامًا اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِنَا سم. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَصْدَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: " أَنْ لَا تَكُونَ جِهَةَ مَعْصِيَةٍ ". قَوْلُهُ: (الصِّيغَةِ) الْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ هُنَا الْإِيجَابُ، وَأَمَّا الْقَبُولُ فَسَيَأْتِي، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لَفْظًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الرَّمْلِيُّ وَإِنْ قَالَ حَجّ يُشْبِهُ الِاكْتِفَاءَ بِعَدَمِ الرَّدِّ وَلَوْ تَرَاخَى الْقَبُولُ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ الْإِيجَابَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَإِنَّهَا كَالْبَيْعِ وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَسَامَحُوا فِي عَدَمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ. وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا أَوْ أَعْطُوهُ لَهُ أَوْ هُوَ لَهُ أَوْ وَهَبْتُهُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي فِي الثَّلَاثَةِ، وَإِلَى كِنَايَةٍ كَهُوَ لَهُ مِنْ مَالِي وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَالْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ فَتَنْعَقِدُ بِهَا مَعَ النِّيَّةِ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ هُوَ لَهُ فَقَطْ فَإِقْرَارٌ لَا وَصِيَّةٌ وَتَلْزَمُ الْوَصِيَّةُ بِمَوْتٍ لَكِنْ مَعَ قَبُولٍ بَعْدَهُ وَلَوْ بِتَرَاخٍ فِي مُوصًى لَهُ مُعَيَّنٍ وَإِنْ تَعَدَّدَ. وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ، وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ فِي الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا ارْتِبَاطُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ فَلَا يَصِحُّ قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي إذْ لَا حَقَّ لَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَأَشْبَهَ إسْقَاطَ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلِمَنْ قَبِلَ فِي الْحَيَاةِ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْعَكْسِ. وَيَصِحُّ الرَّدُّ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ لَا بَعْدَهُمَا وَبَعْدَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَإِنْ صَحَّحَ فِي تَصْحِيحِهِ الصِّحَّةَ. فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْمَوْتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَبَطَلَتْ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ خَلَفَهُ وَارِثُهُ فِيهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ بَيْتَ الْمَالِ فَالْقَابِلُ وَالرَّادُّ هُوَ الْإِمَامُ وَمِلْكُ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ لِلْمُوصَى بِهِ الَّذِي لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقَبُولِ مَوْقُوفٌ إنْ قُبِلَ بَانَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ رُدَّ بَانَ أَنَّهُ لِلْوَارِثِ وَيَتْبَعُهُ فِي الْوَقْفِ الْفَوَائِدُ الْحَاصِلَةُ   [حاشية البجيرمي] اتِّصَال الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ فِي الْوَصِيَّةِ تَسَامَحُوا فِي الْفَوْرِ أَيْضًا م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ مَوْتِي) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ، فَلَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ مَوْتِي فَفِي صُورَةٍ وَهِبَتُهُ يَكُونُ هِبَةً وَلَا عِبْرَةَ بِنِيَّةِ الْوَصِيَّةِ لَوْ نَوَاهَا، ثُمَّ إنْ كَانَ فِي الصِّحَّةِ نَفَذَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ حُسِبَ مِنْ الثُّلُثِ، وَأَمَّا فِي صُورَةِ هُوَ لَهُ فَإِقْرَارٌ، وَأَمَّا فِي صُورَةِ أَعْطُوهُ لَهُ يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَصِيَّةِ، وَمِثْلُ قَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِي. قَوْلُهُ بَعْدَ عَيْنِي وَإِنْ قَضَى اللَّهُ عَلَيَّ وَأَرَادَ الْمَوْتَ؛ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: لَا قَوْلُهُ وَهَبْتُهُ لَهُ بِدُونِ بَعْدِ مَوْتِي فَلَا يَكُونُ وَصِيَّةً وَإِنْ نَوَى الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ الْمُنَجَّزُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ، ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ حُسِبَ مِنْ الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يَمُتْ فِيهِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَاسْتَوْجَهَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَنْ ادَّعَى عَلَيَّ شَيْئًا أَوْ أَنَّهُ وُفِيَ مَالِي أَيْ الَّذِي لِي عِنْدَهُ فَصَدَّقُوهُ بِلَا يَمِينٍ كَانَ وَصِيَّةً، فَإِنْ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: صَدَّقُوهُ بِيَمِينٍ بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَحْ لَهُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا قَنَعَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ دُونَ حُجَّةٍ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِأَمْرِ الشَّرْعِ فَلْيَكُنْ لَغْوًا وَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ مَا يَدَّعِيهِ فُلَانٌ فَصَدِّقُوهُ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ وَصِيَّةً أَيْضًا. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (كَهُوَ لَهُ مِنْ مَالِي) لِاحْتِمَالِهِ الْوَصِيَّةَ وَالْهِبَةَ فَافْتَقَرَ إلَى نِيَّةٍ، فَلَوْ مَاتَ وَلَمْ تُعْلَمْ نِيَّتُهُ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَالْإِقْرَارُ هُنَا غَيْرُ مُتَأَتٍّ لِقَوْلِهِ مِنْ مَالِي. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَأَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَكَفَى فِيهِ ذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى، وَأَيْضًا الْبَيْعُ يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّصَالُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ. قَوْلُهُ: (مَعَ قَبُولٍ) أَيْ لَفْظِيٍّ بَعْدَهُ، فَلَا يَكْفِي الْفِعْلُ، وَهُوَ الْأَخْذُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَبُولُ اللَّفْظِيُّ، وَيُشْبِهُ الِاكْتِفَاءَ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْأَخْذُ كَالْهَدِيَّةِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ اهـ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْقَبُولِ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ إعْتَاقًا كَأَنْ قَالَ: أَعْتِقُوا عَنِّي فُلَانًا بَعْدَ مَوْتِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِاقْتِضَاءِ الصِّيغَةِ لَهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (مُعَيَّنٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْجِهَةَ، فَيَشْمَلُ مَا إذَا أَوْصَى لِجَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ كَأَوْصَيْت لِبَنِي فُلَانٍ فَيُشْتَرَطُ قَبُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ) أَيْ وَإِنْ انْحَصَرُوا ق ل؛ لَكِنْ فِي شَرْحِ م ر أَنَّهَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ إنْ انْحَصَرُوا وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُمْ حِينَئِذٍ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (إذْ لَا حَقَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ. قَوْلُهُ: (فَأَشْبَهَ) أَيْ الرَّدُّ. قَوْلُهُ: (وَبِالْعَكْسِ) أَيْ وَلِمَنْ رَدَّ فِي الْحَيَاةِ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ) بِأَنْ رَدَّ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ قَبِلَ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَالْقَبُولُ بَاطِلٌ. قَوْلُهُ: (كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ صَحَّحَ فِي تَصْحِيحِهِ الصِّحَّةَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْمُوصِي) أَوْ مَعَهُ م ر. قَوْلُهُ: (الَّذِي لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ) لَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَاءِ هَذَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ وَمِلْكُ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مُوصًى لَهُ بَلْ فِيهَا وَصِيَّةٌ بِإِعْتَاقٍ اللَّهُمَّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الرَّقِيقَ مُوصًى لَهُ ضِمْنًا فَكَأَنَّهُ أَوْصَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 مِنْ الْمُوصَى بِهِ كَثَمَرَةٍ وَكَسْبٍ وَالْمُؤْنَةِ وَلَوْ فِطْرَةً، وَيُطَالِبُ الْوَارِثُ الْمُوصَى لَهُ أَوْ الرَّقِيقَ الْمُوصَى بِهِ أَوْ الْقَائِمَ مَقَامَهُمَا مِنْ وَلِيٍّ وَوَصِيٍّ بِالْمُؤَنِ إنْ تَوَقَّفَ فِي قَبُولٍ وَرَدٍّ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مُطَلِّقُ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ مِنْ التَّعْيِينِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَوْ يَرُدَّ خَيَّرَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حُكِمَ بِالْبُطْلَانِ كَالْمُتَحَجِّرِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِحْيَاءِ. أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ رَقِيقٍ فَالْمِلْكُ فِيهِ لِلْوَارِثِ إلَى إعْتَاقِهِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ وَلِلْمُوصِي رُجُوعٌ فِي وَصِيَّتِهِ وَعَنْ بَعْضِهَا بِنَحْوِ نَقَضْتهَا كَأَبْطَلْتُهَا وَبِنَحْوِ قَوْلِهِ. هَذَا لِوَارِثِي مُشِيرًا إلَى الْمُوصَى بِهِ، وَبِنَحْوِ بَيْعٍ وَرَهْنٍ وَكِتَابَةٍ لِمَا وَصَّى بِهِ وَلَوْ بِلَا قَبُولٍ وَبِوَصِيَّةٍ بِذَلِكَ وَتَوْكِيلٍ بِهِ وَعَرْضٍ عَلَيْهِ وَخَلْطِهِ بُرًّا مُعَيَّنًا وَصَّى بِهِ وَخَلْطِهِ صُبْرَةً وَصَّى بِصَاعٍ مِنْهَا بِأَجْوَدَ مِنْهَا وَطَحْنِهِ بُرًّا وَصَّى بِهِ وَبَذَرَ لَهُ وَعَجْنِهِ دَقِيقًا وَصَّى بِهِ، وَغَزْلِهِ قُطْنًا وَصَّى بِهِ وَنَسْجِهِ غَزْلًا وَصَّى بِهِ وَقَطْعِهِ ثَوْبًا وَصَّى بِهِ قَمِيصًا وَبِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ بِأَرْضٍ وَصَّى بِهَا.   [حاشية البجيرمي] لَهُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ يُقَالُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيُطَالِبُ الْوَارِثُ الْمُوصَى لَهُ) فَإِنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْمُؤَنِ فَلْيَرُدَّ الْوَصِيَّةَ. وَقَوْلُهُ: " الْمُوصَى لَهُ " مَفْعُولٌ بِهِ، وَلَوْ أَخَّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ الْقَائِمَ مَقَامَهُمَا لِيَكُونَ مُؤَخَّرًا عَنْ الْفَاعِلِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ لَكَانَ أَظْهَرَ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْقَائِمَ مَقَامَهَا) أَيْ الْقَائِمَ مَقَامَ الْوَارِثِ مِنْ وَلِيٍّ وَوَصِيٍّ وَالْقَائِمَ مَقَامَ الرَّقِيقِ إذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا هُوَ الْحَاكِمُ،. اهـ. مَيْدَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَرُدَّ) الْأَوْلَى وَلَمْ يَرُدَّ. قَوْلُهُ: (أَمَّا لَوْ أَوْصَى إلَخْ) مُحْتَرَزٌ. قَوْلُهُ " لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ ". قَوْلُهُ: (فَالْمِلْكُ فِيهِ لِلْوَارِثِ) فَبَدَلُهُ لَوْ قُتِلَ لَهُ، نَعَمْ كَسْبُهُ لَهُ لَا لِلْوَارِثِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْبَحْرِ لِنُقَرِّرَ اسْتِحْقَاقَهُ الْعِتْقَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ) بِأَنْ تَرَاخَى عِتْقُهُ عَنْ مَوْتِ الْمُوصِي، أَيْ وَالْفَوَائِدُ لَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلِلْمُوصِي رُجُوعٌ إلَخْ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ، وَهَذَا بِحَسْبِ الْأَصْلِ وَإِلَّا فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَصْرِفُهُ فِي مَكْرُوهٍ كُرِهَتْ أَوْ فِي مُحَرَّمٍ حَرُمَتْ فَيُقَالُ هُنَا بَعْدَ حُصُولِ الْوَصِيَّةِ: إذَا عَرَضَ لِلْمُوصَى لَهُ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مُحَرَّمٍ وَجَبَ الرُّجُوعُ أَوْ فِي مَكْرُوهٍ نُدِبَ الرُّجُوعُ أَوْ فِي طَاعَةٍ كُرِهَ الرُّجُوعُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فِي وَصِيَّتِهِ) خَرَجَ التَّبَرُّعُ الْمُنَجَّزُ وَلَوْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَلَا رُجُوعَ فِيهِ ق ل. قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ نَقَضْتهَا) وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَارِثِ بِالرُّجُوعِ وَلَا بِبَيِّنَتِهِ بِهِ، إلَّا إذَا تَعَرَّضَتْ بِصُدُورِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا رَجَعَ عَنْ وَصَايَاهُ وَهَذَا وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِالْقَوْلِ وَسَيُذْكَرُ الرُّجُوعُ بِالْفِعْلِ لِقَوْلِهِ وَخَلْطِهِ بُرًّا إلَخْ. قَوْلُهُ: (هَذَا لِوَارِثِي) بِخِلَافِ هَذَا تَرِكَتِي. قَوْلُهُ: (وَبِنَحْوِ بَيْعٍ) أَيْ وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَهُ فَسْخٌ. قَوْلُهُ: (وَرَهْنٍ) وَكَذَا هِبَةٌ وَلَوْ فَاسِدِينَ. قَوْلُهُ: (بَيْعٍ وَرَهْنٍ) أَيْ وَلَوْ بِلَا قَبْضٍ فِيهِمَا، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْهِبَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِلَا قَبُولٍ) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ، وَانْظُرْ كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى بِذَلِكَ إلَّا إذَا وُجِدَ الْقَبُولُ. وَيُجَابُ بِأَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْفَاسِدِ أَيْضًا وَهِيَ تُسَمَّى عُقُودًا فَاسِدَةً بِدُونِ ذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَبِوَصِيَّةٍ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ فِي الْمُوصَى بِهِ، مِثْلُ: إذَا مِتُّ فَبِيعُوهُ إلَخْ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمُعَيَّنٍ ثُمَّ وَصَّى بِهِ لِعَمْرٍو فَلَيْسَ رُجُوعًا بَلْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِثَالِثٍ كَانَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَهَكَذَا اهـ. وَقَوْلُهُ: " بَلْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ " فَإِنْ رَدَّ أَحَدُهُمَا أَخَذَ الْآخَرَ الْجَمِيعُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِهِ ابْتِدَاءً لَهُمَا فَرَدَّ أَحَدُهُمَا يَكُونُ النِّصْفُ لِلْوَارِثِ دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ لَهُ إلَّا النِّصْفَ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَخَلْطِهِ بُرًّا إلَخْ) أَيْ بِبُرٍّ مِثْلِهِ أَوْ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِذَلِكَ عَنْ إمْكَانِ التَّسْلِيمِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. فَقَوْلُهُ الْآتِي: " بِأَجْوَدَ " قَيْدٌ فِيمَا قَبْلَهُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَخَلْطِهِ صُبْرَةً) بِخِلَافِ مَا إذَا خَلَطَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَيْسَ رُجُوعًا م ر. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَخَلْطِهِ بُرًّا " أَيْ خَلْطًا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ التَّمْيِيزُ كَمَا فِي م ر. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَمِثْلُ خَلْطِهِ بَلُّهُ بِالْمَاءِ اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا كَوْنُ الْخَلْطِ بِأَجْوَدَ وَمَا بَعْدَهَا حَيْثُ شُرِطَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْخَلْطَ فِي هَذِهِ أَخْرَجَهَا عَنْ التَّعْيِينِ بِمُجَرَّدِهِ، بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الصَّاعَ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ خَلْطٌ فَاشْتُرِطَ خَلْطُهُ بِأَجْوَدَ لِيُشْعِرَ بِرُجُوعِ الْمُوصِي. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (بِأَجْوَدَ) لِأَنَّهُ أَحْدَثَ زِيَادَةً لَمْ تَتَنَاوَلْهَا الْوَصِيَّةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا زِيَادَةَ أَوْ بِأَرْدَأ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّعْيِيبِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ أَيْ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ. قَوْلُهُ: (وَطَحْنِهِ) أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِجَرِيشِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا زَالَ بِهِ الْمِلْكُ أَوْ زَالَ بِهِ الِاسْمُ وَكَانَ بِفِعْلِهِ أَوْ أَشْعَرَ بِالْإِعْرَاضِ إشْعَارًا قَوِيًّا يَكُونُ رُجُوعًا وَإِلَّا فَلَا ق ل. فَمَا حَصَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا مَا لَمْ يَزُلْ الِاسْمُ سم، بِخِلَافِ خَبْزِ الْعَجِينِ فَيَنْبَغِي. أَنْ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 ثُمَّ شَرَعَ فِي الْإِيصَاءِ وَهُوَ إثْبَاتُ تَصَرُّفٍ مُضَافٍ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِقَوْلِهِ: (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ) بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ الْمُبَاحَةِ يُقَالُ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا وَأَوْصَيْت إلَيْهِ، وَوَصَّيْته إذَا جَعَلْته وَصِيًّا. وَقَدْ أَوْصَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَتَبَ وَصِيَّتِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى الزُّبَيْرِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَرْكَانُ الْإِيصَاءِ أَرْبَعَةٌ: مُوصٍ وَوَصِيٌّ وَمُوصًى فِيهِ وَصِيغَةٌ. وَشُرِطَ فِي الْمُوصِي بِقَضَاءِ حَقٍّ كَدَيْنٍ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ وَرَدِّ وَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ مَا مَرَّ فِي الْمُوصِي بِمَالٍ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ. وَشُرِطَ فِي الْمُوصِي بِنَحْوِ أَمْرِ طِفْلٍ كَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ بِسَفَهٍ مَعَ مَا مَرَّ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً مِنْ الشَّرْعِ لَا بِتَفْوِيضٍ، فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ مِمَّنْ فَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ وَمَنْ بِهِ رِقٌّ وَأُمٍّ وَعَمٍّ وَوَصِيٍّ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ. وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ (إلَى مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ خَمْسُ شَرَائِطَ) عِنْدَ الْمَوْتِ وَتَرَكَ سَادِسًا وَسَابِعًا كَمَا سَتَعْرِفُهُ الْأَوَّلُ (الْإِسْلَامُ) فِي مُسْلِمٍ. (وَ) الثَّانِي: (الْبُلُوغُ وَ) الثَّالِثُ: (الْعَقْلُ وَ) الرَّابِعُ: (الْحُرِّيَّةُ وَ) الْخَامِسُ: (الْأَمَانَةُ) وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْهَا بِالْعَدَالَةِ وَلَوْ ظَاهِرَةً وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. وَالسَّادِسُ الِاهْتِدَاءُ إلَى التَّصَرُّفِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ. وَالسَّابِعُ عَدَمُ عَدَاوَةٍ مِنْهُ   [حاشية البجيرمي] يَكُونَ رُجُوعًا فَإِنَّ الْعَجِينَ يَفْسُدُ لَوْ تُرِكَ فَلَعَلَّهُ قَصَدَ إصْلَاحَهُ وَحِفْظَهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ: (وَغِرَاسِهِ بِأَرْضٍ) بِخِلَافِ زَرْعِهِ بِهَا م ر. قَوْلُهُ: (فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ) خَرَّجَ الْعِبَادَةَ، وَقَوْلُهُ: " الْمُبَاحَةِ " خَرَّجَ الْمَعْصِيَةَ، كَجَعَلْتُهُ وَصِيًّا بِبِنَاءِ هَذِهِ الْكَنِيسَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَوْصَيْتُ إلَيْهِ) فَيَتَعَدَّى بِاللَّامِ وَبِإِلَى، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْته، قَوْلُهُ: (إلَى اللَّهِ) ذَكَرَهُ لِلتَّبَرُّكِ. وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ وَصِيًّا عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ مَالِهِ وَيَحْفَظُ مَالَهُمْ،. اهـ. زي. قَوْلُهُ: (بِقَضَاءِ حَقٍّ) وَالْمُوصَى بِقَضَاءِ الدَّيْنِ يُطَالِبُ الْوَرَثَةَ بِقَضَائِهِ أَوْ بِتَسْلِيمِ التَّرِكَةِ لِتُبَاعَ فِي الدَّيْنِ تَبْرِئَةً لِذِمَّةِ الْمُوصِي وَكَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَضَاءُ الْوَصَايَا. قَوْلُهُ: (وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ) أَيْ بِأَنَّهُ مَالِكٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ حُرٌّ مُخْتَارٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ أَمْرٍ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: بِأَمْرِ نَحْوِ طِفْلٍ، فَالْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ. قَوْلُهُ: (مَعَ مَا مَرَّ) أَيْ فِي شُرُوطِ الْمُوصِي بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (وِلَايَةٌ لَهُ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَإِنْ عَلَا ق ل. قَوْلُهُ: (لَا بِتَفْوِيضٍ) أَمَّا الَّذِي لَهُ الْوِلَايَةُ بِالتَّفْوِيضِ كَالْوَصِيِّ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ غَيْرَهُ فِي حَقِّ الْمَحْجُورِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَأُمٍّ وَعَمٍّ) أَيْ فَلَا وِلَايَةَ لِلْأُمِّ وَمَنْ بَعْدَهَا شَرْعًا، وَإِنَّمَا تَكُونُ جَعْلِيَّةً مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ أَوْ الْحَاكِمِ م د. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: قَوْلُهُ: " وَأَمٍّ وَعَمٍّ " وَكَذَا أَبٌ وَجَدٌّ إذَا نَصَّبَهُمَا الْحَاكِمُ فِي مَالِ مَنْ طَرَأَ سَفَهُهُ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهُ الْحَاكِمَ دُونَهُمَا وَالْأَبُ الْفَاسِقُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقِيمَ وَصِيًّا عَلَى طِفْلِهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ) فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمُوصِي جَازَ إنْ قَالَ أُوصِي عَنِّي أَوْ عَنْ نَفْسِك أَوْ أَطْلَقَ خِلَافًا لِلشَّيْخَيْنِ، ثُمَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُوصِي عَنْ الْمُوصِي جَازَ إنْ قَالَ أَوْصِ عَنِّي أَوْ عَنْ نَفْسِك أَوْ أَطْلَقَ خِلَافًا لِلشَّيْخَيْنِ، ثُمَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُوصِي عَنْ الْمُوصِي لَا عَنْ نَفْسِهِ سَوَاءٌ عَيَّنَ مَنْ يُوصِي إلَيْهِ أَمْ لَا. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ الْمُوصِي وَعِنْدَ الْقَبُولِ أَيْضًا لَا عِنْدَ الْإِيصَاءِ. قَوْلُهُ: (وَالْحُرِّيَّةُ) أَيْ وَلَوْ مَآلًا كَمُدَبَّرٍ وَمُسْتَوْلَدَةٍ، فَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ لَهُمَا لِكَمَالِهِمَا بِمَوْتِ الْمُوصِي. قَوْلُهُ: (وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ) أَيْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَقَضِيَّةُ الِاكْتِفَاءِ بِالْعَدَالَةِ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ سَلَامَتُهُ مِنْ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ فِي عِبَارَتِهِمْ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، فَلْيُرَاجَعْ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ظَاهِرَةً) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ أَمَانَةٌ وَوِلَايَةٌ عَلَى مَحْجُورٍ عَلَيْهِ زي. وَقَوْلُهُ: لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ " أَيْ وَهِيَ الَّتِي تَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي بِقَوْلِ الْمُزَكِّينَ، وَقَوْلُهُ: " مُطْلَقًا " أَيْ وَقَعَ نِزَاعٌ فِي عَدَالَتِهِ أَوْ لَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. كَالشَّارِحِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَعَدَالَةٌ وَلَوْ ظَاهِرَةً فَلَا تَصِحُّ لِفَاسِقٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْوِلَايَةِ، وَلَوْ وَقَعَ نِزَاعٌ فِي عَدَالَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ. قَوْلُهُ: (عَدَمُ عَدَاوَةٍ) أَيْ ظَاهِرَةٍ أَوْ بَاطِنَةٍ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَدَاوَةٍ أَيْ دُنْيَوِيَّةٍ لَا دِينِيَّةٍ، لِمَا يَأْتِي أَنَّ الْكَافِرَ الْعَدْلَ فِي دِينِهِ يَكُونُ وَصِيًّا عَلَى كَافِرٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَيُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَعَدَمُ جَهَالَةٍ، فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ إلَى مَنْ فَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَفَاسِقٍ وَمَجْهُولٍ وَمَنْ بِهِ رِقٌّ أَوْ عَدَاوَةٌ وَكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَمَنْ لَا يَكْفِي فِي التَّصَرُّفِ لِسَفَهٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ لِغَيْرِهِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فِي بَعْضِهِمْ وَلِلتُّهْمَةِ فِي الْبَاقِي. وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ إلَى كَافِرٍ مَعْصُومٍ عَدْلٍ فِي دِينِهِ عَلَى كَافِرٍ. وَاعْتُبِرَتْ الشُّرُوطُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا عِنْدَ الْإِيصَاءِ وَلَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّسَلُّطِ عَلَى الْقَبُولِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِمَنْ خَلَا عَنْ الشُّرُوطِ أَوْ بَعْضِهِمَا كَصَبِيٍّ وَرَقِيقٍ ثُمَّ اسْتَكْمَلَهَا عِنْدَ الْمَوْتِ صَحَّ. وَلَا يَضُرُّ عَمًى؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّوْكِيلِ فِيمَا لَا يُتَمَكَّنُ مِنْهُ. وَلَا أُنُوثَةٌ لِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ عُمَرَ أَوْصَى إلَى حَفْصَةَ، وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا إذَا حَصَلَتْ الشُّرُوطُ فِيهَا عِنْدَ الْمَوْتِ وَيَنْعَزِلُ وَلِيٌّ بِفِسْقٍ لَا إمَامٍ لِتَعَلُّقِ   [حاشية البجيرمي] الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ بِكَوْنِ الْمُوصِي عَدُوًّا لِلْوَصِيِّ أَوْ لِلْعِلْمِ بِكَرَاهَتِهِ لَهُمَا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ. قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ جَهَالَةٍ) الْمُرَادُ الْجَهَالَةُ بِحَالِهِ بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ مَا هُوَ عَلَيْهِ، أَوْ الْمُرَادُ جَهَالَةُ عَيْنِهِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ اهـ م د. وَشَرْطُهُ أَيْضًا النُّطْقُ لِيَخْرُجَ الْأَخْرَسُ وَإِنْ كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ، خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ وَإِنْ تَبِعَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ؛ لَكِنْ يُوَافِقُهُمَا مَا ذَكَرُوهُ فِي ضَابِطِ الْأَخْرَسِ مِنْ أَنَّهُ أَنْ يُعْتَدَّ بِإِشَارَتِهِ فِي غَيْرِ حَدَثٍ وَصَلَاةٍ وَشَهَادَةٍ فَرَاجِعْهُ ق ل. وَفِي أج أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ فَالْأَقْرَبُ الصِّحَّةُ كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر وَرَجَعَ إلَيْهِ الزِّيَادِيُّ فِي دَرْسِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَفَاسِقٍ) قَالَ حَجّ وَهَلْ يَحْرُمُ الْإِيصَاءُ لِنَحْوِ فَاسِقٍ عِنْدَهُ، أَيْ الْإِيصَاءُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ فِسْقِهِ إلَى الْمَوْتِ فَيَكُونُ مُتَعَاطِيًا لِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ ظَاهِرًا، أَوْ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فَسَادُهُ لِاحْتِمَالِ عَدَالَتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَا إثْمَ مَعَ الشَّكِّ، كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. وَمِمَّا يُرَجِّحُ الثَّانِيَ أَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ يَتَرَجَّى صَلَاحَهُ لِوُثُوقِهِ بِهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: جَعَلْته وَصِيًّا إنْ كَانَ عَدْلًا عِنْدَ الْمَوْتِ. وَوَاضِحٌ أَنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ لَا إثْمَ عَلَيْهِ، فَكَذَا هُنَا؛ لِأَنَّ هَذَا مُرَادُهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي نَصْبِ غَيْرِ الْجَدِّ مَعَ وُجُودِهِ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ لِاحْتِمَالِهِ تَغَيُّرَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ لِمَنْ عَيَّنَهُ الْأَبُ لِوُثُوقِهِ بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمَجْهُولٍ) مَعْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْحَالِ لَمْ تُعْرَفْ حُرِّيَّتُهُ وَلَا رِقُّهُ وَلَا عَدَالَتُهُ وَلَا فِسْقُهُ، لَا أَنَّهُ يُوصِي لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ ع ش. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ يَكُونُ صَحِيحًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِالْمَجْهُولِ مَا يَشْمَلُ مَجْهُولَ الْعَيْنِ وَالصِّفَةِ فَيُصَدَّقُ بِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بِهِ رِقٌّ) وَإِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ تَسْتَدْعِي فَرَاغًا وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَمَا أَخَذَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ مَنْعِ الْإِيصَاءِ لِمَنْ آجَرَ نَفْسَهُ مُدَّةً لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْوِصَايَةِ وَلَا تَصِحُّ مَرْدُودٌ لِبَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ اسْتِنَابَةِ ثِقَةٍ يَعْمَلُ عَنْهُ تِلْكَ الْمُدَّةَ. اهـ. شَرْحُ م ر. بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) بِخِلَافِ عَكْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَا يَكْفِي) فَإِنْ سَلَّمَهُ الْمُوصِي الْمَالَ نَزَعَهُ مِنْهُ الْحَاكِمُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلِلتُّهْمَةِ فِي الْبَاقِي) وَهُوَ الْعَدُوُّ. قَوْلُهُ: (مَعْصُومٍ) قَضِيَّتُهُ امْتِنَاعُ إيصَاءِ الْحَرْبِيِّ إلَى حَرْبِيٍّ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ إلَى كَافِرٍ مَعْصُومٍ إلَخْ) لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبَّرَ بِالْأَصَحِّ كَمَا عَبَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْمِنْهَاجِ لِيُفِيدَ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا فَإِنَّ مُقَابِلَهُ الْمَنْعُ كَشَهَادَتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ م ر. قَوْلُهُ: (عَدْلٍ فِي دِينِهِ) أَيْ بِتَوَاتُرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَارِفِينَ بِدِينِهِ أَوْ بِإِسْلَامِ عَارِفَيْنِ وَشَهَادَتِهِمَا بِذَلِكَ م ر. قَوْلُهُ: (عَلَى كَافِرٍ) أَيْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْعَدَاوَةِ، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ إيصَاءُ الذِّمِّيِّ إلَى مُسْلِمٍ عَلَى أَوْلَادِهِ الذِّمِّيِّينَ، وَلَوْ جَعَلَ الذِّمِّيُّ لِوَصِيِّهِ الْمُسْلِمِ أَنْ يُوصِيَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَّا لِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ أَرْجَحُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ تَفْتِيشٌ عَلَى أَيْتَامٍ كُفَّارٍ فِي أَمْوَالٍ بِأَيْدِيهِمْ مَا لَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْهِ أَوْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ مُسْلِمٍ وَلَا عَلَى أَطْفَالٍ تَحْتَ وِلَايَةِ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ قَيِّمٍ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَيَجِبُ التَّفْتِيشُ عَلَيْهِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّسَلُّطِ عَلَى الْقَبُولِ) فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْتِ إلَى الْقَبُولِ ح ل وَبِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ أَوْصَى) عِبَارَةُ م ر: فَلَا يَضُرُّ فَقْدُهَا قَبْلَهُ وَلَوْ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ اهـ وَهِيَ أَخْصَرُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ اسْتَكْمَلَهَا عِنْدَ الْمَوْتِ) وَيَكْفِي فِي الْفَاسِقِ إذَا تَابَ كَوْنُهُ عَدْلًا عِنْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ عَمًى) وَقِيلَ يَضُرُّ لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا لَا يَضُرُّ خَرَسٌ نَفْهَمُ إشَارَتَهُ، بِخِلَافِ مَا لَا نَفْهَمُ إشَارَتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (إلَى حَفْصَةَ) هِيَ بِنْتُهُ وَزَوْجَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ بِوِلَايَتِهِ. وَشُرِطَ فِي الْمُوصَى فِيهِ كَوْنُهُ تَصَرُّفًا مَالِيًّا مُبَاحًا فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ فِي تَزْوِيجٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ كَبِنَاءِ كَنِيسَةٍ لِمُنَافَاتِهَا لَهُ لِكَوْنِهِ قُرْبَةً. وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ إيجَابٌ بِلَفْظٍ يُشْعِرُ بِالْإِيصَاءِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ كَأَوْصَيْت إلَيْك أَوْ فَوَّضْتُ إلَيْك أَوْ جَعَلْتُك وَصِيًّا، وَلَوْ كَانَ الْإِيجَابُ مُؤَقَّتًا وَمُعَلَّقًا كَأَوْصَيْتُ إلَيْك إلَى بُلُوغِ ابْنِي أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ، فَإِذَا بَلَغَ أَوْ قَدِمَ فَهُوَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْجَهَالَاتِ وَالْأَخْطَارَ وَقَبُولٌ كَوَكَالَةٍ   [حاشية البجيرمي] وَالْأُمُّ أَوْلَى) لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِصْطَخْرِيِّ فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّهُ تَلِي بَعْدَ الْجَدِّ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْأُمُّ أَوْلَى أَيْ إنْ سَاوَتْ الرَّجُلَ فِي الِاسْتِرْبَاحِ، وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كَمَا قَالَهُ م ر. قَوْلُهُ: (إذَا حَصَلَتْ الشُّرُوطُ فِيهَا عِنْدَ الْمَوْتِ) هَذَا بِالنَّظَرِ لِلصِّحَّةِ، أَمَّا بِالنَّظَرِ لِلْأَوْلَوِيَّةِ فَتُعْتَبَرُ الشُّرُوطُ فِيهَا عِنْدَ الْإِيصَاءِ ع ش وح ل. وَعِبَارَةُ م ر: وَأَمُّ الْأَطْفَالِ وَمِثْلُهَا الْجَدَّةِ الْمُسْتَجْمِعَةِ لِلشُّرُوطِ حَالَ الْوَصِيَّةِ لَا حَالَ الْمَوْتِ وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ؛؛ لِأَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ إنَّمَا يُخَاطِبُ بِهَا الْمُوصِي وَهُوَ لَا عِلْمَ لَهُ بِمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهَا إنْ جُمِعَتْ الشُّرُوطُ فِيهَا حَالَ الْوَصِيَّةِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُوصَى بِهَا وَإِلَّا فَلَا. وَدَعْوَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَصْلُحُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ لَا عِنْدَ الْمَوْتِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا هِيَ عَلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلِيٌّ) مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ وَوَصِيٍّ وَقَاضٍ وَقَيِّمِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بِفِسْقٍ) وَبِالتَّوْبَةِ لَا تَعُودُ الْوِلَايَةُ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ إلَّا أَرْبَعَ الْأَبَ وَالْجَدَّ وَالنَّاظِرَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَالْحَاضِنَةَ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَالْأُمُّ الْمُوصَى لَهَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَأَمَّا الْجُنُونُ فَكُلُّ مَنْ جُنَّ مِنْهُمْ ثُمَّ أَفَاقَ لَا تَعُودُ لَهُ الْوِلَايَةُ إلَّا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ إلَّا الْأَصْلَ وَالْإِمَامَ الْأَعْظَمَ فَإِنَّهَا تَعُودُ لَهُمَا الْوِلَايَةُ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ، نَعَمْ إنْ، فَسَقَ بِمَا لَوْ عُرِضَ عَلَى مُولِيهِ رَضِيَ بِهِ لَمْ يَنْعَزِلْ وَلِلْحَاكِمِ نَصْبُ أَمِينٍ عَلَى مَنْ تَوَهَّمَ فِيهِ الْخِيَانَةَ تَوَهُّمًا قَوِيًّا بِلَا أُجْرَةٍ فَإِنْ ظَنَّهَا جَازَ بِأُجْرَةٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ غَيْرَ الْأَبِ إلَخْ) يَرُدُّ السَّفِيهَ، فَالْأَحْسَنُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ؛ لَكِنْ اُنْظُرْ إذَا أَوْصَى إلَى قَرِيبٍ يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا سم: قَوْلُهُ: (كَبِنَاءِ كَنِيسَةٍ) أَيْ لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا وَلَوْ مَعَ نُزُولِ الْمَارَّةِ. قَوْلُهُ: (إيجَابٌ) وَيَظْهَرُ أَنَّ وَكَّلْتُك بَعْدَ مَوْتِي فِي أَمْرِ أَطْفَالِي كِنَايَةٌ كَمَا قَالَهُ س ل، وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ هُنَا وَهُوَ إمَّا صَرِيحٌ وَهُوَ كَذَا أَوْ كِنَايَةٌ وَهُوَ كَذَا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ فِي ذِكْرِ الصِّيغَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ جَعَلْتُك وَصِيًّا) أَيْ فِي كَذَا لِقَوْلِهِ الْآتِي مَعَ بَيَانِ مَا يُوصَى فِيهِ. قَوْلُهُ: (مُؤَقَّتًا وَمُعَلَّقًا) يُسْتَثْنَى مِنْ التَّعْلِيقِ مَا لَوْ قَالَ لِوَصِيِّهِ: أَوْصَيْت إلَى مَنْ أَوْصَيْت إلَيْهِ إنْ مِتُّ أَنْتَ أَوْ إذَا مِتّ أَنْتَ فَوَصِيُّك وَصِيٌّ لَمْ يَصِحَّ؛؛ لِأَنَّ الْمُوصَى إلَيْهِ مَجْهُولٌ اهـ، بِأَنْ كَانَ الْوَصِيُّ أَوْصَى لِوَاحِدٍ عَلَى أَوْلَادِهِ خ ط. قَوْلُهُ: (إلَى بُلُوغِ ابْنِي) فَهُوَ مُؤَقَّتٌ. وَقَوْلُهُ: " فَإِذَا بَلَغَ " هَذَا تَعْلِيقٌ، فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْمِثَالِ التَّأْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ لَكِنَّهُمَا ضِمْنِيَّانِ، وَمِثَالُ التَّوْقِيتِ الصَّرِيحِ أَوْصَيْت إلَيْك سَنَةً وَمِثَالُ التَّعْلِيقِ الصَّرِيحِ إذَا مِتّ أَوْ إذَا مَاتَ وَصِيِّي فَقَدْ أَوْصَيْتُ إلَيْك شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ) وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَك سَنَةً إلَى قُدُومِ ابْنِي ثُمَّ إنَّ الِابْنَ قَدِمَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ هَلْ يَنْعَزِلُ الْوَصِيُّ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَوْصَيْتُ لَك سَنَةً مَا لَمْ يَقْدَمْ ابْنِي قَبْلَهَا، فَإِنْ قَدِمَ فَهُوَ الْوَصِيُّ فَيَنْعَزِلُ بِحُضُورِ الِابْنِ وَيَصِيرُ الْحَقُّ لَهُ، فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ يَحْضُرْ الِابْنُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ فِيمَا بَعْدَ السَّنَةِ إلَى قُدُومِ الِابْنِ لِلْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ الَّتِي قَدَّرَهَا لِوِصَايَتِهِ لَا تَشْمَلُ مَا زَادَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَإِذَا بَلَغَ إلَخْ) هَذَا مِنْ تَمَامِ صِيغَتِهِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا، فَفِي هَذَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تَأْقِيتٌ بِالنَّظَرِ لِلْإِيصَاءِ الْأَوَّلِ وَتَعْلِيقٌ بِالنَّظَرِ لِلْإِيصَاءِ الثَّانِي، أَعْنِي قَوْلَهُ: فَإِذَا بَلَغَ أَوْ قَدِمَ فَهُوَ الْوَصِيُّ. قَوْلُهُ (فَهُوَ الْوَصِيُّ) أَيْ الِابْنُ أَوْ زَيْدٌ أَيْ أَحَدُهُمَا؛ وَأُفْرِدَ الصَّغِيرُ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ. وَلَوْ بَلَغَ الِابْنُ أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ غَيْرَ أَهْلٍ فَالْأَقْرَبُ انْتِقَالُ الْوِلَايَةِ لِلْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا مُغَيَّاةً بِذَلِكَ شَرْحُ م ر. وَفِي أج مَا نَصُّهُ: وَلَوْ قَدِمَ زَيْدٌ غَيْرَ أَهْلٍ اُتُّجِهَ انْعِزَالُ الْوَصِيِّ وَأَنَّ الْحَاكِمَ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْمُوصَى فِيهِ إلَى أَنْ يَتَأَهَّلَ زَيْدٌ. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ انْعِزَالُ الْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ الْقُدُومِ وَالْبُلُوغِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ فَيَلِيهِ الْحَاكِمُ اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 فَيُكْتَفَى بِالْعَمَلِ وَيَكُونُ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ مَتَى شَاءَ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِمَالٍ مَعَ بَيَانِ مَا يُوصَى فِيهِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَوْصَيْت إلَيْك مَثَلًا لَغَا. خَاتِمَةٌ يُسَنُّ إيصَاءٌ بِأَمْرٍ نَحْوِ طِفْلٍ كَمَجْنُونٍ، وَبِقَضَاءِ حَقٍّ إنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ حَالًّا أَوْ عَجَزَ وَبِهِ شُهُودٌ، وَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ عَلَى نَحْوِ طِفْلٍ وَالْجَدُّ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ شَرْعًا، وَلَوْ أَوْصَى اثْنَيْنِ وَقَبِلَا لَمْ يَنْفَرِدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (الْجَهَالَاتِ) أَيْ فِي أَعْمَالِ الْوَصِيِّ، أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ بِأَمْرِ نَحْوِ طِفْلٍ شَامِلٌ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتِّجَارَةِ وَالْقِرَاضِ وَالرَّهْنِ بِحَسْبِ الْمَصْلَحَةِ وَبِنَاءِ دَارِهِ وَتَعْمِيرِهَا وَهَذِهِ مَجْهُولَةٌ عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَاذَا يَفْعَلُ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ بَعْدَ مَا تَظْهَرُ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَخْطَارَ) جَمْعُ خَطَرٍ وَهُوَ الْخَوْفُ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْ اسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ عَلَى مَالِ الطِّفْلِ. قَوْلُهُ: (وَقَبُولٌ) أَيْ وَلَوْ عَلَى التَّرَاخِي إلَّا لِمُقْتَضٍ وَيُنْدَبُ إنْ عَلِمَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ وَيَحْرُمُ إنْ عَلِمَ خِيَانَتَهَا بِرْمَاوِيٌّ. وَهَلَّا صَرَّحَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ بِتَرَاخٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْوَصِيَّةِ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَيَكْتَفِي) هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: " كَوَكَالَةٍ " م د. قَوْلُهُ: (مَعَ بَيَانِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَشْعُرُ أَوْ بِأَوْصَيْتُ وَمَا بَعْدَهُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اقْتَصَرَ إلَخْ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَيْك فِي أَمْرِ أَطْفَالِي صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ التَّصَرُّفَ، فَلَهُ حِفْظُ الْمَالِ، وَكَذَا التَّصَرُّفُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ اهـ زي. قَوْلُهُ: (لَغَا) أَيْ كَوَكَّلْتُكَ وَلِعَدَمِ عُرْفٍ لَهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَمُنَازَعَةُ السُّبْكِيّ فِيهِ بِأَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ مَرْدُودَةٌ إذْ ذَاكَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْبَيَانِيَّيْنِ إنَّ حَذْفَ الْمَعْمُولِ يُؤْذِنُ بِالْعُمُومِ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (يُسَنُّ) أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ. قَوْلُهُ: (بِأَمْرِ نَحْوِ طِفْلٍ) هُوَ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْحَمْلِ وَلَوْ مِمَّا سَيَحْدُثُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَبِقَضَاءِ حَقٍّ) أَيْ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ وَلَوْ أَوْصَى بِبَيْعِ بَعْضِ التَّرِكَةِ وَإِخْرَاجِ كَفَنِهِ مِنْ ثَمَنِهِ فَاقْتَرَضَ الْوَصِيُّ دَرَاهِمَ وَصَرَفَهَا فِيهِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَلَزِمَهُ وَفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ، وَمَحَلُّهُ فِيمَا يَظْهَرُ حَيْثُ لَمْ يُضْطَرَّ إلَى الصَّرْفِ مِنْ مَالِهِ وَإِلَّا كَأَنْ لَمْ يَجِدْ مُشْتَرِيًا رَجَعَ إنْ أَذِنَ لَهُ حَاكِمٌ أَوْ فَقَدَهُ وَأَشْهَدَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ اهـ س ل. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَعْجِزْ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ، وَعَبَّرَ بِالشَّرْطِ دُونَ الْوَصْفِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ لَمْ يَعْجِزْ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ أَقْوَى. وَقَوْلُهُ: " عَنْهُ " أَيْ قَضَاءِ الدَّيْنِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ حَالًّا وَلَا شُهُودَ بِهِ وَجَبَ الْإِيصَاءُ مُسَارَعَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ سُنَّةً؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِالْوَفَاءِ اهـ. وَإِذَا وَجَبَ تَعَيَّنَ عَلَى الْوَصِيِّ الْقَبُولُ إنْ تَوَقَّفَ حِفْظُ مَالِ الطِّفْلِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَإِنْ تَعَدَّدَ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ؛ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ طُلِبَ مِنْهُ الْقَبُولُ خَوْفَ التَّوَاكُلِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَجَزَ) أَيْ حَالًّا وَكَانَ يُقَدَّرُ عَلَيْهِ مَآلًا مِنْ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ رِيعِ وَقْفٍ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إذَا عَجَزَ عَنْهُ فَكَيْفَ يُوصَى بِهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَبِهِ شُهُودٌ) أَيْ وَلَوْ وَاحِدًا ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ عَلَى نَحْوِ طِفْلٍ إلَخْ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ فَيَحْرُمُ حَيْثُ كَانَتْ صِفَةُ الْوِلَايَةِ مَوْجُودَةً فِي الْجَدِّ حَالَ الْإِيصَاءِ وَإِلَّا فَلَا، وَالْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ بِحَسْبِ الظَّاهِرِ، فَلَوْ خَرَجَ الْجَدُّ عَنْ الصِّفَةِ حَالَ الْمَوْتِ تَبَيَّنَ صِحَّتُهَا لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا عِبْرَةَ بِعَوْدِ الصِّفَاتِ بَعْدَ ذَلِكَ وَمِثْلُ الْأَبِ كُلُّ جَدٍّ مَعَ أَعْلَى مِنْهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْجَدُّ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ) أَيْ حَالَ الْمَوْتِ أَيْ لَا يُعْتَدُّ بِمَنْصُوبِهِ إذَا وُجِدَتْ وِلَايَةُ الْجَدِّ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ، أَمَّا لَوْ وُجِدَتْ حَالَ الْإِيصَاءِ ثُمَّ زَالَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَدُّ بِمَنْصُوبِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالشُّرُوطِ عِنْدَ الْمَوْتِ م ر. قَوْلُهُ: (ثَابِتَةٌ شَرْعًا) فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُهَا عَنْهُ وَإِنْ غَابَ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي غَيْبَتِهِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْصَى اثْنَيْنِ) كَقَوْلِهِ أَوْصَيْتُ إلَيْكُمَا أَوْ فُلَانٌ وَصِيِّي وَفُلَانٌ وَصِيِّي وَإِنْ تَرَاخَى الثَّانِي ق ل. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ وَصَّى اثْنَيْنِ وَشَرَطَ عَلَيْهِمَا الِاجْتِمَاعَ أَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْتُ إلَيْكُمَا أَوْ إلَى فُلَانٍ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ أَوْصَيْتُ إلَى فُلَانٍ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَنْفَرِدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ بِأَنْ يَصْدُرَ عَنْ رَأْيِهِمَا أَوْ يَأْذَنَا لِثَالِثٍ فِيهِ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالطِّفْلِ وَمَالِهِ وَتَفْرِقَةِ وَصِيَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ لَيْسَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهُ، بِخِلَافِ رَدِّ وَدِيعَةٍ وَمَغْصُوبٍ وَعَارِيَّةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهُ فَلِكُلٍّ الِانْفِرَادُ بِهِ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِهِ الِاسْتِقْلَالَ بِأَخْذِهِ، وَقَضِيَّةُ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَوُقُوعِهِ مَوْقِعَةَ إبَاحَةِ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِنْ بَحَثَا خِلَافَهُ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: " بِأَنْ يَصْدُرَ عَنْ رَأْيِهِمَا " أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ يَتَلَفَّظَا بِالْعَقْدِ، فَإِنْ اسْتَقَلَّ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ وَضَمِنَ مَا أَنْفَقَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 بِالتَّصَرُّفِ إلَّا بِإِذْنِهِ لَهُ بِالِانْفِرَادِ عَمَلًا بِالْإِذْنِ. نَعَمْ لَهُ الِانْفِرَادُ بِرَدِّ الْحُقُوقِ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْمُوصِي وَالْوَصِيِّ رُجُوعٌ عَنْ الْإِيصَاءِ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ الْوَصِيُّ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُ الْمَالِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ مِنْ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَصُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلِيٌّ وَصِيًّا كَانَ أَوْ قَيِّمًا أَوْ غَيْرَهُ فِي إنْفَاقٍ عَلَى مُوَلِّيهِ لَائِقٍ بِالْحَالِ لَا فِي دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ بَعْدَ كَمَالِهِ فَلَا يُصَدَّقُ بَلْ الْمُصَدَّقُ مُوَلِّيهِ إذْ لَا يَعْسُرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِنْفَاقِ. وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى زَيْدٍ حُمِلَ ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى التَّبَرُّكِ، وَلَوْ خَافَ الْوَصِيُّ عَلَى الْمَالِ مِنْ اسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ فَلَهُ تَخْلِيصُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمِنْ هَذَا لَوْ   [حاشية البجيرمي] عَلَى الْأَوْلَادِ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ عُدِمَ أَحَدُهُمَا بِمَوْتٍ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّةٍ أَوْ عَدَمِ قَبُولٍ نَصَّبَ الْحَاكِمُ بَدَلَهُ، وَلَيْسَ لَهُ جَعْلُ الْآخَرِ مُسْتَقِلًّا فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ وَلَوْ مَاتَا لَزِمَ الْحَاكِمَ نَصْبُ اثْنَيْنِ مَكَانَهُمَا ق ل وَس ل. قَوْلُهُ: (إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ الْمُوصِي. وَقَوْلُهُ: " لَهُ " أَيْ لِلْأَحَدِ. قَوْلُهُ: (بِالِانْفِرَادِ) كَأَنْ يَقُولَ أَوْصَيْتُ إلَى كُلٍّ مِنْكُمَا أَوْ كُلٌّ مِنْكُمَا وَصِيِّي أَوْ أَنْتُمَا وَصِيَّايَ، وَتَصَرُّفُ السَّابِقِ مِنْ الْمُنْفَرِدِينَ نَافِذٌ وَيَرْجِعُ فِي كَوْنِهِ بِالْمَصْلَحَةِ لِلْحَاكِمِ وَلَهُ قَسْمُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا إنْ أَمْكَنَ، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فِي أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ إنْ تَنَازَعَا وَيَتَصَرَّفُ كُلٌّ فِي حِصَّتِهِ بِالْمَصْلَحَةِ، وَلَيْسَ لِمُشْرِفٍ وَلَا نَاظِرٍ حِسْبَةُ تَصَرُّفٍ بَلْ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ عَلَى مُرَاجَعَتِهِ وَإِذْنِهِ إلَّا فِي نَحْوِ خَسِيسٍ كَحُزْمَةِ بَقْلٍ، وَلَوْ قَالَ اعْمَلْ بِرَأْيِ فُلَانٍ أَوْ بِأَمْرِهِ أَوْ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِعِلْمِهِ جَازَتْ مُخَالَفَتُهُ، فَإِنْ قَالَ لَا تَعْمَلْ إلَّا بِرَأْيِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى اعْمَلْ وَيَكُونُ عَمَلُك بِرَأْيِهِ وَهَكَذَا امْتَنَعَ الِانْفِرَادُ؛ لِأَنَّهُمَا وَصِيَّانِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلِكُلٍّ رُجُوعٌ عَنْ الْإِيصَاءِ) تَعْبِيرُهُ بِالرُّجُوعِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمِنْهَاجِ بِالْعَزْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي إطْلَاقِ الْعَزْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَصِيِّ نَظَرًا فَإِنَّ الْعَزْلَ فَرْعُ الْوِلَايَةِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِابْنِ حَجَرٍ: تَنْبِيهٌ تَسَمَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي إطْلَاقِ الْعَزْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَصِيِّ فَإِنَّ الْعَزْلَ فَرْعُ الْوِلَايَةِ. وَلَا وِلَايَةَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالرُّجُوعِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. وَقَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْعَزْلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الرُّجُوعُ لَكِنَّهُ غَلَبَ الْعَزْلُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَتَسْمِيَةُ رُجُوعِ الْمُوصِي عَنْ الْإِيصَاءِ عَزْلًا مَعَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْقَبُولِ فِي الْحَيَاةِ مَجَازٌ، وَكَذَا تَسْمِيَةُ رُجُوعِ الْوَصِيِّ عَنْ الْقَبُولِ إذَا قُطِعَ السَّبَبُ الَّذِي هُوَ الْإِيصَاءُ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ أَوْ بِعَدَمِ قَبُولِهِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ قَطْعِ الْمُسَبَّبِ الَّذِي هُوَ التَّصَرُّفُ لَوْ ثَبَتَ لَهُ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ إلَخْ) أَيْ فَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ عَزْلُ الْمُوصَى لَهُ وَعَزْلُهُ نَفْسَهُ وَلَا يَنْفُذُ الْعَزْلُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ أَجَازَهُ وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ الْعَزْلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَا مِنْ غَيْرِهِمَا؛ وَذَلِكَ كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ الْحَاكِمُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ كَانَ الْوَصِيُّ اسْتَأْجَرَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ وَعَلَى التَّصَرُّفِ فِي أَمْرِ أَطْفَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتُغْتَفَرُ حِينَئِذٍ الْجَهَالَةُ لِلْحَاجَةِ؛ كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ لَا يَنْعَزِلُ. قَوْلُهُ: (بِيَمِينِهِ) إلَّا الْحَاكِمُ فَيُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ عَزَلَ ح ل. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: قَوْلُهُ: " أَوْ غَيْرَهُ " شَمِلَ الْأَبَ وَالْجَدَّ وَكَذَا الْحَاكِمُ عَلَى الْأَوْجَهِ، فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِالْيَمِينِ سَوَاءٌ قَبْلَ الْعَزْلِ وَبَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فِي إنْفَاقٍ) أَيْ وَفِي تَلَفِ الْمَالِ كَمَا فِي الرَّوْضِ، وَلَعَلَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ فِي الْوَدِيعَةِ. قَوْلُهُ: (لَائِقٍ) أَمَّا غَيْرُ اللَّائِقِ فَيُصَدَّقُ الْوَلَدُ بِيَمِينِهِ قَطْعًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ أَهُوَ لَائِقٌ أَوْ لَا وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ خِيَانَتِهِ أَوْ فِي تَارِيخِ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ أَوَّلِ مِلْكِهِ لِلْمَالِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ مِنْهُ صُدِّقَ الْوَلَدُ بِيَمِينِهِ وَكَالْوَصِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ وَارِثُهُ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (لَا فِي دَفْعِ الْمَالِ) وَلَا بَيْعِهِ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ، إلَّا الْأَبَ وَالْجَدَّ وَالْأُمَّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمْ ح ل. قَوْلُهُ: (بَلْ الْمُصَدَّقُ مُولِيهِ) أَيْ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْمِنْهُ. قَوْلُهُ: (تَخْلِيصُهُ) أَيْ افْتِدَاؤُهُ. قَوْلُهُ: (بِشَيْءٍ مِنْهُ) يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي أَصْلِهِ وَفِي قَدْرِهِ، وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] أَيْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ادَّعَى دَفْعَ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ لِلظَّالِمِ بِسَبَبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا لِقَاضِي سُوءٍ لَانْتَزَعَ مِنْهُ الْمَالَ وَسَلَّمَهُ لِبَعْضِ خَوَنَتِهِ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى اسْتِئْصَالِهِ، وَيَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَجُوزُ تَعْيِيبُ مَالِ الْيَتِيمِ أَوْ السَّفِيهِ أَوْ الْمَجْنُونِ لِحِفْظِهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ كَمَا فِي قِصَّةِ الْخِضْرِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.   [حاشية البجيرمي] الْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَاذِبٌ. قَوْلُهُ: (لَوْ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا لِقَاضِي إلَخْ) وَيَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْضَى بِهِ الظَّالِمُ وَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ إذَا نَازَعَهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ فِي بَذْلِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَدُلَّ الْقَرَائِنُ عَلَيْهِ، شَرْحُ الرَّوْضِ. وَيُبْذَلُ بِضَمِّ الذَّالِ مُضَارِعُ بَذَلَ مِنْ بَابِ قَتَلَ أَيْ يُعْطَى كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (إلَى اسْتِئْصَالِهِ) أَيْ أَخْذِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (يَجُوزُ تَعْيِيبُ مَالِ الْيَتِيمِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَلَوْ نَازَعَهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ لِهَذَا الْغَرَضِ فَهَلْ يُصَدَّقُ؟ يُنْظَرُ إنْ دَلَّتْ الْحَالُ عَلَى صِدْقِهِ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ هَذَا، وَمَا قَالَهُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] الْآيَةَ أَيْ حَيْثُ خَرَقَ السَّفِينَةَ لِئَلَّا يَغْصِبَهَا الْمَلِكُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ نَبِيٌّ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: الْخَضِرُ لَقَبٌ لَهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ لَكِنَّهُ خُفِّفَ بِسُكُونِهَا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَاخْضَرَّتْ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ؛ وَاسْمُهُ بِلْيَا بْنُ مَلَكَانِ بْنِ فَالِغَ بْنِ شَامِخِ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ. خَاتِمَةٌ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِجَوَازِ بَيْعِ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفَقَتِهِ بِنِهَايَةِ مَا دَفَعَ فِيهِ وَإِنْ رُخِّصَ لِضَرُورَةٍ اهـ حَجّ. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ وَقْفَةٌ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الِاقْتِرَاضُ أَوْ الِارْتِهَانُ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ لِلضَّرَرِ أَوْ يُقَالُ حَيْثُ انْتَهَتْ الرَّغَبَاتُ فِيهِ بِقَدْرٍ كَانَ ثَمَنَ مِثْلِهِ وَالرُّخَص لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ يَكُونُ غَالِيًا وَقَدْ يَكُونُ رَخِيصًا اهـ ع ش عَلَى م ر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 كِتَابُ النِّكَاحِ هُوَ لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ وَمِنْهُ تَنَاكَحَتْ الْأَشْجَارُ إذَا تَمَايَلَتْ وَانْضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ وَطْءٍ بِلَفْظِ إنْكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ تَرْجَمَتِهِ وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا، وَلِأَصْحَابِنَا فِي مَوْضُوعِهِ   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ النِّكَاحِ] ِ قَدَّمَ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ ثُمَّ الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهَا أَهَمُّ، ثُمَّ ذَكَرُوا الْفَرَائِضَ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، ثُمَّ النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ شَهْوَةِ الْبَدَنِ، ثُمَّ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ. وَالنِّكَاحُ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ وَيَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فِي الْجَنَّةِ أَيْضًا. وَالْمُرَادُ مِنْ النِّكَاحِ الْعَقْدُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَأَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَإِنْ عَرَضَ لَهُ الِاسْتِحْبَابُ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْ الْإِبَاحَةِ إلَى بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ. وَفَائِدَتُهُ حِفْظُ النَّسْلِ وَتَفْرِيغُ مَا يَضُرُّ حَبْسُهُ وَاسْتِيفَاءُ اللَّذَّةِ وَالتَّمَتُّعُ. وَهَذِهِ، أَعْنِي اسْتِيفَاءَ اللَّذَّةِ، مَعَ التَّمَتُّعِ هِيَ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ إذْ لَا تَنَاسُلَ فِيهَا وَلَا احْتِبَاسَ، وَمَا قِيلَ إنَّ الْعَبْدَ يَشْتَهِي فِيهَا الْوَلَدَ فَيَلِدُ فِي الْجَنَّةِ فَيَكُونُ حَمْلُهُ وَرَضَاعُهُ وَفِطَامُهُ فِي سَاعَةٍ وَإِنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ فِي الدُّنْيَا كَالْخَصِيِّ وَالْمَمْسُوحِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَهُمْ فِيهَا مَا يَشْتَهُونَ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا فِي الدُّنْيَا كَالْحَرِيرِ وَالْخَمْرِ وَجَمْعِ الْأُخْتَيْنِ، قَالَ م ر: بَلْ صَرَّحَ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُ سَائِرِ الْمَحَارِمِ فِي الْجَنَّةِ إلَّا الْأُمَّ وَالْبِنْتَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُنَا التَّبَاغُضُ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَاكَ، لَا مَا فِيهِ رَذِيلَةٌ كَوَطْءٍ فِي دُبُرٍ وَمِنْهُ وَطْءُ الْأَبْعَاضِ كَبِنْتِهِ وَأُمِّهِ؛ وَقَدْ وَرَدَ: " يُعْطَى أَحَدُكُمْ فِي الْجَنَّةِ ذَكَرًا مِثْلَ النَّخْلَةِ السَّحُوقِ وَفَرْجًا يَسَعُ ذَلِكَ " اهـ بَابِلِيٌّ ع ش. قَالَ السَّيِّدُ الرَّحْمَانِيُّ: وَيُسَنُّ إظْهَارُ النِّكَاحِ وَإِخْفَاءُ الْخِتَانِ، فَفِي الْحَدِيثِ: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا فِيهِ بِالدُّفُوفِ وَلَوْ فِي الْمَسَاجِدِ» اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ حِلُّ الدُّفُوفِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَتَحْرِيمُ الْكُوبَةِ لَعَلَّهُ أَمْرٌ عَرَضٌ. قَوْلُهُ: (الضَّمُّ وَالْجَمْعُ) أَيْ وَالْوَطْءُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، وَعَطْفُ الْجَمْعِ عَلَى الضَّمِّ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. وَعِبَارَةُ م ر: لُغَةً الضَّمُّ، وَالْوَطْءُ. وَسُمِّيَ النِّكَاحُ نِكَاحًا لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى آخَرَ. قَوْلُهُ: (عَقْدٌ إلَخْ) يَسْتَلْزِمُ الْأَرْكَانَ الْخَمْسَةَ الْآتِيَةَ، وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ سِتَّةٌ زَوْجٌ وَزَوْجَةٌ وَوَلِيٌّ وَشَاهِدَانِ وَصِيغَةٌ، وَسَتُعْلَمُ كُلُّهَا مِنْ كَلَامِهِ، وَلَيْسَ مِنْهَا الْمَهْرُ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ. فَرْعٌ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ اللَّازِمِ الْمُؤَقَّتِ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَقِيلَ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَيْنُ الْمَرْأَةِ، وَقِيلَ: مَنَافِعُ الْبُضْعِ؛ اهـ شَوْبَرِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (يَتَضَمَّنُ) أَيْ يَسْتَلْزِمُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَهُ مُقَابِلَ الْمُطَابَقَةِ وَهُوَ مِلْكُ انْتِفَاعٍ لَا مِلْكُ مَنْفَعَةٍ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (بِلَفْظِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ عَقْدٌ يَحْصُلُ بِلَفْظِ إنْكَاحٍ إلَخْ، أَيْ بِلَفْظٍ مُشْتَقٍّ إنْكَاحٌ أَوْ مُشْتَقٍّ نَحْوِهِ وَهُوَ التَّزْوِيجُ. وَخَرَجَ بَيْعُ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ وَطْءٍ، لَكِنْ لَا بِلَفْظِ إنْكَاحٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَيْ بِلَفْظٍ مُشْتَقٍّ إلَخْ؛ لِأَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ وَالْمَصْدَرُ كِنَايَةً لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ تَرْجَمَتُهُ " أَيْ الْأَحَدِ. قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ) أَيْ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (وَلِأَصْحَابِنَا إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي مَوْضُوعِهِ) صَوَابُهُ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ أَيْ مَعْنَاهُ ق ل. وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمَوْضُوعَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْحُكْمِ وَهُوَ هُنَا ذَاتُ الزَّوْجَيْنِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ لَفْظُ النِّكَاحِ لَهُ شَرْعًا، وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَصْوِيبَ؛؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ الشَّرْعِيَّ يَدْفَعُ إرَادَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 الشَّرْعِيِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ كَمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالْأَخْبَارُ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَقْدُ وَالْوَطْءُ مُسْتَفَادٌ مِنْ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» وَعَقْدُ النِّكَاحِ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ وَكَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهَلْ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ أَوْ الْمَرْأَةُ فَقَطْ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي. وَهَلْ هُوَ مِلْكٌ أَوْ إبَاحَةٌ وَجْهَانِ أَوْجَههمَا الثَّانِي أَيْضًا. وَالْأَصْلُ فِي حِلِّهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَمِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] وَمِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَسِنَّ بِسُنَّتِي وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ» .   [حاشية البجيرمي] ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ) وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى النِّكَاحِ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْعَقْدِ لَا الْوَطْءِ إلَّا إذَا نَوَاهُ وَهُوَ عَقْدٌ لَازِمٌ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ) وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ وَقِيلَ: حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ أَحَدُهُمَا بِقَرِينَةٍ. وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْوَطْءَ بِالزِّنَا هَلْ يُحَرِّمُ مَا حَرَّمَهُ النِّكَاحُ أَوْ لَا؟ عِنْدَنَا لَا يُحَرِّمُهُ وَعِنْدَ الْحَنَفِيِّ يُحَرِّمُهُ، وَإِذَا عُلِّقَ الطَّلَاقُ عَلَى النِّكَاحِ عِنْدَمَا يُحْمَلُ عَلَى الْعَقْدِ وَعِنْدَهُ عَلَى الْوَطْءِ؛ وَهَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ أَوْ إبَاحَةٌ؟ وَجْهَانِ يَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَلَهُ زَوْجَةٌ وَالْأَصَحُّ لَا حِنْثَ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَعَلَى الْأَصَحِّ فَهُوَ مَالِكٌ لَأَنْ يَنْتَفِعَ بِالْبُضْعِ لَا لِلْمَنْفَعَةِ، فَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَالْمَهْرُ لَهَا اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر وزي. قَوْلُهُ: (مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مُسَبَّبٌ عَنْ النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (كَمَا جَاءَ بِهِ) أَيْ بِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ أَيْ جَاءَ بِالْعَقْدِ أَيْ بِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ لِلتَّعْلِيلِ وَمَا مَصْدَرِيَّةً أَيْ لِمَجِيءِ الْقُرْآنِ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى إلَخْ) وُرُودُهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِمَا قَبْلَهَا فِي أَنَّ كُلًّا فِيهِ النِّكَاحُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ الْآيَةِ ثُمَّ يَقُولُ: وَقَضِيَّةُ الْآيَةِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ تَحِلُّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَطْءَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْحَدِيثِ وَهَذَا تَقْرِيرٌ فِي الْآيَةِ، وَفِيهَا تَقْرِيرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النِّكَاحَ بِمَعْنَى الْوَطْءِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْغَالِبَ اسْتِعْمَالُ النِّكَاحِ فِي الْعَقْدِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الْوَطْءِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ حَمْلٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ لِيُوَافِقَ الْخَارِجَ مِنْ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا بِالْوَطْءِ لَا بِالْعَقْدِ. قَوْلُهُ: «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» الْعَسَلُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَعُسَيْلَةٌ تَصْغِيرُ عَسَلٍ عَلَى لُغَةِ التَّأْنِيثِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ وَاخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ مَا صَغَّرْت مِنْ ... مُؤَنَّثٍ عَارٍ ثُلَاثِيٍّ كَسِنِّ وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ حَيْثُ شَبَّهَ لَذَّةَ الْجِمَاعِ بِالْعَسَلِ وَاسْتَعَارَهُ لَهَا وَسُمِّيَ الْجِمَاعُ عَسَلًا لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي كُلَّ مَا تَسْتَحْلِيهِ عَسَلًا وَأَشَارَ بِالتَّصْغِيرِ إلَى تَقْلِيلِ الْقَدْرِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فِي حُصُولِ الِاكْتِفَاءِ بِهِ وَهُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ اللَّذَّةِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصَحِّ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ جَائِزٌ مِنْ جِهَتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ دَفْعَهُ بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا فَسْخُهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِهِ فَلَا يَتَأَتَّى لَا مِنْ الرَّجُلِ وَلَا مِنْ الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمَرْأَةُ فَقَطْ) وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ أَنَّهَا لَا تُطَالِبُهُ بِالْوَطْءِ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَتُطَالِبُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْقُودٌ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي حِلِّهِ) لَمْ يَقُلْ فِي طَلَبِهِ مَثَلًا إشَارَةً إلَى أَنَّ أَصْلَهُ الْإِبَاحَةُ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنَّذْرِ وَإِنْ عَرَضَ لَهُ الطَّلَبُ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِمَّا كَانَ أَصْلُهُ الْإِبَاحَةَ اهـ أج. قَوْلُهُ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى} [النور: 32] جَمْعُ أَيِّمٍ وَهِيَ مَنْ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَهَذَا فِي الْأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ وَالصَّارِفُ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ الْإِجْمَاعُ. قَوْلُهُ: «مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي» أَيْ خِلْقَتِي وَطَبِيعَتِي؛ لِأَنَّهُ طُبِعَ عَلَى حُبِّ النِّسَاءِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «حُبِّبَ إلَيَّ النِّسَاءُ» أَوْ الْمُرَادُ بِالْفِطْرَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 وَزَادَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ (وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ) بَعْضِ (الْأَحْكَامِ) كَصِحَّةٍ وَفَسَادٍ (وَ) مِنْ (الْقَضَايَا) الْآتِي ذِكْرُ بَعْضِهَا فِي الْفُصُولِ الْآتِيَةِ. (وَالنِّكَاحُ) بِمَعْنَى التَّزْوِيجِ (مُسْتَحَبٌّ) لِتَائِقٍ لَهُ بِتَوَقَانِهِ لِلْوَطْءِ إنْ وَجَدَ أُهْبَتَهُ مِنْ مَهْرٍ وَكُسْوَةِ   [حاشية البجيرمي] هُنَا الدِّينُ أَيْ مَنْ أَحَبَّ دِينِي. قَوْلُهُ: «فَلْيَسْتَسِنَّ بِسُنَّتِي» أَيْ دِينِي، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ صَرَفَتْ الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ عَنْ حَوْضِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ التَّزْوِيجَ مَخَافَةَ الْعَالَةِ فَلَيْسَ مِنِّي» اهـ، أَيْ فَإِنَّ ضَمَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ وَلَا يَخَافُ الْعُسْرَ وَالْفَقْرَ إذَا كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ التَّحْصِينُ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي إلَّا عَشَرَةُ أَيَّامٍ أَحْبَبْت أَنْ أَتَزَوَّجَ حَتَّى لَا أَلْقَى اللَّهَ عَزَبًا " وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: أَلَك زَوْجَةٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَأَنْتَ صَحِيحٌ سَلِيمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إنَّك إذًا مِنْ إخْوَانِ الشَّيَاطِينِ إنَّ أَشْرَارَكُمْ عُزَّابُكُمْ» الْحَدِيثَ. وَتَزَوَّجَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ وَفَاةِ امْرَأَتِهِ: وَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَبِيتَ عَزَبًا. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا» وَفِي رِوَايَةٍ: «تَكَاثَرُوا» وَأَصْلُهُ " تَتَكَاثَرُوا " وَتَمَامُهُ: «فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ حَتَّى بِالسِّقْطِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ بِكَثْرَةِ الْأَتْبَاعِ اللَّازِمِ لَهَا كَثْرَةُ الثَّوَابِ. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ أُمَّةَ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُلُثَا أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا فِي الْأَخْبَارِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا اسْتَفَادَ الْمَرْءُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ بِمَالِهَا وَنَفْسِهَا» . وَوَرَدَ: " لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَرْخَى عَلَيْهِنَّ الْحَيَاءَ لَبَرَكْنَ تَحْتَ الرِّجَالِ فِي الْأَسْوَاقِ " كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ؛ وَالْحَيَاءُ فِي اللُّغَةِ هُوَ انْكِسَارٌ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ مِنْ فِعْلِ مَا يُعَابُ عَلَيْهِ وَأَمَّا شَرْعًا فَهُوَ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى اجْتِنَابِ الْقَبِيحِ وَالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ كَمَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ. قَوْلُهُ: (وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) أَيْ مِنْ طَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَفْعُولُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَزَادَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ، فَفِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ لِكَلَامِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (بَعْضِ الْأَحْكَامِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ الْمُفِيدَةُ عَدَمُ ذِكْرِ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَحْكَامِ جَمْعُ حُكْمٍ وَهُوَ النِّسْبَةُ التَّامَّةُ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: " وَالْقَضَايَا جَمْعُ قَضِيَّةٍ بِمَعْنَى مَقْضِيٍّ بِهَا فَهِيَ النِّسْبَةُ الْمَذْكُورَةُ فَعَطْفُهَا تَفْسِيرٌ، وَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْقَضَايَا الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، أَيْ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ عِنْدَ أَهْلِ الْمِيزَانِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْرَافٍ الْمَحْمُولُ وَالْمَوْضُوعُ وَالنِّسْبَةُ. قَوْلُهُ: (كَصِحَّةٍ) أَيْ كَثُبُوتِ صِحَّةِ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّهُ الْحُكْمُ اللُّغَوِيُّ، وَأَمَّا نَفْسُ الصِّحَّةِ فَحُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَوْلُهُ: (وَفَسَادٍ) أَيْ وَحِلٍّ وَحُرْمَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْقَضَايَا. قَوْلُهُ: (وَالنِّكَاحُ مُسْتَحَبٌّ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَحْكَامٍ: الِاسْتِحْبَابُ لِلتَّائِقِ الْوَاجِدِ وَلَيْسَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْكَرَاهَةُ لِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ الْفَاقِدِ لِلْأُهْبَةِ أَوْ بِهِ عِلَّةٌ وَكَوْنُهُ خِلَافَ الْأَوْلَى إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَفَقْدُ الْأُهْبَةِ وَكَوْنُهُ أَوْلَى إنْ وَجَدَ الْأُهْبَةَ وَلَمْ يَتَخَلَّ لِلْعِبَادَةِ. وَزَادَ الرَّمْلِيُّ الْوُجُوبَ إنْ خَافَ الْعَنَتَ وَتَعَيَّنَ طَرِيقًا وَوَجَدَ الْأُهْبَةَ وَالْإِبَاحَةَ، كَمَا إذَا أُرِيدَ مُجَرَّدُ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ؛ وَلِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَمَّا حُرْمَتُهُ فَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَيَحْرُمُ لِمَنْ عَلِمَتْ مِنْ نَفْسِهَا عَدَمَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَلَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى التَّزْوِيجِ) الْأَوْلَى بِمَعْنَى التَّزَوُّجِ وَهُوَ الْقَبُولُ وَإِطْلَاقُ النِّكَاحِ عَلَى الْقَوْلِ فِيهِ شَبَهُ اسْتِخْدَامٍ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ النِّكَاحَ أَوَّلًا فِي التَّرْجَمَةِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ ثُمَّ أَعَادَهُ بِلَفْظِهِ بِمَعْنَى التَّزَوُّجِ. قَوْلُهُ: (مُسْتَحَبٌّ إلَخْ) وَقُيِّدَ ذَلِكَ بِقَيْدَيْنِ، وَأُخِذَ مُحْتَرَزُ الثَّانِي أَوَّلًا ثُمَّ أُخِذَ مُحْتَرَزُ الْأَوَّلِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوِّشِ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجِبُ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بَعْضُهُمْ مَا إذَا نَذَرَهُ حَيْثُ كَانَ مُسْتَحَبًّا كَأَنْ قَصَدَ بِهِ غَضَّ الْبَصَرِ، وَاسْتَثْنَى بَعْضٌ آخَرُ حَالَةَ خَوْفِ الْعَنَتِ حَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّسَرِّي، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِمَا إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الزِّنَا؛ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ انْعِقَادِ نَذْرِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ أَنَّهُ إنْ قُصِدَ بِهِ طَاعَةٌ مِنْ وَلَدٍ صَالِحٍ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 فَصْلِ التَّمْكِينِ وَنَفَقَةِ يَوْمِهِ تَحْصِينًا لِدِينِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَةِ أَمْ لَا، فَإِنْ فَقَدَ أُهْبَتَهُ فَتَرْكُهُ أَوْلَى وَكُسِرَ إرْشَادًا تَوَقَانُهُ بِصَوْمٍ لِخَبَرِ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» أَيْ قَاطِعٌ لِتَوَقَانِهِ، وَالْبَاءَةُ بِالْمَدِّ مُؤَنُ النِّكَاحِ، فَإِنْ لَمْ تَنْكَسِرْ بِالصَّوْمِ فَلَا يَكْسِرُهُ بِالْكَافُورِ   [حاشية البجيرمي] إعْفَافٌ فَهُوَ مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَمُبَاحٌ اهـ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ فِي صُورَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ فَظَلَمَ وَاحِدَةً بِتَرْكِ الْقَسَمِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوفِيَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا لِيُوفِيَهَا حَقَّهَا بِنَظِيرِ مَا ظَلَمَ بِهِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَحْرُمُ طَلَاقُهَا وَيَكُونُ طَلَاقُهَا بِدْعِيًّا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ تَوْفِيَةِ حَقِّهَا مِمَّا ظَلَمَهَا بِهِ. وَلَنَا وَجْهُ أَنَّ النِّكَاحَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْأُمَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ قَطَرٍ عَلَى تَرْكِهِ أُجْبِرُوا عَلَيْهِ وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61] اهـ ذَكَرَهُ النَّسَّابَةُ. قَوْلُهُ: (لِتَائِقٍ) أَيْ مُشْتَاقٍ لَهُ أَيْ النِّكَاحِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْبَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَنُ النِّكَاحِ، لَكِنْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِتَوَقَانِهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. وَلَمَّا كَانَ. قَوْلُهُ لِتَائِقٍ لَهُ أَيْ النِّكَاحِ يُوهِمُ أَنَّهُ تَائِقٌ لِلنِّكَاحِ بِمَعْنَى الْقَبُولِ أَوَّلَهُ بِقَوْلِهِ بِتَوَقَانِهِ لِلْوَطْءِ أَيْ وَلَوْ خَصِيًّا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِحْيَاءِ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَهْرٍ) أَيْ الْحَالِّ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ زَائِدٌ عَنْ مَسْكَنِهِ وَخَادِمِهِ وَمَرْكُوبِهِ وَمَلْبُوسِهِ. قَوْلُهُ: (يَوْمِهِ) أَيْ يَوْمِ التَّمْكِينِ. وَقَوْلُهُ: " تَحْصِينًا " عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: " مُسْتَحَبٌّ ". قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ مُشْتَغِلًا) أَيْ لِوُجُودِ التَّوَقَانِ مَعَ الْأُهْبَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِ التَّائِقِ الْآتِي إذَا وَجَدَ الْأُهْبَةَ وَلَا عِلَّةَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّى لِلْعِبَادَةِ فَهِيَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَهُوَ أَفْضَلُ. قَوْلُهُ: (إرْشَادًا) أَيْ أَمَرَهُ الشَّارِعُ أَيْ أَرْشَدَهُ وَدَلَّهُ عَلَيْهِ لَا أَمْرَ وُجُوبٍ، وَالْإِرْشَادُ مَا كَانَ لِمَصْلَحَةِ النَّفْسِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ امْتَلَأَ الْإِنَاءُ مَاءً أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ الْإِرْشَادِيِّ؛ وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ الصَّوْمِ سَوَاءٌ لَاحَظَ امْتِثَالَ الشَّارِعِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ شَأْنُ كُلِّ مَا كَانَ رَاجِعًا لِتَكْمِيلٍ شَرْعِيٍّ كَمَا هُنَا لِرُجُوعِهِ إلَى الْعِفَّةِ، أَمَّا مَا لَا يَكُونُ لِتَكْمِيلٍ شَرْعِيٍّ كَالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا قَصَدَ امْتِثَالَ الشَّارِعِ وَإِلَّا فَلَا ثَوَابَ. قَالَ م ر فِي بَابِ الْمِيَاهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ " مَا نَصُّهُ: قَالَ السُّبْكِيُّ: التَّحْقِيقُ أَنَّ فَاعِلَ الْإِرْشَادِ لِمُجَرَّدِ غَرَضِهِ لَا يُثَابُ وَلِمُجَرَّدِ الِامْتِثَالِ يُثَابُ وَلَهُمَا ثَوَابًا أَنْقَصَ مِنْ ثَوَابٍ مِنْ مَحْضِ قَصْدِ الِامْتِثَالِ، اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (بِصَوْمٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الصَّوْمُ يُثِيرُ الْحَرَكَةَ وَالشَّهْوَةَ أَوَّلًا، فَإِذَا دَاوَمَ سَكَنَتْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا دَخَلَ لِلصَّوْمِ فِي الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْسِرُ شَهْوَتَهَا. قَالَ سم: فِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ مَا الْمَانِعُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ إذَا كَانَتْ حَاجَتُهَا الشَّهْوَةَ فَتَكْسِرُهَا بِالصَّوْمِ فَلْيُرَاجَعْ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ طِبِّيٌّ لَا دَخْلَ لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ فَكَيْفَ يَقُولُ مَا الْمَانِعُ. قَوْلُهُ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ» أَيْ الرِّجَالِ، وَخَصَّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يَكْسِرُ شَهْوَتَهُمْ الصَّوْمُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَلَا يَكْسِرُ شَهْوَتَهَا الصَّوْمُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْمَعْشَرُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يَجْمَعُهُمْ وَصْفٌ وَاحِدٌ كَمَا هُنَا. وَإِنَّمَا خُصَّ الشَّبَابُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِيهِمْ أَغْلَبُ وَإِلَّا فَغَيْرُهُمْ مِثْلُهُمْ. قَوْلُهُ: «فَلْيَتَزَوَّجْ» الْأَمْرُ فِيهِ لِلنَّدْبِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ إلَخْ) أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ؛؛ لِأَنَّ عَدَمَ النِّكَاحِ لَيْسَ فِيهِ غَضٌّ لِلْبَصَرِ وَلَا إحْصَانٌ لِلْفَرْجِ. قَوْلُهُ: «فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ» الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَالصَّوْمُ مُبْتَدَأٌ وَمَا قَبْلَهُ خَبَرٌ، أَيْ فَالصَّوْمُ عَلَيْهِ. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ اسْمُ فِعْلٍ وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وَالصَّوْمُ مَفْعُولٌ بِهِ. وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى: فَلْيَلْزَمْ الصَّوْمَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ إغْرَاءً لِلْغَائِبِ وَهُوَ شَاذٌّ عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ: وَشَذَّ إيَّايَ وَإِيَّاهُ أَشَذُّ الْبَيْتَ. أَيْ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ فَعَلَيْكُمْ أَوْ فَعَلَيْك بِالصَّوْمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إغْرَاءٌ لِلْمُخَاطَبِ فَهُوَ مِنْ الْقَاعِدَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ: " فَعَلَيْهِ " نَظَرًا لِلَفْظِ مِنْ وَمَدْخُولُ مِنْ فِي الْمَعْنَى مُخَاطَبٌ وَهُوَ وَمِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ فَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 وَنَحْوِهِ بَلْ يَتَزَوَّجُ. وَكُرِهَ النِّكَاحُ لِغَيْرِ التَّائِقِ لَهُ لِعِلَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا إنْ فَقَدَ أُهْبَتَهُ أَوْ وَجَدَهَا وَكَانَ بِهِ عِلَّةٌ كَهَرَمٍ وَتَعْنِينٍ لِانْتِفَاءِ حَاجَتِهِ، مَعَ الْتِزَامِ فَاقِدِ الْأُهْبَةِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَخَطَرَ الْقِيَامِ بِوَاجِبِهِ فِيمَا عَدَاهُ وَإِنْ وَجَدَهَا وَلَا عِلَّةَ بِهِ، فَتَخَلٍّ لِعِبَادَةٍ أَفْضَلُ مِنْ النِّكَاحِ إنْ كَانَ مُتَعَبِّدًا اهْتِمَامًا بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَتَعَبَّدْ فَالنِّكَاحُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ لِئَلَّا تُفْضِيَ بِهِ الْبَطَالَةُ إلَى الْفَوَاحِشِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ النِّكَاحُ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَعَلَّلَهُ بِالْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالِاسْتِرْقَاقِ.   [حاشية البجيرمي] مُخَاطَبٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ) أَيْ الصَّوْمَ، وَقَوْلُهُ: " لَهُ " أَيْ لِمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ لِتَوَقَانِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَكْسِرُهُ) أَيْ التَّوَقَانَ بِالْكَافُورِ، أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يُفَتِّرُهَا، وَلَوْ أَرَادَ إعَادَتَهَا بِاسْتِعْمَالِ ضِدِّ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ أَمْكَنَ، وَمَا جُزِمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَطْعِ لَهَا مُطْلَقًا. اهـ. م ر؛ أَيْ فَيَحْرُمُ ذَلِكَ إنْ قَطَعَ الشَّهْوَةَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيُكْرَهُ إنْ أَضْعَفَهَا وَقَطْعُ الْحَبْلِ مِنْ الْمَرْأَةِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّسَبُّبِ إلَى إلْقَاءِ النُّطْفَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا فِي الرَّحِمِ، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: يَجُوزُ إلْقَاءُ النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْإِحْيَاءِ فِي مَبْحَثِ الْعَزْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ آيِلَةٌ إلَى التَّخَلُّقِ الْمُهَيَّأِ لِنَفْخِ الرُّوحِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَزْلُ اهـ ابْنُ حَجَرٍ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَتَزَوَّجُ) أَيْ يُبَاحُ لَهُ التَّزَوُّجُ وَيُكَلَّفُ اقْتِرَاضَ الْمَهْرِ إنْ لَمْ تَرْضَ بِذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ النِّكَاحُ لِغَيْرِ التَّائِقِ إلَخْ) لَوْ طَرَأَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَهَلْ يَلْحَقُ بِالِابْتِدَاءِ أَوْ لَا لِقُوَّةِ الدَّوَامِ؟ تَرَدَّدَ فِيهِ الزَّرْكَشِيّ وَالثَّانِي هُوَ الْوَجْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ ابْنِ حَجَرٍ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِغَيْرِ التَّائِقِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِغَرَضٍ الِاسْتِئْنَاسِ لَا تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ عَمِيرَةُ. قَوْلُهُ: (لَهُ) أَيْ النِّكَاحِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْبَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَنُ النِّكَاحِ، لَكِنْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ لِتَوَقَانِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (لِعِلَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا) كَاشْتِغَالِهِ بِحُزْنٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ نَحْوِ ظَالِمٍ أَوْ كَانَ لَا يَشْتَهِيهِ خَلْقُهُ؛ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " لِعِلَّةٍ " أَيْ دَائِمَةٍ. قَوْلُهُ: (وَتَعْنِينٍ) أَيْ دَائِمٍ، بِخِلَافِ مَنْ يَعِنُّ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ اهـ س ل. وَقَوْلُهُ: " فِيمَا عَدَاهُ " أَيْ وَهُوَ صَاحِبُ الْعِلَّةِ كَالْهَرَمِ وَنَحْوِهِ، وَالْمُرَادُ بِوَاجِبِهِ الْوَطْءُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِهِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِوَاجِبِهِ النَّفَقَةُ وَالْكُسْوَةُ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا كَانَ لَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ يَكُونُ الْقِيَامُ بِنَفَقَتِهَا وَكُسْوَتِهَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا عِلَّةَ بِهِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ غَيْرُ تَائِقٍ. قَوْلُهُ: (فَتَخَلٍّ لِعِبَادَةٍ) وَفِي مَعْنَاهُ الِاشْتِغَالُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ مِنْ النِّكَاحِ) أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ هُنَا عَلَى بَابِهِ إذَا قُصِدَ بِالنِّكَاحِ نَحْوُ وَلَدٍ صَالِحٍ، وَأَمَّا. قَوْلُهُ بَعْدُ: " أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ " فَلَيْسَ عَلَى بَابِهِ، أَوْ يُقَالُ: قَوْلُهُ: " أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ " أَيْ إنْ فُرِضَ أَنَّ فِي التَّرْكِ فَضِيلَةً فَهُوَ عَلَى بَابِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا قَالُوهُ فِي الْعَسَلِ أَحْلَى مِنْ الْخَلِّ عَلَى فَرْضِ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَلِّ حَلَاوَةً، وَصَرِيحُ هَذَا أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ مِنْ الْعِبَادَةِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ مِنْهَا إنْ قَصَدَ بِهِ إعْفَافًا أَوْ نَحْوَ وَلَدٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْدِيمُ النِّكَاحِ عَلَى التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا تُفْضِيَ) أَيْ تُؤَدِّيَهُ وَتُوقِعَهُ الْبَطَالَةُ فِي الْفَوَاحِشِ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الشَّبَابَ وَالْفَرَاغَ وَالْجِدَّهْ ... مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيَّ مَفْسَدَهْ وَالْمُرَادُ بِالْفَوَاحِشِ هُنَا خُصُوصُ الْوَطْءِ لَا مَا يَشْمَلُ التَّمَتُّعَ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ يُمْكِنُ حَتَّى مِنْ الْمُتَخَلِّي لِلْعِبَادَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ النِّكَاحُ) أَيْ بَلْ يُكْرَهُ مَا لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ وَإِلَّا وَجَبَ. قَوْلُهُ: (الشُّرُوطُ) الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ إذْ الْمُتَقَدِّمُ شَرْطَانِ وَهُمَا التَّوَقَانُ وَوُجُودُ الْأُهْبَةِ. قَوْلُهُ: (بِالْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ الْكُفْرِ) أَيْ بِأَنْ يَمُوتَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ لَا يُمَيِّزُ وَيَنْبَهِمُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الَّذِي أَسَرَّهُ الْحَالَ، فَرُبَّمَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ. قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِرْقَاقِ) أَيْ لَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 تَنْبِيهٌ: نُصَّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ التَّائِقَةَ يُسَنُّ لَهَا النِّكَاحُ، وَفِي مَعْنَاهَا الْمُحْتَاجَةُ إلَى النَّفَقَةِ وَالْخَائِفَةُ مِنْ اقْتِحَامِ الْفَجَرَةِ. وَيُوَافِقُهُ مَا فِي التَّنْبِيهِ مِنْ أَنَّ مَنْ جَازَ لَهَا النِّكَاحُ إنْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَيْهِ اُسْتُحِبَّ لَهَا النِّكَاحُ وَإِلَّا كُرِهَ، فَمَا قِيلَ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا ذَلِكَ مُطْلَقًا مَرْدُودٌ؛ وَيُسَنُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِكْرًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ: «هَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك»   [حاشية البجيرمي] سُبِيَتْ أُمُّهُ حَامِلًا بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي أَنَّ حَمْلَهَا مِنْ مُسْلِمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّسَرِّي أَيْضًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ سم. قَوْلُهُ: (التَّائِقَةَ) أَيْ الْمُشْتَاقَةَ. قَوْلُهُ: (وَالْخَائِفَةُ مِنْ اقْتِحَامِ الْفَجَرَةِ) أَيْ يُسَنُّ لَهَا النِّكَاحُ، بَلْ الْوَجْهُ وُجُوبُهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّهُمْ لَا يَنْدَفِعُونَ عَنْهَا إلَّا بِهِ وَحُرْمَتُهُ إنْ لَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ وَعَلِمَتْ مِنْ نَفْسِهَا أَنَّهَا لَا تَقُومُ بِوَاجِبِ حَقِّ الزَّوْجِ ابْنُ حَجَرٍ زِيَادِيٌّ. وَقَوْلُهُ: " وُجُوبُهُ " أَيْ عَلَيْهَا بِأَنْ تُطَالِبَ وَلِيَّهَا أَوْ تَرْفَعَ الْأَمْرَ لِحَاكِمٍ، وَمَعْنَى الِاقْتِحَامِ فِي اللُّغَةِ الْمُجَاوَزَةُ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَاقْتَحَمَ عَقَبَةً أَوْ وَهْدَةً رَمَى بِنَفْسِهِ فِيهَا وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ اقْتَحَمَ الْفَرَسُ النَّهْرَ إذَا دَخَلَ فِيهِ وَتَقَحَّمَ مِثْلُهُ. وَعِبَارَةُ م ر: وَيُنْدَبُ لِلتَّائِقَةِ وَأُلْحِقَ بِهَا مُحْتَاجَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَخَائِفَةٌ مِنْ اقْتِحَامِ فَجَرَةٍ. وَفِي التَّنْبِيهِ: مَنْ جَازَ لَهَا النِّكَاحُ إنْ احْتَاجَتْهُ نُدِبَ لَهَا وَإِلَّا كُرِهَ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ نَقَلَ وُجُوبَهُ عَلَيْهَا إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهَا الْفَجَرَةُ إلَّا بِهِ، وَبِمَا ذُكِرَ عُلِمَ ضَعْفُ قَوْلِ الزَّنْجَانِيِّ " يُسَنُّ لَهَا مُطْلَقًا " إذْ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْقِيَامِ بِأَمْرِهَا وَسَتْرِهَا، وَقَوْلِ غَيْرِهِ " لَا يُسَنُّ لَهَا مُطْلَقًا "؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا حُقُوقًا خَطِيرَةً لِلزَّوْجِ لَا يَتَيَسَّرُ لَهَا الْقِيَامُ بِهَا، وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ الْوَعِيدُ، الشَّدِيدُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ عَلِمَتْ مِنْ نَفْسِهَا عَدَمَ الْقِيَامِ بِهَا وَلَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ حَرُمَ عَلَيْهَا اهـ. وَهِيَ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ. وَقَوْلُهُ: " عَدَمَ الْقِيَامِ بِهَا " أَيْ بِحَاجَتِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكَاحِ، كَاسْتِعْمَالِهَا الطِّيبَ إذَا أَمَرَهَا بِهِ وَالتَّزَيُّنِ بِأَنْوَاعِ الزِّينَةِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَإِحْضَارِ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ لَهَا، وَلَيْسَ مِنْ الْحَاجَةِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ تَهْيِئَةِ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ لِلزَّوْجِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ: حَرُمَ عَلَيْهَا وَمِثْلُهَا فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَفِي الْحَدِيثِ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا تُنَالُ الْمَعِيشَةُ فِيهِ إلَّا بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ حَلَّتْ الْعُزُوبِيَّةُ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا أَتَى عَلَى أُمَّتِي مِائَةٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً فَقَدْ حَلَّتْ الْعُزُوبِيَّةُ وَالْعُزْلَةُ وَالتَّرَهُّبُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ» وَالْحَدِيثَانِ مَذْكُورَانِ فِي الْكَشَّافِ؛ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُهُ فِيهِ: وَرُبَّمَا كَانَ وَاجِبَ التَّرْكِ إذَا أَدَّى إلَى مَعْصِيَةٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَزَوَّجْت لَمْ أَعْلَمْ وَأَخْطَأْت لَمْ أُصِبْ ... فَيَا لَيْتَنِي قَدْ مِتّ قَبْلَ التَّزَوُّجِ فَوَاَللَّهِ مَا أَبْكِي عَلَى سَاكِنِ الثَّرَى ... وَلَكِنَّنِي أَبْكِي عَلَى الْمُتَزَوِّجِ وَقَالَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ: التَّزَوُّجُ فَرَحُ شَهْرٍ وَغَمُّ دَهْرٍ وَكَسْرُ ظَهْرٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِكْرًا) هَذَا شُرُوعٌ فِي أَوْصَافِ الزَّوْجَةِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوْصَافِ الزَّوْجِ. وَفِي مَعْنَى الْبِكْرِ مَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِنَحْوِ حَيْضٍ، وَفِي مَعْنَى الثَّيِّبِ مَنْ لَمْ تُزَلْ بَكَارَتُهَا مَعَ وُجُودِ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا كَالْغَوْرَاءِ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ إلَّا مِنْ بِكْرٍ، وَقِيَاسُهُ نَدْبُ نَظِيرِ الصِّفَاتِ الْآتِيَةِ فِي الزَّوْجِ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ بِأَنْ يَكُونَ دَيِّنًا جَمِيلًا وَلُودًا إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ إلَخْ) وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَطْيَبُ أَفْوَاهًا وَأَضْيَقُ أَرْحَامًا وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ مِنْ الْجِمَاعِ» وَقَوْلُهُ: «أَنْتَقُ أَرْحَامًا» أَيْ أَكْثَرُ أَوْلَادًا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ الْكَثِيرَةِ الْأَوْلَادِ نَاتِقٌ وَفِي الْبَكَارَةِ ثَلَاثَةُ فَوَائِدَ: إحْدَاهُمَا أَنْ تُحِبَّ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ وَتَأْلَفَهُ وَالطِّبَاعُ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْأُنْسِ بِأَوَّلِ مَأْلُوفٍ، وَأَمَّا الَّتِي مَارَسَتْ الرِّجَالَ فَرُبَّمَا لَا تَرْضَى بِبَعْضِ الْأَوْصَافِ الَّتِي تُخَالِفُ مَا أَلِفَتْهُ فَتَكْرَهُ الزَّوْجَ الثَّانِيَ. الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ ذَلِكَ أَكْمَلُ فِي مَوَدَّتِهِ لَهَا. الثَّالِثَةُ: لَا تَحِنُّ إلَّا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ. وَلِبَعْضِهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 إلَّا لِعُذْرٍ كَضَعْفِ آلَتِهِ عَنْ الِافْتِضَاضِ، أَوْ احْتِيَاجِهِ لِمَنْ يَقُومُ عَلَى عِيَالِهِ، دَيِّنَةً لَا فَاسِقَةً جَمِيلَةً وَلُودًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَجَمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك» أَيْ افْتَقَرْت إنْ لَمْ تَفْعَلْ   [حاشية البجيرمي] نَقِّلْ فُؤَادَك حَيْثُ شِئْت مِنْ الْهَوَى ... مَا الْحُبُّ إلَّا لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ كَمْ مَنْزِلٍ فِي الْأَرْضِ يَأْلَفُهُ الْفَتَى ... وَحَنِينُهُ أَبَدًا لِأَوَّلِ مَنْزِلِ اهـ قَوْلُهُ: «هَلَّا بِكْرًا» إلَخْ هِيَ حَرْفُ تَنْدِيمٍ أَيْ إيقَاعٍ فِي النَّدَمِ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مَاضٍ؛ فَالْمَعْنَى هُنَا: وَقَعْت فِي النَّدَمِ يَا جَابِرُ؛ فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى مُضَارِعٍ تَكُونُ لِلتَّحْضِيضِ وَهُوَ الطَّلَبُ بِحَثٍّ وَإِزْعَاجٍ. قَوْلُهُ: (عَنْ الِافْتِضَاضِ) بِالْفَاءِ أَوْ الْقَافِ، وَهُوَ إزَالَةُ الْبَكَارَةِ. قَوْلُهُ: (دَيِّنَةً) أَيْ بِحَيْثُ يُوجَدُ فِيهَا وَصْفُ الْعَدَالَةِ لَا الْعِفَّةِ عَنْ الزِّنَا فَقَطْ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَا فَاسِقَةً. وَإِذَا تَعَارَضَ عَلَى الْعَارِفِ الزَّوَاجُ بِالْكِتَابِيَّةِ وَتَارِكَةِ الصَّلَاةِ قَدَّمَ الْكِتَابِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَهْدِيهَا إلَى الْإِسْلَامِ وَغَيْرِ الْعَارِفِ يُقَدِّمُ تَارِكَةَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَةَ رُبَّمَا تَجُرُّهُ إلَى دِينِهَا. وَقَوْلُهُ قَدَّمَ الْكِتَابِيَّةَ؛ لِأَنَّ تَارِكَةَ الصَّلَاةِ مُرْتَدَّةٌ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَنَا ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (جَمِيلَةً) أَيْ بِاعْتِبَارِ طَبْعِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَوْ سَوْدَاءَ مَثَلًا وَإِنْ قُلْنَا الْجَمَالُ عُرْفِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى الْعِفَّةِ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِجَمَالٍ بِحَسْبِ طَبْعِهِ، لَكِنْ تُكْرَهُ بَارِعَةُ الْجَمَالِ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَزْهُوَ أَيْ تَتَكَبَّرَ لِجَمَالِهَا أَوْ تُمَدُّ الْأَعْيُنُ إلَيْهَا زِيَادِيٌّ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالْمُرَادُ بِالْجَمَالِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِالذَّاتِ الْمُسْتَحْسَنُ لِذَوِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا سَلِمَتْ ذَاتُ جَمَالٍ قَطُّ أَيْ مَا سَلِمَتْ مِنْ التَّكَلُّمِ فِيهَا أَيْ مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ تَطَلُّعِ فَاجِرٍ إلَيْهَا أَوْ تَقَوُّلِهِ عَلَيْهَا كَمَا فِي ع ش. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْحُسْنُ فِي الْعَيْنَيْنِ وَالْجَمَالُ فِي الْأَنْفِ وَالْخَدِّ وَالْمَلَاحَةُ فِي الْفَمِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَالْمَلَاحَةِ كَمَا فِي ح ل. قَوْلُهُ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ» هُوَ بَيَانٌ لِمَا هُوَ حَالُ النَّاسِ مِنْ الرَّغْبَةِ فِيهَا لَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ، ق ل؛ أَيْ بِجَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ لِمَالِهَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ وَالنِّكَاحُ لِبَاقِي الْأَرْبَعَةِ مَطْلُوبٌ. وَيُسَنُّ أَيْضًا أَنْ لَا تَكُونَ صَاحِبَةَ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِك، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: لَا تَتَزَوَّجْ خَمْسًا: شَهْبَرَةً وَهِيَ الزَّرْقَاءُ الْبَذِيَّةُ وَلَا لَهْبَرَةً وَهِيَ الطَّوِيلَةُ الْمَهْزُولَةُ وَلَا نَهْبَرَةً وَهِيَ الْعَجُوزُ الْمُدْبِرَةُ وَلَا هَنْدَرَةً وَهِيَ الْقَصِيرَةُ الدَّمِيمَةُ وَلَا لَفُوتًا وَهِيَ ذَاتُ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِك» زِيَادِيٌّ. وَقَوْلُهُ: " وَهِيَ الزَّرْقَاءُ " أَيْ فِي الْعَيْنِ الْبَذِيَّةُ أَيْ فِي اللِّسَانِ، وَقَوْلُهُ: وَهِيَ الْقَصِيرَةُ الدَّمِيمَةُ أَوْ الْمُكْثِرَةُ لِلْهَذْرِ أَيْ الْكَلَامِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. وَالدَّمِيمَةُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْقَبِيحَةُ الصُّورَةِ. وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: " كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ حَتَّى يَسْتَشِيرَ مِائَةَ نَفْسٍ وَأَنَّهُ اسْتَشَارَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَجُلًا، وَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَقَالَ بَقِيَ وَاحِدٌ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يَطْلُعُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ وَآخُذُ بِقَوْلِهِ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ طَلَعَ رَجُلٌ رَاكِبٌ قَصَبَةً فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ فَقَالَ لَهُ: النِّسَاءُ ثَلَاثَةٌ وَاحِدَةٌ لَك وَوَاحِدَةٌ عَلَيْك وَوَاحِدَةٌ لَا لَك وَلَا عَلَيْك فَالْبِكْرُ لَك وَذَاتُ الْوَلَدِ عَلَيْك وَالثَّيِّبُ لَا لَك وَلَا عَلَيْك. ثُمَّ قَالَ: أَطْلَقَ الْجَوَادَ؛ فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي بِقِصَّتِك، فَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ مَاتَ قَاضٍ فَرَكِبْت هَذِهِ الْقَصَبَةَ وَتَبَالَهْتُ لِأَخْلُصَ مِنْ الْقَضَاءِ " اهـ خ ط. وَعَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ يُكْرَهُ نِكَاحُ خَمْسَةٍ: أَنَّانَةٌ وَحَنَّانَةٌ وَحَدَّاقَةٌ وَشَدَّاقَةٌ وَبَرَّاقَةٌ، أَمَّا الْأَنَّانَةُ فَهِيَ كَثِيرَةُ الْأَنِينِ وَالتَّشَكِّي وَتُعَصِّبُ رَأْسَهَا كُلَّ سَاعَةٍ فَنِكَاحُ الْمَرِيضَةِ وَالْمُتَمَرِّضَةِ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَالْحَنَّانَةُ الَّتِي تَحِنُّ إلَى زَوْجٍ آخَرَ كُلَّ سَاعَةٍ وَهَذِهِ مِمَّا يَنْبَغِي اجْتِنَابُهَا، وَالْحَدَّاقَةُ هِيَ الَّتِي تَرْمِي بِحَدَقَتِهَا إلَى كُلِّ شَيْءٍ وَتُكَلِّفُ زَوْجَهَا شِرَاءَهُ؛ وَالْبَرَّاقَةُ لَهَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ طُولَ النَّهَارِ فِي تَصْقِيلِ وَجْهِهَا وَتَزْيِينِهِ وَالثَّانِي تَغْضَبُ عَلَى الطَّعَامِ وَلَا تَأْكُلُ إلَّا وَحْدَهَا وَتَشْتَغِلُ بِنَفْسِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالشَّدَّاقَةُ الْمُتَشَدِّقَةُ الْكَثِيرَةُ الْكَلَامُ. وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَنْكِحَ أَعْلَى مِنْهُ قَدْرًا وَنَسَبًا وَمَالًا وَجَاهًا وَأَصْغَرَ مِنْهُ سِنًّا فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَرَفُّعِهَا عَلَى الزَّوْجِ وَاسْتِقْلَالِهَا بِهِ وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِهِ، وَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى النُّشُوزِ وَالْمُخَالَفَةِ وَالْهَجْرِ فِي الْمَضْجَعِ وَعَدَمِ تَمْكِينِهِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ، وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى قَطْعِ الْعِشْرَةِ؛ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ مِثْلَهُ فِي الْمَنْزِلَةِ وَدُونَ ذَلِكَ لِيَعْظُمَ عِنْدَهَا قَدْرُهُ وَتَرَى مَا يُحْضِرُهُ إلَيْهَا مِنْ مَأْكَلٍ وَمَلْبَسٍ حَسَنًا عَظِيمًا؛ قَالَ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: " وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مَنْ هِيَ أَعْلَى مِنْهُ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالْغِنَى "؛ لِأَنَّهَا قَدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 وَاسْتَغْنَيْت إنْ فَعَلْت. وَخَبَرِ: «تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْبِكْرِ وَلُودًا بِأَقَارِبِهَا، نَسِيبَةً أَيْ طَيِّبَةَ الْأَصْلِ لِخَبَرِ: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ» غَيْرَ ذَاتِ قَرَابَةٍ قَرِيبَةٍ بِأَنْ تَكُونَ أَجْنَبِيَّةً، أَوْ ذَاتَ قَرَابَةٍ بَعِيدَةٍ لِضَعْفِ الشَّهْوَةِ فِي الْقَرِيبَةِ فَيَجِيءُ الْوَلَدُ نَحِيفًا.   [حاشية البجيرمي] لَا تَجِدُ عِنْدَهُ مَا كَانَتْ تَجِدُ عِنْدَ أَهْلِهَا فَلَا يَحْصُلُ الْوِفَاقُ وَرُبَّمَا يَحْصُلُ الشِّقَاقُ؛ ذَكَرَهُ السَّيِّدُ النَّسَّابَةُ. وَيُزَادُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي حَمْلِهَا خِلَافٌ كَأَنْ زَنَى أَوْ تَمَتَّعَ بِأُمِّهَا أَوْ بِهَا أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ أَوْ شَكٌّ بِنَحْوِ رَضَاعٍ، اهـ ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (وَلِحَسَبِهَا) أَيْ لِشَرَفِهَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ النَّسَبُ الطَّيِّبُ. وَلَوْ تَعَارَضَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ فَالْأَوْجَهُ تَقْدِيمُ ذَاتِ الدِّينِ مُطْلَقًا ثُمَّ الْعَقْلِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ ثُمَّ النَّسَبِ ثُمَّ الْبَكَارَةِ ثُمَّ الْوِلَادَةِ ثُمَّ الْجَمَالِ ثُمَّ مَا الْمَصْلَحَةُ فِيهِ أَظْهَرُ بِحَسْبِ اجْتِهَادِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِ ابْنِ حَجَرٍ الْوِلَادَةَ عَلَى النَّسَبِ وَالْبَكَارَةِ فَتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَاظْفَرْ) جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ إذَا تَحَقَّقْت أَمْرَهَا وَفَضِيلَتَهَا فَاظْفَرْ بِهَا تَرْشُدْ فَإِنَّك تَكْتَسِبُ مَنَافِعَ الدَّارَيْنِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (تَرِبَتْ يَدَاكَ) مَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ الْتَصَقَتَا بِالتُّرَابِ وَمَنْ لَازَمَهُ الْفَقْرُ فَفَسَّرَهُ هُنَا بِاللَّازِمِ وَالْقَصْدُ مِنْهُ اللَّوْمُ لَا الدُّعَاءُ الْحَقِيقِيُّ ع ش وَمَا قِيلَ إنَّ مَعْنَى تَرِبَتْ اسْتَغْنَتْ بِأَنْ صَارَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَالِ لِكَثْرَتِهِ كَالتُّرَابِ وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ افْتَقَرَتْ لَقَالَ أُتْرِبَتْ فَاسِدٌ مَنَابِذُ لِلْمُرَادِ مِنْ الْحَدِيثِ إلَّا إنْ حُمِلَ عَلَى مَعْنَى إنْ فَعَلْتَ أَيْ ظَفِرْتَ بِذَاتِ الدِّينِ اهـ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ الْعِمَادِ مَا نَصُّهُ يُقَالُ تَرِبْت إذَا افْتَقَرَتْ وَأُتْرِتَبْ إذَا اسْتَغْنَتْ يَعْنِي إنْ ظَفِرْتَ بِهَا اسْتَغْنَتْ يَدَاك وَالتُّرَابُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَالِ كَقَوْلِهِمْ مَالُ فُلَانٍ عَدَدُ التُّرَابِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَفِي لُغَةِ الْقِبْطِ ثَرِبَتْ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَمَعْنَاهَا امْتَلَأَتْ يَدُك شَحْمًا إنْ ظَفِرْت بِذَاتِ الدِّينِ مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّرْبِ وَهُوَ الشَّحْمُ الْمُحِيطُ بِالْكَرِشِ وَقِيلَ اسْتَوَتْ يَدَاك فِي الْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ إذَا ظَفِرْت بِذَاتِ الدِّينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: 37] يَعْنِي مُتَسَاوِيَاتِ السِّنِّ وَالْقَدِّ حَكَاهُ فِي الْوَافِي وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ بِالْيَدَيْنِ نِعْمَتَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] أَيْ نِعْمَتَاهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْمَعْنَى إنْ ظَفِرْت بِذَاتِ الدِّينِ ظَفِرْت بِنِعْمَتَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اهـ قَوْلُهُ إنْ لَمْ تَفْعَلْ أَيْ إنْ لَمْ تَفْعَلْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك فَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ قَوْلُهُ «تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَوْدَاءُ وَلُودٌ خَيْرٌ مِنْ حَسْنَاءَ عَقِيمٍ» قَوْلُهُ أَيْ طَيِّبَةَ الْأَصْلِ أَيْ لَا مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ طَيِّبَةَ الْأَصْلِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ بِأَرْبَعٍ وَإِلَّا اسْتَحْقَرَتْهُ بِالسِّنِّ وَالطُّولِ وَالْمَالِ وَالْحَسَبِ وَأَنْ تَكُونَ فَوْقَهُ بِأَرْبَعٍ بِالْجَمَالِ وَالْأَدَبِ وَالْخُلُقِ وَالْوَرَعِ قَوْلُهُ «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ» وَوَرَدَ «إيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنِ قَالُوا مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فِي الْمَنْبَتِ السُّوءِ» فَشَبَّهَ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَصْلُهَا رَدِيءٌ بِالْقِطْعَةِ الزَّرْعِ الْمُرْتَفِعَةِ عَلَى غَيْرِهَا الَّتِي مَنْبَتُهَا مَوْضِعُ رَوْثِ الْبَهَائِمِ قَوْلُهُ أَوْ ذَاتَ قَرَابَةٍ بَعِيدَةٍ بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ زَيْنَبَ مَعَ أَنَّهَا بِنْتُ عَمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ جَوَازِ نِكَاحِ زَوْجَةِ الْمُتَبَنَّى لِأَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ زَيْدٍ وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ أَيْضًا بِتَزَوُّجِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِأَنَّهَا بَعِيدَةٌ فِي الْجُمْلَةِ إذْ هِيَ بِنْتُ ابْنِ عَمِّهِ لَا بِنْتُ عَمِّهِ اهـ زي قَالَ السَّيِّدُ النَّسَّابَةُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مِنْ أَقَارِبِهِ الْبُعْدَى فَهِيَ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْكِحَ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَجِيءُ أَحْمَقَ قَالَ وَقَدْ رَأَيْنَا جَمَاعَةً تَزَوَّجُوا مِنْ أَقَارِبِهِمْ فَجَاءَتْ أَوْلَادُهُمْ حُمُقًا لَكِنْ قَدْ تَزَوَّجَ عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ وَهِيَ مِنْ الْأَقَارِبِ تَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ وَوَلَدَتْ لَهُ الْإِمَامَ السِّبْطَ الْحَسَنَ وَهُوَ أَوَّلُ أَوْلَادِهَا وَلَدَتْهُ بِالْمَدِينَةِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمَّا وُلِدَ وَأُعْلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ أَخَذَهُ وَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ وَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَوُلِدَ لَهُ أَيْضًا مِنْهَا الْحُسَيْنُ وَزَيْنَبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 (وَيَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ) فِي نِكَاحٍ (بَيْنَ أَرْبَعِ حَرَائِرَ) فَقَطْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ وَقَدْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» وَإِذَا امْتَنَعَ فِي الدَّوَامِ فَفِي الِابْتِدَاءِ أَوْلَى. فَائِدَةٌ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ الرِّجَالِ،   [حاشية البجيرمي] الْكُبْرَى وَأُمُّ كُلْثُومَ الْكُبْرَى فَكَانَتْ جُمْلَةُ أَوْلَادِ الْإِمَامِ عَلِيٍّ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا الذُّكُورِ أَرْبَعَةَ عَشَرَةَ ذَكَرًا وَأَوْلَادِهِ الْإِنَاثِ سَبْعَ عَشْرَةَ اهـ بِحُرُوفِهِ وَفِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ وَخُصَّ أَنَّ آلَهُ لَا يُكَافِئُهُمْ فِي النِّكَاحِ أَحَدٌ مِنْ الْخَلْقِ وَأَمَّا تَزْوِيجُ فَاطِمَةَ لِعَلِيٍّ فَقِيلَ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ كُفُؤًا لَهَا سِوَاهُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ أَبَاهُ كَافِرٌ وَأَبُوهَا سَيِّدُ الْبَشَرِ وَزُوِّجَتْ لَهُ بِأَمْرِ اللَّهِ لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ لَمَّا خَطَبَهَا مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَدَّهُمَا وَقَالَ إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ» وَزَوَّجَهَا لَهُ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ وَكَّلَ وَاحِدًا فِي قَبُولِ نِكَاحِهِ فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ رَضِيت وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ نِكَاحَ الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ لَيْسَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيَّةُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَلِيًّا قَرِيبٌ بَعِيدٌ إذْ الْمُرَادُ بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ مَنْ هُوَ فِي أَوَّلِ دَرَجَاتِ الْخُؤُولَةِ وَالْعُمُومَةِ وَنِكَاحُهَا أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ اهـ وَتَزْوِيجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِزَيْنَبِ بِنْتِ جَحْشٍ مَعَ كَوْنِهَا بِنْتَ عَمَّتِهِ لِمَصْلَحَةِ حِلِّ نِكَاحِ زَوْجَةِ الْمُتَبَنَّى وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَنَّى زَيْدًا هَذَا وَلَمَّا تَزَوَّجَهَا وَقَعَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ عَابُوا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَقَالُوا إنَّ مُحَمَّدًا يَنْهَانَا أَنْ نَتَزَوَّجَ بِحَلَائِل أَبْنَائِنَا وَهُوَ يَفْعَلُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] إعْلَامًا بِأَنَّ الْمَنْعَ فِي وَلَدِ النَّسَبِ وَكَذَا فِي وَلَدِ الرَّضَاعِ وَتَزْوِيجُهُ زَيْنَبَ بِنْتَهُ لِأَبِي الْعَاصِ مَعَ أَنَّهَا بِنْتُ خَالَتِهِ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَاقِعَةَ حَالٍ فِعْلِيَّةٍ فَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ بِمَصْلَحَةٍ يُسْقِطُهَا قَوْلُهُ: (لِلْحُرِّ) أَيْ كَامِلِ الْحُرِّيَّةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي: وَالْمُبَعَّضُ كَالْقِنِّ. قَوْلُهُ: (وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ اسْمُ رَجُلٍ مِنْ قَبِيلَةِ ثَقِيفٍ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ سِتَّةِ رِجَالٍ مِنْ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ أَسْلَمَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ؛ وَبَاقِيهِمْ: مَسْعُودُ بْنُ مُصْعَبٍ وَمَسْعُودُ بْنُ عَامِرٍ وَمَسْعُودُ بْنُ عُمَرَ وَعُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَخُصَّ غَيْلَانُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَمَا قَالَهُ ق ل. وَقَالَ الْمَدَابِغِيُّ: إنَّمَا نُصَّ عَلَى غَيْلَانَ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِي شَأْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ) وَهَلْ أَسْلَمْنَ أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ تَحِلُّ، اهـ رَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: «أَمْسِكْ أَرْبَعًا» اخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ أَمْسِكْ لِلْوُجُوبِ وَفَارِقْ لِلْإِبَاحَةِ وَاعْتَمَدَهُ م ر، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ عَكْسَهُ. وَاعْتَمَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَاخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وُجُوبَ أَحَدِهِمَا إذْ بِوُجُوبِهِ يَتَعَيَّنُ الْآخَرُ. وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ نَظَرٌ، إذْ لَا مَعْنَى لِتَعَيُّنِ لَفْظِ أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا أَوْ مُبْهَمًا وَإِبَاحَةُ الْآخَرِ كَذَلِكَ، فَالْوَجْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُودُ فِي ضِمْنِ أَيِّهِمَا وُجِدَ وَهُوَ تَمْيِيزُ مُبَاحِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْجَوَازُ) أَيْ جَوَازُ الْجَمْعِ. قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ الرِّجَالِ) وَهِيَ كَثْرَةُ التَّمَتُّعِ بِالنِّسَاءِ. وَقَوْلُهُ: " لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ " وَهِيَ الْغَيْرَةُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُحِبُّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَتَمَتَّعَ بِغَيْرِهَا، وَفِي مَصْلَحَةِ النَّوْعَيْنِ يَكُونُ فِي كِلَيْهِمَا مَصْلَحَةٌ دُونَ الْمَصْلَحَةِ الْمُفْرَدَةِ فِيمَا قَبْلَهُ فَالتَّمَتُّعُ يَقِلُّ وَالْغَيْرَةُ تَقِلُّ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي رِعَايَةِ شَرِيعَةِ سَيِّدِنَا مُوسَى لِلرِّجَالِ وَشَرِيعَةِ سَيِّدِنَا عِيسَى لِلنِّسَاءِ؟ قُلْت: يُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا ذَبَحَ الْأَبْنَاءَ وَاسْتَضْعَفَ الرِّجَالَ نَاسَبَ أَنْ يُعَامِلَهُمْ سَيِّدُنَا مُوسَى بِالرِّعَايَةِ عَلَى خِلَافِ فِعْلِ ذَلِكَ الْجَبَّارِ بِهِمْ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِنَا عِيسَى فِي الرِّجَالِ أَبٌ وَكَانَ أَصْلُهُ امْرَأَةً نَاسَبَ أَنْ يُرَاعِيَ جِنْسَ أَصْلِهِ رِعَايَةً لَهُ؛ تَأَمَّلْ وَافْهَمْ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ مَعَ زِيَادَةٍ. وَقَدْ قِيلَ: كَانَ لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد ثَلَثُمِائَةِ جَارِيَةٍ سِوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 وَفِي شَرِيعَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَجُوزُ غَيْرُ وَاحِدَةٍ تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ، وَرَاعَتْ شَرِيعَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ مَصْلَحَةَ النَّوْعَيْنِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ الْحُرِّ بِالْأَرْبَعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْأُلْفَةُ وَالْمُؤَانَسَةُ، وَذَلِكَ يَفُوتُ مَعَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَلِأَنَّهُ بِالْقَسْمِ يَغِيبُ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَهِيَ مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ اهـ. وَقَدْ تَتَعَيَّنُ الْوَاحِدَةُ لِلْحُرِّ وَذَلِكَ فِي كُلِّ نِكَاحٍ تَوَقَّفَ عَلَى الْحَاجَةِ كَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ، وَقَالَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تِسْعٍ مَثْنَى بِاثْنَيْنِ. وَثُلَاثَ بِثَلَاثٍ، وَرُبَاعَ بِأَرْبَعٍ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ تِسْعٌ. وَبَعْضٌ مِنْهُمْ قَالَ: تَدُلُّ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَثْنَى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ وَرُبَاعَ أَرْبَعَةٍ أَرْبَعَةٍ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ. وَهَذَا خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ. تَنْبِيهٌ اُسْتُفِيدَ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِالْحَرَائِرِ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِمَاءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، سَوَاءٌ كُنَّ مَعَ الْحَرَائِرِ أَوْ مُنْفَرِدَاتٍ وَهُوَ كَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] . (وَ) يَجُوزُ (لِلْعَبْدِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتْبَةَ نَقَلَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ   [حاشية البجيرمي] السَّرَارِيِّ، وَقِيلَ: كَانَ لِدَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِائَةُ امْرَأَةٍ. وَمَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تِسْعٍ، وَهُنَّ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَعَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَجُوَيْرِيَةُ وَصْفِيَّةُ وَمَيْمُونَةُ، هَذَا تَرْتِيبُ تَزْوِيجِهِ إيَّاهُنَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -. وَمَاتَ وَهُنَّ فِي عِصْمَتِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي رَيْحَانَةَ هَلْ كَانَتْ زَوْجَةً أَوْ سُرِّيَّةً وَهَلْ مَاتَتْ قَبْلَهُ أَوْ لَا؟ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ عَنْ قَتَادَةَ: «تَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ وَجَمَعَ بَيْنَ إحْدَى عَشْرَةَ وَتُوُفِّيَ عَنْ تِسْعٍ» . وَسَرَدَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي السِّيرَةِ مَنْ دَخَلَ بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ خَطَبَهَا وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا ثَلَاثِينَ؛ وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ ... إلَيْهِنَّ تُعْزَى الْمُكْرَمَاتُ وَتُنْسَبُ فَعَائِشَةُ مَيْمُونَةُ وَصْفِيَّةُ ... وَحَفْصَةُ تَتْلُوهُنَّ هِنْدٌ وَزَيْنَبُ جُوَيْرِيَةُ مَعَ رَمْلَةَ ثُمَّ سَوْدَةُ ... ثَلَاثٌ وَسِتٌّ ذِكْرُهُنَّ مُهَذَّبُ قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الزِّيَادَةِ الْغَيْرَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى فَسَادِ الْعِشْرَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ الْحُرِّ بِالْأَرْبَعِ إلَخْ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ: وَحِكْمَةُ تَخْصِيصِ الْأَرْبَعِ كَمَا قِيلَ إنَّ غَالِبَ أُمُورِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّثْلِيثِ وَتَرْكِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الطَّهَارَاتِ وَإِمْهَالِ مُدَّةِ الشَّرْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَوْ زِيدَ هُنَا عَلَى الْأَرْبَعِ لَكَانَتْ نَوْبَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ لَا تَعُودُ إلَّا بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ. وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا مَرَّ. وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ مُرَاعَاةُ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْإِنْسَانِ الْمُتَوَلِّدِ عَنْهَا أَنْوَاعُ الشَّهْوَةِ. وَرَدَّ بَعْضُهُمْ هَذِهِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا فِي الرَّقِيقِ مَعَ تَمَامِ الْأَخْلَاطِ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحِكْمَةَ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا. قَوْلُهُ: (مَثْنَى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ) وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ أَمْرَانِ الْعَدْلُ وَالْوَصْفُ؛ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُبَاحَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ لَا مَجْمُوعُهَا الَّذِي هُوَ تِسْعَةٌ وَلَا اثْنَانِ مِنْهَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَدْفُوعٌ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ: أَمْسِكْ إلَخْ. فَهَذَا الْحَدِيثُ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْآيَةِ، وَهُوَ أَنْ يَنْكِحَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً وَلَا يَجْمَعُ، وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ. وَالْوَاوُ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى أَوْ وَالتَّكْرَارُ فِيهَا غَيْرُ مُرَادٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ أَوْ بِمَنْزِلَةِ وَاوِ النَّسَقِ جَازَ هُنَا أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَنْزِلَةِ أَوْ. وَقِيلَ: إنَّ الْوَاوَ أَفَادَتْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ قِسْمًا مِنْ هَذِهِ بِحَسْبِ حَالِهِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى نِكَاحِ اثْنَيْنِ فَاثْنَيْنِ إلَخْ لَا أَنَّهُ يَضُمُّ عَدَدًا. وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ. قَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] أَيْ أَوْ اقْتَصِرُوا عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 الْحُرِّ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ بَابِ الْفَضَائِلِ، فَلَمْ يَلْحَقْ الْعَبْدُ فِيهِ بِالْحُرِّ كَمَا لَمْ يَلْحَقْ الْحُرُّ بِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ. وَالْمُبَعَّضُ كَالْقِنِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا، فَلَوْ نَكَحَ الْحُرُّ خَمْسًا مَثَلًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ الْعَبْدُ ثَلَاثًا كَذَلِكَ بَطَلْنَ إذْ لَيْسَ إبْطَالُ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، فَبَطَلَ الْجَمِيعُ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ أَوْ مُرَتِّبًا فَالْخَامِسَةُ لِلْحُرِّ وَالثَّالِثَةُ لِلْعَبْدِ يَبْطُلُ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ حَصَلَ بِهَا. (وَلَا يَنْكِحُ الْحُرُّ أَمَةً) لِغَيْرِهِ (إلَّا بِشَرْطَيْنِ) بَلْ بِثَلَاثَةٍ وَإِنْ عَمَّ الثَّالِثُ الْحُرَّ وَغَيْرَهُ. وَاخْتَصَّ بِالْمُسْلِمِ أَوَّلُ الثَّلَاثَةِ (عَدَمُ) قُدْرَتِهِ عَلَى (صَدَاقِ الْحُرَّةِ) وَلَوْ كِتَابِيَّةً تَصْلُحُ تِلْكَ الْحُرَّةُ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، أَوْ قَدَرَ عَلَى صَدَاقِهَا وَلَمْ يَجِدْهَا، أَوْ وَجَدَهَا وَلَمْ تَرْضَ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَهْرِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتْبَةَ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَمُوَحَّدَةٍ تَحْتِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (بَطَلْنَ) أَيْ الْخَمْسُ أَيْ بَطَلَ عَقْدُهُنَّ، إذْ لَا مَعْنَى لِبُطْلَانِ الذَّوَاتِ إلَّا إنْ كَانَ فِيهِنَّ نَحْوُ مَجُوسِيَّةٍ مِمَّنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهَا فَيَخْتَصُّ بِهَا الْبُطْلَانُ، أَوْ كَانَ فِيهِنَّ نَحْوُ أُخْتَيْنِ فَيَخْتَصُّ الْبُطْلَانُ بِهِمَا ق ل. وَقَوْلُهُ: " أَوْ كَانَ فِيهِنَّ " أَيْ الْخَمْسِ، وَمِثْلُهُنَّ السِّتُّ فِي الْحُرِّ أَوْ الثَّلَاثُ أَوْ الْأَرْبَعُ فِي الْعَبْدِ، بِخِلَافِهِمَا فِي سَبْعٍ فِي الْحُرِّ أَوْ خَمْسٍ فِي الْعَبْدِ فَهُوَ بَاطِلٌ فِي الْجَمْعِ سم مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْكِحُ الْحُرُّ) أَيْ كَامِلُ الْحُرِّيَّةِ وَلَوْ عِنِّينًا وَمَجْنُونًا بِالنُّونِ وَعَقِيمًا آيِسًا مِنْ الْوَلَدِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ بِمَنْ فِيهَا رِقٌّ، وَمِثْلُهَا الْمُوصِي يَحْمِلُهَا أَبَدًا إذَا أَعْتَقَهَا الْوَارِثُ. وَعِبَارَةُ سم: اُنْظُرْ هَلْ يَصِحُّ تَزْوِيجُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِأَوْلَادِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ بِمِلْكِ أَبِيهِمْ لَهُمْ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُمْ يَنْعَقِدُونَ أَرِقَّاءَ ثُمَّ يُعْتَقُونَ فَفِي هَذَا النِّكَاحِ إرْقَاقُ أَوْلَادِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ؟ الْمُتَّجَهُ الثَّانِي اهـ رَحْمَانِيٌّ. وَيُلْغَزُ بِهَا، فَيُقَالُ: لَنَا حُرَّةٌ لَا تُنْكَحُ إلَّا بِشُرُوطِ الْأَمَةِ وَيُقَالُ فِي أَوْلَادِهَا أَرِقَّاءُ بَيْنَ حُرَّيْنِ اهـ كَمَا فِي زي. قَوْلُهُ: (أَمَةً) وَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً أَوْ مُبَعَّضَةً، وَلَوْ قَالَ مَنْ بِهَا رِقٌّ لَكَانَ أَوْلَى. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نِكَاحُ الْحُرِّ الْأَمَةَ إلَّا بِالشُّرُوطِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إرْقَاقَ الْوَلَدِ وَهُوَ مَحْذُورٌ شَرْعًا، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ حِلُّ نِكَاحِهَا إذَا انْتَفَى ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ عَقِيمَةً أَوْ هُوَ عَقِيمٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ عَمَّ بِحَسْبِ مَا يَرَاهُ الْمُجْتَهِدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّقِيقَ الْمُسْلِمَ يُشْتَرَطُ لَهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ وَهُوَ إسْلَامُهَا، وَالرَّقِيقُ الْكَافِرُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ شَيْءٌ، وَالْحُرُّ الْمُسْلِمُ يُشْتَرَطُ لَهُ الثَّلَاثَةُ، وَالْحُرُّ الْكَافِرُ يُشْتَرَطُ لَهُ الْأَوَّلَانِ. قَوْلُهُ: (لِغَيْرِهِ) إنَّمَا قُيِّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَمَةَ نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا مَعَ بَقَاءِ الرِّقِّ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ أَوْ لَا، أَيْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى مَنْ يَمْلِكُهَا أَوْ بَعْضَهَا وَإِنْ قَلَّ وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً وَمُكَاتَبَةً فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لِتَعَاطِيهِ عَقْدًا فَاسِدًا؛؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا جَائِزٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى، بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ فَهِيَ بِالنِّكَاحِ أَقْوَى؛ وَلِذَلِكَ لَوْ وَطِئَ أَمَةً بِالْمِلْكِ ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا أَيْ الْحُرَّةَ حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ دُونَ الْأُخْرَى. قَوْلُهُ: (بَلْ بِثَلَاثَةٍ) بَلْ بِأَكْثَرَ كَمَا يَدُلُّ لَهُ. قَوْلُهُ آخِرَ السِّوَادَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (عَدَمُ قُدْرَتِهِ إلَخْ) فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِسَبَبِ وُجُوبِ الْإِعْفَافِ عَلَى فَرْعِهِ امْتَنَعَتْ الْأَمَةُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ إرْقَاقِ وَلَدِهِ أَوْ بَعْضِهِ؛ سم. فَالْمُرَادُ قَدَرَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ ابْنٌ مُوسِرٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إعْفَافُهُ وَقَوْلُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ إرْقَاقِ الْوَلَدِ، أَيْ إنْ كَانَتْ رَقِيقَةً، وَقَوْلُهُ: " أَوْ بَعْضِهِ " إنْ كَانَتْ مُبَعَّضَةً. قَوْلُهُ: (عَلَى صَدَاقِ الْحُرَّةِ) وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَرْضَى بِهِ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَأَقَلَّ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَسْكَنِهِ وَخَادِمِهِ وَلِبَاسِهِ وَمَرْكُوبِهِ وَنَحْوِهَا سم، أَيْ فَاضِلًا عَمَّا تَحْتَاجُهُ فِي الْفِطْرَةِ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ فَرْعِهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ كَمَا تَقَدَّمَ لَا بِنَحْوِ هِبَةٍ، فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ هِبَةِ مَهْرٍ أَوْ أَمَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ كَمَا فِي ح ل. قَوْلُهُ: (تَصْلُحُ إلَخْ) هَلْ الْمُرَادُ صَلَاحِيَتُهَا بِاعْتِبَارِ مَيْلِ طَبْعِهِ أَوْ الرُّجُوعُ لِلْعُرْفِ الثَّانِي أَرْجَحُ. اهـ. م ر. قَالَ ح ل: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَعِفُّ سَائِرَ النَّاسِ وَلَا تُعِفُّهُ وَخَشِيَ الزِّنَا لَا يُزَوَّجُ الْأَمَةَ. وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا، وَقَدْ يُقَالُ: لَا بُعْدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَكْذِبُ حِينَئِذٍ فِي دَعْوَاهُ خَوْفَ الزِّنَا؛ لِأَنَّ مَعَ وُجُودِ مَنْ ذُكِرَ لَا يَخَافُ الزِّنَا اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدَرَ عَلَى صَدَاقِهَا إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَتْنِ، وَهُوَ. قَوْلُهُ: " عَدَمُ قُدْرَتِهِ " وَالتَّقْدِيرُ عَدَمُ قُدْرَتِهِ أَوْ قُدْرَتُهُ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ وَجَدَهَا " عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " وَلَمْ يَجِدْهَا ". وَقَوْلُهُ: " أَوْ لَمْ تَرْضَ بِهِ " عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " وَلَمْ تَرْضَ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا) أَيْ وَإِنْ قُلْت وَقَدَرَ عَلَيْهَا سم وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يَجِبُ شِرَاءُ مَاءِ الطُّهْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ اهـ. قَالَ ح ل: قَيَّدَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِمَا إذَا كَانَ الزَّائِدُ قَدْرًا يُعَدُّ بَذْلُهُ إسْرَافًا وَإِلَّا حَرُمَتْ الْأَمَةُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَاءِ الطُّهْرِ بِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْمَاءِ تَتَكَرَّرُ، وَجَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي تَنْقِيحِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 مِثْلِهَا، أَوْ لَمْ تَرْضَ بِنِكَاحِهِ لِقُصُورِ نَسَبِهِ وَنَحْوِهِ، أَوْ كَانَ تَحْتَهُ مَنْ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ كَصَغِيرَةٍ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ، أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ هَرِمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلَوْ قَدَرَ عَلَى حُرَّةٍ غَائِبَةٍ عَنْ بَلَدِهِ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ إنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي قَصْدِهَا. وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْمَشَقَّةَ بِأَنْ يُنْسَبَ مُحْتَمِلُهَا فِي طَلَبِ الزَّوْجَةِ إلَى الْإِسْرَافِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ، أَوْ خَافَ زِنًا مُدَّةَ قَصْدِ الْحُرَّةِ وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ. وَيَجِبُ السَّفَرُ لِلْحُرَّةِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ إذَا أَمْكَنَ انْتِقَالُهَا مَعَهُ إلَى وَطَنِهِ وَإِلَّا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ الْمَقَامَ مَعَهَا هُنَاكَ مِنْ التَّغَرُّبِ وَالرُّخَصُ لَا تَحْتَمِلُ هَذَا التَّضْيِيقَ. وَلَا يَمْنَعُ مَالُهُ الْغَائِبُ نِكَاحَ الْأَمَةِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى حُرَّةٍ بِبَيْعِ مَسْكَنِهِ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ، وَلَوْ وَجَدَ حُرَّةً تَرْضَى بِمُؤَجَّلٍ وَلَمْ يَجِدْ الْمَهْرَ، أَوْ تَرْضَى بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ وَاجِدُهُ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ تَصِيرُ مَشْغُولَةً فِي الْحَالِ وَقَدْ لَا يَجِدُهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ دُونَ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ، وَالْمِنَّةُ فِي ذَلِكَ قَلِيلَةٌ إذْ الْعَادَةُ الْمُسَامَحَةُ فِي الْمُهُورِ. وَلَوْ رَضِيَتْ حُرَّةٌ بِلَا مَهْرٍ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ أَيْضًا لِوُجُوبِ مَهْرِهَا بِالْوَطْءِ. (وَ) ثَانِي الشُّرُوطِ (خَوْفُ الْعَنَتِ) وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الزِّنَا بِأَنْ تَغْلِبَ شَهْوَتُهُ وَتَضْعُفَ تَقْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ   [حاشية البجيرمي] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ. وَفِي ع ش مَا يُوَافِقُ الْأَوَّلَ فَحُرِّرَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) كَدَنَاءَةِ حِرْفَتِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ تَحْتَهُ مَنْ لَا تَصْلُحُ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى جَعْلَهُ غَايَةً، أَيْ تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْحُرَّةِ وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَصَغِيرَةٍ إلَخْ) وَهَلْ الْمُتَحَيِّرَةُ كَاَلَّتِي تَصْلُحُ أَوْ لَا؟ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: نَعَمْ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: إنْ كَانَتْ نَفْسُهُ تَعَافُهَا فَهِيَ كَالْعَدَمِ وَإِلَّا فَكَالَّتِي تَصْلُحُ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ م ر أَنَّهَا تَمْنَعُ نِكَاحَ الْأَمَةِ مَا لَمْ يَخَفْ الزِّنَا زَمَنَ تَوَقُّعِ الشِّفَاءِ، وَعِبَارَتُهُ: وَالْمُتَحَيِّرَةُ صَالِحَةٌ فَتَمْنَعُ الْأَمَةَ لِتَوَقُّعِ شِفَائِهَا، وَمَحَلُّهُ إنْ أَمِنَ الْعَنَتَ زَمَنَ تَوَقُّعِ الشِّفَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْمَنْ فَلَا تَمْنَعُهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ ابْتِدَاءً نِكَاحُهَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً نَظَرًا لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا ذَكَرَهُ ح ل بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهَا الْآنَ غَيْرُ صَالِحَةٍ وَتَوَقُّعُ شِفَائِهَا لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ ضَعِيفٌ فَاحْذَرْهُ. قَوْلُهُ: (لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ) أَيْ وَطْأَهُ، وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ مِنْ غَيْرِهِ اهـ س ل. قَوْلُهُ: (أَوْ هَرَمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ أَوْ كَانَتْ زَانِيَةً كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ فَيَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ أَوْ مُعْتَدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مِنْهُ فَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، إنْ كَانَتْ بَائِنًا فَلَا يُشْتَرَطُ انْقِضَاؤُهَا كَمَا فِي ح ل. قَوْلُهُ: (فَلَوْ قَدَرَ عَلَى حُرَّةٍ غَائِبَةٍ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحُرَّةِ الْحَاضِرَةِ، أَمَّا الْغَائِبَةُ فَمَا حُكْمُهَا؟ فَقَالَ: فَلَوْ قَدَرَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُنْسَبَ. . . إلَخْ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ غُرْمُ مَالٍ. وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِسْرَافِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ لَوْمٌ وَتَعَيُّرٌ مِنْ النَّاسِ بِقَصْدِهَا ق ل. فَقَوْلُهُ: " وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ " أَيْ الْعَادَةُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَمْ يَخَفْ الزِّنَا مُدَّةَ السَّفَرِ فَلَا تَحِلُّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إذَا أَمْكَنَ انْتِقَالُهَا مَعَهُ) أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ السَّفَرُ، فَالشُّرُوطُ ثَلَاثَةٌ كَمَا قَالَهُ الْمَدَابِغِيُّ؛ لَكِنْ الْأَوَّلَانِ أَحَدُهُمَا يَكْفِي فَهُوَ شَرْطٌ مُرَدَّدٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَالرُّخَصُ) أَيْ الَّتِي مِنْهَا نِكَاحُ الْأَمَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْنَعُ مَالُهُ الْغَائِبُ) وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ لَا يَجِدُهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ) أَمَّا إذَا عُلِمَ قُدِّرَتْ عِنْدَ الْمَحَلِّ فَلَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَكَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ عِنْدَ حُلُولِهِ لَزِمَهُ الشِّرَاءُ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ تَحْرِيمِ الْأَمَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِي الزَّوْجَةِ كُلْفَةً أُخْرَى وَهِيَ النَّفَقَةُ وَالْكُسْوَةُ فَإِنَّهُمَا يَجِبَانِ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ عَرْضِهَا عَلَيْهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ ثَمَنِ الْمَاءِ اهـ زي. قَوْلُهُ: (لِوُجُوبِ مَهْرِهَا بِالْوَطْءِ) وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهَا قَدْ تُنْذَرُ لَهُ بِإِسْقَاطِهِ إنْ وَطِئَ لِلْمِنَّةِ الَّتِي لَا تُحْتَمَلُ حِينَئِذٍ اهـ م ر. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْوُقُوعُ) فِيهِ أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْعَنَتَ اسْمٌ لِلزِّنَا لَا الْوُقُوعِ فِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ الْوُقُوعُ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ فِي الْمَتْنِ، أَيْ خَوْفَ وُقُوعِ الزِّنَا؛ وَلَيْسَ مُرَادُهُ تَفْسِيرَ الْعَنَتِ بِالْوُقُوعِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَتَسْمِيَةُ الزِّنَا بِالْعَنَتِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا سَبَبٌ وَالْمُسَبَّبَ الْمَشَقَّةُ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَغْلِبَ شَهْوَتُهُ) وَلَوْ عِنِّينًا وَخَصِيًّا. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا أَنَّ الْعِنِّينَ كَالْمَمْسُوحِ لَا يَخْشَى الْعَنَتَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِوُجُودِ آلَةِ الزِّنَا فِيهِ كَالْخَصِيِّ بِخِلَافِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 وُقُوعُ الزِّنَا بَلْ تَوَقُّعُهُ لَا عَلَى نُدُورٍ، فَمَنْ ضَعُفَتْ شَهْوَتُهُ وَلَهُ تَقْوَى أَوْ مُرُوءَةٌ وَحَيَاءٌ يُسْتَقْبَحُ مَعَهُ الزِّنَا، أَوْ قَوِيَتْ شَهْوَتُهُ وَتَقْوَاهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الزِّنَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرِقَّ وَلَدَهُ لِقَضَاءِ وَطَرٍ أَوْ كَسْرِ شَهْوَةٍ. وَأَصْلُ الْعَنَتِ الْمَشَقَّةُ، سُمِّيَ بِهِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهَا بِالْحَدِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ. وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] إلَى قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] وَالطَّوْلُ السَّعَةُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَبِالْعَنَتِ عُمُومِهِ لَا خُصُوصِهِ حَتَّى لَوْ خَافَ الْعَنَتَ مِنْ أَمَةٍ بِعَيْنِهَا لِقُوَّةِ مَيْلِهِ إلَيْهَا وَحُبِّهِ لَهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ؛ لِأَنَّ الْعِشْقَ لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ هَذَا تَهْيِيجٌ مِنْ الْبَطَالَةِ وَإِطَالَةِ الْفِكْرِ، وَكَمْ مِنْ إنْسَانٍ اُبْتُلِيَ بِهِ وَسَلَاهُ اهـ. وَالْوَجْهُ تَرْكُ التَّقْيِيدِ بِوُجُودِ الطَّوْلِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ نِكَاحِهَا عِنْدَ فَقْدِ الطَّوْلِ فَيَفُوتُ اعْتِبَارُ عُمُومِ الْعَنَتِ مَعَ أَنَّ وُجُودَ الطَّوْلِ كَافٍ فِي الْمَنْعِ مِنْ نِكَاحِهَا، وَبِهَذَا الشَّرْطِ عُلِمَ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَنْكِحُ أَمَتَيْنِ، وَأَنَّ الْمَمْسُوحَ وَالْمَجْبُوبَ ذَكَرُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ   [حاشية البجيرمي] الْمَجْبُوبِ وَالْمَمْسُوحِ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ) غَايَةٌ. قَوْلُهُ: (بِالْحَدِّ فِي الدُّنْيَا) أَيْ إنْ حُدَّ وَالْعُقُوبَةُ فِي الْآخِرَةِ إنْ لَمْ يُحَدَّ؛ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ. فَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَيَصِحُّ بَقَاؤُهَا عَلَى بَابِهَا، وَيُرَادُ بِالْعُقُوبَةِ عُقُوبَةُ الْإِقْدَامِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِالْحَدِّ بَلْ بِالتَّوْبَةِ أَوْ مَحْضِ عَفْوِ اللَّهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: لِأَنَّهُ سَبَبُهَا بِالْحَدِّ أَوْ الْعَذَابِ اهـ. فَعَبَّرَ بِ " أَوْ " بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ جَوَابِرُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ الرَّاجِحُ، فَمَنْ حُدَّ فِي الدُّنْيَا لَا يُعَذَّبُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (وَالْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَرَاءَ الْعُقُوبَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ عُقُوبَاتٌ أُخْرَوِيَّةُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: ظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي سُقُوطَ الْمُطَالَبَةِ فِي الْآخِرَةِ إذَا أُقِيمَ الْحَدُّ فِي الدُّنْيَا. وَجَمَعَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ سُئِلَ النَّوَوِيُّ عَمَّنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَأُقِيمَ الْحَدُّ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ فِي الْآخِرَةِ؟ فَقَالَ: ظَاهِرُ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ تَابَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فِي الدُّنْيَا سَقَطَ عَنْهُ عِقَابُ الْآخِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ عُوقِبَ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ اهـ. فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ إلَّا إذَا وُجِدَ الْحَدُّ وَالتَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبِ الْإِقْدَامِ أَوْ التَّوْبَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الذَّنْبِ حَدٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الشَّرْطَيْنِ. قَوْلُهُ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] غِنًى. وَقَوْلُهُ: {أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ صِفَةٍ لِطَوْلًا، أَيْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ غِنًى يَبْلُغُ بِهِ نِكَاحَ الْمُحْصَنَاتِ يَعْنِي الْحَرَائِرَ لِقَوْلِهِ: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] الْآيَةَ اهـ بَيْضَاوِيٌّ بِاخْتِصَارٍ. وَقَوْلُهُ " نِكَاحَ " مَأْخُوذٌ مِنْ أَنْ وَالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ. قَوْلُهُ: (الْمُؤْمِنَاتِ) جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، بَلْ لَوْ وَجَدَ حُرَّةً كِتَابِيَّةً امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّزْوِيجُ بِالْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَبِالْعَنَتِ عُمُومُهُ) أَيْ وَالْمُرَادُ بِالْعَنَتِ، أَيْ الَّذِي فِي الْآيَةِ. وَلَوْ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالزِّنَا إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى لِيَكُونَ تَفْسِيرًا لِكَلَامِهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا آثَرَ مَا فِي الْآيَةِ لِقُرْبِهِ وَشَرَفِهِ فَكَانَ بِالتَّفْسِيرِ أَحْرَى وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ تَفْسِيرُ مَا فِي كَلَامِهِ؛ وَلَعَلَّ هَذَا مَلْحَظُ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (عُمُومُهُ) بِأَنْ خَافَ الزِّنَا بِأَيِّ امْرَأَةٍ كَانَتْ. وَعِبَارَةُ ح ل: لَيْسَ الْمُرَادُ عُمُومَهُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ حَتَّى الرَّدِيئَةِ وَنَحْوِهَا، بَلْ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِوَاحِدَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ تَحْتَهُ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلتَّمَتُّعِ يَخْشَى الْعَنَتَ. قَوْلُهُ: (وَالْوَجْهُ تَرْكُ التَّقْيِيدِ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَيْ الرُّويَانِيِّ إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ، وَهُوَ كَذَلِكَ ق ل. قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّ وُجُودَ الطَّوْلِ) أَيْ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ عُمُومِ الْعَنَتِ. قَوْلُهُ: (وَبِهَذَا الشَّرْطِ) أَيْ خَوْفِ الْعَنَتِ. قَوْلُهُ: (لَا يَنْكِحُ أَمَتَيْنِ) أَيْ صَالِحَتَيْنِ فِيمَا يَظْهَرُ، خِلَافًا لِلْحَلَبِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا غَيْرَ صَالِحَةٍ اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا يَنْكِحُ أَمَتَيْنِ أَيْ فِي عَقْدٍ مُطْلَقًا أَوْ فِي عَقْدَيْنِ سَوَاءٌ انْتَفَتْ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِوَاحِدَةٍ إلَّا فِي غَائِبَةٍ مَثَلًا فَلَهُ التَّزَوُّجُ وَلَوْ بِأَرْبَعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 الزِّنَا. وَلَوْ وَجَدَتْ الْأَمَةُ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا وَأَرَادَتْ إبْطَالَ النِّكَاحِ وَادَّعَى الزَّوْجُ حُدُوثَ الْجَبِّ بَعْدَ النِّكَاحِ وَأَمْكَنَ حُكِمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حُدُوثُهُ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مُنْدَمِلًا وَقَدْ عُقِدَ النِّكَاحُ أَمْسِ حُكِمَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ. وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ إسْلَامُهَا لِمُسْلِمٍ حُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ فَلَا تَحِلُّ لَهُ كِتَابِيَّةٌ أَمَّا الْحُرُّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وَأَمَّا غَيْرُ الْحُرِّ فَلِأَنَّ الْمَانِعَ نِكَاحَهَا كُفْرُهَا، فَسَاوَى الْحُرَّ كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَمَنْ   [حاشية البجيرمي] مِنْ الْإِمَاءِ كَأَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ فَتَزَوَّجَ أَمَةً بِمِصْرٍ ثُمَّ خَلَّفَهَا فِيهَا وَذَهَبَ إلَى الْحِجَازِ فَخَافَ الْعَنَتَ وَلَحِقَهُ مَشَقَّةٌ فِي الذَّهَابِ إلَى زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ فَتَزَوَّجَ بِأَمَةٍ أُخْرَى وَخَلَّفَهَا فِيهِ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْيَمَنِ وَهَكَذَا إلَى أَرْبَعٍ، وَلَهُ جَمْعُهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ؛؛ لِأَنَّ طُرُوُّ الْيَسَارِ لَا يَضُرُّ وَإِنْ أَمِنَ الزِّنَا وَقَدَرَ عَلَى الْحُرَّةِ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّ الْمَمْسُوحَ إلَخْ) خَرَجَ بِهِمَا الْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ فَلَهُمَا نِكَاحُ الْأَمَةِ بِشَرْطِهِ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمَجْبُوبِ الذَّكَرِ مُطْلَقًا إذْ لَا يُخْشَى الزِّنَا، وَمِثْلُهُ الْعِنِّينُ وَحُلَّ لِلْمَمْسُوحِ. وَقَوْلُهُ " مُطْلَقًا " سَوَاءٌ وُجِدَتْ بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (وَأَرَادَتْ إبْطَالَ النِّكَاحِ) أَيْ بِدَعْوَاهَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مَجْبُوبٌ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ فَحْلٌ وَأَنَّ هَذَا الْجَبَّ عَارِضٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ مَا لَمْ يَدُلَّ الْحَالُ عَلَى كَذِبِهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. فَائِدَةٌ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ: خُصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا مُقَيَّدٌ بِخَوْفِ الْعَنَتِ وَهُوَ مَعْصُومٌ وَبِفِقْدَانِ مَهْرِ الْحُرَّةِ وَنِكَاحُهُ غِنًى عَنْ الْمَهْرِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَبِرِقِّ الْوَلَدِ وَمَنْصِبُهُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ، وَلَوْ قُدِّرَ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ كَانَ وَلَدُهُ مِنْهَا حُرًّا عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ قُلْنَا بِجَرَيَانِ الرِّقِّ عَلَى الْعَرَبِ. وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْمَغْرُورِ بَحْرِيَّة أَمَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ فَاتَ الرِّقُّ بِظَنِّهِ، وَهُنَا الرِّقُّ مُتَعَذِّرٌ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ خَوْفُ الْعَنَتِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ لِعِصْمَتِهِ وَلَا فَقْدُ الطَّوْلِ. وَلَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَمَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ أُمَّتِهِ، فَإِنَّ جَوَازَ تَزْوِيجِهِمْ بِالْأُمَّةِ خَوْفُ الْعَنَتِ. وَفِقْدَانُ الطَّوْلِ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى وَاحِدَةٍ، قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ: وَلَوْ قُدِّرَ نِكَاحُ غَرُورٍ فِي حَقِّهِ لَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ لَا يَنْعَقِدُ رَقِيقًا، فَمَعَ الْجَهْلِ بِهِ أَوْلَى. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ: وَفِي تَصَوُّرِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ نَظَرٌ إذَا قُلْنَا إنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ حَرَامٌ مَعَ كَوْنِهِ لَا إثْمَ فِيهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُصَانَ جَانِبُهُ عَنْهُ وَأَنْ يُقَالَ بِجَوَازِهِ لِفَقْدِ الْإِثْمِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ قَطُّ اضْطِرَارٌ إلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ، بَلْ لَوْ أَعْجَبَتْهُ أَمَةٌ وَجَبَ عَلَى مَالِكِهَا بَذْلُهَا إلَيْهِ هِبَةً قِيَاسًا عَلَى الطَّعَامِ، أَيْ عَلَى وُجُوبِ بَذْلِهِ. وَكَانَ إذَا خَطَبَ امْرَأَةً فَرُدَّ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا أَيْ إلَى خِطْبَتِهَا، وَهَذَا مِنْ شَرَفِ النَّفْسِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «كَانَ إذَا خَطَبَ فَرُدَّ لَمْ يَعُدْ فَخَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَتْ حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أَبِي فَاسْتَأْمَرَتْهُ: فَأَذِنَ فَلَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ لَهُ فَقَالَ: قَدْ الْتَحَفْنَا لِحَافًا غَيْرَك» . فَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: فَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ وَالْكَرَاهَةَ قِيَاسًا عَلَى إمْسَاكِ كَارِهَتِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ثُمَّ إنَّ هَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ بِوَجْهٍ فَإِثْبَاتُهَا بِهِ مِنْ قَبِيلِ الرَّجْمِ بِالْغَيْبِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَلَعَلَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ، وَلِكَوْنِهِ يَكُونُ تَقْيِيدًا لِكَلَامِ الْمَتْنِ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (إسْلَامُهَا) أَيْ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِكَافِرٍ فَلَا يُؤَثِّرُ كُفْرُ سَيِّدِهَا لِحُصُولِ صِفَةِ الْإِسْلَامِ فِيهَا. وَاسْتَشْكَلَ تَصْوِيرُهَا. وَيُجَابُ بِتَصْوِيرِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ أَوْ الْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّهَا تَقِرُّ فِي يَدِ الْكَافِرِ وَفِي مُكَاتَبَةٍ أَسْلَمَتْ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (فَلَا تَحِلُّ لَهُ كِتَابِيَّةٌ) أَيْ أَمَةٌ، أَيْ بِخِلَافِ التَّسَرِّي فَإِنَّهُ يَجُوزُ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ بِأَنَّ الْوَلَدَ رَقِيقٌ فِي النِّكَاحِ وَحُرٌّ فِي التَّسَرِّي لِكَوْنِهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا نُقْصَانٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَثَّرَ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ وَهُمَا الْكُفْرُ وَالرِّقُّ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُهَا كَالْحُرَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ لِاجْتِمَاعِ نَقْصِ الْكُفْرِ وَعَدَمِ الْكِتَابِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 بَعْضُهَا رَقِيقٌ وَبَاقِيهَا حُرٌّ حُكْمُهَا كَرَقِيقٍ كُلِّهَا فَلَا يَنْكِحُهَا الْحُرُّ إلَّا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّ إرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ مَحْذُورٌ. وَفِي جَوَازِ نِكَاحِ أَمَةٍ مَعَ تَيَسُّرِ مُبَعَّضَةٍ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ إرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ أَهْوَنُ مِنْ إرْقَاقِ كُلِّهِ، وَعَلَى تَعْلِيلِ الْمَنْعِ اقْتَصَرَ الشَّيْخَانِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ الْمُرَجَّحُ. أَمَّا غَيْرُ الْمُسْلِمِ مِنْ حُرٍّ وَغَيْرِهِ كَكِتَابِيَّيْنِ فَتَحِلُّ لَهُ أَمَةٌ كِتَابِيَّةٌ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدِّينِ؛ وَلَا بُدَّ فِي نِكَاحِ الْحُرِّ الْكِتَابِيِّ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ مِنْ أَنْ يَخَافَ الزِّنَا وَيَفْقِدَ الْحُرَّةَ كَمَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْحُرِّ مُطْلَقًا نِكَاحُ أَمَةِ وَلَدِهِ وَلَا أَمَةِ مُكَاتَبَةٍ وَلَا أَمَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَيْهِ وَلَا مُوصًى لَهُ بِخِدْمَتِهَا (وَنَظَرُ الرَّجُلِ)   [حاشية البجيرمي] وَعِبَارَةُ ح ل: قَوْلُهُ {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] إلَخْ أَيْ فَانْكِحُوا مِمَّا مَلَكَتْ، فَالْكَلَامُ فِيمَنْ يَمْلِكُ وَهُمْ الْأَحْرَارُ؛ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي حُرِّيَّةَ النَّاكِحِ بَلْ حُرِّيَّةَ الْمَالِكِ. قَوْلُهُ: (كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ) أَيْ كَمَا حُرِّمَتَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْحُرِّ وَالرَّقِيقِ. قَوْلُهُ: (كَرَقِيقٍ كُلِّهَا) بِالْإِضَافَةِ. قَوْلُهُ: (مَحْذُورٌ) أَيْ مَمْنُوعٌ. قَوْلُهُ: (تَرَدُّدٌ) وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ إرْقَاقَ إلَخْ، فَهُوَ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: وَعَلَى تَعْلِيلِ الْمَنْعِ إلَخْ. وَلَوْ وَجَدَ أَمَةَ الْأَصْلِ وَغَيْرَ أَمَتِهِ تَعَيَّنَتْ أَمَةُ الْأَصْلِ لِلتَّزَوُّجِ إذْ إرْقَاقُ الْوَلَدِ لَا يَدُومُ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى الْأَصْلِ كَمَا فِي س ل. قَوْلُهُ: (وَعَلَى تَعْلِيلِ الْمَنْعِ) أَيْ مَنْعِ كَامِلَةِ الرِّقِّ مَعَ تَيَسُّرِ مُبَعَّضَةٍ، اقْتَصَرَ الشَّيْخَانِ، وَاقْتِصَارُهُمَا عَلَيْهِ مُشْعِرٌ بِتَرْجِيحِ الْمُعَلَّلِ بِهِ وَتُقَدَّمُ قَلِيلَةُ الرِّقِّ عَلَى كَثِيرَتِهِ وَمَنْ عُلِّقَ حُرِّيَّةُ أَوْلَادِهَا عَلَى غَيْرِهَا ق ل. وَالْقُدْرَةُ عَلَى أَمَةٍ أَصْلُهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ نِكَاحِ أَمَةِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَوْلَادُهُ يُعْتَقُونَ عَلَى أَصْلِهِ، وَنَظَرَ فِيهِ حَجّ بِأَنَّ بَقَاءَ مِلْكِ الْأَصْلِ إلَى الْعُلُوقِ غَيْرُ مُحَقَّقٍ وَدَلَالَةُ الِاسْتِصْحَابِ هُنَا ضَعِيفَةٌ وَفِي حَجّ أَنَّ أَوْلَادَهُ يَنْعَقِدُونَ أَحْرَارًا. وَفِي شَرْحِ م ر مَا يُوَافِقُهُ. وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى نِكَاحِ أَمَةِ أَصْلِهِ تَمْنَعُ صِحَّةَ نِكَاحِ أَمَةِ غَيْرِهِ، فَقِيَاسُهُ أَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى نِكَاحِ مَنْ عَلَّقَ سَيِّدُهَا حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهَا عَلَى وِلَادَتِهِمْ تَمْنَعُ صِحَّةَ نِكَاحِ أَمَةٍ لَيْسَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ اهـ حَلَبِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ عَزْوُهُ لِلسُّبْكِيِّ وَإِلَّا فَقَدْ عُلِمَ هَذَا مِنْ أَوَّلِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ لِلْكِتَابِيِّ، وَمِثْلُ الْكِتَابِيِّ الْمَجُوسِيُّ وَنَحْوُهُ فِي حِلِّ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ لَهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ أَيْضًا إذَا حَكَمْنَا بِحِلِّ نِكَاحِ الْمَجُوسِيِّ لِلْمَجُوسِيَّةِ اهـ س ل وم ر. قَوْلُهُ: (وَبِفَقْدِ الْحُرَّةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ، قَالَ تَعَالَى: {مَاذَا تَفْقِدُونَ} [يوسف: 71] {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} [يوسف: 72] . قَوْلُهُ: (كَمَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ) أَيْ مِنْ كَلَامِهِمْ أَيْ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا وَإِلَّا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ اهـ حَجّ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ خَافَ زِنًا أَمْ لَا فَقَدَ الْحُرَّةَ أَمْ لَا. وَقَوْلُهُ " نِكَاحُ أَمَةِ وَلَدِهِ " أَيْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعْفَافُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعْفَافُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّمْسِ الرَّمْلِيِّ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ وَمَنْ تَبِعَهُ؛ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا ابْتِدَاءً، فَلَوْ مَلَكَ الْوَلَدُ زَوْجَةَ أَبِيهِ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ اغْتَفَرُوا فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ. وَفِي قَوْلِ الشَّارِحِ " وَاعْلَمْ إلَخْ " إشَارَةٌ إلَى شُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ فِي جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ زِيَادَةً عَلَى الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ أَنْ لَا تَكُونَ أَمَةَ فَرْعِهِ وَلَا أَمَةَ مُكَاتَبِهِ وَلَا مَوْقُوفَةً عَلَيْهِ وَلَا مُوصًى لَهُ بِخِدْمَتِهَا دَائِمًا. قَوْلُهُ: (وَلَا أَمَةِ مُكَاتَبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، فَالْمَمْلُوكُ لَهُ كَالْمَمْلُوكِ لِسَيِّدِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَالشَّخْصُ لَا يَنْكِحُ أَمَتَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا أَمَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَيْهِ) وَلَا مُوصًى لَهُ بِخِدْمَتِهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ لَهُ كَالْمَمْلُوكَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا كَمَا لَا يَنْكِحُ مَمْلُوكَتَهُ. وَانْظُرْ هَلْ عَدَمُ حِلِّهَا ابْتِدَاءً وَدَوَامًا أَوْ ابْتِدَاءً فَقَطْ؟ اسْتَقْرَبَ ع ش الْأَوَّلَ، وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ " أَوْ مُوصًى لَهُ بِخِدْمَتِهَا " أَيْ عَلَى التَّأْبِيدِ لِجَرَيَانِ قَوْلِ إنَّهُ يَمْلِكُهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ غَايَتَهَا أَنَّهَا كَالْمُسْتَأْجَرَةِ لَهُ فَالْوَجْهُ حِلُّ تَزَوُّجِهِ بِهَا إذَا رَضِيَ الْوَارِثُ. قَوْلُهُ: (وَنَظَرُ الرَّجُلِ) أَيْ وَلَوْ احْتِمَالًا، فَشَمِلَ الْخُنْثَى كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (الْفَحْلِ) أَيْ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ الْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ فَإِنَّهُمَا نَحْوُ الْفَحْلِ لَا مِنْ الْفَحْلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَنْهَجِ؛ وَحِينَئِذٍ فَمَفْهُومُ الْفَحْلِ فِيهِ تَفْصِيلٌ: فَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْفَحْلِ مَمْسُوحًا فَيَجُوزُ نَظَرُهُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ كَالْمَحْرَمِ، وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا أَوْ خَصِيًّا حَرُمَ. وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 الْفَحْلِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ (إلَى الْمَرْأَةِ) وَلَوْ غَيْرَ مُشْتَهَاةٍ (عَلَى سَبْعَةِ أَضْرُبٍ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ، فَخَرَجَ بِقَيْدِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ نَظَرِهَا لِمِثْلِهَا لَكِنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ خُرُوجَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَهُ فِي النَّظَرِ حُكْمُ الرَّجُلِ، وَبِقَيْدِ الْفَحْلِ الْمَمْسُوحِ فَنَظَرُهُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ جَائِزٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَنَظَرِ الْفَحْلِ إلَى مَحَارِمِهِ. تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: الرَّجُلَ الْفَحْلَ وَالْخَصِيَّ وَهُوَ مَنْ قُلِعَتْ أُنْثَيَاهُ وَبَقِيَ ذَكَرُهُ، وَالْمَجْبُوبَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ مَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَبَقِيَ أُنْثَيَاهُ، وَالْعِنِّينَ وَالشَّيْخَ الْهَرَمَ وَالْمُخَنَّثَ وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ عَلَى الْأَفْصَحِ الْمُتَشَبِّهِ بِالنِّسَاءِ. وَبِقَيْدِ الْبَالِغِ الصَّبِيُّ وَلَوْ مُمَيِّزًا لَكِنَّ الْمُرَاهِقَ هُنَا كَالْبَالِغِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِقَيْدِ الْعَاقِلِ الْمَجْنُونُ فَنَظَرُهُ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ   [حاشية البجيرمي] بَعْضُهُمْ: إنَّمَا قُيِّدَ بِالْفَحْلِ لِإِخْرَاجِ الْمَمْسُوحِ فَقَطْ دُونَ مَنْ عَدَاهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ صَنِيعِهِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (الْبَالِغِ) ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ الْبَالِغُ، أَوْ يُقَالُ ذَكَرَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الرَّجُلَ مُرَادٌ بِهِ مَا قَابَلَ الْأُنْثَى فَيَشْمَلُ الصَّغِيرَ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الصَّبِيَّ. قَوْلُهُ: (إلَى الْمَرْأَةِ) الْمُرَادُ بِهَا مَنْ بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَيْرَ مُشْتَهَاةٍ) لِكِبَرٍ لَا لِصِغَرٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْمَرْأَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (عَلَى سَبْعَةِ أَضْرُبٍ) الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ هُوَ النَّظَرُ لِأَجْلِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا ذِكْرُ بَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ فَلِلْمُنَاسَبَةِ وَتَكْمِيلِ الْفَائِدَةِ. وَوَجْهُ التَّقْسِيمِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ مُطْلَقًا وَذَلِكَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يَجُوزَ مُطْلَقًا وَذَلِكَ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَجُوزَ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَذَلِكَ فِي الْمَحَارِمِ وَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَوْ الْمُعْتَدَّةِ أَوْ نَحْوِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَجُوزَ لِأَجْلِ الْخِطْبَةِ وَذَلِكَ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ، وَإِمَّا أَنْ يَجُوزَ لِأَجْلِ الْمُدَاوَاةِ وَذَلِكَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ، وَإِمَّا لِلْمُعَامَلَةِ وَالشَّهَادَةِ وَذَلِكَ لِلْوَجْهِ فَقَطْ؛ فَإِنْ كَانَ لِلشَّهَادَةِ عَلَى رَضَاعٍ أَوْ زِنًا فَبِالنَّظَرِ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِتَقْلِيبِ أَمَةٍ يُرِيدُ شِرَاءَهَا وَذَلِكَ إلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَى تَقْلِيبِهَا مِنْ الْبَدَنِ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (نَظَرِهَا لِمِثْلِهَا) وَهُوَ أَنَّ نَظَرَهَا لِمِثْلِهَا كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ) مَا لَمْ يُرِدْ الرَّجُلَ وَلَوْ احْتِمَالًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخُنْثَى مَعَ النِّسَاءِ كَالرَّجُلِ وَمَعَ الرِّجَالِ كَالْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ مَعَ الْخَنَاثَى بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ لِلِاحْتِيَاطِ، وَإِنَّمَا جَازَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاء تَغْسِيلُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ تَنْقَطِعُ مَعَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (وَبِقَيْدِ الْفَحْلِ الْمَمْسُوحِ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَحْلِ مَا عَدَا الْمَمْسُوحَ، وَقَوْلُهُ الْآتِي شَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الرَّجُلَ الْفَحْلَ وَالْخَصِيَّ وَالْمَجْبُوبَ وَالْعِنِّينَ وَالشَّيْخَ الْهَرِمَ وَالْمُخَنَّثَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَحْلِ مَا عَدَا الْخَمْسَةَ الَّتِي بَعْدَهُ؛؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ تَنَاقُضٌ. ثُمَّ رَأَيْت لِبَعْضِهِمْ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ " وَبِقَيْدِ الْفَحْلِ إلَخْ " يَقْتَضِي أَنَّ مُقَابِلَ الْفَحْلِ الْمَمْسُوحُ فَقَطْ وَأَنَّ الْمَجْبُوبَ وَالْخَصِيَّ مِنْ الْفَحْلِ، وَكَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ الْآتِي يَقْتَضِي أَنَّ الثَّلَاثَةَ تُقَابِلُ الْفَحْلَ، فَتَنَاقَضَ كَلَامُهُ وَمَا فِي التَّنْبِيهِ هُوَ الْمُطَابِقُ لِلُّغَةِ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَبِقَيْدِ الْفَحْلِ غَيْرُهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ مَمْسُوحًا فَجَائِزٌ نَظَرُهُ وَإِنْ كَانَ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا فَكَالْفَحْلِ؛ وَلَعَلَّ اقْتِصَارَ الشَّارِحِ فِي الْإِخْرَاجِ عَلَى الْمَمْسُوحِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْإِخْرَاجِ وَأَنَّ فِي مَفْهُومِ الْفَحْلِ تَفْصِيلًا فَلَا يُنَاقِضُ مَا ذُكِرَ فِي التَّنْبِيهِ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (الْمَمْسُوحُ) هُوَ ذَاهِبُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَهْوَةٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ فَإِنْ بَقِيَتْ فَكَالْفَحْلِ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ اهـ قِ ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَيُسَمَّى الْمَمْسُوحُ طَوَاشِيًا. قَوْلُهُ: (فَنَظَرُهُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ جَائِزٌ) أَيْ إنْ كَانَ عَدْلًا. وَعِبَارَةُ م ر: وَنَظَرُ مَمْسُوحِ ذَكَرِهِ كُلِّهِ وَأُنْثَيَاهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مَيْلٌ لِلنِّسَاءِ أَصْلًا، وَإِسْلَامِهِ فِي الْمُسْلِمَةِ وَعَدَالَتِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ مُتَّصِفَةٍ بِالْعَدَالَةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصَحِّ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ حَرَامٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، وَمَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ. قَوْلُهُ: (كَنَظَرِ الْفَحْلِ) أَيْ فَيَنْظُرُ الْمَمْسُوحُ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَفِيفًا. قَوْلُهُ: (قُلِعَتْ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْقَطْعِ وَلِفَقْدِهِمَا أَصَالَةً أَيْ خِلْقَةً. قَوْلُهُ: (الْمُرَاهِقَ إلَخْ) بِكَسْرِ الْهَاءِ هُوَ مَا قَارَبَ الِاحْتِلَامَ، أَيْ بِاعْتِبَارِ غَالِبِ سِنِّهِ وَهُوَ قُرْبُ خَمْسَةَ عَشْرَ سَنَةً فِيمَا يَظْهَرُ. وَخَرَجَ بِالْمُرَاهِقِ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ حِكَايَةَ مَا يَرَاهُ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ فَكَالْمُحْرِمِ، أَوْ بِشَهْوَةٍ فَكَالْبَالِغِ، أَوْ لَا يَحْسُنُ ذَلِكَ فَكَالْعَدِمِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ اهـ م ر؛ فَغَيْرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 كَالْبَهِيمَةِ. (أَحَدُهَا نَظَرُهُ) أَيْ الرَّجُلِ (إلَى) بَدَنِ امْرَأَةٍ (أَجْنَبِيَّةٍ) غَيْرَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَلَوْ غَيْرَ مُشْتَهَاةٍ قَصْدًا (لِغَيْرِ حَاجَةٍ) مِمَّا سَيَأْتِي (فَغَيْرُ جَائِزٍ) قَطْعًا وَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ، وَأَمَّا نَظَرُهُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَحَرَامٌ عِنْدَ خَوْفِ فِتْنَةٍ تَدْعُو إلَى الِاخْتِلَاءِ   [حاشية البجيرمي] الْبَالِغِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ. قَوْلُهُ: (كَالْبَالِغِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ النَّظَرِ وَيَحْرُمَ عَلَيْهِنَّ الْكَشْفُ عِنْدَهُ هَكَذَا ظَهَرَ لِي. قَوْلُهُ: (فَنَظَرُهُ لَا يُوصَفُ إلَخْ) أَيْ وَكَذَا نَظَرُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لَا يُوصَفُ بِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (كَالْبَهِيمَةِ) لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَى الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ النَّظَرُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَحَدُهَا نَظَرُهُ إلَى بَدَنِ أَجْنَبِيَّةٍ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ رُؤْيَةُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا وَإِنْ أُبِينَ كَظُفْرٍ وَشَعْرِ عَانَةٍ وَإِبْطٍ وَدَمِ حَجْمٍ وَفَصْدٍ، لَا نَحْوِ بَوْلٍ كَلُعَابٍ وَالْعِبْرَةُ فِي الْمُبَانِ بِوَقْتِ الْإِبَانَةِ، فَيَحْرُمُ مَا أُبِينَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ وَإِنْ نَكَحَهَا وَلَا يَحْرُمُ مَا أُبِينَ مِنْ زَوْجَةٍ وَإِنْ أَبَانَهَا. وَشَمِلَ النَّظَرُ مَا لَوْ كَانَ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ أَوْ مُهَلْهَلِ النَّسْجِ، وَخَرَجَ بِهِ رُؤْيَةُ الصُّورَةِ فِي نَحْوِ الْمِرْآةِ وَمِنْهُ الْمَاءُ فَلَا يَحْرُمُ وَلَوْ مَعَ شَهْوَةٍ. وَيَحْرُمُ سَمَاعُ صَوْتِهَا وَلَوْ نَحْوَ الْقُرْآنِ إنْ خَافَ مِنْهُ فِتْنَةً أَوْ الْتَذَّ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَالْأَمْرَدُ فِيمَا ذُكِرَ كَالْمَرْأَةِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَفِي ع ش عَلَى م ر: أَنَّهُ إذَا انْفَصَلَ مِنْهَا شَعْرٌ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا حَرُمَ النَّظَرُ إلَيْهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ، وَلَا نَظَرَ لِانْفِصَالِهِ فِي وَقْتٍ كَانَ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ النَّظَرُ. وَقَوْلُهُ " أَوْ الْتَذَّ بِهِ " أَيْ وَمَا وَقَعَ فِي ع ش عَلَى م ر مِنْ جَوَازِ السَّمَاعِ وَإِنْ الْتَذَّ بِهِ فَسَهْوٌ مِنْ الشَّيْخِ، فَفُهِمَ أَنْ يَقُولَ م ر: وَكَذَا سَمَاعُ الصَّوْتِ رَاجِعٌ لِلنَّفْيِ قَبْلَهُ، فَرُتِّبَ عَلَيْهِ الْجَوَازُ مَعَ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَنْفِيِّ، أَيْ وَكَذَا سَمَاعُ الصَّوْتِ فَلَا يَجُوزُ بِدَلِيلِ قَوْلِ م ر بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ، فَإِنَّ الَّذِي بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ إنَّمَا هُوَ الْحُرْمَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِنَا. وَمِنْ الصَّوْتِ الزَّغَارِيتُ كَمَا فِي ع ش. وَفِي سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ: هَلْ بَوْلُ الْمَرْأَةِ كَدَمِ فَصْدِهَا فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ أَوْ لَا؟ وَيُفَرَّقُ بِمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ جُزْءٌ مِمَّنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ، فَإِنَّ الْبَوْلَ لَا يُعَدُّ جُزْءًا بِخِلَافِ الدَّمِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. أَقُولُ: الْأَقْرَبُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ لِمَا عُلِّلَ بِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ: بَوْلُك طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: دَمُك اهـ. وَرُؤْيَةُ الدَّمِ لَا تَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَالْبَوْلِ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) أَخْرَجَهُمَا لِأَجْلِ حِكَايَةِ الْخِلَافِ الْآتِي فِيهِمَا. وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ وُجُودِ الشَّهْوَةِ وَالْفِتْنَةِ وَعَدَمِهِمَا أَوْ وُجُودِ أَحَدِهِمَا وَعَدَمِ الْآخَرِ؛ وَلَكِنَّ الْمُنَاسِبَ لِقَوْلِهِ الْآتِي، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِذَلِكَ إسْقَاطُ قَوْلِهِ غَيْرَ إلَخْ. قَوْله: (وَلَوْ غَيْرَ مُشْتَهَاةٍ) غَايَةٌ فِي الْحُرْمَةِ. قَوْلُهُ: (قَصْدًا) خَرَجَ مَا لَوْ وَقَعَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَا يَحْرُمُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (مِمَّا سَيَأْتِي) أَيْ مِنْ جَوَازِ النَّظَرِ لِلشَّهَادَةِ وَالْمُعَامَلَةِ. قَوْلُهُ: (فَغَيْرُ جَائِزٍ قَطْعًا) أَيْ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَّا هُوَ فَقَدْ اُخْتُصَّ بِإِبَاحَةِ النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ وَالْخَلْوَةِ بِهِنَّ وَإِرْدَافِهِنَّ عَلَى الدَّابَّةِ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ لِعِصْمَتِهِ؛ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنْ قِصَّةِ أُمِّ حَرَامٍ فِي دُخُولِهِ عَلَيْهَا وَنَوْمِهِ عِنْدهَا وَتَفْلِيَتِهَا رَأْسَهُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ وَلَا زَوْجِيَّةٌ، وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ رَضَاعٍ فَرَدَّهُ الدِّمْيَاطِيُّ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ. وَعَدَّ بَعْضُهُمْ مِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ كَانَ يُصَافِحُ النِّسَاءَ فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ وَذَلِكَ لِعِصْمَتِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ مُصَافَحَةُ الْأَجْنَبِيَّةِ لِعَدَمِ أَمْنِ الْفِتْنَةِ اهـ مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ؛ لَكِنْ رَأَيْت فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُصَافِحُ النِّسَاءَ إنَّمَا كَانَ يَأْخُذُ عَلَيْهِنَّ أَيْ يُبَايِعُهُنَّ، فَإِذَا أَحْرَزْنَ أَيْ حَفِظْنَ الْمُبَايَعَةَ قَالَ: اذْهَبْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ» اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ) هِيَ مَيْلُ النَّفْسِ وَدُعَاؤُهَا إلَى الْجِمَاعِ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا نَظَرُهُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَحَرَامٌ) وَفِي وَجْهٍ تَخْصِيصُ الْحُكْمِ بِالْوَجْهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَالِكِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا فِي طَرِيقِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ، وَعَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهُنَّ، وَصَوْتُهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنْ يَحْرُمُ الْإِصْغَاءُ إلَيْهِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَإِذَا قَرَعَ بَابُ الْمَرْأَةِ أَحَدٌ فَلَا تُجِيبُهُ بِصَوْتٍ رَخِيمٍ بَلْ تُغْلِظُ صَوْتَهَا بِأَنْ تَأْخُذَ طَرَفَ كَفَّيْهَا بِفِيهَا وَتُجِيبَ. وَفِي الْعُبَابِ: وَيُنْدَبُ إذَا خَافَتْ دَاعِيًا أَنْ تُغْلِظَ صَوْتَهَا بِوَضْعِ ظَهْرِ كَفِّهَا عَلَى فِيهَا اهـ. قَوْلُهُ: (فَحَرَامٌ) وَيُجِيبُ هَذَا الْقَائِلُ عَنْ الْآيَةِ الْآتِيَةِ بِأَنَّهَا وَارِدَةٌ فِي الصَّلَاةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (عِنْدَ خَوْفِ فِتْنَةٍ) أَيْ بِأَنْ يُفْتَنَ عَقْلُهُ، وَهَذَا قَيْدٌ لِأَجْلِ قَوْلِهِ " بِالْإِجْمَاعِ ". وَقَوْلُهُ " تَدْعُو إلَى الِاخْتِلَاءِ " كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ ذَلِكَ وَيَقُولُ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 بِهَا لِجِمَاعٍ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَلَوْ نَظَرَ إلَيْهِمَا بِشَهْوَةٍ وَهِيَ قَصْدُ التَّلَذُّذِ بِالنَّظَرِ الْمُجَرَّدِ وَأَمِنَ الْفِتْنَةَ حَرُمَ قَطْعًا، وَكَذَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِمَا عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ الْفِتْنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ. وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ، وَبِأَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ وَمُحَرِّكٌ لِلشَّهْوَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] وَاللَّائِقُ بِمَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ سَدُّ الْبَابِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْوَالِ كَالْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ لِلْجُمْهُورِ وَالشَّيْخَانِ لِلْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّهُ الصَّوَابُ لِكَوْنِ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ اهـ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِذَلِكَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْقَصْدِ مَا إذَا حَصَلَ النَّظَرُ اتِّفَاقًا فَلَا إثْمَ فِيهِ (وَ) الضَّرْبُ (الثَّانِي نَظَرُهُ) أَيْ الرَّجُلِ (إلَى) بَدَنِ (زَوْجَتِهِ وَ) إلَى بَدَنِ (أَمَتِهِ) الَّتِي يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا (فَيَجُوزُ)   [حاشية البجيرمي] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَدْعُو صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِلْفِتْنَةِ؛ لِأَنَّهَا مَيْلُ النَّفْسِ إلَى الِاخْتِلَاءِ بِهَا بِجِمَاعٍ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَظَرَ إلَيْهِمَا) أَيْ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الشَّهْوَةُ قَصْدُ التَّلَذُّذِ، أَيْ وَهِيَ التَّلَذُّذُ بِالنَّظَرِ الْمَقْصُودِ لِيُوَافِقَ تَفْسِيرَ غَيْرِهِ لَهَا بِأَنَّهَا التَّلَذُّذُ بِالنَّظَرِ، فَلَا مُخَالَفَةَ وَلَا إيرَادَ. قَوْلُهُ: (الْمُجَرَّدِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ جِمَاعٍ وَلَا مُقَدِّمَاتِهِ. قَوْلُهُ: (وَوَجَّهَهُ) أَيْ تَحْرِيمَ النَّظَرِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ. قَوْلُهُ: (سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ) أَيْ كَاشِفَاتٍ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَمُحَرِّكٌ) أَيْ مُثِيرٌ لَهَا. قَوْلُهُ: (سَدُّ الْبَابِ) أَيْ بَابِ النَّظَرِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ أَمْ لَا. وَقَوْلُهُ " وَالْإِعْرَاضُ " عَطْفُ تَفْسِيرٍ. قَوْلُهُ: (عَنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْوَالِ) أَيْ بَيْنَ الشَّهْوَةِ وَالْفِتْنَةِ وَعَدَمِهَا وَالْعَدَالَةِ وَعَدَمِهَا. قَوْلُهُ: (كَالْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَصِّلُوا فِي ذَلِكَ بَلْ حَرَّمُوا الِاخْتِلَاءَ بِهَا مُطْلَقًا سَدًّا لِبَابِ الْفَسَادِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ) أَيْ النَّظَرُ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. قَوْلُهُ: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] أَيْ مَوَاضِعَهَا، أَوْ أَنَّهُ أَطْلَقَ الزِّينَةَ عَلَى مَحَلِّهَا مَجَازًا. وَقَوْلُهُ: {إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أَيْ إلَّا مَا غَلَبَ ظُهُورُهُ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ فِي الْآيَةِ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ؛؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا فَيُبْدِينَهُ أَيْ يُظْهِرْنَهُ مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ هَذَا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذِهِ وَارِدَةٌ فِي عَوْرَةِ الصَّلَاةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عَامَّةٌ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ. قَوْلُهُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ) أَيْ الدَّلِيلِ وَالْمَأْخَذِ، أَيْ فَالْمُدْرَكُ وَهُوَ الدَّلِيلُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ عَدَمِ الْحُرْمَةِ؛ وَلَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ لِلِاحْتِيَاطِ اهـ م د، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ الِاسْتِدْرَاكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّك إنْ نَظَرْت لِقَوْلِهِ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا} [النور: 30] وَلِقَوْلِهِ سَدُّ الْبَابِ رَجَّحْت الْحُرْمَةَ، وَإِنْ نَظَرْت لِقَوْلِهِ: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] رَجَّحْت جَوَازَ النَّظَرِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ غَيْرُ خَاصَّةٍ بِالصَّلَاةِ. وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِلدَّلِيلِ، أَمَّا الْفَتْوَى وَالْمَذْهَبُ فَعَلَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ مِنْ الْحُرْمَةِ مُطْلَقًا؛ ثُمَّ رَأَيْت فِي الزِّيَادِيِّ مَا نَصُّهُ: لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ أَنَّ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ: التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ، أَيْ أَنَّ الْمُدْرَكَ مَعَ مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَهُوَ سَدُّ بَابِ النَّظَرِ اهـ. وَالْمُدْرَكُ بِضَمِّ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ أَيْ مَحَلُّ الْإِدْرَاكِ وَهُوَ الدَّلِيلُ وَأَمَّا الْفَتْحُ فَهُوَ تَحْرِيفٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (شَامِلٌ لِذَلِكَ) أَيْ لِمَا فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ حُرْمَةِ النَّظَرِ مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ. قَوْلُهُ: (اتِّفَاقًا) أَيْ وَلَوْ تَكَرَّرَ. قَوْلُهُ: (نَظَرُهُ) وَكَذَا مَسُّهُ حَتَّى الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي الْمَسِّ، بِخِلَافِ نَظَرِ الْفَرْجِ فَيُكْرَهُ. قَوْلُهُ: (الَّتِي يَحِلُّ إلَخْ) قَيْدٌ فِي كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، وَمِثْلُهَا الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُشْتَرَكَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الَّتِي يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِمَا لِيَرْجِعَ لِلزَّوْجَةِ أَيْضًا لِتَخْرُجَ الرَّجْعِيَّةُ وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ شُبْهَةٍ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ حَذْفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: إلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ إلَخْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 حِينَئِذٍ (أَنْ يَنْظُرَ إلَى) كُلِّ بَدَنِهِمَا حَالَ حَيَاتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اسْتِمْتَاعِهِ (مَا عَدَا الْفَرْجَ) الْمُبَاحَ مِنْهُمَا، فَلَا يَجُوزُ جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَيُكْرَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَإِلَى بَاطِنِهِ أَشَدُّ كَرَاهَةٍ «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مَا رَأَيْت مِنْهُ وَلَا رَأَى مِنِّي» أَيْ الْفَرْجَ. وَأَمَّا خَبَرُ: «النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ يُورِثُ الطَّمْسَ» أَيْ الْعَمَى كَمَا وَرَدَ كَذَلِكَ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فِي الضُّعَفَاءِ بَلْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالنَّظَرِ فِي أَحْكَامِ النَّظَرِ، وَخَالَفَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَحَسُنَ إسْنَادُهُ وَقَالَ: أَخْطَأَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ الْحُرْمَةَ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ يُورِثُ الْعَمَى فَقِيلَ فِي النَّاظِرِ وَقِيلَ فِي الْوَلَدِ وَقِيلَ فِي الْقَلْبِ، وَنَظَرُ الزَّوْجَةِ إلَى زَوْجِهَا كَنَظَرِهِ إلَيْهَا. تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُهُمْ الدُّبُرَ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ: وَالتَّلَذُّذُ بِالدُّبُرِ بِلَا إيلَاجٍ جَائِزٌ صَرِيحٌ فِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الدَّارِمِيُّ وَقَالَ بِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ. وَيَسْتَثْنِي زَوْجَتَهُ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ وَطْءِ الْغَيْرِ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَيَحِلُّ مَا سِوَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى عَوْرَةِ زَوْجِهَا إذَا مَنَعَهَا مِنْهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحَيَاةِ مَا بَعْدَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يَنْظُرَ إلَخْ لَكِنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ وَيَسْتَثْنِي زَوْجَتَهُ الْمُعْتَدَّةَ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا حَذْفَ مِنْ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ حَلَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا. قَوْلُهُ: (أَنْ يَنْظُرَ) خَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ، فَلَا خِلَافَ فِي حِلِّهِ وَلَوْ لِلْفَرْجِ اهـ. قَوْلُهُ: (حَالَ حَيَاتِهِمَا) قُيِّدَ فِيهِمَا، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ مُحْتَرَزَهُ فِي الْأَمَةِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ بِالْمُقَايَسَةِ وَخَرَجَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَحْرُمُ بِشَهْوَةٍ كَمَا قَالَهُ م ر. قَوْلُهُ: (الْمُبَاحِ) أَخْرَجَ الْفَرْجَ الَّذِي لَا يُبَاحُ وَطْؤُهُ وَهُوَ الدُّبُرُ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ) أَيْ بَلْ يَجُوزُ مَعَ تَرْجِيحِ الْكَرَاهَةِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا. وَلَا كَرَاهَةَ فِي نَظَرِ الدُّبُرِ لَكِنْ فِي الَأُجْهُورِيُّ عَنْ م ر أَنَّهُ يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي الزِّيَادِيِّ، فَمَا فِي الْحَاشِيَةِ مِنْ أَنَّ الدُّبُرَ لَا كَرَاهَةَ فِي النَّظَرِ إلَيْهِ سَهْوٌ وَلَعَلَّ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ الْفَرْجَ بِالْمُبَاحِ لِإِخْرَاجِ الدُّبُرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ خِلَافًا هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (فَيُكْرَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْفَرْجِ سَوَاءٌ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. قَوْلُهُ: (قَالَتْ عَائِشَةُ إلَخْ) هَذَا لَيْسَ نَصًّا فِي الْكَرَاهَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نَفْيُهَا الرُّؤْيَةَ لِشِدَّةِ الْحَيَاءِ. قَوْلُهُ: (فِي الضُّعَفَاءِ) أَيْ فِي الْأَحَادِيثِ الضُّعَفَاءِ. قَوْلُهُ: (الْمُسَمَّى بِالنَّظَرِ) أَيْ بِالْبَصِيرَةِ وَقَوْلُهُ فِي أَحْكَامِ النَّظَرِ أَيْ بِالْبَصَرِ. قَوْلُهُ: (وَخَالَفَ ابْنُ الصَّلَاحِ) أَيْ خَالَفَ ابْنَ حِبَّانَ فِي عَدِّهِ فِي الضُّعَفَاءِ. قَوْلُهُ: (وَحَسَّنَ إسْنَادَهُ) أَيْ نَقَلَ تَحْسِينَهُ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَا يُمْكِنُ التَّحْسِينُ فِي زَمَانِنَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ) أَيْ حُمِلَ النَّهْيُ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: (يُوهِمُ الْحُرْمَةَ) أَيْ حَيْثُ قَالَ: مَا عَدَا الْفَرْجَ، فَيُوهِمُ إخْرَاجَهُ مِنْ طَرَفِ الْجَوَازِ. قَوْلُهُ: (كَنَظَرِهِ إلَيْهَا) أَيْ جَائِزٌ، وَلَيْسَ التَّشْبِيهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُكْرَهُ نَظَرُهَا لِفَرْجِهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ فِي قُبُلِ الْمَرْأَةِ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ فِي الدُّبُرِ بِلَا مَانِعٍ لَهُ أَيْ لِلنَّظَرِ لِكُلٍّ. قَوْلُهُ: (شَمِلَ كَلَامُهُمْ) أَيْ الْأَئِمَّةِ، وَأَمَّا كَلَامُهُ فَلَا يَشْمَلُ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْفَرْجَ بِالْمُبَاحِ فَأَخْرَجَ الدُّبُرَ. قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ الْإِمَامِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ. قَوْلُهُ " صَرِيحٌ ". قَوْلُهُ: (وَالتَّلَذُّذُ بِالدُّبُرِ بِلَا إيلَاجٍ جَائِزٌ) شَامِلٌ لِمَسِّهِ بِذَكَرِهِ بِلَا إيلَاجٍ سم. وَقَوْلُهُ " صَرِيحٌ فِيهِ " أَيْ فِي الشُّمُولِ. قَوْلُهُ: (بِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ) أَيْ الدُّبُرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدُّبُرَ فِيهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ: قِيلَ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ يَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (وَيَسْتَثْنِي) أَيْ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ، وَأَمَّا عَلَى تَقْيِيدِ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَلَا اسْتِثْنَاءَ وَكَانَ الْأَوْلَى، وَخَرَجَ بِحِلِّ التَّمَتُّعِ إلَخْ أَوْ يَقُولُ أَمَّا الَّتِي يَحِلُّ إلَخْ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا بِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الْمَتْنِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ مَا سِوَاهُ) أَيْ مَا سِوَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْعَكْسِ) أَيْ إذَا مَنَعَتْهُ مِنْ النَّظَرِ. وَقَوْلُهُ " فَلَهَا النَّظَرُ " مَا لَمْ يَمْنَعْهَا فَإِنْ مَنَعَهَا حَرُمَ النَّظَرُ لِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ، هَذَا مَا تَحَرَّرَ بَعْدَ التَّوَقُّفِ ز ي. وَفِي ع ش عَلَى م ر: قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَمْنَعْهَا، أَيْ فَإِنْ مَنَعَهَا حَرُمَ عَلَيْهَا النَّظَرُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ لِغَيْرِ الْعَوْرَةِ، وَكُتِبَ أَيْضًا: قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَمْنَعْهَا اعْتَمَدَ ابْنُ حَجَرٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 الْمَوْتِ فَيَصِيرُ الزَّوْجُ فِي النَّظَرِ حِينَئِذٍ كَالْمَحْرَمِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ بِالْمَحْرَمِ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ بِشَهْوَةٍ فِي غَيْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَإِلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ، وَمِثْلُ الزَّوْجِ السَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ   [حاشية البجيرمي] الْجَوَازَ وَلَوْ مَنَعَهَا، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم فَرْعُ الْخِلَافِ الَّذِي فِي النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ لَا يَجْرِي فِي مَسِّهِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ؛ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَالَ بِتَحْرِيمِ مَسِّ الْفَرْجِ لَهُ وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ اهـ سُبْكِيٌّ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ مُحَرِّكٌ لِلشَّهْوَةِ بِلَا ضَرَرٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ اهـ قَالَ أج: وَلَوْ مَنَعَ وَالِدَتَهُ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهَا نَظَرُهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ نَظَرَ الْوَالِدَةِ إلَى وَلَدِهَا جَائِزٌ بِنَصِّ الشَّرْعِ وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجَةُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحَيَاةِ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ ق ل، لَكِنْ بِلَا شَهْوَةٍ. قَوْلُهُ: (وَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ حَتَّى الْفَرْجِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ. قَوْلُهُ: (وَإِلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ) مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ الرَّمْلِيِّ عَدَمُ الْحُرْمَةِ، وَيَحِلُّ بِلَا شَهْوَةٍ نَظَرٌ لِصَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى خَلَا فَرْجٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ، أَمَّا الْفَرْجُ فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَكَرٍ أَمْ مِنْ أُنْثَى؛ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْأُمَّ زَمَنَ الرَّضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ اهـ مَرْحُومِيٌّ. وَقَوْلُهُ " لَا تُشْتَهَى " أَيْ عِنْدَ أَهْلِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ، فَإِنْ لَمْ تُشْتَهَ لَهُمْ لِتَشَوُّهٍ بِهَا قُدِّرَ فِيمَا يَظْهَرُ زَوَالُ تَشَوُّهِهَا؛ فَإِنْ كَانَتْ مُشْتَهَاةً لَهُمْ حِينَئِذٍ حَرُمَ نَظَرُهَا وَإِلَّا فَلَا. وَفَارَقَتْ الْعَجُوزُ بِسَبْقِ اشْتِهَائِهَا وَلَوْ تَقْدِيرًا، فَاسْتُصْحِبَ، وَلَا كَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَظِنَّةٍ أَيْ فِي زَمَنِ مَظِنَّةٍ إلَخْ، أَوْ " فِي " زَائِدَةٌ. وَقَوْلُهُ " أَمَّا الْفَرْجُ " أَيْ الْقُبُلُ أَوْ الدُّبُرُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ فِي الْقُبُلِ بِالنَّاقِضِ بَلْ حَتَّى مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ الشَّعْرُ غَالِبًا. وَقَوْلُهُ " الْأُمَّ " أَيْ وَنَحْوَهَا كَمُرْضِعٍ لَهَا أَوْ مُرَبٍّ لَهَا فَيَجُوزُ لَهَا نَظَرُهُ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَسَّهُ لِلْحَاجَةِ كَغُسْلِهِ وَمَسْحَهُ لِلْحَاجَةِ كَذَلِكَ. وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِرْضَاعِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالْمَدَارُ عَلَى مَنْ يَتَعَهَّدُ الصَّبِيَّ بِالْإِصْلَاحِ وَلَوْ ذَكَرًا، كَإِزَالَةِ مَا عَلَى فَرْجِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ مَثَلًا كَدَهْنِ الْفَرْجِ بِمَا يُزِيلُ ضَرَرَهُ، ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يَتَعَاطَى صَلَاحَهُ بَيْنَ كَوْنِ الْأُمِّ قَادِرَةً عَلَى كَفَالَتِهِ وَاسْتِغْنَائِهَا عَنْ مُبَاشَرَةِ غَيْرِهَا وَعَدَمِهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الْفَرْجِ مَحَلُّهُ إذَا خُلِقَ بِلَا فَرْجٍ أَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ إعْطَاءً لَهُ حُكْمُ الْفَرْجِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر؛ قَالَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ: جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى فَرْجِ الصَّغِيرَةِ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْعِدَّةِ الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِجَوَازِ النَّظَرِ إلَى فَرْجِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَالصَّغِيرِ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: فِيهِ وَجْهَانِ؛ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ لِتَسَامُحِ النَّاسِ بِذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَتَبْقَى الْإِبَاحَةُ إلَى بُلُوغِهِ بِسِنِّ التَّمْيِيزِ. وَأَمَّا الْعَجُوزُ فَقَدْ أَلْحَقَهَا الْغَزَالِيُّ بِالشَّابَّةِ، فَإِنَّ الشَّهْوَةَ لَا تَنْضَبِطُ وَهِيَ مَحَلٌّ لِلْوَطْءِ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: إذَا بَلَغَتْ مَبْلَغًا يُؤْمَنُ الِافْتِتَانُ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا جَازَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُ الزَّوْجِ السَّيِّدُ إلَخْ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ وَإِلَى أَمَتِهِ إلَخْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ " وَمِثْلُ الزَّوْجِ السَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ " أَيْ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ فِي حَقِّ أَمَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْمَحْرَمِ فَهُوَ مَفْرُوضٌ فِي الْمَوْتِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيَاةِ. وَقَوْلُهُ " الَّتِي يَحِلُّ إلَخْ " لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَالْمَحْرَمِ فِي حَقِّهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ. وَقَوْلُهُ " أَمَّا الَّتِي لَا يَحِلُّ لَهُ فِيهَا ذَلِكَ " مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَإِلَى بَدَنِ أَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَلَيْسَ مَفْهُومٌ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّك عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ؛ هَكَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْعَشْمَاوِيُّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ سَرَتْ لِلشَّارِحِ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ غَافِلًا عَمَّا سُبِقَ لَهُ، فَإِنَّهُ قَيْدٌ فِيهَا بِالزَّوْجِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا سَبَقَ: وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحَيَاةِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَصِيرُ الزَّوْجُ إلَخْ، فَقُيِّدَ بِالزَّوْجِ وَحَمْلُهُ عَلَى حَالَةِ الْحَيَاةِ يُصَيِّرُهُ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ. وَقَوْلُهُ " أَمَّا الَّتِي لَا يَحِلُّ لَهُ فِيهَا ذَلِكَ " يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَفْهُومُ مَا يَلِيهِ مِنْ قَوْلِهِ: " الَّتِي يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا " فَيَكُونُ رَاجِعًا لِحَالَةِ الْمَوْتِ، لَكِنْ لَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْمَفْهُومِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ الَّتِي يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا كَالْمَحْرَمِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَا الَّتِي لَا يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَلَا فَرْقَ بَعْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 بِهَا، أَمَّا الَّتِي لَا يَحِلُّ لَهُ فِيهَا ذَلِكَ بِكِتَابَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ كُفْرٍ كَتَوَثُّنٍ وَرِدَّةٍ وَعِدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ وَنَسَبٍ وَرَضَاعٍ وَمُصَاهَرَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُهُ مِنْهَا إلَى مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ دُونَ مَا زَادَ أَمَّا الْمُحَرَّمَةُ بِعَارِضٍ قَرِيبِ الزَّوَالِ كَحَيْضٍ وَرَهْنٍ فَلَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَيْهَا. (وَ) الضَّرْبُ الثَّالِثُ (نَظَرُهُ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (أَوْ) إلَى (أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ) وَمِثْلِهَا الَّتِي يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا كَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ، فَيَجُوزُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فِيمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مَعْنًى يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُنَاكَحَةِ، فَكَانَا كَالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالْمَانِعُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَمَةِ صَيْرُهَا كَالْمَحْرَمِ، أَمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ فِي الْمَحْرَمِ إجْمَاعًا، وَمِثْلُ الْمَحْرَمِ الْأَمَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِنَظَرِ الْمَحْرَمِ وَالسَّيِّدِ فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْمُقْرِي تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ عَدَمِ الشَّهْوَةِ النَّظَرُ بِهَا، فَيَحْرُمُ مُطْلَقًا فِي كُلِّ مَا لَا يُبَاحُ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ   [حاشية البجيرمي] الْمَوْتِ بَيْنَ الَّتِي يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَبَيْنَ الَّتِي لَا يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ مَفْهُومُ قَوْلِ الشَّارِحِ سَابِقًا الَّتِي يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَيَكُونُ رَاجِعًا لِحَالَةِ الْحَيَاةِ إذْ هِيَ الَّتِي يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ مَا يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَمَا لَا يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا. قَوْلُهُ: (بِكِتَابَةٍ) أَيْ صَحِيحَةٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَرِكَةٍ) وَإِنَّمَا حَلَّ نَظَرُهُ لِأَمَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ، أَيْ وَلَمْ يَحِلَّ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى سَيِّدَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ أَقْوَى مِنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ، فَأُبِيحَ لِلْمَالِكِ مَا لَا يُبَاحُ لِلْمَمْلُوكِ اهـ م ر. وَعِبَارَةُ الشَّعْرَانِيِّ فِي الْمِيزَانِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ عَبْدَ الْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ لَهَا فَيَجُوزُ نَظَرُهُ إلَيْهَا وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالنَّوَوِيُّ: إنَّهُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِسَيِّدَتِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ الَّذِي يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَحْرَمٌ لَهَا لَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ، وَالْآيَةُ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْإِمَاءِ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ مَقَامَ السِّيَادَةِ كَمَقَامِ الْأُمُومَةِ فِي نَفْرَةِ الطَّبْعِ مِنْ التَّلَذُّذِ بِالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَمْ يُشَاهِدْهُ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدَتِهِ مِنْ الْهَيْبَةِ وَالتَّعْظِيمِ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ السِّيَادَةَ تَنْقُصُ عَنْ مَقَامِ الْأُمِّ فِي ذَلِكَ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَنَسَبٍ) أَيْ مَحْرَمِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَمُصَاهَرَةٍ) بِأَنْ كَانَتْ أُمَّ زَوْجَتِهِ أَوْ زَوْجَةَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ بِنْتَ زَوْجَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ كُلِّ مَانِعٍ لَا يَزُولُ أَوْ بَعِيدِ الزَّوَالِ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " وَنَحْوِ ذَلِكَ " لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ أُخْتُ مَوْطُوءَتِهِ أَوْ عَمَّتِهَا. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُحَرَّمَةُ بِعَارِضٍ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هَذَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ غَيْرَ زَائِلٍ أَوْ بَعِيدَ الزَّوَالِ كَمَا فِي الْأَمْثِلَةِ أَمَّا الْمُحَرَّمَةُ إلَخْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " أَمَّا الْمُحَرَّمَةُ بِعَارِضٍ إلَخْ " مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " بِكِتَابَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ إلَخْ " لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا رَاجِعًا لِلْأَمَةِ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ عَامٌّ فِيهَا وَفِي الزَّوْجَةِ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِكِتَابَةٍ إلَخْ خَاصٌّ بِالْأَمَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ أَمَّا الْمُحَرَّمَةُ بِعَارِضٍ رَاجِعٍ لِكُلِّ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ فَقَوْلُهُ كَحَيْضٍ رَاجِعٌ لَهُمَا وَقَوْلُهُ وَرَهْنٍ رَاجِعٌ لِلْأَمَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَيْهَا) أَيْ لِكُلِّ بَدَنِهَا وَلَوْ بِشَهْوَةٍ، وَأَمَّا مَسُّ الْحَائِضِ فَيَجُوزُ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ دُونَ مَا بَيْنَهُمَا وَأَمَّا الْمَرْهُونَةُ فَيَجُوزُ كُلٌّ مِنْ النَّظَرِ وَالْمَسِّ لِكُلِّ بَدَنِهَا. صَاحِبَاتِ فَإِضَافَتُهَا بَيَانِيَّةٌ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ لِلْأَخَصِّ، أَوْ الْمُرَادُ بِالذَّوَاتِ الْأَبْدَانُ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحَارِمِ الْأَقَارِبُ؛ وَكَأَنَّهُ قَالَ: إلَى ذَوَاتِ أَقَارِبِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُعْتَدَّةِ) أَيْ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ) أَيْ النَّظَرُ دُونَ الْمَسِّ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ شَهْوَةٍ) أَيْ وَلَوْ كَافِرًا؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تُحَرِّمُ الْمُنَاكَحَةَ فَكَانَا كَالرَّجُلَيْنِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ الْكَافِرُ مِنْ قَوْمٍ يَعْتَقِدُونَ حِلَّ الْمَحَارِمِ كَالْمَجُوسِ امْتَنَعَ نَظَرُهُ وَخَلْوَتُهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (مَعْنًى) أَيْ وَصْفٌ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ. قَوْلُهُ: (أَمَّا بَيْنَ إلَخْ) كَذَا بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُنَاسِبُ: أَمَّا مَا بَيْنَ إلَخْ تَأَمَّلْ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ) عِبَارَةُ ح ل: وَأَمَّا السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ فَلَا يَحْرُمَانِ عِنْدَ شَيْخِنَا، وَفِي كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ مَا يُفِيدُ حُرْمَةَ نَظَرِهِمَا اهـ نَعَمْ يَحْرُمُ نَظَرُ الْجُزْءِ الْمُلَاصِقِ لِلْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ اهـ قِ ل. قَوْلُهُ: (فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ) أَيْ عِبَارَةُ الْمَتْنِ، وَقَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْمُقْرِي حَيْثُ قَالَ: فَيَجُوزُ النَّظَرُ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِمَا فَوْقَ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 بِهِ، وَلَكِنَّ النَّظَرَ فِي الْخِطْبَةِ يَجُوزُ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ. (وَ) الضَّرْبُ (الرَّابِعُ النَّظَرُ) الْمَسْنُونُ (لِأَجْلِ النِّكَاحِ) فَيَجُوزُ بَلْ يُسَنُّ إذَا قَصَدَ نِكَاحَهَا وَرَجَا رَجَاءً ظَاهِرًا أَنَّهُ يُجَابُ إلَى خِطْبَتِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَقَدْ خَطَبَ امْرَأَةً: اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ» وَمَعْنَى يُؤْدَمُ يَدُومُ قُدِّمَتْ الْوَاوُ عَلَى الدَّالِ وَقِيلَ مِنْ الْإِدَامِ مَأْخُوذٌ مِنْ إدَامِ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ يَطِيبُ بِهِ حَكَى الْأَوَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالثَّانِيَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَوَقْتُ النَّظَرِ قَبْلَ الْخِطْبَةِ وَبَعْدَ الْعَزْمِ عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْعَزْمِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَبَعْدَ الْخِطْبَةِ قَدْ يُفْضِي الْحَالُ إلَى التَّرْكِ فَيَشُقُّ عَلَيْهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ النَّظَرُ عَلَى إذْنِهَا وَلَا إذْنِ وَلِيِّهَا اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِعِ، وَلِئَلَّا تَتَزَيَّنَ فَيَفُوتُ غَرَضُهُ. وَلَهُ تَكْرِيرُ نَظَرِهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِيَتَبَيَّنَ هَيْئَتَهَا فَلَا يَنْدَمُ بَعْدَ النِّكَاحِ. وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ الْحَاجَةُ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَسَوَاءٌ أَكَانَ بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي نَظَرِهِ بِشَهْوَةٍ نَظَرٌ وَيَنْظُرُ فِي الْحُرَّةِ (إلَى) جَمِيعِ (الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) ظَهْرًا وَبَطْنًا؛ لِأَنَّهُمَا مَوَاضِعُ مَا يَظْهَرُ مِنْ الزِّينَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَالْحِكْمَةُ   [حاشية البجيرمي] بِعِبَارَةِ، وَضَمَّنَ الْعِبَارَةَ مَعْنَى التَّعْبِيرِ فَعَدَّاهَا بِالْبَاءِ، وَإِلَّا فَكَانَ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: وَهِيَ مَا فَوْقَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ مَا لَا يُبَاحُ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِ) آدَمِيًّا أَوْ جَمَادًا. قَوْلُهُ: (وَلَكِنَّ النَّظَرَ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ " مُطْلَقًا " فَإِنَّهُ شَامِلٌ حَتَّى لِلنَّظَرِ لِلنِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (الْمَسْنُونُ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَجْلِ الْإِضْرَابِ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَرَجَا رَجَاءً ظَاهِرًا أَنَّهُ يُجَابُ إلَى خِطْبَتِهِ) وَإِنْ اسْتَوَتْ الْإِجَابَةُ وَعَدَمُهَا فَفِيهِ احْتِمَالَانِ، وَالْأَوْجَهُ الْجَوَازُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ سم. وَيُشْتَرَطُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنْ تَكُونَ خَلِيَّةً عَنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ. تَنْبِيهٌ لَوْ رَأَى امْرَأَتَيْنِ مَعًا مِمَّنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُمَا فِي النِّكَاحِ لِيُعْجِبَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا يَتَزَوَّجُهَا جَازَ؛ وَلَا وَجْهَ لِمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ مِنْ الْحُرْمَةِ. وَيُؤَيِّدُ مَا نُقِلَ مَا لَوْ خَطَبَ خَمْسًا مَعًا حَيْثُ تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ حَتَّى يَخْتَارَ شَيْئًا اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ خَطَبَ) أَيْ عَزَمَ وَأَرَادَ خِطْبَتَهَا. وَعِبَارَةُ حَجّ الْهَيْثَمِيِّ فِي كِتَابِهِ الْإِفْصَاحِ فِي أَحَادِيثِ النِّكَاحِ نَصُّهَا عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ» أَيْ أَرَادَ خِطْبَتَهَا، بِدَلِيلِ رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيُّ. وَرَوَى أَبُو يَعْلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَلْيَسْأَلْ عَنْ شَعْرِهَا فَإِنَّهُ أَحَدُ الْجَمَالَيْنِ» وَأَخْرَجَ ابْنُ النَّجَّارِ وَغَيْرُهُ «عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ خَطَبْت جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي: رَأَيْتهَا؟ فَقُلْت: لَا فَقَالَ: فَانْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ تَدُومَ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ. «فَأَتَيْتهمْ فَذَكَرْت ذَلِكَ إلَى وَالِدَيْهَا فَنَظَرَ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ فَقُمْت فَخَرَجْت، فَقَالَتْ الْجَارِيَةُ: عَلَيَّ بِالرَّجُلِ فَوَقَفْت نَاحِيَةَ خِدْرِهَا فَقَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَك أَنْ تَنْظُرَ إلَيَّ فَانْظُرْ وَإِلَّا فَأَنَا أُحَرِّجُ عَلَيْك أَنْ تَنْظُرَ، فَنَظَرْت إلَيْهَا فَتَزَوَّجْتهَا فَمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً قَطُّ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْهَا وَلَا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْهَا، وَقَدْ تَزَوَّجْت سَبْعِينَ امْرَأَةً» . قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ) أَيْ النَّظَرَ أَحْرَى أَيْ أَحَقُّ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا. قَوْلُهُ: (وَمَعْنَى يُؤْدَمَ) يَدُومَ قُدِّمَتْ الْوَاوُ عَلَى الدَّالِ وَفُتِحَتْ الدَّالُ فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْوَاوِ وَعَلَى الثَّانِي بِالْهَمْزَةِ قَوْلُهُ وَقِيلَ مِنْ الْإِدَامِ عِبَارَةُ م ر وَقِيلَ مِنْ الْأُدْمِ لِأَنَّهُ يُطَيِّبُ الطَّعَامَ قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ النَّظَرِ إلَخْ) قَالَ م ر وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بَقَاءُ نَدْبِ النَّظَرِ وَإِنْ خَطَبَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ أَيْ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ بَعْدَ الْخِطْبَةِ أَيْضًا وَفِي حَاشِيَةِ ح ل فَهُوَ بَعْدَ الْخِطْبَةِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ بَلْ هُوَ جَائِزٌ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ وَلَا يَتَقَيَّدُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَنَّهُ إذَا اكْتَفَى بِمَرَّةٍ حَرُمَ مَا زَادَ اهـ م د وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّظَرَ بَعْدَ الْخِطْبَةِ قِيلَ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَقِيلَ مُبَاحٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ قَوْلُهُ: (اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِع) عِبَارَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 فِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ أَنَّ فِي الْوَجْهِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْجَمَالِ وَفِي الْيَدَيْنِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى خِصْبِ الْبَدَنِ، أَمَّا الْأَمَةُ وَلَوْ مُبَعَّضَةً فَيُنْظَرُ مِنْهَا مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَالَ إنَّهُ مَفْهُومُ كَلَامِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ نَظَرُهُ إلَيْهَا أَوْ لَمْ يَرُدَّهُ بَعَثَ امْرَأَةً أَوْ نَحْوَهَا تَتَأَمَّلُهَا وَتَصِفُهَا لَهُ، وَيَجُوزُ لِلْمَبْعُوثِ أَنْ يَصِفَ لِلْبَاعِثِ زَائِدًا عَلَى مَا يَنْظُرُ فَيَسْتَفِيدُ بِالْبَعْثِ مَا لَا يَسْتَفِيدُهُ بِنَظَرِهِ، وَيُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ غَيْرَ عَوْرَتِهِ إذَا أَرَادَتْ تَزْوِيجَهُ فَإِنَّهَا يُعْجِبُهَا مِنْهُ مَا يُعْجِبُهُ مِنْهَا وَتَسْتَوْصِفُ كَمَا مَرَّ فِي الرَّجُلِ. تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَنْظُرُ مِنْ الْآخَرِ مَا عَدَا عَوْرَةَ الصَّلَاةِ وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ فَلَا يَجُوزُ إذْ   [حاشية البجيرمي] م ر وَلَمْ يُنْظَرْ لِاشْتِرَاطِ إذْنِ مَالِكِ أَمْرِهَا كَأَنَّهُ لِمُخَالَفَةِ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعِبَارَةُ النَّسَّابَةِ ثُمَّ الْمَنْظُورُ مِنْهَا الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ ظَهْرًا وَبَطْنًا وَلَا يُنْظَرُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ يُنْظَرُ إلَى الْمَفْصِلِ وَقِيلَ يُنْظَرُ إلَيْهِمَا نَظَرَ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ اهـ قَوْلُهُ: (وَالْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَقَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْحِكْمَةُ تُوجَدُ فِي الْأَمَةِ فَمُقْتَضَاهَا أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ مِنْ الْأَمَةِ إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ كَالْحُرَّةِ لِلْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا قَالَ أَهْلُ الْفِرَاسَةِ وَالْخِبْرَةِ بِالنِّسَاءِ إذَا كَانَ فَمُ الْمَرْأَةِ وَاسِعًا كَانَ فَرْجُهَا وَاسِعًا وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا كَانَ فَرْجُهَا صَغِيرًا ضَيِّقًا وَإِنْ كَانَ شَفَتَاهَا غَلِيظَتَيْنِ كَانَ إسْكَتَاهَا غَلِيظَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ شَفَتَاهَا رَقِيقَتَيْنِ كَانَ إسْكَتَاهَا رَقِيقَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ السُّفْلَى رَقِيقَةً كَانَ فَرْجُهَا صَغِيرًا وَإِنْ كَانَ لِسَانُهَا شَدِيدَ الْحُمْرَةِ كَانَ فَرْجُهَا جَافًّا مِنْ الرُّطُوبَةِ وَإِنْ كَانَ لِسَانُهَا مَقْطُوعَ الرَّأْسِ كَانَ فَرْجُهَا كَثِيرَ الرُّطُوبَةِ وَإِنْ كَانَتْ حَدْبَاءَ الْأَنْفِ فَهِيَ قَلِيلَةُ الْغَرَضِ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ مَا وَرَاءَ أُذُنِهَا مَخْسُوفًا فَإِنَّهَا شَدِيدَةُ الرَّغْبَةِ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةَ الذَّقَنِ فَإِنَّ فَاتِحَةَ الْفَرْجِ قَلِيلَةُ الشَّعْرِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ الذَّقَنِ فَإِنَّهَا غَامِضَةُ الْفَرْجِ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةَ الْوَجْهِ غَلِيظَةَ الْعُنُقِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِغَرِ الْعَجُزِ وَكِبَرِ الْفَرْجِ وَضِيقِهِ وَإِذَا كَثُرَ ظَاهِرُ شَحْمِ قَدَمِهَا وَبَدَنِهَا عَظُمَ فَرْجُهَا وَحَظِيَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ نَتِيئَةَ السَّاقَيْنِ فِي صَلَابَةٍ فَإِنَّهَا شَدِيدَةُ الشَّهْوَةِ لَا صَبْرَ لَهَا عَنْ الْجِمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ كَحِيلَةً كَبِيرَةً فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْغُلْمَةِ وَضِيقِ الرَّحِمِ وَصِغَرُ الْعَجُزِ مَعَ عِظَمِ الْأَكْتَافِ يَدُلَّانِ عَلَى عِظَمِ الْفَرْجِ اهـ قَوْلُهُ أَمَّا الْأَمَةُ إلَخْ فَإِنْ قُلْت لِمَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ هُنَا مَعَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي نَظَرِ الْفَحْلِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ عَلَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ قُلْت لِأَنَّ النَّظَرَ هُنَا مَأْمُورٌ بِهِ وَإِنْ خِيفَ الْفِتْنَةُ فَأُنِيطَ بِغَيْرِ الْعَوْرَةِ وَهُنَاكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً بِدَلِيلِ حُرْمَةِ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْحُرَّةِ وَبَدَنِهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ مَعَ التَّسْوِيَةِ فِي نَظَرِ الْفَحْلِ حَيْثُ يَحْرُمُ نَظَرُهُ لِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا وَلَوْ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً وَقَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ بِخِلَافِ الرَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِجَوَازِ نَظَرِ الْفَحْلِ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ سُرَّةِ وَرُكْبَةِ الْأَمَةِ إنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ وَقَالَ أَيْضًا بِجَوَازِ نَظَرِهِ إلَى وَجْهِ الْحُرَّةِ وَكَفَّيْهَا عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ فَسَوَّى بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي الْمَحَلَّيْنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ (وَقَالَ إنَّهُ مَفْهُومُ كَلَامِهِمْ) أَيْ تَعْلِيلِهِمْ عَدَمَ حِلِّ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ بِأَنَّهُ عَوْرَةٌ قَوْلُهُ (بَعَثَ امْرَأَةً أَوْ نَحْوَهَا) كَالْمَمْسُوحِ وَالْمَحْرَمِ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ امْرَأَةً تَخْطُبُ لَهُ امْرَأَةً فَقَالَ اُنْظُرِي إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَعَرَاقِيبِهَا وَشُمِّي عَوَارِضَهَا» اهـ قَوْلُهُ (زَائِدًا عَلَى مَا يَنْظُرُهُ) أَيْ الْبَاعِثُ كَالصَّدْرِ وَالْبَطْنِ وَالْعَضُدَيْنِ قَوْلُهُ (إذَا أَرَادَتْ تَزْوِيجَهُ) أَيْ تَزَوُّجَهُ قَوْلُهُ (وَتَسْتَوْصِفُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ إذَا أَرْسَلَتْ وَاحِدًا تَسْأَلُ مِنْهُ عَنْ صِفَاتِهِ قَوْلُهُ (أَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ) أَيْ مِنْ الْخَاطِبِ وَالْمَخْطُوبَةِ وَسَمَّاهُمَا زَوْجَيْنِ نَظَرًا لِلْمَآلِ ق ل قَوْلُهُ (وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ) وَلَوْ لِأَعْمَى فَلَا يَجُوزُ لَهُ فَيُوَكِّلُ مَنْ نَظَرَ لَهُ وَخَرَجَ بِهَا أُخْتُهَا فَلَا يَجُوزُ نَظَرُهُ لَهَا مُطْلَقًا وَأَمَّا أَخُوهَا الْأَمْرَدُ أَوْ وَلَدُهَا إذَا كَانَ يُشْبِهُهَا فَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ بِشَهْوَةٍ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. (وَ) الضَّرْبُ (الْخَامِسُ النَّظَرُ لِلْمُدَاوَاةِ) كَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَعِلَاجٍ وَلَوْ فِي فَرْجٍ (فَيَجُوزُ إلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ فِي التَّحْرِيمِ حِينَئِذٍ حَرَجًا فَلِلرَّجُلِ مُدَاوَاةُ الْمَرْأَةِ وَعَكْسُهُ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ إنْ جَوَّزْنَا خَلْوَةَ أَجْنَبِيٍّ بِامْرَأَتَيْنِ وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ امْرَأَةٍ يُمْكِنُهَا تَعَاطِي ذَلِكَ مِنْ امْرَأَةٍ وَعَكْسُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي   [حاشية البجيرمي] كَالْخَطِيبِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر فِي مَبْحَثِ نَظَرِ الْأَمْرَدِ وَشَرْطُ الْحُرْمَةِ أَنْ لَا تَدْعُوَ إلَى نَظَرِهِ حَاجَةٌ فَإِنْ دَعَتْ كَمَا لَوْ كَانَ لِلْمَخْطُوبَةِ نَحْوُ وَلَدٍ أَمْرَدَ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ رُؤْيَتُهَا وَسَمَاعُ وَصْفِهَا جَازَ لَهُ نَظَرُهُ إنْ بَلَغَهُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْحُسْنِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ اهـ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ نَظَرُ أُخْتِهَا لَكِنْ إنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً فَيَنْبَغِي امْتِنَاعُ نَظَرِهَا بِغَيْرِ رِضَا زَوْجِهَا أَوْ ظَنِّ رِضَاهُ وَكَذَا بِغَيْرِ رِضَاهَا إنْ كَانَتْ عَزْبَاءَ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهَا وَمَصْلَحَةَ زَوْجِهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ هَذَا الْخَاطِبِ سم عَلَى حَجّ قَالَ ع ش وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِأَمْنِ الْفِتْنَةِ وَعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ فِي الْمَخْطُوبَةِ نَفْسِهَا اهـ وَقَوْلُهُ (نَحْوُ وَلَدٍ) لَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِهِ لِأَنَّ الْمُشَابَهَةَ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا تَقَعُ بَيْنَ نَحْوِ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا وَإِلَّا فَلَوْ بَلَغَهُ اسْتِوَاءُ الْمَرْأَةِ وَشَخْصٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْهَا وَتَعَذَّرَتْ رُؤْيَتُهَا فَيَنْبَغِي جَوَازُ النَّظَرِ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَسَمَاعُ وَصْفِهَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ إرْسَالُ امْرَأَةٍ تَنْظُرُهَا لَهُ وَتَصِفُهَا لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ فَإِنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ كَالْمُعَايَنَةِ فَقَدْ يُدْرِكُ النَّاظِرُ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ مَا تَقْصُرُ الْعِبَارَةُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ (جَازَ لَهُ نَظَرُهُ) قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ رُؤْيَةِ الْأَمْرَدِ رِضَاهُ وَلَا رِضَا وَلِيِّهِ وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظَرِ أُخْتِ الزَّوْجَةِ بِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي نَظَرِ الْأَمْرَدِ مَا لَا يُتَسَامَحُ بِهِ فِي نَظَرِ الْمَرْأَةِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُعْتَمَدُ جَوَازَ نَظَرِ الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْفِتْنَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (وَالْخَامِسُ النَّظَرُ لِلْمُدَاوَاةِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ شُرُوطِ النَّظَرِ لِأَجْلِ الْمُدَاوَاةِ سِتَّةٌ: أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى نَظَرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَاتِّحَادُ الْجِنْسِ أَوْ فَقْدُهُ مَعَ حُضُورِ نَحْوِ مَحْرَمٍ وَفَقْدُ مُسْلِمٍ فِي حَقِّ مُسْلِمٍ وَالْمُعَالِجُ كَافِرٌ وَأَنْ يَكُونَ الطَّبِيبُ أَمِينًا وَأَنْ يَأْمَنَ الِافْتِتَانَ وَوُجُودُ مُطْلَقِ الْحَاجَةِ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَتَأَكُّدُهَا فِيمَا عَدَا السَّوْأَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَمَزِيدُ تَأَكُّدِهَا فِي السَّوْأَتَيْنِ؛ وَزِيدَ سَابِعٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَكْشِفَ إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ وَلَا يُحْتَاجَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُغْنِي عَنْهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيُعْتَبَرُ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفِّ أَدْنَى حَاجَةٍ وَفِيمَا عَدَاهُمَا مُبِيحُ تَيَمُّمٍ إلَّا الْفَرْجَ وَقُرْبَهُ، فَيُعْتَبَرُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ اشْتِدَادُ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَا يُعَدَّ الْكَشْفُ لِذَلِكَ هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ " وَيُعْتَبَرُ فِي الْوَجْهِ " أَيْ مِنْ الْمَرْأَةِ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ إلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا) وَأَمَّا الْمَسُّ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (بِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ) أَيْ لِلْمُعَالَجِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَحْرَمُ أُنْثَى إنْ كَانَ الْمُعَالَجُ أُنْثَى كَأَمَةٍ مَثَلًا لَا ذَكَرًا كَأَبِيهِ حَذَرًا مِنْ الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَأَمَّا مَحْرَمُ الْمُعَالَجَةِ فَيَكُونُ ذَكَرًا كَأَبِيهَا أَيْ إذَا كَانَ الْمُعَالَجُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى كَأُمِّهَا. قَوْلُهُ: (إنْ جَوَّزْنَا خَلْوَةَ أَجْنَبِيٍّ بِامْرَأَتَيْنِ) أَمَّا الْخَلْوَةُ بِأَمْرِ دِينٍ فَلَا تَجُوزُ أَصْلًا. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِيُ مِنْ الْأُخْرَى فَلَا تُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهَا بِحَضْرَتِهَا، بِخِلَافِ الْأَمْرَدِ فَإِنَّهُ قَدْ يُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهِ بِحَضْرَةِ آخَرَ. وَعِبَارَةُ حَجّ: وَحَلَّ خَلْوَةُ رَجُلٍ بِامْرَأَتَيْنِ ثِقَتَيْنِ وَلَيْسَ الْأَمْرَدَانِ كَالْمَرْأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَّلُوا بِهِ مِنْ اسْتِحْيَاءِ كُلٍّ بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى لَا يَأْتِي فِي الْأَمْرَدَيْنِ اهـ. قَالَ سم: قَدْ يُقَالُ بَلْ يَأْتِي؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ قَدْ لَا يَسْتَحْيِ بِحَضْرَةِ مِثْلِهِ إذَا كَانَ فَاعِلًا وَيَسْتَحْيِ إذَا كَانَ مَفْعُولًا. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ امْرَأَةٍ يُمْكِنُهَا تَعَاطِي ذَلِكَ) رَتَّبَ الْبُلْقِينِيُّ ذَلِكَ فَقَالَ: فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ فَصَبِيٌّ مُسْلِمٌ غَيْرُ مُرَاهِقٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَصَبِيٌّ غَيْرُ مُرَاهِقٍ كَافِرٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَامْرَأَةٌ كَافِرَةٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ فَمَحْرَمُهَا الْمُسْلِمُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمَحْرَمُهَا الْكَافِرُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَأَجْنَبِيٌّ مُسْلِمٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَأَجْنَبِيٌّ كَافِرٌ اهـ. وَالْمُتَّجَهُ تَأْخِيرُ الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ عَنْ الْمَحْرَمِ بِقِسْمَيْهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَمَرْأَةٌ تَقَدَّمَتْ عَلَى الصَّبِيِّ ... غَيْرِ مُرَاهِقٍ بِإِسْلَامٍ حَيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ ذِمِّيًّا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمٍ وَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ لَا تَكُونَ كَافِرَةً أَجْنَبِيَّةً مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ لِعِلَاجِ الْمَرْأَةِ إلَّا كَفَّارَةً وَمُسْلِمًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُقَدَّمُ؛ لِأَنَّ نَظَرَهَا وَمَسَّهَا أَخَفُّ مِنْ الرَّجُلِ، بَلْ الْأَشْبَهُ عَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهَا تَنْظُرُ مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ. وَقُيِّدَ فِي الْكَافِي الطَّبِيبُ بِالْأَمِينِ فَلَا يُعْدَلُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ وُجُودِهِ. وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ يَأْمَنَ الِافْتِتَانَ وَلَا يَكْشِفَ إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ، وَفِي مَعْنَى مَا ذُكِرَ نَظَرُ الْخَاتِنِ إلَى فَرْجِ مَنْ يَخْتِنُهُ 53 وَنَظَرُ الْقَابِلَةِ إلَى فَرْجِ الَّتِي تُوَلِّدُهَا، وَيُعْتَبَرُ فِي النَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مُطْلَقُ الْحَاجَةِ وَفِي غَيْرِهِمَا مَا عَدَا السَّوْأَتَيْنِ تَأَكُّدُهَا بِأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَشِدَّةِ الضَّنَا، وَفِي السَّوْأَتَيْنِ مَزِيدُ تَأَكُّدِهَا بِأَنْ لَا يُعَدَّ الْكَشْفُ بِسَبَبِهَا هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ. (وَ) الضَّرْبُ (السَّادِسُ النَّظَرُ لِلشَّهَادَةِ) تَحَمُّلًا وَأَدَاءً أَوْ لِلْمُعَامَلَةِ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ (فَيَجُوزُ) حَتَّى يَجُوزَ فِي الشَّهَادَةِ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ لِلشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالْوِلَادَةِ، وَإِلَى الثَّدْيِ لِلشَّهَادَةِ عَلَى الرَّضَاعِ، وَإِذَا نَظَر إلَيْهَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا كُلِّفَتْ الْكَشْفَ عَنْ وَجْهِهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ إنْ لَمْ يَعْرِفْهَا فِي نِقَابِهَا، فَإِنْ عَرَفَهَا لَمْ يُفْتَقَرْ إلَى الْكَشْفِ بَلْ يَحْرُمْ النَّظَرُ حِينَئِذٍ. وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَانَةِ وَلَدِ الْكَافِرِ لِيَنْظُرَ هَلْ نَبَتَتْ أَوْ لَا، وَيَجُوزُ لِلنِّسْوَةِ أَنْ يَنْظُرْنَ إلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَبَالَتَهُ وَامْتَنَعَتْ عَنْ التَّمْكِينِ. تَنْبِيهٌ هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً، فَإِنْ خَافَهَا لَمْ يَنْظُرْ إلَّا إنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَيَنْظُرُ وَيَضْبِطُ نَفْسَهُ، وَأَمَّا فِي الْمُعَامَلَةِ فَيَنْظُرُ   [حاشية البجيرمي] وَكَافِرٌ كَذَا فَإِنْ تَعَذَّرَا ... فَمَحْرَمٌ إسْلَامُهُ تَقَرَّرَا فَكَافِرٌ عَلَى الْأَصَحِّ مَحْرَمُ ... فَمَرْأَةٌ بِالْكُفْرِ بَعْدُ تُعْلَمُ فَأَجْنَبِيٌّ مُسْلِمٌ وَبَعْدَهُ ... فَتًى مِنْ الْكُفْرِ يَا ذَا عُدَّهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَمْرَدَ يُقَدَّمُ مَنْ يَحِلُّ نَظَرُهُ إلَيْهِ فَغَيْرُ مُرَاهِقٍ فَمُرَاهِقٌ فَمُسْلِمٌ بَالِغٌ فَكَافِرٌ مَحْرَمٌ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْجِنْسُ عَلَى غَيْرِهِ وَيُقَدَّمُ الْمَحْرَمُ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُقَدَّمُ مَنْ نَظَرُهُ أَكْثَرُ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُقَدَّمُ عِنْدَ اتِّحَادِ النَّظَرِ الْجِنْسُ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ الْمَحْرَمُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْمُوَافِقُ فِي الدِّينِ عَلَى غَيْرِهِ وَهَكَذَا. فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَالَجَ الْأَجْنَبِيَّ بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ مِنْ حُضُورِ نَحْوِ مَحْرَمٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ امْرَأَةٍ) " مِنْ " بِمَعْنَى " فِي " وَقَوْلُهُ: " وَعَكْسُهُ " بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " عَدَمُ " أَيْ وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ رَجُلٍ يُمْكِنُهُ تَعَاطِي ذَلِكَ فِي رَجُلٍ، أَيْ إذَا كَانَ الْمُدَاوَى رَجُلًا وَالْمُدَاوِي امْرَأَةً يُشْتَرَطُ عَدَمُ رَجُلٍ يُدَاوِيهِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يَكُونَ ذِمِّيًّا إلَخْ) وَلَوْ كَانَ الذِّمِّيُّ حَاذِقًا. قَوْلُهُ: (إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَغُضَّ الْبَصَرَ، أَمَّا إذَا غَضَّ الْبَصَرَ فَيَنْبَغِي جَوَازُ كَشْفِ بَقِيَّةِ الْعُضْوِ الزَّائِدِ عَلَى الْحَاجَةِ سم مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَفِي مَعْنَى مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ النَّظَرِ لِلْمُدَاوَاةِ. وَقَوْلُهُ: " نَظَرُ الْخَاتِنِ إلَخْ " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدَاوَاةٌ قَوْلُهُ: (النَّظَرُ لِلشَّهَادَةِ) وَيَنْبَغِي جَوَازُ تَكْرِيرِ النَّظَرِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ فِي الضَّبْطِ اهـ سم قَوْلُهُ: (تَحَمُّلًا) بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ اقْتَرَضَتْ مِنْ فُلَانٍ كَذَا مَثَلًا وَأَدَاءً بِأَنْ يُؤَدِّيَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْقَاضِي، فَيَجُوزُ النَّظَرُ لَا الْمَسُّ عِنْدَ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ. قَوْلُهُ: (لِلْمُعَامَلَةِ) مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ فَإِذَا بَاعَ لِامْرَأَةٍ وَلَمْ يَعْرِفْهَا نَظَرَ لِوَجْهِهَا خَاصَّةً لِيَرُدَّ عَلَيْهَا الثَّمَنَ بِالْعَيْبِ، وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ لِوَجْهِهِ لِتَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ. قَوْلُهُ: (وَإِلَى الثَّدْيِ) أَيْ وَإِنْ تَيَسَّرَ وُجُودُ نِسَاءٍ أَوْ مَحَارِمَ يَشْهَدُونَ فِيمَا يَظْهَرُ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الْمُعَالَجَةِ بِأَنَّ النِّسَاءَ نَاقِصَاتٌ وَقَدْ لَا يَقْبَلْنَ وَالْمَحَارِمَ قَدْ لَا يَشْهَدُونَ، وَأَيْضًا فَقَدْ وَسَّعُوا هُنَا اعْتِنَاءً بِالشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَعْرِفْهَا فِي نِقَابِهَا) كَالْبُرْقُعِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (هَذَا كُلُّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ فِي الشَّهَادَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ رُجُوعُهُ لِلْمُعَامَلَةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَبَالَتَهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَبَالَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً) أَوْ شَهْوَةً. قَوْلُهُ: (إلَّا إنْ تَعَيَّنَ) كَذَا فِي نُسَخٍ، وَفِي بَعْضِهَا: إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 إلَى الْوَجْهِ فَقَطْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. (وَ) الضَّرْبُ (السَّابِعُ النَّظَرُ إلَى) بَدَنِ (الْأَمَةِ عِنْدَ ابْتِيَاعِهَا) أَيْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا رَجُلٌ أَوْ إلَى بَدَنِ عَبْدٍ إذَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَهُ امْرَأَةٌ (فَيَجُوزُ إلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَى تَقْلِيبِهَا) فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ اشْتَرَتْ امْرَأَةٌ عَبْدًا مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يُزَادُ عَلَى النَّظْرَةِ الْوَاحِدَةِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى ثَانِيَةٍ لِلتَّحَقُّقِ فَيَجُوزُ. تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ النَّظَرِ إلَى أَشْيَاءَ اخْتِصَارًا: مِنْهَا النَّظَرُ إلَى التَّعْلِيمِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ، وَاخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَقَالَ السُّبْكِيُّ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ كَالْفَاتِحَةِ، وَمَا يَتَعَيَّنُ تَعْلِيمُهُ مِنْ الصَّنَائِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا بِشَرْطِ التَّعَذُّرِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ. وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَمِنْهُمْ النَّوَوِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي الصَّدَاقِ: وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ قُرْآنٍ فَطَلَّقَ قَبْلَهُ، فَالْأَصَحُّ تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهِ. وَقَالَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ: وَهُوَ أَيْ التَّعْلِيمُ لِلْأَمْرَدِ خَاصَّةً لِمَا سَيَأْتِي، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ لِلتَّعْلِيمِ لِلْأَمْرَدِ وَغَيْرِهِ وَاجِبًا كَانَ أَوْ   [حاشية البجيرمي] الشَّاهِدُ أَيْ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ. قَالَ م ر: قَالَ السُّبْكِيُّ وَمَعَ ذَلِكَ يَأْثَمُ بِالشَّهْوَةِ وَإِنْ أُثِيبَ عَلَى التَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ ذُو وَجْهَيْنِ، لَكِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ فَبَحَثَ الْحِلَّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ لَا يَنْفَكُّ عَنْ النَّظَرِ، فَلَا يُكَلَّفُ الشَّاهِدُ بِإِزَالَتِهَا وَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا كَمَا لَا يُؤَاخَذُ الزَّوْجُ بِمَيْلِهِ لِبَعْضِ نِسْوَتِهِ وَالْحَاكِمُ بِمَيْلِهِ لِبَعْضِ الْخُصُومِ؛ وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بِاخْتِيَارِهِ. وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ. وَقَوْلُهُ: " يَأْثَمُ إلَخْ " أَيْ وَهُوَ صَغِيرَةٌ فَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهَا فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: " فِعْلٌ ذُو وَجْهَيْنِ " أَيْ يُثَابُ مِنْ جِهَةِ التَّحَمُّلِ وَيُعَاقَبُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: " إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ " رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً فِي غَيْرِ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَيُّنُ فِي التَّحَمُّلِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلشَّاهِدِ التَّسَتُّرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ اللَّهَ سِتِّيرٌ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ السِّتِّيرِينَ» وَعِنْدَ الْأَدَاءِ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ تَحَمُّلٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا فِي الْمُعَامَلَةِ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ فِي الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: (فَيَنْظُرُ إلَى الْوَجْهِ فَقَطْ) أَيْ جَمِيعِهِ مَا لَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَتُهَا بِبَعْضِهِ ح ل. قَوْلُهُ: (أَوْ إلَى بَدَنِ عَبْدٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا دَخِيلٌ هُنَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَظَرِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ لَا عَكْسِهِ، وَقَدْ يُقَالُ ذَكَرَهُ لِلْمُنَاسَبَةِ. قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ إلَى الْمَوَاضِعِ إلَخْ) أَيْ بِلَا شَهْوَةٍ وَلَا خَوْفِ فِتْنَةٍ وَلَا خَلْوَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ سم، وَأَمَّا الْمَسُّ فَلَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (أَوْ اشْتَرَتْ امْرَأَةٌ إلَخْ) لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ أَيْ وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إذَا اشْتَرَتْ عَبْدًا إلَخْ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا دَخِيلٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَظَرِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى ثَانِيَةٍ) أَيْ أَوْ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ) أَيْ شُرَّاحُ الْمِنْهَاجِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، أَيْ فِي مَعْنَى مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ هُنَا حَيْثُ ذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ لِلتَّعْلِيمِ مَعَ ذِكْرِهِ فِي بَابِ الصَّدَاقِ مَا يَقْتَضِي مَنْعَ النَّظَرِ لِلتَّعْلِيمِ، حَيْثُ قَالَ وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ إلَخْ. فَتَنَاقَضَ كَلَامُهُ. فَأَجَابَ السُّبْكِيُّ عَنْهُ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى تَعْلِيمِ مَا يَجِبُ وَمَا فِي الصَّدَاقِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَأَجَابَ الْمَحَلِّيُّ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى تَعْلِيمِ الْأَمْرَدِ خَاصَّةً وَمَا فِي بَابِ الصَّدَاقِ عَلَى تَعْلِيمِ الْمَرْأَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ إلَخْ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: " وَالْمُعْتَمَدُ إلَخْ " إشَارَةً إلَى جَوَابٍ آخَرَ حَاصِلُهُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَالْمَحَلِيُّ، بِحَيْثُ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمَرْأَةَ وَالْأَمْرَدَ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الصَّدَاقِ مِنْ مَنْعِ تَعْلِيمِ الزَّوْجَةِ الْمُطَلَّقَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَنْعَ لِمَعْنًى فِيهَا لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهَا، فَمَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِهَا فَلَا تَنَافِيَ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا يَجِبُ) أَيْ وَفِيمَا يُبَاحُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَمَا يَتَعَيَّنُ) أَيْ يَجِبُ وُجُوبًا كِفَائِيًّا؛ لِأَنَّ تَعْلِيمَ الصَّنَائِعِ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا فَرْضُ عَيْنٍ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ التَّعَذُّرِ) أَيْ وَبِشَرْطِ الْعَدَالَةِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ. وَفِي شَرْحِ م ر: وَيُتَّجَهُ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْأَمْرَدِ وَمُعَلِّمِهِ كَالْمَمْلُوكِ بَلْ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (فَطَلَّقَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ التَّعْلِيمِ ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَنِصْفُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّعْلِيمَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهَا أَمَّا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا تَعَذُّرَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَيْ التَّعْلِيمُ) أَيْ تَعْلِيمُ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، أَيْ جَوَازُ النَّظَرِ إلَيْهِ. . قَوْلُهُ (وَيُشِيرُ بِذَلِكَ) أَيْ بِقَوْلِهِ لِمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 مَنْدُوبًا. وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ تَعْلِيمِ الزَّوْجَةِ الْمُطَلَّقَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ تَعَلَّقَتْ آمَالُهُ بِالْآخَرِ فَصَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا طَمَعَةٌ فِي الْآخَرِ فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ. وَمِنْهَا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى مَحَارِمِهَا وَحُكْمُهُ كَعَكْسِهِ، فَتَنْظُرُ مِنْهُ مَا عَدَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ. وَمِنْهَا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى بَدَنِ أَجْنَبِيٍّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَنَظَرِهِ إلَيْهَا وَمِنْهَا نَظَرُ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ، فَيَحِلُّ بِلَا شَهْوَةٍ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ فَيَحْرُمُ، وَمِنْهَا نَظَرُ الْأَمْرَدِ وَهُوَ الشَّابُّ الَّذِي لَمْ تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ، وَلَا يُقَالُ لِمَنْ أَسَنَّ وَلَا شَعْرَ بِوَجْهِهِ أَمْرُدُ بَلْ يُقَالُ لَهُ ثَطٌّ   [حاشية البجيرمي] مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ أَنَّهُ لَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ قُرْآنٍ وَطَلَّقَ قَبْلَهُ فَالْأَصَحُّ تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهَا، أَيْ تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهِ لَهَا شَرْعًا. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَدْرًا فِيهِ كُلْفَةٌ، فَلَوْ أَصْدَقَهَا سُورَةً قَصِيرَةً أَوْ آيَاتٍ يَسِيرَةً يُمْكِنُ تَعَلُّمُهَا فِي بَعْضِ الْمَجَالِسِ لَمْ يَتَعَذَّرْ التَّعْلِيمُ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ تُشْتَهَى، فَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى لَمْ يَتَعَذَّرْ التَّعْلِيمُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ لِلتَّعْلِيمِ لِلْأَمْرَدِ وَغَيْرِهِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " تَحْرِيرِ الْمَقَالِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مُؤَدِّبُ الْأَطْفَالِ ": وَيَتَأَكَّدُ عَلَى الْمُعَلِّمِ صَوْنُ نَظَرِهِ عَنْ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ مَا أَمْكَنَ وَإِنْ جَازَ لَهُ بِأَنْ كَانَ لِمَحْضِ التَّعْلِيمِ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا خَوْفِ فِتْنَةٍ؛؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّاهُ إلَى رِيبَةٍ أَوْ فِتْنَةٍ فَيَتَعَيَّنُ فَطْمُ النَّفْسِ عَنْهُ مَا أَمْكَنَ، عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَئِمَّتِنَا قَالُوا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ لِلتَّعْلِيمِ إلَّا إنْ كَانَ فَرْضًا عَيْنِيًّا كَالْفَاتِحَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ تَعْلِيمِ الْفَرْضِ الْعَيْنِيِّ فَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَتَبِعْتهمْ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَقَالَ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ: كَشَفْت كُتُبَ الْمَذْهَبِ فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا جَوَازُ التَّعْلِيمِ إلَّا لِلْوَاجِبِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (طَمَعَةٌ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ اسْمٌ لِلْمَرَّةِ مِنْ الطَّمَعِ وَفِي الْقَامُوسِ طَمِعَ فِيهِ وَبِهِ كَفَرِحَ طَمَعًا وَطَمَاعًا وَطَمَاعِيَةً حَرَصَ عَلَيْهِ فَهُوَ طَامِعٌ وَطَمِعٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْهَا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى مَحَارِمِهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا نَظَرُ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ) أَيْ مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ بِلَا شَهْوَةٍ اتِّفَاقًا. وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ مِنْ ذَلِكَ فَخِذُ الرَّجُلِ بِشَرْطِ حَائِلٍ وَأَمْنِ فِتْنَةٍ. وَأُخِذَ مِنْهُ حِلُّ مُصَافَحَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ ذَيْنِك أَيْ مَعَ الْحَائِلِ وَأَمْنِ الْفِتْنَةِ، وَأَفْهَمَ تَخْصِيصُهُ الْحِلَّ مَعَهُمَا بِالْمُصَافَحَةِ حُرْمَةَ مَسِّ غَيْرِ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ وَلَوْ مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَعَدَمِ الشَّهْوَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِأَحَدِهِمَا كَالنَّظَرِ وَحِينَئِذٍ فَيَلْحَقُ بِهَا الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُهُمْ حُرْمَةَ مُعَانَقَتِهِ الشَّامِلَةِ لِكَوْنِهِمَا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ اهـ م ر. وَارْتَضَاهُ النُّورُ الزِّيَادِيُّ، لَكِنْ حَمَلَهُ عَلَى حَائِلٍ رَقِيقٍ أَمَّا لَوْ كَانَ حَائِلًا كَثِيفًا فَلَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا نَظَرُ الْأَمْرَدِ) وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا بِشَهْوَةٍ أَوْ خَوْفِ فِتْنَةٍ، وَنَظَرُ الْأَمْرَدِ أَشَدُّ إثْمًا مِنْ نَظَرِ الْأَجْنَبِيَّةِ؛ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ مِنْ أَكَابِرِ السَّلَفِ: لَا تُجَالِسُوا أَوْلَادَ الْأَغْنِيَاءِ فَإِنَّ لَهُمْ صُوَرًا كَصُوَرِ الْعَذَارَى وَهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ النِّسَاءِ، قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: مَا أَنَا بِأَخْوَفَ عَلَى الشَّابِّ النَّاسِكِ مِنْ سَبُعٍ ضَارٍ مِنْ الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ يَقْعُدُ إلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ مَعَ أَمْرَدَ فِي مَكَان وَاحِدٍ. وَحَرَّمَ الْعُلَمَاءُ الْخَلْوَةَ مَعَ الْأَمْرَدِ فِي بَيْتٍ أَوْ حَانُوتٍ أَوْ حَمَّامٍ قِيَاسًا عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا خَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا» وَفِي الْمُرْدِ مَنْ يَفُوقُ النِّسَاءَ لِحُسْنِهِ وَالْفِتْنَةُ بِهِ أَعْظَمُ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ مَعَهُ مِنْ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ وَالْقَبَائِحِ مَا لَا يُمْكِنُ مِنْ النِّسَاءِ، وَيَسْهُلُ فِي حَقِّهِ مِنْ طُرُقِ الرِّيبَةِ مَا لَا يَسْهُلُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَكَانَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى وَأَلْيَقَ وَبِالزَّجْرِ عَنْ مُخَالَطَتِهِ وَالنَّظَرِ إلَيْهِ أَحَقَّ. وَأَقَاوِيلُ السَّلَفِ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُمْ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ رُؤْيَتِهِمْ. وَمِنْ الْوُقُوعِ فِي فِتْنَتِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَكَانُوا - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يُسَمُّونَ الْمُرْدَ الْأَنْتَانَ وَالْجِيَفَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ الشَّرِيفَ وَالدِّينَ الْوَاضِحَ الْمُنِيفَ اسْتَقْذَرَ النَّظَرَ إلَيْهِمْ وَمَنَعَ مِنْ مُخَالَطَتِهِمْ وَالْخَلْوَةِ بِهِمْ لِأَدَائِهَا إلَى الْقَبِيحِ الَّذِي لَا قُبْحَ فَوْقَهُ وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ نَظَرُ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُعَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ، أَلَا تَرَى إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَيَكْفِيك بِهِ مِنْ إمَامٍ وَعَالِمٍ وَصَالِحٍ بَلْ انْتَهَتْ إلَيْهِ فِي زَمَنِهِ رِيَاسَةُ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ وَمَعَ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي الْحَمَّامِ أَمْرَدُ حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ عَنِّي فَإِنِّي أَرَى مَعَ كُلِّ امْرَأَةٍ شَيْطَانًا وَمَعَ كُلِّ أَمْرَدَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَيْطَانًا اهـ ابْنُ حَجَرٍ. وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَعَهُ صَبِيٌّ فَقَالَ لَهُ: مَنْ هَذَا مِنْك؟ فَقَالَ: ابْنُ أَخِي، فَقَالَ: لَا تَجِئْ بِهِ إلَيْنَا مَرَّةً أُخْرَى وَلَا تَمْشِ مَعَهُ بِطَرِيقٍ لِئَلَّا يَظُنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُك وَلَا تَعْرِفُهُ سُوءًا. وَرُوِيَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَإِنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَمْرَدِ كَمَا مَرَّ بَلْ النَّظَرُ إلَى الْمُلْتَحِي وَإِلَى النِّسَاءِ الْمَحَارِمِ بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ قَطْعًا. وَضَابِطُ الشَّهْوَةِ فِيهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَأَثَّرَ بِجَمَالِ صُورَةِ الْأَمْرَدِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ مِنْ نَفْسِهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُلْتَحِي، فَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ وَلَوْ انْتَفَتْ الشَّهْوَةُ وَخِيفَ الْفِتْنَةُ حَرُمَ النَّظَرُ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَيْسَ الْمَعْنَى بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِوُقُوعِهَا، بَلْ يَكْفِي أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ نَادِرًا، وَأَمَّا نَظَرُهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا خَوْفِ فِتْنَةٍ فَيَحْرُمُ عِنْدَ النَّوَوِيِّ أَيْضًا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ. وَمِنْهَا النَّظَرُ إلَى الْأَمَةِ وَهِيَ كَالْحُرَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ   [حاشية البجيرمي] وَكَانَ فِيهِمْ أَمْرَدُ وَهُوَ حَسَنٌ، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ ظَهْرِهِ وَقَالَ: إنَّمَا كَانَتْ فِتْنَةُ دَاوُد مِنْ النَّظَرِ» وَكَانَ يَقُولُ: «النَّظَرُ بَرِيدُ الزِّنَا» وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ: «إنَّهُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَحْرُمُ صُحْبَةُ الْمُرْدِ وَالْأَحْدَاثِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْآفَاتِ، وَمَنْ ابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ صَحِبَهُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَحِفْظِ قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ فِي مُعَاشَرَتِهِمْ وَحَمْلِهِمْ عَلَى الرِّيَاضَةِ وَالتَّأْدِيبِ وَمُجَانَبَةِ الِانْبِسَاطِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَغْبَةُ الصِّغَارِ فِي صُحْبَةِ الْكِبَارِ تَوْفِيقٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِطْنَةٌ وَسَعَادَةٌ، وَرَغْبَةُ الْكِبَارِ فِي صُحْبَةِ الصِّغَارِ حُمْقٌ وَخِذْلَانٌ وَخَسَارَةٌ وَحِرْمَانٌ وَفِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ؛ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْقَبِيلِ: تَاللَّهِ مَا الْمُرْدُ مُرَادِي مَذْهَبًا ... وَإِنَّنِي عَنْ حُبِّهِمْ بِمَعْزِلِ وَمَذْهَبِي حُبُّ النِّسَاءِ وَإِنَّهُ ... لَمَذْهَبٌ مُهَذَّبٌ قَوْلٌ جَلِيّ وَلِقَائِلٍ: لَا تَصْحَبَنَّ أَمْرَدًا يَا ذَا النُّهَى ... وَاتْرُكْ هَوَاهُ وَارْتَجِعْ عَنْ صُحْبَتِهْ فَهُوَ مَحَلُّ النَّقْصِ دَوْمًا وَالْبَلَا ... كُلُّ الْبَلَاءِ أَصْلُهُ مِنْ فِتْنَتِهْ وَقَالَ آخَرُ: لَا تَرْتَجِي أَمْرَدًا يَوْمًا عَلَى ثِقَةٍ ... مِنْ حُسْنِهِ طَامِعًا فِي الْخَصْرِ وَالْكَفَلِ فَذَاكَ دَاءٌ عُضَالٌ لَا دَوَاءَ لَهُ ... يَسْتَجْلِبُ الْهَمَّ بِالْأَسْقَامِ وَالْعِلَلِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ الشَّابُّ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الضَّابِطُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَغِيرَةً لَاشْتُهِيَتْ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَحَرُمَ نَظَرُ أَمْرَدَ أَيْ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْرَدَ مِثْلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرَدِ مَنْ لَمْ تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ وَلَمْ يَصِلْ إلَى أَوَانِ إنْبَاتِهَا غَالِبًا وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ صَغِيرَةً اُشْتُهِيَتْ. وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ وَلَوْ بِحَائِلٍ حَتَّى عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ، وَالْخَلْوَةُ فَتَحْرُمُ وَإِنْ حَلَّ النَّظَرُ؛ لِأَنَّهُمَا أَفْحَشُ وَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ شَعْرَ الْأَمْرَدِ كَبَاقِي بَدَنِهِ فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى شَعْرِهِ الْمُنْفَصِلِ كَالْمُتَّصِلِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (الَّذِي لَمْ تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ) بِأَنْ لَمْ تَصِلْ إلَى أَوَانِ إنْبَاتِهَا غَالِبًا أَيْ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ لِلنَّاسِ لَا نَفْسِهِ اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (أَسَنَّ) أَيْ كَبِرَ. قَوْلُهُ: (وَضَابِطُ الشَّهْوَةِ فِيهِ إلَخْ) وَضَبْطُهَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِأَنْ يُنْظَرَ إلَيْهِ فَيُلْتَذَّ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ يَرْجِعُ إلَيْهِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْفَرْقِ يَحْرُمُ النَّظَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْهَرَمِ الَّذِي لَا لِحْيَةَ لَهُ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ نَظَرِهِ يَحْرُمُ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْفَرْقَ مَعَ تَأَثُّرِ ذِهْنِهِ وَقَلْبِهِ بِجَمَالِ صُورَتِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ م ر شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَيَحْرُمُ عِنْدَ النَّوَوِيِّ) أَيْ حَيْثُ لَا مَحْرَمِيَّةَ وَلَا مِلْكَ وَالْخَلْوَةُ كَالنَّظَرِ، فَإِذَا حَلَّ حَلَّتْ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِنَحْوِ تَعْلِيمٍ حَيْثُ يُشْتَرَطُ حُضُورُ مَحْرَمٍ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ اهـ. وَانْظُرْ مَا لَوْ كَانَ الْمُعَلِّمُ مَعْصُومًا كَالسَّيِّدِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَلْ يُشْتَرَطُ مَعَهُ وُجُودُ امْرَأَةٍ أُخْرَى إذَا كَانَ يُعَلِّمُ امْرَأَةً أَوْ لَا نَظَرًا لِكَوْنِهِ مَعْصُومًا؟ حَرِّرْهُ؛ الظَّاهِرُ لَا، وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ فِي الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِطَبْعِ النَّاظِرِ فِيمَا يَظْهَرُ إذًا لَا يَكُونُ مَظِنَّةَ الْفِتْنَةِ إلَّا حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا جَمَالَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَمِيلُ إلَيْهَا فَنِيطَ بِالْأُنُوثَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَّا بِشَهْوَةٍ أَوْ خَوْفِ فِتْنَةٍ وَالْكَلَامُ فِي الْجَمِيلِ؛ هَكَذَا ذَكَرَهُ ز ي عَلَى الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 الْمُحَقِّقِينَ. وَمِنْهَا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى مِثْلِهَا وَهُوَ كَنَظَرِ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ، وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَيُعَامَلُ بِالْأَشَدِّ فَيُجْعَلُ مَعَ النِّسَاءِ رَجُلًا وَمَعَ الرِّجَالِ امْرَأَةً إذَا كَانَ فِي سِنٍّ يَحْرُمُ فِيهِ نَظَرُ الْوَاضِحِ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ مِنْ الْمَجْمُوعِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ وَلَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِامْرَأَةٍ فَهُوَ مَعَهَا كَعَبْدِهَا وَمِنْهَا نَظَرُ الْكَافِرَةِ إلَى الْمُسْلِمَةِ فَهُوَ حَرَامٌ، فَتَحْتَجِبُ الْمُسْلِمَةُ عَنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] فَلَوْ جَازَ لَهَا النَّظَرُ لَمْ يَبْقَ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ، وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْعُ الْكِتَابِيَّاتِ دُخُولَ الْحَمَّامِ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ هَذَا مَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ، وَالْأَشْبَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَرَى مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي كَافِرَةٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ لِلْمُسْلِمَةِ وَغَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لَهَا، أَمَّا هُمَا فَيَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ إلَيْهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمَمْلُوكَةِ وَبَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي الْمُحْرِمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَتِمَّةٌ مَتَى حَرُمَ النَّظَرُ حَرُمَ الْمَسُّ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي اللَّذَّةِ وَإِثَارَةِ الشَّهْوَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَسَّ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ، وَلَوْ نَظَرَ   [حاشية البجيرمي] بِالنِّسْبَةِ لِطَبْعِ النَّاظِرِ " أَيْ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ، وَقَالَ م ر: الْجَمَالُ الْوَصْفُ الْمُسْتَحْسَنُ عُرْفًا لِذَوِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا النَّظَرُ إلَى الْأَمَةِ) فِيهِ أَنَّ الْأَمَةَ دَاخِلَةٌ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَقَوْلُ الْمَتْنِ أَحَدُهَا نَظَرُهُ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ، فَغَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ شَامِلَةٌ لِلْأَمَةِ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا هُنَا؛ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ ذَكَرَهَا هُنَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا بِقَوْلِهِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى مِثْلِهَا) أَيْ نَظَرُ امْرَأَةٍ، قَالَ الَأُجْهُورِيُّ: وَرَأَيْت فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ تَمِيلُ لِلنِّسَاءِ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ النِّسَاءِ وَأَيْدِيهِنَّ وَأَنْ تُضَاجِعَهُنَّ بِلَا حَائِلٍ كَمَا فِي الرِّجَالِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَيَجْعَلُ مَعَ النِّسَاءِ رَجُلًا) فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَيْهِنَّ وَنَظَرُهُنَّ إلَيْهِ وَمَعَ الرِّجَالِ امْرَأَةً فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ النَّظَرُ لَهُمْ وَمَعَ مُشْكِلٍ مِثْلِهِ الْحُرْمَةُ مِنْ كُلٍّ لِلْآخَرِ بِتَقْدِيرِهِ مُخَالِفًا لَهُ احْتِيَاطًا، وَإِنَّمَا غَسَّلَاهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِانْقِطَاعِ الشَّهْوَةِ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ لِلِاحْتِيَاطِ مَعْنًى ح ل. وَقَوْلُهُ: " وَإِنَّمَا غَسَّلَاهُ " أَيْ بِشَرْطِ عَدَمِ وُجُودِ مَحْرَمٍ لَهُ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مَعَهَا كَعَبْدِهَا) أَيْ الْبَالِغِ إذَا كَانَا عَفِيفَيْنِ وَلَا كِتَابَةَ وَلَا شَرِكَةَ وَلَا تَبْعِيضَ أَيْ كَوْنُهُ مُبَعَّضًا، وَإِلَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ إلَيْهِ. وَيُوَجَّهُ حِلُّ نَظَرِهِ لِمُكَاتَبَتِهِ دُونَهَا أَيْ دُونَ نَظَرِهَا بِأَنَّ نَظَرَ الرَّجُلِ لِأَمَتِهِ أَقْوَى مِنْ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى عَبْدِهَا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ لِكُلِّ بَدَنِ أَمَتِهِ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إنَّمَا تَنْظُرُ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ عَبْدِهَا، فَأَثَّرَتْ الْكِتَابَةُ فِي الثَّانِي لِضَعْفِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَمِثْلُ الْمُكَاتَبِ الْمُبَعَّضُ وَالْمُشْتَرَكُ ز ي. وَقَوْلُهُ: " إذَا كَانَا عَفِيفَيْنِ " عَنْ الزِّنَا؛ لَكِنْ اعْتَمَدَ م ر كَابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ لَا تَتَقَيَّدُ الْعِفَّةُ بِالزِّنَا بَلْ عَنْ مِثْلِ الْغِيبَةِ، فَالْمُرَادُ بِالْعِفَّةِ الْعَدَالَةُ. وَعِبَارَةُ الَأُجْهُورِيُّ: وَهُمَا عَفِيفَانِ بِالْعَدَالَةِ فَلَا يَكْفِي الْعِفَّةُ عَنْ الزِّنَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ نِسَائِهِنَّ) أَيْ الْمُؤْمِنَاتِ. وَقَوْلُهُ: " عِنْدَ الْمِهْنَةِ " أَيْ الْحَاجَةِ وَقَوْلُهُ: " وَهُوَ الظَّاهِرُ " مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (مَتَى حَرُمَ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَحَيْثُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَمَتَى حَرُمَ نَظَرٌ حَرُمَ مَسٌّ اهـ؛ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْمِيمُ الْأَمْكِنَةِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَعَبَّرَ أَصْلُهُ وَغَيْرُهُ بِحَيْثُ بَدَلَ مَتَى وَاسْتَحْسَنَهُ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّ حَيْثُ اسْمُ مَكَان، وَالْقَصْدُ أَنَّ كُلَّ مَكَان حَرُمَ نَظَرُهُ حَرُمَ مَسُّهُ، وَمَتَى اسْمُ زَمَانٍ وَلَيْسَ مَقْصُودًا هُنَا. وَرُدَّ بِمَنْعِ عَدَمِ قَصْدِهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودًا إذْ الْأَجْنَبِيَّةُ يَحْرُمُ مَسُّهَا وَيَحِلُّ بَعْدَ نِكَاحِهَا وَيَحْرُمُ بَعْدَ طَلَاقِهَا وَقِيلَ زَمَنُ نَحْوِ مُعَامَلَةٍ يَحْرُمُ وَمَعَهُ يَحِلُّ، أَيْ فَحَرُمَ أَيْضًا فِي زَمَنٍ وَحَلَّ فِي زَمَنٍ، فَيَكُونُ الزَّمَنُ أَيْضًا مُرَادًا. وَاقْتَصَرَ ع ش عَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ الزَّمَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ؛ وَآخِرُ عِبَارَةِ م ر تُخَالِفُهُ كَمَا عَلِمْت، وَقَدْ يُقَالُ لَا مُخَالَفَةَ. وَيُجَابُ عَنْ ع ش بِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَالزَّمَانُ وَإِنْ كَانَ حَاصِلًا أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ اهـ. وَقَالَ م ر: فَيَحْرُمُ مَسُّ الْأَمْرَدِ كَمَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ وَدَلْكُ الرَّجُلِ فَخِذَ رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَيَجُوزُ بِهِ، أَيْ بِالْحَائِلِ، إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَلَمْ يَكُنْ بِشَهْوَةٍ. وَقَدْ يَحْرُمُ النَّظَرُ دُونَ الْمَسِّ كَأَنْ أَمْكَنَ الطَّبِيبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ وَكُلُّ مَا حَرُمَ نَظَرُهُ مُتَّصِلًا حَرُمَ نَظَرُهُ مُنْفَصِلًا كَشَعْرِ عَانَةٍ وَلَوْ مِنْ رَجُلٍ وَقُلَامَةِ ظُفْرِ حُرَّةٍ وَلَوْ مِنْ يَدَيْهَا، وَيَحْرُمُ اضْطِجَاعُ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَ عَارِيَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي جَانِبٍ مِنْ الْفِرَاشِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «لَا يُفْضِ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ» . وَتُسَنُّ مُصَافَحَةُ الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ لِخَبَرِ «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ يَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» وَتُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ وَالتَّقْبِيلُ فِي   [حاشية البجيرمي] مَعْرِفَةَ الْعِلَّةِ بِالْمَسِّ وَكَعُضْوِ أَجْنَبِيَّةٍ مُبَانٍ، فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ فَقَطْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَادِمِ؛ وَالْأَصَحُّ حُرْمَةُ مَسِّهِ أَيْضًا. أَمَّا دُبُرُ الْحَلِيلَةِ فَيَحِلُّ نَظَرُهُ وَمَسُّهُ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ حَلَّ النَّظَرُ حَلَّ الْمَسُّ أَغْلَبِيٌّ أَيْضًا، فَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مَسُّ وَجْهِ أَجْنَبِيَّةٍ وَإِنْ حَلَّ نَظَرُهُ لِنَحْوِ خِطْبَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ أَوْ لِتَعْلِيمٍ، وَلَا لِسَيِّدَةٍ مَسُّ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِ عَبْدِهَا وَعَكْسُهُ وَإِنْ حَلَّ النَّظَرُ، وَكَذَا مَمْسُوحٌ. وَقَدْ يَحْرُمُ مَسُّ مَا حَلَّ نَظَرُهُ مِنْ الْمَحْرَمِ كَبَطْنِهَا أَيْ مِنْ فَوْقِ السُّرَّةِ وَرِجْلِهَا وَتَقْبِيلُهَا بِلَا حَائِلٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا شَفَقَةٍ بَلْ وَكَيْدُهَا عَلَى مُقْتَضَى عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَقَوْلُهُ: " دَلْكُ الرَّجُلِ فَخِذَ رَجُلٍ " أَيْ وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ الْعَوْرَةِ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْأَمْرَدِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ وَلَوْ بِحَائِلٍ. وَقَوْلُهُ: لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِنْ الْحَاجَةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ حَكِّ رِجْلِ الْمَحْرَمِ وَنَحْوُ الْحَكِّ كَغَسْلِهِمَا وَتَكْبِيسِ ظَهْرِهِ مَثَلًا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَبْلَغُ) عِلَّةٌ لِتَرَتُّبِ حُرْمَةِ الْمَسِّ عَلَى حُرْمَةِ النَّظَرِ أَوْ لِمُقَدَّرٍ، أَيْ حَرُمَ مَسٌّ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إلَخْ. قَالَ ع ش عَلَى م ر: هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يُلْتَذُّ بِنَظَرِ الشَّعْرِ كَمَسِّهِ غَايَتُهُ أَنَّ الْمَسَّ أَبْلَغُ فِي اللَّذَّةِ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ عَلَّلُوا عَدَمَ انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَالسِّنِّ بِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ فِيهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ ثَمَّ اللَّذَّةُ الْقَوِيَّةُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا تَحْرِيكُ الشَّهْوَةِ وَالْمُثْبَتُ هُنَا مُطْلَقُ اللَّذَّةِ وَهِيَ كَافِيَةٌ فِي التَّحْرِيمِ احْتِيَاطًا اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا حَرُمَ إلَخْ) أَيْ كُلُّ جُزْءٍ حَرُمَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَشَعْرِ) وَظُفْرٍ أَيْ لَا بَوْلٍ وَلَبَنٍ وَمَنِيٍّ وَلُعَابٍ. قَوْلُهُ: (وَقُلَامَةِ ظُفْرِ حُرَّةٍ) وَكَذَا الْأَمَةُ فَالْحُرَّةُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ، وَمِثْلُ قُلَامَةِ الظُّفْرِ دَمُ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ؛ لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ دُونَ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ بَوْلُك طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ دَمُك، وَيَجِبُ مُوَارَاةُ ذَلِكَ الشَّعْرِ وَنَحْوِهِ كَمَا يَجِبُ مُوَارَاةُ شَعْرِ عَانَةِ الرَّجُلِ ح ل وَع ش. وَفِي الشَّوْبَرِيِّ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ نَحْوَ الرِّيقِ وَالدَّمِ لَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَظِنَّةً لِلْفِتْنَةِ بِرُؤْيَتِهِ عِنْدَ أَحَدٍ اهـ. وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ: يَجِبُ عَلَى مَنْ حَلَقَ عَانَتَهُ مُوَارَاةُ شَعْرِهَا لِئَلَّا يُنْظَرَ إلَيْهِ، اعْتَمَدَ ابْنُ حَجَرٍ وُجُوبَ مُوَارَاةِ الظُّفْرِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالشَّعْرِ اهـ. وَقِيَاسُهُ عَكْسُهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ اهـ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ يَدَيْهَا) جَعَلَهُمَا غَايَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْيَدَيْنِ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ فِي الصَّلَاةِ، أَيْ وَلِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَالشَّهْوَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ اضْطِجَاعُ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ) فِي التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى اشْتِرَاطِ بُلُوغِ الشَّهْوَةِ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ تِسْعِ سِنِينَ أَيْ بِبُلُوغِ أَوَّلِ الْعَشْرِ، قَالَهُ م ر، خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ حَيْثُ اكْتَفَى بِمُضِيِّ تِسْعِ سِنِينَ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَلِذَا قَالَ م ر: وَلَوْ أَبًا وَابْنَهُ وَأُمًّا وَبِنْتَهَا وَأَخًا وَأَخَاهُ وَأُخْتًا وَأُخْتَهَا فَإِذَا كَانَ مَعَ الِاتِّحَادِ حَرَامًا فَمَعَ عَدَمِ الِاتِّحَادِ أَوْلَى، وَهَلْ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي نُزُولِ رَجُلَيْنِ فِي مَغْطِسِ الْحَمَّامِ أَوْ يُفَرَّقُ؟ أَفْتَى الرَّمْلِيُّ بِجَوَازِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَسٌّ لِعَوْرَةٍ وَلَا رُؤْيَاهَا، أَيْ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاضْطِجَاعِ، فَفِي الِاضْطِجَاعِ يَحْرُمُ وَلَوْ بِلَا مَسٍّ وَهُنَا يَجُوزُ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَكَالْمُضَاجَعَةِ مَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي مِصْرِنَا مِنْ دُخُولِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مَغْطِسَ الْحَمَّامِ، فَيَحْرُمُ إنْ خِيفَ النَّظَرُ أَوْ لَمْسٌ مِنْ أَحَدِهِمَا لِعَوْرَةِ الْآخَرِ اهـ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَا عَارِيَّيْنِ) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا لَمْ يَتَجَرَّدَا، فَيَجُوزُ نَوْمُهُمَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ وَلَوْ مُتَلَاصِقَيْنِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ انْتَفَى التَّجَرُّدُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. قَوْلُهُ: «لَا يُفْضِ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ» الدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى إذْ لَا يَشْمَلُ الْغَايَةَ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِفْضَاءَ الْجَسُّ بِالْيَدِ أَوْ مُطْلَقًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يَفْعَلُ مَا يَئُولُ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْإِفْضَاءِ. قَوْلُهُ: (وَتُسَنُّ مُصَافَحَةُ) أَيْ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ فَإِنْ كَانَتْ مَحْرَمِيَّةً أَوْ زَوْجِيَّةً أَوْ مَعَ صَغِيرٍ لَا يُشْتَهَى أَوْ مَعَ كَبِيرٍ بِحَائِلٍ جَازَتْ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا فِتْنَةٍ؛ نَعَمْ يُسْتَثْنَى الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ فَتَحْرُمُ مُصَافَحَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ اهـ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (يَتَصَافَحَانِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 الرَّأْسِ إلَّا لِقَادِمٍ مِنْ سَفَرٍ، أَوْ تَبَاعُدٍ لِقَاءً عُرْفًا فَسُنَّةٌ لِلِاتِّبَاعِ. وَيُسَنُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْحَيِّ لِصَلَاحٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَعِلْمٍ وَزُهْدٍ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِغِنَاهُ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَشَوْكَةٍ وَوَجَاهَةٍ، وَيُسَنُّ الْقِيَامُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ إكْرَامًا لَا رِيَاءً وَتَفْخِيمًا. فَصْلٌ: فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: صِيغَةٌ وَزَوْجَةٌ وَزَوْجٌ وَوَلِيٌّ وَهُمَا الْعَاقِدَانِ، وَشَاهِدَانِ وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ وَهُمَا الْوَلِيُّ. وَالشَّاهِدَانِ   [حاشية البجيرمي] كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: فَيَتَصَافَحَانِ. قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ وَالتَّقْبِيلُ) وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مُعَانَقَةَ الْغَائِبِ إذَا قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ سُنَّةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَلَا دَلِيلَ هُنَا عَلَيْهَا اهـ مُنَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ وَالتَّقْبِيلُ) أَيْ لِغَيْرِ مُشْتَهَاةٍ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ بِغَيْرِ حَائِلٍ فِي الْأَجَانِبِ مُطْلَقًا ق ل. قَوْلُهُ: (فَسُنَّةٌ) أَيْ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَيُسْتَثْنَى الْأَمْرَدُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْحَيِّ لِصَلَاحٍ وَنَحْوِهِ) الصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَنَحْوُهُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ. وَخَرَجَ بِهِمَا نَحْوُ الْأُمَرَاءِ وَالْعُظَمَاءِ فَلَا يُسَنُّ إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَقَدْ يَجِبُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ ذَلِكَ) أَيْ التَّقْبِيلُ الْمَذْكُورُ لِغَنِيٍّ لِأَجْلِ غِنَاهُ ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَهْلِ الْفَضْلِ) خَرَجَ غَيْرُهُمْ فَلَا يُطْلَبُ إلَّا لِحَاجَةٍ، أَيْ بِأَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَهُ حَاجَةٌ أَوْ ضَرُورَةٌ، كَأَنْ كَانَ يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يَقُمْ لَهُ. وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ صَارَ قَطِيعَةً وَخَرَجَ بِالْقِيَامِ نَحْوُ الرُّكُوعِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ، فَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ مَعَ الطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ؛ وَلَا يُنَافِي سَنَّ الْقِيَامِ لِمَنْ ذُكِرَ. قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُقَامَ لَهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَقُومُوا لَهُ إذَا مَرَّ بِهِمْ فَمَرَّ يَوْمًا بِحَسَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَامَ وَأَنْشَدَ: قِيَامِي لِلْعَزِيزِ عَلَيَّ فَرْضٌ ... وَتَرْكُ الْفَرْضِ مَا هُوَ مُسْتَقِيمُ عَجِبْت لِمَنْ لَهُ عَقْلٌ وَفَهْمٌ ... يَرَى هَذَا الْجَمَالَ وَلَا يَقُومُ وَقَدْ أَقَرَّهُ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ» . وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ إنَّ مُرَاعَاةَ الْأَدَبِ خَيْرٌ مِنْ امْتِثَالِ الْأَمْرِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّ امْتِثَالَ الْأَمْرِ أَدَبٌ وَزِيَادَةٌ؛ وَكَأَنَّ مُرَادَهُ بِالزِّيَادَةِ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ مَعَ اسْتِلْزَامِهَا لِلْأَدَبِ مَعَهُ بِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ؛ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحَامِلُ عَلَى هَذَا النَّهْيَ، وَأَمْثَالُهُ شِدَّةُ التَّوَاضُعِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَمُ مَحَبَّتِهِ لِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إذَا صَحِبَتْهُ الْمَحَبَّةُ الْمَذْكُورَةُ لَمْ يُبَالَ بِالْقِيَامِ بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَطْلُوبًا شَرْعًا مِنْ فَاعِلِهِ لِأَهْلِ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ الَّذِينَ هُوَ سَيِّدُهُمْ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: «قُومُوا لِسَيِّدِكُمْ» فَأَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْ مَحَبَّتِهِ. قَوْلُهُ: (لَا رِيَاءً) أَيْ لِنَفْسِهِ، وَلَا تَفْخِيمًا لِنَفْسِهِ. [فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ] ِ تَقَدَّمَ أَنَّ النِّكَاحَ مَعْنَاهُ الْعَقْدُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي ذَكَرَهَا لَمْ تَتَرَكَّبْ مِنْهَا مَاهِيَّتُه كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّعْبِيرِ بِالْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ مَا تَتَرَكَّبُ مِنْهُ الْمَاهِيَّةُ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْكَانِ مَا لَا بُدَّ مِنْهَا فَيَشْمَلُ الْأُمُورَ الْخَارِجَةَ كَمَا هُنَا كَالشَّاهِدَيْنِ فَإِنَّهُمَا خَارِجَانِ عَنْ مَاهِيَّةِ النِّكَاحِ وَمِنْ ثَمَّ جَعَلَهُمَا بَعْضُهُمْ شَرْطَيْنِ. قَوْلُهُ: (صِيغَةٌ) وَهِيَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ وَلَوْ مِنْ هَازِلٍ شَرْحُ م ر. وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الصَّدَاقُ رُكْنًا بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مُشِيرًا إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ إلَّا بِوَلِيٍّ) أَوْ مَأْذُونِهِ أَوْ الْقَائِمِ مُقَامَهُ كَالْحَاكِمِ عِنْدَ فَقْدِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ عَضْلِهِ أَوْ إحْرَامِهِ (وَ) حُضُورِ (شَاهِدَيْ عَدْلٍ) لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ تَشَاحُّوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَالْمَعْنَى فِي إحْضَارِ الشَّاهِدَيْنِ الِاحْتِيَاطُ لِلْأَبْضَاعِ وَصِيَانَةُ الْأَنْكِحَةِ عَنْ الْجُحُودِ. وَيُسَنُّ إحْضَارُ جَمْعٍ زِيَادَةً عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ. (وَيَفْتَقِرُ الْوَلِيُّ وَالشَّاهِدَانِ) الْمُعْتَبَرُونَ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ (إلَى سِتَّةِ شَرَائِطَ) بَلْ إلَى أَكْثَرَ   [حاشية البجيرمي] الْغَرَضَ مِنْ النِّكَاحِ الِاسْتِمْتَاعُ وَتَوَابِعُهُ وَذَلِكَ قَائِمٌ بِالزَّوْجَيْنِ فَهُمَا الرُّكْنَانِ. قَوْلُهُ: (وَشَاهِدَانِ) عَدَّهُمَا رُكْنًا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِشَرْطٍ دُونَ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْآخَرِ؛ وَجَعَلَهُمَا ابْنُ حَجَرٍ رُكْنًا وَاحِدًا لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِهِمَا فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا ع ش عَلَى م ر. وَجَعْلُ الشَّاهِدَيْنِ شَرْطًا كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِمَا رُكْنًا لِخُرُوجِهِمَا عَنْ الْمَاهِيَّةِ اهـ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِوَلِيٍّ) لَمْ يَقُلْ عَدْلٌ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ يُزَوِّجُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَلَا فَاسِقًا، كَمَا إذَا تَابَ الْوَلِيُّ الْفَاسِقُ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ لِعَدَمِ الْمَلَكَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَالشَّرْطُ فِيهِ عَدَمُ الْفِسْقِ. قَوْلُهُ: (كَالْحَاكِمِ عِنْدَ فَقْدِهِ) فِيهِ أَنَّهُ عِنْدَ فَقْدِهِ يَكُونُ وَلِيًّا لَا نَائِبًا. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ فَقْدِهِ أَيْ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ وَقِيَامِهِ مَقَامَهُ، أَيْ فِي التَّزْوِيجِ لَا النِّيَابَةِ وَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْبَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ) أَيْ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَضْلِهِ) أَيْ عَضْلًا لَا يَفْسُقُ بِهِ كَأَنْ عَضَلَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِلَّا انْتَقَلَتْ لِلْأَبْعَدِ لِفِسْقِ الْعَاضِلِ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (وَحُضُورِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ) أَيْ بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ بِإِحْضَارِهِمَا. وَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ لِلصِّفَةِ، وَلَمْ يُثَنِّ الصِّفَةَ؛ لِأَنَّ عَدْلًا مَصْدَرٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَغَيْرُهُ وَلَا بُدَّ فِي الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَكُونَا مِنْ الْإِنْسِ كَمَا قَالَهُ م ر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْكُمْ ثَلَاثَةٌ: الْكُفَّارُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَّا. وَذَهَبَ ابْنُ حَجَرٍ إلَى أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَكُونَا مِنْ الْجِنِّ وَيَكُونَانِ بِمَنْزِلَةِ عَدْلَيْنِ مِنَّا، وَرَدَّ بِأَنَّ الْعَدْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ يُمْكِنُ أَنَّهُمَا يَحْمِلَانِ اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ غَيْرَهُمَا بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ، بِخِلَافِ الْجِنِّيِّ إذَا شَهِدَ وَفَرَّ فَإِنَّ عَوْدَهُ غَيْرُ مُتَوَقَّعٍ فَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ م ر. قَوْلُهُ: (وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ) نَعَمْ لَوْ تَعَذَّرَتْ الْعَدَالَةُ فِي قُطْرٍ قُدِّمَ أَقَلُّهُمْ فِسْقًا، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ حَجّ؛ كَذَا بِخَطِّ الْمَرْحُومِيِّ بِهَامِشِ نُسْخَتِهِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ مُشْتَمِلٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَشَاحُّوا) أَيْ الْأَوْلِيَاءُ الْمَعْلُومُونَ مِنْ الْمَقَامِ بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ لَا أُزَوِّجُ بَعْدَ أَنْ دَعَتْ إلَى كُفْءٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَضْلِ، بِهِ دَلِيلُ قَوْلِهِ: فَالسُّلْطَانُ إلَخْ. وَأَمَّا إنْ تَشَاحُّوا بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَا الَّذِي أُزَوِّجُ وَاتَّحَدَ خَاطِبٌ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وُجُوبًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِي إحْضَارِ) الْأَوْلَى فِي حُضُورِ؛ لِأَنَّ الْإِحْضَارَ لَيْسَ بِشَرْطٍ. قَوْلُهُ: (وَصِيَانَةِ الْأَنْكِحَةِ) عَطْفٌ لَازِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَطْفٌ مُسَبَّبٌ عَلَى سَبَبٍ اهـ. قَوْلُهُ: (بَلْ إلَى أَكْثَرَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ مُخْتَلَّ النَّظَرِ بِهَرَمٍ أَوْ خَبَلٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُحْرِمًا، وَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ أَيْضًا السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالضَّبْطُ وَمَعْرِفَةُ لِسَانِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ لِلْوِلَايَةِ وَأَشْيَاءٌ أُخَرُ. وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الشُّهُودِ لِلزَّوْجَةِ وَلَا أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ بِنْتُ فُلَانٍ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ الْحُضُورُ، وَتُحْمَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى صُورَةِ الْعَقْدِ حَتَّى إذَا دُعُوا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ بِنْتُ فُلَانٍ بَلْ يَشْهَدُونَ عَلَى جَرَيَانِ الْعَقْدِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ؛ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ شَوْبَرِيٌّ، وَهُوَ تَابِعٌ لِابْنِ حَجَرٍ. وَقَالَ م ر: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الشُّهُودِ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا أَوْ يَشْهَدَانِ عَلَى صُورَتِهَا بِرُؤْيَةِ وَجْهِهَا بِأَنْ تَكْشِفَ لَهُمْ النِّقَابَ، وَقَالَ عَمِيرَةُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُنْتَقِبَةِ أَنْ يَرَاهَا الشَّاهِدَانِ قَبْلَ الْعَقْدِ، فَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ وَلَمْ يَعْرِفْهَا الشَّاهِدَانِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ اسْتِمَاعَ الشَّاهِدِ الْعَقْدَ كَاسْتِمَاعِ الْحَاكِمِ الشَّهَادَةَ؛ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: مَحَلُّهُ إذْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ، وَالْقُضَاةُ الْآنَ لَا يَعْلَمُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 كَمَا سَيَأْتِي الْأَوَّلُ: (الْإِسْلَامُ) وَهُوَ فِي وَلِيِّ الْمُسْلِمَةِ إجْمَاعًا وَسَيَأْتِي أَنَّ الْكَافِرَ يَلِي الْكَافِرَةَ، وَأَمَّا الشَّاهِدَانِ فَالْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِيهِمَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ مُسْلِمَةً أَمْ ذِمِّيَّةً إذْ الْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ. (وَ) الثَّانِي (الْبُلُوغُ، و) الثَّالِثُ: (الْعَقْلُ) فَلَا وِلَايَةَ لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ. (وَ) الرَّابِعُ: (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ وَلَا يَكُونُ شَاهِدًا (وَ) الْخَامِسُ: (الذُّكُورَةُ) فَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا بِحَالٍ لَا بِإِذْنٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، سَوَاءٌ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ إذْ لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ دُخُولُهَا فِيهِ لِمَا قُصِدَ مِنْهَا مِنْ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ أَصْلًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]   [حاشية البجيرمي] بِهَا فَإِنَّهُمْ يُزَوِّجُونَ الْمُنْتَقِبَةَ الْحَاضِرَةَ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ الشُّهُودِ لَهَا اكْتِفَاءً بِحُضُورِهَا وَإِخْبَارِهَا اهـ. وَعِبَارَةُ م ر فِي الشَّهَادَاتِ: قَالَ جَمْعٌ لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ مُنْتَقِبَةٍ إلَّا إنْ عَرَفَهَا الشَّاهِدَانِ اسْمًا وَنَسَبًا أَوْ صُورَةً اهـ. قَوْلُهُ: (وَسَيَأْتِي) فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ وَهُوَ فِي وَلِيِّ الْمُسْلِمَةِ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي إلَخْ؛ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَتْ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا فِي نِكَاحٍ صَدَرَ مِنْهُمْ بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ صَدَرَ بِشُهُودٍ كُفَّارٍ أَوْلَى فَمَا مَعْنَى اشْتِرَاطِ إسْلَامِ الشُّهُودِ فِي أَنْكِحَتِهِمْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ الِاشْتِرَاطِ إذَا وَقَعَ عَقْدُهُمْ بِحَضْرَتِنَا فَإِنَّا نَأْمُرُهُمْ بِإِشْهَادِ مُسْلِمَيْنِ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ لَهُمْ. قَوْلُهُ: (فَلَا وِلَايَةَ لِصَبِيٍّ) أَيْ وَلَوْ لِبِنْتِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَأَتَتْ بِبِنْتٍ فِي زَمَنٍ يُولَدُ لِمِثْلِهِ فِيهِ كَابْنِ عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ وَلَا يَثْبُتُ الْبُلُوغُ فَلَا يُزَوِّجُهَا لِسَلْبِ عِبَارَتِهِ كَالْعُقُودِ الْوَاقِعَةِ مِنْهُ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَى قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَلَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ) نَعَمْ يَصِحُّ كَوْنُهُ وَكِيلًا فِي الْقَبُولِ لَا الْإِيجَابِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ فِي ضَابِطِ الْوَكِيلِ وَهُوَ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا. وَالْمُرَادُ بِالرَّقِيقِ مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَإِنْ قَلَّ، وَلَا يُرَدُّ الْمُبَعَّضُ فِيمَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُكَاتَبِ لَكِنْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (الذُّكُورَةُ) أَيْ الْمُحَقَّقَةُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ: فَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا وَلَا غَيْرِهَا وَلَا تَكُونُ شَاهِدَةً، فَلَوْ خَالَفَتْ وَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا سَوَاءٌ كَانَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ بِدُونِهِ أَوْ وَكَّلَتْ مَنْ يُزَوِّجُهَا وَلَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِهَا فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ إنْ كَانَ رَشِيدًا، وَيَجِبُ أَيْضًا أَرْشُ بَكَارَةٍ إنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ سَوَاءٌ قَلَّدَ أَمْ لَا لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ إنْ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ. وَمَحَلُّ هَذَا كُلِّهِ مَا لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ، فَإِنْ حَكَمَ بِهَا فَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَلَا تَعْزِيرَ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِبُطْلَانِهِ فَإِنْ حَكَمَ بِهِ وَجَبَ الْحَدُّ اهـ شَرْحُ م ر وَحَوَاشِيه. قَوْلُهُ: (لَا بِإِذْنٍ) أَيْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فِي الْإِيجَابِ أَوْ هِيَ تَأْذَنُ لِأَجْنَبِيٍّ فِي الْإِيجَابِ. وَقَوْلُهُ: " وَلَا بِغَيْرِهِ " أَيْ بِأَنْ تَقُولَ لِشَخْصٍ: زَوَّجْتُك نَفْسِي. قَوْلُهُ: (الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) الْأَوْلَى بَلْ الصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذَا التَّعْمِيمِ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ هُنَا إلَّا الْإِيجَابَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي كَوْنِهَا لَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا، وَهَذَا التَّعْمِيمُ سَرَى لَهُ مِنْ تَعْبِيرِ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ: لَا تَعْقِدُ امْرَأَةٌ نِكَاحًا اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تُزَوِّجُ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ يُنَاسِبُهُ، أَمَّا هُنَا فَلَا يُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ طَرَفِهَا الْإِيجَابُ فَقَطْ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: لَا تَعْقِدُ امْرَأَةٌ نِكَاحًا وَلَوْ بِإِذْنٍ إيجَابًا كَانَ أَوْ قَبُولًا لَا لِنَفْسِهَا وَلَا لِغَيْرِهَا اهـ. فَقَوْلُهُ: " لَا لِنَفْسِهَا إيجَابًا وَلَا لِغَيْرِهَا قَبُولًا وَإِيجَابًا " سَوَاءٌ فِي الشِّقَّيْنِ الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ، نَعَمْ لَوْ عَقَدَتْ فِي الْكُفْرِ لِنَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا وَأَسْلَمُوا أُقِرُّوا عَلَى النِّكَاحِ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (إذْ لَا يَلِيقُ) هَذَا عَلَى الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالْإِيجَابِ. قَوْلُهُ: (بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ) أَيْ بِالْعَادَاتِ الْمُسْتَحْسَنَةِ، فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ. وَالْمَحَاسِنُ جَمْعُ حُسْنٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَوْلُهُ: (وَعَدَمِ ذِكْرِهِ) عَطْفُ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ. قَوْلُهُ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ} [النساء: 34] إلَخْ أَيْ مُسَلَّطُونَ عَلَى النِّسَاءِ يُؤَدِّبُونَهُنَّ: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34] أَيْ بِتَفْضِيلِهِ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِالْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالْوِلَايَةِ وَالنَّفَقَةِ جَلَالَيْنِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 وَلَا تُزَوِّجُ غَيْرَهَا بِوِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ لِخَبَرِ: «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا» . نَعَمْ لَوْ اُبْتُلِينَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِإِمَامَةِ امْرَأَةٍ فَإِنَّ أَحْكَامَهَا تَنْفُذُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ، وَقِيَاسُهُ تَصْحِيحُ تَزْوِيجِهَا. وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمَرْأَةِ فِي نِكَاحِ غَيْرِهَا إلَّا فِي مِلْكِهَا أَوْ فِي سَفِيهٍ أَوْ مَجْنُونٍ هِيَ وَصِيَّةٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَتْ الْمَرْأَةُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَلَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمْ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِخُنْثَيَيْنِ وَلَوْ بَانَا رَجُلَيْنِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الصِّحَّةُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ عَقَدَ عَلَى خُنْثَى أَوْ لَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ أُنْثَى فِي الْأَوَّلِ أَوْ ذَكَرًا فِي الثَّانِي لَا يَصِحُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُنْثَى أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ،   [حاشية البجيرمي] وَقَوْلُهُ: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ} [النساء: 34] مُتَعَلِّقٌ ب قَوَّامُونَ. وَأَصْرَحُ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] إذْ لَوْ كَانَتْ تَلِي نَفْسَهَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ عَنْ الْعَضْلِ مَعْنًى، لَكِنْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ الْأَوْلِيَاءُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، بِدَلِيلِ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا حَلِفُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ لَا يُزَوِّجَ أُخْتَهُ مِنْ زَوْجِهَا وَكَانَ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقِيلَ: مَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْأَزْوَاجُ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] اهـ سم. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ لَا تُزَوِّجُ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوِّشٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا) تَتِمَّتُهُ: «فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» اهـ. قَوْلُهُ: (بِإِمَامَةِ امْرَأَةٍ) وَكَذَا يُقَالُ فِي بَقِيَّةِ الْمَوَانِعِ كَالرِّقِّ وَغَيْرِهِ إلَّا الْكُفْرَ، فَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى أَنَّهُ لَوْ تَوَلَّاهَا كَافِرٌ لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَةَ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (وَقِيَاسُهُ تَصْحِيحُ تَزْوِيجِهَا) أَيْ لِغَيْرِهَا، وَيُزَوِّجُهَا أَحَدُ نُوَّابِهَا. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " تَصْحِيحُ تَزْوِيجِهَا " أَيْ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا لَا تُزَوِّجُ بَنَاتِهَا مَثَلًا إذَا كَانَ لَهُنَّ وَلِيٌّ غَيْرُهَا كَأَبٍ وَجَدٍّ وَأَخٍ وَعَمٍّ وَنَحْوِهِمْ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا وَتَرَدَّدَ فِيهِ، سم إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي ذَلِكَ بَلْ تَأْذَنُ لِأَمِيرٍ مِنْ أُمَرَائِهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا كَالْوَلِيِّ إذَا أَرَادَ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: أَمَّا هِيَ فَيُزَوِّجُهَا أَحَدُ نُوَّابِهَا اهـ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَتَوَلَّ الْإِمَامَةَ وَإِلَّا فَلَهَا تَزْوِيجُ غَيْرِهَا اهـ. وَقَوْلُهُ: " فَلَهَا أَنْ تُزَوِّجَ غَيْرَهَا " صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا، وَمِثْلُهُ فِي الزِّيَادِيِّ. وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ: فَإِنَّ أَحْكَامَهَا تَنْفُذُ وَقِيَاسُهُ تَصْحِيحُ تَزْوِيجِهَا إلَخْ، أَنَّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا، وَبِهِ صَرَّحَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ حَيْثُ قَالَ: نَعَمْ إنْ وَلِيَتْ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى صَحَّ تَزْوِيجُهَا لِلضَّرُورَةِ لِنَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا كَمَا يَشْمَلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: فَتُزَوِّجُ غَيْرَهَا لَا نَفْسَهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ شَرْحِ م ر عَدَمَ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّهَا مُتَمَكِّنَةٌ مِنْ تَفْوِيضِ أَمْرِهَا لِمَنْ يُزَوِّجُهَا فَيَكُونُ قَاضِيًا اهـ فَحَرِّرْ الْمُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ، هَذَا وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: مُقْتَضَاهُ إلَخْ؛؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ أَحْكَامُهَا تَنْفُذُ لَا مَقِيسَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي مِلْكِهَا) بِأَنْ مَلَكَتْ أَمَةً. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي سَفِيهٍ أَوْ مَجْنُونٍ) أَيْ فَتَأْذَنُ لِلْحَاكِمِ فِي تَزْوِيجِهَا، إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ مَفْقُودَانِ وَلَا يُزَوِّجُ السَّفِيهَ أَوْ الْمَجْنُونَ إلَّا الْحَاكِمُ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَتْ الْمَرْأَةُ أَهْلًا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا الْأَوَّلُ لِلْوِلَايَةِ وَالثَّانِي لِلشَّهَادَةِ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهَا لِيَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِ فَلَا تَمْلِكُ إلَخْ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمْ) الْمُنَاسِبُ: بِقَوْلِهِنَّ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ الْأَصَحُّ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُقَاسُ عَلَى الْخُنْثَيَيْنِ غَيْرُهُمَا إذَا تَبَيَّنَ وُجُودُ الْأَهْلِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَصَبِيَّيْنِ بَانَا بَالِغَيْنِ، وَيَجْرِي هَذَا فِي الْوَلِيِّ لَوْ عَقَدَ وَهُوَ خُنْثَى ثُمَّ اتَّضَحَ بِالذُّكُورَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ السُّبْكِيّ. وَتُشْتَرَطُ هَذِهِ الشُّرُوطُ حَالَةَ التَّحَمُّلِ، بِخِلَافِ شَاهِدِ غَيْرِ النِّكَاحِ فَإِنَّهَا تُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَ الْأَدَاءِ اهـ ز ي. وَفَرَّقَ الدَّمِيرِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِي النِّكَاحِ وَاجِبٌ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (الصِّحَّةُ) أَيْ فِي الشَّاهِدَيْنِ وَالْوَلِيِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَهُ) بِأَنْ كَانَ زَوْجًا، قَوْلُهُ: (أُجِيبَ إلَخْ) فِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ وَالْأَوْلَى أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 فَإِنْ بَانَ رَجُلًا اكْتَفَيْنَا بِذَلِكَ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْعَقْدِ عَلَى الْخُنْثَى أَوْ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِعَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ. (وَ) السَّادِسُ (الْعَدَالَةُ) وَهِيَ مَلَكَةٌ فِي النَّفْسِ تَمْنَعُ مِنْ اقْتِرَافِ الذُّنُوبِ، وَلَوْ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ وَالرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةَ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِوَلِيٍّ فَاسِقٍ غَيْرِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مُجْبِرًا كَانَ أَمْ لَا فَسَقَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَمْ لَا، أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَمْ لَا لِحَدِيثِ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ» . قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْمُرَادُ بِالْمُرْشِدِ الْعَدْلُ. وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ لَوْ   [حاشية البجيرمي] يُجَابَ بِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَفِي الثَّانِي مَعْقُودٌ لَهُ فَيُحْتَاطُ لَهُمَا اهـ ق ل بِزِيَادَةٍ. وَوَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ عَيْنُ الدَّعْوَى فَتَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: نَعَمْ إنْ بَانَا ذَكَرَيْنِ صَحَّ كَمَا لَوْ بَانَ الْوَلِيُّ ذَكَرًا بِخِلَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ كَمَا إذَا عَقَدَ عَلَى خُنْثَى أَوْ لَهُ وَبَانَ أُنْثَى أَوْ ذَكَرًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ وَالْوِلَايَةَ مَقْصُودَانِ لِغَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فَاحْتِيطَ لَهُمَا. قَوْلُهُ: (أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ. قَوْلُهُ: (وَالْعَدَالَةُ) مِنْ لَازِمِهَا الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا كَالْمِنْهَاجِ كَانَ كَافِيًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا يُعْلَمُ نَصًّا وَمَا يُعْلَمُ الْتِزَامًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُنَافِي انْعِقَادَهُ بِالْمَسْتُورَيْنِ. قُلْت: لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرُّخْصَةِ أَوْ أَنَّ الِانْعِقَادَ بِالْعَدْلِ قَطْعًا، وَبِالْمَسْتُورِينَ عَلَى الصَّحِيحِ شَرْحُ م ر أج. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْوَلِيِّ عَدَمُ الْفِسْقِ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ وَاسِطَةً عَلَى كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الْعَدَالَةُ الَّتِي تُقْبَلُ مَعَهَا الشَّهَادَةُ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهَا مُرُوءَةٌ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ وَالرَّذَائِلُ الْمُبَاحَةُ مِنْ تَعْرِيفِ الْمُرُوءَةِ لَا مِنْ تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ. قَوْلُهُ: (مَلَكَةٌ) أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ. وَقَوْلُهُ: " تَمْنَعُ إلَخْ " أَيْ تَمْنَعُ مِنْ اقْتِرَافِ أَيْ ارْتِكَابِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَا ذُكِرَ، فَبِاقْتِرَافِ الْفَرْدِ مِنْ ذَلِكَ تَنْتَفِي الْعَدَالَةُ. أَمَّا صَغَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ كَكِذْبَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَرَرٌ وَنَظْرَةٌ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمَنْعُ مِنْ اقْتِرَافِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا اهـ م د وَغَيْرُهُ. وَهَذَا يُنَاسِبُ عِبَارَةَ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَنَصُّهَا: مِنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ. وَهَذِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّ صَغَائِرَ غَيْرِ الْخِسَّةِ مُخِلٌّ بِالْعَدَالَةِ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ: " مَلَكَةٌ " أَيْ كَيْفِيَّةٌ أَيْ صِفَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ، وَقَبْلَ رُسُوخِهَا تُسَمَّى حَالًا وَهَيْئَةً، وَهِيَ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ) كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِتَمْرَةٍ، أَيْ نَقْصِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَزِيَادَتِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ تَغْلِبْ طَاعَتُهُ. قَوْلُهُ: (وَالرَّذَائِلِ) بِالْجَرِّ جَمْعُ رَذِيلَةٍ، وَهِيَ الْأَمْرُ الْمُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ كَمَشْيِ الْفَقِيهِ حَافِيًا أَوْ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الذُّنُوبِ، وَالرَّذَائِلُ الْمُبَاحَةُ لَا تُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ بَلْ بِالْمُرُوءَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَنْعَقِدُ بِوَلِيٍّ فَاسِقٍ إلَخْ) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ ق ل. وَلَوْ أَذِنَتْ لَهُ وَهُوَ عَدْلٌ ثُمَّ فَسَقَ ثُمَّ تَابَ فَقِيَاسُ مَا قِيلَ إنَّهَا أَوْ أَذِنَتْ لِلْقَاضِي فَعُزِلَ ثُمَّ وُلِّيَ احْتَاجَ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْوِلَايَةِ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ اهـ ع ش عَلَى م ر. وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مَنْ يُرِيدُ الزَّوَاجَ يَأْخُذُ حَصِيرَ الْمَسْجِدِ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهَا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يُرِيدُونَ الْعَقْدَ فِيهِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُفَسِّقًا فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ اعْتِقَادُهُمْ إبَاحَةَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُتَسَامَحُ بِهِ، وَبِتَقْدِيرِ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ فَيُمْكِنُ أَنَّ ذَلِكَ صَغِيرَةٌ لَا يُوجِبُ فِسْقًا. وَوَقَعَ السُّؤَالُ أَيْضًا عَمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ لُبْسِ الْقَوَاوِيقِ الْقَطِيفَةِ لِلشُّهُودِ وَالْوَلِيِّ هَلْ هُوَ مُفَسِّقٌ يُفْسِدُ الْعَقْدَ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بِفَسَادِ الْعَقْدِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلشُّهُودِ فَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْعَقْدَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ لَابِسِينَ ذَلِكَ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّ فِيهِمْ اثْنَيْنِ سَالِمَيْنِ مِنْ ذَلِكَ اُعْتُدَّ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ حُضُورُهُمَا اتِّفَاقًا؛ وَأَمَّا فِي الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ إنْ اتَّفَقَ لُبْسُهُ لِذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ كَجَهْلِهِ بِالتَّحْرِيمِ، وَمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مُجْبِرًا كَانَ أَمْ لَا) وَقِيلَ: يَكْفِي فِي الْمُجْبِرِ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُجْبِرِ لِوُفُورِ شَفَقَةِ الْمُجْبِرِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ. قَوْلُهُ: (فَسَقَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَمْ لَا) وَقِيلَ إنْ فَسَقَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ ضَرَّ لِاخْتِلَالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 كَانَ لَوْ سَلَبَ الْوِلَايَةَ لَانْتَقَلَتْ إلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ وُلِّيَ وَإِلَّا فَلَا، قَالَ: وَلَا سَبِيلَ إلَى الْفَتْوَى بِغَيْرِهِ إذْ الْفِسْقُ قَدْ عَمَّ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَالْأَوْجَهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ لِلضَّرُورَةِ وَقَضَاؤُهُ نَافِذٌ، أَمَّا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَلَا يَقْدَحُ فِسْقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِهِ فَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ غَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ، فَعَلَيْهِ إنَّمَا يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلِيٌّ غَيْرُهُ كَبَنَاتِ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُزَوِّجُ اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ عَدْلًا؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً، فَإِنَّ الْعَدَالَةَ مَلَكَةٌ تَمْنَعُ   [حاشية البجيرمي] نَظَرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَقَ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَمْ لَا) وَقِيلَ إنْ أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ إلَخْ) يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِقَوْلِ الْمَتْنِ وَالْعَدَالَةِ، وَلِقَوْلِ الشَّارِحِ: فَلَا تَنْعَقِدُ بِوَلِيٍّ فَاسِقٍ. قَوْلُهُ: (لَوْ كَانَ) أَيْ الْوَلِيُّ الْفَاسِقُ. وَقَوْلُهُ " وُلِّيَ " جَوَابُ " لَوْ " الْأُولَى، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ الْفَاسِقِ. وَقَوْلُهُ " لَانْتَقَلَتْ " جَوَابُ " لَوْ " الثَّانِيَةِ، وَجُمْلَتُهَا خَبَرُ " كَانَ ". وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا " أَيْ بِأَنْ كَانَتْ تَنْتَقِلُ لِحَاكِمٍ عَادِلٍ فَلَا، أَيْ فَلَا يَلِي الْوَلِيُّ الْخَاصُّ الْفَاسِقُ بَلْ الْوِلَايَةُ لِلْحَاكِمِ الْعَادِلِ. قَوْلُهُ: (إذْ الْفِسْقُ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، إذْ لَا مَعْنَى لِلِانْتِقَالِ مِنْ فَاسِقٍ إلَى فَاسِقٍ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُزَوِّجُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ سَلَبَ الْوِلَايَةَ لَانْتَقَلَتْ إلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ، أَوْ الْمُرَادُ بِإِطْلَاقِهِ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْوَلِيِّ الْخَاصِّ مُطْلَقًا؛ بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فَلَا يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ لِلضَّرُورَةِ وَالضَّرُورَةُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا، فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ عِلَّةٌ لِمُقَدَّرٍ. وَحَاصِلُهُ إبْدَاءُ فَرْقٍ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَلِيِّ بِمَا ذَكَرَ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ أَيُّ فَارِقٍ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: " وَقَضَاؤُهُ نَافِذٌ " الظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَهُ اسْتِطْرَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: " غَيْرِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ " لَكِنْ يَكُونُ مُكَرَّرًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا تَقَدَّمَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلِيٌّ فَاسِقٌ هَلْ يَنْتَقِلُ لِلْحَاكِمِ أَوْ لَا؟ وَهُنَا مَفْرُوضٌ فِي الْأَعَمِّ أَوْ عَدَمِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ بِالْمَرَّةِ، وَمِثْلُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ نَائِبُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر، أَوْ الْمُرَادُ الْأَعْظَمُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ. وَلَا يُنَافِيه قَوْلُهُ الْآتِي: " فَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ غَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامِلَةِ "؛ لِأَنَّ نَائِبَهُ وِلَايَتُهُ عَامَّةٌ فِي عُقُودِ النِّكَاحِ بِالنِّسْبَةِ لِنَاحِيَتِهِ، وَمَالَ م ر إلَى أَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ بِغَيْرِ الْإِجْبَارِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ لَهُ فِي حَقِّهِنَّ غَيْرُ مَحْضَةٍ بِخِلَافِ بَنَاتِ غَيْرِهِ فَلَا يُزَوِّجُهُنَّ بِالْإِجْبَارِ، وَكَذَا لَا يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ بِغَيْرِ الْإِجْبَارِ مَعَ وُجُودِ وَلِيٍّ خَاصٍّ كَجَدٍّ أَوْ عَمٍّ أَوْ نَحْوِهِ فَيُقَدَّمُ الْجَدُّ. قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) فَإِنْ كَانَ فَلَا يُزَوِّجُ. وَهَذَا إذَا كَانَ فَاسِقًا، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ بِالْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ وَبِالْإِجْبَارِ إنْ كُنَّ مُجْبَرَاتٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فَاسِقًا وَآلَ الْأَمْرُ إلَيْهِ فِي تَزْوِيجِ بَنَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبِرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي بَنَاتِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ لَا إجْبَارَ فِيهَا. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا م د: قَوْلُهُ: " إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ " أَيْ فَمَحَلُّ تَزْوِيجِهِ لِبَنَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ جَدٌّ أَوْ عَمٌّ أَوْ نَحْوُهُ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَالْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ بَنَاتِهِ لَوْ كُنَّ أَبْكَارًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إجْبَارٌ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ لَا إجْبَارَ فِيهَا، لَكِنْ مَالَ م ر فِي غَيْرِ شَرْحِهِ لِتَزْوِيجِهِ بِالْإِجْبَارِ وَنَظَرَ فِيهِ سم: وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر، نَصُّهَا: وَلَوْ كُنَّ أَبْكَارًا هَلْ يُجْبِرُهُنَّ؛ لِأَنَّهُ أَبٌ جَازَ لَهُ التَّزْوِيجُ أَوْ لَا وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ لَا الْخَاصَّةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَمَالَ م ر لِلْأَوَّلِ اهـ سم عَلَى حَجّ؛ لَكِنْ مُقْتَضَى قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلِيٌّ خَاصٌّ الثَّانِي، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي تَزْوِيجِهِ فَقْدَ الْقَرِيبِ الْعَدْلِ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا أَخٌ أَوْ نَحْوُهُ فَتَمَحَّضَ تَزْوِيجُهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي الْإِجْبَارَ بَلْ عَدَمَهُ. قَوْلُهُ: (كَبَنَاتِ غَيْرِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ أَعْنِي الْإِمَامَ لَا يُزَوِّجُهُنَّ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ لَهُنَّ. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) غَرَضُهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمَتْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي الشَّاهِدَيْنِ لَا الْوَلِيِّ، بَلْ شَرْطُهُ عَدَمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 صَاحِبَهَا مِمَّا مَرَّ، وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ وَلَمْ تَصْدُرْ مِنْهُ كَبِيرَةٌ وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ تِلْكَ الْمَلَكَةُ لَا عَدْلٌ وَلَا فَاسِقٌ. وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَسْتُورَ يَلِي وَحَيْثُ مَنَعْنَا وِلَايَةَ الْفَاسِقِ فَقَالَ الْبَغَوِيّ: إذَا تَابَ زَوَّجَ فِي الْحَالِ وَوَجْهُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي وَلِيِّ النِّكَاحِ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا قَبُولُ الشَّهَادَةِ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا وَيَنْعَقِدُ بِمَسْتُورَيْ الْعَدَالَةِ وَهُمَا الْمَعْرُوفَانِ بِهَا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا بِأَنْ عُرِفَتْ بِالْمُخَالَطَةِ دُونَ التَّزْكِيَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْقِدَ بِهِمَا الْحَاكِمُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا بِمَسْتُورَيْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ بِأَنْ يَكُونَا فِي مَوْضِعٍ يَخْتَلِطُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْكُفَّارِ وَالْأَحْرَارِ بِالْأَرِقَّاءِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَالِهِمَا بَاطِنًا لِسُهُولَةِ الْوُقُوفِ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ وَالْفِسْقِ.   [حاشية البجيرمي] الْفِسْقِ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ وَاسِطَةً بَيْنَهُمَا؛ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالْعَدَالَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَلِيِّ مَا يَشْمَلُ الْوَاسِطَةَ. قَوْلُهُ: (لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُزَوِّجُ) أَيْ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِوَلِيٍّ فَاسِقٍ اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلِيُّ عَدْلًا كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمَتْنِ حَيْثُ قَالَ: وَالْعَدَالَةُ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْوَلِيِّ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ عَدَمُ الْفِسْقِ وَهُوَ يَصْدُقُ بِالْوَاسِطَةِ، فَاشْتِرَاطُ الْمُصَنِّفِ الْعَدَالَةَ فِي الْوَلِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ اهـ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْعَدَالَةَ فِي الْوَلِيِّ، وَلَا يَسْتَقِيمُ مَعَهُ؛ فَلَعَلَّهَا عِبَارَةُ غَيْرِهِ، فَذِكْرُهُ لَهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (لَا عَدْلٌ وَلَا فَاسِقٌ) أَيْ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا. قَالَ م د: وَاعْتَرَضَهُ ق ل، وَقَالَ: بَلْ هُوَ مَسْتُورُ الْعَدَالَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدِ إلَّا فِيمَا إذَا تَابَ الْوَلِيُّ زَوَّجَ حَالًا. وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ نَقَلَ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمَسْتُورَ مِنْ الْوَاسِطَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْمَسْتُورُ هُوَ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ وَهُوَ فَرْقُ الْوَاسِطَةِ؛ وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَسْتُورِ إلَّا أَنَّهُ قِيَاسُ أَدْنَى عَلَى أَعْلَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُتَّصِفٌ بِالْعَدَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً وَالْأَوَّلُ لَا يُقَالُ لَهُ عَدْلٌ وَلَا فَاسِقٌ، فَمُرَادُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ إلَخْ التَّقْوِيَةَ لِمَا قَبْلَهُ وَقِيَاسُ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: (إذَا تَابَ زَوَّجَ فِي الْحَالِ) وَلَوْ كَانَ فِسْقُهُ بِالْعَضْلِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ وَاسِطَةٌ لَا عَدْلٌ وَلَا فَاسِقٌ. قَوْلُهُ: (لَا قَبُولُ الشَّهَادَةِ) كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ لَا الْعَدَالَةُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ. نَعَمْ قَبُولُ الشَّهَادَةِ لَازِمٌ لِلْعَدَالَةِ، عَلَى أَنَّ قَبُولَ الشَّهَادَةِ شَامِلٌ لِلْمُرُوءَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِنَفْيِ الرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْوَلِيِّ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا الْعَدَالَةُ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهِ الْعَدَالَةُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ سَنَةً بَعْدَ التَّوْبَةِ، فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَلِيَ وَلَا يَشْهَدَ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا تَابَ الْوَلِيُّ الْفَاسِقُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ حَالًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ، وَكَذَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا مُفَسِّقٌ يُزَوِّجَانِ وَلَا يَشْهَدَانِ لِعَدَمِ عَدَالَتِهِمَا أَوْ لِعَدَمِ الْمَلَكَةِ، فَفِي ذَلِكَ إثْبَاتُ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْفِسْقِ وَالْعَدَالَةِ. وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأُسْتَاذِ الْبَكْرِيِّ أَنَّهُمَا يَتَّصِفَانِ بِالْعَدَالَةِ فَتَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا كَمَا نَقَلَهُ ح ل. قَوْلُهُ: (بِمَسْتُورَيْ الْعَدَالَةِ) أَيْ عِنْدَ الزَّوْجَيْنِ، أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ نِزَاعٌ فِي الْعَقْدِ أَوْ فِي الْمَهْرِ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ فِي الْفَتَاوَى اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَهُمَا الْمَعْرُوفَانِ بِهَا ظَاهِرًا) وَقِيلَ الْمَسْتُورُ هُوَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُفَسِّقٌ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الثَّانِي لِصِدْقِ الثَّانِي بِمَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِسْقٌ وَلَا طَاعَةٌ وَالْأَوَّلُ لَا يُصَدَّقُ بِهَذَا. قَوْلُهُ: (لَا بِمَسْتُورَيْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ) كَأَنْ وُجِدَ لَقِيطٌ وَلَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ إسْلَامًا وَلَا رِقًّا فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِ، نَعَمْ لَوْ عُقِدَ بِهِمَا فَبَانَا مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ صَحَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي. وَقَوْلُهُ: " وَالْحُرِّيَّةِ " الْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَكَمَسْتُورِ الْإِسْلَامِ مَسْتُورَا الْبُلُوغِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَلَوْ عَقَدَ بِمَجْهُولِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ فَبَانَا مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا كَالْخُنْثَيَيْنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ بِهِمَا إذَا بَانَا ذَكَرَيْنِ وَيُعْتَدُّ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ إنَّهُ مُسْلِمٌ أَوْ حُرٌّ أَوْ بَالِغٌ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَكُونَا فِي مَوْضِعٍ إلَخْ) أَيْ وَلَا غَالِبَ فِي أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ، فَإِنْ غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ أَوْ الْأَحْرَارُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا الْآنَ مِنْ الظَّاهِرِ لَا مِنْ الْمَسْتُورِ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَالِهِمَا بَاطِنًا) لَيْسَ الْمُرَادُ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، بَلْ الْمُرَادُ الْوُقُوفُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 ثُمَّ شَرَعَ فِي كَوْنِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ يَلِي الْكَافِرَةَ الْأَصْلِيَّةَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ إلَى إسْلَامِ الْوَلِيِّ) وَلَوْ كَانَتْ الذِّمِّيَّةُ عَتِيقَةَ مُسْلِمٍ وَاخْتَلَفَ اعْتِقَادُ الزَّوْجَةِ وَالْوَلِيِّ فَيُزَوِّجُ الْيَهُودِيُّ نَصْرَانِيَّةً وَالنَّصْرَانِيُّ يَهُودِيَّةً كَالْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ بِالْإِرْثِ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِحَرْبِيٍّ عَلَى ذِمِّيَّةٍ وَبِالْعَكْسِ، وَأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا صَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَمُرْتَكِبُ الْمُحَرَّمِ الْمُفَسَّقُ فِي دِينِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْكَافِرَةِ كَالْفَاسِقِ عِنْدَنَا فَلَا يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْتَكِبْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا فَيُزَوِّجُهَا كَمَا تَقَرَّرَ. وَفَرَّقُوا بَيْنَ وِلَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَكِبًا ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَحْضُ وِلَايَةٍ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يُؤَهَّلُ لَهَا الْكَافِرُ، وَالْوَلِيُّ فِي التَّزْوِيجِ كَمَا يُرَاعِي حَظَّ مُوَلِّيَتِهِ يُرَاعِي حَظَّ نَفْسِهِ أَيْضًا فِي تَحْصِينِهَا وَدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الْكَافِرَةِ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَ قَاضِيهِمْ بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهِ وَإِنْ صَدَرَ مِنْ قَاضِيهِمْ، أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَلِي مُطْلَقًا لَا عَلَى مُسْلِمَةٍ وَلَا عَلَى مُرْتَدَّةٍ وَلَا عَلَى غَيْرِهِمَا لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ إلَخْ) سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ مُحْتَرَزَ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ فَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي الْوَلِيِّ. وَقَوْلُهُ: " وَلَا نِكَاحُ الْأَمَةِ " اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْعَدَالَةِ فِي الْوَلِيِّ، إلَّا أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ صُورِيٌّ؛ لِأَنَّهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ وَالشُّرُوطُ لِلْوِلَايَةِ بِالنَّسَبِ. قَوْلُهُ: (إلَى إسْلَامِ الْوَلِيِّ) يُوهِمُ أَنَّ الْوَلِيَّ الْمُسْلِمَ يَلِي نِكَاحَ الذِّمِّيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي كَالْإِرْثِ مَعَ قَوْلِهِ وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ إلَخْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ إلَى إسْلَامِ الْوَلِيِّ أَيْ فَيَلِيهَا الْعَدْلُ فِي دِينِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا لَا بِالْحِرَابَةِ وَغَيْرِهَا كَالْإِرْثِ، نَعَمْ الْمُرْتَدُّ لَا وِلَايَةَ لَهُ مُطْلَقًا وَلَا يَصِحُّ مِنْ قَاضِي الْكُفَّارِ أَنْ يُزَوِّجَ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ مِنْ مُسْلِمٍ. قَوْلُهُ: (كَالْإِرْثِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُزَوِّجُ الْكَافِرَةَ وَبِالْعَكْسِ، بَلْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ الْمُوَافِقِ فِي الدِّينِ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُزَوِّجُ كَافِرَةً كَمَا أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُ قَاضِيًا فَيُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ. قَوْلُهُ: (وَمُرْتَكِبُ الْمُحَرَّمِ الْمُفَسَّقُ إلَخْ) غَرَضُهُ تَقْيِيدُ الْمَتْنِ، أَيْ أَنَّ مَحَلَّ تَزْوِيجِ الْكَافِرِ إنْ كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِمْ وَإِلَّا فَلَا يُزَوِّجُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَيَلِي كَافِرٌ لَمْ يَرْتَكِبْ مَحْظُورًا فِي دِينِهِ كَافِرَةً وَلَوْ كَانَتْ عَتِيقَةَ مُسْلِمَةٍ أَوْ اخْتَلَفَ اعْتِقَادُهُمَا فَيَلِي الْيَهُودِيُّ النَّصْرَانِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيُّ الْيَهُودِيَّةَ كَالْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] اهـ وَقَوْلُهُ: " لَمْ يَرْتَكِبْ " أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ غَيْرُهُ عَدْلٌ فِي دِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا الْعَدَالَةُ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ، وَيُعْرَفُ أَنَّهُ كَذَلِكَ بِإِخْبَارِ عَدَدٍ تَوَاتَرَ أَوْ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ أَسْلَمَا مِنْهُمْ كَانَا يَعْرِفَانِهِ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَكِبًا ذَلِكَ) أَيْ الْمُحَرَّمُ الْمُفَسَّقُ فِي دِينِهِ. قَوْلُهُ: (مَحْضُ وِلَايَةٍ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّ الشَّاهِدَ لَا حَظَّ لَهُ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ الْحَظُّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، فَاعْتَبَرْنَا الْعَدَالَةَ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَيْرِ، فَقَوْلُهُ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَالْحَظُّ لَهُ وَلِمُوَلِّيَتِهِ فَاكْتَفَيْنَا بِعَدَالَتِهِ فِي دِينِهِمْ دُونَ شَهَادَةِ أَهْلِ دِينِهِمْ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْغَيْرِ) وَهُوَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَالْوَلِيُّ فِي التَّزْوِيجِ إلَخْ) وَحَيْثُ كَانَ يُرَاعِي حَظَّ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَكْفِيه ذَلِكَ عَنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ. قَوْلُهُ: (فِي تَحْصِينِهَا) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَ قَاضِيهِمْ) أَيْ بَلْ يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهَا الْكَافِرُ الْخَاصُّ، وَلِقَاضِينَا أَنْ يُزَوِّجَهُ الْكَافِرَةَ عِنْدَ فَقْدِ وَلِيِّهَا الْخَاصِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ نِكَاحَ الْكُفَّارِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الْفَرْقِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا اخْتِلَافَ الدَّارِ كَاخْتِلَافِ الدِّينِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُرْتَدُّ) مُحْتَرَزُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 (وَلَا) يَفْتَقِرُ (نِكَاحُ الْأَمَةِ) مِنْ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ بِشَرْطِهِ (إلَى عَدَالَةِ السَّيِّدِ) ؛ لِأَنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَالتَّصَرُّفَ فِيمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ، وَنَقْلُهُ إلَى الْغَيْرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ كَاسْتِيفَاءِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ، وَنَقْلِهَا بِالْإِجَارَةِ، فَيُزَوِّجُ مُسْلِمٌ وَلَوْ فَاسِقًا أَوْ مُكَاتَبًا أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ الْأَصْلِيَّةَ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ الْمُسْلِمَةَ إذْ لَا يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا أَصْلًا بَلْ وَلَا سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ فِيهَا سِوَى إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهَا وَكِتَابَتِهَا، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فِي الْكَافِرَةِ وَإِذَا مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ أَمَةً زَوَّجَهَا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي فَتَاوِيهِ كَالْمُكَاتَبِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَامٌّ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ. تَنْبِيهٌ: مِمَّا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ شُرُوطِ الْوَلِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ مُخْتَلَّ النَّظَرِ بِهِرَمٍ أَوْ خَبْلٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَمَتَى كَانَ الْأَقْرَبَ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمَانِعَةِ لِلْوِلَايَةِ فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ، وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ فَنَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُ مِنْهُ وَلَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلَا نِكَاحَ الْأَمَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً حَيْثُ كَانَ السَّيِّدُ مُسْلِمًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (مِنْ عَبْدٍ) أَيْ لِعَبْدٍ وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ حُرٍّ أَيْ لِحُرٍّ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِهِ) مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشُّرُوطَ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: (إلَى عَدَالَةِ السَّيِّدِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ الْفَاسِقَ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ أَوْ كَانَتْ كَافِرَةً أَوْ كَانَ السَّيِّدُ كَافِرًا وَهِيَ كَافِرَةٌ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً وَالسَّيِّدُ كَافِرٌ فَلَا يُزَوِّجُهَا بَلْ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ. قَوْلُهُ: (فِي الْجُمْلَةِ) قَيَّدَ بِهِ لِإِدْخَالِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ بِتَوَثُّنٍ أَوْ نَحْوِهِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فِيمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) وَهُوَ التَّمَتُّعُ. قَوْلُهُ: (وَنَقْلُهُ إلَخْ) أَيْ بِتَزْوِيجِهَا. قَوْلُهُ: (وَنَقْلِهَا) أَيْ الْمَنَافِعِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُكَاتَبًا) وَيُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. قَوْلُهُ: (الْكَافِرَةَ الْأَصْلِيَّةَ) وَلَوْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ؛ لِأَنَّ لَهُ بَيْعَهَا وَإِجَارَتَهَا وَعَدَمُ جَوَازِ التَّمَتُّعِ بِهَا لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَمَا فِي أَمَتِهِ الْمَحْرَمِ كَأُخْتِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بَلْ وَلَا سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ) كَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَلَكَ الْمُبَعَّضُ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: نَعَمْ لَوْ مَلَكَ الْمُبَعَّضُ أَمَةً زَوَّجَهَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ اهـ. وَقَوْلُهُ: " خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ " مِنْ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (كَالْمُكَاتَبِ بَلْ أَوْلَى) لَكِنْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا فِي ز ي وم ر. قَالَ ع ش: قَدْ تُدْفَعُ الْأَوْلَوِيَّةُ بِأَنَّ مِلْكَ الْمُكَاتَبِ مُعَرَّضٌ لِلزَّوَالِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُبَعَّضُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ تَعْلِيلًا لِصِحَّتِهِ مِنْ الْمُبَعَّضِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا بِالْوِلَايَةِ وَكَالْمُكَاتَبِ بِالْإِذْنِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْمُبَعَّضَ تَامُّ الْمِلْكِ، فَجَعْلُ الصِّحَّةِ فِي الْمُبَعَّضِ أَوْلَى مِنْهَا فِي الْمُكَاتَبِ. وَقَوْلُهُ: " لَكِنْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ " أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ثُمَّ لَوْ وَطِئَ الزَّوْجُ مَعَ اعْتِقَادِهِ الصِّحَّةَ فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْفَسَادِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَذَلِكَ إذْ قِيلَ بِجَوَازِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ اهـ. قَوْلُهُ: (مُخْتَلَّ النَّظَرِ) أَيْ بِمَعْرِفَةِ الْأُمُورِ. قَوْلُهُ: (بِهِرَمٍ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَهُوَ الْكِبَرُ، وَبِفَتْحِهَا الشَّيْبُ. وَقِيَاسُهُ الْفَتْحُ بِمَعْنَى الْكِبَرِ، يُقَالُ: هَرِمَ هَرَمًا كَفَرِحَ فَرَحًا. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَفَعِلَ اللَّازِمُ بَابُهُ فَعَلٌ قَوْلُهُ: (أَوْ خَبْلٍ) الْخَبْلُ بِسُكُونِ الْبَاءِ فَسَادُ الْعَقْلِ، وَبِفَتْحِهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ جِهَةِ الْجِنِّ أَيْ وَإِنْ قَلَّ الْخَبَلُ كَمَا فِي م ر اهـ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) بِأَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ أَوْ بَذَّرَ بَعْدَ رُشْدِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِنَقْصِهِ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَلَا يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ. وَمُقْتَضَى الْعِلَّةِ أَنَّ السَّفِيهَ الْمُهْمَلَ يَلِي، وَخَرَجَ حَجْرُ الْفَلَسِ فَلَا يَمْنَعُ الْوِلَايَةَ لِكَمَالِ نَظَرِهِ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ لَا لِنَقْصٍ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ م د. قَالَ شَيْخُنَا: قَدْ يُقَالُ هَذَا عُلِمَ مِنْ شَرْطِ الْعَدَالَةِ الشَّامِلَةِ لِلْوَاسِطَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّبْذِيرُ لِلْمَالِ صَادِقٌ بِصَغِيرَةٍ أَوْ صَغَائِرَ مَعَ غَلَبَةِ الطَّاعَاتِ اهـ. وَقَوْلُهُ: " بِأَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ " أَيْ فِي مَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا أَنْ يَمْضِيَ لَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ زَمَنٌ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مَا يُنَافِي الرُّشْدَ بِحَيْثُ تَقْضِي الْعَادَةُ بِرُشْدِ مَنْ مَضَى عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعَاطِي مَا يَحْصُلُ بِهِ لَا مُجَرَّدَ كَوْنِهِ لَمْ يَتَعَاطَ مُنَافِيًا وَقْتَ الْبُلُوغِ بِخُصُوصِهِ؛ قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: " ثُمَّ حُجِرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 يَقْدَحُ الْعَمَى فِي وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَحْثِ وَالسَّمَاعِ وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ إنْ وُلِّيَ وَلَوْ حَاكِمًا أَوْ زَوْجٍ أَوْ وَكِيلٍ عَنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ لِحَدِيثِ: «الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكِحُ» الْكَافُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا، وَالْيَاءُ مَفْتُوحَةٌ   [حاشية البجيرمي] عَلَيْهِ " فَإِنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ صَحَّ تَزْوِيجُهُ كَبَقِيَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَهَذَا يُسَمَّى بِالسَّفِيهِ الْمُهْمَلِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ) وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الصَّرْعُ، فَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ مِنْهُ أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ، أَمَّا إذَا كَانَ الِانْتِظَارُ أَكْثَرَ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ لِلْأَبْعَدِ. وَمِثْلُ الْإِغْمَاءِ فِيمَا ذَكَرَ السُّكْرُ بِلَا تَعَدٍّ، أَمَّا إذَا كَانَ بِهِ فَقَدْ فَسَقَ بِذَلِكَ فَتَنْتَقِلُ لِلْأَبْعَدِ. وَعِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى الثَّلَاثِ انْتَظَرَ وَإِنْ كَانَ فَوْقَهَا انْتَقَلَتْ لِلْأَبْعَدِ وَإِنْ تَضَرَّرَتْ فِي مُدَّةِ الِانْتِظَارِ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي م ر، وَعِبَارَتُهُ: فَإِنْ دَعَتْ حَاجَتُهَا إلَى النِّكَاحِ فِي زَمَنِ الْإِغْمَاءِ أَوْ السُّكْرِ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا عَدَمُ تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ لَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي اهـ. وَالْجُنُونُ لَا تُنْتَظَرُ الْإِفَاقَةُ مِنْهُ مُطْلَقًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ م د. وَيُشْتَرَطُ بَعْدَ إفَاقَتِهِ صَفَاؤُهُ مِنْ أَثَرِ خَبْلٍ يُحْمَلُ عَلَى حِدَّةِ خُلُقٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: " أَنْ يَكُونَ مُخْتَلَّ النَّظَرِ ". قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: جَعَلُوا الْإِغْمَاءَ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ السَّوَالِبِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ طُولِ الْمُدَّةِ وَقِصَرِهَا، وَهُنَا انْتَظَرُوا وَرُبَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ وَالْوَلِيُّ يَتَعَاطَى حَقَّ نَفْسِهِ، فَاحْتِيطَ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ مَا لَمْ يُحْتَطْ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ إذْ الْمُوَكِّلُ إمَّا أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِانْعِزَالِ الْوَكِيلِ، بِخِلَافِ الْوَلِيِّ قَدْ لَا يَجِدُ مَنْ يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ كَهُوَ اهـ. وَلَوْ أَخْبَرَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِأَنَّ مُدَّتَهُ تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةٍ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ، فَلَوْ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَزَالَ الْمَانِعُ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ بَانَ بُطْلَانُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ زَوَّجَ الْحَاكِمُ لِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ فَبَانَ عَدَمُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى) أَيْ فِي الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ، وَأَمَّا مَنْ وَلَّاهُ الْقَاضِي فَإِنَّ الْعَمَى يَمْنَعُ الْوِلَايَةَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ أَيْ الْأَعْمَى وِلَايَةَ عَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ وَلَّيْتُك أَمْرَ هَذَا الْعَقْدِ، بِخِلَافِ تَوْكِيلِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ وَكَّلْتُك فِي هَذَا الْعَقْدِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ عَقْدَهُ بِمَهْرٍ مُعَيَّنٍ لَا يُشْبِهُ شِرَاءَهُ بِمُعَيَّنٍ أَوْ بَيْعَهُ بِهِ اهـ يَعْنِي أَنَّ الْأَعْمَى إذَا عَقَدَ بِمَهْرٍ مُعَيَّنٍ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَغَا الْمُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَا إذَا عَقَدَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، أَيْ كَأَنْ قَالَ الْأَعْمَى: زَوَّجْتُك بِنْتِي مَثَلًا بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَكَانَتْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهَا وَيُوَكِّلُ فِي قَبْضِ الْمَهْرِ، بِخِلَافِ شِرَائِهِ بِمُعَيَّنٍ أَوْ بَيْعِهِ بِهِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّمَنَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمُقَابِلِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ فَلِذَلِكَ كَانَ يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمُقَابِلِ اهـ. وَلَا يَقْدَحُ الْخَرَسُ إنْ كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ وَإِلَّا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ، ثُمَّ إنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِفَهْمِ إشَارَتِهِ فَطِنٌ بِأَنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ بَاشَرَ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا وَكَّلَ بِإِشَارَةٍ وَكِتَابَةٍ وَإِنْ كَانَا كِنَايَتَيْنِ، وَلَا يُبَاشِرُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ؛ وَكَتَزْوِيجِهِ تَزَوُّجُهُ اهـ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَعِبَارَةُ ع ش: أَمَّا إذَا فَهِمَهَا الْفَطِنُ دُونَ غَيْرِهِ سَاوَتْ الْكِنَايَةَ فَيَصِحُّ نِكَاحُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا حَيْثُ تَعَذَّرَ تَوْكِيلُهُ، وَلَيْسَ لَنَا نِكَاحٌ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ إلَّا بِالْكِتَابَةِ وَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ إذَا اخْتَصَّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ التَّوْكِيلُ بِالْكِتَابَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُ تَعَيَّنَ لِصِحَّةِ نِكَاحِهِ تَوْكِيلُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كِنَايَةً أَيْضًا فَهِيَ فِي التَّوْكِيلِ وَهُوَ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِحْرَامُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ أَوْ الزَّوْجَةُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، وَقَوْلُهُ بِنُسُكٍ مُتَعَلِّقٌ بِإِحْرَامٍ، وَقَوْلُهُ يَمْنَعُ إلَخْ خَبَرٌ؛ أَيْ فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ، بِخِلَافِ الْمُصَلِّي إذَا نَكَحَ نَاسِيًا أَوْ عَقَدَ وَكِيلُهُ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُحْرِمِ فِي النِّكَاحِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَعِبَارَةُ الْمُصَلِّي صَحِيحَةٌ. قَوْلُهُ: (الْعَاقِدَيْنِ) وَكَذَا مَنْ أُذِنَ لَهُمَا كَسَيِّدِ عَبْدٍ أَذِنَ لَهُ وَوَلِيِّ سَفِيهٍ أَذِنَ لَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ السَّيِّدُ وَالْوَلِيُّ، أَيْ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَقْدُ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ بَعْدَ إحْرَامِ السَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَاكِمًا) عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي التَّحْرِيرِ: وَإِنْ عَقَدَ الْإِمَامُ؛ وَهِيَ غَايَةُ الرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ، قَالَ الْمُنَاوِيُّ: وَقَوْلُ اللُّبَابِ يُسْتَثْنَى مِنْ الْوَلِيِّ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ حَالَ إحْرَامِهِ مُرَادُهُ بِهِ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ أَنَّ لِلْقُضَاةِ تَزْوِيجَ مَنْ هُوَ فِي وِلَايَتِهِ الْعَامَّةِ حَالَ إحْرَامِهِ أَيْ إحْرَامِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ فَاسِدًا) وَصُورَةُ الْفَاسِدِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يُفْسِدَهَا بِأَنْ يُجَامِعَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ أَعْمَالَهَا ثُمَّ يَدْخُلَ عَلَيْهَا بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا، خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ: صُورَتُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 فِي الْأَوَّلِ مَضْمُومَةٌ فِي الثَّانِي، وَلَا يَنْقُلُ الْإِحْرَامُ الْوِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ عِنْدَ إحْرَامِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبَ لَا الْأَبْعَدَ. وَمِمَّا تَرَكَهُ مِنْ شُرُوطِ الشَّاهِدَيْنِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالضَّبْطُ وَلَوْ مَعَ النِّسْيَانِ عَنْ قُرْبٍ وَمَعْرِفَةِ لِسَانِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ لِلْوِلَايَةِ كَأَبٍ وَأَخٍ مُنْفَرِدٍ وَكَّلَ وَحَضَرَ مَعَ الْآخَرِ، وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ وَعَدُوَّيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَيَنْعَقِدُ بِهِمَا النِّكَاحُ فِي الْجُمْلَةِ.   [حاشية البجيرمي] مُجَامِعًا وَهَذَا بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ. وَلَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي فَلِنُوَّابِهِ تَزْوِيجُ مَنْ فِي وِلَايَتِهِ حَالَ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ بِالْوِلَايَةِ لَا الْوَكَالَةِ. وَلَوْ أَحْرَمَ وَتَزَوَّجَ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ أَحْرَمَ قَبْلَ تَزَوُّجِهِ أَمْ بَعْدَهُ فَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ تَزْوِيجِهِ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ فَزَوَّجَهَا وَكِيلُهُ ثُمَّ بَانَ مَوْتُ مُوَكِّلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ مَاتَ قَبْلَ تَزْوِيجِهَا أَمْ بَعْدَهُ. وَلَوْ عَقَدَ الْوَكِيلُ ثُمَّ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ هَلْ وَقَعَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُدَّعِي الْبُطْلَانِ هُوَ الزَّوْجَ، وَإِلَّا رَفَعْنَا الْعَقْدَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ لِيَعْقِدَ لَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ أَوْ أَطْلَقَ وَعَقَدَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ جَازَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ؛ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: لَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا فِي أَنْ يُوَكِّلَ حَلَالًا لِيَعْقِدَ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ نَفْسِك وَلَا عَنَّا فِيمَا يَظْهَرُ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا، فَإِنْ قَالَ عَنْ نَفْسِك أَوْ عَنَّا لَمْ يَصِحَّ وَبِهَذَا يَجْمَعُ التَّنَاقُضَ. قَوْلُهُ: (وَالْيَاءُ مَفْتُوحَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَضْمُومَةٌ فِي الثَّانِي) وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، فَلَوْ قَالَ: مَفْتُوحَةٌ فِي أَحَدِهِمَا مَضْمُومَةٌ فِي الْآخَرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ ذَكَرَهُ ق ل. قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَلَعَلَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الرِّوَايَةُ. قَوْلُهُ: (وَالضَّبْطُ) أَيْ لِأَلْفَاظِ وَلِيِّ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ، فَلَا يَكْفِي سَمَاعُ أَلْفَاظِهِمَا فِي ظُلْمَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْوَاتَ تَشْتَبِهُ وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدَيْنِ ضَبْطُ سَاعَةِ الْعَقْدِ لِأَجْلِ لُحُوقِ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ: (وَكَوْنِهِ) أَيْ الشَّاهِدِ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ لِلْوِلَايَةِ. قَوْلُهُ: (كَأَبٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ وَالْأَخُ الْمُنْفَرِدُ فِي النِّكَاحِ أَوْ حَضَرَ مَعَ آخَرَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ وَلِيٌّ عَاقِدٌ فَلَا يَكُونُ شَاهِدًا اهـ، وَهِيَ أَوْلَى اهـ. وَقَوْلُهُ: " الْمُنْفَرِدُ " قَضِيَّةُ قَوْلِهِ: " الْمُنْفَرِدُ " أَنَّ الْأَخَ لَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ أَذِنَتْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إذَا وَكَّلَ أَجْنَبِيًّا صَحَّ أَنْ يَحْضُرَ مَعَ آخَرَ؛ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ عَدَمُ الصِّحَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَ أَحَدُهُمْ بِإِذْنِهَا وَحَضَرَ الْآخَرَانِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اهـ ح ل. وَقَوْلُهُ: " عَاقِدٌ "؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ مَحْضٌ فَكَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْعَاقِدَ. قَوْلُهُ: (وَكَّلَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (وَحَضَرَ مَعَ الْآخَرِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ وَلِيٌّ عَاقِدٌ فَلَا يَكُونُ شَاهِدًا. قَوْلُهُ: (بِابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ) صَادِقٌ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ: بِابْنَيْ الزَّوْجِ أَوْ ابْنَيْ الزَّوْجَةِ أَوْ ابْنِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ بِأَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا وَابْنِ الزَّوْجَةِ وَحْدَهَا أَوْ ابْنَيْهِمَا مَعًا، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: " وَعَدُوَّيْهِمَا " وَالْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " وَبِجَدَّيْهِمَا وَبِجَدِّهَا وَأَبِيهِ لَا أَبِيهَا؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ أَوْ مُوَكِّلُهُ. نَعَمْ يُتَصَوَّرُ شَهَادَتُهُ لِاخْتِلَافِ دِينٍ أَوْ رِقٍّ بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ أَمَةً وَأَبُوهَا مُسْلِمٌ فَيُزَوِّجُهَا السَّيِّدُ وَيَحْضُرُ أَبُوهَا شَاهِدًا كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. وَعِبَارَةُ أج: مِثْلُهُمَا الْأَجْدَادُ، وَكَذَا أَبُو الزَّوْجِ، وَأَمَّا أَبُو الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ وَلِيٌّ؛ نَعَمْ يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِأَنْ تَكُونَ أَمَةً زَوَّجَهَا السَّيِّدُ اهـ. وَصُورَةُ مَا إذَا كَانَ ابْنَاهُمَا شَاهِدَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ شَخْصٌ بِامْرَأَةٍ وَيَأْتِيَ مِنْهَا بِابْنَيْنِ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا وَيُرِيدَ نِكَاحَهَا ثَانِيًا بِشَهَادَةِ وَلَدَيْهِمَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَنْعَقِدُ بِأَبَوَيْهِمَا. وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُمَا مُسْلِمَيْنِ وَالزَّوْجَانِ كَافِرَيْنِ وَلِلزَّوْجَةِ أَخٌ كَافِرٌ فَيُحْضِرُهُمَا وَيُزَوِّجُ الْأَخُ، أَوْ تَكُونَ أَمَةً وَيُزَوِّجُهَا السَّيِّدُ؛ وَإِلَّا فَالْمُزَوِّجُ مَتَى كَانَ وَلِيًّا لَمْ يَكْفِ حُضُورُهُ شَاهِدًا وَإِنْ وَكَّلَ فِي نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ سَفِيرٌ مَحْضٌ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ. وَكِلَا التَّصْوِيرَيْنِ صَحِيحٌ، أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ الْمُسْلِمِ حَيْثُ كَانَتْ كَافِرَةً بَلْ لِلْأَخِ الْكَافِرِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْمَنْهَجِ يَمْنَعُ الْوِلَايَةَ رِقٌّ وَصِبًا وَجُنُونٌ وَفِسْقُ غَيْرِ الْإِمَامِ وَحَجْرُ سَفَهٍ وَاخْتِلَالُ نَظَرٍ، أَيْ رَأْيٍ، وَاخْتِلَافُ دِينٍ وَيَنْقُلُهَا كُلٌّ لِأَبْعَدَ لَا أَعْمَى إلَخْ؛ هَذَا وَمَعَ كَوْنِهِ يَنْعَقِدُ بِمَا ذَكَرَ إذَا وَقَعَ نِزَاعٌ فِيهِ أَوْ فِي الْمَهْرِ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا عَلَى تَفْصِيلٍ. قَوْلُهُ: (وَيَنْعَقِدُ بِهِمَا النِّكَاحُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ حَيْثُ قَالَ: لِثُبُوتِ النِّكَاحِ بِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ اهـ، أَيْ وَيَنْعَقِدُ بِهِمَا فِي كُلِّ الصُّوَرِ لَا فِي الْجُمْلَةِ. وَالْمُرَادُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنْ يَكُونَا فِي تَزْوِيجِ أَجْنَبِيَّيْنِ. وَقَالَ ق ل: قَوْلُهُ: " فِي الْجُمْلَةِ " أَيْ فِي غَيْرِ نِكَاحِهِمَا، وَأَمَّا فِي خُصُوصِ نِكَاحِهِمَا فَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِمَنْ ذَكَرَ، فَلَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ زَوْجِيَّةً وَأَنْكَرَ وَأَقَامَتْ ابْنَيْهِمَا أَوْ عَدُوَّيْهِمَا شُهَدَاءَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 وَمِمَّا تَرَكَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ الصِّيغَةُ، وَشَرَطَ فِيهَا مَا شَرَطَ فِي صِيغَةِ الْبَيْعِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ. وَمِنْهُ عَدَمُ التَّعْلِيقِ وَالتَّأْقِيتِ.   [حاشية البجيرمي] شَهَادَتُهُمَا لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْعَدَاوَةُ وَشَهَادَةُ الِابْنِ لِأُمِّهِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا زَوْجِيَّةً وَأَنْكَرَتْ وَأَقَامَ مَنْ ذَكَرَ لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا لِوُجُودِ الْمَانِعِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: " فِي الْجُمْلَةِ " أَيْ إذَا شَهِدَا فِي نِكَاحٍ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَثْبُتُ بِمَا ذَكَرَ، وَأَمَّا إذَا شَهِدَ لِلزَّوْجِ أَوْلَادُهُ أَوْ لِلزَّوْجَةِ أَوْلَادُهَا فَلَا يَثْبُتُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَى الزَّوْجِ عَدُوَّاهُ أَوْ عَلَيْهَا عَدُوَّاهَا فَلَا يَثْبُتُ، أَمَّا لَوْ شَهِدَ عَلَى الزَّوْجِ ابْنَاهُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا ابْنَاهَا أَوْ شَهِدَ لِلزَّوْجِ عَدُوَّاهُ أَوْ لِلزَّوْجَةِ عَدُوَّاهَا فَيَثْبُتُ ح ل. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ عَدَمُ التَّعْلِيقِ إلَخْ) وَمِنْهُ: " إنْ شِئْت " كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَا: " إنْ شَاءَ اللَّهُ " إنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّبَرُّكَ فَلَا يَضُرُّ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي الْإِطْلَاقِ، فَانْظُرْهُ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْعُقُودِ لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ لِمَكَانِ النِّيَّةِ الْوَاجِبِ فِيهَا الْجَزْمُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَحَّ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّأْقِيتِ) وَلَوْ إلَى مَا لَا يَبْقَى كُلٌّ مِنْهُمَا إلَيْهِ كَأَلْفِ سَنَةٍ، خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ حَيْثُ قَالَ: إذَا أَقَمْت بِمُدَّةِ عُمُرِهِ أَوْ عُمُرِهَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْوَاقِعِ، وَرَدَّ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِذَلِكَ يَقْتَضِي رَفْعَ آثَارِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ وَآثَارُ النِّكَاحِ لَا تَرْتَفِعُ بِالْمَوْتِ فَرَفْعُهَا بِهِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى النِّكَاحِ فَالْمُعْتَمَدُ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا وَلَوْ بِأَلْفِ سَنَةٍ؛ قَالَهُ ع ش. وَمَحَلُّ عَدَمِ صِحَّةِ التَّأْقِيتِ إذَا وَقَعَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، أَمَّا إذَا تَوَافَقَا عَلَيْهِ قَبْلُ وَتَرَكَاهُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، لَكِنْ يَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْمُحَلَّلِ. وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهِيَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ إلَى مُدَّةٍ، لَكِنْ لَوْ نَكَحَ بِهِ شَخْصٌ لَمْ يُحَدَّ لِشُبْهَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي مَتْنِ الرَّوْضِ، وَعِبَارَتُهُ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهُوَ الْمُؤَقَّتُ بِهِ كَمَا قَالَهُ عَبْدُ الْبَرِّ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَتَّعُ بِهَا مُدَّةً ثُمَّ يَنْقَطِعُ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ مُجَرَّدُ التَّمَتُّعِ لَا التَّوَالُدُ وَالتَّوَارُثُ اللَّذَانِ هُمَا الْغَرَضُ مِنْ النِّكَاحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ كَانَ مُبَاحًا ثُمَّ نُسِخَ يَوْمَ خَيْبَرَ ثُمَّ أُبِيحَ يَوْمَ الْفَتْحِ ثُمَّ نُسِخَ فِي أَيَّامِ الْفَتْحِ وَاسْتَمَرَّ تَحْرِيمُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَانَ فِيهِ خِلَافٌ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ ارْتَفَعَ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ؛ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمًا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ وَهُوَ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي كُنْت أَذِنْت لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا» لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» وَعَنْ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا حُرِّمَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ إلَّا الْمُتْعَةَ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جَوَازِهَا رَجَعَ عَنْهُ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاَللَّهِ مَا فَارَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ الدُّنْيَا حَتَّى رَجَعَ إلَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ فِي تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ. وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَامَ خَطِيبًا يَوْمَ عَرَفَةَ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الْمُتْعَةَ حَرَامٌ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتْعَةَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي نُسِخَتْ، الثَّانِي: لُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، الثَّالِثُ: الْقِبْلَةُ اهـ. وَقَوْلُهُ: " لَا أَعْلَمُ شَيْئًا حُرِّمَ إلَخْ " أَيْ فَقَدْ حُرِّمَتْ مَرَّتَيْنِ، نَقَلَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا أُبِيحَتْ وَحُرِّمَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَلْيُنْظَرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ أَوَّلَ مَنْ حَرَّمَ الْمُتْعَةَ سَيِّدُنَا عُمَرُ، وَقِيلَ: لَمْ يُحَرِّمْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطْلَقًا بَلْ عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا وَأَبَاحَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، أَيْ خَوْفَ الزِّنَا، وَبِذَلِكَ كَانَ يُفْتِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَفِي كَلَامِ فُقَهَائِنَا. وَالنَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الَّذِي لَوْ بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْقَوْلِ بِإِبَاحَتِهَا لِمَنْ خَافَ الزِّنَا مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ لِكَافَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ وَقَعَتْ مُنَاظَرَةٌ بَيْنَ الْقَاضِي يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُونِ، فَإِنَّ الْمَأْمُونَ نَادَى بِإِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ فَدَخَلَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَجَلَسَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: مَا لِي أَرَاك مُتَغَيِّرًا؟ قَالَ: لِمَا حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَمَا حَدَثَ؟ قَالَ: النِّدَاءُ بِتَحْلِيلِ الزِّنَا، قَالَ: الْمُتْعَةُ زِنًا؟ قَالَ: نَعَمْ الْمُتْعَةُ زِنًا، قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ: مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] إلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 وَلَفْظُ مَا يُشْتَقُّ مِنْ تَزْوِيجٍ أَوْ إنْكَاحٍ وَلَوْ بِعَجَمِيَّةٍ يَفْهَمُ مَعْنَاهَا الْعَاقِدَانِ وَالشَّاهِدَانِ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَاقِدَانِ الْعَرَبِيَّةَ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى، فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَلَفْظِ بَيْعٍ وَتَمْلِيكٍ وَهِبَةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» وَصَحَّ النِّكَاحُ بِتَقْدِيمِ قَبُولٍ، وَبِزَوِّجْنِي مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، وَبِتَزَوَّجْتَهَا مِنْ قِبَلِ الْوَلِيِّ مَعَ   [حاشية البجيرمي] إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ زَوْجَةُ الْمُتْعَةِ مِلْكٌ بِيَمِينٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَقَدْ صَارَ مُتَجَاوِزُ هَذَيْنِ مِنْ الْعَادِينَ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ بِسَنَدٍ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُنَادِيَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُتْعَةِ وَتَحْرِيمِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ أَمَرَ بِهَا» فَالْتَفَتَ الْمَأْمُونُ لِلْحَاضِرِينَ وَقَالَ: أَتَحْفَظُونَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ نَادُوا بِتَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي السِّيرَةِ. قَالَ السَّيِّدُ النَّسَّابَةُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الْأَنْكِحَةِ لِابْنِ الْعِمَادِ: وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُكهَا مُدَّةَ حَيَاتِك أَوْ مُدَّةَ عُمُرِك صَحَّ وَلَيْسَ هَذَا نِكَاحَ مُتْعَةٍ بَلْ هُوَ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك أَوْ أَعَمَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ مُدَّةَ حَيَاتِك، وَنَظِيرُهُ مِنْ الْجِزْيَةِ قَوْلُ الْإِمَامِ أُقِرُّكُمْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مُدَّةَ حَيَاتِكُمْ أَوْ إلَى أَنْ يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا الْجِزْيَةَ. قَوْلُهُ: (وَلَفْظُ مَا يُشْتَقُّ مِنْ تَزْوِيجٍ) كَزَوَّجْتُكَ أَوْ أَنْكَحْتُك. وَقَوْلُهُ: " وَلَفْظُ " مَعْطُوفٌ عَلَى " مِنْ " مِنْ قَوْلِهِ: " مَا شَرَطَ ". وَأَطْلَقَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْهُمْ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي مُضَارِعِهِمَا، ثُمَّ بَحَثَ الصِّحَّةَ إذَا انْسَلَخَ عَنْ مَعْنَى الْوَعْدِ بِأَنْ قَالَ الْآنَ وَكَأَنَا مُزَوِّجُك وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْآنَ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي حَالِ التَّكَلُّمِ عَلَى الرَّاجِحِ فَلَا يُوهِمُ الْوَعْدَ حَتَّى يَحْتَرِزَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمُضَارِعِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِعَجَمِيَّةٍ) أَيْ مَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي هَذِهِ اللُّغَةِ ح ل. وَالْمُرَادُ بِالْعَجَمِيَّةِ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ غَيْرَ لُغَةِ الْعَاقِدِ، وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ. قَوْلُهُ: (يَفْهَمُ مَعْنَاهَا الْعَاقِدَانِ) وَلَوْ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ عَارِفٍ أَيْ أَخْبَرَهُ بِمَعْنَاهَا قَبْلَ إتْيَانِهِ بِهَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَاقِدَانِ الْعَرَبِيَّةَ) الْغَايَةُ فِيهِ أَيْضًا لِلرَّدِّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَلَفْظِ بَيْعٍ إلَخْ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، حَتَّى إنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي لَفْظِ الْإِجَارَةِ رِوَايَتَانِ؛ وَقَالَ مَالِكٌ: يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ اهـ. وَفِي الْخَصَائِصِ: وَاخْتَصَّ بِإِبَاحَةِ النِّكَاحِ أَيْ عَقْدُهُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَبِمَعْنَاهَا إيجَابًا مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} [الأحزاب: 50] الْآيَةُ، لَا قَبُولًا مِنْ جِهَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَرْجِيحِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: 50] وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَحِلُّ لَهُ بِتَزْوِيجِ اللَّهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِعَقْدٍ كَمَا فِي قِصَّةِ امْرَأَةِ زَيْدٍ. وَإِذَا عَقَدَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ مَهْرٌ إلَّا بِالْعَقْدِ وَلَا بِالدُّخُولِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْهِبَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إذَا عَقَدَ بِلَا مَهْرٍ ثُمَّ وَطِئَ وَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ جَوَّزْتُك بِالْجِيمِ بَدَلَ الزَّايِ أَوْ أَنَأَحْتُكَ بِالْهَمْزَةِ بَدَلَ الْكَافِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لُغَتَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِأَمَانَةِ اللَّهِ) أَيْ بِجَعْلِهِنَّ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ كَالْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ عِ ش عَلَى م ر. وَقِيلَ: هِيَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] قَوْلُهُ: (بِكَلِمَةِ اللَّهِ) وَكَلِمَةُ اللَّهِ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] قَوْلُهُ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ غَيْرُ اللَّفْظَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُمَا التَّزْوِيجُ وَالْإِنْكَاحُ، فَالْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ فِي النِّكَاحِ ضَرْبًا مِنْ التَّعَبُّدِ ز ي. قَوْلُهُ: (بِتَقْدِيمِ قَبُولٍ) كَأَنْ يَقُولَ قَبِلْت نِكَاحَ فُلَانَةَ أَوْ تَزْوِيجَهَا أَوْ رَضِيت نِكَاحَ فُلَانَةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ كَافِيَةٌ فِي الْقَبُولِ، لَا فَعَلْت وَلَا يَضُرُّ مِنْ عَامِّيٍّ فَتْحُ التَّاءِ، وَكَذَا مِنْ الْعَالِمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 قَوْلِ الْآخَرِ عَقِبَهُ زَوَّجْتُك فِي الْأَوَّلِ أَوْ تَزَوَّجْتهَا فِي الثَّانِي لِوُجُودِ الِاسْتِدْعَاءِ الْجَازِمِ الدَّالِّ عَلَى الرِّضَا. لَا بِكِنَايَةٍ فِي الصِّيغَةِ كَأَحْلَلْتُكَ بِنْتِي إذْ لَا بُدَّ فِي الْكِنَايَةِ مِنْ النِّيَّةِ وَالشُّهُودُ رُكْنٌ فِي النِّكَاحِ كَمَا مَرَّ وَلَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّةِ. أَمَّا الْكِنَايَةُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي فَقَبِلَ وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِهَا. وَمِمَّا تَرَكَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ أَيْضًا الزَّوْجَةُ،   [حاشية البجيرمي] عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الصِّيغَةِ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالْمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْخَطَأِ فِي الْإِعْرَابِ وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يُخِلُّ؛ وَخَالَفَ حَجّ فِي الْعَالِمِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَا يَضُرُّ فَتْحُ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَلَوْ مِنْ عَارِفٍ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ عَدَّهُمْ أَنْعَمْت بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِهَا مُخِلًّا لِلْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الصِّيغَةِ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي مُحَاوَرَاتِ النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ، وَلَا يَضُرُّ إبْدَالُ الزَّايِ جِيمًا وَعَكْسُهُ وَالْكَافُ هَمْزَةً اهـ أج. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ مِنْ عَارِفٍ " خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ فِي الْعَارِفِ، وَقَوْلُهُ: " وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ " أَيْ عَدَمَ الضَّرَرِ هُنَا، وَقَوْلُهُ: "؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الصِّيغَةِ عَلَى الْمُتَعَارَفِ " قَالَ ع ش: فِي كَوْنِ فَتْحِ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ الْمُتَعَارَفِ فِي مُحَاوَرَاتِ النَّاسِ وَلَوْ مِنْ الْعَارِفِ نَظَرٌ، فَالْقَلْبُ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ أَمْيَلُ. وَقَوْلُهُ: وَالْكَافُ هَمْزَةً ظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ عَارِفٍ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لُغَتَهُ وَيَصِحُّ أَزْوَجْتُكَ وَلَوْ مِنْ عَالِمٍ. وَنُقِلَ فِي الدَّرْسِ عَنْ م ر مَا يُوَافِقُهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مَعْنَى أَزْوَجْتُكَ فُلَانَةَ صَيَّرْتُك زَوْجًا لَهَا وَهُوَ مُسَاوٍ فِي الْمَعْنَى لِزَوَّجْتُكَهَا، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مَا يُخَالِفُهُ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ تَزَوَّجْتهَا فِي الثَّانِي) أَتَى بِالضَّمِيرِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِدَالٍّ عَلَيْهَا كَضَمِيرِهَا أَوْ اسْمِهَا أَوْ اسْمِ إشَارَةٍ لَهَا أَوْ قَصْدِهَا، وَيُلْغَى الِاسْمُ إذَا عَارَضَهُ الْقَصْدُ أَوْ الْوَصْفُ نَحْوُ زَيْنَبَ الْكَبِيرَةِ وَكَانَ قَصْدُهُ الصَّغِيرَةَ، فَإِنْ تَعَارَضَ وَصْفَانِ كَصَغِيرَةٍ طَوِيلَةٍ تَسَاقَطَا وَبَطَلَ الْعَقْدُ؛ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي الصَّغِيرَةَ الطَّوِيلَةَ وَكَانَتْ الطَّوِيلَةَ الْكُبْرَى فَالتَّزْوِيجُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَازِمٌ، وَلَيْسَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا فِي غَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْآخَرِ فَصَارَتْ مُبْهَمَةً اهـ أج مَعَ زِيَادَةٍ. قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَلَا يَكْفِي الْإِضَافَةُ إلَى جُزْئِهَا وَإِنْ لَمْ تَعِشْ بِهِ كَقَلْبِهَا أَوْ رَأْسِهَا أَوْ يَدِهَا، نَعَمْ قَدْ اعْتَمَدَ شَيْخُنَا صِحَّةَ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ إنْ قُصِدَ بِهِ الْجُمْلَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ هُنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرِّقَ وَهُوَ أَقْرَبُ اهـ. قَوْلُهُ: (لِوُجُودِ الِاسْتِدْعَاءِ الْجَازِمِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ تُزَوِّجْنِي أَوْ زَوَّجْتنِي أَوْ زَوِّجْهَا مِنِّي، وَمَا لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ تَزَوَّجْهَا أَوْ تَزَوَّجْتهَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْجَزْمِ. وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلزَّوْجِ قُلْ تَزَوَّجْتهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْعَاءٌ لِلَّفْظِ لَا لِلتَّزْوِيجِ. تَنْبِيهٌ: سُئِلَ شَيْخُنَا م ر عَنْ الْأَنْكِحَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْعَوَامّ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ شُرُوطَ الْأَنْكِحَةِ وَالْغَالِبُ فَسَادُهَا، هَلْ يَحْتَاجُونَ إلَى تَحْلِيلٍ إذَا وَقَعَ مِنْهُمْ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ سَأَلَ وَالِدَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَقَدْ سُئِلْت عَنْ ذَلِكَ وَأَفْتَيْت بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّحْلِيلِ وَلَا تَجُوزُ بِغَيْرِهِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (لَا بِكِنَايَةٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَأَتَّى فِي لَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِهِمَا وَمِنْ الْكِنَايَةِ زَوَّجَك اللَّهُ بِنْتِي، وَلَوْ قَالَ الْمُتَوَسِّطُ زَوِّجْ بِنْتَك لِفُلَانٍ فَقَالَ زَوَّجْتهَا وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ أَوْ لَهُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت وَلَمْ يَقُلْ نِكَاحَهَا لِنَفْسِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا فَلَا يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِهَاءِ الضَّمِيرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ زَوَّجْتهَا لَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْبَابِلِيُّ: وَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَلَوْ قَالَ الْمُتَوَسِّطُ لِلْوَلِيِّ زَوَّجْته ابْنَتَك فَقَالَ زَوَّجْتهَا ثُمَّ قَالَ لِلزَّوْجِ قُلْ قَبِلْت نِكَاحَهَا فَقَالَ قَبِلْت نِكَاحَهَا انْعَقَدَ لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مُرْتَبِطَيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَا أَوْ أَحَدُهُمَا نَعَمْ اهـ. قَوْلُهُ: (كَأَحْلَلْتُكَ بِنْتِي) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ النِّكَاحِ ح ل. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِنَايَةَ لَا يَصِحُّ بِهَا النِّكَاحُ وَلَوْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى النِّكَاحِ وَلَوْ قَالَ نَوَيْت بِهَا النِّكَاحَ. قَوْلُهُ: (وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِهَا) وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالِاعْتِرَاضُ قَوِيُّ عَمِيرَةَ لَكِنْ الْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ؛ عَبْدُ الْبَرِّ. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَكَتَبَ ع ش عَلَى قَوْلِ م ر: " وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ إلَخْ ": كَأَنْ قَالَ زَوَّجْت ابْنَتِي أَحَدَكُمَا فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا نَوَى الْوَلِيُّ مُعَيَّنًا مِنْهُمَا أَمْ لَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ زَوَّجْتُك إحْدَى بَنَاتِي وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً حَيْثُ صَحَّ ثَمَّ لَا هُنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الزَّوْجِ الْقَبُولُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَى قَبُولِهِ الْمُوَافِقِ لِلْإِيجَابِ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَ الْعَقْدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 وَشُرِطَ فِيهَا حِلٌّ وَتَعْيِينٌ وَخُلُوٌّ مِنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ مُحْرِمَةٍ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلَا إحْدَى امْرَأَتَيْنِ لِلْإِبْهَامِ، وَلَا مَنْكُوحَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهَا. وَمِمَّا تَرَكَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ أَيْضًا الزَّوْجُ، وَشُرِطَ فِيهِ حِلٌّ وَاخْتِيَارٌ وَتَعْيِينٌ وَعِلْمٌ بِحِلِّ الْمَرْأَةِ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ مُحْرِمٍ وَلَوْ بِوَكِيلٍ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلَا مُكْرَهٍ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ وَلَا مَنْ جَهِلَ حِلَّهَا لَهُ احْتِيَاطًا لِعَقْدِ النِّكَاحِ.   [حاشية البجيرمي] وَالْخِطَابُ مَعَهَا، وَالشَّهَادَةُ تَقَعُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ، فَاغْتُفِرَ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الزَّوْجِ. وَبَقِيَ مَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ ثُمَّ مَاتَ وَاخْتَلَفَتْ الزَّوْجَةُ مَعَ الزَّوْجِ أَنَّهَا الْمُسَمَّاةُ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِقَوْلِهَا أَوْ بِقَوْلِ الشُّهُودِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لَكِنْ الْأَقْوَى قَوْلُ الشُّهُودِ. وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ قَالَتْ لَسْت الْمُسَمَّاةَ فِي الْعَقْدِ وَقَالَ الشُّهُودُ بَلْ أَنْتِ الْمَقْصُودَةُ بِالتَّسْمِيَةِ وَإِنَّمَا الْوَلِيُّ سَمَّى غَيْرَك فِي الْعَقْدِ خَطَأً، فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِقَوْلِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّكَاحِ أَوْ الْعِبْرَةُ بِقَوْلِ الشُّهُودِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغَلَطِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَشُرِطَ فِيهَا حِلٌّ) خَرَجَ مَنْ شُكَّ فِي حِلِّهَا كَالْخُنْثَى أَوْ الْمُعْتَدَّةِ، حَتَّى لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْعِدَّةِ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ الْحِلِّ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَقُلْ فِيهَا كَمَا فِي الزَّوْجِ وَعَلِمَ بِحِلِّ الزَّوْجِ لَهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مَعْقُودًا عَلَيْهَا شَرَطَ فِيهَا مَا ذَكَرَ دُونَهُ. قَوْلُهُ: (وَتَعْيِينٌ) فَزَوَّجْتُك إحْدَى بَنَاتِي أَوْ زَوَّجْت بِنْتِي أَحَدَكُمَا بَاطِلٌ وَلَوْ مَعَ الْإِشَارَةِ كَالْبَيْعِ، وَيَكْفِي التَّعْيِينُ بِوَصْفٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا كَزَوَّجْتُكَ ابْنَتِي وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا أَوْ الَّتِي فِي الدَّارِ وَلَيْسَ فِيهَا غَيْرُهَا أَوْ هَذِهِ وَإِنْ سَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا فِي الْكُلِّ وَكَزَوَّجْتُكِ هَذَا الْغُلَامَ. وَأَشَارَ لِبِنْتِهِ تَعْوِيلًا عَلَى الْإِشَارَةِ، وَلِأَنَّ الْبِنْتِيَّةَ صِفَةٌ لَازِمَةٌ مُمَيِّزَةٌ فَاعْتُبِرَتْ وَلُغِيَ الِاسْمُ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى الْإِرْشَادِ اهـ أج. فَرْعٌ: سُئِلَ شَيْخُنَا ز ي عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ امْرَأَةً وَعَقَدَ ثُمَّ أُتِيَ لَهُ بِامْرَأَةٍ غَيْرِ الْمَخْطُوبَةِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مَعَهَا. قَوْلُهُ: (وَخُلُوٌّ عَنْ نِكَاحٍ) وَلَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا خَلِيَّةٌ عَنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ قُبِلَ قَوْلُهَا وَجَازَ لِلْوَلِيِّ اعْتِمَادُ قَوْلِهَا سَوَاءٌ كَانَ خَاصًّا أَوْ عَامًّا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ كُنْت زَوْجَةً لِفُلَانٍ وَطَلَّقَنِي أَوْ مَاتَ عَنِّي فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَلِيِّ الْعَامِّ بِخِلَافِ الْخَاصِّ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (وَعِدَّةٍ) أَيْ عِدَّةِ غَيْرِهِ، أَمَّا الْمُعْتَدَّةُ مِنْهُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا بِدُونِ الثَّلَاثِ وَاللِّعَانِ صَحَّ نِكَاحُهَا فِي الْعِدَّةِ وَإِلَّا فَلَا، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَيْضًا الِاخْتِيَارُ إلَّا فِي الْمُجْبَرَةِ. قَوْلُهُ: (وَعِلْمٌ بِحِلِّ الْمَرْأَةِ) خَرَجَ مَنْ شُكَّ فِي حِلِّهَا كَالْخُنْثَى أَوْ الْمُعْتَدَّةِ. وَخُرُوجُ هَذَيْنِ مِمَّا ذَكَرَ أَوْلَى مِنْ إخْرَاجِ الْمُحَشِّي لَهُمَا بِقَوْلِهِ فِي شُرُوطِ الزَّوْجَةِ حِلٌّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ بِهِ الْمُحَرَّمَةُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. وَاَلَّذِي انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْحَلَبِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ، فَلَوْ عَقَدَ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: " وَلَا مَنْ جَهِلَ حِلَّهَا " يَعْنِي بِهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ بِالصِّحَّةِ حَالَ الْعَقْدِ، فَلَا يُنَافِي تَبَيُّنُ الصِّحَّةِ بِتَبَيُّنِ خِلَافِ مَا ظَنَّ عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لَكِنْ هَذَا كُلُّهُ رُبَّمَا يُنَافِيه مَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا رَضَاعٌ وَشُكَّ هَلْ هُوَ خَمْسٌ أَوْ أَقَلُّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عَالِمًا بِحِلِّهَا فَحَرِّرْ ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ لَا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا مُكْرَهٍ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ أَمَّا إذَا كَانَ بِحَقٍّ كَأَنْ أُكْرِهَ عَلَى نِكَاحِ الْمَظْلُومَةِ فِي الْقَسْمِ، فَيَصِحُّ بِأَنْ ظَلَمَهَا هُوَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا لِيَبِيتَ عِنْدَهَا مَا فَاتَهَا اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ) كَالْبَيْعِ ظَاهِرُهُ وَإِنْ نَوَاهُ وَقُبِلَ. وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي زَوَّجْتُك بِنْتِي وَنَوَى مُعَيَّنَةً الصِّحَّةُ؛ لَكِنْ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ الْبُطْلَانُ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ زَوَّجْتُك إحْدَى بَنَاتِي وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً حَيْثُ صَحَّ ثَمَّ لَا هُنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الزَّوْجِ الْقَبُولُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَى قَبُولِهِ الْمُوَافِقِ لِلْإِيجَابِ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَ الْعَقْدُ وَالْخِطَابُ مَعَهَا وَالشَّهَادَةُ تَقَعُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ فَاغْتُفِرَ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الزَّوْجِ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا مَنْ جَهِلَ حِلَّهَا لَهُ) كَمَنْ ظَنَّهَا أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَوْ تَبَيَّنَ الْحِلُّ م ر. وَخَالَفَهُ حَجّ؛ لَكِنْ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر مَا يُوَافِقُ حَجّ، وَهُوَ أَنَّ الْعِلْمَ بِحِلِّ الْمَرْأَةِ لَهُ شَرْطٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْأَوْلِيَاءِ تَرْتِيبًا وَإِجْبَارًا وَعَدَمِهِ وَبَعْضِ أَحْكَامِ الْخِطْبَةِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ذَكَرَ هَذَا الْفَصْلَ وَأَسْقَطَهُ فِي بَعْضِهَا فَقَالَ: (وَأَوْلَى الْوُلَاةِ) أَيْ مِنْ الْأَقَارِبِ فِي التَّزْوِيجِ (الْأَبُ) ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَوْلِيَاءِ يُدْلُونَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ) وَإِنْ عَلَا لِاخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمْ عَنْ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ بِالْوِلَادَةِ مَعَ مُشَارَكَتِهِ فِي الْعُصُوبَةِ (ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) لِإِدْلَائِهِ بِهِمَا (ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ) لِإِدْلَائِهِ بِهِ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ ابْنِ الْأَخِ (ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) وَإِنْ سَفَلَ (ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ) وَإِنْ سَفَلَ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ أَقْرَبُ مِنْ الْعَمِّ (ثُمَّ الْعَمُّ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ (ثُمَّ ابْنُهُ) أَيْ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ وَإِنْ سَفَلَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ) لِزِيَادَةِ الْقُرْبِ وَالشَّفَقَةِ كَالْإِرْثِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ غَابَ الشَّقِيقُ لَمْ يُزَوِّجْ الَّذِي لِأَبٍ بَلْ السُّلْطَانُ نَعَمْ لَوْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا لِأَبَوَيْنِ وَالْآخَرُ لِأَبٍ لَكِنَّهُ أَخُوهَا   [حاشية البجيرمي] لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ لَا لِلصِّحَّةِ، فَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ أُخْتَهُ كَفَى نَعَمْ هُوَ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخُنْثَى كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى لَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ عَلَيْهِ اهـ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَوْلِيَاءِ] ِ قَوْلُهُ: (تَرْتِيبًا) تَمْيِيزٌ وَلَا يَضُرُّ عَطْفُ الْمَعْرِفَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ. وَهُوَ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ وَالتَّقْدِيرُ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ تَرْتِيبِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِجْبَارِهِمْ وَعَدَمِهِ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَهُوَ الْأَوْلِيَاءُ مَقَامَهُ، فَانْبَهَمَتْ النِّسْبَةُ الْإِضَافِيَّةُ فَأُتِيَ بِالْمُضَافِ وَجُعِلَ تَمْيِيزًا. وَبَيَانُ التَّرْتِيبِ يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ ب " ثُمَّ " وَالْإِجْبَارِ مِنْ قَوْلِهِ: " فَالْبِكْرُ يَجُوزُ لِلْأَبِ إلَخْ ". وَعَدَمِ الْإِجْبَارِ مِنْ قَوْلِهِ: " وَالثَّيِّبُ إلَخْ " وَبَيَانُ الْخِطْبَةِ مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَرِّحَ بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ ". قَوْلُهُ: (وَعَدَمِهِ) أَيْ الْإِجْبَارِ. قَوْلُهُ: (وَأَوْلَى الْوُلَاةِ) أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ بِالنَّظَرِ لِمُطْلَقِ الْوِلَايَةِ لَا بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ الْعَقْدِ وَبِالنَّظَرِ لِذَلِكَ الْعَقْدِ بِمَعْنًى مُسْتَحِقٍّ نَحْوُ فُلَانٌ أَحَقُّ بِمَالِهِ أَيْ مُسْتَحِقٌّ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، إذْ لَا حَقَّ لِلْجَدِّ مَثَلًا مَعَ وُجُودِ الْأَبِ. وَأَسْبَابُ الْوِلَايَةِ أَرْبَعَةٌ: الْأُبُوَّةُ وَالْعُصُوبَةُ وَالْإِعْتَاقُ وَالسَّلْطَنَةُ، وَالْوُلَاةُ بِضَمِّ الْوَاوِ جَمْعُ وَالٍ كَغَازٍ وَغُزَاةٍ وَقَاضٍ وَقُضَاةٍ، وَلَمْ يُدْخِلْ الْأُبُوَّةَ فِي التَّعْصِيبِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ قَدْ يَرِثُ بِالْفَرْضِ فَقَطْ إذَا كَانَ مَعَهُ ابْنٌ وَمِثْلُهُ الْجَدُّ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ إلَّا بِالتَّعْصِيبِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ سَائِرَ الْأَوْلِيَاءِ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر: لِأَنَّهُ أَشْفَقُ الْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: (كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ) ذَكَرَهُ لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ق ل؛ لِأَنَّ الْعَمَّ لَا يُدْلِي بِالْأَبِ وَإِنَّمَا يُدْلِي بِالْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ الْعَمَّ وَابْنَ أَخِيهِ فِي الِانْتِسَابِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَبِ تَأَمَّلْ. وَقَالَ شَيْخُنَا ع ش: وَلَا يَرُدُّ الْمُعْتَقَ وَعَصَبَتَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَوْلِيَاءِ مِنْ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: (كُلٍّ مِنْهُمْ) أَيْ الْأَجْدَادِ. قَوْلُهُ: (لِإِدْلَائِهِ بِهِمَا) أَيْ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَشِّي أَيْ الْأَبِ وَالْجَدِّ؛ لَكِنْ إلَى الْأَبِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَإِلَى الْجَدِّ بِوَاسِطَةٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَفَلَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ الْأَخِ الشَّقِيقِ مُقَدَّمٌ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ، وَلَيْسَ مُرَادًا. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي فِي ابْنِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ النَّازِلَ مِنْ ابْنِ الْأَخِ الشَّقِيقِ وَابْنِ الْعَمِّ الشَّقِيقِ يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ الْعَالِي وَابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبِ الْعَالِي، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ كَالْإِرْثِ بَلْ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ الْعَالِيَانِ مُقَدَّمَانِ عَلَى النَّازِلِ مِنْ الشَّقِيقِ مِنْ أَوْلَادِ الْأَخِ وَأَوْلَادِ الْعَمِّ الشَّقِيقَيْنِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ سَفَلَ، الْأَوْلَى وَإِنْ تَرَاخَى عَلَى قَاعِدَةِ الْفَرْضِيَّيْنِ أَنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ بِالتَّسَفُّلِ فِي الْأَوْلَادِ وَبِالتَّرَاخِي فِي أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا. قَوْلُهُ: (لِزِيَادَةِ الْقُرْبِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْقُوَّةَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَخِ الشَّقِيقِ وَالْأَخِ لِلْأَبِ فِي الْقُرْبِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ مِنْ جِهَةِ الْإِدْلَاءِ إلَى الْأَبِ. قَوْلُهُ: (كَالْإِرْثِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إلَى هُنَا. قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا إلَخْ) أَيْ كَوْنُ الْوِلَايَةِ لِلشَّقِيقِ دُونَ الَّذِي لِأَبٍ، أَيْ فَهِيَ حَقٌّ عَلَيْهِ فَيَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ. قَوْلُهُ: (بَلْ السُّلْطَانُ) أَوْ نَائِبُهُ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ كَانَا إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبِ، أَيْ فَمَحَلُّ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ أَخًا لِأُمٍّ وَإِلَّا قُدِّمَ وَلَفْظُ كَانَ تَامَّةٌ فِي الْمَوَاضِعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 لِأُمِّهَا فَالثَّانِي هُوَ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِالْجَدِّ وَالْأُمِّ، وَالْأَوَّلُ يُدْلِي بِالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ وَلَوْ كَانَا ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُهَا وَالْآخَرُ أَخُوهَا مِنْ الْأُمِّ فَالِابْنُ هُوَ الْمُقَدَّمُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ، وَلَوْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا مُعْتَقٌ قُدِّمَ الْمُعْتَقُ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتَقُ ابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ وَالْآخَرُ شَقِيقًا قُدِّمَ الشَّقِيقُ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسْمِيَةُ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَلِيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ وَجَعَلَ الْوِلَايَةَ حَقِيقَةً لِلْأَبِ وَالْجَدِّ فَقَطْ، وَلَا يُزَوِّجُ ابْنٌ أُمَّهُ بِبُنُوَّةٍ مَحْضَةٍ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُزَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي النَّسَبِ إذْ انْتِسَابُهَا إلَى أَبِيهَا، وَانْتِسَابُ الِابْنِ إلَى أَبِيهِ فَلَا يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ، فَإِنْ كَانَ ابْنَ عَمٍّ لَهَا أَوْ مُعْتَقَةً لَهَا أَوْ عَاصِبَ مُعْتَقٍ لَهَا أَوْ قَاضِيًا أَوْ وَكِيلًا عَنْ وَلِيِّهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ زَوَّجَ بِمَا ذَكَرَ، فَلَا تَضُرُّ الْبُنُوَّةُ؛ لِأَنَّهَا   [حاشية البجيرمي] الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (لَوْ كَانَا ابْنَا عَمٍّ) كَأَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَلَهُمَا أَخٌ لِأَبٍ كَبَكْرٍ وَلِأَحَدِهِمَا امْرَأَةٌ وَلَهُ مِنْهَا بِنْتٌ وَلِأَخِيهِ شَقِيقِهِ وَلَدٌ ثُمَّ مَاتَ عَنْ الْمَرْأَةِ وَالْبِنْتِ فَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ، فَنِسْبَةُ هَذَا الْوَلَدِ إلَى الْبِنْتِ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهَا لِأَبِيهَا وَأَخُوهَا لِأُمِّهَا وَنِسْبَتُهَا لِلْوَلَدِ الْأَوَّلِ ابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يُدْلِي) أَيْ يُنْسَبُ لِلْبِنْتِ. قَوْلُهُ: (بِالْجَدِّ) هُوَ أَبُو الْإِخْوَةِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْأُمِّ) أَيْ أُمِّ الْبِنْتِ وَأُمِّ ابْنِ الْعَمِّ. وَقَوْلُهُ: " وَالْجَدَّةِ " أَيْ؛ لِأَنَّهَا جَدَّةُ الْبِنْتِ أُمُّ أَبِيهَا وَجَدَّةُ ابْنِ الْعَمِّ الشَّقِيقِ وَهِيَ أُمُّ أَبِيهِ. قَوْلُهُ: (أَحَدُهُمَا ابْنُهَا) أَيْ فِيمَا إذَا وَطِئَهَا عَمُّهَا بِشُبْهَةٍ شَوْبَرِيٌّ. صُورَتُهَا ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ تَزَوَّجَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ امْرَأَةً وَأَتَى مِنْهَا بِبِنْتٍ ثُمَّ وَطِئَ الْبِنْتَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِشُبْهَةٍ وَأَتَى مِنْهَا بِابْنٍ فَنِسْبَتُهُ لِلْبِنْتِ ابْنُهَا وَابْنُ عَمِّهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِأُمِّ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ الْأَخُ الثَّالِثُ وَأَتَى مِنْهَا بِابْنٍ فَنِسْبَتُهُ لِلْبِنْتِ ابْنُ عَمِّهَا وَأَخُوهَا لِأُمِّهَا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَوْ كَانَ ابْنَا ابْنِ عَمٍّ إلَخْ. وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ كَزَيْدٍ وَبَكْرٍ وَعَمْرٍو وَلِزَيْدٍ زَوْجَةٌ وَلَهُ مِنْهَا بِنْتٌ وَبَكْرٌ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ وَعَمْرٌو لَهُ زَوْجَةٌ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ أَيْضًا فَتَزَوَّجَ وَلَدُ بَكْرٍ بِبِنْتِ زَيْدٍ فَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ فَنِسْبَةُ هَذَا الْوَلَدِ لِلْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ ابْنُهَا وَابْنُ ابْنِ عَمِّهَا، ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ عَنْ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ إنَّ وَلَدَ عَمْرٍو تَزَوَّجَ بِأُمِّ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ فَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ فَنِسْبَةُ هَذَا الْوَلَدِ لِلْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ أَخُوهَا لِأُمِّهَا وَابْنُ ابْنِ عَمِّهَا. وَتُصَوَّرُ هَذِهِ الصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ بِصُورَةٍ غَيْرِ هَذِهِ وَهِيَ: ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ كَبَكْرٍ وَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٌ وَزَيْدٌ لَهُمَا وَلَدَانِ وَلِعَمِّهِمَا عَمْرٍو زَوْجَةٌ وَبِنْتٌ مِنْهَا ثُمَّ مَاتَ ذَلِكَ الْعَمُّ عَنْ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهِ فَأَخَذَ ابْنُ بَكْرٍ زَوْجَةَ عَمِّهِ فَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ فَنِسْبَةُ هَذَا الْوَلَدِ لِلْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا وَأَخُوهَا لِأُمِّهَا وَأَخَذَ ابْنُ زَيْدٍ بِنْتَ عَمِّهِ الْمَذْكُورَةَ فَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ فَنِسْبَةُ هَذَا الْوَلَدِ لَهَا أَنَّهُ ابْنُهَا وَابْنُ ابْنِ عَمِّهَا ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا وَأَرَادَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهَا تَتَزَوَّجُ فَيُزَوِّجُهَا ابْنُهَا الَّذِي هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ ابْنَا عَمِّ أَحَدِهِمْ مُعْتَقٌ إلَخْ، أَيْ وَتَسَاوَيَا عُصُوبَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا فِي الْعِبَارَةِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ: " وَمِنْهُ يُؤْخَذُ إلَخْ " وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا مَرَّ يَقْتَضِي تَسَاوِيهِمَا فِي الْوِلَايَةِ وَقَوْلُهُ: " وَمِنْهُ يُؤْخَذُ إلَخْ " أَيْ مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: "؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فَالْمَعْنَى وَمِنْ الْأَقْرَبِيَّةِ يُؤْخَذُ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (قُدِّمَ الْمُعْتَقُ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ قُدِّمَ الْمُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى وَمِنْهُ يُؤْخَذُ إلَخْ، أَيْ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ. وَالشَّارِحُ لَمْ يَأْتِ بِالتَّعْلِيلِ. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ: " وَيُؤْخَذُ إلَخْ " أَيْ مِنْ قُرْبِ النَّسَبِ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقُرْبُ. بِغَيْرِ النَّسَبِ كَالْوَلَاءِ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ مِنْ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَخِ وَالْعَمِّ) بَيَانٌ لِلْغَيْرِ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَذْكُورِ مِنْ التَّسْمِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُزَوِّجُ ابْنٌ أُمَّهُ) وَأَمَّا قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ لِابْنِهَا عُمَرَ: قُمْ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ؛ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ عُمَرُ الْمَعْرُوفُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ سِنُّهُ حِينَئِذٍ كَانَ نَحْوَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَهُوَ طِفْلٌ لَا يُزَوِّجُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّاوِيَ وَهَمَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَصَبَتِهَا وَاسْمُهُ مُوَافِقٌ لِابْنِهَا فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ هُوَ. وَرِوَايَةُ: " قُمْ فَزَوِّجْ أُمَّك " بَاطِلَةٌ عَلَى أَنَّ نِكَاحَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَفْتَقِرُ لِوَلِيٍّ فَهُوَ اسْتِطَابَةٌ لَهُ وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أَنَّهُ ابْنُهَا وَأَنَّهُ بَالِغٌ فَهُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ أَقْرَبَ مِنْهُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِوِلَايَتِهِ. قَوْلُهُ: (بِبُنُوَّةٍ مَحْضَةٍ) أَيْ خَالِصَةٍ عَنْ سَبَبٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الِابْنُ. وَقَوْلُهُ: " ابْنَ عَمٍّ " أَيْ ابْنَ ابْنِ عَمٍّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُتَصَوَّرُ فِي النِّكَاحِ وَلَا يُتَصَوَّرُ مَا قَالَهُ إلَّا فِي الشُّبْهَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٍ فَإِذَا وُجِدَ مَعَهَا سَبَبٌ آخَرُ مُقْتَضٍ لِلْوِلَايَةِ لَمْ تَمْنَعْهُ. (فَإِذَا عَدِمَتْ الْعَصَبَاتُ) مِنْ النَّسَبِ (فَالْمَوْلَى) أَيْ السَّيِّدُ (الْمُعْتِقُ) الرَّجُلُ (ثُمَّ عَصَبَاتُهُ) بِحَقِّ الْوَلَاءِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعْتِقُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَالتَّرْتِيبُ هُنَا كَالْإِرْثِ فِي تَرْتِيبِهِ فَيُقَدَّمُ بَعْدَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ مُعْتِقُ الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَهَكَذَا لِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَلِأَنَّ الْمُعْتَقَةَ أَخْرَجَهَا مِنْ الرِّقِّ إلَى الْحُرِّيَّةِ، فَأَشْبَهَ الْأَبَ فِي إخْرَاجِهِ لَهَا مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ إذَا فُقِدَ وَلِيُّ الْعَتِيقَةِ مِنْ النَّسَبِ كُلُّ مَنْ يُزَوِّجُ الْمُعْتَقَةَ مَا دَامَتْ حَيَّةً بِالْوِلَايَةِ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْوِلَايَةِ عَلَى الْمُعْتَقَةِ، فَيُزَوِّجُهَا الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ بَقِيَّةُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ) أَيْ فَلَا تُعَارِضُ الْمُقْتَضِي فَهُوَ مِنْ بَابِ اجْتِمَاعِ الْمُقْتَضِي وَغَيْرِ الْمُقْتَضِي فَيُقَدَّمُ الْمُقْتَضِي، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَدَّمْنَا الْمَانِعَ فَلَا يُزَوِّجُ حِينَئِذٍ الِابْنُ؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا مَفْهُومُ الْمَانِعِ وَهُوَ وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ مُعَرِّفٌ نَقِيضَ الْحُكْمِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ. وَعِبَارَةُ ع ش: قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ دَفَعَ بِهِ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْبُنُوَّةَ إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ غَيْرِهَا سَلَبَتْ الْوِلَايَةَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعُ قُدِّمَ الثَّانِي اهـ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْبُنُوَّةَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا مَفْهُومُ الْمَانِعِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا وُجِدَ مَعَهَا) أَيْ الْبُنُوَّةِ. قَوْلُهُ: (الرَّجُلُ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ صِفَةُ مُذَكَّرٍ، وَقَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأُنْثَى الْمُعْتِقَةَ لَا تُزَوِّجُ عَتِيقَتَهَا. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعْتِقُ إلَخْ) تَعْمِيمٌ فِي عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ، أَيْ أَنَّهُ فِي الْعَصَبَاتِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُعْتِقِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَأَمَّا نَفْسُ الْمُعْتَقِ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الذَّكَرِ فَيُزَوِّجُ وَالْأُنْثَى فَلَا تُزَوِّجُ. قَوْلُهُ: (وَالتَّرْتِيبُ هُنَا كَالْإِرْثِ) أَيْ الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ، فَيُقَدَّمُ الْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ عَلَى الْجَدِّ، وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ عَلَى أَبِي الْجَدِّ مَرْحُومِيٌّ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: أَيْ فَيُقَدَّمُ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ ثُمَّ أَبُو الْجَدِّ. قَوْلُهُ: (لُحْمَةٌ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْ خِلْطَةٌ وَاشْتِبَاكٌ، مَأْخُوذٌ مِنْ اشْتِبَاكِ النَّاسِ وَاخْتِلَاطِهِمْ كَاشْتِبَاكِ لُحْمَةِ الثَّوْبِ فَالسَّدَى بِفَتْحِ السِّينِ وَالْقَصْرِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقِيَامِ عِنْدَ الْقَزَّازِينَ. قَوْلُهُ: (وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ إلَخْ) وَأَمَةُ الْمَرْأَةِ كَعَتِيقَتِهَا فِيمَا ذُكِرَ؛ لَكِنْ يُشْتَرَطُ إذْنُ السَّيِّدَةِ الْكَامِلَةِ نُطْقًا وَلَوْ بِكْرًا إذْ لَا تَسْتَحْيِي مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً ثَيِّبًا امْتَنَعَ عَلَى الْأَبِ تَزْوِيجُ أَمَتِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مَجْنُونَةً وَلَيْسَ لِلْأَبِ إجْبَارُ أَمَةِ الْبِكْرِ الْبَالِغِ اهـ م ر. وَعَتِيقَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ يُزَوِّجُهَا بِإِذْنِهِ وُجُوبًا مَنْ يُزَوِّجُهُ بِفَرْضِ أُنُوثَتِهِ لِيَكُونَ وَكِيلًا أَوْ وَلِيًّا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُزَوِّجُهَا بِإِذْنِهِ مَعَ إذْنِ الْعَتِيقَةِ أَيْضًا لِمَنْ يُزَوِّجُ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْإِذْنَيْنِ، وَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ إذْنِهَا لِلْخُنْثَى إذْ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ لِمَنْ يَعْقِدُ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ إلَّا إذَا أَذِنَتْ لَهُ الْعَتِيقَةُ فِي التَّزْوِيجِ لِيَصِحَّ تَوْكِيلُهُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَالْمُبَعَّضَةُ يُزَوِّجُهَا مَالِكُ بَعْضِهَا مَعَ قَرِيبِهَا وَإِلَّا فَمَعَ مُعْتِقِ بَعْضِهَا وَالْمُكَاتَبَةُ يُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا بِإِذْنِهَا، وَكَذَا أَمَتُهَا؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَالِكٌ أَوْ وَلِيٌّ وَيُزَوِّجُ الْحَاكِمُ أَمَةَ كَافِرٍ أَسْلَمَتْ، بِإِذْنِهِ وَإِذْنِهَا. وَلَا تُزَوَّجُ مُدَبَّرَةُ الْمُفْلِسِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ، وَلَا أَمَةُ الْمُرْتَدَّةِ وَالْمُرْتَدِّ، وَلَا الْوَلِيُّ أَمَةً صَغِيرَةً ثَيِّبًا إلَّا إنْ كَانَتْ مَجْنُونَةً. وَيُزَوِّجُ الْوَلِيُّ أَمَةً مَحْجُورَةً لِلْمَصْلَحَةِ وَيُزَوِّجُ السَّيِّدُ أَمَتَهُ الْمَأْذُونَ لَهَا فِي التِّجَارَةِ وَأَمَةَ عَبْدِهِ كَذَلِكَ؛ لَكِنْ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ فِيهِمَا إنْ كَانَ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ. وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ بَيْعُ أَمَةِ عَبْدِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا هِبَتُهَا وَلَا وَطْؤُهَا وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ بِوَطْئِهَا، وَيَنْفُذُ إيلَادُهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِلَّا فَلَا. وَيُزَوِّجُ الْمَغْصُوبَةَ سَيِّدُهَا وَلَوْ لِعَاجِزٍ عَنْ انْتِزَاعِهَا، وَيُزَوِّجُ الْجَانِيَةَ وَالْمَرْهُونَةَ سَيِّدُهَا بِإِذْنِ الْمُسْتَحِقِّ، وَيُزَوِّجُ الْمَوْقُوفَةَ كُلَّهَا الْحَاكِمُ بِإِذْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَافِرًا أَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ بِإِذْنِ نَاظِرِهِ فِي نَحْوِ مَسْجِدٍ أَوْ جِهَةٍ وَفِي مَوْقُوفَةِ الْبَعْضِ وَلِيُّهَا أَوْ سَيِّدُهَا مَعَ مَنْ ذُكِرَ وَبِنْتُ الْمَوْقُوفَةِ مِثْلُهَا إنْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْوَقْفِ، وَاخْتَارَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهَا وَقْفٌ أَيْضًا. وَيُزَوِّجُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا الْوَارِثُ بِإِذْنِ الْمُوصَى لَهُ أَوْ وَلِيِّهِ، وَيُزَوِّجُ الْمُشْتَرَكَةَ سَادَاتُهَا أَوْ أَحَدُهُمْ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ إنْ وَافَقَهَا فِي الدِّينِ، وَيُزَوِّجُ أَمَةَ الْقِرَاضِ الْمَالِكُ بِإِذْنِ الْعَامِلِ، وَيُزَوِّجُ الْمَبِيعَةَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ شَرَطَ لَهَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ اُعْتُبِرَ إذْنُهَا وُجُوبًا، وَيُزَوِّجُ أَمَةَ بَيْتِ الْمَالِ الْإِمَامُ كَاللَّقِيطَةِ بِإِذْنِهَا؛ وَأَمَّا عَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ أَوْ عَبْدُ الْمَسْجِدِ فَلَا يُزَوَّجُ بِحَالٍ. قَوْلُهُ: (تَبَعًا لِلْوِلَايَةِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ كَالثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ الْعَاقِلَةِ لَمْ يُزَوِّجْ عَتِيقَتَهَا. وَصُورَةُ عَتِيقَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 الْأَوْلِيَاءِ عَلَى مَا فِي تَرْتِيبِهِمْ بِرِضَا الْعَتِيقَةِ، وَيَكْفِي سُكُوتُ الْبِكْرِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي تَكْمِلَتِهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي دِيبَاجِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُعْتَقَةِ فِي ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا وَلَا إجْبَارَ، فَلَا فَائِدَةَ لَهُ فَإِذَا مَاتَتْ الْمُعْتَقَةُ زَوَّجَ الْعَتِيقَةَ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى الْمُعْتَقَةِ مِنْ عَصَبَاتِهَا، فَيُزَوِّجُهَا ابْنُهَا ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ أَبُوهَا عَلَى تَرْتِيبِ عَصَبَةِ الْوَلَاءِ إذْ تَبَعِيَّةُ الْوِلَايَةِ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ. (ثُمَّ) إنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ زَوَّجَ (الْحَاكِمُ) الْمَرْأَةَ الَّتِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلِخَبَرِ: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَإِنْ رَضِيَتْ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَكَذَا يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ إذَا عَضَلَ النَّسِيبُ الْقَرِيبُ وَلَوْ مُجْبِرًا وَالْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ وَفَائِهِ وَفَّاهُ الْحَاكِمُ وَلَا   [حاشية البجيرمي] الصَّغِيرَةِ أَنْ يُعْتِقَ وَلِيُّهَا أَمَتَهَا عَلَى كَفَّارَةٍ عَلَيْهَا كَالْقَتْلِ. اهـ. سم عَلَى حَجّ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا فِي تَرْتِيبِهِمْ) أَيْ عَلَى مَا مَرَّ فِي تَرْتِيبِهِمْ. قَوْلُهُ: (بِرِضَا الْعَتِيقَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُزَوِّجُهَا. قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي سُكُوتُ الْبِكْرِ) وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كَوْنَهُ إذْنًا وَلَمْ تَعْلَمْ الزَّوْجَ. اهـ. حَجّ. وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي خَرْسَاءَ لَا إشَارَةَ لَهَا مُفْهِمَةٌ وَلَا كِتَابَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَالْمَجْنُونَةِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْبِكْرِ أَيْ الْعَتِيقَةُ الْبَالِغَةُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ فِي دِيبَاجِهِ) هُوَ شَرْحٌ صَغِيرٌ لَهُ عَلَى الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُعْتَقَةِ) وَلَا رِضَاهَا بَلْ وَإِنْ مَنَعَتْ. قَوْلُهُ: (فَلَا فَائِدَةَ لَهُ) أَيْ الْإِذْنِ. قَوْلُهُ: (مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى الْمُعْتَقَةِ) بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ الْعَتِيقَةِ، فَهُوَ مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ: " مِنْ عَصَبَاتِهَا " أَيْ الْمُعْتِقَةِ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفِيهِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ لَوْ أَضْمَرَ فِي الْمُعْتَقَةِ، وَهَذَا حِكْمَةُ الْإِظْهَارِ. قَوْلُهُ: (فَيُزَوِّجُهَا ابْنُهَا ثُمَّ ابْنُهُ) وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ مُخَالَفَةِ حَيَاتِهَا لِحَالِ مَوْتِهَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ) أَيْ جِنْسُهُ الشَّامِلُ لِمُعْتِقِ الْمُعْتَقِ. قَوْلُهُ: (زَوَّجَ الْحَاكِمُ) فَإِنْ فُقِدَ الْحَاكِمُ كَانَ لِلزَّوْجَيْنِ أَنْ يُحَكِّمَا لَهُمَا عَدْلًا يَعْقِدُ لَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مُجْتَهِدٍ. أَمَّا مَعَ وُجُودِ الْحَاكِمِ وَلَوْ حَاكِمَ ضَرُورَةٍ فَلَا يُحَكِّمَانِ إلَّا مُجْتَهِدًا إلَّا إنْ كَانَ الْحَاكِمُ يَأْخُذُ دَرَاهِمَ لَهَا وَقْعٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً فِي مِثْلِهَا كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ، وَمِنْ ذَلِكَ قُضَاةُ مِصْرَ فِي زَمَنِنَا هَذَا فَلَهُمَا أَنْ يُحَكِّمَا عَدْلًا وَلَوْ غَيْرَ مُجْتَهِدٍ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدَا أَحَدًا وَخَافَتْ الزِّنَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، ثُمَّ إذَا رَجَعَا إلَى الْعُمْرَانِ وَوَجَدَا النَّاسَ جَدَّدَا الْعَقْدَ إنْ لَمْ يَكُونَا قَلَّدَا مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ) أَيْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَتْ مُجْتَازَةً وَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا يَكْفِي الْإِذْنُ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ. وَلَا يُزَوِّجُ مَنْ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَوْ لِمَنْ فِيهَا بِخِلَافِ عَكْسِهِ إذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ. اهـ. ق ل. وَقَوْلُهُ: " بِخِلَافِ عَكْسِهِ " أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَالزَّوْجُ خَارِجَهُ بِأَنْ وَكَّلَ الزَّوْجُ فَعَقَدَ الْحَاكِمُ مَعَ وَكِيلِهِ فَالْعِبْرَةُ بِالْمَرْأَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ إذَا عَضَلَ) وَلَوْ بِالسُّكُوتِ وَلَوْ لِنَقْصِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَهَا لَا لَهُ، فَإِذَا رَضِيَتْ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِعَضْلِهِ عُذْرٌ. فَلَوْ زَوَّجَ فَقَدَّمَ الْحَاكِمَ فِي الْعَضْلِ ثُمَّ تَبَيَّنَ رُجُوعَ الْعَاضِلِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ بَانَ بُطْلَانُهُ. اهـ. س ل. وَالْعَضْلُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ صَغِيرَةٌ، وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ إذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ؛ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا يَأْثَمُ بَاطِنًا بِعَضْلٍ لِمَانِعٍ يُخِلُّ بِالْكَفَاءَةِ عَلِمَهُ مِنْهُ بَاطِنًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ إثْبَاتُهُ ح ل. وَعِبَارَةُ م ر: وَإِفْتَاءُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مُرَادُهُ أَنَّهُ فِي حُكْمِهَا بِإِصْرَارِهِ عَلَيْهِ لِتَصْرِيحِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ اهـ. تَنْبِيهٌ: تَوْبَةُ الْعَاضِلِ دُونَ ثَلَاثٍ تَحْصُلُ بِتَزْوِيجِهِ فَتَعُودُ وِلَايَتُهُ بِهِ، وَهَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ بِعَوْدِ وِلَايَتِهِ بِلَا تَوْلِيَةِ جَدِيدٍ فَرَاجِعْهُ اهـ ق ل أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا لَهُ ثَانِيًا. قَوْلُهُ: (النَّسِيبُ الْقَرِيبُ) وَأَمَّا إذَا عَضَلَ النَّسِيبُ الْمُسَاوِي لِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا إخْوَةٌ كُلُّهُمْ أَشِقَّاءُ فَعَضَلَ أَحَدُهُمْ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ لَهُ فَيُزَوِّجُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ. وَلَا تَنْتَقِلُ لِلسُّلْطَانِ سَوَاءٌ عَضَلَ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِعَضْلِهِ سَقَطَ حَقُّهُ وَمَعَهُ مَنْ يُسَاوِيهِ فِي الدَّرَجَةِ وَحَقُّهُ بَاقٍ فَيُزَوِّجُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُعْتِقُ) أَيْ إذَا عَضَلَ أَيْضًا فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ إذَا كَانَ الْعَضْلُ دُونَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الشَّهَادَاتِ. وَكَذَا يُزَوِّجُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ. وَإِحْرَامِهِ وَإِرَادَتِهِ تَزَوُّجَ مُوَلِّيَتِهِ وَلَا مُسَاوِيَ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ، وَالْمَجْنُونَةَ الْبَالِغَةَ عِنْدَ فَقْدِ الْمُجْبِرِ. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يُزَوِّجُ فِيهَا الْحَاكِمُ فِي أَبْيَاتٍ فَقَالَ: وَيُزَوِّجُ الْحَاكِمُ فِي صُوَرٍ أَتَتْ ... مَنْظُومَةً تَحْكِي عُقُودَ جَوَاهِرِ عَدَمُ الْوَلِيِّ وَفَقْدُهُ وَنِكَاحُهُ ... وَكَذَاك غَيْبَتُهُ مَسَافَةَ قَاصِرِ وَكَذَاك إغْمَاءٌ وَحَبْسٌ مَانِعٌ ... أَمَةً لِمَحْجُورٍ تَوَارِي الْقَادِرِ إحْرَامُهُ وَتَعَزُّزٌ مَعَ عَضْلِهِ ... إسْلَامُ أُمِّ الْفَرْعِ وَهِيَ لِكَافِرِ   [حاشية البجيرمي] تَزْوِيجُ الْأَبْعَدِ عِنْدَ عَضْلِ الْأَقْرَبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِيمَنْ لَمْ تَغْلِبْ إلَخْ، فَإِنْ غَلَبَتْ طَاعَتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ فَالْمُزَوِّجُ هُوَ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْسُقْ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (مَسَافَةَ الْقَصْرِ) وَلَيْسَ لَهُ وَكِيلٌ خَاصٌّ فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ فَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَكِيلٌ خَاصٌّ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَخَرَجَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ مَا دُونَهَا فَلَا يُزَوِّجُ السُّلْطَانُ إلَّا بِإِذْنِهِ. نَعَمْ إنْ تَعَذَّرَ الْوَصْلُ إلَيْهِ لِخَوْفٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. وَالْمُرَادُ مَا دُونَهَا وَقْتَ عَقْدِ الْحَاكِمِ، نَعَمْ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ عَقْدِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهَا وَهُوَ دُونَهَا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. اهـ. م د وَلَوْ قَدَّمَ وَقَالَ كُنْت زَوَّجْتهَا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ هُنَا وَلِيٌّ وَالْوَلِيُّ الْحَاضِرُ لَوْ زَوَّجَ فَقَدِمَ آخَرُ غَائِبٌ وَقَالَ كُنْت زَوَّجْت لَمْ يُقْبَلْ بِدُونِ بَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَكِيلُ الْغَائِبِ. وَالْوَكِيلُ لَوْ بَاعَ فَقَدِمَ مُوَكِّلَهُ وَقَالَ كُنْت بِعْت مَثَلًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: " لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ " وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ حَيْثُ اكْتَفَى فِيهِ بِحَلِفِهِ أَنَّ عَقْدَ الْحَاكِمِ وَقَعَ هُنَا فِي زَمَنِ كَوْنِهِ وَلِيًّا لِتَحَقُّقِ غَيْبَتِهِ وَالْوَلِيُّ أَقْوَى مِنْ الْوَكِيلِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (تَزْوِيجَ مُوَلِّيَتِهِ) أَيْ لِنَفْسِهِ وَلَا مُسَاوِيَ لَهُ فِي دَرَجَتِهِ، كَأَنْ كَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ وَلَهَا ابْنُ عَمٍّ وَأَرَادَ التَّزَوُّجَ بِهَا فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهَا لَهُ الْحَاكِمُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهَا ابْنَا عَمٍّ مُسَاوِيَانِ فِي الدَّرَجَةِ بِأَنْ كَانَا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَجْنُونَةُ) أَيْ وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَيْ عِنْدَ الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُزَوِّجُ الْحَاكِمُ إلَخْ) مِنْ الْكَامِلِ وَلَوْ أَبْدَلَ الْحَاكِمَ بِالْحُكَّامِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَسَلِمَ مِنْ دُخُولِ الطَّيِّ فِيهِ، وَهُوَ حَذْفُ الْحَرْفِ الرَّابِعِ الْوَاقِعِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي وَأَجْزَاؤُهُ مُتَفَاعِلُنْ سِتُّ مَرَّاتٍ. قَوْلُهُ: (عَدَمُ الْوَلِيِّ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ أَصْلًا. وَقَوْلُهُ وَفَقْدُهُ أَيْ بِأَنْ فُقِدَ الْوَلِيُّ أَيْ غَابَ وَلَمْ يُدْرَ مَوْتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ وَلَا مَحَلُّهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْكُمَ بِمَوْتِهِ حَاكِمٌ فَإِنْ حَكَمَ بِمَوْتِهِ انْتَقَلَتْ لِلْأَبْعَدِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ الْآتِي فَإِنَّ مَحَلَّهُ مَعْلُومٌ لِيُخَالِفَ فَقْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَنِكَاحُهُ) أَيْ لِنَفْسِهِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُسَاوِيه فِي الدَّرَجَةِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُهَا لَهُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَاك إلَخْ) وَكَذَاك إذَا كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَتَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَاك إغْمَاءٌ) أَيْ إغْمَاءُ الْوَلِيِّ وَهَذَا ضَعِيفٌ تَبِعَ فِيهِ الْمُتَوَلِّي. وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر عَدَمُ تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ فِي صُورَةِ الْإِغْمَاءِ بَلْ يَنْتَظِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ يُفِقْ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ. قَوْلُهُ: (وَحَبْسٌ مَانِعٌ) أَيْ مَانِعٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَيْهِ وَإِلَّا وَكَّلَ الْمَحْبُوسُ. قَوْلُهُ: (أَمَةٌ لِمَحْجُورٍ) أَيْ إذَا عَدِمَ الْأَبُ وَالْجَدُّ عَلَى تَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَحَاصِلُ التَّفْصِيلِ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ تَزْوِيجَ أَمَةِ الْمَحْجُورِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَحْجُورُ صَغِيرًا أَوْ صَغِيرَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَهُمَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمَحْجُورِ هُنَا السَّفِيهَ. قَوْلُهُ: (تَوَارِي الْقَادِرِ) أَيْ اخْتِفَاؤُهُ وَالْقَادِرُ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَكْمِلَةٌ لِلْبَيْتِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُكْرَهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ التَّوَارِي بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَا التَّعَزُّزُ الْآتِي كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (إحْرَامُهُ) أَيْ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ بِهِمَا، صَحِيحًا كَانَ إحْرَامُهُ أَوْ فَاسِدًا سُيُوطِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَتَعَزُّزٌ) أَيْ تَغَلُّبٌ بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ غَيْرِ تَوَارٍ مُتَعَمِّدًا عَلَى الْغَلَبَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 وَأَهْمَلَ النَّاظِمُ تَزْوِيجَ الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغَةِ. وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَضْلُ مِنْ الْوَلِيِّ إذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ رَشِيدَةً كَانَتْ أَوْ   [حاشية البجيرمي] وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوَارِي وَالتَّعَزُّزِ أَنَّ التَّوَارِي الِامْتِنَاعُ مَعَ الِاخْتِفَاءِ وَالتَّعَزُّزَ الِامْتِنَاعُ مَعَ الظُّهُورِ وَالْقُوَّةِ. قَوْلُهُ: (مَعَ عَضْلِهِ) أَيْ عَضْلًا لَا يَفْسُقُ بِهِ. قَوْلُهُ: (إسْلَامُ أُمِّ الْفَرْعِ) أَيْ أُمِّ الْوَلَدِ يَعْنِي إذَا اسْتَوْلَدَ الْكَافِرُ أَمَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ، وَأَمَّا الْفَرْعُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا جَارِيَتُهُ الْمُسْلِمَةُ. قَوْلُهُ: (وَأَهْمَلَ النَّاظِمُ تَزْوِيجَ الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغَةِ) فَيُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُجْبِرٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ هَذَا الْبَيْتَ وَهُوَ: تَزْوِيجُ مَنْ جُنَّتْ وَلَمْ يَكُ مُجْبِرًا ... بَعْدَ الْبُلُوغِ فَضُمَّ ذَاكَ وَبَادِرِ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَعَلَى أَبٍ وَإِنْ عَلَا تَزْوِيجُ ذِي جُنُونٍ مُطْبِقٍ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بِكِبَرٍ لِحَاجَةٍ إلَيْهِ بِظُهُورِ أَمَارَاتِ التَّوَقَانِ أَوْ بِتَوَقُّعِ الشِّفَاءِ عِنْدَ إشَارَةِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ، أَوْ بِاحْتِيَاجِهِ لِلْخِدْمَةِ وَلَيْسَ فِي مَحَارِمِهِ مَنْ يَقُومُ بِهَا، أَوْ احْتِيَاجِهِ لِلْمُؤْنَةِ وَمُؤْنَةُ النِّكَاحِ أَخَفُّ مِنْ مُؤْنَةِ شِرَاءِ أَمَةٍ، أَوْ بِاحْتِيَاجِ الْأُنْثَى الْمَهْرَ، أَوْ نَفَقَةً؛ فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُمَا لَمْ يُزَوَّجَا حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا وَالْمُرَادُ بِإِذْنِ الذَّكَرِ تَوْكِيلُهُ أَوْ تَزَوُّجُهُ بِنَفْسِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ عَلَى أَبٍ فَالسُّلْطَانِ عِنْدَ فَقْدِهِ أَوْ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ لَهُ أَوْ امْتِنَاعِهِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ وَلَوْ وَصِيًّا تَزْوِيجُ ذِي جُنُونٍ، أَيْ وَاحِدَةً فَقَطْ. وَتَعْوِيلُهُمْ عَلَى الْحَاجَةِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ التَّعَدُّدِ، وَبِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ؛ وَرَدَّ بِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ نَادِرٌ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَطْءِ وَأَمَّا لِلْخِدْمَةِ، فَيُزَادُ بِقَدْرِهَا. وَقَوْلُهُ: مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَمُؤَنُ النِّكَاحِ فِي تَزْوِيجِ الذَّكَرِ مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ الْأَبِ ع ش. وَانْظُرْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ هَلْ يَكُونُ عَلَى الْأَبِ أَوْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ لَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ وَلَعَلَّ الْأَخِيرَ هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ فَحَرِّرْهُ. وَقَوْلُهُ: " بِكِبَرٍ " أَيْ مَعَ كِبَرٍ أَيْ بُلُوغٍ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا. وَقَوْلُهُ: " لِحَاجَةٍ " وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَقَوْلُهُ: " بِظُهُورِ أَمَارَاتِ " الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ بِخِلَافِهَا فِي قَوْلِهِ أَوْ بِتَوَقُّعِ الشِّفَاءِ أَوْ بِاحْتِيَاجِهِ لِلْخِدْمَةِ فَهِيَ لِلتَّصْوِيرِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا لِلسَّبَبِيَّةِ. وَعِبَارَةُ الرَّمْلِيِّ كَابْنِ حَجَرٍ: " أَمَارَةٌ " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهَا لَكِنْ تَعْبِيرُهُمْ بِالدَّوَرَانِ يُفِيدُ التَّكَرُّرَ. وَقَوْلُهُ: " لِحَاجَةٍ " فَإِنْ انْتَفَتْ الْحَاجَةُ جَازَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْمَجْنُونَةَ دُونَ الْمَجْنُونِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَزْوِيجَ الْمَجْنُونَةِ يُفِيدُهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ. وَقَوْلُهُ: " عَدْلَيْنِ " قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَلَوْ فِي الرِّوَايَةِ، وَفِي الْخَطِيبِ وَغَيْرِهِ: عَدْلَيْ شَهَادَةٍ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا الِاكْتِفَاءُ بِعَدْلٍ وَاحِدٍ؛ ذَكَرَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَلَا كَوْنُ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ لِلْقَاضِي بَلْ يَكْفِي فِي الْوُجُوبِ عَلَى الْأَبِ مُجَرَّدُ إخْبَارِ الْعَدْلِ بِالِاحْتِيَاجِ. وَقَوْلُهُ: " وَلَيْسَ فِي مَحَارِمِهِ " أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحَارِمِ ذِي الْجُنُونِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " وَمُؤْنَةُ النِّكَاحِ إلَخْ " حَالٌ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: " أَوْ بِاحْتِيَاجِهِ " أَيْ ذِي الْجُنُونِ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهَا خِدْمَةُ الزَّوْجِ وَأَنَّهَا لَوْ وَعَدَتْ بِذَلِكَ قَدْ لَا تَفِي بِهِ، إلَّا أَنَّ دَاعِيَةَ طَبْعِهَا وَمُسَامَحَتِهَا بِهِ غَالِبًا تَقْتَضِي ذَلِكَ فَاكْتُفِيَ بِذَلِكَ بَلْ أَكْثَرُهُنَّ يَعُدُّ تَرْكَهُ رُعُونَةً وَحُمْقًا. وَقَوْلُهُ: " وَمُؤْنَةُ النِّكَاحِ أَخَفُّ " أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ مُؤْنَةَ النِّكَاحِ أَخَفُّ، فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً أَوْ مُسَاوِيَةً سَقَطَ الْوُجُوبُ، وَخُيِّرَ فِي الْمُسَاوَاةِ. وَقَوْلُهُ: " فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُمَا " مَفْهُومٌ قَوْلُهُ مُطْبِقٌ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِفَاقَةَ وَإِنْ قَلَّتْ بِحَيْثُ وَسِعَتْ صِيغَةَ النِّكَاحِ مُعْتَبَرَةٌ. وَقَوْلُهُ: " حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا " مَفْهُومُهُ أَنَّهُمَا لَا يُزَوَّجَانِ مَا دَامَا مَجْنُونَيْنِ وَإِنْ أَضَرَّهُمَا عَدَمُ التَّزْوِيجِ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى التَّضَرُّرِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي ابْنِ حَجَرٍ ذَكَرَهُ ع ش. وَبِعَوْدِ جُنُونِهِمَا يَبْطُلُ الْإِذْنُ. وَفَارَقَا الْمُحْرَمَ بِبَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ فِيهِ دُونَهُمَا وَالْمُرَادُ بِإِذْنِ الذَّكَرِ مُبَاشَرَتُهُ لِلْعَقْدِ أَوْ تَوْكِيلُهُ فِيهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ حُكْمَ تَزْوِيجِهِ حِينَئِذٍ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ لَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قُوَّةِ كَلَامِهِ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ إلَى النِّكَاحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَيْضًا فَحَرِّرْ ذَلِكَ وَانْظُرْ نَقْلًا صَرِيحًا. قَوْلُهُ: (إذَا دَعَتْ) قَيْدٌ وَبَالِغَةً قَيْدٌ وَعَاقِلَةً قَيْدٌ إلَى كُفْءٍ قَيْدٌ، أَيْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عَضْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي إمَّا بِامْتِنَاعِهِ مِنْ التَّزْوِيجِ بَعْدَ أَمْرِ الْقَاضِي لَهُ أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِعَضْلِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 سَفِيهَةً إلَى كُفْءٍ. وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ تَزْوِيجِهِ، وَلَوْ عَيَّنَتْ كُفُؤًا وَأَرَادَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ الْمُجْبِرُ كُفُؤًا غَيْرَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ نَظَرًا مِنْهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْخِطْبَةِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْتِمَاسُ الْخَاطِبِ النِّكَاحَ مِنْ جِهَةِ الْمَخْطُوبَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَرِّحَ بِخِطْبَةِ) امْرَأَةٍ (مُعْتَدَّةٍ) بَائِنًا كَانَتْ أَوْ رَجْعِيَّةً بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ انْفِسَاخٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ مُعْتَدَّةٍ عَنْ شُبْهَةٍ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] الْآيَةُ. وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ مَا يَقْطَعُ بِالرَّغْبَةِ فِي النِّكَاحِ كَأُرِيدُ أَنْ أَنْكِحَك، وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك نَكَحْتُك؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَرَّحَ تَحَقَّقَتْ رَغْبَتُهُ فِيهَا فَرُبَّمَا تَكْذِبُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَلَا يَجُوزُ تَعْرِيضٌ لِرَجْعِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ أَوْ فِي مَعْنَى الزَّوْجَةِ، وَلِأَنَّهَا مَجْفُوَّةٌ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ تَكْذِبُ انْتِقَامًا. وَالتَّعْرِيضُ يَحْتَمِلُ الرَّغْبَةَ فِي النِّكَاحِ وَعَدَمَهَا كَقَوْلِهِ: أَنْتِ جَمِيلَةٌ. وَرُبَّ رَاغِبٍ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَرَعَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْخِطْبَةِ) وَلَهَا حُكْمُ النِّكَاحِ مِنْ وُجُوبٍ وَنَدْبٍ وَكَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، فَإِنْ اُسْتُحِبَّ اُسْتُحِبَّتْ وَإِنْ كُرِهَ كُرِهَتْ ز ي. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْتِمَاسُ الْخَاطِبِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ هَذَا مَعْنَاهَا شَرْعًا، أَمَّا فِي اللُّغَةِ فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ أَوْ مِنْ الْخَطْبِ بِمَعْنَى الشَّأْنِ وَالْحَالِ أَوْ الْأَمْرِ الْمُهِمِّ وَمِثْلُ الِالْتِمَاسِ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا، وَهِيَ التَّصْرِيحُ إذَا كَانَتْ مَعَ قَرِينَةِ تَزْوِيجِهَا. وَالْخِطْبَةُ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ شَرْعِيٍّ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ السُّيُوطِيّ، قَالَ: وَإِنْ تُخُيِّلَ كَوْنُهَا عَقْدًا فَلَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ جَائِزٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَطْعًا كَمَا فِي سم عَلَى حَجّ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَةِ الْمَخْطُوبَةِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِيَشْمَلَ الْمَخْطُوبَةَ وَوَلِيَّ الْمَخْطُوبَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَرِّحَ إلَخْ) فَيَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا، وَكَذَا مَا بَعْدَهَا أَيْ إنْ وَقَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ فَسْخٍ) بِعَيْبٍ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (أَوْ انْفِسَاخٍ) كَأَنْ أَرْضَعَتْ كُبْرَى زَوْجَتَيْهِ صُغْرَاهُمَا أَوْ بِأَنْ ارْتَدَّ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ} [البقرة: 235] أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْكُمْ وَقَوْلُهُ: {فِيمَا عَرَّضْتُمْ} [البقرة: 235] فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ عَرَّضْتُمْ أَنَّ مَا صَرَّحْتُمْ بِهِ حَرَامٌ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: حِكْمَتُهُ أَنَّ فِي الْمَرْأَةِ مِنْ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ وَالرَّغْبَةِ فِي الْأَزْوَاجِ مَا قَدْ يَدْعُوهَا إلَى الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَاذِبَةً فَلِذَلِكَ حَرَّمَ اللَّهُ التَّصْرِيحَ بِخِطْبَتِهَا اهـ دَمِيرِيٌّ أج. قَوْلُهُ: (أَنْ أَنْكِحَك) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُرِيدُ نِكَاحَهَا لِنَفْسِهِ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: نَكَحَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ يَنْكِحُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ نِكَاحًا، ثُمَّ قَالَ: وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ إلَى ثَانٍ فَيُقَالُ أَنْكَحْتُك الْمَرْأَةَ الرَّجُلَ؛ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ} [القصص: 27] فَهُوَ مِنْ أَنْكَحَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إلَى اثْنَيْنِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي صَحِيحٌ خِلَافًا لِمَنْ اعْتَرَضَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إذَا صَرَّحَ إلَخْ) هَذَا حِكْمَةٌ لَا عِلَّةٌ فَلَا يَرُدُّ مَا إذَا عَلِمَ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ وَانْتِهَاءَهَا كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: وَوَاضِحٌ أَنَّ هَذِهِ حِكْمَةٌ فَلَا تُرَدُّ الْمُعْتَدَّةُ بِالْأَشْهُرِ إذَا أَمِنَ كَذِبَهَا إذَا عَلِمَ وَقْتَ فِرَاقِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ) وَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ وَمِثْلُ التَّعْرِيضِ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا، قَالَ ق ل: وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَيْ إنْ وَقَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ خِطْبَةُ خَامِسَةٍ وَأُخْتُ زَوْجَتِهِ إذَا عَزَمَ عَلَى إزَالَةِ الْمَانِعِ عِنْدَ الْإِجَابَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ شَوْبَرِيٌّ. وَلَوْ خَطَبَ خَمْسًا دُفْعَةً أَوْ مُرَتَّبًا وَأُجِيبَ صَرِيحًا حَرُمَتْ خِطْبَةُ إحْدَاهُنَّ فَيَنْكِحُ أَرْبَعَةً مِنْهُنَّ أَوْ يَتْرُكُهُنَّ اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ، فَانْظُرْ وَجْهَ التَّرْدِيدِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. ثُمَّ رَأَيْت لِبَعْضِهِمْ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ أَوْ فِي مَعْنَى الزَّوْجَةِ إلَخْ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فِي التَّعْبِيرِ أَيْ أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تُعَبِّرَ بِهَذَا أَوْ بِهَذَا. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا مَجْفُوَّةٌ) أَيْ مَطْرُودَةٌ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: جَفَوْت الرَّجُلَ أَجْفُوهُ أَعْرَضْت عَنْهُ أَوْ طَرَدْته. قَوْلُهُ: (وَالتَّعْرِيضُ مَا يَحْتَمِلُ الرَّغْبَةَ فِي النِّكَاحِ إلَخْ) فَهُوَ مِنْ الْكِنَايَةِ وَكَوْنُ الْكِنَايَةِ أَبْلَغَ مِنْ الصَّرِيحِ بِاتِّفَاقِ الْبُلَغَاءِ وَغَيْرِهِمْ إنَّمَا هُوَ لِمَلْحَظٍ يُنَاسِبُ تَدْقِيقَهُمْ الَّذِي لَا يُرَاعِيهِ الْفَقِيهُ، وَإِنَّمَا يُرَاعِي مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّخَاطُبُ الْعُرْفِيُّ، وَمِنْ ثَمَّ افْتَرَقَ الصَّرِيحُ هُنَا وَثَمَّ اهـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 فِيك وَمَنْ يَجِدُ مِثْلَكِ؟ (وَيَجُوزُ أَنْ يُعَرِّضَ) لِغَيْرِ الرَّجْعِيَّةِ (بِنِكَاحِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ أَمْ بَائِنٍ بِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ رِدَّةٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِانْقِطَاعِ سَلْطَنَةِ الزَّوْجِ عَنْهَا. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فِيهَا، أَمَّا هُوَ فَيَحِلُّ لَهُ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فِيهَا كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا فَوَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ فَحَمَلَتْ مِنْهُ، فَإِنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ تُقَدَّمُ، وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ أَنْ يَخْطُبَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ. وَحُكْمُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا حُكْمُ الْخِطْبَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَيَحْرُمُ عَلَى عَالِمٍ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةٍ جَائِزَةٍ مِمَّنْ صَرَّحَ بِإِجَابَتِهِ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ   [حاشية البجيرمي] ابْنُ حَجَرٍ وم ر. وَقَوْلُهُ: " مَا يَحْتَمِلُ الرَّغْبَةَ فِي النِّكَاحِ " أَيْ وَلَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى ذِكْرِ الْجِمَاعِ وَإِلَّا كَانَ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ عِنْدِي جِمَاعٌ يُرْضِي مَنْ جُومِعَتْ؛ قَالَهُ ح ل. قَالَ ع ش عَلَى م ر. وَمُقْتَضَاهُ حُرْمَتُهَا حِينَئِذٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ حَرَامٌ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] أَيْ نِكَاحًا فَالسِّرُّ كِنَايَةٌ عَنْ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُسَرُّ ثُمَّ عَبَّرَ بِالسِّرِّ الَّذِي هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْوَطْءِ عَنْ عَقْدِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ فِي الْوَطْءِ، وَقِيلَ: هُوَ الزِّنَا كَانَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ أَجْلِ الزِّنَا وَهُوَ يُعَرِّضُ بِالنِّكَاحِ وَيَقُولُ لَهَا دَعِينِي فَإِذَا أَوْفَيْتِي عِدَّتَك أَظْهَرْت نِكَاحَك. قَوْلُهُ: (وَرُبَّ رَاغِبٍ فِيك) وَمِثْلُهُ إنِّي رَاغِبٌ فِيك وَإِنْ تُوُهِّمَ أَنَّهُ صَرِيحٌ بِحَسْبِ جَوْهَرِ اللَّفْظِ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (وَمَنْ يَجِدُ مِثْلَك) وَإِنِّي رَاغِبٌ فِيك، وَأَمَّا الْكِنَايَةُ وَهِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى الشَّيْءِ بِذِكْرِ لَازِمِهِ فَقَدْ تُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الصَّرِيحُ فَتَحْرُمُ نَحْوُ أُرِيدُ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْك نَفَقَةَ الزَّوْجَاتِ وَأَتَلَذَّذَ بِك فَإِنْ حَذَفَ أَتَلَذَّذَ بِك لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا وَلَا تَعْرِيضًا ح ل. قَوْلُهُ: (لِغَيْرِ الرَّجْعِيَّةِ) مِثْلُهَا زَوْجُهَا الْمُرْتَدُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعُودُ لِلْإِسْلَامِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَلِانْقِطَاعِ سَلْطَنَةِ الزَّوْجِ إلَخْ) أَيْ مَعَ ضَعْفِ التَّعْرِيضِ، فَلَا يَرُدُّ أَنَّ السَّلْطَنَةَ أَيْضًا مُنْقَطِعَةٌ مَعَ التَّصْرِيحِ. قَالَ أج: نَعَمْ إنْ فَحُشَ بِأَنْ اشْتَمَلَ عَلَى ذِكْرِ الْجِمَاعِ حَرُمَ لِفُحْشِهِ أَوْ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْجِمَاعِ تَصْرِيحٌ بِالْخِطْبَةِ. قَوْلُهُ: (هَذَا كُلُّهُ) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ التَّصْرِيحِ بِالْخِطْبَةِ وَجَوَازِ التَّعْرِيضِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ) صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ صَاحِبِ الْعِدَّةِ بِالْمَرَّةِ أَوْ صَاحِبَ عِدَّةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّكَاحُ، فَيُفَصَّلُ كَمَا تَقَدَّمَ فَفِي الرَّجْعِيَّةِ يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا، وَفِي غَيْرِهَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ. أَمَّا صَاحِبُ الْعِدَّةِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا كَأَنْ خَالَعَهَا وَشَرَعَتْ فِي الْعِدَّةِ فَيَجُوزُ لَهُ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا، وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ تَعْرِيضٌ وَلَا تَصْرِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ رَجْعَتُهَا. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ صَرِيحَةٌ فِي جَوَازِ نِكَاحِهَا لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ، فَيَجُوزُ لَهُ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْعَقْدِ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ الرَّجْعَةَ فَإِنَّهُ يَكُونُ كِنَايَةً فِي الرَّجْعَةِ فَإِنْ نَوَاهَا بِهِ حَصَلَتْ وَإِلَّا فَلَا تَحْصُلُ وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَحَمَلَتْ مِنْهُ إلَخْ) إنَّمَا قَيَّدَ الشَّارِحُ بِالْحَمْلِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ فَإِنَّ عِدَّةَ الزَّوْجِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (لِصَاحِبِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ أَنْ يَخْطُبَهَا) مُجْمَلٌ وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً امْتَنَعَ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا جَازَ التَّعْرِيضُ؛ لَكِنْ الْعَقْدُ يَكُونُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْوَضْعِ. قَوْلُهُ: (وَحُكْمُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ إلَخْ) لَوْ قَالَ: وَحُكْمُ جَوَابِ الْخِطْبَةِ إلَخْ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْجَوَابَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَمِمَّنْ يَلِي نِكَاحَهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى عَالِمٍ) أَيْ بِالْخِطْبَةِ الْأُولَى وَبِجَوَازِهَا وَبِالْإِجَابَةِ فِيهَا بِالصَّرِيحِ ق ل. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ وَأَنْ لَا يَحْصُلَ إعْرَاضٌ وَأَنْ يَكُونَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ مُحْتَرَمًا. قَوْلُهُ: (جَائِزَةٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً، خَرَجَ بِذَلِكَ غَيْرُ الْجَائِزَةِ كَأَنْ خَطَبَ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: وَتَحْرُمُ عَلَى عَالِمٍ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةٍ جَائِزَةٍ مِمَّنْ صَرَّحَ بِإِجَابَتِهِ إلَّا بِإِعْرَاضٍ بِإِذْنٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْخَاطِبِ أَوْ الْمُجِيبِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْأَوَّلُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا مُحْتَرَمًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 بِإِذْنٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْخَاطِبِ أَوْ الْمُجِيبِ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ: «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ» وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ. وَيَجِبُ ذِكْرُ عُيُوبِ مَنْ أُرِيدَ اجْتِمَاعٌ عَلَيْهِ لِمُنَاكَحَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَمُعَامَلَةٍ، وَأَخْذُ عِلْمٍ لِمُرِيدِهِ لِيُحْذَرَ بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ سَوَاءٌ اُسْتُشِيرَ الذَّاكِرُ فِيهِ أَمْ لَا، فَإِنْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ   [حاشية البجيرمي] وَقَوْلُهُ: " عَلَى عَالِمٍ " أَيْ بِالْخِطْبَةِ وَبِالْإِجَابَةِ وَبِصَرَاحَتِهَا وَبِحُرْمَةِ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ مِنْ ذَكَرٍ، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ خِطْبَةً أَوْ لَمْ يُجِبْ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ أَوْ أُجِيبَ تَعْرِيضًا مُطْلَقًا أَوْ تَصْرِيحًا، وَلَمْ يَعْلَمْ الثَّانِي بِالْخِطْبَةِ أَوْ عَلِمَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِجَابَةِ أَوْ عَلِمَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهَا بِالصَّرِيحِ أَوْ عَلِمَ كَوْنَهَا بِالصَّرِيحِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ أَوْ عَلِمَ بِهَا وَحَصَلَ إعْرَاضٌ مِمَّنْ ذَكَرَ أَوْ كَانَتْ الْخِطْبَةُ مُحَرَّمَةً كَأَنْ خَطَبَ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ فَلَا تَحْرُمُ خِطْبَتُهُ إذْ لَا حَقَّ لِلْأَوَّلِ فِي الْأَخِيرَةِ وَلِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ فِي الْبَقِيَّةِ. وَيُعْتَبَرُ فِي التَّحْرِيمِ أَنْ تَكُونَ الْإِجَابَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ وَمِنْ وَلِيِّهَا الْمُجْبِرِ إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً وَمِنْهَا مَعَ الْوَلِيِّ إنْ كَانَ الْخَاطِبُ غَيْرَ كُفْءٍ وَمِنْ السَّيِّدِ إنْ كَانَتْ أَمَةً غَيْرَ مُكَاتَبَةٍ وَمِنْهُ مَعَ الْأَمَةِ إنْ كَانَتْ وَمَعَ الْمُبَعَّضَةِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ وَإِلَّا فَمَعَ وَلِيِّهَا وَمِنْ السُّلْطَانِ إنْ كَانَتْ مَجْنُونَةً بَالِغَةً وَلَا أَبَ وَلَا جَدَّ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَهِيَ مُوَفِّيَةٌ عَنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَقَوْلُهُ عَلَى عَالِمٍ جُمْلَةُ الْقُيُودِ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى عَالِمٍ تَحْتَهُ أَرْبَعَةٌ وَقَوْلُهُ خِطْبَةٌ قَيْدٌ. وَقَوْلُهُ جَائِزَةٍ قَيْدٌ آخَرُ، وَصَرَّحَ قَيْدٌ وَبِإِجَابَتِهِ قَيْدٌ. وَقَوْلُهُ إلَّا بِإِعْرَاضٍ قَيْدٌ آخَرُ، فَالْجُمْلَةُ مَا ذَكَرَ وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُهُ إلَّا بِإِعْرَاضٍ قَيْدًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِعْرَاضِ. وَقَوْلُهُ مِمَّنْ صَرَّحَ بِإِجَابَتِهِ صِفَةٌ لِخِطْبَةٍ أَيْ وَاقِعَةٍ مِمَّنْ صَرَّحَ، وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ فِي رَضِيتُك زَوْجًا أَنَّهُ تَعْرِيضٌ فَقَطْ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَسُئِلَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ عَمَّنْ خَطَبَ امْرَأَةً ثُمَّ رَغِبَتْ عَنْهُ هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا هَلْ يَرْتَفِعُ التَّحْرِيمُ عَمَّنْ يُرِيدُ خِطْبَتَهَا وَهَلْ هُوَ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُ الْخِطْبَةِ عَلَى الْغَيْرِ بِالرَّغْبَةِ عَنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضُوا لِمَا إذَا سَكَتُوا أَوْ رَغِبَ الْخَاطِبُ، وَمَا بَحَثَهُ مِنْ ارْتِفَاعِ التَّحْرِيمِ عَنْهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ بِإِذْنٍ مِنْ الْخَاطِبِ أَوْ الْمُجِيبِ. اهـ. سم عَلَى حَجّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ لَمْ تَحْصُلْ الْمَخْطُوبَةُ لِلْخَاطِبِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ أَوْ بِمَوْتِهَا رَجَعَ بِمَا دَفَعَهُ وَلَوْ نَحْوَ طَعَامٍ. اهـ. ق ل. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ نَحْوَ طَعَامٍ " رَدٌّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ فِي الطَّعَامِ وَيَرْجِعُ فِي الْمَالِ اهـ. قَوْلُهُ: (لَا يَخْطُبُ) بِضَمِّ الطَّاءِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَا نَاهِيَةً وَنَافِيَةً فَعَلَى الْأَوَّلِ يَخْطُب بِكَسْرِ الْبَاءِ وَعَلَى الثَّانِي بِضَمِّهَا فَلْتُرَاجَعْ الرِّوَايَةُ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) ذِكْرُ الْأَخِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ امْتِثَالًا أَيْ فِي أَنْ يَمْتَثِلَ لِأَجْلِهِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ) أَيْ أَوْ الْوَلِيُّ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ) فِيهِ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ لِلْإِيضَاحِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ) أَيْ النَّهْيِ أَوْ النَّفْيِ الْمُرَادُ مِنْهُ النَّهْيُ. قَوْلُهُ: (مَا فِيهِ) أَيْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ ذِكْرُ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِالْعُيُوبِ وَعَلِمَ سَلَامَةَ الْعَاقِبَةِ. وَقَدْ وَرَدَ: «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَتَزَوَّجُ أَبَا جَهْمٍ أَمْ مُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ» وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَضْرِبُ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ أَيْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ ضَرْبِهِ وَهَذَا مِنْ النَّصِيحَةِ: «وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ» أَيْ لَا مَالَ مَعَهُ، وَقِلَّةُ الْمَالِ عَيْبٌ عُرْفِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ. قَوْلُهُ: (ذِكْرُ عُيُوبِ) مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ، وَالْمُرَادُ الْعُيُوبُ الشَّرْعِيَّةُ وَكَذَا الْعُرْفِيَّةُ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ: «وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ» وَهَذَا أَحَدُ أَنْوَاعِ الْغِيبَةِ الْجَائِزَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي النَّظْمِ، قَالَ الْبَارِزِيُّ: وَلَوْ اُسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ فِيهِ وَجَبَ ذِكْرُهُ لِلزَّوْجَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ فِيهِ، وَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَسُوءِ الْخُلُقِ وَالشُّحِّ اُسْتُحِبَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ فِي الْحَالِ وَسِتْرُ نَفْسِهِ وَلَا يَذْكُرُهُ، وَإِنْ اُسْتُشِيرَ فِي وِلَايَةٍ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ عَدَمَ الْكَفَاءَةِ أَوْ الْخِيَانَةَ وَأَنَّ نَفْسَهُ لَا تُطَاوِعُهُ عَلَى تَرْكِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ أَوْ يَقُولَ لَسْت أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ اهـ. وَوُجُوبُ التَّفْصِيلِ بَعِيدٌ وَالْأَوْجَهُ دَفْعُ ذَلِكَ بِنَحْوِ أَنَا لَا أَصْلُحُ لَكُمْ. قَوْلُهُ: (لِمُرِيدِهِ) أَيْ مُرِيدِ الِاجْتِمَاعِ. قَوْلُهُ: (لِيُحْذَرَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ مُتَعَلِّقٌ بِذِكْرِ وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِمُرِيدِهِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَلَامُهُ لِلتَّعْدِيَةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 بِأَنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذِكْرِهَا أَوْ اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ بَعْضِهَا حَرُمَ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْهَا فِي الْأَوَّلِ وَشَيْءٍ مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ فِي الثَّانِي. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَالْغِيبَةُ تُبَاحُ لِسِتَّةِ أَسْبَابٍ وَذَكَرَهَا، وَجَمَعَهَا غَيْرُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَقَالَ: لَقَبٌ وَمُسْتَفْتٍ وَفِسْقٌ ظَاهِرٌ ... وَالظُّلْمُ تَحْذِيرُ مُزِيلِ الْمُنْكِرِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَظَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ عَالِمًا يُقْتَدَى بِهِ، فَتُمْنَعُ غِيبَتُهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا اطَّلَعُوا عَلَى زَلَّتِهِ تَسَاهَلُوا فِي ارْتِكَابِ الذَّنْبِ انْتَهَى. وَسُنَّ خُطْبَةٌ بِضَمِّ الْخَاءِ قَبْلَ خِطْبَةٍ بِكَسْرِهَا.   [حاشية البجيرمي] وَقَوْلُهُ بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ عِلَّةٌ لِيَجِبَ. قَوْلُهُ: (لَقَبٌ) بِأَنْ اُشْتُهِرَ بِلَقَبٍ يَكْرَهُهُ كَالْأَعْمَشِ، فَيُذْكَرُ بِهِ لِتَعْرِيفِهِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّنْقِيصِ وَإِنْ أَمْكَنَ تَعْرِيفُهُ بِغَيْرِهِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَمُسْتَفْتٍ) بِأَنْ ذَكَرَ وَحَالَ خَصْمِهِ مَعَ تَعْيِينِهِ لِلْمُفْتِي وَإِنْ أَغْنَى إجْمَالُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي التَّعْيِينِ فَائِدَةٌ شَرْحُ م ر؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَجْمَلَهُ لَرُبَّمَا كَانَ لَهُ فِي الْمَالِ الْمَسْرُوقِ شُبْهَةٌ كَأَبِيهِ وَشَرِيكِهِ فِيهِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُقْتَضَى السَّرِقَةِ مِنْ الْقَطْعِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَفِسْقٌ ظَاهِرٌ) أَيْ أَنَّ غِيبَةَ الْفَاسِقِ تُبَاحُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ؛ الْأَوَّلُ: أَنْ يَتَجَاهَرَ بِحَيْثُ لَا يُبَالِي مِنْ اطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَهُ بِمَا يَتَجَاهَرُ بِهِ فَقَطْ حَتَّى لَوْ ذَكَرَهُ بِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ كَانَ غِيبَةً مُحَرَّمَةً. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ لِأَجْلِ نُصْحِ النَّاسِ وَتَبَاعُدِهِمْ عَنْهُ لَا لِحَظِّ نَفْسِهِ وَلَا لِكَرَاهِيَةٍ فِيهِ وَلَا لِازْدِرَائِهِ وَتَنْقِيصِهِ وَإِلَّا كَانَ غِيبَةً مُحَرَّمَةً شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ م ر: وَمُجَاهَرَةٌ بِفِسْقٍ أَوْ بِدْعَةٍ بِأَنْ لَمْ يُبَالِ مَا يُقَالُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ لِخَلْعِهِ جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَسَقَطَتْ حُرْمَتُهُ لَكِنْ لَا يُذْكَرُ بِغَيْرِ مَا تَجَاهَرَ بِهِ اهـ، بِأَنْ تَجَاهَرَ بِالْمَكْسِ فَيُقَالُ فُلَانٌ مَكَّاسٌ أَوْ تَجَاهَرَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَيُقَالُ فُلَانٌ شَارِبُ الْخَمْرِ. قَوْلُهُ: (وَالظُّلْمُ) أَيْ التَّظَلُّمُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ م ر أَيْ التَّظَلُّمُ لِمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إنْصَافِهِ م ر، بِأَنْ يَقُولَ لِشَخْصٍ فُلَانٌ ظَلَمَنِي وَأَخَذَ مِنِّي كَذَا، وَقَوْلُهُ تَحْذِيرٌ هُوَ مَا نَحْنُ فِيهِ بِأَنْ يَذْكُرَ عُيُوبَ مَنْ أُرِيدَ اجْتِمَاعٌ عَلَيْهِ لِيُحْذَرَ، وَقَوْلُهُ مُزِيلِ الْمُنْكَرِ بِأَنْ يَقُولَ لِشَخْصٍ يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ الْمُنْكَرِ فُلَانٌ يَزْنِي الْآنَ بِامْرَأَةٍ أَوْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَمُرَادُهُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ شَيْخُنَا. وَلِبَعْضِهِمْ؛ الْقَدْحُ لَيْسَ بِغِيبَةٍ فِي سِتَّةٍ ... مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرَّفٍ وَمُحَذَّرِ وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ ... طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إزَالَةِ مُنْكَرِ قَوْلُهُ: (قَالَ الْغَزَالِيُّ إلَخْ) فِيهِ تَدَافُعٌ إذْ الْمُتَظَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ لَا تَخْفَى عُيُوبُهُ عَنْ النَّاسِ. اهـ. ق ل. وَالْغَزَالِيُّ بِفَتْحِ الزَّايِ مُخَفَّفَةٌ وَمُشَدَّدَةٌ. قَوْلُهُ: (الْمُتَظَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ) فِي نُسْخَةٍ الْمُتَجَاهِرُ وَلَوْ أَنْفَقَ نَفَقَةً عَلَى مَخْطُوبَةٍ وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا وَكَانَ التَّرْكُ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا أَوْ بِالْمَوْتِ لَهُ أَوْ لَهَا رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَهُ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَى زَوْجَتِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ لِأَجْلِ الدُّخُولِ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَهُ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ الْهَدِيَّةَ لَا لِأَجْلِ تَزَوُّجِهِ بِهَا بِأَنْ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ الْهَدِيَّةَ لِأَجْلِ تَزَوُّجِهِ بِهَا فَيَرْجِعُ فِيهِمَا، فَإِنْ قَصَدَ الْهَدِيَّةَ لَا لِأَجْلِ تَزَوُّجِهِ بِهَا فَلَا رُجُوعَ. اهـ. م د. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: فَرْعٌ: دَفَعَ الْخَاطِبُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ وَلِيِّهِ شَيْئًا مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ أَوْ نَقْدٍ أَوْ مَلْبُوسٍ لِمَخْطُوبَتِهِ أَوْ وَلِيِّهَا ثُمَّ حَصَلَ إعْرَاضٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مَوْتٌ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا رَجَعَ الدَّافِعُ أَوْ وَارِثُهُ بِجَمِيعِ مَا دَفَعَهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا، وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ مَاتَا وَلَا رُجُوعَ بَعْدَ الدُّخُولِ مُطْلَقًا انْتَهَى؛ وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ م ر. قَوْلُهُ: (وَسُنَّ خُطْبَةٌ بِضَمِّ الْخَاءِ) وَهِيَ كَلَامٌ مُفْتَتَحٌ بِحَمْدٍ مُخْتَتَمٍ بِوَعْظٍ وَدُعَاءٍ؛ زِيَادِيٌّ. فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى الْخَاطِبُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَقُولُ: جِئْتُكُمْ خَاطِبًا كَرِيمَتَكُمْ أَوْ فَتَاتَكُمْ وَيَخْطُبُ الْوَلِيُّ كَذَلِكَ، ثُمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 وَأُخْرَى قَبْلَ الْعَقْدِ لِخَبَرِ: «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» أَيْ عَنْ الْبَرَكَةِ، وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ مِنْ الْوَلِيِّ أَوْ الزَّوْجِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ؛ وَلَوْ أَوْجَبَ وَلِيُّ الْعَقْدِ فَخَطَبَ الزَّوْجُ خُطْبَةً قَصِيرَةً عُرْفًا فَقَبِلَ صَحَّ الْعَقْدُ مَعَ الْخُطْبَةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهَا مُقَدِّمَةُ الْقَبُولِ، فَلَا تَقْطَعُ الْوَلَاءَ كَالْإِقَامَةِ وَطَلَبِ الْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ لَكِنَّهَا لَا تُسَنُّ، بَلْ يُسَنُّ تَرْكُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ. (وَالنِّسَاءُ) بِالنِّسْبَةِ إلَى إجْبَارِهِنَّ فِي التَّزْوِيجِ وَعَدَمِهِ (عَلَى ضَرْبَيْنِ) الْأَوَّلُ (بِكْرٌ) تُجْبَرُ (وَ) الثَّانِي (الثَّيِّبُ) لَا تُجْبَرُ   [حاشية البجيرمي] يَقُولُ: لَسْت بِمَرْغُوبٍ عَنْك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَسَكَتَ عَنْ قِرَاءَةِ الْآيَةِ وَالدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ مَعَ نَدْبِهِمَا أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، مَعَ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى خُطْبَةً إلَّا بِذَلِكَ إمَّا؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: " خَاطِبًا كَرِيمَتَكُمْ " أَيْ لِي أَوْ لِابْنِي أَوْ لِزَيْدٍ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ فَتَاتَكُمْ " الْفَتَى الشَّابُّ وَالْفَتَاةُ الشَّابَّةُ وَالْفَتَى أَيْضًا السَّخِيُّ وَالْكَرِيمُ اهـ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَتَبَرَّكَ الْأَئِمَّةُ بِخُطْبَةِ النِّكَاحِ بِمَا رَوَى الْأَرْبَعَةُ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُطْبَةَ الْحَاجَةِ فَلْيَقُلْ: إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] إلَى قَوْلِهِ {رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب: 71] . . . إلَى قَوْلِهِ {عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] » وَكَانَ أَحْمَدُ إذَا لَمْ تُذْكَرْ هَذِهِ الْخُطْبَةُ فِي عَقْدٍ انْصَرَفَ. وَكَانَ الْقَفَّالُ يَقُولُ بَعْدَهَا: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ يَقْضِي فِيهَا مَا يَشَاءُ وَيْحُكُمْ مَا يُرِيدُ لَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَ وَلَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَ وَلَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ وَلَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ وَكِتَابٍ قَدْ سَبَقَ وَإِنَّ مِمَّا قَضَى اللَّهُ وَقَدَّرَ أَنَّهُ خَطَبَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ فُلَانَةَ ابْنَةَ فُلَانٍ عَلَى صَدَاقِ كَذَا أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ أَجْمَعِينَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَلَفْظُ خُطْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ زَوَّجَ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ لِعَلِيٍّ ابْنِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَحْمُودِ بِنِعْمَتِهِ الْمَعْبُودِ بِقُدْرَتِهِ الْمُطَاعِ بِسُلْطَانِهِ الْمَرْهُوبِ مِنْ عَذَابِهِ وَسَطْوَتِهِ النَّافِذِ أَمْرُهُ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِهِ وَسَيَّرَهُمْ بِأَحْكَامِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَجَعَلَ الْمُصَاهَرَةَ سَبَبًا لَاحِقًا وَأَمْرًا مُفْتَرَضًا شَبَّكَ بِهِ الْأَنَامَ وَأَكْرَمَ بِهِ الْأَرْحَامَ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} [الفرقان: 54] ، وَلِكُلٍّ قَدَرٍ أَجَلٌ، وَ {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38] {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] » الْآيَةُ: ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (أَيْ عَنْ الْبَرَكَةِ) إنْ قُلْت هَلَّا قَالَ كَمَا سَبَقَ لَهُ فِي الْخُطْبَةِ أَيْ مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ. قُلْت: السَّابِقُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَهُوَ أَجْذَمُ وَفِيهِ خَفَاءٌ فَاحْتَاجَ إلَى تَأْوِيلِهِ بِمَا هُوَ أَوْضَحُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَأَبْقَاهُ عَلَى أَصْلِهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْجَبَ وَلِيُّ الْعَقْدِ) فَلَوْ أَوْجَبَ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَقَبِلَ الزَّوْجُ سَاكِتًا انْعَقَدَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي إسْقَاطِ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ كَثِيرًا وَلَمْ يَرْضَ بِهِ الزَّوْجُ فَطَرِيقُهُ فِي إسْقَاطِهِ أَنْ يَقْبَلَ سَاكِتًا. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (فَخَطَبَ الزَّوْجُ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَضُرُّ الْفَصْلُ بِخِطْبَةِ أَجْنَبِيٍّ، وَيُشْعِرُ بِهِ أَيْضًا التَّعْمِيمُ فِيمَا قَبْلَهُ مَعَ التَّقْيِيدِ؛ لَكِنَّ صَنِيعَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَالزَّوْجُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى عَدَمِ طُولِ الْفَصْلِ بِسُكُوتٍ أَوْ بِمَا ذَكَرَ اهـ. قَوْلُهُ: (الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) خَرَجَ الْخُطْبَةُ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَجَوَابِهَا فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ أَيْضًا، فَالْمَنْدُوبُ ثَلَاثُ خُطَبٍ الَّتِي قَبْلَ الْخِطْبَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَ الْعَقْدِ وَاَلَّتِي بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَجَوَابِهَا. قَوْلُهُ: (كَالْإِقَامَةِ) أَيْ لِلصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ: " بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ " رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ وَيَتَقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَضَبَطَ الْقَفَّالُ الطُّولَ بِأَنْ يَكُونَ زَمَنُهُ فِيهِ لَوْ سَكَتَا فِيهِ لَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ كَوْنِهِ جَوَابًا، وَالْأَوْلَى ضَبْطُهُ بِالْعُرْفِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضُرُّ الْفَصْلُ بِقَوْلِهِ قُلْ قَبِلْت قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لَهُ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهَا لَا تُسَنُّ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ لِلزَّوْجَيْنِ بِالْبَرَكَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ ز ي. قَوْلُهُ: (كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ ح ل. قَوْلُهُ: (وَعَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ إجْبَارِهِنَّ. قَوْلُهُ: (بِكْرٌ) لَوْ قَالَ أَبْكَارٌ وَثَيِّبَاتٌ لَكَانَ أَنْسَبَ ق ل، أَيْ لِيُطَابِقَ الْمُبْتَدَأَ وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 (فَالْبِكْرُ) وَلَوْ كَبِيرَةً وَمَخْلُوقَةً بِلَا بَكَارَةٍ، أَوْ زَالَتْ بِلَا وَطْءٍ كَسَقْطَةٍ أَوْ حِدَّةِ حَيْضٍ (يَجُوزُ) وَيَصِحُّ (لِلْأَبِ وَالْجَدِّ) أَبِي الْأَبِ وَإِنْ عَلَا عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ (إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ) أَيْ تَزْوِيجُهَا لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَالْبِكْرُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا» وَلِأَنَّهَا لَمْ تُمَارِسْ الرِّجَالَ بِالْوَطْءِ فَهِيَ شَدِيدَةُ الْحَيَاءِ. تَنْبِيهٌ: لِتَزْوِيجِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ الْبِكْرَ بِغَيْرِ إذْنِهَا شُرُوطٌ: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ. الثَّانِي: أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ. الثَّالِثُ: أَنْ يُزَوِّجَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ الزَّوْجُ   [حاشية البجيرمي] كِنَايَةٌ عَنْ ضَرْبٍ وَالضَّرْبُ فِي الْمَعْنَى جَمْعٌ. قَوْلُهُ: (فَالْبِكْرُ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا بِدَلِيلِ الْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَمُخَدَّرَةٌ) الْمُخَدَّرَةُ هِيَ الَّتِي مُلَازِمَةٌ لِبَيْتِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ زَالَتْ) أَيْ أَوْ خُلِقَتْ بِبَكَارَةٍ وَزَالَتْ بِلَا وَطْءٍ، كَأَنْ زَالَتْ بِأُصْبُعٍ أَوْ نَحْوِهِ. قَوْلُهُ: (لِلْأَبِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلِ الْمَالَ لِطُرُوِّ سَفَهٍ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّ الْعَارَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ وِلَايَةَ تَزْوِيجِهَا تَابِعَةٌ لِوِلَايَةِ مَالِهَا شَرْحُ م ر، أَيْ فَتَكُونُ لِلْقَاضِي. قَوْلُهُ: (أَيْ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا) هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ بِالْإِجْبَارِ هُنَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِكْرَاهَ ق ل. قَوْلُهُ: (أَحَقُّ بِنَفْسِهَا) أَيْ فِي اخْتِيَارِهَا لِلزَّوْجِ أَوْ فِي الْإِذْنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا فِي الْعَقْدِ كَمَا يَقُولُهُ الْمُخَالِفُ وَهُمْ الْحَنَفِيَّةُ. وَالْإِمَامُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ يُصَحِّحُهُ بِدُونِهِمَا مَعًا أَيْ الشُّهُودِ وَالْوَلِيِّ وَلَا حَدَّ فِيهِمَا أَيْضًا، نَعَمْ إنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِبُطْلَانِهِ حُدَّ إنْ عَلِمَ قَبْلَ وَطْئِهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (شَدِيدَةُ الْحَيَاءِ) أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا. قَوْلُهُ: (الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) هَذَا شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: (عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ) أَيْ بِحَيْثُ لَا تَخْفَى عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهَا. وَخَرَجَ بِالْعَدَاوَةِ الْكَرَاهَةُ لِنَحْوِ بُخْلٍ أَوْ عَمًى أَوْ تَشَوُّهِ خِلْقَةٍ فَيُكْرَهُ التَّزْوِيجُ فَقَطْ، وَهَلْ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ وَكِيلُهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَوَكِيلِهِ؟ اعْتَمَدَ م ر وحج الثَّانِيَ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلَا حَاجَةَ لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ عَدَاوَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ سَلِيقَةَ الْوَلِيِّ أَيْ طَبِيعَتَهُ تَدْعُوهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا مِنْ عَدُوِّهَا وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (الثَّانِي أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ) هُوَ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ أَيْضًا. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ خِصَالَ الْكَفَاءَةِ فِي قَوْلِهِ: شَرْطُ الْكَفَاءَةِ خَمْسَةٌ قَدْ حُرِّرَتْ ... يُنْبِيكَ عَنْهَا بَيْتُ شِعْرٍ مُفْرَدُ نَسَبٌ وَدِينٌ حِرْفَةٌ حُرِّيَّةٌ ... فَقْدُ الْعُيُوبِ وَفِي الْيَسَارِ تَرَدُّدُ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَصْحَابُ الْمُرُوآتِ وَالْبَصَائِرِ، قَالَ الْعَلَّامَةُ مَرْعِيٌّ الْحَنْبَلِيُّ: قَالُوا الْكَفَاءَةُ سِتَّةٌ فَأَجَبْتهمْ ... قَدْ كَانَ هَذَا فِي الزَّمَانِ الْأَقْدَمِ أَمَّا بَنُو هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُمْ ... لَا يَعْرِفُونَ سِوَى يَسَارِ الدِّرْهَمِ وَقَوْلُهُ: " حِرْفَةٌ " وَالْأَوْجَهُ مُرَاعَاةُ الْبَلَدِ فِي الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ الَّتِي لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ مِنْ رِفْعَةٍ أَوْ دَنَاءَةٍ نُعَوِّلُ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَنُصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى عُرْفِ الْبَلَدِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الزِّيَادِيِّ وَالرَّمْلِيِّ، فَفِي الْأَمْصَارِ التَّاجِرُ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ الزُّرَّاعِ وَفِي الْأَرْيَافِ الزُّرَّاعُ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ التَّاجِرِ حَتَّى لَوْ كَانَ عُرْفُ تِلْكَ الْبَلَدِ أَنَّ ابْنَ الْفَلَّاحِ أَشْرَفُ مِنْ ابْنِ الْعَالِمِ لَمْ يَكُنْ ابْنُ الْعَالِمِ كُفُؤًا لِبِنْتِ الْفَلَّاحِ؛ كَذَا ذَكَرَهُ سم عَنْ م ر. وَفِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ مَا يُخَالِفُهُ. قَوْلُهُ: (الثَّالِثُ إلَخْ) هُوَ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ وَكَذَا الرَّابِعُ. قَوْلُهُ: (مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِهِ فِيهَا وَلَوْ عَرُوضًا؛ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَمَحَلُّهُ فِي هَذَا مَا لَمْ يَكُونُوا بِبَلَدٍ يَعْتَادُونَ فِيهِ التَّزْوِيجَ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِلَّا لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 مُعْسِرًا بِالْمَهْرِ. السَّادِسُ: أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا بِمَنْ تَتَضَرَّرُ بِمُعَاشَرَتِهِ كَأَعْمَى أَوْ شَيْخٍ هَرَمٍ. السَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا نُسُكٌ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَمْنَعُهَا لِكَوْنِ النُّسُكِ عَلَى التَّرَاخِي وَلَهَا غَرَضٌ فِي تَعْجِيلِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ. وَهَلْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ شُرُوطٌ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَوْ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ فَقَطْ؟ فِيهِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ لِهَذَا وَمَا هُوَ مُعْتَبَرٌ لِذَلِكَ، فَالْمُعْتَبَرَاتُ لِلصِّحَّةِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلِيِّهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كُفُؤًا، وَأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِحَالِ صَدَاقِهَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ شُرُوطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْإِجْبَارِ أَيْضًا انْتِفَاءُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ انْتَهَى. وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ظُهُورُ الْعَدَاوَةِ هُنَا كَمَا اُعْتُبِرَ ثَمَّ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا حَاجَةَ لِمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ انْتِقَاءَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا إلَّا مِمَّنْ   [حاشية البجيرمي] لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ م ر وحج. قَوْلُهُ: (الْخَامِسُ أَنْ لَا يَكُونَ الزَّوْجُ إلَخْ) هُوَ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ وَقَوْلُهُ مُعْسِرًا بِالْمَهْرِ أَيْ بِالْحَالِّ مِنْهُ دُونَ مَا اُعْتِيدَ تَأْجِيلُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِالْحَالِّ مِنْهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَيَسَارُهُ بِحَالِّ صَدَاقِهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ مُعْسِرٍ بِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَخَسَهَا حَقَّهَا، وَلَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَفَاءَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ. وَلَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ مَحْجُورَهُ الْمُعْسِرَ بِنْتًا بِإِجْبَارِ وَلِيِّهَا لَهَا ثُمَّ دَفَعَ أَبُو الزَّوْجِ الصَّدَاقَ عَنْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ؛؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَالَ الْعَقْدِ مُعْسِرًا، فَالطَّرِيقُ أَنْ يَهَبَ الْأَبُ ابْنَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ مِقْدَارَ الصَّدَاقِ وَيَقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يُزَوِّجَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ الْأَبَ يَدْفَعُ عَنْ الِابْنِ مُقَدَّمَ الصَّدَاقِ قَبْلَ الْعَقْدِ؛ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هِبَةً إلَّا أَنَّهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهَا بَلْ قَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ هِبَةٌ ضِمْنِيَّةٌ لِلْوَلَدِ فَإِنَّ دَفْعَهُ لِوَلِيِّ الزَّوْجَةِ فِي قُوَّةٍ أَنْ يَقُولَ مَلَّكْت هَذَا لِابْنِي وَدَفَعْته لَك عَنْ الصَّدَاقِ الَّذِي قُدِّرَ لَهَا، وَانْظُرْ مَا ضَابِطُ الْيَسَارِ بِالْمَهْرِ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ الدَّيْنِ وَالْخَادِمِ وَعَنْ مُؤْنَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ احْتَاجَ إلَى صَرْفِ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُوسِرًا أَوْ لَا يُشْتَرَطُ الْفَضْلُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ رَاجِعْهُ وَحَرِّرْهُ، فَإِنَّ شَيْخَنَا تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ خ ض. قَوْلُهُ: (السَّادِسُ إلَخْ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ ضَعِيفَانِ. قَوْلُهُ: (شُرُوطٌ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ) مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَأَذِنَتْ فَلَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا لَوْ دَفَعَ وَلِيُّ الصَّغِيرِ عَنْهُ الْمَهْرَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ مَلَّكَهُ الْمَهْرَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا مَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْفَلَّاحِينَ حَيْثُ يَسْتَعِيرُ الزَّوْجُ شَيْئًا مِنْ الصِّيغَةِ وَيَعْقِدُ عَلَيْهِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حِينَئِذٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمَا عَدَا ذَلِكَ شُرُوطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ) حَاصِلُهُ أَنَّ الشُّرُوطَ سَبْعَةٌ: أَرْبَعَةٌ لِلصِّحَّةِ، وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلِيِّهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ عَدَاوَةٌ مُطْلَقًا وَأَنْ تُزَوَّجَ مِنْ كُفْءٍ وَأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِحَالِّ الصَّدَاقِ، فَمَتَى فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا إنْ لَمْ تَأْذَنْ. وَثَلَاثَةٌ لِجَوَازِ الْمُبَاشَرَةِ، وَهِيَ: كَوْنُهُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَمِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَكَوْنُهُ حَالًّا وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: الشَّرْطُ فِي جَوَازِ إقْدَامٍ وَرَدْ ... حُلُولُ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدْ كَفَاءَةُ الزَّوْجِ يَسَارُهُ بِحَالِ ... صَدَاقِهَا وَلَا عَدَاوَةٌ بِحَالِ وَفَقْدُهَا مِنْ الْوَلِيِّ ظَاهِرَا ... شُرُوطُ صِحَّةٍ كَمَا تَقَرَّرَا قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ) مُعْتَمَدٌ وَهَذَا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: (انْتِفَاءُ الْعَدَاوَةِ) وَلَوْ بَاطِنَةً. قَوْلُهُ: (لِظُهُورِ الْفَرْقِ) وَهُوَ كَوْنُهَا مُفَارِقَةً لِلْوَلِيِّ مُلَازِمَةً لِلزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (لِمَا قَالَهُ) أَيْ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ مِنْ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ أَيْ مِنْ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعَدَاوَةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْوَلِيِّ انْتِفَاءُ الْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هُنَاكَ عَدَاوَةً بَاطِنَةً، وَحِينَئِذٍ فَرُبَّمَا زَوَّجَهَا لِعَدُوِّهَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: لَا يُقَالُ يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَالَتِهِ انْتِفَاءُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ حَظٌّ وَمَصْلَحَةٌ لِشَفَقَتِهِ عَلَيْهَا، أَمَّا مُجَرَّدُ كَرَاهَتِهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَلَا يُؤَثِّرُ لَكِنْ يُكْرَهُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَيُسَنُّ اسْتِئْذَانُ الْبِكْرِ إذَا كَانَتْ مُكَلَّفَةً لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ تَطَيُّبًا لِخَاطِرِهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفَةِ فَلَا إذْنَ لَهَا. وَيُسَنُّ اسْتِفْهَامُ الْمُرَاهِقَةِ وَأَنْ لَا تُزَوَّجَ الصَّغِيرَةُ حَتَّى تَبْلُغَ، وَالسُّنَّةُ فِي الِاسْتِئْذَانِ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهَا نِسْوَةً ثِقَاتٍ يَنْظُرْنَ مَا فِي نَفْسِهَا، وَالْأُمُّ بِذَلِكَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَطَّلِعُ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا. (وَالثَّيِّبُ) الْبَالِغَةُ (لَا يَجُوزُ) وَلَا يَصِحُّ (تَزْوِيجُهَا) وَإِنْ عَادَتْ بَكَارَتُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ السَّابِقِ وَخَبَرِ: «لَا تُنْكِحُوا الْأَيَامَى حَتَّى تَسْتَأْمِرُوهُنَّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهَا عَرَفَتْ مَقْصُودَ النِّكَاحِ فَلَا تُجْبَرُ بِخِلَافِ الْبِكْرِ، فَإِنْ كَانَتْ الثَّيِّبُ صَغِيرَةً غَيْرَ مَجْنُونَةٍ وَغَيْرَ أَمَةٍ لَمْ تُزَوَّجْ سَوَاءٌ احْتَمَلَتْ الْوَطْءَ أَمْ لَا. (إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَإِذْنِهَا) ؛ لِأَنَّ إذْنَ الصَّغِيرَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَامْتَنَعَ تَزْوِيجُهَا إلَى الْبُلُوغِ، أَمَّا الْمَجْنُونَةُ فَيُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِهِ قَبْلَ بُلُوغِهَا لِلْمَصْلَحَةِ ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَلِسَيِّدِهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَكَذَا الْوَلِيُّ السَّيِّدُ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ وُطِئَتْ الْبِكْرُ فِي قُبُلِهَا وَلَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا كَأَنْ كَانَتْ غَوْرَاءَ فَهِيَ كَسَائِرِ الْأَبْكَارِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى تَعْلِيمِهِمْ بِمُمَارَسَةِ الرِّجَالِ خِلَافَهُ كَمَا أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِمْ كَذَلِكَ إذَا زَالَتْ بِذَكَرِ حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ كَقِرْدٍ مَعَ أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهَا كَالثَّيِّبِ،   [حاشية البجيرمي] عَدَاوَتِهِ لِتَنَافِيهِمَا؛؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا الْعَدَالَةُ. قَوْلُهُ: (أَمَّا مُجَرَّدُ كَرَاهَتِهَا) مُقَابِلُ قَوْلِهِ الْعَدَاوَةِ مِنْ قَوْلِهِ انْتِفَاءُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا إلَخْ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لَا يُقَالُ لَهُ عَدَاوَةٌ وَقَوْلُهُ لَهُ أَيْ لِلزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ اسْتِفْهَامُ الْمُرَاهِقَةِ) كَأَنْ يَقُولَ أُزَوِّجُك أَوْ أَتَتَزَوَّجِي. وَعَبَّرَ بِالِاسْتِفْهَامِ دُونَ الِاسْتِئْذَانِ؛ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَةَ لَا إذْنَ لَهَا مُعْتَبَرٌ، وَلَكِنَّ إذْنَ الْبَالِغَةِ فِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ يَكْفِي فِيهِ السُّكُوتُ وَإِذْنُهَا فِي شُرُوطِ جَوَازِ الْإِقْدَامِ لَا يَكْفِي فِيهِ السُّكُوتُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ؛ فَإِذَا اُسْتُؤْذِنَتْ فِي دُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ إذْنًا بِالدُّونِ بَلْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: «لَا تُنْكِحُوا الْأَيَامَى» فِيهِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَيِّمَ شَامِلَةٌ لِلْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْجَلَالُ أَيْضًا؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ «حَتَّى تَسْتَأْمِرُوهُنَّ» أَيْ وُجُوبًا فِي الثَّيِّبِ وَنَدْبًا فِي غَيْرِهَا، فَلَا يُقَالُ الدَّلِيلُ أَعَمُّ مِنْ الْمُدَّعَى. قَوْلُهُ: (وَإِذْنِهَا) أَيْ الْإِذْنِ بِالصَّرِيحِ أَيْ بِالنُّطْقِ بِهِ مِنْ النَّاطِقَةِ وَبِالْإِشَارَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْمَجْنُونَةِ فَلَا يُزَوِّجُهَا مُطْلَقًا. وَمِنْ صَرِيحِ الْإِذْنِ قَوْلُهَا رَضِيت بِمَا يَفْعَلُهُ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَخِي أَوْ عَمِّي أَوْ رَضِيت بِمَا يَرْضَوْنَهُ أَوْ رَضِيت أَنْ أُزَوَّجَ أَوْ رَضِيت فُلَانًا زَوْجًا وَأَمَّا إنْ رَضِيَ أَبِي مَثَلًا فَقَدْ رَضِيت، فَلَيْسَ إذْنًا؛. اهـ. ق ل. وَيَكْفِي فِي الْبِكْرِ سُكُوتُهَا بَعْدَ اسْتِئْذَانِهَا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كَوْنَهُ إذْنًا وَلَمْ تَعْلَمْ الزَّوْجَ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ كُفْءٍ، وَتَرَدَّدَ شَيْخُنَا فِي خَرْسَاءَ لَا إشَارَةَ لَهَا مُفْهِمَةٌ وَلَا كِتَابَةَ ثُمَّ رَجَّحَ أَنَّهَا كَالْمَجْنُونَةِ. وَعِبَارَةُ عب: وَإِذَا لَمْ تَكُنْ ثَيِّبًا بِوَطْءٍ كَفَى سُكُوتُهَا بَعْدَ اسْتِئْذَانِهَا وَلَوْ لِغَيْرِ كُفْءٍ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ جَهِلَتْ كَوْنَ الصَّمْتِ إذْنًا أَوْ بَكَتْ إلَّا مَعَ صِيَاحٍ وَلَوْ اسْتَأْذَنَهَا بِلَا مَهْرٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ فَسَكَتَتْ لَمْ تَكُنْ آذِنَةً ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحْيَا مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لَوْ وُطِئَتْ الْبِكْرُ فِي قُبُلِهَا إلَخْ) وَلَوْ كَانَ لَهَا فَرْجَانِ أَصْلِيَّانِ فَوُطِئَتْ فِي أَحَدِهِمَا وَزَالَتْ بَكَارَتُهَا صَارَتْ ثَيِّبًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا وَاشْتَبَهَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ فَلَا تَصِيرُ ثَيِّبًا إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ فِي الزَّائِدِ وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ. اهـ. زي. وَقَوْلُهُ " صَارَتْ ثَيِّبًا " أَيْ وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا وَتَمَيَّزَ وَوَطِئَ فِي الْأَصْلِ فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا فَإِنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ ثَيِّبًا، بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ فِي الزَّائِدِ الْمُتَمَيِّزِ فَإِنَّهَا تَسْتَمِرُّ عَلَى بَكَارَتِهَا وَلَا تَصِيرُ بِذَلِكَ الْوَطْءِ ثَيِّبًا اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَلَمَّا تَعَدَّدَ الْفَرْجُ لَمْ يَزَلْ الْإِجْبَارُ بِالْوَطْءِ فِي الزَّائِدِ يَقِينًا وَلَا فِي أَحَدِ الْمُشْتَبِهَيْنِ لِلشَّكِّ فِي زَوَالِ الْوِلَايَةِ وَيَزُولُ بِالْوَطْءِ فِي أَحَدِ الْأَصْلِيَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهَا؛ قَالَهُ شَيْخُنَا. وَيُتَّجَهُ فِي تَزْوِيجِهَا فِي الثَّالِثَةِ اعْتِبَارُ مَهْرِ بِكْرٍ نَظَرًا لِلْأَصْلِيِّ عَلَى الْآخَرِ وَوُجُوبُ مَهْرِ بِكْرٍ بِالْوَطْءِ فِيهِ بَلْ مَعَ أَرْشِ بَكَارَةٍ إذَا كَانَ الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ، وَيُتَّجَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُشْتَبِهَيْنِ وَاعْتِبَارِ إذْنِهَا احْتِيَاطًا؛ نَعَمْ لَا حَدَّ هُنَا بِوَطْئِهَا لِلشُّبْهَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا) وَيَتَقَرَّرُ الْمَهْرُ بِذَلِكَ الْوَطْءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّدَاقِ. قَوْلُهُ: (كَسَائِرِ الْأَبْكَارِ) فَيُزَوِّجُهَا أَبُوهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 وَلَوْ خُلِقَتْ بِلَا بَكَارَةٍ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَبْكَارِ كَمَا حَكَاهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَأَقَرَّهُ. وَتُصَدَّقُ الْمُكَلَّفَةُ فِي دَعْوَى الْبَكَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: بِلَا يَمِينٍ، وَكَذَا فِي دَعْوَى الثُّيُوبَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ وَلَا تُسْأَلُ الْوَطْءَ، فَإِنْ ادَّعَتْ الثُّيُوبَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَدْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِغَيْرِ إذْنِهَا نُطْقًا فَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِمَا فِي تَصْدِيقِهَا مِنْ إبْطَالِ النِّكَاحِ، بَلْ لَوْ شَهِدَتْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عِنْدَ الْعَقْدِ بِثُيُوبَتِهَا لَمْ يَبْطُلْ لِجَوَازِ إزَالَتِهَا بِأُصْبُعٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ أَنَّهَا خُلِقَتْ بِدُونِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِخِلَافِهِ. فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ وَمُثْبِتَاتِ الْخِيَارِ فِيهِ (وَالْمُحَرَّمَاتُ) عَلَى قِسْمَيْنِ: تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ وَتَحْرِيمٌ غَيْرُ مُؤَبَّدٍ، وَمِنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ نِكَاحُ الْجِنِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافًا لِلْقَمُولِيِّ قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189] .   [حاشية البجيرمي] بِلَا إذْنٍ. قَوْلُهُ: (كَمَا أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِمْ) وَهُوَ التَّعْلِيلُ بِمُمَارَسَةِ الرِّجَالِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: كَمَا أَنَّ قَضِيَّتَهُ كَذَلِكَ إذَا زَالَتْ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " كَذَلِكَ " أَيْ أَنَّهَا كَسَائِرِ الْأَبْكَارِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ خُلِقَتْ بِلَا بَكَارَةٍ إلَخْ) مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ وُطِئَتْ إلَخْ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (عَنْ الصَّيْمَرِيِّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا نِسْبَةً إلَى صَيْمَرَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْعَجَمِ. قَوْلُهُ: (فِي دَعْوَى الْبَكَارَةِ) أَيْ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِدَلِيلِ التَّقْيِيدِ فِيمَا بَعْدُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، أَيْ إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهَا ثَيِّبٌ وَأَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ وَهِيَ تَقُولُ أَنَا بِكْرٌ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا فِي دَعْوَى الثُّيُوبَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ فَالتَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ التَّصْدِيقِ لَا فِي كَوْنِهِ بِلَا يَمِينٍ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَتُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الثُّيُوبَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ بِيَمِينٍ لِاقْتِضَاءِ دَعْوَاهَا إبْطَالَ حَقِّ الْوَلِيِّ مِنْ تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ إذْنٍ نُطْقًا. قَوْلُهُ: (وَلَا تُسْأَلُ عَنْ الْوَطْءِ) وَلَا يُكْشَفُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِحَالِهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ ادَّعَتْ الثُّيُوبَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ) أَيْ ادَّعَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهَا كَانَتْ ثَيِّبًا قَبْلَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (بَلْ لَوْ شَهِدَتْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عِنْدَ الْعَقْدِ) أَيْ بِثُيُوبَتِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ إلَخْ؛ أَيْ شَهِدَتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ ثَيِّبًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَوَقَعَتْ تِلْكَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَمُتَعَلِّقُ شَهِدَتْ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ شَهِدَتْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهَا كَانَتْ ثَيِّبًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ. حَادِثَةٌ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ بِكْرًا وُجِدَتْ حَامِلًا وَكَشَفَ عَلَيْهَا الْقَوَابِلُ فَرَأَيْنَهَا بِكْرًا هَلْ يَجُوزُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِالْإِجْبَارِ مَعَ كَوْنِهَا حَامِلًا أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِوَلِيِّهَا تَزْوِيجُهَا بِالْإِجْبَارِ وَهِيَ حَامِلٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ شَخْصًا حَكَّ ذَكَرَهُ عَلَى فَرْجِهَا. فَأَمْنَى وَدَخَلَ مَنِيُّهُ فِي فَرْجِهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ زَوَالِ الْبَكَارَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ فَيَصِحُّ نِكَاحُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ وُجُودِ الْحَمْلِ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهَا زَنَتْ وَأَنَّ الْبَكَارَةَ عَادَتْ وَالْتَحَمَتْ فِيهِ إسَاءَةُ ظَنٍّ بِهَا، فَعَمِلْنَا بِالظَّاهِرِ مِنْ أَنَّهَا بِكْرٌ مُجْبَرَةٌ وَأَنَّ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِالْإِجْبَارِ أَيْ وَلَا تُحَدُّ أَيْضًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. [فَصْلٌ فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ] ِ أَيْ اللَّاتِي يَحْرُمُ نِكَاحُهُنَّ وَلَا يَصِحُّ وَالْمُرَادُ التَّحْرِيمُ الذَّاتِيُّ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ هُنَا لَا الْعَارِضِيُّ بِسَبَبٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ رِدَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَمُثْبِتَاتٌ) بِكَسْرِ الْبَاءِ، أَيْ فِي الْأُمُورِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ، وَأَمَّا قَوْلُ م د عَنْ ق ل بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ النِّسَاءُ اللَّاتِي يَثْبُتُ لَهُنَّ الْخِيَارُ فِيهِ فَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ. قَوْلُهُ: (تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ) أَيْ ذَوَاتُ تَحْرِيمٍ مُؤَبَّدٍ، وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الثَّانِي لِيَصِحَّ الْإِبْدَالُ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ لَا فِي التَّحْرِيمِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ قَبْلَ النِّسَاءِ أَيْ وَتَحْرِيمُ النِّسَاءِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (اخْتِلَافُ الْجِنْسِ) هَذَا سَبَبٌ لِلتَّحْرِيمِ وَلَيْسَ تَحْرِيمًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ فِي قَوْلِهِ وَمِنْ الْأَوَّلِ أَيْ وَمِنْ سَبَبِ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ. وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ صِحَّةُ مُنَاكَحَةِ كُلٍّ لِلْآخَرِ. وَعِبَارَةُ م د فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ: الْمُعْتَمَدُ حِلُّ نِكَاحِنَا لَهُمْ وَعَكْسُهُ وَلَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ مِنْهُمْ وَلَوْ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 وَالْمُؤَبَّدُ (بِالنَّصِّ) الْقَطْعِيِّ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْآتِيَةِ عَنْ قُرْبٍ (أَرْبَعَ عَشْرَةَ) وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ: قَرَابَةٌ وَرَضَاعٌ وَمُصَاهَرَةٌ، وَقَدْ بَدَأَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ بِقَوْلِهِ: (سَبْعٌ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ يَحْرُمْنَ (بِالنَّسَبِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ، وَلِمَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ ضَابِطَانِ: الْأَوَّلُ تَحْرُمُ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ إلَّا مَنْ دَخَلَتْ تَحْتَ وَلَدِ الْعُمُومَةِ أَوْ وَلَدِ الْخُؤُولَةِ، وَالثَّانِي يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ؛ فَالْأُصُولُ الْأُمَّهَاتُ وَالْفُصُولُ الْبَنَاتُ، وَفُصُولُ أَوَّلِ الْأُصُولِ الْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ   [حاشية البجيرمي] غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا أَنَّهَا لَا تَنْقُضُ وُضُوءُهُ حِينَئِذٍ اهـ ق ل. وَاَلَّذِي فِي حَاشِيَتِهِ إذَا تَحَقَّقَتْ الذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ نُقِضَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ نَقَضَ لَمْسُهَا اهـ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلْقَمُولِيِّ) اعْتَمَدَهُ م ر. وَهَلْ يُجْبِرُهَا عَلَى مُلَازَمَةِ الْمَسْكَنِ أَوْ لَا وَهَلْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ التَّشَكُّلِ فِي غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيَّةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ النَّفْرَةُ أَوْ لَا؟ وَهَلْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ مِنْ أَمْرِ وَلِيِّهَا وَخُلُوِّهَا عَنْ الْمَوَانِعِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ إذَا رَآهَا فِي صُورَةٍ غَيْرَ الَّتِي أَلِفَهَا وَادَّعَتْ أَنَّهَا هِيَ فَهَلْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَيَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا أَوْ لَا؟ وَهَلْ يُكَلَّفُ الْإِتْيَانَ بِمَا يَأْلَفُونَهُ مِنْ قُوتِهِمْ كَالْعَظْمِ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَ الِاقْتِيَاتُ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا؟ وَقَوْلُهُ: " اعْتَمَدَهُ م ر " أَيْ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، أَيْ فَيَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ نِكَاحُ الْجِنِّيَّةِ وَعَكْسُهُ، وَيَجُوزُ وَطْؤُهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَلَوْ عَلَى صُورَةِ حِمَارٍ مَثَلًا وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ النِّكَاحِ لِلْإِنْسِيِّ مِنْهُمَا فَيُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِوَطْئِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَمِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مَا يُنْفِقُهُ عَلَى الْآدَمِيَّةِ لَوْ كَانَتْ زَوْجَةً وَأَمَّا الْجِنِّيُّ مِنْهُمَا فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَحْكَامِنَا ع ش. قَوْلُهُ: (قَالَ تَعَالَى إلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ لِلْقَوْلِ الضَّعِيفِ. قَوْلُهُ: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189] أَيْ وَهِيَ مِنْ الْجِنْسِ. وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَال بِأَنَّ غَايَةَ مَا تُفِيدُهُ الْآيَةُ أَنَّ زَوْجَةَ آدَمَ مِنْهُ وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجِنْسِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا، وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالضَّعِيفِ بِأَنَّ النَّبِيَّ «نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ» وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ} [النحل: 72] أَيْ خَلَقَ {لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ ذِكْرُهَا بَدَلَ الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَامْتَنَّ عَلَيْنَا بِأَنْ خَلَقَ أَزْوَاجَنَا مِنَّا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ وَبِأَنَّ نِكَاحَ الْجِنِّيَّةِ لَا يُفَوِّتُ الِامْتِنَانَ بَلْ كَمَالُهُ، وَأَيْضًا مَنْ قَالَ بِعَدَمِ صِحَّةِ مُنَاكَحَةِ الْجِنِّ قَالَ إنَّ الْجِنَّ مِنْ النَّارِ وَالْإِنْسَ مِنْ الطِّينِ وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَالْمُؤَبَّدُ بِالنَّصِّ إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّ أُخْتَ الزَّوْجَةِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَفِي مِثْلِ هَذَا الصَّنِيعِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَخِيرَةَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ تَحْرِيمُهَا مُؤَبَّدًا بَلْ لِلْجَمْعِ، فَكَانَ الْأَوْلَى إبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَذْفُ الْمُؤَبَّدِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا كُلَّهَا حَرَامٌ أَعَمُّ مِنْ الْمُؤَبَّدِ وَغَيْرِهِ. وَأُجِيبَ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْمَجْمُوعِ لَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤَبَّدَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ وَهُنَّ الْمَذْكُورَاتُ فِي آيَةِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] مَعَ قَوْلِهِ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَسَبْعٌ بِالنَّسَبِ وَاثْنَانِ بِالرَّضَاعِ وَهُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَأَرْبَعٌ بِالْمُصَاهَرَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ) أَيْ لِلتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ. قَوْلُهُ: (بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ) فِي إدْخَالِ الرَّضَاعِ فِي الْقَرَابَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الضَّابِطِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ ق ل؛ لِأَنَّ نِسَاءَ الْقَرَابَةِ لَا يَدْخُلُ فِيهِنَّ الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ فِي الضَّابِطِ مَعْطُوفًا مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِيرُ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ أَيْ وَالرَّضَاعِ. وَقَوْلُهُ: " إلَّا مَنْ دَخَلَتْ إلَخْ " اسْتِثْنَاءٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ بِالثَّانِي وَلَدُ الْعُمُومَةِ أَوْ الْخُؤُولَةِ وَلَوْ مِنْ الرَّضَاعِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ضَابِطَانِ) الضَّابِطُ الْأَوَّلُ لِأَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ، وَالثَّانِي لِأَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ) أَيْ غَيْرَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ أَوَّلَ فَصْلٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 الْأَوَّلُ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ. وَالضَّابِطُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لِإِيجَازِهِ، وَنَصُّهُ عَلَى الْإِنَاثِ بِخِلَافِ الثَّانِي. (وَهِيَ) أَيْ السَّبْعُ مِنْ النَّسَبِ الْأَوَّلِ مِنْهَا (الْأُمُّ) أَيْ يَحْرُمُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الْبَاقِي وَضَابِطُ الْأُمِّ هِيَ كُلُّ مَنْ وَلَدَتْك فَهِيَ أُمُّك حَقِيقَةً، أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَك ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَأُمِّ الْأَبِ (وَإِنْ عَلَتْ) وَأَمِّ الْأُمِّ كَذَلِكَ فَهِيَ أُمُّك مَجَازًا، وَإِنْ شِئْت قُلْت كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي إلَيْهَا نَسَبُك بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا. (و) الثَّانِي (الْبِنْتُ) وَضَابِطُهَا كُلُّ مَنْ وَلَدْتهَا فَبِنْتُك حَقِيقَةً، أَوْ وَلَدَتْ مِنْ وَلَدِهَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَبِنْتِ ابْنٍ وَإِنْ نَزَلَ وَبِنْتِ بِنْتٍ (وَإِنْ سَفَلَتْ) فَبِنْتُك مَجَازًا وَإِنْ شِئْت قُلْت: كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي إلَيْك نَسَبُهَا بِالْوِلَادَةِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا (و) الثَّالِثُ (الْأُخْتُ) وَضَابِطُهَا كُلُّ مَنْ وَلَدَهَا أَبَوَاك أَوْ   [حاشية البجيرمي] مِنْ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ هُمْ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ وَأَوْلَادُهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ غَيْرَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ هُوَ الْأَصْلُ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ وَهُمْ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْا. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَوَّلَ فَصْلٍ عَنْ ثَانِي فَصْلٍ فَلَا يَحْرُمْنَ وَهُنَّ أَوْلَادُ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ اهـ. وَأَمَّا الْأَصْلُ الْأَوَّلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ جَمِيعُ فُصُولِهِ فِي قَوْلِهِ وَفُصُولُ أَوَّلِ إلَخْ م د. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ مِنْهَا الْأُمُّ خَبَرٌ، وَلَوْ قَالَ الْأُولَى لَكَانَ أَنْسَبَ بِالْمَعْنَى وَاللَّفْظِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. وَتُطْلَقُ الْأُمُّ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا الْأَصْلُ وَمِنْهُ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} [الزخرف: 4] أَيْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَإِنَّهُ أَصْلٌ لِجَمِيعِ الْكُتُبِ فَإِنَّهَا أُنْزِلَتْ مِنْهُ. ثَانِيهَا الْوَالِدَةُ وَمِنْهُ: {فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] . ثَالِثُهَا الْمُرْضِعَةُ وَمِنْهُ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] رَابِعُهَا الْمُشَابِهَةُ لِلْأُمِّ فِي الْحُرْمَةِ وَالتَّعْظِيمِ وَمِنْهُ: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] . خَامِسُهَا الْمَرْجِعُ وَالْمَصِيرُ وَمِنْهُ: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 9] وَقِيلَ: الْمُرَادُ أُمُّ رَأْسِهِ وَقِيلَ النَّارُ؛ لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَيْهَا ق ل عَلَى الشَّيْخِ خَالِدٍ وَقَوْلُهُ: " أُمُّ رَأْسِهِ " أَيْ؛ لِأَنَّهَا حَاوِيَةٌ مَا فِيهَا مِنْ مُخٍّ وَدُهْنٍ وَعَظْمٍ. قَوْلُهُ: (أَيْ يَحْرُمُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا) وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الْبَاقِي بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأَحْكَامِ لِلْأَفْعَالِ لَا الذَّوَاتِ، نَحْوَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] أَيْ تَنَاوُلُهُمَا لِأَعْيُنِهِمَا، قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي طَاقَهُ الْمُكَلَّفُ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ حَاصِلٌ فَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ ثَانِيًا، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْعَدَمُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ لَكَانَ مَوْجُودًا؛ هَذَا خُلْفٌ. قَوْلُهُ: (وَأَمُّ الْأُمِّ كَذَلِكَ) أَيْ وَإِنْ عَلَتْ. قَوْلُهُ: (نَسَبُك) أَيْ اللُّغَوِيُّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعِيَّ إنَّمَا يَكُونُ لِلْأَبِ. قَوْلُهُ: (وَالْبِنْتُ) أَيْ وَلَوْ احْتِمَالًا كَالْمَنْفِيَّةِ بِلِعَانٍ، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ ثَابِتَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّافِي فَلَا يَحُدُّ بِقَذْفِهَا وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهَا وَلَا يُقْتَلُ بِهَا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُهَا وَلَا الْخَلْوَةَ بِهَا وَلَا السَّفَرَ بِهَا؛ وَخَالَفَ حَجّ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّمْلِيِّ: وَبِنْتٌ وَلَوْ احْتِمَالًا كَالْمَنْفِيَّةِ بِلِعَانٍ وَمَعَ النَّفْيِ فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ لَهَا وَالْحَدِّ بِقَذْفِهِ لَهَا وَالْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِهَا وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ لَهَا وَجْهَانِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَشْبَهَهُمَا نَعَمْ، وَأَصَحُّهُمَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ لَا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَلْ يَأْتِي الْوَجْهَانِ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِهَا وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهَا وَالْخَلْوَةِ بِهَا أَوْ لَا؟ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةُ كَمَا فِي الْمُلَاعِنَةِ وَأَمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي ثُبُوتُ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالْأَوْجَهُ حُرْمَةُ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ بِهَا احْتِيَاطًا وَعَدَمُ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِهَا لِلشَّكِّ كَمَا مَرَّ فِي أَسْبَابِ الْحَدَثِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَقَوْلُهُ: " وَهَلْ يَتَأَتَّى الْوَجْهَانِ إلَخْ " قَالَ الرَّشِيدِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ تَأَتِّيهِمَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَاطِنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَهِيَ إنْ كَانَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِأُمِّهَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِلَمْسِهَا قَطْعًا وَحُرِّمَ النَّظَرُ وَالْخَلْوَةُ بِهَا كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يُنْتَقَضْ قَطْعًا وَحَلَّ كُلٌّ مِنْ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ بِهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ فَلَا وَجْهَ لِجَرَيَانِ الْوَجْهَيْنِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (ذَكَرًا) تَعْمِيمٌ فِي مِنْ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (يَنْتَهِي إلَيْك نَسَبُهَا بِالْوِلَادَةِ) أَيْ الْأَعَمُّ مِنْ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ لِيَشْمَلَ بِنْتَ الْبِنْتِ. وَالْمُرَادُ " يَنْتَهِي " أَيْ يَصِلُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِانْتِهَاءِ حَقِيقَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا لِأُمِّنَا حَوَّاءَ وَلِأَبِينَا آدَمَ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ؛ (وَالثَّالِثُ الْأُخْتُ) وَلَوْ احْتِمَالًا كَالْمُسْتَلْحَقَةِ، نَعَمْ لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ قَبْلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 أَحَدُهُمَا فَأُخْتُك. (و) الرَّابِعُ (الْخَالَةُ) وَضَابِطُهَا كُلُّ أُخْتِ أُنْثَى وَلَدَتْك فَخَالَتُك حَقِيقَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَخَالَةِ أُمِّك فَخَالَتُك مَجَازًا، وَقَدْ تَكُونُ الْخَالَةُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُخْتِ أُمِّ الْأَبِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْخَالَةَ عَنْ الْعَمَّةِ لِيَكُونَ عَلَى تَرْتِيبِ الْآيَةِ. (و) الْخَامِسُ (الْعَمَّةُ) وَضَابِطُهَا كُلُّ أُخْتِ ذَكَرٍ وَلَدَك بِلَا وَاسِطَةٍ فَعَمَّتُك حَقِيقَةً، أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَعَمَّةِ أَبِيك فَعَمَّتُك مَجَازًا. وَقَدْ تَكُونُ الْعَمَّةُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُخْتِ أَبِي الْأُمِّ (و) السَّادِسُ وَالسَّابِعُ (بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ) مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ وَبَنَاتِ أَوْلَادِهِمَا وَإِنْ سَفَلْنَ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبِنْتَ الْمَخْلُوقَةَ مِنْ مَاءِ زِنَاهُ سَوَاءٌ اُتُّفِقَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ أُمٍّ لَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ إذْ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَا بِدَلِيلِ انْتِفَاءِ سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ مِنْ إرْثٍ وَغَيْرِهِ عَنْهَا، فَلَا تُبَعَّضَ الْأَحْكَامُ كَمَا يَقُولُ الْمُخَالِفُ. فَإِنَّ مَنْعَ الْإِرْثِ إجْمَاعٌ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ: وَلَكِنْ يُكْرَهُ نِكَاحُهَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَهَا، وَلَوْ أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ بِلَبَنِ الزَّانِي صَغِيرَةً فَكَبِنْتِهِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي. وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَلَى سَائِرِ مَحَارِمِهَا وَلَدُهَا مِنْ زِنًا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى   [حاشية البجيرمي] اسْتِلْحَاقِهَا وَلَمْ يُصَدَّقْ أَبَاهُ فِي اسْتِلْحَاقِهَا أَوْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا، قَالُوا: وَلَيْسَ لَنَا مَنْ يَطَأُ أُخْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرُ هَذَا وَلَا تَنْقُضُ وُضُوءَهُ وَإِذَا مَاتَ وَرِثَتْ مِنْهُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَلِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْأُخْتِيَّةِ فَلَوْ طَلُقَتْ مِنْهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إذَا بَانَتْ وَلَهُ رَجْعَتُهَا إذَا لَمْ تَبِنْ. وَذَكَرَ حَجّ أَنَّ عَكْسَ الْمَسْأَلَةِ مِثْلُهَا بِأَنْ اسْتَلْحَقَ أَبُوهَا زَوْجَهَا وَلَمْ تُصَدِّقْهُ هِيَ، وَبَحَثَ فِيهِ بَعْضُهُمْ مِمَّا يُعْلَمُ رَدُّهُ فِي مَحَلِّهِ؛ ق ل عَلَى الْجَلَالِ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (فَأُخْتُك) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ) أَيْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَبَنَاتُ أَوْلَادِهِمَا) أَيْ الْأَخِ وَالْأُخْتِ، فَيَدْخُلُ بَنَاتُ الذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الْأَخِ وَمِنْ أَوْلَادِ الْأُخْتِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَفَلْنَ) الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالتَّرَاخِي فِي جَانِبِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ. وَالتَّعْبِيرُ بِالتَّسَفُّلِ فِي الْفُرُوعِ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْفَرْضِيَّيْنِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ بِالنَّسَبِ فَإِنَّ بِنْتَ الزِّنَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَاءِ زِنَاهُ) أَيْ وَلَوْ احْتِمَالًا بِأَنْ تَعَاقَبَ عَلَيْهَا رَجُلَانِ، وَاحْتَمَلَ كَوْنَ الْبِنْتِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِكَاحُهَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ سَوَاءٌ أَتَحَقَّقَ إلَخْ غَيْرَ مُنَافٍ لَهُ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَتَحَقَّقَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ) أَيْ بِأَنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَعْصُومٌ كَسَيِّدِنَا عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قَوْلُهُ: (تَحِلُّ لَهُ) أَيْ حَيْثُ وَلَدَتْهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَاحَقَتْ الْمَرْأَةُ الْمَزْنِيُّ بِهَا زَوْجَةَ الزَّانِي أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أُمَّهُ أَوْ بِنْتَه وَخَرَجَ مَاءُ الزِّنَا مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَزْنِيِّ بِهَا فِي فَرْجِ الزَّوْجَةِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهَا وَعَلِقَتْ بِهِ وَوَلَدَتْ بِنْتًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ بَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَاءُ زِنًا؛ لِأَنَّ مَاءَ الزِّنَا لَا حُرْمَةَ لَهُ عَلَى الزَّانِي وَالْعِبْرَةُ بِالْحُرْمَةِ وَعَدَمِهَا حَالَ خُرُوجِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر، حَتَّى لَوْ أَخْرَجَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ أَجْنَبِيَّةٍ وَاسْتَدْخَلَهُ زَوْجَتَهُ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهَا فَهُوَ لَا حُرْمَةَ لَهُ لَوْ أَتَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ فَكَانَتْ تَحِلُّ لَهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَهُ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُحْتَرَمٌ، فَإِذَا اسْتَدْخَلَهُ أَجْنَبِيَّةً فَعَلِقَتْ بِهِ وَأَتَتْ بِبِنْتٍ فَهِيَ حِينَئِذٍ مُحْتَرَمَةٌ؛ وَأَمَّا حَجّ فَيَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا حَالَةَ الْخُرُوجِ وَحَالَةَ الِاسْتِدْخَالِ أَيْضًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِ) أَيْ كَجَوَازِ الْخَلْوَةِ وَجَوَازِ النَّظَرِ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ اهـ شَيْخُنَا. قَالَ ع ش عَلَى م ر: فَلَوْ وَطِئَ كَافِرَةً بِالزِّنَا فَهَلْ يَلْحَقُ الْوَلَدُ الْمُسْلِمَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ يَلْحَقُ الْكَافِرَةَ؟ ذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ إلَى الْأَوَّلِ، وَاعْتَمَدَ م ر تَبَعًا لِوَالِدِهِ الثَّانِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَابِ اللَّقِيطِ اهـ. قَوْلُهُ: (كَمَا يَقُولُ الْمُخَالِفُ) وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْبِنْتَ الْمَخْلُوقَةَ مِنْ مَاءِ زِنَاهُ لَا تَحِلُّ لَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ: لَا تَرِثُهُ فَكَوْنُهَا لَا تَحِلُّ لَهُ فِيهِ إثْبَاتُ الْمَحْرَمِيَّةِ لَهَا وَكَوْنُهَا لَا تَرِثُهُ فِيهِ إلْحَاقُهَا بِالْأَجَانِبِ فَفِيهِ تَبْعِيضُ الْأَحْكَامِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ يُكْرَهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ كَرَاهَةَ نِكَاحِ بِنْتِ الزِّنَا لَا يَتَقَيَّدُ بِصَاحِبِ الْمَاءِ، بَلْ كُلُّ شَخْصٍ يُكْرَهُ لَهُ نِكَاحُهَا، فَمَا وَجْهُ هَذَا التَّقْيِيدِ هُنَا اهـ خ ض (قَوْلُهُ فَكَبِنْتِهِ) أَيْ الَّتِي مِنْ الزِّنَا فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّاتِ، أَوْ الضَّمِيرُ لِلزِّنَا أَيْ فَيَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَكَالْبِنْتِ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ زِنَاهُ الْمُرْتَضِعَةِ بِلَبَنِ زِنَاهُ. وَعِبَارَةُ سم: وَكَالْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ زِنَاهُ الْمُرْتَضِعَةِ بِلَبَنِ زِنَاهُ اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: فَكَبِنْتِهَا فَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ فَكَبِنْتِهِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ أَيْ تَعَلُّقٍ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا تَجَنَّاهُ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 أَنَّهُ يَرِثُهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِابْنَ كَالْعُضْوِ مِنْهَا، وَانْفَصَلَ مِنْهَا إنْسَانًا وَلَا كَذَلِكَ النُّطْفَةُ الَّتِي خُلِقَتْ مِنْهَا الْبِنْتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي وَهُوَ الرَّضَاعُ بِقَوْلِهِ: (وَاثْنَانِ بِالرَّضَاعِ وَهُمَا الْأُمُّ الْمُرْضِعَةُ وَالْأُخْتُ مِنْ الرَّضَاعِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] فَمَنْ ارْتَضَعَ مِنْ امْرَأَةٍ صَارَتْ بَنَاتُهَا الْمَوْجُودَاتُ قَبْلَهُ وَالْحَادِثَاتُ بَعْدَهُ أَخَوَاتٌ لَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ مَعَ وُضُوحِهِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ جَهَلَةِ الْعَوَامّ يَظُنُّونَ أَنَّ الْأُخْتَ مِنْ الرَّضَاعِ هِيَ الَّتِي ارْتَضَعَتْ مَعَهُ دُونَ غَيْرِهَا وَيَسْأَلُونَ عَنْهُ كَثِيرًا فَمُرْضِعَتُك وَمَنْ أَرْضَعْتهَا أَوْ وَلَدْتهَا أَوْ أَبًا مِنْ رَضَاعٍ وَهُوَ الْفَحْلُ أَوْ أَرْضَعْته أَوْ أُرْضِعَتْ مِنْ وَلَدِك بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَمُّ رَضَاعٍ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ الْبَاقِيَ مِنْ السَّبْعِ بِالرَّضَاعِ بِمَا ذَكَرَ   [حاشية البجيرمي] عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَلَى سَائِرِ مَحَارِمِهَا إلَخْ) حَتَّى الزَّانِي مِنْهُمْ كَأَنْ زَنَى بِأُخْتِهِ فَأَتَتْ بِبِنْتٍ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا بِنْتُ أُخْتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ بِنْتَ الزِّنَا لَا أَبَ لَهَا، وَالْأَوْلَى لِمَنْ خَرَجَتْ مِنْهُ النُّطْفَةُ. وَعِبَارَةُ ع ش: وَلَا كَذَلِكَ النُّطْفَةُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ أَيْ لَيْسَ مِثْلُ ذَلِكَ الْمَنِيَّ يَعْنِي لَمْ يَنْفَصِلْ إنْسَانًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَاثْنَانِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: " وَاثْنَتَانِ " وَهُوَ أَوْفَقُ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُؤَنَّثٌ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَيَحْرُمْنَ أَيْ السَّبْعَةُ بِالرَّضَاعِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَيْنِ تَأَسِّيًا بِالْآيَةِ، وَسَيَأْتِي يَقُولُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: (فَمُرْضِعَتُك) مُبْتَدَأٌ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ وَلَدْتهَا " مَعْطُوفٌ عَلَى أَرْضَعْتهَا. وَقَوْلُهُ: " أَوْ أَبًا " مَعْطُوفٌ عَلَى الْهَاءِ فِي وَلَدْتهَا. وَقَوْلُهُ: " أَوْ أَرْضَعْته " مَعْطُوفٌ عَلَى وَلَدْتهَا، وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ: " أُمُّ رَضَاعٍ ". وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " فَمُرْضِعَتُك " أَيْ الَّتِي بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ تَقْرِيبًا وَإِلَّا فَلَبَنُهَا لَا يَحْرُمُ ق ل بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْفَحْلُ) الَّذِي هُوَ حَلِيلُ الْمُرْضِعَةِ الَّذِي اللَّبَنُ لَهُ كَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ. وَقَوْلُهُ: " الَّذِي اللَّبَنُ " لَهُ احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَوْ كَانَ اللَّبَنُ لِغَيْرِهِ كَأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً تُرْضِعُ فَإِنَّ الزَّوْجَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ صَاحِبَ اللَّبَنِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِوَاسِطَةٍ إلَخْ) يَرْجِعُ إلَى الْخَمْسَةِ الَّتِي قَبْلَهُ سِوَى الْأُولَى، فَاشْتَمَلَتْ عِبَارَتُهُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ فَرْدًا لِلْأُمِّ. قَوْلُهُ: (وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ الْبَاقِيَ) فِيهِ أَنَّ الْبَاقِيَ سَيُذْكَرُ فِيمَا يَأْتِي، فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذَا هُنَاكَ. وَمَعْنَى وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ أَيْ تَصْوِيرًا لَا حُكْمًا، إذْ الْحُكْمُ ثَابِتٌ بِالْحَدِيثِ، فَقَوْلُهُ: " لِقَوْلِهِ إلَخْ " أَيْ فَثَبَتَ التَّحْرِيمُ بِالنَّصِّ وَأَمَّا التَّصْوِيرُ فَيُقَاسَ عَلَى مَا سَبَقَ، فَالْمُرْتَضِعَةُ بِلَبَنِك أَوْ لَبَنِ فُرُوعِك نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا وَبِنْتُهَا كَذَلِكَ وَإِنْ سَفَلَتْ بِنْتُ رَضَاعٍ وَالْمُرْتَضِعَةُ بِلَبَنِ أَحَدِ أَبَوَيْك نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا أُخْتُ رَضَاعٍ، وَكَذَا مَوْلُودَةُ أَحَدِ أَبَوَيْك رَضَاعًا وَبِنْتُ وَلَدِ الْمُرْضِعَةِ أَوْ الْفَحْلِ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا وَإِنْ سَفَلَتْ، وَمَنْ أَرْضَعَتْهَا أُخْتُك أَوْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَخِيك وَبِنْتِهَا نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا وَإِنْ سَفَلَتْ، وَبِنْتُ وَلَدٍ أَرْضَعَتْهُ أُمُّك أَوْ ارْتَضَعَ بِلَبَنِ أَبِيك نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا وَإِنْ سَفَلَتْ بِنْتُ أَخٍ أَوْ أُخْتُ رَضَاعٍ، وَأُخْتُ الْفَحْلِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ أَبَى أُمِّهِ أَوْ أَبِي الْمُرْضِعَةِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا عَمَّةُ رَضَاعٍ، وَأُخْتُ الْمُرْضِعَةِ أَوْ أُمُّهَا أَوْ أُمُّ الْفَحْلِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا خَالَةُ رَضَاعٍ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: " فَالْمُرْتَضِعَةُ بِلَبَنِك " أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً أَوْ مَوْطُوءَةً بِشُبْهَةٍ. وَقَدْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ عَلَى عَشَرَةِ أَفْرَادٍ لِلْبِنْتِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَالْمُرْتَضِعَةُ بِلَبَنِك صُورَةٌ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ لَبَنُ فُرُوعِك فِيهِ " أَرْبَعُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، وَيَرْجِعُ لَهُمَا قَوْلُهُ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا. وَقَوْلُهُ: " وَبِنْتُهَا " كَذَلِكَ فِيهِ خَمْسُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِنْتِهَا يَرْجِعُ لِلْمُرْتَضِعَةِ بِلَبَنِك وَلِلْمُرْتَضِعَةِ بِلَبَنِ فُرُوعِك، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي الْأُولَى وَاحِدَةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعٌ. وَقَوْلُهُ: " وَكَذَا مَوْلُودَةُ أَحَدِ أَبَوَيْك إلَخْ " فِيهِ صُورَتَانِ، فَأَفْرَادُ الْأُخْتِ سِتَّةٌ وَقَوْلُهُ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا تَعْمِيمٌ فِي الْبِنْتِ وَالْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ: " وَمَنْ أَرْضَعَتْهَا أُخْتُك " أَيْ مِنْ نَسَبٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مِنْ النَّسَبِ» وَفِي أُخْرَى: «حَرِّمُوا مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْك مُرْضِعَةُ أَخِيك أَوْ أُخْتِك، وَلَوْ كَانَتْ أُمَّ نَسَبٍ حُرِّمَتْ عَلَيْك؛ لِأَنَّهَا أُمُّك أَوْ مَوْطُوءَةُ أَبِيك وَلَا مُرْضِعَةُ نَافِلَتِك وَهُوَ وَلَدُ الْوَلَدِ وَلَوْ كَانَتْ أُمَّ نَسَبٍ حُرِّمَتْ عَلَيْك؛ لِأَنَّهَا بِنْتُك أَوْ مَوْطُوءَةُ ابْنِك، وَلَا أُمُّ مُرْضِعَةِ وَلَدِك وَلَا   [حاشية البجيرمي] وَقَوْلُهُ: " أَوْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَخِيك " أَيْ مِنْ النَّسَبِ. وَقَوْلُهُ: " بِنْتُ أَخٍ " خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَبِنْتُ وَلَدِ الْمُرْضِعَةِ ". وَقَوْلُهُ: " وَبِنْتُ وَلَدٍ أَرْضَعَتْهُ أُمُّك " أَيْ مِنْ النَّسَبِ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ ارْتَضَعَ بِلَبَنِ أَبِيك " أَيْ مِنْ النَّسَبِ. وَقَوْلُهُ: " نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا " تَعْمِيمٌ فِي الْبِنْتِ، فَالْأَفْرَادُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ. وَقَوْلُهُ: " بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا " تَعْمِيمٌ فِي الْأَبِ بِقِسْمَيْهِ. وَقَوْلُهُ: " نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا " تَعْمِيمٌ فِي أُخْتِ الْفَحْلِ وَفِي الْأَبِ بِقِسْمَيْهِ، فَأَفْرَادُ الْعَمَّةُ عَشْرَةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي خَمْسَةٍ. وَقَوْلُهُ: " بِوَاسِطَةٍ " تَعْمِيمٌ فِي الْأُمِّ بِقِسْمَيْهَا، فَأَفْرَادُ الْخَالَةِ عَشْرَةٌ. وَقَوْلُهُ: " نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا " رَاجِعٌ لِأُخْتِ الْمُرْضِعَةِ وَلِلْأُمِّ بِقِسْمَيْهِمَا اهـ. وَرَأَيْت لِبَعْضِهِمْ مَا نَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ أَعْنِي قَوْلَهُ وَبِنْتُ وَلَدِ الْمُرْضِعَةِ إلَخْ اشْتَمَلَتْ عَلَى وَاحِدٍ وَعِشْرِينَ مِنْ أَفْرَادِ بِنْتِ الْأَخِ وَوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ مِنْ أَفْرَادِ بِنْتِ الْأُخْتِ، جُمْلَةُ ذَلِكَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، أَخْبَرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: بِنْتُ أَخٍ أَوْ أُخْتِ رَضَاعٍ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَبِنْتُ وَلَدِ الْمُرْضِعَةِ فِيهِ ثَمَانُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُرْضِعَةِ صَادِقٌ بِالذَّكَرِ وَبِالْأُنْثَى، وَقَوْلُهُ الْآتِي: نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا تَعْمِيمٌ فِي كُلٍّ مِنْ بِنْتٍ وَوَلَدٍ فَالْبِنْتُ لَهَا صُورَتَانِ فِي صُورَتَيْ الْوَلَدِ أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ ثَمَانِ صُوَرٍ أَيْضًا تُعْلَمُ بِالْبَيَانِ السَّابِقِ؛ فَتُضَمُّ الثَّمَانِيَةُ لِلثَّمَانِيَةِ بِسِتَّةَ عَشَرَ نِصْفُهَا لِبِنْتِ الْأَخِ وَنِصْفُهَا لِبِنْتِ الْأُخْتِ كَمَا عَلِمْت مِنْ كَوْنِ الْوَلَدِ صَادِقًا بِالذَّكَرِ وَبِالْأُنْثَى. وَقَوْلُهُ وَمَنْ أَرْضَعَتْهَا أُخْتُك فِيهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ لِبِنْتِ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ إمَّا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَقَوْلُهُ أَوْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَخِيك فِيهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ لِبِنْتِ الْأَخِ فَضُمَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِكُلٍّ مِنْ الثَّمَانِيَةِ بِأَنْ تُضَمَّ ثَلَاثَةَ بِنْتِ الْأَخِ لِثَمَانِيَتِهَا وَتُضَمَّ ثَلَاثَةَ بِنْتِ الْأُخْتِ لِثَمَانِيَتِهَا يَتَحَصَّلُ لِكُلِّ قَبِيلٍ أَحَدَ عَشَرَ، وَقَوْلُهُ وَبِنْتُهَا إلَخْ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَبِنْتَهَا يَرْجِعُ لِمَنْ أَرْضَعَتْهَا أُخْتُك بِأَقْسَامِهَا الثَّلَاثَةِ وَيَرْجِعُ لِلثَّلَاثَةِ التَّعْمِيمُ بِقَوْلِهِ: نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا بِسِتَّةٍ كُلُّهَا لِبِنْتِ الْأُخْتِ وَيَرْجِعُ لِمَنْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَخِيك بِصُورَةِ الثَّلَاثَةِ وَيَرْجِعُ لِلثَّلَاثَةِ التَّعْمِيمُ الْمَذْكُورُ بِسِتَّةٍ كُلُّهَا لِبِنْتِ الْأَخِ فَضُمَّ السِّتَّةَ الْأُولَى لِلْإِحْدَى عَشْرَةَ الَّتِي لِبِنْتِ الْأُخْتِ وَالسِّتَّةَ الثَّانِيَةَ الَّتِي لِبِنْتِ الْأَخِ يَصِيرُ لِكُلِّ قَبِيلٍ سَبْعَةَ عَشَرَ. وَقَوْلُهُ وَبِنْتُ وَلَدٍ أَرْضَعَتْهُ أُمُّك إلَخْ اشْتَمَلَتْ عَلَى ثَمَانٍ صُوَرٍ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَبِنْتُ وَلَدٍ أَرْضَعَتْهُ أُمُّك فِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ قَدْ عَمَّمَ فِيهَا بِقَوْلِهِ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا وَالْوَلَدُ يَصْدُقُ بِالذَّكَرِ وَبِالْأُنْثَى وَاثْنَانِ فِي اثْنَيْنِ بِأَرْبَعَةٍ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ ارْتَضَعَ بِلَبَنِ أَبِيك فِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ أَيْضًا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَهَذِهِ الثَّمَانِيَةُ نِصْفُهَا لِبِنْتِ الْأُخْتِ وَنِصْفُهَا لِبِنْتِ الْأَخِ، فَضُمَّ كُلَّ أَرْبَعَةٍ لِكُلِّ سَبْعَةَ عَشَرَ يَتَحَصَّلُ لِكُلِّ قَبِيلٍ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ. وَقَوْلُهُ وَأُخْتُ الْفَحْلِ إلَخْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ عَلَى عَشَرَةِ أَفْرَادٍ لِلْعَمَّةِ أَخْبَرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ عَمَّةُ رَضَاعٍ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَأُخْتُ الْفَحْلِ يَرْجِعُ إلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا فَفِيهِ صُورَتَانِ وَقَوْلُهُ أَوْ أَبِيهِ أَوْ أَبِي الْمُرْضِعَةِ صُورَتَانِ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا قَوْلُهُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، بِأَرْبَعَةٍ يَرْجِعُ لَهَا قَوْلُهُ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا بِثَمَانِيَةٍ تُضَمُّ لِلثِّنْتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ بِعَشَرَةٍ، وَقَوْلُهُ وَأُخْتُ الْمُرْضِعَةِ إلَخْ فِيهِ عَشَرُ صُوَرٍ أَيْضًا لِلْخَالَةِ أَخْبَرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ خَالَةُ رَضَاعٍ يُعْلَمُ بَيَانُهَا مِنْ بَيَانِ صُورَةِ الْعَمَّةِ، فَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ لِمَحَارِمِ الرَّضَاعِ سَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (بِمَا ذَكَرَ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى ذَلِكَ. وَيُمْكِنُ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُ كَجَعْلِ الْبَاءِ بِمَعْنَى " عَلَى " وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ. قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ فَيَحْرُمُ أَيْ الْبَاقِي لِقَوْلِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مِنْ الرَّضَاعِ) أَيْ مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ، فَمِنْ تَعْلِيلِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَفِي رِوَايَةٍ) أَتَى بِهَا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ أَعَمُّ مِنْ الْوِلَادَةِ الَّتِي فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَأَتَى بِرِوَايَةِ حَرِّمُوا أَيْ اعْتَقَدُوا حُرْمَتَهُ؛ لِأَنَّهَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، فَأَفَادَتْ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَصْحُوبٌ بِفَسَادِ الْعَقْدِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِمَّا قَبْلَهُ عَزِيزِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْك إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَسَائِلَ أَرْبَعٍ مُسْتَثْنَاةٍ مِنْ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أُمُّك) إنْ كَانَ الْأَخُ وَالْأُخْتُ شَقِيقَيْنِ لَك أَوْ لِأُمٍّ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ مَوْطُوءَةُ أَبِيك " إنْ كَانَا لِأَبٍ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ وَلَدُ الْوَلَدِ) وَيُرَادِفُ النَّافِلَةَ الْحَفِيدُ، وَأَمَّا السَّبْطُ فَهُوَ وَلَدُ الْبِنْتِ؛ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْحَفِيدَ ابْنُ الِابْنِ فَيَكُونُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 بِنْتُ الْمُرْضِعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ أُمَّ نَسَبٍ كَانَتْ مَوْطُوءَتَك فَيَحْرُمُ عَلَيْك أُمُّهَا وَبِنْتُهَا، فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ وَلَا يَحْرُمْنَ فِي الرَّضَاعِ فَاسْتَثْنَاهَا بَعْضُهُمْ مِنْ قَاعِدَةٍ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ وَالْمُحَقِّقُونَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُسْتَثْنَى لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي الْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ إنَّمَا يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ لِمَعْنًى لَمْ يُوجَدْ فَيَهِنَّ فِي الرَّضَاعِ كَمَا قَرَّرْته، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْك أُخْتُ أَخِيك سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ نَسَبٍ كَأَنْ كَانَ لِزَيْدٍ أَخٌ لِأَبٍ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ فَلِأَخِيهِ نِكَاحُهَا. أَمْ مِنْ رَضَاعٍ كَأَنْ تُرْضِعُ امْرَأَةٌ زَيْدًا وَصَغِيرَةً أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ فَلِأَخِيهِ لِأَبِيهِ نِكَاحُهَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْأُخْتُ أُخْتَ أَخِيك لِأَبِيك لِأُمِّهِ كَمَا مَثَّلْنَا أَمْ أُخْتُ أَخِيك لِأُمِّك لِأَبِيهِ، مِثَالُهُ فِي النَّسَبِ أَنْ يَكُونَ لِأَبِي أَخِيك بِنْتٌ مِنْ غَيْرِ أُمِّك فَلَكَ نِكَاحُهَا، وَفِي الرَّضَاعِ أَنْ تَرْتَضِعَ صَغِيرَةٌ بِلَبَنِ أَبِي أَخِيك لِأُمِّك فَلَكَ نِكَاحُهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُصَاهَرَةُ بِقَوْلِهِ: (وَأَرْبَعٌ بِالْمُصَاهَرَةِ وَهِيَ أُمُّ الزَّوْجَةِ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ نَسَبٍ   [حاشية البجيرمي] النَّافِلَةُ أَعَمَّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا بِنْتُك) أَيْ إنْ كَانَ وَلَدُك، أَيْ الْأَعْلَى أُنْثَى وَقَوْلُهُ أَوْ مَوْطُوءَةُ ابْنِك، أَيْ إنْ كَانَ ذَكَرًا. قَوْلُهُ: (وَلَا بِنْتُ الْمُرْضِعَةِ) أَيْ وَلَا بِنْتُ مُرْضِعَةِ وَلَدِك، فَلَوْ قَالَ وَلِابْنَتِهَا لَكَانَ أَخْصَرُ وَأَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ أُمَّ نَسَبٍ) أَيْ لِلْوَلَدِ. قَوْلُهُ: (فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ) جَعَلَهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا أُمُّ إلَخْ، جَعَلَهَا صُورَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ نَظَمَهَا شَيْخُنَا م د عَلَى التَّرْتِيبِ فَقَالَ: مُرْضِعَةُ الْأَخِ أَوْ الْأُخْتِ تَحِلْ ... أَوْ وَلَدُ الْوَلَدِ وَلَوْ أُنْثَى جُعِلْ كَذَاك أُمُّ مُرْضِعٍ لِلْوَلَدْ ... وَبِنْتُهَا وَهِيَ خِتَامُ الْعَدَدْ قَوْلُهُ: (فَاسْتَثْنَاهَا بَعْضُهُمْ) أَيْ لِلْمَعْنَى الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (لِمَعْنًى لَمْ يُوجَدْ فِيهِنَّ فِي الرَّضَاعِ) أَيْ وَهُوَ الْأُمُومَةُ وَالْبِنْتِيَّةُ وَالْأُخْتِيَّةُ، أَيْ أَنَّهُ سَبَبُ انْتِفَاءِ التَّحْرِيمِ عَنْهُنَّ. وَقَوْلُهُ: " كَمَا قَرَّرْته " أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَتْ أُمَّ نَسَبٍ إلَخْ ح ل. وَقَوْلُ الْمُحَشِّي: " وَالْأُخْتِيَّةُ " غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الْأَرْبَعِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، وَعِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ: لِأَنَّ أُمَّ الْأَخِ لَمْ تَحْرُمْ لِكَوْنِهَا أُمَّ أَخٍ وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ لِكَوْنِهَا أُمًّا أَوْ حَلِيلَةَ أَبٍ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَكَذَا الْقَوْلُ فِي بَاقِيهِنَّ. قَوْلُهُ: (فَلِأَخِيهِ) أَيْ لِأَبِيهِ نِكَاحُهَا، وَإِنْ وُجِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَزَيْدٌ عَمُّهُ وَخَالُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخُو أَبِيهِ وَأَخُو أُمِّهِ. قَوْلُهُ: (لِأَبِيهِ) الْأَحْسَنُ إسْقَاطُ لِأَبِيهِ لِيَشْمَلَ الْأَخَ الشَّقِيقَ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ الْمُرْضِعَةَ لَيْسَتْ أُمَّ زَيْدٍ مِنْ النَّسَبِ فَإِرْضَاعُهَا لِزَيْدٍ لَا يُثْبِتُ التَّحْرِيمَ عَلَى إخْوَتِهِ مُطْلَقًا، عَلَى أَنَّ فِي التَّقْيِيدِ بِهِ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَسَوَاءٌ إلَخْ مَا لَا يَخْفَى شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ لِأَبِي أَخِيك) أَيْ لِأُمِّك وَقَوْلُهُ بِنْتٌ مِنْ غَيْرِ أُمِّك بِأَنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (وَفِي الرَّضَاعِ) أَيْ وَمِثَالُهُ فِي الرَّضَاعِ أَنْ تُرْضِعَ صَغِيرَةً إلَخْ. صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ رَجُلًا مُتَزَوِّجٌ بِامْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ وَالْأُخْرَى يُقَالُ لَهَا عَائِشَةُ فَأَتَى بِبِنْتٍ مِنْ فَاطِمَةَ، ثُمَّ إنَّ فَاطِمَةَ أَرْضَعَتْ بِنْتًا صَغِيرَةً أَجْنَبِيَّةً وَأَتَى بِوَلَدِ مِنْ عَائِشَةَ يُقَالُ لَهُ زَيْدٌ فَنِسْبَةُ زَيْدٍ لِبِنْتِ فَاطِمَةَ أَنَّهُ أَخُوهَا لِأَبِيهَا وَنِسْبَتُهُ إلَى الرَّضِيعَةِ أَنَّهُ أَخُوهَا لِأَبِيهَا مِنْ الرَّضَاعِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ طَلَّقَ أُمَّ زَيْدٍ فَتَزَوَّجَ بِهَا شَخْصٌ آخَرُ فَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ يُقَالُ لَهُ بَكْرٌ فَنِسْبَةُ بَكْرٍ لِزَيْدٍ أَنَّهُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ وَنِسْبَةُ بَكْرٍ لِلرَّضِيعَةِ أَجْنَبِيٌّ فَأَرَادَ بَكْرٌ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَيَصْدُقُ عَلَى بَكْرٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِمِنْ ارْتَضَعَ بِلَبَنِ أَبِي أَخِيهِ لِأُمِّهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (بِلَبَنِ أَبِي أَخِيك) أَيْ بِلَبَنِهِ الْحَاصِلِ مِنْ زَوْجَةٍ أُخْرَى غَيْرَ أُمِّك. قَوْلُهُ: (بِالْمُصَاهَرَةِ) أَيْ بِسَبَبِ الْمُصَاهَرَةِ، وَهِيَ وَصْفٌ شَبِيهٌ بِالْقَرَابَةِ، وَهِيَ فِي أَرْبَعَةٍ: فَزَوْجَةُ الِابْنِ وَبِنْتُ الزَّوْجَةِ أَشْبَهَتَا بِنْتَه، وَزَوْجَةُ الْأَبِ وَأَمُّ الزَّوْجَةِ أَشْبَهَتَا الْأُمَّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ هِيَ خُلْطَةٌ تُوجِبُ تَحْرِيمًا. قَوْلُهُ: (أُمُّ الزَّوْجَةِ) وَلَوْ تَأَخَّرَ ثُبُوتُ الْأُمُومَةِ عَنْ النِّكَاحِ كَأَنْ يُطَلِّقَ صَغِيرَةً فَتُرْضِعُهَا امْرَأَةٌ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 أَوْ رَضَاعٍ، سَوَاءٌ أَدْخَلَ بِهَا أَمْ لَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] (وَالرَّبِيبَةُ إذَا دَخَلَ بِالْأُمِّ) بِعَقْدٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] وَذِكْرُ الْحُجُورِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِنْ قِيلَ لَمْ أُعِيدَ الْوَصْفُ إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُعَدْ إلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ مَعَ أَنَّ الصِّفَاتِ عَقِبَ الْجُمَلِ تَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ نِسَائِكُمْ الثَّانِي مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الْجَرِّ، وَنِسَائِكُمْ الْأَوَّلُ مَجْرُورٌ بِالْمُضَافِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ لَمْ يَجُزْ الْإِتْبَاعُ وَيَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الدُّخُولِ أَنْ يَقَعَ فِي حَيَاةِ الْأُمِّ، فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَوَطِئَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ تَحْرُمْ بِنْتُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى دُخُولًا وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ الرُّويَانِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَعْتَبِرُوا الدُّخُولَ فِي تَحْرِيمِ الْأُصُولِ وَاعْتَبِرُوا فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ الدُّخُولَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّجُلَ يُبْتَلَى عَادَةً بِمُكَالَمَةِ أُمِّهَا عَقِبَ الْعَقْدِ لِتَرْتِيبِ أُمُورِهِ، فَحُرِّمَتْ بِالْعَقْدِ لِيَسْهُلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ بِنْتِهَا.   [حاشية البجيرمي] وَالرَّبِيبَةُ إذَا دَخَلَ بِالْأُمِّ) أَيْ بِوَطْءٍ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ، وَمِثْلُهُ اسْتِدْخَالُ الْمَاءِ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ أَيْضًا. وَالْمُرَادُ الْمَاءُ الْمُحْتَرَمُ حَالَ الْإِنْزَالِ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الزِّنَا لَا حَالَةَ الْإِدْخَالِ، فَلَوْ أَنْزَلَ فِي زَوْجَتِهِ فَسَاحَقَتْ بِنْتَهُ فَحَمَلَتْ مِنْهُ لَحِقَهُ الْوَلَدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِدْخَالَ الْمَاءِ الْمُحْتَرَمِ حُكْمُهُ حُكْمُ الدُّخُولِ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ وَعَدَمِ بَيْنُونَتِهَا إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ اسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ، وَفِي ثُبُوتِ الْمُصَاهَرَةِ لَا تَحْلِيلَ وَلَا إحْصَانَ أَيْ لَا تَصِيرُ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ زَوْجِهَا الْمُحْتَرَمِ حَلِيلَةً لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَلَا مُحْصَنَةً وَلَا يَجِبُ غُسْلٌ وَمَهْرٌ، فَلَيْسَ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ فِيهَا كَالْوَطْءِ وَالْمُعْتَبَرُ الدُّخُولُ فِي الْحَيَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ ق ل. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدُّخُولَ بِالْأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ وَالْعَقْدَ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ. قَوْلُهُ: (فِي حُجُورِكُمْ) جَمْعُ حَجْرٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ فِي الْأَصْلِ حِضْنُ الْإِنْسَانِ وَهُوَ مَا دُونَ إبْطِهِ إلَى الْكَشْحِ يُقَالُ فُلَانٌ فِي حِجْرِ فُلَانٍ أَيْ فِي كَنَفِهِ وَمَنْعَتِهِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ فِي حُجُورِكُمْ تَقْوِيَةُ الْعِلَّةِ وَتَمْكِينُهَا. وَالْمَعْنَى أَنَّ الرَّبَائِبَ إذَا دَخَلْتُمْ بِأُمَّهَاتِهِنَّ فِي احْتِضَانِكُمْ قَوَّى الشَّبَهَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَوْلَادِكُمْ وَصَارَتْ حَقًّا بِأَنْ تَجْرُوهَا مَجْرَاهُمْ لَا تَقْيِيدَ لِلْحُرْمَةِ؛ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَصْفَ بِقَوْلِهِ: {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] عَائِدٌ إلَى لَفْظِ النِّسَاءِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرَهُ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي عِبَارَتِهِ مِنْ التَّسَامُحِ، أَيْ قَوْلُهُ: " إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ " فِيهِ مُسَامَحَةٌ، إذْ لَا جُمْلَةَ هُنَا بَلْ هُنَا مُفْرَدٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ عَقِبَ الْجُمَلِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ السُّؤَالَ فِي جِهَةٍ وَالْجَوَابُ فِي جِهَةٍ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّ الصِّفَةَ تَعُودُ لِجَمِيعِ الْمُتَعَاطِفَاتِ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ أَوْ تَوَسَّطَتْ، وَالْجَوَابُ يَرْجِعُ لِقَاعِدَةٍ نَحْوِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ عَامِلَانِ وَمَعْمُولَانِ وَصِفَتَانِ لِلْمَعْمُولَيْنِ وَاتِّحَادُ الْعَامِلَانِ مَعْنَى وَعَمَلًا وَجَبَ إتْبَاعُ الصِّفَةِ لِمَوْصُوفِهَا فِي الْإِعْرَابِ وَإِلَّا قُطِعَتْ عَنْهُ فِي الْإِعْرَابِ، فَكَانَ الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: صَدَّ عَنْ الْعَمَلِ بِذَلِكَ الْإِجْمَاعِ. قَوْلُهُ: (إلَى الْجُمْلَةِ) الْمُرَادُ بِالْجُمْلَةِ الْقِطْعَةُ مِنْ الْكَلَامِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا مُفْرَدٌ لَا جُمْلَةً. قَوْلُهُ: (عَقِبَ الْجُمَلِ) الْأُولَى أَنْ يَقُولَ عَقِبَ الْمُتَعَدِّدِ لِيَشْمَلَ الْمُفْرَدَاتِ كَمَا هُنَا. وَقَوْلُهُ: " الْقَطْعُ " أَيْ تَخْصِيصُهَا بِمَا وَلَّيْتَهُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ الْإِتْبَاعَ) أَيْ لِلْأُولَى وَقَوْلُهُ وَيَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ أَيْ عَنْ الْأُولَى، وَيَتَعَيَّنُ رُجُوعُهُ لِلثَّانِيَةِ. اهـ. شَيْخُنَا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَطْعُ النَّحْوِيُّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِعَامِلٍ مُقَدَّرٍ. قَوْلُهُ: (وَوَطِئَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا) وَلَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا. قَوْلُهُ: (لَا يُسَمَّى دُخُولًا) وَلِهَذَا لَا حَدَّ بِوَطْءِ الْمَيْتَةِ. اهـ. مَيْدَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ) أَيْ التَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: (لِمَ لَمْ يَعْتَبِرُوا) الْمُنَاسِبَ لِمَ لَمْ يُعْتَبَرْ؟ أَوْ مَا الْحِكْمَةُ؟ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَاعْتِبَارُ الدُّخُولِ بِمَا ذَكَرَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، فَكَيْفَ يَقُولُ لِمَ لَمْ يَعْتَبِرُوا. قَوْلُهُ: (فِي تَحْرِيمِ الْأُصُولِ) كَأُمِّهَا. وَقَوْلُهُ: " وَاعْتَبِرُوا إلَخْ " لَوْ قَالَ: وَاعْتَبَرُوهُ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ، لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ ق ل. قَوْلُهُ: (بِمُكَالَمَةِ أُمِّهَا) وَيُبْتَلَى بِالْخَلْوَةِ بِهَا فَكَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ فِيهِمَا، فَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ وَلَا الْخَلْوَةُ بِهَا تَسْهِيلًا عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: (فَحُرِّمَتْ بِالْعَقْدِ لِيَسْهُلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ بِنْتِهَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 تَنْبِيهٌ: مَنْ حُرِّمَ بِالْوَطْءِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَالرَّبِيبَةِ، وَمَنْ حُرِّمَ بِالْعَقْدِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ. نَعَمْ لَوْ وَطِئَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ حُرِّمَ بِالْوَطْءِ فِيهِ لَا بِالْعَقْدِ. فَائِدَةٌ: الرَّبِيبَةُ بِنْتُ الزَّوْجَةِ وَبَنَاتُهَا وَبِنْتُ ابْنِ الزَّوْجَةِ وَبَنَاتُهَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ تَحْرِيمُ بِنْتِ الرَّبِيبَةِ وَبِنْتِ الرَّبِيبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَنَاتِ أَوْلَادِ زَوْجَتِهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ يَقَعُ السُّؤَالُ عَنْهَا كَثِيرًا وَكُلُّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِمِلْكِ يَمِينٍ حُرِّمَ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا وَحُرِّمَتْ هِيَ عَلَى آبَائِهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا الْمَوْطُوءَةُ الْحَيَّةُ بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّهِ كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا، وَتَحْرُمُ هِيَ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ كَمَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْوَطْءِ النَّسَبُ، وَيُوجِبُ الْعِدَّةَ، لَا الْمَزْنِيُّ بِهَا فَلَا يَثْبُتُ بِزِنَاهَا حُرْمَةُ مُصَاهَرَةٍ فَلِلزَّانِي نِكَاحُ أُمِّ مَنْ زَنَى بِهَا وَبِنْتِهَا، وَلِابْنِهِ وَأَبِيهِ نِكَاحُهَا هِيَ وَبِنْتَهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ فَلَا يَثْبُتُ بِالزِّنَا كَالنَّسَبِ، وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةٌ كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ بِشَهْوَةٍ كَوَطْءٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ فَكَذَا لَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ.   [حاشية البجيرمي] وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بِنْتُ زَوْجِ الْأُمِّ وَلَا أُمُّهُ وَلَا بِنْتُ زَوْجِ الْبِنْتِ وَلَا أُمُّهُ وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَلَا بِنْتُهَا وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الِابْنِ وَلَا بِنْتُهَا وَلَا زَوْجَةُ الرَّبِيبِ، لِخُرُوجِهِنَّ عَنْ الْمَذْكُورَاتِ. اهـ. ز ي. وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (كَالرَّبِيبَةِ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ حُرِّمَ بِالْعَقْدِ) كَالْأُمِّ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ وَطِئَ) مُسْتَدْرَكٌ ق ل وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (وَبِنْتِ الرَّبِيبِ) وَهُوَ ابْنُ الزَّوْجَةِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً) سَوَاءٌ الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ، وَاسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ كَذَلِكَ. وَالْمُرَادُ الْوَطْءُ فِي الْحَيَاةِ وَيَشْمَلُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ مَا هُوَ بِالنَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ كَمَا يَأْتِي ق ل. قَوْلُهُ: (امْرَأَةً بِمِلْكِ يَمِينٍ) وَلَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. قَوْلُهُ: (بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّهِ كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ) أَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْ أَمَةَ فَرْعِهِ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ بِجِهَةٍ قَالَ بِهَا عَالِمٌ يَعْتَدُّ بِخِلَافِهِ بِحَيْثُ يَصِحُّ تَقْلِيدُهُ. وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الشُّبْهَةِ الْمَذْكُورَةِ يُقَالُ لَهُ شُبْهَةُ الْفَاعِلِ وَهُوَ لَا يَتَّصِفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي شُبْهَةُ الْمَحَلِّ فَحَرَامٌ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثِ شُبْهَةُ الطَّرِيقِ، فَإِنْ قَلَّدَ الْقَائِلَ بِالْحِلِّ لَا حُرْمَةَ وَإِلَّا حُرِّمَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ شُبْهَتَهُ وَحْدَهُ تُوجِبُ مَا عَدَا الْمَهْرِ مِنْ نَسَبٍ وَعِدَّةٍ إذْ لَا مَهْرَ لِبَغْيٍ وَشُبْهَتُهَا وَحْدُهَا تُوجِبُ الْمَهْرَ فَقَطْ دُونَ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَشُبْهَتُهُمَا تُوجِبَ الْجَمِيعَ وَلَا يَثْبُتُ بِهَا مَحْرَمِيَّةٌ مُطْلَقًا، فَلَا يَحِلُّ لِأَبِي الْوَاطِئِ وَابْنِهِ نَظَرٌ وَلَا مَسٌّ وَلَا خَلْوَةٌ. قَوْلُهُ: (وَيُوجِبُ الْعِدَّةَ) أَيْ فَيَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ لَا الْمَحْرَمِيَّةُ، فَلَا يَحِلُّ لِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ النَّظَرُ إلَى أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ وَبِنْتِهَا وَلَا الْخَلْوَةُ وَلَا الْمُسَافَرَةُ بِهَا وَلَا مَسُّهَا كَالْمَوْطُوءَةِ بَلْ أَوْلَى، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَدَخَلَ ثَبَتَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ. قَوْلُهُ: (لَا الْمَزْنِيُّ بِهَا) يَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الزِّنَا مَا لَوْ خَرَجَ مَنِيُّهُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ ثُمَّ اسْتَدْخَلَتْهُ زَوْجَتُهُ كَمَا لَوْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ ثُمَّ سَالَ الْمَنِيُّ وَأَخَذَتْهُ فِي خِرْقَةٍ وَاسْتَدْخَلَتْهُ وَحَبِلَتْ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ لَاطَ بِغُلَامٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْفَاعِلِ أُمُّ الْغُلَامِ وَبِنْتُهُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (هِيَ وَبِنْتَهَا) هِيَ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ. وَقَوْلُهُ: " وَبِنْتِهَا " بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْخَافِضِ عَلَى طَرِيقِ ابْنِ مَالِكٍ، وَلَمْ يَمْنَعْ التَّوْكِيدَ بِالضَّمِيرِ الْمَذْكُورِ. وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ تَوْكِيدِ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِتَجْوِيزِ الْعَطْفِ. وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ: " وَبِنْتِهَا ": لَا مَدْخَلَ لَهُ هُنَا، إذْ بِنْتُ الزَّوْجَةِ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ وَلَا الِابْنُ، فَبِالْأَوْلَى بِنْتُ الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمُصَاهَرَةُ قَوْلُهُ: (وَالصِّهْرِ) أَيْ قَرَابَةِ الزَّوْجَيْنِ قَوْلُهُ: (فَلَا يَثْبُتُ) أَيْ الصِّهْرُ بِالزِّنَا قَوْلُهُ: (كَالنَّسَبِ) أَيْ كَمَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالزِّنَا. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةٌ) أَيْ لَيْسَتْ الْمُبَاشَرَةُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ بِشُبْهَةٍ كَالْوَطْءِ؛؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ. وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْآنَ فِي الْوَطْءِ بِالْعَقْدِ أَيْضًا حَتَّى يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ مَا يَشْمَلُ الْمُبَاشَرَةَ بِالْعَقْدِ، إذْ لَا يَصِحُّ هَذَا هُنَا، إذْ أُمُّ الزَّوْجَةِ تَحْرُمُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَاشَرَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا؛ فَقَوْلُهُ: " وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةٌ إلَخْ " كَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمَسَهَا وَقَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ وَلَمْ يَطَأْهَا فَلَيْسَ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ كَالْوَطْءِ فِي تَحْرِيمِ بِنْتِهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 (و) تَحْرُمُ (زَوْجَةُ الْأَبِ) وَهُوَ مَنْ وَلَدَك بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَبًا أَوْ جَدًّا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ عِلْمِكُمْ بِتَحْرِيمِهِ. (و) تَحْرُمُ (زَوْجَةُ الِابْنِ) وَهُوَ مَنْ وَلَدْته بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُك بِهَا، لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] . تَنْبِيهٌ: لَا فَرْقَ فِي الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ؛ أَمَّا النَّسَبُ فَلِلْآيَةِ، وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا قَالَ تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] فَكَيْفَ حُرِّمَتْ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَنْطُوقٌ، وَقَدْ عَارَضَهُ هُنَا مَنْطُوقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ فِي الْآيَةِ حِينَئِذٍ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ إخْرَاجُ حَلِيلَةِ الْمُتَبَنَّى فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ زَوْجَةُ مَنْ تَبَنَّاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْنٍ لَهُ، وَلَا تَحْرُمُ بِنْتُ زَوْجِ الْأُمِّ وَلَا أُمُّهُ وَلَا بِنْتُ زَوْجِ الْبِنْتِ وَلَا أُمُّهُ وَلَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ زَوْجَةُ الْأَبِ) أَيْ مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ، وَكَذَا زَوْجَةُ الِابْنِ. وَالتَّقْيِيدُ فِي الْآيَةِ لِإِخْرَاجِ زَوْجَةِ مَنْ تَبَنَّاهُ كَمَا يَأْتِي. وَكَانَ الصَّوَابُ إسْقَاطَ لَفْظِ تَحْرُمُ؛ لِأَنَّ زَوْجَةَ الْأَبِ مَعْطُوفٌ عَلَى أُمِّ الزَّوْجَةِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ ق ل. وَخَرَجَ بِزَوْجَةِ الْأَبِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا وَكَذَا يُقَالُ فِي زَوْجَةِ الِابْنِ. قَوْلُهُ: (مَا نَكَحَ) ذَكَرَ مَا دُونَ مِنْ؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الصِّفَةُ، أَيْ مَنْكُوحَةُ آبَائِكُمْ. قَوْلُهُ: (إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) هُوَ مُنْقَطِعٌ؛ أَيْ، لَكِنْ مَا قَدْ سَلَفَ، فَلَا مُؤَاخَذَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِغَيْرِ شَرْعٍ. وَانْظُرْ أَيَّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا نُؤَاخَذُ بِمَا وَقَعَ فِيهَا. قَوْلُهُ: (زَوْجَةُ الِابْنِ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَإِنْ سَفَلَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، فَهُوَ شَامِلٌ لِزَوْجَةِ ابْنِ الْبِنْتِ، فَتَحْرُمُ عَلَى جَدِّهِ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ مَنْ وَلَدَهُ بِوَاسِطَةٍ؛ إذْ الْوَلَدُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ تَمَسُّكًا بِقَوْلِ الْقَائِلِ: بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا عَبَّرُوا بِزَوْجَةِ الْوَلَدِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا وَهُوَ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: " بَنُونَا " خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمَا بَعْدَهُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَالْمُرَادُ بِالْأَبَاعِدِ الْأَجَانِبُ. قَوْلُهُ: (فَلِلْآيَةِ) أَيْ جِنْسِهَا وَإِلَّا فَهُنَاكَ آيَتَانِ، إحْدَاهُمَا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] وَالْأُخْرَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] . قَوْلُهُ: (فَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ) وَهُوَ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . قَوْلُهُ: (أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: الْمَفْهُومُ هُنَا خَاصٌّ وَالْقَاعِدَةُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْعَامِّ. قُلْت: مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ زَوْجَةِ الِابْنِ رَضَاعًا. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَحْرُمُ بِنْتُ زَوْجِ الْأُمِّ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي عَشْرِ مَسَائِلَ لَا تَحْرُمُ وَالتَّصْرِيحُ بِهَا زِيَادَةُ إيضَاحٍ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ مَفَاهِيمِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخِيرَةَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: " زَوْجَةُ الْأَبِ وَزَوْجَةُ الِابْنِ " وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى أَلْغَازٍ مِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمُّ الْآخَرِ؛ وَصُورَةُ ذَلِكَ رَجُلَانِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ فَأَوْلَدَهَا ابْنًا فَكُلٌّ مِنْ ابْنَيْهِمَا عَمُّ الْآخَرِ لِأُمِّهِ. وَمِنْهَا امْرَأَتَانِ الْتَقَتَا بِرَجُلَيْنِ فَقَالَتَا مَرْحَبًا بِابْنَيْنَا وَزَوْجَيْنَا وَابْنَيْ زَوْجَيْنَا؛ وَصُورَتُهُ رَجُلَانِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ. وَمِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا خَالُ الْآخَرِ؛ وَصُورَتُهُ أَنْ يَنْكِحَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِنْتَ الْآخَرِ فَيُولَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِابْنَيْنِ خَالُ الْآخَرِ، وَمِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا ابْنُ خَالِ الْآخَرِ؛ وَصُورَتُهُ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 أُمُّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَلَا بِنْتُهَا وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الِابْنِ وَلَا بِنْتُهَا وَلَا زَوْجَةُ الرَّبِيبِ وَلَا زَوْجَةُ الرَّابِّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ التَّحْرِيمُ غَيْرُ الْمُؤَبَّدِ بِقَوْلِهِ (و) تَحْرُمُ (وَاحِدَةٌ مِنْ جِهَةِ الْجَمْعِ) فِي الْعِصْمَةِ (وَهِيَ أُخْتُ الزَّوْجَةِ) فَلَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا بَلْ تَحِلُّ بِمَوْتِ أُخْتِهَا أَوْ بَيْنُونَتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ فَإِنَّ الطَّبْعَ يَتَغَيَّرُ. (وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا خَالَتِهَا) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ الْخَبَرِ: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا لَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ. وَلِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ فِي الْأُخْتَيْنِ (وَيَحْرُمُ مِنْ) النِّسَاءِ بِسَبَبِ (الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ) مِنْهُنَّ (مِنْ النَّسَبِ) وَهِيَ السَّبْعَةُ   [حاشية البجيرمي] يَنْكِحَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ أُخْتَ الْآخَرِ فَيُولَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الْأَبِ إلَخْ) وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِنْتًا وَابْنُهُ بِامْرَأَةٍ هِيَ أُمٌّ لِلْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ صَحَّ نِكَاحُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ وَهِيَ الْقَرَابَةُ وَالرَّضَاعُ وَالْمُصَاهَرَةُ، وَتَحْرُمُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ وَأُمِّهَا مِنْ الْأَوْلَادِ لِوُجُوبِ سَبَبِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ الْحَاصِلِينَ مِنْ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ أَعْمَامٌ وَعَمَّاتٌ لِأَوْلَادِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ لِكَوْنِهِمْ إخْوَةً وَأَخَوَاتِ أَبِيهِمْ وَأَوْلَادَ أُخْتٍ لِكَوْنِ أُمِّهِمْ أُخْتَهمْ لِأُمِّهِمْ، وَحِينَئِذٍ إذَا حَصَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْلَادٌ ذُكُورٌ وَأَرَادُوا التَّزَوُّجَ بِالْإِنَاثِ مِنْ أَوْلَادِ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ لِحُرْمَتِهِنَّ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِنَّ بَنَاتَ أَخِيهِمْ لِأُمِّهِمْ وَعَمَّاتِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ التَّزَوُّجَ بِالْإِنَاثِ مِنْ أَوْلَادِ الْكَبِيرَةِ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ لِحُرْمَتِهِنَّ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِنَّ بَنَاتَ أَخِيهِمْ لِأَبِيهِمْ؛ لِأَنَّ وَالِدَهُمْ أَخُوهُمْ لِأَبِيهِمْ. قَوْلُهُ: (وَلَا زَوْجَةُ الرَّبِيبِ) وَهُوَ ابْنُ الزَّوْجَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا زَوْجَةُ الرَّابِّ) وَهُوَ زَوْجُ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ يُرَبِّيهِ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ وَاحِدَةٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ وَاحِدَةً عَطْفٌ عَلَى سَبْعٍ، فَهِيَ بَدَلٌ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الْبَدَلِ بَدَلٌ وَتَقْدِيرُ الْفِعْلِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ق ل. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ تَقْدِيرَ الْفِعْلِ لَا بُدَّ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ جَعْلِ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى التَّأْبِيدِ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَعْدُودَ إنَّمَا هُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَقَطْ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَا مَرَّ إنَّ الْمُتَعَيِّنَ حَذْفُ لَفْظِ الْمُؤَبَّدِ لِيَشْمَلَ هَذِهِ وَيَكُونُ الْعَدَدُ تَامًّا فَتَأَمَّلْ، فَيَكُونُ كَلَامُ ق ل ظَاهِرًا عَلَى هَذَا اهـ. وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأُخْتِ؛ لِأَنَّهَا الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ أَيْ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَإِلَّا فَقَوْلُهُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ إلَخْ يُؤْخَذُ مِنْهُ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ أَيْضًا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا. قَوْلُهُ: (أُخْتُ الزَّوْجَةِ) قَالَ شَيْخُنَا يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَأُخْتِهَا وَإِنْ نَفَاهَا وَالِدُهَا بِلِعَانٍ، إذْ هِيَ غَيْرُ مُنْتَفِيَةٍ قَطْعًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَتَى اسْتَلْحَقَهَا لَحِقَتْهُ. وَهَذَا بِاعْتِبَارِ الدُّنْيَا، أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ جَمْعِ الْأُخْتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ فِيهَا كَمَنْ تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ مَاتَتْ فِي عِصْمَتِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَ الْأُخْرَى وَمَاتَتْ فِي عِصْمَتِهِ فَيَجْتَمِعَانِ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ أَوْ مَاتَ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَهُ غَيْرَهُ قَالَهُ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ فِي الْجَنَّةِ مَا عَدَا الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَهِيَ الْحِقْدُ وَالْبُغْضُ، قَالَ تَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الأعراف: 43] وَتَحْرِيمُ هَذَا الْجَمْعِ عَامٌّ فِي حَقِّ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمَهُمْ كَمَا فِي الْعُبَابِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَأَنْ تَجْمَعُوا) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَطْفٌ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ، أَيْ عَلَى قَوْلِهِ: " أُمَّهَاتُكُمْ " وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ " يَعْنِي عَمَّاتِ أُصُولِهَا وَخَالَاتِهِمْ اهـ م د. قَوْلُهُ: (لَا الْكُبْرَى) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ أَنَّ الْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ هِيَ الْكُبْرَى غَالِبًا ق ل. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوْكِيدٌ وَمَا فِي حَاشِيَةِ ق ل غَيْرَ ظَاهِرٍ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: قَوْلُهُ: " لَا الْكُبْرَى " هُوَ تَوْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ غَيْرِ الْمُرَتَّبِ، وَفِيهِ دَفْعُ تَوَهُّمِ تَقْيِيدِ الْمَنْعِ بِكَوْنِ الْعَمَّةِ أَوْ الْخَالَةِ هِيَ الْكُبْرَى كَمَا هُوَ الْغَالِبُ اهـ. قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ الرَّضَاعِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ " مِنْ " فِي كَلَامِ الْمَتْنِ لِلتَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ: (مَا يَحْرُمُ) عَبَّرَ بِمَا دُونَ مِنْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 الْمُتَقَدِّمَةُ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ زَوْجَةُ وَالِدِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَزَوْجَةُ وَلَدِهِ كَذَلِكَ وَبِنْتُ زَوْجَتِهِ كَذَلِكَ، أَمَّا تَحْرِيمُ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ فَلِمَا مَرَّ. وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْبَوَاقِي فَلِلْحَدِيثِ الْمَارِّ وَهُوَ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . تَنْبِيهٌ: مَنْ حُرِّمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ حُرِّمَ أَيْضًا فِي الْوَطْءِ بِمِلْكٍ أَوْ مِلْكٍ وَنِكَاحٍ وَلَهُ تَمَلُّكُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَوْ مُكْرَهًا حُرِّمَتْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى بِإِزَالَةِ مِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ كِتَابَةٍ، إذْ لَا جَمْعَ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَحَيْضٍ وَرَهْنٍ وَإِحْرَامٍ وَرِدَّةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْتِحْقَاقَ، فَلَوْ عَادَتْ الْأُولَى كَأَنْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ قَبْلَ وَطْءِ الْأُخْرَى فَلَهُ وَطْءُ أَيَّتُهُمَا شَاءَ بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ الْعَائِدَةِ أَوْ بَعْدَ وَطْئِهَا حُرِّمَتْ الْعَائِدَةُ حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُبَاحَةً عَلَى انْفِرَادِهَا، فَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَجُوسِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا كَمَحْرَمٍ فَوَطِئَهَا جَازَ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى نَعَمْ لَوْ   [حاشية البجيرمي] حُرْمَةَ الذَّوَاتِ بِسَبَبِ أَوْصَافِهَا كَالْأُمُومَةِ وَالْبِنْتِيَّةِ فَهُوَ عَلَى حَدِّ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] حَيْثُ عَبَّرَ بِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَصْفُ أَيْ الطَّيِّبُ، وَهَذَا أَعَمُّ مِمَّا سَبَقَ فَيُغْنِي عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ زَوْجَةُ وَالِدِهِ إلَخْ) الْأَوَّلَانِ تَقَدَّمَا فِي قَوْلِهِ تَنْبِيهٌ لَا فَرْقَ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلَمْ تَتَقَدَّمْ؛ قَالَ شَيْخُنَا: يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَقَدَّمْنَا إلَخْ أَنَّ هَذَا مِمَّا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ: " وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَخْ " إلَّا السَّبْعَةُ. قَوْلُهُ: (وَبِنْتُ زَوْجَتِهِ) لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَلِكَ فِيهَا، وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ فِي أُمِّ الزَّوْجَةِ، فَلَوْ أَبْدَلَهَا بِأُمِّ الزَّوْجَةِ لَكَانَ أَصْوَبَ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ الرَّضَاعِ. قَوْلُهُ: (فَلِمَا مَرَّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] . قَوْلُهُ: (مِنْ حُرِّمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ حُرِّمَ أَيْضًا إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إذَا حُرِّمَ الْعَقْدُ، فَالْوَطْءُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَلِأَنَّ التَّقَاطُعَ أَيْ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ فِيهِ أَكْثَرُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَطِئَ) أَيْ سَوَاءٌ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ، بِخِلَافِ اسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ فَلَا يُحَرِّمُ الْأُخْرَى هُنَا، فَالْوَطْءُ قَيْدٌ هُنَا بِخِلَافِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي وَطْءِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَالشُّبْهَةِ فَإِنَّ اسْتِدْخَالَ الْمَنِيِّ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ. قَوْلُهُ: (وَاحِدَةً مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْمَمْلُوكَتَيْنِ لَا مِنْ الْمَمْلُوكَةِ وَالْمَنْكُوحَةِ أَيْضًا لِيُلَائِمَ قَوْلَهُ: حُرِّمَتْ الْأُخْرَى إلَخْ " فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمَمْلُوكَتَيْنِ، وَبِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ " وَلَوْ مَلَكَ أَمَةً ثُمَّ نَكَحَ إلَخْ " فَإِنَّ الَّذِي يَحِلُّ إنَّمَا هُوَ الْمَنْكُوحَةُ دُونَ الْمَمْلُوكَةِ وَإِنْ وُطِئَتْ. وَقَوْلُهُ وَطِئَ وَاحِدَةً أَيْ حَالَ كَوْنِهَا وَاضِحَةً فَلَا عِبْرَةَ بِوَطْءِ الْخُنْثَى إلَّا إنْ اتَّضَحَ بِالْأُنُوثَةِ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُكْرَهًا) أَيْ أَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهَا أَمَتَهُ. قَوْلُهُ: (حُرِّمَتْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى) لِئَلَّا يَحْصُلَ الْجَمْعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَلَا يُؤَثِّرُ وَطْؤُهَا أَيْ الْأُخْرَى وَإِنْ حَبِلَتْ فِيمَا يَظْهَرُ فِي تَحْرِيمِ الْأُولَى إذْ الْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ م ر. وَهَلْ الْمُرَادُ حَرُمَ وَطْؤُهَا أَوْ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا؟ الثَّانِي قَرِيبٌ لَكِنَّهُ يَشْمَلُ النَّظَرَ بِشَهْوَةٍ وَفِيهِ بُعْدٌ، ثُمَّ رَأَيْت عَنْ الرَّوْضَةِ التَّقْيِيدَ بِالْوَطْءِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ وَالْعُبَابِ؛ قَالَهُ ح ل. وَاعْتَمَدَ الدَّفَرِيُّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي الْأَنْوَارِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُ: " حَتَّى يُحَرِّمَ " الْأُولَى أَيْ الَّتِي وُطِئَتْ. قَوْلُهُ: (بِإِزَالَةِ مِلْكٍ) كَبَيْعٍ بَتٍّ وَلَوْ لِبَعْضِهَا بِلَا خِيَارٍ، أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ نِكَاحٍ) الْأَوْلَى: إنْكَاحٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ كِتَابَةٍ) أَيْ صَحِيحَةٍ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا جَمْعَ حِينَئِذٍ) أَيْ فِي الْوَطْءِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ غَيْرِهَا) أَيْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا الِاسْتِحْقَاقَ) أَيْ اسْتِحْقَاقَ التَّمَتُّعِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَادَتْ الْأُولَى) أَيْ الَّتِي كَانَتْ وُطِئَتْ وَحُرِّمَتْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَ وَطْئِهَا) وَظَاهِرِ كَلَامه أَنَّ الِاسْتِدْخَالَ هُنَا، أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا فِيمَا تَقَدَّمَ لَيْسَ كَالْوَطْءِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (حُرِّمَتْ الْعَائِدَةُ) أَيْ حُرِّمَ وَطْؤُهَا، وَكَذَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا؛ لَكِنَّ ظَاهِرَ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَالْعُبَابِ حُرْمَةُ الْوَطْءِ فَقَطْ ح ل، وَقَدْ عَلِمْت ضَعْفَهُ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ) أَيْ فِي تَحْرِيمِ الْأُخْرَى أَيْ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَجُوسِيَّةً) كَأَنْ تَوَلَّدَتَا بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَبَلَغَتَا عَاقِلَتَيْنِ وَاخْتَارَتْ إحْدَاهُمَا دِينَ الْكِتَابِيِّ مِنْ أَبَوَيْهَا وَالْأُخْرَى دِينَ الْمَجُوسِيِّ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمُتَوَلِّدَةَ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا مَحَلَّهُ فِي حَالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 مَلَكَ أُمًّا وَبِنْتَهَا فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا حُرِّمَتْ الْأُخْرَى مُؤَبَّدًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. وَلَوْ مَلَكَ أَمَةً ثُمَّ نَكَحَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا كَأَنْ نَكَحَ أُخْتَهَا الْحُرَّةَ أَوْ عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا أَوْ نَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ مَلَكَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا كَأَنْ مَلَكَ أُخْتَهَا حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ دُونَ الْمَمْلُوكَةِ؛ لِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى، إذْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَغَيْرُهَا بِخِلَافِ الْمِلْكِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مُثْبِتَاتِ الْخِيَارِ بِقَوْلِهِ: (وَتُرَدُّ الْمَرْأَةُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ خِيَارُ فَسْخِ نِكَاحِهِ. (بِخَمْسَةِ عُيُوبٍ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهَا؛ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (بِالْجُنُونِ) وَإِنْ تَقَطَّعَ وَكَانَ   [حاشية البجيرمي] صِغَرِهَا أَمَّا إذَا بَلَغَتْ وَاخْتَارَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ جَازَ نِكَاحُهَا. قَوْلُهُ: (كَمَحْرَمٍ) كَبِنْتِ أُخْتِهِ مَعَ عَمَّتِهَا وَكَأُخْتِهِ لِأَبِيهِ مَعَ أُخْتِهَا لِأُمِّهَا، فَإِنَّ عَمَّتَهَا وَأُخْتَهَا لِأُمِّهَا يَحِلَّانِ لَهُ وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ أَخِيهَا وَبَيْنَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَأُخْتِهَا لِأُمِّهَا فِي النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ حُرِّمَتْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (الْحُرَّةَ) قَيَّدَ بِهَا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَكَحَ امْرَأَةً) وَكَذَا لَوْ تَقَارَنَ الْمِلْكُ وَالنِّكَاحُ حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ لِمَا ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: (دُونَ الْمَمْلُوكَةِ) أَيْ وَإِنْ وُطِئَتْ. قَوْلُهُ: (حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ إلَخْ) أَيْ مَا دَامَ النِّكَاحُ بَاقِيًا، فَإِنْ طَلَّقَ الْمَنْكُوحَةَ حَلَّتْ الْأُخْرَى. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (دُونَ الْمَمْلُوكَةِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَطَأْ الْمَنْكُوحَةَ. وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ حُرِّمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ حُرِّمَ أَيْضًا فِي الْوَطْءِ بِمِلْكٍ أَوْ مِلْكٍ وَنِكَاحٍ، يَقْتَضِي أَنَّ الْمَمْلُوكَةَ لَا تَحْرُمُ إلَّا إنْ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ فَلْيُحَرَّرْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى) أَيْ مِنْ فِرَاشِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ نَفْسُهُ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا طَرَأَ عَلَى النِّكَاحِ أَبْطَلَهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِهِ الرَّقَبَةَ وَالْمَنْفَعَةَ وَالنِّكَاحُ لَا يُمْلَكُ بِهِ إلَّا ضَرْبٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهَا) مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ لُحُوقُ الْوَلَدِ فِيهِ بِالْإِمْكَانِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ، وَلَا يُجَامِعُهُ الْحِلُّ لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ ح ل. قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَرَعَ فِي مُثْبِتَاتِ الْخِيَارِ) شُرُوعٌ فِي التَّرْجَمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِقِ وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا قِسْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعُيُوبُ الْمَذْكُورَةُ، وَمِنْهَا خُلْفُ الشَّرْطِ وَخُلْفُ الظَّنِّ فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا بَيْضَاءَ فَبَانَتْ سَمْرَاءَ أَوْ كَوْنَهُ أَبْيَضَ فَبَانَ أَسْمَرَ وَكَوْنَ أَحَدِهِمَا جَمِيلًا فَبَانَ قَبِيحًا وَهَكَذَا، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ وَهَلْ مِثْلُهُ الْكُحْلُ وَالدَّعَجُ وَالسِّمَنُ وَغَيْرُهَا مِمَّا ذُكِرَ فِي السَّلَم أَوْ لَا. وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تُقْصَدُ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّمَتُّعُ، وَلَا كَذَلِكَ الرَّقِيقُ لِمَا مَرَّ فِي السَّلَمِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْخِدْمَةُ وَهِيَ لَا تَخْتَلِفُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِمَا ذُكِرَ فِيهِ. وَمِمَّا يُثْبِتُ الْخِيَارَ عِتْقُهَا تَحْتَ مَنْ بِهِ رِقٌّ وَالْإِعْسَارُ بِالْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْإِعْسَارُ بِالنَّفَقَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْكِسْوَةِ وَالْمَسْكَنِ. وَحَاصِلُ الْعُيُوبِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا أَنَّهَا عَشَرَةٌ تَفْصِيلًا سَبْعَةٌ إجْمَالًا لِعُمُومِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَالْعَيْبُ إمَّا مُشْتَرَكٌ وَهُوَ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ، وَإِمَّا مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ وَهُوَ الْجَبُّ وَالْعُنَّةُ، أَوْ بِهَا وَهُوَ الرَّتْقُ وَالْقَرَنُ. وَاسْتُشْكِلَ تَصْوِيرُ فَسْخِهَا بِالْعَيْبِ بِأَنَّهَا إنْ عَلِمَتْ بِهِ فَلَا خِيَارَ وَإِلَّا بَطَلَ النِّكَاحُ لِانْتِفَاءِ الْكَفَاءَةِ. وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ تَأْذَنَ فِي مُعَيَّنٍ غَيْرِ كُفْءٍ وَيُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ سَلِيمٌ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّةُ النِّكَاحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (خِيَارُ فَسْخِ نِكَاحِهِ) وَفَوَائِدُ الْفَسْخِ ثَلَاثَةٌ: الْأُولَى: أَنَّهُ لَا يُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفَسَخَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْمَهْرِ، الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا وَتَبَيَّنَ بِهَا عَيْبٌ وَفَسَخَ النِّكَاحَ سَقَطَ الْمُسَمَّى وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ طَلَّقَ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى ع ش. وَقَوْلُهُ: " وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ " أَيْ وَيَرْجِعُ بِالزَّائِدِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ، وَإِذَا أَرَادَ رُجُوعَهَا اُحْتِيجَ لِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَصَحَّ رُجُوعُهَا وَلَوْ فِي الْعِدَّةِ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى مُحَلِّلٍ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ رَابِعًا، وَهُوَ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَإِنْ فَسَخَ بِمُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَلَهَا السُّكْنَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِهِ: " خِيَارُ فَسْخِ " عَلَى مَعْنَى: " فِي ". وَخَرَجَ بِالزَّوْجِ وَلِيُّهُ وَسَيِّدُهُ فَلَا خِيَارَ لَهُمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا وَلَا عَارٍ يَلْحَقُهُمَا. قَوْلُهُ: (بِخَمْسَةِ عُيُوبٍ) كَلَامُهُ فِي الْمُثْبِتَاتِ لِلْخِيَارِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَسَكَتَ عَنْ الْمُثْبِتَاتِ لِلْخِيَارِ إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 قَابِلًا لِلْعِلَاجِ. وَالْجُنُونُ زَوَالُ الشُّعُورِ مِنْ الْقَلْبِ مَعَ بَقَاءِ الْحَرَكَةِ وَالْقُوَّةِ فِي الْأَعْضَاءِ. وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مِنْ الْمُتَقَطِّعِ الْخَفِيفَ الَّذِي يَطْرَأُ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ، وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ بِالْمَرَضِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ كَسَائِرِ الْأَمْرَاضِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ فِيمَا تَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفَاقَةُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ. أَمَّا الْمَأْيُوسُ مِنْ زَوَالِهِ فَكَالْجُنُونِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَكَذَا إنْ بَقِيَ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ رَدِّ الْمَرَضِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَالْجُنُونِ وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ الْخَبَلَ بِالْجُنُونِ. وَالْإِصْرَاعُ نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. (و) الثَّانِي (الْجُذَامُ) وَهُوَ عِلَّةٌ يَحْمَرُّ مِنْهَا الْعُضْوُ ثُمَّ يَسْوَدُّ ثُمَّ يَتَقَطَّعُ وَيَتَنَاثَرُ. وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ عُضْوٍ، لَكِنَّهُ فِي الْوَجْهِ أَغْلَبُ (و) الثَّالِثُ (الْبَرَصُ) وَهُوَ بَيَاضٌ شَدِيدٌ يُبَقِّعُ الْجِلْدَ وَيُذْهِبُ دَمَوِيَّتَهُ، هَذَا إذَا كَانَا مُسْتَحْكِمَيْنِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَوَائِلِ الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ، قَالَ: وَالِاسْتِحْكَامُ فِي الْجُذَامِ يَكُونُ بِالتَّقَطُّعِ، وَتَرَدَّدَ فِيهِ وَجَوَّزَ الِاكْتِفَاءَ بِاسْوِدَادِهِ. وَحَكَمَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِاسْتِحْكَامِ الْعِلَّةِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْجُنُونِ الِاسْتِحْكَامَ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْجُنُونَ يُفْضِي إلَى الْجِنَايَةِ. (و) الرَّابِعُ (الرَّتْقُ) وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُثَنَّاةِ   [حاشية البجيرمي] شُرِطَتْ فِي الْعَقْدِ وَمِنْهَا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبَكَارَةُ: قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَقَطَّعَ) أَيْ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَالدُّخُولِ وَلَوْ كَانَ قَابِلًا لِلْعِلَاجِ. قَوْلُهُ: (الْخَفِيفِ) كَيَوْمٍ فِي سَنَةٍ فَلَا خِيَارَ بِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (بِالْمَرَضِ) لَيْسَ قَيْدًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِغْمَاءَ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ إنْ أَيِسَ مِنْ الْإِفَاقَةِ مِنْهُ كَالْجُنُونِ، وَإِلَّا فَلَا وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ بِالْمَرَضِ فَلَا خِيَارَ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَمْرَاضِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ فِيمَا تَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفَاقَةُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، أَمَّا الْمَأْيُوسُ مِنْ زَوَالِهِ فَكَالْجُنُونِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي. وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِالْإِغْمَاءِ بِغَيْرِ الْمَرَضِ كَالْجُنُونِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمَأْيُوسُ مِنْ زَوَالِهِ) وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْيُوسِ مِنْ زَوَالِهِ أَيْ بِأَنْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ يَزُولُ بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْخِيَارُ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَلَوْ قِيلَ بِثُبُوتِهِ حِينَئِذٍ لَمْ يَبْعُدْ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ) فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ صَحَّ الْإِلْحَاقُ مَعَ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ نَوْعًا مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَمَالُ اسْتِغْرَاقٍ. قَوْلُهُ: (الْخَبَلَ بِالْجُنُونِ) فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْخَبَلَ الْجُنُونُ كَمَا فِي م ر، أَيْ نَوْعٌ مِنْهُ؛ ثُمَّ قَالَ م ر: وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَيْ الْمُلْحِقَ الْخَبَلَ بِالْجُنُونِ لَمَحَ أَنَّ الْجُنُونَ فِيهِ كَمَالُ الِاسْتِغْرَاقِ بِخِلَافِ الْخَبْلِ بِسُكُونِ الْبَاءِ، فَإِنَّهُ ضَرْبٌ مِنْهُ وَهُوَ قِلَّةُ الْعَقْلِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِصْرَاعُ نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ) فِيهِ أَنَّهُ مِنْ الْجِنِّ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَالصَّرْعُ مِنْ جُنُونٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْجُنُونِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الصَّرْعَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جُنُونٍ لَا يَكُونُ عَيْبًا فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي الْقَامُوسِ: الصَّرْعُ عِلَّةٌ تَمْنَعُ الْأَعْضَاءَ النَّفْسِيَّةَ عَنْ أَفْعَالِهَا مَنْعًا غَيْرَ تَامٍّ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْجُذَامُ) هُوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَجْرُورٌ، وَغَيَّرَهُ الشَّارِحُ إلَى الرَّفْعِ وَهُوَ مَعِيبٌ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ ق ل. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ " أَيْ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ، أَمَّا الْجُنُونُ فَإِنْ كَانَ مِثْلُهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَا لِوَلِيِّهِ وَلَا لَهَا أَيْضًا؛ لَكِنْ يَبْقَى الْخِيَارُ لِوَلِيِّهَا إنْ كَانَ الْجُنُونُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ إلَى آخَرِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَيَتَنَاثَرُ) هُوَ عَطْفُ مُغَايِرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَقَطَّعُ وَلَا يَنْفَصِلُ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ فِي الْوَجْهِ أَغْلَبُ) أَيْ وَالْأَطْرَافُ زي. قَوْلُهُ: (وَالْبَرَصُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ قَوْلُهُ وَهُوَ بَيَاضٌ شَدِيدٌ بِحَيْثُ إذَا فُرِكَ لَا يَحْمَرُّ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِحْكَامُهَا بَلْ يَكْفِي حُكْمُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِكَوْنِهِ جُذَامًا أَوْ بَرَصًا زي وم ر؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحْكِمًا. وَالِاسْتِحْكَامُ فِي الْبَرَصِ هُوَ وُصُولُهُ إلَى الْعَظْمِ بِحَيْثُ لَوْ فُرِكَ الْعَظْمُ فَرْكًا شَدِيدًا لَا يَحْمَرُّ. قَوْلُهُ: (مُسْتَحْكِمَيْنِ) بِكَسْرِ الْكَافِ، بِمَعْنَى مُحْكَمَيْنِ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَانِ. قَوْلُهُ: (وَتَرَدَّدَ فِيهِ) أَيْ فِي كَوْنِ الِاسْتِحْكَامِ يَكُونُ بِالتَّقَطُّعِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. وَقَوْلُهُ: " وَجَوَّزَ الِاكْتِفَاءَ بِاسْوِدَادِهِ " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَقَطَّعْ. وَقَوْلُهُ: وَحُكْمُ الْوَاوِ بِمَعْنَى " أَوْ " وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاسْتِحْكَامَ قَيْدٌ. وَمِمَّا جُرِّبَ لِلْجُذَامِ دُهْنُ حَبِّ الْعِنَبِ وَمَرَارَةِ النَّسْرِ أَجْزَاءً مُتَسَاوِيَةً وَيُخْلَطَانِ مَعًا وَيُدْلَكُ بِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ. وَمِمَّا جُرِّبَ لِلْبَرَصِ مَاءُ الْوَرْدِ يُطْلَى بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَجَوَّزَ الِاكْتِفَاءَ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (بِاسْتِحْكَامِ الْعِلَّةِ) أَيْ مِنْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْجُنُونِ الِاسْتِحْكَامَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 الْفَوْقِيَّةِ انْسِدَادُ الْفَرْجُ بِاللَّحْمِ يَخْرُجُ الْبَوْلُ مِنْ ثُقْبَةٍ صَغِيرَةٍ كَإِحْلِيلِ الرَّجُلِ قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ. (و) الْخَامِسُ (الْقَرَنُ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَذَا الرَّاءُ عَلَى الْأَرْجَحِ انْسِدَادُ الْفَرْجِ بِعَظْمٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ بِلَحْمٍ، وَعَلَيْهِ فَالرَّتْقُ وَالْقَرَنُ وَاحِدٌ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ النِّكَاحِ كَالْبَرَصِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَرَصَ لَا يَمْنَعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يُنَفِّرُ مِنْهُ. وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إجْبَارُهَا عَلَى شَقِّ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ شَقَّتْهُ وَأَمْكَنَ الْوَطْءُ فَلَا خِيَارَ وَلَا تُمَكَّنُ الْأَمَةُ مِنْ الشَّقِّ قَطْعًا إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ. (وَيُرَدُّ الرَّجُلُ أَيْضًا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ فَسْخُ نِكَاحِهَا مِنْهُ (بِخَمْسَةِ عُيُوبٍ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كَمَا مَرَّ   [حاشية البجيرمي] وَاسْتِحْكَامُهُ بِأَلَّا يَقْبَلَ الْعِلَاجَ وَعَدَمُ اسْتِحْكَامِهِ أَنْ يَقْبَلَ الْعِلَاجِ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِحُ غَايَةً فِيمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (يُفْضِي إلَى الْجِنَايَةِ) أَيْ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (وَالرَّتْقُ وَالْقَرَنُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا عِنْدَ شَيْخِنَا خِلَافًا لِحَجَرٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ بِعَيْبِ الزَّوْجَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ أَوْ حَدَثَ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْوَطْءِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ بِغَيْرِ مَا فِي الْمَتْنِ كَضِيقِ الْمَنْفَذِ وَالْقُرُوحِ السَّيَّالَةِ وَالْبَوْلِ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَالْبَخَرِ وَالصُّنَانِ الْمُسْتَحْكِمِ وَالْخُنُوثَةِ الْوَاضِحَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَمِثْلُ الْبَوْلِ التَّغَوُّطُ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَالْإِنْزَالُ قَبْلَهُ وَالْبَهَقُ، وَأَمَّا الْمَرَضُ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْجِمَاعُ وَقَدْ أَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ فَهُوَ مِنْ طُرُقِ الْعُنَّةِ وَلَيْسَ قِسْمًا مُسْتَقِلًّا خَارِجًا عَنْهَا، وَحِينَئِذٍ يُفَصَّلُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا ذَكَرَهُ ح ل وَغَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: " وَأَمَّا الْمَرَضُ الدَّائِمُ " أَيْ الْقَائِمُ بِالزَّوْجِ، وَمِنْهُ مَا لَوْ حَصَلَ لَهُ كِبَرٌ فِي الْأُنْثَيَيْنِ بِحَيْثُ تُغَطِّي الذَّكَرَ بِهِمَا وَصَارَ الذَّكَرُ لَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، فَيَثْبُتُ لِزَوْجَتِهِ الْخِيَارُ إذَا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ وَطْءٌ؛؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ بِالْعُنَّةِ وَذَلِكَ حَيْثُ أَيِسَ مِنْ زَوَالِ كِبَرِهِمَا بِقَوْلِ طَبِيبَيْنِ، بَلْ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ عَدْلٍ. وَلَوْ قِيلَ فِي هَذِهِ إنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْجَبِّ فَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ مُطْلَقًا لَكَانَ مُحْتَمَلًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَرَضَ يَمْنَعُ مِنْ احْتِمَالِ الْوَطْءِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ الْبُرْءُ مُمْكِنًا فِي نَفْسِهِ اُلْتُحِقَ بِالْعُنَّةِ، بِخِلَافِ الْجَبِّ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِي الْعَادَةِ عَوْدُ الذَّكَرِ أَصْلًا اهـ ع ش عَلَى م ر. وَمِمَّا جَرَّبْته لِوَرَمِ الْأُنْثَيَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ لَحْمًا أَوْ رِيحًا أَوْ الرِّيحُ الْمَعْقُودُ: تَأْخُذُ مِنْ الْحُلْبَةِ جُزْءًا وَمِنْ الزِّرْنِيخِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْبَابُونَجُ جُزْءًا ثُمَّ تَغْلِيهِمَا مَعًا، وَيَشْرَبُ الْعَلِيلُ مِنْهُ قَدْرَ فِنْجَانٍ ثُمَّ يَتَعَوَّدُ عَلَى الْبَاقِي فَإِنَّهُ جَيِّدٌ لِكُلِّ وَرَمٍ سَوَاءٌ كَانَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، مُجَرَّبٌ مِرَارًا وَحَصَلَ الشِّفَاءُ بِهِ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثِينَ سَنَةٍ. وَقَوْلُهُمْ كَضِيقِ الْمَنْفَذِ أَيْ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُفْضِيهَا كُلُّ أَحَدٍ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُفْضِيهَا كُلُّ أَحَدٍ فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يُفْضِي كُلُّ أَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ، كَذَا عَبَّرُوا بِالْإِفْضَاءِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ كَالرَّمْلِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَتَعَذَّرَ دُخُولُ ذَكَرِ مَنْ بَدَنُهُ كَبَدَنِهَا نَحَافَةً وَضِدُّهَا فَرْجُهَا، زَادَ ابْنُ حَجَرٍ: سَوَاءٌ أَدَّى لِإِفْضَائِهَا أَوْ لَا، فَيُحَرَّر ذَلِكَ وَلْيَنْظُرْ مَا مَعْنَى التَّعَذُّرُ. وَالْإِفْضَاءُ رَفْعُ مَا بَيْنَ قُبُلِهَا وَدُبُرِهَا وَقِيلَ رَفْعُ مَا بَيْنَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ وَمَخْرَجِ الْبَوْلِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعْرِيفِهِ وَمِنْ الْقُرُوحِ السَّيَّالَةِ الْمَرَضُ الْمُسَمَّى بِالْمُبَارَكِ وَالْمُسَمَّى بِالْحَكَّةِ فَلَا خِيَارَ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَيَخْرُجُ الْبَوْلُ مِنْ ثُقْبَةٍ) لَا حَاجَةَ لِهَذَا؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الْبَوْلِ غَيْرُ مَدْخَلِ الذَّكَرِ، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ عَزَاهُ لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَتِهِ ق ل. قَالَ سم: وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّدِّ بِسَائِرِ الْعُيُوبِ الْمَذْكُورَةِ كَوْنُ الرَّادِّ جَاهِلًا بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا رَدَّ لِلْعَالِمِ بِهِ حِينَئِذٍ إلَّا الْعُنَّةَ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْعِلْمِ بِهِ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ، أَوْ فِي أَنَّ هَذَا عَيْبٌ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ خَبِيرَيْنِ بِالطِّبِّ، وَكَوْنُ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ وَلَا يُنَافِيهِ ضَرْبُ الْمُدَّةِ. قَوْلُهُ: (كَإِحْلِيلِ الرَّجُلِ) أَيْ ذَكَرِهِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْقِيلِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ النِّكَاحِ) مَا لَمْ يَزُلْ وَلَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهَا، وَلَا تُجْبَرُ عَلَى إزَالَتِهِ لِتَضَرُّرِهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى شَقِّ الْمَوْضِعِ) أَيْ حَيْثُ كَانَتْ بَالِغَةً وَلَوْ سَفِيهَةً، أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَيَنْبَغِي أَنَّ لِوَلِيِّهَا ذَلِكَ حَيْثُ رَأَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ وَلَا حَظْرَ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي قَطْعِ السِّلْعَةِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ قَدْ يُؤَدِّي إلَى نَقْصِ قِيمَتِهَا ق ل وع ش. قَوْلُهُ: (أَيْ يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ أَوْ حَدَثَ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ أَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ فِي غَيْرِ الْعُنَّةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 وَأَشَارَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (بِالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ) عَلَى مَا مَرَّ بَيَانًا وَتَحْرِيرًا فِي كُلٍّ مِنْهَا. (و) الرَّابِعُ (الْجَبُّ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ قَطْعُ جَمِيعِ الذَّكَرِ مَعَ بَقَاءِ الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ، أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْهُ مَا يُولِجُ قَدْرَهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَوْ تَنَازَعَا فِي إمْكَانِ الْوَطْءِ بِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَخَرَجَ بِهِ الْخَصِيُّ وَهُوَ مَنْ قُلِعَتْ أُنْثَيَاهُ وَبَقِيَ ذَكَرَهُ، فَلَا خِيَارَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْجِمَاعِ؛ قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ الْحَاوِي: وَيُقَالُ إنَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ فَلَا يَعْتَرِيهِ فُتُورٌ. (و) الْخَامِسُ (الْعُنَّةُ) فِي الْمُكَلَّفِ قَبْلَ الْوَطْءِ فِي قُبُلِهَا وَهُوَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ عِلَّةٌ فِي الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ أَوْ الدِّمَاغِ أَوْ الْآلَةِ تُسْقِطُ الشَّهْوَةَ النَّاشِرَةَ لِلْآلَةِ فَتَمْنَعُ الْجِمَاعَ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْعُنَّةِ فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ أَوْ بِيَمِينِهَا بَعْدَ نُكُولِهِ وَإِقْرَارِهِمَا لَغْوٌ. وَبِقَيْدِ قَبْلَ الْوَطْءِ الْعُنَّةُ الْحَادِثَةُ   [حاشية البجيرمي] أَمَّا هِيَ إذَا حَدَثَتْ بَعْدَهُ فَلَا خِيَارَ كَمَا يَأْتِي. وَأَمَّا حُكْمُ وَلِيِّهَا فَسَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ) وَإِنْ تَمَاثَلَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعَافُ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَعَافُ مِنْ نَفْسِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بَيَانًا) أَيْ تَعْرِيفًا. وَقَوْلُهُ: " وَتَحْرِيرًا " أَيْ مِنْ كَوْنِ الِاسْتِحْكَامِ شَرْطًا فِي الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الْجُنُونِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَقَوْلُهُ: " عَلَى مَا مَرَّ " خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ وَهِيَ كَائِنَةٌ عَلَى مَا مَرَّ. وَبَيَانًا وَتَحْرِيرًا مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ الْمَرْفُوعِ، أَيْ مَرَّ بَيَانُهُ وَتَحْرِيرُهُ. قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ الْجَبُّ) نَعَمْ لَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا لَكِنَّهَا رَتْقَاءُ فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ جَمَاعَاتٍ ثُبُوتُ الرَّدِّ لِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ الْمَقْصُودِ مِنْ النِّكَاحِ، وَعَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ حَكَى طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ لَا فَسْخَ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ فُسِخَتْ لَمْ تَصِلْ إلَى الْوَطْءِ سم. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ) أَيْ حَشَفَةُ ذَكَرِهِ، وَلَوْ حَدَثَ بِهِ جَبٌّ فَرَضِيَتْ بِهِ فَحَدَثَ بِهَا رَتْقٌ أَوْ قَرَنٌ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهِ رَمْلِيٌّ. وَقَوْلُهُ: " لِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ " الْمَقْصُودِ أَخْرَجَ التَّمَتُّعَ بِنَحْوِ لَمْسٍ وَنَظَرٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ مِنْ النِّكَاحِ لِذَاتِهِمَا، فَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ وَلَكِنْ عَجَزَ بِهِ عَنْ الْوَطْءِ، فَهُوَ مِثْلُ الْعُنَّةِ فَتُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ وَتُعْتَبَرُ حَشَفَتُهُ بِأَقْرَانِهِ فِي غَيْرِ مَقْطُوعِهَا وَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَشَفَتُهُ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْعَادَةَ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ، وَيُصَدَّقُ هُوَ فِي بَقَاءِ قَدْرِهَا لَوْ أَنْكَرَتْهُ. وَقَوْلُهُ: " حَشَفَةُ ذَكَرِهِ " أَيْ كَبُرَتْ أَوْ صَغُرَتْ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ ذَكَرِهِ قَدْرُ حَشَفَةٍ مُعْتَدِلَةٍ أَوْ أَكْثَرُ لَكِنْ دُونَ حَشَفَتِهِ أَوْ صَغُرَتْ حَشَفَتُهُ جِدًّا وَكَانَ الْبَاقِي قَدْرَهَا دُونَ الْمُعْتَدِلَةِ فَلَا خِيَارَ، وَبَقِيَ مَا لَوْ ثَنَى ذَكَرَهُ مَعَ انْتِشَارِهِ وَأَدْخَلَ مِنْهُ قَدْرَ الْحَشَفَةِ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَدْرِهَا مَعَ وُجُودِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (قَدْرُهَا) بِرَفْعِ قَدْرِ بَدَلًا مِنْ مَا الْوَاقِعُ فَاعِلًا لِقَوْلِهِ: " بَقِيَ " أَيْ إنْ بَقِيَ قَدْرٌ يُولَجُ وَأَمْكَنَ وَطْؤُهُ بِهِ. قَوْلُهُ: (فِي إمْكَانِ الْوَطْءِ بِهِ) أَيْ فِيمَا يُولَجُ قَدْرُهَا. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِهِ) أَيْ بِالْمَجْبُوبِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْجَبِّ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَخَرَجَ بِهِ أَيْ الْجَبُّ الْخِصَاءُ. قَوْلُهُ: (فَلَا خِيَارَ بِهِ) أَيْ بِالْخِصَاءِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْخَصِيِّ. قَوْلُهُ: (الْعُنَّةُ) أَيْ الْعَجْزُ عَنْ الْوَطْءِ وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ لَهَا مُطْلَقًا، أَوْ لِكَوْنِهَا بِكْرًا دُونَ غَيْرِهَا وَإِنْ حَصَلَ بِمَرَضٍ يَدُومُ سم. قَوْلُهُ: (وَهُوَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ) الْأَوْلَى: " وَهِيَ " إلَّا أَنْ تُؤَوَّلَ الْعُنَّةُ بِالْمَرَضِ أَوْ بِكَوْنِهَا خَامِسَ الْعُيُوبِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورَ مِنْ دَعْوَى الْعُنَّةِ. قَوْلُهُ: (وَإِقْرَارُهُمَا لَغْوٌ) أَيْ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِمَا غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، فَلَيْسَ هُنَاكَ يَمِينٌ مَرْدُودَةٌ. قَوْلُهُ: (وَبِقَيْدِ قَبْلَ الْوَطْءِ الْعُنَّةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَهُ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: أَمَّا بَعْدَ الْوَطْءِ فَلَا خِيَارَ لَهَا بِالْعُنَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ رَجَاءِ زَوَالِهَا عَرَفَتْ قُدْرَتَهُ عَلَى الْوَطْءِ وَوَصَلَتْ إلَى حَقِّهَا مِنْهُ بِخِلَافِ الْجَبِّ اهـ. وَقَوْلُهُ: عَرَفَتْ قُدْرَتَهُ عَلَى الْوَطْءِ وَوَصَلَتْ إلَخْ ". إنْ قُلْت هَذَا التَّعْلِيلَ يَأْتِي فِي الْمَجْبُوبِ إذَا كَانَ الْجَبُّ بَعْدَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ عَرَفَتْ قُدْرَتَهُ عَلَى الْوَطْءِ وَوَصَلَتْ إلَى حَقِّهَا، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْمَجْبُوبِ إلَّا إذَا جَبَّ قَبْلَ الْوَطْءِ مَعَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مُطْلَقًا. فَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَعَ رَجَاءِ زَوَالِهَا أَيْ الْعُنَّةِ فِي الْعِنِّينِ، بِخِلَافِ الْمَجْبُوبِ فَلَا يَرْجُو زَوَالَ عِلَّتِهِ؛ أَفَادَهُ شَيْخُنَا: وَقَوْلُهُ: " قَبْلَ الْوَطْءِ " بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي التَّحْلِيلِ، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَلَا يَزُولُ حُكْمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 بَعْدَهُ وَلَوْ مَرَّةً، بِخِلَافِ حُدُوثِ الْجَبِّ بَعْدَ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ خِيَارُ الْفَسْخِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ. وَفَرَّقَ بِتَوَقُّعِ زَوَالِ الْعُنَّةِ بِحُصُولِ الشِّفَاءِ وَعَوْدِ الدَّاعِيَةِ لِلِاسْتِمْتَاعِ فَهِيَ مُتَرَجِّيَةٌ لِحُصُولِ مَا يُعِفُّهَا بِخِلَافِ الْجَبِّ لِيَأْسِهَا مِنْ تَوَقُّعِ حُصُولِ مَا يُعِفُّهَا. تَنْبِيهٌ: ثُبُوتُ الْخِيَارِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ قَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ؛ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ. وَفِي الصَّحِيحِ: «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» . قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: وَأَمَّا الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فَإِنَّهُ أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْدِي الزَّوْجَ وَيُعْدِي الْوَلَدَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ مِمَّا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ وَالتَّجَارِبِ أَنَّهُ يُعْدِي كَثِيرًا، وَهُوَ مَانِعٌ لِلْجِمَاعِ لَا تَكَادُ النَّفْسُ أَنْ تَطِيبَ أَنْ تُجَامِعَ مَنْ هُوَ بِهِ، وَالْوَلَدُ قَلَّمَا يَسْلَمُ مِنْهُ وَإِنْ سَلِمَ أَدْرَكَ نَسْلَهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ يُعْدِي وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ: «لَا عَدْوَى» ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يُعْدِيَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِنَفْسِهِ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ رَدًّا لِمَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ نِسْبَةِ الْفِعْلِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَوْ حَدَثَ بِالزَّوْجِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَيْبٌ كَأَنْ جَبَّ ذَكَرُهُ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَوْ بِفِعْلِهَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ، بِخِلَافِ حُدُوثِ الْعُنَّةِ بَعْدَ الدُّخُولِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَإِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ. وَلَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ تَخَيَّرَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ   [حاشية البجيرمي] الْعُنَّةِ إلَّا بِالِافْتِضَاضِ بِآلَتِهِ. اهـ. س ل ق ل. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ حُدُوثِ الْجَبِّ) فَيَتَخَيَّرُ بِهِ، وَمِثْلُهُ حُدُوثُ الرَّتْقِ فِيهَا وَالْقَرَنِ بَعْدَ الْوَطْءِ فَيَتَخَيَّرُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّ ذَلِكَ) أَيْ مَجِيءُ الْآثَارِ بِهِ. قَوْلُهُ: (رَوَاهُ) أَيْ الثُّبُوتُ الْمَذْكُورُ. قَوْلُهُ: (وَعَوَّلَ عَلَيْهِ) أَيْ اعْتَمَدَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ عُمَرَ وَالشَّافِعِيُّ مُجْتَهِدٌ وَالْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ مِثْلَهُ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ عَدَمَ التَّقْلِيدِ فِيمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الرَّأْيِ لَا مَا كَانَ عَنْ تَوْقِيفٍ أَيْ سَمَاعٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ نَحْوِهِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ لِيَشْرَحَ بِهِ مُسْتَنَدَ التَّوْقِيفِ وَذَكَرَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ لِيُظْهِرَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْقُولِ الْمَعْنَى لَا مِنْ التَّعَبُّدِيِّ وَإِنْ كَانَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَفِي الصَّحِيحِ) أَيْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ» الْحَدِيثَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَجْذُومِ وَفْدِ ثَقِيفٍ: ارْجِعْ فَقَدْ بَايَعْنَاك» وَفِي الْمَرْفُوعِ: «لَا تُدِيمُوا النَّظَرَ إلَى الْمَجْذُومِينَ» . وَجَاءَ: «كَلِّمْ الْمَجْذُومَ وَبَيْنَك وَبَيْنَهُ قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ» وَهَذَا مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا أَرَادُوا فِعْلَ شَيْءٍ كَسَفَرِ مَثَلًا يُطَيِّرُونَ الطَّيْرَ، فَإِنْ طَارَ عَلَى الْيَمِينِ يَتَفَاءَلُونَ بِهِ، وَإِنْ طَارَ عَلَى الشِّمَالِ يَتَشَاءَمُونَ بِهِ. وَبِمَا جَاءَ فِي أَحَادِيثَ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مَعَ الْمَجْذُومِ طَعَامًا وَأَخَذَ بِيَدِهِ وَجَعَلَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ وَقَالَ: كُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ» . وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِ الْمَجْذُومِ إرْشَادِيٌّ وَمُوَاكَلَتِهِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَجَوَازُ الْمُخَالَطَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ قَوِيَ إيمَانُهُ وَعَدَمُ جَوَازِهَا عَلَى مَنْ ضَعُفَ إيمَانُهُ؛ وَمِنْ ثَمَّ بَاشَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصُّورَتَيْنِ لِيُقْتَدَى بِهِ فَيَأْخُذَ الْقَوِيُّ الْإِيمَانِ بِطَرِيقِ التَّوَكُّلِ وَالضَّعِيفُ الْإِيمَانِ بِطَرِيقِ الْحِفْظِ وَالِاحْتِيَاطِ كَمَا ذَكَرَهُ ح ل فِي سِيرَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّجَارِبِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ تَجْرِبَةٍ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ جَرَّبْت الشَّيْءَ تَجْرِيبًا اخْتَبَرْته مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَالِاسْمُ التَّجْرِبَةُ وَالْجَمْعُ التَّجَارِبُ مِثْلُ الْمَسَاجِدِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَدَثَ بِالزَّوْجِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَيْبٌ) هَذَا تَقَدَّمَ، وَأَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (عَيْبٌ) أَيْ مِنْ الْخَمْسَةِ. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ " غَايَةٌ فِيمَا عَدَا الْعُنَّةِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعْمِيمٌ فِي الْحُدُوثِ لَا فِي التَّخْيِيرِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مُسَلَّمًا، فَكَانَ الْأَنْسَبُ لِلشَّارِحِ تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ تَخَيَّرَ. قَوْلُهُ: (بِمُقَارِنِ جَبٍّ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، أَيْ بِجَبٍّ مُقَارِنٍ وَعُنَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْعَقْدِ، فَإِذَا زَوَّجَهَا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَجْبُوبٌ أَوْ عِنِّينٌ حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَا خِيَارَ لِلْوَلِيِّ بَلْ الْخِيَارُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا فِي ذَلِكَ وَلَا حَقَّ لِلْوَلِيِّ فِيهِ؛ قَالَ الْعَلَّامَةُ الزِّيَادِيُّ: وَاسْتُشْكِلَ تَصْوِيرُ مُقَارَنَةِ الْعُنَّةِ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَهُ. وَأُجِيبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 وَبَعْدَهُ كَمَا لَوْ حَدَثَ بِهِ، وَلَا خِيَارَ لِوَلِيٍّ بِحَادِثٍ وَكَذَا بِمُقَارِنِ جَبٍّ وَعُنَّةٍ لِلْعَقْدِ، وَيَتَخَيَّرُ بِمُقَارِنِ جُنُونِ الزَّوْجِ وَإِنْ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِهِ، وَكَذَا بِمُقَارِنِ جُذَامٍ وَبَرَصٍ فِي الْأَصَحِّ لِلْعَارِ. وَالْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ إذَا ثَبَتَتْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْفَسْخِ بِعَيْبِ الْعُنَّةِ، وَكَذَا بَاقِي الْعُيُوبِ رَفْعٌ إلَى حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ. وَتَثْبُتُ الْعُنَّةُ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَطْلَعَ لِلشُّهُودِ عَلَيْهَا، وَتَثْبُتُ أَيْضًا بِيَمِينِهَا بَعْدَ نُكُولِهِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ ضَرَبَ الْقَاضِي لَهُ سَنَةً كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِطَلَبِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، فَإِذَا تَمَّتْ رَفَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي، فَإِنْ قَالَ: وَطِئْتُ حَلَفَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَاسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ كَمَا يَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ   [حاشية البجيرمي] بِإِمْكَانِ تَصْوِيرِهَا بِمَا إذَا تَزَوَّجَهَا وَعَنَّ عَنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَأَرَادَ تَجْدِيدَ نِكَاحِهَا. قَوْلُهُ: (وَيَتَخَيَّرُ) أَيْ الْوَلِيُّ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْ سَيِّدًا فِي أَمَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِهِ) أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ أَمَّا لَوْ رَضِيَتْ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَهِيَ غَيْرُ مُجْبَرَةٍ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ حَرَّرَهُ ح ل. وَفِي ع ش عَلَى م ر: وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بَالِغَةً رَشِيدَةً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَإِنْ رَضِيَتْ؛ لِأَنَّ رِضَا غَيْرِهَا لَا أَثَرَ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْخِيَارُ إلَخْ) وَكَذَا الرَّفْعُ لِلْقَاضِي عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا فَوْرِيٌّ أَيْضًا كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (إذَا ثَبَتَتْ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مُشَاهَدَتِهَا فِي غَيْرِ الْعُنَّةِ أَوْ الْإِقْرَارِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُنَّةِ أَوْ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْرَارِ لَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مُشَاهَدَتِهَا، إذْ لَا يُشَاهَدُ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعُيُوبِ فَإِنَّهَا تُشَاهَدُ فَتُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَى مُشَاهَدَتِهَا. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (رَفْعٌ إلَى حَاكِمٍ) أَيْ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ثُبُوتِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعُيُوبِ، وَمِثْلُ الْقَاضِي الْمُحَكِّمُ بِشَرْطِهِ حَيْثُ نَفَّذَ حُكْمَهُ بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا عِنْدَ فَقْدِ الْقَاضِي وَلَوْ قَاضِيًا ضَرُورَةً كَمَا فِي شَرْحِ م ر وع ش عَلَيْهِ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَقَدْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا بِالْعُنَّةِ أَيْ الْمُقَارِنَةِ لِلْعَقْدِ، وَالزَّوْجُ مُكَلَّفٌ، بِأَنْ نَكَحَ حُرٌّ أَمَةً بِشَرْطِهِ لِلُزُومِ الدَّوْر، إذْ سَمَاعُهَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ وَبُطْلَانُهُ يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانُ دَعْوَاهَا اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ صَادِرٌ مِنْ مُجْتَهِدٍ. قَوْلُهُ: (بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ) أَيْ عِنْدَ الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْفَسْخُ لِلْعُيُوبِ. وَقَوْلُهُ: " لَا مَطْلَعَ " بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، أَيْ لَا اطِّلَاعَ، فَسَاوَى تَعْبِيرَ غَيْرِهِ بِلَا اطِّلَاعٍ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: لَا بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَطْلَعَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِيَمِينِهَا) أَيْ اعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةٍ. قَوْلُهُ: (ضَرَبَ الْقَاضِي إلَخْ) وَلَوْ غَيْرُ الَّذِي أَثْبَتَ عُنَّتُهُ. وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ ضَرَبَ الْقَاضِي لَهُ سَنَةً هَلْ وَلَوْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ عَجْزٌ خُلُقِيٌّ تَوَقَّفَ سم، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِهَا لَكِنَّ الْمَعْصُومَ وَاجِبُ التَّصْدِيقِ، فَالْأَقْرَبُ عَدَمُ ضَرْبِ السَّنَةِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ نَاقِضٌ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ بِخَبَرِهِ؛ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (سَنَةً) سَوَاءٌ الْحُرُّ وَالرَّقِيقُ وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ ضَرْبِ الْحَاكِمِ ق ل. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ الضَّرْبِ لَا الثُّبُوتِ بِخِلَافِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَإِنَّهَا مِنْ وَقْتِ الْحَلِفِ لِلنَّصِّ، وَتُعْتَبَرُ السَّنَةُ بِالْأَهِلَّةِ كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَابَعَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ، وَقَالُوا: تَعَذُّرُ الْجِمَاعِ قَدْ يَكُونُ لِعَارِضِ حَرَارَةٍ فَتَزُولُ فِي الشِّتَاءِ أَوْ بُرُودَةٍ فَتَزُولُ فِي الصَّيْفِ أَوْ يُبُوسَةٍ فَتَزُولُ فِي الرَّبِيعِ أَوْ رُطُوبَةٍ فَتَزُولُ فِي الْخَرِيفِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ يَطَأْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَجْزٌ خُلُقِيٌّ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: " قَدْ يَكُونُ لِعَارِضِ حَرَارَةٍ " فِيهِ اكْتِفَاءٌ بِإِحْدَى صِفَتَيْ كُلِّ فَصْلٍ عَنْ الثَّانِيَةِ فِيهِ، إذْ فِي الصَّيْفِ مَعَ الْحَرَارَةِ الْيُبُوسَةُ وَفِي الشِّتَاءِ مَعَ الْبُرُودَةِ الرُّطُوبَةُ وَفِي الرَّبِيعِ مَعَ الرُّطُوبَةِ الْحَرَارَةُ وَفِي الْخَرِيفِ مَعَ الْبُرُودَةِ الْيُبُوسَةُ. وَاقْتِصَارُهُمْ عَلَى الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِمُضَادَّتِهَا لِبَعْضِهَا فَالْيُبُوسَةُ فِي الصَّيْفِ وَالرُّطُوبَةُ فِي الشِّتَاءِ ضِدَّانِ وَالْحَرَارَةُ فِي الرَّبِيعِ وَالْبُرُودَةُ فِي الْخَرِيفِ ضِدَّانِ وَإِنْ كَانَ لِشُهْرَتِهَا، فَالْحَرَارَةُ فِي الرَّبِيعِ وَالْبُرُودَةُ فِي الْخَرِيفِ أَشْهَرُ، فَلَوْ ذَكَرُوا فِي كُلِّ فَصْلٍ صِفَتَهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَشْهَرُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِطَلَبِ الزَّوْجَةِ) فَلَوْ سَكَتَتْ لِجَهْلٍ أَوْ دَهْشَةٍ فَلَا بَأْسَ بِتَنْبِيهِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ وُجُوبِ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِتَقْصِيرِهَا بِعَدَمِ الْبَحْثِ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَيَكْفِي فِي طَلَبِهَا قَوْلُهَا إنِّي طَالِبَةٌ حَقِّي مِنْ ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَالتَّخْيِيرُ عَلَى مُوجَبِ الشَّرْعِ أَيْ مَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ. قَوْلُهُ: (رَفَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي) أَيْ فَوْرًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ ادَّعَتْ جَهْلَ الْفَوْرِيَّةِ عُذِرَتْ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى اهـ. ح ل. وَعِبَارَةُ ق ل: وَالْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ أَيْ لِمَنْ عَلِمَ بِهِ وَبِفَوْرِيَّتِهِ وَيُعْذَرُ مِنْ جَهِلَهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 مَنْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا. خَاتِمَةٌ: حَيْثُ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِصَابَةِ كَانَ الْمُصَدَّقُ نَافِيهَا أَخْذًا بِالْأَصْلِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى: الْعِنِّينُ كَمَا مَرَّ. الثَّانِيَةُ: الْمَوْلَى وَهُوَ كَالْعِنِّينِ فِي أَكْثَرِ مَا ذُكِرَ الثَّالِثَةُ: إذَا ادَّعَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَنَّ الْمُحَلِّلَ وَطِئَهَا وَفَارَقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَأَنْكَرَ الْمُحَلِّلُ الْوَطْءَ، فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِحَلِّهَا لِلْأَوَّلِ. الرَّابِعَةُ: إذَا عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِعَدَمِ الْوَطْءِ فَادَّعَاهُ وَأَنْكَرَتْهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ. وَذَكَرْتُ صُوَرًا أُخْرَى فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مَنْ أَرَادَهَا فَلْيُرَاجِعْهُ.   [حاشية البجيرمي] وَأَمْكَنَ وَلَوْ مُخَالِطًا لَنَا اهـ. وَعِبَارَةُ م ر: وَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْجَهْلَ بِأَصْلِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ أَوْ بِفَوْرِيَّتِهِ إنْ أَمْكَنَ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِطًا لِلْعُلَمَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْعُلَمَاءِ هُنَا مَنْ يَعْرِفُ هَذَا الْحُكْمَ وَإِنْ جَهِلَ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَالَ وُطِئَتْ) أَيْ وَهِيَ ثَيِّبٌ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ أَوْ بِكْرٌ غَوْرَاءُ كَمَا قَالَهُ ح ل، وَمَا قَالَهُ ح ل ضَعِيفٌ تَبِعَ فِيهِ زي. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَلَوْ غَوْرَاءَ شَهِدَ بِبَكَارَتِهَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ تَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ دُونَهُ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر فِي شَرْحِهِ آخِرًا، وَضَرَبَ عَلَى غَيْرِ غَوْرَاءَ فِي نُسْخَتِهِ وَالْغَوْرَاءُ هِيَ بَعِيدَةُ الْبَكَارَةِ. قَوْلُهُ: (وَاسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ) لَكِنْ بَعْدَ قَوْلِ الْقَاضِي ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ عِنْدِي أَوْ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْقَاضِي فَلَهَا الْفَسْخُ وَحَيْثُ وَقَعَ الْفَسْخُ فَإِنْ كَانَ بِحَادِثٍ بَعْدَ الْوَطْءِ وَجَبَ الْمُسَمَّى وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ ق ل. وَقَوْلُهُ " ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ " وَلَا يُشْتَرَطُ قَوْلُ الْقَاضِي حَكَمْتُ بِالْفَسْخِ كَمَا فِي زي، وَعِبَارَتُهُ: وَبَحَثَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَكَمْتُ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِغَيْرِ حُكْمٍ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَقَدْ وُجِدَ. فَرْعٌ: لَا نَفَقَةَ لِلْمَفْسُوخِ نِكَاحُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ حَائِلًا أَوْ حَامِلًا لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النِّكَاحِ، وَلَهَا السُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ تَحْصِينًا لِلْمَاءِ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي مَسَائِلَ) ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا أَرْبَعَةً. قَوْلُهُ: (فِي أَكْثَرِ مَا ذُكِرَ) أَيْ فِي أَكْثَرِ صُوَرِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْإِصَابَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْكَرَ الْمُحَلِّلُ الْوَطْءَ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى حُصُولِ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (لِحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا لَا بِالنِّسْبَةِ لِغُرْمِ الْمَهْرِ بِتَمَامِهِ، بَلْ لَا يَغْرَمُ الْمُحَلِّلُ إلَّا نِصْفَ الْمَهْرِ عَمَلًا بِإِنْكَارِهِ الْوَطْءَ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ. قَوْلُهُ: (الرَّابِعَةُ إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا) كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَطَأْك فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَوْلُهُ: " فَادَّعَاهُ " أَيْ الْوَطْءَ لِأَجْلِ عَدَمِ الْوُقُوعِ. وَلَوْ شُرِطَتْ بَكَارَتُهَا فَوُجِدَتْ ثَيِّبًا فَقَالَتْ افْتَضَّنِي وَأَنْكَرَ صُدِّقَتْ لِدَفْعِ الْفَسْخِ وَهُوَ لِدَفْعِ كَمَالِ الْمَهْرِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَقَالَتْ أَنَا طَاهِرٌ وَلَمْ تَطَأْ فِي هَذَا الطُّهْرِ فَيَقَعُ حَالًا، وَقَالَ أَنَا وَطِئْتُ فِيهِ فَلَا يَقَعُ حَالًا، صُدِّقَ هُوَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ. وَنَظِيرُهُ مَا أَفْتَى بِهِ الْقَاضِي فِيمَا إذَا لَمْ أُنْفِقْ عَلَيْك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَادَّعَى الْإِنْفَاقَ فَيُصَدَّقُ لِدَفْعِ الطَّلَاقِ وَهِيَ لِبَقَاءِ النَّفَقَةِ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا اهـ أج. وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ وَاطِئٍ فِي سِتَّةٍ ... مَضْبُوطَةٍ بِالْحِفْظِ عِنْدَ الثِّقَةِ الْحِلْفُ فِي التَّحْلِيلِ وَالثُّيُوبَةِ ... وَالْوَطْءِ مَعَ فَرْعٍ أَتَى وَعُنَّةِ وَمِثْلُ ذَا الْإِيلَاءُ وَالتَّعْلِيقُ ... بِطَلْقَةٍ لِسُنَّةٍ تَحْقِيقُ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ أَيْضًا فَقَالَ: إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي وَطْئِهِ لَهَا ... فَمَنْ مِنْهُمَا يَنْفِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ سِوَى صُوَرٍ سِتٍّ فَمُثْبِتُهُ هُوَ ال ... مُصَدَّقُ فَاحْفَظْ مَا تَبَيَّنَ نَقْلُهُ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْوَطْءِ قَبْلَ طَلَاقِهَا ... وَجَاءَ لَهُ مِنْهَا عَلَى الْفُرُشِ نَجْلُهُ فَأَنْكَرَهُ فَالْقَوْلُ فِي ذَاكَ قَوْلُهَا ... وَيَلْزَمُهُ شَرْعًا لَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 فَصْلٌ: فِي الصَّدَاقِ   [حاشية البجيرمي] كَذَلِكَ عِنِّينٌ يَقُولُ وَطِئْتهَا ... زَمَانَ امْتِهَالٍ حَيْثُ يُمْكِنُ فِعْلُهُ كَذَلِكَ مُولٍ قَالَ إنِّي وَطِئْتهَا ... وَفِئْت فَلَا تَطْلِيقَ يُلْفِي وَمِثْلُهُ إذَا طَاهِرٌ كَانَتْ وَقَالَ لِسُنَّةٍ ... سَمْتٍ أَنْتِ فِيهَا طَالِقٌ صَحَّ عَقْلُهُ فَقَالَ بِهَذَا الطُّهْرِ إنِّي وَطِئْتهَا ... وَمَا طَلَّقْت لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْهُ حَبْلُهُ وَمَنْ طَلُقَتْ مِنْهُ ثَلَاثًا وَزُوِّجَتْ ... بِغَيْرٍ وَفِيهَا قَالَ مَا غَابَ قَبْلُهُ فَقَالَتْ بَلَى قَدْ غَابَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ... وَأَدْرَكَ ذَاكَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ حَلُّهُ وَإِنْ زُوِّجَتْ عُرْسٌ بِشَرْطِ بَكَارَةِ ... فَقَالَتْ لَنَا إنَّ الثُّيُوبَةَ فِعْلُهُ وَأَنْكَرَهُ فَالْقَوْلُ فِي ذَاكَ قَوْلُهَا ... وَلَيْسَ لَهُ مِنْهَا خِيَارٌ يُنِيلُهُ وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا مَا لَوْ أَعَسْرَ بِالْمَهْرِ حَتَّى يَمْتَنِعَ فَسْخُهَا بِهِ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ فِي ذَاكَ قَوْلُهَا لِتَرْجِيحِ جَانِبِهَا بِالْوَلَدِ، فَإِنْ نَفَاهُ عَنْهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِانْتِفَاءِ الْمُرَجَّحِ، وَكَذَا يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ مُؤَاخَذَةً لَهَا بِقَوْلِهَا وُطِئَتْ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى عَمَلًا بِإِنْكَارِهِ الْوَطْءَ؛ شَرْحُ الرَّوْضِ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ سَمْتٍ أَنْتِ فِيهَا، أَيْ إذَا قَالَ لِطَاهِرٍ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَقَالَ وَطِئْتُ فِي هَذَا الطُّهْرِ فَلَا طَلَاقَ حَالًا لِكَوْنِهَا بِدْعِيًّا وَقَالَتْ لَمْ تَطَأْ فَيَقَعُ حَالًا صُدِّقَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ. وَقَوْلُهُ سَمْتٍ أَتَى بِهِ لِأَجْلِ النَّظْمِ. وَقَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا أَيْ لِحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ لَا لِتَقْرِيرِ مَهْرِهَا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِدَفْعِ كَمَالِ الْمَهْرِ بَلْ عَلَيْهِ النِّصْفُ فَقَطْ. وَقَوْلُهُ بَعْدُ فِي ذَاكَ قَوْلُهَا أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِدَفْعِ الْفَسْخِ وَهُوَ لِدَفْعِ كَمَالِ الْمَهْرِ. فَرْعٌ: سُئِلَ الْعَلَّامَةُ الزِّيَادِيُّ عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ إلَّا بِإِذْنٍ مَنْ أَبِي زَوْجَتِهِ مَثَلًا وَسَافَرَ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ أَبُو الزَّوْجَةِ أَنَّهُ سَافَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَالَ إنَّمَا سَافَرْت بِإِذْنِك فَمَنْ يُصَدَّقُ مِنْهُمَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِيَدِهِ فَلَا تُزَالُ إلَّا بِيَقِينٍ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. [فَصْلٌ فِي الصَّدَاقِ] بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا مَأْخُوذٌ مِنْ الصِّدْقِ لِإِشْعَارِهِ بِصِدْقِ رَغْبَةِ الزَّوْجِ فِي الزَّوْجَةِ وَقِيلَ مُشْتَقٌّ مِنْ الصَّدْقِ بِفَتْحِ الصَّادِ وَسُكُونِ الدَّالِ اسْمٌ لِلشَّدِيدِ الصَّلْبِ فَكَأَنَّهُ أَشَدُّ الْأَعْوَاضِ لُزُومًا مِنْ جِهَةِ عَدَمِ سُقُوطِهِ بِالتَّرَاضِي وَيُنْدَبُ كَوْنُهُ مِنْ الْفِضَّةِ وَجَمْعُهُ أَصْدِقَةٌ وَصُدُقٌ وَالْأَوَّلُ جَمْعُ قِلَّةٍ وَالثَّانِي كَثْرَةٍ وَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ فِي اسْمِ مُذَكِّرٍ رُبَاعِيٍّ بِمَدْ ... ثَالِثِ أَفْعِلَةٍ عَنْهُمْ اطَّرَدْ وَلِلثَّانِي بِقَوْلِهِ وَفَعَلَ لِاسْمٍ رُبَاعِيٍّ بِمَدْ ... قَدْ زِيدَ قَبْلَ لَامٍ إعْلَالًا فَقَدْ وَلَهُ ثَمَانِيَةُ أَسْمَاءٍ مَجْمُوعَةٍ فِي بَيْتٍ صَدَاقٌ وَمَهْرٌ نِحْلَةٌ وَفَرِيضَةٌ ... حِبَاءٌ وَأَجْرٌ ثُمَّ عُقْرٌ عَلَائِقُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثَلَاثَةً فِي بَيْتٍ فَقَالَ وَطَوْلٌ نِكَاحٌ ثُمَّ خُرْصٌ تَمَامُهَا ... فَفَرْدٌ وَعَشْرٌ عُدَّ ذَاكَ مُوَافِقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا مَا وَجَبَ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءٍ أَوْ تَفْوِيتِ بُضْعٍ قَهْرًا كَرَضَاعٍ وَرُجُوعِ شُهُودٍ.   [حاشية البجيرمي] وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ صَدَقَةٌ فَتَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ وَنَطَقَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ مِنْهَا بِسِتَّةٍ الصَّدَقَةُ وَالنِّحْلَةُ {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] وَنِكَاحٌ {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [النور: 33] وَأَجْرٌ {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 25] وَفَرِيضَةٌ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] وَطَوْلٌ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] وَوَرَدَتْ السُّنَّةُ بِالْبَاقِي وَالْعُقْرُ بِالضَّمِّ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِدِيَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَهْرِ وَقِيلَ الصَّدَاقُ مَا وَجَبَ بِغَيْرِهِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ قَوْلُهُ (أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا) وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْكَسْرُ أَفْصَحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ قَوْلُهُ (مَا وَجَبَ بِنِكَاحٍ) هُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِمْ مَالٌ لِأَنَّ هَذَا شَامِلٌ لِلْمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ نَعَمْ شُمُولُهُ لِلِاخْتِصَاصِ لَيْسَ مُرَادًا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ مَا صَحَّ ثَمَنًا صَحَّ صَدَاقًا وَهَذَا مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ وَأَمَّا مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ فَهُوَ مَا وَجَبَ بِالنِّكَاحِ وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ أَعَمُّ مِنْ اللُّغَوِيِّ عَكْسُ الْمَشْهُورِ أَيْ وَيَكُونُ قَوْلُهُمْ فِي تَوْجِيهِ تَسْمِيَتِهِ صَدَاقًا لِإِشْعَارِهِ بِصِدْقِ رَغْبَةٍ بَاذِلِهِ فِي النِّكَاحِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِمَا ذُكِرَ فِي الْعَقْدِ فَلَا يَشْمَلُ مَا وَجَبَ بِتَفْوِيتِهِ قَهْرًا أَوْ مَا وَجَبَ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر فَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ التَّفْوِيضُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ وَإِنْ كَانَ مُبْتَدَأً بِالْفَرْضِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ فَشَمِلَهُ قَوْلُهُ هُنَا بِنِكَاحٍ أَيْ مَا كَانَ أَصْلُهُ النِّكَاحُ وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ لِأَنَّهُ مَتَى أُطْلِقَ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالتَّمْكِينِ وَالْمُرَادُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ أَمَّا الْفَاسِدُ فَيَسْتَقِرُّ بِالْوَطْءِ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ وَطْءٍ فِيهِ فَلَا اسْتِقْرَارَ وَلَا إرْثَ كَمَا قَالَ الرَّحْمَانِيُّ قَالَ الْعَلَّامَةُ الدَّيْرَبِيُّ نَقْلًا عَنْ مَشَايِخِهِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ أَنَّ الْمَهْرَ قَدْ يَجِبُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ كَمَا فِي شُهُودِ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعُوا فَإِنَّهُمْ يَغْرَمُونَ الْمَهْرَ لِلزَّوْجِ وَقَدْ يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ لِامْرَأَةٍ زَوْجَتَيْنِ بِإِذْنِهَا وَأَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكُبْرَى زَوْجَتَهُ الصُّغْرَى فَإِنَّهُ يَجِبُ الْمَهْرُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِإِرْضَاعِهَا وَيَكُونُ الْمَهْرُ لِسَيِّدَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَقَدْ يَجِبُ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَةُ الْحُرِّ الْكُبْرَى زَوْجَتَهُ الصُّغْرَى فَيَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ مَهْرُهَا لِلزَّوْجِ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ عَلَيْهِ بُضْعَهَا وَنِصْفُ مَهْرٍ لِلصَّغِيرَةِ ق ل وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إلَّا نِصْفُ مَهْرٍ لِلصَّغِيرَةِ. اهـ. قَوْلُهُ (أَوْ وَطْءٍ) أَيْ فِي شُبْهَةٍ أَوْ تَفْوِيضٍ أَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ فَلَا يَجِبُ بِاسْتِدْخَالِ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ زَوْجِهَا أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ فِي الْقُبُلِ وَلَا بِنَحْوِ خَلْوَةٍ وَلَوْ فِي نَحْوِ رَتْقَاءَ كَمَا يَأْتِي وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ أَنَّ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا يُوجِبُ الْمَهْرَ وَلَعَلَّهُ يُفَارِقُ الذَّكَرَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْوَطْءِ كَالْبَهِيمَةِ أَوْ يُخَصُّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ بِكَوْنِهِ فِي الزَّوْجَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ نَظَرًا لِوُجُودِ الْعَقْدِ فِيهَا فَرَاجِعْهُ ق ل قَوْلُهُ: (كَرَضَاعٍ) كَأَنْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكُبْرَى الصُّغْرَى بِأَنْ كَانَتْ دُونَ سَنَتَيْنِ وَأَرْضَعَتْهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ الْكُبْرَى صَارَتْ أُمَّ زَوْجَتِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِلصَّغِيرَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَهْرُهَا لِئَلَّا يَخْلُوَ نِكَاحُهَا مَعَ الْوَطْءِ عَنْ غَيْرِ مَهْرٍ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ قَوْلُهُ: (وَرُجُوعِ شُهُودٍ) بِأَنْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ شَهَادَةَ حِسْبَةٍ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَمِنْ صُوَرِ رُجُوعِ الشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدَا بِأَنَّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ رَضَاعًا مُحَرِّمًا فَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا الْقَاضِي ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَنْ الشَّهَادَةِ فَيَغْرَمَانِ الْمَهْرَ لِلتَّفْوِيتِ وَلَا يَعُودُ النِّكَاحُ لِأَنَّ رُجُوعَهُمْ لَا يُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَمَحَلُّ رُجُوعِ الزَّوْجِ عَلَيْهِمْ بِشُرُوطٍ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُمْ وَأَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمْ عَلَى حَيٍّ وَإِلَّا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ وَأَنْ لَا يَثْبُتَ عَدَمُ النِّكَاحِ بِالْمَرَّةِ فَإِنْ شَهِدُوا بِالطَّلَاقِ مَثَلًا ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا غُرْمَ أَيْضًا وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَرُجُوعِ شُهُودٍ أَنَّهُ مِثَالٌ لِلتَّفْوِيتِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الْبُضْعِ حَصَلَ بِالشَّهَادَةِ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] أَيْ عَطِيَّةً مِنْ اللَّهِ مُبْتَدَأَةً وَالْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ الْأَزْوَاجُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَقِيلَ الْأَوْلِيَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَأْخُذُونَهُ وَيُسَمُّونَهُ نِحْلَةً؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَمْتِعُ بِالزَّوْجِ كَاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا أَوْ أَكْثَرَ، فَكَأَنَّهَا تَأْخُذُ الصَّدَاقَ مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ. وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 25] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُرِيدِ التَّزْوِيجِ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (وَيُسْتَحَبُّ) لِلزَّوْجِ (تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ) لِلزَّوْجَةِ (فِي) صُلْبِ (النِّكَاحِ) أَيْ الْعَقْدِ؛ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْلِ نِكَاحًا عَنْهُ» ، وَلِأَنَّهُ   [حاشية البجيرمي] بِالرُّجُوعِ عَنْهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْوَاوُ بِمَعْنًى أَوْ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى تَفْوِيتِ فَيَكُونُ مِثَالًا لِوُجُوبِ الصَّدَاقِ لَا لِتَفْوِيتِ الْبُضْعِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَمْ يَجِبْ بِرُجُوعِ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ: (وَآتُوا) الْخِطَابُ لِلْأَزْوَاجِ وَقِيلَ لِلْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ شَرْعًا لِشُعَيْبٍ لِآيَةِ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] أَيْ سِنِينَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (صَدُقَاتِهِنَّ) مَفْعُولٌ ثَانٍ وَنِحْلَةً حَالٌ مِنْ صَدُقَاتِهِنَّ قَوْلُهُ: (مُبْتَدَأَةً) بِالنَّصْبِ صِفَةً لِعَطِيَّةٍ أَيْ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَمْتِعُ بِالرَّجُلِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَمْتِعُ هُوَ بِهَا فَإِنَّهَا تَسْتَمْتِعُ بِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ بِخُرُوجِ مَنِيِّهَا وَتَرَدُّدِ الذَّكَرِ وَسَرَيَانِ مَنِيِّ الرَّجُلِ فِي رَحِمِهَا وَأَمَّا هُوَ فَيَلْتَذُّ بِالْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقْوَى كَسْبًا مِنْهَا (فَائِدَةٌ) إذَا قَلَّدَ شَخْصٌ الْحَنَفِيَّ وَعَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ فِي مَذْهَبِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ مَذْهَبِ غَيْرِهِ وَيَعْقِدُ عَلَيْهَا بِلَا مُحَلِّلٍ قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ قَوْلُهُ: (وَيُسَمُّونَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى وَيُسَمَّى لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ مِنْ اللَّهِ لَا مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَرْأَةَ) تَعْلِيلٌ لِلتَّسْمِيَةِ قَوْلُهُ: (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أَيْ مُهُورَهُنَّ قَوْلُهُ: (لِمُرِيدِ التَّزْوِيجِ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَلِيُّ إذْ الزَّوْجُ يُرِيدُ التَّزَوُّجَ مَعَ أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ هُوَ الزَّوْجُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِمُرِيدِ التَّزَوُّجِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى لِمُرِيدِ تَزْوِيجِ النَّبِيِّ لَهُ وَلِذَا قَالَ الْتَمِسْ أَيُّهَا الطَّالِبُ التَّزَوُّجَ شَيْئًا تَجْعَلُهُ صَدَاقًا إلَخْ وَالْقِصَّةُ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَكَتَ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ هَلْ مَعَك شَيْءٌ تَصْدُقُهَا إيَّاهُ فَقَالَ مَعِي إزَارِي فَقَالَ إنْ أَعْطَيْتهَا إزَارَك جَلَسْت وَلَا إزَارَ لَك فَقَالَ الْتَمِسْ أَيْ اُطْلُبْ شَيْئًا مِنْ النَّاسِ تَجْعَلُهُ صَدَاقًا وَلَوْ كَانَ مَا تَلْتَمِسُهُ أَيْ تَطْلُبُهُ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ لَمْ أَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ هَلْ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَالَ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ أَصْدِقْهَا إيَّاهُ» فَتَزَوَّجَهَا بِتَعْلِيمِ ذَلِكَ اهـ قَوْلُهُ وَلَوْ خَاتَمًا هَذَا غَايَةٌ فِي الْقِلَّةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ الْخَاتَمِ قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَيُكْرَهُ إخْلَاؤُهُ عَنْهُ، وَقَدْ يَجِبُ كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْقَاصِرَةَ وَلِيُّهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ لَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَدْ يَحْرُمُ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَوْ سَكَتَ لَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ م د. قَوْلُهُ: (لِلزَّوْجِ) لَوْ قَالَ لِلْعَاقِدِ كَانَ أَوْلَى، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَيَّدَ بِالزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ تَارَةً يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ وَتَارَةً يَجِبُ، وَالْمَفْهُومُ الَّذِي فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (فِي صُلْبِ النِّكَاحِ) أَيْ أَثْنَاءِ الْعَقْدِ فَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّوَافُقِ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ فِي اسْتِحْبَابٍ أَوْ الْتِزَامٍ، حَتَّى لَوْ خَالَفَ الْمُسَمَّى فِيهِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَانَ هُوَ أَيْ النِّكَاحَ الْمُعْتَبَرَ سم. وَالصُّلْبُ بِسُكُونِ اللَّامِ وَتُضَمُّ لِلْإِتْبِاعِ وَأَصْلُهُ لُغَةً كُلُّ ظَهْرٍ لَهُ فَقَارٌ أَيْ عِظَامٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ فَفِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ حَيْثُ شَبَّهَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 أَدْفَعُ لِلْخُصُومَةِ؛ وَلِئَلَّا يُشْبِهَ نِكَاحَ الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ السَّيِّدَ إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذِكْرُ الْمَهْرِ، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِبَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إذْ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِهَا حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ) صَدَاقًا بِأَنْ أُخْلِيَ الْعَقْدُ مِنْهُ (صَحَّ الْعَقْدُ) بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا. وَقَدْ تَجِبُ التَّسْمِيَةُ فِي صُوَرٍ: الْأُولَى: إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَ جَائِزَةِ التَّصَرُّفِ أَوْ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ. الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَتْ جَائِزَةَ التَّصَرُّفِ وَأَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلَمْ تُفَوِّضْ، فَزَوَّجَهَا هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ. الثَّالِثَةُ: إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ جَائِزِ التَّصَرُّفِ. وَحَلَّ الِاتِّفَاقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِ الزَّوْجَةِ وَفِيمَا عَدَاهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ فَتَتَعَيَّنُ تَسْمِيَتُهُ بِمَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مِنْهُ. وَإِذَا خَلَا الْعَقْدُ مِنْ التَّسْمِيَةِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُفَوِّضَةً اسْتَحَقَّتْ مَهْرَ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ.   [حاشية البجيرمي] النِّكَاحَ بِشَيْءٍ لَهُ عِظَامٌ وَحَذَفَ الْمُشَبَّهَ بِهِ وَأَثْبَتَ شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِهِ وَهُوَ الصُّلْبُ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُخْلِ نِكَاحًا عَنْهُ) أَيْ نِكَاحًا لِغَيْرِهِ فَلَا يُنَافِي نِكَاحَ الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا الْآتِي. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: " فَلَا يُنَافِي إلَخْ " وَعِبَارَةُ م ر كَعِبَارَةِ الشَّارِحِ هُنَا. وَجَعَلَ الرَّشِيدِيُّ كَلَامَ الرَّمْلِيِّ عَلَى إطْلَاقِهِ. وَقَالَ مُؤَيِّدًا لَهُ أَيْ مُقَوِّيًا لَهُ، وَأَمَّا الْوَاهِبَةُ نَفْسَهَا فَلَمْ يَقَعْ لَهَا نِكَاحٌ اهـ. وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِمَا ذَكَرَهُ م د بِقَوْلِهِ أَيْ نِكَاحًا لِغَيْرِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَدْفَعُ لِلْخُصُومَةِ) أَيْ عِنْدَ التَّنَازُعِ. قَوْلُهُ: (وَلِئَلَّا يُشْبِهَ نِكَاحَ الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: وَقَعَ فِي قَلْبِ أُمِّ شَرِيكٍ الْإِسْلَامُ وَهِيَ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ بِمَكَّةَ وَأَسْلَمَتْ ثُمَّ جَعَلَتْ تَدْخُلُ عَلَى نِسَاءِ قُرَيْشٍ سِرًّا فَتَدْعُوهُنَّ لِلْإِسْلَامِ وَتُرَغِّبُهُنَّ فِيهِ، حَتَّى ظَهَرَ أَمْرُهَا لِأَهْلِ مَكَّةَ فَأَخَذُوهَا وَقَالُوا: لَوْلَا قَوْمُك لَفَعَلْنَا بِك وَفَعَلْنَا وَلَكِنَّا سَنُرِيك مَا يَصِلُ إلَيْهِمْ، فَحَمَلُونِي عَلَى بَعِيرٍ لَيْسَ تَحْتِي شَيْءٌ ثُمَّ تَرَكُونِي ثَلَاثًا لَا يُطْعِمُونِي وَلَا يَسْقُونِي، وَكَانُوا إذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا أَوْقَفُونِي فِي الشَّمْسِ، إذْ أَتَانِي أَبْرَدُ شَيْءٍ عَلَى صَدْرِي فَتَنَاوَلَتْهُ. فَإِذَا هُوَ دَلْوٌ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبْت مِنْهُ قَلِيلًا ثُمَّ نُزِعَ مِنِّي وَرُفِعَ ثُمَّ عَادَ فَتَنَاوَلْته فَشَرِبْتُ فَرُفِعَ ثُمَّ عَادَ مِرَارًا فَشَرِبْتُ حَتَّى رَوَيْتُ، ثُمَّ أَفَضْت عَلَى جَسَدِي وَثِيَابِي؛ فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا إذَا هُمْ بِأَثَرِ الْمَاءِ عَلَى ثِيَابِي فَقَالُوا: تَحَلَّلْتِ، فَأَخَذْتِ سِقَاءَنَا فَشَرِبْتِ مِنْهُ فَقُلْت: لَا وَاَللَّهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْ الْأَمْرِ كَذَا وَكَذَا؛ فَقَالُوا: لَئِنْ كُنْتِ صَادِقَةً لَدِينُكِ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا. فَلَمَّا نَظَرُوا إلَى أَسْقِيَتهمْ وَجَدُوهَا كَمَا تَرَكُوهَا، فَأَسْلَمُوا عِنْدَ ذَلِكَ. «وَأَقْبَلَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَقَبِلَهَا وَدَخَلَ عَلَيْهَا» . وَفِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ صَدَقَ فِي حُسْنِ الِاعْتِقَادِ عَلَى اللَّهِ وَقَطَعَ طَمَعَهُ عَمَّا سِوَاهُ جَاءَتْهُ الْفُتُوحَاتُ مِنْ الْغَيْبِ. اهـ. ح ل فِي السِّيرَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ لَا مِنْ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) ضَعِيفٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فَقَالَ لَا يُسَنُّ ذِكْرُهُ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ؛ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِهَا إلَخْ) لَعَلَّهُ فِي الصَّدَاقِ الْحَالِّ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَيُحْتَمَلُ الْعُمُومُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ التَّعْجِيلِ ق ل. وَذَلِكَ سَبَبٌ لِلْمَحَبَّةِ وَالْأُلْفَةِ وَالْمَوَدَّةِ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ مُؤَجَّلًا. قَوْلُهُ: (مَنْ أَوْجَبَهُ) أَيْ الدَّفْعَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ) جَعَلَهُ الشَّارِحُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَضَمِيرُهُ عَائِدٌ لِلزَّوْجِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ خُصُوصًا مَعَ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ. وَالْأَوْلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ رُجُوعِهِ لِلْعَاقِدِ أَوْ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ وَضَمِيرُهُ عَائِدٌ لِلصَّدَاقِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَجِبُ التَّسْمِيَةُ) وَظَاهِرٌ أَنَّ أَثَرَ الْوُجُوبِ الْإِثْمُ بِالْمُخَالَفَةِ لَا الْبُطْلَانِ سم عَلَى حَجّ. وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ عِنْدَ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ جَائِزَةِ التَّصَرُّفِ) لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ، أَيْ وَرَضِيَ الزَّوْجُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، لِئَلَّا يَفُوتَ عَلَيْهَا الزَّائِدُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. وَكَذَا يُقَالُ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ م د. قَوْلُهُ: (أَوْ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) أَيْ وَرَضِيَ الزَّوْجُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ الْوَلِيُّ رَجَعَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ فَتَفُوتُ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ لَهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (وَحَصَلَ الِاتِّفَاقُ) أَيْ مِنْ الزَّوْجَةِ الرَّشِيدَةِ. قَوْلُهُ: (وَفِيمَا عَدَاهَا) أَيْ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مِنْهُ) فَإِنْ أُخْلِيَ مِنْهُ حَرُمَ وَصَحَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَصَرَّحَ بِهِ سم عَلَى حَجّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 و) إنْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً بِأَنْ قَالَتْ رَشِيدَةٌ لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فَفَعَلَ (وَجَبَ الْمَهْرُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا: الْأَوَّلُ: (أَنْ يَفْرِضَهُ) أَيْ يُقَدِّرَهُ (الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ) قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لِيُفْرَضَ لَهَا لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا وَلَهَا بَعْدَ الْفَرْضِ حَبْسُ نَفْسِهَا لِتَسْلِيمِ الْمَفْرُوضِ الْحَالِّ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لَهُ   [حاشية البجيرمي] مُفَوِّضَةً) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى إصْلَاحِ الْمَتْنِ، إذْ مَا ذَكَرَهُ الْمَتْنُ إنَّمَا يَأْتِي فِي الْمُفَوِّضَةِ لَا فِي غَيْرِهَا، إذْ الْوُجُوبُ فِي غَيْرِهَا بِالْعَقْدِ؛ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ عَلَى الْمُفَوِّضَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " وَإِذَا خَلَا الْعَقْدُ إلَخْ " غَرَضُهُ بِهَذَا إصْلَاحُ الْمَتْنِ، فَإِنَّ الْمَتْنَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَمَّ فِي الْعَقْدِ صَدَاقٌ لَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إلَّا بِوَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَفْوِيضٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا لَمْ يُسَمِّ الصَّدَاقَ وَلَمْ يَكُنْ تَفْوِيضٌ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَرْضٍ وَلَا وَطْءٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ تَفْوِيضٌ فَلَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ وَهَذِهِ هِيَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ صَحَّ الْعَقْدُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً) سُمِّيَتْ الْمَرْأَةُ مُفَوِّضَةً بِكَسْرِ الْوَاوِ لِتَفْوِيضِ أَمْرِهَا إلَى الْوَلِيِّ بِلَا مَهْرٍ وَالْمُرَادُ بِأَمْرِهَا أَمْرُ بُضْعِهَا وَهُوَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَبِفَتْحِهَا لِأَنَّ الْوَلِيَّ فَوَّضَ أَمْرَهَا إلَى الزَّوْجِ أَيْ جَعَلَ لَهُ دَخْلًا فِي إيجَابِهِ إلَى فَرْضِهِ أَوْ إلَى الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ قَالَتْ رَشِيدَةٌ) وَمِثْلُهَا السَّفِيهَةُ الْمُهْمَلَةُ زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ هُمَا قَيْدَانِ. وَقَوْلُهُ " فَفَعَلَ " أَيْ زَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ قَيْدٌ آخَرُ، فَهُوَ مِنْ تَمَامِ تَصْوِيرِ التَّفْوِيضِ وَهُوَ قَاصِرٌ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ سَكَتَ أَوْ زَوَّجَ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَفِي ذَلِكَ يَلْغُو مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ وَيَكُونُ تَفْوِيضًا، وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ إلَّا بِوَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِي الْمَتْنِ، فَخَرَجَ بِالرَّشِيدَةِ مَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ سَفِيهَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَرْضٍ أَوْ وَطْءٍ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " زَوِّجْنِي " مَا لَوْ لَمْ تَأْذَنْ وَكَانَتْ مُجْبَرَةً فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا يُقَالُ لَهَا مُفَوَّضَةٌ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهَا " بِلَا مَهْرٍ " مَا لَوْ قَالَتْ زَوِّجْنِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ. وَهَذَا تَفْوِيضُ الْحُرَّةِ، وَأَمَّا تَفْوِيضُ الْأَمَةِ فَلَهُ صُورَتَانِ: أَنْ يَقُولَ سَيِّدُهَا زَوَّجْتُكهَا بِلَا مَهْرٍ أَوْ يَسْكُتُ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ قَوْلٌ مِنْ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلسَّيِّدِ. وَأَمَّا لَوْ زَوَّجَ الْأَمَةَ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ بِمُؤَجَّلٍ فَيَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا يَكُونُ تَفْوِيضًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَهُ لَا لَهَا، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحُهُ: صَحَّ تَفْوِيضُ رَشِيدَةٍ بِقَوْلِهَا لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فَزَوَّجَ لَا بِمَهْرِ مِثْلٍ بِأَنْ نَفَى الْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ أَوْ زَوَّجَ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ اهـ. وَقَوْلُهُ " رَشِيدَةٌ " أَيْ غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا لِتَدْخُلَ السَّفِيهَةُ الَّتِي لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهَا إذْ هِيَ رَشِيدَةٌ حُكْمًا. وَقَوْلُهُ " بِلَا مَهْرٍ " سَوَاءٌ اقْتَصَرَتْ عَلَى ذَلِكَ أَمْ زَادَتْ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْوَطْءِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ فَيَكُونُ تَفْوِيضًا صَحِيحًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَقَوْلُهُ " فَزَوَّجَ لَا بِمَهْرِ " مِثْلٍ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ مُلْغَاةٌ مِنْ أَصْلِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُوَافِقْ الْإِذْنَ وَلَا الشَّرْعَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَمِّيَ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَلَا يُقَالُ هَذِهِ تَسْمِيَةٌ فَاسِدَةٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ، عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ الْفَاسِدَةَ إنَّمَا تُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا لَمْ يُؤْذِنْ فِي تَرْكِ الْمَهْرِ فَكَانَ هَذَا مُسْتَثْنَى مِنْ التَّسْمِيَةِ أَيْ مَحَلُّ كَوْنِ التَّسْمِيَةِ الْفَاسِدَةِ تُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَفْوِيضٌ مِنْ الْمَرْأَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَجَبَ) هَذَا جَوَابُ قَوْلِهِ " وَإِنْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً " وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً " مِنْ الْمَتْنِ، وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ: وَوَجَبَ الْمَهْرُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، وَقَدْ أَصْلَحَهُ الشَّارِحُ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُوجِبُ الْمَهْرَ إذَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ يُوجِبُهُ فِي غَيْرِ الْمُفَوِّضَةِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ) نَعَمْ لَوْ نَكَحَ فِي الْكُفْرِ مُفَوِّضَةً ثُمَّ أَسْلَمَا وَاعْتِقَادُهُمْ أَنْ لَا مَهْرَ لِلْمُفَوِّضَةِ بِحَالٍ ثُمَّ وَطِئَ فَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَطْئًا بِلَا مَهْرٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ بَاعَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ سم، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمَا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا حَكَمْنَا بِحُكْمِنَا وَقَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ نَكَحَ فِي الْكُفْرِ أَيْ وَهُمَا حَرْبِيَّانِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَمَرَّ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ أَنَّ الْحَرْبِيِّينَ لَا الذِّمِّيِّينَ لَوْ اعْتَقَدُوا أَنْ لَا مَهْرَ إلَخْ وَقَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ لَهَا. لَا يُقَالُ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ وَتَرَافَعَا إلَيْنَا حَكَمْنَا بِحُكْمِنَا فِي الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا أَوْجَبْنَا فِيمَا إذَا لَمْ يُسْلِمَا فَكَيْفَ لَا نُوجِبُهُ إذَا أَسْلَمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الذِّمِّيِّينَ وَالذِّمِّيُّ مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ وَمَا هُنَا فِي الْحَرْبِيِّينَ وَهُوَ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِلْأَحْكَامِ، وَقَوْلُهُ " أَوْ بَاعَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا " أَيْ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَا لِلْبَائِعِ كَمَا قَالَهُ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا) فِيهِ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا يَجِبُ مَهْرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ. وَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا بِمَا يَفْرِضُهُ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، فَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ؛ وَهَذَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذَا فَرَضَ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَمَّا إذَا فَرَضَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَبَذَلَهُ لَهَا وَصَدَّقَتْهُ عَلَى أَنَّهُ مَهْرُ مِثْلِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ. وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ تَرَاضَيَا عَلَى مَهْرٍ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلًا عَنْهُ، بَلْ   [حاشية البجيرمي] الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ فَمَا مَعْنَى الْمُفَوِّضَةِ؟ وَإِنْ قُلْنَا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ فَكَيْفَ تَطْلُبُ مَا لَمْ يَجِبْ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ وَهُوَ الْعَقْدُ جَازَ لَهَا الْحَبْسُ، وَإِذَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا أَوْ حَبَسَهَا الْوَلِيُّ بِسَبَبِ عَدَمِ تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ وَغَيْرَهَا وُجُوبًا مُدَّةُ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ سَاغَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْوَطْءِ أَوْ الْمَوْتِ فَكَيْفَ سَاغَ لَهَا طَلَبُ الْفَرْضِ وَحَبْسُ نَفْسِهَا لِتَسَلُّمِهِ؟ وَلِهَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عِنْدَ ذِكْرِ هَذَا الْإِشْكَالِ: مَنْ طَلَبَ أَنْ يَلْحَقَ مَا وَضَعَهُ عَلَى الْإِشْكَالِ بِمَا هُوَ بَيِّنٌ فَقَدْ طَلَبَ مُسْتَحِيلًا؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ لِوُجُوبِهِ بِنَحْوِ الْفَرْضِ فَلَمَّا جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ وَهُوَ الْعَقْدُ جَازَ لَهَا الطَّلَبُ وَسَيِّدُ الْأَمَةِ وَلَوْ مُكَاتَبَةً كَالْوَلِيِّ كَمَا فِي ق ل. وَلَوْ زَوَّجَ غَرِيبٌ بِنْتَه بِبَلَدٍ وَلَمْ يَسْتَوْفِ مَهْرَهَا، فَلَهُ السَّفَرُ بِهَا إلَى وَطَنِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ الْغَرِيبَةُ إذَا زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ وَلَمْ تَقْبِضْ الصَّدَاقَ لَهَا السَّفَرُ إلَى بَلَدِهَا مَعَ مَحْرَمٍ، وَإِذَا وَفَّى الزَّوْجُ الصَّدَاقَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أُجْرَةُ النَّقْلِ وَالرُّجُوعِ إلَى مَكَانِ الْعَقْدِ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي هَذِهِ الْغَيْبَةِ، قَالَهُ الشَّيْخُ س ل. وَانْظُرْ هَلَّا كَانَتْ مُدَّةُ الْغَيْبَةِ كَمُدَّةِ الْحَبْسِ فَيَكُونُ لَهَا النَّفَقَةُ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ فِي مُدَّتِهِ؟ وَلَعَلَّ الْجَوَابَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ، فَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي هَذِهِ الْغَيْبَةِ لَكَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ. وَفِي شَرْحِ م ر: وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِالشَّامِ وَالْعَقْدُ بِغَزَّةَ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا بِغَزَّةَ اعْتِبَارًا بِمَحَلِّ الْعَقْدِ، فَإِنْ طَلَبَهَا إلَى مِصْرَ فَنَفَقَتُهَا مِنْ الشَّامِ إلَى غَزَّةَ عَلَيْهَا ثُمَّ مِنْ غَزَّةَ إلَى مِصْرَ عَلَيْهِ وَهَلْ مُؤْنَةُ الطَّرِيقِ مِنْ الشَّامِ إلَى غَزَّةَ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ قَالَ الْحَنَّاطِيُّ: نَعَمْ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا نَعَمْ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِأَمْرِهِ وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ تَمْكِينَهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِغَزَّةَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْحَبْسُ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ لِوَلِيِّهِمَا وَفِي الْأَمَةِ لِسَيِّدِهَا أَوْ وَلِيِّهِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَمِثْلُهُمَا السَّفِيهَةُ فَلَا عِبْرَةَ بِتَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا. وَلَوْ بَلَغَتْ الصَّغِيرَةُ وَادَّعَتْ أَنَّ وَلِيَّهَا سَلَّمَهَا بِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَأَرَادَتْ حَبْسَ نَفْسِهَا لِلْقَبْضِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا وَجَازَ لَهَا الْحَبْسُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَغَ الصَّغِيرُ وَقَدْ تَرَكَ أَبُوهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ وَادَّعَى أَنَّهُ تَرَكَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا هُنَا تَفْوِيتٌ حَاصِلٌ وَمَا هُنَاكَ تَفْوِيتٌ مَعْدُومٌ اهـ سم. وَقَوْلُهُ " لِوَلِيِّهِمَا " مَا لَمْ يَرِدْ الْمَصْلَحَةُ فِي التَّسْلِيمِ، وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ بِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ تَظْهَرُ ثَمَّ غَالِبًا، وَكَذَا يُقَالُ فِي وَلِيِّ السَّفِيهَةِ اهـ ح ل. وَمِثْلُ الْأَمَةِ الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ مَنَعَهَا مِنْ جَمِيعِ التَّبَرُّعَاتِ وَلَا يُقَالُ هُوَ بَدَلُ بُضْعِهَا وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ) أَيْ عَلَى ثِقَةِ مَا قَدَّرَهُ لَهَا وَهَذَا عِلَّةٌ لِلْمُعَلِّلِ مَعَ عِلَّتِهِ. قَوْلُهُ: (كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ) أَيْ كَمَا لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا بِتَسْلِيمِ الْمُسَمَّى الْحَالُّ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُؤَجَّلُ) أَيْ فِي الْفَرْضِ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لَهُ) أَيْ لِتَقْبِضَهُ وَإِنْ حَلَّ. وَقَوْلُهُ " كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ أَيْ كَالْمُؤَجَّلِ الْمُسَمَّى إلَخْ " وَقَوْلُنَا: " وَإِنْ حَلَّ " غَايَةٌ لِلرَّدِّ. وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمُ نَحْوِ قُرْآنٍ وَطَلَبَ كُلٌّ التَّسْلِيمَ فَاَلَّذِي أَفْتَيْته وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا أَنَّهُمَا إنْ اتَّفَقَا عَلَى شَيْءٍ فَذَاكَ وَإِلَّا فُسِخَ الصَّدَاقُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَيُسَلَّمُ لِعَدْلٍ وَتُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا، قَالَ ح ل. وَقَدْ يُقَالُ: تُجْبَرُ هِيَ؛ لِأَنَّ رِضَاهَا بِالتَّعْلِيمِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ عَادَةً إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ كَالتَّأْجِيلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إجْبَارُهَا فِيهِ وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ انْتِهَاءَ الْأَجَلِ مَعْلُومٌ فَيُمْكِنُهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَهُ وَزَمَنُ التَّعْلِيمِ لَا غَايَةَ لَهُ فَهِيَ إذَا مَكَّنَتْهُ قَدْ يَتَسَاهَلُ فِي التَّعْلِيمِ فَتَطُولُ الْمُدَّةُ عَلَيْهَا بَلْ رُبَّمَا فَاتَ التَّعْلِيمُ بِذَلِكَ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا زي الْجَزْمُ بِذَلِكَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ مَحَلُّ اشْتِرَاطِ رِضَاهَا. قَوْلُهُ: (وَبَذَلَهُ لَهَا) لَيْسَ قَيْدًا؛ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ اعْتِبَارَ رِضَاهَا عَبَثٌ أَيْ لَا مَعْنَى لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الزَّوْجَيْنِ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ) هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا وَيَجُوزُ فَرْضُ مُؤَجَّلٍ بِالتَّرَاضِي وَفَوْقَ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَالثَّانِي: مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يَفْرِضُهُ الْحَاكِمُ) إذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ الْفَرْضِ لَهَا أَوْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الْمَفْرُوضِ كَمْ يُفْرَضُ؛ لِأَنَّ مَنْصِبَهُ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ، وَلَكِنْ يَفْرِضُهُ الْحَاكِمُ حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ كَمَا فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ لَا مُؤَجَّلًا وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْصِبَهُ الْإِلْزَامُ بِمَالٍ حَالٍّ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَلَهَا إذَا فَرَضَهُ حَالًّا تَأْخِيرُ الْقَبْضِ بَلْ لَهَا تَرْكُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا وَيُفْرَضُ مَهْرُ مِثْلٍ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ. وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْحَاكِمِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ حَتَّى لَا يَزِيدَ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصَ عَنْهُ إلَّا بِالتَّفَاوُتِ الْيَسِيرِ، وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. وَالْفَرْضُ   [حاشية البجيرمي] مَحَلُّهُ فِيمَا قَبْلَ الْوَطْءِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِقَدْرِهِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ مُسْتَهْلَكٍ، وَهُوَ الْبُضْعُ أَيْ مَنْفَعَتُهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: بَدَلُ تَالِفٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بَلْ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا) أَيْ مَا تَرَاضَيَا بِهِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: (بِالتَّرَاضِي) أَيْ مِنْ الزَّوْجَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَفْرِضُهُ الْحَاكِمُ) أَيْ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْهَا عِنْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْحَاكِمِ الَّذِي تَقَعُ الدَّعْوَى بَيْنَ يَدَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَنْصِبَهُ) بِكَسْرِ الصَّادِ بِوَزْنِ مَسْجِدٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (فَصْلُ الْخُصُومَةِ) وَإِلْزَامُ الْمُعَانِدِ. قَوْلُهُ: (مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ) الْمُرَادُ بِالْبَلَدِ بَلَدُ الْفَرْضِ يَوْمَ الْفَرْضِ وَنَقْدُ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ بَلَدُ الْفَرْضِ فِيمَا يَظْهَرُ، قَالَ: وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ يَوْمُ الْعَقْدِ أَوْ الْفَرْضِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، قَالَ: وَلَا يُنَافِي قَوْلَنَا بَلَدُ الْفَرْضِ مَنْ عَبَّرَ بِبَلَدِ الْمَرْأَةِ لِاسْتِلْزَامِ الْفَرْضِ حُضُورَهَا أَوْ حُضُورَ وَكِيلِهَا؛ فَالتَّعْبِيرُ بِبَلَدِ الْفَرْضِ لِتَدْخُلَ هَذِهِ الصُّورَةُ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي قِيَمِ الْمُتْلِفَاتِ) أَيْ مِنْ كَوْنِهَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ حَالَّةً مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) الْمُنَاسِبُ وَلَا مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ) أَيْ فِي نُفُوذِ الْحُكْمِ وَجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْفَرْضِ عِلْمُ الْحَاكِمِ إلَخْ، حَتَّى لَوْ فَرَضَ غَيْرُ عَالِمٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: فَإِنْ قُلْتَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا شَرْطًا لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ لَا لِنُفُوذِهِ لَوْ صَادَفَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. قُلْت: لَا بَلْ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ شَرْطٌ لَهُمَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي مَعَ الْجَهْلِ لَا يَنْفُذُ وَإِنْ صَادَفَ الْحَقَّ، فَعِلْمُهُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ وَلِلتَّقْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَيْنِ الرِّضَا بِهِ، فَإِنْ رَضِيَا بِهِ صَحَّ وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ مَا لَيْسَ وَلِيًّا وَلَا سَيِّدًا وَلَا وَكِيلًا وَلَا وَلَدًا يَلْزَمُهُ إعْفَافُ أَصْلِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَالِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَعِبَارَةُ م ر: وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ اهـ. فَيَشْمَلُ مَا إذَا فَرَضَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يَصِحُّ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ جَازَ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ عَلَى الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِالزَّوْجِ أَوْ مَأْذُونِهِ، فَفَارَقَ أَدَاءَ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ عَقْدٌ مَانِعٌ مِنْ أَدَاءِ الْغَيْرِ وَلَوْ عَقَدَ بِنَقْدٍ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ الْمُعَامَلَةُ وَجَبَ هُنَا وَفِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِ زَادَ سِعْرُهُ أَوْ نَقَصَ أَوْ عَزَّ وُجُودُهُ، فَإِنْ فُقِدَ وَلَهُ مِثْلٌ وَجَبَ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ بِبَلَدِ الْعَقْدِ وَقْتَ الْمُطَالَبَةِ. اهـ. شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ بِبَلَدِ الْعَقْدِ " قَالَ ع ش: يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ مَعْنَى الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الصَّدَاقُ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ فَلَا مَعْنَى لِفَقْدِهِ إلَّا تَلَفُهُ، وَالْمَعْنَى إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يُتَصَوَّرْ فَقْدُهُ إلَّا بِانْقِطَاعِ نَوْعِهِ إذْ التَّلَفُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا لِلْمُعَيَّنِ، وَإِذَا انْقَطَعَ نَوْعُهُ لَمْ يُتَصَوَّرْ لَهُ مِثْلٌ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِاعْتِبَارِ الشِّقِّ الثَّانِي وَيُرَادُ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَيَجِبُ مَعَهُ قِيمَةُ الصَّنْعَةِ مَثَلًا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى فُلُوسًا وَفُقِدَتْ يَجِبُ مِثْلُهَا نُحَاسًا وَقِيمَةُ صَنْعَتِهَا أَوْ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ؛ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ الْمُعَيَّنَ مَضْمُونٌ ضَمَانَ يَدٍ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْضُ) أَيْ وَالْمَفْرُوضُ الصَّحِيحُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ الْحَاكِمِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَمَفْرُوضٌ صَحِيحٌ كَمُسَمَّى فَيُشْطَرُ بِطَلَاقٍ قَبْلَ وَطْءٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ قَبْلَ فَرْضٍ وَوَطْءٍ فَلَا يُشْطَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] وَبِخِلَافِ الْمَفْرُوضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 الصَّحِيحُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ فَيَتَشَطَّرُ بِطَلَاقٍ بَعْدَ عَقْدٍ وَقَبْلَ وَطْءٍ سَوَاءٌ أَكَانَ الْفَرْضُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَمْ مِنْ الْحَاكِمِ. وَالثَّالِثُ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يَدْخُلُ بِهَا) بِأَنْ يَطَأَهَا وَلَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ دُبُرٍ (فَيَجِبُ) لَهَا (مَهْرُ الْمِثْلِ) وَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ فِي وَطْئِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْمُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ مِثْلِ الْمُفَوِّضَةُ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ الْعَقْدِ إلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ دَخَلَ بِالْعَقْدِ فِي ضَمَانِهِ، وَاقْتَرَنَ بِهِ الْإِتْلَافُ فَوَجَبَ الْأَكْثَرُ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ. وَلَوْ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ فَرْضٍ وَوَطْءٍ فَلَا شَطْرَ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَهُمَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَطْءِ فِي تَقْرِيرِ الْمُسَمَّى فَكَذَا فِي إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي التَّفْوِيضِ. وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَهْرُ الْمِثْلِ هُنَا بِالْأَكْثَرِ كَمَا مَرَّ   [حاشية البجيرمي] الْفَاسِدِ كَخَمْرٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي التَّشْطِيرِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الْوَطْءِ، بِخِلَافِ الْفَاسِدِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ اهـ. وَقَوْلُهُ " وَبِخِلَافِ الْمَفْرُوضِ الْفَاسِدِ " وَإِنَّمَا اقْتَضَى الْفَاسِدُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِكَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ وَهُنَا دَوَامٌ سَبَقَهُ الْخُلُوُّ عَنْ الْعِوَضِ فَلَمْ يَنْظُرْ لِلْفَاسِدِ. وَقَوْلُهُ " فَلَا يُؤَثِّرُ فِي التَّشْطِيرِ " أَيْ فَلَا يُشْطَرَ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ إذْ لَا عِبْرَةَ بِهِ بَعْدَ إخْلَاءِ الْعَقْدِ عَنْ الْعِوَضِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ " بِخِلَافِ الْمُسَمَّى الْفَاسِدِ " أَيْ فَإِنَّهُ يُشْطَرُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَطَأَهَا) أَيْ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا وَإِنْ لَمْ تَزُلْ الْبَكَارَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ وَلَوْ بِإِدْخَالِهَا ذَكَرَهُ هَلْ وَلَوْ صَغِيرًا لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهُ. الْمُعْتَمَدُ نَعَمْ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ، وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا بِوَطْءٍ. وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ التَّحْلِيلُ كَالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى جِمَاعُهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْلِيلِ أَنْ مَبْنَى التَّحْلِيلَ عَلَى اللَّذَّةِ بِخِلَافِ هَذَا، وَأَيْضًا الْقَصْدُ مِنْهُ التَّنْفِيرُ عَنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ فِي التَّنْفِيرِ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِهِ. وَشَمَلَ قَوْلُهُ " بِأَنْ يَطَأَهَا " مَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُوطَأُ فِي الْعَادَةِ عَلَى مَا فِي الْإِيعَابِ، وَخَرَجَ مَا إذَا أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعِهِ أَوْ بِعُودٍ فَلَا يَتَقَرَّرُ بِهِ الْمَهْرُ وَلَا يَلْزَمُهُ لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ سِوَى النِّصْفِ فِي غَيْرِ الْمُفَوِّضَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ، وَخَرَجَ أَيْضًا اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ فَقَطْ لَا الْمَهْرَ. وَقَوْلُهُ " بِأَنْ يَطَأَهَا " قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْجِنَايَاتِ: وَلَوْ أَزَالَ أَيْ الزَّوْجُ بَكَارَتَهَا بِلَا ذَكَرٍ فَلَا شَيْءَ أَوْ غَيْرُهُ بِغَيْرِ ذَكَرٍ فَحُكُومَةٌ اهـ. وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ " أَوْ أَزَالَهَا غَيْرُهُ " أَيْ وَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ افْتِضَاضِهَا أَوْ أَذِنَتْ وَهِيَ غَيْرُ رَشِيدَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَنَبَّهَ لَهُ، فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ مِنْ أَنَّ الشَّخْصَ يَعْجِزُ عَنْ إزَالَةِ بَكَارَةِ زَوْجَتِهِ فَيَأْذَنُ لِامْرَأَةٍ فِي إزَالَةِ بَكَارَتِهَا فَيَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْمَأْذُونُ لَهَا الْأَرْشُ؛ لِأَنَّ إذْنَ الزَّوْجِ لَهَا لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ. لَا يُقَالُ هُوَ مُسْتَحِقُّ الْإِزَالَةِ فَيُنَزَّلُ فِعْلُ الْمَرْأَةِ مَنْزِلَةَ فِعْلِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مُسْتَحِقٌّ لَهَا بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ اهـ قَالَ سم: وَلَا يَجُوزُ إزَالَةُ بَكَارَتِهَا بِأُصْبُعِهِ أَوْ نَحْوِهَا، إذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَجْزُهُ عَنْ إزَالَتِهَا مُثْبِتًا لِلْخِيَارِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إزَالَتِهَا بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ) أَيْ فَيُصَانُ عَنْ التَّصَوُّرِ بِصُورَةِ الْمُبَاحِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يَتَمَحَّضُ حَقًّا لِلْمَرْأَةِ بَلْ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ فَيُصَانُ عَنْ التَّصَوُّرِ بِصُورَةِ الْمُبَاحَاتِ؟ أَفَادَهُ الْحَلَبِيُّ. قَالَ شَيْخُنَا: فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْوَطْءَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ مُسْتَنِدًا لِلْإِبَاحَةِ وَلَيْسَتْ هِيَ الَّتِي أَحَلَّتْهُ وَإِنَّمَا الَّذِي أَحَلَّهُ الْعَقْدُ. وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ التَّفْوِيضَ فِيهِ صُورَةُ الْإِبَاحَةِ وَالْوَطْءُ مَصُونٌ عَنْ التَّصَوُّرِ بِصُورَةِ الْمُبَاحِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْمَوْتِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ مُتَصَوَّرًا بِصُورَةِ الْمُبَاحِ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ) أَيْ الْوَطْءِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ الزِّنَا، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَأَمَّا قَوْلُ شَيْخِنَا م د لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ اهـ. وَبَعْضُهُمْ فَسَّرَ حَقَّ اللَّهِ بِقَوْلِهِ بِمَعْنَى أَنَّ إبَاحَتَهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى إذْنِ الشَّارِعِ وَهُوَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ عِنْدَ الْوَطْءِ بِصِفَةٍ، كَعِلْمٍ، لَا تُوجَدُ عِنْدَ الْعَقْدِ فَزَادَ مَهْرُ مِثْلِهَا بِذَلِكَ اُعْتُبِرَ هَذَا الزَّائِدُ. قَوْلُهُ: (وَاقْتَرَنَ بِهِ) أَيْ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالضَّمَانِ لَا بِالْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (الْإِتْلَافُ) أَيْ إتْلَافُ الْمَنْفَعَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ إدْخَالِ الذَّكَرِ فِيهِ، كَالدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَإِنَّهَا تَتْلَفُ مَنْفَعَتُهَا بِسُكْنَى الْمُسْتَأْجِرِ لَهَا، فَإِذَا لَمْ يَسْكُنْهَا لَمْ تَتْلَفْ. قَوْلُهُ: (كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ) لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِتْلَافُ كَمَا هُنَا. قَوْلُهُ: (فَلَا شَطْرَ) لَكِنْ تَجِبُ الْمُتْعَةُ، قَوْلُهُ: (قَبْلَهُمَا) أَيْ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْوَطْءِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَوْتَ كَالْوَطْءِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَهْرَ بِالْمَوْتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 أَوْ بِحَالِ الْعَقْدِ أَوْ الْمَوْتِ؟ أَوْجُهٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا بِلَا تَرْجِيحِ أَوْجَهُهَا أَوَّلُهَا؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ وَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ كَالْوَطْءِ. وَلَوْ قَتَلَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ دُخُولٍ سَقَطَ مَهْرُهَا، بِخِلَافٍ مَا لَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ قَتَلَتْ الْحُرَّةُ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا. وَمَهْرُ الْمِثْلِ مَا يُرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا عَادَةً وَرُكْنُهُ الْأَعْظَمُ نَسَبٌ فِي النَّسِيبَةِ لِوُقُوعِ التَّفَاخُرِ بِهِ كَالْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ.   [حاشية البجيرمي] فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ وَكَالْمَوْتِ عِدَّةً وَمَهْرًا وَإِرْثًا لَوْ مُسِخَ أَحَدُهُمَا حَجَرًا فَإِنْ مُسِخَ الزَّوْجُ حَيَوَانًا فَكَذَلِكَ مَهْرًا لَا عِدَّةً وَإِرْثًا عَلَى الْأَوْجَهِ نَظَرًا لِحَيَاتِهِ، وَلَوْ سُحِرَ أَحَدُهُمَا حَيَوَانًا لَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْفُرْقَةِ؛ لِأَنَّ السِّحْرَ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَيُؤَثِّرُ لَكِنَّهُ لَا يَقْلِبُ الْخَوَاصَّ وَلَا يُخْرِجُ الْمَسْحُورَ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَخَوَاصِّهَا سم. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا مُسِخَ حَيَوَانًا تَعْتَدُّ عِدَّةَ طَلَاقٍ وَإِنْ مُسِخَ حَجَرًا تَعْتَدُّ عِدَّةَ وَفَاةٍ. قَوْلُهُ: (أَوْجَهُهَا أَوَّلُهَا) أَيْ الْأَكْثَرُ مِنْ الْعَقْدِ إلَى الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَتَلَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ إلَخْ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ بِالْمَوْتِ. وَالْمَسْأَلَةُ لَهَا سِتَّةُ أَحْوَالٍ أَرْبَعَةٌ يَسْقُطُ فِيهَا وَاثْنَانِ لَا يَسْقُطُ فِيهِمَا: إذَا قَتَلَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ أَوْ زَوْجَهَا أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا أَوْ زَوْجَهَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِمَّنْ لَهُ الْمَهْرُ أَوْ مِمَّنْ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ، وَلَا يَسْقُطُ فِيمَا لَوْ قَتَلَ الزَّوْجُ الْأَمَةَ أَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ، وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَلَا يَسْقُطُ بِقَتْلِهَا نَفْسَهَا وَيَسْقُطُ بِقَتْلِهَا زَوْجَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْهَا وَالْفُرْقَةُ إذَا كَانَتْ مِنْهَا أَوْ بِسَبَبِهَا قَبْلَ وَطْءٍ تُسْقِطُ الْمَهْرَ. وَقَوْلُهُ " وَلَوْ قَتَلَ أَمَتَهُ وَلَوْ مَعَ مُشَارَكَةِ أَجْنَبِيٍّ " أَيْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ تَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ بِأَنْ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا عُدْوَانًا. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَلَوْ قَتَلَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ قَتَلَ زَوْجَهَا كَذَلِكَ يَسْقُطُ كُلُّ الْمَهْرِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ السَّيِّدِ. وَقَالَ الْخَطِيبُ فِي صُورَةِ الِاشْتِرَاكِ: يَسْقُطُ مَا يُقَابِلُ السَّيِّدَ وَفِعْلُهَا مَعَ أَحَدٍ يُسْقِطُ النِّصْفَ تَوْزِيعًا عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: (أَمَتَهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُكَاتَبَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهَا بِصِفَةٍ أَوْ مُوصًى بِهَا أَوْ بِمَنْفَعَتِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَانْظُرْ لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُبَعَّضَةً وَقَتَلَتْ نَفْسَهَا أَوْ قَتَلَهَا مَالِكُ بَعْضِهَا هَلْ يَسْقُطُ الْمَهْرُ تَغْلِيبًا لِبَعْضِهَا الرَّقِيقِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَوْ لِجَانِبِ سَيِّدِهَا الَّذِي هُوَ مَالِكُ بَعْضِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ لَا يَسْقُطُ تَغْلِيبًا لِبَعْضِهَا الْحُرِّ أَوْ يُقَالُ بِالتَّوْزِيعِ؟ رَاجِعْ وَحَرِّرْ، ثُمَّ رَأَيْت بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ مَا نَصُّهُ: أَمَّا الْمُبَعَّضَةُ لَوْ قَتَلَهَا سَيِّدُهَا أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا فَالْقِيَاسُ أَنَّ لِكُلٍّ حُكْمَهُ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ، ثُمَّ رَاجَعْت الْأَنْوَارَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِيهَا فَرَاجِعْهُ. اهـ. دَيْرَبِيٌ. وَأَقُولُ: رَاجَعْنَاهُ فَوَجَدْنَاهَا كَالْأَمَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَدَخَلَ فِي الْأَمَةِ الْمُبَعَّضَةُ، وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا م ر. وَقَالَ شَيْخُنَا زي كَالْخَطِيبِ: يَسْقُطُ مَا يُقَابِلُ الرِّقَّ فَقَطْ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا) وَلَوْ مَعَ مُشَارَكَةِ أَجْنَبِيٍّ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَتْ الزَّوْجَ أَوْ قَتَلَهُ سَيِّدُهَا أَوْ قَتَلَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا؛ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَيْ قَبْلَ الْوَطْءِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ قَتْلُهَا لَهُ بِحَقٍّ اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (أَوْ قَتَلَتْ الْحُرَّةُ نَفْسَهَا) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ أَنَّ الْحُرَّةَ كَالْمُسَلَّمَةِ إلَى الزَّوْجِ بِالْعَقْدِ إذْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ السَّفَرِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ، وَفَرَّقَ أَيْضًا بِأَنَّ الْحُرَّةَ إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا غَنِمَ زَوْجُهَا مِنْ مِيرَاثِهَا فَجَازَ أَنْ يَغْرَمَ مَهْرَهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ، وَأَيْضًا الْغَرَضُ مِنْ نِكَاحِ الْحُرَّةِ الْأُلْفَةُ وَالْمُوَاصَلَةُ دُونَ الْوَطْءِ وَقَدْ وُجِدَا بِالْعَقْدِ وَالْغَرَضُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْوَطْءُ؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ خَوْفُ الْعَنَتِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَعِبَارَةُ س ل: قَوْلُهُ " أَوْ قَتَلَتْ الْحُرَّةُ نَفْسَهَا " وَفَارَقَ مَا لَوْ قَتَلَتْ زَوْجَهَا حَيْثُ لَا مَهْرَ بِأَنَّهَا فِي قَتْلِهَا نَفْسَهَا تَفْوِيتٌ لِحَقِّ غَيْرِهَا وَهُمْ الْوَرَثَةُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَفِي قَتْلِهَا زَوْجَهَا تَفْوِيتٌ عَلَيْهَا فَسَقَطَ اهـ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الدُّخُولِ) بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَتْ زَوْجَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (مَا يُرْغَبُ) أَيْ مَا رُغِبَ فِيهِ بِالْفِعْلِ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: أَيْ مَا وَقَعَتْ الرَّغْبَةُ بِهِ فِيمَنْ يُمَاثِلُهَا، فَالْمُرَادُ بِالْمُضَارِعِ الْمَاضِي فَسَقَطَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا. قَوْلُهُ: (فِي مِثْلِهَا عَادَةً) خَرَجَ بِقَوْلِهِ " عَادَةً " مَا لَوْ شَذَّ وَاحِدٌ لِفَرْطِ يَسَارِهِ فَرَغِبَ أَوْ شَذَّتْ وَاحِدَةٌ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَرُكْنُهُ الْأَعْظَمُ) أَيْ رُكْنُ الْمِثْلِ الَّذِي يُعْتَبَرُ بِهِ الْمَهْرُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ م ر مَا يُرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا نَسَبًا وَصِفَةً، أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِمَهْرِ الْمِثْلِ، أَيْ وَرُكْنُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الِاعْتِبَارِ وَرُكْنُهُ الْآخَرُ الصِّفَاتُ. قَوْلُهُ: (فِي النَّسِيبَةِ) أَمَّا مَجْهُولَةُ النَّسَبِ فَرُكْنُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَخْتَلِفُ بِالنَّسَبِ مُطْلَقًا فَيُرَاعَى أَقْرَبُ مَنْ تُنْسَبُ إلَيْهِ، فَأَقْرَبُهُنَّ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَنَاتُ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ عَمَّاتٌ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ؛ لِأَنَّ الْمُدْلِي بِجِهَتَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُدْلِي بِجِهَةٍ، ثُمَّ بَنَاتُ الْأَعْمَامِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ. فَإِنْ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ نِسَاءِ الْعَصَبَةِ اُعْتُبِرَ بِذَوَاتِ الْأَرْحَامِ كَالْجَدَّاتِ وَالْخَالَاتِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَوْلَى مِنْ الْأَجَانِبِ، وَيُقَدَّمُ مِنْ نِسَاءِ الْأَرْحَامِ الْأُمُّ ثُمَّ الْجَدَّاتُ ثُمَّ الْخَالَاتُ ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخَوَاتِ ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخْوَالِ. وَالْمُرَادُ بِالْأَرْحَامِ هُنَا قَرَابَاتُ الْأُمِّ لَا ذَوُو الْأَرْحَامِ الْمَذْكُورُونَ فِي الْفَرَائِضِ؛؛ لِأَنَّ أُمَّهَاتِ الْأُمِّ لَسْنَ مِنْ الْمَذْكُورِينَ فِي الْفَرَائِضِ. وَيُعْتَبَرُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ سِنٌّ وَعِفَّةٌ وَعَقْلٌ وَجَمَالٌ وَيَسَارٌ وَفَصَاحَةٌ وَبَكَارَةٌ وَثُيُوبَةٌ. وَمَا اخْتَلَفَ بِهِ غَرَضٌ كَالْعِلْمِ وَالشَّرَفِ؛ لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ. وَيُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ الْبَلَدُ فَإِنْ كَانَ نِسَاءُ الْعَصَبَةِ بِبَلَدَيْنِ هِيَ فِي إحْدَاهُمَا اُعْتُبِرَ بِعَصَبَاتِ بَلَدِهَا، فَإِنْ كُنَّ كُلُّهُنَّ بِبَلْدَةٍ أُخْرَى فَالِاعْتِبَارُ بِهِنَّ لَا بِأَجْنَبِيَّاتِ بَلَدِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ.   [حاشية البجيرمي] الْأَعْظَمُ نِسَاءُ الْأَرْحَامِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي؛ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (كَالْكَفَاءَةِ) أَيْ فِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا النَّسَبُ. قَوْلُهُ: (فَيُرَاعَى أَقْرَبُ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ نَقْصٌ مُخِلٌّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: فَيُرَاعَى مِنْ أَقَارِبِهَا لِتُقَاسَ هِيَ عَلَيْهَا أَقْرَبُ مَنْ تُنْسَبُ مِنْ نِسَاءِ الْعَصَبَةِ إلَى مَنْ تُنْسَبُ هَذِهِ الَّتِي طُلِبَ مَعْرِفَةُ مَهْرِهَا إلَيْهِ كَأُخْتٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مَنْ تُنْسَبُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَنْ تُنْسَبُ هِيَ إلَيْهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُرَاعَى أَقْرَبُ امْرَأَةٍ إلَيْهَا مِنْ الْمَنْسُوبَاتِ إلَى أَقْرَبِ جَدٍّ يُنْسَبُ الْكُلُّ إلَيْهِ مِمَّنْ فِي مَحَلِّ الْعُصُوبَةِ لَوْ كُنَّ ذُكُورًا ق ل. قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَنَاتُ أَخٍ) أَيْ وَإِنْ سَفَلْنَ، فَتُقَدَّمُ بِنْتُ ابْنِ الْأَخِ عَلَى الْعَمَّةِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى جِهَةِ الْعُمُومَةِ. وَلَمْ يَذْكُرْ بَنَاتَ الْأُخْتِ هُنَا وَسَيَأْتِي بِذِكْرِهِنَّ فِي نِسَاءِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ بَنَاتِ الْأَخِ حَيْثُ قَدَّمَهُنَّ عَلَيْهِنَّ؟ قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَمَّاتٌ) لَا بَنَاتُهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَنَاتُ الْأَعْمَامِ) أَيْ ثُمَّ بَنَاتُهُنَّ وَإِنْ سَفَلْنَ لِإِدْلَائِهِنَّ بِعَصَبَةٍ. قَوْلُهُ: (كَالْجَدَّاتِ) أَيْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَمَّا الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فَلَيْسَتْ هُنَا مِنْ الرَّحِمِ وَلَا مِنْ الْعَصَبَاتِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي تَعْرِيفِ كُلٍّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ ع ش عَلَى م ر. قَالَ م ر: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْأُمِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَيْفَ لَا تُعْتَبَرُ وَتُعْتَبَرُ أُمُّهَا؛ وَلِذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: تُقَدَّمُ الْأُمُّ فَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ فَالْجَدَّاتُ فَإِنْ اجْتَمَعَ أُمُّ أَبٍ وَأَمُّ أُمٍّ فَوُجُوهٌ أَوْجَهُهَا اسْتِوَاؤُهُمَا اهـ بِالْحَرْفِ. قَالَ ع ش: قَوْلُهُ " فَإِنْ اجْتَمَعَ أُمُّ أَبٍ " أَيْ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي قَرَابَتِهَا، أَمَّا أُمُّ أَبِي الْمَنْكُوحَةِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْأَرْحَامِ فِي الضَّابِطِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَيَنْبَغِي أَنَّهَا مِنْ نِسَاءِ الْعَصَبَاتِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالْأَرْحَامِ هُنَا إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ أُمَّهَاتِ الْأُمِّ يُعْتَبَرْنَ هُنَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُنَاكَ ذَوَاتُ فُرُوضٍ، فَلَوْ أُرِيدَ مَا هُنَاكَ خَرَجْت بِقَوْلِهِ " فَإِنْ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ نِسَاءِ الْعَصَبَةِ إلَخْ " وَلِأَنَّ الْعَمَّاتِ هُنَا مِنْ نِسَاءِ الْعَصَبَاتِ وَهُنَاكَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. قَوْلُهُ: (قَرَابَاتُ الْأُمِّ) أَيْ الْأُمُّ وَقَرَابَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْهُنَّ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمَذْكُورِينَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مِنْ الْمَذْكُورَاتِ؛ لِأَنَّهُنَّ إنَاثٌ. قَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ النَّسَبِ، فَإِنْ فَضَّلْتَهُنَّ بِوَصْفٍ أَوْ نَقَصْتَ فَرْضَ مَهْرٍ لَائِقٍ بِالْحَالِ أَيْ حَالِ الْمَرْأَةِ الْمَطْلُوبَةِ مَهْرُهَا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ فَالرَّأْيُ فِي ذَلِكَ مَنُوطٌ بِهِ فَيُقَدِّرُهُ بِاجْتِهَادِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ اتِّفَاقٌ عَلَيْهِ وَحَصَلَ تَنَازُعٌ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَفَصَاحَةٌ) وَفِي الْكَافِي اعْتِبَارُ حَالِ الزَّوْجِ أَيْضًا مِنْ الْيَسَارِ وَالْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَالنَّسَبِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا الْمَالَ وَالْجَمَالَ فِي الْكَفَاءَةِ؛ لِأَنَّ مَدَارَهَا عَلَى دَفْعِ الْعَارِ وَمَدَارُ الْمَهْرِ عَلَى مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الرَّغَبَاتُ ح ل. قَوْلُهُ: (وَبَكَارَةٌ وَثُيُوبَةٌ) اُنْظُرْ لِأَيِّ شَيْءٍ ذَكَرَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ أَحَدَ الْمُتَقَابِلَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ السِّنَّ وَسَكَتَ عَنْ مُقَابِلِهِ وَذَكَرَ الْعَقْلَ وَسَكَتَ عَنْ مُقَابِلِهِ وَهَكَذَا إلَخْ، ثُمَّ ذَكَرَ الْبَكَارَةَ وَمُقَابِلَهَا وَهُوَ الثُّيُوبَةُ؟ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ شَيْخُنَا بَعْدَ أَنْ سُئِلَ عَنْهُ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (اُعْتُبِرَ بِعَصَبَاتِ بَلَدِهَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ بَعُدْنَ كَبَنَاتِ أَخٍ وَكَانَتْ الْغَائِبَاتُ أَقْرَبَ كَأَخَوَاتٍ، وَقَدْ نَقَلَ ذَلِكَ سم فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ عَنْ م ر؛ لَكِنْ نُقِلَ فِي حَوَاشِي ابْنِ حَجَرٍ اعْتِبَارُ الْغَائِبَاتِ حِينَئِذٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَلَوْ كَانَ اللَّوَاتِي بِبَلَدِهَا أَبْعَدَ مِنْ اللَّوَاتِي بِغَيْرِهَا فَمَحَلُّ نَظَرٍ قَالَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا اعْتِمَادُ شَبَهِهَا، وَنَقَلَ الشَّيْخُ سم عَنْهُ فِي حَوَاشِي حَجّ مُرَاعَاةَ مَنْ فِي بَلَدِهَا إنْ اسْتَوَيَا اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 (وَلَيْسَ لِأَقَلِّ الصَّدَاقِ وَلَا لِأَكْثَرِهِ حَدٌّ) بَلْ ضَابِطُهُ كُلُّ مَا صَحَّ كَوْنُهُ مَبِيعًا عِوَضًا أَوْ مُعَوَّضًا صَحَّ كَوْنُهُ صَدَاقًا وَمَالًا فَلَا، فَلَوْ عَقَدَ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ وَلَا يُقَابِلُ بِمُتَمَوَّلٍ كَحَبَّتَيْ حِنْطَةٍ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ وَيُرْجَعُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا إذَا أَصْدَقَهَا ثَوْبًا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِأَقَلِّ الصَّدَاقِ إلَخْ) وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، أَيْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي الْعَقْدِ. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَوَاةً أَوْ قِشْرَةَ بَصَلَةٍ وَنَحْوَهُمَا. قَوْلُهُ: (حَدٌّ) أَيْ مُعَيَّنٌ يُوقَفُ عِنْدَهُ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْهُ؛ وَهَذَا عِنْدَنَا وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. قَوْلُهُ: (عِوَضًا أَوْ مُعَوَّضًا) تَعْمِيمٌ فِيمَا صَحَّ مَبِيعًا، وَنُوقِشَ فِيهِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ مُعَوَّضٌ لَا عِوَضَ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَبِيعَ يَصِحُّ كَوْنُهُ ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَبِّرْ بِالْمَبِيعِ بِالْفِعْلِ حَتَّى يُنَافِيَ التَّعْمِيمَ بَلْ بِمَا صَحَّ كَوْنُهُ مَبِيعًا وَهُوَ قَابِلٌ لِكَوْنِهِ ثَمَنًا. قَوْلُهُ: (صَحَّ كَوْنُهُ صَدَاقًا) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَرِدُ مَا لَوْ جَعَلَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ صَدَاقًا لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ بَلْ يَبْطُلُ النِّكَاحُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّضَادِّ وَلَا جَعْلُ الْأَبِ أُمَّ الْوَلَدِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مَنْ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ صَدَاقًا لَهُ وَلَا جَعْلُ ثَوْبٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ صَدَاقًا مَعَ أَنَّ كُلًّا يَصِحُّ جَعْلُهُ ثَمَنًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ يَصِحُّ صَدَاقُهَا فِي الْجُمْلَةِ وَالْمَنْعِ فِي ذَلِكَ لِعَارِضٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الصَّدَاقِ رَفَعَهُ. وَنَازَعَ شَيْخُنَا فِي إيرَادِ الثَّوْبِ حَيْثُ قَالَ: وَاسْتِثْنَاءُ مَا لَوْ جَعَلَ ثَوْبًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ وُجُوبِ سِتْرِ الْعَوْرَةِ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَيَّنَ السِّتْرُ بِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ وَإِصْدَاقُهُ وَإِلَّا صَحَّ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ صَدَاقًا يَرِدُ عَلَيْهِ صِحَّةُ إصْدَاقِهَا مَا لَزِمَهَا أَوْ لَزِمَ فِيهَا مِنْ قَوَدٍ مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ. وَقَوْلُهُ " إصْدَاقِهَا " أَيْ إصْدَاقِ شَخْصٍ لَهَا مَا لَزِمَهَا مِنْ قَوَدِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَجْعَلُ ذَلِكَ صَدَاقًا لَهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً مُشْرِكَةً لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ فَأَكْثَرَ، وَإِنْ خَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مِنْ أَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَهَلْ الثَّمَنُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ أَوَّلًا؟ حَرِّرْهُ، وَصُورَةُ أُمُّ الْوَلَدِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر: أَنْ يَتَزَوَّجَ شَخْصٌ أَمَةً بِالشُّرُوطِ ثُمَّ يَأْتِي مِنْهَا بِوَلَدٍ ثُمَّ يَمْلِكُهَا هِيَ وَوَلَدَهَا فَيَعْتِقُ الْوَلَدُ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَيَجْعَلَ أُمَّهُ صَدَاقًا لَهُ لَا يَصِحُّ اهـ. وَقَالَ شَيْخُنَا: صُورَتُهَا أَنْ يَطَأَ أَمَةً بِشُبْهَةٍ فَيَأْتِي مِنْهَا بِوَلَدٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَهَا صَدَاقًا لِهَذَا الْوَلَدِ لِلدَّوْرِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَهَا فِي مِلْكِهِ، وَإِذَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ عَتَقَتْ عَلَيْهِ، وَإِذَا عَتَقَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهَا صَدَاقًا، وَمَا أَدَّى وُجُودُهُ إلَى عَدَمِهِ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَقَدَ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ) أَيْ لَا يُعَدُّ مَالًا عُرْفًا وَإِنْ عُدَّ بِضَمِّهِ إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَفْهُومِ. قَوْلُهُ: (بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ وَلَا يُقَابَلُ بِمُتَمَوَّلٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ لَازِمَةٌ لِلْأُخْرَى، إلَّا إنْ أُرِيدَ بِالثَّانِيَةِ نَحْوَ شُفْعَةٍ وَحَدِّ قَذْفٍ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعِوَضِيَّةِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَإِنْ عَقَدَ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ وَلَا يُقَابَلُ بِمُتَمَوَّلٍ كَنَوَاةٍ وَحَصَاةٍ وَتَرْكِ شُفْعَةٍ وَحَدِّ قَذْفٍ فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعِوَضِيَّةِ اهـ فَقَوْلُهُ لَا يُتَمَوَّلُ أَيْ مِنْ الْمَالِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَنَوَاةٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُقَابَلُ بِمُتَمَوَّلٍ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْقِصَاصِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَتَرَكَ شُفْعَةً وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي الْحَاشِيَةِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ: " وَتَرْكِ شُفْعَةٍ " بِأَنْ اشْتَرَتْ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَقَوْلُهُ " وَحَدِّ قَذْفٍ " بِأَنْ قَذَفَتْهُ. قَوْلُهُ: (كَحَبَّتَيْ حِنْطَةٍ) مِثَالٌ لِمَا لَا يُتَمَوَّلْ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ) وَأَمَّا النِّكَاحُ فَصَحِيحٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمُسَمَّى؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَقْدَيْنِ عَقْدٌ لِلنِّكَاحِ قَصْدًا وَبِالذَّاتِ وَعَقْدٌ لِلصَّدَاقِ تَبَعًا وَبِالْعَرَضِ، فَإِذَا صَحَّ مَا بِالذَّاتِ صَحَّ التَّابِعُ لَهُ أَوْ فَسَدَ هُوَ فَسَدَ وَلَا كَذَلِكَ مَا لَوْ فَسَدَ التَّابِعُ فَإِنَّ الْمَتْبُوعَ بَاقٍ عَلَى الصِّحَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَيُرْجَعُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ) وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمُسَمَّى إلَّا فِي صُورَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: نِكَاحُ الشِّغَارِ، وَالثَّانِيَةُ: إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ لِحُرَّةٍ وَجَعَلَ رَقَبَتَهُ صَدَاقًا لَهَا لِلدَّوْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ جَعْلُهُ صَدَاقًا لَمَلَكْته وَلَوْ مَلَكْته لَانْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَوْ انْفَسَخَ لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ فَيَلْزَمُ مِنْ جَعْلِهِ صَدَاقًا عَدَمُ جَعْلِهِ صَدَاقًا. فَرْعٌ: لَوْ أَصْدَقَهَا مِائَةٌ خَمْسُونَ حَالَّةً وَخَمْسُونَ مُؤَجَّلَةً بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ كَمَا يَقَعُ فِي زَمَانِنَا مِنْ قَوْلِهِمْ يَحِلُّ بِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ فَسَدَ الصَّدَاقُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا يُقَالُ بِوُجُوبِ نِصْفِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّوْزِيعِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِدُ مَعْلُومًا وَهُنَا مَجْهُولٌ لِجَهْلِ أَجَلِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. م ر وزي. وَلَوْ دَفَعَ لَهَا مَالًا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَهْرِ وَادَّعَى أَنَّهُ مِنْهُ صُدِّقَ كَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ صُدِّقَ الْآخِذُ فِي نَفْيِ الْعِوَضِ عَنْهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي دَفْعِ صَدَاقٍ لِوَلِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فَلَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَرَادَ التَّزْوِيجَ عَلَى إزَارِهِ: «إزَارُك هَذَا إنْ أَعْطَيْته إيَّاهَا جَلَسْت وَلَا إزَارَ لَك» وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِنَا: مَا صَحَّ مَبِيعًا صَحَّ صَدَاقًا. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْمَهْرُ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمَ كَأَصْدِقَةِ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَوْجَاتِهِ، وَأَمَّا إصْدَاقُ أُمِّ حَبِيبَةَ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ فَكَانَ مِنْ النَّجَاشِيِّ إكْرَامًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ) تُسْتَوْفَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ كَتَعْلِيمٍ فِيهِ كُلْفَةٌ وَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَكِتَابَةٍ وَنَحْوِهَا إذَا كَانَ يُحْسِنُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُهَا وَالْتَزَمَ فِي الذِّمَّةِ جَازَ وَيَسْتَأْجِرُ لَهَا مَنْ يُحْسِنُهَا، وَإِنْ الْتَزَمَ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ لِعَجْزِهِ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمَعْلُومَةِ الْمَنْفَعَةُ الْمَجْهُولَةُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ صَدَاقًا، وَلَكِنْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَإِطْلَاقُ التَّعْلِيمِ فِيمَا تَقَدَّمَ شَامِلٌ لِمَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ كَالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا وَلِلْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالشِّعْرِ وَالْخَطِّ   [حاشية البجيرمي] مَحْجُورَةٍ أَوْ رَشِيدَةٍ أَذِنَتْ لِلْوَلِيِّ بِأَخْذِهِ نُطْقًا وَإِلَّا فَلَا، وَيُصَدَّقُ الْوَلِيُّ فِي دَعْوَاهُ الْإِذْنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ. وَلَوْ أَصْدَقَهَا جَارِيَةً ثُمَّ وَطِئَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا حَدَّ أَوْ بَعْدَهُ حُدَّ مَا لَمْ يُعْذَرْ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ مُتَعَرِّضٌ لِعَوْدِ نِصْفِهِ إلَيْهِ فَهُوَ شُبْهَةٌ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (لِلَّذِي أَرَادَ التَّزْوِيجَ) الْأَوْلَى التَّزَوُّجُ. قَوْلُهُ: (إزَارُك) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ إنْ أَعْطَيْته إلَخْ. قَوْلُهُ: (جَلَسْتَ وَلَا إزَارَ لَك) أَيْ وَحَقُّ اللَّهِ الَّذِي هُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا دَاخِلٌ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ بَيْعِهِ وَقَدْ قُدِّمَ فِيهِ الْبُطْلَانُ فَلَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِهِ، فَلَوْ قَالَ خَارِجٌ كَانَ أَوْلَى. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ قَوْلِنَا إلَخْ، وَهُوَ قَوْلُهُ " وَإِلَّا فَلَا " وَعَلَى هَذَا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّارِحِ. وَاعْتَرَضَهُ ق ل بِأَنَّ الْإِزَارَ أَوْ الثَّوْبَ يَصِحُّ كَوْنُهُ مَبِيعًا وَإِنْ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لِعَارِضٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ دَاخِلًا لَوْ قَالَ مَا صَحَّ أَنْ يَبِيعَهُ الْإِنْسَانُ صَحَّ أَنْ يَجْعَلَهُ صَدَاقًا مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَنْقُصَ) وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الدَّرَاهِمِ م ر. قَوْلُهُ: (خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُ أَقَلَّ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا إصْدَاقُ أُمِّ حَبِيبَةَ إلَخْ) وَهِيَ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، هَاجَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ حَبِيبَةَ وَبِهَا كَانَتْ تُكْنَى، وَهِيَ رَبِيبَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ فِي حِجْرِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -؛ وَتَنَصَّرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ هُنَاكَ وَثَبَتَتْ هِيَ عَلَى الْإِسْلَامِ، «وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى النَّجَاشِيِّ فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا وَأَصْدَقَهَا النَّجَاشِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ» ، وَاَلَّذِي تَوَلَّى عَقْدَ النِّكَاحِ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَّلَتْهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ أَبِيهَا، وَقِيلَ: الَّذِي تَوَلَّى عَقْدَ النِّكَاحِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقِيلَ: كَانَ الصَّدَاقُ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَجَهَّزَهَا النَّجَاشِيُّ مِنْ عِنْدِهِ وَأَرْسَلَهَا مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ، وَقِيلَ: «تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَدِينَةِ» ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي كَلَامِ الْعَامِرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَدَّدَ نِكَاحَ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهِ» . اهـ. ح ل فِي السِّيرَةِ. قَوْلُهُ: (تُسْتَوْفَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ) فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي مَنْفَعَةِ الْإِجَارَةِ، أَيْ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي تُسْتَوْفَى بِالْإِجَارَةِ، أَيْ يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ؛ فَخَرَجَ الْمَنْفَعَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَالْفَاقِدَةُ بَعْضَ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهَا شَرْطَيْنِ: كَوْنُهَا مَعْلُومَةً وَكَوْنُهَا تُسْتَوْفَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ بِأَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً لَا كَآلَةِ لَهْوٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ، أَمَّا الْمُجْبَرَةُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ إجْبَارِهَا أَنْ يَكُونَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ إلَّا أَنْ تُصُوِّرَ بِمَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ التَّعَامُلَ بِالْمَنَافِعِ، أَوْ تُصُوِّرَ بِمَا إذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ لِعَبْدٍ كَامِلٍ أَوْ لِحُرٍّ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ فَالتَّقْرِيرُ الْأَوَّلُ مُتَعَيَّنٌ. قَوْلُهُ: (كُلْفَةٌ) وَلَوْ لِلشَّهَادَتَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَتْ كَافِرَةً وَأَرَادَتْ الْإِسْلَامَ إذَا كَانَ فِي تَعْلِيمِهَا لَهُمَا كُلْفَةٌ بِأَنْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً. قَوْلُهُ: (وَالْتَزَمَ) أَيْ التَّعْلِيمَ فِي الذِّمَّةِ جَازَ. قَوْلُهُ: (مَنْ يُحْسِنُهَا) أَيْ الْمَنْفَعَةَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ الْتَزَمَ) ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لَا غَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) أَيْ عَقْدُ الصَّدَاقِ حَيْثُ لَمْ يَحْسُنْ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَصَحِيحٌ وَيَنْعَقِدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: (الْمَجْهُولَةُ) كَسُكْنَى الدَّارِ مُدَّةً مَجْهُولَةً. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ عَلَى الزَّوْجِ وَلَهُ عَلَيْهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي مُقَابَلَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَلِتَعْلِيمِهَا هِيَ أَوْ وَلَدِهَا الْوَاجِبِ عَلَيْهَا تَعْلِيمُهُ، وَكَذَا لِعَبْدِهَا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ؛ فَعَلَى هَذَا لَا يَتَعَذَّرُ تَعْلِيمُ غَيْرِهَا بِطَلَاقِهَا، أَمَّا إذَا أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَهَا بِنَفْسِهِ فَطَلَّقَ قَبْلَ التَّعْلِيمِ بَعْدَ دُخُولِهِ أَوْ قَبْلَهُ تَعَذَّرَ تَعْلِيمُهُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ اخْتِلَاؤُهُ بِهَا. فَإِنْ قِيلَ: الْأَجْنَبِيَّةُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهَا لِلتَّعْلِيمِ وَهَذِهِ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً فَهَلَّا جَازَ تَعْلِيمُهَا، أُجِيبَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ تَعَلَّقَتْ آمَالُهُ بِالْآخَرِ وَحَصَلَ بَيْنَهُمَا نَوْعُ وُدٍّ فَقَوِيَتْ التُّهْمَةُ فَامْتَنَعَ التَّعْلِيمُ لِقُرْبِ   [حاشية البجيرمي] سُكْنَى الدَّارِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (كَالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا) أَيْ مِنْ الْعِلْمِ الْمُحْتَاجَةِ إلَيْهِ وَالْحِرْفَةِ الْمُضْطَرَّةِ إلَيْهَا كَالْخِيَاطَةِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَلِلْقُرْآنِ) مِثَالٌ لِمَا لَا يَجِبُ تَعْلِيمُهُ أَيْ قَدْرًا مِنْهُ فِي تَعْلِيمِهِ كُلْفَةٌ عُرْفًا وَلَوْ دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ قَدْرِهِ أَوْ يُقَدَّرُ بِالزَّمَانِ، فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْقَدْرِ وَالزَّمَانِ بَطَلَ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ الْقِرَاءَةِ كَقِرَاءَةِ نَافِعٍ أَوْ حَفْصٍ حَيْثُ غَلَبَتْ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ تَغْلِبْ وَجَبَ تَعْيِينُهُ. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ بِمَا شَرَطَ تَعْلِيمَهُ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعَلِّمَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا وَكَّلَ الْجَاهِلُ مَنْ يُعَلِّمُهُ، وَلَا يَكْفِي التَّقْدِيرُ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْمَكْتُوبِ فِي أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْحَرْفِ أَيْ النَّوْعِ الَّذِي يُعَلِّمُهُ لَهَا كَقِرَاءَةِ نَافِعٍ فَيُعَلِّمُهَا مَا شَاءَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ؛ وَنُقِلَ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ يُعَلِّمُهَا مَا غَلَبَ عَلَى قِرَاءَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ حَسَنٌ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ فِيهَا شَيْءٌ تَخَيَّرَ. هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ أَوَّلًا وَجَبَ التَّعْيِينُ فَلْيُحَرَّرْ الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا، فَإِنْ عَيَّنَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ حَرْفًا تَعَيَّنَ، فَلَوْ عَلَّمَهَا غَيْرُهُ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِهِ وَعَلَيْهِ تَعْلِيمُ الْمُعَيَّنِ وَفَاءً بِالشَّرْطِ؛ وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ شَهْرًا صَحَّ لَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ فِي شَهْرٍ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ اهـ. وَقَوْلُهُ " وَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ " قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمَرْأَةِ لِمَا يَجْعَلُ تَعْلِيمَهُ صَدَاقًا. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ إلَّا إذَا كَانَتْ رَشِيدَةً وَأَذِنَتْ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا رَضِيَتْ بِجَعْلِ صَدَاقِهَا مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَهُوَ التَّعْلِيمُ فَكَأَنَّهَا رَدَّتْ الْأَمْرَ إلَى وَلِيِّهَا فِيمَا يَجْعَلُهُ صَدَاقَهَا مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ وُكِّلَ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ لِلْوَكِيلِ. وَقَوْلُهُ " وَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ الزَّوْجِ إلَخْ " وَيَكْفِي فِي عِلْمِهِمَا سَمَاعُهُمَا لَهُ مِمَّنْ تَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمَا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَالشِّعْرِ) سُئِلَ الْإِمَامُ الْمُزَنِيّ عَنْ صِحَّةِ جَعْلِ الصَّدَاقِ شِعْرًا فَقَالَ: يَجُوزُ إنْ كَانَ مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ، وَهُوَ أَبُو الدَّرْدَاءِ الْأَنْصَارِيُّ: يُرِيدُ الْمَرْءُ أَنْ يُعْطَى مُنَاهُ ... وَيَأْبَى اللَّهُ إلَّا مَا أَرَادَا يَقُولُ الْمَرْءُ فَائِدَتِي وَزَادِي ... وَتَقْوَى اللَّهِ أَعْظَمُ مَا اسْتَفَادَا اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَلِتَعْلِيمِهَا هِيَ) أَيْ وَشَامِلٌ لِتَعْلِيمِهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (الْوَاجِبِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ وَصِيَّةً عَلَيْهِ وَالْوَلَدُ فَقِيرٌ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لِعَبْدِهَا) لَا يَخْفَى أَنْ تَشْبِيهَ عَبْدِهَا بِوَلَدِهَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ تَعْلِيمِ الْعَبْدِ بِالْوَاجِبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ كَتَعْلِيمِهَا الشَّامِلِ لِغَيْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى الْوَلَدِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ وَكَذَا عَبْدُهَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا تَعْلِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ تَزِيدُ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ وَلَدِهَا فَتَشْبِيهُ الْعَبْدِ بِالْوَلَدِ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي مُطْلَقِ الصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: (بِطَلَاقِهِ) أَيْ إيَّاهَا فَهُوَ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ. قَوْلُهُ: (تَعَذَّرَ تَعْلِيمُهُ) إيَّاهَا شَرْعًا أَيْ بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ، أَحَدُهَا وَثَانِيهَا: أَنْ يُصْدِقَهَا تَعْلِيمَهُ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهَا. وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا تَصِيرَ مَحْرَمًا لَهُ كَإِرْضَاعِهَا زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ. وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا تَصِيرَ زَوْجَةً لَهُ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. وَالْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ وَقْعٌ بِأَنْ يَتَعَذَّرَ تَعْلِيمُهُ بِمَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ. وَالسَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً مُطْلَقًا أَوْ صَغِيرَةً تُشْتَهَى. وَغَالِبُهَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا صَارَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ) أَيْ وَلَا يُؤْمَنُ الْوُقُوعُ فِي التُّهْمَةِ وَالْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ لَوْ جَوَّزْنَا التَّعْلِيمَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ أَوْ جَوَّزْنَاهُ بِحُضُورِ مَحْرَمٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ قَدْ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي التُّهْمَةِ وَالْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَفْسُدُ الصَّدَاقُ وَيُؤْمَرُ بِدَفْعِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِعَدْلٍ ثُمَّ تُؤْمَرُ بِالتَّمْكِينِ هَذَا مَا تَحَرَّرَ فِي الدَّرْسِ وَلَا نَقْلَ فِيهَا فِيمَا عَلِمْت؛ هَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا م ر اهـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 الْفِتْنَةِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ قُوَّةَ الْوَحْشَةِ بَيْنَهُمَا اقْتَضَتْ جَوَازَ التَّعْلِيمِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيمِ الَّذِي يَجُوزُ النَّظَرُ لَهُ هُوَ التَّعْلِيمُ الْوَاجِبُ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، فَمَا هُنَا مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ وَرَجَّحَ هَذَا السُّبْكِيُّ. وَقِيلَ: التَّعْلِيمُ الَّذِي يُجَوِّزُ النَّظَرَ خَاصٌّ بِالْأَمْرَدِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَرَجَّحَ هَذَا الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَعْلِيلُهُمْ السَّابِقُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَحْرُمْ الْخَلْوَةُ بِهَا كَأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ صَارَتْ مَحْرَمًا لَهُ بِرَضَاعٍ أَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا لَمْ يَتَعَذَّرْ التَّعْلِيمُ وَهُوَ كَذَلِكَ. فُرُوعٌ: لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ صَحَّ إنْ تَوَقَّعَ إسْلَامَهَا وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ وَهُمَا كَافِرَانِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ التَّعْلِيمِ فَلَا شَيْءَ لَهَا سِوَاهُ أَوْ قَبْلَهُ وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَلَوْ أَصْدَقَ الْكِتَابِيَّةَ تَعْلِيمًا لِلشَّهَادَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ فِي تَعْلِيمِهَا كُلْفَةٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. (وَيَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ) وَبِكُلِّ فُرْقَةٍ وُجِدَتْ لَا مِنْهَا وَلَا بِسَبَبِهَا. (قَبْلَ الدُّخُولِ) كَإِسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ وَإِرْضَاعِ أُمِّهِ لَهَا   [حاشية البجيرمي] زي. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) صَوَابُهُ الْأَجْنَبِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَرَجَّحَ هَذَا السُّبْكِيُّ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ التَّعْلِيمُ الَّذِي يَجُوزُ النَّظَرُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ جَوَازِ النَّظَرِ هُنَا، فَإِنَّ أَحْكَامَ النَّظَرِ تَقَدَّمَتْ مُسْتَوْفَاةً فِي كَلَامِهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ وَذِكْرُ جَوَازِ النَّظَرِ إلَى الْأَمْرَدِ هُنَا سَهْوٌ إذْ الْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي تَعْلِيمِ الزَّوْجَةِ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهَا تَعْلِيمُهُ أَوْ عَبْدَهَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (خَاصٌّ بِالْأَمْرَدِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ النَّظَرِ لِلْأَمْرَدِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (كَأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى) صَوَّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ شَيْخُنَا الطُّوخِيُّ بِقَوْلِهِ: بِأَنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى أَمَةً وَزَوْجُهَا سَيِّدُهَا لِرَقِيقٍ كَامِلٍ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا الْقُرْآنَ بِنَفْسِهِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا التَّصْوِيرُ مُتَعَيِّنٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ الصَّغِيرَةَ لَا تُزَوَّجُ إلَّا بِنَقْدِ الْبَلَد. قَوْلُهُ: (أَوْ صَارَتْ مَحْرَمًا لَهُ بِرَضَاعِ) صُوَر هَذِهِ الْمَسْأَلَة شَيْخُنَا الطُّوخِيُّ بِقَوْلِهِ: بِأَنَّ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِامْرَأَةِ كَامِلَةٍ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا الْقُرْآنَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ إنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ التَّعَلُّمِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ أَرْضَعَتْ لَهُ زَوْجَةً صَغِيرَةً فَإِنَّ هَذِهِ الْكَبِيرَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَارَتْ مَحْرَمًا لَهُ بِرَضَاعِ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ؛ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ " بِرَضَاعِ " سَبَبِيَّةٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. [فَرْعٌ لَوْ أَصْدَقَ حِفْظَ الْقُرْآنِ] ِ لَمْ يَجُزْ إذْ حِفْظُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ التَّعْلِيمِ، ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ. اهـ. شَرْحُ التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ. قَوْلُهُ: (فِي تَعْلِيمِهَا) أَيْ فِي تَعْلِيمِ الْكِتَابِيَّةِ لِلشَّهَادَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ) أَيْ عَنْ الزَّوْجِ نِصْفُ الْمَهْرِ بِعَوْدِهِ إلَى مِلْكِهِ إنْ كَانَ مِنْ مَالِهِ أَوْ إلَى مِلْكِ دَافِعِهِ عَنْهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ قَرِيبٍ، إلَّا إنْ دَفَعَهُ أَبٌ أَوْ جَدٌّ عَنْ مَحْجُورِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ عِنْدَ دَفْعِهِ أَنَّهُ قَرْضٌ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ قَبَضَتْهُ الزَّوْجَةُ أَمْ لَا. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَيَتَشَطَّرُ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. ق ل؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الدَّيْنِ وَالْقَصْدُ هُنَا الْأَعَمُّ مِنْ الدَّيْنِ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (بِالطَّلَاقِ) قَالَ م ر وَلَوْ رَجْعِيًّا بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ، أَيْ فَهُوَ طَلَاقٌ قَبْلَ وَطْءٍ، فَيَتَشَطَّرُ الْمَهْرُ؛ لَكِنْ لَوْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ هَلْ يَسْتَمِرُّ لَهُ النِّصْفُ أَوْ يَصِيرُ كَأَنْ لَا فُرْقَةَ فَتَسْتَرْجِعُهُ الزَّوْجَةُ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي. وَعِبَارَةُ ق ل: بِالطَّلَاقِ وَلَوْ بِتَفْوِيضِهِ إيَّاهَا أَوْ بِتَعْلِيقِهِ عَلَى فِعْلِهَا بَائِنًا كَانَ أَوْ رَجْعِيًّا اهـ. أَيْ وَإِنْ رَاجَعَهَا أَيْ يَسْقُطُ النِّصْفُ وَإِنْ رَاجَعَهَا. وَعِبَارَةُ ح ل: قَوْلُهُ " كَطَلَاقٍ بَائِنٍ " وَلَوْ خُلْعًا، وَمِثْلُهُ الرَّجْعِيُّ بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ؛ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَحِقَّ الشَّطْرَ إلَّا إنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَإِلَّا بِأَنْ رَاجَعَ فَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّشْطِيرِ، فَإِذَا وَطِئَ بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ اسْتَقَرَّ الْمَهْرُ حُرِّرَ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَبِكُلِّ فُرْقَةٍ إلَخْ) وَمِنْ الْفُرْقَةِ الْمَسْخُ حَيَوَانًا فَمَسْخُهَا وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ يُنْجِزُ الْفُرْقَةَ وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ قَبْلَهُ أَيْضًا، وَلَا تَعُودُ الزَّوْجِيَّةُ بِعَوْدِهَا آدَمِيَّةً وَلَوْ فِي الْعِدَّةِ كَعَكْسِهِ الْآتِي. وَفَارَقَ الرِّدَّةَ بِبَقَاءِ الْجِنْسِيَّةِ فِيهَا. وَمَسْخُهُ يُنْجِزُ الْفُرْقَةَ أَيْضًا. وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ لِتَعَذُّرِ عَوْدِهِ بِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ السَّنْبَاطِيُّ: تَشْطِيرُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْأَمْرُ فِي النِّصْفِ الْعَائِدِ إلَى الْإِمَامِ كَبَاقِي أَمْوَالِهِ، وَأَمَّا الْمَسْخُ حَجَرًا فَكَالْمَوْتِ وَلَوْ بَعْدَ مَسْخِهِ حَيَوَانًا، وَلَوْ بَقِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 أَوْ أُمِّهَا لَهُ. (نِصْفُ الْمَهْرِ) أَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَلِآيَةِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] وَأَمَّا الْبَاقِي فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْفُرْقَةُ الَّتِي وُجِدَتْ مِنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَإِسْلَامِهَا بِنَفْسِهَا أَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهَا أَوْ فَسْخِهَا بِعَيْبِهِ أَوْ رِدَّتِهَا وَإِرْضَاعِهَا زَوْجَةً لَهُ صَغِيرَةً أَوْ وُجِدَتْ بِسَبَبِهَا كَفَسْخِهِ بِعَيْبِهَا تُسْقِطُ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى ابْتِدَاءً أَوْ الْمَفْرُوضَ الصَّحِيحَ. وَمَهْرَ   [حاشية البجيرمي] مِنْهُ جُزْءًا آدَمِيًّا فَحُكْمُ الْآدَمِيِّ بَاقٍ لَهُ مُطْلَقًا، وَلَوْ مُسِخَ بَعْضُهُ حَيَوَانًا وَبَعْضُهُ حَجَرًا فَالْحُكْمُ لِلْأَعْلَى، فَإِنْ كَانَ طُولًا فَهُوَ حَيَوَانٌ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مَا دَامَ حَيَوَانًا فَإِنْ عَادَ آدَمِيًّا عَادَ إلَيْهِ مِلْكُهُ. وَإِنْ مَاتَ أَوْ انْقَلَبَ حَجَرًا وَرِثَ عَنْهُ. وَلَوْ مُسِخَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَعَكْسُهُ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ وَلَا تَعُودُ وَإِنْ عَادَا نَعَمْ إنْ كَانَ انْقِلَابُهُمَا مُجَرَّدَ تَخَيُّلٍ فَلَا فُرْقَةَ. فَائِدَةٌ: قَالُوا إنَّ الْمَمْسُوخَ لَا يَعِيشُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَنَّهُ لَا عَقِبَ لَهُ وَمَا وُجِدَ مِنْ جِنْسِ الْمَمْسُوخِ فَمِنْ نَسْلِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَقِيلَ مِمَّا وَلَدَهُ الْمَمْسُوخُ قَبْلَ مَوْتِهِ فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَجُمْلَةُ الْمَمْسُوخَاتِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. أَخْرَجَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَالدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْمَمْسُوخِ فَقَالَ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ: الْفِيلُ وَكَانَ رَجُلًا جَبَّارًا لُوطِيًّا، وَالدُّبُّ وَكَانَ رَجُلًا مُخَنَّثًا يَدْعُو النَّاسَ إلَى نَفْسِهِ، وَالْخِنْزِيرُ وَكَانَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْمَائِدَةِ، وَالْقِرْدُ وَكَانَ مِنْ الْيَهُودِ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ. وَالْحُرَيْشُ وَكَانَ رَجُلًا دَيُّوثًا يَدْعُو النَّاسَ إلَى حَلِيلَتِهِ، وَالضَّبُّ وَكَانَ رَجُلًا يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ أَيْ قُوتِهِ، وَالْوَطْوَاطُ وَكَانَ رَجُلًا يَسْرِقُ الثِّمَارَ مِنْ الشَّجَرِ، وَالْعَقْرَبُ وَكَانَ رَجُلًا لَا يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ لِسَانِهِ، وَالدُّعْمُوصُ وَكَانَ رَجُلًا نَمَّامًا، وَالْعَنْكَبُوتُ وَكَانَتْ امْرَأَةً سَحَرَتْ زَوْجَهَا، وَالْأَرْنَبُ وَكَانَتْ امْرَأَةً لَا تَطْهُرُ مِنْ الْحَيْضِ، وَسُهَيْلٌ وَكَانَ رَجُلًا عَشَّارًا، وَالزَّهْرَةُ وَكَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْمُلُوكِ فَبَغَتْ مَعَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ» اهـ. وَالْحُرَيْشُ نَوْعٌ مِنْ الْحَيَّاتِ أَوْ شَبِيهٌ بِهَا وَالدُّعْمُوصُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ نَوْعٌ مِنْ السَّمَكِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ الْمَمْسُوخِينَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ إنْسَانًا، فَلْيُرَاجَعْ مِنْ مَحَلِّهِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا بِسَبَبِهَا) أَيْ وَحْدَهَا كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ التَّنْبِيهِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (كَإِسْلَامِهِ) أَيْ وَهِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَرِدَّتِهِ) أَيْ وَحْدَهُ أَوْ مَعَهَا أَيْضًا شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَسَيَأْتِي. وَكَذَا فِي الْإِسْلَامِ وَلَوْ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لَهَا حِينَئِذٍ مُتْعَةٌ؛ لِأَنَّهَا لِلْإِيحَاشِ وَلَا إيحَاشَ مَعَ نِسْبَةِ الْفِرَاقِ إلَيْهِمَا وَالتَّشَطُّرُ هُنَا لِعَدَمِ إتْلَافِهَا الْمُعَوَّضِ وَهِيَ بِرِدَّتِهَا مَعَهُ لَمْ تُتْلِفْهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِرْضَاعِ أُمِّهِ) فِي تَعْبِيرِهِ بِالْإِرْضَاعِ دُونَ الرَّضَاعِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ الْفِعْلِ، فَلَوْ دَبَّتْ زَوْجَتُهُ الصَّغِيرَةُ وَارْتَضَعَتْ أُمَّهُ لَمْ تَسْتَحِقَّ الشَّطْرَ لِانْفِسَاخِهِ بِفِعْلِهَا اهـ س ل. قَوْلُهُ: (أَوْ أُمِّهَا لَهُ) وَجْهُ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهَا وَلَا بِسَبَبِهَا أَنَّ فِعْلَ أُمِّهَا لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْبَاقِي) أَيْ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَاللِّعَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهَا) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَكَإِسْلَامِهَا وَلَوْ بِتَبَعِيَّةِ أَحَدِ أَبَوَيْهَا اهـ. فَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ، وَبِهِ قَالَ حَجّ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إرْضَاعِ أُمِّهَا لَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَصْفٌ قَامَ بِهَا فَنَزَّلَهُ الشَّارِعُ مِنْ الْأَصْلِ مَنْزِلَةَ فِعْلِهَا، بِخِلَافِ ذَاكَ فَإِنَّهُ فِعْلُ الْأُمِّ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ حَيْثُ لَمْ يُنَزِّلُهُ الشَّارِعُ مَنْزِلَةَ فِعْلِهَا، قَالَ الْإِسْلَامُ فِي مَسْأَلَةِ التَّبَعِيَّةِ قَامَ بِهَا وَحْدَهَا فَكَانَ الْمَانِعُ مِنْ جِهَتِهَا فَقَطْ، بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّضَاعِ قَامَتْ بِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، فَلَيْسَ نِسْبَتُهَا إلَيْهَا بِأَوْلَى مِنْ نِسْبَتِهَا إلَيْهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ س ل: فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي إذَا كَانَ إسْلَامُهَا تَابِعًا لِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهَا أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِإِفْسَادِهِ نِكَاحَ غَيْرِهِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إذَا أَفْسَدَتْ بِرَضَاعِهَا النِّكَاحَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ لَنَفَرَ عَنْ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمُرْضِعَةِ، وَأَيْضًا الْمُرْضِعَةُ قَدْ تَأْخُذُ أُجْرَةَ رَضَاعِهَا فَيُجْبَرُ مَا تَغْرَمُهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ اهـ خ ط. وَعِبَارَةُ ق ل: وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ. وَفَارَقَ إرْضَاعَ أُمِّهِ لَهَا وَعَكْسُهُ بِأَنَّ الْإِرْضَاعَ فِعْلٌ اجْتَمَعَ فِيهِ مُقْتَضٍ وَمَانِعٌ وَلِذَلِكَ لَوْ دَبَّتْ فَارْتَضَعَتْ سَقَطَ مَهْرُهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ رِدَّتِهَا) أَيْ وَحْدَهَا. قَوْلُهُ: (وَإِرْضَاعِهَا إلَخْ) فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ أُمٍّ وَبِنْتِهَا وَلَوْ مِنْ الرَّضَاعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 الْمِثْلِ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ هِيَ الْفَاسِخَةُ فَهِيَ الْمُخْتَارَةُ لِلْفُرْقَةِ، فَكَأَنَّهَا أَتْلَفَتْ الْمُعَوَّضَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَسْقُطُ الْعِوَضُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْفَاسِخُ بِعَيْبِهَا فَكَأَنَّهَا هِيَ الْفَاسِخَةُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَهَلْ هُوَ كَرِدَّتِهَا فَيَسْقُطُ الْمَهْرُ أَوْ كَرِدَّتِهِ فَبِنِصْفِهِ؟ وَجْهَانِ، صَحَّحَ الْأَوَّلُ الرُّويَانِيُّ وَالنَّشَائِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَ الثَّانِي الْمُتَوَلِّي وَالْفَارِقِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرِهِمْ؛ وَهُوَ أَوْجُهُ. تَتِمَّةٌ: يَجِبُ لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَ وَطْءٍ مُتْعَةٌ إنْ لَمْ يَجِبْ لَهَا شَطْرُ مَهْرٍ بِأَنْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا شَيْءٌ، وَادَّعَى   [حاشية البجيرمي] يَسْقُطُ مَهْرُ الْكَبِيرَةِ وَيَجِبُ لِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْكَبِيرَةِ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ كَانَتْ فَوَّتَتْ عَلَيْهِ الْبُضْعَ بِتَمَامِهِ اعْتِبَارًا لِمَا يَجِبُ لَهُ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ؛ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ الْحَلَبِيُّ: وَتَحْرُمُ الْكَبِيرَةُ عَلَيْهِ مُؤَبَّدًا وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَإِرْضَاعِهَا زَوْجَةً لَهُ صَغِيرَةً مِثْلُهُ ارْتِضَاعُهَا بِنَفْسِهَا مِنْ أُمِّ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ زَوْجَتِهِ الْكَبِيرَةِ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْمَهْرَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (كَفَسْخِهِ بِعَيْبِهَا) قَالَ م ر؛ لِأَنَّ فَسْخَهُ النَّاشِئَ عَنْهَا كَفَسْخِهَا. فَإِنْ قُلْت: لَمْ جَعَلْتُمْ عَيْبَهَا كَفَسْخِهَا لِكَوْنِهِ سَبَبَ الْفَسْخِ وَلَمْ تَجْعَلُوا عَيْبَهُ كَفَسْخِهِ؟ قُلْنَا: الزَّوْجُ بَذَلَ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِهَا، فَإِذَا كَانَتْ مَعِيبَةً فَالْفَسْخُ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ حَقُّهُ وَالزَّوْجَةُ لَمْ تَبْذُلْ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الزَّوْجِ وَالْعِوَضُ الَّذِي مَلَكَتْهُ سَلِيمٌ، فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا فَسْخَ لَهَا؛ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ لَهَا الْفَسْخَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، فَإِذَا اخْتَارَتْهُ لَزِمَهَا رَدُّ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ وَشَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمَفْرُوضَ الصَّحِيحَ) أَيْ فِي الْمُفَوِّضَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَهْرَ الْمِثْلِ) أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَلَمْ تَكُنْ مُفَوِّضَةً. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ) مُتَعَلِّقٌ بِيُسْقِطُ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ هِيَ الْفَاسِخَةُ) يَرْجِعُ لِلْفُرْقَةِ الَّتِي وُجِدْت مِنْهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَهَذَا التَّعْلِيلُ قَاصِرٌ إذْ لَا يَأْتِي فِي نَحْوِ الرَّضَاعِ وَالرِّدَّةِ، وَقَدْ عَلَّلَ تِلْكَ الصُّورَةَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْفِرَاقَ مِنْ جِهَتِهَا لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ يُشْبِهُ التَّعْلِيلَ بِالْمُدَّعَى اهـ. قَوْلُهُ: (فَكَأَنَّهَا هِيَ الْفَاسِخَةُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِسَبَبِهَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَوْجَهُ) مُعْتَمَدٌ. قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: تَتِمَّةٌ: هَلْ لِلْقَاضِي صَرْفُ مَالِ الْيَتِيمَةِ فِي جِهَازِهَا مَعَ أَنَّهُ يَتْلَفُ بِالِاسْتِعْمَالِ؟ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كُنْتُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي عُبَيْدِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ: أَيُّهَا الْقَاضِي فِي حِجْرِي يَتِيمَةٌ وَقَدْ أَذِنْتُ فِي تَزْوِيجِهَا وَطَلَبَ أَهْلُهَا الْجِهَازَ فَمَاذَا تَأْمُرُ؟ فَقَالَ: جَهِّزْ بِقَدْرِ صَدَاقِهَا، فَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: فَقُلْت فِي نَفْسِي أَظُنُّهُ يُجَارِي فِي هَذَا قَوْلَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَقُلْت: أَيَّدَ اللَّهُ الْقَاضِيَ أَعَلَى غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهَا أَوْلَى. فَالْتَفَتَ إلَى ابْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ: لَا تُجَهِّزْ إنْ أَرَادُوا هَكَذَا وَإِلَّا فَلْيَفْعَلُوا مَا أَرَادُوا فَسُرِرْت بِرُجُوعِهِ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: فَهَذَا ابْنُ الْحَدَّادِ وَابْنُ حَرْبَوَيْهِ تَبِعَا ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت لِابْنِ الْحَدَّادِ الْجَزْمَ بِالْجَوَازِ لِمَا فِيهِ مِنْ رَغْبَةِ الْأَزْوَاجِ فِي الْوَصْلَةِ بِهَا، لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ تَخْصِيصُهُ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ، قَالَ: وَلَعَلَّ مَسْأَلَةَ ابْنِ الْحَدَّادِ وَالْقَاضِي فِي إجْبَارِهِ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ إجْبَارِ الْمَرْأَةِ عَلَى الْجِهَازِ خِلَافًا لِمَالِكٍ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (لِمُطَلَّقَةٍ) لَا فَرْقَ فِي الطَّلَاقِ بَيْنَ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ وَإِنْ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] خِلَافًا لحج حَيْثُ قَالَ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ أَخْذًا مِنْ جَعْلِهِمْ الرَّجْعِيَّةَ كَالزَّوْجَةِ فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ وَاعْتَمَدَهُ زي وسم. قَوْلُهُ: (مُتْعَةٍ) الْمُتْعَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَةً مِنْ التَّمَتُّعِ هَذَا بَيَانٌ لِلْمَأْخُوذَةِ مِنْهُ لَا بَيَانٌ لِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَمَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 الْإِمَامُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] الْآيَةَ وَيَجِبُ أَيْضًا لِمَوْطُوءَةٍ فِي الْأَظْهَرِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] وَلِأَنَّ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَجَبَ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ فَخَلَا الطَّلَاقُ عَنْ الْجَبْرِ، بِخِلَافِ مَنْ وَجَبَ لَهَا النِّصْفُ فَإِنَّ بُضْعَهَا سَلِمَ لَهَا فَكَانَ النِّصْفُ جَابِرًا لِلْإِيحَاشِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: إنَّ وُجُوبَ الْمُتْعَةِ مِمَّا يَغْفُلُ النِّسَاءُ عَنْ الْعِلْمِ بِهَا فَيَنْبَغِي تَعْرِيفُهُنَّ وَإِشَاعَةُ حُكْمِهَا لِيَعْرِفْنَ ذَلِكَ. وَفُرْقَةٌ لَا بِسَبَبِهَا بِأَنْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ كَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ كَطَلَاقٍ فِي إيجَابِ الْمُتْعَةِ.   [حاشية البجيرمي] مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَعُرْفًا مَالٌ يَجِبُ لِمُطَلَّقَةٍ لَمْ يَجِبْ لَهَا نِصْفُ مَهْرٍ إنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ لَا بِسَبَبِهَا وَلَا بِسَبَبِهِمَا وَلَا بِمِلْكِهِ لَهَا وَلَا بِمَوْتٍ وَالْمُتْعَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمَتَاعِ وَهُوَ مَا يُتَمَتَّعُ بِهِ، وَانْظُرْ هَلْ مَعْنَى وُجُوبِهَا لُزُومِهَا لِذِمَّةِ الزَّوْجِ مُوَسَّعًا أَوْ مُضَيَّقًا فَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا أَوْ يَتَوَقَّفُ دَفْعُهَا عَلَى طَلَبِهَا؟ رَاجِعْهُ،. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ لَهَا شَطْرُ مَهْرٍ) بِأَنْ لَمْ يَجِبْ لَهَا مَهْرٌ أَصْلًا كَالْمُفَوِّضَةِ أَوْ وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ. قَوْلُهُ: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) أَيْ لَا مُؤَاخَذَةَ وَلَا تَبِعَةَ أَيْ مِنْ مَهْرٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَفْرِضُوا) أَيْ وَلَمْ تَفْرِضُوا إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " فَرِيضَةً " أَيْ مَهْرًا، وَقَوْلُهُ: " وَمَتِّعُوهُنَّ " أَيْ أَعْطُوهُنَّ مَا يَتَمَتَّعْنَ بِهِ. وَقَالَ ق ل: دُخُولُ أَوْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ مُفِيدٌ لِانْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] وَلَا حَاجَةَ لِجَعْلِهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا قِيلَ. قَوْلُهُ: (وَمَتِّعُوهُنَّ) أَيْ النِّسَاءَ الْمَذْكُورَاتِ أَيْ الْمُطَلَّقَاتِ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ وَلَا فَرْضٍ، وَذَلِكَ يُفْهِمُ عَدَمَ إيجَابِهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِنَّ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِعُمُومِ " وَلِلْمُطَلَّقَاتِ "، فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال عَلَى إيجَابِ الْمُتْعَةِ لِلْمُطَلَّقَةِ غَيْرِ الْمُفَوِّضَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُفَوِّضَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: مَفْهُومُ الْآيَةِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ إيجَابِ الْمُتْعَةِ لِلْمُفَوِّضَةِ الَّلَمْ يَمَسَّهَا الزَّوْجُ أَيْ وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا وَأَلْحَقَ بِهَا الشَّافِعِيُّ الْمَمْسُوسَةَ قِيَاسًا. قَوْلُهُ: (فَخَلَا الطَّلَاقُ عَنْ الْجَبْرِ) فَجَبَرْنَا ذَلِكَ بِالْمُتْعَةِ. وَالْأَصَحُّ الْجَدِيدُ أَنَّهَا تَجِبُ بِالطَّلَاقِ لَا الْعَقْدِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ طَلَّقَ الْأَمَةَ الْمُفَوِّضَةَ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالدُّخُولِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَعَلَى الْجَدِيدِ لَا مُتْعَةَ عَلَيْهِ إذْ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ تَلْزَمُهُ لِثُبُوتِهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَيَسْتَحِقُّهَا السَّيِّدُ. وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ بِنَفْيِ الْوُجُوبِ؛. اهـ. شَرْحُ التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إنْ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لَمْ تَجِبْ لَهَا الْمُتْعَةُ بِأَنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ لَا مِنْهَا وَلَا بِسَبَبِهَا كَطَلَاقِهِ وَإِسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ وَوَطْءِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَهَا أَوْ مِلْكِهِ لَهَا أَوْ إرْضَاعِ أُمِّهِ لَهَا أَوْ أُمِّهَا لَهُ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي غَيْرِ الْمُفَوِّضَةِ أَوْ فِي الْمُفَوِّضَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَدْخُولًا بِهَا فَتَجِبُ الْمُتْعَةُ مَعَ الْمَهْرِ أَوْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً وَفُورِقَتْ قَبْلَ فَرْضٍ وَوَطْءٍ فَتَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ فَقَطْ. وَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَدْخُولِ بِهَا وَالْمُفَوِّضَةِ أَنْ تَكُونَ الْفُرْقَةُ لَا بِسَبَبِهَا وَلَا بِسَبَبِهِمَا وَلَا بِمِلْكِهِ لَهَا. وَلَا بِمَوْتٍ بِأَنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ كَطَلَاقِهِ وَلِعَانِهِ إلَخْ مَا تَقَدَّمَ. أَمَّا إذَا كَانَتْ بِسَبَبِهَا كَإِسْلَامِهَا وَرِدَّتِهَا وَمِلْكِهَا لَهُ وَفَسْخِهَا بِعَيْبِهِ أَوْ فَسْخِهِ بِعَيْبِهَا أَوْ بِسَبَبِهِمَا كَأَنْ ارْتَدَّا مَعًا أَوْ سُبِيَا مَعًا أَوْ كَانَتْ بِمِلْكِهِ لَهَا أَوْ بِمَوْتٍ لِأَحَدِهِمَا فَلَا مُتْعَةَ فِي ذَلِكَ لِكُلٍّ مِنْ الْمَدْخُولِ بِهَا وَالْمُفَوِّضَةِ، بَلْ الْمَهْرُ فَقَطْ لِلْمَدْخُولِ بِهَا. وَلَا مَهْرَ وَلَا مُتْعَةَ لِلْمُفَوِّضَةِ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ، أَمَّا فِيهِ فَيَجِبُ الْمَهْرُ لَا الْمُتْعَةُ كَالْمَدْخُولِ بِهَا فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: (سَلِمَ لَهَا) سَلِمَ بِوَزْنِ فَرِحَ مِنْ السَّلَامَةِ. قَوْلُهُ: (وَفُرْقَةٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ كَطَلَاقِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَتَجِبُ بِفُرْقَةٍ إلَخْ، أَيْ فَكَمَا تَجْرِي الْمُتْعَةُ فِي مَعْرِفَةِ الطَّلَاقِ تَجْرِي فِي فُرْقَةِ الْفَسْخِ، حَتَّى لَوْ انْفَسَخَ بِوَطْءِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَجَبَتْ الْمُتْعَةُ. قَوْلُهُ: (لَا بِسَبَبِهَا) أَيْ وَلَا بِسَبَبِهِمَا كَأَنْ ارْتَدَّا مَعًا وَلَا بِسَبَبِ مِلْكِهِ لَهَا وَلَا بِسَبَبِ مَوْتٍ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا. وَقَوْلُهُ: " كَرِدَّتِهِ " أَيْ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ هُنَا جَانِبُهَا، بِخِلَافِ تَشْطِيرِ الْمَهْرِ كَمَا مَرَّ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ لِلْإِيحَاشِ وَفِعْلُهَا يُنَافِيه ق ل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ عَنْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِهَا قَدَّرَهَا الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ مُعْتَبِرًا حَالَهُمَا مِنْ يَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ وَنَسَبِهَا وَصِفَاتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] . ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْوَلِيمَةِ وَاشْتِقَاقِهَا كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مِنْ الْوَلْمِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ وَهِيَ تَقَعُ عَلَى كُلِّ طَعَامٍ يُتَّخَذُ لِسُرُورٍ حَادِثٍ مِنْ عُرْسٍ وَإِمْلَاكٍ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا مُطْلَقَةً فِي الْعُرْسِ أَشْهَرُ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ إلَخْ) لَعَلَّ مَحَلَّ اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ إذَا زَادَ نِصْفُ الْمَهْرِ عَلَى الثَّلَاثِينَ، وَقَدْ يَتَعَارَضَانِ بِأَنْ يَكُونَ الثَّلَاثُونَ أَضْعَافَ مَهْرِ الْمِثْلِ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي رِعَايَةِ الْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ وَالثَّلَاثِينَ. قَالَ جَمْعٌ: وَهَذَا أَدْنَى الْمُسْتَحَبِّ حَجّ ز ي. قَالَ حَجّ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا حَيْثُ لَا تَنَازُعَ، وَإِلَّا فَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ يُقَدِّرُ الْقَاضِي عِنْدَ التَّنَازُعِ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيرُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ الْمُسْتَنِدُ إلَى النَّظَرِ بِحَالِهِمَا وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِينَ دِرْهَمًا بَلْ وَعَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ سم. وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَبْلُغَ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَيْ وَلَوْ كَانَ النِّصْفُ يَنْقُصُ عَنْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهُ وَإِنْ فَاتَتْ السَّنَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ قِيلَ بِامْتِنَاعِ الزِّيَادَةِ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (قَدَّرَهَا الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ) أَيْ وُجُوبًا وَإِنْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمَا إنْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ وَلَوْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَرَضَهَا الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ) أَيْ بِقَدْرِ حَالِهِمَا أَيْ وَقْتَ الْفِرَاقِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (الْوَلِيمَةِ) ذَكَرهَا عَقِبَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْوَلَائِمِ وَلِيمَةُ الْإِمْلَاكِ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ، وَالصَّدَاقُ مُلَازِمٌ لِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَمَّا ذَكَرَ الصَّدَاقَ كَأَنَّهُ ذَكَرَ عَقْدَ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْوَلِيمَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا عَلَى الطَّعَامِ اهـ؛ أَيْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ إلَّا بَعْدَهَا لَا لَهَا كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَلِأَنَّهُ خَاصٌّ بِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ شَامِلٌ لَهَا وَلِغَيْرِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ. قَوْلُهُ: (لِسُرُورٍ حَادِثٍ) قَالَ الرَّاغِبُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ أَنَّ السُّرُورَ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ بِلَذَّةِ طُمَأْنِينَةِ الصَّدْرِ عَاجِلًا وَآجِلًا، وَالْفَرَحُ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ بِلَذَّةٍ عَاجِلَةٍ غَيْرَ آجِلَةٍ وَذَلِكَ فِي اللَّذَّاتِ الْبَدَنِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَقَدْ يُسَمَّى الْفَرَحُ سُرُورًا لَكِنْ عَلَى نَظَرِ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ الْحَقَائِقَ وَيَتَصَوَّرُ أَحَدَهُمَا بِصُورَةِ الْآخَرِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ. وَعِبَارَةُ ح ل: قَوْلُهُ لِسُرُورٍ كَالْخِتَانِ وَالْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ إنْ طَالَ عُرْفًا فِي غَيْرِ بَعْضِ النَّوَاحِي الْقَرِيبَةِ، وَخَرَجَ بِالسُّرُورِ مَا يُتَّخَذُ لِلْمُصِيبَةِ فَلَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ الْوَلِيمَةِ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: أَنْ مَا يُتَّخَذُ لِلْمُصِيبَةِ مِنْ أَفْرَادِ الْوَلِيمَةِ وَأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالسُّرُورِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَعَلَيْهِ جَرَى شَيْخُنَا؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: الْوَلِيمَةُ اسْمٌ لِكُلِّ دَعْوَةٍ لِطَعَامٍ يُتَّخَذُ لِحَادِثِ سُرُورٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: لِحَادِثِ سُرُورٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَشْمَلُ الْوَضِيمَةَ وَهِيَ وَلِيمَةُ الْحُزْنِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا نَابَهُمْ مِنْ الضَّيْمِ. قَوْلُهُ: (مِنْ عُرْسٍ) أَيْ دُخُولٍ بِالزَّوْجَةِ. وَقَوْلُهُ: " وَإِمْلَاكٍ " أَيْ عَقْدٍ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ عَطْفُهُ مُغَايِرًا. أَوْ الْمُرَادُ بِالْعُرْسِ أَعَمُّ مِنْ الدُّخُولِ وَالْعَقْدِ وَالْإِمْلَاكِ لِلْعَقْدِ، فَيَكُونُ عَطْفٌ خَاصٌّ عَلَى عَامٍّ. وَقِيلَ: الْعُرْسُ الْعَقْدُ وَالْإِمْلَاكُ الدُّخُولُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: الْإِمْلَاكُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرُ أَمْلَكْتُهُ امْرَأَةً بِمَعْنَى زَوَّجْتُهُ إيَّاهَا، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: مَلَكْتُ امْرَأَةً أَمْلِكُهَا مِنْ بَابِ ضَرَبَ زَوَّجْتهَا وَيَتَعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ وَالْهَمْزَةِ إلَى ثَانٍ فَيُقَالُ مَلَّكْتُهُ امْرَأَةً وَأَمْلَكْته امْرَأَةً. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا إلَخْ) فِي الصِّحَاحِ: الْوَلِيمَةُ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالْعَقْدِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ لِمَا تَقَدَّمَهُ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا ح ل. وَانْظُرْ هَلْ تُسَنُّ أَوْ لَا؟ وَلَا تَفُوتُ بِطَلَاقٍ وَلَا مَوْتٍ وَلَا بِطُولِ الزَّمَنِ فِيمَا يَظْهَرُ كَالْعَقِيقَةِ وَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ أَوْ الْإِمَاءِ وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ دُخُولٍ وَاحِدٍ وَتَكْفِي وَاحِدَةٌ قَصَدَ بِهَا الْجَمِيعَ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ أَوْ الدُّخُولُ قَبْلَ فِعْلِهَا؟ وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَصَدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 وَالْوَلِيمَةُ عَلَى الْعُرْسِ) الْعُرْسُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ ضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا الِابْتِنَاءُ بِالزَّوْجَةِ (مُسْتَحَبَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِثُبُوتِهَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا وَفِعْلًا، فَفِي الْبُخَارِيِّ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، وَأَنَّهُ أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ   [حاشية البجيرمي] بِهَا وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا بَقِيَ طَلَبُ غَيْرِهَا. وَسُئِلَ شَيْخُنَا م ر: هَلْ تَتَدَاخَلُ الْوَلَائِمُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ تَتَدَاخَلُ ق ل. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعُرْسِ) أَيْ لِأَجْلِ الْعُرْسِ، فَعَلَى لِلتَّعْلِيلِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: الْوَلِيمَةُ لِعُرْسِ إلَخْ، قَالَ سم: وَلَيْسَ قَوْلُهُ عَلَى الْعُرْسِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ إذْ الْوَلِيمَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لِغَيْرِ الْعُرْسِ أَيْضًا، بَلْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ وَلِاخْتِصَاصِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (الْعُرْسُ بِضَمِّ الْعَيْنِ) وَأَمَّا بِكَسْرِ الْعَيْنِ فَهِيَ الْمَرْأَةُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ تَقُولُ عِرْسِي وَهِيَ لِي فِي عَوْمَرَهْ ... بِئْسَ امْرُؤٌ وَإِنَّنِي بِئْسَ الْمَرَهْ وَأَمَّا الزَّوْجُ فَيُقَالُ لَهُ عَرُوسٌ وَأَمَّا عِرْسَةٌ بِالتَّاءِ مَعَ كَسْرِ الْعَيْنِ فَالْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ الْمُعَادِي لِلْفَأْرِ. قَوْلُهُ: الِابْتِنَاءُ بِمُوَحَّدَةٍ فَتَاءٌ فَوْقِيَّةٌ فَنُونٌ هُوَ الدُّخُولُ بِالزَّوْجَةِ وَالِاجْتِمَاعِ بِهَا بَعْدَ الْإِمْلَاكِ ق ل قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ بَنَى عَلَى أَهْلِهِ دَخَلَ بِهَا وَأَصْلُهُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إذَا تَزَوَّجَ بَنَى لِلْعَرُوسِ خِبَاءً جَدِيدًا وَغَمَرَهُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَوْ بُنِيَ لَهُ تَكْرِيمًا ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى كُنِّيَ بِهِ عَنْ الْجِمَاعِ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ بَنَى عَلَيْهَا وَبَنَى بِهَا وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَيُطْلَقُ الْعُرْسُ أَيْضًا عَلَى طَعَامِ الزِّفَافِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا نَظَمَ بَعْضُهُمْ أَسْمَاءَ الْوَلَائِمِ فَقَالَ وَلِيمَةُ عُرْسٍ ثُمَّ خَرْصُ وِلَادَةٍ ... عَقِيقَةُ مَوْلُودٍ وَكِيرَةُ ذِي بِنَا وَضَيْمَةُ مَوْتٍ ثُمَّ إعْذَارُ خَاتِنٍ ... نَقِيعَةُ سَفَرٍ وَالْمُؤْدِبُ لِلثَّنَا . اهـ. زي قَوْلُهُ: " لِلثَّنَاءِ " أَيْ لِفِعْلِ مَا يُطْلَقُ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ كَخَتْمِ كِتَابٍ أَوْ قُرْآنٍ فَيُسَمَّى مَأْدُبَةً. قَوْلُهُ: (مُؤَكَّدَةٌ) فَغَيْرُهَا مُسْتَحَبٌّ دُونَهَا، أَيْ أَقَلُّ مِنْهَا، فَقَيْدُ الِاسْتِحْبَابِ لَا مَفْهُومَ لَهُ إلَّا مِنْ حَيْثُ التَّأْكِيدُ ق ل. قَوْلُهُ: (فَفِي الْبُخَارِيِّ إلَخْ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مِثَالٌ لِلْفِعْلِ. قَوْلُهُ: (أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ) وَهِيَ أُمُّ سَلَمَةَ وَاسْمُهَا هِنْدٌ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ ابْنِ عَمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَلِي اللَّهَ أَنْ يَأْجُرَك فِي مُصِيبَتِك وَيُخْلِفَك خَيْرًا قَالَتْ: وَمَنْ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ وَلَمَّا اعْتَدَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُهَا مَعَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَكَانَ خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَبَتْ وَخَطَبَهَا عُمَرُ فَأَبَتْ فَلَمَّا جَاءَهَا حَاطِبٌ قَالَتْ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تَقُولُ لَهُ إنِّي امْرَأَةٌ مُسِنَّةٌ وَإِنِّي أُمُّ أَيْتَامٍ؛ لِأَنَّهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ مَعَهَا أَرْبَعُ بَنَاتٍ بُرَّةُ وَسَلَمَةُ وَعَمْرَةُ وَدُرَّةُ وَإِنِّي شَدِيدَةُ الْغَيْرَةِ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَهَا: أَمَّا قَوْلُك إنِّي امْرَأَةٌ مُسِنَّةٌ فَأَنَا أَسَنُّ مِنْك وَلَا يُعَابُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ أَسَنَّ مِنْهَا، وَأَمَّا قَوْلُكِ إنِّي أُمُّ أَيْتَامٍ فَإِنَّ كُلَّهُمْ عَوْلَةٌ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ، وَأَمَّا قَوْلُكِ إنِّي شَدِيدَةُ الْغَيْرَةِ فَإِنِّي أَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ ذَلِكَ عَنْك وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهَا قَالَتْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ: لَيْسَ لِي هَهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي فَيُزَوِّجُنِي. فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا: أَمَّا مَا ذَكَرْت مِنْ أَوْلِيَائِك فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِك يَكْرَهُنِي فَقَالَتْ لِابْنِهَا: زَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَوَّجَهُ عَلَى مَتَاعٍ مِنْهُ رَحًى وَجَفْنَةٌ وَفِرَاشٌ حَشْوُهُ لِيفٌ قِيمَةُ كُلِّ الْمَتَاعِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَقِيلَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. قَالَتْ: فَتَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَدْخَلَنِي بَيْتَ زَيْنَبَ أُمِّ الْمَسَاكِينِ بَعْدَ أَنْ مَاتَتْ، فَإِذَا جَرَّةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ شَعِيرٍ وَإِذَا رَحًى وَبُرْمَةٌ وَقَدْ رَأَى ظَرْفَ الْأُدْمِ فَأَخَذْتُ ذَلِكَ الشَّعِيرَ فَطَحَنْته ثُمَّ عَصَدْته فِي الْبُرْمَةِ فَكَانَ ذَلِكَ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَعَامَ أَهْلِهِ لَيْلَةَ عُرْسِهِ» وَمَاتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فِي وِلَايَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ عُمْرُهَا أَرْبَعًا وَثَمَانِينَ سَنَةً وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ وَصَلَّى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَزْوِيجَ وَلَدِهَا لَهَا إنَّمَا كَانَ بِالْعُصُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمِّهَا ذَكَرَهُ ح ل فِي السِّيرَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ) وَهِيَ بِنْتُ حُيَيٍّ وَكَانَ أَبُوهَا رَئِيسَ الْيَهُودِ وَكَانَتْ تُحِبُّ ابْنَ عَمِّهَا، فَرَأَتْ أَنَّ الْقَمَرَ سَقَطَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 وَأَقِطٍ» وَأَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ تَزَوَّجَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» . وَأَقَلُّهَا لِلْمُتَمَكِّنِ شَاةٌ وَلِغَيْرِهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ. قَالَ النَّشَائِيُّ: وَالْمُرَادُ أَقَلُّ الْكَمَالِ شَاةٌ لِقَوْلِ التَّنْبِيهِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ مِنْ الطَّعَامِ جَازَ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِوَقْتِ الْوَلِيمَةِ، وَاسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ أَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِهِ وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُولِمْ عَلَى نِسَائِهِ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ» . فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِنْ خَالَفَ الْأَفْضَلَ. (وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا وَاجِبَةٌ) عَيْنًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ: «شَرُّ الطَّعَامِ   [حاشية البجيرمي] فِي حِجْرِهَا، فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَلَطَمَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَقَالَ لَهَا: تَزْعُمِينَ أَنَّك تَتَزَوَّجِينَ بِمَلِكِ يَثْرِبَ، فَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ خَيْبَرَ وَمَلَكَ غَنَائِمَهَا فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَطَلَبَ مِنْهُ جَارِيَةً يَتَسَرَّى بِهَا، فَقَالَ لَهُ: «اذْهَبْ فَخُذْ وَاحِدَةً» فَأَخَذَهَا. فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ: إنَّهَا لَا تَصْلُحُ إلَّا لَك. فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ وَأَعْتَقَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَتَزَوَّجَ بِهَا وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا فِي رُجُوعِهِ مِنْ خَيْبَرَ. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَاخْتَصَّ بِإِبَاحَةِ اصْطِفَاءِ أَيْ اخْتِيَارِ مَا شَاءَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ لَهَا مِنْ جَارِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ وَمِنْ صَفَايَاهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ تَصْغِيرُ حَيِّي بْنِ أَخَطَبَ الْيَهُودِيِّ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَوْجَةِ سَلَامِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ بِالتَّصْغِيرِ شَرِيفِ خَيْبَرَ قُتِلَ فَسُبِيَتْ «فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذُكِرَ لَهُ جَمَالُهَا. وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغَ الصَّهْبَاءَ وَحَلَّتْ لَهُ أَيْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَبَنَى بِهَا وَصَنَعَ حَيْسًا مِنْ التَّمْرِ وَسَوِيقًا وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَضَعَهُ فِي نِطْعٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَنَسٍ: ائْذَنْ لِمَنْ حَوْلَك» فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةً عَلَيْهَا. وَإِنَّمَا أَخَذَهَا مِنْهُ رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ ؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ بَعْضِ مُلُوكِهِمْ، فَخَافَ مِنْ اخْتِصَاصِ دِحْيَةَ تَغَيَّرَ خَاطِرِ نُظَرَائِهِ، وَكَانَتْ رَأَتْ أَنَّ الْقَمَرَ سَقَطَ فِي حِجْرِهَا اهـ. مُنَاوِيٌّ. وَجَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ وَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنْ اللَّيْلِ، وَإِنَّ عُمْرَهَا لَمْ يَبْلُغْ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَوْلَمَ بِتَمْرٍ وَسَوِيقٍ. قَوْلُهُ: (بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ) وَفِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ: وَجَعَلَ وَلِيمَتَهَا حَيْسًا فِي نِطْعٍ صَغِيرٍ، وَالْحَيْسُ تَمْرٌ وَأَقِطٌ هُوَ لَبَنٌ غَيْرُ مَنْزُوعِ الزُّبْدِ وَسَمْنٌ؛ فَفِي الْبُخَارِيِّ: «فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرُوسًا فَقَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْنِي بِهِ وَبَسَطَ نِطْعًا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ بِالسَّمْنِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْأَقِطِ، وَذَكَرَ أَيْضًا السَّوِيقَ» . وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَيْسَ خَلْطُ السَّمْنِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُخْلَطُ مَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ السَّوِيقُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَلِيمَةَ عَلَى صَفِيَّةَ كَانَتْ نَهَارًا، وَذَهَبَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُهَا لَيْلًا؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا لَيْلًا أَيْ لِأَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ، وَقَدْ جَاءَ: " لَا بُدَّ لِلْعُرْسِ مِنْ وَلِيمَةٍ " قَالَ ع ش عَلَى م ر: أَيْ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال عَلَى سَنِّهَا لَيْلًا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهَا كَذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ) هَذَا مِثَالٌ لِلْقَوْلِ. قَوْلُهُ: (أَوْلِمْ) هُوَ أَمْرٌ لِلنَّدْبِ كَسَائِرِ الْوَلَائِمِ ق ل. قَوْلُهُ: (أَقَلُّ الْكَمَالِ) أَيْ لَا أَقَلَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِقَوْلِ التَّنْبِيهِ إلَخْ. وَفِعْلُ النَّبِيُّ لَهَا بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الطَّعَامِ) الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ مَا يَشْمَلُ الْمَشْرُوبَ. قَوْلُهُ: (فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِهِ) أَيْ بِالْعَقْدِ، وَلَا يَفُوتُ بِطَلَاقٍ وَلَا بِمَوْتٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِعْلُهَا بَعْدَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ قَضَاءً فَرَاجِعْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الدُّخُولِ) قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْتَهِي بِمُدَّةِ الزِّفَافِ لِلْبِكْرِ سَبْعًا وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثًا اهـ، أَيْ فَفِعْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ قَضَاءً فَلَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الْعَقْدِ لَمْ تَكُنْ وَلِيمَةَ عُرْسٍ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّسَرِّي كَالنِّكَاحِ فِي اسْتِحْبَابِ الْوَلِيمَةِ وَوُجُوبِ الْإِجَابَةِ وَيُسْتَحَبُّ تَعَدُّدُهَا بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْعَقِيقَةِ عَنْ أَوْلَادِهِ. اهـ. دَيْرَبِيٌ. قَوْلُهُ: (وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا وَاجِبَةٌ) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ خَالَفَ الْأَفْضَلَ، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي التَّوْشِيحِ. وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ بِإِجَابَتِهِ الِاقْتِدَاءَ بِالسُّنَّةِ وَإِقَامَةِ الْمَطْلُوبِ وَإِكْرَامِ أَخِيهِ وَزِيَارَتِهِ لِيُثَابَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ الْمُتَزَاوِرِينَ وَالْمُتَحَابِّينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 طَعَامُ الْوَلِيمَةِ تُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَتُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . قَالُوا: وَالْمُرَادُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ؛ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» . وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْوَلَائِمِ فَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا مُسْتَحَبَّةٌ، لِمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: «دُعِيَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ إلَى خِتَانٍ فَلَمْ يُجِبْ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَقَوْلُهُ: (إلَّا لِعُذْرٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَكْثَرِ شُرُوطِ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فَإِنَّ شُرُوطَهُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا أَنْ لَا يَخُصَّ بِالدَّعْوَةِ الْأَغْنِيَاءَ لِغِنَاهُمْ لِخَبَرِ: «شَرُّ الطَّعَامِ» . وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ مُسْلِمًا أَيْضًا، وَمِنْهَا أَنْ يَدْعُوَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَتُسَنُّ الْإِجَابَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَتُكْرَهُ فِي   [حاشية البجيرمي] فِي اللَّهِ لَا قَضَاءَ شَهْوَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (تُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّخْصِيصَ لِلْأَغْنِيَاءِ تَجِبُ الْإِجَابَةُ مَعَهُ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا سَيُصَرِّحُ بِهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ حَجَرٍ أَجَابَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ بَيَانُ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي طَعَامِ الْوَلِيمَةِ وَهُوَ الرِّيَاءُ أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ لَازِمِ ذَلِكَ وُجُودُهُ بِالْفِعْلِ وَبَيَانُ مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ فِي إجَابَتِهَا وَهُوَ التَّوَاصُلُ وَالتَّحَابُّ وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ قَصْدٌ مُوغِرٌ لِلْقَصْدِ وَمِنْ شَأْنِ التَّخْصِيصِ ذَلِكَ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِجَابَةَ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاجِبَةٌ حَيْثُ حَكَمَ بِالْعِصْيَانِ عَلَى عَدَمِ الْإِجَابَةِ مَعَ أَنَّهُ إذَا خُصَّ الْأَغْنِيَاءُ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ أَيْ الْخَالِيَةَ عَنْ تَخْصِيصِ الْأَغْنِيَاءِ وَوُجِدَتْ بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ، أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ شَرُّ الطَّعَامِ إلَخْ هَذَا إخْبَارٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغَيْبِ لِبَيَانِ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْوَلَائِمِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ وُجُودُ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ أَيْ فِي كُلِّ الْوَلَائِمِ؛ فَلِذَلِكَ قَالَ: وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ بِأَنْ انْتَفَى تَخْصِيصُ الْأَغْنِيَاءِ. وَقَوْلُهُ: " وَمَنْ لَمْ يُجِبْ " مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ سَمِعَهُ، وَأَقَرَّهُ. قَالَ ع ش: وَلَيْسَ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: " وَمَنْ لَمْ يُجِبْ إلَخْ " مِنْ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِدْلَالِ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ. الصَّحَابَةُ وَسَكَتُوا عَلَيْهِ فَصَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا. قَوْلُهُ: (قَالُوا وَالْمُرَادُ إلَخْ) تَبَرَّأَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَلِيمَةِ عَامٌّ يَشْمَلُ الْعُرْسَ وَغَيْرَهُ، فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، أَيْ عَلَى أَنَّهَا وَلِيمَةُ الْعُرْسِ اهـ. وَانْظُرْ لِمَ تَبَرَّأَ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ مُؤَيِّدٌ بِالْحَدِيثِ الْآتِي؟ وَعِبَارَةُ ح ل: وَجْهُ التَّبَرِّي مِنْهُ وَاضِحُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا التَّخْصِيصَ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ مَعَ مَجِيءِ التَّعْمِيمِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَاقَهُ بَعْدَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْعَرَبِ؛ وَلِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَقَوْلُهُ: " وَيُؤَيِّدُهُ " أَيْ هَذَا الْمُرَادُ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْوَلَائِمِ) يَشْمَلُ وَلِيمَةَ التَّسَرِّي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ) هَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بَلْ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، فَلَوْ قَالَ لَا وَاجِبَةَ لِمَا فِي مُسْنَدِ إلَخْ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (إلَّا لِعُذْرٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ. وَظَاهِرُ نَفْيِ الْوُجُوبِ بَقَاءُ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَدْ تُكْرَهُ وَقَدْ تَحْرُمُ وَسَيَأْتِي لَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (إلَى أَكْثَرِ شُرُوطِ) لَوْ قَالَ إلَى كَثْرَةِ شُرُوطِ إلَخْ، لَكَانَ أَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ، وَقَدْ أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ عِشْرِينَ شَرْطًا ق ل. قَوْلُهُ: (لِغِنَاهُمْ) خَرَجَ مَا لَوْ خَصَّ الْفُقَرَاءَ لِفَقْرِهِمْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ: " أَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ " صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: بِأَنْ عَمَّ النَّوْعَيْنِ أَوْ خَصَّ الْفُقَرَاءَ لِفَقْرِهِمْ أَوْ خَصَّ الْأَغْنِيَاءَ لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ حِرْفَتِهِ أَوْ جِيرَانِهِ وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ وَمَسْجِدِهِ دُونَ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ. وَالْمُرَادُ بِالْأَغْنِيَاءِ هُنَا مَنْ يَقْصِدُ التَّجَمُّلَ بِحُضُورِهِ لِنَحْوِ وَجَاهَةٍ أَوْ جَاهٍ كَمَشَايِخِ الْبُلْدَانِ وَالْأَسْوَاقِ، فَالْمُرَادُ الْغِنَى عُرْفًا لَا غِنَى الزَّكَاةِ أَوْ الْعَاقِلَةِ أَيْ الْمُتَزَيِّنُونَ بِالْمُلَابِسِ الْفَاخِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مَالٌ أَصْلًا، فَهُمْ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الْقَائِلِ: وَمَا مِثْلُهُ إلَّا كَفَارِغِ بُنْدُقٍ خَلِيٌّ مِنْ الْمَعْنَى وَلَكِنْ يُفَرْقِعُ اهـ ع ش مَعَ زِيَادَةٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 الثَّالِثِ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ؛ نَعَمْ إنْ اتَّخَذَهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَدْعُوَهُ لِخَوْفٍ مِنْهُ لَوْ لَمْ يَحْضُرْ أَوْ طَمَعًا فِي جَاهِهِ أَوْ إعَانَتِهِ عَلَى بَاطِلٍ. وَمِنْهَا أَنْ يُعَيِّنَ الْمَدْعُوَّ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ لَا إنْ نَادَى فِي النَّاسِ كَأَنْ فَتَحَ الْبَابَ وَقَالَ لِيَحْضُرَ مَنْ أَرَادَ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَعْتَذِرَ الْمَدْعُوُّ إلَى الدَّاعِي وَيَرْضَى بِتَخَلُّفِهِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَسْبِقَ الدَّاعِيَ غَيْرُهُ فَإِنْ جَاءَا مَعًا أَجَابَ أَقْرَبُهُمَا رَحِمًا ثُمَّ دَارًا، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَدْعُوهُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كُرِهَتْ إجَابَتُهُ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ عَيْنَ الطَّعَامِ حَرَامٌ حَرُمَتْ إجَابَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَتُبَاحُ الْإِجَابَةُ. وَلَا تَجِبُ إذَا كَانَ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ: لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ فِي زَمَانِنَا هَذَا انْتَهَى. وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي) أَيْ صَاحِبُ الْوَلِيمَةِ مُسْلِمًا، فَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ، لَكِنْ يُسَنُّ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ أَوْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ جَارًا وَكَذَا لَا يَلْزَمُ ذِمِّيًّا إجَابَةُ مُسْلِمٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاعِي قَرَابَةٌ أَمْ صَدَاقَةٌ أَوْ لَا؛ وَلَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَعْوَةِ الْآخَرِ أَنَّ طَلَبَهَا لِلتَّوَدُّدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلدُّنْيَا وَإِلَّا فَهُوَ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ، وَيَحْرُمُ مَيْلُ الْقَلْبِ لِلْكَافِرِ ع ش م ر عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَدْعُوَهُ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا مِمَّا لَمْ تَحْصُلْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي كَلَامِهِ إذْ الدُّعَاءُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، لَا يُقَالُ إنَّهُ عُذْرٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِهِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ: أَيْ لِنَوْعِ الْمَدْعُوِّ، فَلَوْ جَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ يَوْمًا وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (فَتُسَنُّ الْإِجَابَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) مَا لَمْ يَكُنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِضِيقِ مَنْزِلِهِ وَكَثْرَةِ النَّاسِ، وَإِلَّا كَانَتْ كَوَلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ دُعِيَ النَّاسُ إلَيْهَا أَفْوَاجًا فَيَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الْإِجَابَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ) خَرَجَ السَّفِيهُ وَالصَّبِيُّ فَلَا يُجِيبُهُ غَيْرُهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ لِعِصْيَانِهِ بِذَلِكَ، ثُمَّ إنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يُولِمَ كَانَ كَالْحُرِّ؛ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الدَّعْوَةِ أَيْضًا قَالَهُ م ر وحج. قَالَ سم: هَلَّا جُعِلَ إذْنُهُ لَهُ فِي الْوَلِيمَةِ إذْنًا فِي الدَّعْوَةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ) خَرَجَ غَيْرُهُمَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّمْلِيكِ. قَوْلُهُ: (لَوْ لَمْ يَحْضُرْ) الْأَوْلَى لَوْ لَمْ يَدْعُهُ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ طَمَعًا " عُطِفَ عَلَى خَوْفٍ، وَنَصْبُهُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَلَوْ قَالَ: أَوْ طَمَعٍ لَكَانَ أَنْسَبَ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ طَمَعًا فِي جَاهِهِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَاهُ لِلتَّوَدُّدِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (أَوْ نَائِبِهِ) بِأَنْ شَافَهَهُ بِالدَّعْوَى. وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ بِدَعْوَاهُ مِنْ غَيْرِ النَّائِبِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، أَيْ وَلَوْ كَانَ الدَّاعِي أَوْ نَائِبُهُ صَبِيًّا مُمَيِّزًا مَا لَمْ يُعْهَدْ عَلَيْهِ كَذِبٌ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ كَأُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَ لَا بِكِنَايَةٍ كَإِنْ شِئْت أَنْ تَحْضُرَ فَافْعَلْ أَوْ إذَا رَأَيْت أَنْ تُجَمِّلَنِي فَافْعَلْ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأَدُّبِ أَوْ الِاسْتِعْطَافِ مَعَ ظُهُورِ الرَّغْبَةِ فِي حُضُورِ الْمَدْعُوِّ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يُحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَكْفِي بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ. وَالْقَرِينَةُ الْمَذْكُورَةُ غَايَةُ مَا تَقْتَضِي نَدْبَ الْحُضُورِ، كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ. وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا وُجُوبُ الْإِجَابَةِ حِينَئِذٍ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَقَالَ لِيَحْضُرَ مَنْ أَرَادَ) فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. قَوْلُهُ: (وَيَرْضَى بِتَخَلُّفِهِ) أَيْ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ لَا بِنَحْوِ غَضَبٍ وَعُبُوسٍ ق ل. قَوْلُهُ: (أَجَابَ أَقْرَبُهُمَا) فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ) أَيْ وَالْوَلِيمَةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ ق ل، وَقَوْلُهُ أَكْثَرُ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (حُرِّمَتْ إجَابَتُهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَيْنَ الطَّعَامِ مِنْ الْحَرَامِ، فَلَا تَحْرُمُ الْإِجَابَةُ بَلْ تُكْرَهُ كَمَا قَدَّمَهُ. قَوْلُهُ: (وَتُبَاحُ إلَخْ) مُسْتَأْنَفٌ كَمَا قَالَهُ م د؛ لَكِنْ عَلَيْهِ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ: " وَلَا تَجِبُ " فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا، أَيْ فَلَا تَحْرُمُ؛ وَلَكِنْ تُبَاحُ الْإِجَابَةُ تَأَمَّلْ، هَكَذَا قِيلَ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ وَلَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ الْكَرَاهَةُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ) أَيْ حَرَامٌ وَإِنْ قَلَّ. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي مَالِ الدَّاعِي شُبْهَةٌ أَيْ قَوِيَّةٌ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِي مَالِهِ حَرَامًا وَلَا يَعْلَمُ عَيْنَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامًا فِيمَا يَظْهَرُ، خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ بَعْضِهِمْ مِنْ التَّقْيِيدِ؛ لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ عَدَمُ كَرَاهَةِ مُعَامَلَتِهِ وَالْأَكْلِ مِنْهُ إلَّا حِينَئِذٍ، وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لِلْوُجُوبِ مَا لَا يُحْتَاطُ لِلْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ الْآنَ مَالٌ يَنْفَكُّ عَنْ شُبْهَةٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لَا بُدَّ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي زَمَانِنَا. قَوْلُ: (وَلَيْسَ فِي مَوْضِعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 الظَّنِّ أَنَّ فِي مَالِ الدَّاعِي شُبْهَةً، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاعِي امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَلَيْسَ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ مَحْرَمٌ لَهَا وَلَا لِلْمَدْعُوِّ وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاعِي ظَالِمًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ شِرِّيرًا أَوْ مُتَكَلِّفًا طَالِبًا لِلْمُبَاهَاةِ وَالْفَخْرِ؛ قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ حُرًّا، فَلَوْ دَعَا عَبْدًا لَزِمَتْهُ إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إنْ لَمْ يَضُرَّ حُضُورُهُ بِكَسْبِهِ، فَإِنَّ ضَرَّ وَأَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فَوَجْهَانِ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فِي إجَابَةِ الدَّعْوَى كَالرَّشِيدِ. وَمِنْهَا أَنْ يَدْعُوَهُ فِي وَقْتِ الْوَلِيمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقْتُهَا. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْعُوُّ قَاضِيًا، وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ ذِي وِلَايَةٍ عَامَّةٍ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَعْذُورًا بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَتَأَذَّى بِحُضُورِهِ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ كَالْأَرَاذِلِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْعُوُّ أَمْرَدَ يُخَافُ مِنْ حُضُورِهِ رِيبَةً أَوْ تُهْمَةً أَوْ قَالَةً. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ لَا يَزُولُ بِحُضُورِهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالضَّرْبِ بِالْمَلَاهِي، فَإِنْ كَانَ يَزُولُ بِحُضُورِهِ وَجَبَ حُضُورُهُ لِلدَّعْوَةِ وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ. وَمِنْ الْمُنْكَرِ فُرُشٌ   [حاشية البجيرمي] الدَّعْوَةِ مَحْرَمٌ) أَيْ لِيَأْمَنَ مَعَهُ مِنْ الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ. وَهَذَا الْقَيْدُ قَدْ يُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِي وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ق ل: قَوْلُهُ وَلَيْسَ إلَخْ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَدَافُعٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ مَحْرَمٌ أَيْ لِيَأْمَنَ مَعَهُ مِنْ رِيبَةٍ أَوْ تُهْمَةٍ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِي وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ شِرِّيرًا) أَيْ كَثِيرِ الشَّرِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُتَكَلِّفًا) أَيْ كَلَّفَ نَفْسَهُ مَا لَا يُطِيقُ مِنْ الطَّعَامِ الْكَثِيرِ؛ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فِي وَقْتِ الْوَلِيمَةِ) وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ بِأَنْ يَدْعُوهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي، أَمَّا لَوْ دَعَاهُ قَبْلَ وَقْتِهَا كَأَنْ جَعَلُوا الْوَلِيمَةَ لِلْعُرْسِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَسَنِّهَا فِي الثَّانِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ غَرَضًا، أَمَّا إذَا كَانَ غَرَضٌ أَوْ عُذْرٌ كَأَنْ جَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ يَوْمًا أَوْ لِضِيقِ مَنْزِلِهِ عَنْ كُلِّهِمْ أَوْ عَجْزِهِ عَنْ طَعَامٍ يَكْفِي الْجَمِيعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ وَلَوْ شَهْرًا. قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقْتُهَا) أَيْ أَنَّ أَوَّلَ ابْتِدَائِهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَيَنْتَهِي أَدَاؤُهَا بِالْأُسْبُوعِ فِي الْبِكْرِ وَالثَّلَاثِ فِي الثَّيِّبِ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْعُوُّ قَاضِيًا) وَالْأَوْجَهُ اسْتِثْنَاءُ أَبْعَاضِهِ وَنَحْوِهِمْ فَتَلْزَمُهُ إجَابَتُهُمْ لِعَدَمِ نُفُوذِ حُكْمِهِ لَهُمْ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِمُرَخِّصٍ) أَيْ مِمَّا يَأْتِي هُنَا فَلَا يُنَافِي أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ، وَلَيْسَ عُذْرًا هُنَا لِوُجُودِ ذَلِكَ فِي مَقْصِدِهِ م د. قَوْلُهُ: (كَالْأَرَاذِلِ) وَالزَّحْمَةِ وَالْعَدَاوَةِ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إنْ تَضَرَّرَ. اهـ. ز ي. وَالْمُرَادُ بِالْأَرَاذِلِ الْأَرَاذِلُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا أَمَّا فِي الدِّينِ فَتَحْرُمُ مُجَالَسَتُهُمْ ق ل. قَوْلُهُ: (أَمْرَدَ) أَيْ جَمِيلًا، بِدَلِيلِ تَقْيِيدِهِ بِخَوْفِ نَحْوِ رِيبَةٍ. وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَدْعُوَّةَ كَذَلِكَ ق ل. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: وَغَيْرِهِ وَمِنْ الْعُذْرِ كَوْنُهُ أَمْرَدَ جَمِيلًا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ رِيبَةٍ أَوْ تُهْمَةٍ وَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَكَوْنُ النِّسَاءِ بِنَحْوِ أَسْطُحَةِ الدَّارِ وَمَرَافِقِهَا بِحَيْثُ يَنْظُرْنَ لِلرِّجَالِ أَوْ يَخْتَلِطْنَ بِهِمْ وَلَوْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْ رُؤْيَتِهِنَّ لَهُ كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ بِحَيْثُ لَا يُرَى شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَوُجُودُ مَنْ يُضْحِكُ النَّاسَ بِالْفُحْشِ وَالْكَذِبِ. قَوْلُهُ: (رِيبَةً أَوْ تُهْمَةً) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرِّيبَةَ هِيَ الَّتِي لَا تَكُونُ بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ بَلْ بِالظَّنِّ، بِخِلَافِ التُّهْمَةِ فَهِيَ أَدْوَنُ مِنْهَا، وَالْقَالَةُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ قَوْلٌ لَا يَلِيقُ بِهِ كَغِيبَةٍ أَوْ نَمِيمَةٍ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ) أَيْ وَلَوْ فِي اعْتِقَادِ الْمَدْعُوِّ فَقَطْ كَفُرُشِ حَرِيرٍ لِلرِّجَالِ وَشُرْبِ نَبِيذٍ، نَعَمْ يَجُوزُ الْحُضُورُ إنْ اعْتَقَدَ الْفَاعِلُ الْجَوَازَ كَالْحَنَفِيِّ فِي الْمِثَالَيْنِ لَكِنَّهُ إذَا حَضَرَ لَا يُنْكِرُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَاعِدَةِ إنَّ شَرْطَ الْإِنْكَارِ كَوْنُ الْمُنْكَرِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ يَعْتَقِدُ الْفَاعِلُ حُرْمَتَهُ. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ سُقُوطُ الْوُجُوبِ دُونَ الْجَوَازِ فِيمَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَالِكِيٌّ يَتَطَهَّرُ بِالْمُسْتَعْمَلِ أَوْ حَنَفِيٌّ يَتْرُكُ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ الْفَاعِلُ يَرَى التَّحْرِيمَ دُونَ الْمَدْعُوِّ، فَالْوَجْهُ سُقُوطُ الْوُجُوبِ وَحُرْمَةُ الْحُضُورِ إذْ حُضُورُ الْمُنْكَرِ وَلَوْ فِي اعْتِقَادِ الْفَاعِلِ فَقَطْ لِغَيْرِ إنْكَارِهِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إقْرَارًا عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ حَرَامٌ. اهـ. سم. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ فِي اعْتِقَادِ الْمَدْعُوِّ فَقَطْ " وَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي فِي السِّيَرِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الَّذِي يُنْكِرُ بِاعْتِقَادِ الْفَاعِلِ تَحْرِيمَهُ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي وُجُوبِ الْحُضُورِ وَوُجُوبُهُ مَعَ وُجُودِ مُحَرَّمٍ فِي اعْتِقَادِهِ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ فَسَقَطَ وُجُوبُ الْحُضُورِ لِذَلِكَ، وَأَمَّا الْإِنْكَارُ فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْفَاعِلِ وَلَا يَجُوزُ إضْرَارُهُ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَقَدَ الْمُنْكِرُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُعَامَلُ بِقَضِيَّةِ اعْتِقَادِ غَيْرِهِ. اهـ. حَجّ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَالضَّرْبُ بِالْمَلَاهِي) أَيْ آلَةِ لَهْوٍ يَسْمَعُهَا أَوْ يَعْلَمُ أَنَّهَا تُضْرَبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِمَحَلِّ حُضُورِهِ بِأَنْ كَانَتْ بِبَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 غَيْرُ حَلَالٍ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ وَفُرُشُ جُلُودِ النُّمُورِ وَفُرُشُ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ صُورَةُ حَيَوَانٍ فِي غَيْرِ أَرْضٍ وَبِسَاطٌ وَمِخَدَّةٌ، وَالْمَرْأَةُ إذَا دَعَتْ النِّسَاءَ فَكَمَا ذَكَرْنَا فِي الرِّجَالِ؛ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَقِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ   [حاشية البجيرمي] الدَّارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِجِوَارِهِ اهـ ح ل. وَعِبَارَةُ س ل: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِمَحَلِّ الْحُضُورِ أَوْ بِبَيْتٍ آخَرَ مِنْ الدَّارِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالسُّبْكِيُّ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَارِ بِأَنَّ فِي مُفَارَقَةِ دَارِهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ وَلَا فِعْلَ مِنْهُ بِخِلَافِ هَذَا، فَإِنَّهُ تَعَمَّدَ الْحُضُورَ بِمَحِلِّ الْمَعْصِيَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَا قَالَاهُ، أَيْ الْأَذْرَعِيُّ وَالسُّبْكِيُّ، مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ آلَاتِ اللَّهْوِ فِي مَحَلِّ الْحُضُورِ أَوْ غَيْرِهِ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَسُوغُ غَيْرَهُ، وَتَسْلِيمٌ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْأَوَّلِينَ الْحِلُّ أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَحَلِّ الْحُضُورِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ مُقِرًّا عَلَى الْمَعْصِيَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ اهـ. قَالَ ع ش: قَوْلُهُ: " فَإِنَّهُ تَعَمَّدَ الْحُضُورَ إلَخْ " قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ عَلَى ظَنِّ أَنْ لَا مَعْصِيَةَ بِالْمَكَانِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ كَأَنْ حَضَرَ مَعَ الْمُجْتَمِعِينَ فِي مَحَلِّ الدَّعْوَةِ ثُمَّ سَمِعَ الْآلَاتِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوْ حَضَرَ أَصْحَابُ الْآلَاتِ بَعْدَ حُضُورِهِ لِمَحَلِّ الدَّعْوَةِ عَدَمُ وُجُوبِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ أَخْذًا بِقَوْلِهِمْ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِالْمَدْعُوِّ إلَخْ اهـ. قَوْلُهُ: (وَجَبَ حُضُورُهُ لِلدَّعْوَةِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: هَذَا إنْ لَمْ يَزُلْ أَيْ الْمُنْكَرُ بِهِ أَيْ الْمَدْعُوِّ وَإِلَّا وَجَبَتْ أَوْ سُنَّتْ إجَابَتُهُ إجَابَةً لِلدَّعْوَى وَإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ اهـ. وَقَوْلُهُ إجَابَةً لِلدَّعْوَى رَاجِعٌ لِلْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ. وَلَا يُقَالُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ لَا النَّدْبَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ سَنُّهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا إجَابَةٌ لِوَلِيمَةِ غَيْرِ عُرْسٍ وَوُجُوبُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي الْإِجَابَةِ إزَالَةً لِلْمُنْكَرِ فَفِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ تَجِبُ الْإِجَابَةُ مِنْ الْحَيْثِيَّتَيْنِ وَفِي وَلِيمَةِ غَيْرِهِ تُسَنُّ مِنْ حَيْثُ الْوَلِيمَةُ وَتَجِبُ مِنْ حَيْثُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ فَلَا تَنَافِيَ. قَوْلُهُ: (فُرُشٌ غَيْرُ حَلَالٍ) هَذَا لَا يَتَنَاوَلُ نَصْبَهُ عَلَى الْجُدْرَانِ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَمَحَلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحُضُورِ، أَمَّا مُجَرَّدُ الدُّخُولِ فَلَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فَمَا فِي غَيْرِهِ عَنْهُمْ مِنْ التَّحْرِيمِ ضَعِيفٌ، أَمَّا دُخُولُ مَحَلٍّ بِبَابِهِ أَوْ مَمَرِّهِ صُوَرٌ مُحَرَّمَةٌ فَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلُّ امْتِهَانٍ لَا يَعْظُمُ فَأَشْبَهَ الْأَرْضَ؛ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ بِحُجْرَةٍ أَوْ بَيْتٍ آخَرَ مِنْ مَحَلِّ الدَّعْوَةِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا مِنْهَا عَلَى الْأَوْجَهِ بَلْ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ، فَفِي حُضُورِ الدَّارِ الَّتِي هُوَ فِيهَا إقْرَارٌ عَلَيْهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي أَيَّامِ زِينَةِ الْمَحْمَلِ لَا يَشُقُّ الْمَدِينَةَ وَلَا يَنْظُرُ إلَى زِينَتِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ اهـ. وَيُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ حُرْمَةِ الْمُرُورِ أَيَّامَ الزِّينَةِ حَيْثُ لَا حَاجَةَ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ الْمُرُورُ بِغَيْرِ مَحَلِّهَا وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلُوهَا مُكْرَهِينَ عَلَى التَّزْيِينِ بِخُصُوصِ الْمُحَرَّمِ اهـ ابْنُ حَجَرٍ. وَجَمَعَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بَيْنَ مَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَمَا فِي الْكَبِيرِ فَقَالَ: هُمَا مَسْأَلَتَانِ، فَالدُّخُولُ مَكْرُوهٌ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْحُضُورُ مُحَرَّمٌ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي غَيْرِهِ اهـ ز ي. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَمَتَى جَلَسَ شُهُودُ النِّكَاحِ عَلَى الْحَرِيرِ فَسَقَوْا وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِمْ، وَأَمَّا سَتْرُ الْجُدْرَانِ بِهِ وَنَصْبُهُ وَفُرُشُ جُلُودِ النُّمُورِ فَحَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُيَلَاءِ وَالْكِبْرِ اهـ ع ش. وَالْمُزَرْكَشُ بِالنَّقْدِ كَذَلِكَ وَخَرَجَ بِالْفُرُشِ بَسْطُهُ عَلَى الْأَرْضِ يُدَاسُ وَرَفْعُهُ عَلَى عُودٍ أَوْ فَوْقَ حَائِطٍ مَثَلًا فَلَا حُرْمَةَ. فَرْعٌ: قَالَ شَيْخُنَا: وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي مِصْرَ مِنْ الزِّينَةِ بِأَمْرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفَرُّجُ عَلَيْهِ وَالْمُرُورُ عَلَيْهِ إلَّا لِحَاجَةٍ مَعَ الْإِنْكَارِ، وَيَحْرُمُ فِعْلَهُ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي يَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ؛ وَنَازَعَهُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَصُورَةُ حَيَوَانٍ) وَلَوْ لِمَا لَا نَظِيرَ لَهُ كَبَقَرٍ لَهُ مِنْقَارٌ أَوْ جَنَاحٌ ق ل وح ل. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ أَرْضٍ) بِأَنْ كَانَتْ مَرْفُوعَةً كَأَنْ كَانَتْ عَلَى سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ ثِيَابٍ مَلْبُوسَةٍ أَوْ وِسَادَةٍ مَنْصُوبَةٍ. وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ صُوَرُ حَيَوَانٍ مَبْسُوطَةٌ كَأَنْ كَانَتْ عَلَى بِسَاطٍ يُدَاسُ وَمَخَادَّ يُتَّكَأُ عَلَيْهَا أَوْ مَرْفُوعَةً، لَكِنْ قُطِعَ رَأْسُهَا؛ وَصُوَرُ شَجَرٍ وَشَمْسٍ وَقَمَرٍ فَلَا يَمْنَعَ طَلَبَ الْإِجَابَةِ، فَإِنَّ مَا يُدَاسُ مِنْهَا. وَيُطْرَحُ مُهَانٌ مُبْتَذَلٌ وَغَيْرُهُ لَا يُشْبِهُ حَيَوَانًا فِيهِ رُوحٌ، بِخِلَافِ صُوَرِ الْحَيَوَانِ الْمَرْفُوعَةِ فَإِنَّهَا تُشْبِهُ الْأَصْنَامَ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ ثِيَابٍ مَلْبُوسَةٍ " قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِابْنِ حَجَرٍ: الْمُرَادُ بِهِ الْمَلْبُوسُ بِالْقُوَّةِ أَعْنِي مَا شَأْنَهُ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 الْأَذْرَعِيِّ فِي الْأَمْرَدِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خَافَتْ مِنْ حُضُورِهَا رِيبَةً أَوْ تُهْمَةً أَوْ قَالَةً لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْإِجَابَةُ وَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ وَأَوْلَى، خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي كَثُرَ فِيهِ اخْتِلَاطُ الْأَجَانِبِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ بِكَشْفِ   [حاشية البجيرمي] يُلْبَسَ، وَمِنْهُ الْمَوْضُوعُ عَلَى الْأَرْضِ لَا لِيُدَاسَ؛ ثُمَّ قَالَا: وَيَجُوزُ لُبْسُ مَا عَلَيْهِ صُوَرُ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ وَدَوْسُهُ وَوَضْعُهُ فِي صُنْدُوقٍ أَوْ مُغَطَّى، وَقَوْلُهُ: " مَنْصُوبَةً " وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُحْمَلُ مَا جَاءَ:؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «امْتَنَعَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِنْ أَجْلِ النُّمْرُقَةِ الَّتِي عَلَيْهَا التَّصَاوِيرُ فَقَالَتْ: أَتُوبُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْت؟ فَسَأَلَتْ عَنْ سَبَبِ امْتِنَاعِهِ مِنْ الدُّخُولِ، فَقَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ قَالَتْ: اشْتَرَيْتهَا لَك لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ التَّصَاوِيرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالنُّمْرُقَةُ وِسَادَةٌ صَغِيرَةٌ، أَيْ فَهِيَ كَانَتْ مَنْصُوبَةً حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إرَادَةِ دُخُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ: " وَالنُّمْرُقَةُ " بِالضَّمِّ لِلْمُفْرَدِ وَتُجْمَعُ عَلَى نَمَارِقَ وَهِيَ الْوَسَائِدُ جَمْعُ وِسَادَةٍ؛ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: " وَبِفَعَائِلَ اجْمَعْنَ فِعَالَهُ " إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " لَكِنْ قُطِعَ رَأْسُهَا " وَكَقَطْعِ الرَّأْسِ هُنَا فَقْدُ كُلِّ مَا لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ فَقْدَ النِّصْفِ الْأَسْفَلِ كَفَقْدِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ لِلْحَيَوَانِ بِدُونِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ ح ل. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: وَكَفَقْدِ الرَّأْسِ فَقْدُ مَا لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ، نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فَقْدُ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ كَالْكَبِدِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ الْمُحَاكَاةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِدُونِ ذَلِكَ اهـ. وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ خَرْقَ نَحْوِ بَطْنِهِ لَا يَجُوزُ اسْتِدَامَتُهُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ فِي الْحَيَوَانِ أَيْ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْمُحَاكَاةِ وَلَا شَيْءَ لِمُصَوِّرٍ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ضَعِيفٌ بَلْ شَاذٌّ وَلَا أَرْشَ عَلَى كَاسِرِهِ. وَتَصْوِيرُ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَلَوْ عَلَى أَرْضٍ وَلَوْ بِلَا رَأْسٍ أَوْ مِنْ طِينٍ أَوْ حَلَاوَةٍ وَيَصِحُّ بَيْعُهَا، وَلَا يَحْرُمُ التَّفَرُّجُ عَلَيْهَا وَلَا اسْتِدَامَتُهَا كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ، وَخَالَفَهُ الزِّيَادِيُّ فِي الْأَخِيرَيْنِ فَحَرَّمَهُمَا؛ وَهُوَ كَبِيرَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ» أَيْ مِنْ أَشَدِّهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» وَالْمُرَادُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ: «نَحْوَ الْجَرَسِ وَمَا فِيهِ بَوْلٌ مَنْقُوعٌ» قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ دُخُولِ بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ وَلَوْ عَلَى نَقْدٍ، وَخَالَفَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ، وَالْأَقْرَبُ مَا فِي الزَّوَاجِرِ؛ وَوَجْهُهُ أَنَّ حَمْلَ النَّقْدِ وَالتَّعَامُلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ صُورَةٌ إنَّمَا هُوَ لِلْعُذْرِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَعَدَمِ إرَادَةِ تَعْظِيمِهِ وَالْعُذْرُ فِي الِاحْتِيَاجِ وَالضَّرُورَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى مُلَازَمَةِ الْحَيْضِ لِلْحَائِضِ، وَمَعَ ذَلِكَ وَرَدَ النَّصّ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ حَائِضٌ اهـ. وَيُسْتَثْنَى لُعَبُ الْبَنَاتِ وَكَذَا الصِّبْيَانِ، أَيْ الَّذِينَ يَلْعَبُونَ بِهِ مِنْ تَصْوِيرِ شَكْلٍ يُسَمُّونَهُ عَرُوسَةً؛ «لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَلْعَبُ بِهَا عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ بِبَيْتِ أَبِيهَا قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بَيْتِهِ» ، كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ. وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ كَانَ بِبَيْتِهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْمَنْقُولُ، ثُمَّ رَأَيْت نَقْلًا عَنْ شَيْخِنَا الْعَزِيزِيِّ مَا نَصُّهُ: وَوَرَدَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ تَلْعَبُ بِمَا ذُكِرَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهَا أَيْ حِينَ كَانَتْ صَغِيرَةً وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْضُرُ عِنْدَهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا انْقَطَعَ عَنَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ، أَيْ كَانَ يَأْتِينَا الْبَيْتَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، أَيْ فَلَيْسَ لَعِبُهَا بِمَا ذُكِرَ كَانَ بَعْدَ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَخَذَهَا بَيْتَهُ كَانَ عُمْرُهَا تِسْعَ سِنِينَ. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفَرُّجَ عَلَى الْجُلُودِ الْمُصَوَّرَةِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا خَيَالُ الظِّلِّ حَلَالٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الرَّمْلِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالْحُرْمَةِ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: رَأَيْت خَيَالَ الظِّلِّ أَكْبَرَ عِبْرَةٍ ... لِمَنْ هُوَ فِي عِلْمِ الْحَقِيقَةِ رَاقِي شُخُوصٌ لِأَرْوَاحٍ تَمُرُّ وَتَنْقَضِي ... نَرَى الْكُلَّ يَفْنَى وَالْمُحَرِّكُ بَاقِي اهـ قَوْلُهُ: (وَمِخَدَّةٌ) أَيْ يُتَّكَأُ عَلَيْهَا، وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ. قَوْلُهُ: (فَكَمَا ذَكَرْنَا فِي الرِّجَالِ) كَلَامُهُ الْأَوَّلُ رُبَّمَا يَشْمَلُهَا ق ل. قَوْلُهُ: (عَنْ الْأَذْرَعِيِّ) لَمْ يَتَقَدَّمُ لَهُ نَفْلُ ذَلِكَ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ، فَلَعَلَّهُ فِي الْوَاقِعِ مَنْسُوبٌ لَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ عَزَاهُ لَهُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَأَوْلَى) أَيْ مِنْ الْأَمْرَدِ. قَوْلُهُ: (خُرِقَ) أَيْ رُفِعَ فِيهِ السِّيَاجُ أَيْ الْحَيَاءُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ السِّيَاجُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 مَا هُوَ عَوْرَةٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مُشَاهَدٌ وَلِابْنِ الْحَاجِّ الْمَالِكِيِّ اعْتِنَاءٌ زَائِدٌ بِالْكَلَامِ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ بِاعْتِبَارِ زَمَانِهِ، فَكَيْفَ لَهُ بِزَمَانٍ خُرِقَ فِيهِ السِّيَاجُ وَزَادَ بَحْرُ فَسَادِهِ وَهَاجَ، وَلَا تَسْقُطُ إجَابَةٌ بِصَوْمٍ، فَإِنْ شَقَّ عَلَى الدَّاعِي صَوْمُ نَفْلٍ مِنْ الْمَدْعُوِّ فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ، وَيَأْكُلُ الضَّيْفُ مِمَّا قُدِّمَ لَهُ بِلَا لَفْظٍ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا بِأَكْلٍ، وَيَمْلِكُ الضَّيْفُ مَا الْتَقَمَهُ بِوَضْعِهِ   [حاشية البجيرمي] مَا أُحِيطَ بِهِ عَلَى الْكَرْمِ وَنَحْوِهِ مِنْ الشَّوْكِ وَنَحْوِهِ وَالْجَمْعُ أَسْوِجَةٌ وَسَوْجٌ وَالْأَصْلُ بِضَمَّتَيْنِ مِثْلُ كِتَابٍ وَكُتُبٍ لَكِنْ سُكِّنَتْ الْوَاوُ اسْتِثْقَالًا لِلضَّمَّةِ اهـ. فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ حَيْثُ شَبَّهَ الْحَيَاءَ بِالسِّيَاجِ بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مَنْعًا فَالْحَيَاءُ يَمْنَعُ مِنْ الْفَوَاحِشِ، وَالسِّيَاجُ يَمْنَعُ الطَّارِقَ. وَالْخَرْقُ تَرْشِيحٌ. وَإِضَافَةُ بَحْرٍ إلَى فَسَادٍ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ أَيْ فَسَادُهُ الَّذِي هُوَ كَالْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَسْقُطُ إجَابَةٌ بِصَوْمٍ) وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ، أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مِنْ الْأَعْذَارِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْحُضُورُ لَا الْأَكْلُ كَمَا فِي الْقَسْمِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ الْحُضُورُ لِلْإِينَاسِ لَا لِلْجِمَاعِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْأَكْلُ وَلَوْ لُقْمَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ. 1 - فَرْعٌ: لَوْ دَعَاهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لِلْحُضُورِ نَهَارًا لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ، فَإِنْ أَرَادَ فَلْيَدْعُهُمْ عِنْدَ الْغُرُوبِ؛ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ مَا لَوْ دَعَاهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَالْمَدْعُوُّونَ كُلُّهُمْ مُكَلَّفُونَ صَائِمُونَ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إذْ لَا فَائِدَةَ إلَّا مُجَرَّدُ نَظَرِ الطَّعَامِ وَالْجُلُوسُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ مُشِقٌّ اهـ. قَوْلُهُ: (فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ) وَيُنْدَبُ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ أَنْ يَنْوِيَ بِفِطْرِهِ إدْخَالَ السُّرُورِ عَلَيْهِ؛ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَيَأْكُلُ الضَّيْفُ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا كُلُّ مَنْ حَضَرَ طَعَامَ غَيْرِهِ وَحَقِيقَتُهُ الْغَرِيبُ، وَمِنْ ثَمَّ تَأَكَّدَ ضِيَافَتُهُ وَإِكْرَامُهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِمَّا قُدِّمَ لَهُ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِمَّا خُصَّ بِهِ غَيْرُهُ عَالِيًا كَانَ أَوْ سَافِلًا، وَأَفْهَمْت " مِنْ " حُرْمَةِ أَكْلِ جَمِيعِ مَا قُدِّمَ لَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ. وَنُظِرَ فِيهِ إذَا قَلَّ وَاقْتَضَى الْعُرْفُ أَكْلَ جَمِيعِهِ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ الْقَوِيَّةِ فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى أَكْلِ الْجَمِيعِ حَلَّ وَإِلَّا امْتَنَعَ وَصَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِكَرَاهَةِ الْأَكْلِ فَوْقَ الشِّبَعِ وَآخَرُونَ بِحُرْمَتِهِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ الَّذِي لَا يَضُرُّهُ وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ وَيَضْمَنُهُ لِصَاحِبِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ رِضَاهُ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّحْرِيمَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الضَّرَرِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ عَلَى غَيْرِهَا كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي؛ وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ؛ لِأَنَّهَا مُؤْذِيَةٌ لِلْمِزَاجِ، فَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ هَذِهِ الْعِلَّةِ لَا عَلَى كَوْنِهِ مَالَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ زي. وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ كَانَ يَأْكُلُ كَعَشَرَةٍ مَثَلًا وَمُضِيفُهُ جَاهِلٌ بِحَالِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ فِي مِقْدَارِ الْأَكْلِ لِانْتِفَاءِ الْإِذْنِ اللَّفْظِيِّ وَالْعُرْفِ فِيمَا وَرَاءَهُ، قَالَ: فَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ قَلِيلًا فَأَكَلَ لُقَمًا كِبَارًا مُسْرِعًا حَتَّى يَأْكُلَ أَكْثَرَ الطَّعَامِ وَيُحْرَمُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ اهـ. وَقَوْلُهُ: " عَالِيًا كَانَ أَوْ سَافِلًا " أَيْ فَيَحْرُمُ عَلَى مِنْ خُصَّ بِالسَّافِلِ إكْرَامَ غَيْرِهِ مُطْلَقًا أَوْ قَبْلَ كِفَايَتِهِ مَثَلًا، وَمِنْهُ تَنَاقُلُ الْأَوَانِي بِالْأَطْعِمَةِ، وَلَوْ انْكَسَرَتْ ضَمِنُوهَا؛ لِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ قِ ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: فَيَحْرُمُ عَلَى ذِي النَّفِيسِ تَلْقِيمُ ذِي الْخَسِيسِ دُونَ عَكْسِهِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَالْمُفَاوَتَةُ بَيْنَهُمْ مَكْرُوهَةٌ أَيْ إنْ خَشِيَ مِنْهَا حُصُولَ ضَغِينَةٍ اهـ. وَقَوْلُهُ: " وَاقْتَضَى الْعُرْفُ أَكْلَ جَمِيعِهِ " وَعَلَيْهِ جَمِيعُهُ وَعَلَيْهِ حَمْلُ مَا فِي الْحَدِيثِ: «الْإِنَاءُ تَسْتَغْفِرُ لِلَاعِقِهَا» وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ فِي لَحْسِ الْإِنَاءِ تَوَاضُعًا وَفِي تَرْكِهِ تَكَبُّرًا، ثُمَّ إنَّ الِاسْتِغْفَارَ مِنْ الْإِنَاءِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً كَمَا أَنَّهُ يُسَبِّحُ اللَّهَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُكْتَبُ لِلَاحِسِهِ أَجْرُ مُسْتَغْفِرٍ مُدَّةَ لَحْسِهِ لِلْإِنَاءِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْإِنَاءَ لَا يَزَالُ يَسْتَغْفِرُ لِلَاحِسِهِ حَتَّى يَنْزِلَهُ طَعَامٌ آخَرُ. اهـ. ابْنُ الْعِمَادِ. قَوْلُهُ: (بِلَا لَفْظٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ انْتِظَارٌ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ فَيَحْرُمُ أَنْ يَنْقُلَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ بِإِطْعَامِ نَحْوَ هِرَّةٍ مِنْهُ، وَلَا يُطْعِمُ مِنْهُ سَائِلًا إلَّا إنْ عَلِمَ الرِّضَا بِهِ بِخِلَافِ الضِّيَافَةِ الْمُشْتَرَطَةِ عَلَى الذِّمِّيِّ. قَوْلُهُ: (وَيَمْلِكُ الضَّيْفُ إلَخْ) أَيْ مِلْكًا مُرَاعًى، بِمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ أَكَلَ مَمْلُوكًا لَهُ، وَلَا يَتِمُّ مِلْكُهُ إلَّا بِالِازْدِرَادِ فَلَا يُسَوَّغُ لَهُ إنْ أَخْرَجَهُ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 فِي فَمِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَلِلضَّيْفِ أَخْذُ مَا يُعْلَمُ رِضَا الْمُضِيفِ بِهِ، وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ وَغَيْرِهِ فِي الْإِمْلَاكِ وَلَا يُكْرَهُ النَّثْرُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحِلُّ الْتِقَاطُهُ وَلَكِنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى وَيُسَنُّ لِلضَّيْفِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُضِيفِ وَأَنْ يَقُولَ الْمَالِكُ   [حاشية البجيرمي] فَمِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ الْأَكْلِ، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ زَيْدٍ فَضَيَّفَهُ زَيْدٌ وَأَكَلَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَكَلَ مِلْكَهُ لَا مِلْكَ زَيْدٍ. وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِ الشَّارِح: " بِوَضْعِهِ فِي فَمِهِ ". هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا يَتِمُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِالِازْدِرَادِ، فَلَوْ لَفَظَهُ قَبْلَهُ عَادَ لِمَالِكِهِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْجَلَالِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ مَا يَقَعُ مِنْ تَفْرِقَةِ نَحْوِ لَحْمٍ عَلَى الْأَضْيَافِ يَمْلِكُهُ مِلْكًا تَامًّا بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا الضِّيَافَةُ الْمَشْرُوطَةُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ يَمْلِكُهَا بِوَضْعِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَهُ الِارْتِحَالُ بِهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا بِمَا شَاءَ؛ قَالَهُ شَيْخُنَا م ر. قَالَ شَيْخُنَا: وَكَذَا لَوْ فَعَلَ الضَّيْفُ فِيمَا قُدِّمَ لَهُ فِعْلًا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ وَفِيهِ وَقْفَةٌ اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا فَرْعٌ لَا يَضْمَنُ مَا قُدِّمَ لَهُ مِنْ طَعَامٍ وَإِنَائِهِ وَحَصِيرٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ سَوَاءٌ قَبْلَ الْأَكْلِ وَبَعْدَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ نَحْوِ هِرَّةٍ عَنْهُ وَيَضْمَنُ إنَاءً حَمَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَيَبْرَأُ بِعَوْدِهِ مَكَانَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلِلضَّيْفِ أَخْذُ مَا يَعْلَمُ رِضَا الْمُضِيفِ بِهِ) شَمَلَ الطَّعَامَ وَالنَّقْدَ وَغَيْرَهُمَا. وَتَخْصِيصُهُ بِالطَّعَامِ رَدَّهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَتَفَطَّنْ لَهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ وَهَمَ فِيهِ؛ ابْنُ حَجَرٍ زي. وَلَوْ دَخَلَ عَلَى آكِلِينَ فَأَذِنُوا لَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَكْلُ إلَّا إنْ ظَنَّ أَنَّهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ لَا لِنَحْوِ حَيَاءٍ، وَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَ إجَابَةُ مَنْ عَرَّضَ بِالضِّيَافَةِ تَجَمُّلًا وَأَكَلُ هَدِيَّةِ مَنْ ظُنَّ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُهْدِي إلَّا خَوْفَ الْمَذَمَّةِ. وَلَوْ تَنَاوَلَ ضَيْفٌ إنَاءَ طَعَامٍ فَانْكَسَرَ مِنْهُ ضَمِنَهُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فِي حُكْمِ الْعَارِيَّةِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ ز ي. وَسُمِّيَ الضَّيْفُ ضَيْفًا بِاسْمِ مَلَكٍ يَأْتِي بِرِزْقِهِ لِمَنْ يُضَيِّفُهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَيُنَادِي فِيهِمْ هَذَا رِزْقُ فُلَانٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ مَأْخُوذٌ مِنْ الضِّيَافَةِ وَهِيَ الْإِكْرَامُ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْغَرِيبُ وَمِنْ ثَمَّ تَأَكَّدَتْ ضِيَافَتُهُ. وَإِكْرَامُهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ مَعَ ظَنِّ رِضَاهُ. وَضِدُّهُ الطُّفَيْلِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى طُفَيْلٍ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ كَانَ يَحْضُرُ وَلِيمَةَ كُلِّ عُرْسٍ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّطَفُّلِ وَهُوَ حُضُورُ طَعَامِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ وَبِغَيْرِ عِلْمٍ رِضَاهُ؛ فَهُوَ حَرَامٌ، فَلَوْ دَعَا عَالِمًا أَوْ صُوفِيًّا فَحَضَرَ بِجَمَاعَتِهِ حَرُمَ حُضُورُ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ رِضَا الْمَالِكِ بِهِمْ. اهـ. ق ل. وَقَوْلُهُ: " فَهُوَ حَرَامٌ " بَلْ يَفْسُقُ بِهِ إنْ تَكَرَّرَ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ: «يَدْخُلُ سَارِقًا وَيَخْرُجُ مُعَيَّرًا» وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُقْ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ لِلشُّبْهَةِ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: " يَدْخُلُ سَارِقًا " وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَخَلَ وَأَخَذَ مَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ قُطِعَ إنْ دَخَلَ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ؛ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ بِخِلَافِ نَحْوِ دَاخِلِ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الدُّخُولِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ) هُوَ الرَّمْيُ مُفَرَّقًا وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْإِمْلَاكِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفِي سَبَبِيَّةٌ أَيْ بِسَبَبِ إمْلَاكٍ وَهِيَ وَلِيمَةُ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَفِي الْمُخْتَارِ: الْإِمْلَاكُ التَّزَوُّجُ وَقَدْ أَمْلَكْنَا فُلَانًا فُلَانَةَ أَيْ زَوَّجْنَاهُ إيَّاهَا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: فِي إمْلَاكٍ أَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكْرَهُ النَّثْرُ فِي الْأَصَحِّ) نَعَمْ إنْ ظَنَّ ازْدِحَامَ السَّفَلَةِ الْمُضِرِّ بِهِمْ حُرِّمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ابْنُ حَجَرٍ زي، وَمِثْلُهُ التَّمْرُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَغَيْرُهَا. قَوْلُهُ: (وَلَكِنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَتَرْكُهُمَا أَيْ تَرْكُ ذَلِكَ وَالْتِقَاطُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يُشْبِهُ النُّهْبَةَ وَالْأَوَّلُ تَسَبُّبٌ إلَى مَا يُشْبِهُهَا، نَعَمْ إنْ عُرِفَ أَنَّ النَّاثِرَ لَا يُؤْثِرُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَمْ يَقْدَحْ الِالْتِقَاطُ فِي مُرُوءَةِ الْمُلْتَقِطِ لَمْ يَكُنْ التَّرْكُ أَوْلَى وَيُكْرَهُ أَخْذُ النِّثَارِ مِنْ الْهَوَاءِ بِإِزَارٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ أَوْ الْتَقَطَهُ أَوْ بَسَطَ حِجْرَهُ لَهُ فَوَقَعَ فِيهِ مَلَكَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْسُطْ حِجْرَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَصْدُ تَمَلُّكٍ وَلَا فِعْلٍ، نَعَمْ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَمْلِكُهُ وَلَوْ سَقَطَ مِنْ حِجْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْصِدَ أَخْذَهُ أَوْ قَامَ فَسَقَطَ بَطَلَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ، وَلَوْ نَفَضَهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: " لَمْ يَمْلِكْهُ " لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِ النَّاثِرِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِي أَخْذِهِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ أَوْلَى بِهِ، ذَكَرَهُ ح ل وزي؛ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الْعَزِيزِيِّ: لَمْ يَمْلِكْهُ أَيْ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ مَمْلُوكٌ وَقَدْ وَقَعَ مَعَ شَخْصٍ هُوَ أَوْلَى بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَحَجَّرَ عَلَى أَرْضٍ وَأَحْيَاهَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا أَوْ أَنَّ صَيْدًا دَخَلَ فِي مِلْكِ شَخْصٍ فَدَخَلَ غَيْرُهُ وَأَخَذَهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ هُنَا كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ النِّثَارَ أَصْلُهُ مَمْلُوكٌ اهـ. وَعِبَارَةُ م ر: وَحَيْثُ كَانَ أَوْلَى بِهِ وَأَخَذَهُ غَيْرُهُ فَفِي مِلْكِهِ وَجْهَانِ جَارِيَانِ: فِيمَا لَوْ عَشَّشَ طَائِرٌ فِي مِلْكِهِ فَأَخَذَ فَرْخَهُ غَيْرُهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 لِضَيْفِهِ وَلِغَيْرِهِ كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ إذَا رَفَعَ يَدَهُ مِنْ الطَّعَامِ: كُلْ، وَيُكَرِّرُهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ اكْتَفَى مِنْهُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ. وَذُكِرَتْ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ لَا بَأْسَ بِمُرَاجَعَتِهَا. فَصْلٌ: فِي الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ وَالْقَسَمُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ السِّينِ مَصْدَرُ قَسَمْت الشَّيْءَ وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَالنَّصِيبُ وَالْقَسَمُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالسِّينِ الْيَمِينُ وَالنُّشُوزُ هُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَةِ. وَيَجِبُ الْقَسْمُ لِزَوْجَتَيْنِ أَوْ زَوْجَاتٍ وَلَوْ كُنَّ إمَاءً، فَلَا مَدْخَلَ لِإِمَاءٍ غَيْرِ   [حاشية البجيرمي] وَفِيمَا إذَا وَقَعَ الثَّلْجُ فِي مِلْكِهِ فَأَخَذَهُ وَفِيمَا إذَا أَحْيَا مَا تَحَجَّرَهُ غَيْرُهُ؛ لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا الْمِلْكُ كَالْإِحْيَاءِ مَا عَدَا النِّثَارَ لِقُوَّةِ الِاسْتِيلَاءِ فِيهَا اهـ. تَتِمَّةٌ: سُئِلَ السُّيُوطِيّ عَنْ حُكْمِ بَوْسِ الْخُبْزِ وَدَوْسِهِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ بَوْسَهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمُبَاحَةِ فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ إكْرَامَهُ لِأَجْلِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي إكْرَامِهِ فَحَسَنٌ، قَالَ: وَدَوْسُهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً بَلْ مُجَرَّدُ إلْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ دَوْسٍ مَكْرُوهٌ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ اهـ. وَصُورَةُ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ لِابْنِ قَاسِمِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يَدْعُو لِلْمُضِيفِ إلَخْ) أَيْ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ: «أَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ الْأَخْيَارُ وَذَكَرُكُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ، اللَّهُمَّ اُخْلُفْ عَلَى بَاذِلِيهِ وَهَنِّ آكِلِيهِ وَاطْرَحْ الْبَرَكَةَ فِيهِ» . [فَصْلٌ فِي الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ] ِ ذَكَرَ الْقَسْمَ عَقِبَ الْوَلِيمَةِ نَظَرًا إلَى الْمُتَعَارَفِ مِنْ فِعْلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهُوَ عَقِبَهَا وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ تَأْخِيرَهَا عَنْهُ كَمَا مَرَّ. وَعَقَّبَهُ بِالنُّشُوزِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَهُ غَالِبًا، وَجَمَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ أَحَدِهِمَا وُجُودُ الْآخَرِ وَعَكْسُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ وُجُوبُ الْقَسْمِ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَغَيْرِهِ فِيهِ وَفِي عَدَدِ الطَّلَاقِ وَفِي مَنْعِهِ تَزَوُّجَهُ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ وَتَحْرِيمِ جَمْعِهِ بَيْنَ نَحْوِ الْأُخْتَيْنِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَوُجُوبُ الْقَسْمِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَيَكْفُرُ جَاحِدُهُ، فَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ وُجُوبَهُ فَسَقَ. قَوْلُهُ: (وَالنُّشُوزُ) مَعْنَاهُ لُغَةً الِارْتِفَاعُ سُمِّيَ بِهِ الْخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَةِ لِأَنَّ فِيهِ ارْتِفَاعًا عَنْ أَدَاءِ الْحَقِّ إلَى الْغَيْرِ وَيُطْلَقُ لُغَةً أَيْضًا عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ الطَّاعَةِ مُطْلَقًا قَالَ تَعَالَى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء: 128] وَشَرْعًا الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ الزَّوْجِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَشَزَ إذَا ارْتَفَعَ لِأَنَّ فِيهِ ارْتِفَاعًا عَنْ أَدَاءِ الْحَقِّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَالْقَسْمِ وَالشِّقَاقِ، وَعَلَى هَذَا قِيلَ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّرْجَمَةِ وَعِشْرَةِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْبَابِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ لَازِمِ بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ بَيَانَ بَقِيَّةِ أَحْكَامِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ أَيْ بَعْضِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ لَا كُلِّهَا فَيُغْنِي الْقَسْمُ وَالنُّشُوزُ عَنْ عِشْرَةِ النِّسَاءِ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَيُسَمَّى النُّشُوزُ شِقَاقًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا بَغَضَ شَخْصًا يُعْطِيه شِقَّهُ اهـ. وَحُقُوقُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ وَمُلَازَمَةُ الْمَسْكَنِ وَحُقُوقُهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَالْقَسْمُ وَالنَّفَقَةُ وَنَحْوُهَا، وَأَمَّا الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ فَهِيَ حَقٌّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (مَصْدَرُ قَسَمْت الشَّيْءَ) أَيْ جَزَّأْته وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْعَدْلُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ. قَوْلُهُ: (بِالْكَسْرِ) أَيْ مَعَ سُكُونِ السِّينِ وَبِفَتْحِهَا أَيْ السِّينِ جَمْعُ قِسْمَةٍ؛ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَلِفِعْلَةٍ فَعْلٌ. قَوْلُهُ: (الْخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَةِ) أَيْ وَلَوْ مِنْ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الْأَعَمِّ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لِزَوْجَتَيْنِ أَوْ زَوْجَاتٍ) لَوْ قَالَ: يَجِبُ الْقَسْمُ لِزَوْجَاتٍ لَكَانَ أَخْصَرَ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ زَوْجَاتٍ أَيْ حَقِيقَةً فَلَا دَخْلَ لِلرَّجْعِيَّةِ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ زَوْجَاتٍ لَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 زَوْجَاتٍ فِيهِ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَوْلَدَاتٍ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] . وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَسْمُ بِقَوْلِهِ: (وَالتَّسْوِيَةُ فِي الْقَسْمِ) فِي الْمَبِيتِ (بَيْنَ) الزَّوْجَتَيْنِ وَ (الزَّوْجَاتِ) الْحَرَائِرِ (وَاجِبَةٌ) عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ قَامَ بِهِمَا أَوْ بِهِنَّ عُذْرٌ كَمَرَضٍ وَحَيْضٍ وَرَتْقٍ وَقَرْنٍ وَإِحْرَامٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأُنْسُ لَا الْوَطْءُ. وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ أَوْ بَيْنَهُنَّ فِي التَّمَتُّعِ بِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّهَا تُسَنُّ. وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا: " الْحَرَائِرِ " مَا لَوْ كَانَ   [حاشية البجيرمي] كُنَّ مِنْ الْجِنِّ أَوْ بَعْضُهُنَّ مِنْ الْإِنْسِ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ مِنْ الْجِنِّ فَتَسْتَحِقُّ الْجِنِّيَّةُ الْقَسْمَ وَإِنْ جَاءَتْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ بَنِي آدَمَ حَيْثُ عُرِفَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَى عَلَى صُورَتِهَا الْأَصْلِيَّةِ فَتَزَوُّجُهُ بِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِيءُ عَلَى غَيْرِ صُورَتِهَا الْأَصْلِيَّةِ رِضًا مِنْهُ بِمَجِيئِهَا عَلَى أَيِّ صُورَةٍ كَانَتْ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. فَرْعٌ: لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْقَسْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ ذَكَرَهُ فِي الْبَيَانِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كُنَّ إمَاءً) بِأَنْ تَزَوَّجَ رَقِيقٌ أَمَتَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ بَيْنَهُمَا، أَوْ تَزَوَّجَ حُرٌّ بِالشُّرُوطِ أَمَةً فَسَقِمَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَ أَمَةً أُخْرَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (فَلَا مَدْخَلَ لِإِمَاءٍ غَيْرِ زَوْجَاتٍ) قَالَ م ر وَلَا يَجِبُ الْقَسْمُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالسُّرِّيَّةِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ السُّرِّيَّةَ بِالْمَبِيتِ وَيُعَطِّلَ الزَّوْجَةَ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي الْقَسْمِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ، وَالْأَحْسَنُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِوُجُوبِ الْقَسْمِ؛ إذْ رُجُوعُهُ لِلْقَسْمِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُنَّ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا مَعَ أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُنَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: " فَلَا يَجِبُ الْقَسْمُ " يَعْنِي فِي مِلْكِ الْيَمِينِ؛ لَكِنَّهُ يُسَنُّ كَيْ لَا يَحْقِدَ بَعْضُ الْإِمَاءِ عَلَى بَعْضٍ وَالْحِقْدُ الْبُغْضُ وَالْجَمْعُ أَحْقَادٌ. قَوْلُهُ: {أَلا تَعْدِلُوا} [النساء: 3] أَيْ فِي الْوَاجِبِ فَلَا يَتَعَارَضُ مَعَ آيَةِ: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء: 129] ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَنْدُوبِ أَوْ الْأَعَمِّ، أَوْ الْآيَةَ الْأُولَى فِي الْقَسْمِ الْحِسِّيِّ الْآتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالثَّانِيَةَ فِي الْمَعْنَوِيِّ الْمُتَعَلِّقِ بِالْقَلْبِ كَالْمَحَبَّةِ؛ وَعَلَيْهِ حَدِيثُ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: {فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] أَيْ فَانْكِحُوا وَاحِدَةً، وَقَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ} [النساء: 3] أَيْ أَوْ ائْتُوا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ: " فِي الْبَيْتِ " قَيْدٌ بِهِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ التَّسْوِيَةُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي مِقْدَارِ الزَّمَانِ، وَإِلَّا فَالْقَسْمُ وَاجِبٌ نَهَارًا، لَكِنْ لَا تَجِبُ فِيهِ التَّسْوِيَةُ فِي الزَّمَانِ. وَلَوْ أَسْقَطَهُ أَوْ عَمَّمَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا يَأْتِي ق ل. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ فِي إقَامَةِ غَيْرِ أَصْلٍ اهـ وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي التَّمَتُّعِ وَلَا فِي الْكِسْوَةِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (الْحَرَائِرِ) أَيْ أَوْ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ إذَا انْفَرَدْنَ فَهُنَّ كَالْحَرَائِرِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَهُ. قَوْلُهُ: (وَاجِبَةٌ) ، أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَاخْتُصَّ بِإِبَاحَةِ تَرْكِ الْقَسْمِ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ أَيْ عَدَمِ وُجُوبِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي وُجُوبِ الْقَسْمِ عَلَيْهِ شُغْلًا عَنْ لَوَازِمِ الرِّسَالَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ، وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] أَيْ تُبْعِدُ مَنْ تَشَاءُ فَلَا تَقْسِمُ لَهَا، وَتُقَرِّبُ مَنْ تَشَاءُ فَتَقْسِمُ لَهَا عَلَى أَحَدِ التَّفَاسِيرِ؛ وَلِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ أَنَسٍ: «كَانَ يَطُوفُ عَلَى جَمِيعِ نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ» وَالطَّوَافُ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ أَنَّ الْقَسْمَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ جَمْعٍ شَافِعِيَّةٍ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ كَالْجُمْهُورِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ، فَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ، لِحَدِيثٍ فِيهِ مُرْسَلٍ. وَإِذَا قَامَ بِالزَّوْجَةِ نُشُوزٌ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ إثْمٌ كَمَجْنُونَةٍ بِأَنْ خَرَجَتْ عَنْ طَاعَةِ زَوْجِهَا كَأَنْ خَرَجَتْ مِنْ مَسْكَنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ لَمْ تَفْتَحْ لَهُ الْبَابَ لِيَدْخُلَ أَوْ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا لَا تَسْتَحِقُّ قَسْمًا، كَمَا لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً وَلِلزَّوْجِ إعْرَاضٌ عَنْ زَوْجَاتِهِ بِأَنْ لَا يَبِيتَ عِنْدَهُنَّ لِأَنَّ الْمَبِيتَ حَقُّهُ فَلَهُ تَرْكُهُ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يُعَطِّلَهُنَّ بِأَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُنَّ وَيُحْصِنَهُنَّ كَوَاحِدَةٍ لَيْسَ تَحْتَهُ غَيْرُهَا فَلَهُ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يُعَطِّلَهَا وَأَدْنَى دَرَجَاتِهَا أَنْ لَا يُخَلِّيَهَا كُلَّ أَرْبَعِ لَيَالٍ عَنْ لَيْلَةٍ اعْتِبَارًا بِمَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَدُورَ عَلَيْهِنَّ بِمَسْكَنِهِنَّ، وَلَيْسَ لَهُ   [حاشية البجيرمي] الْوُجُوبُ وَهُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَغَوِيُّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَقَوْلُهُ: " وَلَا أَمْلِكُ " وَهُوَ الْحُبُّ الْقَهْرِيُّ. وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الْقَسْمِ وَبِأَنَّهُ بِرِضَا صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ وَبِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرٍ، قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فَقَالَ وَلَا نَعْلَمُ حَالَ النَّاسِ يُخَالِفُ حَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ «كَانَ يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ فَإِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ» . اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ وَعِبَارَةُ الْقَسْطَلَّانِيِّ. وَأَمَّا وَطْءُ الْكُلِّ فِي سَاعَةٍ فَلِأَنَّ الْقَسْمَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَمَا هُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ الْإِصْطَخْرِيُّ، أَوْ أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ مِنْ سَفَرٍ وَأَرَادَ الْقَسْمَ وَلَا وَاحِدَةَ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى بِالْبُدَاءَةِ بِهَا وَطِئَ الْكُلَّ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ بِاسْتِطَابَتِهِنَّ أَوْ الدَّوَرَانِ كَانَ فِي يَوْمِ الْقُرْعَةِ لِلْقِسْمَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى سَاعَةً لَيْسَ لِأَزْوَاجِهِ فِيهَا حَقٌّ يَدْخُلُ فِيهَا عَلَى جَمِيعِ أَزْوَاجِهِ فَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ بِهِنَّ وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّ تِلْكَ السَّاعَةَ كَانَتْ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَاسْتَغْرَبَ هَذَا الْأَخِيرَ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: إنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ثُبُوتِ مَا ذَكَرَهُ مُفَصَّلًا اهـ بِحُرُوفِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى الزَّوْجِ) أَيْ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا وَإِنْ كَانَ بِهِ عُنَّةٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ جَبٌّ، وَعَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ الْمُطِيقِ لِلْوَطْءِ فَإِنْ جَارَ فَالْإِثْمُ عَلَى وَلِيِّهِ وَعَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ أَنْ يَدُورَ بِهِ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ كَأَنْ يَنْفَعَهُ الْجِمَاعُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مُطَالَبَةُ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ بِقَضَاءِ حَقِّهَا مِنْ قَسْمٍ وَقَعَ مِنْهُ أَيْ بِأَنْ جُنَّ الزَّوْجُ بَعْضَ قَسْمِهِ لِبَعْضِ نِسَائِهِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ يَطُوفُ بِهِ عَلَى الْبَاقِيَاتِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَثِمَ بِهِ الْوَلِيُّ. اهـ. قِ ل. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «إذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ أَوْ سَاقِطٌ» وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَايَةٍ مِنْ الْعَدْلِ فِي الْقَسْمِ. قَوْلُهُ: (فَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ) وَلَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرُ؛ وَلِهَذَا كَانَ التَّعْبِيرُ بِمَا قَالَهُ مُعْتَبَرًا بِخِلَافِ مَنْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَلِحُرَّةٍ مِثْلَا أَمَةٍ. اهـ. ق ل؛ أَيْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَادِقٌ بِأَنْ يَجْعَلَ لِلْأَمَةِ ثُلُثَ لَيْلَةٍ وَلِلْحُرَّةِ ثُلُثَيْهَا وَصَادِقٌ بِأَنْ يَجْعَلَ لِلْأَمَةِ لَيْلَتَيْنِ وَلِلْحُرَّةِ أَرْبَعًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ إلَّا بِالرِّضَا. وَلَوْ بَاتَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مُحْرِمًا وَعِنْدَ وَاحِدَةٍ حَلَالًا فَقَدْ أَدَّى حَقَّهَا لِحُصُولِ الْأُنْسِ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ؟ قُلْت: يُتَصَوَّرُ بِصُوَرٍ: مِنْهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ رَقِيقًا، وَمِنْهَا مَا إذَا نَكَحَ الْأَمَةَ أَوَّلًا ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَ نِكَاحِهَا وَنَكَحَ الْحُرَّةَ عَلَيْهَا، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَتْ الْحُرَّةُ لَا تَصْلُحُ لِلتَّمَتُّعِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ نِكَاحَ الْأَمَةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَتْ لَقِيطَةً أَقَرَّتْ بَعْدَ نِكَاحِهَا بِالرِّقِّ، فَهَذِهِ صُوَرٌ تَجْتَمِعُ فِيهَا الْحُرَّةُ مَعَ الْأَمَةِ ز ي. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ تَفْتَحْ لَهُ الْبَابَ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْخِدْمَةِ وَهِيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إلَّا مُلَازَمَةُ الْبَيْتِ وَالتَّمْكِينُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا كَانَتْ قَفَلَتْهُ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْفَتْحِ لِكَوْنِ الْمِفْتَاحِ مَعَهَا أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ قَضَاءَ حَاجَتِهِ مِنْهَا وَتَوَقَّفَ عَلَى الْفَتْحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَا تَسْتَحِقُّ قَسْمًا) وَهَلْ لَهُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ لَا حَيْثُ لَزِمَ عَلَى ذَلِكَ تَأْخِيرُ حَقِّ غَيْرِهَا. اهـ. ح ل قَوْلُهُ: (وَلِلزَّوْجِ إعْرَاضٌ عَنْ زَوْجَاتِهِ) أَيْ بَعْدَ تَمَامِ دَوْرِهِنَّ أَوْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمَبِيتِ، وَكَرِهَ الْمُتَوَلِّي إعْرَاضَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَبِيتَ عِنْدَهُنَّ) أَيْ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ تَمَامِ دَوْرِهِنَّ لَا فِي أَثْنَائِهِ لِفَوَاتِ حَقِّ مَنْ بَقِيَ مِنْهُنَّ، حَتَّى لَوْ طَلُقَتْ وَاحِدَةٌ مِمَّنْ بَقِيَ وَجَبَ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ نِكَاحِهَا لِيُوَفِّيَهَا حَقَّهَا ح ل. قَوْلُهُ: (وَيُحْصِنَهُنَّ) أَيْ يُعِفَّهُنَّ عَنْ الزِّنَا بِالْوَطْءِ فَتَكُونُ السُّنَّةُ فِي حَقِّهِ الْمَبِيتَ وَالْوَطْءَ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى أَنْ يَدُورَ إلَخْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 أَنْ يَدْعُوَهُنَّ لِمَسْكَنِ إحْدَاهُنَّ إلَّا بِرِضَاهُنَّ وَلَا أَنْ يَجْمَعَهُنَّ بِمَسْكَنٍ إلَّا بِرِضَاهُنَّ وَلَا أَنْ يَدْعُوَ بَعْضًا لِمَسْكَنِهِ وَيَمْضِيَ لِبَعْضٍ آخَرَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْصِيصِ الْمُوحِشِ إلَّا بِرِضَاهُنَّ أَوْ بِقُرْعَةٍ أَوْ غَرَضٍ كَقُرْبِ مَسْكَنِ مَنْ يَمْضِي إلَيْهَا دُونَ الْأُخْرَى. وَالْأَصْلُ فِي الْقَسْمِ لِمَنْ عَمَلَهُ نَهَارًا اللَّيْلُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ السُّكُونِ وَالنَّهَارُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ تَبَعٌ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْمَعَاشِ، قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [يونس: 67] وَالْأَصْلُ فِي الْقَسْمِ لِمَنْ عَمَلُهُ لَيْلًا كَحَارِسِ النَّهَارُ   [حاشية البجيرمي] مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ ثُمَّ إنْ كَانَ لِلزَّوْجِ مَسْكَنٌ يَلِيقُ بِهِنَّ دَعَاهُنَّ إلَيْهِ وَلَزِمَهُنَّ الْإِجَابَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْأَوْلَى أَنْ يَدُورَ عَلَيْهِنَّ فَمَا ذَكَرَهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَسْكَنٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ وَكَانَ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمِنْهَاجِ مَعَ شَرْحِهِ لِلرَّمْلِيِّ: فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِمَسْكَنٍ وَأَرَادَ الْقَسْمَ دَارَ عَلَيْهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ تَوْفِيَةً لِحَقِّهِنَّ وَإِنْ انْفَرَدَ بِمَسْكَنٍ فَالْأَفْضَلُ الْمُضِيُّ إلَيْهِنَّ صَوْنًا لَهُنَّ وَلَهُ دُعَاؤُهُنَّ لِمَسْكَنِهِ وَعَلَيْهِنَّ الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُ فَمَنْ امْتَنَعَتْ، أَيْ وَقَدْ لَاقَ مَسْكَنُهُ بِهَا فِيمَا يَظْهَرُ فَهِيَ نَاشِزَةٌ، إلَّا ذَاتَ قَدْرٍ لَمْ تَعْتَدْ الْبُرُوزَ فَيَذْهَبُ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ اسْتَغْرَبَهُ الرُّويَانِيُّ، وَإِلَّا نَحْوَ مَعْذُورَةٍ بِمَرَضٍ فَيَذْهَبُ أَوْ يُرْسِلُ لَهَا مَرْكَبًا إنْ أَطَاقَتْ مَعَ مَنْ يَقِيهَا مِنْ نَحْوِ مَطَرٍ اهـ. وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِهِ: " وَالْأَوْلَى أَنْ يَدُورَ إلَخْ ". فَلَوْ انْفَرَدَ مَسْكَنٌ وَدَعَاهُنَّ إلَيْهِ لَزِمَ مَنْ لَا عُذْرَ لَهَا الْحُضُورُ إلَيْهِ وَأُجْرَةُ حُضُورِهَا عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ مَعْذُورَةً فَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَا يَلْزَمُهَا الْحُضُورُ إلَيْهِ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَهُنَّ) وَلَوْ لَمْ تَكُنْ صَاحِبَةُ الْمَنْزِلِ فِيهِ، وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيّ جَوَازَ جَمْعِهِنَّ بِخَيْمَةٍ فِي السَّفَرِ لِمَشَقَّةِ الِانْفِرَادِ مَعَ عَدَمِ تَأَبُّدِ الضَّرُورَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ هَكَذَا قَالَهُ ز ي. وَقَوْلُهُ: " بِخَيْمَةٍ فِي السَّفَرِ " وَكَذَا بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي سَفِينَةٍ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: حَيْثُ أُفْرِدَ كُلٌّ بِمَحَلٍّ ح ل. وَقَوْلُهُ " لِمَشَقَّةِ الِانْفِرَادِ " أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ سَهُلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ جَازَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِرِضَاهُنَّ) فَإِنْ رَضِينَ بِهِ جَازَ، لَكِنْ يُكْرَهُ وَطْءُ إحْدَاهُنَّ بِحَضْرَةِ الْبَقِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ الْمُرُوءَةِ، وَلَا تَلْزَمُهَا الْإِجَابَةُ إلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ فِي دَارٍ حَجْرٍ أَوْ عُلْوٍ وَسُفْلٍ جَازَ إسْكَانُهُنَّ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُنَّ إنْ تَمَيَّزَتْ الْمَرَافِقُ وَلَاقَتْ الْمَسَاكِنُ بِهِنَّ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: " لَكِنْ يُكْرَهُ وَطْءُ إلَخْ " الْمَدَارُ عَلَى عِلْمِهِ بِعِلْمِ إحْدَى ضَرَّاتِهَا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَجَسُّسٍ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِحُضُورِهَا، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ أَذِيَّةَ غَيْرِهَا وَلَمْ يَرَيْنَ شَيْئًا مِنْ عَوْرَتِهَا وَإِلَّا حَرُمَ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ وَعَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى يُحْمَلُ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ. وَيَحْرُمُ التَّمْكِينُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ عُلْوٍ وَسُفْلٍ وَالْخِيَرَةُ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي تَسْكِينِ بَعْضِهِنَّ فِي الْعُلْوِ وَبَعْضِهِنَّ فِي السُّفْلِ لِلزَّوْجِ حَيْثُ كَانَا أَيْ الْعُلْوُ وَالسُّفْلُ لَائِقَيْنِ بِهِنَّ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ بِقُرْعَةٍ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى شَرِيفَةٍ لَمْ تَعْتَدْ الْبُرُوزَ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الْحَاشِيَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلزَّوْجِ مَسْكَنٌ وَدَعَاهُنَّ إلَيْهِ لَزِمَهُنَّ الْإِجَابَةُ إلَّا مَنْ كَانَتْ ذَاتَ قَدْرٍ أَوْ مَرَضٍ فَلَا تَلْزَمُهَا الْإِجَابَةُ بَلْ يَلْزَمُهُ الذَّهَابُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ وَهُنَا بِالْقُرْعَةِ. قَوْلُهُ: (كَقُرْبِ مَسْكَنٍ) وَكَخَوْفٍ عَلَيْهَا مِنْ الْفَجَرَةِ. قَوْلُهُ: (اللَّيْلُ) وَهُوَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَوْ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، لَكِنْ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَالْأَذْرَعِيُّ: الْوَجْهُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَآخِرِهِ قِ ل. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَهُ) وَهُوَ أَوْلَى، وَعَلَيْهِ التَّوَارِيخُ الشَّرْعِيَّةُ فَإِنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ اللَّيَالِي زي. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الَّذِي) التِّلَاوَةُ: " هُوَ الَّذِي " وَإِنَّمَا أَسْنَدَ الْإِبْصَارَ إلَى النَّهَارِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُبْصِرُ فِيهِ بِسُهُولَةٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَتَعَبٍ فَهُوَ سَبَبٌ بِخِلَافِ السُّكُونِ فِي اللَّيْلِ؛ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: قَوْلُهُ: مُبْصِرًا أَسْنَدَ الْإِبْصَارَ إلَيْهِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضٍ لِلْإِبْصَارِ بِذَاتِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ لِتُبْصِرُوا فِيهِ بِخِلَافِ اللَّيْلِ. وَقَالَ ح ل: لَمْ يَقُلْ لِتُبْصِرُوا فِيهِ كَمَا فِي جَانِبِ اللَّيْلِ. قَالَ الْقَاضِي: تَفْرِقَةً بَيْنَ الظَّرْفِ الْمُجَرَّدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 لِأَنَّهُ وَقْتُ سُكُونِهِ وَاللَّيْلَ تَبَعٌ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ مَعَاشِهِ، فَلَوْ كَانَ يَعْمَلُ تَارَةً بِالنَّهَارِ وَتَارَةً بِاللَّيْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْسِمَ لِوَاحِدَةٍ لَيْلَةً تَابِعَةً وَنَهَارًا مَتْبُوعًا وَلِأُخْرَى عَكْسَهُ. (وَ) مَنْ عِمَادُ قَسْمِهِ اللَّيْلُ (لَا يَدْخُلُ) نَهَارًا (عَلَى غَيْرِ الْمَقْسُومِ لَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ) لِتَحْرِيمِهِ حِينَئِذٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ، فَإِنْ فَعَلَ وَطَالَ مُكْثُهُ لَزِمَهُ لِصَاحِبَةِ النَّوْبَةِ الْقَضَاءُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نَوْبَةِ الْمَدْخُولِ عَلَيْهَا، أَمَّا دُخُولُهُ لِحَاجَةٍ كَوَضْعِ مَتَاعٍ أَوْ أَخْذِهِ أَوْ تَسْلِيمِ نَفَقَةٍ أَوْ تَعْرِيفِ خَبَرٍ فَجَائِزٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ أَيْ وَطْءٍ حَتَّى يَبْلُغَ إلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا» . وَلَا يَقْضِي إذَا دَخَلَ لِحَاجَةٍ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ تَابِعٌ مَعَ وُجُودِ الْحَاجَةِ وَلَهُ مَا سِوَى وَطْءٍ مِنْ   [حاشية البجيرمي] وَالظَّرْفِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ، أَيْ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ سَبَبًا لِلسُّكُونِ أَيْ مَحَلًّا تَسْكُنُونَ فِيهِ، وَالنَّهَارَ سَبَبٌ لِلْإِبْصَارِ أَيْ مُقْتَضٍ لِلْإِبْصَارِ بِذَاتِهِ أَيْ جَعَلَكُمْ مُبْصِرِينَ فِيهِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مُجَرَّدًا أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدًا عَنْ السَّبَبِيَّةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ اللَّيْلِ السُّكُونُ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَ يَعْمَلُ تَارَةً إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا: فَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وَقْتُ فَرَاغِهِ مِنْ عَمَلِهِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا قِ ل. وَعِبَارَةُ م ر: وَإِنْ كَانَ تَارَةً يَعْمَلُ لَيْلًا وَتَارَةً نَهَارًا لَمْ يُجْزِ نَهَارُهُ عَنْ لَيْلِهِ وَلَا عَكْسُهُ، أَيْ وَالْأَصْلُ فِي حَقِّهِ وَقْتُ السُّكُونِ لِتَفَاوُتِ الْغَرَضِ وَلَوْ كَانَ عَمَلُهُ بَعْضَ اللَّيْلِ وَبَعْضَ النَّهَارِ، فَالْأَوْجَهُ أَنَّ مَحَلَّ السُّكُونِ هُوَ الْأَصْلُ وَالْعَمَلُ هُوَ التَّبَعُ وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَمَلُهُ فِي بَيْتِهِ كَخِيَاطَةٍ وَكِتَابَةٍ؛ فَظَاهِرُ تَمْثِيلِهِمْ بِالْحَارِسِ وَالْأَتُونِيِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ التَّاءِ فَفِي الْمِصْبَاحِ أَتُونٌ كَرَسُولٍ عَدَمُ الِاعْتِبَارِ بِهَذَا الْعَمَلِ فَيَكُونُ اللَّيْلُ فِي حَقِّهِ هُوَ الْأَصْلُ إذْ الْقَصْدُ الْأُنْسُ وَهُوَ حَاصِلٌ وَالْمُرَادُ بِالْأَتُونِيِّ مَا يُحْمَى عَلَى دُسْتِ الْحَمَّامِ. قَوْلُهُ: (لَا يَدْخُلُ نَهَارًا) لَوْ قَالَ: وَلَا يَدْخُلُ فِي تَابِعٍ إلَخْ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ مَعَ احْتِمَالِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِلْأَصْلِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ الْمُفْهِمِ جَوَازَ الدُّخُولِ لِلْحَاجَةِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِي الْأَصْلِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فَإِنَّ الدُّخُولَ فِي الْأَصْلِ يَمْتَنِعُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ دَخَلَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. قَوْلُهُ: (وَطَالَ مُكْثُهُ) أَيْ عُرْفًا، فَإِنْ لَمْ يَطُلْ فَلَا قَضَاءَ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ ق ل. وَقَوْلُهُ: " مِنْ نَوْبَةٍ " لَيْسَ بِقَيْدٍ لِيَشْمَلَ مَا لَيْسَ مِنْ نَوْبَةِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِأَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ عِنْدَهُنَّ رَأْسًا. قَوْلُهُ: (أَوْ تَعْرِيفُ خَبَرٍ) أَيْ تَحْتَاجُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا كَانَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَإِلَّا فَالْمُقَرَّرُ فِي السِّيَرِ وَالْخَصَائِصِ أَنَّهُ كَانَ يَدُورُ عَلَيْهِنَّ بِمَسِيسٍ أَيْ وَطْءٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ، وَرُبَّمَا دَارَ عَلَى الْكُلِّ بِالْوَطْءِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ. وَكَانَ يَفْعَلُ هَذَا بَعْدَ الْعَصْرِ فَإِنْ كَانَ لَهُ شَاغِلٌ فِيهِ فَعَلَهُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ كَانَ يُرْضِي الضَّرَّاتِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ خَصَّهُ بِوَقْتٍ لَا حَقَّ لِلزَّوْجَاتِ فِيهِ يَدْخُلُ فِيهِ عَلَى مَنْ اخْتَارَ مِنْهُنَّ أَوْ عَلَى كُلٍّ مِنْهُنَّ وَهَذَا كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ رَاجِعْ الْمَوَاهِبَ. قَوْلُهُ: (أَيْ وَطْءٍ) أَمَّا بِوَطْءٍ فَيَحْرُمُ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ زي، أَيْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ حَقُّ الْغَيْرِ وَيُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْلُغَ إلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا) يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ النَّهَارَ قَبْلَ اللَّيْلِ، فِي رِوَايَةِ م ر خِلَافَهُ حَيْثُ قَالَ: حَتَّى يَبْلُغَ الَّتِي جَاءَتْ نَوْبَتُهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا، وَعِبَارَةُ ح ل: أَيْ كَانَ يَدْخُلُ فِي الْيَوْمِ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ إذَا انْتَهَى إلَى صَاحِبَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بَاتَ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ طَوَافَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي التَّبَعِ لَا فِي الْأَصْلِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ) أَيْ وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْهُ الْحَاجَةُ زي، وَقَالَ ق ل: ظَاهِرُهُ وَإِنْ زَادَ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ كَثِيرًا اهـ؛ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ إذَا طَوَّلَهُ قَضَى مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ قَوْلُهُ: (وَلَهُ مَا سِوَى وَطْءٍ) أَمَّا الْوَطْءُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إيقَاعُهُ. وَيُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا زَوْجَةٌ يَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا وَطْؤُهَا وَهِيَ طَاهِرٌ خَالِيَةٌ مِنْ الْمَوَانِعِ. وَلَوْ قَدَّمَ الشَّارِحُ هَذَا عَلَى الْحَدِيثِ لَكَانَ أَنْسَبَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَعِبَارَتُهُ: وَلَهُ دُخُولٌ فِي أَصْلٍ عَلَى أُخْرَى لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا الْمَخُوفِ وَلَهُ دُخُولٌ فِي غَيْرِهِ أَيْ فِي غَيْرِ الْأَصْلِ وَهُوَ التَّبَعُ لِحَاجَةٍ كَوَضْعِ مَتَاعٍ وَلَهُ تَمَتُّعٌ بِغَيْرِ وَطْءٍ فِيهِ أَيْ فِي دُخُولِهِ فِي غَيْرِ الْأَصْلِ أَمَّا بِوَطْءٍ فَيَحْرُمُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطُوفُ عَلَيْنَا» إلَخْ وَقَوْلُهُ وَلَوْ تَمَتَّعَ بِغَيْرِ وَطْءٍ فِيهِ، وَكَذَا فِي الْأَصْلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهُمْ لَهُ فِي غَيْرِ الْأَصْلِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 اسْتِمْتَاعٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ النَّهَارِ اللَّيْلُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَوْ لِحَاجَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ ذَاتِ النَّوْبَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا الْمَخُوفِ وَشِدَّةِ الطَّلْقِ وَخَوْفِ النَّهْبِ وَالْحَرِيقِ. ثُمَّ إنْ طَالَ مُكْثُهُ عُرْفًا قَضَى مِنْ نَوْبَةِ الْمَدْخُولِ عَلَيْهَا مِثْلَ مُكْثِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، فَإِنْ لَمْ يَطُلْ مُكْثُهُ لَمْ يَقْضِ لِقِلَّتِهِ، وَيَأْثَمُ مَنْ تَعَدَّى بِالدُّخُولِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ مُكْثُهُ. وَلَوْ جَامَعَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهَا فِي نَوْبَةِ غَيْرِهَا عَصَى وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَنُ وَكَانَ لِضَرُورَةٍ؛ قَالَ الْإِمَامُ: وَاللَّائِقُ بِالتَّحْقِيقِ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْجِمَاعَ يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ وَيُصْرَفُ التَّحْرِيمُ إلَى إيقَاعِ الْمَعْصِيَةِ لَا إلَى مَا وَقَعَتْ بِهِ الْمَعْصِيَةُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْجِمَاعِ لَا لِعَيْنِهِ بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَيَقْضِي الْمُدَّةَ دُونَ الْجِمَاعِ لَا إنْ قَصُرَتْ، وَمَحِلُّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ مَا إذَا بَقِيَتْ الْمَظْلُومَةُ فِي نِكَاحِهِ، فَلَوْ مَاتَتْ الْمَظْلُومَةُ بِسَبَبِهَا فَلَا قَضَاءَ لِخُلُوصِ الْحَقِّ لِلْبَاقِيَاتِ، وَلَوْ فَارَقَ الْمَظْلُومَةَ تَعَذَّرَ   [حاشية البجيرمي] وَسُكُوتُهُمْ عَنْهُ فِي الْأَصْلِ رُبَّمَا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ ح ل وَقِ ل وس ل. وَبَحْثُ حُرْمَتِهِ أَيْ التَّمَتُّعِ إنْ أَفْضَى إلَى الْوَطْءِ إفْضَاءً قَوِيًّا كَمَا فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ ذَاتَ الْجِمَاعِ مُحَرَّمَةٌ ثَمَّ إجْمَاعًا لَا هُنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ وَقَعَ جَائِزًا، وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ حَقُّ الْغَيْرِ فَاحْتِيطَ لَهُ لِذَلِكَ وَلِكَوْنِهِ مُفْسِدًا لِلْعِبَادَةِ مَا لَمْ يُحْتَطْ هُنَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ طَالَ مُكْثُهُ إلَخْ) . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِي الْأَصْلِ لِضَرُورَةٍ وَطَالَ زَمَنُ الضَّرُورَةِ أَوْ أَطَالَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي الْجَمِيعَ، وَإِنْ دَخَلَ فِي التَّابِعِ لِحَاجَةٍ وَطَالَ زَمَنُ الْحَاجَةِ فَلَا قَضَاءَ، وَإِنْ أَطَالَهُ قَضَى الزَّائِدَ فَقَطْ زي. وَنَظَمَ الْمُحَشِّي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لِلزَّوْجِ أَنْ يَدْخُلَ لِلضَّرُورَةِ ... لِضَرَّةٍ لَيْسَتْ بِذَاتِ النَّوْبَةِ فِي الْأَصْلِ مَعَ قَضَاءِ كُلِّ الزَّمَنْ ... إنْ طَالَ أَوْ أَطَالَهُ فَأَتْقَنْ وَإِنْ يَكُنْ فِي تَابِعٍ لِحَاجَةِ ... وَقَدْ أَطَالَهُ لِتِلْكَ الْحَاجَةِ قَضَى الَّذِي زِيدَ فَقَطْ وَلَا يَجِبْ ... قَضَاؤُهُ فِي الطُّولِ هَذَا مَا انْتُخِبْ وَإِنْ يَكُنْ دُخُولُهُ لَا لِغَرَضْ ... عَصَى وَيَقْضِي لَا جِمَاعًا إنْ عَرَضْ وَقَوْلُهُ فِي النَّظْمِ: " وَقَدْ أَطَالَهُ إلَخْ " كَأَنْ كَانَ يُمْكِنُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي خَمْسٍ دَرَجَ فَقَضَاهَا فِي عَشَرَةٍ. وَقَوْلُهُ: " قَضَاؤُهُ فِي الطُّولِ " أَيْ فِيمَا إذَا طَالَ بِنَفْسِهِ. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا فَقَالَ: دُخُولُ زَوْجٍ طَالَ أَوْ أَطَالَهْ ... فِي الْأَصْلِ يَقْضِيه بِلَا مَحَالَهْ وَلْيَقْضِ زَائِدًا بِمَا أَطَالَا ... فِي تَابِعٍ دُونَ الَّذِي قَدْ طَالَا قَوْلُهُ: (قَضَى مِنْ نَوْبَةِ الْمَدْخُولِ عَلَيْهَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ: (وَيَأْثَمُ مَنْ تَعَدَّى بِالدُّخُولِ) أَيْ لَا لِحَاجَةٍ وَلَا لِضَرُورَةٍ أَيْ فِي الْأَصْلِ أَوْ التَّابِعِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ جَامَعَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهَا فِي نَوْبَةِ غَيْرِهَا) أَيْ فِي الْأَصْلِ أَوْ التَّابِعِ. نَعَمْ يَجُوزُ غَيْرُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ فِي التَّابِعِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ) أَيْ الدُّخُولُ لِضَرُورَةٍ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَايَةِ. قَوْلُهُ: (لَا يُوصَفُ بِالتَّحَرُّمِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُ كَوْنِهِ وَطْئًا، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ صَرْفُ زَمَنِ صَاحِبَةِ الْوَقْتِ لِغَيْرِهَا فَمَعْصِيَةٌ تُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: (وَيُصْرَفُ) أَيْ التَّحْرِيمُ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِهِمْ. قَوْلُهُ: (إلَى إيقَاعِ الْمَعْصِيَةِ) أَيْ إيقَاعِ الْوَطْءِ فِي هَذَا الزَّمَنِ. وَقَوْلُهُ: " لَا إلَى مَا وَقَعَتْ بِهِ الْمَعْصِيَةُ " وَهُوَ الْجِمَاعُ نَفْسُهُ، وَفِيهِ أَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ مَعْصِيَةً فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيُصْرَفُ التَّحْرِيمُ إلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ صَرْفِ الزَّمَنِ لَهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ إنَّ تَحْرِيمَ الْجِمَاعِ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَوْلُهُ: " لِأَمْرٍ خَارِجٍ " وَهُوَ كَوْنُهُ فِي نَوْبَةِ الْغَيْرِ قَوْلُهُ: (فَلَوْ مَاتَتْ الْمَظْلُومَةُ بِسَبَبِهَا) أَيْ بِسَبَبِ نَوْبَتِهَا الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهَا أَيْ الَّتِي حَصَلَ الظُّلْمُ بِسَبَبِهَا فَالْمَيِّتَةُ هِيَ الْمَظْلُومَةُ، وَكَانَ الْأَوْضَحُ وَالْأَخْصَرُ فَلَوْ مَاتَتْ فَلَا قَضَاءَ، فَفِي كَلَامِهِ وَضْعُ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ أج بِالْمَعْنَى. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ فَلَوْ مَاتَتْ الْمَظْلُومَةُ أَيْ فَلَوْ مَاتَتْ الَّتِي وَقَعَ الظُّلْمُ بِسَبَبِهَا وَهِيَ الَّتِي أُعْطِيت مِنْ نَوْبَةِ غَيْرِهَا، وَهَذَا التَّفْرِيعُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَا قَبْلَهُ إذْ مَا قَبْلَهُ فِي الْمَظْلُومَةِ نَفْسِهَا، وَهَذَا التَّفْرِيعُ فِيمَنْ وَقَعَ الظُّلْمُ بِسَبَبِهَا. قَوْلُهُ: " لِخُلُوصِ الْحَقِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 الْقَضَاءُ، أَمَّا مَنْ عِمَادُ قَسْمِهِ النَّهَارُ فَلَيْلُهُ كَنَهَارِ غَيْرِهِ وَنَهَارُهُ كَلَيْلِ غَيْرِهِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ. هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُقِيمِ، أَمَّا الْمُسَافِرُ فَعِمَادُ قَسْمِهِ وَقْتُ نُزُولِهِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا؛ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: أَقَلُّ نُوَبِ الْقَسْمِ لِمُقِيمٍ عَمَلُهُ نَهَارًا لَيْلَةٌ، وَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْوِيشِ الْعَيْشِ وَعُسْرِ ضَبْطِ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ، وَلَا بِلَيْلَةٍ وَبَعْضِ أُخْرَى. وَأَمَّا «طَوَافُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ» فَمَحْمُولٌ عَلَى رِضَاهُنَّ، أَمَّا الْمُسَافِرُ فَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ، وَأَمَّا مَنْ عِمَادُ قَسْمِهِ النَّهَارُ كَالْحَارِسِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَبْعِيضُهُ كَتَبْعِيضِ اللَّيْلِ مِمَّنْ يَقْسِمُ لَيْلًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِسُهُولَةِ الضَّبْطِ. وَالِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّيْلَةِ أَفْضَلُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِيَقْرَبَ عَهْدُهُ بِهِنَّ، وَيَجُوزُ لَيْلَتَيْنِ وَثَلَاثًا بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ وَإِنْ تَفَرَّقْنَ فِي الْبِلَادِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْمُهَاجَرَةِ وَالْإِيحَاشِ لِلْبَاقِيَاتِ بِطُولِ الْمُقَامِ عِنْدَ الضَّرَّةِ، وَقَدْ يَمُوتُ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ فَيَفُوتُ حَقُّهُنَّ. وَتَجِبُ الْقُرْعَةُ   [حاشية البجيرمي] لِلْبَاقِيَاتِ " أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَظْلُومَ بِسَبَبِهَا إذَا مَاتَتْ لَمْ يَبْقَ لَهَا حَقٌّ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْ حَقِّهَا لِغَيْرِهَا. وَبِمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ الْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: فَلَوْ مَاتَتْ الْمَظْلُومُ بِحَذْفِ التَّاءِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَهَا يُوهِمُ رُجُوعَ الضَّمِيرِ إلَى الْمَظْلُومَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي نَقْلًا عَنْ أج غَيْرُ ظَاهِرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ مَا قَالَهُ أج هُوَ الظَّاهِرُ، فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ بِسَبَبِهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْجَأَ الْقَائِلَ إلَى مَا قَالَهُ. قَوْلُهُ: (تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ رَدَّهَا، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا لِعِصْمَتِهِ وَلَوْ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ إذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ وَيَقْضِي لَهَا حَقَّهَا. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهُ حَاكِمٌ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهِ صَحَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ كَمَا قَالَهُ ح ل. قَوْلُهُ: (أَمَّا مَنْ عِمَادُ قَسْمِهِ النَّهَارُ) هَذَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَقْتُ نُزُولِهِ) مَا لَمْ تَكُنْ خَلْوَتُهُ فِي سَيْرِهِ وَإِلَّا فَوَقْتُهَا هُوَ الْعِمَادُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنْ كَانَ فِي مِحَفَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَحَالَةُ النُّزُولِ يَكُونُ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي خَيْمَةٍ مَثَلًا وَعِمَادُ الْمَجْنُونِ وَقْتُ إفَاقَتِهِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ. قَوْلُهُ: (قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا) ظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِتَوْزِيعِ مَرَّاتِ النُّزُولِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ، وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ أَوْقَاتَ النُّزُولِ لَا تَنْضَبِطُ وَتَشُقُّ مُرَاعَاةُ التَّفَاوُتِ فَسُومِحَ فِيهِ، وَمَحَلُّهُ فِي نُزُولٍ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقَسْمُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُقِيمِ، أَمَّا نُزُولٌ يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ كَيَوْمَيْنِ بِلَيْلَتَيْهِمَا وَمَعَهُ زَوْجَتَانِ مَثَلًا فَيَجِبُ الْقَسْمُ بَيْنَهُمَا كَالْمُقِيمِ سم بِأَنْ يَجْعَلَ لِوَاحِدَةٍ لَيْلَةً مَعَ يَوْمٍ وَالْأُخْرَى كَذَلِكَ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ إحْدَاهُمَا بِجَمِيعِ هَذِهِ الْإِقَامَةِ وَيَجْعَلَ لِلْأُخْرَى وَقْتَ النُّزُولِ الْحَاصِلِ عَقِبَ السَّفَرِ عَنْ هَذِهِ الْإِقَامَةِ. اهـ. م ر سم. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُهَا) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ. هَكَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ، وَاَلَّذِي فِي بَعْضٍ آخَرَ بِبَعْضِهَا بِبَاءَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ مَعَ كَسْرِ الْأُولَى، وَهِيَ أَنْسَبُ بِالْمَعْطُوفِ الْآتِي وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَلَا بِلَيْلَةٍ وَبَعْضِ أُخْرَى " وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَلَا يَجُوزُ بِبَعْضِهَا. قَوْلُهُ: (مِنْ تَشْوِيشِ الْعَيْشِ) ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ادَّعَتْ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَنَّ وَقْتَهَا دَخَلَ قَبْلَ مَجِيئِهِ لَهَا فَيَحْصُلُ التَّشْوِيشُ الْمَذْكُورُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا بِلَيْلَةٍ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ الْقَسْمُ بِلَيْلَةٍ وَبَعْضِ لَيْلَةٍ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا طَوَافُهُ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُهَا. قَوْلُهُ: (فَمَحْمُولٌ عَلَى رِضَاهُنَّ) بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْقَسْمِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَوْلُهُ: (فَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ) وَهُوَ أَنَّ أَقَلَّ نُوَبِ قَسْمِهِ وَقْتُ نُزُولِهِ، وَوَقْتُ الِارْتِحَالِ تَابِعٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) أَيْ عَدَمُ الْجَوَازِ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ) أَفْهَمَ جَوَازَ الزِّيَادَةِ وَلَوْ مُشَاهَرَةً أَيْ شَهْرًا مَثَلًا، وَمُسَانَهَةً أَيْ سَنَةً مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَفَرَّقْنَ فِي الْبِلَادِ) فَإِذَا كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ فِي مِصْرَ يَبِيتُ عِنْدَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ وَبَعْدَهَا يَبِيتُ فِي الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ مَثَلًا، وَإِذَا ذَهَبَ إلَى الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى يَمْكُثُ عِنْدَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ وَبَعْدَهَا يَمْكُثُ فِي مَحَلٍّ مُعْتَزَلٍ عَنْهَا مُدَّةَ إقَامَتِهِ. وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهُ أَنَّهُ مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ بِمَكَّةَ وَأُخْرَى بِمِصْرَ مَثَلًا فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ إحْدَاهُمَا أَزْيَدَ مِنْ ثَلَاثٍ، فَإِذَا بَاتَ ثَلَاثًا امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْأُخْرَى وَيَبِيتَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا؛ وَهَذَا الْحُكْمُ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى اهـ. قَوْلُهُ: (إلَى الْمُهَاجَرَةِ) أَيْ الْهَجْرِ ضِدُّ الْوَصْلِ، فَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا وَالْإِيحَاشُ ضِدُّ الْأُنْسِ. قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ الْقُرْعَةُ إلَخْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 لِلِابْتِدَاءِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهُنَّ تَحَرُّزًا عَنْ التَّرْجِيحِ مَعَ اسْتِوَائِهِنَّ فِي الْحَقِّ، فَيَبْدَأُ بِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا فَإِذَا مَضَتْ نَوْبَتُهَا أَقْرَعَ بَيْنَ الْبَاقِيَاتِ، ثُمَّ بَيْنَ الْأَخِيرَتَيْنِ؛ فَإِذَا تَمَّتْ النَّوْبَةُ رَاعَى التَّرْتِيبَ. وَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ الْقُرْعَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَدَأَ بِلَا قُرْعَةٍ فَإِنَّهُ يَقْرَعُ بَيْنَ الْبَاقِيَاتِ فَإِذَا تَمَّتْ النَّوْبَةُ أَقْرَعَ لِلِابْتِدَاءِ. (وَإِذَا أَرَادَ) الزَّوْجُ (السَّفَرَ) لِنَقْلَةِ وَلَوْ سَفَرًا قَصِيرًا حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ بِقُرْعَةٍ، فَإِنْ سَافَرَ بِبَعْضِهِنَّ وَلَوْ بِقُرْعَةٍ قَضَى لِلْمُتَخَلِّفَاتِ، وَلَوْ نَقَلَ بَعْضَهُنَّ بِنَفْسِهِ وَبَعْضَهُنَّ بِوَكِيلِهِ قَضَى لِمَنْ مَعَ الْوَكِيلِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَهُنَّ بَلْ يَنْقُلَهُنَّ أَوْ يُطَلِّقَهُنَّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ أَطْمَاعِهِنَّ مِنْ الْوِقَاعِ، فَأَشْبَهَ الْإِيلَاءَ بِخِلَافِ مَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الدُّخُولِ إلَيْهِنَّ وَهُوَ حَاضِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ رَجَاؤُهُنَّ. وَفِي بَاقِي الْأَسْفَارِ الطَّوِيلَةِ أَوْ الْقَصِيرَةِ الْمُبَاحَةِ إذَا أَرَادَ اسْتِصْحَابَ بَعْضِهِنَّ. (أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ) وُجُوبًا كَمَا اقْتَضَاهُ إيرَادُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا عِنْدَ تَنَازُعِهِنَّ. (وَخَرَجَ بِاَلَّتِي تَخْرُجُ عَلَيْهَا) سَهْمُ   [حاشية البجيرمي] الْحَاصِلُ أَنَّ الزَّوْجَاتِ إنْ كُنَّ أَرْبَعًا وَجَبَ ثَلَاثُ قُرَعٍ؛ لِأَنَّ الرَّابِعَةَ تَتَعَيَّنُ، وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا وَجَبَ قُرْعَتَانِ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ تَتَعَيَّنُ، وَإِنْ كُنَّ اثْنَتَيْنِ وَجَبَتْ وَاحِدَةٌ زي. وَلَهُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِقُرْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَهُنَّ بِأَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَ النِّسَاءِ كُلَّهُنَّ وَيُخْرِجَهَا عَلَى اللَّيَالِيِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ الْقُرْعَةِ ظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ إعَادَتَهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا خَرَجَتْ مُخَالِفَةً لِلْقُرْعَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (أَقْرَعَ لِلِابْتِدَاءِ) وَكَذَا لِلْبَاقِي كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَعِبَارَتُهُ: فَإِذَا تَمَّتْ النُّوَبُ أَعَادَ الْقُرْعَةَ لِلْجَمِيعِ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالنُّوَبِ دُونَ النَّوْبَةِ. قَوْلُهُ: (لِنَقْلَةِ) هَذِهِ دَخِيلَةٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. ق ل قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ: فَلَوْ غَيَّرَ نِيَّةَ النَّقْلَةِ بِنِيَّةِ السَّفَرِ لِغَيْرِهَا فَهَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ وَالْإِثْمُ بِذَلِكَ أَوْ يَسْتَمِرُّ حُكْمُهُمَا إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْبَاقِيَاتِ؟ وَجْهَانِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: نَصُّ الْأُمِّ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالثَّانِي اهـ. قَوْلُهُ: (حَرُمَ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ لَهَا خَمْسَةُ أَحْوَالٍ يَحْرُمُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهَا، وَهُمَا أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ وَيُبْقِيَ بَعْضَهُنَّ عَلَى عِصْمَتِهِ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ أَوْ يَتْرُكَ الْجَمِيعَ، وَيَحِلُّ فِيمَا إذَا اسْتَصْحَبَ الْكُلَّ أَوْ طَلَّقَ الْكُلَّ أَوْ اسْتَصْحَبَ بَعْضًا وَطَلَّقَ بَعْضًا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَافَرَ بِبَعْضِهِنَّ) أَيْ لِنَقْلَةٍ. قَوْلُهُ: (قَضَى لِلْمُتَخَلِّفَاتِ) أَيْ مِنْ نَوْبَةِ الَّتِي اسْتَصْحَبَهَا. نَعَمْ لَوْ عَجَزَ عَنْ اسْتِصْحَابِ جَمِيعِهِنَّ دَفْعَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ اسْتِصْحَابُ بَعْضِهِنَّ أَوَّلًا بِالْقُرْعَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُرْسِلُ لِأَخْذِ الْبَاقِي أَوْ يَأْخُذُهُنَّ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (قَضَى لِمَنْ مَعَ الْوَكِيلِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ اسْتِصْحَابِهِ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مَحْرَمًا لَهَا أَوْ عَبْدًا لَهَا مَمْسُوحًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَهُنَّ) أَيْ بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ م د. قَوْلُهُ: (بَلْ يَنْقُلُهُنَّ) أَيْ أَوْ يَنْقُلُ بَعْضًا وَيُطَلِّقُ بَعْضًا، فَأَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتُجَوِّزُ الْجَمْعَ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُلَ بَعْضَهُنَّ بِنَفْسِهِ وَالْبَعْضَ الْآخَرَ بِوَكِيلِهِ إلَّا بِقُرْعَةٍ، وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مَحْرَمًا لِمَنْ يَنْقُلُهَا وَإِلَّا فَيَحْرُمُ مُطْلَقًا كَمَا أَفَادَهُ خ ض. قَوْلُهُ: (أَوْ يُطَلِّقُهُنَّ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِي ذَلِكَ) أَيْ تَرْكِهِنَّ، فَهَذَا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَهُنَّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَأَشْبَهَ الْإِيلَاءَ أَيْ فَكَانَ غَيْرَ جَائِزٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مِنْ الْوِقَاعِ) أَيْ الْجِمَاعِ. قَوْلُهُ: (وَفِي بَاقِي الْأَسْفَارِ) الْبَاقِي هُوَ السَّفَرُ لِغَيْرِ نَقْلَةٍ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ إمَّا لِنَقْلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَفِي بَاقِي الْأَسْفَارِ) أَيْ لَا لِنَقْلَةٍ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَقْرَعَ الَّذِي بَعْدَهُ فَهُوَ دُخُولٌ عَلَى الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (الْمُبَاحَةِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ مُصَاحَبَةَ الْمُسَافِرَةِ رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعْصِيَةِ. وَيَجِبُ عَلَيْهَا السَّفَرُ بِطَلَبِهِ كَرُكُوبِ بَحْرٍ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فِيهِ إنْ أُمِنَ الطَّرِيقُ وَالْمَقْصِدُ، وَالِامْتِنَاعُ مِنْهُ لِعِصْيَانِهِ بِهِ نُشُوزٌ؛؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْعُهَا لِلْمَعْصِيَةِ، بَلْ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَامْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ مِنْ السَّفَرِ مَعَ الزَّوْجِ نُشُوزٌ وَلَوْ كَانَ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْعُهَا لِمَعْصِيَةٍ بَلْ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ. وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْذُورَةً بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ كَشِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ لَا تُطِيقُ السَّفَرَ مَعَهُ، وَلَيْسَ مِنْهُ مُجَرَّدُ مُفَارَقَةِ أَهْلِهَا وَعَشِيرَتِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (كَمَا اقْتَضَاهُ) أَيْ الْوُجُوبُ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ تَنَازُعِهِنَّ) مُتَعَلِّقٌ بِأَقْرَعَ. قَوْلُهُ: (بِاَلَّتِي تَخْرُجُ عَلَيْهَا) أَيْ لَهَا. قَوْلُهُ: (سَهْمٌ) فِي إقْحَامِ سَهْمٍ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ اللَّفْظِيِّ وَهُوَ مَعِيبٌ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْعَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 (الْقُرْعَةِ) لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ» . وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهَا أَمْ فِي يَوْمِ غَيْرِهَا. وَإِذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِصَاحِبَةِ النَّوْبَةِ لَا تَدْخُلُ نَوْبَتُهَا فِي مُدَّةِ السَّفَرِ، بَلْ إذَا رَجَعَ وَفَّى لَهَا نَوْبَتَهَا وَإِذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِوَاحِدَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ بِغَيْرِهَا وَلَهُ تَرْكُهَا. وَلَوْ سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ عَصَى وَقَضَى، فَإِنْ رَضِينَ بِوَاحِدَةٍ جَازَ بِلَا قُرْعَةٍ وَسَقَطَ الْقَضَاءُ وَلَهُنَّ الرُّجُوعُ قَبْلَ سَفَرِهَا؛ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَذَا بَعْدَهُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ أَيْ يَصِلْ إلَيْهَا وَإِذَا سَافَرَ بِالْقُرْعَةِ لَا يَقْضِي لِلزَّوْجَاتِ الْمُتَخَلِّفَاتِ مُدَّةَ سَفَرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَصْحَبَةَ وَإِنْ فَازَتْ بِصُحْبَتِهِ. فَقَدْ لَحِقَهَا مِنْ تَعَبِ السَّفَرِ وَمَشَقَّتِهِ مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ، وَالْمُتَخَلِّفَةُ وَإِنْ فَاتَهَا حَظُّهَا مِنْ الزَّوْجِ فَقَدْ تَرَفَّهَتْ بِالرَّاحَةِ وَالْإِقَامَةِ، فَتَقَابَلَ الْأَمْرَانِ فَاسْتَوَيَا. وَخَرَجَ بِالْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ غَيْرُهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ فِيهَا بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا، فَإِنْ فَعَلَ عَصَى وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِلْمُتَخَلِّفَاتِ. وَخَرَجَ بِالزَّوْجَاتِ الْإِمَاءُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُمْ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ، فَإِنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ وَصَارَ مُقِيمًا قَضَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ حُكْمِ السَّفَرِ، هَذَا إنْ   [حاشية البجيرمي] سَهْمُهَا لَا فِعْلُهَا ق ل مُلَخَّصًا. وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَيْضًا تَأْنِيثُ الْفِعْلِ مَعَ تَذْكِيرِ الْفَاعِلِ. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ السَّفَرُ قَوْلُهُ: (عَصَى) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَاكِنْهَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَقَضَى) أَيْ جَمِيعَ الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَبِتْ مَعَهَا مَا لَمْ يُخَلِّفْهَا فِي بَلَدٍ، فَإِنْ خَلَّفَهَا فِي بَلَدٍ لَمْ يَقْضِ لَهُنَّ اهـ. وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: قَوْلُهُ: " وَقَضَى " أَيْ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِقَامَةً أَيْضًا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَضِينَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ عِنْدَ تَنَازُعِهِنَّ. قَوْلُهُ: (وَلَهُنَّ الرُّجُوعُ) مَا لَمْ يُسْرِعْ فِي الْخُرُوجِ، فَإِنْ خَرَجَ وَسَافَرَ حَتَّى جَازَ لَهُ التَّرَخُّصُ امْتَنَعَ عَلَيْهِنَّ الرُّجُوعُ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُنَّ الرُّجُوعَ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَ الشُّرُوعِ فِي السَّفَرِ. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَهُنَّ قَبْلَ سَفَرِهَا الرُّجُوعُ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ بَلْ قَبْلَ بُلُوغِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بَعِيدٌ اهـ. فَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ سَفَرِهَا) أَيْ قَبْلَ بُلُوغِ مَحَلٍّ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ) أَيْ مَا لَمْ يَبْلُغْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْهَا، فَإِذَا بَلَغَ سَفَرَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَلَا رُجُوعَ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ ذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ فِي الْعِبَارَةِ إيهَامُ خِلَافِ الْمُرَادِ قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ يَصِلُ إلَيْهَا. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَيْ يَصِلُ إلَيْهَا) دَفَعَ بِهِ أَنَّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَا يُتَصَوَّرُ مُجَاوَزَتُهَا إذْ لَا آخِرَ لَهَا، فَالْمُرَادُ مُجَاوَزَةُ أَوَّلِهَا. اهـ. قِ ل. قَوْلُهُ: (مُدَّةَ سَفَرِهِ) أَيْ ذَهَابًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ: فَإِنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ إلَخْ؛ وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ بَعْدُ: وَلَا يَقْضِي مُدَّةَ الرُّجُوعِ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ هُنَا: " مُدَّةَ سَفَرِهِ " شَامِلًا لِلذَّهَابِ وَالْإِيَابِ لِمَا مَرَّ حَتَّى يَلْزَمَ عَلَيْهِ التَّكْرَارُ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي: وَلَا يَقْضِي مُدَّةَ الرُّجُوعِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِيهِ) أَيْ سُقُوطِ الْقَضَاءِ عَنْهُ لِلْمُتَخَلِّفَاتِ مَعَ وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ دَائِمًا وَلَوْ قَامَ بِهَا عُذْرٌ م د. قَوْلُهُ: (مِنْ تَعَبِ السَّفَرِ) بَيَانٌ لِمَا. قَوْلُهُ: (مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الصُّحْبَةِ وَالتَّمَتُّعِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ فَاتَهَا حَظُّهَا) أَيْ سُرُورُهَا وَهُوَ الصُّحْبَةُ وَالتَّمَتُّعُ. قَوْلُهُ: (فَقَدْ تَرَفَّهَتْ) أَيْ تَنَعَّمَتْ، وَمِنْهُ وَقَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا} [سبأ: 34] أَيْ مُتَنَعِّمُوهَا. قَوْلُهُ: (الْأَمْرَانِ) وَهُوَ رَاحَةٌ فِي مُقَابَلَةِ رَاحَةٍ وَمَشَقَّةٌ فِي مُقَابَلَةِ مَشَقَّةٍ. قَوْلُهُ: (فَاسْتَوَيَا) ظَاهِرُهُ رُجُوعُ ضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ لِلْأَمْرَيْنِ وَالْمُنَاسِبُ فَاسْتَوَيَتَا بِإِرْجَاعِ الضَّمِيرِ عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ إلَخْ) قَدْ وَافَقَهُ شَيْخُنَا عَلَى ذَلِكَ وَخَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا. وَيَدُلُّ لَهُ مَا مَرَّ بِقَوْلِهِمْ: وَيَجِبُ عَلَيْهَا إلَخْ مَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَاكَ مِنْ حَيْثُ طَاعَتُهَا لَهُ وَهَذَا مِنْ حَيْثُ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِ ق ل. أَوْ يُقَالُ إنَّ ذَاكَ فِي سَفَرِهِ لِنَقْلَةٍ وَهَذَا فِي سَفَرِهِ لِغَيْرِهَا. وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاحِ مَا قَابَلَ الْحَرَامَ الصَّادِقَ بِالْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ تَقْرِيرِ الزِّيَادِيِّ. قَوْلُهُ: (عَصَى وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِلْمُتَخَلِّفَاتِ) أَيْ إنْ رَجَعَ أَوْ سَافَرْنَ لَهُ يُعَدُّ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ طَاعَتُهُ فَلَوْ خَالَفَتْ سَقَطَ حَقُّهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ق ل. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالزَّوْجَاتِ) أَيْ الدَّاخِلَاتِ تَحْتَ قَوْلِهِ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ، فَإِنَّ ضَمِيرَهُ رَاجِعٌ لِلزَّوْجَاتِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 سَاكَنَ الْمَصْحُوبَةَ أَمَّا إذَا اعْتَزَلَهَا مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فَلَا يَقْضِي كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي وَلَا يَقْضِي مُدَّةَ الرُّجُوعِ كَمَا لَا يَقْضِي مُدَّةَ الذَّهَابِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ وَهَبَتْ مِنْ الزَّوْجَاتِ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ لِغَيْرِهَا لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ الرِّضَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِنْ رَضِيَ بِالْهِبَةِ وَوَهَبَتْ لِمُعَيَّنَةٍ مِنْهُنَّ بَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْهِمَا كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَهَبَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَإِنْ وَهَبَتْ لِلزَّوْجِ فَقَطْ كَانَ لَهُ التَّخْصِيصُ لِوَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ الْحَقَّ لَهُ فَيَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ وَلَوْ وَهَبَتْ لَهُ وَلِبَعْضِ الزَّوْجَاتِ أَوْ لَهُ وَلِلْجَمِيعِ قَسَمَ ذَلِكَ عَلَى الرُّءُوسِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَلَا يَجُوزُ لِلْوَاهِبَةِ أَنْ تَأْخُذَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِحَقِّهَا عِوَضًا لَا مِنْ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ الضَّرَائِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ؛   [حاشية البجيرمي] لَيْسَ قَيْدًا بَلْ يَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ فِي بَابِ الْقَصْرِ مِمَّا يَقْطَعُ السَّفَرَ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ مُدَّةَ سَفَرِهِ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ لَا يَقْضِي لِلزَّوْجَاتِ مُدَّةَ السَّفَرِ وَلِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ رَضِينَ جَازَ وَسَقَطَ الْقَضَاءُ وَلَيْسَ رَاجِعًا لِمَسْأَلَةِ الْإِمَاءِ. وَالْمَقْصِدُ بِكَسْرِ الصَّادِ. مَوْضِعُ الْقَصْدِ، وَفَتَحَ النَّاسُ صَادَهُ خَطَأً إذْ هُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَصَارَ مُقِيمًا) أَيْ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ قَبْلَ وُصُولِهِ مُطْلَقًا، أَوْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ. قَالَ ق ل: قَالَ شَيْخُنَا كَغَيْرِهِ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَقْضِي مُدَّةَ عَدَمِ التَّرَخُّصِ إنْ سَاكَنَ الْمَصْحُوبَةَ. وَخَرَجَ بِالسَّفَرِ مَا لَوْ خَرَجَتْ لِحَاجَتِهَا فِي الْبَلَدِ بِإِذْنِهِ كَأَنْ كَانَتْ مَاشِطَةً أَوْ بَلَّانَةً أَوْ قَيِّمَةً عَلَى الْحَمَّامِ أَوْ مُغَنِّيَةً أَوْ قَابِلَةً وَخَرَجَتْ بِإِذْنِهِ، فَلَا يَسْقُطُ قَسْمُهَا وَنَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ وَلَمْ تُسَافِرْ؛ وَهَذَا مَا أَفْتَى بِهِ م ر انْتَهَى زي. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ مَحَلُّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: (مَنْ وَهَبَتْ إلَخْ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِأَنْ وَهَبَتْ قَبْلَ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ بَعْضِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي الْجُمْلَةِ. وَتَسْمِيَتُهَا هِبَةً بِالنَّظَرِ لِلصُّورَةِ وَاللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَيْسَ عَيْنًا وَلَا مَنْفَعَةً. وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْهِبَةِ، أَمَّا هُنَا فَيُعْتَبَرُ رِضَا الزَّوْجِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْهُوبٍ لَهُ، وَحِينَئِذٍ هَذِهِ الْهِبَةُ تَخْرُجُ عَنْ قَوَاعِدِ الْهِبَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ هُنَا لَيْسَ عَيْنًا وَلَا مَنْفَعَةً، وَحِينَئِذٍ يُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا هِبَةٌ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ، وَيُقَالُ أَيْضًا: لَنَا هِبَةٌ تَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاءِ غَيْرِ الْوَاهِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ. قَوْلُهُ: (لِمُعَيَّنَةٍ) خَرَجَ مَا لَوْ وَهَبَتْهُ لِمُبْهَمَةٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ ق ل، أَيْ فَيَسْتَمِرُّ حَقُّهَا. قَوْلُهُ: (بَاتَ عِنْدَهَا) وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لَيْلَتَيْهِمَا) كُلَّ لَيْلَةٍ فِي مَحَلِّهَا. وَلَيْسَ لَهُ تَقْدِيمُ لَيْلَةِ الْوَاهِبَةِ عَلَى مَحَلِّهَا وَلَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى مُلَاصَقَةِ لَيْلَةِ الْمَوْهُوبَةِ، وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُ لَيْلَةِ مَنْ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ ق ل. وَمَحَلُّ بَيَانِهِ عِنْدَ الْمَوْهُوبَةِ لَيْلَتَيْنِ مَا دَامَتْ الْوَاهِبَةُ تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ فَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ طَاعَتِهِ لَمْ يَبِتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهَا إلَّا لَيْلَتَهَا كَمَا قَالَهُ س ل. قَوْلُهُ: (لَمَّا وَهَبَتْ سَوْدَةُ) أَيْ لِإِرَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَاقَهَا لِكِبَرِهَا عِ ش. وَسَوْدَةُ بِفَتْحِ السِّينِ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ الضِّدِّيَّةِ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ أَجْمَلِ نِسَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَصَدَرَ مِنْهَا ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ عَقْلِهَا لَمَّا رَأَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ عَائِشَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا إلَّا هِيَ وَهِيَ كَبِرَتْ وَصَارَتْ لَا تُشْتَهَى فَخَافَتْ أَنْ يَكْرَهَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُطَلِّقَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أُرِيدُ مِنْك مَا تُرِيدُ النِّسَاءُ وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ أُحْشَرَ فِي زُمْرَةِ نِسَائِك أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنِّي وَهَبْتُ نَوْبَتِي لِعَائِشَةَ» اهـ. وَقَالَ ع ش: أَيْ لِإِرَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَاقَهَا لِكِبَرِهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى الرُّءُوسِ) فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ لَيْلَةٌ مِنْ لَيَالِيِهَا وَلَهُ لَيْلَةٌ أَيْضًا يَخُصُّ بِهَا مَنْ شَاءَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ ق ل: فَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ وَلَهُنَّ كَانَ لَهُ رُبْعُ لَيْلَةٍ وَلِكُلِّ زَوْجَةٍ كَذَلِكَ فَتُجْعَلُ الْوَاهِبَةُ كَالْمَعْدُومَةِ وَفِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَدْوَارٍ أَيْ لَيَالٍ يَجْتَمِعُ لَيْلَةً فَيُقْرِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ خَصَّهَا بِهِ، وَهَكَذَا كُلَّمَا اجْتَمَعَتْ لَيْلَةٌ وَكَذَا بَقِيَّةُ الصُّوَرِ. هَذَا إذَا وَهَبَتْهَا دَائِمًا، فَإِنْ وَهَبَتْ لَيْلَةً فَقَدْ جَعَلَهَا أَرْبَاعًا وَأَقْرَعَ أَيْضًا وَيَخُصُّ بِرُبْعِهِ مَنْ شَاءَ: وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: أَنَّهَا تُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ اللَّيَالِي لَا بِحَسَبِ الْأَجْزَاءِ، فَيَخُصُّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ لَيَالِي الْوَاهِبَةِ لَيْلَةً بِالْقُرْعَةِ فِي الدَّوْرِ الْأَوَّلِ وَيَخُصُّ بِلَيْلَتِهِ مَنْ شَاءَ، وَرَدَ الْقَوْلُ بِالتَّوْزِيعِ بِحَسَبِ الْأَجْزَاءِ. نَعَمْ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا وَهَبَتْ لَيْلَةً وَاحِدَةً فَقَطْ لِلْجَمِيعِ اهـ قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ لَيْسَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الْهِبَاتِ وَيَلْزَمُهَا رَدُّ الْعِوَضِ إنْ كَانَتْ أَخَذَتْهُ وَتَسْتَحِقُّ الْقَضَاءَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 لِأَنَّ مُقَامَ الزَّوْجِ عِنْدَهَا لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ مَلَكَتْهَا عَلَيْهِ. وَقَدْ اسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمِنْ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ جَوَازَ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ أَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ بِهِ جَائِزٌ وَأَخْذَهُ حَلَالٌ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ لَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَنْزُولِ لَهُ بَلْ يَبْقَى الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى نَاظِرِ الْوَظِيفَةِ يَفْعَلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ شَرْعًا، وَبَسَطَ ذَلِكَ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فَاسْتَفِدْهَا. وَلِلْوَاهِبَةِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ، فَإِذَا رَجَعَتْ خَرَجَ فَوْرًا، وَلَا تَرْجِعُ فِي الْمَاضِي قَبْلَ الْعِلْمِ بِالرُّجُوعِ. وَإِنْ بَاتَ الزَّوْجُ فِي نَوْبَةِ وَاحِدَةٍ عِنْدَ غَيْرِهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَهَبَتْ حَقَّهَا وَأَنْكَرَتْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (وَإِذَا تَزَوَّجَ) حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ فِي دَوَامِ نِكَاحِهِ (جَدِيدَةً) وَلَوْ مُعَادَةً بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ (خَصَّهَا) كُلٌّ مِنْهُمَا وُجُوبًا (بِسَبْعِ لَيَالٍ)   [حاشية البجيرمي] لِأَنَّهَا لَمْ تُسْقِطْهُ مَجَّانًا وَإِنْ عَلِمَتْ بِالْفَسَادِ، وَقَالَ ق ل: قَالَ شَيْخُنَا: مَا لَمْ تَعْلَمْ بِالْفَسَادِ. هَذَا وَقَالَ سم: قَوْلُهُ: " وَلَا يَجُوزُ لِلْوَاهِبَةِ إلَخْ " فِيهِ أَنَّ الْقَسْمَ حَقُّهَا مُخْتَصٌّ بِهَا وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى الْحَقِّ مِنْ الِاخْتِصَاصِ جَائِزٌ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا كَانَ فِي نِكَاحِهِ غَيْرَهَا وَأَرَادَ الْمَبِيتَ عِنْدَهَا وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ وَبِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ مُشْتَرَكٌ؛ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ فِيهِ شَائِبَةً؛ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَتْ لِغَيْرِهَا فَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى فَضَعُفَ تَعَلُّقُهَا بِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مُقَامَ الزَّوْجِ) أَيْ مُكْثَهُ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ اسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) لَكِنَّ الِاسْتِنْبَاطَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ عِوَضٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ هُنَا لَا عِوَضَ فِيهَا، فَأَخْذُ مَسْأَلَةِ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ مِنْهَا بَعِيدٌ، إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ كَلَامُ الشَّارِحِ أَيْ اُسْتُنْبِطَ جَوَازُ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ وَيَكُونُ النُّزُولُ بِعِوَضٍ مَأْخُوذًا مِنْ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ وَالنُّزُولُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ مَأْخُوذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ مِنْ مَفْهُومِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةَ " م د، أَيْ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ إذَا كَانَ الْحَقُّ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى إسْقَاطِهِ كَالنُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ. قَوْلُهُ: (جَوَازُ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ) أَيْ بِعِوَضٍ وَدُونِهِ لَكِنْ لِمَنْ هُوَ مِثْلُ النَّازِلِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ التَّقْرِيرُ مِنْ الْحَاكِمِ، وَإِذَا قَرَّرَ الْحَاكِمُ غَيْرَ الْمَنْزُولِ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى النَّازِلِ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ إلَّا إنْ شَرَطَهُ؛ ق ل مَعَ زِيَادَةٍ قَلِيلَةٍ. قَوْلُهُ: (إنْ أَخَذَ الْعِوَضَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَنَّ بَذْلَ الْعِوَضِ مُطْلَقًا وَأَخْذَهُ إنْ كَانَ النَّازِلُ أَهْلًا وَهُوَ حِينَئِذٍ لِإِسْقَاطِ حَقِّ النَّازِلِ فَهُوَ مُجَرَّدُ افْتِدَاءٍ، وَبِهِ فَارَقَ مَنْعَ بَيْعِ حَقِّ التَّحَجُّرِ وَشَبَهَهُ كَمَا هُنَا لَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَنْزُولِ لَهُ بِهَا أَوْ بِشَرْطِ حُصُولِهَا لَهُ بَلْ يَلْزَمُ نَاظِرَ الْوَظِيفَةِ تَوْلِيَةُ مَنْ تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَوْ غَيْرَ الْمَنْزُولِ لَهُ. قَوْلُهُ: (لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ) وَلَيْسَ لِبَاذِلِ الْعِوَضِ الرُّجُوعُ فِيهِ إنْ لَمْ يُقَرَّرْ، إلَّا أَنْ يَشْرِطَ بِأَنْ يَقُولَ وَلِيُّ الرُّجُوعِ فِي الْعِوَضِ إنْ لَمْ أُقَرِّرْهُ، وَكَذَا لَيْسَ لِصَاحِبِ الْوَظِيفَةِ الرُّجُوعُ فِيهَا إنْ لَمْ يُقَرِّرْ الْمَنْزُولُ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ بِأَنْ يَقُولَ أَسْقَطْت حَقِّي مِنْ هَذِهِ الْوَظِيفَةِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ لِفُلَانٍ بِشَرْطِ أَنْ يُقَرِّرَ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُقَرِّرْ رَجَعَتْ، فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ. اهـ. مَيْدَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي التَّوْلِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَلِلْوَاهِبَةِ الرُّجُوعُ) ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْمُسْتَقْبِلُ لَمْ يُقْبَضْ؛ شَرْحُ التَّنْبِيهِ. وَشَمِلَ إطْلَاقُهُمْ الرُّجُوعَ فِي بَعْضِ اللَّيْلَةِ، وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ فِي الرُّجُوعِ نَصُّهَا: فَيَخْرُجُ وُجُوبًا بَعْدَ رُجُوعِهَا مِنْ عِنْدِ الْمَوْهُوبِ لَهَا فَوْرًا وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ إنْ أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَمُلَتْ اللَّيْلَةُ عِنْدَهَا؛ وَالْأَوْلَى عَدَمُ التَّمَتُّعِ وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي قَضَاءُ بَقِيَّةِ اللَّيْلَةِ حَيْثُ لَمْ يَنْعَزِلْ عَنْهَا فِي مَسْكَنٍ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا تَرْجِعُ فِي الْمَاضِي) أَيْ لَا يَقْضِي لَهَا مَا مَضَى قَبْلَ عِلْمِهِ بِالرُّجُوعِ وَلَوْ لَيَالِيَ ق ل، بِخِلَافِ مَا فَاتَ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَكَذَا بَعْدَ عِلْمِ الضَّرَّةِ الْمُسْتَوْفِيَةِ دُونَ الزَّوْجِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَارْتَضَاهُ م ر سم، وَبِخِلَافِ مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَكْلُ ثَمَرِ بُسْتَانٍ ثُمَّ رَجَعَ الْمُبِيحُ حَيْثُ يَغْرَمُ الْمُبَاحُ لَهُ مَا أَكَلَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالرُّجُوعِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي الْمَنَافِعِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْأَعْيَانِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ، وَفَرَّقَ ح ل أَيْضًا فَقَالَ: لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَفَرَّقَ ق ل بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَامَاتِ وَالْإِتْلَافَاتِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) أَيْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ جَدِيدَةً إلَخْ) بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: " وَالتَّسْوِيَةُ فِي الْقَسْمِ وَاجِبَةٌ " فَكَأَنَّهُ قَالَ: إلَّا إذَا تَزَوَّجَ جَدِيدَةً إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي دَوَامِ نِكَاحِهِ) : لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ مَعَهُ غَيْرَهَا مِمَّنْ بَاتَ عِنْدَهَا وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ ق ل؛ لَكِنْ يُسَنُّ وَدَوَامُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 مُتَوَالِيَةٍ بِلَا قَضَاءٍ لِلْبَاقِيَاتِ، (إنْ كَانَتْ بِكْرًا) عَلَى خِلْقَتِهَا أَوْ زَالَتْ بِغَيْرِ وَطْءٍ (وَبِثَلَاثِ) لَيَالٍ مُتَوَالِيَةٍ بِلَا قَضَاءٍ لِلْبَاقِيَاتِ (إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا) لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «سَبْعٌ لِلْبِكْرِ وَثَلَاثٌ لِلثَّيِّبِ» وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ زَوَالُ الْحِشْمَةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا سَوَّى بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ. وَزَيْدٌ " لِلْبِكْرِ "؛ لِأَنَّ حَيَاءَهَا أَكْثَرُ. وَالْحِكْمَةُ فِي الثَّلَاثِ وَالسَّبْعِ أَنَّ الثَّلَاثَ مُغْتَفِرَةٌ فِي الشَّرْعِ وَالسَّبْعَ عَدَدُ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَمَا زَادَ عَلَيْهَا تَكْرَارٌ، فَإِنَّ فَرْقَ ذَلِكَ لِمَا يُحْسَبُ؛ لِأَنَّ الْحِشْمَةَ لَا تَزُولُ بِالْمُفَرَّقِ وَاسْتَأْنَفَ وَقَضَى الْمُفَرَّقَ لِلْأُخْرَيَاتِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي الثَّيِّبِ الْمَذْكُورَةِ مَنْ كَانَتْ ثُيُوبَتُهَا بِوَطْءٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، وَخَرَجَ بِهَا مَنْ حَصَلَتْ ثُيُوبَتُهَا بِمَرَضٍ أَوْ وَثْبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَيُسَنُّ تَخْيِيرُ الثَّيِّبِ بَيْنَ ثَلَاثٍ بِلَا قَضَاءٍ وَبَيْنَ سَبْعٍ بِقَضَاءٍ كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - حَيْثُ قَالَ   [حاشية البجيرمي] النِّكَاحِ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ جَدِيدَةً. قَوْلُهُ: (جَدِيدَةً) أَيْ جَدَّدَهَا مَنْ فِي عِصْمَتِهِ زَوْجَةً يَبِيتُ عِنْدَهَا وَلَوْ أَمَةً أَوْ كَافِرَةً، فَخَرَجَ بِالْجَدِيدَةِ مَنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا بَعْدَ تَوْفِيَةِ حَقِّ الزِّفَافِ فَإِنَّهُ إذَا رَاجَعَهَا لَا زِفَافَ لَهُمَا بِخِلَافِ الْبَائِنِ، وَخَرَجَ بِمَنْ فِي عِصْمَتِهِ إلَخْ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَيْرُهَا أَوْ كَانَتْ وَلَمْ يَبِتْ عِنْدَهَا فَلَا يَثْبُتُ لِلْجَدِيدَةِ حَقُّ الزِّفَافِ؛ وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ أَصْلِ الرَّوْضَةِ: لَوْ نَكَحَ جَدِيدَتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهُمَا وَجَبَ لَهُمَا حَقُّ الزِّفَافِ وَيُقْرِعُ لِلِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْقَسْمَ وَإِذَا أَعْتَقَ مُسْتَفْرَشَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَبَتَ لَهَا حَقُّ الزِّفَافِ. اهـ. س ل. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَلَا حَقَّ لِرَجْعِيَّةٍ أَيْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الرَّجْعَةِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ مَبِيتِ السَّبْعِ ثُمَّ رَاجَعَهَا قَضَى لَهَا مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَبَقِيَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا بَعْدَ أَنْ بَاتَ عِنْدَهَا بَعْضَ السَّبْعِ كَثَلَاثَةٍ مَثَلًا ثُمَّ جَدَّدَ النِّكَاحَ فَهَلْ يَبِيتُ عِنْدَهَا بَقِيَّةَ السَّبْعِ الْأُوَلِ الثَّابِتَةِ لَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ وَالسَّبْعِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ الثَّانِي أَوْ يَسْقُطُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّبْعِ الْأُوَلِ وَيَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ لِلْعَقْدِ الثَّانِي فَقَطْ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي اهـ. قَوْلُهُ: (كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ. قَوْلُهُ. (مُتَوَالِيَةٍ) أَيْ السَّبْعِ وَالثَّلَاثِ وَيَلْزَمُهُ مِنْ اللَّيَالِي دُخُولُ الْأَيَّامِ وَعَبَّرَ بِاللَّيَالِيِ نَظَرًا لِأَصَالَتِهَا فِي الْمَبِيتِ، وَلَمْ يَقُلْ مُتَّصِلَةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ مَا لَمْ يَدُرْ الدَّوْرُ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ بِكْرًا) الْمُرَادُ جَدِيدَةً وَبِكْرًا عِنْدَ الزِّفَافِ وَعِنْدَ الْعَقْدِ، فَخَرَجَ مَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا عِنْدَ الْعَقْدِ ثَيِّبًا عِنْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا ثَلَاثٌ فَقَطْ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا جَدِيدَةً عِنْدَ الدُّخُولِ وَكَانَتْ رَجْعِيَّةً بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ فَطَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ دَخَلَ بِهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ فَلَا حَقَّ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِرَجْعِيَّةٍ، فَالْمُرَادُ بِالْجَدِيدَةِ مَنْ أَنْشَأَ عَلَيْهَا عَقْدًا حَتَّى لَوْ لَمْ يُوَفِّ لِلْجَدِيدَةِ حَقَّهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ يَفُتْ حَقُّ الزِّفَافِ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى النِّكَاحِ؛ ابْنُ حَجَرٍ رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ زَالَتْ بِغَيْرِ وَطْءٍ) أَيْ وَلَمْ تُوطَأْ بَعْدَهُ، أَمَّا إذَا وُطِئَتْ كَانَتْ ثَيِّبًا. قَوْلُهُ: (وَبِثَلَاثِ لَيَالٍ) لَوْ قَالَ مِنْ اللَّيَالِي لِيَبْقَى تَنْوِينُ ثَلَاثٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَكَانَ أَوْلَى قِ ل. قَوْلُهُ: (زَوَالُ الْحِشْمَةِ) أَيْ الِاسْتِحْيَاءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُخْتَارِ، وَهَذَا جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ مُسْتَفْرَشَةً لِسَيِّدِهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَأَعْتَقَهَا السَّيِّدُ وَتَزَوَّجَ بِهَا كَانَ لَهَا ثَلَاثٌ. قَوْلُهُ: (وَالسَّبْعُ عَدَدُ أَيَّامِ الدُّنْيَا) أَيْ فَإِذَا بَاتَهَا عِنْدَهَا فَكَأَنَّهُ بَاتَ عِنْدَهَا أَيَّامَ الدُّنْيَا. قَوْلُهُ: (وَقَضَى الْمُفَرَّقَ لِلْأُخْرَيَاتِ) أَيْ قَضَى الْمُفَرَّقَ الَّذِي بَاتَ فِيهِ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ لَا مُطْلَقًا، وَذَلِكَ كَمَا إذَا كَانَ يَبِيتُ لَيْلَةً عِنْدَ الْجَدِيدَةِ وَلَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ مَثَلًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي مَا بَاتَ فِيهِ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ وَلَا يَقْضِي مَا بَاتَ فِيهِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شَرْحِ م ر، وَعِبَارَتُهُ: أَمَّا لَوْ لَمْ يُوَالِ فَلَا يُحْسَبُ بَلْ يَجِبُ لَهَا سَبْعٌ أَوْ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَةً ثُمَّ يَقْضِي مَا لِلْبَاقِيَاتِ مِنْ نَوْبَتِهَا مَا بَاتَهُ عِنْدَهَا مُفَرَّقًا اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) كَوَطْءٍ فِي دُبُرِهَا عَمِيرَةُ وَكَزَوَالِهَا بِحِدَّةِ حَيْضٍ أَوْ أُصْبُعٍ. وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ حَرَامٌ كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ» . اهـ. فَتْحُ الْبَارِي. قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ سَبْعٍ بِقَضَاءٍ) أَيْ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَبْعًا سم عَلَى حَجّ، أَيْ فَإِذَا كَانَ تَحْتَهُ قَبْلَ الْجَدِيدَةِ ثَلَاثٌ بَاتَ عِنْدَهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ إحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَبْعَةٌ. هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ، وَنَازَعَ فِيهِ الشَّيْخُ س ل وَغَيْرُهُ فَقَالَ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ السَّبْعُ مِنْ نَوْبَتِهَا فَقَطْ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْبِيرُ بِالْقَضَاءِ، قَالَ ع ش: وَكَيْفِيَّةُ الْقَضَاءِ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ وَيَدُورُ فَاللَّيْلَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 لَهَا: «إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَك وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْتُ ثَلَّثْت عِنْدَك وَدُرْتُ» أَيْ بِالْقَسْمِ الْأَوَّلِ بِلَا قَضَاءٍ وَإِلَّا لَقَالَ: وَثَلَّثْتُ عِنْدَهُنْ، كَمَا قَالَ: وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ. وَلَا يَتَخَلَّفُ بِسَبَبِ ذَلِكَ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْجَمَاعَاتِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ مُدَّةَ الزِّفَافِ إلَّا لَيْلًا فَيَتَخَلَّفُ وُجُوبًا تَقْدِيمًا لِلْوَاجِبِ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَمَّا لَيَالِي الْقَسْمِ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْخُرُوجِ وَعَدَمِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ فِي لَيْلَةِ الْجَمِيعِ أَوْ لَا يَخْرُجَ أَصْلًا، فَإِنْ خَصَّ لَيْلَةَ بَعْضِهِنَّ بِالْخُرُوجِ أَثِمَ.   [حاشية البجيرمي] الَّتِي تَخُصُّهَا يَبِيتُهَا عَنْد وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا، وَفِي الدَّوْرِ الثَّانِي يَبِيتُ لَيْلَتَهَا عِنْدَ الثَّانِيَةِ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا، وَكَذَا يَفْعَلُ فِي بَقِيَّةِ الْأَدْوَارِ إلَى أَنْ تَتِمَّ السَّبْعُ وَتَمَامُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ لَيْلَةً؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ كُلِّ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَيْلَةٌ فَتَحْصُلُ السَّبْعُ بِمَا ذُكِرَ، فَإِذَا ضَرَبْت السَّبْعَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ وَهِيَ أَقَلُّ مَا يَحْصُلُ فِيهِ الْقَضَاءُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَلَغَ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ اهـ. وَقَوْلُهُ: " مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَيْلَةٌ "، وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ ثَلَاثَةٌ دَائِرٌ عَلَيْهِنَّ: الْأُولَى خَدِيجَةُ، وَالثَّانِيَةُ عَائِشَةُ، وَالثَّالِثَةُ حَفْصَةُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ ثَيِّبًا يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ وَبَاتَ عِنْدَهَا سَبْعًا فَصَارَ لِلْبَاقِيَاتِ إحْدَى وَعِشْرُونَ لَيْلَةً؛ وَلَهُ فِي الْقَضَاءِ طَرِيقَتَانِ: الْأُولَى أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثِ سَبْعًا وَلَاءً، وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ خَدِيجَةَ لَيْلَتَهَا ثُمَّ كَذَا عَائِشَةُ ثُمَّ كَذَا صَفِيَّةُ؛ فَإِذَا جَاءَتْ لَيْلَةُ فَاطِمَةَ ضَرَبَ الْقُرْعَةَ بَيْنَ الثَّلَاثِ، فَكُلُّ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ بَاتَهَا عِنْدَهَا. ثُمَّ يَدُورُ فَإِذَا جَاءَتْ لَيْلَتُهَا ضَرَبَ الْقُرْعَةَ بَيْنَ الْبَاقِيَتَيْنِ، ثُمَّ يَبِيتُ عِنْدَ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ، ثُمَّ يَدُورُ وَيَبِيتُ لَيْلَتَهَا عِنْدَ الثَّالِثَةِ اهـ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: فَإِنْ سَبَّعَ لِلثَّيِّبِ بِغَيْرِ طَلَبِهَا أَوْ طَلَبَتْ دُونَهَا فَالزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ هُوَ الَّذِي يَقْضِيه، فَإِذَا أَجَابَهَا بِخَمْسٍ قَضَى يَوْمَيْنِ وَلَا يَجُوزُ إجَابَتُهَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أُجِيبَتْ لِلسَّبْعِ لِقَضَائِهَا كُلِّهَا فَفِي إجَابَتِهَا إلَيْهَا مَصْلَحَةٌ لِلْأُخْرَيَاتِ بِخِلَافِ إجَابَتِهَا لِخَمْسٍ. وَدَخَلَ فِي الْجَدِيدَةِ الْأَمَةُ الْمُسْتَفْرَشَةُ إذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا وَتَزَوَّجَهَا وَالْبَائِنُ دُونَ الرَّجْعِيَّةِ اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: نَعَمْ إنْ خَيَّرَهَا فَسَكَتَتْ أَوْ فَوَّضَتْ إلَيْهِ الْإِقَامَةَ تَخَيَّرَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنْ أَقَامَ السَّبْعَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا أَوْ اخْتَارَتْ دُونَ السَّبْعِ لَمْ يَقْضِ سِوَى مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْمَعْ فِي حَقِّ غَيْرِهَا وَهِيَ الْبِكْرُ، وَلَوْ زَادَ الْبِكْرَ عَلَى السَّبْعِ قَضَى الزَّائِدَ فَقَطْ مُطْلَقًا وَوَجْهُهُ أَنَّهَا لَمْ تَطْمَعْ بِوَجْهٍ جَائِزٍ فَكَانَ مَحْضَ تَعَمُّدٍ اهـ. وَقَوْلُهُ: " فَإِنْ أَقَامَ السَّبْعَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا " وَعَلَيْهِ فَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْجَدِيدَةِ أَنَّهَا اخْتَارَتْ السَّبْعَةَ وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ طَلَبِهَا. وَقَوْلُهُ: " مُطْلَقًا " أَيْ سَوَاءٌ طَلَبَتْ أَمْ لَا. وَقَوْلُهُ: "؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْمَعْ فِي حَقِّ غَيْرِهَا " أَيْ فِي حَقٍّ شُرِعَ لِغَيْرِهَا فَإِنَّ الْخَمْسَ مَثَلًا لَمْ تُشْرَعْ لِأَحَدٍ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: «كَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمِّ سَلَمَةَ» وَكَانَتْ ثَيِّبًا فَاخْتَارَتْ الثَّلَاثَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَخَلَّفُ بِسَبَبِ ذَلِكَ) أَيْ لَيَالِي الزِّفَافِ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْجَمَاعَاتِ، أَيْ بَلْ يَخْرُجُ لِمَا ذَكَرَ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَنْ الْخُرُوجِ أَيْ فِي النَّهَارِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ) أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ لِمَا ذَكَرَ إلَّا لَيْلًا، فَقَالَ، أَيْ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَتَخَلَّفُ عَمَّا ذُكِرَ مِنْ الْخُرُوجِ لِلْجَمَاعَاتِ وَمَا بَعْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا. قَالَ ق ل: وَهَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فَقَالَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهَا انْتَهَى. وَمُرَادُهُ بِشَيْخِهِ الزِّيَادِيِّ، وَاَلَّذِي قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَالْحَفْنَاوِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا يَتَخَلَّفُ بِسَبَبِ ذَلِكَ عَنْ الْخُرُوجِ أَيْ فِي النَّهَارِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي تَرْكِ الْخُرُوجِ لِمَا ذُكِرَ اتِّفَاقًا، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ تَخَلُّفِهِ لَيْلًا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَخَلُّفُهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَإِنْ كَانَ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ؛ وَهَذَا كُلُّهُ ذَكَرَهُ م ر فِي شَرْحِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَلَهُ تَرْتِيبُ الْقَسْمِ عَلَى لَيْلَةٍ، فَمَا وَقَعَ فِي الْحَوَاشِي غَيْرُ مُحَرَّرٍ. وَقَوْلُ ق ل سَابِقًا يَتَخَلَّفُ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الزِّيَادِيِّ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ م ر. وَعِبَارَةُ م ر فِيمَا مَرَّ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّامِلِ عَنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ مَنْ عِمَادُهُ اللَّيْلُ وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُهُ فِيهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا لِجِنَازَةٍ وَإِجَابَةِ دَعْوَةٍ مَرْدُودٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي لَيَالِي الزِّفَافِ فَقَطْ عَلَى مَا يَأْتِي؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ فِيهَا لِمَنْدُوبٍ تَقْدِيمًا لِوَاجِبِ حَقِّهَا؛ كَذَا قَالَاهُ، لَكِنْ أَطَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي رَدِّهِ وَاعْتَمَدُوا عَدَمَ الْحُرْمَةِ، أَيْ وَعَلَيْهِ فَهِيَ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ كَمَا مَرَّ اهـ بِحُرُوفِهِ؛ فَيَجُوزُ التَّخَلُّفُ لِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَجِبُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ النُّشُوزُ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا خَافَ) الزَّوْجُ (نُشُوزَ الْمَرْأَةِ) بِأَنْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا فِعْلًا كَأَنْ يَجِدَ مِنْهَا إعْرَاضًا وَعُبُوسًا بَعْدَ لُطْفٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ، أَوْ قَوْلًا كَأَنْ تُجِيبَهُ بِكَلَامٍ خَشِنٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ بِلِينٍ (وَعَظَهَا) اسْتِحْبَابًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ فِي الْحَقِّ الْوَاجِبِ لِي عَلَيْك وَاحْذَرِي الْعُقُوبَةَ، بِلَا هَجْرٍ وَلَا ضَرْبٍ. وَيُبَيِّنُ لَهَا أَنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَالْقَسْمَ فَلَعَلَّهَا تُبْدِي عُذْرًا أَوْ تَتُوبُ عَمَّا وَقَعَ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ. وَحَسُنَ أَنْ يَذْكُرَ لَهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَإِذَا خَافَ) أَيْ ظَنَّ لَا عَلِمَ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ، وَقَوْلُهُ: بِأَنْ ظَهَرَتْ إلَخْ وَحَمْلُ الْخَوْفِ عَلَى الظَّنِّ هُوَ إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ وَهُوَ الْمُلَائِمُ هُنَا، وَحَمْلُهُ عَلَى الْعِلْمِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى غَيْرُ مُنَاسَبَةٍ هُنَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَحَلِّيِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّقَاقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِسَبَبٍ مِنْهَا أَوْ بِسَبَبٍ مِنْهُ أَوْ بِسَبَبٍ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَالسَّبَبُ مِنْهَا أَنْ تَظْهَرَ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالسَّبَبُ مِنْهُ مَا سَيَأْتِي فِي التَّتِمَّةِ وَهُوَ مَا لَوْ مَنَعَهَا الزَّوْجُ حَقَّهَا كَقَسْمٍ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا) كَذَا فِي الْمَنْهَجِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْوَعْظَ يَكْفِي لَهُ أَمَارَاتُ النُّشُوزِ، وَأَمَّا الْهَجْرُ وَالضَّرْبُ فَيَفْتَقِرَانِ إلَى الْعِلْمِ بِالنُّشُوزِ؛ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " فَإِنْ أَبَتْ إلَّا النُّشُوزَ " مَعْنَاهُ: فَإِنْ تَحَقَّقَ نُشُوزُهَا بِاسْتِمْرَارِهَا عَلَى النُّشُوزِ بَعْدَ الْوَعْظِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَجِدَ) مِثَالٌ لِأَمَارَاتِ نُشُوزِهَا الْمَظْنُونُ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا نُشُوزًا مَظْنُونًا لِاحْتِمَالِهِ الْخُرُوجَ عَنْ الطَّاعَةِ وَعَدَمَهُ، وَالْأَمَارَةُ فِيهِ عَلَى النُّشُوزِ كَوْنُ مَا ذُكِرَ بَعْدَ اللُّطْفِ وَالطَّلَاقَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بَعْدَ لُطْفٍ) هُوَ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً لَهَا لَمْ يَكُنْ نُشُوزًا، وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ بِلِينٍ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: خَرَجَ بِالْبُعْدِيَّةِ مَنْ هِيَ دَائِمًا كَذَلِكَ فَلَيْسَ نُشُوزًا إلَّا إنْ زَادَ، وَقَوْلُهُ إعْرَاضًا وَعُبُوسًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ كَرَاهَةٍ؛ وَبِذَلِكَ فَارَقَ السَّبَّ وَالشَّتْمَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِسُوءِ الْخُلُقِ لَكِنَّ لَهُ تَأْدِيبَهَا عَلَيْهِ وَلَوْ بِلَا حَاكِمٍ. قَوْلُهُ: (خَشِنٍ) بِكِسْرَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأُشْمُونِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَفِعِلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ بِفَعِلٍ لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ، وَيُجْمَعُ عَلَى خُشُنٌ بِضَمَّتَيْنِ كَنَمِرٍ وَنُمُرٍ، وَالْمُرَادُ بِالْخَشِنِ هُنَا الْقَوْلُ الصَّعْبُ. قَوْلُهُ: (وَعَظَهَا إلَخْ) وَهَذِهِ الْأُمُورُ عَلَى التَّرْتِيبِ فَلَا يَرْتَقِي مَرْتَبَةً هُوَ يَرَى مَا دُونَهَا كَافِيًا كَمَا فِي الصَّائِلِ، وَلَا يَبْلُغُ حَدَّ التَّعْزِيرِ مَعَ أَنَّهُ مِنْهُ؛ وَلِذَلِكَ يَضْمَنُ بِهِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى ظَاهِرُهُ حَمْلُ الْخَوْفِ فِي الْآيَةِ عَلَى الظَّنِّ وَهُوَ إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَالْآيَةُ تَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا بَعْدُ، وَمَنْ حَمَلَ الْخَوْفَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْعِلْمِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْدِيرٍ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَعْظِ وَالْهَجْرِ وَالضَّرْبِ سَائِغٌ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالنُّشُوزِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فِي الْحَقِّ) الْحَقُّ الْوَاجِبُ لِلزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَرْبَعَةٌ: طَاعَتُهُ، وَمُعَاشَرَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَسْلِيمُ نَفْسِهَا إلَيْهِ، وَمُلَازَمَةُ الْمَسْكَنِ. وَالْحَقُّ الْوَاجِبُ لَهَا عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا: مُعَاشَرَتُهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَمُؤْنَتُهَا، وَالْمَهْرُ، وَالْقَسْمُ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (بِلَا هَجْرٍ) أَيْ فِي الْمَضْجَعِ فَيَحْرُمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنْ فَوَّتَ حَقًّا لَهَا مِنْ قَسْمٍ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ م ر: الْمُرَادُ نَفْيُ هَجْرٍ يُفَوِّتُ حَقَّهَا مِنْ نَحْوِ قَسْمٍ لِحُرْمَتِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ هَجْرِهَا فِي الْمَضْجَعِ فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ اهـ. قَوْلُهُ: (إذَا بَاتَتْ) أَيْ صَارَتْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا. وَقَوْلُهُ: " لَعَنَتْهَا " أَيْ سَبَّتْهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ اللَّعْنَ الْحَقِيقِيَّ كَمَا فِي شُرَّاحِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى مُعَيَّنٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَلَائِكَةُ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ بِمَا كُلِّفْنَا بِهِ، أَوْ أَنَّ اللَّعْنَ مَنُوطٌ بِالْوَصْفِ أَعْنِي الْهَاجِرَةَ. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَأَمَّا لَعْنُ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِمَعْصِيَةٍ كَكَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ فَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ لِتَحْرِيمِهِ إلَّا إنْ عُلِمَ مَوْتُهُ عَلَى الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ اللَّعْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتْ الْجَنَّةَ» . (فَإِنْ أَبَتْ) مَعَ وَعْظِهِ (إلَّا النُّشُوزَ هَجَرَهَا) فِي الْمَضْجَعِ، أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ فِي الْهَجْرِ أَثَرًا ظَاهِرًا فِي تَأْدِيبِ النِّسَاءِ. وَالْمُرَادُ أَنْ يَهْجُرَ فِرَاشَهَا فَلَا يُضَاجِعُهَا فِيهِ. وَخَرَجَ بِالْهِجْرَانِ فِي الْمَضْجَعِ الْهِجْرَانُ بِالْكَلَامِ فَلَا يَجُوزُ الْهَجْرُ بِهِ لَا لِزَوْجَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَيَجُوزُ فِيهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد: «فَمَنْ هَجَرَهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ» وَحَمَلَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ التَّحْرِيمَ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ بِهَجْرِهَا رَدَّهَا لِحَظِّ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ رَدَّهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَإِصْلَاحَ دِينِهَا فَلَا تَحْرِيمَ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: يَجُوزُ هَجْرُ الْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ وَنَحْوِهِمَا، وَمَنْ رُجِيَ بِهَجْرِهِ صَلَاحُ دِينِ الْهَاجِرِ أَوْ الْمَهْجُورِ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ هَجْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَنَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحَابَةَ عَنْ كَلَامِهِمْ، وَكَذَا هَجْرُ السَّلَفِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.   [حاشية البجيرمي] الْإِبْعَادُ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَدْرِي مَا يُخْتَمُ لِهَذَا الْكَافِرِ أَوْ الْفَاسِقِ. وَأَمَّا الَّذِينَ لَعَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَعْيَانِهِمْ فَيَجُوزُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِمَوْتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ اهـ. وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (حَتَّى تُصْبِحَ) أَيْ تَعُودَ لِطَاعَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَبَتْ) أَيْ امْتَنَعَتْ. قَوْلُهُ: (إلَّا النُّشُوزَ) أَيْ لَمْ تَأْبَهْ بَلْ اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ نَفْيٍ وَلَيْسَ مَوْجُودًا هُنَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَاقِعٌ بَعْدَ نَفْيٍ تَقْدِيرًا، وَالتَّقْدِيرُ: فَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِكُلِّ شَيْءٍ إلَّا النُّشُوزَ؛ فَالْحَصْرُ إضَافِيٌّ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِطَاعَةِ زَوْجِهَا وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُرْضِي الزَّوْجَ إلَّا النُّشُوزَ وَهُوَ لَا يَرْضَى وَمَا قَبْلَهُ يَرْضَى. وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِلَّفْظِ، وَإِنْ نُظِرَ لِلْمَعْنَى اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى امْتَنَعَتْ مِنْ الَّذِي يَرْضَى وَمَنْ فِعْلِ مَا يُغْضِبُ، وَمِنْهُ النُّشُوزُ فَيَكُونُ مُتَّصِلًا، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالنَّظَرِ لِلَّفْظِ أَيْضًا، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: امْتَنَعَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَا يُرْضَى إلَّا النُّشُوزَ فَلَمْ تَمْتَنِعْ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَضْجَعِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، أَيْ الْفِرَاشِ. قَوْلُهُ: (لِظَاهِرِ الْآيَةِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا نَصٌّ فِي ذَلِكَ لَا ظَاهِرَةٌ فِيهِ شَيْخُنَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَضْجَعِ مُحْتَمِلٌ لِهِجْرَانِ الْفِرَاشِ وَلِمَنْعِ نَحْوِ قَسْمٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّوْبَرِيِّ: الْمَضْجَعُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ الْوَطْءُ أَوْ الْفِرَاشُ. قَوْلُهُ: (فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَفِي بَعْضِ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ: وَإِنَّمَا يَحْرُمُ هَجْرُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ إنْ وَاجَهَهُ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ حَتَّى بِالسَّلَامِ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ وَإِنْ مَكَثَ سِنِينَ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: " فَوْقَ ثَلَاثَةٍ " مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَنْبِيَاءِ، أَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَا يَجُوزُ هَجْرُهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ لِفَضْلِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (دَخَلَ النَّارَ) أَيْ اسْتَحَقَّ دُخُولَهَا أَوْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ. قَوْلُهُ: (لِحَظِّ نَفْسِهِ) أَوْ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ حَجَرٍ ح ل وم ر. قَوْلُهُ: (صَلَاحُ دِينِ الْهَاجِرِ) مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ. قَوْلُهُ: (وَصَاحِبَيْهِ) وَهُمَا مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُمْ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] الْآيَةَ. وَتُؤْخَذُ أَسْمَاءُ الثَّلَاثَةِ مِنْ لَفْظِ مَكَّةَ الْمِيمُ لِمُرَارَةَ وَالْكَافُ لِكَعْبٍ وَالْهَاءُ لِهِلَالٍ، وَآخِرُ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ عَكَّةُ، وَمُرَارَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ. وَسَبَبُ هَجْرِهِمْ أَنَّهُمْ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَهَجَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا جَمِيعُ الصَّحَابَةِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَجَنَّبُوا نِسَاءَهُمْ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ مَا حَصَلَ لَهُمْ مَشَقَّةً شَدِيدَةً وَصَارُوا يَبِيتُونَ عَلَى الْأَسْطِحَةِ وَيُصْعَقُونَ إلَى أَنْ نَزَلَتْ الْآيَةُ بِتَوْبَتِهِمْ بَعْدَ خَمْسِينَ يَوْمًا، «فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ أَفْضَلُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْك الشَّمْسُ فِيهِ» وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ إسْلَامِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 (فَإِنْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ) أَيْ أَصَرَّتْ عَلَى النُّشُوزِ بَعْدَ الْهَجْرِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْوَعْظِ (ضَرَبَهَا) ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ لِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ فَتَقْدِيرُهَا: وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ فَإِنْ نَشَزْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ، وَالْخَوْفُ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} [البقرة: 182] . تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ إلَّا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهَا النُّشُوزُ، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ، وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ جَوَازُ الضَّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ النُّشُوزُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَإِنَّمَا يَجُوزُ الضَّرْبُ إذَا أَفَادَ ضَرْبُهَا فِي ظَنِّهِ، وَإِلَّا فَلَا يَضْرِبُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " غَيْرَ مُبَرِّحٍ " الْمُبَرِّحُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْمَهَالِكِ. وَالْأَوْلَى لَهُ الْعَفْوُ عَنْ الضَّرْبِ. وَخَبَرُ النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ عَلَى   [حاشية البجيرمي] وَأُجِيبَ بِتَسْلِيمِ ذَلِكَ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ إسْلَامِهِ كَانَ لَوْ أَتَى بِالْإِسْلَامِ قُبِلَ مِنْهُ حَالًا بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ يَوْمِ التَّوْبَةِ فَإِنَّ تَوْبَتَهُ كَانَتْ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك أَوْ زَيْدًا، ثُمَّ دَخَلَتْ يَبْغِي جَوَازَ تَرْكِ الْكَلَامِ مُطْلَقًا وَيَكُونُ هَذَا الْحَلِفُ عُذْرًا مُسَوِّغًا لِتَرْكِهِ دَائِمًا، وَلَا يَكُونُ مِنْ الْهَجْرِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهَا الْهَجْرَ الْمَحْرَمَ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ فَلَا يَحْصُلُ هَجْرٌ وِفَاقًا فِي ذَلِكَ لِلرَّمْلِيِّ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْهَجْرِ الْمُرَتَّبِ إلَخْ) إذْ الْهَجْرُ بَعْدَ الْوَعْظِ. قَوْلُهُ: (ضَرَبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) وَلَوْ ضَرَبَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ بِسَبَبِ نُشُوزٍ وَادَّعَتْ عَدَمَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ فِي نُشُوزِهَا بِيَمِينِهِ بِالنِّسْبَةِ لِجَوَازِ الضَّرْبِ لَا لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ رَمَى عَيْنَ إنْسَانٍ وَادَّعَى أَنَّهُ نَظَرَ إلَى حُرْمَتِهِ فِي دَارِهِ مِنْ كُوَّةٍ وَأَنْكَرَ الْمُرْمَى النَّظَرَ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ الْمُصَدَّقُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِشِدَّةِ احْتِيَاجِ الزَّوْجِ إلَى تَأْدِيبِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهَا مُخَالَفَتَهُ، وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لَاشْتَدَّ ضَرَرُهُ وَعُطِّلَ غَرَضُهُ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَمْ تُعْلَمْ جَرَاءَتُهُ وَاشْتِهَارُهُ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا صُدِّقَتْ فِي أَنَّهُ تَعَدَّى بِضَرْبِهَا فَيُعَزِّرُهُ الْقَاضِي ع ش عَلَى م ر وَح ل. وَالْمُبَرِّحُ هُوَ مَا يَعْظُمُ أَلَمُهُ بِأَنْ يُخْشَى مِنْهُ مُبِيحُ تَيَمُّمٍ، فَإِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ بِهِ حَرُمَ الْمُبَرِّحُ وَغَيْرُهُ. وَيُؤَيِّدُ تَفْسِيرِي لِلْمُبَرِّحِ بِمَا ذُكِرَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ بِضَرْبِهَا بِمِنْدِيلٍ مَلْفُوفٍ أَوْ بِيَدِهِ لَا بِسَوْطٍ وَلَا بِعَصًا. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَفِي شَرْحِ م ر: أَنَّهُ يَضْرِبُ بِنَحْوِ الْعَصَا وَالسَّوْطِ، قَالَ الْحَلَبِيُّ: وَلَا يَبْلُغُ ضَرْبُ الْحُرَّةِ أَرْبَعِينَ وَغَيْرِهَا عِشْرِينَ اهـ. وَسُئِلَ الشِّهَابُ م ر عَنْ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ ادَّعَى عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْ وَطِئَهَا فَادَّعَتْ أَنَّهُ يُرِيدُ وَطْأَهَا فِي الدُّبُرِ أَوْ فِي الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ. فَأَجَابَ بِأَنَّهَا تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا اهـ م د. قَوْلُهُ: (لِظَاهِرِ الْآيَةِ) فَإِنَّ ظَاهِرَهَا يُصَدِّقُ بِالضَّرْبِ غَيْرِ الْمُبَرِّحِ. قَوْلُهُ: {وَاللاتِي تَخَافُونَ} [النساء: 34] أَيْ تَظُنُّونَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَإِنْ نَشَزْنَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَشَزْنَ) أَيْ تَحَقَّقَ نُشُوزُهُنَّ. قَوْلُهُ: (وَالْخَوْفُ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ تَقْدِيرِ: فَإِنْ نَشَزْنَ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: فَإِنْ تَحَقَّقَ النُّشُوزُ إلَخْ. قَوْلُهُ: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} [البقرة: 182] أَيْ جَوْرًا، قَالَ الْجَلَالُ: جَنَفًا أَيْ مَيْلًا عَنْ الْحَقِّ خَطَأً أَوْ إثْمًا بِأَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ تَخْصِيصِ غَنِيٍّ مَثَلًا اهـ. وَفِيهِ أَنَّ تَخْصِيصَ الْغَنِيِّ فِي الْوَصِيَّةِ لَا إثْمَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (إذَا أَفَادَ ضَرْبُهَا) عِبَارَةُ م ر: أَيْ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُفِيدُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا يَضْرِبُهَا) أَيْ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَإِنَّمَا ضَرَبَ لِلْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ مُطْلَقًا، أَيْ أَفَادَ أَمْ لَا، وَلَوْ لِلَّهِ لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ إلَخْ) فِيهِ تَجْرِيدٌ كَأَنَّهُ جَرَّدَ مِنْ نَفْسِهِ شَخْصًا خَاطَبَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْمَعَارِفِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ: (الْمُبَرِّحُ) وَهُوَ مَا يَعْظُمُ أَلَمُهُ عُرْفًا وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُخْشَ مِنْهُ مَحْذُورُ تَيَمُّمٍ، لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا) تَكَرَّرَ النُّشُوزُ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى الْعَفْوُ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 الضَّرْبِ بِغَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيه، وَهَذَا بِخِلَافِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ فَالْأَوْلَى لَهُ عَدَمُ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُ لِلتَّأْدِيبِ مَصْلَحَةٌ لَهُ وَضَرْبُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مَصْلَحَةٌ لِنَفْسِهِ. (وَيَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ قَسْمُهَا) الْوَاجِبُ لَهَا، وَالنُّشُوزُ يَحْصُلُ بِخُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا إلَى الْقَاضِي لِطَلَبِ الْحَقِّ مِنْهُ وَلَا إلَى اكْتِسَابِهَا النَّفَقَةَ إذَا أَعْسَرَ بِهَا الزَّوْجُ وَلَا إلَى اسْتِفْتَاءٍ إذَا لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا فَقِيهًا وَلَمْ يَسْتَفْتِ لَهَا، وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِمَنْعِهَا الزَّوْجَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَوْ غَيْرَ الْجِمَاعِ حَيْثُ لَا عُذْرَ لَا مَنْعُهَا لَهُ مِنْهُ تَدَلُّلًا وَلَا الشَّتْمُ لَهُ وَلَا الْإِيذَاءُ   [حاشية البجيرمي] أَيْ كَوْنُ الْأَوْلَى لِلزَّوْجِ الْعَفْوُ عَنْ الضَّرْبِ، بِخِلَافِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ فَإِنَّ الْأَوْلَى لَهُ عَدَمُهُ وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِالضَّرْبِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ التَّأْدِيبِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَضْرِبُ فِيهِ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ مَنْعِهِ حَقَّهُ إلَّا هَذَا وَالْعَبْدُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ حَقِّ سَيِّدِهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ إثْبَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ؛ قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ اهـ خ ض وسم. وَلِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ عِيَادَةِ أَبَوَيْهَا وَمِنْ شُهُودِ جِنَازَتِهِمَا وَجِنَازَةِ وَلَدِهَا وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ. اهـ. س ل وَمِّ د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ النُّشُوزَ إنْ صَادَفَ أَوَّلَ فَصْلٍ مَنَعَ وُجُوبَ الْكِسْوَةِ وَتَوَابِعِهَا وَإِنْ حَصَلَ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ أَسْقَطَ مَا وَجَبَ، ثُمَّ إنْ عَادَتْ لِلطَّاعَةِ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ فَالْكِسْوَةُ لَا تَعُودُ لَهَا بَلْ يَأْخُذُهَا الزَّوْجُ وَتَكْسُو نَفْسَهَا إلَى تَمَامِ الْفَصْلِ وَنَفَقَةُ الْيَوْمِ الَّذِي عَادَتْ لِلطَّاعَةِ فِيهِ لَا تَعُودُ، وَكَذَا سُكْنَى الْيَوْمِ لَا تَعُودُ، وَتَعُودُ نَفَقَةُ الْيَوْمِ الْمُسْتَقْبِلِ وَالسُّكْنَى دُونَ الْكِسْوَةِ. وَلَوْ عَجَّلَ الزَّوْجُ نَفَقَةً وَكِسْوَةً لِلْمُسْتَقْبَلِ جَازَ وَمَلَكَتْهَا وَتُسْتَرَدُّ إنْ وُجِدَ مَسْقِطٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ سَبَبٌ أَوَّلٌ وَالتَّمْكِينُ سَبَبٌ ثَانٍ، وَلَوْ نَشَزَتْ الزَّوْجَةُ وَصَارَ الزَّوْجُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مُدَّةَ نُشُوزِهَا ظَانًّا وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِبَدَلِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا مُدَّةَ نُشُوزِهَا كَمَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِظَنِّ الْحَمْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ صَرَّحَ بِهِ م ر وَغَيْرُهُ. وَلَيْسَ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا أَنْفَقَ عَلَى مَا صَارَ إلَيْهِ بِنِكَاحٍ أَوْ شِرَاءٍ فَاسِدٍ فَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ وَالْمُشْتَرِي بِمَا أَنْفَقَاهُ فِي النِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ الْفَاسِدَيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا شَرَطَا فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَا ذَلِكَ بِوَضْعِ الْيَدِ بِخِلَافِهِ. قَوْلُهُ: (بِخُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا إلَخْ) وَلَوْ خَرَجَتْ لِحَاجَتِهَا فِي الْبَلَدِ بِإِذْنِهِ كَأَنْ تَكُونَ بَلَّانَةً أَوْ مَاشِطَةً أَوْ مُغَنِّيَةً أَوْ دَايَةً تُوَلِّدُ النِّسَاءَ فَإِنَّهَا لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ وَلَا مِنْ النَّفَقَةِ اهـ زي. وَقَوْلُهُ: " بِإِذْنِهِ " أَيْ أَوْ عَلِمَتْ رِضَاهُ، فَمِثْلُ إذْنِهِ مَا لَوْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَكَانَتْ تَعْلَمُ رِضَاهُ وَمِنْهُ مَا لَوْ اسْتَأْذَنَتْهُ لِلذَّهَابِ إلَى بَيْتِ أَبِيهَا فَأَذِنَ وَذَهَبَتْ وَبَاتَتْ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ وَإِنْ مَكَثَتْ إيَامًا، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ فَرْضِهِمْ الْكَلَامَ فِي السَّفَرِ وَهَذَا لَيْسَ بِسَفَرٍ؛ كَذَا قَرَّرَهُ الْمُحَشِّي فِي دَرْسِهِ وَنُوزِعَ فِيهِ، وَكَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ خِضْرِ الشَّوْبَرِيِّ بِهَامِشِ الزِّيَادِيِّ. وَالْمُنَازَعَةُ ظَاهِرَةٌ، وَالْمَاشِطَةُ هِيَ الَّتِي تُحَفِّفُ الْإِنَاثَ وَتُرَقِّقُ الْحَوَاجِبَ وَتُكَحِّلُ الْإِنَاثَ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ إذْنِهِ) وَلَوْ لِغَرَضِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَلَوْ حَبَسَتْ الزَّوْجَةُ الزَّوْجَ فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ اسْتَحَقَّتْ الْقَسْمَ كَالنَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ تَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهَا، وَأَمَّا لَوْ حَبَسَهَا فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ لَمْ تَسْتَحِقَّ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَاَلَّذِي مَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا زي عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ أَيْضًا، وَمَالَ شَيْخُنَا الشَّبْشِيرِيُّ إلَى الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ وَهِيَ مَظْلُومَةٌ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (لِطَلَبِ الْحَقِّ) أَيْ لِتَخْلِيصِ الْحَقِّ مِنْهُ أَيْ الْقَاضِي مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِمَنْعِهَا الزَّوْجَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ) وَلَوْ لِبَخَرٍ مُسْتَحْكِمٍ بِفِيهِ أَوْ صُنَانٍ مُسْتَحْكِمٍ بِهِ أَوْ لِأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ كَثُومٍ وَبَصَلٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بِهَا وَأَرَادَتْ أَنْ لَا تُمَكِّنَهُ إلَّا بَعْدَ إزَالَةِ نَحْوِ صُنَانٍ غَيْرِ مُسْتَحْكِمٍ وَرِيحٍ كَرِيهٍ وَأَرَادَ التَّمْكِينَ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ أُجِيبَتْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَزْهَدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ م ر ح ل. وَخَالَفَ ع ش، وَنَصُّهُ: أَوْ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا أَيْ وَلَوْ بِنَحْوِ قُبْلَةٍ وَإِنْ مَكَّنَتْهُ مِنْ الْجِمَاعِ حِينَئِذٍ أَيْ حَيْثُ لَا عُذْرَ فِي امْتِنَاعِهَا مِنْهُ، وَإِلَّا كَأَنْ كَانَ بِهِ صُنَانٌ أَوْ بَخْرٌ مُسْتَحْكِمٌ وَتَأَذَّتْ بِهِ تَأَذِّيًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً لَمْ تُعَدَّ نَاشِزَةً وَتُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهَا اهـ. وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ عَمَّا إذَا امْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ تَمْكِينِ الزَّوْجِ لِتَشَعُّثِهِ وَكَثْرَةِ أَوْسَاخِهِ هَلْ تَكُونُ نَاشِزَةً أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً بِذَلِكَ، وَمِثْلُهُ كُلُّ مَا تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى إزَالَتِهِ أَخْذًا مِمَّا فِي الْبَيَانِ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْإِنْسَانُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إزَالَتُهُ انْتَهَتْ، أَيْ حَيْثُ تَأَذَّتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 لَهُ بِاللِّسَانِ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ تَأْثَمُ بِهِ وَتَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ. (وَ) يَسْقُطُ بِهِ أَيْضًا حَيْثُ لَا عُذْرَ (نَفَقَتُهَا) وَتَوَابِعُهَا كَالسُّكْنَى وَآلَاتِ التَّنْظِيفِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ كَانَ بِهَا عُذْرٌ كَأَنْ كَانَتْ مَرِيضَةً أَوْ مُضْنَاةً لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ أَوْ بِفَرْجِهَا قَرْحٌ أَوْ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْلًا أَيْ كَبِيرَ الْآلَةِ يَضُرُّهَا وَطْؤُهُ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا لِعُذْرِهَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ تَنَاوَلَهُ نُشُوزُ بَعْضِ الْيَوْمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَمُرَادُهُمْ بِالسُّقُوطِ هُنَا مَنْعُ الْوُجُوبِ لَا   [حاشية البجيرمي] بِذَلِكَ تَأَذِّيًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً؛ وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مِنْ أَهْلِ جِيرَانِ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ أَوْ مِمَّنْ هُوَ مُعَاشِرٌ لَهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا ظَهَرَ بِبَدَنِهِ الْمُبَارَكُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَخْبَرَ طَبِيبَانِ أَنَّهُ مِمَّا يُعْدِي أَوْ لَمْ يُخْبِرَا بِذَلِكَ لَكِنْ تَأَذَّتْ بِهِ تَأَذِّيًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً بِمُلَازَمَتِهِ مَعَ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ تَعَاطِي مَا يُنَظِّفُ بِهِ بَدَنَهُ فَلَا تَصِيرُ نَاشِزَةً بِامْتِنَاعِهَا، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ الطَّبِيبَانِ الْمَذْكُورَانِ بِمَا ذُكِرَ وَكَانَ مُلَازِمًا عَلَى النَّظَافَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بِبَدَنِهِ مِنْ الْعُفُونَاتِ مَا تَتَأَذَّى بِهِ وَجَبَ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمُجَرَّدِ نُفْرَتِهَا. وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ الْقُرُوحُ السَّيَّالَةُ وَنَحْوُهَا مِنْ كُلِّ مَا لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَلَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهَا فِي ذَلِكَ أَيْ فِي كَوْنِهِ يُعْدِي وَفِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَنَظِّفٍ بَلْ بِشَهَادَةِ مَنْ يَعْرِفُ لِكَثْرَةِ عِشْرَتِهِ لَهُ ع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَهِيَ، أَيْ الْكِتَابِيَّةُ الْخَالِصَةُ، كَمُسْلِمَةٍ فِي نَحْوِ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلَاقٍ بِجَامِعِ الزَّوْجِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ فَلَهُ إجْبَارُهَا كَالْمُسْلِمَةِ عَلَى غُسْلٍ مِنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ كَحَيْضٍ وَجَنَابَةٍ، وَيُغْتَفَرُ عَدَمُ النِّيَّةِ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمُسْلِمَةِ الْمَجْنُونَةِ، وَعَلَى تَنْظِيفٍ بِغَسْلِ وَسَخٍ مِنْ نَجَسٍ وَنَحْوِهِ وَبِاسْتِحْدَادٍ وَنَحْوِهِ، وَعَلَى تَرْكِ تَنَاوُلِ خَبِيثٍ كَخِنْزِيرٍ وَبَصَلٍ وَمُسْكِرٍ لِتَوَقُّفِ التَّمَتُّعِ أَوْ كَمَالِهِ عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَقَوْلُهُ: " مِنْ نَجَسٍ " وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهُ، وَقَوْلُهُ: " وَنَحْوُهُ " شَامِلٌ لِلثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفَتِّرُ الشَّهْوَةَ وَيُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ ح ل. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَغَسْلُ نَجَاسَةِ مَلْبُوسٍ ظَهَرَ رِيحُهَا أَوْ لَوْنُهَا وَاسْتِعْمَالُ دَوَاءٍ يَمْنَعُ الْحَبَلَ وَإِلْقَاءُ أَوْ إفْسَادُ نُطْفَةٍ اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ لِحُرْمَتِهِ وَلَوْ قَبْلَ تَخَلُّقِهَا عَلَى الْأَوْجَهِ، وَعَلَى فِعْلِ مَا اعْتَادَهُ مِنْهَا حَالَ التَّمَتُّعِ مِمَّا تَدْعُو إلَيْهِ وَيُرْغَبُ فِيهِ أَخْذًا مِنْ جَعْلِهِمْ إعْرَاضَهَا وَعُبُوسَهَا بَعْدَ لُطْفِهَا وَطَلَاقَةِ وَجْهِهَا أَمَارَةَ نُشُوزٍ، وَبِهِ يُعْلَمُ إطْلَاقُ بَعْضِهِمْ وُجُوبَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِاعْتِيَادٍ وَعَدَمِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ مَكْرُوهٍ كَكَلَامٍ حَالَ الْجِمَاعِ فَقَدْ سُئِلَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ. وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا نَقْلُ بَعْضِهِمْ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ عَلَيْهَا رَفْعَ فَخِذَيْهَا وَالتَّحَرُّكَ لَهُ، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ رَفْعٍ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْوَطْءُ دُونَ التَّحَرُّكِ، وَبَعْضُهُمْ وُجُوبَهُ أَيْضًا لَكِنْ إنْ طَلَبَهُ وَبَعْضُهُمْ وُجُوبَهُ لِمَرِيضٍ وَهَرَمٍ فَقَطْ؛ وَهُوَ أَوْجَهُ. وَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَى اسْتِعْلَائِهَا لِنَحْوِ مَرَضٍ اضْطَرَّهُ لِلِاسْتِعْلَاءِ لَمْ يَبْعُدْ وُجُوبُهُ أَيْضًا اهـ. وَقَوْلُهُ: " وَبِاسْتِحْدَادٍ " أَيْ حَلْقِ عَانَةٍ وَنَحْوِهِ كَنَتْفِ الْإِبْطِ وَاللِّحْيَةِ، وَلَا تَجِبُ إزَالَتُهَا عَلَى الْخَلِيَّةِ وَإِنْ قَصَدَتْ بِبَقَائِهَا التَّشَبُّهَ بِالرِّجَالِ اهـ. وَقَوْلُهُ: " لِتَوَقُّفِ التَّمَتُّعِ " أَيْ فِي الْغُسْلِ، وَقَوْلُهُ: " أَوْ كَمَالَةِ " أَيْ فِي التَّنْظِيفِ وَمَا بَعْدَهُ؛ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَنَفِيًّا يَرَى الْحِلَّ أَوْ عَكْسَهُ لَمْ تُجْبَرْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْعِلَّةُ لِلْأَغْلَبِ أَوْ لِمَا شَأْنُهُ ذَلِكَ ق ل. قَوْلُهُ: (تَدَلُّلًا) أَيْ تَحَبُّبًا وَإِظْهَارًا لِلْجَمَالِ وَالْمَحَبَّةِ. قَوْلُهُ: (وَتَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ) وَالْمُؤَدِّبُ لَهَا هُوَ الزَّوْجُ، فَيَتَوَلَّى تَأْدِيبَهَا بِنَفْسِهِ وَلَا يَرْفَعُهَا إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً وَعَارًا وَتَنْكِيدًا لِلِاسْتِمْتَاعِ فِيمَا بَعْدُ وَتَوْحِيشًا لِلْقُلُوبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَتَمَتْ أَجْنَبِيًّا. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي. قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ بِهِ نَفَقَتُهَا) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَمْتِعُ بِهَا، وَإِلَّا لَمْ تَسْقُطْ. اهـ. م ر مَيْدَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُضْنَاةً) مِنْ الضَّنَا بِالْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ وَهُوَ الْهُزَالُ الشَّدِيدُ. قَوْلُهُ: (لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ) يَرْجِعُ لِلْمَرِيضَةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (قَرْحٌ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا الْجِرَاحَةُ كَمَا عَبَّرَ بِهَا م ر، وَفِي نُسْخَةٍ: قُرُوحٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا) أَيْ وَلَا قَسْمُهَا. قَوْلُهُ: (تَنَاوَلَهُ) أَيْ النُّشُوزُ. قَوْلُهُ: (وَمُرَادُهُمْ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمُرَادَ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ مُرَادُهُمْ الْأَعَمُّ مِنْ سُقُوطِ مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 سُقُوطُ مَا وَجَبَ، حَتَّى لَوْ نَشَزَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَلَعَ الْفَجْرُ وَهِيَ نَاشِزَةٌ. فَلَا وُجُوبَ؛ وَلَا يُقَالُ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ فَرْعُ الْوُجُوبِ. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ سُقُوطِ الْكِسْوَةِ بِالنُّشُوزِ اكْتِفَاءً. بِجَعْلِهِمْ الْكِسْوَةَ تَابِعَةً لِلنَّفَقَةِ تَجِبُ بِوُجُوبِهَا وَتَسْقُطُ بِسُقُوطِهَا، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. تَتِمَّةٌ: لَوْ مَنَعَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ حَقَّهَا كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ إذَا طَلَبَتْهُ لِعَجْزِهَا عَنْهُ، فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ وَأَذَاهَا بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا سَبَبٍ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يُعَزِّرُهُ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ وَطَلَبَتْ تَعْزِيرَهُ مِنْ الْقَاضِي عَزَّرَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهَا. وَإِنَّمَا لَمْ يُعَزِّرْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ جَوَازَهُ إذَا طَلَبَتْهُ؛ لِأَنَّ إسَاءَةَ الْخُلُقِ تَكْثُرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهَا يُورِثُ وَحْشَةً بَيْنَهُمَا فَيَقْتَصِرُ أَوَّلًا عَلَى النَّهْيِ لَعَلَّ الْحَالَ يَلْتَئِمُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ. وَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ عَلَيْهِ تَعَرَّفَ الْقَاضِي الْحَالَ الْوَاقِعَ بَيْنَهُمَا بِثِقَةٍ يُخْبِرُهُمَا وَيَكُونُ الثِّقَةُ جَارًا لَهُمَا. فَإِنْ عُدِمَ أَسَكَنَهُمَا بِجَنْبِ   [حاشية البجيرمي] وَجَبَ وَمَنْعِ مَا لَمْ يَجِبْ. وَالْمِثَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النُّشُوزَ قَبْلَ الْفَجْرِ يُسْقِطُ نَفَقَةَ الْيَوْمِ الْمَاضِي؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ اللَّيْلُ تَابِعًا لِلنَّهَارِ وَيَمْنَعُ نَفَقَةَ الْيَوْمِ الَّذِي طَلَعَ فَجْرُهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ أَيْضًا، أَيْ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ جُزْءٌ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ، وَالنَّفَقَةُ تَجِبُ بِفَجْرِ كُلِّ يَوْمٍ وَإِنْ رَجَعَتْ فِي أَثْنَائِهِ. اهـ. قَلْيُوبِيٌّ. وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْعُ قَبْلَ الْحُصُولِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ مُرَادُهُ الْأَعَمُّ، فَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَنْعُ الْوُجُوبِ أَيْ مَا يَشْمَلُ مَنْعَ الْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ: " لَا سُقُوطُ مَا وَجَبَ " أَيْ لَا خُصُوصُ سُقُوطِ مَا وَجَبَ الَّذِي فَهِمَهُ الْبَعْضُ وَاعْتُرِضَ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ تَمْثِيلُهُ. وَحَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا أَنَّ قَوْلَهُ مَنْعُ الْوُجُوبِ أَيْ مَا يَعُمُّ مَنْعَ الْوُجُوبِ أَوْ الْمُرَادُ مَنْعُ الْوُجُوبِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا. قَوْلُهُ: (وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ ذَلِكَ) حَاصِلُهُ أَنَّ النُّشُوزَ إذَا صَادَفَ أَوَّلَ فَصْلِ الْكِسْوَةِ سَقَطَتْ كِسْوَةُ ذَلِكَ الْفَصْلِ وَلَوْ رَجَعَتْ إلَى الطَّاعَةِ فِيهِ، وَإِذَا طَرَأَ النُّشُوزُ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَوَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّ كِسْوَةِ جَمِيعِ الْفَصْلِ وَإِنْ عَادَتْ إلَى الطَّاعَةِ فِي الْحَالِ. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا فَإِنْ كَانَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلَا سُقُوطَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (لَوْ مَنَعَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ حَقَّهَا) شُرُوعٌ فِي نُشُوزِ الزَّوْجِ أَوْ نُشُوزِهِمَا. قَوْلُهُ (أَلْزَمَهُ الْقَاضِي) أَيْ إنْ كَانَ مُكَلَّفًا، وَإِلَّا أَلْزَمَ وَلِيَّهُ بِمَا ذُكِرَ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ اهـ زِيَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ) الْخُلُقُ السَّجِيَّةُ وَالطَّبْعُ، وَهُوَ بِضَمَّتَيْنِ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهُ بِإِسْكَانِ اللَّامِ. قَوْلُهُ: (وَأَذَاهَا بِضَرْبٍ) أَوْ غَيْرِهِ بِلَا سَبَبٍ وَلَوْ كَانَ يَتَعَدَّى عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَيُعْرِضُ عَنْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَيُسَنُّ لَهَا اسْتِعْطَافُهُ بِمَا يُحِبُّ كَأَنْ تَسْتَرْضِيَهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا، كَمَا أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ إذَا كَرِهَتْ صُحْبَتَهُ لِمَا ذُكِرَ أَنْ يَسْتَعْطِفَهَا بِمَا تُحِبُّ مِنْ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا مَرَّ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يُعَزِّرْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى) بَلْ فِي الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا بِخِلَافِهَا فَيُعَزِّرُهَا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهَا) أَيْ لِأَجْلِهَا. قَوْلُهُ: (بِثِقَةٍ) وَلَوْ عَبْدًا وَامْرَأَةً وَلَمْ يُشْتَرَطْ تَعَدُّدُهُ لِعُسْرِهِ، فَالْمُرَادُ بِهِ عَدْلُ الرِّوَايَةِ كَمَا قَالَهُ حَجّ؛ ثُمَّ قَالَ أَيْضًا: وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إنَّهُ رَجَعَ عَنْ ظُلْمِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ. قَوْلُهُ: (يَخْبُرُهُمَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ أَيْ يَعْرِفُ أَحْوَالَهُمَا ق ل. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: خَبَرَ الْأَمْرَ عَلِمَهُ وَبَابُهُ نَصَرَ وَالِاسْمُ الْخُبْرُ بِالضَّمِّ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عُدِمَ) أَيْ الْجَارُ الثِّقَةُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ جَارًا وَكَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ. قَوْلُهُ: (مُنِعَ الظَّالِمُ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ فَلَا يُعَزَّرُ الزَّوْجُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ أَحَالَ بَيْنَهُمَا بِلَا طَلَاقٍ وَيَسْتَمِرُّ وُجُوبُ النَّفَقَةِ فِي مُدَّةِ الْإِحَالَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الزِّيَادِيِّ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا، قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ أَحَالَ بِلَا طَلَاقٍ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَرْجِعَا عَنْ حَالِهِمَا، قَالَ الزِّيَادِيُّ: فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُحَالُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ وَإِنَّمَا يُحَالُ بَيْنَهُمَا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَالُ وَمَنَعَ الظَّالِمَ مِنْهُمَا فَلَمْ يَمْتَنِعْ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَلْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مِنْ جَرَاءَتِهِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَى بِهَا أَفْرَطَ فِي إضْرَارِهَا أَحَالَ وُجُوبًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ابْتِدَاءً مَرَّةً. وَقَوْلُهُ: " أَحَالَ بَيْنَهُمَا " أَيْ فِي الْمَسْكَنِ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةُ الْمُؤْنَةِ؛؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ السُّكْنَى تَعُودُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ع ش. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ لَا يَتَأَتَّى مَعَهَا قَوْلُهُ: فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ إلَخْ؛ وَلِذَا ذَكَرَ م ر الْحَيْلُولَةَ فِي تَعَدِّي الزَّوْجِ فَقَطْ. وَقَدْ يُقَالُ: يُمْكِنُ اشْتِدَادُ الشِّقَاقِ مَعَ الْحَيْلُولَةِ بِصُعُودِ حَائِطٍ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 ثِقَةٍ يَتَعَرَّفُ حَالَهُمَا ثُمَّ يُنْهِي إلَيْهِ مَا يَعْرِفُهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لِلْقَاضِي حَالَهُمَا مَنَعَ الظَّالِمَ مِنْهُمَا مِنْ عَوْدِهِ لِظُلْمِهِ، فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا بَعَثَ الْقَاضِي حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا لِيَنْظُرَا فِي أَمْرِهِمَا، وَالْبَعْثُ وَاجِبٌ وَمِنْ أَهْلِهِمَا سُنَّةٌ، وَهُمَا وَكِيلَانِ لَهُمَا لَا حَكَمَانِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، فَيُوَكِّلُ هُوَ حَكَمَهُ بِطَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ وَتُوَكِّلُ هِيَ حَكَمَهَا بِبَذْلِ عِوَضٍ وَقَبُولِ طَلَاقٍ بِهِ، وَيُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا إنْ رَأَيَاهُ صَوَابًا. وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا إسْلَامٌ وَحُرِّيَّةٌ وَعَدَالَةٌ وَاهْتِدَاءٌ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ بَعْثِهِمَا لَهُ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ فِيهِمَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ لِتَعَلُّقِ وَكَالَتِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ كَمَا فِي أَمِينِهِ. وَيُسَنُّ كَوْنُهُمَا ذَكَرَيْنِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ رَأْيُهُمَا بَعَثَ الْقَاضِي اثْنَيْنِ غَيْرَهُمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى شَيْءٍ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجَانِ بِبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ أَدَّبَ الْقَاضِي الظَّالِمَ مِنْهُمَا وَاسْتَوْفَى لِلْمَظْلُومِ حَقَّهُ.   [حاشية البجيرمي] بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ) أَيْ الْخِلَافُ، مَأْخُوذٌ مِنْ الشِّقِّ وَهُوَ النَّاحِيَةُ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ صَارَ فِي نَاحِيَةٍ، وَقَبْلَهُ مَرْتَبَةٌ حَذَفَهَا الشَّارِحُ تَقْدِيرُهَا: فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ الظَّالِمُ مِنْهُمَا عَنْ ظُلْمِهِ أَحَالَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِأَنْ يَنْقُلَهُ مِنْ عِنْدِهَا أَوْ هِيَ مِنْ عِنْدِهِ، فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ بَعْدَ أَنْ أَحَالَ بَيْنَهُمَا إلَخْ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الشِّقَاقُ الْخِلَافُ وَالْعَدَاوَةُ. وَقَوْلُهُ: " وَمِنْ أَهْلِهِمَا " أَيْ وَكَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهِمَا سُنَّةٌ. قَوْلُهُ: (بَعَثَ) أَيْ وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] إلَى قَوْلِهِ: {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] وَالضَّمِيرَانِ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ يُرِيدَا} [النساء: 35] وَقَوْلِهِ: {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] مَرْجِعُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا الْحَكَمَانِ وَالثَّانِي الزَّوْجَانِ، وَقِيلَ هُمَا لِلْحَكَمَيْنِ، وَقِيلَ لِلزَّوْجَيْنِ. وَفِي الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَصْلَحَ نِيَّتَهُ فِيمَا يَتَحَرَّاهُ أَصْلَحَ اللَّهُ مُبْتَغَاهُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهُمَا وَكِيلَانِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ رَشِيدَانِ، فَلَا يُوَلِّي عَلَيْهِمَا فِي حَقِّهِمَا إذْ الْبُضْعُ حَقُّهُ وَالْمَالُ حَقُّهَا وَقِيلَ حَاكِمَانِ لِتَسْمِيَتِهِمَا فِي الْآيَةِ حَكَمَيْنِ، وَقَدْ يُوَلِّي عَلَى الرَّشِيدِ كَالْمُفْلِسِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ التَّوْلِيَةَ عَلَى الْمُفْلِسِ فِي غَيْرِ ذَاتِهِ وَهُوَ الْمَالُ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ اشْتِرَاطُ الرِّضَا بِالْبَعْثِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي اهـ. وَيَنْعَزِلَانِ بِمَا يَنْعَزِلُ بِهِ الْوَكِيلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَلَوْ جُنَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ اسْتِعْلَامِ الْحَكَمَيْنِ حَالَهُمَا انْعَزَلَ حُكْمُهُ؛ لَا إنْ غَابَ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ جَعَلَا وَكِيلَيْنِ فَالْوَكِيلُ يَنْعَزِلُ بِالْجُنُونِ أَوْ حَكَمَيْنِ فَيُعْتَبَرُ دَوَامُ الْخُصُومَةِ وَبَعْدَ الْجُنُونِ لَا يُعْرَفُ دَوَامُهَا. اهـ. شَرْحُ الْبَهْجَةِ. قَوْلُهُ: (بِطَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ) وَلَا يَجُوزُ لِوَكِيلٍ فِي طَلَاقٍ أَنْ يُخَالِعَ؛ لِأَنَّ وَكِيلَهُ وَإِنْ أَفَادَهُ مَالًا فَوَّتَ عَلَيْهِ الرَّجْعَةَ وَلَا لِوَكِيلٍ فِي خُلْعٍ أَنْ يُطَلِّقَ مَجَّانًا. اهـ. س ل. وَمِنْ هَذَا تَعْلَمُ مُنَاسَبَةَ ذِكْرِ الْخُلْعِ عَقِبَ هَذَا الْفَصْلِ، وَأَيْضًا الْغَالِبُ حُصُولُ الْخُلْعِ عَقِبَ الشِّقَاقِ. قَوْلُهُ: (وَقَبُولِ طَلَاقٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ عَلَى بَابِهَا. قَوْلُهُ (وَيُفَرَّقَا) عَطْفٌ عَلَى " لِيَنْظُرَا ". قَوْلُهُ: (إنْ رَأَيَاهُ صَوَابًا) وَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْ الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَحْتَاطَ، فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِحَكَمِهِ: خُذْ مَالِي مِنْهُ وَطَلِّقْ أَوْ خَالِعْ أَوْ عَكْسُهُ تَعَيَّنَ أَخْذُ الْمَالِ أَوَّلًا، وَإِنْ قَالَ: طَلِّقْ أَوْ خَالِعْ ثُمَّ خُذْ جَازَ تَقْدِيمُ أَخْذِ الْمَالِ وَعَكْسُهُ؛ كَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الزِّيَادِيِّ مُخَالَفَتُهُ فَلْيُرَاجَعْ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْفِيَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ عَنْ الْآخَرِ شَيْئًا إذَا اخْتَلَى بِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا) أَيْ الْحَكَمَيْنِ إسْلَامٌ أَيْ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ كَافِرَيْنِ، وَكَذَا التَّكْلِيفُ اللَّازِمُ لِلْعَدَالَةِ بِرْمَاوِيٌّ. فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِمَا وَكِيلَيْنِ لِتَعَلُّقِ وَكَالَتِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ، وَالْمُرَادُ عَدَالَةُ الرِّوَايَةِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: وَيُسَنُّ كَوْنُهُمَا ذَكَرَيْنِ ق ل. تَنْبِيهٌ: شَرَطَ فِي حُكْمِهَا الرُّشْدَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ خُلْعِ السَّفِيهَةِ دُونَ حُكْمِهِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ خُلْعِ السَّفِيهِ فَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَاهْتِدَاءٌ إلَى الْمَقْصُودِ) وَهُوَ الْإِصْلَاحُ أَوْ التَّفْرِيقُ. قَوْلُهُ: (بَعَثَ غَيْرَهُمَا) فَإِنْ عَجَزَا عَنْ تَوَافُقِهِمَا أُدِّبَ الظَّالِمُ وَاسْتَوْفَى لِلْمَظْلُومِ حَقَّهُ، أَيْ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 فَصْلٌ: فِي الْخُلْعِ وَهُوَ لُغَةً مُشْتَقٌّ مِنْ خَلَعَ الثَّوْبَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِبَاسُ الْآخَرِ قَالَ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] فَكَأَنَّهُ بِمُفَارَقَةِ الْآخَرِ نَزَعَ لِبَاسَهُ وَشَرْعًا فُرْقَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلَوْ بِلَفْظِ مُفَادَاةٍ بِعِوَضٍ مَقْصُودٍ رَاجِعٍ لِجِهَةِ الزَّوْجِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (وَالْخُلْعُ جَائِزٌ عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ) يُقَيَّدُ بِمَا ذُكِرَ، فَخَرَجَ بِمَقْصُودٍ الْخُلْعُ بِدَمٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ رَجْعِيٌّ   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي الْخُلْعِ] ذَكَرَهُ عَقِبَ النُّشُوزِ وَالشِّقَاقِ لِتَرَتُّبِهِ عَلَيْهِمَا غَالِبًا، وَإِلَّا فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْهُ وَالْعَامُّ يُقَدَّمُ فِي الذِّكْرِ عَلَى الْخَاصِّ. وَلَفْظُ الْخُلْعِ اسْمُ مَصْدَرٍ لَاخْتَلَعَ وَمَصْدَرٌ سَمَاعِيٌّ لَخَلَعَ وَأَمَّا الْمَصْدَرُ الْقِيَاسِيُّ فَهُوَ خَلْعٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى ... مِنْ ذِي ثَلَاثَةٍ كَرَدَّ رَدَّا وَأَصْلُ وَضْعِهِ الْكَرَاهَةُ وَقَدْ يُسْتَحَبُّ كَأَنْ كَانَتْ تُسِيءُ عِشْرَتَهَا مَعَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا وَلَا حَرَامًا وَلَا مُبَاحًا وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْجَعَالَةِ مَشُوبٌ بِالْمُعَاوَضَةِ لِأَنَّ بُضْعَ الْمَرْأَةِ فِي مَعْنَى الْمَمْلُوكِ لِلزَّوْجِ بِالْمَهْرِ فَإِذَا خَالَعَهَا فَقَدْ رَدَّ بُضْعَهَا. وَجَوَّزَهُ الشَّارِعُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَهُوَ مُخَلِّصٌ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي الْحَلِفِ عَلَى النَّفْيِ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا وَعَلَى الْإِثْبَاتِ الْمُطْلَقِ وَكَذَا الْمُقَيَّدُ عِنْدَ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ. وَخَالَفَ شَيْخُنَا م ر فِي هَذَا الْقِسْمِ كَحَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَلَا يَخْلُصُ فِيهِ الْخُلْعُ عِنْدَ م ر إنْ وَقَعَ الْخُلْعُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْبِرِّ بِاخْتِيَارِهِ، إلَّا بِأَنْ وَقَعَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَيُتَّجَهُ أَنَّهُ يُخَلِّصُهُ سم عَلَى حَجّ مُلَخَّصًا. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ الْخُلْعُ مُطْلَقًا أَيْ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْقِدَ بَعْدَ الْخُلْعِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا. قَوْلُهُ: (مِنْ خَلَعَ الثَّوْبَ) قَيَّدَ بِهِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا لِبَاسُ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْخَلْعِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (لِبَاسُ الْآخَرِ) أَيْ كَلِبَاسِهِ. قَوْلُهُ: (هُنَّ لِبَاسٌ) وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ اللِّبَاسِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُلَاصِقُ صَاحِبَهُ وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُعَانَقَةِ وَالْمُضَاجَعَةِ كَمَا يُلَاصِقُ اللِّبَاسُ صَاحِبَهُ وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا يَسْتُرُ صَاحِبَهُ بِالتَّزَوُّجِ عَمَّا يُكْرَهُ مِنْ الْفَوَاحِشِ كَمَا يَسْتُرُ الثَّوْبُ الْعَوْرَةَ ذَكَرَهُ ابْنُ يَعْقُوبَ عَلَى الْمُخْتَصَرِ، فَاللِّبَاسُ عَلَى الْأَوَّلِ حِسِّيٌّ وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَكَأَنَّهُ) أَيْ فَصَحَّ كَوْنُهُ مُشْتَقًّا مِنْ الْخَلْعِ بِمَعْنَى النَّزْعِ؛ لَكِنْ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْ تَشْبِيهِ الْمُفَارَقَةِ بِالنَّزْعِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ. وَقَوْلُهُ: " لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَخْ " تَوْطِئَةٌ لِهَذَا. اهـ. شَيْخُنَا. وَلَا وَجْهَ لِلَفْظِ " كَأَنَّ "؛ لِأَنَّهَا لِلشَّكِّ أَوْ الظَّنِّ وَنَزْعُ الزَّوْجَةِ قَدْ تَحَقَّقَ بِالْفِرَاقِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ " كَأَنَّ " تَأْتِي لِلتَّحْقِيقِ أَوْ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِ " كَأَنَّ " نَظَرًا لِنَزْعِ اللِّبَاسِ الْحِسِّيِّ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: هَذَا يَأْتِي فِي كُلِّ فُرْقَةٍ كَالطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ تُسَمَّى خُلْعًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عِلَّةَ التَّسْمِيَةِ لَا تُوجِبُ التَّسْمِيَةَ. قَوْلُهُ: (فُرْقَةٍ) أَيْ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى فُرْقَةٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَقَرَّرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ نَفْسُ الْفُرْقَةِ لَا دَالُّهَا خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِلْمُحَشِّي؛ وَكَلَامُ الْمُحَشِّي هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْفُرْقَةِ لَا نَفْسِهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِلَفْظِ مُفَادَاةٌ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُمَا كِنَايَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِعِوَضٍ) أَيْ وَلَوْ مَنْفَعَةً أَوْ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا إلَّا فِي خُلْعِ الْأَعْمَى إذَا وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ فَلَا يَثْبُتُ الْمُسَمَّى بَلْ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ. اهـ. مَنُوفِيٌّ. أَمَّا فُرْقَةٌ بِلَا عِوَضٍ أَوْ بِعِوَضٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ كَدَمٍ أَوْ بِمَقْصُودٍ رَاجِعٍ لِغَيْرِ مَنْ ذُكِرَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ خُلْعًا بَلْ يَكُونُ رَجْعِيًّا. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (رَاجِعٍ لِجِهَةِ الزَّوْجِ) فَلَوْ رَجَعَ لَا لِجِهَةِ الزَّوْجِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ مِمَّا لَهَا عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ رَجْعِيٌّ، وَهَلْ يُبَرَّأُ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ لَا؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 وَلَا مَالٍ، وَدَخَلَ بِرَاجِعٍ لِجِهَةِ الزَّوْجِ وُقُوعُ الْعِوَضِ لِلزَّوْجِ وَلِسَيِّدِهِ وَمَا لَوْ خَالَعَتْ بِمَا ثَبَتَ لَهَا مِنْ قَوَدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا لَهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَصِحُّ رَجْعِيًّا، وَخَرَجَ بِمَعْلُومِ الْعِوَضِ الْمَجْهُولُ كَثَوْبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيَقَعُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} [النساء: 4] وَالْأَمْرُ بِهِ فِي خَبَرِ   [حاشية البجيرمي] الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُبَرَّأُ، فَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى إبْرَائِهِ وَإِبْرَاءِ غَيْرِهِ فَأَبْرَأَتْهُمَا بَرَاءَةً صَحِيحَةً بِأَنْ كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً رَشِيدَةً عَالِمَةً بِالْقَدْرِ الْمُبَرَّأِ مِنْهُ هَلْ يَقَعُ بَائِنًا نَظَرًا لِرُجُوعِ بَعْضِهِ لِلزَّوْجِ أَوْ رَجْعِيًّا نَظَرًا لِرُجُوعِ الْبَعْضِ الْآخَرِ لِغَيْرِهِ؟ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ هَلْ يُبَرَّأُ كُلٌّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَالزَّوْجِ أَمْ لَا؟ حَرَّرَ. اهـ. ح ل. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُبَرَّأُ كُلٌّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ وُجِدَتْ صَحِيحَةً كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَصَرَّحَ بِهِ الْبِرْمَاوِيُّ. وَقَوْلُهُ: " الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ " أَيْ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَانِعٌ لِلْبَيْنُونَةِ أَوْ غَيْرُ مُقْتَضٍ لَهَا فَعَلَى الثَّانِي الْبَيْنُونَةُ وَاضِحَةٌ، وَكَذَا عَلَى الْأَوَّلِ إذْ كَوْنُهُ مَانِعًا لَهَا إنَّمَا يُتَّجَهُ إنْ انْفَرَدَ لَا إنْ انْضَمَّ إلَيْهِ مُقْتَضٍ لَهَا كَذَا فِي التُّحْفَةِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (جَائِزٌ) أَيْ صَحِيحٌ وَإِنْ كُرِهَ أَوْ حَرُمَ كَالْبِدْعِيِّ أَيْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، كَأَنْ وَقَعَ فِي زَمَنِ حَيْضٍ بِعِوَضٍ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. وَضَابِطُ مَسَائِلِ الْبَابِ أَنَّ الطَّلَاقَ إمَّا أَنْ يَقَعَ بِالْمُسَمَّى بَائِنًا إنْ صَحَّتْ الصِّيغَةُ وَالْعِوَضُ أَوْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ فَسَدَ الْعِوَضُ فَقَطْ وَكَانَ مَقْصُودًا أَوْ رَجْعِيًّا إنْ فَسَدَتْ الصِّيغَةُ أَوْ كَانَ الْعِوَضُ فَاسِدًا غَيْرَ مَقْصُودٍ كَدَمٍ وَقَدْ نُجِزَ أَوْ عُلِّقَ بِمَا وُجِدَ، أَوْ لَا يَقَعُ أَصْلًا إنْ عُلِّقَ بِمَا لَمْ يُوجَدْ ذَكَرَهُ الْمَدَابِغِيُّ. وَقَوْلُهُ: " إنْ فَسَدَتْ الصِّيغَةُ " كَخَالَعْتُكَ عَلَى هَذَا الدِّينَارِ عَلَى أَنَّ لِي الرَّجْعَةَ. فَرْعٌ: سُئِلَ شَيْخُنَا زي عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ ثُمَّ اُحْتِيجَ لَهُ فِي دُخُولِهَا فَقِيلَ لَهُ خَالِعْ زَوْجَتَك فَقَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لَا أُخَالِعُهَا وَلَا أُوَكِّلُ فِي خُلْعِهَا، فَهَلْ إذَا خَالَعَ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَوْ لَا؟ وَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: يَقَعُ بِالْخُلْعِ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِهَا فَلَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ خِضْرٌ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الدَّيْرَبِيُّ: أَيْ إذَا خَالَعَ بِنَفْسِهِ أَمَّا لَوْ وَكَّلَ فِي خُلْعِهَا وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُوَكِّلُ وَقَدْ وَكَّلَ قَبْلَ وُجُودِ الْخُلْعِ قَوْلُهُ: (مَعْلُومٌ) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ يَصِحُّ وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا لَكِنْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ مَعْلُومٌ لَيْسَ قَيْدًا إلَّا مِنْ حَيْثُ لُزُومُ الْمُسَمَّى كَمَا سَيَذْكُرُهُ، فَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (بِمَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ مَقْصُودٍ رَاجِعٍ لِجِهَةِ الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) كَالْحَشَرَاتِ لَا نَحْوِ الْمَيْتَةِ. قَوْلُهُ: (وَلِسَيِّدِهِ) أَيْ وَرُجُوعُ الْعِوَضِ لِسَيِّدِهِ أَيْ الزَّوْجِ، يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا اُشْتُرِطَ ابْتِدَاءً لِلسَّيِّدِ لَمْ يَكُنْ عِوَضًا لِجِهَةِ الزَّوْجِ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَمَا لَوْ خَلَعَتْ إلَخْ) بِخِلَافِ تَعْبِيرِ بَعْضِهِمْ بِيَأْخُذَهُ الزَّوْجُ فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ هَذَا. قَوْلُهُ: (مِنْ قَوَدٍ) وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْ الزَّوْجِ وَتَبِينُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ صَحِيحٌ يُقَابَلُ بِمَالٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) كَحَدِّ قَذْفٍ أَوْ تَعْزِيرٍ، وَيُبَرَّأُ الزَّوْجُ مِنْ ذَلِكَ وَتَبِينُ وَيَلْزَمُهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْعِوَضِ الْفَاسِدِ الَّذِي لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ وَهُوَ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. وَكَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَسْقُطَ حَدُّ الْقَذْفِ وَالتَّعْزِيرِ، وَلَكِنْ لَمَّا تَضَمَّنَ ذَلِكَ مِنْهَا الرِّضَا وَالْمُسَامَحَةَ مِنْهُمَا سَقَطَ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ وَالتَّعْزِيرِ مَعَ الْمَقْصُودِ فَيَجِبُ فِي الْخُلْعِ عَلَيْهِمَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَخْتَصُّ بِمَالٍ يُقَابَلُ بِمَالٍ بِدَلِيلِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ. قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ رَجْعِيًّا) وَلَوْ قَالَ فَيَقَعُ لَكَانَ أَوْلَى إذْ فِي صِحَّةِ الْخُلْعِ مَعَ كَوْنِ الطَّلَاقِ رَجْعِيًّا تَنَاقُضٌ وَتَأَمَّلْ؛ قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِمَعْلُومٍ الْمَجْهُولُ) وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ وَبَقِيَ مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى رَضَاعَةِ وَلَدِهِ سَنَتَيْنِ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِأُجْرَةٍ مِثْلِ مَا يُقَابِلُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ أَوْ بِالْقِسْطِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِاعْتِبَارِ مَا يُقَابِلُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْهُولِ وَالْوَاجِبُ مَعَ جَهْلِ الْعِوَضِ مَهْرُ الْمِثْلِ ع ش عَلَى م ر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 الْبُخَارِيِّ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بِقَوْلِهِ: «اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» وَهُوَ أَوَّلُ خُلْعٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَمْلِكَ الزَّوْجُ الِانْتِفَاعَ بِالْبُضْعِ بِعِوَضٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُزِيلَ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فَالنِّكَاحُ كَالشِّرَاءِ وَالْخُلْعُ كَالْبَيْعِ، وَأَيْضًا فِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَرْأَةِ غَالِبًا وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مَطْلُوبُ الشَّرْعِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: إلَّا فِي حَالَتَيْنِ: الْأُولَى: أَنْ يَخَافَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَيَخْلَعُهَا ثُمَّ يَفْعَلُ الْأَمْرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. وَذَكَرْت فِي شَرْحِهِ صُوَرًا أُخْرَى لَا كَرَاهَةَ فِيهَا فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ. وَأَرْكَانُ الْخُلْعِ خَمْسَةٌ: مُلْتَزِمٌ لِلْعِوَضِ وَبُضْعٌ وَعِوَضٌ وَصِيغَةٌ وَزَوْجٌ وَشَرْطٌ فِيهِ صِحَّةُ طَلَاقِهِ فَيَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَيُدْفَعُ الْعِوَضُ لِمَالِكِ أَمْرِهِمَا مِنْ سَيِّدٍ وَوَلِيٍّ، وَشُرِطَ فِي الْمُلْتَزِمِ قَابِلًا كَانَ أَوْ مُلْتَمِسًا إطْلَاقُ   [حاشية البجيرمي] وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَخَرَجَ أَيْ مِنْ صِحَّتِهِ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ صِحَّتِهِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (فَيَقَعُ إلَخْ) وَحِينَئِذٍ فَالتَّقْيِيدُ بِمَعْلُومٍ لِيَصِحَّ بِالْمُسَمَّى كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ قَبْلَ تَعْرِيفِهِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ كَمَا صَنَعَ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ} [النساء: 4] إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْخُلْعِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْهَدِيَّةِ أَوْ الْهِبَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى: فَإِنْ طِبْنَ أَيْ وَلَوْ فِي مُقَابَلَةِ فَكِّ الْعِصْمَةِ، فَهُوَ شَامِلٌ لِلْمُدَّعِي، وَنَفْسًا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ أَيْ طَابَتْ نُفُوسُهُنَّ. وَفِيهِ أَنَّ الْآيَةَ وَالْحَدِيثَ الْآتِي قَاصِرَانِ عَلَى مَا إذَا كَانَ عِوَضُ الْخُلْعِ مِنْ الصَّدَاقِ وَالْمُدَّعَى أَعَمَّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ يُقَاسُ غَيْرُ الصَّدَاقِ عَلَيْهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ح ل. قَالَ بَعْضُهُمْ أُخِذَ مِنْ هَذَا أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] أَنَّ الشَّخْصَ إذَا مَرِضَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ لِزَوْجَتِهِ شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا الْبَاقِي عَلَيْهِ ثُمَّ تَدْفَعُهُ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ لِيَصْرِفَهُ فِي دَوَاءٍ لَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِهِ عَسَلَ نَحْلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] . قَوْلُهُ: (فِي امْرَأَةِ قَيْسِ بْنِ ثَابِتٍ) وَاسْمُهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ حَيْثُ طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى حَدِيقَتِهَا الَّتِي أَصْدَقَهَا إيَّاهَا فَفَعَلَ. قَوْلُهُ: «اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ» عِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: خُذْ الْحَدِيقَةَ، فَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ. وَالْحَدِيقَةُ اسْمُ بُسْتَانٍ عِ ش. قَوْلُهُ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ» هَذَا إمَّا مِنْ بَابِ التَّنْفِيرِ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ أَيْ الْمُبَاحَ لَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِالْحَلَالِ مَا قَابَلَ الْحَرَامَ فَهُوَ بُغْضُ الْمَكْرُوهِ وَبُغْضُهُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي حَالَتَيْنِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: " مَكْرُوهٌ ". قَوْلُهُ: {أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] أَيْ الْوَاجِبَةَ عَلَى كُلِّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَيْ تَرْكُ إقَامَةِ أَحْكَامِ اللَّهِ مِنْ وَاجِبِ الزَّوْجِيَّةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ) كَأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دُخُولِهَا وَإِنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَوْلُهُ عَلَى شَيْءٍ أَيْ أَوْ تَرْكِ شَيْءٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَرْكِهِ كَقَوْلِهِ إنْ تَرَكْت الزِّنَا بِفُلَانَةَ فِي هَذَا النَّهَارِ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَيَخْلَعُهَا إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ كَرَاهَةِ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (وَبُضْعٌ) يُصَدَّقُ بِالرَّجْعِيَّةِ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ عَبَّرَ بِالْبُضْعِ وَلَمْ يَقُلْ وَزَوْجَةٌ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الزَّوْجَةَ دَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ مُلْتَزِمٌ، فَلَوْ ذَكَرَهَا ثَانِيًا لَزِمَ التَّكْرَارُ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَعِوَضٌ) أَيْ وَلَوْ تَقْدِيرًا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ) لَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ. قَوْلُهُ: (بِسَفَهٍ) أَوْ فَلَسٍ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِمَا. قَوْلُهُ: (لِمَالِكِ أَمْرِهِمَا) أَوْ لَهُمَا بِإِذْنِهِ. قَوْلُهُ: (قَابِلًا) كَأَنْ قَالَ: طَلَّقْتهَا عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِك، فَيَقْبَلُ الْمُلْتَزِمُ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ مُلْتَمِسًا " كَأَنْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِي، فَيَقُولُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ، فَلَوْ اخْتَلَعَتْ أَمَةٌ وَلَوْ مُكَاتَبَةً بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ غَيْرِهِ بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي ذِمَّتِهَا أَوْ بِدَيْنٍ فَبِالدَّيْنِ تَبِينُ، ثُمَّ مَا ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهَا إنَّمَا تُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْيَسَارِ وَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِإِذْنِهِ. فَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي كَسْبِهَا وَمِمَّا فِي يَدِهَا مِنْ مَالِ تِجَارَةٍ، وَإِنْ قَدَّرَ لَهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا تَعَلَّقَ الْمُقَدَّرُ بِذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ عَيَّنَ لَهَا عَيْنًا مِنْ مَالِهِ تَعَيَّنَتْ. وَلَوْ اخْتَلَعَتْ مَحْجُورَةٌ بِسَفَهٍ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا وَلَغَا ذِكْرُ الْمَالِ أَوْ مَرِيضَةٌ مَرَضَ مَوْتٍ صَحَّ؛ وَحُسِبَ مِنْ الثُّلُثِ زَائِدٌ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ.   [حاشية البجيرمي] طَلَّقْتُك عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (إطْلَاقُ تَصَرُّفٍ) أَيْ لِيَصِحَّ الْتِزَامُهُ الْمَالَ وَيَجِبُ دَفْعُهُ حَالًّا، فَخَرَجَتْ السَّفِيهَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا الْمَالَ فَيَقَعُ خُلْعُهَا رَجْعِيًّا، وَخَرَجَتْ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا دَفْعُ الْمَالِ حَالًّا. هَذَا مُرَادُهُ، وَإِلَّا فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ خُلْعَ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُطْلَقَةَ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ؛ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ وَشَرْطٌ فِي الْمُلْتَزِمِ أَيْ لِيَقَعَ الْخُلْعُ بِمَا الْتَزَمَ أَيْ مَعَ لُزُومِهِ حَالًّا لَا لِصِحَّتِهِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مُطْلَقًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اخْتَلَعَتْ أَمَةٌ) أَيْ رَشِيدَةٌ وَإِلَّا وَقَعَ رَجْعِيًّا. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ مَالِهِ، فَالْمَعْنَى أَوْ مَالِ غَيْرِ السَّيِّدِ؛ وَلَكِنْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ كَالِاخْتِصَاصِ. قَوْلُهُ: (فَبِالدَّيْنِ تَبِينُ) مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ، أَمَّا هِيَ فَتَبِينُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا بِالْمُسَمَّى خِلَافًا لِلشَّارِحِ زي، أَيْ فَيَكُونُ فِي ذِمَّتِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ فِي حَقِّ مَنْ هِيَ كَالْحُرَّةِ فِي الِاسْتِقْلَالِ بِالتَّصَرُّفِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) هَذَا فِيمَا إذَا سَمَّتْ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا إذَا سَمَّتْ قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ فَهُوَ الْوَاجِبُ، أَوْ سَمَّتْ أَكْثَرَ فَالْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ صَحَّ الْخُلْعُ بِمَا سَمَّتْ وَتَعَلَّقَ بِكَسْبِهَا إنْ كَانَ قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ تَعَلَّقَ الزَّائِدُ بِذِمَّتِهَا فَتُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْيَسَارِ. قَوْلُهُ: (فِي كَسْبِهَا) أَيْ مِنْ حِينِ الْخُلْعِ لَا مِنْ حِينِ الْإِذْنِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَيَّنَ لَهَا عَيْنًا مِنْ مَالِهِ) فَإِنْ زَادَتْ عَلَى مَا عَيَّنَهُ أَوْ قَدْرِهِ تَعَلَّقَ الزَّائِدُ بِذِمَّتِهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (مَحْجُورَةٌ) أَيْ حُرَّةٌ وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْمَالِ وَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا صَرْفُ مَالِهَا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ مَا لَمْ يُخْشَ عَلَى مَالِهَا مِنْ الزَّوْجِ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِالْخُلْعِ وَإِلَّا جَازَ صَرْفُهُ حِينَئِذٍ فِي الْخُلْعِ، وَلَوْ خَالَعَهَا فَلَمْ تَقْبَلْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِاخْتَلَعْتُ أَيْ قَبِلْت الْخُلْعَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ بِالْخُلْعِ وَلَمْ يُضْمِرْ الْتِمَاسَ قَبُولِهَا فَيَقَعُ رَجْعِيًّا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا هُوَ الْفَرْضُ. قَوْلُهُ: (طَلُقَتْ رَجْعِيًّا) أَيْ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ. قَوْلُهُ: (وَلَغَا ذِكْرُ الْمَالِ) وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْوَلِيُّ. وَالْحِيلَةُ فِي صِحَّةِ خُلْعِ السَّفِيهَةِ أَيْ يَخْتَلِعُ لَهَا أَجْنَبِيٌّ مِنْ مَالِهِ، قَالَ م ر: وَمِنْ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ قَوْلُ أُمِّهَا الرَّشِيدَةِ مَثَلًا خَالِعْهَا عَلَى مُؤَخَّرِ صَدَاقِهَا فِي ذِمَّتِي فَيُجِيبُهَا فَيَقَعُ بَائِنًا بِمِثْلِ الْمُؤَخَّرِ فِي ذِمَّةِ السَّائِلَةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مِثْلٍ مُقَدَّرٌ فِي نَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَنْوِ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، فَلَوْ قَالَتْ: وَهُوَ كَذَا لَزِمَهَا مَا سَمَّتْهُ زَادَ أَوْ نَقَصَ؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّةَ الْمُقَدَّرَةَ تَكُونُ مِثْلًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ؛ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ أَفْتَى الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ مَا نَصُّهُ: لَوْ أَرَادَ وَلِيُّ السَّفِيهَةِ اخْتِلَاعَهَا عَلَى مُؤَخَّرِ صَدَاقِهَا مَنَعْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْوِيتِ عَلَيْهَا، فَالطَّرِيقُ أَنْ يَخْتَلِعَهَا عَلَى قَدْرِ مَا لَهَا عَلَى الزَّوْجِ فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ وَاجِبًا لِلزَّوْجِ عَلَى الْأَبِ وَدَيْنُ الْمَرْأَةِ بَاقٍ بِحَالِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الزَّوْجُ التَّخَلُّصَ مِنْهُ فَلْيَقُلْ مَا ذُكِرَ فَتَكُونُ الْمَرْأَةُ مُحْتَالَةً بِمَا لَهَا عَلَى الزَّوْجِ عَلَى أَبِيهَا، قَالَ ع ش. وَهَذِهِ الْحِيلَةُ صَحِيحَةٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ وَفِي الشُّفْعَةِ. قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ: وَمِثْلُهُ فِي رَحْمَةِ الْأُمَّةِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: إنَّهُ يَجُوزُ الِاحْتِيَالُ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً مَجْهُولَةً عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ مُسْقِطًا لِلشُّفْعَةِ أَوْ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِبَعْضِ الْمِلْكِ ثُمَّ يَبِيعُهُ الْبَاقِي أَوْ يَهَبُهُ لَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاحْتِيَالُ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ مَنْ قَصَدَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ فَوَهَبَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا أَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا عَاصِيًا، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: لَا تَسْقُطُ. فَالْأَوَّلُ مُخَفِّفٌ وَالثَّانِي مُشَدِّدٌ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ حَمَلَهُ عَلَى تَغْيِيرِ نِيَّتِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 (وَتَمْلِكُ الْمَرْأَةُ) الْمُخْتَلِعَةُ (بِهِ نَفْسَهَا) أَيْ بُضْعَهَا الَّذِي اسْتَخْلَصَتْهُ بِالْعِوَضِ (وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا) فِي الْعِدَّةِ لِانْقِطَاعِ سَلْطَنَتِهِ بِالْبَيْنُونَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ تَسَلُّطِهِ عَلَى بُضْعِهَا (إلَّا بِنِكَاحٍ) أَيْ بِعَقْدٍ (جَدِيدٍ) عَلَيْهَا بِأَرْكَانِهِ، وَشُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهَا فِي مَوْضِعِهِ. وَيَصِحُّ عِوَضُ الْخُلْعِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا دَيْنًا وَعَيْنًا وَمَنْفَعَةً لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَلَوْ قَالَ: إنْ أَبْرَأْتِينِي مِنْ صَدَاقِك أَوْ مِنْ دَيْنِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ وَهِيَ جَاهِلَةٌ بِقَدْرِهِ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ يُوجَدْ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ. وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي كَفِّهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى   [حاشية البجيرمي] الْفَاسِدَةِ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ إزَالَةِ الْعَيْنِ، وَوَجْهُ الثَّانِي حَمَلَهُ عَلَى اسْتِصْحَابِهَا مُخَادَعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اهـ. وَقَوْلُهُ: " مَكْرُوهَةٌ " أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الشَّلَبِيِّ الْحَنَفِيِّ مَا نَصُّهُ: سُئِلَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِابْنَةِ عَمِّهِ وَدَخَلَ بِهَا وَأَصَابَهَا ثُمَّ حَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِهَا تَشَاجُرٌ فَسَأَلَهُ وَالِدُهَا الْمَذْكُورُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً عَلَى بَقِيَّةِ صَدَاقِهَا عَلَيْهِ وَمُنَجَّمِهَا وَعَلَى جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ لَهَا مِنْ الْحُقُوقِ. فَأَجَابَ: سُؤَالَهُ إلَى ذَلِكَ وَطَلَّقَهَا الطَّلْقَةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَ وَالِدِهَا وَزَوْجِهَا تَبَارُؤٌ عَامٌّ مُطْلَقٌ فَهَلْ حَقُّ الزَّوْجَةِ الْمَذْكُورَةِ يَكُونُ لَازِمًا لِأَبِيهَا أَمْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ عَلَى زَوْجِهَا، وَإِذَا غَرِمَ زَوْجُهَا مَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى وَالِدِهَا بَعْدَ الْبَرَاءَةِ الصَّادِرَةِ بَيْنَهُمَا وَالْحَالُ أَنَّ الزَّوْجَةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً لِلطَّلَاقِ وَمَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ؟ جَوَابُهُ لِلشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ الطَّبَلَاوِيِّ الشَّافِعِيِّ: الْبَرَاءَةُ مِنْ الْوَالِدِ دُونَ الزَّوْجَةِ: " لَا تَصِحُّ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي مُقَابَلَتِهَا وَحَقُّ الزَّوْجَةِ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْعِصْمَةِ. وَوَافَقَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَنْبَلِيُّ. وَكَتَبَ سَيِّدِي الْجَدُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مَا صُورَتُهُ: إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً لَا يَنْفُذُ الْخُلْعُ عَلَيْهَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمَالِ لَكِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَبُولِ الْأَبِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً تَوَقَّفَ الْخُلْعُ عَلَى قَبُولِهَا. وَوَجَدْت فِي وَرَقَةٍ بِخَطِّهِ مَا نَصُّهُ فِي رَجُلٍ مُتَزَوِّجٍ بِامْرَأَةٍ، فَسَأَلَهُ وَالِدُهَا بِمَا نَصُّهُ: أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً عَلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ حَالِّ صَدَاقِهَا وَمُؤَجَّلِهِ عَلَيْهِ وَجُمْلَتُهُ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا عَلَى ثَلَاثِ فُصُولٍ كَسَاوٍ مِنْ غَيْرِ إذْنِهَا، فَأَجَابَهُ لِذَلِكَ وَطَلَّقَهَا الطَّلْقَةَ الْمَسْئُولَةَ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْرُوحِ، فَهَلْ وَالْحَالُ مَا ذَكَرَ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ الْإِبْرَاءُ الْمَذْكُورُ وَوَقَعَ الْمَوْقِعَ أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْإِبْرَاءُ مَوْقِعَهُ وَقُلْتُمْ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ يَقَعُ رَجْعِيًّا أَمْ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَمْ لَا؟ أَجَابَ الْجَمَالُ الصَّاغَانِيُّ: يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ، فَإِنْ ضَمِنَ لَهُ بَرَاءَتَهُ مِنْ ذَلِكَ وَالْحَالُ مَا ذَكَرَ وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَبِ. وَكَتَبْت تَحْتَ خَطِّهِ مَا نَصُّهُ: يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَوْ ضَمِنَ الْأَبُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْمَهْرِ لِلزَّوْجِ وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ شَيْءٌ بِالضَّمَانِ الْمَذْكُورِ اهـ. وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ كَلَامًا يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَحُسِبَ مِنْ الثُّلُثِ زَائِدٌ) ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ إنَّمَا هُوَ بِهِ بِخِلَافِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَأَقَلُّ مِنْهُ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَسَعْهُ أَيْ الزَّائِدُ الثُّلُثَ فُسِخَ الْمُسَمَّى وَرَجَعَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَا رَجْعَةَ) مُرَادُهُ اللُّغَوِيَّةُ. قَالَ ق ل: فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِنِكَاحٍ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ إنْ أُرِيدَ الرَّجْعَةُ اصْطِلَاحًا، فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مُطْلَقُ الرَّدِّ إلَيْهِ كَانَ مُتَّصِلًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ عِوَضُ الْخُلْعِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْخُلْعُ جَائِزٌ عَلَى عِوَضٍ بِأَنْ يَقُولَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي كَفِّهَا) أَيِّ شَيْءٍ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ) فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا، وَإِذَا كَانَ صَحِيحًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَالِمًا بِهِ أَوْ جَاهِلًا، وَإِذَا كَانَ فَاسِدًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَعَلِمَ بِهِ الزَّوْجُ بَانَتْ بِهِ أَوْ جَهِلَهُ بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا إنْ كَانَ فَاسِدًا مَقْصُودًا عَلِمَهُ الزَّوْجُ أَوْ جَهِلَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَعَلِمَ بِهِ الزَّوْجُ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ م ر. قَوْلُهُ: (وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ) وَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 الْأَرْجَحِ فِي الزَّوَائِدِ، وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ مَا مَرَّ فِيهَا فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا يَأْتِي وَلَكِنْ لَا يَضُرُّ هُنَا تَخَلُّلُ كَلَامٍ يَسِيرٍ. وَلَفْظُ الْخُلْعِ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ لِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ تَكَرَّرَ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ؛ وَقِيلَ: كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ. وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْخُلْعَ وَالْمُفَادَاةَ إنْ ذُكِرَ مَعَهُمَا الْمَالُ فَهُمَا صَرِيحَانِ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُشْعِرُ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِلَّا فَكِنَايَتَانِ. (وَيَجُوزُ الْخُلْعُ فِي الطُّهْرِ) الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ نَدَمٌ بِظُهُورِ الْحَمْلِ لِرِضَاهُ بِأَخْذِ الْعِوَضِ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ جَوَازُهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى. (وَ) يَجُوزُ أَيْضًا فِي (الْحَيْضِ) ؛ لِأَنَّهَا بِبَذْلِهَا الْفِدَاءَ لِخَلَاصِهَا رَضِيَتْ لِنَفْسِهَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ (وَلَا يَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ) فِي عِدَّتِهَا (طَلَاقٌ) بِلَفْظٍ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ وَلَا إيلَاءٌ وَلَا ظِهَارٌ لِصَيْرُورَتِهَا أَجْنَبِيَّةً بِافْتِدَاءِ بُضْعِهَا. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُخْتَلِعَةِ الرَّجْعِيَّةُ فَيَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ سَلْطَنَتِهِ عَلَيْهَا؛ إذْ هِيَ كَالزَّوْجَةِ فِي لُحُوقِ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَاللِّعَانِ وَالْمِيرَاثِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ ادَّعَتْ خُلْعًا فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً رَجُلَيْنِ عُمِلَ بِهَا وَلَا مَالَ؛ لِأَنَّهُ   [حاشية البجيرمي] عَلِمَ أَنَّ كَفَّهَا خَالٍ قَالَ م ر: لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي كَفِّهَا صِلَةٌ لِمَا أَوْ صِفَةٌ لَهَا غَايَتُهُ أَنَّهُ وَصَفَهُ بِصِفَةٍ كَاذِبَةٍ فَتَلْغُو فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ خَالَعَهَا عَلَى شَيْءٍ مَجْهُولٍ اهـ. فَالْمُرَادُ الْعِوَضُ وَلَوْ بِقَسْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَخَرَجَ بِضَمِيرِ خَالَعَهَا خُلْعُهُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا يَأْتِي) لَا حَاجَةَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ: " عَلَى مَا يَأْتِي " وَبَيْنَ قَوْلِهِ: " وَلَكِنْ " فَلَوْ حَذَفَهُ كَانَ أَوْلَى إذْ قَوْلُهُ: " وَلَكِنْ إلَخْ " هُوَ قَوْلُهُ عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ تَكَرَّرَ إلَخْ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَأْخَذَ الصَّرَاحَةِ التَّكَرُّرُ فِي لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ، وَقِيلَ: الْمُعْتَبَرُ وُرُودُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ اشْتِهَارُهُ مَعَ وُرُودِ مَعْنَاهُ سَوَاءٌ تَكَرَّرَ أَمْ لَا. وَمُرَادُهُ بِحَمَلَةِ الشَّرْعِ الْفُقَهَاءُ ع ش. قَوْلُهُ: (إنْ ذَكَرَ مَعَهُمَا الْمَالَ) وَكَذَا إنْ نَوَى أَوْ نَوَى الْتِمَاسَ قَبُولِهَا وَقَبِلَتْ ق ل. وَيَقَعُ فِي الْأُولَى بِالْمُسَمَّى وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْمَنْوِيِّ إنْ وَافَقَتْهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تُوَافِقْهُ وَقَعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَيَقَعُ فِي الثَّالِثَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ قَبِلَتْ وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ تَأَمَّلْ، حَرَّرَ ذَلِكَ فِي زي. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الثَّالِثَةِ، فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَإِلَّا فَلَا م ر، وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحِهِ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إنْ صَرَّحَ بِالْعِوَضِ أَوْ نَوَاهُ وَقَبِلَتْ بَانَتْ بِمَا ذَكَرَهُ أَوْ نَوَاهُ أَوْ عَرَّى عَنْ ذِكْرِ الْمَالِ وَنِيَّتِهِ وَنَوَى الْتِمَاسَ جَوَابِهَا وَقَبِلَتْ وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِجَرَيَانِ ذَلِكَ بِعِوَضٍ، فَيَرْجِعُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ، فَإِنْ لَمْ يُضْمِرْ جَوَابَهَا وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ اهـ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَعِ ش. وَعِبَارَةُ زي: الْمُعْتَمَدُ مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ صَرَاحَتِهِ ذِكْرُ الْمَالِ وَمِثْلُ ذِكْرِهِ نِيَّتُهُ أَيْ الْمَالِ، فَإِنْ ذَكَرَ مَالًا وَجَبَ وَإِنْ نَوَاهُ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ سَوَاءٌ أَضْمَرَ الِالْتِمَاسَ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَالًا وَلَا نَوَاهُ كَانَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ، فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ نُظِرَ فَإِنْ أَضْمَرَ الْتِمَاسَ قَبُولِهَا وَقَبِلَتْ وَكَانَتْ أَهْلًا لِلِالْتِزَامِ وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يُضْمِرْ وَقَعَ رَجْعِيًّا. وَكَذَا إنْ لَمْ تَقْبَلْ، هَكَذَا حَرَّرَهُ ابْنُ الرَّمْلِيِّ فِي دَرْسِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَكُونُ بِدْعِيًّا لَوْلَا الْخُلْعُ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ يُعْلَمُ) أَيْ مِنْ التَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ (لِأَنَّهَا بِبَذْلِهَا الْفِدَاءَ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ فَرْضُهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْخُلْعُ مَعَهَا أَوْ بِإِذْنِهَا، فَلَوْ كَانَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ بِلَا إذْنِهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بِدْعِيٌّ وَإِنْ صَحَّ؛ وَسَيَأْتِي أَنَّ طَلَاقَهَا لَا سُنِّيٌّ وَلَا بِدْعِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَالزَّوْجَةِ فِي لُحُوقِ الطَّلَاقِ) ذَكَرَ خَمْسَةً، وَزِيدَ سَادِسٌ وَهُوَ: عَدَمُ جَوَازِ نِكَاحِ أَرْبَعٍ سِوَاهَا. وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: طَلَاقٌ وَإِيلَاءٌ ظِهَارٌ وِرَاثَةٌ ... لِعَانٌ لَحِقْنَ الْكُلَّ مَنْ هِيَ رَجْعَةٌ أَيْ ذَاتُ رَجْعَةٍ. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) أَيْ فَإِذَا مَاتَ لَا تَرِثُهُ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَإِذَا مَاتَتْ وَرِثَهَا. قَوْلُهُ: (رَجُلَيْنِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 يُكْرَهُ، إلَّا أَنْ يَعُودَ وَيَعْتَرِفَ بِالْخُلْعِ فَيَسْتَحِقَّهُ؛ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. أَوْ ادَّعَى الْخُلْعَ فَأَنْكَرَتْ بِأَنْ قَالَتْ لَمْ تُطَلِّقْنِي أَوْ طَلَّقْتنِي مَجَّانًا بَانَتْ بِقَوْلِهِ وَلَا عِوَضَ عَلَيْهَا، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَتَحْلِفُ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِهِ أَوْ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ ثَبَتَ الْمَالُ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ، وَكَذَا لَوْ اعْتَرَفَتْ بَعْدَ يَمِينِهَا بِمَا ادَّعَاهُ؛ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ كَقَوْلِهَا سَأَلْتُك ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ بِأَلْفٍ فَأَجَبْتنِي فَقَالَ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَأَجَبْتُك أَوْ فِي صِفَةِ عِوَضِهِ كَدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ صِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ سَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِي التَّلَفُّظِ بِذَلِكَ أَوْ فِي إرَادَتِهِ كَأَنْ خَالَعَ بِأَلْفٍ وَقَالَ أَرَدْنَا دَنَانِيرَ فَقَالَتْ دَرَاهِمَ أَوْ قَدْرِهِ كَقَوْلِهِ خَالَعْتُكِ بِمِائَتَيْنِ فَقَالَتْ بِمِائَةٍ وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَتَعَارَضَتَا، تَحَالَفَا كَالْمُتَبَايِعِينَ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَمَنْ يَبْدَأُ بِهِ، وَيَجِبُ بَيْنُونَتُهَا بِفَسْخِ الْعِوَضِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ الْحَاكِمِ مَهْرُ مِثْلٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَرَدُّ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِهَا. وَلَوْ خَالَعَ بِأَلْفٍ مَثَلًا وَنَوَيَا نَوْعًا مِنْ نَوْعَيْنِ بِالْبَلَدِ لَزِمَ إلْحَاقًا لِلْمَنْوِيِّ بِالْمَلْفُوظِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِيَا شَيْئًا حُمِلَ عَلَى الْغَالِبِ إنْ كَانَ وَإِلَّا لَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ. فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ   [حاشية البجيرمي] أَيْ لَا رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا رَجُلٍ وَيَمِينٍ؛؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا الْخُلْعَ لَيْسَ فِيهَا مَالٌ وَلَا يُقْصَدُ بِهَا مَالٌ. قَوْلُهُ: (فَيَسْتَحِقُّهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ لَهُ ثَانِيًا لِثُبُوتِهِ فِي ضِمْنِ مُعَاوَضَةٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ زي. وَعِبَارَتُهُ: قَوْلُهُ: " إلَّا أَنْ يَعُودَ وَيَعْتَرِفَ بِالْخُلْعِ " قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ وَكَذَّبَهُ الْمُقِرُّ لَهُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ وَلَوْ رَجَعَ الْمُقَرُّ لَهُ وَصَدَّقَهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ فِي ضِمْنِ مُعَاوَضَةٍ بِخِلَافِ ذَاكَ، وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَالرَّجْعِيَّةُ لَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا. وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا أَقَرَّتْ بِالطَّلَاقِ مَجَّانًا، أَمَّا إذَا أَنْكَرَتْ الطَّلَاقَ رَأْسًا فَلَهَا النَّفَقَةُ أَبَدًا، وَإِذَا مَاتَ تَرِثُهُ إذَا مَاتَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِذَا مَاتَتْ لَا يَرِثُهَا عَمَلًا بِدَعْوَاهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي صِفَةِ عِوَضِهِ) مُرَادُهُ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْجِنْسَ فَصَحَّ التَّمْثِيلُ بِمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ اخْتِلَافَ صِفَةٍ أَيْضًا، فَكَأَنَّ الشَّارِحَ قَالَ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ عِوَضِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا اخْتِلَافُ جِنْسٍ أَيْضًا أَمْ لَا عَشْمَاوِيٌّ؛ وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُ ق ل الْآتِي فِي قَوْلِهِ قَوْلُهُ كَدَرَاهِمَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَدَرَاهِمَ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مِنْ الْجِنْسِ لَا مِنْ الصِّفَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (كَالْمُتَبَايِعِينَ) فِيهِ إحَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ اخْتِلَافَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، لَكِنْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ. وَالْقَوْلُ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ فِي مَسْأَلَتِهِ وَهِيَ الْأُولَى قَوْلُ الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَانْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ بِيَمِينِهِ الْوَاقِعِ فِي التَّحَالُفِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ أُخْرَى؟ قَالَ شَيْخُنَا: الظَّاهِرُ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (وَمَنْ يَبْدَأُ بِهِ) أَيْ وَهُوَ الزَّوْجُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ كَالْبَائِعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ س ل: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ يَبْقَى لَهَا. قَوْلُهُ: (بِفَسْخِ الْعِوَضِ) أَيْ بَعْدَ التَّحَالُفِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (مَهْرُ مِثْلٍ) فَاعِلُ: " يَجِبُ ". قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَنْوِيَا شَيْئًا) بَقِيَ مَا لَوْ اخْتَلَفَتْ نِيَّتُهُمَا قَدْرًا أَوْ صِفَةً أَوْ نَوْعًا، وَالْحُكْمُ التَّحَالُفُ كَمَا تَقَدَّمَ ق ل. [فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ] وَهُوَ مَصْدَرُ طَلَقَ بِالتَّخْفِيفِ وَاسْمُ مَصْدَرٍ لِطَلَّقَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَمَصْدَرُهُ التَّطْلِيقُ وَذَكَرَهُ عَقِبَ الْخُلْعِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فُرْقَةٌ وَهُوَ لَفْظٌ جَاهِلِيٌّ جَاءَ الشَّرْعُ بِتَقْرِيرِهِ فَلَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَعْنِي الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي حَلِّ الْعِصْمَةِ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَحْصُرُونَهُ فِي الثَّلَاثِ فَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَادِلٍ رَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ كَانَ النَّاسُ فِي الِابْتِدَاءِ يُطَلِّقُونَ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَلَا عَدَدٍ وَكَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَإِذَا قَارَبَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا كَذَلِكَ ثُمَّ رَاجَعَهَا بِقَصْدِ مُضَارَّتِهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] وَرُوِيَ «أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 هُوَ لُغَةً حَلُّ الْقَيْدِ وَشَرْعًا حَلُّ عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَعَرَّفَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ بِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ يُحْدِثُهُ بِلَا سَبَبٍ فَيَقْطَعُ النِّكَاحَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْكِتَابُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَالسُّنَّةُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْحَلَالِ أَبْغَضَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الطَّلَاقِ» . وَأَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ: صِيغَةٌ وَمَحِلٌّ وَوِلَايَةٌ وَقَصْدٌ وَمُطَلِّقٌ وَشَرْطٌ فِي الْمُطَلِّقِ وَلَوْ بِالتَّعْلِيقِ تَكْلِيفٌ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ   [حاشية البجيرمي] عِدَّتُهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ كَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ ثَابِتَةً لَهُ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَشَكَتْ أَنَّ زَوْجَهَا يُطَلِّقُهَا وَيُرَاجِعُهَا يُضَارِرْهَا بِذَلِكَ فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] » يَعْنِي الطَّلَاقَ الَّذِي تُمْلَكُ الرَّجْعَةُ عَقِبَهُ مَرَّتَانِ. اهـ. م د وَتَعْتَرِيه الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ فَيَكُونُ وَاجِبًا كَطَلَاقِ الْمَوْلَى أَوْ الْحَكَمَيْنِ كَمَا مَرَّ وَيَكُونُ حَرَامًا كَطَلَاقِ الْبِدْعَةِ وَيَكُونُ مَنْدُوبًا كَطَلَاقِ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ لَا يَمِيلُ إلَيْهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَبِأَمْرِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لِغَيْرِ تَعَنُّتٍ وَمِنْهُ طَلَاقُ سَيِّئَةِ الْخُلُقِ بِحَيْثُ لَا يَصْبِرُ عَلَى عِشْرَتِهَا لَا مُطْلَقًا لِأَنَّ سُوءَ الْخُلُقِ غَالِبٌ فِي النِّسَاءِ أَشَارَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «الصَّالِحَةُ فِي النِّسَاءِ كَالْغُرَابِ الْأَعْصَمِ» كِنَايَةٌ عَنْ نُدْرَةِ وُجُودِهَا إذْ الْأَعْصَمُ وَهُوَ أَبْيَضُ الْجَنَاحَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَذَلِكَ قِ ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ (هُوَ لُغَةً حَلُّ الْقَيْدِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَيْدِ أَعَمُّ مِنْ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ لِيَكُونَ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ عَلَاقَةٌ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَوِيُّ خِلَافَ ظَاهِرِ التَّعْبِيرِ بِالْحَلِّ وَالْمُرَادُ بِالْحَلِّ الْمَعْنَوِيِّ إزَالَةُ الْعَلَقَةِ الَّتِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَوْلُهُ (تَصَرُّفٌ) سَمَّاهُ تَصَرُّفًا لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ بِهِ أَيْ بِالطَّلَاقِ قَوْلُهُ (بِلَا سَبَبٍ) أَيْ بِلَا سَبَبٍ خَاصٍّ وَقَيَّدَ بِذَلِكَ لِإِخْرَاجِ الْفَسْخِ فَإِنَّ لَهُ أَسْبَابًا خَاصَّةً كَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ قَوْلُهُ (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي وُقُوعِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أَيْ عَدَدُ الطَّلَاقِ الَّذِي تُمْلَكُ الرَّجْعَةُ عَقِبَهُ مَرَّتَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ قَبْلَ الْمُبْتَدَأِ لِيَكُونَ الْمُبْتَدَأُ عَيْنَ الْخَبَرِ قَوْلُهُ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] أَيْ بِالرَّجْعَةِ قَوْلُهُ (لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْحَلَالِ) الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّنْفِيرُ عَنْ الطَّلَاقِ لَا حَقِيقَةُ الْبُغْضِ وَهُوَ الِانْتِقَامُ أَوْ إرَادَتُهُ مِنْ فَاعِلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَرَامِ لَا فِي الْحَلَالِ اهـ وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النَّسْلِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ النِّكَاحِ وَلَمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الزَّوْجَةِ وَأَهْلِهَا وَأَوْلَادِهَا إنْ كَانَ لَهَا أَوْلَادٌ قَالَهُ ح ل وَمَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِ الْبُغْضِ مَعْنَاهُ الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُ الرِّضَا وَهَذَا صَادِقٌ بِالْمَكْرُوهِ كَالْحَرَامِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وَصْفُهُ بِالْحِلِّ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْجَائِزُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ (وَوِلَايَةٌ وَقَصْدٌ) فِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَصْفٌ لِلْمُطَلِّقِ فَالْمُنَاسِبُ جَعْلُهُمَا مِنْ شُرُوطِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ح ل قَوْلُهُ (وَقَصْدٌ) أَيْ قَصْدُ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ أَيْ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنَاهُ وَمَحَلِّهِ عِنْدَ وُجُودِ الصَّارِفِ كَالْمُدَرِّسِ وَاَلَّذِي يَحْكِي كَلَامَ غَيْرِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ صَارِفٌ فَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدٌ قَوْلُهُ (وَمُطَلِّقٌ) لَمْ يَقُلْ زَوْجٌ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ الزَّوْجِ كَالْقَاضِي فِي طَلَاقِهِ عَنْ الْمُوَلَّى قَوْلُهُ (وَلَوْ بِالتَّعْلِيقِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا حَالَ التَّعْلِيقِ وَإِنْ جُنَّ حَالَ الْوُقُوعِ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَوْ قَالَ الْمُرَاهِقُ إذَا بَلَغْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ بَلَغَ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لَوْ قَالَ إذَا أَفَقْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَفَاقَ لِأَنَّا إذَا أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ الْإِفَاقَةِ أَوْقَعْنَاهُ بِقَوْلِهِمَا السَّابِقِ وَقَوْلُهُمَا لَا يَصِحُّ فِي الْحَالِ فَكَذَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ زي قَوْلُهُ (فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ) شَمَلَ النَّائِمَ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ عَصَى بِالنَّوْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ كَأَنْ نَامَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ اسْتِيقَاظُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَمَّا لَوْ اسْتَعْمَلَ مَا يَجْلِبُ النَّوْمَ بِحَيْثُ تَقْضِي الْعَادَةُ أَنَّ مِثْلَهُ يُوجِبُ النَّوْمَ فَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يُقَالُ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اسْتِعْمَالِ الدَّوَاءِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ بِأَنَّ الْعَقْلَ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ الَّتِي يَجِبُ حِفْظُهَا فِي سَائِرِ الْمِلَلِ بِخِلَافِ النَّوْمِ فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَبُ اسْتِعْمَالُ مَا يُحَصِّلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ رَاحَةِ الْبَدَنِ فِي الْجُمْلَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 مُكَلَّفٍ لِخَبَرِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» إلَّا السَّكْرَانَ فَيَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَاخْتِيَارًا، فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ وَإِنْ لَمْ يُوَرِّ لِإِطْلَاقِ خَبَرِ: «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ إكْرَاهٍ. وَشَرْطُ الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ مُكْرِهٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ عَاجِلًا ظُلْمًا وَعَجْزُ مُكْرَهٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَنْ   [حاشية البجيرمي] «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» تَتِمَّتُهُ «عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» صَحَّحَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَيْثُ رُفِعَ عَنْهُمْ الْقَلَمُ بَطَلَ تَصَرُّفُهُمْ وَالْمُرَادُ قَلَمُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَمَّا قَلَمُ خِطَابِ الْوَضْعِ فَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِمْ بِدَلِيلِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفُوهُ وَلَكِنْ يُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ رَبْطُ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ وُقُوعَهُ عَلَيْهِمْ وَيُجَابُ بِأَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ يَلْزَمُهُ حُكْمٌ تَكْلِيفِيٌّ كَحُرْمَةِ الزَّوْجَةِ عَلَيْهِمْ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ مَرْفُوعٌ فَيَلْزَمُ مِنْ رَفْعِ اللَّازِمِ وَهُوَ خِطَابُ التَّكْلِيفِ رَفْعُ الْمَلْزُومِ فِي خُصُوصِ مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ فِي غَيْرِهَا فَثَابِتٌ كَالْإِتْلَافِ لِأَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ قَوْلُهُ (إلَّا السَّكْرَانَ) أَيْ الْمُتَعَدِّيَ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فَيَكُونُ مُتَّصِلًا فَيَقَعُ مِنْهُ أَيْ وَلَوْ بِكِنَايَةٍ إنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِكِنَايَةٍ وَإِنْ نَوَى وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ إفَاقَتِهِ عَدَمَ التَّعَدِّي صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَيْ إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِ فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِ كَأَنْ كَانَ مُدْمِنَ خَمْرٍ فَلَا يُصَدَّقُ أَصْلًا كَمَا هُوَ مُعْتَمَدٌ م ر فِي دَرْسِهِ وَعِبَارَةُ م ر وَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَأَقَرَّهُ جَمْعٌ مِنْ عَدَمِ نُفُوذِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ بِالْكِنَايَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ مِنْهُ فَمَحَلُّ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ السَّابِقِ إنَّمَا هُوَ بِالصَّرِيحِ فَقَطْ مَرْدُودٌ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ بِأَنَّ الصَّرِيحَ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ لَفْظِهِ لِمَعْنَاهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَالسَّكْرَانُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَيْضًا فَكَمَا أَوْقَعُوهُ بِهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِذَلِكَ فَكَذَلِكَ هِيَ لِلتَّغْلِيظِ عَلَيْهِ اهـ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَعْنَوِيٌّ فَإِنَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ عَنَى أَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا خِطَابَ تَكْلِيفٍ حَالَ عَدَمِ فَهْمِهِ لِاسْتِحَالَتِهِ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُكَلَّفٌ عَنَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ حُكْمًا أَيْ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ. اهـ. قَوْلُهُ (كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ) أَيْ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ قَوْلُهُ (تَغْلِيظًا عَلَيْهِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ قَوْلُهُ (مِنْ مُكْرَهٍ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَخَرَجَ مَا كَانَ بِحَقٍّ كَطَلَاقِ الْمَوْلَى وَاحِدَةً بِإِكْرَاهِ الْقَاضِي لَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْقَاضِي يَأْمُرُهُ أَوَّلًا بِالْوَطْءِ فَإِنْ امْتَنَعَ طَالَبَهُ بِالطَّلَاقِ فَإِنْ امْتَنَعَ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْقَاضِي يُخَيِّرُهُ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يَكُونُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ. اهـ. م د مُلَخَّصًا وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يُوَرِّ) كَأَنْ يَقْصِدَ غَيْرَ زَوْجَتِهِ أَوْ يَقْصِدَ بِالطَّلَاقِ الْحَلَّ مِنْ الْوَثَاقِ أَوْ بِطَلَّقْتُ الْإِخْبَارَ كَاذِبًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْخِلَافِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَمِنْ الْإِكْرَاهِ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا قَبْلَ نَوْمِهِ فَغَلَبَهُ النَّوْمُ وَلَوْ قَبْلَ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ بِحَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْهُ قَبْلَ غَلَبَتِهِ بِوَجْهٍ أَيْ فَإِنْ تَمَكَّنَ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى غَلَبَهُ النَّوْمُ حَنِثَ وَظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِالتَّمَكُّنِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْحِنْثِ النَّوْمُ بِوُجُودِ مَنْ يَسْتَحْيِ مِنْ الْوَطْءِ بِحُضُورِهِمْ عَادَةً عِنْدَهُ كَمَحْرَمِهِ وَزَوْجَةٍ لَهُ وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ الْحِنْثِ وَجُعِلَ ذَلِكَ عُذْرًا وَيُرَادُ بِالتَّمَكُّنِ التَّمَكُّنُ الْمُعْتَادُ فِي مِثْلِهِ لَمْ يَبْعُدْ وَيَبَرُّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ بِإِدْخَالِ الْحَشَفَةِ فَقَطْ مَا لَمْ يُرِدْ بِالْوَطْءِ قَضَاءَ الْوَطَرِ. اهـ. وَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَوَجَدَهَا حَائِضًا وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ وَجَدَهَا مَرِيضَةً مَرَضًا لَا تُطِيقُ مَعَهُ الْوَطْءَ فَلَا حِنْثَ وَتُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا وَمَا لَوْ حَلَفَتْ لَتَصُومَنَّ غَدًا فَحَاضَتْ وَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنه غَدًا فَأَعْسَرَ قَوْلُهُ «فِي إغْلَاقٍ» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكْرِهَ أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابًا لَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِالطَّلَاقِ قَوْلُهُ (وَشَرْطُ الْإِكْرَاهِ) أَيْ مُطْلَقًا لَا بِقَيْدٍ كَوْنُهُ عَلَى الطَّلَاقِ قَوْلُهُ (قُدْرَةُ مُكْرِهٍ) ذَكَرَ الشَّارِحُ لِلْإِكْرَاهِ شُرُوطًا ثَلَاثَةً وَبَقِيَ أَنْ لَا تَظْهَرَ مِنْهُ قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ بِأَنْ عَدَلَ عَنْ اللَّفْظِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى ثَلَاثٍ مِنْ الطَّلْقَاتِ أَوْ عَلَى صَرِيحٍ أَوْ تَعْلِيقٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَقُولَ طَلَّقْت أَوْ عَلَى طَلَاقِ مُبْهَمَةٍ فَخَالَفَ بِأَنْ وَحَّدَ أَوْ ثَنَّى أَوْ كَنَّى أَوْ نَجَّزَ أَوْ سَرَّحَ أَوْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً وَقَعَ بَلْ لَوْ وَافَقَ الْمُكْرِهَ وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ لِاخْتِيَارِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ كِنَايَةٌ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ قَوْلُهُ (بِوِلَايَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقُدْرَةٍ قَوْلُهُ (عَاجِلًا ظُلْمًا) حَالَانِ مِنْ مَا وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 دَفْعِهِ بِهَرَبٍ وَغَيْرِهِ وَظَنَّهُ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ حَقَّقَ مَا هَدَّدَهُ بِهِ، وَيَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ بِتَخْوِيفٍ بِمَحْذُورٍ كَضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَحَبْسٍ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الصِّيغَةُ بِقَوْلِهِ: (وَالطَّلَاقُ ضَرْبَانِ) فَقَطْ (صَرِيحٌ) وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرُهُ غَيْرَ الطَّلَاقِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ كَمَا سَيَأْتِي، فَلَوْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يُقْبَلْ، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ (وَكِنَايَةٌ) وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِإِيقَاعِهِ كَمَا سَيَأْتِي، فَانْحَصَرَ الطَّلَاقُ فِي هَذَيْنِ   [حاشية البجيرمي] يَعْتَادُ الْحِرَاثَةَ لِشَخْصٍ فَتَشَاجَرَ مَعَهُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إنَّهُ لَا يَحْرُثُ لَهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَشَكَاهُ لِشَادِّ الْبَلَدِ فَأَكْرَهَهُ عَلَى الْحِرَاثَةِ لَهُ تِلْكَ السَّنَةَ وَهَدَّدَهُ بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ إنْ لَمْ يَحْرُثْ لَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا حِنْثَ لِأَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يُشْتَرَطُ تَجَدُّدُ الْإِكْرَاهِ مِنْ الشَّادِّ الْمَذْكُورِ بَلْ يَكْفِي مَا وُجِدَ مِنْهُ أَوَّلًا حَيْثُ أَكْرَهَهُ عَلَى الْفِعْلِ جَمِيعَ السَّنَةِ عَلَى الْعَادَةِ بَلْ لَوْ قَالَ لَهُ اُحْرُثْ جَمِيعَ السِّنِينَ وَكَانَ حَلَفَ إنَّهُ لَا يَحْرُثُ لَهُ أَصْلًا لَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا لَمْ يَحْنَثْ مَا دَامَ الشَّادُّ مُتَوَلِّيًا فَإِنْ عُزِلَ وَتَوَلَّى غَيْرُهُ وَلَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى الْحَرْثِ حَنِثَ بِالْحَرْثِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ فَحَلَفَ إنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ حَنِثَ لِأَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ بِحَقٍّ. اهـ. ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ (وَعَجْزُ مُكْرَهٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَنْ دَفْعِهِ) لَا يُقَالُ هُوَ عِنْدَ قُدْرَةِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْهَرَبِ مَثَلًا لَا يَصِيرُ الْمُكْرِهُ قَادِرًا عَلَى مَا هَدَّدَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ لِهَذَا الْقَيْدِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّا نَقُولُ قُدْرَةُ الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ عَلَى الْهَرَبِ لَا تُنَافِي قُدْرَةَ الْمُكْرِهِ عَلَى مَا هَدَّدَ بِهِ كَمَا فِي ح ل قَوْلُهُ (وَظَنُّهُ) فَلَوْ بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْوُقُوعِ أَيْضًا قَوْلُهُ (بِتَخْوِيفٍ) الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَا يَسْهُلُ ارْتِكَابُهُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ لَيْسَ إكْرَاهًا وَعَكْسُهُ إكْرَاهٌ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ (كَضَرْبٍ شَدِيدٍ) وَيَخْتَلِفُ الضَّرْبُ وَغَيْرُهُ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ حَتَّى قَالَ الدَّارِمِيُّ إنَّ الضَّرْبَ الْيَسِيرَ بِحَضْرَةِ الْمَلَأ إكْرَاهٌ فِي حَقِّ ذَوِي الْمُرُوآتِ وَقَالَ الشَّاشِيُّ إنَّ الِاسْتِخْفَافَ فِي حَقِّ الْوَجِيهِ إكْرَاهٌ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّ الشَّتْمَ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ إكْرَاهٌ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا بِزَوْجَتِهِ أَوْ قَتْلُ وَلَدِهِ أَوْ الْفُجُورُ بِهِ؟ وَهَلْ وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ اعْتَادَ الْقِيَادَةَ عَلَيْهَا وَفِي الرَّوْضِ أَنَّ التَّخْوِيفَ بِقَتْلِ الْوَلَدِ إكْرَاهٌ فِي الطَّلَاقِ وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا أَنَّ مِنْ الْإِكْرَاهِ التَّهْدِيدَ بِقَتْلِ بَعْضِ مَعْصُومٍ وَإِنْ عَلَا أَوْ سَفَلَ وَكَذَا رَحِمٍ وَنَحْوَ جَرْحِهِ جَرْحًا شَدِيدًا أَوْ فُجُورًا بِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْإِكْرَاهِ قَوْلُ مَنْ ذَكَرَ طَلِّقْ زَوْجَتَك وَإِلَّا قَتَلْت نَفْسِي مَا لَمْ يَكُنْ نَحْوَ فَرْعٍ أَوْ أَصْلٍ ح ل بِزِيَادَةٍ مِنْ ق ل قَوْلُهُ (كَحَبْسٍ) أَيْ طَوِيلٍ عُرْفًا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَمِنْهُ حَبْسُ دَوَابِّهِ حَبْسًا يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر وَمِنْ الْإِكْرَاهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي وَإِلَّا أَطْعَمْتُك سُمًّا مَثَلًا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ ق ل وَبِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ (الثَّانِي) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْكَانِ قَوْلُهُ (صَرِيحٌ إلَخْ) وَالْعِبْرَةُ فِي الْكُفَّارِ فِي الصَّرِيحِ بِمَا يَعْتَقِدُونَ صَرَاحَتَهُ وَإِنْ خَالَفَ مَا عِنْدَنَا لِأَنَّا نَعْتَبِرُ اعْتِقَادَهُمْ فِي عُقُودِهِمْ فَكَذَا فِي طَلَاقِهِمْ وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا أَيْ إلَى حَاكِمِنَا وَأَمَّا الْمُفْتِي فَيُجِيبُ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ ق ل مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ (لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ) أَيْ إرَادَتِهِ فَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي مِنْ اعْتِبَارِ قَصْدِ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الصَّارِفِ اهـ وَشَرْطُ وُقُوعِهِ بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ رَفْعُ صَوْتِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ وَلَا عَارِضَ وَلَا يَقَعُ بِغَيْرِ لَفْظٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَهُ م ر فِي شَرْحِهِ وَقَوْلُهُ (وَلَا يَقَعُ بِغَيْرِ لَفْظٍ) أَيْ وَلَا بِصَوْتٍ خَفِيٍّ بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَقَوْلُهُ (عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ) أَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ سَيِّدِنَا مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ يَقَعُ بِنِيَّتِهِ. اهـ. حَجّ بِالْمَعْنَى قَوْلُهُ (لَمْ يُقْبَلْ) الْمُنَاسِبُ لَمْ يُفِدْ إذْ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَأَيْضًا هُوَ لَوْ قَالَ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ وَلَكِنَّ قَبُولَهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا إذْ عَدَمُ النِّيَّةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الصَّرِيحِ شَيْخُنَا وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ لَمْ يُقْبَلْ صَوَابُهُ لَا يَمْنَعُ الْوُقُوعَ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ وَإِنْ قَبِلْنَاهُ اهـ أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ فَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ إيقَاعٍ لَا يُلَائِمُهُ قَوْلُهُ (فِيهِ) أَيْ فِي عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى نِيَّةِ الْإِيقَاعِ أَوْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ (وَكِنَايَةٍ) وَهِيَ التَّكَلُّمُ بِكَلَامٍ يُرِيدُ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ وَلَعَلَّ هَذَا بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَأَمَّا عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ فَهِيَ لَفْظٌ يَحْتَمِلُ الْمُرَادَ وَغَيْرَهُ فَيَحْتَاجُ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ لِنِيَّةِ الْمُرَادِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 الْقِسْمَيْنِ؛ وَمَا وَقَعَ لِلدَّمِيرِيِّ فِي قَوْلِهِ لَنَا طَلَاقٌ يَقَعُ بِلَا صَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ وَصُوَرُهُ بِاعْتِرَافِ الزَّوْجَيْنِ بِفِسْقِ الشُّهُودِ حَالَةَ الْعَقْدِ هُوَ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ، وَالصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهَا فُرْقَةُ فَسْخٍ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ بِنِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا بِتَحْرِيكِ لِسَانِهِ بِكَلِمَةِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ مَعَ اعْتِدَالِ سَمْعِهِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكَلَامٍ. (فَالصَّرِيحُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ) فَقَطْ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ (الطَّلَاقُ) أَيْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُ لِاشْتِهَارِهِ فِيهِ لُغَةً وَعُرْفًا (وَ) كَذَا (الْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ) بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُمَا عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَاهُ. وَأَمْثِلَةُ الْمُشْتَقِّ مِنْ الطَّلَاقِ كَطَلَّقْتُكِ وَأَنْتِ طَالِقٌ وَيَا مُطَلَّقَةُ يَا طَالِقُ لَا أَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ فَلَيْسَا بِصَرِيحَيْنِ بَلْ كِنَايَتَانِ؛ لِأَنَّ الْمَصَادِرَ إنَّمَا   [حاشية البجيرمي] لِخَفَائِهِ فَهِيَ نِيَّةُ أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ لَا نِيَّةُ مَعْنًى مُغَايِرٍ لِمَدْلُولِهِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ) وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلَّفْظِ إشْعَارٌ قَرِيبٌ بِالْفُرْقَةِ وَلَمْ يَشِعْ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِإِيقَاعِهِ) لَوْ قَالَ لِإِرَادَتِهِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. قَوْلُهُ. (إلَى نِيَّةٍ) وَلَوْ أَنْكَرَ نِيَّتَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَكَذَا وَارِثُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ نَوَى، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ هِيَ أَوْ وَارِثُهَا أَنَّهُ نَوَى؛ لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى النِّيَّةِ يُمْكِنُ بِالْقَرَائِنِ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَالصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ النِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا طَلَاقَ وَلَا فَسْخَ وَإِنْ حَصَلَ وَطْءٌ وَيَكُونُ وَطْءَ شُبْهَةٍ إنْ لَمْ يَعْلَمَا بِالْحَالِ وَإِلَّا كَانَ زِنًا وَكَانَ الْأَوْجَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ لَمْ يُوجَدْ النِّكَاحُ مِنْ أَصْلِهِ. قَوْلُهُ: (أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ) أَيْ قَوْلُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ. قَوْلُهُ: (لَا يَقَعُ طَلَاقٌ بِنِيَّةٍ) خَرَجَ بِالطَّلَاقِ الْعَدَدُ فَيَقَعُ بِالنِّيَّةِ. فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنَوَى ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ وَقَعَ، أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنَوَى ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى مَا ذَكَرَهُ وَقَعَ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَقَعُ الثَّلَاثُ مَعَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً؟ أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدَةً حَالٌ أَيْ حَالَ كَوْنِك مُتَوَحِّدَةً عَنْ الزَّوَاجِ أَيْ مُنْفَرِدَةً عَنْهُ وَهَذَا يَتَحَقَّقُ مَعَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ، وَلَيْسَ وَاحِدَةٌ صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ طَلْقَةً وَاحِدَةً. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ) وَكَذَا مَا اُشْتُقَّ مِنْ الْخُلْعِ وَالْمُفَادَاةِ إنْ ذَكَرَ الْمَالَ أَوْ نَوَاهُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (أَيْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُ) أَيْ أَوْ هُوَ نَفْسُهُ فِي نَحْوِ أَوْقَعْت عَلَيْك الطَّلَاقَ أَوْ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ عَلَيَّ الطَّلَاقُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَصْدَرَ يَكُونُ صَرِيحًا إذَا وَقَعَ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا أَوْ مُبْتَدَأً. قَوْلُهُ: (كَطَلَّقْتُكِ) أَتَى بِالْكَافِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ إذَا حُذِفَ الْمَفْعُولُ لَا يَقَعُ إلَّا إذَا دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ وَلَاحَظَهُ كَمَا إذَا قَالَ شَخْصٌ: طَلَّقْت زَوْجَتك؟ فَقَالَ: طَلَّقْت الْمَعْنَى طَلَّقْتهَا، فَإِذَا لَاحَظَ ذَلِكَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا، أَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي، فَقَالَ: طَلَّقْت وَنَوَى الْمَفْعُولَ، أَيْ طَلَّقْتُك. وَكَذَا الْمُبْتَدَأُ أَوْ الْخَبَرُ إذَا حُذِفَ أَحَدُهُمَا لَا يَقَعُ إلَّا إذَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَلَاحَظَهُ، كَمَا إذَا قَالَ لَهُ شَخْصٌ: أَزَوْجَتُك طَالِقٌ؟ فَقَالَ: طَالِقٌ، التَّقْدِيرُ: زَوْجَتِي طَالِقٌ، أَوْ هِيَ طَالِقٌ، فَإِذَا لَاحَظَ ذَلِكَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا. وَمِثَالُ الْخَبَرِ مَا إذَا قَالَ: نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي أَوْ وَزَوْجَتِي، التَّقْدِيرُ: طَالِقٌ، وَلَاحَظَ ذَلِكَ وَقَعَ، وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْت نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَزَوْجَتِي فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْكُلِّ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ اهـ: فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّنْ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ سَكَتَ سَكْتَةً طَوِيلَةً تَزِيدُ عَلَى سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ أَوْ الْعِيِّ فَقَالَ زَوَّدْتُك أَلْفَ طَلْقَةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ طَلَاقًا، فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ فَقَطْ أَمْ ثَلَاثٌ؟ وَأَجَابَ شَيْخُنَا ع ش: بِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ بِقَوْلِهِ الثَّانِي زَوَّدْتُك إلَخْ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً وَلَمْ يَكُنْ سَبَقَهَا طَلْقَتَانِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَا مُطَلَّقَةُ) بِفَتْحِ اللَّامِ مُشَدَّدَةٍ أَمَّا بِكَسْرِهَا فَكِنَايَةُ طَلَاقٍ مِنْ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَحَلُّ التَّطْلِيقِ وَقَدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 تُسْتَعْمَلُ فِي الْأَعْيَانِ تَوَسُّعًا. وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرَ فَارَقْتُك وَسَرَّحْتُك فَهُمَا صَرِيحَانِ، وَكَذَا أَنْتِ مُفَارَقَةٌ وَمُسَرَّحَةٌ وَيَا مُفَارَقَةُ وَيَا مُسَرَّحَةُ، وَأَنْتِ فِرَاقٌ وَالْفِرَاقُ وَسَرَاحٌ وَالسَّرَاحُ كِنَايَاتٌ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وِثَاقٍ أَوْ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ سَرَّحْتُك إلَى كَذَا كَانَ كِنَايَةً إنْ قَصَدَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَلِفِ وَإِلَّا فَصَرِيحٌ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَنْ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ مِنْ ذِرَاعِهِ أَوْ فَرَسِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَوْ أَتَى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ بَدَلَ الطَّاءِ كَأَنْ يَقُولَ أَنْتِ تَالِقٌ كَانَ كِنَايَةً كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ سَوَاءٌ أَكَانَتْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ أَمْ لَا، وَلَوْ قَالَ: نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ طَوَالِقُ لَمْ تَطْلُقْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقَهَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ. وَتَرْجَمَةُ لَفْظِ الطَّلَاقِ بِالْعَجَمِيَّةِ صَرِيحٌ لِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي مَعْنَاهَا عِنْدَ أَهْلِهَا دُونَ تَرْجَمَةِ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ   [حاشية البجيرمي] أَضَافَهُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ فَلَا بُدَّ فِي وُقُوعِهِ مِنْ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ إلَى مَحَلِّهِ وَهُوَ الزَّوْجُ بِأَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ هُوَ الْمُطَلِّقُ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالطَّلَاقُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى: " أَوْ " وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " طَلَاقٌ ". قَوْلُهُ: (فِي الْأَعْيَانِ) أَيْ فِي حَالَةِ الْإِخْبَارِ كَمَا هُوَ صُورَتُهُ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَصْدَرُ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ الْأَخْبَارِ كَأَنْ قَالَ أَوْقَعْت عَلَيْك الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَذَكَرَهُ الرَّشِيدِيُّ عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (تَوَسُّعًا) لِكَوْنِ الْمَصْدَرِ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي فَلَمَّا كَانَ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْأَعْيَانِ إلَّا تَوَسُّعًا كَانَ كِنَايَةً. قَوْلُهُ: (وَيَا مُفَارَقَةُ) أَيْ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَمَّا بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ فَكِنَايَةٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كِنَايَاتٌ) وَكَذَا أَنْتَ فُرْقَةٌ أَوْ سَرْحَةٌ أَوْ طَلْقَةٌ سم وَمِنْ الْكِنَايَةِ فَارْقِينِي. لَا يُقَالُ إنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْفِرَاقِ وَهُوَ صَرِيحٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ أَسْنَدَهُ إلَيْهَا وَالْفِرَاقُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) أَيْ أَرْبَعَةٌ. وَحَاصِلُهُ تَقْيِيدُ الصَّرِيحِ بِمَا إذَا لَمْ يُتْبِعْهُ بِمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصَّرَاحَةِ. قَوْلُهُ: (كَانَ كِنَايَةً) فِي كَوْنِهِ كِنَايَةً نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ صَرِيحٌ بِاتِّفَاقٍ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا تُخْرِجُهَا عَنْ الصَّرَاحَةِ؛ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا تَصِيرُ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَانَ كَالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا قَالَ م ر. وَاَلَّذِي فِي م ر. مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ صَرِيحٌ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ نَحْوِ مِنْ وَثَاقٍ مُلْحَقٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَيَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُهُ مِنْ النِّيَّةِ قَبْلَ تَمَامِ الصِّيغَةِ فَيَقَعُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، إذْ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَقَصَدَ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ إذْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْوُقُوعِ، وَفِيهِ أَنَّهُ وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ شَرْحِ م ر. أَنَّهُ كِنَايَةٌ أَيْ عِنْدَ قَصْدِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ، وَبِمَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ صَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى. وَذَكَرَ الرَّشِيدِيُّ عَلَى م ر. مَا حَاصِلُهُ نَقْلًا عَنْ الشِّهَابِ: أَنَّهُ إنْ قَصَدَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ صِيغَةِ الطَّلَاقِ كَانَتْ صِيغَةُ الطَّلَاقِ كِنَايَةً إنْ نَوَى بِهَا طَلَاقَ زَوْجَتِهِ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا؛ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (إنْ قَصَدَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ) أَيْ وَتَلَفَّظَ بِذَلِكَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ وَنَوَاهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَلِفِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِلَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ. قَوْلُهُ: (وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مِنْ ذِرَاعِهِ إلَخْ) فَهُوَ كَالِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَيُشْتَرَطُ شُرُوطُهُ وَالْعَامِّيُّ وَالْعَالِمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَتْ لُغَتَهُ إلَخْ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى لِاخْتِلَافِ الْمَادَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّلَاقِي بِمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ وَالطَّلَاقُ مَعْنَاهُ الْفِرَاقُ. وَفَصَّلَ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ لُغَتَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَاعْتَمَدَ هَذَا التَّفْصِيلَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالطَّبَلَاوِيُّ؛ لَكِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ لُغَتَهُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (لَمْ تَطْلُقْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ) فَلَوْ قَالَ: وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي، لَمْ تَطْلُقْ أَيْضًا لِعَطْفِهِ عَلَى مَا لَيْسَ مَحَلًّا لِطَلَاقِهِ مَعَ حَذْفِ أَحَدِ رُكْنَيْ الْإِسْنَادِ وَهُوَ طَالِقٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ ضَعِيفًا، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ لَكِنَّ الْحُكْمَ هُنَا مُسَلَّمٌ. قَالَ ع ش: وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا، وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا أَغْلَقَ عَلَى زَوْجَتِهِ الْبَابَ ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُ لَهَا أَحَدٌ ثُمَّ غَابَ عَنْهَا ثُمَّ رَجَعَ وَفَتَحَ لَهَا هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا وَهُوَ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِمَا ذُكِرَ اهـ. وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى سَائِرِ الْمَذَاهِبِ، إنْ قَصَدَ طَلْقَةً مُجْمَعًا عَلَيْهَا وَقَعَ وَاحِدَةً وَإِنْ قَصَدَ تَعَدُّدَ الطَّلَاقِ بِتَعَدُّدِ الْمَذَاهِبِ وَقَعَ ثَلَاثًا. قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 فَإِنَّهَا كِنَايَةٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي صَرَاحَتِهَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَضَعُفَا بِالتَّرْجَمَةِ. (وَلَا يَفْتَقِرُ) وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِصَرِيحِهِ (إلَى النِّيَّةِ) إجْمَاعًا إلَّا فِي الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ النِّيَّةُ إنْ نَوَاهُ وَقَعَ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْوَكِيلُ فِي الطَّلَاقِ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ إذَا طَلَّقَ عَنْ مُوَكِّلِهِ بِالصَّرِيحِ النِّيَّةُ إنْ كَانَ لِمُوَكِّلِهِ زَوْجَةٌ أُخْرَى كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْخَادِمِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ زَوْجَتَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزٍ، قَالَ: أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِمُوَكِّلِهِ غَيْرُهَا فَفِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ نَظَرٌ لِتَعَيُّنِ الْمَحَلِّ الْقَابِلِ لِلطَّلَاقِ مِنْ أَهْلِهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُقَالُ إنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَصْدُ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ وَلَا يَكْفِي قَصْدُ حُرُوفِ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَعْنَاهُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ، وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَصْدِ الْإِيقَاعِ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ. فُرُوعٌ: قَوْلُهُ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ عَلَيَّ صَرِيحٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فَرْضٌ عَلَيَّ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ وَسَكَتَ فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ: إنَّهُ صَرِيحٌ؛ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ الْحَقُّ فِي هَذَا الزَّمَنِ لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَى التَّطْلِيقِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَقَوْلُهُ لَهَا طَلَّقَك اللَّهُ وَلِغَرِيمِهِ أَبْرَأَك اللَّهُ وَلِأَمَتِهِ أَعْتَقَك اللَّهُ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْعِتْقِ، إذْ لَا يُطَلِّقُ اللَّهُ وَلَا يُبْرِئُ اللَّهُ وَلَا يَعْتِقُ اللَّهُ وَالزَّوْجَةُ طَالِقٌ وَالْغَرِيمُ بَرِيءٌ وَالْأَمَةُ مُعْتَقَةٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بَاعَك اللَّهُ أَوْ أَقَالَك اللَّهُ فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ الصِّيَغَ هُنَا قَوِيَّةٌ لِاسْتِقْلَالِهَا بِالْمَقْصُودِ بِخِلَافِ صِيغَتَيْ الْبَيْعِ   [حاشية البجيرمي] وَتَرْجَمَةُ لَفْظِ الطَّلَاقِ بِالْعَجَمِيَّةِ صَرِيحٌ) وَتَرْجَمَةُ الطَّلَاقِ بِالْعَجَمِيَّةِ: سن بوش فسن أَنْت وبوش طَالِقٌ؛ أَفَادَهُ الْبَابِلِيُّ. قَوْلُهُ: (إلَى النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ إيقَاعِهِ هَذَا هُوَ الْمَنْفِيُّ، أَمَّا نِيَّةُ قَصْدِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا إنْ كَانَ هُنَاكَ صَارِفٌ فِي كُلٍّ مِنْ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الْمُكْرَهِ إلَخْ) فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قَصْدِ الْإِيقَاعِ وَقَصْدِ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ فَصَرِيحُهُ كِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (إنْ نَوَاهُ وَقَعَ عَلَى الْأَصَحِّ) وَلَيْسَ لَنَا صَرِيحٌ يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ إلَّا هَذَا. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْوَكِيلُ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ نِيَّةُ الزَّوْجَةِ لَا نِيَّةُ الطَّلَاقِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ قِ ل. وَصُورَةُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَهُ زَوْجَتَانِ وَعَيَّنَ لَهُ وَاحِدَةً وَكَّلَهُ فِي طَلَاقِهَا فَيُشْتَرَطُ فِي الْوَكِيلِ قَصْدُهَا بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ لَفْظُهُ صَرِيحًا. قَوْلُهُ: (النِّيَّةُ) أَيْ نِيَّةُ الزَّوْجَةِ. قَوْلُهُ: (لِتَرَدُّدِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (فَفِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الزَّوْجَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ أَهْلِ الطَّلَاقِ، أَيْ الْأَهْلِ لِلطَّلَاقِ وَهُوَ الْوَكِيلُ. قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَصْدُ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ) دَخَلَ فِيهِ الْهَازِلُ وَاللَّاعِبُ وَمَنْ ظَنَّ مُخَاطَبَتَهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ فَإِذَا هِيَ زَوْجَتُهُ، بِخِلَافِ مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ وَالْحَاكِي فَإِنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا اللَّفْظَ لِمَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَعْنَاهُ) كَالْعِتْقِ فَلَوْ قُلْت لِمَنْ يَضْرِبُ عَبْدَك عَبْدٌ مَا هُوَ لَك حُرٌّ مِثْلُك لَمْ يَعْتِقْ. قَوْلُهُ: (يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ) فَخَرَجَ الْأَعْجَمِيُّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ مَعْنَى الطَّلَاقِ، وَخَرَجَ أَيْضًا مَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِقَوْمٍ تَضَجَّرَ مِنْهُمْ طَلَّقْتُكُمْ وَفِيهِمْ زَوْجَتُهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا فِيهِمْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ لَهُ هُوَ الْفِرَاقُ اللُّغَوِيُّ لَا الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ حَلُّ الْعِصْمَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِمَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ يَا طَالِقُ وَلَمْ يَقْصِدْ طَلَاقًا فَلَا يَقَعْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لَازِمٌ لِي) أَوْ يَلْزَمُنِي وَمِثْلُهُ طَلَاقُك لَازِمٌ لِي كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَأَقَرَّاهُ، وَقِيلَ إنَّهُ كِنَايَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَقِيلَ لَغْوٌ سم. قَوْلُهُ: (لِلْعُرْفِ) أَيْ بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ؛؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عُرْفًا بِخِلَافِ الْوَاجِبِ زي. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ كِنَايَةٌ) لِاحْتِمَالِهِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيَقَعُ بِهِ وَاحْتِمَالُهُ الطَّلَاقُ فَرْضٌ عَلَيَّ فَلَا يَقَعُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ إنَّهُ صَرِيحٌ) مُعْتَمَدٌ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ بِالثَّلَاثِ إنْ رُحْت دَارَ أَبِيك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَاحَتْ وَقَعَ الثَّلَاثُ اعْتِبَارًا بِأَوَّلِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر، وَقَالَ وَلَدُهُ يَقَعُ طَلْقَةً فَالْأَوَّلُ قَسَمٌ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: (لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَى التَّطْلِيقِ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ صَرَاحَةٍ عَلَى الْفِرَاقِ أَوْ السَّرَاحِ سم. قَوْلُهُ: (إذْ لَا يُطَلِّقُ اللَّهُ) الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَحْكُمُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ الْإِبْرَاءِ إلَّا بَعْدَ صُدُورِ طَلَاقٍ مِنْ الزَّوْجِ وَصُدُورِ عِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الصِّيَغَ هُنَا) أَيْ فِي نَحْوِ طَلَّقَك اللَّهُ قَوِيَّةٌ لِاسْتِقْلَالِهَا بِالْمَقْصُودِ لِعَدَمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 وَالْإِقَالَةِ. (وَالْكِنَايَةُ كُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ) وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ الْبَغَوِيِّ فِي تَهْذِيبِهِ هِيَ كُلُّ لَفْظٍ يُنْبِئُ عَنْ الْفُرْقَةِ وَإِنْ دَقَّ وَلَا قَوْلَ الرَّافِعِيِّ هِيَ مَا احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ فَصَاعِدًا وَهِيَ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي أَظْهَرُ لِرُجُوعِ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ. (وَتَفْتَقِرُ) فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَا (إلَى النِّيَّةِ) إجْمَاعًا، إذْ اللَّفْظُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ تُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا، وَأَلْفَاظُهَا كَثِيرَةٌ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِقَوْلِهِ: (مِثْلُ أَنْتِ خَلِيَّةٌ) أَيْ خَالِيَةٌ مِنِّي وَكَذَا يُقَدَّرُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِيمَا بَعْدَهُ (وَ) أَنْتِ (بَتَّةٌ) بِمُثَنَّاةٍ قَبْلَ آخِرِهِ أَيْ مَقْطُوعَةُ الْوَصْلَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَتِّ وَهُوَ الْقَطْعُ. تَنْبِيهٌ: تَنْكِيرُ أَلْبَتَّةَ جَوَّزَهُ الْفَرَّاءُ وَالْأَصَحُّ وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُعَرَّفًا بِاللَّامِ. (وَ) أَنْتِ (بَائِنٌ) مِنْ الْبَيْنِ وَهُوَ الْفِرَاقُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ بَائِنٌ هُوَ اللُّغَةُ الْفُصْحَى وَالْقَلِيلُ بَائِنَةٌ.   [حاشية البجيرمي] تَوَقُّفِهَا عَلَى شَيْءٍ آخَرَ، بِخِلَافِ صِيغَتَيْ الْبَيْعِ وَالْإِقَالَةِ فَإِنَّهُمَا غَيْرُ مُسْتَقِلَّيْنِ بِالْمَقْصُودِ لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى الْقَبُولِ. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الشَّخْصُ إذَا أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ كَانَ صَرِيحًا وَكُلَّ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الشَّخْصُ إذَا أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ كَانَ كِنَايَةً؛ وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِقَوْلِهِ: مَا فِيهِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْإِنْشَاءِ ... وَكَانَ مُسْنَدًا لِذِي الْآلَاءِ فَهُوَ صَرِيحٌ ضِدُّهُ كِنَايَهْ ... فَكُنْ لِذَا الضَّابِطِ ذَا دِرَايَهْ قَوْلُهُ: (وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ الْبَغَوِيِّ) أَيْ فِي تَعْرِيفِ الْكِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (يُنْبِئُ عَنْ الْفُرْقَةِ) أَيْ إنْبَاءً غَيْرَ ظَاهِرٍ وَغَيْرَ قَوِيٍّ، وَإِلَّا فَالصَّرِيحُ يُنْبِئُ عَنْ الْفُرْقَةِ لَكِنَّ دَلَالَةَ ظَاهِرِهِ قَوِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ دَقَّ) أَيْ وَإِنْ خَفِيَ مَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي أَظْهَرُ) وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (وَيُفْتَقَرُ إلَخْ) صَنِيعُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَلَوْ حَذَفَ " فِي " مِنْ قَوْلِهِ " فِي وُقُوعِ " وَجَعَلَ " يُفْتَقَرُ " مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ كَانَ أَوْلَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (خَلِيَّةٌ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ مِنْ الزَّوْجِ وَهُوَ خَالٍ مِنْهَا فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، أَيْ خَالِيَةٌ؛ وَالْأَصْلُ فِي الْخَلِيَّةِ النَّاقَةُ تُطْلَقُ مِنْ عِقَالِهَا وَيُخَلَّى عَنْهَا. مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ تَكُونِي طَالِقًا هَلْ تَطْلُقُ أَمْ لَا لِاحْتِمَالِ هَذَا اللَّفْظِ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ؟ وَهَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ؟ إنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي الْحَالِ فَمَتَى يَقَعُ أَبِمُضِيِّ لَحْظَةٍ أَمْ لَا يَقَعُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُبْهَمٌ؟ الْجَوَابُ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كِنَايَةٌ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ طَلُقَتْ أَوْ التَّعْلِيقَ احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ وَعْدٌ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر. فَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الْأَمْرَ عَلَى حَذْفِ اللَّامِ أَيْ لِتَكُونِي فَهُوَ إنْشَاءٌ فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ بِلَا شَكٍّ سم. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ كُونِي طَالِقًا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ " الظَّاهِرُ إلَخْ " مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ضِمْنِ تَعْلِيقٍ كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَكُونِي طَالِقًا، وَإِلَّا وَقَعَ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (يُقَدَّرُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ) أَيْ جِنْسُهُ لَا شَخْصُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ وَأَنْتِ حَرَامٌ يُقَدَّرُ عَلَيَّ لَا مِنِّي كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، أَيْ فَيُقَدَّرُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ: عَنِّي أَوْ عَلَيَّ أَوْ الْبَاءِ أَوْ الْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ الَّتِي يَجِبُ تَعْرِيفُهَا مَا كَانَتْ بِمَعْنَى قَطْعًا أَوْ لَا مَحَالَةَ أَوْ لَا بُدَّ فَرَاجِعْهُ ق ل. وَهِيَ هُنَا بِمَعْنَى مَقْطُوعَةِ الْوَصْلَةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ، وَعِبَارَةُ الصِّحَاحِ: لَا أَفْعَلُهُ بَتَّةً وَلَا أَفْعَلُهُ أَلْبَتَّةَ لِكُلِّ أَمْرٍ لَا رَجْعَةَ فِيهِ وَنَصَبَهُ عَلَى الْمَصْدَرِ اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ انْدِفَاعُ اعْتِرَاضِ ق ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: تَنْكِيرُهَا لُغَةً اهـ. قَالَ ع ش عَلَيْهِ: قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَنْ الْعَرَبِ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ اهـ. قَوْلُهُ: (بَائِنٌ) وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بَيْنُونَةً لَا تَحِلِّينَ بَعْدَهَا. اهـ. ق ل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 (وَ) أَنْتِ (حَرَامٌ) أَيْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ مَمْنُوعَةٌ لِلْفُرْقَةِ. (وَ) أَنْتِ (كَالْمَيِّتَةِ) أَيْ فِي التَّحْرِيمِ شَبَّهَ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ كَتَحْرِيمِ الْمَيِّتَةِ وَاغْرُبِي بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ رَاءٍ أَيْ صِيرِي غَرِيبَةً بِلَا زَوْجٍ، وَأَمَّا اُعْزُبِي بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ فَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَعْنَاهُ كَمَا سَيَأْتِي. (وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك) أَيْ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا. (وَتَقَنَّعِي) أَيْ اُسْتُرِي رَأْسَك بِالْقِنَاعِ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَالْقِنَاعُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالْمِقْنَعَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَمَحَاسِنَهَا. (وَابْعُدِي) أَيْ مِنِّي؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك (وَاذْهَبِي) أَيْ عَنِّي؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَهُمَا بِمَعْنَى اُعْزُبِي بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ (وَالْحَقِي بِأَهْلِك) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَجَعَلَهُ الْمُطَرِّزِيُّ خَطَأً أَيْ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك سَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا. أَهْلٌ أَمْ لَا. (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) مِنْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَأَنْتِ حَرَامٌ) وَكَذَا عَلَيَّ الْحَرَامُ فَكِنَايَةٌ إنْ قَصَدَ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَمَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِاَللَّهِ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ أَيْ عَلَيَّ وَمِثْلُهُ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ أَبَدًا وَمِثْلُ عَلَيَّ الْحَرَامُ الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي. اهـ. ز ي. وَقَوْلُهُ " عَلَيَّ الْحَلَالُ " كِنَايَةٌ إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ ع ش: وَخَرَجَ بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مَا لَوْ حَذَفَ أَنْتِ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ الْحَرَامُ وَقُوَّةُ كَلَامِهِ تُعْطِي أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُهُ كَالشَّرَفِ الْمُنَاوِيِّ؛ لَكِنْ فِي فَتَاوَى الشَّارِحِ أَنَّ عَلَيَّ الْحَرَامُ أَوْ الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي كِنَايَةٌ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ حَيْثُ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ. فَرْعٌ: يَقَعُ كَثِيرًا أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ عَلَيَّ الْحَرَامُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الْحَرَامَ عِنْدَ مَالِكٍ مَعْنَاهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ كَانَ حَلِفًا بِالثَّلَاثِ لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ نِيَّةَ الْعَدَدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فَلَهُ تَقْلِيدُ الشَّافِعِيِّ فِي عَدَمِ الْعَدَدِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ؛ هَكَذَا ظَهَرَ فَلْيُنْظَرْ فِيهِ اهـ، كَذَا بِخَطِّ الرَّشِيدِيِّ. وَمِنْ الْكِنَايَةِ أَيْضًا مَا لَوْ زَادَ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَاظًا تُؤَكِّدُ بَعْدَهُ عَنْهَا كَأَنْتِ حَرَامٌ كَالْخِنْزِيرِ أَوْ كَالْمَيْتَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا اشْتَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ كَمَا حَرُمَ لَبَنُ أُمِّي أَوْ إنْ أَتَيْتُك أَتَيْتُك مِثْلَ أُمِّي وَأُخْتِي أَوْ مِثْلَ الزَّانِي فَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ كِنَايَةً، وَلَيْسَ مِنْ الْكِنَايَةِ مَا لَوْ قَالَتْ لَهُ أَنَا ذَاهِبَةٌ بَيْتَ أَبِي مَثَلًا فَقَالَ لَهَا الْبَابُ مَفْتُوحٌ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَعْنَاهُ) وَهُوَ قَوْلُهُ اُبْعُدِي وَاذْهَبِي فَإِنَّهُمَا بِمَعْنَى اُعْزُبِي. قَوْلُهُ: (أَيْ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك) أَتَى الشَّارِحُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْكِنَايَاتِ بِالْمَعْنَى الْمُوقِعِ لِلطَّلَاقِ وَتَرَكَ الِاحْتِمَالَ الْآخَرَ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهَا) ؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلْعِدَّةِ فِي الْجُمْلَةِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ غَيْرَهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَابْعُدِي) بِضَمِّ الْعَيْنِ كَشَرُفَ يَشْرُفُ. قَوْلُهُ: (وَهُمَا بِمَعْنَى اُعْزُبِي) وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ صِيرِي عَزَبًا، وَهُوَ بِضَمِّ الزَّايِ وَكَسْرِهَا مِنْ بَابِ دَخَلَ وَجَلَسَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ. قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ) أَيْ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ مَتَى كَانَتْ مَكْسُورَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَفْتُوحَةً مَعَ كَسْرِ الْحَاءِ، فَإِنَّ الْهَمْزَةَ لِلْقَطْعِ تَثْبُتُ فِي الْحَالَيْنِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ " فَتْحُ الْحَاءِ " أَيْ مِنْ الْحَقِي. قَوْلُهُ: (وَجَعَلَهُ الْمُطَرِّزِيُّ خَطَأً) وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ خَطَأً إلَّا إنْ قَصَدَ بِهِ مَعْنَى الْأَوَّلِ أَمَّا لَوْ قُدِّرَ لَهُ مَفْعُولٌ كَلَفْظِ نَفْسِك، فَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ خَطَأً. اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ " وَجَعَلَهُ الْمُطَرِّزِيُّ خَطَأً " وَجْهُهُ أَنَّ الثُّلَاثِيَّ تُكْسَرُ هَمْزَةُ الْأَمْرِ فِيهِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِهِ نَحْوُ اعْلَمِي، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْقِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ مِنْ الْحَقْ الرُّبَاعِيِّ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الثُّلَاثِيِّ وَهُوَ الْحَقْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (أَيْ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك) هَلْ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ الْإِخْبَارُ بِالطَّلَاقِ فِيمَا مَضَى أَوْ الْإِنْشَاءُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي نَظَائِرِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمَا أَشْبَهَ إلَخْ) مِنْ ذَلِكَ اذْهَبِي يَا مُسَخَّمَةُ يَا مُلَطَّمَةُ. وَمِنْهُ أَيْضًا مَا لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ بِالطَّلَاقِ عَلَى شَيْءٍ فَقَالَ شَخْصٌ آخَرُ وَأَنَا مِنْ دَاخِلِ يَمِينِك فَيَكُونُ كِنَايَةً فِي حَقِّ الثَّانِي كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَمِنْهَا أَنْتِ بَارِزَةٌ مِنِّي وَمِثْلُهُ نَزَلْت عَنْك. فَرْعٌ: حَرَّرَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا أَنَّهُ إنْ لَمْ يُفَصِّلْ ثَلَاثًا بِأَكْثَرَ مِنْ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعِيِّ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ مُطْلَقًا وَإِنْ فَصَلَ بِذَلِكَ وَلَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْهُ عُرْفًا كَانَ كَالْكِنَايَةِ، فَإِنْ نَوَى أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْأَوَّلِ وَبَيَانٌ لَهُ أَثَّرَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ انْقَطَعَتْ نِسْبَتُهُ عَنْهُ عُرْفًا وَلَمْ يُؤَثِّرْ مُطْلَقًا اهـ كَذَا بِخَطِّ الرَّشِيدِيِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ كَ تَجَرَّدِي، وَتَزَوَّدِي، أَيْ اسْتَعِدِّي لِلُّحُوقِ بِأَهْلِك، وَلَا حَاجَةَ لِي فِيك، أَيْ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك، وَذُوقِي أَيْ مَرَارَةَ الْفِرَاقِ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، أَيْ خَلَّيْت سَبِيلَك كَمَا يُخَلَّى الْبَعِيرُ فِي الصَّحْرَاءِ وَزِمَامُهُ عَلَى غَارِبِهِ؛ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الظَّهْرِ وَارْتَفَعَ مِنْ الْعُنُقِ لِيَرْعَى كَيْفَ شَاءَ، وَلَا أَنْدَهُ سَرْبَك مِنْ النَّدْهِ وَهُوَ الزَّجْرُ، أَيْ لَا أَهْتَمُ بِشَأْنِك؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك. وَالسَّرْبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْإِبِلُ وَمَا يُرَاعَى مِنْ الْمَالِ أَمَّا بِكَسْرِ السِّينِ فَالْجَمَاعَةُ مِنْ الظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ وَيَجُوزُ كَسْرُ السِّينِ هُنَا. وَخَرَجَ بِقَيْدِ شَبَهِ مَا ذَكَرَ مَا لَا يُشْبِهُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ نَحْوُ: بَارَكَ اللَّهُ لِي فِيك وَأَطْعِمِينِي وَاسْقِينِي وَزَوِّدِينِي وَقُومِي وَاقْعُدِي وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَاهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَصْلُحُ لَهُ. (فَإِنْ نَوَى بِجَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ بِلَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِهِ (الطَّلَاقَ) فِيهِ (وَقَعَ) إنْ اقْتَرَنَ بِكُلِّ اللَّفْظِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ، وَقِيلَ: يَكْفِي اقْتِرَانُهَا بِأَوَّلِهِ وَيَنْسَحِبُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ، وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيّ؛ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَكْفِي اقْتِرَانُهَا بِبَعْضِ اللَّفْظِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ إذْ الْيَمِينُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِتَمَامِهَا. تَنْبِيهٌ: اللَّفْظُ الَّذِي يُعْتَبَرُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ هُوَ لَفْظُ الْكِنَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ، لَكِنْ مَثَّلَ لَهُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَيْ خَلَّيْت سَبِيلَك) أَيْ طَلَّقْتُك وَصِرْت مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِك. قَوْلُهُ: (لَا أَهْتَمُّ بِشَأْنِك) هَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَالْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لَا أَزْجُرُ جَمَاعَتَك الَّتِي أَنْتِ مَعَهُمْ، أَيْ لَيْسَ لِي تَسَلُّطٌ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: (وَمَا يُرْعَى مِنْ الْمَالِ) أَيْ غَيْرِ الظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ وَالْوَحْشِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ ح ل، وَالْأَوْلَى مِنْ الْحَيَوَانِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الظِّبَاءِ) وَكَذَا الْقَطَا وَالْوُحُوشُ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَعَمَّ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: أَسِرْبَ الْقَطَا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَنَاحَهُ ... لَعَلِّي إلَى مَنْ قَدْ هَوِيت أَطِيرُ قَوْلُهُ: (يُقَيِّدُ شَبَهَ مَا ذَكَرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ. قَوْلُهُ: (نَحْوُ بَارَكَ اللَّهُ فِيك) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ بِوَجْهٍ، بِخِلَافِ بَارَكَ اللَّهُ لَك فَكِنَايَةٌ سم. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُ ذَلِكَ) مِنْهُ عَلَيَّ السُّخَامُ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَلَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً؛ لِأَنَّ لَفْظَ السُّخَامِ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ غَايَتُهُ أَنَّ مَنْ يَذْكُرُهَا يُرِيدُ التَّبَاعُدَ عَنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. وَكُلِي وَاشْرَبِي كِنَايَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كُلِي أَلَمَ الْفِرَاقِ وَاشْرَبِي شَرَابَهُ أَوْ كُلِي وَاشْرَبِي مِنْ كِيسِك؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك؛ شَرْحُ التَّنْبِيهِ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَلَوْ أَتَى بِكِنَايَةٍ ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَةِ لِيَدْفَعَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ لِمُصَادَفَتِهِ الْبَيْنُونَةَ لَمْ يُقْبَلْ لِاتِّهَامِهِ حِينَئِذٍ اهـ. وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الصَّرِيحِ وَإِنْ كَانَ كِنَايَةً عِنْدَنَا، وَأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ كِنَايَةً عِنْدَهُمْ يُعْطَى حُكْمَهَا وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ عُقُودَهُمْ تَلْحَقُ بِمُعْتَقَدِهِمْ فَكَذَا طَلَاقُهُمْ. قَالَ م ر: وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا وَأَمَّا أَحْلَلْتُك لِلْأَزْوَاجِ فَكِنَايَةٌ وَكَذَا أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ لَا حَاجَةَ لِي فِيك أَوْ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك. قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَوَى بِجَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَعَلَى ذِكْرِهِ يَكُونُ قَوْلُهُ بِكُلِّ اللَّفْظِ بَدَلًا مِنْهُ بِجَعْلِ الْبَاءِ بِمَعْنَى فِي وَهُوَ أَعْنِي قَوْلَهُ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِنَوَى وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ، وَقَوْلُهُ بِكُلِّ اللَّفْظِ بَدَلٌ مِنْ فِيهِ كَمَا عَلِمْت وَمَعْنَى الْعِبَارَةِ: فَإِنْ نَوَى بِكُلِّ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ الْكِنَايَةَ وَكَانَتْ نِيَّتُهُ مُقْتَرِنَةً بِكُلِّ اللَّفْظِ وَقَعَ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ، وَكَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي وَالْمُعْتَمَدُ الثَّالِثُ. قَوْلُهُ: (بِكُلِّ اللَّفْظِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ نِيَّةٍ مُقْتَرِنَةٍ بِكُلِّ اللَّفْظِ. قَوْلُهُ: (وَيَنْسَحِبُ) أَيْ يَنْعَطِفُ وَيُعْطَى حُكْمُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ قَلْبًا، وَالتَّقْدِيرُ: وَيَنْسَحِبُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ النِّيَّةُ. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَالْحَاصِلُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا قَبْلَ فَرَاغِ لَفْظِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالْأَوْجَهُ مَجِيءُ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْكِنَايَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لَفْظًا كَالْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: (إذْ الْيَمِينُ) عِلَّةٌ لِصِحَّةِ اقْتِرَانِهَا بِآخِرِهِ. قَوْلُهُ: (يُعْتَبَرُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ اشْتِرَاطِ اقْتِرَانِهَا بِجَمِيعِ اللَّفْظِ أَوْ بِبَعْضِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ بِقَرْنِهَا بِأَنْتِ مِنْ أَنْتِ بَائِنٌ مَثَلًا، وَصَوَّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْكِنَايَاتِ. وَالْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ أَنْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا مِنْ الْكِنَايَةِ فَهُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْمَقْصُودَ لَا يَتَأَدَّى بِدُونِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) بِلَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ (لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ لِعَدَمِ قَصْدِهِ وَإِشَارَةِ نَاطِقٍ وَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ بِطَلَاقٍ كَأَنْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ طَلِّقْنِي فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ اذْهَبِي لَغْوٌ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْعِبَارَةِ إلَى الْإِشَارَةِ يُفْهِمُ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلطَّلَاقِ وَإِنْ قَصَدَهُ بِهَا فَهِيَ لَا تُقْصَدُ لِلْإِفْهَامِ إلَّا نَادِرًا. وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَفِي الْأَقَارِيرِ وَفِي الدَّعَاوَى وَفِي الْحُلُولِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَاسْتَثْنَى فِي الدَّقَائِقِ شَهَادَتَهُ وَإِشَارَتَهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا وَلَا يَحْنَثُ بِهَا فِي الْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ الْكَلَامِ، فَإِنْ فَهِمَ طَلَاقَهُ مَثَلًا بِإِشَارَتِهِ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ فَطِنٍ وَغَيْرِهِ فَصَرِيحَةٌ لَا تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِطَلَاقِهِ بِإِشَارَتِهِ فَطِنُونَ فَكِنَايَةٌ تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (هُوَ لَفْظُ الْكِنَايَةِ) كَبَائِنٍ مِنْ أَنْتِ بَائِنٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ لِعَدَمِ قَصْدِهِ) فَلَوْ ادَّعَتْ زَوْجَتُهُ أَنَّهُ نَوَى وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَحُكِمَ بِالطَّلَاقِ فَرُبَّمَا اعْتَمَدَتْ عَلَى قَرَائِنَ مِنْهُ تُجَوِّزُ الْحَلِفَ سم. وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حَلَلْت حَرُمْت وَقَعَتْ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ، فَلَوْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ، فَلَوْ رَاجَعَهَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الثَّالِثَةُ وَبَانَتْ مِنْهُ الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَالْمُخَلِّصُ لَهُ الصَّبْرُ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةٍ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ يَعْقِدُ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَإِشَارَةٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ لَغْوٌ أَيْ فِي الطَّلَاقِ أَمَّا الْعَدَدُ فَلَا يُلْغَى، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَقَعَ الْعَدَدُ بِالْإِشَارَةِ مَعَ نِيَّتِهِ حِينَ التَّلَفُّظِ بِطَالِقٍ أَوْ مَعَ قَوْلِهِ هَكَذَا، وَيُصَدَّقُ فِي الْعَدَدِ. قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ وَقَعَ الثَّلَاثُ تَنْزِيلًا لِلْإِشَارَةِ مَنْزِلَةَ النِّيَّةِ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِعَدَدِ الْأُصْبُعَيْنِ الْمَقْبُوضَيْنِ قُبِلَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (فَهِيَ لَا تُقْصَدُ لِلْإِفْهَامِ) أَيْ مِنْ النَّاطِقِ ق ل؛ وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. قَوْلُهُ: (إلَّا نَادِرًا) أَيْ بِقَرِينَةٍ عُرْفِيَّةٍ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَصْلِيٌّ أَوْ طَارِئٌ وَمِنْهُ مَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَلَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ بِخِلَافِ مَنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِهِ فِي اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُضْطَرُّ إلَى اللِّعَانِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَيْ الْخَطِّ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ كِتَابَتَهُ كِنَايَةٌ كَالنَّاطِقِ. قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى فِي الدَّقَائِقِ شَهَادَتَهُ إلَخْ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْإِشَارَةِ أَيْ؛ لِأَنَّهَا يُحْتَاطُ لَهَا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِإِشَارَتِهِ، أَيْ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَبْطُلُ بِحَرْفَيْنِ أَوْ بِحَرْفٍ مُفْهِمٍ، أَيْ بِالنُّطْقِ بِذَلِكَ؛ فَلَوْ بَاعَ فِي صَلَاتِهِ بِالْإِشَارَةِ انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ. وَبِهِ يُلْغِزُ وَيُقَالُ: لَنَا إنْسَانٌ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الصَّلَاةِ عَامِدًا عَالِمًا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ الثَّلَاثَةَ بِقَوْلِهِ: إشَارَةُ الْأَخْرَسِ مِثْلُ نُطْقِهِ ... فِيمَا عَدَا ثَلَاثَةٍ لِصِدْقِهِ فِي الْحِنْثِ وَالصَّلَاةِ وَالشَّهَادَةِ ... تِلْكَ ثَلَاثَةٌ بِلَا زِيَادَةِ قَوْلُهُ " وَالشَّهَادَةِ " أَيْ أَدَائِهَا، وَأَمَّا تَحَمُّلُهَا فَيَصِحُّ مِنْهُ ح ل. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْنَثُ بِهَا فِي الْحَلِفِ) سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ بِالْعِبَارَةِ أَمْ بِالْإِشَارَةِ عَلَى الرَّاجِحِ، خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ حَيْثُ خَصَّ عَدَمَ الْحِنْثِ بِالْحَلِفِ بَعْدَ الْخَرَسِ. اهـ. بَابِلِيٌّ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَلَا فِي حِنْثٍ كَأَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ ثُمَّ خَرِسَ أَوْ أَشَارَ بِالْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ الْكَلَامِ ثُمَّ أَشَارَ بِهِ لَا حِنْثَ اهـ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: إنَّهُ لَوْ حَلَفَ الْأَخْرَسُ بِالْإِشَارَةِ ثُمَّ تَكَلَّمَ بِهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعِدُّهُ الْعُرْفُ تَكَلُّمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْكَلَامِ وَهُوَ نَاطِقٌ ثُمَّ إنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْإِشَارَةِ فَإِنَّ الْعُرْفَ لَا يُعِدُّهُ تَكَلُّمًا اهـ. وَلَعَلَّ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا هُوَ الظَّاهِرُ فَحَرِّرْ ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ إشَارَتَهُ إلَى الْقُرْآنِ مَعَ الْجَنَابَةِ فِيهَا خِلَافٌ، وَمَالَ شَيْخُنَا كَالْخَطِيبِ إلَى الْحُرْمَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يُوجِبُوهَا عَلَيْهِ لِلْعَاجِزِ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ اهـ كَمَا فِي ق ل. قَوْلُهُ: (فَصَرِيحَةٌ) كَأَنْ يُقَالَ عِنْدَ الْمُخَاصَمَةِ طَلَّقَهَا فَيُشِيرُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ إلَيْهَا شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَصَّ بِطَلَاقِهِ) أَيْ بِفَهْمِ طَلَاقِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 تَتِمَّةٌ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ أَبْرَأْتنِي مِنْ دَيْنِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهَا إنْ أَبْرَأْتنِي مِنْ دَيْنِك فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ. وَلَوْ قَالَ   [حاشية البجيرمي] فَطِنُونَ أَيْ أَوْ فَطِنٌ، فَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ إشَارَتَهُ بِالطَّلَاقِ أَحَدٌ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً فَيَتَوَلَّى أَمْرَهُ وَلِيُّهُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ إشَارَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَكِنَايَةٌ تَحْتَاج إلَى النِّيَّةِ) وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهَا قَرَائِنُ وَتُعْرَفُ نِيَّتُهُ فِيمَا إذَا أَتَى بِإِشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ بِإِشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أُخْرَى وَكَأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا تَعْرِيفَهُ بِهَا مَعَ أَنَّهَا كِنَايَةٌ وَلَا اطِّلَاعَ لَنَا بِهَا عَلَى نِيَّةِ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ، فَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي وَيُعْتَبَرُ فِي الْأَخْرَسِ أَنْ يَكْتُبَ مَعَ لَفْظِ الطَّلَاقِ إنِّي قَصَدْت الطَّلَاقَ لَيْسَ بِقَيْدٍ اهـ؛ أَيْ بَلْ مِثْلُ الْكِنَايَةِ الْإِشَارَةُ اهـ. وَمِنْ الْكِنَايَةِ كِتَابَةٌ مَنْ نَاطِقٍ أَوْ أَخْرَسَ، فَإِنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ؛ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ فِي إفْهَامِ الْمُرَادِ كَالْعِبَارَةِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ بِالنِّيَّةِ؛ فَلَوْ كَتَبَ الزَّوْجُ إذَا بَلَغَك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِبُلُوغِهِ لَهَا رِعَايَةً لِلشَّرْطِ أَوْ كَتَبَ إذَا قَرَأْت كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَرَأَتْهُ أَوْ فَهِمَتْهُ مُطَالَعَةً وَإِنْ لَمْ تَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ مِنْهُ طَلُقَتْ رِعَايَةً لِلشَّرْطِ فِي الْأُولَى وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي الثَّانِيَةِ، وَكَذَا إنْ قُرِئَ عَلَيْهَا وَهِيَ أُمِّيَّةٌ وَعَلِمَ الزَّوْجُ حَالَهَا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابَةِ وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ أُمِّيَّةٍ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ حَالُهَا عَلَى الْأَقْرَبِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا اهـ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " كِتَابَةً " وَضَابِطُ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ كُلُّ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْخَطُّ كَرَقٍّ وَثَوْبٍ سَوَاءٌ كَتَبَ بِحِبْرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَنَقَرَ صُوَرَ الْأَحْرُفِ فِي حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ خَطَّهَا عَلَى الْأَرْضِ، فَلَوْ رَسَمَ صُورَتَهَا فِي هَوَاءٍ أَوْ مَاءٍ فَلَيْسَ كِتَابَةً فِي الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ. وَقَوْلُهُ " فَإِنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ " فَلَوْ تَلَفَّظَ النَّاطِقُ بِمَا كَتَبَهُ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ قِرَاءَةَ مَا كَتَبَهُ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ، أَيْ فَيَقَعُ إذَا قَصَدَ الْإِنْشَاءَ أَوْ أَطْلَقَ اهـ. وَقَوْلُهُ " فَلَوْ كَتَبَ " خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِكِتَابَةِ طَلَاقِ زَوْجِهِ وَلَوْ بِقَوْلِهِ اُكْتُبْ زَوْجَةُ فُلَانٍ طَالِقٌ فَكَتَبَ هُوَ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ كَمَا فِي الْحَلَبِيِّ وَغَيْرِهِ؛ قَالَ ع ش: لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْكِتَابَةُ وَالنِّيَّةُ مِنْ وَاحِدٍ اهـ. قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَعْنِي قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ أَنْ تَكُونَ الْكِتَابَةُ إلَخْ، أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْكِتَابَةِ وَالنِّيَّةِ أَنَّهُ يَكْفِي وَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبِرْمَاوِيُّ. وَقَوْلُهُ " بِبُلُوغِهِ " أَيْ وُقُوعِهِ فِي يَدِهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَرَمْيِهِ فِي حِجْرِهَا أَوْ أَمَامَهَا، وَلَا يَكْفِي إخْبَارُهَا بِهِ فَإِنْ انْمَحَى كُلُّهُ قَبْلَ وُصُولِهِ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا لَوْ ضَاعَ وَلَوْ بَقِيَ أَثَرُهُ بَعْدَ الْمَحْوِ وَأَمْكَنَ قِرَاءَتُهُ طَلُقَتْ، وَلَوْ ذَهَبَ سَوَابِقُهُ وَلَوَاحِقُهُ كَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَبَقِيَتْ مَقَاصِدُهُ وَقَعَ بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَهَبَ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ أَوْ انْمَحَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهَا جَمِيعُ الْكِتَابِ وَلَا مَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ. وَلَوْ كَتَبَ إذَا بَلَغَك نِصْفُ كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَلَغَهَا كُلُّهُ طَلُقَتْ، وَكَذَا لَوْ كَتَبَ أَمَّا بَعْدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ. وَلَوْ ادَّعَتْ وُصُولَ كِتَابِهِ بِالطَّلَاقِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ بِخَطِّهِ لَمْ تُسْمَعْ إلَّا بِرُؤْيَةِ الشَّاهِدِ الْكِتَابَةَ وَحَفِظَهُ عِنْدَهُ لِوَقْتِ الشَّهَادَةِ. وَقَوْلُهُ " إذَا قَرَأَتْ كِتَابِي " أَيْ الْمَقْصُودَ مِنْهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ " نَحْوُ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَتَّةٌ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ بِهِ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْكِنَايَةِ كِنَايَةٌ؛ كَذَا قِيلَ. وَرُدَّ بِأَنَّ الَّذِي فِي الرَّافِعِيِّ الْجَزْمُ بِالْوُقُوعِ؛ لِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْكِتَابَة قَدَّرْنَا أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِالْمَكْتُوبِ كَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ. وَقَوْلُهُ " فَقَرَأَتْهُ " وَإِنْ لَمْ تَفْهَمْهُ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ التَّعْلِيقِ أُمِّيَّةً، وَعَلِمَ بِذَلِكَ وَتَعَلَّمَتْ الْقِرَاءَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لِقُدْرَتِهَا عَلَى مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ وَهُوَ قِرَاءَتُهَا بِنَفْسِهَا، وَنَحْنُ لَا نَكْتَفِي بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إلَّا حَيْثُ لَا نَقْدِرُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ. وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ إنَّمَا أَرَدْت الْقِرَاءَةَ بِاللَّفْظِ قُبِلَ قَوْلُهُ فَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ إطْلَاقِ قِرَاءَتِهَا إيَّاهُ عَلَى مُطَالَعَتِهَا إيَّاهَا وَإِنْ لَمْ تَتَلَفَّظْ بِهِ وَبَيْنَ إجْرَاءِ ذِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ الْقُرْآنُ عَلَى قَلْبِهِ وَنَظَرُهُ فِي الْمُصْحَفِ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا عِلْمُهَا بِمَا فِي الْكِتَابِ وَالْقِرَاءَةُ الْمُحَرَّمَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِالتَّلَفُّظِ بِحُرُوفِهِ. وَلَوْ قَالَ إذَا بَلَغَك أَوْ جَاءَك خَطِّي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَذَهَبَ بَعْضُهُ وَبَقِيَ الْبَعْضُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَقِيَ ذِكْرُ الطَّلَاقِ اهـ. وَقَوْلُهُ " وَكَذَا إنْ قُرِئَ عَلَيْهَا " قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: مُقْتَضَاهُ اشْتِرَاطُ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهَا فَلَوْ طَالَعَهُ وَفَهِمَهُ أَوْ قَرَأَهُ خَالِيًا ثُمَّ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ لَمْ تَطْلُقْ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِذَلِكَ إذْ الْغَرَضُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ شَرْحُ م ر اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا مَتَى كَانَتْ قَارِئَةً وَعَلِمَ بِهَا الزَّوْجُ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِقِرَاءَتِهَا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمُبَرِّئَ لَمْ يَجْعَلْ الْبَرَاءَةَ فِي مُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ إذْ لَا يَظْهَرُ لَهُ فِيهِ عِوَضٌ وَبِفَرْضِهِ فَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 لِزَوْجَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَوَجَدْت فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِك وَلَمْ أُكَسِّرْهُ عَلَى رَأْسِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَ فِي الْبَيْتِ هُونًا لَهَا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيّ لِلِاسْتِحَالَةِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ أَوْ مَوْتِهَا لِلْيَأْسِ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ قَبَّلْت ضَرَّتَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَبَّلَهَا مَيِّتَةً لَمْ تَطْلُقْ، بِخِلَافِ تَعْلِيقِهِ بِتَقْبِيلِ أُمِّهِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِتَقْبِيلِهِ لَهَا مَيِّتَةً إذْ قُبْلَةُ الزَّوْجَةِ قُبْلَةُ شَهْوَةٍ وَلَا شَهْوَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْأُمُّ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ قُبْلَتَهَا قُبْلَةُ شَفَقَةٍ وَكَرَامَةٍ؛ أَكْرَمَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَجَمِيعَ أَهْلِنَا وَمَشَايِخِنَا وَأَصْحَابِنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ. فَصْلٌ وَالتَّرْجَمَةُ بِالْفَصْلِ سَاقِطَةٌ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَهُوَ فِي الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ اصْطِلَاحَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَضْبَطُ   [حاشية البجيرمي] نَادِرٌ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فَجُعِلَ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ الْمَحْضِ، وَإِذَا قَالَ لَهَا: إنْ أَبْرَأْتِينِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ شُرِطَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِلْمُ الزَّوْجَيْنِ بِقَدْرِ الْمُبَرَّأِ مِنْهُ، فَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْجَهْلِ بِهِ حَالًّا وَإِنْ أَمْكَنَ الْعِلْمُ بِهِ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ وَكَوْنِهَا رَشِيدَةً وَأَنْ تُجِيبَهُ فَوْرًا فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ وَأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالْمَالِ الْمُبَرَّأِ مِنْهُ زَكَاةٌ، فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ زَكَاةٌ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ مَلَكُوا بَعْضَهُ فَلَمْ يُبَرَّأْ مِنْ كُلِّهِ، وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ ثُمَّ ادَّعَتْ جَهْلَهَا بِقَدْرِهِ فَإِنْ زَوَّجَتْ صَغِيرَةً صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا أَوْ بَالِغَةً وَدَلَّ الْحَالُ عَلَى جَهْلِهَا لِكَوْنِهَا مُجْبَرَةً لَمْ تُسْتَأْذَنْ فَكَذَلِكَ. فَرْعٌ: يَقَعُ كَثِيرًا أَنْ تَحْصُلَ مُشَاجَرَةٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ فَتَقُولُ لَهُ: أَبْرَأْتُك، فَيَقُولُ لَهَا: إنْ صَحَّتْ بَرَاءَتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا إنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ مَعْلُومٍ وَهِيَ رَشِيدَةٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لِتَعْلِيقِهِ عَلَى مُجَرَّدِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ، وَقَدْ وَجَدْت لَا بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ عِوَضًا فِي مُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ لِصِحَّةِ الْبَرَاءَةِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُبَرَّأُ مِنْهُ مَجْهُولًا فَلَا بَرَاءَةَ وَلَا وُقُوعَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ لِتَعْلِيقِهِ عَلَى مُجَرَّدِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ إلَخْ، نَعَمْ لَوْ قَالَتْ أَرَدْت الْإِبْرَاءَ عِوَضًا عَنْ الطَّلَاقِ وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ وَقَعَ بَائِنًا. اهـ. حَجّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ لَا غَرَضَ لَهَا فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَكَانَ تَعْلِيقًا مَحْضًا، وَعَلَى فَرْضِ غَرَضٍ لَهَا فَهُوَ نَادِرٌ كَمَا عَلِمْت، بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ فَإِنَّ لَهَا غَرَضًا فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا وَمِلْكِ بُضْعِهَا فَكَانَ تَعْلِيقًا عَلَى الْبَرَاءَةِ فَكَانَ بَائِنًا. قَوْلُهُ: (هُونًا) ضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ (هَاؤُنَا) بِهَاءٍ بَعْدَهَا أَلْفٌ وَبَعْدَ الْأَلْفِ هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ وَاَلَّذِي فِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ أَصْلَهُ هَاوُونَ بِوَاوَيْنِ لِجَمْعِهِ عَلَى هَوَاوِينَ فَخُفِّفَ بِحَذْفِ الْوَاوِ الثَّانِي ثُمَّ خُفِّفَ بِفَتْحِ الْوَاوِ فَصَارَ هَاوُنًا إذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَاعِلٌ بِالضَّمِّ وَلَامُهُ وَاوٌ فَفُقِدَ النَّظِيرُ مَعَ ثِقَلِ الضَّمَّةِ عَلَى الْوَاوِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ قِرَاءَتُهُ بِفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَ الْأَلْفِ لَا بِالْهَمْزَةِ فَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ غَيْرُ صَحِيحٍ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ قِرَاءَتُهُ بِوَاوٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْهَاءِ بِدُونِ أَلْفٍ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعْرَبٌ كَأَنَّهُ مِنْ الْهَوْنِ وَقَالَ فِي الْمُخْتَارِ الْهَاوَنُ بِفَتْحِ الْوَاوِ الَّذِي يُدَقُّ فِيهِ. اهـ. وَالْهَاوَنُ مِثَالٌ، فَمِثْلُهُ كُلُّ مَا يَتَعَذَّرُ كَسْرُهُ عَلَى رَأْسِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْكِنُ بِرَدِّ الْهَوْنِ بِمِبْرَدٍ حَتَّى يَرِقَّ جِدًّا وَيَكْسِرَهُ فِي رَأْسِهَا فَلَا وُقُوعَ حِينَئِذٍ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْحَالِفِ الْكَسْرُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فِي وَقْتِ الْحَلِفِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَطْلُقْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ حَالًا كَمَا قَالَهُ م ر فِي شَرْحِهِ، كَالتَّعْلِيقِ بِالْمُحَالِ كَأَنْ لَمْ تَصْعَدِي السَّمَاءَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ حَالًا لِاسْتِحَالَتِهِ. اهـ. م ر. وَمَحَلُّ كَوْنِ التَّعْلِيقِ بِإِنْ فِي النَّفْيِ لِلتَّرَاخِي إذَا كَانَ الْمَنْفِيُّ مُمْكِنًا، فَإِنْ كَانَ مُسْتَحِيلًا كَمَا هُنَا وَقَعَ حَالًا. فَرْعٌ: كِتَابَةُ الْكِنَايَةِ لَا تُؤَثِّرُ لِانْضِمَامِ ضَعِيفٍ إلَى ضَعِيفٍ خِلَافًا لِلْقَاضِي. اهـ. ابْنُ الْمُلَقِّنِ. فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَقَعُ بِكِتَابَةِ الْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ م ر وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لِلِاسْتِحَالَةِ) أَيْ اسْتِحَالَةِ كَسْرِهِ. [فَصْلٌ أَقْسَام الطَّلَاقِ] فَصْلٌ ذَكَرَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْسَامٌ خَاصَّةٌ مِنْهُ أَيْ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُ) الْغَيْرُ هُوَ الْبِدْعِيُّ فَقَطْ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 يَنْقَسِمُ إلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ، وَثَانِيهِمَا وَهُوَ أَشْهَرُ يَنْقَسِمُ إلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ وَلَا وَلَا وَسَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَائِدَةٌ: يَنْقَسِمُ الطَّلَاقُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ: وَاجِبٍ كَطَلَاقِ الْحُكْمِ فِي الشِّقَاقِ، وَمَنْدُوبٍ كَطَلَاقِ زَوْجَةٍ حَالُهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ كَأَنْ تَكُونَ غَيْرَ عَفِيفَةٍ، وَحَرَامٍ كَالطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ كَمَا سَيَأْتِي، وَمَكْرُوهٍ كَطَلَاقِ مُسْتَقِيمَةِ الْحَالِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» . وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى الْمُبَاحِ بِطَلَاقِ مَنْ لَا يَهْوَاهَا الزَّوْجُ وَلَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِمُؤْنَتِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِمْتَاعٍ بِهَا. (وَالنِّسَاءُ فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ (ضَرْبَانِ ضَرْبٌ فِي طَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ) أَيْ لَا تَحْرِيمَ فِيهِ (وَبِدْعَةٌ) أَيْ حَرَامٌ (وَهُنَّ   [حاشية البجيرمي] ثُنَائِيَّةٌ أَوْ تَحْتَهُ الْبِدْعِيُّ وَاَلَّذِي لَا وَلَا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ ثُلَاثِيَّةٌ، وَيَكُونُ الَّذِي لَا وَلَا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ دَاخِلًا فِي السُّنِّيِّ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ السُّنِّيِّ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (أَضْبَطُ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ أَفْرَادًا، أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْرُمَ أَوْ لَا اهـ م د. قَوْلُهُ: (إلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ) وَفَسَّرَ قَائِلُهُ السُّنِّيَّ بِالْجَائِزِ وَالْبِدْعِيَّ بِالْحَرَامِ فَيَكُونُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الثَّانِي دَاخِلًا فِي السُّنِّيِّ. قَوْلُهُ: (وَبِدْعِيٍّ) أَيْ فَيَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (وَسَيُعْلَمُ ذَلِكَ) أَيْ الِاصْطِلَاحُ الثَّانِي مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَضَرْبٌ لَيْسَ فِي طَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إلَى الْأَحْكَامِ) أَيْ إلَى ذِي الْأَحْكَامِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ. وَفِيهِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ، مَثَلًا طَلَاقُ غَيْرِ الْعَفِيفَةِ إذَا وَقَعَ زَمَنَ الْبِدْعَةِ حَرَامٌ مِنْ جِهَةِ الْبِدْعَةِ مَنْدُوبٌ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الْعِفَّةِ وَقِسْ الْبَاقِي، نَعَمْ يُسْتَثْنَى الْوَاجِبُ إذَا وَقَعَ زَمَنَ الْبِدْعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ الْبِدْعَةُ. قَوْلُهُ: (وَاجِبٌ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَطْلُوبُ طَلَبًا شَدِيدًا أَيْ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إذَا تَرَكَهُ يُعَاقَبُ أَوْ إذَا تَرَكَهُ يُلَامُ وَإِنْ لَمْ يُعَاقَبْ فَيَشْمَلُ الْأَقْسَامَ الَّتِي ذَكَرَهَا م د وَهِيَ: طَلَاقُ الْحَكَمِ فِي الشِّقَاقِ إذَا رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً، وَطَلَاقُ الْمُوَلَّى وَمِثْلُ ذَلِكَ عَاجِزٌ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ بِأَمْرِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ بِهِ لِغَيْرِ تَعَنُّتٍ، وَكَذَا طَلَاقُ سَيِّئَةِ الْأَخْلَاقِ بِحَيْثُ لَا يَصْبِرُ عَلَى عِشْرَتِهَا لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ سُوءِ خُلُقِهَا مُحَالٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «الصَّالِحَةُ مِنْ النِّسَاءِ كَالْغُرَابِ الْأَعْصَمِ» أَيْ الْأَبْيَضِ الْجَنَاحَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا اهـ. قَوْلُهُ: (كَطَلَاقِ الْحَكَمِ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ، وَالْوَكِيلُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ وَاجِبًا حَيْثُ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ. وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: الْحَكَمَيْنِ. وَلَعَلَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ أَوْلَى إذْ الطَّلَاقُ إنَّمَا هُوَ مِنْ حُكْمِ الزَّوْجِ فَقَطْ، نَعَمْ الطَّلَاقُ إذَا كَانَ خُلْعًا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ حُكْمِهَا فَمَنْ عَبَّرَ بِالْحُكْمَيْنِ نُظِرَ لِذَلِكَ، إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ لَا تَشْمَلُ الطَّلَاقَ مَجَّانًا فَتَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَانْظُرْ مَا مَعْنَى الْوُجُوبِ عَلَى الْحَكَمَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ وَالْوَكِيلُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ حَيْثُ دَامَ عَلَى الْوَكَالَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ اهـ، أَيْ أَوْ يُقَالُ لِتَعَلُّقِ وَكَالَتِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ، وَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ فِيهِمَا الْإِسْلَامُ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ كَافِرَيْنِ اهـ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ عَفِيفَةٍ) أَيْ أَوْ غَيْرَ مُصَلِّيَةٍ وَطَلَاقُ مَنْ خَافَ أَنْ لَا يُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي الزَّوْجِيَّةِ وَمَنْ رَأَى رِيبَةً يَخَافُ مَعَهَا عَلَى الْفِرَاشِ أَيْ الزَّوْجَةِ شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (وَحَرَامٌ كَالطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ) أَيْ وَكَطَلَاقِ مَنْ قَسَمَ لِغَيْرِهَا وَلَمْ يُوَفِّهَا حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ وَلَمْ يَسْتَرْضِهَا شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (كَطَلَاقِ مُسْتَقِيمَةِ الْحَالِ) أَيْ وَهُوَ يَهْوَاهَا وَيُحِبُّهَا. قَوْلُهُ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ» أَفْعَلُ تَفْضِيلٌ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ اقْتَضَى أَنَّهُ الْحَلَالُ مَبْغُوضٌ وَالطَّلَاقُ أَبْغَضُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ التَّنْفِيرُ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ لَا يُبْغَضُ بَلْ يُحَبُّ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. وَقَوْلُهُ " وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ التَّنْفِيرُ " أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْبُغْضُ الْحَقِيقِيُّ، وَحِينَئِذٍ لَا يُرَدُّ أَنَّ الطَّلَاقَ تَعْتَرِيه الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ. قَوْلُهُ: (وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى الْمُبَاحِ) عَبَّرَ بِأَشَارَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ طَلَاقُهَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَلَيْسَ نَصًّا فِي الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ خِلَافَ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (مَنْ لَا يَهْوَاهَا) أَيْ وَهِيَ مُسْتَقِيمَةُ الْحَالِ. قَوْلُهُ: (أَيْ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ) أَيْ الْجَوَازِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (سُنَّةٌ) أَيْ خَالِيَةٌ مِنْ الثَّوَابِ. قَوْلُهُ: (أَيْ لَا تَحْرِيمَ فِيهِ إلَخْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 ذَوَاتُ الْحَيْضِ) وَأَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (فَالسُّنَّةُ) أَيْ السُّنِّيُّ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى مَدْخُولٍ بِهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَلَا آيِسَةٍ فِي طُهْرٍ غَيْرِ مُجَامِعٍ فِيهِ وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَذَلِكَ لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ وَعَدَمِ النَّدَمِ فِيمَنْ ذَكَرْت وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ فِيهِ فِي الْعِدَّةِ. وَأَشَارَ إلَى   [حاشية البجيرمي] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ بِالْقَسَمِ الَّذِي لَا وَلَا، فَإِنَّهُ لَا تَحْرِيمَ فِيهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِأَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ إلَخْ، أَوْ يُقَالَ لَا تَحْرِيمَ مَعَ إمْكَانِ ذَلِكَ فِيهِ فَيَخْرُجُ الَّذِي لَا وَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّحْرِيمُ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ " أَيْ لَا تَحْرِيمَ فِيهِ " هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الَّذِي لَا وَلَا فَهُوَ أَيْضًا لَا تَحْرِيمَ فِيهِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ، فَهَذَا التَّقْسِيمُ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ خَالٍ عَنْ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَالسُّنِّيُّ وَاَلَّذِي لَا وَلَا لَا تَحْرِيمَ فِيهِمَا عَلَى مَا ذُكِرَ. وَعِبَارَةُ سم: قَوْلُهُ " لَا تَحْرِيمَ فِيهِ " أَيْ مَعَ كَوْنِهِ قَابِلًا لِلتَّحْرِيمِ لِيَخْرُجَ عَنْ هَذَا الضَّرْبِ نَحْوُ الصَّغِيرَةِ مِمَّنْ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا تَحْرِيمَ فِي طَلَاقِهِنَّ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحِلِّهِ قَبُولٌ لِلتَّحْرِيمِ فَإِنَّهُنَّ لَا يَحِضْنَ فَافْتَرَقَا اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ بِعِوَضٍ مِنْهَا طَلَاقُهَا قَابِلٌ لِلتَّحْرِيمِ فِي ذَاتِهِ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا فِي ذَاتِهَا فَمَا تَمَّ الْفَرْقُ إلَّا أَنَّ التَّفْرِقَةَ مَحْضُ اصْطِلَاحٍ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا تَحْرِيمَ فِيهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّنَّةِ مَا قَابَلَ الْبِدْعَةَ وَهُوَ الْجَوَازُ لَا حَقِيقَتُهَا وَهِيَ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ حَرَامٌ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْبِدْعَةِ، وَإِنْ نُدِبَ أَوْ أُبِيحَ أَوْ كُرِهَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (وَهُنَّ) أَيْ الضَّرْبُ، وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ خَبَرِهِ وَهُوَ ذَوَاتُ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (فَالسُّنَّةُ أَنْ يُوقِعَ إلَخْ) مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ السُّنَّةَ صِفَةُ مَحْذُوفٍ هُوَ الْمُبْتَدَأُ أَيْ فَالطَّلَاقُ. وَقَوْلُهُ " أَنْ تُوقِعَ " خَبَرٌ أَيْ الْمَصْدَرُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ وَهُوَ الْإِيقَاعُ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْإِخْبَارُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَكُونُ عَيْنَ الْمُبْتَدَأِ فِي الْمَعْنَى وَالْإِيقَاعُ غَيْرُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَفْظِيٌّ وَالْإِيقَاعُ فِعْلٌ نَفْسَانِيٌّ. وَيُجَابُ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ أَيْ ذُو إيقَاعٍ، وَقَوْلُهُ " أَيْ يُوقِعَ " قَيْدٌ وَعَلَى مَدْخُولٍ بِهَا قَيْدٌ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ وَلَا مُخْتَلِعَةٍ وَالْمَالُ مِنْ عِنْدِهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَيْ السُّنِّيُّ) الْيَاءُ لَيْسَتْ لِلنَّسَبِ بَلْ هِيَ تَسْمِيَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ، إذْ لَوْ كَانَتْ لِلنَّسَبِ لَاقْتَضَى أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَا يَكُونُ إلَّا سُنَّةً مَعَ أَنَّهُ تَدْخُلُ فِيهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي فِي الْفَائِدَةِ مَا عَدَا الْحَرَامَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْجَائِزِ. وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْيَاءُ لِلنِّسْبَةِ وَالسُّنَّةُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهَا بِمَعْنَى الطَّرِيقَةِ فَيَصْدُقُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَالْيَاءُ فِي الْبِدْعِيِّ لَيْسَتْ لِلنَّسَبِ وَإِلَّا لَكَانَ خَاصًّا بِالْحَرَامِ مَعَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ وَالْمُبَاحُ بَلْ وَالْوَاجِبُ أَيْ فَيَكُونُ التَّقْسِيمُ إلَى سُنِّيٍّ أَوْ بِدْعِيٍّ وَإِلَى وَاجِبٍ وَغَيْرِهِ تَقْسِيمًا اعْتِبَارِيًّا تَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَقْسَامُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ لَا حَقِيقِيًّا، وَقَوْلُهُ " أَيْ السُّنِّيُّ " لَمَّا كَانَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ السُّنَّةَ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّنَّةِ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ فَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِمَا يَدْفَعُ ذَلِكَ فَقَالَ أَيْ السُّنِّيُّ يَعْنِي الْإِيقَاعَ الْمَنْسُوبَ لِلسُّنَّةِ بِمَعْنَى الْجَائِزِ لَا مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ. قَوْلُهُ: (لَيْسَتْ بِحَامِلٍ إلَخْ) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ طَلَاقَ هَؤُلَاءِ لَا يَتَّصِفُ بِسُنَّةٍ وَلَا بِبِدْعَةٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مُدَّتَهُ لَا تَخْتَلِفُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى تَقْسِيمِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، فَإِنْ قُسِّمَ قِسْمَيْنِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ السُّنِّيِّ. (فِي طُهْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيُوقِعُ أَيْ لَا مَعَ آخِرِهِ وَإِلَّا وَقَعَ بِدْعِيًّا، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ طُهْرِكِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بِدْعِيٌّ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ مُجَامِعٍ فِيهِ) أَيْ وَقَدْ اسْتَوْفَتْ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ. أَمَّا لَوْ لَمْ تَسْتَوْفِهِ وَطَلُقَتْ فَبِدْعِيٌّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ) أَيْ وَلَا مُجَامِعٍ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الطُّهْرِ غَيْرَ الْمُجَامِعِ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْبِدْعِيِّ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ سَبَبُ كَوْنِهِ سُنِّيًّا لِاسْتِعْقَابِهِ، وَهُوَ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَالشُّرُوعُ فَاعِلُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ يُعْقِبَ الطَّلَاقَ الشُّرُوعُ. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَنُصِبَ الشُّرُوعُ، وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ يُطْلِقَ الطَّلَاقُ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ عَقِبَهُ؛ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، فَالسُّنِّيُّ مَا اسْتَعْقَبَتْ فِيهِ الْمُطَلَّقَةُ الْعِدَّةَ مَعَ عَدَمِ احْتِمَالِ النَّدَمِ ح ل. قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ تَعَالَى إلَخْ) كَذَا لَفْظُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 الْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: وَالْبِدْعَةُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى مَدْخُولٍ بِهَا فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ، وَإِنْ سَأَلَتْهُ طَلَاقًا بِلَا عِوَضٍ أَوْ اخْتَلَعَهَا أَجْنَبِيٌّ وَذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَزَمَنُ الْحَيْضِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ تَضَرُّرُهَا بِطُولِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ وَلِأَدَائِهِ إلَى النَّدَمِ فِيمَنْ تَحْبَلُ إذَا ظَهَرَ حَمْلُهَا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُطَلِّقُ الْحَائِلَ دُونَ الْحَامِلِ وَعِنْدَ النَّدَمِ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ فَيَتَضَرَّرُ هُوَ وَالْوَلَدُ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِيقَاعِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ فَلَا يَحْرُمُ فِي الْحَيْضِ لَكِنْ إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي الطُّهْرِ سُمِّيَ سُنِّيًّا وَإِنْ وُجِدَتْ فِي الْحَيْضِ سُمِّيَ بِدْعِيًّا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبِدْعِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَا إثْمَ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ كَمَا قَالَهُ فِي الزَّوَائِدِ. نَعَمْ إنْ أَوْقَعَ الصِّفَةَ فِي الْحَيْضِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِإِيقَاعِهِ فِي   [حاشية البجيرمي] وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنْ الْعِلَّةِ قَبْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسَاوِيًا لِلْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ إذْ يَدْخُلُ فِي الْآيَةِ الْقِسْمُ الَّذِي لَيْسَ فِي طَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ، وَتَخْرُجُ عَنْهُ الْمُخْتَلِعَةُ إذَا طَلُقَتْ فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ بِالطَّلَاقِ، فَمَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْ الْآيَةِ الْحُكْمُ فِي بَعْضٍ قَالَ: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ إلَخْ) أَيْ وَفِي وَقْتٍ لَا يُؤَدِّي الطَّلَاقُ فِيهِ إلَى النَّدَمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا بِدُونِهِ تَصْدُقُ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَ فِيهِ مَعَ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَيْ وَقْتُهَا وَهُوَ الطُّهْرُ، فَإِنَّ اللَّامَ فِي الْأَزْمَانِ وَمَا يُشْبِهُهَا لِلتَّأْقِيتِ، وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ بِالْأَطْهَارِ وَأَنَّ طَلَاقَ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الطُّهْرِ وَأَنَّهُ يَحْرُمُ فِي الْحَيْضِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ أَيْ الضِّدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» . فَإِنْ قُلْتَ: إنَّ الْأَمْرَ لِلْمُخَاطَبِ بِالْأَمْرِ لِغَيْرِهِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا لَهُ. قُلْت: مَحِلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُخَاطَبِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَقَدْ يُقَالُ أَمْرُ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ «فَلْيُرَاجِعْهَا» . قَوْلُهُ: (وَالْبِدْعَةُ) أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَمْ بَائِنًا. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُوقِعَ قَيْدٌ يُخْرِجُ التَّعْلِيقَ، وَالطَّلَاقُ قَدْ يُخْرِجُ الْفَسْخَ وَالْحَيْضَ، وَالطُّهْرُ الْمَوْصُوفُ بِالْجِمَاعِ فِيهِ قَيْدٌ يُخْرِجُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ فَهُوَ سُنِّيٌّ، وَكُلُّهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ؛ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي ثَالِثِ التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ الْحُكْمِ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ بِأَنَّهُ بِدْعِيٌّ سَبْعُ صُوَرٍ لَا يَكُونُ فِيهَا بِدْعِيًّا. اهـ. م د. قَوْلُ: (مَدْخُولٍ بِهَا) أَيْ لَيْسَتْ بِحَامِلٍ إلَى آخِرِ مَا سَبَقَ، فَفِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءٌ، أَيْ وَلَيْسَتْ مُخْتَلِعَةً أَيْ وَعِوَضُ الْخُلْعِ مِنْ مَالِهَا. وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ الْقُيُودَ السَّابِقَةَ هُنَا أَيْضًا أَوْ يَذْكُرَهَا فِي الْقِسْمِ وَيَسْتَغْنِي عَنْ ذِكْرِهَا فِي كُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ، فَكَانَ يَقُولُ عَقِبَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَهُنَّ ذَوَاتُ الْحَيْضِ الْمَدْخُولُ بِهِنَّ الْغَيْرُ الْآيِسَاتُ إلَخْ؛ عَلَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فِي قَوْلِهِ: وَضَرْبٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَيْضِ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ لَا فِي آخِرِهِ وَإِلَّا كَانَ سُنِّيًّا. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ) وَهَذَا الطُّهْرُ يُحْسَبُ لَهَا مِنْ الْعِدَّةِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ الطَّلَاقُ فِيهِ لِأَدَائِهِ إلَى النَّدَمِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فَلَيْسَ كُلَّمَا اسْتَعْقَبَ الطَّلَاقُ الْعِدَّةَ تَنْتَفِي عَنْهُ الْحُرْمَةُ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَقَطْ، فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحْبَلُ لِكَوْنِهَا صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً وَجَامَعَهَا فِي طُهْرٍ طَلَّقَهَا فِيهِ لَمْ يَكُنْ سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ سَبَبُ كَوْنِهِ بِدْعِيًّا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَدَارَ كَوْنِهِ بِدْعِيًّا عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا تَأَخُّرِ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ عَنْ الطَّلَاقِ أَوْ النَّدَمِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ وَإِنْ شَرَعَتْ فِي الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَدَائِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِمُخَالَفَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَزَمَنُ الْحَيْضِ) مِنْ تَمَامِ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (قَدْ لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ) لِكَوْنِهِ اسْتَوْفَى عَدَدَ الطَّلَاقِ، أَوْ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ، أَيْ بِالتَّدَارُكِ، أَيْ عَدَمِ الرِّضَا مِنْهَا بِرَدِّهَا لَهُ بِنِكَاحٍ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرَى. قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 الْحَيْضِ كَإِنْشَائِهِ الطَّلَاقَ فِيهِ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الطَّلَاقِ فِي السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ الْفُسُوخُ فَإِنَّهَا لَا تَنْقَسِمُ إلَى سُنِّيٍّ وَلَا إلَى بِدْعِيٍّ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ:؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ مَضَارَّ زَائِدَةٍ فَلَا يَلِيقُ بِهَا تَكْلِيفُ مُرَاقَبَةِ الْأَوْقَاتِ، وَبِقَيْدِ قَوْلِهِ فِي الْحَيْضِ مَا إذَا وَافَقَ قَوْلَهُ: (أَنْتِ) زَمَنَ الطُّهْرِ (وَطَالِقٌ) زَمَنَ الْحَيْضِ فَهَلْ يَكُونُ سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَزِيزَةُ النَّقْلِ ذَكَرَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي غَيْرِ مَظِنَّتِهَا فِي بَابِ الْكَفَّارَاتِ وَنَقَلَ فِيهَا عَنْ ابْنِ شُرَيْحٍ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ قَالَ: يَحْسِبُ لَهَا الزَّمَنَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ قَوْلُهُ أَنْتِ فَقَطْ قَرْءًا وَيَكُونُ الطَّلَاقُ سُنِّيًّا، قَالَ: وَهُوَ مِنْ بَابِ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى أَوَّلِ أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ بِمُفْرَدِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا يَقَعُ بِمَجْمُوعِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ انْتَهَى. تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا: قَضِيَّةُ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِالْجِمَاعِ قَصَرَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ بِهِ. التَّنْبِيهُ الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ حَصْرُ الْبِدْعِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ بَقِيَ مِنْهُ قِسْمٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ وَقَسَمَ لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ طَلَّقَ الْأُخْرَى قَبْلَ الْمَبِيتِ عِنْدَهَا وَلَوْ نَكَحَ حَامِلًا مِنْ زِنًا ثُمَّ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا   [حاشية البجيرمي] فَخَرَجَ) الْأَوْلَى وَخَرَجَ بِالْوَاوِ. قَوْلُهُ: (وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبِدْعِيِّ) أَيْ مِنْ نَدْبِ الرَّجْعَةِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ الطُّرُقِ) أَيْ طُرُقِ نَقْلِ الْمَسَائِلِ عَنْ الْإِمَامِ، فَإِنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ لَهَا طَرِيقٌ فِي النَّقْلِ. قَوْلُهُ: (إنْ أَوْقَعَ الصِّفَةَ إلَخْ) أَيْ كَأَنْ عَلَّقَ بِدُخُولِهِ نَفْسِهِ دَارَ زَيْدٍ ثُمَّ إنَّهُ دَخَلَ زَمَنَ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا) أَيْ الْفُسُوخُ. وَقَوْلُهُ " لِدَفْعِ مَضَارَّ " أَيْ يَتَضَرَّرُ بِهَا الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ. وَقَوْلُهُ " زَائِدَةٍ " أَيْ عَنْ مَضَارِّ طُولِ الْعِدَّةِ وَالنَّدَمِ. " فَلَا يَلِيقُ بِهَا " أَيْ بِالْمَضَارِّ الْمَذْكُورَةِ أَوْ فَلَا يَلِيقُ بِالْفُسُوخِ. وَقَوْلُهُ " تَكْلِيفُ الْمُرَاقَبَةِ " أَيْ تَكْلِيفُهُ الْمُرَاقَبَةَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ تَكْلِيفُهَا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهَا. قَوْلُهُ: (فَهَلْ يَكُونُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ: فَفِيهِ تَرَدُّدٌ قِيلَ سُنِّيٌّ وَقِيلَ بِدْعِيٌّ. وَقَوْلُهُ " سُنِّيًّا " أَيْ نَظَرًا لِقَوْلِهِ أَنْتِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ بِدْعِيًّا " أَيْ نَظَرًا لِقَوْلِهِ طَالِقٌ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ مَظِنَّتِهَا) أَيْ مَوْضِعِهَا وَقَوْلُهُ فِي بَابِ الْكَفَّارَاتِ بَدَلٌ مِنْ غَيْرِ. قَوْلُهُ: (يُحْسَبُ لَهَا إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَحْسِبُ لَهَا قَرْءًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَإِنَّ الطَّلَاقَ بِدْعِيٌّ لَا إثْمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَظُنُّ دَوَامَ طُهْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَقَعُ بِمَجْمُوعِ إلَخْ) أَيْ فَتَبَيَّنَ بِآخِرِهِ الْوُقُوعُ بِأَوَّلِهِ كَمَا يَتَبَيَّنُ بِآخِرِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ بِأَوَّلِهَا، وَهَذَا مُسَلَّمٌ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لَا فِي الْمَقِيسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِآخِرِ الصِّيغَةِ فِي الطَّلَاقِ. وَقَوْلُهُ " بِمَجْمُوعِ إلَخْ " هَذَا يَرُدُّ عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وَأَنَّ زَمَنَ أَنْتِ يُحْسَبُ قَرْءًا فَكَيْفَ يَكُونُ قَرْءًا مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ بَعْدَهُ فَيَكُونُ بَعْضُ الْعِدَّةِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الطَّلَاقِ؟ فَالْحُكْمُ بِأَنَّهُ سُنِّيٌّ مِنْ أَعْجَبْ الْعَجَائِبِ. قَوْلُهُ: (كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ خَوْفُ الْحَمْلِ، أَيْ حَيْثُ كَانَ عَالِمًا بِاسْتِدْخَالِهَا لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ زي. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِدْخَالِهَا فِي الْقُبُلِ أَوْ فِي الدُّبُرِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ وَطِئَ فِي الدُّبُرِ) هُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْجِمَاعِ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِلْخِلَافِ فِيهِ ق ل. قَوْلُهُ: (لِثُبُوتِ النَّسَبِ) الَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر فِي بَابِ الِاسْتِبْرَاءِ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ وَلَا الِاسْتِيلَادُ، أَيْ وَإِنْ وَجَبَتْ بَيْنَ الْعِدَّةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَهَذِهِ مُنَاقَشَةٌ فِي الْعِلَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ وَهُوَ أَنَّهُ بِدْعِيٌّ فَمُسَلَّمٌ؛ لِأَنَّهُ تَجِبُ بِهِ الْعِدَّةُ. قَوْلُهُ: (فِي حَقِّ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهِ لِمَعْنًى غَيْرِ الْمُرَادِ هُنَا الَّذِي هُوَ عَدَمُ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ؛ قَالَهُ ق ل. وَقَوْلُهُ " فَإِنَّهُ بِدْعِيٌّ " لِعَدَمِ شُرُوعِهَا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا تُقَدَّمُ عِدَّةُ وَطْءِ الشُّبْهَةِ حِينَئِذٍ؛ قَالَهُ شَيْخُنَا م د. قِيلَ: وَمِنْهُ مَا لَوْ طَلَّقَهَا حَالَ مَرَضِهِ طَلَاقًا بَائِنًا قَاصِدًا حِرْمَانَهَا مِنْ الْإِرْثِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَالزَّكَاةِ إذَا أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ قَاصِدًا الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ فَهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَكَحَ حَامِلًا مِنْ زِنًا) أَيْ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ. وَيُلْغَزُ بِهَا وَيُقَالُ: لَنَا امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ حَامِلٌ وَصَحَّ ذَلِكَ. وَصُورَتُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ نَكَحَ حَامِلًا إلَخْ، ثُمَّ فَرْضُهُمْ ذَلِكَ فِيمَنْ نَكَحَهَا حَامِلًا مِنْ الزِّنَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ زَنَتْ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ فَحَمَلَتْ جَازَ لَهُ طَلَاقُهَا وَإِنْ طَالَتْ عِدَّتُهَا لِعَدَمِ صَبْرِ النَّفْسِ عَلَى عِشْرَتِهَا حِينَئِذٍ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ غَيْرَ أَنَّ كَلَامَهُمْ يُخَالِفُهُ اهـ. قَالَ سم: قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ أَيْ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ مَعْلُومُ الشُّغْلِ، فَلَا مَعْنًى لِلشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 نُظِرَ إنْ لَمْ تَحِضْ فَبِدْعِيٌّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ وَالنِّفَاسِ، وَإِلَّا فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ فَسُنِّيٌّ أَوْ فِي الْحَيْضِ فَبِدْعِيٌّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَأَمَّا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ إذَا حَبِلَتْ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَاهِرًا فَإِنَّهُ بِدْعِيٌّ. التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ: يُسْتَثْنَى مِنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ صُوَرٌ: مِنْهَا الْحَامِلُ إذَا حَاضَتْ فَلَا يَحْرُمُ طَلَاقُهَا؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِالْوَضْعِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً وَقَالَ لَهَا سَيِّدُهَا إنْ طَلَّقَكِ الزَّوْجُ الْيَوْمَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَسَأَلَتْ الزَّوْجَ الطَّلَاقَ لِأَجْلِ الْعِتْقِ فَطَلَّقَهَا لَمْ يَحْرُمْ، فَإِنَّ دَوَامَ الرِّقِّ أَضَرُّ بِهَا مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَقَدْ لَا يَسْمَحُ بِهِ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يَمُوتُ فَيَدُومُ أَسْرُهَا بِالرِّقِّ؛ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا وَهُوَ حَسَنٌ. وَمِنْهَا طَلَاقُ الْمُتَحَيِّرَةِ فَلَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَلَا بِدْعِيٍّ. وَمِنْهَا طَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ فِي صُورَةِ الشِّقَاقِ، وَمِنْهَا طَلَاقُ الْمَوْلَى إذَا طُولِبَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ، وَمِنْهَا مَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ طَلْقَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي   [حاشية البجيرمي] مَعَ ذَلِكَ إذْ لَا دَلَالَةَ لِمُضِيِّ الزَّمَنِ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْبَرَاءَةِ، وَإِنَّمَا شَرَعَتْ فِيهَا مَعَهُ إذَا حَاضَتْ لِمُعَارَضَةِ الْحَيْضِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى الْبَرَاءَةِ لِحَمْلِ الزِّنَا فَلَمْ يُنْظَرْ إلَيْهِ مَعَ وُجُودِ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ دَخَلَ بِهَا) هَذَا الْقَيْدُ لِأَجْلِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (نَظَرَ إنْ لَمْ تَحِضْ) أَيْ فِي حَالَةِ الْحَمْلِ فَلَوْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ أَبَدًا وَطَلَّقَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَكُونُ الطَّلَاقُ بِدْعِيًّا؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِالْأَشْهُرِ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْحَمْلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ) هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِيهَا فِي الْعَدَدِ أَنَّ زَمَنَ الطُّهْرِ يُحْسَبُ قَرْءًا إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْحَمْلِ حَيْضٌ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُسْقِطَ قَوْلَهُ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ وَالنِّفَاسِ لِمَا عَلِمْتَ، وَيَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ لَهَا حَيْضٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الطُّهْرَ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ لَا يُسَمَّى قَرْءًا لِأَنَّ الْقَرْءَ طُهْرٌ بَيْنَ دَمَيْنِ. وَذَكَرَ الْحَلَبِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ مَا يُؤَيِّدُهُ، لَكِنَّ كَلَامَ م ر فِي شَرْحِهِ يُوَافِقُ مَا هُنَا مَعَ الْإِشْكَالِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْأَشْهُرِ فَمِنْ حِينِ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ تَحِيضُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ ظَاهِرُهُ وَإِنْ وَطِئَ فِيهِ فَرَاجِعْهُ. اهـ. م د. وَقَدْ رَاجَعْتُهُ فَوَجَدْتُهُ كَذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِهِ فَقَالَ: قَوْلُهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ أَيْ وَإِنْ جَامَعَهَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ فِيهَا الْمَعْنَى السَّابِقَ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، يَعْنِي إذَا وُطِئَتْ الزَّوْجَةُ بِشُبْهَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ طَاهِرًا فَهُوَ بِدْعِيٌّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ مُقَدَّمَةٌ مُطْلَقًا. وَيُلْغَزُ بِذَلِكَ وَيُقَالُ: لَنَا رَجُلٌ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَهُوَ بِدْعِيٌّ. قَوْلُهُ: (إذَا حَبِلَتْ مِنْهُ) أَيْ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ طَلَّقَهَا) أَيْ زَوْجُهَا طَاهِرًا أَيْ وَلَوْ جَامَعَهَا فِيهِ وَفِي الْحَيْضِ بِالْأَوْلَى، وَسَوَاءٌ كَانَتْ تَحِيضُ أَوْ لَا لِتَقَدُّمِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ مُطْلَقًا؛ وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ الَّتِي قَبْلَهَا. قَوْلُهُ: (يُسْتَثْنَى مِنْ الطَّلَاقِ إلَخْ) أَيْ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بِدْعِيٌّ وَحَرَامٌ، فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ لَا يُقَالُ لَهَا بِدْعِيٌّ وَلَا تَحْرُمُ بَلْ يُقَالُ لَهَا لَا سُنِّيٌّ وَلَا بِدْعِيٌّ وَيَجْرِي فِيهَا النَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْوُجُوبُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (إذَا حَاضَتْ) أَيْ فِي حَالَةِ الْحَمْلِ. قَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِالْوَضْعِ) فَلَا أَثَرَ لِلْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بِالْوَضْعِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً إلَخْ) وَيُلْغَزُ بِذَلِكَ وَيُقَالُ: لَنَا رَجُلٌ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي الْحَيْضِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَلْ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَسَأَلَتْ الزَّوْجَ إلَخْ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى عِلْمِ الزَّوْجِ بِالتَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ، أَيْ وَكَانَتْ حَائِضًا كَمَا هُوَ الْفَرْضُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ هَذَا التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (طَلَاقُ الْمُتَحَيِّرَةِ) يُتَأَمَّلُ فِيهِ، إذْ لَيْسَ هُنَا حَيْضٌ مُحَقَّقٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُتَحَيِّرَةَ الَّتِي رُدَّتْ لِعَادَتِهَا قَدْرًا وَوَقْتًا فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهَا فِي زَمَنِ عَادَةِ الْحَيْضِ بِدْعِيٌّ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ زَمَنَ الْبِدْعَةِ وَلَوْ احْتِمَالًا. وَعِبَارَةُ م د: مَحِلُّهُ إذَا وَقَعَ طَلَاقُهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ وَبَقِيَ مِنْهُ مَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعِدَدِ وَإِلَّا فَبِدْعِيٌّ. قَوْلُهُ: (طَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ) أَيْ حَيْثُ رَأَيَاهُ مَصْلَحَةً وَالْمُرَادُ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا سَبَقَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ. قَوْلُهُ: (طَلَاقُ الْمَوْلَى) أَيْ الْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يُرِدْ الْوَطْءَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ) أَيْ فِي اسْتِثْنَائِهِ، الرَّافِعِيُّ وَجْهُ التَّوَقُّفِ أَنَّ سَبَبَهُ إيلَاؤُهُ فَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 الْحَيْضِ ثَانِيَةً. وَمِنْهَا مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى عِوَضٍ، لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَلِحَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ بِالْمُفَارَقَةِ مِنْ حَيْثُ افْتَدَتْ بِالْمَالِ، وَهَذَا لَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَلَا بِدْعِيٍّ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَضَرْبٌ لَيْسَ فِي طَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (وَهُنَّ أَرْبَعٌ) الْأُولَى (الصَّغِيرَةُ) الَّتِي لَمْ تَحِضْ (وَ) الثَّانِيَةُ (الْآيِسَةُ) ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهُمَا بِالْأَشْهُرِ فَلَا ضَرَرَ يَلْحَقُهُمَا (وَ) الثَّالِثَةُ (الْحَامِلُ) الَّتِي ظَهَرَ حَمْلُهَا؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِوَضْعِهَا فَلَا تَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ فِي حَقِّهَا وَلَا نَدَمَ بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ (وَ) الرَّابِعَةُ (الْمُخْتَلِعَةُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) إذْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. تَتِمَّةٌ: مَنْ طَلَّقَ بِدْعِيًّا سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ ثَمَّ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدَ تَمَامِ طُهْرٍ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ   [حاشية البجيرمي] يُقَالُ بِدْعِيٌّ لِلتَّغْلِيظِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ ثَانِيَةً) وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ هَذَا بِدْعِيًّا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ لِلطَّلَاقِ الثَّانِي عِدَّةً لِعَدَمِ لُزُومِهَا بِهِ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ خَالَعَهَا) أَيْ وَكَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا؛ لِأَنَّ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا سَتَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى عِوَضٍ) أَيْ مِنْهَا وَكَانَتْ رَشِيدَةً أَيْ سَوَاءٌ بَاشَرَتْ الْخُلْعَ أَوْ أَذِنَتْ لِأَجْنَبِيٍّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ يُخَالِعُ مِنْ مَالِهِ فَبِدْعِيٌّ وَلَوْ بِإِذْنِهَا. قَوْلُهُ: (لِإِطْلَاقِ) أَيْ فَهُوَ شَامِلٌ لِزَمَنِ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ طَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ وَمَا بَعْدَهُ، أَيْ مَا ذَكَرَ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ مِنْ الْأَقْسَامِ السَّبْعِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ وَارِدٌ إلَخْ) فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ انْحِصَارُ هَذَا الضَّرْبِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِمَا فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ أَوْ رَاجِعٌ لِلْأَخِيرِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَخِيرُ وَارِدًا مَعَ أَنَّ الْمَتْنَ ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِاَلَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا وَهَذَا أَعَمُّ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ فِي طَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ إلَخْ) أَيْ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا وَإِنْ كَانَ جَائِزًا. قَوْلُهُ: (وَهُنَّ) أَيْ هَذَا الضَّرْبُ وَأَنَّثَهُ وَجَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ. قَوْلُهُ: (الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ) سَوَاءٌ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَمْ لَا بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ لِتَكُونَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْآيِسَةِ وَالْحَامِلِ اهـ ب ش. قَوْلُهُ: (الَّتِي لَمْ تَحِضْ) كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ لِلصَّغِيرَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي هَذَا التَّعْمِيمِ مُسَلَّمٌ. قَوْلُهُ: (الَّتِي ظَهَرَ حَمْلُهَا) أَيْ مِنْهُ لَا مِنْ شُبْهَةٍ وَلَا مِنْ زِنًا. وَقَيَّدَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الْحَامِلِ الَّتِي لَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا بِدْعِيٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّدَمِ، قَالَ ق ل: وَهُوَ تَصْوِيرٌ لِقَوْلِهِ وَلَا نَدَمَ وَإِلَّا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (الْمُخْتَلِعَةُ) هِيَ مَحَلُّ الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَلَا حَاجَةَ لِتَقْيِيدِهَا بِعَدَمِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ مُطْلَقًا بِخُلْعٍ أَوْ لَا، قَالَ سم: وَلَعَلَّ الْعَدَدَ كَانَ خَمْسًا بَدَلَ قَوْلِهِ أَرْبَعٌ وَكَانَ قَوْلُهُ: الَّتِي إلَخْ مَقْرُونًا بِالْوَاوِ لِإِتْمَامِ الْخَمْسِ فَغَيَّرَهُ النُّسَّاخُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا أَوْ يَقُولَ وَاَلَّتِي إلَخْ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ وَيَقُولَ خَمْسٌ بَدَلَ أَرْبَعٍ. قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ مَنْ طَلَّقَ بِدْعِيًّا) أَيْ بِسَبَبِ الْحَيْضِ سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَكُرِهَ تَرْكُهَا مَا دَامَ زَمَنُ الْبِدْعَةِ فَيَنْتَهِي سَنُّ الرَّجْعَةِ بِزَوَالِ زَمَنِ الْبِدْعَةِ وَهُوَ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ بِفَرَاغِهِ مَعَ زَمَنِ الْحَيْضِ بَعْدَهُ وَفِي حَيْضٍ خَالٍ عَنْ الْوَطْءِ بِفَرَاغِهِ وَبِالرَّجْعَةِ سَقَطَ الْإِثْمُ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهَا وَقَدْ وَفَّاهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ وَإِنْ كَانَتْ تَوْبَةً خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ نَظَرًا لِمَا ذُكِرَ وَهُوَ انْتِهَاءُ زَمَنِ الْبِدْعَةِ وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الرَّجْعَةِ لِحُصُولِهَا بِمُسَامَحَتِهَا مَثَلًا. وَقَوْلُهُ: " أَيْ بِسَبَبِ الْحَيْضِ " لَيْسَ قَيْدًا بَلْ كُلُّ مَنْ طَلَّقَ طَلَاقًا بِدْعِيًّا أَعَمُّ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ حَيْضٍ أَوْ كَانَ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ؛ لَكِنَّ كَوْنَ الرَّجْعَةِ سُنَّةً فِي حَقِّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ هُوَ الْوَارِدُ فِي السُّنَّةِ فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فِي غَيْرِهِ فَهِيَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، فَلَعَلَّ الْمُحَشِّي قَيَّدَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ الْوَارِدَ فِي الْحَدِيثِ: وَقَوْلُهُ: " وَهُوَ فِي طُهْرٍ أَيْ وَزَوَالِ زَمَنِ الْبِدْعَةِ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: " مَعَ زَمَنِ الْحَيْضِ " أَيْ مَعَ فَرَاغِ زَمَنِ الْحَيْضِ أَيْضًا وَالشُّرُوعِ فِي الطُّهْرِ. قَوْلُهُ: (سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ) أَوْ تَجْدِيدُ النِّكَاحِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا اهـ إمْدَادٌ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ تَمَامِ طُهْرٍ) الْأَوْلَى حَذْفُ تَمَامٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا» أَيْ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا إنْ أَرَادَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمَا وَلَوْ قَالَ لِحَائِضٍ مَمْسُوسَةٍ أَوْ نُفَسَاءَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَ تَطْهُرُ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ فِي وَإِنْ مُسَّتْ فِيهِ فَحِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ الْحَيْضِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ إنْ مُسَّتْ فِيهِ أَوْ حَيْضٍ قَبْلَهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْضَلَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَجْمَلَهُ فَكَالسُّنَّةِ أَوْ طَلْقَةً قَبِيحَةً أَوْ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ أَوْ أَسْمَجَهُ أَوْ أَفْحَشَهُ فَكَالْبِدْعَةِ، وَقَوْلُهُ لَهَا طَلَّقْتُك طَلَاقًا كَالثَّلْجِ أَوْ كَالنَّارِ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ وَيَلْغُو التَّشْبِيهُ الْمَذْكُورُ. فَصْلٌ: فِيمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ مِنْ الطَّلْقَاتِ وَفِي الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّعْلِيقِ وَالْمَحَلِّ الْقَابِلِ لِلطَّلَاقِ وَشُرُوطِ الْمُطَلِّقِ وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ عَدَدُ الطَّلْقَاتِ بِقَوْلِهِ: (وَيَمْلِكُ الْحُرُّ) عَلَى زَوْجَتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً (ثَلَاثَ   [حاشية البجيرمي] لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الشُّرُوعِ فِيهِ، فَبِأَوَّلِهِ يَجُوزُ الطَّلَاقُ. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ، وَإِنَّمَا أَبُوهُ أُمِرَ وَالْأَمْرُ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا فِي الْأُصُولِ، أَيْ فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَدْبِ الرَّجْعَةِ، فَاسْتِفَادَةُ النَّدْبِ مِنْهُ حِينَئِذٍ إنَّمَا هِيَ مِنْ الْقَرِينَةِ وَالْقَرِينَةُ هُنَا اللَّامُ فِي قَوْلِهِ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإِنَّ اللَّامَ فِيهِ لَامُ الْأَمْرِ. قَالَ: ع ش: وَالظَّاهِرُ مِنْ عَدَالَةِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ حَيْثُ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِحَيْضِهَا وَلَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ حُرْمَةُ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ لِحَائِضٍ مَمْسُوسَةٍ قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ لِحَائِضٍ مَمْسُوسَةٍ) أَيْ مَدْخُولٍ) أَيْ مَدْخُولٍ بِهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقُهَا سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا فَيَقَعُ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَهُ الْمَدَابِغِيُّ، أَيْ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ قَالَ لِلْبِدْعَةِ أَوْ لِلسُّنَّةِ فَالتَّقْيِيدُ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ الْآتِي أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ إلَخْ. هَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَهُ لِمَنْ يَكُونُ طَلَاقُهَا سُنِّيًّا لَا بِدْعِيًّا، فَلَوْ قَالَهُ لِمَنْ لَا يَتَّصِفُ طَلَاقُهَا بِذَلِكَ وَقَعَ فِي الْحَالِ مُطْلَقًا وَيَلْغُو ذِكْرُ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نُفَسَاءَ) أَيْ مَمْسُوسَةٍ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (لِلْبِدْعَةِ) اللَّامُ لِلتَّوْقِيتِ أَيْ فِي وَقْتِ الْبِدْعَةِ أَوْ عِنْدَهَا، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّامَ إنْ دَخَلَتْ عَلَى مَا يَتَكَرَّرُ كَانَتْ لِلتَّوْقِيتِ كَأَنْتِ طَالِقٌ لِرَمَضَانَ؛ الْمَعْنَى إذَا جَاءَ وَقْتُ رَمَضَانَ طَلُقَتْ وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يَتَكَرَّرُ كَانَتْ لِلتَّعْلِيلِ فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِرِضَا زَيْدٍ فَتَطْلُقُ وَإِنْ سَخِطَ. قَوْلُهُ: (فَكَالسُّنَّةِ) أَيْ فَإِنْ كَانَتْ فِي حَالِ سُنَّةٍ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَإِلَّا فَبِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ: فَكَالسُّنَّةِ، أَيْ فَكَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَكَالسُّنَّةِ أَيْ فِيمَا مَرَّ فَلَا يَقَعُ فِي حَالِ بِدْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى بِالْمَدْحِ مَا وَافَقَ الشَّرْعَ كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (فَكَالْبِدْعَةِ) قَالَ م ر: أَيْ فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى بِالذَّمِّ مَا خَالَفَ الشَّرْعَ. قَوْلُهُ: (يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ) خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنْ قَصَدَ التَّشْبِيهَ بِالثَّلْجِ فِي الْبَيَاضِ وَبِالنَّارِ فِي الْإِضَاءَةِ طَلُقَتْ فِي زَمَنِ السُّنَّةِ، أَوْ التَّشْبِيهَ بِالثَّلْجِ فِي الْبُرُودَةِ وَبِالنَّارِ فِي الْحَرَارَةِ وَالْإِحْرَاقِ طَلُقَتْ فِي الْبِدْعَةِ شَرْحُ الرَّوْضِ. [فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا مِنْ الطَّلْقَاتِ] وَهِيَ ثَلَاثٌ لِلْحُرِّ وَثِنْتَانِ لِلرَّقِيقِ، وَفِي الِاسْتِثْنَاءِ هَلْ يَنْفَعُ أَمْ لَا وَالتَّعْلِيقُ هَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالْمَحَلُّ الْقَابِلُ لِلطَّلَاقِ أَنْ يَكُونَ زَوْجَةً وَلَوْ رَجْعِيَّةً لَا مَمْلُوكَةً لَهُ وَفِي شُرُوطِ الْمُطَلِّقِ وَهِيَ التَّكْلِيفُ وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ وَالنَّوْمِ، فَهَذَا الْفَصْلُ مَعْقُودٌ لِخَمْسِ مَسَائِلَ. قَوْلُهُ: (وَيَمْلِكُ الْحُرُّ) أَيْ كَامِلُ الْحُرِّيَّةِ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَّا هُوَ فَلَا يَنْحَصِرُ طَلَاقُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَا يَنْحَصِرُ عَدَدُ زَوْجَاتِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ فِي الطَّلَاقِ كَغَيْرِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَى الْحَصْرِ قِيلَ: يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا مِنْ غَيْرِ مُحَلِّلٍ، وَادَّعَى الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَقِيلَ لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحْلِيلِ لِمَا خُصَّ بِهِ مِنْ حُرْمَةِ نِسَائِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ عَلَى غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 طَلْقَاتٍ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ فَقَالَ: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] » وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا رِقَّ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الطَّلَاقِ بِالزَّوْجِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» . وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ «؛ لِأَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ لَمَّا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا تَبِينُ بِاللِّعَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَلَوْ كَانَ إيقَاعُ الثَّلَاثِ حَرَامًا لَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَهُ هُوَ وَمَنْ حَضَرَهُ. (وَ) يَمْلِكُ (الْعَبْدُ طَلْقَتَيْنِ) فَقَطْ وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا: «طَلَاقُ الْعَبْدِ طَلْقَتَانِ»   [حاشية البجيرمي] قِيلَ نَزَلَتْ فِي طَلْحَةَ لَمَّا قَالَ إنْ مَاتَ لَأَتَزَوَّجَن بِعَائِشَةَ وَلِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] وَلِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْجَنَّةِ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا كَمَا قَالَ الْقُشَيْرِيُّ. وَقِيسَ بِزَوْجَتِهِ أَمَتُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الطَّاوُسِيُّ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنَّ الْمَنْعَ أَقْوَى مَعْنًى وَخَرَجَ بِالْمَدْخُولَةِ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ أَمَتُهُ لَمْ تَحْرُمْ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ زَوْجَتُهُ حَرُمَتْ إنْ مَاتَ عَنْهَا. وَفِيمَنْ فَارَقَهَا فِي حَيَاتِهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ، وَحُكِيَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ. هَذَا إذَا لَمْ تَخْتَرْ الْمُخَيَّرَةُ فِرَاقَهُ، فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ فِيهَا الْخِلَافَ؛ وَالْأَظْهَرُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْقَطْعُ بِالْحِلِّ وَإِلَّا فَلَا مَعْنًى لِلتَّخْيِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَحَكَوْا فِيهِ الِاتِّفَاقَ، وَالْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً) وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَجَعَلَ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ النِّسَاءِ كَالْعِدَّةِ؛ وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] فَإِنْ قِيلَ: الطَّلَاقُ لَيْسَ مَرَّتَيْنِ بَلْ ثَلَاثٌ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِفَةٍ مَحْذُوفَةٍ أَيْ عَدَدِ الطَّلَاقِ الَّذِي تَحِلُّ بَعْدَهُ الرَّجْعَةُ مَرَّتَانِ أَيْ طَلْقَتَانِ، وَلَمْ يَقُلْ ثِنْتَانِ أَوْ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً مَرَّةً ثُمَّ أُخْرَى مَرَّةً. اهـ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَفْسِيرِهِ، قَالَ: وَالْحُكْمُ عِنْدَنَا فِي إيقَاعِ الثِّنْتَيْنِ فِي مَرَّةٍ الْكَرَاهَةُ وَقَوْلُهُ عَنْ قَوْله تَعَالَى إلَخْ عَنْ بِمَعْنَى بَعْدُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] أَيْ سُئِلَ بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ بَعْدَهُ لَا عَنْهُ. قَوْلُهُ: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] أَيْ طَلَاقٌ لَا إثْمَ فِيهِ. قَوْلُهُ: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ» أَيْ مُعْتَبَرٌ بِهِمْ أَيْ أَصَالَةً فَلَا يَرِدُ مَا لَوْ فَوَّضَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ أَوْ تَوَكَّلَتْ فِي طَلَاقِ بِنْتِهَا مَثَلًا وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ عَرْضِيٌّ، قَالَ ق ل: وَالْمُرَادُ بِالرِّجَالِ وَلَوْ احْتِمَالًا فَيَدْخُلُ الْخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي الْوُقُوعِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ عَقَدَ الْخُنْثَى عَلَى أُنْثَى ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ اتَّضَحَ بِالذُّكُورَةِ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ الْعَقْدِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِتَبَيُّنِ صِحَّةِ النِّكَاحِ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إلَخْ " غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى لَا يَكُونُ زَوْجًا فِي حَالِ إشْكَالِهِ وَحِينَئِذٍ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ) وَلَوْ مَعَ أَكْثَرَ مِنْهَا نَحْوُ سَبْعِينَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ عُمَيْرًا الْعَجْلَانِيَّ) صَوَابُهُ عُوَيْمِرٌ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. وَالْعَجْلَانِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ نِسْبَةً إلَى عَجْلَانَ اسْمُ قَبِيلَةٍ، مَنْقُولٌ مِنْ قَوْلِهِمْ هُوَ عَجْلَانُ بِمَعْنَى مُسْتَعْجِلٍ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَ إيقَاعُ الثَّلَاثِ حَرَامًا إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الدَّلَالَةِ. وَقَدْ يُقَالُ عَدَمُ نَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ فَائِدَةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ حَصَلَتْ قَبْلَهُ بِاللِّعَانِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا وَقَعَ مِنْهُ جَاهِلًا بِأَنَّ اللِّعَانَ يَحْرُمُ. قَالَ الرَّمْلِيُّ بَعْدَ سَوْقِ عِبَارَةٍ طَوِيلَةٍ: وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الشِّيعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدَةٍ أَيْ فِيمَا إذَا جَمَعَ الثَّلَاثَ طَلْقَاتٍ فَقَطْ وَإِنْ اخْتَارَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ لَا يُعْبَأُ بِهِ وَاقْتَدَى بِهِ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَابْتَدَعَ بَعْضُ أَهْلِ زَمَانِنَا أَيْ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ: إنَّهُ ضَالٌّ،،،، مُضِلٌّ أَيْ إنْ ثَبَتَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَيَمْلِكُ الْعَبْدُ) أَيْ مَنْ فِيهِ رِقٌّ كَمَا ذَكَرَهُ، وَبِهَذَا يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا عَبْدٌ يَمْلِكُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ سَيِّدُهُ. قَوْلُهُ: (لِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا حُرِّيَّةَ الزَّوْجَةِ لِمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ ثَالِثَةً كَذِمِّيٍّ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتُرِقَّ ثُمَّ أَرَادَ نِكَاحَهَا فَإِنَّهَا تَحِلُّ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَمْلِكُ عَلَيْهَا الثَّالِثَةَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بِالطَّلْقَتَيْنِ، وَطَرَيَانُ الرِّقِّ لَا يَمْنَعُ الْحِلَّ السَّابِقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً ثُمَّ اُسْتُرِقَّ فَإِنَّهَا تَعُودُ لَهُ بِطَلْقَةٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رَقَّ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ عَدَدِ الْعَبِيدِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ: (وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ) لِوُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَلِصِحَّتِهِ شُرُوطٌ خَمْسَةٌ: وَهِيَ (إذَا وَصَلَهُ بِهِ) أَيْ بِالْيَمِينِ وَنَوَاهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ   [حاشية البجيرمي] مَرَّ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ» وَهُوَ شَامِلٌ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ. قَوْلُهُ: (قَدْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ ثَالِثَةً) فِيهِ تَجَوُّزٌ لَا يَخْفَى لِكَوْنِهِ كَانَ حُرًّا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ. فَرْعٌ: لَوْ طَلَّقَ أَحَدَهُمَا دُونَ مَالِهِ ثُمَّ رَاجَعَ أَوْ جَدَّدَ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِمَا بَقِيَ وَإِذَا اسْتَوْفَى مَالَهُ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ عَادَتْ بِمَالِهِ اهـ ق ل. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: وَلِحُرٍّ ثَلَاثٌ وَلِغَيْرِهِ ثِنْتَانِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الزَّوْجَةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حُرَّةً أَمْ لَا، فَمَنْ طَلَّقَ دُونَ مَالِهِ وَرَاجَعَ أَوْ جَدَّدَ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ عَادَتْ لَهُ بِبَقِيَّتِهِ أَيْ بِبَقِيَّةِ مَالِهِ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ الطَّلَاقِ لَمْ يُحْوِجْ إلَى زَوْجٍ آخَرَ، فَالنِّكَاحُ الثَّانِي وَالدُّخُولُ فِيهِ لَا يَهْدِمَانِهِ كَوَطْءِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ، أَمَّا مَنْ طَلَّقَ بِمَالِهِ فَتَعُودُ إلَيْهِ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الثَّانِي بِهَا أَفَادَ حِلَّهَا لِلْأَوَّلِ وَلَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْعَقْدِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ لِاسْتِغْرَاقِهِ فَكَانَ نِكَاحًا مُفْتَتَحًا بِأَحْكَامِهِ اهـ وَقَوْلُهُ " وَلِغَيْرِهِ " أَيْ حَالَ تَطْلِيقِهِ وَإِنْ طَرَأَ عِتْقُهُ بَعْدُ، فَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ وَاحِدَةٍ عَادَتْ لَهُ بِبَقِيَّةِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا، وَلَوْ تَقَارَنَا كَأَنْ عَلَّقَ سَيِّدُهُ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ وَعَلَّقَ الْعَبْدُ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ بِهَا فَوَجَدَتْ مِلْكَ الثَّلَاثِ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: " حُرَّةً أَمْ لَا " خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي اعْتِبَارِهِ الزَّوْجَةَ كَالْعِدَّةِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا. قَوْلُهُ: (كَذِمِّيٍّ) أَيْ حُرٍّ. قَوْلُهُ: (وَاسْتُرِقَّ) أَيْ بَعْدَ نَقْضِهِ الْعَهْدَ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَرَادَ نِكَاحَهَا) أَيْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْقَطِعُ بِرِقِّ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ أَنْ كَانَ حُرًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَنْهَجُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ إلَخْ) هَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي قَوْلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً إلَخْ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْخِلَافِ، وَانْظُرْ مَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، بَلْ قَدْ يُقَالُ الثَّانِي أَوْلَى بِمِلْكِ الثَّالِثَةِ. قَوْلُهُ: (وَطَرَيَانُ الرِّقِّ لَا يَمْنَعُ الْحِلَّ السَّابِقَ) ظَاهِرُهُ بَقَاءُ النِّكَاحِ السَّابِقِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَمُرَادُهُ الْحِلُّ بِالنِّكَاحِ أَيْ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ حِلٌّ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ) مُشْتَقٌّ مِنْ الثَّنْيِ أَيْ الرُّجُوعِ وَالصَّرْفِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ رَجَعَ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِهِ وَصَرَفَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ؛ وَقَدْ يُقَالُ: كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ وَلَا عُمُومَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ اصْطِلَاحَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فِي الطَّلَاقِ) وَكَذَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ، وَلَعَلَّ تَقْيِيدَهُ بِالطَّلَاقِ لِدَفْعِ تَكْرَارِهِ مَعَ ذِكْرِهِ لَهُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ، وَأَيْضًا الْكَلَامُ فِي الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (خَمْسَةٌ) أَيْ بِجَعْلِ التَّلَفُّظِ مَعَ الْإِسْمَاعِ شَرْطًا وَإِنْ كَانَا شَرْطَيْنِ، بِدَلِيلِ أَخْذِ مُحْتَرَزِ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْخَمْسَةِ مَعْرِفَةَ مَعْنَاهُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهَا قَصْدُهُ رَفْعَ حُكْمِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَعْرِفَةُ مَعْنَاهُ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ جَمْعِ الْمُفَرَّقِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: (إذَا وَصَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى. قَوْلُهُ: (بِهِ أَيْ بِالْيَمِينِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْمُطَلِّقِ قَدْ لَا تَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَالْحَلِفَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ، وَالْمِثَالُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ: بِهِ " أَيْ بِالْيَمِينِ، لَوْ قَالَ أَيْ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ لَكَانَ أَنْسَبَ وَأَعَمَّ وَأَوْلَى اهـ؛ أَيْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ كَمَا عَلِمْت، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لِلْحَلِفِ لَا لِلْيَمِينِ وَالْيَمِينُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَنَوَاهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ) أَيْ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، أَيْ فَيَكْفِي اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِأَيِّ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَذَا إنْ أَخَّرَهُ، فَإِنْ قَدَّمَهُ كَانَتْ إلَّا وَاحِدَةً طَالِقًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 وَقَصَدَ بِهِ رَفْعَ حُكْمِ الْيَمِينِ وَتَلَفَّظَ بِهِ مُسْمِعًا بِهِ نَفْسَهُ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ، فَلَوْ انْفَصَلَ زَائِدًا عَلَى سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ ضَرَّ أَمَّا لَوْ سَكَتَ لِتَنَفُّسٍ، أَوْ انْقِطَاعِ صَوْتٍ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ فَاصِلًا بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ يَسِيرًا أَوْ نَوَاهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْيَمِينِ ضَرَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَاهُ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِتَمَامِهَا وَذَلِكَ صَادِقٌ بِأَنْ يَنْوِيَهُ أَوَّلَهَا أَوْ آخِرَهَا أَوْ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفْعَ حُكْمِ الْيَمِينِ أَوْ قَصَدَ بِهِ رَفْعَ الْيَمِينِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ أَوْ تَلَفَّظَ بِهِ وَلَمْ يُسْمِعْ بِهِ نَفْسَهُ عِنْدَ اعْتِدَالِ سَمْعِهِ أَوْ اسْتَغْرَقَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ضَرَّ، وَالْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْآمِدِيُّ. فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَطَلُقَتْ ثَلَاثًا. وَيَصِحُّ تَقْدِيمُ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَأَنْتِ إلَّا وَاحِدَةً طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالِاسْتِثْنَاءُ يُعْتَبَرُ مِنْ الْمَلْفُوظِ لَا مِنْ الْمَمْلُوكِ فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا وَقَعَ طَلْقَتَانِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ وَقَعَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى مِنْ طَلْقَةٍ بَعْضَ طَلْقَةٍ بَقِيَ بَعْضُهَا وَمَتَى بَقِيَ كَمُلَتْ. تَنْبِيهٌ: يُطْلَقُ الِاسْتِثْنَاءُ شَرْعًا عَلَى التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ   [حاشية البجيرمي] ثَلَاثًا نَوَاهُ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِهِ أَيْ يَقْصِدُ حَالَ الْإِتْيَانِ بِهِ إخْرَاجَهُ مِمَّا بَعْدَهُ لِيَرْتَبِطَ بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَلَفَّظَ بِهِ إلَخْ) فَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي الْإِتْيَانِ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ الْمَشِيئَةِ الْآتِيَةِ صُدِّقَتْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَنْكَرَتْ سَمَاعَهَا لَهُ فَيُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِهَا عَدَمُ إتْيَانِهِ بِهِ، فَلَوْ قَالَ أَنَا أَتَيْت بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي قَلْبِي وَلَمْ أَتَلَفَّظْ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنَا نَوَيْت التَّعْلِيقَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا وَأَنْكَرَتْ فَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُدَيَّنُ بَاطِنًا فَيَعْمَلُ بِذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْمَعَهُ غَيْرُهُ فَلَوْ قَالَ: قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زِيَادًا وَأَنْكَرَتْ الشَّرْطَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ سم عَلَى حَجّ. ثُمَّ ذَكَرَ فَرْقًا بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ وَبَيْنَ التَّعْلِيقِ بِصِفَةٍ غَيْرِهِمَا فَقَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا إسْمَاعُ الْغَيْرِ وَبَيْنَ التَّعْلِيقِ بِصِفَةٍ غَيْرِهِمَا حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إسْمَاعُ الْغَيْرِ، أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالصِّفَةِ لَيْسَ رَافِعًا لِلطَّلَاقِ وَلَا لِبَعْضِهِ بَلْ مُخَصِّصٌ لَهُ بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ، بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ فَإِنَّ مَا ادَّعَاهُ فِيهِمَا رَافِعٌ لِلطَّلَاقِ مِنْ أَصْلِهِ جَمِيعِهِ أَيْ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ أَوْ بَعْضِهِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ انْفَصَلَ) شُرُوعٌ فِي الْمُحْتَرَزَاتِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَاهُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ فَرَاغِهَا فَلَوْ قَالَ قَبْلَهُ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. ق ل. فَرْعٌ: لَوْ شَكَّ هَلْ قَصَدَ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ لَا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَصْدِ وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَسُئِلَ م ر عَمَّا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَأَنْشَأَ لَهُ غَيْرَهُ هَلْ يَنْفَعُهُ أَوْ لَا؟ أَجَابَ: إنْ اعْتَقَدَ الْحَالِفُ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ نَفَعَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَبْلَ عِلْمِهِ أَنَّ مَشِيئَةَ الْغَيْرِ لَا تَنْفَعُهُ؛ أَمَّا إذَا عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ. وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ لَا تَنْفَعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي جَهْلِهِ بِهَذَا الْحُكْمِ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَلَوْ أَنْشَأَ لَهُ غَيْرَهُ لَمْ يَكْفِ إلَّا إنْ اعْتَقَدَ نَفْعَهُ لِجَهْلِهِ مَثَلًا؛ قَالَهُ شَيْخُنَا م ر اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَوْ انْفَصَلَ. وَقَالَ م د: إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى أَوْ نَوَاهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَغْرِقُ إلَخْ) فِي مَقَامِ التَّعْلِيلِ أَيْ مَا لَمْ يُتْبِعْهُ بِغَيْرِهِ وَإِلَّا فَصَحِيحٌ كَمَا فِي ق ل، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ وَقَعَ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ، وَالْمَعْنَى هُنَا إلَّا ثَلَاثًا لَا تَقَعُ إلَّا ثِنْتَيْنِ تَقَعَانِ. وَمِنْ الْمُسْتَغْرِقِ مَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ السَّابِقَةَ وَيَنْوِي عِنْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ. قَوْلُهُ: (كَمُلَتْ) أَيْ؛ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ لَا تَتَبَعَّضُ وَغُلِّبَ جَانِبُ الْبَقَاءِ لِاعْتِضَادِهِ بِالِاسْتِمْرَارِ ق ل. قَوْلُهُ: (يُطْلَقُ الِاسْتِثْنَاءُ شَرْعًا إلَخْ) وَسُمِّيَتْ كَلِمَةُ الْمَشِيئَةِ اسْتِثْنَاءً لِصَرْفِهَا الْكَلَامَ عَنْ الْجَزْمِ وَالثُّبُوتِ حَالًا مِنْ حَيْثُ التَّعْلِيقُ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ. قَوْلُهُ: (بِمَشِيئَةِ اللَّهِ) أَيْ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ، وَجَمِيعُ شُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْإِنْشَاءِ سِوَى الِاسْتِغْرَاقِ. قَوْلُهُ: (إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَوْ إذَا أَوْ مَتَى أَوْ مَهْمَا، وَكَذَا فِي النَّفْيِ. وَمِثْلُ مَشِيئَةِ اللَّهِ مَشِيئَةُ الْمَلَائِكَةِ بِخِلَافِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 تَعَالَى طَلَاقَك وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ فِي الْأُولَى وَبِعَدَمِهَا فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ فَرَاغِ الطَّلَاقِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمِهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالْمَشِيئَةِ التَّعْلِيقَ بِأَنْ سَبَقَ إلَى لِسَانِهِ لِتَعَوُّدِهِ بِهَا كَمَا هُوَ الْأَدَبُ أَوْ قَصَدَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ قَصَدَ بِهَا التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَمْ لَا حَنِثَ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ. وَكَذَا يَمْنَعُ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ انْعِقَادَ نِيَّةِ وُضُوءٍ وَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَغَيْرِهَا عِنْدَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ وَانْعِقَادِ تَعْلِيقٍ وَانْعِقَادِ عِتْقٍ وَانْعِقَادِ يَمِينٍ وَانْعِقَادِ نَذْرٍ وَانْعِقَادِ كُلِّ تَصَرُّفٍ غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِمَّا حَقُّهُ الْجَزْمُ كَبَيْعٍ وَإِقْرَارٍ وَإِجَارَةٍ. وَلَوْ قَالَ: يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ طَلْقَةٌ فِي الْأَصَحِّ نَظَرًا لِصُورَةِ النِّدَاءِ الْمُشْعِرِ بِحُصُولِ الطَّلَاقِ حَالَتَهُ. وَالْحَاصِلُ لَا يُعَلَّقُ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَدْ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنْهُ وَتَوَقُّعِ الْحُصُولِ كَمَا يُقَالُ لِلْقَرِيبِ مِنْ الْوُصُولِ أَنْتَ وَاصِلٌ وَلِلْمَرِيضِ الْمُتَوَقَّعِ شِفَاؤُهُ أَنْتَ صَحِيحٌ فَيَنْتَظِمُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي مِثْلِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِقَوْلِهِ: (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ قِيَاسًا عَلَى الْعِتْقِ (بِالصِّفَةِ) فَتَطْلُقُ عِنْدَ وُجُودِهَا فَإِذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّتِهِ أَوْ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي أَوَّلِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ مَعَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ   [حاشية البجيرمي] مَشِيئَةِ الْآدَمِيِّينَ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى وُقُوعِ الْمَشِيئَةِ مِنْهُمْ، أَوْ عَدَمِهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْنَثْ) لَيْسَ فِي الْكَلَامِ أَدَاةُ شَرْطٍ يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لَهُ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: فَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ) شُرُوعٌ فِي مَسَائِلَ سِتَّةٍ لَا تَمْنَعُ الْوُقُوعَ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ) بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ. وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ اشْتِرَاطِ قَصْدِ رَفْعِ حُكْمِ الْيَمِينِ، وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْإِطْلَاقَ يُبْطِلُ النِّيَّاتِ لَا غَيْرَهَا وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا إلَخْ. وَالضَّابِطُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ يَرْفَعُ كُلَّ عَقْدٍ وَحَلٍّ وَيُبْطِلُ كُلَّ عِبَادَةٍ، فَإِنْ أَطْلَقَ وَكَانَ فِي الْعِبَادَةِ مَنَعَ الِانْعِقَادَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا فَلَا يَمْنَعُهُ اهـ م د. وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ صُوَرَ الْحِنْثِ سِتَّةٌ، وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ: وَأَلْحَقَ الْإِطْلَاقَ هُنَا بِالتَّبَرُّكِ وَفِي الْوُضُوءِ بِالتَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ جَزْمٌ فَتَبْطُلُ بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَأَيْضًا فَقَدْ أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَأْتِ بِمَا يُنَافِيه بَلْ بِمَا يُلَائِمُهُ اهـ. وَلَوْ شَكَّ هَلْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ لَا وَهَلْ ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ أَوْ لَا فَهُوَ مِثْلُ التَّبَرُّكِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ) أَيْ وَكَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ قَالَ: عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ التَّبَرُّكِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مَانِعٌ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَانْعِقَادِ تَعْلِيقٍ) نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَذَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ إلَخْ لَكِنْ مَعَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَا مَعَ الْإِطْلَاقِ وَلَا مَعَ قَصْدِ التَّبَرُّكِ وَنَحْوِهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ الْقَيْدَ الْمُتَقَدِّمَ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ دُونَ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الِاحْتِيَاطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْإِيضَاحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعْلِيقَ اللَّفْظِيَّ بِالْمَشِيئَةِ عِنْدَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ يَضُرُّ مُطْلَقًا فَيَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِبَادَةِ وَانْعِقَادَ سَائِرِ الْعُقُودِ وَيَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَعِنْدَ قَصْدِ التَّبَرُّكِ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَتَصِحُّ الْعِبَادَةُ وَتَنْعَقِدُ الْعُقُودُ، وَأَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَتَبْطُلُ الْعِبَادَةُ فَقَطْ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ طَلَاقٍ وَلَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ تَصَرُّفٍ مِنْ عَقْدٍ أَوْ حَلٍّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ يَا طَالِقُ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِكَوْنِ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ يَمْنَعُ مِنْ الْوُقُوعِ عِنْدَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا فِي حَالَةِ النِّدَاءِ. وَالْفَرْقُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ النِّدَاءَ يُشْعِرُ بِحُصُولِ الطَّلَاقِ وَالْحَاصِلُ لَا يُعَلَّقُ، بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ فَقَدْ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْقُرْبِ فَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ. قَوْلُهُ: (وَالْحَاصِلُ) وَهُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي وَصَفَهَا بِهِ لَا يُعَلَّقُ بِالْمَشِيئَةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ) أَيْ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْقُرْبِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (فَيَنْتَظِمُ) أَيْ يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَشِيئَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ إلَخْ) وَالْأَعَمُّ أَنَّ التَّعْلِيقَ إمَّا بِالشَّرْطِ كَالْأَدَوَاتِ الْآتِيَةِ، وَإِمَّا بِالصِّفَةِ نَحْوُ طَلَاقًا حَسَنًا أَوْ قَبِيحًا أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَقْبَحَهُ، وَإِمَّا بِالْأَوْقَاتِ نَحْوُ إلَى شَهْرِ كَذَا؛ وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ التَّخْلِيطِ فَلْيُتَأَمَّلْ ق ل، أَيْ حَيْثُ ذَكَرَ الْأَوْقَاتَ أَمْثِلَةً لِلصِّفَةِ. وَعِبَارَةُ سم: وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالصِّفَةِ كَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا وَلَيْسَتْ فِي حَالِ سُنَّةٍ فِي الْأَوَّلِ وَلَا فِي حَالِ بِدْعَةٍ فِي الثَّانِي، فَتَطْلُقُ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْحَالِ وَقَالَ سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ. قَوْلُهُ: (قِيَاسًا عَلَى الْعِتْقِ) لِمَا وَرَدَ فِي الْعِتْقِ وَلَمْ يَرِدْ فِي الطَّلَاقِ قِيسَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَالَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْوَقْتِ لَا بِالصِّفَةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا، فَكَانَ عَلَى الْمَتْنِ أَنْ يَقُولَ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 الْأَوْلَى مِنْهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نَهَارِ شَهْرِ كَذَا أَوْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ فَتَطْلُقُ بِأَوَّلِ فَجْرِ يَوْمٍ مِنْهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ شَهْرِ كَذَا أَوْ سَلْخِهِ فَتَطْلُقُ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ، إنْ عَلَّقَ بِأَوَّلِ آخِرِهِ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ آخِرِهِ، وَلَوْ عَلَّقَ بِآخِرِ أَوَّلِهِ طَلُقَتْ بِآخِرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ أَوَّلِهِ، وَلَوْ عَلَّقَ بِانْتِصَافِ الشَّهْرِ طَلُقَتْ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَإِنْ نَقَصَ الشَّهْرُ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ عَلَّقَ بِنِصْفِ نِصْفِهِ الْأَوَّلِ طَلُقَتْ بِطُلُوعِ فَجْرِ الثَّامِنِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ نِصْفِهِ سَبْعُ لَيَالٍ وَنِصْفٌ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ وَاللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ فَيُقَابَلُ نِصْفُ لَيْلَةٍ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَيُجْعَلُ ثَمَانِي لَيَالٍ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ نِصْفًا وَسَبْعُ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ نِصْفًا، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ طَلُقَتْ بِالْغُرُوبِ إنْ عَلَّقَ نَهَارًا وَبِالْفَجْرِ إنْ عَلَّقَ لَيْلًا إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ وَجُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ إذْ لَا فَاصِلَ بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ. وَقَوْلُهُ: (وَالشَّرْطِ) مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى الصِّفَةِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ، وَقَدْ اُسْتُؤْنِسَ لِجَوَازِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشَّرْطِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» انْتَهَى وَأَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَالصِّفَاتِ: إنْ وَهِيَ أُمُّ الْبَابِ نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَمَنْ، بِفَتْحِ الْمِيمِ كَمَنْ دَخَلَتْ مِنْ   [حاشية البجيرمي] بِالصِّفَةِ وَالزَّمَانِ وَالشَّرْطِ، وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ صُوَرِ التَّعْلِيقِ بِالْأَوْقَاتِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي غُرَّتِهِ) الْغُرَّةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَقَعَ الطَّلَاقُ) أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ. قَوْلُهُ: (مَعَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى) وَذَلِكَ بِغَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، وَلَوْ [رُئِيَ الْهِلَالُ قَبْلَهَا] ؛ لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ تَتَحَقَّقُ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى نَهَارٍ. قَوْلُهُ: (بِأَوَّلِ فَجْرِ يَوْمٍ) عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ بِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ، فَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ قَلْبٌ. قَوْلُهُ: (بِأَوَّلِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْهُ) سَوَاءٌ كَانَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ أَوْ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ بِأَنْ كَانَ نَاقِصًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ آخِرُ أَوَّلِهِ) أَيْ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودَةُ، فَلَا يُرَدُّ أَنَّ أَوَّلَهُ اللَّيْلُ وَآخِرَهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ. قَوْلُهُ: (وَنِصْفٌ) أَيْ مِنْ لَيْلَةٍ. وَقَوْلُهُ: بَعْدُ " وَنِصْفٌ " أَيْ مِنْ يَوْمٍ. قَوْلُهُ: (فَيُقَابِلُ نِصْفَ لَيْلَةٍ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ نِصْفُ يَوْمٍ بِنِصْفِ لَيْلَةٍ، فَالْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ. وَالْمُرَادُ بِاللَّيْلَةِ الثَّامِنَةُ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ الثَّامِنُ أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِنِصْفِ اللَّيْلَةِ نِصْفُهَا الثَّانِي وَالْمُرَادُ بِنِصْفِ الْيَوْمِ نِصْفُهُ الْأَوَّلِ. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ كَانَ مَعَهَا ثَمَانِي لَيَالٍ وَاللَّيْلَةُ الثَّامِنَةُ نِصْفُهَا مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَنِصْفُهَا مِنْ الثَّانِي وَالْيَوْمُ الثَّامِنُ نِصْفُهُ مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَنِصْفُهُ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ نِصْفُ نِصْفِهِ سَبْعُ لَيَالٍ وَنِصْفٌ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ، فَيُقَابَلُ نِصْفُ لَيْلَةٍ أَيْ النِّصْفُ الثَّانِي مِنْهَا الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ النِّصْفُ النِّصْفَ الثَّانِي مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ. وَقَوْلُهُ بِنِصْفِ يَوْمٍ أَيْ نِصْفِهِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ النِّصْفُ الْأَوَّلُ، بِمَعْنَى أَنَّنَا نُعْطِي النِّصْفَ الْأَوَّلَ مِنْ الْيَوْمِ الثَّامِنِ لِلنِّصْفِ الثَّانِي مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ وَنَأْخُذُ بَدَلَهُ النِّصْفَ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلَةِ فَيَصِيرُ النِّصْفُ الْأَوَّلُ ثَمَانِيَ لَيَالٍ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالنِّصْفُ الثَّانِي ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَ لَيَالٍ. قَوْلُهُ: (عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ جُزْءٍ) فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْغُرُوبِ وَالْفَجْرَ مِنْ النَّهَارِ قَطْعًا، وَهَذِهِ مُنَاقَشَةٌ فِي الْعِلَّةِ وَالْحُكْمُ مُسَلَّمٌ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَقَعَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " لَا قَلِيلٌ " يَقْتَضِي وُقُوعَ الْكَثِيرِ وَهُوَ الثَّلَاثُ وَقَوْلُهُ وَلَا كَثِيرٌ يَقْتَضِي رَفْعَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْوَاقِعُ لَا يَرْتَفِعُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لَا كَثِيرٌ وَلَا قَلِيلٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُقُوعَ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا كَثِيرًا يَقْتَضِي وُقُوعَ الْقَلِيلِ وَهُوَ طَلْقَةٌ، وَقَوْلُهُ وَلَا قَلِيلٌ يَقْتَضِي رَفْعَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْوَاقِعُ لَا يَرْتَفِعُ. اهـ. زِيَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا فَاصِلَ بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ) كَيْفَ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ وَلَوْ عَلَّقَ بِمَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلَخْ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ بَيْنَهُمَا فَاصِلًا. قَوْلُهُ: (وَالشَّرْطِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الصِّفَةِ عَطْفَ مُغَايِرٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَدَوَاتُ، أَيْ بِشُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ السَّابِقَةِ مَا عَدَا الِاسْتِغْرَاقَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ هُنَا. قَوْلُهُ: (وَقَدْ اُسْتُؤْنِسَ إلَخْ) جَعَلَهُ اسْتِئْنَاسًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ دَلِيلًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا شَرَطَ شَرْطًا فَإِنَّهُ يُوَفِّي بِهِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَأَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ إلَخْ) التَّعْلِيقُ عِبَارَةٌ عَنْ الرَّبْطِ الْحَاصِلِ الْمُتَكَلَّمِ وَالشَّرْطُ هُنَا هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْأَدَاةُ وَأَمَّا الشَّرْطُ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَدَوَاتُ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 نِسَائِي الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ وَإِذَا وَمَتَى وَمَتَى مَا بِزِيَادَةِ مَا وَكُلَّمَا نَحْوُ كُلَّمَا دَخَلَتْ الدَّارَ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَائِي فَهِيَ طَالِقٌ وَأَيُّ كَأَيِّ وَقْتٍ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ طَالِقٌ. وَمِنْ الْأَدَوَاتِ إذْ مَا عَلَى رَأْيِ سِيبَوَيْهِ وَمَهْمَا وَهِيَ بِمَعْنَى مَا وَمَا الشَّرْطِيَّةُ وَإِذْ مَا وَأَيًّا مَا كَلِمَةٌ وَأَيَّانَ وَهِيَ كَمَتَى فِي تَعْمِيمِ الْأَزْمَانِ وَأَيْنَ وَحَيْثُمَا لِتَعْمِيمِ الْأَمْكِنَةِ وَكَيْفَ وَكَيْفَمَا لِلتَّعْلِيقِ عَلَى الْأَحْوَالِ. وَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَكُونُ بِلَا فِي بَلَدٍ عَمَّ الْعُرْفُ فِيهَا كَقَوْلِ أَهْلِ بَغْدَادَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ، وَيَكُونُ التَّعْلِيقُ أَيْضًا بِلَوْ كَأَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَهَذِهِ الْأَدَوَاتُ لَا تَقْتَضِينَ الْوُقُوعَ بِالْوَضْعِ فَوْرًا فِي الْمُعَلَّقِ   [حاشية البجيرمي] كَلَامِ الْمَتْنِ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْفِعْلُ وَعَطْفُ الصِّفَاتِ عَلَى الشَّرْطِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مُرَادِفٌ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ فَلَيْسَ فِيهَا أَدَاةُ شَرْطٍ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ الْبِدْعَةِ، وَلَيْسَتْ فِي زَمَنِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ إذَا وُجِدَ زَمَانُ مَا عَلَّقَ بِهِ. وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْأَدَوَاتِ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَقَدْ نَظَمَ ابْنُ الْوَرْدِيِّ ضَابِطَ أَدَوَاتِ التَّعْلِيقِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ أَنْ سُئِلَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ: أَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ تَخْفَى عَلَيْنَا ... هَلْ لَكُمْ ضَابِطٌ لِكَشْفِ غِطَاهَا فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: كُلَّمَا لِلتَّكْرَارِ وَهِيَ وَمَهْمَا ... إنْ إذَا أَيُّ مَنْ مَتَى مَعْنَاهَا لِلتَّرَاخِي مَعَ الثُّبُوتِ إذَا لَمْ ... يَكُ مَعَهَا إنْ شِئْت أَوْ أَعْطَاهَا أَوْ ضَمَانٌ وَالْكُلُّ فِي جَانِبِ النَّفْيِ ... لِفَوْرٍ لَا إنْ فَذَاكَ فِي سِوَاهَا وَقَوْلُ النَّاظِمِ: " مَعَ الثُّبُوتِ " أَيْ كَأَنْ قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أَوْ أَيَّ وَقْتٍ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَدَوَاتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَوْلُهُ: " فِي جَانِبِ النَّفْيِ " كَأَنْ قَالَ إذَا لَمْ تَفْعَلِي كَذَا مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ فِي النَّفْيِ ... لِلْفَوْرِ سِوَى إنْ وَفِي الثُّبُوتِ رَأَوْهَا لِلتَّرَاخِي إلَّا إذَا إذَنْ مَعَ الْمَا ... لَوْ شِئْتِي وَكُلَّمَا كَرَّرُوهَا قَوْلُهُ: (بِالشَّرْطِ وَالصِّفَاتِ) صَرِيحُ هَذَا أَنَّ الصِّفَةَ وَالشَّرْطَ وَاحِدٌ وَهُوَ عَطْفُ مُرَادِفٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَرَفْت، إذْ لَا تُسَمَّى الشُّرُوطُ أَوْصَافًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَخْ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ شَرْحُ م ر. مَسْأَلَةٌ: إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَانْسَقَطَتْ مِنْ الْحَائِطِ أَوْ مِنْ السَّقْفِ وَاعْتَقَدَتْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ دُخُولًا فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهَا ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ قَايِتْبَاي. فَرْعٌ: رَجُلٌ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا إنْ ذَهَبْتِ إلَى بَيْتِ أُمِّك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَذَهَبَتْ بَعْدَ يَوْمٍ مَثَلًا، فَلَا حِنْثَ إذْ الْقَرِينَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ذَهَابُهَا وَقْتَ الْحَلِفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُشَاجَرَةٌ بَيْنَهُمَا فَيَحْنَثُ بِذَهَابِهَا وَلَوْ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. م ر. وَلَوْ حَلَفَ لَيَشْكِيَنَّ فُلَانًا بَرَّ بِتَعْيِينِهِ عَلَيْهِ رَسُولُ الْقَاضِي ع ش. وَلَوْ حَلَفَ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهَا مَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ أَبِيهَا فَخَرَجَتْ فَقَالَ الْأَبُ لَمْ آذَنْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الزَّوْجُ أَذِنْت صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْإِذْنِ. وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَاسْتَأْذَنَتْهُ فَأَذِنَ لَهَا ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ بَرَّ بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ س ل. قَوْلُهُ: (فَأَنْتِ طَالِقٌ) وَلَوْ حَذَفَ الْفَاءَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ تَعْلِيقًا لِعَدَمِ الرَّابِطِ بَلْ يُتَخَيَّرُ. قَوْلُهُ: (وَكُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْأَدَوَاتِ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْحَصْرِ فِي عِبَارَتِهِ السَّابِقَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 عَلَيْهِ وَلَا تَرَاخِيًا إنْ عَلَّقَ بِمُثْبَتٍ كَالدُّخُولِ فِي غَيْرِ خُلْعٍ، أَمَّا فِيهِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْفَوْرِيَّةَ فِي بَعْضِ صِيَغِهِ كَإِنْ وَإِذَا كَإِنْ صُمْت أَوْ إذَا ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَذَا تُفِيدُ الْفَوْرَ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَوْ إذَا شِئْت. وَلَا تَقْتَضِي هَذِهِ الْأَدَوَاتُ تَكْرَارًا فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بَلْ إذَا وُجِدَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي غَيْرِ نِسْيَانٍ وَلَا إكْرَاهٍ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَمْ يُؤَثِّرْ وُجُودُهَا ثَانِيًا إلَّا فِي كُلَّمَا، فَإِنَّ التَّعْلِيقَ بِهَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ؛ فَلَوْ قَالَ مَنْ لَهُ عَبِيدٌ وَتَحْتَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ إنْ طَلَّقْتُ وَاحِدَةً فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ أَوْ ثِنْتَيْنِ فَعَبْدَانِ أَوْ ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةً فَأَرْبَعَةٌ وَطَلَّقَ أَرْبَعًا مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا عِتْقَ عَشَرَةٍ وَاحِدٌ بِطَلَاقِ الْأُولَى وَاثْنَانِ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ وَثَلَاثَةٌ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ وَأَرْبَعَةٌ بِطَلَاقِ الرَّابِعَةِ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ عَشَرَةٌ، وَلَوْ عَلَّقَ بِكُلَّمَا فَخَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَرْبَعَةَ آحَادٍ وَاثْنَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً فَيَعْتِقُ وَاحِدٌ بِطَلَاقِ الْأُولَى وَثَلَاثٌ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ بِهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ وَطَلَاقُ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعَةٌ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ؛ وَلِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ وَطَلَاقُ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ وَسَبْعَةٌ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (عَلَى رَأْيِ سِيبَوَيْهِ) فِيهِ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي فِيهَا إنَّمَا هُوَ فِي الْحَرْفِيَّةِ وَالِاسْمِيَّةِ فَتَكُونُ ظَرْفَ زَمَانٍ كَمَا قَالَ الْمُبَرِّدُ وَابْنُ السَّرَّاجِ وَالْفَارِسِيُّ، لَا فِي كَوْنِهَا مِنْ أَدَوَاتِ التَّعْلِيقِ أَوْ لَا فِيمَا يَظْهَرُ؛ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمَا الشَّرْطِيَّةُ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لِغَيْرِ الْعَاقِلِ وَالْأَدَوَاتُ هُنَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الزَّوْجَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْعَاقِلِ مَجَازًا لِتَشْبِيهِ الزَّوْجَةِ بِغَيْرِ الْعَاقِلِ لِنَقْصِ عَقْلِهَا. قَوْلُهُ: (وَإِذْ مَا وَأَيًّا مَا) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ كَلِمَةٌ خَبَرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ لِأَيًا مَا؛ لِأَنَّ أَيًّا كَلِمَةٌ وَمَا الزَّائِدَةُ كَلِمَةٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ وَأَيَّانَ عَطْفٌ عَلَى إذْ مَا. قَوْلُهُ: (بِلَا) أَيْ بِمَعْنَى إنْ، وَكَذَا لَوْ ق ل. وَقَوْلُهُ: " عَمَّ الْعُرْفُ فِيهَا " أَيْ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ أَنْ (لَا) لِلتَّعْلِيقِ. قَوْلُهُ: (بِالْوَضْعِ) فَإِنْ قَصَدَ الْفَوْرَ فِي حَالَةِ التَّرَاخِي عَمِلَ بِهِ أَوْ قَصَدَ التَّرَاخِي فِي حَالَةِ التَّرَاخِي عَمِلَ بِهِ أَوْ قَصَدَ التَّكْرَارَ عِنْدَ عَدَمِ إفَادَتِهَا لَهُ عَمِلَ بِهِ أَوْ قَصَدَ عَدَمَ التَّكْرَارِ عِنْدَ إفَادَتِهَا لَهُ عَمِلَ بِهِ، فَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِالْوَضْعِ. وَاحْتَرَزَ أَيْضًا بِهِ عَنْ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْفَوْرِ نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ الْآنَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ لِلْفَوْرِ، أَوْ قَالَ إذَا لَمْ تَدْخُلِي بَعْدَ سَنَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ لِلتَّرَاخِي بِالْقَرِينَةِ؛ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ مَا نَصُّهُ: أَمَّا إذَا أَرَادَ فَوْرِيَّةً أَوْ تَرَاخِيًا فِيمَا لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ بِوَضْعٍ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِإِرَادَتِهِ كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ بِالْوَضْعِ. قَوْلُهُ: (فِي بَعْضِ صِيَغِهِ) أَيْ التَّعْلِيقِ. قَوْلُهُ: (كَإِنْ وَإِذَا) أَيْ وَلَوْ فَقَطْ شَيْخُنَا وح ل. قَوْلُهُ: (وَكَذَا تُفِيدُ الْفَوْرَ فِي التَّعْلِيقِ) أَيْ فِي بَعْضِ صِيَغِهِ أَيْضًا وَهُوَ إنْ وَإِذَا وَلَوْ فَقَطْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا تَقْتَضِي هَذِهِ الْأَدَوَاتُ تَكْرَارًا إلَخْ) وَلَوْ قَيْدٌ بِالْأَبَدِ كَإِنْ خَرَجْت أَبَدًا إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهُوَ عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ عَدَمِ التَّكْرَارِ زي. قَوْلُهُ: (عِتْقَ عَشَرَةٍ) أَيْ مُبْهَمَةٍ وَعَلَيْهِ تَعْيِينُهُمْ. قَوْلُهُ: (فَخَمْسَةَ عَشَرَ) ؛ لِأَنَّ فِيهَا صِفَةَ الْوَاحِدَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَصِفَةَ الِاثْنَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَصِفَةَ الثَّلَاثَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَصِفَةَ الْأَرْبَعَةِ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي مُثْبِتِ الْمَنْفِيِّ وَكُلُّ الْأَدَوَاتِ فِيهِ لِلْفَوْرِ إلَّا إنْ فَقَطْ ق ل وَفِي شَرْحِ الْمَنُوفِيِّ الصَّغِيرِ وَكُلُّهَا تَقْتَضِي الْفَوْرَ فِي طَرَفِ النَّفْيِ إلَّا لَفْظَةَ إنْ فَقَطْ فَإِنَّهَا لِلتَّرَاخِي فَإِذَا قَالَ إذَا لَمْ أَفْعَلْ أَوْ تَفْعَلِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْعَلْ طَلُقَتْ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَهْمَا أَوْ كُلَّمَا أَوْ أَيْ حِينَ أَوْ زَمَانَ لَمْ أَفْعَلْ أَوْ تَفْعَلِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَضَى زَمَنٌ يَسَعُ الْفِعْلَ وَلَمْ يَفْعَلْ طَلُقَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ كَلَفْظِ إذَا لَمْ أَفْعَلْ، فَإِنْ عَلَّقَ بِإِنْ كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَفْعَلْ أَوْ تَفْعَلِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى يَحْصُلَ الْيَأْسُ مِنْ الْفِعْلِ فَإِنَّهَا لِلتَّرَاخِي كَمَا تَقَدَّمَ هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي الرَّوْضَةِ. وَيَتَعَيَّنُ التَّفَطُّنُ لِمَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ الْعَوَامّ مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا لَمْ أَفْعَلْ أَوْ تَفْعَلِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ بِصِيغَةِ إذَا، وَيَمْضِي عَلَى ذَلِكَ زَمَانٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْفِعْلُ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مَعَ التَّمَادِي عَلَى الْمُعَاشَرَةِ، بَقِيَ الْحِنْثُ ظَانِّينَ عَدَمَهُ. اهـ. م د، أَيْ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ. قَوْلُهُ: (فَيَعْتِقُ وَاحِدٌ بِطَلَاقِ الْأُولَى) وَالْحَاصِلُ أَنَّك تَجْمَعُ الْأَعْدَادَ وَهِيَ وَاحِدٌ وَاثْنَتَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ ثُمَّ تَزِيدُ ثَلَاثَةً لِتَكْرَارِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَاثْنَيْنِ لِتَكَرُّرِهِمَا مَرَّةً فَالْجُمْلَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ: وَضَابِطُ هَذَا وَغَيْرِهِ أَنَّ جُمْلَةَ مَجْمُوعِ الْآحَادِ هُوَ الْجَوَابُ فِي غَيْرِ كُلَّمَا وَيُزَادُ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ مَا تَكَرَّرَ مِنْهَا فِيهَا، مِثَالُهُ فِي الْأَرْبَعِ أَنْ يُقَالَ: مَجْمُوعُ الْآحَادِ وَاحِدٌ وَاثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 بِطَلَاقِ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ وَطَلَاقُ ثِنْتَيْنِ غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ وَطَلَاقُ أَرْبَعَةٍ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْمَحِلُّ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ) الْمُعَلَّقُ (قَبْلَ النِّكَاحِ) بَعْدَ وُجُودِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ وَهُوَ شُرُوطُ الْمُطَلِّقِ بِقَوْلِهِ: (وَأَرْبَعٌ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُمْ) بِتَنْجِيزٍ وَلَا تَعْلِيقٍ: الْأَوَّلُ (الصَّبِيُّ) وَالثَّانِي (الْمَجْنُونُ، وَ) الثَّالِثُ (النَّائِمُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ. عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» صَحَّحَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَحَيْثُ ارْتَفَعَ عَنْهُمْ الْقَلَمُ بَطَلَ تَصَرُّفُهُمْ، نَعَمْ لَوْ طَرَأَ الْجُنُونُ مِنْ سُكْرٍ تَعَدَّى بِهِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ فِي هَذَا الْجُنُونِ وَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمَعْتُوهُ وَهُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ كَالْمَجْنُونِ   [حاشية البجيرمي] وَأَرْبَعَةٌ وَجُمْلَتُهَا عَشَرَةٌ وَتَكَرَّرَ فِيهَا الْوَاحِدُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بَعْدَ الْأَوَّلِ وَالِاثْنَانِ مَرَّةً فَقَطْ وَجُمْلَتُهَا خَمْسَةٌ تُزَادُ عَلَى الْعَشَرَةِ. وَهَذَا ضَابِطٌ سَهْلٌ قَرِيبٌ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ صَدَقَ بِهِ) أَيْ بِالطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (وَطَلَاقُ ثِنْتَيْنِ) أَيْ بِانْضِمَامِهِمَا لِلْأُولَى. قَوْلُهُ: (طَلَاقُ وَاحِدَةٍ) أَيْ فِي ضِمْنِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: (وَطَلَاقُ ثَلَاثٍ) أَيْ بِانْضِمَامِهَا إلَى مَا قَبْلَهَا، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ لَا طَلَاقُ ثِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الثِّنْتَيْنِ لَا تَصْدُقُ إلَّا فِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ) أَيْ غَيْرِ اللَّذَيْنِ وَقَعَا بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا وَقَعَا بِهِ فَلَا يَقَعَانِ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ) كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ الْمُعَيَّنَةَ أَوْ غَيْرَهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ. وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِوُقُوعِهِ فَلِلشَّافِعِيِّ نَقْضُهُ كَمَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ ق ل. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ تَعْلِيقِ ذَلِكَ قَبْلَ وُقُوعِهِ حَاكِمٌ نُقِضَ؛ لِأَنَّهُ إفْتَاءٌ لَا حُكْمٌ إذْ شَرْطُهُ وُقُوعُ دَعْوَى مُلْزِمَةٍ وَقَبْلَ الْوُقُوعِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ، نَعَمْ نُقِلَ عَنْ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ دَعْوَى كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَا يُنْقَضُ حُكْمٌ بِذَلِكَ صَدَرَ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ؛ وَتَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ بَاطِلٌ كَذَلِكَ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ زي جَوَازُ النَّقْضِ مُطْلَقًا. اهـ. خَضِرٌ الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (الْمُعَلَّقُ) لَوْ أَبْقَى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ طَلَاقِ الْأَجْنَبِيَّةِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ ق ل. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ صَادِقٌ بِمَا إذَا نَجَّزَ الطَّلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَبِمَا إذَا عَلَّقَهُ ثُمَّ نَكَحَهَا وَالشَّارِحُ قَصَرَهُ عَلَى الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يُعْلَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى، وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُبْقِهِ عَلَى إطْلَاقِهِ لِيَشْمَلَ نَحْوَ قَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ بِالتَّنْجِيزِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: «لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ» هَذَا يَدُلُّ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ بِأَنْ يَقُولَ لَا طَلَاقَ يَقَعُ إلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَهُ وَنَحْوُهُ نَقُولُ لَا طَلَاقَ يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (وَأَرْبَعٌ) بِحَذْفِ التَّاءِ لِحَذْفِ الْمَعْدُودِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَعْلِيقٍ) وَإِنْ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْكَمَالِ. قَوْلُهُ: (الصَّبِيُّ) خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَالْمَجْنُونُ) غَيْرُ الْمُتَعَدِّي. قَوْلُهُ: «رُفِعَ الْقَلَمُ» أَيْ قَلَمُ التَّكْلِيفِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَتْ إتْلَافَاتُهُمْ مُعْتَبَرَةً؛؛ لِأَنَّهُ مِنْ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (صَحَّ تَصَرُّفُهُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَقَعَ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَكَانَ يَجْعَلُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ دَلِيلًا لَهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَوْ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَلَوْ طَلَّقَ إلَخْ، بَقَاءُ التَّفْرِيعِ. وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْجُنُونِ أَيْ الْوَاقِعِ فِي السُّكْرِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُبَرْسَمُ) هُوَ مَنْ أَصَابَهُ الْبَرْسَامُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ مَرَضٌ يَعْتَرِي الدِّمَاغَ يُخَلِّطُ الْعَقْلَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْبَرْسَامُ دَاءٌ مَعْرُوفٌ وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الطِّبِّ أَنَّهُ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ لِلْحِجَابِ الَّذِي بَيْنَ الْكَبِدِ وَالْأَمْعَاءِ ثُمَّ يَتَّصِلُ بِالدِّمَاغِ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ الْبَرْسَامُ مُعَرَّبٌ وَبُرْسِمَ الرَّجُلُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. وَقَوْلُهُ: " وَالْمَعْتُوهُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ عَتَهَ عَتَهًا مِنْ بَابِ تَعِبَ نَقَصَ عَقْلُهُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ أَوْ دَهْشَةٍ وَفِي التَّهْذِيبِ الْمَعْتُوهُ الْمَدْهُوشُ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 (وَ) الرَّابِعُ (الْمُكْرَهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِخَبَرِ: «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ إكْرَاهٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. فَإِنْ ظَهَرَ مِنْ الْمُكْرَهِ قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ مِنْهُ لِلطَّلَاقِ كَأَنْ أُكْرِهَ عَلَى ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ عَلَى طَلَاقٍ صَرِيحٍ فَكَنَّى وَنَوَى أَوْ عَلَى تَعْلِيقٍ فَنَجَّزَ أَوْ بِالْعَكْسِ لِهَذِهِ الصُّوَرِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ تُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ فِيمَا أَتَى بِهِ. وَشَرْطُ حُصُولِ الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ الْمُكْرَهَ بِفَتْحِهَا تَهْدِيدًا عَاجِلًا ظُلْمًا بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَنْ دَفْعِ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِهَا بِهَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ كَاسْتِغَاثَةٍ بِغَيْرِهِ وَظَنُّهُ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ حَقَّقَ فِعْلَ مَا خَوَّفَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ إلَّا بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، فَخَرَجَ بِعَاجِلًا مَا لَوْ قَالَ لَأَقْتُلَنَّك غَدًا فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، وَبِظُلْمًا مَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ لِلْجَانِي طَلِّقْ زَوْجَتَك وَإِلَّا اقْتَصَصْتُ مِنْك لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا. وَيَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ بِتَخْوِيفٍ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ طَوِيلٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْثِرُ الْعَاقِلُ لِأَجْلِهِ الْإِقْدَامَ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ. وَيَخْتَلِفُ الْإِكْرَاهُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَسْبَابِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ إكْرَاهًا فِي شَخْصٍ دُونَ آخَرَ وَفِي سَبَبٍ دُونَ آخَرَ، فَالْإِكْرَاهُ بِإِتْلَافِ مَالٍ لَا يَضِيقُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ كَخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَحَمَّلُهُ وَلَا يُطَلِّقُ بِخِلَافِ الْمَالِ الَّذِي يَضِيقُ عَلَيْهِ، وَالْحَبْسُ فِي الْوَجِيهِ إكْرَاهٌ وَإِنْ قَلَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَالضَّرْبُ الْيَسِيرُ فِي أَهْلِ الْمُرُوآتِ إكْرَاهٌ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَةِ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ طَلِّقْ زَوْجَتِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَطَلَّقَهَا وَقَعَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِذْنِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً أَوْ أَكْثَرَ وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ وَلَا يَقَعُ مَعَهُ الْمُعَلَّقُ   [حاشية البجيرمي] غَيْرِ مَسٍّ أَوْ جُنُونٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلِ) أَيْ عَنْ خَبْلٍ لَا عَنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ تَصَرُّفٍ ق ل. قَوْلُهُ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» أَيْ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ وَاقِعٌ مِنْهُمْ وَالْإِتْلَافُ مَضْمُونٌ. قَوْلُهُ: (فَطَلَّقَ وَاحِدَةً) وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا، فَالضَّابِطُ أَنَّهُ مَتَى خَالَفَ وَقَعَ الطَّلَاقُ أَوْ وَافَقَهُ وَنَوَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ. قَوْلُهُ: (فَكَنَّى) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ. قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ بِعَاجِلًا مَا لَوْ قَالَ إلَخْ) يُسْتَثْنَى مَا إذَا ذَكَرَ زَمَنًا قَرِيبًا جِدًّا أَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ. اهـ. فَتْحُ الْبَارِي عَلَى الْبُخَارِيِّ؛ لَكِنْ ضُعِّفَ م ر. وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا فَفِعْلُهُ كَذَلِكَ وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَقَدْ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنْسَى فَنَسِيَ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسَ بَلْ أُنْسِيَ، فَلَوْ فَعَلَهُ عَامِدًا عَالِمًا مُخْتَارًا مَثَلًا لَمْ يَقَعْ فِيمَا يَظْهَرُ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ؛ إذْ الْمَقْصُودُ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ اهـ سم، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَسِيَتْ الْحَلِفَ وَدَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهَلْ يَتَخَلَّصُ بِذَلِكَ الدُّخُولُ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ، فِيهِ احْتِمَالٌ وَالْأَقْرَبُ الِانْحِلَالُ اهـ. فَإِنْ صَحَّ مَا رَجَّحَهُ اسْتَفَدْنَا مِنْهُ أَنَّ فِعْلَ النَّاسِي يُوجِبُ الِانْحِلَالَ إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ انْتِفَاءَ الْفِعْلِ، وَقِيَاسُهُ أَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ كَذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ إنَّهُ لَا أَثَرَ لِفِعْلِ النَّاسِي فِي بِرٍّ وَلَا حِنْثٍ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْفِعْلَ. قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) هِيَ فِي الدَّوْرِ وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَدَمُ وُقُوعِهِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا وَفِيمَا يَتَّبِعُ ذَلِكَ م د. قَوْلُهُ: (وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ إلَخْ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ مُمْتَنِعٌ وَوُقُوعَ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَالْمُنَجَّزِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ افْتِقَارُ الْمُعَلَّقِ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْجَزَاءَ سَابِقًا عَلَى الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَالْجَزَاءُ لَا يَتَقَدَّمُ فَيَلْغُوا اهـ عَمِيرَةُ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَقَعَ الْمُنَجَّزُ دُونَ الْمُعَلَّقِ وَقِيلَ فِي مَسْأَلَةِ التَّطْلِيقِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لَا مِنْ الْمُنَجَّزُ وَلَا مِنْ الْمُعَلَّقِ لِلدَّوْرِ، وَنُقِلَ عَنْ النَّصِّ وَالْأَكْثَرِينَ؛ وَاشْتُهِرَتْ الْمَسْأَلَةُ بِابْنِ سُرَيْجٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَظْهَرَهَا، لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهَا لِتَصْرِيحِهِ فِي كِتَابِهِ الزِّيَادَاتِ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: أَخْطَأَ مَنْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ خَطَأً فَاحِشًا؛ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَدِدْت لَوْ مُحِيَتْ هَذِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْمَمْلُوكِ، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْمُنَجَّزُ لَوَقَعَ الْمُعَلَّقُ قَبْلَهُ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ؛ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى السُّرَيْجِيَّةُ مَنْسُوبَةً لِابْنِ سُرَيْجٍ وَجَرَى عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَدِدْت لَوْ مُحِيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَابْنُ سُرَيْجٍ بَرِيءٌ مِمَّا نُسِبَ إلَيْهِ فِيهَا. وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمُسْتَحِيلٍ عُرْفًا كَصُعُودِ السَّمَاءِ وَالطَّيَرَانِ أَوْ عَقْلًا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ أَوْ شَرْعًا كَنَسْخِ صَوْمِ رَمَضَانَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنَجِّزْ الطَّلَاقَ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى صِفَةٍ لَمْ تُوجَدْ. وَالْيَمِينُ فِيمَا ذُكِرَ مُنْعَقِدَةٌ حَتَّى يَحْنَثَ بِهَا الْمُعَلِّقُ عَلَى الْحَلِفِ. وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ حَائِطًا مَثَلًا وَهُوَ يَسْمَعُ لَمْ يَحْنَثْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُكَلِّمْهُ.   [حاشية البجيرمي] الْمَسْأَلَةُ وَابْنُ سُرَيْجٍ بَرِيءٌ مِمَّا نُسِبَ إلَيْهِ فِيهَا اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْمَمْلُوكِ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِلدَّوْرِ كَمَا فِي الَّذِي بَعْدَهُ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لِزِيَادَتِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزِدْ وَقَعَ أَيْ الْمُنَجَّزُ وَالْمُعَلَّقُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ وَقَعَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ فِي وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ دَوْرًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْمُنَجَّزُ إلَخْ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَقَعُ الْمُنَجَّزِ لِلدَّوْرِ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَقَعُ هَذَا وَلَا هَذَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ) ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ اسْتَوْفَى عَدَدَ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ) أَيْ بِمُقْتَضَى التَّعْلِيقِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) نَعَمْ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ ق ل. فَرْعٌ: سُئِلَ ع ش عَمَّنْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَشْتَكِي فُلَانًا إلَّا لِلْكَاشِفِ هَلْ يَحْنَثُ إذَا لَمْ يَشْتَكِهِ لِلْكَاشِفِ؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ إنْ اشْتَكَى لِغَيْرِ الْكَاشِفِ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَكِهِ لَا لِلْكَاشِفِ وَلَا لِغَيْرِهِ فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ حَصَلَ مِنِّي شَكْوَى لَا تَكُونُ إلَّا لِلْكَاشِفِ، فَإِذَا تَرَكَ الشَّكْوَى مُطْلَقًا فَلَا حِنْثَ اهـ أج. قَوْلُهُ: (مِمَّا نُسِبَ إلَيْهِ فِيهَا) أَيْ مِنْ الدَّوْرِ الْمُقْتَضِي عَدَمَ وُقُوعِ شَيْءٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ) أَيْ فِي الثُّبُوتِ وَأَمَّا فِي النَّفْيِ فَإِنَّهُ يَقَعُ حَالًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَحَوَاشِيهِ، وَمَا نَقَلَهُ زي فِي حَاشِيَتِهِ عَنْ عَمِيرَةَ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ حَالًا ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (كَصُعُودِ السَّمَاءِ) أَيْ كَقَوْلِهِ إنْ صَعِدْت السَّمَاءَ، أَمَّا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَصْعَدِي السَّمَاءَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ حَالًا لِتَحَقُّقِ الْحِنْثِ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ، وَاَلَّذِي قَالَهُ ز ي أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا بِالْيَأْسِ فَيُرَاجَعُ؛ قَالَهُ م د. وَهُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ الْأَدَوَاتِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي النَّفْيِ لِلْفَوْرِ سِوَى إنْ وَالْأَوَّلُ يَخُصُّهَا بِغَيْرِ الْمُسْتَحِيلِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَطْلُقْ) وَهَذَا إذَا عَلَّقَ إثْبَاتًا كَمَا عَلِمْتَ، فَإِنْ عَلَّقَ نَفْيًا كَإِنْ لَمْ تَصْعَدِي السَّمَاءَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ نَحْوَهُ وَقَعَ حَالًا لِلْيَأْسِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُمْ إنَّ إنْ فِي النَّفْيِ لِلتَّرَاخِي أَيْ فِي الْمُمْكِنِ أَمَّا الْمُسْتَحِيلُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إنْ وَغَيْرِهَا. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ الثَّلَاثَ لَا أَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ فَعَلَهُ وَلَهُ زَوْجَاتٌ فَعِنْدَ م ر لَهُ أَنْ يَحْصُرَ الطَّلَاقَ فِي وَاحِدَةٍ قَبْلَ الْحِنْثِ لَا بَعْدَهُ وَلَيْسَ لَهُ تَوْزِيعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِنَّ، وَعِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ لَهُ أَنْ يَحْصُرَ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْبَيْنُونَةِ لِلَّذِي عَيَّنَهَا لَهُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً وَقْتَ الْحَلِفِ؛ وَهَذَا إنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ زَوْجَاتِي وَإِلَّا وَقَعَ عَلَى الْكُلِّ. فَرْعٌ: فَعَلَتْ نَاسِيَةً فَظَنَّتْ انْحِلَالَ الْيَمِينِ فَدَخَلَتْ ثَانِيَةً عَامِدَةً لَمْ يَحْنَثْ لِعُذْرِهَا، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَخْبَرَهَا شَخْصٌ أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ تَبَيَّنَ كَذِبُ الْمُخْبِرِ لِعُذْرِهَا، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ وَأَفْتَاهُ مُفْتٍ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فَفَعَلَ فَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْإِفْتَاءِ لِعُذْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ. قَوْلُهُ: (وَالْيَمِينُ فِيمَا ذُكِرَ مُنْعَقِدَةٌ إلَخْ) أَيْ فَعَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، أَيْ فَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ ثُمَّ قَالَ إنْ صَعِدْت السَّمَاءَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ يَحْنَثُ وَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ اهـ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَحْنَثَ بِهَا الْمُعَلِّقُ عَلَى الْحَلِفِ) كَأَنْ قَالَ إنْ حَلَفْتُ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَقَالَ مَا ذَكَرَ أَيْ إنْ صَعِدْت السَّمَاءَ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا بَعْدَهُ، فَإِنَّ زَوْجَتَهُ تَطْلُقُ بِهَذَا التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ حَلِفٌ أَفَادَهُ شَيْخُنَا [فَرْعٌ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِنَحْوِ دُخُولِهِ فَحُمِلَ سَاكِتًا قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ وَأُدْخِلَ] قَوْلُهُ: (فَكَلَّمَتْ حَائِطًا مَثَلًا) أَوْ بَهِيمَةً أَوْ شَخْصًا غَيْرَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ كَلَّمْتِ رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ أَبَاهَا أَوْ أَحَدًا مِنْ مَحَارِمِهَا طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، فَإِنْ قَالَ: قَصَدْتُ مَنْعَهَا مِنْ مُكَالَمَةِ الْأَجَانِبِ قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ. وَفُرُوعُ الطَّلَاقِ لَا تَنْحَصِرُ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ لِهَذَا الْمُخْتَصَرِ الَّذِي عَمَّ نَفْعُهُ فِي الْوُجُودِ وَنَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَحِمَ مُؤَلِّفَهُ وَشَارِحِيهِ. فَصْلٌ: فِي الرَّجْعَةِ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا عِنْدَ الْجَوْهَرِيِّ وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ عِنْدَ الْأَزْهَرِيِّ وَهِيَ لُغَةً الْمَرَّةُ مِنْ الرُّجُوعِ وَشَرْعًا رَدُّ الْمَرْأَةِ إلَى النِّكَاحِ مِنْ طَلَاقٍ غَيْرِ بَائِنٍ فِي الْعِدَّةِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] أَيْ فِي الْعِدَّةِ {إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: 228] أَيْ رَجْعَةً كَمَا قَالَهُ   [حاشية البجيرمي] وَلَوْ بِقَصْدِ زَيْدٍ. اهـ. م د، أَيْ بِقَصْدِ سَمَاعِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْنَثْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ. تَنْبِيهٌ: الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ بِحَقٍّ كَالْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْمَوْلَى وَلَوْ ادَّعَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْهُ حَالَ صِبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ نَوْمِهِ أَوْ إكْرَاهِهِ وَأَمْكَنَ نَحْوُ الصِّبَا وَعَهْدِ الْجُنُونِ وَوُجِدَ نَحْوُ الْإِكْرَاهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَلَا ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ أَحَدًا مِنْ مَحَارِمِهَا) أَيْ أَوْ زَوْجِهَا. قَوْلُهُ: (قُبِلَ مِنْهُ) مِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر. فَرْعٌ: لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِنَحْوِ دُخُولِهِ فَحُمِلَ سَاكِتًا قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ وَأُدْخِلَ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا إذَا عَلَّقَ بِجِمَاعِهِ فَعَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَا أَثَرَ لِاسْتِدَامَتِهِمَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالِابْتِدَاءِ اهـ شَرْحُ م ر. [فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ] ِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهَا وَالْمُسَبَّبُ يُؤَخَّرُ عَنْ السَّبَبِ. وَعِبَارَةُ زي: وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرَّجْعَةَ عَقِبَ الطَّلَاقِ إشْعَارًا بِأَنَّهَا فِي حُكْمِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ كَمَا سَيَظْهَرُ فِي بَعْضِ فُرُوعِهَا وَإِنْ ظَهَرَ فِي بَعْضٍ آخَرَ أَنَّهَا فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ، أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَهُ؛ وَلِذَلِكَ لَا يُطْلَقُ التَّرْجِيحُ فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ أَنَّهَا ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ أَوْ اسْتِدَامَةٌ؛ وَسَكَتَ كَالْأَصْحَابِ عَنْ سَنِّ الرَّجْعَةِ وَعَدَمِهِ لِاخْتِلَافِ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْحَالِ اهـ. وَأَصْلُهَا الْإِبَاحَةُ وَتَعْتَرِيهَا أَحْكَامُ النِّكَاحِ، فَتَجِبُ عَلَى مَنْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُوَفِّيَ لَهَا لَيْلَتَهَا، وَتَحْرُمُ فِيمَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا عَدَمُ قَسْمٍ أَوْ عَجْزٍ عَنْ الْإِنْفَاقِ أَوْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَتُكْرَهُ حَيْثُ سُنَّ الطَّلَاقُ، وَتُنْدَبُ حَيْثُ طَلُقَتْ بِدْعِيًّا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الرَّجْعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا الْمَرَّةُ إلَخْ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا ذَكَرَهُ النَّحْوِيُّونَ أَنَّ فَعْلَةَ لِلْمَرَّةِ وَفِعْلَةَ بِالْكَسْرِ لِلْهَيْئَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ اصْطِلَاحٌ نَحْوِيٌّ وَمَا هُنَا أَمْرٌ لُغَوِيٌّ بِاعْتِبَارِ مَا نُقِلَ عَنْ الْعَرَبِ قَوْلُهُ (مِنْ الرُّجُوعِ) أَيْ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ (رَدُّ الْمَرْأَةِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ بَعْدَ حَذْفِ الْفَاعِلِ أَيْ رَدُّ الزَّوْجِ أَوْ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ مِنْ وَكِيلٍ إلَى النِّكَاحِ أَيْ الْكَامِلِ؛ وَإِلَّا فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمَنْكُوحَةِ بِدَلِيلِ لُحُوقِ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالطَّلَاقِ وَاللِّعَانِ وَالتَّوَارُثِ، أَوْ يُقَالُ إلَى النِّكَاحِ أَيْ مُوجِبِهِ وَهُوَ الْحِلُّ. قَوْلُهُ: (مِنْ طَلَاقٍ) خَرَجَ وَطْءُ الشُّبْهَةِ وَالظِّهَارُ وَكَذَا الْإِيلَاءُ. قَوْلُهُ: (فِي الْعِدَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِ (رَدُّ) وَهُوَ إيضَاحٌ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَهَا صَارَ بَائِنًا ق ل. قَوْلُهُ: (عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) أَشَارَ إلَى شُرُوطِ الرَّجْعَةِ أَيْ مِنْ كَوْنِهَا قَابِلَةً لِلْحِلِّ مُعَيَّنَةً لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ طَلَاقِهَا. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهَا) أَيْ الرَّجْعَةِ. قَوْلُهُ: {وَبُعُولَتُهُنَّ} [البقرة: 228] أَيْ أَزْوَاجُهُنَّ جَمْعُ بَعْلٍ وَالتَّاءُ لِتَأْنِيثِ الْجَمْعِ كَالْعُمُومَةِ عَلَى أَنَّهَا جَمْعُ عَمٍّ أَوْ الْبُعُولَةُ مَصْدَرٌ عَلَى تَقْدِيرِ مَصْدَرٍ وَأَهْلُ بُعُولَتِهِنَّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: {أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ إذْ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: (أَيْ فِي الْعِدَّةِ) وَعِبَارَةُ الْخَطِيبِ: أَيْ فِي التَّرَبُّصِ الْمَفْهُومِ مِنْ يَتَرَبَّصْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَإِنَّهَا زَوْجَتُك فِي الْجَنَّةِ» . أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: مَحِلٌّ وَصِيغَةٌ وَمُرْتَجَعٌ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَهُوَ سَبَبٌ لَا رُكْنٌ، وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِشُرُوطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَحِلٌّ بِقَوْلِهِ: (وَشُرُوطُ) صِحَّةِ (الرَّجْعَةِ أَرْبَعَةٌ) وَتَرَكَ خَامِسًا وَسَادِسًا كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ دُونَ الثَّلَاثِ) فِي الْحُرِّ وَدُونَ اثْنَيْنِ فِي الرَّقِيقِ، وَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ الطَّلَاقِ لَشَمِلَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا اسْتَوْفَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا سُلْطَةَ لَهُ عَلَيْهَا. (وَ) الثَّانِي (أَنْ يَكُونَ) الطَّلَاقُ (بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا) فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ لِبَيْنُونَتِهَا وَكَالْوَطْءِ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ الْمُحْتَرَمِ. (وَ) الثَّالِثُ (أَنْ لَا يَكُونَ الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ) مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ عَلَى عِوَضٍ فَلَا رَجْعَةَ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ فِي الْخُلْعِ. (وَ) الرَّابِعُ (أَنْ تَكُونَ) الرَّجْعَةُ (قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) فَإِذَا انْقَضَتْ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ   [حاشية البجيرمي] وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ رَاجِعْ حَفْصَةَ» إلَخْ هِيَ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَكَانَتْ قَبْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَتُوُفِّيَ عَنْهَا بِجِرَاحَاتٍ أَصَابَتْهُ بِبَدْرٍ، وَكَانَتْ وِلَادَتُهَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسِ سِنِينَ وَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَقَدْ بَلَغَتْ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَطَلَّقَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَسَبَبُ ذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي بَيْتِهَا فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي زِيَارَةِ أَبِيهَا فَأَذِنَ لَهَا فَأَرْسَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَارِيَةَ وَأَدْخَلَهَا فِي بَيْتِ حَفْصَةَ وَوَاقَعَهَا فَرَجَعَتْ حَفْصَةُ فَأَبْصَرَتْ مَارِيَةَ فِي بَيْتِهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ تَدْخُلْ حَتَّى خَرَجَتْ مَارِيَةُ ثُمَّ دَخَلَتْ وَقَالَتْ لَهُ: إنِّي رَأَيْت مَنْ كَانَ مَعَك فِي الْبَيْتِ، وَغَضِبَتْ وَبَكَتْ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ جِئْتَ إلَيَّ شَيْئًا مَا جِئْتَ بِهِ إلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَائِك فِي يَوْمِي وَفِي بَيْتِي عَلَى فِرَاشِي. فَلَمَّا رَأَى فِي وَجْهِهَا الْغَيْرَةَ قَالَ: اُسْكُتِي فَهِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ أَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَاك» وَفِي رِوَايَةٍ: «أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا عَلَى نَفْسِي وَلَا أَقْرَبَهَا أَبَدًا قَالَتْ: بَلَى. وَحَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا» . وَفِي رِوَايَةٍ: «قَدْ حَرَّمْتهَا عَلَيَّ وَمَعَ هَذَا أُخْبِرُك أَنَّ أَبَاك الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِ أَبِي بَكْرٍ فَاكْتُمِي هَذَا عَلَيَّ فَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ لَهَا: قَدْ أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْ مَارِيَةَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَقَصَّتْ عَلَيْهَا الْقِصَّةَ وَكَانَتَا مُتَصَادِقَتَيْنِ؛ فَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ حَفْصَةَ قَدْ نَبَّأَتْ عَائِشَةَ بِمَا أَسَرَّهُ إلَيْهَا مِنْ أَمْرِ مَارِيَةَ وَأَمْرِ الْخِلَافَةِ فَطَلَّقَهَا، فَلَمَّا أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِبَعْضِ مَا أَسَرَّتْهُ لَهَا حَفْصَةُ وَهُوَ أَمْرُ مَارِيَةَ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضِهِ وَهُوَ أَمْرُ الْخِلَافَةِ خَوْفًا أَنْ يَنْتَشِرَ ذَلِكَ فِي النَّاسِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ أَنْبَأَك هَذَا؟ قَالَ: نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَحْرِيمِ مَارِيَةَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] فَلَمَّا أَفْشَتْ حَفْصَةُ سِرَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَهَا فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ يَأْمُرُهُ بِمُرَاجَعَتِهَا؛ لِأَنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَأَنَّهَا إحْدَى زَوْجَاتِهِ فِي الْجَنَّةِ» اهـ مُلَخَّصًا مِنْ سِيرَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (مَحَلٌّ) هُوَ الزَّوْجَةُ. وَقَوْلُهُ: " وَمُرْتَجِعٌ " وَهُوَ الزَّوْجُ. قَوْلُهُ: (وَشُرُوطُ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَشَرْطٌ فِي الْمَحَلِّ كَوْنُهُ زَوْجَةً مَوْطُوءَةً مُعَيَّنَةً قَابِلَةً لِحِلِّ مُطَلَّقَتِهِ مَجَّانًا لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ طَلَاقِهَا. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ) وَلَوْ بِتَطْلِيقِ الْقَاضِي عَلَى الْمَوْلَى، وَيَكْفِي فِي تَخْلِيصِهَا مِنْهُ أَصْلُ الطَّلَاقِ فَلَا يُقَالُ مَا فَائِدَةُ طَلَاقِ الْقَاضِي حَيْثُ جَازَتْ الرَّجْعَةُ مِنْ الْمَوْلَى ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ) أَيْ بَدَلَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الدُّخُولِ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ، وَلَوْ لَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا كَأَنْ كَانَتْ غَوْرَاءَ إذْ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ كَمَا قَالَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) صَادِقٌ بِالْمُقَارَنَةِ وَفِي التُّحْفَةِ مَنْعُ الرَّجْعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلْيُرَاجَعْ شَوْبَرِيُّ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، أَيْ بِأَنْ كَانَتْ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ كَانَتْ لَمْ تَشْرَعْ فِيهَا بِأَنْ طَلُقَتْ فِي الْحَيْضِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ تَشْرَعْ فِي الْعِدَّةِ إلَّا بِمَجِيءِ الطُّهْرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ هَذَا الْفَصْلَ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ. وَالْخَامِسُ: كَوْنُ الْمُطَلَّقَةِ قَابِلَةً لِلْحِلِّ لِلْمَرَاجِعِ فَلَوْ أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ وَاسْتَمَرَّ زَوْجُهَا وَرَاجَعَهَا فِي كُفْرِهِ لَمْ يَصِحَّ أَوْ ارْتَدَّتْ الْمُسْلِمَةُ لَمْ تَصِحَّ مُرَاجَعَتُهَا فِي حَالِ رِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الْحِلُّ وَالرِّدَّةُ تُنَافِيه، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ أَوْ ارْتَدَّا مَعًا. وَضَابِطُ ذَلِكَ انْتِقَالُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى دِينٍ يَمْنَعُ دَوَامَ النِّكَاحِ. وَالسَّادِسُ: كَوْنُهَا مُعَيَّنَةً، فَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَأَبْهَمَ ثُمَّ رَاجَعَ أَوْ طَلَّقَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ رَاجَعَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ إذْ لَيْسَتْ الرَّجْعَةُ فِي احْتِمَالِ الْإِبْهَامِ كَالطَّلَاقِ لِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ لَا يَصِحُّ مَعَ الْإِبْهَامِ، وَلَوْ تَعَيَّنَتْ وَنَسِيَتْ لَمْ تَصِحَّ رَجْعَتُهَا أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ. تَتِمَّةٌ: لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَيْءٍ وَشَكَّ فِي حُصُولِهِ فَرَاجَعَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَاصِلًا فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُ النَّوَوِيِّ الْكَمَالُ سَلَّارٌ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ إنَّهَا تَصِحُّ. فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ حِلُّ الْمُطَلَّقَةِ (وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ امْرَأَتَهُ) بِغَيْرِ عِوَضٍ مِنْهُ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً طَلْقَةً (وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ) يُعَدُّ وَطْؤُهَا وَلَوْ فِي الدُّبُرِ بِنَاءً   [حاشية البجيرمي] فَرْعٌ: لَوْ شَكَّ فِي الطَّلَاقِ فَرَاجَعَ احْتِيَاطًا ثُمَّ إنَّهُ اتَّضَحَ لَهُ الْحَالُ صَحَّتْ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهَا بِهِمَا أَيْ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَظَنِّ الْمُكَلَّفِ. وَإِنَّمَا كَانَ نِكَاحُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ امْرَأَةً بَاطِلًا إذَا تَبَيَّنَ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الْمَعْقُودِ لَهُ وَعَلَيْهِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ ح ف. قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّ هَذَا الْفَصْلَ) أَيْ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ بِتَمَامِهِ لَا الْفَصْلَ الْآتِي كَمَا فَهِمَ الْمُحَشِّي؛ لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَصْلِ التَّرْجَمَةُ فَقَطْ، فَظَنَّ أَنَّ الْإِشَارَةَ لِقَوْلِهِ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَمُرَادُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: " مَعَ أَنَّ هَذَا الْفَصْلَ إلَخْ " أَيْ فَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا مُغْنٍ عَمَّا يَأْتِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعَ بِمَعْنَى عَلَى فَهُمَا فَصْلٌ وَاحِدٌ ذَكَرَ فِي أَوَّلِهِ الْمَنْطُوقَ وَفِي أَثْنَائِهِ الْمَفْهُومَ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ. هُوَ فَقَطْ وَكَانَتْ تَحِلُّ لَهُ أَوْ أَسْلَمَا مَعًا مُطْلَقًا، فَإِنَّ النِّكَاحَ يَدُومُ فِيهِمَا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الْحِلُّ وَالرِّدَّةُ تُنَافِيه) وَصِحَّةُ رَجْعَةِ الْمُحْرِمِ لِإِفَادَتِهَا نَوْعًا مِنْ الْحِلِّ كَالنَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَضَابِطُ ذَلِكَ) أَيْ عَدَمِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ عَدَمُ صِحَّةِ رَجْعَةٍ مُبْهَمَةٍ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ رَاجَعْتُ الْمُطَلَّقَةَ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ لَا يَقْبَلُ الْإِبْهَامَ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَاجَعَ إحْدَاهُمَا) أَيْ مُبْهَمَةً. قَوْلُهُ: (لِشَبَهِهَا) أَيْ الرَّجْعَةِ بِالنِّكَاحِ أَيْ فَهِيَ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ النِّكَاحُ. قَوْلُهُ: (لَوْ تَعَيَّنَتْ وَنَسِيَتْ إلَخْ) عِبَارَةُ م د: وَلَوْ تَعَيَّنَتْ وَنَسِيَتْ لَمْ تَصِحَّ رَجْعَتُهَا أَيْ إذَا قَصَدَ رَجْعَةَ الْمُطَلَّقَةِ إمَّا إذَا رَاجَعَ مُعَيَّنَةً فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا الَّتِي نَسِيَتْ فَيَصِحُّ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ كَذَا بِهَامِشٍ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (وَشَكَّ فِي حُصُولِهِ) أَيْ الشَّيْءِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى فِعْلِهَا الشَّيْءَ وَشَكَّ هَلْ فَعَلَتْهُ أَوْ لَا فَرَاجَعَ احْتِيَاطًا ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهَا فَعَلَتْهُ. قَوْلُهُ: (الْكَمَالُ سَلَّارٌ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ لَفْظٌ أَعْجَمِيٌّ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ وَمَعْنَاهُ رَئِيسُ الْجَيْشِ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ حِلُّ الْمُطَلَّقَةِ] ِ وَهُوَ الرَّجْعَةُ فِي الرَّجْعِيَّةِ وَتَجْدِيدُ الْعَقْدِ فِي الْبَائِنِ بِدُونِ الثَّلَاثِ وَالْمُحَلَّلُ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا. وَالتَّرْجَمَةُ بِالْفَصْلِ سَاقِطَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا ثَابِتَةٌ، وَهَذَا عَلَى ثُبُوتِ الْفَصْلِ السَّابِقِ وَأَمَّا عَلَى سُقُوطِهِ فَمَا هُنَا ثَابِتٌ وَلَا بُدَّ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا طَلَّقَ) خَرَجَ الْفَسْخُ فَلَا رَجْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ. قَوْلُهُ: (الْحُرُّ) قَيَّدَ بِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 عَلَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَكَذَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ فَإِنَّ الرَّجْعَةَ تَثْبُتُ بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. (فَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا) بِغَيْرِ إذْنِهَا وَإِذْنِ سَيِّدِهَا (مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] وَلَوْ كَانَ حَقُّ الرَّجْعَةِ بَاقِيًا لَمَا كَانَ يُبَاحُ لَهُنَّ النِّكَاحُ. تَنْبِيهٌ: يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا خَالَطَ الرَّجْعِيَّةَ مُخَالَطَةَ الْأَزْوَاجِ بِلَا وَطْءٍ، فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي وَلَا رَجْعَةَ لَهُ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلَيْهِمَا. وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَحَمَلَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ فِي عِدَّةِ الْحَمْلِ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي عِدَّتِهِ وَلَكِنْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا.   [حاشية البجيرمي] ثِنْتَيْنِ، وَإِلَّا فَالْعَبْدُ مِثْلُهُ إذَا طَلَّقَ طَلْقَةً. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ عِوَضٍ مِنْهَا) أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا) تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ السَّابِقِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ دُونَ ثَلَاثٍ وَأَنْ يَكُونَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اهـ م د. وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، بَلْ هُوَ عَيْنُ مَا تَقَدَّمَ لَا مَفْهُومُهُ بَلْ الْمَفْهُومُ قَوْلُهُ الْآتِي: " فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا "، وَقَوْلُهُ: " فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا " إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ هَذَا تَوْطِئَةٌ لِلْمَفْهُومِ. قَوْلُهُ: (لَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً حَالَتَيْ الْإِنْزَالِ وَالِاسْتِدْخَالِ وَتُصَدَّقُ فِي نَفْيِ الْوَطْءِ وَنَفْيِ اسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ اسْتِدْلَالًا عَلَى الْمَفْهُومِ، فَكَانَ الْأَنْسَبُ لِلشَّارِحِ تَأْخِيرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا كَانَ لَهُ إعَادَةُ نِكَاحِهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، يُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ، وَلَوْ كَانَ حَقُّ الرَّجْعَةِ بَاقِيًا إلَخْ فَقَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَيْ لِمَفْهُومِهِ. قَوْلُهُ: {أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 232] أَيْ الْعِدَّةَ. قَوْلُهُ: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] أَيْ فَلَا تَمْنَعُوهُنَّ أَيْ مِنْ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ الْمُطَلِّقِينَ لَهُنَّ؛؛ لِأَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا أَنَّ أُخْتَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَبُو الدَّحْدَاحِ ثُمَّ نَدِمَ فَخَطَبَهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا فَرَضِيَتْ وَمَنَعَهَا أَخُوهَا أَنْ تَتَزَوَّجَهُ أَيْ لَا تَحْبِسُوهُنَّ وَلَا تَمْنَعُوهُنَّ مِنْ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ وَيَصْلُحُونَ لَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا أَيْ النِّسَاءُ وَالْمُرِيدُونَ نِكَاحَهُنَّ. قَوْلُهُ: (يُرَدُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ فَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، فَإِنَّ الْمُعَاشَرَةَ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِمُضِيِّ الْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا رَجْعَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ مِنْهُمَا؛ قَالَ ق ل: قَدْ يُقَالُ لَا إيرَادَ؛ لِأَنَّ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ لُحُوقِ الطَّلَاقِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ سم. وَبِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ، أَيْ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْغَيْرِ فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجِ فِي حُكْمِ الْأَجْنَبِيَّةِ، فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مُرَاجَعَتُهَا إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ؛ ذَكَرَهُ م د. وَابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ الَّتِي يَحِلُّ النِّكَاحُ بَعْدَهَا مِنْ حِينِ التَّفْرِيقِ فَقَدْ تَبَعَّضَتْ الْأَحْكَامُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ فَقَطْ لَا الْإِيلَاءُ وَلَا الظِّهَارُ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ وَلَا تَرِثُهُ، وَيَجِبُ لَهَا السُّكْنَى وَلَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا كَمَا قَالَهُ م ر. قَوْلُهُ: (الرَّجْعِيَّةَ) خَرَجَ الْبَائِنُ. قَوْلُهُ: (مُخَالَطَةَ الْأَزْوَاجِ) الْمُرَادُ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْهَا وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ كَاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِلَا وَطْءٍ) أَيْ أَوْ بِوَطْءٍ بِلَا حَمْلٍ فَقَوْلُهُ بِلَا وَطْءٍ، لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا التَّعْمِيمُ فِي الرَّجْعِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَأَمَّا الْبَائِنُ فَإِنْ عَاشَرَهَا بِلَا وَطْءٍ فَإِنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي فَإِنْ كَانَ يَطَؤُهَا فَهِيَ كَالرَّجْعِيَّةِ فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا، فَإِذَا أَرَادَتْ التَّزْوِيجَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ وَطْأَهَا زِنًا وَوَطْءُ الزِّنَا لَا يُؤَثِّرُ فَمُقْتَضَاهُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مَعَ الْوَطْءِ تَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (وَلَا رَجْعَةَ لَهُ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ إلَخْ) أَيْ احْتِيَاطًا فِيهِمَا أَوْ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ وَحِينَئِذٍ فَهِيَ كَالْبَائِنِ بَعْدَ مُضِيِّ عِدَّتِهَا الْأَصْلِيَّةِ إلَّا فِي لُحُوقِ الطَّلَاقِ خَاصَّةً فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا إيلَاءٌ وَلَا ظِهَارٌ وَلَا لِعَانٌ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ وَتَجِبُ لَهَا السُّكْنَى، وَلَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي النَّفَقَةِ وَأَفْتَى بِجَمِيعِهَا الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَرْحُ م ر. وَاعْتَمَدَ الطُّوخِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ نَحْوَ أُخْتِهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا، وَاعْتَمَدَ الشَّيْخُ سُلْطَانُ خِلَافَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي عَدَمِ الرَّجْعَةِ، أَيْ فَقَالَ لَهُ الرَّجْعَةُ بَعْدَ مَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ) أَيْ قَوْلِهِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا. قَوْلُهُ: (فَحَمَلَتْ) فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَتُقَدِّمُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ فَتَكُونُ فِي عِدَّتِهِ. قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 وَشَرْطٌ فِي الْمُرْتَجَعِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي الِاخْتِيَارُ وَأَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى إذْنٍ فَتَصِحُّ رَجْعَةُ سَكْرَانَ وَسَفِيهٍ وَمُحْرِمٍ لَا مَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ وَلِوَلِيِّ مَنْ جُنَّ وَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ طَلَاقُ رَجْعَةٍ حَيْثُ يُزَوِّجُهُ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ. وَشَرْطٌ فِي الصِّيغَةِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْمُرَادِ بِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ وَذَلِكَ إمَّا صَرِيحٌ وَهُوَ رَدَدْتُكِ إلَيَّ وَرَجَعْتُك وَارْتَجَعْتُك وَرَاجَعْتُك وَأَمْسَكْتُك لِشُهْرَتِهَا فِي ذَلِكَ وَوُرُودِهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَفِي مَعْنَاهَا سَائِرُ مَا اُشْتُقَّ مِنْ مَصَادِرِهَا كَأَنْتِ مُرَاجَعَةٌ. وَمَا كَانَ بِالْعَجَمِيَّةِ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ، وَإِمَّا كِنَايَةً كَتَزَوَّجْتُكِ وَنَكَحْتُك وَيُشْتَرَطُ فِيهَا تَنْجِيزٌ وَعَدَمُ تَأْقِيتٍ، فَلَوْ قَالَ: رَاجَعْتُكِ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ: شِئْتُ، أَوْ رَاجَعْتُك شَهْرًا لَمْ تَحْصُلْ الرَّجْعَةُ   [حاشية البجيرمي] مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي عِدَّتِهِ) ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ وَطْءِ الشُّبْهَةِ مُقَدَّمَةٌ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (وَشَرْطٌ فِي الْمُرْتَجِعِ إلَخْ) هَذَا فِي الْمَعْنَى مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: بَدَأَ بِشُرُوطِ الْمَحَلِّ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ لِيَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى الْأَرْكَانِ كُلِّهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَوَقَّفَ) أَيْ النِّكَاحُ عَلَى إذْنٍ أَيْ فَلَا تَتَوَقَّفُ الرَّجْعَةُ مِنْ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ فَيُغْتَفَرُ فِيهَا ذَلِكَ وَإِنْ تَوَقَّفَ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهِمَا عَلَى إذْنِ مَالِكِ أَمْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (فَتَصِحُّ رَجْعَةُ سَكْرَانَ) أَيْ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا ع ش. قَوْلُهُ: (وَسَفِيهٍ) أَيْ وَعَبْدٍ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَالسَّيِّدِ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَمُحْرِمٍ) وَمِثْلُهُ مَنْ طَلَّقَ أَمَةً وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ؛ لِأَنَّهَا دَوَامٌ كَمَا مَرَّ وَهُمَا أَهْلٌ لِلنِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ. وَوَجْهُ إدْخَالِ الْمُحْرِمِ أَنَّهُ أَهْلٌ لِلنِّكَاحِ وَإِنَّمَا الْإِحْرَامُ مَانِعٌ أَيْ فَهُوَ أَهْلٌ لِلنِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ. لَا يُقَالُ هَذَا يَصْدُقُ بِالْمُرْتَدِّ فَيُقَالُ إنَّهُ أَهْلٌ لِلنِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ لَوْلَا الرِّدَّةُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَالرِّدَّةِ فَرْقٌ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُزِيلُ أَثَرَ النِّكَاحِ كَمَا سَيُصَرَّحُ بِهِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ كَلَا مَانِعٍ قَالَهُ ح ل، وَصَحَّتْ رَجْعَةُ الْمُحْرِمِ لِإِفَادَتِهَا نَوْعًا مِنْ الْحِلِّ كَالنَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (لَا مَجْنُونٍ) بِأَنْ طَلَّقَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ أَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ وَوُجِدَتْ حَالَ جُنُونِهِ اهـ س ل. قَوْلُهُ: (وَمُكْرَهٍ) وَنَائِمٍ وَمُبَرْسَمٍ وَمَعْتُوهٍ. قَوْلُهُ: (وَلِوَلِيِّ مَنْ جُنَّ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَوَازٌ بَعْدَ امْتِنَاعٍ، قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَانْظُرْ إذَا طَلَّقَ الصَّبِيُّ وَحَكَمَ الْحَنْبَلِيُّ بِصِحَّةِ طَلَاقِهِ هَلْ لِوَلِيِّهِ الرَّجْعَةُ حَيْثُ يُزَوِّجُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قِيَاسِ الْمَجْنُونِ اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ قِيَاسًا عَلَى ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ بَائِنًا عِنْدَ الْحَنْبَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّعَدِّي إلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ، فَإِنْ كَانَ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ وَبِمُوجِبِهِ وَكَانَ مِنْ مُوجِبِهِ عِنْدَهُ امْتِنَاعُ الرَّجْعَةِ احْتَاجَ فِي رَدِّهَا إلَى عَقْدٍ جَدِيدٍ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ) اقْتَضَى هَذَا وُجُوبَ الرَّجْعَةِ لَهُ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجِبُ لِإِمْكَانٍ أَنْ يُزَوِّجَهُ غَيْرَهَا، وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ فِيهِ غَرَامَةً لِصَدَاقٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ وَالْوَلِيُّ مَمْنُوعٌ مِنْ مِثْلِهِ فَتَأَمَّلْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ مَعْنَاهُ مَا مَرَّ) الَّذِي مَرَّ الْكِتَابَةُ وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ. قَوْلُهُ: (إلَيَّ) هُوَ شَرْطٌ فِي رَدَدْتُكِ فَقَطْ فَإِنَّ الْفِعْلَ بِدُونِهَا مُجْمَلٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَدَّهَا عَلَى أَهْلِهَا فَلَمْ يَقْبَلْهَا فَيَحْتَاجُ لِلْمُتَعَلِّقِ، بِخِلَافِ بَاقِي الصِّيَغِ وَمِثْلُ إلَيَّ: إلَى نِكَاحِي. وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا بِاسْمٍ ظَاهِرٍ كَزَيْنَبِ أَوْ ضَمِيرٍ أَوْ اسْمِ إشَارَةٍ كَهَذِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وم ر: وَيُسَنُّ فِي ذَلِكَ الْإِضَافَةُ كَأَنْ يَقُولَ إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي إلَّا رَدَدْتُكِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَحْدَهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ ضِدُّ الْقَبُولِ فَقَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ الرَّدُّ إلَى أَهْلِهَا بِسَبَبِ الْفِرَاقِ، فَاشْتُرِطَ ذَلِكَ فِي صَرَاحَتِهِ خِلَافًا لِجَمْعٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَرَجَعْتُكِ) بِتَخْفِيفِ الْجِيمِ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ} [التوبة: 83] وَمِثْلُهُ رَاجَعْت زَوْجَتِي إلَى عَقْدِ نِكَاحِي. قَالَ ز ي: وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُ الْمُرْتَجِعِ رَاجَعْت زَوْجَتِي إلَى نِكَاحِي مَعَ أَنَّ الْمُرْتَجَعَةَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ نِكَاحِهِ بَلْ هِيَ زَوْجَةٌ حُكْمًا فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَاجَعْتهَا إلَى نِكَاحٍ كَامِلٍ غَيْرِ صَائِرٍ لِبَيْنُونَةٍ بِانْقِضَاءِ عِدَّةٍ. قَالَ ح ل: فَلَوْ أَسْقَطَ الضَّمِيرَ نَحْوُ رَاجَعْت كَانَ لَغْوًا اهـ. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ مَا لَوْ وَقَعَ جَوَابًا لِقَوْلِ شَخْصٍ لَهُ أَرَاجَعْتَ امْرَأَتَكَ الْتِمَاسًا كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَلَوْ شَكَّ فِيهِ فَرَاجَعَ احْتِيَاطًا ثُمَّ اتَّضَحَ لَهُ الْحَالُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِالْوُضُوءِ فِيمَنْ شَكَّ ثُمَّ بَانَ حَدَثُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ جَازِمًا بِالنِّيَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 وَسُنَّ إشْهَادٌ عَلَيْهَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ السَّابِقِ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْإِشْهَادُ عَلَى النِّكَاحِ لِإِثْبَاتِ الْفِرَاشِ وَهُوَ ثَابِتٌ هُنَا.   [حاشية البجيرمي] وَالْعِبَادَاتُ يُعْتَبَرُ لِصِحَّتِهَا مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعَ ظَنِّ الْمُكَلَّفِ لِئَلَّا يَكُونَ مُتَرَدِّدًا فِي النِّيَّةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَأَمْسَكْتُكِ) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل. وَنَبَّهَ الزَّرْكَشِيّ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ أَشْهَرُ فِي مَعْنَى الرَّجْعَةِ مِنْ الْإِمْسَاكِ وَإِنْ كَانَ الْإِمْسَاكُ مُتَكَرِّرًا فِي الْقُرْآنِ بِخِلَافِ الرَّدِّ، وَيَجُوزُ مَسَكْتُكِ فِي لُغَةٍ وَلَوْ قَالَ اخْتَرْت رَجْعَتَك فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ؛ قَالَهُ النَّوَوِيُّ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقُولَ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنِّي رَاجَعْت زَوْجَتِي. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَوُرُودِهَا) أَيْ وُرُودِ مَجْمُوعِهَا وَهُوَ الرَّدُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَالْإِمْسَاكُ فِي قَوْلِهِ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] وَالرَّجْعَةُ فِي قَوْلِهِ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230] . قَوْلُهُ: (سَائِرُ مَا اُشْتُقَّ مِنْ مَصَادِرِهَا) أَيْ مِمَّا هُوَ مُنَاسِبٌ لَهُ أَوْ لَهَا، فَلَوْ قَالَ أَنْتِ مُرَاجِعَةٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَوْ أَنَا مُرَاجَعٌ بِفَتْحِهَا كَانَ لَغْوًا. اهـ. ح ل، وَأَمَّا الْمَصَادِرُ فَكِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (كَأَنْتِ مُرَاجَعَةٌ) أَوْ مُرْتَجَعَةٌ وَيَقُومُ مَقَامَ الضَّمِيرِ هَذِهِ أَوْ فُلَانَةُ وَلَوْ حَاضِرَةٌ فَلَا يَكْفِي رَاجَعْتُ فَقَطْ؛ وَهَلْ يَكْفِي الْإِضَافَةُ إلَى جُزْئِهَا؟ رَاجِعْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَأَقُولُ: رَاجَعْتُهُ فَوَجَدْتُ ع ش صَرَّحَ بِمَا نَصُّهُ: وَلَوْ أَضَافَ الرَّجْعَةَ إلَى بَعْضِهَا كَأَنْ قَالَ رَاجَعْت يَدَكِ أَوْ رِجْلَكِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ تَوْقِيتُهُ وَلَا تَعْلِيقُهُ لَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْجُزْءِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمَا كَانَ بِالْعَجَمِيَّةِ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ) وَعَلَى هَذَا إذَا أَتَى بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ هَلْ مَا كَانَ صَرِيحًا بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا أَتَى بِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ يَكُونُ صَرِيحًا أَوْ يَكُونُ كِنَايَةً وَتَكُونُ الْكِنَايَةُ كِنَايَةً بَاقِيَةً عَلَى حَالِهَا، سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي دَرْسِهِ وَتَحَرَّرَ أَنَّ الصَّرِيحَ بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا أَتَى بِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ يَكُونُ صَرِيحًا وَالْكِنَايَةَ كِنَايَةٌ اهـ. خ ض. قَوْلُهُ: (كَتَزَوَّجْتُكِ) أَيْ سَوَاءٌ جَرَى ذَلِكَ فِي عَقْدٍ أَمْ لَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ كِنَايَةً، فَإِذَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَلِيِّ عَقْدُ النِّكَاحِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَهُوَ كِنَايَةٌ فِي الرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي شَيْءٍ لَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي غَيْرِهِ كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ، فَإِنْ نَوَى فِيمَا إذَا عَقَدَ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ الرَّجْعَةَ حَصَلَتْ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ الَّذِي عَقَدَ بِهِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَنَكَحْتُكِ) أَيْ أَوْ رَفَعْتُ التَّحْرِيمَ وَاخْتَرْتُ رَجْعَتَك أَوْ أَعَدْت حِلَّك سم. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِيهَا) أَيْ الصِّيغَةِ. قَوْلُهُ: (إنْ شِئْتِ) أَيْ بِكَسْرِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ، أَمَّا إذَا ضَمَّ التَّاءَ مِنْ شِئْتُ فَيَصِحُّ أَوْ فَتَحَ الْهَمْزَةَ مِنْ إنْ أَوْ أَبْدَلَهَا بِإِذْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ يُفَرَّقُ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا ذَكَرَهُ ز ي. قَوْلُهُ: (شَهْرًا) هَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ أَتَى بِمَا يُبْعِدُ بَقَاءَ الدُّنْيَا إلَيْهِ، وَكَذَا فِي ح ل، وَفِي ع ش عَلَى م ر: قَوْلُهُ وَعَدَمُ تَوْقِيتٍ شَمَلَ مَا لَوْ قَالَ رَاجَعْتُكِ بَقِيَّةَ عُمْرِك فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ، وَقَدْ يُقَالُ بِصِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ رَاجَعَهَا بَقِيَّةَ حَيَاتِهَا. قَوْلُهُ: (وَسُنَّ إشْهَادٌ عَلَيْهَا) سَوَاءٌ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ وَهُوَ وَاضِحٌ أَوْ كِنَايَةٍ عَلَى اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ، وَيُسَنُّ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهَا أَيْضًا وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إرْشَادٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمَحْضِ الْإِرْشَادِ ق ل، فَلَوْ عَلِمْنَا بِالطَّلَاقِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَعَاشَرَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ رَاجَعَهَا فَلَا يُصَدَّقُ وَلَا يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَهَذَا هُوَ فَائِدَةُ سُنِّيَّةِ الْإِشْهَادِ. قَوْلُهُ: (خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) وَهُوَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَقَوْلٌ قَدِيمٌ فِي الْأُمِّ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وُجُوبُ الِاشْتِرَاطِ وَاسْتِحْبَابُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الدَّمِيرِيِّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ) أَيْ فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ، وَلِذَلِكَ لَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُرَاجِعُ حَنِثَ بِرَجْعَتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ ق ل. وَانْظُرْ مَعْنَى هَذِهِ الظَّرْفِيَّةِ وَمَا مَعْنَى كَوْنِهَا فِي حُكْمِ الِاسْتِدَامَةِ مَعَ أَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ، وَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِإِثْبَاتِ الْفِرَاشِ) الْمُرَادُ بِهِ الزَّوْجِيَّةُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ فِي بَابِ اللِّعَانِ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ اُسْتُحِبَّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ إقْرَارِهَا بِالرَّجْعَةِ خَوْفَ جُحُودِهَا. وَلَوْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا وَأَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ الرَّجْعَةَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا يُصَدَّقُ الزَّوْجُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَلَوْ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ فِي ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ الْبَيِّنَةُ. اهـ. ع ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَحْصُلُ بِفِعْلٍ غَيْرِ الْكِتَابَةِ وَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ كَوَطْءٍ وَمُقَدَّمَاتِهِ وَإِنْ نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهَا. (فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) بِوَضْعِ حَمْلٍ أَوْ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ (كَانَ لَهُ) إعَادَةُ (نِكَاحِهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ) بِشُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَابِهِ لِبَيْنُونَتِهَا حِينَئِذٍ وَحَلَفَتْ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِغَيْرِ أَشْهُرٍ مِنْ أَقْرَاءٍ أَوْ وَضْعٍ إذَا أَنْكَرَهُ الزَّوْجُ فَتُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَ وَإِنْ خَالَفَتْ عَادَتَهَا؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ مُؤْتَمَنَاتٌ عَلَى أَرْحَامِهِنَّ. وَخَرَجَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ غَيْرُهُ كَنَسَبٍ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ أَنَّ الصِّيغَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لَفْظًا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ ح ل. قَوْلُهُ: (غَيْرِ الْكِتَابَةِ وَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُمَا مُلْحَقَانِ بِالْقَوْلِ فِي كَوْنِهِمَا كِنَايَتَيْنِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (الْمُفْهِمَةِ) فَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ فَهِيَ صَرِيحَةٌ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِهَا الرَّجْعَةُ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَوَطْءٍ) مِثَالٌ لِمَا لَا تَحْصُلُ بِهِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهَا تَحْصُلُ بِهِ عِنْدَهُ، فَلَوْ كَانَتْ شَافِعِيَّةً فَوَطِئَهَا وَهُوَ حَنَفِيٌّ فَلَهُ الطَّلَبُ وَعَلَيْهَا الْهَرَبُ وَعَلَيْهِ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ رَاجَعَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ كَالْبَائِنِ، فَكَذَا فِي الْمَهْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فِي رِدَّتِهَا أَوْ رِدَّتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُزِيلُ أَثَرَ الرِّدَّةِ وَالرَّجْعَةَ لَا تُزِيلُ أَثَرَ الطَّلَاقِ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: " مَهْرُ الْمِثْلِ " أَيْ مَهْرُ بِكْرٍ إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَمَهْرُ ثَيِّبٍ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ عَلِمَتْ بِالتَّحْرِيمِ قَالَ شَيْخُنَا وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ وَاحِدٍ أَوْجَبَ مَهْرَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوجِبَ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْأَوَّلِ نَفْسُ الْعَقْدِ وَالْمُوجِبَ لِلثَّانِي وَطْءُ الشُّبْهَةِ. قَالَ ح ل: وَلَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ لِاتِّحَادِ الشُّبْهَةِ مَا لَمْ يَدْفَعْ مَهْرَ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْوَطْءِ الثَّانِي اهـ. تَنْبِيهٌ: الرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ فِي خَمْسِ آيَاتٍ: الْأُولَى فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] الثَّالِثَةُ: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] الرَّابِعَةُ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] الْخَامِسَةُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] . قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ) نَعَمْ لَوْ صَدَرَ ذَلِكَ مِنْ كَافِرٍ وَاعْتَقَدَهُ رَجْعَةً ثُمَّ أَسْلَمُوا وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا أَقْرَرْنَاهُمْ كَمَا نُقِرُّهُمْ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دَوَامٌ فَيُتَوَسَّعُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَافَعَ حَنَفِيَّانِ فَلَا نُقِرُّهُمْ إلَّا إنْ حَكَمَ لَهُمَا حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ بِرْمَاوِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) قَيْدٌ أَوَّلٌ وَقَوْلُهُ (بِغَيْرِ أَشْهُرٍ) قَيْدٌ ثَانٍ، وَقَوْلُهُ (إنْ أَمْكَنَ) قَيْدٌ ثَالِثٌ، وَكَذَا تُصَدَّقُ فِي بَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ وَصَلَتْ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ وَلَهَا النَّفَقَةُ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَقْرَاءٍ) وَلَوْ بِاسْتِعْجَالِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ وَضْعٍ) وَإِنْ اسْتَعْجَلَتْهُ بِدَوَاءٍ وَيَحْرُمُ إنْ نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ، وَإِلَّا فَيُكْرَهُ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ كَتْمُهُ عَنْ النِّسَاءِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (إذَا أَنْكَرَهُ الزَّوْجُ) خَرَجَ مِمَّا لَوْ مَاتَ فَتَعْتَدُّ لِوَفَاةٍ وَلَا تُصَدَّقُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَا تَرِثُهُ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا صُدِّقَتْ وَلَوْ مَاتَتْ فَادَّعَى وَارِثُهَا الِانْقِضَاءَ قَبْلَ مَوْتِهَا صُدِّقَ الْوَارِثُ فِي عِدَّةِ أَشْهُرٍ ق ل وَبِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَتُصَدَّقُ) أَيْ بِيَمِينِهَا كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا النِّكَاحُ وَلَهَا النَّفَقَةُ عَمَلًا بِإِنْكَارِهِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَتْ عَادَتَهَا) أَيْ فِي الْحَيْضِ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ حَيْضَةً فَادَّعَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ حَيْضَةً ح ف. قَوْلُهُ: (مُؤْتَمَنَاتٌ عَلَى أَرْحَامِهِنَّ) حَيْضًا. وَحَمْلًا، وَالْمُؤْتَمَنُ عَلَى الشَّيْءِ يُصَدَّقُ فِيهِ بِيَمِينِهِ. قَوْلُهُ: (كَنَسَبٍ) صُورَتُهُ أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَيَقُولَ الزَّوْجُ هُوَ مُسْتَعَارٌ وَلَمْ تَلِدِيهِ فَيُصَدَّقُ الزَّوْجُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى وِلَادَتِهَا، وَأَمَّا إذَا وَافَقَهَا عَلَى أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَأَنْكَرَ كَوْنَهُ مِنْهُ فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلَّا بِاللِّعَانِ بَعْدَ النَّفْيِ، وَقَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. فَإِنْ قُلْتَ: النِّسَاءُ مُؤْتَمَنَاتٌ عَلَى ذَلِكَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَمَّا تَعَلَّقَ بِالْغَيْرِ لَمْ يُقْبَلْنَ فِيهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَعِبَارَةُ سم: قَوْلُهُ كَنَسَبٍ أَيْ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا. لَا يُقَالُ هَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَتَتْ الزَّوْجَةُ بِوَلَدٍ لِلْإِمْكَانِ لَحِقَهُ وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلَّا بِنَفْيِهِ بِشَرْطِهِ وَهُوَ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا سَلَّمَ أَنَّهَا أَتَتْ بِهِ وَمَا هُنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 وَاسْتِيلَادٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَبِغَيْرِ الْأَشْهُرِ انْقِضَاؤُهَا بِالْأَشْهُرِ، وَبِالْإِمْكَانِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَوْ غَيْرُهُ، فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَيُمْكِنُ انْقِضَاؤُهَا بِوَضْعٍ لِتَمَامٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَيْنِ مِنْ حِينِ إمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا بَعْدَ النِّكَاحِ وَلِمُصَوَّرٍ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا   [حاشية البجيرمي] فِيمَا إذَا أَنْكَرَ إتْيَانَهَا بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَاسْتِيلَادٍ) ذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادِيٌّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الرَّجْعَةِ لَا فِي الِاسْتِيلَادِ. وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ تَدَّعِيَ الْأَمَةُ أَنَّ السَّيِّدَ وَطِئَهَا وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْهُ وَيُنْكِرُ السَّيِّدُ الْوَطْءَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِ السَّيِّدِ بِأَنَّهُ وَطِئَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُحَقَّقٌ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) أَيْ عَلَى الْوِلَادَةِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِنْ إمْكَانِ الْوَطْءِ يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ فِي النَّسَبِ وَبَعْدَ إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِيلَادِ. قَوْلُهُ: (وَبِغَيْرِ الْأَشْهُرِ انْقِضَاؤُهَا بِالْأَشْهُرِ) فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ انْعَكَسَتْ الصُّورَةُ فَادَّعَى الِانْقِضَاءَ وَقَالَ طَلَّقْتُك فِي رَمَضَانَ فَقَالَتْ بَلْ فِي شَوَّالٍ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّهَا غَلَّظَتْ عَلَى نَفْسِهَا؛ كَذَا قَالَاهُ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ خَاصَّةً وَأَمَّا النَّفَقَةُ فِي الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الزَّوْجُ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهَا كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْعِدَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ هُنَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْكَافِي وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ ق ل. وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا، وَحَكَى فِي الْحَاوِي فِي النَّفَقَةِ وَجْهَيْنِ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ كَقُرْبِ الزَّمَنِ مِنْ الطَّلَاقِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ) وَاضِحٌ فِي الْآيِسَةِ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَكَانَ يَنْبَغِي تَصْدِيقُهُ بِلَا يَمِينٍ. وَجَعْلُ الْآيِسَةِ لَا يُمْكِنُ حَيْضُهَا مَحَلُّ نَظَرٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى حَيْضِهَا قَبُولُ قَوْلِهَا وَإِنْ خَالَفَتْ الْعَادَةَ فَكَيْفَ يَنْتَفِي الْإِمْكَانُ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ اسْتِقْرَاءَ حَدِّ الْيَأْسِ نَاقِصٌ؟ وَمَا دَامَتْ الْمَرْأَةُ حَيَّةً فَحَيْضُهَا مُمْكِنٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْيَأْسُ يُقَوِّي جَانِبَ الزَّوْجِ فَيُصَدَّقُ. قَوْلُهُ: (وَيُمْكِنُ انْقِضَاؤُهَا بِوَضْعٍ لِتَمَامِ إلَخْ) وَلَا بُدَّ مِنْ انْفِصَالِ جَمِيعِ الْحَمْلِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ فَرَاجَعَهَا صَحَّتْ الرَّجْعَةُ، وَلَوْ وَلَدَتْ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَيْ عَدَدِيَّةٍ لَا هِلَالِيَّةٍ، أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ. قَوْلُهُ: (وَلَحْظَتَيْنِ) أَيْ لَحْظَةٍ لِلْوَطْءِ وَلَحْظَةٍ لِلْوَضْعِ، فَلَوْ أَتَتْ بِهِ تَامًّا لِدُونِ ذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِهِ؛ لِأَنَّا نَحْكُمُ بِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَكَانَ أَقَلُّهُ ذَلِكَ لِمَا اسْتَنْبَطَهُ الْعُلَمَاءُ اتِّبَاعًا لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] مَعَ قَوْلِهِ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] اهـ. قَالَ شَيْخُنَا، أَيْ فَإِذَا كَانَ فِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ وَهُمَا مُدَّةُ الرَّضَاعِ كَانَ الْبَاقِي وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مُدَّةَ الْحَمْلِ. قَوْلُهُ: (مِنْ حِينِ إمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا) أَيْ عَادَةً وَلَا نَظَرَ لِإِمْكَانِهِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ مِنْ نَحْوِ وَلِيٍّ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَلِمُصَوَّرٍ) أَيْ وَلَدٌ مُصَوَّرٌ أَيْ فِيهِ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ خَفِيَّةٌ بِقَوْلِ الْقَوَابِلِ، وَهَذِهِ يَثْبُتُ بِهَا الِاسْتِيلَادُ وَيَجِبُ فِيهَا لِغُرَّةٍ ق ل. قَوْلُهُ: (بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا) عَبَّرُوا بِهَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ هُنَا بِالْعَدَدِ دُونَ الْأَهِلَّةِ شَرْحُ م ر. قَالَ سم فِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ بَعْدَ قَوْلِهِ " بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ": ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْعَدَدِ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي ثَمَانِينَ، وَكَذَا نَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ وَالْحَاوِي، وَنَقَلَ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَيَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ اهـ بُرُلُّسِيٌّ. وَقَالَ م ر: فِي شَرْحِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلِمُصَوَّرٍ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» اهـ. وَقَوْلُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ يُجْمَعُ خَلْقُهُ أَيْ مَادَّةُ خَلْقِهِ وَهُوَ الْمَنِيُّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَفِي رِوَايَةٍ: «إنَّ النُّطْفَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا طَارَتْ تَحْتَ كُلِّ ظُفْرٍ وَشَعْرٍ وَعِرْقٍ وَعُضْوٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ جَمَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى» وَفِي رِوَايَةٍ: «إنَّهَا تَمْكُثُ كَذَلِكَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ تَصِيرُ دَمًا فِي الرَّحِمِ فَذَلِكَ جَمْعُهَا، ثُمَّ يَكُونُ عَقِبَ تِلْكَ الْأَرْبَعِينَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ عَلَقَةً أَيْ قِطْعَةَ دَمٍ تَجَمَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا مِثْلَ ذَلِكَ أَيْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ عَقِبَ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ تَكُونُ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَحَلِّ مُضْغَةً أَيْ قِطْعَةَ لَحْمٍ قَدْرَ مَا يُمْضَغُ وَتَقْوَى شَيْئًا فَشَيْئًا مِثْلَ ذَلِكَ أَيْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ عَقِبَ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ يُرْسِلُ اللَّهُ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالرَّحِمِ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 وَلَحْظَتَيْنِ وَلِمُضْغَةٍ بِثَمَانِينَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ، وَبِأَقْرَاءٍ لِحُرَّةٍ طَلُقَتْ فِي طُهْرٍ سُبِقَ بِحَيْضٍ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ وَفِي حَيْضٍ بِسَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ، وَلِغَيْرِ حُرَّةٍ طَلُقَتْ فِي طُهْرٍ سُبِقَ بِحَيْضٍ، بِسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ وَفِي حَيْضٍ بِإِحْدَى وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ.   [حاشية البجيرمي] الِابْتِدَاءِ يَقُولُ أَيْ رَبِّ نُطْفَةً أَيْ رَبِّ عَلَقَةً أَيْ رَبِّ مُضْغَةً، فَيَنْفُخُ فِيهِ بَعْدَ تَشَكُّلِهِ عَلَى هَيْئَةِ الْإِنْسَانِ الرُّوحَ وَهُوَ مَا يَعِيشُ بِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى» . وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ إرْسَالَ الْمَلَكِ فِي أَوَّلِ الْأَرْبَعِينَ الرَّابِعَةِ، وَفِي أُخْرَى فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي أُخْرَى فِي الثَّالِثَةِ، وَفِي أُخْرَى فِي الْأُولَى. قَدْ انْتَشَرَتْ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا بِأَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ: مِنْهَا أَنَّهُ بَعْدَ الْأُولَى لِتَصْوِيرِهِ الْخَفِيِّ، وَالثَّانِيَةِ: لِتَصْوِيرِهِ الظَّاهِرِ، وَالثَّالِثَةِ: لِتَشَكُّلِهِ، وَالرَّابِعَةِ: لِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ بَعْدَ الْأُولَى لِمَبَادِي تَخْطِيطِهِ الْخَفِيِّ، وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ لِمَبَادِي تَخْطِيطِهِ الظَّاهِرِ، وَبَعْدَ الثَّالِثَةِ لِمَبَادِي تَشَكُّلِهِ، وَهَكَذَا وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَاضْطِرَابِ الْأَقْوَالِ فِيهِ، فَإِنَّهُ زُبْدَةُ مَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ، وَتَعْبِيرُ الْأَحَادِيثِ بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ التَّرَاخِيَ مُؤَوَّلٌ فَرَاجِعْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَلِمُضْغَةٍ) أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْقَوَابِلِ أَنَّهَا أَصْلُ آدَمِيٍّ وَإِلَّا لَمْ تَنْقَضِ بِهَا الْعِدَّةُ كَالْعَلَقَةِ، وَيَثْبُتُ بِهَا حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذْ شَهِدْنَ بِأَنَّهَا أَصْلُ آدَمِيٍّ مِنْ الْأَحْكَامِ وُجُوبُ الْغُسْلِ، وَثُبُوتُ النِّفَاسِ وَفِطْرُ الصَّائِمَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (بِثَمَانِينَ يَوْمًا) وَيُشْتَرَطُ هُنَا شَهَادَةُ الْقَوَابِلِ أَنَّهَا أَصْلُ آدَمِيٍّ وَإِلَّا لَمْ تَنْقَضِ بِهَا الْعِدَّةُ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: " شَهَادَةُ الْقَوَابِلِ " أَيْ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدَةٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لِمَنْ غَابَ زَوْجُهَا وَأَخْبَرَهَا عَدْلٌ أَنْ تَتَزَوَّجَ بَاطِنًا؛ وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ عِنْدَ حَاكِمٍ دُونَ الْبَاطِنِ فَيَكْتَفِي بِوَاحِدَةٍ حِينَئِذٍ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (سُبِقَ بِحَيْضٍ) أَيْ لِيُحْسَبَ قَرْءًا؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ مُحْتَوَشٌ بَيْنَ دَمَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُسْبَقْ بِحَيْضٍ فَأَقَلُّ إمْكَانِ انْقِضَاءِ الْأَقْرَاءِ لِلْحُرَّةِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ؛ لِأَنَّ الطُّهْر الَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ لَيْسَ بِقَرْءٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْتَوَشٍ بَيْنَ دَمَيْنِ وَلِغَيْرِهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ (لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْتَوَشٍ بَيْنَ دَمَيْنِ) فِي الْمِصْبَاحِ وَاحْتَوَشَ الْقَوْمُ بِالصَّيْدِ أَحَاطُوا بِهِ وَقَدْ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ فَيُقَالُ احْتَوَشُوهُ وَالْمَفْعُولُ مُحْتَوَشٌ بِالْفَتْحِ وَمِنْهُ احْتَوَشَ الدَّمُ الطُّهْرَ كَأَنَّ الدِّمَاءَ أَحَاطَتْ بِالطُّهْرِ وَاكْتَنَفَتْهُ مِنْ طَرَفَيْهِ فَالطُّهْرُ مُحْتَوَشٌ بَيْنَ دَمَيْنِ. قَوْلُهُ: (بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ) لَحْظَةٌ لِلْقَرْءِ الْأَوَّلِ وَلَحْظَةٌ لِلطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الطُّهْرِ لَحْظَةٌ ثُمَّ تَحِيضُ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثُمَّ تَطْهُرُ أَقَلَّ الطُّهْرِ ثُمَّ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ كَذَلِكَ ثُمَّ تَطْعَنُ فِي الْحَيْضِ لَحْظَةً؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَاللَّحْظَةُ الْأَخِيرَةُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لِيَتَبَيَّنَ تَمَامُ الْقَرْءِ الْأَخِيرِ لَا مِنْ الْعِدَّةِ فَلَا رَجْعَةَ فِيهَا. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " ثُمَّ تَطْعَنُ " بِضَمِّ الْعَيْنِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، فَالْأَوَّلُ مِنْ بَابِ قَتَلَ وَالثَّانِي مِنْ بَابِ نَفَعَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (بِسَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ) أَيْ مِنْ الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا آخِرَ جُزْءٍ مِنْ الْحَيْضِ. وَقَوْلُهُ " وَلَحْظَةٍ " لَمْ يَقُلْ وَلَحْظَتَيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّحْظَةَ الْأُولَى هِيَ آخِرُ الْحَيْضِ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ الْمُدَّةِ. قَوْلُهُ: (طَلُقَتْ فِي طُهْرٍ إلَخْ) فَإِنْ جَهِلَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَنَّهَا طَلُقَتْ فِي طُهْرٍ أَوْ فِي حَيْضٍ حُمِلَ أَمْرُهَا عَلَى الْحَيْضِ لِلشَّكِّ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: وَحَرُمَ عَلَيْهِ تَمَتُّعٌ بِهَا أَيْ بِالرَّجْعِيَّةِ بِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ كَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا مُفَارَقَةٌ كَالْبَائِنِ، وَعُزِّرَ مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ عِنْدَهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بِوَطْءٍ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِهِ وَعَلَيْهِ بِوَطْءٍ مَهْرُ مِثْلٍ. وَقَوْلُهُ " وَعُزِّرَ مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ " أَيْ إذَا رُفِعَ إلَى مُعْتَقِدِ تَحْرِيمِهِ أَيْضًا فَحِينَئِذٍ الْحَنَفِيُّ لَا يُعَزِّرُ الشَّافِعِيَّ وَإِنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّ يَرَى حِلَّهُ وَالشَّافِعِيُّ يُعَزِّرُ الْحَنَفِيَّ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ وَإِنْ اعْتَقَدَ حِلَّهُ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ لَا الْخَصْمِ اهـ. ز ي وَقَوْلُهُ " وَالشَّافِعِيُّ يُعَزِّرُ الْحَنَفِيَّ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ إلَخْ " هَذَا فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعْزِيرُ مَنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ مِنْ أَتْبَاعِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَعْزِيرُ حَنَفِيٍّ صَلَّى بِوُضُوءٍ لَا نِيَّةَ فِيهِ أَوْ قَدْ مَسَّ فَرْجَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 (وَ) إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا (تَكُونُ مَعَهُ عَلَى مَا بَقِيَ) لَهُ (مِنْ) عَدَدِ (الطَّلَاقِ) لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مُخَالِفٌ (فَإِنْ طَلَّقَهُمَا) أَيْ الْحُرُّ (ثَلَاثًا) أَوْ الْعَبْدُ وَلَوْ مُبَعَّضًا طَلْقَتَيْنِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فِي نِكَاحٍ أَوْ أَنْكِحَةٍ (لَمْ تَحِلَّ) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ (لَهُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ) فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَعَلَى وُجُودِ مَا عَدَا الْأَوَّلِ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا: الْأَوَّلُ (انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا مِنْهُ) أَيْ الْمُطَلِّقِ (وَ) الثَّانِي (تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِهِ) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ مَجْنُونًا (وَ) الثَّالِثُ (دُخُولُهُ بِهَا وَإِصَابَتُهَا) بِدُخُولِ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِلٌ كَأَنْ لَفَّ عَلَيْهَا خِرْقَةً، فَإِنَّهُ يَكْفِي تَغْيِيبُهَا فِي قُبُلِهَا خَاصَّةً لَا فِي غَيْرِهِ كَدُبُرِهَا كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحْصِينُ، وَسَوَاءٌ أَوْلَجَ هُوَ أَمْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ فِي يَقَظَةٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ أَوْلَجَ فِيهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ. (وَ) الرَّابِعُ (بَيْنُونَتُهَا مِنْهُ)   [حاشية البجيرمي] وَمَالِكِيٍّ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ قَلِيلٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ أَوْ بِمُسْتَعْمَلٍ، أَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُهُ. وَأَمَّا الْقَاعِدَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْأَصْحَابَ صَرَّحُوا بِهَا فَيَتَعَيَّنُ فَرْضُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِمَا أَفَادَتْهُ عِبَارَتُهُ هُنَا مِنْ مُقْتَضَى الْحِلِّ، فَالْحَنَفِيُّ لَا يُعَزَّرُ فَلْيُحَرَّرْ سم. وَقَوْلُهُ " فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ " أَيْ وَلَا عَلَيْهَا وَإِنْ تَكَرَّرَ وَعَلِمَا بِالْحُرْمَةِ. انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا قَوْلُهُ: (ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا تَكُونُ مَعَهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هِيَ تَكُونُ مَعَهُ عَلَى مَا بَقِيَ وَلَوْ رَاجَعَهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِتَجْدِيدِ نِكَاحِهَا، فَلَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ. وَعِبَارَةُ سم: وَإِذَا رَاجَعَهَا أَوْ نَكَحَهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. قَوْلُهُ: (أَفْتَى بِذَلِكَ) أَيْ الْكَوْنِ، أَيْ كَوْنِهَا مَعَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مُخَالِفٌ) فَهُوَ إجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَحِلَّ) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ لَهُ أَيْ لَا بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ. وَصُورَةُ التَّحْلِيلِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يَعْقِدَ فِي الْمُلَفَّقَةِ وَلِيُّ صَغِيرٍ لَهُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَيَدْخُلُ بِهَا وَيُوجَدُ مِنْهُ وَطْءٌ مَعَ انْتِشَارِ آلَتِهِ بَعْدَ حُكْمِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ شَافِعِيٍّ بِصِحَّةِ ذَلِكَ النِّكَاحِ ثُمَّ يُطَلِّقُ الصَّبِيُّ عِنْدَ حَاكِمٍ حَنْبَلِيٍّ وَيَحْكُمُ بِصِحَّةِ طَلَاقِهِ وَأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى مُطَلَّقَتِهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى لِيَكُونَ حُكْمُهُ رَافِعًا لِلْخِلَافِ إذْ يُشْتَرَطُ لِلْحُكْمِ الرَّافِعِ لِلْخِلَافِ دَعْوَى، وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الْحَنْبَلِيِّ أَنْ لَا يَبْلُغَ الْمُطَلِّقُ عَشْرَ سِنِينَ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ لِلْمُطَلَّقَةِ مِنْ عِدَّةٍ، أَوْ أَنْ يُطَلِّقَ وَلِيُّ الصَّغِيرِ الْمَذْكُورِ إذَا رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً وَيَحْكُمُ حَاكِمٌ مَالِكِيٌّ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ، فَإِذَا تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ جَازَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ نِكَاحُهَا اهـ شَبْشِيرِيٌّ وَقَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحِفْنِيُّ. فَائِدَةٌ: فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْوَلَدَ إذَا كَانَ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ يَصِحُّ نِكَاحُهُ بِنَفْسِهِ وَيَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ بَلَغَ عَشْرًا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ. وَهَذِهِ الْعَمَلُ بِهَا أَحْسَنُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْمُلَفَّقَةِ، فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ دَعَا عَلَى مَنْ يَعْمَلُ بِهَا وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُحَلِّلٌ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُحَلِّلٌ فَلَا يَكْفِي عِنْدَهُمْ كَمَا أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَابِلَةِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى وُجُودٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَبَعْدَ وُجُودٍ إلَخْ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ عَلَى بِمَعْنَى مَعَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَبْدًا) أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا، وَقَوْلُهُ " أَوْ مَجْنُونًا " أَيْ بَالِغًا. قَوْلُهُ: (إصَابَتُهَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ. قَوْلُهُ: (بِدُخُولِ حَشَفَةٍ) وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرِهَا) أَيْ وَتَعْتَرِفُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ، فَلَوْ عَقَدَ لَهَا عَلَى آخَرَ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَلَمْ تَعْتَرِفْ بِإِصَابَةٍ وَلَا عَدَمِهَا وَأَذِنَتْ فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ ادَّعَتْ عَدَمَ إصَابَةِ الثَّانِي فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهَا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ عَقْدِ زَوَاجِهَا الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي عَنْ الْقَمُولِيِّ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ كَوْنِ الْإِنْكَارِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَنْ أَخْبَرَتْ أَوَّلًا بِالتَّحْلِيلِ ثُمَّ أَنْكَرَتْهُ، وَمَا هُنَا فِيمَنْ لَمْ يَسْبِقْ إقْرَارٌ وَإِذْنُهَا فِي التَّزْوِيجِ مِنْ الْأَوَّلِ يَجُوزُ أَنَّهَا بَنَتْهُ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّ الْعَقْدَ بِمُجَرَّدِهِ مُبِيحٌ حِلَّهَا لِلْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِفَرْضِ عِلْمِهَا يُحْمَلُ نِسْيَانُهَا اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَكْفِي تَغْيِيبُهَا) وَإِنْ انْتَفَى قَصْدُ الزَّوْجَيْنِ كَنَوْمٍ وَجُنُونٍ مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحْصِينُ) وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ صُوَرَ الْفَرْقِ بِقَوْلِهِ: الدُّبُرُ مِثْلُ الْقُبُلِ فِي الْإِتْيَانِ ... لَا الْحِلِّ وَالتَّحْلِيلِ وَالْإِحْصَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 أَيْ الزَّوْجِ الثَّانِي بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ مَوْتٍ (وَ) الْخَامِسُ (انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا مِنْهُ) لِاسْتِبْرَاءِ رَحِمِهَا لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهَا مِنْ إنْزَالٍ حَصَلَ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ انْتِشَارُ الْآلَةِ وَإِنْ ضَعُفَ الِانْتِشَارُ وَاسْتَعَانَ بِأُصْبُعِهِ أَوْ أُصْبُعِهَا بِخِلَافِ مَا لَمْ يَنْتَشِرْ لِشَلَلٍ أَوْ عُنَّةٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالْمُعْتَبَرُ الِانْتِشَارُ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبَا الْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ، حَتَّى لَوْ أَدْخَلَ السَّلِيمُ ذَكَرَهُ بِأُصْبُعِهِ بِلَا انْتِشَارٍ لَمْ يُحَلَّلْ كَالطِّفْلِ. فَمَا قِيلَ إنَّ الِانْتِشَارَ بِالْفِعْلِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مَمْنُوعٌ. وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ فَلَا يُحَلَّلُ الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا مِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا وَطْءِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَ الْحِلَّ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ لَا يَحْنَثُ بِمَا ذُكِرَ. وَكَوْنُ الزَّوْجِ مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهُ لَا طِفْلًا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِكَ، أَوْ يَتَأَتَّى مِنْهُ وَهُوَ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالْإِجْبَارِ وَقَدْ   [حاشية البجيرمي] وَفَيْئَةُ الْإِيلَاءِ وَنَفْيُ الْعُنَّةِ ... وَالْإِذْنُ نُطْقًا وَافْتِرَاشُ الْقِنَّةِ وَمُدَّةُ الزِّفَافِ وَاخْتِيَارِ ... رَدٍّ بِعَيْبٍ بَعْدَ وَطْءِ الشَّارِي تُصَدَّقُ فِي الْحَيْضِ نَفْيُ الرَّحِمِ ... إذَا زَنَى الْمَفْعُولُ فَاحْفَظْ نَظْمِي وَقَوْلُهُ فِي النَّظْمِ " وَالْإِذْنُ نُطْقًا " أَيْ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ فِي الدُّبُرِ لَا يُشْتَرَطُ إذْنُهَا فِي صِحَّةِ نِكَاحِهَا وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ بِهِ فِرَاشًا. وَقَوْلُهُ " وَمُدَّةُ الزِّفَافِ " يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَصِيرُ كَالْمَوْطُوءَةِ فِي قُبُلٍ فِي مُدَّةِ الزِّفَافِ بِأَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا بَلْ يَبِيتُ عِنْدَهَا سَبْعًا. وَقَوْلُهُ " بَعْدَ وَطْءِ الشَّارِي " أَيْ إذَا وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْأَمَةَ فِي الدُّبُرِ ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا عَيْبٌ فَلَهُ اخْتِيَارُ الرَّدِّ، وَلَا يَكُونُ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِخِلَافِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا يَكُونُ عَيْبًا حَادِثًا يَسْقُطُ بِهِ الرَّدُّ الْقَهْرِيُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يُصَوَّرُ بِمَا إذَا وَطِئَهَا فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَسِيرُ فِيهَا لِلرَّدِّ، فَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ فَلَا رَدَّ؛ لِأَنَّهُ إجَازَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي الدُّبُرِ رَدَّ. وَقَوْلُهُ " إذَا زَنَى الْمَفْعُولُ " أَيْ الْمَرْأَةُ الْمَوْطُوءَةُ فِي الدُّبُرِ حَالَ الْحَيْضِ لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ وَلَا بِنِصْفِهِ، وَقَوْلُهُ " إذَا زَنَى الْمَفْعُولُ " أَيْ الْمَرْأَةُ الْمَوْطُوءَةُ فِي الدُّبُرِ. قَوْلُهُ: (بَيْنُونَتُهَا) الْمُرَادُ بِالْبَيْنُونَةِ مُطْلَقُ الْفُرْقَةِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا. قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهَا مِنْ إنْزَالٍ) أَيْ إنْ كَانَ بَالِغًا وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ مُرَاهِقًا فَالْعِدَّةُ لِلتَّعَبُّدِ. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ) اشْتَمَلَ هَذَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَرْبَعَةِ شُرُوطٍ غَيْرِ الْخَمْسَةِ، وَهِيَ: انْتِشَارُ الْآلَةِ بِالْفِعْلِ وَصِحَّةُ النِّكَاحِ وَكَوْنُ الزَّوْجِ مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهُ وَكَوْنُهُ غَيْرَ رَقِيقِ صَبِيٍّ. وَسَيَذْكُرُ فِي التَّتِمَّةِ شَرْطًا عَاشِرًا وَهُوَ الِافْتِضَاضُ فِي الْبِكْرِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ ضَعُفَ الِانْتِشَارُ) بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَقْوَى عَلَى الدُّخُولِ وَلَوْ بِإِعَانَةٍ بِنَحْوِ أُصْبُعٍ، وَلَيْسَ لَنَا وَطْءٌ يَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُهُ عَلَى الِانْتِشَارِ سِوَى هَذَا ح ل. قَوْلُهُ: (أَوْ عُنَّةٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَطِفْلٍ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهُ. قَوْلُهُ: (بِلَا انْتِشَارٍ لَمْ يُحَلِّلْ) وَإِنْ انْتَشَرَ دَاخِلَ الْفَرْجِ. قَوْلُهُ: (مَمْنُوعٌ) بَلْ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ بِهِ إلَّا إنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ لَهُ أَبًا أَوْ جَدًّا وَكَانَ عَدْلًا وَفِي تَزْوِيجِهِ مَصْلَحَةٌ لِلصَّبِيِّ وَكَانَ الْمُزَوِّجُ لِلْمَرْأَةِ وَلِيُّهَا الْعَدْلُ بِحَضْرَةِ عَدْلَيْنِ، فَمَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ التَّحْلِيلُ لِفَسَادِ النِّكَاحِ. وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي زَمَانِنَا مِنْ تَعَاطِي ذَلِكَ وَالِاكْتِفَاءِ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَوْ الْمُحَقَّقَ أَنَّ الَّذِينَ يُزَوِّجُونَ أَوْلَادَهُمْ لِإِرَادَةِ ذَلِكَ إنَّمَا هُمْ السَّفَلَةُ الْمُوَاظِبُونَ عَلَى تَرْكِ الصَّلَوَاتِ وَارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَنَّ تَزْوِيجَهُمْ أَوْلَادَهُمْ لِذَلِكَ الْغَرَضِ لَا مَصْلَحَةَ لِلطِّفْلِ فِيهِ، بَلْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ أَيُّ مَفْسَدَةٍ، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِيهِ أَنَّ الْمُزَوِّجَ لِلْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ أَوْلِيَائِهَا بِأَنْ تُوَكِّلَ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا مِلْكِ الْيَمِينِ) أَيْ فَلَوْ وَطِئَ السَّيِّدُ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ لِمُطَلِّقِهَا، كَمَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَلَا وَطْءُ الشُّبْهَةِ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْوَطْءِ. قَوْلُهُ: (لَا يَحْنَثُ بِمَا ذُكِرَ) أَيْ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَهَذَا حَيْثُ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَلَا يَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا لَهُ أَمَّا لَوْ قَصَدَ بِهِ الْوَطْءَ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْوَطْءِ لَا بِالْعَقْدِ وَإِنْ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ صُرِفَ بِالنِّيَّةِ عَنْ حَقِيقَةٍ. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهُ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 مَرَّ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ فَلْيُحْذَرْ مِمَّا وَقَعَ لِبَعْضِ الرُّؤَسَاءِ وَالْجُهَّالِ مِنْ الْحِيلَةِ لِدَفْعِ الْعَارِ مِنْ إنْكَاحِهَا مَمْلُوكَةَ الصَّغِيرِ ثُمَّ بَعْدَ وَطْئِهِ يُمَلِّكُهُ لَهَا لِيَنْفَسِخَ النِّكَاحُ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ بَعْضَ الرُّؤَسَاءِ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَعَادَهَا فَلَمْ يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَتَفَرَّقَا، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَتَحَلَّلَ تَنْفِيرًا مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] أَيْ الثَّالِثَةَ {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] . تَتِمَّةٌ: يَكْفِي وَطْءُ مُحْرِمٍ بِنُسُكٍ وَخَصِيٍّ وَلَوْ كَانَ صَائِمًا أَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ صَائِمَةً أَوْ مُظَاهَرًا مِنْهَا أَوْ مُعْتَدَّةً مِنْ شُبْهَةٍ وَقَعَتْ فِي النِّكَاحِ الْمُحَلَّلِ أَوْ مُحْرِمَةً بِنُسُكٍ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ زَوْجٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي تَحْلِيلِ الْبِكْرِ الِافْتِضَاضُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ. وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ لِمُسْلِمٍ بِوَطْءِ مَجُوسِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ فِي نِكَاحِ نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَكَحَ الزَّوْجُ الثَّانِي بِشَرْطِ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا طَلَّقَهَا أَوْ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، وَشَرْطُ ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ دَوَامَ النِّكَاحِ فَأَشْبَهَ   [حاشية البجيرمي] مُتَشَوِّفًا لِلْجِمَاعِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا، فَلَا يَكْفِي غَيْرُ الْمُرَاهِقِ وَإِنْ انْتَشَرَ ذَكَرُهُ. فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَوْقُ اللَّذَّةِ بِأَنْ يَشْتَهِيَ طَبْعًا بِحَيْثُ يَنْقُضُ لَمْسُهُ فِيمَا يَظْهَرُ فَتْحُ الْجَوَّادِ، وَظَاهِرُهُ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا عَادَةً وَهُوَ الرَّاجِحُ شَوْبَرِيُّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وعِ ش: وَكَوْنُهُ مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهُ أَيْ يَتَشَوَّفُ إلَيْهِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ إلَيْهِ أَيْ الْوَطْءِ، وَقَوْلُهُ " مِنْهُ " أَيْ مِنْ الصَّبِيِّ عَادَةً أَيْ مِنْ ذَوِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّتِهِ لِذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ. وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّ مَنْ اشْتَهَى طَبْعًا حَلَّلَ كَمَا يُنْقَضُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ وَمَنْ لَا فَلَا. قَوْلُهُ: (لَا طِفْلًا) الْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ؛ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَ يَحْصُلُ بِهِ التَّحْلِيلُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ) أَيْ لَا يَتَشَوَّفُ إلَيْهِ مِنْهُ، وَفَارَقَ الطِّفْلَةَ حَيْثُ يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ بِوَطْئِهَا بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْمُحَلِّلِ التَّنْفِيرُ أَيْ التَّنْفِيرُ عَنْ اسْتِيفَاءِ عَدَدِ الطَّلَاقِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِوَطْئِهَا وَلَيْسَ حَاصِلًا بِتَغْيِيبِ حَشَفَةِ الطِّفْلِ. وَصُورَةُ تَحْلِيلِ الطِّفْلَةِ أَيْ غَيْرِ الْمُرَاهِقَةِ بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُجَدِّدَ عَلَيْهَا الْعَقْدَ بَعْدَ التَّحْلِيلِ، هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَاسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ وَأَرَادَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ مُحَلِّلٍ وَإِنْ كَانَ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ) أَيْ الْإِجْبَارُ مُمْتَنِعٌ أَيْ فِي الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ مُطْلَقًا. وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ فِي الْأَمَةِ الرَّقَبَةَ وَمَنْفَعَةَ بُضْعِهَا فَلَهُ أَنْ يَنْقُلَ الْمَنْفَعَةَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ فِي الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ بُضْعِهِ فَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَفِي إخْرَاجِ هَذَا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ إخْرَاجُهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا بُدَّ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ إلَخْ؛ وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ يَمُرَّ وَهُوَ تَابِعٌ فِي التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ لِغَيْرِهِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ مُمْتَنِعٌ قَوْلُهُ: (مُمْتَنِعٌ) أَيْ لَا يُجْبِرُ السَّيِّدُ عَبْدَهُ عَلَى النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (لِيَنْفَسِخَ النِّكَاحُ) أَيْ صُورَةً وَلَوْ قِيلَ بِصِحَّتِهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ صَحِيحٌ؛ فَإِنْ قَلَّدَهُمْ فِي ذَلِكَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (تَنْفِيرًا مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ) إيضَاحُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ الْقَفَّالِ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ النِّكَاحَ لِلِاسْتِدَامَةِ وَشَرَعَ الطَّلَاقَ الَّذِي يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ لِأَجْلِ الرَّجْعَةِ فَكَانَ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ هَذِهِ الرُّخْصَةَ وَقَطَعَهُ مُسْتَحِقًّا لِلْعُقُوبَةِ وَنِكَاحُ الثَّانِي فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ: " غَضَاضَةٌ أَيْ مَرَارَةٌ وَالْمُرَادُ لَازِمُهَا وَهُوَ الصُّعُوبَةُ؛ وَلِهَذَا الْمَعْنَى حُرِّمَتْ أَزْوَاجُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى غَيْرِهِ إكْرَامًا لَهُ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (أَيْ الثَّالِثَةَ) أَيْ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ، فَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ طَلَّقَهَا مَفْعُولُ (مُطَلِّقٍ) . وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ: " أَيْ الثَّالِثَةَ " لَيْسَ تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ بَلْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمَنْكُوحَةِ، وَالْمَعْنَى: فَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ الْمَنْكُوحَةَ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ، فَقَوْلُهُ: " أَيْ الثَّالِثَةَ " صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ مَعْمُولٍ لَطَلَّقَ. قَوْلُهُ: (وَقَعَتْ) أَيْ الشُّبْهَةُ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ بِأَنْ نَكَحَهَا الْمُحَلِّلُ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا الْمُحَلِّلُ ثُمَّ وَطِئَهَا فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ حَلَّتْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي تَحْلِيلِ الْبِكْرِ) أَيْ وَلَوْ غَوْرَاءَ ح ف وم ر. قَوْلُهُ: (نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَحَارِمِ كَأُخْتٍ ح ف. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا) هَذَا عَامٌّ فِي الْمُحَلِّلِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (كُرِهَ) قَالَ دَاوُد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 التَّأْقِيتَ. وَلَوْ تَوَاطَأَ الْعَاقِدَانِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ عَقَدَا بِذَلِكَ الْقَصْدِ بِلَا شَرْطٍ كُرِهَ. وَلَوْ نَكَحَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَوْ أَنْ لَا يَطَأَهَا إلَّا نَهَارًا أَوْ إلَّا مَرَّةً مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ مِنْ جِهَتِهَا لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَ الْعَقْدِ، فَإِنْ وَقَعَ الشَّرْطُ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ لَهُ فَلَهُ تَرْكُهُ وَالتَّمْكِينُ حَقٌّ عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهَا تَرْكُهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي التَّحْلِيلِ بِيَمِينِهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَلِلْأَوَّلِ تَزْوِيجُهَا وَإِنْ ظَنَّ كَذِبَهَا لَكِنْ يُكْرَهُ، فَإِنْ قَالَ: هِيَ كَاذِبَةٌ مُنِعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا، إلَّا إنْ قَالَ بَعْدَهُ: تَبَيَّنَ لِي صِدْقُهَا، وَلَوْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ بِإِزَالَةِ مَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا قَبْلَ التَّحْلِيلِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ.   [حاشية البجيرمي] لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مُرِيدُ النِّكَاحِ لِلْمُطَلَّقَةِ لِيُحَلِّلَهَا لِلزَّوْجِ مَأْجُورًا إذَا لَمْ يَشْرُطْهُ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إرْفَاقَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَإِدْخَالَ السُّرُورِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ نَادِمًا، حَكَاهُ فِي التَّمْهِيدِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ) وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وَهَذَا عِنْدَنَا، وَأَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَعَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا يَصِحُّ التَّحْلِيلُ مُطْلَقًا بِهَذَا الشَّرْطِ سَوَاءٌ وَقَعَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ. وَمَحَلُّ عَدَمِ الصِّحَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَانِعٌ كَالرَّتْقِ وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِهِ اهـ. وَإِنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ إلَّا بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ زَوْجٌ غَيْرُ مُحَلِّلٍ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَلَمْ تُذْكَرْ الْمَرْأَةُ فِي اللَّعْنِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ جَهْلُهَا ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَتْ لُعِنَتْ. قُلْت: وَانْظُرْ مَا الْمَانِعُ مِنْ دُخُولِهَا فِي الْحَدِيثِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُحَلَّلِ لَهُ مَا هُوَ أَعَمُّ فَيَشْمَلُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذْ التَّحْلِيلُ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَتِهَا) كَأَنْ كَانَ مِنْ وَلِيِّهَا أَوْ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُطَلَّقَةِ) أَيْ فَتُصَدَّقُ فِي أَنَّهَا زُوِّجَتْ وَأَنَّهُ أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ وَأَنَّ الْعِدَّةَ انْقَضَتْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِيَمِينِهَا) وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا إذَا أَنْكَرَ الْمُحَلِّلُ بَعْدَ طَلَاقِهِ الْوَطْءَ أَوْ قَالَ ذَلِكَ وَلِيُّهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يُعَارِضْ أَحَدٌ وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى يَمِينِهَا كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا أَنَّ الْمُحَلِّلَ وَطِئَ بِالنَّظَرِ لِحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ لَا لِوُجُوبِ الْمَهْرِ بِتَمَامِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَطْءَ، وَلِلْأَوَّلِ نِكَاحُهَا وَإِنْ ظَنَّ كَذِبَهَا بِحَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، فَإِنْ صَرَّحَ بِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ تَبَيَّنْتُ صِدْقَهَا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِقَوْلِ أَرْبَابِهَا وَأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُسْتَنَدٌ شَرْعِيٌّ، وَلَوْ أَنْكَرَتْ الْوَطْءَ لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ اهـ. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ مَا نَصُّهُ: وَتُصَدَّقُ فِي عَدَمِ الْإِصَابَةِ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا الْمُحَلِّلُ، فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ تَزْوِيجُهَا وَتُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْوَطْءِ إذَا أَنْكَرَهُ الْمُحَلِّلُ أَوْ الزَّوْجُ كَمَا تُصَدَّقُ إذَا ادَّعَتْ التَّحْلِيلَ وَإِنْ كَذَّبَهَا الْوَلِيُّ أَوْ الشُّهُودُ أَوْ الزَّوْجُ أَوْ اثْنَانِ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، لَا إنْ كَذَّبَهَا الْجَمِيعُ؛ وَيُكْرَهُ نِكَاحُ مَنْ ظَنَّ كَذِبَهَا فِيهِ. وَلَوْ رَجَعَ الزَّوْجُ عَنْ التَّكْذِيبِ قُبِلَ أَوْ رَجَعَتْ هِيَ عَنْ الْإِخْبَارِ بِالتَّحْلِيلِ قُبِلَتْ قَبْلَ عَقْدِ الزَّوْجِ لَا بَعْدَهُ اهـ. فَرْعٌ: رَجَعَ مِنْ غَيْبَتِهِ وَادَّعَى مَوْتَ زَوْجَتِهِ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ نَحْوِ أُخْتِهَا أَوْ رَجَعَتْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ وَادَّعَتْ مَوْتَ الْأُخْرَى لَمْ تَحِلَّ لِزَوْجِ أُخْتِهَا الَّتِي ادَّعَتْ مَوْتَهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى حِلِّ نَحْوِ الْأُخْتِ بِنَفْسِهِ بِطَلَاقٍ مَثَلًا بِخِلَافِهَا. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْإِمْكَانِ) أَيْ بِأَنْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ التَّزَوُّجُ وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلِلْأَوَّلِ تَزْوِيجُهَا) الْأَوْلَى تَزَوُّجُهَا فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَالَ هِيَ كَاذِبَةٌ إلَخْ) وَلَوْ كَذَّبَهَا الْغَيْرُ وَالْوَلِيُّ وَالشُّهُودُ لَمْ تَحِلَّ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ؛ لَكِنْ صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الْحِلَّ، وَنَقَلَهُ عَنْ الرَّازِيِّ. وَلَوْ أَنْكَرَتْ النِّكَاحَ ثُمَّ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا وَادَّعَتْ نِكَاحًا بِشُرُوطِهِ فَلِلْأَوَّلِ تَزَوُّجُهَا إنْ صَدَّقَهَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَتُصَدَّقُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَصْلٌ: فِي الْإِيلَاءِ وَهُوَ لُغَةً الْحَلِفُ قَالَ الشَّاعِرُ وَأَكْذَبُ مَا يَكُونُ أَبُو الْمُثَنَّى ... إذَا آلَى يَمِينًا بِالطَّلَاقِ وَشَرْعًا حَلِفُ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ مُطْلَقًا أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الْآيَةَ وَإِنَّمَا عُدِّيَ فِيهَا بِمِنْ وَهُوَ إنَّمَا يُعَدَّى بِعَلَى   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ] ِ وَأَخَّرَهُ عَنْ الرَّجْعَةِ لِصِحَّتِهِ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ وَكَذَا يُقَالُ: فِي ذِكْرِ الظِّهَارِ وَاللِّعَانِ عَقِبَهَا، وَكَانَ طَلَاقًا بَائِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، لَا رَجْعَةَ بَعْدَهُ أَبَدًا فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ إلَى مَا يَأْتِي مِنْ ضَرْبِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ بَعْدَهَا بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا طَلَّقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي. قَوْلُهُ (لُغَةً الْحَلِفُ) أَيْ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (لِلَّذِينَ يُقْسِمُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) قَوْلُهُ: (وَأَكْذَبُ مَا يَكُونُ إلَخْ) أَيْ أَكْذَبُ أَحْوَالِهِ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ع ش. قَوْلُهُ: (أَبُو الْمُثَنَّى) هُوَ شَاعِرٌ كَانَ يُكْثِرُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (حَلِفُ زَوْجٍ) : أَيْ غَيْرِ مَجْبُوبٍ وَغَيْرِ مَشْلُولٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَرَأَ الشَّلَلُ أَوْ الْجَبُّ بَعْدَ الْإِيلَاءِ، فَلَا يَمْنَعُ مِنْ تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ، وَدَخَلَ فِي الزَّوْجِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ، وَقَدْ اشْتَمَلَ التَّعْرِيفُ عَلَى جَمِيعِ الْأَرْكَانِ قَوْلُهُ: (زَوْجَتِهِ) أَيْ غَيْرِ الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ امْتِنَاعًا مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يَعْظُمُ ضَرَرُهَا إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهَا تَصْبِرُ عَنْ الزَّوْجِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَفْنَى صَبْرُهَا أَوْ يَقِلُّ. رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ خَرَجَ مَرَّةً فِي اللَّيْلِ فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ، فَسَمِعَ امْرَأَةً تَقُولُ: تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ ... وَأَرَّقَنِي أَنْ لَا خَلِيلَ أُلَاعِبُهْ فَوَاَللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ تُخْشَى عَوَاقِبُهْ ... لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ مَخَافَةَ رَبِّي وَالْحَيَاءُ يَصُدُّنِي ... وَأَخْشَى لِبَعْلِي أَنْ تُنَالَ مَرَاتِبُهْ فَقَالَ عُمَرُ لِابْنَتِهِ حَفْصَةَ: كَمْ أَكْثَرُ مَا تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ الزَّوْجِ؟ وَرُوِيَ أَنَّهُ سَأَلَ النِّسَاءَ، فَقُلْنَ لَهُ تَصْبِرُ شَهْرَيْنِ وَفِي الثَّالِثِ يَقِلُّ صَبْرُهَا، وَفِي آخِرِ الرَّابِعِ يُفْقَدُ صَبْرُهَا، فَكَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ لَا تَحْبِسُوا رَجُلًا عَنْ امْرَأَتِهِ، أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَوْلُهَا مِنْ هَذَا السَّرِيرِ أَرَادَتْ نَفْسَهَا، لِأَنَّهَا فِرَاشُ الرَّجُلِ فَهِيَ كَالسَّرِيرِ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ اهـ. شَرْحُ الْمِنْهَاجِ لِلدَّمِيرِيِّ فَقَوْلُهَا: لَوْلَا إلَخْ الْبَيْتُ. الْمُرَادُ مِنْهُ: لَوْلَا أَخْشَى اللَّهَ لَزَنَيْت. قَوْلُهُ: {يُؤْلُونَ} أَيْ يَحْلِفُونَ قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا عُدِّيَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ: أَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَعْنَى الْحَلِفِ، وَالْحَلِفُ يَتَعَدَّى بِعَلَى لَا بِمِنْ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْآيَةَ فِيهَا تَضْمِينٌ بَيَانِيٌّ، وَضَابِطُهُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ فِعْلٌ مَذْكُورٌ لَا يُنَاسِبُ الْحَرْفَ الْمَذْكُورَ، فَيُؤْتَى بِاسْمِ فَاعِلٍ مِنْ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُنَاسِبُ الْحَرْفَ الْمَذْكُورَ، وَيُجْعَلُ اسْمُ الْفَاعِلِ حَالًا مِنْ فَاعِلِ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ، كَمَا قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: مُبْعِدِينَ إلَخْ أَوْ تَضْمِينٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الْبُعْدِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مُبْعِدِينَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ. وَهُوَ حَرَامٌ لِلْإِيذَاءِ وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ: حَالِفٌ وَمَحْلُوفٌ بِهِ، وَمَحْلُوفٌ عَلَيْهِ، وَمُدَّةٌ وَصِيغَةٌ، وَزَوْجَانِ. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ بَعْضَهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا حَلَفَ) أَيْ الزَّوْجُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَوْ بِالْتِزَامِ مَا يَلْزَمُ بِنَذْرٍ أَوْ تَعْلِيقِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ (أَنْ لَا يَطَأَ زَوْجَتَهُ) الْحُرَّةَ أَوْ الْأَمَةَ وَطْئًا شَرْعِيًّا فَهُوَ مُولٍ فَلَا إيلَاءَ بِحَلِفِهِ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ تَمَتُّعِهِ بِهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ وَلَا مِنْ وَطْئِهَا فِي دُبُرِهَا أَوْ فِي قُبُلِهَا فِي نَحْوِ حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمُدَّةِ بِقَوْلِهِ: (مُطْلَقًا) بِأَنْ يُطَلِّقَ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك. (أَوْ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ أَوْ قَيَّدَ بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ فِيهَا   [حاشية البجيرمي] نَحْوِيٌّ وَهُوَ إشْرَابُ كَلِمَةٍ مَعْنَى كَلِمَةٍ أُخْرَى لِتُؤَدِّي مَعْنَاهَا وَتَتَعَدَّى تَعْدِيَتَهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ، لِأَنَّهُ ضَمَّنَ مَعْنَى الْبُعْدِ فَعَلَى هَذَا يُولُونَ مَعْنَاهُ: يُبْعِدُونَ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَفْسِيرِهِ: وَفَائِدَةُ التَّضْمِينِ أَنْ تَدُلَّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَعْنَى كَلِمَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ حَرَامٌ) : أَيْ مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى مَا فِي الزَّوَاجِرِ، قَالَ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: عَدَّ فِي الزَّوَاجِرِ الْإِيلَاءَ مِنْ الْكَبَائِرِ قَالَ: وَعُدِّيَ لِهَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ غَيْرُ بَعِيدٍ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، لَكِنْ نَقَلَ عَنْ مَرَّ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ وَهُوَ الْأَقْرَبُ عش عَلَى مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَمُدَّةٌ) : أَيْ حَقِيقَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يُطَلِّقَ أَوْ يُؤَبِّدَ. قَوْلُهُ: (وَزَوْجَانِ) الْأَوْلَى وَزَوْجَةٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْحَالِفُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوْ كَانَ يَحْذِفُ الْحَالِفَ فِيمَا تَقَدَّمَ لِيَنْتَفِيَ التَّكْرَارُ، وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْحَالِفَ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا لَكِنْ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ شَرْطًا فِي الْحَالِفِ لَا رُكْنًا وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: أَرْكَانُ الْإِيلَاءِ مَنْ يَحُطُّهَا لَدَيْهِ ... حَالِفٌ وَمَحْلُوفٌ وَمَحْلُوفٌ عَلَيْهِ وَزَوْجَةٌ وَصِيغَةٌ وَمُدَّهْ ... فَافْهَمْ مَقَالِي لَا لَقِيَتْ شِدَّهْ وَقَوْلُ النَّاظِمِ: وَمَحْلُوفٌ أَيْ بِهِ وَإِنَّمَا حَذَفَهُ لِضَرُورَةِ النَّظْمِ. قَوْلُهُ: (ذَكَرَ بَعْضَهَا) : أَيْ الْأَرْكَانِ وَهُوَ مَا عَدَا الْمَحْلُوفَ بِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ قَوْلُهُ: (أَوْ بِالْتِزَامِ مَا يَلْزَمُ بِنَذْرٍ) . كَإِنْ وَطِئْتُك، فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ، أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ. وَلَوْ قَالَ أَوْ الْتِزَامٌ عَطْفًا عَلَى حَلِفٍ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ صَنِيعَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ الْحَلِفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي قَوْلِهِ: أَوْ تَعْلِيقُ طَلَاقٍ. اهـ. م د. وَقَدْ يُؤَوَّلُ كَلَامُهُ أَيْ أَوْ أَتَى بِالْتِزَامٍ إلَخْ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمَنْهَجِ تَقْتَضِي أَنَّهُ حَلَفَ كَعِبَارَةِ الشَّارِحِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي تَعْرِيفِ الْحَلِفِ لِقَوْلِ الْمَنْهَجِ فِي الطَّلَاقِ وَالْحَلِفِ، مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ ثُمَّ مَثَّلَ ذَلِكَ. وَفَهِمَ الْقَلْيُوبِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَلِفِ مَا فِيهِ كَفَّارَةٌ، فَاعْتُرِضَ عَلَى الشَّارِحِ، وَقَدْ عَلِمْت رَدَّهُ بِتَعْرِيفِهِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُولٍ) . جَعَلَهُ جَوَابَ إذَا فَيَكُونُ قَوْلُ الْمَاتِنِ الْآتِي فَهُوَ مُولٍ ضَائِعًا مَعَ أَنَّهُ كَانَ جَوَابَ إذَا فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ عَدَمُ ذِكْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا إيلَاءَ) لَكِنَّهُ خَالَفَ فَيَحْنَثُ إذَا خَالَفَ يَمِينَهُ، وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِيلَاءِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ الصُّوَرِ، الَّتِي يَنْتَفِي فِيهَا الْإِيلَاءُ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ امْتِنَاعًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِمُدَّةٍ وَمِثْلُ الْمُطْلَقِ الْمُؤَبَّدُ اهـ. زي. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُطْلِقَ) : فِيهِ تَفْسِيرُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ قَالَ: بِأَنْ لَا يُقَيِّدَ بِمُدَّةٍ لَكَانَ أَوْلَى، فَقَوْلُهُ: (أَوْ مُدَّةٍ تَزِيدُ إلَخْ) أَيْ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، لِيَخْرُجَ مَا إذَا زَادَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِيَمِينَيْنِ، كَالْمِثَالِ الْآتِي كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) أَيْ وَلَوْ قَدْرًا لَا يَسَعُ الرَّفْعَ لِلْحَاكِمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، ق ل. وَفَائِدَتُهُ: حِينَئِذٍ الْإِثْمُ، لِإِيذَائِهَا وَقَطْعِ طَمَعِهَا مِنْ الْوَطْءِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ سم. وَأَمَّا الْإِيلَاءُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي وَضَرْبُ الْمُدَّةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعَةِ بِزَمَنٍ يَسَعُ ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ ح ل وَنَقَلَ عَنْ وَالِدِ شَيْخِنَا أَنَّ الْإِيلَاءَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ، مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِمُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا الْمُطَالَبَةُ وَالرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ وَالْإِيلَاءُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِثْمُ، هُوَ أَنْ تَزِيدَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ لَحْظَةً لَا تَسَعُ اهـ. وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامِ م ر وز ي قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهَذِهِ الْأَشْهُرُ هِلَالِيَّةٌ، فَلَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهُ مُولٍ فِي الْحَالِ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ هِلَالِيَّةٍ، وَلَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ الْعَدَدُ لِنَقْصِ الْأَهِلَّةِ أَوْ بَعْضِهَا، تَبَيَّنَ حِينَئِذٍ كَوْنَهُ مُولِيًا اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى يَنْزِلَ السَّيِّدُ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَمُوتِي أَوْ يَمُوتَ فُلَانٌ (فَهُوَ مُولٍ) لِضَرَرِهَا بِمَنْعِ نَفْسِهِ مِمَّا لَهَا فِيهِ حَقُّ الْعَفَافِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الزَّوْجَةِ أَمَتُهُ فَلَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنْهَا وَبِقَيْدِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، مَا إذَا حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا مُدَّةً وَسَكَتَ، أَوْ لَا يَطَؤُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا فِيهِمَا. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِتَرَدُّدِ اللَّفْظِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِصَبْرِهَا عَنْ الزَّوْجِ هَذِهِ الْمُدَّةَ. فَإِذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ، فَوَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. فَلَيْسَ بِمُولٍ لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ الْإِيلَاءِ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ لَكِنْ إثْمَ الْإِيذَاءِ لَا إثْمَ الْإِيلَاءِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَكَأَنَّهُ دُونَ إثْمِ الْمُولِي. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ تَقْدِرُ فِيهِ عَلَى رَفْعِ الضَّرَرِ. بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا رَفْعَ لَهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بِالْوَطْءِ هَذَا إذَا أَعَادَ حَرْفَ الْقَسَمِ. فَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَلَا أَطَؤُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ كَانَ مُولِيًا لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك سِتَّةَ أَشْهُرٍ. فَإِيلَاءَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ. وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْإِيلَاءِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي   [حاشية البجيرمي] بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَيَّدَ) عَطْفٌ عَلَى مُطْلَقًا أَيْ أَوْ مُقَيَّدًا بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ أَيْ فَنُزُولُ عِيسَى بَعِيدٌ، وَكَذَا الْمَوْتُ بَعِيدٌ فِي ظَنِّ ابْنِ آدَمَ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنْ حُبِّ الْحَيَاةِ وَطُولِ الْأَمَلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ أَقْرَبَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ ق ل: وَمِثْلُهُ لَا أَطَؤُك إلَّا فِي الدُّبُرِ، بِخِلَافِ إلَّا فِي النِّفَاسِ وَإِلَّا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَإِلَّا فِي الْحَيْضِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَنْعَ فِيهَا لِعَارِضٍ بِخِلَافِ الدُّبُرِ فَإِنَّ الْمَنْعَ لِذَاتِهِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَنْزِلَ السَّيِّدُ عِيسَى) فِي مُسْلِمٍ وَأَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، وَأَنَّهُ يَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَأَنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَ إمَامٍ مِنَّا، تَكَرُّمَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ. وَجَاءَ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ بَعْدَ نُزُولِهِ، وَيُولَدُ لَهُ وَلَدَانِ، ذَكَرٌ وَأُنْثَى، يُسَمِّي الذَّكَرَ مُحَمَّدًا وَالْأُنْثَى تُسَمَّى فَاطِمَةَ، وَيُدْفَنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. دَمِيرِيٌّ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي تَرْجَمَةِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رِوَايَةَ الطَّبَرَانِيِّ وَالطَّبَرِيِّ «أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا نَزَلَ إلَى الْأَرْضِ بَعْدَ الرَّفْعِ فِي حَيَاةِ أُمِّهِ وَخَالَتِهِ فَوَجَدَ أُمَّهُ تَبْكِي عِنْدَ الْجِذْعِ فَأَخْبَرَهَا بِحَالِهِ، فَسَكَنَ مَا بِهَا وَوَجَّهَ الْحَوَارِيِّينَ فِي بَعْضِ الْحَوَائِجِ» . قَالَ الطَّبَرِيُّ: فَإِذَا جَازَ نُزُولُهُ بَعْدَ رَفْعِهِ مَرَّةً، قَبْلَ نُزُولِهِ آخِرَ الزَّمَانِ فَلَا بِدْعَ أَنْ يَنْزِلَ مَرَّاتٍ وَنَقَلَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِ أَيَّامَ سِيَاحَتِهِ فِي طَلَبِ مَنْ يُرْشِدُهُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ، قَبْلَ بَعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى غَيْضَةٍ فَرَأَى قَوْمًا مِنْ أَرْبَابِ الْبَلَايَا، يَجْلِسُونَ تُجَاهَ الْغَيْضَةِ فِي وَقْتٍ يَعْرِفُونَهُ فَيَخْرُجُ لَهُمْ الْمَسِيحُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَيَمْسَحُ يَدَهُ عَلَى عَاهَاتِهِمْ فَيَبْرَءُونَ مِنْهَا كُلِّهَا، فَاجْتَمَعَ بِهِ سَلْمَانُ وَأَعْلَمَهُ بِقُرْبِ ظُهُورِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. ذَكَرَهُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِنَنِ. قَوْلُهُ: (لِضَرَرِهَا إلَخْ) : عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ مُولٍ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُولٍ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ، مِنْ ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَإِلْزَامِهِ بَعْدَهَا، بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ، وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْإِثْمِ لِضَرَرِهَا إلَخْ. فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ لَا لِإِيلَائِهِ نَفْسَهُ فَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ عِلَّةَ إيلَائِهِ وَحَلِفِهِ تَضَرُّرُهَا إذْ لَا يَصِحُّ الْمَعْنَى. فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ فَلِمَ حَكَمَ بِالْإِيلَاءِ فِي مُدَّةِ الزِّيَادَةِ، عَلَى الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. قُلْت: أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا حَلَفَ قَطَعَ رَجَاءَهَا مِنْ الْعِفَّةِ فِي الْمُدَّةِ، فَرُبَّمَا لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَحْلِفْ فَلَا يَنْقَطِعُ الرَّجَاءُ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَالَ إلَخْ) مُحْتَرِزُ قَيْدٍ مُقَدَّرٍ فِي الْمَتْنِ أَيْ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ وَمَا هُنَا يَمِينَانِ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ بِمُولٍ) . بَلْ حَالِفٌ يَلْزَمُهُ بِالْمُخَالَفَةِ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الْآتِيَةُ، وَمَدَارُ كَوْنِهِ لَيْسَ مُولِيًا عَلَى إعَادَةِ الْيَمِينِ الثَّانِي سَوَاءٌ. قَالَ: فَإِذَا مَضَتْ أَمْ لَا؟ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْيَمِينَ الثَّانِيَ كَانَ مُولِيًا. قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ الْإِيلَاءِ) وَهِيَ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي، وَطَلَبِ الْفَيْئَةِ مِنْهُ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ الطَّلَاقِ فَإِنْ امْتَنَعَ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ. وَكَيْفِيَّةُ طَلَاقِ الْقَاضِي عَنْ الْمُولِي إذَا امْتَنَعَ أَنْ يَقُولَ: أَوْقَعْت عَلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانَةَ طَلْقَةً عَلَيْهِ فِي زَوْجَتِهِ، أَوْ حَكَمْت عَلَيْهِ فِي زَوْجَتِهِ بِطَلْقَةٍ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَقَعْ. وَكَيْفِيَّةُ الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي أَنْ تَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءَ وَأَنَّ مُدَّتَهُ قَدْ انْقَضَتْ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ، وَتَطْلُبُ مِنْهُ دَفْعَ الضَّرَرِ بِالْخُرُوجِ عَنْ مُوجِبِهِ بِالْفَيْئَةِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ إثْمَ الْإِيذَاءِ) ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ: هَذَا أَيْ قَوْلُهُ فَلَيْسَ بِمُولٍ قَوْلُهُ: (لَا رَفْعَ لَهُ) . أَيْ لِلضَّرَرِ قَوْلُهُ: (فَإِيلَاءَانِ) أَيْ إنْ أَعَادَ الْيَمِينَ الثَّانِيَ، وَأَعَادَ قَوْلُهُ: فَإِذَا مَضَتْ وَإِنْ حَذَفَ الْيَمِينَ الثَّانِيَ، فَإِيلَاءٌ وَاحِدٌ وَكَذَا إنْ أَعَادَ الْيَمِينَ الثَّانِيَ لَكِنْ حَذَفَ قَوْلُهُ: فَإِذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 الضَّمَانِ وَذَلِكَ إمَّا صَرِيحٌ كَتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ بِفَرْجٍ وَوَطْءٍ وَجِمَاعٍ. كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُغَيِّبُ حَشَفَتِي بِفَرْجِك أَوْ لَا أَطَؤُك أَوْ لَا أُجَامِعُك. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِالْوَطْءِ الْوَطْءَ بِالْقَدَمِ، وَبِالْجِمَاعِ الِاجْتِمَاعَ لَمْ يُقْبَلْ فِي الظَّاهِرِ وَيُدَيَّنُ وَإِمَّا كِنَايَةً كَمُلَامَسَةٍ وَمُبَاضَعَةٍ وَمُبَاشَرَةٍ. كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَمَسُّك أَوْ لَا أُبَاضِعُكِ أَوْ لَا أُبَاشِرُك فَيَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْوَطْءِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهَا فِيهِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِمَوْتٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، زَالَ الْإِيلَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ. وَلَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَضَرَّتُك طَالِقٌ فَمُولٍ مِنْ الْمُخَاطَبَةِ فَإِنْ وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا طَلُقَتْ الضَّرَّةُ، لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَزَوَالِ الْإِيلَاءِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِوَطْئِهَا بَعْدُ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك سَنَةً إلَّا مَرَّةً مَثَلًا فَمُولٍ إنْ وَطِئَ وَبَقِيَ مِنْ السَّنَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ لِحُصُولِ الْحِنْثِ بِالْوَطْءِ بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَقِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَقَلُّ. فَلَيْسَ بِمُولٍ بَلْ حَالِفٌ   [حاشية البجيرمي] مَضَتْ تَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً قَوْلُهُ: (لَفْظٌ) . أَيْ وَلَوْ بِالْعَجَمِيَّةِ حَيْثُ عُرِفَ مَعْنَاهَا، وَكَاللَّفْظِ الْكِتَابَةُ، وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ. قَوْلُهُ: (كَتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَمُشْتَقٍّ تَغْيِيبٌ، كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ وَالتَّعْبِيرُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمِنْهَاجِ، بِتَغْيِيبِ الذَّكَرِ، لِأَنَّ الْحَشَفَةَ هِيَ الْمُرَادُ هُنَا، وَأَمَّا الذَّكَرُ فَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا حَتَّى لَوْ قَالَ: لَا أُغَيِّبُ ذَكَرِي، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا، لِحُصُولِ مُرَادِهَا بِتَغْيِيبِ حَشَفَتِهِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَوَطْءٌ وَجِمَاعٌ) وَنَيْكٌ وَالْمُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ الْمُشْتَقُّ مِنْ مَادَّةٍ ن ي ك فِعْلًا كَانَ أَوْ مَصْدَرًا أَوْ اسْمَ فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ كَلَا أَنِيكُ أَوْ لَا يَقَعُ مِنِّي لَك نَيْكٌ، أَوْ لَسْت بِنَائِكٍ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِي فَرْجِك خِلَافًا لِلتَّهْذِيبِ أَوْ لَا تَكُونِي مَنْيُوكَةً مِنِّي، أَوْ بِذَكَرِي، شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (وَبِالْجِمَاعِ الِاجْتِمَاعُ) لَكِنَّهُ إذَا أَرَادَ هَذَا وَوَطِئَ حَنِثَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْجِمَاعِ الِاجْتِمَاعُ وَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّ الْحَلِفَ لَيْسَ عَلَى الْوَطْءِ وَإِنْ لَزِمَهُ ح ف. قَوْلُهُ: (لَمْ يُقْبَلْ فِي الظَّاهِرِ) أَيْ فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِيلَاءِ، ظَاهِرًا وَأَمَّا بَاطِنًا فَلَا يَحْنَثُ، إذَا وَطِئَ فِي الْأُولَى وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَلَا غَيْرُهَا مِمَّا عَلَّقَ بِهِ. لِأَنَّ نِيَّتَهُ عَدَمُ الْوَطْءِ بِالْقَدَمِ وَلَمْ يُخَالِفْ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ، إذَا وَطِئَ حَنِثَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْجِمَاعِ الِاجْتِمَاعُ، وَهُوَ حَلِفٌ عَلَى عَدَمِ الِاجْتِمَاعِ وَقَدْ حَصَلَ الِاجْتِمَاعُ فِي ضِمْنِ الْوَطْءِ، لَكِنْ لَا يَأْثَمُ إثْمَ الْإِيلَاءِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ، وَكَذَا فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ لَا إيلَاءَ فِي نِيَّتِهِ، وَقَوْلُهُ فِي الظَّاهِرِ: أَيْ إلَّا لِقَرِينَةٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيُدَيَّنُ) وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَرَدْت حَشَفَةَ تَمْرٍ مَثَلًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُدَيَّنُ أَيْضًا، فِيمَا لَوْ قَالَ: أَرَدْت بِالْفَرْجِ الدُّبُرَ، وَلَا تَدْيِينَ فِي النَّيْكِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَرَدْت النَّيْكَ بِالْأُصْبُعِ، أَوْ فِي الْأُذُنِ وَنَحْوَهُ. قَوْلُهُ: (وَمُبَاضَعَةٌ) وَفِي نُسْخَةٍ وَمُضَاجَعَةٌ، وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ كِنَايَةً خِلَافًا لِلْمَرْحُومِيِّ. قَوْلُهُ: (وَمُبَاشَرَةٌ) وَإِتْيَانٌ وَغَشَيَانٌ كَقَوْلِهِ: لَا أَغْشَاك أَيْ لَا أَطَؤُك، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا} [الأعراف: 189] قَوْلُهُ: (لَا أَمَسُّك) الْمُنَاسِبُ لَا أَلْمِسُك، كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (فَيَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْوَطْءِ) أَيْ فَإِنْ نَوَى، جَرَتْ أَحْكَامُ الْإِيلَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ تَجْرِ لَكِنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ فَيَحْنَثُ فِيهَا إنْ خَالَفَهَا، بِاللَّمْسِ أَوْ الْمُبَاضَعَةِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَزَالَ مِلْكُهُ) : أَيْ قَبْلَ الْوَطْءِ عِشْ. قَوْلُهُ: (عَنْهُ) أَوْ عَنْ بَعْضِهِ ح ل. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ فَزَالَ مِلْكُهُ أَيْ كُلُّهُ، زَوَالًا حَقِيقِيًّا لَا بَعْضُهُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. قَوْلُهُ: (بِمَوْتٍ) أَيْ أَوْ عِتْقٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِغَيْرِهِ) كَبَيْعٍ لَازِمٍ مِنْ جِهَتِهِ، أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، وَلَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ بِفَسْخِهِ لِتَجَدُّدِ الْمِلْكِ وَالْهِبَةُ الْمَقْبُوضَةُ، كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِمَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَخْ) . أَيْ وَإِنْ مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَمُولٍ مِنْ الْمُخَاطَبَةِ) . أَيْ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْوَطْءِ، لِئَلَّا تَطْلُقَ الضَّرَّةُ. قَوْلُهُ: (بِوَطْئِهَا بَعْدُ) أَيْ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِالْوَطْءِ الَّذِي حَصَلَ. قَوْلُهُ: (إلَّا مَرَّةً) فَإِنْ لَمْ يَطَأْ، حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ، انْحَلَّ الْإِيلَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَلَا نَظَرَ لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ وَطْأَهُ مَرَّةً لِأَنَّ الْقَصْدَ مَنْعُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا لَا إيجَادُهَا ش م ر. قَوْلُهُ: (فَمُولٍ إنْ وَطِئَ) أَمَّا قَبْلَ الْوَطْءِ فَلَيْسَ مُولِيًا لِأَنَّهُ لَوْ مَضَتْ السَّنَةُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 (وَيُؤَجَّلُ لَهُ) بِمَعْنَى يُمْهِلُ الْوَلِيُّ وُجُوبًا (إنْ سَأَلَتْ) زَوْجَتُهُ (ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) سَوَاءٌ الْحُرُّ وَالرَّقِيقُ فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ مِنْ حِينِ الْإِيلَاءِ فِي غَيْرِ رَجْعِيَّةٍ وَابْتِدَاؤُهُ فِي رَجْعِيَّةٍ آلَى مِنْهَا مِنْ حِينِ الرَّجْعَةِ. وَيَقْطَعُ الْمُدَّةَ رِدَّةٌ بَعْدَ دُخُولٍ وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَبَعْدَ الْمُدَّةِ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ أَوْ اخْتِلَالِهِ بِهَا فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُهَا مِنْ الْمُدَّةِ. وَمَانِعُ وَطْءٍ بِالزَّوْجَةِ حِسِّيٌّ أَوْ شَرْعِيٌّ غَيْرُ نَحْوِ حَيْضٍ كَنِفَاسٍ، وَذَلِكَ كَمَرَضٍ وَجُنُونٍ وَنُشُوزٍ وَتَلَبُّسٍ بِفَرْضٍ نَحْوِ صَوْمٍ كَاعْتِكَافٍ، وَإِحْرَامٍ فَرْضَيْنِ لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ مَعَهُ بِمَانِعٍ مِنْ قِبَلِهَا وَتُسْتَأْنَفُ الْمُدَّةَ بِزَوَالِ الْقَاطِعِ وَلَا تُبْنَى عَلَى مَا مَضَى.   [حاشية البجيرمي] لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ: أَنَّهُ إنْ حَصَلَ مِنِّي وَطْءٌ لَا يَكُونُ إلَّا مَرَّةً فَيَبَرُّ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالْوَطْءِ مَرَّةً، أَوْ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ، حَتَّى تَفْرُغَ السَّنَةُ. قَوْلُهُ: (بَلْ حَالِفٌ) فَإِنْ وَطِئَ ثَانِيًا حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى يُمْهِلُ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ: مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ مَعَ أَنَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ الْمَتْنِ، أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلٍ يُؤَجَّلُ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا حَلُّ مَعْنًى. قَوْلُهُ: (إنْ سَأَلَتْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا يَأْتِي. وَقَوْلُهُ: ذَلِكَ أَيْ التَّأْجِيلُ. قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لِقَوْلِهِ: يُؤَجَّلُ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ قَوْلُهُ لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِالرَّفْعِ نَائِبُ فَاعِلٍ وَلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِيُؤَجِّلُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الشَّرْحِ، يَقْتَضِي أَنَّهُ مَفْعُولٌ، وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْمُولِي حَيْثُ قَالَ يُمْهِلُ الْمُولِي كَمَا عَلِمْت وَهِيَ أَيْ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَقٌّ لِلزَّوْجِ، كَالْأَجَلِ فِي الدَّيْنِ. وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فَاقْتَصَرَ عَلَى شَهْرَيْنِ فِي الزَّوْجَةِ الرَّقِيقَةِ، وَمَالِكٌ فَاقْتَصَرَ عَلَى شَهْرَيْنِ فِي الزَّوْجِ الرَّقِيقِ، كَمَذْهَبِهِمَا فِي الطَّلَاقِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ حِينِ الْإِيلَاءِ) أَيْ مِنْ تَلَفُّظِهِ بِهِ، وَلَوْ فِي مُبْهَمَةِ عَيَّنَهَا لَا مِنْ وَقْتِ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَابْتِدَاؤُهُ) أَيْ التَّأْجِيلِ قَوْلُهُ: (وَيَقْطَعُ الْمُدَّةَ) أَيْ الْأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ رِدَّةٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ دُخُولٍ) وَأَمَّا قَبْلَهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْقَطِعُ لَا مَحَالَةَ فَلَا إيلَاءَ، وَمِثْلُ الدُّخُولِ اسْتِدْخَالُ مَنِيِّ الزَّوْجِ الْمُحْتَرَمِ. قَوْلُهُ: (وَبَعْدَ الْمُدَّةِ) مِنْ جُمْلَةِ الْغَايَةِ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الرِّدَّةُ بَعْدَ الْمُدَّةِ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِقَطْعِهَا مَا يَشْمَلُ عَدَمَ حُسْبَانِهَا وَبَعْدَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ يَضْرِبُ لَهُ أَرْبَعَةً أُخْرَى إنْ بَقِيَ مِنْ زَمَنِ الْإِيلَاءِ أَكْثَرُ مِنْهَا وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ) أَيْ إنْ أَصَرَّ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَوْلُهُ: أَوْ اخْتِلَالَهُ بِهَا أَيْ إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ زِيَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُهَا إلَخْ) أَيْ وَإِنْ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ، وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ: وَتَسْتَأْنِفُ بَلْ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّ مَعْنَى الْقَطْعِ عَدَمُ الْحُسْبَانِ مَعَ الْبِنَاءِ عَلَى مَا مَضَى، مَعَ أَنَّهَا لَا تَبْنِي كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَمَانِعُ وَطْءٍ) أَيْ وَيَقْطَعُ الْمُدَّةَ مَانِعُ إلَخْ قَوْلُهُ: (كَمَرَضٍ) مِثَالٌ لِلْمَانِعِ الْحِسِّيِّ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَطْءٍ مِنْ ذَكَرٍ عَادَةً ح ل قَوْلُهُ: (نَحْوِ صَوْمٍ) إلَّا إنْ كَانَ الصَّوْمُ مُوَسَّعًا كَقَضَاءٍ وَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ عَلَى مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا الْآنَ، وَاعْتَمَدَ الزَّرْكَشِيّ: أَنَّهُ مَانِعٌ أَيْ لِأَنَّهُ يَهَابُ وَطْأَهَا، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَهُ ح ل. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: نَحْوِ صَوْمٍ أَيْ وَلَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً أَوْ قَضَاءً فَوْرِيًّا وَكَذَا قَضَاءً مُوَسَّعًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، خِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ وَلَا يُكَلَّفُ فِي نَحْوِ الصَّوْمِ الْوَطْءَ لَيْلًا. قَوْلُهُ: (وَإِحْرَامٍ) : صَرَّحُوا بِأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا، إذَا أَحْرَمَتْ بِالْفَرْضِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى وَاجِبٍ مُضَيَّقٍ كَأَنْ أَفْسَدَتْ الْحَجَّ، أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الصَّوْمِ حَرَّرَ. قَوْلُهُ: (فَرْضَيْنِ) فِيهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْتَنِعُ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْمُدَّةَ تَأَمَّلْ، لَكِنْ يُشْكِلُ مَعَهُ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ اهـ. وَقَالَ خَضِرُ اُنْظُرْ أَيَّ حَاجَةٍ لِقَوْلِهِ: فَرْضَيْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَتَلَبُّسٍ بِفَرْضٍ نَحْوِ صَوْمٍ اهـ. قَوْلُهُ: (لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ مَعَهُ) أَيْ الْمَانِعُ قَوْلُهُ: (وَتَسْتَأْنِفُ الْمُدَّةَ) أَيْ فِي الرِّدَّةِ وَالْمَانِعُ قَوْلُهُ: (وَلَا تَبْنِي) أَيْ لِانْتِفَاءِ التَّوَالِي الْمُعْتَبَرِ فِي حُصُولِ الْإِضْرَارِ، أَمَّا غَيْرُ الْمَانِعِ كَصَوْمِ نَفْلٍ، أَوْ الْمَانِعِ الْقَائِمِ بِهِ، مُطْلَقًا حِسًّا أَوْ شَرْعًا أَوْ بِهَا، وَكَانَ نَحْوَ حَيْضٍ فَلَا يَقْطَعُ الْمُدَّةَ، لِأَنَّ الزَّوْجَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَحْلِيلِهَا وَوَطْئِهَا فِي الْأَوَّلِ وَالْمَانِعُ مِنْ قِبَلِهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلِعَدَمِ خُلُوِّ الْمُدَّةِ عَنْ الْحَيْضِ غَالِبًا فِي الثَّالِثَةِ وَأُلْحِقَ بِهِ النِّفَاسُ، لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ التَّوَالِي هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يُوجَدُ فِيمَا إذَا طَرَأَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْمُدَّةِ، وَقَوْلُهُ: أَمَّا غَيْرُ الْمَانِعِ كَصَوْمِ نَفْلٍ لَعَلَّ مِثْلُهُ كُلُّ مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ فِيهِ وَقَوْلُهُ: مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَحْلِيلِهَا أَيْ إخْرَاجِهَا مِنْ الصَّوْمِ، بِسَبَبِ إبْطَالِهِ بِنَحْوِ الْوَطْءِ. فَقَوْلُهُ: وَوَطْئِهَا مِنْ عَطْفِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَعِبَارَةُ مَرَّ وَلِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَوَقُّفِ التَّأْجِيلِ عَلَى سُؤَالِهَا مَمْنُوعٌ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ. فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ مَا نَصُّهُ: وَمَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَتَرَكَتْهُ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُطَالِبْهُ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ سَاقِطَةٌ عَنْهُ اهـ. فَلَوْ كَانَ التَّأْجِيلُ مُتَوَقِّفًا عَلَى طَلَبِهَا لَمَا حُسِبَتْ الْمُدَّةُ وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ بِنَفْسِهَا سَوَاءٌ عَلِمَتْ ثُبُوتَ حَقِّهَا فِي الطَّلَبِ وَتَرَكَتْهُ قَصْدًا أَمْ لَمْ تَعْلَمْ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى ضَرْبِ الْقَاضِي لِثُبُوتِهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، حَتَّى قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَوْ آلَى ثُمَّ غَابَ أَوْ آلَى وَهُوَ غَائِبٌ حُسِبَتْ الْمُدَّةُ (ثُمَّ) إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَطَأْ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ بِالزَّوْجَةِ (يُخَيَّرُ) الْمُولِي بِطَلَبِهَا (بَيْنَ الْفَيْئَةِ) بِأَنْ يُولِجَ الْمُولِي حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا بِقُبُلِ الْمَرْأَةِ وَسُمِّيَ الْوَطْءُ فَيْئَةً لِأَنَّهُ مِنْ فَاءَ إذَا رَجَعَ. (وَالتَّكْفِيرِ) لِلْيَمِينِ إنْ كَانَ حَلِفُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا (أَوْ الطَّلَاقِ) لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: كَيْفِيَّةُ الْمُطَالَبَةِ أَنَّهَا تُطَالِبُهُ أَوَّلًا بِالْفَيْئَةِ الَّتِي امْتَنَعَ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَفِئْ طَالَبَتْهُ بِطَلَاقٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227]   [حاشية البجيرمي] مِنْ وَطْئِهَا مَعَ صَوْمِ النَّفْلِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُخَالِفٌ) أَيْ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ إلَخْ قَوْلُهُ: (لَا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ} [البقرة: 222] قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْيَمِينَ سَاقِطَةٌ عَنْهُ) أَيْ مَرْفُوعَةٌ عَنْهُ أَيْ لِمُضِيِّ الزَّمَنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (بِضَرْبِ الْمُدَّةِ بِنَفْسِهَا) الْمُرَادُ بِضَرْبِهَا بِنَفْسِهَا حُسْبَانُهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى طَلَبٍ وَلَا ضَرْبِ الْقَاضِي. قَوْلُهُ: (وَلَا تَحْتَاجُ إلَى ضَرْبِ الْقَاضِي) بِخِلَافِ الْعُنَّةِ لِأَنَّهَا مُجْتَهَدٌ فِيهَا قَوْلُهُ: (حُسِبَتْ الْمُدَّةُ) أَيْ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَشْعُرْ بِحَلِفِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ بِالزَّوْجَةِ) أَمَّا إذَا كَانَ بِهَا مَانِعٌ، فَلَا تُطَالِبُهُ قَوْلُهُ: (يُخَيَّرُ) أَيْ يُخَيِّرُهُ الْقَاضِي بِطَلَبِهَا أَوْ تُخَيِّرُهُ هِيَ بِإِذْنِ الْقَاضِي لَهَا فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْفَيْئَةِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا مَعَ الْمَدِّ مَرَّ قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُولِجَ الْمُولِي حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا بِقُبُلِ الْمَرْأَةِ) أَيْ مَعَ زَوَالِ بَكَارَةِ بِكْرٍ، وَلَوْ غَوْرَاءُ وَإِنْ حَرُمَ الْوَطْءُ، أَوْ كَانَ بِفِعْلِهَا فَقَطْ بِخِلَافِهِ فِي دُبُرٍ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ فَيْئَةٌ، لَكِنْ تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ، وَتَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ لِحِنْثِهِ بِهِ فَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ حُصُولِ الْفَيْئَةِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ الْمُطَالَبَةِ تَعَيَّنَ تَصْوِيرُهُ، بِمَا إذَا حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا فِي قُبُلِهَا، أَوْ بِمَا إذَا حَلَفَ وَلَمْ يُقَيِّدْ، لَكِنَّهُ فَعَلَهُ نَاسِيًا لِلْيَمِينِ أَوْ مُكْرَهًا فَلَا تَنْحَلُّ بِهِ اهـ. عش مَرَّ قَوْلُهُ: (بِقُبُلٍ) خَرَجَ الْفَيْئَةَ فِي الدُّبُرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ حَلَفَ لَا يَطَأُ فِي الْقُبُلِ، فَوَطِئَ فِي الدُّبُرِ فَلَا يُقَالُ لَهُ فَيْئَةٌ وَلَا يَحْنَثُ وَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَلَا تَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا وَأَطْلَقَ فَوَطِئَ فِي الدُّبُرِ حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَسَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ، وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ، لَكِنْ لَمْ تَحْصُلْ الْفَيْئَةُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى عَدَمِ حُصُولِهَا الْأَيْمَانُ وَالتَّعَالِيقُ وَأَمَّا إذَا وَطِئَ فِي الْقُبُلِ عَامِدًا عَالِمًا مُخْتَارًا حَنِثَ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ، وَسَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ، وَحُصِلَتْ الْفَيْئَةُ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لِلْيَمِينِ لَمْ تَنْحَلَّ الْيَمِينُ وَلَمْ يَحْنَثْ وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَسَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ وَحَصَلَتْ الْفَيْئَةُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مِنْ فَاءَ إذَا رَجَعَ) فَقَدْ رَجَعَ لِلْوَطْءِ بَعْدَ أَنْ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلُهُ: (وَالتَّكْفِيرَ) أَيْ مَعَ التَّكْفِيرِ، فَهُوَ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مَعَهُ لِأَنَّ جَرَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ الْمُخَيَّرِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الطَّلَاقِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا، وَالطَّلَاقُ بِغَيْرِ إثْبَاتِ أَلِفٍ قَبْلَ الْوَاوِ، وَهِيَ الْأَوْلَى بَلْ الصَّوَابُ لِأَنَّ بَيْنَ إنَّمَا تُضَافُ لِمُتَعَدِّدٍ. قَوْلُهُ: (لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَيْهَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ، لِأَلْ فِي قَوْلِهِ: لِلْمَحْلُوفِ فَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ أَلْ، وَفِي نُسْخَةٍ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (كَيْفِيَّةُ الْمُطَالَبَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ الْمُطَالَبَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَتْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الَّذِي فِي الْمَتْنِ التَّخْيِيرُ لَا التَّرْتِيبُ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا بَيَانٌ لِلْمُطَالَبَةِ عَلَى الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِالتَّرْتِيبِ الْمُقَابِلِ لِلْمَتْنِ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 وَلَوْ تَرَكَتْ حَقَّهَا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَجَدُّدِ الضَّرَرِ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ مُطَالَبَتُهُ، لِأَنَّ التَّمَتُّعَ حَقُّهَا وَيَنْتَظِرُ بُلُوغَ الْمُرَاهِقَةِ وَلَا يُطَالِبُ وَلِيَّهَا لِذَلِكَ. وَمَا ذَكَرْته مِنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ مُطَالَبَتِهَا بِالْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، تَبَعًا لِظَاهِرِ النَّصِّ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ أَنَّهَا تَرَدُّدُ الطَّلَبِ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ بِالزَّوْجِ وَهُوَ طَبْعِيٌّ كَمَرَضٍ فَتُطَالِبُهُ بِالْفَيْئَةِ بِاللِّسَانِ بِأَنْ يَقُولَ إذَا قَدَرْت: فِئْت ثُمَّ إنْ لَمْ يَفِئْ طَالَبَتْهُ بِطَلَاقٍ أَوْ شَرْعِيٍّ كَإِحْرَامٍ وَصَوْمٍ وَاجِبٍ فَتُطَالِبُهُ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُمْكِنُهُ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ فَإِنْ عَصَى بِوَطْءٍ، لَمْ يُطَالَبْ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) مِنْهُمَا أَيْ: الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ. (طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ) طَلْقَةً   [حاشية البجيرمي] اقْتَضَاهُ الْمَتْنُ، مِنْ أَنَّهَا تَرَدُّدُ الطَّلَبِ بَيْنَهُمَا، وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ نَصًّا فِي التَّرْتِيبِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّارِحُ بَعْدُ تَبَعًا لِظَاهِرِ النَّصِّ. قَوْلُهُ: (لِتَجَدُّدِ الضَّرَرِ) أَيْ كَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَهَذَا بِخِلَافِهِ فِي الْعُنَّةِ وَالْعَيْبِ وَالْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ لِأَنَّهُ خُصْلَةٌ وَاحِدَةٌ. قَوْلُهُ: (وَمَا ذَكَرْته مِنْ التَّرْتِيبِ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ التَّرْدِيدُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ: أَنَّهَا إذَا رَتَّبَتْ فَطَالَبَتْهُ بِالْفَيْئَةِ وَحْدَهَا ثُمَّ طَالَبَتْهُ بِالطَّلَاقِ وَحْدَهُ فَامْتَنَعَ، فَطَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِهِ مِنْ الطَّلَاقِ امْتِنَاعُهُ مِنْ الْفَيْئَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رُدِّدَتْ بَيْنَهُمَا فَامْتَنَعَ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ طَلَاقُ الْقَاضِي عَلَيْهِ لِامْتِنَاعِهِ حِينَئِذٍ مِنْهُمَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ قَوْلُهُ: (تَبَعًا لِظَاهِرِ النَّصِّ) أُجِيبَ: بِأَنَّ مَا فِي الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ وَهِيَ لَا تُفِيدُ تَرْتِيبًا فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَرَدُّدُ الطَّلَبِ. قَوْلُهُ: (تَرَدُّدُ الطَّلَبِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَا أَدْرِي مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إذَا قُلْنَا: بِالتَّرَدُّدِ فَطَلَّقَ الْحَاكِمُ لَا يَقَعُ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُمَا تَأَمَّلْ ق ل لِأَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ مِنْ الْفَيْئَةِ، قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ إلَخْ) مُحْتَرَزٌ قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ بِالزَّوْجَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَمَّا الْمَانِعُ بِالزَّوْجِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ التَّخْيِيرِ. قَوْلُهُ: (طَبْعِيٌّ) إنْ كَانَ نِسْبَةً إلَى الطَّبْعِ فَبِفَتْحِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَإِنْ كَانَ إلَى الطَّبِيعَةِ، فَالْقِيَاسُ فَتْحُ الطَّاءِ وَالْبَاءِ شَوْبَرِيُّ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي النِّسْبَةِ إلَى فَعِيلَةٍ فَعَلِيٌّ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَفَعَلِيٌّ فِي فَعِيلَةٍ اُلْتُزِمَ قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَقُولَ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِلْفَيْئَةِ بِاللِّسَانِ لَا لِلْمُطَالَبَةِ وَالْوَعْدُ الْمَذْكُورُ فِي ذَلِكَ كَافٍ وَيُسَنُّ أَنْ يَزِيدَ الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ وَنَدِمْت عَلَى مَا فَعَلْت. اهـ. ح ف. وَيُعْجِبنِي هُنَا هَذَا الْبَيْتُ: قَدْ صِرْت عِنْدَك كُمُّونًا بِمَزْرَعَةٍ ... إنْ فَاتَهُ السَّقْيُ أَغْنَتْهُ الْمَوَاعِيدُ قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ لَمْ يَفِ) هَذَا عَلَى طَرِيقَتِهِ. اهـ. ق ل وَالْقِيَاسُ رَسْمُهُ بِالْيَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ فَاءَ يَفِيءُ فَآخِرُهُ هَمْزَةٌ وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِأَنْ سُكِّنَ أَوَّلًا قَبْلَ دُخُولِ الْجَازِمِ تَخْفِيفًا ثُمَّ حُذِفَتْ الْيَاءُ وَصَارَ يَفِئْ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ، أُبْدِلَتْ يَاءً لِكَوْنِهَا بَعْدَ كَسْرَةٍ ثُمَّ أُدْخِلَ الْجَازِمُ وَنُزِّلَتْ الْيَاءُ الْعَارِضَةُ مَنْزِلَةَ الْأَصْلِيَّةِ فَحُذِفَتْ لِلْجَازِمِ اهـ. عش عَلَى مَرَّ. قَوْلُهُ: (طَالَبَتْهُ بِطَلَاقٍ) أَيْ وَإِنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا بِاللَّفْظِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، مَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ وَلَوْ اعْتَرَفَتْ بِالْوَطْءِ سَقَطَ حَقُّهَا وَلَا تَرْجِعُ إلَى الْمُطَالَبَةِ. وَعِبَارَةُ مَرَّ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ مَا لَمْ تَنْتَهِ مُدَّةُ الْيَمِينِ لَتَجَدُّدِ الضَّرَرِ هُنَا كَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ، بِخِلَافِهِ فِي الْعُنَّةِ وَالْعَيْبِ وَالْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ، لِأَنَّهُ خُصْلَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ. بِحُرُوفِهِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَصَى بِوَطْءٍ) بِأَنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا مُخْتَارًا وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِحِنْثِهِ وَإِلَّا بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ أَوْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مَجْنُونًا سَقَطَتْ مُطَالَبَتُهَا، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ حِنْثِهِ وَلَا يَنْحَلُّ يَمِينُهُ ق ل، وَقَوْلُهُ وَلَا يَنْحَلُّ يَمِينُهُ: أَيْ وَإِنْ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْمُطَالَبَةِ وَارْتَفَعَ الْإِيلَاءُ لِوُصُولِهَا إلَى حَقِّهَا وَانْدِفَاعِ ضَرَرِهَا سم. قَوْلُهُ: (طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ) أَيْ وَلَوْ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَلَوْ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي ثُمَّ رَاجَعَ عَادَ الْإِيلَاءُ إنْ بَقِيَ مُدَّةٌ وَاسْتَأْنَفَتْ الْمُدَّةَ مِنْ الرَّجْعَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِيلَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 نِيَابَةً عَنْهُ. لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى دَوَامِ إضْرَارِهَا وَلَا إجْبَارَ عَلَى الْفَيْئَةِ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِجْبَارِ، وَالطَّلَاقُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ فَنَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ فَيَقُولُ أَوْقَعْت عَلَى فُلَانَةَ عَلَى فُلَانٍ طَلْقَةً كَمَا حُكِيَ عَنْ الْإِمْلَاءِ أَوْ حَكَمْت عَلَيْهِ فِي زَوْجَتِهِ بِطَلْقَةٍ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ لِيَثْبُتَ امْتِنَاعُهُ كَالْعَضَلِ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلطَّلَاقِ حُضُورُهُ عِنْدَهُ وَلَا يَنْفُذُ طَلَاقُ الْقَاضِي فِي مُدَّةِ إمْهَالِهِ وَلَا بَعْدَ وَطْئِهِ أَوْ طَلَاقِهِ. وَإِنْ طَلَّقَا مَعًا وَقَعَ الطَّلَاقَانِ وَإِنْ طَلَّقَ الْقَاضِي مَعَ الْفَيْئَةِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ وَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ بَعْدَ طَلَاقِ الْقَاضِي وَقَعَ الطَّلَاقُ إنْ كَانَ طَلَاقُ الْقَاضِي رَجْعِيًّا. تَتِمَّةٌ: لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِيلَاءِ أَوْ فِي انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ بِأَنْ ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.   [حاشية البجيرمي] لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا اهـ. مَرَّ قَالَ الْعَنَانِيُّ وَإِذَا طَلَّقَ الْقَاضِي فِي مُدَّةِ الْإِمْهَالِ وَبَانَ أَنَّ الْمُولِي وَطِئَ قَبْلَ تَطْلِيقِهِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، وَلَوْ وَقَعَ طَلَاقُ الْقَاضِي وَالْمُولِي مَعًا نَفَذَ طَلَاقُ الْمُولِي جَزْمًا. وَكَذَا الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالًا لِغَائِبٍ وَاتَّفَقَ أَنَّ الْغَائِبَ بَاعَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى بَيْعِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَالِكِ أَقْوَى وَلَمْ نَقُلْ بِوُقُوعِ بَيْعِ الْحَاكِمِ أَيْضًا كَمَا هُنَا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُ الْبَيْعَيْنِ مِنْ اثْنَيْنِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (طَلْقَةً) أَيْ وَإِنْ بَانَتْ مِنْهُ لِعَدَمِ دُخُولٍ أَوْ اسْتِيفَاءِ ثَلَاثٍ زِيَادِيٌّ وَإِذَا أَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ مُكْرَهًا وَقَعَ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ بِحَقٍّ اهـ. ح ف. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: طَلْقَةً أَيْ رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا لَغَا الزَّائِدُ، وَلَوْ طَلَّقَ الْمُولِي وَلَوْ جَاهِلًا بِطَلَاقِ الْقَاضِي مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَقَعَ مَا أَوْقَعَهُ أَيْضًا الْمُولِي بِخِلَافِ عَكْسِهِ، بِأَنْ طَلَّقَ الْقَاضِي بَعْدَ طَلَاقِ الْمُولِي، وَلَوْ بِالتَّبَيُّنِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الْقَاضِي وَكَذَا وَلَوْ طَلَّقَ بَعْدَ وَطْئِهِ، وَلَوْ طَلَّقَ الْحَاكِمُ مَعَ وَطْئِهِ فَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ وُقُوعِ طَلَاقِهِمَا مَعًا أَنْ يَقَعَ هُنَا. وَالْوَجْهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ تَبَعًا لِلْخَطِيبِ لِئَلَّا يَلْزَمَ خُرُوجُ الْوَطْءِ عَنْ الْحِلِّ إلَى الْحُرْمَةِ، عَلَى أَنَّ فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِمَا إذَا طَلَّقَا مَعًا نَظَرٌ إذْ طَلَاقُ الْقَاضِي إنَّمَا يَقَعُ مَعَ الِامْتِنَاعِ وَمَعَ طَلَاقِ الْمُولِي لَا امْتِنَاعَ اهـ. قَوْلُهُ: (إلَّا إنْ تَعَذَّرَ) : أَيْ حُضُورُهُ وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: إلَّا إنْ تَعَذَّرَ أَيْ بِغَيْبَةٍ أَوْ تَوَارٍ أَوْ تَمَرُّدٍ أَيْ تَكَبُّرٍ فَإِنَّ الْكِبْرَ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ إبْلِيسَ مِنْ الْجَنَّةِ فَإِنَّهَا دَارُ التَّوَاضُعِ، وَالتَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ وَدَارُ الْبَقَاءِ، وَلَيْسَ الْعِصْيَانُ سَبَبًا فِي خُرُوجِهِ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَوْ تَابَ لَتِيبَ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: {فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} [الأعراف: 13] بَيْضَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ لِلطَّلَاقِ حُضُورُهُ) : أَيْ بَعْدَ ثُبُوتِ امْتِنَاعِهِ أَوْ تَعَذُّرِ حُضُورِهِ وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ وَيُشْتَرَطُ فِي تَطْلِيقِهِ عَنْهُ حُضُورُهُ، لِيَثْبُتَ امْتِنَاعُهُ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ بِنَحْوِ: غَيْبَةٍ أَوْ تَوَارٍ. قَوْلُهُ: (فِي مُدَّةِ إمْهَالِهِ) : لِأَنَّهُ يُمْهَلُ إذَا اُسْتُمْهِلَ يَوْمًا فَأَقَلُّ لِيَفِيءَ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ طَلَاقُ الْقَاضِي رَجْعِيًّا) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَائِنًا لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْقَاضِيَ لَا يُطَلِّقُ إلَّا طَلْقَةً فَكَيْفَ يَكُونُ طَلَاقُهُ بَائِنًا. [تَتِمَّةٌ لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِيلَاءِ أَوْ فِي انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ] قَوْلُهُ: (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) وَلَمْ تُصَدَّقْ وَهِيَ ثَيِّبٌ أَوْ بِكْرٌ غَوْرَاءُ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْقَوْلَ: قَوْلُ نَافِي الْوَطْءِ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَمَا اسْتَثْنَى مِنْهَا فَقَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ وَاطِئٍ فِي سِتَّةٍ ... مَضْبُوطَةٍ بِالْحِفْظِ عِنْدَ الثِّقَةِ الْحَلِفُ فِي التَّحْلِيلِ وَالثُّيُوبَةِ ... وَالْوَطْءُ مَعَ فَرْعٍ أَتَى وَعُنَّةٍ وَمِثْلُ ذَا الْإِيلَاءِ وَالتَّعْلِيقُ ... بِطَلْقَةٍ لِسُنَّةٍ تَحْقِيقٌ اهـ. فَمُدَّعِي الْوَطْءِ فِي التَّحْلِيلِ مِنْهَا أَوْ مِنْ الْمُحَلِّلِ مُصَدَّقٌ وَفِي الْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ، يُصَدَّقُ إذَا ادَّعَى الْوَطْءَ وَأَنْكَرَتْ وَلَوْ قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 وَلَوْ اعْتَرَفَتْ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَهُ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الطَّلَبِ عَمَلًا بِاعْتِرَافِهَا وَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهَا عَنْهُ لِاعْتِرَافِهَا بِوُصُولِ حَقِّهَا إلَيْهَا. وَلَوْ كَرَّرَ يَمِينَ الْإِيلَاءِ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَرَادَ بِغَيْرِ الْأُولَى التَّأْكِيدَ لَهَا وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ وَطَالَ الْفَصْلُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كَنَظِيرِهِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَفَرْقٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ، بِأَنَّ التَّنْجِيزَ: إنْشَاءٌ وَإِيقَاعٌ. وَالْإِيلَاءُ وَالتَّعْلِيقُ مُتَعَلِّقَانِ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ فَالتَّأْكِيدُ بِهِمَا أَلْيَقُ أَوْ أَرَادَ الِاسْتِئْنَافَ تَعَدَّدَتْ الْأَيْمَانُ وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُرِدْ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا فَوَاحِدَةٌ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ حَمْلًا عَلَى التَّأْكِيدِ، وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ لِبُعْدِ التَّأْكِيدِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ. فَصْلٌ: فِي الظِّهَارِ هُوَ لُغَةً مَأْخُوذٌ مِنْ الظَّهْرِ لِأَنَّ صُورَتَهُ الْأَصْلِيَّةُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَخَصُّوا الظَّهْرَ دُونَ   [حاشية البجيرمي] لِطَاهِرٍ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَقَالَ وَطِئْت فِي هَذَا الطُّهْرِ، فَلَا طَلَاقَ حَالًّا فَقَالَتْ: لَمْ تَطَأْ فَوَقَعَ حَالًّا صُدِّقَ لِأَصْلِ بَقَاءِ الْعِصْمَةِ، وَلَوْ شُرِطَتْ بَكَارَتُهَا فَوُجِدَتْ ثَيِّبًا فَقَالَتْ افْتَضَّنِي وَأَنْكَرَ صُدِّقَتْ لِدَفْعِ الْفَسْخِ وَهُوَ لِدَفْعِ كَمَالِ الْمَهْرِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ لَوْ شُرِطَتْ الْبَكَارَةُ فِي الزَّوْجَةِ فَوُجِدَتْ ثَيِّبًا وَادَّعَتْ ذَهَابَهَا عِنْدَهُ فَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِدَفْعِ الْفَسْخِ، أَوْ ادَّعَتْ افْتِضَاضَهُ لَهَا فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِتَشْطِيرِ الْمَهْرِ إنْ كَانَ شَطْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ ثَيِّبٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِدَفْعِ الْفَسْخِ، وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: صُدِّقَ بِيَمِينِهِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ تَصْدِيقِ مُدَّعِي النَّفْيِ نَظَرًا لِبَقَاءِ الْعَقْدِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي الْإِيلَاءِ لَا فِي انْقِضَائِهِ إذْ هُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى الْإِيلَاءِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ الْأَصْلُ عَدَمَهُ وَإِنَّمَا عِلَّةُ تَصْدِيقِهِ، أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الزَّوْجَةِ الطَّلَبَ بِمَا ذُكِرَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِ الشَّارِحِ مُدَّتِهِ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، أَيْ فَإِنَّهَا لَا تُطَالِبُهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْإِيلَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَالِانْقِضَاءِ فِي الثَّانِي فَسَقَطَ مَا قِيلَ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْأُولَى أَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى الْإِيلَاءِ فَلَيْسَ الْأَصْلُ عَدَمَهُ قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْمُدَّةِ) : أَيْ مُدَّةِ الْإِمْهَالِ. قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ) : أَيْ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ التَّأْكِيدُ. قَوْلُهُ: (إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ) : ظَاهِرُهُ وَإِنْ طَالَ، وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ ح ف. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ) : وَيَكْفِيه لِانْحِلَالِهَا وَطْأَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَتَخَلَّصُ بِالطَّلَاقِ عَنْ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا، وَكَذَا يَكْفِيه كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ شَرْحُ الرَّوْضِ. [فَصْلٌ فِي الظِّهَارِ] ِ مَصْدَرُ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ كَقَاتَلَ قِتَالًا. وَاعْلَمْ: أَنَّ فِيهِ شَبَهًا بِالطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ مَا يُوجِبُهُ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَشَبَهًا بِالْأَيْمَانِ مِنْ حَيْثُ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ وَالْمُغَلَّبُ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَقِيلَ مَعْنَى الطَّلَاقِ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ الْإِيلَاءِ لِمُنَاسِبَتِهِ لَهُ فِي أَنَّ كُلًّا حَرَامٌ وَكُلًّا مِنْهُمَا كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكُلًّا مِنْهُمَا يَصِحُّ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الظَّهْرِ) : أَيْ الْمُقَابِلِ لِلْبَطْنِ وَيُطْلَقُ الظَّهْرُ عَلَى الْعُلُوِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] أَيْ يُعْلُوهُ كَأَنَّهُ يَقُولُ: عُلُوِّي عَلَى ظَهْرِك كَعُلُوِّي عَلَى ظَهْرِ أُمِّي قَوْلُهُ: (لِأَنَّ صُورَتَهُ إلَخْ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِلْأَخْذِ مِنْ الظَّهْرِ. وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ تَعْلِيلًا لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْآتِي أَيْ لِتَسْمِيَتِهِ ظِهَارًا أَيْ وَسُمِّيَ ظِهَارًا لِأَنَّ إلَخْ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ صُورَتَهُ أَيْ صِيغَتَهُ وَقَوْلُهُ: الْأَصْلِيَّةُ أَيْ الْمُتَعَارَفَةُ عِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَخُصُّوا) أَيْ الْمُظَاهِرُونَ وَهَذَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا ثَانِيًا لِلْأَخْذِ مِنْ الظَّهْرِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ، وَإِنَّمَا أُخِذَ مِنْ الظَّهْرِ، لِأَنَّ صُورَتَهُ إلَخْ وَلِأَنَّ الظَّهْرَ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ أَيْ وَالْمَرْأَةُ مَرْكُوبُ الزَّوْجِ أَيْ وَقْتَ الْجِمَاعِ، فَفِي قَوْلِ الْمُظَاهِرِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كِنَايَةٌ تَلْوِيحِيَّةٌ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ الظَّهْرِ إلَى الْمَرْكُوبِ وَمِنْ الْمَرْكُوبِ إلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا مَرْكُوبُ الزَّوْجِ فَكَأَنَّ الْمُظَاهِرَ يَقُولُ: أَنْتِ عَلَيَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَوْضِعَ الرُّكُوبِ وَالْمَرْأَةُ مَرْكُوبُ الزَّوْجِ وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَالْإِيلَاءِ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمِهَا بَعْدَ الْعَوْدِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَحَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ تَشْبِيهُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ فِي الْحُرْمَةِ بِمُحَرَّمَةٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] .   [حاشية البجيرمي] مُحَرَّمَةٌ لَا تَرْكَبِينَ كَمَا لَا تَرْكَبُ الْأُمُّ شِهَابٌ. قَوْلُهُ: (مَوْضِعُ الرُّكُوبِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ كَرُكُوبِ الدَّوَابِّ لِأَنَّ مَوْضِعَ الرُّكُوبِ مِنْ الْمَرْأَةِ بَطْنُهَا، لَا ظَهْرُهَا وَقَدْ تُرْكَبُ الْمَرْأَةُ مِنْ ظَهْرِهَا، وَيَأْتِيهَا فِي الْمَحَلِّ الْمَعْهُودِ وَهُوَ الْقُبُلُ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا لِلصُّورَةِ النَّادِرَةِ، وَعِبَارَةُ م د: لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِ الْآدَمِيَّةِ. وَذِكْرُ الظَّهْرِ كِنَايَةٌ عَنْ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ عَمُودُهُ فَإِنَّ ذِكْرَهُ يُقَارِبُ ذِكْرَ الْفَرْجِ. اهـ. بَيْضَاوِيٌّ. وَتَسْمِيَةُ الظَّهْرِ عَمُودَ الْبَطْنِ لِأَنَّ بِهِ قِوَامُهَا وَعَلَيْهِ اعْتِمَادُهَا، كَمَا تَعْتَمِدُ الْخَيْمَةُ عَلَى عَمُودِهَا وَقَوْلُهُ: الَّذِي صِفَةُ الْبَطْنِ وَضَمِيرُ هُوَ لِلظَّهْرِ، وَضَمِيرُ عَمُودِهِ لِلْبَطْنِ. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ ذِكْرَهُ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلْكِنَايَةِ، وَتَوْجِيهٌ لِاخْتِيَارِهَا بِأَنَّهُمْ يَسْتَقْبِحُونَ ذِكْرَ الْفَرْجِ وَمَا يَقْرَبُ مِنْهُ فِي الْأُمِّ وَمَا يُشَبَّهُ بِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ) : بَلْ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا بَائِنًا لَا رَجْعَةَ فِيهِ أَبَدًا فَكَانَ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ، وَتَصِيرُ الْمَرْأَةُ بِهَا حَرَامًا مُؤَبَّدًا لَا تَحِلُّ لَهُ وَلَا بِعَقْدِ نِكَاحٍ لِأَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ فِي نُزُولِ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} [المجادلة: 1] تَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا لَا حِلَّ بَعْدَهُ لَا بِرَجْعَةٍ وَلَا بِعَقْدٍ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا جَاءَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَتْهُ بِأَنَّ زَوْجَهَا ظَاهِرٌ مِنْهَا فَقَالَ: " حُرِّمْت عَلَيْهِ " فَأَظْهَرَتْ ضَرُورَتَهَا بِأَنَّ مَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْلَادًا صِغَارًا إنْ ضَمَّتْهُمْ إلَى نَفْسِهَا جَاعُوا، وَإِنْ رَدَّتْهُمْ إلَى أَبِيهِمْ ضَاعُوا، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ عَمِيَ وَكَبِرَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ، وَجَاءَ زَوْجُهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ يُقَادُ فَلَمْ يُرْشِدْهُمْ إلَى مَا يَكُونُ سَبَبًا فِي عَوْدِهَا إلَى زَوْجِهَا بَلْ قَالَ لَهَا: حُرِّمْت عَلَيْهِ فَقَالَتْ مَا طَلَّقَنِي فَقَالَ: " حُرِّمْت عَلَيْهِ " فَاغْتَمَّتْ، لِصِغَرِ أَوْلَادِهَا وَشَكَتْ إلَى اللَّهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُ آيَاتٍ فَلَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَأَرْشَدَهُ إلَى الرَّجْعَةِ أَوْ بَائِنًا تَحِلُّ لَهُ بِعَقْدٍ لِأَمْرِهِ بِتَجْدِيدِ نِكَاحِهِ. فَتَوَقُّفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتِظَارُهُ لِلْوَحْيِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا لَا حِلَّ بَعْدَهُ، لَا بِرَجْعَةٍ وَلَا بِعَقْدٍ. عش عَلَى مَرَّ. وَاسْمُ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، وَيُقَالُ لَهَا: خُوَيْلَةُ بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ اسْمُهَا جَمِيلَةُ، وَزَوْجُهَا أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الْبَدْرِيُّ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ مَاتَ أَيَّامَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً. زُرْقَانِيٌّ عَلَى الْمَوَاهِبِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرَّ بِهَا فِي خِلَافَتِهِ وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَاسْتَوْقَفَتْهُ زَمَنًا طَوِيلًا وَوَعَظَتْهُ، وَقَالَتْ: يَا عُمَرُ قَدْ كُنْت تُدْعَى عُمَيْرًا ثُمَّ قِيلَ لَك عُمَرُ، ثُمَّ قِيلَ لَك أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ فَإِنَّهُ مَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ، خَافَ الْفَوْتَ، وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ خَافَ الْعَذَابَ، وَهُوَ وَاقِفٌ يَسْمَعُ كَلَامَهَا فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَقِفُ لِهَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْمَوْقِفَ؟ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ حَبَسَتْنِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ لَا زُلْت إلَّا لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَتَدْرُونَ مَنْ هَذِهِ الْعَجُوزُ؟ هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، سَمِعَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ أَيَسْمَعُ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَوْلَهَا وَلَا يَسْمَعُهُ عُمَرُ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ حَيْثُ كَانَ كَبِيرَةً وَبَيْنَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ. قُلْت: قَالَ: فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، لِأَنَّ الظِّهَارَ عُلِّقَ بِهِ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَإِنَّمَا عُلِّقَ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْيَمِينُ وَالْحِنْثُ لَيْسَا بِمُحَرَّمَيْنِ، وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ قَدْ يَجْتَمِعَانِ، وَالتَّحْرِيمُ الَّذِي هُوَ تَحْرِيمُ الْأُمِّ مَعَ الزَّوْجَةِ لَا يَجْتَمِعَانِ كَمَا فِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَحَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ) أَيْ وَأَمَّا اللُّغَوِيَّةُ فَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُهَا فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّ صُورَتَهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِمُحَرَّمَةٍ) أَيْ الَّتِي لَمْ تَكُنْ حِلًّا لَهُ قَبْلَ وِلَادَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ) أَصْلُهُ يَتَظَهَّرُونَ. قَوْلُهُ: (وَزُورًا) أَيْ مُنْحَرِفًا عَنْ الْحَقِّ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 فَائِدَةٌ: سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ فِي كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ سُورَةٌ تُشَابِهُهَا وَهِيَ نِصْفُ الْقُرْآنِ عَدَدًا وَعُشْرُهُ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ. وَأَرْكَانُ الظِّهَارِ أَرْبَعَةٌ: صِيغَةٌ وَمُظَاهِرٌ، وَمُظَاهَرٌ مِنْهَا وَمُشَبَّهٌ بِهِ وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَالظِّهَارُ أَنْ يَقُولَ) أَيْ وَصِيغَتُهُ وَهُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ: (الرَّجُلُ) أَيْ الزَّوْجُ، وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي (لِزَوْجَتِهِ) أَيْ الْمُظَاهَرُ مِنْهَا وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ (أَنْتِ عَلَيَّ) أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي أَوْ عِنْدِي (كَظَهْرِ أُمِّي) أَيْ مَرْكَبِي مِنْك حَرَامٌ كَمَرْكَبِي مِنْ أُمِّي وَهَذَا هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ، فَقَدْ حَصَلَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَمِيعُ الْأَرْكَانِ وَلَكِنْ لَهَا شُرُوطٌ: فَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالظِّهَارِ. وَفِي مَعْنَاهُ: مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ وَذَلِكَ إمَّا صَرِيحٌ كَأَنْتِ أَوْ رَأْسُك أَوْ يَدُك وَلَوْ بِدُونِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَيَدِهَا أَوْ كِنَايَةٌ كَأَنْتِ كَأُمِّي أَوْ كَعَيْنِهَا أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُذْكَرُ لِلْكَرَامَةِ كَرَأْسِهَا. وَشُرِطَ فِي الْمُظَاهِرِ كَوْنُهُ زَوْجًا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ سَكْرَانًا فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ وَإِنْ نَكَحَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا وَلَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ، وَشُرِطَ فِي الْمُظَاهِرِ مِنْهَا كَوْنُهَا زَوْجَةً، وَلَوْ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ رَتْقَاءَ   [حاشية البجيرمي] تُشْبِهُ الْأُمَّ اهـ. بَيْضَاوِيٌّ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ. قَوْلُهُ: (سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ الْمَرْأَةِ الْمُجَادِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ الْجَارِي عَلَى الْأَلْسِنَةِ بِفَتْحِ الدَّالِ فَالصَّوَابُ كَسْرُهَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ مُلَّا عَلَى قَارِّي عَلَى الْجَلَالَيْنِ وَضَبَطَهُ أَيْضًا فِي الْكَشْفِ بِكَسْرِ الدَّالِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ نِصْفُ الْقُرْآنِ) فَمِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ إلَيْهَا سَبْعٌ وَخَمْسُونَ سُورَةً وَمِنْهَا إلَى الْآخِرِ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ. قَوْلُهُ: (بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ) لِأَنَّ مِنْهَا إلَى الْآخِرِ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ وَقَدْ أَشَارَ لِهَذَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: مَا قَوْلُ مَنْ فَاقَ جَمِيعَ الْوَرَى وَدَوَّنَ الْعِلْمَ بِأَفْكَارِهِ فِي أَيِّ شَيْءٍ نِصْفُهُ عُشْرُهُ وَنِصْفُهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ لِأَنَّ نِصْفَهُ الْأَخِيرَ عَدَدًا عُشْرُهُ وَنِصْفُهُ الْأَعْلَى تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ. [أَرْكَانُ الظِّهَارِ] قَوْلُهُ: (أَيْ مَرْكَبِي) أَيْ مَحَلُّ رُكُوبِي عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَكَانِ أَوْ نَفْسُ رُكُوبِي عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ. قَوْلُهُ: (كَأَنْتِ أَوْ رَأْسُك أَوْ يَدُك) أَوْ شَعْرُك أَوْ ظُفْرُك وَنَحْوُ ذَلِكَ، مِنْ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ بِخِلَافِ الْبَاطِنَةِ كَالْكَبِدِ وَالْقَلْبِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظِهَارًا ح ل. وَنُقِلَ عَنْ مَرَّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُهَا ظِهَارًا فِي الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّمَتُّعُ بِهَا حَتَّى تُوصَفَ بِالْحُرْمَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَشَمَلَ كَلَامُهُ تَشْبِيهَ الْبَاطِنِ بِالْبَاطِنِ وَبِالظَّاهِرِ وَتَشْبِيهَ الظَّاهِرِ بِالْبَاطِنِ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَخَرَجَ بِالْأَعْضَاءِ الْفَضَلَاتُ فَلَا ظِهَارَ بِهَا مُطْلَقًا كَاللَّبَنِ وَالْمَنِيِّ اهـ بِالْحَرْفِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَدُك) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا يَدٌ فَهُوَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ سم وَبِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ كِنَايَةٌ) أَيْ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَنِيَّةُ الظِّهَارِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهَا كَظَهْرِ أُمِّهِ فِي التَّحْرِيمِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَبْدًا) وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ التَّكْفِيرُ بِالْإِعْتَاقِ لِإِمْكَانِ تَكْفِيرِهِ بِالصَّوْمِ، وَجُمْلَةُ التَّعْمِيمَاتِ خَمْسٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَافِرًا) أَيْ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَجْبُوبًا) وَمِثْلُهُ الْمَمْسُوحُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيلَاءِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّ الْجِمَاعُ لَا هُنَا لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا يَشْمَلُ التَّمَتُّعَ ح ل. قَوْلُهُ: (أَوْ سَكْرَانًا) أَيْ مُتَعَدِّيًا لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ فِي كَلَامِهِ مَصْرُوفٌ لُغَةٌ أَسَدِيَةٌ وَقَيْسٌ عَلَيْهَا مَا وَقَعَ لِلشَّارِحِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي الْكَافِيَةِ: وَبَابُ سَكْرَانَ لَدَى بَنِي أَسَدٍ ... مَصْرُوفٌ إذْ بِالتَّاءِ عَنْهُمْ اُطْرُدْ وَوُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِمَنْعِهِ مِنْ الصَّرْفِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ) وَلَا مِنْ الزَّوْجَةِ فِي قَوْلِهَا لِزَوْجِهَا أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي وَأَنَا عَلَيْك كَظَهْرِ أُمِّك أَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَلَا يَصِحُّ ظِهَارُهُمْ، شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَمَجْنُونٍ) إلَّا إنْ عُلِّقَ بِصِفَةٍ وَوُجِدَتْ فِي حَالِ جُنُونِهِ ح ل. قَوْلُهُ: (كَوْنُهَا زَوْجَةً) قَدْ يُقَالُ هُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ وَهُوَ زَوْجٌ، وَقَدْ يُقَالُ أَتَى بِهِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَةً ح ل. قَوْلُهُ: (أَوْ صَغِيرَةً) وَإِنْ لَمْ تُطْلَقْ. قَوْلُهُ: (لَا أَجْنَبِيَّةً) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: زَوْجَةً قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُخْتَلِعَةً) غَايَةٌ وَقَوْلُهُ: أَوْ أَمَةً أَيْ مِلْكًا لَهُ قَوْلُهُ: (كَالطَّلَاقِ) أَيْ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُخْتَلِعَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ رَجْعِيَّةً لَا أَجْنَبِيَّةً وَلَوْ مُخْتَلِعَةً، أَوْ أَمَةً كَالطَّلَاقِ فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَصِحَّ، وَشُرِطَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ كَوْنُهُ كُلُّ أُنْثَى مُحْرِمٍ أَوْ جُزْءِ أُنْثَى مُحْرِمٍ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، لَمْ تَكُنْ حِلًّا لِلزَّوْجِ كَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ مِنْ نَسَبٍ وَمُرْضِعَةِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ الَّتِي نَكَحَهَا قَبْلَ وِلَادَتِهِ أَوْ مَعَهَا، فِيمَا يَظْهَرُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأُنْثَى مِنْ ذَكَرٍ وَخُنْثَى لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ التَّمَتُّعِ، وَبِخِلَافِ مَنْ كَانَتْ حَلَالَهُ كَزَوْجَةِ ابْنِهِ، وَبِخِلَافِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ لَيْسَ لِلْمَحْرَمِيَّةِ بَلْ لِشَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنْ كَانَتْ وِلَادَتُهَا، قَبْلَ إرْضَاعِهِ فَلَا يَصِحُّ التَّشْبِيهُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ صَحَّ وَكَذَا إنْ كَانَتْ مَعَهُ فِيمَا يَظْهَرُ. تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ تَأْقِيتُ الظِّهَارِ كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَوْمًا تَغْلِيبًا لِلْيَمِينِ. فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي خَمْسَةَ أَشْهُرٍ كَانَ ظِهَارًا مُؤَقَّتًا وَإِيلَاءً لِامْتِنَاعِهِ مِنْ وَطْئِهَا فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالتَّحْرِيمِ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ، فَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْت مِنْ ضَرَّتِك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَظَاهَرَ مِنْهَا فَمُظَاهَرٌ مِنْهُمَا عَمَلًا بِمُقْتَضَى التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ. (فَإِذَا قَالَ) الْمُظَاهِرُ (ذَلِكَ وَلَمْ يُتْبِعْهُ بِالطَّلَاقِ) بِأَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنَ إمْكَانِ فُرْقَةٍ وَلَمْ يَفْعَلْ (صَارَ عَائِدًا) لِأَنَّ تَشْبِيهَهَا   [حاشية البجيرمي] وَأَمَتِهِ قَوْلُهُ: (لَمْ تَكُنْ حِلًّا لِلزَّوْجِ) أَيْ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا قَبْلَ صَيْرُورَتِهَا مَحْرَمًا حَالَةَ حِلٍّ أَيْ حَالَةَ تَحِلُّ لَهُ فِيهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا. قَوْلُهُ: (وَمُرْضِعَةِ أَبِيهِ) خَرَجَ مُرْضِعَةُ الْمُظَاهِرِ فَإِنَّهُ طَرَأَ تَحْرِيمُهَا بَعْدَ وِلَادَتِهِ فَلَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ بِهَا ظِهَارًا. قَوْلُهُ: (قَبْلَ وِلَادَتِهِ) قَيَّدَ بِهِ لِيُلَائِمَ قَوْلَهُ: لَمْ تَكُنْ حِلًّا لِلزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (مِنْ ذَكَرٍ) بِأَنْ كَانَ أَخَاهُ قَوْلُهُ: (كَزَوْجَةِ ابْنِهِ) : أَيْ وَأَمِّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهَا لِأَنَّ تَحْرِيمَ مَنْ ذَكَرَ طَارِئٌ، وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وَزَوْجَةُ ابْنِهِ بِالنُّونِ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ وَكَذَا زَوْجَةُ أَبِيهِ الَّتِي نَكَحَهَا بَعْدَ وِلَادَتِهِ كَمَا عُلِمَ فَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ امْرَأَةِ أَبِي فَإِنْ كَانَ أَبُوهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وُجُودِهِ أَوْ مَعَهُ صَارَ مُظَاهِرًا أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا وَوَطْءُ الشُّبْهَةِ كَالنِّكَاحِ فَمَوْطُوءَةُ أَبِيهِ بِشُبْهَةٍ كَزَوْجَتِهِ وَكَذَا الْوَطْءُ بِالْمِلْكِ وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي زَوْجَةِ الِابْنِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَبِخِلَافِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: مُحَرَّمٍ وَبَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ التَّشْبِيهُ بِهَا) لِأَنَّهَا كَانَتْ حِلًّا لَهُ قَبْلَ إرْضَاعِهِ أَيْ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ) : أَيْ الرَّضَاعِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا إنْ كَانَتْ مَعَهُ) بِأَنْ انْفَصَلَتْ مَعَ آخَرَ رَضَّعَتْهُ الْخَامِسَةَ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ التَّحْرِيمِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حِلًّا لَهُ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلْيَمِينِ) أَيْ عَلَى الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ كُلًّا مِنْ الْيَمِينِ وَالطَّلَاقِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَمِثْلُ الزَّمَانِ الْمَكَانُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فِي الْبَيْتِ فَيُحَرَّمُ التَّمَتُّعُ بِهَا، فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ دُونَ غَيْرِهِ ح ل. قَالَ شَيْخُنَا: وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الظِّهَارَ يُشَبَّهُ بِالْيَمِينِ مِنْ حَيْثُ الْكَفَّارَةُ، وَالطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ التَّحْرِيمُ فَاحْتِمَالُهُ التَّأْقِيتَ بِنَاءٌ عَلَى تَغْلِيبِ شَبَهِهِ بِالْيَمِينِ لَا بِالطَّلَاقِ إذْ لَا يَصِحُّ تَأْقِيتُهُ فَلَا يُقَالُ: أَنْتِ طَالِقٌ شَهْرًا مَثَلًا. قَوْلُهُ: (كَانَ ظِهَارًا مُؤَقَّتًا وَإِيلَاءً) أَيْ فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُمَا فَتَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تُطَالِبُهُ بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ فَإِنْ وَطِئَ انْحَلَّ حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَصَارَ عَائِدًا فِي الظَّاهِرِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا ثَانِيًا حَتَّى يُكَفِّرَ أَوْ تَفْرُغَ الْمُدَّةُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ لِلْإِيلَاءِ أَوْ لَا؟ وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ كَأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي خَمْسَةَ أَشْهُرٍ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِلْإِيلَاءِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي خَمْسَةَ أَشْهُرٍ لَمْ تَلْزَمْهُ لِلْإِيلَاءِ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِيلَاءِ مِنْ ضَرْبِ الْمُدَّةِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُتْبِعْهُ بِالطَّلَاقِ) أَيْ مِثْلًا إذْ مِثْلُ الطَّلَاقِ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُمْسِكَهَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ قَوْلُهُ: (زَمَنَ إمْكَانِ فُرْقَةٍ) أَيْ شَرْعًا فَلَا عَوْدَ فِي نَحْوِ حَائِضٍ إلَّا بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهَا لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ كَالْحِسِّيِّ شَرْحُ مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَفْعَلْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ لِأَنَّهُ مَتَى أَمْسَكَهَا زَمَنًا يَسَعُ الْفُرْقَةَ صَارَ عَائِدًا سَوَاءٌ فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَفْعَلْ أَيْ فِي زَمَنِ الْإِمْسَاكِ وَيَكُونُ عَطْفَ تَفْسِيرٍ لِأَنَّهُ مَعْنَى الْإِمْسَاكِ، أَمَّا الْفِعْلُ بَعْدَ الْإِمْسَاكِ فَلَا يُفِيدُ شَيْئًا. قَوْلُهُ: (صَارَ عَائِدًا) وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْعَوْدُ هُوَ أَنْ يُمْسِكَهَا فِي النِّكَاحِ زَمَنًا يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ، فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، لَكِنْ لَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً فَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ جَامَعَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 بِالْأُمِّ مَثَلًا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُمْسِكَهَا زَوْجَةً فَإِنْ أَمْسَكَهَا زَوْجَةً بَعْدُ عَادَ فِيمَا قَالَ: لِأَنَّ الْعَوْدَ لِلْقَوْلِ مُخَالَفَتُهُ. يُقَالُ: قَالَ فُلَانٌ قَوْلًا ثُمَّ عَادَ لَهُ وَعَادَ فِيهِ أَيْ خَالَفَهُ وَنَقَضَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَادَ فِي هِبَتِهِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا فِي الظِّهَارِ الْمُؤَبَّدِ أَوْ الْمُطْلَقِ وَفِي غَيْرِ الرَّجْعِيَّةِ، لِأَنَّهُ فِي الظِّهَارِ الْمُؤَقَّتِ إنَّمَا يَصِيرُ عَائِدًا بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ كَمَا سَيَأْتِي، لَا بِالْإِمْسَاكِ وَالْعَوْدِ فِي الرَّجْعِيَّةِ إنَّمَا هُوَ بِالرَّجْعَةِ وَاسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الظِّهَارِ وَقَصَدَ بِهِ التَّأْكِيدَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْدٍ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ تَمَكُّنِهِ بِالْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ بَدَلَ التَّأْكِيدِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُصُولِ الْعَوْدِ، بِمَا ذُكِرَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالظِّهَارِ فُرْقَةٌ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِهَا فَلَوْ اتَّصَلَتْ بِالظِّهَارِ فُرْقَةٌ جَرَتْ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ فَسْخُ نِكَاحٍ بِسَبَبِهِ أَوْ بِسَبَبِهَا أَوْ بِانْفِسَاخٍ كَرِدَّةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ فُرْقَةٌ بِسَبَبِ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَلَمْ يُرَاجِعْ، أَوْ جُنَّ الزَّوْجُ عَقِبَ   [حاشية البجيرمي] الصَّحِيحِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ اشْتَرَاهَا إلَخْ. الَّذِي فِي تَحْرِيرِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خِلَافُهُ، وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ لَاعَنَهَا ثُمَّ مَلَكَهَا بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى تَحَلَّلَ فِي الْأُولَى وَيُكَفِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلَا يَطَؤُهَا أَصْلًا لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا اهـ. وَصَوَّرَ فِي الْوَسِيطِ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ عَقِبَ الظِّهَارِ، بِأَنْ يَقُولَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنْتِ طَالِقٌ شَرْحُ مَرَّ. وَقَالَ م د: فَالْعَوْدُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ طَلَاقِهَا، بِقَدْرِ نُطِقْهُ بِأَنْتِ طَالِقٌ وَلَوْ جَاهِلًا وَنَاسِيًا وَهَلْ الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ فِرَاقِهَا مِنْهُ، بِاعْتِبَارِ نُطْقِهِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ بِسُرْعَةٍ النُّطْقِ وَبُطْئِهِ إلَخْ كَانَ عِنْدَهُ ثِقَلٌ فِي الْكَلَامِ أَوْ الْمُرَادُ بِالْإِمْكَانِ اعْتِبَارُ غَالِبِ النَّاسِ. الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ لَهُ عَارِضٌ يَمْنَعُ مِنْ النُّطْقِ كَإِكْرَاهٍ لَمْ يَكُنْ عَائِدًا اهـ. قَوْلُهُ: (هَذَا فِي الظِّهَارِ الْمُؤَبَّدِ أَوْ الْمُطْلَقِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُؤَقَّتِ، لِمَا يَأْتِي أَنَّ الْعَوْدَ فِيهِ بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ لَا بِإِمْسَاكِهَا بَعْدَ الظِّهَارِ زَمَنَ إمْكَانِ الْفُرْقَةِ. قَوْلُهُ: (بِالْوَطْءِ) : لَكِنْ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى النَّزْعِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ كَمَا يَأْتِي وَاسْتِمْرَارُ الْوَطْءِ وَطْءٌ اهـ. سم وَقَوْلُهُ: وَاسْتِمْرَارُ الْوَطْءِ وَطْءٌ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ النَّزْعِ عَدَمُ الِاسْتِمْرَارِ وَاسْتَشْكَلَ هَذَا بِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّ اسْتِمْرَارَ الْوَطْءِ لَا يَحْنَثُ بِهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَطَأُ وَهُوَ مُجَامِعٌ، وَاسْتَمَرَّ وَقَالُوا: اسْتِمْرَارُ الْوَطْءِ لَا يُسَمَّى وَطْئًا وَبِمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ: إنْ وَطِئْتُك وَطْئًا مُبَاحًا حَيْثُ لَمْ يُحَرِّمُوا عَلَيْهِ الِاسْتِدَامَةَ، وَقَالُوا: إنَّهَا لَا تُسَمَّى وَطْئًا وَقَدْ يُقَالُ: بِسُقُوطِ هَذَا الْإِشْكَالِ مِنْ أَصْلِهِ إذْ مِنْ الْوَاضِحِ، أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَا يُسَمَّى وَطْئًا وَمَا لَهُ حُكْمُ الْوَطْءِ وَالِاسْتِدَامَةِ مِنْ الثَّانِي، بِدَلِيلِ تَعْبِيرِهِمْ بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى وَطْئًا وَقَوْلُهُمْ: اسْتِدَامَةُ الْوَطْءِ وَطْءٌ: أَيْ حُكْمًا بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا: يُسَمَّى وَطْئًا وَلَمَّا كَانَ الْمَذْكُورُ فِي لَفْظِ الْحَالِفِ أَوْ الْمُعَلِّقِ لَفْظَ الْوَطْءِ حُمِلَ عَلَى مَا يَسِمَاهُ فَلَا يَشْمَلُ الِاسْتِدَامَةَ وَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُظَاهِرُ. حُمِلَ عَلَى الْأَعَمِّ وَأَيْضًا يُقَالُ هُنَا: إنَّ الْمُظَاهِرَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ بَعْدَ الْعَوْدِ. وَبِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ حَصَلَ الْعَوْدُ، وَالِاسْتِدَامَةُ لَا تَنْقُصُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ أَغْلَظَ مِنْهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَعَضِّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَسْرَارِ يَنْبُوعِ الْكَلَامِ وَمِمَّا عَثَرَتْ عَلَيْهِ الْأَفْهَامُ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَاسْتُثْنِيَ مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ يَصِيرُ عَائِدًا، بِالْإِمْسَاكِ وَقَدْ يُقَالُ: عِنْدَ قَصْدِ التَّأْكِيدِ تَصِيرُ الْكَلِمَاتُ كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ رَأَيْت نَحْوَهُ فِي مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَقَصَدَ بِهِ التَّأْكِيدَ) أَيْ وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِئْنَافَ تَعَدَّدَ الظِّهَارُ فَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهِ وَصَارَ عَائِدًا بِالْمُسْتَأْنَفِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ بِالْمَعْنَى. قَوْلُهُ: (بِالْإِتْيَانِ) الْمُنَاسِبِ مِنْ الْإِتْيَانِ قَوْلُهُ: (وَمَا تَقَدَّمَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْمَتْنِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ عَيْنُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالظِّهَارِ فُرْقَةٌ هُوَ عَيْنُ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَمْ يُتْبِعْهُ بِالطَّلَاقِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ أَعَمُّ مِنْ الطَّلَاقِ وَكَانَ الْأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ الْمَتْنِ وَمِثْلُ فُرْقَةِ الطَّلَاقِ غَيْرُهَا. قَوْلُهُ: (بِمَا ذَكَرَ) أَيْ بِعَدَمِ إتْبَاعِهِ بِالطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (مَحَلَّهُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا إمْسَاكَ فِي صُورَةِ الْفُرْقَةِ بِأَنْوَاعِهَا وَكَذَا فِي صُورَةِ تَعَذُّرِ الْفُرْقَةِ كَأَنْ حَصَلَ جُنُونٌ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اتَّصَلَتْ بِالظِّهَارِ فُرْقَةٌ إلَخْ) هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ قَبْلُ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالظِّهَارِ فُرْقَةٌ وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمَتْنِ مَا لَمْ يُتْبِعْهُ بِالطَّلَاقِ لَكِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ مَفْهُومِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ فَسْخُ نِكَاحٍ) فِيهِ أَنَّ الْفَسْخَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ لِلْقَاضِي وَزَمَنُ الرَّفْعِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِمْسَاكُ وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي، أَوْ بِمَا إذَا فُقِدَ الْقَاضِي، وَالْمُحَكَّمُ وَاسْتَقَلَّا بِالْفَسْخِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ طَلَاقٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 ظِهَارِهِ فَلَا عَوْدَ وَلَوْ رَاجَعَ مَنْ طَلَّقَهَا عَقِبَ ظِهَارِهِ أَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ دُخُولٍ مُتَّصِلًا ثُمَّ أَسْلَمَ، بَعْدَ رِدَّتِهِ فِي الْعِدَّةِ صَارَ عَائِدًا بِالرَّجْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُمْسِكْهَا عَقِبَ الرَّجْعَةِ، بَلْ طَلَّقَهَا لَا الْإِسْلَامُ بَلْ هُوَ عَائِدٌ بَعْدَهُ إنْ مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ زَمَنٌ يَسَعُ الْفُرْقَةَ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الِاسْتِبَاحَةُ وَمَقْصُودَ الْإِسْلَامِ الرُّجُوعُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ إمْسَاكٌ إنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدُ (وَ) إذَا صَارَ عَائِدًا (لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] الْآيَةَ وَهَلْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ أَوْ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ أَوْ بِالْعَوْدِ فَقَطْ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ؟ أَوْجُهٌ ذَكَرَهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَالْأَوَّلُ: هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمُوَافِقُ لِتَرْجِيحِهِمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَجِبُ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ جَمِيعًا. وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ بِفُرْقَةٍ لِمَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لِاسْتِقْرَارِهَا بِالْإِمْسَاكِ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَمُظَاهَرٌ مِنْهُنَّ فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ زَمَنًا يَسَعُ طَلَاقَهُنَّ فَعَائِدٌ مِنْهُنَّ فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ صَارَ عَائِدًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَلَزِمَهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَإِنْ فَارَقَهَا عَقِبَ ظِهَارِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. (وَالْكَفَّارَةُ) مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ لِسَتْرِهَا الذَّنْبَ تَخْفِيفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى   [حاشية البجيرمي] إلَخْ) هَذِهِ هِيَ مَفْهُومُ الْمَتْنِ فِي الْحَقِيقَةِ وَصَرَّحَ بِهَا زِيَادَةَ إيضَاحٍ أَوَلِيُبَيِّنَ كَوْنَ الطَّلَاقِ شَامِلًا لِلْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ هَذَا وَفِيهِ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يُتْبِعْهُ بِالطَّلَاقِ فَالْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ الطَّلَاقِ هُنَا لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا أَتْبَعَهُ بِالطَّلَاقِ لَا يَصِيرُ عَائِدًا وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ فَلَوْ اتَّصَلَ بِهِ أَيْ بِظِهَارِهِ جُنُونُهُ أَوْ فُرْقَةٌ فَلَا عَوْدَ اهـ. وَجَعَلَ الشَّارِحُ الْفُرْقَةَ شَامِلَةٌ لِمَا ذَكَرَ هُنَا، لَكِنْ لَمْ يُعَبِّرْ كَالشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: وَمَا تَقَدَّمَ إلَخْ فَلَعَلَّ ذِكْرَ الطَّلَاقِ سَرَى لَهُ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: أَوْ فُرْقَةٍ بِأَنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ الْمَتْنِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى شَيْءٍ كَدُخُولِهَا الدَّارَ أَوْ دُخُولِهِ ثَمَّ ظَاهِرٌ فَوُجِدَ الدُّخُولُ عَقِبَ الظِّهَارِ فَهَذَا يَكُونُ مُغَايِرًا لِمَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (أَوْ جُنَّ الزَّوْجُ) كَانَ الْأَوْلَى، أَوْ جُنُونِ الزَّوْجِ عَطْفًا عَلَى فُرْقَةٍ أَوْ يَقُولُ: فَلَوْ جُنَّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مُتَّصِلًا) أَيْ ارْتَدَّ مُتَّصِلًا بِالظِّهَارِ وَكَانَتْ الرِّدَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ. قَوْلُهُ: (فِي الْعِدَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَسْلَمَ. قَوْلُهُ: (صَارَ عَائِدًا بِالرَّجْعَةِ) وَلَا يُقَالُ قَدْ انْحَلَّ الظِّهَارُ بِالطَّلَاقِ، لِأَنَّا نَقُولُ: مَحَلُّ انْحِلَالِهِ بِهِ إذَا دَامَ عَلَيْهِ فَإِنْ خَالَفَهُ بِالرَّجْعَةِ صَارَ عَائِدًا. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ الرَّجْعَةِ وَالْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (الِاسْتِبَاحَةُ) أَيْ اسْتِبَاحَةُ الِاسْتِمْتَاعِ. قَوْلُهُ: (الرُّجُوعُ إلَى الدِّينِ) أَيْ وَالْحِلُّ تَابِعٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدُ) أَيْ فَالْحِلُّ تَابِعٌ لَهُ فَيَحْصُلُ عَقِبَهُ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ) فَإِنْ قُلْت هَلْ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ؟ قُلْت: نَعَمْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِئَ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْعَوْدِ إنْ قُلْنَا الظِّهَارُ شَرْطٌ وَالْعَوْدُ سَبَبٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ: بِأَنَّهُمَا سَبَبَانِ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الظِّهَارِ، وَيَجُوزُ عَلَى الْعَوْدِ شَوْبَرِيٌّ، وَذَكَرُوا فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الْحِنْثِ بِالصَّوْمِ لَا يَصِحُّ فَيُقَالُ مِثْلُهُ هُنَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِاسْتِقْرَارِهَا بِالْإِمْسَاكِ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ فِي الْمُؤَقَّتِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ) هَلْ يَتَعَيَّنُ فِي دَفْعِ الْإِمْسَاكِ طَلَاقُهُنَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ يَحْصُلُ بِالشُّرُوعِ فِي طَلَاقِهِنَّ وَلَوْ مَعَ التَّرْتِيبِ وَلَا يَكُونُ بِطَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مُمْسِكًا لِغَيْرِهَا، حَرَّرَ شَوْبَرِيٌّ، الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (وَالْكَفَّارَةُ) عَدْلٌ عَنْ الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ الظَّاهِرُ إيضَاحًا وَإِشْعَارًا بِعَدَمِ اخْتِصَاصِ الْكَفَّارَةِ بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا لِيَدْخُلَ نَحْوُ الْيَمِينِ قل قَوْلُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ هَذَا مَعْنَاهَا لُغَةً وَأَمَّا مَعْنَاهَا شَرْعًا فَهِيَ مَالٌ أَوْ صَوْمٌ وَجَبَ بِسَبَبٍ كَحَلِفٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ قَالَهُ الرَّحْمَانِيُّ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا التَّعْرِيفُ شَامِلٌ لِلْفِدْيَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَيَّدَ السَّبَبُ بِأَنْ يُقَالَ هِيَ مَالٌ أَوْ صَوْمٌ وَجَبَ بِسَبَبٍ مَنْ حَلِفٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ جِمَاعٍ نَهَارَ رَمَضَانَ عَمْدًا وَحِينَئِذٍ تَخْرُجُ الْفِدْيَةُ وَعَرَّفَهَا عَبْدُ الْبَرِّ فَقَالَ هِيَ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى الْحَالِفِ أَوْ الْقَاتِلِ أَوْ الْمُظَاهِرِ بَعْدَ حِنْثِهِ أَوْ عَوْدِهِ اهـ وَهَذَا التَّعْرِيفُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ وَسُمِّيَتْ الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ كَفْرًا لِأَنَّ بِهَا يُكْفَرُ الْحَقُّ أَيْ يَسْتَتِرُ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ فِيهَا. اهـ. حف. قَوْلُهُ: (لِسِتْرِهَا الذَّنْبَ) فِيهِ أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا فِيهِ ذَنْبٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 وَسُمِّيَ الزَّرَّاعُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْبَذْرَ. وَتَنْقَسِمُ الْكَفَّارَةُ إلَى نَوْعَيْنِ: مُخَيَّرَةٌ فِي أَوَّلِهَا وَمَرْتَبَةٌ فِي آخِرِهَا وَهِيَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَمُرَتَّبَةٌ فِي كُلِّهَا وَهِيَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَالظِّهَارِ. وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَخِصَالُهَا ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ (عِتْقُ رَقَبَةٍ) لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلِلرَّقَبَةِ الْمُجْزِئَةِ فِي الْكَفَّارَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا شَرْطَيْنِ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (مُؤْمِنَةٍ) وَلَوْ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ تَبَعًا لِلسَّابِي أَوْ الدَّارِ، قَالَ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]   [حاشية البجيرمي] وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْخَطَأِ فَأَيْنَ الذَّنْبُ الَّذِي تَسْتُرُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ شَأْنُهَا ذَلِكَ، أَوْ الْغَالِبُ فِيهَا ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لِسِتْرِهَا الذَّنْبَ أَيْ مَحْوِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا جَابِرَةٌ كَسُجُودِ السَّهْوِ، وَيُجْبَرُ الْخَلَلُ الْوَاقِعُ فِي الصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ. وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، أَوْ تَخَفُّفُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا زَاجِرَةٌ كَالْحُدُودِ لِأَنَّ بِسَبَبِهَا يَنْزَجِرُ الْإِنْسَانُ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُوجِبِ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَمُرَتَّبَةٌ فِي آخِرِهَا) : بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِلصَّوْمِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ زِيَادِيٌّ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: وَمِمَّا يُنْسَبُ لِلْكَمَالِ بْنِ أَبِي شَرِيفٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: ظِهَارًا وَقَتْلًا رَتَّبُوا وَتَمَتُّعًا ... وَصَوْمًا كَمَا التَّخْيِيرُ فِي الصَّيْدِ وَالْأَذَى وَفِي حَالِفٍ بِاَللَّهِ رَتِّبْ وَخَيِّرَنْ ... فَذَلِكَ سَبْعٌ إنْ حَفِظْت فَحُبِّذَا فَقَوْلُهُ فِي النَّظْمِ: وَصَوْمًا الْمُرَادُ بِهِ كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَقَوْلُهُ: رَتِّبْ وَخَيِّرَنْ لَوْ قَالَ خَيِّرْ فَرَتِّبَنْ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهَا مُخَيِّرَةٌ ابْتِدَاءً مُرَتِّبَةٌ انْتِهَاءً فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الْقَتْلِ) قَدَّمَهُ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ وَلِأَنَّ فِي دَلِيلِهِ تَقْيِيدَ الرَّقَبَةِ بِالْمُؤْمِنَةِ، وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ مَقِيسَةٌ عَلَيْهِ فِي التَّقْيِيدِ وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَقِيسِ. قَوْلُهُ: (وَخِصَالُهَا ثَلَاثَةٌ) هَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرِّ الرَّشِيدِ، وَمِنْهُ الذِّمِّيُّ فَيُكَفِّرُ بِالْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ لِصِحَّتِهِمَا مِنْهُ. وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ وَلَا يَتَأَتَّى إطْعَامُهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الصَّوْمِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُسَلِّمَ وَيَصُومَ فَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَ الْوَطْءَ، وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ وَيَصُومَ ثُمَّ يَطَأُ، أَمَّا الرَّقِيقُ: فَلَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ، لِإِعْسَارِهِ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْهُ إذَا أَضْعَفَهُ عَنْ الْخِدْمَةِ لِتَضَرُّرِهِ بِدَوَامِ التَّحْرِيمِ وَالْمُبَعَّضُ كَالْحُرِّ إلَّا فِي الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ، وَأَمَّا السَّفِيهُ فَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ، إنَّهُ كَالْمُعْسِرِ حَتَّى لَوْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَكِنْ رَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ هُنَا بِالْمَالِ. كَمَا فِي الْقَتْلِ، لَكِنَّ الْمُخْرِجَ لَهُ وَهُوَ وَلِيُّهُ وَالنَّاوِي هُوَ السَّفِيهُ، وَفُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَالْأَيْمَانِ بِفُرُوقٍ، مِنْهَا تَكْرَارُ الْأَيْمَانِ عَادَةً فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ جَعْلِهِ فِيهَا كَالْمُعْسِرِ جَعَلُهُ فِي الظِّهَارِ كَالْمُعْسِرِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَالْمُكَلَّفُ يَمْتَنِعُ مِنْهُ عَادَةً، سم مَعَ تَصَرُّفٍ. وَقَوْلُهُ وَمِنْهُ الذِّمِّيُّ فَيُكَفِّرُ بِالْإِعْتَاقِ إلَخْ وَيُمْكِنُ مِلْكُهُ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، كَأَنْ يُسْلِمَ عَبْدُهُ أَوْ عَبْدُ مُوَرِّثِهِ فَيَمْلِكُهُ أَوْ يَقُولُ الْمُسْلِمُ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنْ كَفَّارَتِي فَيُجِيبُهُ وَهَذِهِ إحْدَى الصُّوَرِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الْمُسْلَمُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ. وَقَدْ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَمُسْلِمٌ يَدْخُلُ مِلْكِ كَافِرٍ ... فِي الْإِرْثِ وَالرَّدُّ بِعَيْبٍ ظَاهِرُ إقَالَةٌ وَفَلَسٌ وَمَا وُهِبَ ... أَصْلٌ وَمَا اسْتَعْقَبَ عِتْقًا بِسَبَبٍ وَقَوْلُهُ: وَمَا اسْتَعْقَبَ إلَخْ يَدْخُلُ فِيهِ ثَلَاثِ صُوَرٍ، مِلْكُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَمَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ. قَوْلُهُ: (عِتْقُ رَقَبَةٍ) بِمَعْنَى إعْتَاقِ رَقَبَةٍ وَلَوْ مَغْصُوبَةً وَآبِقَةً وَمَرْهُونَةً وَالرَّاهِنُ مُوسِرٌ وَجَانِيَةً وَمُتَحَتِّمًا قَتَلَهَا فِي حِرَابَةٍ وَإِنْ كَانَ الْإِعْتَاقُ فِي دَفْعَتَيْنِ كَأَنْ مَلَكَ مُعْسِرٌ نِصْفَ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ مَلَكَ نِصْفَهُ الْآخَرَ فَأَعْتَقَهُ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا عِنْدَ إعْتَاقِ بَاقِيهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا. اهـ. سم. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الرَّقَبَةُ مُلَفَّقَةً مِنْ شَخْصَيْنِ، بِأَنْ مَلَكَ نِصْفَيْ رَقِيقَيْنِ وَبَاقِيهِمَا أَوْ بَاقِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ حُرٌّ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا أَمَّا إذَا كَانَ بَاقِيهِمَا رَقِيقًا فَيَفْصِلُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا صَحَّ الْعِتْقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ يَسْرِي إلَى الْبَاقِي وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (مُؤْمِنَةٍ) أَيْ فَلَا تُجْزِئُ الْكَافِرَةُ، وَيَنْبَغِي أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمَرِيضِ إذَا شُفِيَ مِنْ الْإِجْزَاءِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ كَافِرًا فَتَبَيَّنَ إسْلَامَهُ الْإِجْزَاءُ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا كَمَا فِي عش عَلَى مَرَّ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مُؤْمِنَةٍ: أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 وَأَلْحَقَ بِهَا غَيْرَهَا قِيَاسًا عَلَيْهَا أَوْ حَمْلًا لِإِطْلَاقِ آيَةِ الظِّهَارِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي آيَةِ الْقَتْلِ، كَحَمْلِ الْمُطْلَقِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] الشَّرْطُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (سَلِيمَةً مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ) إضْرَارًا بَيِّنًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَكْمِيلُ حَالِهِ لِيَتَفَرَّغَ لِوَظَائِفِ الْأَحْرَارِ. وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إذَا اسْتَقَلَّ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ.   [حاشية البجيرمي] قَبْلَ الْعِتْقِ فَلَوْ قَارَنَ الْعِتْقُ الْإِسْلَامَ لَمْ يَجُزْ وَإِطْلَاقُ الرَّقَبَةِ عَلَى الرَّقِيقِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ وَالرَّقَبَةُ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى اتِّفَاقًا وَالْخُنْثَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ إجْزَاءِ الْخُنْثَى لِأَنَّ الْخُنُوثَةَ عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ الدَّارِ) صُورَتُهُ: أَنْ يَجِدَ لَقِيطًا فِي بَلَدٍ فِيهَا مُسْلِمُونَ فَيَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْحُرِّيَّةِ ثُمَّ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ، أَنَّهُ رَقِيقٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى رَقِّهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِأَبَوَيْهِ بِإِسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَعْتِقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلدَّارِ وَإِذَا اشْتَرَاهُ أَحَدٌ يَصِحُّ أَنْ يَعْتِقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ، فَإِنْ وَصَفَ الْكُفْرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ فَلَا يُجْزِئُ إذْ ذَاكَ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. وَاعْلَمْ: أَنَّ الشُّرُوطَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الرَّقَبَةِ سِتَّةٌ الْإِيمَانُ، وَعَدَمُ الْعَيْبِ، وَعَدَمُ الْعِوَضِ، وَكَمَالُ الرِّقِّ فِي الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْعِتْقِ، وَالْحُرِّيَّةُ فِي الْمُعْتَقِ. وَقَدْ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ نَظْمًا مِنْ الرَّجَزِ فَقَالَ: لِصِحَّةِ الْإِعْتَاقِ عَنْ كَفَّارَةٍ ... سِتُّ شُرُوطٍ بِأَوْجَزِ الْعِبَارَةِ حُرِّيَّةُ الْمُعْتَقِ إيمَانُ الْعَتِيقِ ... وَفَقْدُهُ لِلْعَيْبِ كَيْ كَسْبًا يُطِيقُ كَمَالُ رِقٍّ عَدَمُ اسْتِحْقَاقٍ ... لِلْعِتْقِ فَافْهَمْهُ بِلَا شِقَاقٍ وَعَدَمُ الْعِوَضِ تَمَامُ السِّتَّةِ ... لَا شَرْطٌ مِنْهَا نَاقِصٌ أَلْبَتَّةَ قَوْلُهُ: (قِيَاسًا عَلَيْهَا) : أَيْ بِجَامِعِ حُرْمَةِ سَبَبَيْهِمَا. وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْإِيمَانِ وَارِدٌ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ وَهُوَ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ فَكَيْفَ يُقَالُ بِجَامِعٍ إلَخْ. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ مُرَادَنَا، حُرْمَةُ الْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى كَوْنِهِ قَتْلَ خَطَأٍ. أَوْ لَا وَكَذَا قَرَّرَهُ ز ي عَنْ ابْنِ قَاسِمٍ. ثُمَّ رَاجَعْت شَرْحَ الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْوَرَقَاتِ، فَرَأَيْته أَشَارَ إلَى ذَلِكَ وَجَوَابُهُ بِقَوْلِهِ: وَالْمُقَيَّدُ بِالصِّفَةِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ كَالرَّقَبَةِ قُيِّدَتْ بِالْإِيمَانِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا فِي آيَةِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَأُطْلِقَتْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا فِي آيَةِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِيهَا: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] وَالسَّبَبُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ الْقَتْلُ وَفِي الثَّانِي الظِّهَارُ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ وُجُوبُ التَّحْرِيرِ، أَيْ الْإِعْتَاقِ وَالْجَامِعُ حُرْمَةُ سَبَبَيْهِمَا أَيْ فِي ذَاتِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ آيَةَ الْقَتْلِ وَارِدَةٌ فِي الْخَطَأِ وَلَا حُرْمَةَ فِيهِ عَلَى الْمُخْطِئِ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِجَامِعِ عَدَمِ الْإِذْنِ فِي السَّبَبِ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَمْلًا إلَخْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ وَإِلَّا فَالْحَمْلُ صَادِقٌ بِالْقِيَاسِ وَالْفَرْقُ اعْتِبَارُ الْجَامِعِ فِيهِ دُونَ الْحَمْلِ قَوْلُهُ: (لِإِطْلَاقِ آيَةِ الظِّهَارِ) الْأَنْسَبُ أَوْ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ فِي آيَةٍ إلَخْ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَالْمُرَادُ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، اعْتِبَارُ ذَلِكَ الْقَيْدِ فِي الْمُطْلَقِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا فَمَعْنَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْحُكْمُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمُطْلَقِ ذَلِكَ الْمُقَيَّدُ. قَوْلُهُ: (لِيَتَفَرَّغَ لِوَظَائِفِ الْأَحْرَارِ) : مِنْ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا أَيْ غَالِبًا وَإِلَّا فَمِنْ جُمْلَةِ وَظَائِفِ الْأَحْرَارِ الْإِمَامَةُ الْعُظْمَى وَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ غَيْرَ بَالِغٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصَمَّ أَوْ أَخْرَسَ مَعَ إجْزَاءِ كُلٍّ عَنْ الْكَفَّارَةِ. اهـ. خِضْرٌ. قَوْلُهُ: (إذَا اسْتَقَلَّ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ) : يَرُدُّ عَلَيْهِ الصَّغِيرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: لِيَتَفَرَّغَ إلَخْ: أَيْ حَالًّا أَوْ مَآلًا وَانْظُرْ لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ الْمُلْتَصِقَيْنِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ فَهَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ لِأَنَّ الْمُلْتَصِقَ بِهِ قَدْ لَا يُطَاوِعُهُ عَلَى ذَلِكَ. فِيهِ نَظَرٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 تَنْبِيهٌ: قَالَ الْأَصْحَابُ: مُلَاحَظَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَيْبِ هُنَا مَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ نَظِيرُ مُلَاحَظَتِهِ فِي عَيْبِ الْأُضْحِيَّةِ، مَا يُنْقِصُ اللَّحْمَ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودَ فِيهَا وَفِي عَيْبِ النِّكَاحِ مَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْجِمَاعِ وَفِي عَيْبِ الْمَبِيعِ مَا يُخِلُّ بِالْمَالِيَّةِ فَاعْتُبِرَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَا يَلِيقُ بِهِ فَيُجْزِئُ، صَغِيرٌ وَلَوْ ابْنَ يَوْمٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلِأَنَّهُ يُرْجَى كِبَرُهُ كَالْمَرِيضِ يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَأَقْرَعُ وَهُوَ مَنْ لَا نَبَاتَ بِرَأْسِهِ، وَأَعْرَجُ يُمْكِنُهُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ بِأَنْ يَكُونَ عَرَجُهُ غَيْرَ شَدِيدٍ، وَأَعْوَرُ لَمْ يُضْعِفْ عَوَرُهُ بَصَرَ عَيْنِهِ السَّلِيمَةِ، وَأَصَمُّ وَهُوَ فَاقِدُ السَّمْعِ، وَأَخْرَسُ إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ وَيَفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ، وَفَاقِدُ أَنْفِهِ وَفَاقِدُ أُذُنَيْهِ وَفَاقِدُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ، وَلَا يُجْزِئُ زَمِنٌ وَلَا فَاقِدُ رَجُلٍ أَوْ خِنْصَرٍ وَبِنْصَرٍ مِنْ يَدٍ أَوْ فَاقِدُ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَلَا فَاقِدُ أُنْمُلَةِ إبْهَامٍ لِتَعَطُّلِ مَنْفَعَةِ الْيَدِ. وَلَا يُجْزِئُ هَرَمٌ عَاجِزٌ وَلَا مَرِيضٌ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ. فَإِنْ بَرِئَ بَانَ الْإِجْزَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ.   [حاشية البجيرمي] وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى الْكَسْبِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ أَعْتَقَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْ لِأَنَّ الْكَسْبَ قَدْ يَحْصُلُ بِلَا عَمَلٍ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ اهـ. عش عَلَى مَرَّ. قَوْلُهُ: (كَلًّا) : أَيْ ثَقِيلًا أَيْ عَاجِزًا عَلَى نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُنْفِقٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الْكَلُّ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِأَمْرِ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ابْنَ يَوْمٍ) . وَتَكُونُ نَفَقَتُهُ حِينَئِذٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ فَعَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَخَالَفَ الْغُرَّةَ حَيْثُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ لِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ، وَغُرَّةُ الشَّيْءِ خِيَارُهُ. وَاسْتَشْكَلَ الْإِجْزَاءُ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ بَطْشَ يَدَيْهِ، وَمَشْيَ رِجْلَيْهِ وَإِبْصَارَ عَيْنَيْهِ وَسَمَاعَ أُذُنَيْهِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِجْزَاءِ فِيهِ بِنَاءٌ عَلَى السَّلَامَةِ فَإِنْ بَانَ خِلَافُهَا نَقَضَ الْحُكْمَ ز ي بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ عَقِبَ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ لِظَاهِرِ السَّلَامَةِ. قَوْلُهُ: (لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ) فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُقَيَّدْ بِعَدَمِ الْعِوَضِيَّةِ وَبِعَدَمِ عَيْبٍ يُخِلُّ بِالْعَمَلِ فَهَلَّا تَمَسَّكْتُمْ بِالْإِطْلَاقِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا أَيْضًا وَقُلْتُمْ بِإِجْزَائِهِ مَعَ الْعِوَضِيَّةِ وَالْعَيْبِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِمَا عُلِمَ مِنْ السُّنَّةِ. قَوْلُهُ: (وَأَقْرَعُ وَأَعْرَجُ) عِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ وَأَقْرَعُ أَعْرَجُ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْعَطْفِ، لِيُعْلَمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ أَحَدُهُمَا يُجْزِي بِالْأَوْلَى. اهـ. زي. قَوْلُهُ: (يُمْكِنُهُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ) : أَيْ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً ح ل. قَوْلُهُ: (وَأَعْوَرُ لَمْ يُضْعِفُ عَوَرُهُ إلَخْ) وَقَرَّرَ شَيْخُنَا إجْزَاءَ مَنْ يُبْصِرُ نَهَارًا وَلَا يُبْصِرُ لَيْلًا اكْتِفَاءً بِإِبْصَارِهِ وَقْتَ الْعَمَلِ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَقْتَ عَمَلِهِ اللَّيْلُ لَا يُجْزِئُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ وَقْتُ الْعَمَلِ بِالْفِعْلِ حُرِّرَ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ حَجَرٍ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ يُبْصِرُ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ يَأْتِي فِيهِ مَا يَأْتِي فِي الْمَجْنُونِ وَذَكَرَ عَنْ بَحْثِ الْأَذْرَعِيِّ: أَنَّ الْمَجْنُونَ الَّذِي يُفِيقُ وَيُجَنُّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إفَاقَتُهُ نَهَارًا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ غَالِبَ الْكَسْبِ إنَّمَا يَتَيَسَّرُ نَهَارًا قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَيَسَّرَ لَهُ لَيْلًا أَجْزَأَهُ حَرَّرَ حَلَّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُضْعِفْ عَوَرُهُ) أَيْ ضَعْفًا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ قَوْلُهُ: (وَأَصَمُّ وَأَخْرَسُ) : فَإِنْ اجْتَمَعَا أَجْزَأَ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ الْخَرَسِ الْأَصْلِيِّ الصَّمَمَ حَلَّ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، كَمَا فِي الْإِسْعَادِ لِابْنِ أَبِي شَرِيفٍ وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ اجْتَمَعَ الصَّمَمُ وَالْخَرَسُ أَجْزَأَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ اهـ. وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ ضَعْفَ مَا فِي الدَّمِيرِيِّ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَمِنْ وَلَدٍ أَخْرَسَ يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ تَبَعًا أَوْ بِإِشَارَتِهِ الْمُفْهِمَةِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ صَلَاتَهُ حَلَّ. قَوْلُهُ: (إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ وَيَفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ) : قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: الظَّاهِرُ تَلَازُمُ الْمَعْنَيَيْنِ، فَمَنْ فَهِمَ الْإِشَارَةَ أَفْهَمَ بِهَا وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَفَاقِدُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ) : لِأَنَّ فَقْدَ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ بِخِلَافِ فَاقِدِ أَصَابِعِ يَدِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ خِنْصَرٍ وَبِنَصْرٍ) . أَيْ أَوْ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَتْنُ الْمَنْهَجِ أَيْ بِخِلَافِ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ فَقَدَ أَحَدَهُمَا فَقَطْ. قَوْلُهُ: (أَوْ فَاقِدُ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا) : وَعِبَارَةُ الدِّمْيَاطِيِّ وَيُجْزِئُ مَقْطُوعُ الْخِنْصَرِ مِنْ يَدٍ وَالْبِنْصِرِ مِنْ أُخْرَى وَالْمَجْبُوبُ وَالْأَمَةُ الرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَاقِدُ أُنْمُلَةِ إبْهَامٍ) : أَيْ لِكَوْنِهِ ذَا أُنْمُلَتَيْنِ فَقَطْ فَلَوْ كَانَ ذَا ثَلَاثَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضُرَّ فَقْدُ أُنْمُلَةٍ قِيَاسًا عَلَى السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَلَوْ كَانَتْ السَّبَّابَةُ أَوْ الْوُسْطَى ذَاتَ أَرْبَعٍ، هَلْ يُغْتَفَرُ فَقْدُ أُنْمُلَتَيْنِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُغْتَفَرُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْزِئُ هَرِمٌ) الْهَرِمُ بِكَسْرِ الرَّاءِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْهَرَمِ بِفَتْحِهَا، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مَرَضٌ طَبِيعِيٌّ ز ي وَفِي الْمُخْتَارِ الْهَرَمُ كِبَرُ السِّنِّ وَقَدْ هَرِمَ مِنْ بَابِ طَرِبَ. قَوْلُهُ: (عَاجِزٌ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَصْفٌ غَيْرُ كَاشِفٍ لِلِاحْتِرَازِ، عَمَّا إذَا كَانَ هَرِمًا يَقْدِرُ عَلَى صَنْعَةٍ يَكْتَفِي بِهَا قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَرِئَ) أَيْ كُلٌّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 الشَّرْطُ الثَّالِثُ: كَمَالُ الرِّقِّ فِي الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، فَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ بِأَنْ كَانَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا بِنِيَّةِ عِتْقِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهَا إلَى الْكَفَّارَةِ وَلَا عِتْقُ أُمِّ وَلَدٍ لِاسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ وَلَا عِتْقُ ذِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَنَّ عِتْقَهُ يَقَعُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ، وَيُجْزِئُ مُدَبَّرٌ وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ. الشَّرْطُ الرَّابِعُ: خُلُوُّ الرَّقَبَةِ عَنْ شَوْبِ الْعِوَضِ، فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِعِوَضٍ، يَأْخُذُهُ مِنْ الرَّقِيقِ كَأَعْتَقْتُكَ عَنْ كَفَّارَتِي عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ أَلْفًا أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ كَأَعْتَقْتُ عَبْدِي هَذَا عَنْ كَفَّارَتِي بِأَلْفٍ لِي عَلَيْك، فَقِيلَ: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْإِعْتَاقُ عَنْ كَفَّارَتِهِ. وَضَابِطُ مَنْ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ كُلُّ مَنْ مَلَكَ رَقِيقًا أَوْ ثَمَنَهُ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ شَرْعًا، نَفَقَةً وَكُسْوَةً   [حاشية البجيرمي] مِنْ الْهَرَمِ وَالْمَرِيضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُعْتِقَ أَعْمَى فَأَبْصَرَ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَالْفَرْقُ تَحَقُّقُ الْيَأْسِ فِي الْعَمَى، وَعَوْدُ الْبَصَرِ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ بِخِلَافِ الْمَرَضِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَدْ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ لَوْ ذَهَبَ بَصَرُهُ بِجِنَايَةٍ فَأَخَذَ دِيَتَهُ، ثُمَّ عَادَ اُسْتُرِدَّتْ لِأَنَّ الْعَمَى الْمُحَقَّقُ لَا يَزُولُ اهـ. وَلَكِنْ لَك أَنْ تَحْمِلَ مَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُهُ وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت مَرَّ اعْتَمَدَ هَذَا الْفَرْقَ وَصُوَرُ تَحَقُّقِ الزَّوَالِ بِمَا إذَا أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ كَالسَّيِّدِ عِيسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. اهـ. سم. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَعْصُومِ مَا لَوْ دَلَّتْ الْقَرَائِنُ الْقَطْعِيَّةُ عَلَى عَدَمِ زَوَالِهِ. اهـ. عش. وَقَوْلُهُ: تَحَقُّقُ الْيَأْسِ أُخِذَ مِنْ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْيَأْسُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْخِلْقِيِّ وَالْحَادِثِ اهـ. زي قَالَ عش عَلَى مَرَّ. وَلَوْ أَبْصَرَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا كَانَ بِعَيْنِهِ غِشَاوَةٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْمَى لَمْ يَجُزْ لِفَسَادِ النِّيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، حَيْثُ أَجْزَأَ إذَا بَرِئَ أَنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ فِيهِ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ تُنَافِي الْإِجْزَاءَ فَضَعُفَ تَأْثِيرُهُ فِي النِّيَّةِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَعْمَى. وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ زَوَالُ الْجُنُونِ وَالزَّمَانَةِ فَلَا يَكْفِي عَنْ الْكَفَّارَةِ أَخْذًا مِنْ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْعَمَى الْمُحَقَّقُ أَيِسَ مَعَهُ مِنْ عَوْدِ الْبَصَرِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ وَالزَّمَانَةِ الْمُحَقَّقَيْنِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ بَلْ عُهِدَ وَشُوهِدَ وُقُوعُهُ كَثِيرًا اهـ. قَوْلُهُ: (كَمَالُ الرِّقِّ) : الْمُرَادُ بِكَمَالِ الرِّقِّ، أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ بِجِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْكَفَّارَةِ، كَالْكِتَابَةِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْقَرَابَةِ فَلَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ كَمَالُ الرِّقِّ: أَيْ الرِّقُّ الْكَامِلُ فَخَرَجَ مَنْ سَيَذْكُرُهُ مِمَّنْ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ رِقَّهُ كَالنَّاقِصِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إعْتَاقِهِ إذْ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ إلَخْ) : فِي تَفْرِيعِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ كَمَالِ الرِّقِّ، نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَرِيبَ كَامِلُ الرِّقِّ. اهـ. شَيْخُنَا. وَأَجَابَ مد بِقَوْلِهِ: كَمَالُ الرِّقِّ أَيْ الرِّقُّ الْكَامِلُ فَخَرَجَ مِنْ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ كَأَنَّ رِقَّهُ نَاقِصٌ اهـ. فَيَكُونُ الْمُرَادُ كَمَالُ الرِّقِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَفِّرِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا عِتْقُ أُمِّ وَلَدٍ) : وَلَا الْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَلَا يُجْزِئُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَلَا الْمُسْتَأْجَرُ لِعَجْزِهِمَا، عَنْ الْكَسْب لِنَفْسِهِمَا وَلِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَنَافِعِهِمَا وَبِهَذَا فَارَقَ الْمَرِيضَ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ وَالصَّغِيرَ، نَعَمْ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُدَّةِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْإِجَارَةِ إلَّا مَا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَبَحَثَ بَعْضُهُمْ الْإِجْزَاءَ حِينَئِذٍ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (صَحِيحَةٍ) : أَيْ بِخِلَافِ الْفَاسِدَةِ سم وَعِبَارَةُ قل وَلَا صَحِيحِ كِتَابَةٍ أَيْ لَمْ يَسْبِقْهَا تَعْلِيقُ عِتْقٍ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي، ثُمَّ كَاتَبَهُ فَإِذَا دَخَلَهَا وَلَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ سَيِّدِهِ عَتَقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ) : أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي عِتْقِ الْكَفَّارَةِ، التَّنْجِيزُ. اهـ. زي. وَيُجْزِئُ مَغْصُوبٌ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَخْلِيصِهِ، وَحَامِلٌ وَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا وَإِنْ اسْتَثْنَاهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (عَنْ شَوْبِ الْعِوَضِ) : الْأَوْلَى حَذْفُ شَوْبٍ لِعَدَمِ ظُهُورِ مَعْنًى لَهُ وَالْمَعْنَى يَسْتَقِيمُ بِدُونِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الرَّقِيقِ) كَانَ الظَّاهِرُ مِنْهُ قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ) بِمَعْنَى مِنْ مَعْطُوفٌ عَلَى مِنْ الرَّقِيقِ أَيْ بِأَخْذِهِ مِنْ الرَّقِيقِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مُتَعَلِّقٍ بِقَوْلِهِ عِوَضٍ: أَيْ بِعِوَضٍ كَائِنٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مِنْ أَجْنَبِيٍّ قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِ ذَلِكَ الْإِعْتَاقُ عَنْ كَفَّارَتِهِ) : أَيْ وَيُعْتَقُ بِالْعِوَضِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَنْ كَفَّارَتِي وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا عَتَقَ وَلَزِمَ الطَّالِبُ الْقِيمَةَ وَعَتَقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ: عَنْ كَفَّارَتِي عَتَقَ وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةٌ اهـ. وَلَوْ قَالَ: أَطْعِمْ عَنْ كَفَّارَتِي سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ مَدٌّ مِنْ جِنْسِ كَذَا صَحَّ، وَكَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 وَسُكْنَى وَأَثَاثًا وَإِخْدَامًا لَا بُدَّ مِنْهُ لَزِمَ الْعِتْقُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ تَقْدِيرِ مُدَّةِ النَّفَقَةِ وَبَقِيَّةِ الْمُؤَنِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ ذَلِكَ بِالْعُمُرِ الْغَالِبِ وَأَنْ يُقَدَّرَ بِسَنَةٍ، وَصَوَّبَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْهُمَا الثَّانِي. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهِمَا مَعَ أَنَّ مَنْقُولَ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَفِّرِ بَيْعُ ضَيْعَتِهِ وَهِيَ بِفَتْحِ الضَّادِ الْعَقَارُ وَلَا بَيْعُ رَأْسِ مَالِ تِجَارَتِهِ، بِحَيْثُ لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا مِنْ غَلَّةِ الضَّيْعَةِ، وَرِبْحُ مَالِ التِّجَارَةِ عَنْ كِفَايَتِهِ لِمُمَوَّنِهِ لِتَحْصِيلِ رَقِيقٍ يُعْتِقُهُ وَلَا بَيْعُ مَسْكَنٍ وَرَقِيقٍ نَفِيسَيْنِ أَلِفَهُمَا لِعُسْرِ   [حاشية البجيرمي] الْكُسْوَةُ إنْ نَوَى عِنْدَ الْإِخْرَاجِ الْكَفَّارَةَ فِيهِمَا، فَلَهُ بَدَلُ مَا أَخْرَجَهُ مَا لَمْ يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (فَاضِلًا) أَيْ الرَّقِيقُ أَوْ ثَمَنُهُ وَمِثْلُهُ الْإِطْعَامُ وَالْكُسْوَةُ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الثَّلَاثَةُ فَاضِلَةً عَنْ كِفَايَةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ) أَيْ وَعَنْ كُتُبِ فَقِيهٍ وَخَيْلِ جُنْدِيٍّ وَآلَةِ مُحْتَرِفٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَلَسِ، وَالْمُرَادُ كِفَايَةُ الْعُمُرِ الْغَالِبِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَيْ إنْ لَمْ يَبْلُغْهُ، فَإِنْ بَلَغَهُ فَالْمُعْتَبَرُ كِفَايَةُ سَنَةٍ وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ مَنْ قَالَ كِفَايَةُ الْعُمُرِ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ كِفَايَةُ سَنَةٍ وَكَذَا كُلُّ كَفَّارَةٍ، وَتَقْيِيدُ بَعْضِهِمْ بِالْمُرَتَّبَةِ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ الْكَلَامِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَأَثَاثًا) هُوَ مَتَاعُ الْبَيْتِ الْوَاحِدَةُ أَثَاثَةٌ وَقِيلَ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْعِتْقُ) هَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ عُلِمَ وَلَعَلَّهُ سَرَى لَهُ مِنْ عِبَارَةِ غَيْرِهِ هَكَذَا قِيلَ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ: لَزِمَهُ الْعِتْقُ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ: كُلُّ وَالْجُمْلَةُ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَضَابِطُ فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ وَالِاعْتِرَاضُ أَقْوَى. قَوْلُهُ: (بِالْعُمُرِ الْغَالِبِ) : أَيْ بِبَقِيَّتِهِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَا يَزِيدُ عَنْ كِفَايَةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ وَلَكِنَّهُ يَكْتَسِبُ مَا يَكْفِيهِ وَيَكْفِي مَنْ عَلَيْهِ كِفَايَتُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ وَالتَّعْوِيلُ عَلَى الْكَسْبِ لَا يَكْفِي لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَ الْعُمُرَ الْغَالِبَ قُدِّرَتْ كِفَايَتُهُ سَنَةً سَنَةً كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا حف. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ) : أَيْ التَّصْوِيبِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهَا مَعَ أَنَّ مَنْقُولَ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلُ وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ بِالثَّانِي عَلَى قِيَاسِ مَا صَنَعَ فِي الزَّكَاةِ، أَمَّا مَنْ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ كَمَنْ مَلَكَ رَقِيقًا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى خِدْمَتِهِ لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ ضَخَامَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ خِدْمَةِ نَفْسِهِ أَوْ مَنْصِبٍ يَأْبَى أَنْ يَخْدُمَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي حَقِّهِ كَالْمَعْدُومِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ مَنْقُولُ الْجُمْهُورِ، لَا مَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ جَارِيًا عَلَى رَأْيِهِ فِي الزَّكَاةِ أَيْ مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ يُعْطَى فِيهَا كِفَايَةَ سَنَةٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ أَوْ ضَخَامَةٍ اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالضَّخَامَةِ هَلْ هِيَ الْعَظَمَةُ أَوْ كِبَرُ الْجُثَّةِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا الثَّانِي وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ شَيْخُنَا أَوَّلًا ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا الْأَوَّلُ وَاعْتَمَدَهُ وَهِيَ التَّفَاخُرُ وَالتَّعَاظُمُ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ مَنْصِبٌ لِأَنَّ تِلْكَ ضَخَامَةٌ خَاصَّةٌ بِالْوِلَايَةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ سَبَبُهَا وِلَايَةٌ وَلَا مَنْصِبٌ كَمَا أَفَادَهُ خَضِرٌ. وَقَوْلُهُ: مَانِعَةٌ مِنْ خِدْمَةِ نَفْسِهِ أَيْ بِحَيْثُ تَحْصُلُ لَهُ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً، كَعِظَمِ جِسْمِهِ أَوْ لِوُجُودِ رُتْبَةٍ لَهُ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ عَطْفُ مَنْصِبٍ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ وَقَوْلُهُ: أَوْ مَنْصِبٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ وَيَبْعُدُ فِيمَنْ اعْتَادَ مِمَّنْ ذُكِرَ خِدْمَةُ نَفْسِهِ وَصَارَ ذَلِكَ خُلُقًا لَهُ اعْتِبَارُ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ خَادِمٍ يَخْدُمُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَفِّرِ بَيْعُ ضَيْعَتِهِ) أَيْ بَلْ يَعْدِلُ إلَى الصَّوْمِ فَإِنْ فَضَلَ دَخْلُهُمَا عَنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ بَيْعُهُمَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (الْعَقَارُ) كَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ مَا يَسْتَغِلُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُضَيِّعُ بِتَرْكِهَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَزِيدُ دَخْلُهُمَا عَلَى الْكِفَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُمَا جَمِيعَهُمَا لِكِفَايَتِهِ بِغَيْرِهِمَا إنْ كَانَ لَهُ غَيْرُهُمَا يَكْفِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُمَا وَكَانَ يَزِيدُ دَخْلُهُمَا عَنْ كِفَايَتِهِ قَالَ مَرَّ يَبِيعُ الْفَاضِلَ إنْ وَجَدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ، وَإِلَّا فَلَا يُكَلَّفُ بَيْعَ الْجَمِيعِ، إلَّا إنْ كَانَ الْفَاضِلُ مِنْ ثَمَنِهَا يَكْفِيهِ الْعُمُرَ الْغَالِبَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُ مَرَّ يَبِيعُ الْفَاضِلَ أَيْ مَا يُقَابِلُ الْفَاضِلَ عَنْ كِفَايَتِهِ وَهُوَ بَعْضُ الضَّيْعَةِ وَبَعْضُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ قَوْلُهُ: (أَلِفَهُمَا) مَعْنَى أَلِفَهُمَا أَنْ يَكُونَا بِحَيْثُ يَشُقُّ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُمَا مَشَقَّةً لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً، فَلَوْ اتَّسَعَ الْمَسْكَنُ الْمَأْلُوفُ بِحَيْثُ يَكْفِيهِ بَعْضُهُ وَبَاقِيهِ يُحَصِّلُ رَقَبَةً لَزِمَهُ تَحْصِيلُهَا حَلَّ قَالَ مَرَّ فِي شَرْحِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 مُفَارَقَةِ الْمَأْلُوفِ وَلَا يَجِبُ شِرَاءٌ بِغَبْنٍ وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ: اعْتِبَارُ الْيَسَارِ الَّذِي يَلْزَمُهُ بِهِ الْإِعْتَاقُ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ، لَا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ وَلَا بِأَيِّ وَقْتٍ كَانَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخَصْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) رَقَبَةً يُعْتِقُهَا بِأَنْ عَجَزَ عَنْهَا حِسًّا أَوْ شَرْعًا {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. فَلَوْ تَكَلَّفَ الْإِعْتَاقَ بِالِاسْتِقْرَاضِ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ تَرَقَّى إلَى الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا، وَيُعْتَبَرُ الشَّهْرَانِ بِالْهِلَالِ وَلَوْ نَقْصًا وَيَكُونُ صَوْمُهُمَا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْهُمَا، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ. وَيَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ اكْتِفَاءً بِالتَّتَابُعِ الْفِعْلِيِّ، فَإِنْ بَدَأَ بِالصَّوْمِ فِي   [حاشية البجيرمي] وَيُفَارِقُ مَا هُنَا مَا مَرَّ فِي الْحَجِّ مِنْ لُزُومِ بَيْعِ الْمَأْلُوفِ بِأَنَّ الْحَجَّ لَا بَدَلَ لَهُ وَلِلْإِعْتَاقِ بَدَلٌ. وَمَا مَرَّ فِي الْفَلَسِ مِنْ عَدَمِ تَبْقِيَةِ خَادِمٍ وَمَسْكَنٍ لَهُ بِأَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَدَلًا، كَمَا مَرَّ وَبِأَنَّ حُقُوقَهُ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِحَذْفِ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَمَنْ لَهُ أُجْرَةٌ تَزِيدُ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ لِجَمْعِ الزِّيَادَةِ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ فَلَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ جَمْعُ الزِّيَادَةِ فِي نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ قَبْلَ الصَّوْمِ وَجَبَ الْعِتْقُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ اهـ قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ شِرَاءٌ بِغَبْنٍ) كَأَنْ وَجَدَ رَقِيقًا لَا يَبِيعُهُ مَالِكُهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى الصَّوْمِ بَلْ عَلَيْهِ الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَجِدَهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ أَيْ غَيْرِ اللَّائِقِ بِهِ وَإِلَّا فَبَدِيعَةُ الْجَمَالِ ثَمَنُهَا كَثِيرٌ لَكِنَّهُ لَائِقٌ بِهَا فَيَجِبُ شِرَاؤُهَا وَلَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَةِ الرَّقِيقِ أَوْ ثَمَنِهِ وَلَا قَبُولُ إعْتَاقِهِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَقْتَ الْأَدَاءِ) أَيْ وَقْتَ إرَادَةِ الْأَدَاءِ أَيْ الْإِخْرَاجِ أَيْ إخْرَاجِهَا وَلَوْ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ هُوَ وَقْتُ الْقَتْلِ وَوَقْتُ الْجِمَاعِ وَوَقْتُ عَوْدِهِ فِي الظِّهَارِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَجْزُهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قَبْلُ فَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ، وَمَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَا يَنْتَقِلُ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَا بَعْدَ وَقْتِ الْأَدَاءِ أَيْضًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا حف. قَوْلُهُ: (وَلَا بِأَيِّ وَقْتٍ كَانَ) أَيْ وَلَا بِالْأَغْلَظِ مِنْهُمَا فَالْأَقْوَالُ أَرْبَعَةٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ عَجَزَ عَنْهَا) أَيْ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي التَّكْفِيرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَرْعًا) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ ثَمَنَهَا أَوْ وَجَدَهُ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْمُؤْنَةِ أَوْ وَجَدَهَا وَاحْتَاجَهَا لِلْخِدْمَةِ وَلَيْسَ مِنْ الْعَجْزِ الشَّرْعِيِّ وُجُودُهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا كَمَا فِي التَّيَمُّمِ بَلْ يُصَبَّرُ إلَى أَنْ يَجِدَهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا وَلَا يَنْتَقِلُ لِلصَّوْمِ. قَوْلُهُ: (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ) أَيْ بِالْهِلَالِ وَإِنْ نَقَصَا لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ فَلَوْ صَامَهُمَا ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ صَوْمِهِمَا أَنَّ لَهُ مَالًا وَرِثَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِصَوْمِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اهـ. حَجّ وم ر فَيَقَعُ صَوْمُهُ نَفْلًا مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّيْخُ خَضِرٌ: سُئِلَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ عَنْ حِكْمَةِ وُجُوبِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَوِقَاعِ نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا إذَا عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ وَعَنْ حِكْمَةِ عَدَمِ وُجُوبِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إذَا عَجَزَ عَنْ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَمَّا كَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْوِقَاعُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا غَلَّظَ عَلَيْهِ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلَا كَذَلِكَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَكْثَرَ وُقُوعًا مِنْ الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ خَفَّفَ فِيهِ مَا لَمْ يُخَفِّفْ فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَكَلَّفَ الْإِعْتَاقَ) الْمُنَاسِبَ لَكِنْ لَوْ تَكَلَّفَ إلَخْ قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُهُ) كَالِاتِّهَابِ. قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ) وَكَذَا تَجِبُ النِّيَّةُ فِي الْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ كَوْنِهَا ظِهَارًا مَثَلًا قَالَ مَرَّ فِي شَرْحِهِ فَلَوْ أَعْتَقَ مَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ لِقَتْلٍ وَظِهَارٍ رَقَبَتَيْنِ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَجْزَأَ عَنْهُمَا أَوْ رَقَبَةً كَذَلِكَ أَجْزَأَتْهُ عَنْ إحْدَاهُمَا مُبْهَمَةً وَلَهُ صَرْفُهُ إلَى إحْدَاهُمَا وَتَتَعَيَّنُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْأُخْرَى كَمَا لَوْ أَدَّى مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ بَعْضَهَا مُبْهَمًا فَإِنَّ لَهُ تَعْيِينُ بَعْضِهَا لِلْأَدَاءِ نَعَمْ لَوْ نَوَى غَيْرَ مَا عَلَيْهِ غَلَطًا لَمْ يُجْزِهِ وَإِنَّمَا صَحَّ فِي نَظِيرِهِ فِي الْحَدَثِ لِأَنَّهُ نَوَى رَفْعَ الْمَانِعِ الشَّامِلِ، لِمَا عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا اهـ. بِحُرُوفِهِ وَلَوْ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَاهُ. فَلَوْ عَيَّنَ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ عَنْ كَفَّارَةٍ وَالثَّانِي عَنْ الْأُخْرَى وَهَكَذَا لَمْ يَكْفِهِ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ التَّتَابُعِ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (فِي صَوْمِ الْفَرْضِ) أَيْ الْأَصْلِيِّ قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ) وَأَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ وَاقِعَةً بَعْدَ فَقْدِ الرَّقَبَةِ لَا قَبْلَهَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَدَأَ بِالصَّوْمِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَيُعْتَبَرُ الشَّهْرَانِ بِالْهِلَالِ أَيْ إنْ بَدَأَ بِالصَّوْمِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 أَثْنَاءِ شَهْرٍ، حُسِبَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيَفُوتُ التَّتَابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ كَانَ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ. أَمَّا إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ فَإِنْ كَانَ كَجُنُونٍ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّوْمَ، أَوْ كَمَرَضٍ مُسَوِّغٍ لِلْفِطْرِ ضَرَّ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخَصْلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيْ الصَّوْمَ الْمُتَتَابِعَ لِهَرَمٍ أَوْ لِمَرَضٍ يَدُومُ شَهْرَيْنِ ظَنًّا الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ أَوْ مِنْ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ لِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَلَوْ كَانَتْ الْمَشَقَّةُ لِشَبَقٍ وَهُوَ شِدَّةُ الْغُلْمَةِ أَيْ شَهْوَةِ الْوَطْءِ أَوْ خَوْفِ زِيَادَةِ مَرَضٍ (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ أَوْ فَقِيرًا لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ   [حاشية البجيرمي] بِفَوَاتِ يَوْمٍ إلَخْ) وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ مَاتَ الْمُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ هَلْ يَبْنِي وَارِثُهُ أَوْ يَسْتَأْنِفُ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الثَّانِي لِانْتِفَاءِ التَّتَابُعِ وَعَلَيْهِ فَيُخْرِجُ مِنْ تَرِكَتِهِ جَمِيعَ الْكَفَّارَةِ لِبُطْلَانِ مَا مَضَى مِنْ صَوْمِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ الصَّوْمِ بِمَوْتِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِوَارِثِهِ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى اهـ. عش عَلَى مَرَّ مَحَلُّ هَذَا إنْ لَمْ يَصُمْ وَارِثُهُ عَنْهُ قَوْلُهُ: (بِلَا عُذْرٍ) وَيَحْرُمُ قَطْعُهُ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّ الشَّهْرَيْنِ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ فِيهِمَا وَلَوْ لَيْلًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ فِي الظِّهَارِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْكَفَّارَةِ لَكِنَّهُ فِيهِ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اهـ. قَوْلُهُ: (كَجُنُونٍ) أَيْ مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَإِغْمَاءٍ مُسْتَغْرِقٍ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَإِنْ قِيلَ الْكَلَامُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَهِيَ خَاصَّةٌ بِالرَّجُلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ حَيْضٌ. أَجَابَ عَنْهُ مَرَّ بِقَوْلِهِ: لَا بِفَوَاتِهِ بِنَحْوِ حَيْضٍ أَيْ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إذْ كَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّ غَيْرَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مِثْلُهَا فِيمَا ذُكِرَ، وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِأَنْ تَصُومَ امْرَأَةٌ عَنْ مُظَاهِرٍ مَيِّتٍ قَرِيبٍ لَهَا أَوْ بِإِذْنِ قَرِيبِهِ أَوْ بِوَصِيَّتِهِ اهـ بِالْحَرْفِ. وَاعْتَرَضَ عش هَذَا التَّصْوِيرَ بِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّتَابُعُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ النَّائِبِ عَنْهُ فِي الصَّوْمِ أَيْ وَهُوَ التَّغْلِيظُ اهـ. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: بِنَحْوِ حَيْضٍ أَيْ فِي كَفَّارَةِ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَصَوَّرُ مِنْهَا بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَجِمَاعِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا فِيهِمَا وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَالْوَاجِبُ فِيهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْوَلَاءُ اهـ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ قَوْلُهُ: بِنَحْوِ حَيْضٍ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَخْلُ مُدَّةُ الصَّوْمِ عَنْ الْحَيْضِ فَإِنْ كَانَتْ تَخْلُو كَأَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَطْهُرَ شَهْرَيْنِ وَتَحِيضَ فِي الثَّالِثِ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَحَرَّى شَهْرَيْ الطُّهْرِ وَتَصُومَ فِيهِمَا فَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّ ذَلِكَ وَطَرَأَ الْحَيْضُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الْوَلَاءَ اهـ. قَالَ عش عَلَى مَرَّ وَلَوْ أَمَرَهُمْ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ لِلِاسْتِسْقَاءِ فَصَادَفَ ذَلِكَ صَوْمًا عَنْ كَفَّارَةٍ مُتَتَابِعَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصُومَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ شَغْلِ الْأَيَّامِ بِالصَّوْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ الصَّوْمُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِمَرَضٍ) أَيْ أَوْ سَفَرٍ أَيْ وَإِنْ جَازَ بِهِمَا الْفِطْرُ وَحَيْثُ بَطَلَ التَّتَابُعُ فَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ انْقَلَبَ مَا مَضَى نَفْلًا، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (يَدُومُ شَهْرَيْنِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْمَرَضِ أَبَدًا فِي الِانْتِقَالِ إلَى الْإِطْعَامِ فَإِنْ لَمْ يَدُمْ شَهْرَيْنِ بَلْ بَعْضَهُمَا انْتَظَرَ زَوَالَهُ وَلَا يَنْتَقِلُ لِلْإِطْعَامِ بَلْ يَصُومُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَرَضِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَالَ: سل لَك أَنْ تَقُولَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ انْتِظَارُ الْمَالِ الْغَائِبِ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْعِتْقِ وَلَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ فِي أَسْبَابِ إحْضَارِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَرَضُ اهـ. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَفَادَ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ ظَنًّا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِ ظَنًّا لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ وَظَنًّا نَكِرَةٌ وَقَدْ يُقَالُ الْمُسْتَفَادُ اسْمُ مَفْعُولٍ وَأَلْ الدَّاخِلَةُ عَلَيْهِ مَوْصُولَةٌ لَا مَعْرِفَةٌ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ نَكِرَةٌ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَإِنْ يُشَابِهُ الْمُضَافَ يَفْعَلُ ... وَصْفًا فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لَا يُعْزَلُ وَمِثْلُ الْمُضَافِ الْمَقْرُونُ بِأَلْ قَوْلُهُ: (مِنْ الْعَادَةِ) أَيْ مِنْ عَادَةِ الشَّخْصِ فَإِنْ أَخْلَفَ أَوْ زَالَ الْمَرَضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ لَمْ يُجْزِ الْإِطْعَامُ. اهـ. حَلَّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ) : أَيْ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ وَقَالَ مَرَّ: الْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِ عَدْلٍ مِنْهُمْ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ) : أَيْ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً وَإِنْ لَمْ تُبِحْ التَّيَمُّمَ، بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ بِالشَّبَقِ. اهـ. حَلَّ. قَوْلُهُ: (الْغُلْمَةُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ. قَوْلُهُ: (شَهْوَةُ الْوَطْءِ) أَيْ شِدَّةُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَيْ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ بِأَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ، فَلَا يُجْزِي دَفْعُهَا لِجِنِّيٍّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 وَيَكْفِي الْبَعْضُ مَسَاكِينُ وَالْبَعْضُ فُقَرَاءُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فَإِطْعَامُ تَبِعَ فِيهِ لَفْظَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالْمُرَادُ تَمْلِيكُهُمْ كَقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أَطْعَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَدَّةَ السُّدُسَ» أَيْ مَلَّكَهَا فَلَا يَكْفِي التَّغْدِيَةُ وَلَا التَّعْشِيَةُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ أَوْ يَكْفِي الدَّفْعُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ   [حاشية البجيرمي] فِي الْحَدِيثِ «فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ فُقَرَاءُ بَنِي آدَمَ، وَإِنْ احْتَمَلَ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ الصَّادِقِ بِالْجِنِّ وَقَدْ يُؤَيِّدُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ أَنَّهُ جُعِلَ لِمُؤْمِنِيهِمْ طَعَامٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْعَظْمُ وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ شَيْءٌ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْآدَمِيُّونَ عَلَى أَنَّا لَا نُمَيِّزُ بَيْنَ فُقَرَائِهِمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا نَظَرَ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْخَوَاصِّ. لِأَنَّا لَا نُعَوِّلُ عَلَى الْأُمُورِ النَّادِرَةِ وَآثَرَ التَّعْبِيرَ بِالْمِسْكِينِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يَعُمُّ الْفَقِيرَ، كَعَكْسِهِ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَلِأَنَّ شُمُولَهُ لِلْفَقِيرِ أَظْهَرُ مِنْ شُمُولِ الْفَقِيرِ لَهُ، وَخَرَجَ بِأَهْلِ الزَّكَاةِ غَيْرُهُمْ فَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا لِكَافِرٍ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ إذْ الْإِسْلَامُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي أَخْذِ غَيْرِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ تُدْفَعَ إلَى الذِّمِّيِّ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا لِهَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ وَمَوَالِيهِمْ، وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ وَلَا لِرَقِيقٍ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَاعْتُبِرَ فِيهَا صِفَاتُ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا خَبَرُ «فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك» فَمُؤَوَّلٌ أَيْ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا. فَلَمَّا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَمَلَّكَهُ إيَّاهُ، قَالَ: مَا أَحَدٌ أَفْقَرُ إلَيْهِ مِنَّا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " خُذْهُ " إلَخْ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَكُونُ عَنْ الْفَاضِلِ عَنْ الْقُوتِ وَمَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ ذَلِكَ وَتَبْقَى الْكَفَّارَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَا يَكْفِي أَقَلُّ مِنْ سِتِّينَ وَإِنْ دَفَعَ لَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ السِّتِّينَ مُدًّا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِعْطَاءُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَوْ دَفَعَ الْأَمْدَادَ لِلْإِمَامِ فَتَلِفَتْ قَبْلَ دَفْعِهَا لِلْمَسَاكِينِ لَمْ يُجْزِهِ، إذْ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ عَلَى الْكَفَّارَاتِ وَلَوْ دَفَعَ الْمُكَفِّرُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدًّا ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَدَفَعَهُ لِآخَرَ وَهَكَذَا إلَى تَمَامِ السِّتِّينَ كَفَى وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ حِكْمَةً لِكَوْنِهِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَهِيَ مَا قِيلَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى: خَلَقَ آدَمَ مِنْ سِتِّينَ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْأَحْمَرِ، وَالْأَصْفَرِ، وَالْأَسْوَدِ، وَالسَّهْلِ، وَالْوَعْرِ، وَالْحُلْوِ، وَالْعَذْبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ أَوْلَادِهِ كَذَلِكَ فَكَأَنَّ الْمُكَفِّرَ عَمَّ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ بِصَدَقَتِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ حِكْمَةُ كَوْنِ الصَّوْمِ سِتِّينَ يَوْمًا كَذَلِكَ كَمَا فِي قل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْوَأَ) وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ التَّعْبِيرَ بِالْمِسْكِينِ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ تَمْلِيكُهُمْ) أَيْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ تَمْلِيكٍ كَمَا فِي حَلَّ وَالْبِرْمَاوِيِّ قَالَ الشَّيْخُ سل: أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ بَيْنَهُمْ لَكِنْ إنَّمَا يُجْزِيهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَدٌّ حَتَّى لَوْ مَلَّكَهُمْ الْجُمْلَةَ بِالسَّوِيَّةِ وَأَقْبَضَهُمْ ثُمَّ اقْتَسَمُوهَا بِالتَّفَاوُتِ بِحَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لِبَعْضِهِمْ مُدٌّ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مَدٌّ فَيُكْمِلُ لِغَيْرِهِمْ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَرَّ اهـ. وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ تَبِعَ فِيهِ لَفْظَ الْقُرْآنِ لِلْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِالتَّمْلِيكِ، بِأَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مَلَّكَ سِتِّينَ مِسْكِينًا إلَخْ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ فَإِنْ عَجَزَ مَلَّكَ فِي ظِهَارٍ وَجِمَاعٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَهْلَ زَكَاةٍ مُدًّا مُدًّا قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَتَعْبِيرِي بِمَلَّكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: كَفَّرَ بِإِطْعَامٍ لِإِخْرَاجِ مَا لَوْ غَدَّاهُمْ أَوْ عَشَّاهُمْ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي اهـ. وَعِبَارَةُ قل عَلَى الْجَلَالِ وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ الْأَمْدَادَ وَالْمَسَاكِينَ وَيُمَلِّكَهَا لَهُمْ، وَلَوْ بِوَضْعِهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَلَهُمْ بَعْدَ مِلْكِهَا، قِسْمَتُهَا وَلَوْ مُتَفَاضِلًا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَخْذِ زِيَادَةٍ عَنْ الْمُدِّ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَا أَخَذَهُ لَزِمَ نَقْضُ غَيْرِهِ عَنْهُ فَلَا يُجْزِئُ أَوْ شَرِيكًا بِقَدْرِ الْمُدِّ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الزَّائِدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِّهِ وَلِهَذَا قَالَ الْخَطِيبُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ حَيْثُ مُسَامَحَةُ غَيْرِهِ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حِصَّتِهِ، فَتَأَمَّلْهُ. وَمِنْهُ يُعْلَمُ جَوَازُ تَرْكِ بَعْضِهِمْ حِصَّتَهُ لِغَيْرِهِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُمْ خُذُوهُ وَلَمْ يَقْبِضُوهُ لَمْ تُجْزِ قِسْمَتُهُ مُتَفَاضِلًا لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَصَحَّ قَبْضُهُمْ بِلَا تَقْدِيرٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُعَامَلَةٍ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْزِ دَفْعُ ثَوْبٍ وَاحِدٍ لِعَشَرَةِ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ثِيَابًا وَلَا لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَوْبٌ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَكْفِي التَّغْدِيَةُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَهِيَ مَا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالتَّعْشِيَةُ مَا يُؤْكَلُ بَعْدَهُ وَأَمَّا التَّغْذِيَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ الِاثْنَيْنِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا التَّعْشِيَةُ) أَيْ وَلَا إطْعَامُ أَقَلِّ مِنْ سِتِّينَ وَلَا إطْعَامُ سِتِّينَ مُدًّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 تَقْتَضِي اللَّفْظَ لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالتَّمْلِيكِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ. أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظٌ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَدَفْعِ الزَّكَاةِ وَلَا يَكْفِي تَمْلِيكُهُ كَافِرًا وَلَا هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَزَوْجَتِهِ وَقَرِيبِهِ، وَلَا إلَى مَكْفِيٍّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ وَلَا إلَى عَبْدٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَاعْتُبِرَ فِيهَا صِفَاتُ الزَّكَاةِ وَيَصْرِفُ لِلسِّتِّينَ الْمَذْكُورِينَ سِتِّينَ مُدًّا. (كُلُّ مِسْكِينٍ مُدٌّ) كَأَنْ يَضَعَهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَيُمَلِّكَهَا لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ يُطْلِقَ فَإِذَا قَبِلُوا ذَلِكَ أَجْزَأَ عَلَى الصَّحِيحِ. فَلَوْ فَاوَتَ بَيْنَهُمْ بِتَمْلِيكٍ: وَاحِدٍ مُدَّيْنِ، وَآخَرَ مُدًّا أَوْ نِصْفَ مُدٍّ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ قَالَ: خُذُوهُ وَنَوَى بِالسَّوِيَّةِ أَجْزَأَ فَإِنْ تَفَاوَتُوا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مُدٌّ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ مَعَهُ مَنْ أَخَذَ مُدًّا آخَرَ. وَهَكَذَا وَجِنْسُ الْأَمْدَادِ مِنْ جِنْسِ الْحَبِّ الَّذِي يَكُونُ فِطْرَةً فَيُخْرِجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِ   [حاشية البجيرمي] لِوَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظٌ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِي تَمْلِيكُهُ) أَيْ تَمْلِيكُ الْمُظَاهِرِ. قَوْلُهُ: (وَلَا إلَى مَكْفِيٍّ) عَطْفٌ عَلَى التَّوَهُّمِ كَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَلَا يَكْفِي دَفْعُهُ إلَى كَافِرٍ قَوْلُهُ: (صِفَاتُ الزَّكَاةِ) أَيْ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ وَلَا يَكْفِي صَرْفُهَا لِمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَيَصْرِفُ لِلسِّتِّينَ الْمَذْكُورِينَ سِتِّينَ مُدًّا) فَلَوْ دَفَعَ سِتِّينَ مُدًّا إلَى ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا أَجْزَأَهُ إطْعَامُ ثَلَاثِينَ إنْ لَمْ يَنْقُصْ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ مُدٍّ وَلَزِمَهُ صَرْفُ ثَلَاثِينَ مُدًّا إلَى ثَلَاثِينَ غَيْرِهِمْ، وَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْبَاقِي مِنْهُمْ إنْ أَعْلَمَهُمْ بِكَوْنِهَا كَفَّارَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ تَفَاوَتُوا فِي الْأَمْدَادِ السِّتِّينَ أَيْ فَلَا يَكْفِي نَعَمْ لَوْ أَخَذُوا الْجُمْلَةَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ ثُمَّ اقْتَسَمُوا لَمْ يَضُرَّ التَّفَاوُتُ فِي الْمَأْخُوذِ بَعْدَ الِاقْتِسَامِ فِي الْأَجْزَاءِ لِمِلْكِهِمْ قَبْلَهُ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ سم. قَوْلُهُ: (كُلُّ مِسْكِينٍ) أَيْ نَصِيبُ كُلِّ مِسْكِينٍ إلَخْ وَفِي نُسْخَةٍ مُدًّا بِالنَّصِّ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ أَيْ يُعْطِي مُدًّا وَقَرَّرَ شَيْخُنَا حف أَنَّ قَوْلَهُ كُلَّ مِسْكِينٍ إمَّا بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ سِتِّينَ أَوْ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ سِتِّينَ عَلَى الْمَحَلِّ أَوْ مَرْفُوعٌ نَائِبُ فَاعِلٍ لِمَحْذُوفٍ أَيْ يُطْعَمُ دَلَّ عَلَيْهِ إطْعَامٌ الْمُتَقَدِّمُ وَمُدًّا عَلَى الثَّلَاثَةِ مَنْصُوبٌ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِ مُدٍّ فَيَكُونُ كُلُّ مِسْكِينٍ مَرْفُوعًا أَيْ كُلُّ مِسْكِينٍ لَهُ مُدٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ يُطْلِقَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالسَّوِيَّةِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى حَدِّ وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ تَنْصِبْهُ إنْ ثَابِتًا أَوْ مُنْحَذِفْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَطْفُ بِأَوْ أَوْ بِالْوَاوِ أَوْ بِالْفَاءِ أَوْ بِثُمَّ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَبِلُوا) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْقَبُولِ عَدَمُ الرَّدِّ، وَلَوْ تَفَاوَتُوا بَعْدَ الْقَبُولِ لِوُجُودِ التَّسَاوِي حَالَ الْمِلْكِ إذْ بِالْقَبُولِ حَصَلَ الْمِلْكُ بِخِلَافِ مَا سَيَأْتِي، فِيمَا إذَا قَالَ: خُذُوهُ وَنَوَى الْكَفَّارَةَ فَأَخَذُوا مُتَفَاوِتِينَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِعَدَمِ التَّسَاوِي حَالَ التَّمْلِيكِ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَبُولٌ حَالَ التَّسَاوِي وَلَا الْأَخْذِ الْقَائِمِ مَقَامَ التَّسَاوِي بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ فِيهَا الْقَبُولُ الْمُحَصِّلُ لِلْمِلْكِ حَالَ التَّسَاوِي كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (عَلَى الصَّحِيحِ) يَرْجِعُ لِصُورَتَيْ الْوَضْعِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَإِنَّمَا آثَرَ التَّمْثِيلَ الْمَذْكُورَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ فَذَكَرَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ وَتَرَكَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ. وَهُوَ تَمْلِيكُ كُلِّ وَاحِدٍ مُدًّا عَلَى انْفِرَادِهِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْعُهْدَةِ بِهَذَا الْفِعْلِ. فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ إذَا كَمَّلَ الْمُدَّ لِمَنْ أَخَذَ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ يُجْزِي. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ خُذُوهُ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ هُنَا نَاوٍ التَّسْوِيَةَ وَهُنَاكَ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَأَيْضًا هُنَا لَمْ يُوجَدْ قَبُولٌ وَإِنَّمَا وُجِدَ فِعْلٌ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِيهَا قَبُولٌ بِالْفِعْلِ لَفْظًا وَعِبَارَةُ مَرَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ خُذُوهُ وَنَوَى الْكَفَّارَةَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُجْزِيهِ إنْ أَخَذُوا بِالسَّوِيَّةِ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِ مَنْ أَخَذَ مُدًّا لَا دُونَهُ اهـ. وَهِيَ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَأَوْلَى مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَنَوَى) أَيْ الْكَفَّارَةَ قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَفَاوَتُوا) أَيْ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالسَّوِيَّةِ لَمْ يُجْزِهِ لِلتَّفَاوُتِ قَبْلَ الْمِلْكِ، إذْ الْمِلْكُ هُنَا بِالْأَخْذِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْقَبُولِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مَدٌّ وَاحِدٌ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالْأَسْوَأِ وَلِلِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَخَذَ دُونَ مُدٍّ إلَّا وَاحِدًا فَإِنَّهُ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِتَمَامِهِ. فَكُلُّ مَنْ أَخَذَ دُونَ مُدٍّ لَمْ يُجْزِ مَا أَخَذَهُ إلَّا إنْ تَمَّمَ، وَمَنْ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِتَمَامِهِ لَمْ يُجْزِ مِمَّا أَخَذَهُ إلَّا مَدٌّ وَاحِدٌ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَيْهِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ) كَأَنْ عَلِمَ أَنَّ هُنَاكَ آخَرَ أَخَذَ مُدًّا كَامِلًا قَوْلُهُ: (مَعَهُ) أَيْ مَعَ هَذَا الْمُدِّ أَوْ مَعَ التَّفَاوُتِ، أَيْ فَيُجْزِئُ الْمُكَفِّرَ جَمِيعُ الْأَمْدَادِ الَّتِي عَلِمَ أَنَّهَا كَامِلَةٌ وَاحِدًا وَاحِدًا مَعَ كُلِّ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 الْمُكَفِّرِ فَلَا يُجْزِئُ نَحْوُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقُ وَالْخُبْزُ وَاللَّبَنُ. وَيُجْزِئُ الْأَقِطُ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ (وَلَا يَحِلُّ) لِلْمُظَاهِرِ ظِهَارًا مُطْلَقًا (وَطْؤُهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا (حَتَّى يُكَفِّرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَيُقَدَّرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فِي الْإِطْعَامِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْوَاقِعَةِ وَخَرَجَ بِالْوَطْءِ غَيْرُهُ كَاللَّمْسِ وَنَحْوِهِ، كَالْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي غَيْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَمَّا مَا بَيْنَهُمَا فَيَحْرُمُ كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. وَيَصِحُّ الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ كَمَا مَرَّ وَيَقَعُ مُؤَقَّتًا وَعَلَيْهِ إنَّمَا يَحْصُلُ الْعَوْدُ فِيهِ بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ لِأَنَّ الْحِلَّ مُنْتَظِرٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَالْإِمْسَاكُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِانْتِظَارِ الْحِلِّ وَالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَكَالتَّكْفِيرِ مُضِيُّ الْوَقْتِ لِانْتِهَائِهِ بِهَا. تَتِمَّةٌ: إذَا عَجَزَ مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ بَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يَطَأُ الْمُظَاهِرُ   [حاشية البجيرمي] تُحْسَبُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ الْحَالُ فِي أَخْذِهِمْ الْأَمْدَادَ مَعَ التَّفَاوُتِ أَيْ عَدِمَ الْعِلْمَ فِي أَخْذِهَا بِالسَّوِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ إلَّا مُدٌّ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِمُدٍّ آخَرَ كَامِلًا مَعَ وَاحِدٍ آخَرَ فَيُحْسَبُ هَذَا الثَّانِي أَيْضًا فَإِذَا ظَهَرَ ثَالِثٌ مَعَ آخَرَ حُسِبَ وَهَكَذَا هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ حف. قَوْلُهُ: (وَالْخُبْزُ) وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ جَوَازَهُ فَيُعْطَى كُلُّ أَحَدٍ رِطْلَيْنِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالصَّيْرَفِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَا بَأْسَ بِقَلِيلِ أُدْمٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَاللَّبَنُ) مَرْجُوحٌ وَالْمُعْتَمَدُ إجْزَاؤُهُ كَمَا فِي الْفِطْرَةِ قل. وَصَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (ظِهَارًا مُطْلَقًا) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِقَوْلِ الْمَتْنِ حَتَّى يُكَفِّرَ لِأَنَّ الظِّهَارَ الْمُؤَقَّتَ يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ فِيهِ إمَّا بَعْدَ التَّكْفِيرِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَلَوْ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَتَبْقَى الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ إنْ كَانَ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ فَإِنْ لَمْ يَطَأْ حَتَّى انْقَضَتْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَنْهَجِ وَبِهِ صَرَّحَ حَلَّ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يُكَفِّرَ) أَيْ إنْ لَمْ يَخَفْ الزِّنَا وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَحَرُمَ قَبْلَ تَكْفِيرٍ أَوْ مُضِيِّ مُدَّةِ ظِهَارٍ مُؤَقَّتٍ تَمَتُّعٌ حَرُمَ بِحَيْضٍ فَيَحْرُمُ التَّمَتُّعُ بِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَقَطْ اهـ. وَانْظُرْ لَوْ اضْطَرَّ إلَى الْوَطْءِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَقَدْ يُتَّجَهُ الْجَوَازُ حَيْثُ تَعَيَّنَ لِدَفْعِ الزِّنَا وَقَدْ يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ حَرُمَ بِحَيْضٍ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَقَدْ يُتَّجَهُ الْجَوَازُ حَيْثُ تَعَيَّنَ لِدَفْعِ الزِّنَا وَقَدْ يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ: حَرُمَ بِحَيْضٍ لِأَنَّ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذْ تَعَيَّنَ لِدَفْعِ الزِّنَا لَا يَحْرُمُ فِي الْحَيْضِ، كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ قَالَ: عش عَلَى مَرَّ. لَكِنْ يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا يُدْفَعُ بِهِ خَوْفَ الْعَنَتِ. قَوْلُهُ: (حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ) مَعْنَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْحُكْمُ، بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمُطْلَقِ ذَلِكَ الْمُقَيَّدُ. اهـ. شَنَوَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَيَحْرُمُ) أَيْ سَوَاءٌ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا قَوْلُهُ: (وَيَقَعُ مُؤَقَّتًا) هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ هُنَا، وَمَا قَبْلَهُ ذُكِرَ تَوْطِئَةً لَهُ فَلَا تَكْرَارَ وَقِيلَ يَقَعُ الْمُؤَقَّتُ مُؤَبَّدًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَحْصُلُ الْعَوْدُ إلَخْ) وَيَجِبُ عَلَيْهِ النَّزْعُ حَالًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يُكَفِّرَ أَوْ تَفْرُغَ الْمُدَّةُ قل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحِلَّ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ فَلَا يَحْصُلُ بِالْإِمْسَاكِ عَوْدٌ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَالْإِمْسَاكُ) أَيْ إمْسَاكُ الزَّوْجَةِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا أَيْ عَدَمُ طَلَاقِهَا عَقِبَ الظِّهَارِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِانْتِظَارِ الْحِلِّ أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَيَحِلُّ الظِّهَارُ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَوْلُهُ: أَيْ الْوَطْءُ فِي الْمُدَّةِ أَيْ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، أَيْ فَيَحِلُّ الظِّهَارُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ الْوَطْءِ فِيهَا لَكِنْ إنْ وَطِئَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (يُحْتَمَلُ إلَى قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَوْ أَمْسَكَهَا لِلْوَطْءِ خَاصَّةً يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَطَأْ بِالْفِعْلِ وَلِذَا وُجِدَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ الضَّرْبُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَلَّ إلَى قَوْلِهِ تَتِمَّةٌ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لِانْتِهَائِهِ) أَيْ الظِّهَارِ وَقَوْلُهُ بِهَا أَيْ بِالْوَقْتِ وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ لِتَأْوِيلِهِ بِالْمُدَّةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِهِ أَيْ الْوَقْتِ الْمُؤَقَّتِ بِهِ قَوْلُهُ: (إذَا عَجَزَ مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) وَيَحْصُلُ الْعَجْزُ عَنْ الْإِطْعَامِ بِعَدَمِ مَا يَفْضُلُ عَنْ كِفَايَةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْإِعْتَاقِ زِيَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ الْمَالِيَّةَ، إذَا عَجَزَ عَنْهَا وَقْتَ وُجُوبِهَا، فَإِنْ كَانَتْ لَا بِسَبَبٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 حَتَّى يُكَفِّرَ وَلَا تُجْزِئُ كَفَّارَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ خَصْلَتَيْنِ كَأَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَيَصُومَ شَهْرًا أَوْ يَصُومَ شَهْرًا وَيُطْعِمَ ثَلَاثِينَ. فَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ الرَّقَبَةِ صَامَ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ بَعْضَ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُهُ وَلَوْ بَعْضَ مُدٍّ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَيَبْقَى الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ، وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ كَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا وَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَلَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى رَقَبَةٍ أَعْتَقَهَا عَنْ إحْدَاهُمَا وَصَامَ عَنْ الْأُخْرَى إنْ قَدَرَ وَإِلَّا أَطْعَمَ. فَصْلٌ: فِي اللِّعَانِ   [حاشية البجيرمي] مِنْ الْعَبْدِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْتَقِرَّ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ أَوْ لَا، كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَمَعْنَى كَوْنِهَا تَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ أَنَّهَا تَسْتَقِرُّ مُرَتَّبَةً، كَمَا كَانَتْ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى خَصْلَةٍ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَكْثَرَ رَتَّبَ، وَالثَّابِتُ فِي ذِمَّتِهِ الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّنْبِيهِ مِنْ أَنَّ الثَّابِتَ فِي ذِمَّتِهِ الْخَصْلَةُ الْأَخِيرَةُ وَلِمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: مِنْ أَنَّهُ إحْدَى الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ وَلَوْ تَرَكَ الْجَمِيعَ مَعَ الْقُدْرَةِ، عُوقِبَ عَلَى أَدْنَاهَا أَوْ فَعَلَ الْجَمِيعَ أُثِيبَ عَلَى أَعْلَاهَا فَرْضًا، وَالْبَاقِي يَقَعُ لَهُ نَفْلًا إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ جَمِيعَهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ وَإِلَّا فَلَا تُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الشَّارِعِ بَلْ لَا يَبْعُدُ تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَقَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ الْأَزْهَرِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجَمِيعِ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَمِيعَ هُوَ الْوَاجِبُ أَيْ الْكَفَّارَةُ وَيُبَاحُ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ. قُلْت: وَهَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ أَوْ الصَّلَاةِ فَرْضٌ لَا يَضُرُّهُ إلَّا إنْ قَيَّدَ بِالْجَاهِلِ، وَإِلَّا فَيَسْتَوِي مَا هُنَا بِذَاكَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالْمُعَادَةِ فَإِنْ نَوَى بِهَا الْفَرْضَ عَلَيْهِ لَا تَنْعَقِدُ فَكَذَا هُنَا اهـ رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَطَأُ الْمُظَاهِرُ حَتَّى يُكَفِّرَ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، نَعَمْ إنْ خَافَ الْعَنَتَ جَازَ لَهُ الْوَطْءُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لَكِنْ بِقَدْرِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ خَوْفَ الْعَنَتِ اهـ. عش. بِالْمَعْنَى وَمَا فِي حَاشِيَةِ قل ضَعِيفٌ فَلْيُحْذَرْ. قَوْلُهُ: (وَيَبْقَى الْبَاقِي) مِنْ جِنْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَيَلْزَمُهُ بَقِيَّةُ الْأَمْدَادِ وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (وَلَا نَظَرَ) أَيْ وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ السُّقُوطِ بِكَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا، وَهُوَ إخْرَاجُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ أَيْ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ أَسْقَطَ مَا بَقِيَ قِيَاسًا عَلَى الْفِطْرَةِ وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَيَبْقَى الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ إلَخْ. فَقَوْلُهُ: كَوْنُهُ فَعَلَ شَيْئًا أَيْ بِكَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا وَهُوَ بَعْضُ الْكَفَّارَةِ، وَهُوَ بَعْضُ الْأَمْدَادِ فَقَوْلُهُ: وَلَا نَظَرَ رَدٌّ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ صَاحِبَ هَذَا مُتَوَهِّمٌ وَغَالِطٌ، هَذَا وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ سُقُوطِ بَاقِي الْكَفَّارَةِ، لِكَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ لِكَوْنِهِ فَعَلَ بَعْضَهَا لِأَنَّ فِعْلَهُ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ مُحَقَّقٌ لَا مُتَوَهَّمٌ، وَإِنَّمَا الْمُتَوَهَّمُ سُقُوطُ بَاقِيهَا بِفِعْلِ بَعْضِهَا، كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا حف. وَعِبَارَةُ مد وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ كَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا أَيْ وَهُوَ إخْرَاجُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ أَيْ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِيَ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَلَكِنْ قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ، عَلَى الْعِتْقِ أَوْ الصَّوْمِ وَجَبَ لِأَنَّ مَا أَخْرَجَهُ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَلَعَلَّهُ لَيْسَ مُرَادًا، وَلَوْ شَرَعَ الْمُكَفِّرُ فِي خَصْلَةٍ فَقَدَرَ عَلَى أَعْلَى مِنْهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ لِشُرُوعِهِ فِي الْمَقْصُودِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَهُ ذَلِكَ اهـ. قل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ خَصْلَةٍ وَهِيَ الْإِطْعَامُ فَقَطْ أَتَى بِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ لَا يَتَبَعَّضُ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْقُدْرَةِ عَلَى بَعْضِ عِتْقٍ وَلَا صَوْمٍ وَيَبْقَى الْبَاقِي بِذِمَّتِهِ يُخْرِجُهُ إذَا أَيْسَرَ فَلَوْ بَعْدَ إخْرَاجِ ذَلِكَ الْبَعْضِ عَلَى غَيْرِ الْإِطْعَامِ: كَالرَّقَبَةِ أَوْ الصَّوْمِ، لَمْ يَجِبْ الْإِتْيَانُ بِذَلِكَ لِشُرُوعِهِ فِي الْإِطْعَامِ وَقَوْلُهُ وَيَبْقَى الْبَاقِي مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَتَى بِهِ، وَعُلِمَ مِنْ اسْتِقْرَارِ الْكَفَّارَةِ فِي ذِمَّتِهِ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الظِّهَارِ لَا يَطَأُ حَتَّى يُكَفِّرَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [فَصْلٌ فِي اللِّعَانِ] ِ ذَكَرَهُ عَقِبَ الظِّهَارِ، لِأَنَّ اللِّعَانَ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ كَمَا يَأْتِي. وَكُلٌّ مِنْ اللِّعَانِ وَالظِّهَارِ يَصِحُّ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ وَاللِّعَانُ مَصْدَرٌ لِلَاعَنَ كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 هُوَ لُغَةً الْمُبَاعَدَةُ وَمِنْهُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَيْ أَبْعَدَهُ وَطَرَدَهُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِبُعْدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الرَّحْمَةِ أَوْ لِبُعْدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا وَشَرْعًا كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إلَى قَذْفِ مَنْ لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ لِعَانًا لِقَوْلِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَإِطْلَاقُهُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَجَازِ التَّغْلِيبِ، وَاخْتِيرَ لَفْظُهُ دُونَ لَفْظِ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي اللِّعَانِ لِكَوْنِ اللَّعْنَةِ مُتَقَدِّمَةً فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلِأَنَّ لِعَانَهُ قَدْ يَنْفَكُّ   [حاشية البجيرمي] لِفَاعِلِ الْفِعَالِ وَالْمُفَاعَلَهْ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لِلَعْنٍ كَصَعْبٍ وَصِعَابٍ. قَوْلُهُ: (وَسُمِّيَ بِذَلِكَ) أَيْ سُمِّيَ مَعْنَى اللِّعَانِ بِلَفْظِ اللِّعَانِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْآتِي وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَهُ، كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، إذْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلِّعَانِ الْمُتَرْجَمِ بِهِ. قَوْلُهُ: (لِبُعْدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الرَّحْمَةِ) أَيْ لِبُعْدِ الْكَاذِبِ مِنْهُمَا وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بُعْدَهُمَا مَعًا فِيمَا إذَا كَانَ يُمْكِنُ الصَّادِقُ مِنْهُمَا السَّتْرَ وَلَمْ يُضْطَرَّ لِلِّعَانِ، فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ السَّتْرُ فَإِنْ لَمْ يَسْتُرْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ الرَّحْمَةِ الْكَامِلَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَاقْتَصَرَ شَيْخُنَا م د فِي الْحَاشِيَةِ عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا) أَيْ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا مَرَّ زي. قَوْلُهُ: (كَلِمَاتٌ) أَيْ خَمْسَةٌ، وَجُعِلَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي مَعَ أَنَّهَا أَيْمَانٌ عَلَى الْأَصَحِّ رُخْصَةً لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَاهَا وَصِيَانَةً لِلْأَنْسَابِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ شَرْحُ مَرَّ وَالْمُنَاسِبُ لِلْمَصْدَرِ قَوْلُ كَلِمَاتٍ وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا كَلِمَاتٍ مَعَ أَنَّهَا جُمَلٌ مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ قَوْلُهُ: (حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ) : بِمَعْنَى أَنَّهَا سَبَبٌ دَافِعٌ لِلْحَدِّ عَنْ الْمُضْطَرِّ أَيْ الْأَصْلُ فِيهِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَيَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَيِّنَةِ كَمَا يَأْتِي وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ إلَى نَفْيِ وَلَدٍ وَذَكَرَ الْمُضْطَرَّ لِلْغَالِبِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ يَنْفِيه فَلَا اضْطِرَارَ وَالْأَوْلَى لَهُ السَّتْرُ وَالطَّلَاقُ وَعِبَارَةُ خ ض قَوْلُهُ: لِلْمُضْطَرِّ لَيْسَ بِقَيْدٍ، حَتَّى لَوْ قَدَرَ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَاهَا لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِأَنَّ اللِّعَانَ كَالْبَيِّنَةِ حُجَّةٌ وَصَدَّنَا عَنْ الْأَخْذِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] مِنْ اشْتِرَاطِ تَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ الْإِجْمَاعُ. قَوْلُهُ: (إلَى قَذْفِ مَنْ) : أَيْ زَوْجَةٍ وَذَكَرَ ضَمِيرَ لَطَّخَ نَظَرًا لِلَفْظِ مَنْ وَالْمُرَادُ بِالْفِرَاشِ الزَّوْجَةُ أَيْ إلَى قَذْفِ زَوْجَةٍ لَطَّخَتْ نَفْسَهَا. قَوْلُهُ: (لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ) : مَبْنِيَّانِ لِلْفَاعِلِ وَضَمِيرُهُمَا عَائِدٌ عَلَى مَنْ الْوَاقِعُ عَلَى الزَّوْجَةِ، أَيْ إلَى قَذْفِ امْرَأَةٍ لَطَّخَتْ فِرَاشَهُ، أَيْ: الْمُضْطَرِّ وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ يُسَمَّى فِرَاشَ الْآخَرِ كَمَا يُسَمَّى لِبَاسَهُ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْفِرَاشِ الزَّوْجَةُ فَهُوَ مِنْ الْإِظْهَارِ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ الزَّانِي أَيْ إلَى قَذْفِ رَجُلٍ لَطَّخَ زَوْجَةَ الْمُضْطَرِّ. وَقَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ عَطْفَ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ. فَإِنْ قُلْت: هُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ لِلْقَذْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ. أُجِيبَ: بِأَنَّ كَلَامَهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافَيْنِ أَيْ إلَى دَفْعِ مُوجَبِ الْقَذْفِ إلَخْ وَالْمُوجَبُ بِفَتْحِ الْجِيمِ هُوَ الْحَدُّ، وَالْمُرَادُ بِالتَّلْطِيخِ التَّلْوِيثُ وَنِسْبَتُهَا لِلزِّنَا، وَالْقَذْفُ جَائِزٌ حِينَئِذٍ، وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ وَالتَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: أَوْ إلَى نَفْيِ وَلَدٍ اهـ. الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ أَنْ يَأْتِيَ إلَى الْحَاكِمِ فَيَقُولُ: هَذَا الْوَلَدُ أَوْ الْحَمْلُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ يُلَاعِنُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ الْحَاكِمُ أَيْ إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا مُؤَكَّدًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ ظَاهِرًا كَأَنْ لَمْ يَطَأْهَا أَوْ وَلَدَتْهُ لَهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ وَأَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ وَالْقَذْفُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ وَاجِبٌ حِينَئِذٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَسَمَّيْت هَذِهِ الْكَلِمَاتُ إلَخْ) : قَدْ وَجَّهَ التَّسْمِيَةَ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ: وَسُمِّيَ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ وَجَّهَ بِالْأَوَّلِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي وَالشَّارِحُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا لِكِفَايَتِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَكَانَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي ابْتِدَاءً كَالْقَسَامَةِ مَعَ أَنَّهَا أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ رُخْصَةً، لِتَعَسُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الزِّنَا وَصِيَانَةً لِلْأَنْسَابِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ نَفْيِ الْوَلَدِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِقَوْلِ الرَّجُلِ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ، ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ ثُمَّ تَوَسَّعَ فِيهِ، فَأُرِيدَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْوَاقِعَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَغْلِيبًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 عَنْ لِعَانِهَا وَلَا يَنْعَكِسُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الْآيَاتِ، وَسَبَبُ نُزُولِهَا ذَكَرْتُهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ. وَهِيَ يَمِينٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَمَا هُوَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، فَلَا يَصِحُّ لِعَانُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَلَا يَقْتَضِي قَذْفُهُمَا لِعَانًا بَعْدَ كَمَالِهِمَا وَلَا عُقُوبَةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَلَمْ يَقَعْ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ لِعَانٌ بَعْدَ اللِّعَانِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. (وَإِذَا رَمَى) أَيْ قَذَفَ (الرَّجُلُ) الْمُكَلَّفُ (زَوْجَتَهُ)   [حاشية البجيرمي] وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ فِي الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى فِي أَوَائِلِ سُورَةِ النُّورِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] أَيْ يَقْذِفُونَهُنَّ بِالزِّنَا قَوْلُهُ: (الْآيَاتِ) أَيْ إلَى قَوْلِهِ: {مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأعراف: 70] وَفِي نُسْخَةٍ الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِهِ جِنْسُهَا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ آيَاتٌ قَوْلُهُ: (وَسَبَبُ نُزُولِهَا ذَكَرْته) أَيْ مُفَصَّلًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ سَيَأْتِي مُلَخَّصًا بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ إلَخْ. قَالَ: شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَسَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ:» إذَا رَأَى أَحَدُنَا رَجُلًا عَلَى امْرَأَتِهِ يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَرِّرُ ذَلِكَ فَقَالَ: «وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنَزِّلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْجَلْدِ» فَنَزَلَتْ الْآيَاتُ. وَرُوِيَ «أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدَ أَحَدُنَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا مَاذَا يَصْنَعُ إنْ قَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ فَكَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك قُرْآنًا فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا» فَتَلَاعَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ. وَلِهَذَا جَعَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا هُوَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ، وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ حَمَلَ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حُكْمُ وَاقَعْتُكِ تَبَيَّنَ مِمَّا أُنْزِلَ فِي هِلَالٍ إذْ الْحُكْمُ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ اهـ وَعِبَارَةُ عش عَلَى مَرَّ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ نُزُولِ آيَةِ اللِّعَانِ هَلْ بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ أَمْ بِسَبَبِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُوَيْمِرٍ «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ قُرْآنًا» وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: سَبَبُ نُزُولِهَا قِصَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ. قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا فَلَعَلَّهُمَا سَأَلَا فِي وَقْعَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِمَا وَلَوْ سَبَقَ هِلَالٌ بِاللِّعَانِ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَا وَذَاكَ، وَأَنَّ هِلَالًا أَوَّلُ مَنْ لَاعَنَ قَالُوا: وَكَانَتْ قَضِيَّتُهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ اهـ. وَالْعَجْلَانِيُّ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ نِسْبَةً إلَى بَنِي الْعَجْلَانِ، بَطْنٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، كَمَا فِي لُبِّ السُّيُوطِيّ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ يَمِينٌ) أَيْ أَيْمَانٌ أَرْبَعَةٌ حَتَّى إنَّهُ إنْ كَانَ كَاذِبًا لَزِمَهُ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ لِأَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ وَلَا يُزَادُ خَامِسَةً لِقَوْلِهِ: وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ. لِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِمَا قَبْلَهُ لَا أَنَّهُ يَمِينٌ خَامِسَةٌ وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الزِّيَادِيُّ، وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ. فَقَالَ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا فِي الْكَفَّارَةِ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهَا لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَكْرِيرِهَا مَحْضُ التَّأْكِيدِ لَا غَيْرُ اهـ. قَوْلُهُ: (بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ) : مُتَعَلِّقٌ بِيَمِينٍ وَقِيلَ: شَهَادَاتٌ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَذَبَ فِيهَا فَإِنْ قُلْنَا: أَيْمَانٌ يَلْزَمُهُ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ وَإِنْ قُلْنَا: شَهَادَاتٌ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ الْكَذِبِ شَيْءٌ وَلَيْسَ الْأَيْمَانُ مَا يَتَعَدَّدُ إلَّا فِي اللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ وَلَيْسَ مِنْهَا مَا يَكُونُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي إلَّا فِيهِمَا وَذَلِكَ رُخْصَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ لِعَانُ صَبِيٍّ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَهِيَ يَمِينٌ، لِأَنَّ الْيَمِينَ مِنْهُمَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْتَضِي قَذْفُهُمَا) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ زَوْجَتَيْهِمَا وَقَوْلُهُ: لِعَانًا مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ: يَقْتَضِي الْمَنْفِيَّ. قَوْلُهُ: (وَلَا عُقُوبَةً) : أَيْ لَهُمَا مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا عُقُوبَةً أَيْ حَدًّا وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَيَجِبُ بِقَذْفِهِمَا فَإِنْ عُزِّرَا قَبْلَ الْكَمَالِ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا عُزِّرَا بَعْدَ الْكَمَالِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا رَمَى) أَيْ سَبَّهَا وَخَاضَ فِي عِرْضِهَا بِمَا ذَكَرَهُ، فَشَبَّهَ ذَلِكَ بِرَمْيِ السَّهْمِ الْحِسِّيِّ بِجَامِعِ الْإِيلَامِ بِكُلٍّ، وَاسْتُعِيرَ الرَّمْيُ الْحِسِّيُّ لِلسَّبِّ وَالْخَوْضِ فِي عِرْضِهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، ثُمَّ اشْتَقَّ مِنْ الرَّمْيِ الْحِسِّيِّ رَمَى بِمَعْنَى سَبَّ وَخَاضَ اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً. قَوْلُهُ: (أَيْ قَذَفَ) مِنْ الْقَذْفِ وَمَعْنَاهُ لُغَةً الرَّمْيُ وَشَرْعًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 الْمُحْصَنَةَ (بِالزِّنَا) صَرِيحًا كَزَنَيْتِ وَلَوْ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْجَبَلِ: أَوْ يَا زَانِيَةُ أَوْ زَنَى فَرْجُك أَوْ يَا قَحْبَةُ. كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، أَوْ كِنَايَةً كَزَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ بِالْهَمْزِ، لِأَنَّ الزَّنْءَ هُوَ الصُّعُودُ بِخِلَافِ زَنَأْت فِي الْبَيْتِ بِالْهَمْزِ. فَصَرِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الصُّعُودِ فِي الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَأَنَّ غَيْرَهُ قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَيْتِ دَرَجٌ يَصْعَدُ إلَيْهِ فِيهَا فَصَرِيحٌ قَطْعًا.   [حاشية البجيرمي] الرَّمْيُ بِالزِّنَا فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ أَيْ فِي مَقَامِ إظْهَارِهِ وَمَعْرِضٌ كَمَسْجِدٍ، فَخَرَجَ الرَّمْيُ بِغَيْرِ الزِّنَا كَالسَّرِقَةِ وَبِمَقَامِ التَّعْيِيرِ إذَا شَهِدَ أَرْبَعٌ بِالزِّنَا فَلَيْسَ قَذْفًا بَلْ شَهَادَةً. وَكَذَا قَذْفُ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ، فَلَيْسَ قَذْفًا شَرْعًا وَإِنْ عُزِّرَ عَلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ، وَخَرَجَ جَرْحُ الشَّاهِدِ لِتُرَدَّ شَهَادَتُهُ. قَوْلُهُ: (زَوْجَتَهُ الْمُحْصَنَةَ) وَهِيَ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ الْعَفِيفَةُ عَنْ وَطْءٍ، تُحَدَّ بِهِ حَالَ تَكْلِيفِهَا، وَاخْتِيَارِهَا وَعِلْمِهَا بِالتَّحْرِيمِ، وَالْإِحْصَانُ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا جَاءَ بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ فَقَطْ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] وَجَاءَ بِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ عَقِبَ ذَلِكَ {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] إلَخْ وَجَاءَ بِمَعْنَى التَّزْوِيجِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] إلَخْ وَجَاءَ بِمَعْنَى إصَابَةِ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24] وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُحْصَنِ هُنَا الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَقَيَّدَ بِالْمُحْصَنَةِ نَظَرًا لِقَوْلِ الْمَتْنِ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي اللِّعَانِ فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ غَيْرَ الْمُحْصَنَةِ لِإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ هَذَا، وَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ أَوْ التَّعْمِيمُ وَيَزِيدُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ أَوْ التَّعْزِيرِ. قَوْلُهُ: (صَرِيحًا كَزَنَيْتِ إلَخْ) وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ احْتِيَاجِ نَحْوِ زِنًا وَلِوَاطٍ لَوَصْفِهِ بِتَحْرِيمٍ، وَلَا اخْتِيَارٍ وَلَا عَدَمِ شُبْهَةٍ، لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ يُفْهِمُ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي زَنَيْت بِك، وَفِي الْوَطْءِ بِخِلَافِ نَحْوِ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الثَّلَاثَةِ. أَمَّا الرَّمْيُ بِإِيلَاجِهَا فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ خَلِيَّةٍ فَهُوَ كَالذَّكَرِ أَوْ مُزَوَّجَةٍ فَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ وَصْفِهِ بِنَحْوِ اللِّيَاطَةِ لِيَخْرُجَ وَطْءُ الزَّوْجِ فِيهِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الرَّمْيَ بِهِ غَيْرُ قَذْفٍ، بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ لِعَدَمِ تَسْمِيَتِهِ زِنًا وَلِيَاطَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ قَالَ لَا فَرْقَ فِي قَوْلِهِ: أَوْ دُبُرٍ بَيْنَ أَنْ يُخَاطِبَ بِهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً كَأَوْلَجْت فِي دُبُرٍ أَوْ أُولِجُ فِي دُبُرِك وَالْأَوْجَهُ قَبُولُ قَوْلِهِ: بِيَمِينِهِ أَرَدْت بِإِيلَاجِهِ فِي الدُّبُرِ إيلَاجَهُ فِي دُبُرِ زَوْجَتِهِ، كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ فَيُعَزَّرُ. وَأَنَّ يَا لُوطِيُّ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ كَوْنِهِ عَلَى دِينِ قَوْمِ لُوطٍ بِخِلَافِ يَا لَائِطُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ. وَلَوْ قَالَتْ رَاوَدَنِي عَنْ نَفْسِي، أَوْ نَزَلَ إلَى بَيْتِي وَكَذَّبَهَا عُزِّرَتْ لِإِيذَائِهَا لَهُ، بِذَلِكَ اهـ. شَرْحُ مَرَّ بِبَعْضِ تَغْيِيرٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَا زَانِيَةُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَمًا لَهَا، فَلَا يَكُونُ قَذْفًا إلَّا بِنِيَّةٍ. اهـ. زي. قَوْلُهُ: (أَوْ يَا قَحْبَةُ) كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ قَوْلَهُ: يَا مُخَنَّثُ صَرِيحٌ أَوْ يَا لُوطِيٌّ أَوْ يَا عِلْقُ، أَوْ يَا عَرْصُ أَوْ يَا مُسْتَحْسَنُ أَوْ يَا قَطِيمُ أَوْ يَا كَخِنُ وَالْمُعْتَمَدُ صَرَاحَةً قَحْبَةٌ لِلْمَرْأَةِ وَكِنَايَةً لِلرَّجُلِ، وَعَاهِرٌ وَسُوسٌ وَمَأْبُونٌ، وَطِنْجِيرٌ كَمَا ذَكَرَهُ حَلَّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ يَا عِلْقُ كِنَايَةٌ لِأَنَّ الْعِلْقَ فِي اللُّغَةِ الشَّيْءُ النَّفِيسُ وَاللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَمِنْ الْكِنَايَةِ: يَا قَوَّادُ وَقِيلَ صَرِيحٌ. فَرْعٌ: قَالَ مَرَّ مَا يُقَالُ: بَيْنَ الْجَهَلَةِ بَلَّاعُ الزُّبِّ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ صَرِيحًا فِي الرَّمْيِ بِالزِّنَا لِاحْتِمَالِ الْبَلْعِ بِالْفَمِ اهـ. وَمِنْ الصَّرِيحِ قَوْلُهُمْ يَا فَرْخُ زِنًا. وَقَوْلُهُ لِوَلَدِ غَيْرِهِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ، فَهُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِوَلَدِهِ لَسْت ابْنِي فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ. اهـ. مد عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (فِي الْجَبَلِ) لَيْسَ قَيْدًا فَمِثْلُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى زَنَأْت بِالْهَمْزِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الزَّنْءَ هُوَ الصُّعُودُ) إنَّمَا كَانَ كِنَايَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَلَبَ الْيَاءَ هَمْزَةً فَيَكُونُ قَذْفًا. وَأَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ أَصْلِيَّةً فَلَا يَكُونُ قَذْفًا قَالَ: فِي الْمِصْبَاحِ زَنَأَ فِي الْجَبَلِ مَهْمُوزًا مِنْ بَابِ نَفَعَ وَزُنُوءًا أَيْضًا صَعِدَ فَهُوَ زَانِئٌ قَوْلُهُ: (هُوَ الصُّعُودُ) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ مَعْنَاهُ الصُّعُودُ وَيُسْتَعْمَلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 أَوْ: يَا فَاجِرَةُ، أَوْ: يَا فَاسِقَةُ، أَوْ أَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ. أَوْ لَمْ أَجِدْك بِكْرًا وَنَوَى بِذَلِكَ الْقَذْفَ (فَعَلَيْهِ) لَهَا (حَدُّ الْقَذْفِ) لِلْإِيذَاءِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُحْصَنَةِ غَيْرُهَا. وَالْمُحْصَنُ الَّذِي يُحَدُّ قَاذِفُهُ مُكَلَّفٌ وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ فَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ وَلَا الْبِكْرِ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا (إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ) بِزِنَاهَا فَيَرْتَفِعَ عَنْهُ الْحَدُّ أَوْ التَّعْزِيرُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ: «الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِك فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ فِي أَمْرِي مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ» فَنَزَلَتْ آيَاتُ اللِّعَانِ الْحَدِيثَ وَهُوَ بِطُولِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَدَلَّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحَدِّ بِالْبَيِّنَةِ (أَوْ يُلَاعِنُ) لِدَفْعِ الْحَدِّ إنْ اخْتَارَهُ لِحَدِيثِ هِلَالٍ، وَلَهُ الِامْتِنَاعُ وَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ اللِّعَانِ سَبْقُ قَذْفِهِ زَوْجَتَهُ تَقْدِيمًا لِلسَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ كَمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ اللِّعَانَ إنَّمَا شُرِعَ لِخَلَاصِ الْقَاذِفِ   [حاشية البجيرمي] أَيْضًا فِي الزِّنَا وَإِلَّا فَظَاهِرُ الشَّرْحِ قَصْرُهُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَصَرِيحٌ قَطْعًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَهُ دَرَجٌ فَكِنَايَةٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ صَرِيحٌ مُطْلَقًا ز ي قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ أَجِدُك بِكْرًا) هَذَا فِي امْرَأَةٍ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا تَقَدُّمُ افْتِضَاضٍ مُبَاحٍ، فَإِنْ عُلِمَ لَهَا ذَلِكَ فَلَا صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ اهـ. مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَالْمُحْصَنُ الَّذِي يُحَدُّ قَاذِفُهُ) احْتِرَازًا عَنْ الْمُحْصَنِ الَّذِي يَلْزَمُهُ الرَّجْمُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمُحْصَنِ قَرِيبًا قَوْلُهُ: (مُكَلَّفٌ إلَخْ) فَإِنْ فُقِدَ قَيْدٌ مِنْ هَذِهِ الْقُيُودِ فَالْوَاجِبُ التَّعْزِيرُ لِلْإِيذَاءِ. قَالَ فِي الْمَنْهَجِ: وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا حُدَّ أَوْ غَيْرَهُ عُزِّرَ. قَوْلُهُ: (حُرٌّ مُسْلِمٌ) وَإِنَّمَا جُعِلَ الْكَافِرُ مُحْصَنًا فِي حَدِّ الزِّنَا لِأَنَّهُ إهَانَةٌ لَهُ وَلَا يَرِدُ قَذْفُ مُرْتَدٍّ وَمَجْنُونٍ وَقِنٍّ بِزِنًا، أَضَافَهُ إلَى حَالِ إسْلَامِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ أَوْ حُرِّيَّتِهِ بِأَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ اخْتَارَ الْإِمَامُ رِقَّهُ لِأَنَّ سَبَبَ حَدِّهِ إضَافَتُهُ الزِّنَا إلَى حَالَةِ الْكَمَالِ شَرْحُ مَرَّ. قَوْلُهُ: (عَفِيفٌ عَنْ الْوَطْءِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ، عَفِيفٌ عَنْ زِنًا، وَوَطْءِ مَحْرَمٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، وَوَطْءٍ فِي دُبُرِ حَلِيلَتِهِ. قَوْلُهُ: (عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ وَطْءٌ أَصْلًا أَوْ سَبَقَ لَهُ وَطْءٌ، لَا يُحَدُّ بِهِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ أَوْ الْبَهِيمَةِ، وَمِثْلُ الْوَطْءِ الَّذِي يُحَدُّ بِهِ وَطْءُ حَلِيلَتِهِ، أَوْ مَحْرَمِهِ الْمَمْلُوكَةِ فِي دُبُرِهِمَا، فَلَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ بِمَا ذُكِرَ، وَمِثْلُ دُبُرِ مَحْرَمِهِ الْمَمْلُوكَةِ قُبُلُهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمَنْهَجِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِفَّتُهُ عَنْ وَطْءِ حَلِيلَتِهِ فِي الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ) أَيْ بَلْ يُعَزَّرُ لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ عَلَى سَبِّهَا وَهَذَا خَارِجٌ بِالْمُكَلَّفِ. قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ) . الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ مُطْلَقًا خَارِجَةٌ مِنْ الْمُكَلَّفِ فَقَوْلُهُ: الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ لَيْسَ قَيْدًا لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ خَارِجَةٌ بِالْمُكَلَّفِ سَوَاءٌ احْتَمَلَتْ الْوَطْءَ أَوْ لَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ قَيَّدَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ الزَّوْجُ حِينَئِذٍ لِدَفْعِ التَّعْزِيرِ الَّذِي لَزِمَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا احْتَمَلَتْ الْوَطْءَ، فَيُلَاعِنُ لِإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ. قَوْلُهُ: (وَلَا الْبِكْرَ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا) يُتَأَمَّلُ هَذَا وَيُحَرَّرُ قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُخْرِجُهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحَدُّ بِقَذْفِهَا وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَدَابِغِيُّ: لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنْ يُقَالَ بَكَارَتُهَا تُكَذِّبُ دَعْوَاهُ فَصَارَ كَقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ، لَكِنْ قَدْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ بِكْرًا وَطَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا آخَرُ وَقَذَفَهَا ثَيِّبًا وَلَمْ تُلَاعِنْ، وَجَبَ عَلَيْهَا بِلِعَانِ الْقَاذِفِينَ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَذْفَ الْبِكْرِ يُؤَثِّرُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ مَا هُنَا بِغَيْرِ الْغَوْرَاءِ وَمَا يَأْتِي بِالْغَوْرَاءِ. قَوْلُهُ: (أَوْ التَّعْزِيرُ) أَيْ فِي قَذْفِ غَيْرِ الْمُحْصَنَةِ فَيُلَاحَظُ هَذَا فِي كَلَامِهِ سَابِقًا قَوْلُهُ: (ابْنُ سَحْمَاءَ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَصَوَابُهُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ ابْنُ سَحْمَاءَ، بِسِينٍ مَفْتُوحَةٍ وَحَاءٍ سَاكِنَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْمَدِّ اهـ. مَرْحُومِيٌّ عَلَى وَزْنِ حَمْرَاءَ مُؤَنَّثُ أَسْحَمَ بِمَعْنَى أَسْوَدَ وَهِيَ أُمُّ شَرِيكٍ وَأَبُوهُ عَبَدَةُ. بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْمُحَدِّثُونَ يُسَكِّنُونَهَا. قَوْلُهُ: (الْبَيِّنَةُ) أَيْ تَلْزَمُك الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ إلَخْ قَوْلُهُ: (وَلَهُ الِامْتِنَاعُ) أَيْ مِنْ اللِّعَانِ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ اللِّعَانِ) جُمْلَةُ شُرُوطٍ اللِّعَانُ أَرْبَعَةٌ: سَبْقُ الْقَذْفِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ وَوَلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَتَلْقِينِ الْقَاضِي، وَأَنْ لَا يُبَدِّلَ لَفْظًا بِآخَرَ؛ وَكَوْنُ سَبْقِ الْقَذْفِ شَرْطًا فِي اللِّعَانِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ سَبَبٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ اللِّعَانَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ اللِّعَانِ إلَخْ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الزَّوْجَ إلَخْ عِلَّةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 مِنْ الْحَدِّ. قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يُبْتَلَى بِقَذْفِ امْرَأَتِهِ لِدَفْعِ الْعَارِ وَالنَّسَبِ الْفَاسِدِ. وَقَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فَجَعَلَ اللِّعَانَ بَيِّنَةً لَهُ، فَلَهُ قَذْفُهَا إذَا تَحَقَّقَ زِنَاهَا بِأَنْ رَآهَا تَزْنِي أَوْ ظَنَّ زِنَاهَا ظَنًّا مُؤَكَّدًا أَوْرَثَهُ الْعِلْمَ: كَشِيَاعِ زِنَاهَا بِزَيْدٍ مَصْحُوبًا بِقَرِينَةٍ كَأَنْ رَآهُمَا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي خَلْوَةٍ أَوْ رَآهُ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهَا أَوْ هِيَ تَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ يَرَى رَجُلًا مَعَهُ مِرَارًا فِي مَحَلِّ رِيبَةٍ أَوْ مَرَّةً تَحْتَ شِعَارٍ فِي هَيْئَةٍ مُنْكَرَةٍ، أَمَّا مُجَرَّدُ الْإِشَاعَةِ فَقَطْ أَوْ الْقَرِينَةِ فَقَطْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ اعْتِمَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا الْإِشَاعَةُ فَقَدْ يُشِيعُهُ عَدُوٌّ لَهَا أَوْ مَنْ يَطْمَعُ فِيهَا فَلَمْ يَظْفَرْ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا لِخَوْفٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ طَمَعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَالْأَوْلَى لَهُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهَا وَيُطَلِّقَهَا إنْ كَرِهَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ سِتْرِ الْفَاحِشَةِ وَإِقَالَةِ الْعَثْرَةِ. هَذَا حَيْثُ لَا وَلَدَ يَنْفِيه، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يَنْفِيهِ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لَزِمَهُ نَفْيُهُ، لِأَنَّ تَرْكَ النَّفْيِ يَتَضَمَّنُ اسْتِلْحَاقَهُ وَاسْتِلْحَاقُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ حَرَامٌ كَمَا يَحْرُمُ نَفْيُ مَنْ هُوَ مِنْهُ. وَإِنَّمَا يَعْلَمُ إذَا لَمْ يَطَأْ أَوْ وَطْئِهَا وَلَكِنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَوْ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْوَطْءِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتَمَلَ كَوْنَ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنْ الزِّنَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا بَعْدَ وَطْئِهِ حَرُمَ النَّفْيُ رِعَايَةً لِلْفَرَاشِ وَكَذَا الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِدَفْعِ النَّسَبِ أَوْ قَطْعِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا وَلَدَ عَلَى   [حاشية البجيرمي] لِشَرَعَ قَوْلُهُ: (فَلَهُ قَذْفُهَا) أَيْ يَجُوزُ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَجَبَ الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ فِيمَا إذَا عَلِمَ زِنَاهَا أَوْ ظَنَّهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَظُنَّ حَرُمَ الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ لِأَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْفِرَاشِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ رَآهَا تَزْنِي) الْبَاءُ لَيْسَتْ لِلْحَصْرِ بَلْ بِمَعْنَى الْكَافِ لِأَنَّ مِثْلَ الرُّؤْيَةِ إخْبَارُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ، لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ أَيْضًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَوْرَثَهُ الْعِلْمَ) أَيْ قَرِيبًا مِنْهُ قَوْلُهُ: (أَوْ يَرَى رَجُلًا مَعَهَا إلَخْ) هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْقَرَائِنِ لَكِنْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ الشِّيَاعُ بِالزِّنَا مُطْلَقًا لَا بِزَيْدٍ فَقَوْلُهُ: فِيمَا سَبَقَ بِزَيْدٍ أَيْ مَثَلًا قَوْلُهُ: (تَحْتَ شِعَارٍ) أَيْ سِتْرٍ وَغِطَاءٍ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الشِّعَارُ بِالْكَسْرِ مَا وَلِيَ الْجَسَدَ مِنْ الثِّيَابِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى لَهُ) هَذَا رَاجِعٌ لِحَالَةِ جَوَازِ الْقَذْفِ، وَلِعَدَمِ جَوَازِهِ، قَالَ الْحَلَبِيُّ: فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ لَهُ إمْسَاكَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا تَأْتِي الْفَاحِشَةَ. قَوْلُهُ: (وَإِقَالَةُ الْعَثْرَةِ) أَيْ الْعَفْوُ عَنْهَا وَعَدَمُ إفْشَائِهَا وَالْعَثْرَةُ الزَّلَّةُ. قَوْلُهُ: (كَمَا يَحْرُمُ نَفْيُ مَنْ هُوَ مِنْهُ) وَلَيْسَ مِنْ النَّفْيِ الْمُحَرَّمِ بَلْ وَلَا مِنْ النَّفْيِ مُطْلَقًا مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ الْعَامَّةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَكْتُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ حُجَّةً وَيُرِيدُ بِكِتَابَتِهَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَلَا عَلَاقَةَ لَهُ بِهِ وَلَا يَرِثُهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مُطِيعًا لِأَبِيهِ فَلَا يُنْسَبُ لِأَبِيهِ مِنْ أَفْعَالِهِ شَيْءٌ، فَلَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ لَزِمَ الْوَلَدُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ دَعْوَى وَيَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَفِي عَنْهُ بِاللِّعَانِ عش عَلَى مَرَّ. وَلَوْ كَانَ يَطَأُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ وُصُولُ الْمَاءِ إلَيْهِ لَمْ يَلْحَقْهُ أَوْ فِي الدُّبُرِ، فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ أَيْضًا وَلَيْسَ مِنْ الظَّنِّ عِلْمُهُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ عَقِيمٌ عَلَى الْأَوْجَهِ خِلَافًا لِقَوْلِ الرُّويَانِيِّ يَلْزَمُهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ أَيْ بَعْدَ قَذْفِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّا نَجِدُ كَثِيرِينَ يَكَادُ أَنْ يُجْزَمَ بِعُقُمِهِمْ ثُمَّ يَحْبَلُونَ. اهـ. حَجّ. ومَرَّ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ عَقِيمٌ وَجَبَ النَّفْيُ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُ النَّفْيِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَقِيمًا وَأَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَلِمَ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاوِ وَيَجْعَلَهُ فَرْعًا مُسْتَقِلًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا) أَيْ بِحَيْضَةٍ وَالْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَبْرَأَهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ فَيَكُونُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ مَا ذُكِرَ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْحَامِلُ قَدْ تَحِيضُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِمَا أَنَّ ذَلِكَ بَعِيدٌ جِدًّا، فَأَوْرَثَهُ اسْتِبْرَاؤُهَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ وَطْئِهِ) أَيْ الْقَاذِفِ قَوْلُهُ: (لِدَفْعِ النَّسَبِ) أَيْ لِوَلَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَالنَّسَبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ثَابِتٌ أَيْ وَإِذَا امْتَنَعَ الْمُسَبَّبُ وَهُوَ الْوَلَدُ امْتَنَعَ السَّبَبُ وَهُوَ الْقَذْفُ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَطَعَ النِّكَاحَ حَيْثُ لَا وَلَدَ) أَيْ خَشْيَةَ حُدُوثِهِ مِنْ ذَلِكَ التَّلْطِيخِ. وَقَوْلُهُ: حَيْثُ لَا وَلَدَ عَلَى الْفِرَاشِ كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهِيَ عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 الْفِرَاشِ الْمُلَطَّخِ وَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ هُنَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ، وَالْفِرَاقُ مُمْكِنٌ بِالطَّلَاقِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ اللِّعَانِ بِقَوْلِهِ: (فَيَقُولُ) أَيْ الزَّوْجُ (عِنْدَ الْحَاكِمِ) أَوْ نَائِبِهِ إذْ اللِّعَانُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بِحُضُورِهِ وَالْمُحَكِّمُ حَيْثُ لَا وَلَدَ كَالْحَاكِمِ أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ فَلَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ. إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا وَيَرْضَى بِحُكْمِهِ، لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي النَّسَبِ فَلَا يُؤَثِّرُ رِضَاهُمَا فِي حَقِّهِ. وَالسَّيِّدُ فِي اللِّعَانِ بَيْنَ أَمَتِهِ وَعَبْدِهِ إذَا زَوَّجَهَا مِنْهُ كَالْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى لِعَانَ رَقِيقِهِ وَيُسَنُّ التَّغْلِيظُ فِي اللِّعَانِ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ. أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ فَيَكُونُ فِي أَشْرَفِ مَوْضِعِ بَلَدِ اللِّعَانِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَأْثِيرًا فِي الزَّجْرِ عَنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ (فِي الْجَامِعِ عَلَى الْمِنْبَرِ) كَمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْكَافِي لِأَنَّ الْجَامِعَ هُوَ الْمُعَظَّمُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَالْمِنْبَرُ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَبَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَبَيْنَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيُسَمَّى مَا بَيْنَهُمَا بِالْحَطِيمِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا شَيْءَ فِي مَكَّةَ أَشْرَفُ مِنْ الْبَيْتِ. أُجِيبَ أَنَّ عُدُولَهُمْ عَنْهُ صِيَانَةً لَهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَعَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا يَمِينًا آثِمًا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَعِنْدَ الصَّخْرَةِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ بِقَاعِهِ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَفِي ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهَا مِنْ الْجَنَّةِ؛ وَتُلَاعَنُ امْرَأَةٌ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ أَوْ مُتَحَيِّرَةٌ مُسْلِمَةٌ بِبَابِ الْجَامِعِ لِتَحْرِيمِ مُكْثِهَا فِيهِ. وَالْبَابُ أَقْرَبُ إلَى الْمَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ. وَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا فَرَغَ خَرَجَ الْحَاكِمُ أَوْ نَائِبُهُ إلَيْهَا، وَيُغْلِظُ عَلَى الْكَافِرِ الْكِتَابِيِّ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا فِي بِيعَةٍ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مَعْبَدُ النَّصَارَى،   [حاشية البجيرمي] لَكِنْ سَقَطَ مِنْهَا مَا سَيَظْهَرُ لَك وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَقْصِدْ إسْقَاطَهُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِدَفْعِ النَّسَبِ أَوْ قَطْعِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا وَلَدَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْدُثَ وَلَدٌ عَلَى الْفِرَاشِ الْمُلَطَّخِ. وَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ هُنَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ. وَلِأَنَّ فِي إثْبَاتِ زِنَاهَا تَعْيِيرًا لِلْوَلَدِ وَإِطْلَاقُ الْأَلْسِنَةِ فِيهِ فَلَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ لِغَرَضِ الِانْتِقَامِ مَعَ إمْكَانِ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ) أَيْ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ نَفْيُهُ لِلُحُوقِهِ لَهُ وَاللِّعَانُ لِأَجْلِ الزِّنَا الَّذِي لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مِنْهُ مُمْتَنِعٌ مَعَ لُحُوقِهِ بِهِ لِتَضَرُّرِ الْوَلَدِ بِنِسْبَةِ أُمِّهِ لِلزِّنَا فَلِذَا قَالَ وَالْفِرَاقُ مُمْكِنٌ بِالطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ) هِيَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِدَفْعِ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ) : أَيْ بَعْدَ تَلْقِينِ الْقَاضِي وَإِلَّا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ) أَيْ بِنَفْيِهِ لِعَمَلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ بِالتَّحْكِيمِ وَلَا يَكْفِي بِرِضَا أَبِيهِ وَأُمِّهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ الْوَلَدُ مُكَلَّفًا قَوْلُهُ: (إذَا زَوَّجَهَا مِنْهُ) أَيْ لَهُ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَوَلَّى) أَيْ بِتَلْقِينِهِ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ قَوْلُهُ: (رَقِيقِهِ) الْإِضَافَةُ لِلْجِنْسِ لِأَنَّهُمَا رَقِيقَانِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ لِعَانُ رَقِيقَيْهِ. قَالَ الَأُجْهُورِيُّ قُلْت: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ حُرًّا وَلْيَنْظُرْ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ وَالْأَمَةُ الزَّوْجَةُ لِوَاحِدٍ، فَمَنْ يَتَوَلَّى اللِّعَانَ هَلْ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَوْ سَيِّدُ الْأَمَةِ أَوْ هُمَا يَرْفَعَانِ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ؟ حَرَّرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَوَلَّاهُ سَيِّدُ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ) فِيهِ أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ اللِّعَانُ فِيهِ عَلَى الْمِنْبَرِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (فِي الْجَامِعِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَدَارِسِ. قَوْلُهُ: (وَالْمِنْبَرُ أَوْلَى) لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْوَعْظِ وَالزَّجْرِ لَا لِكَوْنِهِ أَشْرَفَ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ بِقَاعِهِ لَا تَتَفَاوَتُ فِي الْفَضِيلَةِ زي مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ) وَسَوَادُهُ طَارِئٌ عَلَيْهِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ «إنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ» قَوْلُهُ: (مَقَامِ إبْرَاهِيمَ) وَهُوَ الْحَجَرُ نَزَلَ لَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَكَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ فَيَرْتَفِعُ بِهِ، حَتَّى يَضَعَ آلَةَ الْبِنَاءِ فَوْقَ الْجِدَارِ ثُمَّ يَهْبِطُ بِهِ. اهـ. قل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (بِالْحَطِيمِ) لِحَطْمِ الذُّنُوبِ أَيْ إذْهَابِهَا فِيهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ حَطِمَ، أَيْ مَاتَ فِيهِ أُلُوفٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجْرِ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَعَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَوْلَهُ لِأَنَّ غَالِبَهُ مِنْ الْبَيْتِ صَوْنًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْحَطِيمَ وَقِيلَ: إنَّ فِي الْحِجْرِ قَبْرُ إسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ قل وَقَوْلُهُ: وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ عُمَرُ لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ فِيهِ تَخْوِيفًا لِلْحَالِفِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. عش عَلَى مَرَّ. قَوْلُهُ: (عَلَى مِنْبَرِي) . فِيهِ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْآنَ لَيْسَ مِنْبَرَهُ بَلْ غَيْرَهُ إذْ مِنْبَرُهُ حُرِقَ. قَوْلُهُ: (حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ) أَيْ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ جُنُبًا أَوْ الرَّجُلُ جُنُبًا سم. قَوْلُهُ: (وَيُغَلِّظُ عَلَى الْكَافِرِ) وَدُخُولُ الْحَاكِمِ إلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 وَفِي كَنِيسَةٍ وَهِيَ مَعْبَدُ الْيَهُودِ، وَفِي بَيْتِ نَارِ مَجُوسِيٍّ لَا بَيْتِ أَصْنَامٍ وَثَنِيٍّ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ التَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ فِي الْمُسْلِمِ فَيَكُونُ بَعْدَ صَلَاةِ عَصْرِ كُلِّ يَوْمٍ إنْ كَانَ طَلَبُهُ حَثِيثًا لِأَنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ، أَغْلَظُ عُقُوبَةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» . وَعَدَّ مِنْهُمْ رَجُلًا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَبٌ حَثِيثٌ فَبَعْدَ صَلَاةِ عَصْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِيهِ. كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهَا مِنْ مَجْلِسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ. وَأَمَّا التَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ فِي الْكَافِرِ فَيُعْتَبَرُ بِأَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَهُمْ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ كَالْمُسْلِمِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ.   [حاشية البجيرمي] أَمَاكِنِهِمْ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ لِأَنَّهُ لِحَاجَةٍ، وَغَيْرُ الْحَاكِمِ مِثْلُهُ لَكِنْ بِإِذْنِ بَالِغٍ عَاقِلٍ مِنْهُمْ، وَمَحَلُّهُ إنْ خَلَتْ عَنْ صُوَرٍ وَإِلَّا فَحَرَامٌ مُطْلَقًا وَدُخُولُهُمْ مَسَاجِدُنَا كَعَكْسِهِ وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ جَوَازُ تَلَاعُنِ الْكُفَّارِ فِي مَسَاجِدِنَا، غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قل وَقَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ إلَخْ عِبَارَةُ سم وَيَجُوزُ تَلَاعُنُ الذِّمِّيِّينَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَوْ مَعَ حَدَثٍ أَكْبَرَ وَحَيْضٍ لَا يُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: بِرِضَاهُمَا فَإِنْ رَضِيَتْ دُونَهُ فَلَهَا ذَلِكَ أَوْ هُوَ دُونَهَا لَمْ يَكْفِ اهـ. وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَالزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً لَاعَنَ فِي الْجَامِعِ وَلَاعَنَتْ فِيمَا تُعَظِّمُهُ مِنْ بِيعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. فَإِنْ رَضِيَ بِلِعَانِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ طَلَبَتْهُ، جَازَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَطْلُبْهُ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي اللِّعَانِ لَهَا أَوْ لَمْ يَرْضَ هُوَ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ عَلَيْهَا حَقُّهُ لَكِنْ لَوْ امْتَنَعَتْ مَعَ رِضَاهُ فَهَلْ تُخَيَّرُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّغْلِيظَ عَلَيْهَا حَقُّهُ، قَدْ يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَيَقْتَضِي عَكْسَ مَا ذَكَرَهُ إذْ لَا تَغْلِيظَ فِي الْجَامِعِ فِي اعْتِقَادِهَا فَفِي رِضَاهَا دُونَهُ تَفْوِيتُ حَقِّهِ مِنْ التَّغْلِيظِ بِخِلَافِ رِضَاهُ دُونَهَا، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَتَضَمَّنَ إسْقَاطَ حَقِّهِ، وَهُوَ جَائِزٌ لَهُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يَتَضَمَّنُ أَيْضًا حَمْلَهَا عَلَى مَا تَعْتَقِدُهُ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ لِوُجُودِ نَظِيرِ ذَلِكَ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ فِي الْعَكْسِ أَعْنِي رِضَاهَا دُونَهُ مَعَ زِيَادَتِهِ بِتَفْوِيتِ حَقِّهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي بِيعَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ بِاللِّعَانِ فِي بِيعَةٍ وَقَدْ انْعَكَسَ الْعُرْفُ الْآنَ بِعَكْسِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قل. قَوْلُهُ: (وَفِي بَيْتِ نَارِ مَجُوسِيٍّ) وَرَوْعِي اعْتِقَادُهُ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ كِتَابٍ بِخِلَافِ الْوَثَنِيِّ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِالزَّمَانِ) عِبَارَةُ عش وَلَوْ فِي حَقِّ الْكَافِرِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَخَالَفَ الْمَاوَرْدِيُّ فَاعْتُبِرَ الْوَقْتُ الَّذِي يُعَظِّمُونَهُ اهـ. سم بِحُرُوفِهِ قَوْلُهُ: (كُلَّ يَوْمٍ) الْمُرَادُ أَيُّ يَوْمٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فَالْكُلِّيَّةُ غَيْرُ مُرَادَةٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الطَّلَبُ حَثِيثًا فَفِي عَصْرِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ طَلَبَهُ) أَيْ اللِّعَانَ. قَوْلُهُ: (وَعَدَّ مِنْهُمْ رَجُلًا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ إلَخْ) عَلَى زَائِدَةٌ «وَالثَّانِي رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ، وَالثَّالِثُ رَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ فَيَقُولُ اللَّهُ الْيَوْمَ أَمْنَعُك فَضْلِي، كَمَا مَنَعْت فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاك» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِيهِ) أَيْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَعِبَارَةُ مَرَّ لِأَنَّ يَوْمَهَا أَشْرَفُ الْأُسْبُوعِ وَسَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِيهَا بَعْدَ عَصْرِهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ. وَإِنْ كَانَ الْأَشْهَرُ أَنَّهَا فِيمَا بَيْنَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ وَفَرَاغِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ، وَمُقَابِلُهُ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ قَوْلًا وَالرَّاجِحُ مِنْهَا أَنَّهَا فِيمَا بَيْنَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ، قل. وَقَوْلُهُ: فِيمَا بَيْنَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ. لَا الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِعَصْرِ الْجُمُعَةِ الْأَوْقَاتَ الشَّرِيفَةَ، كَشَهْرَيْ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَعَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَجْلِسِ الْإِمَامِ) أَيْ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) فِيهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّغْلِيظِ بِالزَّمَانِ اهـ وَفِي الْوَسِيطِ وَإِطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. التَّغْلِيظَ بِالزَّمَانِ وَكَوْنَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ، يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّا نُغَلِّظُ عَلَى الْكُفَّارِ بِالزَّمَانِ عِنْدَنَا لَا عِنْدَهُمْ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْيَمِينَ تُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتِ أَشْرَفِ صَلَوَاتِهِمْ عِنْدَهُمْ. وَأَمَّا الْمَجُوسُ فَلَيْسَ لَهُمْ صَلَاةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَإِنَّمَا لَهُمْ زَمْزَمَةٌ يَرَوْنَهَا قُرْبَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً عِنْدَهُمْ حَلَفُوا فِي أَعْظَمِ أَوْقَاتِهَا عِنْدَهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُؤَقَّتَةً سَقَطَ تَغْلِيظُ أَيْمَانِهِمْ بِالزَّمَانِ إلَّا أَنَّهُمْ يَرَوْنَ النَّهَارَ أَشْرَفَ مِنْ اللَّيْلِ وَيَحْلِفُونَ نَهَارًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 تَنْبِيهٌ: مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا كَالدَّهْرِيِّ وَالزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ وَعَابِدِ الْوَثَنِ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ تَغْلِيظٌ بَلْ يُلَاعِنُونَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَ زَمَانًا وَلَا مَكَانًا فَلَا يَنْزَجِرُونَ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيَحْسُنُ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ ذُكِرَ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَرَزَقَهُ. لِأَنَّهُ وَإِنْ غَلَا فِي كُفْرِهِ وَجَدَ نَفْسَهُ مُذْعِنَةً لِخَالِقٍ مُدَبِّرٍ، وَيُسَنُّ التَّغْلِيظُ أَيْضًا (فِي جَمَاعَةٍ) أَيْ بِحُضُورِ جَمْعٍ (مِنْ) عُدُولِ أَعْيَانِ (النَّاسِ) وَصُلَحَائِهِمْ مِنْ بَلَدِ اللِّعَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَلِأَنَّ فِيهِ رَدْعًا عَنْ الْكَذِبِ وَأَقَلُّهُمْ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ أَرْبَعَةٌ لِثُبُوتِ الزِّنَا بِهِمْ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يُحْضِرَ ذَلِكَ الْعَدَدَ، وَيَبْدَأَ فِي اللِّعَانِ بِالزَّوْجِ فَيَقُولُ: (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّنِي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي) هَذِهِ (مِنْ الزِّنَا) إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ أَوْ مَجْلِسِ اللِّعَانِ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، سَمَّاهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا عَنْ غَيْرِهَا دَفْعًا لِلِاشْتِبَاهِ. وَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ يَنْفِيهِ عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي كُلِّ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ الْخَمْسَةِ الْآتِيَةِ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ فَيَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْهَا: (وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ) إنْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ إنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ إنْ كَانَ غَائِبًا (مِنْ الزِّنَا وَلَيْسَ) هُوَ (مِنِّي) لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ فَلَوْ أَغْفَلَ ذِكْرَ الْوَلَدِ فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ احْتَاجَ إلَى إعَادَةِ اللِّعَانِ لِنَفْيِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ الزِّنَا وَلَمْ يَقُلْ لَيْسَ مِنِّي أَنَّهُ لَا يَكْفِي، قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَبِهِ أَجَابَ كَثِيرُونَ لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ وَطْءَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالشُّبْهَةِ زِنًا وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَكْفِي. كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ   [حاشية البجيرمي] لَا لَيْلًا وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْجَهُ وَإِلَّا لَمَا حَلَّفْنَاهُمْ فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا. قَوْلُهُ: (مَنْ لَا يُنْتَحَلُ) أَيْ لَا يُخْتَارُ. قَوْلُهُ: (كَالدُّهْرِيِّ) . بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ قَاسِمٍ وَبِفَتْحِهَا كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ شُهْبَةَ وَهُوَ الْمُعَطَّلُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الدُّهْرِيُّ بِالضَّمِّ الْمُسِنُّ وَبِالْفَتْحِ الْمُلْحِدُ وَهُوَ مَنْ يَنْسِبُ الْأَفْعَالَ لِلدَّهْرِ قَالَ تَعَالَى {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] أَيْ إلَّا مُرُورُ الزَّمَانِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مُدَّةُ بَقَاءِ الْعَالَمِ قَالَ ثَعْلَبٌ وَهُمَا جَمِيعًا مَنْسُوبَانِ إلَى الدَّهْرِ وَهُمْ رُبَّمَا غَيَّرُوا فِي النَّسَبِ كَمَا يُقَالُ سُهَيْلِيٌّ لِلْمَنْسُوبِ إلَى الْأَرْضِ السَّهْلَةِ وَعِبَارَةُ حَلَّ الدَّهْرِيُّ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَهُوَ الظَّاهِرُ هُوَ الْمُعَطِّلُ أَيْ لِلصَّانِعِ. قَوْلُهُ: (وَالزِّنْدِيقُ) بِكَسْرِ الزَّايِ بِوَزْنِ قِنْدِيلٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَعَابِدُ الْوَثَنِ) أَيْ الصَّنَمِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْجَمْعُ وُثْنٌ كَأَسَدٍ وَأُسْدٌ وَأَوْثَانٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ غَلَا) أَيْ تَجَاوَزَ الْحَدَّ فِي كُفْرِهِ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [المائدة: 77] أَيْ لَا تَتَجَاوَزُوا الْحَدَّ فِي دِينِكُمْ بِأَنْ تَصِفُوا عِيسَى وَتَرْفَعُوهُ فَوْقَ حَقِّهِ اهـ. جَلَالَيْنِ أَيْ بِأَنْ تَجْعَلُوهُ إلَهًا قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ) أَيْ: بَعْدَ التَّلْقِينِ. قَوْلُهُ: (لِمَرَضٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ كَمَا فِي مَرَّ قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ الْخَمْسَةِ) . ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْخَامِسَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْ قَوْلُهُ: وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهَا بِمَا يُنَاسِبُ، كَأَنْ يَقُولَ وَإِنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَفِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا، وَلَيْسَ مِنِّي اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ) أَوْ حَمْلَهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا رَمَيْت كَمَا فِي ابْنِ قَاسِمٍ فَيَقْرَأَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ مِنْ مَدْخُولِ الصِّدْقِ وَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: إنَّنِي لَمِنْ الصَّادِقِينَ مَعْمُولًا لِأَشْهَدَ فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ هُوَ مِنِّي) أَبْرَزَ الضَّمِيرَ إيضَاحًا قَوْلُهُ: (لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ إلَخْ) لَعَلَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: ذَكَرَهُ فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ قَالَ شَيْخُنَا: وَالتَّعْلِيلُ ظَاهِرٌ فِي الْمَرَّاتِ الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ أَمَّا الْخَامِسَةُ فَمُؤَكِّدَةٌ لِمُفَادِهَا لَا أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَاهِدٍ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ. وَقَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ عِلَّةٌ لِأَصِل الذِّكْرِ. قَوْلُهُ: (احْتَاجَ إلَى إعَادَةِ اللِّعَانِ) . ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعِيدُ اللِّعَانَ جَمِيعَهُ وَلَوْ كَانَ إغْفَالُ ذِكْرِ الْوَلَدِ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْوَلَاءَ بَيْنَ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ شَرْطٌ كَمَا يَأْتِي. فَإِذَا أَغْفَلَ ذِكْرَهُ فِي الرَّابِعَةِ مَا أَتَى بِهِ أَجْنَبِيٌّ فَاصِلٌ بَيْنَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا بَدَلَ الرَّابِعَةِ الَّتِي أَغْفَلَ فِيهَا ذِكْرَ الْوَالِدِ،. اهـ. عش. قَوْلُهُ: (وَبِهِ أَجَابَ) لَعَلَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ سُئِلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ حَمْلًا لِلَفْظِ الزِّنَا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَيْسَ مِنِّي لَمْ يَكْفِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنْ لَا يُشْبِهَهُ خَلْقًا وَلَا خُلُقًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يُسْنِدَهُ مَعَ ذَلِكَ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ مِنْ زِنًا أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ. وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) لِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَكُرِّرَتْ الشَّهَادَةُ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ. لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مُقَامَ أَرْبَعِ شُهُودٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيُقَامَ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ شَهَادَاتٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ أَيْمَانٌ، وَأَمَّا الْكَلِمَةُ الْخَامِسَةُ الْآتِيَةُ فَمُؤَكِّدَةٌ لِمُفَادِ الْأَرْبَعِ (وَيَقُولُ فِي) الْمَرَّةِ (الْخَامِسَةِ بَعْدَ أَنْ يَعِظَهُ الْحَاكِمُ) نَدْبًا بِأَنْ يُخَوِّفَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِلَالٍ «اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ» وَيَأْمُرُ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ لَعَلَّهُ يَنْزَجِرُ فَإِنْ أَبَى بَعْدَ مُبَالَغَةِ الْحَاكِمِ فِي وَعْظِهِ إلَّا الْمُضِيَّ قَالَ لَهُ: قُلْ (وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ) فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَيُشِيرُ إلَيْهَا فِي الْحُضُورِ وَيُمَيِّزُهَا فِي الْغَيْبَةِ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ مِنْ حَقِّ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْخَامِسَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذِكْرُ ذَلِكَ، وَسُكُوتُهُ أَيْضًا عَنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ فِي الْخَامِسَةِ يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَفْيِهِ ذِكْرُهُ فِيهَا. وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ وَسَكَتَ أَيْضًا عَنْ ذِكْرِ الْمُوَالَاةِ فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَيُؤَثِّرُ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ قَذَفَ وَلَمْ تُثْبِتْهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ. وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ كَأَنْ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ أَثْبَتَتْ قَذْفَهُ بِبَيِّنَةٍ قَالَ فِي الْأَوَّلِ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ إصَابَةِ غَيْرِي لَهَا عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ تِلْكَ الْإِصَابَةِ إلَى آخِرِ الْكَلِمَاتِ وَفِي الثَّانِي فِيمَا أَثْبَتَتْ عَلَيَّ مِنْ رَمْيِ إيَّاهَا بِالزِّنَا إلَى آخِرِهِ. وَلَا تُلَاعِنُ الْمَرْأَةُ فِي الْأَوَّلِ إذْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا بِهَذَا اللِّعَانِ حَتَّى تُسْقِطَهُ بِلِعَانِهَا (وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ) أَيْ بِتَمَامِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى لِعَانِهَا وَلَا قَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. (خَمْسَةُ أَحْكَامٍ) وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ أَيْضًا فِي الْمِنْهَاجِ وَذَكَرَ فِي الزَّوَائِدِ زِيَادَةً عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي مَعَ غَيْرِهَا. الْأَوَّلُ (سُقُوطُ   [حاشية البجيرمي] بِقَوْلِهِ: هَلْ يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ لَا فَقَالَ: لَا يَكْفِي وَقَالَ شَيْخُنَا أَتَى بِصِيغَةِ الْجَوَابِ لَعَلَّهُ لِذِكْرِهِ مَا ذَكَرَ بِصُورَةِ سُؤَالٍ. قَوْلُهُ: (وَالشُّبْهَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ إذْ الشُّبْهَةُ هُنَا لَا تَكُونُ إلَّا بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِمَا عُلِمَ، أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُلَاعِنِ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا) أَيْ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُسْنِدَهُ) أَيْ قَوْلَهُ: لَيْسَ مِنِّي وَقَوْلُهُ مَعَ ذَلِكَ أَيْ مَعَ قَوْلِهِ: لَيْسَ مِنِّي وَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ مَعَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِ وَقَضِيَّتُهُ اشْتِرَاطُ الْجَمْعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ. وَقَوْلُهُ: إلَى سَبَبٍ أَيْ كَالزِّنَا قَوْلُهُ: (لِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ آيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ الشَّامِلَةُ لِلِعَانِهِ وَلِعَانِهَا، قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ) الْأَوْلَى وَلِأَنَّهَا إلَخْ تَعْلِيلٌ ثَانٍ وَعِبَارَةُ مَرَّ. وَلِأَنَّهَا قَوْلُهُ: (لِمُفَادِ الْأَرْبَعِ) أَيْ لِلْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا وَهِيَ الْخَمْسَةُ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا إلَخْ) وَيُقْرَأُ عَلَيْهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ وَيَذْكُرُ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ " حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ هَلْ مِنْ تَائِبٍ " سم. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِنْ الْمُضِيِّ فِي تَمَامِ اللِّعَانِ فِي الْخَامِسَةِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُ بَلْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَيُؤْثَرُ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ) وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعِيِّ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهَا) وَأَمَّا الْوَلَاءُ بَيْنَ لِعَانَيْ الزَّوْجَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، قَوْلُهُ: (وَهَذَا كُلُّهُ) الْإِشَارَةُ لِقَوْلِهِ: السَّابِقِ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا قَوْلُهُ: (فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى لِعَانِهَا) أَيْ كَمَا يَقُولُ بِهِ مَالِكٌ. وَقِيلَ: بِالتَّوَقُّفِ عَلَى لِعَانِهَا وَهُوَ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي الثَّالِثِ وَالْخَامِسِ وَلَا يُعْقَلُ فِي غَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَلَا قَضَاءِ الْقَاضِي) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 الْحَدِّ) أَيْ سُقُوطُ حَدِّ قَذْفِ الْمُلَاعَنَةِ (عَنْهُ) إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً وَسُقُوطُ التَّعْزِيرِ عَنْهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً وَلَا يَسْقُطُ حَدُّ قَذْفِ الزَّانِي عَنْهُ إلَّا إنْ ذَكَرَهُ فِي لِعَانِهِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْعُقُوبَةِ بَدَلَ الْحَدِّ لِيَشْمَلَ التَّعْزِيرَ (وَ) الثَّانِي (وُجُوبُ الْحَدِّ) أَيْ حَدِّ الزِّنَا (عَلَيْهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً إنْ لَمْ تُلَاعِنْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِلِعَانِهِ، وَعَلَى سُقُوطِهِ بِلِعَانِهَا. (وَ) الثَّالِثُ (زَوَالُ الْفِرَاشِ) أَيْ فِرَاشِ الزَّوْجِ عَنْهَا لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ: «لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ كَالرَّضَاعِ لِحُصُولِهَا بِغَيْرِ لَفْظٍ وَتَحْصُلُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» . تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْفِرَاشِ مُرَادُهُ بِهِ الزَّوْجِيَّةُ كَمَا مَرَّ تَبَعًا لِجَمْعٍ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ (وَ) الرَّابِعُ (نَفْيُ) انْتِسَابِ (الْوَلَدِ) إلَيْهِ إنْ نَفَاهُ فِي لِعَانِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ الْمُلَاعِنُ إلَى نَفْيِ نَسَبِ وَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ كَأَنْ طَلَّقَهَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، أَوْ نَكَحَ امْرَأَةً وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ   [حاشية البجيرمي] أَيْ كَمَا يَقُولُ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ قَوْلُهُ: (مَعَ غَيْرِهَا) أَيْ مَعَ غَيْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ قَوْلُهُ: (حَدُّ قَذْفِ الزَّانِي) أَيْ إنْ كَانَ مُحْصَنًا أَوْ تَعْزِيرُهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَقَوْلُهُ: عَنْهُ أَيْ عَنْ الْمُلَاعِنِ قَوْلُهُ: (إلَّا إنْ ذَكَرَهُ إلَخْ) . وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ وَأَرَادَ إعَادَةَ اللِّعَانِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ بِقَذْفِهِ، فَلَهُ الْإِعَادَةُ لِذِكْرِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ، كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ قَوْلُهُ: (وَوُجُوبُ الْحَدِّ) : اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا بِاللِّعَانِ الْحَدُّ وَهُوَ إمَّا الْجَلْدُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً أَوْ الرَّجْمُ إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً، وَلَا يَتَأَتَّى وُجُوبُ تَعْزِيرٍ عَلَيْهَا بِاللِّعَانِ. وَأَمَّا الْوَاجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إنْ لَمْ يُلَاعِنْ فَهُوَ الْحَدُّ إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً. أَوْ التَّعْزِيرُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً، فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ حَدِّهَا وَحَدِّهِ فَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ هُوَ التَّعْزِيرُ، بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ وَالْمُرَادُ بِالتَّعْزِيرِ الَّذِي يُلَاعَنُ لِنَفْيِهِ هُوَ تَعْزِيرُ التَّكْذِيبِ كَقَذْفِ أَمَةٍ، أَوْ صَغِيرَةٍ تُوطَأُ أَوْ كَافِرَةٍ، وَأَمَّا تَعْزِيرُ التَّأْدِيبِ فَلَا يُلَاعَنُ لِنَفْيِهِ كَقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ وَقَذْفِ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ لِعَانٍ مَعَ امْتِنَاعِهَا مِنْهُ، أَيْ مِنْ اللِّعَانِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ كَاذِبٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فَلَا حَاجَةَ لِإِظْهَارِ الصِّدْقِ وَقَدْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِاللِّعَانِ، بِأَنْ كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدِ الشُّبْهَةِ قَوْلُهُ: (أَيْ حَدُّ الزِّنَا) أَيْ الَّذِي ثَبَتَ بِالْأَيْمَانِ الْأَرْبَعَةِ قَوْلُهُ: (وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ) لَا فَائِدَةَ تَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهَا فُرْقَةَ فَسْخٍ أَوْ فُرْقَةَ طَلَاقٍ إلَّا الْأَيْمَانَ وَالتَّعَالِيقَ لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ لَهُ. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَهِيَ فُرْقَةُ انْفِسَاخٍ لِأَنَّ هَذَا انْفِسَاخٌ لَا فَسْخٌ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ لَفْظٍ) هَذَا هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ فُرْقَةِ الرَّضَاعِ وَفُرْقَةِ اللِّعَانِ أَيْ بِغَيْرِ لَفْظٍ، دَالٍّ عَلَى الْفُرْقَةِ فَلَا يُرَدُّ مَا يُقَالُ. إنَّ اللِّعَانَ لَفْظٌ فَكَيْفَ يَقُولُ لِحُصُولِهَا بِغَيْرِ لَفْظٍ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللِّعَانِ إثْبَاتُ زِنَاهَا وَنَفْيُ الْوَلَدِ وَالْفُرْقَةُ مُرَتَّبَةٌ عَلَيْهِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (الْمُتَلَاعِنَانِ) هَذَا التَّفَاعُلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ مَتَى لَاعَنَ وَتَمَّ لِعَانُهُ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ سَوَاءٌ لَاعَنَتْ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا) حَتَّى فِي الْجَنَّةِ قَالَ الزِّيَادِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْمُلَاعَنَةِ أَبَدًا وَلَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَاسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ شِرَائِهَا، وَإِنْ كَذَّبَ نَفْسَهُ فَلَا يُفِيدُهُ إكْذَابُهَا عَوْدُ النِّكَاحِ وَلَا رَفْعُ تَأَبُّدِ الْحُرْمَةِ، لِأَنَّهُمَا حَقٌّ لَهُ وَقَدْ بَطَلَا بِاللِّعَانِ بِخِلَافِ الْحَدِّ وَلُحُوقِ النَّسَبِ فَإِنَّهُمَا يَعُودَانِ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدُّهَا فَهَلْ يَسْقُطُ؟ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ لَمْ أَرَهُ لَكِنْ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُفْهِمُ السُّقُوطَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ فَلَا تُحَدَّ وَلَا تَحْتَاجَ إلَى اللِّعَانِ. قَوْلُهُ: (الزَّوْجِيَّةُ) كَذَا فِي نُسَخٍ وَفِي بَعْضِهَا الزَّوْجَةُ. قَوْلُهُ: (وَنَفْيُ الْوَلَدِ) الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الِانْتِفَاءُ وَلَوْ لَاعَنَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ فَبَانَ أَنْ لَا حَمْلَ، أَوْ لَاعَنَ وَلَا وَلَدَ فَبَانَ فَسَادُ نِكَاحِهِ، بَانَ فَسَادُ لِعَانِهِ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ كَتَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ سم. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَخْ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: فِيمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ يَنْفِيهِ عَنْهُ ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: (يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ) أَيْ شَرْعًا، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عِلْمِ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهُ وَإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ شَرْعًا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيْ اسْتَحَالَ شَرْعًا مَعَ إمْكَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ، أَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا أَوْ مَمْسُوحًا لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ فِي انْتِفَائِهِ إلَى لِعَانِهِ وَالنَّفْيُ فَوْرِيٌّ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِجَامِعِ الضَّرَرِ بِالْإِمْسَاكِ إلَّا لِعُذْرٍ كَأَنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ لَيْلًا فَأَخَّرَ حَتَّى يُصْبِحَ، أَوْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ إعْلَامُ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَجِدْهُ فَأَخَّرَ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ إنْ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ فِيهِ إشْهَادٌ بِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى النَّفْيِ وَإِلَّا بَطَلَ حَقُّهُ. كَمَا لَوْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ فَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ وَانْتِظَارُ وَضْعِهِ لِيَتَحَقَّقَ كَوْنَهُ وَلَدًا، فَلَوْ قَالَ: عَلِمْته وَلَدًا وَأَخَّرْت رَجَاءَ وَضْعِهِ مَيِّتًا فَأُكْفَى اللِّعَانَ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ النَّفْيِ لِتَفْرِيطِهِ فَإِنْ أَخَّرَ وَقَالَ: جَهِلْت الْوَضْعَ وَأَمْكَنَ جَهْلُهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَصِحُّ نَفْيُ أَحَدِ تَوْأَمَيْنِ بِأَنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ. بِأَنْ وُلِدَا مَعًا أَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَ وَضْعَيْهِمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُجْرِ الْعَادَةَ بِأَنْ يَجْمَعَ فِي الرَّحِمِ وَلَدًا مِنْ مَاءِ رَجُلٍ وَوَلَدًا مِنْ مَاءٍ آخَرَ لِأَنَّ الرَّحِمَ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى الْمَنِيِّ اسْتَدَّ فَمُهُ فَلَا يَتَأَتَّى قَبُولُ مَنِيٍّ آخَرَ وَلَوْ هُنِّئَ بِوَلَدٍ كَأَنْ قِيلَ لَهُ: مُتِّعْت بِوَلَدِك، فَأَجَابَ: بِمَا يَتَضَمَّنُ إقْرَارًا كَآمِينَ   [حاشية البجيرمي] كَوْنِهِ مِنْهُ عَقْلًا قَوْلُهُ: (وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ وَلِيًّا يُقْطَعُ بِإِمْكَانِ وُصُولِهِ إلَيْهَا، لِأَنَّا لَا نُعَوِّلُ عَلَى الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ. نَعَمْ إنْ وَصَلَ إلَيْهَا وَدَخَلَ بِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ بَاطِنًا النَّفْيُ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا) أَيْ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ عَادَةً بِأَنْ كَانَ عُمُرُهُ دُونَ تِسْعِ سِنِينَ وَفِيهِ إنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَالْمُلَاعِنُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَنْهَجِ فَكَانَ الصَّوَابُ حَذْفُهُ. وَقَالَ شَيْخُنَا: أَيْ ثُمَّ بَلَغَ لِيَصِحَّ لِعَانُهُ. قَوْلُهُ: (لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ) أَيْ شَرْعًا مَعَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ عَقْلًا قَوْلُهُ: (وَالنَّفْيُ فَوْرِيٌّ) أَيْ الْحُضُورُ عِنْدَ الْقَاضِي بِطَلَبِ النَّفْيِ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي كَمَا فِي الْحَلَبِيِّ وَعِبَارَةُ مَرَّ. وَالنَّفْيُ فَوْرِيٌّ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ، فَيَأْتِي الْحَاكِمَ وَيُعْلِمُهُ بِانْتِفَائِهِ عَنْهُ اهـ. فَالْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْفَوْرُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ وَإِعْلَامُهُ بِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ النَّفْيَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّعَانِ رَشِيدِيٌّ عَلَى مَرَّ وَعِبَارَةُ مَرَّ. وَخَرَجَ بِالنَّفْيِ اللِّعَانُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ فَوْرٌ. قَوْلُهُ: (إلَّا لِعُذْرٍ) . عِبَارَةُ شَرْحِ مَرَّ وَيُعْذَرُ لِعُذْرٍ مِمَّا مَرَّ فِي أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ نَعَمْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُ مَنْ يُعْلِمُ الْحَاكِمَ فَإِنْ عَجَزَ فَالْإِشْهَادُ، وَإِلَّا بَطَلَ حَقُّهُ كَغَائِبٍ أَخَّرَ السَّيْرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ تَأَخَّرَ لِعُذْرٍ وَلَمْ يُشْهِدْ وَالتَّعْبِيرُ بِأَعْذَارِ الْجُمُعَةِ هُوَ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. وَمُقْتَضَى تَشْبِيهِهِمْ لِمَا هُنَا بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالشُّفْعَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَعْذَارُهُمَا وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ كَانَتْ أَضْيَقَ، لَكِنَّا وَجَدْنَا مِنْ أَعْذَارِهِمَا إرَادَةَ دُخُولِ الْحَمَّامِ وَلَوْ لِلتَّنْظِيفِ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ عُذْرًا لِلْجُمُعَةِ وَمِنْ أَعْذَارِهِمَا أَكْلُ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ وَيَبْعُدُ كَوْنُهُ عُذْرًا هُنَا وَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ عُذْرًا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ كَمَا يَأْتِي، لِأَنَّ الْوَجْهَ اعْتِبَارُ الْأَضْيَقِ مِنْ تِلْكَ الْأَعْذَارِ اهـ. بِحُرُوفِهِ وَانْتِظَارُ قَاضٍ خَيْرٍ مِنْ الْمُتَوَلِّي بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُ مَالًا أَصْلًا أَوْ دُونَ الْأَوَّلِ مُجَرَّدُ تَوَهُّمٍ لَا نَظَرَ إلَيْهِ، أَمَّا لَوْ خَافَ مِنْ إعْلَامِهِ جَوْرًا يَحْمِلُهُ عَلَى أَخْذِ كُلِّ مَا لَهُ أَوْ قَدْرًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَخْذِ مِثْلِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ عُذْرٌ عش عَلَى مَرَّ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ التَّأْخِيرُ قَوْلُهُ: (وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ إلَخْ) هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ كَوْنِ النَّفْيِ فَوْرِيًّا، وَإِذَا لَاعَنَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ فَبَانَ عَدَمُهُ فَسَدَ لِعَانُهُ وَحُدَّ اهـ. قَوْلُهُ: (فَأُكْفَى اللِّعَانَ) كَفَى يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ يُقَالُ كَفَاهُ مُؤْنَتَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمُخْتَارِ فَنَائِبُ الْفَاعِلِ هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَاللِّعَانُ هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي وَالْهَمْزَةُ هَمْزَةُ الْمُتَكَلِّمِ. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) وَلَوْ قَالَ: لَمْ أُصَدِّقْ الْمُخَبِّرَ لَمْ يُقْبَلْ إنْ كَانَ عَدْلًا وَلَوْ فِي الرِّوَايَةِ أَوْ لَمْ أَعْلَمْ جَوَازَ اللِّعَانِ صُدِّقَ إنْ كَانَ عَامِّيًّا وَإِنْ نَشَأَ مُسْلِمًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَجْمَعَ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ يَجْتَمِعَ اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَاءِ آخَرَ) : بِالْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ مَنِيُّ آخَرَ، لَكِنْ كَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ مَنِيُّ آخَرَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَنِيًّا آخَرَ لِيَشْمَلَ مَنِيَّهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَدَمُ الْإِضَافَةِ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَلَوْ هُنِّئَ بِوَلَدٍ إلَخْ) وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ تَصْوِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ وُجُوبِ النَّفْيِ فَوْرًا، وَأُجِيبَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 أَوْ نَعَمْ. لَمْ يَنْفِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَابَ بِمَا لَا يَتَضَمَّنُ إقْرَارًا كَقَوْلِهِ " جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا " لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَصْدَهُ مُكَافَأَةُ الدُّعَاءِ بِالدُّعَاءِ (وَ) الْخَامِسُ (التَّحْرِيمُ) أَيْ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ (عَلَى الْأَبَدِ) فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ اللِّعَانِ وَلَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَاشْتَرَاهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ: «لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» أَيْ لَا طَرِيقَ لَك إلَيْهَا. وَلِمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» . تَنْبِيهٌ: بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَحْكَامِ أَشْيَاءُ أُخَرُ لَمْ يَذْكُرْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِذِكْرِهَا مِنْهَا سُقُوطُ حَدِّ قَذْفِ الزَّانِي بِهَا عَنْ الزَّوْجِ إنْ سَمَّاهُ فِي لِعَانِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي لِعَانِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حَدُّ قَذْفِهِ لَكِنْ لَهُ أَنْ يُعِيدَ اللِّعَانَ وَيَذْكُرَهُ. فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ وَلَا بَيِّنَةَ وَحُدَّ لِقَذْفِهَا بِطَلَبِهَا فَطَالَبَهُ الرَّجُلُ الْمَقْذُوفُ بِهِ بِالْحَدِّ. وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدَّانِ فَلَهُ اللِّعَانُ وَتَأَبَّدَتْ حُرْمَةُ الزَّوْجَةِ بِاللِّعَانِ لِأَجْلِ الرَّجُلِ فَقَطْ؛ وَلَوْ ابْتَدَأَ الرَّجُلُ فَطَالَبَهُ بِحَدِّ قَذْفِهِ كَانَ لَهُ اللِّعَانُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ أَصْلًا لَا تَبَعًا لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا، فَلِلْآخَرِ الْمُطَالَبَةُ بِحَقِّهِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: يُلَاعِنُ لِلْمَقْذُوفِ بِهِ لَا يَثْبُتُ بِلِعَانِهِ زِنَا الْمَقْذُوفِ بِهِ وَلَا يُلَاعِنُ الْمَقْذُوفُ بِهِ وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ، وَمِنْهَا سُقُوطُ حَصَانَتِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ إنْ امْتَنَعَتْ مِنْ اللِّعَانِ، وَمِنْهَا تَشْطِيرُ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَمِنْهَا أَنَّ حُكْمَهَا: حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ وَيَحِلُّ لِلزَّوْجِ نِكَاحُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا وَمَنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَهَا كَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ   [حاشية البجيرمي] بِتَصْوِيرِهَا فِيمَنْ قَالَ: الْقَوْلُ الْمُتَقَدِّمُ فِي تَوَجُّهِهِ لِلْقَاضِي أَوْ قَالَهُ: فِي حَالَةٍ يُعْذَرُ فِيهَا بِالتَّأْخِيرِ كَلَيْلٍ وَنَحْوِهِ زي. قَوْلُهُ: (جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا) أَوْ قَالَ: لَهُ سَمِعْت مَا يَسُرُّك، وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا أَفْضَلُ دُعَاءٍ يَدْعُوهُ الْإِنْسَانُ لِأَخِيهِ، مُقَابَلَةَ مَعْرُوفٍ صَنَعَهُ مَعَهُ فَيُجَازِيهِ بِهِ كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ «مَنْ أَسْدَى إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى مُكَافَأَتِهِ فَادْعُوَا لَهُ» قَوْلُهُ: (وَالْخَامِسُ التَّحْرِيمُ) هَذَا يُغْنِي عَنْ الثَّالِثِ دُونَ الْعَكْسِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ فَلَا يَكْفِي عَنْ هَذَا. قَوْلُهُ: (بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ إلَخْ) جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ خَمْسَةٌ، وَالْمَتْنُ خَمْسَةٌ فَتَكُونُ عَشَرَةً مُتَعَلِّقَةً وَمُتَرَتِّبَةً عَلَى لِعَانِ الزَّوْجِ، فَإِذَا لَاعَنَتْ الزَّوْجَةُ تَعَلَّقَ بِلِعَانِهَا سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا قَوْلُهُ: (بِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِالزَّانِي. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ وَلَا بَيِّنَةَ وَحُدَّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ حُدَّ. وَقَوْلُهُ: فَطَالَبَهُ، الرَّجُلُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ وَلَا بَيِّنَةَ وَجَوَابُ الشَّرْطِ هُوَ قَوْلُهُ: فَلَهُ اللِّعَانُ فَافْهَمْ. وَلَا تَغْتَرَّ بِتَحْرِيفِ بَعْضِ النُّسَخِ. قَوْلُهُ: (الْمَقْذُوفُ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَا وَقَوْلُهُ: بِالْحَدِّ مُتَعَلِّقٌ بِطَالَبَهُ قَوْلُهُ: (لِأَجْلِ الرَّجُلِ) أَيْ الرَّجُلِ الزَّانِي الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: بِاللِّعَانِ. قَوْلُهُ: (وَتَأَبَّدَتْ حُرْمَةُ الزَّوْجَةِ) فِي قَذْفِهِ لَهَا فَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا مَا يَقْتَضِي تَأْبِيدَ الْحُرْمَةِ فَإِذَا طَالَبَهُ الرَّجُلُ الْمَقْذُوفُ بِهَا، وَقُلْنَا: بِعَدَمِ تَدَاخُلِ الْحَدَّيْنِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، فَلَهُ اللِّعَانُ لِدَفْعِ الْحَدِّ وَصَارَ تَأَبُّدُ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ لِعَانِهِ فَقَطْ لِعَدَمِ سَبْقِ لِعَانِهَا. اهـ. مد. قَوْلُهُ: (لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَدُّ لِلزَّوْجَةِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ فَيَسْقُطَانِ بِهَذَا اللِّعَانِ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَةُ وَالرَّجُلُ الْمَقْذُوفُ. قَوْلُهُ: (لِلْمَقْذُوفِ بِهِ) وَهُوَ الزَّانِي. قَوْلُهُ: (زِنَا الْمَقْذُوفِ بِهِ) فِيهِ الْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ بِأَنْ يَقُولَ زِنَاهُ وَكَذَا يُقَالُ: فِي قَوْلِهِ: وَلَا يُلَاعِنُ الْمَقْذُوفُ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ اللِّعَانِ لِأَجْلِ الزَّوْجَةِ، حَيْثُ ثَبَتَ بِهِ زِنَاهَا، وَاللِّعَانِ لِأَجْلِ الْمَقْذُوفِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ زِنَاهَا. قَالَ: مد وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ ثَبَتَ عَلَيْهَا الزِّنَا بِلِعَانِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ كَانَ اللِّعَانُ لِأَجْلِهِ فَقَطْ، أَنَّ الرَّجُلَ يُبْتَلَى عَادَةً بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ لِدَفْعِ الْعَارِ وَالنَّسَبِ الْفَاسِدِ، بِخِلَافِهِ فِي الْأَجْنَبِيِّ، وَأَنَّ اللِّعَانَ أُقِيمَ مُقَامَ الْبَيِّنَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجَةِ وَلَا كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ قَوْلُهُ: (فِي حَقِّ الزَّوْجِ) أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهِيَ مُحْصَنَةٌ. قَوْلُهُ: (إنْ امْتَنَعَتْ مِنْ اللِّعَانِ) فَإِنْ لَاعَنَتْ لَمْ تَسْقُطْ حَصَانَتُهَا فِي حَقِّهِ إنْ قَذَفَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ بِالزِّنَا، كَأَنْ قَالَ: أَنْتِ زَنَيْت بَعْدَ اللِّعَانِ، لَا إنْ قَذَفَهَا بِهِ أَوْ أَطْلَقَ. اهـ. مد. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا تَشْطِيرُ الصَّدَاقِ) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ) أَيْ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا سَبَقَ وَعُذْرُهُ فِي ذَلِكَ نَقْلُهُ لِعِبَارَةِ الرَّوْضِ بِرُمَّتِهَا كَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا عَلَى لِعَانِهَا بَلْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا إذَا نَفَى الْحَمْلَ بِلِعَانِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. فَرْعٌ: لَوْ قَذَفَ زَوْجٌ زَوْجَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي وَهِيَ ثَيِّبٌ ثُمَّ لَاعَنَا وَلَمْ تُلَاعِنْ جُلِدَتْ ثُمَّ رُجِمَتْ (وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهَا) أَيْ حَدُّ الزِّنَا الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهَا بِتَمَامِ لِعَانِ الزَّوْجِ (بِأَنْ تُلَاعِنَ) بَعْدَ تَمَامِ لِعَانِهِ كَمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ لَفْظِ السُّقُوطِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا وَجَبَ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إلَّا بِتَمَامِ لِعَانِهِ وَبِاشْتِرَاطِ الْبَعْدِيَّةِ، جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] الْآيَةَ. (فَتَقُولُ) بَعْدَ أَنْ يَأْمُرَهَا الْحَاكِمُ فِي جَمْعٍ مِنْ النَّاسِ كَمَا سُنَّ التَّغْلِيظُ فِي حَقِّهِ كَمَا مَرَّ (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّ فُلَانًا هَذَا) أَيْ زَوْجَهَا إنْ كَانَ حَاضِرًا وَتُمَيِّزُهُ فِي الْغَيْبَةِ كَمَا فِي جَانِبِهَا (لَمِنْ الْكَاذِبِينَ) عَلَيَّ (فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 8] الْآيَةَ. (وَتَقُولُ فِي) الْمَرَّةِ (الْخَامِسَةِ بَعْدَ أَنْ يَعِظَهَا) أَيْ يُبَالِغُ (الْحَاكِمُ) نَدْبًا فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ بِالتَّخْوِيفِ وَالتَّحْذِيرِ كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: عَذَابُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَيَأْمُرُ امْرَأَةً تَضَعُ يَدَهَا عَلَى فِيهَا لَعَلَّهَا أَنْ تَنْزَجِرَ فَإِنْ أَبَتْ إلَّا الْمُضِيَّ، قَالَ لَهَا: قَوْلِي: (وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) فِيمَا رَمَانِي بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ سُكُوتُهُ فِي لِعَانِهَا عَنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِهِ فِي لِعَانِهَا حُكْمٌ فَلَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ وَلَوْ تَعَرَّضَتْ لَهُ لَمْ يَضُرَّ. تَتِمَّةٌ: لَوْ بَدَّلَ لَفْظَ شَهَادَةٍ بِحَلِفٍ وَنَحْوِهِ كَأُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ إلَى آخِرِهِ أَوْ لَفْظَ غَضِبَ بِلَعَنَ أَوْ غَيْرِهِ كَالْإِبْعَادِ وَعَكْسِهِ بِأَنْ ذَكَرَ الرَّجُلُ الْغَضَبَ، وَالْمَرْأَةُ اللَّعْنَ أَوْ ذَكَرَ اللَّعْنَ أَوْ الْغَضَبَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ لِعَانِهَا بِالْغَضَبِ وَلِعَانِ الرَّجُلِ بِاللِّعَانِ أَنَّ جَرِيمَةَ الزِّنَا أَعْظَمُ مِنْ جَرِيمَةِ الْقَذْفِ فَقُوبِلَ الْأَعْظَمُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ الْغَضَبُ لِأَنَّ غَضَبَهُ تَعَالَى إرَادَةُ الِانْتِقَامِ مِنْ الْعُصَاةِ وَإِنْزَالُ الْعُقُوبَةِ بِهِمْ وَاللَّعْنِ وَالطَّرْدِ وَالْبُعْدِ. فَخُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِالْتِزَامِ أَغْلَظِ الْعُقُوبَةِ وَلَوْ نَفَى الذِّمِّيُّ وَلَدًا ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَتْبَعْهُ فِي الْإِسْلَامِ فَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ وَقُسِّمَ مِيرَاثُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْكُفَّارِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ فِي نَسَبِهِ وَإِسْلَامِهِ وَوَرِثَهُ وَانْتَقَضَتْ الْقِسْمَةُ وَلَوْ قَتَلَ الْمُلَاعَنُ مَنْ نَفَاهُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ بِحَالَةِ الْقَذْفِ فَلَا يَتَغَيَّرَانِ بِحُدُوثِ عِتْقٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ إسْلَامٍ فِي الْقَاذِفِ أَوْ الْمَقْذُوفِ.   [حاشية البجيرمي] قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ لَاعَنَا) أَيْ الزَّوْجَانِ، الزَّوْجَةَ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُلَاعِنِ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا وَقْتَ اللِّعَانِ بَلْ وَقْتَ الْقَذْفِ وَنَحْوِهِ. وَكَذَا لَهُ اللِّعَانُ إذَا أَبَانَهَا ثُمَّ لَاعَنَهَا لِنَفْيِ وَلَدٍ أَوْ حَمْلٍ وَقَوْلُهُ: وَلَمْ تُلَاعِنْ، أَمَّا إذَا لَاعَنَتْ سَقَطَ عَنْهَا الْحَدَّانِ قَوْلُهُ: (جُلِدَتْ) أَيْ لِلْأَوَّلِ وَرُجِمَتْ أَيْ لِلثَّانِي وَلَا يُقَدَّمُ الرَّجْمُ عَلَى الْجَلْدِ لِئَلَّا تَمُوتَ فَيَفُوتَ حَقُّ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (جَزَمَ بِهِ) لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ بِهِ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِاشْتِرَاطٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] أَيْ الْعَذَابَ بِلِعَانِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَ أَنْ يَأْمُرَهَا) أَيْ يُلَقِّنَهَا كَلِمَاتِ اللِّعَانِ قَوْلُهُ: (فِي جَمْعٍ مِنْ النَّاسِ) أَيْ نَدْبًا قَوْلُهُ: (عَنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ) كَأَنْ تَقُولَ وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْك قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) جَوَابُ لَوْ قَوْلُهُ: (وَإِنْزَالُ الْعُقُوبَةِ إلَخْ) أَيْ بِالْغَضَبِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عِقَابٍ بِخِلَافِ اللَّعْنِ فَمَعْنَاهُ الْإِبْعَادُ عَنْ الرَّحْمَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ عَذَابٌ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: (أَغْلَظِ الْعُقُوبَةِ) أَيْ جِنْسِ الْعُقُوبَةِ فَأَلْ لِلْجِنْسِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 فَصْلٌ: فِي الْعِدَدِ جَمْعُ عِدَّةٍ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَدَدِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى عَدَدٍ مِنْ الْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ غَالِبًا وَهِيَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِمُدَّةٍ تَتَرَبَّصُ فِيهَا الْمَرْأَةُ لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا أَوْ لِلتَّعَبُّدِ أَوْ لِتَفَجُّعِهَا عَلَى زَوْجِهَا. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ، وَشُرِعَتْ صِيَانَةً لِلْأَنْسَابِ وَتَحْصِينًا لَهَا مِنْ الِاخْتِلَاطِ رِعَايَةً   [حاشية البجيرمي] بِأَغْلَظِ الْعُقُوبَتَيْنِ وَهِيَ وَاضِحَةٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ) لَيْسَ قَيْدًا وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ قَوْلُهُ: (بِحُدُوثِ عِتْقٍ) أَيْ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُحْصَنِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ، الْوَاجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ فَحُدُوثُ شَيْءٍ مِنْ الشُّرُوطِ أَوْ زَوَالُهُ بَعْدَ الْقَذْفِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ السَّابِقَ وَمُرَادُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: بِحُدُوثِ عِتْقٍ أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الْقَاذِفِ وَالْمَقْذُوفِ وَكَذَا قَوْلُهُ رِقٌّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ إسْلَامٌ أَيْ فِي الْمَقْذُوفِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ، لِأَنَّ الْقَاذِفَ لَا يَخْتَلِفُ حَدُّهُ بِالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْقَاذِفِ الْمَقْذُوفِ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلَيْنِ. [فَصْلٌ فِي الْعِدَدِ] ِ أَخَّرَهَا إلَى هُنَا لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بَعْدَ اللِّعَانِ، وَالطَّلَاقِ وَوَسَّطَ الْإِيلَاءَ وَالظِّهَارَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا كَانَا طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَالْعِدَّةُ اسْمُ مَصْدَرٍ لِاعْتَدَّ وَالْمَصْدَرُ الِاعْتِدَادُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَهِيَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَقَوْلُهُمْ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا، لِأَنَّهَا غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ يَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى بَعْضِ تَفَاصِيلِهَا وَشُرِعَتْ أَصَالَةً، صَوْنًا لِلنَّسَبِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَكُرِّرَتْ الْأَقْرَاءُ الْمُلْحَقُ بِهَا الْأَشْهُرُ مَعَ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِوَاحِدٍ اسْتِظْهَارًا أَيْ طَلَبًا لِظُهُورِ مَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ وَهُوَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَاكْتَفِي بِهَا مَعَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ يَقِينَ الْبَرَاءَةِ، لِأَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ لِكَوْنِهِ نَادِرًا وَهِيَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَامِلَ تَعْلِيلٌ لِلنَّفْيِ. وَقَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ أَيْ حَيْضِ الْحَامِلِ، وَالْخِيَانَةُ أَيْ الْكَذِبُ فِي انْقِضَائِهَا مِنْ الْكَبَائِرِ كَمَا فِي الزَّوَاجِرِ. قَوْلُهُ: (مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَدَدِ) أَيْ لُغَةً وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ: وَهِيَ فِي الشَّرْعِ. قَوْلُهُ: (غَالِبًا) لَا يَظْهَرُ التَّقْيِيدُ بِالْغَلَبَةِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ مَعَ الْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ اعْتِدَادِ الْأَمَةِ بِشَهْرٍ وَنِصْفِ، كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا. ثُمَّ رَأَيْت الْمَدَابِغِيَّ ذَكَرَ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: غَالِبًا يَرْجِعُ عَلَى عَدَدٍ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ وَضْعِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ لَا عَدَدَ فِي صُورَتِهِ وَعَنْ عِدَّةِ الْأَمَةِ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ مَثَلًا اهـ وَمِثْلُهُ عش. قَوْلُهُ: (تَتَرَبَّصُ) التَّرَبُّصُ الِانْتِظَارُ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّمَهُّلُ وَالصَّبْرُ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ جَعْلِهِ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ أَيْ انْتِظَارِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا فِيمَنْ تَحْبَلُ وَقَوْلُهُ: الْمَرْأَةُ إلَخْ. خَرَجَ بِهَا الرَّجُلُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِ، قَالُوا إلَّا فِي حَالَتَيْنِ الْحَالَةُ الْأُولَى: إذَا كَانَ مَعَهُ امْرَأَةٌ وَطَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا كَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَ مَعَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ، وَطَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَأَرَادَ التَّزَوُّجَ بِخَامِسَةٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اهـ. وَفِي كَوْنِ الْعِدَّةِ وَاجِبَةً عَلَى الرَّجُلِ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْ. وَغَايَتُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجَةِ وَأَنَّ الزَّوْجَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّزَوُّجُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا اهـ. مد عَلَى التَّحْرِيرِ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا) أَيْ فِيمَنْ يُولَدُ لَهُ وَقَوْلُهُ أَوْ لِتَفَجُّعِهَا إلَخْ أَيْ: فِي فُرْقَةِ الْمَوْتِ. وَهَذِهِ أَمْثِلَةُ انْفِرَادِ كُلِّ قِسْمٍ عَنْ الْآخَرِ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ التَّعَبُّدُ مَعَ التَّفَجُّعِ فِي فُرْقَةِ الْمَوْتِ عَمَّنْ لَا يُولَدُ لَهُ أَوْ كَانَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ تَجْتَمِعُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ مَعَ التَّفَجُّعِ فِيمَنْ يُولَدُ لَهُ فِي فُرْقَةِ الْمَوْتِ. وَقَدْ تَجْتَمِعُ الثَّلَاثَةُ كَمَا فِي هَذَا الْمِثَالِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا نَوْعٌ مِنْ التَّعَبُّدِ أَبَدًا وَاجْتِمَاعُ الْأَقْسَامِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ مَأْخُوذٌ، مِنْ ذِكْرِ أَوْ لِأَنَّهَا مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتُجَوِّزُ الْجَمْعَ، وَالتَّعَبُّدُ هُوَ مَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ عِبَادَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا. فَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ لَا يُقَالُ: فِيهَا تَعَبُّدٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ. غَيْرُ ظَاهِرٍ كَمَا فِي شَرْحِ مَرَّ قَالَ شَيْخُنَا: وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرِفَةِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ إذْ مَا عَدَا وَضْعَ الْحَمْلِ يَدُلُّ عَلَيْهَا ظَنًّا قَوْلُهُ: (أَوْ لِتَفَجُّعِهَا) أَيْ فِيمَنْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَمِثْلُهُ الْمَمْسُوحُ أَوْ بَعْدَهُ وَكَانَ صَبِيًّا أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، فِيمَا يَأْتِي وَالْمُرَادُ بِالتَّفَجُّعِ التَّحَزُّنُ قَوْلُهُ: (وَشُرِعَتْ إلَخْ) : لَا يَشْمَلُ نَحْوَ الصَّغِيرَةِ وَغَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ حَلَّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 لِحَقِّ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلَدِ، وَالنَّاكِحِ الثَّانِي، وَالْمُغَلَّبُ فِيهَا التَّعَبُّدُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي بِقُرْءٍ وَاحِدٍ مَعَ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِهِ (وَالْمُعْتَدَّةُ) مِنْ النِّسَاءِ (عَلَى ضَرْبَيْنِ مُتَوَفَّى عَنْهَا وَغَيْرُ مُتَوَفَّى عَنْهَا) سَلَكَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَقْسِيمِ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ طَرِيقَةً حَسَنَةً مَعَ الِاخْتِصَارِ؛ ثُمَّ بَدَأَ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (فَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً (إنْ كَانَتْ حَامِلًا) بِوَلَدٍ يَلْحَقُ الْمَيِّتَ. (فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ) أَيْ انْفِصَالِ كُلِّهِ حَتَّى ثَانِي تَوْأَمَيْنِ وَلَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فَهُوَ مُقَيَّدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]   [حاشية البجيرمي] وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا حِكْمَةٌ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا قَوْلُهُ: (وَتَحْصِينًا لَهَا) أَيْ الْأَنْسَابِ وَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ: مِنْ الِاخْتِلَاطِ. أَيْ الِاشْتِبَاهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّحِمَ إذَا دَخَلَهُ مَنِيُّ الرَّجُلِ انْسَدَّ فَمُهُ فَلَا يَقْبَلُ مَنِيًّا آخَرَ فَلَا يُتَصَوَّرُ اخْتِلَاطُ مَاءَيْنِ. قَوْلُهُ: (رِعَايَةً لِحَقِّ الزَّوْجَيْنِ) فَحَقُّ الزَّوْجَةِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ، وَحَقُّ الزَّوْجِ عَدَمُ اشْتِبَاهِ مَائِهِ بِمَاءِ الْغَيْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَّا الزَّوْجُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِالْعِدَّةِ مِنْ أَيِّ الزَّوْجَيْنِ الْوَلَدُ وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلِأَجْلِ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَبُوهُ وَقَوْلُهُ: وَالنَّاكِحُ الثَّانِي أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَعْلَمَ هَلْ الْوَلَدُ مِنْهُ أَوْ لَا؟ قَوْلُهُ: (مِنْ النِّسَاءِ) بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ قَوْلُهُ: (مُتَوَفَّى عَنْهَا وَغَيْرُ مُتَوَفَّى عَنْهَا) لَفْظُ مُتَوَفَّى فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ عَنْهَا سم وَتَخْتَصُّ فُرْقَةُ الْوَفَاةِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ: حَجّ. أَمَّا الْفَاسِدُ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِيهِ وَطْءٌ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ وَطْءُ شُبْهَةٍ وَفِيهِ مَا فِي فُرْقَةِ الْحَيِّ. اهـ. مَرَّ. قَوْلُهُ: (انْفِصَالٌ كُلُّهُ) حَتَّى شَعْرَهُ الْمُتَّصِلَ بِهِ مَرَّ. وَلَوْ مَاتَتْ عَقِبَهُ. وَعِبَارَةُ مد قَوْلُهُ انْفِصَالٌ كُلُّهُ إلَّا الشَّعْرَ فَإِنَّهُ إنْ بَقِيَ فِي الْجَوْفِ لَمْ يُؤَثِّرْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُتَّصِلًا وَقَدْ انْفَصَلَ كُلُّهُ مَا عَدَا الشَّعْرِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ وَمِثْلُهُ الظُّفْرُ. اهـ. سم وَفِي عش عَلَى مَرَّ. أَيْ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ بِأَنْ كَانَ مِنْ زَوْجِهَا وَخُلِقَ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ وَطِئَهَا غَيْرُ آدَمِيٍّ وَاحْتُمِلَ كَوْنُ الْحَمْلِ مِنْهُ أَيْ مِنْ الزَّوْجِ لَا يَمْنَعُ مِنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِوَضْعِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ نِسْبَتُهُ إلَى ذِي الْعِدَّةِ وَلَوْ احْتِمَالًا وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (تَوْأَمَيْنِ) أَيْ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ ثَلَاثَةً انْقَضَتْ بِالثَّالِثِ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحَقُوهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، وَبَيْنَ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ دُونَهَا لَحَقَاهُ دُونَ الثَّالِثِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، وَبَيْنَ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ دُونَهَا لَمْ يَلْحَقَاهُ، أَيْ الْأَخِيرَانِ، لِأَنَّهُمَا تَوْأَمٌ آخَرُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَوَّلِ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَا بَيْنَ كُلٍّ وَتَالِيهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. اهـ. زي. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّوْمَ بِلَا هَمْزَةٍ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْوَلَدَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ، مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ وَبِهَمْزٍ كَرَجُلٍ تَوْأَمٍ وَامْرَأَةٍ تَوْأَمَةٍ مُفْرَدًا وَتَثْنِيَتُهُ تَوْأَمَانِ، كَمَا فِي الشَّارِحِ فَاعْتِرَاضُهُ: بِأَنَّهُ لَا تَثْنِيَةَ لَهُ وَهْمٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّوْمِ بِلَا هَمْزَةٍ وَالتَّوْأَمِ بِالْهَمْزِ وَأَنَّ تَثْنِيَةَ الشَّارِحِ إنَّمَا هِيَ لِلْمَهْمُوزِ لَا غَيْرُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ عش عَلَى مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ انْفِصَالُ التَّوْأَمِ الثَّانِي بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ بِأَنْ وَضَعَتْ أَحَدَهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهَا وَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُقَيَّدٌ لِقَوْلِهِ إلَخْ) جَعَلَهُ هُنَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، وَفِيمَا يَأْتِي مِنْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ هُنَا فِعْلٌ وَهُوَ {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] وَلَا عُمُومَ لَهُ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ، وَالْمَوْجُودُ فِيمَا يَأْتِي عَامٌّ وَهُوَ {وَالْمُطَلَّقَاتُ} [البقرة: 228] وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} [البقرة: 234] مَعْنَاهُ وَزَوْجَاتُ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ، بِدَلِيلِ يَتَرَبَّصْنَ فَيَكُونُ عَامًّا كَقَوْلِهِ {وَالْمُطَلَّقَاتُ} [البقرة: 228] فَإِنَّهُ هُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَالْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ لَا لِلْفِعْلِ، وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ مُرَادُهُ بِهِ التَّخْصِيصُ كَمَا سَيُعَبِّرُ بِهِ فِيمَا يَأْتِي فَهُوَ مُقَيَّدٌ، إنْ نَظَرَ لِلْفِعْلِ الْوَاقِعِ صِلَةً لِلْمَوْصُولِ. وَهُوَ يُتَوَفَّوْنَ فَإِنَّ الْفِعْلَ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ مَعْنًى وَمُخَصَّصٌ إنْ نُظِرَ لِلْمَوْصُولِ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ عَامٌّ فَالْمُغَايِرَةُ لِلتَّفَنُّنِ. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِينَ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ وَيُتَوَفَّوْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ وَقَدْ وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ: «قَدْ حَلَلْت فَانْكِحِي مَنْ شِئْت» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا: يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مَا لَوْ مَاتَ صَبِيٌّ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ عَنْ حَامِلٍ فَإِنَّ عِدَّتَهَا بِالْأَشْهُرِ لَا بِالْوَضْعِ لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ عَنْهُ يَقِينًا لِعَدَمِ إنْزَالِهِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ مَمْسُوحٌ وَهُوَ الْمَقْطُوعُ جَمِيعُ ذَكَرِهِ وَأُنْثَيَيْهِ عَنْ حَامِلٍ فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ لَا بِالْوَضْعِ إذَا لَا يَلْحَقُهُ وَلَدٌ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ فَإِنَّ الْأُنْثَيَيْنِ مَحَلُّ الْمَنِيِّ الَّذِي يَتَدَفَّقُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ الظَّهْرِ وَلَمْ يُعْهَدْ لِمِثْلِهِ وِلَادَةٌ. فَائِدَةٌ: حُكِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدِ بْنَ حَرْبَوَيْهِ قُلِّدَ قَضَاءَ مِصْرَ وَقَضَى بِهِ فَحَمَلَهُ الْمَمْسُوحُ عَلَى كَتِفِهِ وَطَافَ بِهِ الْأَسْوَاقَ وَقَالَ: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الْقَاضِي يُلْحِقُ أَوْلَادَ الزِّنَا بِالْخُدَّامِ وَيُلْحِقُ الْوَلَدَ مَجْبُوبًا قُطِعَ جَمِيعُ ذَكَرِهِ وَبَقِيَ أُنْثَيَاهُ، فَتَعْتَدُّ الْحَامِلُ بِوَضْعِهِ لِبَقَاءِ أَوْعِيَةِ الْمَنِيِّ وَمَا فِيهَا مِنْ الْقُوَّةِ الْمُحِيلَةِ لِلدَّمِ. وَكَذَا مَسْلُولٌ خُصْيَتَاهُ وَبَقِيَ ذَكَرُهُ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ آلَةَ الْجِمَاعِ بَاقِيَةٌ فَقَدْ يُبَالِغُ فِي الْإِيلَاجِ فَيَلْتَذُّ وَيُنْزِلُ مَاءً رَقِيقًا (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ (حَائِلًا) وَهِيَ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ غَيْرُ الْحَامِلِ (فَعِدَّتُهَا) إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ زَوْجَةَ صَبِيٍّ أَوْ مَمْسُوحٍ. (أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) مِنْ الْأَيَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]   [حاشية البجيرمي] صِلَةٌ وَجُمْلَةُ يَتَرَبَّصْنَ خَبَرٌ لَكِنْ لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ عَيْنَ الْمُبْتَدَإِ: لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ الَّذِينَ وَهُمْ الْأَزْوَاجُ وَيَتَرَبَّصْنَ رَاجِعٌ لِلزَّوْجَاتِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ قَبْلَ الْمُبْتَدَإِ أَيْ وَزَوْجَاتُ الَّذِينَ إلَخْ. وَبَعْضُهُمْ نَظَرَ لِهَذَا الْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ فَجَعَلَ الْآيَةَ الْأُولَى مِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيُنَاسِبُهُ التَّخْصِيصُ. قَوْلُهُ: {وَعَشْرًا} [البقرة: 234] أَيْ مِنْ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي قَوْلُهُ: (لِسُبَيْعَةَ) بِالتَّصْغِيرِ قَوْلُهُ: (لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ) بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْأُنْثَيَيْنِ مَحَلُّ الْمَنِيِّ) أَيْ إحْدَاهُمَا مَحَلُّ الْمَنِيِّ وَهِيَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ الْيَسَارُ مَحَلٌّ لِشَعَرِ اللِّحْيَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَعَلَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ وُجِدَ مَنْ لَهُ الْيُسْرَى وَلَهُ مَاءٌ كَثِيرٌ وَشَعَرٌ كَذَلِكَ شَرْحُ مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُعْهَدْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَنْزِلُ. قَوْلُهُ: (أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ) : وَكَانَ مُجْتَهِدَ فَتْوَى، وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي مَنْصِبِهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِتَقْلِيدِ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ وَافَقَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُمَا شَافِعِيَّانِ وَقَوْلُهُ: وَقُضِيَ بِهِ أَيْ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِالْمَمْسُوحِ وَقَوْلُهُ بِالْخُدَّامِ أَيْ مَنْ يَخْدِمُ النِّسَاءَ وَهُوَ الْمَمْسُوحُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَخْدُمُهُنَّ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إلَّا الْمَمْسُوحُ وَهَذَا عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ حَاذِمٍ وَهُوَ مَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَبَقِيَ أُنْثَيَاهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (ابْنِ حَرْبَوَيْهِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْيَاءِ كَعَمْرَوَيْهِ. قَوْلُهُ: (قُلِّدَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَكْسُورَةً أَيْ وُلِّيَ قَوْلُهُ: (إلَى هَذَا الْقَاضِي) الْإِشَارَةُ لِمَا فِي الْخَارِجِ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ} [مريم: 63] فَهُوَ عَهْدٌ خَارِجِيٌّ عِلْمِيٌّ كَقَوْلِهِمْ خَرَجَ الْأَمِيرُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إلَّا هُوَ قَوْلُهُ: (بِالْخُدَّامِ) أَيْ الطُّوَاشِيَةِ. قَوْلُهُ: (مَجْبُوبًا) بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ قَوْلُهُ: (خُصْيَتَاهُ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالْخُصْيَتَانِ الْبَيْضَتَانِ وَالْخُصْيَتَانِ الْجِلْدَتَانِ اللَّتَانِ فِيهِمَا الْبَيْضَتَانِ، وَقَالَ الْأُمَوِيُّ الْخُصْيَةُ الْبَيْضَةُ فَإِذَا ثَنَّيْت قُلْت خُصْيَانِ بِلَا تَاءٍ قَوْلُهُ: (وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ) وَقِيلَ: لَا يَلْحَقُهُ لِأَنَّهُ لَا مَاءَ لَهُ وَدُفِعَ بِمَا مَرَّ أَيْ لِأَنَّ وِعَاءَ الْمَنِيِّ وَهُوَ الْخُصْيَتَانِ مَوْجُودٌ قَوْلُهُ: (وَيُنْزِلُ مَاءً رَقِيقًا) هَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمَمْسُوحِ قَوْلُهُ: (حُرَّةً) : أَيْ وَلَوْ فِي ظَنِّهِ وَإِنْ خَالَفَ الْوَاقِعَ كَمَا فِي عِدَّةِ الْحَيَاةِ قَالَهُ مَرَّ وَخَالَفَهُ زي. اهـ. قل. قَوْلُهُ: (صَبِيٍّ) أَيْ لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ الِاحْتِلَامِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [البقرة: 234] أَيْ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ، إنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ غَيْرِ زِنًا بِأَنْ كَانَ مِنْ شُبْهَةٍ، لِأَنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ مُقَدَّمَةٌ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْمَوْتِ بِأَنْ وُطِئَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَرَائِرِ كَمَا مَرَّ، وَعَلَى الْحَائِلَاتِ بِقَرِينَةِ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَكَالْحَائِلَاتِ الْحَامِلَةُ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] فَإِنْ قِيلَ شَرْطُ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمَنْسُوخِ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى مُتَقَدِّمَةٌ وَهَذِهِ مُتَأَخِّرَةٌ. أُجِيبَ: بِأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ فِي التِّلَاوَةِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي النُّزُولِ، وَتُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ: بِالْأَهِلَّةِ مَا أَمْكَنَ وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ بِالْعَدَدِ. كَنَظَائِرِهِ. فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهَا الْأَهِلَّةُ كَالْمَحْبُوسَةِ اعْتَدَّتْ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَوْ مَاتَ عَنْ مُطَلَّقَةٍ رَجْعِيَّةٍ، انْتَقَلَتْ إلَى عِدَّةِ   [حاشية البجيرمي] بِشُبْهَةٍ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ وَحَمَلَتْ فَإِنَّهَا تُقَدِّمُ عِدَّةَ الشُّبْهَةِ وَبَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ اهـ. قَوْلُهُ: {وَعَشْرًا} [البقرة: 234] أَيْ وَتَزِيدُ عَشْرًا فَهُوَ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ هَذَا عَلَى كَوْنِ عَشْرًا فِي كَلَامِ الْمَاتِنِ مَنْصُوبًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مَعَهُ لِعَدَمِ الْعَامِلِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَشْرٌ بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ قَالَ ز ى وَكَأَنَّ حِكْمَةَ هَذَا الْعَدَدِ مَا مَرَّ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَصْبِرْنَ عَنْ الزَّوْجِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَمْ تَزِدْ عَلَيْهَا فِي تَفَجُّعِهِنَّ وَزِيدَتْ الْعَشَرَةُ اسْتِظْهَارًا، ثُمَّ رَأَيْت شَرْحَ مُسْلِمٍ ذَكَرَ أَنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ بِهَا يَتَحَرَّكُ الْحَمْلُ وَتُنْفَخُ الرُّوحُ فِيهِ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي ظُهُورَ حَمْلٍ إنْ كَانَ اهـ. بِحُرُوفِهِ وَقَوْلُهُ: ذَكَرَ أَنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ إلَخْ. هَذِهِ حِكْمَةٌ وَالْحِكْمَةُ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْحِكْمَةَ سَاكِتَةٌ عَمَّا لَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً لِأَنَّ عِدَّتَهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تَحْبَلُ أَوْ آيِسَةً قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَيَّامِ) فِيهِ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ، فَيُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْعَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ اللَّيَالِي تِسْعَةً بِأَنْ تَقَدَّمَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ عَلَى اللَّيْلَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ. بِأَنْ مَاتَ بِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ فِي الشَّهْرِ مَثَلًا فَإِنَّ الْأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ تَنْقُصُ لَيْلَةً، فَتَكْمُلُ بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ، فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ أَوَّلَ الْيَوْمِ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ فَتَكُونُ نَاقِصَةً لَيْلَةً فَتُكْمَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْحَادِيَ عَشَرَ، وَحَذَفَ التَّاءَ مِنْ الْعَشَرَةِ مَعَ كَوْنِ الْمَعْدُودِ مُذَكَّرًا لِجَوَازِ حَذْفِهَا عِنْدَ حَذْفِ الْمَعْدُودِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَيْ عَشْرَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا وَهِيَ أَظْهَرُ، وَالْمُرَادُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرٌ مِنْ الْأَيَّامِ بِلَيَالِيِهَا، لَكِنْ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ شُبْهَةٍ لِأَنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ مُقَدَّمَةٌ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ زِنًا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِمُضِيِّ الْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِهِ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ لِهَذَا لَوْ نَكَحَ حَامِلًا مِنْ زِنًا صَحَّ نِكَاحُهُ قَطْعًا وَجَازَ لَهُ الْوَطْءُ قَبْلَ الْوَضْعِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ زَنَتْ فِي الْعِدَّةِ وَحَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا لَمْ تَنْقَطِعْ الْعِدَّةُ وَلَوْ جَهِلَ حَالَ الْحَمْلِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ زِنًا كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَبِهِ أَفْتَى الْقَفَّالُ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا: وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ كَالزِّنَا فِي أَنَّهُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ كَمَا تَقَرَّرَ وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ مِنْ شُبْهَةٍ فَلَا تُحَدُّ تَجَنُّبًا عَنْ تَحَمُّلِ الْإِثْمِ بِقَرِينَةِ آخِرِ كَلَامِ قَائِلِهِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} [البقرة: 234] قَالَ الشَّوْبَرِيُّ يُقَالُ: تُوُفِّيَ فُلَانٌ وَتَوَفَّى إذَا مَاتَ فَمَنْ قَالَ تُوُفِّيَ مَعْنَاهُ قُبِضَ وَمَنْ قَالَ تَوَفَّى مَعْنَاهُ تَوَفَّى أَجَلَهُ أَيْ اسْتَوْفَى عُمُرَهُ وَاسْتَكْمَلَ وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَتَوَفَّوْنَ بِفَتْحِ الْيَاءِ قَوْلُهُ: {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] إلَخْ. فِي مُضَافٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ زَوْجَاتُهُمْ وَبِهِ تَحْصُلُ الْمُطَابَقَةُ، بَيْنَ الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ قَوْلُهُ، وَاَلَّذِينَ لِأَنَّهُ لِلْمُذَكَّرِ وَبَيْنَ الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: يَتَرَبَّصْنَ أَوْ يُقَدَّرُ وَزَوْجَاتُ الَّذِينَ إلَخْ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: {وَعَشْرًا} [البقرة: 234] أَيْ عَشْرَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَانْظُرْ لِمَاذَا فَسَّرَ الْعَشْرَ فِي الْآيَةِ بِاللَّيَالِيِ وَفَسَّرَ الْعَشَرَةَ فِي كَلَامِهِ بِالْأَيَّامِ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ. قَوْلُهُ: أَيْ عَشْرَ لَيَالٍ فَسَّرَ الْعَشْرَ بِذَلِكَ لِتَأْنِيثِهَا وَالْمُرَادُ بِأَيَّامِهَا وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ اللَّيَالِي، لِأَنَّهَا غُرَرُ الشُّهُورِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: بِأَيَّامِهَا إلَى دَفْعِ إبْهَامِ إخْرَاجِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ الْمُدَّةِ قَوْلُهُ: (الْحَامِلَةُ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ زِنًا أَوْ وَطْءَ شُبْهَةٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ زِنًا فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ بَعْدَ وَضْعِ ذَلِكَ الْحَمْلِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ سم. قَوْلُهُ: (وَصِيَّةً) أَيْ أَوْصُوا وَصِيَّةً إلَخْ قَوْلُهُ: (بِالْأَهِلَّةِ) وَعِبَارَةُ مَرَّ وع ش عَلَيْهِ وَتُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ بِالْأَهِلَّةِ مَا لَمْ يَمُتْ أَثْنَاءَ شَهْرٍ وَقَدْ بَقِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 وَفَاةٍ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، أَوْ مَاتَ عَنْ مُطَلَّقَةٍ بَائِنٍ فَلَا تَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ وَفَاةٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ فَتُكْمِلُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحُرَّةِ الْأَمَةُ وَسَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي فَقَالَ: (وَغَيْرُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا) الْمُعْتَدَّةُ عَنْ فُرْقَةِ طَلَاقٍ، أَوْ فَسْخٍ بِعَيْبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ لِعَانٍ (إنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]   [حاشية البجيرمي] مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَحِينَئِذٍ ثَلَاثَةٌ بِالْأَهِلَّةِ وَتُكْمِلُ مِنْ الرَّابِعِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَوْ جَهِلَتْ الْأَهِلَّةَ حَسِبَتْهَا كَامِلَةً وَأَمَّا لَوْ بَقِيَ مِنْهُ عَشَرَةٌ فَقَطْ فَتَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَهِلَّةٍ بَعْدَهَا وَلَوْ نَوَاقِصَ قَوْلُهُ: (انْتَقَلَتْ إلَى عِدَّةِ وَفَاةٍ) : أَيْ مَعَ حُسْبَانِ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (الْمُعْتَدَّةُ عَنْ فُرْقَةِ طَلَاقٍ) أَيْ وَقَدْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ، وَلَوْ مَجْنُونًا وَمُكْرَهًا وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ، وَكَذَا بِذَكَرِ أَشَلَّ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَكَالْوَطْءِ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ الْمُحْتَرَمِ حَالَ خُرُوجِهِ. وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ فِيمَا يَظْهَرُ. كَمَا لَوْ خَرَجَ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَاسْتَدْخَلَتْهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى، أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ اعْتِبَارًا بِالْوَاقِعِ دُونَ اعْتِقَادِهِ وَإِنْ عَكَسْنَا فِي الْعَكْسِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الِاحْتِيَاطُ فِيهَا وَهَلْ خُرُوجُهُ بِاسْتِمْنَاءٍ بِيَدِهِ كَخُرُوجِهِ بِالزِّنَا بِجَامِعِ حُرْمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِذَاتِهِ حَتَّى لَا تَجِبَ الْعِدَّةُ بِاسْتِدْخَالٍ وَلَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ الْمُنْعَقِدُ مِنْهُ فِيهِ نَظَرٌ. سم ثُمَّ قَالَ: فِي مَسْأَلَةِ الْمُكْرَهِ بَعْدَ إطَالَةِ الْكَلَامِ فِيهَا وَنَقَلَهُ عَنْ الشِّهَابِ مَرَّ، بِأَنَّهُ أَفْتَى بِعَدَمِ لُحُوقِ الْوَلَدِ لِعَدَمِ احْتِرَامِ وَطْئِهِ، بِدَلِيلِ الْإِثْمِ بِهِ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُبِيحُهُ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ وُجُوبِ الْعِدَّةِ أَيْضًا وَلَا إشْكَالَ عَلَى هَذَا فِي عَدَمِ اللُّحُوقِ وَعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِمْنَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَوْلُهُ: الْمُحْتَرَمِ حَالَ خُرُوجِهِ أَيْ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ اشْتَرَطَ الِاحْتِرَامَ دُخُولًا وَخُرُوجًا وَقَوْلُهُ فَاسْتَدْخَلَتْهُ إلَخْ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَقَوْلُ الْأَطِبَّاءِ: إنَّ الْمَنِيَّ إذَا ضَرَبَهُ الْهَوَاءُ لَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ الْوَلَدُ، غَايَتُهُ ظَنٌّ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْإِمْكَانَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَعَدَمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ، بِوَطْءِ الْمُكْرَهِ وَالْمُعْتَمَدُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ بِالذَّكَرِ الْأَشَلِّ دُونَ الْمُبَانِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. وَلَوْ مُسِخَ شَخْصٌ وَمَعَهُ زَوْجَةٌ هَلْ تَعْتَدُّ بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ أَمْ بِعِدَّةِ الْحَيَاةِ؟ يُنْظَرُ، فَإِنْ مُسِخَ حَجَرًا كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَكَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ النِّصْفَ الْأَعْلَى اعْتَدَّتْ بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَإِنْ مُسِخَ حِمَارًا كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَكَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ النِّصْفَ الْأَعْلَى اعْتَدَّتْ بِعِدَّةِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ مُسِخَ الْبَعْضُ كَذَا وَالْبَعْضُ كَذَا فَالْعِبْرَةُ بِالنِّصْفِ الْأَعْلَى، وَلَوْ مُسِخَ نِصْفُهُ طُولًا حَجَرًا وَنِصْفُهُ الْآخَرُ طُولًا حَيَوَانًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ مُسِخَ كُلُّهُ حَيَوَانًا سم نَقْلًا عَنْ مَرَّ. فَلَوْ اعْتَدَّتْ زَوْجَةُ الْمَمْسُوخِ وَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ وَانْتَقَلَتْ تَرَكَتْهُ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ وَعَادَ ذَلِكَ الْمَمْسُوخُ إلَى أَصْلِهِ لَا تَعُودُ لَهُ زَوْجَتُهُ وَلَا تَرَكَتْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ وَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ وَتَزَوَّجَتْ وَقُسِمَتْ تَرِكَتُهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ عَدَمُ مَوْتِهِ، فَإِنَّ زَوْجَتَهُ وَتَرِكَتَهُ يَعُودَانِ لَهُ. اهـ. مَيْدَانِيٌّ. وَقَوْلُهُ: فِيمَا تَقَدَّمَ كَالْوَطْءِ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ الْمُحْتَرَمِ. الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنِيِّ الْمُحْتَرَمِ حَالَ خُرُوجِهِ فَقَطْ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ مَرَّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ حَالَ الدُّخُولِ، كَمَا إذَا احْتَلَمَ الزَّوْجُ وَأَخَذَتْ الزَّوْجَةُ مَنِيَّهُ فِي فَرْجِهَا ظَانَّةً أَنَّهُ مَنِيُّ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّ هَذَا مُحْتَرَمٌ حَالَ الْخُرُوجِ، وَغَيْرُ مُحْتَرَمٍ حَالَ الدُّخُولِ، وَتَجِبُ الْعِدَّةُ بِهِ إذَا طَلُقَتْ الزَّوْجَةُ قَبْلَ الْوَطْءِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا فِي الْحَالَيْنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ مَرَّ دَخَلَ مَنِيُّهُ الْمُحْتَرَمُ وَقْتَ الْإِنْزَالِ، وَلَا أَثَرَ لِوَقْتِ اسْتِدْخَالِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَإِنْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ اعْتِبَارَ حَالَةِ الْإِنْزَالِ وَالِاسْتِدْخَالِ فَقَطْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ فَأَمْنَى ثُمَّ اسْتَدْخَلَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ عَالِمَةٌ بِالْحَالِ، أَوْ أَنْزَلَ فِي زَوْجَتِهِ فَسَاحَقَتْ بِنْتَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَحِقَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا بِامْرَأَةٍ، فَحَمَلَتْ مِنْهُ لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ كَوْنَهُ مِنْهُ وَالشَّرْعُ مَنَعَ نَسَبَهُ مِنْهُ اهـ. وَفِي قل عَلَى الْجَلَالِ مَا نَصُّهُ وَالْمُرَادُ الْمَنِيُّ الْمُحْتَرَمُ بِأَنْ يَكُونَ حَالَ خُرُوجِهِ مُحْتَرَمًا لِذَاتِهِ فِي ظَنِّهِ أَوْ فِي الْوَاقِعِ فَشَمِلَ الْخَارِجَ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي الْحَيْضِ مَثَلًا وَبِاسْتِمْنَائِهِ بِيَدِهَا أَوْ بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ يَظُنُّهَا حَلِيلَتَهُ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ كَنِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ بِوَطْءِ الْأَبِ أَمَةَ وَلَدِهِ وَلَوْ مَعَ عِلْمِهِ بِهَا فَإِذَا اسْتَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ وَلَوْ أَجْنَبِيَّةً عَالِمَةً بِحَالِهِ وَجَبَ بِهِ الْعِدَّةُ، وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ الْحَاصِلُ مِنْهُ كَالْحَاصِلِ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْحَرَامُ فِي ظَنِّهِ وَالْوَاقِعُ مَعًا كَالزِّنَا وَالِاسْتِمْنَاءِ بِيَدِ غَيْرِ حَلِيلَتِهِ، وَأَلْحَقَ بِهِ شَيْخُنَا الْخَارِجَ بِالنَّظَرِ أَوْ الْفِكْرِ الْمُحَرَّمِ فَلَا عِبْرَةَ بِاسْتِدْخَالِهِ وَلَوْ مِنْ زَوْجَتِهِ وَإِنْ ظَنَّهُ غَيْرَ مُحَرَّمٍ كَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا لَكِنْ تَقَدَّمَ عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 فَهُوَ مُخَصَّصٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ: مِنْ الْعِدَّةِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْوَضْعِ بِشَرْطِ إمْكَانِ نِسْبَتِهِ إلَى صَاحِبِ الْعِدَّةِ زَوْجًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي إمْكَانَ كَوْنِهِ مِنْهُ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ لَمْ تَنْقَضِ بِوَضْعِهِ، كَمَا إذَا مَاتَ صَبِيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِنْزَالُ أَوْ مَمْسُوحٌ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ فَلَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا مَرَّ. وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَتَتْ زَوْجَتُهُ الْحَامِلُ بِوَلَدٍ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ كَأَنْ وَضَعَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ النِّكَاحِ أَوْ لِأَكْثَرَ، وَكَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَسَافَةٌ لَا تُقْطَعُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْفُرْقَةِ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ. لَكِنْ لَوْ ادَّعَتْ فِي الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا أَوْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا أَوْ وَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ وَأَمْكَنَ فَهُوَ وَإِنْ انْتَفَى عَنْهُ تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا وَيُشْتَرَطُ انْفِصَالُ كُلِّ الْحَمْلِ فَلَا أَثَرَ لِخُرُوجِ بَعْضِهِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ أَحْكَامِ الْجَنِينِ لِعَدَمِ تَمَامِ انْفِصَالِهِ وَلِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ وُجُوبَ الْغُرَّةِ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحَقُّقُ وُجُودِهِ وَوُجُوبُ الْقَوَدِ إذَا حَزَّ جَانٍ رَقَبَتَهُ وَهُوَ حَيٌّ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّهِ إذَا مَاتَتْ بَعْدَ صِيَاحِهِ. وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِمَيِّتٍ وَبِمُضْغَةٍ فِيهِمَا صُورَةُ آدَمِيٍّ خَفِيَّةٌ عَلَى غَيْرِ   [حاشية البجيرمي] الْوَلَدَ الْحَاصِلَ بِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ لَاحِقٌ بِهِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ حَيْثُ الْفِرَاشُ اهـ. قَالَ سم وَلَيْسَ مِنْ الَّذِي خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْحِلِّ مَنِيُّهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ بِيَدِهِ لِخَوْفِ الزِّنَا لِأَنَّ عَدَمَ الْإِثْمِ فِيهِ لِعَارِضٍ فَلَا نَظَرَ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ بِسَبَبِ اسْتِدْخَالِهِ الْعِدَّةُ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ اهـ. وَلَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِلَا إشْكَالٍ بَلْ لَوْ اسْتَدْخَلَتْ هَذَا الْمَاءَ زَوْجَةٌ أُخْرَى وَجَبَتْ الْعِدَّةُ أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ سم. وَصُورَةُ ذَلِكَ: أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ يَطَأَهَا يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً، وَأَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا زِنًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ وَطْؤُهَا سِوَى ذَلِكَ فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِطَلَاقِهِ، وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الْوَطْءِ بِقَصْدِ الزِّنَا فَيُقَالُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، لِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً قَبْلَ الدُّخُولِ، وَوَطْءُ الزِّنَا لَا يُوجِبُ عِدَّةً، اعْتِبَارًا بِكَوْنِ الْمَوْطُوءَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ زَوْجَةً وَمَا تَخَيَّلَهُ بَعْضُ ضَعَفَةِ الطَّلَبَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَنْ وَطِئَ بِذَلِكَ الظَّنِّ، وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَحَرُمَ عَلَى زَوْجِهَا وَطْؤُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُوَ مِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ إنْ نَظَرَ إلَى كَوْنِ الْوَطْءِ بِاسْمِ الزِّنَا فَالزِّنَا لَا حُرْمَةَ لَهُ إنْ نَظَرَ إلَى كَوْنِهَا زَوْجَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ يَكُنْ وَطْؤُهَا مُوجِبًا لِلْعِدَّةِ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ قَوْلُهُ: (أَوْ فَسْخٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الِانْفِسَاخَ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الرَّضَاعِ وَاللِّعَانِ قَالَهُ شَيْخُنَا. ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ عَطْفُ رَضَاعٍ عَلَى طَلَاقٍ وَالْأَمْرُ حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ قَوْلُهُ: (زَوْجًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ) الْمُنَاسِبُ حَذْفُ هَذَا التَّعْمِيمِ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْمُفَارَقَةِ فَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرَهُ مُرَادُهُ، الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ. قَوْلُهُ: (كَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرَّةِ فَلَا تَرِدُ الْأَمَةُ لِأَنَّ وَلَدَهَا إنَّمَا يُنْفَى بِالْحَلِفِ لَا بِاللِّعَانِ قَوْلُهُ: (كَمَا إذَا مَاتَ صَبِيٌّ) هُوَ تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ لِأَنَّ فَرْضَ الْكَلَامِ فِي فُرْقَةِ الْحَيَاةِ اهـ. مَرْحُومِيٌّ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ: كَمَا إذَا مَاتَ صَبِيٌّ إلَخْ فِيهِ أَنَّ كَلَامَنَا فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْفُرْقَةِ فِي الْحَيَاةِ لَا فُرْقَةً فِي الْمَوْتِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: كَمَا لَوْ فُسِخَتْ بِعَيْبِ صِبًا. قَوْلُهُ: (أَوْ مَمْسُوحٌ) أَيْ وَلَوْ سَاحَقَهَا حَتَّى نَزَلَ مَاؤُهُ فِي فَرْجِهَا عش عَلَى مَرَّ قَوْلُهُ: (مِنْ النِّكَاحِ) الْأَوْلَى مِنْ إمْكَانِ اجْتِمَاعِهَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَكَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إلَخْ) : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَسَافَةٌ تُقْطَعُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَوَضَعَتْهُ لِذَلِكَ يَلْحَقُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ مُضِيِّ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ قَوْلُهُ: (أَوْ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْفُرْقَةِ) هَذَا مَحَلُّهُ فِي مَجْهُولِ الْبَقَاءِ، أَمَّا إذَا تَحَقَّقْنَا الْبَقَاءَ، بِأَنْ أَخْبَرَنَا بِالْحَمْلِ مَعْصُومٌ كَالْخَضِرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَضْعٌ وَلَا وَطْءٌ، فَإِنَّهُ يُنْسَبُ لَهُ وَتَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا. كَمَا قَالَهُ سم وَقَالَ: إنَّهُ حَقٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَإِنْ انْتَفَى عَنْهُ) أَيْ لِعَدَمِ تَصْدِيقِهِ لَهَا فِيمَا ادَّعَتْهُ قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا أَثَرَ لِخُرُوجِ بَعْضِهِ قَوْلُهُ: (إذَا حَزَّ جَانٌّ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ فَقَطْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (إذَا مَاتَتْ) فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ بِإِلْحَاقِ الْفِعْلِ تَاءَ التَّأْنِيثِ وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهَا كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 الْقَوَابِلِ لِظُهُورِهَا عِنْدَهُنَّ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُضْغَةِ صُورَةٌ لَا ظَاهِرَةٌ وَلَا خَفِيَّةٌ، وَلَكِنْ قُلْنَ هِيَ أَصْلُ آدَمِيٍّ وَلَوْ بَقِيَتْ لَتَصَوَّرَتْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِوَضْعِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ، لِحُصُولِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِذَلِكَ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ النُّصُوصِ فَإِنَّهُ نَصَّ هُنَا عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهَا وَعَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهَا الْغُرَّةُ وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا الِاسْتِيلَادُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَتْ. وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فِي الْغُرَّةِ وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ إنَّمَا تَثْبُتُ تَبَعًا لِلْوَلَدِ، وَهَذَا لَا يُسَمَّى وَلَدًا وَخَرَجَ بِالْمُضْغَةِ الْعَلَقَةُ وَهِيَ مَنِيٌّ يَسْتَحِيلُ فِي الرَّحِمِ فَيَصِيرُ دَمًا غَلِيظًا فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهَا لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى حَمْلًا.   [حاشية البجيرمي] مَرْحُومِيٌّ. وَيُمْكِنُ أَنْ تَوَجَّهَ نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّهُ لَمَّا جَنَى عَلَيْهَا مَاتَتْ فَمَاتَ الْجَنِينُ بِسَبَبِ مَوْتِهَا فَتَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الَأُجْهُورِيُّ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ الثَّانِيَةِ عَلَى بُعْدٍ بِأَنْ مَاتَتْ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا، فَمَاتَ الْوَلَدُ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا وَتَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ اقْتَصَّ مِنْهُ وَوَجَبَتْ دِيَةٌ لِلْوَلَدِ، وَإِلَّا فَدِيَتَانِ لَهَا وَلِلْوَلَدِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَالظَّاهِرُ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ بِالْجِنَايَةِ بِمَاتَتْ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ قَالَ شَيْخُنَا: فَمَحَلُّ وُجُوبِ الْغُرَّةِ دُونَ الدِّيَةِ إنْ لَمْ يَصِحَّ قَبْلَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ صِيَاحِهِ) أَيْ وَقَدْ خَرَجَ بَعْضُهُ قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ الْقَوَابِلِ) أَيْ وَأَخْبَرَ بِهَا أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ أَوْ رَجُلَانِ فَلَوْ أَخْبَرَتْ بِذَلِكَ وَاحِدَةٌ، حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا بَاطِنًا كَمَا فِي حَلَّ وَعِبَارَةُ مَرَّ فِي شَرْحِهِ، بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ بِأَنْ أَخْبَرَ بِهَا قَوَابِلُ عَبَّرُوا بِأَخْبَرَ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ شَهَادَةٍ إلَّا إذَا وُجِدَتْ دَعْوَى عِنْدَ قَاضٍ أَوْ مُحَكَّمٍ، وَإِذَا اكْتَفَى بِالْإِخْبَارِ لِلْبَاطِنِ فَلِيَكْتَفِ بِقَابِلَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لِمَنْ غَابَ زَوْجُهُمَا فَأَخْبَرَهَا عَدْلٌ بِمَوْتِهِ، أَنْ تَتَزَوَّجَ بَاطِنًا اهـ. وَقَوْلُهُ: أَنْ تَتَزَوَّجَ بَاطِنًا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّ الِاكْتِفَاءِ بِالْقَابِلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَاطِنِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِظَاهِرِ الْحَالِ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعٍ مِنْ النِّسَاءِ، أَوْ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: صَرَّحَ بِالْأَرْبَعِ بِالنِّسْبَةِ لِلظَّاهِرِ وَفِي ابْنِ حَجَرٍ: فَرْعٌ اخْتَلَفُوا فِي التَّسَبُّبِ لِإِسْقَاطِ مَا لَمْ يَصِلْ لِحَدِّ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَهُوَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ وِفَاقًا لِابْنِ الْعِمَادِ وَغَيْرِهِ الْحُرْمَةُ وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ جَوَازُ الْعَزْلِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ الْمَنِيَّ حَالَ نُزُولِهِ مَحْضُ جَمَادٍ، لَمْ يَتَهَيَّأْ لِلْحَيَاةِ بِوَجْهٍ بِخِلَافِهِ بَعْدِ اسْتِقْرَارِهِ فِي الرَّحِمِ وَأَخْذُهُ فِي مَبَادِي التَّخَلُّقِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْأَمَارَاتِ وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَيْ ابْتِدَاؤُهُ. وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ مَا يَقْطَعُ الْحَبَلَ مِنْ أَصْلِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ. وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ إلَخْ فِي شَرْحِ مَرَّ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ خِلَافُهُ، وَقَوْلُهُ وَأَخْذُهُ فِي مَبَادِي التَّخَلُّقِ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَبْلَ ذَلِكَ وَعُمُومُ كَلَامِهِ الْأَوَّلُ يُخَالِفُهُ وَقَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ مَا يَقْطَعُ الْحَبَلَ مِنْ أَصْلِهِ. أَمَّا مَا يُبْطِئُ الْحَبَلَ مُدَّةً وَلَا يَقْطَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَحْرُمُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَلْ إنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَتَرْبِيَةِ وَلَدٍ لَمْ يُكْرَهْ أَيْضًا وَإِلَّا كُرِهَ عش عَلَى مَرَّ قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ قُلْنَ) : أَيْ الْقَوَابِلُ جَمْعُ قَابِلَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَتَلَقَّى الْوَلَدَ عِنْدَ وَضْعِهِ، وَالْمُرَادُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ، وَلَوْ ذُكُورًا وَأَقَلُّهُمْ فِي النِّسَاءِ أَرْبَعٌ وَيَكْفِي إخْبَارُ وَاحِدَةٍ فِي الْجَوَازِ بَاطِنًا وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَقَالَ عش عَلَى مَرَّ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فَقَالَتْ: كَانَ السِّقْطُ الَّذِي وَضَعْته مِمَّا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ وَضَاعَ السِّقْطُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ فِي الْعِدَّةِ شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ الصَّغِيرِ. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَضَاعَ السِّقْطُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي الْعِدَّةِ، وَلِأَنَّهَا مُصَدَّقَةٌ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ فَكَذَا فِي صِفَتِهِ اهـ وَفِي عش عَلَى مَرَّ مَا يُفِيدُ قَبُولَ قَوْلِهَا: وَلَوْ بِدُونِ يَمِينٍ وَنَصُّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي وَضْعِ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ كِبَرِ بَطْنِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رِيحٌ اهـ قَوْلُهُ: (مَسْأَلَةُ النُّصُوصِ) : أَيْ لِأَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ نُصُوصٍ: الْأَوَّلُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، الثَّانِي عَدَمُ وُجُوبِ الْغُرَّةِ، الثَّالِثُ عَدَمُ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ) : أَيْ الشَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُ: نَصَّ هُنَا أَيْ فِي بَابِ الْعِدَدِ قَوْلُهُ: (وَعَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهَا الْغُرَّةُ) وَكَذَا لَا تَجِبُ إذَا كَانَتْ مُصَوَّرَةً وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ ذَا رُوحٍ فَلَا تَجِبُ الْغُرَّةُ فِيمَنْ لَمْ يَمُتْ بِالْجِنَايَةِ يَقِينًا إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. اهـ. حِفْنَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ) عِبَارَةُ مَرَّ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا فِي الْغُرَّةِ وَأُمِّيَّةُ الْوَلَدِ لِأَنَّ مَدَارَهُمَا عَلَى مَا يُسَمَّى وَلَدًا قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْمُضْغَةِ الْعَلَقَةُ) فَلَا تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَلَقَةِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ وَإِلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 فَائِدَةٌ: وَقَعَ فِي الْإِفْتَاءِ أَنَّ الْوَلَدَ لَوْ مَاتَ فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَتَعَذَّرَ نُزُولُهُ بِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا يُتَّفَقُ لِبَعْضِ الْحَوَامِلِ، هَلْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ. أَوْ بِالْأَشْهُرِ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ أَوْ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مَا دَامَ فِي بَطْنِهَا؟ اخْتَلَفَ الْعَصْرِيُّونَ فِي ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي، كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ. قَالَ وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاسْتُفْتِينَا عَنْهَا فَأَجَبْنَا بِذَلِكَ انْتَهَى. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ فُرْقَةِ طَلَاقٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا مَرَّ (حَائِلًا) بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ (وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ) أَيْ صَوَاحِبِ (الْحَيْضِ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ) جَمْعُ قَرْءٍ وَهُوَ لُغَةً بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ.   [حاشية البجيرمي] فَتَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ كَمَا قَالَهُ حَجّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ وَافَقَهُ وَلَا مَنْ خَالَفَهُ، وَعِبَارَتُهُ ثَمَّ وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي بِعَلَقَةِ مَحْمُولٍ عَلَى الْأَغْلَبِ أَنَّهُ لَا صُورَةَ فِيهَا خَفِيَّةً. اهـ. قَوْلُهُ: (وَقَعَ فِي الْإِفْتَاءِ) أَيْ إفْتَاءِ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ: (اخْتَلَفَ الْعَصْرِيُّونَ) أَيْ مُعَاصِرُو الشَّيْخِ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ الثَّانِي) مُعْتَمَدٌ وَمُرَادُهُ بِالثَّانِي قَوْلُهُ أَوْ لَا تَنْقَضِي. قَوْلُهُ: (وَاسْتُفْتِينَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَقَوْلُهُ: فَأَجَبْنَا بِذَلِكَ أَيْ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مَا دَامَ فِي بَطْنِهَا أَيْ وَلَوْ خَافَتْ الزِّنَا وَيَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا نَفَقَتُهَا وَغَيْرُهَا كَالسُّكْنَى وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَفِي سم عَلَى حَجّ وَلَوْ اسْتَمَرَّ فِي بَطْنِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، وَتَضَرَّرَتْ بِعَدَمِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَكَذَا لَوْ اسْتَمَرَّ حَيًّا فِي بَطْنِهَا وَزَادَ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ حَيْثُ ثَبَتَ وُجُودُهُ وَلَمْ يُحْتَمَلْ وَضْعٌ وَلَا وَطْءٌ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَرْبَعُ سِنِينَ لِأَنَّهُ فِي مَجْهُولِ الْبَقَاءِ، زِيَادَةٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ حَتَّى لَا يَلْحَقَ نَحْوُ الْمُطَلِّقِ إذَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ وَكَلَامُنَا فِي مَعْلُومِ الْبَقَاءِ، زِيَادَةٌ عَلَى الْأَرْبَعِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَهُوَ حَقًّ إنْ شَاءَ اللَّهُ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ ثَبَتَ وُجُودُهُ كَمَا فَرَضَهُ لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي الثُّبُوتِ بِمَاذَا فَإِنَّهُ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ الْحَمْلِ أَرْبَعُ سِنِينَ وَزَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَيْهَا كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ ذَلِكَ انْتِفَاءُ الْحَمْلِ، وَأَنَّ مَا تَجِدُهُ فِي بَطْنِهَا مِنْ الْحَرَكَةِ مَثَلًا لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِكَوْنِهِ حَمْلًا نَعَمْ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِ: مَعْصُومٍ كَعِيسَى وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ. اهـ. عش عَلَى مَرَّ. فَرْعٌ: الْحَمْلُ الْمَجْهُولُ لَا تُحَدُّ بِهِ الْمَرْأَةُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ شُبْهَةٍ وَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا وَيَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ شَكَّتْ هَلْ الْوَاطِئُ زَوْجٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا أَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءً، وَشَكَّتْ هَلْ هُوَ مُحْتَرَمٌ أَوْ مِنْ زَوْجٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ قل خ عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (مِمَّا مَرَّ) مِنْ كُلِّ فَسْخٍ أَوْ انْفِسَاخٍ قَوْلُهُ: (بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ وَهِيَ غَيْرُ الْحَامِلِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَائِلَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَانِعِ قَوْلُهُ: (فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ) أَيْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وَتَطَاوَلَ مَا بَيْنَهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ زِنًا إذْ حَمْلُ الزِّنَا لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَوْ جُهِلَ حَالُ الْحَمْلِ، وَلَمْ يُمْكِنْ لُحُوقُهُ بِالزَّوْجِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ زِنًا، كَمَا نَقَلَاهُ وَأَقَرَّاهُ أَيْ مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ نِكَاحِهَا مَعَهُ، وَجَوَازُ وَطْءِ الزَّوْجِ لَهَا، أَمَّا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ عُقُوبَتِهَا بِسَبَبِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ شُبْهَةٍ، فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِلْإِمْكَانِ مِنْهُ لَحِقَهُ، كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ. وَلَمْ يَنْتِفْ عَنْهُ إلَّا بِلِعَانٍ وَلَوْ أَقَرَّتْ بِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ ثُمَّ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا وَزَعَمَتْ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّ قَوْلَهَا الْأَوَّلَ يَتَضَمَّنُ أَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي بِالْأَشْهُرِ، فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهَا عَنْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ لَا أَحِيضُ زَمَنَ الرَّضَاعِ، ثُمَّ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا وَقَالَتْ: أَحِيضُ زَمَنَهُ. فَيُقْبَلُ كَمَا أَفْتَى بِجَمِيعِ ذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ الثَّانِيَ مُتَضَمِّنٌ لِدَعْوَاهَا الْحَيْضَ فِي زَمَنِ إمْكَانِهِ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ فِيهِ وَإِنْ خَالَفَتْ عَادَتُهَا اهـ شَرْحُ مَرَّ وَالْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهَا حُرَّةً أَوْ أَمَةً بِظَنِّ الْوَاطِئِ لَا بِمَا فِي الْوَاقِعِ حَتَّى لَوْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ، اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، أَوْ حُرَّةً يَظُنُّهَا أَمَةً اعْتَدَّتْ بِقَرْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ اسْتِبْرَاءٌ لَا عِدَّةٌ أَوْ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ اعْتَدَّتْ بِقُرْأَيْنِ، لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّهُ فَنِيطَتْ بِظَنِّهِ، هَذَا مَا قَالَاهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَإِنْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ اهـ. حَجّ وَهُوَ أَنَّهَا أَيْ الْحُرَّةَ الَّتِي ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ احْتِيَاطًا كَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 وَمِنْ إطْلَاقِهِ عَلَى الْحَيْضِ مَا فِي خَبَرِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ. «تَتْرُكُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» (وَهِيَ) فِي الِاصْطِلَاحِ: (الْأَطْهَارُ) كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَالطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ يَحْرُمُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ فَيَصْرِفُ الْإِذْنَ إلَى زَمَنِ الطُّهْرِ فَإِنْ طَلُقَتْ طَاهِرًا وَبَقِيَ مِنْ زَمَنِ طُهْرِهَا شَيْءٌ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ لِأَنَّ بَعْضَ الطُّهْرِ وَإِنْ قَلَّ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ قُرْءٍ قَالَ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَهُوَ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ أَوْ طَلُقَتْ فِي حَيْضٍ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ رَابِعَةٍ وَلَا يُحْسَبُ طُهْرُ مَنْ لَمْ تَحِضْ قُرْءًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْمُحْتَوِشُ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ أَوْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ أَوْ دَمَيْ نِفَاسٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ. وَعِدَّةُ مُسْتَحَاضَةٍ غَيْرُ مُتَحَيِّرَةٍ بِأَقْرَائِهَا الْمَرْدُودَةِ إلَيْهَا وَعِدَّةُ مُتَحَيِّرَةٍ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فِي الْحَالِ لِاشْتِمَالِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى طُهْرٍ وَحَيْضٍ غَالِبًا. (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْمُعْتَدَّةُ (صَغِيرَةً أَوْ) كَبِيرَةً (آيِسَةً) مِنْ الْحَيْضِ. (فَعِدَّتُهَا   [حاشية البجيرمي] جَزَمَ بِهِ مَرَّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَنَّهُ الْحُرِّيَّةَ يُؤَثِّرُ وَظَنَّهُ الرِّقَّ لَا يُؤَثِّرُ. اهـ. مَرَّ. وَعِبَارَةُ قل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ فَعِدَّةُ حُرَّةٍ أَيْ فِي ظَنِّهِ أَوْ فِي الْوَاقِعِ اهـ قَوْلُهُ: (حَقِيقَةً) أَيْ لُغَةً وَقَوْلُهُ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ قَوْلُهُ: (فِي الِاصْطِلَاحِ) أَيْ اصْطِلَاحِ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ هِيَ الْحَيْضَاتُ قَوْلُهُ: (وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] إلَخْ) فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ نَصًّا فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ الْأَطْهَارُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فَطَلِّقُوهُنَّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ فِيهِ فِي الْعِدَّةِ وَهَذَا يَصْدُقُ بِالْحَيْضِ كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ اهـ. وَاللَّامُ بِمَعْنَى فِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] أَيْ فِيهِ قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ) أَيْ فِي بَابِهِ قَوْلُهُ: (فَيُصْرَفُ الْإِذْنُ) أَيْ فِي الطَّلَاقِ قَوْلُهُ: (طَاهِرًا) أَيْ سَوَاءٌ جَامَعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ، أَوْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُنِّيًّا قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بَعْضَ الطُّهْرِ وَإِنْ قَلَّ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ إطْلَاقَ الْقُرْءِ عَلَى بَعْضِهِ حَقِيقَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَسْلُكَ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِأَنْ يَقُولَ: وَلَا بُعْدَ فِي تَسْمِيَةِ قُرْأَيْنِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ ثَلَاثَةٌ فَتَسْمِيَةُ الْبَعْضِ قُرْءًا مِنْ مَجَازِ التَّغْلِيبِ لَا حَقِيقَةً كَمَا فُسِّرَ قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] إلَخْ قَوْلُهُ: (قَالَ تَعَالَى: إلَخْ) أَيْ وَلِأَنَّا لَمْ نَعُدَّهُ قُرْءًا لَكَانَ أَبْلَغَ فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْ طَلَاقِهَا فِي الْحَيْضِ وَإِنَّمَا أَمَرَ ابْنَ عُمَرَ بِالطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ إذَا لَمْ يَمَسَّهَا لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ السُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ لَا لِلْعِدَّةِ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْبَرَاءَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِطَرَيَانِ الْحَيْضِ بَعْدَ الطُّهْرِ وَإِنْ وُجِدَ الْمَسُّ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْقَيْدُ لِأَجْلِ السُّنَّةِ فِي الطَّلَاقِ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: إذَا بَقِيَ مِنْ الطُّهْرِ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَقِيَّةٌ فَإِنْ انْطَبَقَ عَلَى آخِرِهِ اتِّفَاقًا أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ آخِرَ طُهْرِك لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. رَمْلِيٌّ كَبِيرٌ. قَوْلُهُ: (هُوَ الْمُحْتَوَشُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ الَّذِي احْتَوَشَهُ وَأَحَاطَ بِهِ دَمَانِ وَفِي الْمِصْبَاحِ احْتَوَشَ الْقَوْمُ بِالصَّيْدِ أَحَاطُوا بِهِ قَوْلُهُ: (أَوْ دَمَيْ نِفَاسٍ) كَأَنْ تَكُونَ حَامِلًا مِنْ الزِّنَا ثُمَّ تَطْلُقَ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ ثُمَّ تَضَعَ، فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ ثُمَّ إنَّهَا حَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا أَيْضًا وَوَضَعَتْ، فَالطُّهْرُ بَيْنَهُمَا يُعَدُّ قُرْءًا ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِقُرْأَيْنِ آخَرَيْنِ وَصَدَقَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ طُهْرٌ بَيْنَ نِفَاسَيْنِ، قَالَ: وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ كَوْنُ الثَّانِي مِنْ الزِّنَا وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ شُبْهَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ حَلَّ بَلْ يَصِحُّ تَصْوِيرُ ذَلِكَ، بِأَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ الشُّبْهَةِ بِأَنْ تَضَعَ الْحَمْلَ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ تَطْلُقَ زَمَنَ النِّفَاسِ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ تَحْمِلَ مِنْ زِنًا ثُمَّ تَلِدَ فَيُحْسَبَ مَا بَيْنَ النِّفَاسَيْنِ قَرْءًا وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ النِّفَاسُ الْأَوَّلُ مِنْ زِنًا بَلْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَلَالٍ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ تَزْنِيَ وَتَضَعَ وَلَعَلَّ الْمُحَشِّيَّ إنَّمَا صَوَّرَهَا بِمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ مِنْ زِنًا أَيْضًا لِيَكُونَ الطَّلَاقُ حَلَالًا. قَوْلُهُ: (وَعِدَّةُ مُتَحَيِّرَةٍ) أَيْ طَلُقَتْ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَإِنْ طَلُقَتْ فِي أَثْنَائِهِ وَالْبَاقِي سِتَّةَ عَشَرَ فَأَكْثَرُ حُسِبَ قَرْءًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى طُهْرٍ لَا مَحَالَةَ فَتُكْمِلُ بَعْدَهُ شَهْرَيْنِ هِلَالِيَّيْنِ، وَإِلَّا أَيْ بِأَنْ طَلُقَتْ وَالْبَاقِي مِنْ شَهْرٍ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُحْسَبْ قَرْءًا فَتَعْتَدَّ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ هِلَالِيَّةٍ قَوْلُهُ: (صَغِيرَةً) الْمُرَادُ بِهَا مَنْ لَمْ تَحِضْ لِصِغَرِهَا أَوْ لِعِلَّةٍ أَوْ جِبِلَّةٍ مَنَعَتْهَا رُؤْيَةَ الدَّمِ أَصْلًا وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) هِلَالِيَّةٍ بِأَنْ انْطَبَقَ الطَّلَاقُ عَلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أَيْ فَعِدَّتُهُنَّ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ: أَبُو الْبَقَاءِ فِي إعْرَابِهِ وقَوْله تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] مَعْنَاهُ: إنْ لَمْ تَعْرِفُوا مَا تَعْتَدُّ بِهِ الَّتِي يَئِسَتْ مِنْ ذَرَّاتِ الْأَقْرَاءِ، فَإِنْ طَلُقَتْ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ كَمَّلَتْهُ مِنْ الرَّابِعِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا سَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرُ تَامًّا أَمْ نَاقِصًا. تَنْبِيهٌ: مَنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِعَارِضٍ كَرَضَاعٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ مَرَضٍ، تَصْبِرُ حَتَّى تَحِيضَ فَتَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ حَتَّى تَبْلُغَ سِنَّ الْيَأْسِ، فَتَعْتَدَّ بِالْأَشْهُرِ، وَلَا مُبَالَاةَ بِطُولِ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ وَإِنْ انْقَطَعَ لَا لِعِلَّةٍ تُعْرَفُ فَكَالِانْقِطَاعِ لِعَارِضٍ عَلَى الْجَدِيدِ فَتَصْبِرُ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ تَيْأَسَ. فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيَتَعَيَّنُ التَّفَطُّنُ لِتَعْلِيمِ جَهَلَةِ الشُّهُودِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُمْ يُزَوِّجُونَ مُنْقَطِعَةَ الْحَيْضِ لِعَارِضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ بُلُوغِ سِنِّ الْيَأْسِ وَيُسَمُّونَهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ آيِسَةً وَيَكْتَفُونَ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَيَسْتَغْرِبُونَ الْقَوْلَ بِصَبْرِهَا إلَى بُلُوغِ سِنِّ الْيَأْسِ حَتَّى تَصِيرَ عَجُوزًا فَلْيُحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. أَيْ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلَّتِي لَمْ تَحِضْ   [حاشية البجيرمي] كَانَتْ كَبِيرَةً فِي السِّنِّ فَهُوَ اصْطِلَاحٌ لِلْفُقَهَاءِ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ) أَيْ بِتَعْلِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: {إنْ ارْتَبْتُمْ} أَيْ شَكَكْتُمْ فِيمَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهُنَّ فَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الشَّكِّ عَدَمُ الْمَعْرِفَةِ وَأَسْنَدَ الضَّمِيرَ فِيهِ لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ شُرِعَتْ لِحَقِّ الزَّوْجِ، صِيَانَةً لِمَائِهِ كَمَا فِي عش. قَوْلُهُ: {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] . فَإِنْ قُلْت هَلَّا جَعَلْت اللَّائِي عَطْفًا عَلَى اللَّائِي وَمَا بَيْنَهُمَا خَبَرًا عَنْهُمَا. قُلْت: يَأْبَاهُ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَبَرَ مَقْرُونٌ بِالْفَاءِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْجَوَابِ وَالْجَوَابُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى شَرْطِهِ، فَكَذَا مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ. الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي جَوَازَ زَيْدٌ قَائِمَانِ وَعَمْرٌو وَقَدْ يُقَالُ: مَنَعَ هَذَا قُبْحَ اللَّفْظِ بِخِلَافِ قَوْلِك: زَيْدٌ فِي الدَّارِ وَعَمْرٌو فَلَا قُبْحَ فِيهِ. اهـ. يس عَنْ ابْنِ هِشَامٍ إسْقَاطِيٌّ عَلَى الْأُشْمُونِيِّ. قَوْلُهُ: {فَعِدَّتُهُنَّ} [الطلاق: 4] كَذَلِكَ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ حَذَفَ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، لَكِنْ رَجَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي شَرْحِ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْمَحْذُوفَ هُوَ الْخَبَرُ فَقَطْ هُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَرْتَكِبُ تَقْلِيلَ الْحَذْفِ مَا أَمْكَنَ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ حِكْمَةُ إسْنَادِ ذَلِكَ لِأَبِي الْبَقَاءِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ طَلَّقَتْ) مُقَابِلَ قَوْلِهِ: بِأَنْ انْطَبَقَ إلَخْ قَوْلُهُ: (فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ) أَيْ قَبْلَ الْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْهُ وَإِلَّا فَثَلَاثَةٌ بِالْأَهِلَّةِ كَمَا فِي السُّلَّمِ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرُ) أَيْ الَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ. قَوْلُهُ: (مَنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا) أَيْ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الْعِدَّةِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا مُبَالَاةَ بِطُولِ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ) وَاسْتَظْهَرَ عش عَلَى مَرَّ أَنَّ الرَّجْعَةَ وَالنَّفَقَةَ يَمْتَدَّانِ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ أَيْ إنْ حَاضَتْ أَوْ بِالْأَشْهُرِ بَعْدَ بُلُوغِ سِنِّ الْيَأْسِ. خِلَافًا لِلشَّوْبَرِيِّ حَيْثُ قَالَ: بِامْتِدَادِ مَا ذُكِرَ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ لَا أَكْثَرَ لِمَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَعَزَاهُ لِلرَّافِعِيِّ، وَطَرِيقُ الْخَلَاصِ مِنْ النَّفَقَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَقِيَّةَ الثَّلَاثِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ انْقَطَعَ لَا لِعِلَّةٍ إلَخْ) فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لِأَجَلِ قَوْلِهِ: عَلَى الْجَدِيدِ، وَعِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْمُحَلَّى: وَفِي الْقَدِيمِ تَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ مُدَّةَ الْحَمْلِ غَالِبًا وَبَعْدَهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ تَصْبِرُ سَنَةً بَيْضَاءَ أَيْ خَالِيَةً عَنْ الدَّمِ، لِأَنَّ ضَمَّ الثَّلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِلتِّسْعَةِ سَنَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي قَوْلٍ مِنْ الْقَدِيمِ أَرْبَعُ سِنِينَ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ عَلَيْهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ لِظُهُورِ أَمَارَاتِهِ فِيهَا ثُمَّ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ اهـ. وَقَوْلُهُ: فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ كَمَا فِي ق ل. قَوْلُهُ: (تُعْرَفُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ فِي الْوَاقِعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ فَمَصَبُّ النَّفْيِ قَوْلُهُ: تُعْرَفُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَتُصَدَّقُ فِي بُلُوغِهَا سِنَّ الْيَأْسِ بِيَمِينِهَا قَالُوا وَهَذِهِ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ اهـ. قَوْلُهُ: (حَتَّى تَصِيرَ) أَيْ إلَى أَنْ تَصِيرَ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ إلَى بُلُوغِ سِنِّ الْيَأْسِ وَقَوْلُهُ: أَيْ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 وَالْآيِسَةِ وَهَذِهِ غَيْرُهُمَا فَلَوْ حَاضَتْ مَنْ لَمْ تَحِضْ مِنْ حُرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ حَاضَتْ آيِسَةً كَذَلِكَ فِي الْأَشْهُرِ اعْتَدَّتْ بِالْأَقْرَاءِ، لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي الْعِدَّةِ، وَقَدْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا قَبْلَ الْفِرَارِ مِنْ بَدَلِهَا فَتَنْتَقِلُ إلَيْهَا كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَهَا الْأُولَى لَمْ يُؤَثِّرْ لِأَنَّ حَيْضَهَا حِينَئِذٍ لَا يَمْنَعُ صِدْقَ الْقَوْلِ: بِأَنَّهَا عِنْدَ اعْتِدَادِهَا بِالْأَشْهُرِ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ أَوْ الثَّانِيَةِ فَهِيَ كَآيِسَةٍ حَاضَتْ بَعْدَهَا وَلَمْ تَنْكِحْ زَوْجًا آخَرَ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا لَيْسَتْ آيِسَةً فَإِنْ نَكَحَتْ آخَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ظَاهِرًا مَعَ تَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ بِهَا وَلِلشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ كَمَا إذَا قَدَرَ الْمُتَيَمِّمُ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْيَأْسِ يَأْسُ كُلِّ النِّسَاءِ بِحَسَبِ مَا بَلَغَنَا خَبَرُهُ لَا طَوْفُ نِسَاءِ الْعَالَمِ، وَلَا يَأْسُ عَشِيرَتِهَا فَقَطْ وَأَقْصَاهُ اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً وَقِيلَ: سِتُّونَ وَقِيلَ: خَمْسُونَ (وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} [الأحزاب: 49] وَالْمَعْنَى فِيهِ: عَدَمُ اشْتِغَالِ رَحِمِهَا بِمَا يُوجِبُ اسْتِبْرَاءَهُ (وَعِدَّةُ الْأَمَةِ) أَوْ مَنْ فِيهَا رِقٌّ (بِالْحَمْلِ) أَيْ بِوَضْعِهِ بِشَرْطِ نِسْبَتِهِ إلَى ذِي الْعِدَّةِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا أَوْ مُضْغَةً (كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ فِيهَا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. (وَ) عِدَّتُهَا (بِالْأَقْرَاءِ) عَنْ فُرْقَةِ طَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ وَلَوْ مُسْتَحَاضَةً غَيْرَ مُتَحَيِّرَةٍ (أَنْ تَعْتَدَّ بِقُرْأَيْنِ) لِأَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَإِنَّمَا كَمَّلَتْ الْقُرْءَ الثَّانِي لِتَعَذُّرِ تَبْعِيضِهِ كَالطَّلَاقِ إذْ لَا يَظْهَرُ نِصْفُهُ إلَّا بِظُهُورِ كُلِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِانْتِظَارِ إلَى أَنْ   [حاشية البجيرمي] إلَخْ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: تَصْبِرْ حَتَّى تَحِيضَ قَوْلُهُ: (آيِسَةً إلَخْ) أَيْ بَلَغَتْ سِنَّ الْيَأْسِ وَهُوَ اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً، سَوَاءٌ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ أَوْ لَا قل. قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) : أَيْ مِنْ حُرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا قَوْلُهُ: (فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الْأَشْهُرِ الْأَوْلَى هِيَ الَّتِي لَمْ تَحِضْ الْمُشَارُ إلَيْهَا سَابِقًا بِقَوْلِهِ: مَنْ لَمْ تَحِضْ وَقَوْلُهُ: أَوْ الثَّانِيَةُ هِيَ الْآيِسَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: سَابِقًا أَوْ حَاضَتْ آيِسَةً وَفِي قَوْلِهِ: كَآيِسَةٍ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَكَانَ يَقُولُ: أَوْ الثَّانِيَةُ فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَنْكِحْ قَوْلُهُ: (وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا) أَيْ وَالْمَفْسُوخَةُ وَخَرَجَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَإِنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ، كَمَا تَقَدَّمَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: قَبْلَ الدُّخُولِ أَيْ الْوَطْءِ أَوْ اسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ، وَلَوْ فِي الدُّبُرِ فِيهِمَا وَلَوْ بَعْدَ خَلْوَةٍ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ اخْتَلَى بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ لِتَتَزَوَّجَ حَالًا صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُنْكِرَ الْجِمَاعِ هُوَ الْمُصَدَّقُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ وَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْوَطْءَ، وَلَوْ ادَّعَى هُوَ عَدَمَ الْوَطْءِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ بِطَلَاقِهِ إلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَيَنْبَغِي فِي هَذِهِ وُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لِاعْتِرَافِهَا بِالْوَطْءِ. اهـ. عش عَلَى مَرَّ. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ عَلَى الْغَزِّيِّ قَوْلُهُ: قَبْلَ الدُّخُولِ أَيْ قَبْلَ وَطْئِهَا وَاسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ الْمُحْتَرَمِ كَالْوَطْءِ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ فِيهِمَا نَعَمْ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ عِدَّةٍ سَابِقَةٍ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا، حَتَّى تُتِمَّهَا كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا بِنَحْوِ خُلْعٍ ثُمَّ عَقَدَ عَلَيْهَا قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهِ كَأَنْ بَقِيَ مِنْهَا قُرْءَانِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ وَطْئِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الْعِدَّةِ الْأُولَى لِتَمَامِ الْقُرْأَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَالْأَشْهُرُ كَالْأَقْرَاءِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَافْهَمْهُ فَإِنَّهُ قَدْ غَلِطَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ بَلْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَبِذَلِكَ يُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ تَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِيهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ مَعَ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ أُجِيبَ بِأَنَّ إيجَابَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لِتَفَجُّعِهَا عَلَى زَوْجِهَا لَا لِمَعْرِفَةِ اسْتِبْرَاءِ رَحِمِهَا فَالْعِلَّةُ الَّتِي ذُكِرَتْ هُنَا، وَإِنْ فُقِدَتْ خَلَفَتْهَا عِلَّةٌ أُخْرَى أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَأَيْضًا الْمَوْتُ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ فُرْقَةِ الْحَيَاةِ وَفُرْقَةِ الْمَوْتِ وَلَا فَرْقَ فِي فُرْقَةِ الْحَيَاةِ، بَيْنَ فُرْقَةِ الطَّلَاقِ وَفُرْقَةِ الْفَسْخِ قَوْلُهُ: (لِعُمُومِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ) وَهِيَ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] قَوْلُهُ: (فِي عِدَّةٍ رَجْعَةٍ إلَخْ) وَأَمَّا الْعَكْسُ بِأَنْ تَصِيرَ الْحُرَّةُ أَمَةً فِي الْعِدَّةِ لِالْتِحَاقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ اُسْتُرِقَّتْ فَتُكْمِلُ عِدَّةَ حُرَّةٍ عَلَى أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ، شَوْبَرِيُّ وَقَوْلُهُ فَإِنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ رَجْعَةٍ إلَخْ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَعِتْقُهَا فِي عِدَّةٍ رَجْعِيَّةٍ يَجْعَلُهَا كَحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 يَعُودَ الدَّمُ، فَإِنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ رَجْعَةٍ فَكَحُرَّةٍ فَتُكْمِلُ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ كَالزَّوْجَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَكَأَنَّهَا عَتَقَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ بَيْنُونَةٍ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ، فَكَأَنَّهَا عَتَقَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَمَّا الْمُتَحَيِّرَةُ فَهِيَ إنْ طَلُقَتْ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَبِشَهْرَيْنِ وَإِنْ طَلُقَتْ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ وَالْبَاقِي أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا حُسِبَ قُرْءًا فَتُكْمِلُ بَعْدَهُ بِشَهْرٍ هِلَالِيٍّ وَإِلَّا لَمْ يُحْسَبْ قُرْءًا فَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِشَهْرَيْنِ هِلَالِيَّيْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْبَارِزِيِّ فِي اكْتِفَائِهِ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ (وَ) عِدَّتُهَا (بِالشُّهُورِ عَنْ الْوَفَاةِ) قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ (أَنْ تَعْتَدَّ بِشَهْرَيْنِ) هِلَالِيَّيْنِ (وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا وَيَأْتِي فِي الِانْكِسَارِ مَا مَرَّ. (وَ) عِدَّتُهَا (عَنْ الطَّلَاقِ) وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا تَقَدَّمَ (بِشَهْرٍ) هِلَالِيٍّ (وَنِصْفِ) شَهْرٍ لِإِمْكَانِ التَّنْصِيفِ فِي الْأَشْهُرِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ: (فَإِنْ اعْتَدَّتْ بِشَهْرَيْنِ كَانَ أَوْلَى) أَيْ لِأَنَّهَا تَعْتَدُّ فِي الْأَقْرَاءِ بِقُرْأَيْنِ فَفِي الْيَأْسِ تَعْتَدُّ بِشَهْرَيْنِ بَدَلًا عَنْهُمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِالتَّنْصِيفِ ثُمَّ قَالَ وَجُمْلَةُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَظْهَرُهَا مَا تَقَدَّمَ، وَثَانِيهَا وُجُوبُ شَهْرَيْنِ، وَالثَّالِثُ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. فَالْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوْلَوِيَّةَ مِنْ حَيْثُ الِاحْتِيَاطُ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فَالِاحْتِيَاطُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ أَيْضًا انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ بِالشَّهْرَيْنِ أَوْلَى مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى شَهْرٍ وَنِصْفِ وَإِنْ كَانَ بِالثَّلَاثَةِ أَوْلَى وَيُرَاعِي الْأَوَّلُ الْوَجْهَ الضَّعِيفَ فَيَجْعَلُهُ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَعَاشَرَهَا بِلَا وَطْءٍ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَتْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فِي عِدَّةِ بَيْنُونَةٍ) : أَيْ أَوْ وَفَاةٍ مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَالْبَاقِي أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) فِيهِ أَنَّ الْأَكْثَرَ يُصَدَّقُ بِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْسَ مُرَادًا وَحِينَئِذٍ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَالْبَاقِي سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرُ، لِأَنَّ الضَّابِطَ مَا يَسَعُ طُهْرًا أَوْ حَيْضًا قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلْبَارِزِيِّ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: فَبِشَهْرَيْنِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْأَشْهُرَ فِي حَقِّهَا أَصْلٌ لَا بَدَلٌ، وَغَيْرُهُ يَقُولُ إنَّ الْأَقْرَاءَ أَصْلٌ وَهِيَ تَعْتَدُّ بِقُرْأَيْنِ فَيَكُونُ الشَّهْرَانِ بَدَلًا عَنْهُمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الدُّخُولِ إلَخْ) وَإِنَّمَا اعْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ لِلتَّفَجُّعِ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ. قَوْلُهُ: (بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ) : وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيّ، وَغَيْرُهُ أَنَّ قِيَاسَ مَا مَرَّ، أَنَّهُ لَوْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ لَزِمَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ صَحِيحٌ، إذْ صُورَتُهُ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ ظَانًّا أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْحُرَّةُ وَيَسْتَمِرُّ ظَنُّهُ إلَى مَوْتِهِ فَتَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ عِدَّةَ حُرَّةٍ، إذْ الظَّنُّ كَمَا نَقَلَهَا مِنْ الْأَقَلِّ إلَى الْأَكْثَرِ فِي الْحَيَاةِ، فَكَذَا فِي الْمَوْتِ، وَبِذَلِكَ سَقَطَ الْقَوْلُ، بِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْوَطْءِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا الظَّنُّ عِنْدَهُ وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ شَرْحُ مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) أَيْ مِنْ الْفَسْخِ وَالِانْفِسَاخِ. قَوْلُهُ: (بِشَهْرٍ وَنِصْفِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَمَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ حَيْثُ تَعْتَدُّ بِشَهْرَيْنِ كَمَا مَرَّ أَنَّ الْأَشْهُرَ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْأَقْرَاءِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِقُرْأَيْنِ وَكُلُّ شَهْرٍ قَائِمٌ مَقَامَ قَرْءٍ قَوْلُهُ: (مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ أَجَابَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ: (فَفِي الْيَأْسِ) أَيْ وَمِثْلُهُ الصِّغَرُ. قَوْلُهُ: (أَظْهَرُهَا مَا تَقَدَّمَ) أَيْ شَهْرٌ وَنِصْفُ قَوْلُهُ: (وَبِهِ) أَيْ بِالِاحْتِيَاطِ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يُقَالُ: إلَخْ) أَيْ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ. قَوْلُهُ: (وَلَا شَكَّ إلَخْ) هُوَ جَوَابُ تَسْلِيمٍ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِخِلَافِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (وَيُرَاعَى إلَخْ) : لَعَلَّ الْوَاوَ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا شَكَّ وَقَوْلُهُ: الْأَوَّلُ أَيْ الْقَائِلُ بِشَهْرٍ وَنِصْفِ، وَقَوْلُهُ: الْوَجْهُ الضَّعِيفُ أَيْ الثَّانِي وَالثَّالِثُ، وَالْمُصَنِّفُ رَاعَى الثَّانِيَ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ اعْتَدَّتْ بِشَهْرَيْنِ كَانَ أَوْلَى فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ. كَمَا قَالَ شَيْخُنَا، وَلَمْ يُرَاعِ الثَّالِثَ لِشِدَّةِ ضَعْفِهِ. قَوْلُهُ: (لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنْ عَاشَرَهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ كَخَلْوَةٍ أَوْ بِوَطْءٍ فَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتهَا، بِالنِّسْبَةِ لِلُحُوقِ الطَّلَاقِ، وَانْقَضَتْ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجْعَةِ فَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ. أَوْ الْأَشْهُرِ وَالتَّوَارُثِ، فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا فَلَا عِبْرَةَ بِالْمُعَاشَرَةِ بِغَيْرِ وَطْءٍ كَخَلْوَةٍ وَلَا بِوَطْءٍ بِلَا شُبْهَةٍ أَمَّا إنْ عَاشَرَهَا بِوَطْءٍ بِشُبْهَةٍ فَكَالرَّجْعِيَّةِ فِي أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ، حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ انْقِطَاعِ الْمُعَاشَرَةِ وَلَيْسَتْ كَالرَّجْعِيَّةِ مُطْلَقًا فَلَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ نَحْوَ أُخْتِهَا. اهـ. مد. قَوْلُهُ: (وَعَاشَرَهَا) الْمُرَادُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 رَجْعِيَّةً لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِذَلِكَ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ، أَوْ الْأَشْهُرِ وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ بِذَلِكَ الْعِدَّةُ وَيَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ. وَلَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ، وَعَاشَرَهَا سَيِّدُهَا كَانَ كَمُعَاشَرَةِ الزَّوْجِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَارُّ. أَمَّا غَيْرُ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدُ فَكَمُعَاشَرَةِ الْبَائِنِ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِمَا ذُكِرَ. فَصْلٌ: فِيمَا يَجِبُ لِلْمُعْتَدَّةِ وَعَلَيْهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ بَائِنًا أَمْ رَجْعِيَّةً وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الثَّانِي فَقَالَ: (وَلِلْمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ) وَلَوْ حَائِلًا وَأَمَةً (السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ) وَالْكِسْوَةُ وَسَائِرُ حُقُوقِ   [حاشية البجيرمي] بِالْمُعَاشَرَةِ أَنْ يَدُومَ عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي كَانَتْ مَعَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ مِنْ النَّوْمِ مَعَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَالْخَلْوَةِ بِهَا كَذَلِكَ وَغَيْرُ ذَلِكَ قل عَلَى الْجَلَالِ وَقَوْلُهُ: بِلَا وَطْءٍ فِيهِ أَنَّهُ إذَا عَاشَرَ الرَّجْعِيَّةَ وَلَوْ بِوَطْءٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: بِلَا وَطْءٍ وَقَوْلُهُ بِلَا وَطْءٍ عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (بِلَا وَطْءٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ وَطِئَهَا كَانَ كَذَلِكَ، وَلَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَى بِهِ لِتَتَأَتَّى الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ: أَوَّلُهَا تَنْقَضِي مُطْلَقًا، لَا تَنْقَضِي مُطْلَقًا، أَوْ تَنْقَضِي إنْ كَانَتْ بَائِنًا قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِمَا ذُكِرَ) لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ بَائِنًا وَعَاشَرَهَا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ كَانَ كَذَلِكَ كَمُعَاشَرَةِ الرَّجْعِيَّةِ، أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُعَاشَرَتِهَا بِالْوَطْءِ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِذَلِكَ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَيْرِ لَكِنْ إذَا زَالَتْ الْمُعَاشَرَةُ أَتَمَّتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا قَبْلَ الْمُعَاشَرَةِ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَتَسْتَأْنِفُ اهـ. عش وَمَرْحُومِيٌّ. وَعِبَارَةُ حَلَّ بَعْدَ قَوْلِ الْمَنْهَجِ: لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا فَإِذَا زَالَتْ الْمُعَاشَرَةُ بِأَنْ نَوَى أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَيْهَا، كَمَّلَتْ عَلَى مَا مَضَى قَبْلَ الْمُعَاشَرَةِ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُعَاشَرَةَ لَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَادَ لِلْمُعَاشَرَةِ كَانَتْ مُعَاشَرَةً جَدِيدَةً اهـ. فَإِنْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ فَلَا مُعَاشَرَةَ بِأَنْ اسْتَمَرَّتْ الْمُعَاشَرَةُ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ فَتَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ مِنْ حِينِ زَوَالِ الْمُعَاشَرَةِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ حَلَّ فِي الْقَوْلَةِ الْأُخْرَى بَعْدَ هَذِهِ وَهِيَ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: إلَى انْقِضَاءِ أَيْ الْعِدَّةِ الَّتِي تَسْتَأْنِفُهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمُعَاشَرَةِ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ لُحُوقَ الطَّلَاقِ لِلتَّغْلِيظِ عَلَيْهِ اهـ. إذَا عَرَفْت هَذَا عَرَفْت أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامِ مَرَّ وَكَلَامِ الْمَرْحُومِيِّ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (وَلَا رَجْعَةَ لَهُ) : وَحِينَئِذٍ فَهِيَ كَالْبَائِنِ بَعْدَ مُضِيِّ عِدَّتِهَا الْأَصْلِيَّةِ إلَّا فِي لُحُوقِ الطَّلَاقِ خَاصَّةً فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا إيلَاءٌ وَلَا ظِهَارٌ وَلَا لِعَانٌ وَلَا نَفَقَةَ وَلَا كُسْوَةَ لَهَا وَيَجِبُ لَهَا السُّكْنَى وَلَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا كَمَا أَفْتَى بِجَمِيعِهَا الْوَالِدُ شَرْحُ مَرَّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَهَا كَأُخْتِهَا وَاعْتَمَدَهُ الطُّوخِيُّ. قَوْلُهُ: (وَيَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ) وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَبِرَابِعَةٍ خِلَافًا لِلشَّيْخِ سل وَاعْتَمَدَ الطُّوخِيُّ الْجَوَازَ اهـ. وَلَوْ طَلُقَتْ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةً وَأَمَّا لَوْ مَاتَ فَهَلْ تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَوْ لَا؟ عَنَانِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَعَاشَرَهَا سَيِّدُهَا) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إذَا عَاشَرَهَا سَيِّدُهَا سَوَاءٌ كَانَ بِالْوَطْءِ أَوْ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ بَائِنًا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ لَا كَانَ حُكْمُهَا كَالرَّجْعِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ مَرَّ فِي شَرْحِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ، كَانَ كَمُعَاشَرَةِ الزَّوْجِ غَيْرُ ظَاهِرٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا حف. هَذَا وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَهُوَ أَيْ السَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ كَالْمُفَارِقِ فِي الرَّجْعِيَّةِ قَوْلُهُ: (فَفِيهِ التَّفْصِيلُ) أَيْ إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَ بَائِنًا انْقَضَتْ اهـ. [فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمُعْتَدَّةِ] ِ قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهَا) أَيْ كَالْإِحْدَادِ قَوْلُهُ: (وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الثَّانِي) وَهُوَ الرَّجْعِيَّةُ أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا يَجِبُ لَهَا قَوْلُهُ: (وَلِلْمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ) نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: قَدْ أَوْجَبُوا السُّكْنَى لِذَاتِ عِدَّةٍ ... مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لَهَا بِصِفَةٍ وَمُؤَنٌ سِوَى تَنَظُّفٍ يَجِبْ ... لِذَاتِ رَجْعَةٍ بِلَا قَيْدٍ صُحِبْ كَذَا لِبَائِنٍ بِشَرْطِ الْحَمْلِ ... فِي فُرْقَةِ الْحَيَاةِ فَاحْفَظْ نَقْلِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 الزَّوْجِيَّةِ إلَّا آلَةَ تَنْظِيفٍ لِبَقَاءِ حَبْسِ النِّكَاحِ وَسَلْطَنَتِهِ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِنُشُوزِهَا ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَلِلْبَائِنِ) الْحَائِلِ بِخُلْعٍ أَوْ ثَلَاثٍ فِي غَيْرِ نُشُوزٍ (السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ) وَالْكِسْوَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] فَلَا سُكْنَى لِمَنْ أَبَانَهَا نَاشِزَةً أَوْ نَشَزَتْ فِي الْعِدَّةِ إلَّا إنْ عَادَتْ إلَى الطَّاعَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ) الْبَائِنُ (حَامِلًا) بِوَلَدٍ يَلْحَقُ الزَّوْجَ فَيَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ بِسَبَبِ الْحَمْلِ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ: مَا كَانَ سَقَطَ عِنْدَ عَدَمِهِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَأَمَةً) : أَيْ وَكَانَتْ مُسْلِمَةً لَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا قَوْلُهُ: (السُّكْنَى) نَعَمْ الصَّغِيرَةُ وَالْأَمَةُ إذَا لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُمَا أَيْ قَبْلَ الْفِرَاقِ، فَلَا سُكْنَى لَهُمَا شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ. قَوْلُهُ: (دُونَ النَّفَقَةِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السُّكْنَى، أَنَّ السُّكْنَى لِتَحْصِينِ مَائِهِ فَاسْتَوَى فِيهَا حَالُ الزَّوْجِيَّةِ وَعَدَمُهَا وَالنَّفَقَةُ لِلتَّمْكِينِ وَهُوَ خَاصٌّ بِالزَّوْجِيَّةِ، شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ وَقَوْلُهُ: لِتَحْصِينِ مَائِهِ هَذَا لَا يَشْمَلُ الصَّغِيرَةَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَقَدْ يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا بِاسْتِدْخَالِ الْمَاءِ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَقَوْلُهُ: بِالزَّوْجِيَّةِ أَيْ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا كَالرَّجْعِيَّةِ وَتَسْقُطُ السُّكْنَى بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، لِأَنَّهَا إمْتَاعٌ لَا تَمْلِيكٌ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَتُقَدَّمُ سُكْنَاهَا عَلَى الدُّيُونِ الْمُرْسَلَةِ فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَالَ ع ش: وَتُقَدَّمُ سُكْنَاهَا عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الدُّيُونِ الْمُرْسَلَةِ فِي الذِّمَّةِ وَيَنْبَغِي أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ مِلْكَهُ أَوْ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَتَهُ مُدَّةَ عِدَّتِهَا بِإِجَارَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إذَا خَلَفَهَا فِي بَيْتٍ مُعَارٍ أَوْ مُؤَجَّرٍ وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ أَنَّهَا تُقَدَّمُ بِأُجْرَةِ الْمَسْكَنِ عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ أَيْضًا. وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا تُقَدَّمُ بِأُجْرَةِ يَوْمِ الْمَوْتِ فَقَطْ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِدُخُولِهِ، فَلَمْ يُزَاحِمْ مُؤَنَ التَّجْهِيزِ اهـ. ع ش عَلَى م ر قَالَ سم وَسُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرِكَةً سُنَّ لِلْوَارِثِ التَّبَرُّعُ بِهَا مِنْ مَالِهِ، وَلِلْقَاضِي إسْكَانُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ أَسْكَنَهَا أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهَا الْإِجَابَةُ وَإِلَّا سَكَنَتْ حَيْثُ أَرَادَتْ، وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ أَوْ بَعْضُهَا وَلَمْ تُطَالِبْ بِالسُّكْنَى سَقَطَتْ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ، وَلَوْ أَسْقَطَتْ الْمُعْتَدَّةُ السُّكْنَى لَمْ تَسْقُطْ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِمَا لَمْ يَجِبْ، لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَلِمَا فِيهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى نَعَمْ يَسْقُطُ سُكْنَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِوُجُوبِهَا فِيهِ. وَعِبَارَةُ م ر وَلَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّ السُّكْنَى عَنْ الزَّوْجِ الْحَيِّ لَمْ يَسْقُطْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ، لِوُجُوبِهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ وَإِسْقَاطُ مَا لَمْ يَجِبْ لَاغٍ اهـ وَقَوْلُهُ: لِوُجُوبِهَا قَالَ ع ش: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْإِسْقَاطُ مِنْهَا لِوُجُوبِ سُكْنَاهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَشَزَتْ فِي الْعِدَّةِ) أَيْ كَأَنْ خَرَجَتْ مِنْ الْمَسْكَنِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ تُبِيحُ لَهَا الْخُرُوجَ. قَوْلُهُ: (إلَّا إنْ عَادَتْ إلَى الطَّاعَةِ) وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ فَتَجِبُ لَهَا السُّكْنَى بِمُجَرَّدِ الطَّاعَةِ، وَلَوْ غَيْرَ بَائِنٍ بِخِلَافِ الْمُؤْنَةِ فَتَسْقُطُ لِيَوْمِهَا وَالْكِسْوَةِ فَتَسْقُطُ لِلْفَصْلِ، وَإِنْ عَادَتْ لِلطَّاعَةِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: تَعُودُ الْكِسْوَةُ بِعَوْدِهَا لِلطَّاعَةِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ اسْتَثْنَى) هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا قَدَّرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا) أَيْ فَيَجِبُ لَهَا مَا كَانَ سَقَطَ عِنْدَ عَدَمِ الْحَمْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمَائِهِ فَصَارَ كَالِاسْتِمْتَاعِ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ، فَإِنَّ النَّسْلَ مَقْصُودُ النِّكَاحِ كَمَا أَنَّ الْوَطْءَ مَقْصُودٌ بِهِ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ. وَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَكَمَا تَسْتَحِقُّ الْبَائِنُ الْحَامِلُ النَّفَقَةَ، تَسْتَحِقُّ الْأُدْمَ، وَالْكِسْوَةَ، سَوَاءٌ قُلْنَا: النَّفَقَةُ لِلْحَامِلِ أَوْ لِلْحَمْلِ شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا سَائِرُ الْمُؤَنِ الشَّامِلَةِ لِلْكِسْوَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ) وَهُوَ أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا بِسَبَبِ الْحَمْلِ وَمُقَابِلُهُ: أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا عَلَى الْأَوَّلِ الْأَظْهَرُ تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ، بَلْ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ. وَعَلَى الثَّانِي لَا تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ وَتَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ لِأَنَّهَا نَفَقَةُ قَرِيبٍ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا أَنَّهَا تَكُونُ مُقَدَّرَةً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَهَا وَغَيْرَ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَهُ وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ فَتَجِبُ لَهَا بِسَبَبِهِ، لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 إذَا تَوَافَقَا عَلَى الْحَمْلِ أَوْ شَهِدَ بِهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ مَا لَمْ تَنْشِزْ فِي الْعِدَّةِ. فَإِنْ نَشَزَتْ فِيهَا سَقَطَ مَا وَجَبَ لَهَا بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ الْمُتَقَدِّمِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْبَائِنِ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لِخَبَرِ: «لَيْسَ لِلْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْوَفَاةِ وَالْقَرِيبُ تَسْقُطُ مُؤْنَتُهُ بِهَا وَإِنَّمَا لَمْ تَسْقُطْ فِيمَا لَوْ تُوُفِّيَ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا، لِأَنَّهَا وَجَبَتْ قَبْلَ الْوَفَاةِ فَاغْتُفِرَ بَقَاؤُهَا فِي الدَّوَامِ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) وَلَوْ أَمَةً (الْإِحْدَادُ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا   [حاشية البجيرمي] وَقِيلَ تَجِبُ لَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ لِحَامِلٍ عَنْ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُوجِبُ النَّفَقَةَ فَعِدَّتُهُ أَوْلَى وَعَلَى الثَّانِي تَجِبُ كَمَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ. قَوْلُهُ: (إذَا تَوَافَقَا إلَخْ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: فَيَجِبُ لَهَا إلَخْ فَإِنْ لَمْ يَتَوَافَقَا وَلَمْ تَحْصُلْ شَهَادَةٌ فَلَا يَلْزَمُ بِالدَّفْعِ إلَّا مِنْ حِينِ ظُهُورِ الْحَمْلِ فَإِذَا ظَهَرَ لَزِمَهُ الدَّفْعُ، مِنْ حِينَئِذٍ وَلَزِمَهُ أَدَاءُ مَا وَجَبَ لَهَا قَبْلَ الظُّهُورِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا بِسَبَبِ الْحَمْلِ. وَهِيَ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَشَزَتْ) بَابُهُ قَعَدَ وَضَرَبَ فَالْمُضَارِعُ مُخْتَلِفٌ كَالْمَصْدَرِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الْمُخْتَارِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ جَلَسَ وَنَصَرَ. قَوْلُهُ: (سَقَطَ مَا وَجَبَ لَهَا) نَعَمْ إنْ عَادَتْ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ عَادَتْ السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ ق ل قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَظْهَرِ) وَهُوَ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لَهَا بِسَبَبِ الْحَمْلِ قَوْلُهُ: (وَالْقَرِيبُ تَسْقُطُ إلَخْ) أَيْ فَالزَّوْجَةُ مِثْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ أَقْوَى بِدَلِيلِ عَدَمِ سُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الزَّمَنِ وَأَنَّ نَفَقَتَهَا تُقَدَّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَقَرَّرَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَجْرِي عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْقَائِلِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا) أَيْ إذَا كَانَتْ حَامِلًا قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا وَجَبَتْ قَبْلَ الْوَفَاةِ) أَيْ وَلِأَنَّ الْبَائِنَ لَا تَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ وَحَيْثُ وَجَبَتْ لَمْ تُؤَخَّرْ إلَى الْوَضْعِ بَلْ يُسَلِّمُ لَهَا يَوْمًا فَيَوْمًا لَكِنْ بَعْدَ ثُبُوتِ ظُهُورِ الْحَمْلِ وَلَوْ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَوْ اعْتِرَافِ الزَّوْجِ بِهِ وَلَوْ ظَنَّهَا حَامِلًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَبَانَتْ حَائِلًا رَجَعَ عَلَيْهَا وَلَوْ نَفَاهُ بِاللِّعَانِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ دُونَ السُّكْنَى فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ الْإِرْضَاعِ وَبِبَدَلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ قَبْلَ لُحُوقِهِ كَمَا لَوْ أَدَّى دَيْنًا ظَنَّهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْأَبَ هُنَا تَعَدَّى بِالنَّفْيِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبٌ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ، فَلَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا وَلَوْ أَمَةً فِي دَعْوَى تَأَخُّرِ الْوَضْعِ سم. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا) أَيْ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ، وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ. وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ غَيْرِهِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِيَشْمَلَ حَامِلًا مِنْ شُبْهَةٍ حَالَةَ الْمَوْتِ فَلَا يَلْزَمُهَا إحْدَادٌ حَالَةَ الْحَمْلِ الْوَاقِعِ عَنْ الشُّبْهَةِ بَلْ بَعْدَ وَضْعِهِ اهـ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِئَلَّا يَشْمَلَ إلَخْ بَدَلَ قَوْلِهِ: لِيَشْمَلَ اهـ. وَلَوْ أَحْبَلَهَا بِشُبْهَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَيْ حَامِلًا ثُمَّ مَاتَ اعْتَدَّتْ بِالْوَضْعِ عَنْهُمَا فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ وَلَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَى الْكِتَابِ لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ، أَنَّهُ عِدَّةُ وَفَاةٍ فَلَزِمَهَا الْإِحْدَادُ فِيهَا، وَإِنْ شَارَكَتْهَا الشُّبْهَةُ. اهـ. م ر. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ شَارَكَتْهَا الشُّبْهَةُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سُقُوطِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ بِالتَّزَوُّجِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُتَزَوِّجِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَحْمِلْ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ، عَنْ الْوَفَاةِ، وَدَخَلَ فِيهَا عِدَّةُ وَطْءِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّهُمَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجِيَّةِ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ بِوَضْعِهِ وَدَخَلَ فِيهَا عِدَّةُ الشُّبْهَةِ اهـ. سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ أَيْ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لِأَنَّهَا تُفِيدُ مَسْأَلَةً حَسَنَةً وَهِيَ مَا لَوْ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ بِحَمْلٍ مِنْ شُبْهَةٍ فَلَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ، حَتَّى تَشْرَعَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ بَعْدَ الْوَضْعِ نَعَمْ لَوْ كَانَ الْحَمْلُ عَنْ الشُّبْهَةِ وَالْوَفَاةِ وَجَبَ الْإِحْدَادُ وَلَا تَمْنَعُ مِنْهُ الشُّبْهَةُ. قَالَ شَيْخُنَا وَظَاهِرُهُ دَوَامُ الْإِحْدَادِ، وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الْحَمْلِ إلَى الْوَضْعِ وَلَوْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ رَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (الْإِحْدَادُ) وَتَرْكُهُ كَبِيرَةٌ ع ش. قَوْلُهُ: (فَوْقَ ثَلَاثٍ) . وَأَمَّا الثَّلَاثُ وَمَا دُونَهَا فَيَحِلُّ فِيهَا لِلْمَرْأَةِ فِي نَحْوِ الْقَرِيبِ فَقَطْ، وَالْكَلَامُ هُنَا شَامِلٌ لِلْحَامِلِ وَلَوْ بَقِيَتْ حَامِلًا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَتُحِدُّهَا فَقَطْ. كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَعِبَارَةُ ز ي بَعْدَ قَوْلِ الْمَنْهَجِ مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ وَكَذَا أَجْنَبِيٌّ حَيْثُ لَا رِيبَةَ فِيمَا يَظْهَرُ بِأَنْ كَانَ عَالَمًا أَوْ صَالِحًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ النَّاشِرِيُّ وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الْمَمْلُوكُ وَالصِّهْرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» أَيْ فَيَحِلُّ لَهَا الْإِحْدَادُ عَلَيْهِ أَيْ يَجِبُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إرَادَتِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِإِيمَانِ الْمَرْأَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ غَيْرَهَا مِمَّنْ لَهَا أَمَانٌ يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ وَعَلَى وَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ مَنْعُهُمَا مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ غَيْرُهُمَا، وَسُنَّ لِمُفَارَقَةٍ وَلَوْ رَجْعِيَّةً وَلَا يَجِبُ لِأَنَّهَا إنْ فُورِقَتْ بِطَلَاقٍ فَهِيَ مَجْفُوَّةٌ بِهِ أَوْ بِفَسْخٍ فَالْفَسْخُ مِنْهَا أَوْ لِمَعْنًى فِيهَا فَلَا يَلِيقُ بِهَا. فِيهِمَا إيجَابُ الْإِحْدَادِ بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ يُسَنُّ لَهَا ذَلِكَ هُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، أَنَّ الْأَوْلَى لَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ بِمَا يَدْعُو الزَّوْجُ إلَى رَجْعَتِهَا (وَهُوَ) أَيْ الْإِحْدَادُ مِنْ أَحَدَّ وَيُقَالُ فِيهِ الْحِدَادُ مِنْ حَدَّ لُغَةً الْمَنْعُ وَاصْطِلَاحًا الِامْتِنَاعُ مِنْ الزِّينَةِ فِي الْبَدَنِ بِحُلِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ سَوَاءٌ أَكَانَ كَبِيرًا كَالْخَلْخَالِ وَالسِّوَارِ أَمْ صَغِيرًا كَالْخَاتَمِ وَالْقُرْطِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ   [حاشية البجيرمي] وَالصَّدِيقُ كَمَا أُلْحِقُوا بِهِمْ فِي أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَضَابِطُهُ أَنَّ مَنْ حَزِنَتْ لِمَوْتِهِ فَلَهَا الْإِحْدَادُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَمَنْ لَا فَلَا وَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَالْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا وَظَاهِرٌ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ مَنَعَهَا، مِمَّا يَنْقُصُ بِهِ تَمَتُّعُهُ حَرُمَ عَلَيْهَا فِعْلُهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. أَيْ وَلَوْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ لَهَا الْإِحْدَادُ عَلَيْهِ كَأَبِيهَا وَانْظُرْ هَلْ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ أَمْ لَا وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا وَعِيدَ عَلَى فِعْلِهِ وَمُجَرَّدُ النَّهْيِ إنَّمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ لَا كَوْنَ الْفِعْلِ كَبِيرَةً مُوجِبَةً لِلْفِسْقِ وَفِي الزَّوَاجِرِ إنَّهُ كَبِيرَةٌ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ اهـ. قَالَهُ: ع ش قَوْلُهُ: (أَيْ يَجِبُ) لِأَنَّهُ جَوَازٌ بَعْدَ مَنْعٍ فَيَكُونُ وَاجِبًا كَالْخِتَانِ وَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ أَوْ فَيَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ. قَوْلُهُ: (لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إرَادَتِهِ) : وَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ إلَى مُخَالَفَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي ذَلِكَ ق ل. قَوْلُهُ: (بِإِيمَانِ الْمَرْأَةِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (جَرَى عَلَى الْغَالِبِ) أَوْ لِأَنَّهُ أَبْعَثُ عَلَى الِامْتِثَالِ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا كَافِرًا. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ لَهَا أَمَانٌ) كَالذِّمِّيَّةِ وَالْمُعَاهَدَةِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ وَرَاعَى مَعْنَى غَيْرٍ فَأَنَّثَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ) بِمَعْنَى أَنَّا نُلْزِمُهَا بِهِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ غَيْرَ مَنْ لَهَا أَمَانٌ أَيْضًا لَكِنْ لُزُومُ عِقَابٍ فِي الْآخِرَةِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ مُخَاطَبَةِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَسُنَّ) أَيْ الْإِحْدَادُ لِمُفَارَقَةٍ قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ) أَتَى بِهِ مَعَ عِلْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ: سُنَّ لِأَجْلِ التَّعْلِيلِ بَعْدَهُ وَلِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَالَ م ر وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا مَجْفُوَّةٌ بِالْفِرَاقِ إلَخْ فَغَرَضُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهَا إنْ فُورِقَتْ إلَخْ إبْدَاءُ فَارَقَ فِي الْقِيَاسِ الَّذِي اسْتَنَدَ لَهُ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَهِيَ مَجْفُوَّةٌ) أَيْ مَهْجُورَةٌ وَمَتْرُوكَةٌ بِسَبَبِ الطَّلَاقِ وَنَفْسُهَا قَائِمَةٌ مِنْهُ وَإِذَا كَانَتْ مَجْفُوَّةً فَلَا يُطْلَبُ لَهَا الْإِحْدَادُ لِإِعْرَاضِ الزَّوْجِ عَنْهَا فَلَا يَلِيقُ بِهَا أَنْ تَحْزَنَ عَلَيْهِ بَلْ قَدْ تُكْثِرُ مِنْ التَّزَيُّنِ لِتَلْتَحِقَ بِغَيْرِهِ رَغْمًا لِأَنْفِهِ، وَفِي الْمِثْلِ: مَنْ جَفَاك فَاجْفُهُ، وَعَنْ بَعْضِ الْأَكَابِرِ: مَنْ لَمْ يَتَّخِذْك كُحْلًا لَعَيْنَيْهِ لَا تَتَّخِذْهُ نَعْلًا لِقَدَمَيْك. قَوْلُهُ: (أَوْ لِمَعْنًى) أَيْ عَيْبٍ فِيهَا إلَخْ قَوْلُهُ: (هُوَ مَا نَقَلَهُ) مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ نَقَلَ إلَخْ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (بِمَا يَدْعُو الزَّوْجَ إلَخْ) مَحِلُّهُ إنْ رَجَتْ عَوْدَهُ بِالتَّزَيُّنِ وَلَمْ يُتَوَهَّمْ أَنَّهُ لِفَرَحِهَا بِطَلَاقِهِ وَإِلَّا تَرَكَتْهُ اهـ. ز ي وح ل. وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَالُ فِيهِ الْحِدَادُ) وَيُرْوَى بِالْجِيمِ الْمَكْسُورَةِ مِنْ جَدَدْت الشَّيْءَ قَطَعْته سم. قَوْلُهُ: (مِنْ حَدَّ) وَمُضَارِعُهُ يَحُدُّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا حِدَادًا كَمَا فِي الْمُخْتَارِ. قَوْلُهُ: (لُغَةً الْمَنْعُ) لِأَنَّ الْمُحِدَّةَ تَمْنَعُ نَفْسَهَا مِنْ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ ح ل. قَوْلُهُ: (الِامْتِنَاعُ مِنْ الزِّينَةِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَهُوَ تَرْكُ لُبْسِ مَصْبُوغٍ لِزِينَةٍ وَلَوْ قَبْلَ نَسْجِهِ أَوْ خَشِنًا وَتَحِلُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِحَبٍّ غَيْرِ لُؤْلُؤٍ وَمَصْبُوغٍ نَهَارًا. قَالَ فِي ش وَخَرَجَ بِالنَّهَارِ التَّحَلِّي بِمَا ذُكِرَ لَيْلًا فَجَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ لِحَاجَةٍ وَمَعَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ. اهـ فَقَوْلُهُ نَهَارًا رَاجِعٌ لِلتَّحَلِّي كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُهُ فِي الْمَفْهُومِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لُبْسَ الْمَصْبُوغِ تَمْتَنِعُ مِنْهُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَانْظُرْ مَا الْفَارِقُ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ م ر مَا نَصُّهُ وَفَارَقَ حُرْمَةَ اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ لَيْلًا بِأَنَّهُمَا يُحَرِّكَانِ الشَّهْوَةَ غَالِبًا وَلَا كَذَلِكَ الْحُلِيُّ اهـ. وَفِي ق ل وَلُبْسُ مَصْبُوغٍ أَيْ وَلَوْ لَيْلًا وَمَسْتُورًا اهـ. قَوْلُهُ: (بِحُلِيٍّ) الْحُلِيُّ جَمْعُ حَلْيٍ مِثْلَ ثَدْيٍ وَثُدِيٍّ وَقَدْ تُكْسَرُ الْحَاءُ وَقُرِئَ مِنْ حَلْيِهِمْ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا اهـ مُخْتَارٌ وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ الْحَلْيُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَجَمْعُهُ حُلِيٌّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ الْمُفْرَدُ وَهُوَ كُلُّ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ. قَوْلُهُ: (وَالْقُرْطِ) هُوَ عَلَى وَزْنِ فُعْلٍ بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَجَمْعُهُ قِرَاطٌ كَرُمْحٍ وَرِمَاحٍ وَهُوَ حَلَقٌ يُعَلَّقُ فِي شَحْمَةِ الْأُذُنِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْحُلِيَّ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَخْتَضِبُ» وَإِنَّمَا حَرُمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي حُسْنِهَا كَمَا قِيلَ: وَمَا الْحُلِيُّ إلَّا زِينَةٌ لِنَقِيصَةٍ ... يُتَمِّمُ مِنْ حُسْنٍ إذَا الْحُسْنُ قَصَّرَا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَمَالُ مُوَفَّرًا ... كَحُسْنِكِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُزَوَّرَا وَكَذَا اللُّؤْلُؤُ يَحْرُمُ التَّزَيُّنُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الزِّينَةَ فِيهِ ظَاهِرَةٌ أَوْ بِثِيَابٍ مَصْبُوغَةٍ لِزِينَةٍ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَةَ وَلَا الْحُلِيَّ وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَكْتَحِلُ» . وَالْمُمَشَّقَةُ الْمَصْبُوغَةُ بِالْمِشْقِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمَغْرَةُ بِفَتْحِهَا. وَيُقَالُ: طِينٌ أَحْمَرُ يُشْبِهُهَا. وَيُبَاحُ لُبْسُ غَيْرِ مَصْبُوغٍ مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ وَإِنْ كَانَ نَفِيسًا وَحَرِيرٍ إذَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ زِينَةٌ، وَيُبَاحُ مَصْبُوغٌ لَا يُقْصَدُ لِزِينَةٍ كَالْأَسْوَدِ. وَكَذَا الْأَزْرَقُ وَالْأَخْضَرُ الْمُشَبَّعَانِ الْكَدِرَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ لِلزِّينَةِ بَلْ لِنَحْوِ حَمْلِ وَسَخٍ أَوْ مُصِيبَةٍ فَإِنْ تَرَدَّدَ بَيْنَ الزِّينَةِ وَغَيَّرَهَا كَالْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ فَإِنْ كَانَ بَرَّاقًا صَافِي اللَّوْنِ حَرُمَ لِأَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ يُتَزَيَّنُ بِهِ أَوْ كَدِرًا أَوْ مُشَبَّعًا فَلَا لِأَنَّ الْمُشَبَّعَ مِنْ الْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ يُقَارِبُ الْأَسْوَدَ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْبَدَنِ تَجْمِيلُ فِرَاشٍ، وَهُوَ مَا تَرْقُدُ أَوْ تَقْعُدُ عَلَيْهِ مِنْ نِطْعٍ وَمَرْتَبَةٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا، وَتَجْمِيلُ أَثَاثٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَمُثَلَّثَتَيْنِ مَتَاعُ الْبَيْتِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ فِي الْبَدَنِ لَا فِي الْفِرَاشِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا الْغِطَاءُ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَالثِّيَابِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِنْ خَصَّهُ الزَّرْكَشِيّ بِالنَّهَارِ. (وَ) الِامْتِنَاعُ مِنْ اسْتِعْمَالِ (الطِّيبِ)   [حاشية البجيرمي] الْحَلَقُ لَا بِقَيْدِهِ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحِلَّ حُرْمَةِ ذَلِكَ مَا لَمْ تَتَضَرَّرْ بِتَرْكِهِ فَإِنْ تَضَرَّرَتْ ضَرَرًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً جَازَ لَهَا اللُّبْسُ وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الْكُحْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الضَّرَرِ مِنْ إبَاحَتِهِ لِلتَّيَمُّمِ ع ش عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (لَا تَلْبَسُ) بَابُهُ عَلِمَ قَوْلُهُ: (مِنْ حُسْنٍ) أَيْ مَا نَقَصَ مِنْ حُسْنٍ وَقَوْلُهُ إلَى أَنْ يُزَوَّرَ أَيْ إلَى أَنْ يُحَسَّنَ وَيُزَيَّنَ مِنْ التَّزْوِيرِ وَهُوَ تَحْسِينُ الْكَذِبِ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] أَيْ مُنْحَرِفًا عَنْ الْحَقِّ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ لَا تُشْبِهُ الْأُمَّ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِثِيَابٍ) أَيْ أَوْ بِلُبْسِ ثِيَابٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِزِينَةٍ) أَيْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ تَتَزَيَّنَ بِهِ لِتَشَوُّفِ الرِّجَالِ إلَيْهِ وَلَوْ بِحَسَبِ عَادَةِ قَوْمِهَا أَوْ جِنْسِهَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَكَتَّانٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (وَحَرِيرٍ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَصْبُوغًا. قَوْلُهُ: (كَالْأَسْوَدِ) إلَّا إنْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ يَتَزَيَّنُونَ بِهِ كَالْأَعْرَابِ فَيَحْرُمُ، وَلَا يَحْرُمُ الْأَصْفَرُ وَالْأَحْمَرُ الْخَلْقِيُّ مَعَ صَفَائِهِمَا وَشِدَّةِ بِرِيقِهِمَا، وَزِيَادَةِ الزِّينَةِ فِيهِمَا عَلَى الْمَصْبُوغِ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ زِينَةٌ تُشَوِّقُ الرِّجَالَ إلَيْهَا تُمْنَعُ مِنْهُ، وَأَمَّا طِرَازُ الثَّوْبِ فَإِنْ كَثُرَ حَرُمَ لِظُهُورِ الزِّينَةِ فِيهِ، وَإِنْ صَغُرَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، ثَالِثُهَا وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ، إنْ نُسِجَ مَعَ الثَّوْبِ جَازَ أَوْ رُكِّبَ عَلَيْهِ حَرُمَ لِأَنَّهُ مَحْضُ زِينَةٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ مَصْبُوغَ الْحَاشِيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ سم. قَوْلُهُ: (الْمُشَبَّعَانِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ الْمُشَبَّعَانِ بِالصَّبْغِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَرَدَّدَ) أَيْ الْمَصْبُوغُ. قَوْلُهُ: (تَجْمِيلُ فِرَاشٍ) أَيْ تَجْمِيلُ الْبَيْتِ بِالْفِرَاشِ كَمَا فِي م ر وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ نِطْعٍ) وَهُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْجِلْدِ تَقْعُدُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ. قَوْلُهُ: (وَتَجْمِيلُ أَثَاثٍ) عَطْفُ عَامٍّ. قَوْلُهُ: (مَتَاعُ الْبَيْتِ) : بِأَنْ تُزَيِّنَ بَيْتَهَا بِأَنْوَاعِ الْمَلَابِسِ وَالْأَوَانِي م ر. قَوْلُهُ: (فَالْأَشْبَهُ) مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ: إنَّهُ كَالثِّيَابِ أَيْ فَيَحْرُمُ إنْ حَرُمَتْ الثِّيَابُ وَيُبَاحُ إنْ أُبِيحَتْ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ خَصَّهُ أَيْ التَّشْبِيهُ. قَوْلُهُ: (وَالِامْتِنَاعُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ) قَدَّمَ لَفْظَ الِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّ الطِّيبَ عَيْنٌ وَلَا تَصِحُّ نِسْبَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِالتَّطَيُّبِ كَمَا فُسِّرَتْ الزِّينَةُ بِالتَّزَيُّنِ، كَمَا مَرَّ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَنْسَبَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُ الطَّيِّبِ لَيْلًا وَنَهَارًا ابْتِدَاءً وَاسْتِدَامَةً فَإِذَا طَرَأَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا لَزِمَهَا إزَالَتُهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ بِرْمَاوِيٌّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي الْمُحْرِمِ بِأَنَّهُ ثَمَّ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَبِأَنَّهُ شُدِّدَ عَلَيْهَا هُنَا أَكْثَرَ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ نَحْوِ الْحِنَّاءِ وَالْمُعَصْفَرِ عَلَيْهَا هُنَا لِإِثْمٍ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) وَاسْمُهَا نَسِيبَةُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 فِي بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ: «كُنَّا نَنْهَى أَنْ نَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَأَنْ نَكْتَحِلَ وَأَنْ نَتَطَيَّبَ وَأَنْ نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا» وَيَحْرُمُ أَيْضًا اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي طَعَامٍ، وَكُحْلٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ قِيَاسًا عَلَى الْبَدَنِ وَضَابِطُ الطِّيبِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهَا كُلُّ مَا حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ لَكِنْ يَلْزَمُهَا إزَالَةُ الطِّيبِ الْكَائِنِ مَعَهَا حَالَ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا فِي اسْتِعْمَالِهِ. بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فِي ذَلِكَ وَاسْتَثْنَى اسْتِعْمَالَهَا عِنْدَ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ وَكَذَا مِنْ النِّفَاسِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَغَيْرُهُ قَلِيلًا مِنْ قِسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الْبَخُورِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا دَهْنُ شَعْرِ رَأْسِهَا وَلِحْيَتِهَا إنْ كَانَ لَهَا لِحْيَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّينَةِ وَاكْتِحَالُهَا بِإِثْمِدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ، لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ الْمَارِّ لِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَزِينَةً وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْبَيْضَاءُ، وَغَيْرُهَا، أَمَّا اكْتِحَالُهَا بِالْأَبْيَضِ كَالتُّوتِيَاءِ فَلَا يَحْرُمُ إذْ لَا زِينَةَ فِيهِ. وَأَمَّا الْأَصْفَرُ وَهُوَ الصَّبْرُ فَيَحْرُمُ عَلَى السَّوْدَاءِ، وَكَذَا عَلَى الْبَيْضَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ يُحَسِّنُ الْعَيْنَ وَيَجُوزُ الِاكْتِحَالُ بِالْإِثْمِدِ وَالصَّبْرِ لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ فَتَكْتَحِلُ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي الصَّبْرِ لَيْلًا» نَعَمْ إنْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ نَهَارًا أَيْضًا جَازَ وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا طَلْيُ الْوَجْهِ بِالْإِسْفِيذَاجِ وَالدِّمَامِ وَهُوَ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَمِيمَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ مَا يُطْلَى   [حاشية البجيرمي] «نَكْتَحِلَ أَيْ وَنُنْهَى أَنْ نَكْتَحِلَ» إلَخْ فَهُوَ مَعْمُولٌ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مَعْطُوفٌ عَلَى فِعْلٍ مَأْخُوذٍ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ وَأَنْ نَكْتَحِلَ كَأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَالْمَعْنَى وَنُنْهَى أَنْ نَفْعَلَ كَذَا عَلَى زَوْجٍ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ أَيْضًا إلَخْ) هُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَلَوْ عَطَفَهُ عَلَى الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ قَبْلَهُ لَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ هُنَا ق ل. قَوْلُهُ: (فِي طَعَامٍ) وَمِثْلُهُ الشَّرَابُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَطْيِيبُ قُلَّتِهَا. قَوْلُهُ: (غَيْرِ مُحَرَّمٍ) أَيْ الْأَبْيَضُ كَالتُّوتِيَاءِ لِعَدَمِ زِينَتِهِ وَلَكِنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ حَرُمَ لِلطِّيبِ لَا لِلزِّينَةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فِي ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّطَيُّبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ فَاسْتِدَامَتُهُ لَا تَضُرُّ. قَوْلُهُ: (قَلِيلًا إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا الْمِسْكُ فَيَحْرُمُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (مِنْ قِسْطٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَظْفَارٍ) ضَرْبٌ مِنْ الْعِطْرِ عَلَى شَكْلِ أَظْفَارِ الْإِنْسَانِ كَمَا قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ مِنْ الْبَخُورِ بِفَتْحِ الْبَاءِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) لَوْ أَسْقَطَ الْوَاوَ لَسَلِمَ مِنْ تَكْرَارِهِ مَعَ مَا سَبَقَ ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِيهِ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ وَلِأَنَّ فِيهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ عِلَّةٌ لِلْمُعَلَّلِ مَعَ عِلَّتِهِ. قَوْلُهُ: (كَالتُّوتِيَاءِ) بِالْمَدِّ مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الصَّبْرُ) فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ سُكُونُ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحُ الصَّادِ مَعَ كَسْرِ الْبَاءِ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ الصَّبْرُ يُوجَدُ إنْ بَاءٌ لَهُ كُسِرَتْ ... وَإِنَّهُ بِسُكُونِ الْبَاءِ مَفْقُودٌ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كُسِرَتْ بَاؤُهُ يَكُونُ بِمَعْنَى الدَّوَاءِ الْمَعْرُوفِ وَإِنْ كَانَ بِسُكُونِ الْبَاءِ يَكُونُ بِمَعْنَى رِضَا النَّفْسِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدْرِ وَهُوَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مَوْجُودٌ دُونَ الْمَعْنَى الثَّانِي. قَوْلُهُ: (لِحَاجَةٍ) وَهِيَ مَا تُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَعِنْدَ إزَالَةِ الْحَاجَةِ، يَجِبُ عَلَيْهَا إزَالَةُ ذَلِكَ فَوْرًا وَمِنْ الْحَاجَةِ مَا لَوْ كَانَتْ تَحْتَرِفُ أَيْ تَجْعَلُ الطِّيبَ حِرْفَةً لَهَا فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَطْيِيبًا بِرْمَاوِيٌّ وع ش عَلَى م ر وح ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِأُمِّ سَلَمَةَ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادَّةٌ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى عَيْنِهَا صَبْرًا فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ فَقَالَتْ: هُوَ صَبْرٌ لَا طِيبَ فِيهِ فَقَالَ: اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ» اهـ. وَقَوْلُهُ. دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَيْ زَوْجَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا قَبْلَ نِكَاحِهَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّمَا نَظَرَ إلَيْهَا مَعَ أَنَّ النَّظَرَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ لِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَرَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ. وَقَالَ ع ش عَلَى م ر تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ نَظَرِ الْوَجْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ حَيْثُ لَا شَهْوَةَ وَلَا خَوْفَ فِتْنَةٍ. وَأُجِيبُ بِجَوَازِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْصِدْ الرُّؤْيَةَ بَلْ وَقَعَتْ اتِّفَاقًا أَوْ أَنَّهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِعِصْمَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: فَقَالَ: اجْعَلِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ " لَا فَإِنَّهُ يَشِبُّ الْوَجْهَ " أَيْ يُوقِدُهُ وَيُحَسِّنُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (بِالْإِسْفِيذَاجِ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَهُوَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ رَصَاصٍ يُطْلَى بِهِ الْوَجْهُ وَإِذَا طُلِيَ بِهِ الْوَجْهُ يَرْبُو وَيَبْرُقُ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالدِّمَامِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَامَّةِ بِحُسْنِ يُوسُفَ وَكَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 بِهِ الْوَجْهُ لِلتَّحْسِينِ الْمُسَمَّى بِالْحُمْرَةِ الَّتِي يُوَرَّدُ بِهَا الْخَدُّ وَالِاخْتِضَابُ بِحِنَّاءٍ وَنَحْوِهِ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ بَدَنِهَا كَالْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَيَحْرُمُ تَطْرِيفُ أَصَابِعِهَا وَتَصْفِيفُ شَعْرِ طُرَّتِهَا، وَتَجْعِيدُ شَعْرِ صُدْغَيْهَا وَحَشْوُ حَاجِبِهَا بِالْكُحْلِ وَتَدْقِيقُهُ بِالْحَفِّ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ تَفْسِيرِ الْإِحْدَادِ بِمَا ذُكِرَ جَوَازُ التَّنْظِيفِ بِغَسْلِ رَأْسٍ وَقَلْمِ أَظْفَارٍ وَاسْتِحْدَادٍ وَنَتْفِ شَعْرِ إبِطٍ وَإِزَالَةِ وَسَخٍ وَلَوْ ظَاهِرًا لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الزِّينَةِ أَيْ الدَّاعِيَةِ إلَى الْوَطْءِ، وَأَمَّا إزَالَةُ الشَّعْرِ الْمُتَضَمِّنِ زِينَةً كَأَخْذِ مَا حَوْلَ الْحَاجِبَيْنِ وَأَعْلَى الْجَبْهَةِ فَتَمْتَنِعُ مِنْهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا إزَالَةُ شَعْرِ لِحْيَةٍ أَوْ شَارِبٍ نَبَتَ لَهَا فَتُسَنُّ إزَالَتُهُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَيَحِلُّ امْتِشَاطٌ بِلَا تَرَجُّلٍ بِدُهْنٍ وَنَحْوِهِ وَيَجُوزُ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ، وَيَحِلُّ لَهَا أَيْضًا دُخُولُ حَمَّامٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خُرُوجُ مُحَرَّمٍ، وَلَوْ تَرَكَتْ الْمُحِدَّةُ الْمُكَلَّفَةُ الْإِحْدَادَ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا كُلَّ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْضَهَا عَصَتْ إنْ عَلِمَتْ حُرْمَةَ التَّرْكِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مَعَ الْعِصْيَانِ وَلَوْ بَلَغَتْهَا وَفَاةُ زَوْجِهَا أَوْ طَلَاقُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَتْ   [حاشية البجيرمي] أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ أَحَدٌ بِسُوءٍ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ: حَسَدُوا الْفَتَى إذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ ... فَالْكُلُّ أَعْدَاءٌ لَهُ وَخُصُومُ كَضَرَائِرِ الْحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا ... حَسَدًا وَبُغْضًا إنَّهُ لَدَمِيمُ قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ الدَّالِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِهَا فَهُوَ مُثَلَّثُ الدَّالِ. قَوْلُهُ: (بِحِنَّاءٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ مُذَكَّرٌ يَقْرَأُ بِالْهَمْزَةِ وَبِالْمَدِّ جَمْعُ وَاحِدِهِ حِنَّاءَةٌ بِالْمَدِّ أَيْضًا ق ل سُمِّيَتْ حِنَّاءٌ لِأَنَّهَا حَنَّتْ لِآدَمَ حِينَ أَصَابَ الْخَطِيئَةَ، فَكَانَ كُلَّمَا أَخَذَ مِنْ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ وَرَقًا يَسْتَتِرُ بِهِ طَارَ عَنْهُ إلَّا وَرَقَ الْحِنَّاءِ. اهـ. م د وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَالِبُ الْمُفَسِّرِينَ، عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 22] أَنَّ الْوَرَقَ الْمَذْكُورَ وَرَقُ التِّينِ، وَقِيلَ وَرَقُ الْمَوْزِ. وَقَدْ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي أَسْئِلَتِهِ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ نَزَلَ مَعَهُ أَرْبَعُ وَرَقَاتٍ مِنْ وَرَقِ التِّينِ سَتَرَ بِهَا عَوْرَتَهُ فَلَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ جَاءَهُ جَمِيعُ الْحَيَوَانَاتِ يُهَنِّئُونَهُ بِتَوْبَتِهِ، فَأَطْعَمَ الْغَزَالَ وَرَقَةً فَصَارَ مِنْهَا الْمِسْكُ، وَأَطْعَمَ وَرَقَةً لِبَقَرَةٍ مِنْ بَقَرِ الْبَحْرِ فَصَارَ مِنْهَا الْعَنْبَرُ، وَأَطْعَمَ وَرَقَةً لِلنَّحْلَةِ فَصَارَ مِنْهَا الْعَسَلُ وَالشَّمْعُ، وَأَطْعَمَ وَرَقَةً لِدُودِ الْقَزِّ فَصَارَ مِنْهَا الْحَرِيرُ وَذَلِكَ زِينَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: إنَّ أَغْصَانَ الْحِنَّاءِ تُبْرِئُ الْقُرُوحَ الَّتِي تَكُونُ فِي الْفَمِ، وَطَبِيخُهَا يُوضَعُ عَلَى حَرْقِ النَّارِ، وَزَهْرُهَا إذَا سُحِقَ بِخَلٍّ وَضُمِّدَ بِهِ الضَّارِبُ بَرِئَ أَيْ وَضَعَ عَلَى مَحِلِّهِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) أَيْ كَزَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ وَهُوَ نَبْتٌ أَصْفَرُ يُصْبَغُ بِهِ فِي الْيَمَنِ. قَوْلُهُ: (تَطْرِيفُ أَصَابِعِهَا) أَيْ خِضَابُ أَطْرَافِ أَصَابِعِهَا. قَوْلُهُ: (وَتَصْفِيفُ شَعْرِ طُرَّتِهَا) أَيْ نَاصِيَتِهَا أَيْ تَسْوِيَةِ قُصَّتِهَا. قَوْلُهُ: (وَتَجْعِيدُ شَعْرِ صُدْغَيْهَا) أَيْ لَيُّهُ. قَوْلُهُ: (وَتَدْقِيقُهُ بِالْحَفِّ) أَيْ التَّحْفِيفِ. قَوْلُهُ: (وَاسْتِحْدَادٍ) أَيْ نَتْفِ عَانَةٍ. قَوْلُهُ: (أَيْ الدَّاعِيَةِ إلَى الْوَطْءِ) فَلَا يُنَافِي إطْلَاقَ اسْمِهَا عَلَى ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (الْمُتَضَمِّنِ) أَيْ الْإِزَالَةِ وَلَمْ يُؤَنَّثْ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ اكْتَسَبَتْ التَّذْكِيرَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِلَا تَرْجِيلٍ بِدَهْنٍ) أَيْ مُلْتَبِسًا بِدَهْنٍ أَيْ يَحِلُّ بِمُجَرَّدِ تَسْرِيحِهِ بِلَا دَهْنٍ فَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ. وَلَوْ قَالَ: وَيَحِلُّ امْتِشَاطٌ بِلَا دَهْنٍ لَكَانَ أَخْصَرَ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ) أَيْ التَّنْظِيفُ بِسِدْرٍ وَقَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ أَيْ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَالزَّهْرِ قَوْلُهُ: (خُرُوجُ مُحَرَّمٍ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْحَمَّامُ فِي الْبَيْتِ أَوْ خَرَجَتْ لِاكْتِسَابِ نَفَقَةٍ فَعَدَلَتْ إلَيْهِ أَوْ احْتَاجَتْ لِدُخُولِ الْحَمَّامِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَلَغَتْهَا وَفَاةُ زَوْجِهَا إلَخْ) وَلَوْ نَكَحَتْ مَنْ غَابَ زَوْجُهَا فَبَانَ الزَّوْجُ مَيِّتًا فَبَانَ نِكَاحُهَا بِمِقْدَارِ الْعِدَّةِ صَحَّ النِّكَاحُ عَلَى الْجَدِيدِ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ فِي الْمُرْتَابَةِ بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا شَكًّا فِي حِلِّ الْمَنْكُوحَةِ لِأَنَّ الشَّكَّ ثَمَّ لَيْسَ ظَاهِرًا فَهُوَ أَقْوَى أَمَّا إذَا بَانَ حَيًّا فَهِيَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 مُنْقَضِيَةً وَلَا إحْدَادَ عَلَيْهَا وَلَهَا إحْدَادٌ عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلُّ وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا بِقَصْدِ الْإِحْدَادِ. فَلَوْ تَرَكَتْ ذَلِكَ بِلَا قَصْدٍ لَمْ تَأْثَمْ وَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ الرَّجُلُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِحْدَادُ عَلَى قَرِيبِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ إنَّمَا شُرِعَ لِلنِّسَاءِ لِنَقْصِ عَقْلِهِنَّ، الْمُقْتَضِي عَدَمَ الصَّبْرِ (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا) زَوْجُهَا (وَ) عَلَى (الْمَبْتُوتَةِ) أَيْ الْمَقْطُوعَةِ عَنْ النِّكَاحِ بِبَيْنُونَةٍ صُغْرَى أَوْ كُبْرَى إذْ الْبَتُّ الْقَطْعُ (مُلَازَمَةُ الْبَيْتِ) أَيْ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَانَ مُسْتَحَقًّا لِلزَّوْجِ لَائِقًا بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِنَّ وَأَضَافَهَا إلَيْهِنَّ لِلسُّكْنَى. {وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ هِيَ أَنْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِ   [حاشية البجيرمي] وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَكِنْ لَا يَتَمَتَّعُ بِهَا حَتَّى تَعْتَدَّ لِلثَّانِي لِأَنَّ وَطْأَهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِفَقْدِ الْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ حَالَ الْعَقْدِ اهـ. شَرْحُ م ر وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بِهِ وَلَا عَلَيْهَا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ بَاطِنًا فِي الثَّانِي وَكَنُشُوزِهَا عَلَى الْأَوَّلِ بِنِكَاحِ الثَّانِي نَعَمْ إنْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَعَادَتْ لِمَنْزِلِ الْمَفْقُودِ وَعَلِمَ بِهَا وَجَبَتْ مِنْ حِينَئِذٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَقِ ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ فَعَاشَ فَوْقَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ، فَتَبَيَّنَ وُقُوعُهُ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إنْ كَانَ بَائِنًا أَوْ لَمْ يُعَاشِرْهَا وَلَا إرْثَ لَهَا شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ) : أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالصَّدِيقِ وَالصِّهْرِ أَيْ ابْنِ زَوْجِهَا أَوْ أَبِي زَوْجِهَا أَوْ أُمِّ زَوْجِهَا أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ سَيِّدًا أَوْ عَالِمًا أَوْ إمَامًا عَادِلًا أَوْ شُجَاعًا أَوْ كَرِيمًا. وَالضَّابِطُ: كُلُّ مَا جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ لِجِنَازَتِهِ جَازَ لَهَا الْإِحْدَادُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَعِبَارَةُ م ر وَلَهَا أَيْ لِلْمَرْأَةِ مُزَوَّجَةً أَوْ غَيْرَهَا إحْدَادٌ عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ مِنْ الْمَوْتَى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا بِقَصْدِ الْإِحْدَادِ فَلَوْ تَرَكَتْ ذَلِكَ لَمْ تَأْثَمْ لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَلِأَنَّ فِي تَعَاطِيهِ عَدَمَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْأَلْيَقُ بِهَا التَّقَنُّعُ بِجِلْبَابِ الصَّبْرِ، وَإِنَّمَا رُخِّصَ أَيْ الْإِحْدَادُ لِلْمُعْتَدَّةِ فِي عِدَّتِهَا بِحَبْسِهَا أَيْ بِسَبَبِ حَبْسِهَا عَلَى الْمَقْصُودِ فِي الْعِدَّةِ وَلِغَيْرِهَا فِي الثَّلَاثِ لِأَنَّ النُّفُوسَ لَا تَسْتَطِيعُ فِيهَا الصَّبْرُ، وَلِذَلِكَ تُسَنُّ فِيهَا التَّعْزِيَةُ وَتَنْكَسِرُ بَعْدَهَا أَعْلَامُ الْحُزْنِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الزَّوْجَ أَيْ الْمُزَوَّجَةَ لَوْ مَنَعَهَا مِمَّا يُنْقِصُ تَمَتُّعَهُ حَرُمَ عَلَيْهَا فِعْلُهُ وَهَذَا جَوَازٌ بَعْدَ مَنْعٍ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ السَّالِفَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ، دُونَ الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى تَحْزَنُ بِغَيْرِ تَغَيُّرِ مَلْبُوسٍ وَنَحْوِهِ ز ي مُلَخَّصًا عَنْ حَجّ قَالَ الْبُرُلُّسِيُّ وَقَدْ مَرَّ فِي التَّعْزِيَةِ اعْتِبَارُ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الدَّفْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ ذَلِكَ هُنَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي هُنَا اعْتِبَارُهَا مِنْ وَقْتِ الْعِلْمِ بِالْمَوْتِ عَلَى قِيَاسِ الْغَائِبِ فِي الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَرَكَتْ ذَلِكَ) أَيْ مُتَعَلِّقَ الْإِحْدَادِ وَهُوَ الزِّينَةُ وَالطِّيبِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ) اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَحِلُّ وِفَاقٍ، وَإِلَّا فَالرَّجْعِيَّةُ مِثْلُهَا إلَّا أَنَّ فِيهَا خِلَافًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (بِبَيْنُونَةٍ صُغْرَى) كَالْخُلْعِ. قَوْلُهُ: (مُلَازَمَةُ الْبَيْتِ) أَيْ الَّذِي فُورِقَتْ وَهِيَ فِيهِ أَوْ فِي طَرِيقِهِ بِقَصْدِ النَّقْلَةِ إلَيْهِ، بِأَنْ وَقَعَ الْفِرَاقُ بَعْدَ خُرُوجِهَا. قَوْلُهُ: (وَكَانَ) أَيْ الْبَيْتُ قَوْلُهُ: (مُسْتَحَقًّا) أَيْ بِمِلْكٍ أَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ. قَوْلُهُ: {لا تُخْرِجُوهُنَّ} [الطلاق: 1] هَذِهِ الْآيَةُ مَسُوقَةٌ فِي الْمُطَلَّقَاتِ، وَلَمْ يَأْتِ الشَّارِحُ بِدَلِيلٍ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَقَدْ اسْتَدَلَّ لَهَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِخَبَرِ «فُرَيْعَةَ بِضَمِّ الْفَاءِ بِنْتِ مَالِكٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ أَنَّ زَوْجَهَا قُتِلَ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَرْجِعَ إلَى أَهْلِهَا وَقَالَتْ إنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَنْزِلٍ يَمْلِكُهُ فَأَذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ قَالَتْ فَانْصَرَفْت حَتَّى إذَا كُنْت فِي الْحُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ دَعَانِي فَقَالَ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قَالَتْ: فَاعْتَدَدْت فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَأَذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ أَيْ إلَى أَهْلِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كَانَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ فَلَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ بِخِلَافِهِ أَمَرَهَا بِالْمُكْثِ فِي بَيْتِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ وَقَوْلُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 زَوْجِهَا وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ وَلَا لِغَيْرِهِ إخْرَاجُهَا وَلَا لَهَا خُرُوجٌ مِنْهُ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ إلَّا لِعُذْرٍ. كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَالْحَقُّ الَّذِي لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْقُطُ بِالتَّرَاضِي وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمَبْتُوتَةِ الرَّجْعِيَّةُ فَإِنَّ لِلزَّوْجِ إسْكَانَهَا حَيْثُ شَاءَ فِي مَوْضِعٍ يَلِيقُ بِهَا وَهَذَا مَا فِي حَاوِي الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ، لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ وَاَلَّذِي فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ مَفْهُومُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ: أَوْلَى لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَالزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا فَضْلًا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَيْسَتْ كَالزَّوْجَةِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ مُلَازَمَةِ الْبَيْتِ قَوْلَهُ: (إلَّا لِحَاجَةٍ) أَيْ فَيَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ وَعِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَكَذَا بَائِنٌ وَمَفْسُوخٌ نِكَاحُهَا وَضَابِطُ ذَلِكَ كُلُّ مُعْتَدَّةِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْ يَقْضِيهَا حَاجَتَهَا لَهَا الْخُرُوجُ فِي النَّهَارِ لِشِرَاءِ طَعَامٍ وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَبَيْعِ غَزْلٍ وَنَحْوِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، أَمَّا مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ رَجْعِيَّةٍ أَوْ بَائِنٍ حَامِلٍ أَوْ مُسْتَبْرَأَةٍ فَلَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ ضَرُورَةٍ كَالزَّوْجَةِ، لِأَنَّهُنَّ مُكَفَّيَاتٌ بِنَفَقَةِ أَزْوَاجِهِنَّ وَكَذَا لَهَا الْخُرُوجُ لِذَلِكَ لَيْلًا إنْ لَمْ يُمْكِنْهَا نَهَارًا وَكَذَا إلَى دَارِ جَارَتِهَا لِغَزْلٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِمَا لِلتَّأَنُّسِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ وَتَبِيتَ فِي بَيْتِهَا. تَنْبِيهٌ: اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْحَاجَةِ إعْلَامًا بِجَوَازِهِ لِلضَّرُورَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى كَأَنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا تَلَفًا أَوْ فَاحِشَةً أَوْ خَافَتْ عَلَى مَالِهَا أَوْ وَلَدِهَا مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ. فَيَجُوزُ لَهَا الِانْتِقَالُ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ   [حاشية البجيرمي] فِي الْحُجْرَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَهِيَ صَحْنُ الدَّارِ وَالْمَسْجِدُ بِجِوَارِهَا وَهِيَ مَحِلُّ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ الْآنَ وَقَوْلُهُ: دَعَانِي أَيْ نَادَانِي وَقَوْلُهُ: «اُمْكُثِي فِي بَيْتِك» أَيْ الَّذِي فُورِقْتِي فِيهِ وَإِذْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا بِالْمَقَامِ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْغَيْرِ لَعَلَّهُ لِعِلْمِهِ بِمُسَامَحَتِهِ قَالَ الشبراملسي وَعَلَى هَذَا فَإِضَافَتُهُ إلَيْهَا لِسُكْنَاهَا فِيهِ. وَقَوْلُهُ: «حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ» أَيْ الْمَكْتُوبُ وَهُوَ الْعِدَّةُ قَوْلُهُ: (تَبْذُو عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا) : أَيْ تَشْتُمُهُمْ قَوْلُهُ: (وَلَا لِغَيْرِهِ) مِنْ الْوَرَثَةِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْمُدَّعِي أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا خُرُوجٌ مِنْهُ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ لَا يُتَّجَهُ لِأَنَّ كَوْنَ الْعِدَّةِ فِيهَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، لَا يُنَافِي جَوَازَ خُرُوجِهَا مِنْ الْمَسْكَنِ بِرِضَا الزَّوْجِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يُنَاسِبُ إلَّا كَوْنَ الْعِدَّةِ لَا تَسْقُطُ بِرِضَاهُمَا، أَيْ الزَّوْجَيْنِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ، لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ وَجَبَتْ فِي ذَلِكَ الْمَسْكَنِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ أَصْلِ الْعِدَّةِ بِاتِّفَاقِهِمَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ تَوَابِعِهِ. اهـ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ هُنَا ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا فِي صُلْبِ النِّكَاحِ حَيْثُ يَسْكُنَانِ وَيَنْتَقِلَانِ كَيْفَ شَاءَا؟ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا عَلَى الْخُصُوصِ وَلَوْ تَرَكَا الِاسْتِقْرَارَ وَأَدَامَا السَّفَرَ جَازَ بِخِلَافِهِ هُنَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ) مُعْتَمَدُ قَوْلِهِ: (وَعِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ) فِيهِ أَنَّ هَذَيْنِ لَمْ يَدْخُلَا فِي قَوْلِهِ: وَعَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمَبْتُوتَةِ حَتَّى يَشْمَلَهُمَا قَوْلُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ وَهَذَا الْكَلَامُ سَرَى لَهُ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُمَا فِيمَا سَبَقَ حَيْثُ قَالَ: وَمِثْلُهُمَا الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَحِقَّ السُّكْنَى عَلَى الْوَاطِئِ وَالنَّاكِحِ اهـ. بِالْحَرْفِ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: وَعِدَّةُ وَطْءِ شُبْهَةٍ هَذَا زَائِدٌ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُفَارَقَةِ إلَّا أَنْ يُتَصَوَّرَ بِمَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ وَحَمَلَتْ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهَا تَنْقَطِعُ عِدَّةُ النِّكَاحِ وَتَشْرَعُ فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ. قَوْلُهُ: (وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ) وَلَوْ حَامِلًا أَيْ إذَا وَطِئَهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْخُرُوجُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا بَائِنٌ) أَيْ حَائِلٌ، وَقَوْلُهُ: وَمَفْسُوخٌ نِكَاحُهَا وَلَوْ حَامِلًا قَوْلُهُ: (أَوْ مُسْتَبْرَأَةٍ) ذِكْرُهَا اسْتِطْرَادِيٌّ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَحْرَارِ لَا فِي الْإِمَاءِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا يَأْتِي فِي الِاسْتِبْرَاءِ إذَا كَانَ لِزَوْجَتِهِ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ وَمَاتَ، فَإِنَّهُ يَسْتَبْرِئُ زَوْجَتَهُ بِحَيْضَةٍ لَعَلَّهَا تَكُونُ حَامِلًا بِوَلَدٍ فَيَكُونُ أَخًا لِلْمَيِّتِ فَيَرِثُ مِنْهُ السُّدُسَ، وَفِي التَّصْوِيرِ نَظَرٌ. لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُفَارَقَةً وَبَعْضُهُمْ صَوَّرَهَا بِمَا إذَا وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ، يَظُنُّ أَنَّهَا أَمَتُهُ فَإِنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ، أَيْ يَجِبُ عَلَى سَيِّدِهَا لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَرَائِرِ لَا فِي الْإِمَاءِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِإِذْنٍ) هَذَا مَحِلُّ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ مَنْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَمَنْ لَا تَجِبُ، فَالْأُولَى لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنٍ وَالثَّانِيَةُ لَهَا الْخُرُوجُ لِحَاجَةٍ وَلَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 تَحْرِيمُ خُرُوجِهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، كَخُرُوجِهَا لِزِيَارَةٍ وَعِيَادَةٍ وَاسْتِنْمَاءِ مَالِ تِجَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. تَتِمَّةٌ: لَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ أَوْ قِرَانٍ بِإِذْنِ زَوْجِهَا أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا، أَوْ مَاتَ، فَإِنْ خَافَتْ الْفَوَاتَ لِضِيقِ الْوَقْتِ جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ مُعْتَدَّةً لِتَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ تَخَفْ الْفَوَاتَ لِسَعَةِ الْوَقْتِ جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى ذَلِكَ، لِمَا فِي تَعْيِينِ الصَّبْرِ مِنْ مَشَقَّةِ مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا امْتَنَعَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ. سَوَاءٌ أَخَافَتْ الْفَوَاتَ أَمْ لَا فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ أَتَمَّتْ عُمْرَتَهَا أَوْ حَجَّهَا إنْ بَقِيَ وَقْتُهُ وَإِلَّا تَحَلَّلَتْ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَلَزِمَهَا الْقَضَاءُ وَدَمُ الْفَوَاتِ وَيَكْتَرِي الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ مُطَلِّقٍ لَا مَسْكَنَ لَهُ مَسْكَنًا لِمُعْتَدَّتِهِ لِتَعْتَدَّ فِيهِ إنْ فُقِدَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فَإِنْ أَذِنَ لَهَا الْحَاكِمُ أَنْ تَقْتَرِضَ عَلَى زَوْجِهَا أَوْ تَكْتَرِيَ الْمَسْكَنَ مِنْ مَالِهَا جَازَ وَتَرْجِعُ بِهِ فَإِنْ فَعَلَتْهُ قَصْدَ الرُّجُوعِ بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ نُظِرَ. فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ أَوْ لَمْ تَقْدِرْ وَلَمْ تُشْهِدْ لَمْ تَرْجِعْ وَإِنْ أَشْهَدَتْ رَجَعَتْ. فَصْلٌ: فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ بِالْمَدِّ لُغَةً طَلَبُ الْبَرَاءَةِ وَشَرْعًا تَرَبُّصُ الْأَمَةِ مُدَّةً بِسَبَبِ حُدُوثِ مِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ زَوَالِهِ أَوْ حُدُوثِ حِلٍّ   [حاشية البجيرمي] بِلَا إذْنٍ، أَمَّا حَالَةُ الضَّرُورَةِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ وَالْمُرَادُ الْخُرُوجُ مَعَ الْعَوْدِ أَمَّا الْخُرُوجُ لِمَسْكَنٍ آخَرَ، فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ بِرِضَا الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (بِنَفَقَةِ أَزْوَاجِهِنَّ) : أَيْ وَالسَّيِّدُ فِي حَقِّ الْمُسْتَبْرَأَةِ كَالزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِ ذَلِكَ) أَيْ كَخُرُوجِهَا لِجِنَازَةِ زَوْجِهَا أَوْ أَبِيهَا مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (لَوْ أَحْرَمَتْ) أَيْ وَهِيَ فِي الْعِصْمَةِ وَفِي بَيْتِ زَوْجِهَا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ قِرَانٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ قَرَنَتْ وَلَمْ يَقُلْ أَوْ عُمْرَةٍ لَيْلًا ثُمَّ قَوْلُهُ: فَإِنْ خَافَتْ الْفَوَاتَ لِضِيقِ الْوَقْتِ إذْ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ لِأَنَّ وَقْتَهَا الْعُمْرُ. قَوْلُهُ: (جَازَ) صَوَابُهُ وَجَبَ كَمَا فِي الرَّوْضِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُقَابَلَةُ قَوْلُهُ: (فِي تَعْيِينِ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ فِيهِ فَإِنَّ الْخُرُوجَ لِذَلِكَ مُصَابَرَةٌ، وَيُجَابُ بِمَنْعِ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الصُّورَةُ أَنَّ لَيْلَةَ النَّحْرِ قُرْبَ انْتِصَافِهَا فَتَأْتِي بِالْوُقُوفِ فَإِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَتَتْ بِبَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (إنْ بَقِيَ إلَخْ) أَيْ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ لِتَقْصِيرِهَا بِالْإِحْرَامِ فِي الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: (وَيَكْتَرِي الْحَاكِمُ) أَيْ إذَا غَابَ الْمُطَلِّقُ أَوْ امْتَنَعَ قَوْلُهُ: (مِنْ مَالِ مُطَلِّقٍ) أَيْ غَائِبٍ قَوْلُهُ: (إنْ فُقِدَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ) فَإِنْ وُجِدَ الْمُتَطَوِّعُ كَفَى وَلَا نَظَرَ لِلْمِنَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَدَرَتْ) الْحَاصِلُ أَنَّهَا إنْ قَدَرَتْ عَلَى اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ أَشْهَدَتْ إنْ قَدَرَتْ عَلَى الْإِشْهَادِ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِمَا فَعَلَتْ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تُشْهِدْ) رَاجِعٌ لِلْأَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَشْهَدَتْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ وَأَشْهَدَتْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ قَدَرَتْ وَأَشْهَدَتْ رَجَعَتْ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهَا إذَا قَدَرَتْ عَلَى اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ لَا يَكْفِي تَرْكُهُ. وَالْإِشْهَادُ بَدَلُهُ فَلِذَلِكَ ضَرَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ قَدَرَتْ. [فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ] ِ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَرَائِرِ، لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِنَّ أَشْرَفُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْإِمَاءِ. قَوْلُهُ: (طَلَبُ الْبَرَاءَةِ) أَيْ انْتِظَارُهَا وَتَرَقُّبُهَا مِنْ الْأَمَةِ أَوْ السَّيِّدِ، وَقَدْ يُطْلَقُ طَلَبُ الْبَرَاءَةِ بِمَعْنَى تَحْصِيلِهَا وَالِاتِّصَافِ بِهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» أَيْ حَصَلَ بَرَاءَتُهُمَا وَاتَّصَفَ بِهَا قَوْلُهُ: (تَرَبُّصُ الْأَمَةِ) مَعْنَى التَّرَبُّصِ الِانْتِظَارُ لِلْإِمْهَالِ، وَالْمُرَادُ الْأَمَةُ وَلَوْ فِيمَا مَضَى فَيَشْمَلُ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ التَّرَبُّصُ بِالْمَرْأَةِ وَهِيَ أَعَمُّ لِشُمُولِهِ التَّرَبُّصَ مِنْهَا أَوْ مِنْ سَيِّدِهَا وَلِشُمُولِهِ الْحُرَّةَ فَقَدْ يُطْلَبُ فِيهَا الِاسْتِبْرَاءُ، كَمَا لَوْ مَاتَ ابْنُ زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَتَرَبَّصُ بِلَا وَطْءٍ لِزَوْجَتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا بِوَلَدٍ حَالَ مَوْتِ ابْنِهَا فَيَرِثُ مِنْ أَخِيهِ السُّدُسَ. قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ حُدُوثِ مِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ زَوَالِهِ) أَيْ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ مَوْطُوءَتَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ وَيُسْتَحَبُّ لِمَالِكِ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ اسْتِبْرَاؤُهَا قَبْلَ بَيْعِهَا، لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ اهـ. مَرْحُومِيٌّ وَقَوْلُهُ مِلْكِ الْيَمِينِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ اسْتَحْدَثَ وَقَوْلُهُ: أَوْ زَوَالِهِ مَذْكُورٌ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا مَاتَ إلَخْ وَقَوْلُهُ: أَوْ حُدُوثِ حِلٍّ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمَاتِنُ، وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ: (أَوْ حُدُوثِ حِلٍّ) أَوْ رُومَ التَّزْوِيجُ كَمَا يَأْتِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 كَالْمُكَاتَبَةِ أَوْ الْمُرْتَدَّةِ لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ أَوْ لِلتَّعَبُّدِ وَهَذَا الْفَصْلُ مُقَدَّمٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ وَمَوْضِعُهُ هُنَا أَنْسَبُ وَخُصَّ هَذَا بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُ قُدِّرَ بِأَقَلَّ مَا يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ غَيْرِ تَكَرُّرٍ وَتَعَدُّدٍ وَخُصَّ التَّرَبُّصُ بِسَبَبِ النِّكَاحِ بِاسْمِ الْعِدَّةِ اشْتِقَاقًا مِنْ الْعَدَدِ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْأَدِلَّةِ وَمَنْ اسْتَحْدَثَ أَيْ حَدَثَ لَهُ مِلْكُ أَمَةٍ وَلَوْ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهُ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَلَوْ مُسْتَبْرَأَةً قَبْلَ مِلْكِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ تَحَالُفٍ أَوْ قَبُولِ وَصِيَّةٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ حَرُمَ عَلَيْهِ فِيمَا عَدَا الْمَسْبِيَّةَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ حَتَّى النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِمَا سَيَأْتِي لِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا أَمَّا الْمَسْبِيَّةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَيَحِلُّ لَهُ مِنْهَا غَيْرُ وَطْءٍ مِنْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِمَعْرِفَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَرَبُّصٍ قَوْلُهُ: (أَوْ لِلتَّعَبُّدِ) كَالصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ ع ش وَلَا يَكُونُ لِلتَّفَجُّعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ عَنْ الْوَفَاةِ. قَوْلُهُ: (وَمَوْضِعُهُ) أَيْ وَضْعُهُ هُنَا أَنْسَبُ لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ فَصْلًا بِأَجْنَبِيٍّ بَيْنَ الْعِدَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَلِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَشْرَفِ وَهُوَ الْحَرَائِرُ بِخِلَافِهِ. قَوْلُهُ: (وَخُصَّ هَذَا) أَيْ التَّرَبُّصُ وَقَوْلُهُ: بِهَذَا الِاسْمِ أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ قُدِّرَ بِأَقَلَّ إلَخْ) وَهُوَ الْحَيْضَةُ فَيَكُونُ فِيهِ مُنَاسَبَةٌ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى. قَوْلُهُ: (وَخُصَّ التَّرَبُّصُ) أَيْ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْحَرَائِرِ قَوْلُهُ: (بِاسْمِ الْعِدَّةِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (اشْتِقَاقًا مِنْ الْعَدَدِ) فِيهِ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ فِيهِ عَدَدٌ أَيْضًا لِأَنَّ الشَّهْرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَدَدٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ عَدَدٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ عَدَدُ الْأَشْهُرِ أَوْ الْأَقْرَاءِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَيْ حَدَثَ) فِيهِ تَفْسِيرُ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي بِاللَّازِمِ الَّذِي فِيهِ إخْرَاجُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَنْ إعْرَابِهِ. ق ل وَأَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَى أَنَّ السِّينَ وَالتَّاءَ لَيْسَتَا لِلطَّلَبِ بَلْ زَائِدَتَانِ لِيَشْمَلَ الْمَوْرُوثَةَ لِأَنَّ الِاسْتِحْدَاثَ لَا يَكُونُ إلَّا بِفِعْلِهِ فَلَا يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ إدْخَالُهَا، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ تَغَيُّرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (بِشِرَاءٍ) مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِحْدَاثٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ) وَلَوْ فِي الْمَجْلِسِ وَخَرَجَ بِذَلِكَ أَمَةٌ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِيهَا وَرَدَّهَا الْمُسَلِّمُ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ فِيهَا، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا وَمَا فِي الرَّوْضَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَمِثْلُ السَّلَمِ مَا لَوْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي الَّذِي بَاعَهَا لَهُ فِي الذِّمَّةِ فَوَجَدَهَا بِغَيْرِ الصِّفَةِ وَرَدَّهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ تَحَالُفٍ) كَأَنْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا وَرُدَّتْ لِلْبَائِعِ قَوْلُهُ: (أَوْ سَبْيٍ) أَيْ بِشَرْطِهِ مِنْ الْقِسْمَةِ أَوْ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ فِي السَّرَارِيِّ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ أَطْلَقَ هُنَا وَقَيَّدَ هُنَاكَ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَعَنْ الْجُوَيْنِيِّ وَالْقَفَّالِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَحْرُمُ وَطْءُ السَّرَارِيِّ اللَّاتِي يُجْلَبْنَ مِنْ الرُّومِ وَالْهِنْدِ وَالتُّرْكِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ خُرُوجِ الْخُمْسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ الْإِمَامُ مَنْ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ اهـ. سم وَالْمُعْتَمَدُ جَوَازُ الْوَطْءِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّابِي مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ التَّخْمِيسُ، كَذِمِّيٍّ، وَنَحْنُ لَا نُحَرِّمُ بِالشَّكِّ اهـ. م ر ز ي وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَا نُحَلِّلُ بِالشَّكِّ فَلِمَاذَا قَدَّمَ ذَاكَ عَلَى هَذَا؟ وَرُدَّ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَبْضَاعَ يُحْتَاطُ لَهَا مَا لَا يُحْتَاطُ لِغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ قَدَّمَ هَذَا نَظَرًا لِلْأَصْلِ وَهُوَ الْحِلُّ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) كَرُجُوعِ الْأَصْلِ فِي الْهِبَةِ لِلْفَرْعِ قَوْلُهُ: (حَرُمَ عَلَيْهِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا وَحَرُمَ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ وُجُوبُهُ قَوْلُهُ: (الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا) أَيْ لِأَدَائِهِ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ وَلِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَامِلٌ بِحُرٍّ، فَلَا يَصِحُّ نَحْوُ بَيْعِهَا نَعَمْ الْخَلْوَةُ جَائِزَةٌ بِهَا وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِتَفْوِيضِ الشَّرْعِ أَمْرَ الِاسْتِبْرَاءِ إلَى أَمَانَتِهِ وَبِهِ فَارَقَ وُجُوبَ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ شُبْهَةٍ كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ فِيمَا لَوْ كَانَ السَّيِّدُ مَشْهُورًا بِالزِّنَا وَعَدَمِ الْمُسْكَةِ وَهِيَ جَمِيلَةٌ شَرْحُ م ر. فَرْعٌ: يَنْبَغِي أَنَّ مَحِلَّ امْتِنَاعِ الْوَطْءِ مَا لَمْ يَخَفْ الزِّنَا فَإِنْ خَافَ جَازَ لَهُ الْوَطْءُ اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِمَا سَيَأْتِي) أَيْ مِنْ وَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ شَهْرٍ أَوْ حَيْضَةٍ قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا) هَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ أَوْ هُوَ حِكْمَةٌ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا لِوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ مَمْسُوحٍ أَوْ كَانَتْ بِكْرًا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّعَبُّدُ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمَسْبِيَّةُ) وَمِثْلُهَا الْمُشْتَرَاةُ مِنْ حَرْبِيٍّ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ سم قَوْلُهُ: (لِمَفْهُومِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: فَيَحِلُّ إلَخْ لَكِنْ قَوْلُهُ: وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: فَيَحِلُّ إلَخْ مَعَ قَوْلِهِ: حَرُمَ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا فَيَكُونُ دَلِيلًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» وَقَاسَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - غَيْرَ الْمَسْبِيَّةِ عَلَيْهَا بِجَامِعِ حُدُوثِ الْمِلْكِ وَأَخَذَ مِنْ الْإِطْلَاقِ فِي الْمَسْبِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَغَيْرِهَا وَأُلْحِقَتْ مَنْ لَمْ تَحِضْ أَوْ أَيِسَتْ بِمَنْ تَحِيضُ فِي اعْتِبَارِ قَدْرِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ غَالِبًا وَهُوَ شَهْرٌ كَمَا سَيَأْتِي وَلَمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ وَقَعَتْ فِي سَهْمِي جَارِيَةٌ مِنْ سَهْمِ جَلُولَاءَ فَنَظَرْت إلَيْهَا فَإِذَا عُنُقُهَا مِثْلُ إبْرِيقِ الْفِضَّةِ فَلَمْ أَتَمَالَكْ أَنْ قَبَّلْتهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَجَلُولَاءُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ قَرْيَةٌ مِنْ نَوَاحِي فَارِس وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا جَلُولِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ فُتِحَتْ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ فَبَلَغَتْ غَنَائِمُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفٍ وَفَارَقَتْ الْمَسْبِيَّةُ غَيْرَهَا فَإِنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ مُسْتَوْلَدَةَ حَرْبِيٍّ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ وَإِنَّمَا حَرُمَ وَطْؤُهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِمَاءِ حَرْبِيٍّ لَا لِحُرْمَةِ مَاءِ الْحَرْبِيِّ ثُمَّ (إنْ كَانَتْ) أَيْ   [حاشية البجيرمي] لِوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ لَا لِتَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ قَبْلَهُ فِي غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَّجِهُ لَكِنْ هَذَا لَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ: لِمَفْهُومِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِهِ: إلَخْ أَيْ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمَفْهُومِ مَا يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ فَيَشْمَلُ الْمَنْطُوقَ وَالْمَفْهُومَ، وَاسْتَدَلَّ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ، ثُمَّ قَالَ وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْجَامِعُ الْمَذْكُورُ يُنَاسِبُهُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (أَوْطَاسٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا اسْمُ وَادٍ مِنْ هَوَازِنَ عِنْدَ حُنَيْنٍ ق ل وَفِي الْمُخْتَارِ وَالْمِصْبَاحِ وَالتَّهْذِيبِ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعِلْمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ أَوْ مَصْرُوفٌ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ وَفِي ع ش أَوْطَاسٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَوْضِعٌ اهـ فَهُوَ مَصْرُوفٌ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ خِلَافَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصَّرْفُ مَا لَمْ يَرِدْ سَمَاعٌ مِنْهُمْ بِخِلَافِهِ. قَوْلُهُ: (أَلَا لَا تُوطَأُ) أَلَا أَدَاةُ اسْتِفْتَاحٍ وَتَنْبِيهٍ. أَيْ انْتَبِهُوا لِمَا أَقُولُ لَكُمْ. قَوْلُهُ: (وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ) فَالْمَقِيسُ غَيْرُ الْمَسْبِيَّةِ فِي حُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْوَطْءِ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ فِي حُرْمَةِ وَطْئِهَا وَأَمَّا حُرْمَةُ غَيْرِ الْوَطْءِ، فَمِنْ دَلِيلٍ آخَرَ ثَبَتَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ. قَوْلُهُ: (وَأُلْحِقَتْ مَنْ لَمْ تَحِضْ) وَهِيَ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي لَمْ يَسْبِقْ لَهَا حَيْضٌ وَقَوْلُهُ: بِمَنْ تَحِيضُ مُتَعَلِّقٌ بِأُلْحِقَتْ وَعَبَّرَ هُنَا بِالْإِلْحَاقِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ بِالْقِيَاسِ تَفَنُّنًا. وَالْمُلْحِقُ وَالْقَائِسُ هُوَ الشَّافِعِيُّ وَأَبْهَمَهُ فِي الثَّانِي لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُلْحِقَ هُوَ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَبِمَنْ تَحِيضُ أَيْ وَأُلْحِقَ بِمَنْ تَحِيضُ مَنْ لَا تَحِيضُ فِي اعْتِبَارِ قَدْرِ إلَخْ قَوْلُهُ: (مِنْ سَهْمِ) الْأَوْلَى أَسْهُمِ أَوْ إبْدَالِ سَهْمٍ بِسَبْيٍ. قَوْلُهُ: (جَلُولَاءَ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَبَّلَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ مِنْ سَبَايَا أَوْطَاسٍ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ إلَخْ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ جَلُولَاءَ كَانُوا مُعَاوِنِينَ لِهَوَازِنَ، لِكَوْنِهِمْ كَانُوا مِنْ حُلَفَائِهِمْ وَصَادَفَ أَنَّ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِمْ سُبِيَتْ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ حَرْبَ جَلُولَاءَ كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمُدَّةٍ، لِأَنَّ ذَاكَ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَرْبِ الْمَنْسُوبِ لَهُمْ لِكَوْنِهِمْ الْمُحَرِّكِينَ لَهُ وَالْمُتَعَاطِينَ لِإِنْشَائِهِ. وَهَذَا إنَّمَا كَانَ لِهَوَازِنَ وَإِنْ اتَّفَقَ مُوَافَقَةُ بَعْضٍ مِنْ جَلُولَاءَ لَهُمْ مُعَاوَنَةٌ، فَلَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِمْ بَلْ لِهَوَازِنَ اهـ. كَمَا فِي ع ش قَوْلُهُ: (مِثْلُ إبْرِيقِ الْفِضَّةِ) : الْمُرَادُ بِهِ السَّيْفُ لِشِدَّةِ بِرِيقِهِ وَلَمَعَانِهِ. لِأَنَّ السَّيْفَ يُسَمَّى إبْرِيقُ الْفِضَّةِ فِي اللُّغَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَمْ أَتَمَالَكْ) : أَيْ الصَّبْرَ عَنْ تَقْبِيلِهَا قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ) أَيْ لَا فِي التَّقْبِيلِ وَلَا فِي الْإِخْبَارِ أَيْ فَصَارَ إجْمَاعًا اهـ. فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ ارْتَكَبَ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ مَعَ أَنَّ مَقَامَ الصَّحَابِيِّ يَأْبَى ذَلِكَ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ أَوْ كَانَ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَسْتَحْيِ مِنْهُ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ إغَاظَةً لِأَهْلِ الْكُفْرِ الَّذِينَ مِنْهُمْ هَذِهِ الْمَسْبِيَّةُ، حَيْثُ يَبْلُغُهُمْ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهَا مِنْ بَنَاتِ عُظَمَائِهِمْ فَهُوَ طَاعَةٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ مِقْيَاسٍ) وَالْقِيَاسُ جَلُولَاوِيٌّ كَصَحْرَاوِيٍّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْخُلَاصَةِ: وَهَمْزُ ذِي مَدٍّ يَنَالُ فِي النَّسَبِ ... مَا كَانَ فِي تَثْنِيَةٍ لَهُ انْتَسَبَ قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْيَرْمُوكِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَمِيمٍ وَادٍ قُرْبَ دِمَشْقَ. قَوْلُهُ: (ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفٍ) أَيْ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ مِنْ الْإِمَاءِ وَبَعْضُهُمْ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ قَوْلُهُ: (صِيَانَةً لِمَائِهِ) أَيْ مَاءِ السَّابِي وَهَذَا جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ لِمَا تَقَدَّمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 الْأَمَةُ الَّتِي يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا. (مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ) فَاسْتِبْرَاؤُهَا يَحْصُلُ (بِحَيْضَةٍ) وَاحِدَةٍ بَعْدَ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ فَلَا يَكْفِي بَقِيَّةُ الْحَيْضَةِ الَّتِي وُجِدَ السَّبَبُ فِي أَثْنَائِهَا وَتَنْتَظِرُ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ الْكَامِلَةِ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ كَالْمُعْتَدَّةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِبَقِيَّةِ الْحَيْضَةِ كَمَا اكْتَفَى بِبَقِيَّةِ الطُّهْرِ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ تَسْتَعْقِبُ الْحَيْضَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْبَرَاءَةِ وَهَذَا يَسْتَعْقِبُ الطُّهْرَ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ (وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الشُّهُورِ) لِصِغَرٍ أَوْ يَأْسٍ فَاسْتِبْرَاؤُهَا يَحْصُلُ (بِشَهْرٍ) فَقَطْ فَإِنَّهُ كَقُرْءٍ   [حاشية البجيرمي] مِنْ أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ التَّعَبُّدُ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَخْتَلِطَ) فِيهِ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّحِمَ لَا يَجْتَمِعُ فِيهِ مَنِيُّ رَجُلَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ لِاخْتِلَاطِ الِاشْتِبَاهِ عَلَيْنَا بِمَعْنَى أَنَّنَا لَا نَدْرِي هَلْ هُوَ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّحِمَ إذَا انْسَدَّ فَمُهُ لَا يَقْبَلُ مَنِيًّا آخَرَ اهـ. قَوْلُهُ: (بِحَيْضَةٍ) لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ فَأَصْلَحَهُ الشَّارِحُ فَجَعَلَهُ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ وَالْمَحْذُوفُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: فَاسْتِبْرَاؤُهَا يَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الْبَاقِي وَإِذَا قَالَتْ مُسْتَبْرَأَةٌ: حِضْتُ صُدِّقَتْ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّهَا لَوْ نَكَلَتْ لَمْ يَقْدِرْ السَّيِّدُ عَلَى الْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ، فَلِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا بَعْدَ طُهْرِهَا، وَهَذَا حَيْثُ أَمْكَنَ كَمَا تُصَدَّقُ الْحُرَّةُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَيْثُ أَمْكَنَ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى رَحِمِهَا حَيْضًا وَطُهْرًا لَا نَسَبًا وَاسْتِيلَادًا وَإِذَا صَدَّقْنَاهَا وَظَنَّ كَذِبَهَا فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ ادَّعَتْ التَّحْلِيلَ فَظَنَّ كَذِبَهَا بَلْ أَوْلَى أَوْ لَا يَحْرُمُ وَيُفَرَّقُ الْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ وَلَوْ مَنَعَتْ السَّيِّدَ مِنْ تَمَتُّعٍ بِهَا فَقَالَ: أَنْتِ حَلَالٌ لِي لِأَنَّك اخْتَرْتِينِي بِتَمَامِ الِاسْتِبْرَاءِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَأُبِيحَتْ لَهُ ظَاهِرًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ مُفَوَّضٌ لِأَمَانَتِهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَ مَا دَامَتْ تَتَحَقَّقُ بَقَاءَ شَيْءٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ. أَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا حِضْتِ فَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَلَوْ وَرِثَ أَمَةً فَادَّعَتْ حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ بِوَطْءِ مُوَرِّثِهِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَا تَصِيرُ أَمَةٌ فِرَاشًا لِسَيِّدِهَا إلَّا بِوَطْءٍ مِنْهُ فِي قُبُلِهَا أَوْ دُخُولِ مَائِهِ الْمُحْتَرَمِ فِيهِ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَجْبُوبَ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إنْ ثَبَتَ دُخُولُ مَائِهِ وَإِلَّا فَلَا وَبِذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْقَوْلِ بِاللُّحُوقِ وَعَدَمِهِ وَخَرَجَ بِذَلِكَ مُجَرَّدُ مِلْكِهِ لَهَا فَلَا يَلْحَقُهُ بِهِ وَلَدٌ إجْمَاعًا وَإِنْ خَلَا بِهَا وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودُهُ الْوَلَدَ بِخِلَافِ النِّكَاحِ كَمَا مَرَّ اعْتِمَادُهُ مِنْ تَنَاقُضٍ لَهُمَا. وَقَوْلُ الْإِمَامِ إنَّ الْقَوْلَ بِاللُّحُوقِ ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ الْجَمْعِ بِحَمْلِ اللُّحُوقِ عَلَى الْحُرَّةِ وَعَدَمِهِ عَلَى الْأَمَةِ م ر فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ) أَيْ انْتِقَالِ مِلْكِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا. قَوْلُهُ: (فِي الْجَدِيدِ) وَمُقَابِلُهُ بِطُهْرٍ. قَوْلُهُ: (وَتَنْتَظِرُ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ) الْمَعْنَى أَنَّ الْأَمَةَ إذَا كَانَتْ تَحِيضُ ثُمَّ انْقَطَعَ حَيْضُهَا فَإِنَّهَا تَصْبِرُ حَتَّى تَحِيضَ، فَتُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ كَامِلَةٍ أَوْ تَبْلُغَ سِنَّ الْيَأْسِ فَتُسْتَبْرَأَ بِشَهْرٍ. قَوْلُهُ: (الْكَامِلَةَ) بِنَصَبِ الْكَامِلَةِ مَفْعُولُ تَنْتَظِرُ أَيْ الْحَيْضَةَ الْكَامِلَةَ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، وَهُوَ لِذَاتِ الْأَقْرَاءِ يَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ كَامِلَةٍ وَتَنْتَظِرُ أَيْ تَنْتَظِرُ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ الْحَيْضَةَ الْكَامِلَةَ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ اسْتَبْرَأَتْ بِشَهْرٍ كَالْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ ثُمَّ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ فَلَا يَكْفِي بَقِيَّةُ الْحَيْضَةِ، فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَتَنْتَظِرُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ تَسْتَعْقِبُ الْحَيْضَةَ) أَيْ فِي الْعِدَّةِ أَيْ تَسْتَعْقِبُهَا الْحَيْضَةُ إلَخْ فَالْحَيْضَةُ فَاعِلٌ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَقِيلَ: أَنْ تَسْتَعْقِبَ مَعْنَى تَطْلُبُ أَوْ تَسْتَلْزِمُ فَيَكُونُ مَفْعُولًا قَوْلُهُ: (وَهَذَا يَسْتَعْقِبُ الطُّهْرَ) أَيْ يَسْتَلْزِمُهُ فَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْ الْحَيْضُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَقَوْلُهُ: وَلَا دَلَالَةَ لَهُ أَيْ الطُّهْرِ. قَوْلُهُ: (بِشَهْرٍ) أَيْ مَا لَمْ تَحِضْ فِيهِ فَإِنْ حَاضَتْ فِيهِ اسْتَبْرَأَتْ بِالْحَيْضَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ كَقُرْءٍ فِي الْحُرَّةِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ، لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْقُرْءِ حَيْضًا وَطُهْرًا غَالِبًا اهـ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْقُرْءِ حَيْضًا وَطُهْرًا غَالِبًا فِيهِ نَظَرٌ إذْ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ مَعًا مَعَ أَنَّهُ يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ لِوُجُودِ الْحَيْضِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِلطُّهْرِ إذْ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُنَا الْحَيْضُ فَلَعَلَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِالْحَيْضَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 فِي الْحُرَّةِ فَكَذَا فِي الْأَمَةِ وَالْمُتَحَيِّرَةُ تُسْتَبْرَأُ بِشَهْرٍ أَيْضًا (وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَمْلِ) وَلَوْ مِنْ زِنًا فَاسْتِبْرَاؤُهَا يَحْصُلُ (بِالْوَضْعِ) لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ مَضَى زَمَنُ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى أَمَةٍ بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ حُسِبَ زَمَنُهُ إنْ مَلَكَهَا بِإِرْثٍ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِذَلِكَ مَقْبُوضٌ حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ حِسًّا بِدَلِيلِ صِحَّةِ بَيْعِهِ وَكَذَا إنْ مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ بَعْدَ لُزُومِهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ: لَازِمٌ فَأَشْبَهَ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا إذَا أُجْرِيَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَلَوْ وُهِبَتْ لَهُ وَحَصَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ عَقْدِهَا وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِتَوَقُّفِ الْمِلْكِ فِيهَا عَلَى الْقَبْضِ. وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً مَجُوسِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا كَمُرْتَدَّةٍ فَحَاضَتْ أَوْ وَجَدَ مِنْهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ وَضْعِ حَمْلٍ أَوْ مُضِيِّ شَهْرٍ لِغَيْرِ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ ذَلِكَ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَكْفِ هَذَا الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي هُوَ الْقَصْدُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ.   [حاشية البجيرمي] أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ حَيْضٍ غَالِبًا اهـ. قَوْلُهُ: (بِشَهْرٍ أَيْضًا) أَيْ إنْ كَانَ الْمِلْكُ مَثَلًا أَوَّلَ الشَّهْرِ فَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ اُكْتُفِيَ بِهِ إنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ سِتَّةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَمْلِ) إنْ قُلْت: الزَّوْجَةُ الْحَامِلُ الَّتِي لَا تَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ لَا يَكُونُ حَمْلُهَا إلَّا مِنْ زِنًا وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ زِنًا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ. قُلْت: يُصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ زَوْجَتَهُ الْحَامِلَ مِنْهُ، فَإِنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِالْحَمْلِ وَالِاسْتِبْرَاءُ مُسْتَحَبٌّ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ زِنًا مُحْتَاجٌ إلَيْهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ زِنًا) كَذَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ زِنًا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَمَسْبِيَّةٍ سَبَاهَا حَامِلًا مِنْ كَافِرٍ لِأَنَّ مَاءَهُ لَا عِدَّةَ لَهُ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ بِأَنْ صَالَ حَرْبِيٌّ عَلَى حَرْبِيٍّ بِأَنْ أَخَذَ بِنْتَه مَثَلًا وَأَحْبَلَهَا فَسَقَطَ، قَوْلُهُ بَعْضُهُمْ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ غَيْرِ الزِّنَا يَكُونُ اسْتِبْرَاؤُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ سَيِّدِهَا صَارَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ زَوْجٍ فَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهِ وَلَا يَدْخُلُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْعِدَّةِ بَلْ يَجِبُ عَلَى مُسْتَبْرَئِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَيَكُونُ الْوَلَدُ فِي هَذِهِ رَقِيقًا وَإِنْ كَانَ مِنْ شُبْهَةٍ فَكَذَلِكَ، تَنْقَضِي عِدَّةُ الشُّبْهَةِ بِوَضْعِهِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا وَيَكُونُ الْوَلَدُ فِي هَذِهِ حُرًّا وَيَغْرَمُ الْوَاطِئُ قِيمَتَهُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ لِأَنَّ الْحَامِلَ بِحُرٍّ لَا تُبَاعُ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا إنْ وُجِدَ الْوَضْعُ قَبْلَ الْحَيْضِ أَوْ الشَّهْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْحَامِلِ مِنْ زِنًا بِالْأَسْبَقِ مِنْ الْوَضْعِ وَحَيْضَةٍ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ أَوْ شَهْرٍ فِي غَيْرِهَا فَالْوَاوُ لِلْحَالِ اهـ. م د. وَقَوْلُ م د فَيَتَعَيَّنُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِشْكَالِ وَهُوَ أَنَّ الْحَمْلَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ زِنًا وَقَدْ عَلِمْت تَصْوِيرَ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِنًا فِي مَسْبِيَّةِ الْحَرْبِيِّ الَّتِي صَالَ عَلَى غَيْرِهِ وَأَخَذَهَا مِنْهُ وَأَحْبَلَهَا فَلَيْسَ زِنًا لِظَنِّهِ أَنَّهُ مَلَكَهَا بِأَخْذِهَا مِنْهُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمِلْكَ) أَيْ الْمَمْلُوكُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: مَقْبُوضٌ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ قَوْلُهُ: (بِدَلِيلِ صِحَّةِ بَيْعِهِ) أَيْ الْمَمْلُوكِ بِالْإِرْثِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهِ) كَالتَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ وَالْمُحَاطَّةِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ لُزُومِهَا) أَيْ الْمُعَاوَضَاتِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ وَمَضَى زَمَنُ اسْتِبْرَاءٍ بَعْدَ إلَخْ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمِلْكَ لَازِمٌ) أَيْ حَيْثُ لَا خِيَارَ. قَوْلُهُ: (فَأَشْبَهَ) أَيْ الِاسْتِبْرَاءَ الْوَاقِعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا بَعْدَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (فِي زَمَنِ الْخِيَارِ) وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ وَضَعَتْ فِيهِ أَوْ كَانَ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ فَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ فَلَا عِبْرَةَ بِمَا كَتَبَهُ م د مِنْ قَوْلِهِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالِاسْتِبْرَاءِ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ. قَوْلُهُ: (لِضَعْفِ الْمِلْكِ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وُهِبَتْ لَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْله: أَمَّا إذَا جَرَى إلَخْ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحْتَرَزِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ عَقْدِهَا) أَيْ الْهِبَةِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً إلَخْ) غَرَضُهُ بِهِ تَقْيِيدُ مَا تَقَدَّمَ أَيْ مَحِلُّ حُصُولِ الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ وَمَا بَعْدَهَا إذَا جَرَى مِنْ غَيْرِ مُقَارَنَةِ مَانِعٍ أَمَّا إذَا صَاحَبَهُ مَانِعٌ، فَيُحْسَبُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ زَوَالِهِ. قَوْلُهُ: (كَمُرْتَدَّةٍ) أَوْ مُزَوَّجَةٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ وُجِدَ مِنْهَا مَا يَحْصُلُ) أَيْ صُورَةُ مَا إلَخْ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يَأْتِي فِي الْمُحَرَّمَةِ إذَا اشْتَرَاهَا مُحَرَّمَةً ثُمَّ حَاضَتْ مَثَلًا مَعَ أَنَّهُ يَعْتَدُّ بِذَلِكَ ح ل. قَوْلُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 فُرُوعٌ: يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي مُكَاتَبَةٍ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَسَخَتْهَا بِلَا تَعْجِيزٍ أَوْ عُجِّزَتْ بِتَعْجِيزِ السَّيِّدِ لَهَا عِنْدَ عَجْزِهَا عَنْ النُّجُومِ لِعَوْدِ مِلْكِ التَّمَتُّعِ بَعْدَ زَوَالِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِيهَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِهِ، وَكَذَا يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ أَمَةٍ مُرْتَدَّةٍ عَادَتْ إلَى الْإِسْلَامِ، لِزَوَالِ مِلْكِ الِاسْتِمْتَاع ثُمَّ إعَادَتِهِ فَأَشْبَهَ تَعْجِيزَ الْمُكَاتَبَةِ، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّ السَّيِّدُ ثُمَّ أَسْلَمَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ، وَلَوْ زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ لِمَا مَرَّ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَاعْتَدَّتْ لَمْ يَدْخُلْ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْعِدَّةِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. وَلَا يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ أَمَةٍ خَلَتْ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَصَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ وَإِحْرَامٍ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِذَلِكَ لَا تُخِلُّ بِالْمِلْكِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَالرِّدَّةِ وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ اُسْتُحِبَّ لَهُ اسْتِبْرَاؤُهَا لِيَتَمَيَّزَ وَلَدُ الْمِلْكِ عَنْ وَلَدِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ بِالنِّكَاحِ   [حاشية البجيرمي] فُرُوعٌ) أَيْ سَبْعَةٌ وَغَرَضُهُ بِذَلِكَ بَيَانُ السَّبَبِ الثَّالِثِ وَهُوَ حُدُوثُ حِلِّ التَّمَتُّعِ بَعْدَ زَوَالِهِ، وَأَمَّا السَّبَبَانِ الْآخَرَانِ فَذَكَرَهُمَا الْمَتْنُ الْأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ اسْتَحْدَثَ إلَخْ. وَالثَّانِي فِي قَوْلِهِ وَإِذَا مَاتَ سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ إلَخْ وَبَقِيَ سَبَبَانِ آخَرَانِ رُومَ أَيْ قَصْدُ التَّزْوِيجِ، أَيْ إنْ أَرَادَ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا وَالثَّانِي الظَّنُّ إذَا وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ فَتُسْتَبْرَأُ بِقُرْءٍ. قَوْلُهُ: (فِي مُكَاتَبَةٍ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ حَدَثَ حِلٌّ وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي مُكَاتَبَةٍ كِتَابَةً صَحِيحَةً وَأَمَتِهَا إذَا انْفَسَخَتْ كِتَابَتُهَا بِسَبَبٍ مِمَّا يَأْتِي فِي بَابِهَا كَأَنْ عُجِّزَتْ وَأَمَةِ مُكَاتَبٍ كَذَلِكَ عُجِّزَ لِعَوْدِ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ فِيهَا، كَالْمُزَوَّجَةِ وَحُدُوثُهُ فِي الْأَمَةِ بِقِسْمَتِهَا قَوْلُهُ: (بِلَا تَعْجِيزٍ) أَوْ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهَا فَقَوْلُهُ: بِلَا تَعْجِيزٍ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (أَوْ عُجِّزَتْ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ق ل الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ السَّيِّدَ فَسَخَ الْكِتَابَةَ عِنْدَ عَجْزِهَا عَنْ النُّجُومِ وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ هُنَاكَ تَعْجِيزَيْنِ مِنْهَا أَوَّلًا وَمِنْ السَّيِّدِ ثَانِيًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِتَعْجِيزِ السَّيِّدِ لَهَا فَسْخُهُ لِلْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: (لِعَوْدِ مِلْكِ التَّمَتُّعِ بَعْدَ زَوَالِهِ) عِلَّةً لِلْوُجُوبِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ أَمَةَ التِّجَارَةِ إذَا مَضَى عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْهَا وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَلَكُوا جُزْءًا مِنْهَا بِآخِرِ الْحَوْلِ فَإِذَا أَخْرَجَ الزَّكَاةَ تَجَدَّدَ الْحِلُّ، وَرُدَّ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَيْسَتْ حَقِيقِيَّةً فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِبْرَاءٍ، بِخِلَافِ الْقِرَاضِ إذَا حَصَلَ رِبْحٌ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ، لَا بُدَّ فِي أَمَةِ التِّجَارَةِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهَا صَارَتْ كُلُّهَا لِلْمَالِكِ، لِأَنَّ شَرِكَةَ الْعَامِلِ حَقِيقِيَّةٌ بِخِلَافِ مَا مَرَّ اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَأَشْبَهَ) أَيْ الْعَوْدُ مَا لَوْ بَاعَهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْفَاسِدَةُ) أَيْ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ فَلَا يَجِبُ إلَخْ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ سَيِّدِهَا بِدَلِيلِ صِحَّةِ بَيْعِهَا وَتَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ كِتَابَةً صَحِيحَةً، فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهَا. قَوْلُهُ: (لِزَوَالِ مِلْكِ الِاسْتِمْتَاعِ) : أَيْ بِالرِّدَّةِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ إعَادَتِهِ أَيْ بِالْإِسْلَامِ قَوْلُهُ: (لِمَا ذُكِرَ) وَهُوَ زَوَالُ مِلْكِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالرِّدَّةِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ) وَلَوْ فِي الْمَجْلِسِ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِزَوَالِ الْمِلْكِ ثُمَّ إعَادَتِهِ قَوْلُهُ: (بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) : لِأَنَّهَا أَشْبَهَتْ مَنْ لَزِمَهَا عِدَّتَا شَخْصَيْنِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ وَالِاسْتِبْرَاءَ حَقُّ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ (وَإِحْرَامٍ) أَيْ وَرَهْنٍ بَعْدَ حُرْمَتِهَا عَلَى السَّيِّدِ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لَا تُخِلُّ بِالْمِلْكِ) أَيْ مِلْكِ التَّمَتُّعِ بِدَلِيلِ جَوَازِ نَحْوِ الْقُبْلَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ) أَيْ شِرَاءً لَا خِيَارَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي، وَيَجُوزُ الْوَطْءُ بِالنِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَوَطِئَ بِالْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا لَمْ يَنْفَسِخْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَامْتَنَعَ الْوَطْءُ. وَعِبَارَةُ م ر وَلَوْ اشْتَرَى حُرٌّ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ فَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا اُسْتُحِبَّ الِاسْتِبْرَاءُ لِيَتَمَيَّزَ وَلَدُ الْمِلْكِ الْمُنْعَقِدِ حُرًّا عَنْ وَلَدِ النِّكَاحِ الْمُنْعَقِدِ قِنًّا ثُمَّ يُعْتَقُ فَلَا يُكَافِئُ حُرَّةً أَصْلِيَّةً وَلَا تَصِيرُ بِهِ أَمَةً مُسْتَوْلَدَةً. وَقِيلَ: يَجِبُ لِتَجَدُّدِ الْمِلْكِ وَرُدَّ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ فِيهِ حُدُوثُ حِلِّ التَّمَتُّعِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا وَمِنْ ثَمَّ لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْقِنَّةَ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا فِي الْعِدَّةِ وَجَبَ لِحُدُوثِ حِلِّ التَّمَتُّعِ وَمَرَّ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا زَمَنَ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَطَأُ بِالْمِلْكِ أَوْ الزَّوْجِيَّةِ وَخَرَجَ بِالْحُرِّ الْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا بِالْمِلْكِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ أَيْ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ تَسَرِّيهِ وَلَوْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ اهـ. بِحُرُوفِهِ فَاسْتِحْبَابُ اسْتِبْرَاءِ الزَّوْجَةِ الْمُشْتَرَاةِ لِلزَّوْجِ مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَهَا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 يَنْعَقِدُ الْوَلَدُ رَقِيقًا ثُمَّ يُعْتَقُ فَلَا يَكُونُ كُفُؤًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ وَلَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ. (وَإِذَا مَاتَ سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ) أَوْ أَعْتَقَهَا وَهِيَ خَالِيَةٌ مِنْ زَوْجٍ أَوْ عِدَّةٍ (اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا) وُجُوبًا (كَالْأَمَةِ) عَلَى حُكْمِ التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهَا، فَلَوْ كَانَتْ فِي نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ وَقْتَ مَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ عِتْقِهِ لَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِبْرَاءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لِلسَّيِّدِ بَلْ لِلزَّوْجِ فَهِيَ كَغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ. وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ وَهُمَا مَشْغُولَتَانِ بِحَقِّ الزَّوْجِ وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْتَوْلَدَتَهُ فَلَهُ نِكَاحُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ فِي الْأَصَحِّ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَاءَ لِوَاحِدٍ. تَتِمَّةٌ: لَوْ وَطِئَ أَمَةً شَرِيكَانِ فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ ثُمَّ بَاعَاهَا أَوْ أَرَادَا تَزْوِيجَهَا أَوْ وَطِئَ اثْنَانِ أَمَةَ رَجُلٍ كُلٌّ يَظُنُّهَا أَنَّهَا أَمَتُهُ وَأَرَادَ الرَّجُلُ تَزْوِيجَهَا وَجَبَ اسْتِبْرَاءَانِ كَالْعِدَّتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً لَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَادَّعَاهُ   [حاشية البجيرمي] وَإِلَّا وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ لِحُدُوثِ حِلِّ التَّمَتُّعِ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي حُرًّا وَبِهَذَا عَرَفْت مَا فِي الشَّرْحِ مِنْ الْإِجْمَالِ. قَوْلُهُ: (اُسْتُحِبَّ إلَخْ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقِيلَ: يَجِبُ وَمَحِلُّ الِاسْتِحْبَابِ إنْ مَلَكَهَا فِي النِّكَاحِ فَإِنْ مَلَكَهَا مُعْتَدَّةً وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حُرًّا فَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَامْتَنَعَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: (لِيَتَمَيَّزَ وَلَدُ) أَيْ أَصْلُهُ الَّذِي هُوَ الْمَاءُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: يَنْعَقِدُ. اهـ. ع ن. قَوْلُهُ: (عَنْ وَلَدِ النِّكَاحِ) لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ وَقَوْلُهُ: يَنْعَقِدُ الْوَلَدُ رَقِيقًا أَيْ لِمَالِكِ أُمِّهِ وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْوَلَدِ لِأَنَّ ضَمِيرَ إنَّهُ رَاجِعٌ لَهُ نَعَمْ إنْ جَعَلَ الضَّمِيرَ فِي إنَّهُ لِلشَّأْنِ صَحَّ كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُعْتَقُ) أَيْ بِمِلْكِهِ تَبَعًا لِمِلْكِ أُمِّهِ الْحَاصِلِ بِالشِّرَاءِ مَثَلًا قَوْلُهُ: (أُمِّ الْوَلَدِ) وَمِثْلُهَا الْمُدَبَّرَةُ وَالْمَوْطُوءَةُ. قَوْلُهُ: (أَوْ عِدَّةٍ) أَيْ مِنْ زَوْجٍ لَا مِنْ شُبْهَةٍ لِقُصُورِهَا عَنْ رَفْعِ الِاسْتِبْرَاءِ، شَرْحُ الرَّوْضِ، وَأَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَاَلَّتِي فِي حَيِّزِ النَّفْيِ، لِأَنَّ الْخُلُوَّ فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ. قَوْلُهُ: (اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا) وَإِنْ وَقَعَ الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الْعِتْقِ فَتَحْتَاجُ إلَى اسْتِبْرَاءٍ آخَرَ بَعْدَ مَوْتِهِ. بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ إذَا مَاتَ أَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، فَلَهَا التَّزَوُّجُ بِغَيْرِهِ عَقِبَ الْمَوْتِ أَوْ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى اسْتِبْرَاءٍ آخَرَ وَمِثْلُ الْمُدَبَّرَةِ فِي ذَلِكَ مَا إذَا أَعْتَقَ مَوْطُوءَةً أُخْرَى فَلَهَا التَّزَوُّجُ حَالًا إذَا سَبَقَ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَى الْعِتْقِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ أَنَّهَا لِقُوَّةِ فَرْشِهَا، أَشْبَهَتْ الزَّوْجَةَ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِالِاسْتِبْرَاءِ الْوَاقِعِ بَلْ زَوَالُ الْفِرَاشِ، كَمَا لَا يُعْتَدُّ بِمُضِيِّ أَمْثَالِ قَدْرِ الْعِدَّةِ قَبْلَ زَوَالِ النِّكَاحِ بِخِلَافِهِمَا وَلِهَذَا لَوْ أَتَتْ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا، بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لِحَقِّ السَّيِّدِ بِخِلَافِهِمَا سم بِالْمَعْنَى. قَوْلُهُ: (الْمُتَقَدِّمِ فِيهَا) أَيْ مِنْ كَوْنِ الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ وَضْعِ الْحَمْلِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِبْرَاءٌ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّزْوِيجِ بِخِلَافِهِ لِحِلِّ الْوَارِثِ، فَتُزَوَّجُ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ وَلَا تَحِلُّ لِلْوَارِثِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ فِي غَيْرِ الْمُسْتَوْلَدَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ عَتَقَتْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: (فَهِيَ كَغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ) أَيْ كَاَلَّتِي لَمْ يَطَأْهَا سَيِّدُهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا تَكْمِيلُ عِدَّتِهَا. وَقَالَ شَيْخُنَا: فَهِيَ كَغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ أَيْ لِلسَّيِّدِ فَإِنَّهُ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ قَوْلُهُ: (وَهُمَا) أَيْ الْمَنْكُوحَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ. قَوْلُهُ: (مُسْتَوْلَدَتَهُ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهَا مَوْطُوءَةٌ بِلَا اسْتِيلَادٍ. قَوْلُهُ: (لَوْ وَطِئَ إلَخْ) غَرَضُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ تَارَةً يَجِبُ اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ وَتَارَةً يَجِبُ أَكْثَرُ كَمَا هُنَا وَعِبَارَةُ سم: فَرْعٌ يَتَعَدَّدُ الِاسْتِبْرَاءُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ الْوَاطِئِ كَمَا فِي الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ كَالْعِدَّةِ وَإِذَا اجْتَمَعَ عِدَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ لَمْ يَتَدَاخَلَا، وَقَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ بِالْوَاطِئِ عَدَمُ التَّعَدُّدِ، إنْ لَمْ يَطَأْ أَوْ كُنَّ نِسَاءً أَوْ صِبْيَانًا. قَالَ: م ر وَهُوَ الَّذِي نَعْتَمِدُهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ اهـ قَوْلُهُ: (أَنَّهَا أَمَتُهُ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَقَرَاء ع ش. قَوْلُهُ: (وَجَبَ اسْتِبْرَاءَانِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي صُورَةِ الْبَيْعِ وَعَلَى الْمَالِكَيْنِ فِي صُورَةِ التَّزْوِيجِ اهـ. م د قَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِهِ: لَوْ اشْتَرَاهَا أَيْ الْأَمَةَ مِنْ شَرِيكَيْنِ وَطِئَاهَا وَجَبَ اسْتِبْرَاءَانِ فِي الْأَصَحِّ كَالْعِدَّتَيْنِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ. وَقِيلَ: يَكْفِي اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّانِ أَمَةً كُلٌّ يَظُنُّهَا أَمَتَهُ، فَوَطْءُ كُلٍّ يَقْتَضِي اسْتِبْرَاءً وَلَا تَدَاخُلَ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر. فَالِاسْتِبْرَاءَانِ عَلَى الْبَائِعِ وَبِهِ صَرَّحَ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ فَقَالَ قَوْلُهُ: وَجَبَ اسْتِبْرَاءَانِ وَيُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ إنْ كَانَ وَيَجِبُ اسْتِبْرَاءٌ ثَالِثٌ لِمَنْ مَلَكَهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْبَائِعَ إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا أَوْ لَا وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ لَا وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يُمْكِنَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ مِنْهُ وَثَبَتَ نَسَبُ الْبَائِعِ عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ خِلَافٍ فِيهِ إذْ لَا ضَرُورَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَالِيَّةِ وَالْقَائِلُ بِخِلَافِهِ عَلَّلَهُ بِأَنَّ ثُبُوتَهُ يَقْطَعُ إرْثَ الْمُشْتَرِي بِالْوَلَاءِ. فَإِنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَبَاعَهَا نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ اسْتَبْرَأَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، مِنْ اسْتِبْرَائِهَا مِنْهُ لَحِقَهُ، وَبَطَلَ الْبَيْعُ لِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ. وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا، وَإِلَّا فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْئِهِ لَحِقَهُ، وَصَارَتْ الْأَمَةُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ فَالْوَلَدُ لَهُ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ إلَّا إنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي، وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا فَتُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَقَرَّتْ لِلسَّيِّدِ بِوَطْئِهَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا لِزَمَنٍ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا لَحِقَ السَّيِّدَ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحُكْمِ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. فَصْلٌ: فِي الرَّضَاعِ   [حاشية البجيرمي] فَالْجُمْلَةُ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً. قَوْلُهُ: (لَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا) فِي قُبُلِهَا بِأَنْ نَفَى الْوَطْءَ أَوْ سَكَتَ. قَوْلُهُ: (وَادَّعَاهُ) أَيْ الْبَائِعُ لِيُبْطِلَ الْبَيْعَ وَيُثْبِتَ الِاسْتِيلَادَ، وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْبَائِعِ أَيْ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى رِقِّهِ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْبَائِعِ أَيْ بِاسْتِلْحَاقِهِ. قَوْلُهُ: (وَثَبَتَ نَسَبُ الْبَائِعِ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الشِّهَابُ الْقَلْيُوبِيُّ وَكَذَا الْمَرْحُومِيُّ لِضَعْفِهِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ م ر خِلَافُهُ وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ بَاعَ أَمَةً لَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَادَّعَاهُ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ أَنَّهُ مِنْهُ وَفِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الْبَائِعِ خِلَافٌ الْأَصَحُّ مِنْهُ عَدَمُهُ اهـ. فَكَلَامُ الشَّارِحِ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَوْجَهِ) يَرْجِعُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (مِنْ خِلَافٍ فِيهِ) أَيْ فِي النَّسَبِ أَيْ فِي ثُبُوتِهِ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا ضَرُورَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي) أَيْ لِثُبُوتِ رِقِّهِ لَهُ وَيُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ نَسَبِهِ مَعَ كَوْنِ الْوَلَدِ رَقِيقًا لِلْمُشْتَرِي بِأَنْ يَطَأَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إذْ لَا ضَرَرَ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْبَائِعِ م ر. قَوْلُهُ: (فِي الْمَالِيَّةِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ لَكِنْ لَوْ قَتَلَهُ الْبَائِعُ لَا يُقْتَلُ فِيهِ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ قِيمَتُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ بَاعَهُ لِلْمُشْتَرِي عَتَقَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْبَائِعُ بَعْدَ عِتْقِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ اهـ. طُوخِيٌّ وَقَوْلُهُ: فِي الْمَالِيَّةِ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي قَوْلُهُ: (بِخِلَافِهِ) أَيْ بِخِلَافِ ثُبُوتِ النَّسَبِ قَوْلُهُ: (بِأَنَّ ثُبُوتَهُ يَقْطَعُ) أَيْ وَفِي هَذَا ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يُقَالُ: إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَصْدُهُ رَدُّ تَعْلِيلِ الْقَوْلِ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (بِالْوَلَاءِ) أَيْ إذَا أَعْتَقَهُ لِأَنَّ عُصُوبَةَ النَّسَبِ وَهُوَ الْأَبُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى عُصُوبَةِ الْوَلَاءِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِإِرْثٍ فَلَوْ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ وَرِثَهُ أَبُوهُ فَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَقَارِبِهِ دُونَ الْمُشْتَرِي قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَقَرَّ إلَخْ) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ لَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الْبَيْعُ قَوْلُهُ: (لَحِقَهُ) أَيْ الْبَائِعَ وَلَا عِبْرَةَ بِالِاسْتِبْرَاءِ. قَوْلُهُ: (لِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ) أَيْ لِلْبَائِعِ وَحِينَئِذٍ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ. قَوْلُهُ: (لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَيْ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ الْمُشْتَرِي وَطِئَهَا أَيْ أَصْلًا أَوْ وَطِئَهَا وَطْئًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ الْبَائِعُ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ فَالْوَلَدُ لَهُ أَيْ لِلْبَائِعِ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ أَيْ فَقَطْ بِأَنْ لَمْ يَطَأْ الْمُشْتَرِي وَطْئًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ قَوْلُهُ: (وَأَقَرَّتْ) صَوَابُ الْعِبَارَةِ كَمَا فِي الرَّوْضِ وَأَقَرَّ أَيْ السَّيِّدُ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا لِيُوَافِقَ الْحُكْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَيْ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ إقْرَارُهُ وَإِقْرَارُهَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِوَطْئِهَا) أَيْ بِوَطْءِ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَنْزِلُ قَوْلُهَا مَنْزِلَةَ الدُّخُولِ فَلَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ، أَيْ لَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى. اهـ. طُوخِيٌّ وَشَيْخُنَا. [فَصَلِّ فِي الرَّضَاع] ِ وَسَبَبُ تَحْرِيمِ الرَّضَاعِ، أَنَّ اللَّبَنَ جُزْءُ الْمُرْضِعَةِ، وَقَدْ صَارَ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّضِيعِ، فَأَشْبَهَ مَنِيَّهَا فِي النَّسَبِ. وَيُؤَثِّرُ فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَجَوَازِ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ، وَعَدَمِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِاللَّمْسِ دُونَ سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ، كَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَإِثْبَاتُ التَّاءِ مَعَهُمَا لُغَةً اسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ لَبَنِهِ وَشَرْعًا اسْمٌ لِحُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ أَوْ مَا حَصَلَ مِنْهُ فِي مَعِدَةِ طِفْلٍ أَوْ دِمَاغِهِ. وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَةُ وَالْخَبَرُ الْآتِيَانِ وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: مُرْضِعٌ وَرَضِيعٌ وَلَبَنٌ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَإِذَا أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ) أَيْ الْآدَمِيَّةُ خَلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُزَوَّجَةً الْحَيَّةُ   [حاشية البجيرمي] وَالْعِتْقِ لِلْمِلْكِ وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ بِرْمَاوِيٌّ. وَعِبَارَةُ ز ي وَلِقُصُورِ الرَّضَاعِ عَنْ النَّسَبِ لَمْ يُثْبِتْ لَهُ مِنْ أَحْكَامِهِ سِوَى الْمَحْرَمِيَّةِ دُونَ الْإِرْثِ وَنَحْوِهِ وَذَكَرَهُ عَقِبَ الْعِدَّةِ لِلتَّحْرِيمِ فِي كُلٍّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْحُرْمَةُ فَإِنَّ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ مُؤَبَّدَةٌ، بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ فِيهَا تَنْتَهِي بِانْتِهَائِهَا اهـ. وَيَجُوزُ إبْدَالُ الضَّادِ تَاءً كَمَا قَالَهُ ع ش قَوْلُهُ: (وَإِثْبَاتُ التَّاءِ مَعَهُمَا) أَيْ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ بِأَنْ يُقَالَ: رَضَاعَةٌ قَالَ تَعَالَى: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] قَوْلُهُ: (اسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ) إذَا تَأَمَّلْت مَا ذَكَرَهُ رَأَيْت الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَخَصَّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَهُوَ خِلَافُ الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (وَشُرْبِ لَبَنِهِ) عَطْفُ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَبَنِ امْرَأَةٍ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا وَلَوْ مَخِيضًا وَشَمِلَ الزُّبْدَ وَالْجُبْنَ وَالْأَقِطَ وَالْقِشْطَةَ بِخِلَافِ السَّمْنِ الْخَالِصِ عَنْ اللَّبَنِ وَالْمَصْلِ وَدَخَلَ فِيهِ الْمُخْتَلِطُ بِنَحْوِ مَائِعٍ حَيْثُ بَقِيَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ، فَإِنْ شُرِبَ الْكُلَّ حَرَّمَ وَإِلَّا فَلَا. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْإِنْسِ أَوْ مِنْ الْجِنِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ التَّحْرِيمُ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيَّةِ أَوْ كَانَ ثَدْيُهَا أَوْ فَرْجُهَا فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ الْمَعْهُودِ. قَوْلُهُ: (فِي مَعِدَةِ طِفْلٍ) أَيْ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ جِرَاحَةٍ كَجَائِفَةٍ فِي بَطْنِهِ وَصَلَ مِنْهَا اللَّبَنُ إلَيْهَا، أَوْ دَامِغَةٍ فِي رَأْسِهِ وَصَلَ مِنْهَا اللَّبَنُ إلَى الدِّمَاغِ. قَوْلُهُ: (أَوْ دِمَاغِهِ) أَيْ كَأَنْ خُرِقَتْ رَأْسُهُ فَوَصَلَ مِنْ دِمَاغِهِ لِمِعْدَتِهِ فَيَضُرُّ التَّقْطِيرُ فِي الْأُذُنِ إنْ وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَصِلْ وَإِنْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ اهـ. شَيْخُنَا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر لَا بِحُقْنَةٍ فِي الْأَظْهَرِ لِأَنَّهَا لِإِسْهَالِ مَا انْعَقَدَ فِي الْأَمْعَاءِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا تَغَذٍّ. وَمِثْلُهَا صَبُّهُ فِي أُذُنٍ أَوْ قُبُلٍ وَالثَّانِي يُحَرِّمُ كَمَا يَحْصُلُ بِهِ الْفِطْرُ وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِمَا يَصِلُ إلَى جَوْفٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِدَةً وَلَا دِمَاغًا بِخِلَافِهِ هُنَا. وَلِهَذَا لَمْ يَحْرُمْ تَقْطِيرٌ فِي أُذُنٍ أَوْ جِرَاحَةٍ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى مَعِدَةٍ اهـ. قَوْلُهُ: (الْآيَةَ وَالْخَبَرُ الْآتِيَيْنِ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَصَوَابُهُ الْآتِيَانِ بِالْأَلِفِ لِأَنَّهُ مُثَنَّى مَرْفُوعٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ نَعْتٌ مَقْطُوعٌ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُ النَّعْتِ عَنْ التَّبَعِيَّةِ إلَّا إنْ كَانَ مُعَيَّنًا بِدُونِ ذِكْرِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ: وَاقْطَعْ أَوْ اتْبَعْ إنْ يَكُنْ مُعَيَّنًا ... بِدُونِهَا أَوْ بَعْضِهَا اقْطَعْ مُعْلِنَا قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ) لَيْسَ قَيْدًا فَلَوْ قَالَ: وَإِذَا ارْتَضَعَ وَلَدٌ لَكَانَ أَوْلَى وَأَنْسَبَ لِيَدْخُلَ مَا لَوْ ارْتَضَعَ عَلَى امْرَأَةٍ نَائِمَةٍ وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا لَوْ قَالَ: وَإِذَا وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ لِيَدْخُلَ مَا لَوْ أُوجِرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَصْدَ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى وُصُولِ اللَّبَنِ إلَى جَوْفِ الطِّفْلِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ سَوَاءٌ أَكَانَ بِفِعْلٍ أَوْ لَا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ، وَانْظُرْ انْفِصَالَهُ مِنْ الْمُرْضِعَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ أَوْ لَا اهـ. وَعِبَارَةُ سم عَلَى التُّحْفَةِ: فَرْعٌ لَوْ خَرَجَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ فَهَلْ يُؤَثِّرُ مُطْلَقًا أَوْ فِيهِ نَحْوُ تَفْصِيلِ الْغُسْلِ، بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ ذَلِكَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ الْقِيَاسَ الثَّانِي وَكَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ ثَدْيٍ زَائِدٍ فَهَلْ يُؤَثِّرُ مُطْلَقًا أَوْ يُفَصَّلُ فِيهِ سم عَلَى حَجّ؟ أَقُولُ: الْقِيَاسُ الثَّانِي أَيْضًا إنْ قُلْنَا: الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ لَا يُحَرِّمُ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا: بِالتَّحْرِيمِ وَهُوَ الْقِيَاسُ حَيْثُ خَرَجَ مُسْتَحْكَمًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَلَا وَجْهَ لِلتَّرَدُّدِ فِيهِ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ وَقَوْلُ سم أَوْ فِيهِ نَحْوُ تَفْصِيلِ الْغُسْلِ أَيْ وَهُوَ إنْ خَرَجَ مُسْتَحْكَمًا بِأَنْ لَمْ يَحِلَّ خُرُوجُهُ عَلَى مَرَضٍ حَرَّمَ وَإِلَّا فَلَا. وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ انْخَرَقَ ثَدْيُهَا وَخَرَجَ مِنْهُ اللَّبَنُ فَلَا يُقَالُ: فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ بَلْ يُقَالُ: الْأَقْرَبُ التَّحْرِيمُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ انْكَسَرَ صُلْبُهُ فَخَرَجَ مَنِيُّهُ، حَيَّتْ قَالُوا بِوُجُوبِ الْغُسْلِ فِيهِ اهـ. ع ش وَإِنْ خُلِقَ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَدْيَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً حَالَ انْفِصَالِ لَبَنِهَا بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ قَمَرِيَّةً تَقْرِيبًا وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا بِذَلِكَ. (بِلَبَنِهَا) وَلَوْ مُتَغَيِّرًا عَنْ هَيْئَةِ انْفِصَالِهِ عَنْ الثَّدْيِ بِحُمُوضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ أَشَارَ إلَى الرُّكْنِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَلَدًا صَارَ الرَّضِيعُ وَلَدُهَا) مِنْ الرَّضَاعِ فَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: أَحَدُهَا الرَّجُلُ فَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةٌ بِلَبَنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَدًّا لِلتَّغْذِيَةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ وَلِفَرْعِهِ نِكَاحُ مَنْ ارْتَضَعَتْ مِنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيُّ. ثَانِيهَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ، وَالْمَذْهَبُ تَوَقُّفُهُ إلَى الْبَيَانِ فَإِنْ بَانَتْ أُنُوثَتُهُ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا فَلَوْ مَاتَ قَبْلَهُ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ فَلِلرَّضِيعِ نِكَاحُ أُمِّ الْخُنْثَى وَنَحْوِهَا كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي. ثَالِثُهَا: الْبَهِيمَةُ فَلَوْ ارْتَضَعَ صَغِيرَانِ مِنْ شَاةٍ مَثَلًا لَمْ يَثْبُتْ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةٌ فَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمَا لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ فَرْعُ الْأُمُومَةِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَمْ يَثْبُتْ الْفَرْعُ. وَخَرَجَ بِآدَمِيَّةٍ وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا بَدَلَ الْمَرْأَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ لَكَانَ أَوْلَى الْجِنِّيَّةُ إنْ تُصُوِّرَ إرْضَاعُهَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ مُنَاكَحَتِهِمْ، وَهُوَ الرَّاجِحُ لِأَنَّ الرَّضَاعَ تِلْوَ النَّسَبِ بِدَلِيلِ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَاَللَّهُ تَعَالَى قَطَعَ النَّسَبَ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَبِالْحَيَّةِ لَبَنَ الْمَيِّتَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ مِنْ لَبَنِ جُثَّةٍ مُنْفَكَّةٍ عَنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةُ كَالْبَهِيمَةِ، خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَبِاسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ تَقْرِيبًا مَا لَوْ   [حاشية البجيرمي] وَاشْتَبَهَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ حَرَّمَ الشُّرْبُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (خَلِيَّةً كَانَتْ إلَخْ) وَلَوْ بِكْرًا نَزَلَ لَهَا لَبَنٌ قَوْلُهُ: (حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَصِلْ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ فَإِنْ وَصَلَتْ إلَيْهَا بِمَرَضٍ حَرَّمَ لَبَنُهَا أَوْ بِجِرَاحَةٍ فَلَا ق ل. قَوْلُهُ: (بَلَغَتْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: الَّتِي بَلَغَتْ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ حَالًا بِتَقْدِيرِ قَدْ. قَوْلُهُ: (تَقْرِيبًا) لَوْ قَالَ: تَقْرِيبِيَّةً لَكَانَ أَنْسَبَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا فِي الْحَيْضِ بِأَنْ يَنْفَصِلَ اللَّبَنُ قَبْلَ تَمَامِ التِّسْعِ بِمَا لَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا وَهُوَ دُونَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا ق ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا بِذَلِكَ) لِأَنَّ بُلُوغَهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْحَيْضِ أَوْ الِاحْتِلَامِ أَوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (بِلَبَنِهَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الرُّكْنِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: بِلَبَنِهَا كَمَا فَعَلَ فِي سَابِقِهِ وَلَاحِقِهِ وَاسْتَوْجَهَ سم دُخُولَ السَّمْنِ لِأَنَّ فِيهِ دُسُومَةَ اللَّبَنِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُتَغَيِّرًا عَنْ هَيْئَةِ انْفِصَالِهِ) هَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ: وَإِذَا أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ بِلَبَنِهَا وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ عِبَارَةَ مَنْ قَالَ: وَإِذَا وَصَلَ لِلْإِيضَاحِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُسَمَّى رَضِيعًا كَمَا يُسَمَّى مُرْضَعًا بِفَتْحِ الضَّادِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ مَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْبَيَانِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهَا) كَأُخْتِهِ قَوْلُهُ: (الْجِنِّيَّةُ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ لَبَنَ الْجِنِّيَّةِ يُحَرِّمُ فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الْأَوْلَى وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ: لِلْجِنِّيَّةِ امْرَأَةٌ وَفِي كَلَامِ ابْنِ النَّقِيبِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهَا امْرَأَةٌ حَيْثُ قَالَ: عَدَلَ الْمِنْهَاجُ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ أُنْثَى إلَى امْرَأَةٍ لِيُخْرِجَ الْجِنِّيَّةَ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَاسْمٌ لِلْإِنَاثِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ وَكَذَا الرِّجَالُ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْجِنِّ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ} [الجن: 6] إلَخْ لِلْمُقَابَلَةِ ح ل وَقَوْلُهُ: الْجِنِّيَّةُ فَاعِلُ خَرَجَ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرَّاجِحُ) أَيْ عِنْدَ الشَّارِحِ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا م ر وَأَتْبَاعُهُ، صِحَّةُ مُنَاكَحَتِهِمْ أَيْ الْجِنِّ، فَلَبَنُ الْجِنِّيَّةِ يُحَرِّمُ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيَّةِ أَوْ كَانَ ثَدْيُهَا أَوْ فَرْجُهَا فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ الْمَعْهُودِ ق ل قَوْلُهُ: (تِلْوَ) أَيْ تَابِعٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (قَطَعَ النَّسَبَ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أَيْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] قَوْلُهُ: (وَبِالْحَيَّةِ) أَيْ وَبِلَبَنِ الْحَيَّةِ إلَخْ قَوْلُهُ: (مُنْفَكَّةٍ إلَخْ) : أَيْ غَيْرِ مُكَلَّفَةٍ وَلَا تَرِدُ الصَّغِيرَةُ لِأَنَّهَا تُمْنَعُ مِنْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَتُؤْمَرُ بِالْعِبَادَاتِ كَالْبَالِغَةِ اهـ. وَكَتَبَ ح ل أَيْ صَارَتْ غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ وَلَا يُمْكِنُ عَوْدُ التَّكْلِيفِ إلَيْهَا عَادَةً فَلَا تَرِدُ الْمَجْنُونَةُ، وَقَالَ س ل: كَانَ الْمُرَادُ عَنْ الْحِلِّ لَهَا وَالْحُرْمَةِ عَلَيْهَا أَيْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حِلُّ شَيْءٍ، وَلَا حُرْمَتُهُ لِخُرُوجِهَا عَنْ صَلَاحِيَّةِ الْخِطَابِ كَالْبَهِيمَةِ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ فِي لَبَنِ الْمَيِّتَةِ، حَيْثُ قَالُوا: إنَّهُ يُحَرِّمُ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَمُوتُ كَلَبَنٍ مَوْضُوعٍ فِي ظَرْفٍ نَجِسٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ عِنْدَهُمْ يُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ. وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَبِأَنَّ اللَّبَنَ ضَعُفَتْ حُرْمَتُهُ بِمَوْتِ أَصْلِهِ أَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 ظَهَرَ لِصَغِيرَةٍ دُونَ ذَلِكَ لَبَنٌ وَارْتَضَعَ بِهِ طِفْلٌ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمٌ وَلَوْ حُلِبَ لَبَنُ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ مَوْتِهَا وَأُوجِرَ لِطِفْلٍ حَرَّمَ لِانْفِصَالِهِ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّضِيعِ بِقَوْلِهِ: (بِشَرْطَيْنِ) وَتَرَكَ ثَالِثًا وَرَابِعًا كَمَا سَتَرَاهُ (أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ دُونَ السَّنَتَيْنِ) لِخَبَرِ: «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ بَلَغَهُمَا وَشَرِبَ بَعْدَهُمَا لَمْ يُحَرِّمْ ارْتِضَاعَهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُعْتَبَرُ الْحَوْلَانِ بِالْأَهِلَّةِ فَإِنْ انْكَسَرَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ تَمَّمَ عَدَدَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ. وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ» جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَمَامَ الرَّضَاعَةِ فِي الْحَوْلَيْنِ فَأَفْهَمَ أَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِخِلَافِهِ.   [حاشية البجيرمي] تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ حُرْمَةُ الْأَعْضَاءِ فَلَا غُرْمَ فِي قَطْعِهَا وَبِأَنَّ أَحْكَامَ فِعْلِهِ سَقَطَتْ بِالْمَوْتِ، بِدَلِيلِ عَدَمِ الضَّمَانِ لَوْ سَقَطَ عَلَى شَيْءٍ بِخِلَافِ النَّائِمِ، وَبِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ تَخْتَصُّ بِبَدَنِ الْحَيِّ وَلِذَا لَا تَثْبُتُ الْمُصَاهَرَةُ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ، وَبِأَنَّ وُصُولَهُ إلَى الْمَيِّتِ لَا يُؤَثِّرُ فَكَذَا انْفِصَالُهُ قِيَاسًا لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ اهـ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لَبَنَ الْحَيَّةِ حَلَالٌ مُحْتَرَمٌ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِإِرْضَاعِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتَةُ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (دُونَ السَّنَتَيْنِ) أَيْ يَقِينًا قَالَ شَيْخُنَا: ظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ لَوْ قَارَنَتْ الرَّضْعَةُ الْخَامِسَةُ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ فَرَاجِعْهُ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: لِخَبَرِ: «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مُدَّةُ الرَّضَاعِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ دَاخِلَةٌ فِيهِ، وَأَقَلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ اهـ. خَازِنٌ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «فِي سَالِمٍ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ زَوْجَةُ مَوْلَاهُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَهُوَ رَجُلٌ لِيَحِلَّ لَهُ نَظَرُهَا بِإِذْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» خَاصٌّ بِهِ أَوْ مَنْسُوخٌ. كَمَا مَالَ إلَيْهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ اهـ. وَحَاصِلُ «قِصَّةِ سَالِمٍ أَنَّهُ كَانَ مَوْلًى لِأَبِي حُذَيْفَةَ وَكَانَ يُكْثِرُ الدُّخُولَ عَلَى زَوْجَةِ سَيِّدِهِ أَبِي حُذَيْفَةَ فَيَقَعُ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا وَهُوَ رَجُلٌ فَشَكَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ لِيَصِيرَ ابْنَهَا فَيَحِلُّ لَهُ نَظَرُهَا وَالدُّخُولُ عَلَيْهَا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ» . قَالَ ع ش فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى م ر: وَقَدْ تُشْكِلُ قِصَّةُ سَالِمٍ بِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ الْمُجَوِّزَةَ لِلنَّظَرِ إنَّمَا تَحْصُلُ بِتَمَامِ الْخَامِسَةِ فَهِيَ قَبْلَهَا أَجْنَبِيَّةٌ يَحْرُمُ نَظَرُهَا وَمَسُّهَا فَكَيْفَ جَازَ لِسَالِمٍ الِارْتِضَاعُ مِنْهَا الْمُسْتَلْزِمُ عَادَةً اللَّمْسَ وَالنَّظَرَ قَبْلَ تَمَامِ الْخَامِسَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ارْتَضَعَ مِنْهَا مَعَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ بِحَضْرَةِ مَنْ تَزُولُ الْخَلْوَةُ بِحُضُورِهِ، أَوْ تَكُونَ قَدْ حَلَبَتْ خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي إنَاءٍ وَشَرِبَ مِنْهُ، أَوْ جُوِّزَ لَهُ النَّظَرُ وَلَهَا النَّظَرُ وَالْمَسُّ إلَى تَمَامِ الرَّضَاعِ، خُصُوصِيَّةً لَهُمَا كَمَا خُصَّ بِتَأْثِيرِ هَذَا الرَّضَاعِ اهـ. سم عَلَى حَجّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَلَغَهُمَا إلَخْ) تَعَارَضَ هَذَا مَعَ كَلَامِ الْمَتْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الشُّرْبُ مَعَ تَمَامِ السَّنَتَيْنِ، فَكَلَامُ الْمَتْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّحْرِيمِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنْ بَلَغَهُمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عَشْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَشَرِبَ بَعْدَهُمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْخَامِسَةَ الْمُقَارِنَةَ لِتَمَامِ الْحَوْلَيْنِ تُحَرِّمُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ انْكَسَرَ إلَخْ) هَلْ الْعِبْرَةُ فِي الِانْكِسَارِ بِمُجَرَّدِ الْتِقَامِ الثَّدْيِ وَبِمَصِّهِ مَثَلًا أَوْ بِوُصُولِ شَيْءٍ مِنْ اللَّبَنِ إلَى الْمَعِدَةِ أَوْ الدِّمَاغِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ الِالْتِقَامُ وَالْمَصُّ مَعَ ابْتِدَاءِ الشَّهْرِ، لَكِنْ لَمْ يَصِلْ اللَّبَنُ إلَى مَا ذُكِرَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ جُزْءٍ مِنْهُ حَصَلَ الِانْكِسَارُ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي لِأَنَّ الْوُصُولَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ إلَى مَا ذُكِرَ لَا غَيْرُ اهـ. سم وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي وَضْعِ الثَّدْيِ فِي فَمِ الطِّفْلِ وَتَأَخُّرِ وُصُولِ اللَّبَنِ إلَى الْجَوْفِ أَوْ الدِّمَاغِ زَمَنًا بَعْدَ انْفِصَالِ جَمِيعِهِ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِهَذَا الْوَضْعِ أَوْ بِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى مَا ذُكِرَ اسْتَظْهَرَ سم الْوُصُولَ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي شُرْبِ الطِّفْلِ قَبْلَ تَمَامِ انْفِصَالِهِ مِنْ الْفَرْجِ أَوْ بَعْدَهُ خِلَافًا لِمَا سَبَقَ إلَيْهِ فَهْمُ الشَّيْخِ الْمَدَابِغِيِّ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ الْحَالُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَافْهَمْ إلَخْ) : لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لَا دَلَالَةَ لِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُحَرِّمُ إلَّا إذَا كَانَ الرَّضِيعُ دُونَ الْحَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ. وَقَالَ طَاوُسٌ: كَانَ لَهُنَّ أَيْ لِأَزْوَاجِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَضَعَاتٌ مَعْلُومَاتٌ وَلِسَائِرِ النِّسَاءِ، أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 تَنْبِيهٌ: ابْتِدَاءُ الْحَوْلَيْنِ، مِنْ تَمَامِ انْفِصَالِ الرَّضِيعِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ. فَإِنْ ارْتَضَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّهُ لَوْ تَمَّ الْحَوْلَانِ فِي الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ حَرُمَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ، وَغَيْرِهِ عَدَمُ التَّحْرِيمِ. لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ غَيْرُ مُقَدَّرٍ كَمَا قَالُوا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ فِي جَوْفِهِ إلَّا خَمْسُ قَطَرَاتٍ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ قَطْرَةٌ حَرَّمَ. (وَ) الشَّرْطُ (الثَّانِي أَنْ تُرْضِعُهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ) لِمَا   [حاشية البجيرمي] بَاقِيهِنَّ رَضَعَاتٌ مَعْلُومَاتٌ وَوَرَدَ أَنَّهَا عَشْرُ رَضَعَاتٍ لَهُنَّ وَلِغَيْرِهِنَّ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مُشْبِعَاتٌ وَهَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ طَاوُسٌ وَلَمْ يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ، رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ عَائِشَةَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَكْفِي فِيهِ أَقَلُّ اسْمِ الرَّضَاعِ وَاكْتَفَى بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فَحَرَّمُوا بِرَضْعَةٍ وَاحِدَةٍ تَمَسُّكًا بِإِطْلَاقِ آيَةِ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] قَالَ الْقَاضِي: وَيُجَابُ عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْأُمُومَةِ وَالْأُخُوَّةِ مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعِ وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا يَحْصُلَانِ بِرَضْعَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «لَا يُحَرِّمُ دُونَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ» وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَرَدَ مِثَالًا لِمَا دُونَ الْخَمْسِ وَإِلَّا فَالتَّحْرِيمُ بِالثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا دَاوُد، إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالْمَفْهُومِ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ ضَعِيفٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ عَارَضَهُ مَفْهُومُ حَدِيثِ الْخَمْسِ، فَيَرْجِعُ إلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْمَفْهُومِينَ وَحَدِيثُ الْخَمْسِ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ لَكِنْ فِيهِ اضْطِرَابٌ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: (مِنْ تَمَامِ انْفِصَالِ الرَّضِيعِ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ نِصْفُهُ مَثَلًا ثُمَّ إنَّهُ ارْتَضَعَ عَلَى ثَدْيِ أُخْرَى وَمَكَثَ مُتَّصِلًا بِأُمِّهِ نَحْوَ يَوْمٍ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْحَوْلَيْنِ وَإِنَّمَا يُحْسَبُ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ انْفِصَالِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ انْفِصَالِ جَمِيعِهِ كَمَا مَشَى عَلَى ذَلِكَ م ر. قَوْلُهُ: (فِي الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ) بِأَنْ سَبَقَ مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّعْبِيرُ بِفِي وَالْمَعْنَى تَمَّ الْحَوْلَانِ فِي أَثْنَاءِ الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَخْ أَيْ فَيَكُونُ الْقَدْرُ الَّذِي حَصَلَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ يُعَدُّ رَضْعَةً لِأَنَّ الرَّضْعَةَ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَتَصْدُقُ بِقَطْرَةٍ حِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرًا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ق ل لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ " فِي " مِنْ قَوْلِهِ فِي الرَّضْعَةِ بِمَعْنَى مَعَ وَأَنَّ التَّمَامَ مُقَارِنٌ لِلْخَامِسَةِ أَيْ لِابْتِدَائِهَا. اهـ. شَيْخُنَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ: يَحْتَمِلُ أَنَّ عَلَى بَابِهَا مِنْ الظَّرْفِيَّةِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ ابْتِدَاءُ الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ وَبَقِيَ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ شَيْءٌ وَتَمَّتْ الرَّضْعَةُ مُقَارِنَةً لِتَمَامِ الْحَوْلَيْنِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ ابْتَدَأَهَا وَهُوَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ، فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ. وَيَكُونُ كَلَامُ الشَّارِحِ ظَاهِرًا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَوْلِ الْمَتْنِ دُونَ الْحَوْلَيْنِ وَقَوْلِ الشَّارِحِ فَإِنْ بَلَغَهُمَا إلَخْ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ فِي بِمَعْنَى مَعَ وَأَنَّ ابْتِدَاءَ الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ مُقَارِنَةٌ لِلْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَقْتُ الرَّضَاعِ لَهُ دُونَ السَّنَتَيْنِ فَكَلَامُ الْمَتْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّحْرِيمِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنْ بَلَغَهُمَا لَمْ يُحَرِّمْ يَقْتَضِي فِي هَذِهِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ الْحَوْلَيْنِ فَوَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ وَعِبَارَةِ الشَّارِحِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمَتْنِ أَنْ يَقُولَ: أَنْ لَا يَبْلُغَ الْحَوْلَيْنِ بَدَلَ مَا قَالَهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمَذْهَبُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَكَوْنُ هَذَا ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ ظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: حَرَّمَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ كَيْفَ حَرَّمَ الرَّضَاعُ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الَّذِي وَصَلَ مِنْ اللَّبَنِ قَلِيلٌ جِدًّا. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ إلَخْ قَوْلُهُ: (خَمْسَ رَضَعَاتٍ) أَيْ يَقِينًا انْفِصَالًا وَوُصُولًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ فِيمَا سَيَأْتِي. وَلَوْ حُلِبَ مِنْهَا لَبَنٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ شُكَّ فِي رَضِيعٍ هَلْ رَضَعَ خَمْسًا إلَخْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ، أَنَّ الْحَوَاسَّ الَّتِي هِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» أَيْ يُتْلَى حُكْمُهُنَّ أَوْ يَقْرَؤُهُنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ وَقِيلَ تَكْفِي وَاحِدَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالْخَمْسُ رَضَعَاتٍ ضَبْطُهُنَّ بِالْعُرْفِ، إذْ لَا ضَابِطَ لَهَا فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ فَرُجِعَ فِيهَا إلَى الْعُرْفِ كَالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ فَمَا قَضَى بِكَوْنِهِ رَضْعَةً أَوْ رَضَعَاتٍ اُعْتُبِرَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ كَوْنِهَا (مُتَفَرِّقَاتٍ) عُرْفًا فَلَوْ قَطَعَ الرَّضِيعُ الِارْتِضَاعَ بَيْنَ كُلٍّ مِنْ الْخَمْسِ إعْرَاضًا عَنْ الثَّدْيِ تَعَدَّدَ عَمَلًا بِالْعُرْفِ. وَلَوْ قَطَعَتْ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ لِشُغْلٍ وَأَطَالَتْهُ ثُمَّ عَادَ تَعَدَّدَ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ الرَّضَاعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ فِعْلُ الْمُرْضِعَةِ وَالرَّضِيعِ عَلَى الِانْفِرَادِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ ارْتَضَعَ عَلَى امْرَأَةٍ نَائِمَةٍ أَوْ أَوْجَرَتْهُ لَبَنًا وَهُوَ نَائِمٌ. وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُعْتَدَّ بِقَطْعِهَا كَمَا يُعْتَدُّ بِقَطْعِهِ، وَلَوْ قَطَعَهُ لِلَهْوٍ أَوْ نَحْوِهِ، كَنَوْمَةٍ خَفِيفَةٍ أَوْ تَنَفُّسٍ أَوْ ازْدِرَادِ مَا جَمَعَهُ مِنْ   [حاشية البجيرمي] سَبَبُ الْإِدْرَاكِ خَمْسٌ وَفِي هَذِهِ الْحِكْمَةِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَوْنَ الْحَوَاسِّ خَمْسَةً لَا يَصْلُحُ حِكْمَةً لِكَوْنِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسٍ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهَا بِأَنَّ كُلَّ رَضْعَةٍ مُحَرِّمَةٍ لِحَاسَّةٍ مِنْ الْحَوَّاسِ اهـ. قَوْلُهُ: (كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) خَبَرُ كَانَ مُقَدَّمٌ وَجُمْلَةُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فِي مَحِلِّ رَفْعِ اسْمِ كَانَ مُؤَخَّرًا أَيْ كَانَ هَذَا التَّرْكِيبُ كَائِنًا فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَخْ. فَلَا يُقَالُ: الْقُرْآنُ أَعْنِي قَوْلَهَا أَيْ عَائِشَةَ: كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ لَا يَثْبُتُ بِالْآحَادِ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْمَنْسُوخِ. لِأَنَّا نَقُولُ: يَثْبُتُ الْحُكْمُ وَالْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الْقُرْآنِيَّةُ، وَاكْتَفَى أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ بِرَضْعَةٍ وَاحِدَةٍ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ السُّنَّةَ بَيَّنَتْهُ اهـ سم. قَوْلُهُ: (فِي الْقُرْآنِ) أَيْ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ ع ش. قَوْلُهُ: (فَنُسِخْنَ) : أَيْ لَفْظًا وَحُكْمًا بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ وَنُسِخَتْ هَذِهِ الْخَمْسَةُ أَيْضًا لَفْظًا لَا حُكْمًا. فَائِدَةٌ: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِالتَّحْرِيمِ بِرَضْعَةٍ أَوْ رَضْعَتَيْنِ، هَلْ يُنْقَضُ حُكْمُهُ أَوْ لَا؟ الْمُعْتَمَدُ لَا يُنْقَضُ سم. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ بِثُبُوتِ الرَّضَاعِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ حُكْمُهُ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ عَدَمَ التَّحْرِيمِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِهِ بِمَا دُونَ الْخَمْسِ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (أَيْ يُتْلَى حُكْمُهُنَّ) وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَمَعْنَى تِلَاوَةِ حُكْمِهِنَّ اعْتِقَادُ حُكْمِهِنَّ فَانْدَفَعَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ مَا قَدْ يُقَالُ: يَلْزَمُ مِنْ قِرَاءَةِ الشَّيْءِ تِلَاوَتُهُ فَلَا فَائِدَةَ لِهَذَا التَّأْوِيلِ. وَقَوْلُهُ: مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ أَيْ لِتِلَاوَتِهَا، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا بَاقِيًا فَلَمَّا بَلَغَهُ النَّسْخُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُتْلَى ح ل فَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ تَقُولُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ إلَخْ مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ تَحَرَّرَ وَدُوِّنَ قَبْلَ وَفَاتِهِ وَهَذَا اللَّفْظُ نُسِخَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِرَاءَةِ تِلَاوَةُ الْحُكْمِ أَيْ ذِكْرُهُ، أَوْ اعْتِقَادُهُ لَا حَقِيقَةُ قِرَاءَةِ اللَّفْظِ. وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِرَاءَةِ الْقِرَاءَةُ حَقِيقَةً لَكِنْ مِنْ شَخْصٍ لَمْ يَبْلُغْهُ نَسْخُهَا فَهُوَ مَعْذُورٌ، فَلَمَّا بَلَغَهُ النَّسْخُ تَرَكَهَا، وَذَكَرَ فِي الْإِتْقَانِ جَوَابًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهَا: فَتُوُفِّيَ الْمُرَادُ مِنْهُ قَارَبَ الْوَفَاةَ قَوْلُهُ: (مُتَفَرِّقَاتٍ) مَنْصُوبُ صِفَةٍ لِرَضَعَاتٍ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ وَالشَّارِحُ جَعَلَهُ خَبَرًا لِلسُّكُونِ الَّذِي قَدَّرَهُ فَغَيَّرَ إعْرَابَ الْمَتْنِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْهُ تَغْيِيرًا حَقِيقِيًّا لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: (تَعَدَّدَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ مَيْدَانِيٌّ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ: وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فِي الْيَوْمِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَيُعْتَبَرُ فِي التَّعَدُّدِ الْعُرْفُ فَلَوْ أَكَلَ لُقْمَةً ثُمَّ أَعْرَضَ وَاشْتَغَلَ بِشُغْلٍ طَوِيلٍ ثُمَّ عَادَ وَأَكَلَ حَنِثَ، وَلَوْ أَطَالَ الْأَكْلَ عَلَى الْمَائِدَةِ وَكَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ لَوْنٍ إلَى لَوْنٍ آخَرَ وَيَتَحَدَّثُ فِي خِلَالِ الْأَكْلِ وَيَقُومُ وَيَأْتِي بِالْخُبْزِ عِنْدَ فَرَاغِهِ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلُّهُ يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ أَكْلَةً وَاحِدَةً بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِطَالَتِهِ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ وَلَوْ عَادَ فَوْرًا كَذَا قِيلَ. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدُ أَوْ قَطَعَتْهُ الْمُرْضِعَةُ لِشُغْلٍ خَفِيفٍ، ثُمَّ عَادَتْ فَلَوْ لَمْ يَتَعَدَّدْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا قَيْدًا لَتَنَاقَضَ كَلَامُهُ وَلَعَلَّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ: إنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ سَهْوٌ مِنْهُ سَرَى إلَيْهِ مِنْ عَدَمِ التَّأَمُّلِ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مَعَ عِبَارَةِ م ر. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهَا إذَا قَطَعَتْهُ إعْرَاضًا وَلَوْ عَادَتْ فَوْرًا فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ فَيُوهِمُ أَنَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ كَعِبَارَةِ م ر وَلَا يَخْفَى الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ وَعِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِ م ر. فَلَوْ قَطَعَ الرَّضِيعُ الرَّضَاعَ إعْرَاضًا عَنْ الثَّدْيِ أَوْ قَطَعَتْهُ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ إعْرَاضًا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فِيهِمَا وَلَوْ فَوْرًا تَعَدَّدَ الرَّضَاعُ اهـ. قَوْلُهُ: (كَنَوْمَةٍ خَفِيفَةٍ) . أَمَّا إذْ نَامَ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 اللَّبَنِ فِي فَمِهِ وَعَادَ فِي الْحَالِ لَمْ يَتَعَدَّدْ بَلْ الْكُلُّ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ طَالَ لَهْوُهُ، أَوْ نَوْمُهُ، فَإِنْ كَانَ الثَّدْيُ فِي فَمِهِ فَرَضْعَةٌ وَإِلَّا فَرَضْعَتَانِ وَلَوْ تَحَوَّلَ الرَّضِيعُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِتَحْوِيلِ الْمُرْضِعَةِ فِي الْحَالِ مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ أَوْ قَطَعَتْهُ الْمُرْضِعَةُ لِشُغْلٍ خَفِيفٍ ثُمَّ عَادَتْ لَمْ يَتَعَدَّدْ حِينَئِذٍ فَإِنْ لَمْ يَتَحَوَّلْ فِي الْحَالِ تَعَدَّدَ الْإِرْضَاعُ. وَلَوْ حُلِبَ مِنْهَا لَبَنٌ دَفْعَةً وَوَصَلَ إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ أَوْ دِمَاغِهِ بِإِيجَارٍ أَوْ إسْعَاطٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فِي خَمْسِ مَرَّاتٍ أَوْ حُلِبَ مِنْهَا خَمْسًا وَأَوْجَرَهُ الرَّضِيعُ دَفْعَةً، فَرَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ اعْتِبَارًا فِي الْأُولَى بِحَالَةِ الِانْفِصَالِ مِنْ الثَّدْيِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِحَالَةِ وُصُولِهِ إلَى جَوْفِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً. وَلَوْ شُكَّ فِي رَضِيعٍ هَلْ رَضَعَ خَمْسًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ هَلْ رَضَعَ فِي حَوْلَيْنِ أَوْ بَعْدَهُمَا فَلَا تَحْرِيمَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ذُكِرَ وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: وُصُولُ اللَّبَنِ فِي الْخَمْسِ إلَى الْمَعِدَةِ فَلَوْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَلَا تَحْرِيمَ، وَلَوْ وَصَلَ إلَيْهَا وَتَقَايَأَهُ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: كَوْنُ الطِّفْلِ حَيًّا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَلَا أَثَرَ لِلْوُصُولِ إلَى مَعِدَةِ الْمَيِّتِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَنْتَشِرُ مِنْ الْمُرْضِعَةِ وَالْفَحْلِ إلَى أُصُولِهِمَا وَفُرُوعِهِمَا وَحَوَاشِيهِمَا، وَمِنْ الرَّضِيعِ إلَى فُرُوعِهِ فَقَطْ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ وَوَجَدْت الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ فَتَصِيرُ الْمُرْضِعَةُ بِذَلِكَ أُمَّهُ. (وَيَصِيرُ زَوْجُهَا) الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ الْوَلَدُ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (أَبًا لَهُ) لِأَنَّ الرَّضَاعَ تَابِعٌ لِلنَّسَبِ أَمَّا مَنْ لَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ الْوَلَدُ كَالزَّانِي فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَتَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ   [حاشية البجيرمي] الْتَهَى طَوِيلًا فَإِنْ بَقِيَ الثَّدْيُ بِفَمِهِ لَمْ يَتَعَدَّدْ وَإِلَّا تَعَدَّدَ شَرْحُ م ر. وَيُعْتَبَرُ التَّعَدُّدُ فِي أَكْلِ نَحْوِ الْجُبْنِ بِنَظِيرِ مَا تَقَرَّرَ فِي اللَّبَنِ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (مِنْ ثَدْيٍ إلَخْ) الْأَوْلَى مِنْ ثَدْيِهَا إلَى ثَدْيِهَا الْآخَرِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى إلَى ثَدْيِ امْرَأَةٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (أَوْ قَطَعَتْهُ الْمُرْضِعَةُ) أَيْ وَطَالَ الزَّمَنُ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِثُمَّ لِأَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي، خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِإِيجَارٍ أَوْ إسْعَاطٍ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَالْإِيجَارُ لِلْجَوْفِ وَالْإِسْعَاطُ لِلدِّمَاغِ أَيْ إسْعَاطٌ مِنْ أَنْفِهِ. قَوْلُهُ: (فَرَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ) فَالشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ خَمْسًا انْفِصَالًا وَوُصُولًا كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ شُكَّ) الْمُرَادُ بِالشَّكِّ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ، فَيَشْمَلُ الظَّنَّ كَالنِّسَاءِ الْمُجْتَمِعَةِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِرْضَاعِ كُلٍّ أَوْلَادَ غَيْرِهَا، وَعَلِمْت كُلٌّ مِنْهُنَّ الْإِرْضَاعَ لَكِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ خَمْسًا فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ، فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا فِي زَمَانِنَا فَلَوْ شُكَّ هَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَةٍ رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ أَوْ لَا؟ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لَهُ وَلَا تَنْقُضُ وُضُوءَهُ لِأَنَّا لَا نُنْقِضُ بِالشَّكِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. نَقْلًا عَنْ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ) أَيْ فَلَا يَتَزَوَّجُ بِهَا لَكِنْ لَوْ تَزَوَّجَ بِهَا جَازَ وَلَا تَنْقُضُ وُضُوءَهُ. قَوْلُهُ: (وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ وُصُولُ اللَّبَنِ فِي الْخَمْسِ إلَى الْمَعِدَةِ) أَيْ أَوْ الدِّمَاغِ فَالْمَدَارُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى ذَلِكَ لَا إلَى مَا يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ. فَإِذَا دَخَلَ فِي الْأُذُنِ حَرَّمَ إنْ وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ وَصَلَ إلَى مَا يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ فَلَا يُحَرِّمُ، نَعَمْ الْحُقْنَةُ لَا تُحَرِّمُ مَا وَصَلَ بِهَا مُطْلَقًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمَعِدَةَ وَالدِّمَاغَ، هُمَا الْمُرَادُ بِالْجَوْفِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ) إنْ قُلْت: لَا فَائِدَةَ لِهَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا: وُصُولُ اللَّبَنِ إلَى مَعِدَةِ الْمَيِّتِ يُؤَثِّرُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَنْتَشِرُ إلَّا إلَى فُرُوعِهِ وَلَيْسَ لَهُ فُرُوعٌ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّا لَوْ قُلْنَا بِالتَّأْثِيرِ وَكَانَ لَهُ زَوْجَةٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ التَّزَوُّجُ بِهَا لِأَنَّهَا زَوْجَةُ ابْنِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَبُوهُ زَوَّجَهُ الْمُرْضِعَةَ وَقُلْنَا: إرْضَاعُهُ يُحَرِّمُ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا وَتَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُرْمَةَ) شُرُوعٌ فِي حُرْمَةِ الرَّضَاعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُرْضِعَةِ وَالرَّضِيعِ وَالْفَحْلِ. وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَيَنْتَشِرُ التَّحْرِيمُ مِنْ مُرْضِعٍ إلَى ... أُصُولِ فُصُولٍ وَالْحَوَاشِي مِنْ الْوَسَطِ وَمِمَّنْ لَهُ دَرٌّ إلَى هَذِهِ وَمِنْ ... رَضِيعٍ إلَى مَا كَانَ مِنْ فَرْعِهِ فَقَطْ قَوْلُهُ: (إلَى أُصُولِهِمَا) سَوَاءٌ كَانَ الْجَمِيعُ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ. قَوْلُهُ: (الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ الْوَلَدُ) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالزَّوْجِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ الْوَلَدُ فَهُوَ صَاحِبُ اللَّبَنِ وَيُسَمَّى أَبًا سَوَاءٌ كَانَ زَوْجًا أَوْ وَاطِئًا بِشُبْهَةٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ) هَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ: زَوْجَهَا وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ لَوْ قَالَ: وَيَصِيرُ صَاحِبَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 مِنْ الرَّضِيعِ إلَى أَوْلَادِهِ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ النَّسَبِ أَمْ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا تَسْرِي الْحُرْمَةُ إلَى آبَائِهِ وَإِخْوَتِهِ فَلِأَبِيهِ وَأَخِيهِ نِكَاحُ الْمُرْضِعَةِ وَبَنَاتِهَا. وَلِزَوْجِ الْمُرْضِعَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّ الطِّفْلِ وَأُخْتِهِ وَيَصِيرُ آبَاءُ الْمُرْضِعَةِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَجْدَادًا لِلرَّضِيعِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَنْتَشِرُ إلَى أُصُولِهَا وَتَصِيرُ أُمَّهَاتُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ جَدَّاتِهِ لِمَا مَرَّ وَأَوْلَادُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ إخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَنْتَشِرُ إلَى فُرُوعِهَا وَتَصِيرُ إخْوَتُهَا وَأَخَوَاتُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَخْوَالَهُ وَخَالَاتِهِ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي إلَى حَوَاشِيهَا. وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُرْضَعِ) بِفَتْحِ الضَّادِ اسْمُ مَفْعُولٍ. (التَّزْوِيجُ إلَيْهَا) أَيْ الْمُرْضِعَةِ لِأَنَّهَا أُمُّهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. (وَ) تَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ مِنْهَا. (إلَى كُلِّ مَنْ نَاسَبَهَا) أَيْ مَنْ انْتَسَبَتْ إلَيْهِ مِنْ الْأُصُولِ أَوْ انْتَسَبَ إلَيْهِ مِنْ الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إلَى كُلِّ مَنْ تَنْتَمِي إلَيْهِ أَوْ يَنْتَمِي إلَيْهَا بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ لِمَا مَرَّ مِنْ الضَّابِطِ. (وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا) أَيْ الْمُرْضِعَةِ (التَّزْوِيجُ إلَيْهِ) أَيْ الرَّضِيعِ لِأَنَّهُ وَلَدُهَا وَهَذَا مَعْلُومٌ. لَكِنْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَوْضِيحًا لِلْمُبْتَدِي لِيُفِيدَهُ أَنَّ الْحُرْمَةَ الْمُنْتَشِرَةَ مِنْهَا لَيْسَتْ كَالْحُرْمَةِ الْمُنْتَشِرَةِ مِنْهُ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ الَّتِي مِنْهَا مُنْتَشِرَةٌ إلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالْحُرْمَةَ الَّتِي مِنْهُ مُنْتَشِرَةٌ إلَيْهِ. (وَ) إلَى (وَلَدِهِ) الذَّكَرِ وَإِنْ سَفَلَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ لِأَنَّهُمْ أَحْفَادُهُمَا، (دُونَ مَنْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِ) أَيْ الرَّضِيعِ كَأَخِيهِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَزْوِيجُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَنْتَشِرُ إلَى حَوَاشِيهِ. وَعَطَفَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمَنْفِيَّةِ قَوْلَهُ: (أَوْ أَعْلَى) أَيْ وَدُونَ مَنْ كَانَ أَعْلَى (طَبَقَةً مِنْهُ) أَيْ الرَّضِيعِ كَآبَائِهِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَزْوِيجُ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَنْتَشِرُ إلَى آبَائِهِ وَتَقَدَّمَ فِي فَصْلِ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسُ مُسْتَوْلَدَاتٍ، أَوْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ دَخَلَ بِهِنَّ وَأَمُّ وَلَدٍ فَرَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلٍّ رَضْعَةٍ وَلَوْ مُتَوَالِيًا صَارَ ابْنَهُ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْجَمِيعِ مِنْهُ فَيُحَرَّمْنَ عَلَى الطِّفْلِ لِأَنَّهُنَّ مَوْطُوآت أَبِيهِ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ بَدَلَ الْمُسْتَوْلَدَاتِ بَنَاتٌ أَوْ   [حاشية البجيرمي] اللَّبَنِ فَسَرَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَارَةِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَتَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ) أَعَادَهُ لِأَجْلِ التَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ: سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ نَسَبٍ أَمْ رَضَاعٍ. قَوْلُهُ: (التَّزْوِيجُ إلَيْهَا) أَيْ التَّزَوُّجُ. قَوْلُهُ: (كَانَ الْأَوْلَى) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمِنْ نَاسَبَهَا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا نَسَبٌ فَإِنْ أُرِيدَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا انْتِسَابٌ شَمِلَ مَا كَانَ مِنْ الرَّضَاعِ فَسَاوَى الِانْتِمَاءَ الْمَذْكُورَ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (الذَّكَرِ) لَيْسَ قَيْدًا إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِخُصُوصِ كَلَامِ الْمَتْنِ وَهُوَ تَزْوِيجُ الْمُرْضِعَةِ بِهِ فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا ذَكَرًا، وَأَمَّا الْحُرْمَةُ مِنْ حَيْثُ بُنُوَّةُ الرَّضَاعِ فَلَا تَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِ ذَكَرًا. قَوْلُهُ: (وَعَطَفَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْجُمْلَةِ إلَخْ) لَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْجُمْلَةِ الشَّبِيهُ بِالْجُمْلَةِ وَهُوَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ وَأَرَادَ بِالْمَنْفِيَّةِ كَوْنَهَا فِي حَيِّزٍ دُونٍ لِأَنَّ أَعْلَى مَعْطُوفٌ عَلَى فِي دَرَجَتِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فَكَانَ إمَّا زَائِدَةٌ أَوْ تَامَّةٌ بِمَعْنَى وَجَدَ ق ل. قُلْت: لَا دَاعِيَ إلَى زِيَادَةِ كَانَ وَلَا إلَى تَمَامِهَا اهـ. م د وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْعَطْفُ عَلَى قَوْلِهِ: كَانَ فِي دَرَجَتِهِ وَهُوَ جُمْلَةُ قَوْلِهِ: (أَوْ أَعْلَى) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فِي دَرَجَتِهِ أَيْ بِاعْتِبَارِ مَحِلِّهِ، لِأَنَّ مَحِلَّهُ نَصْبُ خَبَرِ كَانَ وَطَبَقَةً مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَالتَّقْدِيرُ أَوْ دُونَ مَنْ كَانَتْ طَبَقَتُهُ أَعْلَى مِنْهُ فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَهُوَ طَبَقَةٌ وَأُقِيمَ الضَّمِيرُ مَقَامَهُ فَانْفَصَلَ، وَصَارَ ضَمِيرَ رَفْعٍ مُنْفَصِلٍ مُسْتَتِرٍ، فَصَارَ أَوْ دُونَ مَنْ كَانَ هُوَ أَعْلَى فَانْبَهَمَتْ النِّسْبَةُ فَأَتَى بِالْمُضَافِ وَجُعِلَ تَمْيِيزًا قَوْلُهُ: (أَحَدِ أَبَوَيْهِ) الْمُنَاسِبُ أَحَدِ آبَائِهِ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْأَبَوَيْنِ هُنَا الْأَبُ وَالْأُمُّ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَتَقَدَّمَ فِي فَصْلِ إلَخْ) مُرَادُهُ بِذَلِكَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَنْ يُحَرِّمُ لِكَوْنِهِ تَقَدَّمَ وَالْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحْرِيمُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (صَارَ ابْنَهُ) أَيْ فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّضِيعِ كُلُّ مَنْ يَنْتَمِي إلَى الرَّجُلِ مِنْ أُصُولٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 أَخَوَاتٌ فَرَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلِّ رَضْعَةٍ، فَلَا حُرْمَةَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالطِّفْلِ، لِأَنَّ الْجُدُودَةَ لِلْأُمِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْخُؤُولَةَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إنَّمَا يَثْبُتَانِ بِتَوَسُّطِ الْأُمُومَةِ، وَلَا أُمُومَةَ هُنَا. وَيَثْبُتُ الرَّضَاعُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ؛ لِاخْتِصَاصِ النِّسَاءِ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ غَالِبًا هَذَا إذَا كَانَ الْإِرْضَاعُ مِنْ الثَّدْيِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِالشُّرْبِ مِنْ إنَاءٍ أَوْ كَانَ بِإِيجَارٍ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ، لِأَنَّهُنَّ لَا اخْتِصَاصَ لَهُنَّ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ، بِالْإِرْضَاعِ فَلَا بُدّ فِيهِ مِنْ رَجُلَيْنِ لِاطِّلَاعِ الرِّجَالِ عَلَيْهِ غَالِبًا . فَصْلٌ: فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَالرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ وَجَمَعَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِتَنَاسُبِهَا فِي سُقُوطِ كُلٍّ مِنْهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَوُجُوبِ الْكِفَايَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ فَقَالَ: (وَنَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ) مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ   [حاشية البجيرمي] وَفُرُوعٍ وَحَوَاشٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ. وَأَمَّا النِّسَاءُ الَّتِي ارْتَضَعَ مِنْهُنَّ فَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ فَقَطْ، لَا مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعِ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُنَّ مَوْطُوآت أَبِيهِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَنْ انْتَمَى لَهُنَّ مِنْ أُصُولٍ وَفُرُوعٍ وَحَوَاشٍ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ، يُقَالُ اللَّبَنُ لَهُ أَبٌ وَلَيْسَ لَهُ أُمٌّ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ أُمٌّ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ كَلَبَنِ الْبِكْرِ وَالزَّانِيَةِ وَالْمُلَاعَنَةِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ أَبٌ وَأُمٌّ وَهُوَ الْغَالِبُ اهـ. وَفِي س ل لَوْ نَزَلَ لِبِكْرٍ لَبَنٌ وَتَزَوَّجَتْ وَحَبِلَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَاللَّبَنُ لَهَا لَا لِلزَّوْجِ مَا لَمْ تَلِدْ، وَلَا أَبَ لِلرَّضِيعِ، فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ اهـ. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا وَمِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسُ مُسْتَوْلَدَاتٍ إلَخْ أَنَّ كُلًّا مِنْ أُبُوَّةِ الرَّضَاعِ وَأُمُومَتِهِ قَدْ يَنْفَرِدُ عَنْ الْآخَرِ، وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ ثَارَ لِلْمَرْأَةِ لَبَنٌ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الزَّوْجُ أَوْ بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَلَمْ تَحْبَلْ ثُبُوتُ الرَّضَاعِ فِي حَقِّهَا دُونَ الزَّوْجِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَقَالَ فِيمَا بَعْدَهَا وَقَبْلَ الْحَمْلِ الْمَذْهَبُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّهَا دُونَهُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يُحَرِّمُ بَعْدَ الْحَمْلِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْجُدُودَ لِلْأُمِّ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِأَنَّهَا لَوْ ثَبَتَتْ لَكَانَ الرَّجُلُ جَدَّ الْأُمِّ أَوْ خَالًا وَالْجُدُودَةُ لِلْأُمِّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (الْمُتَمَحِّضَاتِ) لَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا لِاقْتِضَائِهِ قَبُولَ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ فِي الشَّهَادَاتِ ق ل. [فَصْلٌ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ] ذَكَرهَا عَقِبَ الرَّضَاعِ لِأَنَّ أُجْرَةَ الْإِرْضَاعِ، مِنْ جُمْلَةِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ عَقِبَ الرَّضَاعِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الَّذِي يَتَعَاطَى الْإِرْضَاعَ هُوَ الزَّوْجَةُ، وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ أَهَمُّ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَيْهَا، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَمُقَدَّرَةٌ بِقَدْرٍ مَحْدُودٍ. قَوْلُهُ: (وَوُجُوبِ الْكِفَايَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى سُقُوطِ. قَوْلُهُ: (وَنَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ) وَإِنْ عَلَوْا وَاجِبَةٌ عَلَى الْفُرُوعِ، وَإِنْ سَفَلُوا وَالْمَوْلُودِينَ وَإِنْ سَفَلُوا عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَإِنْ عَلَوْا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَلَا بَيْنَ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِ. وَلَا بَيْنَ اتِّفَاقِ الدِّينِ وَاخْتِلَافِهِ اهـ. دِمْيَاطِيٌّ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْمَدَابِغِيُّ: وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمُنْفِقُ مِنْ الْمَوْلُودِينَ كَائِنَيْنِ فَإِنْ اسْتَوَيَا كَابْنَيْنِ أَوْ بِنْتَيْنِ فَعَلَيْهِمَا النَّفَقَةُ بِالسَّوِيَّةِ، فَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا أُخِذَ قِسْطُهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اُقْتُرِضَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمْرُ الْحَاكِمِ الْحَاضِرِ مَثَلًا بِالتَّمْوِينِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ عَلَى مَالِهِ إذَا وَجَدَهُ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فَعَلَى الْأَقْرَبِ وَلَوْ أُنْثَى غَيْرَ وَارِثٍ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ كَابْنِ ابْنٍ وَابْنِ بِنْتٍ فَعَلَى الْوَارِثِ، فَإِنْ وَرِثَا وَتَفَاوَتَا فِي الْإِرْثِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَرَجَحَهُ الْيَمَنِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَنُقِلَ تَصْحِيحُهُ عَنْ جَمْعٍ أَنَّهَا عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ. وَثَانِيهِمَا وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهَا عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ الْإِرْثِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِيمَنْ لَهُ أَبَوَانِ وَقُلْنَا إنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَيْهِمَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا عَلَى الْأَبِ أَوْ مِنْ الْوَالِدَيْنِ فَهِيَ عَلَى الْأَبِ ثُمَّ الْجَدُّ، وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الْأُمُّ اهـ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مِنْ الْوَالِدَيْنِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ الْمَوْلُودِينَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 الْأَحْرَارِ (وَ) نَفَقَةُ (الْمَوْلُودِينَ) كَذَلِكَ بِخَفْضِ مَا قَبْلَ عَلَامَةِ الْجَمْعِ فِيهِمَا، كُلٌّ مِنْهُمَا (وَاجِبَةٌ) عَلَى الْفُرُوعِ لِلْأُصُولِ وَبِالْعَكْسِ بِشَرْطِهِ الْآتِي. وَالْأَصْلُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ قَوْله تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَمِنْ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمْ وَخَبَرُ: «أَطْيَبُ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا وَلَا مَالَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ، وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مُلْحَقُونَ بِهِمَا إنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي عُمُومِ ذَلِكَ. كَمَا أُلْحِقُوا بِهِمَا فِي الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَعَدَمِ الْقَوَدِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] إذْ إيجَابُ الْأُجْرَةِ لِإِرْضَاعِ الْأَوْلَادِ يَقْتَضِي إيجَابَ مُؤْنَتِهِمْ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْأَحْفَادُ مُلْحَقُونَ بِالْأَوْلَادِ إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ إطْلَاقُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَضُرُّ فِيمَا ذُكِرَ اخْتِلَافُ الدِّينِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا نَفَقَةُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ فِي التَّعْمِيمِ وَالتَّقْيِيدِ بِالْأَحْرَارِ، وَيُزَادُ هُنَا الْخُنْثَى قَوْلُهُ: (بِخَفْضِ) الْأَوْلَى بِكَسْرِ لِأَنَّ الْخَفْضَ مِنْ أَلْقَابِ الْإِعْرَابِ ق ل. وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى مَذْهَبِ قُطْرُبٍ كَمَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ السُّيُوطِيّ فِي هَمْعِ الْهَوَامِعِ. وَنَصُّهُ: ثُمَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ غَيْرُ حَرَكَاتِ الْبِنَاءِ وَقَالَ قُطْرُبٌ هِيَ هِيَ. وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ لِأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى التَّسْمِيَةِ فَقَطْ. فَالْأَوَّلُونَ يُطْلِقُونَ عَلَى حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ وَالْجَرَّ وَالْجَزْمَ عَلَى حَرَكَاتِ الْبِنَاءِ الضَّمَّ وَالْفَتْحَ وَالْكَسْرَ وَالْوَقْفَ. وَقُطْرُبٌ وَمَنْ وَافَقَهُ يُطْلِقُونَ أَسْمَاءَ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَبَعْضُهُمْ يَنْسُبُ قَوْلَ قُطْرُبٍ لِلْكُوفِيِّينَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الْحَرَكَةَ لَا تُسَمَّى حَرَكَةَ إعْرَابٍ وَلَا بِنَاءٍ إذْ لَيْسَتْ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ بَلْ حَرَكَةَ بِنِيَّةٍ، وَاعْتِبَارُ كَوْنِ الدَّالِ آخِرًا بِحَسَبِ الْأَصْلِ بَعِيدٌ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ النَّفَقَتَيْنِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَتَى بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمَجْمُوعِ لَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْفُرُوعِ) أَيْ الْأَحْرَارِ أَيْ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ لِأَنَّ ذِكْرَهُ مَعَ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ مَعَ إهْمَالِهِ فِي الْمُنْفِقِ قَدْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ فَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ وَاضِحًا. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمَعْرُوفِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ نَصًّا فِي الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ) لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ بَلْ هُوَ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ. قَوْلُهُ: (فِي عُمُومِ ذَلِكَ) : أَيْ الْوَالِدَيْنِ فِي قَوْلِهِ {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهَا) كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ. قَوْلُهُ: (يَقْتَضِي إيجَابَ مُؤْنَتِهِمْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَوَجْهُهُ، أَنَّهُ لَمَّا لَزِمَتْ أُجْرَةُ إرْضَاعِ الْوَلَدِ كَانَتْ كِفَايَتُهُ أَلْزَمَ. قَوْلُهُ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ إلَخْ) سَبَبُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ «زَوْجَةَ أَبِي سُفْيَانَ جَاءَتْ مَعَ نِسْوَةٍ يُبَايِعْنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ إلَى آخِرِ الْآيَةِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة: 12] فَبَايَعَهُنَّ النَّبِيُّ بِالْمُصَافَحَةِ مَعَ الْحَائِلِ وَقِيلَ مِنْ غَيْرِ مُصَافَحَةٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ {أَنْ لا يُشْرِكْنَ} [الممتحنة: 12] إلَخْ قَالَتْ مَا جِئْنَا وَفِي قَلْبِنَا إشْرَاكٌ وَلَمَّا سَمِعَتْ {وَلا يَسْرِقْنَ} [الممتحنة: 12] قَالَتْ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ أَيْ مُحْرِصٌ مُقَتِّرٌ عَلَيْنَا فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك وَلَمَّا سَمِعَتْ {وَلا يَزْنِينَ} [الممتحنة: 12] قَالَتْ: أَتُمَكِّنُ الْمَرْأَةُ غَيْرَ زَوْجِهَا وَاسْتَبْعَدَتْ ذَلِكَ وَلَمَّا سَمِعَتْ {وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} [الممتحنة: 12] قَالَتْ مَا نَقْتُلُهُمْ وَلَكِنْ رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا وَقَتَلْتُمُوهُمْ كِبَارًا» تُرِيدُ وَلَدَهَا الَّذِي قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْغَزْوِ؛ وَقَوْلُهُ: «خُذِي مَا يَكْفِيك» إلَخْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بِتَقْدِيرِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَوَلَدَك. فَإِنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَبِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ لِأَنَّ جُزْأَهُ وَهُوَ نَفَقَةُ الْوَلَدِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ، كَمَا ظَهَرَ وَبِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ يَكْفِيك أَيْضًا لِاسْتِقْلَالِهِ بِاعْتِبَارِ الْأُدْمِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ ابْنُ قَاسِمٍ. قَوْلُهُ: (وَالْأَحْفَادُ مُلْحَقُونَ إلَخْ) مُرَادُهُ بِالْأَحْفَادِ مَا يَشْمَلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 الْكَافِرِ، الْمَعْصُومِ وَعَكْسُهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْبَعْضِيَّةُ كَالْعِتْقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَالْمِيرَاثِ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ مَبْنِيٌّ عَلَى النَّاصِرَةِ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَخَرَجَ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ غَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمِّ وَالْعَمَّةِ بِالْأَحْرَارِ الْأَرِقَّاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الرَّقِيقُ مُبَعَّضًا وَلَا مُكَاتَبًا. فَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا عَلَيْهِ فَهِيَ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمُعْسِرِ. وَالْمُعْسِرُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَعَلَيْهِ نَفَقَةٌ تَامَّةٌ لِتَمَامِ مِلْكِهِ فَهُوَ كَحُرِّ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَتُبَعَّضُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْقَرِيبِ وَالسَّيِّدِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ رِقٍّ وَحُرِّيَّةٍ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَلَا تَلْزَمُ قَرِيبَهُ نَفَقَتُهُ لِبَقَاءِ أَحْكَامِ الرِّقِّ عَلَيْهِ بَلْ نَفَقَتُهُ مِنْ كَسْبِهِ فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ فَعَلَى سَيِّدِهِ. وَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ وَخَرَجَ بِالْمَعْصُومِ غَيْرُهُ مِنْ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ. فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ بِقَوْلِهِ: (فَأَمَّا الْوَالِدُونَ فَتَجِبُ نَفَقَتُهُمْ) عَلَى الْفُرُوعِ (بِشَرْطَيْنِ) أَيْ بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ (الْفَقْرُ وَالزَّمَانَةُ) وَهِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ الِابْتِلَاءُ وَالْعَاهَةُ (أَوْ الْفَقْرُ وَالْجُنُونُ) لِتَحَقُّقِ الِاحْتِيَاجِ حِينَئِذٍ فَلَا تَجِبُ لِلْفُقَرَاءِ الْأَصِحَّاءِ، وَلَا لِلْفُقَرَاءِ الْعُقَلَاءِ، إنْ كَانُوا ذَوِي كَسْبٍ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ بِالْكَسْبِ كَالْقُدْرَةِ بِالْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا ذَوِي كَسْبٍ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ عَلَى الْفُرُوعِ. عَلَى الْأَظْهَرِ فِي الرَّوْضَةِ. وَزَوَائِدِ الْمِنْهَاجِ. لِأَنَّ الْفَرْعَ   [حاشية البجيرمي] الْأَسْبَاطَ، وَهُمْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ. وَفِي الْمُخْتَارِ، الْأَسْبَاطُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ كَالْأَحْفَادِ فَيَشْمَلُ ذَلِكَ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ. قَوْلُهُ: (إطْلَاقُ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ الْآيَةِ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: 6] وَالْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي الْوُجُوبِ قَوْلُهُ: (كَالْعِتْقِ) عِبَارَةُ م ر وَكَالْعِتْقِ اهـ. أَيْ وَقِيَاسًا عَلَى الْعِتْقِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا فِي كَلَامِهِ عَلَى قَوْلِهِ لِعُمُومٍ. قَوْلُهُ: (مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُنَاصَرَةِ) : أَيْ وَالنَّفَقَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَاجَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ لِانْتِهَاضِ الدَّلِيلِ. قَوْلُهُ: (مُنْفَقًا عَلَيْهِ) بِأَنْ كَانَ مُحْتَاجًا لِلنَّفَقَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا) بِأَنْ كَانَ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ مُحْتَاجًا وَطَلَبَ مِنْهُ النَّفَقَةَ أَوْ أَنَّهُ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِلْمُوَاسَاةِ) أَيْ الْإِحْسَانِ. قَوْلُهُ: (مِنْ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ) أَيْ وَتَارِكِ صَلَاةٍ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْعِصْمَةِ بِالْإِسْلَامِ وَفِعْلِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الزَّانِي فَلَيْسَ قَادِرًا عَلَى عِصْمَةِ نَفْسِهِ بَلْ مَتَى زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ صَارَ مُهْدَرًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَحْسَنِ الطَّرِيقِ وَأَقْوَمِهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (شَرْطَيْنِ) أَيْ أَحَدَ شَرْطَيْنِ وَقَوْلُهُ آخَرَيْنِ أَيْ زِيَادَةً عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ قَوْلُهُ: (أَيْ بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ) تَعْبِيرُهُ بِالْأَحَدِ كَتَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِأَوْ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ مَجْمُوعُ أَمْرَيْنِ الْفَقْرُ مَعَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِهِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ التَّسَامُحِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالزَّمَانَةُ) لَيْسَ قَيْدًا وَمِنْهَا الْمَرَضُ وَالْعَمَى وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ الزَّمَانَةَ بِمَا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْكَسْبِ اللَّائِقِ بِهِ وَيَدُلُّ لَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ آخِرًا ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ الْفَقْرُ وَالْجُنُونُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ أَيْضًا فَالْمَدَارُ عَلَى الْفَقْرِ مَعَ عَدَمِ الْكَسْبِ بِالْفِعْلِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا: فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَلَا تَجِبُ لِلْفُقَرَاءِ الْأَصِحَّاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْيِيدِهِ فَيَكُونُ ضَعِيفًا لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يُكَلَّفُ الْكَسْبَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانُوا ذَوِي كَسْبٍ) أَيْ بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا ذَوِي كَسْبٍ) أَيْ بِالْفِعْلِ وَلَوْ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ نَشَزَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا فَهَلْ تَجِبُ لَهَا عَلَى فَرْعِهَا نَفَقَةٌ مُدَّةَ نُشُوزِهَا؟ ذَكَرَ الْمُنَاوِيُّ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى فَرْعِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَةٌ لَهَا عَلَى مَعْصِيَةٍ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَكَرَ شُرُوطًا) أَيْ أَحَدَ شُرُوطٍ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُهَا لَا كُلُّهَا وَقَوْلُهُ: عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَوْلُودِينَ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ وَالْعِصْمَةِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الشَّرْحِ لِأَنَّ الثَّانِيَ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا نَفَقَةُ الْكَافِرِ الْمَعْصُومِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَتَجِبُ نَفَقَتُهُمْ) أَيْ مَا لَمْ يُضَيِّفُوا ز ي وَإِلَّا سَقَطَتْ سَوَاءٌ كَانَ التَّضْيِيفُ تَكْرِيمًا لَهُمْ أَوْ لِلْمُنْفِقِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ الْخَلَّةِ وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ إذَا ضَيَّفَتْ فَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ الزَّوْجِ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا وَإِلَّا فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ اهـ. أج أَيْ بِأَنْ كَانَتْ الضِّيَافَةُ لِأَجْلِهَا فَإِنْ كَانَتْ لِأَجْلِهِمَا وَجَبَ الْقِسْطُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 مَأْمُورٌ بِمُعَاشَرَةِ أَهْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ مِنْهَا تَكْلِيفُهُ الْكَسْبَ مَعَ كِبَرِ السِّنِّ. وَكَمَا يَجِبُ الْإِعْفَافُ يَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ. ثُمَّ ذَكَرَ شُرُوطًا زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَوْلُودِينَ بِقَوْلِهِ: (وَأَمَّا الْمَوْلُودُونَ فَتَجِبُ نَفَقَتُهُمْ) عَلَى الْأُصُولِ. (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا. (الْفَقْرُ وَالصِّغَرُ) لِعَجْزِهِمْ. (أَوْ الْفَقْرُ وَالزَّمَانَةُ أَوْ الْفَقْرُ وَالْجُنُونُ) لِتَحَقُّقِ احْتِيَاجِهِمْ فَلَا تَجِبُ لِلْبَالِغِينَ إنْ كَانُوا ذَوِي كَسْبٍ قَطْعًا وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى الْمَذْهَبِ وَسَوَاءٌ فِيهِ الِابْنُ وَالْبِنْتُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِاشْتِرَاطِ الْيَسَارِ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا لِوُضُوحِهِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ الْكِفَايَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي وَلَدَكَ بِالْمَعْرُوفِ» وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ. وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي سِنِّهِ وَزَهَادَتُهُ وَرَغْبَتُهُ وَيَجِبُ إشْبَاعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ. وَيَجِبُ لَهُ الْأُدْمُ كَمَا يَجِبُ لَهُ الْقُوتُ: وَيَجِبُ لَهُ مُؤْنَةُ خَادِمٍ إنْ احْتَاجَهُ مَعَ كِسْوَةٍ وَسُكْنَى لَائِقَيْنِ بِهِ. وَأُجْرَةُ طَبِيبٍ وَثَمَنُ أَدْوِيَةٍ وَالنَّفَقَةُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا أَمْتَاعٌ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِنْ تَعَدَّى الْمُنْفِقُ بِالْمَنْعِ، لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ وَقَدْ زَالَتْ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ. وَحَيْثُ قُلْنَا: بِسُقُوطِهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا بِاقْتِرَاضِ قَاضٍ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. كَمَا لَوْ نَفَى الْأَبُ الْوَلَدَ فَأَنْفَقَتْ عَلَيْهِ أُمُّهُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ فَإِنَّ الْأُمَّ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ. وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَاكِمٌ،   [حاشية البجيرمي] فَقَطْ. قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ لِأَنَّهُ جَمْعُ شَرِيطَةٍ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانُوا ذَوِي كَسْبٍ) أَيْ بِالْفِعْلِ قَوْلُهُ: (وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُونُوا) أَيْ بِالْفِعْلِ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ تَأَمَّلْ أج. بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَائِقًا بِهِ وَإِلَّا وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى أَصْلِهِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَلِيقُ بِهِ لَكِنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِلْمِ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ شَوْبَرِيٌّ. وَمَحِلُّهُ إذَا كَانَ لَهُ ذَكَاءٌ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مِنْهُ عِلْمٌ. قَوْلُهُ: (لِاشْتِرَاطِ الْيَسَارِ) وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ لَزِمَ مُوسِرًا وَلَوْ بِكَسْبٍ يَلِيقُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ مُؤْنَةِ مَمُونِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ كِفَايَةُ أَصْلٍ وَفَرْعٍ لَمْ يَمْلِكَاهَا وَعَجَزَ الْفَرْعُ عَنْ الْكَسْبِ يَلِيقُ اهـ. وَقَوْلُهُ مَمُونِهِ الْمُرَادُ بِهِ نَفْسُهُ، وَزَوْجَتُهُ، وَخَادِمُهَا، وَأُمُّ وَلَدِهِ، كَمَا فِي شَرْحِ م ر فَهُمْ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فِي النَّفَقَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ) أَيْ الْقَرِيبِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ. وَكَذَا الضَّمَائِرُ بَعْدَهُ وَعِبَارَةُ سم فَيُعْتَبَرُ حَالُهُمْ فِي السِّنِّ وَالرَّغْبَةِ وَالزَّهَادَةِ فَيَجِبُ لِلطِّفْلِ أُجْرَةُ إرْضَاعِ حَوْلَيْنِ، وَلِغَيْرِهِ مَا يَلِيقُ بِهِ وَلَوْ قَدَرُوا عَلَى بَعْضِ كِفَايَتِهِمْ وَجَبَ تَتْمِيمُهَا. أَوْ ضُيِّفُوا بِمَا يُشْبِعُهُمْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُمْ لِحُصُولِ كِفَايَتِهِمْ بِذَلِكَ وَلَوْ أَتْلَفُوهَا أَوْ تَلِفَتْ فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ قَبْضِهَا وَجَبَ إبْدَالُهَا وَضَمِنُوا بِالْإِتْلَافِ أَيْ فِي ذِمَّتِهِمْ فَيَدْفَعُوهُ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهِ أَيْ بَعْدَ الْيَسَارِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الرَّشِيدِ وَغَيْرِهِ فَيَضْمَنُ الرَّشِيدُ دُونَ غَيْرِهِ لِتَقْصِيرِ الْمُنْفِقِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَهُوَ الْمُضَيِّعُ وَسَبِيلُهُ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يُوَكِّلَ بِإِطْعَامِهِ وَلَا يُسَلِّمَهُ شَيْئًا، وَلَوْ قَالَ لَهُمْ كُلُوا مَعِي كَفَى وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِمْ قَالَهُ الْإِمَامُ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ إشْبَاعُهُ) أَيْ شِبَعًا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى التَّرَدُّدِ وَالتَّصَرُّفِ لَا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا تَجِبُ الْمُبَالَغَةُ فِي إشْبَاعِهِ. كَمَا لَا يَكْفِي سَدُّ الرَّمَقِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (قُلْنَا: بِسُقُوطِهَا) أَيْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ قَوْلُهُ: (إلَّا بِاقْتِرَاضِ قَاضٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَعَدَلْت عَنْ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِفَرْضِ الْقَاضِي بِالْفَاءِ إلَى تَعْبِيرِي بِاقْتِرَاضِهِ بِالْقَافِ لِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِفَرْضِهِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ اهـ. قَالَ الزِّيَادِيُّ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ صَحِيحٌ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يُقَدِّرَهَا الْحَاكِمُ وَيَأْذَنَ لِشَخْصٍ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الطِّفْلِ فَإِذَا أَنْفَقَهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ أَوْ الْمُمْتَنِعِ وَهِيَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الِافْتِرَاضِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ الْحَاكِمُ قَدَّرْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَلَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا بِذَلِكَ. وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُمَا أَيْ فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا بِمُجَرَّدِ فَرْضِ الْقَاضِي أَمَّا إذَا فَرَضَ وَأَذِنَ لِشَخْصٍ فِي الِاقْتِرَاضِ لِلطِّفْلِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أَوْ اقْتَرَضَ الْقَاضِي مَالًا ثُمَّ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ أَمَرَ الْقَاضِي شَخْصًا بِأَنْ يَقْتَرِضَ مَالًا فَاقْتَرَضَ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ الْحَاكِمُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ تَصِيرُ دَيْنًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) كَالتَّعَزُّزِ وَالتَّوَارِي قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ نَفَى) تَنْظِيرُ قَوْلِهِ: (تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ) لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِنَفْيِهِ الَّذِي تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ بِرُجُوعِهِ عَنْهُ فَعُوقِبَ بِإِيجَادِ مَا فَوَّتَهُ بِهِ فَلِذَا، خَرَجَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 وَاسْتَقْرَضَتْ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ وَأَشْهَدَتْ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا اسْتَقْرَضَتْهُ أَمَّا إذَا لَمْ تُشْهِدْ فَلَا رُجُوعَ لَهَا، وَنَفَقَةُ الْحَامِلِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِنْ جَعَلْنَا النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِهَا فَكَانَتْ كَنَفَقَتِهَا، وَلِلْقَرِيبِ أَخْذُ نَفَقَتِهِ مِنْ مَالِ قَرِيبِهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ إنْ وَجَدَ جِنْسَهَا. وَكَذَا إنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي الْأَصَحِّ وَلَهُ الِاسْتِقْرَاضُ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا وَعَجَزَ عَنْ الْقَاضِي وَيَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ كَجَدِّ الطِّفْلِ الْمُحْتَاجِ وَأَبُوهُ غَائِبٌ مَثَلًا وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَخْذُ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ فَرْعِهِمَا الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ وَلَهُمَا إيجَارُهُ لَهَا لِمَا يُطِيقُهُ مِنْ الْأَعْمَالِ وَلَا تَأْخُذُهَا الْأُمُّ مِنْ مَالِهِ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَلَا الِابْنُ مِنْ مَالِ أَصْلِهِ الْمَجْنُونِ فَيُوَلِّي الْقَاضِي الِابْنَ الزَّمِنَ إجَارَةَ أَبِيهِ الْمَجْنُونِ إذَا صَلُحَ لِصَنْعَةٍ لِنَفَقَتِهِ وَيَجِبُ عَلَى الْأُمِّ إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ وَهُوَ بِهَمْزٍ وَقَصْرٍ اللَّبَنُ النَّازِلُ أَوَّلَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ غَالِبًا أَوْ أَنَّهُ لَا يَقْوَى وَلَا تَشْتَدُّ بِنْيَتُهُ إلَّا بِهِ. ثُمَّ بَعْدَ إرْضَاعِهِ اللِّبَأَ. إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا الْأُمُّ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَ عَلَى الْمَوْجُودِ مِنْهُمَا إرْضَاعُهُ إبْقَاءً لِلْوَلَدِ وَلَهَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَإِنْ وُجِدَتْ الْأُمُّ وَالْأَجْنَبِيَّةُ لَمْ تُجْبَرْ الْأُمُّ وَإِنْ كَانَتْ فِي نِكَاحِ   [حاشية البجيرمي] هَذِهِ عَنْ نَظَائِرِهَا شَرْحُ م ر. فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا تَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ تُشْهِدْ وَلَمْ يَأْذَنْ الْقَاضِي اهـ. قَوْلُهُ: (وَاسْتَقْرَضَتْ الْأُمُّ) وَلَيْسَتْ غَنِيَّةً ق ل وَفِيهِ أَنَّ الْأُمَّ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً لَا يَجِبُ عَلَيْهَا النَّفَقَةُ إذَا كَانَ الْأَبُ غَنِيًّا قَالَ فِي الْمَنْهَجِ: وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فَعَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهُ اهـ فَتَقْيِيدُ ق ل بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَتْ غَنِيَّةً غَيْرُ ظَاهِرٍ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ جَعَلْنَا النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ مِثْلُهُ م ر قَوْلُهُ: (عِنْدَ امْتِنَاعِهِ) أَوْ غَيْبَتِهِ اهـ. رَوْضٌ قَوْلُهُ: (وَيَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ) أَيْ وَقَصَدَ الرُّجُوعَ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (كَجَدِّ الطِّفْلِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقْتَرِضُ عَلَى الْأَبِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَبِإِشْهَادٍ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى الطِّفْلِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْأَبِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (الْمُحْتَاجِ) صِفَةٌ لِلطِّفْلِ أَيْ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْأَبِ فَإِذَا غَابَ اقْتَرَضَ الْجَدُّ عَلَى الْأَبِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَبِالْإِشْهَادِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُمَا) أَيْ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَقَوْلُهُ: إيجَارُهُ لَهَا أَيْ لِلنَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ: (وَلَا تَأْخُذُهَا الْأُمُّ مِنْ مَالِهِ) أَيْ الْفَرْعِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا الِابْنُ أَيْ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا. وَعِبَارَةُ خَضِرٍ وَلَيْسَ لِلْأُمِّ أَخْذُهَا أَيْ نَفَقَتِهَا مِنْ مَالِهِ حَيْثُ وَجَبَتْ لَهَا إلَّا بِالْحَاكِمِ كَفَرْعٍ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى أَصْلِهِ الْمَجْنُونِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُمَا) أَيْ الْأَبِ وَالْجَدِّ. قَوْلُهُ: (وَلَا الِابْنُ مِنْ مَالِ أَصْلِهِ) لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا. قَوْلُهُ: (إجَارَةَ أَبِيهِ الْمَجْنُونِ إذَا صَلُحَ لِصَنْعَةٍ) أَيْ أَمَّا إذَا لَمْ يَصْلُحْ فَهَلْ يَأْخُذُ الِابْنُ مِنْ الْمَالِ بِإِذْنِ الْقَاضِي أَوْ يَقْتَرِضُ إلَى إفَاقَتِهِ فَيَرْجِعُ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَى الْأُمِّ إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ) لَمَّا أَوْجَبَ الشَّارِعُ عَلَى الْأَبِ دَفْعَ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ لِلْأُمِّ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِرْضَاعُ أَصْلًا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ وَيَجِبُ عَلَى الْأُمِّ إلَخْ وَيَرْجِعُ فِي مُدَّتِهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَقِيلَ يُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَهَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ كَمَا يَجِبُ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ بِالْبَدَلِ وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنَّهَا لَوْ تَرَكَتْهُ بِلَا إرْضَاعٍ وَمَاتَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا فِعْلٌ يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أُمْسِكَ الطَّعَامُ عَنْ الْمُضْطَرِّ وَاعْتَمَدَهُ الزِّيَادِيُّ وَانْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ع ش وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر بِاخْتِصَارٍ وَعَلَيْهَا إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ فَلَوْ تَرَكَتْ إرْضَاعَهُ إيَّاهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ. لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ مِنْهَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ فَمَاتَ وَلَدُهَا بِسَبَبِهِ حَيْثُ يَضْمَنُهُ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ بِهِ الْفِعْلَ الْمَذْكُورَ، بِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ بَعْدَ ذَبْحِ الشَّاةِ مَا يُرَبَّى بِهِ الْوَلَدُ أَصْلًا فَهُوَ إتْلَافٌ مُحَقَّقٌ أَوْ كَالْمُحَقَّقِ بِخِلَافِ عَدَمِ سَقْيِ اللِّبَأِ فَإِنَّ عَدَمَهُ لَيْسَ مُحَقِّقًا لِمَوْتِ الْوَلَدِ وَلَا كَالْمُحَقِّقِ إذْ قَدْ شُوهِدَ كَثِيرٌ مِنْ نِسَاءٍ يَمُتْنَ عَقِبَ وِلَادَتِهِنَّ وَيُرْضِعُ الْوَلَدَ غَيْرُ أُمِّهِ وَيَعِيشُ اهـ. وَهَلْ تَرِثُهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. عَنَانِيٌّ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: (بِنْيَتُهُ) أَيْ بَدَنُهُ قَوْلُهُ: (وَجَبَ عَلَى الْمَوْجُودِ مِنْهُمَا) وَإِنْ امْتَنَعَ الْمَوْجُودُ لَا ضَمَانَ هُنَا بِاتِّفَاقٍ وَيُفَارِقُ مَا لَوْ شَمَّتَ رَائِحَةً فَأَجْهَضَتْ حَيْثُ يَضْمَنُ جَنِينَهَا، بِأَنَّ سَبَبَ الْمَوْتِ هُنَا تَرْكٌ وَهُنَاكَ فِعْلٌ لِمَا بِهِ الرَّائِحَةُ اهـ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ لَبَنِهَا الَّذِي بَعْدَ اللِّبَأِ وَبَيْنَ اللِّبَأِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ غَيْرُهُ، بِخِلَافِ الرَّضَاعِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَقُومُ غَيْرُ لَبَنِهَا مَقَامَهُ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تُجْبَرْ الْأُمُّ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ امْتَنَعَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ قَالَهُ ح ل وَقَالَ م د أَيْ حَيْثُ لَمْ تَمْتَنِعْ الْأَجْنَبِيَّةُ قَالَ ح ل: وَإِذَا أَخَذَتْ الْأُمُّ الْأُجْرَةَ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ نَقَّصَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا وَهَلْ مِثْلُ الرَّضَاعِ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ فَكُلُّ مَا نَقَّصَ الِاسْتِمْتَاعَ أَسْقَطَ نَفَقَتَهَا، أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 أَبِيهِ عَلَى إرْضَاعِهِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] وَإِذَا امْتَنَعَتْ حَصَلَ التَّعَاسُرُ فَإِنْ رَغِبَتْ فِي إرْضَاعِهِ وَهِيَ مَنْكُوحَةُ أَبِي الرَّضِيعِ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا، كَمَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْوَلَدِ لِأَنَّهَا عَلَيْهِ أَشْفَقُ وَلَبَنَهَا لَهُ أَصْلَحُ، وَلَا تُزَادُ نَفَقَتُهَا لِلْإِرْضَاعِ وَإِنْ احْتَاجَتْ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ الْغِذَاءِ لِأَنَّ قَدْرَ النَّفَقَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِحَالِ الْمَرْأَةِ وَحَاجَتِهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ. وَهُمَا نَفَقَةُ الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ بِقَوْلِهِ: (وَنَفَقَةُ الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ وَاجِبَةٌ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ) أَمَّا الرَّقِيقُ فَلِخَبَرِ: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» فَيَكْفِيهِ طَعَامًا وَأُدْمًا وَتُعْتَبَرُ كِفَايَتُهُ فِي نَفْسِهِ زَهَادَةً وَرَغْبَةً وَإِنْ زَادَتْ عَلَى كِفَايَةِ مِثْلِهِ غَالِبًا وَعَلَيْهِ كِفَايَتُهُ كِسْوَةً وَكَذَا سَائِرُ مُؤَنِهِ وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ شِرَاءُ مَاءِ طَهَارَتِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ. وَكَذَا شِرَاءُ تُرَابِ تَيَمُّمِهِ إنْ احْتَاجَهُ وَنَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى وُجُوبِ إشْبَاعِهِ. وَإِنْ كَانَ رَقِيقُهُ كَسُوبًا أَوْ مُسْتَحِقًّا مَنَافِعَهُ بِوَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ أَعْمَى زَمِنًا وَمُدَبَّرًا وَمُسْتَوْلَدَةً وَمُسْتَأْجَرًا وَمُعَارًا وَآبِقًا لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي   [حاشية البجيرمي] يُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِرْضَاعِ وَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَشْغَالِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ فِي نِكَاحِ أَبِيهِ) غَايَةٌ فِي عَدَمِ إجْبَارِ الْأُمِّ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ مَنْكُوحَةُ أَبِي الرَّضِيعِ) وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُفَارَقَةً مِنْهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنُوفِيِّ الْكَبِيرِ فَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَةَ غَيْرِ أَبِيهِ فَلَهُ أَيْ لِغَيْرِ أَبِيهِ مَنْعُهَا، أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَأْجَرَةً لِإِرْضَاعِهِ قَبْلَ نِكَاحِهِ، كَمَا قَالَهُ ق ل وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا) أَيْ إذَا اسْتَوَيَا فِي عَدَمِ الْأُجْرَةِ أَوْ فِي طَلَبِهَا فَإِنْ تَبَرَّعَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ دُونَ الْأُمِّ أَوْ كَانَ مَا طَلَبَتْهُ الْأَجْنَبِيَّةُ دُونَ مَا طَلَبَتْهُ الْأُمُّ فَلِلْأَبِ مَنْعُ الْأُمِّ ق ل. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ، فَإِنْ رَغِبَتْ فِي إرْضَاعِهِ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ كَانَتْ مَنْكُوحَةَ أَبِيهِ فَلَيْسَ لِأَبِيهِ مَنْعُهَا، وَخَرَجَ بِأَبِيهِ غَيْرُهُ كَأَنْ كَانَتْ مَنْكُوحَةَ غَيْرِ أَبِيهِ فَلَهُ مَنْعُهَا، لَا إنْ طَلَبَتْ لِإِرْضَاعِهِ فَوْقَ أُجْرَةِ مِثْلٍ أَوْ تَبَرَّعَتْ بِإِرْضَاعِهِ أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ رَضِيَتْ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِ دُونِهَا أَيْ دُونَ الْأُمِّ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 233] اهـ. وَقَوْلُهُ بِأَبِيهِ أَيْ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: فَلَيْسَ لِأَبِيهِ مَنْعُهَا وَالْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الزَّوْجُ الْآخَرُ وَالسَّيِّدُ فَقَوْلُهُ: كَأَنْ كَانَتْ إلَخْ أَيْ وَكَأَنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةَ غَيْرِ أَبِيهِ وَقَوْلُهُ: فَلَهُ أَيْ لِغَيْرِ الْأَبِ مَنْعُهَا أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَأْجَرَةً لِإِرْضَاعِهِ قَبْلَ نِكَاحِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ تَبَرَّعَتْ بِإِرْضَاعِهِ أَجْنَبِيَّةٌ فَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ غَيْرُهَا فَلِلْأَبِ انْتِزَاعُهُ مِنْ أُمِّهِ وَدَفْعُهُ لِلْمُتَبَرِّعَةِ وَمِثْلُهَا الرَّاضِيَةُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا لَمْ تَرْضَ الْأُمُّ إلَّا بِهَا وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الْمُتَبَرِّعَةِ أَوْ الرَّاضِيَةِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي عَلَيْهِ أُجْرَةً، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَقَوْلُهُ: فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ أَيْ حَيْثُ كَانَ لَبَنُ الْأَجْنَبِيَّةِ يَمْرِي عَلَيْهِ وَإِلَّا أُجِيبَتْ الْأُمُّ بِلَا خِلَافٍ وَالْمُجَابُ السَّيِّدُ فِي الْأَمَةِ مُطْلَقًا اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا عَلَيْهِ أَشْفَقُ) فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْأُمَّ أَشْفَقُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ الْأَبِ وَهُوَ خُلِقَ مِنْ مَائِهِمَا. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَاءَ الْأُمِّ مِنْ قُدَّامِهَا مِنْ بَيْنِ تَرَائِبِهَا قَرِيبًا مِنْ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الشَّفَقَةِ وَمَحِلُّ الْمَحَبَّةِ وَالْأَبُ يَخْرُجُ مَاؤُهُ مِنْ وَرَاءِ ظُهْرِهِ مِنْ الصُّلْبِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ. قِيلَ: لِأَنَّ مَاءَ الْأُمِّ يُخْلَقُ مِنْهُ الْحُسْنُ فِي الْوَلَدِ وَالسِّمَنُ وَالْهُزَالُ وَالشَّعْرُ وَاللَّحْمُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَدُومُ فِي الْوَلَدِ بَلْ تَزُولُ أَوْ تَتَغَيَّرُ وَتَذْهَبُ وَمَاءُ الرَّجُلِ يُخْلَقُ مِنْهُ الْعَظْمُ وَالْعَصَبُ وَالْعُرُوقُ وَالْمَفَاصِلُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَمْ تُفَارِقْهُ إلَى أَنْ يَفْنَى. قَوْلُهُ: (وَلَا تُزَادُ نَفَقَتُهَا لِلْإِرْضَاعِ) أَيْ لَا تُزَادُ نَفَقَتُهَا الَّتِي تَسْتَحِقُّهَا بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ لِأَجْلِ الْإِرْضَاعِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَسْتَحِقُّ فِي مُقَابَلَتِهِ أُجْرَةً، لَا مُؤْنَةً. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ) وَلَوْ ذِمِّيًّا شِرَاءُ مَاءِ طَهَارَتِهِ أَيْ رَقِيقِهِ وَإِنْ تَعَدَّى بِنَقْضِهَا كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إبْدَالُ النَّفَقَةِ وَإِنْ أَتْلَفَهَا عَمْدًا وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ لَهُ تَأْدِيبَهُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ رَقِيقُهُ كَسُوبًا) غَايُهُ قَوْلِهِ: (أَوْ مُسْتَحِقًّا مَنَافِعَهُ بِوَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا) أَيْ أَوْ كَانَ مُسْتَحِقَّ الْقَتْلِ بِرِدَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ عِصْمَتُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَرِيبِ الْمُرْتَدِّ لِاشْتِرَاطِ عِصْمَةِ الْقَرِيبِ بِتَمَكُّنِهِ مِنْ إخْرَاجِ الرَّقِيقِ عَنْ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْقَرِيبِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهَا) كَهِبَةٍ بِأَنْ وَهَبَ مَنَافِعَهُ لِشَخْصٍ. قَوْلُهُ: (وَمُعَارًا) أَوْ مَرْهُونًا أَوْ مُسْتَحِقَّ الْقَتْلِ بِرِدَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْجَمِيعِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 الْجَمِيعِ. وَلِعُمُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، نَعَمْ الْمُكَاتَبُ وَلَوْ فَاسِدَ الْكِتَابَةِ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ. لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْكَسْبِ وَلِهَذَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَرِقَّائِهِ، نَعَمْ إنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَفْسَخْ السَّيِّدُ الْكِتَابَةَ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَزِيزَةُ النَّقْلِ فَاسْتَفِدْهَا. وَكَذَا الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ. وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ الْكِفَايَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ جِنْسِ طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ بَلْ مِنْ غَالِبِ قُوتِ رَقِيقِ الْبَلَدِ مِنْ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمِنْ غَالِبِ أُدْمِهِمْ مِنْ نَحْوِ زَيْتٍ وَسَمْنٍ وَمِنْ غَالِبِ كِسْوَتِهِمْ مِنْ نَحْوِ قُطْنٍ وَصُوفٍ لِخَبَرِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «لِلْمَمْلُوكِ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْمَعْرُوفُ لِمِثْلِهِ بِبَلَدِهِ وَيُرَاعَى حَالُ السَّيِّدِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الشَّرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا وَلَا يَكْفِي سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِرَقِيقِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِحَرٍّ وَلَا بَرْدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِذْلَالِ وَالتَّحْقِيرِ هَذَا بِبِلَادِنَا. كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا بِبِلَادِ السُّودَانِ وَنَحْوِهَا: فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ وَتَسْقُطُ كِفَايَةُ الرَّقِيقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا بِاعْتِرَاضِ الْقَاضِي أَوْ إذْنِهِ فِيهِ وَاقْتَرَضَ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِجَامِعِ وُجُوبِهِمَا بِالْكِفَايَةِ وَيَبِيعُ الْقَاضِي فِيهَا مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ أَوْ غَابَ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ فَقَدَ الْمَالَ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ أَوْ إجَارَتِهِ أَوْ إعْتَاقِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجَّرَهُ الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ إجَارَتُهُ بَاعَهُ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ أَحَدٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ وَأَمَّا غَيْرُ الرَّقِيقِ مِنْ الْبَهَائِمِ جَمْعُ بَهِيمَةٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمْ وَهِيَ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ كُلُّ ذَاتِ أَرْبَعٍ مِنْ دَوَابِّ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ اهـ. وَفِي مَعْنَاهَا: كُلُّ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عَلَفُهَا وَسَقْيُهَا لِحُرْمَةِ الرُّوحِ. وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا   [حاشية البجيرمي] يَكُونَ مَعْصُومًا. فَإِنْ قِيلَ: شَرْطُ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا فَهَلَّا كَانَ الرَّقِيقُ كَذَلِكَ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ فِي الرَّقِيقِ مِنْ إزَالَةِ الْمِلْكِ بِبَيْعٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمَّا رَضِيَ بِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ وَلَا كَذَلِكَ الْقَرِيبُ اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَآبِقًا) أَيْ أَبِقَ إلَى مَحِلٍّ يَعْرِفُهُ السَّيِّدُ وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّيِّدُ لَا يَعْرِفُهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ وَيُتَصَوَّرُ بِمَا إذَا كَانَ مَالُ سَيِّدِهِ بِمَحِلٍّ وَلَهُ وَكِيلٌ فَأَبِقَ الْعَبْدُ إلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ فَجَاءَ إلَى الْوَكِيلِ وَقَالَ لَهُ أَنَا عَبْدُ مُوَكِّلِك أَبِقْت فَلَمْ يُصَدِّقْهُ، فَيَأْخُذُهُ الْعَبْدُ وَيَرْفَعُهُ إلَى الْقَاضِي وَيَدَّعِي عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ نَفَقَتَهُ مِنْ الْوَكِيلِ سم. وَيُمْكِنُ أَنْ يُصَوَّرَ أَيْضًا بِمَا إذَا رَفَعَ أَمْرَهُ لِقَاضِي بَلَدِ الْإِبَاقِ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَقْتَرِضَ عَلَى سَيِّدِهِ لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ هَلْ يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ عَلِمَ إبَاقَهُ، أَوْ لَا لِيَحْمِلْهُ عَلَى الْعَوْدِ لِسَيِّدِهِ. فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْعُودِ إلَى سَيِّدِهِ فَإِنْ أَجَابَ إلَى ذَلِكَ وَكَّلَ بِهِ مَنْ يَصْرِفُ عَلَيْهِ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى سَيِّدِهِ قَرْضًا اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ الْمُكَاتَبُ) وَكَذَا قَوْلُهُ: وَكَذَا الْأَمَةُ إذَا سُلِّمَتْ مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ قَوْلِهِ: وَنَفَقَةُ الرَّقِيقِ وَاجِبَةٌ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ عُجِّزَ) وَكَذَا إنْ احْتَاجَ بِأَنْ لَمْ يَكْفِهِ الْكَسْبُ وَلَوْ لَمْ يُعَجِّزْ نَفْسَهُ، كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَتَجِبُ فِطْرَةُ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً فَاسِدَةً عَلَى سَيِّدِهِ لِعَدَمِ تَكَرُّرِهَا كُلَّ يَوْمٍ. قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ) أَيْ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ) أَيْ لَا يَجِبُ لَهَا عَلَى السَّيِّدِ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: (حَيْثُ أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ) بِأَنْ سُلِّمَتْ لَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا. قَوْلُهُ: (مِنْ جِنْسِ طَعَامِهِ) أَيْ الْمَالِكِ وَهُوَ السَّيِّدُ. قَوْلُهُ: (قَالَ) أَيْ الشَّافِعِيُّ قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِذْلَالِ) نَعَمْ إنْ اُعْتِيدَ وَلَوْ بِبِلَادِنَا عَلَى الْأَوْجَهِ كَفَى إذْ لَا تَحْقِيرَ حِينَئِذٍ. اهـ. حَجّ. قَوْلُهُ: (فَلَهُ ذَلِكَ) هَذَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُمْ: مِنْ الْغَالِبِ فَلَوْ كَانُوا لَا يَسْتَتِرُونَ أَصْلًا وَجَبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ شَرْحُ م ر. فَالْمُرَادُ بِالْعَوْرَةِ هُنَا عَوْرَةُ الصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّقِيقِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ، فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِمَا مَرَّ فِي مُؤْنَةِ الْقَرِيبِ اهـ. وَهَذِهِ أَعَمُّ قَوْلُهُ: (وَيَبِيعُ الْقَاضِي فِيهَا مَالَهُ) أَيْ أَوْ يُؤَجِّرُ مَالَهُ. قَوْلُهُ: (أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ فَرْضًا عَلَى الْأَوْجَهِ فَلَا رُجُوعَ بِهِ، ثُمَّ عَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ قَرْضًا فَيَرْجِعُونَ بِهِ كَاللَّقِيطِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ) وَأَصْلُهَا اسْمٌ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، مِنْ دَوَابِّ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا أَعَمُّ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَدْفَعُ ضَرَرَهُ مِنْ عَلَفٍ وَسَقْيٍ وَغَيْرِهِمَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِي هِرَّةٍ) أَيْ بِسَبَبِ هِرَّةٍ. قَوْلُهُ: (أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ» بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ هَوَامِّهَا وَالْمُرَادُ بِكِفَايَةِ الدَّابَّةِ وُصُولُهَا لِأَوَّلِ الشِّبَعِ وَالرَّيِّ دُونَ غَايَتِهِمَا وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ. فَلَا يَلْزَمُهُ عَلَفُهَا بَلْ يُخَلِّيهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ حَبْسُهَا لِتَمُوتَ جُوعًا لِخَبَرِ: «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِمَّا ذُكِرَ وَلَهُ مَالٌ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ عَلَى أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ، بَيْعٌ لَهُ أَوْ نَحْوُهُ. مِمَّا يَزُولُ ضَرَرُهُ بِهِ. أَوْ عَلَفُ أَوْ ذَبْحٌ وَأُجْبِرَ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ بَيْعٌ أَوْ عَلَفٌ وَيَحْرُمُ ذَبْحُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِأَكْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ نَابَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَقْتَضِيهِ الْحَالُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَاعَ الْحَاكِمُ الدَّابَّةَ أَوْ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ أَكْرَاهَا عَلَيْهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ كِفَايَتُهَا. (وَلَا يُكَلَّفُونَ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِمَالِكِ الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ أَنْ يُكَلِّفَهُمْ. (مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُونَ) الدَّوَامَ عَلَيْهِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ فِي الرَّقِيقِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَهَائِمُ بِجَامِعِ حُصُولِ الضَّرَرِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ تَكْلِيفُ رَقِيقِهِ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَهُ عَمَلًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَعْجَزُ عَنْهُ. وَقَالَ أَيْضًا: يَحْرُمُ   [حاشية البجيرمي] هَوَامِّهَا) وَهِيَ الْحَشَرَاتُ. رَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعُوذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَيَقُولُ: أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ» وَهِيَ الَّتِي إذَا نَظَرَتْ إلَى شَيْءٍ أُصِيبَ ثُمَّ يَقُولُ: «كَانَ أَبُوكُمَا إبْرَاهِيمُ يَعُوذُ بِهِمَا إسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْهَامَّةُ إحْدَى الْهَوَامِّ ذَوَاتُ السَّمُومِ كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهِمَا. وَفِي الْإِحْيَاءِ وَقُوتِ الْقُلُوبِ: يُقَالُ إنَّ الطَّيْرَ وَالْهَوَامَّ يَلْقَى بَعْضُهَا بَعْضًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَقُولُ سَلَامٌ سَلَامٌ يَوْمٌ صَالِحٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ قَرَأَهَا كُلَّ يَوْمٍ يَأْمَنُ مِنْ الْهَوَامِّ {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} [هود: 56] إلَى آخِرِ الْآيَةِ اهـ مِنْ مُخْتَصَرِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلسُّيُوطِيِّ. قَوْلُهُ: (كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ) وَهِيَ الْمَنْظُومَةُ فِي قَوْلِهِ: خَمْسُ فَوَاسِقَ فِي حِلٍّ وَفِي حَرَمٍ ... يُقْتَلْنَ بِالشَّرْعِ عَمَّنْ جَاءَ بِالْحُكْمِ كَلْبٌ عَقُورٌ غُرَابٌ حَيَّةٌ وَكَذَا ... حِدَأَةٌ فَأْرَةٌ خُذْ وَاضِحَ الْكَلِمِ وَمُرَادُهُ الْغُرَابُ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْفِسْقُ أَصْلُهُ خُرُوجُ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ فَوَاسِقَ اسْتِعَارَةً وَامْتِهَانًا لَهُنَّ لِكَثْرَةِ خُبْثِهِنَّ وَأَذَاهُنَّ وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ غَيْرُ الْخَمْسِ كَالدُّبِّ وَالنِّسْرِ وَنَحْوِهِمَا. قَوْلُهُ: (بَلْ يُخْلِيهَا) أَيْ يُخْلِي سَبِيلَهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَنَى وَعِبَارَةُ م ر. بَلْ يَجِبُ أَنْ يُخْلِيَ سَبِيلَهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لَهُ حَبْسُهَا لِتَمُوتَ جُوعًا) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقَّ الْقَتْلِ لِحِرَابَةٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا إذْ لَا تَسْقُطُ كِفَايَتُهُ أَيْ مِنْ الْمُؤْنَةِ بِذَلِكَ لِأَنَّ قَتْلَهُ بِتَجْوِيعِهِ تَعْذِيبٌ يَمْنَعُ مِنْهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (إلَّا لِأَكْلِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَذْبَحُهُ لِأَخْذِ جِلْدِهِ أَوْ رِيشِهِ قَوْلُهُ: (أَوْ إكْرَاهًا) أَيْ وَيَصْرِفُ أُجْرَتَهَا فِي مُؤْنَتِهَا. قَوْلُهُ: (فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) ثُمَّ عَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَلَّفُونَ) أَتَى بِجَمْعِ الْعُقَلَاءِ تَغْلِيبًا لَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: (لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ فِي الرَّقِيقِ) وَهُوَ " لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ " اهـ. وَالْمُرَادُ تَكْلِيفُهُ ذَلِكَ فَلَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِحَاجَةٍ أَوْ عُذْرٍ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَقِيسَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّقِيقِ قَوْلُهُ: (الدَّوَامَ عَلَيْهِ) هَذَا هُوَ الْمَنْفِيُّ وَأَمَّا الْعَمَلُ الشَّاقُّ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَجَائِزٌ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ ضَرَرًا فَاحِشًا وَلَمْ يَقْصِدْ الْمُدَاوَمَةَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَلَّفَ دَابَّتَهُ أَوْ رَقِيقَهُ عَمَلًا لَا يُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ مَعَ قَصْدِ الْمُدَاوَمَةِ حَرُمَ، وَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَيَتْبَعُ السَّيِّدُ فِي تَكْلِيفِ رَقِيقِهِ الْعَادَةَ فِي إرَاحَتِهِ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ وَفِي الْعَمَلِ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَيُرِيحُهُ مِنْ الْعَمَلِ إمَّا اللَّيْلَ إذَا اسْتَعْمَلَهُ نَهَارًا أَوْ النَّهَارَ إنْ اسْتَعْمَلَهُ لَيْلًا وَإِنْ اعْتَادُوا أَيْ السَّادَةُ الْخِدْمَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 عَلَيْهِ تَكْلِيفُهُ الدَّابَّةَ مَا لَا تُطِيقُهُ مِنْ ثَقِيلِ الْحِمْلِ أَوْ إدَامَةِ السَّيْرِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَقَالَ فِي الزَّوَائِدِ يَحْرُمُ تَحْمِيلُهَا مَا لَا تُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ كَمَا سَبَقَ فِي الرَّقِيقِ. تَتِمَّةٌ: لَا يَحْلُبُ الْمَالِكُ مِنْ لَبَنِ دَابَّتِهِ، مَا يَضُرُّ وَلَدَهَا لِأَنَّهُ غِذَاؤُهُ كَوَلَدِ الْأَمَةِ، وَإِنَّمَا يَحْلُبُ مَا فَضَلَ عَنْ رَيِّ وَلَدِهَا، وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ بِهِ إلَى لَبَنِ غَيْرِ أُمِّهِ إنْ اسْتَمْرَأَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ أَحَقُّ بِلَبَنِ أُمِّهِ وَلَا يَجُوزُ الْحَلْبُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْبَهِيمَةِ لِقِلَّةِ عَلْفِهَا وَلَا تَرْكُ الْحَلْبِ أَيْضًا إذَا كَانَ يَضُرُّهَا فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهَا كُرِهَ لِلْإِضَاعَةِ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَسْتَقْصِيَ الْحَالِبُ فِي الْحَلْبِ بَلْ يَدْعُ فِي الضَّرْعِ شَيْئًا وَأَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَهَا وَيَحْرُمُ: جَزُّ الصُّوفِ مِنْ أَصْلِ الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَكَذَا حَلْقُهُ، لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ قَالَهُ: الْجُوَيْنِيُّ، وَيَجِبُ عَلَى مَالِكِ النَّحْلِ أَنْ يُبْقِيَ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْعَسَلِ فِي الْكُوَّارَةِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ إنْ لَمْ يَكْفِهِ غَيْرُهُ. وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ يَشْوِي لَهُ دَجَاجَةً وَيُعَلِّقُهَا بِبَابِ الْكِوَارَةِ فَيَأْكُلُ مِنْهَا، وَعَلَى مَالِكِ دُودِ الْقَزِّ عَلْفُهُ بِوَرِقِ تُوتٍ أَوْ تَخْلِيَتُهُ كُلِّهِ لِئَلَّا يَهْلَكَ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ، وَيُبَاعُ فِيهِ مَالُهُ كَالْبَهِيمَةِ وَيَجُوزُ تَجْفِيفُهُ بِالشَّمْسِ عِنْدَ حُصُولِ نَوْلِهِ. وَإِنْ أَهْلَكَهُ لِحُصُولِ فَائِدَتِهِ. كَذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ وَخَرَجَ بِمَا فِيهِ رُوحٌ مَا لَا رُوحَ فِيهِ كَقَنَاةٍ وَدَارٍ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ عِمَارَتُهُمَا فَإِنَّ ذَلِكَ تَنْمِيَةٌ لِلْمَالِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ ذَلِكَ وَلَا يُكْرَهُ تَرْكُهَا إلَّا إذَا أَدَّى إلَى الْخَرَابِ فَيُكْرَهُ لَهُ. فَصْلٌ: فِي النَّفَقَةِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: نَفَقَةٌ تَجِبُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ. إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَهَا عَلَى نَفَقَةِ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   [حاشية البجيرمي] مِنْ الْأَرِقَّاءِ نَهَارًا مِنْ طَرَفَيْ النَّهَارِ بِطُولِهِ اُتُّبِعَتْ عَادَتُهُمْ وَعَلَى الْعَبْدِ بَذْلُ الْجَهْدِ، وَتَرْكُ الْكَسَلِ فِي الْخِدْمَةِ اهـ. وَقَالَ ع ش: وَلَوْ فَضَّلَ نَفِيسَ رَقِيقِهِ لِذَاتِهِ عَلَى خَسِيسِهِ، كُرِهَ فِي الْعَبِيدِ وَسُنَّ فِي الْإِمَاءِ اهـ. وَلَا يَحِلُّ ضَرْبُ الدَّابَّةِ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَمِثْلُ الضَّرْبِ النَّخْسُ حَيْثُ اُعْتِيدَ لِمِثْلِهِ، فَيَجُوزُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَوْ خَلَّى دَوَابَّهُ لِلرَّعْيِ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا تَذْهَبُ تَعُودُ إلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْرُمَ ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَسْيِيبِ السَّوَائِبِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ هَذَا لِلضَّرُورَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَوْ مَلَكَ حَيَوَانًا بِاصْطِيَادٍ، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ أَوْلَادًا تَتَضَرَّرُ بِفَقْدِهِ، فَالْأَوْجَهُ جَوَازُ تَخْلِيَتِهِ لِيَذْهَبَ لِأَوْلَادِهِ وَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّسْيِيبِ وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ لَهُ. قَوْلُهُ: (لَا يَحْلُبُ الْمَالِكُ) بَابُهُ قَتَلَ قَوْلُهُ: (مَا يَضُرُّ وَلَدَهَا) أَيْ أَوْ يَضُرُّهَا فَيَحْرُمُ شُرْبُ لَبَنِ الْبَهِيمَةِ، إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ ابْنِهَا أَوْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكْفِ الْعِجْلَ لَبَنُ أُمِّهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ لَبَنًا أَيْضًا لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا الطَّيْرُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (إنْ اسْتَمْرَأَهُ) بِالْهَمْزِ أَيْ كَانَ مَرِيئًا لَهُ أَيْ مَحْمُودَ الْعَاقِبَةِ أَوْ إنْ وَافَقَهُ وَأَلِفَهُ وَاعْتَادَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ الْحَلْبُ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا مَصْدَرٌ وَيُطْلَقُ الْحَلَبُ بِفَتْحَتَيْنِ عَلَى اللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ أَيْضًا وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ جَزُّ الصُّوفِ) أَيْ نَتْفُهُ بِخِلَافِ جَزِّهِ بِالْمِقَصِّ. قَوْلُهُ: (الْكُوَّارَةِ) بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ وَتَثْقِيلِهِ لُغَةً وَالْمُرَادُ هُنَا بَيْتُ النَّحْلِ كَالْخَلِيَّةِ وَيَجُوزُ فِيهَا كَسْرُ الْكَافِ مَعَ التَّخْفِيفِ وَحَذْفِ الْهَاءِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (نَوْلَهْ) بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ مَا يُنَالُ وَيَحْصُلُ مِنْهُ وَهُوَ الْحَرِيرُ. قَوْلُهُ: (لِحُصُولِ فَائِدَتِهِ) وَهِيَ الْحَرِيرُ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ إلَّا بِتَجْفِيفِهِ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِمَا فِيهِ رَوْحٌ إلَخْ) لَمْ يَتَقَدَّمْ التَّقْيِيدُ بِذِي الرَّوْحِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا فِيهِ رَوْحٌ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَا رَوْحَ فِيهِ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا. قَوْلَهُ: بِمَا فِيهِ رَوْحٌ أَيْ الْمَفْهُومُ مِمَّا سَبَقَ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا سَبَقَ فِي ذِي الرَّوْحِ فَهُوَ مَفْهُومٌ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ. قَوْلُهُ: (كَقَنَاةٍ وَدَارٍ) أَيْ وَزَرْعٍ وَثِمَارٍ فَلَا يَجِبُ سَقْيُهَا وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ حَرَامٌ، لِأَنَّ مَحِلَّهُ إذَا كَانَ سَبَبُهَا فِعْلًا دُونَ مَا إذَا كَانَ تَرْكًا كَمَا هُنَا. فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَلَفَ الْمَالِ بِالتَّرْكِ جَائِزٌ كَتَرْكِ الْأَشْجَارِ بِلَا سَقْيٍ وَالدَّارِ بِلَا عِمَارَةٍ، وَبِالْفِعْلِ لَا يَجُوزُ كَرَمْيِ دِرْهَمٍ مَثَلًا بِلَا غَرَضٍ. اهـ. م د. [فَصْلٌ فِي النَّفَقَةِ] ِ قَوْلُهُ: (فِي النَّفَقَةِ) فِيهِ أَنَّ الْفَصْلَ مَعْقُودٌ لِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ خَاصَّةً وَالشَّارِحُ جَعَلَهُ عَامًّا. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَهَا إلَخْ) أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 «ابْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَنَفَقَةٌ تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ. قَالَ الشَّيْخَانِ وَأَسْبَابُ وُجُوبِهَا ثَلَاثَةٌ النِّكَاحُ وَالْقَرَابَةُ وَالْمِلْكُ، وَأُورِدَ عَلَى الْحَصْرِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ صُوَرٌ مِنْهَا الْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَانِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُمَا عَلَى النَّاذِرِ وَالْمُهْدِي مَعَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهِمَا لِلْفُقَرَاءِ وَمِنْهَا نَصِيبُ الْفُقَرَاءِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ، وَقَدَّمَ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ الْمُمَكِّنَةِ مِنْ نَفْسِهَا وَاجِبَةٌ) بِالتَّمْكِينِ التَّامِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:   [حاشية البجيرمي] إنْ لَمْ تَصْبِرْ عَلَى الْإِضَافَةِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّدَقَةِ. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ مَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ فَقَالَ: حُقُوقٌ إلَى الزَّوْجَاتِ سَبْعٌ تَرَتَّبَتْ ... عَلَى الزَّوْجِ فَاحْفَظْ عَدَّهَا بِبَيَانِ طَعَامٌ وَأُدْمٌ كِسْوَةٌ ثُمَّ مَسْكَنٌ ... وَآلَةُ تَنْظِيفٍ مَتَاعٌ لِبُنْيَانِ وَمَنْ شَأْنُهَا الْإِخْدَامُ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا ... عَلَى زَوْجِهَا فَاحْكُمْ بِخِدْمَةِ إنْسَانٍ وَقَوْلُهُ: فِي النَّظْمِ لِبُنْيَانٍ الْمُرَادُ بِهِ الْبَيْتُ أَيْ مَتَاعُ الْبَيْتِ يَعْنِي فُرُشَ الْبَيْتِ الَّذِي تَجْلِسُ عَلَيْهِ أَوْ تَنَامُ عَلَيْهِ وَتَتَغَطَّى بِهِ وَشَامِلٌ أَيْضًا لِآلَةِ الطَّبْخِ وَلِآلَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْأُدْمُ شَامِلٌ لِلَّحْمِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْعِيَالَ وَالْقَرَابَةَ أَحَقُّ مِنْ الْأَجَانِبِ. قَوْلُهُ: (وَأُورِدَ عَلَى الْحَصْرِ إلَخْ) وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ الْمِلْكَ وَلِذَلِكَ لَا يَبْرَأُ بِالتَّسْلِيمِ، فَلَا إيرَادَ وَعِبَارَةُ أج قَدْ يُقَالُ: لَا إيرَادَ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ دَاخِلٌ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فِيمَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا نَصِيبُ الْفُقَرَاءِ) وَمِنْهَا خَادِمُ الزَّوْجَةِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الزَّوْجِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا مِنْ عَلَقِ النِّكَاحِ أَيْ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَقَبْلَ الدَّفْعِ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَالِكِ) الْأَوْلَى الْمُزَكِّي لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ وَارِدًا عَلَى الْحَصْرِ. قَوْلُهُ: (وَقَدَّمَ الْقِسْمَيْنِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: السَّبَبَيْنِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَسْبَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: وَقَدَّمَ الْقِسْمَيْنِ أَيْ قَدَّمَ مُسَبِّبَهُمَا وَهُمَا نَفَقَةُ الْقَرِيبِ وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ، وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ) أَيْ فِي مُسَبِّبِهِ. قَوْلُهُ: (وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ) لَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضُرَّ الْمَرْأَةَ بِثَلَاثِ ضَرَائِرَ وَيُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا جَعَلَ لَهَا ثَلَاثَةَ حُقُوقٍ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالْإِسْكَانُ وَهُوَ يَتَكَلَّفُهَا غَالِبًا لِضَعْفِ عَقْلِهَا فَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا ضِعْفُ مَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ وَهُوَ السِّتَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ الثَّلَاثُ ضَرَائِرَ وَالطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ وَمُرَادُهُ الزَّوْجَةُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَتَدْخُلُ الرَّجْعِيَّةُ وَالْبَائِنُ الْحَامِلُ فَيَجِبُ لَهُمَا مَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ مَا عَدَا آلَةَ التَّنْظِيفِ. وَالْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ جَمِيعُ مَا وَجَبَ لَهَا، فَحُكْمُهُ كَالنَّفَقَةِ لَا خُصُوصِ الْقُوتِ قَوْلُهُ: (الْمُمَكِّنَةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ أَمَةً وَخَرَجَ بِهَا غَيْرُ الْمُمَكِّنَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَعَدَمُ التَّمْكِينِ بِأُمُورٍ، مِنْهَا النُّشُوزُ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْوَطْءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ حَتَّى الْقُبْلَةُ وَإِذَا نَشَزَتْ بَعْضَ النَّهَارِ سَقَطَ جَمِيعُ نَفَقَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَذَا إذَا نَشَزَتْ بَعْضَ اللَّيْلِ فَتَسْقُطُ نَفَقَةُ الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ، لِأَنَّ اللَّيْلَ سَابِقُ النَّهَارِ وَإِذَا نَشَزَتْ أَثْنَاءَ فَصْلٍ سَقَطَتْ كِسْوَتُهُ الْوَاجِبَةُ مِنْ أَوَّلِهِ وَإِنْ عَادَتْ لِلطَّاعَةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ يَوْمِ النُّشُوزِ وَلَوْ جَهِلَ سُقُوطَهَا بِالنُّشُوزِ وَدَفَعَهَا لَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا الصِّغَرُ بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا صَغِيرًا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَمِنْهَا الْعِبَادَاتُ، فَإِذَا أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهِيَ فِي الْبَيْتِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا لَمْ تَخْرُجْ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْلِيلِهَا أَوْ بِإِذْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَكَذَا إذَا صَامَتْ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَامْتَنَعَتْ مِنْ الْإِفْطَارِ فَلَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَمَحِلُّ سُقُوطِ النَّفَقَةِ بِالنُّشُوزِ، إذَا لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا مَعَهُ اهـ. م د وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ تَخْرُجْ أَيْ فَإِنْ خَرَجَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَالْمُسْقِطُ لَهَا هُنَا الْعِبَادَةُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَاجِبَةٌ) أَيْ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فَلَوْ طَالَبَتْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّفْعُ. فَإِنْ تَرَكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَثِمَ وَلَا يُحْبَسُ وَلَا يُلَازَمُ وَلَيْسَ لَهَا مُطَالَبَتُهُ بِنَفَقَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا، وَلَوْ وَقَعَ التَّمْكِينُ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلَةِ وَجَبَ لَهَا بِقِسْطِهِ مِنْ الْبَاقِي بِخِلَافِ مَا لَوْ نَشَزَتْ وَعَادَتْ لَمْ يَجِبْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ نَفَقَةِ الْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلَةِ فَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهَا فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: (بِالتَّمْكِينِ التَّامِّ) خَرَجَ بِالتَّامِّ مَا لَوْ مَكَّنَتْهُ لَيْلًا فَقَطْ مَثَلًا أَوْ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَخَبَرِ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهَا سَلَّمَتْ مَا مَلَكَ عَلَيْهَا فَيَجِبُ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ لَهَا، وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ اسْتِحْقَاقُهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلَوْ حَصَلَ التَّمْكِينُ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُهَا بِالْقِسْطِ وَهَلْ التَّمْكِينُ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي فَلَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ. لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمَهْرَ وَهُوَ لَا يُوجِبُ عِوَضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَالْعَقْدُ لَا يُوجِبُ مَالًا مَجْهُولًا وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وَدَخَلَ بِهَا بَعْدَ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَهَا لَسَاقَهُ إلَيْهَا وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ فَإِنْ لَمْ تَعْرِضْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ مُدَّةً مَعَ سُكُوتِهِ عَنْ طَلَبِهَا وَلَمْ تَمْتَنِعْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. لِعَدَمِ التَّمْكِينِ وَإِنْ عَرَضَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ مَعَ حُضُورِهِ فِي بَلَدِهَا كَأَنْ بَعَثَتْ إلَيْهِ تُخْبِرُهُ أَنِّي مُسْلِمَةٌ نَفْسِي إلَيْك. فَاخْتَرْ أَنْ آتِيَك حَيْثُ شِئْت أَوْ تَأْتِيَ إلَيَّ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ حِينِ بُلُوغِ الْخَبَرِ لَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُقَصِّرٌ فَإِنْ غَابَ عَنْ بَلَدِهَا قَبْلَ عَرْضِهَا عَلَيْهِ، وَرَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ، مُظْهِرَةً التَّسْلِيمَ كَتَبَ الْحَاكِمُ لِحَاكِمِ بَلَدِ الزَّوْجِ يُعْلِمُهُ بِالْحَالِ فَيَجِيءُ أَوْ يُوَكِّلُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَمَضَى زَمَنُ إمْكَانِ وُصُولِهِ فَرَضَهَا الْقَاضِي فِي مَالِهِ مِنْ   [حاشية البجيرمي] دَارٍ مَخْصُوصَةٍ مَثَلًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا م ر. أَوْ كَانَتْ مُسَلَّمَةً لَهُ لَيْلًا لَا نَهَارًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ: بِالتَّمْكِينِ التَّامِّ التَّمْكِينُ غَيْرُ التَّامِّ كَمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ وَلَوْ تَمَتَّعَ بِالْمُقَدِّمَاتِ وَمَا إذَا كَانَتْ أَمَةً مُسَلَّمَةً لَهُ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ فِي نَوْعٍ مِنْ التَّمَتُّعِ دُونَ آخَرَ أَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ. قَوْلُهُ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} الْمُرَادُ بِهِ الزَّوْجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَالْمَعْنَى وَعَلَى مَا يُولَدُ لَهُ قَوْلُهُ: (بِأَمَانَةِ اللَّهِ) أَيْ جَعَلَهُنَّ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ كَالْأَمَانَةِ وَقَوْلُهُ: بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَهِيَ النِّكَاحُ وَالتَّزْوِيجُ قَوْلُهُ: (مَا مَلَكَ عَلَيْهَا) أَيْ مَا مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَهُوَ الْبُضْعُ وَتَوَابِعُهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْأُجْرَةِ لَهَا) أَيْ النَّفَقَةِ وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا أُجْرَةً لِأَنَّ الزَّوْجَةَ كَالْمُكْتَرَاةِ لِلزَّوْجِ، وَهُوَ كَالْمُكْتَرِي لَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَمَتَّعُ بِهَا قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَصَلَ التَّمْكِينُ) أَيْ ابْتِدَاءٌ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ نُشُوزٍ فَإِنْ سَبَقَ نُشُوزٌ، ثُمَّ أَطَاعَتْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَلَا تَجِبُ بِالْقِسْطِ لِتَعَدِّيهَا وَتَغْلِيظًا عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (فَالظَّاهِرُ وُجُوبُهَا بِالْقِسْطِ) وَيُحْسَبُ اللَّيْلُ وَهَذَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا لَوْ نَشَزَتْ فِي يَوْمٍ بَعْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ أَطَاعَتْ فِيهِ لَمْ يَجِبْ قِسْطُهُ كَمَا سَيَأْتِي. ق ل أَيْ بَلْ يَسْتَمِرُّ سُقُوطُ نَفَقَةِ الْيَوْمِ بِتَمَامِهِ. وَلَوْ كَانَ النُّشُوزُ فِي لَحْظَةٍ مِنْهُ مَا لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا فَإِنْ حَصَلَ الِاسْتِمْتَاعُ وَلَوْ كَانَتْ مُصِرَّةً عَلَى النُّشُوزِ، وَجَبَتْ لَهَا نَفَقَةُ الْيَوْمِ بِتَمَامِهِ، كَمَا صَدَّرَ بِهِ م ر فِي شَرْحِهِ. وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَالْعَزِيزِيُّ وَخَالَفَ ح ل. وَقَالَ: لَا يَجِبُ لَهَا إلَّا قَدْرُ زَمَنِ الِاسْتِمْتَاعِ فَقَطْ وَذَكَرَهُ م ر آخِرًا وَاعْتَمَدَهُ ع ش. فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُحَرَّرْ قَوْلُهُ: (أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي) فِيهِ أَنَّ النَّفَقَةَ دَائِرَةٌ مَعَ التَّمْكِينِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَهَذَا شَأْنُ السَّبَبِ لَا الشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ فَالْمُنَاسِبُ جَعْلُهُ سَبَبًا لَا شَرْطًا. قَوْلُهُ: (فَلَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَاجِبَةٌ بِالتَّمْكِينِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ) لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ هُوَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُعْسِرٌ أَوْ مُوسِرٌ أَوْ مُتَوَسِّطٌ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ سَنَتَيْنِ) الْمُعْتَمَدُ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ، لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَدَخَلَ بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ) أَيْ الْإِنْفَاقُ قَوْلُهُ: (وَلَسَاقَهُ) أَيْ الْإِنْفَاقَ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَعَ أَيْ سَوْقُهُ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ) وَلَوْ سَفِيهَةً، وَلَوْ قَالَ: كَشَرْحِ الْمَنْهَجِ وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ لَكَانَ أَخْصَرَ. قَوْلُهُ: (كَتَبَ الْحَاكِمُ) أَيْ وُجُوبًا بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (فَيَجِيءُ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ ع ش عَلَى م ر فَإِنْ مَنَعَهُ عُذْرٌ عَنْ الْمَجِيءِ لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي عَلَيْهِ شَيْئًا لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَرَضَهَا الْقَاضِي) هَذَا مَا قَالَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمَنْهَجِ وَالْمِنْهَاجِ وَاعْتَمَدَهُ م ر. وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْبُلْقِينِيُّ: أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ بَلْ تَجِبُ نَفَقَتُهَا مِنْ حِينِ وُصُولِ الْخَبَرِ إلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 حِينِ إمْكَانِ وُصُولِهِ. وَالْعِبْرَةُ فِي زَوْجَةٍ مَجْنُونَةٍ وَمُرَاهِقَةٍ عَرْضُ وَلِيِّهِمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا لِأَنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي التَّمْكِينِ فَقَالَتْ مَكَّنْت: فِي وَقْتِ كَذَا فَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. (وَهِيَ) أَيْ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ (مُقَدَّرَةٌ) عَلَى الزَّوْجِ بِحَسَبِ حَالِهِ ثُمَّ (إنْ كَانَ الزَّوْجُ) حُرًّا (مُوسِرًا فَمُدَّانِ) عَلَيْهِ لِزَوْجَتِهِ وَلَوْ أَمَةً وَكِتَابِيَّةً، مِنْ الْحَبِّ. (مِنْ غَالِبِ قُوتِهَا) أَيْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهَا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ غَيْرِهَا. حَتَّى يَجِبَ الْأَقِطُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْقُرَى الَّذِينَ يَعْتَادُونَهُ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَقِيَاسًا عَلَى الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ فَالتَّعْبِيرُ بِالْبَلَدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. (وَيَجِبُ لَهَا) مَعَ ذَلِكَ (مِنْ الْأُدْمِ) مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ أُدْمِ غَالِبِ الْبَلَدِ كَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ وَسَمْنٍ وَزُبْدٍ   [حاشية البجيرمي] وَمُضِيِّ زَمَنِ إمْكَانِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِلرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ وَكَتْبِهِ بَلْ قَالُوا: تَجِبُ النَّفَقَةُ مِنْ حِينِ يَصِلُ الْخَبَرُ إلَيْهِ وَيَمْضِي إمْكَانُ زَمَنِ الْقُدُومِ عَلَيْهَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلشَّرْحِ قَوْلُهُ: (وَمُرَاهِقَةٍ) بَعْدَ الْحُكْمِ بِطَاعَتِهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ، تَعُودُ نَفَقَتُهَا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَلَا تَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ وَإِعْلَامِهِ بِهِ، لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمُرْتَدَّةِ سَقَطَتْ بِرِدَّتِهَا فَإِنْ عَادَتْ إلَى الْإِسْلَامِ ارْتَفَعَ الْمُسْقِطُ، بِخِلَافِ النَّاشِزَةِ فَإِنَّ نَفَقَتَهَا سَقَطَتْ لِخُرُوجِهَا مِنْ يَدِ الزَّوْجِ وَطَاعَتِهِ فَلَا تَعُودُ إلَّا إذَا عَادَتْ إلَى قَبْضَتِهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي غَيْبَتِهِ إلَّا بِمَا مَرَّ. فَرْعٌ: الْتَمَسَتْ زَوْجَةُ غَائِبٍ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا فَرْضًا، اُشْتُرِطَ ثُبُوتُ النِّكَاحِ، وَإِقَامَتُهَا فِي مَسْكَنِهِ، وَحَلِفُهَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ وَأَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ نَفَقَةً مُسْتَقْبَلَةً فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةَ مُعْسِرٍ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ غَيْرُهُ وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ بِالْبَلَدِ يُرِيدُ الْأَخْذَ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِلْفَرْضِ، إلَّا أَنَّ لَهُ فَائِدَةً هِيَ مَنْعُ الْمُخَالِفِ مِنْ الْحُكْمِ بِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَأَيْضًا فَيُحْتَمَلُ طُرُوُّ مَالٍ فَتَأْخُذُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى رَفْعٍ لِلْحَاكِمِ. وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ. اهـ. س ل. وَقَوْلُهُ: وَمُرَاهِقَةٍ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ ح ل أَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ فِيهَا مُعْصِرٌ وَعِبَارَةُ ح ل الْمُعْصِرُ بِمَثَابَةِ الْمُرَاهِقِ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّهُ يُقَالُ صَبِيٌّ مُرَاهِقٌ وَصَبِيَّةٌ مُعْصِرَةٌ وَلَا يُقَالُ هِيَ مُرَاهِقَةٌ اهـ. بِحُرُوفِهِ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَاهِقَةَ لَيْسَتْ قَيْدًا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مُحْتَمِلَةِ الْوَطْءِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَأَمَّا الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا قَالَ فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ تَجِبُ الْمُؤَنُ وَلَوْ عَلَى صَغِيرٍ لَا يُمْكِنُهُ وَطْءٌ لَا لِصَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ بِالتَّمْكِينِ لَا بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا لَا تَجِبُ لِلصَّغِيرَةِ لِتَعَذُّرِ الْوَطْءِ لِمَعْنًى فِيهَا كَالنَّاشِزَةِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ إذْ الْمَانِعُ مِنْ جِهَتِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى صَغِيرٍ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ وَانْظُرْ هَلْ الْوُجُوبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْوَلِيِّ مُتَحَمَّلٌ عَنْهُ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ: فِي الْفِطْرَةِ أَوْ الْوُجُوبُ عَلَى الْوَلِيِّ ابْتِدَاءً حَرِّرْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي التَّمْكِينِ إلَخْ) خَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِنْفَاقِ وَالنُّشُوزِ فَإِنَّهَا الْمُصَدَّقَةُ فَإِنْ ادَّعَى دَفْعَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا وَكَذَا إذَا ادَّعَى النُّشُوزَ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى التَّمْكِينِ فَإِنَّهَا الْمُصَدَّقَةُ أَيْضًا ز ي أج. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهَا الْيَمِينُ فَحَلَفَتْ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ. لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْبَيِّنَةِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: مُقَدَّرَةٌ فَتَقْدِيرُ الشَّارِحِ. ثَمَّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: بَدَلَ قَوْلِهِ: ثَمَّ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مَرْتَبَةَ التَّفْصِيلِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ مَرْتَبَةِ الْإِجْمَالِ فَصَحَّ الْإِتْيَانُ بِثُمَّ. قَوْلُهُ: (حُرًّا) أَمَّا الرَّقِيقُ فَمُعْسِرٌ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ: مُوسِرًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِ: مُعْسِرٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مِنْ الْحَبِّ) لَيْسَ بِقَيْدٍ قَوْلُهُ: (مِنْ غَالِبِ إلَخْ) أَيْ مَا يَسْتَعْمِلُهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَحِلِّ غَالِبَ الْأَوْقَاتِ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ غَالِبًا لَيَاقَتُهُ بِالزَّوْجِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ لَائِقًا بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ ح ل. قَوْلُهُ: (أَيْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهَا) أَيْ مِمَّا يَقْتَاتُونَهُ أَكْثَرَ أَيَّامِ السَّنَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (فَالتَّعْبِيرُ بِالْبَلَدِ) أَيْ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: أَيْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهَا وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِمَا ذَكَرَهُ وَجَعَلَهُ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ وَلَمْ يُفَسِّرْ كَلَامَهُ بِقَوْلِهِ: أَيْ غَالِبِ قُوتِ مَكَانِهَا فَيَشْمَلُ الْقَرْيَةَ وَالْبَادِيَةَ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْبَلَدِ هُوَ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كَزَيْتٍ) بَدَأَ بِهِ لِخَبَرِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا كَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا «كُلُوا الزَّيْتَ وَادْهُنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» فِي لَفْظٍ «فَإِنَّهُ طَيِّبٌ مُبَارَكٌ» شَرْحُ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (شَيْرَجٍ) هُوَ دُهْنُ السِّمْسِمِ وَهُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَلَا يَجُوزُ كَسْرُهَا اهـ مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 وَتَمْرٍ وَخَلٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وَلَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ تَكْلِيفُهَا الصَّبْرَ عَلَى الْخُبْزِ وَحْدَهُ إذْ الطَّعَامُ غَالِبًا لَا يَنْسَاغُ إلَّا بِالْأُدْمِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْخُبْزُ وَالسَّمْنُ وَيَخْتَلِفُ قَدْرُ الْأُدْمِ بِالْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ فَيَجِبُ لَهَا فِي كُلِّ فَصْلٍ مَا يَعْتَادُهُ النَّاسُ مِنْ الْأُدْمِ. قَالَ الشَّيْخَانِ وَقَدْ تَغْلِبُ الْفَاكِهَةُ فِي أَوْقَاتِهَا فَتَجِبُ وَيُقَدِّرُ الْأُدْمَ عِنْدَ تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ فِيهَا قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ إذْ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَيُفَاوَتُ فِي قَدْرِهِ بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ فَيُنْظَرُ فِي جِنْسِ الْأُدْمِ. وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُدُّ فَيَفْرِضُهُ عَلَى الْمُعْسِرِ وَيُضَاعِفُهُ لِلْمُوسِرِ وَيُوَسِّطُهُ فِيهِمَا لِلْمُتَوَسِّطِ. وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ لَحْمٌ يَلِيقُ بِيَسَارِهِ وَتَوَسُّطِهِ وَإِعْسَارِهِ كَعَادَةِ الْبَلَدِ وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا تَأْكُلُ الْخُبْزَ وَحْدَهُ وَجَبَ لَهَا الْأُدْمُ وَلَا نَظَرَ لِعَادَتِهَا لِأَنَّهُ حَقُّهَا (وَ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ (الْكِسْوَةِ) لِفَصْلَيْ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَلَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ: «وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» . وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْكِسْوَةُ تَكْفِيهَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَتَخْتَلِفُ كِفَايَتُهَا بِطُولِهَا وَقِصَرِهَا وَسِمَنِهَا وَهُزَالِهَا وَبِاخْتِلَافِ   [حاشية البجيرمي] {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] أَيْ وَالزَّوْجَةُ مِنْ الْأَهْلِ أَوْ هِيَ الْمُرَادَةُ بِالْأَهْلِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ أَوْسَطِ إلَخْ مَفْرُوضٌ فِي الْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ فِيهَا زَيْتٌ وَلَا سَمْنٌ وَلَا يَكْفِي فِيهَا الْخُبْزُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ لَا مَذْهَبُنَا، كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَقَوْلُهُ: بِأَنَّ هَذَا أَيْ التَّكْفِيرَ بِالْخُبْزِ وَالزَّيْتِ أَوْ السَّمْنِ وَقَوْلُهُ مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ أَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ. قَوْلُهُ: (الْخُبْزِ وَالزَّيْتِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ أَوْسَطِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ عَلَيْهِ وَهَذَا دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ الطَّعَامُ لَا يَنْسَاغُ إلَّا بِالْأُدْمِ وَإِلَّا فَهَذِهِ الْآيَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا فِيمَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ، وَاخْتِلَافُ التَّفْسِيرِ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَمَاكِنِ، فَالتَّفْسِيرَانِ بِحَسَبِ حَالِ النَّاسِ. قَوْلُهُ: (وَيَخْتَلِفُ قَدْرُ الْأُدْمِ) الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ: قَدْرُ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ م ر، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَصْلِ الْأُدْمِ وَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَيُقَدَّرُ الْأُدْمُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَغْلِبُ الْفَاكِهَةُ) لَيْسَ هَذِهِ مِنْ الْأُدْمِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ، أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَكْلِ وَالْأُدْمِ. بَلْ كُلُّ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ يَجِبُ حَتَّى نَحْوُ قَهْوَةٍ وَفِطْرَةٍ، وَكَعْكٍ وَسَمَكٍ فِي أَوْقَاتِهَا وَسَيَأْتِي ق ل. قَالَ: شَيْخُنَا وَهَلْ تَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْأُدْمِ أَوْ زَائِدَةً عَلَيْهِ يُتَّبَعُ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ سِرَاجٍ لَهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ فِي مَحِلٍّ جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَلَهَا إبْدَالُهُ أَيْ السِّرَاجِ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَتَجِبُ) أَيْ الْفَاكِهَةُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي قَدْرِهَا مَا هُوَ اللَّائِقُ بِأَمْثَالِهِ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهَا إنْ أَغْنَتْهُ عَنْ الْأُدْمِ بِأَنْ كَانَ يَتَأَتَّى عَادَةَ التَّأَدُّمِ بِهَا لَمْ يَجِبْ مَعَهَا مُضَرَّبٌ آخَرُ وَإِلَّا وَجَبَ. تَنْبِيهٌ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مَا تَطْلُبُهُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ مَا يُسَمَّى بِالْوَحَمِ مِنْ نَحْوِ مَا يُسَمَّى بِالْمُلُوحَةِ إذَا اُعْتِيدَ ذَلِكَ. وَأَنَّهُ حَيْثُ وَجَبَتْ الْفَاكِهَةُ وَالْقَهْوَةُ وَنَحْوُ مَا يُطْلَبُ عِنْدَ الْوَحَمِ، يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ فَلَوْ فَوَّتَهُ اسْتَقَرَّ لَهَا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَوْ اعْتَادَتْ نَحْوَ الْأَفْيُونِ بِحَيْثُ تَخْشَى بِتَرْكِهِ مَحْذُورًا مِنْ تَلَفِ نَفْسٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّدَاوِي اهـ م ر سم. قَوْلُهُ: (فَيَفْرِضُهُ) أَيْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَدُّ قَوْلُهُ: (وَيُوَسِّطُهُ فِيهِمَا) نُسْخَةٌ بَيْنَهُمَا: أَيْ بَيْنَ الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ وَهِيَ الصَّوَابُ قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ لَحْمٌ) عَطْفُهُ عَلَى الْأُدْمِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَقَدْ يُطْلَقُ اسْمُ الْأُدْمِ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ نَحْوِ مَاءٍ وَحَطَبٍ وَمَا يُطْبَخُ بِهِ مِنْ نَحْوِ قَرْعٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْكِسْوَةُ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَضَمِّهَا قَوْلُهُ: (لِفَصْلَيْ الشِّتَاءِ) : غَلَّبَ فَصْلُ الشِّتَاءِ عَلَى فَصْلِ الرَّبِيعِ وَفَصْلُ الصَّيْفِ عَلَى فَصْلِ الْخَرِيفِ، وَإِلَّا فَالْكِسْوَةُ تَجِبُ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا لِفَصْلِ الشِّتَاءِ وَحْدَهُ وَلَا لِفَصْلِ الصَّيْفِ الْحَقِيقِيَّيْنِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: 233] وَهُوَ الزَّوْجُ. قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْكِسْوَةُ تَكْفِيهَا) لِأَنَّ لَهُ التَّمَتُّعَ بِجَمِيعِ بَدَنِهَا فَوَجَبَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 الْبِلَادِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَا يَخْتَلِفُ عَدَدُ الْكِسْوَةِ، بِاخْتِلَافِ يَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ وَلَكِنَّهُمَا يُؤَثِّرَانِ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَدْوِيَّةِ وَالْحَضَرِيَّةِ، وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَخِمَارٌ وَمُكَعَّبٌ. وَيَزِيدُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً مَحْشُوَّةً قُطْنًا أَوْ فَرْوَةً بِحَسَبِ الْعَادَةِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ وَيَجِبُ لَهَا أَيْضًا تَوَابِعُ ذَلِكَ مِنْ كُوفِيَّةٍ لِلرَّأْسِ وَتِكَّةٍ لِلِّبَاسِ وَزِرِّ الْقَمِيصِ وَالْجُبَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَجِنْسِ الْكِسْوَةِ مِنْ قُطْنٍ لِأَنَّهُ لِبَاسُ أَهْلِ الدِّينِ   [حاشية البجيرمي] كِفَايَتُهُ وَلَا يُجَابُ لِمَا دُونَهُ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتَهُمْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِاعْتِيَادِ أَهْلِ بَلَدٍ ثِيَابُهَا كَثِيَابِ الرَّجُلِ، وَأَنَّهَا لَوْ طَلَبَتْ تَطْوِيلَ ذَيْلِهَا ذِرَاعًا أُجِيبَتْ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّهُ أَهْلُ بَلَدِهَا. لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ السَّتْرِ. وَيَخْتَلِفُ عَدَدُهَا بِاخْتِلَافِ مَحِلِّ الزَّوْجَةِ بَرْدًا وَحَرًّا وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اعْتَادُوا ثَوْبًا لِلنَّوْمِ وَجَبَ كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ اهـ. وَاعْتُبِرَتْ الْكِفَايَةُ فِي الْكِسْوَةِ دُونَ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا فِي الْكِسْوَةِ مُحَقَّقَةٌ بِالرُّؤْيَةِ بِخِلَافِهَا فِي النَّفَقَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَدْوِيَّةِ) إنْ كَانَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: وَلَا يَخْتَلِفُ عَدَدُ الْكِسْوَةِ إلَخْ كَانَ ضَعِيفًا لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي عَدَدِ الْكِسْوَةِ لِأَنَّ الْبَدْوِيَّةَ لَهَا كِسْوَةٌ وَالْحَضَرِيَّةَ لَهَا كِسْوَةٌ وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: وَلَا بُدَّ أَنْ تَكْفِيَهَا كَانَ صَحِيحًا، وَالضَّابِطُ: أَنَّ عَدَدَ الْكِسْوَةِ فِي كُلِّ مَكَان لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ مَكَان مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ عِنْدَهُمْ وَلَا يَخْتَلِفُ عَدَدُهُ بِالْيَسَارِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ يُؤَثِّرَانِ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ لَهَا الْقَهْوَةُ وَالدُّخَانُ وَفِطْرَةُ الْعِيدِ وَكَعْكُ الْعِيدِ وَسَمَكُهُ وَلَحْمُ الْأُضْحِيَّةِ وَحُبُوبُ الْعُشْرِ وَالْكِشْكُ فِي أَرْبَعِ أَيُّوبَ وَمَا تَحْتَاجُهُ عِنْدَ الْوَحَمِ، وَأَمَّا الْأَفْيُونُ فَلَا يَجِبُ وَكَذَلِكَ الْحُلْبَةُ بِالْعَسَلِ عَقِبَ النِّفَاسِ لَا تَجِبُ وَكَذَا إطْعَامُ مَنْ يَأْتِي إلَيْهَا مِنْ النِّسَاءِ فِي النِّفَاسِ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَبْلَ الْأُولَى بِرْمَاوِيٌّ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّقْرِيرَ فِي غَالِبِ الْبِلَادِ الَّتِي تَبْقَى فِيهَا الْكِسْوَةُ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَإِنْ كَانُوا فِي بِلَادٍ لَا تَبْقَى فِيهَا الْكِسْوَةُ هَذِهِ الْمُدَّةَ لِفَرْطِ الْحَرَارَةِ أَوْ لِرَدَاءَةِ ثِيَابِهَا اُتُّبِعَتْ عَادَتُهُمْ وَكَذَا إنْ كَانُوا يَعْتَادُونَ لُبْسَ مَا يَبْقَى سَنَةً كَالْأَكْسِيَةِ الْوَثِيقَةِ فَالْأَشْبَهُ اعْتِبَارُ عَادَتِهِمْ وَيُفْهَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَادَةِ أَنَّهُمْ لَوْ اعْتَادُوا التَّجْدِيدَ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا فَدَفَعَ لَهَا، مِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فَلَمْ يَبْلَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وُجُوبُ تَجْدِيدِهِ عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ مَا أَخَذَتْهُ عَنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ دُونَ مَا بَعْدَهَا وَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ أَحَدِهِمَا فَالْوَاجِبُ الْقِسْطُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْقِسْطِ هُنَا فَإِنَّ مِنْ الْكِسْوَةِ الْقَمِيصُ مَثَلًا فَمَا مَعْنَى التَّقْسِيطُ فِيهِ هَلْ هُوَ خَلَقٌ يَكْفِي مَا بَقِيَ أَوْ بِنِسْبَةِ مَا بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِ. اهـ. سم مُلَخَّصًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ لِلْقِيمَةِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْكِسْوَةِ الْكَامِلَةِ مِنْ الرِّيَالَاتِ سِتَّةً وَمُكِّنَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ السَّنَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (قَمِيصٌ) وَفِي تَعْبِيرِهِ بِقَمِيصٍ إشْعَارٌ بِوُجُوبِ الْخِيَاطَةِ، عَلَى الزَّوْجِ سم وَز ي وَعِبَارَةُ ق ل: وَيَتْبَعُهُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ خِيَاطَةٍ وَخَيْطٍ وَإِنْ لَمْ تَخِطْ بِهِ كَمَا فِي الطَّحْنِ. وَنَحْوِهِ وَلَوْ دَفَعَهُ لَهَا مَخِيطًا لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهُ. وَيَكْفِي مَلْبُوسٌ لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ وَأَوْلَى مِنْهُ الْجَدِيدُ ق ل وَالْعِبَارَةُ فِي التَّعَدُّدِ بِأَمْثَالِهَا وَلَوْ انْتَقَلَتْ إلَى بَلَدٍ اُعْتُبِرَ أَهْلُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَسَرَاوِيلُ) قَالَ الْمُرَادِيُّ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ سَرَاوِيلَ جَمْعُ سِرْوَالَةٍ وَأَنَّهُ عَرَبِيٌّ أُطْلِقَ عَلَى الْمُفْرَدِ وَرُدَّ بِأَنَّ سِرْوَالَةَ لَمْ يُسْمَعْ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ مِنْ اللُّؤْمِ سِرْوَالَةٌ فَمَصْنُوعٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ قُلْت ذَكَرَ الْأَخْفَشُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ الْعَرَبِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْعَرَبُ يَقُولُونَ سِرْوَالٌ وَاَلَّذِي يَرِدُ بِهِ هَذَا الْقَوْلُ أَنَّ سِرْوَالًا لُغَةً فِي سَرَاوِيلَ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ وَأَنَّ النَّقْلَ لَمْ يَثْبُتْ لَا سِيَّمَا فِي الْأَجْنَاسِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الْأَعْلَامِ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الْمَلَوِيِّ عَلَى الْمَكُّودِيِّ. قَوْلُهُ: (وَمُكَعَّبٌ) أَيْ مَدَاسٌ وَيَلْحَقُ بِهِ الْقَبْقَابُ إذَا جَرَتْ عَادَتُهَا بِهِ شَرْحُ الرَّوْضِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْعَيْنِ أَوْ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ، وَلَوْ جَرَتْ عَادَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْقُرَى أَنْ لَا يَلْبَسْنَ شَيْئًا فِي أَرْجُلِهِنَّ فِي الْبُيُوتِ لَمْ يَجِبْ لِأَرْجُلِهِنَّ شَيْءٌ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَزِيدُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ) ذِكْرُهُمَا إيضَاحٌ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (فِي الشِّتَاءِ) يَعْنِي وَقْتَ الْبَرْدِ. وَلَوْ فِي غَيْرِ الشِّتَاءِ حَجّ قَالَ ع ش: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَلَدِهَا بِتَوْسِعَةٍ كُمِّ ثِيَابِهِمْ إلَى حَدٍّ تَظْهَرُ مَعَهُ الْعَوْرَةُ أُعْطِيت مِنْهُ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ مَعَ مُقَارَبَتِهِ لِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ اهـ. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تُرْفَةٌ وَرُعُونَةٌ. فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ لِمِثْلِ الزَّوْجِ بِكَتَّانٍ أَوْ حَرِيرٍ، وَجَبَ مَعَ وُجُوبِ التَّفَاوُتِ فِي مَرَاتِبِ ذَلِكَ الْجِنْسِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مَا تَقْعُدُ عَلَيْهِ كَزِلِّيَّةٍ أَوْ لِبْدٍ فِي الشِّتَاءِ أَوْ حَصِيرٍ فِي الصَّيْفِ وَهَذَا لِزَوْجَةِ الْمُعْسِرِ. أَمَّا زَوْجَةُ الْمُوسِرِ، فَيَجِبُ لَهَا نِطْعٌ فِي الصَّيْفِ وَطَنْفَسَةٌ فِي الشِّتَاءِ وَهِيَ بِسَاطٌ صَغِيرٌ ثَخِينٌ لَهُ وَبَرَةٌ كَبِيرَةٌ وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ فِرَاشٌ لِلنَّوْمِ، غَيْرَ مَا تَفْرِشُهُ نَهَارًا لِلْعَادَةِ الْغَالِبَةِ وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مِخَدَّةٌ وَلِحَافٌ أَوْ كِسَاءٌ فِي الشِّتَاءِ فِي بَلَدٍ بَارِدٍ وَمِلْحَفَةٌ بَدَلَ اللِّحَافِ أَوْ الْكِسَاءِ فِي الصَّيْفِ. (وَإِنْ كَانَ) الزَّوْجُ (مُعْسِرًا فَمُدٌّ) وَاحِدٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ مَحِلِّهَا كَمَا مَرَّ. (وَ) يَجِبُ لَهَا مَعَ ذَلِكَ (مَا يَتَأَدَّمُ بِهِ الْمُعْسِرُونَ وَيَكْسُونَهُ) قَدْرًا وَجِنْسًا عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ. (وَإِنْ كَانَ) الزَّوْجُ حُرًّا (مُتَوَسِّطًا) بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ (فَمُدٌّ وَنِصْفٌ) أَيْ وَنِصْفُ مُدٍّ مِنْ غَالِبِ قُوتِ مَحِلِّهَا كَمَا مَرَّ (وَ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ (مِنْ الْأُدْمِ) قَدْرًا وَجِنْسًا عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ (وَ) مِنْ (الْكِسْوَةِ الْوَسَطِ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَاحْتَجُّوا لِأَصْلِ التَّفَاوُتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وَاعْتَبَرَ الْأَصْحَابُ النَّفَقَةَ بِالْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَالٌ يَجِبُ بِالشَّرْعِ وَيَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ وَأَكْثَرُ مَا وَجَبَ فِي الْكَفَّارَةِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ وَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْأَذَى فِي الْحَجِّ. وَأَقَلُّ مَا وَجَبَ لَهُ مُدٌّ فِي نَحْوِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَأَوْجَبُوا عَلَى الْمُوسِرِ الْأَكْثَرَ وَهُوَ مُدَّانِ لِأَنَّهُ قَدْرُ الْمُوسِعِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ الْأَقَلُّ وَهُوَ مُدٌّ لِأَنَّ الْمُدَّ الْوَاحِدَ يَكْتَفِي بِهِ الزَّهِيدُ وَيَقْتَنِعُ بِهِ الرَّغِيبُ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَوْ أَلْزَمَ الْمَدِينَ لَضَرَّهُ وَلَوْ اكْتَفَى   [حاشية البجيرمي] كُوفِيَّةٍ) أَيْ عِرْقِيَّةٍ هَذَا عِنْدَ الْحَضَرِ وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ عُصْبَةٌ أَيْ فَإِنَّهَا أَيْ الْعِرْقِيَّةُ تَابِعَةٌ لِلطَّرْبُوشِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مِنْ قُطْنٍ) هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الصُّوفِ لِمَا عَلَّلَ بِهِ الشَّارِحُ لَكِنْ رَأَيْت فِي قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الصُّوفِ فَلْيُحَرَّرْ. قَوْلُهُ: (رُعُونَةً) هِيَ الْحَمَاقَةُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ إلَخْ) أَيْ فَمَحِلُّ الْقُطْنِ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِخِلَافِهِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كَزِلِّيَّةٍ) وَهِيَ بِسَاطُ صَغِيرٌ وَقِيلَ شَيْءٌ مُضَرَّبٌ صَغِيرٌ وَهِيَ بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَهِيَ لِلْمُتَوَسِّطِ وَاللِّبَدُ لِلْفَقِيرِ فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَأَرَادَ بِالْمُعْسِرِ مَا عَدَا الْمُوسِرَ فَيَشْمَلُ الْمُتَوَسِّطَ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَصِيرٍ) الْحَصِيرُ مَعْرُوفٌ وَلَا يُقَالُ حَصِيرَةٌ بِالْهَاءِ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ. قَوْلُهُ: (نِطْعٌ) كَالْجِلْدِ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الطَّاءِ وَفَتْحِهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَطَنْفَسَةٌ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْفَاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَبِضَمِّهِمَا وَبِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَبَرَةٌ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهِيَ لِلْبَعِيرِ كَالصُّوفِ لِلْغَنَمِ وَكَذَا الْأَرَانِبُ وَمَا أَشْبَهَهُ. قَوْلُهُ: (مَا تَفْرُشُهُ نَهَارًا) بِضَمِّ الرَّاءِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ ع ش. قَوْلُهُ: (مِخَدَّةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهَا الْخَدُّ وَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي اللِّحَافِ وَغَيْرِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَمِلْحَفَةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ الِالْتِحَافِ أَيْ مِلَايَةٌ الَّتِي تَلْتَحِفُ بِهَا الْمَرْأَةُ وَاللِّحَافُ كُلُّ ثَوْبٍ يَتَغَطَّى بِهِ وَالْجَمْعُ لُحُفٌ مِثْلُ كِتَابٍ وَكُتُبٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ. فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمِلْحَفَةِ وَاللِّحَافِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُلَاءَةَ ثَوْبٌ ذُو لِفْقَيْنِ أَيْ فِلْقَتَيْنِ فَتُخَاطُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَأَمَّا اللِّحَافُ فَثَوْبٌ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ) يَقْتَضِي أَنَّهُ مَرَّ التَّفَاوُتُ فِي قَدْرِ الْمُدِّ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ وَالْمُتَوَسِّطِ وَأَنَّهُ مَرَّ اخْتِلَافُ جِنْسِهِ بِاعْتِبَارِ الْيَسَارِ وَضِدَّيْهِ وَلَمْ يَمُرَّ شَيْءٌ مِنْهُمَا نَعَمْ مَرَّ لَهُ التَّفَاوُتُ فِي قَدْرِهِ فِي فَرْضِ الْقَاضِي عِنْدَ التَّنَازُعِ. وَقَدْ ذَكَرَ التَّفَاوُتَ فِي الْقَدْرِ بَيْنَ الْمُعْسِرِ وَغَيْرِهِ م ر، وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْجِنْسِ بِاعْتِبَارِ الْمُعْسِرِ وَضِدَّيْهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ م د وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمْ فِي الْجِنْسِ وَظَاهِرُ الشَّارِحِ أَنَّهُ مَرَّ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْكِسْوَةِ مَعَ أَنَّهُ مَرَّ لَهُ أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ عَدَدُ الْكِسْوَةِ أَيْ قَدْرُهَا بِاخْتِلَافِ يَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ وَلَكِنَّهُمَا يُؤَثِّرَانِ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَحِينَئِذٍ فَالْجِنْسُ وَاحِدٌ فِيهِمَا وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ صِفَتُهُ وَالْقَدْرُ فِيهِمَا غَيْرُ مُخْتَلِفٍ وَمَا قَرَّرَهُ فِي هَذَا يَجْرِي فِي قَوْلِهِ فِي الْمُتَوَسِّطِ: قَدْرًا وَجِنْسًا عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ. قَوْلُهُ: (وَاحْتَجُّوا) تَبَرَّأَ مِنْهُ لِأَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ وَاضِحَةً فِيمَا ذُكِرَ إذْ مُقْتَضَاهَا أَنْ لَا نَفَقَةَ عَلَى الْمُعْسِرِ إذْ لَا سَعَةَ لَهُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَاعْتَبَرَ الْأَصْحَابُ) أَيْ قَاسُوا النَّفَقَةَ عَلَى الْكَفَّارَةِ. قَوْلُهُ: (فِي كَفَّارَةِ الْأَذَى) أَيْ كَالْحَلْقِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 مِنْهُ بِمُدٍّ لَضَرَّهَا فَلَزِمَهُ مُدٌّ وَنِصْفٌ. وَالْمُعْسِرُ هُنَا مِسْكِينُ الزَّكَاةِ لَكِنْ قُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْإِعْسَارِ فِي النَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَتْ تُخْرِجُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ فِي الزَّكَاةِ وَمِنْ فَوْقِ الْمِسْكِينِ إنْ كَانَ لَوْ كُلِّفَ إنْفَاقَ مُدَّيْنِ رَجَعَ مِسْكِينًا فَمُتَوَسِّطٌ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ مِسْكِينًا فَمُوسِرٌ. وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ وَقِلَّةِ الْعِيَالِ وَكَثْرَتِهِمْ، أَمَّا مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُبَعَّضًا وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُ فَمُعْسِرٌ لِضَعْفِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَنَقْصِ حَالِ الْمُبَعَّضِ وَعَدَمِ مِلْكِ غَيْرِهِمَا. وَلَوْ اخْتَلَفَ قُوتُ الْبَلَدِ وَلَا غَالِبَ فِيهِ أَوْ اخْتَلَفَ الْغَالِبُ وَجَبَ لَائِقٌ بِالزَّوْجِ لَا بِهَا فَلَوْ كَانَ يَأْكُلُ فَوْقَ اللَّائِقِ بِهِ تَكَلُّفًا لَمْ يُكَلَّفْ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ بُخْلًا أَوْ زُهْدًا وَجَبَ اللَّائِقُ بِهِ. وَيُعْتَبَرُ الْيَسَارُ وَغَيْرُهُ مِنْ تَوَسُّطٍ وَإِعْسَارٍ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ حَتَّى لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ أَوْ أَعْسَرَ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ نَفَقَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ هَذَا إذَا كَانَتْ مُمْكِنَةً حِينَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَمَّا الْمُمْكِنَةُ بَعْدَهُ فَيُعْتَبَرُ الْحَالُ عَقِبَ تَمْكِينِهَا وَعَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا الطَّعَامَ حَبًّا سَلِيمًا وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ طَحْنِهِ وَعَجْنِهِ وَخَبْزِهِ بِبَذْلِ مَالٍ أَوْ يَتَوَلَّى   [حاشية البجيرمي] بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (الزَّهِيدُ) أَيْ قَلِيلُ الْأَكْلِ ع ش. قَوْلُهُ: (وَيَقْتَنِعُ) فِي نُسْخَةٍ وَيَنْتَفِعُ وَهِيَ الْأَوْلَى، لِأَنَّ التَّرْغِيبَ لَا يُقْنِعُ بِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مَا بَيْنَهُمَا) وَهُوَ نِصْفُ مَا عَلَى هَذَا وَنِصْفُ مَا عَلَى هَذَا. أَيْ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُوسِرِ وَنِصْفُ مَا عَلَى الْمُعْسِرِ وَذَلِكَ مُدٌّ وَنِصْفٌ ز ي. قَوْلُهُ: (وَالْمُعْسِرُ هُنَا مِسْكِينُ الزَّكَاةِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِ وَهُوَ مَنْ لَهُ مَالٌ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ لَوْ وُزِّعَ عَلَى بَقِيَّةِ الْعُمْرِ الْغَالِبِ وَلَا يَكْفِيهِ أَوْ يَكْفِيهِ وَفَضَلَ أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ وَنِصْفٍ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْكَسْبِ فَاَلَّذِي يَكْتَسِبُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ مُعْسِرٌ هُنَا لَا فِي الزَّكَاةِ فَالْمُعْسِرُ هُنَا هُوَ الَّذِي عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ بَقِيَّةَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ فَقَطْ أَوْ دُونَهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْعُمْرِ الْغَالِبِ فَإِنْ كَانَ مُدَّيْنِ فَأَقَلَّ فَمُتَوَسِّطٌ أَوْ أَكْثَرَ فَمُوسِرٌ كَذَا بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَةِ ق ل وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُنْظَرُ فِيمَا عِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ وَيُوَزَّعُ عَلَى مُؤْنَةِ مُمَوِّنِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ بَقِيَّةِ عُمْرِهِ الْغَالِبِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ أَوْ فَضَلَ دُونَ مُدٍّ وَنِصْفٍ فَمُعْسِرٌ أَوْ مُدٌّ وَنِصْفٌ، وَلَمْ يَبْلُغْ مُدَّيْنِ فَمُتَوَسِّطٌ أَوْ بَلَغَهُمَا فَأَكْثَرَ فَمُوسِرٌ وَيُعْتَبَرُ الْفَاضِلُ عَنْ كَسْبِهِ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى مُؤْنَةِ مُمَوِّنِهِ فِيهِ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: عُمْرِهِ الْغَالِبِ أَيْ إنْ لَمْ يَسْتَوْفِهِ وَإِلَّا فَسَنَةٌ كَمَا فِي ح ل وَلَوْ ادَّعَتْ يَسَارَ زَوْجِهَا فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، إنْ لَمْ يُعْهَدْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلُ الْوَدِيعَةِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (لَكِنْ قُدْرَتُهُ إلَخْ) أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْمِسْكِينِ أَحَدُ قِسْمَيْهِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَمْلِكُ مِنْ الْمَالِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْمَسْكَنَةِ. قَوْلُهُ: (لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْإِعْسَارِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ يَكْتَسِبُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ فَوْقِ الْمِسْكِين إلَخْ) وَهُنَا ضَابِطٌ لِلشَّيْخَيْنِ وَهُوَ أَسْهَلُ وَهُوَ أَنَّ مَنْ زَادَ دَخْلُهُ عَلَى خَرْجِهِ فَمُوسِرٌ وَمَنْ اسْتَوَى دَخْلُهُ وَخَرْجُهُ فَمُتَوَسِّطٌ وَمَنْ زَادَ خَرْجُهُ عَلَى دَخْلِهِ فَمُعْسِرٌ. اهـ. خَضِرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اخْتَلَفَ قُوتُ الْبَلَدِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: مِنْ غَالِبِ قُوتِهَا. قَوْلُهُ: (وَجَبَ لَائِقٌ بِالزَّوْجِ) قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّ الْغَالِبَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ اللِّيَاقَةُ وَلَيْسَ فِي مَحِلِّهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِغَالِبِ قُوتِ الْمَحِلِّ مَا يَسْتَعْمِلُهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَحِلِّ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ غَالِبًا لَيَاقَتُه بِالزَّوْجِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّمْلِيكِ أَنْ يَقُولَ: مَلَّكْتُك بَلْ الْمَدَارُ عَلَى الدَّفْعِ وَالْقَبْضِ وَيَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهَا وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَعَلَيْهِ دَفْعُ حَبٍّ إلَخْ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: أَيْ فَالْوَاجِبُ الدَّفْعُ وَيَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهَا قِيَاسًا عَلَى الْخُلْعِ وَأَمَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّ هَذَا وَفَاءٌ عَمَّا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ طَحْنِهِ وَعَجْنِهِ وَخَبْزِهِ) وَإِنْ اعْتَادَتْهَا بِنَفْسِهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا حَتَّى لَوْ بَاعَتْهُ أَوْ أَكَلَتْهُ حَبًّا اسْتَحَقَّتْ مُؤْنَةَ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَفَارَقَ ذَلِكَ نَظِيرَهُ فِي الْكَفَّارَةِ حَيْثُ وَجَبَ دَفْعُ الْحَبِّ فَقَطْ فِيهَا دُونَ مُؤْنَةِ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ فِي حَبْسِهِ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: وَفَارَقَ ذَلِكَ إلَخْ غَرَضُهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ: بِأَنَّ هَذِهِ لَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ قِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ. فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ هَلْ عَلَى الرَّجُلِ إعْلَامُ زَوْجَتِهِ، بِأَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا خِدْمَتُهُ، مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الطَّبْخِ وَالْكَنْسِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ أَمْ لَا. وَأَجَبْنَا عَنْهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِعَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ ظَنَّتْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً وَلَا كِسْوَةً إنْ لَمْ تَفْعَلْهُ، فَصَارَتْ كَأَنَّهَا مُكْرَهَةً عَلَى الْفِعْلِ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ فَعَلَتْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَإِنْ غَلَبَ غَيْرُ الْحَبِّ كَتَمْرٍ وَلَحْمٍ وَأَقِطٍّ فَهُوَ الْوَاجِبُ لَيْسَ غَيْرُ لَكِنْ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ اللَّحْمِ وَمَا يُطْبَخُ بِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا بَدَلَ الْحَبِّ خُبْزًا أَوْ قِيمَتَهُ لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ فَإِنْ اعْتَاضَتْ عَمَّا وَجَبَ لَهَا نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْعُرُوضِ جَازَ إلَّا خُبْزًا أَوْ دَقِيقًا أَوْ نَحْوَهُمَا مِنْ الْجِنْسِ. فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا. وَلَوْ أَكَلَتْ مَعَ الزَّوْجِ عَلَى الْعَادَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى الْأَصَحِّ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ وَلَا إنْكَارٍ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ امْرَأَةً طَالَبَتْ بِنَفَقَةٍ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ غَيْرَ رَشِيدَةٍ كَصَغِيرَةٍ أَوْ سَفِيهَةٍ بَالِغَةٍ وَلَمْ يَأْذَنْ فِي أَكْلِهَا مَعَهُ وَلِيُّهَا فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِأَكْلِهَا مَعَهُ وَيَكُونُ الزَّوْجُ مُتَطَوِّعًا وَيَجِبُ لَهَا آلَةُ تَنْظِيفٍ مِنْ الْأَوْسَاخِ الَّتِي تُؤْذِيهَا وَذَلِكَ   [حاشية البجيرمي] وَلَمْ يُعْلِمْهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا أُجْرَةٌ عَلَى الْفِعْلِ لِتَقْصِيرِهَا بِعَدَمِ الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ غَلَبَ غَيْرُ الْحَبِّ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَعَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا الطَّعَامَ حَبًّا سَلِيمًا. قَوْلُهُ: (مُؤْنَةُ اللَّحْمِ) كَالْحَطَبِ وَالْمَاءِ وَالْمِلْحِ. قَوْلُهُ: (وَمَا يُطْبَخُ بِهِ) أَيْ مَعَهُ كَقُلْقَاسٍ وَبَامِيَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اعْتَاضَتْ عَمَّا وَجَبَ لَهُمَا) أَيْ يَوْمَ الِاعْتِيَاضِ، أَمَّا الِاعْتِيَاضُ عَنْ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ فَيَجُوزُ مِنْ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ. بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاعْتِيَاضَ بِالنَّظَرِ لِلنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ يَجُوزُ مِنْ الزَّوْجِ وَمِنْ غَيْرِهِ. وَبِالنَّظَرِ لِلْمُسْتَقْبِلَةِ لَا يَجُوزُ مِنْ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِلْحَالَّةِ فَيَجُوزُ بِالنَّظَرِ لِلزَّوْجِ لَا لِغَيْرِهِ. كَمَا قَالَهُ الْبَابِلِيُّ وَالِاعْتِيَاضُ بِصِيغَةٍ وَبِشَرْطِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ خُرُوجًا مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ هُنَا بَيْعُ دَيْنٍ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَمَا يَقَعُ فِي الْوَثَائِقِ مِنْ تَقْرِيرِ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ فَبَاطِلٌ إلَّا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَكَذَا فِي الْكِسْوَةِ إلَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ فَإِنْ حَكَمَ بِهِ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ. فَرْعٌ: مِنْ النَّفَقَةِ مَاءُ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّعَامِ فَهُوَ تَمْلِيكٌ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِالْكِفَايَةِ وَجِنْسِهِ مِنْ مَالِحٍ أَوْ عَذْبٍ مَا يَلِيقُ بِهِ بِعَادَةِ أَمْثَالِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَكَلَتْ) أَيْ قَدْرَ الْكِفَايَةِ لَا مُطْلَقًا وَإِلَّا وَجَبَتْ بِالتَّفَاوُتِ كَمَا رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيّ وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْعِمَادِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَكَلَتْ مَعَ الزَّوْجِ أَيْ وَهِيَ رَشِيدَةٌ أَوْ أَذِنَ وَلِيُّهَا وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِأَكْلِهَا عِنْدَهُ كَالْعَادَةِ وَهِيَ رَشِيدَةٌ أَوْ أَذِنَ وَلِيُّهَا أَيْ فِي الْحُرَّةِ وَسَيِّدِهَا فِي الْأَمَةِ اهـ. وَلَوْ أَتْلَفَتْهُ قَبْلَ قَبْضِهَا لَهُ فَلَا تَسْقُطُ وَتَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ وَلَوْ سَفِيهَةً أَمَّا لَوْ أَتْلَفَتْهُ بَعْدَ قَبْضِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَلَا رُجُوعَ لَهَا بِشَيْءٍ وَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَالَ ح ل: وَهَلْ مِثْلُ النَّفَقَةِ الْكِسْوَةُ فَإِذَا أَلْبَسَهَا ثَوْبًا وَلَمْ يُمَلِّكْهَا مَا تَشْتَرِي بِهِ كِسْوَةً أَوْ يَصْلُحُ لِلْكِسْوَةِ هَلْ تَسْقُطُ كَالنَّفَقَةِ أَوْ لَا قَالَ شَيْخُنَا: نَعَمْ اهـ. وَقَوْلُهُ: كَالْعَادَةِ أَيْ أَكْلًا كَالْعَادَةِ بِأَنْ تَتَنَاوَلَ كِفَايَتَهَا عَادَةً فَإِنْ أَكَلَتْ مَعَهُ دُونَ الْكِفَايَةِ طَالَبَتْهُ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ مَا أَكَلَتْهُ وَكِفَايَتِهَا فِي أَكْلِهَا الْمُعْتَادِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِعَادَتِهَا فِي الْأَكْلِ بَقِيَّةَ الْأَيَّامِ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ هَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ وُجُوبِ إعْطَائِهَا النَّفَقَةِ وَقِيلَ بَيْنَ مَا أَكَلَتْهُ وَوَاجِبِهَا الشَّرْعِيِّ وَأُيِّدَ بِأَنَّ الْكِفَايَةَ الْمُعْتَادَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا أَكَلَتْهَا وَحَيْثُ لَمْ تَأْكُلْهَا. فَالْوَاجِبُ الشَّرْعِيُّ بَاقٍ وَقَدْ اسْتَوْفَتْ بَعْضَهُ فَتَسْتَوْفِي الْبَاقِيَ ح ل. وَقَوْلُهُ: أَذِنَ وَلِيُّهَا أَيْ صَرِيحًا بِاللَّفْظِ وَلَا يَكْفِي عِلْمُهُ أَوْ رُؤْيَتُهُ وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِإِذْنِهِ مَعَ أَنَّ قَبْضَ غَيْرِ الْمُكَلَّفَةِ لَغْوٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ بِإِذْنِهِ يَصِيرُ كَالْوَكِيلِ عَنْ الْوَلِيِّ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَصْلَحَةِ فِي أَكْلِهَا مَعَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ الْإِذْنُ وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ هُنَا وَلِيُّ الْمَالِ وَهَلْ يَنْقَطِعُ الْإِذْنُ بِمَوْتِهِ أَوْ لَا حُرِّرَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِاكْتِفَاءِ الزَّوْجَاتِ بِهِ فِي الْأَعْصَارِ وَجَرَيَانِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِيهَا اهـ. أَيْ الَّذِينَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ الْمُجْتَهِدُونَ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَقَطْ لَا يُعْتَبَرُونَ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ النَّبِيِّ وَقَوْلُهُ: بِنَفَقَةٍ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْأَكْلِ مَعَ الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا) أَيْ وَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ إنْ كَانَ رَشِيدًا وَلَمْ يَقْصِدْ أَنَّهُ عَنْ النَّفَقَةِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ سَفِيهًا أَوْ كَانَ رَشِيدًا أَوْ قَصَدَ أَنَّهُ عَنْ النَّفَقَةِ فَلِوَلِيِّهِ الرُّجُوعُ فِي الْأُولَى وَيُحْسَبُ عَلَيْهَا مِنْ النَّفَقَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَيُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ فِي قَصْدِهِ ذَلِكَ إنْ أَنْكَرَتْهُ وَادَّعَتْ نَحْوَ الْهَدِيَّةِ كَمَا فِي الْمَهْرِ وَالْكِسْوَةِ كَالنَّفَقَةِ بِرْمَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 كَمُشْطٍ وَدُهْنٍ يُسْتَعْمَلُ فِي تَرْجِيلِ شَعَرِهَا. وَمَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ سِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ وَمَرْتَكٍ وَنَحْوِهِ لِدَفْعِ صُنَانٍ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِهِ كَمَاءٍ وَتُرَابٍ وَلَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ كُحْلٌ وَلَا طِيبٌ وَلَا خِضَابٌ وَلَا مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ. فَإِنْ هَيَّأَهُ لَهَا   [حاشية البجيرمي] وَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فَقَالَتْ: قَصَدْتَ التَّبَرُّعَ فَقَالَ: بَلْ قَصَدْتُ كَوْنَهُ عَنْ النَّفَقَةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ دَفَعَ لَهَا شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى كَوْنَهُ عَنْ الْمَهْرِ وَادَّعَتْ هِيَ الْهَدِيَّةَ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ الزَّوْجُ مُتَطَوِّعًا) فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ جَعْلَهُ عَنْ نَفَقَتِهَا وَإِلَّا فَلِوَلِيِّهِ ذَلِكَ أَيْ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ لَهَا آلَةُ تَنْظِيفٍ) وَإِنْ غَابَ عَنْهَا غَيْبَةٌ طَوِيلَةٌ كَمَا فِي الْحَاضِرِ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ احْتِمَالَيْنِ لِلْأَذْرَعِيِّ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَقَدْ يُتَأَمَّلُ فِيهِ فَإِنَّ التَّنْظِيفَ إنَّمَا يُطْلَبُ لِأَجْلِ الزَّوْجِ كَمَا فِي ع ش فَرَاجِعْهُ قَالَ م د: وَمِنْ آلَةِ التَّنْظِيفِ اللِّبَانَةُ الَّتِي تَنْتِفُ بِهَا الْعَانَةَ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ كَمُشْطٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ أَوْ ضَمِّهِ وَبِكَسْرِ أَوَّلِهِ مَعَ سُكُونِ ثَانِيهِ اهـ. قَالَ الْقَفَّالُ: وَخَلَّالٌ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ السِّوَاكَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى حَجّ. قَوْلُهُ: (وَدُهْنٍ) أَيْ وَلَوْ لِجَمِيعِ بَدَنِهَا وَيُتْبَعُ فِي الدُّهْنِ عُرْفُ بَلَدِهَا فَإِنْ ادَّهَنَ أَهْلُهُ بِزَيْتٍ كَالشَّامِ أَوْ شَيْرَجٍ كَالْعِرَاقِ أَوْ سَمْنٍ كَالْحِجَازِ أَوْ زَيْتٍ مُطَيَّبٍ بِبَنَفْسَجٍ أَوْ وِرْدٍ وَجَبَ وَيُرْجَعُ فِي مِقْدَارِهِ إلَى كِفَايَتهَا كُلَّ أُسْبُوعٍ. وَيَجِبُ لَهَا زَيْتُ السِّرَاجِ بِأَوَّلِ اللَّيْلِ، وَلَهَا إبْدَالُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ، كَمَنْ تَنَامُ صَيْفًا بِنَحْوِ سَطْحٍ وَقَضِيَّةُ تَقْيِيدِهِمْ بِأَوَّلِ اللَّيْلِ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِهِ كُلَّ اللَّيْلِ إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِسْرَاجٍ كُلَّ اللَّيْلِ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ إذْ يُسَنُّ إطْفَاؤُهُ عِنْدَ النَّوْمِ وَالْأَقْرَبُ وُجُوبُهُ عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا كَوُجُوبِ الْحَمَّامِ لِمَا اعْتَادَتْهُ. وَمَحِلُّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى دُخُولِهَا رُؤْيَةُ عَوْرَةِ غَيْرِهَا أَوْ عَكْسُهُ وَإِلَّا حَرُمَ وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْمُرَهَا حِينَئِذٍ بِتَرْكِهِ كَبَقِيَّةِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِنْ أَبَتْ إلَّا الدُّخُولَ لَمْ يَمْنَعْهَا وَيَأْمُرُهَا بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْغَضِّ عَنْ رُؤْيَةِ عَوْرَةِ غَيْرِهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ أَنَّ دُخُولَ الْحَمَّامِ جَائِزٌ لَهُنَّ بِلَا كَرَاهَةٍ حَيْثُ لَا رِيبَةَ وَلَا مَعْصِيَةَ. قَوْلُهُ: (عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ) وَلَوْ كَانَتْ مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ بِحَيْثُ اقْتَضَتْ عَادَةُ مِثْلِهَا إخْلَاءَ الْحَمَّامِ لَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ إخْلَاؤُهُ، كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَفْتَى فِيمَنْ يَأْتِي أَهْلَهُ فِي الْبَرْدِ وَيَمْتَنِعُ مِنْ بَذْلِ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ، وَلَا يُمْكِنُهَا الْغُسْلَ فِي الْبَيْتِ لِخَوْفِ نَحْوِ هَلَاكٍ بِعَدَمِ جَوَازِ امْتِنَاعِهَا مِنْهُ. وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَتَى وَطِئَهَا لَا تَغْتَسِلُ وَقْتَ الصُّبْحِ وَتَفُوتُهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَأْمُرُهَا بِالْغُسْلِ وَقْتَ الصَّلَاةِ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ خِطْمِيٍّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مُخْتَارٌ. قَوْلُهُ: (وَمَرْتَكٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ بِرْمَاوِيٌّ قَالَ الدَّمِيرِيُّ أَصْلُهُ مِنْ الرَّصَاصِ يَقْطَعُ رَائِحَةَ الْإِبِطِ لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الْعَرَقَ أَيْ يُذْهِبَهُ وَإِنْ طُرِحَ فِي الْخَلِّ أَبْدَلَ حُمُوضَتَهُ حَلَاوَةً اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ مَلَأَ الْكَفَّيْنِ مِنْ قِشْرِ الْبُنْدُقِ وَوَضَعَهُ فِي وِعَاءٍ وَحَطَّ عَلَيْهِ مَاءً غَمَرَهُ وَتَرَكَهُ فِي الْمَاءِ مِنْ الْعِشَاءِ إلَى الصَّبَاحِ، ثُمَّ يَغْلِي الْمَاءَ وَالْقِشْرَ حَتَّى يَصِيرَ الْمَاءُ أَحْمَرَ كَالْعُنَّابِ ثُمَّ يُصَفِّي الْمَاءَ عَنْ الْقِشْرِ وَيَغْسِلُ إبِطَيْهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ وَيَمْسَحُهُمَا بِخِرْقَةٍ ثُمَّ يَغْسِلُ عَلَيْهِ بِمَاءِ الْبُنْدُقِ الْمَغْلِيِّ وَيَرْفَعُهُمَا فِي الْهَوَاءِ حَتَّى يَنْشَفَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ يَعِيشُ إلَى آخِرِ عُمْرِهِ لَا يُشَمُّ لَهُ رَائِحَةُ صُنَانٍ وَلَا عَرَقٍ إلَّا رَائِحَةً كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) أَيْ كَإِسْفِيذَاجَ وَتُوتِيَاءَ وَرَاسُخْتَ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِهِ) أَيْ بِأَنْ تَعَيَّنَ لِدَفْعِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ، كَأَنْ كَانَ يَنْدَفِعُ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ فَلَا يَجِبُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الرُّتْبَةِ حَتَّى يَجِبَ الْمَرْتَكُ. وَنَحْوُهُ لِلشَّرِيفَةِ وَإِنْ كَانَ التُّرَابُ يَقُومُ مَقَامَهُ إذَا لَمْ تَعْتَدَّهُ وَمَا بَحَثَهُ ظَاهِرٌ وَرَجَّحَهُ وَالِدُ شَيْخِنَا. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَمَاءٍ وَتُرَابٍ) أَيْ أَوْ رَمَادٍ وَلَوْ مِنْ سِرْجِينٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحِلُّهُ إذَا تَضَمَّخَ بِهَا عَبَثًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ تَعَاطِي الثُّومِ وَمَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ تَنَاوُلِ السَّمُومِ بِلَا خِلَافٍ وَلِكُلِّ أَحَدٍ الْمَنْعُ وَكَذَا لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ كُلِّ مَا يَخَافُ مِنْهُ حُدُوثَ مَرَضٍ عَلَى الْأَصَحِّ. شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ وَعِبَارَةُ ق ل وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ أَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ أَوْ لُبْسِهِ مَثَلًا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَإِنَّ خَالَفَتْ نَشَزَتْ. قَوْلُهُ: (وَلَا مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ) وَمِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ فِي الْأَصْدَاغِ وَنَحْوِهَا لِلنِّسَاءِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ لَكِنْ إذَا أَحْضَرَهُ لَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُهُ إذَا طَلَبَ تَزَيُّنَهَا بِهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 وَجَبَ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُهُ وَلَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ دَوَاءُ مَرَضٍ وَلَا أُجْرَةُ طَبِيبٍ وَحَاجِمٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَفَاصِدٍ وَخَاتِنٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لِحِفْظِ الْأَصْلِ وَيَجِبُ لَهَا طَعَامُ أَيَّامِ الْمَرَضِ وَأُدْمُهَا لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ وَلَهَا صَرْفُهُ فِي الدَّوَاءِ وَنَحْوِهِ. وَيَجِبُ لَهَا أُجْرَةُ حَمَّامٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ إنْ كَانَ عَادَتُهَا دُخُولَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. فَتَخْرُجُ مِنْ دَنَسِ الْحَيْضِ الَّذِي يَكُونُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً غَالِبًا وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ لِعَادَةِ مِثْلِهَا. وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ حَرًّا وَبَرْدًا. وَيَجِبُ لَهُمَا ثَمَنُ مَاءِ غُسْلِ جِمَاعٍ وَنِفَاسٍ مِنْ الزَّوْجِ إنْ احْتَاجَتْ لِشِرَائِهِ لَا مَاءِ غُسْلٍ مِنْ حَيْضٍ وَاحْتِلَامٍ إذْ لَا صُنْعَ مِنْهُ وَيَجِبُ لَهَا آلَاتُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَآلَاتُ طَبْخٍ كَقِدْرٍ وَقَصْعَةٍ وَكُوزٍ وَجَرَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا لَا غِنَى لَهَا عَنْهُ كَمِغْرَفَةٍ وَمَا تَغْسِلُ فِيهِ ثِيَابَهَا. وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ تَهْيِئَةُ مَسْكَنٍ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ يَجِبُ لَهَا   [حاشية البجيرمي] أَرَادَ الزِّينَةَ بِهِ هَيَّأَهُ لَهَا فَتَتَزَيَّنُ بِهِ اهـ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَقَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِأَرَادَ أَنَّهُ لَا يُتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ اسْتِعْمَالِهِ مِنْهَا صَرِيحًا بَلْ يَكْفِي فِي اللُّزُومِ الْقَرِينَةُ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (لِحِفْظِ الْأَصْلِ) أَيْ فَلَا يَجِبُ كَمَا لَا يَجِبُ عِمَارَةُ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. وَأَمَّا آلَةُ التَّنْظِيفِ فَإِنَّهَا نَظِيرُ غَسْلِ الدَّارِ وَكَنْسِهَا وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِمَا يُزِيلُ مَا يُصِيبُهَا مِنْ الْوَجَعِ الْحَاصِلِ فِي بَطْنِهَا وَنَحْوِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّوَاءِ وَكَذَا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، مِنْ عَمَلِ الْعَصِيدَةِ وَاللَّبَابَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ لِمَنْ يَجْتَمِعُ عِنْدَهَا مِنْ النِّسَاءِ فَلَا يَجِبُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّفَقَةِ بَلْ وَلَا مِمَّا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَرْأَةُ أَصْلًا وَلَا نَظَرَ لِتَأَذِّيهَا بِتَرْكِهِ فَإِنْ أَرَادَتْهُ فَعَلَتْهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهَا ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مِنْ دَنَسِ الْحَيْضِ) أَيْ أَوْ النِّفَاسِ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ انْقَطَعَ دَمُ النِّفَاسِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ غَالِبِهِ أَوْ أَكْثَرِهِ فَأَخَذَتْ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ وَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ عَادَ عَلَيْهَا الدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إبْدَالُ الْأُجْرَةِ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ مِنْ بَقَايَا الْأَوَّلِ وَعُذْرِهَا فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ: لَا يَجِبُ إبْدَالُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ دَفَعَ لَهَا مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَنَحْوِهَا وَتَلِفَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ تُجَدَّدُ فِيهِ عَادَةً حَيْثُ لَا يُبَدَّلُ اهـ. ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَاءِ غُسْلِ) وَيُتَّجَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْأَصَالَةِ الْمَاءُ لَا ثَمَنُهُ م ر فَالتَّعْبِيرُ بِالْمَاءِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِثَمَنِ الْمَاءِ. لِأَنَّ الْمَاءَ هُوَ الْوَاجِبُ أَصَالَةً وَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى قَبُولِهِ، وَلَهُ دَفْعُ ثَمَنِهِ بِرِضَاهُ. وَكَذَا كُلُّ مَا وَجَبَ لَهَا مِمَّا ذُكِرَ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَنِفَاسٍ مِنْ الزَّوْجِ) : عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَثَمَنُ مَاءِ غُسْلٍ بِسَبَبِهِ أَيْ الزَّوْجِ كَوَطْئِهِ وَوِلَادَتِهَا مِنْهُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ بِخِلَافِهَا فِي الثَّانِي. وَيُقَاسَ بِذَلِكَ مَاءُ الْوُضُوءِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِمَسِّهِ وَأَنْ يَكُونَ بِغَيْرِهِ اهـ وَقَوْلُهُ: وَوِلَادَتُهَا مِنْهُ أَيْ لَا مِنْ زِنًا وَلَوْ مُكْرَهَةً وَلَا مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَعَلَى الزَّوْجِ أُجْرَةُ الْقَابِلَةِ وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَمِثْلُهُمَا مَا لَوْ أَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ فِي نَحْوِ نَوْمٍ كَإِغْمَاءٍ وَإِنْ حَبِلَتْ لِعَدَمِ فِعْلِهِ اهـ. وَيَلْحَقُ بِمَاءِ الْوُضُوءِ مَاءُ غَسْلِ نَجَاسَةٍ وَلَا بِغَيْرِ سَبَبِهِ وَلَا يَجِبُ مَاءُ طَهَارَةٍ مَنْدُوبَةٍ. قَوْلُهُ: (وَاحْتِلَامٍ) وَأُلْحِقَ بِهِ اسْتِدْخَالُهَا لِذَكَرِهِ وَهُوَ نَائِمٌ، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ لِانْتِفَاءِ صُنْعِهِ كَغُسْلِ زِنَاهَا وَلَوْ مُكْرَهَةً وَوِلَادَتُهَا مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَمَاءُ هَذِهِ عَلَيْهَا دُونَ الْوَاطِئِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْعِلَّةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَوْنِهِ زَوْجًا وَبِفِعْلِهِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (آلَاتُ أَكْلٍ) أَيْ اللَّائِقُ بِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ حَالُهَا اهـ. وَلَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِجَمِيعِ مَا وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَوْ بِالْحَاكِمِ وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِهَا وَلَا يَسْقُطُ لَوْ تَبَرَّعَتْ بِهِ مِنْ مَالِهَا وَلَوْ انْكَسَرَ شَيْءٌ مَثَلًا لَمْ يَجِبْ إبْدَالُهُ إلَّا فِي وَقْتٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِبْدَالِهِ اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَشُرْبٍ) بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ أَوْ هُوَ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِكُلٍّ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ اسْمٌ اهـ. قَامُوسٌ فَاقْتِصَارُ الزَّرْكَشِيّ عَلَى الْفَتْحِ وَبِهِ قَيَّدَ حَدِيثَ «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشَرْبٍ» إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الثَّانِي شَرْحُ التُّحْفَةِ، لِحَجٍّ وَاقْتَصَرَ فِي الْمِصْبَاحِ عَلَى الْفَتْحِ وَالضَّمِّ ثُمَّ قَالَ: وَالشِّرْبُ بِالْكَسْرِ النَّصِيبُ اهـ. قَالَ ح ل: وَالْمَشْرُوبُ تَمْلِيكٌ لَا إمْتَاعٌ قَوْلُهُ: (وَقَصْعَةٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ جَمْعُهَا قُصُعٌ مِثْلُ بَدْرَةٍ وَبُدُرٍ وَقِصَاعٌ أَيْضًا مِثْلُ كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ وَقَصَعَاتٌ مِثْلُ سَجْدَةٍ وَسَجَدَاتٍ وَهِيَ عَرَبِيَّةٌ وَقِيلَ مُعَرَّبَةٌ اهـ. مِصْبَاحٌ، وَفِي الْمَثَلِ: لَا تُفْتَحُ الْخِزَانَةُ وَلَا تُكْسَرُ الْقَصْعَةُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَمِغْرَفَةٍ) الْمِغْرَفَةُ بِالْكَسْرِ مَا يُغْرَفُ بِهِ الطَّعَامُ وَالْجَمْعُ مَغَارِفُ اهـ. مُخْتَارٌ ع ش قَوْلُهُ: (وَمَا تَغْسِلُ فِيهِ ثِيَابَهَا) أَوْ تَغْسِلُ بِهِ ثِيَابَهَا ظَاهِرُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] فَالزَّوْجَةُ أَوْلَى وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكَنُ يَلِيقُ بِهَا عَادَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الِانْتِقَالَ مِنْهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَسْكَنِ كَوْنُهُ مِلْكَهُ. (وَإِنْ كَانَتْ) تِلْكَ الزَّوْجَةُ (مِمَّنْ يُخْدَمُ مِثْلُهَا) بِأَنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُخْدَمُ فِي بَيْتِ أَبِيهَا   [حاشية البجيرمي] وَإِنْ تَهَاوَنَتْ فِي سَبَبِ ذَلِكَ وَتَكَرَّرَ مِنْهَا وَخَالَفَتْ عَادَةَ أَمْثَالِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ كَثُرَ الْوَسَخُ فِي بَدَنِهَا لِكَثْرَةِ نَحْوِ عَرَقِهَا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ لِأَنَّ إزَالَتَهُ مِنْ التَّنْظِيفِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ع ش عَلَى م ر. تَنْبِيهٌ: جَمِيعُ مَا وَجَبَ لَهَا مِمَّا مَرَّ إذَا دَفَعَهُ لَهَا يَجُوزُ أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ وَلَوْ فِي نَحْوِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَاسْتَعْمَلَهُ بِنَفْسِهِ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ وَأَرْشُ مَا نَقَصَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي الرَّشِيدَةِ وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ سَفِيهَةٍ وَصَغِيرَةٍ فَيَحْرُمُ عَلَى وَلِيِّهَا تَمْكِينُ الزَّوْجِ مِنْ التَّمَتُّعِ بِأَمْتِعَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيعِ عَلَيْهَا وَأَمَّا مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ طَبْخِهَا مَا يَأْتِي بِهِ الزَّوْجُ فِي الْآلَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا وَأَكْلِ الطَّعَامِ فِيهَا وَتَقْدِيمِهَا لِلزَّوْجِ أَوْ لِمَنْ يَحْضُرُ عِنْدَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهَا عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ لِإِتْلَافِهَا الْمَنْفَعَةَ بِنَفْسِهَا. وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اغْسِلْ ثَوْبِي وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أُجْرَةً بَلْ هُوَ أَوْلَى لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ كَثِيرًا بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَغَلَ، بِأَخْذِ ذَلِكَ بِلَا إذْنٍ مِنْهَا فَيَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ، لِاسْتِعْمَالِ مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ: فِي الْفِرَاشِ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا اهـ. ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكَنُ يَلِيقُ بِهَا عَادَةً) أَيْ بِحَيْثُ تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا وَإِنْ قَلَّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِمُؤْنِسَةٍ حَيْثُ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا، فَلَوْ لَمْ تَأْمَنْ أَبْدَلَ لَهَا الْمَسْكَنَ بِمَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فِيهِ، فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِيهِ الْغَلَطُ كَثِيرًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا كَانَ تَمْلِيكًا كَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالْأَوَانِي يُرَاعَى فِيهِ حَالُ الزَّوْجِ وَمَا كَانَ إمْتَاعًا كَالْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ، يُرَاعَى فِيهِ حَالُ الزَّوْجَةِ. اهـ. م د وَقَدْ نَظَّمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا كَانَ إمْتَاعًا كَمَسْكَنٍ وَجَبَ ... لِمَرْأَةٍ فَرَاعِ حَالَهَا تُثَبْ وَإِنْ يَكُنْ تَمَلُّكًا كَالْكِسْوَةِ ... فَحَالُ زَوْجٍ رَاعِهِ لَا الزَّوْجَةِ قَوْلُهُ: (يَلِيقُ بِهَا عَادَةً) مِنْ دَارٍ أَوْ حُجْرَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَشَعْرٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ قَصَبٍ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ لَا يَعْتَادُونَ السُّكْنَى وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ اُعْتُبِرَ بِحَالِهَا بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ حَيْثُ اعْتَبَرْنَا بِحَالِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ التَّمْلِيكُ، وَفِيهِ الْإِمْتَاعُ، وَلِأَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَلِيقَا بِهَا يُمْكِنُهَا إبْدَالُهُمَا بِلَائِقٍ فَلَا إضْرَارَ بِخِلَافِ الْمَسْكَنِ، فَإِنَّهَا مُلْزَمَةٌ بِمُلَازَمَتِهِ فَاعْتُبِرَ بِحَالِهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: بِحَالِهِ أَيْ حَالِ إعْسَارِهِ وَغَيْرِهِ فَلَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ مَحِلِّ الزَّوْجَةِ فِي جِنْسِ النَّفَقَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَلِلزَّوْجِ نَقْلُ الزَّوْجَةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَادِيَةٍ حَيْثُ لَاقَتْ بِهَا وَإِنْ خَشُنَ عَيْشُهَا لِأَنَّ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ مُقَدَّرَةٌ، لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ وَأَمَّا خُشُونَةُ الْعَيْشِ فَيُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ عَنْهُ بِالْإِبْدَالِ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ نَحْوِ غَزْلٍ إلَّا وَقْتَ اسْتِمْتَاعِهِ وَلَا سَدِّ طَاقَاتِ الْمَسْكَنِ إلَّا لِرِيبَةٍ أَوْ نَظَرِ أَجْنَبِيٍّ فَيَجِبُ سَدُّهَا وَلَهُ مَنْعُ نَحْوِ أَبَوَيْهَا وَوَلَدِهَا مِنْ دُخُولِهِ وَإِنْ اخْتَصَرَتْ حَيْثُ كَانَ عِنْدَهَا مَنْ يَقُومُ بِتَمْرِيضِهَا إلَّا خَادِمَهَا وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَلَوْ لِمَرَضِ أَبَوَيْهَا أَوْ وَلَدِهَا أَوْ لِمَوْتِهِمْ ق ل. قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ مِلْكَهُ) بَلْ يَكْفِي كَوْنُهُ مُكْتَرًى أَوْ مُعَارًا وَمِنْهُ مَا لَوْ سَكَنَ مَعَهَا فِي مِلْكِهَا أَوْ فِي مِلْكِ نَحْوِ أَبِيهَا نَعَمْ إنْ سَكَنَ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا مَنْعٍ مِنْ خُرُوجِهِ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (تِلْكَ الزَّوْجَةُ) أَيْ الْمُمَكِّنَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي قَوْلِهِ: وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ الْمُمَكِّنَةِ أَيْ الْحُرَّةِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ: مِمَّنْ يُخْدَمُ مِثْلُهَا أَيْ وَإِنْ لَمْ تُخْدَمْ بِالْفِعْلِ فِي بَيْتِ أَبِيهَا لِشُحٍّ مَثَلًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا يُخْدَمُ فِي بَيْتِ أَبَوَيْهَا لَكِنْ هَذِهِ خُدِمَتْ فِيهِ بِالْفِعْلِ لَا يَجِبُ إخْدَامُهَا ح ل. قَوْلُهُ: (فِي بَيْتِ أَبِيهَا) فَلَوْ ارْتَفَعَتْ بِالِانْتِقَالِ إلَى الزَّوْجِ بِحَيْثُ صَارَ يَلِيقُ بِحَالِهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ الْخَادِمُ لَمْ يَجِبْ، صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَالْوَاجِبُ خَادِمٌ وَاحِدٌ وَلَوْ ارْتَفَعَتْ مَرْتَبَتُهَا وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخَادِمِ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَحْرَمًا شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ. وَقَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 لِكَوْنِهَا لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا (فَعَلَيْهِ إخْدَامُهَا) لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ إمَّا بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لَهُ أَوْ لَهَا. أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَتْهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لِخِدْمَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ. وَسَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْإِخْدَامِ مُوسِرٌ وَمُتَوَسِّطٌ وَمُعْسِرٌ وَمُكَاتَبٌ وَعَبْدٌ كَسَائِرِ الْمُؤَنِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا فَإِنْ أَخْدَمَهَا الزَّوْجُ بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بِأُجْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْأُجْرَةِ وَإِنْ أَخْدَمَهَا بِأَمَتِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِالْمِلْكِ وَإِنْ أَخْدَمَهَا بِمَنْ صَحِبَتْهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا وَفِطْرَتُهَا. فَائِدَةٌ: الْخَادِمُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ يُقَالُ لِلْأُنْثَى خَادِمَةٌ وَجِنْسُ طَعَامِ الْخَادِمِ جِنْسُ طَعَامِ الزَّوْجَةِ. وَقَدْ مَرَّ وَهُوَ مُدٌّ عَلَى الْمُعْسِرِ جَزْمًا وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ عَلَى الْأَصَحِّ قِيَاسًا عَلَى الْمُعْسِرِ وَعَلَى الْمُوسِرِ مُدٌّ وَثُلُثٌ عَلَى النَّصِّ. وَأَقْرَبُ مَا قِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ أَنَّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ عَلَى الْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ ثُلُثَا نَفَقَةِ الْمَخْدُومَةِ، وَالْمُدُّ وَالثُّلُثُ عَلَى الْمُوسِرِ وَهُوَ ثُلُثَا الْمَخْدُومَةِ. وَيَجِبُ لِلْخَادِمِ أَيْضًا كِسْوَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهِ وَلَوْ عَلَى مُتَوَسِّطٍ وَمُعْسِرٍ وَلَا يَجِبُ لَهُ سَرَاوِيلُ لِأَنَّهُ   [حاشية البجيرمي] فِي بَيْتِ أَبِيهَا قَيْدٌ فَلَوْ خُدِمَتْ فِي بَيْتِ زَوْجٍ قَبْلُ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي إخْدَامُهَا. خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمَنُوفِيِّ السَّابِقِ فَلَوْ ارْتَفَعَتْ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِحُرَّةٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ احْتَاجَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا إنْ مَرِضَتْ، وَاحْتَاجَتْ لِمَا يَزِيدُ ح ل وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: بِحُرَّةٍ أَيْ وَلَوْ مُتَبَرِّعَةً وَلَا تُجْبَرُ عَلَى خِدْمَتِهَا لِلْمِنَّةِ كَذَا قَالُوا: وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ فِي دَفْعِ الْأَجْنَبِيِّ النَّفَقَةَ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْمِنَّةَ عَلَيْهِ لَا عَلَيْهَا فَرَاجِعْهُ قَالَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَمَةٍ لَهُ) أَيْ وَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ غَيْرِ مُرَاهِقٍ وَمَمْسُوحٍ وَمَحْرَمٍ لَهَا وَلَا يَخْدُمُهَا بِنَفْسِهِ لِأَنَّهَا تَسْتَحْيِي مِنْهُ غَالِبًا وَتَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ كَصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا وَحَمْلِهِ إلَيْهَا لِلْمُسْتَحِمِّ أَوْ لِلشُّرْبِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مُرَاهِقٍ أَيْ لَا كَبِيرٌ وَلَوْ شَيْخَاهُمَا وَقَوْلُهُ: وَمَحْرَمٍ لَهَا أَيْ لَا ذِمِّيَّةَ لِمُسْلِمَةٍ وَعَكْسُهُ وَتَعْيِينُ الْخَادِمِ ابْتِدَاءٌ إلَيْهِ وَفِي الِانْتِهَاءِ إلَيْهَا كَأَنْ أَلِفَتْهُ مَا لَمْ تَكُنْ رِيبَةٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَخْدُمُهَا بِنَفْسِهِ أَيْ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْتَحِي مِنْهُ أَيْ لَا يُجْبِرُهَا عَلَى خِدْمَتِهَا بِنَفْسِهِ لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَلْ لَهَا مَنْعُهُ مِنْهَا وَيَجُوزُ بِالرِّضَا وَمِثْلُهُ أُصُولُهُ وَأُصُولُهَا. وَقَوْله: أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَيْ إلَّا بِرِضَاهُ وَلَا تُجْبِرُهُ عَلَيْهِ وَلَا تَمْنَعُهُ مِنْهُ وَلَا يَلْزَمُهَا فِعْلُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا عَلَيْهَا وَبِمَا ذُكِرَ سَقَطَ مَا لِبَعْضِهِمْ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ) أَيْ أَمَةٍ مُسْتَأْجَرَةٍ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ بِحُرَّةٍ لِأَنَّهَا مُسْتَأْجَرَةٌ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَوْ بِالْإِنْفَاقِ) عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ: بِحُرَّةٍ وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ بِمَنْ صَحِبَتْهَا لِخِدْمَةِ الْإِنْفَاقِ فَالْعِبَارَةُ فِيهَا قَلْبٌ لِأَنَّ الْإِخْدَامَ لَا يَكُونُ بِالْإِنْفَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِي الْإِخْدَامِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَطْلَقَ السَّبَبَ وَأَرَادَ الْمُسَبَّبَ وَهُوَ الذَّاتُ الْمُنْفَقُ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (مَنْ صَحِبَتْهَا) أَيْ مِنْ بَيْتِ وَلِيِّهَا كَأَنْ بَعَثَهَا مَعَهَا قَوْلُهُ: (لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ. قَوْلُهُ: (وَمُكَاتَبٍ) عَطْفُ خَاصٍّ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْإِخْدَامُ الْمَذْكُورُ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِلتَّعْمِيمِ الْمَذْكُورِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ: فِيمَا سَبَقَ تَعْلِيلًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَعَلَيْهِ إخْدَامُهَا لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، نَعَمْ الْمُنَاسِبُ عَطْفٌ فِي التَّعْلِيلِ عَلَى قَوْلِهِ: كَسَائِرِ الْمُؤَنِ إلَّا أَنْ يَجْعَل عِلَّةً لِلْمُعَلَّلِ مَعَ عِلَّتِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَخْدُمهَا) لَيْسَ مُكَرَّرًا مَعَ مَا سَبَقَ لِأَنَّ هَذَا مُفَصَّلٌ وَذَاكَ مُجْمَلٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَخْدَمَهَا بِمَنْ صَحِبَتْهَا إلَخْ) لَا تَكْرَارَ فِيهِ مَعَ قَوْلِهِ: أَوَّلًا أَوْ لِإِنْفَاقٍ إلَخْ. لِأَنَّ ذَلِكَ لِبَيَانِ أَقْسَامِ وَاجِبِ الْإِخْدَامِ وَهَذَا لِبَيَانِ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَحَدٌ تِلْكَ الْأَقْسَامَ مَا الَّذِي يَلْزَمُهُ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: مُكَرَّرٌ اسْتِرْوَاحٌ أَيْ قَالَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُتَوَسِّطِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُعْسِرِ ثُلُثَا الْمُدِّ لِلْخَادِمِ كَأَنَّ النَّفْسَ لَا تَقُومُ بِدُونِ الْمُدِّ غَالِبًا قَوْلُهُ: (فِي تَوْجِيهِهِ) أَيْ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ: وَعَلَى الْمُوسِرِ مُدٌّ وَثُلُثٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُتَوَسِّطِ) لَعَلَّ هُنَا سَقْطًا وَهُوَ لَفْظُ مُدٍّ بَعْدَ قَوْلِهِ: الْمُتَوَسِّطِ لِيَكُونَ خَبَرًا عَنْ أَنَّ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ لِلْخَادِمِ أَيْضًا كِسْوَةٌ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مِلْكًا لَهُ أَوْ لَهَا وَلَمْ يَسْتَأْجِرْهُ مِنْهَا أَوْ صَحِبَهَا مِنْ بَيْتِ أَبِيهَا أَمَّا الْمُسْتَأْجَرُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْأُجْرَةُ، وَقَوْلُهُ: كِسْوَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهِ وَلَوْ قَالَ: دُونَ كِسْوَةِ الْمَخْدُومَةِ جِنْسًا وَنَوْعًا لَكَانَ أَوْلَى وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ فَيَجِبُ لَهُ إنْ صَحِبَهَا مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالُ الزَّوْجَةِ نَوْعًا مِنْ غَيْرِ كِسْوَةٍ مِنْ نَفَقَةٍ وَأُدْمٍ وَتَوَابِعِهِمَا وَمِنْ دُونِهِ جِنْسًا وَنَوْعًا مِنْهَا اهـ. وَقَوْلُهُ: إنْ صَحِبَهَا أَيْ وَلَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 لِلزِّينَةِ وَكَمَالِ السَّتْرِ وَيَجِبُ لَهُ الْأُدْمُ لِأَنَّ الْعَيْشَ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ وَجِنْسُهُ جِنْسُ أُدْمِ الْمَخْدُومَةِ وَلَكِنْ نَوْعُهُ دُونَ نَوْعِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَمَنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا فِي الْعَادَةِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَّخِذَ خَادِمًا وَتُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا. كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. فَإِنْ احْتَاجَتْ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً إلَى خِدْمَةٍ لِمَرَضٍ بِهَا أَوْ زَمَانَةٍ وَجَبَ إخْدَامُهَا لِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ فَأَشْبَهَتْ مَنْ لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْحَاجَةَ أَقْوَى مِمَّا نَقَصَ مِنْ الْمُرُوءَةِ وَلَا إخْدَامَ حَالَ الصِّحَّةِ لِزَوْجَةِ رَقِيقِهِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ لِأَنَّ الْعُرْفَ أَنْ تَخْدُمَ نَفْسَهَا وَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً. تَنْبِيهٌ: يَجِبُ فِي الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ إمْتَاعٌ لَا تَمْلِيكٌ. لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا مِلْكَهُ وَيَجِبُ فِيمَا يُسْتَهْلَكُ لِعَدَمِ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَطَعَامٍ وَأُدْمٍ تَمْلِيكٌ فَتَتَصَرَّفُ فِيهِ الْحُرَّةُ بِمَا شَاءَتْ أَمَّا الْأَمَةُ فَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي ذَلِكَ سَيِّدُهَا. فَلَوْ قَتَرَتْ بَعْدَ قَبْضِ نَفَقَتِهَا، بِمَا يَضُرُّهَا. مَنَعَهَا زَوْجُهَا مِنْ ذَلِكَ وَمَا دَامَ نَفْعُهُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَكِسْوَةٍ وَفُرُشٍ، وَظُرُوفِ طَعَامٍ، وَشَرَابٍ، وَآلَاتِ تَنْظِيفٍ، وَمُشْطِ تَمْلِيكٍ، فِي الْأَصَحِّ. وَتُعْطَى الزَّوْجَةُ الْكِسْوَةَ أَوَّلَ فَصْلِ شِتَاءٍ وَأَوَّلَ   [حاشية البجيرمي] أَمَتَهَا. وَقَوْلُهُ: مِنْ نَفَقَةٍ وَأُدْمٍ وَتَوَابِعِهِمَا وَسَكَتُوا عَنْ اللَّحْمِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ لُزُومِهِ كَذَا فِي ح ل قَالَ: م ر وَأَوْجُهُ الْوَجْهَيْنِ وُجُوبُ اللَّحْمِ لَهُ أَيْ لِلْخَادِمِ حَيْثُ جَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ بِهِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ لَهُ سَرَاوِيلُ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ الْقَدِيمِ، وَقَدْ اطَّرَدَ الْآنَ الْعُرْفُ بِوُجُوبِهِ لِلْخَادِمَةِ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ م ر أج. وَهُوَ مُفْرَدٌ جِيءَ بِهِ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَلِسَرَاوِيلَ بِهَذَا الْجَمْعِ شَبَهٌ اقْتَضَى عُمُومَ الْمَنْعِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً) لِنَقْصِهَا أَيْ وَإِنْ كَانَتْ تُخْدَمُ فِي بَيْتِ سَيِّدِهَا. قَوْلُهُ: (إمْتَاعٌ) أَيْ انْتِفَاعٌ وَاَلَّذِي يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِلْكًا لَهُ وَيَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّمْلِيكِ فَبِعَكْسِ ذَلِكَ فَلَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ فِيهِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِلْكًا لَهُ وَيَصِيرُ دَيْنًا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) أَيْ وَالتَّمْلِيكُ لَهَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مِلْكِ ذَلِكَ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهُ كَيْفَ يَمْلِكُهُ لَهَا لَكِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ مِلْكَهُ إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] اهـ. قَوْلُهُ: (تَمْلِيكٌ) أَيْ إنْ دَفَعَهُ بِقَصْدِ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَهَا وَيُعْتَبَرُ فِي الظُّرُوفِ أَيْ ظُرُوفِ الطَّعَامِ كَالْحَلَّةِ وَالدُّسَتِ أَنْ تَكُونَ لَائِقَةً بِهَا. فَإِنْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ أَمْثَالِهَا بِكَوْنِهَا نُحَاسًا وَجَبَتْ لَهَا كَذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشَّرْطُ عَدَمُ الصَّارِفِ كَأَدَاءِ الدَّيْنِ اهـ. مَرْحُومِيٌّ وَعِبَارَةُ سم الَّذِي تَحَرَّرَ فِي دَرْسِ م ر أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ قَصْدُهُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَيْهَا كَوْنُ مَا دَفَعَهُ، عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ، إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَ الْوَاجِبِ مِنْ عَارِيَّةٍ وَنَحْوِهَا وَأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ غَيْرَ الْوَاجِبِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. لَكِنْ أَفْتَى شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمِلْكِ مِنْ قَصْدِهِ عِنْدَ الدَّفْعِ كَوْنُ مَا دَفَعَهُ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ الْفُرُشِ تَمْلِيكًا أَنَّ لَهَا مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ النَّوْمِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (فَلَوْ قَتَّرَتْ) أَيْ ضَيَّقَتْ عَلَى نَفْسِهَا فِي طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَضُرُّهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ الْخَادِمَ مَنَعَهَا، فَإِنْ لَمْ تَمْتَثِلْ فَلَهُ ضَرْبُهَا عَلَى ذَلِكَ إنْ أَفَادَ وَإِلَّا فَتَصِيرُ نَاشِزًا لِامْتِنَاعِهَا مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَمَا دَامَ نَفْعُهُ) : مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: تَمْلِيكٌ. قَوْلُهُ: (أَوَّلَ فَصْلِ شِتَاءٍ إلَخْ) وَالْمُرَادُ بِالْفَصْلِ هُنَا نِصْفُ الْعَامِ فَالرَّبِيعُ وَالصَّيْفُ فَصْلٌ وَالْخَرِيفُ وَالشِّتَاءُ فَصْلٌ ق ل وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ غَلَّبَ الشِّتَاءَ عَلَى الرَّبِيعِ وَجَعَلَهُمَا فَصْلًا وَغَلَّبَ الصَّيْفَ عَلَى الْخَرِيفِ وَجَعَلَهُمَا فَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحُهُ وَتُعْطَى الْكِسْوَةَ أَوَّلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 فَصْلِ صَيْفٍ لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ هَذَا إذَا وَافَقَ النِّكَاحُ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَإِلَّا وَجَبَ إعْطَاؤُهَا، فِي أَوَّلِ كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْكِسْوَةَ أَوَّلَ فَصْلٍ مَثَلًا ثُمَّ تَلِفَتْ فِيهِ بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْهَا لَمْ تُبَدَّلْ لِأَنَّهُ وَفَاهَا مَا عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ إذَا تَلِفَتْ فِي يَدِهَا. فَإِنْ مَاتَ أَوْ أَبَانَهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ لَمْ تُرَدَّ وَلَوْ لَمْ يَكْسُ الزَّوْجُ مُدَّةً فَدَيْنٌ عَلَيْهِ. وَالْوَاجِبُ فِي الْكِسْوَةِ الثِّيَابُ لَا قِيمَتُهَا وَعَلَيْهِ خِيَاطَتُهَا وَلَهَا بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهَا وَلَوْ لَبِسَتْ دُونَهَا مَنَعَهَا لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَجَمُّلِهَا.   [حاشية البجيرمي] كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، فَابْتِدَاءُ إعْطَائِهَا مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا وَتَعْبِيرِي بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِشِتَاءٍ وَصَيْفٍ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ التَّمْكِينُ فِي الشِّتَاءِ بَعْدَ نِصْفِهِ مَثَلًا اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَهِيَ أَيْ السِّتَّةُ فَصْلٌ بِاعْتِبَارِ وُجُوبِ الْكِسْوَةِ فَالسِّتَّةُ بِاعْتِبَارِهَا فَصْلَانِ مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الشِّتَاءُ وَالرَّبِيعُ وَالصَّيْفُ وَالْخَرِيفُ فَالشِّتَاءُ هُنَا هُوَ الْفَصْلَانِ الْأَوَّلَانِ وَالصَّيْفُ هُنَا هُوَ الْفَصْلَانِ الْبَاقِيَانِ، وَلَوْ وَقَعَ التَّمْكِينُ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ مِنْ الْفَصْلَيْنِ هُنَا اُعْتُبِرَ قِسْطُ مَا بَقِيَ مِنْهُ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ وَيَبْتَدِئُ بَعْدَ تِلْكَ الْبَقِيَّةِ فُصُولًا كَوَامِلَ دَائِمًا وَبِمَا ذُكِرَ عُلِمَ أَنَّ مَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ غَيْرِهِ، بِقَوْلِهِ: وَيُعْطِي الْكِسْوَةَ أَوَّلَ كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّمْكِينِ الَّذِي رَدَّ بَعْضُهُمْ بِهِ عَلَى قَائِلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ تَمْكِينٍ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ إذْ كُلُّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّمْكِينِ تُحْسَبُ فَصْلًا وَهَكَذَا. وَلَمْ يَدْرِ هَذَا الرَّادُّ مَا لَزِمَ عَلَى كَلَامِهِ هَذَا مِنْ الْفَسَادِ إذْ يُقَالُ عَلَيْهِ إذَا وَقَعَ التَّمْكِينُ فِي نِصْفِ فَصْلِ الشِّتَاءِ مَثَلًا لَزِمَ أَنَّهُ لَا تَتِمُّ السِّتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا فِي نِصْفِ فَصْلِ الصَّيْفِ وَعَكْسُهُ فَإِنْ قَالَ: إنَّهُ يَغْلِبُ أَحَدُ النِّصْفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَهُوَ تَحَكُّمٌ وَتَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ. وَأَيْضًا قَدْ عُلِمَ أَنَّ مَا يَلْزَمُ مِنْ الْكِسْوَةِ فِي الشِّتَاءِ غَيْرُ مَا يَلْزَم مِنْهَا فِي الصَّيْفِ وَيَلْزَمُ عَلَى تَغْلِيبِ نِصْفِ الشِّتَاءِ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي نِصْفِ الصَّيْفِ مَا لَيْسَ لَازِمًا فِيهِ أَوْ يَسْقُطُ فِيهِ مَا كَانَ لَازِمًا فِيهِ وَعَلَى تَغْلِيبِ نِصْفِ الصَّيْفِ، أَنَّهُ يَسْقُطُ فِي نِصْفِ الشِّتَاءِ مَا كَانَ لَازِمًا فِيهِ أَوْ يَلْزَمُ فِيهِ مَا لَيْسَ لَازِمًا فِيهِ وَكُلٌّ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالتَّغْلِيبِ وَأُلْحِقَ كُلُّ نِصْفٍ بِبَاقِي فَصْلِهِ بَطَلَ مَا قَالَهُ. وَرَجَعَ إلَى قَائِلِ الْأَوَّلِ. قَالَ ع ش: وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ قِيمَةَ مَا يَدْفَعُ لَهَا عِنْدَ جَمِيعِ الْفَصْلِ فَيُقَسَّطُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُنْظَرُ لِمَا مَضَى قَبْلَ التَّمْكِينِ وَيَجِبُ قِسْطُ مَا بَقِيَ مِنْ الْقِيمَةِ فَيَشْتَرِي لَهَا بِهِ مِنْ جِنْسِ الْكِسْوَةِ مَا يُسَاوِيهِ وَالْخِيرَةُ لَهَا فِي تَعْيِينِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ قَوْلُهُ: (هَذَا إذَا وَافَقَ النِّكَاحَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ التَّمْكِينَ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالتَّمْكِينِ. قَوْلُهُ: (مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ) نَعَمْ مَا يَبْقَى سَنَةً فَأَكْثَرَ كَفُرُشٍ وَبُسُطٍ وَجُبَّةٍ يُعْتَبَرُ فِي تَجْدِيدِهَا الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر أَيْ يُجَدَّدُ وَقْتَ تَجْدِيدِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ وُجُوبِ تَجْدِيدِهِ وُجُوبُ إصْلَاحِهِ كَالْمُسَمَّى بِالتَّنْجِيدِ سم عَلَى حَجّ وَمِثْلُ ذَلِكَ إصْلَاحُ مَا أَعَدَّهُ لَهَا مِنْ الْآنِيَةِ، كَتَبْيِيضِ النُّحَاسِ. وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ جُبَّةٌ تَبْقَى طُولَ السَّنَةِ لَمْ يَجِبْ غَيْرُهَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِلَا تَقْصِيرٍ) لَيْسَ قَيْدًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَلَوْ بِلَا تَقْصِيرٍ قَالَ الْمَنُوفِيُّ: وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَتْهَا أَوْ تَمَزَّقَتْ قَبْلَ أَوَانِ التَّمَزُّقِ لِكَثْرَةِ نَوْمِهَا فِيهَا وَتَحَامُلِهَا عَلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِبْدَالُ أَيْضًا قَوْلُهُ: (أَوْ مَاتَتْ) وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ الْحَامِلُ الْبَائِنُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَشَزَتْ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ مَا أَخَذَتْهُ وَإِنْ أَطَاعَتْ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ كَمَا مَرَّ بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (لَمْ تَرُدَّ) أَفْهَمَ قَوْلُهُ: لَمْ تَرُدَّ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ بَعْدَ قَبْضِهَا فَإِنْ وَقَعَ مَوْتٌ أَوْ فِرَاقٌ قَبْلَ قَبْضِهَا وَجَبَ لَهَا مِنْ قِيمَةِ الْكِسْوَةِ مَا يُقَابِلُ زَمَنَ الْعِصْمَةِ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ وُجُوبُهَا كُلِّهَا وَإِنْ مَاتَتْ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ كَالْأَذْرَعِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ. وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تَجِبُ كُلُّهَا بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ مِنْ الْفَصْلِ. لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ جُعِلَ وَقْتًا لِلْإِيجَابِ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ قَلِيلِ الزَّمَنِ وَطَوِيلِهِ. اهـ. م ر فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَمْ يَكْسُ) وَكَالْكِسْوَةِ جَمِيعُ مَا مَرَّ غَيْرَ الْإِسْكَانِ وَالْإِخْدَامِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ أَنَّ الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ إمْتَاعٌ وَغَيْرُهُمَا تَمْلِيكٌ وَلَوْ تَصَرَّفَتْ فِيمَا أَخَذَتْهُ ثُمَّ نَشَزَتْ رَجَعَ فِي بَدَلِهِ وَلَا يَبْطُلُ التَّصَرُّفُ كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا هُنَا. وَسَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْهُ وَعَنْ شَيْخِنَا م ر وَابْنِ حَجَرٍ خِلَافُهُ فِي النَّفَقَةِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَالْوَاجِبُ فِي الْكِسْوَةِ إلَخْ) . فَائِدَةٌ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ» . قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ: أَنَّ مَا زَادَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 (وَإِنْ أَعْسَرَ) الزَّوْجُ (بِنَفَقَتِهَا) الْمُسْتَقْبَلَةِ لِتَلَفِ مَالِهِ مَثَلًا فَإِنْ صَبَرَتْ بِهَا وَأَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا أَوْ مِمَّا اقْتَرَضَتْهُ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَفْرِضْهَا الْقَاضِي كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُسْتَقِرَّةِ فَإِنْ لَمْ تَصْبِرْ (فَلَهَا فَسْخُ النِّكَاحِ) بِالطَّرِيقِ الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الثَّانِي وَلِأَنَّهَا إذَا فَسَخَتْ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ فَبِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا يَقُومُ بِدُونِهَا بِخِلَافِ الْوَطْءِ. أَمَّا لَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ مَا مَضَى فَلَا فَسْخَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَا فَسْخَ أَيْضًا بِالْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ وَلَا بِامْتِنَاعِ مُوسِرٍ مِنْ الْإِنْفَاقِ سَوَاءٌ أَحْضَرَ أَمْ غَابَ عَنْهَا لِتَمَكُّنِهَا مِنْ تَحْصِيلِ حَقِّهَا بِالْحَاكِمِ وَلَوْ حَضَرَ الزَّوْجُ وَغَابَ مَالُهُ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ فَلَهَا الْفَسْخُ وَلَا يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ لِلضَّرَرِ فَإِنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَا فَسْخَ لَهَا. وَيُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ بِسُرْعَةٍ وَلَوْ تَبَرَّعَ شَخْصٌ بِهَا عَنْ زَوْجٍ مُعْسِرٍ لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَبُولُ بَلْ هَلْ   [حاشية البجيرمي] عَلَى الْحَاجَةِ فَاِتِّخَاذُهُ إنَّمَا هُوَ لِلْمُبَاهَاةِ وَالِاخْتِيَالِ وَالِالْتِهَاءِ بِزِينَةِ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مَذْمُومٌ وَكُلُّ مَذْمُومٍ يُضَافُ لِلشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ يَرْتَضِيهِ وَيُوَسْوِسُ بِهِ وَيُحَسِّنُهُ وَيُسَاعِدُهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّهُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَانَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ مَبِيتٌ وَمَقِيلٌ كَمَا أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الْمَبِيتُ فِي الْبَيْتِ الَّذِي لَا يَذْكُرُ اللَّهَ صَاحِبُهُ عِنْدَ دُخُولِهِ وَأَمَّا تَعَدُّدُ الْفِرَاشِ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى فِرَاشٍ عِنْدَ الْمَرَضِ أَوْ نَحْوِهِ وَالنَّوْمُ مَعَ الزَّوْجَةِ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ مَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عُذْرٌ فِي الِانْفِرَادِ وَهَذَا ظَاهِرُ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ مَعَ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ فَإِذَا أَرَادَ الْقِيَامَ لِوَظِيفَتِهِ، قَامَ وَتَرَكَهَا فَيَجْمَعُ بَيْنَ وَظِيفَتِهِ وَقَضَاءِ حَقِّهَا الْمَنْدُوبِ وَعِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ لَا سِيَّمَا إنْ عُرِفَ مِنْ حَالِهَا حِرْصُهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّوْمِ مَعَهَا الْجِمَاعُ اهـ زِيَادِيٌّ وَبِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَعْسَرَ إلَخْ) أَعْسَرَ قَيْدٌ أَوَّلٌ وَالنَّفَقَةُ قَيْدٌ ثَانٍ وَإِضَافَتُهَا لِلزَّوْجَةِ قَيْدٌ ثَالِثٌ وَالْمُسْتَقْبِلَةُ قَيْدٌ رَابِعٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: أَمَّا لَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ مَا مَضَى وَقَوْلُهُ: وَلَا فَسْخَ بِالْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ وَقَوْلُهُ: وَلَا بِامْتِنَاعِ مُوسِرٍ وَقَوْلُهُ: وَلَا تَفْسَخُ بِإِعْسَارِهِ عَنْ الْأُدْمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ قَيْدٌ خَامِسٌ وَهُوَ كَوْنُ النَّفَقَةِ نَفَقَةَ مُعْسِرٍ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الزَّوْجُ) أَيْ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا نَعَمْ إنْ كَانَ لِلزَّوْجِ ضَامِنٌ بِالْإِذْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا فَسْخَ أَوْ ضَمِنَهَا أَبٌ عَنْ مَحْجُورِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَلَا فَسْخَ أَيْضًا. وَيَثْبُتُ إعْسَارُ الصَّغِيرِ بِالْبَيِّنَةِ كَغَيْرِهِ وَإِعْسَارُ غَيْرِهِ بِهَا. إنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا كَفَى الْيَمِينُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (بِنَفَقَتِهَا) أَيْ بِأَقَلَّ النَّفَقَةِ الْوَاجِبِ وَهُوَ مُدٌّ فَخَرَجَ مَا لَوْ أَعْسَرَ الْمُتَوَسِّطُ، أَوْ الْمُوسِرُ، عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهَا فَلَا فَسْخَ لَهَا وَقَوْلُنَا: بِأَقَلِّ النَّفَقَةِ أَيْ وَمَا يَتْبَعُهَا كَأُجْرَةِ الطَّحْنِ وَغَيْرِهِ. لَا بِنَحْوِ ظُرُوفٍ وَلَا بِالْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ وَتَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِهِ أَيْ الْخَادِمِ لَا مَعَ عَدَمِهِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَسْخَ بِالْعَجْزِ عَنْ أَصْلِهِ أَيْ الْخَادِمِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ صَبَرَتْ بِهَا) أَيْ بِسَبَبِ الْإِعْسَارِ بِهَا أَيْ بِالنَّفَقَةِ وَلَوْ حَذَفَ بِهَا لَكَانَ أَوْضَحَ كَمَا فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ تَصِيرُ دَيْنًا وَلَوْ قَعَدَتْ بِالْجُوعِ وَإِنْ لَمْ يُقْرِضْهَا الْقَاضِي. قَوْلُهُ: (صَارَ) أَيْ الْوَاجِبُ وَالْمُنَاسِبُ صَارَتْ أَيْ النَّفَقَةُ وَقِيلَ صَارَ دَيْنًا أَيْ مَا اقْتَرَضَتْهُ. قَوْلُهُ: (فَلَهَا فَسْخُ النِّكَاحِ) وَبَحَثَ م ر الْفَسْخَ بِالْعَجْزِ عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْفُرُشِ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهِ الْجُلُوسُ وَالنَّوْمُ عَلَى الْبَلَاطِ وَالرُّخَامِ الْمُضِرِّ وَمِنْ الْأَوَانِي كَاَلَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ نَحْوُ الشُّرْبِ سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر. قَوْلِهِ: (بِالطَّرِيقِ الْآتِي) وَهِيَ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالرَّفْعُ لِلْقَاضِي وَإِذْنُهُ لَهَا فِي الْفَسْخِ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْفَسْخِ مِنْهَا وَالتَّسْرِيحُ طَلَاقٌ، وَعِبَارَةُ م ر بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ فَلَهَا الْفَسْخُ عَلَى الْأَظْهَرِ لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ «فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ شَيْئًا يُنْفِقُهُ عَلَى امْرَأَتِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا» وَقَضَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِامْتِنَاعِ مُوسِرٍ) خَرَجَ بِأَعْسَرَ. قَوْلُهُ: (وَيُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ بِسُرْعَةٍ) قَالَ حَجّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 الْفَسْخُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُتَبَرِّعُ أَبًا أَوْ جَدًّا وَالزَّوْجُ تَحْتَ حَجْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْقَبُولُ وَقُدْرَةُ الزَّوْجِ عَلَى الْكَسْبِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَالِ وَإِنَّمَا تَفْسَخُ الزَّوْجَةُ بِعَجْزِ الزَّوْجِ عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ فَلَوْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَةِ مُوسِرٍ أَوْ مُتَوَسِّطٍ لَمْ تَفْسَخْ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ الْآنَ نَفَقَةُ مُعْسِرٍ فَلَا يَصِيرُ الزَّائِدُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ كَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا يَبْقَى الْبَدَنُ بِدُونِهَا غَالِبًا وَلَا تَفْسَخُ بِإِعْسَارِهِ مِنْ الْأُدْمِ وَالْمَسْكَنِ، لِأَنَّ النَّفْسَ تَقُومُ بِدُونِهِمَا بِخِلَافِ الْقُوتِ (وَ) كَذَلِكَ يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْفَسْخِ (إنْ أَعْسَرَ بِالصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ مَعَ بَقَاءِ الْمُعَوَّضِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ حَتَّى حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ، وَالْمَبْلَغُ بَاقٍ بِعَيْنِهِ وَلَا تَفْسَخُ بَعْدَهُ لِتَلَفِ الْمُعَوَّضِ وَصَيْرُورَةِ الْعِوَضِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قُبِضَ بَعْضُ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا هُوَ مُعْتَادٌ وَأَعْسَرَ بِالْبَاقِي كَانَ لَهَا الْفَسْخُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَارِزِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِصِدْقِ الْعَجْزِ عَنْ الْمَهْرِ بِالْعَجْزِ عَنْ بَعْضِهِ. وَبِهِ صَرَّحَ الْجُورِيُّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هُوَ الْأَوْجَهُ نَقْلًا وَمَعْنًى وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا فَسْخَ إذْ يَلْزَمُ عَلَى إفْتَائِهِ إجْبَارُ الزَّوْجَةِ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهَا بِتَسْلِيمِ بَعْضِ الصَّدَاقِ. وَلَوْ أُجْبِرَتْ لَاِتَّخَذَ الْأَزْوَاجُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَرْأَةِ مِنْ حَبْسِ نَفْسِهَا بِتَسْلِيمِ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ مِنْ صَدَاقٍ هُوَ أَلْفُ   [حاشية البجيرمي] إحْضَارُهُ هُنَا لِلْخَوْفِ لَمْ تَفْسَخْ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ز ي وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ لَهَا الْفَسْخَ حِينَئِذٍ فَقَصْدُ ابْنِ حَجَرٍ الرَّدُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ) أَيْ عَلَى الزَّوْجَةِ، نَعَمْ لَوْ سَلَّمَهَا الْمُتَبَرِّعُ لِلزَّوْجِ ثُمَّ سَلَّمَهَا الزَّوْجُ لَهَا، لَمْ تَفْسَخْ لِانْتِفَاءِ الْمِنَّةِ عَلَيْهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ سَلَّمَهَا الزَّوْجُ لَهَا لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْهَا فَلَا يُفْسَخُ لِأَنَّهُ الْآنَ مُوسِرٌ ح ل وَقَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْمِنَّةِ عَلَيْهَا أَيْ لِأَنَّهُ أَيْ الزَّوْجَ مَلَكَهَا بِأَخْذِهَا مِنْ الْمُتَبَرِّعِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَبًا أَوْ جَدًّا) وَمِثْلُهُ السَّيِّدُ مَعَ عَبْدِهِ. قَوْلُهُ: (وَالزَّوْجُ تَحْتَ حَجَرِهِ) بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا. قَوْلُهُ: (وَقُدْرَةُ الزَّوْجِ عَلَى الْكَسْبِ) أَيْ وَحَصَّلَهُ بِالْفِعْلِ وَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ بِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا فَسْخَ وَإِنْ طَالَ فَلَهَا الْفَسْخُ دِمْيَاطِيٌّ وَالْمُرَادُ بِالْكَسْبِ الْحَلَالُ فَخَرَجَ الْكَسْبُ بِالْخَمْرِ وَآلَاتِ الْمَلَاهِي وَبِالتَّنْجِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ) أَيْ بِأَقَلِّ الْكِسْوَةِ وَيُرَادُ بِأَقَلِّ الْكِسْوَةِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ بِخِلَافِ نَحْوِ السَّرَاوِيلِ وَالْمُكَعَّبِ فَإِنَّهُ لَا فَسْخَ بِذَلِكَ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (عَنْ الْأُدْمِ) خَرَجَ بِالنَّفَقَةِ كَذَا قِيلَ: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي إخْرَاجِ الْأُدْمِ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْأُدْمَ مِنْ النَّفَقَةِ الْأَقَلِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ بِالْأَقَلِّ مَا لَا تَقُومُ النَّفْسُ بِدُونِهِ وَهُوَ الطَّعَامُ لَا الْأُدْمُ قَالَهُ ع ش: وَعِبَارَةُ ح ل فَالْأُدْمُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى النَّفَقَةِ وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى الْأَوَانِي وَالْفُرُشُ وَلَوْ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلشُّرْبِ وَالْجُلُوسِ وَالنَّوْمِ وَإِنْ لَزِمَ أَنْ تَنَامَ عَلَى الْبَلَاطِ وَالرُّخَامِ وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا: أَنَّهُ بَحَثَ أَنَّ لَهَا الْآنَ الْفَسْخُ بِذَلِكَ أَيْ بِاَلَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْفُرُشِ وَالشُّرْبِ فَعُلِمَ أَنَّ مَا عَدَا النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْمَسْكَنَ لَا فَسْخَ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ ح ل قَوْلُهُ: (وَالْمَسْكَنِ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ بِالْمَسْكَنِ. اهـ. م د. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ لَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِأَقَلِّ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ بِمَسْكَنٍ إلَخْ. وَالْمُرَادُ أَقَلُّ الْمَسْكَنِ فَلَا تَفْسَخُ إذَا وَجَدَ الْمَسْكَنَ وَلَوْ غَيْرَ لَائِقٍ بِهَا خِلَافًا لِمَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْعُبَابِ أَنَّ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ مَعَ وُجُودِ غَيْرِ اللَّائِقِ ح ل. وَهَذَا الْمَعْنَى مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ أَعْسَرَ بِمَسْكَنٍ أَيْ أَيِّ مَسْكَنٍ كَانَ سَوَاءٌ كَانَ لَائِقًا أَوْ لَا فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَيْسَرَ بِأَيِّ مَسْكَنٍ كَانَ فَلَا تَفْسَخُ قَوْلُهُ: (إنْ أَعْسَرَ بِالصَّدَاقِ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا كَمَا سَيُنَبِّهُ الشَّارِحُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الثَّانِي وَالْمُرَادُ بِالصَّدَاقِ الْحَالُّ بِخِلَافِ الْمُؤَجَّلِ فَلَا تَفْسَخُ بِهِ وَإِنْ حَلَّ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِذِمَّتِهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مَعَ بَقَاءِ الْمُعَوَّضِ) وَهُوَ الْبُضْعُ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَفْسَخُ بَعْدَهُ) أَيْ الدُّخُولِ وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ وَفَارَقَ الْمَهْرَ الْمَذْكُورَاتِ قَبْلَهُ حَيْثُ تَفْسَخُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ بِأَنَّ الْمَهْرَ فِي مُقَابَلَةِ الْوَطْءِ فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ الزَّوْجُ كَانَ تَالِفًا فَيَتَعَذَّرُ عَوْدُهُ بِخِلَافِ الْمَذْكُورَاتِ فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَأَعْسَرَ بِالْبَاقِي) أَيْ وَكَانَ الْكُلُّ حَالًّا قَوْلُهُ: (نَقْلًا) أَيْ الَّذِي نُقِلَ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ: (وَمَعْنًى) وَهُوَ أَنَّ الْمَهْرَ فِي مُقَابَلَةِ الْوَطْءِ فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ الزَّوْجُ كَانَ تَالِفًا فَيَتَعَذَّرُ عَوْدُهُ وَبَقَاءُ الْبَعْضِ كَبَقَاءِ الْكُلِّ فَمُرَادُهُ بِالْمَعْنَى الْعِلَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي كَلَامِ ز ي قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (لَاتَّخَذَ الْأَزْوَاجُ ذَلِكَ) أَيْ تَسْلِيمَ الْبَعْضِ قَوْلُهُ: (عِنْدَ قَاضٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 دِرْهَمٍ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ. تَتِمَّةٌ: لَا فَسْخَ بِإِعْسَارِ زَوْجٍ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَ قَاضٍ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَيْهِ إعْسَارُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَيَفْسَخُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ بَعْدَ الثُّبُوتِ أَوْ يَأْذَنُ لَهَا فِيهِ. وَلَيْسَ لَهَا مَعَ عِلْمِهَا بِالْعَجْزِ الْفَسْخُ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي وَلَا بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ فِيهِ. نَعَمْ إنْ عَجَزَتْ عَنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي وَفَسَخَتْ نَفَذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِلضَّرُورَةِ ثُمَّ عَلَى ثُبُوتِ الْفَسْخِ بِإِعْسَارِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ، يَجِبُ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الزَّوْجُ الْإِمْهَالَ لِيَتَحَقَّقَ عَجْزُهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ لِعَارِضٍ ثُمَّ يَزُولُ وَهِيَ مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ يُتَوَقَّعُ فِيهَا الْقُدْرَةُ بِقَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَلَهَا خُرُوجٌ فِيهَا لِتَحْصِيلِ نَفَقَةٍ مَثَلًا بِكَسْبٍ أَوْ سُؤَالٍ وَعَلَيْهَا رُجُوعٌ لِمَسْكَنِهَا لَيْلًا لِأَنَّهُ وَقْتُ الدَّعَةِ. وَلَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ مِنْ التَّمَتُّعِ ثُمَّ بَعْدَ الْإِمْهَالِ يَفْسَخُ الْقَاضِي أَوْ هِيَ بِإِذْنِهِ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ نَعَمْ   [حاشية البجيرمي] أَيْ أَوْ مُحَكَّمٍ بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (إنْ عَجَزَتْ) أَيْ حِسًّا بِأَنْ لَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْهُ أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وَجَدَتْهُ وَطَلَبَ مِنْهَا مَالًا لَهُ وَقَعَ كَمَا فِي م ر شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (عَنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي) أَيْ وَالْمُحَكَّمِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي قَوْلُهُ: (بِإِعْسَارِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ) أَوْ الْمَهْرِ. قَوْلُهُ: (يَجِبُ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَلَوْ فِي الْمَهْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي. وَسُئِلَ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ امْرَأَةٍ غَابَ زَوْجُهَا وَتَرَكَ مَعَهَا أَوْلَادًا صِغَارًا وَلَمْ يَتْرُكْ عِنْدَهَا نَفَقَةً وَلَا أَقَامَ لَهَا مُنْفِقًا وَضَاعَتْ مَصْلَحَتُهَا وَمَصْلَحَةُ الْأَوْلَادِ وَحَضَرَتْ إلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ وَأَنْهَتْ لَهُ ذَلِكَ وَشَكَتْ وَتَضَرَّرَتْ وَطَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا عَلَى زَوْجِهَا نَفَقَةً، فَفَرَضَ لَهُمْ نَقْدًا مُعَيَّنًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَأَذِنَ لَهَا فِي إنْفَاقِ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَعَلَى أَوْلَادِهَا وَفِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَقَبِلَتْ ذَلِكَ مِنْهُ، فَهَلْ الْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ صَحِيحٌ. وَإِذَا قَرَّرَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ فِي نَظِيرِ كِسْوَتِهَا عَلَيْهِ حِينَ الْعَقْدِ نَقْدًا كَمَا يُكْتَبُ فِي وَثَائِقِ الْأَنْكِحَةِ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ وَطَالَبَتْهُ بِمَا قَرَّرَ لَهَا عَنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَادَّعَتْ عَلَيْهِ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ وَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ وَأَلْزَمَهُ فَهَلْ إلْزَامُهُ صَحِيحٌ أَوْ لَا؟ وَهَلْ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَتَرَكَ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يُقَرِّرْ لَهَا كِسْوَةً وَأَثْبَتَتْ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، وَسَأَلَتْ الْحَاكِمَ الشَّافِعِيَّ أَنْ يُقَرِّرَ لَهَا عَنْ كِسْوَتِهَا الْمَاضِيَةِ الَّتِي حَلَفَتْ عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا نَقْدًا وَأَجَابَهَا لِذَلِكَ وَقَرَّرَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْقُضَاةُ الْآنَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَهَلْ مَا يَفْعَلُهُ الْقُضَاةُ مِنْ الْفَرْضِ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ عَنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ عِنْدَ الْعُسْرِ أَوْ الْحُضُورِ نَقْدًا صَحِيحٌ أَوْ لَا. فَأَجَابَ تَقْرِيرُ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ صَحِيحٌ إذْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ وَالْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِيهِ فَلَهُ فِعْلُهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ بَلْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ. اهـ. سم. فَرْعٌ: الْتَمَسَتْ زَوْجَةُ غَائِبٍ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا فَرْضًا اشْتَرَطَ ثُبُوتَ النِّكَاحِ وَإِقَامَتَهَا فِي مَسْكَنِهِ وَحَلَّفَهَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ وَأَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ نَفَقَةً مُسْتَقْبَلَةً فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةَ مُعْسِرٍ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ غَيْرُهُ. وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ بِالْبَلَدِ يُرِيدُ الْأَخْذَ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِلْفَرْضِ إلَّا أَنَّ لَهُ فَائِدَةً هِيَ مَنْعُ الْمُخَالِفِ عَنْ الْحُكْمِ بِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَيْضًا فَيُحْتَمَلُ ظُهُورُ مَالٍ فَتَأْخُذُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى قَاضٍ وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ. اهـ. س ل. مَسْأَلَةٌ: لَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ بِامْرَأَةٍ وَضَمِنَ لَهَا الْمَهْرَ ثُمَّ أَعْسَرَ الِابْنُ فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إعْسَارِهِمَا؟ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعْسَارِهِمَا كَمَا أَجَابَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَاعْتَمَدَهُ فِي سُؤَالٍ لَهُ ثُمَّ إنْ عُهِدَ لَهُ مَالٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ بِثُبُوتِ إعْسَارِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْهَدْ لَهُ مَالٌ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ قِيَاسًا عَلَى الْمُفْلِسِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ ضَيَاعُ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْوَلَدُ؟ مَحِلُّ نَظَرٍ سم. قَوْلُهُ: (لِتَحْصِيلِ نَفَقَةٍ) أَيْ مِنْ كُلِّ مَا تَفْسَخُ بِهِ وَمِنْهُ يُسْتَفَادُ أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ زَمَنَ الْمُهْلَةِ وَلَوْ غَنِيَّةً ح ل. قَوْلُهُ: (بِكَسْبٍ) أَيْ وَإِنْ أَمْكَنَهَا الْكَسْبُ فِي بَيْتِهَا بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ وَقْتُ الدَّعَةِ) أَيْ الرَّاحَةِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَقَدْ وَدَعَ زَيْدٌ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 إنْ لَمْ يَكُنْ فِي النَّاحِيَةِ قَاضٍ وَلَا مُحَكَّمٌ فَفِي الْوَسِيطِ لَا خِلَافَ فِي اسْتِقْلَالِهَا بِالْفَسْخِ، فَإِنْ سَلَّمَ نَفَقَةَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَلَا فَسْخَ لِتَبَيُّنِ زَوَالِ مَا كَانَ الْفَسْخُ لِأَجْلِهِ. فَإِنْ أَعْسَرَ بَعْدَ مَا سَلَّمَ نَفَقَةَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ بِنَفَقَةِ الْخَامِسِ بَنَتْ عَلَى الْمُدَّةِ، وَلَمْ تَسْتَأْنِفْهَا كَمَا لَوْ أَيْسَرَ فِي الثَّالِثِ، ثُمَّ أَعْسَرَ فِي الرَّابِعِ فَإِنَّهَا تَبْنِي وَلَا تَسْتَأْنِفُ وَلَوْ رَضِيَتْ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ بِإِعْسَارِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَتَجَدَّدُ وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهَا: رَضِيت بِهِ أَبَدًا لِأَنَّهُ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، إلَّا إنْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ فَلَا فَسْخَ لَهَا، لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَتَجَدَّدُ.   [حاشية البجيرمي] وَدَاعَةً بِالْفَتْحِ وَالِاسْمُ الدَّعَةُ وَهِيَ الرَّاحَةُ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ وَقْتُ الدَّعَةِ إلَخْ أَنَّهَا لَوْ تَوَقَّفَ تَحْصِيلُهَا عَلَى مَبِيتِهَا فِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ كَانَ لَهَا ذَلِكَ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ مِنْ التَّمَتُّعِ) أَيْ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ التَّحْصِيلِ. اهـ. م ر ع ش. قَوْلُهُ: (مِنْ التَّمَتُّعِ) وَحَمَلَ الْعَلَّامَةُ م ر الْأَوَّلَ عَلَى غَيْرِ زَمَنِ التَّحْصِيلِ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِمَنْعِهِ فِيهِ وَالثَّانِي عَلَى وَقْتِ التَّحْصِيلِ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِمَنْعِهِ فِيهِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إلَخْ) لَا يُقَالُ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ الِاسْتِدْرَاكِ الْمُتَقَدِّمِ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ كَانَ الْقَاضِي مَوْجُودًا وَعَجَزَتْ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ لِأَخْذِهِ أُجْرَةً لَهَا وَقَعَ أَوْ لِمَنْعِهِ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَهُنَا الْقَاضِي مَفْقُودٌ بِالْمَرَّةِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا مُحَكَّمٌ) أَيْ أَوْ كَانَ يُغَرِّمُهَا مَالًا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَفِي الْوَسِيطِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ ع ش. قَوْلُهُ: (لَا خِلَافَ فِي اسْتِقْلَالِهَا بِالْفَسْخِ) فَتَقُولُ: فَسَخْت نِكَاحِي قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّفْعَ لِلْقَاضِي سَبَقَ إذْ لَا عِبْرَةَ بِمُهْلَةٍ بِلَا قَاضٍ وَفَسْخُهَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْقِيَاسُ لُزُومُ الْإِشْهَادِ لَهَا بِرْمَاوِيٌّ. وَسُئِلَ م ر عَنْ شَخْصٍ غَابَ عَنْ الْبَلَدِ فَهَلْ تَفْسَخُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ فِي صَبِيحَةِ الرَّابِعِ كَالْحَاضِرِ أَوْ الْحُكْمُ خَاصٌّ بِالْحَاضِرِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِأَنَّهُ مُعْسِرٌ الْآنَ عَنْ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ وَلَوْ بِاسْتِنَادِهَا إلَى الِاسْتِصْحَابِ بِشَرْطِهِ أَمْهَلَهُ الْحَاكِمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَكَّنَهَا مِنْ الْفَسْخِ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ وَحِينَئِذٍ فَالْحُكْمُ شَامِلٌ لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ اهـ مِنْ الْفَتَاوَى. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بَنَتْ عَلَى الْمُدَّةِ) أَيْ بَنَتْ الْفَسْخَ عَلَى الْمُدَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِالثَّلَاثَةِ الْمَاضِيَةِ وَتَفْسَخُ الْآنَ وَعِبَارَةُ م د بَنَتْ عَلَى الْمُدَّةِ فَلَهَا الْفَسْخُ حَالًا اهـ. وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ: مَتَى أَنْفَقَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةً وَعَجَزَ اسْتَأْنَفَتْ وَإِنْ أَنْفَقَ دُونَ الثَّلَاثَةِ بَنَتْ عَلَى مَا قَبْلَهُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تَبْنِي وَلَا تَسْتَأْنِفُ) عَلَى الْيَوْمَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ فَتَضُمُّ لَهُمَا الرَّابِعَ وَتَفْسَخُ أَوَّلَ الْخَامِسِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَيْسَرَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَعْسَرَ بَنَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَيْسَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ وَلَا تَبْنِي. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَبْنِي أَيْ تَبْنِي عَلَى الْيَوْمَيْنِ لِتَضَرُّرِهَا بِالِاسْتِئْنَافِ فَتَصْبِرُ يَوْمًا آخَرَ ثُمَّ تَفْسَخُ فِيمَا يَلِيهِ اهـ. سُئِلَ شَيْخُنَا عَنْ رَجُلٍ يَمْلِكُ عِصَابَةً عَلَيْهَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَلُؤْلُؤٌ دَفَعَهَا لِزَوْجَتِهِ عَلَى السُّكُوتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ لَهَا أَنَّهَا وَدِيعَةٌ أَوْ هِبَةً فَهَلْ تَمْلِكُهَا بِمُجَرَّدِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، الْعِصَابَةُ الْمَذْكُورَةُ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِيَدِ الزَّوْجَةِ الْمَذْكُورَةِ، لِلزَّوْجِ نَزْعُهَا مِنْهَا قَهْرًا عَلَيْهَا أَيَّ وَقْتٍ أَرَادَهُ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ صِيغَةٌ شَرْعِيَّةٌ تَنْقُلُ مِلْكَهُ عَنْهَا لِلزَّوْجَةِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ. وَمَا اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ مِنْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَتَمَتَّعُ فِيهِ الْمَرْأَةُ يَصِيرُ مِلْكًا لَهَا كَلَامٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. مَا قَالَهُ بِحُرُوفِهِ أج وَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ أَوْ وَارِثَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَارِثُ الْآخَرِ فِي أَمْتِعَةِ دَارٍ، فَإِنْ صَلُحَتْ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ فَلَهُ وَإِلَّا فَلِكُلٍّ تَحْلِيفُ الْآخَرِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ وَلَا اخْتِصَاصَ بِيَدٍ فَإِنْ حَلَفَا جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا حَلَفَ الْآخَرُ وَقُضِيَ لَهُ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ، وَلَوْ اشْتَرَى حُلِيًّا وَدِيبَاجًا لِزَوْجَتِهِ وَزَيَّنَهَا بِذَلِكَ لَا يَصِيرُ مِلْكًا لَهَا بِذَلِكَ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ فِي الْإِهْدَاءِ، وَالْعَارِيَّةِ صُدِّقَ، وَمِثْلُهُ وَارِثُهُ وَلَوْ جَهَّزَ بِنْتَه بِجِهَازٍ لَمْ تَمْلِكْهُ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا يُعْطِيه الزَّوْجُ صُلْحَةً أَوْ صَبَاحِيَّةً كَمَا اُعْتِيدَ بِبَعْضِ الْبِلَادِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِلَفْظِ أَوْ قَصْدِ إهْدَاءٍ وَإِفْتَاءٌ غَيْرِ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا مَصْرُوفًا لِلْعُرْسِ وَدَفْعًا وَصَبَاحِيَّةً فَنَشَزَتْ اسْتَرَدَّ الْجَمِيعَ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ التَّقْيِيدُ بِالنُّشُوزِ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ لُغَةً الضَّمُّ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَحْضَنَ بِكَسْرِهَا وَهُوَ الْجَنْبُ لِضَمِّ الْحَاضِنَةِ الطِّفْلَ إلَيْهَا وَشَرْعًا تَرْبِيَةُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِأُمُورِهِ بِمَا يُصْلِحُهُ وَيَقِيهِ عَمَّا يَضُرُّهُ وَلَوْ كَبِيرًا مَجْنُونًا كَأَنْ يَتَعَهَّدَهُ بِغَسْلِ جَسَدِهِ وَثِيَابِهِ وَدَهْنِهِ وَكَحْلِهِ وَرَبْطِ الصَّغِيرِ فِي الْمَهْدِ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ وَهِيَ نَوْعُ وِلَايَةٍ وَسَلْطَنَةٍ لَكِنَّ الْإِنَاثَ أَلْيَقُ بِهَا لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَهْدَى إلَى التَّرْبِيَةِ وَأَصْبَرُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا وَأَوْلَاهُنَّ أُمٌّ كَمَا قَالَ وَإِذَا فَارَقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ لِعَانٍ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ لَا يُمَيِّزُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى فَهِيَ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا ثُمَّ بَعْدَ الْأُمِّ أُمَّهَاتٌ لَهَا وَارِثَاتٌ وَإِنْ عَلَتْ الْأُمُّ تُقَدَّمُ الْقُرْبَى   [حاشية البجيرمي] يَتَأَتَّى فِي الصَّبَاحِيَّةِ لِمَا قَرَّرْته فِيهَا كَالصُّلْحَةِ لِأَنَّهُ إنْ تَلَفَّظَ بِالْإِهْدَاءِ أَوْ قَصَدَ مَلَكَتْهُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ مِلْكُهُ. وَأَمَّا مَصْرُوفُ الْعُرْسِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِذَا صَرَفَتْهُ بِإِذْنِهِ ضَاعَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الدَّفْعُ أَيْ الْمَهْرُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يُسْتَرَدَّ وَإِلَّا فَلَا لِتَقَرُّرِهِ بِهِ فَلَا يُسْتَرَدُّ بِالنُّشُوزِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ع ش عَلَى م ر. [فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ] ِ وَتُسَمَّى كَفَالَةً وَتَنْتَهِي بِالْبُلُوغِ، أَوْ الْإِفَاقَةِ ق ل. وَقَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَتَنْتَهِي فِي الصَّغِيرِ بِالتَّمْيِيزِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ إلَى الْبُلُوغِ فَتُسَمَّى كَفَالَةً قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَمُؤْنَتُهَا عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ، وَمِنْ ثَمَّ ذُكِرَتْ هُنَا، لِأَنَّ الْحَضَانَة قَدْ تُوجَدُ مَعَ الْإِرْضَاعِ وَالنَّفَقَةِ وَبِدُونِهِمَا وَبِدُونِ أَحَدِهِمَا فَلِذَلِكَ أُخِّرَتْ عَنْهُمَا وَيَأْتِي هُنَا فِي إنْفَاقِ الْحَاضِنَةِ مَعَ الْإِشْهَادِ وَقَصْدِ الرُّجُوعِ مَا مَرَّ آنِفًا، وَيَكْفِي قَوْلُ الْحَاكِمِ لَهَا: أَرْضِعِيهِ وَاحْضُنِيهِ وَلَكِ عَلَى الْأَبِ الرُّجُوعُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْجِرْهَا، فَإِنْ احْتَاجَ الْمَحْضُونُ خِدْمَةً فَعَلَى وَالِدِهِ إخْدَامُهُ بِلَائِقٍ بِهِ عُرْفًا وَلَا يَلْزَمُهُ خِدْمَتُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْجَنْبُ) وَهُوَ مِنْ الْإِبِطِ إلَى الْكَشْحِ، وَالْكَشْحُ مِنْ آخِرِ الضِّلْعِ إلَى الْخَاصِرَةِ. قَوْلُهُ: (تَرْبِيَةُ) عَبَّرَ بِالْمَصَادِرِ، لِأَنَّ الْأَعْيَانَ اللَّازِمَةَ خَارِجَةٌ عَنْهَا وَحُكْمُهَا مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (بِمَا يُصْلِحُهُ) فَالْمُرَادُ بِالتَّرْبِيَةِ الْإِصْلَاحُ لَا مَعْنَاهَا الْمُتَعَارَفُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّارِحُ: وَلَوْ كَبِيرًا مَجْنُونًا، لِأَنَّ التَّرْبِيَةَ لَهُ بِمَعْنَى الْإِصْلَاحِ لَا بُلُوغِهِ سِنَّ الْكَمَالِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (بِغَسْلِ) أَشَارَ بِذِكْرِ الْمَصْدَرِ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْحَاضِنَةِ الْأَفْعَالُ، وَأَمَّا الْأَعْيَانُ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَكَحْلِهِ) بِفَتْحِ الْكَافِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَهْدِ) : كَالْمُرْجِيحَةِ، وَجَمْعُهُ مِهَادٌ كَسَهْمٍ وَسِهَامٍ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمَهْدُ وَالْمِهَادُ الْفِرَاشُ وَجَمْعُ الْأَوَّلِ مُهُودٌ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَجَمْعُ الثَّانِي مُهُدٌ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْإِنَاثَ أَلْيَقُ بِهَا) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ تَقْدِيمِ الْأَبِ عَلَى غَيْرِ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا ع ش. وَقَالَ م د: هَذَا تَوْطِئَةٌ لِمَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ لَهُنَّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَيُقَدَّمُ النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ وَيُقَدَّمُ مِنْ النِّسَاءِ أُمٌّ إلَخْ وَالْمُرَادُ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ مِنْ النَّسَبِ، إذْ لَا حَقَّ فِيهَا لِمَحْرَمِ رَضَاعٍ وَلَا مُصَاهَرَةٍ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَأَوْلَاهُنَّ) : أَيْ أَحَقُّهُنَّ بِمَعْنَى الْمُسْتَحِقِّ مِنْهُنَّ أُمٌّ فَلَا يُقَدَّمُ غَيْرُهَا عَلَيْهَا إلَّا بِإِعْرَاضِهَا وَتَرْكِهَا لِلْحَضَانَةِ فَيُسَلَّمُ لِغَيْرِهَا مَا دَامَتْ مُمْتَنِعَةً. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَإِذَا فَارَقَ) وَمِثْلُ الْفِرَاقِ الْمَوْتُ وَاحْتَرَزَ بِقَيْدِ الْمُفَارَقَةِ عَمَّا إذَا كَانَ الْأَبَوَانِ عَلَى النِّكَاحِ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مَعَهُمَا يَقُومَانِ بِكِفَايَتِهِ؛ الْأَبُ بِالْإِنْفَاقِ وَالْأُمُّ بِالْحَضَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ إنْ كَانَ عَلَى دِينِهَا. قَوْلُهُ: (فَهِيَ أَحَقُّ) أَيْ مُسْتَحِقَّةٌ بِحَضَانَتِهِ أَيْ إلَى سَبْعِ سِنِينَ وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ: ثُمَّ الْمُمَيِّزُ يُخَيَّرُ إلَخْ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْضُونِ زَوْجٌ، أَوْ زَوْجَةٌ يُمْكِنُ تَمَتُّعُ كُلٍّ بِالْآخَرِ، وَإِلَّا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ كُلِّ الْأَقَارِبِ، وَمُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ فِي مَالِهِ، ثُمَّ عَلَى الْأَبِ، لِأَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِفَايَةِ كَالنَّفَقَةِ وَلَهَا أَنْ تَطْلُبَ عَلَيْهَا أُجْرَةً كَمَا لَهَا أَنْ تَطْلُبَهَا لِلْإِرْضَاعِ، فَإِذَا حَضَنَتْ مُدَّةً أَوْ أَرْضَعَتْ مُدَّةً مِنْ غَيْرِ طَلَبِ أُجْرَةٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهَا. قَوْلُهُ: (لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا) أَيْ تَمَامِهَا قَالَ الْقَاضِي: وَلِأَنَّ جِهَاتِ التَّقْدِيمِ ثَلَاثَةٌ: الْوِلَادَةُ، وَالْوِرَاثَةُ، وَالْقَرَابَةُ، وَالْجَمِيعُ مَوْجُودَةٌ فِيهَا فَإِنْ امْتَنَعَتْ الْأُمُّ مِنْهَا لَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهَا، وَانْتَقَلَتْ لِأُمَّهَاتِهَا، وَإِذَا تَوَزَّعَتْ فِي أَهْلِيَّتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا عِنْدَ حَاكِمٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْحَجْرِ: إذَا كَانَ النِّزَاعُ فِي الْأَهْلِيَّةِ بَعْدَ تَسْلِيمِهَا الْوَلَدَ لَمْ يُنْزَعْ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 فَالْقُرْبَى فَأُمَّهَاتُ أَبٍ كَذَلِكَ وَخَرَجَ بِالْوَارِثَاتِ غَيْرُهُنَّ وَهِيَ مَنْ أَدْلَتْ بِذَكَرٍ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ كَأُمِّ أَبِي أُمٍّ فَأُخْتٌ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ مِنْ الْخَالَةِ فَخَالَةٌ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ فَبِنْتُ أُخْتٍ فَبِنْتُ أَخٍ كَالْأُخْتِ مَعَ الْأَخِ فَعَمَّةٌ وَتُقَدَّمُ أُخْتٌ وَخَالَةٌ وَعَمَّةٌ لِأَبَوَيْنِ عَلَيْهِنَّ لِأَبٍ لِزِيَادَةِ قَرَابَتِهِنَّ وَتُقَدَّمُ أُخْتٌ وَخَالَةٌ وَعَمَّةٌ لِأَبٍ عَلَيْهِنَّ لِأُمٍّ لِقُوَّةِ الْجِهَةِ فَرْعٌ: لَوْ كَانَ لِلْمَحْضُونِ بِنْتٌ قُدِّمَتْ فِي الْحَضَانَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْجَدَّاتِ، أَوْ زَوْجٌ يُمْكِنُ تَمَتُّعُهُ بِهَا قُدِّمَ   [حاشية البجيرمي] يَدِهَا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الْأَهْلِيَّةِ أَوْ قَبْلَهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَإِذَا طَلَبَتْ أُجْرَةً عَلَيْهَا، وَهُنَاكَ مُتَبَرِّعَةٌ قُدِّمَتْ عَلَيْهَا بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَعْدَ الْأُمِّ أُمَّهَاتٌ لَهَا) مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْضُونِ بِنْتٌ، وَإِلَّا فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أُمَّهَاتِ الْأُمِّ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَرْعِ بَعْدَهُ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ مَرَاتِبِ النِّسَاءِ الْخُلَّصِ سَبْعٌ وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: أُمٌّ فَأُمُّهَا بِشَرْطِ أَنْ تَرِثْ ... فَأُمَّهَاتُ وَالِدٍ لَقَدْ وَرِثْ أُخْتٌ فَخَالَةٌ فَبِنْتُ أُخْتِهِ ... فَبِنْتُ أَخٍ يَا صَاحِ مَعَ عَمَّتِهْ ، ثُمَّ اعْلَمْ: أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْحَضَانَةِ إنْ تَمَحَّضَ إنَاثًا قُدِّمَتْ الْأُمُّ فَأُمَّهَاتُهَا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ تَمَحَّضَ ذُكُورًا ثَبَتَتْ الْحَضَانَةُ لِكُلِّ قَرِيبٍ وَارِثٍ وَلَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ، وَلَا تَثْبُتُ لِمَحْرَمٍ غَيْرِ وَارِثٍ كَأَبِي الْأُمِّ وَالْخَالِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ الذُّكُورُ، وَالْإِنَاثُ قُدِّمَتْ الْأُمُّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا، ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَهَذَا حَاصِلُ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ تَوْضِيحٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَلَتْ الْأُمُّ) لَا حَاجَةَ لِهَذِهِ الْغَايَةِ مَعَ قَوْلِهِ: ثُمَّ أُمَّهَاتٌ لَهَا وَيُمْكِنُ عَلَى بُعْدٍ أَنَّهُ أَتَى بِهِ لِمُشَاكَلَةِ مَا بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: وَإِنْ عَلَوْنَ أَيْ الْأُمَّهَاتُ لَكَانَ أَوْلَى قَوْلُهُ: (فَأُمَّهَاتُ أَبٍ) أَيْ بَعْدَ الْأَبِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ إلَخْ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْغَيْرَ هُنَا مُؤَنَّثٌ فِي الْمَعْنَى فَلِذَلِكَ صَحَّتْ إعَادَةُ الضَّمِيرِ الْمُؤَنَّثِ عَلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ق ل: قَوْلُهُ: " وَهِيَ " أَيْ الْوَاحِدُ مِنْهُنَّ، وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَأُمِّ أَبِي أُمٍّ) لِإِدْلَائِهَا بِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ وَقُدِّمَتْ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَبِ لِقُوَّتِهِنَّ فِي الْإِرْثِ فَإِنَّهُنَّ لَمْ يَسْقُطْنَ بِالْأَبِ بِخِلَافِ أُمَّهَاتِهِ، وَلِأَنَّ الْوِلَادَةَ فِيهِنَّ مُحَقَّقَةٌ وَفِي أُمَّهَاتِ الْأَبِ مَظْنُونَةٌ وَقَوْلُهُ: لِإِدْلَائِهَا بِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ أَيْ بِحَالٍ وَهُوَ أَبُو الْأُمِّ فَكَانَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، بِخِلَافِ أُمِّ الْأُمِّ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ فَاسِقَةً أَوْ مُتَزَوِّجَةً، لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحَضَانَةَ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَوْلُهُ: وَفِي أُمَّهَاتِ الْأَبِ مَظْنُونَةٌ وَذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِ وَطْءِ الْأَبِ كَأَنْ يَكُونَ مِنْ زِنًا اهـ. قَوْلُهُ: (فَأُخْتٌ) أَيْ لِلْمَحْضُونَةِ وَلَوْ لِأُمٍّ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى فَأُمَّهَاتُ أَبٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أَقْرَبُ) أَيْ وَتَرِثُ أَيْضًا بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا تُدْلِي بِالْجَدَّةِ شَيْخُنَا: قَوْلُهُ: (فَبِنْتُ أُخْتٍ) وَلَوْ لِأُمٍّ. قَوْلُهُ: (كَالْأُخْتِ مَعَ الْأَخِ) أَيْ كَمَا أَنَّ الْأُخْتَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأَخِ أَيْ إذَا اجْتَمَعَتْ الْأُخْتُ مَعَ الْأَخِ قُدِّمَتْ فَكَذَا بِنْتُ الْأُخْتِ تُقَدَّمُ عَلَى بِنْتِ الْأَخِ، لِأَنَّ ابْنَ الْمُقَدَّمِ مُقَدَّمٌ. قَوْلُهُ: (لِزِيَادَةِ قَرَابَتِهِنَّ) الْأَوْلَى لِقُوَّةِ قَرَابَتِهِنَّ قَوْلُهُ : (فَرْعٌ) غَرَضُهُ تَقْيِيدُ مَا تَقَدَّمَ وَاشْتَمَلَ هَذَا الْفَرْعُ عَلَى حُكْمَيْنِ تَقْدِيمِ الْبِنْتِ عَلَى الْجَدَّاتِ وَتَقْدِيمِ الزَّوْجِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى عَلَى سَائِرِ الْأَقَارِبِ فَالْحُكْمُ الْأَوَّلُ يَتَقَيَّدُ بِهِ قَوْلُهُ سَابِقًا: فَأُمَّهَاتٌ لَهَا وَارِثَاتٌ إلَخْ. أَيْ مَحَلُّ تَقْدِيمِ الْجَدَّاتِ بَعْدَ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْضُونِ بِنْتٌ، وَإِلَّا فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ. وَالْحُكْمُ الثَّانِي يَتَقَيَّدُ بِهِ قَوْلُهُ سَابِقًا: وَأَوْلَاهُنَّ أُمٌّ إلَخْ؛ أَيْ مَحَلُّ تَقْدِيمِ الْأُمِّ فِي الْحَضَانَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْضُونِ زَوْجٌ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى، فَإِنْ كَانَ قُدِّمَ عَلَيْهَا وَعَلَى سَائِرِ الْأَقَارِبِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ عَدَمِ الْأَبَوَيْنِ) أَمَّا الْأَبَوَانِ فَيُقَدَّمَانِ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ فَلَوْ اجْتَمَعَتْ جَدَّةٌ لِأُمٍّ، وَأَبٌ، وَبِنْتٌ قُدِّمَ الْأَبُ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُوبًا بِأُمِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى عَلَى كُلِّ الْأَقَارِبِ، وَالْمُرَادُ بِتَمَتُّعِهِ بِهَا وَطْؤُهُ لَهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ تُطِيقَهُ، وَإِلَّا فَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ. وَتَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِأُنْثَى قَرِيبَةٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ لَمْ تُدْلِ بِذَكَرٍ غَيْرِ وَارِثٍ كَبِنْتِ خَالَةٍ وَبِنْتِ عَمَّةٍ وَلِذَكَرٍ قَرِيبٍ   [حاشية البجيرمي] الْأُمِّ، ثُمَّ الْبِنْتُ وَلَا حَقَّ لِأُمِّ الْأُمِّ لِحَجْبِهَا بِالْبِنْتِ، فَلَمَّا كَانَتْ مَحْجُوبَةً بِالْبِنْتِ قُدِّمَ الْأَبُ عَلَيْهَا وَأَطَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّرَدُّدِ فِيهِ، فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (أَوْ زَوْجٌ) شَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى بِدَلِيلِ تَعْمِيمِ الشَّارِحِ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: " تَمَتُّعُهُ بِهَا " قَاصِرٌ فَيُزَادُ: أَوْ تَمَتُّعُهَا بِهِ إذَا كَانَ مَحْضُونًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَمَتُّعُهُ بِهِ أَيْ بِالْمَحْضُونِ الشَّامِلِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. قَوْلُهُ: (يُمْكِنُ تَمَتُّعُهُ) أَيْ الزَّوْجِ بِهِ أَيْ بِالْمَحْضُونِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِتَمَتُّعِهِ بِهَا) أَيْ إذَا كَانَ الْمَحْضُونُ أُنْثَى، وَمِثْلُ الزَّوْجَةِ الزَّوْجُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْوَطْءُ لَهَا. وَعِبَارَةُ ع ش وَالْمُرَادُ بِتَمَتُّعِهِ بِهَا وَطْؤُهُ أَيْ حَاضِنًا كَانَ أَوْ مَحْضُونًا. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ مَحْضُونًا فَالْحَضَانَةُ لِحَاضِنِ الزَّوْجِ، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْقِيَامُ بِحُقُوقِ الزَّوْجَةِ فَيَلِي أَمْرَهَا مَنْ يَتَصَرَّفُ عَنْهُ تَوْفِيَةً لِحَقِّهَا مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (فَلَا بُدَّ أَنْ تُطِيقَهُ) أَيْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَأَتَّى وَطْؤُهُ لَهَا وَأَنْ تُطِيقَهُ، وَإِلَّا فَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ. وَلَا تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ عَلَى غَيْرِهَا إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ، وَالزَّوْجَةُ مُطِيقَةً، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ مُطِيقَةً الْوَطْءَ وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ فَلَا تُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهَا ح ل وَع ش. قَوْلُهُ: (فَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ) وَلَوْ قَالَ: لَا أَطَؤُهَا وَإِنْ كَانَ ثِقَةً ع ش. قَوْلُهُ: (وَتَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِأُنْثَى) أَيْ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى اجْتِمَاعِ مَحْضِ الْإِنَاثِ وَغَرَضُهُ زِيَادَةُ خَمْسَةٍ لَهُنَّ الْحَضَانَةُ، زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُنَّ بِنْتُ الْخَالَةِ، وَبِنْتُ الْعَمَّةِ، وَبِنْتُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ وَبِنْتُ الْخَالِ، عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تُدْلِ بِذَكَرٍ غَيْرِ وَارِثٍ) صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ بِأَنْ لَمْ تُدْلِ بِذَكَرٍ أَصْلًا كَأَنْ تُدْلِيَ بِإِنَاثٍ كَبِنْتِ الْخَالَةِ، وَبِنْتِ الْعَمَّةِ، أَوْ أَدْلَتْ بِذَكَرٍ وَارِثٍ كَبِنْتِ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا أَدْلَتْ بِذَكَرٍ غَيْرِ وَارِثٍ لَا حَضَانَةَ لَهَا كَبِنْتِ الْخَالِ وَبِنْتِ الْعَمِّ لِلْأُمِّ وَأَمِّ أَبِي الْأُمِّ وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي الْأَخِيرَيْنِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي بِنْتِ الْخَالِ ثُبُوتُ الْحَضَانَةِ لَهَا. وَاعْلَمْ: أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ: اجْتِمَاعُ إنَاثٍ فَقَطْ ذُكُورٍ فَقَطْ اجْتِمَاعُ الصِّنْفَيْنِ. وَحَاصِلُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأُمُّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا، ثُمَّ أُمَّهَاتُ الْأَبِ، ثُمَّ الْأُخْتُ مُطْلَقًا، ثُمَّ الْخَالَةُ مُطْلَقًا، ثُمَّ بِنْتُ الْأُخْتِ مُطْلَقًا، ثُمَّ بِنْتُ الْأَخِ مُطْلَقًا، ثُمَّ الْعَمَّةُ مُطْلَقًا، ثُمَّ بِنْتُ الْخَالَةِ، ثُمَّ بِنْتُ الْعَمَّةِ ثُمَّ بِنْتُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ، ثُمَّ بِنْتُ الْخَالِ. ، وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الذُّكُورِ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ الْأَخُ بِأَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ، وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، فَتُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى كُلِّ الذُّكُورِ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا كَذَلِكَ ثُمَّ الْأَبُ يُقَدَّمُ عَلَى كُلِّ الْإِنَاثِ غَيْرِ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا، ثُمَّ أُمَّهَاتُ الْأَبِ تُقَدَّمُ عَلَى كُلِّ الذُّكُورِ، ثُمَّ إذَا عُدِمَتْ الْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ؛ الْأُمُّ، وَأُمَّهَاتُهَا، وَالْأَبُ وَأُمَّهَاتُهُ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ مِنْ الْحَوَاشِي ذَكَرًا كَانَ كَأَخٍ وَابْنِ أَخٍ يُقَدَّمُ عَلَى خَالَةٍ وَعَمَّةٍ، أَوْ أُنْثَى كَأُخْتٍ وَبِنْتِ أَخٍ تُقَدَّمُ عَلَى عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ، وَابْنُ عَمٍّ كَذَلِكَ فَإِنْ اسْتَوَيَا ذُكُورَةً وَأُنُوثَةً أُقْرِعَ وَقَوْلُهُ: لَمْ تُدْلِ بِذَكَرٍ غَيْرِ وَارِثٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْوَارِثَاتِ فِيمَا مَرَّ بِخِلَافِ غَيْرِ الْقَرِيبَةِ كَالْمُعْتِقَةِ وَبِخِلَافِ مَنْ أَدْلَتْ بِذَكَرٍ غَيْرِ وَارِثٍ كَبِنْتِ خَالٍ وَبِنْتِ عَمٍّ لِأُمٍّ وَكَذَا مَنْ أَدْلَتْ بِوَارِثٍ أَوْ بِأُنْثَى وَكَانَ الْمَحْضُونُ ذَكَرًا يُشْتَهَى، شَرْحَ الْمَنْهَجِ: وَقَوْلُهُ: كَبِنْتِ خَالٍ، لِأَنَّهَا تُدْلِي بِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ أَصْلًا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ اسْتِحْقَاقُهَا وَعَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهِ لِبِنْتِ الْعَمِّ لِلْأُمِّ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْخَالَ أَقْرَبُ لِلْأُمِّ مِنْ بِنْتِ الْعَمِّ لِلْأُمِّ، لِأَنَّ أَبَاهَا الَّذِي هُوَ الْخَالُ أَقْرَبُ لِلْأُمِّ كَذَا قِيلَ ح ل، وَرَاجِعْ مَا فِي حَاشِيَةِ س ل. قَوْلُهُ: (كَبِنْتِ خَالَةٍ) وَتُقَدَّمُ بِنْتُ الْخَالَةِ قِيَاسًا عَلَى أُمِّهَا. قَوْلُهُ: (وَلِذَكَرٍ قَرِيبٍ) أَيْ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِنَاثِ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ ذُكُورٌ، وَإِنَاثٌ إلَخْ ع ش وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لِذَكَرٍ أَيْ عِنْدَ فَقْدِ الْإِنَاثِ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى اجْتِمَاعِ مَحْضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 وَارِثٍ مَحْرَمًا كَانَ كَالْأَخِ أَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمٍّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ وَقُوَّةِ قَرَابَتِهِ بِالْإِرْثِ وَالْوِلَايَةِ وَيَزِيدُ الْمَحْرَمُ بِالْمَحْرَمِيَّةِ، بِتَرْتِيبِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَا تُسَلَّمُ مُشْتَهَاةٌ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ، حَذَرًا مِنْ الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَلْ تُسَلَّمُ لِثِقَةٍ يُعَيِّنُهَا هُوَ، كَبِنْتِهِ. وَإِنْ اجْتَمَعَ ذُكُورٌ، وَإِنَاثٌ، قُدِّمَتْ الْأُمُّ، فَأُمَّهَاتُهَا. وَإِنْ عَلَتْ فَأَبٌ فَأُمَّهَاتُهُ. وَإِنْ عَلَا لِمَا مَرَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ الْحَوَاشِي ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا قُرْبًا قُدِّمَتْ الْأُنْثَى، لِأَنَّ الْإِنَاثَ أَصْبَرُ وَأَبْصَرُ فَإِنْ اسْتَوَيَا ذُكُورَةً وَأُنُوثَةً قُدِّمَ بِقُرْعَةٍ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْخُنْثَى هُنَا كَالذَّكَرِ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الذَّكَرِ فَلَوْ ادَّعَى الْأُنُوثَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. (ثُمَّ) الْمُمَيِّزُ (يُخَيَّرُ   [حاشية البجيرمي] الذُّكُورِ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: اجْتِمَاعُ الْإِرْثِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ كَالْأَبِ، اجْتِمَاعُ الْإِرْثِ دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ كَابْنِ الْعَمِّ، فَقْدُهُمَا كَابْنِ الْخَالِ، فَقْدُ الْإِرْثِ فَقَطْ كَالْخَالِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمٍّ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَافَ اسْتِقْصَائِيَّةٌ؛ إذْ لَيْسَ لَنَا ذَكَرٌ وَارِثٌ قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ إلَّا ابْنُ الْعَمِّ قَوْلُهُ: (وَالْوِلَايَةِ) وَبِهَذَا فَارَقَ بِنْتُ الْعَمِّ لِلْأُمِّ كَمَا مَرَّ أَيْضًا بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِتَرْتِيبِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَثَبُّتِ الْمُقَدَّرِ أَيْ تَثَبُّتِ الْحَضَانَةِ لِذَكَرٍ قَرِيبٍ عَلَى تَرْتِيبِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: بِتَرْتِيبِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ لَهُ حَقٌّ هُنَا دُونَ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ، لِأَنَّ الْجَدَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ هُنَا كَمَا فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِهِ فِي الْإِرْثِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجَدَّ أَيْ: لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْأُصُولِ قَبْلَ الْحَوَاشِي، وَقَوْلُهُ: كَمَا فِي النِّكَاحِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ هُنَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمِّ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ فِي النِّكَاحِ. اهـ. ح ل مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُسَلَّمُ مُشْتَهَاةٌ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَحْضُونَ الذَّكَرَ يُسَلَّمُ لِغَيْرِ الْمَحْرَمِ أَيْ لِلذَّكَرِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ وَلَوْ كَانَ مُشْتَهًى، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لَهُ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ: وَلَا يُسَلَّمُ مُشْتَهًى وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إذَا وُجِدَتْ رِيبَةٌ وَإِلَّا بِأَنْ انْتَفَتْ فَتُسَلَّمُ لَهُ ح ل. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَقَوْلُهُ: لِغَيْرِ مَحْرَمٍ ظَاهِرُ كَلَامِهِ تَسْلِيمُ الذَّكَرِ وَلَوْ كَانَ مُشْتَهًى وَهُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ لَا رِيبَةَ وَبِهَذَا يُجْمَعُ التَّنَاقُضُ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ " وَلَا تُسَلَّمُ إلَخْ " رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَلِذَكَرٍ قَرِيبٍ إلَخْ، وَلَوْ قَالَ: وَلَا يُسَلَّمُ مُشْتَهًى ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِغَيْرِ مَحْرَمٍ كَذَلِكَ لِيَرْجِعَ أَيْضًا لِقَوْلِهِ " وَتَثْبُتُ لِأُنْثَى قَرِيبَةٍ لَكَانَ أَوْلَى كَذَا قِيلَ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأُنْثَى غَيْرَ الْمَحْرَمِ لَهَا حَقٌّ فِي حَضَانَةِ الذَّكَرِ الْمُشْتَهَى، وَفِي س ل خِلَافُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ بِأُنْثَى وَكَانَ الْمَحْضُونُ ذَكَرًا. قَوْلُهُ: (لِثِقَةٍ) أَيْ لِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ. قَوْلُهُ: (يُعَيِّنُهَا) أَيْ يُعَيِّنُهَا غَيْرُ الْمَحْرَمِ وَكَانَ عَلَيْهِ إبْرَازُ الضَّمِيرِ، لِأَنَّ الصِّفَةَ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ. قَوْلُهُ: (كَبِنْتِهِ) أَيْ: أَوْ غَيْرِهَا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالِهِ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ بِرْمَاوِيٌّ. وَالْمُرَادُ بِنْتُهُ الَّتِي يَسْتَحْيِ مِنْهَا فَتُسَلَّمُ إلَيْهِ أَيْ تُجْعَلُ عِنْدَهُ مَعَ بِنْتِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَبِنْتُهُ مَعَهُ فِي رَحْلِهِ سُلِّمَتْ إلَيْهِ لَا لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَضَرِ وَلَمْ تَكُنْ بِنْتُهُ فِي بَيْتِهِ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ فِي مَوْضِعٍ تُسَلَّمُ إلَيْهِ وَفِي آخَرَ تُسَلَّمُ إلَيْهَا شَرْحَ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَلَتْ) أَيْ الْأُمَّهَاتُ، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَأُمَّهَاتُهَا أَيْ لَوْ قُلْنَا: ضَمِيرُ عَلَتْ رَاجِعٌ لِلْأُمِّ وَإِذَا رَجَعَ الضَّمِيرُ لِلْأُمَّهَاتِ فَكَانَ يَقُولُ وَإِنْ عَلَوْهُ. قَوْلُهُ: (فَأَبٌ فَأُمَّهَاتُهُ) الْمُرَادُ كَمَا قَالَهُ سم أَنَّهُ يُقَدَّمُ بَعْدَ الْأَبِ أُمَّهَاتُهُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ وَهَكَذَا ع ش. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) إنْ كَانَ تَعْلِيلًا لِتَقْدِيمِ الْأُمِّ فَاَلَّذِي مَرَّ وَهُوَ قَوْلُهُ: لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيلًا لِتَقْدِيمِ الْأَبِ فَاَلَّذِي مَرَّ هُوَ قَوْلُهُ: لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ وَقَرَابَتِهِ، بِالْإِرْثِ وَالْوِلَايَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ، فِي الْمَحْرَمِ وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: لَمْ يَمُرَّ هُنَا شَيْءٌ، وَإِنَّمَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَرَاجِعْهُ، وَعِبَارَتُهُ: وَأَوْلَاهُنَّ أُمٌّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا إلَخْ. ، وَإِنْ اجْتَمَعَ ذُكُورٌ، وَإِنَاثٌ فَأُمٌّ فَأُمَّهَاتُهَا فَأَبٌ فَأُمَّهَاتُهُ، وَإِنْ عَلَا لِمَا مَرَّ اهـ قَالَ ح ل. قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ أَيْ مِنْ تَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى أُمَّهَاتِهَا لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا وَقُدِّمَتْ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، لِأَنَّهَا بِالنِّسَاءِ أَلْيَقُ وَقُدِّمَ الْأَبُ عَلَى أُمَّهَاتِهِ، لِأَنَّهُ أَقْوَى وَقُدِّمَتْ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَبِ لِقُوَّتِهِنَّ اهـ. قَوْلُهُ: (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ الْحَوَاشِي) يَرُدُّ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْخَالَةِ عَلَى بِنْتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ؛ إذْ قَدْ وُجِدَ التَّقْدِيمُ وَلَا أَقْرَبِيَّةَ، تَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (قُدِّمَتْ الْأُنْثَى) فَتُقَدَّمُ أُخْتٌ عَلَى أَخٍ وَبِنْتُ أَخٍ عَلَى ابْنِ أَخٍ شَرْحَ الْمَنْهَجِ: وَقَوْلُهُ: عَلَى أَخٍ وَلَوْ شَقِيقًا وَقَوْلُهُ: وَبِنْتُ أَخٍ أَيْ وَلَوْ مِنْ الْأُمِّ، وَقَوْلُهُ عَلَى ابْنِ أَخٍ أَيْ وَلَوْ لِأَبَوَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَصْبَرُ) أَيْ أَشَدُّ صَبْرًا وَتَجَلُّدًا عَلَى تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ، وَقَوْلُهُ: أَبْصَرُ أَيْ أَشَدُّ بَصِيرَةً أَيْ عِلْمًا بِأَمْرِ الْحَضَانَةِ فَهُوَ عَطْفٌ مُغَايِرٌ. قَوْلُهُ: (ذُكُورَةً) كَعَمَّيْنِ أَوْ أُنُوثَةً كَخَالَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الذَّكَرِ) أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 نَدْبًا) بَيْنَ أَبَوَيْهِ إنْ صَلَحَا لِلْحَضَانَةِ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ، وَلَوْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ دِينًا، أَوْ مَالًا أَوْ مَحَبَّةً. (فَأَيُّهُمَا اخْتَارَهُ سُلِّمَ إلَيْهِ) " لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَالْغُلَامَةُ كَالْغُلَامِ فِي الِانْتِسَابِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ بِالْكَفَالَةِ الْحِفْظُ لِلْوَلَدِ، وَالْمُمَيِّزُ أَعْرَفُ بِحِفْظِهِ فَيُرْجَعُ إلَيْهِ. وَسِنُّ التَّمْيِيزِ غَالِبًا سَبْعُ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانٍ تَقْرِيبًا وَقَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَى السَّبْعِ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ الثَّمَانِ. فَمَدَارُهُ عَلَيْهِ لَا عَلَى السِّنِّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُعْتَبَرُ فِي تَمْيِيزِهِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِ. وَإِلَّا أُخِّرَ إلَى حُصُولِ ذَلِكَ وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي وَيُخَيَّرُ أَيْضًا بَيْنَ أُمٍّ وَإِنْ عَلَتْ وَجَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَوَاشِي كَأَخٍ، أَوْ عَمٍّ، أَوْ ابْنِهِ كَالْأَبِ بِجَامِعِ الْعُصُوبَةِ كَمَا يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبٍ وَأُخْتٍ لِغَيْرِ أَبٍ، أَوْ خَالَةٍ كَالْأُمِّ وَلَهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا تَحَوُّلٌ   [حاشية البجيرمي] فِي مَحَلٍّ لَوْ كَانَ أُنْثَى تَقَدَّمَ عَلَيْهِ شَرْحُ الرَّوْضِ. فَلَوْ كَانَ لِلْمَحْضُونِ أَخَوَانِ ذَكَرٌ وَخُنْثَى جُعِلَ الْخُنْثَى كَالذَّكَرِ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُجْعَلُ كَالْأُنْثَى حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَى الذَّكَرِ بِدُونِ قُرْعَةٍ، وَقَوْلُهُ: " صُدِّقَ بِيَمِينِهِ " أَيْ فَيُقَدَّمُ عَلَى الذَّكَرِ عَلَى غَيْرِ قُرْعَةٍ لِثُبُوتِ أُنُوثَتِهِ بِيَمِينِهِ وَانْظُرْ هَلَّا قَالَ الشَّارِحُ: فَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَمَا نُكْتَةُ الْإِظْهَارِ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ.؟ قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْمُمَيِّزُ) وَهُوَ مَنْ وَصَلَ إلَى حَالَةٍ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَحْدَهُ، وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ، وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِسَبْعِ سِنِينَ، ق ل. وَقَبْلَ التَّمْيِيزِ يَبْقَى عِنْدَ مَنْ هُوَ عِنْدَهُ. اهـ. شَيْخُنَا. زَادَ فِي الْمَنْهَجِ إنْ افْتَرَقَ أَبَوَاهُ مِنْ النِّكَاحِ وَهُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ كَمَا قَالَهُ سم عَلَى حَجّ: حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ فِي نِكَاحِ الْأَبِ وَلَا يَأْتِيهَا إلَّا أَحْيَانًا كَانَ كَمَا لَوْ افْتَرَقَا فِي التَّخْيِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش. وَلِهَذَا أَسْقَطَهُ الشَّارِحُ هُنَا فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (إنْ صَلَحَا) فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ إلَّا أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ فَلَا يُخَيَّرُ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ دِينًا) أَيْ بِأَنْ كَانَا عَدْلَيْنِ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا أَرْجَحُ عَدَالَةً لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْفَاسِقَ لَا حَضَانَةَ لَهُ وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَعْدَلَ فِي دِينِهِ، وَيُقَدَّمُ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ عَلَى الْآخَرِ، إنْ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا، أَوْ مُرْتَدًّا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. قَوْلُهُ: (فَأَيُّهُمَا) مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ " اخْتَارَ " صِلَةٌ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ " اخْتَارَهُ " وَجُمْلَةُ " سُلِّمَ " خَبَرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَخْيِيرُ الْوَلَدِ، وَإِنْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ قَبْلَ التَّخْيِيرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ فَلَوْ امْتَنَعَ الْمُخْتَارُ كَذَلِكَ كَفَلَهُ الْآخَرُ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا أُعِيدَ التَّخْيِيرُ، وَإِنْ امْتَنَعَ وَبَعْدَهُمَا مُسْتَحِقَّانِ لَهَا كَجَدٍّ وَجَدَّةٍ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا أُجْبِرَ عَلَيْهَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَفَالَةِ، شَرْحَ م ر. قَوْلُهُ: (خَيَّرَ غُلَامًا) ، وَإِنَّمَا يُدْعَى عُرْفًا بِالْغُلَامِ الْمُمَيِّزِ فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ وَمِثْلُهُ الْغُلَامَةُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْغُلَامُ الِابْنُ الصَّغِيرُ ثُمَّ قَالَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَسَمِعْت الْعَرَبَ تَقُولُ لِلْمَوْلُودِ حِينَ يُولَدُ ذَكَرًا غُلَامٌ فَلَمْ يُخَصِّصُوا الْغُلَامَ بِالْمُمَيِّزِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فِي الِانْتِسَابِ) صَوَابُهُ فِي التَّخْيِيرِ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: فِي الِانْتِسَابِ أَيْ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ فِيمَا إذَا وَطِئَ رَجُلَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ. وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَائِفٌ، أَوْ تَحَيَّرَ، أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا، أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا انْتَسَبَ بَعْدَ كَمَالِهِ لِمَنْ يَمِيلُ طَبْعُهُ إلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَتَقَدَّمُ) أَيْ التَّمْيِيزُ عَلَى السَّبْعِ إلَخْ، وَظَاهِرُ إنَاطَةِ الْحُكْمِ بِالتَّمْيِيزِ، أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى بُلُوغِهِ سَبْعَ سِنِينَ وَأَنَّهُ إذَا جَاوَزَهَا بِلَا تَمْيِيزٍ بَقِيَ عِنْدَ أُمِّهِ وَالثَّانِي ظَاهِرٌ. ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي كَوْنِهِ لَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ السَّبْعِ، وَإِنْ مَيَّزَ أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْهَا وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ عَدَمَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ فَخُفِّفَ عَنْهُ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْ السَّبْعَ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ الْمَدَارَ فِيهِ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا فِيهِ صَلَاحُ نَفْسِهِ وَعَدَمُهُ فَيُقَيَّدُ بِالتَّمْيِيزِ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ السَّبْعَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَمَدَارُهُ) أَيْ التَّخْيِيرِ، وَقَوْلُهُ: عَلَيْهِ أَيْ التَّمْيِيزِ قَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ فِي تَمْيِيزِهِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي حَدِّ التَّمْيِيزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فِي تَخْيِيرِهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ " فِي " بِمَعْنَى " مَعَ " قَوْلُهُ: (بِأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِ) وَهِيَ الدِّينُ وَالْمَحَبَّةُ وَكَثْرَةُ الْمَالِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي الْمَيْلَ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (إلَى حُصُولِ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ حُصُولُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَيُخَيَّرُ) أَيْ الْمُمَيِّزُ الَّذِي لَا أَبَ لَهُ أَيْضًا بَيْنَ أُمٍّ، وَإِنْ عَلَتْ وَجَدٍّ، وَإِنْ عَلَا م د وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ: يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ بَعْدَ فَقْدِ الْجَدِّ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْحَوَاشِي) أَيْ الذُّكُورِ مِنْ الْعَصَبَاتِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: بِجَامِعِ الْعُصُوبَةِ ع ش. قَوْلُهُ: (كَمَا يُخَيَّرُ) حَيْثُ لَا أُمَّ بَيْنَ أَبٍ وَأُخْتٍ لِغَيْرِ أَبٍ وَلَوْ لِأُمٍّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 لِلْآخَرِ، وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ لَهُ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا ظَنَّهُ أَوْ يَتَغَيَّرُ حَالُ مَنْ اخْتَارَهُ. قِيلَ: نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ سَبَبَ تَكَرُّرِهِ قِلَّةُ تَمْيِيزِهِ تُرِكَ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ قَبْلَ التَّمْيِيزِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْأَبَ ذَكَرٌ لَمْ يَمْنَعْهُ زِيَارَةَ أُمِّهِ، وَلَا يُكَلِّفُهَا الْخُرُوجَ لِزِيَارَتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ سَاعِيًا فِي الْعُقُوقِ وَقَطْعِ الرَّحِمِ. وَهُوَ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَهَلْ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، أَوْ الِاسْتِحْبَابِ؟ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ، وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ الْأَوَّلُ. وَيَمْنَعُ الْأَبُ أُنْثَى إذَا اخْتَارَتْهُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهَا لِتَأْلَفَ الصِّيَانَةَ وَعَدَمَ الْبُرُوزِ. وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ لِزِيَارَتِهَا وَلَا تُمْنَعُ الْأُمُّ زِيَارَةَ وَلَدَيْهَا عَلَى الْعَادَةِ كَيَوْمٍ فِي أَيَّامٍ لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ دُخُولِهَا بَيْتَهُ، وَإِذَا زَارَتْ لَا تُطِيلُ الْمُكْثَ وَهِيَ أَوْلَى   [حاشية البجيرمي] مَعَ أَنَّ الْأُخْتَ لِلْأَبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ. اهـ. ح ل. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ يُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى سَائِرِ الْحَوَاشِي وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ الْأُخْتُ وَالْخَالَةُ فَالْأَبُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا. وَمُقْتَضَى مَا هُنَا أَنَّ الْمَحْضُونَ كَانَ قَبْلَ التَّمْيِيزِ عِنْدَ الْأُخْتِ، أَوْ الْخَالَةِ وَتَخَيَّرَهُ بَعْدَهُ بَيْنَ مَنْ كَانَ عِنْدَهَا وَبَيْنَ الْأَبِ وَهَذَا لَا يَأْتِي إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِتَقْدِيمِهِمَا عَلَى الْأَبِ، فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُحَرَّرْ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ التَّمْيِيزِ عِنْدَ الْأَبِ فَيُخَيَّرُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُخْتِ، أَوْ الْخَالَةِ عِنْدَ عَدَمِ أُمَّهَاتِهِ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْت فِي سم مَا نَصُّهُ: قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَخُيِّرَ مُمَيِّزٌ بَيْنَ مُسْتَحِقِّهِ وَأُخْتٍ قَالَ شَارِحُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُخْتِ وَلَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَالَةِ قَالَ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَمَا فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ تَرْجِيحِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُخْتِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَالَةِ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَرْجُوحِ وَهُوَ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى الْأَبِ قَبْلَ التَّمْيِيزِ. قَوْلُهُ: (وَأُخْتٍ لِغَيْرِ أَبٍ) أَيْ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأُمٍّ بِخِلَافِ الَّتِي لِلْأَبِ فَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَبِ، لِأَنَّهَا لَمْ تُدْلِ بِالْأُمِّ، سم مَعَ أَنَّ الْأُخْتَ لِلْأَبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ، ح ل أَيْ فَلَا يَصِحُّ إخْرَاجُهَا فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَأَبٍ وَأُخْتٍ وَيَحْذِفَ قَوْلَهُ: لِغَيْرِ أَبٍ وَمَا عَلَّلَ بِهِ سم لَا يَمْنَعُ حَقَّهَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأُخْتَ لِلْأَبِ مُدْلِيَةٌ بِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فَكَانَ مَانِعًا لَهَا، وَالْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ تُدْلِي بِجِهَتَيْ الْأَبِ وَالْأُمِّ فَاعْتُبِرَتْ جِهَةُ الْأُمِّ وَكَذَا الْأُخْتُ لِلْأُمِّ، وَمَحَلُّ تَقْدِيمِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ قَبْلَ التَّمْيِيزِ قَوْلُهُ: (وَلَهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا إلَخْ) أَيْ فَيُعْمَلُ بِاخْتِيَارِهِ الثَّانِي بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْأَوَّلِ فَيُحَوَّلُ إلَيْهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْإِبَاحَةَ الْمُقَابِلَةَ لِلتَّحْرِيمِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ع ش. قَوْلُهُ: (لَيْسَ بِعَوْرَةٍ) مُقْتَضَاهُ وَلَوْ أَمْرَدَ جَمِيلًا. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَهَلْ هَذَا) أَيْ عَدَمُ مَنْعِهِ زِيَارَةَ أُمِّهِ. قَوْلُهُ: (الْأَوَّلُ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَيَمْنَعُ الْأَبُ أُنْثَى) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهَا زَوْجُهَا، أَوْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً فَيَجِبُ عَلَى الْأَبِ تَمْكِينُهَا مِنْ زِيَارَتِهَا سم لَكِنَّ فِي شَرْحِ م ر خِلَافَهُ فِي الْمُخَدَّرَةِ. اهـ. ع ش. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَيَمْنَعُ الْأَبُ أُنْثَى أَيْ نَدْبًا فَلَوْ أَطْلَقَهَا لِأُمِّهَا لَمْ يَحْرُمْ ع ش عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ الْبُرُوزِ) عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبَّبٍ. قَوْلُهُ: (وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهَا) ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ فِي الْأُمِّ بَيْنَ الْمُخَدَّرَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ. اهـ. م ر ع ش. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ فَإِنْ كَانَ لَهَا عُذْرٌ وَلَوْ بِتَخَدُّرِهَا، أَوْ مَنْعِ زَوْجِهَا أَرْسَلَتْ الْبِنْتُ إلَيْهَا اهـ. قَوْلُهُ: (لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ) هَذَا فِيمَنْ مَنْزِلُهَا بَعِيدٌ أَمَّا مَنْ مَنْزِلُهَا قَرِيبٌ فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهَا كُلَّ يَوْمٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ شَرْحَ م ر أج. وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَرِيبَةِ الْمَنْزِلِ، وَبَعِيدَتِهِ، فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ فِي حَقِّ الْبَعِيدَةِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْأُمِّ فَإِذَا تَحَمَّلَتْهَا وَأَتَتْ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَمْ يَحْصُلْ لِلْبِنْتِ بِذَلِكَ مَشَقَّةٌ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْبَعِيدَةِ وَالْقَرِيبَةِ قَالَهُ ع ش: قَالَ الرَّشِيدِيُّ: ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ وُجْهَةَ النَّظَرِ لِلْعُرْفِ فَإِنَّ الْعُرْفَ أَنَّ قَرِيبَ الْمَنْزِلِ كَالْجَارِ، يَتَرَدَّدُ كَثِيرًا بِخِلَافِ بَعِيدِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ دُخُولِهَا بَيْتَهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَتَدْخُلُهُ قَهْرًا عَلَيْهِ وَلَهَا أَنْ لَا تَكْتَفِيَ بِإِخْرَاجِ الْوَلَدِ إلَيْهَا عَلَى الْبَابِ ح ل. قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَنْعُ الزَّوْجِ أُمَّ زَوْجَتِهِ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي هَذَا مَظِنَّةَ الْإِفْسَادِ عَلَيْهِ اهـ. ، وَفِي ع ش عَلَى م ر وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ مِنْ دُخُولِ الْمَنْزِلِ إذَا كَانَتْ مُسْتَحِقَّةً لِمَنْفَعَتِهِ، وَلَا زَوْجَ لَهَا بَلْ إنْ شَاءَتْ أَذِنَتْ لَهُ فِي الدُّخُولِ، حَيْثُ لَا رِيبَةَ وَلَا خَلْوَةَ، وَإِنْ شَاءَتْ أَخْرَجَتْهَا لَهُ وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ وُجُوبِ التَّمْكِينِ عَلَى الْأَبِ مِنْ الدُّخُولِ إلَى مَنْزِلِهِ حَيْثُ اخْتَارَتْهُ الْأُنْثَى وَبَيْنَ هَذَا بِتَيَسُّرِ مُفَارَقَةِ الْأَبِ لِلْمَنْزِلِ عِنْدَ دُخُولِ الْأُمِّ بِلَا مَشَقَّةٍ بِخِلَافِ الْأُمِّ، فَإِنَّهُ قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهَا مُفَارَقَةُ الْمَنْزِلِ عِنْدَ دُخُولِهِ فَرُبَّمَا جَرَّ ذَلِكَ إلَى نَحْوِ الْخَلْوَةِ اهـ فَافْهَمْهُ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الْأُمُّ أَوْلَى بِتَمْرِيضِهِمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 بِتَمْرِيضِهَا عِنْدَهُ، لِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَهْدَى إلَيْهِ هَذَا إنْ رَضِيَ بِهِ، وَإِلَّا فَعِنْدَهَا. وَيَعُودُهُمَا وَيَحْتَرِزُ فِي الْحَالَيْنِ عَنْ الْخَلْوَةِ بِهَا، وَإِذَا اخْتَارَهَا ذَكَرٌ فَعِنْدَهَا لَيْلًا وَعِنْدَهُ نَهَارًا لِيُعَلِّمَهُ الْأُمُورَ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِ. فَمَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ صَغِيرًا سُرَّ بِهِ كَبِيرًا، يُقَالُ: الْأَدَبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالصَّلَاحُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ اخْتَارَتْهَا أُنْثَى وَخُنْثَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ فَعِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا لِاسْتِوَاءِ الزَّمَنَيْنِ فِي حَقِّهَا، وَيَزُورُهَا الْأَبُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يَطْلُبُ إحْضَارَهَا عِنْدَهُ، وَإِنْ اخْتَارَهُمَا مُمَيِّزٌ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ عِنْدَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مِنْهُمَا، أَوْ لَمْ يَخْتَرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَالْأُمُّ أَوْلَى، لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهَا وَلَمْ يَخْتَرْ غَيْرَهَا. (وَشَرَائِطُ) اسْتِحْقَاقِ (الْحَضَانَةِ سَبْعَةٌ) وَتَرَكَ سِتَّةً كَمَا سَتَعْرِفُهُ: أَحَدُهُمَا (الْعَقْلُ) فَلَا حَضَانَةَ لِمَجْنُونٍ، وَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعًا، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا. لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْحِفْظُ وَالتَّعَهُّدُ بَلْ هُوَ فِي نَفْسِهِ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْضُنُهُ. نَعَمْ إنْ كَانَ يَسِيرًا كَيَوْمٍ فِي سَنَةٍ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لَمْ تَسْقُطْ الْحَضَانَةُ كَمَرَضٍ يَطْرَأُ وَيَزُولُ. (وَ) ثَانِيهَا الْحُرِّيَّةُ فَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ وَلَوْ مُبَعَّضًا، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَثِّرْ إذْنُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ فَيُشَوِّشُ أَمْرَ الْوَلَدِ. وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْكَافِرِ، فَإِنَّ وَلَدَهَا يَتْبَعُهَا وَحَضَانَتَهُ لَهَا، مَا لَمْ تُنْكَحْ   [حاشية البجيرمي] فَلَوْ مَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلْأَبِ مَنْعُ الْأُمِّ مِنْ حُضُورِ التَّجْهِيزِ فِي بَيْتِهِ وَلَهُ مَنْعُهَا زِيَارَةَ قَبْرٍ فِي مِلْكِهِ وَلَوْ تَنَازَعَا فِي مَحَلِّ دَفْنِهِ أُجِيبَ الْأَبُ، لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ تَتِمَّتِهَا وَتَوَابِعِهَا. بِرْمَاوِيٌّ وَق ل عَلَى الْجَلَالِ وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَلَوْ مَاتَ فَقَالَتْ أُمُّهُ: ادْفِنْهُ فِي تُرْبَتِي وَقَالَ الْأَبُ: بَلْ فِي تُرْبَتِي كَانَ الْمُجَابُ الْأُمَّ عَلَى مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ وَبَحَثَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ الْمُجَابَ الْأَبُ وَمِثْلُهُ م ر وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ نَقْلٌ مُحَرَّمٌ كَأَنْ مَاتَ عِنْدَ أُمِّهِ وَالْأَبُ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا اهـ. وَالْمُرَادُ بِتُرْبَةِ أَحَدِهِمَا التُّرْبَةُ الَّتِي اعْتَادَ أَحَدُهُمَا الدَّفْنَ فِيهَا وَلَوْ مُسَبَّلَةً كَمَا فِي ع ش اهـ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَالَيْنِ) وَهُمَا كَوْنُهُ عِنْدَهُ وَكَوْنُهُ عِنْدَهَا. قَوْلُهُ: (وَإِذَا اخْتَارَهَا) أَيْ الْأُمَّ ذَكَرٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَعِنْدَهَا لَيْلًا إلَخْ) هَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَوْ كَانَتْ حِرْفَةُ الْأَبِ لَيْلًا فَالْأَقْرَبُ أَنَّ اللَّيْلَ فِي حَقِّهِ كَالنَّهَارِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْأَبِ لَيْلًا، لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ وَعِنْدَ الْأُمِّ نَهَارًا كَمَا قَالُوهُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ شَرْحَ الرَّوْضِ فَالْمُرَادُ بِاللَّيْلِ عَدَمُ وَقْتِ الْحِرْفَةِ وَلَوْ نَهَارًا، وَعَكْسُهُ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَهُ) أَيْ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا وَمِثْلُهُ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ) أَيْ الْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَنْعَةُ أَبِيهِ بَلْ الْوَاجِبُ اللَّائِقِ بِهِ هُوَ كَابْنِ حِمَارٍ لَكِنَّهُ عَاقِلٌ حَاذِقٌ جِدًّا فَلَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَكُونَ حِمَارًا وَكَابْنِ عَالِمٍ فِي غَايَةٍ مِنْ الْبَلَادَةِ وَعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ، فَلَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا، وَهَكَذَا فَلِذَلِكَ اعْتَبَرَ الْمُصَنِّفُ اللَّائِقَ بِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِ) وَأُجْرَةُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْوَلَدِ إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ م ر وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ فِي غَيْرِ بَلَدِ أُمِّهِ وَلَزِمَ عَلَى إقَامَتِهِ مَعَهَا ضَيَاعُهُ فَالْحَضَانَةُ لِأَبِيهِ. قَوْلُهُ: (يُقَالُ الْأَدَبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالصَّلَاحُ عَلَى اللَّهِ) وَ " عَلَى " فِي الْأَوَّلِ لِلْوُجُوبِ وَالتَّأْكِيدِ، وَفِي الثَّانِي لِلْفَضْلِ وَالْكَرَمِ ق ل. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَادَةِ) وَيُعْتَبَرُ فِي دُخُولِهِ عَلَى الْأُمِّ وُجُودُ مَحْرَمٍ، أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ وَيُحْتَرَزُ فِي زِيَارَتِهِ عَنْ الْخَلْوَةِ، نَعَمْ لَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً وَمَنَعَهُ الزَّوْجُ مِنْ دُخُولِهِ بَيْتَهُ خَرَجَتْ إلَيْهِ إلَى الْبَابِ لِيَرَاهَا وَيَتَفَقَّدَهَا بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهَا) أَيْ أَصَالَةً قَوْلُهُ: (فَلَا حَضَانَةَ لِمَجْنُونٍ) وَكَذَا أَبْرَصُ وَأَجْذَمُ وَذُو مَرَضٍ دَائِمٍ يَشْغَلُهُ عَنْ أَحْوَالِ الْمَحْضُونِ وَلَا يَضُرُّ الْعَمَى لَكِنْ يُنِيبُ الْقَاضِي عَنْهُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ زَمَنَ إغْمَائِهِ. بِرْمَاوِيٌّ فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ انْتَقَلَتْ لِلْأَبْعَدِ. قَوْلُهُ: (كَيَوْمٍ فِي سَنَةٍ) وَيُتَّجَهُ ثُبُوتُ الْحَضَانَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِوَلِيِّهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ) أَيْ عَلَى حُرٍّ، أَوْ رَقِيقٍ ابْتِدَاءً، أَوْ دَوَامًا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى إلَخْ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ. قَوْلُهُ: (وَحَضَانَتُهُ لَهَا) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهَا كَأَنْ كَانَتْ أُمُّهَا مُسْلِمَةً حُرَّةً خَالِيَةً مِنْ الْمَوَانِعِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ تَنْكِحْ) فَلَوْ نَكَحَتْ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: صَارَ الْأَبُ أَحَقَّ بِالْوَلَدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مُمَيِّزًا فَيُخَافَ أَنْ يَفْتِنَهُ عَنْ دِينِهِ فَلَا يُتْرَكَ عِنْدَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا حَضَانَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَا حَضَانَةَ هُنَا لِلْأَبِ ز ي فَيَجْرِي فِي الْوَلَدِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ مِنْ قَوْلِهِ: فَيَحْضُنُهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ. كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ أَبَاهُ كَافِرٌ فَلَيْسَ لَهُ أَقَارِبُ مُسْلِمُونَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أُخْتٌ وَخَالَةٌ وَأَخٌ وَعَمٌّ أَسْلَمُوا وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ. قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَنْكِحْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 كَمَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ فَرَاغُهَا لِمَنْعِ السَّيِّدِ مِنْ قُرْبَانِهَا وَوُفُورِ شَفَقَتِهَا. (وَ) ثَالِثُهَا (الدِّينُ) أَيْ الْإِسْلَامُ. فَلَا حَضَانَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا فَتَنَهُ فِي دِينِهِ فَيَحْضُنَهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَارِّ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَضَنَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَمُؤْنَتُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُنْزَعُ نَدْبًا مِنْ الْأَقَارِبِ الذِّمِّيِّينَ وَلَدٌ ذِمِّيٌّ وَصَفَ الْإِسْلَامَ وَتَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ وَلِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَهُ. (وَ) رَابِعُهَا وَخَامِسُهَا (الْعِفَّةُ وَالْأَمَانَةُ) جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا لِتَلَازُمِهِمَا؛ إذْ الْعِفَّةُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ الْكَفُّ عَمَّا لَا يَحِلُّ وَلَا يُحْمَدُ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ: وَالْأَمَانَةُ ضِدُّ الْخِيَانَةِ فَكُلُّ عَفِيفٍ أَمِينٌ وَعَكْسُهُ. فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الثَّالِثِ إلَى هُنَا بِالْعَدَالَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ فَلَا حَضَانَةَ لِفَاسِقٍ، لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي وَلَا يُؤْتَمَنُ. وَلِأَنَّ الْمَحْضُونَ لَا حَظَّ لَهُ فِي حَضَانَتِهِ، لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَتَكْفِي الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ كَشُهُودِ النِّكَاحِ نَعَمْ إنْ وَقَعَ نِزَاعٌ فِي الْأَهْلِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا عِنْدَ الْقَاضِي. (وَ) سَادِسُهَا: (الْإِقَامَةُ) فِي بَلَدِ الطِّفْلِ بِأَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُ مُقِيمَيْنِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرًا لَا لِنُقْلَةٍ كَحَجٍّ وَتِجَارَةٍ، فَالْمُقِيمُ أَوْلَى بِالْوَلَدِ مُمَيِّزًا   [حاشية البجيرمي] فَإِنْ نَكَحَتْ انْتَقَلَتْ الْحَضَانَةُ لِأَهْلِهَا الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا لَا لِلْأَبِ لِكُفْرِهِ اهـ. وَقَالَ ع ش: فَإِنْ نَكَحَتْ فَوَلِيُّهُ الْحَاكِمُ. قَوْلُهُ: (وَالدِّينُ) أَيْ التَّوَافُقُ فِي الدِّينِ. قَوْلُهُ: (فَلَا حَضَانَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) أَيْ وَلَوْ بِاللَّفْظِ فَمَنْ وَصَفَ الْإِسْلَامَ مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ نُزِعَ مِنْهُمْ وُجُوبًا احْتِرَامًا لِلْكَلِمَةِ وَيَحْضُنُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَقَارِبِهِ، وَمُؤْنَتُهُ فِي مَالِهِ، ثُمَّ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، ثُمَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ ثُبُوتَهَا لِلْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ: مُسْلِمٌ عَلَى مُسْلِمٍ، كَافِرٌ عَلَى كَافِرٍ، مُسْلِمٌ عَلَى كَافِرٍ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ، وَالرَّابِعَةُ حَضَانَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَغَيْرُ صَحِيحَةٍ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ مِنْ مُحْتَاجِي الْمُسْلِمِينَ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ (لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُسْلِمِ أَيْ فِي حَضَانَتِهِ مَصْلَحَةً لَهُ أَيْ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَمَانَةُ) ذَكَرَ ع ش فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى ابْنِ قَاسِمٍ الْغَزِّيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمَانَةِ أَمْنُهَا عَلَى حِفْظِ الطِّفْلِ بِأَنْ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ مَعَهَا مَحْظُورٌ، وَعَلَيْهِ فَهِيَ مُغَايِرَةٌ لِلْعِفَّةِ،. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (جَمَعَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْطُوفَاتِ فِيهَا جَمْعٌ بَيْنَ كُلِّ مَعْطُوفَيْنِ لَكِنْ إذَا ظَهَرَتْ حِكْمَةٌ بَيْنَ مَعْطُوفَيْنِ مُتَلَاصِقَيْنِ مِنْهَا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا كَمَا هُنَا ق ل. قَوْلُهُ: (لِتَلَازُمِهِمَا) فِيهِ نَظَرٌ مَعَ مَا ذَكَرَهُ فِيهِمَا فَلَوْ قَالَ: لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعُمُومِ الْمُطْلَقِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا ق ل. وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَمَّا لَا يَحِلُّ) أَيْ عَمَّا يَحْرُمُ فَيَخْرُجُ الْمَكْرُوهُ أَوْ عَمَّا لَا يَحِلُّ حِلًّا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ بِأَنْ لَمْ يَحِلَّ أَصْلًا وَهُوَ الْحَرَامُ، أَوْ يَحِلَّ حِلًّا غَيْرَ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَيَدْخُلُ الْمَكْرُوهُ وَهَذَا أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُحْمَدُ أَيْ فَاعِلُهُ عَلَى فِعْلِهِ؛ إذْ الْمَكْرُوهُ لَا يُحْمَدُ فَاعِلُهُ عَلَى فِعْلِهِ، عَلَى أَنَّ الْعِفَّةَ تَكُونُ عَلَى تَرْكِ الْحَلَالِ فَضْلًا عَمَّا فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلَا يُقَالُ لِهَذَا: خَائِنٌ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: " فَكُلُّ عَفِيفٍ أَمِينٌ وَعَكْسُهُ " غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّعْبِيرَ غَيْرُ صَحِيحٍ هُنَا؛ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا يُبْطِلُ الْحَضَانَةَ وَهُوَ مَا فِيهِ فِسْقٌ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ق ل. قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَبَّرَ بِالْعَدَالَةِ) إنْ أَرَادَ بِالْعَدَالَةِ عَدَالَةَ الشَّهَادَةِ، شَمِلَ الشُّرُوطَ الْخَمْسَةَ السَّابِقَةَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا عَدَالَةَ الرِّوَايَةِ، خَرَجَتْ الْحُرِّيَّةُ وَدَخَلَ غَيْرُهَا مِمَّا شَمِلَتْهُ عَدَالَةُ الشَّهَادَةِ، وَكُلٌّ غَيْرُ صَحِيحٍ ق ل نَعَمْ لَوْ عَبَّرَ الْمَتْنُ، بِعَدَمِ الْفِسْقِ لَكَانَ أَوْلَى، كَمَا إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ غَيْرُ فَاسِقٍ، لَا عَدْلٌ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَلَكَةِ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا الْعَدَالَةُ عِنْدَهُ وَتَكْفِي الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ، وَلَوْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَيُصَدَّقُ فِي بَقَائِهَا بَعْدَهُ فَإِنْ نُوزِعَ فِيهَا قَبْلَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ كَالشَّهَادَةِ بِالْجُرْحِ،. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (إنْ وَقَعَ نِزَاعٌ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّمَ الْحَاضِنُ الْمَحْضُونَ، وَإِلَّا قُبِلَ قَوْلُ الْحَاضِنِ فِي الْأَهْلِيَّةِ ق ل. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُ مُقِيمَيْنِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: بِأَنْ يَكُونَ الْحَاضِرُ مُقِيمًا، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي شَرَائِطِ اسْتِحْقَاقِ الْحَضَانَةِ، وَصَنِيعُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: بِأَنْ يَكُونَ إلَخْ لَا يُنَاسِبُ إلَّا كَوْنَ الْإِقَامَةِ شَرْطًا لِتَخْيِيرِ الْوَلَدِ بَيْنَ أَبَوَيْهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ إنْ أَرَادَ سَفَرَ غَيْرِ نُقْلَةٍ، كَانَ الْوَلَدُ مَعَ الْمُقِيمِ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُسَافِرُ، وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 كَانَ، أَوْ لَا حَتَّى يَعُودَ الْمُسَافِرُ لِخَطَرِ السَّفَرِ، أَوْ لِنُقْلَةٍ فَالْعَصَبَةُ مِنْ أَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْأُمِّ حِفْظًا لِلنَّسَبِ إنْ أَمِنَ خَوْفًا فِي طَرِيقِهِ وَمَقْصِدِهِ، وَإِلَّا فَالْأُمُّ أَوْلَى. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا تُسَلَّمُ مُشْتَهَاةٌ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمٍّ حَذَرًا مِنْ الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ، بَلْ لِثِقَةٍ تُرَافِقُهُ كَبِنْتِهِ. (وَ) سَابِعُهَا (الْخُلُوُّ) أَيْ خُلُوُّ الْحَاضِنَةِ (مِنْ زَوْجٍ) لَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ فَلَا حَضَانَةَ لِمَنْ تَزَوَّجَتْ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا. وَإِنْ رَضِيَ أَنْ يَدْخُلَ الْوَلَدُ دَارِهِ لِخَبَرِ: «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَزَعَمَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ عَنْهُ بِحَقِّ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ كَعَمِّ الطِّفْلِ وَابْنِ عَمِّهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهَا بِنِكَاحِهِ، لِأَنَّ مَنْ   [حاشية البجيرمي] أَرَادَ سَفَرَ نُقْلَةٍ، كَانَ الْوَلَدُ مَعَ الْعَصَبَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُقِيمُ، أَوْ الْمُسَافِرُ إذَا أَمِنَ الطَّرِيقَ وَالْمَقْصِدَ، وَإِلَّا فَالْمُقِيمُ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْأَبَوَيْنِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ، وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ التَّعْمِيمَ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ: فَالْعَصَبَةُ مِنْ أَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ ق ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَيْ أَحَدُ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ. قَوْلُهُ: (فَالْمُقِيمُ أَوْلَى) مَا لَمْ يَكُنْ الْمُقِيمُ الْأُمَّ وَكَانَ فِي بَقَائِهِ مَعَهَا ضَيَاعُ مَصْلَحَةٍ، كَمَا لَوْ كَانَ يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ، أَوْ الْحِرْفَةَ وَهُمَا بِبَلَدٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِذَلِكَ. كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبِرْمَاوِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الْعَنَانِيِّ. قَوْلُهُ: (لِخَطَرِ السَّفَرِ) طَالَتْ مُدَّتُهُ، أَوْ لَا، وَلَوْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَفَرَ حَاجَةٍ فَالْأُمُّ أَوْلَى عَلَى الْمُخْتَارِ فِي الرَّوْضَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَاجَةَ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا النُّزْهَةُ، وَعِبَارَةُ م ر فَإِنْ أَرَادَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاخْتَلَفَا مَقْصِدًا وَطَرِيقًا كَانَ عِنْدَ الْأُمِّ، وَإِنْ كَانَ سَفَرُهَا أَطْوَلَ وَمَقْصِدُهَا أَبْعَدَ، اهـ. أَيْ: لِأَنَّ السَّفَرَ فِيهِ مَشَاقُّ، وَالْأُمُّ أَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبِ وَالْمُرَادُ بِخَطَرِ السَّفَرِ مَشَقَّتُهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِنُقْلَةٍ) وَيُصَدَّقُ فِي قَصْدِهَا فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهَا الْيَمِينَ حُلِّفَتْ وَأَمْسَكَتْهُ، أَيْ الْمَحْضُونَ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَبٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ سَفَرُهُ فِي بَادِيَةٍ وَالْأُمُّ فِي مَدِينَةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ أَوَّلًا فِي الْبَلَدِ الَّتِي فِيهَا الْأُمُّ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَأَرَادَ الْأَخُ الِانْتِقَالَ وَهُنَاكَ عَمٌّ، أَوْ ابْنُ عَمٍّ مُقِيمَانِ فَلَيْسَ لِلْأَخِ أَخْذُهُ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ: (أَوْلَى بِهِ مِنْ الْأُمِّ) أَوْ غَيْرِهَا وَقَالَ ق ل: قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ كَانَ الْأَنْسَبُ بِمَا قَبْلَهُ أَنْ يَقُولَ: أَوْلَى مِنْ غَيْرِ الْعَصَبَةِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الْأُمِّ نَعَمْ إنْ سَافَرَتْ مَعَهُ اسْتَمَرَّ حَقُّهَا، كَمَا يَعُودُ لَهَا إذَا عَادَ مِنْ سَفَرِهِ بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (إنْ أَمِنَ خَوْفًا فِي طَرِيقِهِ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ وَقْتُ شِدَّةِ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ وَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ، وَيَجُوزُ لَهُ سُلُوكُ الْبَحْرِ بِهِ وَلَيْسَ خَوْفُ الطَّاعُونِ مَانِعًا، وَإِنْ وُجِدَ فِي أَمْثَالِهِ وَيَحْرُمُ دُخُولُ بَلَدِ الطَّاعُونِ وَالْخُرُوجُ مِنْهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَأْمَنْ الْخَوْفَ قَوْلُهُ: (وَقَدْ عَلِمَ. . . إلَخْ) هَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ: فَالْعَصَبَةُ مِنْ أَبٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ أَوْلَى فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِابْنِ الْعَمِّ وَالْمَحْضُونُ أُنْثَى مُشْتَهَاةٌ. قَوْلُهُ: (وَالْخُلُوُّ مِنْ زَوْجٍ) قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حُصُولِ الْخُلُوِّ مِنْ الزَّوْجِ بَيْنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ حَقُّهَا بِالنِّكَاحِ لِاشْتِغَالِهَا بِالِاسْتِمْتَاعِ، وَبِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ كَمَا يَحْرُمُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ مَعَ تَصَرُّفٍ. قَوْلُهُ: (فَلَا حَضَانَةَ لِمَنْ تَزَوَّجَتْ) أَيْ لِامْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ فَإِنْ طَلُقَتْ عَادَ اسْتِحْقَاقُهَا، وَعِبَارَةُ م ر: أَوْ طَلُقَتْ مَنْكُوحَةٌ، وَلَوْ رَجْعِيًّا لَحَضَنَتْ حَالًا، وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إنْ رَضِيَ الْمُطَلِّقُ ذُو الْمَنْزِلِ بِدُخُولِ الْوَلَدِ وَذَلِكَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَسْقَطَتْ الْحَاضِنَةُ حَقَّهَا انْتَقَلَتْ لِمَنْ يَلِيهَا فَإِذَا رَجَعَتْ عَادَ حَقُّهَا اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُدْخَلْ بِهَا) أَيْ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا، وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ وَلَا نَاكِحَةُ غَيْرِ أَبِيهِ اهـ. وَالْمُرَادُ غَيْرُ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَا كَمَا فِي زَوْجَةِ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ بِنْتَ زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَتَلِدَ مِنْهُ وَيَمُوتَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ فَتَحْضُنَهُ زَوْجَةُ جَدِّهِ، نَعَمْ لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى حَضَانَتِهِ وَلَوْ مَعَ مَالٍ آخَرَ، لَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا بِالنِّكَاحِ، لِأَنَّهُ عَقْدُ إجَارَةٍ وَهُوَ لَازِمٌ، كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَضِيَ) أَيْ الْغَيْرُ أَيْ وَلَمْ يَرْضَ الْأَبُ الْمَذْكُورُ، وَإِلَّا اسْتَمَرَّتْ لَهَا وَلَا حَقَّ لِنَاكِحَةِ أَبِي الْأُمِّ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وِعَاءً) بِالنَّصْبِ خَبَرٌ لِ كَانَ، وَقَوْلُهُ حِوَاءً أَيْ حَاوِيًا لَهُ. قَوْلُهُ: (وَزَعَمَ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: زَعَمَ مِنْ بَابِ قَتَلَ وَفِي الزَّعْمِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ فَتْحُ الزَّايِ بِالْحِجَازِ وَضَمُّهَا لِأَسَدٍ وَكَسْرُهَا لِبَعْضِ قَيْسٍ وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى الْقَوْلِ وَمِنْهُ زَعَمَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَزَعَمَ سِيبَوَيْهِ أَيْ قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 نَكَحَتْهُ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ وَشَفَقَتُهُ تَحْمِلُهُ عَلَى رِعَايَتِهِ فَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى كَفَالَتِهِ. وَثَامِنُهَا: أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ مُرْضِعَةً لِلطِّفْلِ، إنْ كَانَ الْمَحْضُونُ رَضِيعًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ، أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْإِرْضَاعِ فَلَا حَضَانَةَ لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: حَاصِلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ فَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ وَامْتَنَعَتْ فَالْأَصَحُّ لَا حَضَانَةَ لَهَا انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَتَاسِعُهَا أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ مَرَضٌ دَائِمٌ كَالسِّلِّ وَالْفَالِجِ إنْ عَاقَ تَأَلُّمُهُ عَنْ نَظَرِ الْمَحْضُونِ بِأَنْ كَانَ بِحَيْثُ يَشْغَلُهُ تَأَلُّمُهُ عَنْ كَفَالَتِهِ وَتَدَبُّرِ أَمْرِهِ، أَوْ عَنْ حَرَكَةِ مَنْ يُبَاشِرُ الْحَضَانَةَ فَتَسْقُطَ فِي حَقِّهِ دُونَ مَنْ يُدَبِّرُ الْأُمُورَ بِنَظَرِهِ وَيُبَاشِرُهَا غَيْرُهُ. وَعَاشِرُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ أَبْرَصَ وَلَا أَجْذَمَ كَمَا فِي قَوَاعِدِ الْعَلَائِيِّ. وَحَادِيَ عَشَرَهَا: أَنْ لَا يَكُونَ أَعْمَى كَمَا أَفْتَى بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَمِنْ أَقْرَانِ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ. وَثَانِيَ عَشَرَهَا: أَنْ لَا يَكُونَ مُغَفَّلًا كَمَا قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ فِي الشَّافِي. وَثَالِثَ عَشَرَهَا أَنْ لَا يَكُونَ صَغِيرًا، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا. (فَإِنْ اخْتَلَّ مِنْهَا) أَيْ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ (شَرْطٌ) فَقَطْ (سَقَطَتْ) حَضَانَتُهَا أَيْ لَمْ تَسْتَحِقَّ حَضَانَةً كَمَا تَقَرَّرَ، نَعَمْ لَوْ خَالَعَهَا الْأَبُ عَلَى أَلْفٍ مَثَلًا وَحَضَانَةِ وَلَدِهِ   [حاشية البجيرمي] وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ} [الإسراء: 92] أَيْ كَمَا أَخْبَرْتَ. قَوْلُهُ: (كَعَمِّ الطِّفْلِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ مَوْجُودًا، لِأَنَّ الْأُمَّ حِينَئِذٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ إلَّا مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي " وَرَضِيَ "، فَلَهَا الْحَضَانَةُ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: إلَّا عَمَّهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَابْنَ أَخِيهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَابْنَ أَخِيهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَيُصَوَّرُ بِأَنْ كَانَ لِلطِّفْلِ أُخْتٌ لِأُمٍّ ثُمَّ نَكَحَتْ ابْنَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ وَكَانَتْ الْحَضَانَةُ لِتِلْكَ الْأُخْتِ، كَذَا قَالَهُ ح ل: وَالْإِشْكَالُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَاضِنَةَ كَانَتْ هِيَ الْأُمَّ. وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ: أَنَّ أَخَا الطِّفْلِ إنْ كَانَ شَقِيقَهُ، فَابْنُهُ ابْنُ ابْنِهَا، أَوْ لِأُمِّهِ فَكَذَلِكَ، أَوْ لِأَبِيهِ فَهِيَ مَنْكُوحَةُ الْأَبِ. وَمُحَصَّلُ الْجَوَابِ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ الْحَاضِنَةُ غَيْرَ الْأُمِّ، وَهِيَ أُخْتُهُ لِأُمِّهِ فَيَجُوزُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِابْنِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ. قَوْلُهُ: (أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ مُرْضِعَةً) . هَذَا رَأْيٌ ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ: وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مُعْتَمَدٌ وَهُوَ مُقَابِلٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَلَا لِذَاتِ لَبَنٍ لَمْ تُرْضِعْ الْوَلَدَ إذْ فِي تَكْلِيفِ الْأَبِ مَثَلًا اسْتِئْجَارَ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا، مَعَ الِاغْتِنَاءِ عَنْهُ عُسْرٌ عَلَيْهِ اهـ. وَمَفْهُومُهُ اسْتِحْقَاقُ غَيْرِ ذَاتِ اللَّبَنِ وَفِيهِ نِزَاعٌ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ م ر: الْمُعْتَمَدُ الِاسْتِحْقَاقُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُحَرَّرِ فَإِنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَنْ الذَّكَرِ. اهـ. ع ش. وَقَوْلُهُ: عُسْرٌ عَلَيْهِ أَيْ مَعَ تَقْصِيرِهَا فَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ لَبُونٍ لَزِمَ الْأَبَ ذَلِكَ، وَإِنْ عَسُرَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (حَاصِلُهُ) لَيْسَ هَذَا حَاصِلَ مَا سَبَقَ إذْ هَذَا غَيْرُهُ بَلْ هُوَ حَاصِلُ كَلَامٍ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (فَالْأَصَحُّ لَا حَضَانَةَ لَهَا) . ، وَإِنْ رَضِيَتْ بِأُجْرَةٍ وَوَجَدَ الْأَبُ مُتَبَرِّعَةً فَالْحُكْمُ عَلَى جَوَابِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا حَضَانَةَ لِلْأُمِّ حِينَئِذٍ كَذَا أَفَادَهُ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ دِمْيَاطِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (كَالسِّلِّ) أَيْ الْقَصَبَةِ وَهُوَ بِالْكَسْرِ مَرَضٌ مَعْرُوفٌ وَلَا يَكَادُ صَاحِبُهُ يَبْرَأُ مِنْهُ وَفِي كُتُبِ الطِّبِّ أَنَّهُ مِنْ أَمْرَاضِ الشَّبَابِ الْمَخُوفَةِ لِكَثْرَةِ الدَّمِ فِيهِمْ وَهِيَ قُرُوحٌ تَحْدُثُ فِي الرِّئَةِ. اهـ. مِصْبَاحٌ قَوْلُهُ وَالْفَالِجِ هُوَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ مَرَضٌ يَحْدُثُ فِي أَحَدِ شِقَّيْ الْبَدَنِ طُولًا فَيُبْطِلُ إحْسَاسَهُ وَحَرَكَتَهُ وَرُبَّمَا كَانَ فِي الشِّقَّيْنِ وَيَحْدُثُ بَغْتَةً قَوْلُهُ إنْ عَاقَ إلَخْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مَرَضٌ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالسِّلِّ وَالْفَالِجِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُؤْلِمُ وَيَشْغَلُ الْأَلَمُ عَنْ كَفَالَتِهِ وَتَدْبِيرِ أَمْرِهِ سَقَطَ حَقُّ الْحَضَانَةِ وَإِنْ كَانَ تَأْثِيرُهُ تَعَسُّرَ الْحَرَكَةِ وَالتَّصَرُّفِ سَقَطَتْ الْحَضَانَةُ فِي حَقِّ مَنْ يُبَاشِرُهَا بِنَفْسِهِ دُونَ مَنْ يُشِيرُ بِالْأُمُورِ وَيُبَاشِرُهَا غَيْرُهُ. اهـ. قَوْلُهُ عَنْ نَظَرِ الْمَحْضُونِ أَيْ إذَا كَانَ لَا يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَخْصٌ يُبَاشِرُهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ أَوْ عَنْ حَرَكَةٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَفَالَتِهِ قَوْلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ أَعْمَى أَيْ إنْ كَانَ يَحْتَاجُ لِمُبَاشَرَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا فِي م ر وَهَذَا وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الشَّرْطَيْنِ خَارِجَانِ بِشَرْطِ الْعَدَالَةِ هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الْأَعْمَى لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ قَوْلُهُ وَثَالِثَ عَشَرَهَا أَنْ لَا يَكُونَ صَغِيرًا هَذَا الشَّرْطُ يُغْنِي عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ إذْ الْعَدْلُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْبُلُوغِ قَوْلُهُ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا الْأَوْلَى سَقَطَتْ الْحَضَانَةُ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 الصَّغِيرِ سَنَةً فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، كَمَا هُوَ فِي الرَّوْضَةِ أَوَاخِرَ الْخُلْعِ حِكَايَةً عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مُعَلِّلًا لَهُ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَلَوْ فُقِدَ مُقْتَضَى الْحَضَانَةِ، ثُمَّ وُجِدَ كَأَنْ كَمَلَتْ نَاقِصَةٌ بِأَنْ أَسْلَمَتْ كَافِرَةٌ، أَوْ تَابَتْ فَاسِقَةٌ، أَوْ أَفَاقَتْ مَجْنُونَةٌ، أَوْ عَتَقَتْ رَقِيقَةٌ، أَوْ طَلُقَتْ مَنْكُوحَةٌ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً عَلَى الْمَذْهَبِ حَضَنَتْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَتَسْتَحِقُّ الْمُطَلَّقَةُ الْحَضَانَةَ فِي الْحَالِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ غَابَتْ الْأُمُّ، أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْحَضَانَةِ فَلِلْجَدَّةِ مَثَلًا أُمِّ الْأُمِّ كَمَا لَوْ مَاتَتْ، أَوْ جُنَّتْ. وَضَابِطُ ذَلِكَ: أَنَّ الْقَرِيبَ إذَا امْتَنَعَ كَانَتْ الْحَضَانَةُ لِمَنْ يَلِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ إجْبَارِ الْأُمِّ عِنْدَ   [حاشية البجيرمي] وَقَوْلُهُ أَيْ لَمْ تَسْتَحِقَّ حَضَانَةً أَرَادَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ دَفْعَ مَا قَدْ يُقَالُ إنَّ السُّقُوطَ فَرْعٌ مِنْ الْوُجُودِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ أَبْقَى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَصْلِهِ وَجَعَلَهُ شَامِلًا لِمَا لَوْ طَرَأَ فَقْدُ شَرْطٍ عَلَى الْحَاضِنِ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى فَتَأَمَّلْ ق ل قَوْلُهُ عَلَى أَلْفٍ مَثَلًا أَوْ عَلَى حَضَانَةِ الْوَلَدِ فَقَطْ مَرْحُومِي قَوْلُهُ وَحَضَانَةِ وَلَدِهِ أَيْ وَتَزَوَّجَتْ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ فَلَيْسَ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهَا وَلَيْسَ الِاسْتِحْقَاقُ هُنَا بِالْقَرَابَةِ بَلْ بِالْإِجَارَةِ. اهـ. دَمْيَاطِيٌّ وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ السَّقْطِ وَالسَّاقِطُ قَوْلُهُ وَتَزَوَّجَتْ وَقَدْ نَظَمْتُ شُرُوطَ الْحَضَانَةِ بِقَوْلِي الْحَقُّ فِي حَضَانَةٍ لِلْجَامِعِ ... تِسْعُ شَرَائِطَ بِلَا مُنَازِعِ بُلُوغُهُ وَعَقْلُهُ حُرِّيَّتُهْ ... إسْلَامُهُ لِمُسْلِمٍ عَدَالَتُهْ إقَامَةٌ سَلَامَةٌ مِنْ ضَرَرٍ ... كَبَرَصٍ وَفَقْدِهِ لِلْبَصَرِ وَمَرَضٌ يَدُومُ مِثْلُ الْفَالِجِ ... كَذَا خُلُوُّهَا مِنْ التَّزَوُّجِ إلَّا إذَا تَزَوَّجَتْ بِأَهْلِ ... حَضَانَةٍ وَقَدْ رَضِيَ بِالطِّفْلِ وَعَدَمُ امْتِنَاعِ ذَاتِ الدَّرِّ ... مِنْ الرَّضَاعِ لَوْ بِأَخْذِ أَجْرِ اهـ. م د قَوْلُهُ كَأَنْ كَمُلَتْ أَنَّثَ هُنَا نَظَرًا إلَى أَنَّ أَصْلَ الْحَضَانَةِ لِلْإِنَاثِ وَإِلَّا فَلَا يَتَقَيَّدُ ق ل قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ رَجْعِيَّةً قَوْلُهُ حَضَنَتْ أَيْ حَالًا بِغَيْرِ تَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ مِنْ حَاكِمٍ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالنَّاظِرِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَا خَامِسَ لَهُمْ. اهـ. م د وَمِثْلُهُ لَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْحَضَانَةِ ثُمَّ رَضِيَتْ فَإِنَّهُ يَعُودُ أَخْذًا مِمَّا هُنَا وَلَا تُجْبَرُ إلَّا إذَا لَزِمَهَا نَفَقَةُ الْمَحْضُونِ وَمِثْلُ الْأُمِّ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ وَلَوْ قَامَ بِكُلِّ الْأَقَارِبِ مَانِعٌ مِنْ الْحَضَانَةِ رَجَعَ فِي أَمْرِهَا لِلْقَاضِي الْأَمِينِ فَيَضَعُهُ عِنْدَ الْأَصْلَحِ مِنْهُنَّ أَوْ مِنْ غَيْرِهِنَّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا لَمْ يَمْنَعُوهُنَّ كُنَّ بَاقِيَاتٍ عَلَى حَقِّهِنَّ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ شَرْحِ م ر وَعِبَارَةُ سم فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ ثَبَتَ الْحَقُّ وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِمَا لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهِ فَاسْتَحَقَّهُ أَحَدُهُمْ لِكَوْنِهِ الْأَرْشَدَ ثُمَّ صَارَ غَيْرَ أَرْشَدَ وَوُجِدَ وَاحِدٌ أَرْشَدُ مِنْهُ اسْتَحَقَّ وَلَوْ عَادَ الْأَوَّلُ أَرْشَدَ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَقَّ هُنَا لِمُعَيَّنٍ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِشَرْطٍ فَإِذَا زَالَ ثُمَّ عَادَ اسْتَحَقَّ وَهُنَاكَ الْحَقُّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ بَلْ لِلْمَوْصُوفِينَ فَإِذَا انْتَفَى وَانْتَقَلَ الْحَقُّ لِغَيْرِهِ لَمْ يَعُدْ بِعَوْدِهِ. اهـ. قَوْلُهُ قَبْلَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَلِصَاحِبِ الْعِدَّةِ الْمَنْعُ مِنْ إدْخَالِهِ أَيْ الْوَلَدِ بَيْتَهُ الَّذِي تَعْتَدُّ فِيهِ لَكِنْ إذَا رَضِيَ بِهِ اسْتَحَقَّتْ بِخِلَافِ رِضَا الزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ بِذَلِكَ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمَنْعَ تَمَّ لِاسْتِحْقَاقِهِ التَّمَتُّعَ وَاسْتِهْلَاكِ مَنَافِعِهَا فِيهِ وَهُنَا لِلْمَسْكَنِ فَإِذَا أَذِنَ صَارَ مُعِيرًا. اهـ. م د قَوْلُهُ وَلَوْ غَابَتْ الْأُمُّ أَيْ وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ لِلْحَضَانَةِ وَلَيْسَ الثَّانِي مُكَرَّرًا مَعَ الثَّامِنِ السَّابِقِ لِأَنَّ مَا مَرَّ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِرْضَاعِ وَهَذَا فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ الْحَضَانَةِ قَوْلُهُ وَضَابِطُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 الِامْتِنَاعِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا لِلْوَلَدِ الْمَحْضُونِ، فَإِنْ وَجَبَتْ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا مَالٌ أُجْبِرَتْ. كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ النَّفَقَةِ فَهِيَ حِينَئِذٍ كَالْأَبِ. خَاتِمَةٌ: مَا مَرَّ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمَحْضُونُ، فَإِنْ بَلَغَ بِأَنْ كَانَ غُلَامًا وَبَلَغَ رَشِيدًا وَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَمَّنْ يَكْفُلُهُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِقَامَةِ عِنْدَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يُفَارِقُهُمَا لِيَبَرَّهُمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَعِنْدَ الْأَبِ أَوْلَى لِلْمُجَانَسَةِ. نَعَمْ إنْ كَانَ أَمْرَدَ وَخِيفَ مِنْ انْفِرَادِهِ فَفِي الْعِدَّةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ مُفَارَقَةِ الْأَبَوَيْنِ وَلَوْ بَلَغَ عَاقِلًا غَيْرَ رَشِيدٍ فَأَطْلَقَ مُطْلِقُونَ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ إنْ كَانَ لِعَدَمِ إصْلَاحِ مَالِهِ، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِدِينِهِ. فَقِيلَ: تُدَامُ حَضَانَتُهُ إلَى ارْتِفَاعِ الْحَجْرِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَسْكُنُ حَيْثُ شَاءَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ انْتَهَى، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَإِنْ بَلَغَتْ رَشِيدَةً فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا، حَتَّى تَتَزَوَّجَ إنْ كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا إنْ كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ وَلَهَا أَنْ تَسْكُنَ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَوْ بِكْرًا هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رِيبَةٌ فَإِنْ كَانَتْ فَلِلْأُمِّ إسْكَانُهَا مَعَهَا. وَكَذَا لِلْوَلِيِّ مِنْ الْعَصَبَةِ إسْكَانُهَا مَعَهُ إذَا كَانَ مَحْرَمًا لَهَا. وَإِلَّا فَفِي مَوْضِعٍ لَائِقٍ بِهَا يُسْكِنُهَا وَيُلَاحِظُهَا دَفْعًا لِعَارِ النَّسَبِ كَمَا يَمْنَعُهَا نِكَاحَ غَيْرِ الْكُفْءِ وَتُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَمْرَدُ مِثْلُهَا فِيمَا ذُكِرَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَيُصَدَّقُ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى الرِّيبَةِ وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً، لِأَنَّ إسْكَانَهَا فِي مَوْضِعِ الْبَرَاءَةِ أَهْوَنُ مِنْ الْفَضِيحَةِ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً، وَإِنْ بَلَغَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ فَفِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَارُّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ حَضَانَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَكَفَالَتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبِنْتِ الْبِكْرِ، حَتَّى يَجِيءَ فِي جَوَازِ اسْتِقْلَالِهِ، وَانْفِرَادِهِ عَنْ الْأَبَوَيْنِ إذَا شَاءَ وَجْهَانِ انْتَهَى. وَيُعْلَمُ التَّفْصِيلُ فِيهِ مِمَّا مَرَّ.   [حاشية البجيرمي] ذَلِكَ أَيْ الِانْتِقَالِ وَقَوْلُهُ أَنَّ الْقَرِيبَ إذَا امْتَنَعَ أَيْ أَوْ غَابَ قَوْلُهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالْأُمِّ بَلْ كُلُّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَامْتَنَعَ مِنْ الْحَضَانَةِ أُجْبِرَ عَلَيْهَا كَذَا فِي م ر قَوْلُهُ: (مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْحَضَانَةِ أَوْ التَّخْيِيرِ. قَوْلُهُ: (كَالصَّبِيِّ) مُعْتَمَدٌ أَيْ بِمَعْنَى دَوَامِ وِلَايَةِ الْأَبِ، وَإِنْ عَلَا عَلَيْهِ فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَالرَّافِعِيُّ لَا يُلَائِمُ ذَلِكَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: كَالصَّبِيِّ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ أَيْ تَدُومُ حَضَانَتُهُ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا تَنْتَهِي بِالْبُلُوغِ، وَإِنْ أَرَادَ كَالصَّبِيِّ مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِ وِلَايَةِ مَالِهِ فَصَحِيحٌ لَكِنْ لَا يُلَائِمُهُ كَلَامُ ابْنِ كَجٍّ بَعْدَهُ، لِأَنَّهُ تَفْصِيلٌ فِي ثُبُوتِ الْحَضَانَةِ وَعَدَمِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يَسْكُنُ حَيْثُ شَاءَ حَيْثُ لَا رِيبَةَ وَوِلَايَةُ مَالِهِ لِلْأَبِ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ الْعِبَارَةِ بِالْمَرَّةِ. قَوْلُهُ: (فَلِلْأُمِّ) أَيْ يَجِبُ ذَلِكَ،. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فِي دَعْوَى الرِّيبَةِ) كَأَنْ يَقُولَ رَأَيْت فُلَانًا خَارِجًا مِنْ عِنْدِك فَتُنْكِرَ فَلَا يُكَلَّفَ بَيِّنَةً، لِأَنَّ فِيهِ فَضِيحَةً وَهَتِيكَةً. قَوْلُهُ: (لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً) أَيْ عَلَى الرِّيبَةِ. قَوْلُهُ: (الْخُنْثَى) أَيْ كَوْنُهُ مَحْضُونًا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ حَاضِنًا وَمَحْضُونًا ق ل. قَوْلُهُ: (لَمْ أَرَ فِيهِ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْحَضَانَةِ وَالْكَفَالَةِ قَوْلُهُ: (وَجْهَانِ) وَهُمَا جَوَازُ الِانْفِرَادِ وَعَدَمُهُ. قَوْلُهُ: (وَيُعْلَمُ التَّفْصِيلُ) وَهُوَ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُفَارِقَ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا إنْ لَمْ تَكُنْ رِيبَةٌ، وَإِلَّا وَجَبَ عَدَمُ الْمُفَارَقَةِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 كِتَابُ الْجِنَايَاتِ   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] ِ أَيْ عَلَى الْأَبْدَانِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْجِنَايَاتِ عَلَى الْأَمْوَالِ فِيمَا سَبَقَ وَهُوَ بَابُ الْغَصْبِ وَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ بَابُ السَّرِقَةِ. وَالْقِصَاصُ الَّذِي هُوَ مُوجَبُ الْجِنَايَةِ أَحَدُ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي شُرِعَتْ لِحِفْظِ النَّفْسِ، وَالنَّسَبِ، وَالْعَقْلِ، وَالْمَالِ، وَالدِّينِ، وَلِهَذِهِ شُرِعَتْ الْحُدُودُ حِفْظًا لِهَذِهِ الْأُمُورِ، فَشُرِعَ الْقِصَاصُ حِفْظًا لِلنَّفْسِ فَإِذَا عَلِمَ الْقَاتِلُ: أَنَّهُ إذَا قَتَلَ قُتِلَ انْكَفَّ عَنْ الْقَتْلِ، وَشُرِعَ حَدُّ الزِّنَا حِفْظًا لِلْأَنْسَابِ فَإِذَا عَلِمَ الشَّخْصُ أَنَّهُ إذَا زَنَى، رُجِمَ، أَوْ جُلِدَ انْكَفَّ عَنْ الزِّنَا، وَشُرِعَ حَدُّ الشُّرْبِ حِفْظًا لِلْعَقْلِ فَإِذَا عَلِمَ الشَّخْصُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ الْمُسْكِرَ حُدَّ انْكَفَّ عَنْ الشُّرْبِ، وَشُرِعَ حَدُّ السَّرِقَةِ حِفْظًا لِلْمَالِ فَإِذَا عَلِمَ السَّارِقُ أَنَّهُ إذَا سَرَقَ قُطِعَتْ يَدُهُ انْكَفَّ عَنْ السَّرِقَةِ، وَشُرِعَ قَتْلُ الرِّدَّةِ حِفْظًا لِلدِّينِ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ قُتِلَ انْكَفَّ عَنْ الرِّدَّةِ، اهـ مَرْحُومِي. وَالْقَتْلُ ظُلْمًا عُدْوَانًا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ، وَمُوجِبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَيْثُ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ حَيْثُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْقُطُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ، لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ مِنْهُ عَلَى الرَّاجِحِ، أَوْ بِالْحَجِّ الْمَبْرُورِ عَلَى الصَّحِيحِ لَا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْقَتْلِ وَيَسْقُطُ حَقُّ الْآدَمِيِّ بِالْعَفْوِ وَلَوْ مَجَّانًا أَوْ بِالْقَوَدِ، أَوْ بِأَخْذِ الدِّيَةِ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ. وَمَذْهَبُ السُّنَّةِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَقْطَعُ الْأَجَلَ، وَإِنَّمَا مَوْتُهُ بِأَجَلِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَأَمَّا خَبَرُ «إنَّ الْمَقْتُولَ يَتَعَلَّقُ بِقَاتِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَقُولُ: يَا رَبِّ ظَلَمَنِي وَقَتَلَنِي فَقَطَعَ أَجَلِي» فَمُتَكَلَّمٌ فِي إسْنَادِهِ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَقْتُولٍ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَكَانَ يُعْطَى أَجَلًا زَائِدًا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ: وَالْقَتْلُ ظُلْمًا إلَخْ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقَتْلُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ مُعَاهَدًا وَمُؤَمَّنًا وَلَا مَانِعَ مِنْهُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ أَفْرَادَهُ مُتَفَاوِتَةٌ فَقَتْلُ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ وَقَتْلُ الذِّمِّيِّ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ وَالْمُؤَمَّنِ، وَقَدْ يَشْهَدُ لِأَصْلِ التَّفَاوُتِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ، أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» أَمَّا الظُّلْمُ مِنْ حَيْثُ الِافْتِيَاتُ عَلَى الْإِمَامِ كَقَتْلِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كَبِيرَةً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ وَقَوْلُهُ، أَوْ بِأَخْذِ الدِّيَةِ أَيْ فِي قَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَعَلَيْهِ فَلَوْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ مَجَّانًا، أَوْ عَلَى الدِّيَةِ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْ الْقَاتِلِ فِي الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ: فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ظَاهِرُهُ لَا لِلْوَارِثِ وَلَا لِلْمَقْتُولِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَاتِلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ: حَقٌّ لِلَّهِ، وَحَقٌّ لِلْمَقْتُولِ، وَحَقٌّ لِلْوَلِيِّ، فَإِذَا سَلَّمَ الْقَاتِلُ نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا لِلْوَلِيِّ نَدَمًا عَلَى مَا فَعَلَ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْبَةً نَصُوحًا سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ بِالِاسْتِيفَاءِ، أَوْ الصُّلْحِ وَالْعَفْوِ، وَبَقِيَ حَقُّ الْمَقْتُولِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ وَيُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، اهـ. وَهُوَ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ: فَلَا مُطَالَبَةَ أُخْرَوِيَّةً لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ لِتَعْوِيضِ اللَّهِ إيَّاهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْقَسِمُ الْقَتْلُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ: وَاجِبٍ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ، وَحَرَامٍ كَقَتْلِ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَكْرُوهٍ كَقَتْلِ الْغَازِي قَرِيبَهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى مَثَلًا، وَمَنْدُوبٍ كَقَتْلِ الْغَازِي الْمَذْكُورَ إذَا سَمِعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ، أَوْ رَسُولَهُ، وَمُبَاحٍ كَقَتْلِ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْخِصَالِ فِي الْأَحَظِّيَّةِ فَرَاجِعْهُ، وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَأِ فَلَا يُوصَفُ بِحَرَامٍ وَلَا حَلَالٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِيمَا أَخْطَأَ فِيهِ فَهُوَ كَفِعْلِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَجْنُونِ بِرْمَاوِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَالَ ع ش عَلَى م ر: قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي قَتْلِ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ بِالْمَصْلَحَةِ وَحَيْثُ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ قَتْلَهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا إنْ تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهِ مَفْسَدَةٌ، وَمَنْدُوبًا إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَتَرَجَّحُ عَلَى التَّرْكِ بَلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 عَبَّرَ بِهَا دُونَ الْجِرَاحِ لِتَشْمَلَهُ وَالْقَطْعَ وَالْقَتْلَ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا وَهُوَ حَسَنٌ وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ وَجُمِعَتْ وَإِنْ كَانَتْ مَصْدَرًا لِتَنَوُّعِهَا كَمَا سَيَأْتِي إلَى عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ» وَقَتْلُ الْآدَمِيِّ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ. فَقَدْ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قِيلَ: ثُمَّ أَيٌّ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَتَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ عَمْدًا، لِأَنَّ الْكَافِرَ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ فَهَذَا أَوْلَى، وَلَا يَتَحَتَّمُ عَذَابُهُ بَلْ هُوَ   [حاشية البجيرمي] يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ حَيْثُ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي قَتْلِهِ. قَوْلُهُ: (لِتَشْمَلَهُ) أَيْ الْجِرَاحَ وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: لِتَشْمَلَهَا أَيْ الْجِرَاحَ، لِأَنَّ هَيْئَةَ الْجَمْعِ مُؤَنَّثَةٌ، لِأَنَّ جِرَاحَ جَمْعُ جَرْحٍ كَسَهْمٍ وَسِهَامٍ وَكَلْبٍ وَكِلَابٍ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ ذَكَّرَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: وَالْقَطْعَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْجِرَاحِ، وَالْجِرَاحُ جَمْعُ جَرْحٍ بِالْفَتْحِ أَوْ الضَّمِّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ، الْخُلَاصَةَ: فِعْلٌ وَفِعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا إلَى قَوْلِهِ وَفَعْلٌ مَعَ فُعْلٍ فَاقْبَلْ قَوْلُهُ: (مِمَّا يَجِبُ حَدًّا) لَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجِنَايَةِ مَا يَعُمُّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْأَعْرَاضِ كَالْقَذْفِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَلَوْ فَسَّرَ نَحْوَهُمَا بِنَحْوِ الْمُوضِحَةِ وَالْهَاشِمَةِ لَكَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ م د. وَقَوْلُهُ: كَالْقَذْفِ أَيْ وَالتَّعْزِيرِ كَوَطْءِ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا وَلَوْ قَالَ الْمُحَشِّي وَلَوْ فَسَّرَ نَحْوَهُمَا بِإِذْهَابِ الْمَعَانِي لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ وَالْهَاشِمَةَ دَاخِلَانِ فِي الْجِرَاحِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَعْزِيرًا) كَمَا إذَا قَذَفَ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ مَصْدَرًا) أَيْ وَالْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ تَوْكِيدٍ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَمَا لِتَوْكِيدٍ فَوَحِّدْ أَبَدَا ... وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ وَأَفْرِدَا قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ إلَّا عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ فَقَطْ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْجِنَايَاتِ الشَّامِلَةِ لِلْقَتْلِ وَالْجَرْحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَالدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى شَيْخُنَا، وَعِبَارَةُ ق ل: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي الْجِنَايَاتِ أَيْ فِي مَجْمُوعِهَا؛ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ إلَّا مَا فِيهِ قِصَاصٌ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إلَّا الْأَوَّلُ اهـ. قَوْلُهُ: (اجْتَنِبُوا) أَيْ اُتْرُكُوا، وَالْمُوبِقَاتُ الْمُهْلِكَاتُ بِالْعَذَابِ وَالْعِقَابِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَوْبَقَتْهُ الذُّنُوبُ أَهْلَكَتْهُ اهـ مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (وَالسِّحْرُ) سُمِّيَ السِّحْرُ سِحْرًا لِخَفَاءِ سَبَبِهِ وَلِأَنَّهُ يُفْعَلُ فِي خُفْيَةٍ وَهُوَ لُغَةً صَرْفُ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ تَقُولُ الْعَرَبُ مَا سَحَرَك عَنْ كَذَا أَيْ مَا صَرَفَك عَنْهُ فَكَأَنَّ السَّاحِرَ لَمَّا رَأَى الْبَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحَقِّ فَقَدْ سَحَرَ الشَّيْءَ عَنْ وَجْهِهِ أَيْ صَرَفَهُ هَذَا أَصْلُهُ أَيْ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْوِيهِ وَالتَّخَيُّلِ وَمَذْهَبُ السُّنَّةِ أَنَّ لَهُ وُجُودًا وَحَقِيقَةً وَقِيلَ إنَّ السِّحْرَ يُؤَثِّرُ فِي قَلْبِ الْأَعْيَانِ فَيَجْعَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَةِ الْحِمَارِ وَالْحِمَارَ عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ وَقَدْ يَطِيرُ السَّاحِرُ فِي الْهَوَاءِ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ عِنْدَ السُّنَّةِ وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ السِّحْرُ يَخْبِلُ وَيُمْرِضُ وَقَدْ يَقْتُلُ حَتَّى أَوْجَبَ الْقِصَاصَ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِهِ وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ عَلَى الْمُصَنِّفِ شَارِحِ السَّنُوسِيَّةِ السِّحْرُ لُغَةً صَرْفُ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ وَاصْطِلَاحًا مُزَاوَلَةُ النُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ أَفْعَالًا وَأَقْوَالًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أُمُورٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ بِتَأْثِيرِ اللَّهِ عَادَةً وَلَهُ حَقِيقَةٌ عِنْدَنَا وَاعْتِقَادُ إبَاحَتِهِ كُفْرٌ وَلَا يَظْهَرُ إلَّا عَلَى يَدِ فَاسِقٍ وَيَلْزَمُ بِهِ الْقِصَاصُ اهـ بِحُرُوفِهِ قَوْلُهُ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ أَيْ حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهَا بِكُلِّ شَيْءٍ إلَّا بِالْحَقِّ فَلَمْ يُحَرِّمْهُ بَلْ جَوَّزَهُ وَالْحَقُّ يَشْمَلُ الْقِصَاصَ وَالْحَدَّ قَوْلُهُ وَالتَّوَلِّي أَيْ الْفِرَارُ وَيَوْمَ الزَّحْفِ أَيْ يَوْمَ زَحْفِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمُرَادُ التَّوَلِّي مِنْ غَيْرِ مُقْتَضٍ لَهُ كَزِيَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى ضِعْفِنَا قَوْلُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 فِي خَطَرِ الْمَشِيئَةِ وَلَا يَخْلُدُ عَذَابُهُ إنْ عُذِّبَ، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى تَرْكِ التَّوْبَةِ، كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ غَيْرَ الْكُفْرِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] فَالْمُرَادُ بِالْخُلُودِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ. فَإِنَّ الدَّلَائِلَ تَظَاهَرَتْ عَلَى أَنَّ عُصَاةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَدُومُ عَذَابُهُمْ، أَوْ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْتَحِلِّ كَمَا ذَكَرَهُ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ اقْتَصَّ مِنْهُ الْوَارِثُ، أَوْ عَفَا عَنْهُ عَلَى مَالٍ أَوْ مَجَّانًا فَظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي سُقُوطَ الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ. وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَقْتُولَ لَا يَمُوتُ إلَّا بِأَجَلِهِ، وَالْقَتْلُ لَا يَقْطَعُ الْأَجَلَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْقَتْلُ يَقْطَعُهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي تَقْسِيمِ الْقَتْلِ بِقَوْلِهِ: (الْقَتْلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ عَمْدٍ مَحْضٍ، وَخَطَأٍ مَحْضٍ، وَعَمْدِ خَطَأٍ) وَجْهُ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَانِيَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ الْخَطَأُ. وَإِنْ قَصَدَهَا فَإِنْ كَانَ بِمَا يَقْتُلُ   [حاشية البجيرمي] الْمُحْصَنَاتِ أَيْ الْحَرَائِرُ وَقَوْلُهُ الْغَافِلَاتِ أَيْ الْبَرِيئَاتِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ مِنْهُنَّ مَا يَقْتَضِي الْقَذْفَ وَالذُّكُورُ كَالْإِنَاثِ وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ الْخَفِيفِ فَقَالَ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالشِّرْكُ وَالسِّحْرُ ... وَأَكْلُ الرِّبَا وَقَذْفُ الْمُبَرَّا وَالتَّوَلِّي بِيَوْمِ زَحْفٍ وَقَتْلُ ... النَّفْسِ سَبْعٌ قَدْ أَوْبَقَتْ مَنْ تَجَرَّا وَنِصْفُ الْبَيْتِ النُّونُ الْأُولَى مِنْ النَّفْسِ وَقَوْلُهُ تَجَرَّا أَيْ تَجَارَى عَلَى غَيْرِهِ بِالْمَذْكُورَاتِ قَوْلُهُ وَقَتْلُ الْآدَمِيِّ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَفِيهِ بَيَانُ النَّفْسِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِيهِ الْقِصَاصُ فِي الْآيَةِ وَقَالَ ق ل صَوَابُهُ إسْقَاطُ لَفْظِ مِنْ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْ وَالْمُرَادُ بِالْآدَمِيِّ مَا يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ الْمَعْصُومَ وَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الذِّمِّيِّ وَقَتْلَ الذِّمِّيِّ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ وَأَمَّا الظُّلْمُ مِنْ حَيْثُ الِافْتِيَاتُ عَلَى الْإِمَامِ كَقَتْلِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ لَهُ بِهَا فَلَا يَكُونُ كَبِيرَةً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ع ش قَوْلُهُ نِدًّا بِكَسْرِ النُّونِ ثُمَّ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمَشْدُودَةِ أَيْ شَرِيكًا أَوْ مُمَاثِلًا أَوْ نَظِيرًا قَوْلُهُ وَلَدَكَ لَيْسَ قَيْدًا وَقَوْلُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ يَأْكُلَ وَلَيْسَ قَيْدًا وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِمُشَاكَلَةِ قَوْلِهِ {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151] قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْوَلَدِ تَنْفِيرًا عَمَّا كَانَ يَقَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَتْلِ أَوْلَادِهِمْ خَشْيَةَ الْفَقْرِ قَوْلُهُ فِي خَطَرِ الْمَشِيئَةِ أَيْ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ سَامَحَهُ أَيْ فِي خَوْفِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ عَذَابَهُ قَالَ اللَّقَانِيِّ وَمَنْ يَمُتْ وَلَمْ يَتُبْ مِنْ ذَنْبِهِ ... فَأَمْرُهُ مُفَوَّضٌ لِرَبِّهِ قَوْلُهُ وَلَا يَخْلُدُ عَذَابُهُ أَيْ قَاتِلِ النَّفْسِ أَيْ سَوَاءٌ تَابَ أَمْ لَا قَوْلُهُ تَظَاهَرَتْ أَيْ اجْتَمَعَتْ وَتَقَوَّتْ قَوْلُهُ لَا يَمُوتُ إلَّا بِأَجَلِهِ أَيْ فَرَاغِهِ قَوْلُهُ وَالْقَتْلُ لَا يَقْطَعُ الْأَجَلَ قَالَ اللَّقَانِيِّ وَمَيِّتٌ بِعُمُرِهِ مَنْ يُقْتَلُ ... وَغَيْرُ هَذَا بَاطِلٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَزَعَمَ الْكَثِيرُ أَنَّ الْقَاتِلَ قَدْ قَطَعَ عَلَيْهِ الْأَجَلَ وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَعَاشَ إلَى أَمَدٍ هُوَ أَجَلُهُ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ مَوْتَهُ فِيهِ لَوْلَا الْقَتْلُ قَوْلُهُ: (الْقَتْلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ) خَصَّ الْقَتْلَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَالْأَقْسَامُ تَجْرِي فِي الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ وَإِزَالَةِ الْمَعْنَى، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ هِيَ أَيْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْبَدَنِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُزْهِقَةً لِلرُّوحِ، أَمْ غَيْرَ مُزْهِقَةٍ مِنْ قَطْعٍ وَنَحْوِهِ ثَلَاثَةٌ عَمْدٌ إلَخْ أَيْ لَا رَابِعَ لَهَا بِحُكْمِ الْوُجُودِ وَالْعَقْلِ. قَوْلُهُ: (وَعَمْدِ خَطَأٍ) بِالْإِضَافَةِ وَيُقَالُ لَهُ شِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأُ عَمْدٍ وَخَطَأُ شِبْهِ عَمْدٍ وَأَخَّرَهُ عَنْ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ لِأَخْذِهِ شَبَهًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا شَرْحَ م ر. وَمِنْ الْخَطَأِ مَا لَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 غَالِبًا فَهُوَ الْعَمْدُ، وَإِلَّا فَشِبْهُ عَمْدٍ كَمَا تُؤْخَذُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ قَوْلِهِ: (فَالْعَمْدُ الْمَحْضُ) أَيْ الْخَالِصُ هُوَ أَنْ يَعْمِدَ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ يَقْصِدَ إلَى ضَرْبِهِ أَيْ الشَّخْصِ الْمَقْصُودِ بِالْجِنَايَةِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَجَارِحٍ وَمُثَقَّلٍ وَسِحْرٍ وَيَقْصِدُ بِفِعْلِهِ قَتْلَهُ بِذَلِكَ عُدْوَانًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُزْهِقًا لِلرُّوحِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَخَرَجَ بِقَيْدِ قَصْدِ الْفِعْلِ مَا لَوْ زَلِقَتْ رِجْلُهُ فَوَقَعَ عَلَى غَيْرِهِ فَمَاتَ فَهُوَ خَطَأٌ وَبِقَيْدِ الشَّخْصِ الْمَقْصُودِ مَا لَوْ رَمَى زَيْدًا فَأَصَابَ عَمْرًا فَهُوَ خَطَأٌ وَبِقَيْدِ الْغَالِبِ النَّادِرِ كَمَا لَوْ غَرَزَ إبْرَةً فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ وَلَمْ يَعْقُبْهَا وَرَمٌ وَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عُدْوَانًا وَبِقَيْدِ الْعُدْوَانِ الْقَتْلُ الْجَائِزُ وَبِقَيْدِ حَيْثِيَّةِ   [حاشية البجيرمي] رَمَى مُهْدَرًا فَعُصِمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ تَنْزِيلًا لِطُرُوِّ الْعِصْمَةِ مَنْزِلَةَ طُرُوُّ إصَابَةِ مَنْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْخَطَأِ حُكْمَ الْآلَةِ مِنْ كَوْنِهَا تَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ لَا ح ل. قَوْلُهُ: (وَجْهُ الْحَصْرِ) أَيْ عَقْلًا. قَوْلُهُ: (عَيْنُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) أَيْ ذَاتُهُ. قَوْلُهُ: (كَمَا تُؤْخَذُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ) أَيْ ضَابِطُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ. قَوْلُهُ: (هُوَ أَنْ يَعْمِدَ) أَيْ أَنْ يَعْمِدَ بِكَسْرِ الْمِيمِ، لِأَنَّ الْقَتْلَ نَفْسُ الْعَمْدِ فَهُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَفِي حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ اللُّغَوِيِّ عَمِدَ مِنْ بَابِ عَلِمَ اهـ. إلَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَكْثَرُ. قَوْلُهُ: (الْمَقْصُودِ بِالْجِنَايَةِ) أَيْ وَلَوْ مِنْ النَّوْعِ لِيَدْخُلَ فِيهِ رَمْيُهُ لِجَمْعٍ قَصَدَ إصَابَةَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِخِلَافِهِ لِقَصْدِ إصَابَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرْقًا بَيْنَ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ إذْ الْحُكْمُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مُطَابَقَةٌ فَكُلٌّ مِنْهُمْ مَقْصُودٌ جُمْلَةً، أَوْ تَفْصِيلًا، وَفِي الثَّانِي عَلَى الْمَاهِيَّةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ قَوْلُهُ " الْمَقْصُودِ بِالْجِنَايَةِ " بَعْدَ قَوْلِهِ: " أَنْ يَعْمِدَ " أَيْ يَعْمِدَ أَيْ يَقْصِدَ، لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَالَ الَأُجْهُورِيُّ: بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدَ عَيْنَهُ بِالْجِنَايَةِ فَلَوْ أَشَارَ لِإِنْسَانٍ بِسِكِّينٍ تَخْوِيفًا فَسَقَطَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ اُتُّجِهَ كَوْنُهُ غَيْرَ عَمْدٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ بِالْآلَةِ قَطْعًا، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: إنَّهُ عَمْدٌ يُوجِبُ الْقَوَدَ. قَوْلُهُ: (كَجَارِحٍ وَمُثَقَّلٍ وَسِحْرٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ. قَوْلُهُ: (وَيَقْصِدُ بِفِعْلِهِ قَتْلَهُ بِذَلِكَ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، أَوْ هُوَ مُضِرٌّ، لِأَنَّهُ لَوْ ضَرَبَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَقَتَلَهُ عَمْدًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلِهَذَا لَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا جَهِلَ مَرَضَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ الْمَرِيضَ دُونَ الصَّحِيحِ، أَوْ قَصَدَ تَعْزِيرَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَانَ عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقَوَدِ مَعَ ظُهُورِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بِمَا ذَكَرَ سم. فَرْعٌ: أَوْقَدَتْ امْرَأَةٌ نَارًا وَتَرَكَتْ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ عِنْدَهَا وَذَهَبَتْ فَقَرُبَ مِنْ النَّارِ وَاحْتَرَقَ بِهَا فَإِنْ تَرَكَتْهُ بِمَوْضِعٍ تُعَدُّ بِهِ مُقَصِّرَةً بِتَرْكِهِ فِيهِ ضَمِنَتْهُ، وَإِلَّا فَلَا هَكَذَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ وَهُوَ حَسَنٌ سم. قَوْلُهُ: (عُدْوَانًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُزْهِقًا لِلرُّوحِ) هَذَانِ الْقَيْدَانِ لَيْسَا مِنْ حَقِيقَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقَوَدِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِقَرِينَةِ كَلَامِ الشَّارِحِ، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّارِحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (زَلِقَتْ) بِكَسْرِ اللَّامِ. قَوْلُهُ: (النَّادِرُ) أَيْ وَمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْأَمْرَانِ أَيْ كَوْنُهُ يَقْتُلُ وَكَوْنُهُ لَا يَقْتُلُ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ غَرَزَ إبْرَةً) أَيْ إبْرَةَ الْخَيَّاطِ لَا نَحْوَ مِسَلَّةٍ فَإِنَّهَا تَقْتُلُ غَالِبًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر كَغَرْزِ إبْرَةٍ بِمَقْتَلٍ كَحَلْقٍ أَيْ أَوْ فِي بَدَنِ نَحْوِ هَرِمٍ، أَوْ نَحِيفٍ، أَوْ صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ وَهِيَ مَسْمُومَةٌ، شَرْحَ م ر. قَوْلُهُ: وَهِيَ مَسْمُومَةٌ قَيْدٌ فِي الْكَبِيرِ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ ع ش وَالرَّشِيدِيُّ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ) أَيْ كَوَرِكٍ وَأَلْيَةٍ أَمَّا بِمَقْتَلٍ كَدِمَاغٍ وَعَيْنٍ وَحَلْقٍ وَخَاصِرَةٍ، وَإِحْلِيلٍ وَمَثَانَةٍ وَعِجَانٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْخُصْيَةِ وَالدُّبُرِ فَعَمْدٌ، وَإِنْ انْتَفَى أَلَمٌ وَوَرَمٌ لِصِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِخَطَرِ الْمَحَلِّ وَشِدَّةِ تَأَثُّرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَعْقُبْهَا وَرَمٌ) أَيْ وَلَا تَأَلُّمٌ فَإِنْ عَقَبَهَا ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ فَعَمْدٌ فِي صُورَتَيْنِ: غَرْزِهَا بِمَقْتَلٍ مُطْلَقًا، وَغَرْزِهَا بِغَيْرِهِ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ وَمَاتَ حَالًا فَشِبْهُ عَمْدٍ وَلَا أَثَرَ لِغَرْزِهَا فِيمَا لَا يُؤْلِمُ كَجِلْدَةِ عَقِبٍ لِعِلْمِنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ بِهِ وَالْمَوْتُ عَقِبَهُ مُوَافَقَةُ قَدْرٍ فَهُوَ كَمَنْ ضُرِبَ بِقَلَمٍ أَوْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ فَمَاتَ. شَرْحَ الْمَنْهَجِ، وَقَوْلُهُ: وَرَمٌ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى التَّأَلُّمِ وَقَوْلُهُ: كَجِلْدَةِ عَقِبٍ مَا لَمْ يُبَالِغْ فِي الْغَرْزِ بِهَا فَإِنْ بَالَغَ حَتَّى أَدْخَلَهَا إلَى اللَّحْمِ الْحَيِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَقَوْلُهُ كَمَنْ ضُرِبَ بِقَلَمٍ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَخَرَجَ بِمَا يُتْلِفُ غَالِبًا، أَوْ غَيْرَ غَالِبٍ مَا لَوْ ضَرَبَهُ بِقَلَمٍ إلَخْ وَلَوْ مَنَعَهُ الْبَوْلَ فَمَاتَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ رَبَطَ ذَكَرَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْبَوْلُ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ مَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، وَإِنْ لَمْ يَرْبِطْهُ، بَلْ مَنَعَهُ بِتَهْدِيدٍ مَثَلًا كَإِنْ بُلْت قَتَلْتُكَ فَلَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِعْلًا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَخَذَ طَعَامَهُ فِي مَفَازَةٍ فَمَاتَ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ الْعَمْدِ مَا لَوْ أَخَذَ مِنْ الْعَوَّامِ جِرَابَهُ مَثَلًا مِمَّا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي الْعَوْمِ وَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 الْإِزْهَاقِ لِلرُّوحِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ حَزَّ رَقَبَتِهِ قِصَاصًا فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عُدْوَانًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عُدْوَانًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُزْهِقًا وَإِنَّمَا هُوَ عُدْوَانٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ فَائِدَةٌ يُمْكِنُ انْقِسَامُ الْقَتْلِ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَاجِبٍ وَحَرَامٍ وَمَكْرُوهٍ وَمَنْدُوبٍ وَمُبَاحٍ فَالْأَوَّلُ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ إذَا لَمْ يَتُبْ وَالْحَرْبِيِّ إذَا لَمْ يُسْلِمْ أَوْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ وَالثَّانِي قَتْلُ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالثَّالِثُ قَتْلُ الْغَازِي قَرِيبَهُ الْكَافِرَ إذَا لَمْ يَسُبَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ وَالرَّابِعُ قَتْلُهُ إذَا سَبَّ أَحَدَهُمَا وَالْخَامِسُ قَتْلُ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ إذَا اسْتَوَتْ الْخِصَالُ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَأِ فَلَا يُوصَفُ بِحَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِيمَا أَخْطَأَ فِيهِ فَهُوَ كَفِعْلِ الْمَجْنُونِ وَالْبَهِيمَةِ فَيَجِبَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ لَا فِي غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي الْقَوَدُ أَيْ الْقِصَاصُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] الْآيَةَ سَوَاءٌ أَمَاتَ فِي الْحَالِ أَمْ بَعْدَهُ بِسِرَايَةِ جِرَاحَةٍ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِهِ فِي غَيْرِهِ فَسَيَأْتِي وَسُمِّيَ الْقِصَاصُ قَوَدًا لِأَنَّهُمْ يَقُودُونَ الْجَانِيَ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ فِيهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ فَتَعَيَّنَ جِنْسُهُ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ (فَإِنْ عَفَا) الْمُسْتَحِقُّ (عَنْهُ) أَيْ الْقَوَدِ مَجَّانًا سَقَطَ وَلَا دِيَةَ. وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ لَا دِيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُوجِبْ الدِّيَةَ، وَالْعَفْوَ إسْقَاطُ ثَابِتٍ لَا إثْبَاتُ مَعْدُومٍ، أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ (وَجَبَ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ) كَمَا سَتَعْرِفُهُ فِيمَا سَيَأْتِي   [حاشية البجيرمي] عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَعْرِفُ الْعَوْمَ أَمْ لَا ع ش عَلَى م ر، وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ فَلَوْ أَخَذَ نَحْوَ جِرَابٍ مِنْ عَائِمٍ عَلَيْهِ فَغَرِقَ، ضَمِنَهُ وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا ز ي قَالَ: لِأَنَّهُ كَمَنْ أَخَذَ طَعَامَهُ فِي مَفَازَةٍ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَقَدْ يُفَرَّقُ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ فِي الْمَفَازَةِ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَحَلٍّ يَجِدُ فِيهِ مَا يَقِيهِ مِنْ الْجُوعِ وَلَيْسَ قَادِرًا فِي الْمَاءِ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَحَلٍّ يَقِيهِ مِنْ الْغَرَقِ وَلِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمَاءِ الْإِغْرَاقَ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمَفَازَةِ الْإِهْلَاكُ فَتَأَمَّلْ وَلَوْ حَبَسَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ شَيْئًا فَتَرَكَ الْأَكْلَ خَوْفًا أَوْ حُزْنًا وَالطَّعَامُ عِنْدُهُ فَمَاتَ جُوعًا، أَوْ عَطَشًا أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ، وَخَرَجَ بِمَنْعِهِ الطَّعَامَ مَا لَوْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ وَأَخَذَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَمَاتَ جُوعًا، أَوْ عَطَشًا فَلَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ صُنْعًا كَذَا فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِيمَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ لِطُولِهَا، أَوْ لِزَمَانَتِهِ وَلَا طَارِقَ فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ الْقَوَدِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ الْآخِذُ حَالَ الْمَفَازَةِ فَيَجِبَ الْقَوَدُ وَبَيْنَ أَنْ يَجْهَلَ فَيَجِبَ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ لَكَانَ مُتَّجَهًا اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَا قِصَاصَ فِيهِ) وَفِيهِ الدِّيَةُ إنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ مُؤْلِمٍ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مُؤْلِمٍ كَجِلْدَةِ عَقِبٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (يُمْكِنُ انْقِسَامُ الْقَتْلِ) أَيْ الْعَمْدِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بَعْدُ، وَأَمَّا الْخَطَأُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (قَتْلُ الْمُرْتَدِّ) وَوُجُوبُهُ عَلَى الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (إذَا اسْتَوَتْ الْخِصَالُ) أَيْ الْفِدَاءُ وَضَرْبُ الرِّقِّ وَالْقَتْلُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُخْطِئَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. قَوْلُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] سُمِّيَ الْقَتْلُ قِصَاصًا، لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ يَقُصُّونَ أَيْ يَتَتَبَّعُونَ أَثَرَ الْقَاتِلِ. قَوْلُهُ: (بَدَلَ مُتْلَفٍ) أَيْ بَدَلَ إتْلَافِ مُتْلَفٍ وَقَوْلُهُ: فَتَعَيَّنَ جِنْسُهُ أَيْ جِنْسُ إتْلَافِ الْمُتْلَفِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَفَا الْمُسْتَحِقُّ) كَلَامُ الْمَتْنِ شَامِلٌ لِمَا لَوْ عَفَا مَجَّانًا، أَوْ أَطْلَقَ مَعَ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ لَا شَيْءَ فَلِذَلِكَ أَصْلَحَ الشَّارِحُ الْمَتْنَ بِمَا فَعَلَهُ، وَقَوْلُهُ: عَلَى مَالٍ الْمُرَادُ بِهِ الدِّيَةُ بِأَنْ يَقُولَ: عَفَوْت عَنْ الْقَوَدِ عَلَى الدِّيَةِ أَمَّا لَوْ قَالَ: عَفَوْت عَنْ الدِّيَةِ فَلَغْوٌ فَإِنْ عَفَا عَلَيْهَا بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْهَا وَلَوْ مُتَرَاخِيًا وَجَبَتْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَافِي مَحْجُورَ سَفَهٍ، أَوْ فَلَسٍ، أَوْ مَرِيضًا أَوْ وَارِثَ مَدْيُونٍ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقَوَدُ عَيْنًا وَلَيْسَ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ تَضْيِيعُ مَالٍ سم. قَوْلُهُ: (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ) نَعَمْ إنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ عَقِبَ عَفْوِهِ مُطْلَقًا وَجَبَتْ سم. قَوْلُهُ: (وَالْعَفْوُ إسْقَاطُ ثَابِتٍ) وَهُوَ الْقِصَاصُ لَا إثْبَاتُ مَعْدُومٍ وَهُوَ الدِّيَةُ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ) وَهُوَ الدِّيَةُ وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا لَكَانَ أَوْلَى، وَفِي الْمَنْهَجِ وَلَوْ عَفَا عَلَى غَيْرِ جِنْسِهَا أَيْ الدِّيَةِ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا ثَبَتَ إنْ قَبِلَ جَازَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَثْبُتُ وَلَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ. قَوْلُهُ: (مُغَلَّظَةٌ) ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 (حَالَّةٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ) ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ: " كَانَ فِي شَرْعِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَحَتُّمُ الْقِصَاصِ جَزْمًا، وَفِي شَرْعِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الدِّيَةُ فَقَطْ. فَخَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ " لِمَا فِي الْإِلْزَامِ بِأَحَدِهِمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْجَانِيَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ كَالْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَلَوْ عَفَا عَنْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْجَانِي سَقَطَ كُلُّهُ كَمَا أَنَّ تَطْلِيقَ بَعْضِ الْمَرْأَةِ تَطْلِيقٌ لِكُلِّهَا. وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ سَقَطَ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْبَعْضُ الْآخَرُ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ وَيُغَلَّبُ فِيهِ جَانِبُ السُّقُوطِ. (وَالْخَطَأُ الْمَحْضُ هُوَ أَنْ) يَقْصِدَ الْفِعْلَ دُونَ الشَّخْصِ كَأَنْ يَرْمِيَ إلَى شَيْءٍ كَشَجَرَةٍ أَوْ صَيْدٍ فَيُصِيبَ إنْسَانًا رَجُلًا أَيْ ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ (فَيَقْتُلَهُ) ، أَوْ يَرْمِيَ بِهِ زَيْدًا فَيُصِيبَ عَمْرًا كَمَا مَرَّ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ أَصْلَ الْفِعْلِ كَأَنْ زَلِقَ فَسَقَطَ عَلَى غَيْرِهِ فَمَاتَ كَمَا مَرَّ أَيْضًا. (فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقِصَاصِ (بَلْ تَجِبُ دِيَةٌ) لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ (مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ) كَمَا سَتَعْرِفُهُ فِي فَصْلِهَا. (مُؤَجَّلَةٌ) عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَمِنْ الْمُوَاسَاةِ تَأْجِيلُهَا عَلَيْهِمْ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ. (وَعَمْدُ الْخَطَأِ) الْمُسَمَّى بِشِبْهِ الْعَمْدِ هُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ أَيْ الشَّخْصِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَسَوْطٍ أَوْ عَصًا خَفِيفَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَمُوتَ بِسَبَبِهِ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ لِفَقْدِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ غَالِبًا فَمَوْتُهُ بِغَيْرِهَا مُصَادَفَةُ قَدَرٍ بَلْ تَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ عَمْدِ   [حاشية البجيرمي] خَلِفَةً. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي) غَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ فَيُنَافِي وُجُوبَ الْقَوَدِ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: (وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْ أَوَّلًا إلَّا الْقَوَدَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ بِالنَّظَرِ لِخِيرَةِ الْوَارِثِ لَا بِالنَّظَرِ لِلِابْتِدَاءِ فَلَا يَجِبُ إلَّا الْقَوَدُ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِي الْإِلْزَامِ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْجَانِيَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِخَبَرِ. قَوْلُهُ: (عَنْ عُضْوٍ) أَيْ كَيَدِهِ وَأُصْبُعِهِ وَظُفُرِهِ وَشَعْرِهِ وَقَوْلُهُ سَقَطَ كُلُّهُ أَيْ كُلُّ الْقَوَدِ وَيُشْتَرَطُ فِي تِلْكَ الْأَعْضَاءِ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً فَيَكُونَ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ لَا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ الِاتِّصَالُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ سَقَطَ أَيْضًا) حَتَّى لَوْ اقْتَصَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَعْدَ عَفْوِ الْبَعْضِ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَفْوِهِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُغَلَّبُ) بِالتَّشْدِيدِ. قَوْلُهُ: (هُوَ أَنْ يَقْصِدَ الْفِعْلَ) فَلَهُ صُورَتَانِ قَصْدُ الْفِعْلِ وَعَدَمُهُ، كِلَاهُمَا مَعَ عَدَمِ قَصْدِ الشَّخْصِ. قَوْلُهُ: (رَجُلًا) الرَّجُلُ حَقِيقَةً الذَّكَرُ الْبَالِغُ وَلَا حَاجَةَ لِإِخْرَاجِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ بِقَوْلِهِ: أَيْ ذَكَرًا، لِأَنَّهُ مِثَالٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى " رَجُلًا ". قَوْلُهُ: (زَلِقَ) بِكَسْرِ اللَّامِ. قَوْلُهُ: (فَسَقَطَ عَلَى غَيْرِهِ) وَعَدَمُ قَصْدِهِ لَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] الْمُرَادُ بِالْخَطَأِ مُقَابِلُ الْعَمْدِ الصَّادِقُ بِشِبْهِ الْعَمْدِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَصْدَرَ إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ وَاقْتَرَنَ بِالْفَاءِ جَرَى مَجْرَى الْأَمْرِ وَالتَّقْدِيرُ هُنَا: فَلْيُحَرِّرْ رَقَبَةً. قَوْلُهُ: (مُخَفَّفَةٌ) أَيْ مُخَمَّسَةٌ عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَاقِلَةِ) أَيْ فَالْعَاقِلَةُ لَا تَحْمِلُ إلَّا الْخَطَأَ وَشِبْهَ الْعَمْدِ وَلَا تَحْمِلُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا عَنْ الْقَوَدِ وَلَا اعْتِرَافًا بِالْجِنَايَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَعَمْ إنْ صَدَّقَتْ الْعَاقِلَةُ الْمُعْتَرِفَ بِالْجِنَايَةِ حَمَلَتْ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ مِنْ الْوَلَاءِ، أَوْ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ الْإِمَامُ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ) . أَيْ الْإِحْسَانِ، وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً، لِأَنَّ الْآتِيَ بِالْوَاجِبِ مُحْسِنٌ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمُوَاسَاةِ) " مِنْ " تَعْلِيلِيَّةٌ لِمَا بَعْدَهَا أَيْ تَأْجِيلُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مُوَاسَاتِهِمْ فَفِيهِ الْإِظْهَارُ مَوْضِعَ الْإِضْمَارِ وَحَقُّهُ أَنْ يُقَالَ: وَمِنْ أَجْلِهَا تَأْجِيلُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ الشَّارِعِ. قَوْلُهُ: (الْمُسَمَّى بِشِبْهِ الْعَمْدِ) وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَشْبَهَ الْعَمْدَ فِي اعْتِبَارِ الْقَصْدِ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَصًا خَفِيفَةٍ) أَيْ بِحَيْثُ يُنْسَبُ الْقَتْلُ إلَيْهَا لَا نَحْوِ قَلَمٍ لِأَنَّهُ مُوَافَقَةُ قَدْرٍ م د. قَوْلُهُ: (لِفَقْدِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي قَوِيِّ الْبَدَنِ أَمَّا لَوْ كَانَ طِفْلًا، أَوْ هَرِمًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْعَمْدِ، لِأَنَّ الْآلَةَ الْمَذْكُورَةَ تَقْتُلُ مَنْ ذُكِرَ غَالِبًا نَظِيرُ مَا قِيلَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 الْخَطَأِ قَتِيلِ السَّوْطِ أَوْ الْعَصَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فَأُعْطِيَ حُكْمَ الْعَمْدِ مِنْ وَجْهِ تَغْلِيظِهَا وَحُكْمَ الْخَطَأِ مِنْ وَجْهِ كَوْنِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِذَلِكَ مُؤَجَّلَةً عَلَيْهِمْ كَمَا فِي دِيَةِ الْخَطَأِ تَنْبِيهٌ: جِهَاتُ تَحَمُّلِ الدِّيَةِ ثَلَاثَةٌ: قَرَابَةٌ، وَوَلَاءٌ، وَبَيْتُ مَالٍ لَا غَيْرُهَا. كَزَوْجِيَّةٍ وَقَرَابَةٍ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ وَلَا الْفَرِيدِ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ فَيُدْخِلُ نَفْسَهُ فِي قَبِيلَةٍ لِيُعَدَّ مِنْهَا. الْجِهَةُ الْأُولَى عَصَبَةُ الْجَانِي الَّذِينَ يَرِثُونَهُ بِالنَّسَبِ، أَوْ الْوَلَاءِ إذَا كَانُوا ذُكُورًا مُكَلَّفِينَ. قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا أَنَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَةُ وَهُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ إنْ أَيْسَرَا لَا يَحْمِلَانِ شَيْئًا، وَكَذَا الْمَعْتُوهُ عِنْدِي انْتَهَى. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الْعَصَبَةِ أَصْلُ الْجَانِي، وَإِنْ عَلَا وَفَرْعُهُ، وَإِنْ سَفَلَ، لِأَنَّهُمْ أَبْعَاضُهُ فَكَمَا لَا يَتَحَمَّلُ الْجَانِي لَا يَتَحَمَّلُ أَبْعَاضُهُ. وَيُقَدَّمُ فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ مِنْ الْعَصَبَةِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ. فَإِنْ لَمْ يَفِ الْأَقْرَبُ بِالْوَاجِبِ بِأَنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ وُزِّعَ الْبَاقِي عَلَى مَنْ يَلِيهِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَيُقَدَّمُ مِمَّنْ ذُكِرَ مُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ عَلَى مُدْلٍ بِأَبٍ فَإِنْ لَمْ يَفِ مَا عَلَيْهِمْ بِالْوَاجِبِ فَمُعْتَقٌ ذَكَرٌ لِخَبَرِ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» ، ثُمَّ إنْ فُقِدَ الْمُعْتَقُ، أَوْ لَمْ يَفِ مَا عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ فَعَصَبَتُهُ مِنْ نَسَبِ غَيْرِ أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا، وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ، كَمَا مَرَّ فِي أَصْلِ الْجَانِي وَفَرْعِهِ، ثُمَّ مُعْتَقُ الْمُعْتَقِ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ كَذَلِكَ وَهَكَذَا مَا عَدَا الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ ثُمَّ مُعْتَقُ أَبِي الْجَانِي، ثُمَّ عَصَبَتُهُ، ثُمَّ مُعْتَقُ مُعْتَقِ الْأَبِ وَعَصَبَتُهُ غَيْرُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ.   [حاشية البجيرمي] فِي الْإِبْرَةِ أج وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمِنْ شِبْهِ الْعَمْدِ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ، أَوْ عَصًا خَفِيفَتَيْنِ بِلَا تَوَالٍ وَلَمْ يَكُنْ بِمَقْتَلٍ وَلَمْ يَكُنْ بَدَنُ الْمَضْرُوبِ نَحِيفًا وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِنَحْوِ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ صِغَرٍ، وَإِلَّا فَعَمْدٌ، كَمَا لَوْ خَنَقَهُ فَضَعُفَ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ لِصِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ اهـ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَلَوْ ضَرَبَهُ الْيَوْمَ ضَرْبَةً وَغَدًا ضَرْبَةً وَهَكَذَا حَتَّى مَاتَ فَوَجْهَانِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ عِنْدَ التَّفْرِيقِ. وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَلَوْ ضَرَبَهُ وَقَصَدَ أَنْ لَا يَزِيدَ فَشَتَمَهُ فَضَرَبَهُ ثَانِيَةً، ثُمَّ شَتَمَهُ فَضَرَبَهُ ثَالِثَةً حَتَّى قَتَلَهُ فَلَا قِصَاصَ، وَلَوْ ضَرَبَ زَوْجَتَهُ بِالسَّوْطِ عَشَرًا وِلَاءً فَمَاتَتْ فَإِنْ قَصَدَ فِي الِابْتِدَاءِ الْعَدَدَ الْمُهْلِكَ وَجَبَ الْقِصَاصُ وَإِنْ قَصَدَ تَأْدِيبَهَا بِسَوْطَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَجَاوَزَ فَلَا، لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ الْعَمْدُ بِشِبْهِهِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (فَمَوْتُهُ بِغَيْرِهَا إلَخْ) الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ، لِأَنَّ مُوَافَقَةَ الْقَدْرِ هَدَرٌ ق ل. قَوْلُهُ: (فِي قَتِيلٍ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَقَوْلُهُ: " قَتِيلِ السَّوْطِ " بَدَلٌ مِنْ " عَمْدِ الْخَطَأِ " وَقَوْلُهُ " مِائَةً " اسْمُ " إنَّ " مُؤَخَّرٌ وَقَوْلُهُ " فِي بُطُونِهَا " خَبَرٌ مُقَدَّمٌ " وَأَوْلَادُهَا " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِيهِ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ هَذَا عَنْ قَوْلِهِ: عَلَى الْعَاقِلَةِ، لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ يَكُونُ بَعْدَ الْمَدْلُولِ. قَوْلُهُ: (مُتَرَدِّدٌ) أَيْ يُشْبِهُ الْعَمْدَ مِنْ حَيْثُ قَصْدُ الْفِعْلِ، وَالْخَطَأَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْآلَةَ لَا تَقْتُلُ. قَوْلُهُ: (مُؤَجَّلَةً) هُوَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَنْصُوبٌ خَبَرٌ لِكَوْنِ فِي قَوْلِهِ مِنْ وَجْهِ كَوْنِهَا. فَفِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (جِهَاتُ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَنَوْنَ بِذِكْرِ الْجِهَةِ الْأُولَى، وَلَمْ يُعَنْوِنْ عَنْ الْأَخِيرَتَيْنِ بَلْ أَدْخَلَهَا فِي الْأُولَى وَهَذَا غَيْرُ لَائِقٍ، تَأَمَّلْ ق ل، وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: تَجِبُ دِيَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَيُقَدَّمُ أَوَّلًا الْأَقَارِبُ، ثُمَّ الْوَلَاءُ، ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ، إنْ انْتَظَمَ. قَوْلُهُ: (قَرَابَةٌ) أَيْ عَصَبَةٌ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا الْفَرِيدِ) فِي نُسْخَةٍ وَلَا الْعَدِيدِ. قَالَ شَيْخُنَا م ر: وَالْأُولَى هِيَ الظَّاهِرَةُ اهـ. قُلْت: بَلْ الظَّاهِرُ هِيَ الثَّانِيَةُ فَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْعَدِيدُ الرَّجُلُ يُدْخِلُ نَفْسَهُ فِي قَبِيلَةٍ لِيُعَدَّ مِنْهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا عَشِيرَةٌ وَهُوَ عَدِيدُ بَنِي فُلَانٍ وَمِنْ عِدَادِهِمْ بِالْكَسْرِ أَيْ يُعَدُّ فِيهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْفَرِيدِ مَعْنًى مِثْلَ هَذَا أَصْلًا. قَوْلُهُ: (الْجِهَةُ الْأُولَى) لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ الْجِهَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ إلَّا فِي خِلَالِ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْوَلَاءُ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ، لِأَنَّ مَرْتَبَتَهُ مُتَأَخِّرَةٌ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (أَنَّ الْعَاقِلَةَ) أَيْ فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (الْمَعْتُوهُ) أَيْ الْعَبِيطُ وَهُوَ نَاقِصُ الْعَقْلِ. قَوْلُهُ: (الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ) بَدَلٌ مِنْ مَنْ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وُزِّعَ الْبَاقِي عَلَى مَنْ يَلِيهِ اهـ. وَهُمْ الْإِخْوَةُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ، ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ كَالْإِرْثِ اهـ. وَمَدَابِغِيٌّ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ أَخٍ مُوسِرٍ نِصْفُ دِينَارٍ وَمُتَوَسِّطٍ رُبُعُ دِينَارٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَقِيرِ فَإِذَا لَمْ يُوفِ ثُلُثَ الدِّيَةِ أُخِذَ مِنْ بَنِيهِمْ وَهَكَذَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ، أَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 وَكَذَا أَبَدًا، وَعَتِيقُ الْمَرْأَةِ يَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهَا، وَمُعْتِقُونَ فِي تَحَمُّلِهِمْ كَمُعْتِقٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْ عَصَبَةِ كُلِّ مُعْتِقٍ يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ الْمُعْتِقُ فِي حَيَاتِهِ، وَلَا يَعْقِلُ عَتِيقٌ عَنْ مُعْتِقِهِ كَمَا لَا يَرِثُهُ فَإِنْ فُقِدَ الْعَاقِلُ مِمَّنْ ذُكِرَ عَقَلَ ذَوُو الْأَرْحَامِ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ فُقِدَ بَيْتُ الْمَالِ فَكُلُّهُ عَلَى الْجَانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُهُ ابْتِدَاءً ثُمَّ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَصِفَاتُ مَنْ يَعْقِلُ خَمْسٌ: الذُّكُورَةُ وَعَدَمُ الْفَقْرِ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَاتِّفَاقُ الدِّينِ فَلَا تَعْقِلُ امْرَأَةٌ وَلَا خُنْثَى نَعَمْ إنْ بَانَ ذَكَرًا غَرِمَ حِصَّتَهُ الَّتِي أَدَّاهَا غَيْرُهُ وَلَا فَقِيرٌ وَلَوْ كَسُوبًا وَلَا رَقِيقٌ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَلَا صَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ وَلَا مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ وَعَكْسُهُ. وَيَعْقِلُ يَهُودِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيٍّ وَعَكْسُهُ كَالْإِرْثِ، وَعَلَى الْغَنِيِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ فَاضِلًا عَمَّا يَبْقَى لَهُ فِي الْكَفَّارَةِ عِشْرِينَ دِينَارًا، أَوْ قَدْرَهَا اعْتِبَارًا، بِالزَّكَاةِ نِصْفُ دِينَارٍ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ، أَوْ قَدْرُهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَهْلِ الْفِضَّةِ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مِنْهُمْ وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ دُونَ الْعِشْرِينَ دِينَارًا، أَوْ قَدْرِهَا وَفَوْقَ رُبُعِ دِينَارٍ لِئَلَّا   [حاشية البجيرمي] رَجَعَ إلَى الْقَاتِلِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا أَبَدًا) أَيْ وَكَذَا الْمَذْكُورُونَ يَكُونُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مِمَّنْ بَعْدَهُنَّ أَبَدًا شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَمُعْتِقُونَ فِي تَحَمُّلِهِمْ كَمُعْتِقٍ) فَعَلَيْهِمْ نِصْفُ دِينَارٍ إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَإِلَّا فَرُبُعُهُ وَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ الْمِلْكِ، لَا الرُّءُوسِ لَوْ كَانَ لِامْرَأَةٍ ثُلُثَا عَبْدٍ وَلِرَجُلٍ ثُلُثٌ فَأَعْتَقَاهُ، ثُمَّ قَتَلَ وَهُمَا غَنِيَّانِ فَعَلَى وَلِيِّ الْمَرْأَةِ كَأَخِيهَا، ثُلُثَا نِصْفِ الدِّينَارِ وَعَلَى الرَّجُلِ ثُلُثُهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ غَنِيًّا دُونَ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ نِصْفِ الدِّينَارِ وَعَلَى وَلِيِّهَا ثُلُثَا رُبُعِهِ، أَوْ عَكْسُهُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ رُبُعِ الدِّينَارِ وَعَلَى وَلِيِّهَا ثُلُثَا نِصْفِهِ وَهَكَذَا ق ل. وَانْظُرْ لِمَ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى وَلِيِّهَا دُونَهَا مَعَ أَنَّهَا الْمُعْتِقَةُ؟ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَحَمَّلُ أَصْلًا فَلْيُحَرَّرْ. قَوْلُهُ: (كَمُعْتِقٍ) ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ فِي الْأُولَى لِجَمِيعِ الْمُعْتِقِينَ لَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ. ، وَفِي الثَّانِيَةِ لِكُلٍّ مِنْ الْعَصَبَةِ فَلَا يَتَوَزَّعُ عَلَيْهِمْ تَوَزُّعَهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ، لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ بَلْ يُورَثُ بِهِ شَرْحَ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ) . فَيَحْمِلُ كُلُّ شَخْصٍ نِصْفًا، أَوْ رُبُعًا كَالْمُعْتِقِ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ وَاحِدًا وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانُوا بِصِفَتِهِ فِي الْغِنَى وَالتَّوَسُّطِ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ غَنِيًّا وَهُمْ مُتَوَسِّطُونَ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ رُبُعُ دِينَارٍ فَقَوْلُهُ: مَا كَانَ يَحْمِلُهُ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: (وَصِفَاتُ مَنْ يَعْقِلُ خَمْسٌ) هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سَبْعَةٌ: الذُّكُورَةُ، وَعَدَمُ الْفَقْرِ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَاتِّفَاقُ الدِّينِ وَأَنْ لَا يَكُونَ أَصْلًا وَلَا فَرْعًا. قَوْلُهُ: (الَّتِي أَدَّاهَا غَيْرُهُ) بِأَنْ كَانَ الْخُنْثَى عَمًّا فَأَخَذْنَا مِنْ ابْنِ الْعَمِّ مَا كَانَ يَدْفَعُهُ الْعَمُّ فَإِنْ تَبَيَّنَ كَوْنُ الْعَمِّ ذَكَرًا دَفَعَ لِابْنِ الْعَمِّ مَا دَفَعَهُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْغَنِيِّ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَ " نِصْفُ دِينَارٍ " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ وَقَوْلُهُ: " عِشْرِينَ " مَفْعُولٌ لِيَمْلِكَ وَقَوْلُهُ " فَاضِلًا " حَالٌ مِنْهَا وَذَكَرَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ أَوْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا عَدَدًا، وَقَوْلُهُ عَمَّا يَبْقَى فِي الْكَفَّارَةِ وَهُوَ كِفَايَةُ الْعُمُرِ الْغَالِبِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى شَخْصٍ إلَّا إذَا كَانَ يَمْلِكُ كِفَايَةَ الْعُمُرِ الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ) أَيْ: وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْعِشْرُونَ دُونَ أَنْقَصَ مِنْهَا اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ، لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (مَنْ يَمْلِكُ) أَيْ آخِرَ السَّنَةِ وَبِمَا ذَكَرَ عُلِمَ أَنَّ مَنْ أَعْسَرَ آخِرَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قَبْلُ، أَوْ أَيْسَرَ بَعْدُ إلَخْ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: فَاضِلًا عَمَّا يَبْقَى لَهُ فِي الْكَفَّارَةِ أَيْ عَنْ كِفَايَةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرِهَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْعِشْرِينَ أَيْ، أَوْ دُونَ قَدْرِهَا مِنْ الْفِضَّةِ. قَوْلُهُ: (وَفَوْقَ رُبُعِ دِينَارٍ) ، ثُمَّ يَجْمَعُ الْحَاصِلَ وَيَشْتَرِي بِهِ الْوَاجِبَ مِنْ الْإِبِلِ، وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ، فَإِنْ زَادَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْعَاقِلَةِ عَلَى الْوَاجِبِ نَقَصَ مِنْهُ بِالْقِسْطِ. اهـ. سم. وَإِنْ نَقَصَ الْمَأْخُوذُ عَنْ الْوَاجِبِ كَمَّلَ مِمَّنْ يَلِي مَنْ أَخَذَ مِنْهُ وَانْظُرْ هَلَّا اكْتَفَوْا بِرُبُعِ دِينَارٍ فَقَطْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ مَا نَصُّهُ، وَإِنَّمَا شُرِطَ كَوْنُ الدُّونِ الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ فَوْقَ الرُّبُعِ لِئَلَّا يَصِيرَ بِدَفْعِهِ فَقِيرًا اهـ. قَالَ سم: حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا أَنْ يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ مَا زَائِدٌ عَلَى حَاجَتِهِ بَعْدَ دَفْعِ الرُّبُعِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَعْدَ الدَّفْعِ فَقِيرًا وَلَك أَنْ تَقُولَ: كَأَنْ يَجُوزَ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ ذَلِكَ وَيَكُونَ الْفَقِيرُ مَنْ لَا يَمْلِكُ رُبُعًا زَائِدًا عَنْ حَاجَتِهِ، وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَا مَحْذُورَ فِي عَوْدِهِ بَعْدَ الدَّفْعِ فَقِيرًا إنَّمَا الْمَحْذُورُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ فَقِيرٍ وَلَمْ يُوجَدْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وَقَعُوا فِيمَا فَرُّوا مِنْهُ، لِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ عَلَى كَلَامِهِمْ صَادِقٌ بِمَنْ مَلَكَ زِيَادَةً عَلَى حَاجَتِهِ ثُلُثَ دِينَارٍ مَثَلًا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 يَبْقَى فَقِيرًا رُبُعُ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، لِأَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْغَنِيِّ الَّذِي عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ، وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْجِنَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ، لِأَنَّهُ بَدَلُ آدَمِيٍّ فَفِي آخِرِ كُلِّ سَنَةٍ يُؤْخَذُ مِنْ قِيمَتِهِ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ وَلَوْ قَتَلَ شَخْصٌ رَجُلَيْنِ مَثَلًا فَفِي ثَلَاثِ سِنِينَ. وَالْأَطْرَافُ كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ، وَالْحُكُومَاتُ، وَأُرُوشُ الْجِنَايَاتِ تُؤَجَّلُ، فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ، وَأَجَلُ دِيَةِ النَّفْسِ مِنْ الزُّهُوقِ، وَأَجَلُ دِيَةِ غَيْرِ النَّفْسِ كَقَطْعِ يَدٍ مِنْ ابْتِدَاءِ الْجِنَايَةِ. وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي أَثْنَاءِ سَنَةٍ سَقَطَ مِنْ وَاجِبِ تِلْكَ السَّنَةِ. (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ) فِي الْعَمْدِ. (أَرْبَعَةٌ) بَلْ خَمْسَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ الْأَوَّلُ: (أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ   [حاشية البجيرمي] وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَنْ مَلَكَ ذَلِكَ إذَا دَفَعَ رُبُعًا عَادَ فَقِيرًا، لِأَنَّهُ بَعْدَ دَفْعِهِ صَارَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَلَكَ زَائِدًا عَنْ حَاجَتِهِ فَوْقَ رُبُعِ دِينَارٍ فَيَكُونَ فَقِيرًا، لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ كَوْنُهُ مُتَوَسِّطًا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ غَنِيًّا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا إذْ الْمُرَادُ بِالْفَقِيرِ وَغَيْرِهِ مَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ هُنَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الْجِنَايَةَ) أَيْ بَدَلَ الْجِنَايَةِ وَقَوْلُهُ، لِأَنَّهُ أَيْ الْبَدَلَ الْمُقَدَّرَ. قَوْلُهُ: (قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ) لَعَلَّ هَذَا إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى دِيَةٍ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ قَدْرَ دِيَتَيْنِ أُخِذَ قَدْرُ ثُلُثِ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَالتَّأْجِيلُ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا لَوْ قَتَلَ شَخْصٌ رَجُلَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَمَا دُونَهَا أُخِذَ فِي سَنَةٍ م ر. قَوْلُهُ: (وَالْأَطْرَافُ) أَيْ وَدِيَةُ الْأَطْرَافِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: تُؤَجَّلُ وَلَا حَاجَةَ لِلتَّقْدِيرِ فِيمَا بَعْدَهَا، لِأَنَّهُ مَالٌ فَيُؤَجَّلُ، وَقَوْلُهُ: " وَالْأَطْرَافُ " مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ تُؤَجَّلُ يَعْنِي أَنَّهَا تُؤَجَّلُ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَخْ فَإِنَّ نِصْفَ دِيَتِهِ فِي الْأُولَى ثُلُثٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ سُدُسٌ اهـ شَرْحَ م ر. قَوْلُهُ: (وَالْحُكُومَاتُ) هِيَ وَاجِبَةٌ فِيمَا لَا مُقَدَّرَ وَلَا تُعْرَفُ نِسْبَتُهُ إلَى مُقَدَّرٍ لَهُ، وَأُرُوشُ الْجِنَايَةِ وَاجِبَةٌ فِيمَا لَهُ مُقَدَّرٌ كَالْمُوضِحَةِ، أَوْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهُ مِنْ مُقَدَّرٍ كَجُرْحٍ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ كَالسِّمْحَاقِ. قَوْلُهُ: (فِي كُلٍّ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَ " قَدْرُ " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. قَوْلُهُ: (سَقَطَ مِنْ وَاجِبِ تِلْكَ السَّنَةِ) أَيْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ، بَعْدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ) مِنْ الْقَصِّ وَهُوَ الْقَطْعُ وَمِنْهُ الْمِقَصُّ، وَقِيلَ: مِنْ قَصَّ الْأَثَرَ إذَا تَبِعَهُ، لِأَنَّ الْمُقْتَصَّ يَتْبَعُ الْجَانِيَ وَالتَّعْبِيرُ هُنَا بِالْقِصَاصِ بَعْدَ التَّعْبِيرِ عَنْهُ فِيمَا سَبَقَ بِالْقَوَدِ، لِإِفَادَةِ اتِّحَادِهِمَا اهـ، شَرْحَ سم وَهَذِهِ شُرُوطٌ فِي الْقَاتِلِ إلَّا الرَّابِعَ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي الْمَقْتُولِ وَمِنْ شُرُوطِهِ أَيْ الْقَاتِلِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي: وَالْخَامِسُ عِصْمَةُ الْقَتِيلِ فَهَذِهِ شُرُوطٌ فِي الْقَتِيلِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ أَرْكَانُ الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ ثَلَاثَةٌ قَتِيلٌ وَقَاتِلٌ وَقَتْلٌ، وَشَرَطَ فِيهِ مَا مَرَّ أَيْ مِنْ كَوْنِهِ عَمْدًا ظُلْمًا، وَفِي الْقَتِيلِ عِصْمَةً أَيْ عَلَى قَاتِلِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَشُرِطَ فِي الْقَاتِلِ أَمْرَانِ: الْتِزَامٌ لِلْأَحْكَامِ وَمُكَافَأَةٌ حَالَ جِنَايَةٍ بِأَنْ لَمْ يَفْضُلْ قَتِيلَهُ بِإِسْلَامٍ أَوْ أَمَانٍ، أَوْ حُرِّيَّةٍ كَامِلَةٍ، أَوْ أَصْلِيَّةٍ أَوْ سِيَادَةٍ وَقَوْلُهُ: عِصْمَةٌ دَخَلَ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ صَائِلًا وَلَا قَاطِعَ طَرِيقٍ لَا يَنْدَفِعُ شَرُّهُ إلَّا بِالْقَتْلِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْصُومٌ، وَقَوْلُهُ: أَوْ أَمَانٍ أَيْ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ شَخْصٌ: أَنْتَ تَحْتَ أَمَانِي وَزَادَ بَعْضُهُمْ ضَرْبَ الرِّقِّ عَلَى الْأَسِيرِ الْوَثَنِيِّ وَنَحْوِهِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ ضَرْبَ الرِّقِّ عَلَيْهِ صَيَّرَهُ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَالُهُمْ فِي أَمَانٍ فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: أَوْ أَمَانٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِي الْعَمْدِ) لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَكُونُ فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (بَالِغًا عَاقِلًا) لَوْ قَالَ: مُكَلَّفًا لَأَغْنَى عَنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ تَطَوَّرَ وَلِيٌّ فِي غَيْرِ صُورَةِ آدَمِيٍّ وَقَتَلَهُ شَخْصٌ وَعَمَّا لَوْ قَتَلَ آدَمِيٌّ جِنِّيًّا هَلْ يُقْتَلُ بِهِ أَوْ لَا؟ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: إنْ عَلِمَ الْقَاتِلُ حِينَ الْقَتْلِ أَنَّ الْمَقْتُولَ وَلِيٌّ تَطَوَّرَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ قُتِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا قَوَدَ وَلَكِنْ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ كَمَا لَوْ قَتَلَ إنْسَانًا يَظُنُّهُ صَيْدًا هَذَا فِي الْأَوَّلِ وَكَذَا فِي الثَّانِي لَكِنْ نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الشَّوْبَرِيِّ أَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يُقْتَلُ بِالْجِنِّيِّ مُطْلَقًا. أَقُولُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِنَا أَحْكَامَ الْجِنِّ وَعَدَمِ خِطَابِنَا بِتَفَاصِيلِ أَحْكَامِهِمْ ع ش عَلَى م ر وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ خَرَجَ الْجِنِّيُّ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ إذَا قَتَلَهُ، وَإِنْ كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ تَفَاصِيلَ تَكَالِيفِهِمْ وَلَمْ يُنْقَلْ لَنَا عَنْ الشَّارِعِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَتَلَ جِنِّيًّا قُتِلَ بِهِ وَلَا شَيْءَ فِي قَتْلِهِ مِنْ لُزُومِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ اهـ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَحَقَّقَ إسْلَامُهُ وَتَحَقَّقَتْ الْمُكَافَأَةُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 بَالِغًا) . وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ (عَاقِلًا) فَلَا قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا، وَتَضْمِينُهُمَا مُتْلَفَاتِهِمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِمَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَجْنُونِ إذَا كَانَ جُنُونُهُ مُطْبِقًا فَإِنْ تَقَطَّعَ فَلَهُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ حَالَ جُنُونِهِ وَحُكْمُ الْعَاقِلِ حَالَ إفَاقَتِهِ، وَمَنْ لَزِمَهُ قِصَاصٌ، ثُمَّ جُنَّ اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ حَالَ جُنُونِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ. وَلَوْ قَالَ: كُنْت يَوْمَ الْقَتْلِ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا وَكَذَّبَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ صُدِّقَ الْقَاتِلُ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ الصِّبَا وَقْتَ الْقَتْلِ، وَعُهِدَ الْجُنُونُ قَبْلَهُ. لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ صِبَاهُ وَلَمْ يُعْهَدْ جُنُونُهُ. وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عِنْدَ غَيْرِ النَّوَوِيِّ. وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَرْكِ الْقِصَاصِ، لِأَنَّ مَنْ رَامَ الْقَتْلَ لَا يَعْجِزُ أَنْ يَسْكَرَ حَتَّى لَا يُقْتَصَّ مِنْهُ. وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ الْعَقْلِ. وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ وَأُلْحِقَ بِهِ مَنْ تَعَدَّى بِشُرْبِ دَوَاءٍ يُزِيلُ الْعَقْلَ أَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَدِّي فَهُوَ كَالْمَعْتُوهِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ عَلَى حَرْبِيٍّ قُتِلَ حَالَ حِرَابَتِهِ، وَإِنْ عُصِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِسْلَامٍ، أَوْ عَقْدِ ذِمَّةٍ لِمَا تَوَاتَرَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ بَعْدَهُ مِنْ عَدَمِ الْقِصَاصِ مِمَّنْ أَسْلَمَ، كَوَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ وَلِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ. (وَ) الثَّالِثُ (أَنْ لَا يَكُونَ) الْقَاتِلُ (وَالِدًا لِلْمَقْتُولِ) فَلَا قِصَاصَ بِقَتْلِ وَلَدٍ لِلْقَاتِلِ، وَإِنْ سَفَلَ، لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَصَحَّحَاهُ: «لَا يُقَادُ لِلِابْنِ مِنْ أَبِيهِ» وَلِرِعَايَةِ حُرْمَتِهِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا فِي وُجُودِهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ. تَنْبِيهٌ: هَلْ يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ؟ وَجْهَانِ: وَيَجْرِيَانِ فِي الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ لَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ:   [حاشية البجيرمي] قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ) وَمِثْلُهُ النَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالسَّكْرَانُ سم. قَوْلُهُ: (مَحَلُّ عَدَمِ الْجِنَايَةِ) أَيْ مُوجَبِهَا، وَهُوَ الْقِصَاصُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِصَاصَ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ أَيْ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فِيهِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ أَيْ وَإِذَا كَانَ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فَيَسْتَوِي فِي اسْتِيفَائِهِ حَالَةُ الصِّحَّةِ وَالْجُنُونِ بِخِلَافِ مَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فِيهِ، كَالزِّنَا الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَسْتَوْفِي حَدَّهُ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَاحِيًا رُبَّمَا رَجَعَ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. فَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ هَلَّا انْتَظَرْنَا إفَاقَتَهُ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ فَيَسْقُطَ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فَلَا فَائِدَةَ فِي الِانْتِظَارِ أَيْ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا إذَا جُنَّ بَعْدَ الزِّنَا فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ فَيَسْقُطَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ. قَوْلُهُ: (وَعُهِدَ الْجُنُونُ) أَيْ سَبَقَ لَهُ جُنُونٌ وَقَوْلُهُ: بَقَاؤُهُمَا أَيْ الصِّبَا وَالْجُنُونِ. قَوْلُهُ: (وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى السَّكْرَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ اهـ عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَنْ رَامَ) أَيْ أَرَادَ الْقَتْلَ، وَقَوْلُهُ: لَا يَعْجِزُ أَيْ لَوْ قُلْنَا السَّكْرَانُ لَا يُقْتَلُ إذَا قَتَلَ لَاُتُّخِذَ السُّكْرُ ذَرِيعَةً. قَوْلُهُ: (وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى) لَمْ يَجْعَلْهُ مُسْتَثْنًى حَقِيقَةً لِأَنَّ الْعَقْلَ مَوْجُودٌ فِيهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مُغَطَّى بِسَبَبِ السُّكْرِ. قَوْلُهُ: (وَأُلْحِقَ بِهِ إلَخْ) هَذَا مِنْ بَابِ إلْحَاقِ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى إذْ هَذَا فِيهِ إزَالَةٌ لِلْعَقْلِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ السُّكْرِ شَيْخُنَا. وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ، وَالْقِيَاسُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا وَوُجُوبُ دِيَةِ عَمْدٍ فِي مَالِهِمَا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَبِرْمَاوِيٍّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عُصِمَ) غَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِمَا تَوَاتَرَ مِنْ فِعْلِهِ) أَيْ صَنِيعِهِ وَعَادَتِهِ وَحَالَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَالِدًا) أَيْ مِنْ النَّسَبِ بِخِلَافِ الْأَبِ مِنْ الرَّضَاعِ وَهَذَا مِمَّا فَارَقَ فِيهِ حُكْمُ الرَّضَاعِ النَّسَبَ، وَإِنْ كَانَ الْوَالِدُ كَافِرًا وَالْوَلَدُ مُسْلِمًا كَمَا قَالَهُ سم فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِقَتْلِ وَالِدٍ بِوَلَدِهِ نُقِضَ حُكْمُهُ إلَّا إنْ أَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ كَالْبَهِيمَةِ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا نَقْضَ لَنَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِ حُكْمِهِ، بِقَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ أَوْ الْحُرِّ بِالرَّقِيقِ فَلَا يُنْقَضُ بِالْمُرَادِ بِالْوَالِدِ كُلُّ مَنْ لَهُ وِلَادَةٌ، وَإِنْ عَلَا وَلَوْ أُنْثَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ اهـ. ز ي وَقَوْلُهُ: أَوَّلًا فَلَا نَقْضَ لَنَا حِينَئِذٍ، أَيْ رِعَايَةً لِمَالِكٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ فِيهِ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَكُونُ هُوَ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْوَالِدَ لَوْ اُقْتُصَّ مِنْهُ كَانَ هُوَ الَّذِي تَسَبَّبَ فِي عَدَمِ نَفْسِهِ بِقَتْلِهِ وَلَدَهُ فَالْوَلَدُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَالِدَ سَبَبٌ بَعِيدٌ؛ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يَحْصُلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ مَا دَامَ مُصِرًّا عَلَى النَّفْيِ انْتَهَى. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُطْلَقًا لِلشُّبْهَةِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ. وَلَا قِصَاصَ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ. كَأَنْ قَتَلَ زَوْجَةَ نَفْسِهِ، وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، أَوْ قَتَلَ زَوْجَةَ ابْنِهِ، أَوْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَوَرِثَ بَعْضَهُ وَلَدُهُ، كَأَنْ قَتَلَ أَبَا زَوْجَتِهِ، ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْتَلْ بِجِنَايَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ فَلَأَنْ لَا يُقْتَلَ بِجِنَايَتِهِ عَلَى مَنْ لَهُ فِي قَتْلِهِ حَقٌّ أَوْلَى. وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْوَلَدَ يُقْتَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَالِدَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِشَرْطِ التَّسَاوِي فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ. إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُكَاتَبُ إذَا قَتَلَ أَبَاهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَيُقْتَلُ الْمَحَارِمُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِعَبْدٍ لِوَالِدِهِ. (وَ) الرَّابِعُ: (أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْتُولُ أَنْقَصَ مِنْ الْقَاتِلِ بِكُفْرٍ، أَوْ رِقٍّ) ، أَوْ هَدْرِ دَمٍ تَحْقِيقًا لِلْمُكَافَأَةِ الْمَشْرُوطَةِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ لِلْأَدِلَّةِ الْمَعْرُوفَةِ فَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ بِأَنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا، أَوْ حُرٌّ مَنْ فِيهِ رِقٌّ، أَوْ مَعْصُومٌ بِالْإِسْلَامِ زَانِيًا مُحْصَنًا فَلَا قِصَاصَ حِينَئِذٍ وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ الْعِصْمَةِ بِالْإِسْلَامِ الْمَعْصُومُ بِجِزْيَةٍ كَالذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَبِذِمِّيٍّ أَيْضًا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا فَيُقْتَلُ يَهُودِيٌّ بِنَصْرَانِيٍّ وَمُعَاهَدٌ وَمُسْتَأْمَنٌ وَمَجُوسِيٌّ وَعَكْسُهُ، لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّسْخَ شَمِلَ الْجَمِيعَ. فَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ الْقَاتِلُ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ لِتَكَافُئِهِمَا حَالَ الْجِنَايَةِ. لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُوبَاتِ بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَلَا نَظَرَ لِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا وَيُقْتَلُ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَخُنْثَى كَعَكْسِهِ وَعَالِمٌ بِجَاهِلٍ كَعَكْسِهِ وَشَرِيفٌ بِخَسِيسٍ وَشَيْخٌ بِشَابٍّ كَعَكْسِهِمَا. وَالْخَامِسُ: عِصْمَةُ الْقَتِيلِ بِإِيمَانٍ، أَوْ أَمَانٍ كَعَقْدِ ذِمَّةٍ، أَوْ عَهْدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] الْآيَةَ فَيُهْدَرُ الْحَرْبِيُّ وَلَوْ صَبِيًّا وَامْرَأَةً وَعَبْدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَمُرْتَدٌّ فِي حَقِّ مَعْصُومٍ لِخَبَرِ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ   [حاشية البجيرمي] قَتْلُ الْأَبِ أَبَاهُ فَقَدْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ سَبَبًا فِي عَدَمِ أَبِيهِ سم. قَوْلُهُ: (بِسَرِقَةِ مَالِهِ) أَيْ مَالِ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ) ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُطْلَقًا مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا قِصَاصَ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ) الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَاَلَّذِي فِي الْمَتْنِ أَنَّ الَّذِي فِي الْمَتْنِ الْجِنَايَةُ عَلَى الِابْنِ مُبَاشَرَةً وَهُنَا الْجِنَايَةُ عَلَى مَا لِلْوَلَدِ فِيهِ حَقٌّ كَزَوْجَةِ الْأَبِ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَزَوْجَةِ الِابْنِ فِي الثَّانِي وَأَبِي زَوْجَةِ الْأَبِ فِي الثَّالِثِ. قَوْلُهُ: (فَوَرِثَ بَعْضَهُ وَلَدُهُ) " بَعْضَهُ " مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ وَ " وَلَدُهُ " فَاعِلٌ مُؤَخَّرٌ. قَوْلُهُ: (أَبَا زَوْجَتِهِ) أَيْ زَوْجَةِ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ) فِيهِ أَنَّ زَوْجَهَا وَهُوَ قَاتِلُ أَبِيهَا يَرِثُهَا أَيْضًا مَعَ وَلَدِهَا فَسُقُوطُ الْقِصَاصِ عَنْهُ لِكَوْنِهِ وَرِثَ بَعْضَهُ لَا لِكَوْنِ وَلَدِهِ وَرِثَ بَعْضَهُ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ وَلَوْ رَجَعَ الضَّمِيرُ فِي زَوْجَتِهِ لِلِابْنِ لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ فَهُوَ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (فَلَأَنْ لَا يُقْتَلَ) مُبْتَدَأٌ مُنْسَبِكٌ مِنْ أَنْ وَالْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ أَوْلَى خَبَرٌ أَيْ فَلِعَدَمِ قَتْلِهِ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُكَاتَبُ) إذَا مَلَكَ أَبَاهُ الرَّقِيقَ ثُمَّ قَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ فِيهِ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ صُورِيٌّ، لِأَنَّ عَدَمَ قَتْلِهِ لِكَوْنِهِ سَيِّدًا، وَالسَّيِّدُ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدِهِ. وَلِهَذَا لَوْ كَانَ أَبُوهُ الرَّقِيقُ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ وَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الرِّقِّيَّةِ وَلِذَلِكَ قَيَّدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ يَمْلِكُهُ. قَوْلُهُ: (وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ) أَيْ الْوَلَدُ إذَا كَانَ عَبْدًا وَقَتَلَ عَبْدَ وَالِدِهِ يُقْتَلُ بِهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْمَقْتُولُ أَنْقَصَ مِنْ الْقَاتِلِ. قَوْلُهُ: (وَمُعَاهَدٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَبِذِمِّيٍّ وَلَا يَظْهَرُ عَطْفُهُ عَلَى نَصْرَانِيٍّ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ اخْتِلَافَ الْمِلَّةِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَمَجُوسِيٍّ) إنْ كَانَ مَعْقُودًا لَهُ جِزْيَةٌ، أَوْ كَانَ مُعَاهَدًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ هَؤُلَاءِ فَهُوَ حَرْبِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ عَطْفُهُ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّسْخَ) أَيْ نَسْخَ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ) لَكِنْ لَمْ يَقْتَصَّ حِينَئِذٍ إلَّا الْإِمَامُ بِطَلَبِ الْوَارِثِ وَلَا يُفَوِّضُهُ لِلْكَافِرِ حَذَرًا مِنْ تَسْلِيطِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ سم. قُلْت: وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يُسْلِمْ فَإِنْ أَسْلَمَ فَوَّضَ إلَيْهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ زي. قَوْلُهُ: (وَيُقْتَلُ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَنْطُوقِ الشَّرْطِ، وَمَا تَقَدَّمَ تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْخَامِسُ عِصْمَةُ الْقَتِيلِ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ: فِيمَا تَقَدَّمَ، أَوْ " هَدْرِ دَمٍ " فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَمُرْتَدٌّ فِي حَقِّ مَعْصُومٍ) أَمَّا فِي حَقِّ مِثْلِهِ فَيُقْتَلُ بِهِ وَلَوْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ مِثْلَهُ خَطَأً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 فَاقْتُلُوهُ» كَزَانٍ مُحْصَنٍ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ كَمَا مَرَّ لِاسْتِيفَائِهِ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ أَثَبَتَ زِنَاهُ بِإِقْرَارِهِ أَمْ بِبَيِّنَةٍ: وَمَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ لِقَاتِلِهِ لِاسْتِيفَائِهِ حَقَّهُ، وَيُقْتَلُ قِنٌّ وَمُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ وَأُمُّ وَلَدٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ الْكَافِرَ، وَالْقَاتِلُ الْمُسْلِمَ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا، ثُمَّ عَتَقَ الْقَاتِلُ فَكَحُدُوثِ الْإِسْلَامِ لِذِمِّيٍّ قَتَلَ وَحُكْمُهُ كَمَا سَبَقَ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لَوْ قَتَلَ مِثْلَهُ سَوَاءٌ أَزَادَتْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ عَلَى حُرِّيَّةِ الْمَقْتُولِ أَمْ لَا، لَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ بِالْبَعْضِ الْحُرِّ الْبَعْضَ الْحُرَّ، وَبِالرَّقِيقِ الرَّقِيقَ، بَلْ قَتْلُهُ جَمِيعَهُ بِجَمِيعِهِ حُرِّيَّةً وَرِقًّا شَائِعًا فَيَلْزَمُ قَتْلُ جُزْءِ حُرِّيَّةٍ بِجُزْءِ رِقٍّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَالْفَضِيلَةُ فِي شَخْصٍ لَا بِخَبَرِ النَّقْصِ فِيهِ وَلِهَذَا لَا قِصَاصَ بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَحُرٍّ ذِمِّيٍّ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَالْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَلَا تَجْبُرُ فَضِيلَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَقِيضَتَهُ. (وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ) وَإِنْ كَثُرُوا (بِالْوَاحِدِ) وَإِنْ تَفَاضَلَتْ جِرَاحَاتُهُمْ فِي الْعَدَدِ وَالْفُحْشِ وَالْأَرْشِ سَوَاءٌ أَقَتَلُوهُ بِمُحَدَّدٍ أَمْ بِغَيْرِهِ كَأَنْ أَلْقَوْهُ مِنْ شَاهِقٍ، وَفِي بَحْرٍ لِمَا رَوَى مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً، أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ، قَتَلُوهُ غِيلَةً أَيْ حِيلَةً بِأَنْ يُخْدَعَ وَيُقْتَلَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاهُ فِيهِ أَحَدٌ وَقَالَ: لَوْ تَمَالَأَ أَيْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ جَمِيعًا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَصَارَ ذَلِكَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ تَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ، فَتَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ فَلَوْ لَمْ تَجِبْ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ لَكَانَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ شَخْصًا اسْتَعَانَ   [حاشية البجيرمي] أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ عَمْدًا وَعُفِيَ عَلَى مَالٍ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ. اهـ. سم. قُلْت: لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْقَتْلَ بِكُلِّ حَالٍ لِإِهْدَارِهِ اهـ أج وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: قَوْلُهُ: وَمُرْتَدٌّ فِي حَقِّ مَعْصُومٍ، وَزَانٍ مُحْصَنٌ، أَمَّا لَوْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ تَارِكَ صَلَاةٍ، بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ، أَوْ قَاطِعَ طَرِيقٍ، أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ وَيُقَدَّمُ قَتْلُهُ حَدًّا عَلَى حَدِّ قَتْلِهِ قِصَاصًا. قَوْلُهُ: (مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ) فَإِنْ قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ قُتِلَ، أَوْ قَتَلَهُ زَانٍ مُحْصَنٌ مِثْلُهُ قُتِلَ بِهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (لِاسْتِيفَائِهِ حَدَّ اللَّهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِهِ إذَا قَصَدَ بِقَتْلِهِ اسْتِيفَاءَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ صَرَفَ فِعْلَهُ عَنْ الْوَاجِبِ وَيَحْتَمِلُ الْأَخْذَ بِإِطْلَاقِهِمْ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ دَمَهُ لَمَّا كَانَ مُهْدَرًا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الصَّارِفُ. اهـ. ز ي وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ: لِاسْتِيفَائِهِ حَدَّ اللَّهِ أَيْ فِي الْوَاقِعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، أَوْ يَقْصِدْهُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ لِقَاتِلِهِ) أَيْ وَيُهْدَرُ مَنْ عَلَيْهِ إلَخْ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: الْحَرْبِيُّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ الْكَافِرَ) غَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ خَبَرٌ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ) تَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (بَلْ قَتْلُهُ جَمِيعَهُ) يُقْرَأُ مَصْدَرًا مَرْفُوعًا وَلَفْظُ " جَمِيعَهُ " مَنْصُوبٌ مَفْعُولٌ لِلْمَصْدَرِ وَيَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْفَاعِلِ وَيَصِحُّ جَرُّ جَمِيعٍ بَدَلًا مِنْ الضَّمِيرِ وَيَكُونُ الْمَصْدَرُ عَلَى هَذَا مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بَلْ قَتْلُ جَمِيعِهِ بِلَا هَاءٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجْبُرُ فَضِيلَةُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْفَضِيلَةُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ عَرَفْنَا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوَدَ يَثْبُتُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ وَهَلْ يَثْبُتُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ تُقْتَلُ إلَخْ، وَالْقَتْلُ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهُ قَطْعُ الطَّرَفِ وَالْجَرْحُ الْمُقَدَّرُ وَإِزَالَةُ الْمَعَانِي. قَوْلُهُ: (وَالْأَرْشِ) أَيْ لَوْ فُرِضَ أَنَّنَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ أُرُوشًا مِنْ غَيْرِ قَتْلِهِمْ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَقَتَلُوهُ بِمُحَدَّدٍ إلَخْ) حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا أَلْقَوْهُ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ، أَوْ فِي مَاءٍ، أَوْ نَارٍ قُتِلُوا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءً تَوَاطَئُوا، أَوْ لَا، وَأَمَّا إذَا قَتَلُوهُ بِجِرَاحَاتٍ، أَوْ ضَرَبَاتٍ فَيُفَصَّلُ فَإِنْ كَانَ فِعْلُ كُلٍّ يَقْتُلُ لَوْ انْفَرَدَ قُتِلُوا مُطْلَقًا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ فِعْلُ كُلٍّ لَا يَقْتُلُ لَوْ انْفَرَدَ لَكِنْ لَهُ دَخْلٌ فِي الْقَتْلِ فَيُفَصَّلُ فَإِنْ تَوَاطَئُوا قُتِلُوا، وَإِلَّا فَلَا يُقْتَلُونَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَكُلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِعْلُ كُلٍّ لَهُ دَخْلٌ فِي الْقَتْلِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ كَانَ خَفِيفًا لَا يُؤَثِّرُ أَصْلًا فَصَاحِبُ ذَلِكَ الْفِعْلِ لَا دَخْلَ لَهُ لَا فِي قِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِعْلُ بَعْضٍ يَقْتُلُ لَوْ انْفَرَدَ وَفِعْلُ بَعْضٍ لَا يَقْتُلُ لَوْ انْفَرَدَ لَكِنْ لَهُ دَخْلٌ فِي الْقَتْلِ فِي الْجُمْلَةِ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ فَصَاحِبُ الْأَوَّلِ يُقْتَلُ مُطْلَقًا وَصَاحِبُ الثَّانِي يُقْتَلُ إنْ تَوَاطَئُوا، وَإِلَّا فَلَا يُقْتَلُ وَتَجِبُ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (بِرَجُلٍ) وَاسْمُهُ أَصِيلٌ، وَسَبَبُ قَتْلِهِ زَوْجَةُ أَبِيهِ. اهـ. عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (غِيلَةً) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَالِاغْتِيَالُ الْأَخْذُ عَلَى غَفْلَةٍ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُخْدَعَ) الْأَوْلَى أَنْ يَخْدَعُوهُ وَيَقْتُلُوهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاهُمْ غَيْرُهُمْ. اهـ. ق ل. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْقَتْلِ غِيلَةً مِنْ حَيْثُ هُوَ قَوْلُهُ: (لَوْ تَمَالَأَ) مَهْمُوزٌ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ تَمَالَئُوا عَلَى الْأَمْرِ اجْتَمَعُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 بِآخَرَ عَلَى قَتْلِهِ وَاِتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِسَفْكِ الدِّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ آمِنًا مِنْ الْقِصَاصِ وَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى الدِّيَةِ وَعَنْ جَمِيعِهِمْ عَلَيْهَا. ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَتْلُ بِجِرَاحَاتٍ وُزِّعَتْ الدِّيَةُ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الرُّءُوسِ، لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْجِرَاحَاتِ لَا يَنْضَبِطُ وَقَدْ تَزِيدُ نِكَايَةُ الْجُرْحِ الْوَاحِدِ عَلَى جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِالضَّرْبِ فَعَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ، لِأَنَّهَا تُلَاقِي الظَّاهِرَ، وَلَا يَعْظُمُ فِيهَا التَّفَاوُتُ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ. وَمَنْ قَتَلَ جَمْعًا مُرَتَّبًا قُتِلَ بِأَوَّلِهِمْ، أَوْ دَفْعَةً فَبِالْقُرْعَةِ وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ فَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْأُولَى، أَوْ غَيْرِ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ عَصَى، وَوَقَعَ قَتْلُهُ قِصَاصًا وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ. وَلَوْ قَتَلُوهُ كُلُّهُمْ أَسَاءُوا، وَوَقَعَ الْقَتْلُ مُوَزَّعًا عَلَيْهِمْ، وَرَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالْبَاقِي لَهُ مِنْ الدِّيَةِ. (وَكُلُّ شَخْصَيْنِ جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا فِي النَّفْسِ) بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ (يَجْرِي بَيْنَهُمَا) الْقِصَاصُ أَيْضًا (فِي) قَطْعِ (الْأَطْرَافِ) ، وَفِي الْجُرْحِ الْمُقَدَّرِ كَالْمُوضِحَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَفِي إزَالَةِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ الْمَضْبُوطَةِ كَضَوْءِ الْعَيْنِ وَالسَّمْعِ وَالشَّمِّ وَالْبَطْشِ وَالذَّوْقِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لِأَنَّ لَهَا مَحَالَّ مَضْبُوطَةً، وَلِأَهْلِ الْخِبْرَةِ طَرَفٌ فِي إبْطَالِهَا. وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ بَعْدَ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ (الْمَذْكُورَةِ) فِي قِصَاصِ النَّفْسِ (اثْنَانِ)   [حاشية البجيرمي] وَتَعَاوَنُوا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (صَنْعَاءَ) خَصَّهَا بِالذِّكْرِ، لِأَنَّ الْقَاتِلِينَ كَانُوا مِنْهَا ع ش. قَالَ فِي التَّقْرِيبِ: صَنْعَاءُ بَلَدٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْيَمَنِ وَالْأَكْثَرُ فِيهَا الْمَدُّ. قَوْلُهُ: (وَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى الدِّيَةِ) أَيْ بَاقِيهَا أَيْ وَقَتْلُ الْبَعْضِ الْآخَرِ، لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَ الْبَعْضَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ إلَّا بِالْقِسْطِ. وَعِبَارَةُ سم وَلِلْوَلِيِّ قَتْلُ بَعْضِهِمْ وَأَخْذُ بَاقِي الدِّيَةِ مِنْ الْبَاقِينَ وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ مِنْ الْجَمِيعِ، وَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ لَا عَلَى عَدَدِ الْجِرَاحَاتِ فِي صُورَتِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى الدِّيَةِ) الْأَوْلَى بِحِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بِحِصَّتِهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَتْلُ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ: وُزِّعَتْ الدِّيَةُ أَيْ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا فَفِي الثَّانِيَةِ تُوَزَّعُ كُلُّ الدِّيَةِ، وَفِي الْأُولَى تُوَزَّعُ حِصَّةُ مَنْ عُفِيَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَلَوْ ضَرَبُوهُ بِسِيَاطٍ فَقَتَلُوهُ، وَضَرْبُ كُلٍّ مِنْهُمْ لَا يَقْتُلُ قُتِلُوا إنْ تَوَاطَئُوا، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الضَّرَبَاتِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَضَرْبُ كُلٍّ مِنْهُمْ لَا يَقْتُلُ أَيْ لَوْ انْفَرَدَ أَيْ وَمَجْمُوعُهَا يَقْتُلُ غَالِبًا. وَقَوْلُهُ: فَالدِّيَةُ أَيْ دِيَةُ عَمْدٍ اهـ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ) أَيْ حَيْثُ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَدِهَا فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَصْلِ الضَّرْبِ وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا أُخِذَ مِنْ كُلِّ الْمُتَيَقَّنِ وَوُقِفَ الْأَمْرُ فِيمَا بَقِيَ إلَى الصُّلْحِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَتَلَ جَمْعًا) هَذَا عَكْسُ مَا فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (فَبِالْقُرْعَةِ) ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقُرْعَةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَإِنْ رَضُوا بِتَقْدِيمِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ وَلَهُمْ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْعَةِ وَلَوْ أَقَرَّ بِسَبْقِ بَعْضِهِمْ اقْتَصَّ مِنْهُ وَلِيُّهُ وَلِغَيْرِهِ تَحْلِيفُهُ إنْ كَذَّبَهُ. . اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ قَتَلَهُ إلَخْ) جَوَابُ لُغْزٍ هُوَ: لَنَا قَاتِلٌ، وَهُوَ لِي الْمَقْتُولُ، لَا يَسْتَحِقُّ دَمَ الْمَقْتُولِ، لَا يُقْتَلُ بِهِ مَعَ الْمُكَافَأَةِ وَلَمْ يَأْثَمْ الْقَاتِلُ بِذَلِكَ إثْمَ الْقَتْلِ وَلَمْ يَتَحَتَّمْ قَتْلُ ذَلِكَ الْمَقْتُولِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَتَلُوهُ كُلُّهُمْ) أَيْ قَتَلَهُ أَوْلِيَاؤُهُمْ. قَوْلُهُ: (بِالْبَاقِي لَهُ مِنْ الدِّيَةِ) ، فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً حَصَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُ حَقِّهِ وَلَهُ ثُلُثَا الدِّيَةِ شَرْحَ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ شَخْصَيْنِ جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا فِي النَّفْسِ) بِأَنْ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ السَّابِقَةُ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: وَالشَّرَائِطُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي النَّفْسِ مُعْتَبَرَةٌ، فِي قِصَاصِ الْأَطْرَافِ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْجَرْحِ الْمُقَدَّرِ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْأَطْرَافَ لَيْسَتْ قَيْدًا وَالْمُرَادُ بِالْقَدْرِ الْمُنْضَبِطُ الَّذِي يُؤْمَنُ مَعَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ لَا مَا لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ دَخَلَتْ الْهَاشِمَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ وَالْمَأْمُومَةُ وَالْجَائِفَةُ وَالدَّامِغَةُ، فَإِنَّ لَهَا أَرْشًا مُقَدَّرًا إذَا كَانَتْ فِي الرَّأْسِ، أَوْ الْوَجْهِ، وَتَخْرُجُ الْمُوضِحَةُ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَإِنَّهُ لَا أَرْشَ لَهَا مُقَدَّرٌ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَدَّرِ الْمُنْضَبِطُ وَذَلِكَ الْمُوضِحَةُ لَا غَيْرُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْوَجْهِ، أَوْ الرَّأْسِ، أَوْ غَيْرِهِمَا. فَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِيهَا الْقِصَاصُ فِي أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ، وَأَمَّا كَوْنُهَا فِيهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا فَخَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَتْ فِي الرَّأْسِ، أَوْ الْوَجْهِ فَفِيهَا الْأَرْشُ الْمُقَدَّرُ فِيهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ مَحَلِّهِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَهَذَا فِي الْجُرُوحِ بَعْدَ الْمُوضِحَةِ، وَأَمَّا الَّتِي قَبْلَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الدَّامِيَةِ وَالدَّامِغَةِ وَالْبَاضِعَةِ. فَإِنْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهَا إلَى الْمُوضِحَةِ فَفِيهَا الْأَكْثَرُ مِنْ حُكُومَةٍ وَنِسْبَةِ الْأَرْشِ لِلْمُوضِحَةِ، وَإِلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 الْأَوَّلُ: (الِاشْتِرَاكُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ) رِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ (الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى بِالْيُسْرَى) فَلَا تُقْطَعُ يَسَارٌ بِيَمِينٍ وَلَا شَفَةٌ سُفْلَى بِعُلْيَا وَعَكْسُهُمَا وَلَا حَادِثٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ بِمَوْجُودٍ فَلَوْ قَلَعَ سِنًّا لَيْسَ لَهَا مِثْلُهَا فَلَا قَوَدَ وَإِنْ نَبَتَ لَهُ مِثْلُهَا بَعْدُ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الِاسْمِ الْخَاصِّ الِاشْتِرَاكُ فِي الْبَدَنِ فَلَا يُشْتَرَطُ فَيُقْطَعَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَعَكْسُهُ وَالذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَلَا عَكْسَ فِيهِمَا. قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. (وَ) الثَّانِي: (أَنْ لَا يَكُونَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ) أَيْ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (شَلَلٌ) وَهُوَ يُبْسٌ فِي الْعُضْوِ يُبْطِلُ عَمَلَهُ فَلَا تُقْطَعُ صَحِيحَةٌ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ بِشَلَّاءَ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْجَانِي، أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ، أَوْ رِجْلُهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ فَلَوْ خَالَفَ صَاحِبُ الشَّلَّاءِ، وَفَعَلَ الْقَطْعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْجَانِي لَمْ يُقْطَعْ قِصَاصًا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ بَلْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا، وَلَهُ حُكُومَةُ يَدِهِ الشَّلَّاءِ، فَلَوْ سَرَى الْقَطْعُ فَعَلَيْهِ قِصَاصُ النَّقْصِ لِتَفْوِيتِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَتُقْطَعُ الشَّلَّاءُ بِالشَّلَّاءِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الشَّلَلِ، أَوْ كَانَ شَلَلُ الْجَانِي أَكْثَرَ، لَمْ يَخَفْ نَزْفَ الدَّمِ وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ. وَتُقْطَعُ الشَّلَّاءُ أَيْضًا بِالصَّحِيحَةِ، لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: لَا يَنْقَطِعُ الدَّمُ بَلْ تَنْفَتِحُ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ، وَلَا تَنْسَدُّ بِحَسْمِ النَّارِ وَلَا غَيْرِهِ، فَلَا تُقْطَعُ بِهَا، وَإِنْ رَضِيَ الْجَانِي كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ حَذَرًا مِنْ اسْتِيفَاءِ النَّفْسِ بِالطَّرَفِ فَإِنْ قَالُوا: يَنْقَطِعُ الدَّمُ وَقَنِعَ بِهَا مُسْتَوْفِيهَا بِأَنْ لَا يَطْلُبَ أَرْشًا لِشَلَلٍ قُطِعَتْ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْجِرْمِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ، لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تُقَابَلُ بِمَالٍ، وَكَذَا لَوْ قُتِلَ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ لَمْ يَجِبْ لِفَضِيلَةِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ شَيْءٌ وَيُقْطَعُ عُضْوٌ سَلِيمٌ بِأَعْسَمَ وَأَعْرَجَ؛ إذْ لَا خَلَلَ فِي الْعُضْوِ، وَالْعَسَمُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ تَشَنُّجٌ فِي الْمَرْفِقِ أَوْ قِصَرٌ فِي السَّاعِدِ أَوْ الْعَضُدِ، وَلَا أَثَرَ فِي الْقِصَاصِ فِي يَدٍ، أَوْ رِجْلٍ لِخُضْرَةِ أَظْفَارٍ وَسَوَادِهَا، لِأَنَّهُ عِلَّةٌ أَوْ مَرَضٌ فِي الظُّفُرِ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَتُقْطَعُ ذَاهِبَةُ الْأَظْفَارِ بِسَلِيمَتِهَا لِأَنَّهَا دُونَهَا دُونَ عَكْسِهِ. لِأَنَّ الْكَامِلَ لَا يُؤْخَذُ بِالنَّاقِصِ وَالذَّكَرُ صِحَّةً وَشَلَلًا كَالْيَدِ صِحَّةً وَشَلَلًا، أَوْ لِذَكَرِ الْأَشَلِّ   [حاشية البجيرمي] فَحُكُومَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَتْ فِي الرَّأْسِ، أَوْ الْوَجْهِ أَمَّا فِي غَيْرِهِمَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ، وَلَوْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهَا مِنْ الْمُوضِحَةِ. قَوْله: (كَضَوْءِ الْعَيْنِ) بِأَنْ أَعْمَاهُ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَقَةِ. قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ) الْمُرَادُ بِهَا الْجِنْسُ، أَوْ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ الْأَخْبَارِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الشُّرُوطِ) أَيْ غَيْرِ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ أَيْ بِالنَّظَرِ لِمَا زَادَهُ الشَّارِحُ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَرْبَعَةٌ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ شُرُوطَ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ شُرُوطٌ لَهُ فِي الطَّرَفِ وَزَادَ عَلَيْهَا اثْنَيْنِ وَصَحَّ الْإِخْبَارُ بِهِ عَنْ شَرَائِطَ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْجِنْسُ، أَوْ أَطْلَقَ الْجَمْعَ عَلَى اثْنَيْنِ مَجَازًا أَوْ حَقِيقَةً عَلَى قَوْلِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى) نَائِبُ فَاعِلٍ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَتُقْطَعُ الْيُمْنَى إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَلَا تُقْطَعُ يَسَارٌ بِيَمِينٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ يَقَعُ قِصَاصٌ، وَفِي الْمَقْطُوعَةِ بَدَلًا مِنْ الدِّيَةِ دُونَ الْقِصَاصِ، نَعَمْ التَّرَاضِي الْمَذْكُورُ يَتَضَمَّنُ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ بِرْمَاوِيٌّ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ " بِيَمِينٍ " دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَكَذَا فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْبَدَنِ) أَيْ فِي اسْمِهِ أَوْ وَصْفِهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْثِلَتِهِ ق ل، وَنُسْخَةُ الْبَدَلِ أَيْ الدِّيَةُ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْجَانِي) لَعَلَّ النُّسْخَةَ " لِلْجَانِي " بِلَامَيْنِ، أَوْ كَلَامُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ طَرَفِ الْجَانِي إلَخْ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَلَّتْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ شَلَّتْ يَدُهُ شَلَلًا مِنْ بَابِ تَعِبَ اهـ وَأَصْلُهُ شَلِلَتْ بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى ثُمَّ أُدْغِمَتْ إحْدَى اللَّامَيْنِ فِي الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ يَدُهُ أَيْ الْجَانِي قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ أَيْ حَالَ الْجِنَايَةِ قَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْجَانِي لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي قَطْعِهَا قِصَاصًا وَأَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي الْقَطْعِ وَأَطْلَقَ فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ مَاتَ الْجَانِي بِالسِّرَايَةِ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَطْعِ. اهـ. م د قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَيْ اثْنَانِ مِنْهُمْ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ شَكَّ فِي انْقِطَاعِهِ لِتَرَدُّدِهِمْ أَوْ فَقْدِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ فَلَا يُقْطَعُ بِهَا وَإِنْ رَضِيَ الْجَانِي اهـ شَرْحَ التُّحْفَةِ قَوْلُهُ بِحَسْمِ أَيْ كَيِّ النَّارِ قَوْلُهُ قَالُوا أَيْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ قَوْلُهُ وَقَنِعَ بِكَسْرِ النُّونِ يُقَالُ قَنَعَ يَقْنَعُ بِفَتْحِ عَيْنِهِمَا إذَا سَأَلَ وَكَعَلِمَ يَعْلَمُ إذَا رَضِيَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ. اهـ. شَوْبَرِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَنَعَ كَسَأَلَ لَفْظًا وَمَعْنًى وَقَنِعَ كَرَضِيَ وَزْنًا وَمَعْنًى قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ أَيْ السَّلَامَةِ وَهَذَا غَايَةٌ قَوْلُهُ تَشَنُّجٌ أَيْ يُبْسٌ قَوْلُهُ لِخُضْرَةِ أَظْفَارٍ أَيْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 مُنْقَبِضًا يَنْبَسِطُ وَعَكْسِهِ، وَلَا أَثَرَ لِلِانْتِشَارِ وَعَدَمِهِ فَيُقْطَعَ ذَكَرُ فَحْلٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ وَعِنِّينٍ، وَأَنْفُ صَحِيحِ الشَّمِّ بِأَخْشَمَ. وَتُقْطَعُ أُذُنُ سَمِيعٍ بِأَصَمَّ، وَلَا تُؤْخَذُ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِحَدَقَةٍ عَمْيَاءَ وَلَا لِسَانٌ نَاطِقٌ بِأَخْرَسَ وَفِي قَلْعِ السِّنِّ قِصَاصٌ قَالَ تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] فَلَا قِصَاصَ فِي كَسْرِهَا كَمَا لَا قِصَاصَ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ فِيهَا الْقِصَاصُ فَعَنْ النَّصِّ أَنَّهُ يَجِبُ، لِأَنَّ السِّنَّ عَظْمٌ مُشَاهَدٌ مِنْ أَكْثَرِ الْجَوَانِبِ، وَلِأَهْلِ الصَّنْعَةِ آلَاتٌ قَطَّاعَةٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي الضَّبْطِ فَلَمْ تَكُنْ كَسَائِرِ الْعِظَامِ، وَلَوْ قَلَعَ شَخْصٌ مَثْغُورٌ وَهُوَ الَّذِي سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ سِنَّ كَبِيرٍ، أَوْ صَغِيرٍ، لَمْ تَسْقُطْ أَسْنَانُهُ الرَّوَاضِعُ، وَمِنْهَا الْمَقْلُوعَةُ، فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهَا تَعُودُ غَالِبًا فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ نَبَاتِهَا بِأَنْ سَقَطَ الْبَوَاقِي وَنَبَتَتْ دُونَ الْمَقْلُوعَةِ، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: فَسَدَ الْمَنْبَتُ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِيهَا حِينَئِذٍ وَلَا يُسْتَوْفَى لِلصَّغِيرِ فِي صِغَرِهِ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي وَلَوْ قَلَعَ شَخْصٌ سِنَّ مَثْغُورٍ فَنَبَتَتْ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ، لِأَنَّ عَوْدَهَا نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (وَكُلُّ عُضْوٍ أُخِذَ) أَيْ قُطِعَ جِنَايَةً (مِنْ   [حاشية البجيرمي] حَيْثُ كَانَ لِغَيْرِ آفَةٍ وَلَمْ يَجِفَّ الظُّفُرُ. اهـ. حَجّ قَوْلُهُ وَتُقْطَعُ ذَاهِبَةُ الْأَظْفَارِ أَيْ بِأَنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ أَظْفَارٍ خِلْقَةً وَقَوْلُهُ بِسَلِيمَتِهَا بِأَنْ قَطَعَ السَّلِيمَةَ وَقَوْلُهُ دُونَ عَكْسِهِ بِأَنْ قَطَعَ الذَّاهِبَةَ الْأَظْفَارِ قَوْلُهُ وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ لَوْ حَذَفَ الذَّكَرُ لَكَانَ أَوْلَى وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَيُؤْخَذُ عُضْوٌ أَشَلُّ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ يَدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بِأَشَلَّ مِثْلِهِ أَوْ دُونَهُ شَلَلًا. اهـ. وَقَوْلُهُ مِثْلِهِ أَوْ دُونَهُ أَيْ أَنَّ الْعُضْوَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مِثْلُ عُضْوِ الْجَانِي فِي الشَّلَلِ أَوْ دُونَهُ فِي الشَّلَلِ وَإِذَا كَانَ دُونَهُ فِي الشَّلَلِ كَانَ أَسْلَمَ مِنْهُ فَيَكُونُ عُضْوُ الْجَانِي دُونَهُ وَقَاعِدَةُ الْبَابِ أَنْ يُؤْخَذَ النَّاقِصُ بِالزَّائِدِ لَا عَكْسُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا يُؤْخَذُ أَشَلُّ بِأَشَلَّ فَوْقَهُ أَيْ فَوْقَهُ شَلَلًا بِأَنْ كَانَ عُضْوُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ شَلَلًا مِنْ عُضْوِ الْجَانِي فَيَكُونُ عُضْوُ الْجَانِي أَسْلَمَ فَلَا يُؤْخَذُ بِالنَّاقِصِ قَوْلُهُ وَأَنْفُ صَحِيحِ الشَّمِّ أَيْ لِأَنَّ الشَّمَّ لَيْسَ فِي الْأَنْفِ وَكَذَا السَّمْعُ لَيْسَ فِي الْأُذُنِ وَهَاتَانِ مُسْتَثْنَيَتَانِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْكَامِلُ لَا يُؤْخَذُ بِالنَّاقِصِ أَيْ إلَّا هَاتَيْنِ قَوْلُهُ: (وَلَا تُؤْخَذُ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِحَدَقَةٍ عَمْيَاءَ) لِأَنَّ الصَّحِيحَةَ فِيهَا الدِّيَةُ بِخِلَافِ الْحَدَقَةِ الْعَمْيَاءِ فِيهَا حُكُومَةٌ وَهَكَذَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ أَصْلُ الْجِنَايَةِ بِمِنْشَارٍ فَتُنْشَرُ سِنُّ الْجَانِي بِمِنْشَارٍ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَا قِصَاصَ وَيَجِبُ الْأَرْشُ ع ش. قَوْلُهُ: (مَثْغُورٌ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ غَيْرَ مَثْغُورٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْجَانِي مَثْغُورًا، أَوْ لَا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَلَوْ غَيْرَ مَثْغُورٍ. قَوْلُهُ: (سِنَّ كَبِيرٍ) لَوْ قَالَ: سِنَّ غَيْرِ مَثْغُورٍ، لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى ق ل. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْقَالِعَ وَالْمَقْلُوعَ إمَّا مَثْغُورَانِ، أَوْ غَيْرُ مَثْغُورَيْنِ، أَوْ الْقَالِعُ غَيْرُ مَثْغُورٍ فَقَطْ أَوْ عَكْسُهُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ، أَوْ كَبِيرَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا دُونَ الْآخَرِ فَهِيَ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً وَحُكْمُهَا أَنَّ غَيْرَ الْمَثْغُورِ يُنْتَظَرُ فِيهِ الْعَوْدُ، وَأَنَّ الْمَثْغُورَ لَا يُنْتَظَرُ فِيهِ ذَلِكَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَق ل. قَوْلُهُ: (أَسْنَانُهُ) أَيْ الْأَحَدُّ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الرَّوَاضِعِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَقْلُوعَةَ مِنْ الرَّوَاضِعِ، وَالرَّوَاضِعُ هِيَ الْأَرْبَعُ الثَّنَايَا اثْنَانِ مِنْ فَوْقُ وَاثْنَانِ مِنْ تَحْتُ فَتَسْمِيَةُ غَيْرِهَا رَوَاضِعَ مَجَازٌ لِلْمُجَاوَرَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الشَّافِيَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَسْنَانَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: ثَنَايَا: وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُتَقَدِّمَةُ اثْنَتَانِ فَوْقُ وَاثْنَتَانِ تَحْتُ، وَرَبَاعِيَاتٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَهِيَ الْأَرْبَعُ خَلْفَهَا وَهِيَ مَعَ الثَّنَايَا لِلْقَطْعِ، وَأَنْيَابٌ وَهِيَ أَرْبَعٌ أُخْرَى خَلْفَ الرَّبَاعِيَاتِ وَالْبَقِيَّةُ وَهِيَ عِشْرُونَ فِي الْغَالِبِ أَضْرَاسٌ فَمِنْهَا الضَّوَاحِكُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، ثُمَّ الطَّوَاحِينُ اثْنَا عَشَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، ثُمَّ النَّوَاجِذُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثِنْتَانِ وَاحِدَةٌ مِنْ فَوْقُ وَأُخْرَى مِنْ تَحْتُ وَيُقَالُ لَهَا ضِرْسُ الْحُلُمِ وَضِرْسُ الْعَقْلِ اهـ. وَقَوْلُهُ: اثْنَتَانِ فَوْقُ: أَيْ مُتَلَاصِقَتَانِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: وَثِنْتَانِ تَحْتُ وَقَوْلُهُ وَالْأَرْبَعُ خَلْفَهَا أَيْ ثِنْتَانِ فَوْقُ، وَاحِدَةٌ جِهَةَ الْيُمْنَى وَأُخْرَى جِهَةَ الْيُسْرَى وَثِنْتَانِ أَسْفَلَ كَذَلِكَ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ) فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ بَيَانِ الْحَالِ فَلَا أَرْشَ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهَا لَوْ عَاشَ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ نَعَمْ تَجِبُ لَهُ حُكُومَةٌ، شَرْحَ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تَعُودُ غَالِبًا) لَمْ يَنْظُرُوا فِي الْمُوضِحَةِ إلَى ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 مَفْصِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، كَالْمَرْفِقِ وَالْأَنَامِلِ وَالْكُوعِ وَمَفْصِلِ الْقَدَمِ وَالرُّكْبَةِ (فَفِيهِ الْقِصَاصُ) لِانْضِبَاطِ ذَلِكَ مَعَ الْأَمْنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ وَلَا يَضُرُّ فِي الْقِصَاصِ عِنْدَ مُسَاوَاةِ الْمَحَلِّ كِبَرٌ وَصِغَرٌ وَطُولٌ وَقُوَّةُ بَطْشٍ وَضَعْفُهُ فِي عُضْوٍ أَصْلِيٍّ، أَوْ زَائِدٍ. وَمِنْ الْمَفَاصِلِ أَصْلُ الْفَخِذِ وَالْمَنْكِبِ فَإِنْ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ فِيهِمَا بِلَا جَائِفَةٍ اُقْتُصَّ، وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ أَجَافَ الْجَانِي أَمْ لَا. نَعَمْ إنْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قُطِعَ الْجَانِي وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِلَا إجَافَةٍ، وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي فَقْءِ عَيْنٍ، وَفِي قَطْعِ أُذُنٍ وَجَفْنٍ وَشَفَةٍ سُفْلَى وَعُلْيَا، وَلِسَانٍ وَذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ وَشُفْرَانِ وَهُمَا بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ تَثْنِيَةُ شُفْرٍ وَهُوَ حَرْفُ الْفَرْجِ، وَفِي أَلْيَيْنِ وَهُمَا اللَّحْمَانِ النَّاتِئَانِ بَيْنَ الظَّهْرِ وَالْفَخِذِ (وَلَا قِصَاصَ فِي الْجُرُوحِ) فِي سَائِرِ الْبَدَنِ لِعَدَمِ ضَبْطِهَا   [حاشية البجيرمي] فَأَوْجَبُوا الْقِصَاصَ، وَإِنْ غَلَبَ الِالْتِحَامُ ح ل فَإِنْ عَادَتْ خَضْرَاءَ، أَوْ سَوْدَاءَ فَلَا قَوَدَ لَكِنْ تَجِبُ حُكُومَةٌ. قَوْلُهُ: (الْمَنْبَتُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ وَيَجُوزُ كَسْرُ الْمُوَحَّدَةِ سَمَاعًا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (وَجَبَ الْقِصَاصُ) فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقِصَاصِ اقْتَصَّ الْوَارِثُ، أَوْ عَفَا عَلَى الْأَرْشِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُسْتَوْفَى لِلصَّغِيرِ فِي صِغَرِهِ) بَلْ يُؤَخَّرُ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ اقْتَصَّ وَارِثُهُ فِي الْحَالِ، أَوْ أَخَذَ الْأَرْشَ. اهـ. شَرْحَ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ أَيْ لِاحْتِمَالِ عَفْوِهِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَيْ وَبَعْدَ الْحُكْمِ بِالْيَأْسِ مِنْ عَوْدِهَا كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ، وَإِلَّا فَلَا قِصَاصَ قَطْعًا وَلَا دِيَةَ عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ تَجِبُ حُكُومَةٌ فَقَطْ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَلَعَ شَخْصٌ سِنَّ مَثْغُورٍ) أَيْ كَانَ الْجَانِي مَثْغُورًا، أَوْ لَا فَتَمَّتْ الصُّوَرُ الْأَرْبَعُ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَفْصِلٍ) الْمَفْصِلُ مَوْضِعُ اتِّصَالِ الْعُضْوَيْنِ كَمَرْفِقٍ وَكُوعٍ وَمَا لَا مَفْصِلَ لَهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الْمِيمِ إلَخْ) أَمَّا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ فَهُوَ اللِّسَانُ. قَوْلُهُ: (كَالْمَرْفِقِ) وَهُوَ رَأْسُ عَظْمِ الذِّرَاعِ الْمُسَمَّى بِالْإِبْرَةِ الدَّاخِلِ فِي الْعَظَمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا رَأْسُ الْعَضُدِ وَالْعَضُدُ يَنْتَهِي إلَى الْمَنْكِبِ الْمُتَّصِلِ بِالْكَتِفِ وَمَا بَيْنَ الْمَرْفِقِ وَالْعَضُدِ وَمَا بَيْنَ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ يُسَمَّى مَفْصِلًا وَالْمَنْكِبُ مَجْمَعُ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ كَالْمَرْفِقِ إلَخْ مِثَالٌ لِلْعُضْوِ فِي قَوْلِهِ: وَكُلُّ عُضْوٍ لَا لِلْمَفْصِلِ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَمَفْصِلُ الْقَدَمِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: كَالْمَرْفِقِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَمَفْصِلِ الْمَرْفِقِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَمَفْصِلُ الْقَدَمِ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَفِيهِ الْقِصَاصُ) ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ مَفْصِلٌ تَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ مَفْصِلٌ فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، وَلَهُ أَخْذُ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ وَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الرُّجُوعُ وَقَطْعُ الزَّائِدِ الَّذِي تَرَكَهُ وَلَهُ أَخْذُ حُكُومَةٍ وَتَرْكُ قَطْعِهِ. قَوْلُهُ: (مَعَ الْأَمْنِ) خَرَجَ بِذَلِكَ الْجَائِفَةُ فَلَا قِصَاصَ فِيهَا، لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنْضَبِطَةً لَكِنْ لَا يُؤْمَنُ فِيهَا اسْتِيفَاءُ الزِّيَادَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: لِانْضِبَاطِ ذَلِكَ إلَخْ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الِانْضِبَاطِ مَعَ الْأَمْنِ الْمَذْكُورِ فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ الْجَائِفَةُ فَلَا قِصَاصَ فِيهَا لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا، وَإِنْ أَمِنَ اسْتِيفَاءَ الزِّيَادَةِ، وَبِالثَّانِي الْعِظَامُ لِعَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ فِي الْقِصَاصِ إلَخْ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ أَوَّلًا الِاشْتِرَاكُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عَقِبَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: وَكُلُّ عُضْوٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ مُسَاوَاةِ الْمَحَلِّ أَيْ فِي الِاسْمِ) الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: (كِبَرٌ) أَيْ التَّفَاوُتُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بِلَا جَائِفَةٍ) الْجَائِفَةُ جُرْحٌ يَنْفُذُ لِلْبَاطِنِ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي فَقْءِ عَيْنٍ) غَرَضُهُ تَكْمِيلُ مَا فِيهِ الْقِصَاصُ، لِأَنَّ الْمَتْنَ لَمْ يَسْتَوْفِهِ، وَالْمُرَادُ بِفَقْءِ الْعَيْنِ إزَالَةُ حَدَقَتِهَا لِيَكُونَ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَطْرَافِ، وَالْحَدَقَةُ هِيَ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ الَّذِي فِي الْعَيْنِ أَيْ السَّوَادُ كُلُّهُ، وَالْأَصْغَرُ النَّاظِرُ وَالْمُقْلَةُ شَحْمُ الْعَيْنِ الَّذِي يَجْمَعُ السَّوَادَ وَالْبَيَاضَ اهـ. ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَقَوْلُهُ الْأَصْغَرُ هُوَ بِالْغَيْنِ، وَفِي الْقَامُوسِ النَّاظِرُ الْعَيْنُ، أَوْ النُّقْطَةُ السَّوْدَاءُ فِي الْعَيْنِ، أَوْ الْبَصَرُ نَفْسُهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَجَفْنٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَشُفْرَانِ) الْأَوْلَى " وَشُفْرَيْنِ " إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُلْزِمُ الْمُثَنَّى الْأَلْفَ وَهُوَ بِضَمِّ الشِّينِ وَالْجَمْعُ أَشْفَارٌ، مِثْلُ قُفْلٍ وَأَقْفَالٍ وَحُكِيَ فَتْحُ الشِّينِ، وَشُفْرُ كُلِّ شَيْءٍ حَرْفُهُ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (بِضَمِّ الشِّينِ) وَحُكِيَ فَتْحُهَا أَيْضًا، وَأَمَّا الشَّفْرُ بِفَتْحِ الشِّينِ لَا غَيْرُ فَهُوَ اسْمٌ لِهُدْبِ الْعَيْنِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِي الْجُرُوحِ) أَيْ الْأَحَدَ عَشَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 وَعَدَمِ أَمْنِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ طُولًا وَعَرْضًا (إلَّا فِي) الْجِرَاحَةِ (الْمُوضِحَةِ) لِلْعَظْمِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ فَفِيهَا الْقِصَاصُ لِتَيَسُّرِ ضَبْطِهَا. تَتِمَّةٌ: يُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمُوضِحَةِ بِالْمِسَاحَةِ طُولًا وَعَرْضًا فِي قِصَاصِهَا لَا بِالْجُزْئِيَّةِ، لِأَنَّ الرَّأْسَيْنِ مَثَلًا قَدْ يَخْتَلِفَانِ صِغَرًا وَكِبَرًا وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ غِلَظِ لَحْمٍ وَجِلْدٍ فِي قِصَاصِهَا، وَلَوْ أَوْضَحَ كُلَّ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ، وَرَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرُ مِنْ رَأْسِهِ اسْتَوْعَبْنَاهُ إيضَاحًا وَلَا نَكْتَفِي بِهِ وَلَا نُتِمُّهُ مِنْ غَيْرِهِ بَلْ نَأْخُذُ قِسْطَ الْبَاقِي مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِهَا. ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ، أُخِذَ مِنْهُ قَدْرُ مُوضِحَةِ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ فَقَطْ، وَالْخِيرَةُ فِي تَعْيِينِ مَوْضِعِهِ لِلْجَانِي، وَلَوْ أَوْضَحَ نَاصِيَةً مِنْ شَخْصٍ، وَنَاصِيَتُهُ أَصْغَرُ مِنْ نَاصِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تُمِّمَ مِنْ بَاقِي الرَّأْسِ، لِأَنَّ الرَّأْسَ كُلَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ وَلَوْ زَادَ الْمُقْتَصُّ عَمْدًا فِي مُوضِحَةٍ عَلَى حَقِّهِ لَزِمَهُ قِصَاصُ الزِّيَادَةِ لِتَعَمُّدِهِ. فَإِنْ كَانَ الزَّائِدُ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ   [حاشية البجيرمي] مَا عَدَا الْمُوضِحَةَ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ ضَبْطِهَا) أَيْ لِعَدَمِ تَيَسُّرِ ضَبْطِهَا، وَإِنْ أَمْكَنَ. قَوْلُهُ: (الْمُوضِحَةِ لِلْعَظْمِ) أَيْ تَصِلُ إلَيْهِ بَعْدَ خَرْقِ الْجِلْدَةِ الَّتِي عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُرَ الْعَظْمُ لِصِغَرِ الْجُرْحِ كَغَرْزِ إبْرَةٍ وَصَلَتْ إلَيْهِ سم. قَوْلُهُ: (طُولًا وَعَرْضًا) أَيْ وَيُعَلَّمُ عَلَيْهِ بِنَحْوِ سَوَادٍ، أَوْ حُمْرَةٍ وَتُوضَحُ بِنَحْوِ الْمُوسَى، نَعَمْ لَوْ كَانَ بِرَأْسِ الْجَانِي شَعْرٌ دُونَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَا قِصَاصَ اهـ، ق ل. وَقَوْلُهُ: وَيُعَلَّمُ أَيْ وُجُوبًا إنْ خِيفَ اللَّبْسُ، وَإِلَّا كَانَ مَنْدُوبًا وَقَوْلُهُ: بِنَحْوِ الْمُوسَى لَا بِضَرْبَةِ سَيْفِ، أَوْ حَجَرٍ، وَإِنْ أَوْضَحَ بِهِ وَيُرَاعَى الْأَسْهَلُ عَلَى الْجَانِي مِنْ شُقَّةٍ دُفْعَةً، أَوْ تَدْرِيجًا. اهـ. ز ي وَقَوْلُهُ: دُفْعَةً بِالضَّمِّ، وَفِي الْقَامُوسِ هِيَ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَبِالضَّمِّ الدُّفْعَةُ مِنْ الْمَطَرِ وَمَا انْصَبَّ مِنْ سِقَاءٍ، أَوْ إنَاءٍ مَرَّةً وَبِهِ عُلِمَ صِحَّةُ كُلٍّ مِنْ الْفَتْحِ وَالضَّمِّ هُنَا قَالَهُ م ر فِي شَرْحِهِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الْفَتْحِ وَالضَّمِّ قَالَ: ع ش عَلَيْهِ: يُتَأَمَّلُ وَجْهُ الضَّمِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَا مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ مَصْبُوبٌ يُسَمَّى بِالدُّفْعَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: شَبَّهَ السَّيْفَ الْوَاقِعَ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ بِالشَّيْءِ الْمَصْبُوبِ مِنْ سِقَاءٍ، أَوْ نَحْوِهِ اهـ، وَبِمِثْلِهِ يُقَالُ مَا يُنَاسِبُ هُنَا اهـ. قَوْلُهُ: (لَا بِالْجُزْئِيَّةِ) كَرُبُعٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْضَحَ) أَيْ الْجَانِي كُلَّ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ هَذَا شُرُوعٌ فِي مَسَائِلَ ثَلَاثَةٍ: الْأُولَى أَنْ تَكُونَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرَ. الثَّانِيَةُ الْعَكْسُ. الثَّالِثَةُ إذَا أَوْضَحَ نَاصِيَةً وَنَاصِيَةُ الشَّاجِّ أَصْغَرُ، وَتَرَكَ الشَّارِحُ أَرْبَعَةً وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ نَاصِيَةُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ، قَوْلُهُ: (وَلَا تَتِمَّةَ مِنْ غَيْرِهِ) كَالْوَجْهِ وَالْقَفَا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِهَا) فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي قَدْرَ الثُّلُثِ فَالْمُتَمَّمُ بِهِ ثُلُثُ أَرْشِهَا شَرْحَ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَالْخِيرَةُ فِي تَعْيِينِ مَوْضِعِهِ لِلْجَانِي) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا اسْتَوْعَبَ رَأْسَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا مَثَلًا وَعِبَارَةُ م ر وَالْخِيرَةُ فِي مَحَلِّهِ لِلْجَانِي أَيْ فَهُوَ حَقٌّ عَلَيْهِ فَلَهُ أَدَاؤُهُ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ شَاءَ كَالدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (تَمَّمَ مِنْ بَاقِي الرَّأْسِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَدْفَعَ عَنْ النَّاصِيَةِ قَدْرَهَا مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ. فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ النَّاصِيَةِ وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ. قُلْتُ: كَوْنُهَا عُضْوًا مَخْصُوصًا مُمْتَازًا بِاسْمٍ خَاصٍّ،. اهـ. سم: وَالْخِيرَةُ فِي مَحَلِّهَا لِلْجَانِي أَيْضًا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَلَوْ زَادَ الْمُقْتَصُّ) اسْتَشْكَلَ تَصْوِيرُ زِيَادَةِ الْمُقْتَصِّ عَلَى حَقِّهِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمُقْتَصَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ قِصَاصِ الطَّرَفِ. وَأُجِيبَ بِمَحَلِّ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا رَضِيَ الْجَانِي بِالِاسْتِيفَاءِ، أَوْ وَكَّلَ الْمُسْتَحِقُّ شَخْصًا فَاسْتَوْفَى زَائِدًا عَمْدًا فَإِنْ قَالَ: أَخْطَأْت فِي الزَّائِدِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ز ي وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر وَكَتَبَ عَلَيْهِ الرَّشِيدِيُّ: قَوْلَهُ " فَزَادَ وَكِيلُهُ "، اُنْظُرْ قِصَاصَ الزِّيَادَةِ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَلَى مَنْ اهـ. وَاَلَّذِي يُفْهِمُهُ كَلَامُ ع ش. أَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْوَكِيلِ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ قِصَاصُ الزِّيَادَةِ) لَكِنْ إنَّمَا يُقْتَصُّ مِنْهُ بَعْدَ انْدِمَالِ مُوضِحَتِهِ شَرْحَ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الزَّائِدُ خَطَأً) كَأَنْ سَقَطَتْ آلَةُ الِاسْتِيفَاءِ فِي آخِرِ الْإِيضَاحِ قَهْرًا عَلَيْهِ فَأَخَذَتْ زِيَادَةً عَلَى الْمُسْتَحَقِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 عَمْدٍ، أَوْ عَمْدًا، وَعُفِيَ عَنْهُ عَلَى مَالٍ، وَجَبَ أَرْشٌ كَامِلٌ وَلَوْ أَوْضَحَهُ جَمْعٌ بِتَحَامُلِهِمْ عَلَى آلَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْضَحَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُوضِحَةً مِثْلَهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَكُوا فِي قَطْعِ عُضْوٍ. فَصْلٌ: فِي الدِّيَةِ وَهِيَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِلْمَالِ الْوَاجِبِ بِجِنَايَةٍ عَلَى الْحُرِّ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَقِبَ الْقِصَاصِ، لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُمْلَةِ. (وَالدِّيَةُ) الْوَاجِبَةُ ابْتِدَاءً، أَوْ   [حاشية البجيرمي] وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ الزَّائِدُ خَطَأً أَيْ بِغَيْرِ اضْطِرَابِ الْجَانِي وَحْدَهُ بِأَنْ كَانَ بِاضْطِرَابِ الْمُقْتَصِّ، أَوْ بِاضْطِرَابِهِمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَابٍ فَإِنْ كَانَ بِاضْطِرَابِ الْجَانِي فَهَدَرٌ فَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُقْتَصُّ: حَصَلَ بِاضْطِرَابِك يَا جَانِي، وَقَالَ: لَا؛ صُدِّقَ الْجَانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاضْطِرَابِ فَلَوْ كَانَ بِاضْطِرَابِهِمَا فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ عَلَيْهِمَا فَيُهْدَرَ النِّصْفُ الْمُقَابِلُ لِفِعْلِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ، شَرْحَ م ر وَز ي. قَوْلُهُ: (وَجَبَ أَرْشٌ كَامِلٌ) وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ اشْتَرَكُوا فِي قَطْعِ عُضْوٍ) فَلَوْ آلَ الْأَمْرُ لِلدِّيَةِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ قِسْطُهُ كَمَا قَطَعَ بِهِ، الْبَغَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ لَا دِيَةَ مُوضِحَةٍ كَامِلَةٌ خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ عَزْوُ الْأَوَّلِ لِلْإِمَامِ وَالثَّانِي لِلْبَغَوِيِّ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: فَلَوْ آلَ الْأَمْرُ لِلدِّيَةِ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ أَرْشٌ كَامِلٌ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، اهـ. لِصِدْقِ اسْمِ الْمُوضِحَةِ عَلَى فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلٍ وَآلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ فَإِنَّهَا تُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ صِدْقِ الْقَتْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ. اهـ. ز ي. [فَصْلٌ فِي الدِّيَةِ] قَوْلُهُ: (فِي الدِّيَةِ) هَاؤُهَا عِوَضٌ مِنْ فَاءِ الْكَلِمَةِ لِأَنَّ أَصْلَهَا وِدْيٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَدْيِ بِفَتْحِهَا وَهُوَ دَفْعُ الدِّيَةِ يُقَالُ وَدَيْت الْقَتِيلَ بِكَسْرِ الدَّالِ أَدِيهِ وَدْيًا. وَأَوَّلُ مَنْ سَنَّهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ كَمَا فِي السِّيَرِ. اهـ. م د وَيُقَالُ: فِي الْأَمْرِ " دِ " الْقَتِيلَ بِدَالٍ مَكْسُورَةٍ لَا غَيْرُ، وَإِنْ وَقَفْتَ قُلْتَ " دِهْ ". سُمِّيَ ذَلِكَ الْمَالُ دِيَةً تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ وَقَوْلُ الْمُحَشِّي وَدِيت بِكَسْرِ الدَّالِ غَيْرُ صَوَابٍ بَلْ الصَّوَابُ فَتْحُهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى الْحُرِّ) خَرَجَ الرَّقِيقُ فَالْوَاجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ تَشْبِيهًا لَهُ بِالدَّوَابِّ بِجَامِعِ الْمِلْكِيَّةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِيمَا دُونَهَا) كَالْأَعْضَاءِ وَغَلَّبَهَا عَلَى الْقِيمَةِ فِي غَيْرِ الْحُرِّ لِشَرَفِهَا، وَإِلَّا فَمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ فِيهِ أَرْشٌ لَا دِيَةٌ، وَقَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ: وَدِيَةُ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ تَجَوُّزٌ بِالدِّيَةِ عَلَى الْقِيمَةِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ) هَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَتَلَتْ رَجُلًا يَلْزَمُهَا دِيَتُهَا لَا دِيَةُ رَجُلٍ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عَنْ النَّفْسِ الْمَقْتُولَةِ فَإِنْ قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا، ثُمَّ عَفَا الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الدِّيَةِ لَزِمَتْهَا دِيَتُهُ وَلَوْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَوَدِ لَمْ يَلْزَمْهَا إلَّا دِيَةُ امْرَأَةٍ وَلَوْ قَتَلَهَا لَزِمَهُ دِيَتُهَا، لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسِ الْمَقْتُولِ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِ الشَّارِحِ بِأَنَّ الْقَوَدَ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْجَانِي كَانَ كَحَيَاةِ نَفْسِ الْقَتِيلِ فَكَانَ أَخْذُ الدِّيَةِ فِي الْحَقِيقَةِ بَدَلًا عَنْ الْقَوَدِ لَا عَنْ نَفْسِ الْقَتِيلِ فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ، لِأَنَّ الْقَوَدَ كَحَيَاةِ الْقَتِيلِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهَا) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] أَيْ مَعَ بَيَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتِلْكَ الدِّيَةِ بِقَوْلِهِ «وَفِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (طَافِحَةٌ) أَيْ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ أَيْ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ، أَيْ مُمْتَلِئَةٌ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: طَفَحَ الْإِنَاءُ طُفُوحًا إذَا امْتَلَأَ حَتَّى يَفِيضَ وَبَابُهُ خَضَعَ. قَوْلُهُ: (فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 بَدَلًا (عَلَى ضَرْبَيْنِ) الْأَوَّلُ: (مُغَلَّظَةٌ) مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَوْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ. (وَ) الثَّانِي: (مُخَفَّفَةٌ) مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَوْ مِنْ وَجْهَيْنِ. تَنْبِيهٌ: الدِّيَةُ قَدْ يَعْرِضُ لَهَا مَا يُغَلِّظُهَا، وَهُوَ أَحَدُ أَسْبَابٍ خَمْسَةٍ: كَوْنُ الْقَتْلِ عَمْدًا، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا مَا يَنْقُصُهَا وَهُوَ أَحَدُ أَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ: الْأُنُوثَةُ، وَالرِّقُّ، وَقَتْلُ الْجَنِينِ، وَالْكُفْرُ. فَالْأَوَّلُ يَرُدُّهَا إلَى الشَّطْرِ، وَالثَّانِي إلَى الْقِيمَةِ، وَالثَّالِثُ إلَى الْغُرَّةِ، وَالرَّابِعُ إلَى الثُّلُثِ، أَوْ أَقَلَّ، وَكَوْنُ الثَّانِي أَنْقَصَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَزِيدُ الْقِيمَةُ عَلَى الدِّيَةِ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهِيَ الْمُغَلَّظَةُ فَقَالَ: (فَالْمُغَلَّظَةُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ سَوَاءٌ أَوَجَبَ فِيهِ قِصَاصٌ وَعُفِيَ عَلَى مَالٍ أَمْ لَا كَقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ. (ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا فِي الزَّكَاةِ (وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً) وَهِيَ الَّتِي (فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ بِذَلِكَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَرْبَعِينَ حَوَامِلُ، وَيَثْبُتُ حَمْلُهَا بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالْإِبِلِ.   [حاشية البجيرمي] وَأَمَّا الْعَمْدُ فَالْوَاجِبُ فِيهِ الْقَوَدُ. قَوْلُهُ: (ابْتِدَاءً) كَمَا فِي قَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) كَوْنُهَا عَلَى الْجَانِي وَحَالَّةً، وَمِنْ جِهَتِهِ السِّنُّ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَهُوَ كَوْنُهَا مُثَلَّثَةً لَا مُخَمَّسَةً كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَمُخَفَّفَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) كَوْنُهَا مُخَمَّسَةً وَعَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَوْنُهَا مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ: أَوْ مِنْ وَجْهَيْنِ أَيْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فَأَدْخَلَ الشَّارِحُ شِبْهَ الْعَمْدِ فِي الْقِسْمَيْنِ، لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ شَبَهًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهَيْنِ هُمَا وُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَوُجُوبُهَا مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (كَوْنُ الْقَتْلِ عَمْدًا، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ) كَوْنُ هَذَا عَارِضًا لِتَغْلِيظِ الدِّيَةِ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْأَصْلُ فِيهَا التَّخْفِيفَ حَتَّى يَكُونَ هَذَا عَارِضًا لِلتَّغْلِيظِ بَلْ هِيَ مُغَلَّظَةٌ ابْتِدَاءً فِيهِمَا نَعَمْ كَلَامُهُ مُسَلَّمٌ فِي قَوْلِهِ، أَوْ فِي الْحَرَمِ إلَخْ، لِأَنَّهُ أَيْ الْقَتْلَ فِي الْحَرَمِ تَعَرَّضَ لِلتَّغْلِيظِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ: وَأَسْبَابُ التَّغْلِيظِ خَمْسَةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَلَى بُعْدٍ بِأَنَّهُ لَمَّا عَدَلَ عَنْ الْقَتْلِ خَطَأً إلَى الْعَمْدِ، أَوْ شِبْهِهِ كَانَ كَعُرُوضِ التَّغْلِيظِ أَيْ كَأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِيهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ ذِي رَحِمٍ) أَيْ، أَوْ لِذِي رَحِمٍ. وَلَوْ قَالَ: مَحْرَمِ رَحِمٍ بِالْإِضَافَةِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا لِتَخْرُجَ نَحْوُ بِنْتِ عَمٍّ هِيَ أُمُّ زَوْجَةٍ. اهـ. ق ل. لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَيْسَتْ نَاشِئَةً مِنْ الرَّحِمِ أَيْ الْقَرَابَةِ بَلْ نَاشِئَةٌ مِنْ كَوْنِهَا أُمَّ زَوْجَتِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا مَا يَنْقُصُهَا) فِي كَوْنِ الْأُنُوثَةِ عَارِضَةً لِلتَّنْقِيصِ نَظَرٌ، لِأَنَّهَا مُنْقِصَةٌ لَهَا ابْتِدَاءً وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَتْلُ عَامًّا فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَعَدَلَ عَنْ الْكَامِلِ إلَى دُونِهِ كَأَنْ تَسَبَّبَ فِي تَنْقِيصِ الدِّيَةِ، تَأَمَّلْ. وَفِي إطْلَاقِ الدِّيَةِ عَلَى قِيمَةِ الرَّقِيقِ وَعَلَى الْغُرَّةِ مُسَامَحَةٌ لَكِنَّهُمَا لَمَّا كَانَا بَدَلًا عَنْ النَّفْسِ أُطْلِقَ عَلَيْهِمَا دِيَةً تَجَوُّزًا. قَوْلُهُ: (فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ تَكُونُ مُثَلَّثَةً فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي مَوَاضِعِهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَمْدِ، لِأَنَّهُ الْكَامِلُ فِي التَّغْلِيظِ، لِأَنَّهُ فِيهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، وَإِنْ ذَكَرَ الْمَتْنُ التَّثْلِيثَ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (خَلِفَةً) هُوَ اسْمُ جَمْعٍ لَا مُفْرَدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَرُدَّ بِأَنَّ تَمْيِيزَ الْأَرْبَعِينَ مُفْرَدٌ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ وَمَيِّزْ الْعِشْرِينَ لِلتِّسْعِينَا بِوَاحِدٍ كَأَرْبَعِينَ حِينَا إلَّا أَنْ يُقَالَ اسْمُ الْجَمْعِ كَالْمُفْرَدِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَمْعُهَا خِلَفٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ جَمْعُهَا خَلِفَاتٌ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ بِكَسْرِ الْخَاءِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ الْخَلِفُ بِوَزْنِ الْكَتِفِ الْمَخَاضُ وَهِيَ الْحَوَامِلُ مِنْ النُّوقِ وَمِثْلُهُ فِي الْمِصْبَاحِ فَلَعَلَّ الْقَوْلَ بِكَسْرِ الْخَاءِ سَبْقُ قَلَمٍ. اهـ. ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ بِذَلِكَ رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ الْخَطَأِ قَتِيلِ السَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى أَتَى بِذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي فِي الْبَطْنِ لَا يُسَمَّى وَلَدًا إلَّا بِتَجَوُّزٍ أَيْ مَجَازِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ أَيْ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ فَإِنْ أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِمَا أَوْ تَصْدِيقِهِ لِلدَّافِعِ وَمَاتَتْ عِنْدَهُ وَتَنَازَعَا شُقَّ جَوْفُهَا فَإِنْ بَانَ أَنْ لَا حَمْلَ غَرِمَهَا وَأَخَذَ بَدَلَهَا خَلِفَةً فَإِنْ ادَّعَى الدَّافِعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 وَذَلِكَ فِي قَتْلِ الذَّكَرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْمَحْقُونِ الدَّمِ غَيْرِ جَنِينٍ انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ مَيِّتًا، وَالْقَاتِلُ لَهُ لَا رِقَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ دِيَةً، وَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي قَوْلِهِ: «فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ. وَلَا تَخْتَلِفُ الدِّيَةُ بِالْفَضَائِلِ وَالرَّذَائِلِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِالْأَدْيَانِ وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ فَإِنَّ فِيهِ الْقِيمَةَ الْمُخْتَلِفَةَ أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مَحْقُونِ الدَّمِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ إذَا قَتَلَ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْلِمٌ فَلَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ؛ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ رَقِيقًا لِغَيْرِ الْمَقْتُولِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَأَمَّ وَلَدٍ فَالْوَاجِبُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَالدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ مُبَعَّضًا لَزِمَهُ لِجِهَةِ الْحُرِّيَّةِ الْقَدْرُ الَّذِي يُنَاسِبُهَا مِنْ نِصْفٍ، أَوْ ثُلُثٍ مَثَلًا وَلِجِهَةِ الرَّقَبَةِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ وَالدِّيَةِ، وَهَذِهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: كَوْنِهَا عَلَى الْجَانِي، وَحَالَّةً، وَمِنْ جِهَةِ السِّنِّ. وَالْخَلِفَةِ: بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَسْرِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ وَلَا جَمْعَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ مِنْ مَعْنَاهَا، وَهُوَ مَخَاضٌ كَامْرَأَةٍ وَنِسَاءٍ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جَمْعُهَا خَلِفٌ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَابْنُ سِيدَهْ خَلِفَاتٌ. وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ كَوْنُهَا مُثَلَّثَةً. (وَالْمُخَفَّفَةُ) بِسَبَبِ قَتْلِ الذَّكَرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ. (مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) وَهِيَ فِي الْخَطَأِ مُخَفَّفَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. الْأَوَّلُ: وُجُوبُهَا مُخَمَّسَةً (عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي الزَّكَاةِ. وَالثَّانِي: وُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَالثَّالِثُ: وُجُوبُهَا مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ مُخَفَّفَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَهُمَا: وُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَوُجُوبُهَا مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَا يُقْبَلُ فِي إبِلِ الدِّيَةِ مَعِيبٌ بِمَا يُثْبِتُ الرَّدَّ فِي الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَتْ إبِلُ مَنْ لَزِمَتْهُ مَعِيبَةً، لِأَنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَهَا، فَاقْتَضَتْ السَّلَامَةَ وَخَالَفَ ذَلِكَ الزَّكَاةَ لِتَعَلُّقِهَا بِعَيْنِ الْمَالِ وَخَالَفَ الْكَفَّارَةَ أَيْضًا، لِأَنَّ مَقْصُودَهَا تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ لِتَسْتَقِلَّ فَاعْتُبِرَ فِيهَا السَّلَامَةُ، مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ وَالِاسْتِقْلَالِ إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَحِقِّ بِذَلِكَ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ إسْقَاطُهُ. وَمَنْ لَزِمَتْهُ دِيَةٌ وَلَهُ إبِلٌ فَتُؤْخَذُ مِنْهَا وَلَا يُكَلَّفُ غَيْرَهَا، لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ فَكَانَتْ مِمَّا عِنْدَهُ كَمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي نَوْعِ النِّصَابِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبِلٌ فَمِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلْدَةِ بَلَدِيٍّ أَوْ غَالِبِ إبِلِ قَبِيلَةِ بَدَوِيٍّ، لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ فَوَجَبَ فِيهَا الْبَدَلُ الْغَالِبُ كَمَا فِي قِيمَةِ   [حاشية البجيرمي] إسْقَاطَ الْحَمْلِ وَأَمْكَنَ صُدِّقَ إنْ أُخِذَتْ بِعَدْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَوْ أَمْكَنَ وَأَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِ الدَّافِعِ مَعَ تَصْدِيقِهِ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأُولَى وَبِهِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ شَرْحَ الرَّوْضِ قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ التَّغْلِيظُ الْمَذْكُورُ وَذَكَرَ لَهُ سِتَّةَ شُرُوطٍ. قَوْلُهُ: (وَالْقَاتِلُ لَهُ) أَيْ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ اللَّهَ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الدِّيَةَ الَّتِي فِي الْآيَةِ فِي الْخَطَأِ، وَبَيَانُ النَّبِيِّ لَهَا وَاَلَّذِي فِي الْمَتْنِ الْعَمْدُ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ رَقِيقًا إلَخْ) اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا جَمْعَ لَهَا) الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَلَا وَاحِدَ لَهُ، لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ عَلَى هَذَا، وَاسْمُ الْجَمْعِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ بَلْ مِنْ مَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ اللَّامِ) أَيْ وَالْخَاءِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ م د الصَّوَابُ، أَنَّهُ بِفَتْحِ الْخَاءِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. قَوْلُهُ: (وَخَالَفَ الْكَفَّارَةَ أَيْضًا إلَخْ) أَيْ حَيْثُ اعْتَبَرُوا فِيهَا مَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ فَالثُّيُوبَةُ فِي الْأَمَةِ فِي غَيْرِ أَوَانِهَا عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ لَا فِي الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهَا لَا تُخِلُّ بِالْعَمَلِ. قَوْلُهُ: (مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ) أَيْ، وَإِنْ كَانَتْ مَعِيبَةً بِعَيْبٍ يُثْبِتُ الرَّدَّ فِي الْبَيْعِ كَالثُّيُوبَةِ فِي غَيْرِ أَوَانِهَا. قَوْلُهُ: (إلَّا بِرِضَا إلَخْ) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يُقْبَلُ مَعِيبٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَلَّفُ إلَخْ) أَيْ فَلَوْ تَكَلَّفَ وَحَصَّلَ الْإِبِلَ مِنْ غَالِبِ إبِلِ مَحَلِّهِ قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِخْرَاجِ مِنْ إبِلِهِ وَمِنْ إبِلِ غَالِبِ إبِلِ مَحَلِّهِ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَالْمُعْتَمَدُ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ إبِلِهِ إنْ كَانَتْ سَلِيمَةً وَغَالِبِ إبِلِ مَحَلِّهِ، وَإِنْ خَالَفَ نَوْعَ إبِلِهِ أَوْ كَانَتْ إبِلُهُ أَعْلَى مِنْ غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ، وَيُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى قَبُولِهِ، وَإِنْ كَانَتْ إبِلُهُ مَعِيبَةً تَعَيَّنَ الْغَالِبُ شَرْحَ م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ) هَذَا خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْجَانِي. قَوْلُهُ: (فَمِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ إلَخْ) ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَالِبُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ إبِلِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ حَيْثُ قَالَ: يَتَعَيَّنُ نَوْعُ إبِلِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 الْمُتْلَفَاتِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ أَوْ الْقَبِيلَةِ إبِلٌ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ فَتُؤْخَذُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ أَقْرَبِ بِلَادٍ، أَوْ أَقْرَبِ قَبَائِلَ إلَى مَوْضِعِ الْمُؤَدِّي فَيَلْزَمُهُ نَقْلُهَا كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، مَا لَمْ تَبْلُغْ مُؤْنَةُ نَقْلِهَا مَعَ قِيمَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِبَلْدَةِ، أَوْ قَبِيلَةِ الْعُدْمِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ حِينَئِذٍ نَقْلُهَا وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الضَّبْطِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَإِذَا وَجَبَ نَوْعٌ مِنْ الْإِبِلِ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى نَوْعٍ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ وَلَا إلَى قِيمَةٍ عَنْهُ إلَّا بِتَرَاضٍ مِنْ الْمُؤَدِّي وَالْمُسْتَحِقِّ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ فِي النَّفْسِ، يَجْرِي مِثْلُهُ فِي الْأَطْرَافِ وَالْجُرُوحِ. (فَإِنْ عُدِمَتْ الْإِبِلُ) حِسًّا بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ تَحْصِيلُهَا مِنْهُ، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وُجِدَتْ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا (انْتَقَلَ إلَى قِيمَتِهَا) وَقْتَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ فَيَرْجِعُ إلَى قِيمَتِهَا عِنْدَ إعْوَازِ أَصْلِهِ وَتُقَوَّمُ بِنَقْدِ بَلَدِهِ الْغَالِبِ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَضْبَطُ. فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْدَانِ فَأَكْثَرُ لَا غَالِبَ فِيهِمَا تَخَيَّرَ الْجَانِي بَيْنَهُمَا، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (وَقِيلَ:) وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ (يَنْتَقِلُ) الْمُسْتَحِقُّ عِنْدَ عَدَمِهَا (إلَى) أَخْذِ (أَلْفِ دِينَارٍ) مِنْ أَهْلِ الدَّنَانِيرِ (أَوْ) يَنْتَقِلُ (إلَى اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا) فِضَّةً مِنْ أَهْلِ الدَّرَاهِمِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْمَضْرُوبُ الْخَالِصُ (وَ) عَلَى الْقَدِيمِ (إنْ غُلِّظَتْ) الدِّيَةُ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ (زِيدَ عَلَيْهَا) لِأَجْلِ التَّغْلِيظِ (الثُّلُثُ) أَيْ قَدْرُهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْمُفَرَّعَيْنِ عَلَيْهِ. فَفِي الدَّنَانِيرِ أَلْفٌ وَثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا وَثُلُثُ دِينَارٍ، وَفِي الْفِضَّةِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي هَذَا تَابِعٌ لِصَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُزَادُ شَيْءٌ، لِأَنَّ التَّغْلِيظَ فِي الْإِبِلِ إنَّمَا وَرَدَ بِالسِّنِّ وَالصِّفَةِ لَا بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. (وَتُغَلَّظُ دِيَةُ الْخَطَأِ) مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ وُجُوبُهَا مُثَلَّثَةً (فِي) أَحَدِ (ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ) . الْأَوَّلُ: (إذَا قَتَلَ) خَطَأً (فِي الْحَرَمِ) أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ فَإِنَّهَا تُثَلَّثُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي الْأَمْنِ بِدَلِيلِ إيجَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ   [حاشية البجيرمي] سَلِيمًا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ بَلَغَتْ مُؤْنَةُ نَقْلِهَا مَعَ قِيمَتِهَا مَا ذَكَرَ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ، أَوْ بَعُدَتْ بَلْ تَجِبُ قِيمَتُهَا م ر. قَوْلُهُ: (وَإِذَا وَجَبَ نَوْعٌ مِنْ الْإِبِلِ) كَالْغَالِبِ بِالْبَلَدِ. قَوْلُهُ: (لَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى نَوْعٍ) وَإِنْ كَانَ أَعْلَى. قَوْلُهُ: (وَالْجُرُوحُ) أَيْ دُونَ الْحُكُومَاتِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عُدِمَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ فُقِدَتْ. قَوْلُهُ: (انْتَقَلَ إلَى قِيمَتِهَا) هَذَا إنْ لَمْ يُمْهَلْ الدَّافِعُ فَإِنْ أُمْهِلَ بِأَنْ قَالَ لَهُ الْمُسْتَحِقُّ: أَنَا أَصْبِرُ حَتَّى تُوجَدَ الْإِبِلُ؛ لَزِمَهُ امْتِثَالُهُ، لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَإِنْ أُخِذَتْ الْقِيمَةُ فَوُجِدَتْ الْإِبِلُ لَمْ تُرَدَّ لِتُشْتَرَى الْإِبِلُ لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بِالْأَخْذِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) أَيْ الْإِبِلَ بَدَلُ مُتْلَفٍ هُوَ النَّفْسُ فَيَرْجِعَ إلَى قِيمَتِهَا عِنْدَ إعْوَازِ أَيْ فَقْدِ أَصْلِهِ أَيْ أَصْلِ الْبَدَلِ وَهُوَ الْإِبِلُ، لِأَنَّ قِيمَتَهَا بَدَلٌ ثَانٍ وَفَرْعٌ عَنْ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: (بِنَقْدِ بَلَدِهِ) أَيْ الْعَدَمِ. قَوْلُهُ: (تَخَيَّرَ الْجَانِي) عِبَارَةُ م ر تَخَيَّرَ الدَّافِعُ فَلَوْ أَرَادَ الْمُسْتَحِقُّ الصَّبْرَ إلَى وُجُودِهَا أُجِيبَ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ) أَيْ الِانْتِقَالُ إلَى الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: (يَنْتَقِلُ الْمُسْتَحِقُّ عِنْدَ عَدَمِهَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْقَدِيمَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ الْفَقْدِ وَهُوَ كَذَلِكَ شَرْحَ م ر. قَوْلُهُ: (أَلْفِ دِينَارٍ) أَيْ مِثْقَالٍ ذَهَبًا شَرْحَ م ر. قَوْلُهُ: (عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِزِيدَ أَيْ زِيدَ الثُّلُثُ عَلَى أَحَدِ إلَخْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَأَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْقَدِيمِ الضَّعِيفِ. قَوْلُهُ: (وَأَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ) أَيْ عَلَى الضَّعِيفِ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ السِّنِّ وَالصِّفَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (إذَا قَتَلَ خَطَأً فِي الْحَرَمِ) . {تَنْبِيهٌ} : يَلْتَحِقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا لَوْ جَرَحَهُ فِي الْحَرَمِ فَخَرَجَ مِنْهُ وَمَاتَ فِي غَيْرِهِ. بِخِلَافِ عَكْسِهِ شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْقَتْلَ لَيْسَ قَيْدًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا لَوْ رَمَاهُ قَرِيبَ غُرُوبِ أَوَّلِ شَهْرٍ مِنْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَوَصَلَ السَّهْمُ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَمَاتَ، أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ فَمَاتَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بِأَنَّ دَاخِلَ الْحَرَمِ لَهُ نَوْعُ اخْتِيَارٍ فَنُسِبَ الْفِعْلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 الْمَقْتُولِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِيهِ أَمْ أُصِيبَ الْمَقْتُولُ فِيهِ، وَرُمِيَ مِنْ خَارِجِهِ أَمْ قَطَعَ السَّهْمُ فِي مُرُورِهِ هَوَاءَ الْحَرَمِ وَهُمَا بِالْحِلِّ. تَنْبِيهٌ: الْكَافِرُ لَا تُغَلَّظُ دِيَتُهُ فِي الْحَرَمِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهِ فَلَوْ دَخَلَهُ لِضَرُورَةٍ اقْتَضَتْهُ فَهَلْ تُغَلَّظُ، أَوْ يُقَالُ: هَذَا نَادِرٌ؟ الْأَوْجَهُ الثَّانِي. وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ الْإِحْرَامُ، لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَارِضَةٌ غَيْرُ مُسْتَمِرَّةٍ وَبِمَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ صَيْدِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) قَتَلَ خَطَأً (فِي) بَعْضِ (الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ) الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ: ذُو الْقَعْدَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَذُو الْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِقُعُودِهِمْ عَنْ الْقِتَالِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِوُقُوعِ الْحَجِّ فِي الثَّانِي وَالْمُحَرَّمُ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِ، وَقِيلَ: لِتَحْرِيمِ الْجَنَّةِ عَلَى إبْلِيسَ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ، وَدَخَلَتْهُ اللَّامُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ، لِأَنَّهُ أَوَّلُهَا فَعَرَّفُوهُ كَأَنَّهُ قِيلَ: هَذَا الشَّهْرُ الَّذِي يَكُونُ أَبَدًا أَوَّلَ السَّنَةِ، وَرَجَبُ وَيُقَالُ: لَهُ الْأَصَمُّ وَالْأَصَبُّ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي عَدِّ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَجَعْلُهَا مِنْ سَنَتَيْنِ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَعَدَّهَا الْكُوفِيُّونَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ   [حاشية البجيرمي] الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي دُخُولِهَا وَقَالَ سم: لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْفِعْلِ وَالزُّهُوقِ فِيهَا فَلْيُحَرَّرْ. قَوْلُهُ: (أَمْ قَطَعَ السَّهْمُ فِي مُرُورِهِ هَوَاءَ الْحَرَمِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فَمَرَّ الْكَلْبُ فِيهِ وَقَطَعَ هَوَاءَهُ وَقَتَلَهُ فِي الْحِلِّ، وَالْمُرْسِلُ خَارِجَهُ فَلَا تَغْلِيظَ، لِأَنَّ لِلْكَلْبِ اخْتِيَارًا ز ي. قَوْله: (لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهِ) أَيْ مُطْلَقًا لِضَرُورَةٍ أَوْ لَا ع ش عَلَى م ر وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ. قَوْلُهُ: فِي حَرَمِ مَكَّةَ أَيْ وَلَوْ بِقَطْعِ هَوَائِهِ بِالسَّهْمِ، وَإِنْ مَاتَ خَارِجَهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ م ر: وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ز ي تُغَلَّظُ مُطْلَقًا وَالتَّغْلِيظُ فِي هَذَا خَاصٌّ بِكَوْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُسْلِمًا لِمَنْعِ الذِّمِّيِّ مِنْ الدُّخُولِ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ وَفَصَّلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ لِحَاجَةٍ فَتُغَلَّظَ، أَوْ لَا فَلَا اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الْأَرْبَعَةِ) وَلَا يَلْتَحِقُ بِهَا شَهْرُ رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ سَيِّدَ الشُّهُورِ، لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ فِيهَا التَّوْقِيفُ شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ. قَوْلُهُ: (ذُو الْقَعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: الْفَتْحُ فِي قَافٍ لِقَعْدَةِ صَحِّحُوا ... وَالْكَسْرُ فِي حَاءٍ لِحِجَّةٍ رَجِّحُوا انْتَهَى، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَخْبَارُ تَظَاهَرَتْ بَعْدَهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَهُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَنْ بَدَأَ بِالْمُحَرَّمِ، لِتَكُونَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتُصَّ الْمُحَرَّمُ بِالتَّعْرِيفِ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ السَّنَةِ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا الَّذِي يَكُونُ أَوَّلَ الْعَامِ دَائِمًا اهـ قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي جَعْلِهِ أَوَّلَ الْعَامِ أَنْ يَحْصُلَ الِابْتِدَاءُ بِشَهْرٍ حَرَامٍ وَيُخْتَمَ بِشَهْرٍ حَرَامٍ، وَتُتَوَسَّطَ السَّنَةُ بِشَهْرٍ حَرَامٍ وَهُوَ رَجَبُ، وَإِنَّمَا تَوَالَى شَهْرَانِ فِي الْآخِرِ لِإِرَادَةِ تَفْضِيلِ الْخِتَامِ، وَالْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ شَوْبَرِيُّ وَقَوْلُهُ: تَظَاهَرَتْ بَعْدَهَا إلَخْ أَيْ فَهِيَ مِنْ سَنَتَيْنِ عَلَى الرَّاجِحِ لَا مِنْ سَنَةٍ. قَوْلُهُ: (لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِ) وَصَفَرَ، سُمِّيَ بِهِ لِخُلُوِّ مَكَّةَ فِيهِ عَنْ أَهْلِهَا لِلْقِتَالِ فِيهِ، وَالرَّبِيعَيْنِ لِارْتِبَاعِ النَّاسِ فِيهِمَا أَيْ إقَامَتِهِمْ، وَالْجُمَادَيْنِ لِجُمُودِ الْمَاءِ فِيهِمَا، وَرَجَبَ لِتَرْجِيبِهِمْ إيَّاهُ أَيْ تَعْظِيمِهِمْ، وَشَعْبَانَ لِتَشَعُّبِ الْقَبَائِلِ فِيهِ، وَرَمَضَانَ لِرَمَضِ الذُّنُوبِ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُرْمِضُ الذُّنُوبَ أَيْ يُحْرِقُهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْقُلُوبَ تُؤْخَذُ فِيهِ مِنْ حَرَارَةِ الْمَوْعِظَةِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَقَلُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ عَنْ اللُّغَةِ الْقَدِيمَةِ سَمَّوْهَا بِالْأَزْمِنَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا فَوَافَقَ زَمَنَ الْحَرِّ وَالرَّمَضِ، وَسُمِّيَ شَوَّالٌ بِذَلِكَ لِشَوْلِ أَذْنَابِ اللِّقَاحِ، أَيْ رَفْعِهَا عِنْدَ الْجِمَاعِ وَبَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لِتَحْرِيمِ الْجَنَّةِ فِيهِ عَلَى إبْلِيسَ) أَيْ مَنْعِهِ مِنْهَا وَالْمُرَادُ إظْهَارُ التَّحْرِيمِ لَنَا، وَإِلَّا فَتَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ أَزَلِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَدَخَلَتْهُ اللَّامُ دُونَ غَيْرِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَدْخَلُوا الْأَلِفَ وَاللَّامَ عَلَيْهِ لِلَمْحِ الصِّفَةِ فِي الْأَصْلِ، وَلَا يَجُوزُ دُخُولُهُمَا عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ قَوْمٍ وَعِنْدَ قَوْمٍ يَجُوزُ عَلَى صَفَرَ وَشَوَّالٍ اهـ وَقَالَ م ر الظَّاهِرُ أَنَّ أَلْ فِيهِ لِلَمْحِ الصِّفَةِ لَا لِلتَّعْرِيفِ، وَخَصُّهُ بِأَلْ وَبِالْمُحَرَّمِ مَعَ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي جَمِيعِهَا لِأَنَّهُ أَفْضَلُهَا فَالتَّحْرِيمُ فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 فَقَالُوا: الْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ قَالَ ابْنُ رِيحَةَ: وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا نَذَرَ صِيَامَهَا أَيْ مُرَتَّبَةً فَعَلَى الْأَوَّلِ يَبْدَأُ بِذِي الْقَعْدَةِ وَعَلَى الثَّانِي بِالْمُحَرَّمِ، وَالثَّالِثُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ قَتَلَ) خَطَأً مَحْرَمًا (ذَاتَ رَحِمٍ) أَيْ قَرِيبٍ. (مَحْرَمٍ) كَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَخَرَجَ بِمَحْرَمٍ ذَاتِ رَحِمٍ صُورَتَانِ: الْأُولَى مَا إذَا انْفَرَدَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ عَنْ الرَّحِمِ كَمَا فِي الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ فَلَا يُغَلَّظُ بِهَا الْقَتْلُ قَطْعًا. الثَّانِيَةُ: أَنْ تَنْفَرِدَ الرَّحِمِيَّةُ عَنْ الْمَحْرَمِيَّةِ كَأَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ، فَلَا تُغَلَّظُ فِيهِمْ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي الْقَرَابَةِ. تَنْبِيهٌ: يَدْخُلُ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ فِي دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَهُ عِصْمَةٌ، وَفِي قَطْعِ الطَّرَفِ، وَفِي دِيَةِ الْجُرْحِ بِالنِّسْبَةِ لِدِيَةِ النَّفْسِ وَلَا يَدْخُلُ قِيمَةَ الْعَبْدِ تَغْلِيظٌ وَلَا تَخْفِيفٌ بَلْ الْوَاجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ عَلَى قِيَاسِ سَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ. وَلَا تَغْلِيظَ فِي قَتْلِ الْجَنِينِ بِالْحَرَمِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى النَّصِّ خِلَافَهُ، وَلَا تَغْلِيظَ فِي الْحُكُومَاتِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ تَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ خِلَافَهُ. ، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ   [حاشية البجيرمي] أَغْلَظُ. قَوْلُهُ: (وَرَجَبُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُرَجِّبُهُ أَيْ تُعَظِّمُهُ، وَسُمِّيَ الْأَصَمَّ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ فِيهِ صَوْتَ الْحَرْبِ، وَسُمِّيَ الْأَصَبَّ أَيْضًا لِانْصِبَابِ الْخَيْرَاتِ فِيهِ، وَقِيلَ: لَمْ يُعَذِّبْ اللَّهُ فِيهِ أُمَّةً وَرُدَّ بِأَنَّ جَمْعًا ذَكَرُوا أَنَّ قَوْمَ نُوحٍ أُغْرِقُوا فِيهِ وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ، ثُمَّ رَجَبُ، ثُمَّ الْآخَرَانِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَجَعْلُهَا مِنْ سَنَتَيْنِ هُوَ الصَّوَابُ) اعْتَمَدَهُ م ر، وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ سَنَتَيْنِ، لِأَنَّنَا إذَا بَدَأْنَا بِالْقَعْدَةِ تَكُونُ هِيَ وَالْحِجَّةُ مِنْ السَّنَةِ الْقَدِيمَةِ وَيَكُونُ الْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ (قَالَ ابْنُ رِيحَةَ) صَوَابُهُ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ دَحْيَةَ كَمَا فِي شَرْحِ الدَّمِيرِيِّ لِلْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (مُرَتَّبَةً) أَمَّا لَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بَدَأَ بِمَا يَلِي نَذْرَهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مَحْرَمًا ذَاتَ رَحِمٍ) لَوْ قَالَ: مَحْرَمَ رَحِمٍ بِالْإِضَافَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى لِيَخْرُجَ بِهِ بِنْتُ عَمٍّ هِيَ أُمُّ زَوْجَتِهِ مَثَلًا كَمَا مَرَّ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ دُخُولِ الذُّكُورِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي قَوْلِهِ: ذَاتَ إلَخْ مَعَ أَنَّ التَّغْلِيظَ شَامِلٌ لِلذُّكُورِ أَيْضًا كَمَا فِي م ر كَأَنْ قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ عَمَّهَا، أَوْ خَالَهَا، ق ل مَعَ زِيَادَةٍ وَقَوْلُ الشَّارِحِ مَحْرَمًا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ مَحْرَمٍ. قَوْلُهُ: (أَيْ قَرِيبٍ مَحْرَمٍ) صَوَابُهُ أَيْ قَرِيبًا مَحْرَمًا، لِأَنَّ قَرِيبًا تَفْسِيرٌ لِذَاتِ الْمَنْصُوبِ، أَوْ يَقُولُ: قَرَابَةُ تَفْسِيرُ الرَّحِمِ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِمَحْرَمٍ ذَاتِ رَحِمٍ) هُوَ نَاظِرٌ لِتَعْبِيرِهِ، وَالْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمَتْنِ أَنْ يَقُولَ: وَخَرَجَ بِذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: ذَاتَ رَحِمٍ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ نَفْسًا ذَاتَ رَحِمٍ فَيَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، وَقَوْلُهُ بَعْدَهَا: مَحْرَمٍ إنْ كَانَ تَفْسِيرًا لِرَحِمٍ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الرَّحِمَ الْقَرَابَةُ لَا الْمَحْرَمُ، وَإِنْ كَانَ تَفْسِيرًا لِذَاتٍ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: مَحْرَمًا لِأَنَّ " ذَاتَ " مَنْصُوبَةٌ فَالْمُتَعَيَّنُ أَنَّهُ بِالرَّفْعِ فَاعِلُ قَتَلَ، أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ مَحْرَمٌ، وَلَكِنَّ الْجَارِيَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ أَنَّهُ مَجْرُورٌ فَحِينَئِذٍ يُجْعَلُ بَدَلًا مِنْ رَحِمٍ بَدَلَ اشْتِمَالٍ، لِأَنَّ الْمَحْرَمَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الرَّحِمِ أَيْ الْقَرَابَةِ، وَإِنْ كَانَ خَالِيًا عَنْ الضَّمِيرِ فَيُقَدَّرُ لَهُ ضَمِيرٌ أَيْ لَهُ مَثَلًا، وَأَمَّا تَقْدِيرُ الشَّارِحِ مَحْرَمًا فَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: " مَحْرَمٍ " فِي الْمَتْنِ. وَالثَّانِي يُوهِمُ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِالْإِنَاثِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ وَقَوْلُهُ: أَيْ قَرِيبٍ إنْ كَانَ تَفْسِيرَ الرَّحِمِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الرَّحِمَ الْقَرَابَةُ لَا الْقَرِيبُ وَإِنْ كَانَ تَفْسِيرًا لِذَاتِ فَكَانَ يَقُولُ: أَيْ قَرِيبًا فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ، وَإِبْقَاءَ الْمَتْنِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، ثُمَّ إنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْعِبَارَةِ بِرُمَّتِهَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهَا تَشْمَلُ بِنْتَ الْعَمِّ إذَا كَانَتْ أُخْتًا مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أُمَّ الزَّوْجَةِ مَثَلًا فَيَصْدُقَ عَلَيْهَا أَنَّهَا قَرِيبَةٌ وَمَحْرَمٌ مَعَ أَنَّهُ لَا تَغْلِيظَ فِيهَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ذَاتَ مَحْرَمِ رَحِمٍ بِإِضَافَةِ " مَحْرَمٍ " لِرَحِمٍ وَيَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ أَيْ نَشَأَتْ مَحْرَمِيَّتُهَا مِنْ الْقَرَابَةِ فَتَخْرُجَ بِنْتُ الْعَمِّ الْمَذْكُورَةُ لِأَنَّ مَحْرَمِيَّتَهَا نَشَأَتْ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ الْمُصَاهَرَةِ. قَوْلُهُ: (وَالذِّمِّيِّ) أَيْ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لِمَا مَرَّ، ع ش: أَيْ مِنْ أَنَّ الْكَافِرَ لَا تُغَلَّظُ دِيَتُهُ فِي الْحَرَمِ. قَوْلُهُ: (فِي قَتْلِ الْجَنِينِ) أَيْ فِي بَدَلِ قَتْلِ الْجَنِينِ أَيْ فِيمَا إذَا فُقِدَتْ الْغُرَّةُ الْوَاجِبَةُ وَانْتَقَلَ إلَى خَمْسَةٍ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا لَا تُغَلَّظُ أَيْ لَا تَكُونُ مُثَلَّثَةً وَأَفْهَمَ تَقْيِيدُهُ بِالْحَرَمِ أَنَّهَا تُغَلَّظُ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، أَوْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَيْ إذَا انْتَقَلَ إلَى خَمْسَةٍ مِنْ الْإِبِلِ الَّتِي هِيَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تَكُونُ مُثَلَّثَةً. قَوْلُهُ: (وَلَا تَغْلِيظَ فِي الْحُكُومَاتِ) قَالَ م ر: الْمُعْتَمَدُ التَّغْلِيظُ فِي الْحُكُومَاتِ وَالْغُرَّةِ وَبِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ يَعْنِي وَالِدَهُ كَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 الْقَتْلَ بِالْخَطَأِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيهِ أَمَّا إذَا كَانَ عَمْدًا، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلَا يَتَضَاعَفُ بِالتَّغْلِيظِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ. لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا انْتَهَى نِهَايَتُهُ فِي التَّغْلِيظِ لَا يَقْبَلُ التَّغْلِيظَ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ، وَنَظِيرُهُ الْمُكَبَّرُ لَا يُكَبَّرُ، كَعَدَمِ التَّثْلِيثِ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُغَلَّظَاتِ الدِّيَةِ. شَرَعَ فِي مُنْقِصَاتِهَا فَمِنْهَا الْأُنُوثَةُ كَمَا قَالَهُ (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ) الْحُرَّةِ سَوَاءٌ أَقَتَلَهَا رَجُلٌ أَمْ امْرَأَةٌ (عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ) الْحُرِّ مِمَّنْ هِيَ عَلَى دِينِهِ نَفْسًا، أَوْ جُرْحًا لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ: «دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ» وَأُلْحِقَ بِنَفْسِهَا جُرْحُهَا. وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ هُنَا فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا، لِأَنَّ زِيَادَتَهُ عَلَيْهَا مَشْكُوكٌ فِيهَا. فَفِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ، أَوْ الْخُنْثَى خَطَأً عَشْرُ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعَشْرُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَهَكَذَا. وَفِي قَتْلِهَا عَمْدًا، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ خَمْسَ عَشْرَةَ حِقَّةً وَخَمْسَ عَشْرَةَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ خَلِفَةً. (وَدِيَةُ) كُلٍّ مِنْ (الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ) وَالْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ إذَا كَانَ مَعْصُومًا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ (ثُلُثُ دِيَةِ) الْحُرِّ (الْمُسْلِمِ) نَفْسًا وَغَيْرَهَا. أَمَّا فِي النَّفْسِ فَرُوِيَ مَرْفُوعًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: قَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وَهَذَا التَّقْدِيرُ لَا يُفْعَلُ بِلَا تَوْقِيفٍ فَفِي قَتْلِهِ عَمْدًا، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ عَشْرُ حِقَاقٍ وَعَشْرُ جَذَعَاتٍ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلِفَةً وَثُلُثٌ، وَفِي قَتْلِهِ خَطَأً لَمْ يُغَلَّظْ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ مِنْ بَنَاتِ الْمَخَاضِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ وَبَنِي اللَّبُونِ وَالْحِقَاقِ وَالْجِذَاعِ فَمَجْمُوعُ ذَلِكَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: دِيَةُ مُسْلِمٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: نِصْفُهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ قُتِلَ عَمْدًا فَدِيَةُ مُسْلِمٍ، أَوْ خَطَأً فَنِصْفُهَا. أَمَّا غَيْرُ الْمَعْصُومِ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ وَمَنْ لَا أَمَانَ لَهُ، فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا مَنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ. وَأَمَّا الْأَطْرَافُ وَالْجِرَاحُ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى النَّفْسِ. تَنْبِيهٌ: السَّامِرَةُ كَالْيَهُودِ وَالصَّابِئَةُ كَالنَّصَارَى، إنْ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ أَهْلُ مِلَّتِهِمْ، وَإِلَّا فَكَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ. (وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ الَّذِي لَهُ) أَمَانٌ أَخَسُّ الدِّيَاتِ وَهِيَ (ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ) كَمَا قَالَ بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَفِيهِ عِنْدَ التَّغْلِيظِ: حِقَّتَانِ وَجَذَعَتَانِ وَخَلِفَتَانِ وَثُلُثَا خَلِفَةٍ وَعِنْدَ التَّخْفِيفِ بَعِيرٌ وَثُلُثٌ مِنْ كُلِّ سِنٍّ فَمَجْمُوعُ ذَلِكَ سِتٌّ وَثُلُثَانِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ خَمْسَ فَضَائِلَ، وَهِيَ حُصُولُ كِتَابٍ، وَدِينٍ كَانَ حَقًّا بِالْإِجْمَاعِ، وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ وَيُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ. وَلَيْسَ لِلْمَجُوسِيِّ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ إلَّا التَّقْرِيرُ بِالْجِزْيَةِ، فَكَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى   [حاشية البجيرمي] بِخَطِّ سم، وَفِي شَرْحِ م ر: التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ يَأْتِي فِي الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَالذِّمِّيِّ، وَالْمَجُوسِيِّ، وَالْجِرَاحَاتِ بِحِسَابِهَا، وَالْأَطْرَافِ، وَالْمَعَانِي بِحِسَابِهَا بِخِلَافِ نَفْسِ الْقِنِّ. اهـ، فَلَا يَدْخُلُ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ نَفْسَ الْقِنِّ اهـ. قَوْلُهُ: (إذَا انْتَهَى نِهَايَتَهُ فِي التَّغْلِيظِ) فِيهِ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ لَمْ يَنْتَهِ نِهَايَتَهُ فِي التَّغْلِيظِ لِأَنَّهُ مُغَلَّظٌ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّثْلِيثُ فَقَطْ فَهُوَ يَقْبَلُ التَّغْلِيظَ بِالْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ، أَيْ كَوْنِ الدِّيَةِ مُعَجَّلَةً وَكَوْنِهَا عَلَى الْجَانِي اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالتَّغْلِيظِ فِي قَوْلِهِ: إذَا انْتَهَى نِهَايَتَهُ فِي التَّغْلِيظِ التَّغْلِيظُ مِنْ حَيْثُ التَّثْلِيثُ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ. قَوْلُهُ: (كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ) أَيْ فَلَا يُطْلَبُ فِيهَا التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ كَمَا فِي اللِّعَانِ. قَوْلُهُ: (نَفْسًا) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَقَوْلُهُ وَجُرْحًا أَيْ بِالْقِيَاسِ بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (وَالْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ الْيَهُودِ، أَوْ النَّصَارَى أَغْنَى عَنْهُمَا مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ بَلْ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ أَوْ كَأَنْ يَقُولَ بَدَلَ ذَلِكَ: وَدِيَةُ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ الذِّمِّيِّ، أَوْ الْمُعَاهَدِ أَوْ الْمُؤَمَّنِ. قَوْلُهُ: (تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ) قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ غَالِبَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْآنَ إنَّمَا يَضْمَنُونَ بِدِيَةِ الْمَجُوسِيِّ، لِأَنَّ شَرْطَ الْمُنَاكَحَةِ فِي غَيْرِ الْإِسْرَائِيلِيِّ لَا يَكَادُ يُوجَدُ سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَقَوْلُ سم: لِأَنَّ شَرْطَ الْمُنَاكَحَةِ إلَخْ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ دُخُولَ أَوَّلِ آبَائِهِ فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّحْرِيفِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (قَضَى بِذَلِكَ) أَيْ بِالثُّلُثِ، قَوْلُهُ: (وَهَذَا التَّقْدِيرُ) أَيْ التَّقْدِيرُ بِالثُّلُثِ، قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ فَيَكُونُ مُهْدَرًا. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْأَطْرَافُ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ مَا فِي النَّفْسِ فَرُوِيَ مَرْفُوعًا. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي كَوْنِ دِيَتِهِ ثُلُثَيْ عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ. قَوْلُهُ: (كَانَ حَقًّا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ الدِّينِ وَالْكِتَابِ. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 الْخُمُسِ مِنْ دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: ثُلُثَا عُشْرٍ أَوْلَى مِنْهُ ثُلُثُ خُمُسٍ. لِأَنَّ فِي الثُّلُثَيْنِ تَكْرِيرًا وَأَيْضًا فَهُوَ الْمُوَافِقُ لِتَصْوِيبِ الْحِسَابِ لَهُ لِكَوْنِهِ أَخْصَرَ. وَكَذَا وَثَنِيٌّ وَنَحْوُهُ كَعَابِدِ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَزِنْدِيقٍ وَهُوَ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا مِمَّنْ لَهُ أَمَانٌ كَدُخُولِهِ لَنَا رَسُولًا أَمَّا مَنْ لَا أَمَانَ لَهُ فَمُهْدَرٌ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ دِيَةِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيٍّ مَثَلًا. وَهِيَ كَدِيَةِ الْكِتَابِيِّ اعْتِبَارًا بِالْأَشْرَفِ سَوَاءٌ أَكَانَ أَبًا أَمْ أُمًّا، لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا، وَالضَّمَانُ يَغْلِبُ فِيهِ جَانِبُ التَّغْلِيظِ وَيَحْرُمُ قَتْلُ مَنْ لَهُ أَمَانٌ لِأَمَانِهِ، وَدِيَةُ النِّسَاءِ وَخَنَاثَى مِمَّنْ ذَكَرَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ رِجَالِهِمْ. وَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ الْمَرْأَةِ إلَى هُنَا. وَذَكَرَ مَعَهَا الْخُنْثَى لَشَمِلَ الْجَمِيعَ. وَيُرَاعَى فِي ذَلِكَ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ. وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ إنْ تَمَسَّكَ بِدِينٍ لَمْ يُبَدَّلْ فَدِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ دِيَتُهُ، وَإِلَّا فَكَدِيَةِ مَجُوسِيٍّ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَيُقْتَصُّ لِمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ. وَلَمْ يُهَاجِرْ مِنْهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَإِنْ تَمَكَّنَ. وَلَمَّا بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دِيَةَ النَّفْسِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا دُونَهَا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: إبَانَةُ طَرَفٍ، وَإِزَالَةُ مَنْفَعَةٍ وَجُرْحٌ مُخِلًّا بِتَرْتِيبِهَا، كَمَا سَتَعْرِفُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُبْتَدِئًا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (وَتُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ) أَيْ دِيَةُ نَفْسِ صَاحِبِ ذَلِكَ الْعُضْوِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ تَغْلِيظًا، أَوْ تَخْفِيفًا (فِي) إبَانَةِ (الْيَدَيْنِ) الْأَصْلِيَّتَيْنِ لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْيَدِ الْكَفُّ مَعَ الْأَصَابِعِ الْخَمْسِ هَذَا إنْ قَطَعَ الْيَدَ مِنْ مَفْصِلِ كَفٍّ، وَهُوَ الْكُوعُ. فَإِنْ قَطَعَ فَوْقَ الْكَفِّ وَجَبَ مَعَ دِيَةِ الْكَفِّ حُكُومَةٌ، لِأَنَّ مَا فَوْقَ الْكَفِّ لَيْسَ بِتَابِعٍ بِخِلَافِ الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ فَإِنَّهُمَا كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَطْعِهِمَا فِي السَّرِقَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِدِ إلَى النَّصِّ بِالْوَارِدِ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي إبَانَةِ (الرِّجْلَيْنِ) الْأَصْلِيَّتَيْنِ إذَا قُطِعَتَا مِنْ الْكَعْبَيْنِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ   [حاشية البجيرمي] الْمُوَافِقُ لِتَصْوِيبِ الْحِسَابِ) ظَاهِرُهُ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ خَطَأٌ عِنْدَ الْحِسَابِ لِتَصْوِيبِهِ ثُلُثَ خُمُسٍ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ، بَلْ هُوَ حَسَنٌ، وَإِنَّمَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى عِنْدَهُمْ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِمْ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ: أَوْلَى مِنْهُ ثُلُثُ خُمُسٍ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ، بِالتَّصْوِيبِ الْأَوْلَوِيَّةُ فَلَا اعْتِرَاضَ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ ذُكِرَ) أَيْ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَمَنْ لَهُ أَمَانٌ. قَوْلُهُ: (بِدِينٍ لَمْ يُبَدَّلْ) أَيْ بِمَا لَمْ يُبَدَّلْ مِنْ ذَلِكَ الدِّينِ، كَمَا فِي م ر، وَإِلَّا فَالْأَدْيَانُ كُلُّهَا قَدْ بُدِّلَتْ. قَوْلُهُ: (فَدِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ) فَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا فَدِيَةُ كِتَابِيٍّ أَوْ مَجُوسِيًّا فَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ فَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ دِيَةِ أَهْلِ دِينِهِ بِأَنْ عَلِمْنَا تَمَسُّكَهُ بِدِينٍ حَقٍّ كَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَلَمْ نَعْلَمْ عَيْنَهُ وَجَبَ أَخَسُّ الدِّيَاتِ يَعْنِي دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ تَمَسَّكَ بِمَا بُدِّلَ مِنْ دِينٍ أَوْ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِشَيْءٍ بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ) أَيْ قَبْلَ الدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ اهـ رَوْضٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَمَكَّنَ) أَيْ مِنْ الْهِجْرَةِ يَعْنِي أَنْ تَمَكُّنَهُ مِنْهَا وَلَمْ يُهَاجِرْ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعِصْمَةِ. قَوْلُهُ: (فِي بَيَانِ مَا دُونَهَا) أَيْ فِي بَيَانِ دِيَةِ مَا دُونَهَا. وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قَوْلُهُ: (وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِمَا وَأَنَّثَهُ بِالنَّظَرِ لِمَعْنَاهَا، لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ مُتَعَدِّدٌ لَكِنْ لَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ: بَعْدَ إبَانَةِ طَرَفٍ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ " مَا " وَاقِعَةٌ عَلَى الدِّيَةِ وَيُقَدَّرُ مُضَافٌ فِي قَوْلِهِ: " إبَانَةِ " أَيْ دِيَةِ إبَانَةِ طَرَفٍ وَكَذَا يُقَدَّرُ فِيمَا بَعْدَهُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَجُرْحٌ) بِالرَّفْعِ. قَوْلُهُ: (مُخِلًّا بِتَرْتِيبِهَا) أَيْ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ بَعْدَ الْمَنَافِعِ. قَوْلُهُ: (الَّذِي كَتَبَهُ) أَيْ أَذِنَ لَهُ فِي كِتَابَتِهِ. قَوْلُهُ: (فِي إبَانَةِ الرِّجْلَيْنِ) أَيْ قَطْعِ الرِّجْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ) أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 وَالْكَعْبُ كَالْكَفِّ، وَالسَّاقُ كَالسَّاعِدِ، وَالْفَخِذُ كَالْعَضُدِ. وَالْأَعْرَجُ كَالسَّلِيمِ، لِأَنَّ الْعَيْبَ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْعُضْوِ، وَإِنَّمَا الْعَرَجُ نَقْصٌ فِي الْفَخِذِ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا لِمَا مَرَّ. وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ أَصْلِيَّةٍ مِنْ يَدٍ، أَوْ رِجْلٍ عُشْرُ دِيَةِ صَاحِبِهَا فَفِيهَا لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ. كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَمَّا الْأُصْبُعُ الزَّائِدُ، أَوْ الْيَدُ الزَّائِدَةُ أَوْ الرِّجْلُ الزَّائِدَةُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ، وَفِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ، أَوْ الرِّجْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ إبْهَامٍ ثُلُثُ الْعَشَرَةِ، لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ لَهُ ثَلَاثُ أَنَامِلَ إلَّا الْإِبْهَامَ فَلَهُ أُنْمُلَتَانِ فَفِي أُنْمُلَتِهِ نِصْفُهَا عَمَلًا بِقِسْطِ وَاجِبِ الْأُصْبُعِ. (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي إبَانَةِ مَارِنِ (الْأَنْفِ) وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَخَلَا مِنْ الْعَظْمِ لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الطَّرَفَيْنِ الْمُسَمَّيَانِ الْمَنْخِرَيْنِ وَعَلَى الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا. وَتَنْدَرِجُ حُكُومَةُ قَصَبَتِهِ فِي دِيَتِهِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَخْشَمِ وَغَيْرِهِ، وَفِي كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْهِ وَالْحَاجِزِ ثُلُثٌ تَوْزِيعًا لِلدِّيَةِ عَلَيْهَا. (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي إبَانَةِ (الْأُذُنَيْنِ) مِنْ أَصْلِهِمَا بِغَيْرِ إيضَاحٍ سَوَاءٌ أَكَانَ سَمِيعًا أَمْ أَصَمَّ لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «فِي الْأُذُنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ فِيهِمَا جَمَالٌ وَمَنْفَعَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ تُكَمَّلَ فِيهِمَا الدِّيَةُ. فَإِنْ حَصَلَ بِالْجِنَايَةِ إيضَاحٌ وَجَبَ مَعَ الدِّيَةِ أَرْشٌ وَفِي بَعْضِ الْأُذُنِ بِقِسْطِهِ. وَيُقَدَّرُ بِالْمِسَاحَةِ وَلَوْ أَيَبْسَهُمَا بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَتَا لَمْ تَتَحَرَّكَا فَدِيَةٌ كَمَا لَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ وَلَوْ قَطَعَ أُذُنَيْنِ يَابِسَتَيْنِ بِجِنَايَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَحُكُومَةٌ. (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي إبَانَةِ (الْعَيْنَيْنِ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَلِأَنَّهُمَا مِنْ أَعْظَمِ الْجَوَارِحِ نَفْعًا فَكَانَتَا أَوْلَى بِإِيجَابِ الدِّيَةِ. وَفِي كُلِّ عَيْنٍ نِصْفُهَا، وَلَوْ عَيْنَ أَحْوَلَ وَهُوَ مَنْ فِي عَيْنَيْهِ خَلَلٌ دُونَ بَصَرِهِ، وَعَيْنَ أَعْمَشَ وَهُوَ مَنْ يَسِيلُ دَمْعُهُ غَالِبًا مَعَ ضَعْفِ رُؤْيَتِهِ، وَعَيْنَ أَعْوَرَ وَهُوَ   [حاشية البجيرمي] بِكَمَالِ دِيَةِ النَّفْسِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (وَالْكَعْبُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْقَدَمُ كَالْكَفِّ، لِأَنَّ الْقَدَمَ هُوَ التَّابِعُ لِلْأَصَابِعِ كَمَا أَنَّ الْكَفَّ تَابِعٌ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَالسَّاقُ كَالسَّاعِدِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ ذَكَرَ حُكْمَ السَّاعِدِ وَالْعَضُدِ فِيمَا تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذَكَرَهُ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ: فَإِنْ قَطَعَ مِنْ فَوْقِ كَفٍّ. قَوْلُهُ: (نَقَصَ فِي الْفَخِذِ) أَيْ مَثَلًا أَوْ السَّاقِ، أَوْ الرُّكْبَةِ. قَوْلُهُ: (وَفِي إحْدَاهُمَا) أَيْ الرِّجْلَيْنِ نِصْفُهَا لِمَا مَرَّ أَيْ النَّصِّ الَّذِي وَرَدَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ أَصْلِيَّةٍ) أَيْ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الْعَشَرَةِ فِي الْيَدِ، أَوْ الرِّجْلِ سَوَاءٌ عُلِمَتْ أَصْلِيَّتُهَا، أَوْ اشْتَبَهَتْ بِخِلَافِ الزَّائِدَةِ يَقِينًا فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَلَوْ زَادَتْ الْأَنَامِلُ، أَوْ نَقَصَتْ وُزِّعَ وَاجِبُ الْأُصْبُعِ عَلَيْهَا. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ فَيَجِبُ لَهَا حُكُومَةٌ) أَيْ إنْ قَطَعَهَا وَحْدَهَا فَإِنْ قَطَعَ الْيَدَ وَفِيهَا أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ دَخَلَتْ حُكُومَتُهَا فِي دِيَةِ الْيَدِ لِكَوْنِ الْعُضْوِ وَاحِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ يَدًا أَصْلِيَّةً مَعَ يَدٍ زَائِدَةٍ فَيَجِبُ لِلزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ زِيَادَةٌ عَلَى دِيَةِ الْأَصْلِيَّةِ. قَوْلُهُ: (ثُلُثُ الْعَشَرَةِ) الْأَوْلَى ثُلُثُ الْعُشْرِ لِيَعُمَّ الذِّمِّيَّ وَالْمَرْأَةَ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثُ أَنَامِلَ) فِيهِ خَفَاءٌ بِالنَّظَرِ لِأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ خُصُوصًا فِي خِنْصَرِهِمَا. قَوْلُهُ: (مَارِنِ الْأَنْفِ) قَدْرِ مَارِنٍ، لِأَنَّ الْقَصَبَةَ دَاخِلَةٌ فِي الْأَنْفِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهَا فِي كَمَالِ الدِّيَةِ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَفِي كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْ مَارِنٍ وَحَاجِزٍ بَيْنَهُمَا ثُلُثٌ لِذَلِكَ فَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ وَتَنْدَرِجُ فِيهَا حُكُومَةُ الْقَصَبَةِ. اهـ وَقَوْلُهُ فَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ أَيْ وَلَوْ بِانْشِلَالِهِ وَفِي اعْوِجَاجِهِ حُكُومَةٌ كَاعْوِجَاجِ الرَّقَبَةِ وَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ فَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُهُ وَلَوْ بِآفَةٍ فَفِي الْبَاقِي قِسْطُهُ مِنْهَا وَانْظُرْ لَوْ ذَهَبَ بَعْضُهُ خِلْقَةً قَالَ شَيْخُنَا الشبراملسي: الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُكَمَّلُ فِيهِ الدِّيَةُ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْمُسَمَّيَانِ) عَلَى لُغَةِ مَنْ يُلْزِمُ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ أَوْ هُوَ نَعْتٌ مَقْطُوعٌ أَيْ وَهُمَا الْمُسَمَّيَانِ بِالْمَنْخِرَيْنِ إلَخْ م د وَفِيهِ أَنَّ الْمَنْعُوتَ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِدُونِهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ إيضَاحٍ) أَيْ وُصُولٍ إلَى الْعَظْمِ. قَوْلُهُ: (وَفِي بَعْضِ الْأُذُنِ بِقِسْطِهِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ. قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّرُ) : أَيْ الْبَعْضُ بِالْمِسَاحَةِ أَيْ لِمَعْرِفَةِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي أَجْزَاءِ الْأَطْرَافِ بِرْمَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ وَيُقَدَّرُ بِالْمِسَاحَةِ أَيْ بِالْجُزْئِيَّةِ أَيْضًا بِأَنْ يُقَاسَ الْمَقْطُوعُ مِنْهَا وَالْبَاقِي وَيُنْسَبَ مِقْدَارُ الْمَقْطُوعِ لِلْجُمْلَةِ وَيُؤْخَذَ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ دِيَتِهَا فَإِذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ نِصْفَهَا كَانَ الْوَاجِبُ نِصْفَ دِيَتِهَا فَالْمِسَاحَةُ هُنَا تُوصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْجُزْئِيَّةِ بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ فِي قَوَدِ الْمُوضِحَةِ فَإِنَّهَا تُوصِلُ إلَى مِقْدَارِ الْجُرْحِ لِيُوضَحَ مِنْ الْجَانِي بِقَدْرِ هَذَا الْمِقْدَارِ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَيْنَ أَحْوَلَ) نَظِيرُ ذَلِكَ عَدَمُ نَظَرِهِمْ إلَى اخْتِلَافِ الْأَيْدِي مَثَلًا بِقُوَّةِ الْبَطْشِ وَضَعْفِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 ذَاهِبُ حُسْنِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ مَعَ بَقَاءِ بَصَرِهِ، وَعَيْنَ أَخْفَشَ وَهُوَ صَغِيرُ الْعَيْنِ الْمُبْصِرَةِ، وَعَيْنَ أَعْشَى وَهُوَ مَنْ لَا يُبْصِرُ لَيْلًا، وَعَيْنَ أَجْهَرَ وَهُوَ مَنْ لَا يُبْصِرُ فِي الشَّمْسِ، لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بَاقِيَةٌ بِأَعْيُنِ مَنْ ذُكِرَ، وَمِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَكَذَا مَنْ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ عَلَا بَيَاضَهَا، أَوْ سَوَادَهَا أَوْ نَاظِرَهَا، وَهُوَ رَقِيقٌ لَا يَنْقُصُ الضَّوْءَ الَّذِي فِيهَا يَجِبُ فِي قَلْعِهَا نِصْفُ دِيَةٍ لِمَا مَرَّ، فَإِنْ نَقَصَ الضَّوْءَ وَأَمْكَنَ ضَبْطُ النَّقْصِ فَقِسْطُ مَا نَقَصَ يَسْقُطُ مِنْ الدِّيَةِ فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ النَّقْصُ وَجَبَتْ حُكُومَتُهُ. (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي إبَانَةِ (الْجُفُونِ الْأَرْبَعَةِ) وَفِي كُلِّ جَفْنٍ بِفَتْحِ جِيمِهِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ غِطَاءُ الْعَيْنِ رُبُعُ دِيَةٍ سَوَاءٌ الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلُ وَلَوْ كَانَتْ لِأَعْمَى وَبِلَا هُدْبٍ لِأَنَّ فِيهَا جَمَالًا وَمَنْفَعَةً وَقَدْ اُخْتُصَّتْ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ بِكَوْنِهَا رُبَاعِيَّةً وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْأَهْدَابِ فِي دِيَةِ الْأَجْفَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ انْفَرَدَتْ الْأَهْدَابُ فَإِنَّ فِيهَا حُكُومَةً إذَا فَسَدَ مَنْبَتُهَا كَسَائِرِ الشُّعُورِ لِأَنَّ الْفَائِتَ بِقَطْعِهَا الزِّينَةُ وَالْجَمَالُ دُونَ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِلَّا فَالتَّعْزِيرُ وَفِي قَطْعِ الْجَفْنِ الْمُسْتَحْشِفِ حُكُومَةٌ وَفِي إحْشَافِ الْجَفْنِ الصَّحِيحِ رُبُعُ دِيَةٍ وَفِي بَعْضِ الْجَفْنِ الْوَاحِدِ قِسْطُهُ مِنْ الرُّبُعِ فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهُ فَتَقَلَّصَ بَاقِيهِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَدَمُ تَكْمِيلِ الدِّيَةِ (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي إبَانَةِ (اللِّسَانِ) لِنَاطِقٍ سَلِيمِ الذَّوْقِ وَلَوْ كَانَ اللِّسَانُ لِأَلْكَنَ وَهُوَ مَنْ   [حاشية البجيرمي] سم. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْغَايَاتِ لِلتَّعْمِيمِ إلَّا الثَّالِثَةَ فَإِنَّهَا لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ، لِأَنَّ سَلِيمَتَهُ بِمَنْزِلَةِ عَيْنَيْ غَيْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (دُونَ بَصَرِهِ) الْمُرَادُ بِالْبَصَرِ الْقُوَّةُ الْبَاصِرَةُ. قَوْلُهُ: (وَعَيْنَ أَعْوَرَ) أَيْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ أَوْجَبُوا فِي عَيْنِهِ كَمَالَ الدِّيَةِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَعَلَّهُ فِيمَنْ خُلِقَ كَذَلِكَ وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا فَرْقَ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ ذَاهِبُ حِسِّ) أَيْ ضَوْءِ. قَوْلُهُ: (مَعَ بَقَاءِ بَصَرِهِ) أَيْ فِي الْأُخْرَى. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ عَلَى عَيْنِهِ السَّلِيمَةِ،. اهـ. شَرْحَ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (عَلَا بَيَاضَهَا إلَخْ) عَلَا فِعْلٌ مَاضٍ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْبَيَاضِ " وَبَيَاضَهَا " بِالنَّصْبِ مَفْعُولُهُ اهـ م د وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ " عَلَى " حَرْفَ جَرٍّ وَالْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ صَعِدَ الْبَيَاضُ بَيَاضَهَا، أَوْ سَوَادَهَا وَعَلَى الثَّانِي أَنَّ الْبَيَاضَ مُسْتَعْلٍ عَلَى بَيَاضِهَا إلَخْ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ، أَوْ بِهَا بَيَاضٌ لَا يَنْقُصُ ضَوْءًا اهـ. قَوْلُهُ (أَوْ نَاظِرَهَا) وَهُوَ السَّوَادُ الْأَصْغَرُ الَّذِي هُوَ فِي مَحَلِّ الْإِبْصَارِ وَفِي وَسَطِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ. قَوْلُهُ: (لَا يَنْقُصُ) بِفَتْحٍ، ثُمَّ ضَمٍّ مُخَفَّفًا عَلَى الْأَفْصَحِ بِرْمَاوِيٌّ وَقَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْقَافِ، أَوْ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ، وَأَمَّا ضَمُّ الْيَاءِ، وَإِسْكَانُ النُّونِ وَكَسْرُ الْقَافِ الْمُخَفَّفَةِ فَلَحْنٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَقَصَ) أَيْ الْبَيَاضُ الضَّوْءَ أَيْ وَكَانَ عَارِضًا بِأَنْ تَوَلَّدَ مِنْ آفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ فَلَوْ كَانَ خِلْقِيًّا كُمِّلَتْ فِيهَا الدِّيَةُ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَأَمْكَنَ ضَبْطُ النَّقْصِ) بِأَنْ عُلِمَ غَايَةُ مَا يَرَاهُ قَبْلَ حُدُوثِ الْبَيَاضِ وَبَعْدَ حُدُوثِ الْبَيَاضِ، ثُمَّ جَنَى عَلَى عَيْنِهِ الَّتِي عَلَيْهَا الْبَيَاضُ فَيَجِبُ الْقِسْطُ، أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ بَعْدَ حُدُوثِ الْبَيَاضِ بِعَيْنِهِ عَرَفْنَا مِقْدَارَ النَّقْصِ بِأَنْ عَصَبْنَا الْعَلِيلَةَ وَعَرَفْنَا مِقْدَارَ نَظَرِ الصَّحِيحَةِ ثُمَّ عَصَبْنَا الصَّحِيحَةَ وَأَطْلَقْنَا الْعَلِيلَةَ وَعَرَفْنَا مِقْدَارَ نَظَرِهَا. ثُمَّ جَنَى عَلَى الْعَلِيلَةِ فَيَجِبَ الْقِسْطُ. قَوْلُهُ: (وَفِي كُلِّ جَفْنٍ) وَلَوْ بِإِيبَاسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُدْبٌ وَفِي هُدْبِهِ حُكُومَةٌ إنْ فَسَدَ الْمَنْبَتُ وَإِلَّا فَالتَّعْزِيرُ فَقَطْ بِرْمَاوِيٌّ قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُهُ وَلَوْ بِآفَةٍ فَفِي الْبَاقِي قِسْطُهُ مِنْهَا اهـ. وَانْظُرْ لَوْ ذَهَبَ بَعْضُهُ خِلْقَةً، وَالْقِيَاسُ لَا يُكَمَّلُ فِيهِ الدِّيَةُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْأَعْمَشِ أَنَّهُ لَوْ تَوَلَّدَ الْعَمْشُ مِنْ آفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ لَا تُكَمَّلُ فِيهِ الدِّيَةُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَقَدْ اخْتَصَّتْ) أَيْ الْجُفُونُ عَنْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْأَهْدَابِ إلَخْ) لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا بِخِلَافِ قَطْعِ السَّاعِدِ مَعَ الْكَفِّ يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ سم. قَوْلُهُ: (كَسَائِرِ الشُّعُورِ) أَيْ الَّتِي فِيهَا جَمَالٌ كَشَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَبَقِيَّةِ شُعُورِ الْوَجْهِ دُونَ الْإِبِطِ، وَالْعَانَةِ مَثَلًا إذَا فَسَدَ مَنْبَتُهُمَا فَلَا حُكُومَةَ وَلَا تَعْزِيرَ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَفْسُدْ مَنْبَتُهُمَا فَالتَّعْزِيرُ. قَوْلُهُ (وَفِي إحْشَافِ الْجَفْنِ) أَيْ بِأَنْ ضَرَبَهُ بِهِ وَأَحْشَفَ جَفْنَهُ أَيْ أَوْقَفَهُ فَصَارَ لَا يَتَحَرَّكُ. قَوْلُهُ: (فَتَقَلَّصَ) أَيْ ارْتَفَعَ بَاقِيهِ وَانْكَمَشَ. قَوْلُهُ: (عَدَمُ تَكْمِيلِ الدِّيَةِ) أَيْ دِيَتُهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ قِسْطُ مَا قُطِعَ فَقَطْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَتُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي إبَانَةِ اللِّسَانِ) ، وَفِي قَطْعِ بَعْضِهِ مَعَ بَقَاءِ نُطْقِهِ حُكُومَةٌ لَا قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ كَمَا أَفَادَهُ م د. قَوْلُهُ: (لِنَاطِقٍ) أَيْ بِالْفِعْلِ أَوْ الْقُوَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 فِي لِسَانِهِ لُكْنَةٌ أَيْ عُجْمَةٌ وَلَوْ لِسَانَ أَرَتَّ بِمُثَنَّاةٍ، أَوْ أَلْثَغَ بِمُثَلَّثَةٍ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهُمَا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ لِسَانَ طِفْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ، كُلُّ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَلِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً يَتَمَيَّزُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهَائِمِ فِي الْبَيَانِ وَالْعِبَارَةِ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ وَفِيهِ ثَلَاثُ مَنَافِعَ: الْكَلَامُ وَالذَّوْقُ وَالِاعْتِمَادُ فِي أَكْلِ الطَّعَامِ، وَإِدَارَتِهِ فِي اللَّهَوَاتِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ طَحْنَهُ بِالْأَضْرَاسِ نَعَمْ لَوْ بَلَغَ الطِّفْلُ أَوَانَ النُّطْقِ وَالتَّحْرِيكِ وَلَمْ يُوجَدَا مِنْهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ لَا دِيَةٌ لِإِشْعَارِ الْحَالِ بِعَجْزِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ النُّطْقِ فَدِيَةٌ أَخْذًا بِظَاهِرِ السَّلَامَةِ. كَمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي يَدِهِ وَرِجْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ بَطَشَ وَلَا مَشْيٌ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ النَّاطِقِ الْأَخْرَسُ فَالْوَاجِبُ فِيهِ حُكُومَةٌ وَلَوْ كَانَ خَرَسُهُ عَارِضًا كَمَا فِي قَطْعِ الْيَدِ الشَّلَّاءِ، وَبِسَلِيمِ الذَّوْقِ عَدِيمُهُ فَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّ فِيهِ حُكُومَةً كَالْأَخْرَسِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الذَّوْقَ فِي اللِّسَانِ وَقَدْ يُنَازِعُهُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ: إذَا قَطَعَ لِسَانَهُ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ لَزِمَهُ دِيَتَانِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ: إذَا قَطَعَ لِسَانَ أَخْرَسَ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ لِلذَّوْقِ. وَهَذَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ فِي الذَّوْقِ الدِّيَةَ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ اللِّسَانَ. (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي إبَانَةِ (الشَّفَتَيْنِ) لِوُرُودِهِ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ» ، وَفِي كُلِّ شَفَةٍ وَهِيَ فِي عَرْضِ الْوَجْهِ إلَى الشِّدْقَيْنِ وَفِي طُولِهِ مَا يَسْتُرُ اللِّثَةَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ: نِصْفُ الدِّيَةِ عُلْيَا، أَوْ سُفْلَى رَقَّتْ، أَوْ غَلُظَتْ صَغُرَتْ، أَوْ كَبِرَتْ، وَالْإِشْلَالُ كَالْقَطْعِ، وَفِي   [حاشية البجيرمي] وَلَوْ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ. وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْبَعْضِ بِجِنَايَةٍ وَفِي قَطْعِ بَعْضِهِ قِسْطُهُ إنْ زَالَ بِقَطْعِهِ بَعْضُ نُطْقِهِ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ تَجِبُ لَا قِسْطٌ إذْ لَوْ وَجَبَ لَلَزِمَ إيجَابُ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (سَلِيمِ الذَّوْقِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يَأْتِي وَقَيَّدَ بِهِ لِذِكْرِ الْخِلَافِ الْآتِي. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَزَالَ اللِّسَانَ فَفِيهِ دِيَةٌ لَهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ دِيَةُ الْكَلَامِ وَمَنْفَعَةُ الِاعْتِمَادِ فِي أَكْلِ الطَّعَامِ فِيهَا، وَأَمَّا الذَّوْقُ فَإِذَا زَالَ بِذَلِكَ وَجَبَ لَهُ دِيَةٌ وَحْدَهُ زِيَادَةً عَلَى دِيَةِ اللِّسَانِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاللِّسَانِ أَيْ كُلِّهِ أَمَّا إبَانَةُ بَعْضِهِ فَيَجِبُ الْأَكْثَرُ، مِنْ قَدْرِ النَّقْصِ مِنْ اللِّسَانِ، أَوْ الْكَلَامِ فَإِنْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَزَالَ رُبُعُ كَلَامِهِ وَجَبَ النِّصْفُ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ أَزَالَ الرُّبُعَ مِنْ اللِّسَانِ فَزَالَ نِصْفُ الْكَلَامِ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالْأَكْثَرِ وَهَذَا يُخَالِفُ كَلَامَ الْبِرْمَاوِيِّ السَّابِقَ وَلَوْ عَادَ اللِّسَانُ بَعْدَ قَطْعِهِ لَمْ تَسْقُطْ الدِّيَةُ وَكَذَا سَائِرُ الْأَجْرَامِ إلَّا فِي ثَلَاثَةٍ سِنِّ غَيْرِ الْمَثْغُورِ وَسَلْخِ الْجِلْدِ وَالْإِفْضَاءِ. ، وَأَمَّا الْمَعَانِي فَيَسْقُطُ الْأَرْشُ بِعَوْدِهَا مُطْلَقًا لِأَنَّ ذَهَابَهَا مَظْنُونٌ. اهـ. ق ل. عَلَى الْجَلَالِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: فِي غَيْرِ مَعْنًى وَإِفْضَاءٍ وَمُثْغِرَةٍ وَالْجِلْدِ لَيْسَ يُرَدُّ الْأَرْشُ لِلْجَانِي. قَوْلُهُ: (لِأَلْكَنَ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ اللَّكَنُ الْعِيُّ وَهُوَ ثِقَلُ اللِّسَانِ، وَلَكِنَ لَكَنًا مِنْ بَابِ تَعِبَ صَارَ كَذَلِكَ، فَالذَّكَرُ أَلْكَنُ وَالْأُنْثَى لَكْنَاءُ مِثْلُ: أَحْمَرَ وَحَمْرَاءَ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْأَلْكَنُ الَّذِي لَا يُفْصِحُ بِالْعَرَبِيَّةِ. قَوْلُهُ: (عُجْمَةٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْعُجْمَةُ فِي اللِّسَانِ بِضَمِّ الْعَيْنِ عَدَمُ فَصَاحَتِهِ. قَوْلُهُ: (كُلُّ ذَلِكَ إلَخْ) كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ. قَوْلُهُ: (يَتَمَيَّزُ بِهِ) أَيْ بِاللِّسَانِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْكَلَامُ، الْإِنْسَانُ فَاعِلُ يَتَمَيَّزُ. قَوْلُهُ: (وَالْعِبَارَةِ) ضَمَّنَهُ مَعْنَى التَّعْبِيرِ فَعَدَّاهُ بِعَنْ. قَوْلُهُ: (فِي اللَّهَوَاتِ) جَمْعُ لَهَاةٍ وَهِيَ اللُّحْمَةُ الَّتِي بِأَعْلَى الْحَنْجَرَةِ مِنْ أَقْصَى الْفَمِ اهـ مَوَاهِبَ قَالَ شَارِحُهَا: وَالْحَنْجَرَةُ الْحَلْقُ. قَوْلُهُ: (لَوْ بَلَغَ الطِّفْلُ أَوَانَ النُّطْقِ) أَيْ ثُمَّ قَطَعَ لِسَانَهُ وَعِبَارَةُ م ر وَلَوْ بَلَغَ أَوَانَ النُّطْقِ وَالتَّحْرِيكِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ تَعَيَّنَتْ الْحُكُومَةُ، فَلَوْ وُلِدَ أَصَمَّ فَلَمْ يُحْسِنْ الْكَلَامَ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ فَهَلْ يَجِبُ فِي لِسَانِهِ دِيَةٌ، أَوْ حُكُومَةٌ وَجْهَانِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِأَوَّلِهِمَا وَصَحَّحَ الزَّرْكَشِيّ ثَانِيَهُمَا، لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي اللِّسَانِ النُّطْقُ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يُنَازِعُهُ) أَيْ يُنَازِعُ كَوْنَ الذَّوْقِ فِي اللِّسَانِ، وَوَجْهُ الْمُنَازَعَةِ أَنَّ وُجُوبَ الدِّيَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّوْقَ لَيْسَ فِي اللِّسَانِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ لَوَجَبَتْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. قَوْلُهُ: (الشِّدْقَيْنِ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِهَا وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 شَقِّهَا بِلَا إبَانَةٍ حُكُومَةٌ. وَلَوْ قَطَعَ شَفَةً مَشْقُوقَةً وَجَبَتْ دِيَتُهَا إلَّا حُكُومَةَ الشَّقِّ، وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهُمَا فَتَقَلَّصَ الْبَعْضَانِ الْبَاقِيَانِ وَبَقِيَا كَمَقْطُوعِ الْجَمِيعِ، وُزِّعَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْمَقْطُوعِ وَالْبَاقِي كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الْأُمِّ وَهَلْ يَسْقُطُ مَعَ قَطْعِهِمَا حُكُومَةُ الشَّارِبِ، أَوْ لَا.؟ وَجْهَانِ: أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْأَهْدَابِ مَعَ الْأَجْفَانِ، وَيَجِبُ فِي كُلِّ لَحْيٍ نِصْفُ دِيَةٍ وَهُوَ بِفَتْحِ لَامِهِ وَكَسْرِهَا وَاحِدُ اللَّحْيَيْنِ بِالْفَتْحِ وَهُمَا الْعَظْمَاتُ اللَّذَانِ تَنْبُتُ عَلَيْهِمَا الْأَسْنَانُ السُّفْلَى، وَمُلْتَقَاهُمَا الذَّقَنُ أَمَّا الْعُلْيَا فَمَنْبَتُهَا عَظْمُ الرَّأْسِ، وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَسْنَانِ فِي دِيَةِ فَكِّ اللَّحْيَيْنِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُسْتَقِلٌّ بِرَأْسِهِ. وَلَهُ بَدَلٌ مُقَدَّرٌ وَاسْمٌ يَخُصُّهُ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ، كَالْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ. ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ إزَالَةُ الْمَنَافِعِ فَقَالَ: (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ (فِي ذَهَابِ الْكَلَامِ) فِي الْجِنَايَةِ عَلَى اللِّسَانِ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ: «فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ إنْ مُنِعَ الْكَلَامَ» وَقَالَ ابْنُ أَسْلَمَ: مَضَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ. وَلِأَنَّ اللِّسَانَ عُضْوٌ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ فَكَذَا مَنْفَعَتُهُ الْعُظْمَى كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الدِّيَةُ إذَا قَالَ أَهْلُ   [حاشية البجيرمي] مِصْبَاحٌ ع ش. قَوْلُهُ: (اللِّثَةَ) أَيْ لَحْمَ الْأَسْنَانِ. قَوْلُهُ: (صَغُرَتْ، أَوْ كَبِرَتْ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ يُقَالُ فِي الْمَحْسُوسِ: كَبِرَ مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَأَمَّا فِي الْمَعَانِي فَيُقَالُ: كَبُرَ بِضَمِّهَا. قَالَ تَعَالَى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} [غافر: 35] . اهـ. مِصْبَاحٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً. قَوْلُهُ: (مَشْقُوقَةً) مَا لَمْ يَكُنْ الشَّقُّ خِلْقِيًّا، وَإِلَّا فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ كَنَاقِصِ بَعْضِ الْحُرُوفِ خِلْقَةً كَمَا يَأْتِي وَالْمَشْقُوقُ الشَّفَةِ الْعُلْيَا يُقَالُ لَهُ أَعْلَمُ وَالسُّفْلَى يُقَالُ لَهُ أَفْلَحُ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: وَأَخَّرَنِي دَهْرِي وَقَدَّمَ مَعْشَرًا ... عَلَيَّ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَأَعْلَمُ وَمُذْ أَفْلَحَ الْجُهَّالُ أَيْقَنْتُ أَنَّنِي ... أَنَا الْمِيمُ وَالْأَيَّامُ أَفْلَحُ أَعْلَمُ أَيْ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُقَدِّمَنِي كَمَا أَنَّ الْأَفْلَحَ الْأَعْلَمَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْطِقَ بِالْمِيمِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: (فَتَقَلَّصَ) أَيْ انْكَمَشَ الْبَعْضَانِ. قَوْلُهُ: (كَمَقْطُوعِ الْجَمِيعِ) أَيْ فِي عَدَمِ النَّفْعِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَقْطُوعِ وَالْبَاقِي) أَيْ الَّذِي تَقَلَّصَ أَيْ فَلَا يَجِبُ فِي الْبَاقِي الْمُتَقَلِّصِ شَيْءٌ بَلْ يَجِبُ فِي الْمَقْطُوعِ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ فَفَائِدَةُ التَّوْزِيعِ مَعْرِفَةُ قِسْطِ الْمَقْطُوعِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَكِّ اللَّحْيَيْنِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ اللَّحْيَيْنِ الْمَفْكُوكَيْنِ أَيْ الْمُنْفَصِلَيْنِ مِنْ بَعْضِهِمَا. قَوْلُهُ: (فِي ذَهَابِ الْكَلَامِ) أَيْ بِأَنْ جَنَى عَلَى اللِّسَانِ مَعَ بَقَائِهِ. قَوْلُهُ: (إنْ مُنِعَ الْكَلَامَ) صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي إزَالَةِ اللِّسَانِ إلَّا إذَا مُنِعَ الْكَلَامَ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ اللِّسَانَ وَحْدَهُ فِيهِ الدِّيَةُ وَذَكَرَ هُنَا أَنَّ ذَهَابَ الْكَلَامِ فِيهِ الدِّيَةُ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إنْ أَزَالَ لِسَانَهُ فَذَهَبَ كَلَامُهُ وَجَبَ دِيَتَانِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ وَلِأَنَّ اللِّسَانَ إلَخْ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ رُبُعُ كَلَامٍ، أَوْ عُكِسَ، فَنِصْفُ دِيَةٍ اعْتِبَارًا بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ الْمَضْمُونِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالدِّيَةِ وَلَوْ قَطَعَ النِّصْفَ فَزَالَ النِّصْفُ فَنِصْفُ دِيَةٍ اهـ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إطْلَاقُ ذَهَابِ رُبُعِ الْكَلَامِ وَنِصْفِهِ مَجَازٌ، وَالْمُرَادُ ذَهَابُ رُبُعِ أَحْرُفِ كَلَامِهِ، أَوْ نِصْفِ كَلَامِهِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ فَائِدَةً يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهَا لَا تَوْزِيعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّوْزِيعُ عَلَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ وَقَوْلُهُ: الْمَضْمُونِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالدِّيَةِ ظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ لِسَانَ الْأَخْرَسِ فِيهِ دِيَةٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّ فِيهِ حُكُومَةً، لِأَنَّ النُّطْقَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ بَعْضَ لِسَانِهِ وَلَمْ يَذْهَبْ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْحُكُومَةُ عَلَى الْأَصَحِّ لِئَلَّا تَذْهَبَ الْجِنَايَةُ هَدَرًا، وَلَوْ قَطَعَ طَرَفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ الْكَلَامُ مِنْهُ لَزِمَتْهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ اعْتِبَارًا بِالنُّطْقِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ النِّصْفُ فِيمَا إذَا قَطَعَ بَعْضَ اللِّسَانِ فَذَهَبَ رُبُعُ الْكَلَامِ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى النِّصْفِ الْجَرْمِيِّ قَدْ تَحَقَّقَتْ، وَقَاعِدَةُ الْأَجْرَامِ ذَوَاتِ الْمَنَافِعِ أَنْ يُقَسَّطَ عَلَى نِسْبَتِهَا فَرَجَعْنَا لِهَذَا الْأَصْلِ كَمَا قَالَهُ سُلْطَانٌ. وَقَوْلُهُ: فَنِصْفُ دِيَةٍ مُقْتَضَى كَوْنِ اللِّسَانِ وَحْدَهُ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَلَامِ وَحْدَهُ فِيهِ الدِّيَةُ أَنْ تَجِبَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فَلْيُنْظَرْ وَجْهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (السُّنَّةُ) أَيْ الطَّرِيقَةُ. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 الْخِبْرَةِ لَا يَعُودُ كَلَامُهُ. فَإِنْ أُخِذَتْ، ثُمَّ عَادَ اُسْتُرِدَّتْ وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَ نُطْقِهِ اُمْتُحِنَ بِأَنْ يُرَوَّعَ فِي أَوْقَاتِ الْخَلَوَاتِ وَيُنْظَرَ هَلْ يَصْدُرُ مِنْهُ مَا يُعْرَفُ بِهِ كَذِبُهُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ حَلَفَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَمَا يَحْلِفُ الْأَخْرَسُ هَذَا فِي إبْطَالِ نُطْقِهِ بِكُلِّ الْحُرُوفِ. وَأَمَّا فِي إبْطَالِ بَعْضِ الْحُرُوفِ فَيُعْتَبَرُ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ هَذَا إذَا بَقِيَ لَهُ كَلَامٌ مَفْهُومٌ. وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَالْحُرُوفُ الَّتِي تُوَزِّعُ الدِّيَةَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ بِحَذْفِ كَلِمَةِ " لَا "، لِأَنَّهَا لَامُ أَلِفٍ، وَهُمَا مَعْدُودَتَانِ. فَفِي إبْطَالِ نِصْفِ الْحُرُوفِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي إبْطَالِ حَرْفٍ مِنْهَا رُبُعُ سُبُعِهَا. وَخَرَجَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ غَيْرُهَا فَتُوَزَّعُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ حُرُوفًا وَقَدْ انْفَرَدَتْ لُغَةُ الْعَرَبِ بِحَرْفِ الضَّادِ فَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا. وَفِي اللُّغَاتِ حُرُوفٌ لَيْسَتْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ كَالْحَرْفِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْجِيمِ وَالشِّينِ، وَحُرُوفُ اللُّغَاتِ مُخْتَلِفَةٌ بَعْضُهَا أَحَدَ عَشَرَ وَبَعْضُهَا أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ، وَلَا فَرْقَ فِي تَوْزِيعِ الدِّيَةِ عَلَى الْحُرُوفِ بَيْنَ اللِّسَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا كَالْحُرُوفِ الْحَلْقِيَّةِ. وَلَوْ عَجَزَ الْمَجْنِيُّ عَلَى لِسَانِهِ عَنْ بَعْضِ الْحُرُوفِ خِلْقَةً كَأَرَتَّ وَأَلْثَغَ، أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ. فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي إبْطَالِ كَلَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ نَاطِقٌ وَلَهُ كَلَامٌ مَفْهُومٌ إلَّا أَنَّ فِي نُطْقِهِ ضَعْفًا وَضَعْفُ مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ لَا يَقْدَحُ فِي كَمَالِ الدِّيَةِ، كَضَعْفِ الْبَطْشِ وَالْبَصَرِ. فَعَلَى هَذَا لَوْ أَبْطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضَ الْحُرُوفِ فَالتَّوْزِيعُ عَلَى مَا يُحْسِنُهُ لَا عَلَى جَمِيعِ الْحُرُوفِ.   [حاشية البجيرمي] وَلَوْ ادَّعَى) أَيْ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّ الْمُدَّعَى زَوَالُ النُّطْقِ فَكَيْفَ تَحْصُلُ الدَّعْوَى كَذَا قِيلَ، وَلَا حَاجَةَ لِذَلِكَ بَلْ يُقْرَأُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ هُوَ بِالْإِشَارَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ، أَوْ يَدَّعِيَ وَلِيُّهُ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُرَوَّعَ) أَيْ يُخَوَّفَ فِي غَفْلَةٍ لِيُنْظَرَ أَيَنْطِقُ أَوْ لَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ رَاعَنِي الشَّيْءُ رَوْعًا مِنْ بَابِ قَالَ أَفْزَعَنِي وَرَوَّعَنِي مِثْلُهُ. اهـ. قَوْلُهُ كَمَا يُحَلَّفُ الْأَخْرَسُ أَيْ بِالْإِشَارَةِ وَلَوْ أَذْهَبَ حَرْفًا فَعَادَ لَهُ حُرُوفٌ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُهَا وَجَبَ لِلذَّاهِبِ قِسْطُهُ مِنْ الْحُرُوفِ الَّتِي يُحْسِنُهَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ فَاقْتُصَّ مِنْ الْجَانِي فَلَمْ يَذْهَبْ إلَّا رُبُعُ كَلَامِهِ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ رُبُعُ الدِّيَةِ لِيَتِمَّ حَقُّهُ فَإِذَا اُقْتُصَّ مِنْهُ فَذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَلَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ سِرَايَةَ الْقِصَاصِ مُهْدَرَةٌ اهـ س ل قَوْلُهُ مَعْدُودَتَانِ فِيهِ أَنَّ الْمَعْدُودَ أَوَّلًا أَلِفٌ يَابِسَةٌ الَّتِي هِيَ أَوَّلُ الْحُرُوفِ وَهَذِهِ أَلِفٌ لَيِّنَةٌ قَوْلُهُ رُبُعُ سُبُعِهَا أَيْ الدِّيَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ لِأَنَّ سُبُعَ الْمِائَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَسُبُعَانِ رُبُعُهَا ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ بَعِيرٍ هَذَا فِي الذَّكَرِ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ وَفِي الْأُنْثَى الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَاحِدٌ وَنِصْفٌ وَسُبُعَانِ وَفِي الذِّمِّيِّ بَعِيرٌ وَسُبُعُ بَعِيرٍ وَثُلُثَا سُبُعِ بَعِيرٍ وَفِي الْأُنْثَى الذِّمِّيَّةِ نِصْفُ بَعِيرٍ وَثُلُثَا سُبُعِ بَعِيرٍ وَفِي الْمَجُوسِيِّ سُبُعُ بَعِيرٍ وَثُلُثَا سُبُعِ بَعِيرٍ وَفِي الْأُنْثَى ثُلُثَا سُبُعٍ وَنِصْفُ ثُلُثِ سُبُعٍ. اهـ. مَيْدَانِيٌّ قَوْلُهُ فَتُوَزَّعُ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى غَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ لِاكْتِسَابِ غَيْرِ التَّأْنِيثِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَوْ نَقَصَ بَعْضُ الْحُرُوفِ بِجِنَايَةٍ مَثَلًا فَالتَّوْزِيعُ عَلَى بَاقِيهَا وَأَمَّا لَوْ تَكَلَّمَ بِلُغَتَيْنِ فَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَى أَكْثَرِهِمَا وَإِنْ قُطِعَتْ شَفَتَاهُ فَذَهَبَتْ الْمِيمُ وَجَبَ أَرْشُهَا مَعَ دِيَتِهَا فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ وَأَمَّا لَوْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَهَلْ يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ أَيْضًا أَوْ تُعْتَبَرُ الْعَرَبِيَّةُ قُلْت أَوْ كَثُرَتْ عَنْ الْأُخْرَى قَالَ ابْنُ هِشَامٍ إنَّ الْعِبْرَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْهُمَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا ع ش الْمُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ حُرُوفًا أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ وَهِيَ الِانْتِفَاعُ بِالْحُرُوفِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ فِي إبْطَالِ كَلَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ الْعَاجِزِ خِلْقَةً وَالْعَاجِزِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا أَيْ قَوْلُهُ خِلْقَةً أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَقَوْلُهُ لَوْ أَبْطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضَ الْحُرُوفِ أَيْ الَّتِي يُحْسِنُهَا غَيْرُ الْمَعْجُوزِ عَنْهَا خِلْقَةً أَوْ بِآفَةٍ فَإِذَا كَانَ عَاجِزًا خِلْقَةً أَوْ بِآفَةٍ عَنْ ثَمَانِ حُرُوفٍ وَأَبْطَلَ شَخْصٌ بِالْجِنَايَةِ بَعْضَ الْعِشْرِينَ الَّتِي يُحْسِنُهَا كَحَرْفٍ فَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَى الْعِشْرِينَ الَّتِي يُحْسِنُهَا وَيُنْظَرُ مَاذَا يَخُصُّ هَذَا الْحَرْفَ الَّذِي أَبْطَلَهُ الْجَانِي هَكَذَا يَتَعَيَّنُ فَهْمُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ قَوْلُهُ لَوْ أَبْطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضَ الْحُرُوفِ هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي إبْطَالِ كَلَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ لَا إنْ كَانَ عَدَمُ إحْسَانِهِ لِذَلِكَ بِجِنَايَةٍ فَلَا دِيَةَ فِيهِ لِئَلَّا يَتَضَاعَفَ الْغُرْمُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي أَزَالَهُ الْجَانِي الْأَوَّلُ. اهـ. قَالَ م ر وَإِنْ كَانَ الْجَانِي الْأَوَّلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي (ذَهَابِ الْبَصَرِ) مِنْ الْعَيْنَيْنِ لِخَبَرِ مُعَاذٍ: «فِي الْبَصَرِ الدِّيَةُ» وَهُوَ غَرِيبٌ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ النَّظَرُ، وَفِي ذَهَابِ بَصَرِ كُلِّ عَيْنٍ نِصْفُهَا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، حَادَّةً أَوْ كَالَّةً، صَحِيحَةً أَوْ عَلِيلَةً، عَمْشَاءَ أَوْ حَوْلَاءَ، مِنْ شَيْخٍ أَوْ طِفْلٍ حَيْثُ الْبَصَرُ سَلِيمٌ، فَلَوْ قَلَعَهَا لَمْ يَزِدْ عَلَى نِصْفِ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ. وَلَوْ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ زَوَالَ الضَّوْءِ، وَأَنْكَرَ الْجَانِي سُئِلَ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. إنْ كَانَ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَإِنَّهُمْ إذَا أَوْقَفُوا الشَّخْصَ فِي مُقَابَلَةِ عَيْنِ الشَّمْسِ، وَنَظَرُوا فِي عَيْنِهِ عَرَفُوا أَنَّ الضَّوْءَ ذَاهِبٌ، أَوْ مَوْجُودٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ اُمْتُحِنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِتَقْرِيبِ عَقْرَبٍ، أَوْ حَدِيدَةٍ مُحْمَاةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، مِنْ عَيْنِهِ بَغْتَةً وَنُظِرَ هَلْ يَنْزَعِجُ، أَوْ لَا.؟ فَإِنْ انْزَعَجَ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ، وَإِلَّا فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ. وَإِنْ نَقَصَ ضَوْءُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنْ عُرِفَ قَدْرُ النَّقْصِ؛ بِأَنْ كَانَ يَرَى الشَّخْصَ مِنْ مَسَافَةٍ فَصَارَ لَا يَرَاهُ إلَّا مِنْ نِصْفِهَا مَثَلًا، فَقِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ. (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي (ذَهَابِ السَّمْعِ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ: «وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ» وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ. وَلِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْحَوَاسِّ فَكَانَ كَالْبَصَرِ بَلْ هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. لِأَنَّ بِهِ يُدْرِكُ الْفَهْمَ وَيُدْرِكُ مِنْ الْجِهَاتِ السِّتِّ وَفِي النُّورِ وَالظُّلُمَاتِ، وَلَا يُدْرِكُ بِالْبَصَرِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ وَبِوَاسِطَةٍ مِنْ ضِيَاءٍ أَوْ شُعَاعٍ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِتَفْضِيلِ الْبَصَرِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ السَّمْعَ لَا يُدْرِكُ بِهِ إلَّا الْأَصْوَاتَ وَالْبَصَرَ يُدْرِكُ بِهِ الْأَجْسَامَ وَالْأَلْوَانَ وَالْهَيْئَاتِ. فَلَمَّا كَانَ تَعَلُّقَاتُهُ أَكْثَرَ كَانَ أَشْرَفَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ مِنْ تَحَقُّقِ زَوَالِهِ فَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: يَعُودُ وَقَدَّرُوا لَهُ مُدَّةً لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَعِيشَ إلَيْهَا اُنْتُظِرَتْ فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُقَدِّرُوا لَهُ مُدَّةً أُخِذَتْ الدِّيَةُ فِي الْحَالِ. وَفِي إزَالَتِهِ مِنْ أُذُنٍ نِصْفُهَا لَا لِتَعَدُّدِ السَّمْعِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي مَنْفَذِهِ بِخِلَافِ ضَوْءِ الْبَصَرِ؛ إذْ تِلْكَ اللَّطِيفَةُ مُتَعَدِّدَةٌ وَمَحَلُّهَا الْحَدَقَةُ، بَلْ لِأَنَّ ضَبْطَ نُقْصَانِهِ بِالْمَنْفَذِ أَقْرَبُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَلَوْ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ زَوَالَهُ مِنْ أُذُنَيْهِ وَكَذَّبَهُ الْجَانِي وَانْزَعَجَ   [حاشية البجيرمي] غَيْرَ ضَامِنٍ. اهـ. كَالْحَرْبِيِّ لِأَنَّ شَأْنَ الْجِنَايَةِ الضَّمَانُ اهـ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ لِئَلَّا يَتَضَاعَفَ مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى إذَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً كَجِنَايَةِ الْحَرْبِيِّ أَنْ يَضْمَنَ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ فَالتَّعْلِيلُ لِلْأَغْلَبِ خِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ. اهـ. قَوْلُهُ: (فِي ذَهَابِ الْبَصَرِ) مُقْتَضَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي إزَالَةِ الْعَيْنَيْنِ كَمَا سَبَقَ أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي كُلٍّ مِنْ إزَالَتِهَا وَإِزَالَةِ بَصَرِهِمَا مَعَ أَنَّهُ إذَا فَقَأَهُمَا فَزَالَ بَصَرُهُمَا وَجَبَتْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا كَانَ لَا يُبْصِرُ بِهِمَا وَأَزَالَهُمَا كَانَ فِيهَا حُكُومَةٌ فَالْمَدَارُ عَلَى ذَهَابِ الْبَصَرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعْمِيمَ السَّابِقَ ذَكَرَهُ هُنَا. وَالْبَصَرُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَصَبَتَيْنِ الْمُجَوَّفَتَيْنِ الْخَارِجَتَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ، ثُمَّ تَنْعَطِفُ الْعَصَبَةُ الَّتِي مِنْ الْجِهَةِ الْيُمْنَى إلَى الْجِهَةِ الْيُسْرَى وَاَلَّتِي مِنْ الْيُسْرَى إلَى الْيُمْنَى حَتَّى يَتَلَاقَيَا، ثُمَّ تَأْخُذُ الَّتِي مِنْ الْجِهَةِ الْيُمْنَى يَمِينًا وَاَلَّتِي مِنْ الْجِهَةِ الْيُسْرَى يَسَارًا حَتَّى تَصِلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ إلَى عَيْنٍ تُدْرِكُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ الْأَلْوَانَ وَغَيْرَهَا، وَأَمَّا عِنْدَ السُّنَّةِ: فَإِدْرَاكُ مَا ذُكِرَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ إدْرَاكَ مَا ذُكِرَ فِي النَّفْسِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ تِلْكَ الْقُوَّةِ ز ي. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَنْفَعَتَهُ) أَيْ الْبَصَرِ، وَالْمُرَادُ الْقُوَّةُ الْبَاصِرَةُ وَقَوْلُهُ: النَّظَرُ أَيْ الْإِدْرَاكُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّظَرِ أَقْوَى. قَوْلُهُ: (فَلَوْ قَلَعَهَا) أَيْ فَقَعَهَا. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْمَالُ بِخِلَافِ الْعَمْدِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْقِصَاصُ، وَالنِّسَاءُ لَا تُقْبَلُ إلَّا فِيمَا كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ الْمَالَ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا ثَبَتَ الْقِصَاصُ يُمْكِنُ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ عَلَى مَالٍ فَتَجِبَ الدِّيَةُ فَيَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالَ فَيُقْبَلَ فِيهِ النِّسَاءُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ لَا أَصْلٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ) مُعْتَمَدٌ م ر. قَوْلُهُ: (الْفَهْمَ) أَيْ الْمَفْهُومَ مِنْ الشَّرَائِعِ وَغَيْرِهَا كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ م ر. وَنَصُّهَا، لِأَنَّ بِهِ يُدْرِكُ الشَّرْعَ الَّذِي بِهِ التَّكْلِيفُ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَوْ شُعَاعٍ) ، أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَالْمُرَادُ بِالشُّعَاعِ انْبِعَاثٌ أَيْ انْفِصَالُ أَشِعَّةٍ أَيْ أَجْزَاءٍ مِنْ الْعَيْنِ وَاتِّصَالُهَا بِالْمَرْئِيِّ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِتَفْضِيلِ الْبَصَرِ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ: " فَائِدَةٌ ": هَلْ حَاسَّةُ السَّمْعِ أَفْضَلُ مِنْ الْبَصَرِ أَوْ عَكْسُهُ فِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ، وَتَقَدُّمُ ذِكْرِ السَّمْعِ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ يَقْتَضِي أَفْضَلِيَّتَهُ اهـ. وَكَتَبَ الْعَلَّامَةُ سم بِهَامِشِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 بِالصِّيَاحِ فِي نَوْمٍ، أَوْ غَفْلَةٍ فَكَاذِبٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّصَنُّعِ. وَإِنْ لَمْ يَنْزَعِجْ بِالصِّيَاحِ وَنَحْوِهِ، فَصَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ وَحُلِّفَ حِينَئِذٍ لِاحْتِمَالِ تَجَلُّدِهِ وَأَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ نَقَصَ سَمْعُهُ فَقِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ إنْ عُرِفَ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ بِاجْتِهَادِ قَاضٍ. (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي (ذَهَابِ الشَّمِّ) مِنْ الْمَنْخِرَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ غَرِيبٌ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَاسِّ النَّافِعَةِ فَكُمِّلَتْ فِيهِ الدِّيَةُ كَالسَّمْعِ، وَفِي إزَالَةِ شَمِّ كُلِّ مَنْخِرٍ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَوْ نَقَصَ الشَّمُّ وَجَبَ بِقِسْطِهِ مِنْ الدِّيَةِ إنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَنْكَرَ الْجَانِي زَوَالَهُ اُمْتُحِنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي غَفَلَاتِهِ بِالرَّوَائِحِ الْحَادَّةِ فَإِنْ هَشَّ لِلطِّيبِ وَعَبَسَ لِغَيْرِهِ حُلِّفَ الْجَانِي لِظُهُورِ كَذِبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا حُلِّفَ هُوَ لِظُهُورِ صِدْقِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ. (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي (ذَهَابِ الْعَقْلِ) إنْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي مُدَّةٍ يُظَنُّ أَنَّهُ يَعِيشُ إلَيْهَا كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَعَانِي وَبِهِ يَتَمَيَّزُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهِيمَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْمُرَادُ الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ الَّذِي بِهِ التَّكْلِيفُ دُونَ الْمُكْتَسَبِ الَّذِي بِهِ حُسْنُ التَّصَرُّفِ: فَفِيهِ حُكُومَةٌ فَإِنْ رُجِيَ عَوْدُهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ اُنْتُظِرَ فَإِنْ عَادَ فَلَا ضَمَانَ.   [حاشية البجيرمي] مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ: (وَتَقَدُّمُ ذِكْرِ السَّمْعِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ شَيْخُنَا السَّيِّدُ الشَّرِيفُ عِيسَى الصَّفْوِيُّ بِأَنَّهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْقُرْآنِ ذَكَرَ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ فَقَطْ مُقَدِّمًا لِلْأَوَّلِ وَفِي مَوَاضِعَ ذَكَرَ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ مُقَدِّمًا لِلْأَوَّلِ ثُمَّ الثَّانِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ} [النحل: 78] فَفِي الْمَوَاضِعِ الثَّانِيَةِ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّدَلِّي، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ أَفْضَلُ مِنْ الْفُؤَادِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي فَيَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيمُ السَّمْعِ عَلَى الْبَصَرِ فِي الْمَوَاضِعِ الْأُوَلِ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي فَيَكُونَ الْبَصَرُ أَفْضَلَ عَلَى مُقْتَضَى الِاسْتِدْلَالِ بِالتَّقْدِيمِ فِي الْآيَاتِ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ يَدُلُّ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ كَالْأَفْئِدَةِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّانِيَةِ اهـ. بِحُرُوفِهِ قَالَ ع ش: السَّمْعُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ فِي الصِّمَاخِ يُدْرِكُ بِهَا الصَّوْتَ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ الصَّوْتِ إلَى الصِّمَاخِ أَيْ خَرْقِ الْأُذُنِ، وَعِنْدَ السُّنَّةِ أَنَّ الْوُصُولَ الْمَذْكُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى خَلَقَ اللَّهُ الْإِدْرَاكَ فِي النَّفْسِ عِنْدَ ذَلِكَ، اهـ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) هَذِهِ طَرِيقَةٌ لَهُ وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ ز ي أَنَّ السَّمْعَ أَفْضَلُ. قَوْلُهُ: (مِنْ تَحَقُّقِ زَوَالِهِ) الْمُرَادُ بِالتَّحَقُّقِ غَلَبَةُ الظَّنِّ. قَوْله: (فَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ) أَيْ اثْنَانِ مِنْهُمْ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (إذْ تِلْكَ اللَّطِيفَةُ) أَيْ الْبَصَرُ مُتَعَدِّدَةٌ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ اعْتِبَارُ النِّصْفِ فِيمَا إذَا أَزَالَهُ مِنْ أُذُنٍ وَاحِدَةٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَقُولُ الْوَاجِبُ الْقِسْطُ أَيْ قِسْطُ مَا نَقَصَ مِنْ السَّمْعِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كُلِّ مَنْخِرٍ) بِوَزْنِ مَجْلِسٍ ثُقْبُ الْأَنْفِ وَقَدْ تُكْسَرُ الْمِيمُ إتْبَاعًا لِكِسْرَةِ الْخَاءِ كَمَا قَالُوا: مُنْتِنٌ وَهُمَا نَادِرَانِ، لِأَنَّ مُفْعِلٌ لَيْسَ مِنْ الْمَشْهُورِ، وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا فَتْحُهُمَا وَضَمُّهُمَا، وَمُنْخُورٌ كَعُصْفُورٍ فَاللُّغَاتُ خَمْسٌ. قَوْلُهُ: (وَجَبَ بِقِسْطِهِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ. قَوْلُهُ: (بِالرَّوَائِحِ الْحَادَّةِ) أَيْ الْقَوِيَّةِ مِنْ الطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ هَشَّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ هَشَّ الرَّجُلُ هَشَاشَةً مِنْ بَابِ تَعِبَ وَضَرَبَ تَبَسَّمَ وَارْتَاحَ. قَوْلُهُ: (عَبَسَ) بَابُهُ ضَرَبَ وَفِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ يُقَالُ عَبَسَ الرَّجُلُ كَلَحَ وَبَابُهُ جَلَسَ وَعَبَّسَ وَجْهَهُ شُدِّدَ لِلْمُبَالَغَةِ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ عَبَسَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ عُبُوسًا قَلَبَ وَجْهَهُ فَهُوَ عَابِسٌ. اهـ. قَوْلُهُ: (فِي ذَهَابِ الْعَقْلِ) لَوْ قَدَّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ، لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَعَانِي إلَخْ وَسُمِّيَ عَقْلًا، لِأَنَّهُ يَعْقِلُ صَاحِبَهُ أَيْ يَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ مَا لَا يَلِيقُ مِنْ الْمَعَاصِي وَالتَّوَرُّطِ فِي الْمَهَالِكِ اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى كَمَالِ الدِّيَةِ فِي ذَهَابِ الْعَقْلِ. قَوْلُهُ: (فَفِيهِ حُكُومَةٌ) وَلَا تَبْلُغُ قَدْرَ دِيَةِ الْعَقْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الدِّيَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِلِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّهِ. فَقِيلَ: الْقَلْبُ. وَقِيلَ: الدِّمَاغُ. وَقِيلَ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: مَسْكَنُهُ الدِّمَاغُ وَتَدْبِيرُهُ فِي الْقَلْبِ وَسُمِّيَ عَقْلًا، لِأَنَّهُ يَعْقِلُ صَاحِبَهُ عَنْ التَّوَرُّطِ فِي الْمَهَالِكِ. وَلَا يُزَادُ شَيْءٌ عَلَى دِيَةِ الْعَقْلِ إنْ زَالَ بِمَا لَا أَرْشَ لَهُ. فَإِنْ زَالَ بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ كَالْمُوضِحَةِ، أَوْ حُكُومَةٌ وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَالْأَرْشُ، أَوْ هِيَ وَالْحُكُومَةُ. وَلَا يَنْدَرِجُ ذَلِكَ فِي دِيَةِ الْعَقْلِ، لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أَبْطَلَتْ مَنْفَعَةً غَيْرَ حَالَّةٍ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ فَكَانَتْ كَمَا انْفَرَدَتْ الْجِنَايَةُ عَنْ زَوَالِ الْعَقْلِ. وَلَوْ ادَّعَى وَلِيُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ زَوَالَ الْعَقْلِ، وَأَنْكَرَ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَفِعْلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ فَلَهُ دِيَةٌ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تُثْبِتُ جُنُونَهُ. وَالْمَجْنُونُ لَا يُحَلَّفُ وَهَذَا فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ. أَمَّا الْمُتَقَطِّعُ فَإِنَّهُ يُحَلَّفُ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ. فَإِنْ انْتَظَمَ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ حُلِّفَ الْجَانِي لِاحْتِمَالِ صُدُورِ الْمُنْتَظِمِ، اتِّفَاقًا، أَوْ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ، وَخَرَجَ بِالْغَرِيزِيِّ الْعَقْلُ الْمُكْتَسَبُ الَّذِي بِهِ حُسْنُ التَّصَرُّفِ فَتَجِبَ فِيهِ حُكُومَةٌ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.   [حاشية البجيرمي] الْغَرِيزِيِّ م ر. قَوْلُهُ: (اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الدِّيَةِ) فِيهِ أَنَّهُ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَى الدِّيَةِ فِي الْعَقْلِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا فِي غَيْرِهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَقْلِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمَذْهَبُ) بِخِلَافِ بَاقِي الْمَعَانِي الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي هِيَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْبَطْشُ وَالذَّوْقُ وَالشَّمُّ وَالْكَلَامُ فَيَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ، لِأَنَّ لَهَا مَحَالُّ مَضْبُوطَةٌ وَلِأَهْلِ الْخِبْرَةِ طُرُقٌ فِي إبْطَالِهَا كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَلَا قِصَاصَ فِي الْمَعَانِي يَجِبُ مِنْ غَيْرِ سِتَّةٍ وَفِيهَا أَوْجَبُوا سَمْعٌ وَبَطْشٌ بَصَرٌ كَلَامٌ وَالذَّوْقُ وَالشَّمُّ لَهَا خِتَامُ. قَوْلُهُ: (لِلِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّهِ) عِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَقَدْ مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّهُ غَرِيزَةٌ يَتْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ أَيْ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، وَمَحَلُّهُ الْقَلْبُ عَلَى الرَّاجِحِ لِلْآيَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف: 179] وَلَهُ شُعَاعٌ مُتَّصِلٌ بِالدِّمَاغِ أَيْ الرَّأْسِ، وَقِيلَ: مَحَلُّهُ الرَّأْسُ وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ. ، وَقِيلَ: مَحَلُّهُ هُمَا مَعًا. قَالَ الْإِمَامُ: لَا مَحَلَّ لَهُ مُعَيَّنٌ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ هَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْأَعْرَاضِ، أَوْ الْجَوَاهِرِ أَوْ لَا وَلَا وَعَلَى كُلٍّ هَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِالنَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ أَمْ هُوَ كُلِّيٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ حَيٍّ مَخْلُوقٍ وَعَلَى ذَلِكَ هَلْ هُوَ مِنْ الْكُلِّيِّ الْمُشَكِّكِ، أَوْ الْمُتَوَاطِئِ؟ وَالْجَوَابُ هُوَ عِنْدَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ عَرَضٌ قَائِمٌ بِالْقَلْبِ مُتَّصِلٌ بِالدِّمَاغِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ عَنْ الْمَادَّةِ مُقَارِنٌ لَهَا فِي الْفِعْلِ وَهُوَ فِي الْإِنْسَانِ وَالْمَلَكِ وَالْجِنِّ لَكِنَّهُ فِي النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ أَكْمَلُ؛ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ لَا الْمُتَوَاطِئِ، وَالْمُشَكِّكُ هُوَ اتِّحَادُ اللَّفْظِ وَتَعَدُّدُ الْحُكْمِ مَعَ النَّظَرِ إلَى زِيَادَتِهِ وَنُقْصَانِهِ ضَعْفًا وَقُوَّةً وَالْمُتَوَاطِئُ هُوَ الْمُتَسَاوِي فِي اللَّفْظِ اهـ. قَوْلُهُ: (يَعْقِلُ صَاحِبَهُ) أَيْ يَمْنَعُهُ إذْ الْعَقْلُ الْمَنْعُ أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ. {فَائِدَةٌ} : الْعَقْلُ لُغَةً هُوَ الْمَنْعُ، وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَفِيهِ عِبَارَاتٌ أَحْسَنُهَا مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: إنَّهُ صِفَةٌ يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ وَقَالَ الْعِمْرَانِيُّ: الْجُنُونُ يُزِيلُ الْعَقْلَ وَالْإِغْمَاءُ يَغْمُرُهُ وَالنَّوْمُ يَسْتُرُهُ. وَالْوَاجِبُ فِي الْعَقْلِ الدِّيَةُ؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ قِصَاصٌ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ الْقِصَاصُ بَيْنَ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَقُبُلِ الْمَرْأَةِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِمَا اهـ نَسَّابَةُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الْأَنْكِحَةِ لِابْنِ الْعِمَادِ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ عَلَى الْخَصَائِصِ نَقْلًا عَنْ السُّهْرَوَرْدِيِّ: وَالْعَقْلُ مِائَةُ جُزْءٍ وَاخْتُصَّ مِنْهَا الْمُصْطَفَى بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَجُزْءٌ فِي جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْجُزْءُ الَّذِي فِيهِمْ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا فَسَهْمٌ يَتَسَاوَى فِيهِ الْكُلُّ وَهُوَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَعِشْرُونَ سَهْمًا يَتَفَاضَلُونَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ حَقَائِقِ إيمَانِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ادَّعَى وَلِيُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْمَجْنُونُ لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ قَالَ هُنَا: وَلَوْ ادَّعَى وَلِيُّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْغَرِيزِيِّ الْعَقْلُ الْمُكْتَسَبُ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا مَرَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي (الذَّكَرِ) السَّلِيمِ لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ وَلَوْ كَانَ لِصَغِيرٍ وَشَيْخٍ وَعِنِّينٍ وَخَصِيٍّ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، وَلِأَنَّ ذَكَرَ الْخَصِيِّ سَلِيمٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِيلَاجِ، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ الْإِيلَادُ. وَالْعُنَّةُ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الذَّكَرِ، لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِي الْقَلْبِ، وَالْمَنِيَّ فِي الصُّلْبِ وَلَيْسَ الذَّكَرُ بِمَحَلٍّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَكَانَ سَلِيمًا مِنْ الْعَيْبِ بِخِلَافِ الْأَشَلِّ، وَحُكْمُ الْحَشَفَةِ حُكْمُ الذَّكَرِ، لِأَنَّ مَا عَدَاهَا مِنْ الذَّكَرِ كَالتَّابِعِ لَهَا كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ، لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ تَدُورُ عَلَيْهَا، وَبَعْضُهَا بِقِسْطِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تُكَمَّلُ بِقَطْعِهَا كَمَا مَرَّ فَقُسِّطَتْ عَلَى أَبْعَاضِهَا. (وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي (الْأُنْثَيَيْنِ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُمَا مِنْ تَمَامِ الْخِلْقَةِ، وَمَحَلُّ التَّنَاسُلِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا سَوَاءٌ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَلَوْ مِنْ عِنِّينٍ وَمَجْبُوبٍ وَطِفْلٍ وَغَيْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْأُنْثَيَيْنِ الْبَيْضَتَانِ. كَمَا صُرِّحَ بِهِمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وَأَمَّا الْخُصْيَتَانِ فَالْجِلْدَتَانِ اللَّتَانِ فِيهِمَا الْبَيْضَتَانِ. (وَ) يَجِبُ فِي (الْمُوضِحَةِ) أَيْ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ وَلَوْ لِلْعَظْمِ النَّاتِئِ خَلْفَ الْأُذُنِ، أَوْ الْوَجْهِ وَإِنْ صَغُرَتْ وَلَوْ لِمَا تَحْتَ الْمُقَبَّلِ مِنْ اللَّحْيَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا فَفِيهَا لِحُرٍّ مُسْلِمٍ غَيْرِ جَنِينٍ (خَمْسٌ مِنْ   [حاشية البجيرمي] كَمَا قَالَهُ: ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَكْرَارَ، لِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا لِلِاحْتِرَازِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا لِأَجْلِ نِسْبَةِ الْقَوْلِ إلَى قَائِلِهِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ أَوَّلًا نَسَبَهُ أَيْضًا لِقَائِلِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَهُوَ مَحْضُ تَكْرَارٍ م د. قَوْلُهُ: (وَفِي الذَّكَرِ) وَفِي تَعَذُّرِ الْجِمَاعِ حُكُومَةٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ الزِّيَادِيُّ: فَلَوْ قَطَعَهُ شَخْصٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ دِيَةٌ قَالَ شَيْخُنَا: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَرَاجِعْهُ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعِنِّينٍ) أَيْ: لِأَنَّ الْعُنَّةَ ضَعْفٌ فِي الْقَلْبِ لَا فِي نَفْسِ الذَّكَرِ وَمِثْلُهُ الْمَجْبُوبُ بِبَاءَيْنِ وَنَحْوِهِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَحُكْمُ الْحَشَفَةِ إلَخْ) لَوْ قَالَ: وَالْمُرَادُ مِنْ الذَّكَرِ الْحَشَفَةُ. إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ. اهـ. ق ل قَالَ فِي الرَّوْضِ، وَفِي قَطْعِ بَاقِي الذَّكَرِ، أَوْ قَلْعِهِ مِنْهُ حُكُومَةٌ وَكَذَا فِي قَطْعِ الْأَشَلِّ فَإِنْ أَشَلَّهُ، أَوْ شَقَّهُ طُولًا فَأَبْطَلَ مَنْفَعَتَهُ فَدِيَةٌ تَجِبُ، أَوْ تَعَذَّرَ بِضَرْبِهِ الْجِمَاعُ، لَا الِانْقِبَاضُ وَالِانْبِسَاطُ فَحُكُومَةٌ تَجِبُ، لِأَنَّهُ وَمَنْفَعَتَهُ بَاقِيَانِ، وَالْخَلَلَ فِي غَيْرِهِمَا، ثُمَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ فِيمَا لَوْ قَطَعَهُ قَاطِعٌ هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ كَلَامًا طَوِيلًا اهـ. سم، وَانْظُرْ مَا إذَا جَنَى عَلَى ذَكَرٍ بِلَا حَشَفَةٍ، هَلْ الْوَاجِبُ حُكُومَةٌ، أَوْ دِيَةٌ لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ " كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ " يُرْشِدُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْحُكُومَةُ لَا الدِّيَةُ وَهُوَ مَا مَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا أَوَّلًا، ثُمَّ اعْتَمَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ خ ض. قَوْلُهُ: (فِي الْأُنْثَيَيْنِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ بِالْجِلْدَتَيْنِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْجِلْدَتَيْنِ، وَإِنْ قَطَعَ الْجِلْدَتَيْنِ مَعَ بَقَاءِ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَبَتْ حُكُومَةٌ، وَإِنْ سَلَّ الْبَيْضَتَيْنِ وَجَبَتْ دِيَةٌ نَاقِصَةٌ حُكُومَةَ الْجِلْدَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (الْخُصْيَتَانِ) تَثْنِيَةُ خُصْيَةٍ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ سَمِعْته بِالضَّمِّ وَلَمْ أَسْمَعْهُ بِالْكَسْرِ. اهـ. مُخْتَارٌ قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِلْعَظْمِ النَّاتِئِ إلَخْ) فَهُوَ مِنْ الرَّأْسِ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْعَظْمَ النَّاتِئَ خَلْفَ الْأُذُنِ وَاَلَّذِي تَحْتَ الْمُقَبَّلِ مِنْ اللَّحْيَيْنِ غَايَةً، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ، أَوْ مَسْحُهُ فِي الْوُضُوءِ فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ عُدَّ هُنَا مِنْ الرَّأْسِ وَلَمْ يُعَدَّ فِي الْوُضُوءِ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى كَوْنِهِ خَطَرًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَوْضُوعَ الْمَذْكُورَ خَطَرٌ، وَفِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا يُسَمَّى رَأْسًا، وَالْمَوْضِعُ الْمَذْكُورُ لَا يُسَمَّى رَأْسًا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَعِبَارَةُ م ر: يَجِبُ فِي مُوضِحَةِ الرَّأْسِ وَمِنْهُ هُنَا دُونَ الْوُضُوءِ الْعَظْمُ الَّذِي خَلْفَ الْأُذُنِ مُتَّصِلًا بِهِ وَمَا انْحَدَرَ عَنْ آخِرِ الرَّأْسِ إلَى الرَّقَبَةِ، أَوْ الْوَجْهِ وَمِنْهُ هُنَا لَا ثَمَّ أَيْضًا مَا تَحْتَ الْمُقَبَّلِ مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْوُضُوءِ أَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى الْخَطَرِ، أَوْ الشَّرَفِ، إذْ الرَّأْسُ وَالْوَجْهُ أَشْرَفُ مَا فِي الْبَدَنِ وَمَا جَاوَزَ الْخَطِيرَ أَوْ الشَّرِيفَ مِثْلُهُ، وَثَمَّ عَلَى مَا رَأَسَ وَعَلَا وَعَلَى مَا يَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَلَيْسَا مُجَاوِرُهُمَا كَذَلِكَ اهـ، وَقَوْلُهُ: " أَوْ الشَّرَفِ " الْأَوْلَى إسْقَاطُ الْأَلِفِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْوَجْهِ) عَطْفٌ عَلَى الرَّأْسِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ صَغُرَتْ غَايَةٌ فِي الْمُوضِحَةِ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَلَوْ صَغُرَتْ وَالْتَحَمَتْ اهـ أَيْ بِخِلَافِ الِالْتِحَامِ فِي الْإِفْضَاءِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الضَّمَانَ وَكَذَا نَبَاتُ الْجِلْدِ وَفَارَقَ ذَلِكَ سِنَّ غَيْرِ الْمَثْغُورِ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْمُوضِحَةِ الِالْتِحَامَ لِئَلَّا يَلْزَمَ إهْدَارُ الْمُوضِحَاتِ دَائِمًا بِخِلَافِ السِّنِّ فَإِنَّهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يَنْتَقِلُ إلَى حَالَةٍ أُخْرَى يَضْمَنُ فِيهَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وسم. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 الْإِبِلِ) لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ: «فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» فَتُرَاعَى هَذِهِ النِّسْبَةُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْكِتَابِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ مَا عَدَاهُمَا: كَالسَّاقِ وَالْعَضُدِ فَإِنَّ فِيهِمَا الْحُكُومَةَ وَبِقَيْدِ الْحُرِّ الرَّقِيقُ فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ وَبِقَيْدِ الْمُسْلِمِ الْكِتَابِيُّ فَفِي مُوضِحَتِهِ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ. وَالْمَجُوسِيُّ وَنَحْوُهُ فَفِي مُوضِحَتِهِ ثُلُثُ بَعِيرٍ. وَلَا يَخْتَلِفُ أَرْشُ مُوضِحَةٍ بِكِبَرِهَا وَلَا صِغَرِهَا لِاتِّبَاعِ الِاسْمِ كَالْأَطْرَافِ وَلَا لِكَوْنِهَا بَارِزَةً، أَوْ مَسْتُورَةً بِالشَّعْرِ وَيَجِبُ فِي هَاشِمَةٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَيَجِبُ فِي هَاشِمَةٍ دُونَ إيضَاحٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ وَيَجِبُ فِي مُنَقِّلَةٍ مَعَ إيضَاحٍ وَهَشْمٍ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَ) يَجِبُ (فِي) قَلْعِ (السِّنِّ) الْأَصْلِيَّةِ التَّامَّةِ الْمَثْغُورَةِ غَيْرِ الْمُقَلْقَلَةِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا فَفِيهَا لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ (خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ فَقَوْلُهُ: خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّنِيَّةِ وَالنَّابِ وَالضِّرْسِ وَإِنْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهَا بِاسْمٍ كَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ   [حاشية البجيرمي] تَحْتَ) غَايَةٌ فِي قَوْلِهِ: أَوْ الْوَجْهِ فَيَكُونُ مَا تَحْتَ الْمُقَبَّلِ مِنْ الْوَجْهِ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الْوُضُوءِ، قَوْلُهُ: (نِصْفُ عُشْرِ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى قُصُورِ قَوْلِ الْمَتْنِ خُمُسٍ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَفِي كُلٍّ مِنْ الْمُوضِحَةِ وَالسِّنِّ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا لَكَانَ أَوْلَى وَأَعَمَّ. اهـ. قَوْلُهُ: (فَفِيهَا لِحُرٍّ مُسْلِمٍ) أَيْ مِنْ حُرٍّ مُسْلِمٍ غَيْرِ جَنِينٍ فَخَرَجَ الْجَنِينُ، فَإِذَا أَوْضَحَهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَإِنْ مَاتَ بِغَيْرِ الْإِيضَاحِ بِأَنْ صَغُرَتْ الْمُوضِحَةُ وَجَبَ نِصْفُ عُشْرِ غُرَّةٍ، لِأَنَّ فِي الْمُوضِحَةِ نِصْفَ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا، وَدِيَةِ الْجَنِينِ وَهِيَ الْغُرَّةُ وَإِنْ مَاتَ بِالْإِيضَاحِ وَجَبَتْ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ بِغَيْرِ الْإِيضَاحِ وَجَبَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةٍ، وَإِنْ مَاتَ بِالْإِيضَاحِ وَجَبَتْ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ع ش. قَوْلُهُ: (فَتُرَاعَى هَذِهِ النِّسْبَةُ إلَخْ) فَفِيهَا لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ بَعِيرَانِ وَنِصْفٌ وَلِذِمِّيٍّ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ وَلِمَجُوسِيٍّ ثُلُثُ بَعِيرٍ وَلِذِمِّيَّةٍ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بَعِيرٍ وَلِمَجُوسِيَّةٍ سُدُسُ بَعِيرٍ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ فِيهِمَا) أَيْ فِي مُوضِحَتِهِمَا الْحُكُومَةَ، وَمِثْلُ الْمُوضِحَةِ غَيْرُهَا مِنْ الْجُرُوحِ إذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَلَا قِصَاصَ فِيهَا كُلِّهَا إلَّا الْمُوضِحَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْوَجْهِ أَوْ الرَّأْسِ، أَوْ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ. قَوْلُهُ: (فَفِي مُوضِحَتِهِ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ) ، لِأَنَّهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَفِي مُوضِحَتِهِ ثُلُثُ بَعِيرٍ) وَفِي مُوضِحَةِ ذِمِّيَّةٍ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بَعِيرٍ، لِأَنَّ دِيَتَهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ، عُشْرُهَا بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ بِعَشْرِ أَسْدَاسٍ، وَنِصْفُهَا خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَفِي مُوضِحَةِ مَجُوسِيَّةٍ سُدُسُ بَعِيرٍ، لِأَنَّ دِيَتَهَا ثَلَاثَةٌ وَثُلُثُ عُشْرِهَا ثُلُثُ بَعِيرٍ وَنِصْفُهُ سُدُسٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَخْتَلِفُ أَرْشُ مُوضِحَةٍ) هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ الْمُتَقَدِّمُ، وَإِنْ صَغُرَتْ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: (رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ الْمُوضِحَةِ وَالسِّنِّ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: وَفِي الْمُوضِحَةِ وَالسِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمَتْنِ مِنْ جَعْلِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ خَبَرًا مُقَدَّمًا وَخَمْسٌ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِتَقْدِيرِ كَلَامِ الشَّارِحِ الْفِعْلَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَيَكُونُ خَمْسٌ مُبْتَدَأً، وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، وَفَاعِلُ الْفِعْلِ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: نِصْفُ عُشْرِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّنِيَّةِ إلَخْ) الْأَسْنَانُ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ ثَنَايَا وَرَبَاعِيَاتٌ وَأَنْيَابٌ وَضَوَاحِكُ وَنَوَاجِذُ، وَكُلٌّ مِنْهَا أَرْبَعٌ اثْنَانِ عُلْيَا وَاثْنَانِ سُفْلَى وَأَضْرَاسٌ وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ سِنَّةً عُلْيَا وَسِتَّةٌ سُفْلَى وَهِيَ بَيْنَ الضَّوَاحِكِ وَالنَّوَاجِذِ، وَالنَّوَاجِذُ آخِرُهَا مِمَّا يَلِي الْأُذُنَ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَهِيَ ثِنْتَانِ وَثَلَاثُونَ أَيْ غَالِبًا فِي الْآدَمِيِّ الْحُرِّ، وَإِلَّا فَقَدْ تَزِيدُ وَقَدْ تَنْقُصُ فَيُزَادُ وَيُنْقَصُ بِحَسَبِهِ نِصْفُهَا فِي الْفَكِّ الْأَعْلَى وَنِصْفُهَا فِي الْفَكِّ الْأَسْفَلِ وَلِكُلِّ أَرْبَعٍ مِنْهَا اسْمٌ يَخُصُّهَا فَالْأَرْبَعَةُ الَّتِي فِي مُقَدَّمِ الْفَمِ تُسَمَّى الثَّنَايَا وَاَلَّتِي تَلِيهَا تُسَمَّى الرَّبَاعِيَاتِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا تُسَمَّى الضَّوَاحِكَ وَهِيَ الْمُرَادَةُ بِالنَّوَاجِذِ فِي ضَحِكِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ ضَحِكَهُ تَبَسُّمٌ وَاَلَّتِي تَلِيهَا تُسَمَّى الْأَنْيَابَ وَبَعْدَهَا اثْنَا عَشَرَ ضِرْسًا وَيُقَالُ لَهَا الطَّوَاحِينُ وَالرَّحَا وَيَلِيهَا أَرْبَعَةٌ تُسَمَّى نَوَاجِذَ وَهِيَ مِنْ الْأَضْرَاسِ، وَيُقَالُ لَهَا أَضْرَاسُ الْعَقْلِ وَأَضْرَاسُ الْحُلُمِ وَهِيَ أَقْصَاهَا وَآخِرُهَا نَبَاتًا فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا لَا تَنْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إرَادَتِهَا فِي ضَحِكِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 فِي الْأَصَابِعِ وَفِيهَا لِأُنْثَى حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ بَعِيرَانِ وَنِصْفٌ، وَلِذِمِّيٍّ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ وَلِمَجُوسِيٍّ ثُلُثُ بَعِيرٍ. وَلِرَقِيقٍ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ صُورَتَانِ: الْأُولَى لَوْ انْتَهَى صِغَرُ السِّنِّ: إلَّا أَنْ لَا تَصْلُحَ لِلْمَضْغِ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الْحُكُومَةُ. الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْغَالِبَ طُولُ الثَّنَايَا عَلَى الرَّبَاعِيَاتِ فَلَوْ كَانَتْ مِثْلَهَا، أَوْ أَقْصَرَ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْخَمْسُ بَلْ يَنْقُصُ مِنْهَا بِحَسَبِ نُقْصَانِهَا وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ دِيَةِ السِّنِّ بَيْنَ أَنْ يَقْلَعَهَا مَعَ السِّنْخِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَإِعْجَامِ الْخَاءِ أَصْلُهَا الْمُسْتَتِرُ بِاللَّحْمِ أَوْ بِكَسْرِ الظَّاهِرِ مِنْهَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ السِّنْخَ تَابِعٌ فَأَشْبَهَ الْكَفَّ مَعَ الْأَصَابِعِ، وَلَوْ أَذْهَبَ مَنْفَعَةَ السِّنِّ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا وَجَبَتْ دِيَتُهَا وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْأَصْلِيَّةِ الزَّائِدَةُ وَهِيَ الشَّاغِيَةُ الْخَارِجَةُ عَنْ سَمْتِ الْأَسْنَانِ الْأَصْلِيَّةِ لِمُخَالَفَةِ نَبَاتِهَا لَهَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَبِقَيْدِ التَّامَّةِ مَا لَوْ كُسِرَ بَعْضُ الظَّاهِرِ مِنْهَا فَفِيهِ قِسْطُهُ مِنْ الْأَرْشِ وَيُنْسَبُ الْمَكْسُورُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ الظَّاهِرِ دُونَ السِّنْخِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِقَيْدِ الْمَثْغُورَةِ مَا لَوْ قُلِعَ سِنٌّ صَغِيرٌ، أَوْ كَبِيرٌ لَمْ يُثْغَرْ نُظِرَ: إنْ بَانَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ فَكَالْمَثْغُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ حَتَّى مَاتَ فَفِيهَا الْحُكُومَةُ وَبِقَيْدِ غَيْرِ الْمُقَلْقَلَةِ الْمُقَلْقَلَةُ، فَإِنْ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهَا فَفِيهَا الْحُكُومَةُ وَحَرَكَةُ السِّنِّ لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ إنْ قَلَّتْ بِحَيْثُ لَا تُؤَدِّي الْقَلْقَلَةُ نَقْصًا فِي مَنْفَعَتِهَا مِنْ مَضْغٍ وَغَيْرِهِ فَكَصَحِيحَةٍ حُكْمُهَا لِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ. (وَ) يَجِبُ (فِي كُلِّ عُضْوٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ) كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالذَّكَرِ الْأَشَلِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَالْأُصْبُعِ الْأَشَلِّ. (حُكُومَةٌ) وَكَذَا فِي كَسْرِ الْعِظَامِ، لِأَنَّ   [حاشية البجيرمي] وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مَفْقُودَةٌ فِي الْخَصِيِّ وَالْكَوْسَجِ أَيْ الْأَجْرُودِ فَأَسْنَانُهُمَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ سِنًّا وَلِابْنِ رَسْلَانَ: مِنْهَا ثَنَايَا أَرْبَعٌ رَبَاعِيَةٌ ... كَذَا وَأَنْيَابٌ كَمِثْلِ تَالِيهِ وَأَرْبَعٌ ضَوَاحِكُ وَاثْنَا عَشَرَ ... ضِرْسًا وَأَرْبَعٌ نَوَاجِذُ أُخَرْ قَالُوا: وَأَسْنَانُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثُونَ سِنًّا وَخَرَجَ بِالْآدَمِيِّ غَيْرُهُ فَأَسْنَانُ الْبَقَرِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ سِنًّا وَأَسْنَانُ الشَّاةِ إحْدَى وَعِشْرُونَ سِنًّا وَأَسْنَانُ التَّيْسِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ سِنًّا وَأَسْنَانُ الْعَنْزِ تِسْعَ عَشْرَةَ سِنًّا اهـ. قَوْلُهُ: (يُسْتَثْنَى) صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: وَخَرَجَ بِالتَّامَّةِ الَّتِي وَصَفَ السِّنَّ بِهَا فِيمَا مَرَّ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَفْهُومُ الْقَيْدِ مُسْتَثْنًى ق ل، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى لَيْسَتْ مَفْهُومَ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ التَّامَّةُ بَلْ مَفْهُومُهُ سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَبِقَيْدِ التَّامَّةِ مَا لَوْ كَسَرَ إلَخْ، نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ ق ل مِنْ أَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى مَفْهُومُ الْقَيْدِ ظَاهِرٌ بِأَنَّ السِّنَّ غَيْرُ تَامَّةٍ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ: وَبِغَيْرِ التَّامَّةِ مَا لَوْ كَسَرَ إلَخْ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ مَفْهُومَ الْقَيْدِ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ مِنْ السِّنِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَكُونُ غَيْرَ تَامَّةٍ لَا أَنَّهُ يَكْسِرُ بَعْضَ سِنٍّ تَامَّةٍ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْخُمُسُ) هَذَا وَجْهٌ مَرْجُوحٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ. قَوْلُهُ: (الْخَارِجَةُ) تَفْسِيرٌ لِلشَّاغِيَةِ. قَوْلُهُ: (فَفِيهَا حُكُومَةٌ) وَأَمَّا السِّنُّ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ ذَهَبٍ وَنَحْوِهِ فَلَا دِيَةَ فِي قَلْعِهَا وَلَا حُكُومَةَ شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُثْغَرْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لَمْ يُثْغَرْ كُلٌّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (نُظِرَ) نُسْخَةٌ: فَإِنَّهُ يُنْظَرُ وَهِيَ أَوْلَى، لِأَنَّ فِي الْأُولَى رَكَاكَةً. قَوْلُهُ: (فَكَالْمَثْغُورَةِ) فَفِيهَا الْخُمُسُ. قَوْلُهُ: (فَفِيهَا الْحُكُومَةُ) ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهَا لَوْ عَاشَ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (الْمُقَلْقَلَةُ) أَيْ الْمُتَحَرِّكَةُ. قَوْلُهُ: (وَحَرَكَةُ السِّنِّ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ إنْ قُلْت: وَالْقَصْدُ مِنْهُ تَقْيِيدُ مَا قَبْلَهُ وَهَذَا فِي الْمَعْنَى مَفْهُومُ قَوْلِهِ: فَإِنْ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهَا، وَفِي تَعْبِيرِهِ قَلَاقَةٌ. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا تُؤَدِّي) أَيْ تُورِثُ نَقْصًا إلَخْ فَانْدَفَعَ قَوْلُ مَنْ حَكَمَ عَلَى الْعِبَارَةِ بِالنَّقْصِ وَقَالَ: لَعَلَّ الْعِبَارَةَ إلَى نَقْصِ إلَخْ. اهـ أج. أَيْ فَهُوَ مُضَمَّنُ مَعْنَى تُورِثُ وَفِي نُسَخٍ إلَى نَقْصٍ وَهُوَ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ: (حُكْمُهَا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَفِي نُسْخَةٍ فِي حُكْمِهَا وَهِيَ أَوْلَى أَيْ فَفِيهَا الْأَرْشُ كَامِلًا. قَوْلُهُ: (وَفِي كُلِّ عُضْوٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 الشَّرْعَ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَوَجَبَ فِيهِ حُكُومَةٌ وَكَذَا يَجِبُ فِي تَعْوِيجِ الرَّقَبَةِ وَالْوَجْهِ وَتَسْوِيدِهِ، وَفِي حَلَمَتَيْ الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى. وَأَمَّا حَلَمَتَا الْمَرْأَةِ فَفِيهِمَا دِيَتُهُمَا لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْإِرْضَاعِ وَجَمَالَ الثَّدْيِ بِهِمَا كَمَنْفَعَةِ الْيَدَيْنِ وَجَمَالِهِمَا بِالْأَصَابِعِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا وَالْحَلَمَةُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ الْمُجْتَمَعُ النَّاتِئُ عَلَى رَأْسِ الثَّدْيِ تَنْبِيهٌ لَوْ ضَرَبَ ثَدْيَ امْرَأَةٍ فَشَلَّ بِفَتْحِ الشِّينِ وَجَبَتْ دِيَتُهُ وَإِنْ اسْتَرْسَلَ فَحُكُومَةٌ لِأَنَّ الْفَائِتَ مُجَرَّدُ جَمَالٍ وَإِنْ ضَرَبَ ثَدْيَ خُنْثَى فَاسْتَرْسَلَ لَمْ يَجِبْ فِيهِ حُكُومَةٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ امْرَأَةً لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا فَلَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ بِالِاسْتِرْسَالِ وَلَا يَفُوتُهُ جَمَالٌ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ وَالْحُكُومَةُ جُزْءٌ مِنْ الدِّيَةِ نِسْبَتُهُ إلَى دِيَةِ النَّفْسِ نِسْبَةُ نَقْصِ الْجِنَايَةِ مِنْ قِيمَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ رَقِيقًا بِصِفَاتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا مِثَالُهُ جَرَحَ يَدَهُ فَيُقَالُ كَمْ قِيمَةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ لَوْ كَانَ رَقِيقًا فَإِذَا قِيلَ مِائَةٌ فَيُقَالُ كَمْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَإِذَا قِيلَ تِسْعُونَ فَالتَّفَاوُتُ الْعُشْرُ فَيَجِبُ عُشْرُ دِيَةِ النَّفْسِ وَهِيَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ إذَا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حُرًّا ذَكَرًا مُسْلِمًا لِأَنَّ الْجُمْلَةَ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ فَتُضْمَنُ الْأَجْزَاءُ بِجُزْءٍ مِنْهَا كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ عَيْبِ الْمَبِيعِ تَنْبِيهٌ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَلَّ بِتَرْتِيبِ صُوَرِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَوَّلِ أَعْنِي إبَانَةَ الْأَطْرَافِ ذَكَرَ الثَّانِيَ أَعْنِي الْمَنَافِعَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ ذَكَرَ الثَّالِثَ أَعْنِي الْجِرَاحَةَ ثُمَّ خَتَمَ بِالسِّنِّ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْأَوَّلِ وَكَانَ حَقُّ التَّرْتِيبِ الْوَضْعِيِّ ذِكْرَ الْأَوَّلِ عَلَى نَسَقٍ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ سَهْلٌ ثُمَّ إنَّهُ اقْتَصَرَ فِي الْأَوَّلِ عَلَى إيرَادِ إحْدَى عَشْرَةَ صُورَةً وَأَهْمَلَ مِنْ صُوَرِهِ سِتَّةً وَفِي الثَّانِي عَلَى خَمْسَةٍ وَأَهْمَلَ مِنْ صُوَرِهِ تِسْعَةً كَمَا أَوْضَحْته كُلَّهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ (وَدِيَةُ الْعَبْدِ) أَيْ وَالْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِ الرَّقِيقِ الْمَعْصُومِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَلَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ (قِيمَتُهُ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَمْ خَطَأً؟ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُتْلَفَةِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْقِيمَةِ بَدَلَ الدِّيَةِ لَكَانَ أَوْلَى فَيَقُولُ: وَفِي الْعَبْدِ قِيمَتُهُ لِمَا سَبَقَ فِي تَعْرِيفِ الدِّيَةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي قِيمَتِهِ التَّغْلِيظُ. أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا ضَمَانَ فِي إتْلَافِهِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا يَجِبُ فِي إتْلَافِهِ شَيْءٌ سِوَاهُ، وَيَجِبُ فِي إتْلَافِ غَيْرِ نَفْسِ الرَّقِيقِ مِنْ أَطْرَافِهِ وَلِطَائِفِهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ سَلِيمًا، إنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ ذَلِكَ الْغَيْرُ مِنْ الْحُرِّ وَلَمْ يَتْبَعْ مُقَدَّرًا وَلَا يَبْلُغُ   [حاشية البجيرمي] الْجِنَايَةِ الَّتِي لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْجِنَايَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَإِعْرَابُ الْمَتْنِ " فِي كُلِّ عُضْوٍ " خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَ " حُكُومَةٌ " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ فَقَدَّرَ الشَّارِحُ فِعْلًا وَجَعَلَ " حُكُومَةٌ " فَاعِلًا لَهُ فَأَخْرَجَ الْمَتْنَ عَنْ نَوْعِ إعْرَابِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَعِيبٍ فَلَا اعْتِرَاضَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا حَلَمَتَا الْمَرْأَةِ) بِالْأَلِفِ فِي صِحَاحِ النُّسَخِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، قَوْلُهُ: (النَّاتِئُ) أَيْ الْبَارِزُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَرْسَلَ) أَيْ اسْتَرْخَى عَلَى صَدْرِهَا بِأَنْ كَانَ قَبْلَ الضَّرْبِ غَيْرَ مُسْتَرْخٍ كَأَنْ كَانَ مِثْلَ الرُّمَّانَةِ. قَوْلُهُ: (مُجَرَّدُ جَمَالٍ) ، لِأَنَّ الْجَمَالَ فِي غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ دُونَ الْمُسْتَرْسِلِ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِيمَا يَسْتَحِبُّونَ مِنْ صِغَرِ الثَّدْيِ وَكِبَرِهِ. قَوْلُهُ: (جُزْءٌ مِنْ الدِّيَةِ) فَالْوَاجِبُ مِنْ الدِّيَةِ التَّقْوِيمُ بِالنَّقْدِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَادَ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ بِقَوْلِهِ: وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ. قَوْلُهُ: (إحْدَى عَشْرَةَ) وَهِيَ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْأُذُنَانِ وَالْعَيْنَانِ وَالْجُفُونُ وَالْأَنْفُ وَاللِّسَانُ وَالشَّفَتَانِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَانِ وَالْأَسْنَانُ وَأَهْمَلَ مِنْ صُوَرِهِ سِتَّةً، وَهِيَ اللَّحْيَانِ وَالْحَلَمَتَانِ وَالْأَلْيَانِ وَالشُّفْرَانِ وَالْجِلْدُ وَالْأَنَامِلُ وَقَوْلُهُ: عَلَى خَمْسَةٍ وَهِيَ الْكَلَامُ وَالْبَصَرُ وَالسَّمْعُ وَالشَّمُّ وَالْعَقْلُ وَأَهْمَلَ مِنْ صُوَرِهِ تِسْعَةً، وَهِيَ الذَّوْقُ وَالْمَضْغُ وَالْجِمَاعُ وَقُوَّةُ الْإِمْنَاءِ وَقُوَّةُ الْحَبَلِ وَالْإِفْضَاءِ وَالْبَطْشِ وَالْمَشْيِ وَالصَّوْتِ قَوْلُهُ: (أَيْ وَالْجِنَايَةُ) أَيْ وَوَاجِبُ الْجِنَايَةِ، وَإِطْلَاقُ الدِّيَةِ عَلَى الْقِيمَةِ مَجَازٌ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي مُقَابَلَةِ النَّفْسِ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَدِيَةُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ أَيْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُرْتَدُّ) أَيْ الْعَبْدُ الْمُرْتَدُّ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ. قَوْلُهُ: (بَيْعُهُ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتْبَعْ مُقَدَّرًا) لَيْسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 بِالْحُكُومَةِ قِيمَةَ جُمْلَةِ الرَّقِيقِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، أَوْ قِيمَةَ عُضْوِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحُرِّ. وَإِنْ قُدِّرَتْ فِي الْحُرِّ كَمُوضِحَةٍ وَقَطْعِ عُضْوٍ فَيَجِبُ مِثْلُ نِسْبَتِهِ مِنْ الدِّيَةِ مِنْ قِيمَتِهِ، لِأَنَّا نُشَبِّهُ الْحُرَّ بِالرَّقِيقِ فِي الْحُكُومَةِ، لِيَعْرِفَ قَدْرَ التَّفَاوُتِ لِيَرْجِعَ بِهِ، فَفِي الْمُشَبَّهِ بِهِ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْحُرَّ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ بِدَلِيلِ التَّكْلِيفِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِهِ فِي التَّقْدِيرِ، فَفِي قَطْعِ يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَفِي يَدَيْهِ قِيمَتُهُ، وَفِي أُصْبُعِهِ عُشْرُهَا، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِهَا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ وَلَوْ قَطَعَ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَاهُ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يَجِبُ لِلْحُرِّ فِيهِ دِيَتَانِ: وَجَبَ بِقَطْعِهِمَا قِيمَتَانِ كَمَا يَجِبُ فِيهِمَا لِلْحُرِّ دِيَتَانِ وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَجِبُ فِي طَرَفِهِ نِصْفُ مَا فِي طَرَفِ الْحُرِّ وَنِصْفُ مَا فِي الْعَبْدِ فَفِي يَدِهِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَرُبُعُ الْقِيمَةِ، وَفِي أُصْبُعِهِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ. وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ فِيمَا زَادَ مِنْ الْجِرَاحَةِ، أَوْ نَقَصَ. (وَ) فِي (دِيَةِ الْجَنِينِ الْحُرِّ) الْمُسْلِمِ (غُرَّةُ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ» عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِتَرْكِ تَنْوِينِ غُرَّةٍ عَلَى الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ وَتَنْوِينُهَا عَلَى أَنَّ   [حاشية البجيرمي] بِقَيْدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَإِنْ تَبِعَ مُقَدَّرًا كَقَطْعِ كَفٍّ بِلَا أَصَابِعَ وَكَانَ وَاجِبُهُ بِالتَّقْوِيمِ أَكْثَرَ مِنْ مَتْبُوعِهِ، أَوْ مِثْلَهُ لَمْ يَجِبْ كُلُّهُ بَلْ يُوجِبُ الْحَاكِمُ شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ نَقَلَهَا م ر. عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَرَدَّهَا بِقَوْلِهِ: وَهَذَا غَيْرُ مُتَّجَهٍ؛ إذْ النَّظَرُ فِي الْقِنِّ أَصَالَةٌ إلَى نَقْصِ الْقِيمَةِ، حَتَّى فِي الْمُقَدَّرِ عَلَى قَوْلٍ فَلَمْ يَنْظُرُوا فِي غَيْرِهِ لِتَبَعِيَّتِهِ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا اتَّبَعَ مُقَدَّرًا يَكُونُ الْوَاجِبُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ سَوَاءً كَانَ زَائِدًا عَلَى وَاجِبِ الْمَتْبُوعِ أَوْ نَاقِصًا عَنْهُ، أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِالْحُكُومَةِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: بِمَا نَقَصَ، لِأَنَّ الْحُكُومَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْحُرِّ، لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الدِّيَةِ بِنِسْبَتِهِ إلَخْ وَعَلَى فَرْضِ أَنَّهَا تَكُونُ فِي الرَّقِيقِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتَهُ، لِأَنَّهَا جُزْءٌ مُقَدَّرٌ مِنْ الْقِيمَةِ فَكَيْفَ تَبْلُغُ الْقِيمَةَ ق ل. فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَلَا يَبْلُغُ وَاجِبُ غَيْرِ الْمُقَدَّرِ قِيمَتَهُ إلَخْ قَالَ سم: وَالْجَوَابُ أَنَّ غَرَضَهُمْ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نَقْصُهَا عَنْ أَرْشِ الْمُقَدَّرِ كَمَا فِي حُكُومَةِ الْمُقَدَّرِ فَتَأَمَّلْ. فَإِنَّهُ دَقِيقٌ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْحُكُومَةِ ذِكْرٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: تَقَدَّمَتْ ضِمْنًا فِي قَوْلِهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ مُسَامَحَةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: سُمِّيَ ذَلِكَ حُكُومَةً لِمَجَازِ الْمُشَابَهَةِ أَيْ مُشَابَهَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ لِنَقْصِ الدِّيَةِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى مَا سَبَقَ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَلِكَ حَتَّى يُحِيلَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: تَوَهَّمَ أَنَّهُ سَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الْحُرِّ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ ذَكَرَهَا فِي الْمَنْهَجِ فِي الْحُرِّ وَأَحَالَ عَلَيْهَا الرَّقِيقَ وَالشَّارِحُ ذَكَرَهَا فِي الرَّقِيقِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يَبْلُغُ بِالْحُكُومَةِ قِيمَةَ جُمْلَةِ الرَّقِيقِ مُحَالٌ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ، لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ فَهُوَ فَرْضٌ مُحَالٌ، وَقَوْلُهُ: أَوْ قِيمَةُ عُضْوِهِ هَذَا مُمْكِنٌ فَنَفْيُهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَبْدِ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْجِنَايَةَ فِي الْعَبْدِ إذَا كَانَتْ لَا أَرْشَ لَهَا مُقَدَّرٌ وَكَانَتْ عَلَى عُضْوٍ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ يَجِبُ فِيهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْرَ قِيمَةِ الْعُضْوِ الَّذِي وَقَعَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ نَظِيرِ ذَلِكَ فِي الْحُرِّ فَيُشْتَرَطُ فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ لَا تَبْلُغَ دِيَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ فَإِنْ بَلَغَتْهَا نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قُدِّرَتْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ قُدِّرَ أَيْ ذَلِكَ الْغَيْرُ، لِأَنَّهُ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: إنْ لَمْ يُقَدَّرْ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّا نُشَبِّهُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ سَلِيمًا إنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْحُرَّ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ قُدِّرَتْ فِي الْحُرِّ إلَخْ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قُطِعَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَقَوْلُهُ: وَأُنْثَيَاهُ بِالْأَلِفِ صَحِيحٌ عَلَى الْجَادَّةِ فَسَقَطَ الِاعْتِرَاضُ. ، وَإِذَا قُطِعَتْ أَطْرَافُ عَبْدٍ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ آخَرُ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ ذَاهِبَ الْأَطْرَافِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فِيمَا زَادَ) أَيْ زَادَ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ قَطْعِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ أَوْ نَقَصَ عَمَّا ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْيَدِ وَنَحْوِهَا قَوْلُهُ: (وَفِي دِيَةِ الْجَنِينِ) لَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ دِيَةٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَرْفُوعٌ مُبْتَدَأٍ، وَفِي إدْخَالِ الْجَارِّ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِهِ الظَّاهِرِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ كَوْنُ الدِّيَةِ ظَرْفًا لِلْغُرَّةِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ النَّفْسِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي إطْلَاقِ الدِّيَةِ عَلَى الْغُرَّةِ مُسَامَحَةً. قَوْلُهُ: (الْمُسْلِمِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الْجَنِينَ الْكَافِرَ فِيهِ غُرَّةٌ أَيْضًا لَكِنَّهَا كَثُلُثِ غُرَّةِ الْمُسْلِمِ فِي الْكِتَابِيِّ وَثُلُثِ خُمُسِ غُرَّةِ الْمُسْلِمِ فِي الْمَجُوسِيِّ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ فَمُهْدَرَانِ كَمَا يَأْتِي كُلُّهُ فِي كَلَامِهِ فَالْمُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مَعْصُومًا، وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَ مِنْ الشُّرُوطِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي ثَمَانِيَةٌ وَالتَّعْمِيمَاتُ ثَمَانِيَةٌ مِثْلُهَا، فَلَوْ أَبْقَى الشَّارِحُ كَلَامَ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ أَعَمَّ. قَوْلُهُ: (عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ) بِخِيرَةِ الْغَارِمِ لَا الْمُسْتَحِقِّ. وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ امْتِنَاعُ الْخُنْثَى وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: يُشْتَرَطُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 مَا بَعْدَهَا بَدَلٌ مِنْهَا وَأَصْلُ الْغُرَّةِ الْبَيَاضُ فِي وَجْهِ الْفَرَسِ وَلِهَذَا شَرَطَ عَمْرُو بْنُ الْعَلَاءِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ أَبْيَضَ وَالْأَمَةُ بَيْضَاءَ وَحَكَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْأَكْثَرُونَ ذَلِكَ وَقَالُوا النَّسَمَةُ مِنْ الرَّقِيقِ غُرَّةٌ لِأَنَّهَا غُرَّةُ مَا يُمْلَكُ أَيْ أَفْضَلُهُ وَغُرَّةُ كُلِّ شَيْءٍ خِيَارُهُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْغُرَّةُ فِي الْجَنِينِ إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ عَلَى أُمِّهِ الْحَيَّةِ مُؤَثِّرَةٍ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِالْقَوْلِ كَالتَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ الْمُفْضِي إلَى سُقُوطِ الْجَنِينِ أَمْ بِالْفِعْلِ كَأَنْ يَضْرِبَهَا أَوْ يُوجِرَهَا دَوَاءً أَوْ غَيْرَهُ فَتُلْقِيَ جَنِينًا أَمْ بِالتَّرْكِ كَأَنْ يَمْنَعَهَا الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ حَتَّى تُلْقِيَ الْجَنِينَ وَكَانَتْ الْأَجِنَّةُ تَسْقُطُ بِذَلِكَ وَلَوْ دَعَتْهَا ضَرُورَةٌ إلَى شُرْبِ دَوَاءٍ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهَا لَا تَضْمَنُ بِسَبَبِهِ وَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورَةِ الصَّوْمُ وَلَوْ فِي رَمَضَانَ إذَا خَشِيَتْ مِنْهُ الْإِجْهَاضَ فَإِذَا فَعَلَتْهُ وَأَجْهَضَتْ ضَمِنَتْهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَمْ غَيْرَهُ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ لِأَنَّ دِيَتَهُمَا لَوْ اخْتَلَفَتْ لَكَثُرَ الِاخْتِلَافُ فِي كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ   [حاشية البجيرمي] كَوْنُهُ سَالِمًا مِنْ عَيْبِ الْمَبِيعِ، وَالْخُنُوثَةُ عَيْبٌ م ر. قَوْلُهُ: (بِتَرْكِ تَنْوِينِ إلَخْ) هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا لَوْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: كَلَامُ الشَّارِحِ بِالنَّظَرِ لِلْمَتْنِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَحَكَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ) أَيْ الْمَالِكِيُّ. قَوْلُهُ: (النَّسَمَةُ) أَيْ الذَّاتُ بَيْضَاءَ، أَوْ سَوْدَاءَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا غُرَّةٌ) لِأَنَّهَا مِنْ بَنِي آدَمَ وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] . قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا تَجِبُ الْغُرَّةُ) إشَارَةٌ إلَى شُرُوطِ وُجُوبِهَا. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ثَمَانِيَةٌ فَذَكَرَ هُنَا أَرْبَعَةً وَسَيَأْتِي بِذِكْرِ اثْنَيْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا مَضْمُونًا وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ اثْنَيْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ. وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِالْمُسْلِمِ، لِأَنَّ الْكَافِرَ كَذَلِكَ مَضْمُونٌ بِالْغُرَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْلِمِ أَمَّا الْكَافِرُ فَفِيهِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي، أَوْ يُقَالُ: الْمَفْهُومُ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ مَعْصُومًا فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ) إشَارَةٌ إلَى تَعْمِيمَاتٍ سَبْعَةٍ: بَعْضُهَا فِي نَفْسِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ مَا هُنَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، وَبَعْضُهَا فِي الْجَنِينِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، وَبَعْضُهَا وَهُوَ وَاحِدٌ فِي أُمِّهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: سَوَاءٌ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهَا، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ يُوجِرَهَا) هُوَ إدْخَالُ شَيْءٍ فِي الْفَمِ قَهْرًا. قَوْلُهُ: (الْإِجْهَاضُ) أَيْ الرَّمْيُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ أَجْهَضَتْ النَّاقَةُ وَلَدَهَا إجْهَاضًا أَلْقَتْهُ قَبْلَ أَنْ يَبِينَ خَلْقُهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يُقَالُ أَجْهَضَتْ إلَّا النَّاقَةُ خَاصَّةً فَهِيَ مُجْهِضَةٌ وَيُقَالُ فِي الْمَرْأَةِ أَسْقَطَتْ وَالْجِهَاضُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْهُ اهـ فَإِطْلَاقُ الْإِجْهَاضِ عَلَى إسْقَاطِ الْمَرْأَةِ مَجَازٌ قَوْلُهُ فَإِذَا فَعَلَتْهُ أَيْ صَامَتْ فَأَجْهَضَتْ أَيْ وَضَعَتْ ضَمِنَتْهُ بِخِلَافِ الْمُرْضِعِ إذَا صَامَتْ فَقَلَّ اللَّبَنُ أَوْ انْقَطَعَ وَمَاتَ الرَّضِيعُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُحْدِثْ فِيهِ صُنْعًا كَمَا لَوْ أَخَذَ طَعَامَ شَخْصٍ وَشَرَابَهُ فَمَاتَ ذَلِكَ الشَّخْصُ فَلَا ضَمَانَ وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ فَرْعٌ مَنْ حَبَسَ آدَمِيًّا وَمَنَعَهُ الزَّادَ وَالْمَاءَ أَوْ عَرَّاهُ فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ زَمَنًا يَمُوتُ فِيهِ غَالِبًا جُوعًا أَوْ عَطَشًا أَوْ بَرْدًا فَعَمْدٌ أَوْ لَا يَمُوتُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ سَابِقٌ فَشِبْهُ عَمْدٍ وَإِلَّا فَإِنْ حَبَسَهُ زَمَنًا إذَا ضُمَّ إلَى الْأَوَّلِ وَمَاتَ وَعَلِمَ سَابِقَ جُوعِهِ وَعَطَشِهِ فَعَمْدٌ مَحْضٌ وَإِنْ جَهِلَ وَجَبَ نِصْفُ دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَفِي الرَّحْمَانِيِّ مَا نَصُّهُ تَنْبِيهٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى إرْضَاعِ اللِّبَأِ وَلَهَا الْأُجْرَةُ فَإِنْ امْتَنَعَتْ وَمَاتَ لَمْ تَضْمَنْ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ وَيَأْتِي أَنَّهَا تَضْمَنُ بِتَرْكِ مَا يَدْفَعُ الْإِجْهَاضَ بِالْغُرَّةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَفِي الْفَرْقِ عُسْرٌ وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ إنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَمَنْ عَلِمَ عَيْنًا إنْ انْفَرَدَ وَإِلَّا فَكِفَايَةٌ كَقَطْعِ سُرَّةِ الْمَوْلُودِ عَقِبَ وِلَادَتِهِ لِتَوَقُّفِ إمْسَاكِ الطَّعَامِ عَلَيْهِ كَإِرْضَاعِهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَوْرِيٌّ لَا يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ فَإِنْ فَرَّطَ ضَمِنَ وَيَجِبُ خِتَانُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَا الْخُنْثَى بَلْ لَا يَجُوزُ. اهـ. حَجّ وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ سُئِلَ فِي امْرَأَةٍ سَافَرَ عَنْهَا زَوْجُهَا فِرَارًا مِنْ نَفَقَتِهَا فَخَافَتْ الْهَلَاكَ فَانْتَقَلَتْ عِنْدَ أَهْلِهَا وَتَرَكَتْ بِنْتًا صَغِيرَةً فَطِيمَةً لَهَا مِنْهُ عِنْدَ أَهْلِهِ وَمَاتَتْ فَادَّعَى عَلَى أَنَّكُمْ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ زَوْجَتِي وَبِنْتِهَا وَمَاتَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَعَلَيْكُمْ دِيَتُهَا هَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا أَجَابَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَالْحَالُ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْجَنِينُ تَعْمِيمٌ فِي قَوْلِهِ وَدِيَةُ الْجَنِينِ الْحُرِّ غُرَّةٌ يَعْنِي أَنَّ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 فَسَوَّى الشَّارِعُ بَيْنَهُمَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْجَنِينُ تَامَّ الْأَعْضَاءِ أَمْ نَاقِصَهَا ثَابِتَ النَّسَبِ أَمْ لَا لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا مَضْمُونًا عَلَى الْجَانِي عِنْدَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمُّهُ مَعْصُومَةً أَوْ مَضْمُونَةً عِنْدَهَا وَلَا أَثَرَ لِنَحْوِ لَطْمَةٍ خَفِيفَةٍ كَمَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الدِّيَةِ وَلَا لِضَرْبَةٍ قَوِيَّةٍ أَقَامَتْ بَعْدَهَا بِلَا أَلَمٍ ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ وَسَوَاءٌ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهَا بِجِنَايَةٍ أَوْ انْفَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا وَلَوْ ظَهَرَ بَعْضُ الْجَنِينِ بِلَا انْفِصَالٍ مِنْ أُمِّهِ كَخُرُوجِ رَأْسِهِ مَيِّتًا وَجَبَتْ فِيهِ الْغُرَّةُ لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا عِنْدَ الْجِنَايَةِ كَجَنِينِ حَرْبِيَّةٍ مِنْ حَرْبِيٍّ وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُومًا كَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْجَنِينِ وَلِأُمِّهِ بِأَنْ جَنَى السَّيِّدُ عَلَى أَمَتِهِ الْحَامِلِ وَجَنِينُهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ مِلْكٌ لَهُ فَعَتَقَتْ ثُمَّ أَلْقَتْ الْجَنِينَ أَوْ كَانَتْ أُمُّهُ مَيِّتَةً أَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ وَلَا ظَهَرَ عَلَى أُمِّهِ شَيْنٌ بِالْجِنَايَةِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَعَدَمِ ضَمَانِ الْجَانِي فِي الثَّانِيَةِ وَظُهُورِ مَوْتِهِ بِمَوْتِهَا فِي الثَّالِثَةِ وَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلَوْ انْفَصَلَ   [حاشية البجيرمي] سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى قَوْلُهُ لِأَنَّ دِيَتَهُمَا الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلِأَنَّ دِيَتَهُمَا لِأَنَّهُ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ قَوْلُهُ لَكَثُرَ الِاخْتِلَافُ أَيْ بَيْنَ الْوَارِثِ وَالْجَانِي فَيَدَّعِي وَارِثُهُ أَنَّهُ ذَكَرٌ لِيَأْخُذَ الْأَكْثَرَ وَالْجَانِي أَنَّهُ أُنْثَى لِيَدْفَعَ الْأَقَلَّ قَوْلُهُ أَمْ لَا كَابْنِ الزِّنَا قَوْلُهُ مَضْمُونًا عَلَى الْجَانِي لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ قَوْلُهُ عِنْدَهَا أَيْ الْجِنَايَةِ وَهُوَ قَيْدٌ فِي الْعِصْمَةِ وَالضَّمَانِ قَوْلُهُ وَلَا أَثَرَ لِنَحْوِ لَطْمَةٍ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مُؤَثِّرَةً وَقَوْلُهُ وَلَا لِضَرْبَةٍ قَوِيَّةٍ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِجِنَايَةٍ عَلَى أُمِّهِ قَوْلُهُ بِجِنَايَةٍ لَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا أَيْ فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمِنْهَاجِ وَأَقَرَّهُ م ر وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ فَأَحْيَاهَا اللَّهُ وَأَلْقَتْهُ فِي حَيَاتِهَا فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ أَيْضًا مَيْدَانِيٌّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ أَيْ لَا تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ب ش اهـ م د قَوْلُهُ وَلَوْ ظَهَرَ بَعْضُ الْجَنِينِ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا انْفَصَلَ أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ شَيْخُنَا وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فِيمَا سَبَقَ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْغُرَّةُ فِي الْجَنِينِ إذَا انْفَصَلَ أَوْ ظَهَرَ إلَخْ كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ وَلَعَلَّهُ أَفْرَدَ مَسْأَلَةَ الظُّهُورِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ قَوْلُهُ أَوْ يَكُنْ مَضْمُونًا ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَدَمِ الْعِصْمَةِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ م ر وَحَجّ دُخُولُ ذَلِكَ فِي عَدَمِ الْعِصْمَةِ وَعِبَارَتُهُمَا وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ الْجَنِينِ بِالْعِصْمَةِ مَا لَوْ جَنَى عَلَى حَرْبِيَّةٍ حَامِلٍ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدَّةٍ حَامِلٍ بِوَلَدٍ فِي حَالِ رِدَّتِهَا فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ أَجْهَضَتْ أَوْ عَلَى أَمَتِهِ الْحَامِلِ مِنْ غَيْرِهِ فَعَتَقَتْ ثُمَّ أَجْهَضَتْ وَالْحَمْلُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ لِإِهْدَارِهِ قَوْلُهُ وَلِأُمِّهِ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مِلْكِ الْجَنِينِ فَقَطْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا زَادَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ وَلَوْ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَقَوْلُهُ بَعْدُ وَعَتَقَتْ أَيْ وَسَرَى الْعِتْقُ لِلْجَنِينِ فَصَحَّ التَّمْثِيلُ وَإِنْ كَانَ حَالَ الْجِنَايَةِ رَقِيقًا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ وَلِأُمِّهِ قَيْدًا خِلَافًا لِمَا فِي الْحَاشِيَةِ قَوْلُهُ الْحَامِلِ أَيْ مِنْ زَوْجٍ بِأَنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَحَمَلَتْ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ جَنَى السَّيِّدُ عَلَيْهَا ثُمَّ عَتَقَتْ وَأَجْهَضَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ الْجَانِي وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ فَعَتَقَتْ فَتَأَمَّلْ وَحَرِّرْ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ فَعَتَقَتْ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ عِتْقِهَا قَبْلَ الْحَمْلِ فَإِنَّ وَلَدَهَا يَكُونُ حُرًّا تَبَعًا لَهَا فَيَضْمَنُهُ الْجَانِي وَيَتْبَعُهَا الْحَمْلُ فِي الْعِتْقِ وَلَكِنْ لَا يَضْمَنُهُ السَّيِّدُ لِأَنَّهُ حَالَةَ الْجِنَايَةِ رَقِيقٌ مِلْكُهُ لَهُ لَكِنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ حَالَ الْجِنَايَةِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. م د قَوْلُهُ فَعَتَقَتْ أَيْ وَيَتْبَعُهَا الْحَمْلُ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ وَهَذَا رَقِيقٌ قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ أَيْ لَا كُلًّا وَلَا بَعْضًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ وَلَمْ يَظْهَرْ أَوْ انْفَصَلَ أَوْ ظَهَرَ لَحْمٌ لَا صُورَةَ فِيهِ أَوْ كَانَتْ أُمُّهُ مَيِّتَةً أَوْ كَانَ هُوَ غَيْرَ مَعْصُومٍ عِنْدَ الْجِنَايَةِ كَجَنِينِ حَرْبِيَّةٍ مِنْ حَرْبِيٍّ وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَظُهُورِ مَوْتِهِ فِي الثَّالِثَةِ وَعَدَمِ الِاحْتِرَامِ فِي الرَّابِعَةِ. اهـ. قَوْلُهُ وَلَا ظَهَرَ عَلَى أُمِّهِ شَيْنٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِيمَا قَبْلَهُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَلَى أُمِّهِ شَيْنٌ تَجِبُ الْغُرَّةُ مَعَ أَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ فَلَا غُرَّةَ حِينَئِذٍ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ وَلَا ظَهَرَ وَيَقُولُ فِي الْأَخِيرَةِ بَدَلَ الْأَخِيرَتَيْنِ أَوْ أَنْ يَقُولَ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ إلَخْ وَالْمَعْنَى أَوْ انْفَصَلَ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَى أُمِّهِ شَيْنٌ بِالْجِنَايَةِ فَلَا تَجِبُ الْغُرَّةُ وَهَذَا صَحِيحٌ وَيَظْهَرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 حَيًّا وَبَقِيَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ زَمَنًا بِلَا أَلَمٍ فِيهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْجَانِي وَإِنْ مَاتَ حِينَ خَرَجَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ أَوْ دَامَ أَلَمُهُ وَمَاتَ مِنْهُ فَدِيَةُ نَفْسٍ كَامِلَةٌ عَلَى الْجَانِي تَنْبِيهٌ لَوْ أَلْقَتْ امْرَأَةٌ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهَا جَنِينَيْنِ مَيِّتَيْنِ وَجَبَتْ غُرَّتَانِ أَوْ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَهَكَذَا وَلَوْ أَلْقَتْ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَمَاتَتْ وَجَبَتْ غُرَّةٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ حَصَلَ بِوُجُودِ الْجَنِينِ أَمَّا لَوْ عَاشَتْ الْأُمُّ وَلَمْ تُلْقِ جَنِينًا فَلَا يَجِبُ إلَّا نِصْفُ غُرَّةٍ كَمَا أَنَّ يَدَ الْحَيِّ لَا يَجِبُ فِيهَا إلَّا نِصْفُ دِيَةٍ وَلَا يَضْمَنُ بَاقِيَهُ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ تَلَفَهُ وَلَوْ أَلْقَتْ لَحْمًا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فِيهِ صُورَةُ آدَمِيٍّ خَفِيَّةٌ وَجَبَتْ الْغُرَّةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالُوا لَوْ بَقِيَ لِتَصَوُّرِ أَيِّ تَخَلُّقٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ كَمَا مَرَّ فِي الْعَدَدِ وَالْخِيرَةُ فِي الْغُرَّةِ إلَى الْغَارِمِ وَيُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى قَبُولِهَا مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَتْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ مُمَيِّزًا فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ غَيْرِهِ سَلِيمًا مِنْ عَيْبِ مَبِيعٍ لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَيْسَ مِنْ الْخِيَارِ وَالْأَصَحُّ قَبُولُ رَقِيقٍ كَبِيرٍ لَمْ يَعْجِزْ بِهَرَمٍ لِأَنَّهُ مِنْ الْخِيَارِ مَا لَمْ تَنْقُصْ مَنَافِعُهُ وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا فِي الْقِيمَةِ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ مِنْ الْأَبِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ الْمُسْلِمَةِ فَفِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ رَقِيقٌ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَإِنْ فُقِدَتْ الْغُرَّةُ حِسًّا بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وُجِدَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا فَخَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ بَدَلَهَا لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِهَا وَهِيَ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي وَالْجَنِينُ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ بِالتَّبَعِ لِأَبَوَيْهِ تَجِبُ فِيهِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ مَسْأَلَتَانِ وَلَكِنْ تَكُونُ الثَّانِيَةُ مُكَرَّرَةً مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا أَثَرَ لِضَرْبَةِ خَفِيفَةً فَرَجَعْنَا إلَى أَنَّ الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ وَلَا ظَهَرَ وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ لَوْ أَتَى بِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ شَيْنٌ صَوَابُهُ شَيْءٌ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ وَلَا ظَهَرَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّهِ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ قَوْلُهُ الْأُولَى هِيَ جَنِينُ حَرْبِيَّةٍ مِنْ حَرْبِيٍّ وَالْمُرَادُ بِالثَّانِيَةِ كَوْنُ الْجَنِينِ وَأُمِّهِ مِلْكًا لِلْجَانِي وَالثَّالِثَةِ كَوْنُ أُمِّ الْجَنِينِ مَيِّتَةً وَالْمُرَادُ بِالْأَخِيرَتَيْنِ هُمَا عَدَمُ الِانْفِصَالِ وَعَدَمُ ظُهُورِ الشَّيْنِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّهِ وَالْعِلَّةُ ظَاهِرَةٌ فِي أُولَى الْأَخِيرَتَيْنِ دُونَ الثَّانِيَةِ. اهـ. قَوْلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْجَانِي لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ مَوْتَهُ بِالْجِنَايَةِ شَرْحَ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ عَلَى الْجَانِي أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ بَعْدُ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يُقْصَدُ بِالْجِنَايَةِ قَوْلُهُ حِينَ خَرَجَ أَيْ تَمَّ خُرُوجُهُ. اهـ. م ر وَحَجّ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ خُرُوجِهِ وَفِي الْعُبَابِ وَلَوْ ضَرَبَهَا فَخَرَجَ رَأْسُهُ وَصَاحَ فَحَزَّهُ شَخْصٌ لَزِمَهُ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ أَوْ فَصَاحَ وَمَاتَ قَبْلَ انْفِصَالِهِ فَعَلَى الضَّارِبِ الْغُرَّةُ أَوْ بَعْدَهُ فَالدِّيَةُ. اهـ. سم قَوْلُهُ فَدِيَةُ نَفْسٍ كَامِلَةٌ أَيْ وَلَوْ انْفَصَلَ الْجَنِينُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. اهـ. مَتْنَ الرَّوْضِ قَوْلُهُ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ تَلَفَهُ أَيْ كَيَدَيْنِ أَلْقَتْهُمَا وَمَاتَتْ أَوْ عَاشَتْ فَيَجِبُ فِيهِمَا غُرَّةٌ وَكَذَا لَوْ أَلْقَتْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا مِنْ الْأَيْدِي أَوْ الْأَرْجُلِ وَرَأْسَيْنِ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِمَا لِجَنِينٍ وَاحِدٍ بَعْضُهَا أَصْلِيٌّ وَبَعْضُهَا زَائِدٌ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أُخْبِرَ بِامْرَأَةٍ لَهَا رَأْسَانِ فَنَكَحَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَنَظَرَ إلَيْهَا وَطَلَّقَهَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجِبُ لِلْعُضْوِ الثَّالِثِ فَأَكْثَرَ حُكُومَةٌ شَرْحَ الرَّوْضِ قَوْلُهُ وَالْخِيرَةُ فِي الْغُرَّةِ مِنْ كَوْنِهَا عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ قَوْلُهُ مُمَيِّزًا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ سَبْعَ سِنِينَ كَمَا قَالَهُ م ر قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ قَبُولُهُ وَيُجْزِئُ وَمِثْلُهُ غَيْرُ السَّلِيمِ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ فَرَاجِعْهُ ق ل قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا هَلْ هَذَا الشَّرْطُ لِعَدَمِ لُزُومِ الْقَبُولِ أَوْ لِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ رَاجِعْهُ ق ل قَوْلُهُ فَإِنْ فُقِدَتْ الْغُرَّةُ إلَخْ فَإِنْ فُقِدَتْ الْإِبِلُ أَيْضًا وَجَبَ قِيمَتُهَا كَمَا فِي الدِّيَةِ. اهـ. مَرْحُومِي وَلَمْ يُبَيِّنْ الشَّارِحُ الْمَحَلَّ الَّذِي فُقِدَتْ مِنْهُ هَلْ هُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَوْ غَيْرُهَا وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي فَقْدِ الدِّيَةِ أَنَّهُ هُنَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ كَمَا قَالَهُ ع ش م ر قَوْلُهُ وَهِيَ أَيْ الْغُرَّةُ أَيْ إنْ وُجِدَتْ وَكَذَا بَدَلُهَا مِنْ الْإِبِلِ عِنْدَ عَدَمِهَا وَكَذَا قِيمَةُ الْإِبِلِ فَالْمَرَاتِبُ ثَلَاثَةٌ قَوْلُهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ أَيْ عَلَى قَاعِدَةِ قِسْمَةِ فَرَائِضِ اللَّهِ قَوْلُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي أَيْ مُؤَجَّلَةً لِأَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ يَكُونُ مُؤَجَّلًا وَإِنَّمَا كَانَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ حَتَّى يُقْصَدَ بِالْجِنَايَةِ فَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ مِنْ قَبِيلِ الْخَطَأِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ الْغُرَّةَ تَغْلِيظٌ وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ أَوْ كَانَ الْجَنِينُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 غُرَّةٌ كَثُلُثِ غُرَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي دِيَتِهِ وَهُوَ بَعِيرٌ وَثُلُثَا بَعِيرٍ وَفِي الْجَنِينِ الْمَجُوسِيِّ ثُلُثُ خُمُسِ غُرَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي دِيَتِهِ وَهُوَ ثُلُثُ بَعِيرٍ وَأَمَّا الْجَنِينُ الْحَرْبِيُّ وَالْجَنِينُ الْمُرْتَدُّ بِالتَّبَعِ لِأَبَوَيْهِمَا فَمُهْدَرَانِ ، ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْجَنِينِ الرَّقِيقِ فَقَالَ (وَدِيَةُ الْجَنِينِ الْمَمْلُوكِ) ذَكَرًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ فِيهِ (عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ) قِنَّةً كَانَتْ أَوْ مُدَبَّرَةً، أَوْ مُكَاتَبَةً، أَوْ مُسْتَوْلَدَةً قِيَاسًا عَلَى الْجَنِينِ الْحُرِّ، فَإِنَّ الْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ مُعْتَبَرَةٌ بِعُشْرِ مَا تُضْمَنُ بِهِ الْأُمُّ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا قِيمَتَهُ فِي نَفْسِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ اسْتِقْلَالِهِ بِانْفِصَالِهِ مَيِّتًا. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ هِيَ الْجَانِيَةَ عَلَى نَفْسِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي جَنِينِهَا الْمَمْلُوكِ لِلسَّيِّدِ شَيْءٌ، إذْ لَا يَجِبُ لِلسَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ شَيْءٌ، وَخَرَجَ بِالرَّقِيقِ الْمُبَعَّضُ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تُوَزَّعَ الْغُرَّةُ فِيهِ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ خِلَافًا لِلْمَحَامِلِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ كَالْحُرِّ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأُمِّ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، بِأَكْثَرِ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْجِنَايَةِ إلَى حِينِ الْإِجْهَاضِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاجِ؛ مِنْ أَنَّهَا يَوْمَ الْجِنَايَةِ هَذَا إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ فَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا وَمَاتَ مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ فِيهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الِانْفِصَالِ. وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُسْتَحِقِّ لِذَلِكَ. وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ بَدَلَ الْجَنِينِ الْمَمْلُوكِ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: لِسَيِّدِهَا أَيْ أُمِّ الْجَنِينِ، لِأَنَّ الْجَنِينَ قَدْ يَكُونُ لِشَخْصٍ وَصَّى لَهُ بِهِ، وَتَكُونُ الْأُمُّ لِآخَرَ فَالْبَدَلُ لِسَيِّدِهِ لَا لِسَيِّدِهَا وَقَدْ يُرَدُّ عَنْ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، مِنْ أَنَّ الْحَمْلَ الْمَمْلُوكَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ مَقْطُوعَةَ الْأَطْرَافِ وَالْجَنِينُ سَلِيمَهَا قُوِّمَتْ بِتَقْدِيرِهَا سَلِيمَةً فِي الْأَصَحِّ لِسَلَامَتِهِ كَمَا لَوْ   [حاشية البجيرمي] مَحْرَمَ رَحِمٍ وَآلَ الْأَمْرُ إلَى الْإِبِلِ دَخَلَ التَّغْلِيظُ فَلَوْ غُلِّظَتْ كَانَ الْوَاجِبُ حِقَّةً وَنِصْفًا وَجَذَعَةً وَنِصْفًا وَخَلِفَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ ح ل م ر قَوْلُهُ وَالْجَنِينُ الْيَهُودِيُّ هَذَا يَشْمَلُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْمُسْلِمِ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ الشَّارِحُ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّ الْغُرَّةَ فِي الْمُسْلِمِ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ غَيْرِهِ فَلَوْ أَسْقَطَ الشَّارِحُ الْمُسْلِمَ فِيمَا سَبَقَ لَاسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ نَعَمْ قَوْلُهُ كَثُلُثِ إلَخْ لَمْ يُعْلَمْ مِمَّا سَبَقَ قَوْلُهُ: (وَدِيَةُ الْجَنِينِ) هِيَ قِيمَةٌ لَا دِيَةٌ فَالْأَوْلَى " وَقِيمَةُ " وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَفِي جَنِينٍ رَقِيقٍ عُشْرُ أَقْصَى قِيَمِ أُمِّهِ مِنْ جِنَايَةٍ إلَى إلْقَاءٍ لِسَيِّدِهِ وَتُقَوَّمُ الْأُمُّ سَلِيمَةً اهـ. وَقَوْلُهُ: عُشْرُ أَقْصَى قِيَمِ أُمِّهِ مَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ حَيًّا وَيَمُوتُ أَمَّا إذَا انْفَصَلَ حَيًّا وَمَاتَ مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ فِيهِ تَمَامَ قِيمَتِهِ يَوْمَ الِانْفِصَالِ قَطْعًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (فِيهِ) الظَّاهِرُ إسْقَاطُهُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِدِيَةٍ أَيْ الْوَاجِبَةِ فِيهِ وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ: فِيهِ لَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ فِيهِ إبْدَالَ الْخَبَرِ الْمُفْرَدِ بِالْخَبَرِ الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالرَّقِيقِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: بِالْمَمْلُوكِ لِأَنَّهُ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ وَقَوْلُهُ " الْمُبَعَّضُ " بِأَنْ كَانَتْ أُمُّهُ مُبَعَّضَةً فَإِنَّ سَيِّدَهَا مُبَعَّضٌ عَلَى الرَّاجِحِ. قَوْلُهُ: (أَنْ تُوَزَّعَ الْغُرَّةُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَنْ يُوَزَّعَ الْوَاجِبُ فَإِذَا كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ رَقِيقًا فَالْوَاجِبُ نِصْفُ غُرَّةٍ وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ مُبَعَّضَةً فَهَلْ الْمُعْتَبَرُ عُشْرُ قِيمَتِهَا، أَوْ عُشْرُ دِيَتِهَا، أَوْ عُشْرُهُمَا مَعًا. نَعَمْ إنْ انْفَصَلَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَتْ بِالْجِنَايَةِ اُعْتُبِرَ يَوْمَ انْفِصَالِهِ قَطْعًا، وَلَوْ كَانَتْ كَافِرَةً وَالْجَنِينُ مُسْلِمٌ اُعْتُبِرَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كَانَتْ حُرَّةً وَالْجَنِينُ رَقِيقٌ قُدِّرَتْ رَقِيقَةً وَلَوْ أَنْكَرَ الْجَانِي أَصْلَ الْجِنَايَةِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَا وَأَنْكَرَ الْإِجْهَاضَ، أَوْ أَقَرَّ بِهَا وَادَّعَى نُزُولَهُ حَيًّا، أَوْ ادَّعَى مَوْتَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ وَأَمْكَنَ لِطُولِ زَمَنٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ وَلَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ مُطْلَقًا. وَكَذَا مَحْضُ النِّسَاءِ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوِلَادَةِ وَتَشْهَدُ فِي الْأَخِيرَةِ بِدَوَامِ الْأَلَمِ إلَى الْمَوْتِ. وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ فِيهَا مَا ذُكِرَ صُدِّقَ الْوَارِثُ وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ عُرِفَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَجَبَ الْيَقِينُ وَهُوَ غُرَّةٌ وَدِيَةُ أُنْثَى وَلَوْ أَلْقَتْ حَيًّا وَمَيِّتًا وَمَاتَتْ هِيَ وَالْحَيُّ وَادَّعَى الْوَارِثُ أَنَّ الْجَنِينَ سَبَقَ مَوْتَهَا وَوَارِثُهَا عَكْسُهُ فَإِنْ حُلِّفَا، أَوْ نَكَلَا فَلَا تَوَارُثَ، وَإِلَّا قُضِيَ لِلْحَالِفِ اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ) وَهُوَ قَوْلُهُ: لِعَدَمِ ثُبُوتِ اسْتِقْلَالِهِ بِانْفِصَالِهِ مَيِّتًا. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَعْتَذِرُ) أَيْ يُجَابُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَيَحْمِلُ الْعُشْرَ الْمَذْكُورَ عَاقِلَةُ الْجَانِي عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 كَانَتْ كَافِرَةً، وَالْجَنِينُ مُسْلِمٌ، فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا الْإِسْلَامُ، وَتُقَوَّمُ مُسْلِمَةً، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً، وَالْجَنِينُ رَقِيقٌ، فَإِنَّهَا تُقَدَّرُ رَقِيقَةً. وَصُورَتُهُ: أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ لِشَخْصٍ وَالْجَنِينُ لِآخَرَ بِوَصِيَّةٍ فَيُعْتِقُهَا مَالِكُهَا، وَيَحْمِلُ الْعُشْرَ الْمَذْكُورَ عَاقِلَةُ الْجَانِي عَلَى الْأَظْهَرِ. فَصْلٌ: فِي الْقَسَامَةِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْأَيْمَانِ الَّتِي تُقْسَمُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الدَّمِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْقَسَمِ وَهُوَ الْيَمِينُ وَقِيلَ اسْمٌ لِلْأَوْلِيَاءِ وَتَرْجَمَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَكْثَرُونَ بِبَابِ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى الدَّمِ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى إيرَادِ وَاحِدٍ مِنْهَا وَهُوَ الْقَسَامَةُ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ وَأَدْرَجَ فِيهِ الْكَلَامَ عَلَى الْكَفَّارَةِ فَقَالَ (وَإِذَا اقْتَرَنَ بِدَعْوَى الْقَتْلِ) عِنْدَ حَاكِمٍ لَوْثٌ وَهُوَ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ التَّلْوِيثِ أَيْ التَّلْطِيخِ (يَقَعُ بِهِ) أَيْ اللَّوْثِ (فِي النَّفْسِ صِدْقُ الْمُدَّعِي) بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ بِقَرِينَةٍ كَأَنْ وُجِدَ قَتِيلٌ، أَوْ بَعْضُهُ كَرَأْسِهِ، إذَا تَحَقَّقَ مَوْتُهُ فِي مَحَلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ   [حاشية البجيرمي] الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ لَا عَمْدَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ وَلَا حَيَاتُهُ حَتَّى يُقْصَدَ شَرْحَ الْمَنْهَجِ وَانْظُرْ هَلْ هِيَ حَالَّةٌ، أَوْ مُؤَجَّلَةٌ وَمَا كَيْفِيَّةُ تَأْجِيلِهَا، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا تُؤَجَّلُ سَنَةً، لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْكَامِلِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا عَمْدَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ: وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى أُمِّهِ عَمْدًا إذْ تَعَمُّدُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَمُّدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ وَلَا حَيَاتُهُ فَيُقْصَدُ. اهـ. ز ي. [فَصْلٌ فِي الْقَسَامَةِ] ِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْقَتْلِ لِتَعَلُّقِهَا بِهِ أَيْ فَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ الْقَاتِلِ إنْكَارَ الْقَتْلِ اسْتَدْعَى ذَلِكَ بَعْدَ بَيَانِ مُوجَبَاتِهِ بَيَانَ الْحُجَّةِ فِيهِ وَهِيَ بَعْدَ الدَّعْوَى إمَّا يَمِينٌ وَإِمَّا شَهَادَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهَا أَيْ بِالْيَمِينِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَقَرَّهَا الشَّارِعُ فِي الْإِسْلَامِ اهـ أج قَوْلُهُ اسْمٌ لِلْأَيْمَانِ عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَهِيَ لُغَةً اسْمٌ لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ وَلِأَيْمَانِهِمْ وَاصْطِلَاحًا اسْمٌ لِأَيْمَانِهِمْ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْأَيْمَانِ مُطْلَقًا إذْ الْقَسَمُ الْيَمِينُ قَوْلُهُ وَقِيلَ اسْمٌ لِلْأَوْلِيَاءِ تَعْبِيرُهُ بِقِيلَ يَقْتَضِي أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَإِلَّا فَمَعْنَاهَا اصْطِلَاحًا هُوَ الْأَيْمَانُ الَّتِي تُقْسَمُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ خَاصَّةً قَوْلُهُ عَلَى إيرَادِ وَاحِدٍ مِنْهَا . وَذَكَرَ دَعْوَى الدَّمِ بِقَوْلِهِ: " وَإِذَا اقْتَرَنَ بِدَعْوَى الْقَتْلِ " تَوْطِئَةً لِلْقَسَامَةِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ شُرُوطَ الدَّعْوَى كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَأَدْرَجَ) أَيْ ذَكَرَ فِيهِ أَيْ فِي فَصْلِ الْقَسَامَةِ أَيْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِطْرَادِ لِأَنَّ حَقَّ الْكَفَّارَةِ أَنْ تُذْكَرَ مَعَ الْقِصَاصِ، أَوْ الدِّيَةِ فَذِكْرُهَا مَعَ الْقَسَامَةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا لِمُنَاسَبَةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالْقَسَامَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ حَاكِمٍ) هُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ لِأَنَّهَا لَا يُقَالُ: لَهَا دَعْوَى إلَّا عِنْدَهُ وَمِثْلُ الْحَاكِمُ الْمُحَكَّمُ. قَوْلُهُ: (لَوْثٌ) أَيْ قَرِينَةٌ تُوقِعُ فِي الْقَلْبِ صِدْقَ الْمُدَّعِي، وَاللَّوْثُ لُغَةً بِمَعْنَى الْقُوَّةِ لِقُوَّتِهِ بِتَحْوِيلِهِ الْيَمِينَ لِجَانِبِ الْمُدَّعِي أَوْ الضَّعْفِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ شَرْحَ م ر. قَوْلُهُ: (أَيْ التَّلْطِيخِ) كَأَنَّ عِرْضَ الْمُتَّهَمِ تَلَوَّثَ بِنِسْبَتِهِ إلَى الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَغْلِبَ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: يَقَعُ. قَوْلُهُ: (بِقَرِينَةٍ) هِيَ نَفْسُ اللَّوْثِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ بِهِ أَيْ بِاللَّوْثِ، وَالْقَرِينَةُ إمَّا حَالِيَّةٌ، أَوْ مَقَالِيَّةٌ فَالْأُولَى كَأَنْ وُجِدَ قَتِيلٌ إلَخْ وَالثَّانِيَةُ كَأَنْ أَخْبَرَ بِقَتْلِهِ عَدْلٌ، أَوْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صِبْيَةٌ، أَوْ كُفَّارٌ أَوْ فَسَقَةٌ م د. قَوْلُهُ: (كَرَأْسِهِ) الظَّاهِرُ: أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ فَيُفِيدُ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْمَوْجُودِ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ الْقَتْلَ لَا كَنَحْوِ يَدٍ. اهـ. ع ش وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ أَيْ الرَّأْسِ عَنْ قَوْلِهِ: إذَا تَحَقَّقَ مَوْتُهُ. تَنْبِيهٌ: مِنْ اللَّوْثِ الشُّيُوعُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، بِأَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، وَنَحْوُ تَلَطُّخِ ثَوْبِهِ، أَوْ نَحْوِ سَيْفِهِ بِدَمٍ، وَتَحَرُّكِ يَدِهِ بِنَحْوِ سَيْفٍ وَلَيْسَ هُنَاكَ نَحْوُ سَبُعٍ، وَوُجُودِ عَدُوٍّ وَلَيْسَ ثَمَّ رَجُلٌ آخَرُ، لَا وُجُودُ رَجُلٍ عِنْدَهُ سِلَاحٌ وَلَا تَلَطُّخُ يَدٍ وَلَوْ لِعَدُوٍّ وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 بَلَدٍ كَبِيرٍ وَلَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ، وَلَا بَيِّنَةَ بِقَتْلِهِ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لِأَعْدَائِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ، إذَا كَانَتْ تَبْعَثُ عَلَى الِانْتِقَامِ بِالْقَتْلِ، أَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ وَقَدْ تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ، كَأَنْ ازْدَحَمُوا عَلَى بِئْرٍ، أَوْ بَابِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ. (حُلِّفَ الْمُدَّعِي) بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى قَتْلٍ ادَّعَاهُ لِنَفْسٍ وَلَوْ نَاقِصَةً كَامْرَأَةٍ وَذِمِّيٍّ. (خَمْسِينَ يَمِينًا) لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: قَتَلَنِي فُلَانٌ، أَوْ جَرَحَنِي أَوْ دَمِي عِنْدَهُ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ ضَرَرِهِ لِعَدَاوَةٍ مَعَ خَطَرِ الْقَتْلِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِالْمَالِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ لِوَارِثٍ، ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَوْلُهُ: قَتَلَنِي فُلَانٌ إلَخْ خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ قَالَ: لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُكْذَبُ فِيهَا وَفِي ع ش عَلَى م ر وَلَيْسَ مِنْ اللَّوْثِ مَا لَوْ وُجِدَ مَعَهُ ثِيَابُ الْقَتِيلِ وَلَوْ كَانَتْ مُلَطَّخَةً بِالدَّمِ اهـ. قَوْلُهُ: (إذَا تَحَقَّقَ مَوْتُهُ) قَيْدٌ فِي الْبَعْضِ ق ل فَهُوَ فِي مَعْنَى التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ ذَلِكَ الْبَعْضِ مِمَّا لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ كَالرَّأْسِ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ وَهَذَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ كَرَأْسِهِ وَإِلَّا فَوُجُودُ الرَّأْسِ تَحْقِيقٌ لِلْقَتْلِ وَلَوْ وُجِدَ بَعْضُهُ فِي مَحَلَّةٍ وَبَعْضُهُ فِي أُخْرَى فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُعَيِّنَ وَيُقْسِمَ زي. قَوْلُهُ: (فِي مَحَلَّةٍ) أَيْ حَارَةٍ مُنْفَصِلَةٍ أَيْ فَيَكُونُ لَوْثًا فِي حَقِّ أَهْلِ هَذِهِ الْمَحَلَّةِ فَقَطْ وَكَذَا قَوْلُهُ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ تَكُونُ لَوْثًا فِي حَقِّ أَهْلِ الْقَرْيَةِ كُلِّهِمْ وَقَوْلُهُ: " مُنْفَصِلَةٍ " قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ قَيَّدَ بِهِ لِيَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَحْصُورًا. قَوْلُهُ: (عَنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ) الْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ مَا لَيْسَ أَهْلُهَا مَحْصُورِينَ وَالصَّغِيرَةِ مَا أَهْلُهَا مَحْصُورُونَ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: كَبِيرًا لِيُلَائِمَ قَوْلَهُ " مُنْفَصِلَةٍ ". قَوْلُهُ: (أَوْ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ) أَيْ وَلَمْ يُسَاكِنْهُمْ غَيْرُهُمْ كَمَا صَحَّحَهُ. فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (لِأَعْدَائِهِ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ أَيْ لِمَحَلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَهَذَا يَقْتَضِي اعْتِبَارُ عَدَاوَتِهِمْ لِلْقَتِيلِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونُوا أَعْدَاءً لِقَبِيلَتِهِ قَالَ: ع ش. وَكَأَعْدَائِهِ أَعْدَاءٌ لِأَوْلِيَائِهِ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَتْ) يَرْجِعُ لِكُلٍّ مِنْ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ فِي الدِّينِيَّةِ عَنْ مُجَرَّدِ فِسْقٍ. قَوْلُهُ: (جَمْعٌ) أَيْ مَحْصُورُونَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْمِثَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ ق ل فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ فَلَا قَسَامَةَ نَعَمْ إنْ ادَّعَى عَلَى عَدَدٍ مِنْهُمْ مَحْصُورِينَ مُكِّنَ مِنْ الدَّعْوَى وَالْقَسَامَةِ وَفِي ع ش عَلَى م ر: وَالْمُرَادُ بِالْمَحْصُورِينَ مَنْ يَسْهُلُ عَدُّهُمْ وَالْإِحَاطَةُ بِهِمْ إذَا وَقَفُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ وَبِغَيْرِ الْمَحْصُورِينَ مَنْ يَعْسُرُ عَدُّهُمْ كَذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَاقِصَةً) أَيْ مِنْ جِهَةِ الدِّيَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْقِصَاصِ فِي الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ نَاقِصٌ مِنْ الْجِهَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (خَمْسِينَ يَمِينًا) وَلَوْ فِي قَتْلِ نَحْوِ امْرَأَةٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ جَنِينٍ وَيُبَيِّنُ فِي كُلِّ يَمِينٍ مِنْهَا صِفَةَ الْقَتْلِ. وَيُشِيرُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ حُضُورِهِ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا قَتَلَ ابْنِي مَثَلًا عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ خَطَأً مُنْفَرِدًا، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، وَيَرْفَعُ نَسَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ، أَوْ يُعَرِّفُهُ بِمَا يَمْتَازُ بِهِ مِنْ قَبِيلَةٍ، أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ لَقَبٍ اهـ. ز ي. قَالَ: م ر: وَلَعَلَّ حِكْمَةَ الْخَمْسِينَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقَوَّمُ بِأَلْفِ دِينَارٍ غَالِبًا وَلِذَا أَوْجَبَهَا الْقَدِيمُ وَالْقَصْدُ مِنْ تَعَدُّدِ الْأَيْمَانِ التَّغْلِيظُ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا فَاقْتَضَى الِاحْتِيَاطُ لِلنَّفْسِ أَنْ يُقَابَلَ كُلُّ عِشْرِينَ مِنْ الْأَلْفِ بِيَمِينٍ مُنْفَرِدَةٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّغْلِيظُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي هَذِهِ الْحِكْمَةِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ دِيَةَ الْكَافِرِ عَلَى الثُّلُثِ مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ، وَأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ عَلَى قَدْرِ السُّدُسِ مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ وَأَنَّ الْغُرَّةَ عَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْهُ، وَقِيمَةُ الرَّقِيقِ قَدْ لَا تَفِي بِهِ، أَوْ أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى الدِّيَةِ وَأَنَّ الْأَيْمَانَ هُنَا وَاجِبَةٌ، وَأَنَّ التَّغْلِيظَ يَكُونُ بِأَيْمَانٍ مُسْتَقِلَّةٍ لِغِلَظِ أَمْرِ الْقَتْلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحِكْمَةَ بِالنِّسْبَةِ لِدِيَةِ الْكَامِلِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ) لَفْظُهُ كَمَا فِي الدَّمِيرِيِّ. وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ قَالَ: «انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ فَتَفَرَّقَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَشْخَبُ دَمُهُ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ لَهُ: كَبِّرْ كَبِّرْ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ ثُمَّ سَكَتَ فَتَكَلَّمَا فَقَالَ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ قَالَ فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ خَيْبَرَ بِخَمْسِينَ يَمِينًا؟ قَالُوا كَيْفَ نَأْخُذُ بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ» اهـ. وَقَوْلُهُ: فَتُبْرِئُكُمْ أَيْ مِنْ دَعْوَاكُمْ، وَإِلَّا فَالْحَقُّ لَيْسَ فِي جِهَتِهِمْ مَعَ كُفْرِهِمْ الْمُؤَيِّدِ لِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا فَلَوْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي خَمْسِينَ يَمِينًا فِي خَمْسِينَ يَوْمًا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مِنْ جِنْسِ الْحُجَجِ وَالْحُجَجُ يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا كَمَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ مُتَفَرِّقِينَ، وَلَوْ تَخَلَّلَ الْأَيْمَانَ جُنُونٌ، أَوْ إغْمَاءٌ بَنَى إذَا أَفَاقَ عَلَى مَا مَضَى. وَلَوْ مَاتَ الْوَلِيُّ الْمُقْسِمُ فِي أَثْنَاءِ الْأَيْمَانِ لَمْ يَبْنِ وَارِثُهُ بَلْ يَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كَالْحُجَّةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ شَيْئًا بِيَمِينِ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ كَمَا لَوْ أَقَامَ شَطْرَ الْبَيِّنَةِ ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ يَضُمُّ وَارِثُهُ إلَيْهِ الشَّطْرَ الثَّانِيَ وَلَا يَسْتَأْنِفُ، لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ شَاهِدٍ مُسْتَقِلَّةٌ. أَمَّا إذَا تَمَّتْ أَيْمَانُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا يَسْتَأْنِفُ وَارِثُهُ بَلْ يُحْكَمُ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً، ثُمَّ مَاتَ. وَأَمَّا وَارِثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَبْنِي عَلَى أَيْمَانِهِ إذَا تَخَلَّلَ مَوْتُهُ الْأَيْمَانَ، وَكَذَا يَبْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ عُزِلَ الْقَاضِي، أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِهَا وَوُلِّيَ غَيْرُهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلنَّفْيِ فَتَنْفُذُ بِنَفْسِهَا وَيَمِينَ الْمُدَّعِي لِلْإِثْبَاتِ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي، وَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يَحْكُمُ بِحُجَّةٍ أُقِيمَتْ عِنْدَ الْأَوَّلِ. وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَرَثَةٌ خَاصَّةٌ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ وُزِّعَتْ الْأَيْمَانُ الْخَمْسُونَ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ الْإِرْثِ، لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِأَيْمَانِهِمْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْأَيْمَانُ كَذَلِكَ. وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا، خَاصَّةٌ مَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ غَيْرُ حَائِزٍ وَشَرِيكُهُ بَيْتُ الْمَالِ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَمْ تُوَزَّعْ بَلْ يُحَلَّفُ الْخَاصُّ خَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا لَوْ نَكَلَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَوْ غَابَ يُحَلَّفُ الْحَاضِرُ خَمْسِينَ يَمِينًا. وَهَلْ تُقْسَمُ الْأَيْمَانُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْفَرِيضَةِ، أَوْ عَلَى الْفَرِيضَةِ وَعَوْلِهَا.؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الْحَاوِي الثَّانِي، فَفِي زَوْجٍ وَأَمٍّ   [حاشية البجيرمي] يُبَيِّنْهَا النَّبِيُّ لَهُمْ اتِّكَالًا عَلَى وُضُوحِ الْأَمْرِ فِيهَا:. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ : (وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا) بِخِلَافِ اللِّعَانِ، لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لَهُ أَكْثَرَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ الْبَدَنِيَّةِ وَاخْتِلَالِ النَّسَبِ وَشُيُوعِ الْفَاحِشَةِ، وَهَتْكِ الْعِرْضِ. اهـ. حَجّ س ل قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَيُسْتَحَبُّ تَغْلِيظُهَا كَاللِّعَانِ. قَوْلُهُ: (جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ بَنَى) وَكَذَا لَوْ عُزِلَ الْقَاضِي، ثُمَّ وُلِّيَ بِخِلَافِ مَا لَوْ وُلِّيَ غَيْرُهُ، أَوْ مَاتَ أَيْ الْقَاضِي وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا فَيَسْتَأْنِفُ الْحَالِفُ، سم. لِأَنَّ الْقَاضِيَ الَّذِي وُلِّيَ بَعْدَ الْأَوَّلِ لَا يَحْكُمُ بِأَيْمَانِ الْحَالِفِينَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كَالْحُجَّةِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ وَعِبَارَةُ التَّحْرِيرِ: فَيَسْتَأْنِفُ الْوَارِثُ؛ إذْ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ بِيَمِينِ غَيْرِهِ أَيْ غَالِبًا، وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّ السَّيِّدَ يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِ الْمُكَاتَبِ، إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ، وَبَيْتُ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِ الْوَارِثِ الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: (شَطْرَ) : أَيْ نِصْفَ. قَوْلُهُ: (بَلْ يُحْكَمُ لَهُ) أَيْ بِالدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ حَلِفٍ وَكَأَنَّهُ تَلَقَّاهَا مِنْ مُوَرِّثِهِ حَتَّى لَا يَخْدِشَهُ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْوَارِثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) كَأَنْ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ وَارِثَ الْمُدَّعِي لَا يَبْنِي بِخِلَافِ وَارِثِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. الثَّانِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَبْنِي إذَا عُزِلَ الْقَاضِي وَوُلِّيَ قَاضٍ آخَرُ بِخِلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْنِي. الثَّالِثُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ تُوَزَّعُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِ لَوْ تَعَدَّدَ بِخِلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يُحَلَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (يَبْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ بِخِلَافِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي خِلَالِهَا) : أَيْ فِي أَثْنَائِهَا. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ إلَخْ) أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا الْفَرْقُ خَاصٌّ بِصُورَةِ الْعَزْلِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرْقَ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ وَقَدْ يُقَالُ: كَلَامُهُ شَامِلٌ لِلْمَوْتِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا يُحْكَمُ بِحُجَّةٍ أُقِيمَتْ عِنْدَ الْأَوَّلِ يَصْدُقُ بِعَزْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ الْإِرْثِ) وَيُفْرَضُ الْخُنْثَى ذَكَرًا وَيُفْرَضُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أُنْثَى بِاعْتِبَارِ أَيْمَانِ الْغَيْرِ وَيُفْرَضُ فِي أَخْذِهِ مِنْ الدِّيَةِ أُنْثَى لِأَنَّهُ أَسْوَأُ فِي الْجَمِيعِ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ أَيْ الْخُنْثَى ابْنٌ حُلِّفَ النِّصْفَ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ وَأَخَذَ الثُّلُثَ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ وَحُلِّفَ الِابْنُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، لِأَنَّهَا ثُلُثَا الْخَمْسِينَ مَعَ جَبْرِ الْكَسْرِ وَأَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ النِّصْفَ وَوُقِفَ لِلْخُنْثَى مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ وَهُوَ السُّدُسُ إلَى الصُّلْحِ، أَوْ الْبَيَانِ. اهـ. زي. قَوْلُهُ: (بَلْ يُحَلَّفُ الْخَاصُّ خَمْسِينَ يَمِينًا) أَيْ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَجْهَانِ) وَانْظُرْ مَا تَفْصِيلُ الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ هَلْ يُحَلَّفُ بِنِسْبَةِ نَصِيبِهِ مِنْ السِّتَّةِ فَتَزِيدَ الْأَيْمَانُ عَلَى الْخَمْسِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ عَلَى أَصْلِ قَدْرِ الْفَرِيضَةِ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ مِنْ شِقَّيْ التَّرْدِيدِ وَحِينَئِذٍ فَتَبْلُغُ الْأَيْمَانُ خَمْسًا وَثَمَانِينَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ فَلْيُرَاجَعْ شَيْخُنَا. فَيُحَلَّفُ الزَّوْجُ نِصْفَ الْأَيْمَانِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ الْأَصْلِيِّ وَتُحَلَّفُ الْأُخْتَانِ لِلْأَبِ ثُلُثَيْهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ بِجَبْرِ الْمُنْكَسِرِ وَتُحَلَّفُ الْأُخْتَانِ لِلْأُمِّ ثُلُثَهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ، أَصْلُهَا سِتَّةٌ وَتَعُولُ إلَى الْعَشَرَةِ: فَيُحَلَّفُ الزَّوْجُ خَمْسَ عَشْرَةَ. وَكُلُّ أُخْتٍ لِأَبٍ عَشَرَةً وَكُلُّ أُخْتٍ لِأُمٍّ خَمْسَةً وَالْأُمُّ خَمْسَةً وَيُجْبَرُ الْمُنْكَسِرُ إنْ لَمْ تَنْقَسِمْ صَحِيحَةً. لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَتَبَعَّضُ وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ لِئَلَّا يَنْقُصَ نِصَابُ الْقَسَامَةِ. فَلَوْ كَانَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ حُلِّفَ كُلٌّ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ، أَوْ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ حُلِّفَ كُلٌّ يَمِينَيْنِ، وَلَوْ نَكَلَ أَحَدُ الْوَارِثِينَ حُلِّفَ الْوَارِثُ الْآخَرُ خَمْسِينَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ، لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِأَقَلَّ مِنْهَا، وَلَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا حُلِّفَ الْآخَرُ خَمْسِينَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ لِمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَتْلٌ بِلَا لَوْثٍ، وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي إنْ لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ، أَوْ كَانَ وَنَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْقَسَامَةِ فَرُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ فَرُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي مَرَّةً ثَانِيَةً، وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ نُكُولِ الْمُدَّعِي مَعَ لَوْثٍ، وَالْيَمِينُ أَيْضًا مَعَ شَاهِدٍ؛ خَمْسُونَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ، لِأَنَّهَا فِيمَا ذُكِرَ يَمِينُ دَمٍ حَتَّى لَوْ تَعَدَّدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حُلِّفَ كُلٌّ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ عَلَى الْأَظْهَرِ بِخِلَافِ تَعَدُّدِ الْمُدَّعِي. وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ يَنْفِي عَنْ نَفْسِهِ الْقَتْلَ. كَمَا يَنْفِيهِ مَنْ انْفَرَدَ وَكُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِيِينَ لَا يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ مَا يُثْبِتُهُ الْوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ بَلْ يُثْبِتُ بَعْضَ الْأَرْشِ فَيُحَلَّفُ بِقَدْرِ الْحِصَّةِ. (وَاسْتَحَقَّ) الْوَارِثُ بِالْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ قَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُخَفَّفَةً فِي الْأَوَّلِ مُغَلَّظَةً فِي الثَّانِي لِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ. وَفِي قَتْلِ الْعَمْدِ دِيَةً حَالَّةً عَلَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ فِي الْجَدِيدِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْحُكْمِ بِالدِّيَةِ. وَلَمْ يُفَصِّلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ صَلَحَتْ الْأَيْمَانُ لِلْقِصَاصِ لَذَكَرَهُ، وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الدِّمَاءِ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.   [حاشية البجيرمي] سَبْعَةَ عَشَرَ بِجَبْرِ الْمُنْكَسِرِ وَتُحَلَّفُ الْأُمُّ سُدُسَهَا وَهِيَ تِسْعَةٌ بِجَبْرِ الْمُنْكَسِرِ. قَوْلُهُ: (إلَى الْعَشَرَةِ) . أَيْ لِلزَّوْجِ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ هِيَ خَمْسٌ وَعَشْرٌ وَلِكُلِّ أُخْتٍ لِأَبٍ اثْنَانِ هُمَا خَمْسٌ وَلِكُلٍّ مِنْ الْبَاقِينَ وَاحِدٌ وَهُوَ عَشْرٌ فَحَلِفُهُمْ مِنْ الْخَمْسِينَ عَلَى هَذِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (فَيُحَلَّفُ الزَّوْجُ خَمْسَ عَشْرَةَ) لِأَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِ الْعَشَرَةِ فَيَخُصُّهُ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ الْخَمْسِينَ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ أُخْتٍ لِأَبٍ عَشَرَةً) لِأَنَّ حِصَّتَهَا خُمُسُ الْعَشَرَةِ فَتُحَلَّفُ خُمُسَ الْخَمْسِينَ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ أُخْتٍ لِأُمٍّ خَمْسَةً) لِأَنَّ نَصِيبَهَا عُشْرُ الْعَشَرَةِ فَتُحَلَّفُ عُشْرَ الْخَمْسِينَ وَمِثْلُهَا الْأُمُّ فَكُلُّ قِيرَاطٍ يَخُصُّهُ خَمْسَةُ أَيْمَانٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ) أَيْ الْكَسْرِ لِئَلَّا يَنْقُصَ نِصَابُ الْقَسَامَةِ أَيْ عَنْ الْخَمْسِينَ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَ ثَلَاثَةُ بَنِينَ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ " كَانَ " تَامَّةٌ وَبِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا نَاقِصَةٌ أَيْ فَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَعَلَى الْأَوَّلِ نُسْخَةٌ: " أَوْ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ " وَعَلَى الثَّانِي نُسْخَةٌ: " أَوْ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ " أَيْ، أَوْ كَانَ الْوَارِثُ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ وَيَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْيَمِينِ الْبَاقِي جُزْءٌ مِنْ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ الْيَمِينِ فَيَكْمُلُ فَيُحَلَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَأَخَذَ حِصَّتَهُ) أَيْ حِصَّةَ نَفْسِهِ. فَرْعٌ: لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْغَائِبِينَ مَاتُوا قَبْلَ الْحَلِفِ وَحُلِّفَ الْخَمْسِينَ أَخَذَ حِصَصَ الْغَائِبِينَ إنْ كَانَ وَارِثًا لَهُمْ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُمْ بَعْدَ الْحَلِفِ لَا يَأْخُذُ حِصَصَهُمْ إلَّا بَعْدَ حَلِفِهِ مَا كَانُوا يَحْلِفُونَهُ لَوْ أَرَادُوا ق ل. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ، لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِأَقَلَّ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (يَمِينُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ " خَمْسُونَ " وَقَوْلُهُ: " قَتْلٌ " نَائِبُ فَاعِلِ الْمُدَّعَى. قَوْلُهُ: (وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ) وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِقَتْلٍ عَمْدٍ، لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَوْ كَالْبَيِّنَةِ، وَالْقِصَاصُ يَجِبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مَرَّةً ثَانِيَةً) وَلَيْسَ لَنَا يَمِينٌ تُرَدُّ مَرَّتَيْنِ إلَّا هَذِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَاسْتَحَقَّ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: حُلِّفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَعَبَّرَ بِالْوَارِثِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ بِالْمُدَّعِي تَفَنُّنًا. قَوْلُهُ: (وَفِي قَتْلِ الْعَمْدِ) أَيْ وَاسْتَحَقَّ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إلَخْ فَقَوْلُهُ: دِيَةً بِالنَّصْبِ. قَوْلُهُ: (الْحُكْمِ بِالدِّيَةِ) بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ خَبَرِ، لِأَنَّ خَبَرَ الْبُخَارِيِّ «إمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ، أَوْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ» مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحُكْمِ، أَوْ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْحَاكِمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَنْ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الدَّمِ مِنْ سَيِّدٍ، أَوْ وَارِثٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا، عَدْلًا أَمْ فَاسِقًا، مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَمْ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا لِقَتْلِ عَبْدِهِ أَقْسَمَ، لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِبَدَلِهِ، وَلَا يُقْسِمُ سَيِّدُهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إنْ قَتَلَ الْعَبْدَ الَّذِي تَحْتَ يَدِهِ فَإِنَّ السَّيِّدَ يُقْسِمُ دُونَ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَا أَقْسَمَ أَخَذَ السَّيِّدُ الْقِيمَةَ كَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلِيُّ بَعْدَمَا أَقْسَمَ، أَوْ قَبْلَهُ وَقَبْلَ نُكُولِهِ حُلِّفَ السَّيِّدُ، أَوْ بَعْدَ نُكُولِهِ فَلَا لِبُطْلَانِ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ. كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ) أَيْ عِنْدَ الْقَتْلِ (لَوْثٌ) بِأَنْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ، أَوْ ظَهَرَ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ بِدُونِ كَوْنِهِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً أَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اللَّوْثَ فِي حَقِّهِ، أَوْ شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ، أَوْ عَدْلَانِ، أَنَّ زَيْدًا قَتَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْقَتِيلَيْنِ أَوْ كَذَّبَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَهَذِهِ خَمْسُ صُوَرٍ يَسْقُطُ فِيهَا اللَّوْثُ. كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. (فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِسُقُوطِ اللَّوْثِ فِي حَقِّهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالْيَمِينِ أَنَّهُ لَا يُغَلَّظُ فِي حَقِّهِ بِالْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، وَأَظْهَرُهُمَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ   [حاشية البجيرمي] فَيَكُونُ صِفَةً، وَالْمَجَازُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: التَّعْبِيرِ بِالْمَصْدَرِ وَنِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْخَبَرِ. قَوْلُهُ: (كُلُّ مَنْ اسْتَحَقَّ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: " أَقْسَمَ " خَبَرٌ. قَوْلُهُ: (لِقَتْلِ عَبْدِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ يُحَلَّفُ لِأَجْلِ قَتْلِ عَبْدِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَلَوْ قُتِلَ وَهُنَاكَ لَوْثٌ فَادَّعَى السَّيِّدُ عَلَى عَبْدٍ، أَوْ حُرٍّ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَهَلْ يُقْسِمُ السَّيِّدُ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ: أَشْهَرُهُمَا بِنَاؤُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ بَدَلَ الْعَمْدِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؟ إنْ قُلْنَا: نَعَمْ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَقْسَمَ السَّيِّدُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لِحِفْظِ الدِّمَاءِ وَهَذِهِ الْحَاجَةُ تَشْمَلُ الْقِصَاصَ وَالْكَفَّارَةَ وَالْمُدَّبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ، وَأَمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَالْقِنِّ فَإِذَا أَقْسَمَ السَّيِّدُ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى حُرٍّ أَخَذَ الدِّيَةَ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ إنْ ادَّعَى عَمْدًا مَحْضًا، وَإِلَّا فَمِنْ عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَبْدٍ تَعَلَّقَتْ الْقِيمَةُ بِرَقَبَتِهِ مُطْلَقًا، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ. اهـ. شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْسِمُ سَيِّدُهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ. قَوْلُهُ: (تَحْتَ يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ رَاجِعٌ لَهُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ) أَيْ وَفَسَخَ السَّيِّدُ الْكِتَابَةَ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلِيُّ) أَيْ فَإِنَّ الدِّيَةَ لِلْوَارِثِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَبْلَهُ) أَيْ عَجَزَ قَبْلَ مَا أَقْسَمَ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَ نُكُولِهِ) أَيْ عَجَزَ بَعْدَ نُكُولِهِ وَقَوْلُهُ فَلَا أَيْ فَلَا يُحَلَّفُ السَّيِّدُ وَقَوْلُهُ: لِبُطْلَانِ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ أَيْ فَيُحَلَّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (أَيْ عِنْدَ الْقَتْلِ) أَيْ عِنْدَ دَعْوَى الْقَتْلِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ قَبْلُ " وَإِذَا اقْتَرَنَ بِدَعْوَى الْقَتْلِ إلَخْ ". قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ لَوْثٌ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (أَوْ ظَهَرَ) بِأَنْ ادَّعَى الدَّمَ تَفْصِيلًا حَتَّى تُسْمَعَ الدَّعْوَى فَيَشْهَدَ عَدْلٌ بِأَصْلِ الْقَتْلِ بِأَنْ أَخْبَرَ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا وَلَمْ يَقُلْ عَمْدًا، أَوْ غَيْرَهُ، شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ يُقْتَلُ مُطْلَقًا عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَمْدٍ، أَوْ غَيْرِهِ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِهِ بَعْدَ دَعْوَى مُفَصِّلَةٍ فَلَا قَسَامَةَ، لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ مُطَالَبَةَ الْقَاتِلِ وَلَا الْعَاقِلَةِ. اهـ، وَكَتَبَ ح ل عَلَى قَوْلِهِ: " بَعْدَ دَعْوَى مُفَصِّلَةٍ " فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ: الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ إلَّا مُفَصِّلَةً فَكَيْفَ يَقُولُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَمْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَيْ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ وَيُفَصِّلُ، ثُمَّ تَظْهَرُ الْأَمَارَةُ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ، دُونَ صِفَتِهِ بِأَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ عَدْلٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اللَّوْثَ فِي حَقِّهِ) كَأَنْ قَالَ لَسْتُ أَنَا الَّذِي كَانَ مَعَهُ السِّكِّينُ الْمُلَطَّخَةُ مَثَلًا، أَوْ لَسْتُ أَنَا الَّذِي كَانَ خَارِجًا مِنْ عِنْدِ الْمَقْتُولِ، أَوْ كُنْتُ غَائِبًا وَقْتَ الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَهِدَ بِهِ) الصَّوَابُ حَذْفُ بِهِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: " أَنَّ زَيْدًا إلَخْ " بَدَلًا مِنْ الْهَاءِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَذَّبَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ) أَيْ كَذَّبَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ الْبَعْضَ الْمُدَّعِيَ لِلْقَتْلِ كَأَنْ قَالَ أَحَدُ ابْنَيْ الْقَتِيلِ قَتَلَهُ فُلَانٌ وَكَذَّبَهُ الِابْنُ الْآخَرُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِي سِتِّ صُوَرٍ: الْأُولَى تَكَاذُبُ الْوَرَثَةِ. الثَّانِيَةُ تَعَذُّرُ إثْبَاتِ اللَّوْثِ. الثَّالِثَةُ إنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. الرَّابِعَةُ اللَّوْثُ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ بِدُونِ كَوْنِهِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ: أَدَّعِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ قَتَلَ أَبِي، ثُمَّ يُخْبِرُ الْعَدْلُ بِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ قَتَلَ مُوَرِّثَ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَقُلْ عَمْدًا وَلَا غَيْرَهُ فَلَا قَسَامَةَ. الْخَامِسَةُ الشَّهَادَةُ مِنْ عَدْلٍ، أَوْ عَدْلَيْنِ أَنَّ زَيْدًا قَتَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْقَتِيلَيْنِ لِانْبِهَامِهَا أَيْ الشَّهَادَةِ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. السَّادِسَةُ عَدَمُ الْوَارِثِ الْخَاصِّ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا. قَوْلُهُ: (وَأَظْهَرُهُمَا) مُعْتَمَدٌ وَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ وَقَوْلُهُ: كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَيْ فِي قَوْلِهِ: " تَنْبِيهٌ " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 يُغَلَّظُ عَلَيْهِ بِالْعَدَدِ الْمَذْكُورِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. لِأَنَّهَا يَمِينُ دَمٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَالْأَيْمَانُ إلَى آخِرِهِ. تَتِمَّةٌ: مَنْ ارْتَدَّ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ بَدَلَ الدَّمِ بِأَنْ يَمُوتَ الْمَجْرُوحُ ثُمَّ يَرْتَدَّ وَلِيُّهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ: فَالْأَوْلَى تَأْخِيرُ إقْسَامِهِ لِيُسْلِمَ. لِأَنَّهُ لَا يَتَوَرَّعُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ عَنْ الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ فَإِذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أَقْسَمَ: أَمَّا إذَا ارْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ، فَلَا يُقْسِمُ، لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ بِخِلَافِ مَا إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ وَارْتَدَّ سَيِّدُهُ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِ الْعَبْدِ، أَوْ بَعْدَهُ. لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْإِرْثِ. فَإِنْ أَقْسَمَ الْوَارِثُ فِي الرِّدَّةِ صَحَّ إقْسَامُهُ وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ. لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اعْتَدَّ بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَيْمَانَ الْكَافِرِ صَحِيحَةٌ. وَالْقَسَامَةُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ فَلَا تَمْنَعُ مِنْهُ الرِّدَّةُ كَالِاحْتِطَابِ وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ خَاصٌّ لَا قَسَامَةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ لِعَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّ دِيَتَهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَحْلِيفُهُمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ لَكِنْ يَنْصِبُ الْقَاضِي مَنْ يَدَّعِي عَلَى مَنْ نُسِبَ الْقَتْلُ إلَيْهِ وَيُحَلِّفُهُ. فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِالْأَوَّلِ وَمُقْتَضَى مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِيمَنْ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ فَادَّعَى الْقَاضِي، أَوْ مَنْصُوبُهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى آخَرَ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالنُّكُولِ بَلْ يُحْبَسُ لِيَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ، تَرْجِيحُ الثَّانِي هُوَ أَوْجَهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُوجَبَاتِهِ فَقَالَ: (وَعَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ أَمْ خَطَأً (كَفَّارَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ} [النساء: 92] أَيْ فِي قَوْمٍ. {عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]   [حاشية البجيرمي] يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَتْلٌ بِلَا لَوْثٍ إلَخْ م د. قَوْلُهُ: (فَكَانَ الْأَوْلَى) يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعَهْدِ وَالْيَمِينُ الْمَعْهُودَةُ فِي الْقَسَامَةِ خَمْسُونَ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ بَدَلَ الدَّمِ) أَيْ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ بَدَلَ الدَّمِ وَهُوَ مَوْتُ مُوَرِّثِهِ، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا ذَلِكَ، لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْأَيْمَانِ وَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ: بَعْدَ قَتْلِ مُوَرِّثِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَقْسَمَ) أَيْ إنْ اخْتَارَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُقْسِمُ) أَيْ بَلْ يُحَلَّفُ غَيْرُهُ مِنْ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ فُقِدُوا نَصَبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَدَّعِي وَيُحَلَّفُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ) أَيْ لِعَدَمِ إرْثِ الْكَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ الصُّورَةِ السَّابِقَةِ فَإِنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا عِنْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ الْمُسْلِمِ فَيَرِثُهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ الرِّدَّةُ بَعْدُ، م د. وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ هُنَاكَ وَرَثَةٌ مُسْلِمُونَ حُلِّفُوا، وَإِلَّا انْتَقَلَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا فِي الْمَيِّتِ الَّذِي لَا وَارِثَ لَهُ. قَوْلُهُ: (اسْتَحَقَّ الدِّيَةَ) أَيْ إنْ عَادَ لِلْإِسْلَامِ. فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا كَانَتْ الدِّيَةُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا كَبَقِيَّةِ مَالِهِ. قَوْلُهُ (: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اعْتَدَّ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنْ هَذَا لَا يُفِيدُ الْمُدَّعِيَ، لِأَنَّ اعْتِدَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ لِأَجْلِ ذِمَّتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ لَيْسَ هَذَا مَوْجُودًا فِي الْمُرْتَدِّ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَالْقَسَامَةُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ) مِنْ تَمَامِ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (خَاصٌّ) صِفَةٌ " لِوَارِثَ " عَلَى مَحَلِّهِ قَبْلَ دُخُولِ " لَا " وَيَجُوزُ نَصْبُهُ نَعْتًا لَهُ عَلَى مَحَلِّهِ بَعْدَ دُخُولِهَا. قَوْلُهُ: (يَنْصِبُ) أَيْ وُجُوبًا. قَوْلُهُ: (جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِالْأَوَّلِ) ضَعِيفٌ وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (لِيَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ) فَإِنْ حَلَفَ تُرِكَ، وَإِنْ أَقَرَّ أُخِذَ مِنْهُ الدِّيَةُ وَيَجْرِي مِثْلُهُ هُنَا إذَا نَكَلَ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْقَتْلُ فَيُحْبَسُ لِيَحْلِفَ، أَوْ يُقِرَّ فَإِنْ حَلَفَ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ أَخَذَ مِنْهُ الدِّيَةَ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ وَانْظُرْ مَا الْمَانِعُ مِنْ قَتْلِهِ بِإِقْرَارِهِ وَقِيَاسُ مَا قَالُوا: مِنْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، لِأَنَّ رَدَّ الْيَمِينِ كَالْإِقْرَارِ أَنْ تَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (الْمُحَرَّمَةِ) أَيْ الْمُحَرَّمِ قَتْلُهَا أَوْ الْمُرَادُ الْمُحْتَرَمَةُ الْمَعْصُومَةُ الَّتِي يُحَرَّمُ قَتْلُهَا وَهِيَ الْمَعْصُومَةُ بِإِيمَانٍ، أَوْ أَمَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْجَنِينُ الْمَضْمُونُ بِالْغُرَّةِ. قَوْلُهُ: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} [النساء: 92] يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ " مِنْ " بِمَعْنَى فِي أَيْ أَنَّ الْمَقْتُولَ مُؤْمِنٌ وَاقِفٌ فِي صَفِّ الْكُفَّارِ، أَوْ دَارِهِمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 وَخَبَرِ «وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ فَقَالَ أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقُ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ. وَخَرَجَ بِالْقَتْلِ الْأَطْرَافُ وَالْجُرُوحُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ تَكْلِيفٌ بَلْ تَجِبُ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ، فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا فَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا وَلَا يَصُومُ عَنْهُمَا بِحَالٍ. فَإِنْ صَامَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ أَجْزَأَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا أَيْضًا الْحُرِّيَّةُ بَلْ تَجِبُ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا كَمَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ لَكِنْ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْمُبَاشَرَةُ بَلْ تَجِبُ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُتَسَبِّبًا كَالْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَشَاهِدِ الزُّورِ وَحَافِرِ بِئْرٍ عُدْوَانًا   [حاشية البجيرمي] وَظَنَّهُ الْقَاتِلُ حَرْبِيًّا فَإِنَّهُ مُهْدَرٌ لَا ضَمَانَ فِيهِ لَكِنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ " مِنْ " عَلَى بَابِهَا وَهُوَ أَنَّ الْمَقْتُولَ مِنْ الْعَدُوَّيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ لَكِنْ أَسْلَمَ وَقَتَلَهُ شَخْصٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ وَتَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَمْ يَقُلْ: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] ، لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَهُ وَحُكْمُ الدِّيَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ مُسْلِمُونَ أَخَذُوهَا، وَإِلَّا كَانَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ قَوْلُهُ عَدُوٍّ أَيْ أَهْلِ حَرْبٍ وَقَوْلُهُ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] عَلَى قَاتِلِهِ كَفَّارَةً وَلَا دِيَةَ تُسَلَّمُ إلَى أَهْلِهِ لِحِرَابَتِهِمْ وَفِي تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] أَيْ فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْ قَوْمٍ كُفَّارٍ مُحَارَبِينَ أَيْ فِي تَضَاعِيفِهِمْ وَلَمْ يُعْلَمْ أَيْمَانُهُ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الدِّيَةِ لِأَهْلِهِ؛ إذْ لَا وِرَاثَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، لِأَنَّهُمْ مُحَارَبُونَ {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] أَيْ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ كَفَرَةٍ مُعَاهَدِينَ، أَوْ أَهْلِ ذِمَّةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ وَقَدَّمَ هُنَا الدِّيَةَ عَلَى الْكَفَّارَةِ عَكْسَ مَا قَبْلَهُ لِاعْتِنَائِهِمْ هُنَا بِالدِّيَةِ بِكُفْرِهِمْ وَفِي تَفْسِيرِ الشَّارِحِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ أَيْ وَهُوَ كَافِرٌ مِنْ قَوْمٍ أَيْ كُفَّارٍ عَدُوٍّ لَكُمْ أَيْضًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْقَوْمَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ وَفِي هَذَا كُفَّارٌ أَهْلُ ذِمَّةٍ وَالْمَقْتُولُ فِي هَذَا كَافِرٌ وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ مُؤْمِنٌ اهـ قَوْلُهُ: (قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْقَتْلَ عَمْدٌ وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: أَعْتِقُوا عَنْهُ أَنَّهُ مَاتَ، وَإِنَّمَا اعْتَقَدُوا اسْتِحْقَاقَهُ لِلنَّارِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] إلَخْ. وَيُرَدُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَمْدَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ وُرُودِهِ) أَيْ وُرُودِ التَّكْفِيرِ. قَوْلُهُ: (لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ تَكْلِيفٌ) وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ: تَجِبُ عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ بَقَتْلِ مَعْصُومٍ عَلَيْهِ،. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لَكِنْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ) أَيْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، أَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ أَمَّا قَبْلَهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَتْلِ صَامَ بِلَا إذْنٍ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَالْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ. فَرْعٌ: مَنْ قَتَلَ رَجُلًا بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَظَنَّهُ بِحَقٍّ فَبَانَ ظُلْمًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَلْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَعَلَى الْآمِرِ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ. وَإِنْ عَلِمَ ظُلْمَهُ وَلَمْ يَخَفْ سَطْوَتَهُ فَذَلِكَ عَلَى الْمَأْمُورِ فَقَطْ وَيَأْثَمُ الْآمِرُ، وَإِنْ خَافَهَا فَعَلَيْهِمَا كَالْإِكْرَاهِ،. اهـ. عب قَالَ: وَهَلْ كَتْبُهُ إلَى مَنْ يَقْتُلُهُ كَأَمْرِهِ لَفْظًا؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ،. اهـ. وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ مِثْلُهُ نَظَرًا لِلْعُرْفِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَحَافِرِ بِئْرٍ عُدْوَانًا) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ مِنْ قَبِيلِ السَّبَبِ مَعَ أَنَّهُ شَرْطٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ السَّبَبَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ مَا كَانَ وَصْلَةً لِلشَّيْءِ فَيَشْمَلُ السَّبَبَ وَالشَّرْطَ لَا الِاصْطِلَاحِيَّ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالسَّبَبِ مَا يَشْمَلُ الشَّرْطَ م ر. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْقَتْلِ ثَلَاثَةٌ: مُبَاشَرَةٌ وَسَبَبٌ وَشَرْطٌ؛ فَالْمُبَاشَرَةُ هِيَ الَّتِي تُؤَثِّرُ وَتُحَصِّلُ، وَالسَّبَبُ هُوَ الَّذِي يُؤَثِّرُ وَلَا يُحَصِّلُ كَالسُّمِّ وَالْإِكْرَاهِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ وَلَا يُحَصِّلُ، وَالشَّرْطُ مَا لَا يُؤَثِّرُ وَلَا يُحَصِّلُ كَحَفْرِ الْبِئْرِ. وَالسَّبَبُ إمَّا حِسِّيٌّ، وَإِمَّا عَادِيٌّ، وَإِمَّا شَرْعِيٌّ؛ فَالْأَوَّلُ كَالْإِكْرَاهِ، وَالثَّانِي كَتَقْدِيمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ الْمُسْلِمُ وَلَوْ كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ وَالْجَنِينُ الْمَضْمُونُ بِالْغُرَّةِ وَعَبْدُ الشَّخْصِ نَفْسِهِ وَنَفْسُهُ، لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً، وَخَرَجَ بِذَلِكَ قَتْلُ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ الْحَرْبِيَّيْنِ فَلَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا. لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِهِمَا لَيْسَ لِحُرْمَتِهِمَا بَلْ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، لِئَلَّا يَفُوتَهُمْ الِارْتِفَاقُ بِهِمَا وَقَتْلُ مُبَاحِ الدَّمِ كَقَتْلِ بَاغٍ وَصَائِلٍ، لِأَنَّهُمَا لَا يُضْمَنَانِ، فَأَشْبَهَا الْحَرْبِيَّ، وَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُسَاوِي وَحَرْبِيٍّ وَلَوْ قَتَلَهُ مِثْلُهُ وَمُقْتَصٍّ مِنْهُ يَقْتُلُهُ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ، لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي الْقَتْلِ كَفَّارَةٌ فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ فَلَا يَتَبَعَّضُ كَالْقِصَاصِ وَالْكَفَّارَةِ. (عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِدِ إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ) بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا كَامِلَةِ الرِّقِّ خَالِيَةٍ عَنْ عِوَضٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي الظِّهَارِ فَهِيَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي التَّرْتِيبِ فَيُعْتِقُ أَوَّلًا (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) رَقَبَةً بِشُرُوطِهَا أَوْ وَجَدَهَا وَعَجَزَ عَنْ ثَمَنِهَا، أَوْ وَجَدَهَا وَهِيَ تُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا (صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الظِّهَارِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ اقْتِصَارِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَا إطْعَامَ هُنَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الصَّوْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَظْهَرِ اقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ فِيهَا؛ إذْ الْمُتَّبَعُ فِي الْكَفَّارَاتِ النَّصُّ لَا الْقِيَاسُ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ غَيْرَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الظِّهَارِ كَمَا فَعَلُوا فِي قَيْدِ الْأَيْمَانِ حَيْثُ اعْتَبَرُوهُ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا. أُجِيبَ: بِأَنَّ ذَاكَ إلْحَاقٌ فِي وَصْفٍ وَهَذَا إلْحَاقٌ فِي أَصْلٍ، وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ لَا يَلْحَقُ بِالْآخَرِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْيَدَ الْمُطْلَقَةَ فِي التَّيَمُّمِ حُمِلَتْ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَمْ يُحْمَلْ إهْمَالُ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى ذِكْرِهِمَا فِي الْوُضُوءِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ أُطْعِمَ مِنْ تَرِكَتِهِ كَفَائِتِ صَوْمِ رَمَضَانَ. خَاتِمَةٌ: لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَصَابَ غَيْرَهُ بِالْعَيْنِ وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْضِي إلَى   [حاشية البجيرمي] الطَّعَامِ الْمَسْمُومِ، وَالثَّالِثُ كَشَهَادَةِ الزُّورِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ: فَالْمُبَاشَرَةُ وَتُسَمَّى عِلَّةً مَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ وَيُحَصِّلُهُ كَالْحَزِّ وَالْجَرْحِ، وَالسَّبَبُ مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَلَا يُحَصِّلُهُ كَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَالْإِكْرَاهِ، وَالشَّرْطُ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَلَا يُحَصِّلُهُ بَلْ يَحْصُلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ بِغَيْرِهِ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْغَيْرِ فِي التَّلَفِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ عُدْوَانًا فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ وَلَا يُحَصِّلُهُ، وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ التَّخَطِّي فِي صَوْبِ الْبِئْرِ وَالْمُحَصِّلُ لِلتَّلَفِ التَّرَدِّي فِيهَا لَكِنْ لَوْلَا الْحَفْرُ مَا حَصَلَ التَّلَفُ وَلِهَذَا سُمِّيَ شَرْطًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَنَفْسُهُ) فَتُخْرَجُ مِنْ تَرِكَتِهِ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَمِنْ ثَمَّ لَوْ هُدِرَ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ. وَإِنْ أَثِمَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ اهـ م ر. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ وَنَظَرَ فِيهِ سم بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ مَعْصُومٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ وَأَقَرَّ النَّظَرَ ع ش عَلَى م ر. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ بَحْثٍ، وَالْحُكْمُ مُسَلَّمٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِذَلِكَ) أَيْ بِتَقْيِيدِ النَّفْسِ بِالْمُحَرَّمَةِ أَيْ لِذَاتِهَا. قَوْلُهُ: (قَتْلُ الْمَرْأَةِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَمِثْلُهُ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (الِارْتِفَاقُ) أَيْ الِانْتِفَاعُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا لَا يُضْمَنَانِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ. قَوْلُهُ: (بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُسَاوِي) أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسَاوِي بِأَنْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ مِثْلَهُ، أَوْ زَانٍ مُحْصَنٌ مِثْلَهُ فَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّكْفِيرَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْكَفَّارَةِ، أَوْ أَنَّهُ ذُكِرَ بِالنَّظَرِ لِلْخَبَرِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا إطْعَامَ هُنَا. قَوْلُهُ: (لَا كَفَّارَةَ) أَيْ وَلَا دِيَةَ عَلَى مَنْ أَصَابَ غَيْرَهُ بِالْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا) لِمَا وَرَدَ «إنَّهَا تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ» قَالَ: م ر فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مُهْلِكًا عَادَةً عَلَى أَنَّ التَّأْثِيرَ يَقَعُ عِنْدَهَا لَا بِهَا، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: إنَّهَا تَنْبَثُّ مِنْهَا جَوَاهِرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 الْقَتْلِ غَالِبًا وَلَا يُعَدُّ مُهْلِكًا؛ وَيُنْدَبُ لِلْعَائِنِ أَنْ يَدْعُوَ بِالْبَرَكَةِ فَيَقُولَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَلَا تَضُرَّهُ ". وَأَنْ يَقُولَ: " مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ". قِيلَ: وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَيَأْمُرَهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ وَيَرْزُقَهُ مَا يَكْفِيهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا، فَإِنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ. الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ «أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَكْثَرَ قَوْمَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَمَاتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ مِائَةَ أَلْفٍ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ شَكَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اسْتَكْثَرْتَهُمْ فَعِنْتَهُمْ فَهَلَّا حَصَّنْتَهُمْ حِينَ اسْتَكْثَرْتَهُمْ فَقَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أُحَصِّنُهُمْ فَقَالَ تَعَالَى: تَقُولُ: حَصَّنْتُكُمْ بِالْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَبَدًا وَدَفَعْتُ عَنْكُمْ السُّوءَ بِأَلْفِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ» . قَالَ الْقَاضِي: وَهَكَذَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ إذَا رَأَى نَفْسَهُ سَلِيمَةً وَأَحْوَالَهُ مُعْتَدِلَةً يَقُولُ: فِي نَفْسِهِ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَاضِي يُحَصِّنُ تَلَامِذَتَهُ بِذَلِكَ إذَا اسْتَكْثَرَهُمْ، وَسَكَتُوا عَنْ الْقَتْلِ بِالْحَالِ. وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا قَتَلَ بِهِ، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ اخْتِيَارًا كَالسَّاحِرِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ، كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. قَالَ مِهْرَانُ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ أَنَّ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ وَكَذَبَ عَلَيْهِ فَقَالَ مُطَرِّفٌ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَمِتْهُ. فَخَرَّ مَيِّتًا فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى زِيَادٍ فَقَالَ: قَتَلْتَ الرَّجُلَ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهَا دَعْوَةٌ وَافَقَتْ أَجَلًا   [حاشية البجيرمي] لَطِيفَةٌ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ فَتَتَخَلَّلُ الْمَسَامَّ فَيَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى الْهَلَاكَ عِنْدَهَا. وَمِنْ أَدْوِيَتِهَا الْمُجَرَّبَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَوَضَّأَ الْعَائِنُ أَيْ يَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَرْفِقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَ إزَارِهِ أَيْ مَا يَلِي جَسَدَهُ مِنْ الْإِزَارِ، وَقَوْلُهُ: وَرُكْبَتَيْهِ، وَقِيلَ: مَذَاكِيرَهُ، وَيَصُبَّهُ عَلَى رَأْسِ الْمَعْيُونِ اهـ. وَأَوْجَبَ ذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَرَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ: وَإِذَا طُلِبَ مِنْ الْعَائِنِ فِعْلُ ذَلِكَ لَزِمَهُ لِخَبَرِ: «وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» اهـ. شَرْحُ الْمِنْهَاجِ لحج قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الذَّكَرُ الْفَرْجُ مِنْ الْحَيَوَانِ جَمْعُهُ ذِكَرَةٌ مِثْلُ عِنَبَةٍ وَمَذَاكِيرُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ لِلْعَائِنِ) أَيْ الَّذِي يُصِيبُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ مَا ذُكِرَ لَمْ تَضُرَّ عَيْنُهُ شَيْئًا. قَوْلُهُ: (قِيلَ) ذِكْرُهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ السُّنَّةُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ زي وَالرَّمْلِيُّ: يُنْدَبُ لِلْحَاكِمِ حَبْسُ مَنْ فِيهِ مَا يُؤْذِي بِهِ النَّاسَ كَأَجْذَمَ وَمِعْيَانٍ وَلَوْ أَبَدًا بَلْ إنْ رَأَى قَلْعَ عَيْنِهِ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَنْ يُفْتَتَنُ بِهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ قَوْلُهُ: (فَعِنْتَهُمْ) أَيْ أَصَبْتَهُمْ بِالْعَيْنِ وَهَذَا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ، بِأَنَّ مَعْنَى فَعِنْتَهُمْ أَيْ لَمْ تُحَصِّنْهُمْ بِذِكْرِي وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ لَا يَذْكُرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْحَسَدِ وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ بِأَنْ يُقَالَ: فَعِنْتَهُمْ أَيْ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَلَكِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّ الْحِكَايَاتِ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى مَا يَقَعُ فِيهَا لِلتَّسَاهُلِ فِيهَا بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ عَدَّ الشَّيْءِ كَثِيرًا لَيْسَ إعَانَةً فَقَوْلُهُ تَعَالَى عِنْتَهُمْ مَعْنَاهُ فَعَلْتَ مَعَهُمْ فِعْلَ الْعَائِنِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي كُتُبِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ، فَلْيَأْخُذْ سَبْعَ وَرَقَاتِ سِدْرٍ أَخْضَرَ، فَيَدُقُّهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ثُمَّ يَضْرِبُهُ بِالْمَاءِ وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَذَوَاتَ " قُلْ "، ثُمَّ يَحْسُو مِنْهُ ثَلَاثَ حَسَوَاتٍ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ بِهِ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ عَنْهُ مَا كَانَ بِهِ وَهُوَ جَيِّدٌ لِلرَّجُلِ الْمَحْبُوسِ عَنْ أَهْلِهِ. قَوْلُهُ: (يَقُولُهُ فِي نَفْسِهِ ذَلِكَ) أَيْ يَقُولُ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ قَوْلًا نَفْسِيًّا. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ) مُعْتَمَدٌ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا مَنْ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ لَكِنْ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (ابْنَ الشِّخِّيرِ) كَانَ مِنْ الْأَبْدَالِ، وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (إلَى زِيَادٍ) كَانَ أَمِيرًا مِنْ جِهَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَقِيلَ كَانَ قَاضِيًا اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 كِتَابُ الْحُدُودِ جَمْعُ حَدٍّ وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ وَجَبَتْ زَجْرًا عَنْ ارْتِكَابِ مَا يُوجِبُهُ وَعَبَّرَ عَنْهَا جَمْعًا لِتَنَوُّعِهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْبَابِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّرْجَمَةَ بِالْجِنَايَاتِ شَامِلَةٌ لِلْحُدُودِ وَبَدَأَ مِنْهَا بِالزِّنَا وَهُوَ بِالْقَصْرِ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ وَبِالْمَدِّ لُغَةٌ تَمِيمِيَّةٌ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْمِلَلِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ مِنْ أَفْحَشِ الْكَبَائِرِ وَلَمْ يَحِلَّ فِي مِلَّةٍ قَطُّ، وَلِهَذَا كَانَ حَدُّهُ أَشَدَّ الْحُدُودِ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْأَعْرَاضِ وَالْأَنْسَابِ فَقَالَ: (وَالزَّانِي) أَيْ الَّذِي يَجِبُ حَدُّهُ وَهُوَ مُكَلَّفٌ وَاضِحُ الذُّكُورَةِ أَوْلَجَ   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ الْحُدُودِ] ِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَهَا نِهَايَاتٌ مَضْبُوطَةٌ وَكَانَتْ الْحُدُودُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بِالْغَرَامَاتِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِهَذِهِ الْعُقُوبَاتِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَشُرِعَتْ زَجْرًا لِأَرْبَابِ الْمَعَاصِي عَنْهَا فَإِذَا عَلِمَ الزَّانِي مَثَلًا أَنَّهُ إذَا زَنَى حُدَّ امْتَنَعَ مِنْهُ وَهَكَذَا أَقُولُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ زَوَاجِرُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا فِي الْمُسْلِمِ جَوَابِرُ لِسُقُوطِ عُقُوبَتِهَا فِي الْآخِرَةِ إذَا اُسْتُوْفِيَتْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْكَافِرِ زَوَاجِرُ بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَنْعِهَا مِنْ ارْتِكَابِ الذَّنْبِ وَقِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ حَدَّدَهَا وَقَدَّرَهَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَلَا يُنْقَصُ وَأَخَّرَ حَدَّ الزِّنَا عَنْ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ دُونَهُ أَيْ بِالنَّظَرِ لِزِنَا غَيْرِ الْمُحْصَنِ فَهُوَ دُونَهُ فِي الْجُمْلَةِ قَوْلُهُ مُقَدَّرَةٌ أَخْرَجَ التَّعْزِيرَ قَوْلُهُ وَجَبَتْ زَجْرًا أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ زَوَاجِرُ وَقَدْ يُقَالُ كَلَامُ الشَّارِحِ لَا يُنَافِي أَنَّهَا جَوَابِرُ إذْ مَعْنَى كَوْنِهَا زَوَاجِرَ أَنَّهَا مَانِعَةٌ لِلشَّخْصِ مِنْ الْعَوْدِ لِمِثْلِهَا فَلَا يُنَافِي كَوْنَهَا جَوَابِرَ قَوْلُهُ مَا يُوجِبُهُ أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْعُقُوبَةِ أَوْ أَنَّهُ ذَكَرَ بِتَأْوِيلِهَا بِالْحَدِّ أَوْ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْحَدِّ لِأَنَّهُ الْمُعَرَّفُ قَوْلُهُ لَكَانَ أَوْلَى الْأَوْلَى مَا صَنَعَهُ الْمَتْنُ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَبَدَانِ فَلَمْ يَشْمَلْ مَا هُنَا فَكَانَ مَا هُنَا جِنْسًا آخَرَ فَيُنَاسِبُهُ التَّعْبِيرُ بِالْكِتَابِ قَوْلُهُ لِلْحُدُودِ أَيْ لِأَسْبَابِ الْحُدُودِ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَيْسَتْ جِنَايَةً قَوْلُهُ وَبَدَأَ مِنْهَا بِالزِّنَا أَيْ بِحَدِّ الزِّنَا. قَوْلُهُ: (حِجَازِيَّةٌ) وَهِيَ أَفْصَحُ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِهَا وَهَذَا بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ، فَهُوَ لُغَةً مُطْلَقُ الْإِيلَاجِ وَشَرْعًا إيلَاجُ الذَّكَرِ فِي قُبُلِ الْآدَمِيِّ، أَوْ فِي فَرْجِ الْآدَمِيِّ، أَوْ فِي الْفَرْجِ مُطْلَقًا اهـ ق ل قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ أَفْحَشِ الْكَبَائِرِ أَيْ بَعْدَ الْقَتْلِ عَلَى الْأَصَحِّ وَمِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ وَمِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ عُقُوبَةُ الزِّنَا بِمَا ذُكِرَ وَلَمْ تُجْعَلْ بِقَطْعِ آلَةِ الزِّنَا كَالسَّارِقِ تُقْطَعُ يَدُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ النَّسْلِ وَلِأَنَّ قَطْعَ آلَةِ السَّرِقَةِ تَعُمُّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَقَطْعَ الذَّكَرِ يَخُصُّ الرَّجُلَ وَلِأَنَّ الذَّكَرَ لَا ثَانِيَ لَهُ بِخِلَافِ الْيَدِ وَاعْلَمْ أَنَّ ارْتِكَابَ الْكَبَائِرِ لَا يَسْلُبُ الْإِيمَانَ وَلَا يُحْبِطُ الطَّاعَاتِ إذْ لَوْ كَانَتْ مُحْبِطَةً لِذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ لَا يَبْقَى لِبَعْضِ الْعُصَاةِ طَاعَةٌ وَالْقَائِلُ بِالْإِحْبَاطِ يُحِيلُ دُخُولَهُ الْجَنَّةَ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى دُخُولِ مَنْ مَاتَ غَيْرَ مُشْرِكٍ الْجَنَّةَ بَلَغَتْ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ وَهِيَ قَاصِمَةٌ لِظُهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِخُلُودِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ فَرْعٌ سُئِلَ الشَّمْسُ الرَّمْلِيُّ فِيمَنْ زَنَى مِائَةَ مَرَّةٍ مَثَلًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ مَرَّةٌ حَدٌّ وَإِذَا تَابَ عِنْدَ الْمَوْتِ هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ وَهَلْ لِلزَّوْجِ عَلَى مَنْ زَنَى بِزَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ حَقٌّ وَإِذَا تَابَ الزَّانِي هَلْ يَسْقُطُ حَقُّ زَوْجِهَا عَنْهُ فَأَجَابَ يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَا حَدَّ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلِلزَّوْجِ حَقٌّ عَلَى الزَّانِي بِزَوْجَتِهِ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ بِالتَّوْبَةِ الَّتِي تَوَفَّرَتْ شُرُوطُهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ وَلَمْ يَحِلَّ فِي مِلَّةٍ قَطُّ أَعَادَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ وَلِهَذَا قَوْلُهُ عَلَى الْأَعْرَاضِ الْعِرْضُ يُقَالُ عَلَى الْجَسَدِ وَعَلَى النَّفْسِ وَعَلَى الْحَسَبِ. اهـ. مُخْتَارٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الثَّانِي وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ مَحَلُّ الْمَدْحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 حَشَفَةَ ذَكَرِهِ الْأَصْلِيِّ الْمُتَّصِلِ أَوْ قَدْرَهَا مِنْهُ عِنْدَ فَقْدِهَا فِي قُبُلِ وَاضِحِ الْأُنُوثَةِ وَلَوْ غَوْرَاءَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ فَارِقًا بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي بَابِ التَّحْلِيلِ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِيلَاجِ فِيهَا بِنَاءً عَلَى تَكْمِيلُ اللَّذَّةِ مُحَرَّمٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِعَيْنِ الْإِيلَاجِ   [حاشية البجيرمي] وَالذَّمِّ مِنْ الْإِنْسَانِ فَالزِّنَا جِنَايَةٌ عَلَى الْعِرْضِ لِأَنَّ الزَّانِيَ تُذَمُّ نَفْسُهُ وَكَذَا الْمَزْنِيُّ بِهَا شَيْخُنَا قَوْلُهُ وَالْأَنْسَابِ أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ . وَقَوْلُهُ: الَّذِي إلَخْ يَخْرُجُ بِهِ الْخُنْثَى وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُكَلَّفٌ) . أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُولَجُ فِيهِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَيُحَدُّ الْمُكَلَّفُ. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُولَجُ فِيهِ مُكَلَّفًا، وَالْمُولِجُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَيُحَدُّ الْمُولَجُ فِيهِ. وَحَاصِلُ الشُّرُوطِ اثْنَا عَشَرَ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، ثَانِيهَا: وَاضِحُ الذُّكُورَةِ، ثَالِثُهَا: أَوْلَجَ جَمِيعَ حَشَفَتِهِ، رَابِعُهَا: أَصَالَةُ الذَّكَرِ، خَامِسُهَا: اتِّصَالُهُ، سَادِسُهَا: فِي قُبُلٍ، سَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ الْقُبُلُ وَاضِحَ الْأُنُوثَةِ، ثَامِنُهَا: أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا، تَاسِعُهَا: فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، عَاشِرُهَا: لِعَيْنِ الْإِيلَاجِ، حَادِيَ عَشَرَهَا: الْخُلُوُّ عَنْ الشُّبْهَةِ ثَانِيَ عَشَرَهَا: أَنْ يَكُونَ مُشْتَهًى طَبْعًا وَالشَّارِحُ جَعَلَهَا تِسْعَةً. وَق ل أَحَدَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: (أَوْلَجَ حَشَفَةَ ذَكَرِهِ) وَلَوْ مِنْ ذَكَرٍ أَشَلَّ وَلَوْ بِحَائِلٍ غَلِيظٍ وَلَوْ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ وَلَوْ مِنْ طِفْلٍ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الزِّنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ وَفِي حَاشِيَةِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: إيلَاجُ الذَّكَرِ بِفَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ لَك أَنْ تَقُولَ: إنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الزِّنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ؛ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَى زِنَاهَا الْإِيلَاجُ فَلَا يَكُونُ جَامِعًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيلَاجِ مَفْهُومٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ مَصْدَرَ أَوْلَجَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَمَصْدَرَ أُولِجَ فِيهِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَيَتَنَاوَلُ زِنَا الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرَهَا إلَخْ) وَلَوْ مِنْ طِفْلٍ أَيْ، أَوْ كَانَ هُوَ مُكَلَّفًا وَطِئَ طِفْلَةً صَغِيرَةً وَلَوْ بِنْتَ يَوْمٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَالْمَرْأَةُ أَدْخَلَتْ فَرْجَ صَبِيٍّ وَلَوْ ابْنَ يَوْمٍ فِي فَرْجِهَا فَإِنَّهَا تُحَدُّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (عِنْدَ فَقْدِهَا) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فَلَا عِبْرَةَ بِقَدْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ الذَّكَرِ. فَلَوْ ثَنَى ذَكَرَهُ وَأَدْخَلَ مِنْهُ قَدْرَهَا لَمْ يُحَدَّ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ عَلَى الْأَوْجَهِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَقِطْعَةِ لَحْمٍ مِنْ بَقِيَّةِ بَدَنِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ الِالْتِذَاذِ اهـ زي. وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِإِيلَاجِ ذَكَرٍ زَائِدٍ وَلَوْ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيِّ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا إذَا عَلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْخَلَتْ حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِهَا وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ تَمْكِينَهَا مِنْ ذَلِكَ كَفِعْلِهِ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فِي قُبُلٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَجْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي مِنْ حُكْمِ اللِّوَاطِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَأْخُذْ مُحْتَرَزَهُ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بِفَرْجٍ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ مِنْ ذَكَرٍ، أَوْ أُنْثَى اهـ. قَوْلُهُ: " بِفَرْجِ " أَيْ، وَلَوْ فَرْجَ نَفْسِهِ كَأَنْ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ فِي دُبُرِهِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ خِلَافُهُ فَاحْذَرْهُ. وَهَلْ مِنْ الْفَرْجِ مَا لَوْ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ فِي ذَكَرِ غَيْرِهِ، أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَإِطْلَاقُ الْفَرْجِ، يَشْمَلُهُ فَلْيُرَاجَعْ ع ش عَلَى م ر. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَرْجٌ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ آدَمِيٍّ قُبُلٌ، أَوْ دُبُرٌ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْإِيلَاجَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، وَمِنْ غَيْرِهِ فِيهِ، وَمِنْهُ فِيهِ كَأَنْ أَوْلَجَ ذَكَرَ نَفْسِهِ فِي دُبُرِ نَفْسِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ: وَزَادَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ تَتَعَلَّقُ بِهِ كَفِطْرِ صَائِمٍ، وَفَسَادِ نُسُكٍ، وَوُجُوبِ كَفَّارَةٍ فِيهِمَا مَعَ الْحَدِّ وَوُجُوبِ غُسْلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَوَافَقَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ صَرِيحُ مَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا. م ر ذَكَرَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَوْرَاءَ) : يَعْنِي إذَا أَوْلَجَ حَشَفَتَهُ بِقُبُلِ الْغَوْرَاءِ فَهُوَ زِنًا وَإِنْ لَمْ تَزُلْ الْبَكَارَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَأَوْلَجَ الْمُحَلِّلُ حَشَفَتَهُ وَلَمْ تَزُلْ الْبَكَارَةُ فَلَا يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَدَارَ التَّحْلِيلِ عَلَى اللَّذَّةِ الْكَامِلَةِ، وَلَا تُوجَدُ إلَّا بِإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ، وَمَدَارُ الزِّنَا عَلَى مُجَرَّدِ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ كَمَالُ اللَّذَّةِ وَتُرْجَمُ: الْغَوْرَاءُ إذَا زَنَتْ حَيْثُ وُطِئَتْ فِي الْقُبُلِ مِنْ زَوْجٍ وَلَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْبِكْرِ فِي إجْبَارِهَا وَتَخْصِيصِهَا بِسَبْعِ لَيَالٍ فِي الزِّفَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا رُجِمَتْ فِي الْحَدِّ زَجْرًا لَهَا وَتَغْلِيظًا عَلَيْهَا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِنَاءً عَلَى تَكْمِيلِ اللَّذَّةِ) أَيْ اعْتِبَارُ تَكْمِيلِ اللَّذَّةِ فِي بَابِ التَّحْلِيلِ وَلَا تَكْمُلُ اللَّذَّةُ لِلْمُحَلِّلِ إلَّا بِزَوَالِ الْبَكَارَةِ وَمَدَارُ الزِّنَا عَلَى مُجَرَّدِ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ كَمَالُ اللَّذَّةِ. قَوْلُهُ: (مُحَرَّمٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِعَيْنِ الْإِيلَاجِ) جَعَلَهُ الشَّارِحُ كُلَّهُ قَيْدًا وَاحِدًا بِدَلِيلِ أَخْذِ الْمُحْتَرَزِ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهَا ثَلَاثَةً، وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِأَنَّ الشَّارِحَ أَخَذَ مَفْهُومَ نَفْسِ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ: إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ بِالظَّنِّ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَخَذَ أَيْضًا مَفْهُومَ عَيْنِ الْإِيلَاجِ بِمَا إذَا وَطِئَ حَائِضًا قَالَ الزَّرْكَشِيّ: يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ أَيْ فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِوَطْئِهَا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً لِعَيْنِهَا بَلْ لِزِيَادَتِهَا عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا لَمَّا زَادَتْ عَلَى الْعَدَدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 خَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْحَدِّ مُشْتَهًى طَبْعًا بِأَنْ كَانَ فَرْجَ آدَمِيٍّ حَيٍّ، فَهَذِهِ قُيُودٌ لِإِيجَابِ الْحَدِّ. خَرَجَ بِالْأَوَّلِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا. وَبِالثَّانِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا أَوْلَجَ آلَةَ الذُّكُورَةِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ، وَكَوْنِ هَذَا عِرْقًا زَائِدًا. وَبِالثَّالِثِ مَا لَوْ أَوْلَجَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ فَلَا حَدَّ. وَبِالرَّابِعِ مَا لَوْ خُلِقَ لَهُ ذَكَرَانِ مُشْتَبِهَانِ فَأَوْلَجَ أَحَدَهُمَا فَلَا حَدَّ لِلشَّكِّ فِي كَوْنِهِ أَصْلِيًّا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَبِالْخَامِسِ الذَّكَرُ الْمُبَانُ فَلَا حَدَّ فِيهِ. وَبِالسَّادِسِ مَا لَوْ أَوْلَجَ فِي فَرْجِ خُنْثَى مُشْكِلٍ فَلَا حَدَّ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ وَكَوْنِ هَذَا الْمَحَلِّ زَائِدًا. وَبِالسَّابِعِ الْمُحَرَّمُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ كَوَطْءِ حَائِضٍ وَصَائِمَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ وَنَحْوِهِ وَبِنَفْسِ الْأَمْرِ؛ كَمَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَبِالثَّامِنِ وَطْءُ الْمَيِّتَةِ وَالْبَهِيمَةِ فَلَا حَدَّ فِيهِ. وَبِالتَّاسِعِ وَطْءُ شُبْهَةِ الطَّرِيقِ، وَالْفَاعِلِ وَالْمَحَلِّ إلَّا فِي جَارِيَةِ بَيْتِ الْمَالِ فَيُحَدُّ بِوَطْئِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِعْفَافَ فِيهِ، وَإِنْ   [حاشية البجيرمي] الشَّرْعِيِّ كَانَتْ كَأَجْنَبِيَّةٍ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهَا عَقْدٌ مِنْ الْوَاطِئِ فَجُعِلَتْ مُحَرَّمَةً لِعَيْنِهَا لِعَدَمِ مَا يُزِيلُ التَّحْرِيمَ الْقَائِمَ بِهَا ابْتِدَاءً اهـ عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِعَيْنِ الْإِيلَاجِ) أَيْ لِذَاتِهِ. قَوْلُهُ: (مُشْتَهًى) أَيْ جِنْسُهُ لِتَدْخُلَ الصَّغِيرَةُ فَيُحَدَّ بِوَطْئِهَا وَإِنْ لَمْ تَنْقُضْ الْوُضُوءَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَدَارَ ثَمَّ عَلَى كَوْنِ الْمَلْمُوسِ نَفْسِهِ مَظِنَّةً لِلشَّهْوَةِ وَلَوْ فِي حَالٍ سَابِقٍ كَالْمَيِّتَةِ لَا مُتَرَقَّبٍ كَالصَّغِيرَةِ، وَالْفَرْقُ قُوَّةُ السَّابِقِ وَضَعْفُ الْمُتَرَقَّبِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُوجَدَ فَخَرَجَ الْمُحَرَّمُ؛ وَهُنَا عَلَى كَوْنِ الْمَوْطُوءِ لَا يَنْفِرُ مِنْهُ الطَّبْعُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَدَخَلَتْ الصَّغِيرَةُ وَالْمُحَرَّمُ، وَخَرَجَتْ الْمَيِّتَةُ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (فَرْجَ آدَمِيٍّ) أَوْ جِنِّيَّةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إذَا تَحَقَّقَتْ أُنُوثَتُهَا، لِأَنَّ الطَّبْعَ لَا يَنْفِرُ مِنْهَا حِينَئِذٍ وَعِبَارَةُ ح ل: وَلَوْ جِنِّيَّةً حَيْثُ تَحَقَّقَتْ أُنُوثَتُهَا وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيَّةِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَفِي ع ش عَلَى م ر خِلَافُهُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا) وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَى مَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ لِكَوْنِهِ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ: لَمْ أَعْلَمْ التَّحْرِيمَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا وَطِئَ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ وَأَحْبَلَهَا مُدَّعِيًا جَهْلَهُ، وَأَنَّ مِلْكَ زَوْجَتِهِ مِلْكٌ لَهُ، وَهُوَ: عَدَمُ قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ وَحَدُّهُ، وَكَوْنُ الْوَلَدِ رَقِيقًا لِعَدَمِ خَفَاءِ ذَلِكَ عَلَى مُخَالِطِنَا ع ش عَلَى م ر اهـ. وَلَوْ زَنَى ظَانًّا أَنَّهُ غَيْرُ بَالِغٍ فَبَانَ أَنَّهُ بَالِغٌ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الْحَدِّ سم. قَوْلُهُ: (وَكَوْنِ هَذَا) أَيْ وَلِاحْتِمَالِ كَوْنِ هَذَا إلَخْ وَمَحَلُّهُ فِي خُنْثَى لَهُ آلَتَانِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا آلَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَوْلَجَ فِيهَا فَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْفَاعِلِ، لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ آلَةَ النِّسَاءِ، فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ آلَةَ ذُكُورٍ فَكَذَلِكَ، لِأَنَّ آلَةَ الذُّكُورِ يَجِبُ بِالْإِيلَاجِ فِيهَا الْحَدُّ وَسَائِرُ الْأَحْكَامِ. قَوْلُهُ: (الْمُحَرَّمُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ) هَذَا خَارِجٌ بِهِ بِاعْتِبَارِ تَقْيِيدِهِ بِعَيْنِ الْإِيلَاجِ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ نَفْسِ الْأَمْرِ. وَكَانَ الْأَوْلَى فِيهِمَا التَّرْتِيبَ وَلِكَوْنِهِمَا قَيْدَيْنِ فِي الْقَيْدِ لَمْ يَعْتَبِرْهُمَا فِي الْعَدَدِ. قَوْلُهُ: (وَبِنَفْسِ الْأَمْرِ إلَخْ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَيْدٌ مُسْتَقِلٌّ وَاعْتِبَارُهُ مُسْتَقِلًّا يَقْتَضِي جَعْلَهُ ثَامِنًا مَعَ أَنَّ الشَّارِحَ أَدْرَجَهُ فِي السَّابِعِ، وَذَكَرَ بَعْدَهُ الثَّامِنَ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَلِذَا قَالَ ق ل: أَيْ وَخَرَجَ بِقَيْدِ نَفْسِ الْأَمْرِ، فَهُوَ قَيْدٌ لَمْ يَذْكُرْ عَدَدَهُ وَذَكَرَ مُحْتَرَزَهُ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ وَطِئَ إلَخْ) الَّذِي فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ " مَا لَوْ وَطِئَ " بِدُونِ الْكَافِ، وَهِيَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَبِالثَّامِنِ وَطْءُ الْمَيِّتَةِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ بِالتَّاسِعِ لَا بِالثَّامِنِ، وَالثَّامِنُ هُوَ قَوْلُهُ لِعَيْنِ الْإِيلَاجِ وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ: مُشْتَهًى طَبْعًا لَكَانَ مُسْتَقِيمًا. قَوْلُهُ: (وَبِالتَّاسِعِ وَطْءُ شُبْهَةِ الطَّرِيقِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ بِالثَّامِنِ لَا بِالتَّاسِعِ فَقَدْ أَخَلَّ فِي التَّعْبِيرِ فَلَعَلَّهُ سَهْوٌ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (شُبْهَةِ الطَّرِيقِ) وَهِيَ مَا قَالَ بِهَا عَالِمٌ كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ بِأَنْ رَاعَى مَذْهَبَ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ كَأَنْ زَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا فَهِيَ شُبْهَةُ طَرِيقٍ فَالْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ الْمَذْهَبُ فَلَا حَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تَقْلِيدَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْفَاعِلُ) كَأَنْ يَظُنَّ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً زَوْجَتَهُ، فَيَطَؤُهَا فَلَا حَدَّ. وَكَوَطْءِ الْمُكْرَهِ، وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الزِّنَا وَالْقَتْلَ لَا يُبَاحَانِ بِالْإِكْرَاهِ وَكَذَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ مُمَثِّلًا لَهَا بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَإِذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لَكِنْ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ الْإِقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَحَلِّ) بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَلَا حَدَّ وَكَوَطْءِ جَارِيَةِ وَلَدِهِ، لِأَنَّ مَالَ الْوَلَدِ كُلَّهُ مَحَلٌّ لِإِعْفَافِ أَصْلِهِ، وَمِنْهُ الْجَارِيَةُ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ لِمَحْرَمِيَّةِ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ مُصَاهَرَةٍ كَأُخْتِهِ مِنْهُمَا وَبِنْتِهِ وَأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَوَطْءِ أَمَةٍ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ اهـ وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ الثَّلَاثَةَ فِي قَوْلِهِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 اسْتَحَقَّ النَّفَقَةَ. ثُمَّ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَقْسِيمِ الْحَدِّ فِي حَقِّهِ (عَلَى ضَرْبَيْنِ مُحْصَنٍ) وَهُوَ مَنْ اسْتَكْمَلَ الشُّرُوطَ الْآتِيَةَ: (وَغَيْرِ مُحْصَنٍ) وَهُوَ مَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا. (فَالْمُحْصَنُ) وَالْمُحْصَنَةُ كُلٌّ مِنْهُمَا (حَدُّهُ الرَّجْمُ) حَتَّى يَمُوتَ بِالْإِجْمَاعِ وَتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ فِيهِ كَرَجْمِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ. وَقُرِئَ شَاذًّا " وَالشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ " وَهَذِهِ نُسِخَ لَفْظُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا. وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَحْزَابِ كَمَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَلَوْ زَنَى قَبْلَ إحْصَانِهِ وَلَمْ يُحَدَّ ثُمَّ زَنَى بَعْدَهُ ثَمَّ رُجِمَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ فِي اللِّعَانِ، وَأَرْسَلَ فِيهَا فِي بَابِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَجْهَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِتَرْجِيحٍ. وَصَحَّحَ فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الرَّاجِحَ مَا صَحَّحَاهُ فِي اللِّعَانِ، وَهُوَ الْمُصَحَّحُ فِي التَّنْبِيهِ أَيْضًا، وَمَشَيْتُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ. (وَغَيْرُ الْمُحْصَنِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إذَا كَانَ حُرًّا (حَدُّهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ) لِآيَةِ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] أَيْ وِلَاءً فَلَوْ فَرَّقَهَا نُظِرَ فَإِنْ لَمْ يَزَلْ الْأَلَمُ لَمْ يَضُرَّ. وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ خَمْسِينَ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ ضَرَّ، وَعُلِّلَ بِأَنَّ الْخَمْسِينَ حَدُّ الرَّقِيقِ وَسُمِّيَ جَلْدًا لِوُصُولِهِ إلَى الْجِلْدِ. (وَتَغْرِيبُ عَامٍ) لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِذَلِكَ.   [حاشية البجيرمي] الَّذِي أَبَاحَ الْبَعْضُ حِلَّهُ فَلَا ... حَدَّ بِهِ وَلِلطَّرِيقِ اشْتَمَلَا وَشُبْهَةٌ لِفَاعِلٍ كَأَنْ أَتَى ... لِحُرْمَةٍ يَظُنُّ حِلًّا مُثْبَتَا ذَاتَ اشْتِرَاكٍ أَلْحِقَنْ وَسَمِّيَنْ ... هَذَا الْأَخْيَرَ بِالْمَحَلِّ فَاعْلَمَنْ وَمِثَالُ الْأَوَّلِ كَالنِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ عِنْدَ الْعَقْدِ عِنْدَ مَالِكٍ وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عِنْدَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبِلَا وَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا حَدَّ عَلَى الْفَاعِلِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ دَمِيرِيٌّ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: نَعَمْ إنْ حَكَمَ حَاكِمٌ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَفُرِّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَزِمَهُمَا الْحَدُّ أَيْ بِالْوَطْءِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي جَارِيَةِ بَيْتِ الْمَالِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحَلِّ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي هَذِهِ الْجَارِيَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ شُبْهَةُ النَّفَقَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي تِلْكَ الْأَمَةِ فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ الْإِمَامَ رُبَّمَا بَاعَ الْجَارِيَةَ وَصَرَفَ ثَمَنَهَا لِحَاجَتِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِعْفَافَ) أَيْ التَّزْوِيجَ قَوْلُهُ: (ثُمَّ هُوَ) أَيْ الزَّانِي عَلَى ضَرْبَيْنِ جَعَلَ الشَّارِحُ " عَلَى ضَرْبَيْنِ " خَبَرًا لِلَّذِي قَدَّرَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ الزَّانِي الَّذِي فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يُقَدِّرْ لَهُ خَبَرًا وَلَا يُقَالُ: هَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنْهُ لِأَنَّ " ثُمَّ " تَمْنَعُ مِنْ الْإِخْبَارِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الِانْقِطَاعَ وَالِاسْتِئْنَافَ، وَالْخَبَرُ يَقْتَضِي التَّعَلُّقَ. قَوْلُهُ: (مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مَاعِزًا زَنَى بِالْغَامِدِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَهِيَ زَنَتْ بِرَجُلٍ آخَرَ، رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ: «كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِي هَزَّالٍ فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنْ الْحَيِّ تُسَمَّى فَاطِمَةَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَكَانَتْ أَمَةً لِأَبِي هَزَّالٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو هَزَّالٍ: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْت لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَك، فَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَاعِزٍ قَبْلَ رَجْمِهِ لَوْ سَتَرْتَهُ بِتَوْبَتِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ» اهـ. س ل وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُمْ: مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ لَيْسَتْ قِصَّتُهُمَا وَاحِدَةً بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قِصَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ؛ مَاعِزٌ زَنَى بِالْأَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْغَامِدِيَّةُ زَنَتْ بِرَجُلٍ آخَرَ وَجَمَعَهُمَا فِي قَوْلِهِ: قِصَّةُ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ أَيْ قِصَّةُ رَجْمِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ قِصَّةٌ وَأَنَّ مَاعِزًا لَمْ يَزْنِ بِالْغَامِدِيَّةِ، وَالْغَامِدِيَّةُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ حَيٍّ مِنْ الْأَزْدِ وَفِي حَدِيثِهَا «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» يَعْنِي الْمَكَّاسَ وَهُوَ الْعَشَّارُ الَّذِي يَأْخُذُ الْعُشْرَ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ رُجِمَ) أَيْ وَيُقَسَّطُ التَّعْزِيرُ، شَرْحَ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمَا عُقُوبَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَقُولُ بِانْدِرَاجِ الْجَلْدِ فِي الرَّجْمِ. قَوْلُهُ: (وَأَرْسَلَ) أَيْ أَطْلَقَ فِيهَا وَجْهَيْنِ أَيْ دُخُولَ الْجَلْدِ فِي الرَّجْمِ وَعَدَمَ دُخُولِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ إنْ زَالَ الْأَلَمُ. قَوْلُهُ: (وَتَغْرِيبُ عَامٍ) وَشُرُوطُ التَّغْرِيبِ سِتَّةٌ: أَنْ يَكُونَ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَأَنْ يَكُونَ عَامًا، وَأَنْ يَكُونَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَمَا فَوْقُ، وَأَنْ يَكُونَ إلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ عَطْفُهُ التَّغْرِيبَ بِالْوَاوِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ قُدِّمَ التَّغْرِيبُ عَلَى الْجَلْدِ جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. وَأَفْهَمَ لَفْظُ التَّغْرِيبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغْرِيبِ الْإِمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ تَغْرِيبَهُ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَغَابَ سَنَةً، ثُمَّ عَادَ لَمْ يَكْفِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْكِيلُ وَلَمْ يَحْصُلْ، وَابْتِدَاءُ الْعَامِ مِنْ حُصُولِهِ فِي بَلَدِ التَّغْرِيبِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، أَجَابَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا وَلَوْ ادَّعَى الْمَحْدُودُ انْقِضَاءَ الْعَامِ وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ، لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُحَلَّفُ نَدْبًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُثْبِتَ فِي دِيوَانِهِ أَوَّلَ زَمَانِ التَّغْرِيبِ، وَيُغَرِّبَ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا (إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ) لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْحَضَرِ لِتَوَاصُلِ الْأَخْبَارِ فِيهَا إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيحَاشُهُ بِالْبُعْدِ عَنْ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ فَمَا فَوْقَهَا. إنْ رَآهُ الْإِمَامُ، لِأَنَّ عُمَرَ غَرَّبَ إلَى الشَّامِ وَعُثْمَانَ إلَى مِصْرَ وَعَلِيًّا إلَى الْبَصْرَةِ وَلْيَكُنْ تَغْرِيبُهُ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُرْسِلُهُ الْإِمَامُ إرْسَالًا. وَإِذَا عَيَّنَ لَهُ الْإِمَامُ جِهَةً فَلَيْسَ لِلْمُغَرَّبِ أَنْ يَخْتَارَ غَيْرَهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ بِالزَّجْرِ، وَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ غُرِّبَ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَا يُمْنَعُ، لِأَنَّهُ امْتَثَلَ، وَالْمَنْعُ مِنْ الِانْتِقَالِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ جَارِيَةً يَتَسَرَّى بِهَا مَعَ نَفَقَةٍ يَحْتَاجُهَا وَكَذَا مَالٌ يَتَّجِرُ فِيهِ. كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ أَهْلَهُ وَعَشِيرَتَهُ، فَإِنْ خَرَجُوا مَعَهُ لَمْ يُمْنَعُوا، وَلَا يُعْقَلُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ لَكِنْ يُحْفَظُ بِالْمُرَاقَبَةِ وَالتَّوْكِيلِ بِهِ لِئَلَّا يَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ، أَوْ إلَى مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْهَا لَا لِئَلَّا يَنْتَقِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يُمْنَعْ، وَلَوْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهَا، أَوْ إلَى مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْهُ رُدَّ وَاسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ إذْ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ سَنَةِ التَّغْرِيبِ فِي الْحُرِّ وَلَا نِصْفِهَا فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْإِيحَاشَ لَا يَحْصُلُ مَعَهُ. وَقَضِيَّةُ هَذَا: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ الْبَلَدُ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُغَرَّبُ زَانٍ غَرِيبٌ لَهُ   [حاشية البجيرمي] بَلَدٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ وَالْمَقْصِدُ آمِنًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ بِالْبَلَدِ طَاعُونٌ لِحُرْمَةِ دُخُولِهِ، وَيُزَادُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ أَنْ يَخْرُجَا مَعَ نَحْوِ مَحْرَمٍ كَمَا يَأْتِي وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي مُضِيِّ عَامٍ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ وَيُحَلَّفُ نَدْبًا إنْ اُتُّهِمَ لِبِنَاءِ حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَتُغَرَّبُ الْمُعْتَدَّةُ وَأُخِذَ مِنْهُ تَغْرِيبُ الْمَدِينِ أَمَّا مُسْتَأْجِرُ الْعَيْنِ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ تَغْرِيبِهِ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ كَمَا لَا يُحْبَسُ إنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي الْحَبْسِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ قُدِّمَ التَّغْرِيبُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَوْ لِلْفَاعِلِ أَيْ قَدَّمَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. قَوْلُهُ: (جَازَ) لَكِنَّ الْأَوْلَى عَكْسُهُ. قَوْلُهُ: (لَفْظُ التَّغْرِيبِ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى فِعْلِ فَاعِلٍ وَهُوَ الْحَاكِمُ بِخِلَافِ التَّغَرُّبِ. قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ) كَمَا إذَا حَدَّ نَفْسَهُ فَلَا يَكْفِي. قَوْلُهُ: (مِنْ حُصُولِهِ) أَيْ حُلُولِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ خُرُوجِهِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ فَيَكْفِي الْعَامُ وَلَوْ ذَهَابًا، وَإِيَابًا فَلَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ ذَهَابًا كَفَى ق ل. قَوْلُهُ: (أَنْ يُثْبِتَ) أَيْ لِأَجْلِ ضَبْطِ الْمُدَّةِ لِئَلَّا يَدَّعِيَ الْمُغَرَّبُ مُضِيَّهَا قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ. قَوْلُهُ: (فِيهَا) الْمُنَاسِبُ فِيهِ، لِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِمَا دُونَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَنَّثَ بِتَأْوِيلِ مَا دُونَهَا بِالْمَسَافَةِ الَّتِي دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. قَوْلُهُ: (فَمَا فَوْقَهَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ. قَوْلُهُ: (لَا يُمْنَعُ) ضَعِيفٌ وَعَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهَا وَبَيْنَ بَلَدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، أَوْ أَكْثَرُ. قَوْلُهُ: (أَهْلَهُ) أَيْ زَوْجَتَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُعْقَلُ فِي الْمَوْضِعِ) أَيْ يُقَيَّدُ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ يُحْفَظُ بِالْمُرَاقَبَةِ إلَخْ) فَلَوْ لَمْ تَفِدْ مَعَهُ الْمُرَاقَبَةُ، أَوْ خُشِيَ مِنْهُ فَسَادُ النِّسَاءِ وَالْغِلْمَانِ فَإِنَّهُ يُقَيَّدُ وَأَخَذَ مِنْهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِإِفْسَادِ النِّسَاءِ، أَوْ الْغِلْمَانِ أَيْ وَلَمْ يَنْزَجِرْ إلَّا بِحَبْسِهِ حُبِسَ قَالَ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ م ر فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ هَذَا) أَيْ قَوْلِهِ: اُسْتُؤْنِفَتْ فَجَعَلَ ذَلِكَ اسْتِئْنَافًا لِلتَّغْرِيبِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْبَلَدُ الَّذِي كَانَ فِيهَا أَوَّلًا. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ إلَخْ) إنْ كَانَ مُرَادُهُ التَّغْرِيبَ الثَّانِيَ كَانَ كَلَامُهُ مُعْتَمَدًا وَكَانَ قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ هَذَا أَيْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِيحَاشُ وَقَوْلُهُ: وَيُغَرَّبُ زَانٍ غَرِيبٌ أَيْ وَتَدْخُلُ مُدَّةُ التَّغْرِيبِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّانِيَ إنْ زَنَى فِي وَطَنِهِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ كَمَا فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ، وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا وَزَنَى فَإِنْ تَوَطَّنَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَطَّنْ اُنْتُظِرَ تَوَطُّنُهُ، ثُمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 بَلَدٌ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا تَنْكِيلًا وَإِبْعَادًا عَنْ مَوْضِعِ الْفَاحِشَةِ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ إيحَاشُهُ وَعُقُوبَتُهُ وَعَوْدُهُ إلَى وَطَنِهِ يَأْبَاهُ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَمَا فَوْقَهَا لِيَحْصُلَ مَا ذُكِرَ فَإِنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ الْأَصْلِيِّ مُنِعَ مِنْهُ مُعَارَضَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الْإِحْصَانِ فِي الزِّنَا فَقَالَ: (وَشَرَائِطُ الْإِحْصَانِ أَرْبَعَةٌ) الْأَوَّلُ (الْبُلُوغُ وَ) الثَّانِي (الْعَقْلُ) فَلَا حَصَانَةَ لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا، لَكِنْ يُؤَدَّبَانِ بِمَا يَزْجُرُهُمَا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ التَّكْلِيفِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ فِي الْإِحْصَانِ صَحِيحٌ. إلَّا أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَخْتَصُّ بِالْإِحْصَانِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَالْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ كَالْمُكَلَّفِ. (وَ) الثَّالِثُ (الْحُرِّيَّةُ) . فَالرَّقِيقُ: لَيْسَ بِمُحْصَنٍ، وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُبَعَّضًا وَمُسْتَوْلَدَةً، لِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ، وَالرَّجْمُ لَا نِصْفَ لَهُ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا، أَوْ مُرْتَدًّا: «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ الْيَهُودِيَّيْنِ» كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، زَادَ أَبُو دَاوُد: «وَكَانَا قَدْ أُحْصِنَا» . تَنْبِيهٌ: عَقْدُ الذِّمَّةِ شَرْطٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الذِّمِّيِّ لَا لِكَوْنِهِ مُحْصَنًا، فَلَوْ غَيَّبَ حَرْبِيٌّ حَشَفَتَهُ فِي نِكَاحٍ وَصَحَّحْنَا أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَهُوَ مُحْصَنٌ حَتَّى لَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ فَزَنَى رُجِمَ وَمِثْلُ الذِّمِّيِّ الْمُرْتَدُّ وَخَرَجَ بِهِ الْمُسْتَأْمَنُ فَإِنَّا   [حاشية البجيرمي] يُغَرَّبُ وَإِنْ زَنَى وَهُوَ مُسَافِرٌ غُرِّبَ إلَى غَيْرِ مَقْصِدِهِ، وَإِنْ زَنَى فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهَا انْتَقَلَ مِنْهَا إلَى مَحَلٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّ الزِّنَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ الْأَصْلِيِّ. وَعِبَارَةُ م ر وَلَوْ زَنَى فِيمَا غُرِّبَ إلَيْهِ غُرِّبَ لِغَيْرِهِ بَعِيدًا عَنْ وَطَنِهِ وَمَحَلِّ زِنَاهُ. قَوْلُهُ: (الْبَلَدُ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ) أَيْ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ) وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ الَّذِي زَنَى بِهَا أَخْذًا مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَيُغَرَّبُ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (مُنِعَ مِنْهُ) وَيُسْتَأْنَفُ تَغْرِيبُهُ إنْ وَصَلَ إلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُ الْإِحْصَانِ) أَيْ إحْصَانِ حَدِّ الزِّنَا، وَأَمَّا إحْصَانُ حَدِّ الْقَذْفِ فَسَيَأْتِي أَنَّ شُرُوطَهُ خَمْسَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَعِفَّتُهُ عَنْ وَطْءٍ مُحَرَّمٍ مَمْلُوكَةً لَهُ وَعَنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا، وَإِلَّا بَطَلَتْ حَصَانَتُهُ. اهـ. م د. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِحْصَانَ لَهُ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ مِنْهَا الْمَنْعُ نَحْوُ قَوْلِهِ {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80] وَمِنْهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} [النساء: 25] وَبِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ كَقَوْلِهِ {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَبِمَعْنَى الْعِفَّةِ وَمِنْهُ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] وَبِمَعْنَى التَّزْوِيجِ وَمِنْهُ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ وَعَلَى الْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ مَعَ الشُّرُوطِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةٌ) أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهَا شُرُوطٌ عَامَّةٌ لِلْجَلْدِ وَالرَّجْمِ. قَوْلُهُ: (مِنْ اعْتِبَارِ التَّكْلِيفِ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَبِّرْ بِهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ. قَوْلُهُ: (فِي الْإِحْصَانِ) مُتَعَلِّقٌ بِاعْتِبَارِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ حَدَّ مُحْصَنٍ، أَوْ غَيْرِ مُحْصَنٍ. قَوْلُهُ: (الْإِشَارَةُ إلَيْهِ) الْمُرَادُ بِهَا مُطْلَقُ الذِّكْرِ. قَوْلُهُ: (الْحُرِّيَّةُ) أَيْ الْكَامِلَةُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا) غَايَةٌ فِي الْحُرِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الذِّمِّيِّ) الْأَوْلَى عَلَى الْكَافِرِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: عَقْدُ الذِّمَّةِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا يَكُونُ عَقْدُ الذِّمَّةِ مَوْجُودًا فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: عَقْدُ الذِّمَّةِ إلَخْ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ لَفْظَ الذِّمِّيِّ فِيهِ مَجَازُ الْأَوَّلِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ أَيْ الْكَافِرُ الَّذِي يُؤَوَّلُ إلَى كَوْنِهِ ذِمِّيًّا. قَوْلُهُ: (لَا لِكَوْنِهِ مُحْصَنًا) بَلْ يَكُونُ مُحْصَنًا وَإِنْ وَطِئَ حَالَ الْحِرَابَةِ فِي نِكَاحٍ. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ فَزَنَى) أَيْ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى حَالَ حِرَابَتِهِ فَلَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ الَّذِي زَنَى حَالَ ذِمِّيَّتِهِ. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُ الذِّمِّيِّ الْمُرْتَدُّ) أَيْ فَإِذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ وَزَنَى فَيُحَدُّ بِالرَّجْمِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ اعْتِبَارًا بِحُصُولِ الْإِحْصَانِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 لَا نُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَ) الرَّابِعُ (وُجُودُ الْوَطْءِ) بِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا عِنْدَ فَقْدِهَا مِنْ مُكَلَّفٍ بِقُبُلٍ وَلَوْ لَمْ تَزُلْ الْبَكَارَةُ كَمَا مَرَّ. (فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مُرَكَّبَةٌ فِي النُّفُوسِ فَإِذَا وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَوْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ فِي عِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ وَطِئَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ فَقَدْ اسْتَوْفَاهَا. فَحَقُّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْحَرَامِ وَلِأَنَّهُ يُكْمِلُ طَرِيقَ الْحِلِّ بِدَفْعِ الْبَيْنُونَةِ بِطَلْقَةٍ، أَوْ رِدَّةٍ، فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْوَطْءِ الْمُفَاخَذَةُ وَنَحْوُهَا. وَبِقَيْدِ الْحَشَفَةِ غَيْبُوبَةُ بَعْضِهَا وَبِقَيْدِ الْقُبُلِ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ وَبِقَيْدِ النِّكَاحِ الْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ. وَبِقَيْدِ الصَّحِيحِ الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ صِفَةُ كَمَالٍ، فَلَا حَصَانَةَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْمُحْتَرَزِ عَنْهَا بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ. وَالْأَصَحُّ: الْمَنْصُوصُ اشْتِرَاطُ التَّغْيِيبِ لِحَشَفَةِ الرَّجُلِ أَوْ قَدْرِهَا حَالَ حُرِّيَّتِهِ الْكَامِلَةِ وَتَكْلِيفِهِ. فَلَا يَجِبُ الرَّجْمُ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ رَقِيقٌ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ وُقُوعُهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ، لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِأَكْمَلِ الْجِهَاتِ وَهُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ، فَاعْتُبِرَ حُصُولُهُ مِنْ كَامِلٍ حَتَّى لَا يُرْجَمَ مَنْ وَطِئَ وَهُوَ نَاقِصٌ ثُمَّ زَنَى وَهُوَ كَامِلٌ، وَيُرْجَمَ مَنْ كَانَ كَامِلًا فِي الْحَالَيْنِ، وَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا نَقْصٌ كَجُنُونٍ وَرِقٍّ وَالْعِبْرَةُ بِالْكَمَالِ فِي الْحَالَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا إدْخَالُ الْمَرْأَةِ حَشَفَةَ الرَّجُلِ وَهُوَ نَائِمٌ وَإِدْخَالُهُ فِيهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ لِلنَّائِمِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عِنْدَ الْفِعْلِ. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ اسْتِصْحَابًا لِحَالِهِ قَبْلَ النَّوْمِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتُوا عَنْ شَرْطِ الِاخْتِيَارِ هُنَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ الْإِصَابَةُ وَالزَّوْجُ مُكْرَهٌ عَلَيْهَا. وَقُلْنَا: بِتَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ حَصَلَ التَّحْصِينُ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَهَذِهِ الشُّرُوطُ كَمَا تُعْتَبَرُ فِي الْوَاطِئِ تُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الْمَوْطُوءَةِ وَالْأَظْهَرُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ: أَنَّ الْكَامِلَ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ بِنَاقِصٍ؛ مُحْصَنٌ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ. فَأَشْبَهَ مَا إذَا كَانَا كَامِلَيْنِ. وَلَا تُغَرَّبُ امْرَأَةٌ زَانِيَةٌ وَحْدَهَا بَلْ مَعَ زَوْجٍ، أَوْ مَحْرَمٍ لِخَبَرِ: «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ»   [حاشية البجيرمي] الْإِسْلَامِ فَلَا تَمْنَعُ مِنْهُ الرِّدَّةُ. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَأْمَنُ) وَمِثْلُهُ الْمُعَاهَدُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِعَقْدٍ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ نَظِيرُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا زَنَى وَلَوْ لَمْ يُزِلْ الْبَكَارَةَ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ، أَوْ يُرْجَمُ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا وَطِئَ) فِعْلُ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ: فَقَدْ اسْتَوْفَاهَا أَيْ الشَّهْوَةَ جَوَابُ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ إلَخْ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ يُكْمِلُ أَيْ يُقَوِّي طَرِيقَ الْحِلِّ أَيْ حِلِّ النِّكَاحِ بِدَفْعِ الْبَيْنُونَةِ بِطَلْقَةٍ، أَوْ رِدَّةٍ فَإِنَّ مَنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ ارْتَدَّ أَوْ ارْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ تَحْصُلُ الْبَيْنُونَةُ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ أَوْ الرِّدَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا تَحْصُلُ الْبَيْنُونَةُ بِمُجَرَّدِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ لِلْوَطْءِ مَزِيَّةً تَقْتَضِي التَّوَقُّفَ عَلَيْهِ هُنَا فَلَا يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (طَرِيقُ الْحِلِّ) أَيْ حِلِّ الزَّوْجَةِ، وَطَرِيقُ الْحِلِّ هِيَ الْعَقْدُ وَقَوْلُهُ: بِدَفْعِ مُتَعَلِّقٍ بِ يَكْمُلُ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَيْ بِسَبَبِ دَفْعِ الْبَيْنُونَةِ بِطَلْقَةٍ، أَوْ رِدَّةٍ حَاصِلَةٍ بِدُونِ وَطْءٍ، لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ تَحْصُلُ الْبَيْنُونَةُ مَعَهُ بِطَلْقَةٍ، أَوْ رِدَّةٍ، لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْوَطْءُ يَدْفَعُ ذَلِكَ أَيْ يَدْفَعُ الْبَيْنُونَةَ بِمَا ذُكِرَ بَلْ لَا تَحْصُلُ الْبَيْنُونَةُ إلَّا بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ وَلَا تَحْصُلُ بِالرِّدَّةِ إلَّا إذَا لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ لِلْوَطْءِ مَزِيَّةً تَقْتَضِي تَوَقُّفَ الْإِحْصَانِ عَلَيْهِ فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (وَالْعِبْرَةُ بِالْكَمَالِ فِي الْحَالَيْنِ) مُسْتَدْرَكٌ. قَوْلُهُ: (بِنَاقِصٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: تَزَوَّجَ بِنَاقِصٍ، أَوْ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِكَامِلٍ أَيْ الَّذِي يَكْمُلُ بِالنَّاقِصِ وَالْمُرَادُ كَامِلٌ مَعَ نَاقِصٍ وَخَبَرُ أَنَّ قَوْلُهُ: " مُحْصَنٌ " لَا مَحْذُوفٌ كَمَا تُوُهِّمَ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُغَرَّبُ امْرَأَةٌ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَمْ أَمَةً وَمِثْلُهَا الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ هَذَا عَلَى شُرُوطِ الْإِحْصَانِ. قَوْلُهُ: (بَلْ مَعَ زَوْجٍ) بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً، أَوْ حُرَّةً وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ طَرَأَ التَّزْوِيجُ بَعْدَ الزِّنَا فَلَا يُقَالُ: إنَّ مَنْ لَهَا زَوْجٌ مُحْصَنَةٌ اهـ. رَشِيدِيٌّ وَعِبَارَةُ خ ض فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ تَكُونُ زَوْجَةً وَتَزْنِي وَيَكُونُ الْوَاجِبُ التَّغْرِيبَ دُونَ الرَّجْمِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ لِلزَّوْجَةِ إنَّمَا هُوَ الرَّجْمُ لَا الْجَلْدُ وَالتَّغْرِيبُ. قُلْت: يُصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَزَنَتْ فَيُقَالُ لَهَا زَوْجَةٌ الْآنَ وَهُوَ زَوْجٌ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَحْرَمٍ) وَمِثْلُهُ نِسْوَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» وَلِأَنَّ الْقَصْدَ تَأْدِيبُهَا. وَالزَّانِيَةُ إذَا خَرَجَتْ وَحْدَهَا هَتَكَتْ جِلْبَابَ الْحَيَاءِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ لَمْ يُجْبَرْ. كَمَا فِي الْحَجِّ، لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيبَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ وَلَا يَأْثَمُ بِامْتِنَاعِهِ. كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ فَيُؤَخَّرُ تَغْرِيبُهَا إلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ مَنْ يَخْرُجُ مَعَهَا، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي حَدِّ غَيْرِ الْحُرِّ قَالَ (وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ) الْمُكَلَّفَيْنِ وَلَوْ مُبَعَّضَيْنِ (حَدُّهُمَا نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ) وَهُوَ خَمْسُونَ جَلْدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالْمُرَادُ الْجَلْدُ، لِأَنَّ الرَّجْمَ قَتْلٌ، وَالْقَتْلُ لَا يَتَنَصَّفُ. وَرَوَى مَالِكٌ وَأَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِعَبْدٍ وَأَمَةٍ زَنَيَا فَجَلَدَهُمَا خَمْسِينَ خَمْسِينَ إذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْأُنْثَى بِجَامِعِ الرِّقِّ. وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ لَعَمَّ الْمُكَاتَبَ، وَأَمَّ الْوَلَدِ وَالْمُبَعَّضَ. وَيُغَرَّبُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ نِصْفَ سَنَةٍ. كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ نِصْفُ الْحُرِّ وَلِعُمُومِ الْآيَةِ فَأَشْبَهَ الْجَلْدَ. تَنْبِيهٌ: مُؤْنَةُ الْمُغَرَّبِ فِي مُدَّةِ تَغْرِيبِهِ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ حُرًّا وَعَلَى سَيِّدِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا. وَإِنْ زَادَتْ عَلَى مُؤْنَةِ الْحُرِّ وَلَوْ زَنَى الْعَبْدُ الْمُؤَجَّرُ حُدَّ. وَهَلْ يُغَرَّبُ فِي الْحَالِ وَيَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ، أَوْ يُؤَخَّرُ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ؟ وَجْهَانِ: حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرُبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ طُولِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقِصَرِهَا قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ ذَلِكَ فِي الْأَجِيرِ الْحُرِّ أَيْضًا انْتَهَى. وَالْأَوْجَهُ: أَنَّهُ لَا يُغَرَّبَ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ كَمَا لَا يُحْبَسُ لِغَرِيمِهِ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْحَبْسِ بَلْ   [حاشية البجيرمي] ثِقَاتٌ وَثِقَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَمْسُوحٌ ثِقَةٌ، وَعَبْدُهَا الثِّقَةُ إذَا كَانَتْ ثِقَةً وَكَذَا سَفَرُهَا وَحْدَهَا إذَا أَمِنَتْ الطَّرِيقَ وَالْمَقْصِدَ كَمَا فِي الْحَجِّ بَلْ أَوْلَى وَالْمُرَادُ بِصُحْبَةِ مَنْ ذُكِرَ مَعَهَا صُحْبَتُهُ ذَهَابًا، وَإِيَابًا لَا إقَامَةً. قَوْلُهُ: (مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) اُنْظُرْ أَيَّ فَائِدَةٍ فِي " ذِي " مَعَ أَنَّ مَحْرَمًا اسْمٌ لِلشَّخْصِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْرَمِ الْمَحْرَمِيَّةُ. قَوْلُهُ: (جِلْبَابَ) أَيْ سُتْرَةَ فَإِضَافَتُهُ إلَى الْحَيَاءِ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ أَيْ: الْحَيَاءَ الَّذِي كَالْجِلْبَابِ بِجَامِعِ الْمَنْعِ فِي كُلٍّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِأُجْرَةٍ) فَتَجِبُ عَلَيْهَا إنْ قَدَرَتْ، وَإِلَّا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ أُخِّرَ التَّغْرِيبُ إلَى أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الْأُجْرَةِ، وَقِيلَ تَكُونُ عَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَعِبَارَةُ م ر: فَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً فَفِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ أُخِّرَ التَّغْرِيبُ إلَى أَنْ تُوسِرَ كَأَمْنِ طَرِيقٍ اهـ. قَالَ الزِّيَادِيُّ وَيُتَّجَهُ فِي الْقِنَّةِ أَنَّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ سَوَاءٌ غَرَّبَ السَّيِّدُ، أَوْ الْإِمَامُ كَالْحُرَّةِ الْمُعْسِرَةِ. قَوْلُهُ: (الْمُكَلَّفَيْنِ) نَعْتٌ مَقْطُوعٌ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَعْنِي الْمُكَلَّفَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ النَّعْتَ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ إلَّا إذَا تَعَيَّنَ الْمَنْعُوتُ بِدُونِهِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] بِالتَّزْوِيجِ وَالْمُرَادُ بِإِحْصَانِهِنَّ صَيْرُورَتُهُنَّ عَفِيفَاتٍ بِسَبَبِ التَّزْوِيجِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْبَيْضَاوِيِّ، لِأَنَّ الْإِحْصَانَ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ لَا يُوصَفُ بِهِ الرَّقِيقُ فَالْإِحْصَانُ لَيْسَ قَيْدًا، لِأَنَّ الْبِكْرَ تُحَدُّ أَيْضًا وَتُغَرَّبُ. قَوْلُهُ: {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ وَقَوْلُهُ: مِنْ الْعَذَابِ شَامِلٌ لِلتَّغْرِيبِ، لِأَنَّهُ عَذَابٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ " وَلِعُمُومِ الْآيَةِ " اهـ. قَوْلُهُ: (خَمْسِينَ خَمْسِينَ) كَرَّرَهُ مَرَّتَيْنِ، لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الْخَمْسِينَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْحَدَّ شَامِلٌ لِلتَّغْرِيبِ. قَوْلُهُ: (وَلِعُمُومِ الْآيَةِ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ حَمَلَهَا أَوَّلًا عَلَى الْجَلْدِ وَقَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ الْجَلْدَ إلَخْ. فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ عَلَى فَرْضِ عُمُومِ الْآيَةِ يَكُونُ بِالنَّصِّ لَا بِالشَّبَهِ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ إحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ وَهُمَا عُمُومٌ فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلِهِ: فَأَشْبَهَ الْجَلْدَ. قَوْلُهُ: (عَلَى نَفْسِهِ) وَهَذَا شَامِلٌ لِلزَّوْجَةِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُمْكِنَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فَإِنْ صَحِبَهَا وَتَمَتَّعَ بِهَا فَيَنْبَغِي وُجُوبُ نَفَقَتِهَا سم. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُغَرَّبِ مَالٌ فَيَقْتَرِضُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُوسِرَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ قَرْضًا لَا تَبَرُّعًا. قَوْلُهُ: (عَلَى مُؤْنَةِ الْحُرِّ) صَوَابُهُ عَلَى مُؤْنَةِ الْحَضَرِ فَإِنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ نَفَقَتَهُ الزَّائِدَةَ عَلَى مُؤْنَةِ الْحَضَرِ فِي بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ) أَيْ الْمُؤَجَّرَ حُرًّا كَانَ، أَوْ رَقِيقًا لَا يُغَرَّبُ إلَخْ مُعْتَمَدٌ وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُغَرَّبُ فِي الْحَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 أَوْلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ آدَمِيٍّ وَهَذَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهَا حَبْسٌ فَإِنَّهَا تُحْبَسُ، وَلَوْ فَاتَ التَّمَتُّعُ عَلَى الزَّوْجِ، لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لَهُ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَيَثْبُتُ الزِّنَا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ لِآيَةِ: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] ، أَوْ إقْرَارٍ حَقِيقِيٍّ وَلَوْ مَرَّةً، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْبَيِّنَةِ التَّفْصِيلُ فَتَذْكُرُ بِمَنْ زَنَى لِجَوَازِ أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا وَالْكَيْفِيَّةَ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَتَتَعَرَّضُ لِلْحَشَفَةِ، أَوْ قَدْرِهَا وَقْتَ الزِّنَا، فَتَقُولُ رَأَيْنَاهُ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ، أَوْ   [حاشية البجيرمي] مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُغَرَّبُ فِي الْحَالِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ كَالْخِيَاطَةِ وَالْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: (إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ) كَالْبِنَاءِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْحَبْسَ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ التَّغْرِيبُ حَقُّ اللَّهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تُحْبَسُ) مَعَ أَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُسْتَأْجَرَةَ لِلزَّوْجِ، لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ صَارَتْ كَأَنَّهَا مُسْتَأْجَرَةً لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ فَاتَ التَّمَتُّعُ) غَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ) أَيْ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ الْعَبْدَ حَدُّهُ نِصْفُ الْحُرِّ. وَغَرَضُهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ الرَّقِيقَ الْكَافِرَ لَا يُحَدُّ، لِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ حُكْمًا تَبَعًا لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ تُحَدُّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهَا جِزْيَةٌ، لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِزَوْجِهَا، أَوْ لِأَهْلِهَا. قَوْلُهُ: (بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ) وَيُزَادُ اللِّعَانُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَلَا يَثْبُتُ الزِّنَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَلَا بِحَبَلِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ خَلِيَّةٌ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ: وَإِذَا ظَهَرَ بِالْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ حَمْلٌ لَا زَوْجَ لَهَا وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا زَوْجٌ وَتَقُولُ أُكْرِهْتُ، أَوْ وُطِئْتُ بِشُبْهَةٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَدٌّ كَمَا قَالَهُ: أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَظْهَرِ رِوَايَتَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهَا تُحَدُّ إذَا كَانَتْ مُقِيمَةً لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الشُّبْهَةِ وَالْغَصْبِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ كَمَجِيئِهَا مُسْتَغِيثَةً وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ بِهِ صِدْقُهَا، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ عَدَمُ تَحَقُّقِنَا مِنْهَا مَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُطِئَتْ وَهِيَ نَائِمَةٌ، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّ امْرَأَةً لَا زَوْجَ لَهَا أُتِيَ بِهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ وَجَدُوهَا حَامِلًا فَقَالَ عُمَرُ لِلْحَاضِرِينَ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ مَا هِيَ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ، ثُمَّ اسْتَفْهَمَهَا عَنْ شَأْنِهَا، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي امْرَأَةٌ أَرْعَى الْغَنَمَ، وَإِذَا دَخَلْتُ فِي صَلَاتِي فَرُبَّمَا غَلَبَ عَلَيَّ الْخُشُوعُ فَأَغِيبُ عَنْ إحْسَاسِي فَرُبَّمَا أَتَى أَحَدٌ مِنْ الْعُتَاةِ فَغَشِيَنِي مِنْ غَيْرِ عِلْمِي أَيْ وَطِئَنِي قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا} [الأعراف: 189] إلَخْ فَقَالَ لَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَذَلِكَ ظَنِّي بِكِ وَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ، وَقَدْ حَكَيْت ذَلِكَ لِزَوْجَتِي أُمِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَتْ: إنَّ الْوَلَدَ لَا يَتَخَلَّقُ إلَّا مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا، وَإِذَا كَانَتْ غَائِبَةَ الْعَقْلِ فَلَا شُعُورَ لَهَا بِلَذَّةِ جِمَاعِ ذَلِكَ الرَّجُلِ حَتَّى يَخْرُجَ مَاؤُهَا وَتَخَلُّقُ الْوَلَدِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ خَصَائِصِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَتْ: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا شَعَرَتْ بِوَطْءِ الرَّجُلِ لَهَا فَخَرَجَ مَاؤُهَا وَلَكِنْ اسْتَحْيَتْ مِنْ النَّاسِ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً عِنْدَ عُمَرَ فَدَرَأَ الْحَدَّ عَنْهَا. إلَّا إنَّهُ سَلَّمَ لَهَا قَوْلَهَا مُطْلَقًا فَقُلْت لَهَا: وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ احْتَلَمَتْ بَعْدَ نَزْعِ الرَّجُلِ مِنْهَا فَاخْتَلَطَ مَنِيُّهَا بِمَنِيِّهِ الْبَاقِي فِي رَحِمِهَا فَتَخَلَّقَ مِنْ ذَلِكَ الْوَلَدُ، أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ وَرَثَةِ أُمِّ عِيسَى فِي الْمَقَامِ فَكَمَا قَامَ نَفْخُ الْمَلَكِ فِي ذَيْلِ قَمِيصِ مَرْيَمَ مَقَامَ مَاءِ الزَّوْجِ كَذَلِكَ قَامَ نَفْخُ مَلَكٍ، أَوْ شَيْطَانٍ فِي ذَيْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مَقَامَ مَاءِ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ عَادَةً فَقَالَتْ: هَذَا بَعِيدٌ اهـ. وَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِك الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إنَّهَا تُحَدُّ فَهُوَ لِعَدَمِ إبْدَائِهَا شُبْهَةً يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ عَنْهَا عِنْدَهُ فَاعْلَمْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَرَّةً) . غَايَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِأَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ إلَّا بِتَعَدُّدِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ، لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ شَاهِدٍ، وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ لِلْمُقِرِّ بِالزِّنَا: «لَعَلَّكَ لَمَسْتَ لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ لَعَلَّكَ فَاخَذْتَ فَصَارَ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ زَنَيْتُ» . قَوْلُهُ: (فَتَذْكُرُ بِمَنْ زَنَى) أَيْ فَتُصَرِّحُ بِاَلَّتِي زَنَى بِهَا كَأَنْ تَقُولَ: أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِ فُلَانَةَ عَلَى سَبِيلِ الزِّنَا. وَلَا بُدَّ أَنْ تَذْكُرَ الْإِحْصَانَ، أَوْ عَدَمَهُ كَمَا فِي الْعُبَابِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَالْكَيْفِيَّةَ) أَيْ كَيْفِيَّةَ مَا وُجِدَ مِنْهُ هَلْ هُوَ إيلَاجٌ أَوْ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَتَتَعَرَّضُ لِلْحَشَفَةِ) تَفْصِيلٌ لِلْكَيْفِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَقْتَ الزِّنَا) وَكَذَا مَكَانُهُ لَا بُدَّ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَحِلُّ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَفِي مَكَان دُونَ مَكَان. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِ فُلَانَةَ، عَلَى وَجْهِ الزِّنَا وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْإِقْرَارِ مُفَصَّلًا كَالشَّهَادَةِ. وَخَرَجَ بِالْإِقْرَارِ الْحَقِيقِيِّ التَّقْدِيرِيُّ وَهُوَ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ بَعْدَ نُكُولِ الْخَصْمِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا، وَلَكِنْ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ. وَيُسَنُّ لِلزَّانِي وَكُلِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً: السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ لِخَبَرِ: «مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّ مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. (وَحُكْمُ اللِّوَاطِ) وَهُوَ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا فِي دُبُرِ ذَكَرٍ وَلَوْ عَبْدَهُ أَوْ أُنْثَى غَيْرَ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ. (وَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ) مُطْلَقًا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ (حُكْمُ الزِّنَا) فِي الْقُبُلِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي اللِّوَاطِ فَقَطْ فَيُرْجَمُ الْفَاعِلُ الْمُحْصَنُ، وَيُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ غَيْرُهُ عَلَى مَا سَبَقَ، وَأَمَّا الْمَفْعُولُ بِهِ فَيُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ مُطْلَقًا أُحْصِنَ أَمْ لَا. عَلَى الْأَصَحِّ وَخَرَجَ بِقَيْدِ " غَيْرَ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ " اللِّوَاطُ بِهِمَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بَلْ وَاجِبُهُ التَّعْزِيرُ فَقَطْ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الرَّوْضَةِ. أَيْ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِعْلُ فَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَلَا تَعْزِيرَ. كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَالزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ فِي التَّعْزِيرِ مِثْلُهُ. ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ إتْيَانَ الْبَهَائِمِ فِي الْحَدِّ كَالزِّنَا فَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ حَدٌّ يَجِبُ بِالْوَطْءِ كَذَا عَلَّلَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ. وَالثَّانِي أَنَّ وَاجِبَهُ الْقَتْلُ   [حاشية البجيرمي] وَهُوَ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ) كَمَا إذَا قَذَفَ شَخْصًا بِالزِّنَا وَطَلَبَ مِنْهُ الْمَقْذُوفُ حَدَّ الْقَذْفِ فَطَلَبَ مِنْهُ يَمِينَهُ، عَلَى أَنَّهُ مَا زَنَى، فَرَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَحَلَفَ أَنَّهُ زَانٍ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلزَّانِي إلَخْ) وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ سَقَطَ الْحَدُّ لَا إنْ هَرَبَ، أَوْ قَالَ لَا تَحُدُّونِي. أَمَّا الْحَدُّ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ كَمَا لَا يَسْقُطُ هُوَ وَلَا الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ بِالتَّوْبَةِ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ رَجَعَ أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ، أَوْ بَعْدَهُ كَأَنْ قَالَ: كَذَبْتُ، أَوْ مَا زَنَيْتُ، أَوْ رَجَعْتُ أَوْ فَاخَذْتُ فَظَنَنْتُهُ زِنًا وَإِنْ شَهِدَ حَالُهُ بِكَذِبِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَعَلَى قَاتِلِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ الدِّيَةُ لَا الْقَوَدُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالرُّجُوعِ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ لِإِسْقَاطِ مَهْرِ مَنْ قَالَ: زَنَيْتُ بِهَا مُكْرَهَةً، لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ. اهـ. زي، مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ م ر. وَقَوْلُهُ: لَا تَحُدُّونِي خَرَجَ مَا لَوْ قَالَ: قَدْ حَدَّنِي الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يُرَ لَهُ أَثَرٌ بِبَدَنِهِ. وَقَوْلُهُ: فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ أَيْ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْإِقْرَارَ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (الْقَاذُورَاتِ) أَيْ الْمَعَاصِي. قَوْلُهُ (صَفْحَتَهُ) أَيْ ذَنْبَهُ وَنُسْخَةٌ " فُضْحَتَهُ " أَيْ زَلَّتَهُ وَجَرِيمَتَهُ، وَمَحَلُّ نَدْبِ السَّتْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ شَيْخٍ يُرْشِدُهُ لِدَوَاءِ ذَنْبِهِ وَهُوَ التَّوْبَةُ مِنْهُ، أَوْ كَسْرٍ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِأَجْلِ النَّدَمِ. قَوْلُهُ: (وَحُكْمُ اللِّوَاطِ إلَخْ) وَلِبَعْضِهِمْ فِي ذَمِّهِ نَظْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّعْرَانِيُّ: ظَلَامٌ لِقَلْبٍ ضِيقُ رِزْقٍ لِفَاعِلٍ ... لِإِحْدَى خِصَالٍ ثُمَّ مَقْتٌ بِحِرْمَانِ هِيَ الْكِيمْيَا ثُمَّ اللِّوَاطُ وَشُغْلُهُ ... بِعِلْمٍ لِرُوحَانِيٍّ كَذَا نَصُّ شَعْرَانِيّ قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (حُكْمُ الزِّنَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى زِنًا وَهَذَا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، وَإِلَّا فَهُوَ زِنًا شَرْعًا وَلِذَلِكَ يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَزْنِي ق ل. قَوْلُهُ: (فِي الْقُبُلِ) مُتَعَلِّقٌ بِالزِّنَا. قَوْلُهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ فِي اللِّوَاطِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا وَفِي كَيْفِيَّةِ قَتْلِهِ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ. قِيلَ: بِالسَّيْفِ وَقِيلَ: بِالرَّجْمِ، وَقِيلَ: بِهَدْمِ جِدَارٍ عَلَيْهِ. وَقِيلَ بِإِلْقَائِهِ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) بَيَّنَ الْإِطْلَاقَ بِقَوْلِهِ: أَحْصَنَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْإِحْصَانَ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْمَفْعُولِ فِي دُبُرِهِ؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إدْخَالُ الذَّكَرِ فِي الدُّبُرِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ حَتَّى يُؤَثِّرَ الْإِحْصَانُ اخْتِلَافَ الْحُكْمِ فِيهِ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ مَنْ خَشِيَ الزِّنَا وَزَوْجَتُهُ حَائِضٌ يُبَاحُ لَهُ دُبُرُهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا بَلْ يُبَاحُ لَهُ حِينَئِذٍ وَطْؤُهَا فِي الْقُبُلِ مَعَ الْحَيْضِ لِلضَّرُورَةِ قَوْلُهُ: (بَلْ وَاجِبُهُ التَّعْزِيرُ فَقَطْ) وَلَيْسَ كَبِيرَةً فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ق ل. قَوْلُهُ: (وَالزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ فِي التَّعْزِيرِ مِثْلُهُ) أَيْ الزَّوْجِ، هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْ فَإِنَّهَا إذَا مَكَّنَتْ زَوْجَهَا، أَوْ سَيِّدَهَا مِنْ دُبُرِهَا بِاخْتِيَارِهَا فَإِنَّهَا تُعَزَّرُ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ التَّعْزِيرُ عَلَى التَّكْرِيرِ لِخَوْفِ الْمُقَاطَعَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ تَسْقُطُ بِهَا. قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ) لِلْحَدِيثِ الْآتِي أَيْ فَيُقْتَلُ الْأَوَّلُ وَيُجْلَدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ. وَأَظْهَرُهَا لَا حَدَّ فِيهِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ، لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَأْبَاهُ فَلَمْ يُحْتَجْ إلَى زَاجِرٍ بِحَدٍّ. بَلْ يُعَزَّرُ وَفِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَيْسَ عَلَى الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ حَدٌّ " وَمِثْلُ هَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ. . (وَمَنْ وَطِئَ) الْأَوْلَى " وَمَنْ بَاشَرَ " (فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) بِمُفَاخَذَةٍ، أَوْ مُعَانَقَةٍ، أَوْ قُبْلَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (عُزِّرَ) بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ ضَرْبٍ، أَوْ صَفْعٍ، أَوْ حَبْسٍ أَوْ نَفْيٍ، وَيَعْمَلُ بِمَا يَرَاهُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِهَا. وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّوْبِيخِ بِاللِّسَانِ وَحْدَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. وَلَا يَبْلُغُ الْإِمَامُ وُجُوبًا (بِالتَّعْزِيرِ أَدْنَى الْحُدُودِ) لِأَنَّ الضَّابِطَ فِي التَّعْزِيرِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ مُقَدِّمَاتِ مَا فِيهِ حَدٌّ كَمُبَاشَرَةِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ وَسَرِقَةِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ، وَالسَّبِّ بِمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ أَمْ لَا، كَالتَّزْوِيرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالضَّرْبِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنُشُوزِ الْمَرْأَةِ   [حاشية البجيرمي] الثَّانِي وَيُغَرَّبُ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي أَنَّ وَاجِبَهُ الْقَتْلُ) وَفِي كَيْفِيَّتِهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي اللِّوَاطِ، وَأَمَّا قَتْلُ الْبَهِيمَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَالرَّاجِحُ مِنْهُ أَنَّ قَتْلَهَا بِذَبْحِهَا إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً وَيَغْرَمُ الْفَاعِلُ بِهَا مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً وَمَذْبُوحَةً، لِأَنَّ ذَبْحَهَا مَصْلَحَةٌ وَهُوَ السَّتْرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ فِي بَقَائِهَا تَذَكُّرًا لِلْفَاحِشَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَالْأَصَحُّ: حِلُّ أَكْلِهَا إذَا ذُبِحَتْ، وَفِي وَجْهٍ لَا شَيْءَ لِصَاحِبِهَا، لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ قَتْلَهَا لِلْمَصْلَحَةِ دَمِيرِيٌّ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهَا بِغَيْرِ الذَّبْحِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْكُولَةِ فَيَضْمَنُهَا كُلَّهَا إذَا ذُبِحَتْ. قَوْلُهُ: (فَاقْتُلُوهُ) مَنْسُوخٌ عِنْدَنَا بِالْحَدِيثِ الْآتِي أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ. قَوْلُهُ: (وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ) أَيْ سَتْرًا عَلَى الْفَاعِلِ، لِأَنَّهَا إذَا رُئِيَتْ تُذُكِّرَ الْفَاعِلُ بِهَا. قَوْلُهُ: (الْأَوْلَى وَمَنْ بَاشَرَ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوَطْءِ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ فِي فَرْجٍ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِهِ لِلْمُشَاكَلَةِ. قَوْلُهُ: (بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ) أَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ اسْتِيفَاءِ غَيْرِ الْأُمِّ مَالَهُ نَعَمْ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ تَأْدِيبُ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ وَمِثْلُهُمَا الْأُمُّ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَلِلسَّيِّدِ تَأْدِيبُ قِنِّهِ وَلَوْ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِلْمُعَلِّمِ تَأْدِيبُ الْمُتَعَلِّمِ مِنْهُ لَكِنْ بِإِذْنِ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ، وَلِلزَّوْجِ تَعْزِيرُ زَوْجَتِهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَنُشُوزٍ م ر: وَقَوْلُهُ: وَلِلْمُعَلِّمِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَافِرًا وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ تَعَيَّنَ لِلتَّعْلِيمِ، أَوْ كَانَ أَصْلَحَ مِنْ غَيْرِهِ فِي التَّعْلِيمِ، وَعِبَارَةُ ق ل وَمُعَلِّمٌ لِمُتَعَلِّمٍ مِنْهُ وَلَوْ غَيْرَ صَبِيٍّ وَسَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ، أَوْ لَا إذْ لَهُ التَّأْدِيبُ وَلَوْ بِالضَّرْبِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَالَ ع ش وَمِنْ ذَلِكَ الشَّيْخُ مَعَ الطَّلَبَةِ فَلَهُ تَأْدِيبُ مَنْ حَصَلَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي تَأْدِيبَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّعَلُّمِ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ أَنَّ الْمُتَعَلِّمَ إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ يَأْتِي صَاحِبُ الْحَقِّ لِلشَّيْخِ وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنْ الْمُتَعَلِّمِ مِنْهُ فَإِذَا طَلَبَهُ الشَّيْخُ مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ فَلَيْسَ لَهُ ضَرْبُهُ وَلَا تَأْدِيبُهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ تَوْفِيَةِ الْحَقِّ فَلَوْ عَزَّرَهُ الشَّيْخُ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: (مِنْ ضَرْبٍ) أَيْ غَيْرِ مُبَرِّحٍ قَوْلُهُ: (أَوْ صَفْعٍ) هُوَ الضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ، أَوْ بَسْطِهَا م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ حَبْسٍ) أَيْ أَوْ قِيَامٍ مِنْ مَجْلِسٍ، أَوْ كَشْفِ رَأْسٍ، أَوْ تَسْوِيدِ وَجْهٍ، أَوْ حَلْقِ رَأْسٍ لِمَنْ يَكْرَهُهُ فِي زَمَنِنَا لَا لِلِحْيَةٍ، وَإِنْ قُلْنَا: بِكَرَاهَتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَيْ لَا يَجُوزُ بِذَلِكَ فَإِنْ فُعِلَ بِهِ حُرِّمَ وَحَصَلَ التَّعْزِيرُ، كَمَا قَالَهُ ح ل خِلَافًا لِلشَّوْبَرِيِّ فِي عَدَمِ حُصُولِ التَّعْزِيرِ بِذَلِكَ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ حَلْقُ اللِّحْيَةِ حَيْثُ يَرَاهُ الْإِمَامُ فَلْيُحَرَّرْ، وَإِرْكَابُهُ الْحِمَارَ مَنْكُوسًا وَالدَّوْرَانُ بِهِ كَذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ وَتَهْدِيدُهُ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ. وَجَوَّزَ الْمَاوَرْدِيُّ صَلْبَهُ حَيًّا مِنْ غَيْرِ مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُمْنَعُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي لَا مُومِيًا أَيْ بَلْ يُطْلَقُ حَتَّى يُصَلِّيَ، ثُمَّ يُصْلَبُ خِلَافًا لَهُ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ بِكُلِّ مُعَزَّرٍ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ وَبِجِنَايَتِهِ أَيْ مَا يَلِيقُ بِهِ وَبِجِنَايَتِهِ وَأَنْ يُرَاعِيَ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّدْرِيجِ مَا مَرَّ فِي دَفْعِ الصَّائِلِ فَلَا يَرْتَقِي لِمَرْتَبَةٍ وَهُوَ يَرَى مَا دُونَهَا كَافِيًا فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ إذْ لِلْإِمَامِ الْجَمْعُ بَيْنَ نَوْعَيْنِ فَأَكْثَرَ إنْ رَآهُ م ر فِي شَرْحِهِ قَالَ ق ل: وَمَنَعَ شَيْخُنَا م ر كَابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ الضَّرْبَ بِالدِّرَّةِ الْمَعْرُوفَةِ الْآنَ لِذَوِي الْهَيْئَاتِ، لِأَنَّهُ صَارَ عَارًا فِي ذُرِّيَّتِهِمْ اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى التَّوْبِيخِ) أَيْ إنْ أَفَادَ. قَوْلُهُ: (أَدْنَى الْحُدُودِ) وَهُوَ أَرْبَعُونَ بِالنِّسْبَةِ لِلْحُرِّ وَعِشْرُونَ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّقِيقِ سم هَذَا إذَا كَانَ التَّعْزِيرُ بِالضَّرْبِ أَمَّا غَيْرُهُ كَالْحَبْسِ فَيَتَعَلَّقُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) كَمُبَاشَرَةِ أَجْنَبِيَّةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ. قَوْلُهُ: (كَالتَّزْوِيرِ) التَّزْوِيرُ هُوَ مُحَاكَاةُ الْخَطِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 وَمَنْعِ الزَّوْجِ حَقَّهُ مَعَ الْقُدْرَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34] الْآيَةَ فَأَبَاحَ الضَّرْبَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فَكَانَ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى التَّعْزِيرِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سُئِلَ: " عَمَّنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا: فَاسِقُ يَا خَبِيثُ فَقَالَ: يُعَزَّرُ ". تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ: الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: تَعْزِيرُ ذِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ: مِنْهَا الْأَصْلُ لَا يُعَزَّرُ لِحَقِّ الْفَرْعِ كَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ. وَمِنْهَا مَا إذَا ارْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَلَّفَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَا لَا يُطِيقُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُعَزَّرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ: لَا تَعُدْ فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ. وَمِنْهَا مَا إذَا قَطَعَ الشَّخْصُ أَطْرَافَ نَفْسِهِ. الْأَمْرُ الثَّانِي: مَتَى كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ حَدٌّ كَالزِّنَا أَوْ كَفَّارَةٌ كَالتَّمَتُّعِ بِطِيبٍ فِي الْإِحْرَامِ يَنْتَفِي التَّعْزِيرُ لِإِيجَابِ الْأَوَّلِ الْحَدَّ وَالثَّانِي الْكَفَّارَةَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ: مِنْهَا إفْسَادُ الصَّائِمِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ، أَوْ أَمَتِهِ. فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ. وَمِنْهَا الْمُظَاهِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ. وَمِنْهَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ يَجِبُ فِيهَا التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ. وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ الصُّغْرَى أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِأُمِّهِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ مُعْتَكِفٌ مُحْرِمٌ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَالْبَدَنَةُ وَيُحَدُّ لِلزِّنَا وَيُعَزَّرُ لِقَطْعِ رَحِمِهِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْكَعْبَةِ. الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ: مِنْهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُعَزَّرَانِ إذَا فَعَلَا مَا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا مَعْصِيَةً. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُحْتَسِبَ يَمْنَعُ مَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ. وَظَاهِرُهُ تَنَاوُلُ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ. وَمِنْهَا نَفْيُ الْمُخَنَّثِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ لِلْمَصْلَحَةِ،   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (فَقَالَ يُعَزَّرُ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْقَائِلُ الْقَذْفَ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الْحَدُّ لِمَا يَأْتِي أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (اقْتَضَى الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ) وَهُوَ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَجْرِي فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: اقْتَضَى الضَّابِطُ أَيْ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا فَالْأَوَّلُ مِنْ الْمَنْطُوقِ وَالْأَخِيرَانِ مِنْ الْمَفْهُومِ. قَوْلُهُ: (الْأَصْلُ لَا يُعَزَّرُ لِحَقِّ الْفَرْعِ) أَيْ إذَا ضَرَبَهُ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ بِأَنْ كَانَ لَا لِقَصْدِ التَّأْدِيبِ، أَوْ سَبَّهُ بِمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ كَيَا ظَالِمُ وَيَا أَحْمَقُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَيَا سَارِقُ. قَوْلُهُ: (مَا إذَا ارْتَدَّ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ فِيهَا حَدٌّ وَهُوَ الْقَتْلُ فَكَيْفَ اسْتَثْنَاهَا. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ سَقَطَ الْحَدُّ فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا مَا إذَا كَلَّفَ إلَخْ) وَمِنْهَا مَا لَوْ وَطِئَ الرَّجُلُ حَلِيلَتَهُ فِي دُبُرِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَلَا يُعَزَّرُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَعْزِيرُهُ عَلَى وَطْءِ الْحَائِضِ، لِأَنَّهُ أَفْحَشُ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَكُفْرِ مُسْتَحِلِّهِ مَعَ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ رَذِيلَةٌ يَنْبَغِي عَدَمُ إذَاعَتِهَا أَيْ إشَاعَتِهَا م ر فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ) لَكِنَّ الثَّلَاثَ الْأُوَلَ مِنْ الَّذِي فِيهِ كَفَّارَةٌ. وَالرَّابِعَ مِنْ الَّذِي فِيهِ كَفَّارَةٌ وَحَدٌّ مَعًا. قَوْلُهُ: (الْغَمُوسُ) أَيْ الْبَاطِلُ بِأَنْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ حَلَفَ بَاطِلًا عَامِدًا عَالِمًا، وَأَمَّا لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَا يُعَزَّرُ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا كَمَا قَالَهُ: ح ل. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْعِتْقُ) : أَيْ كَفَّارَةٌ لِلصَّوْمِ وَقَوْلُهُ: وَالْبَدَنَةُ أَيْ لِإِفْسَادِ النُّسُكِ. قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ مَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ) أَيْ وَلَوْ مُبَاحًا كَمَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ الشِّطْرَنْجَ لِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ فَيُعَزِّرُ الْمُحْتَسِبُ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ. قَوْلُهُ: (تَنَاوُلُ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ) الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ مَعَهُ كَاللَّعِبِ بِالطَّارِ كَالْمَدَّاحِينَ وَالْغِنَاءِ فِي الْقَهَاوِي مَثَلًا وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْمُسَمَّى بِالْمُزَاحِ ع ش. وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر: وَأَمَّا مَنْ يَكْتَسِبُ بِالْحَرَامِ فَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فِي الْحَرَامِ، لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي مِصْرِنَا مِنْ اتِّخَاذِ مَنْ يَذْكُرُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةً وَأَكْثَرُهَا أَكَاذِيبُ فَيُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى دَافِعِهِ. وَإِنْ وَقَعَتْ صُورَةُ اسْتِئْجَارٍ، لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَاسِدٌ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (نَفْيُ الْمُخَنَّثِ) أَيْ الْمُتَشَبِّهِ بِالنِّسَاءِ أَيْ نَفْيُهُ فِي مَحَلٍّ لَا نِسَاءَ فِيهِ فَنَفْيُ الْقَاضِي لَهُ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ تَعْزِيرٌ لَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: التَّخَنُّثُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 وَاسْتَثْنَيْتُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ عَدِيدَةً مُهِمَّةً لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ تَذْكِرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. تَتِمَّةٌ: لِلْإِمَامِ تَرْكُ تَعْزِيرٍ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِإِعْرَاضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جَمَاعَةٍ اسْتَحَقُّوهُ كَالْغَالِّ فِي الْغَنِيمَةِ، وَلَاوِي شِدْقِهِ فِي حُكْمِهِ لِلزُّبَيْرِ. وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إنْ كَانَ لِآدَمِيٍّ عِنْدَ طَلَبِهِ كَالْقِصَاصِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي وَيُعَزَّرُ مَنْ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي أَعْيَادِهِمْ، وَمَنْ يُمْسِكُ الْحَيَّةَ وَيَدْخُلُ النَّارَ، وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ: يَا حَاجُّ، وَمَنْ يُسَمِّي زَائِرَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ حَاجًّا. وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَنْ الْحَدِّ وَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ. وَتُسَنُّ الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النساء: 85] الْآيَةَ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ. وَقَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ» .   [حاشية البجيرمي] فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُعَزَّرُ بِالنَّفْيِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَقَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ أَيْ التَّخَنُّثَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّخَنُّثِ الْخِلْقِيِّ وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ أَيْ تَعْزِيرُهُ بِالنَّفْيِ فِعْلٌ لِلْمَصْلَحَةِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْتَنَ النِّسَاءَ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا هُوَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلتَّخَنُّثِ فَيَقْضِي أَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلنَّفْيِ وَالْمَصْلَحَةُ فِيهِ حِفْظُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ التَّعَلُّمِ مِنْهُ وَالتَّنَقُّلِ مِنْهُ فَفِي ذَلِكَ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ قَوْلُهُ: (لِإِعْرَاضِهِ) أَيْ لِشِدَّةِ حِلْمِهِ وَتَوْلِيعًا لِلنَّاسِ. قَوْلُهُ: (كَالْغَالِّ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ الْخَائِنِ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ «إنَّمَا تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَانَ قَدْ سَرَقَ شَمْلَةً» . قَوْلُهُ: وَلَاوِي شِدْقِهِ بِكَسْرِ الْوَاوِ مِنْ الِالْتِوَاءِ وَالشِّدْقُ جَوَانِبُ الْفَمِ وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِهَا وَالْمَكْسُورَةُ يُجْمَعُ عَلَى أَشْدَاقٍ كَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ وَالْمَفْتُوحُ يُجْمَعُ عَلَى شُدُوقٍ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ «الزُّبَيْرَ تَخَاصَمَ مَعَ رَجُلٍ سَقَى أَرْضًا فَحَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزُّبَيْرِ بِأَنْ يَسْقِيَ أَوَّلًا لِكَوْنِهِ أَحْيَا أَوَّلًا، فَقَالَ الْخَصْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَنْ تَعْلِيلًا لِمَحْذُوفٍ أَيْ حَكَمْتَ لَهُ لِكَوْنِهِ ابْنَ عَمَّتِكَ وَلَوَى شِدْقَهُ فَاغْتَمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَظَهَرَ عَلَيْهِ الْغَضَبُ فَحَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَانِيًا لِلزُّبَيْرِ بِأَنَّهُ يَسْقِي وَيَحْبِسُ الْمَاءَ إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَكَانَ أَوَّلًا أَمَرَ الزُّبَيْرَ يُسَامِحُ خَصْمَهُ مِنْ بَعْضِ حَقِّهِ فَلَمَّا وَقَعَ مِنْ الْخَصْمِ مَا ذُكِرَ، رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَكَمَ بِمَا ذُكِرَ» ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ التَّعْزِيرِ إنْ كَانَ الْآدَمِيُّ عِنْدَ طَلَبِهِ وَلَوْ عَفَى مُسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةِ عَنْ الْقِصَاصِ، أَوْ الْحَدِّ، أَوْ التَّعْزِيرِ سَقَطَ مَا ذُكِرَ لَكِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَتْرُكَ التَّعْزِيرَ، لِأَنَّ أَصْلَهُ يَتَعَلَّقُ بِنَظَرِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ إسْقَاطُ غَيْرِهِ. كَمَا نَقَلَهُ الْمَنُوفِيُّ عَنْ تَصْحِيحِ الرَّوْضَةِ وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ الشَّارِحِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَأَلْحَقَ فِي الرَّوْضَةِ التَّعْزِيرَ بِالْحَدِّ فَقَالَ: إنَّهُ سَقَطَ بِالْعَفْوِ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا لِلْإِمَامِ فَسَقَطَ مَا فِي الْحَاشِيَةِ مِنْ ذِكْرِهِ التَّنَافِيَ. قَوْلُهُ: (مَنْ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي أَعْيَادِهِمْ) بِأَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُونَهُ فِي يَوْمِ عِيدِهِمْ وَهَذَا حَرَامٌ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ يُمْسِكُ الْحَيَّةَ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا آذَتْهُ وَلَوْ كَانَ مَحْوِيًّا، أَوْ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا اُتُّبِعَ فِي أُمُورٍ فَاسِدَةٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَسْكَ الْحَيَّةِ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَلَا يَأْتِي هُنَا تَفْصِيلُ الْبَهْلَوَانِ؛ إذْ لَا نَفْعَ لِلْحِذْقِ هُنَا. قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ النَّارَ) وَإِنْ كَانَتْ لَا تُؤْذِيهِ بِأَنْ كَانَ يَسْحَرُ، لِأَنَّهَا رُبَّمَا آذَتْهُ أَوْ يُتَّبَعُ فِي أُمُورٍ فَاسِدَةٍ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ صِفَةً لِحَمْلِ النَّارِ فَقَالَ: تَأْخُذُ زِرْنِيخًا وَشَبًّا يَمَانِيًّا اسْحَقْهُمَا وَلِتَّهُمَا بِبَيَاضِ الْبَيْضِ وَلَطِّخْ بِهِ بَدَنَك وَاحْمِلْ النَّارَ فَإِنَّهَا لَا تُؤْذِيكَ. وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُدْخِلَ النَّارَ إلَى فَمِكَ وَلَا تُؤْذِيَكَ خُذْ نَشَادِرًا وَعُودَ قَرْحٍ وَتَلُوكُهُمَا جَيِّدًا وَتَضَعُهُمَا فِي فَمِكَ وَلَا تَبْلَعْ مِنْ رِيقِكَ شَيْئًا، ثُمَّ تَأْخُذُ الصَّفِيحَةَ أَوْ الْحَدِيدَةَ الْمَحْمِيَّةَ تُدْخِلُهَا فِي فَمِكَ وَتَضَعُهَا عَلَى لِسَانِكَ وَتَلْحَسُهَا فَإِنَّهُ يَطِشُّ وَلَا يُؤْذِيكَ فَيَتَخَيَّلُ النَّاظِرُ أَنَّهَا حَرَقَتْ لِسَانَكَ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِّ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُسَامَةَ لَمَّا كَلَّمَهُ فِي شَأْنِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَاَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. شَرْحَ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ اشْفَعُوا) أَيْ عِنْدَ النَّبِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 فَصْلٌ: فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لُغَةً الرَّمْيُ وَشَرْعًا الرَّمْيُ بِالزِّنَا فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ، وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ ثَلَاثَةٌ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَتَعْرِيضٌ. وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَإِذَا قَذَفَ) شَخْصٌ (غَيْرَهُ بِالزِّنَا) كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ زَنَيْتَ، أَوْ زَنَيْتِ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا، أَوْ يَا زَانِي، أَوْ يَا زَانِيَةُ (فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ) لِلْمَقْذُوفِ بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِدِ إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ «وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ: الْبَيِّنَةُ، أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ وَلَمَّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ ذَلِكَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَرِّرُ ذَلِكَ فَقَالَ هِلَالٌ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ» . وَلَوْ قَالَ لِلرَّجُلِ: يَا زَانِيَةُ وَلِلْمَرْأَةِ: يَا زَانِي كَانَ قَذْفًا وَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ بِالتَّذْكِيرِ لِلْمُؤَنَّثِ، وَعَكْسُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَلَوْ خَاطَبَ: خُنْثَى بِزَانِيَةٍ، أَوْ زَانٍ وَجَبَ الْحَدُّ لَكِنَّهُ يَكُونُ صَرِيحًا إنْ أَضَافَ الزِّنَا إلَى فَرْجَيْهِ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى أَحَدِهِمَا كَانَ كِنَايَةً،   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي حَدِّ الْقَذْفِ] ِ وَهُوَ مَعْقُودٌ لِأُمُورٍ أَرْبَعَةٍ الْأَوَّلُ حَقِيقَةُ الْقَذْفِ وَأَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَإِلَى كِنَايَةٍ بِخِلَافِ التَّعْرِيضِ فَلَيْسَ بِقَذْفٍ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْقَاذِفِ وَشُرُوطِ الْمَقْذُوفِ الثَّالِثُ فِي مِقْدَارِ حَدِّ الْقَذْفِ الرَّابِعُ فِيمَا يَسْقُطُ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَهُوَ أَحَدُ أُمُورٍ خَمْسَةٍ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَا الْمَقْذُوفِ بِالشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ وَبِإِقْرَارِهِ وَبِعَفْوِهِ وَبِاللِّعَانِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ وَبِإِرْثِ الْقَاذِفِ الْحَدَّ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ سَادِسٌ وَهُوَ زِنَاهُ بَعْدَ قَذْفِهِ وَقَبْلَ الْحَدِّ. اهـ. قَوْلُهُ لُغَةً الرَّمْيُ يُقَالُ قَذَفَ بِالنَّوَاةِ أَيْ رَمَاهَا قَوْلُهُ فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ أَيْ فِي مَقَامٍ هُوَ التَّعْيِيرُ أَيْ التَّوْبِيخُ أَيْ لَا فِي مَقَامِ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا فَخَرَجَ بِهِ طِفْلَةٌ لَا تُوطَأُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ مَعْرِضٌ كَمَسْجِدٍ أَيْ فِي مَوْضِعِ ظُهُورِ التَّعْيِيرِ وَالْقَصْدِ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ الْمَقَامُ لِلْإِضْمَارِ وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الثَّالِثَ تَعَرُّضٌ لَا قَذْفَ فِيهِ لَا صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَأَلْفَاظُ التَّعْيِيرِ إلَخْ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى وَالْأَلْفَاظَ الَّتِي يُفْهَمُ مِنْهَا الْقَذْفُ وَتُسْتَعْمَلُ فِيهِ أَيْ سَوَاءٌ فُهِمَ مِنْ ذَوَاتِهَا أَوْ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فَدَخَلَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ التَّعْرِيضُ وَالتَّعْرِيضُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ لِيُلَوِّحَ بِغَيْرِهِ قَوْلُهُ وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ بِالصَّرِيحِ أَوْ الْكِنَايَةِ فَهَذَا مِنْ الشَّارِحِ قَصْرٌ لِلْمَتْنِ عَلَى بَعْضِ مَعْنَاهُ وَلِهَذَا قَالَ ق ل لَوْ قَالَ وَبَدَأَ بِمَا يَدُلُّ أَوْ يَتَضَمَّنُ الْأَوَّلَ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا قَوْلُهُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ مَا سَيَذْكُرُهُ قَوْلُهُ وَاَلَّذِينَ إلَى آخِرِ الْآيَةِ كَذَا فِي عِبَارَتِهِ وَالتِّلَاوَةُ {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ} [النور: 23] وَالْآيَةُ الْأُخْرَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] اهـ قَوْلُهُ سَمْحَاءُ كَذَا فِي خَطِّهِ وَصَوَابُهُ كَمَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ سَحْمَاءُ بِتَقْدِيمِ الْحَاءِ عَلَى الْمِيمِ وَهِيَ أُمُّهُ وَأَبُوهُ عَبْدَةُ الْبَلَوِيُّ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي بَلَهٍ وَهُوَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ. اهـ. م د قَوْلُهُ يَنْطَلِقُ أَيْ هَلْ يَنْطَلِقُ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ. اهـ. قَوْلُهُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ تَنْبِيهٌ كَانَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ يَعْنِي كَانَ مِنْ رَبِّهِ وَمِنْ الْخَلْقِ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْهَا وَهَذَا أَيْ كَوْنُهُ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا فِي غَيْرِ أَسْبَابِ الْحُدُودِ أَمَّا فِيهَا فَلَا وَلِهَذَا قَالَ لِلَّذِي اعْتَرَفَ بِالزِّنَا أَنِكْتَهَا لَا تُكَنِّ كَمَا بَيَّنَ فِي الصَّحِيحِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ قَوْله وَلَوْ قَالَ لِلرَّجُلِ يَا زَانِيَةُ هَذَا فِي خِطَابِ الرَّجُلِ قَدْ يَكُونُ أَبْلَغَ مِنْ تَرْكِ التَّاءِ بِأَنْ تُجْعَلَ التَّاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ دُونَ التَّأْنِيثِ. اهـ. عَنَانِيٌّ قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ إلَخْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 وَالرَّمْيُ لِشَخْصٍ بِإِيلَاجِ ذَكَرِهِ أَوْ حَشَفَةٍ مِنْهُ، فِي فَرْجٍ مَعَ وَصْفِ الْإِيلَاجِ بِتَحْرِيمٍ مُطْلَقٌ، أَوْ الرَّمْيُ بِإِيلَاجِ ذَكَرٍ، أَوْ حَشَفَةٍ فِي دُبُرٍ صَرِيحٌ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الْوَصْفُ بِالتَّحْرِيمِ فِي الْقُبُلِ دُونَ الدُّبُرِ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ فِي الدُّبُرِ لَا يَكُونُ إلَّا حَرَامًا، فَإِنْ لَمْ يُوصَفْ الْأَوَّلُ بِالتَّحْرِيمِ، فَلَيْسَ صَرِيحًا لِصِدْقِهِ بِالْحَلَالِ بِخِلَافِ الثَّانِي. وَأَمَّا اللَّفْظُ الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَةُ فَكَقَوْلِهِ: زَنَأْت بِالْهَمْزِ فِي الْجَبَلِ أَوْ السُّلَّمِ، أَوْ نَحْوِهِ فَهُوَ كِنَايَةٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي الصُّعُودَ. وَزَنَيْت بِالْيَاءِ فِي الْجَبَلِ صَرِيحٌ لِلظُّهُورِ فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ فِي الدَّارِ وَذِكْرُ الْجَبَلِ يَصْلُحُ فِيهِ إرَادَةُ مَحَلِّهِ فَلَا يَنْصَرِفُ الصَّرِيحُ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَكَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ: يَا فَاجِرُ يَا فَاسِقُ يَا خَبِيثُ. وَلِامْرَأَةٍ: يَا فَاجِرَةُ، يَا فَاسِقَةُ يَا خَبِيثَةُ. وَأَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ، أَوْ الظُّلْمَةَ، أَوْ لَا تَرُدِّينَ يَدَ لَامِسٍ. وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِ شَخْصٍ لِآخَرَ يَا لُوطِيُّ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ، أَوْ كِنَايَةٌ؟ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ عَلَى دِينِ قَوْمِ لُوطٍ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: يَا لَائِطُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا بِغَاءُ، أَوْ لَهَا يَا قَحْبَةُ فَهُوَ كِنَايَةٌ. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَحْبَةٍ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَأَفْتَى أَيْضًا بِصَرَاحَةِ يَا مُخَنَّثُ لِلْعُرْفِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فَإِنْ أَنْكَرَ شَخْصٌ فِي الْكِنَايَةِ إرَادَةَ قَذْفٍ بِهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ فَيُحَلَّفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَذْفَهُ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لِلْإِيذَاءِ. وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا خَرَجَ لَفْظُهُ، مَخْرَجَ السَّبِّ وَالذَّمِّ، وَإِلَّا فَلَا تَعْزِيرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا اللَّفْظُ الثَّالِثُ وَهُوَ التَّعْرِيضُ   [حاشية البجيرمي] عَلَى أَنَّهُ لَا لَحْنَ لِأَنَّ التَّأْنِيثَ بِاعْتِبَارِ النَّسَمَةِ وَالتَّذْكِيرَ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ قَوْلُهُ وَالرَّمْيُ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ أَوْ الرَّمْيُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ صَرِيحٌ خَبَرٌ عَنْهُمَا وَصُورَةُ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ أَوْلَجْتَ ذَكَرَكَ أَوْ حَشَفَةَ ذَكَرِكَ فِي قُبُلٍ إيلَاجًا مُحَرَّمًا تَحْرِيمًا مُطْلَقًا أَوْ فِي كُلِّ حَالٍ وَوَقْتٍ وَصُورَةُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ أَوْلَجْتَ ذَكَرَكَ أَوْ حَشَفَةَ ذَكَرِك فِي دُبُرٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إيلَاجًا مُحَرَّمًا فَهُوَ صَرِيحٌ بِشَرْطِ أَنْ يُضِيفَ الدُّبُرَ إلَى ذَكَرٍ أَوْ خُنْثَى أَوْ أُنْثَى خَلِيَّةٍ بِأَنْ يَقُولَ فِي دُبُرِ ذَكَرٍ أَوْ خُنْثَى أَوْ أُنْثَى خَلِيَّةٍ فَإِنْ قَالَ مُزَوَّجَةً فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا إلَّا إذَا قَالَ إيلَاجًا مُحَرَّمًا تَحْرِيمًا عَلَى وَجْهِ اللِّوَاطِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا لِاحْتِمَالِ دُبُرِ زَوْجَتِهِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ دُبُرَ أُنْثَى مُزَوَّجَةٍ غَيْرِ زَوْجَتِهِ فَيَكُونَ قَذْفًا يَقْتَضِي الْحَدَّ قَوْلُهُ فِي فَرْجٍ أَيْ قُبُلٍ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ مُطْلَقٍ أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْعَارِضِ كَالْإِيلَاجِ فِي فَرْجِ زَوْجَتِهِ الْحَائِضِ فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنَّ مُطْلَقَ التَّحْرِيمِ صَادِقٌ بِالتَّحْرِيمِ لِعَارِضٍ فَلَا يَصِيرُ بِهِ صَرِيحًا وَقَالَ م د وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ قَوْلَهُ بِتَحْرِيمٍ مُطْلَقٍ مَعْنَاهُ مُقَيَّدٌ بِالْإِطْلَاقِ بِأَنْ يَرْمِيَهُ بِإِيلَاجِ حَشَفَتِهِ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ مُطْلَقًا أَيْ فِي كُلِّ حَالٍ قَوْلُهُ فِي دُبُرٍ فِيهِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي دُبُرِ زَوْجَتِهِ وَلَا حَدَّ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ صَرِيحًا قَالَ م ر وَمَعَ ذَلِكَ أَيْ صَرَاحَتِهِ إذَا قَالَ أَرَدْتُ دُبُرَ زَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ فَيُعَزَّرُ وَلَا حَدَّ شَرْحَ م ر فِي بَابِ اللِّعَانِ قَوْلُهُ فِي الْقُبُلِ أَيْ فِي الْإِيلَاجِ فِي الْقُبُلِ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ إنَّمَا هُوَ وَصْفُ الْإِيلَاجِ بِالتَّحْرِيمِ دُونَ الْقُبُلِ قَوْلُهُ فِي الْجَبَلِ بِخِلَافِ زَنَأْت بِالْهَمْزِ فِي الْبَيْتِ فَصَرِيحٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ دَرَجٌ يُصْعَدُ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَيَكُونُ أَبْدَلَ الْيَاءَ هَمْزَةً وَعِبَارَةُ م ر فِي بَابِ اللِّعَانِ بِخِلَافِ زَنَأْت بِالْهَمْزِ فِي الْبَيْتِ فَصَرِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ بِمَعْنَى الصُّعُودِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ دَرَجٌ يُصْعَدُ فِيهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَرَاحَتُهُ أَيْضًا اهـ بِحُرُوفِهِ قَوْلُهُ لِلظُّهُورِ فِيهِ أَيْ فِي الْقَذْفِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الزِّنَا وَإِبْدَالُ الْهَمْزَةِ يَاءً كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ وَكَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَقَوْلِهِ زَنَأْت إلَخْ قَوْلُهُ أَوْ لَا تَرُدِّينَ يَدَ لَامِسٍ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ سُرْعَةِ الْإِجَابَةِ قَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ مُعْتَمَدٌ قَوْلُهُ يَا بِغَاءُ مِنْ الْبِغَاءِ بِالْمَدِّ وَهُوَ الزِّنَا يُقَالُ بَغَتْ الْمَرْأَةُ تَبْغِي فَهِيَ بَغِيَّةٌ وَهُوَ وَصْفٌ خَاصٌّ بِالْمَرْأَةِ وَلَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ بَغِيٌّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ يَا بِغَاءُ مِنْ الْبَغْيِ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فَلِذَلِكَ كَانَ كِنَايَةً قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ) نَظَرًا إلَى أَنَّ التَّخَنُّثَ التَّكَسُّرُ وَالْقَوْلُ بِصَرَاحَتِهِ نَظَرٌ لِاشْتِهَارِهِ فِيمَنْ يَتَّصِفُ بِالْفِعْلِ فِيهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ يَا بِغَاءُ كِنَايَةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَكَذَا يَا مُخَنَّثُ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَوْلُهُ: يَا عَاهِرُ يَا عِلْقُ كِنَايَةٌ لَكِنْ يُعَزَّرُ إنْ لَمْ يُرِدْ الْقَذْفَ أج لِأَنَّ الْعِلْقَ فِي اللُّغَةِ الشَّيْءُ النَّفِيسُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَنْكَرَ شَخْصٌ إلَخْ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ) الْمَقَامُ لِلْإِضْمَارِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَلَا يَخْرُجُ مَخْرَجَ الذَّمِّ بِأَنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَزْحِ أَيْ بِأَنْ كَانَ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 فَكَقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ فِي خُصُومَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا: يَا ابْنَ الْحَلَالِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ بِزَانٍ وَنَحْوَهُ كَلَيْسَتْ أُمِّي بِزَانِيَةٍ، وَلَسْتُ ابْنَ خَبَّازٍ، أَوْ إسْكَافِيٍّ، وَمَا أَحْسَنَ اسْمَكَ فِي الْجِيرَانِ: فَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَذْفٍ صَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ. وَإِنْ نَوَاهُ، لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ الْمَنْوِيَّ وَهَا هُنَا لَيْسَ فِي اللَّفْظِ إشْعَارٌ بِهِ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ. فَاللَّفْظُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْقَذْفُ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ غَيْرَهُ فَصَرِيحٌ وَإِلَّا فَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ الْقَذْفُ بِوَضْعِهِ فَكِنَايَةٌ، وَإِلَّا فَتَعْرِيضٌ. وَلَيْسَ الرَّمْيُ بِإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ قَذْفًا، وَالنِّسْبَةُ إلَى غَيْرِ الزِّنَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ إيذَاءٌ؛ كَقَوْلِهِ لَهَا: زَنَيْتِ بِفُلَانَةَ، أَوْ أَصَابَتْكِ فُلَانَةُ. يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ لِلْإِيذَاءِ لَا الْحَدَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ. (وَشَرَائِطُهُ) أَيْ حَدِّ الْقَذْفِ (ثَمَانِيَةٌ: ثَلَاثَةٌ مِنْهَا) بَلْ سِتَّةٌ (فِي الْقَاذِفِ) كَمَا سَتَعْرِفُهُ (وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا) فَلَا حَدَّ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِنَفْيِ الْإِيذَاءِ بِقَذْفِهِمَا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا لَكِنْ يُعَزَّرَانِ، إذَا كَانَ لَهُمَا نَوْعُ تَمْيِيزٍ. (وَ) الثَّالِثُ (أَنْ لَا يَكُونَ وَالِدًا) أَيْ أَصْلًا (لِلْمَقْذُوفِ) فَلَا يُحَدُّ أَصْلٌ بِقَذْفِ فَرْعِهِ، وَإِنْ سَفَلَ. وَالرَّابِعُ كَوْنُهُ مُخْتَارًا فَلَا حَدَّ عَلَى مُكْرَهٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ فِي الْقَذْفِ. وَالْخَامِسُ كَوْنُهُ مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ فَلَا حَدَّ عَلَى حَرْبِيٍّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ، وَالسَّادِسُ كَوْنُهُ مَمْنُوعًا مِنْهُ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ أَذِنَ مُحْصَنٌ لِغَيْرِهِ فِي قَذْفِهِ فَلَا حَدَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الزَّوَائِدِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي الْقَاذِفِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ إسْلَامِهِ وَحُرِّيَّتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. (وَخَمْسَةٌ) مِنْهَا (فِي الْمَقْذُوفِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا عَفِيفًا) عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ بِأَنْ لَمْ يَطَأْ أَصْلًا، أَوْ وَطِئَ وَطْئًا لَا يُحَدُّ بِهِ كَوَطْءِ الشَّرِيكِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ، لِأَنَّ أَضْدَادَ ذَلِكَ نَقْصٌ. وَفِي الْخَبَرِ: «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْكَافِرُ مُحْصَنًا فِي حَدِّ الزِّنَا، لِأَنَّ حَدَّهُ إهَانَةٌ لَهُ، وَالْحَدُّ بِقَذْفِهِ إكْرَامٌ لَهُ وَاعْتُبِرَتْ الْعِفَّةُ عَنْ الزِّنَا، لِأَنَّ مَنْ زَنَى لَا يَتَعَيَّرُ. تَنْبِيهٌ: يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرَ وَطْءُ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا فَإِنَّهُ تَبْطُلُ بِهِ حَصَانَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِهِ وَيُتَصَوَّرُ الْحَدُّ   [حاشية البجيرمي] أَوْجُهِ الْمَزْحِ، أَوْ الْهَزْلِ أَوْ اللَّعِبِ فَلَا تَعْزِيرَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَوْ إسْكَافِيٍّ) أَيْ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ بَعْدَ الْفَاءِ كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِحَذْفِهَا. قَوْلُهُ: (يَقْصِدُ بِهِ الْقَذْفَ) أَيْ يُفْهَمُ مِنْهُ الْقَذْفُ وَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ لِيَشْمَلَ الْقِسْمَ الثَّالِثَ قَوْلُهُ: (وَالنِّسْبَةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ يُعَزَّرَانِ) قَالَ سم: وَيَسْقُطُ بِالْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ اُنْظُرْ وَجْهَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُحَدُّ أَصْلٌ) لَكِنْ يُعَزَّرُ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ. حَيْثُ قَالَ: مِنْهَا إنَّ الْأَصْلَ لَا يُعَزَّرُ لِلْفَرْعِ كَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ لَيْسَ فِيهِ قَذْفٌ بَلْ فِيهِ أَمْرٌ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ فَلَا يُعَزَّرُ فِيهِ الْفَرْعُ لِأَصْلِهِ وَهُنَا وُجِدَ مِنْهُ قَذْفٌ وَهُوَ أَشَدُّ مِمَّا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ فَيُنَاسِبُ أَنْ يُعَزَّرَ الْأَصْلُ فِيهِ لِفَرْعِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا حَدَّ عَلَى مُكْرَهٍ) أَيْ لِعَدَمِ قَصْدِ الْإِيذَاءِ بِذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتْلِ أَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُ يَدِ الْمُكْرَهِ كَالْآلَةِ بِأَنْ يَأْخُذَ يَدَهُ فَيَقْتُلَ بِهَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْخُذَ لِسَانَ غَيْرِهِ فَيَقْذِفَ بِهِ شَرْحَ م ر. وَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْإِكْرَاهَ إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مُكْرَهٍ وَلَا حُرْمَةَ وَلَا تَعْزِيرَ لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُبِيحُ جَمِيعَ الْمُحَرَّمَاتِ إلَّا الْقَتْلَ وَالزِّنَا، وَأَمَّا الْمُكْرِهُ فَكَذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لَكِنْ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْإِيذَاءِ. قَوْلُهُ: (فَلَا حَدَّ عَلَى حَرْبِيٍّ) وَلَكِنْ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ لِلْإِيذَاءِ، لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. قَوْلُهُ: (فِي قَذْفِهِ) أَيْ قَذْفِ الْآذِنِ قَوْلُهُ: (فَلَا حَدَّ) ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الْقَذْفِ حَيْثُ ذَكَرَ التَّعْزِيرَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُمَيِّزِ وَسَكَتَ عَنْ تَعْزِيرِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ زي أَنَّهُ يُعَزَّرُ، لِأَنَّ الْعِرْضَ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَارْتَضَاهُ س ل. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ: فَلَا حَدَّ أَيْ وَلَكِنْ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ وَفَائِدَةُ الْإِذْنِ إسْقَاطُ الْحَدِّ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (حُرًّا) لَوْ نَازَعَ الْقَاذِفُ فِي حُرِّيَّةِ الْمَقْذُوفِ، أَوْ فِي إسْلَامِهِ صُدِّقَ الْمَقْذُوفُ بِيَمِينِهِ ح ل. قَوْلُهُ: (عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَتَبْطُلُ الْعِفَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْإِحْصَانِ بِوَطْءِ شَخْصٍ وَطْئًا حَرَامًا وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ بِهِ فَالْمُعْتَبَرُ عِفَّتُهُ عَنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ. وَعَنْ وَطْءِ دُبُرِ حَلِيلَتِهِ وَعَنْ وَطْءِ مَحْرَمِ مَمْلُوكَةٍ لَهُ كَمَا فِي مَتْنِ الْمِنْهَاجِ، وَإِذَا مَنَعَتْهُ مِنْ الْوَطْءِ فِي دُبُرِهَا اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَضْدَادَ ذَلِكَ) أَيْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرَ) أَيْ قَوْلِهِ عَفِيفًا عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ وَوَجْهُ الْإِيرَادِ أَنَّ هَذَا لَا يُحَدُّ بِهِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ عَفِيفٍ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَهَذَا الْإِيرَادُ إنَّمَا أَوْجَبَهُ قَصْرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 بِقَذْفِ الْكَافِرِ بِأَنْ يَقْذِفَ مُرْتَدًّا بِزِنًا يُضِيفُهُ إلَى حَالِ إسْلَامِهِ. وَبِقَذْفِ الْمَجْنُونِ بِأَنْ يَقْذِفَهُ بِزِنًا يُضِيفُهُ إلَى حَالِ إفَاقَتِهِ. وَبِقَذْفِ الْعَبْدِ بِأَنْ يَقْذِفَهُ بِزِنًا يُضِيفُهُ إلَى حَالِ حُرِّيَّتِهِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الرِّقُّ. وَصُورَتُهُ: فِيمَا إذَا أَسْلَمَ الْأَسِيرُ ثُمَّ اخْتَارَ الْإِمَامُ فِيهِ الرِّقَّ، وَتَبْطُلُ الْعِفَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْإِحْصَانِ بِوَطْءِ شَخْصٍ وَطْئًا حَرَامًا وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ بِهِ كَوَطْءِ مُحَرَّمَةٍ بِرَضَاعٍ، أَوْ نَسَبٍ كَأُخْتٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى قِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالزِّنَا بَلْ غِشْيَانُ الْمَحَارِمِ أَشَدُّ مِنْ غِشْيَانِ الْأَجْنَبِيَّاتِ. وَلَا تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِوَطْءٍ حَرَامٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ كَوَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ عَارِضٌ يَزُولُ وَلَا بِوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ حَيْثُ حَصَلَ عُلُوقٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ. مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ وَلَا بِوَطْءٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَوَطْءِ مَنْكُوحَتِهِ بِلَا وَلِيٍّ، أَوْ بِلَا شُهُودٍ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ. وَلَا تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ، أَوْ أَمَتِهِ فِي حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ إحْرَامٍ أَوْ صَوْمٍ، أَوْ اعْتِكَافٍ. وَلَا بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ وَلَا بِوَطْءِ مَمْلُوكَةٍ لَهُ مُرْتَدَّةٍ، أَوْ مُزَوَّجَةٍ، أَوْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، أَوْ مُكَاتَبَةٍ، وَلَا بِزِنَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَلَا بِوَطْءِ جَاهِلٍ بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ. أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَلَا بِوَطْءِ مُكْرَهٍ وَلَا بِوَطْءِ مَجُوسِيٍّ مَحْرَمًا لَهُ كَأُمِّهِ، بِنِكَاحٍ، أَوْ مِلْكٍ، لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ وَلَا بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ. فُرُوعٌ: لَوْ زَنَى مَقْذُوفٌ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ قَاذِفِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ لَا يُتَيَقَّنُ بَلْ يُظَنُّ وَظُهُورُ الزِّنَا يَخْدِشُهُ كَالشَّاهِدِ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةِ شَهِدَ بِشَيْءٍ ثُمَّ ظَهَرَ فِسْقُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ. وَلَوْ ارْتَدَّ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ عَنْ قَاذِفِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالزِّنَا أَنَّهُ يُكْتَمُ مَا أَمْكَنَ فَإِذَا ظَهَرَ أَشْعَرَ بِسَبْقِ مِثْلِهِ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ لَا يَهْتِكُ السِّتْرَ أَوَّلَ مَرَّةٍ. كَمَا قَالَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَالرِّدَّةُ عَقِيدَةٌ، وَالْعَقَائِدُ لَا تَخْفَى غَالِبًا فَإِظْهَارُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ الْإِخْفَاءِ وَكَالرَّدَّةِ السَّرِقَةُ وَالْقَتْلُ، لِأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا قُذِفَ بِهِ. وَمَنْ زَنَى مَرَّةً، ثُمَّ صَلُحَ بِأَنْ تَابَ وَصَلُحَ حَالُهُ لَمْ يُعَدَّ مُحْصَنًا أَبَدًا وَلَوْ لَزِمَ الْعَدَالَةَ وَصَارَ مِنْ أَوْرَعِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَزْهَدِهِمْ، لِأَنَّ الْعِرْضَ إذَا انْخَرَمَ بِالزِّنَا لَمْ يَزُلْ خَلَلُهُ بِمَا يَطْرَأُ مِنْ الْعِفَّةِ.   [حاشية البجيرمي] الشَّارِحِ الْعَفِيفَ عَلَى الْوَطْءِ الَّذِي يُحَدُّ بِهِ فَلَوْ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْمَنْهَجِ لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ التَّنْبِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى تَقْيِيدِ الْعَفِيفِ بِعِفَّتِهِ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ وَطْءُ حَلِيلَتِهِ فِي دُبُرِهَا مِنْ الزَّوْجَةِ أَوْ الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ وَيَدْخُلُ فِيهِ وَطْءُ مَحْرَمِهِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ مُطْلَقًا أَيْ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِكُلِّ ذَلِكَ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ عَفِيفٌ فَيُحَدُّ قَاذِفُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: كَمَا قَالَ فِي الْمَنْهَجِ: عَفِيفٌ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ وَعَنْ وَطْءِ حَلِيلَتِهِ فِي دُبُرِهَا وَعَنْ وَطْءِ أَمَتِهِ الْمَحْرَمِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَيُتَصَوَّرُ الْحَدُّ بِقَذْفِ إلَخْ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ أَضْدَادَ مَا ذَكَرَ نَقْصٌ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ صُورِيٌّ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ إنَّمَا حُدَّ لِإِضَافَتِهِ الْقَذْفَ لِحَالَةِ الْكَمَالِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ اخْتَارَ الْإِمَامُ فِيهِ الرِّقَّ) وَإِسْلَامُهُ إنَّمَا عَصَمَ دَمَهُ مِنْ الْقَتْلِ فَقَطْ وَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ الْخِصَالِ الْبَاقِيَةِ أَيْ فَقَذَفَهُ بِالزِّنَا بَعْدَ ضَرْبِ الرِّقِّ وَأُضِيفَ الزِّنَا إلَى مَا قَبْلَ الرِّقِّ وَبَعْدَ إسْلَامِهِ وَهُوَ قَبْلَ الرِّقِّ حُرٌّ مُسْلِمٌ فَلِذَلِكَ حُدَّ الْقَاذِفُ، لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ قَوْلُهُ: (غِشْيَانُ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، اهـ. مِصْبَاحٌ قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ} [الأعراف: 189] قَوْلُهُ: (وَلَا بِوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ) مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ حَصَلَ عُلُوقٌ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الشَّارِحُ بِالْأَوَّلِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: لِثُبُوتِ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: (لِثُبُوتِ النَّسَبِ) لَيْسَ عِلَّةً لِعَدَمِ سُقُوطِ الْعِفَّةِ بَلْ الْعِلَّةُ انْتِفَاءُ الْحَدِّ بِالْوَطْءِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِوَطْءِ مَجُوسِيٍّ إلَخْ) أَيْ وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَذَفَ فَلَا تَبْطُلُ عِفَّتُهُ بِمَا وَقَعَ فِي الْكُفْرِ قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: لَوْ زَنَى مَقْذُوفٌ إلَخْ، الثَّانِي قَوْلُهُ: وَلَوْ ارْتَدَّ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ إلَخْ، الثَّالِثُ قَوْلُهُ: وَمَنْ زَنَى مَرَّةً ثُمَّ صَلُحَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَظُهُورُ الزِّنَا يَخْدِشُهُ) بَابُهُ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَالْعِبَارَةُ نَاقِصَةٌ وَتَمَامُهَا فَظُهُورُ الزِّنَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ مِثْلِهِ أَيْ فَكَأَنَّهُ وَقْتَ الْقَذْفِ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ فَلِذَلِكَ سَقَطَ الْحَدُّ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا ظَهَرَ أَشْعَرَ) أَيْ فَكَأَنَّهُ وَقْتَ الْقَذْفِ غَيْرُ مُحْصَنٍ قَوْلُهُ: (وَكَالرَّدَّةِ السَّرِقَةُ وَالْقَتْلُ) أَيْ فَإِذَا رَمَاهُ بِالزِّنَا فَثَبَتَتْ سَرِقَتُهُ، أَوْ قَتْلُهُ لِشَخْصٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَرَدَ: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ. . (وَيُحَدُّ الْحُرُّ) فِي الْقَذْفِ (ثَمَانِينَ) جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ وَاسْتُفِيدَ كَوْنُهَا فِي الْأَحْرَارِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] . (وَ) يُحَدُّ (الرَّقِيقُ) فِيهِ وَلَوْ مُبَعَّضًا (أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً بِالْإِجْمَاعِ. وَحَدُّ الْقَذْفِ، أَوْ تَعْزِيرُهُ يُوَرَّثُ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَلَوْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ مُرْتَدًّا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَسْتَوْفِيهِ وَارِثُهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ لِلتَّشَفِّي كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ قِصَاصِ الطَّرَفِ. (وَيَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ) عَنْ الْقَاذِفِ (بِثَلَاثَةِ) بَلْ بِخَمْسَةِ (أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ) عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَأَنَّهَا تَكُونُ مُفَصِّلَةً فَلَوْ شَهِدَ بِهِ دُونَ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا. كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ) عَنْ الْقَاذِفِ عَنْ جَمِيعِ الْحَدِّ فَلَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِهِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشُّفْعَةِ وَأَلْحَقَ فِي الرَّوْضَةِ التَّعْزِيرَ بِالْحَدِّ فَقَالَ: إنَّهُ يَسْقُطُ بِعَفْوٍ أَيْضًا، وَلَوْ عَفَا وَارِثُ الْمَقْذُوفِ عَلَى مَالٍ سَقَطَ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ وَلَوْ قَذَفَهُ فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ قَذَفَهُ. لَمْ يُحَدَّ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ بَلْ يُعَزَّرُ، وَالثَّالِثُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ اللِّعَانُ) أَيْ لِعَانُ الزَّوْجِ الْقَاذِفِ. (فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ) الْمَقْذُوفَةِ وَلَوْ مَعَ   [حاشية البجيرمي] مُكَافِئٍ هَلْ يَسْقُطُ عَنْ قَاذِفِهِ حَدُّ الْقَذْفِ قَالَ: لَا يَسْقُطُ، لِأَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ غَيْرُ مَا رَمَاهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَا رَمَاهُ بِهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَيُحَدُّ الْحُرُّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى وَكَذَا قَوْلُهُ: الرَّقِيقُ وَالْعِبْرَةُ بِالْحُرِّيَّةِ وَقْتَ الْقَذْفِ وَلَوْ طَرَأَ الرِّقُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ الرِّقُّ وَقْتَ الْقَذْفِ وَلَوْ طَرَأَتْ الْحُرِّيَّةُ بَعْدَ الْقَذْفِ وَاَلَّذِي يَتَوَلَّى حَدَّ الْقَذْفِ الْإِمَامُ بِطَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ، لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ مِنْ وَظِيفَتِهِ. فَلَوْ فَعَلَهُ الْمَقْذُوفُ وَلَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَكْتَفِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَنْ مِنْ الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَدُّ حُرًّا، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ مُبَعَّضًا فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَالْإِمَامُ أَوْ السَّيِّدُ. فَإِنْ تَنَازَعَا فَالْإِمَامُ وَمِثْلُ حَدِّ الْقَذْفِ فِي ذَلِكَ حَدُّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: وَإِنَّمَا لَمْ يُفَوَّضْ لِأَوْلِيَاءِ الْمَزْنِيِّ بِهَا كَالْقِصَاصِ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَتْرُكُونَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ الْعَارِ وَلَوْ جَلَدَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْآحَادِ ضَمِنَ سم. قَوْلُهُ: (ثَمَانِينَ) فَإِنْ زِيدَ وَمَاتَ ضَمِنَ بِالْقِسْطِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ} [النور: 4] إلَخْ) لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُمْ قَبْلَ الْقَذْفِ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةً فَتَسْتَلْزِمُ حُرِّيَّتَهُمْ إذْ الرَّقِيقُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ، وَإِنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ بِالْقَذْفِ لِفِسْقِهِمْ بِهِ؛ إذْ هُوَ كَبِيرَةٌ كَمَا فِي آخِرِ الْآيَةِ حَيْثُ قَالَ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] م د قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ) الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ قَوْلُهُ: (لَوْلَا الرِّدَّةُ) رَاجِعٌ لِلْوَارِثِ أَيْ كَانَ يَرِثُهُ لَوْلَا ارْتِدَادُهُ. قَوْلُهُ: (حُدُّوا) وَلَهُمْ تَحْلِيفُ الْمَقْذُوفِ فَإِنْ حَلَفَ حُدُّوا فَإِنْ نَكَلَ حَلَفُوا وَخَلَصُوا، وَلَا يَثْبُتُ زِنَاهُ بِيَمِينِهِمْ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ فَإِنْ نَكَلُوا حُدُّوا فَإِنْ نَكَلَ الْبَعْضُ وَحَلَفَ الْبَعْضُ حُدَّ النَّاكِلُ قَوْلُهُ: (كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ) وَهُوَ أَنَّهُ حَدَّ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَا وَلَمْ يُخَالَفْ فَصَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا. قَوْلُهُ: (أَوْ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ) أَيْ عَنْ كُلِّهِ وَلَوْ بِمَالٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ سم. قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِهِ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِصَاصِ أَنَّ هَذَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ. قَوْلُهُ: (وَارِثُ الْمَقْذُوفِ) مِثْلُهُ الْمَقْذُوفُ نَفْسُهُ فَالْوَارِثُ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (الْحَنَّاطِيِّ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ مَعْنَاهُ الْحَنَّاطُ كَخَبَّازٍ وَيُقَالُ: وَهُوَ مِنْ صِيَغِ النَّسَبِ مَنْسُوبٌ لِبَيْعِ الْحِنْطَةِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَمَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ فَعَلٌ ... فِي نَسَبٍ أَغْنَى عَنْ الْيَا فَقُبِلْ لَكِنْ زَادُوا عَلَيْهِ يَاءَ النَّسَبِ لِتَأْكِيدِ النِّسْبَةِ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: لَعَلَّ بَعْضَ أَجْدَادِهِ كَانَ يَبِيعُ الْحِنْطَةَ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِيُّ لَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ اهـ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ. قَوْلُهُ: (فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ قَذَفَهُ لَمْ يُحَدَّ) ظَاهِرُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 قُدْرَتِهِ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ فِي اللِّعَانِ. وَالرَّابِعُ إقْرَارُ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا. وَالْخَامِسُ مَا لَوْ وَرِثَ الْقَاذِفُ الْحَدَّ. تَتِمَّةٌ: يَرِثُ الْحَدَّ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ الْخَاصِّينَ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلسُّلْطَانِ كَالْمَالِ وَالْقِصَاصِ وَلَوْ قُذِفَ بَعْدَ مَوْتِهِ. هَلْ لِلزَّوْجَيْنِ حَقٌّ، أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا الْمَنْعُ لِانْقِطَاعِ الْوَصْلَةِ حَالَةَ الْقَذْفِ وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَنْ حَقِّهِ مِمَّا وَرِثَهُ مِنْ الْحَدِّ فَلِلْبَاقِينَ مِنْهُمْ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِهِ، لِأَنَّهُ عَارٌ. وَالْعَارُ يَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا يَلْزَمُ الْجَمِيعَ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوَدِ فَإِنَّهُ إذَا عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَنْهُ سَقَطَ بِأَنَّ لَهُ بَدَلًا يُعْدَلُ إلَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ بِخِلَافِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا فَلَوْ كَانَ رَقِيقًا وَاسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ يَسْتَوْفِيهِ سَيِّدُهُ أَوْ عَصَبَتُهُ الْأَحْرَارُ، أَوْ السُّلْطَانُ؟ وُجُوهٌ أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا وَلِلْقَاذِفِ تَحْلِيفُ الْمَقْذُوفِ عَلَى عَدَمِ زِنَاهُ وَلَوْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. فَإِنْ حُلِّفَ حُدَّ الْقَاذِفُ، وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ. فَصْلٌ فِي حَدِّ شَارِبِ الْمُسْكِرِ مِنْ خَمْرٍ وَغَيْرِهِ، وَشُرْبُهُ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90]   [حاشية البجيرمي] وَلَوْ بِزِنًا آخَرَ غَيْرِ مَا سَامَحَهُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ بِالْمُسَامَحَةِ صَارَ عِرْضُهُ مَخْدُوشًا بِالنِّسْبَةِ لَهُ حُرِّرَ. قَوْلُهُ: (كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ) وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يُبْتَلَى بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ وَقَدْ لَا يَجِدُ الْبَيِّنَةَ بِزِنَاهَا فَجَوَّزَ لَهُ الشَّرْعُ اللِّعَانَ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ وَرِثَ الْقَاذِفُ الْحَدَّ) أَيْ وَرِثَ جَمِيعَهُ بِأَنْ قَذَفَ أَحَدُ أَخَوَيْنِ الْآخَرَ، ثُمَّ مَاتَ الْمَقْذُوفُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ الْقَاذِفِ، فَإِنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ أَمَّا لَوْ وَرِثَ بَعْضَهُ فَلِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ كُلِّهِ. اهـ، م د أَيْ أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (يَرِثُ الْحَدَّ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ) أَيْ غَيْرَ مُوَزَّعٍ وَمُقَسَّمٍ بَلْ يَثْبُتُ كُلُّهُ جُمْلَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ وَلِهَذَا لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ عَنْ حِصَّتِهِ فَلِلْبَاقِينَ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُحَدُّ، لِكُلِّ وَارِثٍ حَدًّا كَامِلًا، لِأَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ مِنْ الْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْحَدَّ وَالْإِمَامُ لَا يَفْعَلُ إلَّا حَدًّا وَاحِدًا. قَوْلُهُ: (حَتَّى الزَّوْجَيْنِ) أَيْ الْحَيِّ مِنْهُمَا وَالْحَالُ أَنَّ الْمَيِّتَ قُذِفَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِمَا لِلْخِلَافِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (هَلْ لِلزَّوْجَيْنِ) أَيْ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (يَلْزَمُ الْوَاحِدَ) أَيْ يَلْحَقُ وَكَذَا يُقَالُ: فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ لَهُ بَدَلًا) أَيْ وَإِنْ سَقَطَ بِأَنْ عَفَا مَجَّانًا. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ كَوْنُ الْحَدِّ يَرِثُهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ) أَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ عَلَى سَيِّدِهِ فَاسْتِحْقَاقُهُ لِعَصَبَتِهِ الْأَحْرَارِ أَوْ السُّلْطَانِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمَقْذُوفُ وَظَاهِرُ الشَّرْحِ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ بِمُجَرَّدِ نُكُولِ الْمَقْذُوفِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَبَعْضُهُمْ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ حَلِفِ الْقَاذِفِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ أَيْ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا: وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالزِّنَا، وَالتَّحْلِيفُ عَلَى نَفْيِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ،. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ مَعَ زِيَادَةٍ. [فَصْلٌ فِي حَدِّ شَارِبِ الْمُسْكِرِ] ِ ذَكَرَهُ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَذْفِ، لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ أَيْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَشُرْبُهُ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ) أَيْ فِي الْخَمْرِ مُطْلَقًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَفِي النَّبِيذِ فِي الْكَثِيرِ مِنْهُ أَمَّا الْقَلِيلُ الَّذِي لَا سُكْرَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ، لِأَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ) أَيْ وَخَبَرُ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِغَيْرِهِ اُعْصُرْهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 الْآيَةَ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَشْرَبُونَهَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ اسْتِصْحَابًا مِنْهُمْ لِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ بِشَرْعٍ فِي إبَاحَتِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ رَجَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ الْأَوَّلَ وَالنَّوَوِيُّ الثَّانِيَ. وَكَانَ تَحْرِيمُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ أُحُدٍ. وَقِيلَ: بَلْ كَانَ الْمُبَاحُ الشُّرْبَ لَا مَا يَنْتَهِي إلَى   [حاشية البجيرمي] لِي وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَالْمُبْتَاعَةَ إلَيْهِ وَوَاهِبَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا» اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَالْمَيْسِرُ) هُوَ لَعِبُ الْقِمَارِ وَهُوَ كُلُّ لَعِبٍ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْغُنْمِ وَالْغُرْمِ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَشْرَبُونَهَا) أَيْ حَتَّى الْقَدْرِ الَّذِي يُزِيلُ الْعَقْلَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ مَا ذَكَرَ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ، وَعِبَارَةُ م ر وَكَانَ شُرْبُهَا جَائِزًا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ بِوَحْيٍ وَلَوْ إلَى حَدٍّ يُزِيلُ الْعَقْلَ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسَ لَمْ تُبَحْ فِي مِلَّةٍ مِنْ الْمِلَلِ، لِأَنَّ ذَاكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: (لِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ) الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الْعَادَةُ، لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِشَرْعٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: اسْتِصْحَابًا أَيْ هَلْ كَانَ اسْتِصْحَابًا لِعَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ اسْتِصْحَابًا بَلْ بِوَحْيٍ وَشَرْعٍ بِإِبَاحَتِهَا وَلَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: لِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَاسْتِصْحَابًا لِشَرْعٍ مَعَ أَنَّهُ لَا شَرْعَ فَيُسْتَصْحَبَ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ تَحْرِيمُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ) صَوَابُهُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، لِأَنَّ وَاقِعَةَ أُحُدٍ كَانَتْ سَابِعَ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ كَمَا فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} [آل عمران: 121] الْآيَةَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِأَنَّ نُزُولَ آيَتِهَا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَتَحْرِيمَهَا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ أَيْ ثُمَّ أُبِيحَتْ ثُمَّ حُرِّمَتْ فَتَكَرَّرَ فِيهَا النَّسْخُ، لِأَنَّهَا أُبِيحَتْ، ثُمَّ حُرِّمَتْ، ثُمَّ أُبِيحَتْ ثُمَّ حُرِّمَتْ إلَى الْأَبَدِ، وَعِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ فِي السِّيرَةِ قِيلَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ الَّتِي هِيَ سَنَةُ سِتٍّ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَبِهِ جَزَمَ الْحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ. وَقِيلَ: حُرِّمَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَيَدُلُّ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إرَاقَةِ الْخَمْرِ وَكَسْرِ جِرَارِهَا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقِيلَ: فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَقِيلَ: إنَّمَا حُرِّمَتْ فِي عَامِ الْفَتْحِ قَبْلَ الْفَتْحِ قَالَ بَعْضُهُمْ: حُرِّمَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَيْ نَزَلَ تَحْرِيمُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُشْرِبُونَهَا حَلَالًا أَيْ لِغَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا هُوَ فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِعِشْرِينَ سَنَةً فَلَمْ تُبَحْ لَهُ قَطُّ وَقَدْ جَاءَ «أَوَّلُ مَا نَهَانِي عَنْهُ رَبِّي بَعْدَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ أَيْ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ عِبَادَتِهَا شُرْبُ الْخَمْرِ» وَتَقَدَّمَ أَنَّ جَمَاعَةً حَرَّمُوهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَامْتَنَعُوا مِنْ شُرْبِهَا وَلَا زَالَتْ حَلَالًا لِلنَّاسِ حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] فَعِنْدَ ذَلِكَ اجْتَنَبَهَا قَوْمٌ، لِوُجُودِ الْإِثْمِ وَتَعَاطَاهَا آخَرُونَ لِوُجُودِ النَّفْعِ أَيْ وَكَانُوا رُبَّمَا شَرِبُوهَا وَصَلَّوْا فَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] امْتَنَعَ مَنْ كَانَ يَشْرَبُهَا حَتَّى فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَرَجَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَنْ شُرْبِهَا حَتَّى فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَقَالُوا: لَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ. وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا وَشَرَابًا مِنْ الْخَمْرِ فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا فَأَخَذَتْ الْخَمْرَةُ مِنَّا أَيْ عُقُولَنَا وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ أَيْ الْجَهْرِيَّةُ وَقَدَّمُونِي فَقَرَأْت " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَنَحْنُ عَابِدُونَ مَا تَعْبُدُونَ إلَى أَنْ قُلْتَ وَلَيْسَ لِي دِينٌ " ثُمَّ نَزَلَتْ الْآيَةُ الْأُخْرَى الدَّالَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَهِيَ {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] إلَى قَوْلِهِ {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] وَلَعَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْأَخِيرَةَ هِيَ الَّتِي عَنَاهَا أَنَسٌ بِقَوْلِهِ: كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ «كُنْت سَاقِيَ الْخَمْرِ بِمَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ زَوْجُ أُمِّهِ فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَمَرَّ مُنَادٍ يُنَادِي فَقَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 السُّكْرِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ. فَإِنَّهُ حَرَامٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ. حَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهُوَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَالْخَمْرُ الْمُسْكِرُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ؛ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُقُوعِ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ؟ قَالَ الْمُزَنِيّ وَجَمَاعَةٌ: نَعَمْ، لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ بِالصِّفَةِ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الِاسْمِ. وَهُوَ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَنَسَبَ الرَّافِعِيُّ إلَى الْأَكْثَرِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا مَجَازًا أَمَّا فِي التَّحْرِيمِ وَالْحَدِّ فَكَالْخَمْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ. (وَمَنْ شَرِبَ) أَيْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ الْمُلْتَزِمُ لِلْأَحْكَامِ مُخْتَارًا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ. (خَمْرًا) وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ كَمَا مَرَّ. (أَوْ) شَرِبَ (شَرَابًا مُسْكِرًا) غَيْرَ الْخَمْرِ كَالْأَنْبِذَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ رُطَبٍ، أَوْ زَبِيبٍ، أَوْ شَعِيرٍ أَوْ ذُرَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (يُحَدُّ) الْحُرُّ (أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -   [حاشية البجيرمي] أَبُو طَلْحَةَ: اُخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ قَالَ: فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلَا إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قُتِلَ قَوْمٌ فِي أُحُدٍ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَكَانَ شَرِبَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] » أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا مُطْلَقًا اهـ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ أَيْ الْأَصْنَامِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ عَبَدَهَا حَاشَاهُ حَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ الْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ فَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عَلِيٍّ «قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ عَبَدْتَ وَثَنًا قَطُّ؟ قَالَ لَا، قِيلَ: هَلْ شَرِبْتَ خَمْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لَا وَمَا زِلْتُ أَعْرِفُ أَنَّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ كُفْرٌ وَمَا أَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ» . اهـ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: بَلْ كَانَ الْمُبَاحُ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَشْرَبُونَهَا أَيْ حَتَّى الْكَثِيرَ الْمُزِيلَ لِلْعَقْلِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (فِي وُقُوعِ) أَيْ إطْلَاقِ، وَإِضَافَةُ اسْمٍ لِمَا بَعْدَهُ بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (حَقِيقَةٌ) أَيْ لُغَوِيَّةٌ فَيَكُونَ لَفْظُ الْخَمْرِ مَوْضُوعًا لِعَصِيرِ الْعِنَبِ وَلِلنَّبِيذِ وَبَيَّنَ الشَّارِحُ عِلَّةَ وَضْعِ لَفْظِ الْخَمْرِ لِعَصِيرِ النَّبِيذِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ إلَخْ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الصِّفَةِ) وَهِيَ الْإِسْكَارُ وَقَوْلُهُ: فِي الِاسْمِ وَهُوَ الْخَمْرُ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ اقْتِضَاءُ الِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْمِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ) أَيْ وُقُوعُ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ حَقِيقَةً قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ جَائِزٌ أَيْ الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وُقُوعُ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ أَيْ إطْلَاقُهُ لَا لِلْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا فِي التَّحْرِيمِ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وُقُوعُ اسْمُ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ إنَّمَا ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّفْظِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْحُكْمِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ الْقِيَاسُ وَعَدَمُهُ. فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ اسْمٌ لِلْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ حَقِيقَةً اُحْتِيجَ إلَى قِيَاسِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ حَقِيقَةٌ لَمْ يُحْتَجْ لِلْقِيَاسِ بَلْ يَكُونُ الْجَمِيعُ ثَابِتًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» . إلَخْ قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: كَيْفَ الْقِيَاسُ مَعَ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» هَذَا لَا يَرِدُ إلَّا لَوْ قَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ خَمْرٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ) جَمْعٌ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى " مِنْ ". وَقَوْلُهُ: الْمُلْتَزِمُ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِمَنْ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ شُرُوطٌ لِلْحَدِّ وَالْحُرْمَةِ فَإِذَا انْتَفَى وَاحِدٌ مِنْهَا فَتَارَةً يَنْتَفِي الْحَدُّ وَالْحُرْمَةُ وَتَارَةً يَنْتَفِي الْحَدُّ مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ دُونَ الْعَكْسِ فَلَا تَنَافِيَ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاهِيمِ. قَوْلُهُ: (عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ) أَيْ وَبِكَوْنِهِ مُسْكِرًا. قَوْلُهُ: (أَوْ شَرَابًا) إنَّمَا أَتَى بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ دُونَ غَيْرِهِ أَمَّا عَلَى عُمُومِهِ لِكُلِّ مُسْكِرٍ فَلَا حَاجَةَ لِلْعَطْفِ. وَقَوْلُهُ: " مُسْكِرًا " لَيْسَ قَيْدًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ الشَّأْنُ. قَوْلُهُ: (الْحُرُّ) بَدَلٌ مِنْ نَائِبِ فَاعِلِ " يُحَدُّ " بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي يُحَدُّ رَاجِعٌ لِمَنْ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْحُرِّ وَالرَّقِيقِ وَالرَّابِطُ مُقَدَّرٌ أَيْ الْحُرُّ فَرْدٌ مِنْهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ نَائِبَ فَاعِلِ يُحَدُّ، لِأَنَّهُ لَا يُحْذَفُ وَلَا تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ لِعَدَمِ أَدَاةِ التَّفْسِيرِ وَلِأَنَّ التَّفْسِيرَ أَخَصُّ مِنْ الْمُفَسَّرِ وَالْمُرَادُ الْحُرُّ الْكَامِلُ الْحُرِّيَّةِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (أَرْبَعِينَ جَلْدَةً) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 عَنْهُ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ، وَيَحُدُّ الرَّقِيقَ وَلَوْ مُبَعَّضًا عِشْرِينَ» لِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَبَعَّضُ فَتَنَصَّفَ عَلَى الرَّقِيقِ كَحَدِّ الزِّنَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَعَدَّدَ الشُّرْبُ كَفَى مَا ذُكِرَ. وَحَدِيثُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الشَّارِبِ فِي الرَّابِعَةِ مَنْسُوخٌ بِالْإِجْمَاعِ. تَنْبِيهٌ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حُرِّمَ هُوَ وَقَلِيلُهُ. وَحُدَّ شَارِبُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ الْقَلِيلُ وَحُدَّ شَارِبُهُ إنْ كَانَ لَا يُسْكِرُ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ. كَمَا حُرِّمَ تَقْبِيلُ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْخَلْوَةُ بِهَا لِإِفْضَائِهِ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ. وَلِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» وَقِيسَ بِهِ شُرْبُ النَّبِيذِ وَخَرَجَ بِالشُّرْبِ الْحُقْنَةُ بِهِ بِأَنْ أَدْخَلَهُ دُبُرَهُ   [حاشية البجيرمي] وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إلَى أَنَّهَا ثَمَانُونَ وَلَا يَجُوزُ لِلضَّارِبِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ أَيْ الضَّارِبِ مَثَلًا لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْإِيلَامِ وَيُحَدُّ الذَّكَرُ قَائِمًا وَالْأُنْثَى جَالِسَةً وَلَا يَنْزَعُ ثِيَابَهَا إلَّا نَحْوَ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ» إلَخْ أَيْ يَأْمُرُ بِالضَّرْبِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا قُلْنَا بِالرَّاجِحِ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ عَدَالَةِ جَمِيعِهِمْ، أَشْكَلَ شُرْبُهُمْ الْخَمْرَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْفِسْقَ. قُلْت: يُمْكِنُ أَنَّ مَنْ شَرِبَ عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ تَصَوَّرَهَا فِي نَفْسِهِ تَقْتَضِي جَوَازَهُ فَشَرِبَ تَعْوِيلًا عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ هِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَنْ رُفِعَ لَهُ، فَحَدُّهُ عَلَى مُقْتَضَى اعْتِقَادِهِ، وَذَاكَ شَرِبَ عَلَى مُقْتَضَى اعْتِقَادِهِ وَالْعِبْرَةُ بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاحْفَظْهُ، فَإِنَّهُ دَقِيقٌ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَرْبَعِينَ) أَيْ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ جَلَدَ ثَمَانِينَ كَمَا فِي جَامِعِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (لَوْ تَعَدَّدَ الشُّرْبُ) أَيْ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ كَفَى حَدٌّ وَاحِدٌ كَغَيْرِهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالسَّرِقَةِ وَالرِّدَّةِ وَسَيَقُولُ الشَّارِحُ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ كَمَا لَوْ زَنَى، أَوْ شَرِبَ مِرَارًا يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (كَفَى مَا ذُكِرَ) وَهُوَ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً. قَوْلُهُ: (مَنْسُوخٌ بِالْإِجْمَاعِ) كَمَا نُسِخَ قَتْلُ السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ. وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ وَحَدِيثُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الشَّارِبِ فِي الرَّابِعَةِ مَنْسُوخٌ إمَّا بِحَدِيثِ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى أُمُورٍ ثَلَاثٍ» وَإِمَّا بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلَّ عَلَى نَسْخِهِ قَالَ الْحَافِظُ قُلْت: بَلْ دَلِيلُ النَّسْخِ مَنْصُوصٌ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالشَّافِعِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ إلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا شَرِبَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ قَالَ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ فَرَفَعَ الْقَتْلَ عَنْ النَّاسِ فَكَانَتْ رُخْصَةٌ» قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا قَتْلَ فِيهِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ «فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَقْتُلْهُ فَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْحَدَّ قَدْ وَقَعَ وَأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ رُفِعَ» قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ: أَحَادِيثُ الْقَتْلِ مَنْسُوخَةٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: إنَّمَا كَانَ هَذَا يَعْنِي الْقَتْلَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كَانَ الْعَمَلُ فِيمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَنْ يُغَرَّبَ وَيُنَكَّلَ بِهِ، ثُمَّ نُسِخَ بِجَلْدِهِ فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ أَرْبَعًا قُتِلَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ وَبِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَنْ شَذَّ مِمَّنْ لَا يُعَدُّ خِلَافُهُ خِلَافًا وَأَشَارَ بِهِ إلَى بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ ابْنُ حَزْمٍ اهـ. قَوْلُهُ: (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ) أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ فَدَخَلَ الْقَلِيلُ، وَفِيهِ أَنَّ نَحْوَ النُّقْطَةِ لَيْسَ شَأْنُهَا ذَلِكَ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ شَأْنُهُ ذَلِكَ وَلَوْ بِضَمِّهِ لِغَيْرِهِ، أَوْ يُقَالُ: عِلَّةُ تَحْرِيمِ الْقَلِيلِ حَسْمُ الْمَادَّةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ تَأَمَّلْ ع ش. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنُصَّ الْمَتْنُ عَلَى حُرْمَتِهِ، بَيَّنَ الشَّارِحُ الْحُرْمَةَ وَهَذِهِ دَعْوَى، وَقَوْلُهُ: وَحُدَّ إلَخْ ثَانِيَةٌ ثُمَّ أَقَامَ عَلَى الْأُولَى حَدِيثَيْنِ وَقَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِلثَّانِيَةِ قَوْلُهُ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» هَذَا مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فَالنَّبِيذُ يُقَالُ لَهُ خَمْرٌ لُغَةً بِأَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ فِي التَّسْمِيَةِ فَيُقَالَ: الْمُتَّخَذُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ عَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ فِي التَّسْمِيَةِ بِالْخَمْرِ فَيَكُونَ دَلِيلًا صَرِيحًا فِي تَحْرِيمِ النَّبِيذِ، فَكَيْفَ صَحَّ أَنْ يَقِيسَ الشَّارِحُ شُرْبَ النَّبِيذِ، عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَا حَدَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْخَمْرُ الْحَقِيقِيُّ وَكَذَا مَا أَمَرَ بِالْجَلْدِ عَلَى شُرْبِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ فَصَحَّ حِينَئِذٍ الْقِيَاسُ. قَوْلُهُ: (حَسْمًا) أَيْ سَدًّا. قَوْلُهُ: (وَالْخَلْوَةُ بِهَا) وَلَا نَظَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 وَالسَّعُوطُ بِأَنْ أَدْخَلَهُ أَنْفَهُ. فَلَا حَدَّ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا وَبِالشَّرَابِ الْمَفْهُومُ مِنْ شُرْبِ النَّبَاتِ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: كَالْحَشِيشَةِ الَّتِي يَأْكُلُهَا الْحَرَافِيشُ. وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ وَلَا حَدَّ فِيهَا، وَبِالْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا، وَبِالْمُلْتَزِمِ الْحَرْبِيُّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ، وَالذِّمِّيُّ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ بِالذِّمَّةِ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَبِالْمُخْتَارِ الْمَصْبُوبُ فِي حَلْقِهِ قَهْرًا وَالْمُكْرَهُ عَلَى شُرْبِهِ لِحَدِيثِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَبِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مَا لَوْ غَصَّ أَيْ شَرِقَ بِلُقْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَ الْخَمْرِ فَأَسَاغَهَا بِهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ شُرْبِهَا إنْقَاذًا لِلنَّفْسِ مِنْ الْهَلَاكِ، وَالسَّلَامَةُ بِذَلِكَ قَطْعِيَّةُ الدَّوَاءِ وَهَذِهِ رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ. فَلَوْ وَجَدَ غَيْرَهَا وَلَوْ بَوْلًا حُرِّمَ إسَاغَتُهَا بِالْخَمْرِ، وَوَجَبَ حَدُّهُ   [حاشية البجيرمي] إلَى كِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ هَرَمٍ أَوْ صَلَاحٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَالسَّعُوطُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا كَذَا قَالَهُ الْمَدَابِغِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِالضَّمِّ الْفِعْلُ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْحُقْنَةِ، لِأَنَّهَا الْفِعْلُ. قَوْلُهُ: (فَلَا حَدَّ بِذَلِكَ) أَيْ وَيُحَرَّمُ، لِأَنَّهُ تَلَطَّخَ بِنَجَاسَةٍ وَأَدْخَلَهَا جَوْفَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلُهُ: (وَبِالشَّرَابِ) لَا يَخْفَى أَنَّ غَيْرَ الشَّرَابِ كَالْخَمْرَةِ الْمُنْعَقِدَةِ مِثْلُهُ وَالْمَأْكُولُ كَالْمَشْرُوبِ فَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ق ل. وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْخَمْرَةَ الْمُنْعَقِدَةَ يُقَالُ لَهَا شَرَابٌ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِهَا. قَوْلُهُ: (الْمَفْهُومِ) فِيهِ أَنَّهُ مَنْطُوقٌ بِهِ فِي قَوْلِهِ، أَوْ شَرِبَ شَرَابًا مُسْكِرًا فَلَا حَاجَةَ لِكَوْنِهِ مَفْهُومًا مِنْ شَرِبَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ شَرِبَ لِيَكُونَ عَامًّا فِي الْخَمْرِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ شَرَابِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ فَإِنَّهُ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ الْخَمْرِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَائِعٍ، وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ. قَوْلُهُ: (الْحَرَافِيشُ) فِي الْقَامُوسِ الْحَرَافِيشُ جَمْعُ حَرَنْفَشٍ كَغَضَنْفَرٍ وَهُوَ الْجَافِي الْغَلِيظُ وَهَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ بِهِمْ أَرَاذِلُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، وَأَنْشَدَ الْأُسْتَاذُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْعُهُودِ لِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ نَحْنُ الْحَرَافِيشُ لَا نَسْكُنُ عِلَالِي الدُّورِ ... وَلَا نُرَائِي وَلَا نَشْهَدُ شَهَادَةَ زُورِ نَقْنَعُ بِخِرْقَةٍ وَلُقْمَةٍ فِي مَسْجِدٍ مَهْجُورٍ ... مَنْ كَانَ ذَا الْحَالُ فَذَنْبُهُ مَغْفُورُ قَوْلُهُ: (وَبِالْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ) : أَيْ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ لَكِنْ يُعَزَّرَانِ إذَا كَانَ لَهُمَا نَوْعُ تَمْيِيزٍ. قَوْلُهُ: (وَبِالْمُلْتَزِمِ الْحَرْبِيُّ) : فَلَا حَدَّ وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الذِّمِّيِّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ بِالذِّمَّةِ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ) فِيهِ أَنَّ الْخَمْرَ حَرَامٌ عِنْدَ الْكِتَابِيِّ فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِغَيْرِ هَذَا وَلِهَذَا عَلَّلَ م ر بِتَعْلِيلٍ آخَرَ وَعِبَارَتُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ بِالذِّمَّةِ إلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمِّيِّينَ. اهـ عَلَى أَنَّ مَنْطُوقَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ شَيْئًا مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ مَعَ أَنَّ هُنَاكَ أُمُورًا لَا يَعْتَقِدُهَا وَمَعَ ذَلِكَ يَلْتَزِمُهَا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ خَارِجٌ بِمُلْتَزِمِ الْأَحْكَامِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُهَا وَهُوَ لَا يَلْتَزِمُ جَمِيعَهَا. وَيُجَابُ بِمَا ذُكِرَ عَنْ تَنْظِيرِ ق ل. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ ق ل أَيْ فِي خُرُوجِهِ بِالْمُلْتَزِمِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُلْتَزِمَ لِلْأَحْكَامِ يَشْمَلُ الذِّمِّيَّ فَكَيْفَ يَخْرُجُ بِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ الَّتِي مِنْهَا تَرْكُ الْمُسْكِرِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ الْجَمِيعَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْمُكْرَهُ) أَيْ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ. قَوْلُهُ: غَصَّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ بِمَعْنَى شَرِقَ أَيْ وَخَشِيَ هَلَاكَهُ مِنْهَا إنْ لَمْ تَنْزِلْ جَوْفَهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهَا وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ وَاجِبَةٌ قَالَ م ر: وَظَاهِرٌ أَنَّ خُصُوصَ الْهَلَاكِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ لَا لِمُجَرَّدِ الْإِبَاحَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مَاتَ شَهِيدًا لِجَوَازِ تَنَاوُلِهِ بَلْ وُجُوبِهِ ع ش. قَوْلُهُ: (وَالسَّلَامَةُ) مُبْتَدَأٌ، " قَطْعِيَّةُ " خَبَرٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ لَا مَحَلَّ لَهَا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الدَّوَاءِ) فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ تَنَاوُلُهَا صِرْفَةً لِلتَّدَاوِي لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِنَفْعِهَا فِيهِ بَلْ نَفْعُ الدَّوَاءِ مَوْهُومٌ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ بِهَا الشِّفَاءُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ نَفْعِهَا. قَوْلُهُ: (وَهَذِهِ) أَيْ الْإِسَاغَةُ رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ قَالَ الشَّيْخُ م ر: وَظَاهِرٌ أَنَّ خُصُوصَ الْهَلَاكِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ لَا لِمُجَرَّدِ الْإِبَاحَةِ أَخْذًا مِنْ حُصُولِ الْإِكْرَاهِ الْمُبِيحِ لَهَا، بِنَحْوِ ضَرْبٍ شَدِيدٍ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَوْلًا) وَإِنْ كَانَ مِنْ مُغَلَّظٍ ق ل قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ حَدُّهُ) مَرْجُوحٌ وَالْمُعْتَمَدُ لَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَكَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 وَبِعَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا خَمْرًا فَشَرِبَهَا ظَانًّا كَوْنَهَا شَرَابًا لَا يُسْكِرُ لَمْ يُحَدَّ لِلْعُذْرِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ مُدَّةَ السُّكْرِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. ، وَلَوْ قَالَ السَّكْرَانُ بَعْدَ الْإِصْحَاءِ: كُنْتُ مُكْرَهًا، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الَّذِي شَرِبْتُهُ مُسْكِرًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَرُبَ إسْلَامُهُ فَقَالَ: جَهِلْتُ تَحْرِيمَهَا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ نَشَأَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا وَلَوْ قَالَ: عَلِمْتُ تَحْرِيمَهَا وَلَكِنْ جَهِلْتُ الْحَدَّ بِشُرْبِهَا حُدَّ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَيُحَدُّ بِدُرْدِيٍّ مُسْكِرٍ وَلَا يُحَدُّ بِشُرْبِهِ فِيمَا اسْتَهْلَكَ فِيهِ، وَلَا بِخُبْزٍ عُجِنَ دَقِيقُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْمُسْكِرِ أَكَلَتْهُ النَّارُ وَبَقِيَ الْخُبْزُ مُتَنَجِّسًا، وَلَا مَعْجُونٍ هُوَ فِيهِ لِاسْتِهْلَاكِهِ، وَلَا بِأَكْلِ لَحْمٍ طُبِخَ بِهِ بِخِلَافِ مَرَقِهِ إذَا شَرِبَهُ أَوْ غَمَّسَ فِيهِ، أَوْ ثَرَدَ بِهِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِبَقَاءِ عَيْنِهِ. وَيُحَرَّمُ تَنَاوُلُ الْخَمْرِ، لِدَوَاءٍ وَعَطَشٍ أَمَّا تَحْرِيمُ الدَّوَاءِ بِهَا: «فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ التَّدَاوِي بِهَا قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَلَبَ الْخَمْرَ مَنَافِعَهَا حِينَ حَرَّمَهَا. وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّ فِيهَا مَنَافِعَ لِلنَّاسِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، وَإِنْ سُلِّمَ بَقَاءُ الْمَنْفَعَةِ، فَتَحْرِيمُهَا مَقْطُوعٌ بِهِ، وَحُصُولُ الشِّفَاءِ بِهَا مَظْنُونٌ فَلَا يَقْوَى عَلَى إزَالَةِ الْمَقْطُوعِ بِهِ. وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا لِلْعَطَشِ فَلِأَنَّهُ لَا يُزِيلُهُ بَلْ يَزِيدُهُ، لِأَنَّ طَبْعَهَا حَارٌّ يَابِسٌ. كَمَا قَالَهُ أَهْلُ الطِّبِّ، وَشُرْبُهَا لِدَفْعِ الْجُوعِ كَشُرْبِهَا لِدَفْعِ الْعَطَشِ هَذَا إذَا تَدَاوَى بِصِرْفِهَا. أَمَّا   [حاشية البجيرمي] يُقَالُ فِي الدَّوَاءِ: إنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا لَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا حُرِّمَتْ وَلَا حَدَّ، وَالْكَلَامُ فِي شُرْبِهَا صِرْفَةً، وَإِلَّا فَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِمَا هِيَ فِيهِ كَصَرْفِ غَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ ق ل. وَانْظُرْ هَلْ قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا لَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ مُنَافٍ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ إطْلَاقِ حُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا لِلتَّدَاوِي اهـ م د. قَوْلُهُ: (مَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا خَمْرًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مَنْ جَهِلَ الْحُرْمَةَ وَكَانَ مَعْذُورًا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ لَا يُنَاسِبُ إلَّا لَوْ قَالَ: عَالِمًا بِهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ، وَإِذَا سَكِرَ بِمَا شَرِبَهُ لِتَدَاوٍ، أَوْ عَطَشٍ، أَوْ إسَاغَةِ لُقْمَةٍ قَضَى مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الشُّرْبَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضِ اهـ. قَوْلُهُ: (مُسْكِرًا) الْأَوْلَى مُسْكِرٌ، لِأَنَّهُ خَبَرُ أَنَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ هُوَ الْخَبَرُ تَقْدِيرُهُ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الَّذِي شَرِبْتُهُ يَكُونُ مُسْكِرًا اهـ أج وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّكَلُّفِ، لِأَنَّهُ لُغَةٌ كَمَا فِي: إنَّ حُرَّاسَنَا أُسْدًا وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ أَعْلَمْ كَوْنَ إلَخْ لَكِنَّهَا مَصْلَحَةٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُحَدَّ) قَالَ ق ل: وَلَمْ يُحَرَّمْ اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ، لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْجَهْلِ وَلَوْ كَاذِبًا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي دَعْوَى الْحَدِّ، وَأَمَّا الْحُرْمَةُ وَعَدَمُهَا فَتُبْنَى عَلَى صِدْقِهِ وَعَدَمِ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِدُرْدِيٍّ) وَهُوَ مَا يَبْقَى أَسْفَلَ إنَاءِ مَا يُسْكِرُ ثَخِينًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يُحَدُّ بِشُرْبِهِ) أَيْ الْمُسْكِرِ فِيمَا بِالْقَصْرِ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْمَاءِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ عَطْفُ قَوْلِهِ: وَلَا بِخُبْزٍ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَائِعَاتِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَلَا بِخُبْزٍ) أَيْ وَلَا بِأَكْلِ خُبْزٍ إلَخْ قَوْلُهُ: (أَكَلَتْهُ النَّارُ) نَظَرَ فِيهِ ق ل بَلْ قَالَ: إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ اللُّبَابَ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَيْنِ الْمُسْكِرِ. قَوْلُهُ: (وَلَا مَعْجُونٍ هُوَ) أَيْ الْمُسْكِرُ فِيهِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَرَقِهِ) أَيْ مَرَقِ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِالْخَمْرِ فَمَرَقُهُ هُوَ الْخَمْرُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ عَيْنِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَمَّسَ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفِي الْمِصْبَاحِ غَمَسَهُ فِي الْمَاءِ غَمْسًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ فَانْغَمَسَ هُوَ اهـ فَالْمِيمُ مُخَفَّفَةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ ثَرَدَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ يُقَالُ ثَرَدْتُ الْخُبْزَ ثَرْدًا مِنْ بَابِ قَتَلَ أَيْ فَتَّ مِصْبَاحٌ وَقَوْلُهُ: بِهِ أَيْ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَيُحَرَّمُ تَنَاوُلُ الْخَمْرِ) أَيْ الصِّرْفَةِ لِدَوَاءٍ أَوْ عَطَشٍ أَيْ وَلَا يُحَدُّ لِذَلِكَ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ لِشُبْهَةِ قَصْدِ التَّدَاوِي شَرْحَ الْمَنْهَجِ قَالَ سم: وَمَحَلُّ حُرْمَةِ شُرْبِهِ لِلْعَطَشِ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ. وَإِلَّا جَازَ بَلْ وَجَبَ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُلْحَقَ بِالْهَلَاكِ نَحْوُ تَلَفِ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ. اهـ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَمَّ الصَّغِيرُ رَائِحَةَ الْمُسْكِرِ، وَخِيفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُسْقَ مِنْهُ جَوَازُ سَقْيِهِ مِنْهُ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الضَّرَرَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ: وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: فَرْعٌ شَمَّ صَغِيرٌ رَائِحَةً، وَخِيفَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُسْقَ مِنْهَا هَلْ يَجُوزُ سَقْيُهُ مِنْهَا مَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا قَالَ م ر: إنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، أَوْ مَرَضٌ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، سم الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَجَبَ. أَقُولُ: لَوْ قِيلَ يَكْفِي مُجَرَّدُ ضَرَرٍ تَحْصُلُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ وَلَا سِيَّمَا إنْ غَلَبَ امْتِدَادُهُ بِالطِّفْلِ، لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا اهـ. قَوْلُهُ: (مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ) أَيْ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 التِّرْيَاقُ الْمَعْجُونُ بِهَا وَنَحْوُهُ مِمَّا تُسْتَهْلَكُ فِيهِ فَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ عِنْدَ فَقْدِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّدَاوِي مِنْ الطَّاهِرَاتِ كَالتَّدَاوِي بِنَجِسٍ كَلَحْمِ حَيَّةٍ وَبَوْلٍ. وَلَوْ كَانَ التَّدَاوِي بِذَلِكَ لِتَعْجِيلِ شِفَاءٍ بِشَرْطِ إخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ بِذَلِكَ أَوْ مَعْرِفَتِهِ لِلتَّدَاوِي بِهِ، وَالنَّدُّ بِالْفَتْحِ الْمَعْجُونُ بِخَمْرٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِنَجَاسَتِهِ. وَيَجُوزُ تَنَاوُلُ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ لِقَطْعِ عُضْوٍ مُتَآكِلٍ، أَمَّا الْأَشْرِبَةُ فَلَا يَجُوزُ تَعَاطِيهَا لِذَلِكَ. وَأَصْلُ الْجَلْدِ أَنْ يَكُونَ بِسَوْطٍ، أَوْ يَدٍ، أَوْ نِعَالٍ أَوْ أَطْرَافِ ثِيَابٍ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ يَضْرِبُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِثَوْبِهِ» (وَيَجُوزُ) لِلْإِمَامِ (أَنْ يَبْلُغَ بِهِ) أَيْ الشَّارِبِ الْحُرِّ (ثَمَانِينَ) عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «جَلَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ   [حاشية البجيرمي] قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} [البقرة: 219] إلَخْ. قَوْلُهُ: (هَذَا إذَا تَدَاوَى بِصِرْفِهَا) لَمْ تَظْهَرْ هَذِهِ الْمُقَابَلَةُ، لِأَنَّ حُكْمَ التَّدَاوِي بِهَا صِرْفَةً كَحُكْمِهِ مَخْلُوطَةً وَهُوَ إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ حُرِّمَ وَلَا حَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ لَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. وَظَاهِرُ الشَّارِحِ أَنَّ التَّدَاوِيَ بِهَا صِرْفَةً حَرَامٌ مُطْلَقًا وَلَوْ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهَا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا حُكْمُ الْعَطَشِ فَيُحَرَّمُ مُطْلَقًا وَلَوْ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهَا، إلَّا إنْ أَدَّى عَدَمُ الشُّرْبِ إلَى تَلَفِ نَفْسٍ، أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ فَيَجِبُ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ بَيْنَ الصِّرْفِ وَالْمَخْلُوطِ فَرْقًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ صِرْفَةً وَوَجَدَ غَيْرَهَا يُحَرَّمُ وَلَا حَدَّ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: يُحَدُّ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَخْلُوطَةً وَوَجَدَ غَيْرَهَا وَتَدَاوَى بِالْمَخْلُوطِ فَلَا حَدَّ اتِّفَاقًا، وَأَيْضًا إذَا وَجَدَ غَيْرَهَا وَهِيَ صِرْفَةٌ تَكُونُ الْحُرْمَةُ حُرْمَةَ الْخَمْرِ، وَإِذَا كَانَتْ مَخْلُوطَةً وَوَجَدَ غَيْرَهَا تَكُونُ الْحُرْمَةُ حُرْمَةَ الْمُتَنَجِّسِ وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ حُرْمَةِ الْخَمْرِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: بَعْدَ مَسْأَلَةِ إسَاغَةِ اللُّقْمَةِ بِخِلَافِ الدَّوَاءِ بِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا أَيْ وَجَدَ غَيْرَهَا أَوْ لَا. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَالسَّلَامَةُ بِذَلِكَ قَطْعِيَّةٌ أَيْ بِخِلَافِ الدَّوَاءِ فَإِنَّهُ مَظْنُونٌ. قَوْلُهُ: (أَمَّا التِّرْيَاقُ إلَخْ) لَيْسَ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا وَلَا مَعْجُونٍ هُوَ فِيهِ، لِأَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا فِي مَقَامِ جَوَازِ التَّدَاوِي بِهِ وَمَا مَرَّ فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِهِ فَانْدَفَعَ مَا فِي الْحَاشِيَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَيُقَالُ: فِيهِ دَرَّاقٌ وَطَرَّاقٌ فَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَأَوَّلُهَا مَكْسُورٌ أَوْ مَضْمُومٌ فَالْمَجْمُوعُ سِتَّةٌ قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ التَّدَاوِي إلَخْ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَمْنَعُ التَّدَاوِيَ لِلتَّعْجِيلِ وَهِيَ غَايَةٌ فِي قَوْلِهِ: يَجُوزُ وَعِبَارَةُ زي: وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِصِرْفِ النَّجِسِ إلَّا الْمُسْكِرَ وَلَوْ بِتَعْجِيلِ شِفَاءٍ بِشَرْطِ إخْبَارِ عَدْلٍ عَارِفٍ، أَوْ مَعْرِفَةِ نَفْسِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِذَلِكَ) أَيْ بِالتِّرْيَاقِ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَعْجُونٍ بِالْخَمْرِ قَوْلُهُ: (وَالنَّدُّ) نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) كَذَا فِي الرَّوْضِ قَالَ شَارِحُهُ: قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ بِنَقْعِهِ فِي الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ تَنَاوُلُ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ) : بِنَحْوِ بَنْجٍ لِقَطْعِ عُضْوٍ اهـ قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ لِمَنْ أَخَذَ بِكْرًا وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ افْتِضَاضُهَا إلَّا بِإِطْعَامِهَا مَا يُغَيِّبُ عَقْلَهَا مِنْ نَحْوِ بَنْجٍ، أَوْ حَشِيشٍ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مِثْلُهُ، لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى تَمْكِينِ الزَّوْجِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ وَطْئِهَا مَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ لَهَا أَذًى لَا يَحْتَمِلُ مِثْلَهُ فِي إزَالَةِ الْبَكَارَةِ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَأَصْلُ الْجَلْدِ) أَيْ الْغَالِبُ ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ الْمَرِيضُ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ بِكَنِعَالٍ. اهـ. شَيْخُنَا. وَكَتَبَ أج عَلَى قَوْلِهِ: وَأَصْلُ الْجَلْدِ إلَخْ شَامِلٌ لِحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالْقَذْفِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالسَّوْطُ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْمُتَّخَذُ مِنْ سُيُورٍ تُلْوَى وَتُلَفُّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسَوِّطُ اللَّحْمَ بِالدَّمِ أَيْ يَخْلِطُهُ بِهِ سم زي. قَوْلُهُ: (أَوْ أَطْرَافِ ثِيَابٍ) أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ شَدِّ طَرَفِ الثَّوْبِ وَفَتْلِهِ حَتَّى يُؤْلِمَ. اهـ. م ر هـ م د. قَوْلُهُ: (أَيْ الشَّارِبِ) لَمْ يَقُلْ أَيْ بِحَدِّ الشَّارِبِ لِلْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الثَّمَانِينَ كُلَّهَا حَدٌّ أَوْ الزَّائِدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ تَعْزِيرٌ اهـ. ق ل بِإِيضَاحٍ. قَوْلُهُ: (وَكُلٌّ سُنَّةٌ) أَيْ طَرِيقَةٌ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 إلَيَّ، لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ ثَمَانُونَ» وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي الْحُرِّ وَعَلَى الْعِشْرِينَ فِي غَيْرِهِ. (عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ) ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَدًّا لَمَا جَازَ تَرْكُهَا. وَقِيلَ: حَدٌّ، لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جِنَايَةٍ مُحَقَّقَةٍ، وَاعْتُرِضَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ وَضْعَ التَّعْزِيرِ النَّقْصُ عَنْ الْحَدِّ فَكَيْفَ يُسَاوِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَاتٍ تَوَلَّدَتْ مِنْ الشَّارِبِ وَلِهَذَا اُسْتُحْسِنَ تَعْبِيرُ الْمِنْهَاجِ بِتَعْزِيرَاتٍ عَلَى تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِتَعْزِيرٍ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ شَافِيًا فَإِنَّ الْجِنَايَاتِ لَمْ تَتَحَقَّقْ حَتَّى يُعَزَّرَ، وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْخَمْرِ لَا تَنْحَصِرُ فَلْتَجْزِ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَانِينَ وَقَدْ مَنَعُوهَا قَالَ: وَفِي قِصَّةِ تَبْلِيغِ الصَّحَابَةِ الضَّرْبَ ثَمَانِينَ أَلْفَاظٌ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ الْكُلَّ حَدٌّ، وَعَلَيْهِ فَحَدُّ الشَّارِبِ مَخْصُوصٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُدُودِ بِأَنْ يَتَحَتَّمَ بَعْضُهُ وَيَتَعَلَّقَ بَعْضُهُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَعْزِيرَاتٌ، وَإِنَّمَا لَمْ تُجْزِئْ الزِّيَادَةُ اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ. (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ الشَّارِبِ الْمُقَيَّدِ بِمَا تَقَدَّمَ (الْحَدُّ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ) إمَّا (بِالْبَيِّنَةِ) وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا، أَوْ شَرِبَ مِمَّا شَرِبَ مِنْهُ غَيْرُهُ فَسَكِرَ مِنْهُ. (أَوْ الْإِقْرَارِ) بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ فَلَا يُحَدُّ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ نَاقِصَةٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ لِمَا مَرَّ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ وَلَا بِرِيحِ خَمْرٍ وَسُكْرٍ وَقَيْءٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شَرِبَ غَالِطًا، أَوْ مُكْرَهًا. وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا يَسْتَوْفِيهِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. نَعَمْ سَيِّدُ الْعَبْدِ يَسْتَوْفِيهِ بِعِلْمِهِ لِإِصْلَاحِ مِلْكِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ تَفْصِيلٌ بَلْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِي إقْرَارٍ مِنْ شَخْصٍ بِأَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا وَفِي شَهَادَةٍ بِشُرْبِ مُسْكِرٍ: شَرِبَ فُلَانٌ خَمْرًا، وَلَا يُحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ مُخْتَارٌ عَالِمٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ. وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الشَّارِبِ عِلْمُهُ بِمَا يَشْرَبُهُ فَنَزَلَ الْإِقْرَارُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ مِنْ حَقِّ آدَمِيٍّ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ. تَتِمَّةٌ: لَا يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ. لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ وَالتَّنْكِيلُ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مَعَ السُّكْرِ بَلْ يُؤَخَّرُ   [حاشية البجيرمي] الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهِ أَرْبَعِينَ، لِأَنَّهُ هُوَ الصَّادِرُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْحَدِيثِ وَفِيهِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ اُشْتُهِرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إجْمَاعًا فَمَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ لَا عَلَى نَفْسِهَا ح ل فَالظَّاهِرُ رُجُوعُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِلثَّمَانِينَ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ الرَّاوِي وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ وَهَذَا أَيْ الثَّمَانُونَ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: وَرَآهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَرَآهُ عَلِيٌّ لَكِنْ رَجَعَ عَنْهُ فَكَانَ يَجْلِدُ فِي خِلَافَتِهِ أَرْبَعِينَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلشَّخْصِ. اهـ. زي لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ لِمَا بَعْدَهُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَيَكُونَ اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعًا لِلثَّمَانِينَ. قَوْلُهُ: (هَذَى) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ خَلَطَ وَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ هَذَى يَهْذِي هَذْيًا وَهَذَيَانًا تَكَلَّمَ بِغَيْرِ مَعْقُولٍ لِمَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ. اهـ وَهُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (افْتَرَى) أَيْ كَذَبَ وَقَذَفَ. قَوْلُهُ: (وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ) أَيْ الْقَذْفِ ثَمَانُونَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَرْكُ حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّمَانِينَ حَدَّ الْقَذْفِ فَلَا يَنْتِجُ الدَّلِيلُ الْمُدَّعَى كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ) الْأَوْلَى عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرَاتِ قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: حَدٌّ) وَيَتَرَتَّبُ عَلَى أَنَّهَا تَعْزِيرٌ الضَّمَانُ بِالتَّلَفِ وَعَلَى أَنَّهَا حَدٌّ عَدَمُ الضَّمَانِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَاعْتُرِضَ الْأَوَّلُ) هُوَ كَوْنُهَا تَعْزِيرًا. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ فَحَدُّ الشَّارِبِ) هَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ، وَإِنْ كَانَتْ كَالْإِقْرَارِ إلَّا أَنَّ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ بِمَنْزِلَةِ رُجُوعِهِ، وَرُجُوعَهُ مَقْبُولٌ وَهُوَ حَسَنٌ. اهـ. طَبَلَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: وَحَدٌّ بِإِقْرَارِهِ أَيْ الْحَقِيقِيِّ زي وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَلَعَلَّ صُورَتَهَا أَنْ يَرْمِيَ غَيْرَهُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ رَمَاهُ بِذَلِكَ وَيُرِيدَ تَعْزِيرَهُ فَيَطْلُبَ السَّابُّ الْيَمِينَ مِمَّنْ نَسَبَ إلَيْهِ شُرْبَهَا فَيَمْتَنِعَ وَيَرُدَّهَا عَلَيْهِ فَيَسْقُطَ عَنْهُ التَّعْزِيرُ وَلَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الرَّادِّ لِلْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ لَكِنَّ الْأَوْلَى لِمَا يَأْتِي فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ، وَعُذْرُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ نَقَلَ عِبَارَةَ غَيْرِهِ. وَاتُّفِقَ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ قَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّرِقَةِ عَلَى الشُّرْبِ اهـ أج قَوْلُهُ: (بَلْ يُؤَخَّرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 وُجُوبًا إلَى إفَاقَتِهِ لِيَرْتَدِعَ فَإِنْ حُدَّ قَبْلَهَا فَفِي الِاعْتِدَادِ بِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ الِاعْتِدَادُ بِهِ وَسَوْطُ الْحُدُودِ، أَوْ التَّعَازِيرِ بَيْنَ قَضِيبٍ وَهُوَ الْغُصْنُ وَعَصًا غَيْرِ مُعْتَدِلَةٍ وَبَيْنَ رَطْبٍ وَيَابِسٍ بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَدِلَ الْجِرْمِ وَالرُّطُوبَةِ لِلْإِتْبَاعِ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِوُجُوبِ هَذَا وَلَا بِنَدْبِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ: الْوُجُوبُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ وَيُفَرِّقُ الضَّرْبَ عَلَى الْأَعْضَاءِ فَلَا يَجْمَعُهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ وَيَجْتَنِبُ الْمَقَاتِلَ وَهِيَ مَوَاضِعُ يُسْرِعُ الْقَتْلُ إلَيْهَا بِالضَّرْبِ كَقَلْبٍ وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَفَرْجٍ وَيَجْتَنِبُ الْوَجْهَ أَيْضًا فَلَا يَضْرِبُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ» . وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ فَيَعْظُمُ أَثَرُ شَيْنِهِ، بِخِلَافِ الرَّأْسِ فَإِنَّهَا مُغَطَّاةٌ غَالِبًا فَلَا يُخَافُ تَشْوِيهُهُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ الْوَجْهِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ اضْرِبْ الرَّأْسَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِي الرَّأْسِ. وَلَا تُشَدَّ يَدُ الْمَجْلُودِ وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ الْخَفِيفَةُ. أَمَّا مَا يَمْنَعُ كَالْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ فَتُنْزَعُ عَنْهُ مُرَاعَاةً لِمَقْصُودِ الْحَدِّ وَيُوَالَى الضَّرْبُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ عَلَى الْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ الْمَقْصُودِ فِي الْحُدُودِ، وَبِمَ يُضْبَطُ التَّفْرِيقُ الْجَائِزُ وَغَيْرُهُ؟ قَالَ   [حاشية البجيرمي] وُجُوبًا) فِيهِ أَنَّهُ يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ السَّكْرَانِ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيُّ بِضَرْبِهِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ نَوْعُ إحْسَاسٍ وَمَا هُنَا عَلَى خِلَافِهِ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ ضُرِبَ بَعْدَ إفَاقَتِهِ. قَوْلُهُ: (الِاعْتِدَادِ بِهِ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُ نَوْعُ إحْسَاسٍ وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَسَوْطُ الْحُدُودِ) هَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ وَيُحَدُّ الرَّجُلُ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَيُجْعَلُ عِنْدَ الْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ أَوْ امْرَأَةٌ تَلُفُّ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا إذَا انْكَشَفَتْ وَيُجْعَلُ عِنْدَ الْخُنْثَى مَحْرَمٌ لَا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ: يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَحْدُودُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْفَضِيحَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْمَأْثُورِ كَمَا قَالَهُ ح ل: وَيُحَدُّ ذُو الْهَيْئَةِ فِي مَحَلٍّ خَالٍ وَاسْتَحْسَنَ الْمَاوَرْدِيُّ مَا أَحْدَثَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ جَلْدِ الْمَرْأَةِ فِي نَحْوِ غِرَارَةٍ، لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَلَا يَتَوَلَّى الْجَلْدَ إلَّا الرِّجَالُ وَلَوْ مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى، لِأَنَّ الْجَلْدَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْغُصْنُ) أَيْ الرَّقِيقُ قَوْلُهُ: (وَيُفَرِّقُ الضَّرْبَ) أَيْ وُجُوبًا فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ فَإِنْ خَالَفَ حُرِّمَ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْمَحْدُودُ لَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ مَشْرُوطًا بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ بِخِلَافِ الْمُعَزَّرِ فَإِنَّ التَّالِفَ بِالتَّعْزِيرِ مَضْمُونٌ وَمَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ بِالْحَدِّ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، فَإِنْ زَادَ وَتَلِفَ بِهِ وَبِمَا زَادَ ضَمِنَ بِالْقِسْطِ أج. قَوْلُهُ: (وَيَجْتَنِبُ الْمَقَاتِلَ) أَيْ وُجُوبًا فَيُحَرَّمُ ضَرْبُهُ عَلَيْهَا فَإِنْ ضَرَبَهُ عَلَى مَقْتَلٍ فَمَاتَ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ: كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ جَلَدَهُ فِي حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ نَفْيُ الضَّمَانِ اهـ م ر. وَكَتَبَ ح ل عَلَى قَوْلِ الْمَنْهَجِ: وَيَتَّقِي الْمَقَاتِلَ أَيْ وُجُوبًا فَلَوْ مَاتَ لَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ مَشْرُوطًا بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ. قَوْلُهُ: (وَثُغْرَةِ) نَحْرٍ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ النُّقْرَةُ الَّتِي فِي وَسَطِهِ وَالْجَمْعُ ثُغَرٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ فَالثُّغْرَةُ بِالْمُثَلَّثَةِ كَالنُّقْرَةِ بِالنُّونِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَجَمْعًا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الرَّأْسِ) أَيْ فَلَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ فَيَجُوزُ الضَّرْبُ عَلَيْهِ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَحْذُورُ تَيَمُّمٍ بِقَوْلِ طَبِيبٍ ثِقَةٍ، وَإِلَّا حُرِّمَ جَزْمًا لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَحَيْثُ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَعْرٌ لِقَرَعٍ، أَوْ حَلْقٍ اجْتَنَبَهُ قَطْعًا وَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَمْرِهِ الْجَلَّادَ بِضَرْبِهِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّ فِيهِ شَيْطَانًا ضَعِيفٌ وَمُعَارَضٌ بِمَا مَرَّ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا مُغَطَّاةٌ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَالْأَوْلَى فَإِنَّهُ مُغَطًّى؛ إذْ الرَّأْسُ مُذَكَّرٌ لَكِنْ رَأَيْتُ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ الرَّأْسَ تُؤَنَّثُ فِي قُوَيْلَةٍ لِأَهْلِ اللُّغَةِ أج. قَوْلُهُ: (اضْرِبْ الرَّأْسَ) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِهَا شَعْرٌ وَلَمْ يَحْصُلْ مَحْذُورُ تَيَمُّمٍ، أَوْ هُوَ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ التَّفْصِيلِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُشَدُّ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حُرْمَةُ ذَلِكَ أَيْ إنْ تَأَذَّى بِذَلِكَ، وَإِلَّا كُرِهَ. اهـ. ح ل وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ أَيْ الْمَحْدُودِ وَلَوْ أُنْثَى وَالْيَدُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَشْمَلُ الْيَدَيْنِ مَعًا فَيُحَرَّمُ شَدُّهُمَا عِنْدَ شَيْخِنَا م ر. وَيُكْرَهُ فَقَطْ عِنْدَ خ ط وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ مِنْ تَمَكُّنِهِ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى مَا يُؤْلِمُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ الْخَفِيفَةُ) أَيْ الَّتِي لَا تَمْنَعُ أَثَرَ الضَّرْبِ، وَتَظْهَرُ كَرَاهَةُ ذَلِكَ بِخِلَافِ نَحْوِ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ بَلْ يُتَّجَهُ وُجُوبُ نَزْعِهَا إنْ مَنَعَتْ وُصُولَ الْأَلَمِ الْمَقْصُودِ اهـ قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ مُزْرٍ كَعَظِيمٍ أُرِيدَ الِاقْتِصَارُ مِنْ ثِيَابِهِ عَلَى مَا يُزْرِي كَقَمِيصٍ لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ إزَارٍ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَبِمَا يُضْبَطُ) هُوَ الَّذِي فِي خَطِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 الْإِمَامُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ فِي كُلِّ دَفْعَةٍ أَلَمٌ لَهُ وَقْعٌ، كَسَوْطٍ، أَوْ سَوْطَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَهَذَا لَيْسَ بِحَدٍّ، وَإِنْ آلَمَ أَوْ أَثَّرَ لِمَا لَهُ وَقْعٌ فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ زَمَنٌ يَزُولُ فِيهِ الْأَلَمُ الْأَوَّلُ كَفَى وَإِنْ تَخَلَّلَ، لَمْ يَكْفِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَيُكْرَهُ إقَامَةُ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي أَدَبِ الْقَضَاءَ. فَصْلٌ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ الْوَاجِبُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَهِيَ لُغَةً أَخْذُ الْمَالِ خِفْيَةً وَشَرْعًا أَخْذُهُ خِفْيَةً ظُلْمًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ بِشُرُوطٍ تَأْتِي، وَلَمَّا نَظَمَ أَبُو الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيُّ الْبَيْتَ الَّذِي شَكَّكَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الشَّرِيعَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَهُوَ يَدٌ بِخَمْسِ مِئِينَ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ ... مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبْعِ دِينَارِ ؟   [حاشية البجيرمي] الْمُؤَلِّفِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يُضْبَطْ وَهُوَ تَحْرِيفٌ اهـ أج. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ دَفْعَةٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ التَّفْرِيقِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إلَخْ) هَذَا إنْ لَمْ تَحْصُلْ نَجَاسَةٌ، وَإِلَّا حُرِّمَ. اهـ. ق ل. [فَصْلٌ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ] ِ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ لِمُنَاسَبَتِهَا لَهُ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْكَبَائِرِ وَمِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ وَقَدَّمَهَا عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ لِأَنَّهَا كَالْجُزْءِ مِنْهُ وَلِعُمُومِهَا وَخَفَائِهَا وَقِلَّةِ الْحَدِّ فِيهَا ق ل وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ وَشُرُوطِهَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَمْرَيْنِ وَأَوَّلُ مَنْ حَكَمَ بِقَطْعِ السَّارِقِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ قَوْلُهُ الْوَاجِبُ بِالنَّصِّ أَيْ بِآيَةِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] إلَى آخِرِ الْآيَةِ وَشُرِعَ الْقَطْعُ فِيهَا لِحِفْظِ الْمَالِ لِأَنَّ حَدَّهَا أَحَدُ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ وَكَانَ الْحَدُّ فِيهَا بِقَطْعِ آلَتِهَا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلِعَدَمِ تَعْطِيلِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِهَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَقَدَّمَ السَّارِقَ عَلَى السَّارِقَةِ عَكْسَ آيَةِ الزِّنَا حَيْثُ قَدَّمَ الزَّانِيَةَ عَلَى الزَّانِي لِأَنَّ السَّرِقَةَ تُفْعَلُ بِالْقُوَّةِ وَالرَّجُلُ أَقْوَى مِنْ الْمَرْأَةِ وَالزِّنَا يُفْعَلُ بِالشَّهْوَةِ وَالْمَرْأَةُ أَشَدُّ شَهْوَةً وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ أَيْ آيَةُ السَّرِقَةِ عَامَّةٌ خُصَّتْ أَوْ مُجْمَلَةٌ بُيِّنَتْ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْقِرَاءَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ وَالشَّاذَّةُ كِلَاهُمَا مُجْمَلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] مُجْمَلٌ لَمْ يُبَيِّنْ الْيَمِينَ مِنْ الْيَسَارِ وَلَا مَحَلَّ الْقَطْعِ وَقَوْلَهُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا مُجْمَلٌ أَيْضًا لَمْ يُبَيِّنْ الْيَمِينَ مِنْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ وَلَا مَحَلَّ الْقَطْعِ أَهُوَ الْكُوعُ أَوْ غَيْرُهُ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ أَخْذُ الْمَالِ إلَخْ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهُ الِاخْتِصَاصَاتُ فَإِنَّهَا تُسَمَّى سَرِقَةً لُغَةً وَأَمَّا ذِكْرُ الْمَالِ فِي الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فَهُوَ قَيْدٌ لِيَخْرُجَ الِاخْتِصَاصُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِسَرِقَةٍ شَرْعًا وَعِبَارَةُ م ر أَخْذُ الشَّيْءِ فَيَشْمَلُ أَخْذَ الِاخْتِصَاصِ فَيُقَالُ لَهُ سَرِقَةٌ فِي اللُّغَةِ قَوْلُهُ ظُلْمًا أَيْ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا قَطْعَ لِأَنَّ الظُّلْمَ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُ الْمَالِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ظُلْمًا أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَخَرَجَ مَا إذَا سَرَقَ مَالَهُ يَظُنُّ أَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ ظُلْمًا خَرَجَ بِهِ سَرِقَةُ مَالِ الْغَيْرِ يَظُنُّهُ مَالَ نَفْسِهِ لَا يُقَالُ يَدْخُلُ فِيهِ أَخْذُ مَالِ نَفْسِهِ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَمُرْتَهِنٍ فَإِنَّهُ ظُلْمٌ وَلَا قَطْعَ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ هَذَا لَيْسَ ظُلْمًا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ حَقُّ الْغَيْرِ قَالَ ق ل وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْمِ كَوْنُهُ عَمْدًا ظُلْمًا وَفِي الضَّمَانِ أَنْ يَكُونَ مَالًا مُتَمَوَّلًا وَفِي الْقَطْعِ كَوْنُ الْمَالِ نِصَابًا. اهـ. قَوْلُهُ أَبُو الْعَلَاءِ وَاسْمُهُ أَحْمَدُ وَالْمَعَرِّيُّ نِسْبَةً إلَى مَعَرَّةِ النُّعْمَانِ وَهُوَ مُلْحِدٌ أَيْ مَائِلٌ عَنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَزِلِيًّا مِنْ الْخَوَارِجِ وَكَانَ عَالِمًا فَصِيحًا بَلِيغًا وَكَانَ يُنَفِّرُ النَّاسَ عَنْ الزَّوَاجِ وَيَقُولُ لَهُمْ تَتَزَوَّجُونَ فَتَأْتُونَ بِالْأَوْلَادِ فَيَعْصُونَ اللَّهَ فَيُكْتَبُ فِي صَحَائِفِكُمْ وَلِذَلِكَ مَكَثَ طُولَ عُمُرِهِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ وَكَانَ يُلَازِمُ مُسْتَوْقَدَ الْحَمَّامِ قَوْلُهُ شَكَّكَ أَيْ أَوْقَعَهُمْ فِي الشَّكِّ وَالتَّرَدُّدِ وَالْمُنَاسِبُ حَذْفُ بِهِ وَعَلَى نُسْخَةٍ أَشْكَلَ وَعَلَيْهَا فَلَا إشْكَالَ قَوْلُهُ بِخَمْسِ مِئِينَ جَمْعُ مِائَةٍ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 أَجَابَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: وِقَايَةُ النَّفْسِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا ... وِقَايَةُ الْمَالِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ هَذَا: لَمَّا كَانَتْ أَمِينَةً كَانَتْ ثَمِينَةً فَلَمَّا خَانَتْ هَانَتْ. وَأَرْكَانُ الْقَطْعِ ثَلَاثَةٌ: مَسْرُوقٌ وَسَرِقَةٌ وَسَارِقٌ. وَالْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ عَلَى السَّارِقِ وَالْمَسْرُوقِ فَقَالَ: (وَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ) وَالسَّارِقَةِ، وَلَوْ ذِمِّيَّيْنِ وَرَقِيقَيْنِ (بِسِتَّةِ) بَلْ بِعَشَرَةِ (شَرَائِطَ) كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَمُرَادُهُ بِالشَّرْطِ هُنَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ الشَّامِلُ لِلرُّكْنِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا الْمَسْرُوقَ. وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ كَمَا مَرَّ: الْأَوَّلُ (أَنْ يَكُونَ) السَّارِقُ (بَالِغًا) فَلَا يُقْطَعُ صَبِيٌّ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ. (وَ) الثَّانِي أَنْ يَكُونَ (عَاقِلًا) فَلَا يُقْطَعُ مَجْنُونٌ لِمَا ذُكِرَ. (وَ) الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ. (أَنْ يَسْرِقَ نِصَابًا) وَهُوَ   [حاشية البجيرمي] الْقَدِيمِ إنَّ الدِّيَةَ أَلْفُ دِينَارٍ قَوْلُهُ وِقَايَةُ النَّفْسِ أَيْ قَصْدُ وِقَايَةِ النَّفْسِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْيَدُ أَغْلَاهَا أَيْ جَعَلَهَا غَالِيَةً قَالَ زي أَيْ وَلَوْ وُدِيَتْ بِالْقَلِيلِ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْأَطْرَافِ الْمُؤَدِّيَةُ لِإِزْهَاقِ النُّفُوسِ لِسُهُولَةِ الْغُرْمِ فِي مُقَابَلَتِهَا وَلَوْ لَمْ تُقْطَعْ إلَّا فِي الْكَثِيرِ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَمْوَالِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا وُدِيَتْ بِالْكَثِيرِ لِأَجْلِ وِقَايَةِ النَّفْسِ وَقُطِعَتْ فِي الْقَلِيلِ لِأَجْلِ وِقَايَةِ الْمَالِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. م د قَوْلُهُ وِقَايَةُ الْمَالِ أَيْ قَصْدُ وِقَايَةِ الْمَالِ عَنْ السَّرِقَةِ أَيْ حِفْظُهُ عَنْهَا وَنُسْخَةٌ ذُلُّ الْخِيَانَةِ بَدَلَ وِقَايَةُ الْمَالِ وَفِي نُسْخَةٍ وَأَرْخَصَهَا خِيَانَةُ الْمَالِ أَيْ الْخِيَانَةُ فِي الْمَالِ قَوْلُهُ ثَمِينَةً أَيْ ثَمَنُهَا غَالٍ قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُ الْقَطْعِ) الصَّوَابُ وَأَرْكَانُ السَّرِقَةِ، لِأَنَّ الْأَرْكَانَ لَهَا لَا لَهُ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: وَأَرْكَانُ السَّرِقَةِ سَرِقَةٌ إلَخْ، وَعُذْرُ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَا ذُكِرَ لَلَزِمَ عَلَيْهِ جَعْلُ الشَّيْءِ رُكْنًا لِنَفْسِهِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْكَانِ السَّرِقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَالرُّكْنُ السَّرِقَةُ اللُّغَوِيَّةُ، كَانَ مَا سَلَكَهُ غَيْرُهُ أَوْلَى، لِأَنَّ السَّرِقَةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ، وَالْقَطْعَ حُكْمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ أَرْكَانُهَا أَيْ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ الْآتِي بَيَانُهُ ثَلَاثَةٌ: سَرِقَةٌ وَسَارِقٌ وَمَسْرُوقٌ فَالسَّرِقَةُ أَخْذُ مَالٍ خِفْيَةً إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " الْمُوجِبَةِ " أَشَارَ بِهِ إلَى دَفْعِ التَّهَافُتِ فِي كَلَامِهِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَرْكَانُ السَّرِقَةِ سَرِقَةٌ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّرِقَةِ الْأُولَى الشَّرْعِيَّةُ أَيْ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ وَبِالثَّانِيَةِ اللُّغَوِيَّةُ وَهِيَ أَخْذُ الشَّيْءِ خِفْيَةً سَوَاءٌ كَانَ مَالًا، أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، أَوْ لَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ كَوْنُ الشَّيْءِ رُكْنًا لِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ إلَخْ) الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: وَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَخْ وَالثَّانِي فِي قَوْلِهِ: أَنْ يَسْرِقَ نِصَابًا. قَوْلُهُ: (وَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ) أَيْ أَوْ رِجْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي وَلَوْ قَالَ: وَيُقْطَعُ السَّارِقُ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَالسَّارِقَةِ) فَفِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ ذِمِّيَّيْنِ وَرَقِيقَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي السَّارِقِ الْإِسْلَامُ وَلَا الْحُرِّيَّةُ وَخَرَجَ بِالذِّمِّيِّ غَيْرُهُ وَلَوْ مُعَاهَدًا فَلَا يُقْطَعُ، وَإِنْ شُرِطَ قَطْعُهُ بِذَلِكَ، زي: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي السَّارِقِ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْتِزَامُ الْأَحْكَامِ وَالِاخْتِيَارُ وَعِلْمُهُ بِالتَّحْرِيمِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ مِنْ الْمَالِكِ وَأَنْ لَا يَكُونَ أَصْلًا، أَوْ فَرْعًا أَوْ رَقِيقَ أَحَدِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَسْرُوقِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ كَوْنُهُ: رُبُعَ دِينَارٍ خَالِصًا، أَوْ قِيمَتَهُ، وَكَوْنُهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ، وَكَوْنُهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وَكَوْنُهُ مُحْرَزًا بِحِرْزِ مِثْلِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُحْتَرَمًا فَيُغْنِي عَنْهُ الْأَوَّلُ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: وَرَقِيقَيْنِ أَيْ مِنْ مَالِ غَيْرِ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: (وَمُرَادُهُ بِالشَّرْطِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ الشَّرْطُ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْ يَسْرِقَ، وَأَمَّا الْمَالُ فَهُوَ الرُّكْنُ وَلَمْ يَعُدَّهُ مِنْ الشُّرُوطِ فَكَانَ الْأَوْلَى إبْقَاءَ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ. قَوْلُهُ: (لِمَا ذُكِرَ) أَيْ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَلَوْ عَلَّمَ السَّرِقَةَ لِنَحْوِ قِرْدٍ فَسَرَقَ لَهُ فَلَا قَطْعَ، لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا كَمَا فِي شَرْحِ الشَّارِحِ عَلَى الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (الْمُشَارُ إلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الرُّكْنَ هُوَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ، وَأَمَّا بُلُوغُهُ نِصَابًا فَهُوَ شَرْطٌ فِيهِ ق ل. قَوْلُهُ: (نِصَابًا) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ شَكَّ فِيهِ وَلَوْ بِاخْتِلَافِ الْمَوَازِينِ أَوْ الْمُقَوِّمِينَ، أَوْ الشَّاهِدِينَ فَلَا قَطْعَ مُطْلَقًا وَلِصَاحِبِهِ الْحَلِفُ عَلَى الْأَكْثَرِ لِلتَّقْوِيمِ، إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْآخِذُ عَلَى الْأَقَلِّ، ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَشَذَّ مَنْ قَطَعَ بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَخَبَرُ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ وَالْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» إمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْبَيْضَةِ فِيهِ بَيْضَةُ الْحَدِيدِ وَبِالْحَبْلِ مَا يُسَاوِي رُبُعًا كَحَبْلِ السَّفِينَةِ، أَوْ الْجِنْسُ، أَوْ أَنَّ مِنْ شَأْنِ السَّرِقَةِ أَنَّ صَاحِبَهَا يَتَدَرَّجُ مِنْ الْقَلِيلِ إلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 رُبُعُ دِينَارٍ فَأَكْثَرُ وَلَوْ كَانَ الرُّبُعُ لِجَمَاعَةٍ اتَّحَدَ حِرْزُهُمْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «لَا تَقْطَعُوا يَدَ سَارِقٍ إلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَأَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِأَنَّ الرُّبُعَ الْمَغْشُوشَ لَيْسَ بِرُبُعِ دِينَارٍ حَقِيقَةً فَإِنْ كَانَ فِي الْمَغْشُوشِ رُبُعٌ خَالِصٌ وَجَبَ الْقَطْعُ. وَمِثْلُ رُبُعِ الدِّينَارِ مَا قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّقْوِيمِ هُوَ الذَّهَبُ الْخَالِصُ حَتَّى لَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا قُوِّمَتْ بِهِ وَتُعْتَبَرُ (قِيمَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ) وَقْتَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ فَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ وَعَلَى أَنَّ التَّقْوِيمَ يُعْتَبَرُ بِالْمَضْرُوبِ لَوْ سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ مَسْبُوكًا، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ نَحْوَهُ كَقُرَاضَةٍ لَا تُسَاوِي رُبُعًا مَضْرُوبًا فَلَا قَطْعَ بِهِ، وَإِنْ سَاوَاهُ غَيْرَ مَضْرُوبٍ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْخَبَرِ " لَفْظُ الدِّينَارِ " وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ. وَلَا يُقْطَعُ بِخَاتَمٍ وَزْنُهُ دُونَ رُبُعٍ. وَقِيمَتُهُ بِالصَّنْعَةِ رُبُعٌ نَظَرًا إلَى الْوَزْنِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الذَّهَبِ وَلَا بِمَا نَقَصَ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ كَإِحْرَاقٍ لِانْتِفَاءِ كَوْنِ الْمُخْرَجِ نِصَابًا وَلَا بِمَا دُونَ نِصَابَيْنِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي إخْرَاجِهِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَسْرِقْ نِصَابًا وَيُقْطَعُ بِثَوْبٍ   [حاشية البجيرمي] الْكَثِيرِ اهـ. س ل وَلَا قَطْعَ إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ فَلَوْ دَخَلَ الْحِرْزَ وَأَخَذَ النِّصَابَ وَقَدَرَ عَلَيْهِ الْمَالِكُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فَلَا قَطْعَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ الرُّبُعُ لِجَمَاعَةٍ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي النِّصَابِ اتِّحَادُ مَالِكِهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ خَالِصًا) أَوْ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ مَغْشُوشٍ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ: وَهَذَا مِنْ الشَّارِحِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَتْنِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَتْنِ وَكَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: خَالِصًا بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ نِصَابًا وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ هَذَا التَّطْوِيلِ، وَالْبُعْدِ عَنْ الْمَتْنِ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى قَوْلِهِ: وَأَنْ يَكُونَ خَالِصًا لَيْسَ قَبْلَ هَذِهِ مَا يَصِحُّ عَطْفُهَا عَلَيْهِ وَالْأَقْرَبُ كَوْنُهَا وَصْفًا " لِنِصَابًا " وَضَمِيرُهَا عَائِدٌ إلَيْهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ قَبْلَ هَذِهِ إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْ يَسْرِقَ، فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الثَّالِثِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ فِي الْمَغْشُوشِ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الذَّهَبِ الْمَضْرُوبِ الْوَزْنُ فَقَطْ وَفِي غَيْرِ الْمَضْرُوبِ الْوَزْنُ وَبُلُوغُ قِيمَتِهِ مَا ذُكِرَ وَلَا يَكْفِي بُلُوغُ قِيمَتِهِ مَا ذُكِرَ مَعَ نَقْصِ وَزْنِهِ. اهـ. زي. وَيُعْتَبَرُ فِي الْفِضَّةِ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا ح ل. لِأَنَّ النِّصَابَ رُبُعُ دِينَارٍ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا ذَهَبًا فَتُقَوَّمُ الْفِضَّةُ بِهِ وَلَوْ كَانَتْ مَضْرُوبَةً فَالصُّوَرُ ثَلَاثَةٌ: اعْتِبَارُ الْوَزْنِ فَقَطْ، اعْتِبَارُ الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ، اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَرُبُعُ الدِّينَارِ يُسَاوِي الْآنَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ نِصْفَ فِضَّةٍ. قَوْلُهُ: (مَا قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ) أَيْ يَقِينًا بِأَنْ يَقْطَعَ الْمُقَوِّمُونَ أَنَّ قِيمَتَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ. اهـ. زي. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: مَا قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ الْغَالِبُ. قَوْلُهُ: (وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ رُبُعَ) أَيْ بِرُبُعِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ جَعَلَهَا الشَّارِحُ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمِثْلُ رُبُعِ دِينَارٍ مَا قِيمَتُهُ رُبُعُ الدِّينَارِ وَجَعَلَهَا مُنْقَطِعَةً عَنْ الْمَتْنِ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ غَيَّرَ إعْرَابَ الْمَتْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى إذْ قَوْلُهُ: " رُبُعَ دِينَارٍ " فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَرْفُوعًا عَلَى الْخَبَرِيَّةِ هَذَا عَلَى وَجْهِ تَغْيِيرِهِ لَفْظًا، وَوَجْهُ تَغْيِيرِهِ مَعْنًى أَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ وَجَعَلَهَا مُنْقَطِعَةً عَنْ الْمَتْنِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: (فَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ لِرُخْصِ سِعْرٍ مَثَلًا قَوْلُهُ: (كَقُرَاضَةٍ) بِضَمِّ الْقَافِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ أَيْ مَا سَقَطَ بِالْقَرْضِ وَقَرَضَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَاوَاهُ غَيْرَ مَضْرُوبٍ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ مُسَاوَاةِ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ كَلَامَهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَسْبُوكِ وَنَحْوِهِ. وَهُوَ غَيْرُ مَضْرُوبٍ فَالْغَايَةُ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُهَا، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَالْمَعْنَى عَلَى الْغَايَةِ سَوَاءٌ سَاوَاهُ مَضْرُوبًا، أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ مَعَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي غَيْرِ الْمَضْرُوبِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُسَاوَاةَ مُخْتَلِفَةٌ فَقَوْلُهُ: لَا تُسَاوِي رُبُعًا مَضْرُوبًا أَيْ فِي الْقِيمَةِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ سَاوَاهُ غَيْرَ مَضْرُوبٍ أَيْ فِي الْوَزْنِ فَصَحَّ الْمَعْنَى وَحَصَلَتْ الْفَائِدَةُ، لَكِنْ يَبْقَى التَّكْرَارُ، لِأَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِي سَرِقَةِ رُبُعِ دِينَارٍ غَيْرِ مَضْرُوبٍ. قَوْلُهُ: (بِأَكْلٍ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ بَلْعُ الدَّرَاهِمِ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ إتْلَافًا غَالِبًا كَذَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ جَوْهَرَةً، أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِتَنَزُّلِ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْإِتْلَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهَا فِي رِيحٍ، أَوْ غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ وَاعْتَمَدَهُ وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ مَا فِي الْحَلَبِيِّ مِنْ إطْلَاقِ عَدَمِ الْقَطْعِ بِالِابْتِلَاعِ اهـ. قَوْلُهُ: (كَإِحْرَاقٍ) وَمِثْلُ الْإِحْرَاقِ مَا لَوْ تَضَمَّخَ أَيْ تَلَطَّخَ بِطِيبٍ فِي دَاخِلِ الْحِرْزِ، وَإِنْ جُمِعَ مِنْ جِسْمِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ نِصَابًا لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ يُعَدُّ إتْلَافًا لَهُ كَالطَّعَامِ زي أج. قَوْلُهُ: (اشْتَرَكَ اثْنَانِ) أَيْ مُكَلَّفَانِ بِأَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 رَثٍّ فِي جَيْبِهِ تَمَامُ نِصَابٍ، وَإِنْ جَهِلَهُ السَّارِقُ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ، وَالْجَهْلُ بِجِنْسِهِ لَا يُؤَثِّرُ كَالْجَهْلِ بِصِفَتِهِ وَبِنِصَابٍ ظَنَّهُ فُلُوسًا لَا يُسَاوِيهِ لِذَلِكَ وَلَا أَثَرَ لِظَنِّهِ، وَالرَّابِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ (مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ) فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَا لَيْسَ مُحْرَزًا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «لَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ إلَّا فِيمَا أَوَاهُ الْمَرَاحُ» وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعْظُمُ بِمُخَاطَرَةِ أَخْذِهِ مِنْ الْحِرْزِ فَحُكِمَ بِالْقَطْعِ زَجْرًا بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَّأَهُ الْمَالِكُ وَمَكَّنَهُ بِتَضْيِيعِهِ. وَالْإِحْرَازُ يَكُونُ بِلِحَاظٍ لَهُ بِكَسْرِ اللَّامِ دَائِمًا، أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ مَعَ لِحَاظٍ لَهُ، وَالْمُحَكَّمُ فِي الْحِرْزِ الْعُرْفُ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَدَّ فِي الشَّرْعِ وَلَا اللُّغَةِ فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ   [حاشية البجيرمي] أَخْرَجَاهُ مَعًا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُكَلَّفٍ، أَوْ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ الْآمِرِ قُطِعَ الْمُكَلَّفُ إنْ أَمَرَ الْأَعْجَمِيَّ أَوْ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ، لِأَنَّهُمَا كَالْآلَةِ لَهُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ إذَا اشْتَرَكَا فَإِنْ امْتَازَ كُلٌّ بِمَا سَرَقَهُ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ. قَوْلُهُ: (فِي إخْرَاجِهِ) أَيْ الدُّونِ قَوْلُهُ: (رَثٍّ) أَيْ خَلَقٍ أَيْ بَالٍ وَفِي الْمُخْتَارِ الرَّثُّ بِالْفَتْحِ الْبَالِي وَجَمْعُهُ رِثَاثٌ بِالْكَسْرِ وَقَدْ رَثَّ يَرِثُّ بِالْكَسْرِ رَثَاثَةً بِالْفَتْحِ. قَوْلُهُ: (فِي جَيْبِهِ تَمَامُ نِصَابٍ) أَيْ مُنْضَمًّا إلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ " تَمَامُ ". قَوْلُهُ: (وَالْجَهْلُ بِجِنْسِهِ) أَيْ أَوْ بِوُجُودِهِ فَالْأَوَّلُ رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ الْغَايَةِ وَالثَّانِي لِلْغَايَةِ اهـ. وَكَانَ الْأَوْلَى " وَالْجَهْلُ بِهِ "، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ مَجْهُولٌ فَلَا يَظْهَرُ التَّقْيِيدُ بِالْجِنْسِ وَقِيَاسُهُ عَلَى الصِّفَةِ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَبِنِصَابٍ) أَيْ وَيُقْطَعُ بِنِصَابٍ إلَخْ قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْخُذَهُ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ أَوْ بِنِصَابٍ انْصَبَّ مِنْ وِعَاءٍ بِثَقْبِهِ لَهُ وَإِنْ انْصَبَّ شَيْئًا فَشَيْئًا اهـ. وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَمِثْلُ الثَّقْبِ قَطْعُ الْجَيْبِ كَمَا قَالَهُ زي: وَلِذَلِكَ يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا شَخْصٌ يُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَلَمْ يَدْخُلْ حِرْزًا اهـ. وَلَوْ أَخَذَهُ مَالِكُهُ بَعْدَ انْصِبَابِهِ قَبْلَ الدَّعْوَى بِهِ هَلْ يَسْقُطُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ شَرْطُهُ الدَّعْوَى وَقَدْ تَعَذَّرَتْ فِيهِ نَظَرٌ، فَلْيُرَاجَعْ سم، عَلَى حَجّ وَالْأَقْرَبُ سُقُوطُ الْقَطْعِ. قَوْلُهُ: أَوَاهُ الْمَرَاحُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ مِنْ آوَاهُ أَوْ قَصْرِهَا وَالْمَرَاحُ مَأْوَى الْمَاشِيَةِ لَيْلًا. قَوْلُهُ: (بِمُخَاطَرَةِ) أَيْ بِسَبَبِ خَوْفِ أَخْذِهِ أَيْ الْخَوْفِ الْحَاصِلِ بِأَخْذِهِ. قَوْلُهُ: (جَرَّأَهُ) الْمَالِكُ أَيْ سَلَّطَهُ وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ: وَمَكَّنَهُ، عَطْفٌ عَلَى جَرَّأَهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَقَوْلُهُ: بِتَضْيِيعِهِ: الْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهِيَ صِلَةٌ لِ مَكَّنَهُ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ تَضْيِيعِ الْمَالِكِ إيَّاهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَضَعْهُ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ فَتَكُونُ صِلَةُ مَكَّنَهُ مَحْذُوفَةً أَيْ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (بِلِحَاظٍ) أَيْ مُلَاحِظٍ يُلَاحِظُهُ أَيْ بِمُلَاحَظَتِهِ وَالنَّظَرِ إلَيْهِ وَاللِّحَاظُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ الْمُرَاعَاةُ مَصْدَرُ لَاحَظَهُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُلَاحِظُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَمَّا بِفَتْحِهَا فَهُوَ مُؤَخَّرُ الْعَيْنِ مِنْ جَانِبِ الْأُذُنِ بِخِلَافِ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الْأَنْفِ فَيُسَمَّى الْمُوقَ اهـ وَلَا يَقْدَحُ فِي دَوَامِ اللِّحَاظِ الْفَتَرَاتُ الْعَارِضَةُ عَادَةً فَإِذَا أَخَذَهُ السَّارِقُ حِينَئِذٍ قُطِعَ فَلَوْ وَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي ذَلِكَ هَلْ كَانَ ثَمَّ مُلَاحَظَةٌ مِنْ الْمَالِكِ، أَوْ لَا فَيَنْبَغِي تَصْدِيقُ السَّارِقِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الْقَطْعِ، كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ مَعَ لِحَاظٍ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ دَائِمًا وَأَبَدًا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَلَى تَفْصِيلٍ يُعْلَمُ مِنْ الْمَنْهَجِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: أَوْ حَصَانَةٍ مَعَ لِحَاظٍ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَحَلَّ إنْ كَانَ حَصِينًا مُنْفَصِلًا عَنْ الْعِمَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْمُلَاحَظَةِ بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُ الْمُلَاحِظِ يَقْظَانًا قَوِيًّا سَوَاءٌ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا، أَوْ مَغْلُوقًا أَوْ نَائِمًا مَعَ إغْلَاقِ الْبَابِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ فِي الْعِمَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ قُوَّةُ الْمُلَاحِظِ، وَلَا تَيَقُّظُهُ بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُ الْبَابِ مَغْلُوقًا مَعَ وُجُودِ هَذَا الْمُلَاحِظِ أَوْ قَفْلِهِ مَعَ يَقَظَتِهِ زَمَنَ أَمْنٍ نَهَارًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا فَإِنْ كَانَ الْمُلَاحِظُ مُتَيَقِّظًا كَانَتْ مُحْرَزَةً، وَإِلَّا فَلَا. فَعُلِمَ أَنَّهَا قَدْ تَكْفِي الْحَصَانَةُ وَحْدَهَا وَقَدْ تَكْفِي الْمُلَاحَظَةُ وَحْدَهَا وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ، وَقَدْ يُمَثَّلُ لِانْفِرَادِ الْحَصَانَةِ بِالرَّاقِدِ عَلَى الْمَتَاعِ كَمَا قَالَهُ ع ش: وَبِالْمَقَابِرِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْعِمَارَةِ فَإِنَّهَا حِرْزٌ لِلْكَفَنِ.، وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ الشَّرْطُ الرَّابِعُ كَوْنُهُ مُحْرَزًا وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْإِحْرَازُ بِمُلَاحَظَةٍ لِلْمَسْرُوقِ مِنْ قَوِيٍّ مُسْتَيْقِظٍ أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ وَحْدَهَا، أَوْ مَعَ مَا قَبْلَهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لِأَنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَ الْحِرْزَ وَلَمْ تَضْبِطْهُ اللُّغَةُ فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَهُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ وَالْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمُحْرَزِ ضَائِعٌ بِتَقْصِيرِ مَالِكِهِ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ الثَّوْبُ إذَا نَامَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُحْرَزٌ مَعَ انْتِفَائِهِمَا، لِأَنَّ النَّوْمَ عَلَيْهِ الْمَانِعَ مِنْ أَخْذِهِ غَالِبًا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ مُلَاحَظَتِهِ وَمَا هُوَ حِرْزٌ لِنَوْعٍ حِرْزٌ لِمَا دُونَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ تَابِعِهِ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْإِصْطَبْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 وَالْإِحْيَاءِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ حِرْزًا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ. بِحَسَبِ صَلَاحِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَفَسَادِهَا وَقُوَّةِ السُّلْطَانِ وَضَعْفِهِ. وَضَبَطَهُ الْغَزَالِيُّ بِمَا لَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ مُضَيِّعًا لَهُ؛ فَعَرْصَةُ دَارٍ، وَصُفَّتُهَا حِرْزُ خَسِيسِ آنِيَةٍ وَثِيَابٍ، أَمَّا نَفِيسُهَا فَحِرْزُهُ بُيُوتُ الدُّورِ وَالْخَانَاتِ وَالْأَسْوَاقِ الْمَنِيعَةُ وَمَخْزَنٌ حِرْزُ حُلِيٍّ وَنَقْدٍ وَنَحْوِهِمَا. وَنَوْمٌ بِنَحْوِ صَحْرَاءَ كَمَسْجِدٍ وَشَارِعٍ عَلَى مَتَاعٍ وَلَوْ تَوَسَّدَهُ حِرْزٌ لَهُ. وَمَحَلُّهُ فِي تَوَسُّدِهِ فِيمَا يُعَدُّ التَّوَسُّدُ   [حاشية البجيرمي] وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ " أَوْ " مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتُجَوِّزُ الْجَمْعَ لَا مَانِعَةُ جَمْعٍ فَتُجَوِّزُ الْخُلُوَّ اهـ. وَقَوْلُهُ: مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ مُلَاحَظَتِهِ يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى حَصَانَةُ مَوْضِعِهِ حَقِيقَةً أَيْ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْمَوْضِعِ مَا أُخِذَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَهُوَ هُنَا حَصِينٌ بِالنَّوْمِ عَلَى الثَّوْبِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَعَرْصَةُ دَارٍ) الْعَرْصَةُ الصَّحْنُ وَالصُّفَّةُ الْمِصْطَبَةُ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ السُّكَّانِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَهَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَالْغَرَضُ مِنْهُ بَيَانُ تَفَاوُتِ أَجْزَاءِ الدَّارِ، فِي الْحِرْزِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِأَنْوَاعِ الْمُحْرَزِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اعْتِبَارِ الْمُلَاحَظَةِ مَعَ الْحَصَانَةِ فِي الْحِرْزِيَّةِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْخَانَاتِ) أَيْ وَبُيُوتِ الْخَانَاتِ وَهِيَ الْوَكَائِلُ وَبُيُوتُهَا الْحَوَاصِلُ وَالطَّبَقَاتُ الَّتِي فِيهَا، وَقَوْلُهُ: وَالْأَسْوَاقِ أَيْ وَبُيُوتُ الْأَسْوَاقِ وَهِيَ الدَّكَاكِينُ وَلَوْ فَتَحَ دَارِهِ أَوْ حَانُوتَهُ لِبَيْعِ مَتَاعٍ فَدَخَلَ شَخْصٌ وَسَرَقَ مِنْهُ فَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ بِهِ لِيَسْرِقَ قُطِعَ أَوْ لِيَشْتَرِيَ فَلَا وَلَوْ أَذِنَ فِي دُخُولِ نَحْوِ دَارِهِ، لِشِرَاءٍ قُطِعَ مَنْ دَخَلَ سَارِقًا لَا مُشْتَرِيًا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ قُطِعَ كُلُّ دَاخِلٍ شَرْحُ م ر وَمِنْهُ الْحَمَّامُ فَمَنْ دَخَلَهُ لِغُسْلٍ وَسَرَقَ مِنْهُ، لَمْ يُقْطَعْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُلَاحِظٌ وَيَخْتَلِفُ الِاكْتِفَاءُ فِيهِ بِالْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ بِالنَّظَرِ إلَى كَثْرَةِ الزَّحْمَةِ وَقِلَّتِهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَابُ الدَّارِ مَفْتُوحًا وَبَابُ الْغُرْفَةِ أَوْ الْقَاعَةِ مُغْلَقًا وَدَخَلَ السَّارِقُ فَأَخْرَجَ الشَّيْءَ مِنْ دَاخِلِ الْغُرْفَةِ مَثَلًا إلَى صَحْنِ الدَّارِ قُطِعَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ إلَى مَحَلِّ الضَّيَاعِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُحْرَزًا وَأَمَّا إذَا كَانَ بَابُ الْغُرْفَةِ مَثَلًا مَفْتُوحًا كَبَابِ الدَّارِ، وَأَخْرَجَهُ السَّارِقُ مِنْ دَاخِلِ الْغُرْفَةِ إلَى صَحْنِ الْبَيْتِ فَلَا قَطْعَ وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ مَعَهُ، لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُحْرَزٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَابَانِ مَغْلُوقَيْنِ، أَوْ بَابُ الدَّارِ مَغْلُوقًا دُونَ بَابِ الْغُرْفَةِ، فَكَذَا لَا قَطْعَ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ دَاخِلِ الْحِرْزِ إلَى صَحْنِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ تَمَامِ الْحِرْزِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ إلَى خَارِجِ الْحِرْزِ قُطِعَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (الْمَنِيعَةُ) أَيْ الْحَصِينَةُ أَيْ لِلْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ بِذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ دَفَنَ مَالَهُ بِصَحْرَاءَ لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُهُ. اهـ. زي. قَوْلُهُ: (وَمَخْزَنٌ) بِفَتْحِ الزَّايِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ اسْمُ مَكَان وَجَوَّزَ غَيْرُهُ الْكَسْرَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَكَانُ الَّذِي يُخْزَنُ فِيهِ دَاخِلَ مَحَلٍّ آخَرَ كَخِزَانَةٍ وَصُنْدُوقٍ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ ح ل: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ بُيُوتَ الدُّورِ وَالْخَانَاتِ لَا تَكُونُ حِرْزًا لِلنَّقْدِ وَالْحُلِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَنَوْمٌ بِنَحْوِ صَحْرَاءَ) وَكَذَا يُقْطَعُ بِأَخْذِ عِمَامَةِ النَّائِمِ مِنْ عَلَى رَأْسِهِ وَمَدَاسِهِ مِنْ رِجْلِهِ إنْ عَسُرَ قَلْعُهَا وَكِيسِ دَرَاهِمَ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ انْتَبَهَ. ح ل: وَكَذَا خَاتَمُهُ الَّذِي فِي أُصْبُعِهِ وَكَذَا سِوَارُ الْمَرْأَةِ وَخَلْخَالُهَا إنْ عَسُرَ إخْرَاجُهُ مِنْهَا بِحَيْثُ يُوقِظُ النَّائِمَ غَالِبًا أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْخَاتَمِ فِي الْأُصْبُعِ شَرْحَ م ر مُلَخَّصًا، قَالَ ع ش: وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَقِيلَ النَّوْمِ بِحَيْثُ لَا يَنْتَبِهُ بِالتَّحْرِيكِ الشَّدِيدِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُ مَا مَعَهُ وَمَا عَلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (كَمَسْجِدٍ وَشَارِعٍ) أَيْ وَمَكَانٍ غَيْرِ مَغْصُوبٍ شَرْحَ م ر. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ نَامَ فِي مَكَان مَغْصُوبٍ لَا يَكُونُ مَا مَعَهُ مُحْرَزًا بِهِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ مُتَعَدٍّ بِدُخُولِ الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَكُونُ الْمَكَانُ حِرْزًا لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَوَسَّدَهُ) مَا لَمْ يَنْقُلْهُ السَّارِقُ عَمَّا تَوَسَّدَهُ، أَوْ نَامَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ، لِأَنَّهُ أَزَالَ الْحِرْزَ قَبْلَ السَّرِقَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَّهُ مِنْ تَحْتِهِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَالْفَرْقُ: أَنَّهُ فِي الْأُولَى أَزَالَ الْحِرْزَ وَفِي الثَّانِيَةِ هَتَكَ الْحِرْزَ وَعِبَارَةُ زي وَفَارَقَ قَلْبُ السَّارِقِ نَحْوُ نَقْبِ الْجِدَارِ بِأَنْ هَتَكَ الْحِرْزَ بِإِزَالَةٍ مِنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ نَحْوِ النَّقْبِ ثَمَّ وَأَمَّا قَوْلُ الْجُوَيْنِيِّ وَلَوْ وَجَدَ جَمَلًا صَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ فَأَلْقَاهُ مِنْ عَلَيْهِ وَأَخَذَ الْجَمَلَ قُطِعَ فَقَدْ خَالَفَهُ الْبَغَوِيّ فَقَالَ: لَا قَطْعَ، لِأَنَّهُ رَفَعَ الْحِرْزَ أَيْ أَزَالَهُ. وَلَمْ يَهْتِكْهُ وَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ: وَجِيهٌ. لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ رَفْعِ الْحِرْزِ. أَيْ إزَالَتِهِ مِنْ أَصْلِهِ وَهَتْكِهِ اهـ. وَلَوْ أَخَذَ النَّائِمَ مَعَ الْجَمَلِ فَلَا قَطْعَ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ الْحِرْزَ وَلَمْ يَهْتِكْهُ ع ش. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ فَلَوْ انْقَلَبَ وَلَوْ بِقَلْبِ السَّارِقِ، وَمِثْلُهُ رَمْيُهُ عَنْ دَابَّةٍ وَهَدْمُ حَائِطِ دَارِ، وَإِسْكَارُهُ حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 حِرْزًا لَهُ، وَإِلَّا كَانَ تَوَسَّدَ كِيسًا فِيهِ نَقْدٌ، أَوْ جَوْهَرٌ، فَلَا يَكُونُ حِرْزًا لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُقْطَعُ بِنِصَابٍ انْصَبَّ مِنْ وِعَاءٍ بِنَقْبِهِ لَهُ، وَإِنْ انْصَبَّ شَيْئًا فَشَيْئًا، لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ وَبِنِصَابٍ أَخْرَجَهُ دَفْعَتَيْنِ بِأَنْ تَمَّ فِي الثَّانِيَةِ لِذَلِكَ. فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا عِلْمُ الْمَالِكِ، وَإِعَادَةُ الْحِرْزِ فَالثَّانِيَةُ سَرِقَةٌ أُخْرَى فَلَا قَطْعَ فِيهَا إنْ كَانَ الْمُخْرَجُ فِيهَا دُونَ نِصَابٍ. وَالْخَامِسُ كَوْنُ السَّارِقِ (لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ) أَيْ الْمَسْرُوقِ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِهِ الَّذِي بِيَدِ غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مُؤَجَّرًا وَلَوْ سَرَقَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، أَوْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، أَوْ سَرَقَ مَا اتَّهَبَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يُقْطَعْ فِيهِمَا وَلَوْ سَرَقَ مَعَ مَا اشْتَرَاهُ مَالًا آخَرَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. وَلَوْ سَرَقَ الْمُوصَى لَهُ بِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ بَعْدَهُ   [حاشية البجيرمي] غَابَ عَقْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ زَوَالِ الْحِرْزِ، لَا مِنْ هَتْكِهِ اهـ. وَإِنْ ضَمَّ نَحْوُ الْعَطَّارِ وَالْبَقَّالِ الْأَمْتِعَةَ وَرَبَطَهَا بِحَبْلٍ عَلَى بَابِ الْحَانُوتِ، أَوْ أَرْخَى عَلَيْهَا شَبَكَةً، أَوْ خَالَفَ لَوْحَيْنِ عَلَى بَابِ حَانُوتِهِ فَمُحْرَزٌ نَهَارًا، وَإِنْ نَامَ أَوْ غَابَ وَكَذَا لَيْلًا بِحَارِسٍ وَمَا فِي الْجَيْبِ وَالْكُمِّ مُحْرَزٌ بِهِمَا وَكَذَا الْمَرْبُوطُ بِالْعِمَامَةِ، أَوْ الْمَشْدُودُ بِهَا وَلَوْ اسْتَحْفَظَ شَخْصًا عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ حَانُوتِهِ الْمَفْتُوحِ فَأَجَابَهُ، ضَمِنَ بِإِهْمَالِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهِ هُوَ أَوْ عَلَى حَانُوتِهِ الْمُغْلَقِ لَمْ يَضْمَنْ بِإِهْمَالِهِ وَيُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ هُوَ، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ عَدَمُ ضَمَانِ الْخُفَرَاءِ بِإِهْمَالِ الْحَوَانِيتِ الْمُغْلَقَةِ. اهـ. سم مَعَ تَصَرُّفٍ، وَلَوْ جَعَلَ الْمِفْتَاحَ بِشِقٍّ قَرِيبٍ فَلَا قَطْعَ كَمَا قَالَهُ ح ل: وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِشِقٍّ بِمَحَلٍّ بَعِيدٍ وَفَتَّشَ عَلَيْهِ السَّارِقُ وَأَخَذَهُ يُقْطَعُ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْبَعِيدِ مَا لَوْ كَانَ الْمِفْتَاحُ مَعَ الْمَالِكِ مُحْرَزًا بِجَيْبِهِ مَثَلًا فَسَرَقَتْهُ زَوْجَتُهُ مَثَلًا وَتَوَصَّلَتْ بِهِ إلَى السَّرِقَةِ وَسَرَقَتْ فَتُقْطَعُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فِيهِ نَقْدٌ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَقْعٌ ح ل قَوْلُهُ: (بِنَقْبِهِ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ انْصَبَّ) غَايَةٌ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، مِثْلُ النَّقْبِ قَطْعُ الْجَيْبِ إذَا وَقَعَ مِنْهُ قَدْرُ النِّصَابِ وَعَلَيْهِ اللُّغْزُ الْمُتَقَدِّمُ قَوْلُهُ: (عِلْمُ الْمَالِكِ وَإِعَادَةُ الْحِرْزِ) أَيْ بِإِصْلَاحِهِ أَوْ غَلْقٍ مِنْ الْمَالِكِ، أَوْ نَائِبِهِ دُونَ غَيْرِهِمَا، لِأَنَّهُ بِغَيْرِ الْإِصْلَاحِ لَيْسَ حِرْزًا هَذَا ظَاهِرٌ إنْ حَصَلَ مِنْ السَّارِقِ هَتْكٌ لِلْحِرْزِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ ذَلِكَ كَأَنْ تَسَوَّرَ الْجِدَارَ وَتَدَلَّى إلَى الدَّارِ فَسَرَقَ مِنْ غَيْرِ كَسْرِ بَابٍ وَلَا نَقْبِ جِدَارٍ فَيَحْتَمِلُ الِاكْتِفَاءَ بِعِلْمِ الْمَالِكِ؛ إذْ لَا هَتْكَ لِلْحِرْزِ حَتَّى يُصْلِحَهُ ع ش عَلَى م ر وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا عِلْمُ الْمَالِكِ بِذَلِكَ، وَإِعَادَةُ الْحِرْزِ بِنَحْوِ غَلْقِ بَابٍ، وَإِصْلَاحِ نَقْبٍ مِنْ الْمَالِكِ، أَوْ نَائِبِهِ دُونَ غَيْرِهِمَا، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَالْأَوَّلِ حَيْثُ وُجِدَ الْإِحْرَازُ، كَمَا لَا يَخْفَى فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ حِينَئِذٍ فَلَا قَطْعَ بِهِ كَالْأَوَّلِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَالسَّرِقَةُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ الثَّانِي إلَخْ، لِأَنَّ الْإِحْرَازَ لَيْسَ سَرِقَةً، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ عِلْمُ الْمَالِكِ وَلَا إعَادَةُ الْحِرْزِ، أَوْ تَخَلَّلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ سَوَاءٌ اشْتَهَرَ هَتْكُ الْحِرْزِ أَمْ لَا قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ إبْقَاءً لِلْحِرْزِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِذِ، لِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ يُبْنَى عَلَى فِعْلِهِ لَكِنْ اعْتَمَدَ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا إذَا تَخَلَّلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ عَدَمَ الْقَطْعِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (إبْقَاءً لِلْحِرْزِ) اعْتَرَضَ الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ عِبَارَةَ الْمَنْهَجِ الْمُوَافِقَةَ لِهَذِهِ بِمَا نَصُّهُ: هَذَا لَيْسَ لَهُ مَعْنًى فِيمَا إذَا تَخَلَّلَتْ الْإِعَادَةُ بَعْدَ الْعِلْمِ، لِأَنَّهُ حِرْزٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَأَيْضًا فَكَيْفَ يُقْطَعُ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمُخْرَجَ ثَانِيًا دُونَ نِصَابٍ فَفِي كَلَامِهِ مُؤَاخَذَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ بَلْ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ يُوهِمُ تَصَوُّرَ إعَادَةِ الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَهُوَ مُحَالٌ اهـ. وَالْمُؤَاخَذَاتُ الثَّلَاثُ وَارِدَةٌ عَلَى الشَّارِحِ كَمَا لَا يَخْفَى. نَعَمْ يُمْكِنُ مَنْعُ مُحَالِيَّةِ الثَّالِثِ لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَبِهَ حِرْزُ الْمَالِكِ بِحِرْزِ غَيْرِهِ فَيُصْلِحَهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ السَّرِقَةَ، وَدُفِعَ قَوْلُهُ: وَأَيْضًا بِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا هُوَ بِمَجْمُوعِ الْمُخْرَجِ ثَانِيًا وَالْمُخْرَجِ أَوَّلًا، لِأَنَّهُمَا سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ وَيُمْكِنُ دَفْعُ الْأَوَّلِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا) بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ قَوْلُهُ: (لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ دُخُولُهُ الْحِرْزَ لِأَخْذِ مِلْكِهِ صَارَ مَا فِيهِ غَيْرَ مُحْرَزٍ بِالنِّسْبَةِ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ سَرَقَ مَعَ مَا اشْتَرَاهُ) أَيْ وَكَانَ دُخُولُهُ بِإِذْنِهِ وَكَانَ قَاصِدًا الشِّرَاءَ، وَإِلَّا قُطِعَ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ) وَكَذَا قَبْلَهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 وَقَبْلَ الْقَبُولِ قُطِعَ فِي الصُّورَتَيْنِ. أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقَبُولَ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْوَصِيَّةِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَا يَحْصُلُ بِالْمَوْتِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ. فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الْقَبُولِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِخِلَافِهِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَبْضِ، وَأَيْضًا الْقَبُولُ وُجِدَ ثَمَّ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا. وَلَوْ سَرَقَ الْمُوصَى بِهِ فَقِيرٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالْوَصِيَّةُ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يُقْطَعْ كَسَرِقَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَهُ الْغَنِيُّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ مَلَكَ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ، أَوْ بَعْضَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ كَشِرَاءٍ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ، أَوْ نَقَصَ فِي الْحِرْزِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلِ بَعْضِهِ، أَوْ غَيْرِهِ، كَإِحْرَاقِهِ لَمْ يُقْطَعْ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ مَا أَخْرَجَ إلَّا مِلْكَهُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الْحِرْزِ نِصَابًا وَلَوْ ادَّعَى السَّارِقُ مِلْكَ الْمَسْرُوقِ أَوْ بَعْضِهِ لَمْ يُقْطَعْ عَلَى النَّصِّ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فَصَارَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقَطْعِ وَيُرْوَى عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمَّاهُ السَّارِقَ الظَّرِيفَ أَيْ الْفَقِيهَ. وَلَوْ سَرَقَ اثْنَانِ مَثَلًا نِصَابَيْنِ وَادَّعَى الْمَسْرُوقَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَهُ أَوْ لَهُمَا فَكَذَّبَهُ الْآخَرُ لَمْ يُقْطَعْ الْمُدَّعِي، لِمَا مَرَّ وَقُطِعَ الْآخَرُ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ نِصَابٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزِ شَرِيكِهِ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَلَا قَطْعَ بِهِ. وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُهُ، لِأَنَّ لَهُ فِي كُلِّ جُزْءٍ حَقًّا شَائِعًا وَذَلِكَ شُبْهَةٌ فَأَشْبَهَ مَنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ. (وَ) السَّادِسُ كَوْنُ السَّارِقِ (لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي مَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ) لِحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» صَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ: كَمَنْ سَرَقَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لَا يَحْصُلُ بِالْمَوْتِ) أَيْ بَلْ بِالْقَبُولِ بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ إلَخْ) الْإِيرَادُ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (كَشِرَاءٍ) كَأَنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فِي شِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ قَبْلَ إخْرَاجِ الْمُوَكِّلِ لَهُ، وَقَوْلُهُ: قَبْلَ إخْرَاجِهِ ظَرْفٌ لِ مَلَكَ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ) أَيْ وَكَذَا بَعْدَهُ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَقَصَ فِي الْحِرْزِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلِ بَعْضِهِ) هَذِهِ تَقَدَّمَتْ بِعَيْنِهَا. وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ كَانَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِغْرَاقُ فِي بَحْرِ الْأُحْدِيَّةِ، فَيَقَعُ مِنْهُ التَّكْرَارُ وَغَيْرُهُ لَا عَنْ قَصْدٍ كَمَا وَقَعَ لِلسَّيِّدِ الدُّسُوقِيِّ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَلِيقُ أَنْ تَقَعَ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (مِلْكَ الْمَسْرُوقِ) أَيْ مِلْكًا سَابِقًا عَلَى السَّرِقَةِ، وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بَلْ أَوْ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ بِكَذِبِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ شَرْحَ م ر. وَهَذَا عَدَّهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ، وَعَدَّ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ مِنْ الْحِيَلِ الْمُبَاحَةِ كَمَا فِي سم. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَلَا بِمَا إذَا ادَّعَى مِلْكَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَائِقًا بِهِ وَكَانَ مِلْكُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ثَابِتًا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا وَهِيَ مِنْ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ بِخِلَافِ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ فِي الزِّنَا فَهِيَ مِنْ الْحِيَلِ الْمُبَاحَةِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ هُنَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجِيَّةِ فَجَوَّزَ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ فِيهِ تَوَصُّلًا إلَى إسْقَاطِ الْحَدِّ اهـ بِحُرُوفِهَا. قَوْلُهُ: (دَارِئَةً) أَيْ مُسْقِطَةً وَادِّعَاؤُهُ الْمِلْكَ لَيْسَ قَيْدًا حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُ سَيِّدِهِ أَوْ مِلْكُ بَعْضِهِ، أَوْ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْحِرْزِ بِإِذْنِهِ، أَوْ أَنَّ الْحِرْزَ مَفْتُوحٌ، أَوْ أَنَّ الْمَسْرُوقَ دُونَ النِّصَابِ، وَإِنْ ثَبَتَ كَذِبُهُ كَمَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَادَّعَى أَنَّهَا حَلِيلَتُهُ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا قَطْعَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا زي. قَوْلُهُ: (السَّارِقَ الظَّرِيفَ) رَوَى أَصْحَابُ الْغَرِيبِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ اللِّصُّ ظَرِيفًا لَمْ يُقْطَعْ أَيْ إذَا كَانَ بَلِيغًا جَيِّدَ الْكَلَامِ يَحْتَجُّ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْهُ. وَالظَّرَافَةُ فِي اللِّسَانِ الْبَلَاغَةُ وَفِي الْوَجْهِ الْحُسْنُ وَفِي الْقَلْبِ الذَّكَاءُ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَهُ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: الْمَسْرُوقَ قَوْلُهُ: (فَكَذَّبَهُ الْآخَرُ) وَقَالَ: بَلْ سَرَقْنَاهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَدَّقَهُ، أَوْ سَكَتَ أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي فَلَا يُقْطَعُ أَيْضًا لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ قَوْلُهُ: (مَالًا مُشْتَرَكًا) خَرَجَ مَا لَوْ سَرَقَ غَيْرَ الْمُشْتَرَكِ فَيُقْطَعُ إنْ دَخَلَ الْحِرْزَ بِقَصْدِ سَرِقَتِهِ فَقَطْ، لِامْتِنَاعِ دُخُولِهِ حِينَئِذٍ وَعِبَارَةُ ق ل هُوَ أَيْ التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي قَطْعَهُ بِمَالِ شَرِيكِهِ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ لَيْسَ فِيهِ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، أَوْ فِيهِ وَدَخَلَ بِقَصْدِ سَرِقَةِ مَالِ شَرِيكِهِ، وَإِلَّا فَلَا وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ) ذَكَرَ أَنَّ الشُّبْهَةَ ثَلَاثَةٌ: شُبْهَةُ الْفَاعِلِ، وَشُبْهَةُ الْمَحَلِّ، وَشُبْهَةُ الْمِلْكِ، وَهَلْ يَأْتِي هُنَا شُبْهَةُ الطَّرِيقِ اُنْظُرْهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ، أَوْ شُبْهَةُ الْفَاعِلِ: كَمَنْ أَخَذَ مَالًا عَلَى صُورَةِ السَّرِقَةِ يَظُنُّ أَنَّهُ مِلْكُهُ، أَوْ مِلْكُ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ، أَوْ شُبْهَةُ الْمَحَلِّ: كَسَرِقَةِ الِابْنِ مَالَ أَحَدِ أُصُولِهِ، أَوْ أَحَدِ الْأُصُولِ مَالَ فَرْعِهِ، وَإِنْ سَفَلَ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِاتِّحَادِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا. كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلِأَنَّ مَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُرْصَدٌ لِحَاجَةِ الْآخَرِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا تُقْطَعَ يَدُهُ بِسَرِقَةِ ذَلِكَ الْمَالِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّارِقُ مِنْهُمَا حُرًّا أَمْ رَقِيقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيّ تَفَقُّهًا مُؤَيِّدًا لَهُ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الرَّقِيقُ أَمَةَ فَرْعِهِ لَمْ يُحَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَلَا قَطْعَ أَيْضًا بِسَرِقَةِ رَقِيقٍ مَالَ سَيِّدِهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلِشُبْهَةِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ، وَيَدُهُ كَيَدِ سَيِّدِهِ وَالْمُبَعَّضُ كَالْقِنِّ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ فَيَصِيرُ كَمَا كَانَ. قَاعِدَةٌ: مَنْ لَا يُقْطَعُ بِمَالٍ لَا يُقْطَعُ بِهِ رَقِيقُهُ فَكَمَا لَا يُقْطَعُ الْأَصْلُ بِسَرِقَةِ مَالِ الْفَرْعِ. وَبِالْعَكْسِ لَا يُقْطَعُ رَقِيقُ أَحَدِهِمَا بِسَرِقَةِ مَالِ الْآخَرِ، وَلَا يُقْطَعُ السَّيِّدُ بِسَرِقَةِ مَالِ مُكَاتَبِهِ لِمَا مَرَّ وَلَا بِمَالٍ مَلَكَهُ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، لِأَنَّ مَا مَلَكَهُ بِالْحُرِّيَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَصَارَ شُبْهَةً   [حاشية البجيرمي] صُورَةِ السَّرِقَةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آخِذٌ لِلشَّيْءِ خِفْيَةً مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ قَوْلُهُ: (أَوْ مِلْكُ أَصْلِهِ، أَوْ فَرْعِهِ) وَفِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِمَا بَيْنَهُمَا) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ فَلَا يُقْطَعُ لِمَا بَيْنَهُمَا إلَخْ قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ حَاجَةِ الْآخَرِ إلَخْ فِي كَوْنِ هَذَا مِنْ الْحَاجَةِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ تُجْعَلَ " مِنْ " تَعْلِيلِيَّةً أَيْ وَمِنْ أَجْلِهَا عَدَمُ قَطْعِ يَدِهِ بِسَرِقَةٍ إلَخْ. وَعِبَارَةُ م د وَمِنْهَا أَيْ وَمِنْ حَاجَةِ الْآخَرِ أَنْ لَا تُقْطَعَ يَدُهُ بِسَرِقَةِ ذَلِكَ الْمَالِ أَيْ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى لَوْ سَرَقَ الْأَخُ مَالَ أَخِيهِ مَثَلًا فَادَّعَى أَنَّهُ مَالُ أَبِيهِ فَلَا يُقْطَعُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْأَبُ كَأَنْ قَالَ لَهُ: لَيْسَ هَذَا مَالِي بَلْ مَالَ أَخِيك اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْهُمَا) أَيْ الْأَصْلِ، أَوْ الْفَرْعِ. قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) هِيَ أَرْبَعَةٌ: أَوَّلُهَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الشَّرْطِ السَّادِسِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلسَّارِقِ شُبْهَةٌ فِي الْمَسْرُوقِ كَمَالِ أَبِيهِ، أَوْ ابْنِهِ فَذَكَرَ مِنْ الشُّبْهَةِ مَا لَوْ سَرَقَ طَعَامًا زَمَنَ قَحْطٍ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ثَمَنِهِ فَلَا يُقْطَعُ لِشُبْهَةِ وُجُوبِ حِفْظِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ. وَثَانِيهَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الشَّرْطِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْأَخْذُ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ فَذَكَرَ أَنَّ مَحَلَّهُ إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ فَإِنْ أُذِنَ لَهُ فَلَا قَطْعَ لِكَوْنِهِ صَارَ غَيْرَ مُحْرَزٍ عَنْهُ. وَثَالِثُهَا يَتَفَرَّعُ عَلَى عُمُومِ أَخْذِ مَا يُسَاوِي نِصَابًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْخَسِيسَ مِنْ حَطَبٍ وَحَشِيشٍ، وَإِنْ تَيَسَّرَ أَخْذُ مِثْلِهِمَا بِسُهُولَةٍ مِنْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ كَصَحْرَاءَ. وَرَابِعُهَا مُفَرَّعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ: أَنْ يَسْرِقَ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ فَذَكَرَ أَنَّ عُمُومَ الْأَدِلَّةِ تَدُلُّ عَلَى شُمُولِ ذَلِكَ لِمَا هُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ كَالْأَطْعِمَةِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَنَحْوِهِمَا م د. فَرْعٌ: إذَا نُبِشَ قَبْرٌ فَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُحْرَزٍ قُطِعَ بِسَرِقَةِ الْكَفَنِ مِنْهُ، وَكَذَا يُقْطَعُ إذَا كَانَ الْقَبْرُ بِمَقْبَرَةٍ بِطَرَفِ الْعِمَارَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَمِنْهُ تُرْبَةُ الْأَزْبَكِيَّةِ، وَتُرْبَةُ الرُّمَيْلَةِ، فَيُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْهُمَا، وَإِنْ اتَّسَعَتْ أَطْرَافُهَا وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَقَعْ السَّرِقَةُ فِي وَقْتٍ يَبْعُدُ شُعُورُ النَّاسِ فِيهِ بِالسَّارِقِ، وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ حِينَئِذٍ اهـ ع ش عَلَى م ر. وَإِنْ كَانَتْ بِمَضْيَعَةٍ فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَعَزَاهُ الْإِمَامُ إلَى جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَلَوْ وُضِعَ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ سِوَى الْكَفَنِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْإِمَامُ: إنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ تَعَلَّقَ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَقَابِرِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا قَطْعَ بِهِ لِلْعَادَةِ بِخِلَافِ الْكَفَنِ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ فِيهِ النَّبَّاشَ وَجَعَلَهُ مُحْرَزًا لِضَرُورَةِ التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ اهـ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَلَا أَثَرَ لِإِخْرَاجِ الْكَفَنِ الشَّرْعِيِّ مِنْ اللَّحْدِ إلَى فَضَاءِ الْقَبْرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ تَمَامِ الْحِرْزِ وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ اشْتِرَاطَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْقَبْرِ وَالْمَيِّتِ مُحْتَرَمًا لِيَخْرُجَ قَبْرٌ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، وَمَيِّتٌ حَرْبِيٌّ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا مِنْ حَمَّامٍ وَهُنَاكَ حَارِسٌ قُطِعَ بِشُرُوطٍ: الْأَوَّلُ اسْتِحْفَاظُهُ الْحَارِسَ. الثَّانِي دُخُولُ السَّارِقِ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ فَإِنْ دَخَلَ عَلَى الْعَادَةِ وَسَرَقَ لَمْ يُقْطَعْ، الثَّالِثُ أَنْ يُخْرِجَ السَّارِقُ الثِّيَابَ مِنْ الْحَمَّامِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ اهـ سم. وَهُوَ أَيْ الْكَفَنُ كَالْعَارِيَّةِ لِلْمَيِّتِ، لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَهُوَ مِلْكٌ لِمَنْ كَفَّنَهُ مِنْ وَارِثٍ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ. فَيُخَاصِمُ مُكَفِّنُهُ سَارِقَهُ فَإِنْ كُفِّنَ مِنْ التَّرِكَةِ خَاصَمَهُ الْوَرَثَةُ وَاقْتَسَمُوهُ أَوْ مِنْ مَالٍ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ سَيِّدٍ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ خَاصَمَهُ الْمَالِكُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَالْإِمَامُ فِي الثَّالِثَةِ وَمَتَى ضَاعَ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَجَبَ إبْدَالُهُ مِنْهَا فَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 فُرُوعٌ: لَوْ سَرَقَ طَعَامًا زَمَنَ الْقَحْطِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لَمْ يُقْطَعْ وَكَذَا مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ إلَى دَارٍ، أَوْ حَانُوتٍ لِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَسَرَقَ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ حَطَبٍ وَحَشِيشٍ وَنَحْوِهِمَا: كَصَيْدٍ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهَا مُبَاحَةَ الْأَصْلِ. وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مُعَرَّضٍ لِلتَّلَفِ كَهَرِيسَةٍ وَفَوَاكِهَ، وَبُقُولٍ لِذَلِكَ وَبِمَاءٍ وَتُرَابٍ وَمُصْحَفٍ وَكُتُبِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَكُتُبِ شِعْرٍ نَافِعٍ مُبَاحٍ لِمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَافِعًا مُبَاحًا قُوِّمَ الْوَرَقُ وَالْجِلْدُ فَإِنْ بَلَغَا نِصَابًا قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا. وَالسَّابِعُ كَوْنُهُ مُخْتَارًا فَلَا يُقْطَعُ الْمُكْرَهُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى السَّرِقَةِ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يُقْطَعُ الْمُكْرِهُ بِكَسْرِهَا أَيْضًا نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ بِالْفَتْحِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لِعُجْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا قُطِعَ الْمُكْرِهُ لَهُ. وَالثَّامِنُ كَوْنُهُ مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ فَلَا يُقْطَعُ حَرْبِيٌّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ بِمَالِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ. أَمَّا قَطْعُ الْمُسْلِمِ بِمَالِ الْمُسْلِمِ فَبِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا قَطْعُهُ بِمَالِ الذِّمِّيِّ فَعَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ بِذِمَّتِهِ. وَلَا يُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ بِمَالِ مُعَاهَدٍ وَمُؤَمَّنٍ كَمَا لَا يُقْطَعُ الْمُعَاهَدُ وَالْمُؤَمَّنُ بِسَرِقَةِ مَالِ ذِمِّيٍّ، أَوْ مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ فَأَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ. وَالتَّاسِعُ كَوْنُهُ مُحْتَرَمًا   [حاشية البجيرمي] قُسِمَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ. اهـ. زي. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ثَمَنِهِ قَوْلُهُ: (بِسَرِقَةِ حَطَبٍ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ حِيَازَتِهِمَا، أَوْ كَانَا فِي صَحْرَاءَ مُحْرَزَةٍ بِحَارِسٍ وَكَذَا الثِّمَارُ عَلَى الْأَشْجَارِ إنْ كَانَ لَهَا حَارِسٌ، وَأَمَّا نَفْسُ الْأَشْجَارِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْبُيُوتِ كَانَتْ مُحْرَزَةً، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ حَارِسٍ. قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ قَوْلُهُ: (وَبِمَاءٍ وَتُرَابٍ) وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَاءٍ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ وَعَلَيْهِ الْغُرْمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءِ وَالنَّارِ وَالْكَلَأِ» قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيُحَرَّمُ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْمُزَاحِ، لِأَنَّ فِيهِ تَرْوِيعًا لِقَلْبِهِ. اهـ. سم وح ل. وَتَرَدَّدَ الزَّرْكَشِيّ فِي سَرِقَةِ مُصْحَفٍ مَوْقُوفٍ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْقَطْعِ وَلَوْ غَيْرَ قَارِئٍ لِشُبْهَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِالِاسْتِمَاعِ لِلْقَارِئِ فِيهِ كَقَنَادِيلِ الْإِسْرَاجِ اهـ. شَرْحَ ابْنِ حَجَرٍ وَقَنَادِيلُ جَمْعُ قِنْدِيلٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ مَعْرُوفٌ، وَوَزْنُهُ فِعْلِيلٌ لَا فِنْعِيلٌ وَفَتْحُ الْقَافِ لَحْنٌ مَشْهُورٌ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ نَعَمْ يُقْطَعُ إنْ أَكْرَهَ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ الطَّاعَةَ وَكَذَا وَلَوْ نَقَبَ الْحِرْزَ، ثُمَّ أَمَرَ صَبِيًّا غَيْرَ مُمَيِّزٍ، أَوْ نَحْوَهُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ فَأَخْرَجَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ الْآمِرُ أَيْضًا فَإِنْ أَمَرَ مُمَيِّزًا، أَوْ قِرْدًا بِهِ فَلَا قَطْعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ آلَةً لَهُ وَلِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا. فَإِنْ قُلْت: لَوْ عَلَّمَهُ الْقَتْلَ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فَهَلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ هُنَا؟ قُلْتُ: أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ السَّبَبِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ، ثُمَّ إنَّ الْقِرْدَ مِثَالٌ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ حَيَوَانٍ مُعَلَّمٍ. وَلَوْ عَزَّمَ عَلَى عِفْرِيتٍ فَأَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ هَلْ يُقْطَعُ، أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي كَمَا لَوْ أَكْرَهَ بَالِغًا مُمَيِّزًا عَلَى الْإِخْرَاجِ فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ. ثُمَّ رَأَيْتُ لِلدَّمِيرِيِّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْكُبْرَى مَا نَصُّهُ: لَوْ عَلَّمَ قِرْدَهُ النُّزُولَ إلَى الدَّارِ، وَإِخْرَاجَ الْمَتَاعِ مِنْهَا ثُمَّ نَقَبَ وَأَرْسَلَ الْقِرْدَ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ، لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا قِرْدًا فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهَا مَا عَلَى وَاطِئِ الْبَهِيمَةِ فَتُعَزَّرُ فِي الْأَصَحِّ وَتُحَدُّ فِي قَوْلٍ، وَتُقْتَلُ فِي قَوْلٍ. قَوْلُهُ: (وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ بِمَالِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) صُوَرُهُ أَرْبَعٌ وَالْأَظْهَرُ قَطْعُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ أَيْ بِسَرِقَةِ مَالِهِ الْمُحْرَزِ عَنْهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَشُبْهَةُ اسْتِحْقَاقِهَا النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ فِي مَالِهِ لَا أَثَرَ لَهُ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ مَحْدُودَةٌ وَبِهِ فَارَقَتْ الْمُبَعَّضَ وَالْقِنَّ وَأَيْضًا فَالْفَرْضُ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَإِنَّ فُرِضَ أَنَّ لَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَالَ السَّرِقَةِ وَأَخَذَتْهُ بِقَصْدِ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ تُقْطَعْ كَدَائِنٍ سَرَقَ مَالَ مَدِينِهِ بِقَصْدِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ شُرُوطُ الظَّفَرِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَلَوْ ادَّعَى جُحُودَ مَدْيُونِهِ أَوْ مُمَاطَلَتَهُ صُدِّقَ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ. اهـ. شَرْحَ م ر. وَقَوْلُهُ: " الْمُحْرَزِ عَنْهُ " أَيْ بِأَنْ يَكُونَ فِي بَيْتٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي هُمَا فِيهِ أَمَّا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَلَا قَطْعَ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي الصُّنْدُوقِ يُقْفَلُ مَثَلًا وَأَخَذَهُ بِالْمَالِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ أَيْ فَلَا قَطْعَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ بِالنِّسْبَةِ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَتَحَ الصُّنْدُوقَ وَأَخَذَ مِنْهُ نِصَابًا فَيُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ الصُّنْدُوقَ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ فَمَحَلُّ كَوْنِهِ لَا يُقْطَعُ بِالصُّنْدُوقِ إذَا كَانَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ إذَا أَخَذَ الصُّنْدُوقَ بِاَلَّذِي فِيهِ مِنْ غَيْرِ فَتْحٍ. قَوْلُهُ: (فَأَشْبَهَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمُعَاهَدِ وَالْمُؤَمَّنِ. اهـ. قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ مُحْتَرَمًا) أَيْ مَالًا مُحْتَرَمًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: وَلَوْ مُحْتَرَمَةً إلَخْ قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 فَلَوْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ خَمْرًا وَلَوْ مُحْتَرَمَةً وَخِنْزِيرًا وَكَلْبًا، وَلَوْ مُقْتَنًى، وَجِلْدَ مَيِّتٍ بِلَا دَبْغٍ فَلَا قَطْعَ، لِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ بِمَالٍ أَمَّا الْمَدْبُوغُ فَيُقْطَعُ بِهِ حَتَّى لَوْ دَبَغَهُ السَّارِقُ فِي الْحِرْزِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابَ سَرِقَةٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا دَبَغَهُ الْغَاصِبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمِثْلُهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا بَعْدَ وَضْعِ السَّارِقِ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ فَإِنْ بَلَغَ إنَاءُ الْخَمْرِ نِصَابًا قُطِعَ بِهِ، لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ كَمَا إذَا سَرَقَ إنَاءً فِيهِ بَوْلٌ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِاتِّفَاقٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. هَذَا إذَا قَصَدَ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ السَّرِقَةَ أَمَّا إذَا قَصَدَ تَغْيِيرَهَا بِدُخُولِهِ أَوْ بِإِخْرَاجِهَا فَلَا قَطْعَ وَسَوَاءٌ أَخْرَجَهَا فِي الْأُولَى، أَوْ دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضِ فِيهِمَا وَكَلَامِ أَصْلِهِ فِي الثَّانِيَةِ. وَلَا قَطْعَ فِي أَخْذِ مَا سَلَّطَ الشَّرْعُ عَلَى كَسْرِهِ كَمِزْمَارٍ، وَصَنَمٍ وَصَلِيبٍ وَطُنْبُورٍ، لِأَنَّ التَّوَصُّلَ إلَى إزَالَةِ الْمَعْصِيَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَصَارَ شُبْهَةً كَإِرَاقَةِ الْخَمْرِ، فَإِنْ بَلَغَ مُكَسَّرُهُ نِصَابًا قُطِعَ، لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ، هَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّغْيِيرَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَإِنْ قَصَدَ بِإِخْرَاجِهِ تَيَسُّرَ تَغْيِيرٍ فَلَا قَطْعَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِمُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ الْكُتُبِ إذَا كَانَ الْجِلْدُ وَالْقِرْطَاسُ يَبْلُغُ نِصَابًا وَبِسَرِقَةِ إنَاءِ النَّقْدِ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إلَّا إنْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ لِيُشْهِرَهُ بِالْكَسْرِ وَلَوْ كَسَرَ إنَاءَ الْخَمْرِ وَالطُّنْبُورَ وَنَحْوَهُ، أَوْ إنَاءَ النَّقْدِ فِي الْحِرْزِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ إنْ بَلَغَ نِصَابًا كَحُكْمِ الصَّحِيحِ. وَالْعَاشِرُ كَوْنُ الْمِلْكِ فِي النِّصَابِ تَامًّا قَوِيًّا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فَلَا يُقْطَعُ   [حاشية البجيرمي] بَعْضُهُمْ: وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذَا الشَّرْطِ؛ إذْ هُوَ خَارِجٌ بِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ: نِصَابًا؛ إذْ هُوَ لَا يَكُونُ إلَّا مَالًا. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَخْرَجَ) لَمْ يَقُلْ سَرَقَ لِأَنَّ أَخْذُ مَا ذُكِرَ لَا يُسَمَّى سَرِقَةً لِأَنَّهَا أَخْذُ الْمَالِ إلَخْ وَهَذَا لَا يُسَمَّى مَالًا. قَوْلُهُ: (وَجِلْدَ مَيِّتٍ) الَّذِي بِخَطِّهِ مَيْتَةٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَلَغَ إنَاءُ الْخَمْرِ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَهَذَا إنْ لَمْ يَبْلُغْ إنَاءُ الْخَمْرِ نِصَابًا. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ كَوْنُهُ يُقْطَعُ بِإِنَاءِ الْخَمْرِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا قَصَدَ تَغْيِيرَهَا) أَيْ بِالْإِرَاقَةِ قَوْلُهُ: بِدُخُولِهِ أَيْ لِلْحِرْزِ. قَوْلُهُ: (فِي الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ: إذَا قَصَدَ تَغْيِيرَهَا بِدُخُولِهِ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ قَوْلُهُ: أَوْ بِإِخْرَاجِهَا، وَقَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ: بِقَصْدِ السَّرِقَةِ أَمْ لَا مُتَعَلِّقٌ بِإِخْرَاجِهَا. وَبِقَوْلِهِ: أَوْ دَخَلَ عَلَى وَجْهِ التَّنَازُعِ. قَوْلُهُ: (وَطُنْبُورٍ) هُوَ بِالضَّمِّ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالطِّنْبَارُ بِالْكَسْرِ لُغَةٌ فِيهِ. اهـ. مُخْتَارٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَلَغَ مُكَسَّرُهُ) الْمُرَادُ بِمُكَسَّرِهِ خَشَبُهُ وَأَجْزَاؤُهُ مِنْ الْحِبَالِ عَلَى فَرْضِ لَوْ فُصِلَتْ وَأُزِيلَتْ صُورَتُهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكَسْرَ الْحَقِيقِيَّ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ مَحَلُّ كَوْنِهِ يُقْطَعُ بِمُكَسَّرِهِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا قَوْلُهُ: (مَا لَا يَحِلُّ) لَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ بَلَى هُوَ أَعَمُّ، لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ خَاصٌّ بِالشِّعْرِ الْمُحَرَّمِ وَمَا هُنَا أَعَمُّ مِنْ الشِّعْرِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْقِرْطَاسُ) أَيْ الْوَرَقُ. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّقْوِيمِ الْمُبَاحِ وَالْمُحَرَّمِ أَنَّ الْمُبَاحَ يُقَوَّمُ بِهَيْئَتِهِ مَكْتُوبًا مَعَ الْجِلْدِ وَالْمُحَرَّمَ يُقَوَّمُ الْوَرَقُ بِفَرْضِ كَوْنِهِ أَبْيَضَ مِنْ غَيْرِ كِتَابَةٍ. قَوْلُهُ: (يَبْلُغُ نِصَابًا) هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ فَهُوَ مُكَرَّرٌ. قَوْلُهُ: (لِيُشْهِرَهُ بِالْكَسْرِ) أَيْ لِيُشْهِرَ كَسْرَهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَالَ م د: أَيْ لِيُنْظَرَ إلَيْهِ فِي إزَالَةِ الْمُنْكَرِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَسَرَ إنَاءَ الْخَمْرِ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مَا تَقَدَّمَ إذَا سَرَقَهَا صَحِيحَةً فَإِنْ كَسَرَهَا قَبْلَ إخْرَاجِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَكَذَلِكَ. أَيْ إنْ بَلَغَ نِصَابًا قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا كَحُكْمِ الصَّحِيحِ وَمَحَلُّ الْقَطْعِ فِي الْجَمِيعِ مَا لَمْ يَقْصِدْ إزَالَةَ الْمَعْصِيَةِ سَوَاءٌ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ، وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ قَوْلُهُ: (وَالطُّنْبُورَ وَنَحْوَهُ) أَيْ كَالْمِزْمَارِ وَالصَّنَمِ وَالصَّلِيبِ كَحُكْمِ الصَّحِيحِ أَيْ كَحُكْمِ الْإِنَاءِ الصَّحِيحِ إذَا سَرَقَهُ لَا بِقَصْدِ التَّغْيِيرِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (أَوْ إنَاءَ النَّقْدِ) وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِهَيْئَتِهِ وَصُورَتِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آلَاتِ الْمَلَاهِي أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ لِعَارِضٍ دُونَ تِلْكَ وَلِهَذَا لَا تُبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. قَوْلُهُ: (وَالْعَاشِرُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا الشَّرْطِ وَمَا أَخْرَجَهُ بِهِ يَخْرُجُ بِالشَّرْطِ السَّادِسِ وَهُوَ عَدَمُ الشُّبْهَةِ وَأَيْضًا فَمَا مَعْنَى كَوْنِ الْمِلْكِ تَامًّا قَوِيًّا وَمَا مَعْنَى كَوْنِ الْمِلْكِ غَيْرَ تَامٍّ، وَغَيْرَ قَوِيٍّ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي أَخْرَجَهَا. إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ: بِالْمِلْكِ التَّامِّ الْقَوِيِّ أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُ مُعَيَّنًا سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمِلْكِ فِيمَا أَخْرَجَهُ غَيْرَ تَامٍّ إلَخْ أَنَّ الْحَقَّ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ دُونَ آخَرَ وَالتَّعْبِيرُ بِالْمِلْكِ فِيهِ نَوْعُ مُسَامَحَةٍ، لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْقَاقُ انْتِفَاعٍ. قَوْلُهُ: (تَامًّا قَوِيًّا) يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَمْلِكُونَ حُصُرَ الْمَسْجِدِ وَنَحْوَهَا مِلْكًا ضَعِيفًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ إذْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 مُسْلِمٌ بِسَرِقَةِ حُصُرِ الْمَسْجِدِ الْمُعَدَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ. وَلَا سَائِرِ مَا يُفْرَشُ فِيهِ وَلَا قَنَادِيلَ تُسْرَجُ فِيهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُ فِيهِ حَقٌّ كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَخَرَجَ بِالْمُعَدَّةِ حُصُرُ الزِّينَةِ فَيُقْطَعُ فِيهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَبِالْمُسْلِمِ الذِّمِّيُّ فَيُقْطَعُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَلَاطُ الْمَسْجِدِ كَحُصُرِهِ الْمُعَدَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ وَيُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ بَابِ الْمَسْجِدِ وَجِذْعِهِ وَتَأْزِيرِهِ وَسَوَارِيهِ وَسُقُوفِهِ وَقَنَادِيلِ زِينَةٍ فِيهِ، لِأَنَّ الْبَابَ لِلتَّحْصِينِ وَالْجِذْعَ وَنَحْوَهُ لِلْعِمَارَةِ وَلِعَدَمِ الشُّبْهَةِ فِي الْقَنَادِيلِ وَيَلْحَقُ بِهَذَا سِتْرُ الْكَعْبَةِ إنْ خِيطَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُحْرَزٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سِتْرُ الْمِنْبَرِ كَذَلِكَ إنْ خِيطَ عَلَيْهِ وَلَوْ سَرَقَ الْمُسْلِمُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا نُظِرَ إنْ أُفْرِزَ لِطَائِفَةٍ كَذَوِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينِ وَكَانَ مِنْهُمْ، أَوْ أَصْلُهُ، أَوْ فَرْعُهُ، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ أُفْرِزَ لِطَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ وَلَا أَصْلُهُ وَلَا فَرْعُهُ قُطِعَ؛ إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُفْرَزُ لِطَائِفَةٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ   [حاشية البجيرمي] الثَّابِتُ لَهُمْ الِاخْتِصَاصُ لَا الْمِلْكُ فَفِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ وَقَدْ يُقَالُ قَوْلُهُ: تَامًّا قَوِيًّا أَيْ بِأَنْ يَخْتَصَّ بِهِ مُعَيَّنٌ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُقْطَعُ مُسْلِمٌ) يُتَأَمَّلُ تَفْرِيعُهُ عَلَى كَوْنِ الْمِلْكِ تَامًّا قَوِيًّا فَقَدْ يُقَالُ: مَا مَعْنَى كَوْنِ الْمِلْكِ فِي هَذَا غَيْرَ تَامٍّ وَغَيْرَ قَوِيٍّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ حَقٌّ مِمَّا هُوَ مَمْلُوكٌ فَمِلْكُهُ غَيْرُ تَامٍّ وَغَيْرُ قَوِيٍّ فَالْمُرَادُ بِالْقَوِيِّ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ مُعَيَّنٌ. اهـ. م د. وَعَلَى كُلٍّ فَفِيهِ تَسَاهُلٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِشَرْطِ عَدَمِ الشُّبْهَةِ لِلسَّارِقِ وَمَا ذَكَرَ فِيهِ لَهُ شُبْهَةٌ. قَوْلُهُ: (حُصُرِ الْمَسْجِدِ) أَيْ إذَا كَانَ عَامًّا أَمَّا إذَا كَانَ خَاصًّا بِجَمَاعَةٍ فَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ يُفَصَّلُ فِيهِمْ التَّفْصِيلُ الَّذِي فِي الشَّارِحِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَيُقْطَعُ مُطْلَقًا م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا سَائِرِ مَا يُفْرَشُ فِيهِ) كَالْبِسَاطَاتِ وَالسَّجَّادَاتِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ كَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ. وَقَوْلُهُ: الْمُعَدَّةِ لِلزِّينَةِ. اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْمُعَدَّةِ لِلزِّينَةِ فَإِنَّ الْحُصُرَ إذَا فُرِشَتْ وَلَوْ يَوْمَ الْعِيدِ فَهِيَ مُعَدَّةٌ لِلِاسْتِعْمَالِ. فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا حُصُرٌ، أَوْ سَجَّادَاتٌ تُعَلَّقُ عَلَى الْحِيطَانِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لِلزِّينَةِ، لِأَنَّهُ لَا اسْتِعْمَالَ حِينَئِذٍ. اهـ، وَمِثْلُ الْحُصُرِ الْمِنْبَرُ، وَالدِّكَّةُ وَكُرْسِيُّ الْوَاعِظِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّارِقُ خَطِيبًا وَلَا وَاعِظًا وَلَا مُؤَذِّنًا وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ بَكَرَةِ بِئْرٍ مُسَبَّلَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ أَبْوَابُ الْأَخْلِيَةِ، لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ لِلسَّتْرِ بِهَا، عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ بِقَدْرِ رُبُعِ دِينَارٍ كَمَا فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (حُصُرُ الزِّينَةِ) وَهِيَ الَّتِي تُفْرَشُ فِي الْأَعْيَادِ وَنَحْوِهَا كَالْجُمَعِ، شَيْخُنَا، خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهَا بِاَلَّتِي تُبْسَطُ عَلَى الْحِيطَانِ. قَوْلُهُ: (وَبِالْمُسْلِمِ الذِّمِّيُّ) وَكَذَا مُسْلِمٌ لَا يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهَا بِأَنْ اُخْتُصَّتْ بِطَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ زي وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر. قَالَ ع ش عَلَيْهِ: وَلَيْسَ مِنْهُ أَرْوِقَةُ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ فَإِنَّ الِاخْتِصَاصَ بِمَنْ فِيهَا عَارِضٌ؛ إذْ أَصْلُ الْمَسْجِدِ، إنَّمَا وُقِفَ لِلصَّلَاةِ وَالْمُجَاوَرَةُ بِهِ مِنْ أَصْلِهَا طَارِئَةٌ. قَوْلُهُ: (فَيُقْطَعُ) وَأَمَّا سَرِقَتُهُ مِنْ كَنَائِسِهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ تَفْصِيلُ الْمُسْلِمِ فِي سَرِقَتِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بَلَاطُ الْمَسْجِدِ) وَرُخَامُهُ. الَّذِي فِي أَرْضِهِ أَمَّا مَا فِي جِدَارِهِ فَيُقْطَعُ بِهِ وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْبَوَّابِ أَمَّا هُوَ فَلَا يُقْطَعُ أَصْلًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ الْمُجَاوِرُونَ فِيهِ. قَوْلُهُ: " (بَابِ الْمَسْجِدِ) وَيَلْحَقُ بِهِ سِتْرُ الْكَعْبَةِ " فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ إنْ خِيطَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُحْرَزٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سِتْرُ الْمِنْبَرِ كَذَلِكَ، إنْ خِيطَ عَلَيْهِ وَكَذَا يُقَالُ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي سِتْرِ الْأَوْلِيَاءِ اهـ. شَرْحَ م ر وع ش وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (وَجِذْعِهِ) أَيْ مَا يُعْمَرُ عَلَيْهِ بِأَنْ يُجْعَلَ السَّقْفُ عَلَيْهِ وَكَذَا السُّقُوفُ فَيُقْطَعُ بِهَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْصَدُ بِوَضْعِهَا صِيَانَتُهُ لِانْتِفَاعِ النَّاسِ فَلَوْ جُعِلَ فِيهِ نَحْوُ سَقِيفَةٍ بِقَصْدِ وِقَايَةِ النَّاسِ مِنْ نَحْوِ الْبَرْدِ فَلَا قَطْعَ وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُغَطَّى بِهِ نَحْوُ فَتْحَةٍ فِي سَقْفِهِ لِدَفْعِ نَحْوِ الْبَرْدِ الْحَاصِلِ مِنْهَا عَلَى النَّاسِ. اهـ. م ر شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (وَتَأْزِيرِهِ) هُوَ مَا يُعْمَلُ فِي أَسْفَلِ الْجِدَارِ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ. اهـ. شَيْخُنَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ أَزَّرْت الْحَائِطَ تَأْزِيرًا جَعَلْت لَهُ مَنْ أَسْفَلِهِ كَالْإِزَارِ. قَوْلُهُ: (وَسَوَارِيهِ) أَيْ عَوَامِيدِهِ، وَ " قَنَادِيلِ " زِينَةٍ " بِالْإِضَافَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ لِتَحْصِينِ الْمَسْجِدِ وَحِفْظِهِ كَأَبْوَابِهِ وَسَقْفِهِ وَمَا كَانَ لِلزِّينَةِ يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ وَمَا يُنْتَفَعُ بِهِ لَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ وَمِثْلُ قَنَادِيلِ الزِّينَةِ مَا هِيَ مُعَلَّقَةٌ بِهِ مِنْ نَحْوِ سِلْسِلَةٍ ح ل. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سِتْرُ الْمِنْبَرِ) وَكَذَا سَجَّادَةُ الْإِمَامِ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ اهـ خ ض قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُفْرَزْ لِطَائِفَةٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ لِطَائِفَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 فِي الْمَسْرُوقِ كَمَالِ الْمَصَالِحِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فَقِيرًا أَمْ غَنِيًّا وَكَصَدَقَةٍ وَهُوَ فَقِيرٌ أَوْ غَارِمٌ لِذَاتِ الْبَيْنِ أَوْ غَازٍ فَلَا يُقْطَعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ لَهُ حَقًّا، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا كَمَا مَرَّ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُصْرَفُ فِي عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالْقَنَاطِرِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. لِأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِهِمْ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ يُقْطَعُ بِذَلِكَ وَلَا نَظَرَ إلَى إنْفَاقِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ كَمَا يُنْفَقُ عَلَى الْمُضْطَرِّ بِشَرْطِ الضَّمَانِ وَانْتِفَاعُهُ بِالْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ بِالتَّبَعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَاطِنٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا لِاخْتِصَاصِهِ بِحَقٍّ فِيهَا. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِاسْتِحْقَاقِهِ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ. فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ إلَّا إذَا كَانَ غَازِيًا، أَوْ غَارِمًا لِذَاتِ الْبَيْنِ فَلَا يُقْطَعُ لِمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ قُطِعَ لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ. فَرْعٌ: لَوْ سَرَقَ شَخْصٌ الْمُصْحَفَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَمْ يُقْطَعْ إذَا كَانَ قَارِئًا، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا. وَكَذَا إنْ كَانَ غَيْرَ قَارِئٍ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَعَلَّمَ مِنْهُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: أَوْ يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لِاسْتِمَاعِ الْحَاضِرِينَ وَيُقْطَعُ بِمَوْقُوفٍ عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَالٌ مُحْرَزٌ وَلَوْ سَرَقَ مَالًا مَوْقُوفًا عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ، أَوْ عَلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ ذِمِّيًّا، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِينَ. تَنْبِيهٌ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ الرُّكْنَ الثَّالِثَ، وَهُوَ السَّرِقَةُ وَهِيَ أَخْذُ الْمَالِ خِفْيَةً كَمَا مَرَّ. وَحِينَئِذٍ لَا يُقْطَعُ مُخْتَلِسٌ وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ الْهَرَبَ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ مَعَ مُعَايَنَةِ الْمَالِكِ وَلَا مُنْتَهِبٌ وَهُوَ مَنْ يَأْخُذُ عِيَانًا مُعْتَمِدًا عَلَى الْقُوَّةِ وَالْغَلَبَةِ وَلَا مُنْكِرُ وَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ لِحَدِيثِ: «لَيْسَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ وَالْمُنْتَهِبِ وَالْخَائِنِ قَطْعٌ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفَرَّقَ مِنْ   [حاشية البجيرمي] مُعَيَّنَةٍ، وَإِلَّا فَهُوَ مُفْرَزٌ مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (كَمَالِ الْمَصَالِحِ) هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ: (وَكَصَدَقَةٍ) أَيْ وَاجِبَةٍ وَهِيَ الزَّكَاةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: أَوْ غَارِمٌ لِذَاتِ الْبَيْنِ أَوْ غَازٍ، لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الزَّكَاةِ لَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ. قَوْلُهُ: (يُقْطَعُ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَيْتِ الْمَالِ قَوْلُهُ: (وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ) أَيْ، لِأَنَّهُ إذَا أَيْسَرَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِالتَّبَعِيَّةِ) أَيْ فَلَا نَظَرَ إلَيْهِ فِي رَفْعِ الْحَدِّ، وَهَلْ يُشْكِلُ بِمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ سَرَقَ مَالًا مَوْقُوفًا عَلَى الْوُجُوهِ الْعَامَّةِ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ ذِمِّيًّا لِلتَّبَعِيَّةِ، أَوْ لَا؟ وَيُفَرَّقُ بِقُوَّةِ التَّبَعِيَّةِ، ثُمَّ بِاعْتِبَارِ وَقْفِهِ عَلَى نَفْسِ الْجِهَةِ الَّتِي بِهَا انْتِفَاعُ التَّابِعِ وَالْمَتْبُوعِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَصَّ بِتِلْكَ الْجِهَةِ بَلْ لَمَّا كَانَ قَدْ يُصْرَفُ فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ كَانَ شُبْهَةً لَهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ لِضَعْفِ الشُّبْهَةِ بِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ فِي الصَّرْفِ لِمَا بِهِ الِانْتِفَاعُ اهـ. وَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ الْفَرْقَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ ضَعِيفَةٌ وَالتَّبَعِيَّةَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ قَوِيَّةٌ لِتَعَيُّنِ هَذَا لِجِهَةِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ مَالِ الْمَصَالِحِ. اهـ. م د قَوْلُهُ: (وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ) وَهِيَ الصَّدَقَةُ أَيْ الزَّكَاةُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُقْطَعُ لِمَا مَرَّ) أَيْ لِاسْتِحْقَاقِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَالِ الْمَصَالِحِ فَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ لَهُ فِيهِ حَقٌّ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُمَا حَتَّى يُخْرِجَهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ أَخْرَجْنَا بِهِ الذِّمِّيَّ فَذَكَرَهُ الشَّارِحُ سَابِقًا، وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْغَنِيَّ. فَقَدْ أَخْرَجَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ عَدَمُ ذِكْرِهِ حِينَئِذٍ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الذِّمِّيُّ، لِأَنَّ الشَّارِحَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَيْ وَكَانَ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ مَالِ الْمَصَالِحِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيُقْطَعُ بِمَوْقُوفٍ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ مِمَّنْ لَيْسَ نَحْوَ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَلَا مُشَارِكًا لَهُ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْوَقْفِ؛ إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ حِينَئِذٍ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (مَوْقُوفًا عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ) كَطَاسَةِ السَّبِيلِ قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ) كَمَرْكَبٍ مَوْقُوفٍ عَلَى مَنْ رَكِبَهَا قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِينَ) لَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي سَرِقَةِ بَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ يُقْطَعُ بِهِ الذِّمِّيُّ وَلَا نَظَرَ لِلصَّرْفِ مِنْهُ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا تَبَعًا لِتَعَيُّنِ هَذَا لِلْمَصَالِحِ فَقَوِيَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ بِخِلَافِ ذَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مُخْتَلِسٌ) أَيْ مُخْتَطِفٌ ح ل. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَنْ يَأْخُذُ عِيَانًا إلَخْ) وَمَا قِيلَ: مِنْ أَنَّ تَفْسِيرَ الْمُنْتَهِبِ يَشْمَلُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يُخْرِجُهُ يُرَدُّ بِأَنَّ لِلْقَاطِعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 حَيْثُ الْمَعْنَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّارِقِ بِأَنَّ السَّارِقَ يَأْخُذُ الْمَالَ خِفْيَةً وَلَا يَتَأَتَّى مَنْعُهُ فَشُرِعَ الْقَطْعُ زَجْرًا لَهُ، وَهَؤُلَاءِ يَقْصِدُونَهُ عِيَانًا فَيُمْكِنُ مَنْعُهُمْ بِالسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ. كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَلَعَلَّ هَذَا حُكْمٌ عَلَى الْأَغْلَبِ، وَإِلَّا فَالْجَاحِدُ لَا يَقْصِدُ الْأَخْذَ عِنْدَ جُحُودِهِ عِيَانًا فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ بِسُلْطَانٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَفُرُوعُ الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَمَحَلُّ ذِكْرِهَا الْمَبْسُوطَاتُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ لِقَارِئِ هَذَا الْكِتَابِ. (وَتُقْطَعُ يَدُهُ) أَيْ السَّارِقِ (الْيُمْنَى) قَالَ تَعَالَى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَقُرِئَ شَاذًّا   [حاشية البجيرمي] شُرُوطًا يَتَمَيَّزُ بِهَا فَلَمْ يَشْمَلْهُ الْإِطْلَاقُ شَرْحَ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا مُنْكِرُ وَدِيعَةٍ إلَخْ) خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْقَطْعِ بِالْعَارِيَّةِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (وَتُقْطَعُ يَدُهُ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ وَالشُّبْهَةِ الْمُسْقِطَةِ لَهُ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى السَّرِقَةِ وَهُوَ الْقَطْعُ فَقَالَ: وَتُقْطَعُ يَدُهُ إلَخْ أَيْ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ الْمَالَ وَثُبُوتِ السَّرِقَةِ بِشُرُوطِهَا، وَإِلَّا قُطِعَ فِي الْحَالِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الْمَالِ فَيَسْقُطَ الْقَطْعُ، أَوْ يُقِرَّ الْمَالِكُ بِأَنَّ الْمَالَ لِلسَّارِقِ فَيَسْقُطَ أَيْضًا وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّارِقُ وَالْقَاطِعُ الْإِمَامُ، أَوْ السَّيِّدُ إنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ حُرًّا فَالْإِمَامُ فَقَطْ، أَوْ نَائِبُهُ. وَلَا يَجُوزُ الْإِذْنُ لِعَدُوِّ الْجَانِي لِئَلَّا يُعَذِّبَهُ وَلَا لِكَافِرٍ فِي مُسْلِمٍ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ نَفْسِهِ فِي قَتْلٍ وَقَطْعٍ وَلَوْ فِي سَرِقَةٍ لَا فِي جَلْدٍ وَنَحْوِهِ لِاتِّهَامِ عَدَمِ إيلَامِ نَفْسِهِ، وَلَا يَأْثَمُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ هُنَا كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَبِهِ يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا شَخْصٌ قَتَلَ نَفْسَهُ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ. فَافْهَمْ، فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا اُنْتُظِرَ كَمَالُهُمَا لِأَنَّهُمَا رُبَّمَا أَبَاحَا لَهُ ذَلِكَ بَعْدُ فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ اهـ أج وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَلَا قَطْعَ إلَّا بِطَلَبٍ مِنْ مَالِكٍ فَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ لِغَائِبٍ أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ، أَوْ لِسَفِيهٍ فِيمَا يَظْهَرُ لَمْ يُقْطَعْ حَالًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَانَ لَهُ، أَوْ أَقَرَّ بِزِنًا بِأَمَتِهِ أَيْ الْغَائِبِ حُدَّ حَالًا، لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّلَبِ اهـ. وَقَوْلُهُ: إلَّا بِطَلَبٍ لِلْمَالِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَثُبُوتِ سَرِقَتِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ مَعَ قَوْلِهِمْ: يُقْطَعُ وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ طَلَبَهُ لِلْمَالِ يُثْبِتُ سَرِقَتَهُ، وَإِذَا ثَبَتَتْ سَرِقَتُهُ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ. وَعَلَى هَذَا لَا إشْكَالَ ح ل أَيْ فَالْمَدَارُ عَلَى ثُبُوتِ السَّرِقَةِ وَالْمَالِ وَإِنْ أُبْرِئَ مِنْهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَلَيْسَ الْمَطْلُوبُ خُصُوصَ الْإِيفَاءِ كَمَا قَالَهُ سم قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَلَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ الطَّلَبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ. اهـ. م ر شَوْبَرِيٌّ. فَرْعٌ: يُسَنُّ لِصَاحِبِ الْمَالِ الْعَفْوُ عَنْ السَّارِقِ قَبْلَ رَفْعِ الْأَمْرِ لِلْحَاكِمِ وَبَعْدَهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْحَاكِمِ. وَفِي الدَّمِيرِيِّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ عَفَا عَنْ السَّارِقِ حِينَ أَنْشَدَتْهُ أُمُّهُ: يَمِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُعِيذُهَا ... بِعَفْوِكَ أَنْ تَلْقَى نَكَالًا يَشِينُهَا فَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَكَانَتْ خَبِيثَةً ... إذَا مَا شِمَالِي فَارَقَتْهَا يَمِينُهَا فَعَفَا عَنْهَا وَهَذَا مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ فَلَا يُرَدُّ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْيُمْنَى) وَلَوْ شَلَّاءَ حَيْثُ أُمِنَ نَزْفُ الدَّمِ وَإِلَّا فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى وَهَذَا حَيْثُ كَانَ الشَّلَلُ مُتَقَدِّمًا عَلَى السَّرِقَةِ. أَمَّا لَوْ سَرَقَ فَشُلَّتْ يَمِينُهُ وَلَمْ يُؤْمَنْ مِنْ نَزْفِ الدَّمِ، أَوْ سَقَطَتْ بِآفَةٍ، أَوْ بِغَيْرِهَا فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ سم وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: الْيُمْنَى أَيْ إنْ انْفَرَدَتْ وَلَوْ مَعِيبَةً، أَوْ نَاقِصَةً، أَوْ شَلَّاءَ، إنْ أُمِنَ نَزْفُ الدَّمِ، أَوْ زَائِدَةَ الْأَصَابِعِ، أَوْ فَاقِدَتَهَا خِلْقَةً أَوْ عَرَضًا فَإِنْ تَعَدَّدَتْ كَفَى الْأَصْلِيُّ مِنْهَا إنْ عُرِفَ، أَوْ وَاحِدَةٌ إنْ اشْتَبَهَ وَعَلَى هَذَا لَوْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ الثَّانِيَةُ وَحِينَئِذٍ تَرِدُ هَذِهِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَرِدُ، لِأَنَّ كَلَامَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلْقَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَالْحِكْمَةُ فِي الْبَدَاءَةِ بِالْيَمِينِ أَنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَقْوَى وَلِأَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ السَّرِقَةِ بِهَا فَكَانَ قَطْعُهَا أَرْدَعَ، وَحِكْمَةُ التَّعَلُّقِ بِالرِّجْلِ أَيْضًا أَنَّهُ فِي السَّرِقَةِ يَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيَمْشِي بِرِجْلِهِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَتُقْطَعُ، وَقَوْلُهُ: وَقُرِئَ شَاذًّا دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ: الْيُمْنَى وَلَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ لِلْجَلَّادِ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا فَإِنْ قَالَ الْمُخْرِجُ: ظَنَنْتُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] الْيُمْنَى، أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ أَجْزَأَتْهُ، وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَدَاءِ بِقَصْدِ الدَّافِعِ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ يُومِئُ إلَى تَرْجِيحِهَا كَلَامُ الرَّوْضَةِ. وَصَحَّحَهَا الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَإِنْ حَكَى فِي الرَّوْضَةِ طَرِيقَةً أُخْرَى أَنَّهُ يُسْأَلُ الْجَلَّادُ فَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتُهَا الْيُمْنَى أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا وَحَلَفَ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ وَأَجْزَأَتْهُ، أَوْ عَلِمْتُهَا الْيَسَارَ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُخْرِجُ بَدَلَهَا عَنْ الْيُمْنَى، أَوْ إبَاحَتَهَا وَلَمْ تُجْزِئْهُ وَجَزَمَ بِهَا ابْنُ الْمُقْرِي. اهـ. م د. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ وَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ قَوَدٍ لِلْجَانِي الْحُرِّ الْعَاقِلِ: أَخْرِجْهَا فَأَخْرَجَ يَسَارًا سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِهَا وَبِعَدَمِ إجْزَائِهَا أَمْ لَا وَقَصَدَ إبَاحَتَهَا فَقَطَعَهَا الْمُسْتَحِقُّ فَمُهْدَرَةٌ أَيْ لَا قَوَدَ فِيهَا وَلَا دِيَةَ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالْإِذْنِ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْقَاطِعُ أَنَّهَا الْيَسَارُ أَمْ لَا وَيُعَزَّرُ فِي الْعِلْمِ، أَوْ قَصْدِ جَعْلِهَا عَنْهَا أَيْ عَنْ الْيَمِينِ ظَانًّا إجْزَاءَهَا عَنْهَا، أَوْ أَخْرَجَهَا دَهَشًا وَظَنَّهَا الْيَمِينَ، أَوْ ظَنَّ الْقَاطِعُ الْإِجْزَاءَ فَدِيَةٌ تَجِبُ لَهَا أَيْ لِلْيَسَارِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْهَا مَجَّانًا فَلَا قَوَدَ لَهَا لِتَسْلِيطِ مُخْرِجِهَا بِجَعْلِهَا عِوَضًا فِي الْأُولَى وَلِلدَّهْشَةِ الْقَرِيبَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ بِقِسْمَيْهَا وَيَبْقَى قَوَدُ الْيَمِينِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهِ وَلَا عَفَا عَنْهُ لَكِنَّهُ يُؤَخَّرُ حَتَّى تَنْدَمِلَ يَسَارُهُ إلَّا فِي ظَنِّ الْقَاطِعِ الْإِجْزَاءَ عَنْهَا فَلَا قَوَدَ لَهَا بَلْ تَجِبُ لَهَا دِيَةٌ فَإِنْ قَالَ الْقَاطِعُ وَقَدْ دَهِشَ الْمُخْرِجُ ظَنَنْت أَنَّهُ أَبَاحَهَا وَجَبَ الْقَوَدُ فِي الْيَسَارِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ دَهِشْتُ اهـ. وَقَوْلُهُ: لِلْجَانِي الْحُرِّ الْعَاقِلِ، أَمَّا الْقِنُّ فَقَصْدُهُ الْإِبَاحَةَ لَا يُهْدِرُ يَسَارَهُ لِأَنَّ الْحَقَّ لِسَيِّدِهِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ يُسْقِطُ قَوَدَهَا إذَا كَانَ الْقَاطِعُ قِنًّا، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا عِبْرَةَ بِإِخْرَاجِهِ، ثُمَّ إنْ عَلِمَ الْمُقْتَصُّ قَطَعَ، وَإِلَّا لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ كَمَا فِي زي وَبِرْمَاوِيٍّ وَقَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا فِيهِ صُوَرٌ أَرْبَعٌ وَهِيَ كَوْنُهُ عَالِمًا بِأَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، أَوْ ظَنَّ الْإِجْزَاءَ أَوْ جَهِلَ الْحَالَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُكْمِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذِهِ هِيَ الْأَرْبَعُ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَتَلَفَّظَ أَوْ لَا فَهَاتَانِ صُورَتَانِ تُضْرَبَانِ فِي الْأَرْبَعِ بِثَمَانِيَةٍ فَهَذِهِ أَحْوَالُ الْمُخْرِجِ، وَأَمَّا الْقَاطِعُ فَلَهُ أَحْوَالٌ أَيْضًا وَهِيَ عِلْمُهُ بِأَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، أَوْ جَهِلَ الْحَالَ أَوْ قَالَ: ظَنَنْتُ الْإِجْزَاءَ، أَوْ قَالَ: غَفَلْتُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ تُضْرَبُ فِي ثَمَانِيَةِ أَحْوَالِ الْمُخْرِجِ يَكُونُ الْحَاصِلُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ. وَفِي كُلٍّ الْمُخْرِجُ قَاصِدٌ إبَاحَتَهَا وَالْقَاطِعُ إمَّا أَنْ يَعْلَمَ الْإِبَاحَةَ، أَوْ لَا فَهَاتَانِ صُورَتَانِ تُضْرَبَانِ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ يَكُونُ الْحَاصِلُ بِالضَّرْبِ أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ فَهِيَ فِي هَذِهِ كُلِّهَا مُهْدَرَةٌ لَا قَوَدَ فِيهَا وَلَا دِيَةَ فَإِنْ قَصَدَ الْمُخْرِجُ جَعْلَهَا عَنْهَا أَوْ أَخْرَجَهَا دَهَشًا وَظَنَّهَا الْيَمِينَ. أَوْ ظَنَّ الْقَاطِعُ الْإِجْزَاءَ فَدِيَةٌ تَجِبُ لَهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ فَإِنْ قَالَ الْقَاطِعُ وَقَدْ دَهِشَ الْمُخْرِجُ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَبَاحَهَا، أَوْ عَلِمْتُ أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، أَوْ دَهِشْتُ. وَجَبَ الْقَوَدُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ عَلَى الْقَاطِعِ هَذِهِ حُكْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْيَسَارِ. وَأَمَّا يَدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَقَوَدُهَا بَاقٍ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ السَّبْعِينَ إلَّا فِي ظَنِّ الْقَاطِعِ الْإِجْزَاءَ فَيَسْقُطُ الْقَوَدُ فِيهَا وَفِيهَا الدِّيَةُ وَهَذَا كُلُّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَتْنِ الْمَنْهَجِ، وَشَرْحِهِ. كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَقَالَ الزِّيَادِيُّ: حَاصِلُ مَسْأَلَةِ الدَّهْشَةُ أَنْ يُقَالَ: الْيَسَارُ مَضْمُونَةٌ مُطْلَقًا إلَّا إذَا قَصَدَ الْمُخْرِجُ إبَاحَتَهَا وَلَا يَجِبُ فِيهَا قِصَاصٌ إلَّا إذَا قَالَ الْمُخْرِجُ: دَهِشْتُ وَقَالَ الْقَاطِعُ: عَلِمْتُ أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، أَوْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَبَاحَهَا، أَوْ دَهِشْت أَيْضًا وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَّا إذَا أَخَذَهَا عِوَضًا وَلَوْ أَبَاحَهَا الْمُخْرِجُ، وَأَخْصَرُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُخْرِجَ إنْ قَصَدَ الْإِبَاحَةَ هُدِرَتْ يَدُهُ، وَإِلَّا فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ إلَّا فِي حَالَةِ الدَّهْشَةِ فَبِالْقِصَاصِ، وَالْيَمِينُ قِصَاصُهَا بَاقٍ إلَّا إذَا أَخَذَ الْيَسَارَ عِوَضًا. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ الْيَسَارَ مُطْلَقًا قَدْ ضُمِنَتْ ... مَا لَمْ يُبِحْهَا مُخْرِجٌ كَمَا ثَبَتْ وَفِي الضَّمَانِ دِيَةٌ إلَّا الدَّهَشْ ... فَبِالْقِصَاصِ حُكْمُهَا قَدْ انْتَقَشْ قِصَاصُ هَذِهِ الْيَمِينِ بَاقِي ... مَا لَمْ يُرِدْ التَّعْوِيضَ بِاتِّفَاقِ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: حَاصِلُ مَسْأَلَةِ الدَّهْشَةِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْيَمِينَ فِيهَا الْقَوَدُ إلَّا إنْ ظَنَّ الْقَاطِعُ إجْزَاءَ الْيَسَارِ عَنْهَا، أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا، وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَا. وَيُكْتَفَى بِالْقَطْعِ وَلَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً كَفَاقِدَةِ الْأَصَابِعِ أَوْ زَائِدَتِهَا لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَلِأَنَّ الْغَرَضَ التَّنْكِيلُ بِخِلَافِ الْقَوَدِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ كَمَا مَرَّ، أَوْ سَرَقَ مِرَارًا قَبْلَ قَطْعِهَا لِاتِّحَادِ السَّبَبِ كَمَا لَوْ زَنَى، أَوْ شَرِبَ مِرَارًا يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ. وَكَالْيَدِ الْيُمْنَى فِي ذَلِكَ غَيْرُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى قَطْعِهَا. (مِنْ مَفْصِلِ الْكُوعِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي فِي مَفْصِلِ الْكَفِّ مِمَّا يَلِي الْإِبْهَامَ وَمَا يَلِي الْخِنْصَرَ اسْمُهُ الْكُرْسُوعُ. وَالْبُوعُ هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي عِنْدَ أَصْلِ إبْهَامِ الرِّجْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: الْغَبِيُّ مَنْ لَا يَعْرِفُ كُوعَهُ مِنْ بُوعِهِ. أَيْ مَا يَدْرِي لِغَبَاوَتِهِ مَا اسْمُ الْعَظْمِ الَّذِي عِنْدَ كُلِّ إبْهَامٍ مِنْ أُصْبُعِ يَدَيْهِ مِنْ الْعَظْمِ الَّذِي عِنْدَ كُلِّ إبْهَامٍ مِنْ رِجْلَيْهِ. (فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا) بَعْدَ قَطْعِ يُمْنَاهُ (قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) بَعْدَ انْدِمَالِ يَدِهِ الْيُمْنَى لِئَلَّا يُفْضِيَ التَّوَالِي إلَى الْهَلَاكِ   [حاشية البجيرمي] قَصَدَ أَنَّهَا عِوَضٌ عَنْهَا وَأَنَّ الْيَسَارَ مُهْدَرَةٌ فِي قَصْدِ الْمُخْرِجِ الْإِبَاحَةَ مُطْلَقًا وَفِيهَا الْقَوَدُ إنْ دَهِشَا مَعًا، أَوْ عَلِمَ الْقَاطِعُ أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، أَوْ ظَنَّ إبَاحَتَهَا، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ زَائِدَتِهَا) أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيهِمَا وَقِيلَ: يُعْدَلُ إلَى الرِّجْلِ فِيهِمَا اهـ م ر. فَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ. قَوْلُهُ: (أَوْ سَرَقَ مِرَارًا) مَعْطُوفٌ عَلَى الْغَايَةِ وَقَوْلُهُ: لِاتِّحَادِ السَّبَبِ وَهِيَ السَّرِقَةُ. قَوْلُهُ: (يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ) أَيْ حَيْثُ تَأَخَّرَ عَنْ الْجَمِيعِ اهـ ع ش. وَإِنَّمَا تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ فِيمَا لَوْ لَبِسَ، أَوْ تَطَيَّبَ فِي الْإِحْرَامِ فِي مَجَالِسَ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسَبِّبِ، لِأَنَّ فِيهَا حَقًّا لِآدَمِيٍّ، لِأَنَّهَا تُصْرَفُ إلَيْهِ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ بِخِلَافِ الْحَدِّ. اهـ. شَرْحَ الرَّوْضِ. قَوْله: (وَكَالْيَدِ الْيُمْنَى فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الِاكْتِفَاءِ بِقَطْعِهِ بَعْدَ السَّرِقَةِ مِرَارًا وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالْمَعِيبَةِ. قَوْلُهُ: (فِي مَفْصِلِ الْكَفِّ) أَيْ مِمَّا اتَّصَلَ بِالزَّنْدِ. قَوْلُهُ: (مِمَّا يَلِي الْإِبْهَامَ) أَيْ أَصْلَ الْإِبْهَامِ فَأَصْلُ الْإِبْهَامِ فَاصِلٌ بَيْنَ الْكُوعِ وَالْإِبْهَامِ وَعِبَارَةُ الْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ الْكُوعُ بِالضَّمِّ وَالْكَاعُ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ فَإِذَا قُطِعَتْ كَفُّهُ فَالْكُوعُ بَاقٍ، لِأَنَّهُ رَأْسُ السَّاعِدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ وَالْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ كَذَلِكَ وَالْأَوَّلُ مَا يَلِي الْخِنْصَرَ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَالْبُوعُ هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي عِنْدَ أَصْلِ إبْهَامِ الرِّجْلِ أَيْ الْمُتَّصِلُ بِإِبْهَامِهَا فَلَيْسَ نَظِيرَ الْكُوعِ، لِأَنَّ ذَاكَ فِي رَأْسِ الزَّنْدِ كَمَا مَرَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكُوعٌ يَلِي إبْهَامَ يَدٍ وَمَا يَلِي ... لِخِنْصَرِهِ الْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ مَا وَسَطْ وَعَظْمٌ يَلِي إبْهَامَ رِجْلٍ مُلَقَّبٌ ... بِبُوعٍ فَخُذْ بِالْعِلْمِ وَاحْذَرْ مِنْ الْغَلَطْ قَوْلُهُ: (مِنْ الْعَظْمِ الَّذِي) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ " مِنْ " وَزِيَادَةَ " اسْمِ " بِالْعَطْفِ وَيَقُولُ: وَاسْمُ إلَخْ. وَيَكُونُ يَدْرِي بِمَعْنَى يَعْلَمُ وَيَنْحَلُّ الْمَعْنَى لَا يَعْلَمُ مَا اسْمُ الْعَظْمِ الَّذِي عِنْدَ إبْهَامِ يَدَيْهِ وَاسْمُ الْعَظْمِ الَّذِي إلَخْ. وَقَدْ يُقَالُ: الْكَلَامُ فِي الْمُسَمَّى لَا الِاسْمِ أَيْ لَا يَعْرِفُ مُسَمَّى كُوعِهِ مِنْ مُسَمَّى بُوعِهِ وَكَتَبَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ لَمْ أَقِفْ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ كَالصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ وَالْأَسَاسِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْبُوعِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَلَا مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا يَعْرِفُ كُوعَهُ مِنْ بُوعِهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِي الْمِصْبَاحِ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ مَا يَعْرِفُ كُوعَهُ مِنْ كُرْسُوعِهِ أَيْ وَهُوَ أَقْوَى فِي الْغَبَاوَةِ لِقُرْبِ الْكُرْسُوعِ مِنْ الْكُوعِ، وَأَمَّا الْبُوعُ عَلَى تَسْلِيمِ اسْتِعْمَالِهِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَلَا يُسْتَغْرَبُ الْجَهْلُ بِهِ، لِأَنَّ كَوْنَ عَظْمَاتِ يَلِي كُلٌّ مِنْهُمَا الْإِبْهَامَ يَخْتَلِفُ اسْمُهُمَا بِاعْتِبَارِ مَحَلِّهِمَا لَا يُسْتَغْرَبُ الْجَهْلُ بِهِ. اهـ. م د وَقَالَ صَاحِبُ تَثْقِيفِ اللِّسَانِ: الْكُوعُ رَأْسُ الزَّنْدِ مِمَّا يَلِي الْإِبْهَامَ وَالْبُوعُ مَا بَيْنَ طَرْفَيْ الْإِنْسَانِ إذَا مَدَّهُمَا يَمِينًا وَشِمَالًا سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَيُرَادِفُهُ الْبَاعُ. قَوْلُهُ: (الَّذِي عِنْدَ كُلِّ إبْهَامٍ) لَعَلَّ الْعِنْدِيَّةَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ يَلِي الْإِبْهَامَ فِي الْجِهَةِ لَا الِالْتِصَاقِ بِهِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْكُوعَ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي فِي جِهَةِ الْإِبْهَامِ فَاحْفَظْ ذَلِكَ فَكَثِيرًا مَا يُغْلَطُ فِيهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا) وَلَوْ مَا سَرَقَهُ أَوَّلًا قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَإِنْ قُطِعَ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ، ثُمَّ سَرَقَهَا ثَانِيًا مِنْ مَالِكِهَا الْأَوَّلِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قُطِعَ أَيْضًا، لِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ فِي عَيْنٍ فَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَمَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَحُدَّ، ثُمَّ زَنَى بِهَا ثَانِيًا. قَوْلُهُ: (بَعْدَ انْدِمَالِ يَدِهِ) أَيْ وُجُوبًا وَفَارَقَ الْحِرَابَةَ بِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 وَتُقْطَعُ مِنْ الْمَفْصِلِ الَّذِي بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ لِلْإِتْبَاعِ فِي ذَلِكَ. (فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا) بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى. (قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى) بَعْدَ انْدِمَالِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى لِمَا مَرَّ. (فَإِنْ سَرَقَ رَابِعًا) بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى (قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى) بَعْدَ انْدِمَالِ يَدِهِ الْيُسْرَى لِمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ: «إنَّ السَّارِقَ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» . وَحِكْمَتُهُ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ فَتَضْعُفَ حَرَكَتُهُ كَمَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ. (فَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ قَطْعِ أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَةِ. (عُزِّرَ) عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي نَكَالِهِ بَعْدَ مَا ذُكِرَ إلَّا التَّعْزِيرُ كَمَا لَوْ سَقَطَتْ أَطْرَافُهُ أَوَّلًا. (وَقِيلَ) لَا يَزْجُرُهُ حِينَئِذٍ تَعْزِيرًا بَلْ (يُقْتَلُ) وَهَذَا مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْقَدِيمِ لِوُرُودِهِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَهُ لِاسْتِحْلَالِهِ، أَوْ لِسَبَبٍ آخَرَ اهـ. وَالْإِمَامُ أَطْلَقَ حِكَايَةَ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ الْقَدِيمِ، كَمَا تَرَاهُ وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِهِ (صَبْرًا) قَالَ بَعْضُ شَارِحِيهِ: وَلَمْ أَرَهُ بَعْدَ التَّتَبُّعِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْحَاكِينَ لَهُ بَلْ أَطْلَقَهُ مَنْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِهِ مِنْهُمْ فَلَعَلَّ مَا قَيَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَصَرُّفِهِ أَوَّلَهُ فِيهِ سَلَفٌ لَمْ أَظْفَرْ بِهِ وَعَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ اهـ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ الصَّبْرُ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ وَقَتَلَهُ صَبْرًا حَبَسَهُ لِلْقَتْلِ اهـ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ فِي صِحَاحِهِ يُقَالُ قُتِلَ فُلَانٌ صَبْرًا إذَا حُبِسَ عَلَى الْقَتْلِ حَتَّى يُقْتَلَ اهـ مُلَخَّصًا. تَتِمَّةٌ: هَلْ يَثْبُتُ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ أَوْ لَا كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى شَخْصٍ سَرِقَةَ نِصَابٍ فَيَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَتُرَدَّ عَلَى الْمُدَّعِي فَيَحْلِفَ؟ جَرَى فِي الْمِنْهَاجِ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَا فَيَجِبُ الْقَطْعُ. لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ، أَوْ الْبَيِّنَةِ وَالْقَطْعُ يَجِبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِي الْيَمِينِ مِنْ الدَّعَاوَى وَمَشَى عَلَيْهِ فِي   [حاشية البجيرمي] الْيَدَ وَالرِّجْلَ فِيهَا حَدٌّ وَاحِدٌ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ قَطْعِ الرِّجْلِ عَلَى الْيَدِ فِيهَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ انْدِمَالِ يَدِهِ إلَخْ فَلَوْ وَالَى بَيْنَهُمَا فَمَاتَ الْمَقْطُوعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِئَلَّا يُفْضِيَ التَّوَالِي إلَى الْهَلَاكِ. قَوْلُهُ: (إنَّ السَّارِقَ إنْ سَرَقَ إلَخْ) بِكَسْرِ هَمْزَةِ إنَّ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ رَوَى هَذَا اللَّفْظَ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُجْمَلًا لَكِنْ بَيَّنَتْهُ أَدِلَّةٌ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُقَالُ: إنَّهَا فَاتَتْ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى بَعْدَ الْيُمْنَى إنْ سَرَقَ ثَانِيًا لَفَاتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْيَدَيْنِ اهـ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَحِكْمَةُ اخْتِصَاصِ الْقَطْعِ بِالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا آلَاتُ السَّرِقَةِ بِالْأَخْذِ وَالْمَشْيِ وَقُدِّمَتْ الْيَدُ لِقُوَّةِ بَطْشِهَا، وَقُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِإِبْقَاءِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطَعْ ذَكَرُ الزَّانِي إبْقَاءً لِلنَّسْلِ، وَلَا لِسَانُ الْقَاذِفِ إبْقَاءً لِلْعِبَادَاتِ، وَغَيْرِهَا كَمَا مَرَّ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ السَّارِقِ مَنْسُوخٌ، أَوْ مُؤَوَّلٌ بِمَنْ اسْتَحَلَّ، أَوْ ضَعِيفٌ بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (تَعْزِيرًا) أَيْ لَا يُزْجَرُ بِالتَّعْزِيرِ. قَوْلُهُ: (الْأَرْبَعَةُ) هُمْ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: أَعْنِي أَبَا دَاوُد ثُمَّ التِّرْمِذِيَّ ... وَالنَّسَائِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ فَاحْتَذِي فَإِنْ قِيلَ: السِّتَّةُ زِيدَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ أَنَّهُ لَهُ فِيهِ سَلَفٌ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ. أَيْ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ قَتْلًا صَبْرًا م د. قَوْلُهُ: (قَالَ النَّوَوِيُّ) : غَرَضُهُ بِذَلِكَ تَفْسِيرُ الْقَتْلِ صَبْرًا بِنَقْلِ عِبَارَةِ النَّوَوِيِّ وَعِبَارَةِ الْجَوْهَرِيِّ. قَوْلُهُ: (وَقَتَلَهُ صَبْرًا حَبَسَهُ) بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي فِي الْفِعْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (حَبَسَهُ لِلْقَتْلِ) أَيْ لِأَجْلِ الْقَتْلِ وَلَوْ سَاعَةً، ثُمَّ يُقْتَلُ فَلَوْ قُتِلَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَلَا يُقَالُ: قُتِلَ صَبْرًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُحْبَسُ وَيُمْنَعُ الطَّعَامَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 الْحَاوِي الصَّغِيرِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَهَذَا الْخِلَافُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ. وَأَمَّا الْمَالُ فَيَثْبُتُ قَطْعًا. وَيَثْبُتُ قَطْعُ السَّرِقَةِ بِإِقْرَارِ السَّارِقِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَوْلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فَلَوْ أَقَرَّ قَبْلَهَا لَمْ يَثْبُتْ الْقَطْعُ فِي الْحَالِ بَلْ يُوقَفُ عَلَى حُضُورِ الْمَالِكِ وَطَلَبِهِ. وَالثَّانِي أَنْ يُفَصِّلَ الْإِقْرَارَ فَيُبَيِّنَ السَّرِقَةَ وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ وَقَدْرَ الْمَسْرُوقِ وَالْحِرْزَ بِتَعْيِينٍ، أَوْ وَصْفٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ غَيْرَ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ سَرِقَةً مُوجِبَةً لَهُ. وَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ، لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ أَقَرَّ بِمُقْتَضَى عُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ. كَأَنْ يَقُولَ لَهُ فِي الزِّنَا: لَعَلَّك فَاخَذْتَ، أَوْ لَمَسْتَ، أَوْ بَاشَرْتَ، وَفِي السَّرِقَةِ: لَعَلَّك أَخَذْتَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. وَفِي الشُّرْبِ لَعَلَّك لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ مَا شَرِبْتَهُ مُسْكِرًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لِمَنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِالسَّرِقَةِ. «مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ قَالَ: بَلَى   [حاشية البجيرمي] وَالشَّرَابَ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهَا) وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَدَّمَهُ فِي حَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْقَطْعُ وَيَثْبُتُ بِهَا الْمَالُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ) أَوْضَحُ مِنْ هَذَا مَا عَلَّلَ بِهِ الطَّبَلَاوِيُّ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ، وَإِنْ كَانَتْ كَالْإِقْرَارِ إلَّا أَنَّ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ بِمَنْزِلَةِ رُجُوعِهِ، وَرُجُوعَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ مَقْبُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَطْعِ وَهُوَ حَسَنٌ. وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (بِإِقْرَارِ السَّارِقِ) أَيْ حُرًّا كَانَ الْمُقِرُّ، أَوْ رَقِيقًا إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ دُونَ نِصَابٍ فَإِنْ كَانَ نِصَابًا وَأَقَرَّ بِسَرِقَتِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَثْبُتُ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ ثُبُوتُ الْقَطْعِ بِالْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَثْبُتْ الْقَطْعُ) أَمَّا الْمَالُ فَيَثْبُتُ. قَوْلُهُ: (وَطَلَبِهِ) فَلَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ الطَّلَبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. م ر شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُفَصِّلَ الْإِقْرَارَ) وَلَوْ مِنْ فَقِيهٍ مُوَافِقٍ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِهَا اشْتَبَهَ وَوَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ. اهـ. س ل مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ شَرْحِ م ر وَفِي ح ل مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَيُبَيِّنُ السَّرِقَةَ) فَيَذْكُرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ خِفْيَةً، وَالشَّخْصَ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لِيُنْظَرَ فَرُبَّمَا يَكُونُ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا، أَوْ سَيِّدًا. قَوْلُهُ: (وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ) أَيْ أَهُوَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌو وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْحِرْزَ، لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدُ. اهـ. زي. قَوْلُهُ: (وَقَدْرَ الْمَسْرُوقِ) وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ نِصَابٌ لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهِ وَفِي قِيمَتِهِ لِلْحَاكِمِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: وَلَا أَعْلَمُ لِي فِيهِ شُبْهَةً زي وَشَرْحَ م ر وح ل. قَوْلُهُ: (وَالْحِرْزَ) أَيْ وَيُبَيِّنُ الْحِرْزَ. قَوْلُهُ: (بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ) وَأَمَّا الْمَالُ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِمُقْتَضِي عُقُوبَةٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَقَوْلُهُ: كَالزِّنَا مِثَالٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (كَالزِّنَا) يُفِيدُ صِحَّةَ الرُّجُوعِ فِي أَثْنَاءِ الْقَطْعِ فَلَوْ بَقِيَ مَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ قَطَعَهُ هُوَ وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ قَطْعُهُ وَلَا يُقْبَلُ عَوْدُهُ إلَى الْإِقْرَارِ بَعْدَ رُجُوعِهِ عَنْهُ وَلَوْ أَقَرَّ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَحَكَمَ حَاكِمٌ عَلَيْهِ فَفِيهِ مَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الزِّنَا، فَرَاجِعْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَانْظُرْ فِيمَا لَوْ قَطَعَ بَعْدَ الرُّجُوعِ هَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ، أَوْ الْقَطْعُ، أَوْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ حَرِّرْهُ الرَّاجِحُ وُجُوبُ الدِّيَةِ نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِ الرُّجُوعِ وَخَرَجَ بِالْإِقْرَارِ الْبَيِّنَةُ وَبِالْعُقُوبَةِ الْمَالُ، وَبِاَللَّهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَحِلُّ التَّعْرِيضُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَعِبَارَةُ شَرْحٍ م ر، وَأَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَحِلُّ التَّعْرِيضُ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الرُّجُوعُ فِيهِ شَيْئًا وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ حَمْلًا عَلَى مُحَرَّمٍ فَهُوَ كَتَعَاطِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ. قَوْلُهُ: (كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ) أَيْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ فَرْضَ الْكَلَامِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَمَّا قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَيُنْدَبُ لَهُ التَّعْرِيضُ بِالرُّجُوعِ وَمِثْلُ الْقَاضِي غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ اهـ وَعِبَارَةُ م ر كَانَ لِلْقَاضِي أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَيْسَ سُنَّةً خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ جَوَازًا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَنَدْبًا قَبْلَهُ لِيَمْتَنِعَ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا: وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ الْمَالِ بِعَدَمِ إقْرَارِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَرَاجِعْهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ إنْكَارِ الْمَالِ وَكَذَا لَهُ أَنْ يُعَرِّضَ لِلشُّهُودِ لِيَمْتَنِعُوا مِنْ الشَّهَادَةِ، أَوْ يَرْجِعُوا عَنْهَا وَالْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ فِيهِ مَا يَعُمُّ مَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَكَذَا قَبْلَ الْإِنْكَارِ. نَعَمْ إنْ خِيفَ إنْكَارُ الْمَالِ لَمْ يَحِلَّ التَّعْرِيضُ اهـ. وَقَضِيَّةُ تَخْصِيصِهِمْ الْجَوَازَ بِالْقَاضِي حُرْمَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَالْأَوْجَهُ جَوَازُهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (مُسْكِرًا) الْأَوْلَى مُسْكِرٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» وَقَالَ لِمَاعِزٍ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلَا يَقُولُ لَهُ: ارْجِعْ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَمْرًا بِالْكَذِبِ. وَتَثْبُتُ أَيْضًا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ كَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ غَيْرِ الزِّنَا. فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، ثَبَتَ الْمَالُ وَلَا قَطْعَ. وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ الشَّاهِدِ شُرُوطَ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ كَمَا مَرَّ فِي الْإِقْرَارِ. وَيَجِبُ عَلَى السَّارِقِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ بِبَدَلِهِ جَبْرًا لِمَا فَاتَ. فَصْلٌ: فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ الْأَصْلُ فِيهِ آيَةُ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] وَقَطْعُ الطَّرِيقِ هُوَ الْبُرُوزُ لِأَخْذِ مَالٍ أَوْ لِقَتْلٍ أَوْ   [حاشية البجيرمي] لُغَةِ مَنْ يَنْصِبُ بِهَا الْجُزْأَيْنِ. قَوْلُهُ: (مَا إخَالُكَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَبِفَتْحِهَا عَلَى الْقِيَاسِ أَيْ مَا أَظُنُّكَ قَالَ عَمِيرَةُ: الَّذِي فِي الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ لَعَلَّك غَصَبْتَ، أَوْ أَخَذْتَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَا يُقَالُ لَهُ: مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ، لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا بِإِنْكَارِ الْمَالِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ، أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ وَيَكُونُ الْمَعْنَى مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ بَلْ أَخَذْتَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَصَرِيحُ الْحَدِيثِ أَنَّ التَّعْرِيضَ لِإِنْكَارِ الْمَالِ وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ، بَلْ الْمُرَادُ نَفْيُ نَفْسِ السَّرِقَةِ وَثُبُوتُ الْأَخْذِ بِغَيْرِهَا كَغَصْبٍ، أَوْ أَخْذٍ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتَثْبُتُ) أَيْ السَّرِقَةُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (غَيْرِ الزِّنَا) لِأَنَّ الزِّنَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَرْبَعٍ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَوْ رَجُلٌ مَعَ يَمِينٍ، وَمَحَلُّ ثُبُوتِ الْمَالِ إذَا شَهِدُوا بَعْدَ دَعْوَى الْمَالِكِ، أَوْ وَكِيلِهِ فَلَوْ شَهِدُوا حِسْبَةً لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِمْ الْمَالُ أَيْضًا، لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ مُنْصَبَّةٌ إلَى الْمَالِ وَشَهَادَةَ الْحِسْبَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (شُرُوطَ السَّرِقَةِ) وَأَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهِ شُبْهَةً وَالْمُرَادُ بِالشُّرُوطِ مَا يَشْمَلُ الْأَرْكَانَ، لِأَنَّهُ يَذْكُرُ السَّرِقَةَ وَالْمَسْرُوقَ مِنْ كَوْنِهِ رُبُعَ دِينَارٍ، أَوْ قِيمَتَهُ، وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ وَهَذِهِ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَأَمَّا عَدَمُ الشُّبْهَةِ فَهُوَ مِنْ الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ فِي الْإِقْرَارِ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَى السَّارِقِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ) أَيْ وَأُجْرَةِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ م ر. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قُطِعَ لَمْ يَغْرَمْ وَإِنْ غَرِمَ لَمْ يُقْطَعْ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا أَيْ وَالْقَطْعُ لَازِمٌ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ أَعَادَ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ إلَى الْحِرْزِ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ وَلَا الضَّمَانُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْقُطُ وَعَنْ مَالِكٍ لَا ضَمَانَ وَيُقْطَعُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَوْ قِيلَ: بِالْعَكْسِ لَكَانَ مَذْهَبًا لِدَرْءِ الْحَدِّ بِالشُّبُهَاتِ. اهـ. س ل. [فَصْلٌ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ] ِ أَيْ قَاطِعِ الْمَارِّينَ فِي الطَّرِيقِ أَيْ مَانِعِهِمْ سُلُوكَهَا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِامْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ خَوْفًا مِنْهُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَطَعْته عَنْ حَقِّهِ مَنَعْته مِنْهُ وَمِنْهُ قَطْعُ الرَّجُلِ الطَّرِيقَ إذَا أَخَافَهُ وَهُوَ قَاطِعٌ وَالْجَمْعُ قُطَّاعٌ وَذَكَرَهُ بَعْدَ السَّرِقَةِ لِأَنَّ بَعْضَ أَقْسَامِهِ فِيهِ قَطْعٌ كَالسَّرِقَةِ وَفِي ذَلِكَ الْقِسْمِ اعْتِبَارُ شُرُوطِ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ وَعَدَمِ الشُّبْهَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا حَرَامٌ اهـ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ وَفِيهِ قَطْعُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ وَقَدْرُ النِّصَابِ فِي السَّرِقَةِ فَذُكِرَ مَعَهَا وَأُخِّرَ عَنْهَا لِأَنَّهَا كَجُزْئِهِ وَعَبَّرَ بِالْقَاطِعِ دُونَ الْقَطْعِ لِأَجْلِ مَا بَعْدَهُ وَالْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ مَحَلُّ الْمُرُورِ وَلَوْ فِي دَاخِلِ الْأَبْنِيَةِ وَالدُّورِ قَوْلُهُ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] أَيْ أَوْلِيَاءَهُمَا وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَإِنَّمَا خُصُّوا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ تَكُونُ فِيهِمْ فَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 لِإِرْعَابٍ مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا عَلَى الْقُوَّةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ وَيَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ لَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ وَلَوْ سَكْرَانَ أَوْ ذِمِّيًّا مُخْتَارٌ مُخِيفٌ لِلطَّرِيقِ يُقَاوِمُ مَنْ يَبْرُزُ هُوَ لَهُ بِأَنْ يُسَاوِيَهُ أَوْ يَغْلِبَهُ بِحَيْثُ يَبْعُدُ مَعَهُ غَوْثٌ لِبُعْدٍ عَنْ الْعِمَارَةِ أَوْ ضَعْفٍ فِي أَهْلِهَا وَإِنْ كَانَ الْبَارِزُ وَاحِدًا أَوْ أُنْثَى أَوْ بِلَا سِلَاحٍ وَخَرَجَ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ أَضْدَادُهَا فَلَيْسَ   [حاشية البجيرمي] يُنَافِي أَنَّ الذِّمِّيِّينَ مِثْلُهُمْ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَحْكَامِ لَا يَجْرِي فِيهِمْ قَالَ م ر وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا فِي الْكُفَّارِ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] الْآيَةَ إذْ الْمُرَادُ التَّوْبَةُ عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْكُفَّارَ لَكَانَتْ تَوْبَتُهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ وَهُوَ دَافِعٌ لِلْعُقُوبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَبَعْدَهَا. اهـ. قَوْلُهُ أَوْ لِقَتْلٍ أَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتَجُوزُ الْجَمْعُ فَيَشْمَلُ الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ وَهُوَ الْبُرُوزُ لِأَخْذِ الْمَالِ وَالْقَتْلِ قَوْلُهُ مُكَابَرَةً حَالٌ أَيْ مُجَاهَرَةً وَبِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ أَيْ مِنْ غَيْرِ حَيَاءٍ مِنْ النَّاسِ وَلَا خَوْفٍ مِنْ اللَّهِ اهـ وَهُوَ حَالٌ مِنْ الْبُرُوزِ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْبُرُوزِ جِهَارًا وَقَوْلُهُ اعْتِمَادًا أَيْ لِلِاعْتِمَادِ اهـ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ كَابَرْته مُكَابَرَةً غَالَبْته مُغَالَبَةً وَعَانَدْته فَالْمَعْنَى هُوَ الْبُرُوزُ لِأَجْلِ الْمُغَالَبَةِ فَيَكُونُ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ وَقَوْلُهُ اعْتِمَادًا عِلَّةٌ لَهُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ حَالًا فَإِنَّ مَجِيءَ الْمَصْدَرِ حَالًا مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ قَوْلُهُ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ لِلْبُعْدِ عَنْ الْعِمَارَةِ أَوْ لِقُرْبٍ مِنْهَا مَعَ ضَعْفِ أَهْلِهَا عَنْ الْإِغَاثَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ مَنْ يَقْصِدُونَهُ عَلَى الدَّفْعِ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ إمَّا بِضَعْفِ السُّلْطَانِ أَوْ بِالْبُعْدِ عَنْ الْعُمْرَانِ أَوْ بِحُضُورِهِمْ فِي الْعِمَارَةِ لَكِنْ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِغَاثَةِ وَالدَّفْعِ قَالَ ابْنُ كَجٍّ لَوْ أَقَامَ خَمْسَةٌ أَوْ عَشَرَةٌ فِي كَهْفٍ أَوْ شَاهِقِ جَبَلٍ فَإِنْ مَرَّ بِهِمْ قَوْمٌ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَعُدَّةٌ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُمْ وَإِنْ مَرَّ بِهِمْ قَوْمٌ قَلِيلُو الْعَدَدِ قَصَدُوهُمْ بِالْقَتْلِ وَأَخَذُوا الْمَالَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي حَقِّ الطَّائِفَةِ الْيَسِيرَةِ وَإِنْ تَعَرَّضُوا لِلْأَقْوِيَاءِ وَأَخَذُوا شَيْئًا فَهُمْ مُخْتَلِسُونَ شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ وَلَوْ حُكْمًا كَمَا لَوْ دَخَلُوا دَارًا وَمَنَعُوا أَهْلَهَا مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ قَوْلُهُ لَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَيْ وَلَا بِغَيْرِهِمَا إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ وَطَلَبُ الْمَالِكِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ قَوْلُهُ مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ لَمْ يَقُلْ وَلَوْ حُكْمًا لِإِدْخَالِ عَبْدِ الذِّمِّيِّ وَنِسَائِهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ وَلَوْ سَكْرَانًا الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ سَكْرَانَ بِالْمَنْعِ مِنْ الصَّرْفِ لِأَنَّ سَكْرَانَ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ فَالْأَوْلَى حَذْفُ أَلِفِهِ لَكِنْ صَرَفَهُ إمَّا لِلتَّنَاسُبِ أَوْ عَلَى لُغَةِ بَنِي أَسَدٍ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي مُؤَنَّثِهِ سَكْرَانَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ أَوْ ذِمِّيًّا حَيْثُ قُلْنَا لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِمُحَارَبَتِهِ فِي دَارِنَا وَإِخَافَتِهِ السَّبِيلَ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ حَيْثُ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ تَرْكُهُ وَأَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُعَاهَدِ فَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ وَعِبَارَةُ م د وَقَعَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ شَرْطَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ الْإِسْلَامُ الْآتِي وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا حَارَبَ فِي دَارِنَا أَوْ أَخَافَ السَّبِيلَ وَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا تَعْبِيرُ الشَّيْخَيْنِ بِالْإِسْلَامِ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِ الْبَابِ لَا تَأْتِي فِي الْمُسْلِمِينَ إذْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَيْ صَلْبُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ لَا يَأْتِي إلَّا فِي الْمُسْلِمِ وَقَوْلُهُمَا أَيْ الشَّيْخَيْنِ الْكُفَّارُ لَيْسَ لَهُمْ حُكْمُ الْقُطَّاعِ أَيْ جَمِيعُ أَحْكَامِهِمْ أَوْ يُقَالُ خَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَهُوَ مِنْ الْقُطَّاعِ وَإِلَّا فَلَا فَفِي مَفْهُومِ الْإِسْلَامِ تَفْصِيلٌ فَلَا يُرَدُّ اهـ قَوْلُهُ مُخِيفٌ لِلطَّرِيقِ أَيْ لِلْمَارِّ فِيهَا ز ي قَوْلُهُ مَنْ يَبْرُزُ هُوَ أَيْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ وَأَبْرَزَ الضَّمِيرَ الَّذِي هُوَ الْفَاعِلُ لِأَنَّ الصِّلَةَ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ فَإِنَّ مَنْ وَاقِعَةٌ عَلَى الشَّخْصِ الْمَمْنُوعِ مِنْ الطَّرِيقِ وَضَمِيرُ لَهُ عَائِدٌ عَلَيْهِ وَالْبَارِزُ لَيْسَ ذَلِكَ الشَّخْصَ بَلْ الْقَاطِعَ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الصِّلَةَ إذَا جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ أُبْرِزَ الضَّمِيرُ سَوَاءٌ خِيفَ اللَّبْسُ أَمْ لَا خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ إبْرَازَهُ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا خِيفَ اللَّبْسُ م د قَوْلُهُ بِحَيْثُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَبْرُزُ أَيْ بِمَكَانٍ وَقَوْلُهُ يَبْعُدُ مَعَهُ أَيْ مَعَ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَعِبَارَةُ ز ي قَوْلُهُ مَعَهُ أَيْ بِمَكَانٍ يَبْعُدُ مَعَهُ غَوْثٌ لِأَنَّ حَيْثُ بِمَعْنَى مَكَان فَالضَّمِيرُ فِي مَعَهُ رَاجِعٌ لِحَيْثُ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ هَكَذَا أَفْهَمَ. اهـ. قَوْلُهُ أَوْ ضَعْفٍ فِي أَهْلِهَا أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْقُطَّاعِ وَإِنْ كَانُوا أَقْوِيَاءَ فِي ذَاتِهِمْ وَلِذَلِكَ لَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 الْمُتَّصِفُ بِهَا أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهَا مِنْ حَرْبِيٍّ وَلَوْ مُعَاهِدًا وَصَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُكْرَهٌ وَمُخْتَلِسٌ وَمُنْتَهِبٌ قَاطِعُ طَرِيقٍ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إسْلَامٌ وَإِنْ شَرَطَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ، وَلَوْ دَخَلَ جَمْعٌ بِاللَّيْلِ دَارًا وَمَنَعُوا أَهْلَهَا مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ مَعَ قُوَّةِ السُّلْطَانِ وَحُضُورِهِ فَقُطَّاعٌ. (وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ) فَقَطْ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُمْ إمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَتْلِ أَوْ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ الْمَالِ أَوْ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ أَوْ عَلَى الْإِخَافَةِ وَرَتَّبَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا مُبْتَدِئًا بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: (إنْ قَتَلُوا) مَعْصُومًا مُكَافِئًا لَهُمْ عَمْدًا. (وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا) حَتْمًا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ. وَلِأَنَّهُمْ ضَمُّوا إلَى جِنَايَتِهِمْ إخَافَةَ السَّبِيلِ الْمُقْتَضِيَةَ زِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ. وَلَا زِيَادَةَ هُنَا إلَّا تَحَتُّمُ الْقَتْلِ فَلَا يَسْقُطُ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَمَحَلُّ تَحَتُّمِهِ إذَا قَتَلُوا لِأَخْذِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا تَحَتُّمَ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ) الْمُقَدَّرَ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ   [حاشية البجيرمي] دَخَلُوا دَارًا وَمَنَعُوا أَهْلَهَا مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ وَلَوْ بِالسُّلْطَانِ وَلَوْ مَعَ قُوَّتِهِ فَهُمْ قُطَّاعٌ فِي حَقِّهِمْ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الشَّرْحِ قَوْلُهُ فَلَيْسَ الْمُتَّصِفُ بِهَا أَيْ بِأَضْدَادِهَا قَوْلُهُ أَوْ صَبِيٍّ أَيْ وَمِنْ صَبِيٍّ. . . إلَخْ قَوْلُهُ وَمُخْتَلِسٍ خَرَجَ بِقَوْلِهِ مُخِيفٌ لِلطَّرِيقِ يُقَاوِمُ مَنْ يَبْرُزُ هُوَ لَهُ إذْ هَذَا قَيْدٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ يُقَاوِمُ مَنْ يَبْرُزُ هُوَ لَهُ لَازِمٌ لِمُخِيفٍ قَوْلُهُ وَمُنْتَهِبٍ أَيْ مَعَ قُرْبِ الْغَوْثِ وَإِلَّا فَقُطَّاعُ طَرِيقٍ شَوْبَرِيٌّ فَهُوَ أَيْ الْمُنْتَهِبُ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ بِحَيْثُ يَبْعُدُ مَعَهُ غَوْثٌ قَوْلُهُ قَاطِعَ طَرِيقٍ بِالنَّصْبِ خَبَرُ لَيْسَ قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَهُ فِي الْمِنْهَاجِ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَفْهُومَهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَلَا اعْتِرَاضَ قَوْلُهُ بِاللَّيْلِ لَيْسَ قَيْدًا قَوْلُهُ مَعَ قُوَّةِ السُّلْطَانِ وَحُضُورِهِ لَيْسَ قَيْدًا وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الَّذِي يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ غَيْرُ قُطَّاعٍ تَأَمَّلْ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ كَانَ السُّلْطَانُ قَوِيًّا مَوْجُودًا قَوْلُهُ فَقُطَّاعٌ لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْلِهِ بِحَيْثُ يَبْعُدُ مَعَهُ غَوْثٌ لِأَنَّ الْبُعْدَ إمَّا حِسِّيٌّ أَوْ مَعْنَوِيٌّ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَقَالَ ح ل قَوْلُهُ فَقُطَّاعٌ لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ ضَعْفِ أَهْلِهَا اهـ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَفَقْدُ الْغَوْثِ يَكُونُ لِلْبُعْدِ عَنْ الْعُمْرَانِ أَوْ السُّلْطَانِ أَوْ لِضَعْفٍ بِأَهْلِ الْعُمْرَانِ أَوْ السُّلْطَانِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا كَأَنْ دَخَلَ جَمْعٌ دَارًا. . . إلَخْ اهـ وَمِنْ ذَلِكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْتُونَ لِلسَّرِقَةِ الْمُسَمَّوْنَ بِالْمَنْسِرِ فِي زَمَانِنَا فَهُمْ قُطَّاعٌ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمَنْسِرُ فِيهِ لُغَتَانِ مِثْلُ مَسْجِدٍ وَمِقْوَدٍ خَيْلٌ مِنْ الْمِائَةِ إلَى الْمِائَتَيْنِ اهـ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخَيْلِ وَيُقَالُ الْمَنْسِرُ الْجَيْشُ لَا يَمُرُّ بِجَمْعٍ إلَّا اقْتَلَعَهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُمْ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي يُوجَدُ وَيَصْدُرُ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ: (قُتِلُوا) قَضِيَّةُ سُكُوتِهِ هُنَا عَنْ الصَّلْبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (الْمُقْتَضِيَةَ) بِالنَّصْبِ نَعْتُ " إخَافَةَ ". قَوْلُهُ: (فَلَا يَسْقُطُ) أَيْ بِعَفْوِ مُسْتَحِقِّ الْقَوَدِ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى م ر. قَوْلُهُ: (إذَا قَتَلُوا لِأَخْذِ الْمَالِ) أَيْ لِقَصْدِ أَخْذِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوهُ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُمْ أَخْذَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابِ السَّرِقَةِ بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي الصَّلْبِ، فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ قَتَلُوا لَا لِأَخْذِ الْمَالِ صُدِّقُوا مَعَ الْقَرِينَةِ فَيَخْرُجُ مَا إذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَخَذُوهُ بَعْدَ الْقَتْلِ فَلَا يُصَدَّقُونَ لِلتُّهْمَةِ قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: إذَا قَتَلُوا لِأَخْذِ الْمَالِ أَيْ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ: إذَا قَتَلُوا لِأَخْذِ الْمَالِ أَيْ وَلَمْ يَأْخُذُوهُ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُمْ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ صُلِبُوا مَعَ الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَحَتُّمَ) وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ. . . إلَخْ) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ مِنْهُمْ. أَمَّا مَنْ أَقَرَّهُمْ عَلَى الْقَتْلِ وَعَزَمَ عَلَيْهِ مَعَهُمْ لَكِنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْهُ فَلَا يُقْتَلُ لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ بَلْ يُعَزَّرُ وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْقَتْلَ مِنْ بَعْضِهِمْ مَنْسُوبٌ إلَى الْكُلِّ اهـ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ فَمَنْ أَعَانَ الْقَاطِعَ أَوْ أَخَافَ الطَّرِيقَ بِلَا أَخْذِ نِصَابٍ وَقَتْلٍ عُزِّرَ اهـ. قَوْلُهُ: فَمَنْ أَعَانَ الْقَاطِعَ: وَلَوْ بِدَفْعِ سِلَاحٍ أَوْ مَرْكُوبٍ أَوْ بِسَبَبٍ وَلَوْ ضِيَافَةً وَلَيْسَ مَعْذُورًا بِخَوْفِهِ مِنْهُمْ مَثَلًا وَقَوْلُهُ: عُزِّرَ أَيْ عَزَّرَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (الْمُقَدَّرَ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ) فَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَلَا صَلْبَ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: بِنِصَابِ السَّرِقَةِ وَلَوْ لِجَمْعٍ اشْتَرَكُوا فِيهِ وَاتَّحَدَ حِرْزُهُ وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ مَحَلِّ الْأَخْذِ بِفَرْضِ أَنْ لَا قُطَّاعَ ثُمَّ إنْ كَانَ مَحَلَّ بَيْعٍ فَذَاكَ وَإِلَّا فَأَقْرَبُ مَحَلِّ بَيْعٍ إلَيْهِ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ لِجَمْعٍ اشْتَرَكُوا فِيهِ هَلْ الْمُرَادُ شَرِكَةُ الشُّيُوعِ أَوْ الْأَعَمُّ حَتَّى لَوْ أَخَذَ مِنْ كُلٍّ شَيْئًا وَكَانَ الْمَجْمُوعُ يَبْلُغُ نِصَابًا قُطِعَ الْآخِذُ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الثَّانِي تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ لَكِنَّ قِيَاسَ مَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ الْأَوَّلُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ عَلَّلُوا الْقَطْعَ بِالْمُشْتَرَكِ بِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَدَّعِيَ وَفِي الْمُجَاوِرَةِ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَدَّعِيَ بِغَيْرِ مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 اعْتِبَارُ الْحِرْزِ وَعَدَمِ الشُّبْهَةِ. (قُتِلُوا) حَتْمًا (وَصُلِبُوا) زِيَادَةً فِي التَّنْكِيلِ وَيَكُونُ صَلْبُهُمْ بَعْدَ غُسْلِهِمْ وَتَكْفِينِهِمْ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ. وَالْغَرَضُ مِنْ صَلْبِهِمْ بَعْدَ قَتْلِهِمْ التَّنْكِيلُ بِهِمْ وَزَجْرُ غَيْرِهِمْ وَيُصْلَبُ عَلَى خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَشْتَهِرَ الْحَالُ. وَيَتِمَّ النَّكَالُ وَلِأَنَّ لَهَا اعْتِبَارًا فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا غَايَةٌ ثُمَّ يَنْزِلُ هَذَا إذَا لَمْ يُخَفْ التَّغَيُّرُ، فَإِنْ خِيفَ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ أُنْزِلَ عَلَى الْأَصَحِّ وَحُمِلَ النَّصُّ فِي الثَّلَاثِ عَلَى زَمَنِ الْبَرْدِ وَالِاعْتِدَالِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ أَخَذُوا الْمَالَ) الْمُقَدَّرَ بِنِصَابِ سَرِقَةٍ بِلَا شُبْهَةٍ مِنْ حِرْزٍ مِمَّا مَرَّ بَيَانُهُ فِي السَّرِقَةِ. (وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ) بِطَلَبٍ مِنْ الْمَالِكِ (أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ) بِأَنْ تُقْطَعَ الْيَدُ الْيُمْنَى، وَالرِّجْلُ الْيُسْرَى دُفْعَةً أَوْ عَلَى الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَاحِدٌ فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ   [حاشية البجيرمي] يَخُصُّهُ وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ أَنَّ الْقَاطِعِينَ لَوْ اشْتَرَكُوا: اُشْتُرِطَ أَنْ يَخُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَدْرُ نِصَابٍ مِنْ الْمَأْخُوذِ لَوْ وُزِّعَ عَلَى عَدَدِهِمْ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ) أَيْ فِي السَّرِقَةِ. قَوْلُهُ: (قُتِلُوا وَصُلِبُوا) قَضِيَّةُ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَيُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ الْقَتْلِ عَلَى الصَّلْبِ وَمَا قِيلَ: إنَّهُ يُصْلَبُ حَيًّا وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ بَاطِلٌ. فَيَحْرُمُ ذَلِكَ كَالْخَازُوقِ وَالسَّلْخِ وَالْخَنْقِ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْحُكَّامُ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» الْحَدِيثَ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر قُتِلَ ثُمَّ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ثُمَّ صُلِبَ مُكَفَّنًا مُعْتَرِضًا عَلَى نَحْوِ خَشَبَةٍ، وَلَا يُقَدَّمُ الصَّلْبُ عَلَى الْقَتْلِ لِكَوْنِهِ زِيَادَةَ تَعْذِيبٍ اهـ. وَقَدْ نُهِيَ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ قَالَ الْمَرْحُومِيُّ قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: فَلَوْ مَاتَ مَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ أَوْ قُتِلَ بِقِصَاصٍ مِنْ غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ سَقَطَ الصَّلْبُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقَتْلِ فَيَسْقُطُ بِسُقُوطِ مَتْبُوعِهِ اهـ. وَانْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ طَلَبُ الْوَلِيِّ لِلْقَتْلِ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَيَكُونُ الشَّارِحُ تَرَكَ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ اتِّكَالًا عَلَى مَا سَبَقَ أَوْ لَا ثُمَّ رَأَيْت ح ل صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يُتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ الْوَلِيِّ لِلْقَتْلِ اهـ. وَبِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ مَا نَصُّهُ: قِيَاسُ اشْتِرَاطِ النِّصَابِ لِصَلْبِهِ مَعَ الْقَتْلِ اشْتِرَاطُ الْحِرْزِ وَعَدَمِ الشُّبْهَةِ وَطَلَبِ الْمَالِكِ، وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَيْهِ فَحَرِّرْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (التَّنْكِيلُ) أَيْ إظْهَارُ النَّكَالِ أَيْ الْحَقَارَةِ فَفِي الْمُخْتَارِ نَكَّلَ تَنْكِيلًا أَيْ جَعَلَهُ نَكَالًا وَعِبْرَةً لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ بِلَيَالِيِهَا فَقَطْ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ: أَيَّامٍ أَصْلُهُ أَيْوَامٍ؛ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ يَوْمٌ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. قَوْلُهُ: (هَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ التَّغَيُّرَ) أَيْ بِغَيْرِ نَحْوِ رَائِحَةٍ، أَمَّا نَحْوُ الرَّائِحَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهَا قَبْلَ الثَّلَاثِ فَالْمُعْتَبَرُ نَحْوُ الِانْفِجَارِ اهـ م. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغَيُّرِ هُنَا الِانْفِجَارُ وَنَحْوُهُ كَسُقُوطِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ إلَّا فَمَتَى حُبِسَتْ جِيفَةُ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا حَصَلَ النَّتْنُ وَالتَّغَيُّرُ غَالِبًا اهـ. قَوْلُهُ: (أُنْزِلَ) أَيْ وُجُوبًا كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (مِنْ حِرْزٍ) كَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَوْ بِقُرْبِهِ مُلَاحِظٌ بِشَرْطِهِ الْمَارِّ مِنْ قُوَّتِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ عَلَى الِاسْتِغَاثَةِ. لَا يُقَالُ: الْقُوَّةُ وَالْقُدْرَةُ تَمْنَعُ قَطْعَ الطَّرِيقِ لِمَا مَرَّ، إنَّهُ حَيْثُ لَحِقَ غَوْثٌ لَوْ اُسْتُغِيثَ لَمْ يَكُونُوا قُطَّاعًا؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ إذْ الْقُوَّةُ أَوْ الْقُدْرَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحِرْزِ غَيْرُهُمَا بِالنِّسْبَةِ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ خُصُوصِ الشَّوْكَةِ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ الْحِرْزِ يَكْفِي فِيهِ مُبَالَاةُ السَّارِقِ بِهِ عُرْفًا وَإِنْ لَمْ يُقَاوِمْ السَّارِقُ، اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (بِطَلَبٍ مِنْ الْمَالِكِ) أَيْ لِلْمَالِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَقَرَّ: بِأَنَّهُ أَبَاحَهُ لَهُ أَوْ أَنَّهُ لَهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ قِيَاسَ عَدَمِ تَوَقُّفِ الْقَتْلِ الْمُتَحَتِّمِ عَلَى طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ عَدَمَ تَوَقُّفِ الْقَطْعِ هُنَا عَلَى طَلَبِ صَاحِبِ الْمَالِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ،. اهـ. سم بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ تُقْطَعَ الْيَدُ الْيُمْنَى. . . إلَخْ) فَإِنْ خَالَفَ الْإِمَامُ وَقَطَعَ الْيَدَ الْيُسْرَى وَالرِّجْلَ الْيُمْنَى أَسَاءَ وَوَقَعَ الْمُوَقَّعُ وَلَا ضَمَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ الْيَدَ الْيُمْنَى وَالرِّجْلَ الْيُمْنَى، فَيَضْمَنُ الرِّجْلَ بِالْقَوَدِ إنْ كَانَ عَالِمًا، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ وَلَا يَقَعُ الْمُوَقَّعُ فَلَا تُجْزِئُ عَنْ قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى لِمُخَالَفَتِهِ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] فَتُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ عَكَسَ ذَلِكَ بِأَنْ قَطَعَ الْإِمَامُ يَدَهُ الْيُمْنَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 قَطْعِهِمَا ثَانِيًا قُطِعَتْ الْيَدُ الْيُسْرَى وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ وَقُطِعَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى لِلْمَالِ كَالسَّرِقَةِ وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ وَالرِّجْلُ قِيلَ: لِلْمَالِ وَقِيلَ لِلْمُجَاهَرَةِ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ سَرِقَةٍ ثَانِيَةٍ وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ: قَالَ الْعِمْرَانِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ أَخَافُوا السَّبِيلَ) أَيْ الطَّرِيقَ بِوُقُوفِهِمْ فِيهَا (وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا) مِنْ الْمَارَّةِ (وَلَمْ يَقْتُلُوا) مِنْهُمْ أَحَدًا (حُبِسُوا) فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمْ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ وَالْإِيحَاشِ كَمَا هُوَ فِي الرَّوْضَةِ حِكَايَةً عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ. وَأَقَرَّهُ (وَعُزِّرُوا) بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ ضَرْبٍ وَغَيْرِهِ لِارْتِكَابِهِمْ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ. تَنْبِيهٌ: عَطْفُ الْمُصَنِّفِ التَّعْزِيرَ عَلَى الْحَبْسِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ إذْ الْحَبْسُ مِنْ جِنْسِ التَّعْزِيرِ وَلِلْإِمَامِ تَرْكُهُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً وَبِمَا تَقَرَّرَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ فَقَالَ: الْمَعْنَى أَنْ يُقَتَّلُوا إنْ قَتَلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا مَعَ ذَلِكَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ إنْ أَرْعَبُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا فَحَمَلَ كَلِمَةَ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 135] أَيْ قَالَتْ   [حاشية البجيرمي] وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ تَعَدَّى وَلَزِمَ الْقَوَدُ فِي رِجْلِهِ إنْ تَعَمَّدَ، وَإِلَّا فَدِيَتُهَا وَلَا يَسْقُطُ قَطْعُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَلَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَدَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا يَضْمَنُ وَأَجْزَأَهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ قَطْعَهُمَا مِنْ خِلَافٍ نَصٌّ تُوجِبُ مُخَالَفَتُهُ الضَّمَانَ وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى اجْتِهَادٌ يَسْقُطُ بِمُخَالَفَتِهِ الضَّمَانُ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَيَدُهُ الْيُمْنَى قَالَ ع ش: عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الضَّمَانِ مَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ مَعًا أَوْ رِجْلَيْهِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ الْيَدَ الْيُسْرَى وَالرِّجْلَ الْيُمْنَى اهـ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ) وَهُوَ أَنْ لَا يَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ: (لِلْمَالِ) الْحَقُّ أَنَّهَا لَهُ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْمُحَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَ قَطْعُهَا وَلَوْ كَانَ لِلْمَالِ فَقَطْ لَمْ يَسْقُطْ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (قَالَ الْعِمْرَانِيُّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا نِسْبَةً إلَى الْعُمْرَانِيَّةِ نَاحِيَةٍ بِالْمَوْصِلِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَشْبَهُ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (أَخَافُوا السَّبِيلَ) أَيْ أَخَافُوا الْمَارِّينَ فِي السَّبِيلِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا) أَيْ بِشُرُوطِ السَّرِقَةِ سم. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقْتُلُوا) أَيْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ قَتْلٌ، أَيْ وَلَا قَطْعُ طَرَفٍ مَعْصُومٍ ح ل. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمْ) هَذَا هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَفْضَلُ وَيَمْتَدُّ الْحَبْسُ إلَى ظُهُورِ تَوْبَتِهِمْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَعِبَارَتُهُ وَحَبْسُهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ أَوْلَى حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَلَزِمَهُ رَدُّ الْمَالِ، أَوْ بَدَلِهِ فِي صُورَةِ أَخْذِهِ. قَوْلُهُ: (وَعُزِّرُوا) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ الَّتِي تَمْنَعُ الْخُلُوَّ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ يَجِبُ تَعْزِيرُهُ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا سم. لَكِنَّ الشَّارِحَ جَعَلَهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَعِبَارَةُ س ل. وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ ظَاهِرُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلِلْإِمَامِ تَرْكُهُ) أَيْ التَّعْزِيرِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً هَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَا يَتَحَتَّمُ غَيْرُ قَتْلٍ وَصَلْبٍ فَإِنَّ التَّعْزِيرَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَيْرِ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَخْذِ الْمَالِ) أَلْ لِلْعَهْدِ أَيْ نِصَابِ السَّرِقَةِ. قَوْلُهُ: (إنْ أَرْعَبُوا) أَيْ خَوَّفُوا. قَوْلُهُ: (عَلَى التَّنْوِيعِ) أَيْ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ إذَا بَدَأَ بِالْأَغْلَظِ كَمَا هُنَا كَانَتْ لِلتَّنْوِيعِ، فَإِنْ بَدَأَ بِالْأَخَفِّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ} [المائدة: 89] . . . إلَخْ كَانَتْ لِلتَّخْيِيرِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ فِي آيَةِ الْمُحَارَبَةِ بَدَأَ بِالْأَخَفِّ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ بَعْدَهُ إنَّمَا هُوَ الصَّلْبُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ الْقَتْلُ فِي التَّأْوِيلِ وَالتَّقْدِيرِ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إمَّا تَوْقِيفٌ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَوْ لُغَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ مِثْلِهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ. وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ فِيهِ بِالْأَغْلَظِ فَكَانَ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَلَوْ أُرِيدَ التَّخْيِيرُ لَبَدَأَ بِالْأَخَفِّ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَكَانَ مُرَتَّبًا يُتَأَمَّلُ مَعْنَى التَّرْتِيبِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي التُّحْفَةِ وَلَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَعِبَارَةِ ع ش. قَوْلُهُ: بَدَأَ فِيهِ بِالْأَغْلَظِ قَدْ يُشْكِلُ بِأَنَّ الصَّلْبَ مَعَ الْقَتْلِ أَغْلَظُ مِنْ الْقَتْلِ وَحْدَهُ فَلَا يَتِمُّ مَا ذُكِرَ بِالنِّسْبَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 الْيَهُودُ كُونُوا هُودًا وَقَالَتْ النَّصَارَى كُونُوا نَصَارَى إذْ لَمْ يُخَيِّرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَقَتْلُ الْقَاطِعِ يَغْلِبُ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ لَا الْحَدِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْآدَمِيِّ يُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّضْيِيقِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِلَا مُحَارَبَةٍ، ثَبَتَ لَهُ الْقَوَدُ فَكَيْفَ يُحْبَطُ حَقُّهُ بِقَتْلِهِ فِيهَا. فَلَا يُقْتَلُ بِغَيْرِ كُفْءٍ كَوَلَدِهِ وَلَوْ مَاتَ بِغَيْرِ قَتْلٍ فِدْيَةٌ تَجِبُ فِي تَرِكَتِهِ فِي الْحُرِّ أَمَّا فِي الرَّقِيقِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا وَيُقْتَلُ بِوَاحِدٍ مِمَّنْ قَتَلَهُمْ وَلِلْبَاقِينَ دِيَاتٌ فَإِنْ قَتَلَهُمْ مُرَتِّبًا قُتِلَ بِالْأَوَّلِ. وَلَوْ عَفَا وَلِيُّ الْقَتِيلِ بِمَالٍ وَجَبَ الْمَالُ وَقُتِلَ الْقَاتِلُ حَدًّا لِتَحَتُّمِ قَتْلِهِ وَتُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ فِيمَا قُتِلَ بِهِ وَلَا يَتَحَتَّمُ غَيْرُ قَتْلٍ وَصَلْبٍ كَأَنْ قَطَعَ يَدَهُ فَانْدَمَلَ لِأَنَّ التَّحَتُّمَ تَغْلِيظٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَاخْتُصَّ بِالنَّفْسِ كَالْكَفَّارَةِ. (وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ   [حاشية البجيرمي] لِلْأَوَّلَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الصَّلْبَ مَعَ الْقَتْلِ لَكِنَّ الْقَتْلَ مَعَ الصَّلْبِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ، بَلْ الْمَذْكُورُ فِيهَا الصَّلْبُ فَقَطْ دُونَ الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ مُرَادًا فَالْمَبْدُوءُ بِهِ فِيهَا هُوَ الْأَغْلَظُ نَظَرًا لِمَا فُهِمَ اهـ. قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا} [البقرة: 135] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ أَيْ قَالَتْ الْيَهُودُ لِبَعْضِهِمْ كُونُوا هُودًا أَيْ اُثْبُتُوا عَلَيْهَا وَكَذَا النَّصَارَى قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: كُونُوا نَصَارَى أَيْ اُثْبُتُوا عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ. قَوْلُهُ: (إذْ لَمْ يُخَيَّرْ أَحَدٌ. . . إلَخْ) أَحَدٌ نَائِبُ فَاعِلِ يُخَيَّرْ، وَالْمُرَادُ لَمْ يَقَعْ التَّخْيِيرُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْيَهُودِ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَلَمْ يَقَعْ كَذَلِكَ مِنْ النَّصَارَى. بَلْ قَالَتْ الْيَهُودُ: كُونُوا هُودًا وَقَالَتْ النَّصَارَى: كُونُوا نَصَارَى. قَوْلُهُ: (وَقَتْلُ الْقَاطِعِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يُغَلَّبُ فِيهِ. . . إلَخْ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِيهِ شَائِبَتَيْنِ. وَفَرَّعَ عَلَى جَانِبِ الْقِصَاصِ فُرُوعًا. قَوْلُهُ: فَلَا يُقْتَلُ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَ بِغَيْرِ قَتْلٍ وَقَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ بِوَاحِدٍ، وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهِ حَدًّا قَوْلَهُ: وَلَوْ عَفَا الْمُسْتَحِقُّ، وَقَوْلُهُ: وَتُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ مُفَرَّعٌ عَلَى كَوْنِهِ قِصَاصًا. قَوْلُهُ: (يَغْلِبُ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ) وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ الْوَلِيِّ لِلْقَتْلِ وَهَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (يَغْلِبُ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ) قَدْ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا مَرَّ مِنْ تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ تَقْدِيمًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ فِي الزَّكَاةِ حَقَّ آدَمِيٍّ فَإِنَّهَا تَجِبُ لِلْأَصْنَافِ فَلَعَلَّ تَقْدِيمَهَا لَيْسَ مُتَمَحِّضًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ لِاجْتِمَاعِ الْحَقَّيْنِ فَقُدِّمَتْ عَلَى مَا فِيهِ حَقٌّ وَاحِدٌ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ) أَيْ الشَّخْصُ الْمَقْتُولُ بِلَا مُحَارَبَةٍ ثَبَتَ لَهُ أَيْ لِلْمَقْتُولِ أَيْ لِوَارِثِهِ الْقَوَدُ عَلَى قَاتِلِهِ. وَقَوْلُهُ: فِيهَا أَيْ فِي الْمُحَارَبَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ) أَيْ الْقَاتِلُ بِغَيْرِ قَتْلٍ. قَوْلُهُ: (فِي الْحُرِّ) أَيْ الْمَقْتُولُ بِالْحُرِّ. قَوْلُهُ: (فَتَجِبُ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ مَاتَ الْقَاتِلُ أَمْ لَا إذْ لَا مُكَافَأَةَ. قَالَ سم: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْقَاتِلُ بِالْحُرِّ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا أَيْضًا وَلَمْ يَمُتْ بِهِ قُتِلَ بِالرَّقِيقِ الْمَقْتُولِ لِلْمُكَافَأَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَتَلَهُمْ مُرَتَّبًا) وَالتَّرْتِيبُ وَالْمَعِيَّةُ بِالزُّهُوقِ. اهـ. عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَتُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ فِيمَا قُتِلَ بِهِ) أَيْ مِنْ مُحَدَّدٍ وَغَرَقٍ وَسَيْفٍ إلَّا إنْ قُتِلَ بِمَا يَحْرُمُ فِعْلُهُ كَلِوَاطٍ وَإِيجَارِ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ بَلْ بِالسَّيْفِ وَالْمُرَادُ قَطْعُ رَقَبَتِهِ لَا ذَبْحُهُ وَدَلِيلُ الْمُمَاثَلَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» اهـ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: بِمَا يَحْرُمُ فِعْلُهُ. لَا يُقَالُ: يُشْكِلُ بِجَوَازِ الِاقْتِصَاصِ بِنَحْوِ التَّجْوِيعِ وَالتَّغْرِيقِ مَعَ تَحْرِيمِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: نَحْوُ التَّجْوِيعِ وَالتَّغْرِيقِ إنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ النَّفْسِ، وَالْإِتْلَافُ هُنَا مُسْتَحَقٌّ فَلَمْ يَمْتَنِعْ بِخِلَافِ نَحْوِ الْخَمْرِ وَاللِّوَاطِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ وَإِنْ أَمْكَنَ الْإِتْلَافُ بِهِ فَلِذَا امْتَنَعَ هُنَا تَأَمَّلْ سم عَلَى حَجّ. وَقَوْلُهُ: كَلِوَاطٍ أَيْ فِي صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ وَظَاهِرُ شَرْحِ م ر أَنَّ الْكَبِيرَ لَا قَوَدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَكَّنَ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الْفَرْقِ وَقَوْلُهُ: وَإِيجَارِ خَمْرٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بِالْغَمْسِ فِي خَمْرٍ لَمْ يُفْعَلْ بِهِ مِثْلُهُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ حَرَامٌ لَا يُبَاحُ بِحَالٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَكَانَ كَشُرْبِ الْبَوْلِ اهـ. اُنْظُرْ تَمَامَهُ فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (كَأَنْ قَطَعَ يَدَهُ فَانْدَمَلَ) أَيْ إذَا قَطَعَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ يَدَ شَخْصٍ مُكَافِئٍ لَهُ عَمْدًا وَانْدَمَلَ الْقَطْعُ وَعَفَا عَنْهُ الْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَتَحَتَّمْ قَطْعُ يَدِهِ. بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَى الْقَطْعُ وَمَاتَ الْمَقْطُوعُ بِذَلِكَ فَهُوَ قَاتِلٌ فَيَتَحَتَّمُ حِينَئِذٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) أَيْ قَبْلَ الظَّفَرِ بِهِ (سَقَطَ عَنْهُ الْحُدُودُ) أَيْ الْعُقُوبَاتُ الَّتِي تَخُصُّ الْقَاطِعَ مِنْ تَحَتُّمِ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لِآيَةِ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] (وَأُوخِذَ) مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ بِمَعْنَى طُولِبَ. (بِالْحُقُوقِ) أَيْ بِبَاقِيهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ بِالتَّوْبَةِ قَوَدٌ وَلَا مَالٌ. وَلَا بَاقِي الْحُدُودِ مِنْ حَدِّ زِنًا وَسَرِقَةٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَقَذْفٍ لِأَنَّ الْعُمُومَاتِ الْوَارِدَةَ فِيهَا لَمْ تَفْصِلْ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّوْبَةِ وَمَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ نَعَمْ تَارِكُ الصَّلَاةِ كَسَلًا يُقْتَلُ حَدًّا عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ تَابَ سَقَطَ الْقَتْلُ قَطْعًا وَالْكَافِرُ إذَا زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ النَّصِّ وَلَا يُرَدُّ الْمُرْتَدُّ إذَا تَابَ حَيْثُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَيَسْقُطُ الْقَتْلُ لِأَنَّهُ إذَا أَصَرَّ يُقْتَلُ كُفْرًا لَا حَدًّا وَمَحِلُّ   [حاشية البجيرمي] قَتْلُهُ. مَرْحُومِيٌّ وَعِبَارَةُ س ل فَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ تَحَتَّمَ الْقَتْلُ. قَوْلُهُ: (كَالْكَفَّارَةِ) أَيْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِقَتْلِ النَّفْسِ دُونَ الْقَطْعِ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ. . . إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَيْ قَبْلَ الظَّفَرِ بِهِ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ عَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ أَنْ يَكُونَ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا أَنْ يَأْخُذَ الْإِمَامُ فِي أَسْبَابِهَا كَإِرْسَالِ الْجُيُوشِ، لِإِمْسَاكِهِمْ وَلَوْ قَدَرْنَا عَلَيْهِ فَزَعَمَ التَّوْبَةَ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ تَصْدِيقِهِ، مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ اهـ سم م د مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَقَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ) أَيْ مِمَّا هُوَ حَقُّ اللَّهِ بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْقَتْلِ الْغَيْرِ الْمُتَحَتِّمِ فَهُوَ بَاقٍ فَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ بَعْدَ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى الدِّيَةِ أَوْ يَقْتُلَ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ عَفَا وَلِيُّ الْقَتِيلِ بِمَالٍ وَجَبَ مَفْرُوضٌ فِيمَا قَبْلَ التَّوْبَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَقَالَ ح ل: فِيهِ أَنَّ قَطْعَ الْيَدِ لَا يَخُصُّهُ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تُشَارِكُهُ وَرُدَّ بِأَنَّ الَّذِي يَخُصُّهُ مَجْمُوعُ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَسَقَطَ قَطْعُ الْيَدِ تَبَعًا لِسُقُوطِ قَطْعِ الرِّجْلِ فَقَوْلُهُ: مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ أَيْ قَطْعُ مَجْمُوعِ ذَلِكَ اهـ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُمَا عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهَا وَهُوَ قَطْعُ الرِّجْلِ لِلْمُحَارَبَةِ سَقَطَ الْبَاقِي وَهُوَ قَطْعُ الْيَدِ وَقَوْلُهُ: وَقَطْعُ عُطِفَ عَلَى تَحَتَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَحَتِّمًا كَمَا قَدَّمَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا عَنْ غَيْرِهِ) هُوَ زِيَادَةُ حُكْمٍ عَلَى مَا الْكَلَامُ فِيهِ فَذِكْرُهُ اسْتِطْرَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا بَاقِي الْحُدُودِ) بِخِلَافِ قَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَوْ بَعْدَ رَفْعِهِ لِلْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْإِصْرَارُ عَلَى التَّرْكِ وَبِالتَّوْبَةِ تَزُولُ. اهـ. ح ل وَعِبَارَةُ ق ل نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ بِإِسْلَامِهِ وَقَتْلُ تَارِكِ الصَّلَاةِ بِفِعْلِهَا وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ حُدُودٌ ثَلَاثَةٌ اهـ، وَأَتَى الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَلَا بَاقِي الْحُدُودِ لِإِدْخَالِ قَوْلِهِ: وَلَا عَنْ غَيْرِهِ فِي الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: قَبْلَهُ قَوَدٌ وَلَا مَالٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ حَدِّ زِنًا) أَيْ قَبْلَ الْحِرَابَةِ أَوْ فِيهَا، وَقَوْلُهُ وَسَرِقَةٍ أَيْ قَبْلَ الْحِرَابَةِ أَمَّا السَّرِقَةُ فِي الْحِرَابَةِ فَيَسْقُطُ حُكْمُهَا بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ قَوْلُهُ: (وَشُرْبِ الْخَمْرِ) أَيْ فِي الْحِرَابَةِ أَوْ قَبْلَهَا وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْعُمُومَاتِ) كَآيَةِ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] وَالْآيَةِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] وَقَوْلُهُ: الْوَارِدَةُ فِيهَا أَيْ فِي بَاقِي الْحُدُودِ وَقَوْلُهُ: لَمْ تَفْصِلْ بِكَسْرِ الصَّادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَلَمْ يَقُلْ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَلَمْ يَقُلْ: إلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: (نَعَمْ. . . إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا عَنْ غَيْرِهِ إلَى قَوْلِهِ: وَلَا بَاقِي الْحُدُودِ اهـ. قَوْلُهُ: (يُقْتَلُ حَدًّا) أَيْ فَيَكُونُ حَدُّهُ قَتْلَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُحَدُّ بِالْجَلْدِ إلَى أَنْ يَمُوتَ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ. قَوْلُهُ: (وَالْكَافِرُ إذَا زَنَى) وَمَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُلْتَزِمِ لِلْأَحْكَامِ كَالْحَرْبِيِّ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَعُمُومُ الشَّارِحِ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ) أَيْ لِعُمُومِ {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَهَذَا رَأْيٌ مَرْجُوحٌ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ سُقُوطِهِ جَلْدًا أَوْ رَجْمًا حَيْثُ كَانَ مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ كَمَا أَفَادَهُ م ر. قَوْلُهُ: (عَنْ النَّصِّ) هُوَ قَوْلُهُ: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] قَوْلُهُ: (وَلَا يَرِدُ الْمُرْتَدُّ. . . إلَخْ) جَوَابٌ، عَمَّا يُقَالُ: هَلَّا اسْتَثْنَيْت أَيْضًا الْمُرْتَدَّ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 عَدَمِ سُقُوطِ بَاقِي الْحُدُودِ بِالتَّوْبَةِ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى: فَيَسْقُطُ قَطْعًا لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ أَثَرَ الْمَعْصِيَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا» وَوَرَدَ «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» . تَتِمَّةٌ: التَّوْبَةُ لُغَةً الرُّجُوعُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ عَنْ ذَنْبٍ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي لَأَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِمَصَالِحِ الْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] وَإِنَّمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ تَشْرِيعًا وَلِيَفْتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ لِلْأُمَّةِ لِيُعَلِّمَهُمْ كَيْفَ الطَّرِيقُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ أَكَابِرِ الْقَوْمِ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ} [التوبة: 117] مِنْ أَيِّ شَيْءٍ فَقَالَ: نَبَّهَ بِتَوْبَةِ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ عَلَى تَوْبَةِ مَنْ أَذْنَبَ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَقَامًا مِنْ الْمَقَامَاتِ الصَّالِحَةِ إلَّا تَابِعًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْلَا تَوْبَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا حَصَلَ لِأَحَدٍ تَوْبَةٌ، وَأَصْلُ هَذِهِ التَّوْبَةِ أَخْذُ الْعَلَقَةِ مِنْ صَدْرِهِ الْكَرِيمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ: هَذِهِ حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْك، وَشَرْعًا الرُّجُوعُ عَنْ التَّعْوِيجِ إلَى سُنَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ. وَشُرُوطُهَا: إنْ كَانَتْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى النَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ. وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّينَ زِيدَ عَلَى ذَلِكَ رَابِعٌ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَظَالِمِ، وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى التَّوْبَةِ مَعَ ذِكْرِ جُمَلٍ مِنْ النَّفَائِسِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ.   [حاشية البجيرمي] يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ فَإِنَّهُ إذَا تَابَ بِالْإِسْلَامِ سَقَطَ قَتْلُهُ فَأَجَابَ: بِأَنَّ قَتْلَهُ يَكُونُ كُفْرًا لَا حَدًّا، وَالْكَلَامُ فِي الْقَتْلِ حَدًّا. قَوْلُهُ: (فِي الظَّاهِرِ) أَيْ فِيمَا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ حَاكِمٍ. قَوْلُهُ: (فَيَسْقُطُ قَطْعًا) وَمِنْ حُدَّ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُعَاقَبْ عَلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ فِي الْآخِرَةِ بَلْ عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ أَوْ الْإِقْدَامِ عَلَى مُوجِبِهِ إنْ لَمْ يَتُبْ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَثَرَ الْمَعْصِيَةِ) وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ فِيهَا. قَوْلُهُ: (تَجُبُّ) أَيْ تَقْطَعُ مَا قَبْلَهَا قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ) أَيْ لُغَةً. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. قَوْلُهُ: (إلَى الْحَقِّ) أَيْ شُهُودُهُ وَمُرَاقَبَتُهُ فَإِذَا تَلَبَّسَ بِذَلِكَ الْمَقَامِ الْعَالِي رَأَى الْأَوَّلَ أَنْقَصَ مِنْ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ كَمَالًا فِي نَفْسِهِ فَاسْتَغْفَرَ مِنْ الْأَوَّلِ وَتَابَ مِنْهُ، أَيْ رَجَعَ إلَى الْعَالِي. قَوْلُهُ: (فَإِذَا فَرَغْت) أَيْ مِنْ التَّبْلِيغِ (فَانْصَبْ) : أَيْ فَاتْعَبْ فِي الْعِبَادَةِ بَيْضَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ الْبَغَوِيِّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: فَإِذَا فَرَغْت مِنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَانْصَبْ إلَى رَبِّك فِي الدُّعَاءِ وَارْغَبْ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ يُعْطِك، أَوْ إذَا فَرَغْت مِنْ الْفَرَائِضِ فَانْصَبْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ. قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إذَا فَرَغْت مِنْ التَّشَهُّدِ فَادْعُ لِدُنْيَاك وَآخِرَتِك. وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: إذَا فَرَغْت مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَانْصَبْ فِي عِبَادَةِ رَبِّك وَصَلِّ اهـ. قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ التَّوْبَةُ تَشْرِيعًا. . . إلَخْ. قَوْلُهُ: (هَذِهِ التَّوْبَةُ) أَيْ الَّتِي مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ وَهِيَ الرُّجُوعُ مِنْ مَصَالِحِ الْخَلْقِ، لِلْحَقِّ. وَقَوْلُهُ: أَخْذُ الْعَلَقَةِ أَيْ السَّبَبُ فِي حَمْلِ تَوْبَتِهِ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ أَخْذُ الْعَلَقَةِ حَيْثُ أُخِذَ مِنْهُ حَظُّ الشَّيْطَانِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ الْأَخْذُ عَدَمَ وُقُوعِ الذَّنْبِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ سَبَبُهُ الْعَلَقَةُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْك) أَيْ مِنْ نَوْعِك وَجِنْسِك وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ وَلَوْ بَقِيَتْ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ. قَوْلُهُ: (النَّدَمُ) ذِكْرُهُ يُغْنِي عَنْ اللَّذَيْنِ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَجْزَاءَ الْحَقِيقَةِ لَا يُنْظَرُ فِيهَا لِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بَلْ يَجِبُ ذِكْرُ الْأَجْزَاءِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا يَسْتَلْزِمُ بَعْضًا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْخُرُوجُ. . . إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ هَذَا الشَّرْطُ فِي التَّوْبَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْلَمُ مِنْ مَحَلِّهِ. اهـ. ق ل. (فَائِدَتَانِ: الْأُولَى) : مَنْ تَابَ مِنْ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ التَّوْبَةِ مِنْهَا كُلَّمَا ذَكَرَهَا. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا يَجِبُ بَلْ يُسْتَحَبُّ. وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَمْ يُجَدِّدْهَا كَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً جَدِيدَةً، تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا وَالتَّوْبَةُ الْأُولَى صَحِيحَةٌ. الثَّانِيَةُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إذَا مَاتَ شَخْصٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَدَّى بِسَبَبِهِ أَوْ بِمَطْلِهِ أُخِذَ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 فَصْلٌ: فِي حُكْمِ الصِّيَالِ وَمَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ وَالصِّيَالُ هُوَ الِاسْتِطَالَةُ وَالْوُثُوبُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ «اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» وَالصَّائِلُ ظَالِمٌ فَيُمْنَعُ مِنْ ظُلْمِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ حُكْمُ الصَّائِلِ فَقَالَ: (وَمَنْ قُصِدَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. بِمَعْنَى قَصَدَهُ صَائِلٌ مِنْ آدَمِيٍّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا بَالِغًا أَوْ صَغِيرًا   [حاشية البجيرمي] حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ مَا ظَلَمَ بِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ طُرِحَ عَلَيْهِ مِنْ عِقَابِ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِينَ. ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ بِسَبَبِهِ وَلَا بِمَطْلِهِ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا تُؤْخَذُ أَمْوَالُهُ فِي الدُّنْيَا حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ وَلَا يُؤْخَذُ ثَوَابُ إيمَانِهِ كَمَا لَا تُؤْخَذُ فِي الدُّنْيَا ثِيَابُ بَدَنِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ لَمْ يُطْرَحْ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ خَصْمِهِ شَيْءٌ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. [فَصْلٌ فِي حُكْمِ الصِّيَالِ وَمَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ] ُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى النَّفْسِ وَعَلَى الْأَمْوَالِ وَالْعُقُولِ مَثَلًا، وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ الرِّدَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى الدِّينِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (هُوَ الِاسْتِطَالَةُ) أَيْ الْعُلُوُّ وَالْقَهْرُ. قَوْلُهُ: (وَالْوُثُوبُ) أَيْ الْهُجُومُ وَهُوَ عَطْفُ مُرَادِفٍ وَقِيلَ: الْوُثُوبُ الْعَدْوُ بِسُرْعَةٍ فَيَكُونُ عَطْفَ مُغَايِرٍ وَذَكَرَ فِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْوُثُوبِ بِمَعْنَى الْمُبَادَرَةِ وَالْمُسَارَعَةِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْعَامَّةِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى قِيلَ: لُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ مِنْ تَغَايُرِهِمَا وَقِيلَ: إنَّهُ لُغَوِيٌّ فَقَطْ وَالشَّرْعِيُّ يُزَادُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَعَدِّيًا ظُلْمًا بِخِلَافِ اللُّغَوِيِّ فَإِنَّهُ أَعَمُّ. قَوْلُهُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ فِي الْمُعْتَدِي بِالْفِعْلِ، وَالصَّائِلُ لَمْ يَعْتَدِ بِالْفِعْلِ بَلْ مَرِيدٌ الِاعْتِدَاءَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا شَامِلَةٌ لِلْمُعْتَدِي حُكْمًا وَهُوَ مَرِيدٌ الِاعْتِدَاءَ لَكِنْ رُبَّمَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: {بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَالِاعْتِدَاءُ فِي قَوْلِهِ: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194] لِلْمُشَاكَلَةِ وَإِلَّا فَلَا يُقَالُ لَهُ اعْتِدَاءٌ وَالْمِثْلِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: {بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ لَا الْأَفْرَادُ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ أَيْ الصَّائِلُ يُدْفَعُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ أَيْ وَلَوْ كَانَ صَائِلًا بِالْقَتْلِ وَأَيْضًا إذَا اعْتَدَى عَلَيْك بِوَطْءِ زَوْجَتِك فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِدَاءُ عَلَيْهِ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ فَيَكُونُ عَامًّا مَخْصُوصًا بِغَيْرِ الْفَاحِشَةِ وَفِي هَذَا الدَّلِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَفْضَلِيَّةِ الِاسْتِسْلَامِ فَإِنَّ فِي تَسْمِيَتِهِ اعْتِدَاءً إشَارَةٌ إلَى تَرْكِهِ وَتَرْكُهُ اسْتِسْلَامٌ. قَوْلُهُ: (اُنْصُرْ أَخَاك) أَمْرٌ بِالنَّصْرِ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فَيَكُونُ النَّصْرُ وَاجِبًا وَعَدَمُ النَّصْرِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ لَا يَجِبُ النَّصْرُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةٍ يَجِبُ فِيهَا الدَّفْعُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَوْ أَنَّ الْأَمْرَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ مَنَعَهُ مِنْ ظُلْمِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَصَدَ. . . إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا: لَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْقُصُورِ وَالْخَفَاءِ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا صَالَ شَخْصٌ وَلَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ كَمَجْنُونٍ وَبَهِيمَةٍ أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ، وَلَا آدَمِيَّةَ حَامِلًا عَلَى شَيْءٍ مَعْصُومٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ نَفْسًا وَعُضْوًا أَوْ مَنْفَعَةً أَوْ بُضْعًا أَوْ مَالًا وَإِنْ قَلَّ أَوْ اخْتِصَاصًا كَذَلِكَ فَلَهُ دَفْعُهُ وُجُوبًا فِي غَيْرِ الْمَالِ وَالِاخْتِصَاصِ وَجَوَازًا فِيهِمَا، وَيَجِبُ الدَّفْعُ أَيْضًا عَنْ بُضْعِ حَرْبِيَّةٍ أَوْ حَرْبِيٍّ وَإِنْ قَصَدَهُ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ فَلَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ صَائِلٌ عَلَى امْرَأَةٍ لِلزِّنَا وَصَائِلٌ ذَكَرٌ لِلِّوَاطِ وَلَا يَسْتَطِيعُ إلَّا دَفْعَ أَحَدِهِمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ م ر: يَدْفَعُ عَنْ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَحِلُّ بِوَجْهٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ حَجّ: يَدْفَعُ عَنْ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى حِلِّهِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا لِتَعَارُضِ الْمَعْنَيَيْنِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ سم لَوْ فُرِضَ صِيَالٌ عَلَى مَالٍ وَبُضْعٍ وَنَفْسٍ. قُدِّمَ الدَّفْعُ عَنْ النَّفْسِ ثُمَّ الْبُضْعِ ثُمَّ الْمَالِ الْأَخْطَرِ فَالْأَخْطَرِ اهـ وَنُقِلَ عَنْ ز ي مَا نَصُّهُ وَلَا فَرْقَ فِي الصَّائِلِ بَيْنَ الْحَامِلِ وَغَيْرِهَا حَتَّى لَوْ صَالَتْ حَامِلٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا أَوْ بَهِيمَةً. (بِأَذًى) بِتَنْوِينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ بِمَا يُؤْذِيهِ (فِي نَفْسِهِ) كَقَتْلٍ وَقَطْعِ طَرَفٍ وَإِبْطَالِ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ (أَوْ) فِي (مَالِهِ) وَلَوْ قَلِيلًا كَدِرْهَمٍ (أَوْ) فِي (حَرِيمِهِ فَقَاتَلَ عَنْ ذَلِكَ) لِيَنْدَفِعَ عَنْهُ فَقَتَلَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ الصَّائِلَ. (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) مِنْ قِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ وَلَا قِيمَةِ بَهِيمَةٍ وَغَيْرِهَا لِخَبَرِ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ   [حاشية البجيرمي] مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ هِرَّةٍ تُدْفَعُ وَلَوْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْقَتْلِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا جُنَّتْ الْحَامِلُ يُؤَخَّرُ قَتْلُهَا إلَى أَنْ تَضَعَ فَهَلَّا كَانَ هُنَا يَمْتَنِعُ دَفْعُهَا الْمُؤَدِّي إلَى قَتْلِهَا. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِي الْحَامِلِ قَدْ انْقَطَعَتْ وَهُنَا صِيَالُهَا مَوْجُودٌ مُشَاهَدٌ حَالَ دَفْعِهَا اهـ قَوْلُهُ: (مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ) بَيَانٌ لِلصَّائِلِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ لَا لِلْمَصُولِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: أَوْ فِي مَالِهِ فَإِنَّ الْبَهِيمَةَ مَالٌ فَمِنْ لِلْبَيَانِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (أَوْ بَهِيمَةٍ) : بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى آدَمِيٍّ وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ مِنْ عُلُوٍّ عَلَى إنْسَانٍ وَلَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ إلَّا بِكَسْرِهَا فَكَسَرَهَا ضَمِنَهَا حَيْثُ كَانَتْ مَوْضُوعَةً بِحَقٍّ عَلَى هَيْئَةٍ لَا يُخْشَى سُقُوطُهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَهِيمَةَ لَهَا اخْتِيَارٌ بِخِلَافِ الْجَرَّةِ قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَيُهْدَرُ أَيْ الصَّائِلُ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً حَامِلًا فَمَاتَ حَمْلُهَا بِالدَّفْعِ فَكَمَا لَوْ تَتَرَّسَ كَافِرٌ بِمُسْلِمٍ فِي الْحَرْبِ أَوْ بَهِيمَةً مَأْكُولَةً، وَأَصَابَ مَذْبَحَهَا حَلَّتْ م د. وَعِبَارَتُهُ عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ: أَيْ يَجُوزُ لَهُ الصَّادِقُ بِالْوُجُوبِ دَفْعُ كُلِّ صَائِلٍ أَيْ حَتَّى لَوْ صَالَتْ حَامِلٌ عَلَى إنْسَانٍ وَلَمْ تُدْفَعْ إلَّا بِقَتْلِهَا مَعَ حَمْلِهَا جَازَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا ضَمَانَ. وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ دَفْعَ الْحَامِلِ كَدَفْعِ غَيْرِهَا. وَيُشْبِهُ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى تَتَرُّسِ الْمُشْرِكِينَ بِالصِّبْيَانِ وَيَأْتِي هَذَا أَيْضًا فِي دَفْعِ الْهِرَّةِ الْحَامِلِ إذَا صَالَتْ عَلَى طَعَامٍ أَوْ نَحْوِهِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا ز ي وَلَوْ صَارَتْ الْهِرَّةُ صَائِلَةً مُفْسِدَةً فَهَلْ يَجُوزُ قَتْلُهَا فِي حَالِ سُكُونِهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ضَرُورَتَهَا عَارِضَةٌ وَالتَّحَرُّزَ عَنْهَا سَهْلٌ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: تُلْتَحَقُ بِالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ. فَيَجُوزُ قَتْلُهَا وَلَا تَخْتَصُّ بِحَالِ ظُهُورِ الشَّرِّ وَإِذَا أَخَذَتْ الْهِرَّةُ حَمَامَةً وَهِيَ حَيَّةٌ جَازَ فَتْلُ أُذُنَيْهَا، أَيْ مَرْتُهُمَا وَضَرْبُ فَمِهَا لِتُرْسِلَهَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَقَدْ انْتَظَمَ لِي مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْفَوَاسِقَ مَقْتُولَاتٌ لَا يَعْصِمُهَا الِاقْتِنَاءُ وَلَا يَجْرِي الْمِلْكُ عَلَيْهَا وَلَا أَثَرَ لِلْيَدِ لِلِاخْتِصَاصِ فِيهَا اهـ. قَوْلُهُ: (بِأَذًى) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْفِعْلِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: كَقَتْلٍ فَمَا فِي قَوْلِهِ: بِمَا يُؤْذِيهِ وَاقِعَةٌ عَلَى فِعْلٍ فَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْأَذَى الْآلَةَ كَمَا تَوَهَّمَهُ ق ل؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْمَصْدَرِ عَلَى الْآلَةِ وَقَالَ م د قَوْلُهُ: بِمَا يُؤْذِيهِ فَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى الْآلَةِ الَّتِي يَتَوَصَّلُ بِهَا الصَّائِلُ إلَى فِعْلِهِ كَالسَّيْفِ وَالسَّهْمِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ لِقَوْلِ الشَّارِحِ: كَقَتْلٍ وَقَطْعِ طَرَفٍ فَإِنَّهُ بَيَّنَ مَا يُؤْذِي بِهَذِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ اسْمَ آلَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ نَفْسِهِ مِنْ قَتْلٍ وَقَطْعٍ وَغَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (فِي نَفْسِهِ) لَوْ حَذَفَ الضَّمِيرَ مِنْهُ وَمِمَّا بَعْدَهُ لَكَانَ أَعَمَّ. قَوْلُهُ: (وَقَطْعِ طَرَفٍ) أَيْ أَوْ جُرْحٍ. قَوْلُهُ: (وَإِبْطَالِ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ) لَوْ سَكَتَ عَنْ عُضْوٍ لَكَانَ أَعَمَّ وَمِنْهُ تَقْبِيلُ أُنْثَى وَأَمْرَدَ وَإِرَادَةُ فَاحِشَةٍ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي مَالِهِ) أَوْ اخْتِصَاصِهِ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ وَوَظِيفَةٍ بِيَدِهِ بِوَجْهٍ بِأَنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا فَلَهُ دَفْعُ مَنْ يَسْعَى عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ بِغَيْرِ وَجْهٍ صَحِيحٍ. وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ كَمَا هُوَ قِيَاسُ الْبَابِ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّ الشِّهَابَ حَجّ أَفْتَى بِذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ سم عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَلِيلًا) اُسْتُشْكِلَ بِاعْتِبَارِهِمْ فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ النِّصَابُ مَعَ خِفَّةِ الْقَطْعِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَتْلِ وَفُرِّقَ بِأَنَّهُ هُنَا مُصِرٌّ عَلَى ظُلْمِهِ حَيْثُ لَمْ يَتْرُكْ الْأَخْذَ مَعَ اطِّلَاعِ الْمَالِكِ وَدَفْعِهِ. قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ: وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ السَّرِقَةَ لَمَّا قُدِّرَ حَدُّهَا قُدِّرَ مُقَابِلُهُ وَهُنَا لَمْ يُقَدَّرْ حَدُّهُ فَلَمْ يُقَدَّرْ مُقَابِلُهُ وَكَأَنَّ حِكْمَةَ عَدَمِ التَّقْدِيرِ هُنَا. أَنَّهُ لَا ضَابِطَ لِلصِّيَالِ اهـ. س ل وَأَجَابَ م د عَلَى التَّحْرِيرِ بِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ مُحَقَّقٌ فَاشْتُرِطَ لَهُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ رُبُعَ دِينَارٍ. وَهُنَا الْقَتْلُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي حَرِيمِهِ) شَامِلٌ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ وَالْوَلَدِ اهـ. قَوْلُهُ: (عَنْ ذَلِكَ) ضَمَّنَ قَاتَلَ مَعْنَى دَافَعَ فَعَدَّاهُ بِعَنْ وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَتَكُونُ عَلَى تَعْلِيلِيَّةً عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] . قَوْلُهُ: (فَقَتَلَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ) أَوْ قَطَعَ أَوْ جَرَحَ بِالْأَوْلَى وَأَشَارَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ شَهِيدًا دَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ الْقَتْلَ وَالْقِتَالَ كَمَا أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ لَمَّا كَانَ شَهِيدًا كَانَ لَهُ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ وَفِي الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ حَتَّى لَوْ صَالَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ أَوْ الْمُسْتَعَارُ عَلَى مَالِكِهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ، الْمُضْطَرُّ إذَا قَتَلَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ دَفْعًا فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ كَمَا قَالَهُ الزَّبِيلِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَلَوْ صَالَ مُكْرَهًا عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ بَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ إنْ بَقِيَ رُوحُهُ بِمَالِهِ. كَمَا يَتَنَاوَلُ الْمُضْطَرُّ طَعَامَهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْمُكْرَهِ.   [حاشية البجيرمي] بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُفَرَّعٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: فَقَتَلَ وَالْقَتْلُ لَيْسَ قَيْدًا كَمَا عَلِمْت فَلَوْ زَادَ الْقَطْعَ وَالْجُرْحَ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ قِصَاصٍ. . . إلَخْ وَالْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْغُرَّةُ فِي الْجَنِين مَثَلًا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: بَهِيمَةٍ وَالْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْعَبْدُ. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ مَنْ قُتِلَ. . . إلَخْ) أَوَّلُ الْخَبَرِ. «مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ» . . . إلَخْ. فَحَذَفَ الشَّارِحُ أَوَّلَهُ فَفِيهِ أَرْبَعَةٌ. وَقَوْلُهُ مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ أَيْ إذَا حَمَلَ أَيْ الصَّائِلُ عَنْ الرِّدَّةِ أَوْ الزِّنَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ، عَلَى الدَّفْعِ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ. كَمَا قَالَهُ ح ل وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ عَقِبَ الْحَدِيثِ مَا نَصُّهُ وَيُقَاسُ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ لَوَفَّى بِالْمُرَادِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى غَيْرِهِ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ. فَهُوَ دَلِيلٌ لِبَعْضِ الْمُدَّعِي كَمَا قَالَهُ ق ل فَتَأَمَّلْ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (دُونَ دَمِهِ) أَيْ لِأَجْلِ الدَّفْعِ عَنْ دَمِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: دُونَ فِي أَصْلِهَا ظَرْفُ مَكَان بِمَعْنَى أَسْفَلَ وَتَحْتَ وَهُوَ نَقِيضُ فَوْقَ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَى لِأَجْلِ. قَوْلِهِ: (وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ. . . إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلِأَنَّهُ بِالْوَاوِ وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عِلَّةً لِقَوْلِهِ: وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ: وَالضَّمَانُ وَلَمْ يَقُلْ بَدَلَهُ وَالْإِثْمُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَقَتَلَهُ) أَيْ الْمَالِكُ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ وَالْمُسْتَعِيرُ) فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ بِصِيَالِهِ عَلَى سَيِّدِهِ لَمْ يَنْتَقِلْ الضَّمَانُ فِيهِ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ لِلسَّيِّدِ إذْ لَوْ انْتَقَلَ إلَيْهِ لَمْ يَضْمَنَاهُ مَعَ أَنَّهُمَا ضَامِنَانِ فَعَدَمُ انْتِقَالِ الضَّمَانِ عَنْهُمَا وَعَدَمُ ضَيَاعِهِمَا عَلَى الْمَالِكِ مَعَ أَنَّهُمَا صَالَا عَلَيْهِ وَقَدْ قَتَلَهُمَا وَلَمْ يَضْمَنْهُمَا دَلِيلٌ عَلَى هَدَرِهِمَا فِي حَقِّهِ لِصِيَالِهِمَا عَلَيْهِ وَإِلَّا لَسَقَطَ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ، لِمُبَاشَرَةِ الْمَالِكِ لِقَتْلِهِمَا اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ) حَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُسْتَثْنَى ثَلَاثُ مَسَائِلَ: مَسْأَلَةُ الْمُضْطَرِّ، وَمَسْأَلَةُ الْمُكْرَهِ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ، وَمَا إذَا لَمْ يُرَتِّبْ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَعِصْمَةُ الصَّائِلِ. قَوْلُهُ: (الْمُضْطَرُّ) أَيْ الصَّائِلُ الْمُضْطَرُّ إذَا قَتَلَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ وَهُوَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ) أَيْ وَإِنْ رَتَّبَ؛ لِأَنَّ الصَّائِلَ مَعْذُورٌ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ حَيْثُ رُتِّبَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَالَ مُكْرَهًا) أَيْ صَالَ صُورَةً فَإِنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةً صِيَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَعَدِّيًا وَلَا آثِمًا بَلْ صُورَةً وَلَوْ قَالَ: وَلَوْ أُكْرِهَ. . . إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ نَعَمْ لَوْ صَالَ مُكْرَهًا عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَهُ دَفْعُ صَائِلٍ وَهُوَ هُنَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَقَاتَلَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَلَهُ قِتَالُهُ وَقَوْلُهُ: مُكْرَهًا أَيْ إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ بِفَاحِشَةٍ أَوْ قَتْلٍ كَأَنْ قَالَ لَهُ: إنْ لَمْ تُتْلِفْ مَالَ هَذَا وَإِلَّا قَتَلْتُك كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: إنْ بَقِيَ رُوحُهُ. . . إلَخْ لَا بِإِتْلَافِ مَالٍ كَأَتْلِفْ مَالَ هَذَا وَإِلَّا أَتْلَفْت مَالَك فَلَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ تَمْكِينُ الْمُكْرَهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ) أَيْ لِعُذْرِهِ بِالْإِكْرَاهِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ) وَهُوَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُكْرِهُ لِلْمُكْرَهِ: إنْ لَمْ تُتْلِفْ مَالَ فُلَانٍ وَإِلَّا قَتَلْتُك. أَوْ قَطَعْت يَدَك أَوْ جَرَحْتُك جُرْحًا شَدِيدًا، وَأَمَّا إذَا قَالَ: إذَا لَمْ تُتْلِفْ مَالَ فُلَانٍ أَتْلَفْت مَالَك أَوْ ضَرَبْتُك ضَرْبًا شَدِيدًا فَلَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمَالُ الَّذِي يُرَادُ إتْلَافُهُ عَظِيمًا. قَوْلُهُ: (أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ ذَا رُوحٍ غَيْرَ آدَمِيٍّ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْآدَمِيِّ وَكُلٌّ مِنْ الْمُكْرِهِ وَالْمُكْرَهِ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ وَقَرَارُهُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ وَفِي النَّفْسِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ مَالًا كَرَقِيقٍ؛ لِأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ بِخِلَافِ إتْلَافِ الْمَالِ غَيْرِ ذِي الرُّوحِ. اهـ. ح ل وم ر. قَوْلُهُ: (كَمَا يُنَاوِلُ الْمُضْطَرَّ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ أَوَّلٌ وَ " طَعَامَهُ " مَفْعُولٌ ثَانٍ وَيُسْتَفَادُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَالِ قَدْ يُخْرِجُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، كَالْكَلْبِ الْمُقْتَنَى وَالسَّرْجَيْنِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ إلْحَاقُهُ بِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَهُ دَفْعُ مُسْلِمٍ عَنْ ذِمِّيٍّ وَوَالِدٍ عَنْ وَلَدِهِ وَسَيِّدٍ عَنْ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالٍ لَا رُوحَ فِيهِ لِأَنَّهُ تَجُوزُ إبَاحَتُهُ لِلْغَيْرِ أَمَّا مَا فِيهِ رُوحٌ فَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ إذَا قَصَدَ إتْلَافَهُ مَا لَمْ يَخْشَ عَلَى نَفْسِهِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ. وَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ بُضْعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إبَاحَتِهِ وَسَوَاءٌ بُضْعُ أَهْلِهِ وَغَيْرِهِمْ وَمِثْلُ الْبُضْعِ مُقَدِّمَاتُهُ وَعَنْ نَفْسِهِ إذَا قَصَدَهَا كَافِرٌ وَلَوْ مَعْصُومًا إذْ غَيْرُ الْمَعْصُومِ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَالْمَعْصُومُ بَطَلَتْ حُرْمَتُهُ بِصِيَالِهِ وَلِأَنَّ الِاسْتِسْلَامَ لِلْكَافِرِ ذُلٌّ فِي الدِّينِ أَوْ قَصَدَهَا بَهِيمَةٌ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ لِاسْتِبْقَاءِ الْآدَمِيِّ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِسْلَامِ لَهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ عُضْوَهُ وَمَنْفَعَتَهُ كَنَفْسِهِ وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ إذَا قَصَدَهَا مُسْلِمٌ وَلَوْ مَجْنُونًا بَلْ يَجُوزُ الِاسْتِسْلَامُ لَهُ بَلْ يُسَنُّ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «كُنْ خَيْرَ ابْنَيْ آدَمَ» يَعْنِي قَابِيلَ وَهَابِيلَ. وَالدَّفْعُ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا كَالدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ فَيَجِبُ حَيْثُ يَجِبُ وَيَنْتَفِي حَيْثُ يَنْتَفِي وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: «مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُسْلِمٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ قَادِرٌ أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ   [حاشية البجيرمي] مِنْهُ وُجُوبُ الْبَدَلِ عَلَى الصَّائِلِ إنْ أَتْلَفَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْمُكْرَهِ وَصَاحِبِ الْمَالِ دَفْعُ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ دَفْعُ مُسْلِمٍ عَنْ ذِمِّيٍّ) ظَاهِرُهُ الْجَوَازُ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بَلْ يَجِبُ أَيْ الدَّفْعُ فِي بُضْعٍ وَنَفْسٍ وَلَوْ مَمْلُوكَةً قَصَدَهَا غَيْرُ مُسْلِمٍ مَحْقُونُ الدَّمِ بِأَنْ يَكُونَ كَافِرًا وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ بَهِيمَةً أَوْ مُسْلِمًا غَيْرَ مَحْقُونِ الدَّمِ كَزَانٍ مُحْصَنٍ فَإِنْ قَصَدَهَا مُسْلِمٌ مَحْقُونُ الدَّمِ فَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ بَلْ يَجُوزُ الِاسْتِسْلَامُ لَهُ اهـ. وَقَوْلُهُ: غَيْرُ مُسْلِمٍ. قَضِيَّةُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ الذِّمِّيِّ عَنْ الذِّمِّيِّ لَا الْمُسْلِمِ عَنْ الذِّمِّيِّ فَلْيُحَرَّرْ. وَلَكِنْ وَافَقَ م ر عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ كُلٍّ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ عَنْ الذِّمِّيِّ وَيُفَارِقُ الْمُسْلِمُ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِسْلَامُ لِلْمُسْلِمِ وَلَا يَجِبُ دَفْعُ الْمُسْلِمِ عَنْهُ بِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي نَيْلِ الشَّهَادَةِ دُونَ الذِّمِّيِّ إذْ لَا تَحْصُلُ لَهُ الشَّهَادَةُ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ كَافِرًا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يَأْتِي فِي الْجِهَادِ فِيمَا إذَا دَخَلَ الْكُفَّارُ بِلَادَنَا مِنْ أَنَّ مَنْ قَصَدُوهُ إذَا جُوِّزَ الْأَسْرُ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ قُتِلَ جَازَ لَهُ الِاسْتِسْلَامُ فَانْظُرْهُ اهـ. سم وَفِي حَاشِيَةِ ز ي أَنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ الْمَالِ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَالْمَرْهُونِ وَفِي حَاشِيَةِ ح ل. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا، نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ حَيْثُ لَا مَشَقَّةَ اهـ وَيَجِبُ عَلَى الْوُلَاةِ عَنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَعِبَارَةُ م ر وَالْأَوْجَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ لُزُومُ الْإِمَامِ وَنُوَّابِهِ الدَّفْعَ عَنْ أَمْوَالِ رَعَايَاهُمْ. اهـ. م د. قَالَ م ر: وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُسَلِّمَ لِمَنْ صَالَ عَلَيْهَا أَنْ يَزْنِيَ بِهَا مَثَلًا وَإِنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَمَّا لَا رُوحَ فِيهِ. . . إلَخْ) مَا لَمْ يَكُنْ لِصَغِيرٍ أَوْ يَتِيمٍ وَإِلَّا وَجَبَ الدَّفْعُ وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا فِيهِ رُوحٌ كَنَفْسٍ وَلَوْ مَمْلُوكَةً لِلصَّائِلِ فَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ فَمَنْ رَأَى شَخْصًا يُحْرِقُ مَالَ نَفْسِهِ جَازَ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْهُ أَوْ رَآهُ يُرِيدُ قَتْلَ مَمْلُوكِهِ أَوْ رَآهُ يَزْنِي بِمَمْلُوكِهِ وَجَبَ دَفْعُهُ كَمَا ذَكَرَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (لِحُرْمَةِ الرُّوحِ) عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الدَّفْعِ. قَوْلُهُ: (عَنْ بُضْعٍ) وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ وَسَوَاءٌ قَصَدَهُ مُسْلِمٌ مَحْقُونُ الدَّمِ أَمْ لَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ م ر. قَوْلُهُ: (عَنْ نَفْسِهِ إذَا قَصَدَهَا كَافِرٌ) مِثْلُهُ الزَّانِي الْمُحْصَنُ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَصَدَهَا بَهِيمَةٌ) خَرَجَ مَا لَوْ حَالَتْ بَهِيمَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ فَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا، وَيَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ بِدَفْعِهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يُسَنُّ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ مِلْكًا تَوَحَّدَ فِي مِلْكِهِ أَوْ عَالِمًا تَوَحَّدَ فِي زَمَانِهِ وَكَانَ فِي بَقَائِهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ فَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِسْلَامُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ ز ي. قَوْلُهُ: (كُنْ خَيْرَ ابْنَيْ آدَمَ) يَعْنِي هَابِيلَ الَّذِي قَتَلَهُ قَابِيلُ أَيْ وَخَيْرُهُمَا الْمَقْتُولُ لِكَوْنِهِ اسْتَسْلَمَ لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يَدْفَعْ عَنْ نَفْسِهِ وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ قَتْلٍ يُؤَدِّي إلَى شَهَادَةٍ مِنْ غَيْرِ ذُلٍّ دِينِيٍّ كَمَا هُنَا شَرْحُ م ر بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ حَيْثُ يَجِبُ) أَيْ يَجِبُ إذَا قَصَدَهَا غَيْرُ مُسْلِمٍ مَحْقُونُ الدَّمِ وَلَا يَجِبُ إذَا قَصَدَهَا مُسْلِمٌ مَحْقُونُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ إنْ أَمْكَنَ. فَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِكَلَامٍ أَوْ اسْتِغَاثَةٍ حَرُمَ الدَّفْعُ بِالضَّرْبِ أَوْ بِضَرْبٍ بِيَدٍ حَرُمَ بِسَوْطٍ أَوْ بِسَوْطٍ حَرُمَ بِعَصًا أَوْ بِعَصًا حَرُمَ بِقَطْعِ عُضْوٍ أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ حَرُمَ قَتْلٌ لِأَنَّ ذَلِكَ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْأَثْقَلِ مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِالْأَسْهَلِ، وَفَائِدَةُ هَذَا التَّرْتِيبِ أَنَّهُ مَتَى خَالَفَ وَعَدَلَ إلَى رُتْبَةٍ مَعَ إمْكَانِ الِاكْتِفَاءِ بِمَا دُونَهَا ضَمِنَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّرْتِيبِ مَا لَوْ الْتَحَمَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمَا وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ عَنْ الضَّبْطِ سَقَطَ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ. وَمَا لَوْ كَانَ الصَّائِلُ يَنْدَفِعُ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْمَصُولُ عَلَيْهِ لَا يَجِدُ إلَّا السَّيْفَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ الضَّرْبَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ إلَّا بِهِ وَلَيْسَ بِمُقَصِّرٍ فِي تَرْكِ اسْتِصْحَابِ السَّوْطِ وَنَحْوِهِ. وَعَلَى التَّرْتِيبِ إنْ أَمْكَنَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ هَرَبٌ أَوْ الْتِجَاءٌ لِحِصْنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ وَتَحْرِيمُ قِتَالٍ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ بِالْأَهْوَنِ فَالْأَهْوَنِ وَمَا ذَكَرَهُ أَسْهَلُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَعْدِلُ إلَى الْأَشَدِّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ بِقَوْلِهِ: (وَعَلَى رَاكِبِ) الدَّابَّةِ وَسَائِقِهَا وَقَائِدِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ   [حاشية البجيرمي] الدَّمِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ) وَمِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا ظَنِّ رِضَاهُ وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ عَدَمَ الصِّيَالِ بِيَمِينِهِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى صِيَالِهِ كَهُجُومٍ بِنَحْوِ سَيْفٍ وَضَعْفِ الْمَصُولِ عَلَيْهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (بِالْأَخَفِّ) إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَعْصُومٍ وَقَوْلُهُ: إنْ أَمْكَنَ فَلَوْ خَافَ أَنْ يَنَالَ مِنْهُ الصَّائِلُ مَا يَضُرُّهُ لَوْ ارْتَكَبَ التَّدْرِيجَ، فَلَهُ تَرْكُهُ اهـ سم. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِكَلَامٍ) فِي الْمَنْهَجِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْهَرَبِ فَبِالزَّجْرِ فَالِاسْتِغَاثَةِ فَالضَّرْبِ بِالْيَدِ فَبِالسَّوْطِ فَبِالْعَصَا فَالْقَطْعِ فَالْقَتْلِ فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الزَّجْرِ وَالِاسْتِغَاثَةِ ح ل. وَمَحِلُّ الْهَرَبِ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّ الْهَرَبَ يُنْجِيهِ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا هَرَبَ طَمِعَ فِيهِ؛ وَتَبِعَهُ، جَازَ الْقَتْلُ ابْتِدَاءً وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ مِنْ فَحْلٍ صَائِلٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَهْرُبْ فَقَتَلَهُ دَفْعًا ضَمِنَ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْهَرَبِ عَلَيْهِ، إذَا صَالَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ وَفِي حِلِّ أَكْلِ لَحْمِ الْفَحْلِ تَرَدُّدٌ أَيْ وَجْهَانِ وَجْهٌ مَنَعَ الْحِلَّ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الذَّبْحَ وَالْأَكْلَ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالرَّاجِحُ الْحِلُّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ. اهـ. رَوْضٌ وَشَرْحُهُ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ دَفْعِ الصَّائِلِ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ بِكَفِّ شَرِّهِ عَنْ الْمَصُولِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِهَلَاكِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. حَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْهَلَاكِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ شَرُّهُ إلَّا بِالسِّحْرِ وَكَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ يَعْرِفُ مَا يَمْنَعُ الصَّائِلَ عَنْ صِيَالِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ السِّحْرَ حَرَامٌ لِذَاتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) وَلَوْ بِالْقِصَاصِ أَيْ حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُ الْقِصَاصِ بِأَنْ دَفَعَهُ، بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَمَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ شَرْحُ شَيْخِنَا. وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ وُجُوبَ تَقْدِيمِ الزَّجْرِ عَلَى الِاسْتِغَاثَةِ مِنْ حَيْثُ الْحُرْمَةُ إذْ لَا ضَمَانَ فِيهِمَا وَكَذَا غَيْرُهُمَا مِمَّا فِيهِ التَّرْتِيبُ فَسَقَطَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَلَوْ أَمْكَنَ الْمَصُولَ عَلَيْهِ خَلَاصُ نَفْسِهِ بِهَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ الْمُقَاتَلَةُ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (سَقَطَ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ) وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ صُدِّقَ الدَّافِعُ وَعِبَارَةُ ز ي وَيُصَدَّقُ الدَّافِعُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي فِي عَدَمِ إمْكَانِ التَّخَلُّصِ بِدُونِ مَا دَفْعٍ لَهُ لِعُسْرِ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَنَّ لَهُ الضَّرْبَ بِهِ) ثُمَّ يُقَيَّدُ بِكَوْنِهِ يُرَتِّبُ فَيَضْرِبُ أَوَّلًا بِعَرْضِهِ، ثُمَّ بِظَهْرِهِ ثُمَّ بِحَدِّهِ بَلْ أَطْلَقَهُ عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ أَوْ لَا وَفِيهِ وَقْفَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ بِالْأَخَصِّ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى رَاكِبِ الدَّابَّةِ) سَوَاءٌ كَانَ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى قَالَ سم: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ تَضْمِينُ الرَّاكِبِ وَإِنْ كَانَ الزِّمَامُ بِيَدِ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ يَضْمَنُ إذَا كَانَ أَعْمَى مَعَهُ بَصِيرٌ يَقُودُهُ وَأَنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ غَلَبَتْهُ الدَّابَّةُ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ. اهـ. م د وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الرَّاكِبَ لَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ مَعَهُ قَائِدٌ وَسَائِقٌ إلَّا إذَا كَانَ بَصِيرًا مُمَيِّزًا وَكَانَ الزِّمَامُ بِيَدِهِ اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَلَوْ صَحِبَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ اسْتَوَيَا فِي الضَّمَانِ أَوْ رَاكِبٌ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا ضَمِنَ الرَّاكِبُ فَقَطْ اهـ. أَيْ؛ لِأَنَّ اسْتِيلَاءَهُ عَلَيْهَا أَقْوَى وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي تَرْكَبُ الْآنَ مَعَ الْمُكَارِي م ر سم وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيَاسُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ الضَّمَانَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَعْمَى عَلَى قَائِدِ الدَّابَّةِ إنْ كَانَ زِمَامُهَا بِيَدِهِ. أَيْ الْقَائِدِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ رَكِبَهَا اثْنَانِ فَعَلَى الْمُقَدَّمِ دُونَ الرَّدِيفِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ اهـ شَرْحُ م ر. قَالَ ع ش: وَيُؤْخَذُ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 مَالِكًا أَمْ مُسْتَأْجِرًا أَمْ مُودِعًا أَمْ مُسْتَعِيرًا أَمْ غَاصِبًا. (ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْهُ دَابَّتُهُ) أَيْ الَّتِي يَدُهُ عَلَيْهَا بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ نَفْسًا وَمَالًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَعَلَيْهِ تَعَهُّدُهَا وَحِفْظُهَا، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهَا كَانَ فِعْلُهَا مَنْسُوبًا إلَيْهِ. وَإِلَّا نُسِبَ إلَيْهَا كَالْكَلْبِ إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ وَقَتَلَ الصَّيْدَ حَلَّ وَإِنْ اُسْتُرْسِلَ بِنَفْسِهِ فَلَا فَجِنَايَتُهَا كَجِنَايَتِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ مَعَ رَاكِبٍ فَهَلْ يَخْتَصُّ الضَّمَانُ بِالرَّاكِبِ أَوْ يَجِبُ أَثْلَاثًا؟ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا الْأَوَّلُ. وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا رَاكِبَانِ فَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَوْ يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ دُونَ الرَّدِيفِ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا   [حاشية البجيرمي] هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَخْلٌ فِي سَيْرِهَا كَمَرِيضٍ وَصَغِيرٍ اُخْتُصَّ الضَّمَانُ بِالرَّدِيفِ اهـ بِحُرُوفِهِ. فَلَوْ كَانَا فِي جَانِبِهَا ضَمِنَا فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا وَاحِدٌ عَلَى الْقَتَبِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا كَمَا قَالَهُ الطَّبَلَاوِيُّ وَقِيلَ: عَلَيْهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ سم وَلَوْ كَانَ الرَّاكِبُ مِمَّنْ يَضْبِطُهَا وَلَكِنْ غَلَبَتْهُ بِفَزَعٍ مِنْ شَيْءٍ مَثَلًا وَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الضَّمَانِ قَالَهُ سم. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْيَدَ مَوْجُودَةٌ حَالَ الْفَزَعِ كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ مَعَ قَطْعِ اللِّجَامِ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْيَدُ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ الْفَزَعِ إلَّا أَنَّ فِعْلَهَا لَمْ يُنْسَبْ فِيهِ وَاضِعُ الْيَدِ إلَى تَقْصِيرٍ مَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ هَاجَتْ الرِّيَاحُ بَعْدَ إحْكَامِ مَلَّاحِ السَّفِينَةِ آلَاتِهَا وَقَدْ قِيلَ فِيهَا بِعَدَمِ الضَّمَانِ لِانْتِفَاءِ تَقْصِيرِ الْمَلَّاحِ بِخِلَافِ قَطْعِ اللِّجَامِ فَإِنَّ الرَّاكِبَ مَنْسُوبٌ فِيهِ لِتَقْصِيرٍ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الدَّابَّةِ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ إحْكَامِهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ ق ل وَلَوْ غَلَبَتْ رَاكِبَهَا وَأَتْلَفَتْ شَيْئًا ضَمِنَهُ لِتَقْصِيرِهِ بِرُكُوبِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى ضَبْطِهِ. وَشَأْنُهُ أَنْ يَضْبِطَ وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ السَّفِينَةَ وَخَرَجَ بِغَلَبَتِهَا لَهُ مَا لَوْ انْفَلَتَتْ قَهْرًا عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ اهـ قَوْلُهُ: (وَسَائِقُهَا) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ صَحِبَ دَابَّةً اهـ قَوْلُهُ: صَحِبَ وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَمَا فِي م ر أَيْ صَحِبَهَا فِي الطَّرِيقِ فَيَخْرُجُ مَا إذَا صَحِبَهَا فِي مَسْكَنِهِ فَدَخَلَ فِيهِ إنْسَانٌ فَرَمَحَتْهُ أَوْ عَضَّتْهُ فَلَا ضَمَانَ إنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ أَعْلَمَهُ كَمَا قَالَهُ س ل قَالَ شَيْخُنَا: وَالْمُرَادُ بِالْمُصَاحَبَةِ الْمُصَاحَبَةُ الْعُرْفِيَّةُ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ رَعَى الْبَقَرَ فِي الصَّحْرَاءِ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُعَدُّ مُصَاحِبًا. قَوْلُهُ: (أَمْ مُسْتَأْجِرًا) أَوْ قِنًّا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ أَمْ لَا وَيَتَعَلَّقُ مُتْلِفُهَا بِرَقَبَتِهِ وَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَلُقَطَةٍ أَقَرَّهَا مَالِكُهُ بِيَدِهِ فَتَلِفَتْ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَبَقِيَّةُ أَمْوَالِ السَّيِّدِ بِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ ثُمَّ يَتْرُكُهَا بِيَدِهِ الْمُنَزَّلَةِ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَدَعْوَى أَنَّ الْقِنَّ لَا يَدَ لَهُ مَمْنُوعَةٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْيَدِ هُنَا الْمُقْتَضِيَةَ لِمِلْكٍ بَلْ الْمُقْتَضِيَةَ لِلضَّمَانِ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَهُ يَدٌ كَمَا لَا يَخْفَى شَرْحُ م ر اهـ. قَوْلُهُ: (أَمْ غَاصِبًا) قَالَ شَيْخُنَا: وَكَذَا الْمُكْرَهُ لَكِنْ قُرِّرَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ فَرَاجِعْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر شَمِلَ الْمُكْرَهَ بِفَتْحِ الرَّاءِ فَيَضْمَنُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَكْرَهَهُ عَلَى رُكُوبِ الدَّابَّةِ لَا عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ حَيْثُ قِيلَ: فِيهِ إنَّ كُلًّا طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ. قَوْلُهُ: (ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ) وَكَذَا مَا أَتْلَفَهُ وَلَدُهَا مَعَهَا؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ يَدًا. قَوْلُهُ: (أَيْ الَّتِي يَدُهُ عَلَيْهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَمَا يَقَعُ كَثِيرًا بِأَزِقَّةِ مِصْرَ مِنْ دُخُولِ الْجِمَالِ مَثَلًا بِالْأَحْمَالِ ثُمَّ إنَّهُمْ يَضْطَرُّونَ الْمُشَاةَ أَوْ غَيْرَهُمْ فَيَقَعُ الْمُضْطَرُّ فَيَتْلَفُ مَتَاعُهُ فَالضَّمَانُ عَلَى سَائِقِ الْجِمَالِ وَإِنْ كَثُرُوا؛ لِأَنَّهُمْ مَنْسُوبُونَ إلَيْهِ وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ الْمَزْحُومُ الْجَمَلَ بِحِمْلِهِ مَثَلًا عَلَى غَيْرِهِ فَأَتْلَفَ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ لَا عَلَى مَنْ مَعَهُ الدَّابَّةُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (نَفْسًا وَمَالًا) فَضَمَانُ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَضَمَانُ الْمَالِ عَلَيْهِ ز ي. قَوْلُهُ: (كَالْكَلْبِ) التَّشْبِيهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا قَصَّرَ صَاحِبُ الطَّعَامِ بِوَضْعِهِ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَعَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا كَالْكَلْبِ الْغَيْرِ الْمُرْسَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعَهَا كَالْكَلْبِ الَّذِي أَغْرَاهُ صَاحِبُهُ. اهـ. م د. وَمِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْآنَ مِنْ إحْدَاثِ مَصَاطِبَ أَمَامَ الْحَوَانِيتِ بِالشَّارِعِ وَوَضْعِ أَصْحَابِهَا عَلَيْهَا، بَضَائِعَ لِلْبَيْعِ كَالْحَضَرِيَّةِ مَثَلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ أَتْلَفَتْ دَابَّتُهُ شَيْئًا مِنْهَا بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَقْصِيرِ صَاحِبِ الْبِضَاعَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (كَجِنَايَتِهِ) أَيْ جِنَايَةِ الْكَلْبِ فِي أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي الضَّمَانِ إذَا كَانَ مَعَهَا صَاحِبُهَا دُونَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِإِرْسَالِهَا وَحْدَهَا كَمَا يَأْتِي كَمَا أَنَّ جِنَايَةَ الْكَلْبِ بِاصْطِيَادِهِ تُؤَثِّرُ فِي الْحِلِّ إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ دُونَ مَا إذَا لَمْ يُرْسِلْهُ فَإِرْسَالُهُ بِمَنْزِلَةِ مُصَاحَبَةِ مَالِكِ الدَّابَّةِ لَهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُمَا. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أُطْلِقَ ضَمَانُ النَّفْسِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ صُوَرٌ الْأُولَى: لَوْ أَرْكَبَهَا أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. الثَّانِيَةُ لَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ فَنَخَسَهَا إنْسَانٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا قَيَّدَهُ الْبَغَوِيّ. فَرَمَحَتْ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ فَإِنْ أَذِنَ الرَّاكِبُ فِي النَّخْسِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، الثَّالِثَةُ لَوْ غَلَبَتْهُ دَابَّتُهُ فَاسْتَقْبَلَهَا إنْسَانٌ فَرَدَّهَا فَأَتْلَفَتْ فِي انْصِرَافِهَا شَيْئًا ضَمِنَهُ الرَّادُّ. الرَّابِعَةُ: لَوْ سَقَطَتْ الدَّابَّةُ مَيِّتَةً فَتَلِفَ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْهُ. وَكَذَا لَوْ سَقَطَ هُوَ مَيِّتًا عَلَى شَيْءٍ وَأَتْلَفَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِسُقُوطِهَا مَيِّتَةً سُقُوطُهَا بِمَرَضٍ أَوْ عَارِضِ رِيحٍ شَدِيدٍ وَنَحْوِهِ. الْخَامِسَةُ لَوْ كَانَ مَعَ الدَّوَابِّ رَاعٍ فَهَاجَتْ رِيحٌ وَأَظْلَمَ النَّهَارُ فَتَفَرَّقَتْ الدَّوَابُّ فَوَقَعَتْ فِي زَرْعٍ فَأَفْسَدَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي فِي الْأَظْهَرِ لِلْغَلَبَةِ كَمَا لَوْ نَدَّ بَعِيرُهُ أَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ مِنْ يَدِهِ فَأَفْسَدَتْ شَيْئًا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَفَرَّقَتْ الْغَنَمُ لِنَوْمِهِ فَيَضْمَنُ، وَلَوْ انْتَفَخَ مَيِّتٌ فَتَكَسَّرَ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْهُ، بِخِلَافِ طِفْلٍ سَقَطَ عَلَى شَيْءٍ لِأَنَّ لَهُ فِعْلًا بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَلَوْ بَالَتْ دَابَّتُهُ أَوْ رَاثَتْ بِمُثَلَّثَةٍ بِطَرِيقٍ وَلَوْ وَاقِفَةً فَتَلِفَتْ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ، كَأَصْلِهِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَا تَخْلُو عَنْ ذَلِكَ، وَالْمَنْعَ مِنْ الطُّرُوقِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَا أَتْلَفَتْهُ دَابَّتُهُ إذَا لَمْ يُقَصِّرْ صَاحِبُ الْمَالِ فِيهِ، فَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ وَضَعَ الْمَالَ بِطَرِيقٍ أَوْ عَرَضَهُ لِلدَّابَّةِ فَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ وَحْدَهَا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ نَهَارًا لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهَا أَوْ لَيْلًا ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ بِإِرْسَالِهَا لَيْلًا بِخِلَافِهِ نَهَارًا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَرْجَحُهُمَا الْأَوَّلُ) مُعْتَمَدٌ؛ لِأَنَّ اسْتِيلَاءَهُ عَلَيْهَا أَقْوَى. قَوْلُهُ: (أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَكُنْ صَغِيرًا أَوْ أَعْمَى قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: جَزَمَ بِهِ م ر وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِمَا بِحَيْثُ يُقْضَى لَهُمَا بِهَا فِيمَا لَوْ تَنَازَعَاهَا إلَّا أَنَّ فِعْلَهَا مَنْسُوبٌ لِلْمُقَدَّمِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُتَقَدَّمُ لَا أَثَرَ لَهُ بِحَيْثُ كَانَ سَيْرُهَا مَنْسُوبًا لِلْمُؤَخَّرِ فَقَطْ كَأَنْ رَكِبَهَا إنْسَانٌ وَاحْتَضَنَ مَرِيضًا لَا حَرَكَةَ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ الْمُؤَخَّرَ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَاقِلَةِ) ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: وَعَلَى رَاكِبِ الدَّابَّةِ. . . إلَخْ. وَفِي بَعْضِ الصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ الضَّمَانُ عَلَى غَيْرِ رَاكِبِ الدَّابَّةِ فِي بَعْضِهَا لَا ضَمَانَ أَصْلًا فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ بِالْمَرَّةِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاكِبِ أَعَمُّ مِنْ نَفْيِ الضَّمَانِ بِالْمَرَّةِ أَوْ وُجُوبِهِ عَلَى غَيْرِ الرَّاكِبِ وَقَوْلُهُ: صُوَرٌ أَيْ خَمْسَةٌ. قَوْلُهُ: (صَبِيًّا) مَفْعُولٌ لِأَرْكَبَهَا. قَوْلُهُ: (فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ) وَلَوْ كَانَ مِثْلُهُمَا يَضْبِطُ الدَّابَّةَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَقَوْلُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: لَا يَضْبِطُهَا لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ ع ش قَالَ فِي الْبَيَانِ: إنْ أَرْكَبَهَا الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ لِمَصْلَحَتِهِ وَكَانَ مِمَّنْ يَضْبِطُهَا ضَمِنَ الصَّبِيُّ وَإِلَّا ضَمِنَ الْوَلِيُّ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (فَرَمَحَتْ) أَيْ رَفَصَتْ. قَوْلُهُ: (عَلَى النَّاخِسِ) وَلَوْ رَقِيقًا قَالَ ع ش عَلَى م ر: أَيْ وَلَوْ صَغِيرًا مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْحَالُ بَيْنَ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَهُ الرَّادُّ) مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الرَّاكِبُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا وَمَا لَمْ يَخَفْ أَيْ الرَّادُّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مِنْهَا وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يُنْسَبَ رَدُّهَا إلَيْهِ وَلَوْ بِإِشَارَةٍ فَإِنْ رَجَعَتْ فَزَعًا مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ فَالشُّرُوطُ ثَلَاثَةٌ اهـ م د. وَقَوْلُهُ: ضَمِنَهُ الرَّادُّ اُنْظُرْ إلَى مَتَى يَسْتَمِرُّ ضَمَانُهُ وَلَعَلَّهُ مَا دَامَ سَيْرُهَا مَنْسُوبًا لِذَلِكَ الرَّادِّ فَلْيُرَاجَعْ رَشِيدِيٌّ. قَوْلُهُ: (سُقُوطُهَا بِمَرَضٍ) يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر. أَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فِيهِمَا بَلْ الْمُعْتَمَدُ الضَّمَانُ وَعِبَارَةُ م ر. وَإِلْحَاقُ الزَّرْكَشِيّ بِسُقُوطِهِ بِالْمَوْتِ سُقُوطَهُ بِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ فِيهِ نَظَرٌ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ. اهـ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ ح ل وَنَصُّهُ وَلَوْ سَقَطَتْ مَيْتَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا سَقَطَتْ لِمَرَضٍ أَوْ رِيحٍ؛ لِأَنَّ لِلْحَيِّ فِعْلًا بِخِلَافِ الْمَيِّتِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ وَحْدَهَا) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِ الْمَتْنِ وَعَلَى رَاكِبِ الدَّابَّةِ. . . إلَخْ الْمُرَادُ مِنْهُ مَنْ صَحِبَهَا فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ مَا إذَا كَانَتْ وَحْدَهَا وَعِبَارَةُ سم. وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ وَحْدَهَا فَإِنْ اُعْتِيدَ إرْسَالُهَا وَحْدَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا فَالضَّمَانُ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَيْلًا ضَمِنَ) أَيْ إنْ قَصَّرَ صَاحِبُهَا فِي إرْسَالِهَا لَيْلًا، وَأَمَّا إذَا فَتَحَتْ الْبَابَ وَحْدَهَا أَوْ قَطَعَتْ الْحَبْلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 وَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ فِي حِفْظِ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ نَهَارًا وَالدَّابَّةِ لَيْلًا، وَلَوْ تَعَوَّدَ أَهْلُ الْبَلَدِ إرْسَالَ الدَّوَابِّ أَوْ حِفْظَ الزَّرْعِ لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ. انْعَكَسَ الْحُكْمُ فَيَضْمَنُ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ اتِّبَاعًا لِمَعْنَى الْخَبَرِ وَلِلْعَادَةِ وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِحِفْظِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ضَمِنَ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا. تَتِمَّةٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ الدَّوَابِّ الْحَمَامُ وَغَيْرُهُ مِنْ الطُّيُورِ فَلَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِهَا مُطْلَقًا كَمَا حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْعَادَةَ إرْسَالُهَا وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ النَّحْلُ. وَقَدْ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي نَحْلٍ لِإِنْسَانٍ قَتَلَ جَمَلًا لِآخَرَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ صَاحِبَ النَّحْلِ لَا يُمْكِنُهُ ضَبْطُهُ وَالتَّقْصِيرُ مِنْ صَاحِبِ الْجَمَلِ، وَلَوْ أَتْلَفَتْ الْهِرَّةُ طَيْرًا أَوْ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ إنْ عُهِدَ ذَلِكَ مِنْهَا ضَمِنَ مَالِكُهَا أَوْ صَاحِبُهَا الَّذِي يَأْوِيهَا مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا وَكَذَا كُلُّ حَيَوَانٍ مُولَعٍ بِالتَّعَدِّي   [حاشية البجيرمي] وَخَرَجَتْ وَحْدَهَا لَمْ يَضْمَنْ وَمَحِلُّ ضَمَانِهِ إنْ لَمْ يُقَصِّرْ صَاحِبُ الْمَالِ فَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ حَضَرَ وَلَمْ يَدْفَعْ عَنْهُ، أَوْ كَانَ لَهُ بَابٌ فَتَرَكَهُ مَفْتُوحًا أَوْ وَضَعَهُ فِي طَرِيقٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا مَا لَمْ يُفَرِّطْ صَاحِبُ الْمَالِ وَمَحِلُّ التَّفْصِيلِ فِي إرْسَالِ الدَّابَّةِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي إرْسَالِهَا إلَى الصَّحْرَاءِ، أَمَّا إرْسَالُهَا فِي الْبَلَدِ فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ وَالْعِبْرَةُ بِالْعَادَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ مَحِلٍّ بِإِرْسَالِ الدَّوَابِّ لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَا ضَمَانَ أَوْ بِحِفْظِهَا لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ ضَمِنَ لَيْلًا لَا نَهَارًا. وَلَوْ انْعَكَسَ الْحُكْمُ انْعَكَسَ الضَّمَانُ أَيْضًا وَقَدْ سُئِلْت عَنْ حَادِثَةٍ تَقَعُ فِي الشَّامِّ هِيَ أَنَّهُ قَدْ جَرَتْ عَادَتْهُمْ بِإِرْسَالِ الدَّوَابِّ فَمَرَّتْ دَابَّةٌ فِي طَرِيقٍ فَصَادَفَتْ إنْسَانًا قَاعِدًا فِي الطَّرِيقِ فَقَامَ فَجَفَلَتْ مِنْهُ وَتَلِفَتْ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ يَضْمَنُ الدَّابَّةَ اهـ كَاتِبُهُ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (يُسْتَثْنَى مِنْ الدَّوَابِّ الْحَمَامُ) أَطْلَقَ عَلَى الْحَمَامِ دَابَّةً نَظَرًا إلَى أَصْلِ اللُّغَةِ وَخَصَّ الْعُرْفُ الدَّابَّةَ بِذَاتِ الْأَرْبَعِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَكُلُّ حَيَوَانٍ فِي الْأَرْضِ دَابَّةٌ وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فَأَخْرَجَ الطَّيْرَ مِنْ الدَّوَابِّ وَرُدَّ بِالسَّمَاعِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور: 45] قَالُوا: أَيْ خَلَقَ كُلَّ حَيَوَانٍ مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْفَرَسِ وَالْبَغْلِ بِالدَّابَّةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَعُرْفٌ طَارِئٌ وَتُطْلَقُ الدَّابَّةُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْجَمْعُ الدَّوَابُّ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِهَا مُطْلَقًا) أَيْ كَانَ مَعَهَا صَاحِبُهَا أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (بِعَدَمِ الضَّمَانِ) مِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر فَسَقَطَ تَضْعِيفٌ لَهُ وَعِبَارَةُ م ر. وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي نَحْلٍ لِإِنْسَانٍ قَتَلَ جَمَلًا لِآخَرَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ضَبْطُهُ وَلِتَقْصِيرِ صَاحِبِهِ حَيْثُ لَمْ يَضَعْهُ فِي بَيْتٍ مُسْقَفٍ، أَوْ لَمْ يَضَعْ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ النَّحْلِ إلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْجَمَلِ فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَتْلَفَتْ الْهِرَّةُ) وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهَا إلَّا وَقْتَ صِيَالِهَا وَلَا بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهَا يَسْهُلُ م ر. قَوْلُهُ: (إنْ عُهِدَ) أَيْ وَلَوْ مَرَّةً ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ صَاحِبُهَا الَّذِي يَأْوِيهَا) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ يَدٌ عَلَيْهَا كَأَنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لَهَا أَوْ مُسْتَعِيرًا نَعَمْ إنْ انْفَلَتَتْ قَهْرًا فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ فِيهِ كَمَا مَرَّ. اهـ. م ر. فَرْعٌ: أَفْتَى ابْنُ عُجَيْلٍ فِي دَابَّةٍ نَطَحَتْ أُخْرَى بِالضَّمَانِ إنْ كَانَ النَّطْحُ طَبْعَهَا وَعَرَفَهُ صَاحِبُهَا أَيْ قَدْ أَرْسَلَهَا أَوْ قَصَّرَ فِي رَبْطِهَا وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ مَا بِيَدِهِ وَإِلَّا ضَمِنَ مُطْلَقًا. اهـ. س ل وَلَوْ نَفَّرَ شَخْصُ دَابَّةً مُسَيَّبَةً عَنْ زَرْعِهِ فَوْقَ قَدْرِ الْحَاجَةِ ضَمِنَهَا أَيْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَيَنْبَغِي إذَا نَفَّرَهَا أَنْ لَا يُبَالِغَ فِي إبْعَادِهَا بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَعُودُ مِنْهُ إلَى زَرْعِهِ وَإِنْ أَخْرَجَهَا عَنْ زَرْعِهِ إلَى زَرْعِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْهُ ضَمِنَهُ إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقِيَ مَالَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ مَحْفُوفَةً بِمَزَارِعِ النَّاسِ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهَا إلَّا بِإِدْخَالِهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ تَرَكَهَا فِي زَرْعِهِ وَغَرَّمَ صَاحِبَهَا مَا أَتْلَفَتْهُ اهـ. مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا ضَمِنَهَا إنْ ضَاعَتْ وَضَمِنَ مَا تُتْلِفُهُ مِنْ زَرْعِ غَيْرِ مَالِكِهَا لِتَعَدِّيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 كَالْجَمَلِ وَالْحِمَارِ اللَّذَيْنِ عُرِفَا بِعَقْرِ الدَّوَابِّ وَإِتْلَافِهَا. أَمَّا إذَا لَمْ يُعْهَدْ مِنْهَا إتْلَافُ مَا ذُكِرَ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْعَادَةَ حِفْظُ مَا ذُكِرَ عَنْهَا لَا رَبْطُهَا. فَائِدَةٌ: سُئِلَ الْقَفَّالُ عَنْ حَبْسِ الطُّيُورِ فِي أَقْفَاصٍ لِسَمَاعِ أَصْوَاتِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَأَجَابَ بِالْجَوَازِ إذَا تَعَهَّدَهَا صَاحِبُهَا بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْبَهِيمَةِ تُرْبَطُ. وَلَوْ كَانَ بِدَارِهِ كَلْبٌ عَقُورٌ أَوْ دَابَّةٌ جُمُوحٌ وَدَخَلَهَا شَخْصٌ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِالْحَالِ، فَعَضَّهُ الْكَلْبُ، أَوْ رَمَحَتْهُ الدَّابَّةُ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ بَصِيرًا أَوْ دَخَلَهَا بِلَا إذْنٍ أَوْ أَعْلَمَهُ بِالْحَالِ. فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ. فَصْلٌ: فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ جَمْعُ بَاغٍ وَالْبَغْيُ الظُّلْمُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِظُلْمِهِمْ وَعُدُولِهِمْ عَنْ الْحَقِّ وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَةُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9]   [حاشية البجيرمي] فَرْعٌ: لَوْ حَمَلَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا وَأَشْرَفَ عَلَى أَنْ يَقَعَ فِي مِلْكِهِ فَدَفَعَهُ مِنْ الْهَوَاءِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ بَصِيرًا) غَايَةٌ لِقَوْلِهِ: ضَمِنَ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ: أَوْ دَخَلَهَا بِلَا إذْنٍ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: دَخَلَهَا شَخْصٌ بِإِذْنِهِ ثُمَّ إنَّ مَا هُنَا لَا يُنَافِي قَوْلَ الرَّوْضِ فِي الْجِنَايَاتِ: وَإِنْ رَبَطَ بِبَابِهِ كَلْبًا عَقُورًا وَدَعَا إلَيْهِ رَجُلًا فَعَقَرَهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي كَلْبٍ فِي الدَّارِ وَمَا هُنَاكَ فِي كَلْبٍ خَارِجَهَا كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. اهـ. . [فَصْلٌ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ] ِ هَذَا شُرُوعٌ فِي طَوَائِفَ ثَلَاثَةٍ جَوَّزَ الشَّارِعُ لَنَا قِتَالَهُمْ: الْبُغَاةِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَالْكُفَّارِ. وَذَكَرَ الْبُغَاةَ بَعْدَ الصِّيَالِ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُمْ يُرَدُّونَ إلَى الطَّاعَةِ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَبْعَثَ. . . إلَخْ وَقَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ قِتَالِ الْبُغَاةِ وَمُسْتَنَدُهُ فِعْلُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ فَإِنَّهُ قَاتَلَ أَهْلَ الْجَمَلِ بِالْبَصْرَةِ وَقَاتَلَ أَهْلَ صِفِّينَ بِالشَّامِّ وَأَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ وَأُخِذَ قِتَالُ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَأُخِذَ قِتَالُ الْكُفَّارِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (جَمْعُ بَاغٍ) وَأَصْلُ بُغَاةٍ بُغَيَةٌ تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا وَيُنْصَبُ بِالْفَتْحَةِ عَلَى التَّاءِ كَقُضَاةٍ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ لِانْقِلَابِهَا عَنْ أَصْلٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ) أَيْ مَا حَدَّهُ اللَّهُ وَشَرَعَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ لِخُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ لُغَةً كَذَلِكَ. فَفِي الْمُخْتَارِ الْبَغْيُ التَّعَدِّي وَبَغَى عَلَيْهِ اسْتَطَالَ وَبَابُهُ رَمَى وَكُلُّ مُجَاوَزَةٍ وَإِفْرَاطٍ عَلَى الْمِقْدَارِ الَّذِي هُوَ حَدُّ الشَّيْءِ فَهُوَ بَغْيٌ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَمِنْ كَوْنِ الْبَغْيِ مُجَاوَزَةَ الْحَدِّ سُمِّيَتْ الزَّانِيَةُ بَغِيَّةً. اهـ. ع ش عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ق ل. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فَصْلُ الْبُغَاةِ أَيْ فِي الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ فِيهِ يَعْنِي فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَالْآيَةُ لَا تُثْبِتُ كُلَّ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} [الحجرات: 9] تَثْنِيَةُ طَائِفَةٍ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ. «نَزَلَتْ فِي رَهْطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ وَرَهْطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ لَمَّا اقْتَتَلَا بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ فَقَرَأَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: " اقْتَتَلُوا " لَمْ يَقُلْ اقْتَتَلَتَا بَلْ جَمَعَ مُرَاعَاةً لِأَفْرَادِ الطَّائِفَتَيْنِ وَمَعْنَى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] الْأَوَّلُ إبْدَاءُ الْوَعْظِ وَالنَّصِيحَةِ، وَالثَّانِي الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالْقَضَاءِ الْعَدْلِ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُمَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْخُرُوجِ) هَذَا الْكَلَامُ يُوهِمُ أَنَّ الْبَغْيَ مُنْحَصِرٌ فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْبَيْعَةُ وَنَحْوُهَا وَإِلَّا فَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمُرَادَ الْخُرُوجُ وَلَوْ بِمَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ كَمَا سَيَجِيءُ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَرَافَعُوا إلَى الْإِمَامِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ فَحَيْثُ اسْتَقَلُّوا بِالْقِتَالِ مُعْرِضِينَ عَنْ الْإِمَامِ فَقَدْ امْتَنَعُوا مِنْ الْحَقِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ صَرِيحًا، لَكِنَّهَا تَشْمَلُهُ بِعُمُومِهَا أَوْ تَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْقِتَالَ لِبَغْيِ طَائِفَةٍ عَلَى طَائِفَةٍ فَلِلْبَغْيِ عَلَى الْإِمَامِ أَوْلَى، وَهُمْ مُسْلِمُونَ مُخَالِفُو إمَامٍ وَلَوْ جَائِرًا بِأَنْ خَرَجُوا عَنْ طَاعَتِهِ بِعَدَمِ انْقِيَادِهِمْ لَهُ أَوْ مَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ كَزَكَاةٍ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ: (وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْبَغْيِ) وُجُوبًا كَمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.   [حاشية البجيرمي] الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ فَكَانُوا بُغَاةً لِهَذَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (تَشْمَلُهُ) أَيْ تَشْمَلُ الْخُرُوجَ عَنْ الْإِمَامِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (لِعُمُومِهَا) أَيْ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَقْتَضِيهِ) أَيْ تَسْتَلْزِمُهُ وَتُفِيدُهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَوَجْهُ هَذَا التَّرْدِيدِ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ أَوْ لَا فَعَلَى الْأَوَّلِ تَشْمَلُهُ بِجَعْلِ الْإِمَامِ طَائِفَةً، وَالْبَاغِينَ عَلَيْهِ طَائِفَةً. وَعَلَى الثَّانِي لَا تَشْمَلُهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ طَائِفَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَيُقَاسُ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِمَامِ بِالْخُرُوجِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الْقِتَالُ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَهُمْ) أَيْ شَرْعًا مُسْلِمُونَ وَلَوْ فِيمَا مَضَى فَيَشْمَلُ الْمُرْتَدِّينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَفِي سم نَقْلًا عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي الْبُغَاةِ الْإِسْلَامَ فَالْمُرْتَدُّونَ إذَا نَصَبُوا الْقِتَالَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ فِي الْأَصَحِّ وَهَذَا الشَّرْطُ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُحَرَّرِ فَلَا وَجْهَ لِإِهْمَالِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقُيُودَ سِتَّةٌ: أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ وَأَنْ يُخَالِفُوا الْإِمَامَ وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ. وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ بَاطِلًا ظَنًّا وَأَنْ تَكُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَأَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُطَاعٌ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ الشَّوْكَةَ تَسْتَلْزِمُ الْمُطَاعَ فَلَا تَغْفُلْ. اهـ م د وَعِبَارَةُ ح ل فِي سِيرَتِهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ قَوْلًا بِلَعْنِ يَزِيدَ تَلْوِيحًا وَتَصْرِيحًا وَكَذَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَكَذَا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَنَا قَوْلٌ بِذَلِكَ فِي مَذْهَبِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ وَكَانَ يَقُولُ بِذَلِكَ الْأُسْتَاذُ الْبَكْرِيُّ. وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِ أَتْبَاعِهِ فِي حَقِّ يَزِيدَ مَا لَفْظُهُ زَادَهُ اللَّهُ خِزْيًا وَمَنَعَهُ وَفِي أَسْفَلِ سِجِّينَ وَضَعَهُ وَفِي شَرْحِ عَقَائِدِ السَّعْدِ يَجُوزُ لَعْنُ يَزِيدَ اهـ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ لَعْنَ الشَّخْصِ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ اللَّعْنُ بِالْوَصْفِ تَأَمَّلْهُ. قَالَ ح ل قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَجَازَ الْعُلَمَاءُ الْوَرِعُونَ لَعْنَ يَزِيدَ وَصَنَّفَ فِي إبَاحَةِ لَعْنِهِ مُصَنَّفًا اهـ. وَقَالَ: وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَدَمِ جَوَازِ لَعْنِ الْكَافِرِ الْمُعَيَّنِ بِالشَّخْصِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّعْدُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: إنِّي لَا أَشُكُّ فِي عَدَمِ إسْلَامِهِ بَلْ وَلَا فِي عَدَمِ إيمَانِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ اهـ كَلَامُ السَّعْدِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ جَائِرًا) ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِمَامِ فَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَحْرُمُ الْخُرُوجُ عَلَى الْجَائِرِ إجْمَاعًا وَيُجَابُ عَنْ خُرُوجِ الْحُسَيْنِ عَلَى يَزِيدَ بِأَنَّ الْمُرَادَ إجْمَاعُ الطَّبَقَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ. وَسَيَأْتِي قَوْلُ الشَّارِحِ: وَتَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِيمَا يَجُوزُ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. . . إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِعَدَمِ انْقِيَادِهِمْ لَهُ) سَوَاءً سَبَقَ مِنْهُمْ انْقِيَادٌ أَمْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ انْقِيَادِهِمْ لَهُ وَلَوْ فِي مُبَاحٍ حَيْثُ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كَزَكَاةٍ) هِيَ حَقُّ اللَّهِ وَمِثْلُهُ حَقُّ الْآدَمِيِّ بِالْأَوْلَى ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ) مُتَعَلِّقٌ ب خرجوا أَوْ بِقَوْلِهِ: مُخَالِفُو. . . إلَخْ فَوُجُودُهَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَحَقُّقِ الْبَغْيِ وَوُجُودِهِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْبَغْيِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَغْيَ يُوجَدُ بِدُونِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ لِلْقِتَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ يُقَاتَلُونَ فَلَوْ قَالَ: وَشَرَطَ فِي الْبَاغِي كَذَا وَكَذَا. كَانَ أَوْلَى وَلِذَا قَالَ فِي الْمَنْهَجِ: هُمْ مُسْلِمُونَ. . . إلَخْ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ. وَاعْلَمْ أَنَّ وَصْفَ الْبَغْيِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَيْسَ وَصْفَ ذَمٍّ وَلَا يَقْتَضِي الْفِسْقَ وَلَا الْعِصْيَانَ وَلَا يَزُولُ مَعَهُ وَصْفُ الْإِيمَانِ خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ فَإِنَّهُمْ اعْتَقَدُوا زَوَالَ الْإِيمَانِ مَعَهُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ بِالْآيَةِ، وَلِأَنَّهُمْ إنَّمَا خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ بِتَأْوِيلٍ وَشُبْهَةٍ أَيْ بِتَأْوِيلٍ غَيْرِ قَطْعِيِّ الْبُطْلَانِ كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (كَمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ) وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} [الحجرات: 9] قَالَ السُّبْكِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 وَعَلَيْهَا عَوَّلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي قِتَالِ صِفِّينَ وَالنَّهْرَوَانَ. (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) : الْأَوَّلُ: (أَنْ يَكُونُوا فِي مَنَعَةٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ شَوْكَةٍ بِكَثْرَةٍ أَوْ قُوَّةٍ، وَلَوْ بِحِصْنٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مَعَهَا مُقَاوَمَةُ الْإِمَامِ فَيَحْتَاجُ فِي رَدِّهِمْ إلَى الطَّاعَةِ لِكُلْفَةٍ مِنْ بَذْلِ مَالٍ وَتَحْصِيلِ رِجَالٍ وَهِيَ لَا تُحَصَّلُ إلَّا بِمُطَاعٍ أَيْ مَتْبُوعٍ يُحَصِّلُ بِهِ قُوَّةً لِشَوْكَتِهِمْ يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ. إذْ لَا قُوَّةَ لِمَنْ لَا تُجْمَعُ كَلِمَتُهُمْ بِمُطَاعٍ فَالْمُطَاعُ شَرْطٌ لِحُصُولِ الشَّوْكَةِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ آخَرُ غَيْرُ الشَّوْكَةِ كَمَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ إمَامٌ مَنْصُوبٌ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَاتَلَ أَهْلَ الْجَمَلِ وَلَا إمَامَ لَهُمْ   [حاشية البجيرمي] - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَفْسِيرِهِ الْمُسَمَّى بِالدُّرِّ النَّظِيمِ مَا حَاصِلُهُ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمَانِ عَظِيمَانِ: أَحَدُهُمَا وُجُوبُ قِتَالِ الْبُغَاةِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9] . فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَعَلَيْهِ عَوَّلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحَابَةُ فِي قِتَالِ صِفِّينَ وَالنَّهْرَوَانِ وَقَدْ قُتِلَ عَمَّارٌ مَعَهُ يَوْمَ صِفِّينَ «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمَّارٍ: تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» وَهَذَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى إنَّ الْمُقَاتِلِينَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُنْكِرُوهُ وَإِنَّمَا عَدَلُوا إلَى تَأْوِيلٍ لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: إنَّمَا قَتَلَهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ يَعْنُونَ عَلِيًّا أَيْ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ لِقِتَالِ مُعَاوِيَةَ. وَلَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ ازْدَادَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ يَقِينًا وَإِقْدَامًا عَلَى الْقِتَالِ وَعَرَفُوا أَنَّهُمْ الَّذِينَ عَنَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ سَاقَ الْقِصَّةَ أَحْسَنَ سِيَاقٍ. الْحُكْمُ الثَّانِي فِي الْآيَةِ أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ بَاقٍ مَعَ الْبَغْيِ وَالْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ الْخَوَارِجُ وَالْآيَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَتَمَامُ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي بَقَاءِ الْإِيمَانِ حِينَ الْبَغْيِ وَلَوْلَا ذَلِكَ أَيْ بَقَاءُ الْإِيمَانِ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} [الحجرات: 9] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] إنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ ذَلِكَ أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْأُخُوَّةِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْإِيمَانِ بِأَنْ يَكُونَ وَصْفُ الْإِيمَانِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ لَكِنْ قَوْله تَعَالَى: {بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى ثُبُوتِ الْإِيمَانِ لَهُمْ فِي حَالِ بَغْيِهِمْ اهـ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيَجِبُ قِتَالُ الْبُغَاةِ وَلَا يُكَفَّرُونَ بِالْبَغْيِ وَإِذَا رَجَعَ الْبَاغِي إلَى الطَّاعَةِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَتُرِكَ قِتَالُهُ. اهـ. شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ. قَوْلُهُ: (صِفِّينَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ الْمُهْمَلَةِ وَثَانِيهِ الْفَاءُ الْمُشَدَّدَةُ اسْمُ بَلَدٍ أَوْ إقْلِيمٍ وَكَذَا النَّهْرَوَانُ الْمَذْكُورُ مَعَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُؤَنَّثٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرَائِطِ الشُّرُوطُ. قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ النُّونِ) قَدْ تُسَكَّنُ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَيْ شَوْكَةٍ بِكَثْرَةٍ أَوْ قُوَّةٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنَعَةَ وَالشَّوْكَةَ وَالْقُوَّةَ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ قُوَّةٍ بِكَثْرَةٍ أَوْ تَحَصُّنٍ بِحِصْنٍ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الشَّوْكَةُ الَّتِي لَا يَتَحَقَّقُ الْبَغْيُ بِدُونِهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُطَاعٍ وَأَمَّا أَصْلُ الشَّوْكَةِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مُطَاعٍ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي الْمِنْهَاجِ شَوْبَرِيٌّ فَقَوْلُهُ: وَهِيَ لَا تَحْصُلُ أَيْ فَذِكْرُهَا يُغْنِي عَنْ ذِكْرِهِ الَّذِي سَلَكَهُ الْمِنْهَاجُ. قَوْلُهُ: (يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ) أَيْ تَصْدُرُ أَفْعَالُهُمْ عَنْ رَأْيِهِ. قَوْلُهُ: (قَاتَلَ أَهْلَ الْجَمَلِ) أَيْ أَهْلَ الْوَقْعَةِ الَّتِي أَهَمَّ فِيهَا جَمَلُ عَائِشَةَ. وَسَبَبُ خُرُوجِهَا مَعَ مُعَاوِيَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَمَنِ الْإِفْكِ مَا رَأَيْنَا عَلَى نِسَائِك إلَّا خَيْرًا وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: النِّسَاءُ غَيْرُهَا كَثِيرٌ وَهَذَا سَبَبُ طُلُوعِهَا مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ وَكَانَ النَّاسُ إذَا دَعَاهُمْ لِلْخُرُوجِ مُعَاوِيَةُ يَمْتَنِعُونَ وَيَقُولُونَ: لَا نَخْرُجُ مَعَك إلَّا إذَا خَرَجَتْ عَائِشَةُ كَمَا فِي السِّيَرِ وَمِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ تِلْكَ الْوَقْعَةِ سَيِّدُنَا طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَيَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ وَمَاتَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعُقِرَ جَمَلُ عَائِشَةَ حَتَّى سَقَطَتْ مِنْ عَلَيْهِ وَحَصَلَ مَا حَصَلَ، وَلَمَّا سَقَطَتْ كَانَ أَخُوهَا مُحَمَّدٌ عِنْدَهَا فَحَمَلَ هَوْدَجَهَا مَعَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانُوا حَاضِرِينَ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ فَأَمَرَ بِهَا فَأُدْخِلَتْ بَيْتًا سِتْرًا عَلَيْهَا ثُمَّ طَيَّبَ خَاطِرَهَا وَأَكْرَمَهَا وَاعْتَذَرَ لَهَا وَكَانَ أَخُوهَا مَعَ عَلِيٍّ فِي الْقِتَالِ وَالْوَاقِعَةُ كَانَتْ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ وَقْتَ مَوْتِ عُثْمَانَ فِي الشَّامِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ فَلَمَّا أُخْبِرَ بِمَوْتِهِ جَاءَ يُنَازِعُ عَلِيًّا فِي الْخِلَافَةِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَكَانَ اسْمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 وَأَهْلَ صِفِّينَ قَبْلَ نَصْبِ إمَامِهِمْ. (وَ) الثَّانِي (أَنْ يَخْرُجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ) أَيْ عَنْ طَاعَتِهِ بِانْفِرَادِهِمْ بِبَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ الصَّحْرَاءِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا عَنْ جَمْعٍ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. (وَ) الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ لَهُمْ) فِي خُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ (تَأْوِيلٌ سَائِغٌ) ، أَيْ مُحْتَمَلٌ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ، يَسْتَنِدُونَ إلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَانَ مُعَانِدًا لِلْحَقِّ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا لَا يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ بَلْ يَعْتَقِدُونَ بِهِ جَوَازَ الْخُرُوجِ كَتَأْوِيلِ الْخَارِجِينَ مِنْ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، بِأَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمْ لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ وَتَأْوِيلِ بَعْضِ مَانِعِي الزَّكَاةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّهُمْ لَا يَدْفَعُونَ الزَّكَاةَ إلَّا لِمَنْ صَلَاتُهُ سَكَنٌ لَهُمْ أَيْ دُعَاؤُهُ رَحْمَةٌ لَهُمْ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ فُقِدَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنْ خَرَجُوا بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ عِنَادًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ يُقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ، كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ بِأَنْ كَانُوا أَفْرَادًا يَسْهُلُ الظَّفَرُ بِهِمْ أَوْ لَيْسَ فِيهِمْ مُطَاعٌ فَلَيْسُوا بُغَاةً لِانْتِفَاءِ حُرْمَتِهِمْ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ مُقْتَضَاهَا عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذِي الشَّوْكَةِ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي حَتَّى لَوْ تَأَوَّلُوا بِلَا شَوْكَةٍ وَأَتْلَفُوا شَيْئًا ضَمِنُوهُ مُطْلَقًا كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ. وَأَمَّا الْخَوَارِجُ وَهُمْ قَوْمٌ يُكَفِّرُونَ مُرْتَكِبَ كَبِيرَةٍ وَيَتْرُكُونَ الْجَمَاعَاتِ فَلَا يُقَاتِلُونَ وَلَا يُفَسَّقُونَ مَا لَمْ يُقَاتِلُوا وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا نَعَمْ إنْ تَضَرَّرْنَا بِهِمْ، تَعَرَّضْنَا لَهُمْ حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرُ،   [حاشية البجيرمي] الْجَمَلِ الَّذِي رَكِبَتْهُ عَائِشَةُ يَوْمَ وَقْعَتِهِ عَسْكَرًا أَعْطَاهُ لَهَا يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ اشْتَرَاهُ لَهَا بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ يَوْمَ الْخَمِيسِ الْعَاشِرِ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى أَوْ الْأَخِيرَةِ وَقِيلَ فِي خَامِسَ عَشَرَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَكَانَتْ الْوَقْعَةُ مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى قَرِيبِ الْعَصْرِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِانْفِرَادِهِمْ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ. قَالَ م ر: وَلَا يُشْتَرَطُ انْفِرَادُهُمْ بِبَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ: (كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ) تَبَرَّأَ مِنْهُ لِضَعْفِهِ. قَوْلُهُ: (تَأْوِيلٌ سَائِغٌ) أَيْ جَائِزٌ وَالْمُرَادُ بِالتَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ شُبْهَةٌ تُسَوِّغُ لَهُمْ مَا هُمْ فِيهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ مُحْتَمِلٌ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ لِلصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، أَيْ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ أَوْ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ مُحْتَمَلٌ صِدْقُهُ وَكَذِبُهُ فَلَا وَجْهَ لِاقْتِصَارِ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى قَوْلِهِ: اسْمُ مَفْعُولٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ) أَيْ لِمُوَافَقَتِهِ فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَللَّهِ مَا قَاتَلْت وَلَا مَالَأْت أَيْ وَلَا جَمَعْت لِلْقِتَالِ وَإِنَّمَا نَهَيْت. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ ارْتَدُّوا بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: لَا يَجِبُ الْإِيمَانُ إلَّا فِي حَيَاتِهِ لِانْقِطَاعِ شَرْعِهِ بِمَوْتِهِ كَبَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى بَقَاءِ دِينِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ قَوْلُهُ: كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الْمَحْدُودِ الْإِسْلَامُ وَأَخْذُهُ جِنْسًا وَإِذَا لَمْ يَشْمَلْهُمْ الْجِنْسُ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُمْ بِفُصُولِ التَّعْرِيفِ. اهـ. عَمِيرَةٌ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسُوا بُغَاةً) أَيْ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُمْ وَلَا يُعْتَدُّ بِحَقٍّ اسْتَوْفُوهُ وَيَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ مُطْلَقًا كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (عَلَى تَفْصِيلٍ. . . إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ سَرَتْ إلَيْهِ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا أَصْلًا وَالتَّفْصِيلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُرْتَدًّا ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا. وَمَعَ ذَلِكَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي هُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِهِ مُسْلِمًا أَوْ مُرْتَدًّا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَنْهَجِ بَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ. وَأَمَّا الَّذِي يَأْتِي فِي الشَّرْحِ هُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ شَوْكَةٌ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ فَهُوَ كَالْبَاغِي وَإِنْ كَانَ لَهُ تَأْوِيلٌ مِنْ غَيْرِ الشَّوْكَةِ فَلَيْسَ كَالْبَاغِي وَهَذَا غَيْرُ الَّذِي أَرَادَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذِي الشَّوْكَةِ كَمَا عَلِمْت فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ: فِي ذِي الشَّوْكَةِ وَيَقُولُ: عَلَى تَفْصِيلٍ فِيمَا إذَا فُقِدَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَيْ الشَّوْكَةُ وَالتَّأْوِيلُ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي. قَوْلُهُ: (ضَمِنُوهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَقْتَ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرَهُ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْخَوَارِجُ) وَهُمْ صِنْفٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ قَائِلُونَ: بِأَنَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً كَفَرَ وَحَبِطَ عَمَلُهُ وَخُلِّدَ فِي النَّارِ وَأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِظُهُورِ الْكَبَائِرِ فِيهَا تَصِيرُ دَارَ كُفْرٍ وَإِبَاحَةٍ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَيَتْرُكُونَ الْجَمَاعَاتِ) أَيْ لَا يُصَلُّونَ وَرَاءَ الْأَئِمَّةِ. كَمَا قَرَّرَهُ الْعَزِيزِيُّ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ أَيْ لَمْ يَحْضُرُوا مَعَ الْإِمَامِ جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا خَلْفَ مَعْصُومٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 فَإِنْ قَاتَلُوا أَوْ لَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَتِنَا قُوتِلُوا، وَلَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُ الْقَاتِلِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي شَهْرِ السِّلَاحِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَفِيهِمَا عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّ حُكْمَهُمْ كَحُكْمِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ فَإِنْ قُيِّدَ بِمَا إذَا قَصَدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَلَا خِلَافَ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِفَسَقَةٍ لِتَأْوِيلِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَشْهَدُونَ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ كَالْخَطَّابِيَّةِ وَهُمْ   [حاشية البجيرمي] اهـ. وَقَالَ م ر وَيَتْرُكُونَ الْجَمَاعَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمَّا أَقَرُّوا عَلَى الْمَعَاصِي كَفَرُوا بِزَعْمِهِمْ فَلَمْ يُصَلُّوا خَلْفَهُمْ اهـ. فَإِنْ قِيلَ: تَرْكُ الْجَمَاعَاتِ يُوجِبُ الْقِتَالَ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَاتِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَيُقَاتَلُ تَارِكُهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَاتِ. قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ الشِّعَارُ بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ مِنْ حَيْثُ الْخُرُوجُ وَإِنْ قُوتِلُوا مِنْ حَيْثُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (فَلَا يُقَاتَلُونَ) أَيْ لَا يُقَاتَلُونَ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ: عَدَمُ قِتَالِهِمْ لَنَا. وَالثَّانِي: كَوْنُهُمْ فِي قَبْضَتِنَا. الثَّالِثُ عَدَمُ تَضَرُّرِنَا بِهِمْ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فَقَوْلُهُ: وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا حَالٌ مِنْ الْوَاوِ فِي فَلَا يُقَاتَلُونَ وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: مَا لَمْ يُقَاتَلُوا فَعَدَمُ قِتَالِهِمْ مَشْرُوطٌ بِمَا ذُكِرَ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ فِي قَبْضَتِنَا أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يُفَسَّقُونَ) بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ ذَمِّهِمْ وَوَعِيدِهِمْ الشَّدِيدِ كَكَوْنِهِمْ كِلَابَ أَهْلِ النَّارِ الْحُكْمُ بِفِسْقِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِهِمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا وَأَثِمُوا بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَقَّ فِي الِاعْتِقَادَاتِ وَاحِدٌ قَطْعًا وَهُوَ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اقْتِضَاءُ أَكْثَرِ تَعَارِيفِ الْكَبِيرَةِ فِسْقَهُمْ لِوَعِيدِهِمْ الشَّدِيدِ وَقِلَّةِ اكْتِرَاثِهِمْ أَيْ مُبَالَاتِهِمْ بِالدِّينِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِأَحْوَالِ الْآخِرَةِ لَا الدُّنْيَا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ كَوْنِهِمْ لَمْ يَفْعَلُوا مُحَرَّمًا عِنْدَهُمْ اهـ شَرْحُ م ر بِاخْتِصَارٍ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُقَاتِلُوا) فَإِنْ قَاتَلُوا فُسِّقُوا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ وَبِتَقْدِيرِهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ قَطْعًا. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: سَوَاءٌ كَانُوا بَيْنَنَا أَوْ امْتَازُوا بِمَوْضِعٍ عَنَّا لَكِنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا عَنْ طَاعَتِهِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ تَضَرَّرْنَا بِهِمْ) أَيْ بِأَنْ أَظْهَرُوا بِدْعَتَهُمْ أَوْ دَعَوَا إلَيْهَا. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (تَعَرَّضْنَا لَهُمْ) وَلَوْ بِالْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَتِنَا) أَيْ أَوْ لَمْ يُقَاتِلُوا وَلَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَتِنَا قَالَ سم: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا لَيْسَ قَيْدًا لِقَوْلِهِ: فَلَا يُقَاتَلُونَ مَا لَمْ يُقَاتِلُوا. . . إلَخْ بَلْ، وَهُوَ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ: فَلَا يُقَاتَلُونَ. . . إلَخْ اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَحَتَّمْ. . . إلَخْ) لَوْ عَفَا الْمُسْتَحِقُّ عَنْ الْقَاتِلِ سَقَطَ الْقَتْلُ. قَوْلُهُ: (فِي شَهْرِ السِّلَاحِ) أَيْ إظْهَارِهِ. قَوْلُهُ: (أَنَّ حُكْمَهُمْ كَحُكْمِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ) فَفِي رِوَايَةٍ «إذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ الْجَزَاءَ لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَقَدْ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَقَدْ سُئِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْخَوَارِجِ أَهُمْ كُفَّارٌ؟ فَقَالَ: " مِنْ الْكُفْرِ فَرُّوا فَقِيلَ أَمُنَافِقُونَ؟ فَقَالَ: إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلَّا قَلِيلًا وَهَؤُلَاءِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا فَقِيلَ مَا هُمْ؟ فَقَالَ: أَصَابَتْهُمْ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا " فَلَمْ يَجْعَلْهُمْ كُفَّارًا؛ لِأَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيلِ وَالْخَوَارِجُ قَوْمٌ يُكَفِّرُونَ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ وَيَحْكُمُونَ بِحُبُوطِ عَمَلِ مُرْتَكِبِهَا وَتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ وَيَحْكُمُونَ بِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ تَصِيرُ بِظُهُورِ الْكَبَائِرِ فِيهَا دَارَ كُفْرٍ وَلَا يُصَلُّونَ جَمَاعَةً اهـ ح ل فِي السِّيرَةِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قُيِّدَ) أَيْ مَا فِي الْمِنْهَاجِ فَلَا خِلَافَ أَيْ فِي أَنَّهُمْ قُطَّاعُ طَرِيقٍ زِيَادَةً عَلَى كَوْنِهِمْ خَوَارِجَ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ. وَهَذَا التَّقْيِيدُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعِبَارَةُ ع ش: فَلَا خِلَافَ أَيْ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ) شُرُوعٌ فِي حُكْمِ الْبُغَاةِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ شَهَادَتَهُمْ مَقْبُولَةٌ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونُوا مِمَّنْ يَشْهَدُونَ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ. . . إلَخْ وَالثَّانِي أَنْ لَا يَسْتَحِلُّوا دِمَاءَنَا أَوْ أَمْوَالَنَا بِلَا تَأْوِيلٍ وَقَضَاؤُهُمْ مَقْبُولٌ بِشَرْطَيْنِ أَيْضًا الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ قَضَاءُ قَاضِينَا فَيَخْرُجُ بِهِ مَا إذَا قَضَوْا بِمَا خَالَفَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا. الثَّانِي أَنْ لَا يَسْتَحِلُّوا. . . إلَخْ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَشْهَدُونَ) صَنِيعُ م ر يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ شَهَادَتِهِمْ وَقَضَائِهِمْ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ وَقَضَاؤُهُمْ اهـ. قَوْلُهُ: (لِمُوَافِقِيهِمْ) أَيْ فِي الِاعْتِقَادِ بِتَصْدِيقِهِمْ كَذَا فِي صِحَاحِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِتَصْدِيقِهِ وَلَا يُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِالْجَمْعِ قَبْلَهُ، كَمَا لَا يَخْفَى وَقَوْلُهُ: بِتَصْدِيقِهِمْ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ أَيْ يَشْهَدُونَ لِمَنْ يُوَافِقُهُمْ فِي الْعَقِيدَةِ بِسَبَبِ تَصْدِيقِهِمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 صِنْفٌ مِنْ الرَّافِضَةِ يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ وَيَقْضُونَ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ قَاضِيهِمْ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْبُغَاةِ نَعَمْ إنْ بَيَّنُوا السَّبَبَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ وَيُقْبَلُ قَضَاءُ قَاضِيهِمْ بَعْدَ اعْتِبَارِ صِفَاتِ الْقَاضِي فِيهِ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ قَضَاءُ قَاضِينَا؛ لِأَنَّ لَهُمْ تَأْوِيلًا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ شَاهِدُ الْبُغَاةِ أَوْ قَاضِيهمْ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَشَرْطُ الشَّاهِدِ وَالْقَاضِي الْعَدَالَةُ هَذَا مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ. وَأَصْلُهَا هُنَا عَنْ الْمُعْتَبَرِينَ وَجَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَقَضَاءِ قَاضِيهِمْ بَيْنَ مَنْ يَسْتَحِلُّ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ أَمْ لَا لِأَنَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ بِلَا تَأْوِيلٍ وَمَا هُنَاكَ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّهُ بِتَأْوِيلٍ وَمَا أَتْلَفَهُ بَاغٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ عَلَى عَادِلٍ وَعَكْسُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِتَالٍ لِضَرُورَتِهِ، بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ أَوْ فِيهِ لَا لِضَرُورَتِهِ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِتْلَافَاتِ نَعَمْ إنْ قَصَدَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِإِتْلَافِ الْمَالِ إضْعَافَهُمْ وَهَزِيمَتَهُمْ لَمْ يَضْمَنُوا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. فَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ فِي قِتَالٍ لِضَرُورَتِهِ فَلَا ضَمَانَ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ؛ لِأَنَّ الْوَقَائِعَ الَّتِي جَرَتْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ كَوَقْعَةِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ لَمْ يَطْلُبْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِضَمَانِ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ وَهَذَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشَّوْكَةِ وَالتَّأْوِيلِ، فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ حَالَانِ: الْأَوَّلُ الْبَاغِي الْمُتَأَوِّلُ بِلَا شَوْكَةٍ يَضْمَنُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَلَوْ حَالَ الْقِتَالِ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ. وَالثَّانِي لَهُ شَوْكَةٌ بِلَا تَأْوِيلٍ وَهَذَا كَبَاغٍ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ فِي الْبَاغِينَ لِقَطْعِ الْفِتْنَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وَهُوَ   [حاشية البجيرمي] لَهُ أَيْ اعْتِقَادِهِمْ صِدْقَهُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مِنْهُمْ كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ ظَاهِرُ التَّأْوِيلِ يُفِيدُ أَنَّهُ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ فَحَرِّرْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ) أَيْ بِمَا يَرَوْهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونُوا. . . إلَخْ أَيْ لَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْبُغَاةِ أَيْ قَبُولُ الشَّهَادَةِ بَلْ كُلُّ مُبْتَدِعٍ لَا يَفْسُقُ بِبِدْعَتِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. كَمَا قَالَهُ ع ش: وَعِبَارَةُ م د وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا أَيْ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَقَضَاءِ قَاضِيهِمْ. قَوْلُهُ: (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ بَيَّنُوا السَّبَبَ فَيَقُولُونَ رَأَيْنَاهُ بَاعَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ لَهُمْ تَأْوِيلًا) تَعْلِيلٌ لِقَبُولِ قَضَاءِ قَاضِيهِمْ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ) أَيْ بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ: (دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يُكَفَّرُونَ بِاسْتِحْلَالِ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْعَدَالَةَ دُونَ الْإِسْلَامِ وَلَعَلَّهُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ لَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَلَمْ يَقُلْ لِكُفْرٍ لِإِمْكَانِ التَّأْوِيلِ أَيْ لِإِمْكَانِ وُجُودِ التَّأْوِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَهُ الْآنَ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ شَاهِدُ الْبُغَاةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا اسْتَحَلُّوهُ بِالْبَاطِلِ عُدْوَانًا لِيَتَوَصَّلُوا بِهِ إلَى إرَاقَةِ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا. وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِحْلَالٌ خَارِجَ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَكُلُّ الْبُغَاةِ يَسْتَحِلُّونَهَا حَالَةَ الْحَرْبِ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ مُسْتَحِلِّ الدَّمِ وَالْمَالِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْقَاضِي كَالشَّاهِدِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُؤَوِّلِ لِذَلِكَ تَأْوِيلًا مُحْتَمَلًا. وَمَا هُنَا عَلَى خِلَافِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) أَيْ الْبِدَعِ. قَوْلُهُ: (وَمَا أَتْلَفَهُ) مُبْتَدَأٌ وَعَكْسُهُ عَطْفٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: ضَمِنَ كُلٌّ. . . إلَخْ. خَبَرٌ وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ. . . إلَخْ اعْتِرَاضٌ أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ: ضَمِنَ. . . إلَخْ جَوَابُ الشَّرْطِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: وَلَا يَتَّصِفُ إتْلَافُهُمْ بِإِبَاحَةٍ وَلَا تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يُتْلِفُهُ الْكُفَّارُ حَالَ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ ز ي. وَعِبَارَةُ ق ل. فَلَا يُوصَفُ إتْلَافُهُمْ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِتَأْوِيلِهِمْ. وَبِذَلِكَ فَارَقَ حُرْمَةَ إتْلَافِ الْحَرْبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ أَيْضًا وَعَكْسُهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِتْلَافَاتِ) وَهُوَ الضَّمَانُ. قَوْلُهُ: (إضْعَافُهُمْ) أَيْ عَنْ الْقِتَالِ. قَوْلُهُ: (اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَمَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الْبُغَاةِ وَعَكْسُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُتْلِفُ وَغَيْرُهُ فِي أَنَّ الْمُتْلَفَ وَقَعَ فِي الْقِتَالِ أَوْ فِي غَيْرِهِ صُدِّقَ الْمُتْلِفُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَلَهُ) أَيْ لِلْفَاقِدِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: فَقَدْ. قَوْلُهُ: (كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ. قَوْلُهُ: (كَبَاغٍ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ) أَيْ فَلَا يَضْمَنُ حَالَ الْقِتَالِ لِضَرُورَتِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 مَوْجُودٌ هُنَا. وَلَا يُقَاتِلُ الْإِمَامُ الْبُغَاةَ حَتَّى يَبْعَثَ لَهُمْ أَمِينًا فَطِنًا إنْ كَانَ الْبَعْثُ لِلْمُنَاظَرَةِ نَاصِحًا لَهُمْ يَسْأَلُهُمْ عَمَّا يَكْرَهُونَ اقْتِدَاءً بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ إلَى أَهْلِ النَّهْرَوَانِ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلَمَةً أَوْ شُبْهَةً أَزَالَهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِقِتَالِهِمْ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ، فَإِنْ أَصَرُّوا نَصَحَهُمْ وَوَعَظَهُمْ، فَإِنْ أَصَرُّوا أَعْلَمَهُمْ بِالْقِتَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ أَوَّلًا بِالْإِصْلَاحِ ثُمَّ بِالْقِتَالِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ طَلَبُوا مِنْ الْإِمَامِ الْإِمْهَالَ اجْتَهَدَ، وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا (وَلَا يُقْتَلُ) مُدْبِرُهُمْ وَلَا مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ الْقِتَالِ وَلَا (أَسِيرُهُمْ وَلَا يُذَفَّفُ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا يُسْرَعُ (عَلَى جَرِيحِهِمْ) بِالْقَتْلِ (وَلَا يُغْنَمُ مَالُهُمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَرَ مُنَادِيَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ فَنَادَى: لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَلِأَنَّ قِتَالَهُمْ شُرِعَ لِلدَّفْعِ عَنْ مَنْعِ الطَّاعَةِ وَقَدْ زَالَ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهَمُ مِنْ مَنْعِ قَتْلِ هَؤُلَاءِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِمْ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا قِصَاصَ لِشُبْهَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُطْلَقُ أَسِيرُهُمْ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَرْبُ. وَيَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ وَلَا يُتَوَقَّعَ عَوْدُهُمْ إلَّا أَنْ يُطِيعَ الْأَسِيرُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلَا يُقَاتِلُ الْإِمَامُ) هَذَا شُرُوعٌ فِي حُكْمِ قِتَالِ الْبُغَاةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا كَالْكُفَّارِ بَلْ كَالصَّائِلِ. وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ لَيْسَ كَقِتَالِ الْكُفَّارِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ هَذَا بِخِلَافِ الْكُفَّارِ، فَيُقَاتَلُونَ مِنْ غَيْر بَعْثٍ. الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ بِمَا يَعُمُّ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ لَا يُحَاصَرُونَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ اهـ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُقَاتِلُ أَيْ لَا يَجُوزُ فَيَحْرُمُ حَتَّى يَبْعَثَ فَيَجُوزُ أَيْ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَنْعٍ فَعُلِمَ أَنَّ قِتَالَهُمْ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَكَذَا الْبَعْثُ وَيَجِبُ فِي قِتَالِهِمْ مَا فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ مِنْ صَبْرِ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْعَثَ) أَيْ وُجُوبًا. وَقَوْلُهُ: أَمِينًا فَطِنًا أَيْ نَدْبًا إنْ بَعَثَ لِمُجَرَّدِ السُّؤَالِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُنَاظَرَةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأَهُّلِهِ لِذَلِكَ كَذَا فِي ز ي وَح ل. قَوْلُهُ: (أَمِينًا) أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا عَدْلًا عَارِفًا بِالْعُلُومِ أَيْ وَبِالْحُرُوبِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِفَاسِقٍ وَلَوْ كَافِرًا حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَنْقُلُ خَبَرَهُمْ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَأَنَّهُمْ يَثِقُونَ بِهِ فَيَقْبَلُونَ كُلَّ مَا يَقُولُ: كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَفَائِدَةُ الْبَعْثِ أَنَّهُ يُنَبِّهُهُمْ عَلَى مَا يَحْصُلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَرْبِ وَطُرُقِهِ لِيُوقِعَ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ فَيَنْقَادُوا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (النَّهْرَوَانُ) قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ بَغْدَادَ خَرَجَتْ عَلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (مَظْلَمَةً) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْ إنْ كَانَتْ مَصْدَرًا مِيمِيًّا فَإِنْ كَانَ اسْمًا لِمَا يُظْلَمُ بِهِ فَبِالْكَسْرِ فَقَطْ. اهـ. ز ي. قَالَ الْمُرَادِيُّ: الْفَتْحُ هُوَ الْقِيَاسُ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ وَالْقِيَاسُ فِيهَا الْفَتْحُ وَمَا جَاءَ مَكْسُورًا فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَصَرُّوا) أَيْ بَعْدَ الْإِزَالَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَصَرُّوا أَعْلَمَهُمْ بِالْقِتَالِ) أَيْ وُجُوبًا وَحِينَئِذٍ يُقَاتِلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا بِهِ وَقَبْلَ ذَلِكَ مُرَتَّبَةً ذَكَرَهَا فِي الْمَنْهَجِ وَهِيَ فَإِنْ أَصَرُّوا أَعْلَمَهُمْ بِالْمُنَاظَرَةِ أَيْ الْمُبَاحَثَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي إبْطَالِ شُبَهِهِمْ أَوْ إثْبَاتِهَا. وَقَوْلُهُ: أَعْلَمَهُمْ بِالْمُنَاظَرَةِ أَيْ وُجُوبًا. قَوْلُهُ: (وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا) بِأَنْ يُؤَخِّرَ قِتَالَهُمْ إنْ كَانَ اسْتِمْهَالُهُمْ لِلتَّأَمُّلِ فِي رُجُوعِهِمْ وَلَا يَتَقَيَّدُ الْإِمْهَالُ بِمُدَّةٍ وَلَا يُؤَخِّرُهُ إنْ ظَهَرَ أَنَّ اسْتِمْهَالَهُمْ لِأَجْلِ مَدَدٍ أَوْ عَدَدٍ يَسْتَعِينُونَ بِهِمْ عَلَى قِتَالِنَا. قَوْلُهُ: (مُدْبِرُهُمْ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ ق ل. لِأَنَّ الْقَصْدَ رَدُّهُمْ لِلطَّاعَةِ، وَيُقَاتِلُهُمْ بِالْأَسْهَلِ، فَالْأَسْهَلِ؛ لِأَنَّهُمْ كَالصَّائِلِ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (فَنَادَى لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ) وَقَدْ اسْتَثْنَى الْإِمَامُ مَا إذَا أَيِسَ مِنْ صُلْحِهِمْ لِتَمَكُّنِ الضَّلَالِ مِنْهُمْ وَخَشِيَ عَوْدَهُمْ عَلَيْهِ بِشَرٍّ. فَيَجُوزُ الْإِتْبَاعُ وَالتَّذْفِيفُ كَمَا فَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْخَوَارِجِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (مِنْ مَنْعِ قَتْلِ هَؤُلَاءِ) أَيْ الْمُدْبِرِ وَالْأَسِيرِ وَالْجَرِيحِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَجِبُ دِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ ق ل. وَهَذَا فِي خُصُوصِ الْمُدْبِرِينَ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمْ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَقْسَامِ فَفِيهِمْ الْقِصَاصُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ. قَوْلُهُ: (لِشُبْهَةِ أَبِي حَنِيفَةَ) فَإِنَّهُ يَرَى قَتْلَ مُدْبِرِهِمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 بِاخْتِيَارِهِ فَيُطْلَقُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا فِي الرَّجُلِ الْحُرِّ. وَكَذَا فِي الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ إنْ كَانُوا مُقَاتِلِينَ وَإِلَّا أُطْلِقُوا بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَيُرَدُّ لَهُمْ بَعْدَ أَمْنِ شَرِّهِمْ بِعَوْدِهِمْ إلَى الطَّاعَةِ أَوْ تَفَرُّقِهِمْ وَعَدَمِ تَوَقُّعِ عَوْدِهِمْ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ مِنْ سِلَاحٍ وَخَيْلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ شَيْءٍ مِنْ سِلَاحِهِمْ وَخَيْلِهِمْ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا إذَا خِفْنَا انْهِزَامَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَلَمْ نَجِدْ غَيْرَ خُيُولِهِمْ فَيَجُوزُ لِأَهْلِ الْعَدْلِ رُكُوبُهَا وَلَا يُقَاتَلُونَ بِمَا يَعُمُّ كَنَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِكَافِرٍ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَسْلِيطُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ كَثُرُوا وَأَحَاطُوا بِنَا فَيُقَاتَلُونَ بِمَا يَعُمُّ وَلَا بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ لِعَدَاوَةٍ أَوْ اعْتِقَادٍ كَالْحَنَفِيِّ، وَالْإِمَامُ لَا يَرَى ذَلِكَ إبْقَاءً عَلَيْهِمْ. وَلَا يَجُوزُ إحْصَارُهُمْ بِمَنْعِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ إلَّا عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِي أَهْلِ قَلْعَةٍ وَلَا يَجُوزُ عَقْرُ خُيُولِهِمْ إلَّا إذَا قَاتَلُوا   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيَتَفَرَّقُ جَمْعُهُمْ) أَيْ تَفَرُّقًا لَا عَوْدَ بَعْدَهُ ق ل قَوْلُهُ: (فَيُطْلَقُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَسِيرَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ رَقِيقًا وَلَمْ يُقَاتِلْ أُطْلِقَ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانَ كَامِلًا وَأَطَاعَ بِاخْتِيَارِهِ أُطْلِقَ، وَإِنْ بَقِيَتْ الْحَرْبُ وَإِلَّا أُطْلِقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَتَفَرُّقِ جَمْعِهِمْ وَعَدَمِ تَوَقُّعِ عَوْدِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا فِي الرَّجُلِ الْحُرِّ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَهَذَا التَّقْيِيدُ رَاجِعٌ لَهُمَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ يُوهِمُ رُجُوعَهُ لِلِاسْتِثْنَاءِ فَقَطْ وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا يُطْلَقُ أَسِيرُهُمْ إنْ كَانَ فِيهِ مَنَعَةٌ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ قِنًّا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ وَيَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ تَفَرُّقًا لَا يُتَوَقَّعُ جَمْعُهُمْ بَعْدَهُ وَهَذَا فِي الرَّجُلِ الْحُرِّ. . . إلَخْ ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنْ يُطِيعَ الْحُرُّ الْكَامِلُ الْإِمَامَ بِمُتَابَعَتِهِ لَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَيُطْلَقُ وَإِنْ بَقِيَتْ الْحَرْبُ لِأَمْنِ ضَرَرِهِ. قَوْلُهُ: (مَا أُخِذَ مِنْهُمْ) نَائِبُ فَاعِلِ يُرَدُّ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ شَيْءٍ. . . إلَخْ) أَيْ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنْهُ وَلَوْ لِضَرُورَةِ الْقِتَالِ لِأَجْلِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ لِعَدَمِ وُجُودِ وَضْعِ يَدٍ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ إتْلَافِهِ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُمَا) أَيْ مِنْ مَلْبُوسِهِمْ وَأَوَانِيهمْ. قَوْلُهُ: (لِضَرُورَةٍ) أَيْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ اهـ ز ي وَهَلْ الْأُجْرَةُ لَازِمَةٌ لِلْمُسْتَعْمِلِ أَوْ تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (غَيْرَ خُيُولِهِمْ) وَتَجِبُ أُجْرَةُ مِثْلِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ كَمَا يَلْزَمُ الْمُضْطَرَّ قِيمَةُ طَعَامِ غَيْرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي تَمْشِيَتِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ م ر ز ي. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَسْلِيطُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ) وَكَذَا يَحْرُمُ جَعْلُهُ جَلَّادًا يُقِيمُ الْحُدُودَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. أَقُولُ: وَكَذَا يَحْرُمُ نَصْبُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ نَعَمْ إنْ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ تَوْلِيَتَهُ شَيْئًا لَا يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ظَهَرَ مِمَّنْ يَقُومُ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خِيَانَةٌ وَأُمِنَتْ فِي ذِمِّيٍّ وَلَوْ لِخَوْفِهِ مِنْ الْحَاكِمِ مَثَلًا فَلَا يَبْعُدُ جَوَازُ تَوْلِيَتِهِ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يُنَصِّبُهُ مُرَاقَبَتُهُ وَمَنْعُهُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَا فِيهِ اسْتِيلَاءٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِكَافِرٍ: نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَانَ عَلَيْهِمْ بِهِ أَعْنِي بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، وَأَنْ يَكُونَ فِيهِمْ أَعْنِي فِيمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ جَرَاءَةً وَحُسْنَ إقْدَامٍ. وَأَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ مَنْعِهِمْ لَوْ اتَّبَعُوا أَهْلَ الْبَغْيِ بَعْدَ هَزِيمَتِهِمْ فَتَأَمَّلْ م د. وَقَوْلُهُ: جَرَاءَةً بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ وَفِعْلُهُ جَرُؤَ بِضَمِّ الرَّاءِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَعُولَةٌ فَعَالَةٌ لِفَعُلَا كَسَهُلَ الْأَمْرُ وَزَيْدٌ جَزُلَا قَوْلُهُ: (أَوْ اعْتِقَادٍ كَالْحَنَفِيِّ) اُسْتُشْكِلَ بِجَوَازِ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لِلْحَنَفِيِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ هُنَا أَيْ فِيمَا إذَا اسْتَعَانَ بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافٍ لَهُ يَنْفَرِدُ بِرَأْيِهِ وَهُنَاكَ أَيْ فِيمَا إذَا اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ حَنَفِيًّا تَحْتَ يَدِ الْإِمَامِ وَرَأْيِهِ فَفِعْلُهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَامْتَنَعَ قَتْلُهُ مُدْبِرِينَ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَالْإِمَامُ) أَيْ إمَامُ الْجَيْشِ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ وَالْحَالُ وَقَوْلُهُ: إبْقَاءً عَلَيْهِمْ أَيْ إبْقَاءً لِلْحَيَاةِ عَلَيْهِمْ أَوْ مَعْنَى إبْقَاءً شَفَقَةٌ عَلَيْهِمْ. أَوْ بِجَعْلِ عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ وَلَا تَأْوِيلَ. وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ وَعِبَارَةُ ق ل. إبْقَاءً عَلَيْهِمْ أَيْ لَهُمْ وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ إشْفَاقًا عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: (إلَّا عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ) أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 عَلَيْهَا وَلَا قَطْعُ أَشْجَارِهِمْ أَوْ زُرُوعِهِمْ وَيَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ مُصَابَرَةُ اثْنَيْنِ مِنْ الْبُغَاةِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَصْبِرَ لِكَافِرَيْنِ فَلَا يُوَلِّي إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ لِلْعَادِلِ أَنْ يَعْمِدَ إلَى قَتْلِ ذِي رَحِمِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ. وَحُكْمُ دَارِ الْبَغْيِ كَحُكْمِ دَارِ الْإِسْلَامِ. فَإِذَا جَرَى فِيهَا مَا يُوجِبُ إقَامَةَ حَدٍّ أَقَامَهُ الْإِمَامُ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهَا، وَلَوْ سَبَى الْمُشْرِكُونَ طَائِفَةً مِنْ الْبُغَاةِ وَقَدَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ. تَتِمَّةٌ: فِي شُرُوطِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَفِي بَيَانِ طُرُقِ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. كَالْقَضَاءِ فَشُرِطَ لِإِمَامٍ كَوْنُهُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ قُرَشِيًّا لِخَبَرِ: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» شُجَاعًا لِيَغْزُوَ بِنَفْسِهِ وَتُعْتَبَرُ سَلَامَتُهُ مِنْ نَقْصٍ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْحَرَكَةِ وَسُرْعَةَ   [حاشية البجيرمي] إمَامِ الْحَرَمَيْنِ. قَوْلُهُ: (فِي أَهْلِ قَلْعَةٍ) أَيْ لَا فِي إقْلِيمٍ فَلَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ عَقْرُ خُيُولِهِمْ) ثُمَّ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ أَوْ فِيهِ لَا لِضَرُورَةٍ ضَمِنُوا مَا لَمْ يَقْصِدُوا إضْعَافَهُمْ وَهَزِيمَتَهُمْ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كَانَ فِي الْقِتَالِ لِضَرُورَتِهِ فَلَا ضَمَانَ، كَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَمَا أَتْلَفُوهُ عَلَيْنَا أَوْ عَكْسُهُ لِضَرُورَةِ حَرْبٍ، هَدَرٌ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْحَرْبِ فَلَا نَضْمَنُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ أَوْ فِيهَا لَا لِضَرُورَتِهَا فَمَضْمُونٌ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِتْلَافَاتِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. بِمَا إذَا قَصَدَ أَهْلُ الْعَدْلِ التَّشَفِّيَ وَالِانْتِقَامَ لَا إضْعَافَهُمْ وَهَزِيمَتَهُمْ وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَازُ عَقْرِ دَوَابِّهِمْ، إذَا قَاتَلُوا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّا إذَا جَوَّزْنَا إتْلَافَ أَمْوَالِهِمْ خَارِجَ الْحَرْبِ لِإِضْعَافِهِمْ فَهَذَا أَوْلَى اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا قَاتَلُوا عَلَيْهَا) أَيْ فَيَجُوزُ وَلَا ضَمَانَ إنْ كَانَ لِضَرُورَةِ الْقِتَالِ أَوْ لِقَصْدِ هَزِيمَتِهِمْ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُوَلِّي) أَيْ الْمُسْلِمُ. قَوْلُهُ: (إقَامَةَ) جَوَابُ إذَا قَوْلُهُ: (فِي شُرُوطِ. . . إلَخْ) عَقَّبَ الْبُغَاةَ بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَغْيَ هُوَ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ الْقَائِمِ بِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي إقَامَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ) وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْإِمَامِ الْخَلِيفَةُ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ الْبَغَوِيّ: وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُقَالُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَلَا خَلِيفَةُ اللَّهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. اهـ. ز ي. وَعَلَّلُوهُ: بِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَخْلِفُ مَنْ يَغِيبُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ فَقَالَ: لَسْت بِخَلِيفَةِ اللَّهِ بَلْ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ} [فاطر: 39] اهـ. وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْجَوَازِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تُعْتَبَرُ فِي الدَّوَامِ أَيْضًا إلَّا الْفِسْقَ وَزَوَالَ إحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَإِلَّا إذَا كَانَ الْجُنُونُ مُتَقَطِّعًا وَزَمَنُ الْإِفَاقَةِ أَغْلَبَ سم عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (فَشَرْطُ الْإِمَامِ) وَهَذَا فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يَضُرُّ طُرُوُّ الْفِسْقِ أَوْ الْجُنُونِ إذَا كَانَتْ الْإِفَاقَةُ أَكْثَرَ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: فِي شُرُوطِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا ذَكَرًا حُرًّا عَدْلًا ذَا رَأْيٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرٍ وَنُطْقٍ وَهَذَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ فَلَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى تَوْلِيَةِ فَاسِقٍ جَازَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْوَصَايَا وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: إذَا تَعَذَّرَتْ الْعَدَالَةُ فِي الْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ قَدَّمْنَا أَقَلَّهُمْ فِسْقًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِ النَّاسِ فَوْضَى أَيْ لَا إمَامَ لَهُمْ وَقَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَيْ لِيُرَاعِيَ مَصْلَحَةَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ. وَقَوْلُهُ: بَالِغًا أَيْ لِيَلِيَ أَمْرَ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لِأَنَّ غَيْرَهُ فِي وِلَايَةِ غَيْرِهِ وَحِجْرِهِ فَكَيْفَ يَلِي أَمْرَ الْأُمَّةِ وَرَوَى أَحْمَدُ خَبَرَ «تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ إمَارَةِ الصَّبِيَّانِ» وَقَوْلُهُ: حُرًّا أَيْ لِيَكْمُلَ وَيُهَابَ وَيَتَفَرَّغَ وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعُ الْأَطْرَافِ» مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَثِّ فِي بَذْلِ الطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ أَوْ عَلَى الْمُتَغَلِّبِ الْآتِي اهـ ز ي مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ق ل. وَقَوْلُهُ: مُجَدَّعُ الْأَطْرَافِ ضَبَطَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ بِالْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَمَعْنَاهُ عَلَى كِلَيْهِمَا مُقَطَّعُ الْأَطْرَافِ. قَوْلُهُ: (شُجَاعًا) بِتَثْلِيثِ الشِّينِ قَامُوسٌ (ع ش) . قَوْلُهُ: (اسْتِيفَاءَ الْحَرَكَةِ) بِأَنْ تَكُونَ الْحَرَكَةُ ضَعِيفَةً وَهَذَا غَيْرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 النُّهُوضِ كَمَا دَخَلَ فِي الشَّجَاعَةِ وَتَنْعَقِدُ الْإِمَامَةُ بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ: الْأُولَى بِبَيْعَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَوُجُوهِ النَّاسِ الْمُتَيَسِّرِ اجْتِمَاعُهُمْ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا عَدَدٌ وَيُعْتَبَرُ اتِّصَافُ الْمُبَايِعِ بِصِفَةِ الشُّهُودِ. وَالثَّانِيَةُ بِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ مِنْ عَيْنِهِ فِي حَيَاتِهِ كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي حَيَاتِهِ. كَجَعْلِهِ الْأَمْرَ فِي الْخِلَافَةِ تَشَاوُرًا بَيْنَ جَمْعٍ، كَمَا جَعَلَ عُمَرُ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ، وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَلْحَةَ فَاتَّفَقُوا عَلَى عُثْمَانَ. وَالثَّالِثَةُ بِاسْتِيلَاءِ شَخْصٍ مُتَغَلِّبٍ عَلَى الْإِمَامَةِ وَلَوْ غَيْرَ أَهْلٍ لَهَا. نَعَمْ الْكَافِرُ إذَا تَغَلَّبَ لَا تَنْعَقِدُ إمَامَتُهُ   [حاشية البجيرمي] سُرْعَةِ النُّهُوضِ قَوْلُهُ: (كَمَا دَخَلَ فِي الشَّجَاعَةِ) أَيْ الِاعْتِبَارُ الْمَذْكُورُ. قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ قَوْلُهُ: (بِبَيْعَةِ) أَيْ بِمُعَاقَدَتِهِمْ وَمُوَافَقَتِهِمْ كَأَنْ يَقُولُوا بَايَعْنَاك الْخِلَافَةَ فَيَقْبَلَ. اهـ. شَيْخُنَا. وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ الرَّدِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ إلَّا أَنْ لَا يَصْلُحَ غَيْرُهُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ) أَيْ حَلِّ الْأُمُورِ وَعَقْدِهَا. قَوْلُهُ: (وَوُجُوهُ النَّاسِ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَإِنَّ وُجُوهَ النَّاسِ عُظَمَاؤُهُمْ بِإِمَارَةٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَفِي الْمُخْتَارِ وَجُهَ الرَّجُلُ صَارَ وَجِيهًا أَيْ ذَا جَاهٍ وَقَدْرٍ وَبَابُهُ ظَرْفٌ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (الْمُبَايِعِ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ. قَوْلُهُ: (بِصِفَةِ الشُّهُودِ) مِنْ عَدَالَةٍ وَغَيْرِهَا لَا اجْتِهَادٍ. قَوْلُهُ: (بِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ) خَرَجَ بِالْإِمَامِ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأُمَرَاءِ فَلَا يَصْلُحُ اسْتِخْلَافُهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ مَنْ يَكُونُ أَمِيرًا بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ) حَاصِلُهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا ثَقُلَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ دَعَا جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَاسْتَخْبَرَ عَنْ حَالِ عُمَرَ، مِنْهُمْ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثُمَّ أَمَرَ عُثْمَانَ " أَنْ يَكْتُبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ فِي آخِرِ عَهْدِهِ بِالدُّنْيَا خَارِجًا مِنْهَا وَعِنْدَ أَوَّلِ عَهْدِهِ بِالْآخِرَةِ دَاخِلًا فِيهَا حَيْثُ يُؤْمِنُ فِيهَا الْكَافِرُ، وَيَتَّقِي فِيهَا الْفَاجِرُ، وَيَصْدُقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، إنِّي اسْتَخْلَفْت عَلَيْكُمْ بَعْدِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا فَإِنْ عَدَلَ فَذَاكَ ظَنِّي وَعِلْمِي بِهِ وَإِنْ بَدَّلَ فَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ وَالْخَيْرَ أَرَدْت، وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " ثُمَّ أَمَرَ وَاحِدًا بِخَتْمِ الْكِتَابِ فَخَتَمَهُ ثُمَّ أَمَرَ عُثْمَانَ فَخَرَجَ بِالْكِتَابِ مَخْتُومًا فَبَايَعَ النَّاسُ وَرَضُوا بِهِ ثُمَّ دَعَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ خَالِيًا فَأَوْصَاهُ بِمَا أَوْصَاهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ وَدَعَا لَهُ بِدَعَوَاتٍ مَذْكُورَةٍ فِي الصَّوَاعِقِ لِابْنِ حَجَرٍ. وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ: كَمَا لِلتَّمْثِيلِ وَفِي قَوْلِهِ: كَجَعْلِهِ لِلتَّنْظِيرِ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: كَمَا عَهِدَ. . . إلَخْ. أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ الْمَذْكُورَ يُسَمَّى عَهْدًا. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) أَيْ عَدَمُ الرَّدِّ وَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ، بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ وَلَوْ غَابَ الْمَعْهُودُ لَهُ وَتَضَرَّرُوا بِغَيْبَتِهِ فَلَهُمْ إقَامَةُ نَائِبٍ عَنْهُ مَكَانَهُ لِيُعْزَلَ بِقُدُومِهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (كَمَا جَعَلَ عُمَرُ الْأَمْرَ شُورَى) فَإِنْ قِيلَ: كَانَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ وَكَانَ رَأْيُ عُمَرَ أَنَّ الْأَحَقَّ بِالْخِلَافَةِ أَفْضَلُهُمْ. وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وِلَايَةُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْأَفْضَلِ مِنْهُمْ لَكَانَ قَدْ نَصَّ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ، وَهُوَ قَصَدَ أَنْ لَا يَتَقَلَّدَ الْعَهْدَ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ مُتَقَارِبِينَ فِي الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى تَوْلِيَةِ الْمَفْضُولِ وَأَنَّ الْمَفْضُولَ مِنْهُمْ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْفَاضِلِ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي مَنْزِلَةٍ وَغَيْرُهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ. وَعُلِمَ رِضَا الْأُمَّةِ بِمَنْ رَضِيَ بِهِ السِّتَّةُ شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ: أَنْ لَا يَتَقَلَّدَ الْعَهْدَ جَعَلَ الْعَهْدَ كَالْقِلَادَةِ فِي عُنُقِهِ. قَوْلُهُ: (شُورَى) أَيْ تَشَاوُرًا بَيْنَهُمْ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِغَيْرِهِمْ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بَيْنَ سِتَّةٍ) . وَقَدْ نَظَمَهُمْ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: أَصْحَابُ شُورَى سِتَّةٌ فَهَاكَهَا ... لِكُلِّ شَخْصٍ مِنْهُمُو قَدْرٌ عَلِيٍّ عُثْمَانُ طَلْحَةُ وَابْنُ عَوْفٍ يَا فَتَى ... سَعْدُ بْنُ وَقَّاصٍ زُبَيْرٌ مَعَ عَلِيٍّ قَوْلُهُ: (فَاتَّفَقُوا عَلَى عُثْمَانَ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَلِيمًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ وَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَتَّفِقُوا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَتَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِيمَا يَجُوزُ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ لِخَبَرِ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعُ الْأَطْرَافِ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ نَصْبِهِ اتِّحَادُ الْكَلِمَةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِوُجُوبِ الطَّاعَةِ. فَصْلٌ: فِي الرِّدَّةِ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا هِيَ لُغَةً الرُّجُوعُ عَنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ وَهِيَ مِنْ أَفْحَشِ الْكُفْرِ وَأَغْلَظِهِ حُكْمًا مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ إنْ اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ وَإِلَّا حَبِطَ ثَوَابُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. وَشَرْعًا قَطْعُ مَنْ يَصِحُّ طَلَاقُهُ اسْتِمْرَارَ الْإِسْلَامِ وَيَحْصُلُ قَطْعُهُ بِأُمُورٍ بِنِيَّةِ كُفْرٍ أَوْ فِعْلٍ مُكَفِّرٍ أَوْ قَوْلٍ مُكَفِّرٍ سَوَاءٌ أَقَالَهُ اسْتِهْزَاءً أَمْ اعْتِقَادًا أَمْ عِنَادًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66]   [حاشية البجيرمي] حَيَاتِهِ عَلَى وَاحِدٍ لَكِنْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعُ الْأَطْرَفِ) الْمُرَادُ الْحَثُّ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ أَوْ تَقُولُ هِيَ قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ لَا تَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ وَالْمُرَادُ بِالْعَبْدِ الشَّخْصُ فَهُوَ الْحُرُّ ق ل الْأَوْلَى إبْقَاءُ الْعَبْدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْجَدْعُ قَطْعُ الْأَنْفِ وَقَطْعُ الْأُذُنِ أَيْضًا وَقَطْعُ الْيَدِ وَالشَّفَةِ وَهُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَرْحُومِيٌّ [فَصْلٌ فِي الرِّدَّةِ] ِ هَذَا شُرُوعٌ فِي الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَهْلُ الرِّدَّةِ، وَوُجُوبُ قِتَالِهِمْ مَأْخُوذٌ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ قَاتَلَ أَهْلَ الْيَمَامَةِ لَمَّا ارْتَدُّوا بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ هَهُنَا؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى الدِّينِ. وَمَا تَقَدَّمَ جِنَايَةٌ عَلَى النَّفْسِ وَأَخَّرَهَا لِكَثْرَةِ وُقُوعِ مَا قَبْلَهَا. وَكَانَ حَدُّهَا الْقَتْلَ؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ فِي قَطْعِ آلَتِهَا؛ لِأَنَّهَا اعْتِقَادٌ يُخْشَى دَوَامُهُ وَهِيَ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ، أَوْ هِيَ مِنْهُ وَهِيَ أَفْحَشُ مِنْهُ. وَيَلِيهَا الْقَتْلُ ظُلْمًا ثُمَّ الزِّنَا ثُمَّ الْقَذْفُ ثُمَّ السَّرِقَةُ وَهَذِهِ الْكُلِّيَّاتُ الْخَمْسُ الْمَشْرُوعَةُ حُدُودُهَا لِحِفْظِ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالنَّسَبِ وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ وَأَخَّرَ الرِّدَّةَ عَنْ الْقَتْلِ مَعَ أَنَّهَا أَفْحَشُ مِنْهُ، كَمَا مَرَّ لِعُمُومِهِ وَكَثْرَتِهِ وَحُصُولِهِ مِمَّنْ لَا تُوجَدُ الرِّدَّةُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ لُغَةً الرُّجُوعُ) وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ كَمَانِعِي الزَّكَاةِ فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (مِنْ أَفْحَشِ الْكُفْرِ) الْأَوْلَى حَذْفُ مِنْ؛ لِأَنَّهُ لَا أَغْلَظَ إلَّا هِيَ وَوَجْهُ غِلَظِهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ وَلَا يُؤْمِنُ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَلَا مُنَاكَحَتُهُ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فِي ذَلِكَ وَعِبَارَةُ م ر. وَهِيَ أَفْحَشُ الْكُفْرِ وَهِيَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ) فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا وَعِبَارَةُ ق ل. وَاعْلَمْ أَنَّهَا تُحْبِطُ ثَوَابَ الْأَعْمَالِ. وَكَذَا الْعَمَلُ إنْ اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ إجْمَاعًا فِيهِمَا وَإِلَّا فَلَا تُحْبِطُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ نَحْوِ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ كَانَ فَعَلَهُ قَبْلَهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ تُحْبِطُ الْعَمَلَ أَيْضًا وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] . وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْعَمَلَ الَّذِي تُحْبِطُهُ الرِّدَّةُ بِمَا وَقَعَ حَالَ التَّكْلِيفِ لَا مَا قَبْلَهُ فَرَاجِعْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (مَنْ يَصِحُّ طَلَاقُهُ) بِأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا لَا صَبِيًّا وَمَجْنُونًا وَمُكْرَهًا. وَدَخَلَ فِيهِ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا بِتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا وَتُطَلِّقُ غَيْرَهَا بِالْوَكَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلرِّدَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَمَّا وَلَدُ الْمُرْتَدِّ الَّذِي انْعَقَدَ فِي الرِّدَّةِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ حُكْمًا لِعَدَمِ قَطْعِ الْإِسْلَامِ مِنْهُ. وَكَذَا الْمُنْتَقِلُ مِنْ دِينٍ إلَى دِينٍ فَحُكْمُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَلَمْ يَقْطَعْ إسْلَامًا وَكَذَا الزِّنْدِيقُ فَإِنَّهُ وَإِنْ قَطَعَ الْإِسْلَامَ ظَاهِرًا لَا يُسَمَّى مُرْتَدًّا حَقِيقَةً لِعَدَمِ إسْلَامٍ عِنْدَهُ حَتَّى يَقْطَعَهُ فَرِدَّتُهُ حُكْمِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (اسْتِمْرَارِ) مَعْمُولٌ لِقَطْعِ وَبِتَقْدِيرِ اسْتِمْرَارٍ انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ قَطْعُهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ) هِيَ الْعَزْمُ عَلَى الْكُفْرِ الْآتِي فِي كَلَامِهِ. بِأَنْ نَوَى أَنْ يَكْفُرَ فِي الْحَالِ أَوْ أَنْ يَكْفُرَ فِي غَدٍ فَيَكْفُرُ حَالًا؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ إسْلَامٍ شَرْطٌ فَإِذَا عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ كَفَرَ حَالًّا وَلَوْ عَزَمَ الشَّخْصُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 فَمَنْ نَفَى الصَّانِعَ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُمْ الدَّهْرِيُّونَ الزَّاعِمُونَ أَنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا كَذَلِكَ بِلَا صَانِعٍ أَوْ نَفَى الرُّسُلَ بِأَنْ قَالَ: لَمْ يُرْسِلْهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ نَفَى نُبُوَّةَ نَبِيٍّ أَوْ كَذَّبَ رَسُولًا أَوْ نَبِيًّا أَوْ سَبَّهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِ أَوْ بِاسْمِهِ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ بِأَمْرِهِ أَوْ وَعْدِهِ أَوْ جَحَدَ آيَةً   [حاشية البجيرمي] عَلَى فِعْلِ كَبِيرَةٍ فِي غَدٍ لَا يَفْسُقُ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَوْلٍ مُكَفِّرٍ) لَوْ قَدَّمَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ مِنْ الْفِعْلِ وَقَوْلُهُ أَوْ قَوْلٍ: مُكَفِّرٍ أَيْ عَمْدًا فَيَخْرُجُ مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ وَلِغَيْرِ نَحْوِ تَعْلِيمٍ اهـ قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَقَالَهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ النِّيَّةِ وَالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَلَوْ قَالَ: كَمَا فِي الْمَنْهَجِ اسْتِهْزَاءً كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى اهـ. لِأَنَّ النِّيَّةَ وَالْفِعْلَ لَيْسَا قَوْلًا. قَوْلُهُ: (اسْتِهْزَاءً) أَيْ تَحْقِيرًا وَاسْتِخْفَافًا فَخَرَجَ مَنْ يُرِيدُ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ كَقَوْلِ مَنْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُرِدْهُ لَوْ جَاءَنِي جِبْرِيلُ أَوْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فَعَلْته. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّوْرِيَةَ هُنَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ لَا تُفِيدُ فَيَكْفُرُ بَاطِنًا وَفَارَقَ الطَّلَاقَ بِوُجُودِ التَّهَاوُنِ هُنَا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَالَ الْحِصْنِيُّ: وَمِنْ صُوَرِ الِاسْتِهْزَاءِ مَا يَصْدُرُ: مِنْ الظَّلَمَةِ عِنْدَ ضَرْبِهِمْ فَيَسْتَغِيثُ الْمَضْرُوبُ بِسَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ خَلِّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَلِّصْك وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (أَمْ عِنَادًا) أَيْ مُعَانَدَةَ شَخْصٍ وَمُرَاغَمَةً لَهُ وَمُخَاصَمَةً لَهُ كَأَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنَادًا وَقَوْلُهُ: أَوْ اعْتِقَادًا بِأَنْ قَالَ لِشَخْصٍ: يَا كَافِرُ مُعْتَقِدًا أَنَّ الْمُخَاطَبَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ حَقِيقَةً وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ رَاجِعٌ لِلْقَوْلِ فَقَطْ وَلَكِنَّ بَعْضَهُ رَجَعَهُ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ مُمْكِنٌ فِي الْفِعْلِ بَعِيدٌ فِي النِّيَّةِ فَافْهَمْ. وَقَدْ يُجَابُ بِحَمْلِ الْفِعْلِ عَلَى مَا يَشْمَلُ فِعْلَ الْقَلْبِ وَالِاعْتِقَادِ وَيُعَدُّ فِعْلًا وَإِنْ كَانَ فِي التَّحْقِيقِ كَيْفِيَّةً قَالَهُ سم. قَوْلُهُ: (فَمَنْ نَفَى الصَّانِعَ) مَنْ مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ كَفَرَ فِيمَا يَأْتِي خَبَرٌ أَوْ إنَّ مَنْ شَرْطِيَّةٌ وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ. وَفِيهِ إطْلَاقُ الصَّانِعِ عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ غَيْرُ وَارِدٍ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الْغَزَالِيِّ مِنْ جَوَازِ إطْلَاقِ مَا وَرَدَتْ بِهِ الْمَادَّةُ وَقَدْ وَرَدَ فِي قَوْلِهِ: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] . قَوْلُهُ: (الدَّهْرِيُّونَ) وَهُمْ الَّذِينَ يَنْسُبُونَ الْفِعْلَ لِلدَّهْرِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَفَى الرُّسُلَ) أَلْ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ تَكْفِيرُ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَافِي الرُّؤْيَةِ وَصَوَّبَ النَّوَوِيُّ خِلَافَهُ وَأَوَّلَ النَّصَّ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: عَدَمَ تَكْفِيرِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ بِخَلْقِ الْأَفْعَالِ مَعَ تَكْفِيرِ مَنْ أَسْنَدَ لِلْكَوَاكِبِ فِعْلًا. وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيّ بِأَنَّ الْفَرْقَ كَوْنُ الْكَوَاكِبِ مُؤَثِّرَةً فِي جَمْعِ الْكَائِنَاتِ بِخِلَافِ هَذَا. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قَضِيَّتَهُ لَوْ أَسْنَدَ لِلْكَوَاكِبِ بَعْضَ الْأَفْعَالِ لَا يَكُونُ كَافِرًا وَهُوَ بَاطِلٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: بِأَنَّهُمْ أَعْنِي الْمُعْتَزِلَةَ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْجَدَ فِي الْعَبْدِ قُدْرَةً وَلَكِنْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَبْدَ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ اهـ سم. قَوْلُهُ: (أَوْ كَذَّبَ رَسُولًا) بِخِلَافِ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ كُفْرًا بَلْ كَبِيرَةً فَقَطْ اهـ ع ش. فَرْعٌ: لَوْ ادَّعَى أَنَّ النَّبِيَّ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ لَمْ يَكْفُرْ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ النَّبِيَّ رَاضٍ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَذَاكَ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مُجَرَّدُ كَذِبٍ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَأَنَّهُ يُعَانِقُ الْحُورَ الْعِينَ فَهَذَا كُفْرٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي شَرْحِ الْحِصْنِيِّ. وَالْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِمْ تَفْصِيلًا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: حَتْمٌ عَلَى كُلِّ ذِي التَّكْلِيفِ مَعْرِفَةٌ ... ؛ لِأَنْبِيَاءٍ عَلَى التَّفْضِيلِ قَدْ عُلِمُوا فِي تِلْكَ حُجَّتُنَا مِنْهُمْ ثَمَانِيَةٌ ... مِنْ بَعْدِ عَشْرٍ وَيَبْقَى سَبْعَةٌ وَهُمُو إدْرِيسُ هُودٌ شُعَيْبٌ صَالِحٌ وَكَذَا ... ذُو الْكِفْلِ آدَم بِالْمُخْتَارِ قَدْ خُتِمُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 مِنْ الْقُرْآنِ مُجْمَعًا عَلَى ثُبُوتِهَا أَوْ زَادَ فِيهِ آيَةً مُعْتَقِدًا أَنَّهَا مِنْهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِسُنَّةٍ كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: قَلِّمْ أَظْفَارَك فَإِنَّهُ سُنَّةٌ فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ وَإِنْ كَانَ سُنَّةً وَقَصَدَ الِاسْتِهْزَاءَ بِذَلِكَ. أَوْ قَالَ: لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِكَذَا مَا فَعَلْته. أَوْ قَالَ: إنْ كَانَ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ صِدْقًا نَجَوْنَا أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي النَّبِيُّ إنْسِيٌّ أَوْ جِنِّيٌّ. أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الْإِيمَانُ احْتِقَارًا أَوْ قَالَ لِمَنْ حَوَّلَ: لَا حَوْلَ لَا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ. أَوْ قَالَ الْمَظْلُومُ: هَذَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى. فَقَالَ الظَّالِمُ: أَنَا أَفْعَلُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِهِ أَوْ أَشَارَ بِالْكُفْرِ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ عَلَى كَافِرٍ أَرَادَ الْإِسْلَامَ أَوْ لَمْ يُلَقِّنْ الْإِسْلَامَ طَالِبَهُ مِنْهُ أَوْ كَفَّرَ مُسْلِمًا بِلَا تَأْوِيلٍ لِلْمُكَفِّرِ بِكُفْرِ النِّعْمَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ أَوْ حَلَّلَ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ كَالزِّنَا وَاللِّوَاطِ، وَالظُّلْمِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا بِالْإِجْمَاعِ كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ أَوْ نَفَى وُجُوبَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ كَأَنْ نَفَى رَكْعَةً مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَوْ سَبَّهُ) أَوْ قَصَدَ تَحْقِيرَهُ وَلَوْ بِتَصْغِيرِ اسْمِهِ أَوْ سَبَّ الْمَلَائِكَةَ أَوْ ضَلَّلَ الْأُمَّةَ. قَوْلُهُ: (أَوْ اسْتَخَفَّ) أَيْ تَهَاوَنَ بِهِ أَوْ بِاسْمِهِ كَأَنْ أَلْقَاهُ فِي قَاذُورَةٍ أَوْ صَغَّرَهُ. بِأَنْ قَالَ مُحَيْمَدٌ قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَكَذَلِكَ قَذْفُ عَائِشَةَ وَإِنْكَارُ صُحْبَةِ أَبِيهَا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كَأَنْ قَالَ لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُ تَلْقِينَ الْإِسْلَامِ: اصْبِرْ سَاعَةً. اهـ قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ قَذْفُ عَائِشَةَ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ لَكِنْ قَيَّدَهُ م ر فِي شَرْحِهِ بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ، وَلَا يَكْفُرُ بِسَبِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ الْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ. فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ جَاءَهُ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ وَهُوَ يُصَلِّي وَطَلَبَ مِنْهُ تَلْقِينَ الشَّهَادَتَيْنِ هَلْ يُجِيبُهُ أَوْ لَا؟ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنْ خَشِيَ فَوَاتَ إسْلَامِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّلْقِينُ. وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْشَ فَوَاتَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ لِلْعُذْرِ بِتَلَبُّسِهِ بِالْفَرْضِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ: إنَّهُ رَضِيَ بِالْكُفْرِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ لَمْ يُلَقِّنْ الْإِسْلَامَ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فِي طَلَبِ التَّأْخِيرِ كَمَا هُنَا ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مُجْمَعًا عَلَى ثُبُوتِهَا) كَبَسْمَلَةِ النَّمْلِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا أَمَّا بَسْمَلَةُ الْفَاتِحَةِ فَلَا يَكْفُرُ مَنْ نَفَاهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ لِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا قَالَ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ: فِيمَا عَلَّقَهُ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْأَعْجَمِيَّةِ الْوَاقِعَةِ فِي مَتْنِ الْأَنْوَارِ مَا نَصُّهُ لَوْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصَّحَابَةِ كَفَرَ. وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِغَيْرِ أَبِي بَكْرٍ لَمْ يَكْفُرْ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى صَحَابَةٍ غَيْرِهِ وَالنَّصُّ وَارِدٌ شَائِعٌ. قُلْت: وَأَقَلُّ الدَّرَجَاتِ أَنْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ صَحَابَتَهُمْ يَعْرِفُهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَافِي صَحَابَةِ أَحَدِهِمْ مُكَذِّبٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ بِحُرُوفِهِ. وَأَقُولُ: إنَّمَا نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لِثُبُوتِ صُحْبَتِهِ بِالْقُرْآنِ وَسُكُوتِهِمْ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ اللُّحُوقَ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ كُفْرِ مَنْ أَنْكَرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَصُحْبَةُ عُمَرَ كَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (قَلِّمْ أَظْفَارَك) أَوْ قُصَّ شَارِبَك. قَوْلُهُ: (أَوْ قَالَ: لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِكَذَا مَا فَعَلْته) أَيْ لَوْ جَاءَنِي النَّبِيُّ مَا قَبِلْته مَا لَمْ يُرِدْ الْمُبَالَغَةَ فِي تَبْعِيدِ نَفْسِهِ أَوْ يُطْلِقْ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ التَّبْعِيدُ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ) . أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّكِّ. قَوْلُهُ: (صِدْقًا) بِالنَّصْبِ خَبَرُ كَانَ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ اسْمُهَا مُؤَخَّرًا لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ نَكِرَةٌ وَالْخَبَرُ مَعْرِفَةٌ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (إنْسِيٌّ) أَيْ أَهُوَ إنْسِيٌّ. . . إلَخْ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَدْرِيَ. قَوْلُهُ: (لِمَنْ حَوَّلَ) . صَوَابُهُ حَوْقَلَ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يُلَقِّنْ الْإِسْلَامَ) أَيْ الشَّهَادَتَيْنِ طَالِبَهُ مِنْهُ حَيْثُ لَا عُذْرَ فِي التَّأْخِيرِ إلَّا بِأَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ كَأَنْ كَانَ يُصَلِّي الْفَرْضَ أَوْ النَّفَلَ وَلَمْ يَخْشَ فَوَاتَ إسْلَامِهِ فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ إسْلَامِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّلْقِينُ وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ إنْ احْتَاجَ إلَى خِطَابِهِ بِنَحْوِ قُلْ وَإِلَّا بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَقَصَدَ الذِّكْرَ فَلَا بُطْلَانَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِلَا تَأْوِيلٍ لِلْمُكَفِّرِ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ لِلْكُفْرِ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَلَّلَ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ إجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ فَخَرَجَ إنْكَارُ أَنَّ لِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ، تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ وَلَوْ مِنْ عَالِمٍ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ ق ل وَلَوْ تَمَنَّى شَخْصٌ أَنْ لَا يُحَرِّمَ اللَّهُ الْخَمْرَ أَوْ لَا يُحَرِّمَ الْمُنَاكَحَةَ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ لَا يَكْفُرُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَمَنَّى أَنْ لَا يُحَرِّمَ اللَّهُ الظُّلْمَ وَالزِّنَا وَقَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ. وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا كَانَ حَلَالًا فِي زَمَانٍ فَتَمَنَّى حِلَّهُ لَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَخِ لِأُخْتِهِ كَانَ حَلَالًا فِي زَمَنِ آدَمَ. اهـ. حِصْنِيٌّ. قَوْلُهُ: (وُجُوبَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ) لَوْ أَسْقَطَ وُجُوبَ كَانَ أَعَمَّ لِيَشْمَلَ الرَّاتِبَةَ وَنَحْوَهَا طَبَلَاوِيٌّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (أَوْ اعْتَقَدَ. . . إلَخْ) . كَانَ الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرَهُ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 بِالْإِجْمَاعِ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ غَدًا أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ حَالًا كَفَرَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَذَا بَابٌ لَا سَاحِلَ لَهُ، وَالْفِعْلُ الْمُكَفِّرُ مَا تَعَمَّدَهُ صَاحِبُهُ اسْتِهْزَاءً صَرِيحًا بِالدِّينِ أَوْ جُحُودًا لَهُ: كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَكْتُوبِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ بِقَاذُورَةٍ، وَسُجُودٍ لِمَخْلُوقٍ كَصَنَمٍ وَشَمْسٍ. وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا: قَطْعُ مَنْ يَصِحُّ طَلَاقُهُ   [حاشية البجيرمي] الْفِعْلِ الْآتِي إذْ هُوَ مِنْ الْفِعْلِ الْقَلْبِيِّ وَلَيْسَ بِنِيَّةٍ إذْ النِّيَّةُ الْقَصْدُ وَهُوَ غَيْرُ الْفِعْلِ. قَوْلُهُ: (كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ) أَيْ أَوْ سَجْدَةٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ) أَيْ الْكُفْرِ أَيْ هَلْ يَكْفُرُ أَوْ لَا وَإِنَّمَا كَانَ مُكَفِّرًا؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْإِيمَانِ وَاجِبَةٌ وَالتَّرَدُّدَ يُنَافِيهَا شَرْحُ الرَّوْضِ. فَإِنْ قُلْت التَّرَدُّدُ مِنْ أَيِّ قِسْمٍ مِنْ الْأَقْسَامِ. قُلْت: مِنْ قِسْمِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الْقَلْبِيَّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَالَ م د: وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ شَامِلًا لِلتَّرَدُّدِ فِي إيجَادِ فِعْلٍ مُكَفِّرٍ أَيْضًا كَمَا لَوْ تَرَدَّدَ فِي إلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَاذُورَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمَنْهَجِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ وَعِبَارَتُهُ كَنَفْيِ الصَّانِعِ أَوْ نَفْيِ نَبِيٍّ أَوْ تَكْذِيبِهِ أَوْ جَحْدِ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً بِلَا عُذْرٍ أَوْ تَرَدَّدَ فِي كُفْرٍ أَوْ إلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَاذُورَةٍ. اهـ فَقَوْلُهُ: أَوْ إلْقَاءِ مُصْحَفٍ مَعْطُوفٌ عَلَى نَفْيِ الصَّانِعِ لَا عَلَى كُفْرٍ إذْ لَوْ عَطَفَ عَلَيْهِ لَاقْتَضَى أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي الْإِلْقَاءِ كُفْرٌ. فِيهِ نَظَرٌ صَرَّحَ بِهِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الرَّوْضِ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْكُفْرِ بِهِ لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ: أَوْ تَرَدَّدَ فِي كُفْرٍ أَنَّهُ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ إلْقَاءَ الْمُصْحَفِ كُفْرٌ فَالتَّرَدُّدُ فِيهِ تَرَدُّدٌ فِي الْكُفْرِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (حَالًّا) مُقَدَّمٌ مِنْ تَأْخِيرٍ وَالْأَصْلُ فَيَكْفُرُ حَالًا كَمَا عَبَّرَ بِهِ م ر وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِتَرَدَّدَ أَيْ تَرَدَّدَ فِي الْكُفْرِ حَالًا أَوْ غَدًا فَيَكْفُرُ حَالًا وَعِبَارَةُ س ل. أَوْ تَرَدَّدَ فِي كُفْرٍ أَيْ حَالًا بِطَرَيَانِ شَكٍّ يُنَاقِضُ جَزْمَ النِّيَّةِ بِالْإِسْلَامِ فَإِنْ لَمْ يُنَاقِضْ الْجَزْمَ كَاَلَّذِي يَجْرِي فِي الْفِكْرِ فَهُوَ مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ الْمُوَسْوَسُ. اهـ وَقَوْلُهُ: أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ حَالًا أَوْ قَالَ: تَوَفَّنِي إنْ شِئْت مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ قَالَ: أَخَذْت مَالِي وَوَلَدِي فَمَاذَا بَقِيَ لَمْ تَفْعَلْهُ أَوْ ضَلَّلَ الْأُمَّةَ أَوْ كَفَّرَ الصَّحَابَةَ أَوْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ أَوْ أَنْكَرَ مَكَّةَ أَوْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَالْحِسَابَ أَوْ الثَّوَابَ أَوْ الْعِقَابَ. نَعَمْ لَا كُفْرَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ جَاهِلٍ قَرُبَ إسْلَامُهُ أَوْ بَعُدَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. سم وَقَوْلُهُ: أَوْ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ أَيْ فِي الْآخِرَةِ بِخِلَافِهِ فِي الدُّنْيَا اهـ لَا إنْ أَنْكَرَ الصِّرَاطَ أَوْ الْمِيزَانَ مِمَّا تَقُولُ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ رَشِيدِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا بَابٌ لَا سَاحِلَ لَهُ) أَيْ لِكَثْرَةِ مَسَائِلِهِ وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ حَيْثُ شَبَّهَ الْبَابَ بِالْبَحْرِ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَقَوْلُهُ: لَا سَاحِلَ لَهُ اسْتِعَارَةٌ تَخَيُّلِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ: بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ لَكَانَ أَنْسَبَ. قَوْلُهُ: (صَرِيحًا) صِفَةٌ لِلِاسْتِهْزَاءِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَقَوْلُهُ: بِالدِّينِ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِهْزَاءٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ جُحُودًا عَطْفٌ عَلَى اسْتِهْزَاءٍ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ إنْ كَانَ رَاجِعًا لِلْفِعْلِ فَلَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّهُ فَعَلَ الْفِعْلَ الْمُكَفِّرَ حَالَةَ كَوْنِهِ جَاحِدًا لِلْفِعْلِ وَلَا مَعْنَى لَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُتَأَمَّلُ مَعْنَى ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلدِّينِ، وَالْمَعْنَى فَعَلَ الْفِعْلَ الْمُكَفِّرَ حَالَةَ كَوْنِهِ جَاحِدًا لِلدِّينِ الْحَقِّ الَّذِي يَقْتَضِي عَدَمَ هَذَا الْفِعْلِ الْمُكَفِّرِ. قَوْلُهُ: (كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ بَلْ اسْمٌ مُعَظَّمٌ مِنْ الْحَدِيثِ قَالَ الرُّويَانِيُّ: أَوْ مِنْ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَالْإِلْقَاءُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مُمَاسَّتِهِ بِقَذِرٍ وَلَوْ طَاهِرًا وَالْحَدِيثُ فِي كَلَامِهِ شَامِلٌ لِلضَّعِيفِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ فِي إلْقَائِهِ اسْتِخْفَافًا بِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ وَخَرَجَ بِالضَّعِيفِ الْمَوْضُوعُ اهـ. ع ش وَعِبَارَةُ ق ل كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْعَزْمِ بِهِ وَأَلْحَقَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَضْعَ رِجْلِهِ عَلَيْهِ وَنُوزِعَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (بِقَاذُورَةٍ) أَيْ قَذَرٍ وَلَوْ طَاهِرًا كَبُصَاقٍ وَمُخَاطٍ وَمَنِيٍّ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ لَا لِخَوْفِ أَخْذِ نَحْوِ كَافِرٍ لَهُ وَإِنْ حَرُمَ وَكَإِلْقَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْقَذَرِ إلْقَاءُ الْقَذَرِ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَلَا بُدَّ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْإِهَانَةِ وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي مَسْحِ الْقُرْآنِ مِنْ لَوْحِ الْمُتَعَلِّمِ بِالْبُصَاقِ فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِحُرْمَتِهِ مُطْلَقًا وَبَعْضُهُمْ بِحِلِّهِ مُطْلَقًا وَبَعْضُهُمْ بِحُرْمَتِهِ إنْ بَصَقَ عَلَى الْقُرْآنِ ثُمَّ مَسَحَهُ وَبِحِلِّهِ إنْ بَصَقَ عَلَى نَحْوِ خِرْقَةٍ ثُمَّ مَسَحَ بِهَا قَالَهُ سم قَالَ: ع ش عَلَى م ر وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْبُصَاقِ عَلَى اللَّوْحِ لِإِزَالَةِ مَا فِيهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ. إذْ لَيْسَ فِيهِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ وَمِثْلُهُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ أَيْضًا مِنْ مَضْغِ مَا عَلَيْهِ قُرْآنٌ أَوْ نَحْوِهِ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ أَوْ لِصِيَانَتِهِ عَنْ النَّجَاسَةِ وَهَلْ ضَرْبُ الْفَقِيهِ الْأَوْلَادَ الَّذِينَ يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ بِأَلْوَاحِهِمْ كُفْرٌ أَوْ لَا، وَإِنْ رَمَاهُمْ بِالْأَلْوَاحِ مِنْ بُعْدٍ الظَّاهِرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الِاسْتِخْفَافَ بِالْقُرْآنِ نَعَمْ يَنْبَغِي حُرْمَتُهُ لِإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ التَّعْظِيمِ اهـ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ شَخْصٍ يَكْتُبُ الْقُرْآنَ بِرِجْلِهِ لِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْتُبَ بِيَدَيْهِ لِمَانِعٍ بِهِمَا. وَالْجَوَابُ عَنْهُ كَمَا أَجَابَ عَنْهُ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 الصَّبِيُّ وَلَوْ مُمَيِّزًا وَالْمَجْنُونُ فَلَا تَصِحُّ رِدَّتُهُمَا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا وَالْمُكْرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] وَدَخَلَ فِيهِ السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ فَتَصِحُّ رِدَّتُهُ كَطَلَاقِهِ وَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ وَإِسْلَامِهِ عَنْ رِدَّتِهِ. (وَمَنْ ارْتَدَّ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ عَنْ دِينِ (الْإِسْلَامِ) بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَوْ بِغَيْرِهِ مِمَّا قُرِّرَ فِي الْمَبْسُوطَاتِ وَغَيْرِهَا (اُسْتُتِيبَ) وُجُوبًا قَبْلَ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَرَمًا بِالْإِسْلَامِ فَرُبَّمَا عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ. فَيَسْعَى فِي إزَالَتِهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الرِّدَّةَ تَكُونُ عَنْ شُبْهَةٍ عَرَضَتْ وَثَبَتَ وُجُوبُ الِاسْتِتَابَةِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا   [حاشية البجيرمي] بِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَالْحَالَةُ مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ إزْرَاءً؛ لِأَنَّ الْإِزْرَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْحَالَةِ الْكَامِلَةِ وَيَنْتَقِلَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَمَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ فِي الْحُرْمَةِ مِنْ حُرْمَةِ مَدِّ الرِّجْلِ إلَى الْمُصْحَفِ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَرَّرَ وَيَلْزَمُ الْقَائِلَ بِالْحُرْمَةِ هُنَا أَنْ يَقُولَ بِالْحُرْمَةِ فِيمَا لَوْ كَتَبَ الْقُرْآنَ بِيَسَارِهِ مَعَ تَعَطُّلِ الْيَمِينِ وَلَا قَائِلَ بِهِ اهـ قَدْ يُقَالُ: فَرْقٌ بَيْنَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيِّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى عَقِيدَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِالْجَوْهَرَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَقُلْ يُعَادُ الْجِسْمُ بِالتَّحْقِيقِ نَقَلَ الزَّرْكَشِيّ عَنْ الْحَلِيمِيِّ أَنَّ مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ أَيُبْعَثُ بِتِلْكَ الْيَدِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ يُبْعَثُ بِهَا لَزِمَ أَنْ يَلِجَ النَّارَ عُضْوٌ لَمْ يُذْنِبْ بِهِ صَاحِبُهُ، وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يُبْعَثُ بِهَا لَزِمَ أَنْ لَا يُعَادَ جَمِيعُ الْأَجْزَاءِ الْأَصْلِيَّةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُبْعَثُ تَامَّ الْخِلْقَةِ كَامِلَ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ تَابِعَةٌ لِلْبَدَنِ لَا حُكْمَ لَهَا عَلَى الِانْفِرَادِ فِي طَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ. وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ إنَّمَا هُوَ بِحَالِ الْمَوْتِ لِخَبَرِ «إنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» الْحَدِيثَ، وَأَمَّا الْأَجْزَاءُ بِانْفِرَادِهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَغَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهَا. اهـ. خَضِرٌ. قَوْلُهُ: (وَسُجُودٌ لِمَخْلُوقٍ كَصَنَمٍ) إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ كَانَ فِي بِلَادِهِمْ مَثَلًا وَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَخَرَجَ بِالسُّجُودِ الرُّكُوعُ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ التَّشْرِيكَ أَوْ قَصَدَ بِالرُّكُوعِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعْظِيمَهُ كَتَعْظِيمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَعِبَارَةُ سم. وَسُجُودُ غَيْرِ أَسِيرٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِحَضْرَتِهِمْ لِصَنَمٍ وَخَرَجَ بِالسُّجُودِ الرُّكُوعُ لِوُقُوعِ صُورَتِهِ لِلْمَخْلُوقِ عَادَةً وَلَا كَذَلِكَ السُّجُودُ نَعَمْ يَتَّجِهُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ قَصَدَ تَعْظِيمَ مَخْلُوقٍ بِالرُّكُوعِ كَمَا يُعَظِّمُ اللَّهَ بِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْكُفْرِ حِينَئِذٍ اهـ حَجّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِانْحِنَاءَ لِمَخْلُوقٍ كَمَا يُفْعَلُ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْعُظَمَاءِ حَرَامٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ قَصْدِ تَعْظِيمِهِمْ لَا كَتَعْظِيمِ اللَّهِ وَكُفْرٌ إنْ قَصَدَ تَعْظِيمَهُمْ كَتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (اُسْتُتِيبَ وُجُوبًا) بِأَنْ يُؤْمَرَ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَيَأْتِي بِهِمَا مَعَ تَرْتِيبِهِمَا وَمُوَالَاتِهِمَا وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِأَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ كُفْرُهُ بِإِنْكَارِ مَا لَا يُنَافِي الْإِقْرَارَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا كَأَنْ خَصَّصَ رِسَالَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعَرَبِ أَوْ جَحَدَ فَرْضًا أَوْ تَحْرِيمًا وَجَبَ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ الِاعْتِرَافُ بِمَا أَنْكَرَهُ بِأَنْ يَعْتَرِفَ فِي الْأُولَى بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي الِاعْتِرَافُ بِرِسَالَتِهِ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ؛ لِأَنَّ رِسَالَتَهُ إلَى الْمَلَكِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَوْ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ وَيَرْجِعُ فِي الثَّانِي عَنْ جَحْدِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ لَفْظِ أَشْهَدُ وَالْوَجْهُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ تَكْرِيرُهُ عِنْدَ الْعَطْفِ اهـ. سم وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ لَفْظِ أَشْهَدُ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمَا فِي الْكَفَّارَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَخَالَفَ فِيهِ جَمْعٌ اهـ وَقَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ لَفْظِ أَشْهَدُ أَيْ وَعَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ بِدُونِهَا وَإِنْ أَتَى بِالْوَاوِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامِهِمَا مُعْتَمَدٌ وَلِبَعْضِهِمْ: شُرُوطُ الْإِسْلَامِ بِلَا اشْتِبَاهِ ... عَقْلٌ بُلُوغٌ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ وَالنُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالَوْلَا ... كَذَلِكَ التَّرْتِيبُ فَاعْلَمْ وَاعْمَلَا وَقَوْلُهُ: كَذَلِكَ التَّرْتِيبُ وَفِي لَفْظِ السَّادِسِ التَّرْتِيبُ. قَوْلُهُ: (وُجُوبًا) وَقِيلَ نَدْبًا؛ وَعَلَى كُلٍّ قِيلَ حَالًا وَقِيلَ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 أُمُّ رُومَانَ ارْتَدَّتْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ، فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ» وَلَا يُعَارِضُ هَذَا النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَرْبِيَّاتِ وَهَذَا عَلَى الْمُرْتَدَّاتِ، وَالِاسْتِتَابَةُ تَكُونُ حَالًّا لِأَنَّ قَتْلَهُ الْمُرَتَّبَ عَلَيْهَا حَدٌّ فَلَا يُؤَخَّرُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ. نَعَمْ إنْ كَانَ سَكْرَانَ سُنَّ التَّأْخِيرُ إلَى الصَّحْوِ، وَفِي قَوْلٍ: يُمْهَلُ فِيهَا (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَثَرٍ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي ذَلِكَ، وَأَخَذَ بِهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ الْمَتْنِ عَلَى هَذَا. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ ضَعِيفٌ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَنَّهُ يُسْتَتَابُ شَهْرَيْنِ (فَإِنْ تَابَ) بِالْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ. (صَحَّ) إسْلَامُهُ (وَتُرِكَ) وَلَوْ كَانَ زِنْدِيقًا أَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ لِآيَةِ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَخَبَرِ: «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ» وَالزِّنْدِيقُ مَنْ يُخْفِي الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ كَمَا قَالَهُ: الشَّيْخَانِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَبَابَيْ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَالْفَرَائِضِ أَوْ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا كَمَا قَالَاهُ فِي اللِّعَانِ وَصَوَابُهُ فِي الْمُهِمَّاتِ ثُمَّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فِي الْحَالِ (قُتِلَ) وُجُوبًا لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» أَيْ بِضَرْبِ عُنُقِهِ دُونَ الْإِحْرَاقِ وَغَيْرِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لِلْأَمْرِ بِإِحْسَانِ الْقِتْلَةِ. (وَلَمْ يُغَسَّلْ) أَيْ لَا يَجِبُ غُسْلُهُ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ بِالرِّدَّةِ. لَكِنْ يَجُوزُ لَهُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْجَنَائِزِ. (وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) لِتَحْرِيمِهَا عَلَى الْكَافِرِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] . تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ تَكْفِينِهِ، وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ كَغُسْلِهِ. (وَلَمْ يُدْفَنْ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْنُهُ (فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ) لِخُرُوجِهِ مِنْهُمْ بِالرِّدَّةِ وَيَجُوزُ دَفْنُهُ فِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ. وَلَا يَجِبُ كَالْحَرْبِيِّ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الدَّمِيرِيِّ مِنْ دَفْنِهِ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ حُرْمَةِ الْإِسْلَامِ لَا أَصْلَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: 217]   [حاشية البجيرمي] أَيَّامٍ وَقِيلَ تُكَرَّرُ التَّوْبَةُ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَوْلُهُ: (فَيُسْعَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَابَتْ) أَيْ فَذَاكَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُعَارِضُ هَذَا) أَيْ وُجُوبَ الِاسْتِتَابَةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَقَتْلَهَا إذَا لَمْ تُسْلِمْ وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ الْحَامِلَةُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ إتْلَافِ حَمْلِهَا فَإِنَّ الْمُسْلِمَ الْمَعْصُومَ يَتْبَعُ أَصْلَهُ الْمُسْلِمَ وَلَوْ مَيِّتًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ النَّهْيَ وَقَوْلُهُ: وَالِاسْتِتَابَةُ تَكُونُ حَالًا لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ لَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ غَيْرُ التَّعْزِيرِ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُسِيئًا بِفِعْلِهِ،. اهـ. سم وَقَوْلُهُ: تَكُونُ حَالًا مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ قَتْلَهُ) أَيْ الْمُرْتَدِّ الْمُرَتَّبَ عَلَيْهَا أَيْ الرِّدَّةِ حَدٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ فِي فَصْلِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ أَنَّهُ يُقْتَلُ كُفْرًا لَا حَدًّا وَهُوَ الصَّوَابُ وَحِينَئِذٍ فَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُهُ. قَوْلُهُ: (وَفِي قَوْلٍ: يُمْهَلُ) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: يُسْتَتَابُ حَالًا وَلَيْسَ رَاجِعًا لِلسَّكْرَانِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (يُمْهَلُ فِيهَا ثَلَاثًا) بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ تُعْرَضُ عَلَيْهِ كَمَا فِي م ر وَلَيْسَ هَذَا إفْصَاحًا بِدُخُولِ جَمِيعِ لَيَالِي الثَّلَاثَةِ أَوْ عَدَمِهِ سم وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ الثَّلَاثِ يُهَدَّدُ وَيُخَوَّفُ بِالضَّرْبِ الْخَفِيفِ وَثَانِي يَوْمٍ بِالثَّقِيلِ وَالثَّالِثَ بِالْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (فِيهَا) أَيْ الِاسْتِتَابَةِ أَيْ بِسَبَبِهَا. قَوْلُهُ: (يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ) . أَيْ يُطْلَبُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (بِالْعَوْدَةِ إلَى الْإِسْلَامِ) . وَلَا بُدَّ مِنْ رُجُوعِهِ عَنْ اعْتِقَادٍ ارْتَدَّ بِسَبَبِهِ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ تُكَرَّرُ) لَكِنْ يُعَزَّرُ إنْ تَكَرَّرَتْ وَتَوْبَةُ الْكَافِرِ مِنْ كُفْرِهِ قَطْعِيَّةُ الْقَبُولِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا لِوُرُودِ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] . قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَتُبْ) بِأَنْ امْتَنَعَ مِنْ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِشُرُوطِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ) أَيْ دَفْنُهُ كَالْحَرْبِيِّ. قَوْلُهُ: (لَا أَصْلَ لَهُ) عِبَارَةُ الْعَبَّادِيِّ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَهَا أَصْلٌ وَنَصُّهُ وَلَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ يَحْرُمُ ذَلِكَ كَعَكْسِهِ بَلْ وَلَا فِي مَقَابِرِ الْكَافِرِينَ بَلْ بَيْنَ الْمَقْبَرَتَيْنِ اهـ أج وَقَوْلُهُ: لَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ لِقَطْعِهِ الْوَصْلَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِمُفَارَقَتِهِ جَمَاعَتَهُمْ وَقَوْلُهُ: وَلَا فِي مَقَابِرِ الْكَافِرِينَ أَيْ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ بِهِ فَكَأَنَّهُ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 الْآيَةَ وَيَجِبُ تَفْصِيلُ الشَّهَادَةِ بِالرِّدَّةِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا يُوجِبُهَا وَلَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَيْهِ بِرِدَّةٍ إكْرَاهًا وَقَدْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِلَفْظِ كُفْرٍ أَوْ فِعْلِهِ حَلَفَ فَيُصَدَّقُ وَلَوْ بِلَا قَرِينَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْ الشُّهُودَ أَوْ شَهِدَتْ بِرِدَّتِهِ وَأَطْلَقَتْ لَمْ تُقْبَلْ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ قَالَ: أَحَدُ ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ: مَاتَ أَبِي مُرْتَدًّا فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبَ رِدَّتِهِ كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ فَنَصِيبُهُ فَيْءٌ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَإِنْ أَطْلَقَ اسْتُفْصِلَ فَإِنْ ذَكَرَ مَا هُوَ رِدَّةٌ كَانَ فَيْئًا أَوْ غَيْرَهَا كَقَوْلِهِ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ. صُرِفَ إلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِي أَصْلَيْ الرَّوْضَةِ، وَمَا فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ فَيْءٌ أَيْضًا ضَعِيفٌ. تَتِمَّةٌ: فَرْعٌ الْمُرْتَدُّ إنْ انْعَقَدَ قَبْلَ الرِّدَّةِ أَوْ فِيهَا وَأَحَدُ أُصُولِهِ مُسْلِمٌ فَمُسْلِمٌ تَبَعًا لَهُ، وَالْإِسْلَامُ يَعْلُو، أَوْ أُصُولُهُ مُرْتَدُّونَ فَمُرْتَدٌّ تَبَعًا لَا مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ أَصْلِيٌّ فَلَا يُسْتَرَقُّ وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُسْتَتَابَ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَيِّتِ مِنْ   [حاشية البجيرمي] فَعُومِلَ بِعَمَلِهِ. اهـ. . قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَفْصِيلُ الشَّهَادَةِ) أَيْ بِأَنْ يَذْكُرَ مُوجِبَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا مُخْتَارًا وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاَلَّذِي فِي مَتْنِ الْمِنْهَاجِ وَاعْتَمَدَهُ م ر أَنَّهُ تَكْفِي الشَّهَادَةُ الْمُطْلَقَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لِخَطَرِهَا لَا يُقْدِمُ الْعَدْلُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِهَا إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِهَا اهـ وَقَوْلُهُ: لَا يُقْدِمُ، فِي الْمُخْتَارِ وَقَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ بِالْكَسْرِ قُدُومًا وَمَقْدَمًا أَيْضًا بِفَتْحِ الدَّالِ وَقَدِمَ يَقْدُمُ كَنَصَرَ يَنْصُرُ قُدْمًا بِوَزْنِ قُفْلٍ أَيْ تَقَدَّمَ وَقَدُمَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ قِدَمًا بِوَزْنِ عِنَبٍ فَهُوَ قَدِيمٌ وَأَقْدَمَ عَلَى الْأَمْرِ اهـ قَالَ: ع ش عَلَى م ر وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: لِأَنَّهَا لِخَطَرِهَا. . . إلَخْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي عَدْلٍ يَعْرِفُ الْمُكَفِّرَ مِنْ غَيْرِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (إكْرَاهًا) مَفْعُولٌ لِادَّعَى وَقَوْلُهُ: وَقَدْ شَهِدَتْ حَالٌ وَقَوْلُهُ حَلَفَ جَوَابُ لَوْ. قَوْلُهُ: (حَلَفَ) فَإِنْ قُتِلَ قَبْلَ الْيَمِينِ فَهَلْ يُضْمَنُ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَمْ تَثْبُتْ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ لَفْظَ الرِّدَّةِ وُجِدَ وَالْأَصْلُ الِاخْتِيَارُ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي اهـ خ ط. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِلَا قَرِينَةٍ) وَفَارَقَ الطَّلَاقَ فِي عَدَمِ الْقَرِينَةِ بِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ وَبِحَقْنِ الدِّمَاءِ هُنَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْ الشُّهُودَ) وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْوِيرَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ تَفْصِيلُ الشَّهَادَةِ فَمِنْ الشَّرَائِطِ الِاخْتِيَارُ فَدَعْوَى الْإِكْرَاهِ تَكْذِيبٌ لِلشَّاهِدِ وَإِلَّا فَالِاكْتِفَاءُ بِالْإِطْلَاقِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا شَهِدَ بِالرِّدَّةِ لِتَضَمُّنِهِ حُصُولَ الشَّرَائِطِ أَمَّا إذَا قَالَ: إنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَذَا فَيَبْعُدُ أَنْ يُحْكَمَ بِهِ، وَيُمْنَعُ بِأَنَّ الْأَصْلَ الِاخْتِيَارُ وَيُجَابُ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ وَيُمْنَعَ قَوْلُهُ: فَمِنْ الشَّرَائِطِ الِاخْتِيَارُ أَوْ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُمْنَعَ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ لِاعْتِضَادِهِ بِسُكُوتِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الدَّفْعِ اهـ شَرْحُ الْبَهْجَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَهِدَتْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَقَدْ شَهِدَتْ. . . إلَخْ أَيْ وَلَمْ تُفْصَلْ، فَإِنْ فُصِلَتْ فَلَا خِلَافَ فِي الْقَبُولِ كَمَا فِي س ل. قَوْلُهُ: (لَمْ تُقْبَلْ) أَيْ بَلْ هُوَ الَّذِي يُصَدَّقُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُ قَرِينَةٌ عَلَى الْإِكْرَاهِ أَوْ لَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُصَدَّقُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ حَيْثُ قَالَ: فِيمَا قَبْلَهُ حَلَفَ وَقَالَ: فِي هَذَا لَمْ تُقْبَلْ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ عَلَى طَرِيقَتِهِ لِعَدَمِ التَّفْصِيلِ فَجَانِبُ مُدَّعِي الْإِكْرَاهِ أَوْلَى فَكَأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَصْلًا. اهـ وَمَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ التَّفْضِيلِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ وَكَذَا قَوْلُهُ: فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبَ رِدَّتِهِ. . . إلَخْ اهـ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا يُوجِبُهَا أَوْ مِنْ وُجُوبِ تَفْصِيلِ الشَّهَادَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ) فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى عَدَمِ التَّفْصِيلِ وَلَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ حِرْمَانِهِ مِنْ إرْثِهِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا التَّفْصِيلَ فِي الشَّهَادَةِ بِالرِّدَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (إنْ انْعَقَدَ) يُتَأَمَّلُ مَا الْمُرَادُ بِالِانْعِقَادِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حُصُولُ الْمَاءِ فِي الرَّحِمِ فَالْمُرَادُ بِانْعِقَادِهِ انْعِقَادُ أَصْلِهِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ كَمَا لَوْ وَطِئَهَا مَرَّةً وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ انْعَقَدَ قَبْلَهَا وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِيمَا إذَا حَصَلَ وَطْءٌ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَوَطْءٌ بَعْدَهَا وَاحْتُمِلَ الِانْعِقَادُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِي أُصُولِهِ مُسْلِمٌ فَيُنْظَرُ هَلْ الرِّدَّةُ قَبْلَ الْوَطْءِ فَقَدْ انْعَقَدَ بَعْدَهَا أَوْ بَعْدَهَا فَقَدْ انْعَقَدَ قَبْلَهَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَأَحَدُ أُصُولِهِ) وَإِنْ بَعْدَ م ر أي حَيْثُ يُعَدُّ مَنْسُوبًا إلَيْهِ ع ش وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ فِيهِمَا فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَلَا كَافِرٌ أَصْلِيٌّ) أَيْ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فِي أَبَوَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَاخْتُلِفَ فِي الْمَيِّتِ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَحْذُوفٍ صَرَّحَ بِهِ م ر فَقَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] هَذَا كُلُّهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَكُلُّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ وَالْمُرْتَدِّينَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي حَالِ صِغَرِهِ ثُمَّ يَمُوتُ فِي صِغَرِهِ أَمَّا إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ وَيَكُونُ فِي الْجَنَّةِ قَطْعًا، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ إسْلَامَ الصَّغِيرِ غَيْرُ نَافِعٍ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِأَمْرِ الدُّنْيَا أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ نَافِعٌ قَطْعًا كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِ الْإِرْشَادِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي أَوْلَادِ كُفَّارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَمَّا أَوْلَادُ كُفَّارِ غَيْرِهَا فَفِي النَّارِ قَوْلًا وَاحِدًا لَكِنْ مِنْ غَيْرِ تَعْذِيبٍ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي أَوْلَادِ الْكُفَّارِ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَمَّا أَوْلَادُ كُفَّارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَفِي الْجَنَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى سُئِلَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفَظَ مَا مُحَصَّلُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْأَطْفَالِ هَلْ هُمْ فِي الْجَنَّةِ خُدَّامٌ لِأَهْلِهَا ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَهَلْ تَتَفَاضَلُ دَرَجَاتُهُمْ فِي الْجَنَّةِ؟ . فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: أَمَّا أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فَفِي الْجَنَّةِ قَطْعًا بَلْ إجْمَاعًا وَالْخِلَافُ فِيهِ شَاذٌّ بَلْ غَلَطٌ، وَأَمَّا أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فَفِيهِمْ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] . الثَّانِي أَنَّهُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ لَكِنَّهُ نُوزِعَ فِيهِ. الثَّالِثُ الْوَقْفُ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ. الرَّابِعُ أَنَّهُمْ يُجْمَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُؤَجَّجُ لَهُمْ نَارٌ وَيُقَالُ: اُدْخُلُوهَا فَيَدْخُلُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ شَقِيًّا، وَيُمْسِكُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَعِيدًا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ اهـ مُلَخَّصًا. وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ عَنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ هَلْ يُعَذَّبُونَ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ وَهَلْ وَرَدَ أَنَّهُمْ يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَأَنَّ الْقَبْرَ يَضُمُّهُمْ وَإِذَا قُلْتُمْ بِذَلِكَ فَهَلْ يَتَأَلَّمُونَ بِهِ أَمْ لَا وَهَلْ قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ مُعَذَّبُونَ هُوَ مُصِيبٌ فِيهِ أَمْ مُخْطِئٌ وَمَا الْحُكْمُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ هَلْ هُمْ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ أَمْ هُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ أَمْ غَيْرُ هَذَا. فَأَجَابَ لَا يُعَذَّبُونَ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ، وَالْعَذَابُ عَلَى ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمُكَلَّفِينَ، وَلَا يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ كَمَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ؛ وَلِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ: إنَّ الطِّفْلَ يُسْأَلُ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا لَا يَصِحُّ وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَقَّنَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ» لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ وَلَا يُؤَدِّ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الطِّفْلِ " اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ "؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ مَا فِيهِ عُقُوبَةٌ وَلَا السُّؤَالُ بَلْ مُجَرَّدُ أَلَمِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْوَحْشَةِ وَالضَّغْطَةِ الَّتِي تَعُمُّ الْأَطْفَالَ وَغَيْرَهُمْ، وَأُخْرِجَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: " كُنْت عِنْدَ عَائِشَةَ فَمَرَّتْ جِنَازَةُ صَبِيٍّ صَغِيرٍ فَقُلْت: مَا يُبْكِيك؟ قَالَتْ هَذَا الصَّبِيُّ بَكَيْت شَفَقَةً عَلَيْهِ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ " وَالْقَائِلُ الْمَذْكُورُ إنْ أَرَادَ بِيُعَذَّبُونَ بِالنَّارِ أَوْ عَلَى الْمَعَاصِي فَغَيْرُ مُصِيبٍ بَلْ هُوَ مُخْطِئٌ أَشَدَّ الْخَطَأِ لِمَا تَقَرَّرَ. وَأَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ عَلَى نَحْوِ عَشَرَةِ أَقْوَالٍ، الرَّاجِحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ فِي فَتَاوِيه الصُّغْرَى وَفِي حَدِيثٍ أَنَّهُمْ خَدَمُ الْجَنَّةِ فَإِنْ صَحَّ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كِنَايَةً عَنْ نُزُولِ مَرَاتِبِهِمْ عَنْ مَرَاتِبِ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ آبَائِهِمْ كَمَا نَصَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ الطُّورِ وَأُولَئِكَ لَا آبَاءَ لَهُمْ يَكُونُونَ فِي مَنْزِلَتِهِمْ، وَكَوْنُ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ بِحَسَبِ الْأَعْمَالِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي الْمُكَلَّفِينَ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ تَقْتَضِي إلْحَاقَ الْآبَاءِ بِالْأَبْنَاءِ وَعَكْسَهُ وَلَوْ فِي دَرَجَاتِ الْعَلِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَا يُوصِلُهُمْ إلَيْهَا وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ إنْ صَحَّ عَلَى أَنَّهُمْ فِيمَنْ يَلْحَقُ بِغَيْرِهِ فِي مَرْتَبَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَكَرِهِمْ فِي ذَلِكَ وَأُنْثَاهُمْ، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَالْقَوْلُ: بِأَنَّهُمْ فِي الْأَعْرَافِ لَا أَعْرِفُهُ عَنْ خَبَرٍ وَلَا أَثَرٍ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 أَوْلَادِ الْكُفَّارِ قَبْلَ بُلُوغِهِ. وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ تَبَعًا لِلْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمْ فِي النَّارِ وَقِيلَ عَلَى الْأَعْرَافِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُرْتَدًّا وَالْآخَرُ كَافِرًا أَصْلِيًّا فَكَافِرٌ أَصْلِيٌّ قَالَهُ الْبَغَوِيّ. وَمِلْكُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ إنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بِأَنَّ زَوَالَهُ بِالرِّدَّةِ وَيُقْضَى مِنْهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ قَبْلَهَا وَبَدَلُ مَا أَتْلَفَهُ فِيهَا وَيَنَالُ مِنْهُ مُمَوَّنَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَبَعْضِهِ وَمَالِهِ وَزَوْجَاتِهِ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، وَتَصَرُّفُهُ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الْوَقْفَ بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْ التَّعْلِيقَ كَبَيْعٍ وَكِتَابَةِ بَاطِلٌ لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْوَقْفِ، وَإِنْ احْتَمَلَهُ بِأَنْ قَبِلَ التَّعْلِيقَ كَعِتْقٍ وَوَصِيَّةٍ. فَمَوْقُوفٌ إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ. وَإِلَّا فَلَا، وَيُجْعَلُ مَالُهُ عِنْدَ عَدْلٍ وَأَمَتُهُ عِنْدَ نَحْوِ مَحْرَمٍ كَامْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَيُؤَدِّي مُكَاتَبُهُ النُّجُومَ لِلْقَاضِي حِفْظًا لَهَا. وَيَعْتِقُ بِذَلِكَ أَيْضًا وَإِنَّمَا لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُرْتَدُّ لِأَنَّ قَبْضَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.   [حاشية البجيرمي] مَرَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27] ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِحَيٍّ عَاشَ مِنْهُمْ إلَى أَنْ بَلَغَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» اهـ مَعَ اخْتِصَارٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ) أَيْ الْأَصْلِيِّينَ أَوْ الْمُرْتَدِّينَ. اهـ. ق ل وح ل وَالْمُرَادُ كُفَّارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّوْبَرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ: (أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ) أَيْ مُسْتَقِلُّونَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ عَلَى الْأَعْرَافِ) أَيْ أَعَالِي السُّورِ وَيُقَالُ: لِكُلِّ عَالٍ عُرْفٌ وَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ أَحَدَ عَشَرَ وَالْأَعْرَافُ مَكَانٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. كَمَا قَالَهُ ع ش وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ الْجَلَالُ أَنَّ الْأَعْرَافَ سُورُ الْجَنَّةِ أَيْ حَائِطُهَا الْمُحِيطُ بِهَا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ عَلَى الْأَعْرَافِ وَلَمْ يَقُلْ فِي الْأَعْرَافِ وَقَالَ تَعَالَى {وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ} [الأعراف: 46] . قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ أَهْلِ الْأَعْرَافِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ قَوْلًا: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَنْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ. كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ وَابْنُ عَبَّاسٍ، الثَّانِي: قَوْمٌ صَالِحُونَ فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ قَالَهُ مُجَاهِدٌ الثَّالِثُ: هُمْ الشُّهَدَاءُ. الرَّابِعُ: هُمْ فُضَلَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَالشُّهَدَاءُ. الْخَامِسُ: الْمُسْتَشْهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَرَجُوا عُصَاةً لِوَالِدَيْهِمْ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَعَادَلَ عُقُوقُهُمْ وَاسْتِشْهَادُهُمْ» . السَّادِسُ: هُمْ الْعَبَّاسُ وَحَمْزَةُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَجَعْفَرٌ ذُو الْجَنَاحَيْنِ يُعْرَفُ مَحْبُوبُهُمْ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ وَمَبْغُوضُهُمْ بِسَوَادِهَا. السَّابِعُ: هُمْ عُدُولُ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى النَّاسِ. الثَّامِنُ: هُمْ قَوْمٌ أَحِبَّاءُ. التَّاسِعُ: هُمْ قَوْمٌ كَانَتْ لَهُمْ صَغَائِرُ. الْعَاشِرُ: هُمْ أَصْحَابُ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ مِنْ أَهْلِ الْقِيَامَةِ. الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّهُمْ أَوْلَادُ الزِّنَا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. الثَّانِي عَشَرَ: أَنَّهُمْ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِهَذَا السُّورِ الَّذِينَ يُمَيِّزُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْكَافِرِينَ قَبْلَ: إدْخَالِهِمْ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ اهـ. ذَكَرَهُ الشَّعْرَانِيُّ فِي مُخْتَصَرِ تَذْكِرَةِ الْقُرْطُبِيِّ. قَوْلُهُ: (وَمِلْكُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ: زَوَالُهُ قَطْعًا إنْ كَانَ يَعُودُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ وَبَقَاؤُهُ قَطْعًا وَالثَّالِثُ مَوْقُوفٌ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَأَمِّ الْوَلَدِ أَمَّا هُمَا فَمَوْقُوفَانِ قَوْلًا وَاحِدًا حَتَّى يُعْتَقَانِ بِالْمَوْتِ أَوْ أَدَاءِ النُّجُومِ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ حَطَبٍ وَصَيْدٍ مَلَكَهُمَا قَبْلَ الرِّدَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّ فَفِيهِمَا قَوْلَانِ قِيلَ فَيْءٌ لِبَيْتِ الْمَالِ وَقِيلَ بَاقِيَانِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَلَا وَقْفَ. قَوْلُهُ: (وَيُقْضَى مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَمْلُوكِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِهِ مِلْكُ. قَوْلُهُ: (وَيُمَانُ مِنْهُ) أَيْ مُدَّةَ الِاسْتِتَابَةِ شَرْحُ م ر. قَالَ ع ش وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَمَّا فِي الرَّاجِحِ مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِتَابَةِ حَالًا فَلَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْهَلُ حَتَّى يُمَانَ مُمَوَّنُهُ. وَيُجَابُ بِمَا إذَا أُخِّرَ لِعُذْرٍ قَامَ بِالْقَاضِي أَوْ بِالْمُرْتَدِّ كَجُنُونٍ عَرَضَ قَبْلَ الرِّدَّةِ اهـ بِزِيَادَةٍ وَقَوْلُهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ لَعَلَّهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ. قَوْلُهُ: (وَمَالِهِ) كَالرَّقِيقِ وَالْبَهِيمَةِ. قَوْلُهُ: (وَتَصَرُّفُهُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: بَاطِلٌ خَبَرٌ. قَوْلُهُ: (إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ. . . إلَخْ) نَعَمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفُذْ مُطْلَقًا كَذَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ بِالْمَعْنَى وَعِبَارَتُهُ وَمَحَلُّهُ قَبْلَ حَجْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَنْفُذْ مُطْلَقًا اهـ وَقَدْ تَوَهَّمَ الشَّارِحُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلْحُكْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَيْدٌ لِلْخِلَافِ فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ حَجْرِ الْحَاكِمِ أَوْ عَدَمِهِ اهـ م ر ز ي. قَوْلُهُ: (وَيُؤَدِّي مُكَاتَبُهُ) بِأَنْ كَاتَبَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَصِحُّ حَالَ الرِّدَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (حِفْظًا لَهَا) أَيْ النُّجُومِ. اهـ. . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 فَصْلٌ: فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ أَصَالَةً جَحْدًا أَوْ غَيْرَهُ وَبَيَانُ حُكْمِهِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ الرِّدَّةِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهَا فَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِيمَا عَلِمْت فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْجَنَائِزِ. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قَبْلَ الْأَذَانِ وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ وَالْجُمْهُورُ قَبْلَ الْجَنَائِزِ وَتَبِعَهُمْ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَلْيَقُ. (وَ) الْمُكَلَّفُ (تَارِكُ الصَّلَاةِ) الْمَعْهُودَةِ شَرْعًا الصَّادِقَةِ بِإِحْدَى الْخَمْسِ. (عَلَى ضَرْبَيْنِ) إذْ التَّرْكُ سَبَبُهُ جَحْدٌ أَوْ كَسَلٌ. (أَحَدُهُمَا أَنْ يَتْرُكَهَا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِوُجُوبِهَا) عَلَيْهِ جَحْدًا، بِأَنْ أَنْكَرَهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ أَوْ عِنَادًا كَمَا هُوَ فِي الْقُوتِ عَنْ الدَّارِمِيِّ. (فَحُكْمُهُ) فِي وُجُوبِ اسْتِتَابَتِهِ وَقَتْلِهِ وَجَوَازِ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ. (حُكْمُ الْمُرْتَدِّ) عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، وَكُفْرُهُ بِجَحْدِهِ فَقَطْ لَا بِهِ مَعَ التَّرْكِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، لِأَجْلِ التَّقْسِيمِ؛ لِأَنَّ الْجَحْدَ لَوْ انْفَرَدَ كَمَا لَوْ صَلَّى جَاحِدًا لِلْوُجُوبِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِلْكُفْرِ لِإِنْكَارِهِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. فَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْجَحْدِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَيَكْفُرُ بِهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ جَارٍ فِي جُحُودِ كُلِّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. أَمَّا مَنْ أَنْكَرَهُ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوِهِ، مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ] ِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَعْيَانِ) خَرَجَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ كَالْجِنَازَةِ فَلَا يُقْتَلُ بِهَا، وَخَرَجَ بِالصَّلَاةِ الصَّوْمُ فَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِهِ وَإِنَّمَا يُحْبَسُ وَيُمْنَعُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. وَخَرَجَ بِالصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةُ فَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِزَمَانٍ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ اهـ. قَوْلُهُ: (جَحْدًا أَوْ غَيْرَهُ) مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ بِمَعْنَى جَاحِدًا. قَوْلُهُ: (لِاشْتِمَالِهِ عَلَى شَيْءٍ) الْأَوْضَحُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِهِ حُكْمُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْجَنَائِزِ) مُنَاسَبَتُهُ لِأَجْلِ ذِكْرِ الدَّفْنِ وَالْكَفَنِ وَالْغُسْلِ فِي الْجَنَائِزِ أَيْ لِيَكُونَ كَالْخَاتِمَةِ لِكِتَابِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَلَعَلَّهُ أَلْيَقُ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ. اهـ. م د؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَاةِ الْعَيْنِيَّةِ قَالَ م ر وَتَقْدِيمُهُ هُنَا عَلَى الْجَنَائِزِ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ أَلْيَقُ اهـ. أَيْ مِنْ تَأْخِيرِهِ عَنْهَا وَمَنْ ذَكَرَهُ فِي الْحُدُودِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَاةِ الْعَيْنِيَّةِ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ خَاتِمَةً لَهَا اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (بِأَنْ أَنْكَرَهَا) أَيْ وُجُوبَهَا بِأَنْ اعْتَقَدَ خِلَافَ مَا عَلِمَ. قَوْلُهُ: (أَوْ عِنَادًا) الْعِنَادُ مُخَالَفَةُ الْحَقِّ وَرَدُّهُ عَلَى قَائِلِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ فَفِي إدْخَالِهِ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِوُجُوبِهَا نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ مَا فِي الْمَتْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ مُذْعِنٍ وَمُسَلِّمٍ لِوُجُوبِهَا وَحِينَئِذٍ يَصْدُقُ بِالْجَحْدِ الَّذِي سَبَقَهُ عِلْمٌ ثُمَّ طَرَأَ عَدَمُ الِاعْتِقَادِ وَيَصْدُقُ بِالْعِنَادِ الَّذِي بَقِيَ مَعَهُ الْعِلْمُ وَلَكِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْحَقَّ ظَاهِرًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ عِنَادًا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ: غَيْرَ مُعْتَقِدٍ فَهُوَ زَائِدٌ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ. وَالْإِذْعَانُ هُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ مَعَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ. قَوْلُهُ: (وَدَفْنِهِ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ) عَطْفٌ عَلَى غَسْلِهِ لَا عَلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْحُكْمَ عَلَيْهَا عَلَى الدَّفْنِ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ غَالِبًا وَفِي نُسْخَةٍ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ حِينَئِذٍ عَطْفٌ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (حُكْمُ الْمُرْتَدِّ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ نَفْسَهُ مُرْتَدٌّ فَفِيهِ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: كَالْمُرْتَدِّ الْمُطْلَقِ فَهُوَ مِنْ تَشْبِيهِ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ. قَوْلُهُ: (لَوْ انْفَرَدَ) أَيْ عَنْ التَّرْكِ. قَوْلُهُ: (جَاحِدًا لِلْوُجُوبِ) كَالْمُنَافِقِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلِأَنَّ بِالْوَاوِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: لِإِنْكَارِهِ وَلَيْسَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ: أَوْلَى وَعِبَارَةُ حَجّ كَفَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ. . . إلَخْ اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كُلِّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ أَوْ لَا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَحْدُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَهُوَ كُفْرٌ، لِوُجُودِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بِمَكَّةَ وَلِوُجُودِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ فَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ الدُّنْيَوِيُّ مُقَيَّدٌ إنْكَارُهُ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُلِدَ بِمَكَّةَ وَهَاجَرَ مِنْهَا إلَى الْمَدِينَةِ وَدُفِنَ بِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَصَارَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكَذَا إنْكَارُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالْحِسَابِ وَإِنْكَارُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، أَيْ فِي الْآخِرَةِ أَمَّا إنْكَارُهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 يَخْفَى عَلَيْهِ كَمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا ثُمَّ أَفَاقَ، أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَيْسَ مُرْتَدًّا بَلْ يُعَرَّفُ الْوُجُوبَ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُرْتَدًّا. (وَ) الضَّرْبُ (الثَّانِي أَنْ يَتْرُكَهَا) كَسَلًا أَوْ تَهَاوُنًا (مُعْتَقِدًا لِوُجُوبِهَا) عَلَيْهِ (فَيُسْتَتَابُ) قَبْلَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ الْمُرْتَدِّ. وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَاسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ وَالْفَرْقُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ جَرِيمَةَ الْمُرْتَدِّ تَقْتَضِي الْخُلُودَ فِي النَّارِ فَوَجَبَتْ الِاسْتِتَابَةُ، رَجَاءَ نَجَاتِهِ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ تَارِكِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ عُقُوبَتَهُ أَخَفُّ لِكَوْنِهِ يُقْتَلُ حَدًّا بَلْ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ كَوْنِ الْحُدُودِ تُسْقِطُ الْإِثْمَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ حُدَّ عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ، وَتَوْبَتُهُ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّ الْإِمْهَالَ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ صَلَوَاتٍ. (فَإِنْ تَابَ) بِأَنْ امْتَثَلَ الْأَمْرَ (وَصَلَّى) خُلِّيَ سَبِيلُهُ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْقَتْلُ حَدٌّ وَالْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. أُجِيبَ أَنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَا يُضَاهِي الْحُدُودَ الَّتِي وُضِعَتْ عُقُوبَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ سَابِقَةٍ بَلْ حَمْلًا عَلَى مَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ وَلِهَذَا لَا خِلَافَ فِي سُقُوطِهِ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ تَوْبَةٌ وَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ عَلَى الصَّوَابِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ (قُتِلَ بِالسَّيْفِ) إنْ لَمْ يُبْدِ عُذْرًا (حَدًّا) لَا كُفْرًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» فَإِنْ أَبْدَى عُذْرًا كَأَنْ قَالَ: تَرَكْتهَا نَاسِيًا أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ صَحِيحَةً كَانَتْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ بَاطِلَةً لَمْ يُقْتَلْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، لَكِنْ نَأْمُرُهُ بِهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعُذْرِ وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْبَاطِلِ وَنَدْبًا فِي الصَّحِيحِ بِأَنْ نَقُولَ لَهُ: صَلِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ: تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ، قُتِلَ سَوَاءٌ أَقَالَ وَلَمْ أُصَلِّهَا أَوْ سَكَتَ، لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ. وَيُقْتَلُ تَارِكُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ   [حاشية البجيرمي] وَعَدَمُ وُجُودِهِمَا الْآنَ فَلَيْسَ كُفْرًا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهُمَا غَيْرُ مَوْجُودَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَكَذَا إنْكَارُ الصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ لَيْسَ كُفْرًا. قَوْلُهُ: (أَمَّا مَنْ أَنْكَرَهُ جَاهِلًا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِأَنْ أَنْكَرَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ. . . إلَخْ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كَسَلًا) أَيْ بِأَنْ يَسْتَثْقِلَهَا أَيْ تَكُونَ ثَقِيلَةً عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ تَهَاوُنًا أَيْ بِتَرْكِهَا بِأَنْ يَجْعَلَ تَرْكَهَا هَيِّنًا سَهْلًا. قَوْلُهُ: (فَيُسْتَتَابُ) بِأَنْ يُؤْمَرَ بِأَدَائِهَا عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إذَا أَخْرَجَهَا عَنْ وَقْتِهَا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ) أَيْ الِاسْتِتَابَةُ أَيْ عَرْضُ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ أَيْ الطَّلَبُ مِنَّا، وَأَمَّا التَّوْبَةُ نَفْسُهَا بِالصَّلَاةِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ. قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهِ يُقْتَلُ حَدًّا) أَيْ فَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْأَخَفِّيَّةِ وَهَذَا أَمْرٌ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُقَابِلُ غِلَظَ عُقُوبَةِ الْمُرْتَدِّ الَّتِي فِي الْآخِرَةِ بِالْخُلُودِ فِي النَّارِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَتَحَتَّمُ عَذَابُهُ قَطْعًا بِخِلَافِ تَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا فَإِنَّهُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ سَامَحَهُ وَهَذَا أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْآخِرَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَقْبَلُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: قَدْ كَانَ عَازِمًا عَلَى تَرْكِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَابَ وَصَلَّى) أَيْ بِالْفِعْلِ فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ: أُصَلِّيهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (لَا يُضَاهِي) أَيْ لَا يُشَابِهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَعْصِيَةٍ) كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا. قَوْلُهُ: (بَلْ حَمْلًا) أَيْ بَلْ شُرِعَ حَمْلًا أَيْ حَامِلًا وَبَاعِثًا عَلَى الْحَقِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الصَّلَاةِ فَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ وَلَمَّا أَمْكَنَ تَدَارُكُ مَا لِأَجْلِهِ الْحَدُّ وَهُوَ الصَّلَاةُ سَقَطَ الْحَدُّ بِهَا أَيْ بِفِعْلِهَا بِخِلَافِ الزِّنَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ وَلَا رُجُوعُهُ بِالتَّوْبَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ وَالْأَوْلَى جَعْلُ قَوْلِهِ: بَلْ حَمْلًا عِلَّةً لِقَوْلِهِ: لَا يُضَاهِي الْحُدُودَ بِأَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ شُرِعَ حَمْلًا عَلَى مَا ذُكِرَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِلزَّجْرِ عَنْ ارْتِكَابِهَا وَهُوَ يَحْصُلُ مَعَ التَّوْبَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْحَقِّ) وَهُوَ طَلَبُ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (فِي سُقُوطِهِ) أَيْ الْقَتْلِ بِالْفِعْلِ أَيْ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَخَرَّجُ) أَيْ لَا يُقَاسُ هَذَا الْحَدُّ وَقَوْلُهُ: فِي سُقُوطِ الْحَدِّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فِي عَدَمِ سُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ وَفِي عَدَمِ سُقُوطِهِ بِالتَّوْبَةِ خِلَافٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ. وَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ سَابِقًا بِأَنْ يَقُولَ: لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُهُ: عَلَى الصَّوَابِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَتَخَرَّجُ. قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِلنِّسْيَانِ أَوْ الْبَرْدِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَالَ: تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ طَلَبٌ مِنْ الْإِمَامِ وَتَهْدِيدٌ وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ. وَيَكُونُ مَدَارُ الْقَتْلِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا التَّوَعُّدُ وَالتَّهْدِيدُ أَوْ قَوْلُ الشَّخْصِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 تَرْكٌ لَهَا وَيُقَاسُ بِالطَّهَارَةِ الْأَرْكَانُ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ وَمَحِلُّهُ فِيمَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَوْ فِيهِ خِلَافٌ وَاهٍ بِخِلَافِ الْقَوِيِّ فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: لَوْ تَرَكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مَسَّ شَافِعِيٌّ الذَّكَرَ أَوْ لَمَسَ الْمَرْأَةَ أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا لَا يُقْتَلُ لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالصَّحِيحُ قَتْلُهُ وُجُوبًا بِصَلَاةٍ فَقَطْ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ بِشَرْطِ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ فِيمَا لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ بِأَنْ تُجْمَعَ مَعَ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا فَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا بِتَرْكِ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَيُقْتَلُ فِي الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي الْعَصْرِ بِغُرُوبِهَا وَفِي الْعِشَاءِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إنْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْوَقْتِ، فَإِنْ أَصَرَّ وَأَخْرَجَ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ: يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا مَحْمُولٌ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْقَتْلِ بِقَرِينَةِ كَلَامِهَا بَعْدُ وَمَا قِيلَ: مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ كَتَرْكِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَلِخَبَرِ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» وَلِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَتْرُوكٌ بِالنُّصُوصِ وَالْخَبَرُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذُكِرَ.   [حاشية البجيرمي] تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ طَلَبٍ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَحِلُّهُ) أَيْ مَحِلُّ قَتْلِهِ بِتَرْكِ الْأَرْكَانِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ فِيمَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَيْ فِي شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ. . . إلَخْ قَوْلُهُ: وَاهٍ مِثَالُهُ مَثَلًا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا. قَوْلُهُ: (مُخْتَلَفٌ فِيهِ) أَيْ فَكَانَ جَرَيَانُ الْخِلَافِ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ مَانِعَةً، مِنْ قَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ اهـ ع ش قَوْلُهُ: (بِصَلَاةٍ) أَيْ بِتَرْكِهَا. قَوْلُهُ: (عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ) الْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ الْعُذْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بِأَنْ يَجْمَعَ. . . إلَخْ؛ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ. قَوْلُهُ: (فَيُطَالَبُ) وَالْمُطَالِبُ لَهُ الْحَاكِمُ لَا آحَادُ النَّاسِ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: لِيُطَالَبْ. . . إلَخْ. أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً وَلَمْ يُطَالَبْ لَا يُقْتَلُ وَهُوَ أَيْ قَوْلُهُ: فَيُطَالَبُ. . . إلَخْ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ طَرِيقِ الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (إذَا ضَاقَ) ظَرْفٌ لِلْأَدَاءِ وَأَمَّا الطَّلَبُ وَلَوْ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: (إنْ أَخْرَجَهَا) قَيْدٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَيُقْتَلُ إنْ أَخْرَجَهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْقَتْلِ) وَهُوَ الطَّلَبُ وَالتَّوَعُّدُ. قَوْلُهُ: (وَمَا قِيلَ. . . إلَخْ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: وَإِلَّا قُتِلَ. وَحَاصِلُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ هَذَا الْقِيلُ ثَلَاثَةُ أَدِلَّةٍ: الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: كَتَرْكِ الصَّوْمِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ: لِخَبَرٍ وَالثَّالِثُ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ وَرَدَّهَا الشَّارِحُ كَمَا تَرَاهُ. قَوْلُهُ: (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْقَتْلِ بِإِحْدَى الثَّلَاثِ الْآتِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَائِزَ يَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْحَرَامَ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَلَالَ لَا يَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ إلَّا إذَا أُوِّلَ بِمَا ذُكِرَ اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَقَوْلُهُ: «إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» مُسْتَثْنًى مِنْ مَحْذُوفٍ عَامٍّ تَقْدِيرُهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ لِخَصْلَةٍ مِنْ الْخِصَالِ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ مِنْ الْخُصَلِ وَقَوْلُهُ: (الثَّيِّبُ الزَّانِي) زِنَى الثَّيِّبِ الزَّانِي وَقَوْلُهُ: «وَقَتْلُ النَّفْسِ» أَيْ كَوْنُ قَتْلِ النَّفْسِ الْقَاتِلَةِ بَدَلًا عَنْ النَّفْسِ الْمَقْتُولَةِ سَبَبٌ فِي قَتْلِهَا فَالْبَاءُ بِمَعْنَى بَدَلٍ وَقَوْلُهُ: " التَّارِكُ " أَيْ تَرْكُ التَّارِكِ لِدِينِهِ أَيْ وَتَرْكُ الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ بَلْ هُوَ سَبَبٌ رَابِعٌ اهـ. وَحَاصِلُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ بِظَاهِرِهِ يُفِيدُ عَدَمَ قَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ إذْ الَّذِي فِيهِ هُوَ تَارِكُ الصَّلَاةِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ وَهُوَ الْمُرْتَدُّ. وَحَاصِلُ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّارِحُ أَنَّهُ عَامٌّ لَفْظًا مَخْصُوصٌ بِالْمُسْلِمِ الْمُصَلِّي فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ وَالْمُفَارِقُ لِدِينِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُصَلِّينَ فَلَا يَكُونُ الْحَدِيثُ شَامِلًا لِلْمُرْتَدِّ وَقَدْ صَرَّحَ حَجّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ بِخِلَافِهِ فَقَالَ الْمُفَارِقُ بِقَلْبِهِ وَاعْتِقَادِهِ أَوْ بِبَدَنِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ لِلْجَمَاعَةِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا شَامِلٌ لِمَنْ جَازَ قَتْلُهُ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ: أَوْ قِتَالُهُ شَرْعًا بِشُرُوطِهِ: أَيْ كَمَانِعِ الزَّكَاةِ. . . إلَخْ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَالْخَبَرُ عَامٌّ أَيْ شَامِلٌ لِمَا ذَكَرَهُ وَيُحْذَفُ قَوْلُهُ: مَخْصُوصٌ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْجَمَاعَةِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ الْقِيَاسَ) أَيْ عَلَى تَرْكِ الصَّوْمِ وَمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بِالنُّصُوصِ) أَيْ الدَّالَّةِ عَلَى قَتْلِهِ. قَوْلُهُ: (بِمَا ذُكِرَ) أَيْ بِالنُّصُوصِ وَالنُّصُوصُ خَصَّصَتْهُ بِالْمُسْلِمِ الْمُصَلِّي. قَوْلُهُ: (إنَّمَا هُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 وَقَتْلُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي خَاتِمَةِ الْفَصْلِ. وَيُقْتَلُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ إنْ قَالَ: أُصَلِّيهَا ظُهْرًا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّاشِيِّ لِتَرْكِهَا بِلَا قَضَاءٍ إذْ الظُّهْرُ لَيْسَ قَضَاءً عَنْهَا وَيُقْتَلُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهَا إنْ لَمْ يَتُبْ. فَإِنْ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ وَتَوْبَتُهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَتْرُكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَسَلًا وَهَذَا فِيمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إجْمَاعًا. فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا جُمُعَةَ إلَّا عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ جَامِعٍ وَقَوْلُهُ: جَامِعٍ صِفَةٌ لِمِصْرٍ. (وَحُكْمُهُ) بَعْدَ قَتْلِهِ (حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي) وُجُوبِ (الدَّفْنِ) فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. (وَ) فِي وُجُوبِ (الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ) عَلَيْهِ وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ كَسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. خَاتِمَةٌ: مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِعُذْرٍ: كَنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا لَكِنْ يُسَنُّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِهَا أَوْ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا لِتَقْصِيرِهِ لَكِنْ لَا يُقْتَلُ بِفَائِتَةٍ فَاتَتْهُ بِعُذْرٍ لِأَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ أَوْ بِلَا عُذْرٍ وَقَالَ أُصَلِّيهَا لَمْ يُقْتَلْ لِتَوْبَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ مَنْذُورَةً مُؤَقَّتَةً لَمْ يُقْتَلْ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الصَّلَاةِ بِإِحْدَى الْخَمْسِ لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَوْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَالَةً أَسْقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةَ وَأَحَلَّتْ لَهُ: شُرْبَ الْخَمْرِ، وَأَكْلَ مَالِ السُّلْطَانِ، كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ مَنْ ادَّعَى التَّصَوُّفَ. فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ وَإِنْ كَانَ فِي خُلُودِهِ فِي النَّارِ نَظَرٌ.   [حاشية البجيرمي] لِلتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ) أَيْ فِي الْوَقْتِ لَا لِلتَّرْكِ خَارِجَ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى تَرْكِ الْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: (تَفْصِيلٌ يَأْتِي) الَّذِي فِي الشَّرْحِ ضَعِيفٌ لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْقَضَاءَ إنْ كَانَ تُوُعِّدَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِ أَدَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ يُقْتَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُتَوَعَّدْ عَلَيْهِ لَا يُقْتَلُ بِهِ فَقَوْلُهُمْ: الْقَضَاءُ لَا يُقْتَلُ بِهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ. وَهَذَا غَيْرُ مَا فِي الشَّرْحِ وَعِبَارَةُ م د. قَوْلُهُ: تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تُوُعِّدَ عَلَى تَرْكِهَا بِالْأَمْرِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ قُتِلَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ ق ل. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهَا) بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ فِي م ر وَعِبَارَتُهُ وَأَفْتَى الشَّيْخُ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِهَا حَيْثُ أُمِرَ بِهَا وَامْتَنَعَ مِنْهَا وَقَالَ: أُصَلِّيهَا ظُهْرًا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ خُطْبَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الظُّهْرِ أَيْ بِأَقَلِّ مُمْكِنٍ مِنْ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (كَنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْشَأَ عَنْ لَعِبٍ وَلَهْوٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِلَا عُذْرٍ. . . إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ تُوُعِّدَ بِهَا بِالْأَمْرِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ قُتِلَ وَإِلَّا فَلَا وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (لِتَوْبَتِهِ) فِي كَوْنِ هَذَا تَوْبَةً نَظَرٌ وَالتَّوْبَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ) أَيْ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لَكِنْ مَحِلُّهُ فِيمَا إذَا أَخْرَجَهَا عَنْ وَقْتِهَا بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ أَيْ فِي الْوَقْتِ لَا مُطْلَقًا إذْ لَا يُقْتَلُ بِالْقَضَاءِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَنْ بَيَّنَهُ) أَيْ بَيَّنَ نَفْسَهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ) بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَتْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مِائَةِ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ فِي خُلُودِهِ فِي النَّارِ نَظَرٌ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَدْ يَنْكَشِفُ لَهُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الظَّاهِرِ لِيَكُونَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ إجْرَاءِ أَحْكَامِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَافِرٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَمُقْتَضَاهُ خُلُودُهُ فِي النَّارِ. اهـ. م د وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ كَافِرٌ أَيْ؛ لِأَنَّهُ نَفَى مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَحَلَّلَ مُحَرَّمًا وَعِبَارَةُ حَجّ وَلَا نَظَرَ فِي خُلُودِهِ فِي النَّارِ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ لِاسْتِحْلَالِهِ مَا عُلِمَتْ حُرْمَتُهُ أَوْ نَفْيِهِ مَا عُلِمَ وُجُوبُهُ ضَرُورَةً فِيهِمَا وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِخُلُودِهِ. اهـ. شَيْخُنَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 كِتَابُ أَحْكَامِ الْجِهَادِ أَيْ الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ أَحْكَامِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] وقَوْله تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] وقَوْله تَعَالَى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: 89] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ: «لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» .   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ أَحْكَامِ الْجِهَادِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ وَأَحْكَامِ تَارِكِي الصَّلَاةِ جَحْدًا شَرَعَ فِي الطَّائِفَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْكُفَّارُ الْأَصْلِيُّونَ، وَجَوَازُ قِتَالِهَا مَأْخُوذٌ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَوَاتِهِ وَهِيَ مَا خَرَجَ فِيهَا بِنَفْسِهِ وَبُعُوثِهِ وَهِيَ مَا أَرْسَلَهَا وَأَمَّرَ عَلَيْهَا أَمِيرًا. وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْلَةَ غَزَوَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ غَزْوَةً قَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنْهَا بِنَفْسِهِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْمُرَيْسِيعِ وَالْخَنْدَقِ وَقُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفَةِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَتْحَ مَكَّةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَضَمَّ قُرَيْظَةَ إلَى الْخَنْدَقِ فَأَهْمَلَ ذِكْرَ قُرَيْظَةَ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاتَلَ فِي غَزَوَاتٍ إلَّا فِي أُحُدٍ وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا إلَّا أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ فَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَاتَلَ فِي كَذَا أَنَّهُ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ مِمَّنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى أَحْوَالِهِ. وَقَدْ أُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ قِتَالُ أَصْحَابِهِ بِحُضُورِهِ فَنُسِبَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا فِي قِتَالِهِمْ. وَأَمَّا سَرَايَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَهِيَ سَبْعٌ وَأَرْبَعُونَ سَرِيَّةً وَهِيَ مِنْ مِائَةٍ إلَى خَمْسِمِائَةٍ فَمَا زَادَ مَنْسِرٌ بِنُونٍ فَمُهْمَلَةٍ إلَى ثَمَانِ مِائَةٍ فَمَا زَادَ جَيْشٌ إلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَمَا زَادَ جَحْفَلٌ، وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ الْعَظِيمُ وَسُمِّيَ خَمِيسًا لِأَنَّ لَهُ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَأَمَامًا وَخَلْفًا وَقَلْبًا وَهُوَ وَسَطُهُ. وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ السِّيَرِ أَنْ يُسَمُّوا كُلَّ عَسْكَرٍ حَضَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ غَزْوَةً وَمَا لَمْ يَحْضُرْهُ بَلْ أَرْسَلَ بَعْضًا مِنْ أَصْحَابِهِ إلَى الْغَزْوِ سَرِيَّةً وَبَعْثًا. اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْمَوَاهِبِ وَشَرْحِ التُّحْفَةِ لحج وَمُرَادٌ بِالْأَحْكَامِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَمَنْ أُسِرَ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى ضَرْبَيْنِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْجِهَادِ إلَخْ وَبِالْأَحْكَامِ أَيْضًا كَوْنُهُ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَوْ فَرْضَ عَيْنٍ وَقَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ أَحْكَامِهِ كَقَوْلِهِ: وَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَسْرِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ أَحْكَامِهِ) . مُرَادُهُ بِهِ قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَسْرِ إلَخْ. لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَسْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْجِهَادِ. قَوْلُهُ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] وَهَذِهِ آيَةُ السَّيْفِ وَقِيلَ قَوْلُهُ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] وَقَوْلُهُ كَافَّةً حَالٌ مِنْ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ أَوْ مِنْهُمَا مَعًا وَمَعْنَاهُ جَمِيعًا. اهـ م د وَقَوْلُهُ: مِنْ الْفَاعِلِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ حَالًا مِنْهُ لَكَانَ مُتَعَيِّنًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: «حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ يَقُولُونَهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عَلَمًا عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ: م د عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (لَغَدْوَةٌ) اللَّامُ لِلْقَسَمِ وَالْغَدْوَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْغَدْوِ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى انْتِصَافِهِ، وَالرَّوْحَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الرَّوَاحِ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا فَتْحُ الْبَارِي اهـ وَقَوْلُهُ: لَغَدْوَةٌ إلَخْ هَذَا عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالْغَيْنِ وَالدَّالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْأَصْحَابِ تَبَعًا لِإِمَامِهِمْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يَذْكُرُوا مُقَدِّمَةً فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ. فَلْنَذْكُرْ نُبْذَةً مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ فَنَقُولُ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ ثُمَّ بَعْدَهَا قِيلَ: عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ. وَقِيلَ: عَشْرٌ، وَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ. وَقِيلَ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. ثُمَّ أُمِرَ بِتَبْلِيغِ قَوْمِهِ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ مَبْعَثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَوَّلُ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَالدُّعَاءِ إلَى التَّوْحِيدِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ ثُمَّ نُسِخَ بِمَا فِي آخِرِهَا. ثُمَّ نُسِخَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِعَشْرِ سِنِينَ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ وَقِيلَ: بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسٍ أَوْ سِتٍّ. وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ فُرِضَ الصَّوْمُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ تَقْرِيبًا وَفُرِضَتْ الزَّكَاةُ بَعْدَ الصَّوْمِ وَقِيلَ: قَبْلَهُ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ. قِيلَ: فِي نِصْفِ شَعْبَانَ. وَقِيلَ: فِي رَجَبٍ مِنْ الْهِجْرَةِ حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ وَفِيهَا فُرِضَتْ صَدَقَةُ   [حاشية البجيرمي] الْمُهْمَلَةِ وَفِي نُسْخَةٍ لَغَزْوَةٌ بِالزَّايِ وَالْأُولَى مُنَاسِبَةٌ لَرَوْحَةٌ وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ. قَوْلُهُ: (نُبْذَةٌ) بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا أَيْ قِطْعَةٌ أَيْ شَيْئًا يَسِيرًا وَبَابُهُ أَيْ بَابُ فِعْله ضَرَبَ. قَوْلُهُ: (بُعِثَ) أَيْ نُبِّئَ لَمَّا جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِغَارِ حِرَاءٍ وَقَالَ لَهُ اقْرَأْ إلَى آخِرِ مَا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فَرَاجِعْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ الْإِرْسَالَ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ أُمِرَ بِتَبْلِيغِ قَوْمِهِ أَيْ بِالرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 2] إلَخْ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: أَنَّ قَوْلَهُ: بُعِثَ أَيْ أُرْسِلَ إذْ الْبَعْثُ الْإِرْسَالُ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ: ثُمَّ أُمِرَ إلَخْ لِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ عَنْ الْإِرْسَالِ وَالْحَقُّ أَنَّ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ مُتَقَارِنَانِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ: قَوْلُهُ: (وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ) أَيْ عِنْدَ تَمَامِهَا لَا فِي ابْتِدَائِهَا. قَوْلُهُ: (قِيلَ عَلِيٌّ) وَكَانَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَصَحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ كَانَتْ مَنُوطَةً بِالتَّمْيِيزِ وَقِيلَ إنَّهُ كَانَ بَالِغًا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ) وَجُمِعَ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ خَدِيجَةُ وَمِنْ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ وَمِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ وَمِنْ الْمَوَالِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَمِنْ الْعَبِيدِ بِلَالٌ. قَوْلُهُ: (وَأَوَّلُ) مُبْتَدَأٌ وَمَا فُرِضَ أَيُّ شَيْءٍ فُرِضَ هُوَ فَالْعَائِدُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ عَلَى مَا وَمَا ذُكِرَ خَبَرٌ وَمِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ بَيَانٌ لِمَا مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ نُسِخَ بِمَا فِي آخِرِهَا) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] إلَخْ أَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ أَنَّهُ لَنْ تُحْصُوهُ أَيْ اللَّيْلَ لِتَقُومُوا فِيمَا يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِقِيَامِ جَمِيعِهِ وَذَلِكَ يَشُقُّ عَلَيْكُمْ {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [المزمل: 20] رَجَعَ بِكُمْ إلَى التَّخْفِيفِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] بِأَنْ تُصَلُّوا مَا تَيَسَّرَ {عَلِمَ أَنْ} [المزمل: 20] أَيْ أَنَّهُ {سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] يُسَافِرُونَ {يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] يَطْلُبُونَ مِنْ رِزْقِهِ لِلتِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] وَكُلٌّ مِنْ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ مَا ذُكِرَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] كَمَا تَقَدَّمَ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [المزمل: 20] الْمَفْرُوضَةَ اهـ جَلَالَيْنِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ نُسِخَ أَيْ مَا فِي آخِرِهَا وَقَوْلُهُ: بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَيْ بِإِيجَابِهَا. قَوْلُهُ: (إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَوَاتِ أَوْ حَالٌ مِنْهَا وَفِيهِ مَعَ قَوْلِهِ: ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ تَنَافٍ لِأَنَّ الْمُقَرَّرَ أَنَّ الصَّلَاةَ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ كَانَتْ إلَى الْكَعْبَةِ فَكَانَ الْأَوْلَى عَكْسَ مَا قَالَ الشَّارِحُ بِأَنْ يَقُولَ: ثُمَّ نُسِخَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَأُجِيبَ عَنْ التَّنَافِي بِأَنَّهُ اسْتَقْبَلَ أَوَّلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ أَيْ النَّبِيِّ وَبَيْنَهُ أَيْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَعَلُّقِ قَوْلِهِ: إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ عَلَّقَ بِالْإِسْرَاءِ فَلَا إشْكَالَ وَيَكُونُ الشَّارِحُ أَسْقَطَ مَرْتَبَةً وَهِيَ قَوْلُهُ: ثُمَّ نُسِخَ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ أَيْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى الْكَعْبَةِ فَهُوَ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْرِيرَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ) وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَنِصْفٍ. قَوْلُهُ: (تَقْرِيبًا) لِأَنَّهُ فُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ) مُتَعَلِّقٌ ب حَوَّلَتْ الَّذِي بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ) أَيْ إلَى الْكَعْبَةِ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أُمِرَ أَوَّلًا بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ نُسِخَ بِاسْتِقْبَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 الْفِطْرِ وَفِيهَا ابْتَدَأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ عِيدِ الْفِطْرِ ثُمَّ عِيدَ الْأَضْحَى، ثُمَّ فُرِضَ الْحَجُّ سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ «وَلَمْ يَحُجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا حَجَّةَ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا» وَكَانَ الْجِهَادُ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَأَمَّا بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِلْكُفَّارِ حَالَانِ: الْحَالُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونُوا بِبِلَادِهِمْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِمْ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْجِهَادِ) حِينَئِذٍ (سَبْعُ خِصَالٍ) : الْأُولَى (الْإِسْلَامُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا} [التوبة: 123] الْآيَةَ فَخُوطِبَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَوْ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ يَبْذُلُ الْجِزْيَةَ لِنَذُبَّ عَنْهُ لَا لِيَذُبَّ عَنَّا. (وَ) الثَّانِيَةُ (الْبُلُوغُ وَ) الثَّالِثَةُ (الْعَقْلُ) فَلَا جِهَادَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} [التوبة: 91] الْآيَةَ قِيلَ: هُمْ الصِّبْيَانُ لِضَعْفِ أَبْدَانِهِمْ وَقِيلَ: الْمَجَانِينُ لِضَعْفِ عُقُولِهِمْ، وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ ابْنَ عُمَرَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَجَازَهُ فِي الْخَنْدَقِ» . (وَ) الرَّابِعَةُ (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا جِهَادَ عَلَى رَقِيقٍ وَلَوْ مُبَعَّضًا أَوْ مُكَاتَبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف: 11] وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ وَلَا نَفْسَ يَمْلِكُهَا فَلَمْ يَشْمَلْهُ الْخِطَابُ حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ وَلَيْسَ الْقِتَالُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ الْمُسْتَحَقِّ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَقْتَضِي التَّعَرُّضَ لِلْهَلَاكِ. (وَ) الْخَامِسَةُ (الذُّكُورَةُ) فَلَا جِهَادَ عَلَى امْرَأَةٍ لِضَعْفِهَا. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ يَنْصَرِفُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ وَقَدْ سَأَلَتْهُ فِي الْجِهَادِ: لَكُنَّ أَفْضَلُ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» . (وَ) السَّادِسَةُ (الصِّحَّةُ) فَلَا جِهَادَ عَلَى مَرِيضٍ يَتَعَذَّرُ قِتَالُهُ أَوْ تَعْظُمُ مَشَقَّتُهُ.   [حاشية البجيرمي] الْكَعْبَةِ ثُمَّ نُسِخَ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَلَمَّا تَوَجَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَجْعَلَ الْكَعْبَةَ فِي حَالِ صَلَاتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَمَنَّى أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] الْآيَةَ فَأُمِرَ بِتَوَجُّهِهِ لِلْكَعْبَةِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ. قَوْلُهُ: (وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا) وَهِيَ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ أَيْ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا التَّقَاضِي وَالصُّلْحُ لَا الْقَضَاءُ الْعُرْفِيُّ وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ وَعُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْعُمْرَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي ضِمْنِ حَجِّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَقِيلَ: كَانَ مُفْرِدًا بِأَنْ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ خُصُوصِيَّةً لَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْهِجْرَةِ) أَمَّا قَبْلَهَا فَكَانَ مُمْتَنِعًا لِأَنَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ أَوَّلًا هُوَ التَّبْلِيغُ وَالْإِنْذَارُ وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ تَأَلُّفًا لَهُمْ ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ بَعْدَهَا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْقِتَالِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْهُ فِي نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ آيَةً إذَا ابْتَدَأَهُمْ الْكُفَّارُ بِهِ ثُمَّ أَبَاحَ الِابْتِدَاءَ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ أُمِرَ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِقَوْلِهِ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] وَهَذِهِ آيَةُ السَّيْفِ وَقِيلَ الَّتِي قَبْلَهَا م ر فِي شَرْحِهِ وَقَوْلُهُ: فِي نَيِّفٍ مِنْ وَاحِدٍ إلَى تِسْعٍ وَالْبِضْعُ مِنْ ثَلَاثٍ إلَى تِسْعٍ. اهـ. مُخْتَارٌ قَوْلُهُ: (مَنْ فِيهِمْ) وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ز ي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النِّكَايَةُ بِخِلَافِ رَدِّ السَّلَامِ وَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ فَلَا. قَوْلُهُ: (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ يَكُونُونَ بِبِلَادِهِمْ. قَوْلُهُ: {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 20] التِّلَاوَةُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ " بَرَاءَةٌ {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [التوبة: 20] وَالثَّانِيَةِ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41] وَاَلَّتِي فِي الصَّفِّ {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف: 11] وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاحِدَةً مِمَّا ذَكَرَ وَفِي نُسْخَةٍ وَتُجَاهِدُونَ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: «لَكُنَّ أَفْضَلُ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» بِفَتْحِ لَامِ لَكُنَّ وَضَمِّ الْكَافِ وَبِنُونِ النِّسْوَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَأَفْضَلُ الْجِهَادِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَحَجٌّ أَيْ هُوَ حَجٌّ. . . إلَخْ: وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا إذَا قُرِئَ لَكُنَّ بِالتَّشْدِيدِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَتَسْمِيَةُ الْحَجِّ جِهَادًا مِنْ حَيْثُ إتْعَابُ النَّفْسِ وَالْمَشَقَّةُ فِيهِ أَوْ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ لِيُطَابِقَ الْجَوَابُ السُّؤَالَ. قَوْلُهُ: (وَالسَّادِسَةُ الصِّحَّةُ) يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُعْظَمُ أَصَابِعهَا بِخِلَافِ فَاقِدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 (وَ) السَّابِعَةُ (الطَّاقَةُ عَلَى الْقِتَالِ) بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ فَلَا جِهَادَ عَلَى أَعْمَى وَلَا عَلَى ذِي عَرَجٍ بَيِّنٍ، وَلَوْ فِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17] فَلَا عِبْرَةَ بِصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ وَضَعْفِ بَصَرٍ، إنْ كَانَ يُدْرِكُ الشَّخْصَ وَيُمْكِنُهُ اتِّقَاءَ السِّلَاحِ. وَلَا عَرَجٍ يَسِيرٍ لَا يَمْنَعُ الْمَشْيَ وَالْعَدْوَ وَالْهَرَبَ وَلَا عَلَى أَقْطَعِ يَدٍ بِكَمَالِهَا، أَوْ مُعْظَمِ أَصَابِعِهَا بِخِلَافِ: فَاقِدِ الْأَقَلِّ أَوْ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ إنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ بِغَيْرِ عَرَجٍ بَيِّنٍ وَلَا عَلَى أَشَلِّ يَدٍ أَوْ مُعْظَمِ أَصَابِعِهَا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْجِهَادِ الْبَطْشُ وَالنِّكَايَةُ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِيهِمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ، وَلَا عَادِمٍ أُهْبَةَ قِتَالٍ: مِنْ نَفَقَةٍ وَلَا سِلَاحٍ، وَكَذَا مَرْكُوبٌ إنْ كَانَ سَفَرَ قَصْرٍ فَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَزِمَهُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ فَاضِلٌ ذَلِكَ عَنْ مُؤْنَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ كَمَا فِي الْحَجِّ وَلَوْ مَرِضَ بَعْدَ مَا خَرَجَ أَوْ فَنِيَ زَادُهُ أَوْ هَلَكَتْ دَابَّتُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَنْصَرِفَ أَوْ يَمْضِيَ فَإِنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الصَّحِيحِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِتَالُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ الرَّمْيُ بِهَا عَلَى تَنَاقُضٍ وَقَعَ لَهُ فِيهِ. وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ عَلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ حَوْلَهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمُؤَنِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ. وَالضَّابِطُ الَّذِي يَعُمُّ مَا سَبَقَ وَغَيْرَهُ كُلُّ عُذْرٍ مَنَعَ وُجُوبَ حَجٍّ كَفَقْدِ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ مَنَعَ وُجُوبَ الْجِهَادِ إلَّا خَوْفَ طَرِيقٍ مِنْ كُفَّارٍ أَوْ مِنْ لُصُوصٍ مُسْلِمِينَ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ لِأَنَّ الْخَوْفَ يُحْتَمَلُ فِي هَذَا السَّفَرِ لِبِنَاءِ الْجِهَادِ عَلَى مُصَادَمَةِ الْمَخَاوِفِ وَالدَّيْنُ الْحَالُّ عَلَى مُوسِرٍ يُحَرِّمُ سَفَرَ جِهَادٍ وَسَفَرَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ، وَالدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ لَا يُحَرِّمُ السَّفَرَ وَإِنْ قَرُبَ الْأَجَلُ وَيَحْرُمُ عَلَى رَجُلٍ جِهَادٌ بِسَفَرٍ وَغَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ إنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ،   [حاشية البجيرمي] الْأَقَلِّ) قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى فَاقِدِ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ وَعَلَى فَاقِدِ الْوُسْطَى وَالْبِنْصِرِ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا كَمَا لَا يُجْزِئَانِ فِي الْكَفَّارَةِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا شَرْحُ الرَّوْضِ شَوْبَرِيٌّ وَلَا يَجِبُ عَلَى فَاقِدِ أَكْثَرِ أَنَامِلِ يَدِهِ كَمَا فِي الْعُبَابِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَفْقُودٌ فِيهِمَا) أَيْ الْأَشَلُّ وَالْأَقْطَعُ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ سَفَرَ قَصْرٍ) قَيْدٌ فِي الْمَرْكُوبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَكَذَا. قَوْلُهُ: (فَاضِلٌ ذَلِكَ) أَيْ الْمَرْكُوبُ وَمَا قَبْلَهُ بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَصْلًا أَوْ قَدَرَ عَلَيْهَا غَيْرَ فَاضِلَةٍ عَمَّا ذَكَرَ وَانْظُرْ مُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ تُقَدَّرُ بِكَمْ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ لِغَيْبَتِهِ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ بِخِلَافِ الْحَجِّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَرِضَ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ لَا جِهَادَ عَلَيْهِمْ أَيْ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الدَّوَامِ فَيَفْصِلُ كَمَا فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (الرَّمْيُ بِهَا) أَيْ وُجُوبُ الرَّمْيِ بِهَا أَيْ الْحِجَارَةِ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (وَالضَّابِطُ) أَيْ ضَابِطُ مَانِعِ الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مُصَادَمَةِ الْمَخَاوِفِ) أَيْ مُلَاقَاتِهَا. قَوْلُهُ: (وَالدَّيْنُ الْحَالُّ) أَيْ أَصَالَةً أَوْ عَرَضًا سَوَاءٌ كَانَ لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ وَإِنْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ وَثِيقٌ أَوْ ضَامِنٌ مُوسِرٌ كَمَا قَالَهُ م ر. وَمُرَادُ الشَّارِحِ بِذَلِكَ الْكَلَامِ زِيَادَةُ شَرْطَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَهُوَ مُوسِرٌ وَأَذِنَ أُصُولُهُ وَمَحِلُّ تَوَقُّفِهِ عَلَى إذْنِ رَبِّ الدَّيْنِ مَا لَمْ يُنِبْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مَنْ يَقْضِيهِ عَنْهُ أَيْ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ أَزْيَدُ مِمَّا يَبْقَى لِلْمُفْلِسِ فِيمَا يَظْفَرُ بِخِلَافِهِ عَلَى مُعْسِرٍ فَلَا يَحْرُمُ السَّفَرُ وَيُتَّجَهُ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَوْ كَانَ مُصَاحِبًا لَهُ فِي سَفَرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْآذِنُ رَشِيدًا، وَمِثْلُ الْإِذْنِ ظَنُّ رِضَاهُ فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لِمَدِينِهِ السَّفَرُ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْذَنَ وَلِيُّهُ، وَإِذْنُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَاغٍ وَحَيْثُ حَرُمَ السَّفَرُ فَلَا يَتَرَخَّصُ بِقَصْرٍ وَلَا غَيْرِهِ لِعِصْيَانِهِ بِسَفَرِهِ اهـ وَعِبَارَةُ م ر إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ أَوْ ظَنِّ رِضَاهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ وَالرِّضَا لِرِضَاهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلشَّهَادَةِ بَلْ يَقِفَ وَسَطَ الصَّفِّ أَوْ حَاشِيَتِهِ حِفْظًا لِلدَّيْنِ وَحَلَّ مَا تَقَرَّرَ مَا لَمْ يُنِبْ مَنْ يَقْضِيهِ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ وَمِثْلُهُ كَمَا هُوَ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ دَيْنٌ ثَابِتٌ عَلَى مَلِيءٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِإِذْنِ وَلِيِّ الدَّائِنِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (سَفَرَ جِهَادٍ) وَحَيْثُ حَرُمَ السَّفَرُ فَلَا يَتَرَخَّصُ بِقَصْرٍ وَلَا غَيْرِهِ لِعِصْيَانِهِ بِسَفَرِهِ. قَوْلُهُ: (وَسَفَرَ غَيْرِهِ) وَلَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 وَلَوْ كَانَ الْحَيُّ أَحَدَهُمَا فَقَطْ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَجَمِيعُ أُصُولِهِ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ وَلَوْ وَجَدَ الْأَقْرَبَ مِنْهُمْ وَأَذِنَ بِخِلَافِ الْكَافِرِ مِنْهُمْ لَا يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ سَفَرٌ لِتَعَلُّمِ فَرْضٍ وَلَوْ كِفَايَةً كَطَلَبِ دَرَجَةِ الْإِفْتَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ أَصْلِهِ وَلَوْ أَذِنَ أَصْلُهُ أَوْ رَبُّ الدَّيْنِ فِي الْجِهَادِ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَعَلِمَ بِالرُّجُوعِ وَجَبَ رُجُوعُهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ الصَّفَّ، وَإِلَّا حَرُمَ انْصِرَافُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الرُّجُوعِ أَيْضًا أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ. وَلَمْ تَنْكَسِرْ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ. وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ بَلْ لَا يَجُوزُ. وَالْحَالُ الثَّانِي مِنْ حَالَيْ الْكُفَّارِ أَنْ يَدْخُلُوا بَلْدَةً لَنَا مَثَلًا فَيَلْزَمُ أَهْلَهَا الدَّفْعُ بِالْمُمْكِنِ مِنْهُمْ. وَيَكُونُ الْجِهَادُ حِينَئِذٍ فَرْضَ عَيْنٍ سَوَاءٌ أَمْكَنَ تَأَهُّبُهُمْ لِقِتَالٍ أَمْ لَمْ يُمْكِنْ عَلِمَ كُلُّ مَنْ قَصَدَ أَنَّهُ إنْ أُخِذَ قُتِلَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ الِاسْتِسْلَامِ قُتِلَ أَوْ لَمْ تَأْمَنْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً إنْ أُخِذَتْ. وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْبَلْدَةِ الَّتِي دَخَلَهَا الْكُفَّارُ حُكْمُهُ كَأَهْلِهَا وَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِهَا كِفَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْحَاضِرِ مَعَهُمْ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى كُلٍّ مِمَّنْ ذُكِرَ حَتَّى عَلَى فَقِيرٍ وَوَلَدٍ وَمَدِينٍ وَرَقِيقٍ بِلَا إذْنٍ مِنْ الْأَصْلِ وَرَبِّ الدَّيْنِ وَالسَّيِّدِ، وَيَلْزَمُ الَّذِي عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ   [حاشية البجيرمي] قَصِيرًا كَنَحْوِ مِيلٍ م ر وَقِيلَ: لَا يَتَقَيَّدُ بِمِيلٍ بَلْ مَتَى خَرَجَ مِنْ السُّوَرِ. قَوْلُهُ: (عَلَى رَجُلٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْوُجُوبِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى ق ل. قَوْلُهُ: (بِسَفَرٍ وَغَيْرِهِ) اعْتَرَضَ بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْكُفَّارُ بَلْدَةً لَنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنٍ إلَّا أَنْ يُصَوِّرَ بِمَا إذَا سَافَرَ لِتِجَارَةٍ لَا خَطَرَ فِيهَا فَاتَّفَقَ لَهُ الْجِهَادُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ مِنْ الْأُصُولِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ لِلْجِهَادِ فَصَدَقَ أَنَّهُ جِهَادٌ بِلَا سَفَرٍ، وَتَوَقَّفَ عَلَى إذْنٍ فَالْمُرَادُ بِلَا سَفَرٍ لِلْجِهَادِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ هُنَاكَ سَفَرٌ لَكِنْ لَا لِلْجِهَادِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِهِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى سَفَرٍ وَيَصِحُّ قِرَاءَةُ غَيْرُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى جِهَادٍ فَقَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ الْجِهَادِ بِسَفَرٍ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ فَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ رِضَا جَمِيعِ الْأُصُولِ لَا الْأَبَوَيْنِ فَقَطْ فَلَيْسَ اشْتِرَاطُ الرِّضَا لِأَجْلِ احْتِيَاجِ الْأَصْلِ إلَيْهِ فِي الْمُؤْنَةِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ لِعَدَمِ فَرْقِهِمْ بَيْنَ الْفَرْعِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَبَيْنَ الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ الْعُمْرَ الْغَالِبَ أَوْ لَا كَذَا قَرَّرَهُ ز ي وَهُوَ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ يَحْرُمُ السَّفَرُ بِدُونِ إذْنِهِمْ وَعِبَارَةُ م ر وَيَحْرُمُ عَلَى حُرٍّ وَمُبَعَّضِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى جِهَادٌ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ سَفَرٍ إلَّا بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَيَا مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ وَلَوْ كَانَ غَنِيَّيْنِ لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ هَذَا إذَا كَانَ مُسْلِمَيْنِ وَلَمْ يَجِبْ اسْتِئْذَانُ الْكَافِرِ لِاتِّهَامِهِ بِمَنْعِهِ لَهُ حَمِيَّةً لِدِينِهِ وَإِنْ كَانَ عَدُوًّا لِلْمُقَاتِلِينَ أَيْ الَّذِينَ يُرِيدُ قِتَالَهُمْ وَيَلْزَمُ الْمُبَعَّضَ اسْتِئْذَانُ سَيِّدِهِ أَيْضًا وَيَحْتَاجُ الْقِنُّ لِإِذْنِ سَيِّدِهِ لَا أَبَوَيْهِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَجَدَ الْأَقْرَبَ إلَخْ) غَايَةٌ أَيْ إذَا أَذِنَ الْأَقْرَبُ لَا يَجُوزُ السَّفَرُ حَيْثُ مَنَعَ الْأَبْعَدَ. فَرْعٌ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْأَصْلِ فِي السَّفَرِ لِطَلَبِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَلَوْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَوْ أَمْكَنَ فِي الْبَلَدِ وَرَجَا بِخُرُوجِهِ زِيَادَةَ فَرَاغٍ أَوْ إرْشَادَ شَيْخٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَهُ تَرْكُ طَلَبِ الْعِلْمِ غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ وَإِنْ ظَهَرَ انْتِفَاعُهُ لَا فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ أَيْ إذَا شَرَعَ فِيهَا لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا وَلَا يُعْتَبَرُ الْإِذْنُ فِي السَّفَرِ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا حَيْثُ لَا خَطَرَ فِيهِ كَرُكُوبِ بَحْرٍ أَوْ بَادِيَةٍ مُخْطِرَةٍ وَإِنْ غَلَبَ الْأَمْنُ. اهـ عُبَابٌ. اهـ. م د وَقَوْلُهُ: كَرُكُوبِ بَحْرٍ مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ وَقَوْلُهُ: مُخْطِرَةٍ أَيْ فِيهَا خَطَرٌ أَيْ خَوْفٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كِفَايَةً) أَيْ وَلَوْ نَحْوَ صَنْعَةٍ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ مَعَ حُرْمَةِ السَّفَرِ لَهُ إلَّا بِالْإِذْنِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ فِيهِ مِنْ الْأَخْطَارِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ إذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَخَاوِفِ. قَوْلُهُ: (أَيْضًا) أَيْ كَمَا اشْتَرَطَ عَدَمَ حُضُورِهِ الصَّفَّ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَنْكَسِرْ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَ الْإِمَامِ بِجُعْلٍ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ بَلْ لَا يَجُوزُ شَرْحُ الرَّوْضِ فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ أَنْ لَا يَحْضُرَ الصَّفَّ وَأَنْ يَأْمَنَ وَأَنْ لَا تَنْكَسِرَ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا يَخْرُجَ بِجُعْلٍ فَإِنْ حَضَرَ أَوْ لَمْ يَأْمَنْ أَوْ انْكَسَرَ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ بِرُجُوعِهِ أَوْ خَرَجَ بِجُعْلٍ فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ) ظَاهِرُهُ جَوَازُ الرُّجُوعِ مَعَ عَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا ق ل فَقَوْلُهُ: لَا يَجِبُ الرُّجُوعُ بَلْ وَلَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَدْخُلُوا بَلْدَةً لَنَا) أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 الْمُضِيُّ إلَيْهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ دَفْعًا لَهُمْ وَإِنْقَاذًا مِنْ الْهَلَكَةِ. فَيَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ فِي حَقِّ مَنْ قَرُبَ وَفَرْضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ مَنْ بَعُدَ. وَإِذَا لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ قَصْدِ تَأَهُّبٍ لِقِتَالٍ وَجَوَّزَ أَسْرًا وَقَتْلًا فَلَهُ اسْتِسْلَامٌ وَقِتَالٌ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ قُتِلَ وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْجِهَادِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ أُسِرَ مِنْ الْكُفَّارِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٍ يَكُونُ رَقِيقًا بِنَفْسِ) أَيْ بِمُجَرَّدِ (السَّبْيِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْأَسْرُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ، (وَهُمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ) وَالْمَجَانِينُ وَالْعَبِيدُ وَلَوْ مُسْلِمِينَ. كَمَا يُرَقُّ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ لِحَرْبِيٍّ بِالْقَهْرِ، أَيْ يَصِيرُونَ بِالْأَسْرِ أَرِقَّاءَ لَنَا وَيَكُونُونَ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْغَنِيمَةِ الْخُمُسُ لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْسِمُ السَّبْيَ كَمَا يَقْسِمُ الْمَالَ. وَالْمُرَادُ بِرِقِّ الْعَبِيدِ اسْتِمْرَارُهُ لَا تَجَدُّدُهُ وَمِثْلُهُمْ فِيمَا ذُكِرَ الْمُبَعَّضُونَ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ. تَنْبِيهٌ لَا يُقْتَلُ مَنْ ذُكِرَ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا، فَإِنْ قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَلَوْ لِشَرِّهِمْ وَقُوَّتِهِمْ   [حاشية البجيرمي] يَصِيرَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (مَثَلًا) مُتَعَلِّقٌ بِيَدْخُلُوا وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِبَلْدَةٍ لِإِدْخَالِ الْقَرْيَةِ وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ: لَنَا لِإِدْخَالِهِ بِلَادَ الذِّمِّيِّينَ وَكُلٌّ مُرَادٌ. قَوْلُهُ: (فَرْضُ عَيْنٍ) يَرْجِعُ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (عَلِمَ كُلٌّ إلَخْ) وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ لَكِنْ عَلِمَ إلَخْ فَجَعَلَهُ شَرْطًا فِي قَوْلِهِ: أَوْ لَمْ يُمْكِنْ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ إنْ أُخِذَ قُتِلَ) فَيَتَعَيَّنُ الْقِتَالُ لِامْتِنَاعِ الِاسْتِسْلَامِ لِكَافِرٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ذُلٌّ دِينِيٌّ. قَوْلُهُ: (قُتِلَ) أَيْ فَيَجِبُ الدَّفْعُ أَيْضًا لِأَنَّ عَدَمَ الدَّفْعِ حِينَئِذٍ ذُلٌّ دِينِيٌّ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ عَلَى النَّفْسِ وَالْعِلْمُ هُنَا بِمَعْنَى الظَّنِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ تَأْمَنْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً إنْ أُخِذَتْ) أَيْ فَلَا يَحِلُّ لَهَا الِاسْتِسْلَامُ بَلْ يَلْزَمُهَا الدَّفْعُ وَلَوْ قُتِلَتْ لِأَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْمُطَاوَعَةُ لِدَفْعِ الْقَتْلِ شَرْحُ الرَّوْضِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَدَ الْجَمِيلَ وَغَيْرَهُ حُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنْ يَقْصِدَ بِالْفَاحِشَةِ فِي الْحَالِ أَوْ الْمَآلِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ وَأَوْلَى. اهـ. مَرْحُومِيٌّ فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَوْ اسْتَسْلَمَ لَا يُقْتَلُ وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً جَازَ الِاسْتِسْلَامُ، فَإِنْ حَصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافُ ظَنِّهِمْ وَجَبَ الدَّفْعُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ قِ ل. قَوْلُهُ: (وَجَوَّزَ أَسْرًا إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ: عَلِمَ كُلُّ مَنْ قَصَدَ أَنَّهُ إنْ أُخِذَ قُتِلَ وَقَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: أَوْ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ وَقَوْلُهُ: وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ مَفْهُومٌ قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تَأْمَنْ الْمَرْأَةُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إنْ عَلِمَ) أَيْ ظَنَّ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ أَيْ مِنْ الِاسْتِسْلَامِ قُتِلَ لِأَنَّ تَرْكَهُ الِاسْتِسْلَامَ حِينَئِذٍ يُعَجِّلُ الْقَتْلَ ز ي وَهَذَا مُحْتَرَزُ. قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. قَوْلُهُ: (وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ الْفَاحِشَةَ) أَيْ إنْ أُخِذَتْ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: أَوْ لَمْ تَأْمَنْ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مَعْنًى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِصُورَةِ اسْتِثْنَاءٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: عَلِمَ كُلُّ مَنْ قَصَدَ إلَخْ مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ الْآتِي وَجَوَّزَ أَسْرًا وَقَتْلًا، وَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: إنْ عَلِمَ وَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تَأْمَنْ مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ: وَأَمِنَتْ وَيَكُونُ قَدَّمَ الْمَفْهُومَ عَلَى الْمَنْطُوقِ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْأَوَّلَ مَفْهُومًا لِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ عِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ وَالْأَوَّلَ عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ قَدَّمَهَا عَلَى الْمَتْنِ تَقْدِيمًا لِلْمَفْهُومِ وَيَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَ مَفْهُومَ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (فِي أَحْكَامِ الْجِهَادِ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْجِهَادِ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ أَحْكَامٌ لَهُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُسْلِمِينَ) رَاجِعٌ لِلْعَبِيدِ بِأَنْ أَسْلَمُوا وَهُمْ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ. قَوْلُهُ: (أَيْ يَصِيرُونَ بِالْأَسْرِ أَرِقَّاءَ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: يَكُونُ رَقِيقًا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ لَا إيهَامَ فِي الْمَتْنِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: تُرَقُّ ذَرَارِيُّ كُفَّارٍ كَمَا وَقَعَ فِي الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُمْ فِيمَا ذُكِرَ الْمُبَعَّضُونَ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَعْضِ الْقِنِّ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَعْضِ الْحُرِّ فَيُخَيَّرُ فِيهِ بِمَا عَدَا الْقَتْلَ لِاسْتِحَالَتِهِ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالرِّقِّ وَيَمْتَنِعُ الْقَتْلُ فَإِنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ الرِّقَّ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ أَوْ فَدَاهُ كَذَلِكَ وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِ فَقَدْ فَوَّتَ الْبَعْضَ الرَّقِيقَ عَلَى الْغَانِمِينَ فَيَضْمَنُهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ) أَيْ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ. وَحَاصِلُهُ: كَمَا قَالَهُ حَجّ أَنَّهُ إنْ قَتَلَ أَسِيرًا غَيْرَ كَامِلٍ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ أَوْ كَامِلًا قَبْلَ التَّخْيِيرِ فِيهِ عُزِّرَ فَقَطْ أج وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: فَإِنْ قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَمِثْلُ الْإِمَامِ غَيْرُهُ وَهَذَا فِي قَتْلِ النَّاقِصِينَ أَمَّا قَتْلُ الْكَامِلِينَ مِنْ الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ أَمَّا مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ الْقَتْلَ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا ضَمَانَ إلَّا التَّعْزِيرُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ لِلْفِدَاءِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِهِ الْفِدَاءَ وَقَبْلَ وُصُولِ الْكَافِرِ لِمَأْمَنِهِ ضَمِنَهُ بِالدِّيَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 ضَمِنَ قِيمَتَهُمْ لِلْغَانِمِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ. (وَضَرْبٍ لَا يُرَقُّ بِنَفْسِ السَّبْيِ) وَإِنَّمَا يُرَقُّ بِالِاخْتِيَارِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَهُمْ الرِّجَالُ) الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ (وَالْإِمَامُ) أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ (مُخَيَّرٌ فِيهِمْ) بِفِعْلِ الْأَحَظِّ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ. (بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ) وَهِيَ (الْقَتْلُ) بِضَرْبِ رَقَبَةٍ لَا بِتَحْرِيقٍ وَتَغْرِيقٍ. (وَالِاسْتِرْقَاقُ) وَلَوْ لِأُنْثَى أَوْ عَرَبِيٍّ أَوْ بَعْضِ شَخْصٍ عَلَى الْمُصَحَّحِ فِي الرَّوْضَةِ إذَا رَآهَا مَصْلَحَةً. (وَالْمَنُّ) عَلَيْهِمْ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِمْ (وَالْفِدْيَةُ بِالْمَالِ) أَيْ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ مَالِهِمْ أَوْ مِنْ مَالِنَا الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ (أَوْ بِالرِّجَالِ) أَيْ بِرَدِّ أَسْرَى مُسْلِمِينَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الرِّجَالِ غَيْرُهُمْ أَوْ أَهْلُ ذِمَّةٍ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَيُرَدُّ مُشْرِكٌ بِمُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَيْنِ أَوْ مُشْرِكَيْنِ بِمُسْلِمٍ أَوْ بِذِمِّيٍّ وَيَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَهُمْ بِأَسْلِحَتِنَا الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ أَسْلِحَتَهُمْ الَّتِي فِي أَيْدِينَا بِمَالٍ يَبْذُلُونَهُ. كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ نَبِيعَهُمْ السِّلَاحَ (يَفْعَلُ الْإِمَامُ) أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ مِنْ ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ لَا بِالتَّشَهِّي (مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ) وَالْإِسْلَامِ، فَإِنْ خَفِيَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ الْأَحَظُّ حَبَسَهُمْ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الِاجْتِهَادِ لَا إلَى التَّشَهِّي كَمَا مَرَّ. فَيُؤَخِّرُ لِظُهُورِ الصَّوَابِ وَلَوْ أَسْلَمَ أَسِيرٌ مُكَلَّفٌ لَمْ يَخْتَرْ الْإِمَامُ فِيهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ مَنًّا وَلَا فِدَاءً عَصَمَ الْإِسْلَامُ دَمَهُ فَيَحْرُمُ قَتْلُهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» إلَى أَنْ قَالَ: «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ» وَقَوْلُهُ:   [حاشية البجيرمي] لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وُصُولِهِ لِمَأْمَنِهِ فَهَدَرٌ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْفِدَاءِ وَقَبْلَ وُصُولِهِ لِمَأْمَنِهِ ضَمِنَ بِالدِّيَةِ وَيَأْخُذُ الْإِمَامُ مِنْهَا قَدْرَ الْفِدَاءِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وُصُولِهِ لِمَأْمَنِهِ فَلَا ضَمَانَ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْقَتْلُ بَعْدَ الْمَنِّ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ وُصُولِهِ لِمَأْمَنِهِ ضَمِنَ بِالدِّيَةِ لِوَرَثَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وُصُولِهِ لِمَأْمَنِهِ فَلَا ضَمَانَ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ غَازِيًا بِأَنْ أَرْسَلَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا. قَوْلُهُ: (مُخَيَّرٌ فِيهِمْ) وَلَيْسَ هُوَ تَخْيِيرًا عَلَى بَابِهِ بَلْ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ فَمَا رَآهُ حَظًّا لِلْمُسْلِمِينَ وَالْإِسْلَامِ فَعَلَهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَهَلْ إذَا اخْتَارَ أَمْرًا مِنْ الْأُمُورِ هَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ أَمْ لَا بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ حَقْنُ الدَّمِ لِلْقَتْلِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ الِاسْتِرْقَاقَ صَارَ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ فَيَكُونُ الْحَقُّ لَهُمْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ. وَكَذَلِكَ الْمَنُّ وَالْفِدَاءُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاجْتِهَادِ وَرُجُوعُهُ إلَى غَيْرِهِ اجْتِهَادٌ ثَانٍ وَالِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ مَا لَمْ يَكُنْ لِرُجُوعِهِ سَبَبٌ وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَهُ الرُّجُوعُ حِينَئِذٍ وَيَكُونُ كَالْحَاكِمِ إذَا حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ وَظَهَرَ لَهُ النَّصُّ بِخِلَافِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ كَذَلِكَ هَكَذَا قِيلَ. قَوْلُهُ: (بِفِعْلِ الْأَحَظِّ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالتَّخْيِيرِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْخِصَالِ. قَوْلُهُ: (لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ حَظَّ الْمُسْلِمِينَ مَا يَعُودُ إلَيْهِمْ مِنْ الْغَنَائِمِ وَحِفْظُ مُهَجِهِمْ فَفِي الِاسْتِرْقَاقِ وَالْفِدَاءِ حَظُّ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْمَنِّ حَظُّ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَرَبِيٍّ) كَمَا فِي سَبْيِ هَوَازِنَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ كَبَنِي الْمُصْطَلِقِ ز ي أج. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْضِ شَخْصٍ) وَهُوَ الرَّاجِحُ وَالثَّانِي وَلَا عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ لَوْ ضُرِبَ الرِّقُّ عَلَى الْبَعْضِ رُقَّ الْكُلُّ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُرَقُّ مِنْهُ شَيْءٌ وَعَلَى قَوْلِ الْبَغَوِيِّ يُقَالُ: لَنَا صُورَةٌ يَسْرِي فِيهَا الرِّقُّ كَمَا يَسْرِي الْعِتْقُ دَمِيرِيٌّ ز ي وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَلَا سِرَايَةَ عَلَى الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُسْلِمَيْنِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَوْ أَكْثَرَ وَهِيَ أَوْلَى فَكَلَامُ الشَّارِحِ يَحْتَمِلُ التَّثْنِيَةَ وَالْجَمْعَ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَهُمْ) هَذَا مُكَرَّرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ إلَخْ) وَهَلْ يَجُوزُ رَدُّهَا بِأَسْرَانَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْجَوَازُ سم. قَوْلُهُ: (يَفْعَلُ الْإِمَامُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْخِصَالِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَحَظُّ رَاجِحٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَسْلَمَ إلَخْ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ الْآتِي قَبْلَ الْأَسْرِ فَقَدَّمَ الْمَفْهُومَ عَلَى الْمَنْطُوقِ تَعْجِيلًا لِلْفَائِدَةِ وَأَمَّا أَوْلَادُهُ فَإِنْ أُسِرُوا قَبْلَهُ رُقُّوا وَإِنْ لَمْ يُؤْسَرُوا عَصَمَهُمْ وَأَمَّا مَالُهُ وَزَوْجَتُهُ فَلَا يَعْصِمُهُمَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَخْتَرْ الْإِمَامُ) صِفَةٌ لِأَسِيرٍ فَإِنْ كَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ خَصْلَةً غَيْرَ الْقَتْلِ تَعَيَّنَتْ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (مَنًّا) أَيْ وَلَا رِقًّا. قَوْلُهُ: (عَصَمَ الْإِسْلَامُ دَمَهُ) أَيْ لَا مَالَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: ذِكْرُ الْمَالِ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالُوهَا: قَبْلَ الْأَسْرِ أَيْ بِخِلَافِ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: «حَتَّى يَقُولُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 «وَأَمْوَالَهُمْ» مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلِ الْأَسْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «إلَّا بِحَقِّهَا» وَمِنْ حَقِّهَا أَنَّ مَالَهُ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَسْرِ غَنِيمَةٌ. وَبَقِيَ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي مِنْ خِصَالِ التَّخْيِيرِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ أَشْيَاءَ إذَا سَقَطَ بَعْضُهَا لِتَعَذُّرِهِ، لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي كَالْعَجْزِ عَنْ الْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ. (وَمَنْ أَسْلَمَ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ إسْلَامٍ. (قَبْلَ الْأَسْرِ) أَيْ قَبْلَ الظَّفَرِ بِهِ (أَحْرَزَ) أَيْ عَصَمَ بِإِسْلَامِهِ (مَالَهُ) مِنْ غَنِيمَةٍ (وَدَمَهُ) مِنْ سَفْكِهِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ، (وَصِغَارَ أَوْلَادِهِ) الْأَحْرَارِ عَنْ السَّبْيِ لِأَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْجَدُّ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا لِمَا مَرَّ وَوَلَدُهُ أَوْ وَلَدُ وَلَدِهِ الْمَجْنُونُ كَالصَّغِيرِ وَلَوْ طَرَأَ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِمَا مَرَّ أَيْضًا وَيُعْصَمُ الْحَمْلُ تَبَعًا لَهُ لَا إنْ اُسْتُرِقَّتْ أُمُّهُ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَبِ فَلَا يُبْطِلُ إسْلَامُهُ رِقَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ. تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ سَبْيِ الزَّوْجَةِ وَالْمَذْهَبُ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّ إسْلَامَ الزَّوْجِ لَا يَعْصِمُهَا عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ لِاسْتِقْلَالِهَا وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ بَذَلَ مِنْهُ فِي الْجِزْيَةِ مَنَعَ إرْقَاقَ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهِ الْبَالِغَةِ فَكَانَ الْإِسْلَامُ أَوْلَى. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا يُمْكِنُ اسْتِقْلَالُ الشَّخْصِ بِهِ لَا يُجْعَلُ فِيهِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ. وَالْبَالِغَةُ تَسْتَقِلُّ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تَسْتَقِلُّ بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ. فَإِنْ اُسْتُرِقَّتْ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ فِي حَالِ السَّبْيِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَمْ لَا لِامْتِنَاعِ إمْسَاكِ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ لِلنِّكَاحِ كَمَا يَمْتَنِعُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا. وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: «أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ»   [حاشية البجيرمي] لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ «حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» قَالَ ز ي: أَيْ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ صَارَتْ عَلَمًا عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْأَسْرِ) أَيْ مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِهَا قَبْلَ الْأَسْرِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ) أَيْ الْمُخَيَّرَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فِي الْكَفَّارَةِ) أَيْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ تَخَيَّرَ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَسْلَمَ) أَيْ أَوْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ. قَوْلُهُ: (مِنْ غَنِيمَةٍ) الْأَوْلَى مِنْ غَنَمِهِ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ. قَوْلُهُ: (وَصِغَارِ أَوْلَادِهِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الْأَحْرَارِ أَيْ وَمَجَانِينِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ لِأَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَخَرَجَ الْأَرِقَّاءُ فَأَمْرُهُمْ تَابِعٌ لِأَمْرِ سَيِّدِهِمْ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِ، وَكِبَارُ أَوْلَادِهِ الْأَحْرَارِ لِاسْتِقْلَالِهِمْ فَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِمْ كَغَيْرِهِمْ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (عَنْ السَّبْيِ) أَيْ الرِّقِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالْجَدُّ كَذَلِكَ) أَيْ كَالْأَبِ فِي أَنَّهُ يَعْصِمُ أَوْلَادَ وَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ كَافِرًا حَيًّا؛ نَظَرًا لِتَبَعِيَّتِهِمْ لِلْجَدِّ فِي الدِّينِ لِأَنَّهُ الْأَعْلَى، وَقَوْلُهُ: كَذَلِكَ أَيْ كَالْأَبِ فِيمَا ذُكِرَ الْمَعْلُومُ مِنْ الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ: أَوْلَادِهِ وَلَوْ ذَكَرَ الْأَبَ بَدَلَ قَوْلِهِ: كَذَلِكَ لَكَانَ أَظْهَرَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ الْأَبُ) أَيْ غَيْرُ الْمُسْلِمِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِأَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَيُعْصَمُ الْحَمْلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (لَا إنْ اُسْتُرِقَّتْ أُمُّهُ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَبِ) أَمَّا إذَا اُسْتُرِقَّتْ بَعْدَ إسْلَامِ الْأَبِ فَلَا يَتْبَعُهَا حَمْلُهَا لِعِصْمَتِهِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُبْطِلُ إسْلَامُهُ) أَيْ الْأَبِ رِقَّهُ أَيْ الْحَمْلِ كَالْمُنْفَصِلِ إذَا سُبِيَ وَحْدَهُ، وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ أَيْ الْحَمْلِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ. قَوْلُهُ: (عَنْ سَبْيِ الزَّوْجَةِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: عَنْ إحْرَازِ الزَّوْجَةِ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَأَحْرَزَ زَوْجَتَهُ، وَحَاصِلُ حُكْمِ الزَّوْجَةِ أَنَّ زَوْجَةَ الْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ وَزَوْجَةَ الذِّمِّيِّ الْمَوْجُودَةِ حَالَ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يُرَقَّانِ بِالسَّبْيِ وَزَوْجَةَ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ أَسْرِهَا وَزَوْجَةَ الذِّمِّيِّ الطَّارِئَةَ بَعْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ يُرَقَّانِ بِنَفْسِ السَّبْيِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لِاسْتِقْلَالِهَا) أَيْ بِالْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا) . وَبِذَلِكَ يُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا زَوْجَةٌ بِدَارِ الْحَرْبِ يَجُوزُ سَبْيُهَا وَلَا يَجُوزُ سَبْيُ وَلَدِهَا. قَوْلُهُ: (وَالْبَالِغَةُ) أَيْ وَالزَّوْجَةُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اُسْتُرِقَّتْ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ لَا تَتْبَعُهُ زَوْجَتُهُ وَفِي التَّعْبِيرِ بِ اُسْتُرِقَّتْ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّهَا تُرَقُّ بِنَفْسِ الصَّبِيِّ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ رُقَّتْ. قَوْلُهُ (لِامْتِنَاعٍ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَ مِلْكُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَعَنْ النِّكَاحِ أَوْلَى. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَلِقَوْلِهِ: إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ فَإِنْ اُسْتُرِقَّتْ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ. قَوْلُهُ: (أَوْطَاسٍ) الَّذِي فِي الْمُخْتَارِ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَفِي ق ل. مَا نَصُّهُ أَوْطَاسٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا اسْمُ وَادٍ مِنْ هَوَازِنَ عِنْدَ حُنَيْنٍ اهـ بِحُرُوفِهِ. قُلْت: وَهُوَ مِنْ أَجْلِ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُقَلِّدُونَ، غَايَتُهُ أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهَا زَوْجٌ، وَتُرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ بِنَفْسِ الْأَسْرِ وَيُقْطَعُ بِهِ نِكَاحُهُ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ: إنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا بَذَلَ الْجِزْيَةَ عَصَمَ نَفْسَهُ وَزَوْجَتَهُ مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ الزَّوْجَةُ الْمَوْجُودَةُ حِينَ الْعَقْدِ. فَيَتَنَاوَلُهَا الْعَقْدُ عَلَى جِهَةِ التَّبَعِيَّةِ وَالْمُرَادُ هُنَا الزَّوْجَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا وَيَجُوزُ إرْقَاقُ عَتِيقِ الذِّمِّيِّ إذَا كَانَ حَرْبِيًّا لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ اُسْتُرِقَّ فَعَتِيقُهُ أَوْلَى، لَا عَتِيقُ مُسْلِمٍ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يُسْتَرَقُّ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يُرْفَعُ، وَلَا تُسْتَرَقُّ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيَّةُ إذَا سُبِيَتْ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ الْجَوَازُ فَإِنَّهُمَا سَوَّيَا فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ زَوْجَةِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ الْأَصْلِيَّ أَقْوَى مِنْ الْإِسْلَامِ الطَّارِئِ وَلَوْ سُبِيَتْ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ أَوْ زَوْجٌ حُرٌّ وَرُقَّ انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِحُدُوثِ الرِّقِّ، فَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ إذْ لَمْ يَحْدُثْ رِقٌّ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ وَذَلِكَ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ كَالْبَيْعِ.   [حاشية البجيرمي] الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ قَلِيلَ عَزْوِ الْكَلَامِ لِأَهْلِهِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرَهَا) . أَيْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِاسْتِرْقَاقِهَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ وَارِدًا فِي الِاسْتِبْرَاءِ شَامِلٌ لِوَطْءِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ وَقَوْلُهُ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ إلَخْ وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ زَوْجًا لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ عَنْ الرِّقِّ لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: حَتَّى تَضَعَ لِأَنَّ انْقِطَاعَ نِكَاحِهَا يُحَرِّمُهَا حَتَّى يَعْقِدَ عَلَيْهَا عَقْدًا جَدِيدًا، وَشُمُولُ الْحَدِيثِ لِوَطْءِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ (كَانَ فِيهِمْ) الْمُنَاسِبُ فِيهِنَّ. قَوْلُهُ: (وَتُرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ) وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ زَوْجَةَ الْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ لَا تُرَقُّ وَعَتِيقُ الْمُسْلِمِ لَا يُرَقُّ وَزَوْجَةُ الذِّمِّيِّ الْمَوْجُودَةُ وَقْتَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَا تُرَقُّ أَمَّا زَوْجَةُ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ أَوْ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ إذَا حَدَّثَتْ بَعْدَ الْجِزْيَةِ وَعَتِيقُ الذِّمِّيِّ فَيُرَقُّونَ. قَوْلُهُ: (وَيَقْطَعُ بِهِ نِكَاحَهُ) أَيْ لِأَنَّ طُرُوُّ الرِّقِّ كَالْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ إلَخْ) وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُ إذَا عَصَمَ زَوْجَتَهُ عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ كَيْفَ يُلَائِمُ قَوْلَهُ: تُرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ بِنَفْسِ الْأَسْرِ لَهَا. وَجَوَابُهُ أَنَّ الَّتِي يَعْصِمُهَا هِيَ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَهُ وَاَلَّتِي لَا يَعْصِمُهَا هِيَ الَّتِي يَطْرَأُ تَزْوِيجُهَا عَلَى عَقْدِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (عَصَمَ نَفْسَهُ) مَعَ أَنَّهُ صَارَ ذِمِّيًّا بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ هُنَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَتُرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ إلَخْ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا أَوْ يَحْمِلْ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْقُدْرَةِ حِينَ الْعَقْدِ وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُسْتَرَقُّ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ) أَيْ الْأَصْلِيِّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) جَرَى عَلَيْهِ ز ي فِي حَاشِيَتِهِ وَنَصُّهُ الْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ أَسْرِهَا بِخِلَافِ زَوْجَةِ مَنْ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إرْقَاقُهَا اهـ اج. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْإِسْلَامَ) تَعْلِيلٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ لَا تُسْتَرَقُّ زَوْجَةُ الْأَصْلِيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ سُبِيَتْ) لَمْ يَقُلْ: وَرُقَّتْ كَمَا قَالَهُ: فِي الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا تُرَقُّ بِنَفْسِ السَّبْيِ بِخِلَافِهِ. اهـ. م ر. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ حَدَثَ الرِّقُّ فِي الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ رِقٌّ وَلَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الزَّوْجَةَ الَّتِي يَطْرَأُ عَلَيْهَا الرِّقُّ هِيَ زَوْجَةُ الْحَرْبِيِّ الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ وَزَوْجَةُ الذِّمِّيِّ إذَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْجِزْيَةِ، وَإِيضَاحُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الزَّوْجَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ أَوْ رَقِيقَيْنِ أَوْ الزَّوْجُ حُرٌّ أَوْ الزَّوْجَةُ رَقِيقَةٌ أَوْ عَكْسُهُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يُسْبَيَا أَوْ تُسْبَى الزَّوْجَةُ أَوْ يُسْبَى الزَّوْجُ أَوْ يُسْتَرَقَّ أَوَّلًا فَالْجُمْلَةُ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فِيمَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ وَسُبِيَا أَوْ سُبِيَتْ هِيَ أَوْ سُبِيَ هُوَ أَوْ اُسْتُرِقَّ فَإِنْ لَمْ يُسْتَرَقَّ فَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ فَلَا فَسْخَ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا وَالزَّوْجَةُ رَقِيقَةً فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فِيمَا إذَا سُبِيَا أَوْ سُبِيَ الزَّوْجُ وَحْدَهُ وَاسْتُرِقَّ فِيهَا وَلَا يَنْفَسِخُ فِيمَا إذَا سُبِيَتْ الزَّوْجَةُ وَحْدَهَا إذْ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهَا رِقٌّ أَوْ سُبِيَ الزَّوْجُ وَحْدَهُ وَلَمْ يُسْتَرَقَّ، فَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً وَالزَّوْجُ رَقِيقًا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فِيمَا إذَا سُبِيَا أَوْ سُبِيَتْ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ سُبِيَ وَرُقَّ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (أَوْ زَوْجٍ حُرٍّ) قَيْدٌ وَقَوْلُهُ: وَرُقَّ قَيْدٌ سَوَاءٌ كَانَ الرِّقُّ بِمُجَرَّدِ الْأَسْرِ بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا مَثَلًا أَوْ بِالضَّرْبِ بِأَنْ كَانَ كَامِلًا وَاخْتَارَ الْإِمَامُ فِيهِ الرِّقَّ أَيْ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ النِّكَاحُ وَانْظُرْ مَا وَجْهُ ذَلِكَ فَإِنَّ غَايَةَ أَمْرِهِ أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 وَإِذَا رُقَّ الْحَرْبِيُّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ كَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ لَمْ يَسْقُطْ فَيَقْضِي مِنْ مَالِهِ إنْ غَنِمَ بَعْدَ رِقِّهِ. فَإِنْ كَانَ لِحَرْبِيٍّ عَلَى حَرْبِيٍّ وَرُقَّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَلْ أَوْ رَبُّ الدَّيْنِ فَيَسْقُطُ. وَلَوْ رُقَّ رَبُّ الدَّيْنِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ لَمْ يَسْقُطْ، وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِلَا رِضَا مِنْ عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ، بِسَرِقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ إلَّا السَّلْبَ خُمُسُهَا لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِلْآخِذِ، وَكَذَا مَا وُجِدَ، كَلُقَطَةٍ مِمَّا يَظُنُّ أَنَّهُ لَهُمْ فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ وَجَبَ تَعْرِيفُهُ. وَيُعَرَّفُ سَنَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ حَقِيرًا كَسَائِرِ اللُّقَطَاتِ.   [حاشية البجيرمي] رَقِيقٌ وَالرَّقِيقُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِحُدُوثِ الرِّقِّ لَا يَنْتُجُ عَنْ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: لِحُدُوثِ الرِّقِّ أَيْ وَحُدُوثُهُ كَالْمَوْتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَبِذَلِكَ فَارَقَ جَوَازَ رَقِيقٍ لِرَقِيقَةٍ أَوْ لِحُرَّةٍ ابْتِدَاءً اهـ. قَوْلُهُ: (إذَا رُقَّ الْحَرْبِيُّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) صُوَرُ الْمَقَامِ سِتَّةٌ لِأَنَّهُ إذَا رُقَّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنُهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ وَإِذَا رُقَّ مَنْ لَهُ دَيْنٌ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ وَإِذَا رُقَّ الْحَرْبِيُّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ لَمْ يَسْقُطْ إذْ لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي إسْقَاطَهُ فَيَقْضِي مِنْ مَالِهِ إنْ غَنِمَ بَعْدَ رِقِّهِ وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِالرِّقِّ قِيَاسًا لِلرِّقِّ عَلَى الْمَوْتِ فَإِنْ غَنِمَ قَبْلَ رِقِّهِ أَوْ مَعَهُ لَمْ يَقْضِ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَقْضِ مِنْهُ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يُعْتِقَ فَيُطَالِبَ بِهِ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ الْحَرْبِيُّ كَدَيْنِ حَرْبِيٍّ عَلَى مِثْلِهِ وَرِقِّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَلْ أَوْ رَبُّ الدَّيْن فَيَسْقُطُ وَلَوْ رُقَّ رَبُّ الدَّيْنِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ لَمْ يَسْقُطْ اهـ. فَذَكَرَ الْمَتْنُ صُورَتَيْنِ بِالْمَنْطُوقِ وَأَرْبَعَةً بِالْمَفْهُومِ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى ثِنْتَيْنِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي إلَى قَوْلِهِ: فَسَقَطَ وَإِلَى ثِنْتَيْنِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ رُقَّ رَبُّ الدَّيْن اهـ قَالَ ق ل: فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا دَيْنُ الْحَرْبِيِّ عَلَى مِثْلِهِ بِإِرْقَاقِ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ رُقَّ رَبُّ الدَّيْنِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ لَمْ يَسْقُطْ) : بَلْ يَصِيرُ فِي ذِمَّةِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِقَ فَيُعْطَى لَهُ أَوْ يَمُوتَ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا اهـ سم نَقْلًا عَنْ شَرْحِ م ر. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ دَائِنًا وَمَدِينًا وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ اهـ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَسْقُطْ) وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْإِمَامَ يُطَالِبُ بِهِ كَوَدَائِعِهِ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ كَذَا فِي شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ فِيهِ نَظَرٌ لِعَدَمِ انْطِبَاقِ حَدِّ الْغَنِيمَةِ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي أَعْيَانِ مَالِهِ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُهَا وَلَا يُطَالِبُ بِهَا لِأَنَّ مِلْكَهُ لِرَقَبَتِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَهُ لِمَالِهِ بَلْ الْقِيَاسُ أَنَّهَا مِلْكٌ لِبَيْتِ الْمَالِ كَالْمَالِ الضَّائِعِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ) أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي قَوْلِهِ: أَوْ رَبُّ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ لِمُسْلِمٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ بِأَخْذِهِمْ لَهُ فَعَلَى مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ وَلَوْ بِشِرَاءٍ رَدَّهُ إلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ أَيْ أَخَذَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا مَا أَخَذَهُ الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ مِلْكٌ لَهُ بِجُمْلَتِهِ لَا يَدْخُلُهُ تَخْمِيسٌ كَمَا فِي م ر سَوَاءٌ كَانَ مَعَنَا أَوْ وَجَدَهُ دَاخِلَ بِلَادِهِمْ بِأَمَانٍ أَوْ غَيْرِهِ. ع ش وَهَذَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْغَنِيمَةِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ هُنَاكَ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ أَوْلَى مِنْ التَّقْيِيدِ بِأَخْذِهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ أَخْذَ مَالِهِمْ فِي دَارِنَا وَلَا أَمَانَ لَهُمْ كَذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهَا) كَاخْتِلَاسٍ سم. قَوْلُهُ: (وَالْبَاقِي لِلْآخِذِ) تَنْزِيلًا لِدُخُولِهِ دَارَهُمْ وَتَغْرِيرِهِ بِنَفْسِهِ مَنْزِلَةَ الْقَتْلِ وَالْمُرَادُ بِالْعَقَارِ الْمَمْلُوكُ إذْ الْمَوَاتُ لَا يَمْلِكُونَهُ فَكَيْفَ يَتَمَلَّكُ عَلَيْهِمْ صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَتَمَلَّكُ عَلَيْهِمْ أَيْ عَنْهُمْ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ عَنْهُمْ فَرْعُ مِلْكِهِمْ لَهُ وَالِاسْتِفْهَامُ إنْكَارِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَا وُجِدَ كَلُقَطَةٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مَالِكُهُ فَفَارَقَ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ مَالِكَهُ مَعْلُومٌ. وَقَوْلُهُ: وَكَذَا مَا وُجِدَ إلَخْ أَيْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ أَيْ مُخَمَّسَةٌ إلَّا السَّلْبَ خُمُسُهَا لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِلْآخِذِ تَنْزِيلًا لِدُخُولِهِ دَارَهُمْ وَتَغْرِيرِهِ بِنَفْسِهِ مَنْزِلَةَ الْقِتَالِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ) وَيَظْهَرُ أَنَّ إمْكَانَ كَوْنِهِ لِذِمِّيٍّ كَذَلِكَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَجَبَ تَعْرِيفُهُ سَنَةً) وَنَقْلَا فِي صِفَةِ التَّعْرِيفِ لِمَا أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يُعَرِّفُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَا وَيَقْرَبُ مِنْهُ قَوْلُ الْإِمَامِ: يَكْفِي بُلُوغُ التَّعْرِيفِ لِلْأَجْنَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسْلِمٌ سِوَاهُمْ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ مُرُورِ التُّجَّارِ وَعَنْ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ أَنَّهُ يُعَرِّفُهُ سَنَةً قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَيُشْبِهُ حَمْلَ الْأَوَّلِ عَلَى الْخَسِيسِ وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهِ وَحَاوَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالظَّاهِرُ وَهُوَ قَضِيَّةُ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ لُقَطَةِ دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ اهـ. ز ي وَانْظُرْ مُؤْنَةَ التَّعْرِيفِ عَلَى مَنْ؟ إذْ الْمُلْتَقِطُ لَا يَتَمَلَّكُ لِأَنَّهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ غَنِيمَةٌ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 (وَيُحْكَمُ لِلصَّبِيِّ) أَيْ لِلصَّغِيرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى (بِالْإِسْلَامِ عِنْدَ وُجُودِ) أَحَدِ (ثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ) : أَوَّلِهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ) . وَالْمَجْنُونُ وَإِنْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ، كَالصَّغِيرِ بِأَنْ يَعْلَقَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ ثُمَّ يُسْلِمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ بُلُوغِهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَالًّا سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ وَضْعِهِ أَمْ بَعْدَهُ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ وَقَبْلَ بُلُوغِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] . تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يُوهِمُ قَصْرَهُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ. وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ فِي مَعْنَى الْأَبَوَيْنِ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ إنْ لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ وَكَانَ الْأَقْرَبُ حَيًّا. فَإِنْ قِيلَ: إطْلَاقُ ذَلِكَ يَقْتَضِي إسْلَامَ جَمِيعِ الْأَطْفَالِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِمْ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. أُجِيبُ: بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي جَدٍّ يُعْرَفُ النَّسَبُ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ، وَبِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ حُكْمٌ جَدِيدٌ وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، وَالْمَجْنُونُ الْمَحْكُومُ بِكُفْرِهِ كَالصَّغِيرِ فِي تَبَعِيَّةِ أَحَدِ أُصُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا. وَكَذَا إنْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فِي الْأَصَحِّ وَإِذَا حَدَثَ لِلْأَبِ وَلَدٌ بَعْدَ مَوْتِ الْجَدِّ مُسْلِمًا   [حاشية البجيرمي] بِأَنَّهَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (وَيُحْكَمُ لِلصَّبِيِّ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا فِي جَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ حَاصِلُهُ هَلْ لِإِسْلَامِ الصَّبِيِّ سَبَبٌ آخَرُ غَيْرُ إسْلَامِ أَبِيهِ الْمُتَقَدِّمِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَسْبَابٍ وَمِثْلُ الصَّبِيِّ الْحَمْلُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ جُنَّ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَعْلَقْ بَيْنَ كَافِرَيْنِ) تَصْوِيرٌ لِقَوْلِهِ أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ أَيْ تَحْمِلَ بِهِ أُمُّهُ حَالَةَ كُفْرِهَا، وَكُفْرِ أَبِيهِ وَسَائِرُ أُصُولِهِ ثُمَّ يُسْلِمُ أَحَدٌ مِنْ أُصُولِهِ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ أَوْ بَعْدَهُ إلَخْ م د وَهَذَا التَّصْوِيرُ أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ ظَاهِرٌ فِي الْمُنْفَصِلِ وَالتَّصْوِيرُ شَامِلٌ لِلْحَمْلِ فَهُوَ مِنْ تَصْوِيرِ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ. قَوْلُهُ: (وَأَتْبَعْنَاهُمْ) هُوَ مَحَلُّ الشَّاهِدِ. قَوْلُهُ: (بِإِسْلَامِ أَبِيهِمْ آدَمَ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ جَدُّهُمْ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُؤَلِّفِ التَّعْبِيرَ بِالْجَدِّ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً وَمَا ذَكَرَهُ مَجَازٌ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قُلْت: إنَّ هَذَا الشَّيْءَ عَجِيبٌ كَيْفَ تَسْتَقِيمُ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةُ مَعَ إطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَهَلْ الشَّارِحُ مُتَعَبِّدٌ بِعِبَارَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ مُوَافَقَتُهَا كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ إطْلَاقُ الْأَبِ عَلَى آدَمَ كَثِيرًا فَلَا وَجْهَ لِلْأَوْلَوِيَّةِ اهـ. قَوْلُهُ: (أُجِيبَ إلَخْ) حَاصِلُهُ جَوَابَانِ: الْأَوَّلُ بِالْمَنْعِ وَالثَّانِي بِالتَّسْلِيمِ. فَحَاصِلُ الْأَوَّلِ مَنْعُ قَوْلِهِ: إنَّ الْأَجْدَادَ تَشْمَلُ آدَمَ لِأَنَّ الْمُرَادَ جَدٌّ أَوْ جَدَّةٌ يُعْرَفُ النَّسَبُ إلَيْهِ لَا مُطْلَقُ جَدٍّ وَلَا جَدَّةٍ، وَحَاصِلُ الثَّانِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَجْدَادَ تَشْمَلُ آدَمَ وَحَوَّاءَ لَكِنْ مَنَعَ مِنْ تَبَعِيَّةِ الصَّغِيرِ لَهُمَا مَانِعٌ وَهُوَ أَنَّ أَبَاهُ وَأُمَّهُ هَوَّدَاهُ أَوْ نَصَّرَاهُ. قَوْلُهُ: (فِي جَدٍّ يُعْرَفُ) أَوْ جَدَّةٍ وَالْمُرَادُ النَّسَبُ اللُّغَوِيُّ. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى الِانْتِسَابِ وَلَوْ لُغَوِيًّا كَمَا فِي الْأُمِّ ق ل وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّوَارُثُ وَلَوْ بِالرَّحِمِ. قَوْلُهُ: (وَبِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الْيَهُودِيَّةِ) جَوَابٌ آخَرُ قَاطِعٌ لِحُكْمِ تَبَعِيَّةِ آدَمَ فِي الْإِسْلَامِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَحَلُّ التَّبَعِيَّةِ إنْ لَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَانِعُ وَهُوَ تَهَوُّدُ آبَائِهِمْ لَهُمْ وَتَنَصُّرُهُمْ لَهُمْ وَإِلَّا انْقَطَعَتْ وَهَذَا الْجَوَابُ يَقْتَضِي أَنَّ الْجَدَّ الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَأَبُوهُ كَافِرًا أَنَّهُ لَا يَتْبَعُ الْجَدَّ لِكَوْنِ الْأَبِ هَوَّدَهُ أَوْ نَصَّرَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (حُكْمٌ جَدِيدٌ) أَيْ طَارِئٌ بِالْوِلَادَةِ وَالْإِسْلَامُ حُكْمٌ أَصْلِيٌّ شَرْحُ الرَّوْضِ اهـ أَيْ فَهَذَا الْحُكْمُ قَدْ تَوَسَّطَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَأَوْلَادِهِ فَقَطَعَ التَّبَعِيَّةَ هَذَا وَجْهُ الْجَوَابِ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ إلَخْ) هَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى كَوْنِهِ حُكْمًا جَدِيدًا أَيْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ» إلَخْ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ حُكْمٌ جَدِيدٌ لِخَبَرِ وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَالْمَجْنُونُ) هَذَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِلْخِلَافِ فِيهِ فَتَكُونُ الْغَايَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ لِلرَّدِّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا حَدَثَ لِلْأَبِ) أَيْ الْكَافِرِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ مَوْتِ الْجَدِّ مُسْلِمًا) الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ فَإِنَّ ابْنَ الِابْنِ يَتْبَعُهُ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الْجَدِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 تَبِعَهُ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ. فَإِنْ بَلَغَ الصَّغِيرُ وَوَصَفَ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَوَصَفَ كُفْرًا بَعْدَ إفَاقَتِهِ فَمُرْتَدٌّ عَلَى الْأَظْهَرِ لِسَبْقِ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ. فَأَشْبَهَ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْ الصَّغِيرِ مُسْلِمًا وَقْتَ عُلُوقِهِ، فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِجْمَاعٍ وَتَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ وَلَا يَضُرُّ مَا يَطْرَأُ بَعْدَ الْعُلُوقِ مِنْهُمَا مِنْ رِدَّةٍ. فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا بِأَنْ أَعْرَبَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ فَمُرْتَدٌّ قَطْعًا لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَثَانِيهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يَسْبِيهِ) أَيْ الصَّغِيرَ أَوْ الْمَجْنُونَ (مُسْلِمٌ) وَقَوْلُهُ (مُنْفَرِدًا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ أَيْ حَالَ انْفِرَادِهِ. (عَنْ أَبَوَيْهِ) فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا تَبَعًا لِسَابِيهِ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةً وَلَيْسَ مَعَهُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُ فَيَبِيعُهُ كَالْأَبِ قَالَ الْإِمَامُ: وَكَأَنَّ السَّابِيَ لَمَّا أَبْطَلَ حُرِّيَّتَهُ قَلَبَهُ قَلْبًا كُلِّيًّا. فَعُدِمَ عَمَّا كَانَ وَافْتُتِحَ لَهُ وُجُودٌ تَحْتَ يَدِ السَّابِي وَوِلَايَةٌ فَأَشْبَهَ تَوَلُّدَهُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ. وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّابِي بَالِغًا عَاقِلًا أَمْ لَا، أَمَّا إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُ السَّابِيَ جَزْمًا وَمَعْنَى كَوْنِ أَحَدِ أَبَوَيْ الصَّغِيرِ مَعَهُ أَنْ يَكُونَا فِي جَيْشٍ وَاحِدٍ وَغَنِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ اخْتَلَفَ سَابِيهُمَا؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَصْلِ أَقْوَى مِنْ تَبَعِيَّةِ السَّابِي فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِتْبَاعِ، وَلَا يُؤَثِّرُ مَوْتُ الْأَصْلِ بَعْدُ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي ابْتِدَاءِ السَّبْيِ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ فَلَوْ سَبَاهُ ذِمِّيٌّ وَحَمَلَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَلَا فِي أَوْلَادِهِ، فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ فِي مُسْبِيهِ وَلِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَلَا نَسَبُهُ. نَعَمْ هُوَ عَلَى دِينِ سَابِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَثَالِثُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ يُوجَدُ لَقِيطًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ كَافِرٌ بِلَا بَيِّنَةٍ بِنَسَبِهِ هَذَا إنْ وُجِدَ بِمَحَلٍّ وَلَوْ بِدَارِ كُفْرٍ بِهِ مُسْلِمٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ وَلَوْ   [حاشية البجيرمي] مَاتَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَكَلَامُ الشَّارِحِ لِلْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (تَبِعَهُ) أَيْ الْجَدُّ. قَوْلُهُ: (كُفْرًا) تَنَازَعَهُ قَوْلُهُ: وَصْفٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَذَا قِيلَ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ وَصْفَ الْأَوَّلِ ذَكَرَ مَفْعُولَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: الْكُفْرَ وَلَعَلَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ إسْقَاطُ لَفْظِ الْكُفْرِ مِنْ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْ الصَّغِيرِ مُسْلِمًا وَقْتَ عُلُوقِهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ) يُشِيرُ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الطَّارِئَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ أَعْرَبَ) أَيْ أَظْهَرَ وَبَيَّنَ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمَجْنُونِ) لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ التَّفْسِيرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّغِيرِ فَلَوْ قَالَ: وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (عَنْ أَبَوَيْهِ) أَيْ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي أَمَّا إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَقَوْلُهُ: عَنْ أَبَوَيْهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُرَادُ مُنْفَرِدًا عَنْ أَحَدِ أُصُولِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (فَعُدِمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَافْتُتِحَ. قَوْلُهُ: (عَمَّا كَانَ) أَيْ عَنْ الْوُجُودِ الَّذِي كَانَ. وَقَوْلُهُ وَافْتُتِحَ لَهُ وُجُودٌ وَهُوَ وُجُودُهُ مُسْلِمًا رَقِيقًا. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مُنْفَرِدًا. قَوْلُهُ: (وَغَنِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ وَسُبِيَا مَعًا أَوْ تَقَدَّمَ سَبْيُ الْأَصْلِ سم فَإِنْ تَقَدَّمَ سَبْيُ الْوَلَدِ فَهُوَ عَلَى دِينِ السَّابِي الْمُسْلِمِ وَسَبْيُ أَصْلِهِ بَعْدُ لَا يُغَيِّرُهُ عَمَّا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَصْلِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: لَا يُتْبَعُ السَّابِي فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ) أَيْ تَبَعًا لِلدَّارِ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِلذِّمِّيِّ فَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الذِّمِّيِّ إذَا كَانَ قَاطِنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ عَلَى دِينِهِ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ قَاطِنًا بِبِلَادِنَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ كَوْنَهُ) أَيْ الذِّمِّيِّ السَّابِي إلَخْ. قَوْلُهُ: (مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَلَا نَسَبُهُ) كَاللَّقْطِ أَيْ وَهَذَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَنَسَبُهُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ لِكَافِرٍ. قَوْلُهُ: (كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ) وَلَوْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) أَيْ بِأَنْ يَسْكُنَهَا الْمُسْلِمُونَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ أَوْ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ وَأَقَرُّوهَا بِيَدِ الْكُفَّارِ أَوْ كَانُوا يَسْكُنُونَهَا ثُمَّ جَلَاهُمْ الْكُفَّارُ عَنْهَا شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَمَا أُلْحِقَ بِهَا) وَهِيَ دَارُ الْكُفَّارِ الَّتِي بِهَا مُسْلِمٌ كَتَاجِرٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ بِدَارِ كُفْرٍ بِهِ مُسْلِمٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ) غَايَةٌ أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ مُسْلِمَةٍ بِشُبْهَةٍ. قَوْلُهُ: (بِلَا بَيِّنَةٍ بِنَسَبِهِ) فَيَلْحَقُهُ وَلَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ مَحَلُّ كَوْنِهِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ لَهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ اللَّقِيطُ مُسْلِمٌ إنْ وُجِدَ إلَخْ. فَسَرَى لِلشَّارِحِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (بِدَارِ كُفْرٍ) أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 أَسِيرًا مُنْتَشِرًا أَوْ تَاجِرًا أَوْ مُجْتَازًا تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ. وَلِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَلَا يُغَيَّرُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الِاسْتِلْحَاقِ وَلَكِنْ لَا يَكْفِي اجْتِيَازُهُ بِدَارِ كُفْرٍ. بِخِلَافِهِ بِدَارِنَا لِحُرْمَتِهَا وَلَوْ نَفَاهُ مُسْلِمٌ. قُبِلَ فِي نَفْيِ نَسَبه لَا نَفْيِ إسْلَامِهِ أَمَّا إذَا اسْتَلْحَقَهُ الْكَافِرُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ بِمَحَلٍّ مَنْسُوبٍ لِلْكُفَّارِ لَيْسَ بِهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ كَافِرٌ. تَنْبِيهٌ اقْتِصَارُهُ كَغَيْرِهِ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونَ وَهُمَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُمَا اتِّفَاقًا وَلِأَنَّ نُطْقَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ إمَّا خَبَرٌ وَإِمَّا إنْشَاءٌ، فَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً فَهُوَ كَعُقُودِهِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَأَمَّا إسْلَامُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِهِ فَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ بَالِغًا حِينَ أَسْلَمَ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقِيلَ: إنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ: بِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا صَارَتْ مُعَلَّقَةً بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا نِيطَتْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ عَامَ الْخَنْدَقِ، فَقَدْ تَكُونُ مَنُوطَةً قَبْلَ ذَلِكَ بِسِنِّ التَّمْيِيزِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ وَعَلَى هَذَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ لِئَلَّا يَفْتِنَانِهِ. وَهَذِهِ الْحَيْلُولَةُ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، فَيَتَلَطَّفُ بِوَالِدَيْهِ لِيُؤْخَذَ مِنْهُمَا فَإِنْ أَبَيَا فَلَا حَيْلُولَةَ. تَتِمَّةٌ فِي أَطْفَالِ الْكُفَّارِ: إذَا مَاتُوا وَلَمْ يَتَلَفَّظُوا بِالْإِسْلَامِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ لِأَنَّ كُلَّ   [حاشية البجيرمي] بِالْأَصَالَةِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ دَارَ إسْلَامٍ وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهَا الْكُفَّارُ الْآنَ. فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حُرْمَةً لَهَا ع ش. قَوْلُهُ: (بِهِ مُسْلِمٌ) أَيْ بِالْمَحَلِّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ دَارَ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارَ الْكُفْرِ. كَمَا فِي الْمَحَلِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (مُنْتَشِرًا) أَيْ غَيْرَ مَحْبُوسٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُجْتَازًا) لَمَّا كَانَ شَامِلًا لِاجْتِيَازِهِ بِدَارِ الْكُفْرِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ. مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي اجْتِيَازُهُ بِدَارِ الْكُفْرِ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَلَكِنْ لَا يَكْفِي إلَخْ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَوْ مُجْتَازًا أَيْ بِدَارِنَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ وَحِينَئِذٍ فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ مَعَ إيهَامِهِ خِلَافَ الْمُرَادِ. قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَلَوْ بِدَارِ كُفْرٍ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ كَافِرٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لَا يَكْفِي اجْتِيَازُهُ) أَيْ مُرُورُ الْمُسْلِمِ بِدَارِ كُفْرٍ أَيْ بِالْأَصَالَةِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ دَارَ إسْلَامٍ اسْتَوْلَتْ عَلَيْهَا الْكُفَّارُ الْآنَ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حُرْمَةً لَهَا ع ش. وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ: فِيمَا سَبَقَ آنِفًا وَلَوْ مُجْتَازًا لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِهِ بِدَارِنَا) فِيهِ أَنَّ اجْتِيَازَهُ بِدَارِنَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِوُجُودِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا خَرِبَتْ بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ إنَّهُ مَرَّ بِهَا مُسْلِمٌ وَوُجِدَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَقِيطٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَفَاهُ مُسْلِمٌ) لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ نَفَاهُ الْمُسْلِمُ أَيْ الْمُتَقَدِّمُ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَوَهَّمُ. قَوْلُهُ: (الْمَذْكُورَةِ) وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ: وَيُحْكَمُ لِلصَّبِيِّ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَ وُجُودِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ الصَّغِيرِ) أَيْ إذَا أَسْلَمَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَيْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَأَجَابَ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ) أَيْ عَنْ إسْلَامِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا نِيطَتْ) أَيْ عَلِقَتْ. قَوْلُهُ: (فَقَدْ تَكُونُ) الْمُنَاسِبُ فَقَدْ كَانَتْ عِبَارَةُ م ر. فَقَدْ كَانَتْ مَنُوطَةً إلَخْ وَهِيَ أَوْلَى. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُضَارِعِ الْمَاضِيَ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَالْقِيَاسِ) أَيْ قِيَاسِ صِحَّةِ إسْلَامِ الْمُمَيِّزِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِ مَثَلًا لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ: (لَا يَتَنَفَّلُ) بِالْفَاءِ أَيْ لَا يَقَعُ نَفْلًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ يَصِحُّ إسْلَامُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَفْتِنَانِهِ) صَوَابُهُ لِئَلَّا يَفْتِنَاهُ بِحَذْفِ نُونِ الرَّفْعِ لِلنَّصْبِ. قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) تَقَدَّمَ مَا فِي هَذِهِ التَّتِمَّةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَفِي فَصْلِ الرِّدَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَلَفَّظُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا، فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْآخِرَةِ لِمَا مَرَّ. فَصْلٌ: فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَهِيَ لُغَةً الرِّبْحُ وَشَرْعًا مَالٌ أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهِ كَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ حَصَلَ لَنَا مِنْ كُفَّارٍ أَصْلِيِّينَ حَرْبِيِّينَ مِمَّا هُوَ لَهُمْ بِقِتَالٍ مِنَّا وَإِيجَافِ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ فِي الْقِتَالِ أَوْ قَبْلَ شَهْرِ السِّلَاحِ حِينَ الْتَقَى الصَّفَّانِ وَمِنْ الْغَنِيمَةِ مَا أُخِذَ مِنْ دَارِهِمْ سَرِقَةً أَوْ اخْتِلَاسًا أَوْ لُقَطَةً أَوْ مَا أَهْدَوْهُ لَنَا أَوْ صَالَحُونَا عَلَيْهِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ   [حاشية البجيرمي] بِالْإِسْلَامِ) أَمَّا مَنْ تَلَفَّظَ بِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ بِالنِّسْبَةِ لِأَحْكَامِ الدُّنْيَا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) عِبَارَةُ الْخَصَائِصِ وَشَرْحُهَا لِلْمُنَاوِيِّ وَأَطْفَالُهُمْ أَيْ الْمُؤْمِنِينَ كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ وَمُرَادُهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ: إجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ، رَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَطْفَالُ الْمُؤْمِنِينَ فِي جَبَلٍ فِي الْجَنَّةِ يَكْفُلُهُمْ إبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ إلَى آبَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي أَرْوَاحَ أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ وَذَرَارِيِّهِمْ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ، يَحْضُنُهُمْ وَيَقُومُ بِمَصَالِحِهِمْ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَزَوْجَتُهُ سَارَةُ وَنِعْمَ الْوَالِدَانِ الْكَافِلَانِ وَهَنِيئًا مَرِيئًا لِوَلَدٍ فَارَقَ أَبَوَيْهِ وَأَمْسَى عِنْدَهُمَا. وَلَا يَزَالُونَ فِي كَفَالَتِهِ حَتَّى يَرُدَّهُمْ أَيْ إبْرَاهِيمُ إلَى آبَائِهِمْ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُرَدُّ وَلَدُ الزِّنَا إلَى أُمِّهِ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ كَفَالَةِ إبْرَاهِيمَ لَهُمْ مَا فِي خَبَرٍ آخَرَ مِنْ كَفَالَةِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِي كَفَالَتِهِ وَطَائِفَةً فِي كَفَالَةِ غَيْرِهِ فَلَا تَدَافُعَ كَمَا بَيَّنَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ وَرُوِيَ «إنَّ أَرْوَاحَ ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ فِي أَجْوَافِ عَصَافِيرَ خُضْرٍ تَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ» وَوَرَدَ فِي حَدِيثٍ «إنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً مِنْ خِيَارِ الشَّجَرِ لَهَا ضُرُوعٌ كَضُرُوعِ الْبَقَرِ وَإِنَّ مِنْ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ يَرْضَعُونَ يَرْضَعُونَ مِنْهَا» وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ «إنَّ السِّقْطَ يَكُونُ فِي نَهْرٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَتَقَلَّبُ فِيهِ حَتَّى تَقُومَ الْقِيَامَةُ» اهـ. [فَصْلٌ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ] ِ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْإِمَامِ وَذَكَرَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَعَ الْفَيْءِ عَقِبَ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْمَالَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ إلَّا لِنَفْعِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا كَانَ تَحْتَ يَدِ الْكُفَّارِ قَبْلَ كَوْنِهِ غَنِيمَةً أَوْ فَيْئًا فَكَأَنَّهُ وَدِيعَةٌ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَسَبِيلُهُ الرَّدُّ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالْغَنِيمَةُ أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ ثُمَّ بَعْدَهَا الزِّرَاعَةُ ثُمَّ بَعْدَهَا الصِّنَاعَةُ ثُمَّ بَعْدَهَا التِّجَارَةُ «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لَكِنَّ الشِّرَاءَ بَعْدَ الْبِعْثَةِ أَغْلَبُ وَأُهْدَى لَهُ وَوَهَبَ وَوُهِبَ لَهُ وَاسْتَعَارَ وَاقْتَرَضَ» . وَكَانَ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَرَّاعًا وَأَوَّلُ صَنْعَةٍ عُمِلَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ الْحَرْثُ. وَأَوَّلُ مَنْ حَرَثَ آدَم وَكَانَ إدْرِيسُ خَيَّاطًا وَكَانَ نُوحٌ نَجَّارًا وَكَانَ إبْرَاهِيمُ بَزَّازًا أَيْ يَبِيعُ أَنْوَاعَ الْمَلْبُوسِ وَكَانَ مُوسَى أَجِيرَ شُعَيْبٍ وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَّجِرُونَ وَيَعْمَلُونَ فِي نَخْلِهِمْ، وَغَنِيمَةٌ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَلَوْ قَالَ فِي الْغَنِيمَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الرَّضْخِ وَالنَّفَلِ وَبَيَانِ التَّخْمِيسِ لَكَانَ أَوْلَى، وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِنَبِيٍّ قَبْلِي» وَفِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ «وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ كُلُّهَا وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِي أَيْ مَنْ أُمِرَ بِالْجِهَادِ مِنْهُمْ يُحَرِّمُونَهَا أَيْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَهَا فَتَأْتِي نَارٌ فَتُحْرِقُهَا» أَيْ مَا عَدَا الْحَيَوَانَاتِ مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالْأَمْوَالِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَاتِ تَكُونُ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَنْبِيَاءِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «وَأَطْعَمْتُ أُمَّتَك الْفَيْءَ وَلَمْ أُحِلَّهُ لِأُمَّةٍ قَبْلَهَا» فَالْمُرَادُ بِالْفَيْءِ مَا يَعُمُّ الْغَنِيمَةَ كَمَا أَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِالْغَنِيمَةِ مَا يَعُمُّ الْفَيْءَ فِيهِمَا كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِين إذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا وَإِذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا. قَوْلُهُ: (حَصَلَ لَنَا) جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقُيُودِ سِتَّةٌ أَوَّلُهَا قَوْلُهُ: لَنَا وَآخِرُهَا قَوْلُهُ: مِنَّا. قَوْلُهُ: (وَإِيجَافِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ إسْرَاعٌ هُوَ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ وَقَوْلُهُ: أَوْ رِكَابٍ أَيْ إبِلٍ: وَقَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَرِجَالٍ وَسُفُنٍ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْغَنِيمَةِ) اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ قِتَالٍ وَلَا قِتَالَ هُنَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 مَا حَصَّلَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِقِتَالٍ فَالنَّصُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُمْ وَمَا أُخِذَ مِنْ تَرِكَةِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ فَيْءٌ لَا غَنِيمَةٌ وَمَا أُخِذَ مِنْ ذِمِّيٍّ كَجِزْيَةٍ فَإِنَّهُ فَيْءٌ أَيْضًا وَلَوْ أَخَذْنَا مِنْ الْحَرْبِيِّينَ مَا أَخَذُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ نَحْوِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ نَمْلِكْهُ وَلَوْ غَنَمَ ذِمِّيٌّ وَمُسْلِمٌ غَنِيمَةً فَهَلْ يُخَمَّسُ الْجَمِيعُ أَوْ نَصِيبُ الْمُسْلِمِ فَقَطْ؟ . وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمَّا كَانَ يُقَدِّمُ مِنْ أَصْلِ مَالِ الْغَنِيمَةِ الصُّلْبَ بَدَأَ بِهِ فَقَالَ وَمَنْ أَيْ إذَا قَتَلَ الْمُسْلِمُ سَوَاءٌ أَكَانَ حُرًّا أَمْ لَا ذَكَرًا أَمْ لَا بَالِغًا أَمْ لَا فَارِسًا أَمْ لَا قَتِيلًا أُعْطِيَ سَلَبَهُ سَوَاءٌ أَشَرَطَهُ لَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَتَلَ يَوْمَ خَيْبَرَ عِشْرِينَ قَتِيلًا وَأَخَذَ سَلَبَهُمْ تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ سَوَاءٌ أَحَضَرَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَمْ لَا وَالْمُخَذِّلُ وَالْمُرْجِفُ وَالْخَائِنُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَا سَهْمَ لَهُ وَلَا رَضْخَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَأَطْلَقُوا اسْتِحْقَاقَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ السَّلَبَ وَيَجِبُ تَقَيُّدُهُ بِكَوْنِهِ لِمُسْلِمٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَقْتُولِ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْ قَتْلِهِ فَلَوْ قَتَلَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَمْ يُقَاتِلَا فَلَا سَلَبَ لَهُ فَإِنْ قَاتَلَا اسْتَحَقَّهُ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ أَعْرَضَ مُسْتَحِقُّ السَّلَبِ عَنْهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْقَاتِلُ السَّلَبَ بِرُكُوبِ غَرَرٍ يَكْفِي بِهِ شَرَّ كَافِرٍ فِي حَالِ الْحَرْبِ وَكِفَايَةُ شَرِّهِ أَنْ يُزِيلَ امْتِنَاعَهُ كَأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ   [حاشية البجيرمي] وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا خَاطَرَ بِنَفْسِهِ. وَدَخَلَ دَارَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ نَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْقِتَالِ وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ وَلَا يَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ مَا هَرَبُوا عَنْهُ عِنْدَ الِالْتِقَاءِ وَقَبْلَ شَهْرِ السِّلَاحِ وَمَا صَالَحُونَا بِهِ أَوْ أَهْدَوْهُ لَنَا عِنْدَ الْقِتَالِ فَإِنَّ الْقِتَالَ لَمَّا قَرُبَ وَصَارَ كَالْمُتَحَقِّقِ الْمَوْجُودِ صَارَ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ هُنَا بِطَرِيقِ الْقُوَّةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لُقَطَةً) أَيْ إذَا ظَنَّ أَنَّهَا لَهُمْ فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهَا لِمُسْلِمٍ وَجَبَ تَعْرِيفُهَا سَنَةً أَوْ دُونَهَا كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحِ م ر أج. قَوْلُهُ: (وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَهِيَ رَاجِعَةٌ لِلْأَمْرَيْنِ قَبْلَهَا أَعْنِي الْإِهْدَاءَ وَالصُّلْحَ فَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ لَمْ تَكُنْ الْحَرْبُ قَائِمَةً فَفِي الْإِهْدَاءِ يَكُونُ لِلْمُهْدَى إلَيْهِ وَفِي صُورَةِ الصُّلْحِ يَكُونُ فَيْئًا فَالْمَفْهُومُ فِيهِ تَفْصِيلٌ. قَوْلُهُ: (خَرَجَ بِمَا ذُكِرَ) شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ الْقُيُودِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهِ) كَمُسْتَأْمَنٍ وَقَوْلُهُ: لَمْ نَمْلِكْهُ بَلْ هُوَ لِمَالِكِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) أَيْ وَيَسْتَقِلُّ الذِّمِّيُّ بِنَصِيبِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَتَلَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَهُوَ إزْهَاقُ الرُّوحِ وَمَجَازِهِ وَهُوَ إبْطَالُ الْمَنَعَةِ مِنْ غَيْرِ الْقَتْلِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ وَهُوَ إبْطَالُ الْمَنَعَةِ مَجَازًا مُرْسَلًا وَيَكُونُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِيِّ بِالْحُكْمِ. قَوْلُهُ: (أَيْ إذَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَنْ شَرْطِيَّةٌ وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ ذَلِكَ وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: أَيْ إذَا: إنْ جُعِلَ إذَا تَفْسِيرٌ لِمَنْ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَنْ مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَاقِعٌ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِذَا ظَرْفٌ أَوْ حَرْفٌ وَإِنْ جُعِلَ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا أَيْ غَيْرَ تَفْسِيرٍ لِمَنْ لَمْ يَصِحَّ دُخُولُ أَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ عَلَيْهِ. وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَتَلَ شَرْطَهُ وَيَكُونَ مِنْ حَذْفِ الْفَاعِلِ وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أُعْطِيَ جَوَابَهُ وَتَصِيرَ مَنْ لَا خَبَرَ لَهَا وَخَالِيَةً عَنْ الصِّلَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: أَيْ إذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَنْ شَرْطِيَّةٌ لَا مَوْصُولَةٌ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّفْسِيرِ فِي شَيْءٍ. قَوْلُهُ: (قَتِيلًا) أَيْ شَخْصًا يَئُولُ أَمْرُهُ أَنْ يَكُونَ قَتِيلًا فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْقَتِيلَ لَا يُقْتَلُ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فَصَارَ حَدِيثًا فَإِنَّ الْحَدِيثَ مَا أُضِيفَ إلَى النَّبِيِّ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ عَزْمًا أَوْ هَمًّا أَوْ سُكُونًا أَوْ تَقْرِيرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الذِّمِّيُّ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِظَاهِرِ الْمَتْنِ أَمَّا بِالنَّظَرِ لِتَقْيِيدِ الشَّارِحِ بِالْمُسْلِمِ فَكَانَ يَقُولُ: وَخَرَجَ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ شُرُوطَ أَخْذِ السَّلَبِ ثَلَاثَةٌ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَأَنْ يَرْتَكِبَ غَرَرًا وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَنْهِيًّا عَنْ قَتْلِهِ. قَوْلُهُ: (الْمُخَذِّلُ) وَهُوَ مَنْ يَحُثُّ النَّاسَ عَلَى عَدَمِ الْقِتَالِ وَالْمُرْجِفُ هُوَ الْمَخُوفُ لَهُمْ وَقِيلَ الْمُرْجِفُ مُكْثِرُ الْأَرَاجِيفِ وَأَمَّا الْمُخَذِّلُ فَيَصْدُقُ بِالْإِرْجَافِ مَرَّةً. قَوْلُهُ: (وَالْخَائِنُ) أَيْ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: الْمُخَذِّلُ مَنْ يُخَوِّفُ النَّاسَ كَأَنْ يَقُولَ: عَدُوُّنَا كَثِيرٌ وَخُيُولُنَا ضَعِيفَةٌ وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ وَالْمُرْجِفُ مَنْ يُكْثِرُ الْأَرَاجِيفَ كَأَنْ يَقُولَ: قُتِلَتْ سَرِيَّةُ كَذَا وَلَحِقَهُمْ مَدَدٌ لِلْعَدُوِّ مِنْ جِهَةِ كَذَا وَالْخَائِنُ مَنْ يَتَجَسَّسُ بِهِمْ وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُمْ) كَالْمُرْتَدِّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَهُ) بِالنَّصِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَكَذَا لَوْ أَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدًا وَرِجْلًا فَلَوْ رَمَى مِنْ حِصْنٍ أَوْ مِنْ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ أَوْ قَتَلَ كَافِرًا نَائِمًا أَوْ أَسِيرًا أَوْ قَتَلَهُ وَقَدْ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ فَلَا سَلَبَ لَهُ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْخَطَرِ وَالتَّغْرِيرِ بِالنَّفْسِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هَاهُنَا. وَالسَّلَبُ ثِيَابُ الْقَتِيلِ الَّتِي عَلَيْهِ وَالْخُفُّ وَآلَةُ الْحَرْبِ كَدِرْعٍ وَسِلَاحٍ وَمَرْكُوبٍ وَآلَتُهُ نَحْوُ سَرْجٍ وَلِجَامٍ وَكَذَا سِوَارٌ وَمِنْطَقَةٌ وَخَاتَمٌ وَنَفَقَةٌ مَعَهُ وَكَذَا جَنِيبَةٌ تُقَادُ مَعَهُ فِي الْأَظْهَرِ لَا حَقِيبَةٌ وَهِيَ وِعَاءٌ يُجْمَعُ فِيهِ الْمَتَاعُ وَيُجْعَلُ عَلَى حَقْوِ الْبَعِيرِ مَشْدُودَةٌ عَلَى الْفَرَسِ فَلَا يَأْخُذُهَا وَلَا مَا فِيهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْأَمْتِعَةِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتْ مِنْ لِبَاسِهِ وَلَا مِنْ حِلْيَتِهِ وَلَا مِنْ حِلْيَةِ فَرَسِهِ. وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهِ لِلْقَاتِلِ وَبَعْدَ السَّلَبِ تَخْرُجُ مُؤْنَةُ الْحِفْظِ، وَالنَّقْلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُؤَنِ اللَّازِمَةِ كَأُجْرَةِ جَمَّالٍ وَرَاعٍ. (وَتُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ) وُجُوبًا (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ إعْطَاءِ السَّلَبِ وَإِخْرَاجِ الْمُؤَنِ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ مُتَسَاوِيَةٍ. (فَيُعْطَى أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا) مِنْ عَقَارٍ وَمَنْقُولٍ (لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ) بِنِيَّةِ الْقِتَالِ، وَهُمْ   [حاشية البجيرمي] كَالْإِرْثِ فَلَا يَصِحُّ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (بِرُكُوبِ غَرَرٍ) الْمُرَادُ أَنْ يَرْتَكِبَ الْمُخَاطَرَةَ بِنَفْسِهِ وَخَرَجَ بِهِ قَوْلُهُ: فَلَوْ رَمَى مِنْ حِصْنٍ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُزِيلَ امْتِنَاعَهُ) أَيْ قُوَّتَهُ بِأَنْ يُزِيلَ قُوَّتَهُ فَهَذَا يُشْبِهُ الْقَتْلَ أَوْ لَازِمٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَفْقَأَ) الْمُرَادُ بِفَقْئِهِمَا إزَالَةُ ضَوْئِهِمَا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: كَأَنْ يُعْمِيَهُ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ بِعَيْنٍ. قَوْلُهُ: (يَدًا وَرِجْلًا) فَلَوْ قَطَعَ يَدًا وَالْآخَرُ رِجْلًا بَعْدَهُ، فَهَلْ يَكُونُ السَّلَبُ لَهُمَا أَوْ لِلثَّانِي فَقَطْ؟ فِيهِ نَظَرٌ قَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ يَكُونُ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَزَالَ مَنَعَتَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَا مَعًا فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ وَكَذَا لَوْ أَسَرَهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ رَمَى إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: بِرُكُوبِ غَرَرٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُخَاطَرَةُ بِنَفْسِهِ وَارْتِكَابُ الْمَشَقَّةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ حِصْنٍ) أَيْ وَهُوَ فِي حِصْنٍ أَيْ فَلَوْ رَمَى الْكَافِرَ وَالْحَالُ أَنَّ الرَّامِيَ فِي حِصْنٍ أَوْ فِي صَفِّ الْمُسْلِمِينَ فَلَا سَلَبَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ الْغَرَرَ بِهُجُومِهِ عَلَى الْكَافِرِ وَإِزَالَةِ مَنَعَتِهِ. قَوْلُهُ: (الَّتِي عَلَيْهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ لِأَنَّ مِثْلَهَا الثِّيَابُ الَّتِي خَلَعَهَا وَقَاتَلَ عُرْيَانًا فِي بَحْرٍ أَوْ نَحْوِهِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا سِوَارٌ) بِأَنْ كَانَ الْقَاتِلُ امْرَأَةً كَمَا قَالَهُ الْمَيْدَانِيُّ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَرْبِيِّ وَالصَّوَابُ أَنْ يُصَوِّرَ بِمَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ امْرَأَةً مِنْ الْحَرْبِيِّينَ بِأَنْ كَانَتْ تُقَاتِلُ. قَوْلُهُ: (جَنِيبَةٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْجَنِيبَةُ فَرَسٌ تُقَادُ وَلَا تُرْكَبُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ يُقَالُ جَنَّبْته أُجَنِّبُهُ مِنْ بَابِ قَتَلَ إذَا قُدْته إلَى جَنْبِك. قَوْلُهُ: (لَا حَقِيبَةٌ) وَلَا وَلَدُ مَرْكُوبِهِ التَّابِعُ لَهُ سم. وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ الْحَقِيبَةُ الْعَجِيزَةُ وَهِيَ مُؤَخَّرُ الرَّحْلِ ثُمَّ سُمِّيَ مَا يُحْمَلُ فِي الْخُرْجِ مَثَلًا خَلْفَ الرَّاكِبِ حَقِيبَةً مَجَازًا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَجُزِ ثُمَّ اُشْتُهِرَ وَصَارَ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً فِيهِ. قَوْلُهُ: (قَوْلُهُ وَهِيَ وِعَاءٌ) إلَى قَوْلِهِ عَلَى حَقْوِ الْبَعِيرِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الصِّفَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: مَشْدُودَةٌ وَالْمَوْصُوفُ وَهُوَ حَقِيبَةٌ لِبَيَانِ أَصْلِ مَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (حَقْوِ الْبَعِيرِ) أَيْ عَجُزِهِ. قَوْلُهُ: (مَشْدُودَةٌ عَلَى الْفَرَسِ) فَاسْتِعْمَالُهَا فِيهَا مَجَازٌ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ أَصْلَهَا الْمَشْدُودَةُ عَلَى حَقْوِ الْبَعِيرِ أَيْ عَجُزِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيبَةِ سِلَاحٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْقِتَالِ اسْتَحَقَّهُ الْقَاتِلُ بِخِلَافِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ) هَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَلَكِنْ ذَكَرَهُ لِيَحْكِيَ الْخِلَافَ فِيهِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يُخَمَّسُ فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْقَاتِلِ وَخَمْسَةٌ لِأَهْلِ الْفَيْءِ. قَوْلُهُ: (خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: خَمْسَةَ أَقْسَامٍ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: وَتُقْسَمُ إلَّا أَنَّ الْمَآلَ وَاحِدٌ وَجَعَلَ م ر قَوْلَهُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ مَفْعُولًا لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَتُجْعَلُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ وَعِبَارَتُهُ فَتُجْعَلُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ مُتَسَاوِيَةً وَيُكْتَبُ عَلَى كُلِّ رُقْعَةٍ لِلَّهِ أَوْ لِلْمَصَالِحِ وَعَلَى أَرْبَعَةٍ لِلْغَانِمِينَ وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ وَيَخْرُجُ فَمَا خَرَجَ لِلَّهِ جَعَلَ خُمُسَهُ لِلْخَمْسَةِ السَّابِقِينَ فِي الْفَيْءِ. قَوْلُهُ: (فَيُعْطَى أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا) وَهَذَا مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ وَكَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً لِأَنَّهُ كَالْمُقَاتِلِينَ كُلِّهِمْ نُصْرَةً وَكَانَ يَأْخُذُ مَعَ ذَلِكَ خُمُسَ الْخُمُسِ فَجُمْلَةُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ لَكِنْ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. بَلْ كَانَ يَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ عَلَى الْغَانِمِينَ تَأْلِيفًا لَهُمْ وَأَمَّا خُمُسُ الْخُمُسِ فَكَانَ يَصْرِفُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا فَضَلَ يَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَفْضَلُ قِسْمَتُهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَلْ تَجِبُ إنْ طَلَبُوهَا وَلَوْ بِلِسَانِ الْحَالِ وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ مَنْ غَنِمَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَمَا نُقِلَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ لَمْ يَثْبُتْ وَبِفَرْضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 الْغَانِمُونَ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَعَمَلًا بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَرْضِ خَيْبَرَ سَوَاءٌ أَقَاتَلَ مَنْ حَضَرَ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ مَعَ الْجَيْشِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَهَيُّؤُهُ لِلْجِهَادِ وَحُصُولُهُ هُنَاكَ. فَإِنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ بَاعِثَةٌ عَلَى الْقِتَالِ. وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ فِي الْغَالِبِ إلَّا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ مَعَ تَكْثِيرِهِ سَوَادَ الْمُسْلِمِينَ. وَكَذَا مَنْ حَضَرَ لَا بِنِيَّةِ الْقِتَالِ وَقَاتَلَ فِي الْأَظْهَرِ فَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ أَوْ حَضَرَ لَا بِنِيَّةِ الْقِتَالِ وَلَمْ يُقَاتِلْ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ: الْأُولَى مَا لَوْ بَعَثَ الْإِمَامُ جَاسُوسًا فَغَنِمَ الْجَيْشُ قَبْلَ رُجُوعِهِ، فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُمْ فِي الْأَصَحِّ. الثَّانِيَةُ لَوْ طَلَبَ الْإِمَامُ بَعْضَ الْعَسْكَرِ لِيَحْرُسَ مِنْ هُجُومِ الْعَدُوِّ وَأَفْرَدَ مِنْ الْجَيْشِ كَمِينًا، فَإِنَّهُ يُسْهِمُ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا الْوَقْعَةَ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِهِمْ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. الثَّالِثَةُ لَوْ دَخَلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دَارَ الْحَرْبِ فَبَعَثَ سَرِيَّةً نَاحِيَةً فَغَنِمَتْ شَارَكَهَا جَيْشُ الْإِمَامِ، وَبِالْعَكْسِ لِاسْتِظْهَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَلَوْ بَعَثَ سَرِيَّتَيْنِ إلَى جِهَةٍ اشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِيمَا تَغْنَمُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَكَذَا لَوْ بَعَثَهُمَا إلَى جِهَتَيْنِ وَإِنْ تَبَاعَدَتَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَا شَيْءَ لِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْمَالِ. وَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْمَالِ فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَلَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْقِتَالِ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فَلَا يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ وَنَصَّ فِي مَوْتِ الْفَرَسِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَيْهَا وَالْأَصَحُّ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ لِأَنَّ الْفَارِسَ مَتْبُوعٌ. فَإِذَا مَاتَ فَاتَ الْأَصْلُ وَالْفَرَسُ تَابِعٌ فَإِذَا مَاتَ جَازَ أَنْ يَبْقَى سَهْمُهُ لِلْمَتْبُوعِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْأَجِيرَ الَّذِي وَرَدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لَا لِجِهَادٍ بَلْ لِسِيَاسَةِ دَوَابَّ وَحِفْظِ أَمْتِعَةٍ وَنَحْوِهَا. وَالتَّاجِرُ وَالْمُحْتَرِفُ كَالْخَيَّاطِ وَالْبَقَّالِ يُسْهَمُ لَهُمْ إذَا قَاتَلُوا لِشُهُودِهِمْ   [حاشية البجيرمي] ثُبُوتِهِ فَالْغَنِيمَةُ كَانَتْ لَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِمَا يَرَاهُ. اهـ. قِ ل. قَوْلُهُ: (لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ) أَيْ وَلَوْ فِي الْأَثْنَاءِ اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ مِنْ عَقَارٍ وَمَنْقُولٍ أَيْ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ فِيمَا غَنِمَ فَيَشْمَلُ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ عِلَّةً لِلتَّعْمِيمِ فِي الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ مَعَ الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ وَعَمَلًا بِفِعْلِهِ أَيْ مِنْ إعْطَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَلَوْ قَالَ لِلْآيَةِ لِتَكُونَ الْآيَةُ أَيْضًا عِلَّةً لِلْمَتْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا إلَّا الْخُمُسُ فَكَانَ الْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ مِنْ حَيْثُ إسْنَادُ الْغَنِيمَةِ لَهُمْ لَكَانَ أَظْهَرَ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (سَوَادُ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (كَمِينًا) وَالْكَمِينُ النَّاسُ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ مَحَلًّا مُنْخَفِضًا يَتَوَارَوْنَ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِهِمْ الْعَدُوُّ ثُمَّ يَنْهَضُونَ عَلَى الْعَدُوِّ فِي غَفْلَةٍ. قَوْلُهُ: (وَبِالْعَكْسِ) أَيْ وَتُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَهُ. قَوْلُهُ: (لِاسْتِظْهَارٍ) أَيْ تَقَوٍّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي صُورَةِ تَقَارُبِهِمَا اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعَثَ سَرِيَّتَيْنِ) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ السَّرِيَّةَ هُنَاكَ تُشَارِكُ الْجَيْشَ وَهُنَا تُشَارِكُ الْأُخْرَى وَالسَّرِيَّةُ غَايَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى ثَمَانِ مِائَةٍ يُقَالُ لَهُ مَنْسِرٌ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ يُقَالُ لَهُ جَحْفَلٌ. وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ خَمِيسٌ وَسُمِّيَ خَمِيسًا لِأَنَّ لَهُ أَمَامًا وَخَلْفًا وَيَمِينًا وَيَسَارًا وَقَلْبًا وَأَمَّا الْبَعْثُ فَهُوَ فِرْقَةٌ مِنْ السَّرِيَّةِ وَأَمَّا الْكَتِيبَةُ فَهُوَ الْمُجْتَمَعُ الَّذِي لَمْ يَنْتَشِرْ. قَوْلُهُ: (فَحَقُّهُ) أَيْ حَقُّ تَمَلُّكِهِ لِوَارِثِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ التَّمَلُّكِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَا مِلْكَ إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ فَكَمَا أَنَّ الْمُوَرِّثَ لَهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِي ذَلِكَ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَنُصَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَقَوْلُهُ حِينَئِذٍ أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْقِتَالِ وَقَوْلُهُ: يَسْتَحِقُّ سَهْمَيْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ: وَالْأَصَحُّ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ إلَخْ م د. قَوْلُهُ: (تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ) أَيْ إبْقَاؤُهُمَا عَلَى حَالِهِمَا وَالْأَخْذُ بِهِمَا يَعْنِي أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلًا مَنْصُوصًا وَقَوْلًا مُخْرَجًا مِنْ إحْدَاهُمَا لِلْأُخْرَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُخْرَجِ فِيهِمَا لِعِلْمِهِ مِنْ الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْفَارِسَ) الْأَوْلَى لِأَنَّ الرَّجُلَ. قَوْلُهُ: (جَازَ أَنْ يَبْقَى) هَذَا لَا يُنْتِجُ الِاسْتِحْقَاقَ. قَوْلُهُ: (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْأَجِيرَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَجِيرَ لَا يُسْهَمُ لَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُقَاتِلَ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ تَرِدَ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِ وَإِلَّا أُعْطِيَ مُطْلَقًا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ حَيْثُ حَضَرَ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ وَأَنْ تَكُونَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَإِلَّا أُعْطِيَ مُطْلَقًا أَيْضًا وَأَنْ لَا تَكُونَ لِلْجِهَادِ وَإِلَّا لَمْ يُعْطَ شَيْئًا أَيْ لَا أُجْرَةً وَلَا سَهْمًا وَلَا رَضْخًا وَلَا سَلَبًا اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (كَالْخَيَّاطِ) أَيْ الَّذِي يُخَيِّطُ لَهُمْ وَقَوْلُهُ: وَالْبَقَّالِ وَالنَّعَّالِ أَيْ الَّذِي يَعْمَلُ لَهُمْ النِّعَالَ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ: الْمُحْتَرِفُ وَالْبَقَّالُ هُوَ الَّذِي يَبِيعُ الْبُقُولَ وَهِيَ خَضْرَاوَاتُ الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: (يُسْهَمُ لَهُمْ) أَيْ مَعَ الْأُجْرَةِ إنْ فَعَلُوا الْعَمَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 الْوَقْعَةَ وَقِتَالِهِمْ، أَمَّا مَنْ وَرَدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى ذِمَّتِهِ أَوْ بِغَيْرِ مُدَّةٍ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ فَيُعْطَى وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَأَمَّا الْأَجِيرُ لِلْجِهَادِ فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِبُطْلَانِ إجَارَتِهِ لِأَنَّهُ بِحُضُورِ الصَّفِّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ السَّهْمَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ بِالْإِجَارَةِ وَلَمْ يَحْضُرْ مُجَاهِدًا وَيَدْفَعُ (لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ) لَهُ سَهْمٌ وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ لِلِاتِّبَاعِ فِيهِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَمَنْ حَضَرَ بِفَرَسٍ يَرْكَبُهُ يُسْهَمُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ رُكُوبُهُ لَا إنْ حَضَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَلَا يُسْهَمُ لَهُ وَلَا يُعْطَى إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ. وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَكْثَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعْطِ الزُّبَيْرَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ مَعَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ أَفْرَاسٌ عَرَبِيًّا كَانَ الْفَرَسُ أَوْ غَيْرَهُ كَالْبِرْذَوْنِ وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ عَجَمِيَّانِ وَالْهَجِينِ وَهُوَ مَا أَبُوهُ عَرَبِيٌّ دُونَ أُمِّهِ. وَالْمُقْرِفُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ عَكْسُهُ لِأَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ يَحْصُلُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُهُمَا كَالرِّجَالِ. وَلَا يُعْطَى لِفَرَسٍ أَعْجَفَ أَيْ مَهْزُولٍ بَيِّنِ الْهُزَالِ وَلَا مَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَالْهَرَمِ وَالْكَبِيرِ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ. وَلَا لِبَعِيرٍ وَغَيْرِهِ كَالْفِيلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحَرْبِ صَلَاحِيَةَ الْخَيْلِ لَهُ وَلَكِنْ يَرْضَخُ لَهَا وَيُفَاوِتُ بَيْنَهَا بِحَسَبِ النَّفْعِ. (وَ) يُدْفَعُ (لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَاحِدٌ) لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ يَوْمَ خَيْبَرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا يَرِدُ إعْطَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي وَقْعَةٍ سَهْمَيْنِ كَمَا صَحَّ فِي مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مِنْهُ خُصُوصِيَّةً اقْتَضَتْ ذَلِكَ. (وَلَا يُسْهَمُ) مِنْ الْغَنِيمَةِ (إلَّا لِمَنْ اُسْتُكْمِلَتْ فِيهِ خَمْسُ) بَلْ سِتُّ (شَرَائِطَ الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ) وَالصِّحَّةُ (فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ كَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالرَّقِيقِ وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَالزَّمِنِ (رَضَخَ لَهُ وَلَمْ يُسْهَمْ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ فَرْض الْجِهَادِ. وَالرَّضْخُ بِالضَّادِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ لُغَةً الْعَطَاءُ الْقَلِيلُ، وَشَرْعًا اسْمٌ لِمَا دُونَ السَّهْمِ   [حاشية البجيرمي] الْمُسْتَأْجَرَ لَهُ وَإِلَّا فَالسَّهْمُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (فَيُعْطَى) أَيْ إنْ حَضَرَ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ فِيمَا يَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (وَيَدْفَعُ) لَا يَخْفَى أَنَّ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْلَةُ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهَا وَجَعَلَ الشَّارِحُ الظَّرْفَ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ وَثَلَاثَةً نَائِبَ فَاعِلٍ بِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي كَوْنَ الْجُمْلَةِ مُسْتَأْنَفَةً غَيْرَ مُتَعَلِّقَةٍ بِمَا قَبْلَهَا وَلَيْسَ مُسْتَقِيمًا وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي: وَيُدْفَعُ لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِلْفَارِسِ) أَيْ مَنْ كَانَ مَعَهُ فَرَسٌ صَالِحٌ لِلْقِتَالِ وَإِنْ غَصَبَهُ إذَا لَمْ يَحْضُرْ مَالِكُهُ وَإِلَّا فَلِمَالِكِهِ أَوْ ضَاعَ وَقَاتَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَوْ مَاتَ أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فِي الْأَثْنَاءِ. اهـ. سم وَلَوْ حَضَرَ اثْنَانِ بِفَرَسٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَهَلْ يُعْطَى كُلٌّ مِنْهُمَا سَهْمُ فَرَسٍ أَوْ لَا يُعْطَيَانِ لَهَا شَيْئًا أَوْ يُعْطِيَانِهِ. ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ قَالَ النَّوَوِيُّ: لَعَلَّ الثَّالِثَ: أَصَحُّهُمَا وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ فَلَوْ رَكِبَاهُ فَفِيهِ وَجْهٌ رَابِعٌ قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ حَسَنٌ اخْتَارَهُ ابْنُ كَجٍّ وَهُوَ إنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ مَعَ رُكُوبِهِمَا فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَإِلَّا فَسَهْمَانِ. اهـ. م ر كَبِيرٌ عَلَى الزَّبَدِ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ رُكُوبُهُ) بِخِلَافِ الْأَعْجَفِ وَالْهَرَمِ وَمَا لَا نَفْعَ فِيهِ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ م د. قَوْلُهُ: (وَالْهَجِينُ) وَهَذِهِ صِفَاتٌ لِلْخَيْلِ وَقَدْ تَجْرِي فِي الْآدَمِيِّ أَيْضًا وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْوَرْدِيِّ: مَاتَ أَهْلُ الْفَضْلِ لَمْ يَبْقَ سِوَى ... مُقْرِفٌ أَوْ مَنْ عَلَى الْأَصْلِ اتَّكَلْ قَوْلُهُ: (وَلَا يُعْطَى لِفَرَسٍ أَعْجَفَ) حَاصِلُهُ أَنَّ الشُّرُوطَ ثَلَاثَةٌ يَجْمَعُهَا قَوْلُ الْمَنْهَجِ: وَلَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ فِيهِ نَفْعٌ. قَوْلُهُ: (رَأَى مِنْهُ خُصُوصِيَّةً) أَيْ وَالِاجْتِهَادُ فِي الْحُرُوبِ سَائِغٌ وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَى السَّهْمِ نَفْلًا، وَعِبَارَةُ السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ «وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ مُرْدِفًا سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ وَأَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ سَهْمَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ جَمِيعًا» أَيْ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ رَاجِلًا وَهَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُفَاضِلَ فِي الْغَنِيمَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَإِمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا يَجُوزُ وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (كَالْكَافِرِ) سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا أَوْ مُؤَمَّنًا وَإِذَا كَمُلَ مَنْ ذَكَرَهُ أُعْطِيَ سَهْمًا كَامِلًا، وَقَوْلُهُ: كَالْكَافِرِ أَيْ كَكُفْرِ الْكَافِرِ لِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ فِي قَدْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَحْدِيدٌ. فَيَرْجِعُ إلَى رَأْيِهِ وَيُفَاوِتُ عَلَى قَدْرِ نَفْعِ الْمُرْضَخِ لَهُ، فَيَرْجِعُ الْمُقَاتِلُ وَمَنْ قِتَالُهُ أَكْثَرُ عَلَى غَيْرِهِ وَالْفَارِسُ عَلَى الرَّاجِلِ وَالْمَرْأَةُ الَّتِي تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَسْقِي الْعَطَاشَى عَلَى الَّتِي تَحْفَظُ الرِّحَالَ بِخِلَافِ سَهْمِ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُقَاتِلُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ. وَالرَّضْخُ بِالِاجْتِهَادِ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ بِهِ سَهْمَ رَاجِلٍ وَلَوْ كَانَ الرَّضْخُ لِفَارِسٍ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسِّهَامِ فَيَنْقُصُ بِهِ مِنْ قَدْرِهَا كَالْحُكُومَةِ مَعَ الْأُرُوشِ الْمُقَدَّرَةِ وَمَحَلُّ الرَّضْخِ الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ لِأَنَّهُ سَهْمٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ يُسْتَحَقُّ بِحُضُورِ الْوَقْعَةِ إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ وَإِنَّمَا يَرْضَخُ لِذِمِّيٍّ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْكُفَّارِ حَضَرَ بِلَا أُجْرَةٍ وَكَانَ حُضُورُهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ وَبِلَا إكْرَاهٍ مِنْهُ. وَلَا أَثَرَ لِإِذْنِ الْآحَادِ فَإِنْ حَضَرَ بِأُجْرَةٍ فَلَهُ الْأُجْرَةُ وَلَا شَيْءَ لَهُ سِوَاهَا وَإِنْ حَضَرَ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ الْأَمِيرِ فَلَا رَضْخَ لَهُ بَلْ يُعَزِّرُهُ الْإِمَامُ إنْ رَآهُ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ الْإِمَامُ عَلَى الْخُرُوجِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ سَهْمٍ وَلَا رَضْخَ لِاسْتِهْلَاكِ عَمَلِهِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. (وَيَقْسِمُ الْخُمُسَ) الْخَامِسَ بَعْدَ ذَلِكَ (عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ) فَالْقِسْمَةُ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ. الْأَوَّلُ (سَهْمٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِلْآيَةِ وَلَا يَسْقُطُ بِوَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ (يُصْرَفُ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَصَالِحِ) أَيْ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُصْرَفُ مِنْهُ لِكَافِرٍ فَمِنْ الْمَصَالِحِ سَدُّ الثُّغُورِ وَشَحْنُهَا بِالْعَدَدِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَهِيَ مَوَاضِعُ الْخَوْفِ مِنْ أَطْرَافِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ الَّتِي تَلِيهَا بِلَادُ الْمُشْرِكِينَ، فَيَخَافُ أَهْلُهَا مِنْهُمْ. وَعِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْحُصُونِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ بِعُلُومٍ تَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَمُعَلِّمِي الْقُرْآنِ وَالْمُؤَذِّنِينَ لِأَنَّ بِالثُّغُورِ حِفْظَ الْمُسْلِمِينَ وَلِئَلَّا   [حاشية البجيرمي] الْكَلَامَ فِي الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: (بِالضَّادِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ) أَيْ وَبِإِهْمَالِ الثَّانِيَةِ فِي لُغَةٍ، قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ الرَّضْخُ لِفَارِسٍ) وَهَلْ يَسْتَحِقُّ فَرَسُهُ سَهْمَيْنِ كَفَرَسِ غَيْرِهِ أَوْ يُرْضَخُ لَهَا دُونَ سَهْمَيْ غَيْرِهِ؟ وَهُوَ الْأَقْرَبُ: قَوْلُهُ: (فَيَنْقُصُ بِهِ) أَيْ بِالتَّبَعِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ كَوْنِهِ تَابِعًا لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُسَاوِي الْمَتْبُوعَ. قَوْلُهُ: (حَضَرَ بِلَا أُجْرَةٍ) جُمْلَةُ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَهَا ثَلَاثَةٌ: أَنْ يَحْضُرَ بِلَا أُجْرَةٍ وَأَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُكْرَهًا. قَوْلُهُ: (فَلَهُ الْأُجْرَةُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ زَادَتْ عَلَى سَهْمِ الرَّاجِلِ ق ل. قَوْلُهُ: (بَلْ يُعَزِّرُهُ الْإِمَامُ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِمُوَالَاةِ أَهْلِ دِينِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ) وَلَوْ بَلَغَتْ سَهْمَ الرَّاجِلِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي بَابِ السِّيَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَوْ بَلَغَتْ سَهْمَ الْفَارِسِ جَازَ ذَلِكَ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ قَالَهُ الْبُرُلُّسِيُّ:. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ قِسْمَةِ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ نَدْبًا وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ قِسْمَتِهِ عَلَى قِسْمَتِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ إفْرَازِهِ عَنْهَا قَبْلَ قِسْمَتِهَا وَتَجِبُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا ق ل. قَوْلُهُ: (عَلَى خَمْسَةٍ) لَعَلَّ عَلَى زَائِدَةٌ أَوْ الْمَعْنَى وَيَقْسِمُ الْخُمُسَ تَقْسِيمًا مُشْتَمِلًا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: عَلَى خَمْسَةٍ الْأَوْلَى حَذْفُ عَلَى لِأَنَّهَا تَقْتَضِي مَقْسُومًا وَمَقْسُومًا عَلَيْهِ كَقَسَمْتُ الرَّغِيفَ عَلَى رَجُلَيْنِ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَقْسَامَ هِيَ نَفْسُ الْخُمُسِ أَوْ يُقَالُ: إنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ يُنَاسِبُهَا أَيْ تَقْسِيمًا مُشْتَمِلًا عَلَى خَمْسَةٍ أَوْ أَنَّهَا زَائِدَةٌ. قَوْلُهُ: (فَالْقِسْمَةُ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ) أَيْ بِمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْحِسَابِ لِأَنَّهَا مَخْرَجُ خُمُسِ الْخُمُسِ الْحَاصِلِ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ. وَإِلَّا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ وَلَا مَنْدُوبٍ فَيَجُوزُ جَعْلُ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي لِلْغَانِمِينَ مِنْ غَيْرِ تَخْمِيسٍ. قَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] إسْنَادُ الْغَنِيمَةِ لَهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُمْ فَلَمَّا أَخْرَجَ مِنْهَا الْخُمُسَ بَقِيَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ عَلَى مِلْكِهِمْ. قَوْلُهُ: (سَهْمٌ لِرَسُولِ اللَّهِ) وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَكِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ بَلْ كَانَ يَصْرِفُهَا عَلَى الْغَانِمِينَ بِحَسَبِ مَا أَرَادَ. قَوْلُهُ: (وَالْقَنَاطِرِ) أَيْ الْجُسُورِ وَقَوْلُهُ: وَالْحُصُونِ كَالْقِلَاعِ. قَوْلُهُ: (وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ) وَكَذَا زَوْجَاتُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ. قَوْلُهُ: (وَالْعُلَمَاءِ) أَيْ: وَالْمُتَعَلِّمِينَ. قَوْلُهُ: (وَمُعَلِّمِي الْقُرْآنِ) أَيْ وَمُتَعَلِّمِيهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 يَتَعَطَّلَ مَنْ ذُكِرَ بِالِاكْتِسَابِ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِهَذِهِ الْعُلُومِ وَعَنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ وَعَنْ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ فَيُرْزَقُونَ مَا يَكْفِيهِمْ لِيَتَفَرَّغُوا لِذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ: يُعْطَى الْعُلَمَاءُ وَالْقُضَاةُ مَعَ الْغِنَى، وَقَدْرُ الْمُعْطَى إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بِالْمَصْلَحَةِ وَيَخْتَلِفُ بِضِيقِ الْمَالِ وَسِعَتِهِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَيُعْطَى أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ لَا مَعَ الْغِنَى، وَالْمُرَادُ بِالْقُضَاةِ غَيْرُ قُضَاةِ الْعَسْكَرِ أَمَّا قُضَاةُ الْعَسْكَرِ وَهُمْ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ فِي مَغْزَاهُمْ فَيُرْزَقُونَ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لَا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ. كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَكَذَا أَئِمَّتُهُمْ وَمُؤَذِّنُوهُمْ وَعُمَّالُهُمْ. يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ مِنْهَا وُجُوبًا وَأَهَمُّهَا كَمَا قَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ سَدُّ الثُّغُورِ لِأَنَّ فِيهِ حِفْظًا لِلْمُسْلِمِينَ. تَنْبِيهٌ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ الْإِمَامُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ أَصْلًا لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا يَدْرِي حِصَّتَهُ مِنْهُ. قَالَ: وَهَذَا غُلُولٌ. وَالثَّانِي: يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ قُوتَ يَوْمٍ. وَالثَّالِثُ: يَأْخُذُ كِفَايَةَ سَنَةٍ. وَالرَّابِعُ: يَأْخُذُ مَا يُعْطَى وَهُوَ قَدْرُ حِصَّتِهِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَالْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالْمِيرَاثِ بَيْنَ الْوَارِثِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ حَتَّى لَوْ مَاتُوا قُسِمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِمْ وَهَذَا لَوْ مَاتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ شَيْئًا انْتَهَى. وَأَقَرَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذَا الرَّابِعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. (وَ) الثَّانِي (سَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى) لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ (وَهُمْ) آلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ) وَمِنْهُمْ إمَامُنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دُونَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ وَإِنْ كَانَ الْأَرْبَعَةُ أَوْلَادَ عَبْدِ مَنَافٍ لِاقْتِصَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَسْمِ عَلَى بَنِي الْأَوَّلِينَ   [حاشية البجيرمي] وَعَنْ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الدِّيوَانَ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ أَسْمَاءُ الْمُسْتَحِقِّينَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَكَتَبَ لِلْعَالِمِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلِلطَّالِبِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلِقَارِئِ الْقُرْآنِ مِائَةً. وَذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَلَوْ أَغْنِيَاءَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بِالثُّغُورِ) أَيْ بِسَدِّهَا. قَوْلُهُ: (فَيُرْزَقُونَ) أَيْ فَيُعْطُونَ مَا يَكْفِيهِمْ. قَوْلُهُ: (يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ) أَيْ مِنْ الْمَصَالِحِ وَقَوْلُهُ: وَأَهَمُّهَا أَيْ الْمَصَالِحِ وَهَذَا مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَيَعُمُّ الْإِمَامُ بِهَذَا السَّهْمِ كُلَّ الْأَفْرَادِ إنْ وَفَّى فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ الْأَهَمَّ فَالْأَهَمَّ أَيْ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ. قَوْلُهُ: (فِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ) أَيْ أَقْوَالٍ: أَيْ فِي جَوَابِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا غُلُولٌ) بِاللَّامِ أَيْ خِيَانَةٌ لِأَنَّ الظَّفَرَ بِالْحَقِّ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ دُونَ الْعَامَّةِ وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَكُونُ الْإِشَارَةُ رَاجِعًا لِجَوَازِ الْأَخْذِ وَلَوْ قُلْنَا بِهِ وَيَكُونُ غَرَضُهُ بِذَلِكَ تَقْوِيَةَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْأَخْذِ وَفِي نُسْخَةٍ غُلُوٌّ بِالْوَاوِ مِنْ غَيْرِ لَامٍ بَعْدَهَا أَيْ تَعَمُّقٌ وَتَشْدِيدٌ فِي الدِّينِ حَيْثُ مَنَعْتُمُوهُ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْهُمَا أَيْ عَنْ الْخِيَانَةِ وَالتَّعَمُّقِ وَيَكُونُ اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ غَرَضُهُ تَضْعِيفَ هَذَا الْقَوْلِ: وَكَيْفَ هَذَا مَعَ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِيهِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ حِصَّتُهُ) أَيْ مَا يَخُصُّهُ لَوْ كَانَ يُعْطِيهِ الْإِمَامُ وَهُوَ مَا يَحْتَاجُهُ أَيْ كِفَايَتُهُ لِأَنَّ حِصَّتَهُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا) يَتَأَمَّلُ هَذَا التَّعْلِيلَ فَإِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ إلَّا الرَّدَّ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَالَ إلَخْ رَدٌّ لِعِلَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ اخْتِصَاصٌ لَا اشْتِرَاكٌ بِالْمِلْكِ حَتَّى يَمْتَنِعَ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ بَيْتِ الْمَالِ مَا دَامَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَلَيْسَتْ كَالْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاكِ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: لَيْسَ مُشْتَرَكًا إلَخْ. أَيْ لَيْسَ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ كَالِاشْتِرَاكَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ إلَخْ بِخِلَافِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَمْلُوكًا لِلْمُسْلِمِينَ بَلْ الثَّابِتُ لَهُمْ اخْتِصَاصُهُمْ بِهِ لَا الْمِلْكُ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالْمِيرَاثِ أَيْ لِكَوْنِهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ وَقَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ مَاتُوا: تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ مِلْكًا وَالضَّمِيرُ فِي مَاتُوا لِلْغَانِمِينَ وَالْوَرَثَةِ وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْ مُسْتَحِقُّ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ لَوْ مَاتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَرَثَتُهُ شَيْئًا أَيْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ مِثْلَ اشْتِرَاك الْغَنِيمَةِ فَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُمْ وَإِنَّمَا لَهُمْ فِيهِ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ وَاسْتِحْقَاقٍ. قَوْلُهُ: (وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى) أَيْ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ وَيَعُمُّ الْإِمَامُ جَمِيعَ أَفْرَادِهِمْ إنْ وَفَّى الْمَالُ وَإِلَّا قَدَّمَ الْأَحْوَجَ وَكَذَا يُقَالُ فِي بَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ. قَوْلُهُ: (بَنُو هَاشِمٍ) بَدَلٌ مِنْ الْآلِ أَيْ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فَفِي كَلَامِهِمْ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ وَالْأَشْرَافُ الْآنَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لِأَنَّ جَدَّهُمْ سَيِّدَنَا عَلِيًّا هَاشِمِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِاقْتِصَارِهِ) وَقَالَ: «نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 مَعَ سُؤَالِ بَنِي الْآخَرِينَ لَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوهُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ حَتَّى إنَّهُ لَمَّا بُعِثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّسَالَةِ نَصَرُوهُ وَذَبُّوا عَنْهُ بِخِلَافِ بَنِي الْآخَرِينَ بَلْ كَانُوا يُؤْذُونَهُ وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ أَشِقَّاءُ وَنَوْفَلٌ أَخُوهُمْ لِأَبِيهِمْ وَعَبْدُ شَمْسٍ جَدُّ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَالْعِبْرَةُ بِالِانْتِسَابِ إلَى الْآبَاءِ أَمَّا مَنْ انْتَسَبَ مِنْهُمْ إلَى الْأُمَّهَاتِ فَلَا. وَيَشْتَرِكُ فِي هَذَا الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالنِّسَاءُ وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ كَالْإِرْثِ. وَحَكَى الْإِمَامُ فِيهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ. - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (وَ) الثَّالِثُ (سَهْمٌ لِلْيَتَامَى) لِلْآيَةِ جَمْعُ يَتِيمٍ وَهُوَ صَغِيرٌ ذَكَرٌ أَوْ خُنْثَى أَوْ أُنْثَى لَا أَبَ لَهُ أَمَّا كَوْنُهُ صَغِيرًا فَلِخَبَرِ «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا أَبَ لَهُ فَلِلْوَضْعِ وَالْعُرْفِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُرْتَزِقَةِ أَمْ لَا قُتِلَ أَبُوهُ فِي الْجِهَادِ أَمْ لَا لَهُ جَدٌّ أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ الْيَتِيمَ بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّ أَيْتَامَ الْكُفَّارِ لَا يُعْطَوْنَ مِنْ سَهْمِ الْيَتَامَى شَيْئًا لِأَنَّهُ مَالٌ أُخِذَ مِنْ الْكُفَّارِ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ. وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ فِي ذَوِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ لِذَلِكَ وَيَنْدَرِجُ فِي تَفْسِيرِهِمْ الْيَتِيمَ وَلَدُ الزِّنَا وَاللَّقِيطُ وَالْمَنْفِيُّ بِلِعَانٍ وَلَا يُسَمَّوْنَ أَيْتَامًا لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَا أَبَ لَهُ شَرْعًا فَلَا يُوصَفُ بِالْيُتْمِ. وَاللَّقِيطُ قَدْ يَظْهَرُ أَبُوهُ وَالْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ قَدْ يَسْتَلْحِقُهُ نَافِيهِ وَلَكِنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ سَهْمِ الْيَتَامَى. فَائِدَةٌ يُقَالُ لِمَنْ فَقَدَ أُمَّهُ دُونَ أَبِيهِ: مُنْقَطِعٌ. وَالْيَتِيمُ فِي الْبَهَائِمِ مَنْ فَقَدَ أُمَّهُ وَفِي الطَّيْرِ مَنْ فَقَدَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، وَيُشْتَرَطُ فِي إعْطَاءِ الْيَتِيمِ لَا فِي تَسْمِيَتِهِ يَتِيمًا فَقْرُهُ أَوْ مَسْكَنَتُهُ لِإِشْعَارِ لَفْظِ الْيَتِيمِ بِهِ وَلِأَنَّ اغْتِنَاءَهُ بِمَالِ أَبِيهِ إذَا مَنَعَ اسْتِحْقَاقَهُ فَاغْتِنَاؤُهُ بِمَالِهِ أَوْلَى بِمَنْعِهِ (وَ) الرَّابِعُ (سَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ) لِلْآيَةِ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الِاسْمِ هُنَا الْفُقَرَاءُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. (وَ) الْخَامِسُ (سَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ) أَيْ الطَّرِيقِ لِلْآيَةِ وَابْنُ السَّبِيلِ مُنْشِئُ سَفَرٍ مُبَاحٍ مِنْ مَحَلِّ الزَّكَاةِ كَمَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَوْ مُجْتَازٌ بِهِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ كَانَ أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُلَازَمَتِهِ السَّبِيلَ وَهِيَ الطَّرِيقُ وَشَرَطَ فِي إعْطَائِهِ لَا فِي تَسْمِيَتِهِ الْحَاجَةَ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَا يَكْفِيهِ غَيْرَ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي مَكَان آخَرَ أَوْ كَانَ كَسُوبًا أَوْ كَانَ سَفَرُهُ لِنُزْهَةٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (كَالْإِرْثِ) أَيْ فِي التَّفْضِيلِ لَا فِي غَيْرِهِ كَحَجْبٍ مَثَلًا لِأَنَّهُ هُنَا يُعْطَى الْجَدُّ مَعَ الْأَبِ وَابْنُ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ، وَالْأَخُ لِلْأَبِ مَعَ الشَّقِيقِ وَالْأَخُ لِلْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَنْدَرِجُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يُزَادَ لَا أَبَ لَهُ مَعْرُوفٌ شَرْعًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ شَرْعًا كَالزَّانِي أَوْ لَيْسَ مَعْرُوفًا كَاللَّقِيطِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُسَمَّوْنَ أَيْتَامًا) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِأَوَّلِ الْكَلَامِ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ لَا يُنَاسِبُهُ. وَقَوْلُهُ: فَلَا يُوصَفُ بِالْيُتْمِ كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ أَيْضًا لِأَوَّلِ الْكَلَامِ فَكَانَ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارَ عَلَى صَدْرِ الْعِبَارَةِ قَالَ ق ل قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا يَرْجِعُ عَلَى نَحْوِ اللَّقِيطِ بِمَا أَخَذَهُ إذَا عُرِفَ أَبُوهُ وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا م ر الرُّجُوعُ إنْ ظَهَرَ لَهُ أَبٌ اهـ. وَقَوْلُهُ: فِي شَرْحِ إلَخْ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ فَلَوْ ظَهَرَ لِلَّقِيطِ أَوْ الْمَنْفِيِّ أَبٌ اسْتَرْجَعَ الْمَدْفُوعَ لَهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَفِي الطَّيْرِ مَنْ فَقَدَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ فَقَدَهُمَا مِنْ الْآدَمِيِّينَ فَهُوَ لَطِيمٌ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: فَإِنْ مَاتَ الْأَبَوَانِ فَالصَّغِيرُ لَطِيمٌ. قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِالشَّرْطِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ اغْتِنَاءَهُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا إذَا اغْتَنَى بِمَالِ أَبِيهِ بِأَنْ كَانَ حَيًّا لَا يُقَالُ لَهُ يَتِيمٌ وَالْكَلَامُ فِي الْيَتِيمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الضَّمِيرُ فِي اغْتِنَائِهِ لِلصَّغِيرِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْيَتِيمِ. أَيْ لِأَنَّ اغْتِنَاءَ الصَّغِيرِ بِمَالِ أَبِيهِ إذَا مَنَعَ اسْتِحْقَاقَهُ مِنْ الْفَيْءِ فَاغْتِنَاؤُهُ إلَخْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِأَنَّ اغْتِنَاءَهُ أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ الْآنَ يَتِيمٌ. قَوْلُهُ: (وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ) أَيْ الْمُسْلِمِ الْفَقِيرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَهُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ وَإِنَّمَا أُفْرِدَ لِأَنَّ السَّفَرَ شَأْنُهُ الْوِحْدَةُ وَيَجِبُ أَنْ يَعُمَّ بِالْإِعْطَاءِ آحَادَ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا يَخُصَّ بِالْحَاصِلِ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ فِيهَا مِنْهُمْ لَكِنْ يَجُوزُ التَّفَاوُتُ بَيْنَ آحَادِ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَوْ قَلَّ الْحَاصِلُ بِحَيْثُ لَوْ وُزِّعَ لَمْ يَسُدَّ مَسَدًّا قَدَّمَ الْأَحْوَجَ فَالْأَحْوَجَ وَلَا يَسْتَوْعِبُ لِلضَّرُورَةِ. اهـ. سم مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَحَلِّ الزَّكَاةِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مِنْ مَحَلِّ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا. قَوْلُهُ: (الْحَاجَةَ) وَحِينَئِذٍ فَالشُّرُوطُ ثَلَاثَةٌ: الْفَقْرُ وَالْإِسْلَامُ وَإِبَاحَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 تَتِمَّةٌ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ لِلْمَسَاكِينِ بَيْنَ سَهْمِهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ وَسَهْمِهِمْ مِنْ الْخُمُسِ وَحَقِّهِمْ مِنْ الْكَفَّارَاتِ فَيَصِيرُ لَهُمْ ثَلَاثَةُ أَمْوَالٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِذَا وُجِدَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُتْمٌ وَمَسْكَنَةٌ أُعْطِيَ بِالْيُتْمِ دُونَ الْمَسْكَنَةِ لِأَنَّ الْيُتْمَ وَصْفٌ لَازِمٌ وَالْمَسْكَنَةَ زَائِلَةٌ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْيُتْمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ فَقْرٍ أَوْ مَسْكَنَةٍ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ: أَنَّهُ إذَا كَانَ الْغَازِي مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى لَا يَأْخُذُ بِالْغَزْوِ بَلْ بِالْقَرَابَةِ فَقَطْ. لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ: أَنَّهُ يَأْخُذُ بِهِمَا. وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَزْوِ وَالْمَسْكَنَةِ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْغَزْوِ لِحَاجَتِنَا وَبِالْمَسْكَنَةِ لِحَاجَةِ صَاحِبِهَا. وَمَنْ فُقِدَ مِنْ الْأَصْنَافِ أُعْطِيَ الْبَاقُونَ نَصِيبَهُ كَمَا فِي الزَّكَاةِ إلَّا سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لِلْمَصَالِحِ كَمَا مَرَّ وَيُصَدَّقُ مُدَّعِي الْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَإِنْ اُتُّهِمَ. وَلَا يُصَدَّقُ مُدَّعِي الْيُتْمِ وَلَا مُدَّعِي الْقَرَابَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. فَصْلٌ: فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَهُوَ مَالٌ أَوْ نَحْوُهُ كَكَلْبٍ يُنْتَفَعُ بِهِ حَصَلَ لَنَا مِنْ كُفَّارٍ مِمَّا هُوَ لَهُمْ بِلَا قِتَالٍ وَبِلَا إيجَافٍ أَيْ إسْرَاعِ خَيْلٍ وَلَا سَيْرِ رِكَابٍ أَيْ إبِلٍ وَنَحْوِهَا كَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَسُفُنٍ وَرَجَّالَةٍ فَخَرَجَ بِ لَنَا مَا خَصَلَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا يُنْزَعُ   [حاشية البجيرمي] لِسَفَرٍ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ الصَّدَقَةِ) الْأَوْلَى غَيْرَ الْغَنِيمَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا وُجِدَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْأَصْنَافِ. قَوْلُهُ: (وَصْفٌ لَازِمٌ) أَيْ لَيْسَ قَرِيبَ الزَّوَالِ وَإِلَّا فَهُوَ يَزُولُ بِالْبُلُوغِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (زَائِلَةٌ) أَيْ قَرِيبَةُ الزَّوَالِ. قَوْلُهُ: (وَاعْتَرَضَ) أَيْ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الْيَتِيمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ فَقْرٍ أَوْ مَسْكَنَةٍ أَيْ فَلَا يُقَالُ: اجْتَمَعَ فِي وَاحِدٍ يُتْمٌ وَمَسْكَنَةٌ لِأَنَّ الْمَسْكَنَةَ شَرْطٌ فِي الْيَتِيمِ أَيْ فَهُمَا مُجْتَمِعَانِ دَائِمًا وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَى الْمَسْكَنَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْيُتْمِ فَإِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَنْظُرْ فِي أَصْلِ الْإِعْطَاءِ إلَّا إلَى الْيُتْمِ. وَهَذَا كَافٍ فِي الْجَوَابِ وَالْمُعْتَرِضُ هُوَ الْأَذْرَعِيُّ وَعِبَارَةُ م ر قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ سَاقِطٌ لِأَنَّ الْيُتْمَ إلَخْ. وَيُجَابُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْيَتَامَى لَا مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يَأْخُذُ بِهِمَا) فَيُعْطَى بِالْغَزْوِ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ وَبِالْقَرَابَةِ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَزْوِ وَالْمَسْكَنَةِ) حَيْثُ لَا يَأْخُذُ بِهَا وَإِذَا اجْتَمَعَ الْغَزْوُ مَعَ الْقَرَابَةِ أُخِذَ بِهِمَا وَإِنْ اجْتَمَعَ الْمَسْكَنَةُ مَعَ الْقَرَابَةِ يَأْخُذُ بِذِي الْقُرْبَى فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الشَّارِحُ لَكِنْ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ عَدَمَ الْأَخْذِ بِالْمَسْكَنَةِ إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ ذَوِي الْقُرْبَى ثُمَّ يُفَرِّقُ إلَخْ إلَّا أَنَّهُ يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ الْفَرْقِ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ صِفَتَانِ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا الْغَزْوَ وَالْأُخْرَى ذَوِي الْقُرْبَى أَخَذَ بِهِمَا وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ هِيَ الْغَزْوَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِاللَّازِمِ وَمَعْنَى كَوْنِ الْيُتْمِ لَازِمًا مَعَ أَنَّهُ يَزُولُ بِالْبُلُوغِ أَنَّ زَوَالَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِخِلَافِ الْمَسْكَنَةِ فَإِنَّهَا كُلُّ لَحْظَةٍ مُتَعَرِّضَةٌ لِلزَّوَالِ بِأَنْ يَسْتَغْنِيَ. قَوْلُهُ: (مُدَّعِي الْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ) : صَوَابُهُ كَمَا فِي الرَّوْضِ وَالسَّفَرِ لِيَدْخُلَ ابْنُ السَّبِيلِ كَذَا قِيلَ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ عَدَمَ شُمُولِهِ لِمَا ذَكَرَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا عَبَّرَ بِهِ خَطَأٌ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ: لَوْ عَبَّرَ بِالسَّفَرِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ إلَخْ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِلَا بَيِّنَةٍ) عِبَارَةُ سم بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ اُتُّهِمَ نَعَمْ إنْ ادَّعَى تَلَفَ مَالٍ أَوْ عِيَالًا فَالْقِيَاسُ تَكْلِيفُ الْبَيِّنَةِ. [فَصْلٌ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ] ِ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْغَنِيمَةِ لِمُنَاسَبَتِهِ لَهَا لِأَنَّ كُلًّا يَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامِ وَلَاشْتَرَاكَهُمَا فِي مَصْرِفِ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَالْفَيْءُ مَصْدَرُ فَاءَ إذْ رَجَعَ فَالْمُرَادُ الْمَالُ الرَّاجِعُ أَوْ الْمَالُ الْمَرْدُودُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ. وَالْمَشْهُورُ تَغَايُرُ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْرِيفِهِمَا وَقِيلَ: الْفَيْءُ يَشْمَلُ الْغَنِيمَةَ دُونَ الْعَكْسِ. فَتَكُونُ أَخَصَّ فَكُلُّ فَيْءٍ غَنِيمَةٌ وَلَا عَكْسَ. قَوْلُهُ: (مِنْ كُفَّارٍ) أَطْلَقَ هُنَا فَشَمِلَ الْحَرْبِيِّينَ وَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلَ الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: (بِلَا قِتَالٍ) أَيْ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَلَا يَرُدُّ مَا أَخَذَهُ سَرِقَةً أَوْ اخْتِلَاسًا أَوْ لُقَطَةً مِنْ دَارِ الْحَرْبِيِّينَ وَيُزَادُ قَيْدٌ آخَرُ أَيْ بِغَيْرِ صُورَةِ عَقْدٍ لِيُخْرِجَ الْهَدِيَّةَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِتَالِ فَإِنَّهَا مِلْكٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 مِنْهُمْ وَبِمَا هُوَ لَهُمْ مَا أَخَذُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ نَحْوِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّنَا لَمْ نَمْلِكْهُ بَلْ نَرُدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ إنْ عُرِفَ وَإِلَّا فَيُحْفَظُ وَمِنْ الْفَيْءِ الْجِزْيَةُ وَعُشْرُ تِجَارَةٍ مِنْ كُفَّارٍ شُرِطَتْ عَلَيْهِمْ إذَا دَخَلُوا دَارَنَا وَخَرَاجٍ ضُرِبَ عَلَيْهِمْ عَلَى اسْمِ الْجِزْيَةِ وَمَا جُلُوا أَيْ تَفَرَّقُوا عَنْهُ وَلَوْ لِغَيْرِ خَوْفٍ كَضُرٍّ أَصَابَهُمْ وَمَنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ نَحْوِهِ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ أَوْ تَرَكَ وَارِثًا غَيْرَ جَائِزٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي قِسْمَتِهِ بِقَوْلِهِ: (وَيُقْسَمُ مَالُ الْفَيْءِ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الِاخْتِصَاصَاتِ (عَلَى خَمْسٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] الْآيَةَ (يُصْرَفُ خُمُسُهُ) وُجُوبًا (عَلَى مَنْ يُصْرَفُ عَلَيْهِمْ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ) فَيُخَمَّسُ جَمِيعُهُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ مُتَسَاوِيَةٍ كَالْغَنِيمَةِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. حَيْثُ قَالُوا لَا يُخَمَّسُ بَلْ جَمِيعُهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7] الْآيَةَ فَأَطْلَقَ هَاهُنَا وَقَيَّدَ فِي الْغَنِيمَةِ فَحَمَلَ   [حاشية البجيرمي] لِلْمُهْدَى إلَيْهِ لَا غَنِيمَةٌ وَلَا فَيْءٌ. قَوْلُهُ: (وَرَجَّالَةٍ) جَمْعُ رَاجِلٍ أَيْ مَاشٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى رَجُلٍ كَصَحْبٍ وَصَاحِبٍ وَيُجْمَعُ عَلَى رِجَالٍ وَأَمَّا رَجُلٌ مُقَابِلُ امْرَأَةٍ فَيُجْمَعُ عَلَى رِجَالٍ. فَرِجَالٌ جَمْعٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ رَاجِلٍ بِمَعْنَى مَاشٍ وَرَجُلٍ مُقَابِلِ امْرَأَةٍ. قَوْلُهُ: (وَعُشْرُ تِجَارَةٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْعُشْرِ. قَوْلُهُ: (شُرِطَتْ عَلَيْهِمْ) الضَّمِيرُ فِي شُرِطَتْ رَاجِعٌ لِلْعُشْرِ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَفِي نُسْخَةٍ شُرِطَ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى اسْمِ الْجِزْيَةِ) أَيْ بِأَنْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ حَتَّى يَكُونَ الْخَرَاجُ عَلَى اسْمِ الْجِزْيَةِ وَأَمَّا إنْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَنَا فَيَكُونُ الْخَرَاجُ لَا يَكْفِي عَنْ الْجِزْيَةِ لِأَنَّنَا نَسْتَحِقُّهُ بِدُونِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ وَخَرَاجٌ ضُرِبَ عَلَى حُكْمِهَا أَيْ الْجِزْيَةِ كَذَا قَيَّدَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ وَالْوَجْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ فِي حُكْمِ الْأُجْرَةِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ بِإِسْلَامِهِمْ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أُجْرَةً فَحَدُّ الْفَيْءِ صَادِقٌ عَلَيْهِ أَيْ قَبْلَ إسْلَامِهِمْ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ كُفَّارٍ أَمَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ فَيْئًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ. مَعَ زِيَادَةٍ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ: عَلَى اسْمِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِغَيْرِ خَوْفٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِخَوْفٍ أَوْ لَا أَمَّا عَدَمُ الْخَوْفِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الْخَوْفُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِنَا أَوْ مِنَّا فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِتَالِ وَإِلَّا كَانَ غَنِيمَةً. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قُتِلَ إلَخْ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَتَرِكَةِ مَنْ قُتِلَ إلَخْ وَكَذَا فِيمَا بَعْدَهُ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحُهُ الْفَيْءُ مَالٌ حَصَلَ لَنَا مِنْ كُفَّارٍ كَجِزْيَةٍ وَعُشْرِ تِجَارَةٍ وَمَا جُلُوا عَنْهُ وَتَرِكَةِ مُرْتَدٍّ وَكَافِرٍ مَعْصُومٍ لَا وَارِثَ لَهُ وَكَذَا الْفَاضِلُ عَنْ وَارِثٍ لَهُ غَيْرُ حَائِزٍ اهـ. وَلَعَلَّ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ فِيهَا سَقْطٌ وَأَصْلُهَا وَتَرِكَةُ مَنْ قُتِلَ إلَخْ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَيْءَ يُخَمَّسُ وَيُصْرَفُ بِتَمَامِهِ لِمَنْ يُصْرَفُ إلَيْهِ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ. وَهُوَ غَيْرُ مُرَادِ الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ: وَيُقْسَمُ مَالُ الْفَيْءِ عَلَى خَمْسٍ إلَخْ. فَإِنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا مَرَّ فِي الْغَنِيمَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ بَعْدَ حَمْلِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ آيَةُ الْفَيْءِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ آيَةُ الْغَنِيمَةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى فَخُمُسُهُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ. فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ) حَاصِلُ مَذْهَبِهِمْ أَنَّهُ يُوضَعُ جَمِيعُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُفَرَّقُ عَلَى الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورِينَ وَعَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمَصَالِحِ وَلَا يُعْطِي لِلْمُرْتَزِقَةِ مِنْهُ شَيْئًا وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: بَلْ يُوضَعُ جَمِيعُهُ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ وَخُمُسَهَا لِلْخَمْسَةِ الْمَذْكُورِينَ كَمَذْهَبِنَا. قَوْلُهُ: (بَلْ جَمِيعُهُ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ) أَيْ وَلِآلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَبْدَأُ بِهِمْ نَدْبًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ وَجَمِيعَ الْفَيْءِ عِنْدَهُمْ يُوضَعَانِ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ وَمَا لَمْ يُذْكَرْ: مِنْ تَزْوِيجِ الْأَعْزَبِ وَرِزْقِ الْعُلَمَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي عَلَى مَتْنِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ آلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الْمُحْتَاجُ فَإِنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي الِاحْتِيَاجِ وَأَنَّ الْمُحْتَاجَ يُعْطَى كِفَايَةَ سَنَةٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَدَلِيلُنَا) وَفِي نُسْخَةٍ لَنَا أَيْ يَدُلُّ لَنَا. قَوْلُهُ: (فَأَطْلَقَ هَهُنَا) أَيْ فِي الْفَيْءِ أَيْ: لَمْ يُقَيِّدْ الْقِسْمَةَ عَلَى الْخَمْسَةِ أَصْنَافٍ بِالْخُمُسِ حَيْثُ قَالَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7] فَاقْتَضَى أَنَّ جَمِيعَ الْفَيْءِ يُقْسَمُ عَلَى الْخَمْسَةِ أَصْنَافٍ وَقَيَّدَ فِي الْغَنِيمَةِ الْقِسْمَةَ عَلَى تِلْكَ الْأَصْنَافِ بِالْخُمُسِ حَيْثُ قَالَ: فَأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ وَهُوَ رُجُوعُ الْمَالِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ بِالْقِتَالِ وَعَدَمِهِ. كَمَا حَمَلْنَا الرَّقَبَةَ فِي الظِّهَارِ عَلَى الْمُؤْمِنَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ، وَخُمُسَ خُمُسِهِ. وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ مَعَهُ فِي الْآيَةِ خُمُسُ الْخُمُسِ كَمَا مَرَّ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ. وَأَمَّا بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصْرَفُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ لِمَصَالِحِنَا كَمَا مَرَّ أَيْضًا فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ. (وَيُعْطَى أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا) الَّتِي كَانَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ. (لِلْمُقَاتِلَةِ) أَيْ الْمُرْتَزِقَةِ لِعَمَلِ الْأَوَّلِينَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحُصُولِ النُّصْرَةِ بِهِ وَالْمُقَاتِلُونَ بَعْدَهُ هُمْ الْمُرْصَدُونَ لِلْقِتَالِ. (فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ لَهُمْ سُمُّوا مُرْتَزِقَةً لِأَنَّهُمْ أَرَصَدُوا أَنْفُسَهُمْ لِلذَّبِّ عَنْ الدِّينِ وَطَلَبُوا الرِّزْقَ مِنْ مَالِ اللَّهِ. وَخَرَجَ بِهِمْ الْمُتَطَوِّعَةُ وَهُمْ الَّذِينَ يَغْزُونَ إذَا نَشِطُوا وَإِنَّمَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ لَا مِنْ الْفَيْءِ عَكْسُ الْمُرْتَزِقَةِ. تَتِمَّةٌ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ أَوْلَادٍ وَزَوْجَاتٍ وَرَقِيقٍ لِحَاجَةِ غَزْوٍ أَوْ لِخِدْمَةٍ إنْ اعْتَادَهَا لَا رَقِيقَ زِينَةٍ وَتِجَارَةٍ وَمَا يَكْفِيهِمْ فَيُعْطِيهِ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَتَهُمْ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْجِهَادِ وَيُرَاعَى فِي الْحَاجَةِ حَالُهُ فِي مُرُوءَتِهِ وَضِدِّهَا وَالْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَالرُّخْصُ وَالْغَلَاءُ وَعَادَةُ الْبَلَدِ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ، وَيُزَادُ إنْ زَادَتْ حَاجَتُهُ بِزِيَادَةِ وَلَدٍ أَوْ حُدُوثِ زَوْجَةٍ وَمَنْ لَا رَقِيقَ لَهُ، يُعْطَى مِنْ الرَّقِيقِ مَا يَحْتَاجُهُ لِلْقِتَالِ مَعَهُ أَوْ لِخِدْمَتِهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُخْدَمُ وَتُعْطَى زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ فِي حَيَاتِهِ إذَا مَاتَ بَعْدَ أَخْذِ نَصِيبِهِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ النَّاسُ بِالْكَسْبِ عَنْ الْجِهَادِ إذَا عَلِمُوا ضَيَاعَ عِيَالِهِمْ بَعْدَهُمْ فَتُعْطَى الزَّوْجَةُ حَتَّى تُنْكَحَ لِاسْتِغْنَائِهَا بِالزَّوْجِ وَلَوْ اسْتَغْنَتْ بِكَسْبٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَحْوِهِ، كَوَصِيَّةٍ لَمْ تُعْطَ وَحُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ كَالزَّوْجَةِ، وَكَذَا الزَّوْجَاتُ وَتُعْطَى الْأَوْلَادُ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا بِكَسْبٍ أَوْ نَحْوِهِ كَوَصِيَّةٍ. وَاسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْفَقِيهَ أَوْ الْمُعِيدَ أَوْ الْمُدَرِّسَ إذَا مَاتَ تُعْطَى زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ مِمَّا كَانَ يَأْخُذُ مَا يَقُومُ بِهِمْ تَرْغِيبًا فِي الْعِلْمِ كَالتَّرْغِيبِ هُنَا فِي   [حاشية البجيرمي] لِلَّهِ خُمُسَهُ إلَخْ. فَحَمَلْنَا الْمُطْلَقَ وَهُوَ آيَةُ الْفَيْءِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُوَ آيَةُ الْغَنِيمَةِ. قَوْلُهُ: «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ» أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا كَانَ يَصْرِفُ خُمُسَ الْخُمُسِ فَقَطْ فِي مَصَالِحِهِ أَيْ مَصَالِحِ نَفْسِهِ وَيَصْرِفُ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ قِيلَ: وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: بَلْ كَانَ الْفَيْءُ كُلُّهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا خُمِّسَ بَعْدَ مَوْتِهِ بَعْدَ نَسْخِ فِعْلِهِ بِآيَةِ الْفَيْءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَالتَّخْمِيسُ إنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ. فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ لَهُ فِي أَوَّلِ حَيَاتِهِ ثُمَّ نُسِخَ فِي آخِرِهَا. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَهُوَ رَاجِحٌ لِقَوْلِهِ: وَلَكِنْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا) أَيْ الْخَمْسَةِ وَفِي نُسْخَةٍ أَخْمَاسِهِ أَيْ الْفَيْءِ. قَوْلُهُ: (فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَاَلَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا الْغَزِّيُّ وَفِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ بِالْوَاوِ وَقَالَ: وَأَشَارَ بِهِ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَصْرِفَ الْفَاضِلَ عَنْ حَاجَاتِ الْمُرْتَزِقَةِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ إصْلَاحِ الْحُصُونِ وَالثُّغُورِ وَمِنْ شِرَاءِ سِلَاحٍ وَخَيْلٍ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ التَّتِمَّةِ وَيَأْتِيَ مَعَهَا بِالْوَاوِ ثُمَّ رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي مَصَالِحِ بِالْوَاوِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَمْ يُبَيِّنْ الشَّارِحُ الْمُرَادَ مِنْهَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتُعْطَى زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ) أَيْ بِشَرْطِ إسْلَامِهِمْ فَلَا تُعْطَى الزَّوْجَةُ الْكَافِرَةُ وَمِثْلُهَا الْبَاقُونَ فَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالظَّاهِرُ إعْطَاؤُهَا لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ مَنْعِهِ، وَهُوَ الْكُفْرُ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (فِي حَيَاتِهِ) : مُتَعَلِّقٌ بِ تَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ: (حَتَّى تَنْكِحَ) فَإِنْ لَمْ تَنْكِحْ فَإِلَى الْمَوْتِ وَإِنْ رَغَّبَ بِهَا الشَّارِحُ م ر. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَسْتَقِلُّوا) أَوْ يَسْتَغْنُوا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ. قَوْلُهُ: (مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ مَسْأَلَةِ جَوَازِ أَخْذِ أَوْلَادِ الْمُرْتَزِقِ وَزَوْجَاتِهِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمُعِيدَ) أَيْ مُعِيدَ الدَّرْسِ لِلطَّلَبَةِ بَعْدَ قِرَاءَةِ الشَّيْخِ. قَوْلُهُ: (مِمَّا) أَيْ وَقَفَ كَانَ يَأْخُذُهُ أَيْ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 الْجِهَادِ اهـ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِعْطَاءَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ وَهِيَ أَمْوَالُ الْمَصَالِحِ أَقْوَى مِنْ الْخَاصَّةِ كَالْأَوْقَافِ: فَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي تِلْكَ التَّوَسُّعِ فِي هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُعَيَّنٌ أَخْرَجَهُ شَخْصٌ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ لِيَقْرَأَ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ فَكَيْفَ يُصْرَفُ مَعَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ الصَّرْفُ لِأَوْلَادِ الْعَالِمِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ كِفَايَتَهُمْ كَمَا كَانَ يُصْرَفُ لِأَبِيهِمْ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. فَصْلٌ: فِي الْجِزْيَةِ تُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ وَقِيلَ مِنْ الْجَزَاءِ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] أَيْ لَا تَقْضِي. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] وَقَدْ «أَخَذَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. وَقَالَ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» كَمَا رَوَاهُ   [حاشية البجيرمي] الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْعُلَمَاءِ. قَوْلُهُ: (وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ أَخْذِ أَوْلَادِ الْمُرْتَزِقِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ. وَعَدَمِ جَوَازِ أَخْذِ أَوْلَادِ الْعَالِمِ مِنْ وَقْفٍ كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ أَبُوهُمْ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ) أَيْ مِنْ الْفَيْءِ وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْ الْفَرْقُ هُوَ الظَّاهِرُ مُعْتَمَدٌ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَوْلَادِ الْعَالِمِ وَالْمُجَاهِدِ بِأَنَّ الْعِلْمَ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْلِيفٍ عَلَيْهِ وَالْجِهَادُ مَرْغُوبٌ عَنْهُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَأْلِيفٍ بِأَنْ يُعْطَى أَوْلَادُ الْمُجَاهِدِ مِنْ الْفَيْءِ. [فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ] ِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْجِهَادِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَيَّا قِتَالَهُمْ بِإِعْطَائِهَا فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] وَلَيْسَتْ فِي مُقَابَلَةِ تَقْرِيرِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ جَزْمًا بَلْ فِيهَا نَوْعُ إذْلَالٍ لَهُمْ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيمَا يُقَابِلُهَا، فَقِيلَ هُوَ سُكْنَى الدَّارِ وَقِيلَ: تَرْكُ قِتَالِهِمْ فِي دَارِنَا. وَقَالَ الْإِمَامُ الْوَجْهُ أَنْ يَجْمَعَ مَقَاصِدَ الْكُفَّارِ مِنْ تَقْرِيرٍ وَحَقْنِ دَمٍ وَمَالٍ وَنِسَاءٍ وَذُرِّيَّةٍ وَذَبٍّ وَتُجْعَلُ الْجِزْيَةُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَهِيَ مُغَيَّاةٌ بِنُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إنَّهُ يَنْزِلُ حَاكِمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَلَا يَقْبَلُ الْجِزْيَةَ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْمَعْنَى أَنَّ الدِّينَ يَصِيرُ وَاحِدًا فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَقِيلَ: " مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَالَ يَكْثُرُ حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ يُمْكِنُ صَرْفَ مَالِ الْجِزْيَةِ لَهُ فَتُتْرَكُ الْجِزْيَةُ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَإِنَّمَا شُرِعَتْ قَبْلَ نُزُولِ عِيسَى لِلْحَاجَةِ إلَى الْمَالِ بِخِلَافِ زَمَنِ عِيسَى فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مَالٍ فَإِنَّ الْمَالَ فِي زَمَنِهِ يَكْثُرُ حَتَّى لَا يُقَابِلَهُ أَحَدٌ. وَسَبَبُ كَثْرَتِهِ نُزُولُ الْبَرَكَاتِ وَتَوَالِي الْخَيْرَاتِ بِسَبَبِ الْعَدْلِ وَعَدَمِ الظُّلْمِ وَحِينَئِذٍ تُخْرِجُ الْأَرْضُ كُنُوزَهَا وَتَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِي اقْتِنَاءِ الْمَالِ لِعِلْمِهِمْ بِقُرْبِ السَّاعَةِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي نُزُولِ عِيسَى دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لِلرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ فِي زَعْمِهِمْ: أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ فَبَيَّنَ اللَّهُ كَذِبَهُمْ وَأَنَّهُ الَّذِي يَقْتُلُهُمْ، أَوْ نُزُولُهُ: لِدُنُوِّ أَجَلِهِ لِيُدْفَنَ فِي الْأَرْضِ إذْ لَيْسَ لِمَخْلُوقٍ مِنْ التُّرَابِ أَنْ يَمُوتَ فِي غَيْرِهَا، وَقِيلَ: إنَّهُ دَعَا اللَّهَ لَمَّا رَأَى صِفَةَ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْهُمْ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ وَأَبْقَاهُ حَتَّى يَنْزِلَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يُجَدِّدَ أَمْرَ الْإِسْلَامِ. فَيُوَافِقَ خُرُوجَ الدَّجَّالِ فَيَقْتُلَهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَفِي عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَلْغَزَ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي قَوْلِهِ: مَنْ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ الْخَلْقِ أَفْضَلُ مِنْ ... شَيْخِ الْأَنَامِ أَبِي بَكْرٍ وَمِنْ عُمَرْ وَمِنْ عَلِيٍّ وَمِنْ عُثْمَانَ وَهُوَ فَتًى ... مِنْ أُمَّةِ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرْ وَقَالَ حَجّ: وَتَنْقَطِعُ مَشْرُوعِيَّتُهَا بِنُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُمْ حِينَئِذٍ شُبْهَةٌ بِوَجْهٍ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ وَهَذَا: مِنْ شَرْعِنَا أَيْ كَوْنِهَا بِنُزُولِ عِيسَى لِأَنَّهُ يَنْزِلُ حَاكِمًا بِهِ أَيْ بِشَرْعِنَا مُتَلَقِّيًا لَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَوْ عَنْ اجْتِهَادٍ مُسْتَمَدٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَذَاهِبَ فِي زَمَنِهِ لَا يُعْمَلُ مِنْهَا إلَّا بِمَا يُوَافِقُ مَا يَرَاهُ لِأَنَّهُ لَا يُخْطِئُ اهـ حَجّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 الْبُخَارِيُّ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي أَخْذِهَا مَعُونَةً لَنَا وَإِهَانَةً لَهُمْ وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَفَسَّرَ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ فِي الْآيَةِ بِالْتِزَامِهَا وَالصَّغَارَ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا. وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ: عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ لَهُ، وَمَكَانٌ وَمَالٌ وَصِيغَةٌ. وَشَرَطَ فِي الصِّيغَةِ وَهِيَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ مَا مَرَّ فِي شَرْطِهَا فِي الْبَيْعِ وَالصِّيغَةُ إيجَابًا كَأَقْرَرْتُكُمْ أَوْ أَذِنْت فِي إقَامَتِكُمْ بِدَارِنَا مَثَلًا عَلَى أَنْ تَلْتَزِمُوا كَذَا جِزْيَةً وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِنَا. وَقَبُولًا   [حاشية البجيرمي] مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (تُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ) أَيْ شَرْعًا وَقَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ أَيْ لُغَةً وَشَرْعًا. قَوْلُهُ: (لِكَفِّنَا عَنْهُمْ) أَيْ وَالْتِزَامِهِمْ أَحْكَامَنَا لِأَنَّ الْمُجَازَاةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَيْ جَانِبِنَا وَجَانِبِهِمْ. قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى الْقَضَاءِ) أَيْ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُمْ يُؤَدُّونَهَا أَوْ الْقَضَاءِ بِمَعْنَى الْحُكْمِ لِأَنَّ قَضَى عَلَيْهِمْ بِهَا أَوْ الْقَضَاءَ بِمَعْنَى إغْنَائِنَا لِأَنَّ فِيهَا إغْنَاءَنَا عَنْ الْمُحَارَبَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ) أَيْ هَجَرَ الْبَحْرَيْنِ، وَالْبَحْرَيْنِ اسْمٌ لِإِقْلِيمٍ. قَوْلُهُ: (سُنُّوا بِهِمْ) أَيْ اُسْلُكُوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْ طَرِيقَتَهُمْ وَهُوَ بِضَمِّ السِّينِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ «سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ الْكِتَابِ لَكِنْ رَوَى الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ " كَانَ الْمَجُوسُ أَهْلَ كِتَابٍ يَقْرَءُونَهُ وَعِلْمٍ يَدْرُسُونَهُ فَشَرِبَ أَمِيرُهُمْ الْخَمْرَ فَوَقَعَ عَلَى أُخْتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى بِنْتِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا أَهْلَ الطَّمَعِ مِنْ الرُّهْبَانِ فَأَعْطَاهُمْ مَالًا وَقَالَ: إنَّ آدَمَ كَانَ يُنْكِحُ أَوْلَادَهُ بَنَاتِهِ أَيْ غَيْرَ التَّوْأَمَيْنِ فَالذَّكَرُ مِنْ بَطْنٍ يَتَزَوَّجُ بِالْأُنْثَى مِنْ بَطْنٍ أُخْرَى فَأَطَاعُوهُ وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَوَضَعَ الْأُخْدُودَ لِمَنْ خَالَفَهُ فَرَمَاهُ فِيهِ فَأَسْرَى عَلَى كِتَابِهِمْ فَرُفِعَ لَمَّا بَدَّلُوهُ وَعَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْهُ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ " فَهَذِهِ حُجَّةُ مَنْ قَالَ: كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ. وَقَوْلُهُ: سُنُّوا بِهِمْ إلَخْ أَيْ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ فَقَطْ دُونَ مُنَاكَحَتِهِمْ وَأَكْلِ ذَبِيحَتِهِمْ فَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا أَكْلُ ذَبِيحَتِهِمْ. وَاخْتُلِفَ فِي سَنَةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَقِيلَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَقِيلَ: وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَجَمْعُهَا جُزْءٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ كَقُرْبَةٍ وَقِرَبٍ اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي تُفِيدُهُمْ الْأَمَانَ ثَلَاثَةٌ أَمَانٌ وَجِزْيَةٌ وَهُدْنَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَالْأَمَانُ أَوْ بِغَيْرٍ مَحْصُورٍ فَإِنْ كَانَ إلَى غَايَةٍ فَالْهُدْنَةُ وَإِلَّا فَالْجِزْيَةُ وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالْإِمَامِ بِخِلَافِ الْأَمَانِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ) وَهُمْ نَصَارَى وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ بِسَبَبِ مَا فِيهَا مِنْ مُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ وَرُؤْيَةِ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ. قَوْلُهُ: (بِالْتِزَامِهَا) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ فَنَكُفُّ عَنْهُمْ إذَا الْتَزَمُوهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ إعْطَاؤُهُمْ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَالصَّغَارُ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا) وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا كُلِّفَ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ يُسَمِّي ذَلِكَ صَغَارًا عُرْفًا سم. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ قَالُوا: وَأَشَدُّ الصَّغَارِ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَيُضْطَرَّ إلَى احْتِمَالِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (عَاقِدٌ) وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. قَوْلُهُ: (فِي الصِّيغَةِ) فِيهِ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا الرُّكْنُ الْخَامِسُ فِي كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَوَّلًا إذَا بُدِئَ بِهَا. قَوْلُهُ: (فِي شَرْطِهَا) فِيهِ أَنَّ مَا شُرِطَ هُنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي شَرْطِهَا فِي الْبَيْعِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ فِي بِمَعْنَى مِنْ وَقَوْلُهُ: مَا مَرَّ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ نَظِيرَ مَا مَرَّ. أَيْ وَشَرَطَ فِي الصِّيغَةِ نَظِيرَ مَا مَرَّ مِنْ شَرْطِهَا فِي الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (إيجَابًا) مَنْصُوبٌ خَبَرًا لِتَكُونَ مَحْذُوفًا أَيْ تَكُونُ إيجَابًا وَقَبُولًا، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ قَوْلُهُ: أَقْرَرْتُكُمْ إلَخْ خَبَرًا وَإِيجَابًا حَالٌ. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ وَهَذَا جَلِيٌّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصِّيغَةَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ. قَوْلُهُ: (بِدَارِنَا) أَيْ غَيْرِ الْحِجَازِ كَمَا يَأْتِي لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ التَّنْصِيصُ عَلَى إخْرَاجِهِ حَالَ الْعَقْدِ اكْتِفَاءً بِاسْتِثْنَائِهِ شَرْعًا وَإِنْ جَهِلَهُ الْعَاقِدَانِ، وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ مَعَ شَرْحِ م ر. صُورَةُ عَقْدِهَا مَعَ الذُّكُورِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ أَوْ نَائِبُهُ: أُقِرُّكُمْ أَوْ أَقْرَرْتُكُمْ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ يَكُونُ لِلْحَالِ وَبِأَنَّهُ يَأْتِي لِلْإِنْشَاءِ كَ أُشْهِدُ وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ، أَنْ أُؤَدِّيَ الْمَالَ أَوْ أُحْضِرَ الشَّخْصَ لَا يَكُونُ ضَمَانًا وَلَا كَفَالَةً وَمَا فِي الْإِقْرَارِ إنْ أَقَرَّ بِكَذَا لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ لِأَنَّ شِدَّةَ نَظَرِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ اقْتَضَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 نَحْوُ قَبِلْنَا وَرَضِينَا وَشَرَطَ فِي الْعَاقِدِ كَوْنَهُ إمَامًا يَعْقِدُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي شُرُوطِ الْمَعْقُودِ لَهُ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ) ضَرْبِ (الْجِزْيَةِ) عَلَى الْكُفَّارِ الْمَعْقُودِ لَهُمْ (خَمْسُ خِصَالٍ) الْأُولَى (الْبُلُوغُ وَ) الثَّانِيَةُ (الْعَقْلُ) فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مَعَ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مِنْ وَلِيِّهِمَا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ بَالِغًا وَلَوْ بَعْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ إنْ أَطْبَقَ جُنُونُهُ. فَإِنْ تَقَطَّعَ وَكَانَ قَلِيلًا كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ لَزِمَتْهُ وَلَا عِبْرَةَ بِهَذَا الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَكَذَا لَا أَثَرَ لِيَسِيرِ زَمَنِ الْإِفَاقَةِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ. وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ فَالْأَصَحُّ تَلْفِيقُ زَمَنِ الْإِفَاقَةِ فَإِذَا بَلَغَ سَنَةً وَجَبَتْ جِزْيَتُهَا (وَ) الثَّالِثَةُ (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مَعَ الرَّقِيقِ وَلَوْ مُبَعَّضًا وَلَا جِزْيَةَ عَلَى مُتَمَحِّضِ الرِّقِّ إجْمَاعًا وَلَا عَلَى الْمُبَعَّضِ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَ) الرَّابِعَةُ (الذُّكُورِيَّةُ) فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مَعَ امْرَأَةٍ وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَهُوَ خِطَابٌ لِلذُّكُورِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِر فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: أَنْ لَا يَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا مِنْ خُنْثَى وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ أُنْثَى، فَإِنْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ وَقَدْ عُقِدَتْ لَهُ الْجِزْيَةُ طَالَبْنَاهُ بِجِزْيَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ   [حاشية البجيرمي] عَدَمَ النَّظَرِ لِاحْتِمَالِهِ الْوَعْدَ عَمَلًا بِالْمَشْهُورِ أَنَّهُ لِلْحَالِ أَوْ لَهُمَا أَيْ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (مَثَلًا) أَيْ أَوْ بِدَارِكُمْ كَمَا فِي م ر. فَيُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْإِقَامَةُ بِدَارِنَا بَلْ لَوْ رَضُوا بِالْجِزْيَةِ وَهُمْ مُقِيمُونَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَحَّتْ كَمَا قَالَهُ سم: قَوْلُهُ: (لِحُكْمِنَا) مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ الْمُرَادُ لِحُكْمِنَا الَّذِي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ هَذِهِ الْهَاءَ عَائِدَةٌ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَلْيُؤَوَّلْ الْحُكْمُ بِالْمَحْكُومِ بِهِ أَيْ تَحْرِيمِ مُتَعَلِّقِهِ. وَعِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ الرَّافِعِيِّ: وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ إذَا فَعَلُوا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ فِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ رِضَاهُمْ وَذَلِكَ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَأَمَّا مَا يَسْتَحِلُّونَهُ كَحَدِّ الشُّرْبِ فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِمْ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ رَضُوا بِحُكْمِنَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَقَبُولًا) أَيْ مِنْ كُلِّ الْمُخَاطَبِينَ كَمَا فِي م ر قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى الْقَبُولِ أَيْ مِنْ النَّاطِقِ قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لَزِمَ الْكَافِرَ أَقَلُّهَا لِمُدَّةِ إقَامَتِهِ بِدَارِنَا وَخَرَجَ بِفَسَادِ الْعَقْدِ مَا إذَا بَطَلَ بِأَنْ عَقَدَهُ الْآحَادُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ) الْأَوْلَى حَذْفُ وُجُوبٍ وَيَقُولُ وَشَرَائِطُ صِحَّةِ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي: فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا إلَخْ وَقَوْلُهُ: ضَرْبُ أَيْ عَقْدُ. قَوْلُهُ: (وَلَا مِنْ وَلِيِّهِمَا) مِنْ بِمَعْنَى مَعَ لِيُنَاسِبَ مَا قَبْلَهُ أَيْ وَلَا مَعَ وَلِيِّهِمَا أَيْ لَهُمَا لَا لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا) أَيْ وَلَوْ عُقِدَتْ لَهُمَا وَهَذَا فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ أَيْ إذْ لَا جِزْيَةَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْجُنُونُ بَعْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ) هَذَا مَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَفِي نُسْخَةٍ وَيَوْمَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَالْأَصَحُّ تَلْفِيقُ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر فَالْأَصَحُّ تَلْفِيقُ الْإِفَاقَةِ إنْ أَمْكَنَ فَإِذَا بَلَغَتْ أَيَّامُ الْإِفَاقَةِ سَنَةً وَجَبَتْ الْجِزْيَةُ لِسُكْنَاهُ سَنَةً بِدَارِنَا وَهُوَ كَامِلٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْجُنُونِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ الْمُتَّجَهُ. وَكَذَا لَوْ قُلْت: بِحَيْثُ لَا يُقَابَلُ مَجْمُوعُهَا بِأُجْرَةٍ، وَطُرُوُّ الْجُنُونِ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ كَطُرُوِّ الْمَوْتِ اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنْ أَطْبَقَ جُنُونُهُ أَوْ قَلَّتْ مُدَّةُ الْإِفَاقَةِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَلْفِيقُهَا أَوْ لَا تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَلَا تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ أَيْ فَإِنْ قُوبِلَتْ بِأُجْرَةٍ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطِهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا جِزْيَةَ) أَيْ إذْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا فَالْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ خِطَابٌ لِلذُّكُورِ) اللَّامُ بِمَعْنَى أَيْ فِي أَيِّ خِطَابٍ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي حَقِّ الذُّكُورِ مِنْ الْكُفَّارِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: 29] وَقَوْلُهُ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] خَاصَّانِ بِالذُّكُورِ. قَوْلُهُ: (الْأَجْنَادِ) أَيْ الْجُيُوشِ جَمْعُ جُنْدٍ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ عُقِدَتْ لَهُ الْجِزْيَةُ) أَيْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَوْصَافِ كَأَنْ يَقُولَ: عَلَى الْغَنِيِّ كَذَا وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ كَذَا فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: كَيْفَ تُعْقَدُ لَهُ الْجِزْيَةُ مَعَ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ حَالَ خُنُوثَتِهِ وَصَوَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا عُقِدَتْ لَهُ حَالَ خُنُوثَتِهِ فَإِذَا اتَّضَحَ تَبَيَّنَ صِحَّةُ الْعَقْدِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ سم. بِالْمَعْنَى فَأَفَادَ الشَّارِحُ بِهَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا لَهُ فَلَوْ لَمْ تُعْقَدْ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا وَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لَا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا مَضَى لِعَدَمِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَهُ، وَالْخُنْثَى كَذَلِكَ إذَا بَانَتْ ذُكُورَتُهُ وَلَمْ تُعْقَدْ الْجِزْيَةُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ صَحَّحَ الْأَخْذَ مِنْهُ وَمَنْ صَحَّحَ عَدَمَهُ. (وَ) الْخَامِسَةُ (أَنْ يَكُونَ) الْمَعْقُودُ مَعَهُ (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ الَّذِينَ لَمْ يُعْلَمْ دُخُولُهُمْ فِي ذَلِكَ الدِّينِ بَعْدَ نَسْخِهِ لِأَصْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: 29] إلَى أَنْ قَالَ: {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] . (أَوْ مِمَّنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ) كَالْمَجُوسِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْهُمْ وَقَالَ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَلِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ وَكَذَا تُعْقَدُ لِأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ لِدِينِهِ وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ. وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبُوا الْمُبْدَلَ مِنْهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا مُنَاكَحَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمِيتَاتِ وَالْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ وَتُعْقَدُ أَيْضًا لِمَنْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِ تَهَوُّدِهِ أَوْ تَنَصُّرِهِ فَلَمْ نَعْرِفْ أَدَخَلُوا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ بَعْدَهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ كَالْمَجُوسِ وَبِذَلِكَ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ، وَأَمَّا الصَّابِئَةُ وَالسَّامِرَةُ فَتُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ إنْ لَمْ تُكَفِّرْهُمْ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَلَمْ يُخَالِفُوهُمْ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ وَإِلَّا فَلَا تُعْقَدُ لَهُمْ وَكَذَا تُعْقَدُ لَهُمْ لَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ وَتُعْقَدُ لِزَاعِمِ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ، وَصُحُفِ شِيثٍ وَهُوَ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ. وَزَبُورِ دَاوُد لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ صُحُفًا فَقَالَ:   [حاشية البجيرمي] الْجِزْيَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَحَرْبِيٍّ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (طَالَبْنَاهُ بِجِزْيَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ) : أَيْ وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا فِي زَمَنِ الْخُنُوثَةِ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهَا عَلَى صُورَةِ الْهِبَةِ ح ل فَلَوْ طَلَبَ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةُ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ أَعْلَمَهُمَا الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ رَغِبَا فِي بَذْلِهَا فَهِيَ هِبَةٌ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: إنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا هِبَةٌ بِالْمَعْنَى الْعَامِّ الشَّامِلِ لِلْهَدِيَّةِ فَلَا تَحْتَاجُ لِقَبُولٍ فَحَرِّرْ ذَلِكَ. وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَّضِحِ وَإِنْ عُقِدَتْ لَهُ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْلَمْ دُخُولَهُمْ) أَيْ دُخُولَ أَوَّلِ آبَائِهِمْ أَيْ أَوَّلِ جَدٍّ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِأَنْ عَلِمَ دُخُولَهُمْ فِيهِ قَبْلَ نَسْخِهِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ هَذَا إنْ كَانَ إسْرَائِيلِيًّا وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُشْتَرَطُ دُخُولُهُ فِيهِ قَبْلَ النَّسْخِ فَيَضُرُّ الشَّكُّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِسْرَائِيلِيَّ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَصْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ) أَيْ لِوُجُودِ أَصْلٍ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَذَلِكَ الْأَصْلُ: هُوَ الْكِتَابُ فَإِنَّهُ قَالَ: لِوُجُودِ الْكِتَابِ. فَإِضَافَةُ أَصْلٍ لِأَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِضَرْبِ الْجِزْيَةِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ اهـ. قَوْلُهُ: (كَالْمَجُوسِ) فَإِنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ نَبِيٌّ يُقَالُ لَهُ زَرَادُشْتُ وَكَانَ لَهُ كِتَابٌ فَلَمَّا بَدَّلُوهُ رُفِعَ. وَمَعْنَى كَوْنِهِمْ لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا بَاقِيًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. زَرَادُشْتُ بِفَتْحِ الزَّايِ فَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ فَدَالٌ مَضْمُومَةٌ مُهْمَلَةٌ فَشِينٌ سَاكِنَةٌ مُعْجَمَةٌ فَتَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا تُعْقَدُ إلَخْ) هَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَكِنْ أُتِيَ بِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ) رَاجِعٌ لِلْمَجُوسِ أَيْ إنَّ الْمَجُوسَ تُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ وَيُصْبِحُ رُجُوعُهُ لِقَوْلِهِ: وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبُوا الْمُبَدَّلَ. قَوْلُهُ: (فِي الْمِيتَاتِ) جَمْعُ مَيِّتٍ. قَوْلُهُ: (لِمَنْ شَكَكْنَا) أَيْ لِأَوْلَادِ مَنْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِ تَهَوُّدِهِ أَوْ تَنَصُّرِهِ أَيْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا عَلِمْنَا تَمَسُّكَ الْجَدِّ بِالدِّينِ بَعْدَ نَسْخِهِ. كَمَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بِعْثَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا تُعْقَدُ الْجِزْيَةُ لِفَرْعِهِ لِتَمَسُّكِهِ بِدِينٍ سَقَطَتْ حُرْمَتُهُ نَعَمْ يَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَان لَهُمْ لِأَنَّ بَابَ الْأَمَانِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَبِذَلِكَ) أَيْ بِصِحَّةِ عَقْدِهَا. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الصَّابِئَةُ) الصَّابِئَةُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّصَارَى نِسْبَةً إلَى صَابِئٍ عَمِّ نُوحٍ وَالسَّامِرَةُ فِرْقَةٌ مِنْ الْيَهُودِ نِسْبَةً لِلسَّامِرِيِّ عَابِدِ الْعِجْلِ وَهُوَ الَّذِي صَنَعَهُ. قَوْلُهُ: (فِي أُصُولِ دِينِهِمْ) وَهِيَ مُوسَى وَالتَّوْرَاةُ وَعِيسَى وَالْإِنْجِيلُ وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي الْفُرُوعِ فَأَصْلُ دِينِ كُلِّ أُمَّةٍ نَبِيُّهَا وَكِتَابُهَا. قَوْلُهُ: (لَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ) أَيْ لَمْ نَعْلَمْ هَلْ كَفَّرَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ) وَهِيَ عَشَرَةٌ: وَصُحُفِ شِيثٍ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ خَمْسُونَ، وَكَذَا تُعْقَدُ لِمُتَمَسِّكٍ بِصُحُفِ إدْرِيسَ وَهِيَ عَشَرَةٌ. وَسَكَتَ عَنْ صُحُفِ مُوسَى وَهِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 19] وَقَالَ: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] . وَتُسَمَّى كُتُبًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَانْدَرَجَتْ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البقرة: 101] وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ وَتُحَرَّمُ ذَبِيحَتُهُ وَمُنَاكَحَتُهُ احْتِيَاطًا وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ وَلَا شُبْهَةُ كِتَابٍ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالشَّمْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ كَمَنْ يَقُولُ: إنَّ الْفُلْكَ حَيٌّ نَاطِقٌ وَإِنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ آلِهَةٌ فَلَا يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ وَلَوْ بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيٍّ وَلَمْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ. وَإِنْ بَذَلَهَا عُقِدَتْ لَهُ، وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا عَلَى زَمِنٍ وَشَيْخٍ وَهَرَمٍ وَأَعْمَى وَرَاهِبٍ وَأَجِيرٍ لِأَنَّهَا كَأُجْرَةِ الدَّارِ وَعَلَى فَقِيرٍ عَجَزَ عَنْ كَسْبٍ فَإِذَا تَمَّتْ سَنَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ وَكَذَا حُكْمُ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَالُ بِقَوْلِهِ: (وَأَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ فِي كُلِّ حَوْلٍ) عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ» وَهُوَ ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ.   [حاشية البجيرمي] عَشَرَةٌ قَبْلَ التَّوْرَاةِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ) أَيْ سَوَاءٌ اخْتَارَ دِينَ الْكِتَابِ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا أَمَّا إذَا اخْتَارَ دِينَ الْوَثَنِيِّ فَلَا تُعْقَدُ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ ذَبِيحَتُهُ) أَيْ مَنْ ذَكَرَ مِمَّنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ وَمِثْلُهُ زَاعِمٌ التَّمَسُّكَ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ أَوْ صُحُفِ شِيثٍ أَوْ الزَّبُورِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيٍّ) أَيْ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْأَوْصَافِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَشْخَاصِ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ طَلَبٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْعَقْدَ وَلَمْ يَتْبَعْ عَقْدَ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا كَانَ يَبْلُغُ الْمَأْمَنَ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْصُومًا تَبَعًا لِأَبِيهِ. وَمِثْلُ الْبُلُوغِ الْإِفَاقَةُ مِنْ الْجُنُونِ فَهُوَ كَذَلِكَ فِي التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَذَلَهَا) أَيْ امْتَثَلَ بَذْلَهَا بِأَنْ الْتَزَمَهَا. قَوْلُهُ: (وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا) مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ أَمَّا إنْ عَقَدَ عَلَى الْأَشْخَاصِ فَوَاجِبَةٌ جَزْمًا. قَوْلُهُ: (وَرَاهِبٌ) أَيْ عَابِدٌ. قَوْلُهُ: (فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ الرَّابِعُ. قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى دِينَارٍ وَلَوْ لِغَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُمَاكَسَةُ سُنَّةً بِأَنْ احْتَمَلَ أَنْ يُجِيبُوهُ فِي دَعْوَى التَّوَسُّطِ أَوْ الْغِنَى وَأَنْ لَا يُجِيبُوهُ فَيَجُوزُ تَرْكُ الْمُمَاكَسَةِ وَيَعْقِدُ بِدِينَارٍ وَيُصَدِّقُهُمْ فِي دَعْوَى الْفَقْرِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُمَاكَسَةُ وَاجِبَةً بِأَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ يُجِيبُونَهُ فِي دَعْوَى الْغِنَى أَوْ التَّوَسُّطِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْمُمَاكَسَةِ وَيَعْقِدُ بِدِينَارٍ وَيُصَدِّقُهُمْ فِي دَعْوَى الْفَقْرِ لِأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ الْعَقْدُ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ بِدُونِهِ، وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ إجَابَتِهِمْ لِمَا ذُكِرَ كَانَتْ الْمُمَاكَسَةُ مُبَاحَةً، وَالدِّينَارُ هُوَ الْمَضْرُوبُ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ فَلَا يَجُوزُ لَنَا الْعَقْدُ بِغَيْرِهِ وَإِنْ سَاوَاهُ وَيَجُوزُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَخْذُ غَيْرِهِ عَنْهُ عِوَضًا بِقِيمَتِهِ وَلَوْ مَغْشُوشًا غَيْرَ رَابِحٍ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ زِيَادَةٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا عَقَدَ عَلَيْهِ إلَّا بِنَحْوِ عَقْدٍ كَهِبَةٍ كَمَا فِي ق ل. عَلَى الْجَلَالِ وَفِي ع ش عَلَى م ر. وَالْمُرَادُ بِالدِّينَارِ الْمِثْقَالُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ يُسَاوِي الْآنَ نَحْوَ تِسْعِينَ نِصْفٍ فِضَّةً وَأَكْثَرَ وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِمَا كَانَ وَالدِّينَارُ الْمُتَعَامَلُ بِهِ الْآنَ يَنْقُصُ زِنَتُهُ عَنْ الْمِثْقَالِ الشَّرْعِيِّ رُبُعًا وَالْعِبْرَةُ بِالْمِثْقَالِ الشَّرْعِيِّ زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ) أَيْ مُحْتَلِمٍ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: أَرَادَ بِالْحَالِمِ مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّجَالِ احْتَلَمَ أَوْ لَا اهـ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَأَوَّلَ بِذَلِكَ لِيَشْمَلَ مَنْ بَلَغَ بِالسِّنِّ وَإِنْ لَمْ يَرَ مَنِيًّا وَأَمَّا الْبُلُوغُ بِالِاحْتِلَامِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ إمْكَانُهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ بِالْفِعْلِ كَمَا أَشَارَ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ: وَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الرَّجُلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَدْلَهُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا م ر أَيْ بَدَلَهُ وَاقْتَصَرَ ق ل. عَلَى الْفَتْحِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمَعَافِرِ) قِيلَ هُوَ مُفْرَدٌ عَلَى صُورَةِ الْجَمْعِ. كَحَضَاجِرَ وَبَلَادِرَ وَقِيلَ: جَمْعُ مَعْفَرٍ كَمَقَاعِدَ جَمْعُ مَقْعَدٍ، وَهُوَ اسْمُ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ مَعَافِرُ أَبُو قَبِيلَةٍ مِنْ الْيَمَنِ ثُمَّ سُمِّيَتْ الْقَبِيلَةُ بِهِ ثُمَّ سُمِّيَتْ الثِّيَابُ بِاسْمِ مَنْ يَنْسِجُهَا، مِنْ هَؤُلَاءِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِيَّةِ نِسْبَةً لِمَعَافِرَ وَعِبَارَةُ أج: مِنْ الْمَغَافِرِ بِالْغِينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ حَيُّ مِنْ هَمْدَانَ لَا يَنْصَرِفُ فِي مَعْرِفَةٍ وَلَا نَكِرَةٍ لِأَنَّهُ جَاءَ عَلَى مِثَالِ مَا لَا يَنْصَرِفُ مِنْ الْجَمْعِ. وَإِلَيْهِمْ تُنْسَبُ الثِّيَابُ الْمَعَافِرِيَّةُ. تَقُولُ: ثَوْبٌ مَعَافِرِيٌّ فَتَصْرِفُهُ لِأَنَّك أَدْخَلْت عَلَيْهِ يَاءَ النِّسْبَةِ وَلَمْ تَكُنْ فِي الْوَاحِدِ. اهـ. ابْنُ شَرَفٍ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ، أَوْ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَبِهِ أَخَذَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ، وَعَلَيْهِ إذَا عَقَدَهَا بِهِ جَازَ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهُ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَقْدُهَا بِمَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ لِأَنَّ قِيمَتَهُ قَدْ تَنْقُصُ عَنْهُ آخِرَ الْمُدَّةِ وَمَحَلُّ كَوْنِ أَقَلِّهَا دِينَارًا عِنْدَ قُوَّتِنَا. وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ الدَّارِمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُهَا بِأَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ. نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْتَقِرُّ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ أَوْ تَجِبُ بِانْقِضَائِهِ وَبَنَى عَلَيْهِمَا إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ هَلْ تَسْقُطُ، فَإِنْ قُلْنَا: بِالْعَقْدِ لَمْ تَسْقُطْ وَإِلَّا سَقَطَتْ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْإِسْرَارِ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِ الْجِزْيَةِ، وَيَنْدُبُ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةُ الْكَافِرِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ حَتَّى تَزِيدَ عَلَى دِينَارٍ (وَ) عَلَى هَذَا (يُؤْخَذُ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ دِينَارَانِ وَمِنْ الْمُوسِرِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ) وَمِنْ الْفَقِيرِ دِينَارًا (اسْتِحْبَابًا) اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مُتَصَرِّفٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ لَهُمْ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ بِدُونِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ. تَنْبِيهٌ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَأَمَّا إذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ. كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ   [حاشية البجيرمي] التَّحْرِيرِ اهـ. قَوْلُهُ: (إنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ) أَيْ فَلَا تُعْقَدُ إلَّا بِهِ. قَوْلُهُ: (عَنْ الْمَذْهَبِ) كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ اسْمُ كِتَابٍ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ قَوْلُهُ: فِي كُلِّ حَوْلٍ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ حَوْلٌ إلَّا بِتَمَامِهِ. قَوْلُهُ: (تَجِبُ بِالْعَقْدِ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَسْقُطْ) بَلْ يُؤْخَذُ الْقِسْطُ مِنْ التَّرِكَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةُ الْكَافِرِ) أَيْ غَيْرِ الْفَقِيرِ، وَالْمُمَاكَسَةُ طَلَبُ زِيَادَةٍ عَلَى الدِّينَارِ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَظُنَّ إجَابَتَهُمْ بِالْأَكْثَرِ مِنْ دِينَارٍ وَلَا عَدَمَهَا فَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إجَابَتَهُمْ لِلْعَقْدِ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ وَجَبَتْ الْمُمَاكَسَةُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدُ اهـ. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ عِنْدَ قُوَّتِنَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ مُمَاكَسَةٌ أَيْ طَلَبُ زِيَادَةٍ عَلَى دِينَارٍ مِنْ رَشِيدٍ وَلَوْ وَكِيلًا حِينَ الْعَقْدِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ حَتَّى يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ كَدِينَارَيْنِ مُتَوَسِّطٍ لِمُتَوَسِّطٍ وَأَرْبَعَةٍ لِغَنِيٍّ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُهَا إلَّا كَذَلِكَ أَيْ بِأَرْبَعَةٍ فِي الْغَنِيِّ وَدِينَارَيْنِ فِي الْمُتَوَسِّطِ. بَلْ حَيْثُ أَمْكَنَتْهُ الزِّيَادَةُ بِأَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إجَابَتَهُمْ عَلَيْهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَالْمُمَاكَسَةُ تَكُونُ عِنْدَ الْعَقْدِ إنْ عَقَدَ عَلَى الْأَشْخَاصِ فَحَيْثُ عَقَدَ عَلَى شَيْءٍ امْتَنَعَ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْأَخْذِ إنْ عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ كَصِفَةِ الْغَنِيِّ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ وَحِينَئِذٍ فَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مُمَاكَسَتُهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ مُتَوَسِّطٍ آخِرَ الْحَوْلِ وَلَوْ بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ دِينَارَيْنِ فَأَكْثَرَ وَمِنْ كُلِّ غَنِيٍّ كَذَلِكَ أَرْبَعَةً مِنْ الدَّنَانِيرِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا يُؤْخَذُ إلَخْ) : الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ الْآتِي هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْد أَنْ يَقُولَ: وَعَلَى هَذَا يَعْقِدُ لِلْمُتَوَسِّطِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُتَوَسِّطِ) الْمُرَادُ بِالْمُتَوَسِّطِ وَبِالْمُوسِرِ مَا فِي الْعَاقِلَةِ ز ي وَهُوَ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ كِفَايَتِهِ آخِرَ السَّنَةِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَكَذَا الْمُتَوَسِّطُ وَهُوَ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ كِفَايَتِهِ الْعُمْرَ الْغَالِبَ دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا وَفَوْقَ رُبُعِ دِينَارٍ. اهـ. وَهَذَا أَعْنِي مَا قَالَهُ زي: هُوَ الْمُقَرَّرُ عَنْ الْمَشَايِخِ وَإِنْ كَانَ فِي شَرْحِ م ر خِلَافُهُ. وَهُوَ أَنَّهُ عَنَى النَّفَقَةَ وَنَقَلَ الْأَوَّلَ: عَنْ م ر فِي غَيْرِ شَرْحِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَالْأَوْجَهُ: ضَبْطُ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ بِأَنَّهُ هُنَا وَفِي الضِّيَافَةِ كَالنَّفَقَةِ بِأَنْ يَزِيدَ دَخْلُهُ عَلَى خَرْجِهِ بِجَامِعِ أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ لَا بِالْعَاقِلَةِ إذْ لَا مُوَاسَاةَ هُنَا وَلَا بِالْعُرْفِ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ س ل وَالْقَوْلُ: قَوْلُ مُدَّعِي التَّوَسُّطِ وَالْفَقْرِ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ أَوْ عَهِدَ لَهُ مَالٌ وَكَذَا مَنْ غَابَ وَأَسْلَمَ ثُمَّ حَضَرَ وَقَالَ: أَسْلَمْت مِنْ وَقْتِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ. قَوْلُهُ: (اسْتِحْبَابًا) رَاجِعٌ لِلْمُتَوَسِّطِ وَالْغَنِيِّ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إجَابَتَهُمْ لِلْأَكْثَرِ مِنْ دِينَارٍ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ نَدْبُ الْمُمَاكَسَةِ وَهَذَا إذَا عَقَدَ عَلَى الْأَشْخَاصِ أَمَّا إذَا عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ فَالْمُمَاكَسَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْأَخْذِ مَعًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْإِمَامَ تَارَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَلَوْ عُقِدَتْ الْجِزْيَةُ لِلْكُفَّارِ، بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ ثُمَّ عَلِمُوا بَعْدَ الْعَقْدِ جَوَازَ دِينَارٍ لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ثُمَّ عَلِمَ الْغَبْنَ. فَإِنْ أَبَوْا بَذْلَ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَانُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ. كَمَا لَوْ امْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ أَصْلِ الْجِزْيَةِ. وَلَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ أَوْ نَبَذَ الْعَهْدَ أَوْ مَاتَ بَعْدَ سِنِينَ وَلَهُ وَارِثٌ مُسْتَغْرِقٌ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُنَّ مِنْهُ فِي الْأُولَتَيْنِ وَمِنْهُ: تَرِكَتُهُ فِي الثَّالِثَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ كَالْخَرَاجِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَخْلُفْ وَارِثًا فَتَرِكَتُهُ فَيْءٌ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ نَبَذَ الْعَهْدَ أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِ سَنَةٍ. فَقِسْطٌ لِمَا مَضَى كَالْأُجْرَةِ. (وَيَجُوزُ) كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَالرَّاجِحُ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ (أَنْ يَشْتَرِطَ) بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى غَيْرِ فَقِيرٍ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ مُتَوَسِّطٍ فِي الْعَقْدِ بِرِضَاهُمْ (الضِّيَافَةَ) أَيْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَّا بِخِلَافِ الْفَقِيرِ، فَإِنَّهَا تَتَكَرَّرُ فَلَا تَتَيَسَّرُ لَهُ (فَضْلًا) أَيْ   [حاشية البجيرمي] يَعْقِدُ عَلَى الْأَشْخَاصِ فَلَهُ الْمُمَاكَسَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَطْ بِأَنْ يَقُولَ الْكَافِرُ: أَنَا فَقِيرٌ اعْقِدْ لِي بِدِينَارٍ فَيَقُولُ الْإِمَامُ لَهُ: أَنْتَ غَنِيٌّ أَوْ مُتَوَسِّطٌ مَثَلًا فَيُمَاكِسُهُ حَتَّى يَعْقِدَ لَهُ بِدِينَارَيْنِ إنْ اتَّفَقَا عَلَى التَّوَسُّطِ أَوْ بِأَرْبَعَةٍ إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْغِنَى وَمَتَى عَقَدَ بِشَيْءٍ لَزِمَ وَسَوَاءٌ اسْتَمَرَّ الْكَافِرُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي عَقَدَ لَهُ عَلَيْهَا أَوْ لَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ثُمَّ هَذِهِ الْمُمَاكَسَةُ إنْ كَانَتْ سُنَّةً جَازَ تَرْكُهَا وَتَصْدِيقُ الْكَافِرِ فِي دَعْوَى الْفَقْرِ وَيَعْقِدُ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا فَلَوْ تَرَكَهَا وَعَقَدَ بِدُونِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ الدِّينَارَيْنِ لَمْ يَصِحَّ وَأَمَّا: إذَا عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمَاكِسَ عِنْدَ الْعَقْدِ بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ: جَعَلْت عَلَى الْغَنِيِّ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْجِهَةِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَالْمُتَوَسِّطِ دِينَارَيْنِ فَيَقُولُونَ لَهُ: الْجِهَةُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا فُقَرَاءُ اجْعَلْ عَلَيْهَا دِينَارًا وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُمَاكِسَ عِنْدَ الْأَخْذِ بِأَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْكَافِرُ دِينَارًا وَيَقُولَ: أَنَا مِنْ الْفُقَرَاءِ فَيَقُولُ لَهُ: أَنْتَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ مَثَلًا وَفِي الْحَالَتَيْنِ أَيْ الْمُمَاكَسَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَعِنْدَ الْأَخْذِ إنْ كَانَتْ سُنَّةً جَازَ تَرْكُهَا وَيَعْقِدُ فِي الْأَوَّلِ بِدِينَارٍ وَعِنْدَ الْأَخْذِ يَتْرُكُهَا وَيَأْخُذُ دِينَارًا أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا وَالْعَقْدُ بِدِينَارٍ وَلَا تَرْكُهَا عِنْدَ الْأَخْذِ وَأَخْذُ دِينَارٍ. قَوْلُهُ: (كَانُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ) : فَإِذَا عَادُوا وَطَلَبُوا عَقْدَهَا بِدِينَارٍ أَجَابَهُمْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ أَيْضًا لَكِنَّ الْإِمَامَ، أَوْ نَائِبَهُ، يُضَارِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ الْجِزْيَةِ اهـ قَالَ الشَّيْخُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ أَوْ سَفَهٍ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ اهـ وَكَذَا قَوْلُهُ: بِفَلَسٍ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ يَصِحُّ عَقْدُ الْجِزْيَةِ لَهُ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ شُرُوطِ الْمَعْقُودِ لَهُ عَدَمَ الْحَجْرِ فَطُرُّوهُ لَا يُبْطِلُهَا، وَحِينَئِذٍ يُوجِبُ الْقِسْطَ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْقُطُ الْبَاقِي مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ كَمَا فِي دل شَرْحِ م ر وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر، أَوْ أَسْلَمَ أَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِ سَنَةٍ فَقِسْطٌ لِمَا مَضَى وَاجِبٌ فِي مَالِهِ أَوْ تَرِكَتِهِ كَالْأُجْرَةِ: وَالْقَوْلُ فِي وَقْتِ إسْلَامِهِ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إذَا حَضَرَ وَادَّعَاهُ فَلَمْ يَذْكُرْ الْحَجْرَ بِقِسْمَيْهِ. فَإِنْ عَقَدَ رَشِيدٌ بِأَكْثَرَ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ اُتُّجِهَ لُزُومُ مَا عَقَدَ بِهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ سُفِّهَ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْأَكْثَرُ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَاتَ) أَوْ جُنَّ وَلَا تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. اهـ. عَزِيزِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ سِنِينَ) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ وَارِثٌ مُسْتَغْرِقٌ) يَرْجِعُ لِمَاتَ فَقَطْ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ أَخَذَ مِنْ نَصِيبِهِ قِسْطَهُ كَأَنْ خَلَفَ بِنْتًا فَتَدْفَعُ نِصْفَ الْجِزْيَةِ م ر فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (أُخِذَتْ جِزْيَتَهُنَّ) أَيْ السِّنِينَ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِ) أَيْ أَثْنَاءِ. قَوْلُهُ: (فَقِسْطٌ) بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهَا بِالْعَقْدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ إلَخْ) كَلَامٌ مُجْمَلٌ. حَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ احْتَمَلَ أَنْ يُوَافِقُوهُ عَلَى شَرْطِ الضِّيَافَةِ وَأَنْ لَا يُوَافِقُوهُ كَأَنْ شَرَطَهَا سَنَةً وَإِنْ عَلِمَ أَنْ يُوَافِقُوهُ أَوْ ظَنَّ وَجَبَ شَرْطُهَا. فَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ إجَابَتِهِمْ كَانَ الشَّرْطُ مُبَاحًا وَكُلُّ هَذَا عِنْدَ رِضَاهُمْ وَطِيبِ نَفْسِهِمْ وَإِلَّا حَرُمَ شَرْطُ الضِّيَافَةِ. وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ قَبُولِهِمْ كَقَبُولِ الْجِزْيَةِ اهـ. م ر سم عَلَى حَجّ. قَوْلُهُ: (الضِّيَافَةُ) وَلَوْ صُولِحُوا عَلَى تَرْكِ الضِّيَافَةِ بِمَالٍ فَهُوَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ لَا لِلطَّارِقِينَ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ) بِحَيْثُ يُسَمَّى مُسَافِرًا وَلَيْسَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ ق ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَإِنْ كَانَ الْمَارُّ غَنِيًّا مُجَاهِدًا وَيُتَّجَهُ عَدَمُ دُخُولِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ لِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الرُّخَصِ. اهـ قَالَ ع ش عَلَيْهِ فَمَا أَخَذَهُ الْمُسَافِرُ الْمَذْكُورُ، لَا يُحْسَبُ مِمَّا شُرِطَ عَلَيْهِمْ بَلْ الْحَقُّ بَاقٍ فِي جَنْبِهِمْ يُطَالِبُونَ بِهِ وَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ فَلَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 فَاضِلًا (عَنْ مِقْدَارِ الْجِزْيَةِ) لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْجِزْيَةُ عَلَى التَّمْلِيكِ وَيَجْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ. وَيَذْكُرُ عَدَدَ ضِيفَانِ رَجْلًا وَخَيْلًا لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ وَأَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ، بِأَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَوْ عَلَى الْمَجْمُوعِ كَأَنْ يَقُولَ: وَتُضِيفُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَ مُسْلِمٍ. وَهُمْ يَتَوَزَّعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَوْ يَتَحَمَّلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَيَذْكُرُ مَنْزِلَهُمْ كَكَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ وَجِنْسِ طَعَامٍ. وَأُدْمٍ وَقَدْرَهُمْ لِكُلٍّ مِنَّا وَيَذْكُرُ الْعَلَفَ لِلدَّوَابِّ وَلَا يَشْتَرِطُ ذِكْرَ جِنْسِهِ وَلَا قَدْرَهُ وَيُحْمَلُ عَلَى تِبْنٍ وَنَحْوِهِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ إلَّا الشَّعِيرَ وَنَحْوَهُ كَالْفُولِ، إنْ ذَكَرَهُ فَيُقَدِّرُهُ وَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ دَوَابُّ وَلَمْ يُعَيِّنْ عَدَدًا مِنْهَا لَمْ يَعْلِفْ لَهُ إلَّا وَاحِدَةً عَلَى النَّصِّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ وَعَلَى ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَرَوَى الشَّيْخَانِ: «خَيْرُ الضِّيَافَةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» وَلْيَكُنْ الْمَنْزِلُ بِحَيْثُ يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ. وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعَاقِدُ وَشَرَطَ فِيهِ كَوْنَهُ إمَامًا فَيَعْقِدُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ. فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ فَتَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ. لَكِنْ لَا يُغْتَالُ الْمَعْقُودُ لَهُ بَلْ يَبْلُغُ مَأْمَنَهُ وَعَلَيْهِ إجَابَتُهُمْ إذَا طَلَبُوا وَأَمِنَ إذَا لَمْ   [حاشية البجيرمي] لَمْ يَمُرَّ بِهِمْ أَحَدٌ لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ عُبَابٌ وَقَالَ م ر: وَلَا يُطَالِبُهُمْ بِعِوَضٍ إنْ لَمْ يَمُرَّ بِهِمْ ضَيْفٌ اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل. عَلَى الْجَلَالِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِهِمْ ضِيفَانٌ لَمْ يَلْزَمْهُمْ بَذْلُ الضِّيَافَةِ إلَّا إنْ شُرِطَ عَدَدٌ مَثَلًا فِي يَوْمٍ وَفَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْعَدَدِ اهـ. قَوْلُهُ: (مِنَّا) أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ قَيْدٌ لِلنَّدْبِ لَا لِلْجَوَازِ وَيَجُوزُ شَرْطُ ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ الذِّمِّيِّينَ. وَيَحْمِلُ إطْلَاقَ الْمَارِّ عَلَى الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا بِدِيَارِهِمْ أَوْ عَكْسَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ بِدَارِنَا أَوْ دَارِهِمْ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (أَيْ فَاضِلًا) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَاضِلَةً أَيْ زَائِدَةً لِأَنَّهُ حَالٌ مِنْ الضِّيَافَةِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَالْحَالُ وَصْفٌ لِصَاحِبِهَا. قَوْلُهُ: (وَيَجْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ كَمَا فِي ح ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر فَإِنْ شَرَطَ فَوْقَهَا مَعَ رِضَاهُمْ جَازَ. وَيَشْتَرِطُ تَزْوِيدَ الضَّيْفِ كِفَايَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَوْ امْتَنَعَ قَلِيلٌ مِنْهُمْ مِنْ الضِّيَافَةِ أُجْبِرُوا أَوْ كُلُّهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ فَنَاقِضُونَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَذْكُرُ عَدَدَ ضِيفَانٍ) أَيْ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ ح ل وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَيَذْكُرُ أَيْ وُجُوبًا اهـ وَعَلَيْهِ فَيُقْرَأُ لَفْظُ يَذْكُرُ بِالرَّفْعِ. قَوْلُهُ: (رَجْلًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ كَمَا ضَبَطَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الرَّاجِلُ ضِدُّ الْفَارِسِ وَالْجَمْعُ رَجْلٌ كَصَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَرَجَّالَةٌ وَرُجَّالٌ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ فِيهِمَا. اهـ فَقَوْلُهُ: رَجْلًا أَيْ مُشَاةً وَقَوْلُهُ وَخَيْلًا أَيْ فُرْسَانًا. قَوْلُهُ: (وَتُضِيفُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ) هَذَا الْمِثَالُ لِقَوْلِهِ: أَوْ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَمِثَالُ قَوْلِهِ: عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ كَأَنْ يَقُولَ: أَقْرَرْتُمْ عَلَى أَنَّ عَلَى الْغَنِيِّ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَعَلَيْهِ ضِيَافَةُ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ مَثَلًا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْمُشَاةِ كَذَا وَالرُّكْبَانِ كَذَا. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَيَذْكُرُ مَنْزِلَهُمْ) وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ رَفْعَ بَابِهِ لِيَدْخُلَ الْفَارِسُ رَاكِبًا مَثَلًا ق ل. قَوْلُهُ: (وَجِنْسُ طَعَامٍ) وَمِنْهُ الْفَاكِهَةُ وَالْحَلْوَى وَنَحْوُهُمَا فِي كُلِّ زَمَانٍ عَلَى الْعَادَةِ وَيُلْزِمُهُمْ أُجْرَةَ طَبِيبٍ وَثَمَنَ دَوَاءٍ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ الضِّيَافَةِ. قَوْلُهُ: (أَيْلَةَ) بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَتَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ فَلَامٌ مَفْتُوحَةٌ الْعَقَبَةُ الْمَشْهُورَةُ مِنْ مَنَازِلِ الْحَجِّ الْمِصْرِيِّ وَهِيَ الْمُرَادُ مِنْ الْقَرْيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: 163] الْآيَةَ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ بَلْدَةٌ بِالشَّامِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ مَكَّةَ وَمِصْرَ وَأَمَّا إيلِيَاءُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَبَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ يَاءٌ مَفْتُوحَةٌ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ فَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ (عَلَى ثَلَثِمِائَةِ دِينَارٍ) يَقْتَضِي أَنَّهُمْ فُقَرَاءُ وَشَرْطُ الضِّيَافَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَقْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ غَيْرُ فُقَرَاءَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْعَقْدُ مَعَهُمْ إلَّا بِدِينَارٍ. قَوْلُهُ: (وَلْيَكُنْ الْمَنْزِلُ) هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْ غَيْرِهِ) وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَعْقُودِ لَهُ وَإِنْ أَقَامَ سَنَةً فَأَكْثَرَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَغْوٌ سم وَشَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (لَا يُغْتَالُ) أَيْ لَا يُخْدَعُ وَيُقْتَلُ وَيَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ الْإِمَامُ لَا يَغْتَالُ الْمَعْقُودَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْآحَادِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَبْلُغُ مَأْمَنَهُ) أَيْ مَحَلًّا يَأْمَنُ فِيهِ مِنَّا وَهُوَ دَارُ الْحَرْبِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ أَيْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِعَقْدِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَمِنَ) أَيْ مَكْرَهُمْ وَقَوْلُهُ: إذْ لَمْ يَخَفْ عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بِأَنْ لَمْ يَخَفْ غَائِلَتَهُمْ إلَخْ. فَهُوَ بَيَانٌ لِأَمْنِ الْمَكْرِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 يَخَفْ غَائِلَتَهُمْ وَمَكِيدَتَهُمْ، فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ جَاسُوسًا يَخَافُ شَرَّهُمْ لَمْ يُجِبْهُمْ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ» وَيُسْتَثْنَى الْأَسِيرُ إذَا طَلَبَ عَقْدَهَا فَلَا يَجِبُ تَقْرِيرُهُ بِهَا. وَالرُّكْنُ الْخَامِسُ: الْمَكَانُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُهُ لِلتَّقْرِيرِ فِيهِ فَيُمْنَعُ كَافِرٌ وَلَوْ ذِمِّيًّا إقَامَةً بِالْحِجَازِ وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ، وَطُرُقُ   [حاشية البجيرمي] الشَّارِحُ: بِأَنْ لَمْ يَخَفْ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَمَكِيدَتَهُمْ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ لِأَنَّ الْمَكِيدَةَ هِيَ الْأَمْرُ الْخَفِيُّ الَّذِي لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ. اهـ. ز ي وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْعَائِلَةَ الْأَذَى الظَّاهِرُ. وَالْمَكِيدَةَ الْأَذَى الْخَفِيُّ وَعَلَيْهِ فَالْعَطْفُ مُغَايِرٌ. قَوْلُهُ: (شَرَّهُمْ) الْمُنَاسِبُ شَرَّهُ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ يَخَافُ شَرَّهُ وَهِيَ أَظْهَرُ وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ وَالنَّامُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ، وَالْجَاسُوسُ هُوَ الَّذِي يَتَجَسَّسُ الْأَمَاكِنَ الْمَخُوفَةَ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجِبْهُمْ) هَلْ الْمُرَادُ لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُمْ أَوْ لَمْ تَجُزْ يَنْبَغِي الثَّانِي عِنْدَ ظَنِّ الضَّرَرِ لِلْمُسْلِمِينَ سم. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَنَّ السُّلْطَانَ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ هُمْ) هُمْ فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَإِنْ أَبَوْا فَلَمَّا حُذِفَ الْفِعْلُ انْفَصَلَ الضَّمِيرُ وَهُوَ الْوَاوُ وَإِنَّمَا كَانَتْ فَاعِلًا لِأَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ لَا يَلِيهَا إلَّا الْأَفْعَالُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] فَإِنَّ السَّمَاءَ فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ إذَا انْشَقَّتْ السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ بَدَلًا مِنْ الْأُولَى أَوْ تَأْكِيدًا لَهَا تَأْكِيدًا لَفْظِيًّا. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجِبُ تَقْرِيرُهُ بِهَا) بَلْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ وَعَقْدُ الْجِزْيَةِ يُبْطِلُ التَّخْيِيرَ. لَكِنْ يَخْتَارُ الْإِمَامُ فِيهِ غَيْرَ الْقَتْلِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (الْمَكَانُ إلَخْ) الْمَكَانُ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا الْحَرَمُ فَلَا يَدْخُلُهُ كَافِرٌ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ مُؤَمَّنًا. ثَانِيهَا بِلَادُ الْحِجَازِ فَيَجُوزُ دُخُولُهُمْ بِالْإِذْنِ وَلَا يُقِيمُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. ثَالِثُهَا سَائِرُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْهَا لَكِنْ لَا يَدْخُلُونَ مَسْجِدًا إلَّا لِحَاجَةٍ وَإِذْنِ مُسْلِمٍ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ لِلْمُعَاهَدِ دُخُولَ الْحَرَمِ اهـ مِنْ التَّفْسِيرِ لِلشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قَوْلُهُ: (فَيُمْنَعُ كَافِرٌ) الْمُنَاسِبُ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَبُولِ لِلتَّقْرِيرِ أَنْ يَقُولَ: فَلَوْ أَقَرَّهُمْ فِي الْحِجَازِ لَمْ يَصِحَّ. قَوْلُهُ: (الْحِجَازُ) مِنْ الْحَجْزِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ أَوْ بَيْنَ الشَّامِ وَالْيَمَنِ أَوْ لِحَجْزِهِ بِالْجِبَالِ وَالْحِجَارَةِ. وَهَذِهِ أَوْلَى ق ل وَهُوَ مُقَابِلٌ لِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ شَرْقِيِّهَا وَطُولُهُ مَسِيرَةُ شَهْرٍ مِنْ الْعَقَبَةِ مِنْ مَنَازِلِ الْحَجِّ الْمِصْرِيِّ إلَى سَدُومَ أَقْصَى مَدِينَةِ عَدَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ وَعَرْضُهُ مِنْ جَدَّةَ إلَى الشَّامِ وَيُحِيطُ بِهِ بَحْرُ الدِّجْلَةِ وَالْفُرَاتِ وَبَحْرُ الْحَبَشَةِ وَبَحْرُ فَارِسٍ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ كَمَا يُسَمَّى حِجَازًا لِمَا مَرَّ رَحْمَانِيٌّ وَقَوْلُهُ: فَيُمْنَعُ كَافِرٌ إقَامَةَ الْحِجَازِ أَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ شِرَاءِ أَرْضٍ فِيهِ لَمْ يَقُمْ فِيهَا قِيلَ: وَهُوَ الْأَوْجَهُ. لَكِنَّ الصَّوَابَ مَنْعُهُ لِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ اتِّخَاذُهُ كَالْأَوَانِي وَآلَاتِ اللَّهْوِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَا يَتَّخِذُ الذِّمِّيُّ شَيْئًا مِنْ الْحِجَازِ دَارًا وَإِنْ رُدَّ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ ذَاكَ أَيْ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِ إلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَلَا يُمْنَعُونَ رُكُوبَ بَحْرٍ خَارِجَ الْحَرَمِ بِخِلَافِ جَزَائِرِهِ الْمُكَوَّنَةِ قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمُقَامِ فِي الْمَرَاكِبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالْبَرِّ. وَلَعَلَّ مُرَادَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ وَأَقَامَ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَالْيَمَامَةُ) وَهِيَ بَلَدُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَهِيَ مَدِينَةٌ بِقُرْبِ الْيَمَنِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَمَرْحَلَتَيْنِ مِنْ الطَّائِفِ وَسُمِّيَتْ بِاسْمِ جَارِيَةٍ زَرْقَاءَ كَانَتْ تَسْكُنُهَا وَكَانَتْ تُبْصِرُ الرَّاكِبَ مِنْ مَسَافَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَارَ إلَيْهَا أَعْدَاؤُهَا وَجَعَلُوا الْأَشْجَارَ عَلَى ظُهُورِ الْإِبِلِ فَرَأَتْهُمْ مِنْ مَسَافَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَالَتْ لِقَوْمِهَا أَرَى بَسَاتِينَ سَيَّارَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَهَزَءُوا بِهَا وَقَالُوا فَسَدَ نَظَرُهَا الْبَسَاتِينُ تَسِيرُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَمَا شَعَرُوا حَتَّى هَجَمُوا عَلَيْهِمْ الْيَمَامَةَ فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا الزَّرْقَاءَ فَقَتَلُوهَا وَقَلَعُوا عَيْنَهَا فَرَأَوْا عُرُوقَهَا مِنْ دَاخِلٍ قَدْ امْتَلَأَتْ بِالْكُحْلِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ قَالَ الْمَعَرِّيُّ: سُبْحَانَ مَنْ قَسَمَ الْحُظُوّ ... ظَ فَلَا عِتَابَ وَلَا مَلَامَهْ أَعْمَى وَأَعْشَى ثُمَّ ذُو ... بَصَرٍ وَزَرْقَاءُ الْيَمَامَهْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 الثَّلَاثَةِ وَقُرَاهَا. كَالطَّائِفِ لِمَكَّةَ وَخَيْبَرَ لِلْمَدِينَةِ فَلَوْ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَخْرَجَهُ مِنْهُ وَعَزَّرَهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَلَا يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِهَا الْحِجَازَ غَيْرَ حَرَمِ مَكَّةَ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ لَنَا: كَرِسَالَةٍ وَتِجَارَةٍ فِيهَا كَبِيرُ حَاجَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا كَبِيرُ حَاجَةٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ مَتَاعِهَا كَالْعُشْرِ وَلَا يُقِيمُ فِيهِ بَعْدَ الْإِذْنِ لَهُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَوْ أَقَامَ فِي مَوْضِعٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى آخَرَ أَيْ وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَهَكَذَا فَلَا مَنْعَ فَإِنْ مَرِضَ فِيهِ وَشَقَّ نَقْلُهُ، أَوْ خِيفَ مِنْهُ مَوْتُهُ تُرِكَ مُرَاعَاةً لِأَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ، فَإِنْ مَاتَ فِيهِ وَشَقَّ نَقْلُهُ مِنْهُ دُفِنَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ نَعَمْ الْحَرْبِيُّ لَا يَجِبُ دَفْنُهُ وَلَا يَدْخُلُ حَرَمَ مَكَّةَ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: 28] أَيْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَطُرُقُ الثَّلَاثَةِ) أَيْ الْمُمْتَدَّةِ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ لَا مُطْلَقُ الطُّرُقِ أج. قَوْلُهُ: (وَقُرَاهَا) أَيْ الثَّلَاثِ: كَالطَّائِفِ، وَجَدَّةَ، وَخَيْبَرَ، وَالْيَنْبُعَ، م ر. وَقَوْلُهُ: كَالطَّائِفِ هُوَ تَمْثِيلٌ لِقُرَى الثَّلَاثِ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْيَمَامَةَ لَيْسَ لَهَا قُرًى. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ قُرَى الْمَجْمُوعِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ قُرًى ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِمَكَّةَ) أَيْ قَرْيَةٌ لِمَكَّةَ. قَوْلُهُ: (إلَّا لِمَصْلَحَةٍ) أَوْ ضَرُورَةٍ م ر. قَوْلُهُ: (مِنْ مَتَاعِهَا) أَيْ التِّجَارَةِ أَيْ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ شَوْبَرِيٌّ، وَفِي الرَّوْضِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تِجَارَةِ ذِمِّيٍّ، وَلَا ذِمِّيَّةٍ اتَّجَرَتْ إلَّا إنْ شَرَطَ مَعَ الْجِزْيَةِ قَالَ فِي شَرْحِهِ سَوَاءٌ أَكَانَا بِالْحِجَازِ أَمْ بِغَيْرِهِ. اهـ. سم. عَلَى حَجّ. قَوْلُهُ: (كَالْعُشْرِ) هَذَا أَصْلُ مَنْشَأِ الْمَكْسِ الْمُحَرَّمِ. وَقَدْ عَمَّ هَذَا الْبَلَاءُ حَتَّى عَلَى الْفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْمَكْسُ سَنَةً. اهـ. ق ل بِزِيَادَةٍ. وَقَوْلُهُ: كَالْعُشْرِ أَيْ أَوْ نِصْفِهِ بِحَسَبِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَلَا يُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً أَيْ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ دَخَلَ بِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِنَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ الْأَنْوَاعِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَوْ بَاعَ مَا دَخَلَ بِهِ وَرَجَعَ بِثَمَنِهِ فَاشْتَرَى بِهِ شَيْئًا آخَرَ وَلَوْ مِنْ نَوْعِ الْأَوَّلِ وَدَخَلَ بِذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى أَخَذَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَبِعْ مَا دَخَلَ بِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَ بِهِ ثُمَّ عَادَ، وَدَخَلَ مَرَّةً أُخْرَى بِعَيْنِهِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ، وَصَمَّمَ عَلَيْهِ سم وع ش وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ الدُّخُولُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَعَدَّدَ الْأَصْنَافُ الَّتِي يَدْخُلُونَ بِهَا وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةً بِاخْتِلَافِ عَدَدِ مَرَّاتِ الدُّخُولِ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى دُونَ مَا عَدَاهَا أَوْ مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي يَخْتَارُهُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ فَلْيُرَاجَعْ وَلَوْ قِيلَ بِالْأَخْذِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ جَاءُوا بِهِ وَإِنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُمْ بِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ بَيْعِهِمْ عَلَيْنَا وَدُخُولِهِمْ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اهـ. وَفِي سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَافَقُوهُ عَلَيْهِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْهَا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَرِضَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحِجَازِ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ. قَوْلُهُ: (دُفِنَ فِيهِ) أَيْ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْخُلُ حَرَمَ مَكَّةَ) كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَلَيْسَ مُرْتَبِطًا بِمَسْأَلَةِ الْحَرْبِيِّ قَبْلَهُ بَلْ عَامٌّ فِي الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ: غَيْرَ حَرَمِ مَكَّةَ قَالَ ز ي: وَحَرَمُ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ وَالطَّائِفِ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ جَدَّةَ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طِيبَةَ ... ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ ... وَجَدَّةُ عَشَرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ) أَمَّا لَوْ دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَأَنْ انْهَدَمَتْ الْكَعْبَةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ بِنَاؤُهَا إلَّا كَافِرٌ فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ. وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ دَعَتْ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ لِإِمْكَانِ حَمْلِ مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 فَقْرًا بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْحَرَمِ، وَانْقِطَاعَ مَا كَانَ لَكُمْ بِقُدُومِهِمْ مِنْ الْمَكَاسِبِ: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 28] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلْبَ إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ. وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَعُوقِبُوا بِالْمَنْعِ مِنْ دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ. فَإِنْ كَانَ رَسُولًا خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ يَسْمَعُهُ، فَإِنْ مَرِضَ فِيهِ أُخْرِجَ مِنْهُ وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ، فَإِنْ مَاتَ فِيهِ لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ فَإِنْ دُفِنَ فِيهِ نُبِشَ وَأُخْرِجَ مِنْهُ إلَى الْحِلِّ لِأَنَّ بَقَاءَ جِيفَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ حَيًّا. وَلَا يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ لِاخْتِصَاصِ حَرَمِ مَكَّةَ بِالنُّسُكِ. وَثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْخَلَ الْكُفَّارَ مَسْجِدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ " بَرَاءَةٌ ". (وَيَتَضَمَّنُ عَقْدُ الذِّمَّةِ) أَيْ الْجِزْيَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ. وَقَدْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: نَفْسُ الْعَقْدِ يَشْمَلُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ وَالْقَدْرَ الْمَأْخُوذَ وَالْمُوجِبَ وَالْقَابِلَ فَجَعَلَهُ مُتَضَمِّنًا لِغَالِبِ الْأَرْكَانِ. ثُمَّ بَيَّنَ مَا تَضَمَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) أَيْ ذِلَّةٍ (وَصَغَارٍ) أَيْ احْتِقَارٍ وَأَشَدُّهُ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ، وَيُضْطَرَّ إلَى احْتِمَالِهِ قَالَهُ فِي الزَّوَائِدِ. فَتُؤْخَذُ بِرِفْقٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَيَكْفِي فِي الصَّغَارِ الْمَذْكُورِ فِي آيَاتِهَا أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُ حِلَّهُ كَمَا فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ بِذَلِكَ وَتَفْسِيرُهُ بِأَنْ يَجْلِسَ الْآخِذُ وَيَقُومَ الْكَافِرُ وَيُطَأْطِئَ رَأْسَهُ وَيَحْنِيَ   [حاشية البجيرمي] يَأْتِي عَلَى حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ يُمْكِنُ قِيَامُ غَيْرِ الْكَافِرِ بِهَا أَوْ لَا يَحْصُلُ مِنْ عَدَمِ فِعْلِهَا خَلَلٌ قَوِيٌّ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَمُرَادُهُ بِمَا يَأْتِي أَيْ فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلَبَ) أَيْ جَلَبُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُبَاعُ إنَّمَا تُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ الْمُنَاسِبِ. أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْحَرَمِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ بَيَانٌ لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ جَمِيعَ الْحَرَمِ لَكِنَّ الْبَلَدَ بَعْضُ الْحَرَمِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْجَلَبُ لِلْبَلَدِ يَصْدُقُ بِالْجَلَبِ لِلْحَرَمِ بِتَمَامِهِ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ. وَالْجَلَبُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِهَا فَفِي الْمُخْتَارِ أَنَّهُ أَيْ فِعْلُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَطَلَبَ. قَوْلُهُ: (بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ وَإِنْ دَعَتْ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ كَمَا فِي الْأُمِّ وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ: ابْنِ كَجٍّ. يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ كَطَبِيبٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَحَمْلُ بَعْضِهِمْ لَهُ عَلَى مَا إذَا مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُ الْمَرِيضِ لَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ رَسُولًا خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ) عِبَارَةُ ق ر. عَلَى الْجَلَالِ فَإِنْ امْتَنَعَ إلَّا مِنْ أَدَائِهَا مُشَافَهَةً تَعَيَّنَ خُرُوجُ الْإِمَامِ لَهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّ بِهَا أَوْ أَسْمَعَهَا مَنْ يُخْبِرُ الْإِمَامَ وَلَوْ كَانَ طَبِيبًا وَجَبَ إخْرَاجُ الْمَرِيضِ إلَيْهِ مَحْمُولًا فَإِنْ تَعَذَّرَ رُدَّ أَيْ الطَّبِيبُ أَوْ وَصَفَ لَهُ مَرَضَهُ وَهُوَ خَارِجٌ، وَلَوْ بَذَلَ الْكَافِرُ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ مَالًا لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ فَإِنْ أُجِيبَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ثُمَّ إنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ أَخْرَجَ وَثَبَتَ الْمُسَمَّى أَوْ دُونَ الْمَقْصِدِ فَبِالْقِسْطِ مِنْ الْمُسَمَّى وَكُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ يَسْقُطُ فِيهِ الْمُسَمَّى إلَّا هَذِهِ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الْغَرَضَ، وَلَيْسَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ فَرَجَعَ إلَى الْمُسَمَّى. اهـ. عَنَانِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ الْحِجَازِ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ لِمَصْلَحَةٍ بِلَا إقَامَةٍ وَلَا سُكْنَى وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ مُطْلَقًا. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَرِضَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَرَمِ أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ تَعَدَّى وَدَخَلَ. قَوْلُهُ: (نُبِشَ) مَا لَمْ يَتَفَتَّتْ شَرْحُ التَّحْرِيرِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ نَعَمْ إنْ تَهَرَّى بَعْدَ دَفْنِهِ تُرِكَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ) لَكِنْ يُسَنُّ جَعْلُهُ كَحَرَمِ مَكَّةَ كَمَا فِي م ر وق ل. قَوْلُهُ: (وَيَتَضَمَّنُ) أَيْ يَقْتَضِي وَيَسْتَلْزِمُ فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَتَضَمَّنُ الْأَرْكَانَ الَّذِي تَوَرَّكَ بِهِ الشَّارِحُ بِكَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى الْمَتْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْأَرْكَانَ يَسْتَلْزِمُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (أَيْ الْجِزْيَةِ) تَفْسِيرٌ لِلذِّمَّةِ وَالْمُشْتَمِلُ صِفَةٌ لِلْعَقْدِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ. وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِذِكْرِ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْمَتْنِ لِأَنَّ الْبُلْقِينِيُّ عَبَّرَ بِالِاشْتِمَالِ لَا بِالتَّضَمُّنِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ) أَيْ فِي تَفْسِيرِ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (مُتَضَمِّنًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مُشْتَمِلًا عَلَى غَالِبِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهُ، عَبَّرَ بِالِاشْتِمَالِ لَا بِالتَّضَمُّنِ. قَوْلُهُ: (الْغَالِبُ الْأَرْكَانُ) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَكَانَ. قَوْلُهُ: (بِمَا) أَيْ بِحُكْمٍ لَا يَعْتَقِدُهُ أَيْ لَا يَعْتَقِدُ حِلَّهُ وَهُوَ وُجُوبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ وَالضِّيَافَةِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيُضْطَرُّ) عَطْفٌ عَلَى لَا يَعْتَقِدُ أَيْ وَيُضْطَرُّ إلَى احْتِمَالِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقِيلَ: إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ أَيْ وَلَا يُضْطَرُّ إلَى احْتِمَالِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَتَحَمَّلَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 ظَهْرَهُ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ فِي الْمِيزَانِ وَيَقْبِضَ الْآخِذُ لِحْيَتَهُ وَيَضْرِبَ لِهْزِمَتَيْهِ وَهُمَا مُجْتَمَعُ اللَّحْمِ بَيْنَ الْمَاضِغِ وَالْأُذُنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ بَاطِلَةٌ وَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَوْ وُجُوبِهَا أَشَدُّ بُطْلَانًا وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدًا مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا. (وَ) الثَّانِي (أَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ) فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ. وَكَذَا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ دُونَ مَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنِكَاحِ الْمَجُوسِ. وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ فِي الْإِيجَابِ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ مَعَ الِانْقِيَادِ وَالِاسْتِسْلَامِ كَالْعِوَضِ عَنْ التَّقْرِيرِ فَيَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ. وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَكْفِي فِيهَا الِانْقِيَادُ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ. (وَ) الثَّالِثَ (أَنْ لَا يَذْكُرُوا دِينَ الْإِسْلَامِ إلَّا بِخَيْرٍ) لِإِعْزَازِهِ. فَلَوْ خَالَفُوا وَطَعَنُوا فِيهِ أَوْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَوْ ذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا لَا يَلِيقُ بِقَدْرِهِ الْعَظِيمِ عُزِّرُوا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ شُرِطَ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِذَلِكَ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا. (وَ) الرَّابِعَ (أَنْ لَا يَفْعَلُوا مَا فِيهِ ضَرَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ) كَأَنْ قَاتَلُوهُمْ وَلَا شُبْهَةَ لَهُمْ، أَوْ امْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَوْ مِنْ إجْرَاءِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ   [حاشية البجيرمي] بِالْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (فَتُؤْخَذُ) مُفَرَّعٌ عَلَى تَفْسِيرِ الصَّغَارِ بِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (وَتَفْسِيرُهُ) أَيْ الصَّغَارِ. قَوْلُهُ: (وَبِضَرْبِ لِهْزِمَتَيْهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَالزَّايِ تَثْنِيَةٌ لِهْزِمَةٍ وَالْجَمْعُ لَهَازِمُ وَهَلْ يَحْرُمُ ضَرْبُهُ أَوْ لَا؟ حَرِّرْهُ ثُمَّ رَأَيْت ق ل قَالَ: وَهِيَ حَرَامٌ إنْ حَصَلَ بِهَا إيذَاءٌ وَإِلَّا كُرِهَتْ وَقَوْلُهُ: يَضْرِبُ إلَخْ أَيْ ضَرْبَةً وَاحِدَةً أَوْ ضَرْبَتَيْنِ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مَرْدُودٌ) خَبَرٌ تَفْسِيرُهُ قَوْلُهُ: (أَشَدُّ بُطْلَانًا) أَيْ مِنْ دَعْوَى أَصْلِ جَوَازِهَا. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ) أَمَّا فِيهَا فَلَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ فَلَا يُقْتَلُونَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَا يُقَاتَلُونَ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ وَقَوْلُهُ: فِي الْمُعَامَلَاتِ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَقَوْلُهُ: غَرَامَةُ الْمُتْلَفَاتِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ اهـ. قَوْلُهُ: (كَشُرْبِ الْخَمْرِ) يُتَأَمَّلُ فِيهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ عِنْدَهُمْ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَأَقُولُ: كَلَامُ الشَّارِحِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَفَى اعْتِقَادَ التَّحْرِيمِ لَا التَّحْرِيمَ. قَوْلُهُ: (وَنِكَاحُ الْمَجُوسِ) أَيْ الْمَحَارِمِ كَمَا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ فِيهِ حَذْفُ الْمَفْعُولِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَنِكَاحُ مَجُوسٍ مَحَارِمَ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ) أَيْ لِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَعْلُومٌ مِنْ خَارِجٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الصِّيغَةِ. قَوْلُهُ (وَالِاسْتِسْلَامِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ مُرَادِفٍ. قَوْلُهُ: (لَهُ) أَيْ لِلْمَذْكُورِ مِنْ الْجِزْيَةِ وَالِانْقِيَادِ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ) أَيْ مَحَلُّ كَوْنِ عَقْدِ الذِّمَّةِ يَسْتَلْزِمُ أَرْبَعَةً فِي حَقِّ الرَّجُلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَيْ أَمَّا زَوْجَتُهُ وَبِنْتُهُ فَلَا يَتَضَمَّنُ عَقْدُ الذِّمَّةِ لَهُ فِي حَقِّهِمْ الْأَرْبَعَةَ بَلْ يَتَضَمَّنُ الثَّانِيَ مِنْهَا وَهَذَا مِنْ الشَّارِحِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَذْكُرُ دِينَ الْإِسْلَامِ بِشَرٍّ وَتَفْعَلُ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَتُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا تُمْنَعُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (فَيَكْفِي فِيهَا) أَيْ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ لَهَا. وَقَوْلُهُ الِانْقِيَادُ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ أَيْ التَّعَرُّضُ لِلِانْقِيَادِ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ أَيْ دُونَ التَّعَرُّضِ لِلْجِزْيَةِ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا وَيُصَوِّرُ ذَلِكَ أَيْ التَّعَرُّضَ لِلِانْقِيَادِ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ تَكُونَ تَابِعَةً لِزَوْجِهَا أَوْ أَبِيهَا فِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَذْكُرُوا إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ هَذَا الثَّالِثُ دَاخِلٌ فِي الثَّانِي الظَّاهِرُ نَعَمْ وَعِبَارَةُ سم وَأَنْ لَا يَذْكُرُوا اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ أَوْ الْقُرْآنَ أَوْ نَبِيًّا أَوْ دِينَ الْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوَهَا إلَّا بِالْخَيْرِ، فَإِنْ سَبُّوا اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ أَوْ الْقُرْآنَ أَوْ دِينَ الْإِسْلَامِ أَوْ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ نَحْوَهَا جَهْرًا بِمَا لَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ كَالطَّعْنِ فِي نَسَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ نِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا فَإِنْ شَرَطَ انْتِقَاضَ عَهْدِهِمْ بِذَلِكَ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا أَمَّا مَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ كَقَوْلِهِمْ: الْقُرْآنُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَلَا انْتِقَاضَ بِهِ مُطْلَقًا اهـ. بِحُرُوفِهِ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ انْتِقَاضَ إلَخْ وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الِانْتِقَاضَ بِذَلِكَ ثُمَّ قُتِلَ بِمُسْلِمٍ أَوْ بِزِنَاهُ حَالَةَ كَوْنِهِ مُحْصَنًا بِمُسْلِمَةٍ صَارَ مَالُهُ فَيْئًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْتُولٌ تَحْتَ يَدِنَا لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَقَارِبِهِ الذِّمِّيِّينَ لِعَدَمِ التَّوَارُثِ وَلَا لِلْحَرْبِيِّينَ لِأَنَّا إذَا قَدَرْنَا عَلَى مَالِهِمْ أَخَذْنَاهُ فَيْئًا أَوْ غَنِيمَةً وَشَرْطُ الْغَنِيمَةِ هُنَا لَيْسَ مَوْجُودًا. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَلَا شُبْهَةَ لَهُمْ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُمْ شُبْهَةٌ كَأَنْ اسْتَعَانَ بِهِمْ الْبُغَاةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 عَلَيْهِمْ فَإِنْ فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ الِانْتِقَاضَ بِهِ وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا مِنْ سَقْيِهِمْ خَمْرًا وَإِطْعَامِهِمْ خِنْزِيرًا أَوْ سَمَاعِهِمْ قَوْلًا شِرْكًا كَقَوْلِهِمْ: اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَمِنْ إظْهَارِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَاقُوسٍ وَعِيدٍ وَمَتَى أَظْهَرُوا خُمُورَهُمْ أُرِيقَتْ وَقِيَاسُهُ إتْلَافُ النَّاقُوسِ وَهُوَ مَا يَضْرِبُ بِهِ النَّصَارَى لِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ إذَا أَظْهَرُوهُ وَمِنْ إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ وَبِيَعَةٍ وَصَوْمَعَةٍ لِلرُّهْبَانِ، وَبَيْتِ نَارٍ لِلْمَجُوسِ فِي بَلَدٍ أَحْدَثْنَاهُ كَبَغْدَادَ وَالْقَاهِرَةِ، أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كَالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ. وَالْيَمَنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُبْنَ كَنِيسَةٌ فِي الْإِسْلَامِ» وَلِأَنَّ إحْدَاثَ ذَلِكَ   [حاشية البجيرمي] وَقَالُوا: أَيْ الْكُفَّارُ ظَنَنَّا أَنَّهُمْ أَيْ الْبُغَاةَ مُحِقُّونَ وَأَنَّ لَنَا إعَانَةَ الْمُحِقِّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ) : وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامِ قِتَالَهُمْ بَلْ يَجِبُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ الْمَأْمَنَ وَلَا يَخْتَارَ فِيهِمْ رِقًّا وَلَا مَنًّا وَلَا فِدَاءً وَهَذَا إذَا انْتَقَضَ بِقِتَالٍ فَإِنْ انْتَقَضَ بِغَيْرِهِ فَكَمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ تَبْلِيغِهِمْ الْمَأْمَنَ وَلَكِنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْتَارَ فِيهِمْ الرِّقَّ أَوْ الْمَنَّ وَالْفِدَاءَ أَوْ الْقَتْلَ وَهَذَا فِيمَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ أَمَّا ذَرَارِيُّهُ وَزَوْجَتُهُ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ فَيُقَرُّونَ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ فَإِنْ طَلَبُوا دَارَ الْحَرْبِ، أُجِيبَ النِّسَاءُ وَالْخَنَاثَى دُونَ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَيُقَرُّونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِفَاقَةِ ثُمَّ بَعْدَهَا إنْ طَلَبُوا دَارَ الْحَرْبِ أُجِيبُوا. قَوْلُهُ: (مِنْ سَقْيِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: (وَإِطْعَامِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ وَبِيعَةٍ) وَكَذَا مِنْ تَرْمِيمِهَا نَعَمْ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَصْلَ الْمَوْجُودِ مِنْهَا جَازَ إبْقَاؤُهُ لِاحْتِمَالِ وَضْعِهِ بِحَقٍّ وَلَعَلَّ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي مِصْرَ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ بِحَقٍّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ بِهِ مُتَغَلِّبٌ فَصُولِحَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ أَوَّلًا. اهـ. ق ل مَعَ زِيَادَةٍ. وَبِيعَةٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ لِلنَّصَارَى وَجَمْعُهَا بِيَعٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ، وَقَوْلُهُ: لِلرُّهْبَانِ رَاجِعٌ لِلصَّوْمَعَةِ جَمْعُ رَاهِبٍ وَهُوَ عَابِدُ النَّصَارَى. قَوْلُهُ: (فِي بَلَدٍ أَحْدَثْنَاهُ) أَيْ وُجِدَتْ عِمَارَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَى مَحَلِّهِ كَمَا فِي ق ل. قَوْلُهُ: (كَبَغْدَادَ وَالْقَاهِرَةِ) وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ لِأَنَّ بَغْدَادَ بَنَاهَا أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَالْقَاهِرَةَ بَنَاهَا الْمُعِزُّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَالْبَصْرَةَ بَنَاهَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْكُوفَةَ بَنَاهَا عُتْبَةُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهَا بِسَنَتَيْنِ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصُّلْحُ عَلَى إحْدَاثِ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَالْكَنِيسَةُ مَعْبَدُ الْيَهُودِ وَالْبِيعَةُ مَعْبَدُ النَّصَارَى وَقَدْ انْعَكَسَ الْعُرْفُ فِيهِمَا وَالْكَلَامُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي فِيمَا لَيْسَ لِنَحْوِ نُزُولِ الْمَارَّةِ بِأَنْ كَانَتْ لِلتَّعَبُّدِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَمَّا الَّتِي لِنُزُولِ الْمَارَّةِ وَلَوْ مِنْهُمْ فَيَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الرَّحْمَانِيُّ. قَوْلُهُ: (وَالْقَاهِرَةِ) وَهِيَ مِصْرُنَا الْآنَ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حَالَ الْفَتْحِ فَأَرْضُهَا الْمَنْسُوبَةُ إلَيْهَا لِلْغَانِمِينَ فَتَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ مَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْفَتْحِ وَبِهِ يُعْلَمُ وُجُوبُ هَدْمِ مَا فِي مِصْرِنَا وَمِصْرَ الْقَدِيمَةِ مِنْ الْكَنَائِسِ الْمَوْجُودَةِ. اهـ. شَيْخُنَا، وَفِي سم عَلَى الْمَنْهَجِ لَا يَجُوزُ لَنَا دُخُولُهَا إلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَصَاوِيرُ حَرُمَ قَطْعًا وَكَذَا كُلُّ بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ اهـ مِنْ ع ش عَلَى م ر. وَمُقْتَضَى وُجُوبِ هَدْمِهَا جَوَازُ دُخُولِهَا بِلَا إذْنٍ مِنْهُمْ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا إذَا جَازَ لَهُمْ إحْدَاثُهَا وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ع ش مِنْ وُجُوبِ الْهَدْمِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ ق ل مِنْ جَوَازِ الْإِبْقَاءِ. قَوْلُهُ: (وَأَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِمْ مُسْتَعْلِينَ وَمُتَغَلِّبِينَ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَلَا صُلْحٍ. اهـ. حَجّ وَيَجُوزُ جَعْلُ عَلَى لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ مَعَهُ أَيْ مُصَاحِبِينَ لَهُ وَكَائِنِينَ فِيهِ أَوْ بِمَعْنَى فِي أَيْ الْكَائِنِينَ فِيهِ سم عَلَى حَجّ. قَوْلُهُ: (كَالْمَدِينَةِ) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَقَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ كَالْمَدِينَةِ مَحَلُّ وَقْفَةٍ لِأَنَّهَا مِنْ الْحِجَازِ، وَهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ سُكْنَاهُ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ أَيْ فَضْلًا عَنْ الْإِحْدَاثِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: كَالْمَدِينَةِ مِثَالٌ لِمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ فَقَطْ أَيْ فَهُوَ مُجَرَّدُ مِثَالٍ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَحَلِّ اهـ. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ سُلْطَانَ عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِي آخِرِ كِتَابِ السِّيَرِ وَفُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً وَقِيلَ صُلْحًا وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْأُمِّ فِي الْوَصِيَّةِ. وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُونَ عَلَى أَنَّ الْمَفْتُوحَ صُلْحًا هِيَ نَفْسُهَا لَا غَيْرُ وَإِنَّمَا بَقِيَتْ الْكَنَائِسُ بِهَا لِقُوَّةِ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا وَجَمِيعُ إقْلِيمِهَا فُتِحَ صُلْحًا وَلِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ خَارِجَةً عَنْهَا ثُمَّ اتَّصَلَتْ بِهَا. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَنَائِسَ مَوْجُودَةٌ بِهَا وَبِإِقْلِيمِهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ حِينَئِذٍ إلَّا الْقَوْلُ: بِأَنَّ الْكُلَّ صُلْحٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُمْ رَاعَوْا فِي إبْقَائِهَا قُوَّةَ الْخِلَافِ كَمَا تَقَرَّرَ انْتَهَتْ بِحُرُوفِهَا وَمُقْتَضَى كَوْنِهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً أَنَّ الْأَرْضَ لِلْغَانِمِينَ فَتَمْنَعُ الْكُفَّارَ مِنْ إحْدَاثِ الْكَنَائِسِ فِيهَا وَمِنْ إعَادَتِهَا إذَا هُدِمَتْ وَقِيلَ: إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَفُتِحَتْ قُرَاهَا صُلْحًا وَالْكَنَائِسُ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ فِيهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 مَعْصِيَةٌ، فَلَا يَجُوزُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ بَنَوْا ذَلِكَ هُدِمَ، سَوَاءٌ أَشُرِطَ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا. وَلَا يُحْدِثُونَ ذَلِكَ فِي بَلْدَةٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً، كَمِصْرِ وَأَصْبَهَانَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ فَيَمْتَنِعُ جَعْلُهَا كَنِيسَةً وَكَمَا لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهَا، لَا يَجُوزُ إعَادَتُهَا إذَا انْهَدَمَتْ. وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى كَنِيسَةٍ كَانَتْ فِيهِ لِمَا مَرَّ. وَلَوْ فَتَحْنَا الْبَلَدَ صُلْحًا كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْأَرْضِ لَنَا وَشَرْطِ إسْكَانِهِمْ فِيهَا بِخَرَاجٍ وَإِبْقَاءِ الْكَنَائِسِ أَوْ إحْدَاثِهَا جَازَ. لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الصُّلْحُ عَلَى أَنَّ كُلَّ الْبَلَدِ لَهُمْ فَعَلَى بَعْضِهِ أَوْلَى فَلَوْ أُطْلِقَ الصُّلْحُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ إبْقَاءُ الْكَنَائِسِ وَلَا عَدَمُهُ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْ إبْقَائِهَا فَيُهْدَمُ مَا فِيهَا مِنْ الْكَنَائِسِ. لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي صَيْرُورَةَ جَمِيعِ الْبَلَدِ لَنَا. أَوْ بِشَرْطِ الْأَرْضِ لَهُمْ وَيُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا قُرِّرَتْ كَنَائِسُهُمْ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ وَلَهُمْ الْإِحْدَاثُ فِي الْأَصَحِّ. وَيُمْنَعُونَ وُجُوبًا مِنْ رَفْعِ بِنَاءٍ لَهُمْ عَلَى بِنَاءِ جَارٍ لَهُمْ مُسْلِمٍ لِخَبَرِ: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ»   [حاشية البجيرمي] مَوْجُودَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا فَلَمَّا بُنِيَتْ اتَّصَلَتْ بِهَا الْأَبْنِيَةُ. قَوْلُهُ: (فِي الْإِسْلَامِ) أَيْ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (عَنْوَةً) أَيْ قَهْرًا. قَوْلُهُ: (كَمِصْرِ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِهَدْمِ مَا بِقَرَافَتِهَا مِنْ الْأَبْنِيَةِ؛ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَقَفَهَا بِأَمْرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ لَمَّا طَلَبُوا شِرَاءَهَا إذْ لَوْ فُتِحَتْ صُلْحًا لَكَانَتْ لَهُمْ وَاحْتِمَالُ شَرْطِ الْأَرْضِ لَنَا خِلَافُ الْأَصْلِ. اهـ. حَجّ زي وَالْمُرَادُ مِصْرُ الْقَدِيمَةُ وَمِثْلُهَا فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مِصْرُنَا الْآنَ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (كَانَتْ فِيهِ) أَيْ فِي الْبَلَدِ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ أَيْ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (جَازَ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ الْإِحْدَاثُ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ إذَا فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ مُطْلَقًا أَوْ لَنَا وَشَرَطُوا عَلَيْنَا الْإِحْدَاثَ بِخِلَافِ مَا فُتِحَ عَنْوَةً، أَوْ صُلْحًا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ أَنَّهَا لَنَا وَلَمْ يَشْرِطُوا الْإِحْدَاثَ اهـ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ مَعَ شَرْطِ الْإِحْدَاثِ بُنْيَانَ مَا يُحْدِثُونَهُ مِنْ كَنِيسَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَمِقْدَارُ الْكَنِيسَةِ أَوْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الصِّحَّةُ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مِثْلِهِمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَيَخْتَلِفُ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ اهـ ع ش عَلَى م ر. فَإِذَا شَرَطَ الْإِبْقَاءَ فَلَهُمْ وَلَوْ بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ وَلَهُمْ تَطْيِينُهَا مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ وَمِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ مَعْصِيَةً حَتَّى فِي حَقِّهِمْ. أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِحَاكِمٍ الْإِذْنُ لَهُمْ فِيهِ وَلَا لِمُسْلِمٍ إعَانَتُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا إيجَارُ نَفْسِهِ لِلْعَمَلِ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ س ل وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ قَالَ سم عَلَى حَجّ: أَيْ مَعَ تَعَذُّرِ ذَلِكَ بِالْقَدِيمَةِ وَحْدَهَا ثُمَّ قَالَ: بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَلَهُمْ عِمَارَةُ أَيْ تَرْمِيمُ كَنَائِسَ جَوَّزْنَا إبْقَاءَهَا إذَا اسْتُهْدِمَتْ فَتُرَمَّمُ بِمَا تَهَدَّمَ لَا بِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. أَنَّهَا تُرَمَّمُ بِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَا يَجِبُ إخْفَاؤُهَا فَيَجُوزُ تَطْيِينُهَا مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ لَا إحْدَاثُهَا فَلَوْ انْهَدَمَتْ الْكَنَائِسُ الْمُبْقَاةُ وَلَوْ بِهَدْمِهِمْ لَهَا تَعَدِّيًا خِلَافًا لِلْفَارِقِيِّ أَعَادُوهَا وَلَيْسَ لَهُمْ تَوْسِيعُهَا. اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ رَفْعِ بِنَاءٍ لَهُمْ) أَيْ إحْدَاثُ ذَلِكَ فَإِنْ مَلَكَ ذِمِّيٌّ دَارًا عَالِيَةً فَلَا يُكَلَّفُ هَدْمَهَا بَلْ يُمْنَعُ هُوَ وَأَوْلَادُهُ مِنْ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ صُعُودِ سَطْحِهَا بِلَا تَحْجِيرٍ. وَلَوْ انْهَدَمَتْ هَذِهِ الدَّارُ فَلَهُمْ إعَادَتُهَا بِلَا رَفْعٍ وَمُسَاوَاةٍ وَلَوْ بَنَى دَارًا عَالِيَةً أَوْ مُسَاوِيَةً ثُمَّ بَاعَهَا لِمُسْلِمٍ لَمْ يَسْقُطْ الْهَدْمُ كَمَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا ثُمَّ بَاعَهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْهَدْمُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ يَبْقَى تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ اهـ. زي وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَبْقَى ضَعِيفٌ وَعِبَارَةُ م ر. وَالْأَوْجَهُ بَقَاؤُهُ لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ هَدْمِهِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَأَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِهِ. اهـ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: فَإِنْ سَاوَاهُ فِيهِ هَدَمَ الْقَدْرَ الْمَمْنُوعَ اهـ وَيُمْنَعُونَ مِنْ الرَّفْعِ وَإِنْ خَافُوا نَحْوَ سُرَّاقٍ يَقْصِدُونَهُمْ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَمِثْلُهُ شَرْحُ حَجّ قَالَ سم: عَلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُهُ وَلَوْ لِخَوْفِ الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ نَعَمْ إنْ تَعَيَّنَ الرَّفْعُ طَرِيقًا فِي دَفْعِ الْقَتْلِ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَبْعُدْ الْجَوَازُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى فَهَلْ يُكَلَّفُ الِانْتِقَالُ وَإِنْ شَقَّ حِسًّا وَمَعْنًى لِمُفَارَقَةِ الْمَأْلُوفِ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى بِنَاءِ جَارٍ لَهُمْ مُسْلِمٍ) مَحَلُّ الْمَنْعِ إنْ كَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ مِمَّا يُعْتَادُ فِي السُّكْنَى فَلَوْ كَانَ قَصِيرًا لَا يُعْتَادُ فِيهَا إمَّا لِأَنَّهُ لَا يُتَمَّمُ بِنَاؤُهُ أَوْ لِأَنَّهُ هَدَمَهُ إلَى أَنْ صَارَ كَذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ الذِّمِّيُّ مِنْ بِنَاءِ جِدَارِهِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُعْتَادُ فِي السُّكْنَى الَّذِي عَطَّلَهُ الْمُسْلِمُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ تَعَطَّلَ عَلَيْهِ بِإِعْسَارِهِ اهـ خ ط وَلَوْ لَاصَقَتْ دَارُ الذِّمِّيِّ دَارَ الْمُسْلِمِ مِنْ أَحَدِ جَوَانِبِهَا اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 وَلِئَلَّا يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَاتِنَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى الْجَارُ بِذَلِكَ أَمْ لَا. لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ لِحَقِّ الدِّينِ لَا لِمَحْضِ حَقِّ الدَّارِ. وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْ الْمُسَاوَاةِ أَيْضًا فَإِنْ كَانُوا بِمَحَلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ الْمُسْلِمِينَ كَطَرَفٍ مِنْ الْبَلَدِ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ رَفْعِ الْبِنَاءِ (وَيُعَرَّفُونَ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مَعَ تَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ نُعَرِّفُهُمْ وَنَأْمُرُهُمْ أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُكَلَّفُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وُجُوبًا أَنَّهُمْ يَتَمَيَّزُونَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ (بِلُبْسِ الْغِيَارِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ وَهُوَ أَنْ يَخِيطَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ الْخِيَاطَةُ عَلَيْهِ كَالْكَتِفِ عَلَى ثَوْبِهِ الظَّاهِرِ مَا يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَ ثَوْبِهِ وَيَلْبَسَهُ وَذَلِكَ لِلتَّمْيِيزِ وَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَى تَغْيِيرِ زِيِّهِمْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَفْعَلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا بِيَهُودِ الْمَدِينَةِ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلِينَ مَعْرُوفِينَ فَلَمَّا كَثُرُوا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَخَافُوا مِنْ الْتِبَاسِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ احْتَاجُوا إلَى تَمْيِيزِهِمْ وَإِلْقَاءِ مِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْأَصْفَرُ وَبِالنَّصَارَى الْأَزْرَقُ أَوْ الْأَكْهَبُ. وَيُقَالُ لَهُ: الرَّمَادِيُّ وَبِالْمَجُوسِيِّ الْأَحْمَرُ أَوْ الْأَسْوَدُ (وَشَدُّ الزُّنَّارِ) أَيْ   [حاشية البجيرمي] الْجَانِبِ عَدَمُ الِارْتِفَاعِ وَالْمُسَاوَاةُ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْجَوَانِبِ لِأَنَّهُ لَا جَارَ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (لِحَقِّ الدِّينِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ لِحَقِّ اللَّهِ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ لِحَقِّ الْإِسْلَامِ اهـ وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ هَدْمُهُ بِوَقْفِهِ وَلَا بِبَيْعِهِ لِكَافِرٍ مُطْلَقًا وَلَا لِمُسْلِمٍ وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَنْعِ هَدْمِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا ثُمَّ بَاعَهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ لِهَدْمٍ. قَوْلُهُ: (لَا لِمَحْضِ حَقِّ الدَّارِ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الرَّوْضِ لَا لِمَحْضِ حَقِّ الْجَارِ وَهُوَ وَاضِحٌ اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِمَحَلَّةٍ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ وَالْمَحَلُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْكَسْرُ لُغَةٌ حَكَاهَا ابْنُ الْقُطَّاعِ مَوْضِعُ الْحُلُولِ وَالْمَحِلُّ بِالْكَسْرِ الْإِحْلَالُ وَالْمَحَلَّةُ بِالْفَتْحِ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْزِلُ فِيهِ الْقَوْمُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَفِي شَرْحِ م ر: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْجَارَ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ كَمَا قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ: وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِمَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلُو عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَيَعْلُو عَلَى مُلَاصِقِهِ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى نَعَمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مُلَاصِقِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَحَلَّتِهِ اهـ قَالَ ع ش: عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ أَيْ فَمَا زَادَ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْ مُسَاوَاةِ بِنَائِهِ لَهُ أَوْ رَفْعِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَصِلْ لِلْأَرْبَعِينَ دَارًا اهـ كَلَامُهُ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ كَانَ جَارُهُ مَسْجِدًا أَوْ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمِلْكِ اهـ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ فِي بِنَاءٍ وَجَارٍ لَهُمَا مُسْلِمٌ هَلْ يُهْدَمُ أَوْ لَا؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّهُ يُهْدَمُ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إعْلَاءُ بِنَاءِ ذِمِّيٍّ عَلَى جَارِهِ الْمُسْلِمِ وَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الذِّمِّيِّ بِنَقْضِهِ آلَةَ الْمُسْلِمِ أَوْ تَلَفِهَا بِالْهَدْمِ وَإِنْ كَانَ الْهَدْمُ بِسَبَبِهِ كَذَا فِي سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُعَرَّفُونَ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَأَمْرُهُمْ بِغِيَارٍ إلَخْ أَيْ وَلَزِمَنَا أَمْرُهُمْ أَيْ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِمَا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ بِشَرْطِ التَّكْلِيفِ وَأَنْ يَكُونُوا بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ: لَزِمَنَا أَمْرُهُمْ أَيْ مَنْ دَخَلَ دَارَنَا مِنْهُمْ وَلَوْ بِرِسَالَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ وَإِنْ قَصُرَتْ مُدَّةُ اخْتِلَاطِهِ م ر فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَهْلٌ) تَفْسِيرٌ لِلْوَاوِ فِي يُعَرَّفُونَ لَكِنْ قَوْلُهُ: إنَّهُمْ يَتَمَيَّزُونَ رُبَّمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِضَمِيرِ يَأْمُرُهُمْ فَيَكُونُ مَنْصُوبًا وَالْمُكَلَّفُونَ نَعْتٌ مَقْطُوعٌ. قَوْلُهُ: (بِيَهُودِ الْمَدِينَةِ) أَيْ بِيَهُودِ مَا حَوَالَيْ الْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ الْحِجَازِ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بِهَا يَهُودٌ زَمَنَ الصَّحَابَةِ، فَاحْتِيجَ لِذَلِكَ التَّأْوِيلِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ دُخُولِهِمْ الْحِجَازَ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْأَصْفَرُ) : هَذَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلٍّ بَعْدَ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. فَلَا يَرِدُ كَوْنُ الْأَصْفَرِ كَانَ زِيَّ النَّصَارَى وَزِيَّ الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا آثَرُوهُمْ بِهِ لِغَلَبَةِ الصُّفْرَةِ فِي أَلْوَانِهِمْ النَّاشِئَةِ عَنْ زِيَادَةِ فَسَادِ قُلُوبِهِمْ وَلَوْ أَرَادُوا التَّمْيِيزَ بِغَيْرِ الْمُعْتَادِ مُنِعُوا خَشْيَةَ الِالْتِبَاسِ وَتُؤْمَرُ ذِمِّيَّةٌ خَرَجَتْ بِتَخَالُفِ لَوْنِ خُفَّيْهَا " وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى شَرْحُ م ر قَالَ الرَّشِيدِيُّ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَا بِلَوْنَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِلَوْنٍ اهـ. قَوْلُهُ: (الزُّنَّارُ) بِوَزْنِ تُفَّاحٍ وَيُجْمَعُ عَلَى زَنَانِيرَ، وَالْوَاوُ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَلَى بَابِهَا وَيَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ التَّمْيِيزِ وَهُوَ الْحَاصِلُ بِأَحَدِهِمَا وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحُهُ أَوْ زُنَّارٍ بِضَمِّ الزَّايِ وَهُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ فِيهِ أَلْوَانٌ تُشَدُّ فِي الْوَسَطِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 وَيُؤْمَرُونَ بِذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ خَيْطٌ غَلِيظٌ يُشَدُّ فِي الْوَسَطِ فَوْقَ الثِّيَابِ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا فِي الرَّجُلِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ، فَتَشُدُّهُ تَحْتَ الْإِزَارِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ. لَكِنْ مَعَ ظُهُورِ بَعْضِهِ حَتَّى يَحْصُلَ بِهِ فَائِدَةٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَسْتَوِي فِيهِ سَائِرُ الْأَلْوَانِ، قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَلَيْسَ لَهُمْ إبْدَالُهُ بِمِنْطَقَةٍ وَمِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِمَا وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْغُبَارِ وَالزُّنَّارِ أَوْلَى وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَمَنْ لَبِسَ مِنْهُمْ قَلَنْسُوَةً يُمَيِّزُهَا عَنْ قَلَانِسِنَا بِعَلَامَةٍ فِيهَا وَإِذَا دَخَلَ الذِّمِّيُّ مُجَرَّدًا حَمَّامًا فِيهِ مُسْلِمُونَ، أَوْ تَجَرَّدَ عَنْ ثِيَابِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ حَمَّامٍ جَعَلَ وُجُوبًا فِي عُنُقِهِ خَاتَمَ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يَجْعَلُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالْخَاتَمُ طَوْقٌ يَكُونُ فِي الْعُنُقِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِمَنْعِهِمْ مِنْ التَّشَبُّهِ بِلِبَاسِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّعَاظُمِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُمْنَعُونَ مِنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّطَاوُلِ وَالْمُبَاهَاةِ وَتَجْعَلُ الْمَرْأَةُ خُفَّهَا لَوْنَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّمْيِيزُ بِكُلِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ بَلْ يَكْفِي بَعْضُهَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَلَا يَنْبَغِي لِفَعَلَةِ الْمُسْلِمِينَ وَصُيَّاغِهِمْ أَنْ يَعْمَلُوا لِلْمُشْرِكِينَ كَنِيسَةً أَوْ صَلِيبًا وَأَمَّا نَسْجُ الزَّنَانِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ فِيهَا صَغَارًا لَهُمْ. (وَيُمْنَعُونَ) أَيْ الذُّكُورُ الْمُكَلَّفُونَ فِي بِلَادِ   [حاشية البجيرمي] فَوْقَ الثِّيَابِ فَجَمْعُ الْخِيَارِ مَعَ الزُّنَّارِ تَأْكِيدٌ وَمُبَالَغَةٌ فِي الشُّهْرَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَتَعْبِيرِي بِأَوْ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْوَاوِ اهـ وَقَوْلُهُ: فَجَمْعُ الْغِيَارِ مَعَ الزُّنَّارِ أَيْ فِي عِبَارَةِ أَصْلِهِ أَوْ فِيمَا يَفْعَلُ بِهِمْ. قَوْلُهُ: (خَيْطٌ غَلِيظٌ) فِيهِ أَلْوَانٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فَوْقَ الثِّيَابِ) أَيْ لِلذُّكُورِ وَيَمْتَنِعُ إبْدَالُهُ بِنَحْوِ مِنْدِيلٍ أَوْ مِنْطَقَةٍ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ لُبْسِ نَحْوِ دِيبَاجٍ وَطَيْلَسَانٍ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ أَيْضًا مِنْ إظْهَارِ عِيدٍ لَهُمْ، وَكَذَا مِنْ نَحْوِ: لَطْمٍ وَنَوْحٍ وَقِرَاءَةِ نَحْوِ تَوْرَاةٍ، وَإِنْجِيلٍ وَلَوْ بِكَنَائِسِهِمْ وَلَا يُمْنَعُونَ مِمَّا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ، كَفِطْرِ رَمَضَانَ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ تَكْلِيفُهُمْ بِالْفُرُوعِ وَلِذَلِكَ حَرُمَ بَيْعُ الْمُفْطِرَاتِ لَهُمْ فِيهِ لِمَنْ عَلِمَ وَلَوْ بِالظَّنِّ أَنَّهُمْ يَتَعَاطُونَهَا نَهَارًا لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ قَوِيَّةٍ عَلَى الدَّلَالَةِ بِالتَّهَاوُنِ بِالدِّينِ. وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ دُخُولَهُمْ الْمَسَاجِدَ. اهـ. ق ل. عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَشُدُّهُ تَحْتَ الْإِزَارِ إلَخْ) رَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ فِيهِ تَشْبِيهًا بِمَا يَخْتَصُّ عَادَةً بِالرَّجُلِ وَقَدْ يُقَالُ: جَعْلُهُ تَحْتَ الْإِزَارِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُخْتَصِّ بِالرِّجَالِ كَمَا فِي سم عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي الزُّنَّارِ. قَوْلُهُ: (بِمِنْطَقَةٍ) أَيْ تُجْعَلُ فِي الْوَسَطِ وَكَذَا مِنْدِيلٌ يُجْعَلُ عَلَى الْوَسَطِ بَدَلَهُ. قَوْلُهُ: (فِيهِ مُسْلِمُونَ) وَتُمْنَعُ ذِمِّيَّةٌ مِنْ حَمَّامٍ بِهِ مُسْلِمَةٌ تَرَى مِنْهَا مَا لَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ فَلَوْ لَمْ تُمْنَعْ الذِّمِّيَّةُ حَرُمَ عَلَى الْمُسْلِمَةِ الدُّخُولُ مَعَهَا حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ وَحَرُمَ عَلَى زَوْجِهَا أَيْضًا تَمْكِينُهَا مِنْ الدُّخُولِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (خَاتَمُ حَدِيدٍ) بِفَتْحِ التَّاءِ لَا غَيْرُ وَيُقَالُ: فِيهِ خَتْمٌ وَخَاتَامٌ وَأَمَّا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ فَيَجُوزُ فِيهِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ رَصَاصٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا مِنْ لَحْنِ الْعَامَّةِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْخَاتَمُ طَوْقٌ) لَيْسَ هَذَا مُتَعَيِّنًا بَلْ يَصِحُّ إبْقَاءُ الْخَاتَمِ عَلَى حَقِيقَتِهِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَكْفِي بَعْضُهَا) وَمِنْ الْبَعْضِ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْعِمَامَةُ الْمُعْتَادَةُ لَهُمْ الْآنَ وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لُبْسُ الْعِمَامَةِ الْمُعْتَادَةِ لَهُمْ وَإِنْ جَعَلَ عَلَيْهِ عَلَامَةً تُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ كَوَرَقَةٍ بَيْضَاءَ مَثَلًا أَمْ لَا لِأَنَّ فِعْلَ مَا ذُكِرَ يَخْرُجُ بِهِ الْفَاعِلُ عَنْ زِيِّ الْكُفَّارِ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَلَامَةَ لَا يَهْتَدِي فِيهَا لِتَمْيِيزٍ عَنْ غَيْرِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْعِمَامَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ زِيِّ الْكُفَّارِ خَاصَّةً وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْحُرْمَةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ لُبْسِ طُرْطُورِ الْيَهُودِيِّ مَثَلًا عَلَى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ فَيُعَزَّرُ فَاعِلُ ذَلِكَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِفَعَلَةِ الْمُسْلِمِينَ) جَمْعُ فَاعِلٍ كَفَاسِقٍ وَفَسَقَةٍ وَكَافِرٍ وَكَفَرَةٍ وَفَاجِرٍ وَفَجَرَةٍ. قَوْلُهُ: (كَنِيسَةً) رَاجِعٌ لِلْفَعَلَةِ وَالصَّلِيبُ لِلصُّيَّاغِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا نَسْجُ إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّ الزُّنَّارَ خَيْطٌ غَلِيظٌ يُشَدُّ فِي الْوَسَطِ وَحِينَئِذٍ فَمَا مَعْنَى نَسْجِهِ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. فَرْعٌ قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَلَا يُمْنَعُ ذِمِّيٌّ لُبْسَ حَرِيرٍ وَتَعَمُّمًا وَتَطَيْلُسًا وَإِفْطَارًا فِي رَمَضَانَ اهـ وَعَدَمُ مَنْعِهِ مِنْ الْإِفْطَارِ لَا يُنَافِي حُرْمَتَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مُكَلَّفٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى شَيْخُنَا م ر - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْقِيَ الذِّمِّيَّ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 الْمُسْلِمِينَ وُجُوبًا. (مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] فَأَمَرَ أَوْلِيَاءَهُ بِإِعْدَادِهَا لِأَعْدَائِهِ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مَنْعِ رُكُوبِ الْخَيْلِ بَيْنَ النَّفِيسِ مِنْهَا، وَالْخَسِيسِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. بِخِلَافِ الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ وَلَوْ نَفِيسَةً لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا خَسِيسَةٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْيَانِ النَّاسِ يَرْكَبُونَهَا، وَيَرْكَبُ بِإِكَافٍ وَرِكَابِ خَشَبٍ لَا حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ وَلَا سَرْجٍ اتِّبَاعًا لِكِتَابِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنْ يَتَمَيَّزُوا عَنْ الْمُسْلِمِينَ. وَيَرْكَبُ عَرْضًا بِأَنْ يَجْعَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَظَهْرَهُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَحْسُنُ أَنْ يَتَوَسَّطَ فَيُفَرِّقَ بَيْنَ أَنْ يَرْكَبَ إلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ بَعِيدَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُمْنَعُ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ، وَمِنْ اللُّجُمِ الْمُزَيَّنَةِ بِالنَّقْدَيْنِ: أَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَنَحْوُهُمَا فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيَنْبَغِي مَنْعُهُمْ مِنْ خِدْمَةِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ. (وَيُلْجَئُونَ) عِنْدَ زَحْمَةِ الْمُسْلِمِينَ (إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ) بِحَيْثُ لَا يَقَعُونَ فِي وَهْدَةٍ   [حاشية البجيرمي] رَمَضَانَ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إعَانَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ لَكِنْ يَشْكُلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْإِذْنُ فِي دُخُولِ مَسْجِدٍ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ جِهَةَ الْفِطْرِ أَشَدُّ. وَبِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى التَّهَاوُنِ بِالدِّينِ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَيُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ فِي غَيْرِ دَارِنَا وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيّ تَرْجِيحَ الْجَوَازِ كَالْبِنَاءِ كَذَا فِي ح ل وَعَمَّمَ ق ل فِي حَاشِيَةِ الْجَلَالِ. فَقَالَ: وَلَوْ فِي مَحَلَّةٍ انْفَرَدُوا بِهَا وَقَيَّدَ الْبِرْمَاوِيُّ الْمَنْعَ بِكَوْنِهِمْ بِبِلَادِنَا وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ وَنَقَلَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُمَا وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ فِي مَنْعِهِمْ رُكُوبَ الْخَيْلِ إذَا انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ فِي غَيْرِ دَارِنَا أَحَدُهُمَا لَا كَإِظْهَارِ الْخَمْرِ. وَالثَّانِي نَعَمْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَيُشْبِهُ تَرْجِيحَ الْجَوَازِ كَمَا فِي نَظَرِهِ مِنْ الْبِنَاءِ. اهـ بِحُرُوفِهِ. وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ جَوَازَ رُكُوبِهِمْ الْخَيْلَ النَّفِيسَةَ زَمَنَ قِتَالٍ اسْتَعَنَّا بِهِمْ فِيهِ اهـ. س ل وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] أَيْ حَبْسِهَا. قَوْلُهُ (بِإِعْدَادِهَا لِأَعْدَائِهِ) أَيْ فَلَا يَعُدُّهَا أَعْدَاؤُهَا بِأَنْ يُمْنَعُوا مِنْهَا. قَوْلُهُ: «فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ» أَيْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ بِرُكُوبِهَا مَنْ فِيهِ خَيْرٌ وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَلَا تُنَاسِبُ أَهْلَ الْكُفْرِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ) وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: يُمْنَعُونَ مِنْ الشَّرِيفَةِ دُونَ الْبَرَاذِينِ الْخَسِيسَةِ اهـ دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْبِغَالِ وَلَوْ نَفِيسَةً) قَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ الْحَوَاشِي: مَا لَمْ تَصِرْ مَرْكَبًا لِلْعُلَمَاءِ كَمَا فِي زَمَنِنَا وَإِلَّا مُنِعُوا مِنْهَا اهـ لَكِنْ فِي شَرْحِ م ر مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ لَا حَمِيرَ وَبِغَالَ نَفِيسَةٌ لِخِسَّتِهِمَا وَلَا اعْتِبَارَ بِطُرُوِّ عِزَّةِ الْبِغَالِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ عَلَى أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَ مَنْ اعْتَادَ رُكُوبَهَا مِنْ الْأَعْيَانِ بِهَيْئَةِ رُكُوبِهِمْ الَّتِي فِيهَا غَايَةُ تَحْقِيرِهِمْ وَإِذْلَالِهِمْ. كَمَا قَالَ: وَيَرْكَبُهَا عَرْضًا إلَخْ. وَقَالَ ع ش: يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْبِغَالِ النَّفِيسَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ الْآنَ مَرْكُوبَ الْعُلَمَاءِ وَالْقُضَاةِ اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (بِإِكَافٍ) هُوَ الْبَرْذَعَةُ أَوْ مَا تَحْتَهَا. قَوْلُهُ: (وَرِكَابٍ خَشَبٍ) كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّهُمْ يَرْكَبُونَ عَرْضًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (لَا حَدِيدَ وَنَحْوِهِ) فَيَحْرُمُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا سُرُجٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ السُّرُجَ تَكُونُ لِلْخَيْلِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلَا سُرُجَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُهُمْ مِنْ السُّرُجِ فِيمَا يُمَكَّنُونَ مِنْ رُكُوبِهِ مِنْ الْخَيْلِ وَهُوَ الْبَرَاذِينُ فَإِنَّهَا نَوْعٌ مِنْهَا اهـ. قَوْلُهُ: (إلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ) أَيْ فَيَرْكَبُونَ عَرْضًا وَقَوْلُهُ: أَوْ بَعِيدَةٍ فَيَرْكَبُونَ عَلَى الْعَادَةِ وَهُوَ خِلَافُ الرَّاجِحِ فَيَرْكَبُ عَرْضًا حَتَّى فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ اللُّجُمِ) جَمْعُ لِجَامٍ. قَوْلُهُ: (أَمَّا النِّسَاءُ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ: الْمُكَلَّفُونَ قَوْلُهُ: (مِنْ خِدْمَةِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ) أَيْ خِدْمَةٍ تُؤَدِّي إلَى تَعْظِيمِهِمْ كَاسْتِخْدَامِهِمْ فِي الْمَنَاصِبِ الْمُحْوِجَةِ إلَى تَرَدُّدِ النَّاسِ إلَيْهِمْ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمَرَاءِ كُلُّ مَنْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي أَمْرٍ عَامٍّ يَقْتَضِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 وَلَا يَصْدِمُهُمْ جِدَارٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِهِ» . أَمَّا إذَا خَلَتْ الطَّرِيقُ عَنْ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ. قَالَ فِي الْحَاوِي وَلَا يَمْشُونَ إلَّا أَفْرَادًا مُتَفَرِّقِينَ وَلَا يُوَقَّرُونَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ مُسْلِمٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذَلَّهُمْ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَحْرِيمُ ذَلِكَ. خَاتِمَةٌ تَحْرُمُ مَوَدَّةُ الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22]   [حاشية البجيرمي] تَرَدُّدَ النَّاسِ عَلَيْهِ كَنُظَّارِ الْأَوْقَافِ الْكَبِيرَةِ وَكَمَشَايِخِ الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا وَأَنَّ مَحَلَّ الِامْتِنَاعِ مَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى اسْتِخْدَامِهِ بِأَنْ لَا يَقُومَ غَيْرُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَقَامَهُ فِي حِفْظِ الْمَالِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (إلَى أَضْيَقِ) أَيْ أَعْسَرِ أَيْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَعْسُرُ الْمَشْيُ فِيهِ أَيْ فَيَحْرُمُ إيثَارُهُمْ لِمَنْ قَصَدَ تَعْظِيمَهُمْ وَلَا يَمْشُونَ إلَّا أَفْرَادًا مُتَفَرِّقِينَ أَيْ يُمْنَعُونَ وُجُوبًا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَيُلْجَأُ وُجُوبًا عِنْدَ ازْدِحَامِ الْمُسْلِمِينَ بِطَرِيقٍ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ. ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى تَعْبِيرِهِمْ بِالْوُجُوبِ أَخْذًا مِنْ الْخَبَرِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي الطَّرِيقِ إيثَارُهُ بِوَاسِعِهِ لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ قَصَدَ بِذَلِكَ تَعْظِيمَهُ أَوْ عَدَّهُ الْعُرْفُ تَعْظِيمًا لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِرِضَا الْمُسْلِمِ كَالتَّعْلِيَةِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ لِدَوَامِ ضَرَرِ ذَلِكَ دُونَ هَذَا فَلَا ضَرَرَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ فَهُوَ يَنْقَضِي عَجِلًا اهـ. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ) تَقْيِيدٌ. قَوْلُهُ: (لَا يَقَعُونَ) أَيْ الْكُفَّارُ. قَوْلُهُ: (لَا تَبْدَءُوا) وَكَذَا رَدُّ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِمْ فَقَطَعَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ هُوَ بِحَرَامٍ بَلْ مَكْرُوهٌ. فَإِنْ سَلَّمُوا عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ فِي الرَّدِّ وَعَلَيْكُمْ وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ ظَنَّهُ مُسْلِمًا فَبَانَ كَافِرًا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَرِدَّ سَلَامَهُ فَيَقُولَ لَهُ: رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُوحِشَهُ وَيُظْهِرَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أُلْفَةٌ وَلَوْ أَرَادَ تَحِيَّةَ ذِمِّيٍّ فَعَلَهَا بِغَيْرِ السَّلَامِ بِأَنْ يَقُولَ: هَدَاك اللَّهُ أَوْ أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَك وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهِ فَيَقُولُ: صُبِّحْت بِالْخَيْرِ أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ بِالْعَافِيَةِ أَوْ صَبَّحَك اللَّهُ بِالسُّرُورِ أَوْ بِالسَّعَادَةِ وَالنِّعْمَةِ أَوْ بِالْمَسَرَّةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يَقُولَ شَيْئًا فَإِنَّ ذَلِكَ تَبَسُّطٌ لَهُ وَإِينَاسٌ وَإِظْهَارُ صُورَةِ وُدٍّ، وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ وَمَنْهِيُّونَ عَنْ وُدِّهِمْ فَلَا نُظْهِرُهُ وَإِذَا مَرَّ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهَا مُسْلِمُونَ أَوْ مُسْلِمٌ وَكُفَّارٌ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَيَقْصِدَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْمُسْلِمَ وَإِذَا كَتَبَ كِتَابًا إلَى مُشْرِكٍ وَكَتَبَ فِيهِ سَلَامًا أَوْ نَحْوَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ مَا رُوِيَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ؛ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى» . وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي عِيَادَةِ الذِّمِّيِّ فَاسْتَحَبَّهَا جَمَاعَةٌ وَمَنَعَهَا جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَ الشَّاشِيُّ الِاخْتِلَافَ ثُمَّ قَالَ: الصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: عِيَادَةُ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْقُرْبَةِ فِيهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى نَوْعِ حُرْمَةٍ يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ جَوَازٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّاشِيُّ حَسَنٌ. وَيَنْبَغِي لِعَائِدِ الذِّمِّيِّ أَنْ يُرَغِّبَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَيُبَيِّنَ لَهُ مَحَاسِنَهُ وَيَحُثَّهُ عَلَيْهِ وَيُحَرِّضَهُ عَلَى مُعَاجَلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالٍ لَا تَنْفَعُهُ فِيهَا تَوْبَتُهُ وَإِنْ دَعَا لَهُ دَعَا لَهُ بِالْهِدَايَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الْمُبْتَدِعُ وَمَنْ اقْتَرَفَ ذَنْبًا عَظِيمًا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَرُدَّ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ. وَكَذَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ. فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى السَّلَامِ عَلَى الظَّلَمَةِ بِأَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَخَافَ تَرَتُّبَ مَفْسَدَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ غَيْرِهِمَا إنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسَلِّمُ وَيَنْوِي أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْمَعْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ رَقِيبٌ اهـ وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَاضْطَرُّوهُمْ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَاضْطَرُّوهُ بِالْإِفْرَادِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلتَّعْبِيرِ بِأَحَدِهِمْ مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (تَحْرُمُ مَوَدَّةُ الْكَافِرِ) أَيْ الْمَحَبَّةُ وَالْمَيْلُ بِالْقَلْبِ وَأَمَّا الْمُخَالَطَةُ الظَّاهِرِيَّةُ فَمَكْرُوهَةٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَتَحْرُمُ مُوَادَّتُهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ أَنَّ مُخَالَطَةَ الْكُفَّارِ مَكْرُوهَةٌ أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ تَرْجِعُ إلَى الظَّاهِرِ وَالْمَوَدَّةَ إلَى الْمَيْلِ الْقَلْبِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَيْلُ الْقَلْبِيُّ لَا اخْتِيَارَ لِلشَّخْصِ فِيهِ. أُجِيبَ: بِإِمْكَانِ دَفْعِهِ بِقَطْعِ أَسْبَابِ الْمَوَدَّةِ الَّتِي يَنْشَأُ عَنْهَا مَيْلُ الْقَلْبِ كَمَا قِيلَ: إنَّ الْإِسَاءَةَ تَقْطَعُ عُرُوقَ الْمَحَبَّةِ. وَالْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَكْتُبَ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ اسْمَ مَنْ عَقَدَ لَهُ وَدِينَهُ وَحِلْيَتَهُ. وَيَتَعَرَّضُ لِسِنِّهِ أَهُوَ شَيْخٌ أَمْ شَابٌّ وَيَصِفَ أَعْضَاءَهُ الظَّاهِرَةَ مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَحَاجِبَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَشَفَتَيْهِ وَأَنْفِهِ وَأَسْنَانِهِ وَآثَارِ وَجْهِهِ، إنْ كَانَ فِيهِ آثَارٌ وَلَوْنَهُ مِنْ سُمْرَةٍ أَوْ شُقْرَةٍ وَغَيْرِهِمَا. وَيَجْعَلَ لِكُلٍّ مِنْ طَوَائِفِهِمْ عَرِيفًا مُسْلِمًا يَضْبِطُهُمْ لِيُعَرِّفَهُ بِمَنْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ مِنْهُمْ أَوْ دَخَلَ فِيهِمْ. وَأَمَّا مَنْ يُحْضِرُهُمْ لِيُؤَدِّيَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ أَوْ يَشْتَكِيَ إلَى الْإِمَامِ مَنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ، فَيَجُوزُ جَعْلُهُ عَرِيفًا لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ إسْلَامُهُ فِي الْغَرَضِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُعْتَمَدُ خَبَرُهُ.   [حاشية البجيرمي] وَهُوَ الْمَيْلُ الْقَلْبِيُّ لَا مِنْ حَيْثُ الْكُفْرُ وَإِلَّا كَانَتْ كُفْرًا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَكَانَتْ لِأَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ أَمْ غَيْرِهِمَا وَتُكْرَهُ مُخَالَطَتُهُ ظَاهِرًا وَلَوْ بِمُهَادَاةٍ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَحْوُ رَحِمٍ أَوْ جِوَارٍ اهـ وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَرْجُ إسْلَامَهُ أَوْ يَرْجُ مِنْهُ نَفْعًا أَوْ دَفْعَ شَرٍّ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ فِيهِ مَقَامَهُ كَأَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ عَمَلًا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْصَحُهُ فِيهِ وَيَخْلُصُ أَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ دَفْعَ ضَرَرٍ عَنْهُ. وَأَلْحَقَ بِالْكَافِرِ فِيمَا مَرَّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ الْفَاسِقَ وَيُتَّجَهُ حَمْلُ الْحُرْمَةِ عَلَى مَيْلٍ مَعَ إينَاسٍ لَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: يَحْرُمُ الْجُلُوسُ مَعَ الْفُسَّاقِ إينَاسًا لَهُمْ أَمَّا مُعَاشَرَتُهُمْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ يَحْصُلُ مِنْهُمْ أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (الْمَيْلِ الْقَلْبِيِّ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَيْلَ إلَيْهِ بِالْقَلْبِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْإِحْسَانِ أَوْ دَفْعَ مَضَرَّةٍ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا طَلَبَ حُصُولَ الْمَيْلِ بِالِاسْتِرْسَالِ فِي أَسْبَابِ الْمَحَبَّةِ إلَى حُصُولِهَا بِقَلْبِهِ وَإِلَّا فَالْأُمُورُ الضَّرُورِيَّةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ حَدِّ التَّكْلِيفِ وَبِتَقْدِيرِ حُصُولِهَا. يَنْبَغِي السَّعْيُ فِي دَفْعِهَا مَا أَمْكَنَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِهَا ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (الْإِسَاءَةَ إلَخْ) أَيْ وَالْإِحْسَانُ الَّذِي مِنْهُ الْمَوَدَّةُ يَجْلُبُ الْمَحَبَّةَ. قَوْلُهُ: (وَحِلْيَتَهُ) أَيْ صِفَتَهُ. قَوْلُهُ: (وَيَتَعَرَّضُ لِسِنِّهِ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: وَحِلْيَتَهُ. قَوْلُهُ: (لِيُعَرِّفَهُ) أَيْ لِيُخْبِرَهُ وَقَوْلُهُ: بِمَنْ أَيْ الَّذِي مَاتَ. قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ جَعْلُهُ عَرِيفًا) الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: فَيَجُوزُ كَوْنُهُ كَافِرًا. {خَاتِمَةٌ} نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ حَنَابِلَةِ عَصْرِهِ أَنَّهُ أَفْتَى بِمَنْعِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ التَّسْمِيَةِ بِمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَنَحْوِهَا وَأَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ تَبِعَهُ ثُمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ النُّفُوسُ تَمِيلُ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الْأَوَّلِينَ خَوْفَ السَّبِّ وَالسُّخْرِيَةِ. وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ فَلَا أَدْرِي لَهُ وَجْهًا نَعَمْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ نَهَى نَصَارَى الشَّامِ أَنْ يَكْتَنُوا بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ وَيَقْوَى ذَلِكَ فِيمَا تَضَمَّنَ مَدْحًا كَأَبِي الْفَضْلِ وَالْمَحَاسِنِ وَالْمَكَارِمِ فَإِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى نَحْوِ اسْتِهْزَاءٍ وَاسْتِخْفَافٍ بِنَا مُنِعُوا فَإِنْ سَمَّوْا أَوْلَادَهُمْ فَلَا لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُسَمِّي وَلَدَهُ إلَّا بِمَا يُحِبُّ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْجَامِعِ وَذَكَرَهُ الشبراملسي. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 كِتَابُ الصَّيْدِ مَصْدَرُ صَادَ يَصِيدُ ثُمَّ أُطْلِقَ الصَّيْدُ عَلَى الْمَصِيدِ قَالَ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (وَالذَّبَائِحُ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ بِمَعْنَى مَذْبُوحَةٍ) وَلَمَّا كَانَ الصَّيْدُ مَصْدَرًا أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمَعَ الذَّبَائِحَ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالسِّكِّينِ أَوْ السَّهْمِ أَوْ الْجَوَارِحِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وقَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وقَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] وَالْمُذَكَّى مِنْ الطَّيِّبَاتِ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَالْمِنْهَاجِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هَذَا الْكِتَابَ وَمَا بَعْدَهُ هُنَا وِفَاقًا لِلْمُزَنِيِّ. وَخَالَفَ فِي الرَّوْضَةِ فَذَكَرَهُ آخَرَ رُبْعِ الْعِبَادَاتِ تَبَعًا لِطَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ وَهُوَ أَنْسَبُ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَلَعَلَّ الْأَنْسَبِيَّةَ أَنَّ طَلَبَ الْحَلَالِ فَرْضُ عَيْنٍ اهـ. (وَأَرْكَانُ الذَّبْحِ) بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ أَرْبَعَةٌ ذَبْحٌ وَآلَةٌ وَذَبِيحٌ وَذَابِحٌ. وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ: (وَمَا قُدِرَ) بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى ذَكَاتِهِ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ ذَبْحِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ (فَذَكَاتُهُ) اسْتِقْلَالًا (فِي حَلْقِهِ وَلَبَّتِهِ) إجْمَاعًا. هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَهُوَ الذَّبْحُ وَالذَّبِيحُ وَالْحَلْقُ أَعْلَى الْعُنُقِ وَاللَّبَّةُ بِفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ] أَيْ مَا يَحِلُّ مِنْهُمَا وَمَا لَا يَحِلُّ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَصِيدِ) وَهُوَ الْحَيَوَانُ وَإِنَّمَا أُوِّلَ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ لِيُنَاسِبَ الذَّبَائِحَ. وَلِأَجْلِ قَوْلِهِ: إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ إلَخْ ق ل. قَوْلُهُ: (وَلَمَّا كَانَ الصَّيْدُ مَصْدَرًا) لَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ بِمَعْنَى الْمَصِيدِ لِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَا بِالنَّظَرِ لِأَصْلِهِ فَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَصِيدِ فِي كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: {فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَالْأَمْرُ بِالِاصْطِيَادِ يَقْتَضِي حِلَّ الْمَصِيدِ، وَالْأَمْرُ فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ. وَقَوْلُهُ: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الْآيَةِ أَيْ مِنْ بَعْضِهَا وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ فَيُفِيدُ حِلَّ الْمُذَكَّيَاتِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (هُنَا) وَجْهُهُ أَنَّ الْجِهَادَ تَارَةً يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَتَارَةً فَرْضَ عَيْنٍ، وَطَلَبُ الْحَلَالِ أَيْ مَعْرِفَتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ فَنَاسَبَ ضَمَّ فَرْضِ الْعَيْنِ إلَى فَرْضِ الْعَيْنِ. ز ي وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ ذَكَرَهُ هُنَا عَقِبَ الْجِهَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاكْتِسَابِ بِالِاصْطِيَادِ الْمُشَابِهِ لِلِاكْتِسَابِ بِالْغَزْوِ. وَذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا عَقِبَ رُبُعِ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ. قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ) أَيْ الْغَزِّيُّ لِأَنَّ الْعَبَّادِيَّ تِلْمِيذٌ لِلْخَطِيبِ. قَوْلُهُ: (فَرْضُ عَيْنٍ) أَيْ وَالْعِبَادَةُ فَرْضُ عَيْنٍ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ. قَوْلُهُ: (بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ) وَهُوَ الِانْذِبَاحُ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْفِعْلِ الْحَاصِلِ فِي الْمَذْبُوحِ وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهَذَا لِيُفَارِقَ الذَّبْحَ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ. لِئَلَّا يَلْزَمَ اتِّحَادُ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ رَشِيدِيٌّ. وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا أَرْكَانًا لَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِتَحَقُّقِهِ مِنْهَا وَإِلَّا فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا جُزْءًا مِنْهُ ع ش. قَوْلُهُ: (وَمَا قُدِرَ) هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ: أَيْ ذَبْحُهُ مُرَادُهُ بِهِ مَا يَشْمَلُ النَّحْرَ، وَقَوْلُهُ: فِي حَلْقِهِ أَيْ فِي صُورَةِ الذَّبْحِ، وَقَوْلُهُ: وَلَبَتِّهِ أَيْ فِي صُورَةِ النَّحْرِ، كَمَا فِي الْإِبِلِ. وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي) جَعَلَهُ ثَانِيًا بِاعْتِبَارِ تَفْصِيلِ الْأَرْكَانِ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ كَانَ ثَالِثًا فِي الْإِجْمَالِ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَرْكَانِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الذَّبْحُ وَالذَّبِيحُ) رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى اللَّفِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 أَسْفَلُهُ وَقَيَّدْت إطْلَاقَهُ بِالِاسْتِقْلَالِ لِأَنَّهُ مُرَادُهُ فَلَا يَرِدُ حِلُّ الْجَنِينِ الْمَوْجُودِ مَيِّتًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَلَمْ يُذْبَحْ وَلَمْ يُعْقَرْ لِأَنَّ حِلَّهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِذَكَاةِ أُمِّهِ. كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الذَّبْحِ قَصْدٌ. فَلَوْ سَقَطَتْ مُدْيَةٌ عَلَى مَذْبَحِ شَاةٍ أَوْ احْتَكَّتْ بِهَا فَانْدَمَجَتْ أَوْ اسْتَرْسَلَتْ جَارِحَةٌ بِنَفْسِهَا فَقَتَلَتْ أَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا لَا لِصَيْدٍ فَقَتَلَ صَيْدًا حَرُمَ كَجَارِحَةٍ أَرْسَلَهَا وَغَابَتْ عَنْهُ مَعَ الصَّيْدِ أَوْ جَرَحَتْهُ. وَلَمْ يَنْتَهِ بِالْجُرْحِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ وَغَابَتْ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فِيهِمَا، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّحْرِيمِ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَإِنْ اخْتَارَ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ الْحِلَّ. وَلَوْ رَمَى شَيْئًا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ رَمَى قَطِيعَ ظِبَاءٍ فَأَصَابَ وَاحِدَةً مِنْهُ أَوْ قَصَدَ وَاحِدَةً مِنْهُ فَأَصَابَ غَيْرَهَا، حَلَّ ذَلِكَ لِصِحَّةِ قَصْدِهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِظَنِّهِ الْمَذْكُورِ. (وَمَا لَمْ يُقْدَرْ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى ذَكَاتِهِ) لِكَوْنِهِ مُتَوَحِّشًا كَالضَّبُعِ. (فَذَكَاتُهُ عَقْرُهُ) أَيْ بِجَرْحٍ مُزْهِقٍ لِلرُّوحِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ الْعَقْرُ مِنْ بَدَنِهِ بِالْإِجْمَاعِ. وَلَوْ تَوَحَّشَ إنْسِيٌّ كَبَعِيرٍ نَدَّ فَهُوَ كَالصَّيْدِ يَحِلُّ بِجَرْحِهِ فِي غَيْرِ مَذْبَحِهِ. (حَيْثُ قُدِرَ عَلَيْهِ) بِالظَّفْرِ بِهِ. وَيَحِلُّ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ.   [حاشية البجيرمي] وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. قَوْلُهُ: (قَصْدٌ) أَيْ قَصْدُ الْعَيْنِ أَوْ الْجِنْسِ بِالْفِعْلِ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ فَلَوْ أَجَالَ بِسَيْفِهِ فَأَصَابَ مَذْبَحَ صَيْدٍ أَوْ أَرْسَلَ سَهْمَهُ فِي ظُلْمَةٍ رَاجِيًا صَيْدًا فَقَتَلَهُ، حَرُمَ سم. وَعِبَارَةُ ح ل أَيْ قَصَدَ الْعَيْنَ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ أَوْ الْجِنْسِ أَيْ الْحَقِيقَةِ الصَّادِقَةِ بِالْكُلِّ مِنْ الْأَفْرَادِ وَبِبَعْضِهَا وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْإِصَابَةِ اهـ. فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ حَيَوَانٌ مَأْكُولٌ، فَضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَقَطَعَ رَأْسَهُ، هَلْ يَحِلُّ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الذَّبْحِ لَا يُشْتَرَطُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْفِعْلِ وَقَدْ وُجِدَ بَلْ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ قَطْعِ الرَّأْسِ مَا لَوْ أَصَابَ غَيْرَ عُنُقِهِ كَيَدِهِ مَثَلًا فَجَرَحَهُ، وَمَاتَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَغَابَتْ عَنْهُ) أَيْ قَبْلَ جَرْحِهِ أَمَّا لَوْ بَلَغَ مِنْهُ مَبْلَغَ الذَّبْحِ وَهُوَ يَرَاهُ ثُمَّ غَابَ عَنْهُ ثُمَّ وُجِدَ مَيِّتًا حَلَّ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُذَكًّى عِنْدَ مُشَاهَدَتِهِ فَلَمْ يَحْرُمْ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ: وَغَابَ، وَهِيَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (ظِبَاءٍ) بِالْمَدِّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَأَصَابَ غَيْرَهَا) أَيْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ اهـ ز ي لِأَنَّ الْقَصْدَ وَقَعَ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا اعْتِبَارَ بِظَنِّهِ) وَاعْلَمْ أَنَّ الصُّورَةَ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُخْطِئَ فِي الظَّنِّ فَقَطْ، أَوْ فِي الْإِصَابَةِ فَقَطْ، أَوْ فِيهِمَا. فَإِنْ أَخْطَأَ فِي الظَّنِّ فَقَطْ أَوْ فِي الْإِصَابَةِ فَقَطْ، فَهُوَ حَلَالٌ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ، أَمَّا إذَا أَخْطَأَ فِيهِمَا؛ فَإِنْ كَانَ ظَانًّا لِلْمُحَرَّمِ فَلَا يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ ظَانًّا لِلْحَلَالِ فَيَحِلُّ، فَالْخَطَأُ فِيهِمَا فِيهِ صُورَتَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا س ل. بِقَوْلِهِ: وَلَوْ قَصَدَ وَأَخْطَأَ فِي الظَّنِّ وَالْإِصَابَةِ مَعًا كَمَنْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَأَصَابَ صَيْدًا غَيْرَهُ حَرُمَ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُحَرَّمًا فَلَا يَسْتَفِيدُ الْحِلَّ لَا عَكْسُهُ بِأَنْ رَمَى حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا ظَنَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُبَاحًا اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَمَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى ذَكَاتِهِ) أَيْ وَقْتَ الْإِصَابَةِ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ قَالَ الشَّيْخُ س ل: فَلَوْ رَمَى غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ وَهُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ أَوْ عَكْسُهُ اُعْتُبِرَ حَالُ الْإِصَابَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهِ) لَوْ قَالَ: كَكَوْنِهِ بِالْكَافِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْبَعِيرَ النَّادَّ وَالْوَاقِعَ فِي بِئْرٍ وَكَانَ يَسْتَغْنِي عَنْ قَوْلِهِ الْآتِي: وَلَوْ تَوَحَّشَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي أَيِّ مَوْضِعٍ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ حَيْثُ قُدِرَ عَلَيْهِ أَيْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ قُدِرَ عَلَى الْعَقْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَتْنِ: حَيْثُ قُدِرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي أَيِّ مَحَلٍّ مِنْ بَدَنِهِ إلَخْ. فَلَوْ أَخَّرَهَا الشَّارِحُ وَشَرَحَ بِهَا الْمَتْنَ وَحَذَفَ لَفْظَ الظَّفَرِ لَكَانَ أَوْلَى. وَالتَّكْرَارُ بِالنَّظَرِ لِلظَّاهِرِ وَإِلَّا فَالشَّارِحُ فَرَضَ كَلَامَهُ أَوَّلًا فِي الْمُتَوَحِّشِ الْأَصْلِيِّ وَجَعَلَ قَوْلَ الْمَتْنِ: حَيْثُ قُدِرَ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقًا بِمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ إنْسِيًّا فَتَوَحَّشَ فَلَا تَكْرَارَ وَعَلَى كُلٍّ فَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ: بِالظَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَقَوْلُهُ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ أَيْ مِمَّا يُنْسَبُ إلَيْهِ الزُّهُوقُ أَوْ لَا نَحْوِ حَافِرٍ وَخُفٍّ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (كَبَعِيرٍ نَدَّ) أَيْ شَرَدَ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: نَدَّ الْبَعِيرُ نَدًّا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنِدَادًا بِالْكَسْرِ وَنَدِيدًا نَفَرَ وَذَهَبَ إلَى وَجْهِهِ شَارِدًا فَهُوَ نَادٌّ وَالْجَمْعُ نَوَادُّ. قَوْلُهُ: (حَيْثُ قُدِرَ عَلَيْهِ) أَيْ إنْ قُدِرَ عَلَى الْعَقْرِ بِسَبَبِ الظَّفَرِ بِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَتَكَرَّرُ هَذَا مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 تَنْبِيهٌ: تَنَاوَلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَكَاتِهِ فَيَحِلُّ بِجَرْحِهِ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ. وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الزَّوَائِدِ وَلَا يَحِلُّ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ عَلَيْهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَدِيدَ يُسْتَبَاحُ بِهِ الذَّبْحُ مَعَ الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ فِعْلِ الْجَارِحَةِ، وَلَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ فَوْقَ بَعِيرٍ فَغَرَزَ رُمْحًا فِي الْأَوَّلِ حَتَّى نَفَذَ مِنْهُ إلَى الثَّانِي حَلَّا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالثَّانِي قَالَهُ الْقَاضِي فَإِنْ مَاتَ الْأَسْفَلُ بِثِقَلِ الْأَعْلَى لَمْ يَحِلَّ وَلَوْ دَخَلَتْ الطَّعْنَةُ إلَيْهِ وَشَكَّ هَلْ مَاتَ بِهَا أَوْ بِالثِّقَلِ لَمْ يَحِلَّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ مَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ. (وَيُسْتَحَبُّ فِي الذَّكَاةِ) أَيْ ذَكَاةِ الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ (أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (قَطْعُ) كُلِّ (الْحُلْقُومِ) وَهُوَ مَجْرَى النَّفَسِ (وَ) الثَّانِي قَطْعُ كُلِّ (الْمَرِيءِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمَدِّ وَالْهَمْزَةِ فِي آخِرِهِ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. (وَ) الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ قَطْعُ كُلِّ (الْوَدَجَيْنِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ وَقِيلَ بِالْمَرِيءِ وَهُمَا الْوَرِيدَانِ مِنْ الْآدَمِيِّ، لِأَنَّهُ أَوْحَى وَأَسْهَلَ لِخُرُوجِ الرُّوحِ فَهُوَ مِنْ الْإِحْسَانِ فِي الذَّبْحِ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ قَطْعَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ مُسْتَحَبٌّ. لَا أَنَّ قَطْعَ كُلِّ وَاحِدٍ مُسْتَحَبٌّ عَلَى انْفِرَادِهِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الْبَاقِي إذْ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَاجِبٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُجْزِئُ مِنْهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحِلِّ (شَيْئَانِ) وَهُمَا (قَطْعُ) كُلِّ الْحُلْقُومِ وَ (كُلُّ الْمَرِيءِ) مَعَ وُجُودِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ أَوَّلَ قَطْعِهِمَا لِأَنَّ الذَّكَاةَ صَادَفَتْهُ وَهُوَ حَيٌّ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ حَيَوَانٍ ثُمَّ ذَكَّاهُ فَإِنْ لَمْ يُسْرِعْ قَطَعَهُمَا وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بَلْ انْتَهَى لِحَرَكَةِ مَذْبُوحٍ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ صَارَ مَيْتَةً   [حاشية البجيرمي] فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ تَرَدَّى) أَيْ سَقَطَ وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ لِكَوْنِهِ فِيهِ خِلَافٌ وَمَا قَبْلَهُ بِاتِّفَاقٍ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْحَدِيدَ يُسْتَبَاحُ بِهِ الذَّبْحُ مَعَ الْقُدْرَةِ لَكِنْ بِكَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهِيَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ، وَالْمَرِيءِ وَالْمُدَّعَى هُنَا الْإِبَاحَةُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (مَعَ الْقُدْرَةِ) أَيْ فَيُسْتَبَاحُ بِهِ مَعَ الْعَجْزِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَوْ دَخَلَتْ إلَخْ) مَحَلَّهُ إذَا شَكَكْنَا هَلْ صَادَفَتْهُ حَيًّا أَوْ لَا أَمَّا إذَا عَلِمْنَا أَنَّهَا صَادَفَتْهُ حَيًّا وَشَكَكْنَا هَلْ مَاتَ بِهَا أَوْ بِثِقَلِ الْأَعْلَى حَلَّ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَوْحَى) أَيْ أَسْرَعُ وَأَسْهَلُ وَالْمَرِيءُ تَحْتَ الْحُلْقُومِ. قَوْلُهُ: (مَعَ وُجُودِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ) وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَطْعِ فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَلَوْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوَضْعِ فِي آخِرِ مَرَّةٍ ق ل قَوْلُهُ: (أَوَّلَ قَطْعِهِمَا) أَيْ إنْ أَسْرَعَ فِي الذَّبْحِ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ دَفْعَةً وَإِلَّا اُشْتُرِطَتْ عِنْدَ آخِرِ قَطْعٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الذَّكَاةَ صَادَفَتْهُ وَهُوَ حَيٌّ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ حَيَوَانٍ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ وَالتَّنْظِيرُ ذَكَرَهُمَا م ر فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهُمَا وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ أَوْ مِنْ صَفْحَةِ عُنُقِهِ، عَصَى لِلْعُدُولِ عَنْ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ. فَإِنْ أَسْرَعَ فِي ذَلِكَ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَلَوْ ظَنًّا بِقَرِينَةٍ حَلَّ لِمُصَادَفَةِ الذَّكَاةِ لَهُ وَهُوَ حَيٌّ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ ذَكَّاهُ. وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بَلْ وَصَلَ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لَمَّا انْتَهَى إلَى قَطْعِ الْمَرِيءِ فَلَا يَحِلُّ لِصَيْرُورَتِهِ مَيْتَةً. وَكَذَا إدْخَالُ السِّكِّينِ بِأُذُنِ ثَعْلَبٍ مَثَلًا لِيَقْطَعَ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ دَاخِلَ الْجِلْدِ لِأَجْلِ جِلْدِهِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَارُّ. وَهُوَ أَنْسَبُ مِنْ صَنِيعِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَكَّاهُ) أَيْ فَإِنَّهُ يَحِلُّ دُونَ الْيَدِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُسْرِعْ قَطَعَهُمَا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُسْرِعَ الذَّابِحُ فِي الذَّبْحِ فَلَوْ تَأَتَّى بِحَيْثُ ظَهَرَ انْتِهَاءُ الشَّاةِ قَبْلَ قَطْعِ الْمَذْبَحِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ لَمْ تَحِلَّ لِتَقْصِيرِهِ. اهـ. ز ي وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَلَمْ تَكُنْ بِمَعْنَى أَوْ فِي نُسْخَةٍ فَإِنْ شَرَعَ فِي قَطْعِهِمَا وَعَلَيْهَا فَالْوَاوُ ظَاهِرَةٌ وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ السِّكِّينِ وَإِعَادَتُهَا فَوْرًا وَلَا قَلْبُهَا لِيَأْخُذَ عَلَيْهَا مَا بَقِيَ مِنْ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَلَا إلْقَاؤُهَا لِيَأْخُذَ غَيْرَهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا ذُكِرَ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ قِصَرُ الْفَصْلِ عُرْفًا اهـ بِحُرُوفِهِ اهـ. م د وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ لِوُجُودِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ أَوَّلَ قَطْعِهِمَا وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُ هَلْ هُوَ مُحَلَّلٌ أَوْ مُحَرَّمٌ فَهَلْ يَحِلُّ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُقُوعُهُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُجْزِئَةِ. فَرْعٌ: يَحْرُمُ ذَبْحُ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَلَوْ لِإِرَاحَتِهِ كَالْحِمَارِ الزَّمِنِ مَثَلًا لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 فَلَا يُفِيدُهُ الذَّبْحُ بَعْدَ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ ذَبَحَ شَخْصٌ حَيَوَانًا وَأَخْرَجَ آخَرُ أَمْعَاءَهُ أَوْ نَخَسَ خَاصِرَتَهُ مَعًا، لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ لَمْ يَتَمَحَّضْ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ قَالَ أَصْلُ الرَّوْضَةِ: سَوَاءٌ أَكَانَ مَا قَطَعَ بِهِ الْحُلْقُومَ مَا يُذَفَّفُ لَوْ انْفَرَدَ أَوْ كَانَ يُعِينُ عَلَى التَّذْفِيفِ وَلَوْ اقْتَرَنَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِقَطْعِ رَقَبَةِ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهَا بِأَنْ أَجْرَى سِكِّينًا مِنْ الْقَفَا وَسِكِّينًا مِنْ الْحُلْقُومِ حَتَّى الْتَقَيَا فَهِيَ مَيْتَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ إنَّمَا حَصَلَ بِذِبْحَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ. بَلْ يَكْفِي الظَّنُّ بِوُجُودِهَا بِقَرِينَةٍ وَلَوْ عُرِفَتْ بِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ أَوْ انْفِجَارِ الدَّمِ وَمَحِلِّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ. فَلَوْ وَصَلَ بِجُرْحٍ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَفِيهِ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ ثُمَّ ذُبِحَ لَمْ يَحِلَّ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ عِنْدَ الذَّبْحِ تَارَةً تُتَيَقَّنُ وَتَارَةً تُظَنُّ بِعَلَامَاتٍ وَقَرَائِنَ فَإِنْ شَكَكْنَا فِي اسْتِقْرَارِهَا، حُرُمَ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ وَتَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ. فَإِنْ مَرِضَ أَوْ جَاعَ. فَذَبَحَهُ وَقَدْ صَارَ آخَرُ رَمَقٍ حَلَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ بِحَالِ الْهَلَاكِ عَلَيْهِ. وَلَوْ مَرِضَ بِأَكْلِ نَبَاتٍ مُضِرٍّ حَتَّى صَارَ آخَرُ   [حاشية البجيرمي] فَرْعٌ: لَوْ اضْطُّرَّ شَخْصٌ لِأَكْلِ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ لِأَنَّ الذَّبْحَ يُزِيلُ الْعُفُونَةَ أَوْ لَا لِأَنَّ ذَبْحَهُ لَا يُفِيدُ؟ وَقَعَ فِي ذَلِكَ تَرَدُّدٌ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِأَنَّ ذَبْحَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى قَتْلِهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ اتَّفَقَ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْأَسْهَلُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحِلَّ) أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ اجْتِمَاعِ مُقْتَضٍ وَمَانِعٍ فَيَغْلِبُ الْمَانِعُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عُرِفَتْ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: كَشِدَّةِ الْحَرَكَةِ إلَخْ وَيَكُونُ مِثَالًا لِلْقَرِينَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّ ذَلِكَ) أَيْ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْحَيَاةِ مُسْتَقِرَّةً قَطْعًا أَوْ ظَنًّا الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَاعْتُبِرَتْ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ لِيَخْرُجَ مَا إذَا فُقِدَتْ، وَكَانَ فَقْدُهَا لِسَبَبٍ مِنْ جَرْحٍ أَوْ انْهِدَامِ سَقْفٍ أَوْ أَكْلِ نَبَاتٍ ضَارٍّ لِوُجُودِ مَا يَحِلُّ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ. أَمَّا إذَا كَانَ لِمَرَضٍ فَيَحِلُّ مَعَ فَقْدِهَا اهـ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ إلَّا عِنْدَ تَقَدُّمِ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ وَالْمُرَادُ بِالْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ مَا يُوجَدُ مَعَهَا الْحَرَكَةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ بِقَرَائِنَ وَأَمَارَاتٍ فَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْحَيَاةِ، وَمِنْ أَمَارَتِهَا انْفِجَارُ الدَّمِ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْأَصَحُّ الِاكْتِفَاءُ بِالْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ وَأَمَّا الْحَيَاةُ الْمُسْتَمِرَّةُ فَهِيَ الْبَاقِيَةُ إلَى خُرُوجِهَا بِذَبْحٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَأَمَّا حَرَكَةُ عَيْشِ الْمَذْبُوحِ فَهِيَ الَّتِي لَا يَبْقَى مَعَهَا سَمْعٌ وَلَا إبْصَارٌ وَلَا حَرَكَةُ اخْتِيَارٍ. اهـ. شَرْحُ م ر وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: حَيَاةٌ لَهَا اسْتِمْرَارُ إنْ بَقِيَتْ إلَى ... فَرَاغٍ لِآجَالٍ تَمُوتُ لَقَدْ ظَهَرْ وَصِفْهَا بِالِاسْتِقْرَارِ إنْ وُجِدَتْ بِهَا ... صِفَاتُ اخْتِيَارٍ مَعَ قَرَائِنَ تُعْتَبَرْ وَعِيشَةُ مَذْبُوحٍ فَسَمِّ إذَا خَلَتْ ... عَنْ السَّمْعِ أَوْ نَحْوِ اخْتِيَارٍ كَذَا الْبَصَرْ وَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ تَقَدُّمٍ إلَخْ كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْحَيَوَانَ سَوَاءٌ الْمَأْكُولُ وَالْآدَمِيُّ إذَا صَارَ آخِرُ رَمَقٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ سَبَبٍ يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، كَانَ كَالْمَيِّتِ وَمَعْنَاهُ فِي الْمَأْكُولِ أَنَّهُ إذَا ذُبِحَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحِلُّ وَفِي الْآدَمِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُقْسَمَ التَّرِكَةُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِذَا وَضَعَتْ الْمَرْأَةُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا أَوْ كَانَ ذَلِكَ بِلَا سَبَبٍ يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ كَانَ كَالْحَيِّ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمَأْكُولِ أَنَّهُ إذَا ذُبِحَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَلَّ وَفِي الْآدَمِيِّ أَنَّهُ لَا تَنْقَضِي عِدَّةُ امْرَأَتِهِ إذَا وَضَعَتْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَكَذَا جَمِيعُ أَحْكَامِ الْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ) : عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ تَقَدُّمِ مَا يَحِلُّ إلَخْ. س ل وَأَقَرَّهُ ع ش وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِ الشَّارِحِ فَإِنْ مَرِضَ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحِلَّ) أَيْ مَا لَمْ تُوجَدْ بَعْدَ ذَبْحِهِ حَرَكَةٌ شَدِيدَةٌ أَوْ انْفِجَارُ دَمٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر: قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَرِضَ) اسْتَدْرَكَ بِهَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَقَوْلُهُ: سَبَبٌ أَيْ فِعْلٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَإِلَّا فَالسَّبَبُ مَوْجُودٌ هُنَا وَهُوَ الْمَرَضُ. قَوْلُهُ: (حَلَّ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمٌ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَرِضَ بِأَكْلِ نَبَاتٍ مُضِرٍّ إلَخْ) وَمِنْ ذَلِكَ النُّفَّاخُ الْحَاصِلُ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 رَمَقٍ كَانَ سَبَبًا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ. فَلَمْ يَحِلَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الذَّكَاةِ قَطْعُ الْجِلْدَةِ الَّتِي فَوْقَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فَلَوْ أَدْخَلَ سِكِّينًا بِأُذُنِ ثَعْلَبٍ مَثَلًا وَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءِ دَاخِلَ الْجِلْدِ لِأَجْلِ جِلْدِهِ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ لِلتَّعْذِيبِ وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ فِي اللَّبَّةِ وَهِيَ أَسْفَلُ الْعُنُقِ كَمَا مَرَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ لِطُولِ عُنُقِهَا. وَقِيَاسُ هَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَنْ يَأْتِيَ فِي كُلِّ مَا طَالَ عُنُقُهُ كَالنَّعَامِ وَالْإِوَزِّ وَالْبَطِّ. وَيُسَنُّ ذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ وَنَحْوِهِمَا. كَخَيْلٍ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ لِلِاتِّبَاعِ وَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ عَكْسُهُ، وَيُسَنُّ: أَنْ يَكُونَ نَحْرُ الْبَعِيرِ قَائِمًا مَعْقُولَةً رُكْبَتُهُ وَهِيَ الْيُسْرَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36]   [حاشية البجيرمي] أَكْلِ الرِّبَّةِ وَعِبَارَةُ حَجّ وَلَوْ كَانَ مَرَضُهُ بِسَبَبِ أَكْلِ نَبَاتٍ مُضِرٍّ كَفَى ذَبْحُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ فَعُلِمَ أَنَّ النَّبَاتَ الْمُؤَدِّي أَكْلُهُ لِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ لَا يُؤَثِّرُ بِخِلَافِ الْمُؤَدِّي لِلْهَلَاكِ أَيْ غَالِبًا فِيمَا يَظْهَرُ إذْ لَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ إلَّا حِينَئِذٍ اهـ وَفِي شَرْحِ سم أَوْ انْتَهَى الْحَيَوَانُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْقَطْعِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِنَحْوِ جَرْحٍ أَوْ انْهِدَامِ سَقْفٍ أَوْ أَكْلِ نَبَاتٍ مُضِرٍّ. أَوْ نَحْوِهَا حَرُمَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ انْتَهَى إلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ أَكْلُ نَبَاتٍ مُضِرٍّ وَهَذِهِ مُخَالَفَةٌ لِكَلَامِ الشَّارِحِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الشَّارِحِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ ق ل م د وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا لَوْ وَصَلَتْ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِسَبَبٍ يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ فَحَصَلَ مِنْهَا حَرَكَةٌ شَدِيدَةٌ فِي الْحَالِ ثُمَّ ذُبِحَتْ لَمْ تَحِلَّ بِخِلَافِ مَا إذَا وَصَلَتْ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَلَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحَرَكَةُ ثُمَّ ذُبِحَتْ فَاشْتَدَّتْ حَرَكَتُهَا أَوْ انْفَجَرَ دَمُهَا فَتَحِلُّ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَحِلَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) : أَيْ مَا لَمْ تُوجَدْ الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ أَوْ انْفِجَارُ الدَّمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الذَّكَاةِ قَطْعُ الْجِلْدَةِ إلَخْ) : لَوْ خُلِقَ وَلَهُ رَأْسَانِ وَعُنُقَانِ فِي كُلِّ عُنُقٍ حُلْقُومٌ وَمَرِيءٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ كُلِّ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ مِنْ كُلِّ عُنُقٍ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَائِدًا فَإِنْ عُلِمَ فَالْعِبْرَةُ بِالْأَصْلِيِّ وَإِنْ اشْتَبَهَ بِالْأَصْلِيِّ لَمْ يَحِلَّ بِقَطْعِ أَحَدِهِمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ الزَّائِدُ وَلَا بِقَطْعِهِمَا إذْ لَمْ يَحْصُلْ الزُّهُوقُ بِمَحْضِ الذَّبْحِ الشَّرْعِيِّ بَلْ بِهِ وَبِغَيْرِهِ وَهُوَ قَطْعُ الزَّائِدِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ كَمَا لَوْ قَالَ الذَّابِحْ جَرَحَهُ أَوْ نَخَسَهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحِلَّ بِقَطْعِهِمَا، لِأَنَّ الزَّائِدَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِيِّ، لَوْ خُلِقَ لَهُ مَرِيئَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ وَجَبَ قَطْعُهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَائِدًا فَالْعِبْرَةُ بِالْأَصْلِيِّ فَإِنْ اشْتَبَهَ بِالزَّائِدِ لَمْ يَحِلَّ بِقَطْعِهِمَا وَلَا بِقَطْعِ أَحَدِهِمَا عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ خُلِقَ حَيَوَانَانِ مُلْتَصِقَانِ، وَمَلَكَ كُلَّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ فَهَلْ لِكُلِّ مَالِكٍ ذَبْحُ مِلْكِهِ، أَوْ فَصْلِهِ مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ أَدَّى إلَى مَوْتِ الْآخَرِ أَوْ تَلَفِ عُضْوٍ مِنْهُ أَوْ مَنْفَعَتِهِ. كَمَا أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَلَفِ مِلْكِ جَارِهِ وَأَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَطَّانِ: إنَّ لِلْبَدَنَيْنِ الْمُلْتَصِقَيْنِ حُكْمَ الشَّخْصَيْنِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوَّلُ غَيْرُ بَعِيدٍ. اهـ. حَجّ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ) : وَهُوَ الطَّعْنُ بِمَا لَهُ حَدِيدٌ فِي الْمَنْحَرِ وَهُوَ وَهْدَةٌ فِي أَعْلَى الصَّدْرِ وَأَصْلِ الْعُنُقِ وَلَا بُدَّ فِي النَّحْرِ مِنْ قَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ. اهـ. ز ي مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (فِي اللَّبَّةِ) أَيْ مَعَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّبَّةُ بِفَتْحِ اللَّامِ. قَوْلُهُ: (أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الرُّوحَ تَخْرُجُ مِمَّا نَفَذَ بِسَبَبِ النَّحْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَهَذَا خَاصٌّ بِغَيْرِ الْآدَمِيِّ أَمَّا هُوَ فَإِنَّ رُوحَهُ تَخْرُجُ مِنْ يَافُوخِهِ كَمَا أَنَّهُ أَوَّلُ مَا تَحِلُّ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لِطُولِ عُنُقِهَا) وَهَلْ الْمُرَادُ بِالنَّحْرِ غَرْزُهُ الْآلَةَ فِي اللَّبَّةِ أَوْ وَلَوْ بِالْقَطْعِ عَرْضًا ح ل. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ ذَبْحُ بَقَرٍ) أَيْ لَا نَحْرُهَا فِي اللَّبَّةِ فَالسُّنَّةُ هِيَ الْعُدُولُ عَنْ اللَّبَّةِ إلَى أَعْلَى الْعُنُقِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ) لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (عَكْسُهُ) وَهُوَ الذَّبْحُ فِي الْإِبِلِ وَالنَّحْرُ فِي الْبَقَرِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ. حَيْثُ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْإِبِلِ وَلَا نَحْرُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا حَرَّمَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ فَقَطْ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَعْقُولَةً) بِالنَّصْبِ. عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ ثَانٍ لَا عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ قِيَامٌ عَلَى ثَلَاثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَأَنْ يَكُونَ نَحْرُ الْبَقَرَةِ أَوْ الشَّاةِ مُضْجَعَةً لِجَنْبِهَا الْأَيْسَرِ وَتَتْرُكُ رِجْلَهَا الْيُمْنَى بِلَا شَدٍّ وَتُشَدُّ بَاقِي الْقَوَائِمِ وَيُسَنُّ لِلذَّابِحِ أَنْ يَحِدَّ سِكِّينَهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» وَأَنْ يُوَجِّهَ لِلْقِبْلَةِ ذَبِيحَتَهُ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ ذَبْحِهَا: بِسْمِ اللَّهِ. وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ لِإِيهَامِهِ   [حاشية البجيرمي] الْحَالِ لِإِضَافَتِهِ إلَى مَعْرِفَةٍ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَيْ قِيَامٌ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ قِيَامًا لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِصَوَافَّ فَإِنْ خِيفَ نِفَارُهَا فَبَارِكَةً غَيْرَ مُضْجَعَةٍ بِرْمَاوِيٌّ وَسَمِّ. قَوْلُهُ: (لِجَنْبِهَا الْأَيْسَرِ) لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِ الْآلَةِ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَارِ فَلَوْ كَانَ أَعْسَرَ اُسْتُحِبَّ لَهُ اسْتِنَابَةُ غَيْرِهِ وَلَا يُضْجِعُهَا عَلَى يَمِينِهَا كَمَا أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَمِينِ لَا يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ بِسَبَّابَةِ الْيُسْرَى شَوْبَرِيٌّ وَرَمْلِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُحِدَّ إلَخْ) وَلَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ كَالَّةٍ حَلَّ بِشَرْطَيْنِ أَنْ لَا يَحْتَاجَ الْقَطْعُ إلَى قُوَّةِ الذَّابِحِ وَأَنْ يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ. قَبْلَ انْتِهَائِهِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ. اهـ. س ل وَيُنْدَبُ إمْرَارُهَا بِرِفْقٍ وَتَحَامُلٍ يَسِيرٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَيُكْرَهُ أَنْ يُحِدَّهَا قُبَالَتَهَا وَأَنْ يَذْبَحَ وَاحِدَةً وَالْأُخْرَى تَنْظُرُ إلَيْهَا وَيُكْرَهُ لَهُ إبَانَةُ رَأْسِهَا حَالًا وَزِيَادَةُ الْقَطْعِ وَكَسْرُ الْعُنُقِ وَقَطْعُ عُضْوٍ مِنْهَا وَتَحْرِيكُهَا وَنَقْلُهَا حَتَّى تَخْرُجَ رُوحُهَا. وَالْأَوْلَى سَوْقُهَا إلَى الْمَذْبَحِ بِرِفْقٍ وَعَرْضُ الْمَاءِ عَلَيْهَا قَبْلَ ذَبْحِهَا شَرْحُ م ر. قَالَ: ع ش عَلَيْهِ وَالْمُخَاطَبُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ مَالِكُهَا إنْ بَاشَرَ الذَّبْحَ وَمُقَدِّمَاتِهِ، فَإِنْ فَوَّضَ أَمْرَ الذَّبْحِ إلَى غَيْرِهِ وَسَلَّمَهَا لَهُ طُلِبَ مِنْهُ فِعْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ اهـ. قَوْلُهُ: (سِكِّينَةٌ) سُمِّيَتْ سِكِّينًا لِأَنَّهَا تُسَكِّنُ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ وَمُدْيَةً لِأَنَّهَا تَقْطَعُ مُدَّةَ الْحَيَاةِ وَشَفْرَةً لِإِذْهَابِهَا الْحَيَاةَ، مِنْ شَفَرَ الْمَالُ ذَهَبَ لِأَنَّهَا تُذْهِبُ حَيَاةَ صَاحِبِهَا اهـ: قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَتَلْتُمْ) أَيْ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا إذْ لَا قَتْلَ فِي الشَّرْعِ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ يُسْتَثْنَى مِنْهُ قَتْلُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ بِالصَّلْبِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ بِالرَّجْمِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِذَلِكَ قِيلَ: وَنَحْوُ حَشَرَاتٍ وَسِبَاعٍ وَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ لِأَنَّهَا مُؤْذِيَةٌ. وَقِيلَ خَرَجَتْ بِالنَّصِّ فَلَا حَظَّ لَهَا فِي الْإِحْسَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ جَوَازُ قَتْلِهَا أَوْ وُجُوبُهُ لَا يُنَافِي إحْسَانَ كَيْفِيَّتِهِ. وَإِحْسَانُ الْقِتْلَةِ اخْتِيَارُ أَسْهَلِ الطُّرُقِ وَأَخَفِّهَا إيلَامًا وَأَسْرَعِهَا إزْهَاقًا وَأَسْهَلِ وُجُوهِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ فِي الْعُنُقِ، وَلِذَا يُكْرَهُ قَتْلُ الْقَمْلِ وَالْبَقِّ، وَالْبَرَاغِيثِ وَسَائِرِ الْحَشَرَاتِ بِالنَّارِ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْذِيبِ وَفِي الْحَدِيثِ «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» قَالَ الْجُزُولِيُّ وَابْنُ نَاجِيٍّ: وَهَذَا مَا لَمْ يُضْطَرَّ لِكَثْرَتِهِمْ فَيَجُوزُ حَرْقُ ذَلِكَ بِالنَّارِ لِأَنَّ فِي تَنْقِيَتِهَا بِغَيْرِ النَّارِ حَرَجًا وَمَشَقَّةً وَيَجُوزُ نَشْرُهَا فِي الشَّمْسِ قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: وَقَتْلُهَا بِغَيْرِ النَّارِ بِالْقَعْصِ أَيْ الْقَصْعِ وَالْفَرْكِ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ: وَقَدْ مَثَّلَ عَنْ حَشَرَاتِ الْأَرْضِ تُؤْذِي أَحَدًا فَقَالَ: «مَا يُؤْذِيك فَلَكَ أَذِيَّتُهُ قَبْلَ أَنْ يُؤْذِيَك» وَمَا خُلِقَ لِلْأَذِيَّةِ فَابْتِدَاؤُهُ بِالْأَذِيَّةِ جَائِزٌ هـ شَبْرَخِيتِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا ذَبَحْتُمْ) مَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ مِنْ الْبَهَائِمِ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ بِالْكَسْرِ هَيْئَةُ الذَّبْحِ وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ» بِفَتْحِ الذَّالِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ الْمَصْدَرُ وَهِيَ الَّتِي فِي أَكْثَرِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَإِحْسَانُ الذَّبْحِ فِي الْبَهَائِمِ الرِّفْقُ فَلَا يَصْرَعُهَا بِعُنْفٍ. وَإِيضَاحُ الْمَحَلِّ بِأَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى جِلْدَ حَلْقِهَا مِنْ لَحْيِهَا الْأَسْفَلِ بِالصُّوفِ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ الْبَشَرَةِ مَوْضِعُ الشَّفْرَةِ وَيُضْجِعُ مَا يُرَادُ ذَبْحُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِلذَّابِحِ حَيْثُ كَانَ يَفْعَلُ بِالْيَمِينِ أَكْثَرَ أَوْ كَانَ أَضْبَطَ وَهُوَ الَّذِي يَفْعَلُ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَأَمَّا الْأَعْسَرُ فَيُضْجِعُهَا عَلَى الْأَيْمَنِ وَالنِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ مَعَ الذِّكْرِ وَقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْمُقَدَّمِ لَا مِنْ الْقَفَا. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأَعْسَرُ فَيُضْجِعُهَا عَلَى الْأَيْمَنِ لَعَلَّهُ جَرَى فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِ م ر أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِنَابَةُ غَيْرِهِ وَلَا يُضْجِعُهَا عَلَى يَمِينِهَا وَقَوْلُهُ: وَقَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ وَلَا يَحْرُمُ قَطْعُ مَا زَادَ وَلَوْ بِانْفِصَالِ رَأْسِهِ وَقَالَ مَالِكٌ بِوُجُوبِ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ دُونَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِوُجُوبِ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ أَيْضًا وَلَوْ ذَبَحَهُ بِآلَتَيْنِ مِنْ خَلْفٍ وَأَمَامٍ فَالْتَقَيَا لَمْ يَحِلَّ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ شَخْصٌ حَشْوَتَهُ أَيْ مَصَارِينَهُ أَوْ نَخَسَهُ فِي خَاصِرَتِهِ حَالَ ذَبْحِهِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ: وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ قِيلَ: بِحُرْمَتِهَا لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي التَّعْذِيبِ وَالرَّاجِحُ: الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: (وَلْيُحِدَّ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَحَدَّ وَبِفَتْحِهَا مِنْ حَدَّ وَالشَّفْرَةُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ تُضَمُّ وَهِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 التَّشْرِيكَ. (وَيَجُوزُ) لِمَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ لَا لِغَيْرِهِ (الِاصْطِيَادُ) أَيْ أَكْلُ الْمُصَادِ بِالشَّرْطِ الْآتِي فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ. (بِكُلِّ   [حاشية البجيرمي] السِّكِّينُ الْعَرِيضَةُ وَأَصْلُ الشَّفْرَةِ حَدُّ السِّكِّينِ وَشَفْرَةُ السَّيْفِ حَدُّهُ وَشَفِيرُ جَهَنَّمَ حَرْفُهَا وَشَفِيرُ الْوَادِي طَرَفُهُ وَشَفِيرُ الْعَيْنِ مَنْبَتُ شَعْرِ الْجَفْنِ وَالْإِحْدَادُ وَاجِبٌ فِي الْكَالَّةِ وَمَنْدُوبٌ فِي غَيْرِهَا وَيُنْدَبُ مُوَارَاتُهَا عَنْهَا فِي حَالِ إحْدَادِهَا، فَيُكْرَهُ أَنْ يَحُدَّهَا قُبَالَتَهَا فَقَدْ رُوِيَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِرَجُلٍ وَاضِعٍ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَةِ شَاةٍ وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ وَهِيَ تَلْحَظُ إلَيْهَا بِبَصَرِهَا فَقَالَ لَهُ: أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَيْنِ هَلَّا أَحْدَدْت شَفْرَتَك قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا؟» اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (ذَبِيحَتَهُ) أَيْ مَذْبَحَهَا فَقَطْ. لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ لِأَنَّهُ حَالَةُ إخْرَاجِ نَجَاسَةٍ كَالْبَوْلِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بِأَنَّ هَذَا حَالَةٌ يُتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ بِهَا. وَمِنْ ثَمَّ سُنَّ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ بِخِلَافِ تِلْكَ شَوْبَرِيٌّ. وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ الذَّبِيحَةُ لِلتَّقَرُّبِ كَالْأُضْحِيَّةِ. قَوْلُهُ: (لِلْقِبْلَةِ) وَهُوَ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ آكَدُ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ ذَبْحِهَا) أَيْ وَإِرْسَالِ الْجَارِحَةِ. قَوْلُهُ: (بِسْمِ اللَّهِ) وَالْأَكْمَلُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَقِيلَ لَا يَقُولُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِيهِ تَعْذِيبٌ وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ لَا يُنَاسِبَانِهِ. وَقِيلَ: يَأْتِي بِهِمَا لِأَنَّ فِي الذَّبْحِ رَحْمَةً لِلْآكِلِينَ فَعَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقَصَّابَ إذَا سَمَّى عِنْدَ الذَّبْحِ قَالَتْ: الذَّبِيحَةُ أَخِ أَخِ وَذَلِكَ أَنَّهَا اسْتَطَابَتْ الذَّبْحَ مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَلَذَّذَتْ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَزِيدُ الذَّابِحُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ لِأَنَّ فِي الذَّبْحِ تَعْذِيبًا وَقَطْعًا وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ اسْمَانِ رَقِيقَانِ وَلَا قَطْعَ مَعَ الرِّقَّةِ، وَلَا عَذَابَ مَعَ الرَّحْمَةِ. وَلِذَلِكَ قَالَ نُوحٌ لِأَصْحَابِهِ: {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41] . وَلَمْ يَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ مِنْ الرَّحْمَةِ. وَكَانَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ هَلَاكُ قَوْمِهِ أَيْ هَلَاكُ مَنْ لَمْ يَرْكَبْ فِيهَا وَالرَّحْمَةُ لَا تَقْتَضِي الْهَلَاكَ وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَرْكِهَا أَيْ الْبَسْمَلَةِ. فَلَوْ تَرَكَهَا وَلَوْ عَمْدًا حَلَّتْ خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لَنَا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، وَهُمْ لَا يَذْكُرُونَهَا وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] . فَالْمُرَادُ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ يَعْنِي مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] وَسِيَاقُ الْآيَةِ دَالٌّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَالْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا فِسْقًا هِيَ الْإِهْلَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] . وَالْإِجْمَاعُ قَامَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ ذَبِيحَةَ مُسْلِمٍ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ عَلَيْهَا لَيْسَ بِفِسْقٍ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْمُرَادُ بِهِ الْمَيْتَةُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: 121] وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: كُلُوا مَا قَتَلْتُمْ أَيْ ذَكَّيْتُمْ وَلَا تَأْكُلُوا مَا قَتَلَ اللَّهُ يَعْنِي الْمَيْتَةَ. وَيُسَنُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ يُكَبِّرَ اللَّهَ تَعَالَى ثَلَاثًا قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَبَعْدَهَا. كَذَلِكَ وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَإِلَيْك فَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كُلِّ ذَبْحٍ هُوَ عِبَادَةٌ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ قَصَدَ التَّشْرِيكَ حَرُمَتْ الذَّبِيحَةُ. فَإِنْ أَرَادَ أَذْبَحُ بِاسْمِ اللَّهِ وَأَتَبَرَّكُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ. فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْرُمَ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا. شَرْحُ الْمَنْهَجِ مَعَ ز ي مُلَخَّصًا وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ، أَيْ وَالصَّائِدُ كَمَا فِي أَصْلِهِ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ وَلَا بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ أَيْ وَلَا بِاسْمِ اللَّهِ وَرَسُولِ اللَّهِ بِالْجَرِّ كَمَا فِي أَصْلِهِ لِلتَّشْرِيكِ. فَإِنَّ قَصَدَ التَّبَرُّكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْرُمَ كَقَوْلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِرَفْعِ مُحَمَّدٍ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثَةٌ: فَفِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ يَحْرُمُ مَعَ حِلِّ الذَّبِيحَةِ وَإِذَا أَرَادَ التَّشْرِيكَ يَكْفُرُ. وَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ وَإِنْ أَرَادَ وَأَتَبَرَّكُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ كُرِهَ مَعَ حِلِّ الذَّبِيحَةِ. وَبِخَطِّ الزِّيَادِيِّ خَارِجَ الْحَاشِيَةِ مَا نَصُّهُ، قَالَ شَيْخُنَا: أَفْتَى أَهْلُ بُخَارَى بِتَحْرِيمِ مَا يُذْبَحُ عِنْدَ لِقَاءِ السُّلْطَانِ تَقَرُّبًا إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ إلَخْ) . وَالْإِوَزُّ الْعِرَاقِيُّ الْمَعْرُوفُ يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ وَأَكْلُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا اُشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ أَنَّ لَهُ مُلَّاكًا مَعْرُوفِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ. وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَيَجُوزُ أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 جَارِحَةٍ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ) كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ جُرْحُهَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ. بِأَنْ أَدْرَكَهُ مَيْتًا أَوْ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ. أَمَّا الِاصْطِيَادُ بِمَعْنَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْجَوَارِحِ بَلْ يَحْصُلُ بِكُلِّ طَرِيقٍ تَيَسَّرَ. وَالْجَارِحَةُ كُلُّ مَا يُجْرَحُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِجُرْحِهِ الطَّيْرَ بِظُفْرِهِ أَوْ نَابِهِ. وَقَوْلُهُ: (مُعَلَّمَةٍ) بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِجَارِحَةٍ (وَ) مِنْ (جَوَارِحِ الطَّيْرِ) كَالْبَازِ وَالصَّقْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] أَيْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ. (وَشَرَائِطُ تَعْلِيمِهَا) أَيْ جَارِحَةُ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ (أَرْبَعَةٌ) الْأَوَّلُ (أَنْ تَكُونَ) الْجَارِحَةُ مُعَلَّمَةً بِحَيْثُ (إذَا أُرْسِلَتْ) أَيْ أَرْسَلَهَا صَاحِبُهَا (اسْتَرْسَلَتْ) أَيْ هَاجَتْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا أَمَرْت الْكَلْبَ فَائْتَمَرَ وَإِذَا نَهَيْته فَانْتَهَى فَهُوَ مُكَلَّبٌ. (وَ) الثَّانِي (إذَا زُجِرَتْ) أَيْ زَجَرَهَا صَاحِبُهَا فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ وَبَعْدَهُ. (انْزَجَرَتْ) أَيْ وَقَفَتْ (وَ) الثَّالِثُ (إذَا قَتَلْت) صَيْدًا (لَمْ تَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ) أَيْ مِنْ لَحْمِهِ أَوْ نَحْوِهِ كَجِلْدِهِ وَحِشْوَتِهِ شَيْئًا قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ عَقِبِهِ وَمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ اشْتِرَاطِ جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي جَارِحَةِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ. هُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَغَيْرِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ كَالرَّوْضَةِ   [حاشية البجيرمي] ذَلِكَ الْإِوَزَّ مِنْ الْمُبَاحِ، الَّذِي لَا مَالِكَ لَهُ. فَإِنْ وُجِدَ بِهِ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ كَخَضْبٍ وَقَصِّ جَنَاحٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لُقَطَةً كَغَيْرِهِ مِمَّا وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: لُقَطَةً كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ الْعِرَاقَ بَعِيدٌ، وَأَصْحَابَهُ غَيْرُ مَوْجُودِينَ عِنْدَنَا. وَأَيْضًا الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِرُجُوعِهِ لِبِلَادِهِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَكْلُ الْمُصَادِ) هَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ: لِمَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ لَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ أَكْلَ الْمُصَادِ يَجُوزُ مُطْلَقًا حَتَّى لِمَنْ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ إذَا كَانَ الصَّائِدُ غَيْرَهُ فَلَعَلَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: لِمَنْ تَحِلُّ بِمَعْنَى مَنْ تَأَمَّلْ وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: أَيْ أَكْلُ الْمُصَادِ لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ أَكْلُ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَفْسِيرِ الِاصْطِيَادِ، الَّذِي فَسَّرَهُ بِالْمُصَادِ وَلَوْ أَبْقَى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَجَعَلَ الْمَصِيدَ مَعْلُومًا مِنْ حِلِّ الِاصْطِيَادِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَنْسَبَ بَلْ صَوَابًا. وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِهِ الْمَذْكُورِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِالشَّرْطِ الْآتِي) أَيْ جِنْسِ الشَّرْطِ فَيَشْمَلُ الشُّرُوطَ الْأَرْبَعَةَ الْآتِيَةَ فِي قَوْلِهِ: وَشَرَائِطُ تَعْلِيمِهَا قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِيَجُوزُ. وَقَوْلُهُ: أَيْ جِنْسِ الشَّرْطِ إلَخْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالشَّرْطِ الْآتِي أَنْ لَا يُدْرِكَ فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يُدْرَكَ حَيًّا إلَخْ. لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِهِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (سُمِّيَ بِذَلِكَ لِجَرْحِهِ إلَخْ) فِيهِ قُصُورٌ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْمَيِّتَ بِقَتْلِ الْجَارِحَةِ حَلَالٌ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْجَارِحَةُ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْجَرْحِ وَهُوَ الْكَسْبُ لِأَنَّهَا تَكْسِبُ الصَّيْدَ عَلَى صَاحِبِهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ} [الأنعام: 60] أَيْ مَا كَسَبْتُمْ قَوْلُهُ: (مُعَلَّمَةً) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهَا عَنْ جَوَارِحِ الطَّيْرِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهَا أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الصِّفَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ تَعُودُ لِمَا بَعْدَهَا أَيْضًا عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ. قَوْلُهُ: (وَالطَّيْرِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ بِتَمَامِهَا لَا تُشْتَرَطُ فِي الطَّيْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (مُعَلَّمَةً) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِيهِ أَخْذَ مُعَلَّمَةٍ فِي شَرَائِطِ التَّعْلِيمِ. فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ مُعَلَّمَةً لِأَنَّ التَّعْلِيمَ مَحَلُّ الشُّرُوطِ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهَا وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ مُعَلِّمِهَا مَجُوسِيًّا. قَوْلُهُ: (أَيْ أَرْسَلَهَا صَاحِبُهَا) الْمُرَادُ مَنْ هِيَ مَعَهُ وَلَوْ غَاصِبَهَا فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. قَوْلُهُ: (مُكَلِّبِينَ) أَيْ مُعَلِّمِينَ وَهُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ اسْمُ فَاعِلٍ حَالٌ مِنْ تَاءِ عَلَّمْتُمْ أَيْ حَالَ كَوْنِكُمْ مُرْسِلِينَ لَهَا. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: إنَّهُ بِفَتْحِ اللَّامِ مِنْ التَّكْلِيبِ وَهُوَ الْإِغْرَاءُ وَفِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ مُكَلِّبِينَ أَيْ مُؤْتَمِرِينَ بِالْأَمْرِ، مَنْهِيِّينَ بِالنَّهْيِ وَمِنْ لَازِمِ هَذَا أَنْ يَنْطَلِقَ بِانْطِلَاقِهِ. اهـ. قَوْلُهُ: فَهُوَ مُكَلَّبٌ أَيْ مُعَلَّمٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَأْكُلْ) أَيْ وَلَمْ تُقَاتِلْ صَاحِبَهَا حِينَ أَخَذِهِ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَحِشْوَتِهِ) حِشْوَةِ الْبَطْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا أَمْعَاؤُهُ اهـ. مُخْتَارٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَقِبَهُ) أَمَّا إذَا أَكَلْت مِنْهُ بَعْدَ مَا سَكَنَ غَضَبُهَا فَلَا يَضُرُّ وَعِبَارَةُ سم أَيْ لَا بَعْدَ انْصِرَافِهَا وَطُولِ الزَّمَنِ عُرْفًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ) حَيْثُ قَالَ: أَيْ جَارِحَةِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ هَذَا بَعْدَ الشَّرْطِ الرَّابِعِ لِأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 يُخَالِفُ ذَلِكَ حَيْثُ خَصَّهَا بِجَارِحَةِ السِّبَاعِ وَشَرَطَ فِي جَارِحَةِ الطَّيْرِ تَرْكَ الْأَكْلِ فَقَطْ. (وَ) الرَّابِعُ (أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ) أَيْ هَذِهِ الْأُمُورُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي التَّعْلِيمِ (مِنْهَا) بِحَيْثُ يُظَنُّ تَأَدُّبُ الْجَارِحَةِ وَلَا يَنْضَبِطُ ذَلِكَ بِعَدَدٍ بَلْ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالْجَوَارِحِ. (فَإِنْ عُدِمَ أَحَدُ هَذِهِ الشُّرُوطِ) الْمُعْتَبَرَةُ فِي التَّعْلِيمِ (لَمْ يَحِلَّ) أَكْلُ (مَا أَخَذَتْهُ) أَيْ جَرَحَتْهُ مِنْ الصَّيْدِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (إلَّا أَنْ يُدْرَكَ حَيًّا) أَيْ يَجِدُ فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً. (فَيُذَكَّى) حِينَئِذٍ فَيَحِلُّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ فِي حَدِيثِهِ: «وَمَا صِدْت بِكَلْبِك غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَكُلْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: عَلَامَةُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ الْمَرِيءِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الزَّوَائِدِ. ' وَالْمَجْمُوعِ وَقَالَ فِيهِ يَكْتَفِي بِهَا وَحْدَهَا وَلَوْ لَمْ يَجْرِ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُعْتَمَدِ وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ مَعَ تَفْصِيلِ تَقَدُّمٍ وَلَوْ ظَهَرَ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الشُّرُوطِ كَوْنُهَا مُعَلَّمَةً ثُمَّ أَكَلَتْ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الْأَظْهَرِ. هَذَا إذَا أَرْسَلَهَا صَاحِبُهَا فَإِنْ اسْتَرْسَلَتْ بِنَفْسِهَا فَقَتَلَتْ وَأَكَلَتْ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي تَعْلِيمِهَا وَلَا أَثَرَ لِلَعْقِ الدَّمِ. لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ لِلصَّائِدِ فَصَارَ كَتَنَاوُلِهِ الْفَرْثَ، وَمَعَضُّ الْكَلْبِ مِنْ الصَّيْدِ نَجَسٌ كَغَيْرِهِ مِمَّا يُنَجِّسُهُ الْكَلْبُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَأَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهُ سَبْعًا بِمَاءٍ وَتُرَابٍ فِي إحْدَاهَا كَغَيْرِهِ. وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ الْمُعَضَّ وَيُطْرَحَ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَدْ وَلَوْ تَحَامَلَتْ الْجَارِحَةُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ بِثِقَلِهَا أَوْ نَحْوِهِ كَعَضِّهَا وَصَدْمَتِهَا وَلَمْ تَجْرَحْهُ حَلَّ فِي الْأَظْهَرِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْآلَةُ فَقَالَ: (وَتَجُوزُ الذَّكَاةُ بِكُلِّ مَا يَجْرَحُ) كَمُحَدِّدِ حَدِيدٍ وَقَصَبٍ وَحَجَرٍ وَرَصَاصٍ   [حاشية البجيرمي] وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (تَرْكُ الْأَكْلِ) وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ تَهِيجَ عِنْدَ الْإِغْرَاءِ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَفِيهَا أَمْرَانِ تَرْكُ الْأَكْلِ وَأَنْ تَهِيجَ عِنْدَ الْإِغْرَاءِ. فَإِنْ لَمْ تَهِجْ عِنْدَهُ لَمْ يَحِلَّ الْمُصَادُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْخُشَنِيِّ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ نِسْبَةً إلَى خُشَيْنَةَ كَجُهَيْنَةَ حَيٌّ مِنْ الْعَرَبِ. قَوْلُهُ: (فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ) أَيْ فَذَكَّيْته إلَخْ. قَوْلُهُ: (مَعَ تَفْصِيلٍ) وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ظَهَرَ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الشُّرُوطِ) وَمِثْلُ الْأَكْلِ مَا إذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ آخَرُ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الْأَظْهَرِ) أَيْ وَضَرَّ ذَلِكَ فِي تَعْلِيمِهَا فَيُسْتَأْنَفُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَرْسَلَتْ إلَخْ. وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِصِحَّةِ الْمُقَابَلَةِ فِي كَلَامِهِ فَيَكُونُ اسْمُ الْإِشَارَةِ، أَيْ قَوْلُهُ هَذَا إذَا أَرْسَلَهَا إلَخْ، رَاجِعًا لِلضَّرَرِ فِي تَعْلِيمِهَا الْمُلَاحَظِ فِي كَلَامِهِ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَلَوْ تَعَلَّمَتْ ثُمَّ أَكَلَتْ مِنْ صَيْدٍ حَرُمَ، وَاسْتُؤْنِفَ تَعْلِيمُهَا اهـ. وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ الصَّيْدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (الْفَرْثُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ الْكَرِشَةُ. قَوْلُهُ: (وَمَعَضُّ الْكَلْبِ) أَيْ مَحَلُّ عَضِّهِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ) وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْهُ مَعَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ. وَقَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يَكْفِي أَيْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي إلَخْ وَقِيلَ: يُكْتَفَى بِغَسْلِهِ وَقَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ أَيْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ، وَقِيلَ: يَجِبُ التَّقْوِيرُ وَالطَّرْحُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَعَضِّ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ غَيْرُهُ ثَانِيًا يُغْسَلُ مَرَّةً. ثَالِثُهَا أَنَّهُ طَاهِرٌ. رَابِعُهَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ مَعَ نَجَاسَتِهِ، خَامِسُهَا وُجُوبُ تَقْوِيرِهِ. قَوْلُهُ: (فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ) أَيْ بَعْضِهِ، وَبَعْضُهُ الْآخَرُ تَقَدَّمَ، وَهُوَ الْجَارِحَةُ وَتَسْمِيَتُهُ ثَالِثًا بِاعْتِبَارِ تَفْصِيلِ الْأَرْكَانِ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الْآيَةِ ثَانِيًا عِنْدَ إجْمَالِ الْأَرْكَانِ. قَوْلُهُ: (كَمُحَدَّدِ حَدِيدٍ) بِالْإِضَافَةِ. وَهِيَ عَلَى مَعْنَى مَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ فِي إزْهَاقِ الرُّوحِ. (إلَّا بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ) وَبَاقِي الْعِظَامِ مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ مُنْفَصِلًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ. أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ. وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ بَاقِي الْعِظَامِ. وَالنَّهْيُ عَنْ الذَّبْحِ بِالْعِظَامِ قِيلَ تَعَبُّدِيٌّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَاهُ لَا تَذْبَحُوا بِهَا فَإِنَّهَا تُنَجَّسُ بِالدَّمِ. وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ تَنَجُّسِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهَا طَعَامَ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ) أَنَّهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ نَعَمْ مَا قَتَلَتْهُ الْجَارِحَةُ بِظُفْرِهَا أَوْ نَابِهَا حَلَالٌ. كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَخَرَجَ بِمُحَدِّدٍ مَا لَوْ قُتِلَ بِمُثْقَلٍ كَبُنْدُقَةٍ، وَسَوْطٍ وَسَهْمٍ بِلَا   [حاشية البجيرمي] سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْحَدَّ لُغَةً الْمَنْعُ وَهُوَ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ السِّلَاحِ إلَى الْبَدَنِ. وَمِثْلُهُ نُحَاسٌ وَإِنَّمَا قَالَ كَمُحَدَّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِلَّا لَفُهِمَ إجْزَاءُ الْحَدِيدِ، بِلَا تَحْدِيدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَمِمَّا لَهُ حَدٌّ الْمَحَارُ فَيَحِلُّ الذَّبْحُ بِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسِنٍّ وَلَا عَظْمٍ وَكَذَلِكَ الشَّعَرُ إذَا كَانَ لَهُ حَدٌّ وَذُبِحَ بِهِ، لَا عَلَى وَجْهِ الْخَنْقِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر وَنَصُّهُ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ الْمُحَدَّدِ مَا لَوْ ذَبَحَ بِخَيْطٍ يُؤَثِّرُ مُرُورُهُ عَلَى حَلْقِ نَحْوِ الْعُصْفُورِ كَتَأْثِيرِ السِّكِّينِ فِيهِ فَيَحِلُّ الْمَذْبُوحُ بِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِالسِّنِّ) دَخَلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْخُبْزُ إذَا كَانَ مُحَدَّدًا فَيَحِلُّ الذَّبْحُ بِهِ وَإِنْ حَرُمَ مِنْ جِهَةِ تَنْجِيسِهِ سم ز ي. قَوْلُهُ: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) أَيْ مَا أَسَالَ أَيْ مَذْبُوحُ مَا أَنْهَرَ إلَخْ. لِأَنَّهُ الَّذِي يُؤْكَلُ شَبَّهَ الْإِسَالَةَ بِالْإِنْهَارِ وَاسْتَعَارَ الْإِنْهَارَ لِلْإِسَالَةِ. وَاشْتَقَّ مِنْ الْإِنْهَارِ أَنْهَرَ بِمَعْنَى أَسَالَ فَيَكُونُ اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً تَبَعِيَّةً وَكَلِمَةُ مَا مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ فَكُلُوهُ أَوْ شَرْطِيَّةٌ وَالْفَاءُ الْمَفْهُومُ مِنْ أَنْهَرَ وَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ اشْتَرَطَ التَّسْمِيَةَ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةٌ وَعِبَارَةٌ شَرْحُ م ر. وَأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ وَحْدَهُ عِنْدَ الْفِعْلِ. مِنْ ذَبْحٍ أَوْ إرْسَالِ سَهْمٍ أَوْ جَارِحَةٍ لِلِاتِّبَاعِ وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَرْكِهَا، فَلَوْ تَرَكَهَا وَلَوْ عَمْدًا حَلَّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَهُمْ لَا يَذْكُرُونَهَا. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] . فَالْمُرَادُ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ يَعْنِي مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] . وَسِيَاقُ الْآيَةِ دَالٌّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وَالْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا فِسْقًا هِيَ الْإِهْلَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] وَالْإِجْمَاعُ عَامٌّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ أَكَلَ ذَبِيحَةَ مُسْلِمٍ لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا لَيْسَ بِفِسْقٍ اهـ. بِحُرُوفِهَا. قَوْلُهُ: (لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ) بِنَصْبِهِمَا لِأَنَّهُمَا خَبَرَا لَيْسَ وَهُمَا مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ فَاعِلِ أَنْهَرَ الْمُسْتَتِرِ فِيهِ أَيْ لَيْسَ الْمُنْهِرُ السِّنَّ، وَالْإِنْهَارُ الْإِسَالَةُ شَبَّهَ خُرُوجَ الدَّمِ بِجَرْيِ الْمَاءِ فِي النَّهْرِ. اهـ. شَرْحُ التَّوْضِيحِ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ وَجْهِ اسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا السِّنُّ إلَخْ أَيْ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ قَرِيبٍ مِنْ زَمَنِ التَّكَلُّمِ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَمَّا السِّنُّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الظُّفْرُ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الظُّفْرَ لَيْسَ مِنْ الْعَظْمِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِ الشَّارِحِ بَاقِي الْعِظَامِ ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: الْحَبَشَةِ أَيْ السُّودَانِ. قَوْلُهُ: (تَعَبُّدِيٌّ) وَالتَّعَبُّدِيُّ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ مَعْقُولِ الْمَعْنَى لِمَا فِيهِ مِنْ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِعِلَّتِهِ. قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهَا طَعَامَ إخْوَانِكُمْ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالُوا مِنْ حِلِّ التَّذْكِيَةِ بِالْخُبْزِ إذَا كَانَ مُحَدَّدًا وَهُوَ طَعَامُ الْإِنْسِ، وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْجِنِّ وَإِنْ تَنَجَّسَ. فَلْيُطْلَبْ فَرْقٌ وَاضِحٌ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَبُّدِ الْقَائِلِ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَا إيرَادَ اهـ لِكَاتِبِهِ أج وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَظْمِ وَالْخُبْزِ الْمُحَدَّدِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُهُ بِخِلَافِ الْعَظْمِ فَإِنَّهُ يُرْمَى بِنَجَاسَتِهِ. قَوْلُهُ: (كَبُنْدُقَةٍ) وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِحُرْمَةِ الرَّمْيِ بِالْبُنْدُقِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخَائِرِ لَكِنْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ بِجَوَازِهِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ الصَّيْدُ لَا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا كَالْإِوَزِّ. فَإِنْ مَاتَ كَالْعَصَافِيرِ حَرُمَ وَلَوْ أَصَابَتْهُ الْبُنْدُقَةُ فَذَبَحَتْهُ بِقُوَّتِهَا، أَوْ قَطَعَتْ رَقَبَتَهُ حَرُمَ اهـ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ زي. وَهَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِحِلِّ الرَّمْيِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِحِلِّ الْمَرْمِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 نَصْلٍ وَلَا حَدٍّ أَوْ بِسَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ أَوْ انْخَنَقَ وَمَاتَ بِأُحْبُولَةِ مَنْصُوبَةٍ كَذَلِكَ، أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَوَقَعَ عَلَى طَرَفِ جَبَلٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَمَاتَ حَرُمَ الصَّيْدُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ: أَمَّا فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ. فَلِأَنَّهَا مَوْقُوذَةٌ فَإِنَّهَا مَا قُتِلَ بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَا حَدَّ لَهُ وَأَمَّا مَوْتُهُ بِالسَّهْمِ وَالْبُنْدُقَةِ وَمَا بَعْدَهُمَا بِشَيْئَيْنِ: مُبِيحٌ وَمُحَرَّمٌ. فَغَلَبَ الْمُحَرَّمُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْمَيْتَاتِ وَأَمَّا الْمُنْخَنِقَةُ بِالْأُحْبُولَةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: 3] . ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الذَّابِحُ فَقَالَ: (وَتَحِلُّ ذَكَاةُ) وَصَيْدُ (كُلِّ مُسْلِمٍ) وَمُسْلِمَةٍ (وَكِتَابِيٍّ) وَكِتَابِيَّةٍ تَحِلُّ مُنَاكَحَتُنَا لِأَهْلِ مِلَّتِهِمَا قَالَ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّمَا أُحِلَّتْ ذَبَائِحُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَلَا أَثَرَ لِلرِّقِّ فِي الذَّابِحِ فَتَحِلُّ ذَكَاةُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ وَإِنْ حَرُمَ مُنَاكَحَتُهَا لِعُمُومِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. (وَلَا تَحِلُّ ذَكَاةُ مَجُوسِيٍّ وَلَا وَثَنِيٍّ) وَلَا غَيْرِهِمَا مِمَّا لَا كِتَابَ لَهُ وَلَوْ شَارَكَ مَنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ مُسْلِمًا فِي ذَبْحٍ أَوْ اصْطِيَادٍ حَرُمَ الْمَذْبُوحُ وَالْمُصَادُ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ وَلَوْ أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ وَالْمَجُوسِيُّ كَلْبَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ عَلَى صَيْدٍ فَإِنْ سَبَقَ آلَةُ الْمُسْلِمِ آلَةَ الْمَجُوسِيِّ فِي صُورَةِ السَّهْمَيْنِ أَوْ كَلْبُ الْمُسْلِمِ، كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ فِي صُورَةِ الْكَلْبَيْنِ فَقَتَلَ الصَّيْدَ أَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ. بَلْ أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ حَلَّ وَلَوْ انْعَكَسَ مَا ذُكِرَ أَوْ جَرَحَاهُ مَعًا وَحَصَلَ الْهَلَاكُ بِهِمَا أَوْ جَهِلَ ذَلِكَ أَوْ جَرَحَاهُ مُرَتَّبًا وَلَكِنْ لَمْ يَذْفِفْهُ الْأَوَّلُ فَهَلَكَ بِهِمَا حَرُمَ الصَّيْدُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَكْسِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ. فَائِدَةٌ: قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَالْحِكْمَةُ فِي اشْتِرَاطِ الذَّابِحِ وَإِنْهَارِ الدَّمِ تَمْيِيزُ حَلَالِ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ مِنْ حَرَامِهِمَا وَتَنْبِيهٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ لِبَقَاءِ دَمِهَا. وَيَحِلُّ ذَبْحُ وَصَيْدُ صَغِيرٍ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ مُمَيِّزٍ لِأَنَّ قَصْدَهُ صَحِيحٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَانْدَرَجَ تَحْتَ الْأَدِلَّةِ كَالْبَالِغِ وَكَذَا صَغِيرٌ غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَمَجْنُونٌ وَسَكْرَانُ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ فِي الْأَظْهَرِ لِأَنَّ لَهُمْ قَصْدًا وَإِرَادَةً فِي الْجُمْلَةِ   [حاشية البجيرمي] الَّذِي هُوَ الصَّيْدُ فَإِنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا. وَالْكَلَامُ فِي بُنْدُقِ الطِّينِ أَمَّا الرَّصَاصُ فَيَحْرُمُ مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ، نَعَمْ إنْ عَلِمَ حَاذِقٌ أَنَّهُ إنَّمَا يُصِيبُ نَحْوَ جَنَاحٍ كَبِيرٍ فَيُثْبِتُهُ فَقَطْ، احْتَمَلَ الْحِلَّ، وَمِثْلُ الطِّينِ مَا لَوْ كَانَ رَصَاصًا مِنْ غَيْرِ نَارٍ،. اهـ. س ل. بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (بِأُحْبُولَةٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الشَّرَكُ الْمَعْرُوفُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ وَلَكِنْ تَدَحْرَجَ مِنْ جَنْبٍ إلَى جَنْبٍ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ سم: أَمَّا لَوْ لَمْ يَسْقُطْ فَإِنَّهُ يَحِلُّ. قَوْلُهُ: (وَمَا بَعْدَهُمَا) وَهُوَ السَّاقِطُ مِنْ الْجَبَلِ بَعْدَ إصَابَةِ السَّهْمِ لَهُ. قَوْلُهُ: (بِشَيْئَيْنِ) الْأَوْلَى فَبِشَيْئَيْنِ بِالْفَاءِ لِأَجْلِ أَمَّا. قَوْلُهُ: (لِأَهْلِ مِلَّتِهِمَا) لَمْ يَقُلْ مُنَاكَحَتُنَا لَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا الْبَابَ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ النِّكَاحِ فَإِنَّ غَيْرَ الْإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ دُخُولُ أَوَّلِ آبَائِهِ فِي دِينِهِ قَبْلَ نَسْخِهِ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ، وَلَكِنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ لِأَنَّهُ تَحِلُّ مُنَاكَحَةُ أَهْلِ دِينِهِ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فِيمَا إذَا عُلِمَ دُخُولُ أَوَّلِ الْآبَاءِ فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ نَسْخِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا وَثَنِيٍّ) وَلَا مُرْتَدٍّ لِعَدَمِ حِلِّ مُنَاكَحَتِهِ م ر. قَوْلُهُ: (فِي ذَبْحٍ) أَيْ بِآلَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ جَارِحَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فَإِنَّ كُلًّا لَهُ آلَةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ جُهِلَ ذَلِكَ) أَيْ الْمَعِيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ. قَوْلُهُ: (فَهَلَكَ بِهِمَا) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ فَقَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَكْسِ هَذَا مَعْلُومٌ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ ذَبْحُ وَصَيْدُ صَغِيرٍ) أَيْ مَذْبُوحُهُ وَإِلَّا فَهُوَ لَا يُخَاطَبُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ كَرَاهَةُ الْفِعْلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يُكْرَهُ مَذْبُوحُ الْمَذْكُورَيْنِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ الْمَذْبَحَ فَتَأَمَّلْ رَشِيدِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا صَغِيرٌ غَيْرُ مُمَيِّزٍ) أَيْ مُطِيقٌ لِلذَّبْحِ، بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَيْهِ كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ لَهُمْ قَصْدًا إلَخْ) مِنْهُ يُؤْخَذُ عَدَمُ حِلِّ ذَبْحِ النَّائِمِ اهـ. شَرْحُ م ر. وَمِثْلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ خَوْفًا مِنْ عُدُولِهِمْ عَنْ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَتُكْرَهُ ذَكَاةُ الْأَعْمَى لِذَلِكَ وَيَحْرُمُ صَيْدُهُ بِرَمْيٍ وَكَلْبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ لِعَدَمِ صِحَّةِ قَصْدِهِ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الصَّيْدَ. وَأَمَّا صَيْدُ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ فَمُقْتَضَى عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ حَلَالٌ. وَهُوَ مَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى (وَذَكَاةُ الْجَنِينِ) حَاصِلَةٌ (بِذَكَاةِ أُمِّهِ) فَلَوْ وُجِدَ جَنِينٌ مَيِّتًا أَوْ عَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ سَوَاءٌ أَشْعَرَ أَمْ لَا فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ سَوَاءٌ أَكَانَتْ ذَكَاتُهَا بِذَبْحِهَا أَوْ إرْسَالِ سَهْمٍ أَوْ نَحْوِ كَلْبٍ عَلَيْهَا لِحَدِيثِ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» أَيْ ذَكَاتُهَا الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهُ تَبَعًا لَهَا وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا وَذَكَاتُهَا ذَكَاةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحِلَّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لَحَرُمَتْ ذَكَاتُهَا مَعَ ظُهُورِ الْحَمْلِ كَمَا لَا تُقْتَلُ الْحَامِلُ قَوَدًا، أَمَّا إذَا خَرَجَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ كَمَا قَالَ: (إلَّا أَنْ يُوجَدَ حَيًّا) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً وَأَمْكَنَهُ ذَكَاتُهُ. (فَيُذَكَّى) وُجُوبًا فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْكُنَ عَقِبَ ذَبْحِ أُمِّهِ فَلَوْ اضْطَرَبَ فِي الْبَطْنِ بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ، زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ سَكَنَ لَمْ يَحِلَّ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْأَصْحَابِ إذَا مَاتَ بِذَكَاةِ أُمِّهِ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَكَاتِهَا كَانَ مَيْتَةً لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ وَالْحَدِيثُ يُشِيرُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَعَلَى   [حاشية البجيرمي] ذَبْحِهِمْ صَيْدُهُمْ بِسَهْمٍ، أَوْ كَلْبٍ فَيَحِلُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ ذَكَاةُ الْأَعْمَى) ظَاهِرُهُ وَلَوْ دَلَّهُ بَصِيرٌ عَلَى الْمَذْبَحِ لَكِنْ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ خِلَافُهُ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْكَرَاهَةِ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ خَوْفًا عَنْ عُدُولِهِ مِنْ مَحَلِّ الذَّبْحِ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ صَيْدُهُ) أَمَّا صَيْدُهُ السَّمَكَ فَيَصِحُّ. إنْ قُلْت لَوْ أَحَسَّ الْبَصِيرُ بِصَيْدٍ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ شَجَرَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَرَمَاهُ حَلَّ بِالْإِجْمَاعِ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَعْمَى. قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ هَذَا مُبْصِرٌ بِالْقُوَّةِ فَلَا يُعَدُّ عُرْفًا رَمْيُهُ عَبَثًا بِخِلَافِ الْأَعْمَى شَرْحِ م ر. فَرْعٌ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالذَّكَاةِ الرَّجُلُ الْعَاقِلُ الْمُسْلِمُ، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ، ثُمَّ الصَّبِيُّ الْمُسْلِمُ، ثُمَّ الْكِتَابِيُّ، ثُمَّ الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فِي مَعْنَى الْأَخِيرَيْنِ اهـ. س ل. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ الْمَجْنُونُ إلَخْ قَالَ الطَّبَلَاوِيُّ يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَصِرْ مُلْقًى كَالْخَشَبَةِ لَا يُحِسُّ وَلَا يُدْرِكُ، وَإِلَّا فَكَالنَّائِمِ وَلَا فَرْقَ فِي الْقِسْمَيْنِ بَيْنَ الْمُتَعَدِّي وَغَيْرِهِ. وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ. اهـ. . قَوْلُهُ: (وَذَكَاةُ الْجَنِينِ) انْفَرَدَ أَوْ تَعَدَّدَ وَلَيْسَ عَلَقَةً وَلَا مُضْغَةً وَكَذَا جَنِينٌ فِي جَوْفِ هَذَا الْجَنِينِ ق ل أَيْ إنْ تَصَوَّرَ فَلَا بُدَّ أَنْ تَظْهَرَ فِيهِ صُورَةُ الْحَيَوَانِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ نَفْخُ الرُّوحِ كَمَا قَالَهُ م ر. آخِرًا وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: يُعْتَبَرُ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَشْعَرَ) أَيْ وُجِدَ لَهُ شَعْرٌ. قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: حَلَّ لِحَدِيثِ إلَخْ لِيَكُونَ جَوَابًا لِلَوْ. قَوْلُهُ: (ذَكَاةُ الْجَنِينِ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ ذَكَاتُهَا إلَخْ، وَقَالَ م د. قَوْلُهُ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بِرَفْعِ ذَكَاةُ أَيْ الثَّانِيَةُ وَبَعْضُ النَّاسِ يَنْصِبُهَا، وَيَجْعَلُهَا بِالنَّصْبِ دَلِيلًا لِإِيجَابِ أَبِي حَنِيفَةَ ذَبْحَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَهُ إلَّا بِذَبْحِهِ، وَيَقُولُ تَقْدِيرُهُ كَذَكَاةِ أُمِّهِ حُذِفَتْ الْكَافُ فَانْتَصَبَ وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، لِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَعْرُوفَةَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ، خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَذَكَاةُ أُمِّهِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَالتَّقْدِيرُ ذَكَاةُ أُمِّ الْجَنِينِ ذَكَاةٌ لَهُ لِأَنَّ الْخَبَرَ: مَا حَصَلَتْ بِهِ الْفَائِدَةُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ النَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا فَتَقْدِيرُهَا: ذَكَاةُ الْجَنِينِ حَاصِلَةٌ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ قَالَ ق ل: وَيَجُوزُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَهُوَ الْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ عِنْدَنَا، وَالْكَافُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَحِلُّ عِنْدَهُ إلَّا بِذَبْحِهِ كَأُمِّهِ اهـ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: كَذَكَاةِ أُمِّهِ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ بَلْ هُوَ لَحْنٌ لِأَنَّ النَّصْبَ بِإِسْقَاطِ الْخَافِضِ فِي مَوَاضِعَ مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ بِشَرْطٍ لَيْسَ مَوْجُودًا هُنَا اهـ. تَهْذِيبُ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ لِلنَّوَوِيِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْحَيَوَانَ إذَا لَمْ تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ وَالْمُضْغَةُ وَالْعَلَقَةُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ خِلَافٍ طَوِيلٍ كَمَا قَالَهُ: الْبِشْبِيشِيُّ وَلَوْ حَمَلَتْ مَأْكُولَةٌ بِغَيْرِ مَأْكُولٍ امْتَنَعَ ذَبْحُهَا بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ حَتَّى تَضَعَ زي. قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْكُنَ) رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اضْطَرَبَ) أَيْ تَحَرَّكَ. قَوْلُهُ: (لَا مَحَالَةَ) أَيْ قَطْعًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 هَذَا لَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ مَيْتًا ثُمَّ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَمْ يَحِلَّ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْحِلِّ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ مَوْتُهُ فَلَوْ ضَرَبَ حَامِلًا عَلَى بَطْنِهَا وَكَانَ الْجَنِينُ مُتَحَرِّكًا فَسَكَنَ حِينَ ذُبِحَتْ أُمُّهُ فَوُجِدَ مَيْتًا لَمْ يَحِلَّ. وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِهِ كَعَدَمِ خُرُوجٍ فِي الْغُرَّةِ وَنَحْوِهَا فَيَحِلُّ إذَا مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَإِنْ صَارَ بِخُرُوجِ رَأْسِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ تُخَطَّطْ الْمُضْغَةُ لَمْ تَحِلَّ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِيهَا وَعَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ لَوْ كَانَتْ مِنْ آدَمِيٍّ وَلَوْ كَانَ لِلْمُذَكَّاةِ عُضْوٌ أَشَلُّ حَلَّ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا. (وَمَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ) أَيْ فَهُوَ كَمَيْتَتِهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً لِخَبَرِ: «مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ فَجُزْءُ الْبَشَرِ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ طَاهِرٌ دُونَ جُزْءِ غَيْرِهَا. (إلَّا الشُّعُورَ) السَّاقِطَةَ مِنْ الْمَأْكُولِ وَأَصْوَافَهُ وَأَوْبَارَهُ (الْمُنْتَفَعَ بِهَا فِي الْمَفَارِشِ وَالْمَلَابِسِ وَغَيْرِهَا) مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعَاتِ فَطَاهِرَةٌ. قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] وَخَرَجَ بِالْمَأْكُولِ نَحْوُ شَعْرِ غَيْرِهِ فَنَجِسٌ وَمِنْهُ نَحْوَ شَعْرِ عُضْوٍ أَبَيْنَ مِنْ مَأْكُولٍ لِأَنَّ الْعُضْوَ صَارَ غَيْرَ مَأْكُولٍ. تَتِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالصَّيْدِ: لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا وَسَهْمًا فَأَزْمَنَهُ الْكَلْبُ ثُمَّ ذَبَحَهُ السَّهْمُ حَلَّ. وَإِنْ أَزْمَنَهُ السَّهْمُ ثُمَّ قَتَلَهُ الْكَلْبُ حَرُمَ وَلَوْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَنَّهُ ذَبَحَ هَذِهِ الشَّاةَ مَثَلًا حَلَّ أَكْلُهَا لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَجُوسٌ وَمُسْلِمُونَ وَجُهِلَ ذَابِحُ الْحَيَوَانِ. هَلْ هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ؟ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لِلشَّكِّ فِي الذَّبْحِ الْمُبِيحِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَغْلَبَ كَمَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ وَفِي مَعْنَى الْمَجُوسِيِّ كُلُّ مَنْ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ. فَصْلٌ: فِي الْأَطْعِمَةِ جَمْعُ طَعَامٍ أَيْ بَيَانُ مَا يَحِلَّ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ إذْ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ لِأَنَّ فِي تَنَاوُلِ الْحَرَامِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ مَيِّتًا وَاضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ سَكَنَ لَمْ يَحِلَّ، أَوْ سَكَنَ عَقِبَهُ حَلَّ. كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَيْ الْجُوَيْنِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ لَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ اهـ. كَلَامُهُ وَمِثْلُهُ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ تَضْعِيفَ ق ل لِكَلَامِ الشَّارِحِ غَيْرُ سَدِيدٍ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَضَابِطُ حِلِّ الْجَنِينِ أَنْ يُنْسَبَ مَوْتُهُ إلَى تَذْكِيَةِ أُمِّهِ وَلَوْ احْتِمَالًا بِأَنْ يَمُوتَ بِتَذْكِيَتِهَا أَوْ يَبْقَى عَيْشُهُ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ عَيْشَ مَذْبُوحٍ ثُمَّ يَمُوتُ أَوْ يُشَكُّ هَلْ مَاتَ بِالتَّذْكِيَةِ أَوْ لَا؟ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِي حِلِّهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ اهـ. فَخَرَجَ مَا لَوْ تَحَقَّقْنَا مَوْتَهُ قَبْلَ تَذْكِيَتِهَا وَمَا أَخْرَجَ رَأْسَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ ذُكِّيَتْ وَمَا اضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا بَعْدَ تَذْكِيَتِهَا زَمَانًا طَوِيلًا أَوْ تَحَرَّكَ تَحَرُّكًا شَدِيدًا ثُمَّ سَكَنَ ثُمَّ ذُكِّيَتْ. قَوْلُهُ: (إذَا مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ) أَيْ وَكَانَ ذَبْحُ أُمِّهِ بَعْدَ خُرُوجِ رَأْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا كِتَابُ الطَّهَارَةِ فَذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادٌ. قَوْلُهُ: (وَأَوْبَارُهُ) وَكَذَا رِيشُهُ وَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُلْقًى عَلَى الْمَزَابِلِ أَوْ فِي الْكِيمَانِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ فِيهِمَا اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (أَثَاثًا) وَهِيَ أَمْتِعَةُ الْبَيْتِ وَالْمَتَاعُ أَعَمُّ. قَوْلُهُ: (تَتَعَلَّقُ بِالصَّيْدِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالذَّبْحِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (حَرُمَ) لِأَنَّهُ بِإِزْمَانِ السَّهْمِ لَهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ. [فَصْلٌ فِي الْأَطْعِمَةِ] ِ بِمَعْنَى الْمَطْعُومِ أَيْ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ كَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَتْنَ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْأَطْعِمَةِ وَإِنَّمَا بَيَّنَ مَا يَحِلُّ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَا لَا يَحِلُّ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَطْعِمَةِ هِيَ الْحَيَوَانَاتُ وَسَمَّاهَا أَطْعِمَةً بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ أَوْ أَنَّهُ غَلَّبَ الْأَطْعِمَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ «أَيُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَكُلُّ حَيَوَانٍ لَا نَصَّ فِيهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ لَا خَاصٍّ وَلَا عَامٍّ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ وَلَا وَرَدَ فِيهِ أَمْرٌ بِقَتْلِهِ وَلَا بِعَدَمِهِ اسْتَطَابَتْهُ الْعَرَبُ وَهُمْ أَهْلُ يَسَارٍ أَيْ ثَرْوَةٍ وَخِصْبٍ وَأَهْلُ طِبَاعٍ سَلِيمَةٍ سَوَاءٌ كَانُوا سُكَّانَ بِلَادٍ أَوْ قُرًى فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ فَهُوَ حَلَالٌ إلَّا مَا أَيْ حَيَوَانٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ لِاسْتِطَابَتِهِمْ وَكُلُّ حَيَوَانٍ اسْتَخْبَثَتْهُ الْعَرَبُ أَيْ عَدُّوهُ خَبِيثًا فَهُوَ حَرَامٌ إلَّا مَا أَيْ حَيَوَانٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يَكُونُ حَرَامًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنَاطَ الْحِلَّ بِالطَّيِّبِ وَالتَّحْرِيمِ بِالْخَبِيثِ وَعُلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَا يَسْتَطِيبُهُ وَيَسْتَخْبِثُهُ كُلُّ الْعَالَمِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ عَادَةً لِاخْتِلَافِ طَبَائِعِهِمْ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَعْضَهُمْ وَالْعَرَبُ بِذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَوْلَى الْأُمَمِ إذْ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ أَوَّلًا وَلِأَنَّ الدِّينَ عَرَبِيٌّ وَخَرَجَ بِأَهْلِ يَسَارٍ الْمُحْتَاجُونَ وَبِسَلِيمَةٍ أَجْلَافُ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِمْ وَبِحَالِ الرَّفَاهِيَةِ حَالُ الضَّرُورَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا   [حاشية البجيرمي] عَلَى الْحَيَوَانِ وَسَمَّى مَا فِي الْفَصْلِ كُلَّهُ أَطْعِمَةً مَعَ أَنَّ بَعْضَهُ أَطْعِمَةٌ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمَةِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَشُرْبُهُ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا يَحِلُّ شُرْبُهُ وَمَا يَحْرُمُ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ. قَوْلُهُ: (لَا نَصَّ فِيهِ) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ يُضَيِّعُ الِاسْتِثْنَاءَ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا حَيْثُ اسْتَثْنَى مَا فِيهِ نَصٌّ مِمَّا لَا نَصَّ فِيهِ. قَوْلُهُ: (اسْتَطَابَتْهُ) أَيْ عَدُّوهُ طَيِّبًا أَيْ أَلِفَتْهُ نُفُوسُهُمْ وَرَغِبَتْ فِيهِ وَأَحَبَّتْهُ. قَوْلُهُ: (ثَرْوَةٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ كَثْرَةِ مَالٍ وَغِنًى وَقَوْلُهُ: وَخِصْبٍ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِوَزْنِ حِمْلٍ أَيْ نَمَاءٍ وَبَرَكَةٍ وَهُوَ ضِدُّ الْجَدْبِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ. قَوْلُهُ: (إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ) هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَا يَظْهَرُ بَعْدَ تَقْيِيدِ الْحَيَوَانِ بِقَوْلِهِ: لَا نَصَّ فِيهِ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ بِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الْمَتْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْقَيْدِ. قَوْلُهُ: (أَيْ حَيَوَانٌ) الصَّوَابُ حَيَوَانًا لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَا وَهِيَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجَبٍ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُؤَلِّفِ، بِأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: أَيْ حَيَوَانٌ مَنْصُوبًا جَاءَ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ لِأَنَّهُمْ يَرْسُمُونَ الْمَنْصُوبَ بِصُورَةِ الْمَرْفُوعِ أَوْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ حَلَالٌ مُتَضَمِّنٌ لِلنَّفْيِ أَيْ لَا يَحْرُمُ فَلَا اعْتِرَاضَ أَوْ أَنَّهُ مَاشٍ عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَهِيَ رَفْعُ الْمُسْتَثْنَى إذَا كَانَ مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجَبٍ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ} [البقرة: 249] عَلَى قِرَاءَتِهِ مَرْفُوعًا. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ حَيَوَانٍ) أَيْ لَا نَصَّ فِيهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (أَنَاطَ الْحِلَّ) أَيْ عَلَّقَ الْحِلَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ أَيْ فِي قَوْلِهِ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] . قَوْلُهُ: (وَعُلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلَّهِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يُرِدْ أَيْ بِالطَّيِّبَاتِ وَالْخَبَائِثِ فِي قَوْلِهِ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157] أَيْ الطَّيِّبَاتِ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ وَهُمْ الْعَرَبُ لَا كُلِّ النَّاسِ لِاسْتِحَالَةِ اتِّفَاقِ طَبَائِعِ النَّاسِ عَلَى اسْتِطَابَةِ حَيَوَانٍ أَوْ اسْتِخْبَاثِهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلْمُصَنِّفِ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُسْتَفَادٌ مِنْ صَرِيحِ الْمَتْنِ لَا مِنْ الْعَقْلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الْعَرَبَ. قَوْلُهُ: (لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ) فِيهِ أَنَّ هَذَا الْمُرَادَ لَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يَتَعَرَّضَ لِنَفْيِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِالْعَرَبِ لَا بِالنَّاسِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ فَلَعَلَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ سَرَتْ لَهُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَهَذَا عَلَى كَوْنِ الضَّمِيرِ فِي أَنَّهُ رَاجِعًا لِلْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ رَاجِعًا لِلَّهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَلَا إشْكَالَ وَيَكُونُ مُرَادُهُ تَتْمِيمَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَعْنِي: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] ، أَيْ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ بِالطَّيِّبَاتِ وَالْخَبَائِثِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَسْتَطِيبُهُ وَيَسْتَحِلُّهُ كُلُّ الْعَالَمِ بَلْ بَعْضُ الْعَالَمِ وَهُمْ الْعَرَبُ. قَوْلُهُ: (لِاخْتِلَافِ طَبَائِعِهِمْ) عِلَّةٌ لِلِاسْتِحَالَةِ. قَوْلُهُ: (بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِطَابَةِ وَالِاسْتِخْبَاثِ. قَوْلُهُ: (مَا دَبَّ) أَيْ عَاشَ وَقَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِ جَمْعٍ مِنْهُمْ بَلْ ظَاهِرُهُ جَمِيعُ الْعَرَبِ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ الِاكْتِفَاءُ بِخَبَرِ عَدْلَيْنِ وَيَرْجِعُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى الْعَرَبِ الْمَوْجُودِينَ فِيهِ فَإِنْ اسْتَطَابَتْهُ فَحَلَالٌ وَإِنْ اسْتَخْبَثَتْهُ فَحَرَامٌ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يُسْبَقْ فِيهِ كَلَامُ الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ عُرِفَ حَالُهُ وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي اسْتِطَابَتِهِ اُتُّبِعَ الْأَكْثَرُ فَإِنْ اسْتَوَوْا فَقُرَيْشٌ لِأَنَّهَا قُطْبُ الْعَرَبِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ وَلَا تَرْجِيحَ أَوْ شَكُّوا أَوْ لَمْ نَجِدْهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ اُعْتُبِرَ بِأَقْرَبِ الْحَيَوَانِ شَبَهًا بِهِ صُورَةً أَوْ طَبْعًا أَوْ طَعْمًا فَإِنْ اسْتَوَى الشَّبَهَانِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ مَا يُشْبِهُهُ فَحَلَالٌ لِآيَةِ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] وَلَا يُعْتَمَدُ فِيهِ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْعًا لَنَا فَاعْتِمَادُ ظَاهِرِ الْآيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحِلِّ أَوْلَى مِنْ اسْتِصْحَابِ الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ وَإِنْ جُهِلَ اسْمَ حَيَوَانٍ سُئِلَ الْعَرَبُ عَنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ وَعَمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ لَهُ مَا هُوَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الِاسْمِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اُعْتُبِرَ بِالْأَشْبَهِ بِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِي الصُّورَةِ أَوْ الطَّبْعِ أَوْ الطَّعْمِ فِي اللَّحْمِ فَإِنْ تَسَاوَى الشَّبَهَانِ أَوْ فُقِدَ مَا يُشْبِهُهُ حَلَّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ فَمِمَّا وَرَدَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ الْبَغْلُ لِلنَّهْيِ عَنْ أَكْلِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَلِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ فَإِنْ كَانَ الذَّكَرُ فَرَسًا فَهُوَ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِالْحِمَارِ أَوْ حِمَارًا كَانَ شَدِيدَ الشَّبَهِ بِالْفَرَسِ فَإِنْ تَوَلَّدَ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ وَحْشِيٍّ أَوْ بَيْنَ فَرَسٍ وَبَقَرٍ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ وَالْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو زِيَادٍ وَكُنْيَةُ الْأُنْثَى أُمُّ مَحْمُودٍ (وَيَحْرُمُ مِنْ السِّبَاعِ) كُلُّ (مَا لَهُ نَابٌ قَوِيٌّ يَعْدُو بِهِ) أَيْ يَسْطُو بِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ كَأَسَدٍ ذَكَرَ لَهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ خَمْسَمِائَةِ اسْمٍ وَزَادَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ عَلَى مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ اسْمًا. وَنَمِرٍ بِفَتْحِ النُّونِ   [حاشية البجيرمي] وَدَرَجَ أَيْ مَاتَ ع ش وَمِثْلُهُ فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اخْتَلَفُوا) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مَا تَقَدَّمَ إنْ اتَّفَقُوا. قَوْلُهُ: (قُطْبُ الْعَرَبِ) أَيْ أَصْلُهُمْ أَيْ وَأَفْضَلُهُمْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اخْتَلَفَتْ) أَيْ قُرَيْشٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ طَبْعًا) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ يَعْدُو بِنَابِهِ أَوْ ظُفْرِهِ أَوْ لَا، وَالْمُرَادُ بِالطَّبْعِ السَّجِيَّةُ وَالْجِبِلَّةُ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا صِفَةٌ مِنْ ذَلِكَ عُمِلَ بِهَا فَإِنْ تَعَارَضَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ قُدِّمَ الطَّبْعُ فَالطَّعْمُ فَالصُّورَةُ. قَوْلُهُ: (أَوْ طَعْمًا) بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الطَّعْمُ بِالْفَتْحِ مَا يُؤَدِّيهِ الذَّوْقُ فَيُقَالُ طَعْمُهُ حُلْوٌ أَوْ حَامِضٌ وَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ إذَا خَرَجَ عَنْ وَصْفِهِ الْخِلْقِيِّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ جُهِلَ اسْمُ حَيَوَانٍ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَوَجْهُ مُغَايِرَةِ هَذَا لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْأَوْلَ مَعْرُوفُ الِاسْمِ، لَكِنْ مَجْهُولُ الْحُكْمِ، وَمَا هُنَا مَجْهُولُ الِاسْمِ وَالْحُكْمِ فَيُرْجَعُ لِتَسْمِيَتِهِمْ. فَإِنْ سَمَّوْهُ بِاسْمِ حَيَوَانٍ حَلَالٍ حَلَّ وَإِلَّا حَرُمَ اهـ. قَوْلُهُ: (حَلَالٌ) أَيْ أَحَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ. قَوْلُهُ: (وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ) فِيهِ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ عَلَى الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ لَا عَلَى الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ حِلٍّ أَوْ حُرْمَةٍ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ. قَوْلُهُ: (كَانَ شَدِيدَ الشَّبَهِ بِالْفَرَسِ) أَيْ فَهُوَ يُشْبِهُ أُمَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: (وَالْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْبَغْلِ. قَوْلُهُ: (مِنْ السِّبَاعِ) بَيَانٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا وَكَانَ الْأَوْلَى ضَمُّ الْحَرَامِ كُلِّهِ جَنْبَ بَعْضِهِ وَالْحَلَالِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (كُلُّ مَا لَهُ نَابٌ) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ الْمَحَلِّيِّ وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: (كَأَسَدٍ) رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ الْأَسَدُ فِي زَئِيرِهِ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: إنَّهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا تُسَلِّطْنِي عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرُوفِ» . اهـ. دَمِيرِيٌّ وَحُكِيَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ كَانَ فِي سَفَرِهِ وَمَعَهُ رُفْقَةٌ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ الْأَسَدُ فَقَالَ لَهُمْ: قُولُوا اللَّهُمَّ اُحْرُسْنَا بِعَيْنِك الَّتِي لَا تَنَامُ وَارْحَمْنَا بِرُكْنِك الَّذِي لَا يُرَامُ وَارْحَمْنَا بِقُدْرَتِك عَلَيْنَا لَا نَهْلِكْ، وَأَنْتَ رَجَاؤُنَا يَا اللَّهُ ثَلَاثًا. قَالَ: فَوَلَّى الْأَسَدُ هَارِبًا اهـ. قَوْلُهُ: (مِائَةً وَثَلَاثِينَ اسْمًا) فَمِنْ أَشْهَرِهَا أُسَامَةُ وَحَيْدَرَةُ وَالضِّرْغَامُ وَالضَّيْغَمُ، وَالْغَضَنْفَرُ وَالْقَسْوَرَةُ وَاللَّيْثُ، وَمِنْ كُنَاهُ أَبُو الْأَبْطَالِ وَأَبُو حَفْصٍ، قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَابْتَدَأْنَا بِهِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْحَيَوَانَاتِ الْمُتَوَحِّشَةِ، وَمَنْزِلَتُهُ مِنْهَا مَنْزِلَةُ الْمَلِكِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 وَكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ أَخْبَثُ مِنْ الْأَسَدِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَنَمُّرِهِ وَاخْتِلَافِ لَوْنِ جَسَدِهِ يُقَالُ تَنَمَّرَ فُلَانٌ أَيْ تَنَكَّرَ وَتَغَيَّرَ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ غَالِبًا إلَّا غَضْبَانَ مُعْجَبًا بِنَفْسِهِ إذَا شَبِعَ نَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَرَائِحَةُ فِيهِ طَيِّبَةٌ وَذِئْبٍ بِالْهَمْزِ وَعَدَمِهِ حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ مَوْصُوفٌ بِالِانْفِرَادِ وَالْوَحْدَةِ وَمِنْ طَبْعِهِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى فَرِيسَةٍ شَبِعَ مِنْهَا وَيَنَامُ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ وَالْأُخْرَى يَقْظَى حَتَّى تَكْتَفِيَ الْعَيْنُ النَّائِمَةُ مِنْ النَّوْمِ ثُمَّ يَفْتَحُهَا وَيَنَامُ بِالْأُخْرَى لِيَحْرُسَ بِالْيَقْظَى وَيَسْتَرِيحَ بِالنَّائِمَةِ. وَدُبٍّ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَالْفِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ كُنْيَتُهُ ذَلِكَ وَاسْمُهُ مَحْمُودٌ وَهُوَ صَاحِبُ حِقْدٍ وَلِسَانُهُ مَقْلُوبٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَكَلَّمَ وَيَخَافُ مِنْ الْهِرَّةِ خَوْفًا شَدِيدًا وَفِيهِ مِنْ الْفَهْمِ مَا يَقْبَلُ بِهِ التَّأْدِيبَ وَالتَّعْلِيمَ وَيُعَمِّرُ أَيْ يَعِيشُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ) وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ السِّبَاعِ فَبِهِ شَبَهٌ مِنْ الْأَسَدِ إلَّا أَنَّهُ أَصْغَرُ مِنْهُ مُنَقَّطُ الْجِلْدِ نُقَطًا سَوْدَاءَ. وَهُوَ صِنْفَانِ عَظِيمُ الْجُثَّةِ صَغِيرُ الذَّنَبِ وَبِالْعَكْسِ، وَكُلُّهُ ذُو قَهْرٍ وَقُوَّةٍ وَسَطْوَةٍ، وَإِذَا مَرِضَ أَكَلَ الْفَأْرَ فَيَزُولُ مَرَضُهُ. وَقِيلَ إنَّ النَّمِرَةَ لَا تَضَعُ وَلَدَهَا إلَّا مُطَوَّقًا بِحَيَّةٍ وَهِيَ تَعِيشُ وَتَنْهَشُ إلَّا أَنَّهَا لَا تَقْتُلُ وَفِيهِ أَلْغَزَ الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ بِقَوْلِهِ: هَاتِ لِي مَا اسْمُ شَيْءٍ ... حَيَوَانٍ فِيهِ شَرُّ إنْ تُصَحِّفْهُ فَحُلْوٌ ... لَكِنْ الثُّلُثَانِ مُرُّ اهـ. سُيُوطِيٌّ وَقَوْلُهُ: إنْ تُصَحِّفْهُ بِأَنْ تَقْلِبَ النُّونَ تَاءً تَقُولُ تَمْرٌ وَثُلُثَاهُ مُرٌّ وَهُمَا الْمِيمُ وَالرَّاءُ. قَوْلُهُ: (وَرَائِحَةُ فِيهِ) أَيْ فَمِهِ. قَوْلُهُ: (إلَى فَرِيسَةٍ) أَيْ مَفْرُوسَةٍ أَيْ مُصَادَةٍ اصْطَادَهَا. قَوْلُهُ: (وَالْأُخْرَى يَقْظَى) أَيْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ وَإِلَّا فَهُوَ نَائِمٌ حَقِيقَةً نَوْمًا كَامِلًا لَكِنْ جَعَلَ اللَّهَ لَهُ قُوَّةً عَلَى فَتْحِ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَتَغْمِيضِ الْأُخْرَى لِيَرَى مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَيَقِّظٌ قَالَ الشَّاعِرُ: يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ وَيَتَّقِي ... بِأُخْرَى الْمَنَايَا فَهْوَ يَقْظَانُ نَائِمُ لِأَنَّ قَلْبَهُ يَنَامُ فَهُوَ كَأَهْلِ الْكَهْفِ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ مَفْتُوحَةً: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف: 18] . قَوْلُهُ: (وَدُبٍّ) وَكُنْيَتُهُ: أَبُو جُهَيْنَةَ وَهُوَ يُحِبُّ الْعُزْلَةَ. فَإِذَا جَاءَ الشِّتَاءُ دَخَلَ غَارَهُ الَّذِي اتَّخَذَهُ وَلَا يَخْرُجُ حَتَّى يَطِيبَ الْهَوَاءُ، وَإِذَا جَاعَ يَمْتَصُّ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَيَنْدَفِعُ بِذَلِكَ الْجُوعُ وَيَخْرُجُ فِي الرَّبِيعِ أَسْمَنَ مَا يَكُونُ وَالذَّكَرُ يُسَافِدُ أَيْ يَطَأُ أُنْثَاهُ مُضَّجِعَةً عَلَى الْأَرْضِ وَلِشِدَّةِ شَهْوَةِ أُنْثَاهُ تَدْعُو الْآدَمِيَّ إلَى وَطْئِهَا اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْفِيلِ) ذَكَرَ الْقُزْوِينِيُّ أَنَّ فَرْجَ الْفِيلَةِ تَحْتَ إبْطِهَا فَإِذَا كَانَتْ وَقْتَ الضِّرَابِ ارْتَفَعَ وَبَرَزَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ إتْيَانِهَا، وَأَلْغَزَ بَعْضُهُمْ فِي الْفِيلِ بِقَوْلِهِ: مَا اسْمُ شَيْءٍ تَرْكِيبُهُ فِي ثَلَاثٍ ... وَهُوَ ذُو أَرْبَعٍ تَعَالَى الْإِلَهُ حَيَوَانٌ وَالْقَلْبُ مِنْهُ نَبَاتٌ ... لَمْ يَكُنْ عِنْدَ جُوعِهِ يَرْعَاهُ فِيكَ تَصْحِيفُهُ وَلَكِنْ إذَا مَا ... عَكَسُوهُ يَصِيرُ لِي ثُلُثَاهُ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّ قَلْبَ فِيلٍ لِيفٌ اهـ. وَقَوْلُهُ: الْقُزْوِينِيُّ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْوَاوِ نِسْبَةً إلَى قُزْوِينَ قَالَهُ: فِي اللُّبِّ. قَوْلُهُ: (وَيُعَمِّرُ) هُوَ بِالتَّشْدِيدِ فِي السِّنِّ وَبِالتَّخْفِيفِ فِي الْبُنْيَانِ وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: وَعَمَّرَ بِالتَّشْدِيدِ فِي السِّنِّ قَدْ أَتَى ... كَمَا أَنَّ فِي الْبُنْيَانِ تَخْفِيفَهُ وَجَبْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 كَثِيرًا وَالْهِنْدُ تُعَظِّمُهُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ. وَقِرْدٍ وَهُوَ حَيَوَانٌ ذَكِيٌّ سَرِيعُ الْفَهْمِ يُشْبِهُ الْإِنْسَانَ فِي غَالِبِ حَالَاتِهِ فَإِنَّهُ يَضْحَكُ وَيَضْرِبُ وَيَتَنَاوَلُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ وَيَأْنَسُ بِالنَّاسِ. وَمِنْ ذِي النَّابِ: الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَالْفَهْدُ وَابْنُ آوَى بِالْمَدِّ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَهُوَ فَوْقَ الثَّعْلَبِ وَدُونَ الْكَلْبِ طَوِيلُ الْمَخَالِبِ فِيهِ شَبَهٌ مِنْ الذِّئْبِ وَشَبَهٌ مِنْ الثَّعْلَبِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَى عُوَاءِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَلَا يَعْوِي إلَّا لَيْلًا إذَا اسْتَوْحَشَ وَالْهِرَّةُ وَلَوْ وَحْشِيَّةً. (وَيَحْرُمُ مِنْ الطُّيُورِ) كُلُّ (مَا لَهُ مِخْلَبٌ قَوِيٌّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ لِلطَّيْرِ كَالظُّفْرِ لِلْإِنْسَانِ (يَجْرَحُ بِهِ) كَالصَّقْرِ وَالْبَازِ وَالشَّاهِينِ وَالنَّسْرِ وَالْعُقَابِ وَجَمِيعِ جَوَارِحِ الطَّيْرِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ: وَمِمَّا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ بِالْحِلِّ الْأَنْعَامُ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَإِنْ   [حاشية البجيرمي] قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: 18] . قَوْلُهُ: (وَقِرْدٍ) فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَتَنَاوَلُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ) وَقَدْ أَهْدَى مَلِكُ النُّوبَةِ إلَى الْمُتَوَكِّلِ قِرْدًا خَيَّاطًا وَآخَرَ صَائِغًا وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُعَلِّمُونَ الْقِرْدَ الْقِيَامَ بِحَوَائِجِهِمْ وَحِفْظَ دَكَاكِينِهِمْ. وَقَدْ مَسَخَ اللَّهُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ قِرَدَةً كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَمْسُوخِ هَلْ يُعْقِبُ أَوْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الثَّانِي رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ هَلْ هِيَ مِمَّا مُسِخَ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ» . اهـ. . وَفِي عَجَائِبِ الْمَخْلُوقَاتِ مَنْ تَصَبَّحَ بِوَجْهِ قِرْدٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَتَاهُ السُّرُورُ وَلَا يَكَادُ يَحْزَنُ وَاتَّسَعَ رِزْقُهُ وَأَحَبَّتْهُ النِّسَاءُ حُبًّا شَدِيدًا وَأُعْجِبْنَ مِنْهُ اهـ. مِنْ مُخْتَصَرِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلسُّيُوطِيِّ وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ عَلَّمَ قِرْدًا النُّزُولَ إلَى الدَّارِ وَإِخْرَاجَ الْمَتَاعِ ثُمَّ نَقَبَ وَأَرْسَلَ الْقِرْدَ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَعَلَيْهَا مَا عَلَى وَاطِئِ الْبَهِيمَةِ فَتُعَزَّرُ فِي الْأَصَحِّ وَتُحَدُّ فِي قَوْلٍ وَتُقْتَلُ فِي قَوْلٍ. وَالْقِرْدَةُ تَلِدُ فِي الْبَطْنِ الْوَاحِدِ عَشَرَةً وَاثْنَيْ عَشَرَ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ (وَمِنْ ذِي النَّابِ الْكَلْبُ) اُنْظُرْ لِمَ فَصَلَ هَذَا. قَوْلُهُ: (إلَى عُوَاءِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ) وَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ عَوَى الْكَلْبُ وَالذِّئْبُ وَابْنُ آوَى يَعْوِي بِالْكَسْرِ عُوَاءً بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ اهـ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَصِيَاحُهُ كَصِيَاحِ الصِّبْيَانِ. يَأْكُلُ مَا يَصِيدُهُ مِنْ طَيْرٍ أَوْ غَيْرِهِ تَخَافُهُ الدَّجَاجُ، أَكْثَرَ مِنْ الثَّعْلَبِ لِأَنَّهُ إذَا مَرَّ تَحْتَهَا وَهِيَ عَلَى جِدَارٍ أَوْ شَجَرٍ سَقَطَتْ، وَخَوَاصُّهُ إذَا كَانَتْ أَسْنَانُهُ بِبَيْتٍ كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ أَهْلِهِ. وَلَحْمُهُ يَنْفَعُ الْجُنُونَ وَالصَّرْعَ الْعَارِضَ، وَإِذَا عَلَّقَ عَيْنَهُ الْيُمْنَى عَلَى أَحَدٍ أَمِنَ مِنْ النَّظْرَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْهِرَّةُ إلَخْ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَمَّا حَمَلَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ قَالَ أَصْحَابُهُ كَيْفَ نَطْمَئِنُّ أَوْ تَطْمَئِنُّ مَوَاشِينَا وَمَعَنَا الْأَسَدُ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحُمَّى وَكَانَتْ أَوَّلَ حُمَّى نَزَلَتْ بِالْأَرْضِ فَهُوَ لَا يَزَالُ مَحْمُومًا، ثُمَّ شَكَوْا الْفَأْرَةَ فَقَالُوا: الْفُوَيْسِقَةُ تُفْسِدُ عَلَيْنَا طَعَامَنَا وَمَتَاعَنَا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْأَسَدِ فَعَطَسَ فَخَرَجَتْ مِنْهُ الْهِرَّةُ فَخَافَتْ الْفَأْرَةُ مِنْهَا» اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَحْشِيَّةً) وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِالنِّمْسِ. وَقِيلَ غَيْرُهُ فَهِيَ حَرَامٌ وَيَلْحَقُ بِهَا فِي الْحُرْمَةِ ابْنُ الْمُقْرِضِ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ فَقَافٍ سَاكِنَةٍ فَمُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ، فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَوْ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ. وَيُقَالُ لَهُ الدُّلَقُ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ أَصْغَرُ مِنْ الْفَأْرِ كَحْلَاءُ اللَّوْنِ طَوِيلَةُ الظَّهْرِ تَقْتُلُ الْحِمَارَ وَتَقْرِضُ النَّبَاتَ ق ل. قَوْلُهُ: (وَمِمَّا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ بِالْحِلِّ) كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ. قَوْلُهُ: (الْأَنْعَامُ) سُمِّيَتْ نَعَمًا لِنُعُومَةِ وَطْئِهَا إذَا مَشَتْ حَتَّى لَا يُسْمَعَ لِأَقْدَامِهَا وَقْعٌ أَوْ لِعُمُومِ النِّعْمَةِ فِيهَا لِكَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا مِنْ دَرٍّ وَنَسْلٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَرُكُوبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْإِبِلُ) وَمِنْ خَوَاصِّهَا أَنَّهَا مِنْ الْأَحْرَارِ فَلَا يَنْزُو عَلَى أُمِّهِ، وَلَا عَلَى أُخْتِهِ حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ سَتَرَ نَاقَةً بِثَوْبٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ عَلَيْهَا وَلَدَهَا فَلَمَّا عَرَفَ ذَلِكَ عَمَدَ إلَى إحْلِيلِهِ فَأَكَلَهُ ثُمَّ حَقَدَ عَلَى صَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَرَارَةٌ وَلِذَلِكَ كَثُرَ صَبْرُهُ. وَمِنْ خَوَاصِّ شَحْمِهِ أَنَّهُ مَتَى وُضِعَ فِي مَوْضِعٍ هَرَبَتْ مِنْهُ الْحَيَّاتُ وَسَنَامُهُ يُدَقُّ وَيُطْلَى بِهِ الْبَوَاسِيرُ فَيُسَكِّنُ وَجَعَهُ، وَالْمَضْمَضَةُ بِلَبَنِهَا تَنْفَعُ الْأَسْنَانَ الْمَأْكُولَةَ وَيُزِيلُ صُفْرَةَ الْوَجْهِ، أَكْلًا وَطِلَاءً، قَالَ ابْنُ سِينَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1] وَالْخَيْلُ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَقَوْمٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» وَفِيهِمَا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَتْ: «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ» وَأَمَّا خَبَرُ خَالِدٍ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: مُنْكَرٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: مَنْسُوخٌ. وَبَقَرُ وَحْشٍ وَهُوَ أَشْبَهُ شَيْءٍ   [حاشية البجيرمي] بَعْرُهُ يَقْطَعُ الرُّعَافَ إذَا اُسْتُنْشِقَ بِهِ وَيُزِيلُ أَثَرَ الْجُدَرِيِّ وَأَكْلُ لَحْمِهِ يَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَفِي الْإِنْعَاظِ وَبَوْلُهُ إذَا شَرِبَهُ السَّكْرَانُ أَفَاقَ مِنْ سَاعَتِهِ وَقُرَادُهُ إذَا رُبِطَ عَلَى كُمِّ الْعَاشِقِ فَيَزُولُ عِشْقُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْبَقَرُ) اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْهَاءُ لِلْوَحْدَةِ وَالْجَمْعُ بَقَرَاتٌ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْبَقَرَةَ بَاقُورَةً سُمِّيَتْ بَقَرَةً لِشَقِّهَا الْأَرْضَ بِالْحِرَاثَةِ وَهِيَ أَجْنَاسٌ مِنْهَا الْجَوَامِيسُ وَهِيَ ضَأْنُ الْبَقَرِ وَكُلُّ حَيَوَانٍ إنَاثُهُ أَرَقُّ صَوْتًا مِنْ ذُكُورِهِ إلَّا الْبَقَرَ فَإِنَّ الْأُنْثَى أَضْخَمُ وَأَجْهَرُ صَوْتًا وَهِيَ تَتَلَوَّى وَتَتَقَلَّقُ تَحْتَ الذَّكَرِ لِصَلَابَةِ ذَكَرِهِ لَا سِيَّمَا إذَا أَخْطَأَ الْمَجْرَى اهـ. وَإِذَا اُسْتِيقَتْ أُنْثَاهُ إلَى الذَّكَرِ نَفَرَتْ وَأَتْعَبَتْ الرِّعَاءَ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ: رَأَيْت بِالرَّيِّ بَقَرًا تَبْرُكُ كَمَا تَبْرُكُ الْإِبِلُ وَلَيْسَ لِجِنْسِ الْبَقَرِ ثَنَايَا عُلْيَا فَهِيَ تَقْطَعُ الْحَشِيشَ بِالسُّفْلَى اهـ دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْغَنَمُ) وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَائِنَةٌ وَمَاعِزَةٌ. وَالضَّأْنُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَاعِزِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْحَابُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا بِأَوْجُهٍ: مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِذِكْرِ الضَّأْنِ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: 143] وَمِنْهَا حِكَايَةٌ عَنْ الْخَصْمَيْنِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [ص: 23] . وَلَمْ يَقُلْ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ عَنْزًا وَلِيَ عَنْزٌ وَاحِدَةٌ. وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَهُوَ الْكَبْشُ وَالْبَرَكَةُ فِي الضَّأْنِ أَكْثَرُ وَمِنْ ذَلِكَ إذَا رَعَتْ شَيْئًا مِنْ الْكَلَإِ يَنْبُتُ فَإِنَّ الْمَعْزَ تَقْلَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ وَالضَّأْنُ تَرْعَى مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَمِمَّا أَهَانَ اللَّهُ بِهِ التَّيْسَ أَنْ جَعَلَهُ مَهْتُوكَ السِّتْرِ مَكْشُوفَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ بِخِلَافِ الْكَبْشِ وَلِهَذَا شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحَلِّلَ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ. وَمِنْهَا أَنَّ رُءُوسَ الضَّأْنِ أَطْيَبُ وَأَفْضَلُ مِنْ رُءُوسِ الْمَاعِزِ. وَكَذَلِكَ لَحْمُهَا، فَإِنَّ أَكْلَ لَحْمِ الْمَاعِزِ يُحَرِّكُ الْمُرَّةَ السَّوْدَاءَ وَيُوَلِّدُ الْبَلْغَمَ وَيُورِثُ النِّسْيَانَ وَيُفْسِدُ الدَّمَ وَلَحْمُ الضَّأْنِ عَكْسٌ اهـ. دَمِيرِيٌّ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إنَّ الْمَعْزَ اسْتَعْصَتْ عَلَى نُوحٍ أَنْ تَدْخُلَ السَّفِينَةَ فَرَفَعَهَا بِذَنَبِهَا فَمِنْ ذَلِكَ انْكَسَرَ ذَنَبُهَا وَصَارَ مَعْقُوصًا وَبَدَا حَيَاهَا، وَأَمَّا النَّعْجَةُ فَذَهَبَتْ حَتَّى دَخَلَتْ السَّفِينَةَ فَمَسَحَ نُوحٌ عَلَى ذَنَبِهَا فَسَتَرَ حَيَاهَا. قَوْلُهُ: (وَالْخَيْلُ) وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَأَصْلُ خَلْقِهَا مِنْ الرِّيحِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ مِنْهَا الْعَتَاقُ أَبَوَاهَا عَرَبِيَّانِ وَالْمُقْرِفُ أَبُوهُ عَجَمِيٌّ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ وَالْهَجِينُ عَكْسُهُ وَمِنْهَا الْبَرَاذِينُ أَبَوَاهَا عَجَمِيَّانِ وَسُمِّيَتْ خَيْلًا لِاخْتِيَالِهَا فِي مَشْيِهَا ق ل رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْإِبِلُ عِزٌّ لِأَهْلِهَا وَالْغَنَمُ بَرَكَةٌ وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ» وَمَعْنَى عَقْدِ الْخَيْرُ بِنَوَاصِيهَا: أَنَّهُ لَازِمٌ لَهَا كَأَنَّهُ مَعْقُودٌ فِيهَا وَالْمُرَادُ بِالنَّاصِيَةِ هُنَا الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَكَنَّى بِالنَّاصِيَةِ عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْفَرَسِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ مُبَارَكُ النَّاصِيَةِ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ اللَّهْوِ شَيْئًا إلَّا ثَلَاثَةً: لَهْوُ رَجُلٍ مَعَ امْرَأَتِهِ وَإِجْرَاءُ الْخَيْلِ وَالنِّصَالُ» اهـ. قَوْلُهُ: (وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) وَبِهَذَا رُدَّ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ فِي تَحْرِيمِ الْخَيْلِ بِآيَةِ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْلَ وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ فَلَوْ دَلَّتْ عَلَى التَّحْرِيمِ لَلَزِمَ تَحْرِيمُ الْحُمُرِ قَبْلَ خَيْبَرَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. عَمِيرَةٌ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مُنْكَرٌ) عِبَارَةُ م ر. وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ يَكُونُ مَنْسُوخًا بِإِحْلَالِهَا يَوْمَ خَيْبَرَ. قَوْلُهُ: (وَبَقَرُ وَحْشٍ) قَيَّدَ بِالْوَحْشِ لِعَطْفِ الْحِمَارِ عَلَيْهِ لَا لِإِخْرَاجِ الْأَهْلِيِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالْوَحْشِ لِأَنَّ بَقَرَ الْأَهْلِ دَاخِلٌ فِي الْأَنْعَامِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 بِالْمَعْزِ الْأَهْلِيَّةِ، وَحِمَارُ وَحْشٍ لِأَنَّهُمَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الثَّانِي: " كُلُوا مِنْ لَحْمِهِ " وَأَكَلَ مِنْهُ وَقِيسَ بِهِ الْأَوَّلُ. وَظَبْيٌ وَظَبْيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَضَبُعٌ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَحِلُّ أَكْلُهُ. وَلِأَنَّ نَابَهُ ضَعِيفٌ لَا يَتَقَوَّى بِهِ وَهُوَ مِنْ أَحْمَقِ الْحَيَوَانِ. لِأَنَّهُ يَتَنَاوَمُ حَتَّى يُصَادَ وَهُوَ اسْمٌ لِلْأُنْثَى قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهَا أَنَّهَا تَحِيضُ وَتَكُونُ سَنَةً ذَكَرًا وَسَنَةً أُنْثَى وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ ضَبُعَانِ وَضَبٌّ لِأَنَّهُ أُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَضْرَتِهِ. وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَقِيلَ لَهُ أَحَرَامٌ هُوَ قَالَ: «لَا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» وَهُوَ حَيَوَانٌ لِلذَّكَرِ مِنْهُ ذَكَرَانِ وَلِلْأُنْثَى فَرْجَانِ. وَأَرْنَبٌ وَهُوَ حَيَوَانٌ يُشْبِهُ الْعِنَاقَ قَصِيرُ   [حاشية البجيرمي] أَشْبَهُ شَيْءٍ) أَيْ أَقْرَبُ شَبَهًا بِالْمَعْزِ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَحِمَارُ وَحْشٍ) وَعُمْرُهُ يَزِيدُ عَلَى عُمْرِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَقِيلَ إنَّ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ اهـ. دَمِيرِيٌّ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. وَفَارَقَتْ الْحُمُرُ الْوَحْشِيَّةُ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةِ بِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الرُّكُوبِ فَانْصَرَفَ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَى أَكْلِهَا خَاصَّةً اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَيْنَ أَنْ يُسْتَأْنَسَ أَوْ يَبْقَى عَلَى تَوَحُّشِهِ. كَمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الْأَهْلِيِّ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَمِثْلُهُ بَقَرُ الْوَحْشِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا فِي س ل. قَوْلُهُ: (وَظَبْيٌ وَظَبْيَةٌ) اُنْظُرْ الْحِكْمَةَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَيَحِلُّ مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ مَأْكُولَيْنِ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْمَأْكُولِ نَحْوُ كَلْبٍ مِنْ شَاتَيْنِ. فَرْعٌ: يُرَاعَى فِي الْمَمْسُوخِ أَصْلُهُ إنْ بُدِّلَتْ صِفَتُهُ فَقَطْ. فَإِنْ بُدِّلَتْ ذَاتُهُ كَلَبَنٍ صَارَ دَمًا وَلَوْ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ اُعْتُبِرَ حَالُهُ الْآنَ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ وَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ، فَإِنْ عَادَ لَبَنًا عَادَ لِمِلْكِ مَالِكِهِ كَجِلْدٍ دُبِغَ فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ وَيَحِلُّ تَنَاوُلُهُ وَخَرَجَ بِالْمَمْسُوخِ مَا لَمْ يُمْسَخْ كَلَبَنٍ خَرَجَ مِنْ ضَرْعِهِ دَمًا وَمَنِيٍّ كَذَلِكَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ مُطْلَقًا ق ل. عَلَى الْجَلَالِ وَعِبَارَةُ م ر. وَلَوْ مُسِخَ حَيَوَانٌ يَحِلُّ إلَى مَا لَا يَحِلَّ أَوْ عَكْسُهُ، فَهَلْ يُعْتَبَرُ مَا قَبْلَ الْمَسْخِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ أَوْ مَا تَحَوَّلَ إلَيْهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي عَنْ الطَّحَاوِيِّ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُ الْمَمْسُوخِ إلَيْهِ إنْ بُدِّلَتْ ذَاتُهُ بِذَاتٍ أُخْرَى، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ تُبَدَّلْ إلَّا صِفَتُهُ فَقَطْ اُعْتُبِرَ مَا قَبْلَ الْمَسْخِ وَالْأَقْرَبُ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ فِي الْآدَمِيِّ الْمَمْسُوخِ مُطْلَقًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ وَلَوْ قُدِّمَ لِوَلِيٍّ مَالٌ مَغْصُوبٌ فَقُلِبَ كَرَامَةً لَهُ دَمًا ثُمَّ أُعِيدَ إلَى صِفَتِهِ أَوْ صِفَةٍ غَيْرِ صِفَتِهِ، فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ حِلِّهِ لِأَنَّهُ بِعَوْدِهِ إلَى الْمَالِيَّةِ عَادَ مِلْكُ مَالِكِهِ فِيهِ كَمَا قَالُوهُ فِي جِلْدِ مَيْتَةٍ دُبِغَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيِّ بِقَلْبِهِ إلَى الدَّمِ، كَمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا قُتِلَ بِحَالِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ مَا قَبْلَ الْمَسْخِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَحَوَّلَ إلَيْهِ أَهُوَ الذَّاتُ أَوْ الصِّفَةُ. فَإِنْ وُجِدَ مَا يُعْلَمُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَيُشْبِهُ اعْتِبَارُ أَصْلِهِ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ تَبَدُّلَ الذَّاتِ فَيُحْكَمَ بِبَقَائِهَا، وَإِنَّ الْمُتَحَوَّلَ إلَيْهِ هُوَ الصِّفَةُ وَقَدْ عُهِدَ تَحَوُّلُ الصِّفَةِ كَانْخِلَاعِ الْوَلِيِّ إلَى صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَعُهِدَ رُؤْيَةُ الْجِنِّ وَالْمَلَكِ عَلَى غَيْرِ صُورَتِهِمَا الْأَصْلِيَّةِ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ ذَاتَهُمَا لَمْ تَتَحَوَّلْ وَإِنَّمَا تَحَوَّلَتْ الصِّفَةُ اهـ. ع ش عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَضَبُعٌ) هُوَ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَجَمْعُهُمَا ضِبَاعٌ كَسَبُعٍ وَسِبَاعٍ قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ اسْمٌ لِلْأُنْثَى فَقَطْ وَيُقَالُ لَهَا ضُبَاعَةُ وَضُبْعَانَةُ وَجَمْعُهَا ضُبْعَانَاتٍ وَلَا يُقَالُ ضُبَعَةٌ. وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ ضِبْعَانَ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ وَيُقَالُ لِلْمُثَنَّى مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا ضَبُعَانَانِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ وَكَسْرِ آخِرِهِ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَحْمَقِ الْحَيَوَانِ) الْمُرَادُ بِالْحَمَاقَةِ الْجَهْلُ بِالْعَوَاقِبِ. قَوْلُهُ: (ضِبْعَانٌ) بِوَزْنِ عِمْرَانَ وَسِرْحَانَ وَيُجْمَعُ عَلَى ضَبَاعِينَ كَسَرَاحِينَ. قَوْلُهُ: (وَضَبٌّ) وَهُوَ حَيَوَانٌ يَعِيشُ نَحْوَ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ وَأَنَّهُ يَبُولُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَرَّةً. وَأَنَّ لِلْأُنْثَى مِنْهُ فَرْجَيْنِ وَلِلذَّكَرِ ذَكَرَيْنِ، وَمِنْهُ أُمُّ حُبَيْنٍ بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَنُونٍ دُوَيْبَّةٌ قَدْرُ الْكَفِّ صَفْرَاءُ كَبِيرَةُ الْبَطْنِ تُشْبِهُ الْحِرْبَاءَ وَقِيلَ هِيَ الْحِرْبَاءُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَأَسْنَانُهُ كَالصَّحِيفَةِ وَمَنْ أَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَعْطَشْ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ) أَيْ أَكَلَهُ خَالِدٌ مَشْوِيًّا وَالْمَائِدَةُ هِيَ الشَّيْءُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الْأَرْضِ صِيَانَةً لِلطَّعَامِ كَالْمِنْدِيلِ وَالطَّبَقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يُعَارِضُ هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَكَلَ عَلَى الْخُوَانِ» لِأَنَّ الْخُوَانَ أَخَصُّ مِنْ الْمَائِدَةِ وَنَفْيُ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ. اهـ. فَتْحُ الْبَارِي. وَقَوْلُهُ: " فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ " أَيْ أَجِدُ نَفْسِي تَكْرَهُهُ. قَوْلُهُ: (وَأَرْنَبٌ) وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَجَمْعُهُ أَرَانِبُ وَشَطْرُ قَضِيبِهِ أَيْ بَدَنِهِ عَظْمٌ، وَالْآخَرُ عَصَبٌ وَهُوَ ذُو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 الْيَدَيْنِ طَوِيلُ الرِّجْلَيْنِ قَصِيرٌ عَكْسُ الزَّرَافَةِ لِأَنَّهُ بُعِثَ بِوَرِكِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِبَله وَأَكَلَ مِنْهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَثَعْلَبٌ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلَا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحُصَيْنِ وَالْأُنْثَى ثَعْلَبَةٌ وَكُنْيَتُهَا أُمُّ هُوَيْلٍ وَيَرْبُوعٌ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَنَابُهُ ضَعِيفٌ وَفَنَكٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَهُوَ حَيَوَانٌ يُؤْخَذُ مِنْ جِلْدِهِ الْفَرْوَ لِلِينِهِ وَخِفَّتِهِ وَسَمُّورٌ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ. وَسِنْجَابٌ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُ ذَلِكَ وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ ثَعَالِبِ التُّرْكِ وَقُنْفُذٌ بِالذَّالِ   [حاشية البجيرمي] شَبَقٍ شَدِيدٍ لَكِنْ الْأُنْثَى أَشَدُّ فَرُبَّمَا رَكِبَتْ الذَّكَرَ، لِشِدَّةِ شَهْوَتِهَا لِلْجِمَاعِ وَتَصِيرُ عَامًا ذَكَرًا وَعَامًا أُنْثَى كَالضَّبُعِ. قِيلَ: وَقَدْ صَادَ رَجُلٌ أَرْنَبًا فَوَجَدَ لَهُ آلَةَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَشَقَّ بَطْنَهُ فَوَجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَالْأَرْنَبَةُ تَنَامُ مَفْتُوحَةَ الْعَيْنِ فَرُبَّمَا ظَنَّهَا الْقَنَّاصُ مُسْتَيْقِظَةً اهـ دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْعَنَاقَ) أَيْ أُنْثَى الْمَعْزِ. قَوْلُهُ: (عَكْسُ الزَّرَافَةِ) أَيْ مَعْنًى وَحُكْمًا وَهِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا مُخَفَّفَةُ الرَّاءِ تُكْنَى أُمَّ عِيسَى وَهِيَ حَسَنَةُ الْخَلْقِ طَوِيلَةُ الْعُنُقِ وَالْيَدَيْنِ قَصِيرَةُ الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ قُوتَهَا فِي الشَّجَرِ فَخَلَقَهَا كَذَلِكَ لِتَسْتَعِينَ عَلَى ذَلِكَ وَلَهَا رَأْسُ إبِلٍ وَقَرْنَا بَقَرٍ، وَجِلْدُ نَمِرٍ، وَأَظْلَافُ ثَوْرٍ وَذَنَبُ ظَبْيٍ. وَإِذَا مَشَتْ قَدَّمَتْ رِجْلَهَا الْيُسْرَى وَيَدَهَا الْيُمْنَى. وَهَذَا بِعَكْسِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ كُلِّهَا وَهِيَ تَبْعَرُ أَيْ رَوْثُهَا كَالْبَعِيرِ يَكُونُ بَعْرًا وَتَجْتَرُّ وَفِي طَبْعِهَا الْأُنْسُ وَالْوُدُّ لِلنَّاسِ، قِيلَ: وَالزَّرَافَةُ فِي الْأَصْلِ هِيَ الْجَمَاعَةُ فَسُمِّيت بِذَلِكَ لِتَوَلُّدِهَا مِنْ جَمَاعَةِ الْحَيَوَانِ لِأَنَّهَا مِنْ حَيَوَانَاتٍ ثَلَاثٍ مِنْ النَّاقَةِ الْوَحْشِيَّةِ، وَالْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ، وَالضِّبْعَانِ. وَهُوَ ذَكَرُ الضِّبَاعِ فَيَقَعُ عَلَى النَّاقَةِ فَتَلِدُ حَيَوَانًا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَيَقَعُ عَلَى الْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ فَتَلِدُ مِنْهُ الزَّرَافَةَ وَقِيلَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ دَوَابَّ وَوُحُوشٍ مُخْتَلِفَةٍ، يَقَعْنَ عَلَى الْأُنْثَى فَتَخْتَلِطُ مِيَاهُهَا فَيَخْلُقُ اللَّهُ مِنْهَا خَلْقًا مُخْتَلِفَ الشَّكْلِ وَأُنْكِرَ عَلَى قَائِلِ هَذَا دُونَ قَائِلِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّهُمَا أَصَحُّ وَحُكْمُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ اهـ، دَمِيرِيٌّ وَرَدَّ ذَلِكَ الْحَافِظُ وَقَالَ بَلْ هِيَ نَوْعٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَالْخَيْلِ وَغَيْرِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَلِدُ مِثْلَهُ اهـ. سُيُوطِيٌّ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ. وَأَمَّا الزَّرَافَةُ فَهَلْ تَحِلُّ أَوْ لَا فِيهَا تَرَدُّدٌ وَالْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهَا تَحْرُمُ وَفِي الْعُبَابِ أَنَّهَا حَلَالٌ وَبِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ قِيلَ: إنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ سَبْعِ حَيَوَانَاتٍ لِأَنَّ الزَّرَافَةَ بِمَعْنَى الْجَمَاعَةِ لُغَةً اهـ. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا م د فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ الزَّرَافَةَ حَيَوَانٌ يُشْبِهُ الْإِبِلَ بِرَقَبَتِهِ وَالْبَقَرَ بِرَأْسِهِ وَقَرْنَيْهِ وَالنَّمِرَ بِلَوْنِ جِلْدِهِ، وَيَكْبُرُ إلَى أَنْ يَصِيرَ عُلْوَ النَّخْلَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِوَرِكِهَا) أَيْ الْأَرَانِبِ فَيُفِيدُ أَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ مَعْنًى فَهُوَ كَزَيْنَبِ وَقَوْلُهُ: قِيلَ وَهُوَ حَيَوَانٌ التَّذْكِيرُ بِالنَّظَرِ لِلَّفْظِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: أَنَّثَهُ لِتَأْوِيلِهِ بِالدَّابَّةِ. قَوْلُهُ: (وَثَعْلَبٌ) بِمُثَلَّثَةِ أَوَّلَهُ وَأُنْثَاهُ يَسْفِدُهَا الْعُقَابُ، أَيْ يَطَؤُهَا كَذَا قَالُوا وَفِيهِ نَظَرٌ بِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ لَا يَحِلُّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، فَإِنْ تَحَقَّقَ عُمِلَ بِهِ فَرَاجِعْهُ. اهـ. ق ل. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى حِلِّ أَكْلِهِ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَحَرَّمَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِهِ؛ وَمِنْ حِيلَتِهِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ أَنَّهُ يَتَمَاوَتُ وَيَنْفُخُ بَطْنَهُ وَيَرْفَعُ قَوَائِمَهُ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَإِذَا قَرُبَ عَلَيْهِ الْحَيَوَانُ وَثَبَ عَلَيْهِ وَصَادَهُ وَحِيلَتُهُ هَذِهِ لَا تَتِمُّ عَلَى كَلْبِ الصَّيْدِ، قِيلَ لِلثَّعْلَبِ مَالَكَ تَعْدُو أَكْثَرَ مِنْ الْكَلْبِ؟ فَقَالَ: إنِّي أَعْدُو لِنَفْسِي وَالْكَلْبُ يَعْدُو لِغَيْرِهِ. وَمِنْ الْعَجِيبِ فِي قِسْمَةِ الْأَرْزَاقِ أَنَّ الذِّئْبَ يَصِيدُ الثَّعْلَبَ فَيَأْكُلُهُ وَيَصِيدُ الثَّعْلَبُ الْقُنْفُذَ فَيَأْكُلُهُ وَيَصِيدُ الْقُنْفُذُ الْأَفْعَى، فَيَأْكُلُهَا وَالْأَفْعَى تَصِيدُ الْعُصْفُورَ فَتَأْكُلُهُ، وَالْعُصْفُورُ يَصِيدُ الْجَرَادَةَ فَيَأْكُلُهَا. وَالْجَرَادُ يَلْتَمِسُ فِرَاخَ الزَّنَابِيرِ فَيَأْكُلُهَا وَالزُّنْبُورُ يَصِيدُ النَّحْلَةَ فَيَأْكُلُهَا. وَالنَّحْلَةُ تَصِيدُ الذُّبَابَةَ فَتَأْكُلُهَا وَالذُّبَابَةُ تَصِيدُ الْبَعُوضَةَ فَتَأْكُلُهَا. وَمِمَّا يُرْوَى مِنْ حِيَلِ الثَّعْلَبِ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كُنَّا بِسَفَرٍ فِي أَرْضِ الْيَمَنِ فَوَضَعْنَا سُفْرَتَنَا لِنَتَعَشَّى فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَقُمْنَا لِنُصَلِّيَ ثُمَّ نَتَعَشَّى وَتَرَكْنَا السُّفْرَةَ كَمَا هِيَ وَقُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ. وَكَانَ فِيهَا دَجَاجَتَانِ فَجَاءَ الثَّعْلَبُ فَأَخَذَ إحْدَى الدَّجَاجَتَيْنِ فَلَمَّا قَضَيْنَا الصَّلَاةَ أَسِفْنَا عَلَيْهَا وَقُلْنَا: حُرِمْنَا طَعَامَنَا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إذْ جَاءَ الثَّعْلَبُ وَفِي فَمِهِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ الدَّجَاجَةُ فَوَضَعَهَا فَبَادَرْنَا إلَيْهِ لِنَأْخُذَهَا وَنَحْنُ نَحْسَبُهُ الدَّجَاجَةَ فَلَمَّا قُمْنَا جَاءَ إلَى الْأُخْرَى وَأَخَذَهَا مِنْ السُّفْرَةِ وَأَصَبْنَا الَّذِي قُمْنَا إلَيْهِ لِنَأْخُذَهُ فَإِذَا هُوَ لِيفٌ قَدْ هَيَّأَهُ مِثْلَ الدَّجَاجَةِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَرْبُوعٌ) نَوْعٌ مِنْ الْفَأْرِ كَابْنِ عِرْسٍ وَحِلُّهُمَا مُسْتَثْنًى مِنْهُ ق ل. فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ رَقِيقَةٌ تُعَادِي الْفَأْرَ تَدْخُلُ جُحْرَهُ وَتُخْرِجُهُ. قَوْلُهُ: (وَقُنْفُذٌ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا اهـ. مُخْتَارٌ. وَفِي الْمِصْبَاحِ بِضَمِّ الْقَافِ وَتُفْتَحُ لِلتَّخْفِيفِ اهـ. قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَحِلُّ أَكْلُ الْقُنْفُذِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 الْمُعْجَمَةُ. وَالْوَبْرُ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ دُوَيْبَّةٌ أَصْغَرُ مِنْ الْهِرِّ كَحْلَاءُ الْعَيْنِ لَا ذَنَبَ لَهَا. وَالدُّلْدُلُ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ قَدْرُ السَّخْلَةِ ذَاتُ شَوْكٍ طَوِيلٍ يُشْبِهُ السِّهَامَ وَابْنُ عُرْسٍ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ رَقِيقَةٌ تُعَادِي الْفَأْرَ تَدْخُلُ جُحْرَهُ وَتُخْرِجُهُ. وَالْحَوَاصِلُ وَيُقَالُ لَهُ حَوْصَلٌ وَهُوَ طَائِرٌ أَبْيَضُ أَكْبَرُ مِنْ الْكُرْكِيُّ ذُو حَوْصَلَةٍ عَظِيمَةٍ يُتَّخَذُ مِنْهَا فَرْوٌ وَيَحْرُمُ كُلُّ مَا نُدِبَ قَتْلُهُ لِإِيذَائِهِ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَغُرَابٍ أَبْقَعَ وَحَدَأَةٍ وَفَأْرَةٍ وَالْبُرْغُوثِ وَالزُّنْبُورِ بِضَمِّ الزَّايِ وَالْبَقِّ، وَإِنَّمَا نُدِبَ قَتْلُهَا لِإِيذَائِهَا. كَمَا مَرَّ إذْ لَا نَفْعَ   [حاشية البجيرمي] بِتَحْرِيمِهِ. قَوْلُهُ: (وَابْنُ عِرْسٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَجَمْعُهَا بَنَاتُ عِرْسٍ. قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُرَسَةُ الْمَشْهُورَةُ وَهُوَ حَيَوَانٌ قَرِيبٌ مِنْ الْفَأْرِ لَكِنْ أَشَدُّ مِنْهُ وَهُوَ يُعَادِيهِ فَيَدْخُلُ جُحْرَهُ يُخْرِجُهُ وَيَأْكُلُهُ. حُكِيَ أَنَّهُ تَبِعَ فَأْرَةً فَهَرَبَتْ مِنْهُ إلَى شَجَرَةٍ فَصَعَدَ خَلْفَهَا فَانْتَهَتْ إلَى رَأْسِ غُصْنٍ فَتَبِعَهَا فَلَمْ يَبْقَ لَهَا مَهْرَبٌ فَتَعَلَّقَتْ بِوَرَقَةٍ وَأَدْلَتْ نَفْسَهَا فَصَاحَ ابْنُ عِرْسٍ فَجَاءَتْ أُنْثَاهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَطَعَ عِرْقَ الْوَرَقَةِ. فَسَقَطَتْ الْفَأْرَةُ فَأَمْسَكَتْهَا أُنْثَاهُ فَهُوَ أَعْدَى لِلْفَأْرِ مِنْ السِّنَّوْرِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ جُحْرَهُ وَالسِّنَّوْرُ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ. وَمَعَ ذَلِكَ يَخَافُ الْفَأْرُ مِنْ السِّنَّوْرِ أَكْثَرَ. وَيُعَادِي أَيْضًا الْحَيَّةَ وَيَقْتُلُهَا وَيُعَادِي التِّمْسَاحَ فَيَدْخُلُ جَوْفَهُ إذَا فَتَحَ فَاهُ فَيَأْكُلُ أَمْعَاءَهُ وَيُمَزِّقُهَا وَإِذَا مَرِضَ أَكَلَ بَيْضَ الدَّجَاجِ فَيُشْفَى وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ أَكْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَحِلُّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعَنْهُ قَوْلٌ بِالْحُرْمَةِ قَالَ أَرْسَطَا طَالِيسُ إنَّ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ عِرْسٍ تُلَقَّحُ وَتَلِدُ مِنْ أُذُنِهَا اهـ. دَمِيرِيٌّ وَقِيلَ إنَّهَا تَحْبَلُ مِنْ فَمِهَا وَتَلِدُ مِنْ أُذُنِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْهَا) أَيْ مِنْ جِلْدِهَا. قَوْلُهُ: (كَحَيَّةٍ) تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَيَحِلُّ قَتْلُهَا لِلْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ لِأَنَّهَا مِنْ الْفَوَاسِقِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ قَتَلَ حَيَّةً فَكَأَنَّمَا قَتَلَ مُشْرِكًا» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْحَيَّاتِ مَسْخُ الْجِنِّ كَمَا مُسِخَتْ الْقِرَدَةُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. مَسْأَلَةٌ: إذَا اصْطَادَ الْحَوَّاءُ حَيَّةً وَحَبَسَهَا عَلَى عَادَةِ الْحُوَاةِ فَلَسَعَتْهُ فَمَاتَ هَلْ يَأْثَمُ؟ أَوْ تَفَلَّتَتْ فَقَتَلَتْ إنْسَانًا هَلْ يَضْمَنُ. أُجِيبُ: بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ صَادَهَا لِيُرِيَ النَّاسَ مَعْرِفَتَهُ وَهُوَ عَارِفٌ بِصَنْعَتِهِ وَغَالِبُ ظَنِّهِ السَّلَامَةُ مِنْهَا لَمْ يَأْثَمْ. قِيلَ: نَزَلَ حَوَّاءٌ بِقَوْمٍ بِالْيَمَنِ وَفِي خُرْجِهِ حَيَّاتٌ فَخَرَجَ بَعْضُهَا بِاللَّيْلِ فَقَتَلَ بَعْضَ أَهْلِ الْبَيْتِ فَكُتِبَ بِذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَكِنْ مُرُوهُ إذَا نَزَلَ بِقَوْمٍ يُعْلِمُهُمْ بِمَا مَعَهُ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعَقْرَبٍ) الْعَقْرَبُ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ عُقْرُبَانٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَلَهَا ثَمَانِيَةُ أَرْجُلٍ وَعَيْنَاهَا فِي ظَهْرِهَا تَلْدَغُ وَتُؤْلِمُ إيلَامًا شَدِيدًا وَرُبَّمَا لَسَعَتْ الْأَفْعَى أَيْ الْحَيَّةَ فَتَمُوتُ. وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهَا مَعَ صِغَرِهَا أَنَّهَا تَقْتُلُ الْفِيلَ وَالْبَعِيرَ بِلَسْعَتِهَا وَأَنَّهَا لَا تَقْرَبُ الْمَيِّتَ وَلَا النَّائِمَ حَتَّى يَتَحَرَّكَ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ أَيْ النَّائِمِ فَتَضْرِبُهُ عِنْدَ ذَلِكَ. وَتَأْوِي إلَى الْخَنَافِسِ وَتُسَالِمُهَا أَيْ تُصَالِحُهَا. وَلِذَلِكَ إذَا دُقَّتْ وَوُضِعَتْ عَلَى لَسْعَةِ الْعَقْرَبِ بَرِئَتْ لِوَقْتِهَا. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ شَرَفٍ، وَقِيلَ: إنَّ الْعَقْرَبَ إذَا حُرِقَتْ وَدُخِّنَ بِهَا الْبَيْتُ هَرَبَتْ الْعَقَارِبُ مِنْهُ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَغُرَابٍ أَبْقَعَ) وَيُقَالُ: لَهُ الْأَعْوَرُ لِحِدَةِ بَصَرِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ يُغْمِضُ إحْدَى عَيْنَيْهِ عِنْدَ النَّظَرِ. وَيَقْتَصِرُ عَلَى النَّظَرِ بِإِحْدَاهُمَا مِنْ قُوَّةِ بَصَرِهِ سُمِّيَ غُرَابًا لِسَوَادِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] اهـ. وَجَمْعُهُ غِرْبَانٌ وَأَغْرِبَةٌ وَأَغْرُبٌ وَغَرَابِينُ وَغُرْبٌ، وَقَدْ نَظَمَهَا ابْنُ مَالِكٍ: بِالْغُرْبِ اجْمَعْ غُرَابًا وَأَغْرِبَةٍ ... وَأَغْرُبٍ وَغَرَابِين وَغِرْبَانِ وَيُقَالُ: إنَّهُ إذَا صَاحَ الْغُرَابُ مَرَّتَيْنِ فَهُوَ شَرٌّ، وَإِذَا صَاحَ ثَلَاثًا فَهُوَ خَيْرٌ، وَذَلِكَ لِعَدَدِ الْأَحْرُفِ أَيْ أَحْرُفِ خَيْرٍ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَحِدَأَةٍ) بِوَزْنِ عِنَبَةٍ وَجَمْعُهَا حِدَأٌ. ذُكِرَ عَنْ أَرِسْطَا طَالِيسَ أَنَّ الْغُرَابَ يَصِيرُ حِدَأَةً وَهِيَ تَصِيرُ عُقَابًا كَذَا يَتَبَدَّلَانِ كُلَّ سَنَةٍ، وَمِنْ طَبْعِ الْحِدَأَةِ أَنْ تَقِفَ فِي الطَّيَرَانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا. وَيُقَالُ إنَّهَا أَحْصَنُ الطَّيْرِ مُجَاوَرَةً لِمَا جَاوَرَهَا مِنْ الطَّيْرِ فَلَوْ مَاتَتْ جُوعًا لَمْ تَعْدُ عَلَى أَفْرَاخِ جَارِهَا، وَالسَّبَبُ فِي صِيَاحِهَا عِنْدَ سِفَادِهَا أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ جَحَدَ وَلَدَهَا مِنْهُ. فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ سَفَدَنِي حَتَّى إذَا حَضَنْت بَيْضِي وَخَرَجَ مِنْهُ وَلَدِي جَحَدَنِي فَقَالَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلذَّكَرِ مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّهَا تَحُومُ حَوْلَ الْبَرَارِيِ وَلَا تَمْتَنِعُ مِنْ الطُّيُورِ فَلَا أَدْرِي أَهُوَ مِنِّي أَوْ مِنْ غَيْرِي فَأَمَرَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 فِيهَا وَمَا فِيهِ نَفْعٌ وَمَضَرَّةٌ لَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ لِنَفْعِهِ وَلَا يُكْرَهُ لِضَرَرِهِ. وَيُكْرَهُ قَتْلُ مَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ كَالْخَنَافِسِ وَالْجُعَلَانِ، وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ تُسَمَّى الزُّعْقُوقَ. وَالْكَلْبُ غَيْرُ الْعَقُورِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مُبَاحَةٌ، وَتَحْرُمُ الرَّخَمَةُ وَهُوَ طَائِرٌ أَبْيَضُ   [حاشية البجيرمي] بِإِحْضَارِ الْوَلَدِ فَوَجَدَهُ يُشْبِهُ وَالِدَهُ، فَأَلْحَقَهُ بِهِ فَصَارَتْ إذَا سَفَدَهَا صَاحَتْ، ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ: لَا تُمَكِّنِيهِ أَبَدًا حَتَّى تُشْهِدِينَ عَلَى ذَلِكَ الطَّيْرَ لِئَلَّا يَجْحَدَ بَعْدَهَا فَصَارَتْ إذَا سَفَدَهَا صَاحَتْ: وَقَالَتْ: يَا طُيُورُ اشْهَدُوا فَإِنَّهُ سَفَدَنِي، وَالْعُقَابُ سَيِّدُ الطَّيْرِ وَالنَّسْرُ عَرِيفُهَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا فَقَدَ الْهُدْهُدَ أَيْ فَإِنَّ الْهُدْهُدَ كَانَ دَلِيلًا عَلَى الْمَاءِ، فَإِنَّ الْهُدْهُدَ يَرَى الْمَاءَ تَحْتَ الْأَرْضِ كَمَا يُرَى الْمَاءُ فِي الزُّجَاجَةِ فَلَمَّا فَقَدَ سُلَيْمَانُ الْمَاءَ تَفَقَّدَ الْهُدْهُدَ. فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَعَا بِالْعُقَابِ سَيِّدِ الطُّيُورِ وَأَشَدِّهَا بَأْسًا فَقَالَ عَلَيَّ بِالْهُدْهُدِ السَّاعَةَ فَرَفَعَ الْعُقَابُ نَفْسَهُ حَتَّى الْتَصَقَ بِالْهَوَاءِ فَصَارَ يَنْظُرُ إلَى الدُّنْيَا كَالْقَصْعَةِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّجُلِ ثُمَّ الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَرَأَى الْهُدْهُدَ مُقْبِلًا مِنْ نَحْوِ الْيَمَنِ، فَانْقَضَّ عَلَيْهِ فَقَالَ الْهُدْهُدُ: أَسْأَلُك بِحَقِّ الَّذِي أَقْدَرَك عَلَيَّ وَقَوَّاك إلَّا مَا رَحِمْتَنِي فَقَالَ لَهُ: الْوَيْلُ لَك إنَّ نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ حَلَفَ أَنْ يُعَذِّبَك أَوْ يَذْبَحَك ثُمَّ أَتَى بِهِ فَلَقِيَهُ النُّسُورُ وَعَسَاكِرُ الطَّيْرِ فَخَوَّفُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِتَوَعُّدِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ الْهُدْهُدُ مَا قَدْرِي وَمَا أَنَا أَوَ مَا اسْتَثْنَى نَبِيُّ اللَّهِ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ. قَالَ الْهُدْهُدُ: فَنَجَوْت إذًا فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سُلَيْمَانَ رَفَعَ رَأْسَهُ وَأَرْخَى ذَنَبَهُ وَجَنَاحَيْهِ تَوَاضُعًا لِسُلَيْمَانَ فَقَالَ سُلَيْمَانُ: أَيْنَ كُنْت عَنْ خِدْمَتِك وَمَكَانِك لَأُعَذِّبَنَّك عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّك فَقَالَ الْهُدْهُدُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اُذْكُرْ وُقُوفَك بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ وُقُوفِي بَيْنَ يَدَيْك فَاقْشَعَرَّ جِلْدُ سُلَيْمَانَ، وَارْتَعَدَ وَعَفَا عَنْهُ " قِيلَ عَنَى سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ، الَّذِي يُعَذِّبُ بِهِ الْهُدْهُدَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إلْفِهِ، وَقِيلَ: إلْزَامُهُ خِدْمَةَ أَقْرَانِهِ، وَقِيلَ صُحْبَةُ الْأَضْدَادِ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَفَأْرَةٍ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ أَفْسَدَ مِنْ الْفَأْرِ وَلَا أَعْظَمَ أَذًى مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُبْقِي عَلَى حَقِيرٍ وَلَا جَلِيلٍ، وَلَا يَأْتِي عَلَى شَيْءٍ إلَّا أَهْلَكَهُ وَأَتْلَفَهُ، وَكُنْيَةُ الْفَأْرِ أُمُّ خَرَابٍ، وَمِنْ شَأْنِهَا أَنَّهَا تَأْتِي الْقَارُورَةَ الضَّيِّقَةَ الرَّأْسِ، فَتَحْتَالُ حَتَّى تُدْخِلَ فِيهَا ذَنَبَهَا فَكُلَّمَا ابْتَلَّ بِالدُّهْنِ أَخْرَجَتْهُ وَمَصَّتْهُ حَتَّى لَا تَدَعَ فِيهَا شَيْئًا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَذَهَبَتْ الْجَارِيَةُ فَوَجَدَتْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعِيهَا فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا أَيْ السَّجَّادَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الْوَجْهَ أَيْ تُغَطِّيهِ فَأَحْرَقْت مِنْهَا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتُحْرِقَكُمْ» اهـ. وَأَمَّا الْقَنَادِيلُ الْمُعَلَّقَةُ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ خِيفَ حَرِيقٌ بِسَبَبِهَا، دَخَلَتْ فِي الْأَمْرِ بِالْإِطْفَاءِ وَإِنْ أُمِنَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَرْكِهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا انْتَفَتْ عِلَّةٌ زَالَ الْمَنْعُ، وَفِي خَبَرِ الشَّيْخَيْنِ: «خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْفَأْرَةُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَالْحَيَّةُ» بَدَلَ الْعَقْرَبِ، وَفِي رَاوِيَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ ذَكَرَ السَّبُعَ الْعَادِي مَعَ الْخَمْسِ. قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: السِّرُّ فِي قَتْلِ الْحَيَّةِ أَنَّهَا خَانَتْ آدَمَ بِإِدْخَالِ إبْلِيسَ الْجَنَّةَ بَيْنَ فَكَّيْهَا، وَالْغُرَابُ بَعَثَهُ نَبِيُّ اللَّهِ نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مِنْ السَّفِينَةِ لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَرْضِ فَتَرَكَ أَمْرَهُ وَأَقْبَلَ عَلَى جِيفَةٍ، وَالْفَأْرُ عَمَدَتْ إلَى حِبَالِ سَفِينَةِ سَيِّدِنَا نُوحٍ فَقَطَعَتْهَا وَأَخَذَتْ الْفَتِيلَةَ لِتُحْرِقَ الْبَيْتَ أَيْضًا فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِهَا. قَوْلُهُ: (وَالْبُرْغُوثِ) وَاحِدُ الْبَرَاغِيثِ وَضَمُّ بَائِهِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا وَهُوَ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَهُ الْوَثْبُ الشَّدِيدُ، وَمِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، أَنَّهُ يَثِبُ إلَى وَرَائِهِ لِيَرَى مَنْ يَصِيدُهُ لِأَنَّهُ لَوْ وَثَبَ إلَى أَمَامِهِ لَكَانَ ذَلِكَ أَسْرَعَ إلَى حِمَامِهِ وَهُوَ مِنْ الْخَلْقِ الَّذِي يَعْرِضُ لَهُ الطَّيَرَانُ، كَمَا يَعْرِضُ لِلنَّمْلِ وَهُوَ يَنْشَأُ أَوَّلًا مِنْ التُّرَابِ لَا سِيَّمَا فِي الْأَمَاكِنِ الْمُظْلِمَةِ. وَيُقَالُ إنَّهُ عَلَى صُورَةِ الْفِيلِ لَهُ أَنْيَابٌ يَعَضُّ بِهَا، وَخُرْطُومٌ يَمُصُّ بِهِ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْبَقُّ) الْبَقَّةُ الْبَعُوضَةُ، وَالْجَمْعُ الْبَقُّ وَيُقَالُ: إنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ النَّفَسِ الْحَارِّ وَلِشِدَّةِ رَغْبَتِهِ فِي الْإِنْسَانِ إذَا شَمَّ رَائِحَةَ الْآدَمِيِّ رَمَى نَفْسَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَثِيرٌ بِمِصْرَ وَمَا شَاكَلَهَا مِنْ الْبِلَادِ، اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْجُعْلَانِ وَيُقَالُ لَهُ أَبُو جُعْرَانَ) وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْعَيْنُ سَاكِنَةٌ وَالنَّاسُ يُسَمُّونَهُ أَبُو جِعْرَانَ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْجَعْرَ الْيَابِسَ وَيَدَّخِرُهُ لِبَيْتِهِ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ تُسَمَّى الزُّعْقُوقَ شَيْخُنَا وَهُوَ بِضَمِّ الزَّايِ تَعَضُّ الْبَهَائِمَ فِي فُرُوجِهَا فَتَهْرُبُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْخُنْفُسَاءِ شَدِيدُ السَّوَادِ فِي بَطْنِهِ لَوْنُ حُمْرَةٍ لِلذَّكَرِ قَرْنَانِ يُوجَدُ كَثِيرًا فِي مَرَاحِ الْبَقَرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 وَالْبُغَاثَةُ لِأَنَّهَا كَالْحِدَأَةِ وَهِيَ طَائِرٌ أَبْيَضُ بَطِيءُ الطَّيَرَانِ وَالْبَبَّغَاءُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ بِالدُّرَّةِ وَالطَّاوُوسِ وَهُوَ طَائِرٌ فِي طَبْعِهِ الْعِفَّةُ وَحُبُّ الزَّهْوِ بِنَفْسِهِ وَالْخُيَلَاءُ وَالْإِعْجَابُ بِرِيشِهِ وَهُوَ مَعَ حُسْنِهِ يُتَشَاءَمُ بِهِ. وَوَجْهُ تَحْرِيمِهِ وَمَا قَبْلَهُ خُبْثُهُمَا وَلَا يَحِلُّ مَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ كَخُطَّافِ وَيُسَمَّى عُصْفُورَ الْجَنَّةِ لِأَنَّهُ زَهِدَ مَا أَيْدِي النَّاسِ   [حاشية البجيرمي] وَالْجَوَامِيسِ وَمَوَاضِعِ الرَّوْثِ، وَمِنْ شَأْنِهِ جَمْعُ النَّجَاسَةِ وَادِّخَارُهَا، وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ رِيحِ الْوَرْدِ وَمِنْ رِيحِ الطِّيبِ فَإِذَا أُعِيدَ إلَى الرَّوْثِ عَاشَ. وَلَهُ سِتَّةُ أَرْجُلٍ وَسَنَامٌ مُرَبَّعٌ جِدًّا وَهُوَ يَمْشِي الْقَهْقَرَى إلَى خَلْفٍ وَمَعَ هَذِهِ الْمِشْيَةِ يَهْتَدِي إلَى بَيْتِهِ وَإِذَا أَرَادَ الطَّيَرَانَ انْتَفَشَ فَيَظْهَرُ جَنَاحُهُ فَيَطِيرُ، وَمِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَحْرُسُ النُّوَّامَ فَمَنْ قَامَ مِنْهُمْ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ تَبِعَهُ. وَذَلِكَ مِنْ شَهْوَتِهِ لِلْغَائِطِ، لِأَنَّهُ قُوتُهُ اهـ دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْكَلْبِ غَيْرِ الْعَقُورِ) أَيْ يُكْرَهُ قَتْلُهُ وَعَنْ شَيْخِنَا حُرْمَتُهُ وَعَنْ وَالِدِ شَيْخِنَا م ر نُدِبَ قَتْلُهُ ق ل. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ قَتْلَ الْكَلْبِ الَّذِي لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ حَرَامٌ. فَائِدَةٌ: قِيلَ: كَانَ كَلْبُ أَهْلِ الْكَهْفِ مِنْ جِنْسِ الْكِلَابِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ كَانَ أَسَدًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ كَلْبًا أَغَرَّ وَاسْمُهُ قِطْمِيرٌ وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ أَصْفَرَ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ مَنْ أَحَبَّ أَهْلَ الْخَيْرِ نَالَ بَرَكَتَهُمْ فَهَذَا كَلْبٌ أَحَبَّ أَهْلَ الْخَيْرِ وَصَحِبَهُمْ فَذُكِرَ مَعَهُمْ فِي الْقُرْآنِ وَمَنْ خَافَ شَرَّ كَلْبٍ فَلْيَقْرَأْ {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الرحمن: 33] آيَةَ الرَّحْمَنِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ الرَّخَمَةُ) وَمِنْ طَبْعِ هَذَا الطَّائِرِ أَنَّهُ لَا يَرْضَى مِنْ الْجِبَالِ إلَّا الْمُوحِشَ مِنْهَا وَلَا مِنْ الْأَمَاكِنِ إلَّا أَبْعَدَهَا، مِنْ أَمَاكِنِ أَعْدَائِهِ، وَالْأُنْثَى مِنْهُ لَا تُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهَا غَيْرَ ذَكَرِهَا وَتَبِيضُ بَيْضَةً وَاحِدَةً. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْبُغَاثَةُ) أَيْ الْبُومَةُ وَهِيَ الْمَصَّاصَةُ وَمِنْ طَبْعِهَا أَنْ تَدْخُلَ عَلَى كُلِّ طَائِرٍ فِي وَكْرِهِ وَتُخْرِجَهُ مِنْهُ وَتَأْكُلَ فِرَاخَهُ، وَبَيْضَهُ، وَهِيَ قَوِيَّةُ السَّطْوَةِ فِي اللَّيْلِ لَا يَحْتَمِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الطَّيْرِ وَلَا تَنَامُ فِي اللَّيْلِ فَإِذَا رَآهَا الطُّيُورُ فِي النَّهَارِ قَتَلُوهَا وَنَتَفُوا رِيشَهَا لِلْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ صَارَ الصَّيَّادُونَ يَجْعَلُونَهَا تَحْتَ شِبَاكِهِمْ لِيَقَعَ لَهُمْ الطَّيْرُ، وَلَا تَطِيرُ بِالنَّهَارِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تُصَابَ بِالْعَيْنِ لِحُسْنِهَا وَجَمَالِهَا، وَلَمَّا تَصَوَّرَتْ فِي نَفْسِهَا أَنَّهَا أَحْسَنُ الْحَيَوَانِ لَمْ تَظْهَرْ إلَّا بِاللَّيْلِ اهـ. دَمِيرِيٌّ. وَعَنْ سَيِّدِنَا سُلَيْمَانَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - لَيْسَ مِنْ الطُّيُورِ أَنْصَحُ لِبَنِي آدَمَ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبُومَةِ، تَقُولُ إذَا وَقَفَتْ عِنْدَ خَرِبَةٍ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَنَعَّمُونَ فِي الدُّنْيَا وَيَسْعَوْنَ فِيهَا؟ وَيْلٌ لِبَنِي آدَمَ كَيْفَ يَنَامُونَ وَأَمَامَهُمْ الشَّدَائِدُ؟ تَزَوَّدُوا يَا غَافِلُونَ وَتَهَيَّئُوا لِسَفَرِكُمْ اهـ. ح ل فِي السِّيرَةِ. قَوْلُهُ: (بِالدُّرَّةِ) وَهِيَ فِي قَدْرِ الْحَمَامَةِ فَيَتَّخِذُهَا النَّاسُ لِلِانْتِفَاعِ بِصَوْتِهَا كَمَا يَتَّخِذُونَ الطَّاوُوسَ لِلِانْتِفَاعِ بِصَوْتِهِ وَلَوْنِهِ وَلَهَا قُوَّةٌ عَلَى حِكَايَةِ الْأَصْوَاتِ وَقَبُولِ التَّلْقِينِ. وَتَتَنَاوَلُ مَأْكُولَهَا بِرِجْلِهَا كَمَا يَتَنَاوَلُ الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهَا اسْمُ ذَكَرٍ مِنْ لَفْظِهَا وَمَنْ أَكَلَ لِسَانَهَا صَارَ فَصِيحًا. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَيْسَتْ مِنْ طُيُورِ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا تُجْلَبُ مِنْ النُّوبَةِ وَالْيَمَنِ ز ي. قَالَ ح ل فِي السِّيرَةِ وَقَدْ وَقَعَ لِي أَنِّي دَخَلْت مَنْزِلًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ دُرَّةٌ لَمْ أَرَهَا فَإِذَا هِيَ تَقُولُ مَرْحَبًا بِالشَّيْخِ الْبَكْرِيِّ وَتُكَرِّرُ ذَلِكَ، فَعَجِبْت مِنْ فَصَاحَةِ عِبَارَتِهِ. وَحَكَى الْكَمَالُ الْأُدْفُوِيُّ فِي الطَّالِعِ السَّعِيدِ عَنْ الْفَاضِلِ الْأَدِيبِ مُحَمَّدٍ الْقُوصِيِّ، عَنْ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْحَرِيرِيِّ أَنَّهُ رَأَى دُرَّةً تَقْرَأُ سُورَةَ يس، وَعَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ: شَاهَدْت غُرَابًا يَقْرَأُ سُورَةَ السَّجْدَةِ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى مَحَلِّ السُّجُودِ سَجَدَ. وَقَالَ: سَجَدَ لَك سَوَادِي وَآمَنَ بِك فُؤَادِي اهـ. مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (يُتَشَاءَمُ بِهِ) وَكَانَ وَجْهُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِدُخُولِ إبْلِيسَ الْجَنَّةَ. وَخُرُوجِ آدَمَ مِنْهَا وَسَبَبًا لِخُلُوِّ تِلْكَ الدَّارِ مِنْ آدَمَ مُدَّةَ دَوَامِ الدُّنْيَا كُرِهَتْ إقَامَتُهُ فِي الدُّورِ بِسَبَبِ ذَلِكَ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (خُبْثُهُمَا) أَيْ الطَّاوُوسُ وَمَا قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلُ مُتَعَدِّدًا. قَوْلُهُ: (كَخُطَّافٍ بِضَمِّ الْخَاءِ) نَوْعٌ مِنْ الْعُصْفُورِ يُعْرَفُ بِعُصْفُورِ الْجَنَّةِ جَمْعُهُ خَطَاطِيفُ يَبْنِي بَيْتَهُ فِي أَبْعَدِ الْمَوَاضِعِ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا بِنَاءً مُحْكَمًا بِالطِّينِ وَاللَّبِنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ طِينًا غَطَسَ فِي الْمَاءِ وَتَمَرَّغَ فِي التُّرَابِ وَطَيَّنَ عُشَّهُ بِمَا عَلَى أَجْنِحَتِهِ. وَيَجْعَلُهُ عَلَى قَدْرِهِ وَقَدْرِ فَرْخِهِ فَقَطْ وَلَا يُلْقِي فِيهِ شَيْئًا مِنْ خُرْئِهِ، بَلْ يُلْقِيهِ خَارِجَهُ وَيَجْعَلُ فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] قُضْبَانَ الْكَرَفْسِ؛ لِيُنَفِّرَ الْخُفَّاشَ عَنْ فِرَاخِهِ لِأَنَّهُ يَهْرُبُ مِنْ رَائِحَةِ الْكَرَفْسِ، وَلَوْلَاهُ لَقَتَلَ فِرَاخَهُ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا وَإِذَا كَبُرَتْ فِرَاخُهُ عَلَّمَهَا ذَلِكَ. وَمِنْ أَمْرِهِ إذَا قُلِعَتْ عَيْنُهُ عَادَتْ. وَإِذَا عَمِيَ أَكَلَ مِنْ شَجَرَةٍ يُقَالُ لَهَا عَيْنُ شَمْسٍ، فَيَعُودُ بَصَرُهُ لِمَا فِي تِلْكَ الشَّجَرَةِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لِلْعَيْنِ وَمَا رُئِيَ قَطُّ آكِلًا وَلَا مُجْتَمِعًا بِأُنْثَاهُ، وَإِذَا أَرَادَ شَخْصٌ حَجَرَ الْيَرَقَانِ لَطَّخَ فَرْخَهُ بِزَعْفَرَانٍ أَيْ يَدْهُنُ بِهِ مَنَاقِيرَ أَوْلَادِهِ لِيَعْتَقِدَ ذَلِكَ الْعُصْفُورُ أَنَّ بِأَوْلَادِهِ ذَلِكَ الْمَرَضَ أَيْ الْيَرَقَانَ فَيَذْهَبُ فَيَأْتِيَ بِحَجَرِ الْيَرَقَانِ الَّذِي هُوَ نَافِعٌ جِدًّا وَيَمُرَّ بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ حَجَرٌ فِيهِ خُطُوطٌ بَيْنَ الْحُمْرَةِ وَالسَّوَادِ إذَا حَمَلَهُ ذُو الْيَرَقَانِ أَوْ غَسَلَهُ وَشَرِبَ مَاءَهُ عَلَى الْفُطُورِ زَالَ عَنْهُ. قِيلَ: وَقَدْ زَهِدَ الْخُطَّافُ مَا لِلنَّاسِ مِنْ الْأَقْوَاتِ وَاقْتَاتَ بِالْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ. وَلِهَذَا أَحَبَّهُ النَّاسُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ بِسُوءٍ قَالَ النَّبِيُّ: «ازْهَدْ مَا فِي الدُّنْيَا يُحِبُّك اللَّهُ وَازْهَدْ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّك النَّاسُ» أَمَّا كَوْنُ زُهْدِ الدُّنْيَا سَبَبًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَنْ أَطَاعَهُ. وَطَاعَتُهُ لَا تَجْتَمِعُ مَعَ مَحَبَّةِ الدُّنْيَا وَأَمَّا كَوْنُ زُهْدِ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ سَبَبًا لِمَحَبَّتِهِمْ لِأَنَّهُمْ مُحِبُّونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَنْ نَزَعَ مَحْبُوبًا مِنْ مُحِبِّهِ أَبْغَضَهُ. وَمَنْ تَنَزَّهَ عَنْهُ وَتَرَكَهُ لِمُحِبِّهِ أَحَبَّهُ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ فِي وَصْفِ الْخُطَّافِ: كُنَّ زَاهِدًا فِيمَا حَوَتْهُ يَدُ الْوَرَى ... تُضْحِي إلَى كُلِّ الْأَنَامِ جَلِيسًا أَوَ مَا تَرَى الْخُطَّافَ حَرَّمَ زَادَهُمْ ... فَأَضْحَى مُقِيمًا فِي الْبُيُوتِ رَئِيسًا سَمَّاهُ رَئِيسًا لِأَنَّهُ يَأْلَفُ الْبُيُوتَ الْعَامِرَةَ دُونَ الْخَارِبَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ؛ قِيلَ: لَمَّا خَرَجَ آدَم مِنْ الْجَنَّةِ اشْتَكَى الْوَحْشَةَ فَآنَسَهُ اللَّهُ بِالْخُطَّافِ وَأَلْهَمَهَا سُكْنَى الْبُيُوتِ أُنْسًا لِبَنِيهِ فَهِيَ لَا تُفَارِقُ بَنِي آدَمَ أُنْسًا لَهُمْ وَمَعَهَا أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَهِيَ {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} [الحشر: 21] إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَتَمُدُّ صَوْتَهَا بِقَوْلِهِ: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 24] حُكِيَ أَنَّ خُطَّافًا رَاوَدَ خُطَّافَةً عَلَى قُبَّةِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ، قَالَ لَهَا: تَمْتَنِعِينَ عَلَيَّ وَلَوْ شِئْت لَقَلَبْت الْقُبَّةَ عَلَى سُلَيْمَانَ فَدَعَاهُ سُلَيْمَانُ وَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا تُؤَاخِذْ الْعُشَّاقَ بِأَقْوَالِهِمْ قَالَ: صَدَقْت. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّ كَلَامَ الْعُشَّاقِ الَّذِينَ أَفْرَطَ حُبُّهُمْ يُسْتَلَذُّ بِسَمَاعِهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، كَمَا حُكِيَ أَنَّ فَاخِتَةَ كَانَ يُرَاوِدُهَا زَوْجُهَا فَتَمْنَعُهُ مِنْ نَفْسِهَا فَقَالَ: مَا الَّذِي يَمْنَعُك عَنِّي وَلَوْ أَرَدْت أَنْ أَقْلِبَ لَك مُلْكَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ظَهْرًا لِبَطْنٍ لَفَعَلْتُ لِأَجْلِك فَسَمِعَهُ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَاسْتَدْعَاهُ وَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى مَا قُلْت؟ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَنَا مُحِبٌّ وَالْمُحِبُّ لَا يُلَامُ وَكَلَامُ الْعُشَّاقِ يُطْوَى وَلَا يُحْكَى. قَالَ الشَّاعِرُ: أُرِيدُ وِصَالَهُ وَيُرِيدُ هَجْرِي ... فَأَتْرُكُ مَا أُرِيدُ لِمَا يُرِيدُ وَرُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرَّ بِعُصْفُورٍ يَدُورُ حَوْلَ عُصْفُورَةٍ فَقَالَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَصْحَابِهِ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا لَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ وَيَقُولُ تَزَوَّجِينِي أُسْكِنْك أَيَّ قُصُورِ دِمَشْقَ إنْ شِئْتِ. قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنَّ غُرَفَ دِمَشْقَ مَبْنِيَّةٌ بِالصَّخْرِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْكُنَهَا لَكِنَّ كُلَّ خَاطِبٍ كَذَّابٌ. وَرُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى عُصْفُورًا يُخَاطِبُ عُصْفُورَةً وَقَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ وَخَفَضَهَا إلَى الْأَرْضِ فَقَالَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِجُلَسَائِهِ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ هَذَا الْعُصْفُورُ لِهَذِهِ الْعُصْفُورَةِ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: يَقُولُ وَاَلَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ بِقُدْرَتِهِ وَبَسَطَ الْأَرْضَ بِحِكْمَتِهِ مَا أُرِيدُ مِنْك شَهْوَةَ لَذَّةٍ، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِك نَسَمَةً تُوَحِّدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَالْخَطَاطِيفُ أَنْوَاعٌ مِنْهَا مَا يَأْلَفُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 مِنْ الْأَقْوَاتِ وَنَمْلٍ وَذُبَابٍ. وَلَا تَحِلُّ الْحَشَرَاتُ وَهُوَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ كَخُنْفُسَاءَ وَدُودٍ، وَلَا مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ   [حاشية البجيرمي] سَاحِلَ الْبَحْرِ وَيَبْنِي بَيْتَهُ بِهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَخْضَرُ كَالدُّرَّةِ وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ مِصْرَ الْخُضَيْرَ؛ وَحُكْمُ الْخُطَّافِ حُرْمَةُ أَكْلِهِ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ الْخَطَاطِيفِ وَذَبْحِهَا» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ يَتَقَوَّتُ بِالْحَلَالِ غَالِبًا، وَإِذَا نُقِعَ عُشُّهُ بِمَا فِيهِ فِي الْمَاءِ يَوْمًا وَلَيْلَةً نَفَعَ شُرْبُهُ لِلْحَصْبَةِ اهـ. دَمِيرِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَنَمْلٍ) وَالنَّمْلَةُ وَاحِدُ النَّمْلِ وَجَمْعُ الْجَمْعِ نِمَالٌ وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِهَا. وَحَمَلُوهُ عَلَى النَّمْلِ السُّلَيْمَانِيِّ وَهُوَ الْكَبِيرُ لِانْتِفَاءِ أَذَاهُ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَيَحِلُّ قَتْلُهُ لِكَوْنِهِ مُؤْذِيًا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَنَمُّلِهِ أَيْ تَحَرُّكِهِ بِكَثْرَةِ مَا يَحْمِلُ مَعَ قِلَّةِ قَوَامِهِ وَهُوَ لَا جَوْفَ لَهُ وَعَيْشُهُ بِالشَّمِّ مَعَ أَنَّهُ أَحْرَصُ الْحَيَوَانِ عَلَى الْقُوتِ وَالنَّمْلُ لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَلَاقَحُ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ حَقِيرٌ فِي الْأَرْضِ فَيَنْمُو، وَهُوَ عَظِيمُ الْحِيلَةِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا أَنْذَرَ الْبَاقِينَ فَيَأْتُونَ إلَيْهِ، وَمِنْ طَبْعِهِ أَنَّهُ يَحْتَكِرُ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ لِزَمَنِ الشِّتَاءِ. وَإِذَا احْتَكَرَ مَا يَخَافُ إنْبَاتَهُ قَسَمَهُ نِصْفَيْنِ وَإِذَا خَافَ الْعَفَنَ عَلَى الْحَبِّ أَخْرَجَهُ إلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ وَنَشَرَهُ، وَأَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لَيْلًا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ وَيُقَالُ: إنَّ حَيَاتَهُ لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِ مَا يَأْكُلُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جَوْفٌ يَنْفُذُ مِنْهُ الطَّعَامُ وَإِنَّمَا عَيْشُهُ بِالشَّمِّ وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ مَا يَحْمِلُ ضِعْفَ بَدَنِهِ مِرَارًا غَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِأَضْعَافِ الْأَضْعَافِ، حَتَّى إنَّهُ يَتَكَلَّفُ حَمْلَ نَوَى التَّمْرِ، وَهُوَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى حَمْلِهِ الْحِرْصُ وَالشَّرَهُ. وَهُوَ يَجْمَعُ غِذَاءَ سِنِينَ لَوْ عَاشَ، وَلَا يَكُونُ عُمُرُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَمِنْ عَجَائِبِهِ اتِّخَاذُ الْقَرْيَةِ تَحْتَ الْأَرْضِ وَفِيهَا مَنَازِلُ وَدَهَالِيزُ وَغُرَفٌ وَطَبَقَاتٌ مُعَلَّقَاتٌ تَمْلَؤُهَا حُبُوبًا وَذَخَائِرَ لِلشِّتَاءِ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمِعَ النَّمْلَةَ وَقَدْ أَحَسَّتْ بِصَوْتِ جُنُودِ سُلَيْمَانَ تَقُولُ لِلنَّمْلِ: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] . فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ سُلَيْمَانُ الرِّيحَ فَوَقَفَتْ حَتَّى دَخَلَ النَّمْلُ مَسَاكِنَهَا ثُمَّ جَاءَ سُلَيْمَانُ إلَى تِلْكَ النَّمْلَةِ وَقَالَ لَهَا حَذَّرْت النَّمْلَ ظُلْمِي قَالَتْ: أَمَا سَمِعْت قَوْلِي: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] عَلَى أَنِّي لَمْ أُرِدْ حَطْمَ النُّفُوسِ أَيْ إهْلَاكَهَا إنَّمَا أَرَدْت حَطْمَ الْقُلُوبِ خَشْيَةَ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِالنَّظَرِ إلَيْك عَنْ التَّسْبِيحِ أَيْ فَيَمُتْنَ فَقَدْ جَاءَ مَرْفُوعًا: «آجَالُ الْبَهَائِمِ كُلِّهَا وَخَشَاشِ الْأَرْضِ فِي التَّسْبِيحِ فَإِذَا انْقَضَى تَسْبِيحُهَا قَبَضَ اللَّهُ أَرْوَاحَهَا» وَيُرْوَى: «مَا مِنْ صَيْدٍ يُصَادُ وَلَا شَجَرَةٍ تُقْطَعُ إلَّا بِغَفْلَتِهَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ» وَفِي الْحَدِيثِ: «الثَّوْبُ يُسَبِّحُ فَإِذَا اتَّسَخَ انْقَطَعَ تَسْبِيحُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «إنَّ النَّمْلَ قَالَتْ لَهُ إنَّمَا خَشِيت أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْك فَتَكْفُرَ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا عِظِينِي فَقَالَتْ: هَلْ تَدْرِي لِمَ جُعِلَ مُلْكُك فِي فَصِّ خَاتَمِك؟ قَالَ: لَا قَالَتْ: أُعْلِمُكَ أَنَّ الدُّنْيَا لَا تُسَاوِي قِطْعَةً مِنْ حَجَرٍ» . وَيُذْكَرُ أَنَّ هَذِهِ النَّمْلَةَ الَّتِي خَاطَبَتْ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَهْدَتْ لَهُ نَبْقَةً وَضَعَتْهَا لَهُ فِي كَفِّهِ. وَفِي فَتَاوَى الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ قَالَ الثَّعَالِبِيُّ فِي زَهْرِ الرِّيَاضِ: لَمَّا تَوَلَّى سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَمِيعَ الْمُلْكِ جَاءَهُ جَمِيعُ الْحَيَوَانَاتِ يُهَنِّئُونَهُ إلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً، فَجَاءَتْ تُعَزِّيهِ فَعَاتَبَهَا النَّمْلُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: كَيْفَ أُهَنِّئُهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَحَبَّ عَبْدًا زَوَى عَنْهُ الدُّنْيَا وَحَبَّبَ إلَيْهِ الْآخِرَةَ. وَقَدْ شُغِلَ سُلَيْمَانُ بِأَمْرٍ لَا يَدْرِي مَا عَاقِبَتُهُ فَهُوَ بِالتَّعْزِيَةِ أَوْلَى مِنْ التَّهْنِئَةِ. وَجَاءَهُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ شَرَابٌ مِنْ الْجَنَّةِ. فَقِيلَ لَهُ إنْ شَرِبْته لَمْ تَمُتْ فَشَاوَرَ جُنْدَهُ فَكُلٌّ أَشَارَ بِشُرْبِهِ إلَّا الْقُنْفُذُ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَشْرَبْهُ فَإِنَّ الْمَوْتَ فِي عِزٍّ، خَيْرٌ مِنْ الْبَقَاءِ فِي سِجْنِ الدُّنْيَا. قَالَ: صَدَقْت فَأَرَاقَ الشَّرَابَ فِي الْبَحْرِ؛ وَرُوِيَ: أَنَّ النَّمْلَةَ الَّتِي خَاطَبَتْ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَهْدَتْ لَهُ نَبْقَةً وَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَنَا نُهْدِي إلَى اللَّهِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ عَنْهُ ذَا غِنًى فَهُوَ قَابِلُهْ وَلَوْ كَانَ يُهْدَى لِلْجَلِيلِ بِقَدْرِهِ لَقَصَّرَ عَنْهُ الْبَحْرُ حَتَّى سَوَاحِلُهْ وَلَكِنَّنَا نُهْدِي إلَى مَنْ نُحِبُّهُ فَيَرْضَى بِهِ عَنَّا وَيُشْكَرُ فَاعِلُهْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ كَلْبٍ وَشَاةٍ، فَلَوْ لَمْ نَرَ ذَلِكَ وَوَلَدَتْ سَخْلَةً تُشْبِهُ الْكَلْبَ. قَالَ الْبَغَوِيّ لَا تَحْرُمُ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الْخَلْقُ عَلَى خِلَافِ صُورَةِ الْأَصْلِ، وَمِنْ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ السِّمْعُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ، وَالْبَغْلُ لِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ كَمَا مَرَّ.   [حاشية البجيرمي] وَمَا ذَاكَ إلَّا مِنْ كَرِيمِ فِعَالِهِ وَإِلَّا فَمَا فِي مِلْكِنَا مَا نُشَاكِلُهْ فَقَالَ سُلَيْمَانُ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ. وَمِمَّا يَنْفَعُ لِتَرْحِيلِهِ أَنْ يُكْتَبَ فِي إنَاءٍ مَدْهُونٍ طَاهِرٍ وَيُمْحَى بِالْمَاءِ وَيُرَشَّ فِي مَوْضِعِ النَّمْلِ، وَهَذَا مَا تَكْتُبُ: إنَّ سُلَيْمَانَ يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَأْمُرُكُمْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُ مَسْجِدًا مِنْ الشَّعْرِ طُولُهُ طُولُ الدُّنْيَا وَعَرْضُهُ عَرْضُ الْآخِرَةِ. وَإِلَّا فَعَلَيْكُمْ بِالْهَرَبِ وَعَلَيْنَا الطَّلَبُ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمُبَارَكَةِ الْوَحْيِ الْعِجْلَ السَّاعَةَ. اهـ. . قَوْلُهُ (كَخُنْفُسَاءَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا مَمْدُودٌ دُوَيْبَّةٌ سَوْدَاءُ مُنْتِنَةُ الرِّيحِ وَكُنْيَتُهَا أُمُّ الْفَسْوِ لِكَثْرَةِ فَسْوِهَا وَهِيَ تَتَوَلَّدُ مِنْ عُفُونَةِ الْأَرْضِ وَهِيَ طَوِيلَةُ الظُّهْرِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَقْرَبِ صَدَاقَةٌ وَلِهَذَا يُقَالُ لَهَا جَارِيَتُهَا. وَمِنْ شَأْنِهَا أَنَّهَا تَهْرُبُ مِنْ الْكَرَفْسِ فَإِذَا وَضَعَ بِمَوْضِعٍ رَحَلَتْ مِنْهُ. وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا رَأَى خُنْفُسَاءَ فَقَالَ: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِخَلْقِ هَذِهِ أَلِحُسْنِ شَكْلِهَا، أَوْ طِيبِ رِيحِهَا. فَابْتُلِيَ بِقُرْحَةٍ عَجَزَ فِيهَا الْأَطِبَّاءُ فَتَرَكَ عِلَاجَهَا ثُمَّ سَمِعَ يَوْمًا صَوْتَ طَبِيبٍ مِنْ الطَّرَّاقِينَ يُنَادِي فِي الدَّرْبِ فَقَالَ ائْتُونِي بِهِ يَنْظُرُ إلَيَّ فَقَالُوا: وَمَا يَصْنَعُ هَذَا وَعَجَزَ عَنْك حُذَّاقُ الْأَطِبَّاءِ؟ فَقَالَ لَا بُدَّ لِي مِنْهُ فَأَحْضَرُوهُ فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ قَالَ ائْتُونِي بِخُنْفُسَاءَ فَضَحِكُوا مِنْهُ فَتَذَكَّرَ الْعَلِيلُ مَا صَدَرَ مِنْهُ فَقَالَ: أَحْضِرُوا لَهُ مَا طَلَبَ فَإِنَّهُ عَلَى بَصِيرَةٍ فَجَاءُوهُ بِوَاحِدَةٍ فَأَحْرَقَهَا وَذَرَّ رَمَادَهَا عَلَى الْقُرْحَةِ. فَبَرَأَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَنِي أَنَّ أَخَسَّ الْمَخْلُوقَاتِ أَعَزُّ الْأَدْوِيَةِ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا سُدًى سُبْحَانَهُ، وَالِاكْتِحَالُ بِمَا فِي جَوْفِهَا يَجْلُو الْغِشَاوَةَ، وَيُحِدُّ الْبَصَرَ، وَيُزِيلُ الْبَيَاضَ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَدُودٍ) أَيْ إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ مُفْرَدُهُ دُودَةٌ وَجَمْعُهُ دِيدَانٌ وَيُصَغَّرُ عَلَى دُوَيْدَةٍ. قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ نَزْوِ الْكَلْبِ عَلَى الشَّاةِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الْخَلْقُ إلَخْ وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ تَرْكَهَا وَذَهَبَ جَمْعٌ إلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ أَشْبَهَ بِالْحَلَالِ خِلْقَةً حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَيَجُوزُ شُرْبُ لَبَنِ فَرَسٍ وَلَدَتْ بَغْلًا، وَشَاةٍ كَلْبًا لِأَنَّهُ مِنْهَا لَا مِنْ الْفَحْلِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَالْبَغْلُ) وَشِدَّةُ شَبَهِهِ لِأُمِّهِ لَا لِأَبِيهِ وَهُوَ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ لَهُ. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَنَّ الْبِغَالَ كَانَتْ تَتَنَاسَلُ وَكَانَتْ أَسْرَعَ الدَّوَابِّ فِي نَقْلِ الْحَطَبِ لِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَدَعَا عَلَيْهَا فَقَطَعَ اللَّهُ نَسْلَهَا، قِيلَ وَأَوَّلُ مَنْ أَنْتَجَهَا قَارُونُ اهـ. دَمِيرِيٌّ قَالَ ح ل فِي السِّيرَةِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ بَغْلَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ ذَكَرًا لَا أُنْثَى قِيلَ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ بَغْلَةٌ غَيْرَهَا. وَقَدْ قَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ حَمَلْنَا الْحُمُرَ عَلَى الْخَيْلِ لَكَانَ لَنَا مِثْلُ هَذِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَيْ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ النَّهْيَ: وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ امْتَنَّ بِهَا كَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَلَا يَقَعُ الِامْتِنَانُ بِالْمَكْرُوهِ. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا وَأَمَّا بَغْلَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَغْلَةٌ شَهْبَاءُ يُقَالُ لَهَا: دُلْدُلٌ أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ مَعَ مَارِيَةَ. وَهَذِهِ أَوَّلُ بَغْلَةٍ رُكِبَتْ فِي الْإِسْلَامِ وَفِي لَفْظٍ رُئِيَتْ فِي الْإِسْلَامِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْكَبُهَا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الْأَسْفَارِ، وَعَاشَتْ حَتَّى ذَهَبَتْ أَسْنَانُهَا، فَكَانَ يُدَقُّ لَهَا الشَّعِيرُ وَعَمِيَتْ، وَقَاتَلَ عَلَيْهَا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ الْخَوَارِجَ بَعْدَ أَنْ رَكِبَهَا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَكِبَهَا بَعْدَ عَلِيٍّ ابْنُهُ الْحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ ابْنُهُ الْحُسَيْنُ ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَسُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ هَلْ كَانَتْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرًا وَالتَّاءُ لِلْوَحْدَةِ أَجَابَ بِالْأَوَّلِ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ ذَكَرًا وَرَمَاهَا رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهَا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَنِي إلَى زَوْجَتِهِ أَمِّ سَلَمَةَ فَأَتَيْتُهُ بِصُوفٍ وَلِيفٍ ثُمَّ فَتَلْت أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسَنًا وَعِذَارًا ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَأَخْرَجَ عَبَاءَةً فَثَنَاهَا، ثُمَّ رَبَّعَهَا عَلَى ظَهْرِهَا ثُمَّ سَمَّى وَرَكِبَ ثُمَّ أَرْدَفَنِي خَلْفَهُ» . اهـ وَيَجُوزُ الْإِرْدَافُ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ مُطِيقَةً وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ تُطِقْهُ وَإِذَا أَرْدَفَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِصَدْرِهَا وَيَكُونُ الرَّدِيفُ وَرَاءَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُهَا بِتَقْدِيمِهِ لِجَلَالَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَأَفَادَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 وَالزَّرَافَةُ: وَهِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا، وَبِتَحْرِيمِهَا جَزَمَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَمَنَعَ ابْنُ الرِّفْعَةِ التَّحْرِيمَ، وَحَكَى أَنَّ الْبَغَوِيَّ أَفْتَى بِحِلِّهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ: وَمَنْقُولُ اللُّغَةِ أَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ مَأْكُولَيْنِ مِنْ الْوَحْشِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ مَا فِي الْمَجْمُوعِ سَهْوٌ وَصَوَابُهُ الْعَكْسُ اهـ. وَهَذَا الْخِلَافُ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ مَأْكُولَيْنِ فَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ ظَاهِرٌ وَإِلَّا فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَيَحِلُّ كُرْكِيٌّ وَبَطٌّ وَإِوَزٌّ وَدَجَاجٌ وَحَمَامٌ وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ وَمَا عَلَى شَكْلِ عُصْفُورٍ. وَإِنْ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ كَعَنْدَلِيبِ وَهُوَ الْهَزَارُ وَصَعْوَةَ وَهِيَ   [حاشية البجيرمي] الْحَافِظُ ابْن مَنْدَهْ أَنَّ الَّذِينَ أَرْدَفَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ نَفْسًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْدَفَهُ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَهَى أَنْ يَرْكَبَ ثَلَاثَةٌ عَلَى دَابَّةٍ» وَفِي حَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ نَاوِلْنِي مِنْ الْبَطْحَاءِ فَأَفْقَهَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَغْلَةَ فِي كَلَامِهِ فَانْقَضَّتْ بِهِ حَتَّى كَادَ بَطْنُهَا يَمَسُّ الْأَرْضَ فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَصَى فَنَفَخَ فِي وُجُوهِهِمْ وَقَالَ: شَاهَتْ الْوُجُوهُ حم لَا يُبْصِرُونَ» اهـ. دَمِيرِيٌّ وَقَوْلُهُ فَأَفْقَهَ اللَّهُ أَيْ أَفْهَمَ. قَوْلُهُ: (لِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ) أَهْلِيٍّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَلَوْ اشْتَبَهَ حَيَوَانٌ فَلَمْ يُدْرَ مِمَّا تَوَلَّدَ؟ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يُؤْكَلَ فَإِنْ أُرِيدَ أَكْلُهُ رُجِعَ إلَى خِلْقَتِهِ فَإِنْ أَشْبَهَ مَا يَحِلُّ حَلَّ، أَوْ مَا يَحْرُمُ، حَرُمَ، وَلَوْ وَلَدَتْ شَاةٌ شَبَهَ كَلْبٍ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ نَزَا عَلَيْهَا حَلَّ، إذْ قَدْ يَحْصُلُ الْخَلْقُ عَلَى خِلَافِ صُورَةِ الْأَصْلِ، وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يُؤْكَلَ وَيُسْتَبْعَدُ الْحِلُّ لَوْ وَلَدَتْ شَبَهَ آدَمِيٍّ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ نَزَا عَلَيْهَا وَيَدِقُّ الْفَرْقُ سم. وَقَدْ وَقَعَ فِي وَقْتِنَا أَنَّ الشَّاةَ وَلَدَتْ مَا فِيهِ صُورَةُ الْآدَمِيِّ فَظُنَّ بِصَاحِبِهَا سُوءٌ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ بِحُصُولِ مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (الْعَكْسُ) أَيْ عَكْسُ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْحِلِّ. قَوْلُ: (فَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِالْحِلِّ. قَوْلُهُ: (وَبَطٌّ) وَهُوَ الْوَزُّ الَّذِي لَا يَطِيرُ فَيَكُونُ عَطْفُ الْوَزِّ عَلَيْهِ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. قَوْلُهُ: (وَإِوَزٌّ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْبَطِّ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. فَمَا قِيلَ: إنَّهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ سَبْقُ قَلَمٍ قَالَ الْقَزْوِينِيُّ: إذَا شُوِيَتْ خُصْيَةُ الْإِوَزِّ وَأَكْلَهَا الرَّجُلُ وَجَامَعَ امْرَأَتَهُ مِنْ وَقْتِهِ فَإِنَّهَا تَعْلَقُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصُّفْرَةُ مِنْ كُلِّ بَيْضٍ أَلْطَفُ مِنْ الْبَيَاضِ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَدَجَاجٌ مُثَلَّثُ الدَّالِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ مِنْ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَاحِدُهُ دَجَاجَةٌ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِقْبَالِهَا وَإِدْبَارِهَا يُقَالُ دَجَّ الْقَوْمُ يَدُجُّونَ دَجًّا إذَا مَشَوْا رُوَيْدًا وَكُنْيَتُهَا أُمُّ حَفْصَةَ وَأَمُّ الْوَلِيدِ وَأَمُّ جَعْفَرٍ وَأَمُّ عُقْبَةَ وَأَمُّ نَافِعٍ. وَإِذَا هَرِمَتْ الدَّجَاجَةُ انْقَطَعَ فِرَاخُهَا لِأَنَّ بَيْضَهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ مُحٌّ وَتَأْكُلُ الْفُولَ وَالْحَبَّ، كَبَهَائِمِ الطَّيْرِ وَالْخُبْزَ وَاللَّحْمَ وَالذُّبَابَ كَسِبَاعِ الطَّيْرِ فَلَهَا شَبَهٌ بِهِمَا وَتُوصَفُ بِقِلَّةِ النَّوْمِ وَسُرْعَةِ الْيَقَظَةِ، قِيلَ فَنَوْمُهَا وَاسْتِيقَاظُهَا بِمِقْدَارِ خُرُوجِ نَفَسِهَا وَرُجُوعِهِ وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ الْجُبْنِ وَلِهَذَا تَقْصِدُ فِي نَوْمِهَا الْأَمَاكِنَ الْمُرْتَفِعَةَ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ بَادَرَتْ إلَيْهَا، وَتَبِيضُ فِي كُلِّ السَّنَةِ إلَّا شَهْرَيْنِ مِنْ الشِّتَاءِ وَمِنْهَا مَا يَبِيضُ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ وَيَتِمُّ خَلْقُ بَيْضِهَا فِي عَشْرَةِ أَيَّامِ وَيَكُونُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لَيِّنَ الْقِشْرِ فَإِذَا أَصَابَهُ الْهَوَاءُ يَبِسَ وَبَيَاضُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَنِيِّ فَيَنْشَأُ مِنْهُ الرُّوحُ وَصَفَارُهُ بِمَنْزِلَةِ دَمِ الْحَيْضِ فَيَتَغَذَّى بِهِ الْفَرْخُ كَمَا يَتَغَذَّى الْجَنِينُ بِدَمِ الْحَيْضِ وَالْبَيْضَةُ ذَاتُ الصَّفَارَيْنِ يَخْرُجُ مِنْهَا فَرْخَانِ وَقَدْ رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْأَغْنِيَاءَ بِاِتِّخَاذِ الْغَنَمِ وَالْفُقَرَاءَ بِاِتِّخَاذِ الدَّجَاجِ وَقَالَ عِنْدَ اتِّخَاذِ الْأَغْنِيَاءِ الدَّجَاجَ يَأْذَنُ اللَّهُ بِهَلَاكِ الْقُرَى» قِيلَ: وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ إذَا ضَيَّقُوا عَلَى الْفُقَرَاءِ فِي مَكَاسِبِهِمْ وَخَالَطُوهُمْ فِي مَعَايِشِهِمْ، تَعَطَّلَ الْفُقَرَاءُ وَبِذَلِكَ تَبُورُ الْقُرَى فَتَهْلَكُ. وَخَوَاصُّهُ: أَكْلُ لَحْمِهِ يَزِيدُ الْعَقْلَ، وَالْمَنِيَّ، وَيُصَفِّي الصَّوْتَ لَكِنَّ مُدَاوَمَتَهُ تُورِثُ الْبَوَاسِيرَ، وَإِذَا طُبِخَتْ الدَّجَاجَةُ بِعَشْرِ بَصَلَاتٍ، وَكَفِّ سِمْسِمٍ مَقْشُورٍ، ثُمَّ أُكِلَتْ وَشُرِبَ مَرَقُهَا زَادَتْ فِي الْبَاهِ وَقُوَّةِ الشَّهْوَةِ، وَفِي قَانِصَةِ الدَّجَاجِ حَجَرٌ، إذَا شُدَّ عَلَى إنْسَانٍ، زَادَ فِي الْبَاهِ، وَصَرَفَ عَنْهُ الْعَيْنَ وَالنَّظْرَةَ، أَوْ عَلَى مَصْرُوعٍ بَرِئَ، أَوْ تَحْتَ رَأْسِ صَغِيرٍ أَمِنَ مِنْ الْفَزَعِ فِي نَوْمِهِ، وَذَرْقُ الدَّجَاجِ السُّودِ إذَا وُضِعَ بِبَابِ قَوْمٍ وَقَعَ بَيْنَهُمْ الشَّرُّ وَالْخُصُومَةُ. وَإِذَا طُلِيَ الذَّكَرُ بِمَرَارَةِ السَّوْدَاءِ وَجَامَعَ لَمْ يَنَلْ أَهْلَهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ، وَإِذَا جُعِلَ رَأْسُهَا فِي كُوزِ حَدِيدٍ وَوُضِعَ تَحْتَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 صِغَارُ الْعَصَافِيرِ وَيَحِلُّ غُرَابُ الزَّرْعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ أَسْوَدُ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ: الزَّاغُ وَقَدْ يَكُونُ مُحَمَّرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُ مُسْتَطَابٌ يَأْكُلُ الزَّرْعَ يُشْبِهُ الْفَوَاخِتَ. وَأَمَّا مَا عَدَا الْأَبْقَعَ الْحَرَامَ وَغُرَابَ الزَّرْعِ الْحَلَالَ فَأَنْوَاعٌ أَحَدُهَا: الْعَقْعَقُ.   [حاشية البجيرمي] فَرْشِ رَجُلٍ قَدْ خَاصَمَ زَوْجَتَهُ صَالَحَهَا لِوَقْتِهَا، وَإِذَا احْتَمَلَ الرَّجُلُ مِنْ دُهْنِهَا قَدْرَ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ هَيَّجَ الْبَاهَ. وَأَمَّا بَيْضُهَا فَحَارٌّ مَائِلٌ إلَى الرُّطُوبَةِ وَالْيُبْسِ، لَكِنَّهُ إذَا زَادَ فِي أَكْلِهِ، يُوَلِّدُ كَلَفًا أَيْ مَشَقَّةً وَهُوَ بَطِيءُ الْهَضْمِ وَيَدْفَعُ ضَرَرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى صُفْرَتِهِ اهـ. دَمِيرِيٌّ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الدَّجَاجَ حَبَسَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَحَمَامٌ) وَمِثْلُهُ الْيَمَامُ. وَالْقَطَا وَالدِّبْسِيُّ وَالْفَاخِتُ وَالْحُبَارَى وَالشِّقِرَّاقُ وَأَبُو قِرْدَانَ وَالْحُمَّرَةُ وَالْحَجْلُ وَالْقُمْرِيُّ: «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْجِبُهُ النَّظَرُ إلَى الْحَمَامِ الْأَحْمَرِ، وَكَانَ فِي مَنْزِلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَامٌ أَحْمَرُ اسْمُهُ وَرْدَانُ» وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ مَا يَسْتَعْمِلُ التَّقْبِيلَ عِنْدَ السِّفَادِ إلَّا الْإِنْسَانُ وَالْحَمَامُ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَمَامَ يَعِيشُ ثَمَانِ سِنِينَ، وَالْقُمْرِيُّ طَائِرٌ مَشْهُورٌ حَسَنُ الصَّوْتِ وَالْأُنْثَى قُمْرِيَّةٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو زَكَرِيَّا وَأَبُو طَلْحَةَ وَجَمْعُهُ قَمَارِيٌّ قَالَ الْقَزْوِينِيُّ: إذَا مَاتَتْ ذُكُورُ الْقُمَارِيِّ لَمْ تَتَزَوَّجْ إنَاثُهَا بَعْدَهَا وَتَنُوحُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تَمُوتَ، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ تَبِيضَ الْقُمَارِيُّ تَحْتَ الْفَوَاخِتِ وَبَيْضُ الْفَوَاخِتِ تَحْتَ الْقُمَارِيِّ. وَفِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أَنَّ الْحَمَامَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى اهـ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ قَالَ سُلَيْمَانُ لِأَصْحَابِهِ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ هَذَا الْحَمَامُ لِأُنْثَاهُ؟ قَالُوا لَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: يَقُولُ لِأُنْثَاهُ: تَابِعِينِي عَلَى مَا أُرِيدُ مِنْك فَوَاَللَّهِ لَمُتَابَعَتُك أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمَانَ. كَذَا فِي دِيوَانِ الْحَيَوَانِ، وَفِيهِ: إذَا صَاحَ الْعُقَابُ قَالَ الْبُعْدُ عَنْ النَّاسِ رَحْمَةٌ، وَإِذَا صَاحَ الْخُطَّافُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ إلَى ` آخِرِهَا يَمُدُّ صَوْتَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا الضَّالِّينَ كَمَا يَمُدُّ الْقَارِئُ، وَالنَّسْرُ يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ عِشْ مَا شِئْت آخِرُك الْمَوْتُ، وَالْقُمْرِيُّ يَقُولُ: يَا كَرِيمُ، وَالْغُرَابُ يَلْعَنُ الْعَشَّارَ وَيَدْعُو عَلَيْهِ وَالْعَشَّارُ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الْعُشْرَ، وَالْحِدَأَةُ تَقُولُ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا اللَّهَ، وَالْقَطَاةُ تَقُولُ مَنْ سَكَتَ سَلِمَ، وَالْبَبَّغَاءُ تَقُولُ: وَيْلٌ لِمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّهِ، وَالدُّرَّاجُ يَقُولُ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وَالزُّرْزُورُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك رِزْقَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ يَا رَزَّاقُ، وَالْعَنْزَةُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ الْعَنْ مُبْغِضِي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَالدِّيكُ يَقُولُ: اُذْكُرُوا اللَّهَ يَا غَافِلُونَ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْفَرَسَ تَقُولُ إذَا الْتَقَى الْجَمْعَانِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، وَالْحِمَارُ يَلْعَنُ الْمَكَّاسَ وَكَسْبَهُ، وَالضِّفْدَعُ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْقُدُّوسِ، وَالسَّرَطَانُ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْمَذْكُورِ بِكُلِّ لِسَانٍ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (عُصْفُورٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَحُكِيَ بِالْفَتْحِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا قِيلَ: إنَّهُ عَصَى نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَرَّ مِنْهُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو يَعْقُوبَ وَيَتَمَيَّزُ الذَّكَرُ مِنْهَا بِلِحْيَةٍ سَوْدَاءَ كَالرِّجَالِ وَإِذَا خَلَتْ مَدِينَةٌ عَنْ أَهْلِهَا ذَهَبَ الْعَصَافِيرُ مِنْهَا فَإِذَا عَادُوا إلَيْهَا عَادَتْ الْعَصَافِيرُ. وَالْعُصْفُورُ لَا يَعْرِفُ الْمَشْيَ وَإِنَّمَا يَثِبُ وَثْبًا وَهُوَ كَثِيرُ السِّفَادِ فَرُبَّمَا سَفْدَ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ وَلِذَلِكَ قَصُرَ عُمْرُهُ. فَإِنَّهُ لَا يَعِيشُ فِي الْغَالِبِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحِمَارِ عَدَاوَةٌ رُبَّمَا نَهَقَ الْحِمَارُ فَتَسْقُطُ فِرَاخُهُ أَوْ بَيْضُهُ مِنْ جَوْفِ وَكْرِهِ أَيْ مَحَلِّهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَإِذَا رَأَى الْحِمَارَ عَلَا فَوْقَ رَأْسِهِ وَأَذَاهُ بِطَيَرَانِهِ وَصِيَاحِهِ وَمِنْ أَنْوَاعِهِ الْقُبَّرَةُ اهـ. وَالزُّرْزُورُ بِضَمِّ الزَّايِ طَائِرٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَصَافِيرِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِزَرْزَرَتِهِ أَيْ تَصْوِيتِهِ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْهَزَارُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتُسَمَّى بِالْبُلْبُلِ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَتَيْنِ ق ل. وَمَرَّ سُلَيْمَانُ عَلَى بُلْبُلٍ فَوْقَ شَجَرَةٍ يُحَرِّكُ ذَنَبَهُ. وَرَأْسَهُ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ، أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ هَذَا الْبُلْبُلُ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: يَقُولُ إذَا أَكَلْت نِصْفَ تَمْرَةٍ فَعَلَى الدُّنْيَا الْعَفَاءُ أَيْ الْخَرَابُ وَذَهَابُ الْأَثَرِ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (يُقَالُ لَهُ الزَّاغُ) وَيُقَالُ لَهُ غُرَابُ الزَّيْتُونِ لِأَنَّهُ يَأْكُلُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (الْعَقْعَقُ) كَثَعْلَبٍ وَهُوَ طَائِرٌ عَلَى قَدْرِ الْحَمَامَةِ وَعَلَى شَكْلِ الْغُرَابِ وَجَنَاحَاهُ أَكْبَرُ مِنْ جَنَاحَيْ الْحَمَامَةِ وَهُوَ لَا يَأْوِي تَحْتَ سَقْفٍ وَلَا يَسْتَظِلُّ بِهِ بَلْ يُهَيِّئُ وَكُرِهَ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُشْرِفَةِ وَفِي طَبْعِهِ الزِّنَا وَالْخِيَانَةُ وَيُوصَفُ بِالسَّرِقَةِ وَالْخُبْثِ وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ بِهِ الْمَثَلَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. وَفِي طَبْعِهِ شِدَّةُ الِاخْتِطَافِ لِمَا يَرَاهُ مِنْ الْحُلِيِّ فَكَمْ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 وَيُقَالُ لَهُ الْقُعْقُعُ، وَهُوَ ذُو لَوْنَيْنِ أَبْيَضُ وَأَسْوَدُ، طَوِيلُ الذَّنَبِ، قَصِيرُ الْجَنَاحِ عَيْنَاهُ يُشْبِهَانِ الزِّئْبَقَ صَوْتُهُ الْعَقْعَقَةُ. كَانَتْ الْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِصَوْتِهِ، ثَانِيهَا الْغُدَافُ الْكَبِيرُ وَيُسَمَّى الْغُرَابَ الْجَبَلِيَّ لِأَنَّهُ لَا يَسْكُنُ إلَّا الْجِبَالَ فَهَذَانِ حَرَامَانِ لِخُبْثِهِمَا، ثَالِثُهَا الْغُدَافُ الصَّغِيرُ وَهُوَ أَسْوَدُ رَمَادِيُّ اللَّوْنِ. وَهَذَا قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: يَحْرُمُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِلْأَمْرِ بِقَتْلِ الْغُرَابِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ بِحِلِّهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِحِلِّهِ الْبَغَوِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ الزَّرْعَ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ (وَيَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ. (فِي) حَالِ (الْمَخْمَصَةِ) بِمِيمَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَبَعْدَهُمَا صَادٌ أَيْ الْمَجَاعَةُ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا زِيَادَتُهُ أَوْ طُولُ مُدَّتِهِ أَوْ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَتِهِ أَوْ خَوْفَ ضَعْفٍ عَنْ مَشْيٍ أَوْ رُكُوبٍ. وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا يَأْكُلُهُ. (أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمَةِ) عَلَيْهِ قَبْلَ اضْطِرَارِهِ لِأَنَّ تَارِكَهُ سَاعٍ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ وَكَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْهَلَاكِ بِأَكْلِ الْحَلَالِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَخَافُ تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الظَّنُّ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ وَلَا الْإِشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ بَلْ لَوْ انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتُوبَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ مُرَاقُ الدَّمِ كَالْمُرْتَدِّ، وَالْحَرْبِيِّ فَلَا يَأْكُلَانِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُسْلِمَا قَالَ: وَكَذَا مُرَاقُ الدَّمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ. وَمَنْ قَتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْمَيْتَةَ الْمُحَرَّمَةَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ أَنْوَاعِهَا كَمَيْتَةِ شَاةٍ وَحِمَارٍ لَكِنْ لَوْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ مِنْ حَيَوَانٍ نَجَسٍ فِي حَيَاتِهِ كَخِنْزِيرٍ وَمَيْتَةِ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فِي حَيَاتِهِ كَحِمَارٍ وَجَبَ تَقْدِيمُ مَيْتَةِ الطَّاهِرِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ خَالَفَهُ الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ إنْ تَوَقَّعَ الْمُضْطَرُّ حَلَالًا عَلَى قُرْبٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْكُلَ غَيْرَ (مَا يَسُدُّ رَمَقُهُ) لِانْدِفَاعِ   [حاشية البجيرمي] عِقْدٍ ثَمِينٍ اخْتَطَفَهُ مِنْ شِمَالٍ وَيَمِينٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيَتِهِ عَقْعَقٌ فَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَعُقُّ فِرَاخَهُ فَيَتْرُكُهُمْ بِلَا طُعْمٍ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْغِرْبَانِ لِأَنَّ جَمِيعَهَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَقِيلَ: اُشْتُقَّ لَهُ هَذَا الِاسْمُ مِنْ صَوْتِهِ وَالْعَرَبُ كَانَتْ تَتَشَاءَمُ بِهِ وَبِصِيَاحِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (الْغُدَافُ) وَهُوَ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُهُ غِدْفَانُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ وَيَحِلُّ الْكَرَوَانُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ، دَيْرَبِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْوُجُوبِ كَمَا هُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ: (مَوْتًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ. قَوْلُهُ: (مَخُوفًا) لَيْسَ قَيْدًا وَعِبَارَةُ م ر وَمَرَضٌ مَخُوفٌ أَوْ غَيْرُ مَخُوفٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَحْذُورٍ وَيُبِيحُ التَّيَمُّمَ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ خَوْفَ ضَعْفٍ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ خَوْفٍ وَيَقُولُ: أَوْ ضَعْفًا لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَوْتًا وَيَصِيرُ الْمَعْنَى عَلَى ثُبُوتِ خَوْفٍ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ خَوْفَ ضَعْفٍ وَلَا مَعْنًى لَهُ اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا) وَكَذَا إذَا وَجَدَهُ وَلَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ أَوْ كَانَ مُضْطَرًّا أَيْضًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْعَدَمِ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَكْلِ ذَلِكَ) أَيْ الْمَيْتَةِ فَيَكْفِي فِيهِ ظَنُّ وُقُوعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ الْمُكْرِهُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ مَثَلًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ مَا يُخَوِّفُهُ بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الظَّنُّ وَأَتَى بِهِ وَإِنْ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (الْعَاصِي بِسَفَرِهِ) لِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ رُخْصَةٌ فَلَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَتَلَ) أَيْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لَهُ) أَيْ لِلْأَخِيرِ وَهُوَ مُرَاقُ الدَّمِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ اسْتِثْنَاؤُهُ مُتَعَيِّنٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ تَوَقَّعَ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا تَوَقَّعَ حَلَالًا عَنْ قُرْبٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَوَقَّعْ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ، بَلْ يَأْكُلُ حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 الضَّرُورَةِ بِهِ وَقَدْ يَجِدُ بَعْدَهُ الْحَلَالَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: 3] قِيلَ: أَرَادَ بِهِ الشِّبَعَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ: وَالرَّمَقُ بَقِيَّةُ الرُّوحِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ الْقُوَّةُ وَبِذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ الشَّدَّ الْمَذْكُورَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالْمُهْمَلَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الَّذِي نَحْفَظُهُ أَنَّ بِالْمُهْمَلَةِ. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْكُتُبِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ سَدُّ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ الْجُوعِ نَعَمْ إنْ خَافَ تَلَفًا أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتَهُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ جَازَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ بَلْ وَجَبَتْ لِئَلَّا يُهْلِكَ نَفْسَهُ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَوْ رَجَا الْوُصُولَ إلَى الْحَلَالِ وَيَبْدَأُ وُجُوبًا بِلُقْمَةٍ حَلَالٍ ظَفِرَ بِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا ذُكِرَ حَتَّى يَأْكُلَهَا لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَإِذَا وَجَدَ الْحَلَالَ بَعْدَ تَنَاوُلِهِ الْمَيْتَةَ وَنَحْوَهَا لَزِمَهُ الْقَيْءُ أَيْ إذَا لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ أُكْرِهَ رَجُلٌ حَتَّى شَرِبَ خَمْرًا أَوْ أَكَلَ مُحَرَّمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَمَّ الْحَرَامُ جَازَ اسْتِعْمَالُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الضَّرُورَةِ قَالَ الْإِمَامُ: بَلْ عَلَى الْحَاجَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا إنْ تَوَقَّعَ مَعْرِفَةَ الْمُسْتَحَقِّ إذْ الْمَالُ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْهَا لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَلِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ، إذَا لَمْ يَجِدْ مَيْتَةً غَيْرَهُ كَمَا قَيَّدَهُ الشَّيْخَانِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ. وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ نَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلَ مِنْهُ جَزْمًا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ وَالْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ كَمَا صَحَّتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ. أُجِيبُ: بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ مُضْطَرٍّ وَجَدَ مَيِّتَةَ نَبِيٍّ قَبْلَ دَفْنِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا وَالْمُضْطَرُّ كَافِرًا فَإِنَّهُ   [حاشية البجيرمي] يَدْفَعَ الضَّرَرَ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ) أَيْ غَيْرَ مَائِلٍ لَهُ وَمُنْحَرِفٍ إلَيْهِ، بِأَنْ يَأْكُلَهَا تَلَذُّذًا أَوْ مُجَاوِزًا حَدَّ الرُّخْصَةِ كَقَوْلِهِ: {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] اهـ. بَيْضَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (قِيلَ أَرَادَ بِهِ) أَيْ بِالتَّجَانُفِ وَإِنَّمَا كَانَ إثْمًا لِأَنَّهُ لِعِلْمِهِ تَوَقُّعَ حَلَالٍ عَنْ قُرْبٍ فَكَانَ يَقْتَصِرُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ. قَوْلُهُ: (بَقِيَّةُ الرُّوحِ) أَيْ بَقِيَّةُ الْقُوَّةِ الَّتِي الرُّوحُ سَبَبٌ فِيهَا وَإِلَّا فَالرُّوحُ لَا تَتَجَزَّأُ اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَبِذَلِكَ) أَيْ بِكَوْنِهِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ، فَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنْ فَسَّرَ الرَّمَقَ بِالْقُوَّةِ كَانَ الشَّدُّ بِالشِّينِ وَإِنْ فَسَّرَ الرَّمَقَ بِبَقِيَّةِ الرُّوحِ كَانَ السَّدُّ بِالسِّينِ. وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالشِّينِ وَبِالسِّينِ مَعَ كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ لِأَنَّهُ يُقَوِّي بَقِيَّةَ الرُّوحِ أَوْ الْقُوَّةِ وَسَدِّ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي ذَلِكَ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر السَّدُّ بِالْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ الْمُعْجَمَةِ الرَّمَقُ وَهُوَ بَقِيَّةُ الرُّوحِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْقُوَّةُ عَلَى مُقَابَلَةٍ اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ الرَّمَقُ بِفَتْحَتَيْنِ بَقِيَّةُ الرُّوحِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْقُوَّةِ وَيَأْكُلُ الْمُضْطَرُّ مِنْ الْمَيْتَةِ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ أَيْ مَا يُمْسِكُ بِهِ قُوَّتَهُ وَيَحْفَظُهَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهَا) كَالْمَغْصُوبِ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْقَيْءُ) قَيَّدَهُ م ر بِمَا إذَا شَبِعَ مِنْ الْمَيْتَةِ وَعَلَيْهَا فَلَا تَضْعِيفَ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ شَبِعَ فِي حَالَةِ امْتِنَاعِهِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْحِلِّ لَزِمَهُ كَكُلِّ مَنْ تَنَاوَلَ مُحَرَّمًا التَّقَيُّؤُ إنْ أَطَاقَهُ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَ) مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَرْضًا وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعِ فَيُغَلَّبُ الْمَانِعُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ إذَا تَعَارَضَ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعُ وَعِبَارَةُ م د هَذَا مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَرْضًا وَإِلَّا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّ إتْمَامَ صَوْمِهِ وَاجِبٌ فَإِنْ كَانَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكُ الْقَيْءِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ قَطْعُهُ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (بَلْ عَلَى الْحَاجَةِ) أَيْ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (هَذَا إنْ تَوَقَّعَ) أَيْ مَحَلُّ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (لِلْمَصَالِحِ) أَيْ فَيَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ زَائِدٍ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَيَكُونُ الْمَالُ حِينَئِذٍ حَلَالًا. قَوْلُهُ: (هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ) تَأَمَّلْ هَذَا الْإِيرَادَ وَجَوَابَهُ. قَوْلُهُ: (أُجِيبُ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ إلَخْ) وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُمْ يَمُوتُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ لِشَرَفِ الْإِسْلَامِ. وَحَيْثُ جَوَّزْنَا أَكْلُ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ يَجُوزُ طَبْخُهَا وَلَا شَيُّهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهِ بَيْنَ أَكْلِهِ نِيئًا وَغَيْرِهِ. وَلَهُ قَتْلُ مُرْتَدٍّ وَأَكْلُهُ وَقَتْلُ حَرْبِيٍّ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ امْرَأَةً وَأَكْلُهُ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْصُومَيْنِ. وَإِنَّمَا حَرُمَ قَتْلُ الصَّبِيِّ الْحَرْبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّةِ، فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ لَا لِحُرْمَتِهِمَا بَلْ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلَهُ قَتْلُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْمُحَارِبِ. وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ فِي الْقَتْلِ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُسْتَحَقٌّ. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ تَأَدُّبًا مَعَهُ، وَحَالُ الضَّرُورَةِ لَيْسَ فِيهَا رِعَايَةُ أَدَبٍ وَحُكْمُ مَجَانِينِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَرِقَّائِهِمْ وَخَنَاثَاهُمْ كَصِبْيَانِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ صَبِيًّا مَعَ بَالِغٍ حَرْبِيَّيْنِ أَكَلَ الْبَالِغَ وَكَفَّ عَنْ الصَّبِيِّ لِمَا فِي أَكْلِهِ مِنْ ضَيَاعِ الْمَالِ. وَلِأَنَّ الْكُفْرَ الْحَقِيقِيَّ أَبْلَغُ مِنْ الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ انْتَهَى. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا شُبِّهَ بِالصَّبِيِّ وَمَحَلُّ الْإِبَاحَةِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إذَا لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ أَيْ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ مَعْصُومِينَ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ ذِمِّيٍّ وَمُعَاهِدٍ لِحُرْمَةِ قَتْلِهِمَا وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ طَعَامَ غَائِبٍ أَكَلَ مِنْهُ وَغَرِمَ بَدَلَهُ أَوْ حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ بَلْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابْدَأْ بِنَفْسِك» وَإِبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا وَجَبَ بَذْلُهُ لَهُ فَإِنْ آثَرَ الْمُضْطَرُّ مُضْطَرًّا مُسْلِمًا مَعْصُومًا جَازَ بَلْ سُنَّ إنْ كَانَ أَوْلَى بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وَهُوَ مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَالْبَهِيمَةُ وَبِالْمَعْصُومِ مُرَاقُ الدَّمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ نَفْسَهُ عَلَى هَؤُلَاءِ أَوْ وَجَدَ طَعَامَ حَاضِرٍ غَيْرِ مُضْطَرٍّ لَزِمَهُ بَذْلُهُ   [حاشية البجيرمي] حَقِيقَةً وَلَا تَرْجِعُ أَرْوَاحُهُمْ إلَّا بَعْدَ دَفْنِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَيْسَ مَوْتُهُمْ كَمَوْتِ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّ لِرُوحِهِمْ اتِّصَالًا بِأَبْدَانِهِمْ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ طَبْخُهَا) قَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِالْمُحْتَرَمِ وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ وَمَحَلُّ امْتِنَاعِ طَبْخِهِ وَشَيِّهِ حَيْثُ أَمْكَنَ أَكْلُهُ نِيئًا وَإِلَّا جَازَ اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَالْمُحَارِبُ) أَيْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ. قَوْلُهُ: (حَرْبِيَّيْنِ) نَعْتٌ مَقْطُوعٌ أَيْ أَعْنِي لِاخْتِلَافِ عَامِلِ الْمَتْبُوعِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ) حَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا وَإِذَا كَانَ حَاضِرًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ لِغَائِبٍ، أَكَلَ مِنْهُ وُجُوبًا، وَغَرِمَ الْبَدَلَ الْقِيمَةَ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْبَدَلِ أَمْ لَا اكْتِفَاءً بِالذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا فَيَجِبُ بَذْلُهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ لِوُجُوبِ فِدَائِهِ بِالنَّفْسِ وَلِلْمَالِكِ فِي الْأَوْلَى إيثَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بَلْ يُسَنُّ فَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِلْمَعْصُومِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَوْ فِي الذِّمَّةِ إذَا لَمْ يَحْضُرْ، فَلَوْ سَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجِبْ، حَمْلًا عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ إعْطَائِهِ فَلَهُ قَهْرُهُ، وَأَخْذُهُ مِنْهُ وَإِنْ قَتَلَهُ، لَمْ يَضْمَنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُضْطَرُّ كَافِرًا مَعْصُومًا وَالْمَالِكُ مُسْلِمًا فَيَضْمَنُهُ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا وَجَبَ بَذْلُهُ) وَيُتَصَوَّرُ هَذَا فِي حَقِّ الْخَضِرِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ نَبِيٌّ حَيٌّ وَفِي عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا نَزَلَ اهـ. إيعَابُ شَوْبَرِيٍّ وَالْأَوْجَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ النَّظَرِ لِأَفْضَلِيَّةِ الْمَيِّتِ مَعَ اتِّحَادِهِمَا إسْلَامًا وَعِصْمَةً قِيلَ وَقِيَاسُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ اتِّحَادِهِمَا نُبُوَّةً وَيُتَصَوَّرُ فِي عِيسَى وَالْخَضِرِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا. وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ إذْ هُمَا حَيَّانِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ اهـ. قَالَ ع ش عَلَيْهِ قَدْ يُقَالُ: هَذَا خِلَافُ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى أَفْضَلِيَّةِ أَحَدِهِمَا بَلْ الْحَيُّ يَأْكُلُ مِنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّ النَّبِيَّ حَيٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَمُتْ فَلَا يَجُوزُ لِلْحَيِّ الْأَكْلُ مِنْهُ. وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّ غَيْرَ الشَّهِيدِ، وَبَعْضَ الشُّهَدَاءِ مَعَ بَعْضٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الشَّهِيدِ لِمَا صَحَّ مِنْ أَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ سم عَنْ م ر. أَنَّهُ مَشَى عَلَى أَنَّ لِلْمُضْطَرِّ الْمُسْلِمِ أَكْلَ مَيْتَةِ الشَّهِيدِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ الشَّهِيدِ وَإِنْ كَانَ حَيًّا لِأَنَّ حَيَاتَهُ لَيْسَتْ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْإِيثَارُ مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ أَيْ خِصَالِهِمْ الْحَمِيدَةِ. قَوْلُهُ: (بِثَمَنِ مِثْلٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 لِمَعْصُومٍ بِثَمَنِ مِثْلٍ مَقْبُوضٍ إنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَفِي ذِمَّتِهِ وَلَا ثَمَنَ لَهُ إنْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَإِنْ امْتَنَعَ غَيْرُ الْمُضْطَرِّ مِنْ بَذْلِهِ بِالثَّمَنِ فَلِلْمُضْطَرِّ قَهْرُهُ وَأَخْذُ الطَّعَامِ وَإِنْ قَتَلَهُ، وَلَا يَضْمَنُهُ بِقَتْلِهِ إلَّا إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَالْمُضْطَرُّ كَافِرٌ مَعْصُومٌ فَيَضْمَنُهُ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ أَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً، وَطَعَامَ غَيْرِهِ لَمْ يَبْذُلْهُ لَهُ أَوْ مَيْتَةً وَصَيْدًا حَرُمَ بِإِحْرَامٍ أَوْ حَرُمَ تَعَيَّنَتْ الْمَيْتَةُ. وَيَحِلُّ قَطْعُ جُزْءِ نَفْسِهِ لِأَكْلِهِ إنْ فَقَدَ نَحْوَ مَيْتَةٍ وَإِنْ كَانَ خَوْفَ قَطْعِهِ أَقَلَّ، وَيَحْرُمُ قَطْعُ بَعْضِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُضْطَرِّينَ لِأَنَّ قَطْعَهُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ فِيهِ قَطْعُ الْبَعْضِ لِاسْتِبْقَاءِ الْكُلِّ نَعَمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ نَبِيًّا لَمْ يَحْرُمْ بَلْ يَجِبُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَيْضًا أَنْ يَقْطَعَ لِنَفْسِهِ قِطْعَةً مِنْ حَيَوَانٍ مَعْصُومٍ لِمَا مَرَّ. (وَلَنَا مَيْتَتَانِ حَلَالَانِ) وَهُمَا (السَّمَكُ وَالْجَرَادُ) وَلَوْ بِقَتْلِ مَجُوسِيٍّ لِخَبَرِ: «أُحِلَّتْ   [حاشية البجيرمي] مَحَلُّهُ إنْ كَانَ الْمُضْطَرُّ غَنِيًّا فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَا مَالَ لَهُ أَصْلًا فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِلَا بَدَلٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ إطْعَامُهُ وَيَجِبُ إطْعَامُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ قَصَدَهُ مِنْهُمْ لِئَلَّا يَتَوَاكَلُوا. قَوْلُهُ: (وَلَا ثَمَنَ لَهُ إنْ لَمْ يَذْكُرْهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ ذِكْرِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ النُّطْقِ فَرَاجِعْهُ. ق ل فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي إلْزَامِ عِوَضِ الطَّعَامِ فَقَالَ: أَطْعَمْتُك بِعِوَضٍ فَقَالَ: بَلْ مَجَّانًا صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ. لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ بَذْلِهِ رَوْضٌ وَشَرْحُهُ. وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ تَحَالَفَا ثُمَّ يَفْسَخَانِهِ هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ وَيُرْجَعُ إلَى الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ صُدِّقَ الْغَارِمُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَتَلَهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً وَطَعَامَ غَيْرِهِ) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَوْ وَجَدَ طَعَامًا أَيْ فَقَطْ فَذَاكَ، فِيمَا إذَا وَجَدَ شَيْئًا وَاحِدًا وَهَذَا فِيمَا إذَا وَجَدَ شَيْئَيْنِ. قَوْلُهُ: (مَيْتَةً) أَيْ مَيْتَةَ غَيْرِ آدَمِيٍّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَبْذُلْهُ) أَمَّا إذَا بَذَلَهُ مَجَّانًا أَوْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهَا وَمَعَ الْمُضْطَرِّ ثَمَنُهُ أَوْ رَضِيَ بِذِمَّتِهِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ. قَوْلُهُ: (تَعَيَّنَتْ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ بِالنَّصِّ، وَإِبَاحَةَ أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ ثَابِتٌ بِالِاجْتِهَادِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَبْحِ الصَّيْدِ مَعَ أَنَّ مَذْبُوحَهُ مَيْتَةٌ أَيْضًا وَأَمَّا فِي الثَّلَاثَةِ فَلِأَنَّ صِيدَ الْحَرَمِ مَمْنُوعٌ مِنْ قَتْلِهِ وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُحْرِمُ إلَّا صَيْدًا أَوْ غَيْرُ الْمُحْرِمِ إلَّا صَيْدَ حَرَمٍ، فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَأَمَّا لَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَطَعَامَ الْغَيْرِ فَيَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ عَلَى، الْمُعْتَمَدِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، شَرْحُ الْبَهْجَةِ. قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ قَطْعُ جُزْءِ نَفْسِهِ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا إنْ وَجَدَ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا قَطَعَ مِنْ نَفْسِهِ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: كَوْنُ الْقَطْعِ مِنْ نَفْسِهِ، وَكَوْنُ الْقَطْعِ لِأَجْلِ نَفْسِهِ. وَعَدَمُ وُجُودِ مَيْتَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَكَانَ الْخَوْفُ فِي الْقَطْعِ أَقَلَّ أَوْ انْتَفَى الْخَوْفُ بِالْمَرَّةِ فِي الْقَطْعِ أَمَّا إذَا كَانَ الْخَوْفُ فِي الْقَطْعِ فَقَطْ أَوْ كَانَ فِيهِ أَكْثَرَ أَوْ اسْتَوَى الْخَوْفُ فِي الْقَطْعِ وَعَدَمِهِ حَرُمَ الْقَطْعُ. وَيُفَرِّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ السِّلْعَةِ إذَا اسْتَوَى الضَّرَرُ فِي الْقَطْعِ وَعَدَمِهِ حَيْثُ قَالُوا: يَقْطَعُ بِأَنَّ ذَاكَ فِيهِ قَطْعُ عُضْوٍ زَائِدٍ يَتَرَتَّبُ عَلَى بَقَائِهِ شَيْنٌ فَوَسَّعُوا فِيهِ دُونَ مَا هُنَا فَإِنَّهُ لِقَطْعِ عُضْوٍ أَصْلِيٍّ فَضَيَّقُوا فِيهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ حَيَوَانٍ مَعْصُومٍ) أَيْ آدَمِيٍّ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) وَهُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَطْعَهُ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَنَا مَيْتَتَانِ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ لَنَا عَنْ حَلَالَانِ لِأَنَّ تَقْدِيمَهُ يُفِيدُ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَيْنَا وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ أَهْلُ الذِّمَّةِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (السَّمَكُ وَالْجَرَادُ) قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ وَلَوْ صَادَهُمَا مَجُوسِيٌّ قَالَ الْمَحَلِّيُّ وَلَا اعْتِبَارَ بِفِعْلِهِ. وَالسَّمَكُ هُوَ كُلُّ حَيَوَانٍ يَكُونُ عَيْشُهُ فِي الْبَحْرِ عَيْشَ مَذْبُوحٍ وَلَوْ عَلَى صُورَةِ الْخِنْزِيرِ مَثَلًا وَمِنْهُ الْقِرْشُ وَمِنْ السَّمَكِ مَا لَا يُدْرَكُ الطَّرَفُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ لِكِبَرِهِ وَتَحِلُّ سَمَكَةٌ فِي قَلْبِ سَمَكَةٍ مَا لَمْ تَتَفَتَّتْ وَتَتَغَيَّرْ وَيَحِلُّ مَا طَفَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَانْتَفَخَ مَا لَمْ يَضُرَّ، وَيَجُوزُ بَلْعُهُ وَقَلْيُهُ حَيًّا وَشَيُّهُ وَلَا يَنْجُسُ الدُّهْنُ بِمَا فِي جَوْفِهِ مِنْ الرَّوْثِ إنْ كَانَ صَغِيرًا وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّغِيرِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ عُرْفًا أَنَّهُ صَغِيرٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ كِبَارُ الْبَسَارِيَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمِصْرَ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ أُصْبُعَيْنِ مَثَلًا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. لَا إنْ كَانَ كَبِيرًا وَكَذَا يُقَالُ فِي الْجَرَادِ وَمِنْ السَّمَكِ التُّرْسُ وَلَا نَظَرَ لِتَقَوِّيهِ بِنَابِهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَا بَقَاءَ لَهُ فِي غَيْرِ الْبَحْرِ، بِخِلَافِ التِّمْسَاحِ لِقُوَّتِهِ وَحَيَاتِهِ فِي الْبَرِّ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ مِنْ الْعَجَائِبِ مَا لَا يُسْتَطَاعُ حَصْرُهُ وَمِنْ أَنْوَاعِهِ الشَّيْخُ الْيَهُودِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْقَزْوِينِيُّ فِي عَجَائِبِ الْمَخْلُوقَاتِ: إنَّهُ حَيَوَانٌ وَجْهُهُ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ وَلَهُ لِحْيَةٌ بَيْضَاءُ وَبَدَنُهُ كَبَدَنِ الضِّفْدَعِ، وَشَعْرُهُ كَشَعْرِ الْبَقَرِ، وَهُوَ فِي حَجْمِ الْعِجْلِ يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَيَسْتَمِرُّ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْأَحَدِ فَيَثِبُ كَمَا يَثِبُ الضِّفْدَعُ وَيَدْخُلُ الْمَاءَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] وَحُكْمُهُ الْحِلُّ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ السَّمَكِ وَالْقِرْشُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فِي آخِرِهِ دَابَّةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ، تَمْنَعُ السُّفُنَ مِنْ السَّيْرِ فِي الْبَحْرِ وَتَدْفَعُ السَّفِينَةَ فَتَقْلِبُهَا وَتَضْرِبُهَا فَتَكْسِرُهَا، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِلسُّفُنِ الْكِبَارِ فَلَا يَرُدُّهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ أَهْلُهَا الْمَشَاعِلَ فَتَمُرُّ عَلَى وَجْهِهِ مِثْلَ الْبَرْقِ وَلَا يَهَابُ شَيْئًا إلَّا النَّارَ وَبِهِ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا، وَالْقِرْشُ يُوجَدُ بِبَحْرِ الْقُلْزُمِ الَّذِي غَرِقَ فِيهِ فِرْعَوْنُ وَهُوَ عِنْدَ عَقَبَةِ الْحَاجِّ، وَبَنَاتُ الرُّومِ سَمَكٌ بِبَحْرِ الرُّومِ شَبِيهٌ بِالنِّسَاءِ ذَوَاتُ شُعُورٍ سَبْطَةٍ أَلْوَانُهُنَّ إلَى السُّمْرَةِ ذَوَاتُ فُرُوجٍ عِظَامٍ وَثَدْيٍ وَكَلَامٍ لَا يُفْهَمُ يَضْحَكُونَ وَيُقَهْقِهُونَ وَرُبَّمَا يَقَعْنَ فِي أَيْدِي بَعْضِ أَهْلِ الْمَرَاكِبِ فَيَنْكِحُوهُنَّ ثُمَّ يُعِيدُوهُنَّ إلَى الْبَحْرِ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ: أَنَّهُ كَانَ إذَا أَتَاهُ صَيَّادٌ بِسَمَكَةٍ عَلَى صُورَةِ الْمَرْأَةِ حَلَّفَهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا. اهـ. دَمِيرِيٌّ. فَرْعٌ: لَوْ صَادَ سَمَكَةً فِي بَطْنِهَا دُرَّةٌ هَلْ يَمْلِكُ الدُّرَّةَ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً فَالدُّرَّةُ لُقَطَةٌ، وَلَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِطَرِيقِهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي اللُّقَطَةِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ مَلَكَهَا مَعَ السَّمَكَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. شَرْحُ الْحِصْنِيِّ وَعِبَارَةُ ز ي فَرْعٌ: الدُّرَّةُ الَّتِي تُوجَدُ فِي السَّمَكَةِ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ مِلْكٌ لِلصَّيَّادِ إنْ لَمْ يَبِعْ السَّمَكَةَ أَوْ لِلْمُشْتَرِي إنْ بَاعَهَا تَبَعًا لَهَا فِيهِمَا قَالَ فِي الْأَصْلِ: كَذَا فِي التَّهْذِيبِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا أَيْ فِي الثَّانِيَةِ لِلصَّيَّادِ أَيْضًا كَالْكَنْزِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَرْضِ يَكُونُ لِمُحْيِيهَا فَإِنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً فَلِلْبَائِعِ فِي صُورَتِهِ إنْ ادَّعَاهَا وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَدَّعِهَا الْبَائِعُ فَلُقَطَةٌ وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ مَا ذُكِرَ بِمَا إذَا صَادَ مِنْ بَحْرِ الْجَوَاهِرِ وَإِلَّا فَلَا يَمْلِكُهَا بَلْ تَكُونُ لُقَطَةً. اهـ قَالَ م ر وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي التَّهْذِيبِ وَيُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الْكَنْزِ بِأَنَّ الدُّرَّةَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ لِلسَّمَكَةِ فَتَتْبَعُهَا وَاعْتَمَدَ مَا قَيَّدَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِبَحْرِ الْجَوَاهِرِ مَا يُخْلَقُ فِيهِ وَلَوْ نَادِرًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْجَرَادُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَرْدِ وَهُوَ بَرِّيٌّ وَبَحْرِيٌّ وَبَعْضُهُ أَصْفَرُ وَبَعْضُهُ أَبْيَضُ وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ وَبَعْضُهُ كَبِيرُ الْجُثَّةِ وَبَعْضُهُ صَغِيرُهَا) فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيضَ الْتَمَسَ الْمَوَاضِعَ الصُّلْبَةَ وَضَرَبَهَا بِذَنَبِهِ فَتَنْفَرِجُ. ثُمَّ يُلْقِي فِيهَا بَيْضَهُ وَيَكُونُ حَاضِنًا لَهُ وَمُرَبِّيًا وَلَهُ سِتَّةُ أَرْجُلٍ يَدَانِ فِي صَدْرِهِ وَقَائِمَتَانِ فِي وَسَطِهِ وَرِجْلَانِ فِي مُؤَخِّرِهِ وَطَرَفُ رِجْلَيْهِ صَفْرَاوَانِ، وَفِيهِ خِلْقَةُ عَشْرَةٍ مِنْ جَبَابِرَةِ الْبَوَادِي وَجْهُ فَرَسٍ، وَعَيْنُ فِيلٍ، وَعُنُقُ ثَوْرٍ، وَقَرْنُ أَيْلٍ وَصَدْرُ أَسَدٍ وَبَطْنُ عَقْرَبٍ، وَجَنَاحَا نَسْرٍ، وَفَخِذَا جَمَلٍ، وَرِجْلَا نَعَامَةٍ، وَذَنَبُ حَيَّةٍ، وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانَاتِ أَكْثَرُ إفْسَادًا مِنْهُ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَتَيْت الْبَادِيَةَ فَرَأَيْت رَجُلًا يَزْرَعُ بُرًّا فَلَمَّا قَامَ أَيْ الْبُرُّ عَلَى سُوقِهِ وَجَادَ سُنْبُلُهُ جَاءَ إلَيْهِ جَرَادٌ فَجَعَلَ الرَّجُلَ يَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَا يَعْرِفُ كَيْفَ الْعَمَلُ فَأَنْشَأَ يَقُولُ: مَرَّ الْجَرَادُ عَلَى زَرْعِي فَقُلْت لَهُ ... لَا تَأْكُلَنَّ وَلَا تُشْغَلْ بِإِفْسَادِ فَقَامَ مِنْهُمْ خَطِيبٌ فَوْقَ سُنْبُلَةٍ ... إنَّا عَلَى سَفَرٍ لَا بُدَّ مِنْ زَادِ وَلُعَابُهُ سُمٌّ عَلَى الْأَشْجَارِ وَلَا يَقَعُ عَلَى شَيْءٍ إلَّا أَفْسَدَهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَأَسْنَدَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «كُنَّا عَلَى مَائِدَةٍ نَأْكُلُ أَنَا وَأَخِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَنُو عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ وَالْفَضْلُ أَوْلَادُ الْعَبَّاسِ فَوَقَعَتْ جَرَادَةٌ عَلَى الْمَائِدَةِ فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ لِي مَا مَكْتُوبٌ عَلَى هَذِهِ؟ فَقُلْت: سَأَلْت أَبِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَأَلْت عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا: أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا رَبُّ الْجَرَادِ وَرَازِقُهَا إنْ شِئْت بَعَثْتهَا رِزْقًا لِقَوْمٍ وَإِنْ شِئْت بَعَثْتهَا بَلَاءً عَلَى قَوْمٍ» فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مِنْ الْعِلْمِ الْمَكْنُونِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ أَلْفَ أُمَّةٍ سِتَّمِائَةٍ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعَمِائَةٍ مِنْهَا فِي الْبَرِّ وَإِنَّ أَوَّلَ هَلَاكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْجَرَادُ فَإِذَا هَلَكَ الْجَرَادُ تَتَابَعَ هَلَاكُ الْأُمَمِ» . وَإِنَّمَا صَارَ الْجَرَادُ أَوَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ هَلَاكًا لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ الطِّينَةِ الَّتِي فَضَلَتْ مِنْ خَلْقِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَحَكَى الْقَزْوِينِيُّ أَنَّ هُدْهُدًا قَالَ لِسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُرِيدُ أَنْ تَكُونَ ضَيْفِي أَنْتَ وَعَسْكَرُك يَوْمَ كَذَا بِجَزِيرَةِ كَذَا فَحَضَرَ سُلَيْمَانُ بِجُنُودِهِ فَأَتَى الْهُدْهُدُ بِجَرَادَةٍ مَيِّتَةٍ فَأَلْقَاهَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ: كُلُوا فَمَنْ فَاتَهُ اللَّحْمُ أَدْرَكَ الْمَرَقَ فَضَحِكَ مِنْهُ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَفِي هَذَا قِيلَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 لَنَا مَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ» فَيَحِلُّ أَكْلُهُمَا وَبَلْعُهُمَا. وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ السَّمَكَ الْمَشْهُورَ، كَكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَفَرَسٍ، وَكُرِهَ قَطْعُهُمَا حَيَّيْنِ. وَيُكْرَهُ ذَبْحُهُمَا إلَّا سَمَكَةً كَبِيرَةً يَطُولُ بَقَاؤُهَا فَيُسَنُّ ذَبْحُهَا وَيَحْرُمُ مَا يَعِيشُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ كَضِفْدَعٍ وَسَرَطَانٍ، وَيُسَمَّى عَقْرَبَ الْمَاءِ، وَحَيَّةٍ وَنَسْنَاسٍ وَتِمْسَاحٍ وَسُلَحْفَاةٍ، بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ لِخُبْثِ لَحْمِهَا وَلِلنَّهْيِ عَنْ   [حاشية البجيرمي] جَاءَتْ سُلَيْمَانَ يَوْمَ الْعَرْضِ هُدْهُدَةٌ ... أَهْدَتْ إلَيْهِ جَرَادًا كَانَ فِي فِيهَا وَأَنْشَدَتْ بِلِسَانِ الْحَالِ قَائِلَةً ... إنَّ الْهَدَايَا عَلَى مِقْدَارِ مُهْدِيهَا لَوْ كَانَ يُهْدَى إلَى الْإِنْسَانِ قِيمَتُهُ ... لَكَانَ يُهْدَى لَك الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا قَوْلُهُ: (فَيُسَنُّ ذَبْحُهَا) أَيْ مِنْ الذَّيْلِ لِأَنَّهُ أَصْفَى لِلدَّمِ. قَوْلُهُ: (كَضِفْدِعٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَبِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ وَعَكْسِهِ وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ، وَمِنْ خَوَاصِّهِ: أَنَّهُ لَا عَظْمَ لَهُ وَأَنَّهُ إذَا كُفِئَ طَشْتٌ فِي بِرْكَةٍ هُوَ فِيهَا مَنَعَ مِنْ نَقِيقِهِ فِيهَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَفِي كِتَابِ الزَّاهِرِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَأُسَبِّحَنَّ اللَّهَ اللَّيْلَةَ تَسْبِيحًا مَا يُسَبِّحُهُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ فَنَادَتْهُ ضِفْدِعَةٌ مِنْ سَاقِيَةٍ فِي دَارِهِ يَا دَاوُد تَفْتَخِرُ عَلَى اللَّهِ بِتَسْبِيحِك وَإِنَّ لِي لَسَبْعِينَ سَنَةً مَا جَفَّ لِسَانِي مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَإِنَّ لِي لَعَشْرَ لَيَالٍ مَا طَعِمْت خَضِرًا وَلَا شَرِبْت مَاءً اشْتِغَالًا بِكَلِمَتَيْنِ فَقَالَ: مَا هُمَا؟ قَالَتْ يَا مُسَبَّحًا بِكُلِّ لِسَانٍ وَمَذْكُورًا بِكُلِّ مَكَان. فَقَالَ دَاوُد فِي نَفْسِهِ وَمَا عَسَى أَنْ أَقُولَ أَبْلَغَ مِنْ هَذَا. قَالَ الْفُقَهَاءُ: إنَّمَا حُرِّمَ الضِّفْدَعُ لِأَنَّهُ كَانَ جَارَ اللَّهِ فِي الْمَاءِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْعَرْشُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] . اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: وَسَرَطَانٍ وَهُوَ مِنْ خَلْقِ الْمَاءِ وَيَعِيشُ فِي الْبَرِّ أَيْضًا وَهُوَ جَيِّدُ الْمَشْيِ سَرِيعُ الْعَدْوِ ذُو فَكَّيْنِ وَمِخْلَبٍ وَأَظْفَارٍ حِدَادٍ وَلَهُ ثَمَانِيَةُ أَرْجُلٍ وَهُوَ يَمْشِي عَلَى جَنْبٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَنْشِقُ الْمَاءَ وَالْهَوَاءَ مَعًا، وَيَحْرُمُ أَكْلُهُ لِاسْتِخْبَاثِهِ كَالصَّدَفِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ. وَفِي قَوْلٍ: إنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ اهـ. دَمِيرِيٌّ قَالَ: ع ش عَلَى م ر وَلَيْسَ مِنْ السَّرَطَانِ الْمَذْكُورِ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ بِبِلَادِ الصِّينِ نَوْعًا مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ يُسَمُّونَهُ سَرَطَانًا وَشَأْنُهُ أَنَّهُ مَتَى خَرَجَ مِنْ الْبَحْرِ انْقَلَبَ حَجَرًا وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَدْوِيَةِ بَلْ هُوَ مِمَّا يُسَمَّى سَمَكًا لِانْطِبَاقِ تَعْرِيفِ السَّمَكِ السَّابِقِ عَلَيْهِ فَهُوَ طَاهِرٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَحَيَّةٍ) لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ لَا يَعِيشَانِ إلَّا فِي الْبَحْرِ حُرِّمَا أَيْضًا لِلسُّمِّيَّةِ سَمِّ. قَوْلُهُ: (وَنِسْنَاسٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِهَا. قَالَ الْمَسْعُودِيُّ فِي مُرُوجِ الذَّهَبِ: إنَّهُ حَيَوَانٌ كَالْإِنْسَانِ لَهُ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ يَخْرُجُ مِنْ الْمَاءِ وَيَتَكَلَّمُ وَمَتَى ظَفِرَ بِالْإِنْسَانِ قَتَلَهُ، وَقَالَ الْقَزْوِينِيُّ إنَّهُ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفُ بَدَنٍ وَنِصْفُ رَأْسٍ وَيَدٌ وَرِجْلٌ. كَأَنَّهُ إنْسَانٌ شُقَّ نِصْفَيْنِ وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ حَيًّا مِنْ عَادٍ عَصَوْا نَبِيَّهُمْ فَمَسَخَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى نَسْنَاسًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدٌ وَرِجْلٌ يَنْقُرُونَ كَمَا تَنْقُرُ الطَّيْرُ وَيَرْعَوْنَ كَمَا تَرْعَى الْبَهَائِمُ» دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: وَتِمْسَاحٍ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَيَوَانِ الْمَعْرُوفِ وَالرَّجُلِ الْكَذَّابِ، قَالَ الْقَزْوِينِيُّ: التِّمْسَاحُ حَيَوَانٌ عَلَى صُورَةِ الضَّبِّ وَهُوَ مِنْ أَعْجَبِ حَيَوَانِ الْمَاءِ لَهُ فَمٌ وَاسِعٌ، وَسِتُّونَ نَابًا فِي فَكِّهِ الْأَعْلَى وَأَرْبَعُونَ فِي فَكِّهِ الْأَسْفَلِ وَبَيْنَ كُلِّ نَابَيْنِ سِنٌّ صَغِيرَةٌ مُرَبَّعٌ وَيَدْخُلُ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ عِنْدَ الِانْطِبَاقِ، وَلِسَانٌ طَوِيلٌ وَظَهْرُهُ كَظَهْرِ السُّلَحْفَاةِ، لَا يَعْمَلُ الْحَدِيدُ فِيهِ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَرْجُلٍ وَذَنَبٌ طَوِيلٌ وَهَذَا الْحَيَوَانُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِيلِ مِصْرَ خَاصَّةً وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ فِي بَحْرِ السِّنْدِ أَيْضًا وَهُوَ شَدِيدُ الْبَطْشِ فِي الْمَاءِ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا مِنْ إبْطَيْهِ وَيَعْظُمُ إلَى أَنْ يَكُونَ طُولُهُ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعَيْنِ وَأَكْثَرَ، وَمِنْ عَجَائِبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَخْرَجٌ فَإِذَا امْتَلَأَ جَوْفُهُ خَرَجَ إلَى الْبَرِّ وَفَتَحَ فَاهُ فَيَجِيءُ طَائِرٌ يُقَالُ لَهُ الْقَطْقَاطُ فَيَلْقُطُ ذَلِكَ مِنْ فِيهِ. وَهُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ يَجِيءُ يَطْلُبُ الطُّعْمَ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ غِذَاءٌ لَهُ، وَرَاحَةٌ لِلتِّمْسَاحِ. وَهَذَا الطَّائِرُ فِي رُءُوسِ أَجْنِحَتِهِ شَوْكٌ فَإِذَا أَغْلَقَ التِّمْسَاحُ فَمَه عَلَيْهِ نَخَسَهُ بِهَا فَيَفْتَحُهُ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 قَتْلِ الضِّفْدَعِ. فَائِدَةٌ: رَوَى الْقَزْوِينِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ خَلَّفَ فِي الْأَرْضِ أَلْفَ أُمَّةٍ سِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ» وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لِلَّهِ تَعَالَى ثَمَانُونَ أَلْفَ عَالَمٍ أَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَرِّ (وَدَمَانِ حَلَالَانِ) وَهُمَا (الْكَبِدُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْأَفْصَحِ (وَالطِّحَالِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ لِحَدِيثِ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» رَفَعَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ وَقْفَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ. وَلِذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: الصَّحِيحُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ هُوَ الْقَائِلُ: أُحِلَّتْ لَنَا، وَأَنَّهُ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مَرْفُوعًا. تَتِمَّةٌ: أَفْضَلُ مَا أَكَلْت مِنْهُ كَسْبُك مِنْ زِرَاعَةٍ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ ثُمَّ مِنْ صِنَاعَةٍ لِأَنَّ الْكَسْبَ فِيهَا يَحْصُلُ بِكَدِّ الْيَمِينِ ثُمَّ مِنْ تِجَارَةٍ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ بِهَا. وَيَحْرُمُ مَا يَضُرُّ الْبَدَنَ أَوْ الْعَقْلَ كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالزُّجَاجِ، وَالسُّمِّ كَالْأَفْيُونِ وَهُوَ لَبَنُ الْخَشْخَاشِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضِرٌّ وَرُبَّمَا يَقْتُلُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] .   [حاشية البجيرمي] (وَسُلَحْفَاةٍ) أَيْ بَرِّيَّةٍ أَمَّا الْبَحْرِيَّةُ فَيَجُوزُ أَكْلُهَا. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر. فَالْحَيَّةُ وَالنِّسْنَاسُ وَالسُّلَحْفَاةُ الْبَحْرِيَّةُ حَلَالٌ، وَالسُّلَحْفَاةُ هِيَ التِّرْسَةُ الْمَعْرُوفَةُ فَتَحِلُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ كَانَتْ تَعِيشُ فِي الْبَرِّ اهـ. قَوْلُهُ: (أَلْفُ أُمَّةٍ) أَيْ أَلْفُ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ وَكَذَا قَوْلُهُ: أَلْفُ عَالَمٍ أَيْ أَلْفُ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَالَمِ. قَوْلُهُ: (الْكَبِدُ) الْكَبِدُ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَالْجَمْعُ أَكْبَادُ وَكُبُودٌ. قَوْلُهُ: (حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ. قَوْلُهُ: (يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مَرْفُوعًا) أَيْ بِقَوْلِهِ: أُحِلَّتْ لَنَا أَيْ أَحَلَّ لَنَا الشَّارِعُ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ نَحْوُ أُمِرْنَا وَنُهِينَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ) وَأَسْلَمُ مِنْ الْغِشِّ وَلِعُمُومِ النَّفْعِ بِهَا لِلْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْكَسْبَ يَحْصُلُ فِيهَا بِكَدِّ الْيَمِينِ) وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ بَاتَ كَالًّا مِنْ عَمَلِهِ بَاتَ مَغْفُورًا لَهُ» قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ بِهَا) وَعَنْ الْمِقْدَامِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» اهـ فَكَانَ يَعْمَلُ الزَّرَدَ وَيَبِيعُهُ لِقُوتِهِ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ يَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَاجَةٍ، لِأَنَّهُ كَانَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ. قَالَ الضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: مَلَكَ دَاوُد بَعْدَ قَتْلِهِ جَالُوتَ سَبْعِينَ سَنَةً وَجَمَعَ اللَّهُ لِدَاوُدَ بَيْنَ الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ وَلَمْ يَجْتَمِعْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ بَلْ كَانَ الْمُلْكُ فِي سَبْطٍ وَالنُّبُوَّةُ فِي سَبْطٍ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 251] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ دَاوُد أَشَدَّ مُلُوكِ الْأَرْضِ سُلْطَانًا يَحْرُسُ مِحْرَابَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفِ رَجُلٍ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} [ص: 20] وَكَانَ نُوحٌ نَجَّارًا وَإِبْرَاهِيمُ بَزَّازًا وَإِدْرِيسُ خَيَّاطًا وَنَحْوُ هَذَا لَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ وَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مِنْ سَعْيِهِ الَّذِي يَكْتَسِبُهُ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِالْجِهَادِ، وَهُوَ أَشْرَفُ الْمَكَاسِبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ بَصَائِرِ الْقُدَمَاءِ وَسَرَائِرِ الْحُكَمَاءِ صِنَاعَةَ كُلِّ مَنْ عُلِمْت صِنَاعَتُهُ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَزَّازًا وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ عُمَرُ دَلَّالًا يَسْعَى بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَكَانَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ حَدَّادًا وَكَذَلِكَ أَبُو الْعَاصِ أَخُو أَبِي جَهْلٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ نَخَّاسًا يَبِيعُ الْجَوَارِيَ، وَكَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ عَوَّادًا يَضْرِبُ بِالْعُودِ، وَكَانَ الْحَكَمُ بْنُ الْعَاصِ خَصَّاءً يَخْصِي الْغَنَمَ، وَكَانَ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ بَيْطَارًا يُعَالِجُ الْخَيْلَ، وَكَانَ ابْنُهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ جَزَّارًا، وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ صَاحِبُ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ اهـ مِنْ الدَّمِيرِيِّ مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ مَا يَضُرُّ الْبَدَنَ أَوْ الْعَقْلَ) وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُرْمَةُ الدُّخَانِ الْمَشْهُورِ لِمَا نُقِلَ عَنْ الثِّقَاتِ أَنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى وَالتَّرَهُّلَ وَالتَّنَافِيسَ وَاتِّسَاعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: وَيَحْرُمُ أَكْلُ الشِّوَاءِ الْمَكْمُورِ وَهُوَ مَا يُكْفَأُ عَلَيْهِ غِطَاءٌ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ لِإِضْرَارِهِ بِالْبَدَنِ. وَيُسَنّ تَرْكُ التَّبَسُّطِ فِي الطَّعَامِ الْمُبَاحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ السَّلَفِ، هَذَا إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَقِرَى الضَّيْفِ وَأَوْقَاتِ التَّوَسُّعَةِ عَلَى الْعِيَالِ كَيَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَلَمْ يُقْصَدْ بِذَلِكَ التَّفَاخُرُ وَالتَّكَاثُرُ بَلْ لِطِيبِ خَاطِرِ الضَّيْفِ وَالْعِيَالِ وَقَضَاءِ وَطَرِهِمْ مِمَّا يَشْتَهُونَهُ؛ وَفِي إعْطَاءِ النَّفْسِ شَهَوَاتِهَا الْمُبَاحَةَ، مَذَاهِبُ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ: مَنْعُهَا وَقَهْرُهَا لِئَلَّا تَطْغَى، وَالثَّانِي إعْطَاؤُهَا تَحَيُّلًا عَلَى نَشَاطِهَا وَبَعْثًا لِرُوحَانِيَّتِهَا. قَالَ: وَالْأَشْبَهُ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ فِي إعْطَائِهَا الْكُلَّ سَلَاطَةً عَلَيْهِ وَفِي مَنْعِهَا بَلَادَةً. وَيُسَنُّ الْحُلْوُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَكَثْرَةُ الْأَيْدِي عَلَى الطَّعَامِ وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَقِبَ   [حاشية البجيرمي] الْمَجَارِي. اهـ. ق ل وَقَوْلُهُ: مَا يَضُرُّ الْبَدَنُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمُرَادُ الضَّرَرُ الْبَيِّنُ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً لَا مُطْلَقُ الضَّرَرِ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالتُّرَابُ) أَيْ وَطِينٌ وَطَفَلٌ وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ الْحَبَالَى فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ أَكْلُ الطِّينِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّدَاوِي م ر. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (كَالْأَفْيُونِ) تَنْظِيرٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ لَبَنُ الْخَشْخَاشِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْخَشْخَاشُ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ أَيْ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي النَّوْمِ وَالْمُرَادُ بِلَبَنِهِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ بِعَصْرِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الْوَاحِدَةِ خَشْخَاشَةٌ وَقَدْ أَلْغَزَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَمَا قُبَّةٌ مَبْنِيَّةٌ فَوْقَ شَاهِقٍ ... لَهَا شَرَفٌ نَحْوَ الْمَلَاحَةِ وَالظُّرْفِ وَأَوْلَادُهَا فِي بَطْنِهَا إنْ عَدَدْتهمْ ... يَكُونُونَ أَلْفًا أَوْ يَزِيدُونَ عَنْ أَلْفِ وَيَأْخُذُهَا الطِّفْلُ الصَّغِيرُ بِجَهْلِهِ ... فَيَقْلِبُهَا عَسْفًا عَلَى رَاحَةِ الْكَفِّ قَوْلُهُ: (الشِّوَاءِ) أَيْ الْمَشْوِيِّ الْمَكْمُورِ كَاللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ وَالْفُولِ الْمَكْمُورِ وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا غُطِّيَ مِنْ أَوَّلِ وَضْعِهِ عَلَى النَّارِ إلَى اسْتِوَائِهِ، وَمَنَعَ خُرُوجَ الْبُخَارِ مِنْهُ وَدُخُولَ الْهَوَاءِ لَهُ وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ خِلَافًا لِلشَّارِحِ، حَيْثُ قَالَ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ، وَيَحْرُمُ الْبَنْجُ وَالْحَشِيشُ وَلَا يُحَدُّ بِهِ، بِخِلَافِ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ لَا يُلِذُّ وَلَا يُطْرِبُ وَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ وَلَهُ تَنَاوُلُهُ لِيُزِيلَ عَقْلَهُ لِقَطْعِ عُضْوٍ مُتَأَكِّلٍ حَتَّى لَا يَحُسُّ بِالْأَلَمِ، وَلِبَعْضِهِمْ: قُلْ لِمَنْ يَأْكُلُ الْحَشِيشَةَ جَهْلًا ... يَا خَسِيسًا قَدْ عِشْت شَرَّ مَعِيشَهْ دِيَةُ الْعَقْلِ بَدْرَةٌ فَلِمَاذَا ... يَا سَفِيهًا قَدْ بِعْتهَا بِحَشِيشَهْ وَالْبَدْرَةُ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ. اهـ. . قَوْلُهُ: (التَّبَسُّطِ) أَيْ الْأَلْوَانُ الْمُخْتَلِفَةُ. قَوْلُهُ: (كَقِرَى الضَّيْفِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَرَيْت الضَّيْفَ أَقْرِيهِ مِنْ بَابِ رَمَى، قَرَى. وَفِي الْمُخْتَارِ قَرَى الضَّيْفَ يَقْرِيهِ بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ وَقَرَّاءٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ أَحْسَنُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَفِي إعْطَاءٍ إلَخْ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمَذَاهِبُ مُبْتَدَأٍ مُؤَخَّرٍ وَقَوْلُهُ: مَذَاهِبُ أَيْ أَقْوَالٌ. قَوْلُهُ: (مَنَعَهَا) أَيْ أَحَدُهَا مَنَعَهَا وَقَوْلُهُ: إعْطَاؤُهَا أَيْ الثَّانِي إعْطَاؤُهَا. قَوْلُهُ: (وَبَعْثًا) أَيْ بَاعِثًا وَحَامِلًا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ يُرِيدُ تَهْذِيبَ نَفْسِهِ، أَمَّا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بُخْلًا وَشُحًّا فَهُوَ مَذْمُومٌ وَلِبَعْضِهِمْ: الْبُخْلُ شَيْنٌ وَلَا يَرْضَى بِهِ ... أَحَدٌ إلَّا الْأَسَافِلُ أَهْلُ الذَّمِّ وَالْعَارِ الْمُنْفِقُونَ لَهُمْ إخْلَافَ مَا بَذَلُوا ... وَالْمُمْسِكُونَ لَهُمْ إتْلَافَ مَا نَارِ قَوْلُهُ: (لِرُوحَانِيَّتِهَا) أَيْ رَاحَتِهَا. قَوْله: (وَالْأَشْبَهُ) هُوَ الثَّالِثُ. قَوْلُهُ: (سَلَاطَةٌ عَلَيْهِ) أَيْ الطُّغْيَانُ. قَوْلُهُ: (وَفِي مَنْعِهَا بَلَادَةٌ) أَيْ إذَا مَنَعَهَا ذَلِكَ مُطْلَقًا أَوْرَثَهُ الْبَلَادَةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا» . فَصْلٌ: فِي الْأُضْحِيَّةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّحْوَةِ وَسُمِّيَتْ بِأَوَّلِ زَمَانِ فِعْلِهَا وَهُوَ الضُّحَى وَهِيَ بِضَمِّ هَمْزَتِهَا وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ يَائِهَا وَتَخْفِيفِهِمَا مَا يُذْبَحُ مِنْ النَّعَمِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] فَإِنَّ أَشْهَرَ الْأَقْوَالِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ، صَلَاةُ الْعِيدِ وَبِالنَّحْرِ الضَّحَايَا، وَخَبَرُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ عَمَلٍ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ إرَاقَةِ الدَّمِ إنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» (وَالْأُضْحِيَّةُ) بِمَعْنَى التَّضْحِيَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَا الْأُضْحِيَّةِ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُهُ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ اسْمٌ لِمَا يُضَحَّى بِهِ. (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّنَا   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ] ِ ذَكَرَهَا بَعْدَ الْأَطْعِمَةِ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِالنَّعَمِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ النَّعَمِ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ وَأَوَّلُ طَلَبِهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ كَالْعِيدَيْنِ وَزَكَاةِ الْمَالِ وَالْفِطْرِ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهَا، وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا. وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ فِعْلُهَا مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ وَتُسَنُّ مِنْ مَالِهِ عَنْ الْمَوْلُودِ لَا عَنْ الْجَنِينِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَسُمِّيَتْ بِأَوَّلِ زَمَانِ فِعْلِهَا) أَيْ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ مِنْ اسْمِ أَوَّلِ زَمَانِ فِعْلِهَا. وَهُوَ الضُّحَى أَوْ الْمَعْنَى سُمِّيَتْ بِاسْمٍ يُلَوِّحُ وَيُشِيرُ لِأَوَّلِ زَمَانِ فِعْلِهَا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ بِضَمِّ هَمْزَتِهَا) حَاصِلُهُ: أَنَّ فِيهَا ثَمَانَ لُغَاتٍ: ضَمُّ الْهَمْزَةِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَكَسْرُ الْهَمْزَةِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَمَعَ حَذْفِ الْهَمْزَةِ لُغَتَانِ: فَتْحُ الضَّادِ وَكَسْرُهَا، وَأَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا. قَوْلُهُ: (تَقَرُّبًا) خَرَجَ مَا يَذْبَحُهُ الْجَزَّارُ لِلْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ) يَصْدُقُ بِمَا ذُبِحَ قَبْلَ مُضِيِّ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا يَأْتِي وَالْمُرَادُ بِيَوْمِ الْعِيدِ الْيَوْمُ الَّذِي يُعَيَّدُ فِيهِ حَتَّى لَوْ وَقَفُوا الْعَاشِرَ غَلَطًا كَانَ آخَرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الرَّابِعَ عَشَرَ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر خِلَافًا لِلشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) أَيْ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ عَمَلٍ) أَيْ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَيْهِ مِنْ النَّوَافِلِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْفَرْضَ أَفْضَلُ. قَوْلُهُ: (أَحَبَّ) مَجْرُورٌ بِالْفَتْحَةِ نَعْتًا لِعَمَلٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ إرَاقَةِ الدَّمِ) الْمُرَادُ لَازِمُهُ وَهُوَ الذَّبْحُ. قَوْلُهُ: (إنَّهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةَ الْمَفْهُومَةَ مِنْ إرَاقَةِ الدَّمِ وَقَوْلُهُ: لَتَأْتِي أَيْ لِيَرْكَبَهَا صَاحِبُهَا يَدُلُّ لِذَلِكَ وُرُودُهُ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. قَوْلُهُ: (بِمَكَانٍ) أَيْ لَهُ مَوْقِعٌ عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْقَبُولِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (نَفْسًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْأَصْلُ فَلْتَطِبْ نُفُوسُكُمْ بِهَا أَيْ افْعَلُوهَا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ. قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى التَّضْحِيَةِ) الَّتِي هِيَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ الْمَوْصُوفِ بِالسُّنَّةِ إذْ كَثِيرًا مَا تُطْلَقُ الْأُضْحِيَّةُ وَيُرَادُ بِهَا الْفِعْلُ الْمُتَقَرَّبُ بِهِ. قَوْلُهُ: (لَا الْأُضْحِيَّةُ) أَيْ لَا بِمَعْنَى الْأُضْحِيَّةِ أَيْ الْعَيْنِ الْمُضَحَّى بِهَا إذْ لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْهَا بِسُنَّةٍ. قَوْلُهُ: (كَلَامُهُ) وَهُوَ قَوْلُهُ سُنَّةٌ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ إلَخْ عِلَّةٌ لِلتَّضْحِيَةِ. قَوْلُهُ: (سُنَّةٌ) أَيْ لِمُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ وَلَوْ مُبَعَّضًا؛ وَتُسَنُّ لِلْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَيَحْصُلُ ثَوَابُهَا لِمَنْ فَعَلَهَا وَلَوْ فَقِيرًا أَوْ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي أَوْ امْرَأَةً وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَنْ كِفَايَةِ مُمَوِّنِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَمَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ م ر كَابْنِ حَجَرٍ. وَاعْتَبَرَ الْعَلَّامَةُ الزِّيَادِيُّ كِفَايَةَ يَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ. وَعَمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ كَعْكٍ وَسَمَكٍ وَفَطِيرٍ وَنَحْوِهَا وَقَوْلُهُ: سُنَّةٌ فِيهِ تَلْوِيحٌ لِمُخَالَفَةِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ أَوْجَبَهَا عَلَى مَالِكِ نِصَابٍ زَكَوِيٍّ. وَهُوَ مُقِيمٌ بِالْبَلَدِ وَلَا تَصِيرُ وَاجِبَةً إلَّا بِالنَّذْرِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (فِي حَقِّنَا) مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ وَوَاجِبَةٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ لَهُ أُضْحِيَّةٌ مَنْدُوبَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 عَلَى الْكِفَايَةِ إنْ تَعَدَّدَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَإِذَا فَعَلَهَا وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ كَفَى عَنْ الْجَمِيعِ وَإِلَّا فَسُنَّةُ عَيْنٍ، وَالْمُخَاطَبُ بِهَا الْمُسْلِمُ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْمُسْتَطِيعُ. وَكَذَا الْمُبَعَّضُ، إذَا مَلَكَ مَالًا بِبَعْضِهِ الْحُرِّ قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ مَنْ يَمُونُهُ لِأَنَّهَا نَوْعُ صَدَقَةٍ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَمَّا يَحْتَاجُهُ فِي لَيْلَتِهِ وَيَوْمِهِ وَكِسْوَةِ فَصْلِهِ، كَمَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَإِنَّهُ وَقْتُهُمَا كَمَا أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَةَ الْعِيدِ وَقْتُ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَاشْتَرَطُوا فِيهَا أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَهِيَ مِنْهُ تَبَرُّعٌ فَيَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي سَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَهْلَ الْبَوَادِي وَالْحَضَرِ وَالسَّفَرَ وَالْحَاجَّ وَغَيْرَهُ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَحَّى فِي مِنًى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتَّضْحِيَةُ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أُرَخِّصُ فِي تَرْكِهَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا انْتَهَى. أَيْ فَيُكْرَهُ لِلْقَادِرِ تَرْكُهَا وَيُسَنُّ لِمُرِيدِهَا أَنْ لَا يُزِيلَ شَعْرَهُ وَلَا ظُفْرَهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى يُضَحِّيَ وَلَا تَجِبُ إلَّا بِالنَّذْرِ.   [حاشية البجيرمي] أَيْضًا وَأَكْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أُضْحِيَّتِهِ مَحْمُولٌ عَلَيْهَا وَالْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدَةٌ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا مَنْدُوبٌ وَلَمْ يَتْرُكْ الْأُضْحِيَّةَ قَطُّ وَهَلْ كَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ بَعْدِ إبْرَاهِيمَ تُضَحِّي هُمْ وَأُمَمُهُمْ، أَوْ هُمْ خَاصَّةً اهـ ح ل. قَوْلُهُ: (عَلَى الْكِفَايَةِ) وَمَعْنَى كَوْنِهَا سُنَّةَ كِفَايَةٍ مَعَ كَوْنِهَا تُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ سُقُوطُ الطَّلَبِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ لَا حُصُولُ الثَّوَابِ لِمَنْ لَمْ يَفْعَلْ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ نَعَمْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ لَوْ أَشْرَكَ غَيْرَهُ فِي ثَوَابِهَا جَازَ وَأَنَّهُ مَذْهَبُنَا م ر. قَوْلُهُ: (إنْ تَعَدَّدَ أَهْلُ الْبَيْتِ) وَهُمْ مَنْ اجْتَمَعُوا فِي الْعِيشَةِ وَالْعِشْرَةِ وَقِيلَ مَنْ تَلْزَمُ الْفَاعِلَ نَفَقَتُهُمْ. وَاعْتَمَدَهُ م ر وَز ي وَالثَّوَابُ خَاصٌّ بِالْفَاعِلِ وَسَقَطَ عَنْ غَيْرِهِ الطَّلَبُ سَوَاءٌ كَانَ الْفَاعِلُ هُوَ الَّذِي تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ أَوْ غَيْرُهُ. ق ل. وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَهُ بِالْمُنْفِقِ. قَوْلُهُ: (كَفَى عَنْ الْجَمِيعِ) أَيْ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ وَإِلَّا فَالثَّوَابُ لِلْمُضَحِّي خَاصَّةً كَالْقَائِمِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ جَمِيعًا» خُصُوصِيَّةٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُون) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (فَيَجْرِي فِيهَا إلَخْ) . فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ صَحَّتْ لَهُ وَوَقَعَتْ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ. قَوْلُهُ: (وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ) أَيْ قَوْلُهُ: وَالْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِمُرِيدِهَا) أَيْ غَيْرِ الْمُحْرِمِ أَنْ لَا يُزِيلَ شَعْرَهُ، وَلَوْ مِنْ عَانَةٍ أَوْ إبْطٍ إلَخْ. فَتُكْرَهُ الْإِزَالَةُ إلَّا لِعُذْرٍ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: تَحْرُمُ الْإِزَالَةُ الْمَذْكُورَةُ ق ل. وَانْظُرْ مَا وَجْهُهُ وَسَأَلْت بَعْضَ الْحَنَابِلَةِ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَشْبِيهًا بِالْمُحْرِمِينَ اهـ مَيْدَانِيٌّ. وَقَوْلُهُ لِمُرِيدِهَا أَيْ سَوَاءٌ طُلِبَتْ مِنْهُ أَوْ لَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَوْ لَا بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يُزِيلَ شَعْرَهُ إلَخْ) وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَكُرِهَ لِمُرِيدِهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ إزَالَةُ نَحْوِ شَعْرٍ كَظُفْرٍ وَجِلْدَةٍ لَا تَضُرُّ إزَالَتُهَا، وَلَا حَاجَةَ لَهُ فِيهَا وَقَوْلُهُ وَجِلْدَةٍ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَتْ إزَالَتُهُ وَاجِبَةً كَخِتَانِ الْبَالِغِ، وَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ أَوْ مُسْتَحَبَّةً كَخِتَانِ الصَّبِيِّ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) وَلَوْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ الْأَقَلَّ يُرَاعَى بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يُضَحِّيَ) أَيْ وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ لِمَنْ تَعَدَّدَتْ فِي حَقِّهِ، وَيَنْتَهِي وَقْتُ عَدَمِ الْإِزَالَةِ لِمَنْ لَا يُضَحِّي بِزَوَالِ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ " وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَلَوْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ بِعَدَدٍ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ بِأَوَّلِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ إلَّا بِالنَّذْرِ) أَيْ أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهِ كَأَنْ يَشْتَرِيَ شَاةً وَيَقُولُ هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ فَإِنَّهَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَنْ يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنْهَا م ر. وَحِينَئِذٍ فَمَا يَقَعُ فِي أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ كَثِيرًا مِنْ شِرَائِهِمْ مَا يُرِيدُونَ التَّضْحِيَةَ بِهِ مِنْ أَوَائِلِ السَّنَةِ، وَكُلُّ مَنْ سَأَلَهُمْ عَنْهَا يَقُولُونَ لَهُ تِلْكَ أُضْحِيَّةٌ مَعَ جَهْلِهِمْ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ تَصِيرُ بِهِ أُضْحِيَّةً وَاجِبَةً يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَكْلُهُ مِنْهَا. وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَرَدْت أَنْ أَتَطَوَّعَ بِهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ شَرْحُ م ر. وَالْمُخَلِّصُ لَهُ إذَا سُئِلَ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ نَذْبَحُهَا. وَنَأْكُلُهَا فِي الْعِيدِ وَلَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْت هَذِهِ الشَّاةَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ مَلَكَهَا. لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ إنْ مَلَكْت شَاةً فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا فَيَلْزَمُهُ: إذَا مَلَكَ شَاةً لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، كَذَا صَرَّحُوا بِهِمَا فَانْظُرْ الرَّوْضَ وَغَيْرَهُ سم وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلَ هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا لَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَهُ إلَخْ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ سَنَّ لَهُ مَا يُسَنُّ لِمُرِيدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 وَيُسَنُّ أَنْ يَذْبَحَ الْأُضْحِيَّةَ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ إنْ أَحْسَنَ. الذَّبْحَ لِلِاتِّبَاعِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَالسُّنَّةُ لَهَا أَنْ تُوَكِّلَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فَلْيَشْهَدْهَا لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: قَوْمِي إلَى أُضْحِيَّتِك فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْهَا أَيْ مِنْ دَمِهَا: يُغْفَرُ لَك مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِك قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ هَذَا لَك وَلِأَهْلِ بَيْتِك فَأَهْلُ ذَلِكَ أَنْتُمْ أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً» وَشَرْطُ التَّضْحِيَةِ نَعَمٌ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْحَيَوَانِ فَاخْتُصَّتْ بِالنَّعَمِ كَالزَّكَاةِ. (وَيُجْزِئُ فِيهَا) مِنْ النَّعَمِ (الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ) وَهُوَ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَةً وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ أَجَذَعَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ. أَيْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ أَجْزَأَ لِعُمُومِ خَبَرِ   [حاشية البجيرمي] التَّضْحِيَةِ سم. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَذْبَحَ الْأُضْحِيَّةَ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الْأَضْحَى وَخُطْبَتِهُ يُؤْتَى لَهُ بِكَبْشَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ فَيَذْبَحُ أَحَدُهُمَا بِيَدِهِ وَيَقُولُ: «هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا مَنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ» . وَعَنْ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ كَبْشًا أَقْرَنَ بِالْمُصَلَّى بَعْدَ أَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي» وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيَذْبَحُ الْآخَرُ وَيَقُولُ: هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا وَيُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ وَلَمْ يَتْرُكْ الْأُضْحِيَّةَ قَطُّ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (أَنْ يَذْبَحَ الْأُضْحِيَّةَ) وَمِثْلُهَا الْهَدْيُ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِنَفْسِهِ) أَيْ وَلَوْ مُرَاهِقًا وَسَفِيهًا لِأَنَّهُ قُرْبَةً فَالْإِتْيَانُ بِهَا أَوْلَى. «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِمِائَةِ بَدَنَةٍ نَحَرَ مِنْهَا بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ. وَأَمَرَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَنَحَرَ تَمَامَ الْمِائَةِ» وَفِي ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى مُدَّةِ حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (إنَّ أَحْسَنَ الذَّبْحِ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ فَخَرَجَ الْأَعْمَى فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِ التَّوْكِيلُ اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا) مِثْلُهُمَا مَنْ ضَعُفَ مِنْ الرِّجَالِ عَنْ الذَّبْحِ وَالْأَعْمَى إذْ تُكْرَهُ ذَبِيحَتُهُ س ل. قَوْلُهُ: (فَلْيَشْهَدْهَا) الْمُرَادُ بِشُهُودِهِ حُضُورِهِ، وَلَوْ أَعْمَى ق ل. وَالْأَوْلَى فِي الْوَكِيلِ كَوْنُهُ فَقِيهًا مُسْلِمًا وَيُكْرَهُ اسْتِنَابَةُ كَافِرٍ وَصَبِيٍّ وَأَعْمَى لَا حَائِضٍ وَيُسَنُّ لِغَيْرِ الْإِمَامِ أَنْ يُضَحِّيَ فِي بَيْتِهِ لِيَشْهَدَ أَهْلُهُ، وَأَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي نَفْسِهِ عِظَمَ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَمَا سَخَّرَ لَهُ مِنْ الْأَنْعَامِ. وَأَنْ يَقُولَ: إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي إلَى قَوْلِهِ: وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَيُجَدِّدَ الشُّكْرَ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِلْإِمَامِ إذَا ضَحَّى عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَذْبَحَ بِنَفْسِهِ فِي الْمُصَلَّى عَقِبَ الصَّلَاةِ وَيُخَلِّيهَا لِلنَّاسِ بِرْمَاوِيٌّ. وَهَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّضْحِيَةَ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مِنْ خَوَاصِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ) أَيْ لِلنَّبِيِّ وَقَوْلُهُ: هَذَا لَك أَيْ الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ لِفَاطِمَةَ مِنْ أَنَّهُ يَغْفِرُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْهَا مَا سَلَفَ مِنْ الذُّنُوبِ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَأَهْلٌ) فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ أَيْ لِأَنَّكُمْ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَأَهْلٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَأَنْتُمْ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: فَأَهْلُ ذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْ فَالْمَخْصُوصُ بِالْغُفْرَانِ أَنْتُمْ يَا آلَ الْبَيْتِ مَنْ ضَحَّى مِنْ غَيْرِكُمْ لَا يُغْفَرُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ فِي الْجَوَابِ بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ أَيْ كُلُّ مَنْ ضَحَّى مِنْهُمْ فَلَهُ هَذَا الثَّوَابُ. قَوْلُهُ: (أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَك وَلِأَهْلِ بَيْتِك. قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ التَّضْحِيَةِ نَعَمٌ) أَيْ كَوْنُهَا نَعَمًا إلَخْ. وَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَكْفِي إرَاقَةُ الدَّمِ وَلَوْ مِنْ دَجَاجٍ أَوْ إوَزٍّ مَيْدَانِيٌّ أَيْ فَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَحَمِيرِهِ وَالظِّبَاءِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ جِنْسَيْنِ مِنْ النَّعَمِ فَيُجْزِئُ هُنَا. وَفِي الْعَقِيقَةِ وَالْهَدْيِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ أَعْلَى الْأَبَوَيْنِ سِنًّا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَنَحْوِهَا، حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ بُلُوغُهُ سَنَتَيْنِ إلْحَاقًا لَهُ بِأَعْلَى السِّنِينَ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَبَقَرٍ) أَيْ عِرَابٍ أَوْ جَوَامِيسَ بِرْمَاوِيٌّ. وَسَوَاءٌ فِي الْبَقَرِ وَغَيْرِهَا الْإِنَاثُ أَوْ الْخَنَاثَى أَوْ الذُّكُورُ وَلَوْ خَصِيًّا وَالْخَصِيُّ مَا قُطِعَ خُصْيَتَاهُ أَيْ الْبَيْضَتَانِ وَيَجْبُرُ مَا قُطِعَ مِنْهُ زِيَادَةُ لَحْمِهِ طِيبًا وَكَثْرَةً كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (مَنْسَكًا) أَيْ عِبَارَةٌ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ إلَخْ) أَيْ فَكَمَا أَنَّ الزَّكَاةَ قَاصِرَةٌ عَلَى النَّعَمِ. كَذَلِكَ التَّضْحِيَةُ قَاصِرَةٌ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ. قَوْلُهُ: (أَيْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ) هَلْ وَلَوْ وَاحِدَةً وَقِيَاسُ الِاكْتِفَاءِ بِقَطْرَةٍ فِي الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ الِاكْتِفَاءُ بِسُقُوطِ السِّنِّ الْوَاحِدَةِ اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 أَحْمَدَ: «ضَحُّوا بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ» فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَيْ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ أَوْ الِاحْتِلَامِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي أَسْبَقُهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ (وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ) وَهُوَ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ (وَ) الثَّنِيُّ مِنْ (الْإِبِلِ) وَهُوَ مَا اسْتَكْمَلَ خَمْسَ سِنِينَ وَطَعَنَ فِي السَّادِسَةِ (وَ) الثَّنِيُّ مِنْ (الْبَقَرِ) الْإِنْسِيِّ وَهُوَ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِنْسِيِّ الْوَحْشِيُّ فَلَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَإِنْ دَخَلَ فِي اسْمِ الْبَقَرِ. وَتُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَثُرَ نَزَوَانُ الذَّكَرِ وَوِلَادَةُ الْأُنْثَى نَعَمْ التَّضْحِيَةُ بِالذَّكَرِ أَفْضَلُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ. كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْهَدْيِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْأُنْثَى أَحْسَنُ مِنْ الذَّكَرِ لِأَنَّهَا أَرَطْبُ لَحْمًا وَلَمْ يُحْكَ غَيْرُهُ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ نَزَوَانُهُ. وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَثُرَ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضْ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ لِإِجْزَاءِ الْخُنْثَى فِي الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ يُجْزِئُ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَكِلَاهُمَا يُجْزِئُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُنْقِصُ اللَّحْمَ (وَتُجْزِئُ الْبَدَنَةَ) عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ فِيهَا (عَنْ سَبْعَةٍ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي   [حاشية البجيرمي] أج. قَوْلُهُ: (أَجْزَأَ) أَيْ إذَا كَانَ فِي سِنِّهِ الْمُعْتَادِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر أَوْ إجْذَاعُهُ أَيْ سُقُوطُ سِنِّهِ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ وَبُلُوغُهُ السَّنَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ تَمَامِ السَّنَةِ وَالْإِجْذَاعِ، قَوْلُهُ: (سَنَتَيْنِ) وَكَذَا الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ ضَأْنٍ وَمَعْزٍ إذْ الْمُتَوَلِّدُ يُجْزِئُ هُنَا وَفِي الْعَقِيقَةِ وَالْهَدْيِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ س ل. قَوْلُهُ: (خَمْسَ سِنِينَ) أَيْ تَحْدِيدًا. قَوْلُهُ: (مِنْ الْبَقَرِ الْإِنْسِيِّ) وَمِنْهُ الْجَامُوسُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ فِي الْبَقَرِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ وَحْشِيٌّ وَأَمَّا الظِّبَاءُ فَيُقَالُ لَهَا شِيَاهُ الْبَرِّ لَا غَنَمَ الْوَحْشِ وَلَا مَعْزَ الْوَحْشِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَثُرَ نَزَوَانُ الذَّكَرِ) أَيْ طُرُوقُهُ لِلْأُنْثَى وَإِنَّمَا غَيَّا بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ عَيْبٌ لِأَنَّهُ مُضْعِفٌ. قَوْلُهُ: (وَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ) وَهِيَ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: لَيْسَ فِي الْحَيَوَانَاتِ خُنْثَى إلَّا الْآدَمِيُّ وَالْإِبِلُ قَالَ النَّوَوِيُّ جَاءَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ قَالَ عِنْدِي بَقَرَةٌ خُنْثَى لَا ذَكَرَ لَهَا وَلَا فَرْجَ وَإِنَّمَا لَهَا خَرْقٌ عِنْدَ ضَرْعِهَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَضَلَاتُهَا، فَهَلْ تُجْزِئُ أُضْحِيَّةً أَوْ لَا. فَقُلْت لَهُ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ ذَكَرًا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أُنْثَى وَكِلَاهُمَا مُجَزِّئٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُنْقِصُ اللَّحْمَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ إبِلٍ وَغَنَمٍ أَوْ بَقَرٍ وَغَنَمٍ يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ فَقَطْ، س ل وَيَنْقُصُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْقَافِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ، وَيَجُوزُ أَيْضًا ضَمُّ الْيَاءِ وَفَتْحُ النُّونِ وَكَسْرُ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ كَمَا فِي الْإِشَارَاتِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ. قَوْلُهُ: (عَنْ سَبْعَةٍ) سَوَاءٌ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْأُضْحِيَّةَ وَالْآخَرُ اللَّحْمَ أَمْ لَا وَلَهُمْ قِسْمَةُ اللَّحْمِ إذْ هِيَ إفْرَازٌ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: عَنْ سَبْعَةٍ وَكَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ وَالتَّمَتُّعِ فِي الْحَجِّ وَارْتِكَابِ مَحْظُورَاتٍ فِيهِ. نَعَمْ الْمُوَلَّدُ بَيْنَ غَنَمٍ أَوْ مَعْزٍ وَإِبِلٍ أَوْ بَقَرٍ لَا يُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ وَاحِدٍ وَيَظْهَرُ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجُزْءٍ مِنْ حِصَّتِهِ نِيئًا. وَلَا يَكْفِي تَصَدُّقُ وَاحِدٍ عَنْ الْجَمِيعِ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ سَبْعِ أَضَاحٍ وَخَرَجَ بِالسَّبْعَةِ مَا لَوْ كَانُوا أَكْثَرَ كَثَمَانِيَةٍ وَاشْتَرَكُوا فِي بَدَنَةٍ أَوْ فِي بَدَنَتَيْنِ فَلَا تَقَعُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَوْ مَعَ الْجَهْلِ بِعَدَدِهِمْ أَوْ بِالْحُكْمِ أَوْ ضَمَّ لَهَا شَاةً كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي شَاتَيْنِ فَلَا يُجْزِئَانِ عَنْهُمَا لِأَنَّ كُلَّ شَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا فَيَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفُ شَاتَيْنِ. وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا لَمْ يَقْدَحْ فِيمَا قَصَدَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ إجْزَاءُ السَّبْعِ عَنْهُ وَلَوْ امْتَنَعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي الْبَدَنَةِ مِنْ الذَّبْحِ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَمَنْذُورَةٍ مِنْهُ ذُبِحَتْ قَهْرًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَذْبَحَهَا إنْ خِيفَ خُرُوجُ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ نَظَرًا لِلْوُصُولِ لِحَقِّهِ وَهُوَ سُبْعُهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَاجِعَ الْحَاكِمَ لِيَنْوِيَ عَنْ الْمُمْتَنِعِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ فَرَاجِعْ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ شَاةٌ وَاجِبَةٌ فَذَبَحَ بَدَنَةً وَقَعَ سُبْعُهَا عَنْ الْوَاجِبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْرَجَ بَعِيرًا عَنْ شَاةٍ فِي الزَّكَاةِ فَيَقَعُ كُلُّهُ وَاجِبًا وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ فِيهَا بِكَوْنِهِ فِي الزَّكَاةِ أَصْلًا أَوْ بَدَلًا بِخِلَافِهِ هُنَا ق ل. قَوْلُهُ: (مُهِلِّينَ) أَيْ مُحْرِمِينَ قَوْلُهُ: (أَنْ يَشْتَرِك) أَيْ عِنْدَ إرَادَةِ عَدَمِ الِانْفِرَادِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَيْسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 بَدَنَةٍ» وَسَوَاءٌ اتَّفَقُوا فِي نَوْعِ الْقُرْبَةِ أَوْ اخْتَلَفُوا كَمَا إذَا قَصَدَ بَعْضُهُمْ التَّضْحِيَةَ وَبَعْضُهُمْ الْهَدْيَ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ اللَّحْمَ، وَبَعْضُهُمْ الْأُضْحِيَّةَ وَلَهُمْ قِسْمَةُ اللَّحْمِ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ قِسْمَةُ إفْرَازٍ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. (وَ) كَذَا الْبَقَرَةُ تُجْزِئُ (عَنْ سَبْعَةٍ) لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ. تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ إجْزَاءُ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ بِالتَّضْحِيَةِ، بَلْ لَوْ لَزِمَ شَخْصًا سَبْعُ شِيَاهٍ بِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْفَوَاتِ وَمُبَاشَرَةِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ جَازَ عَنْ ذَلِكَ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ. (وَ) تُجْزِئُ (الشَّاةُ) الْمُعَيَّنَةُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الْمَعْزِ (عَنْ وَاحِدٍ) فَقَطْ فَإِنْ ذَبَحَهَا عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِهِ أَوْ عَنْهُ وَأَشْرَكَ غَيْرَهُ فِي ثَوَابِهَا جَازَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِذَلِكَ الْخَبَرُ الصَّحِيحِ فِي الْمُوَطَّإِ: أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ بَعْدُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً " وَخَرَجَ بِمُعَيَّنَةٍ الِاشْتِرَاكُ فِي شَاتَيْنِ مُشَاعَتَيْنِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ لَا   [حاشية البجيرمي] بِوَاجِبٍ. قَوْلُهُ: (كَمَا إذَا قَصَدَ بَعْضُهُمْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ السُّبُعُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ إلَّا أَنْ يَذْبَحَ عَلَى قَصْدِ الْأُضْحِيَّةِ فَلَوْ ذَبَحَ لَا بِهَذَا الْقَصْدِ لَمْ يُجْزِ كَأَنْ ذُبِحَتْ لِغَيْرِ التَّضْحِيَةِ ثُمَّ اشْتَرَى وَاحِدٌ سُبُعَهَا أُضْحِيَّةً لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ هُوَ مَقْصُودُ التَّضْحِيَةِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ لَا قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ وَلَا رَدَّ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ بَيْعُ طَرِيِّ اللَّحْمِ بِطَرِيِّهِ لِأَنَّهُمَا بَيْعٌ. قَوْلُهُ: (وَالْبَقَرَةُ) أَيْ الْمُعَيَّنَةُ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ اشْتَرَكَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَتَيْنِ أَوْ بَقَرَتَيْنِ، مُشَاعَتَيْنِ. فَلَا يَكْفِي لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَمْ يُصِبْهُ سُبُعٌ، مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ فَإِنْ ذَبَحَ الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ عَنْ الشَّاةِ كَانَ السُّبُعُ وَاجِبًا وَمَا زَادَ تَطَوُّعٌ وَكَذَا إذَا اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ مَعَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُرِدْ الْأُضْحِيَّةَ فَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ سُبُعِهِ، وَلَا يَكْفِي تَصَدُّقُ وَاحِدٍ عَنْ الْجَمِيعِ. وَكَذَا لَوْ ضَحَّى بِسَبْعِ شِيَاهٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ سَبْعِ أَضَاحٍ. فَإِنْ قُلْت: لِأَيِّ شَيْءٍ الْبَدَنَةُ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةُ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ اُشْتُرِطَ فِي الْإِبِلِ الطَّعْنُ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَاكْتُفِيَ فِي الْبَقَرِ بِالطَّعْنِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَمَا النُّكْتَةُ وَمَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ. قُلْت لَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ أَنَّ لَحْمَ الْإِبِلِ دُونَ لَحْمِ الْبَقَرِ فِي الطِّيبِ وَالْحُسْنِ وَالْقِيمَةِ فَاشْتُرِطَ فِي الْإِبِلِ زِيَادَةُ السِّنِّ لِتَكُونَ الزِّيَادَةُ جَابِرَةً لِلنَّقْصِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الضَّأْنَ وَالْمَعْزَ كُلُّ وَاحِدَةٍ تُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ وَمَعَ ذَلِكَ اُشْتُرِطَ فِي الْمَعْزِ الطَّعْنُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالضَّأْنِ الطَّعْنُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ اهـ. خَضِرٌ. قَوْلُهُ: (لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ) وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْ يَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ. قَوْلُهُ: (وَمُبَاشَرَةُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ) أَيْ وَتَرْكِ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ وَالْمِيقَاتِ. قَوْلُهُ: (وَتُجْزِئُ الشَّاةُ) فَإِنْ قُلْت إنَّ هَذَا مُنَافٍ لِمَا بَعْدَهُ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ ذَبَحَهَا عَنْهُ، وَعَنْ أَهْلِهِ أَوْ عَنْهُ وَأَشْرَكَ غَيْرَهُ فِي ثَوَابِهَا جَازَ. أُجِيبُ: بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَا عَنْ وَاحِدٍ أَيْ مِنْ حَيْثُ حُصُولِ التَّضْحِيَةِ حَقِيقَةً وَمَا بَعْدَهُ الْحَاصِلُ لِلْغَيْرِ إنَّمَا هُوَ سُقُوطُ الطَّلَبِ عَنْهُ، وَأَمَّا الثَّوَابُ وَالتَّضْحِيَةُ حَقِيقَةً فَخَاصَّانِ بِالْفَاعِلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ مُسِخَتْ الشَّاةُ بَعِيرًا أَوْ عَكْسِهِ هَلْ يُجْزِئُ فِي الْأُولَى عَنْ سَبْعَةٍ وَلَا يُجْزِئُ الْبَعِيرُ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ أَوْ لَا. الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْمَسْخَ هَلْ هُوَ تَغْيِيرُ صِفَةٍ أَوْ ذَاتٍ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ: لَا تُجْزِئُ الشَّاةُ الْمَمْسُوخَةُ بَعِيرًا إلَّا عَنْ وَاحِدٍ وَيُجْزِئُ الْبَعِيرُ الْمَمْسُوخُ إلَى الشَّاةِ عَنْ سَبْعَةٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي: انْعَكَسَ الْحَالُ لِأَنَّ ذَاتَ الشَّاةِ الْمَمْسُوخَةِ إلَى الْبَعِيرِ ذَاتُ بَعِيرٍ وَالْبَعِيرِ الْمَمْسُوخِ إلَى الشَّاةِ ذَاتُ شَاةٍ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (جَازَ) وَمَعَ ذَلِكَ يَخْتَصُّ الثَّوَابُ بِهِ وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ عَنْهُمْ م د وَز ي. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ حُمِلَ إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّ الثَّوَابَ لِلْأُمَّةِ حَاصِلٌ بِهَذَا التَّشْرِيكِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَظْهَرُ بِهِ الِاسْتِدْلَال عَلَى مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ الثَّوَابُ خَاصٌّ بِالْفَاعِلِ فَقَطْ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمُضَحِّي وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْقَصْدُ الِاسْتِدْلَال مِنْ جِهَةِ صِحَّةِ التَّضْحِيَةِ مَعَ هَذَا الْقَصْدِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ حُصُولِ الثَّوَابِ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَصَّ النَّبِيُّ بِزِيَادَةٍ وَهُوَ حُصُولُ الثَّوَابِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 يَصِحُّ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَكَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ فِي بَقَرَتَيْنِ مُشَاعَتَيْنِ أَوْ بَدَنَتَيْنِ كَذَلِكَ، لَمْ يُجْزِ عَنْهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَمْ يَخُصَّهُ سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ إبِلٍ وَغَنَمٍ أَوْ بَقَرٍ وَغَنَمٍ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. وَأَفْضَلُ أَنْوَاعِ التَّضْحِيَةِ بِالنَّظَرِ لِإِقَامَةِ شِعَارِهَا بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ لِأَنَّ لَحْمَ الْبَدَنَةِ أَكْثَرُ ثُمَّ ضَأْنٌ ثُمَّ مَعْزٌ لِطِيبِ الضَّأْنِ عَلَى الْمَعْزِ ثُمَّ الْمُشَارَكَةُ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَمَّا بِالنَّظَرِ لِلَّحْمِ فَلَحْمُ الضَّأْنِ خَيْرُهَا وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ وَشَاةٌ أَفْضَلُ مِنْ مُشَارَكَةٍ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ لِلِانْفِرَادِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ السَّمِينِ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَالسَّمِينَةُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَفْضَلِيَّةِ فِي الذَّوَاتِ. وَأَمَّا فِي الْأَلْوَانِ فَالْبَيْضَاءُ أَفْضَلُ، ثُمَّ الصَّفْرَاءُ، ثُمَّ الْعَفْرَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا يَصْفُو بَيَاضُهَا ثُمَّ الْحَمْرَاءُ ثُمَّ الْبَلْقَاءُ، ثُمَّ السَّوْدَاءُ، قِيلَ لِلتَّعَبُّدِ وَقِيلَ لِحُسْنِ الْمَنْظَرِ وَقِيلَ لِطِيبِ اللَّحْمِ، وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ خَبَرَ: «لَدَمُ عَفْرَاءَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ» (وَأَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا) الْأُولَى (الْعَوْرَاءُ) بِالْمَدِّ (الْبَيِّنُ عَوَرُهَا) بِأَنْ لَمْ تُبْصِرْ بِإِحْدَى عَيْنَيْهَا وَإِنْ بَقِيَتْ الْحَدَقَةُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا حَاجَةَ لِتَقْيِيدِ الْعَوَرِ بِالْبَيِّنِ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي عَدَمِ إجْزَاءِ الْعَوْرَاءِ عَلَى ذَهَابِ الْبَصَرِ مِنْ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ. أُجِيبَ: بِأَنْ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: أَصْلُ الْعَوَرِ بَيَاضٌ يُغَطِّي النَّاظِرَ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَارَةً يَكُونُ يَسِيرًا فَلَا يَضُرُّ. فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْبَيِّنِ كَمَا فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ الْآتِي. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ عَدَمُ إجْزَاءِ الْعَمْيَاءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَتُجْزِئُ الْعَمْشَاءُ وَهِيَ ضَعِيفَةُ الْبَصَرِ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمْعِ غَالِبًا وَالْمَكْوِيَّةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ، وَالْعَشْوَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا تُبْصِرُ لَيْلًا لِأَنَّهَا تُبْصِرُ وَقْتَ الرَّعْيِ غَالِبًا. (وَ) الثَّانِيَةُ (الْعَرْجَاءُ) بِالْمَدِّ (الْبَيِّنُ عَرَجُهَا) بِأَنْ يَشْتَدَّ عَرَجُهَا بِحَيْثُ تَسْبِقُهَا الْمَاشِيَةُ إلَى الْمَرْعَى. وَتَتَخَلَّفُ عَنْ الْقَطِيعِ فَلَوْ كَانَ   [حاشية البجيرمي] لِلْأُمَّةِ بِتَشْرِيكِهِ قَوْلُهُ (مُبَاهَاةً) أَيْ لَا عِبَادَةً أَيْ يَتَبَاهَى بِهَا النَّاسُ وَيَفْتَخِرُونَ بِهَا أَيْ لَا يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ إلَّا الرِّيَاءَ فَلَا يُثَابُونَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِمُعَيَّنَةٍ إلَخْ) فَمُقَابِلُ الْمُعَيَّنَةِ الْمُشَاعَةُ فِي شَاتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ إعْتَاقِ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ الْمَأْخَذَ مُخْتَلِفٌ، إذْ الْمَأْخَذُ ثَمَّ تَخْلِيصُ رَقَبَةٍ مِنْ الرِّقِّ وَقَدْ وُجِدَ بِذَلِكَ وَهُنَا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ وَلَمْ تُوجَدْ بِمَا حَصَلَ أَمَّا خَبَرُ: «اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّشْرِيكُ فِي الثَّوَابِ لَا فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَلَوْ ضَحَّى بِبَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ بَدَلَ شَاةٍ فَالزَّائِدُ عَلَى السُّبُعِ تَطَوُّعٌ يَصْرِفُهُ مَصْرِفَ التَّطَوُّعِ إنْ شَاءَ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ) لَكِنْ يُعْتَبَرُ أَعْلَى السِّنَّيْنِ حَتَّى لَوْ تَوَلَّدَ بَيْنَ ضَأْنٍ وَمَعْزٍ لَا بُدَّ مِنْ بُلُوغِهِ سَنَتَيْنِ إلْحَاقًا لَهُ بِأَعْلَى السِّنَّيْنِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ اهـ ز ي قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُ أَنْوَاعِ التَّضْحِيَةِ) حَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ تَخْتَلِفُ فِيهَا الْأُضْحِيَّةُ بِالِاعْتِبَارِ فَمِنْ حَيْثُ إظْهَارُ الشِّعَارِ فَالْبَدَنَةُ ثُمَّ الْبَقَرَةُ أَفْضَلُ وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى وَمِنْ حَيْثُ طِيبُ اللَّحْمِ أَفْضَلُهَا الضَّأْنُ وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ. وَمِنْ حَيْثُ الِانْفِرَادُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ. فَالشَّاةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي بَدَنَةٍ وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ وَمِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ فَالْبَيْضَاءُ إلَخْ أَفْضَلُ وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ فَإِنْ تَعَارَضَتْ الصِّفَاتُ فَسَمِينَةٌ سَوْدَاءُ أَفْضَلُ مِنْ بَيْضَاءَ هَزِيلَةٍ وَمَا جَمَعَ صِفَتَيْنِ أَفْضَلُ مِمَّا جَمَعَ صِفَةً وَاحِدَةً وَالْبَيْضَاءُ السَّمِينَةُ إذَا كَانَتْ ذَكَرًا أَفْضَلُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (لِإِقَامَةِ شِعَارِهَا) أَيْ التَّضْحِيَةِ أَيْ عَلَامَاتِ الشَّرِيعَةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى اسْتِحْبَابِ السَّمِينِ) وَيُقَدَّمُ السِّمَنُ عَلَى اللَّوْنِ فَسَمِينَةٌ سَوْدَاءُ أَفْضَلُ مِنْ هَزِيلَةٍ بَيْضَاءَ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الصَّفْرَاءُ ثُمَّ الْعَفْرَاءُ) قَدْ يُقَالُ: كَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْعَفْرَاءِ عَلَى الصَّفْرَاءِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْبَيَاضِ مِنْ الصَّفْرَاءِ سم عَلَى حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْبَلْقَاءُ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ الْبَلَقُ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ وَكَذَا الْبُلْقَةُ،. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِيَشْمَلَ مَا فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ بَلْ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى مَا فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ لِقُرْبِهِ مِنْ الْبَيَاضِ بِالنِّسْبَةِ لِلسَّوَادِ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْأَحْمَرِ الْخَالِصِ عَلَى الْأَسْوَدِ وَتَقْدِيمُ الْأَزْرَقِ عَلَى الْأَحْمَرِ وَكُلُّ مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَبْيَضِ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بَعْدَ الصَّفْرَاءِ ثُمَّ الْحَمْرَاءِ ثُمَّ الْبَلْقَاءِ ثُمَّ السَّوْدَاءِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (ثُمَّ السَّوْدَاءُ) لَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا بَلْ هُوَ مُوهِمٌ أَنَّ بَعْدَهَا لَوْنًا آخَرَ إذْ الْمَرْتَبَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ أَشْيَاءَ مَعْلُومَةٍ، كَالْأَلْوَانِ هُنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 عَرَجُهَا يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا تَتَخَلَّفُ بِهِ عَنْ الْمَاشِيَةِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. (وَ) الثَّالِثَةُ (الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا) بِأَنْ يَظْهَرَ بِسَبَبِهِ هُزَالُهَا وَفَسَادُ لَحْمِهَا فَلَوْ كَانَ مَرَضُهَا يَسِيرًا لَمْ يَضُرَّ وَيَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْهَيْمَاءَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْمَدِّ فَلَا تُجْزِئُ لِأَنَّ الْهُيَامَ كَالْمَرَضِ يَأْخُذُ الْمَاشِيَةَ فَتَهِيمُ فِي الْأَرْضِ وَلَا تَرْعَى كَمَا قَالَهُ فِي الزَّوَائِدِ. (وَ) الرَّابِعَةُ (الْعَجْفَاءُ) بِالْمَدِّ وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ لَحْمُهَا السَّمِينُ بِسَبَبِ مَا حَصَلَ لَهَا مِنْ الْهُزَالِ بِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ضِدَّ السِّمَنِ وَيَدُلُّ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» مَأْخُوذَةٌ مِنْ النِّقْيِ بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ أَيْ لَا مُخَّ لَهَا مِنْ شِدَّةِ الْهُزَالِ. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا عَدَمُ إجْزَاءِ الْمَجْنُونَةِ وَهِيَ الَّتِي تَدُورُ فِي الْمَرْعَى وَلَا تَرْعَى إلَّا قَلِيلًا فَتَهْزَلُ وَتُسَمَّى أَيْضًا التَّوْلَى، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِهَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ عَرَفْت مَا تَنَاوَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنَّفِ مِنْ أَنَّ الْعَمْيَاءَ وَالْهَيْمَاءَ وَالْمَجْنُونَةَ لَا تُجْزِئُ وَبِهِ صَارَتْ الْعُيُوبُ الْمَذْكُورَةُ سَبْعَةً وَبَقِيَ مِنْهَا مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْجَرْبَاءُ، وَإِنْ كَانَ الْجَرَبُ يَسِيرًا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ. لِأَنَّهُ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَالْوَدَكَ، وَالْحَامِلُ فَلَا تُجْزِئُ. كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ وَتَعَجَّبَ مِنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ حَيْثُ صَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ الْإِجْزَاءَ.   [حاشية البجيرمي] مُرَتَّبَةٍ بِثُمَّ مَثَلًا لَا يُعْطَفُ بِهَا حَذَرًا مِنْ ذَلِكَ الْإِيهَامِ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ كَثِيرًا مَا يَقَعُونَ فِي ذَلِكَ لِمَزِيدِ الْإِيضَاحِ، أَيْ لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِي بَيَانَ الْمُفَضَّلِ وَالْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ وَحَيْثُ ذَكَرَ الْبَلْقَاءَ عُلِمَ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ السَّوْدَاءِ، فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ السَّوْدَاءِ حِينَئِذٍ مُتَّصِفَةً إذْ لَا مُفَضَّلَ عَلَيْهِ بَعْدُ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَأَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ) مَحَلُّ عَدَمِ إجْزَائِهَا مَا لَمْ يَلْتَزِمْهَا مُتَّصِفَةً بِالْعُيُوبِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ الْتَزَمَهَا كَذَلِكَ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ وَكَانَتْ عَرْجَاءَ مَثَلًا أَوْ جَعَلْت هَذِهِ أُضْحِيَّةً وَكَانَتْ مَرِيضَةً مَثَلًا أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِعَرْجَاءَ أَوْ بِحَامِلٍ فَتُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَلَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً وَالْعِبْرَةُ بِالسَّلَامَةِ. وَعَدَمِهَا عِنْدَ الذَّبْحِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ إيجَابٌ فَإِنْ تَقَدَّمَ فَإِنْ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ مَعِيبَةً فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ السَّلَامَةِ فَإِذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أُضْحِيَّةٌ ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ سَلِيمَةً ثُمَّ إنْ عَيَّنَ سَلِيمًا عَنْ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ، وَاسْتَمَرَّ إلَى الذَّبْحِ فَذَاكَ وَإِنْ عَيَّنَ سَلِيمًا ثُمَّ تَعَيَّبَ قَبْلَ الذَّبْحِ أَبْدَلَهُ بِسَلِيمٍ. قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ فِي الْمَرِيضَةِ. قَوْلُهُ: (الْهَيْمَاءُ) هِيَ الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَكَان وَمِنْهُ الْهَائِمُ وَهُوَ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ فَهُوَ تَابِعٌ لِشَهْوَةِ بَطْنِهِ. قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ النُّونِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ النِّقْيُ بِالْكَسْرِ شَحْمُ الْعَيْنِ مِنْ السِّمَنِ. قَوْلُهُ: (فَتُهْزَلُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُلَازِمَةِ لِلْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، فَهُوَ عَلَى وَزْنِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْفَاعِلَ أَيْ يَقُومُ بِهَا الْهُزَالُ وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ، فَتَهْزِلُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ مِنْ بَابِ فَعَلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ يَفْعِلُ بِكَسْرِهَا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ كَمَا فِي مُقَدِّمَةِ الْأَدَبِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ. وَهَذَا خِلَافُ مَا اُشْتُهِرَ أَنَّ هُزِلَ لَمْ يُسْمَعْ إلَّا مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ فَتَنَبَّهْ اهـ. قَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ) أَيْ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَقَوْلُهُ: بِهَا أَيْ بِالْمَجْنُونَةِ. وَقَالَ م د. بَلْ هُوَ أَيْ اسْمُ التَّوْلَى أَوْلَى بِهَا مِنْ الْمَجْنُونَةِ لِأَنَّ الْجُنُونَ عَدَمُ الْعَقْلِ الْخَاصِّ بِالْعُقَلَاءِ. قَوْلُهُ: (مَا تَنَاوَلَهُ) أَيْ بِاللَّازِمِ أَوْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ. قَوْلُهُ: (سَبْعَةً) وَسَيَأْتِي أَيْضًا مِنْهَا الْجَرَبُ وَالْحَمْلُ وَقَطْعُ الْأُذُنِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَقَطْعُ الذَّنَبِ كَذَلِكَ فَصَارَتْ الْعُيُوبُ أَحَدَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: (وَبَقِيَ مِنْهَا مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ) فَصَارَتْ الْعُيُوبُ تِسْعَةً، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: عَوْرَا وَعَرْجَا ثُمَّ تَوْلَى عَجْفَا ... مَرِيضَةٌ وَحَامِلٌ لَا تَخْفَى عَمْيَا وَهَيْمَا ثُمَّ جَرْبَاءُ فَذَا ... عِنْدَ التَّضَحِّي تِسْعَةٌ لَهَا انْبِذَا قَوْلُهُ: (الْجَرْبَاءُ) بَدَلٌ مِنْ مَا وَقَوْلُهُ: وَالْوَدَكُ أَيْ الدُّهْنُ. قَوْلُهُ: (وَالْحَامِلُ فَلَا تُجْزِئُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُنْقِصُ لَحْمَهَا وَإِنَّمَا عَدُّوهَا كَامِلَةً فِي الزَّكَاةِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهَا النَّسْلُ دُونَ طِيبِ اللَّحْمِ وَأَلْحَقَ الزَّرْكَشِيّ بِالْحَامِلِ قَرِيبَةَ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ لِنَقْصِ لَحْمِهَا وَالْمُرْضِعَ وَرَدَّهُ حَجّ. وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْحَمْلَ يُفْسِدُ الْجَوْفَ وَيُصَيِّرُ اللَّحْمَ رَدِيئًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَبِالْوِلَادَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 فَائِدَةٌ: ضَابِطُ الْمُجْزِئِ فِي الْأُضْحِيَّةِ السَّلَامَةُ مِنْ عَيْبٍ يُنْقِصُ اللَّحْمَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُؤْكَلُ (وَيُجْزِئُ الْخَصِيُّ) ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» أَيْ خَصِيَّيْنِ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَجَبَرَ مَا قُطِعَ مِنْهُ زِيَادَةُ لَحْمِهِ طِيبًا وَكَثْرَةً وَأَيْضًا الْخُصْيَةُ الْمَفْقُودَةُ مِنْهُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِالْأَكْلِ فَلَا يَضُرُّ فَقْدُهَا. وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ إلَّا ابْنَ الْمُنْذِرِ عَلَى جَوَازِ خِصَاءِ الْمَأْكُولِ فِي صِغَرِهِ دُونَ كِبَرِهِ وَتَحْرِيمِهِ فِيمَا لَا يُؤْكَلُ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. (وَ) تُجْزِئُ (الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ) مَا لَمْ يَعِبْ اللَّحْمَ وَإِنْ دَمِيَ بِالْكَسْرِ لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَبِيرُ غَرَضٍ وَلِهَذَا لَا يَضُرُّ فَقْدُهُ خِلْقَةً فَإِنْ عِيبَ اللَّحْمُ ضَرَّ كَالْجَرَبِ وَغَيْرِهِ. وَذَاتُ الْقَرْنِ أَوْلَى لِخَبَرِ: «خَيْرُ الضَّحِيَّةِ الْكَبْشُ الْأَقْرَنُ» وَلِأَنَّهُ أَحْسَنُ مَنْظَرًا بَلْ يُكْرَهُ غَيْرُهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَلَا يَضُرُّ ذَهَابُ بَعْضِ الْأَسْنَانِ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الِاعْتِلَافِ وَنَقْصِ اللَّحْمِ فَلَوْ ذَهَبَ الْكُلُّ ضَرَّ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ. وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَهَابَ الْبَعْضِ إذَا أَثَّرَ يَكُونُ كَذَلِكَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ: وَيُجْزِئُ مَكْسُورُ سِنٍّ أَوْ سِنَّيْنِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيّ. (وَلَا يُجْزِئُ مَقْطُوعُ) بَعْضِ (الْأُذُنِ) وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لِذَهَابِ جُزْءٍ مَأْكُولٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ دُونَ الثُّلُثِ أَجْزَأَ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَنْعَ كُلِّ الْأُذُنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَمَنْعَ الْمَخْلُوقَةِ بِلَا أُذُنٍ وَهُوَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ بِخِلَافِ فَاقِدَةِ الضَّرْعِ أَوْ الْأَلْيَةِ أَوْ الذَّنَبِ خِلْقَةً فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْأُذُنَ عُضْوٌ لَازِمٌ غَالِبًا بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَكَمَا يُجْزِئُ ذَكَرُ الْمَعْزِ. وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ فَقِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ أَمَّا إذَا فُقِدَ ذَلِكَ بِقَطْعٍ وَلَوْ لِبَعْضٍ مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَلَا مَقْطُوعُ) بَعْضِ (الذَّنَبِ) وَإِنْ قَلَّ أَوْ بِقَطْعِ بَعْضِ لِسَانٍ فَإِنَّهُ يَضُرُّ لِحُدُوثِ مَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ اللَّحْمِ وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ شَلَلَ الْأُذُنِ   [حاشية البجيرمي] زَالَ هَذَا الْمَحْذُورُ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَتَعَجَّبَ) أَيْ الْإِسْنَوِيُّ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمُهِمَّاتِ لِأَنَّهَا لَهُ هـ اشَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (السَّلَامَةُ) أَيْ ذُو السَّلَامَةِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: الْمُجْزِئُ وَفِي نُسْخَةِ السَّلِيمُ. قَوْلُهُ: (مَوْجُوءَيْنِ) بِجِيمٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَيْنَ الْوَاوِ وَالتَّحْتِيَّةِ مِنْ الْوِجَاءِ بِكَسْرِ الْوَاوِ أَيْ الْقَطْعِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (غَيْرُ مَقْصُودَةٍ) مِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ يُجْزِئُ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَهُ شَيْخُنَا. ثُمَّ قَالَ: وَالْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ أج. قَوْلُهُ: (عَلَى جَوَازِ خِصَاءِ الْمَأْكُولِ فِي صِغَرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْخِصَاءَ جَائِزٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَكُونَ لِمَأْكُولٍ وَأَنْ يَكُونَ صَغِيرًا وَأَنْ يَكُونَ فِي زَمَانٍ مُعْتَدِلٍ وَإِلَّا حَرُمَ وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ قَوْلُهُ: خِصَاءُ الْمَأْكُولِ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ أَيْ سَلُّ خُصْيَتَيْهِ بِمَعْنَى اسْتِخْرَاجِ بَيْضَتِهِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يُكْرَهُ غَيْرُهَا) أَيْ غَيْرُ ذَاتِ الْقَرْنِ. قَوْلُهُ (فَلَوْ ذَهَبَ الْكُلُّ ضَرَّ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ فَقْدَ الْأَسْنَانِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا إنْ أَثَّرَ فِي اللَّحْمِ ضَرَّ، وَإِلَّا فَلَا ق ل. وَلَا تُجْزِئُ فَاقِدَةُ كُلِّ الْأَسْنَانِ بِخِلَافِ الْمَخْلُوقَةِ بِلَا أَسْنَانٍ وَكَأَنَّ الْفَرْقُ أَنَّ فَقْدَ جَمِيعِهَا بَعْدَ وُجُودِهَا يُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ بِخِلَافِ فَقْدِ الْجَمِيعِ خِلْقَةً فَلْيُحَرَّرْ سم. قَوْلُهُ: (بَعْضِ الْأُذُنِ) وَجَوَّزَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَقْطُوعَةَ الْأُذُنِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَنْعَ كُلِّ الْأُذُنِ) أَيْ مَنْعَ مَقْطُوعَةِ كُلِّ الْأُذُنِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا صَرِيحُ كَلَامِ الْمَتْنِ لَا أَنَّهُ أَفْهَمُهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ النُّسْخَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِلشَّارِحِ فِيهَا كَلِمَةُ بَعْضِ مِنْ الْمَتْنِ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يُجْزِئُ مَقْطُوعُ بَعْضِ الْأُذُنِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْعَ الْمَخْلُوقَةِ بِلَا أُذُنٍ) وَسَكَتُوا عَنْ الْمَخْلُوقَةِ فَاقِدَةً بَعْضَ الْأُذُنِ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ. قَوْلُهُ: (عُضْوٌ لَازِمٌ) وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَلْيَةِ صَغِيرَةً فِي ذَاتِهَا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي بَعْضِ الْغَنَمِ، وَكَوْنِهَا كَبِيرَةً وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: فَقْدُ فِلْقَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ عُضْوٍ كَبِيرٍ، لِأَنَّ الْمُرَادَ الْكُبْرُ النِّسْبِيُّ فَالْأَلْيَةُ وَإِنْ صَغُرَتْ فَهِيَ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَبِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُذُنِ هَذَا وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا لَوْ وُجِدَتْ أَلْيَةٌ قُطِعَ جُزْءٌ مِنْهَا وَشَكَّ فِي أَنَّ الْمَقْطُوعَ كَانَ كَبِيرًا فِي الْأَصْلِ فَلَا يُجْزِئُ مَا قُطِعَتْ مِنْهُ الْآنَ أَوْ صَغِيرًا فَيُجْزِئُ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيمَا قُطِعَتْ مِنْهُ وَالْمُوَافِقُ لِلْغَالِبِ فِي أَنَّ الَّذِي يُقْطَعُ لِكُبْرِ الْأَلْيَةِ صَغِيرٌ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ كَمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ خِلْقَةً وَكَمَا يُجْزِئُ إلَخْ فَقَوْلُهُ: وَكَمَا يُجْزِئُ عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (ذَكَرُ الْمَعْزِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا ضَرْعَ لَهُ وَلَا أَلْيَةَ. قَوْلُهُ: (فَقِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى فَاقِدِ الضَّرْعِ وَالْأَلْيَةِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا فُقِدَ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الضَّرْعِ وَالْأَلْيَةِ وَالذَّنَبِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِقَطْعِ بَعْضِ لِسَانٍ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الرَّكَاكَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَمَّا إذَا فُقِدَ الضَّرْعُ وَالْأَلْيَةُ وَالذَّنَبُ بِقَطْعِ بَعْضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 كَفَقْدِهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَأْكُولًا، وَلَا يَضُرُّ شَقُّ أُذُنٍ وَلَا خَرْقُهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْقُطَ مِنْ الْأُذُنِ شَيْءٌ بِذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِهَا وَلَا يَضُرُّ التَّطْرِيفُ وَهُوَ قَطْعُ شَيْءٍ يَسِيرٍ مِنْ الْأَلْيَةِ لِخَبَرِ: " ذَلِكَ يُسَمِّنُهَا " وَلَا قَطْعَ فِلْقَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ عُضْوٍ كَبِيرٍ كَفَخِذٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعُضْوِ فَلَا يُجْزِئُ لِنُقْصَانِ اللَّحْمِ. (وَيَدْخُلُ وَقْتُ الذَّبْحِ) لِلْأُضْحِيَّةِ الْمَنْدُوبَةِ وَالْمَنْذُورَةِ (مِنْ وَقْتِ) مُضِيِّ قَدْرِ (صَلَاةِ) رَكْعَتَيْ (الْعِيدِ) وَهُوَ طُلُوعُ الشَّمْسِ يَوْمَ النَّحْرِ. وَمُضِيِّ قَدْرِ خُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ (إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ بِحَيْثُ لَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ قَبْلَ تَمَامِ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِهَا صَحَّتْ أُضْحِيَّةً. فَلَوْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَقْطَعْ أُضْحِيَّةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ» وَخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ: «فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهَا إلَى مُضِيِّ ذَلِكَ مِنْ ارْتِفَاعِ شَمْسِ يَوْمِ النَّحْرِ كَرُمْحٍ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَمَنْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ فِي ذِمَّتِهِ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أُضْحِيَّةٌ، ثُمَّ عَيَّنَ الْمَنْذُورَةَ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ. فَإِنْ تَلِفَتْ الْمُعَيَّنَةُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ بِلَا تَقْصِيرٍ بَقِيَ الْأَصْلُ عَلَيْهِ أَوْ تَلِفَتْ فِي الْأُولَى بِلَا تَقْصِيرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِتَقْصِيرٍ لَزِمَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ مِثْلِهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَقِيمَتُهَا يَوْمَ التَّلَفِ لِيَشْتَرِيَ بِهَا كَرِيمَةً أَوْ مِثْلَيْنِ لِلْمُتْلَفَةِ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ لَزِمَهُ دَفْعُ قِيمَتِهَا لِلنَّاذِرِ يَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَدُونَهَا. (وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الذَّبْحِ) مُطْلَقًا (خَمْسَةُ) بَلْ تِسْعَةُ (أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (التَّسْمِيَةُ) بِأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ   [حاشية البجيرمي] لِسَانٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَلَعَلَّهَا سَرَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ تَأَمَّلْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: أَوْ بِقَطْعٍ أَيْ أَوْ نَقَصَ الْمُضَحَّى بِهِ بِقَطْعٍ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَوْ الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: بِقَطْعِ قَوْلُهُ: (شَيْءٍ يَسِيرٍ) خَرَجَ الْكَثِيرُ فَلَوْ تَرَتَّبَ عَلَى بَقَائِهِ ضَرَرُهَا بِأَنْ تَنْجَرِحَ فَهَلْ يُغْتَفَرُ الْكَثِيرُ أَيْضًا أَوْ لَا؟ عُمُومُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُغْتَفَرُ. قَوْلُهُ: (بِالْإِضَافَةِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ. قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ وَقْتُ الذَّبْحِ) غَيَّرَ الشَّارِحُ إعْرَابَ الْمَتْنِ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ. وَجَعَلَهُ الشَّارِحُ فَاعِلًا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعِيبًا لِأَنَّ نَوْعَ الْإِعْرَابِ لَمْ يَخْتَلِفْ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ شَخْصُهُ وَهُوَ كَوْنُهُ مُبْتَدَأً. قَوْلُهُ: (مِنْ وَقْتِ) هِيَ لِلِابْتِدَاءِ أَيْ مُبْتَدَأٌ وَثَابِتٌ مِنْ وَقْتِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (صَلَاةِ الْعِيدِ) لَعَلَّهُ تَجَوَّزَ بِاسْتِعْمَالِ الصَّلَاةِ فِي الْأَعَمِّ مِنْ الصَّلَاةِ، وَالْخُطْبَةِ، وَلَوْ وَقَفُوا فِي الْعَشْرِ حُسِبَتْ الْأَيَّامُ لِلذَّبْحِ عَلَى حِسَابِ وُقُوفِهِمْ كَمَا فِي الْحَجِّ اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَهُوَ طُلُوعُ إلَخْ) صَوَابُهُ مِنْ طُلُوعِ إلَخْ أَيْ مَضَى ذَلِكَ مِنْ طُلُوعِ، فَتَأَمَّلْ وَقَالَ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: وَهُوَ طُلُوعُ الضَّمِيرُ عَائِدٌ لِلْوَقْتِ بِحَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَوَقْتُ الذَّبْحِ وَقْتُ طُلُوعِ الشَّمْسِ. قَوْلُهُ: (وَمُضِيِّ قَدْرٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى مُضِيِّ قَدْرِ صَلَاةٍ فَيَكُونُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَتْنَ حَذَفَ الْوَاوَ، مَعَ الْمَعْطُوفِ أَوْ تَوَسَّعَ بِأَنْ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ مَا يَشْمَلُ الْخُطْبَةَ. قَوْلُهُ: (خَفِيفَتَيْنِ) بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْوَاجِبِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (إلَى غُرُوبِ) لَا مَعْنَى لِتَعَلُّقِهِ بِيَدْخُلُ لِأَنَّ الدُّخُولَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ. قَوْلُهُ: (إلَى مُضِيِّ ذَلِكَ) أَيْ قَدْرِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَتَيْنِ وَمِنْ لِلِابْتِدَاءِ. قَوْلُهُ: (مُعَيَّنَةً) أَيْ ابْتِدَاءً كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ. قَوْلُهُ: (كَلِلَّهِ عَلَيَّ أُضْحِيَّةٌ) بِشَاةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ اكْتِفَاءً بِالصِّيغَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الثَّانِيَةِ) وَهِيَ الْمَنْذُورَةُ فِي الذِّمَّةِ وَقَوْلُهُ: فِي الْأُولَى وَهِيَ الْمُعَيَّنَةُ ابْتِدَاءً اهـ أج. قَوْلُهُ: (مِنْ مِثْلِهَا) أَيْ مِنْ قِيمَةِ مِثْلِهَا مَرْحُومِيٌّ وَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ قِيمَةٍ كَمَا هُوَ فِي الْمَنْهَجِ وَعِبَارَةُ ع ش عَلَيْهِ قَوْلُهُ مِنْ مِثْلِهَا يَوْمَ النَّحْرِ أَيْ وَلَوْ مِنْ مَالِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ النَّحْرِ أَكْثَرَ وَتَسْمِيَتُهَا يَوْمَ التَّلَفِ لَزِمَهُ الْمِثْلُ. اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ قِيمَتُهَا) أَيْ وَقْتَ التَّلَفِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَدُونَهَا) فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ اشْتَرَى شِقْصًا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ اشْتَرَى لَحْمًا. نَعَمْ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصَدَّقَ بِالدَّرَاهِمِ اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ فِي التَّضْحِيَةِ وَغَيْرِهَا مَا عَدَا التَّكْبِيرَ. وَالدُّعَاءَ بِالْقَبُولِ فَإِنَّهُمَا خَاصَّانِ بِالْأُضْحِيَّةِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ) وَالْأَكْمَلُ، تَكْمِيلُهَا وَمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ ذَلِكَ لِأَنَّ الذَّبْحَ لَا يُنَاسِبُهُ رَحْمَةٌ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الذَّبْحَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ. (وَ) الثَّانِي (الصَّلَاةُ) وَالسَّلَامُ (عَلَى) سَيِّدِنَا (رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) تَبَرُّكًا بِهِمَا. (وَ) الثَّالِثُ (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالذَّبِيحَةِ) أَيْ بِمَذْبَحِهَا فَقَطْ عَلَى الْأَصَحِّ دُونَ وَجْهِهَا لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِقْبَالُ أَيْضًا. (وَ) الرَّابِعُ (التَّكْبِيرُ ثَلَاثًا) بَعْدَ التَّسْمِيَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. (وَ) الْخَامِسُ (الدُّعَاءُ بِالْقَبُولِ) بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَإِلَيْك فَتَقَبَّلْ مِنِّي وَالسَّادِسُ تَحْدِيدُ الشَّفْرَةِ فِي غَيْرِ مُقَابِلَتِهَا. وَالسَّابِعُ إمْرَارُهَا وَتَحَامُلُ ذَهَابِهَا وَإِيَابِهَا وَالثَّامِنُ إضْجَاعُهَا عَلَى شِقِّهَا الْأَيْسَرِ وَشَدِّ قَوَائِمِهَا الثَّلَاثِ غَيْرَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى. وَالتَّاسِعُ عَقْلُ الْإِبِلِ وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ. (وَلَا يَأْكُلُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ) وَالْهَدْيِ الْمَنْذُورِ كَدَمِ الْجُبْرَانِ فِي الْحَجِّ. (شَيْئًا) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنْ أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا غَرِمَهُ. (وَيَأْكُلُ مِنْ) الْأُضْحِيَّةِ (الْمُتَطَوِّعِ بِهَا) أَيْ يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى هَدْيِ التَّطَوُّعِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] أَيْ الشَّدِيدَ الْفَقْرِ وَفِي الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْأَكْلُ مِنْهَا كَمَا قِيلَ بِهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج: 36] فَجَعَلَهَا لَنَا وَمَا جُعِلَ لِلْإِنْسَانِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَكْلِهِ وَتَرْكِهِ. قَالَهُ فِي الْمُهَذَّبِ (وَلَا يَبِيعُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ شَيْئًا) وَلَوْ جِلْدَهَا أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ سَوَاءً أَكَانَتْ مَنْذُورَةً أَمْ لَا. وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِلْدِ   [حاشية البجيرمي] فِيهِ رَحْمَةٌ لِلْآكِلِينَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ) بِالْجَرِّ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ حَرُمَ وَحَرُمَتْ الذَّبِيحَةُ إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ " التَّشْرِيكَ. فَإِنْ أَطْلَقَ كُرِهَ وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ لَمْ يُكْرَهْ وَلَا تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ فِيهِمَا وَقِيلَ: يَحْرُمُ إذَا أَطْلَقَ لِإِيهَامِهِ التَّشْرِيكَ. وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ وَلَوْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمُ مُحَمَّدٍ بِالرَّفْعِ لَمْ يَحْرُمْ بَلْ وَلَا يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ بِرْمَاوِيٌّ وَفِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ وَأَمَّا مَا قِيلَ عِنْدَ ذَبْحِهِ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ فَحَلَالٌ أَكْلُهُ. وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ حَرَامًا لِإِيهَامِهِ التَّشْرِيكَ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَحَالِّ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: " لَا أَذْكُرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي " فَقَدْ جَاءَ " أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إنَّ رَبِّي وَرَبَّك يَقُولُ لَك أَتَدْرِي كَيْفَ رَفَعَ ذِكْرَك " أَيْ عَلَى أَيِّ حَالٍ جَعَلْت ذِكْرَك مَرْفُوعًا مُشَرَّفًا، الْمَذْكُورَ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ نَشْرَحْ} [الشرح: 1] إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] قُلْت اللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ: " لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي " أَيْ فِي غَالِبِ الْمَوَاطِنِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا. فَائِدَةٌ: مَنْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا لَهَا لِكَوْنِهَا بَيْتَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ لِلنَّبِيِّ لِكَوْنِهِ رَسُولَ اللَّهِ أَوْ لِلْفَرَحِ بِقُدُومِ إمَامٍ أَوْ وَزِيرٍ أَوْ ضَيْفٍ أَوْ شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لِإِرْضَاءِ سَاخِطٍ أَوْ عِنْدَ مَقَامِ وَلِيٍّ فَلَا يَكْفُرُ، وَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ بَلْ يُسَنُّ ذَلِكَ بِالْإِهْدَاءِ لِلْكَعْبَةِ وَغَيْرِهَا فَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِهِ أَيْ بِالذَّبْحِ كَنَحْوِ زَيْتٍ لِإِسْرَاجِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. اهـ. دَيْرَبِيٌّ بِخَطِّهِ. قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ) أَيْ عَقِبَ التَّسْمِيَةِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا أَعْنِي التَّسْمِيَةَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ إلَخْ سم. قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّسْمِيَةِ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ أَوْ قَبْلَهَا فَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِمَرَّةٍ وَالْأَكْمَلُ ثَلَاثٌ. قَوْلُهُ: (هَذَا مِنْك) أَيْ وَاصِلٌ مِنْك، وَرَاجِعٌ إلَيْك أَوْ نِعْمَةٌ مِنْك أَوْ مُتَقَرَّبٌ بِهِ إلَيْك وَقَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مُقَابَلَتِهَا أَيْ الذَّبِيحَةِ. قَوْلُهُ: (الْمَنْذُورَةِ) لَوْ قَالَ: الْوَاجِبَةِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَعَمَّ لِيَشْمَلَ الْوَاجِبَةَ بِقَوْلِهِ: هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ أَوْ جَعَلْتهَا أُضْحِيَّةً وَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ ق ل. وَمِثْلُهُ م ر حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ اهـ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ شَدِيدٌ. قَوْلُهُ: (كَدَمِ الْجُبْرَانِ) تَنْظِيرٌ لِلْهَدْيِ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَأْكُلَ) مَحْمُولٌ عَلَى الزَّائِدَةِ عَلَى الْوَاجِبِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي حَقِّهِ، وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْوَاجِبَةِ وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي أَكْلِهِ مِنْ الْكَبِدِ كَوْنُهُ أَوَّلَ مَا يَقَعُ بِهِ إكْرَامُ اللَّهِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ لِمَا وَرَدَ: «إنَّ أَوَّلَ إكْرَامِهِ لَهُمْ بِأَكْلِ زِيَادَةِ كَبِدِ الْحُوتِ» قَوْلُهُ: (لِظَاهِرِ الْآيَةِ) أَيْ قَوْلُهُ: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] وَهُوَ عِلَّةٌ لِلْمَنْفِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا. كَأَنْ يَجْعَلَهُ دَلْوًا أَوْ نَعْلًا أَوْ خُفًّا وَالتَّصَدُّقُ بِهِ أَفْضَلُ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا إجَارَتُهُ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ: «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» وَلَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ، وَتَجُوزُ إعَارَتَهُ، كَمَا لَهُ إعَارَتُهَا. أَمَّا الْوَاجِبَةُ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجِلْدِهَا. كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَرْنُ مِثْلُ الْجِلْدِ فِيمَا ذُكِرَ وَلَهُ جَزُّ صُوفٍ عَلَيْهَا إنْ تُرِكَ إلَى الذَّبْحِ ضَرَّ بِهَا لِلضَّرُورَةِ وَإِلَّا فَلَا يَجُزُّهُ إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً لِانْتِفَاعِ الْحَيَوَانِ بِهِ فِي دَفْعِ الْأَذَى وَانْتِفَاعِ الْمَسَاكِينِ بِهِ عِنْدَ الذَّبْحِ. وَكَالصُّوفِ فِيمَا ذُكِرَ الشَّعْرُ وَالْوَبَرُ وَوَلَدُ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ يُذْبَحُ حَتْمًا كَأُمِّهِ وَيَجُوزُ لَهُ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ أَكْلُهُ قِيَاسًا عَلَى اللَّبَنِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُمِّهِ وَلَهُ شُرْبُ فَاضِلِ لَبَنِهَا عَنْ وَلَدِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَيُطْعِمُ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى سَبِيلِ التَّصَدُّقِ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ بَعْضِهَا وُجُوبًا وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ لَحْمِهَا بِحَيْثُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَيَكْفِي الصَّرْفُ لِوَاحِدٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ. وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ بِخِلَافِ سَهْمِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ لِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ هُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى جُزْءٍ يَسِيرٍ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ وَيُشْتَرَطُ فِي اللَّحْمِ أَنْ يَكُونَ نِيئًا لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ مَنْ يَأْخُذُهُ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ. كَمَا فِي الْكَفَّارَاتِ فَلَا يَكْفِي جَعْلُهُ طَعَامًا وَدُعَاءُ الْفُقَرَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي تَمَلُّكِهِ وَلَا تَمْلِيكُهُمْ لَهُ مَطْبُوخًا وَلَا تَمْلِيكُهُمْ غَيْرَ اللَّحْمِ مِنْ جِلْدٍ وَكَرِشٍ وَطِحَالٍ وَنَحْوِهَا وَلَا الْهَدِيَّةُ عَنْ التَّصَدُّقِ وَلَا الْقَدْرُ التَّافِهُ مِنْ اللَّحْمِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا كَوْنُهُ قَدِيدًا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. وَلَوْ تَصَدَّقَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ وَأَكَلَ وَلَدَهَا كُلَّهُ جَازَ. وَلَوْ أَعْطَى الْمُكَاتَبَ جَازَ كَالْحُرِّ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ وَخَصَّهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِغَيْرِ سَيِّدِهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ صَرَفَهُ إلَيْهِ مِنْ زَكَاتِهِ انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُهُمْ فَلَا يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ مِنْهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَوَقَعَ   [حاشية البجيرمي] وَقَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عِلَّةٌ لِلنَّفْيِ. قَوْلُهُ: (كَمَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا) أَيْ قَبْلَ الذَّبْحِ قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَلَوْ جِلْدَهَا، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَعَادَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ لِخَبَرِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَوَلَدُ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ وُجُوبُهَا بِنَذْرٍ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ: عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ، أَوْ كَانَ وُجُوبُهَا بِالْجَعْلِ كَجَعَلْت هَذِهِ أُضْحِيَّةً فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ طَرَأَ لَهَا الْحَمْلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ، فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ الذَّبْحِ وَهِيَ حَامِلٌ ذُبِحَتْ وَإِنْ وَلَدَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ ذُبِحَتْ وَذُبِحَ وَلَدُهَا وَيَجُوزُ أَكْلُ وَلَدِهَا. وَكَذَا إذَا عَيَّنَ مَا فِي ذِمَّتِهِ فَحَمَلَتْ بَعْدَ التَّعْيِينِ وَوُلِدَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ يُذْبَحُ أَيْضًا وَيَجُوزُ أَكْلُهُ. وَأَمَّا لَوْ عَيَّنَ حَامِلًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ لَا يَصِحُّ أَوْ عَيَّنَ حَائِلًا فَحَمَلَتْ وَاسْتَمَرَّ الْحَمْلُ إلَى وَقْتِ الذَّبْحِ فَلَا يَصِحُّ ذَبْحُهَا، فَكَلَامُ الشَّارِحِ يُنَزَّلُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَّ أُضَحِّيَ بِحَامِلٍ فَعَيَّنَ حَامِلًا وَاسْتَمَرَّ الْحَمْلُ إلَى الذَّبْحِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَإِنْ وَلَدَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ فَلَا يُجْزِئُ ذَبْحُهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ فِيهَا صِفَةُ النَّذْرِ، وَمَحَلُّ جَوَازِ أَكْلِ وَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ إذَا بَقِيَتْ أُمُّهُ أَمَّا إذَا مَاتَتْ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى سَبِيلِ التَّصَدُّقِ) أَيْ لَا عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ فَلَا يَكْفِي. وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا كَانَ لِأَجْلِ الْهَدِيَّةِ يَكُونُ الْقَصْدُ مِنْهُ الْإِكْرَامُ بِخِلَافِ مَا كَانَ الْقَصْدُ بِهِ الصَّدَقَةُ فَإِنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الثَّوَابُ. قَوْلُهُ: (بَعْضَهَا) مَفْعُولٌ لِيُطْعِم. قَوْلُهُ: (تَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْجَمْعِ وَيُجَابُ بِأَنَّ أَلْ لِلْجِنْسِ. قَوْلُهُ: (وَأَكَلَ وَلَدَهَا كُلَّهُ) وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَى شَاةً مَثَلًا بِنِيَّةِ الضَّحِيَّةِ، بِقَلْبِهِ أَوْ عَيَّنَهَا مِنْ مَالِهِ لِلضَّحِيَّةِ بِقَلْبِهِ أَيْضًا ثُمَّ إنَّهَا حَمَلَتْ، وَوَلَدَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ فَلَا يُجْزِئُ ذَبْحُهَا، بَلْ يُبْدِلُهَا بِسَلِيمَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلَ الْأُولَى قَالَ م د: دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمُتَطَوَّعَ بِهَا إذَا عَرَضَ لَهَا الْحَمْلُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ ضَحِيَّةٌ ثَانِيَةٌ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجُزْءٍ مِنْهُ، أَيْ فَهَذَا التَّوَهُّمُ بَاطِلٌ. قَوْلُهُ: (وَخَصَّهُ) أَيْ الْمُعْطِي وَقَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ وَإِنَّمَا جَمَعَ الضَّمِيرَ مَعَ رُجُوعِهِ لِلْغَيْرِ، لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ الْجَمْعِيَّةَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي كِتَابِهِ: وَهُوَ الْإِمَامُ يُوسُفُ أَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ نِسْبَةً إلَى بُوَيْطَ قَرْيَةٍ مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ اهـ أج. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 فِي الْمَجْمُوعِ جَوَازُ إطْعَامِ فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبَةِ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ الْأَذْرَعِيُّ. تَتِمَّةٌ: الْأَفْضَلُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّهَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَأَبْعَدُ عَنْ حَظِّ النَّفْسِ إلَّا لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ لُقَمًا يُتَبَرَّكُ بِأَكْلِهَا عَمَلًا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالِاتِّبَاعِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الْأَكْلَ وَيُسَنُّ إنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالتَّصَدُّقِ وَالْإِهْدَاءِ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ أَثْلَاثًا وَإِذَا أَكَلَ الْبَعْضَ وَتَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ فَلَهُ ثَوَابُ التَّضْحِيَةِ بِالْكُلِّ وَالتَّصَدُّقِ بِالْبَعْضِ وَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِلتَّضْحِيَةِ عِنْدَ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ قَبْلَهُ عِنْدَ تَعْيِينِ مَا يُضَحِّي بِهِ: كَالنِّيَّةِ فِي الزَّكَاةِ لَا فِيمَا عَيَّنَ لَهَا بِنَذْرٍ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةٌ وَلَوْ وَكَّلَ بِذَبْحٍ كَفَتْ نِيَّتُهُ وَلَا حَاجَةَ لِنِيَّةِ الْوَكِيلِ وَلَهُ تَفْوِيضُهَا لِمُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ وَلَا تَضْحِيَةَ لِأَحَدٍ عَنْ آخَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَوْ كَانَ مَيِّتًا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ لَهُ كَالزَّكَاةِ. وَلَا لِرَقِيقٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهَا وَقَعَتْ لِسَيِّدِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُكَاتَبٍ وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا وَقَعَتْ لَهُ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ.   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَتَعَجَّبَ مِنْهُ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ) أَيْ مِمَّا وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا إرْفَاقُ الْمُسْلِمِينَ بِأَكْلِهَا لِأَنَّهَا ضِيَافَةٌ مِنْ اللَّهِ فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُ غَيْرِهِمْ مِنْهَا وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّ الَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ الْأَذْرَعِيُّ هُوَ إطْعَامُ الْمُضَحِّي لِفُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ م ر امْتِنَاعُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَنَّ مَا فِي الْمَجْمُوعِ إنَّمَا هُوَ فِي إعْطَاءِ الْفَقِيرِ أَوْ الْمُهْدَى لَهُ شَيْئًا مِنْهَا لِلْكَافِرِ وَعِبَارَتُهُ: وَخَرَجَ بِالْمُضَحِّي عَنْ نَفْسِهِ مَا لَوْ ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ إطْعَامُ كَافِرٍ مِنْهَا مُطْلَقًا فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا مَنْدُوبَةً أَوْ وَاجِبَةً وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ امْتِنَاعُ إطْعَامِ الْفَقِيرِ وَالْمُهْدَى إلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا لِلْكَافِرِ إذْ الْقَصْدُ مِنْهَا إرْفَاقُ الْمُسْلِمِينَ بِأَكْلِهَا، لَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ وَفِي ع ش عَلَى م ر. دَخَلَ فِي الْإِطْعَامِ مَا لَوْ ضَيَّفَ الْفَقِيرُ أَوْ الْمُهْدَى إلَيْهِ الْغَنِيُّ كَافِرًا فَلَا يَجُوزُ نَعَمْ لَوْ اُضْطُرَّ الْكَافِرُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدْفَعُ ضَرُورَتَهُ إلَّا لَحْمُ الْأُضْحِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ لَهُ مِنْهُ مَا يَدْفَعُ ضَرُورَتَهُ وَيَضْمَنُهُ الْكَافِرُ بِبَدَلِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ كَانَ الدَّافِعُ لَهُ غَنِيًّا كَمَا لَوْ أَكَلَ الْمُضْطَرُّ طَعَامَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْبَدَلِ وَلَا تَكُونُ الضَّرُورَةُ مُبِيحَةً لَهُ إيَّاهُ مَجَّانًا. اهـ. . قَوْلُهُ: (بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] . قَوْلُهُ: (لَا فِيمَا عَيَّنَ لَهَا بِنَذْرٍ) صُورَتُهُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ لَا عِنْدَ الذَّبْحِ؛ وَلَا عِنْدَ النَّذْرِ حَتَّى لَوْ ذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ يَكْفِي وَيُفَرِّقُهَا صَاحِبُهَا وَأَمَّا إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً بِالْجَعْلِ كَجَعَلْتهَا أُضْحِيَّةً أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَهَذِهِ أُضْحِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ، أَوْ عِنْدَ الْجَعْلِ أَوْ عِنْدَ التَّعْيِينِ بِالْإِشَارَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَهَا فَيَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ عِنْدَ الذَّبْحِ أَوْ التَّعْيِينِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَكَّلَ بِذَبْحٍ كَفَتْ نِيَّتُهُ) أَيْ الْمُضَحِّي عِنْدَ ذَبْحِ الْوَكِيلِ أَوْ الدَّفْعِ إلَيْهِ أَوْ فِيمَا قَبْلَهُ، مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْقَوْلَةِ قَبْلَ هَذِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ تَفْوِيضُهَا) أَيْ النِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ مَيِّتًا) صُورَتُهَا فِي الْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ تَضْحِيَتُهُ عَنْ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ إلَّا فِيمَا إذَا ضَحَّى عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَوْ ضَحَّى عَنْ مُوَلِّيهِ مِنْ مَالِ الْوَلِيِّ، أَوْ ضَحَّى الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِهِ الطَّلَبُ عَنْ الْأَغْنِيَاءِ وَحِينَئِذٍ فَالْمَقْصُودُ مِنْ الذَّبْحِ عَنْهُمْ مُجَرَّدُ حُصُولِ الثَّوَابِ لَهُمْ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ التَّضْحِيَةِ مِنْ الْإِمَامِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ التَّضْحِيَةُ بِمَا شَرَطَ الْوَاقِفُ التَّضْحِيَةَ بِهِ مِنْ غَلَّةِ وَقْفِهِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ لِمَنْ شَرَطَ صَرْفَهُ لَهُمْ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ التَّضْحِيَةُ عَنْهُمْ، وَيَأْكُلُونَ مِنْهُ وَلَوْ أَغْنِيَاءً وَلَيْسَ هُوَ ضَحِيَّةٌ مِنْ الْوَاقِفِ، بَلْ هُوَ صَدَقَةٌ مُجَرَّدَةٌ كَبَقِيَّةِ عِلَّةِ الْوَاقِفِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ لَهُ) وَصُورَتُهُ فِي الْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَقَعَتْ لِسَيِّدِهِ) أَيْ بِأَنْ نَوَى السَّيِّدُ أَوْ فَوَّضَ النِّيَّةَ إلَيْهِ ز ي وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ أَيْ الرَّقِيقُ غَيْرَ مُكَاتَبٍ إلَخْ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 فَصْلٌ: فِي الْعَقِيقَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مِنْهَا خَبَرُ: «الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ. وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى» وَمِنْهَا: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ» رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ؛ وَمَعْنَى مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ قِيلَ لَا يَنْمُو نُمُوَّ مِثْلِهِ. وَقِيلَ: إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ لَمْ يَشْفَعْ لِوَالِدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. (وَالْعَقِيقَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ) لُغَةً اسْمٌ لِلشَّعْرِ الَّذِي عَلَى رَأْسِ الْمَوْلُودِ حِينَ وِلَادَتِهِ وَشَرْعًا الذَّبِيحَةُ عَنْ الْمَوْلُودِ عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِ رَأْسِهِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي الْعَقِيقَةِ] ِ الْأَوْلَى تَسْمِيَتُهَا ذَبِيحَةٌ وَنَسِيكَةٌ، أَيْ لِمَا فِي الْعَقِيقَةِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِالْعُقُوقِ فَالتَّسْمِيَةُ بِهَا خِلَافُ الْأَوْلَى وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً كَمَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً اهـ. قَالَ الشَّيْخُ س ل: الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، أَيْ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهَا عَقِيقَةً وَذَكَرَهَا بَعْدَ الْأُضْحِيَّةِ لِمُشَارَكَتِهَا لَهَا فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا تُخَالِفُهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ طَبْخُ مَا يُدْفَعُ مِنْهَا لِلْفُقَرَاءِ وَأَنْ تُعْطَى رِجْلُهَا نِيئَةً لِلْقَابِلَةِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِيمَا يَأْخُذُونَهُ بِغَيْرِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) : أَيْ الْعَقِيقَةُ أَيْ الْعَقُّ بِهَا لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ اسْمٌ لِلذَّبِيحَةِ وَهِيَ فِي نَفْسِهَا لَيْسَتْ سُنَّةً وَإِنَّمَا السُّنَّةُ الْعَقُّ بِهَا. قَوْلُهُ: (سُنَّةٌ) أَيْ فِي حَقِّنَا وَاجِبَةٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ: مُؤَكَّدَةٌ فَيُثَابُ عَلَى فِعْلِهَا فَإِنْ نَذَرَهَا وَجَبَتْ. قَوْلُهُ: (الْغُلَامُ) لَعَلَّ التَّعْبِيرَ بِهِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْوَالِدَيْنِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْأُنْثَى فَقَصْدُ حَثِّهِمْ عَلَى فِعْلِ الْعَقِيقَةِ وَإِلَّا فَالْأُنْثَى كَذَلِكَ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مُرْتَهَنٌ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ مَحْبُوسٌ فَشَبَّهَهُ بِعَدَمِ انْفِكَاكِهِ مِنْهَا بِالرَّهْنِ فِي يَدِ مُرْتَهِنٍ يَعْنِي إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ فَمَاتَ طِفْلًا لَا يَشْفَعُ فِي أَبَوَيْهِ كَذَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاسْتَجْوَدَهُ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّ شَفَاعَةَ الْوَلَدِ فِي وَالِدِهِ لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَبِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ يَشْفَعُ فِي غَيْرِهِ إنَّهُ مُرْتَهَنٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْعَقِيقَةَ سَبَبٌ لِفِكَاكِهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، الَّذِي طَعَنَهُ حَالَ خُرُوجِهِ فَهِيَ تَخْلِيصٌ لَهُ مِنْ حَبْسِ الشَّيْطَانِ لَهُ فِي أَسْرِهِ وَمَنْعُهُ لَهُ فِي سَعْيِهِ فِي مَصَالِحِ آخِرَتِهِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ إلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا أَجْوَدُ مَا قِيلَ فِيهِ: وَهُوَ تَفْسِيرُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِحَاطَتُهُ بِالسُّنَّةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ ثَبَتَ فِيهِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (لَمْ يَشْفَعْ لِوَالِدَيْهِ) أَيْ مَعَ السَّابِقِينَ أَيْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا لِكَوْنِهِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ، وَالْأَوْلَى قِرَاءَةُ وَالِدِيهِ بِكَسْرِ الدَّالِ فَيَشْمَلُ الْوَالِدَ وَإِنْ عَلَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَمْ الْأُمِّ. ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَانْظُرْ إذَا عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ هَلْ يَشْفَعُ فِي أَبَوَيْهِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (وَالْعَقِيقَةُ مُسْتَحَبَّةٌ) أَيْ ذَبْحُهَا لَا هِيَ نَفْسُهَا لِأَنَّهَا الْحَيَوَانُ. قَوْلُهُ: (عَلَى رَأْسِ الْمَوْلُودِ) مِنْ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ. قَوْلُهُ: (وَشَرْعًا الذَّبِيحَةُ إلَخْ) أَقُولُ: هُوَ غَيْرُ جَامِعٍ لِأَنَّ مِنْ الْعَقِيقَةِ مَا يُذْبَحُ قَبْلَ حَلْقِ الشَّعْرِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَمَا يُذْبَحُ وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ حَلْقُ شَعْرٍ مُطْلَقًا فَإِنَّ الذَّبْحَ عِنْدَ حَلْقِ الشَّعْرِ إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، بِأَنْ يَكُونَ يَوْمَ السَّابِعِ وَلَيْسَ مُعْتَبَرًا فِي الْحَقِيقَةِ تَأَمَّلْ سم عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِ رَأْسِهِ) هَذَا جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ الْعَقِيقَةُ مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ فَقَوْلُهُ: عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِ رَأْسِهِ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَأَصْلُ السُّنَّةِ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ) وَهِيَ الذَّبِيحَةُ وَقَوْلُهُ: بِاسْمِ سَبَبِهِ أَيْ وَهُوَ حَلْقُ الرَّأْسِ هَذَا مُرَادُ الشَّارِحِ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ جَعْلُ الْحَلْقِ سَبَبًا لِلتَّسْمِيَةِ وَلَا يَصِحُّ لِذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ كَانَ الْحَلْقُ يُسَمَّى عَقِيقَةً مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مُرَادَهُ السَّبَبُ الْبَعِيدُ. وَهُوَ الشَّعْرُ لِأَنَّ الشَّعْرَ سَبَبٌ لِلْحَلْقِ وَالْحَلْقُ سَبَبٌ لِلذَّبْحِ، وَفِي كَوْنِ الْحَلْقِ سَبَبًا لِلذَّبْحِ شَيْءٌ فَكَانَ الْأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ مَذْبَحَهَا يُعَقُّ أَيْ يُشَقُّ وَيُقْطَعُ وَقِيلَ سُمِّيَ الشَّعْرُ عَقِيقَةً لِأَنَّهُ يُعَقُّ أَيْ يُزَالُ قَالَ الرَّشِيدِيُّ: اُنْظُرْ هَذَا التَّعْلِيلَ وَلَا تَظْهَرُ لَهُ مُلَاءَمَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 سَبَبِهِ، وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِانْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ وَلَا تُحْسَبُ قَبْلَهُ بَلْ تَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ وَيُسَنُّ ذَبْحُهَا. (يَوْمَ سَابِعِهِ) أَيْ وِلَادَتِهِ وَيُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ. كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِخِلَافِ الْخِتَانِ فَإِنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْهَا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الزَّوَائِدِ لِأَنَّ الْمَرْعِيَّ هُنَا الْمُبَادَرَةُ إلَى فِعْلِ الْقُرْبَةِ وَالْمَرْعِيُّ هُنَاكَ التَّأْخِيرُ لِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ لِيَحْتَمِلَهُ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ: اللَّهُمَّ مِنْك، وَإِلَيْك عَقِيقَةُ فُلَانٍ لِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَيُكْرَهُ لَطْخُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِدَمِهَا لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِقُوا عَلَيْهِ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» بَلْ قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ثُمَّ يُغْسَلُ لِهَذَا الْخَبَرِ؛ وَيُسَنُّ لَطْخُ رَأْسِهِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْخُلُوقِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ . وَيُسَنُّ أَنْ يُسَمَّى فِي السَّابِعِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ وَلَا بَأْسَ بِتَسْمِيَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي   [حاشية البجيرمي] بِمَا قَبْلَهُ وَلَا يَصِحُّ جَامِعًا بَيْنَ اللُّغَوِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ عَقَّ لُغَةً مَعْنَاهُ قَطَعَ فَيَكُونُ لَهَا فِي اللُّغَةِ مَعْنَيَانِ الْقَطْعُ وَالشَّعْرُ الَّذِي عَلَى رَأْسِ الْوَلَدِ فَلَعَلَّ هَذَا الْمَعْنَى الْأَوَّلَ أَسْقَطَتْهُ الْكَتَبَةُ مِنْ الشَّرْحِ بَعْدَ إثْبَاتِهِ فِيهِ مَعَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَيَكُونُ الشَّرْحُ قَدْ أَشَارَ إلَى مُنَاسَبَةِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِكُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ فَأَشَارَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِمَعْنَى قَطَعَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ مَذْبَحَهُ إلَخْ وَلِمُنَاسَبَتِهِ لِمَعْنَى الشَّعْرِ بِقَوْلِهِ: وَلِأَنَّ الشَّعْرَ إلَخْ اهـ بِالْحَرْفِ. قَوْلُهُ: (أَيْ وِلَادَتِهِ) وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَهَا وَهِيَ تَطْلَقُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَ {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ} [الأعراف: 54] الْآيَةَ الَّتِي فِي الْأَعْرَافِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَالْإِكْثَارُ مِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، وَمِنْ دُعَاءِ يُونُسَ قَوْله تَعَالَى: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ} [الأنبياء: 87] إلَى آخِرِ الْآيَةِ وَيُسَنُّ أَيْضًا أَنْ يَقْرَأَ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] قَالَ بَعْضُهُمْ: خَاصِّيَّتُهَا أَنَّ مَنْ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ لَمْ يَزْنِ مُدَّةَ عُمْرِهِ. فَائِدَةٌ لِوَضْعِ الْحَامِلِ: يَكْتُبُ فِي إنَاءٍ جَدِيدٍ: اُخْرُجْ أَيُّهَا الْوَلَدُ مِنْ بَطْنٍ ضَيِّقَةٍ إلَى سِعَةِ هَذِهِ الدُّنْيَا، اُخْرُجْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي جَعَلَك فِي قَرَارٍ مَكِينٍ إلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} [الحشر: 21] . إلَى آخِرِ السُّورَةِ {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] ، وَيُمْحَى بِمَاءٍ وَتَشْرَبُهُ الْحَامِلُ وَيُرَشُّ عَلَى وَجْهِهَا مِنْهُ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك) أَيْ اللَّهُمَّ هَذَا نِعْمَةٌ مِنْك، وَتَقَرَّبْت بِهِ إلَيْك، وَالْإِشَارَةُ لِلْمَذْبُوحِ. قَوْلُهُ: (عَقِيقَةُ فُلَانٍ) أَيْ هَذِهِ عَقِيقَةٌ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْك خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَعَقِيقَةٌ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لَطْخُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِدَمِهَا) وَيَحْرُمُ لَطْخُ الْأَبْوَابِ بِدَمِهَا وَبِدَمِ الْأُضْحِيَّةِ اهـ ق ل وَنُقِلَ عَنْ م ر. أَنَّ تَلْطِيخَ الْبَابِ بِدَمِ الْأُضْحِيَّةِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ التَّبَرُّكُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْبَابُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِلْمُضَحِّي. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ) أَيْ لَطْخُ الرَّأْسِ قَدْ يُقَالُ: إنْ كَانَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا فَلَا كَرَاهَةَ أَيْضًا، وَمِنْ ثَمَّ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَإِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَهَلَّا قِيلَ بِالْحُرْمَةِ لِحُرْمَةِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ. قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ أَيْ لِظَاهِرِهِ إذْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: فَأَهْرِقُوا عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ فَأَهْرِقُوا لِأَجْلِهِ فَتَكُونُ عَلَى لِلتَّعْلِيلِ وَقَوْلُهُ: أَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى أَيْ أَزِيلُوا عَنْهُ أَذَى الشَّعْرِ وَنَحْوِهِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ فِي الْخَبَرِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّدْبِ فَضْلًا عَنْ الْوُجُوبِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَطَالَ بِهِ فِي الْحَاشِيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا. قَوْلُهُ: (مَعَ الْغُلَامِ) أَيْ يُطْلَبُ مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ. قَوْلُهُ: (فَأَهْرِقُوا) أَيْ صُبُّوا عَلَى رَأْسِهِ. وَقَوْلُهُ: وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى أَيْ اغْسِلُوهُ. قَوْلُهُ: (وَالْخُلُوقِ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْقَافِ نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ. اهـ. تَقْرِيبٌ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يُسَمَّى فِي السَّابِعِ) وَلَوْ مَاتَ أَوْ كَانَ سِقْطًا وَلَمْ يُعْرَفْ ذُكُورَتُهُ وَلَا أُنُوثَتُهُ سُمِّيَ بِاسْمٍ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى نَحْوُ طَلْحَةَ وَهِنْدٍ وَنَحْوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 أَذْكَارِهِ أَنَّ السُّنَّةَ تَسْمِيَتُهُ يَوْمَ السَّابِعِ، أَوْ يَوْمَ الْوِلَادَةِ وَاسْتَدَلَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ وَحَمَلَ الْبُخَارِيُّ أَخْبَارَ يَوْمِ الْوِلَادَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يُرِدْ الْعَقَّ وَأَخْبَارَ يَوْمِ السَّابِعِ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ شَارِحُهُ: وَهُوَ جَمْعٌ لَطِيفٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ؛ وَيُسَنُّ أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ لِخَبَرِ: «إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُمْ» وَأَفْضَلُ الْأَسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» . وَتُكْرَهُ الْأَسْمَاءُ الْقَبِيحَةُ كَشِهَابٍ وَشَيْطَانٍ وَحِمَارٍ وَمَا يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ عَادَةً كَبَرَكَةَ وَنَجِيحٍ، وَلَا تُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَ اللَّهُ أَهْلَ التَّوْحِيدِ مِنْ النَّارِ وَأَوَّلُ مَنْ يُخْرَجُ مَنْ وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَ نَبِيٍّ " وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: أَلَا لِيَقُمْ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَلْيَدْخُلْ الْجَنَّةَ كَرَامَةً لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَيَحْرُمُ تَلْقِيبُ الشَّخْصِ بِمَا يَكْرَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ كَالْأَعْمَشِ وَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِقَصْدِ التَّعْرِيفِ. لِمَنْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ، وَالْأَلْقَابُ الْحَسَنَةُ لَا يُنْهَى عَنْهَا وَمَا زَالَتْ الْأَلْقَابُ الْحَسَنَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إلَّا مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا مِنْ التَّوَسُّعِ حَتَّى لَقَّبُوا السَّفَلَةَ بِالْأَلْقَابِ الْعَلِيَّةِ. وَيُسَنُّ أَنْ يُكَنَّى أَهْلُ الْفَضْلِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.   [حاشية البجيرمي] ذَلِكَ، وَمُقْتَضَى صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ إنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ لَا تُؤَخَّرَ تَسْمِيَتُهُ إلَى السَّابِعِ بَلْ يُسَمَّى غَدَاةَ وِلَادَتِهِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (يَوْمَ السَّابِعِ) أَيْ مِنْ الْوِلَادَةِ وَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَأْقِيتِهَا بِهِ وَأَنَّ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَهُ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ، وَأَنَّهَا تَفُوتُ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ ذِكْرَ السَّابِعِ لِلِاخْتِيَارِ لَا لِلتَّعْيِينِ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ تُذْبَحَ يَوْمَ السَّابِعِ، فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ فَالرَّابِعَ عَشَرَ فَالْحَادِي وَالْعِشْرِينَ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ حَجَرٍ) أَيْ الْعَسْقَلَانِيُّ شَارِحُهُ أَيْ الْبُخَارِيِّ. قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُ الْأَسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَفْضَلَ الْأَسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ ثُمَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ مَا أُضِيفَ بِالْعُبُودِيَّةِ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ ثُمَّ مُحَمَّدٌ ثُمَّ أَحْمَدُ. وَسُئِلَ شَيْخُنَا: عَنْ اسْمِ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ مَا الْأَفْضَلُ مِنْهُمَا. فَأَجَابَ: بِأَنَّ الْأَفْضَلَ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مُحَمَّدٌ لِشُهْرَتِهِ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ وَبِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ السَّمَاءِ أَحْمَدُ لِذَلِكَ. وَقَالَ شَيْخُنَا س ل مُحَمَّدٌ أَفْضَلُ مُطْلَقًا بِرْمَاوِيٌّ عَلَى الْغَزِّيِّ. وَتُكْرَهُ بِعَبْدِ النَّبِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ مِنْ حُرْمَةِ التَّسْمِيَةِ بِعَبْدِ النَّبِيِّ ضَعِيفٌ، وَصَرِيحُ كَلَامِ الرَّحْمَانِيِّ حُرْمَةُ التَّسْمِيَةِ بِعَبْدِ الْعَاطِي لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَهِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ؛ وَتُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ أَيْضًا بِكُلِّ مَا يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ أَوْ إثْبَاتِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ: كَبَرَكَةَ وَرَحْمَةَ وَغَنِيمَةَ وَنَافِعٍ وَيَسَارٍ وَحَرْبٍ وَمُرَّةٍ وَشِهَابٍ وَشَيْطَانٍ وَحِمَارٍ، وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ بِنَحْوِ سِتِّ النَّاسِ أَوْ سِتِّ الْعُلَمَاءِ أَوْ سِتِّ الْقُضَاةِ أَوْ سِتِّ الْعَرَبِ أَوْ سَيِّدِ الْعُلَمَاءِ أَوْ سَيِّدِ النَّاسِ. وَتَحْرُمُ التَّسْمِيَةُ بِعَبْدِ الْكَعْبَةِ أَوْ النَّارِ أَوْ بِعَبْدِ عَلِيٍّ أَوْ الْحَسَنِ لِإِيهَامِ التَّشْرِيكِ، كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَمَا فِي حَاشِيَةِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ مِنْ كَرَاهَةِ التَّسْمِيَةِ بِعَبْدِ عَلِيٍّ ضَعِيفٌ وَتَحْرُمُ بِأَقْضَى الْقُضَاةِ وَمَلِكِ الْأَمْلَاكِ وَحَاكِمِ الْحُكَّامِ لَا قَاضِي الْقُضَاةِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَتَحْرُمُ أَيْضًا بِرَفِيقِ اللَّهِ وَجَارِ اللَّهِ لِإِيهَامِهِ الْمَحْذُورَ أَيْضًا، وَمِمَّا يَحْرُمُ قَوْلُ بَعْضِ الْعَوَامّ: إذَا حَمَلَ شَيْئًا ثَقِيلًا الْحَمْلَةُ عَلَى اللَّهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَمِثْلُهُ يَا حَامِلُ يَا زَامِلُ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ لَهُ سُبْحَانَهُ جِسْمًا تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَتَحْرُمُ بِعَبْدِ مَنَافٍ وَعَبْدِ الْعُزَّى لِأَنَّهُمَا اسْمَانِ لِصَنَمٍ كَعَبْدِ الْعَاطِي فَإِنَّهُ قَابِلُ الْعَطَاءِ كَعَبْدِ النَّارِ وَلَا يُكْرَهُ عَبْدُ النُّورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور: 35] وَيَجِبُ تَغْيِيرُ الِاسْمِ الْحَرَامِ. قَوْلُهُ: (وَمَا يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ عَادَةً) كَأَنْ يَقُولَ أَيْنَ بَرَكَةُ فَتَقُولُ لَهُ ذَهَبَتْ. قَوْلُهُ (كَبَرَكَةَ) وَغَنِيمَةَ وَرَحْمَةَ وَنَافِعٍ وَيَسَارٍ وَحَرْبٍ وَمُرَّةٍ وَشِهَابٍ. قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْعُهُودِ: أَخَذَ عَلَيْنَا الْعُهُودَ أَنْ نَزِيدَ فِي تَعْظِيمِ كُلِّ عَبْدٍ يُسَمَّى بِمِثَالِ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ بِمِثَالِ أَسْمَاءِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ بِمِثَالِ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ بِمِثَالِ أَسْمَاءِ أَكَابِرِ الْأَوْلِيَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - زِيَادَةً عَلَى تَعْظِيمِ غَيْرِهِ، مِمَّنْ لَمْ يُسَمَّ بِمَا ذَكَرَهُ وَقَالَ لِي سَيِّدِي مُحَمَّدُ بْنُ عَنَانٍ: أُحِبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يُسَمُّوا أَوْلَادَهُمْ أَحْمَدَ دُونَ مُحَمَّدٍ فَقُلْت لَهُ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ لِلَحْنِ الْعَامَّةِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 وَيَحْرُمُ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ وَلَا يُكَنَّى كَافِرٌ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا فَاسِقٌ وَلَا مُبْتَدِعٌ لِأَنَّ الْكُنْيَةَ لِلتَّكْرِمَةِ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا إلَّا لِخَوْفِ فِتْنَةٍ مِنْ ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ أَوْ تَعْرِيفٍ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى. وَيُسَنُّ فِي سَابِعِ وِلَادَةِ الْمَوْلُودِ أَنْ يُحْلَقَ رَأْسُهُ كُلُّهُ. وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ الشَّعْرِ ذَهَبًا فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَفِضَّةٌ. (وَيُذْبَحُ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ حُذِفَ فَاعِلُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ. وَهُوَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ (عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ) مُتَسَاوِيَتَانِ (وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) لِخَبَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ   [حاشية البجيرمي] اسْمِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ أَهْلَ الْأَرْيَافِ يَقُولُونَهَا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْحَاءِ وَأَهْلُ الْحَاضِرَةِ يَقُولُونَهَا بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكِلَاهُمَا لَحْنٌ فَاعْلَمْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ) وَلَوْ لِغَيْرِ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ق ل وَظَاهِرُهُ الْحُرْمَةِ وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ سَمَّاهُ قَاسِمًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِأَبِي قَاسِمٍ وَالْأَقْرَبُ الْحُرْمَةُ مُطْلَقًا أَيْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ وَبَعْدَهُ لِمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَلِغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِمَنْ لَهُ وَلَدٌ اسْمُهُ قَاسِمٌ أَوْ لَا، وَلَا بَأْسَ بِالتَّكَنِّي بِأَبِي الْحَسَنِ. قَالَ ابْنُ لُقَيْمَةَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ: وَلَا بَأْسَ بِكُنْيَةِ الصَّغِيرِ؛ وَيُسَنُّ أَنْ يُكَنَّى مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ بِأَكْبَرِ أَوْلَادِهِ وَيُسَنُّ لِوَلَدِ الشَّخْصِ وَتِلْمِيذِهِ وَغُلَامِهِ أَنْ لَا يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ، وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يُكَنِّيَ الشَّخْصُ نَفْسَهُ فِي كِتَابٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا إنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِهَا أَوْ كَانَتْ أَشْهَرَ مِنْ الِاسْمِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَنَّى كَافِرٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْكُنْيَةُ تُشْعِرُ بِالذَّمِّ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: كَمَا قِيلَ بِهِ إلَخْ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكُنْيَةَ لِلتَّكْرِمَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ شَأْنَهَا ذَلِكَ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا) وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا مُدِحَ الْكَافِرُ غَضِبَ الرَّبُّ وَاهْتَزَّ لِذَلِكَ الْعَرْشُ» . قَوْلُهُ: (مِنْ ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ) أَيْ خَافَ الضَّرَرَ إذَا ذَكَرَهُ بِاسْمِهِ لِعِظَمِهِ عِنْدَهُمْ فَيَذْكُرُهُ بِكُنْيَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَكْرِيمٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَعْرِيفٍ) أَيْ تَعْرِيفِ الْمُكَنَّى وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى خَوْفٍ، أَيْ إذَا كَانَ الْكَافِرُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْكُنْيَةِ فَيَجُوزُ ذِكْرُهَا، لِأَجْلِ أَنْ يُعْرَفَ. قَوْلُهُ: (كَمَا قِيلَ بِهِ) أَيْ بِالتَّعْرِيفِ. قَوْلُهُ: (فِي قَوْله تَعَالَى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] . أَيْ هَلَكَتَا أَوْ خَسِرَتَا بَيْضَاوِيٌّ قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ قَالَ مُقَاتِلٌ: إنَّمَا كَنَّوْهُ بِأَبِي لَهَبٍ لِحُسْنِهِ وَإِشْرَاقِ وَجْهِهِ مَعَ حُمْرَتِهِ قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ ذَلِكَ) أَيْ الْحَلْقُ بَعْدَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ هَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ أَوَّلًا عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِ رَأْسِهِ إلَخْ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْمَلِ. فَائِدَةٌ: تُنْدَبُ التَّهْنِئَةُ فِي الْوَلَدِ لِلْوَالِدِ وَنَحْوِهِ بِنَحْوِ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهِ وَبَلَّغَهُ رُشْدَهُ وَرَزَقَك بِرَّهُ، وَالرَّدُّ بِنَحْوِ جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا ق ل. وَقَوْلُهُ: وَنَحْوَهُ كَالْأَخِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ الشَّعْرِ إلَخْ) لِخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فَاطِمَةَ أَنْ تَزِنَ شَعْرَ الْحُسَيْنِ، وَتَتَصَدَّقَ بِوَزْنِهِ فِضَّةً، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ فَوَجَدَتْهُ عَادَلَ دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمًا إلَّا شَيْئًا وَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ» اهـ قَرَّرَهُ ح ف. قَوْلُهُ: (وَيُذْبَحُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ) فَقَدْ «عَقَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ بِكَبْشَيْنِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً عَلَى الْمَسَاكِينِ وَأَمَرَ بِشَعْرِهِ فَدُفِنَ فِي الْأَرْضِ» ح ل فِي السِّيرَةِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْخُنْثَى احْتِيَاطًا م ر خِلَافًا لحج وَأَفْضَلُ مِنْ الشَّاتَيْنِ ثَلَاثٌ. وَمَا زَادَ إلَى سَبْعٍ ثُمَّ بَعِيرٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ وَكَالشَّاتَيْنِ سُبْعَانِ مِنْ نَحْوِ بَدَنَةٍ فَأَكْثَرُ وَيَجُوزُ مُشَارَكَةُ جَمَاعَةٍ سَبْعَةٍ فَأَقَلَّ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ كُلُّهُمْ عَنْ عَقِيقَةٍ أَوْ بَعْضُهُمْ عَنْ ضَحِيَّةٍ أَوْ لَا وَلَا. اهـ. ق ل قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَإِذَا ذَبَحَهُمَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ التَّصَدُّقُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بَلْ يَكْفِي مِنْ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذَبْحِهِ أَجْزَأَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ، مِنْ كُلِّ كَمَا لَوْ ضَحَّى تَطَوُّعًا بَعْدَهُ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ فِي هَذِهِ أَنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ مِنْ كُلٍّ وَقَدْ سَوَّوْا كَمَا عَلِمْت بَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِمَا، إلَّا فِي صُورَةٍ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ بَلْ الْوَجْهُ اهـ إيعَابٌ. أَقُولُ: بَلْ الْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبِ فِي وَاحِدَةٍ لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ إذْ مُسَمَّى الشَّاتَيْنِ هُنَا هُوَ الْعَقِيقَةُ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ مُسَمَّاهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) أَيْ بِفَرْضِ إعْسَارِهِ سم فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: إمَّا مَنْ مَالِ الْمَوْلُودِ فَلَا إلَخْ فَسَقَطَ مَا يُقَالُ: إذَا كَانَ لِلْمَوْلُودِ مَالٌ نَافَى قَوْلَهُ: مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. قَوْلُهُ: (مُتَسَاوِيَتَانِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ. قَوْلُهُ: (أَنْ نَعُقَّ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 نَعُقَّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ» . وَإِنْ كَانَتْ الْأُنْثَى عَلَى النِّصْفِ تَشْبِيهًا بِالدِّيَةِ وَيَتَأَدَّى أَصْلُ السُّنَّةِ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاةٍ: «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا» وَكَالشَّاةِ سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ عَاجِزًا عَنْ الْعَقِيقَةِ حِينَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ أَيْسَرَ قَبْلَ تَمَامِ السَّابِعِ. اُسْتُحِبَّ فِي حَقِّهِ وَإِنْ أَيْسَرَ بِهَا بَعْدَ السَّابِعِ وَبَعْدَ بَقِيَّةِ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَيْ أَكْثَرِهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا وَفِيمَا إذَا أَيْسَرَ بِهَا بَعْدَ السَّابِعِ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ تَرَدُّدٌ لِلْأَصْحَابِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَنْوَارِ تَرْجِيحُ مُخَاطَبَتِهِ بِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ. (وَيُطْعَمُ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ) الْمُسْلِمِينَ فَهِيَ كَالْأُضْحِيَّةِ فِي جِنْسِهَا وَسَلَامَتِهَا مِنْ الْعَيْبِ وَالْأَفْضَلُ مِنْهَا وَسِنُّهَا وَالْأَكْلُ وَقَدْرُ الْمَأْكُولِ مِنْهَا وَالتَّصَدُّقُ وَالْإِهْدَاءُ مِنْهَا وَتَعْيِينُهَا إذَا عُيِّنَتْ وَامْتِنَاعُ بَيْعِهَا: كَالْأُضْحِيَّةِ الْمَسْنُونَةِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا ذَبِيحَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا. فَأَشْبَهَتْ الْأُضْحِيَّةَ لَكِنَّ الْعَقِيقَةَ: يُسَنُّ طَبْخُهَا، كَسَائِرِ الْوَلَائِمِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهُ السُّنَّةُ. وَيُسَنُّ أَنْ تُطْبَخَ بِحُلْوٍ تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِ الْمَوْلُودِ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ» . تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُسَنُّ طَبْخُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَنْذُورَةً. وَهُوَ كَذَلِكَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ طَبْخِهَا «رِجْلُ الشَّاةِ. فَإِنَّهَا تُعْطَى لِلْقَابِلَةِ لِأَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَعَلَتْ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ الْحَاكِمُ. وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يُكْسَرَ مِنْهَا عَظْمٌ بَلْ يُقْطَعُ كُلُّ عَظْمٍ مِنْ مَفْصِلِهِ تَفَاؤُلًا بِسَلَامَةِ أَعْضَاءِ الْمَوْلُودِ. فَإِنْ كَسَرَهُ لَمْ يُكْرَهْ. خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ الْيُمْنَى وَيُقَامَ فِي الْيُسْرَى لِخَبَرِ ابْنِ السِّنِيِّ: «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» أَيْ التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ وَلِيَكُونَ إعْلَامُهُ بِالتَّوْحِيدِ أَوَّلُ مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الدُّنْيَا كَمَا يُلَقَّنُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا. وَأَنْ يُحَنَّكَ بِتَمْرٍ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، فَيُمْضَغُ وَيُدَلَّكُ بِهِ حَنَكُهُ،   [حاشية البجيرمي] بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهِمَا وَفِي اللُّغَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الضَّمِّ مِنْ بَابِ قَتَلَ. قَوْلُهُ: (أَمَّا مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَهُوَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ . قَوْلُهُ: (لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا) أَيْ أَمْرًا مُؤَكَّدًا. قَوْلُهُ: (تَرْجِيحُ مُخَاطَبَتِهِ) لِبَقَاءِ أَثَرِ الْوِلَادَةِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّصَدُّقُ) أَيْ بِمَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ إذَا كَانَتْ مَنْدُوبَةً لَكِنْ لَا يَجِبُ هُنَا إعْطَاءُ النِّيءِ بَلْ يُسَنُّ طَبْخُهَا بِحُلْوٍ أَيْ بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَشْهُورَةِ الْآنَ مِنْ الْيَخْنِيِّ الْقِرْمِزِيِّ. اهـ. ع ش. وَالْقِرْمِزِيُّ هُوَ مَا فِيهِ جَوْزٌ وَلَوْزٌ وَنَحْوُهُ. قَوْلُهُ: (كَالْأُضْحِيَّةِ) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ: قَبْلُ فَهِيَ كَالْأُضْحِيَّةِ. قَوْلُهُ: (بِحُلْوٍ) وَطَبْخُهَا بِحَامِضٍ خِلَافُ الْأَوْلَى وَحَمْلُ لَحْمِهَا مَطْبُوخًا مَعَ مَرَقِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَفْضَلُ مِنْ دُعَائِهِمْ إلَيْهَا وَلِلْأَغْنِيَاءِ التَّصَرُّفُ فِيمَا يُهْدَى إلَيْهِمْ مِنْهَا بِغَيْرِ الْأَكْلِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ، كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةٍ إلَخْ) وَلَا يُقَالُ: بِمِثْلِهِ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ تَفَاؤُلًا بِأَخْلَاقِ الْعَرُوسِ لِأَنَّهَا طُبِعَتْ فَاسْتَقَرَّ طَبْعُهَا وَهُوَ لَا يُغَيَّرُ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْحَلْوَاءَ) بِالْمَدِّ وَقَوْلُهُ: وَالْعَسَلَ عَطْفٌ مُغَايِرٌ إنْ أُرِيدَ بِالْحَلْوَاءِ مَا دَخَلَتْهُ النَّارُ، لِأَنَّ عَسَلَ النَّحْلِ لَا يَدْخُلُهُ نَارٌ وَإِنْ أُرِيدَ بِالْحَلْوَاءِ أَعَمَّ مِنْ أَنَّهَا مَا تَرَكَّبَتْ مِنْ شَيْئَيْنِ أَمْ لَا كَانَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. قَوْلُهُ: (رِجْلُ الشَّاةِ) أَيْ إلَى أَصْلِ الْفَخِذِ فِيمَا يَظْهَرُ وَالْأَفْضَلُ الْيَمِينُ تَفَاؤُلًا بِأَنَّهُ يَعِيشُ وَيَمْشِي بِرِجْلِهِ وَتَكْفِي رِجْلٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الشِّيَاهُ وَالْقَوَابِلُ ع ش. قَوْلُهُ: (لَمْ يُكْرَهْ) بَلْ خِلَافُ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (يُسَنُّ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ) وَلَوْ مِنْ امْرَأَةٍ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ الْأَذَانُ الَّذِي هُوَ مِنْ وَظِيفَةِ الرِّجَالِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ الذِّكْرِ لِلتَّبَرُّكِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِعْلُ الْأَذَانِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلُودُ كَافِرًا وَهُوَ قَرِيبٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ ذِكْرُ اللَّهِ وَدَفْعُ الشَّيْطَانِ وَرُبَّمَا كَانَ دَفْعُهُ مُؤَدِّيًا لِبَقَائِهِ عَلَى الْفِطْرَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِهِدَايَتِهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَيُقَامُ فِي الْيُسْرَى) وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْخُسُهُ حِينَئِذٍ فَشُرِعَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ لِأَنَّهُ يُدْبِرُ عِنْدَ سَمَاعِهِمَا وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ إلَّا مَرْيَمُ وَابْنُهَا كَمَا فِي الْأَخْبَارِ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (فَيَمْضُغُ) أَيْ يَمْضُغُهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 وَيُفْتَحُ فَاهُ حَتَّى يَنْزِلَ إلَى جَوْفِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَفِي مَعْنَى التَّمْرِ الرُّطَبُ، وَيُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَدَّهِنَ غِبًّا بِكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ بِحَيْثُ يَجِفُّ الْأَوَّلُ وَأَنْ يَكْتَحِلَ وِتْرًا لِكُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةٌ وَأَنْ يَحْلِقَ الْعَانَةَ وَيُقَلِّمَ الظُّفْرَ، وَيَنْتِفَ الْإِبِطَ وَأَنْ يَغْسِلَ الْبَرَاجِمَ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْوُضُوءِ وَهِيَ: عُقَدُ الْأَصَابِعِ وَمَفَاصِلُهَا. وَأَنْ يُسَرِّحَ اللِّحْيَةَ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: «مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ» وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَأَمَّا حَلْقُ جَمِيعِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ أَرَادَ التَّنَظُّفَ وَلَا يَتْرُكُهُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْهُنَهُ وَيُرَجِّلَهُ وَلَا يُسَنُّ حَلْقُهُ إلَّا فِي النُّسُكِ أَوْ فِي حَقِّ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ. أَوْ فِي الْمَوْلُودِ إذَا أُرِيدَ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُكْرَهُ لَهَا حَلْقُ رَأْسِهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيُكْرَهُ نَتْفُ اللِّحْيَةِ أَوَّلَ طُلُوعِهَا إيثَارًا لِلْمُرُودَةِ، وَنَتْفُ الشَّيْبِ وَاسْتِعْجَالُ الشَّيْبِ بِالْكِبْرِيتِ أَوْ غَيْرِهِ طَلَبًا لِلشَّيْخُوخَةِ.   [حاشية البجيرمي] الصَّلَاحِ وَيُقَدَّمُ الرُّطَبُ عَلَى التَّمْرِ وَبَعْدَهُمَا حُلْوٌ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (وَفِي مَعْنَى التَّمْرِ) فَإِنْ فُقِدَ فَحُلْوٌ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ، وَالْأَوْجَهُ تَقْدِيمُ الرُّطَبِ عَلَى التَّمْرِ كَمَا فِي الصَّوْمِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَنْ يَدَّهِنَ غِبًّا) أَيْ جَمِيعَ الْبَدَنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُرَطِّبُ الْبَدَنَ. قَوْلُهُ: (الْبَرَاجِمَ) جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْجِيمِ شَرْحُ الرَّوْضِ، وَأَمَّا التَّرَاجِمُ فَإِنْ كَانَ فِي تَرَاجِمِ الْمُصَنِّفِينَ فَتُكْسَرُ فِيهِ الْجِيمُ وَإِنْ كَانَ فِي الرَّمْيِ بِالْحِجَارَةِ مَثَلًا فَتُضَمُّ فِيهِ الْجِيمُ. اهـ. مِصْرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُسَرِّحَ اللِّحْيَةَ) وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ أَنَّ تَسْرِيحَهَا بِاللَّيْلِ مَكْرُوهٌ وَكَذَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَفِي تَسْرِيحِ اللِّحْيَةِ إطَالَةُ الْعُمْرِ وَفِي تَسْرِيحِ الْحَاجِبَيْنِ فِي زَمَنِ الطَّاعُونِ الْأَمْنُ مِنْ الطَّاعُونِ وَتَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ مَبْلُولَةً أَمَانٌ مِنْ الْفَقْرِ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ عِنْدَ تَسْرِيحِ الْجِهَةِ الْيُمْنَى وَ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1] عِنْدَ الْجِهَةِ الْيُسْرَى لِتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (بَعْضِ الرَّأْسِ) وَمِنْهُ الشُّوشَةُ الْمَشْهُورَةُ وَمَا يَفْعَلُهُ الْحَلَّاقُ عِنْدَ خِتَانِ الْأَوْلَادِ ق ل. فَائِدَةٌ: مَنْ قَالَ بَعْدَ الْعُطَاسِ عَقِبَ حَمْدًا لِلَّهِ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي مَالًا يَكْفِينِي وَبَيْتًا يَأْوِينِي وَاحْفَظْ عَلَيَّ عَقْلِي وَدِينِي وَاكْفِنِي شَرَّ مَنْ يُؤْذِينِي أَعْطَاهُ اللَّهُ سُؤْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا حَلْقُ جَمِيعِهَا) الْأَوْلَى تَذْكِيرُ ضَمِيرِ الرَّأْسِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ عُضْوٌ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ وَالْأَفْصَحُ فِي الْعُضْوِ الْغَيْرِ الْمُتَعَدِّدِ إفْرَادُ ضَمِيرِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: «لَمْ يَحْلُقْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ الشَّرِيفَ إلَّا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ» ، وَقَدْ رُوِيَ فِي صِفَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ رَجِلَ الشَّعْرِ. وَلَمْ يُجَاوِزْ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إذَا هُوَ وَفَّرَهُ» أَيْ جَعَلَهُ وَفْرَةً. وَحَاصِلُ الْأَحَادِيثِ: أَنَّ شَعْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُصِفَ بِأَنَّهُ جَمَّةٌ وَوُصِفَ بِأَنَّهُ وَفْرَةٌ وَوُصِفَ بِأَنَّهُ لِمَّةٌ وَفُسِّرَتْ اللِّمَّةُ بِالشَّعْرِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ وَالْجُمَّةُ بِاَلَّذِي يَنْزِلُ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ: «كَانَ شَعْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْصُرُ وَيَطُولُ بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ» . فَإِذَا غَفَلَ عَنْ تَقْصِيرِهِ وَصَلَ إلَى مَنْكِبِهِ وَإِذَا قَصَّرَهُ تَارَةً يَنْزِلُ عَلَى شَحْمَةِ أُذُنِهِ وَتَارَةً لَا يَنْزِلُ عَنْهَا. وَقَدْ جَاءَ فِي وَصْفِ «شَعْرِهِ لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ أَيْ بَالِغٍ فِي الْجُعُودَةِ وَلَا رَجْلٍ سَبْطٍ أَيْ بَالِغٍ فِي السُّبُوطَةِ وَكَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعُ غَدَائِرَ أَيْ ضَفَائِرَ يُخْرِجُ أُذُنَهُ الْيُمْنَى مِنْ بَيْنِ اثْنَيْنِ وَأُذُنَهُ الْيُسْرَى كَذَلِكَ» اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (إذَا أُرِيدَ أَنْ يُتَصَدَّقَ) لَيْسَ بِقَيْدٍ وَلَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ أَوْلَى ق ل. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ نَتْفُ اللِّحْيَةِ) وَكَذَا يُكْرَهُ الزِّيَادَةُ فِيهَا وَالنَّقْصُ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ فِي شَعْرِ الْعِذَارَيْنِ وَيَحْرُمُ خِضَابُهَا بِالسَّوَادِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْغَزْوِ عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الشَّيْخَ الْغِرْبِيبَ» وَهُوَ الَّذِي يُسَوِّدُ شَيْبَهُ بِالْخِضَابِ، وَفِي الْإِحْيَاءِ كُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ مُرْدٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْغِرْبِيبَ هُوَ الَّذِي بَلَغَ أَوَانَ الشَّيْبِ وَلَمْ يَشِبْ. قَوْلُهُ: (أَوَّلَ طُلُوعِهَا) لَيْسَ قَيْدًا وَكَذَا الْكَبِيرُ أَيْضًا أَيْ إنَّ حَلْقَ اللِّحْيَةِ مَكْرُوهٌ حَتَّى مِنْ الرَّجُلِ وَلَيْسَ حَرَامًا وَلَعَلَّهُ قَيَّدَ بِهِ لِقَوْلِهِ: إيثَارًا لِلْمُرُودَةِ، وَأَخْذُ مَا عَلَى الْحُلْقُومِ قِيلَ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ مُبَاحٌ، وَلَا بَأْسَ بِإِبْقَاءِ السِّبَالَيْنِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ وَإِحْفَاءُ الشَّارِبِ بِالْحَلْقِ أَوْ الْقَصِّ مَكْرُوهٌ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَحْلِقَ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى تَظْهَرَ الشَّفَةُ وَأَنْ يَقُصَّ مِنْهُ شَيْئًا وَيُبْقِيَ مِنْهُ شَيْئًا. 1 - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [حاشية البجيرمي] خَاتِمَةٌ: حَاصِلُ مَا فِي الْخِتَانِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَخِتَانُ الرَّجُلِ قَطْعُ الْجِلْدَةِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ جَمِيعُ الْحَشَفَةِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَطْعُ اللَّحْمَةِ الَّتِي فِي أَعْلَى الْفَرْجِ فَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَتُشْبِهُ تِلْكَ اللَّحْمَةُ عُرْفَ الدِّيكِ فَإِذَا قُطِعَتْ بَقِيَ أَصْلُهَا كَالنَّوَاةِ وَيَكْفِي أَنْ يُقْطَعَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ قَالَ الْأَصْحَابُ: وَإِنَّمَا يَجِبُ الْخِتَانُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْتَنَ فِي السَّبْعِ مِنْ وِلَادَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يَحْتَمِلُهُ فَيُؤَخَّرُ حَتَّى يَحْتَمِلَهُ وَأَمَّا الْخُنْثَى فَلَا يُخْتَنُ فِي صِغَرِهِ. فَإِذَا بَلَغَ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ لَا يَجُوزُ خِتَانُهُ لِأَنَّ الْجُرْحَ لَا يَجُوزُ بِالشَّكِّ وَبِهِ قَطَعَ النَّوَوِيُّ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ ذَكَرَانِ إنْ كَانَا عَامِلَيْنِ خُتِنَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خُتِنَ وَحْدَهُ وَهَلْ يُعْرَفُ الْعَمَلُ بِالْجِمَاعِ أَوْ الْبَوْلِ وَجْهَانِ اهـ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي بَابِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ أَيْضًا مَا حَاصِلُهُ الْجَزْمُ بِاعْتِبَارِ الْبَوْلِ اهـ. وَمُؤْنَةُ الْخِتَانِ فِي مَالِ الْمَخْتُونِ وَإِذَا بَلَغَ غَيْرَ مَخْتُونٍ أَمَرَهُ بِهِ الْإِمَامُ فَإِنْ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ. فَإِنْ خَتَنَ الْإِمَامُ الْمُمْتَنِعَ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ وَاجِبٍ إلَّا أَنْ يَخْتِنَهُ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدَيْنِ. فَيَضْمَنُ عَلَى الْمَذْهَبِ اهـ. شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ وَالسُّنَّةُ فِي خِتَانِ الذَّكَرِ الْإِظْهَارُ. وَفِي خِتَانِ النِّسَاءِ الْإِسْرَارُ، وَلَوْ وُلِدَ الشَّخْصُ مَخْتُونًا فَلَا خِتَانَ عَلَيْهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ وَنَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيّ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَيْ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ التَّشَبُّهَ بِالْحَالِقِينَ أَمْرٌ يَظْهَرُ اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ الزِّيَادِيُّ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ ثَقْبَ أُذُنِ الصَّغِيرَةِ لِتَعْلِيقِ الْحَلَقِ حَرَامٌ لِأَنَّهُ جُرْحٌ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ وَغَرَضُ الزِّينَةِ لَا يَجُوزُ بِمِثْلِ هَذَا التَّعْذِيبِ هَذَا مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا م ر. وَرَجَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْجَوَازَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيَجِبُ أَيْضًا قَطْعُ سُرَّةِ الْمَوْلُودِ إذْ لَا يَتَأَتَّى ثُبُوتُ الطَّعَامِ بِدُونِهِ 1 - وَأَوَّلُ مَنْ خُتِنَ مِنْ النِّسَاءِ هَاجَرُ، وَوُلِدَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مَخْتُونًا خَمْسَةَ عَشَرَ آدَم، وَشِيثُ وَنُوحٌ، وَهُودٌ، وَصَالِحٌ وَلُوطٌ، وَشُعَيْبٌ وَيُوسُفُ وَمُوسَى وَسُلَيْمَانُ وَزَكَرِيَّا، وَيَحْيَى وَعِيسَى وَحَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ نَبِيُّ أَصْحَابِ الرَّسِّ وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَفِي الرُّسُلِ مَخْتُونٌ لَعَمْرُك خِلْقَةً ... ثَمَانٍ وَتِسْعٌ طَيِّبُونَ أَكَارِمُ وَهُمْ زَكَرِيَّا وَشِيثُ إدْرِيسُ يُوسُفُ ... وَحَنْظَلَةُ مُوسَى وَعِيسَى وَآدَمُ وَنُوحٌ شُعَيْبٌ سَامُ لُوطٌ وَصَالِحُ ... سُلَيْمَانُ يَحْيَى هُودٌ يس خَاتَمُ لَكِنْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا أَنَّ «جِبْرِيلَ خَتَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ طَهَّرَ قَلْبَهُ» وَرَوَى أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ خَتَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ سَابِعِهِ وَجَعَلَ لَهُ مَائِدَةً وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا اهـ. حَاشِيَةٌ م ر عَلَى شَرْحِ الرَّوْضِ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ وُلِدَ مَخْتُونًا ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (وَاسْتِعْجَالُ الشَّيْبِ) نَعَمْ إنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ جَازَ اهـ. ق ل. وَقَوْلُهُ بِالْكِبْرِيتِ أَيْ بِالتَّبَخُّرِ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 كِتَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ السَّبْقُ بِالسُّكُونِ مَصْدَرُ سَبَقَ أَيْ تَقَدَّمَ وَبِالتَّحْرِيكِ الْمَالُ الْمَوْضُوعُ بَيْنَ أَهْلِ السِّبَاقِ وَالرَّمْيُ يَشْمَلُ الرَّمْيَ بِالسِّهَامِ وَالْمَزَارِيقِ وَغَيْرِهِمَا. وَهَذَا الْبَابُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الَّتِي لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا. كَمَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَغَيْرُهُ، وَالْمُسَابَقَةُ الشَّامِلَةُ لِلْمُنَاضَلَةِ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ بِقَصْدِ الْجِهَادِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] الْآيَةَ وَفَسَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُوَّةَ بِالرَّمْيِ وَلِخَبَرِ أَنَسٍ: «كَانَتْ الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُسْبَقُ فَجَاءَ   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ] ِ كَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْجِهَادِ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمَّا كَانَ قَدْ يَقَعُ الْجِهَادُ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ لِلْمُسَابَقَةِ قَدَّمَ الْجِهَادَ وَأَخَّرَ السَّبْقَ. قَوْلُهُ: (مِنْ مُبْتَكَرَاتِ إمَامِنَا) أَيْ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَهُ وَأَدْخَلَهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُتُبَ الْأَئِمَّةِ خَلَتْ عَنْهُ وَكَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الرَّمْيِ، وَاتَّفَقَ لَهُ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا حَاذِقًا فِي الرَّمْيِ فَأَعْطَاهُ ثَلَثَمِائَةِ دِينَارٍ وَقَالَ لَهُ: لَا تُؤَاخِذْنَا لَوْ كَانَ مَعَنَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَأَعْطَيْنَاهُ لَك. قَوْلُهُ: (وَالْمُسَابَقَةُ الشَّامِلَةُ لِلْمُنَاضَلَةِ) أَيْ الْمُرَامَاةُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَالْمُسَابَقَةُ تَعَلُّمُ الْمُنَاضَلَةِ وَالرِّهَانِ. وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْلِ تَغَايُرَ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ النِّضَالُ فِي الرَّمْيِ وَالرِّهَانُ فِي الْخَيْلِ وَالسِّبَاقُ يَعُمُّهُمَا اهـ وَيُشِيرُ بِقَوْلِهِ: الشَّامِلَةُ لِلْمُنَاضَلَةِ إلَى أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فِي التَّرْجَمَةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ السَّبْقَ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ ثَلَاثَةٌ فِي الشَّارِحِ وَقَدْ يَجِبُ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِقِتَالِ الْكُفَّارِ وَقَدْ يُكْرَهُ إذَا كَانَ سَبَبًا فِي قِتَالِ قَرِيبٍ كَافِرٍ لَمْ يَسُبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُنَاضَلَةِ قَوْلُهُ: (سُنَّةٌ) يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فَرْضَ كِفَايَةٍ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْجِهَادِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْجِهَادَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ سم. قَوْلُهُ: (لِلرِّجَالِ) أَيْ غَيْرِ ذَوِي الْأَعْذَارِ اهـ. ع ن. وَالْأَوْجَهُ جَوَازُهَا لِلذِّمِّيِّينَ كَبَيْعِ السِّلَاحِ لَهُمْ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ فِي الْحَرْبِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ كَذَا قَالَهُ حَجّ فِي بَعْضِ شُرُوحِهِ وَفِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ خِلَافُهُ. وَعِبَارَةُ ق ل هِيَ سُنَّةٌ لِلذُّكُورِ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْرُمَانِ عَلَى النِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى بِعِوَضٍ وَيُكْرَهَانِ بِدُونِهِ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَقِيلَ بِجَوَازِهَا لَهُمْ لِصِحَّةِ بَيْعِ السِّلَاحِ لَهُمْ. وَبِهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِسَاطِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِمْ مَا فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ حَيْثُ تَكْلِيفُهُمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَالسِّبَاقُ خَاصٌّ بِالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْفِيَلَةِ لَا غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ نَعَمْ تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْبَقَرِ بِلَا عِوَضٍ اهـ. قَوْلُهُ: (بِقَصْدِ الْجِهَادِ) أَيْ بِقَصْدِ التَّأَهُّبِ لِلْجِهَادِ فَإِنْ قَصَدَ غَيْرَهُ فَهِيَ مُبَاحَةٌ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَإِنْ قَصَدَ مُحَرَّمًا كَقَطْعِ الطَّرِيقِ حَرُمَتْ س ل. قَوْلُهُ: (بِالرَّمْيِ) وَلَوْ بِأَحْجَارٍ وَمَحَلُّ جَوَازِ الرَّمْيِ بِهَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ جِهَةِ الرَّمْيِ أَمَّا لَوْ رَمَى كُلٌّ إلَى صَاحِبِهِ فَحَرَامٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ يُؤْذِي كَثِيرًا وَمِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الرَّمْيِ بِالْجَرِيدِ لِلْخَيَّالَةِ فَيَحْرُمُ نَعَمْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُمَا حِذْقٌ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِمَا سَلَامَتُهُمَا مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ حَيْثُ لَا مَالَ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (كَانَتْ الْعَضْبَاءُ) فِي الْمُخْتَارِ نَاقَةٌ عَضْبَاءُ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ وَهُوَ أَيْضًا لَقَبٌ لِنَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تَكُنْ مَشْقُوقَةَ الْأُذُنِ وَيُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الْعَضْبَاءَ لَمْ تَأْكُلْ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تَشْرَبْ. وَإِبِلُ النَّبِيِّ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا نَاقَةٌ يُقَالُ لَهَا الْقَصْوَاءُ وَنَاقَةٌ يُقَالُ لَهَا الْجَدْعَاءُ، وَنَاقَةٌ يُقَالُ لَهَا الْعَضْبَاءُ وَقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا إلَّا وَضَعَهُ» وَيُكْرَهُ لِمَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ تَرْكُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ غَيْرَ الْجِهَادِ كَانَ مُبَاحًا لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ مُحَرَّمًا كَقَطْعِ الطَّرِيقِ كَانَ حَرَامًا، أَمَّا النِّسَاءُ فَصَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِمَنْعِ ذَلِكَ لَهُنَّ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِعِوَضٍ لَا مُطْلَقًا فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - سَابَقَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (وَتَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ) بِعِوَضٍ وَغَيْرِهِ (عَلَى الدَّوَابِّ) الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْفِيَلَةِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ» فَلَا تَجُوزُ عَلَى الْكِلَابِ وَمُهَارَشَةِ الدِّيَكَةِ وَمُنَاطَحَةِ الْكِبَاشِ، لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ سَفَهٌ وَمِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَلَا عَلَى طَيْرٍ وَصِرَاعٍ بَعُوضٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ آلَاتِ الْقِتَالِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ «صَارَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكَانَةَ عَلَى شِيَاهٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ مُصَارَعَتِهِ لَهُ أَنْ يُرِيَهُ شِدَّتَهُ لِيُسَلِّمَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا صَارَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ رَدَّ عَلَيْهِ غَنَمَهُ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ جَازَ. وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ: كَالشِّبَاكِ وَالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْبَقَرِ فَيَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ وَأَمَّا الْغَطْسُ فِي الْمَاءِ فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي الْحَرْبِ فَكَالسِّبَاحَةِ فَيَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا. (وَ) تَجُوزُ (الْمُنَاضَلَةُ) بِالنُّونِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ   [حاشية البجيرمي] اسْمٌ لِنَاقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْقَصْوَاءَ هِيَ الْعَضْبَاءُ وَهِيَ الْجَدْعَاءُ وَقِيلَ: الْقَصْوَاءُ وَاحِدَةٌ وَالْعَضْبَاءُ وَالْجَدْعَاءُ وَاحِدَةٌ اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (فَسَبَقَهَا) أَيْ وَكَانَ الْمُسَابِقُ غَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (إنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ إلَخْ) أَيْ مِنْ عَادَتِهِ مَعَ خَلْقِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا أَيْ يُظْهِرَ لَهُ عِزَّةً وَشَأْنًا إلَّا وَضَعَهُ أج. قَوْلُهُ: (غَيْرَ الْجِهَادِ) أَيْ مِنْ الْمُبَاحَاتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَإِنْ قَصَدَ بِهِ مُحَرَّمًا إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَمَّا النِّسَاءُ) أَيْ وَلَوْ مَعَ الرِّجَالِ وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ. قَوْلُهُ: (سَابَقَتْ النَّبِيَّ) أَيْ عَلَى الْأَقْدَامِ وَعِبَارَةُ ح ل فِي السِّيرَةِ: «وَتَسَابَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عَائِشَةَ فَتَحَزَّمَتْ بِثِيَابِهَا وَفَعَلَ كَذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ اسْتَبَقَا فَسَبَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهَا: هَذِهِ بِتِلْكَ السِّبْقَةِ الَّتِي كُنْتِ سَبَقْتِينِي بِهَا» وَقَوْلُهُ بِتِلْكَ السِّبْقَةِ أَيْ بَدَلَهَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ إلَى بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فَوَجَدَ مَعَ عَائِشَةَ شَيْئًا فَطَلَبَهُ مِنْهَا، فَأَبَتْ وَسَعَتْ فَسَعَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَهَا فَسَبَقَتْهُ. قَوْلُهُ: (لَا سَبْقَ) أَيْ لَا مَالَ وَالسَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْعِوَضُ وَيُرْوَى بِالسُّكُونِ مَصْدَرًا. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي خُفٍّ) أَيْ ذِي خُفٍّ دَخَلَ الْإِبِلُ وَالْفِيَلَةُ، وَدَخَلَ فِي الْحَافِرِ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ نَصْلٍ وَهِيَ السِّهَامُ وَانْظُرْ وَجْهَ دَلَالَتِهِ عَلَى السُّنِّيَّةِ سم. قَوْلُهُ: (فَلَا تَجُوزُ) أَيْ الْمُسَابَقَةُ الشَّامِلَةُ لِلْمُغَالَبَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَمُهَارَشَةُ الدِّيَكَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِغَيْرِهِ) رَاجِعٌ لِغَيْرِ الْكِلَابِ أَمَّا هِيَ فَتَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُنَا ق ل. قَوْلُهُ: (وَمِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ) وَمِنْ فِعْلِهِمْ أَيْضًا الضُّرَاطُ فِي الْمَجَالِسِ قَالَ السُّيُوطِيّ أَوَّلُ مَنْ أَتَى الرِّجَالَ قَوْمُ لُوطٍ، أَمَّا فِي الْإِسْلَامِ فَحِينَ كَثُرَ الْغَزْوُ، وَطَالَتْ الْغَيْبَةُ وَسُبِيَتْ الذُّرِّيَّةُ، اسْتَخْدَمُوهُمْ وَطَالَتْ الْخَلْوَةُ بِهِمْ وَأَجْرُوهُمْ مَجْرَى النِّسَاءِ وَطَلَبُوا مِنْهُمْ فَأَطَاعُوهُمْ لِشِدَّةِ الِانْقِيَادِ وَأَوَّلُ ذَلِكَ كَانَ بِخُرَاسَانَ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي جَاهِلِيَّةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ ابْنِ لُقَيْمَةَ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ بِسُورَةِ الْأَعْرَافِ. قَوْلُهُ: (الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ) : بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا} [هود: 82] إلَخْ. وَالْإِمْطَارُ كَانَ عَلَى الْخَارِجِينَ مِنْ قُرَاهُمْ لِيَكُونَ لَهُ فَائِدَةٌ وَالْحِجَارَةُ أَصْلُهَا طِينٌ عُجِنَ وَطُبِخَ بِالنَّارِ مَعَ الْكِبْرِيتِ ثُمَّ جُعِلَ حِجَارَةً صَغِيرَةً يَنْزِلُ الْوَاحِدُ مِنْهَا عَلَى رَأْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ وَيَسْرِي فِي بَدَنِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ. قَوْلُهُ: (وَصِرَاعٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَقَدْ يُضَمُّ شَرْحُ م ر وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُخَابَطَةِ عِنْدَ الْعَوَامّ. وَالْأَكْثَرُ عَلَى حُرْمَتِهِ بِمَالٍ. قَوْلُهُ: (بِعِوَضٍ) أَيْ لِأَجْلِ أَخْذِهِ فَيَصْدُقُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عِوَضٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ وَلَيْسَ الْقَصْدُ أَخْذَهُ كَمَا وَقَعَ لِلنَّبِيِّ مَعَ رُكَانَةَ. قَوْلُهُ: (بِدَلِيلِ إلَخْ) فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ شَيْءٌ لِجَوَازِ أَنَّهُ رَدَّهَا إحْسَانًا وَتَأْلِيفًا وَفِي الْخَصَائِصِ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ: أَنَّهُ رَدَّهَا إلَيْهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَالشِّبَاكِ) أَيْ تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ. قَوْلُهُ: (فَكَالسِّبَاحَةِ) أَيْ الْعَوْمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 الْمُغَالَبَةُ عَلَى رَمْيِ السِّهَامِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَرَبِيَّةً وَهِيَ النَّبْلُ أَمْ عَجَمِيَّةً وَهِيَ النُّشَّابُ وَتَصِحُّ عَلَى مَزَارِيق جَمْعُ مِرْزَاقٍ وَهُوَ رُمْحٌ صَغِيرٌ وَعَلَى رِمَاحٍ وَعَلَى رَمْيٍ بِأَحْجَارٍ بِمِقْلَاعٍ أَوْ بِيَدٍ وَرَمْيٍ بِمَنْجَنِيقٍ وَكُلٌّ نَافِعٌ فِي الْحَرْبِ مِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ كَالرَّمْيِ بِالْمِسَلَّاتِ وَالْإِبَرِ وَالتَّرَدُّدِ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الْمُرَامَاةُ بِأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَجَرَ إلَى صَاحِبِهِ وَإِشَالَةُ الْحَجَرِ بِالْيَدِ وَيُسَمَّى الْعِلَاجُ، فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا الْتِقَافُ بِالْمُثَنَّاةِ وَتَقُولُهُ الْعَامَّةُ بِالدَّالِ فَلَا نَقْلَ فِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي حَالِ الْمُسَابَقَةِ وَقَدْ يُمْنَعُ خَشْيَةَ الضَّرَرِ إذْ كُلٌّ يَحْرِصُ عَلَى إصَابَةِ صَاحِبِهِ كَاللِّكَامِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا يَصِحُّ عَلَى رَمْيِ بُنْدُقٍ يُرْمَى بِهِ فِي حُفْرَةٍ وَنَحْوِهَا. وَلَا عَلَى سِبَاحَةٍ فِي الْمَاءِ وَلَا عَلَى شِطْرَنْجٍ وَلَا عَلَى خَاتَمٍ وَلَا عَلَى وُقُوفٍ عَلَى رِجْلٍ وَلَا عَلَى مَعْرِفَةِ مَا بِيَدِهِ مِنْ شَفْعٍ وَوِتْرٍ وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ اللَّعِبِ كَالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ وَبِالسُّفُنِ وَالزَّوَارِقِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ هَذَا إذَا عُقِدَ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ وَإِلَّا فَمُبَاحٌ وَأَمَّا الرَّمْيُ بِالْبُنْدُقِ عَلَى قَوْسٍ فَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا أَنَّهُ كَذَلِكَ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْحَاوِي الْجَوَازُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ. وَشُرُوطُ الْمُسَابَقَةِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا عَلَى ذِكْرِ اثْنَيْنِ   [حاشية البجيرمي] الْمَعْلُومِ وَتَعَلُّمُهُ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَسِبَاحَةٌ وَغَطْسٌ بِمَا اُعْتِيدَ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ فِي الْحَرْبِ. وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْأَخِيرُ بِمَا ذُكِرَ لِتَوَلُّدِ الضَّرَرِ مِنْهُ إلَى الْمَوْتِ بِخِلَافِ السِّبَاحَةِ وَنَحْوِهَا . قَوْلُهُ: (وَهِيَ النَّبْلُ) هِيَ النِّشَابُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْحَدِيدِ فِي طَرَفِهِ وَالنِّشَابُ هُوَ الْخَالِي عَنْ الْحَدِيدِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَرَمْيٌ بِمَنْجَنِيقٍ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِأَنَّ الرَّمْيَ بِالْيَدِ شَامِلٌ لَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ صَنَعَ الْمَنْجَنِيقَ إبْلِيسُ فَإِنَّ النُّمْرُودَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُلْقِيَ إبْرَاهِيمَ فِي النَّارِ بَنَى إلَى جَنْبِ الْجَبَلِ جِدَارًا طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَلَمَّا أَلْقَوْا الْحَطَبَ وَجَعَلُوا فِيهِ النَّارَ وَصَلَتْ النَّارُ إلَى رَأْسِ ذَلِكَ الْجِدَارِ وَلَمْ يَدْرُوا كَيْفَ يُلْقُونَ إبْرَاهِيمَ فَتَمَثَّلَ لَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ نَجَّارٍ فَصَنَعَ لَهُمْ الْمَنْجَنِيقَ وَنَصَبُوهُ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ. وَوَضَعُوهُ فِيهِ وَأَلْقُوهُ فِي تِلْكَ النَّارِ. اهـ. ح ل فِي السِّيرَةِ. قَوْلُهُ: (بِالْمِسَلَّاتِ) الْمُرَادُ بِالْمِسَلَّاتِ مَا يُحْشَى بِهَا الْبَرَاذِعُ وَبِالْإِبَرِ الْكِبَارِ مَا يُخَاطُ بِهَا الْبَرَاذِعُ أج. قَوْلُهُ: (وَالتَّرَدُّدُ بِالسُّيُوفِ) كَاَلَّذِي يُفْعَلُ فِي الزِّفَافِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ إلَخْ) فَهِيَ حَرَامٌ لِأَنَّهَا تُؤْذِي قَطْعًا نَعَمْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُمَا حِذْقٌ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِمَا سَلَامَتُهُمَا مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَقُولُهُ الْعَامَّةُ بِالدَّالِ) وَتَقُولُ بِاللَّامِ وَهُوَ الَّذِي يُوجَدُ أَمَامَ الْفَرَحِ. قَوْلُهُ: (فِي حَالِ الْمُسَابَقَةِ) عِبَارَةُ م ر فِي حَالِ الْحَرْبِ اهـ. تَنْبِيهٌ: يَحِلُّ اصْطِيَادُ الْحَيَّةِ لِحَاذِقٍ فِي صَنْعَتِهِ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ سَلَامَتُهُ مِنْهَا. وَقَصَدَ تَرْغِيبَ النَّاسِ فِي اعْتِمَادِ مَعْرِفَتِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا حِلُّ أَنْوَاعِ اللَّعِبِ الْخَطِيرَةِ مِنْ الْحَاذِقِ بِهَا أَيْ كَالْبَهْلَوَانِ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ سَلَامَتُهُ. وَإِذَا مَاتَ يَمُوتُ شَهِيدًا وَيَجُوزُ التَّفَرُّجُ عَلَيْهِ حَيْثُ جَازَتْ وَإِلَّا فَلَا. وَمِثْلُهُ سَمَاعُ الْأَعَاجِيبِ وَالْغَرَائِبِ مِمَّا لَا يُتَيَقَّنُ كَذِبُهُ بِقَصْدِ الْفُرْجَةِ. بَلْ وَلَوْ تُيُقِّنَ كَذِبُهُ لَكِنْ قُصِدَ بِهِ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ وَالْمَوَاعِظِ وَتَعْلِيمُ نَحْوِ الشَّجَاعَةِ عَلَى أَلْسِنَةِ آدَمِيِّينَ أَوْ حَيَوَانَاتٍ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (كَاللِّكَامِ) وَهُوَ لَعِبُ الْحَكَمِ وَهُوَ جِلْدٌ كَبِيرٌ مُرَبَّعٌ مَحْشُوٌّ قُطْنًا أَوْ صُوفًا، أَوْ غَيْرُهُمَا يُحْشَى بِهِ وَيَجْعَلُ كُلٌّ مِنْ الْحَكَمَيْنِ وَاحِدَةً فِي يَدِهِ وَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَكَمَيْنِ الْجِلْدَةَ الَّتِي فِي يَدِ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (عَلَى رَمْيِ بُنْدُقٍ) قَالَ الزِّيَادِيُّ نَقْلًا عَنْ الرَّمْلِيِّ: وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُؤْكَلُ وَيُلْعَبُ بِهِ فِي الْعِيدِ، أَمَّا بُنْدُقُ الرَّصَاصِ وَالطِّينِ فَتَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ نِكَايَةً فِي الْحَرْبِ أَشَدَّ مِنْ السِّهَامِ اهـ. وَصُورَةُ رَمْيِ الْبُنْدُقِ أَنْ يَدْفَعَهُ بِرَأْسِ أُصْبُعِهِ عَلَى وَجْهِ النَّقْرَةِ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْحَفِيرَةِ مِنْ غَيْرِ تَجَاوُزٍ لَهَا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَى خَاتَمٍ) أَيْ هَلْ هُوَ فِي الْيَمِينِ أَوْ فِي الْيَسَارِ. وَقِيلَ صُورَتُهُ أَنْ يَمُدَّ ظَهْرَ يَدِهِ ثُمَّ يَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَلْبَسُهُ فِي أَيِّ أُصْبُعٍ وَهُوَ فِي الْهَوَاءِ. قَوْلُهُ: (وَالزَّوَارِقِ) جَمْعُ زَوْرَقٍ وَهُوَ الْقَارِبُ الصَّغِيرُ. قَوْلُهُ: (وَشُرُوطُ الْمُسَابَقَةِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ شَرْطًا فِي الْمُسَابَقَةِ بِخُصُوصِهَا بِقَوْلِهِ: إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ مَعْلُومَةً وَشَرْطًا فِي الْمُنَاضَلَةِ بِخُصُوصِهَا بِقَوْلِهِ وَصِفَةُ الْمُنَاضَلَةِ مَعْلُومَةٌ وَشَرْطًا يَعُمُّهُمَا. وَهُوَ أَنَّهُمَا إذَا أَخْرَجَا عِوَضَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُحَلِّلٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ التَّعْبِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَيُمْكِنُ وَهُوَ الْأَوْلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 أَوَّلُهُمَا (إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ) أَيْ مَسَافَةُ مَا بَيْنَ مَوْقِفِ الرَّامِي وَالْغَرَضِ الَّذِي يَرْمِي إلَيْهِ (مَعْلُومَةً) ابْتِدَاءً وَغَايَةً، وَثَانِيهِمَا الْمُحَلِّلُ الْآتِي فِي كَلَامِهِ، وَالثَّالِثُ مِنْ بَاقِي الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عُدَّةً لِلْقِتَالِ، وَالرَّابِعُ تَعَيُّنُ الْفَرَسَيْنِ مَثَلًا لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ سَيْرِهِمَا وَهِيَ تَقْتَضِي التَّعْيِينَ وَيَكْفِي وَصْفُهُمَا فِي الذِّمَّةِ وَيَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ فَإِنْ وَقَعَ هَلَاكٌ انْفَسَخَ الْعَقْدُ. فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَتَعَيَّنَا كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمَوْتِ الْفَرَسِ الْمَوْصُوفِ كَالْأَجِيرِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَالْخَامِسُ إمْكَانُ سَبْقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرَسَيْنِ مَثَلًا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا يُقْطَعُ بِتَخَلُّفِهِ أَوْ فَارِهًا يُقْطَعُ بِتَقَدُّمِهِ لَمْ يَجُزْ، وَالسَّادِسُ أَنْ يَرْكَبَا الْمَرْكُوبَيْنِ وَلَا يُرْسِلَاهُمَا فَلَوْ شُرِطَ إرْسَالُهُمَا لِيَجْرِيَا بِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْصِدَانِ الْغَايَةَ، وَالسَّابِعُ أَنْ يَقْطَعَ الْمَرْكُوبَانِ الْمَسَافَةَ فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُمَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمَا قَطْعُهَا بِلَا انْقِطَاعٍ وَتَعَبٍ، وَالثَّامِنُ تَعْيِينُ الرَّاكِبَيْنِ فَلَوْ شَرَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يُرْكِبَ دَابَّتَهُ مَنْ شَاءَ، لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الرَّاكِبَانِ وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ فِي الرَّاكِبِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ. وَالتَّاسِعُ الْعِلْمُ بِالْمَالِ الْمَشْرُوطِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً كَسَائِرِ الْأَعْوَاضِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ بِغَيْرِ مَالٍ كَكَلْبٍ وَلَا بِمَالٍ مَجْهُولٍ كَثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ، وَالْعَاشِرُ اجْتِنَابُ شَرْطٍ مُفْسِدٍ فَلَوْ قَالَ إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ هَذَا الدِّينَارُ، بِشَرْطِ أَنْ تُطْعِمَهُ أَصْحَابَك فَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِشَرْطٍ يَمْنَعُ كَمَالَ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حُكْمِ عَقْدِ الْمُسَابَقَةِ وَهُوَ لَازِمٌ فِي حَقٍّ مُلْتَزِمِ الْعِوَضِ وَلَوْ غَيْرَ الْمُتَسَابِقَيْنِ كَالْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ وَلَا تَرْكُ عَمَلٍ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَلَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ مَسْبُوقًا أَوْ سَابِقًا وَأَمْكَنَ أَنْ يُدْرِكَهُ الْآخَرُ وَيَسْبِقَهُ وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُ حَقِّهِ وَلَا زِيَادَةَ وَلَا نَقْصَ فِي الْعَمَلِ وَلَا فِي الْعِوَضِ وَقَوْلُهُ: (وَصِفَةُ الْمُنَاضَلَةِ مَعْلُومَةٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَسَافَةِ أَيْ كَانَتْ صِفَةُ الْمُنَاضَلَةِ مَعْلُومَةً لِتَصِحَّ فَيُشْتَرَطُ لَهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُ الْبَادِئِ مِنْهُمَا بِالرَّمْيِ لِاشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا فِيهِ   [حاشية البجيرمي] مَعْلُومَةً جَارِيًا فِي الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ جَمِيعًا. وَقَوْلُهُ: مَعْلُومَةً أَيْ بِالْمُشَاهَدَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ مَسَافَةُ مَا بَيْنَ إلَخْ) وَكَذَا مَسَافَةُ ابْتِدَاءِ السَّبْقِ وَانْتِهَائِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا أَيْضًا لِأَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ: إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ شَامِلٌ لِلْمَسَافَةِ الَّتِي فِي الْمُنَاضَلَةِ وَاَلَّتِي فِي الْمُسَابَقَةِ. قَوْلُهُ: (الْمُحَلِّلُ) أَيْ إذَا أَخْرَجَا عِوَضَيْنِ وَسُمِّيَ مُحَلِّلًا لِأَنَّهُ أَحَلَّ الْعِوَضَيْنِ اللَّذَيْنِ أَخْرَجَهُمَا الْمُتَسَابِقَانِ. قَوْلُهُ: (وَيَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعَيُّنِ) أَيْ إذَا عُيِّنَا بِالْإِشَارَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ وَاحِدٍ أَيْ إذَا عُيِّنَ الْمَرْكُوبَانِ بِالْعَيْنِ وَأَمَّا إذَا عُيِّنَا بِالْوَصْفِ فَيَجُوزُ الْإِبْدَالُ. كَمَا قَالَهُ الْعَنَانِيُّ وَعِبَارَةُ ق ل وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمَرْكُوبَيْنِ أَوْ عَجَزَ مَثَلًا جَازَ إبْدَالُهُ فِي الْوَصْفِ دُونَ الْعَيْنِ وَكَذَا أَحَدُ الرَّاكِبَيْنِ حَيْثُ لَا فَسْخَ وَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ اهـ. وَفِي شَرْحِ م ر مَا نَصُّهُ وَيَتَعَيَّنَانِ أَيْ الرَّاكِبَانِ وَالرَّامِيَانِ فَيَمْتَنِعُ إبْدَالُ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ مَاتَ أَوْ عَمِيَ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مَثَلًا أُبْدِلَ الْمَوْصُوفُ، وَانْفَسَخَ فِي الْمُعَيَّنِ نَعَمْ فِي مَوْتِ الرَّاكِبِ أَيْ دُونَ مَوْتِ الرَّامِي يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ مَقَامَهُ فَإِنْ أَبَى اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ كَانَ مُوَرِّثُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفَسْخُ لِكَوْنِهِ مُلْتَزِمًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الرَّاكِبِ وَالرَّامِي بِأَنَّ الْقَصْدَ جَوْدَةُ هَذَا فَلَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَلَوْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا وَرُجِيَ اُنْتُظِرَ وَإِلَّا جَازَ الْفَسْخُ إلَّا فِي الرَّاكِبِ فَيَتَّجِهُ إبْدَالُهُ اهـ. وَقَوْلُهُ: يَقُومُ وَارِثُهُ أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ انْفَسَخَتْ وَلَيْسَ مِنْ الْوُرَّاثِ بَيْتُ الْمَالِ اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (أَوْ فَارِهًا) أَيْ جَيِّدًا. قَوْلُهُ: (أَنْ يَقْطَعَ الْمَرْكُوبَانِ) أَيْ أَنْ يُمْكِنَ قَطْعُهُمَا الْمَسَافَةَ. قَوْلُهُ: (فِي حَقِّ مُلْتَزِمِ الْعِوَضِ) خَرَجَ مَا إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ أَوْ كَانَ الْفَاسِخُ غَيْرَ الْمُلْتَزِمِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. قَوْلُهُ: (كَالْإِجَارَةِ) أَيْ بِجَامِعِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقِيلَ: بَلْ جَائِزَةٌ كَالْجَعَالَةِ بِجَامِعِ أَنَّ الْعِوَضَ مَبْذُولٌ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَا يُوثَقُ بِهِ فَكَانَ كَرَدِّ الْآبِقِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُ حَقِّهِ) الْمَعْنَى وَإِلَّا فَلَهُ الْفَسْخُ وَتَرْكُهُ لِأَنَّ لَهُ تَرْكُ حَقِّهِ، فَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ وَمَا ذُكِرَ عِلَّةٌ لَهُ. وَهَذَا لَا يَظْهَرُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُلْتَزِمُ أَحَدَ الْمُتَسَابِقَيْنِ، لَا غَيْرَهُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ. قَوْلُهُ: (وَصِفَةُ الْمُنَاضَلَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى اسْمِ كَانَ. قَوْلُهُ: (زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمُنَاضَلَةُ عَلَى نَافِعٍ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 حَذَرًا مِنْ اشْتِبَاهِ الْمُصِيبِ بِالْمُخْطِئِ لَوْ رَمَيَا مَعًا وَبَيَانُ قَدْرِ الْغَرَضِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَا يُرْمَى إلَيْهِ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ قِرْطَاسٍ طُولًا وَعَرْضًا وَسُمْكًا وَبَيَانُ ارْتِفَاعِهِ مِنْ الْأَرْضِ إنْ ذُكِرَ الْغَرَضُ وَلَمْ يَغْلِبْ عُرْفٌ فِيهِمَا فَإِنْ غَلَبَ فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ شَيْءٍ مِنْهُمَا بَلْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ. وَلَا بَيَانُ مُبَادَرَةٍ بِأَنْ يَبْدُرَ أَيْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا بِإِصَابَةِ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ مِنْ عَدَدٍ مَعْلُومٍ كَعِشْرِينَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي عَدَدِ الْمَرْمِيِّ أَوْ الْيَأْسِ مِنْ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِصَابَةِ وَلَا بَيَانُ مُحَاطَّةٍ بِأَنْ تَزِيدَ إصَابَتُهُ عَلَى إصَابَةِ الْآخَرِ بِكَذَا كَوَاحِدٍ مِنْ عَدَدٍ مَعْلُومٍ كَعِشْرِينَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّقْيِيدِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُبَادَرَةِ. وَعَلَى أَقَلِّ نُوَبِهِ وَهُوَ سَهْمٌ سَهْمٌ لِغَلَبَتِهِمَا وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَوْسٍ وَسَهْمٍ لِأَنَّ الْعُمْدَةَ عَلَى الرَّامِي فَإِنْ عَيَّنَ شَيْئًا مِنْهُمَا لَغَا وَجَازَ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ نَوْعِهِ وَشَرْطُ مَنْعِ إبْدَالِهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ. وَيُسَنُّ بَيَانُ صِفَةِ إصَابَتِهِ الْغَرَضَ مِنْ قَرْعٍ وَهُوَ مُجَرَّدُ إصَابَةِ الْغَرَضِ أَوْ خَرْقٍ بِأَنْ يَثْقُبَهُ وَيَسْقُطَ أَوْ خَسْقٍ بِأَنْ يَثْبُتَ فِيهِ وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ مَرْقٍ   [حاشية البجيرمي] الْحَرْبِ كَالرِّمَاحِ وَالْمَزَارِيقِ وَنَحْوِهَا مِنْ الشُّرُوطِ الْمَارَّةِ الَّتِي تَأْتِي هُنَا. قَوْلُهُ: (مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ) بَيَانٌ لِمَا. قَوْلُهُ: (وَسُمْكًا) أَيْ ثِخَنًا. قَوْلُهُ: (وَبَيَانُ ارْتِفَاعِهِ) كَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ ذِرَاعٌ مَثَلًا وَيَكُونُ مُعَلَّقًا عَلَى شَيْءٍ. قَوْلُهُ: (إنْ ذُكِرَ الْغَرَضُ) فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ كَقَوْلِهِمَا: تَنَاضَلْنَا عَلَى أَنَّ الْعِوَضَ لِلْأَبْعَدِ رَمْيًا لَمْ يَحْتَجْ لِبَيَانِ غَرَضٍ وَلَا بَيَانِ ارْتِفَاعِهِ أَوْ اضْطَرَدَ عُرْفٌ فِيهِمَا فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَغْلِبْ عُرْفٌ) هُوَ مَحَلُّ التَّقْيِيدِ أَيْ إنْ ذُكِرَ الْغَرَضُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) أَيْ فِي قَدْرِ الْغَرَضِ وَبَيَانِ ارْتِفَاعِهِ. قَوْلُهُ: (بَيَانُ شَيْءٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الشَّرْطَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَبْدُرَ) بِضَمِّ الدَّالِ مُضَارِعُ بَدَرَ مِنْ بَابِ قَتَلَ عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَهِيَ أَيْ الْمُبَادَرَةُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَالُ لِلسَّابِقِ إلَى إصَابَةِ خَمْسَةٍ مَثَلًا مِنْ عِشْرِينَ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي عَدَدِ الرَّمْيَاتِ فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْإِصَابَاتِ فَلَا نَاضِلَ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَوِيَا فِي الرَّمْيَاتِ كَأَنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةً مِنْ عِشْرِينَ وَالْآخَرُ بِأَرْبَعَةٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ وَجَبَ إتْمَامُ الْعِشْرِينَ فَقَدْ يُصِيبُ الْبَاقِي فَلَا يَكُونُ مَنْضُولًا وَإِنْ كَانَتْ إصَابَةُ الْآخَرِ لِثَلَاثَةٍ مِنْهَا فَقَدْ صَارَ مَنْضُولًا. قَوْلُهُ: (الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ) أَيْ الْمَشْرُوطِ إصَابَتُهُ كَخَمْسَةٍ. قَوْلُهُ: (كَعِشْرِينَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: عَقِبَ ذَلِكَ وَلَا بَيَانُ عَدَدٍ نُوَبٍ لِلرَّمْيِ كَسَهْمٍ سَهْمٍ وَاثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ إلَخْ. فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ سَقْطٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَعَلَى أَقَلَّ نُوَبِهِ سم فَلَوْ شُرِطَ أَنَّ مَنْ سَبَقَ إلَى خَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ فَلَهُ كَذَا فَرَمَى كُلٌّ عِشْرِينَ أَوْ عَشَرَةً فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةً وَالْآخَرُ دُونَهَا فَالْأَوَّلُ نَاضِلٌ وَإِنْ أَصَابَ كُلٌّ خَمْسَةً فَلَا نَاضِلَ وَكَذَا لَوْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةً مِنْ عِشْرِينَ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ بَلْ يُتِمُّ الْعِشْرِينَ لِجَوَازِ أَنْ يُصِيبَ فِي الْبَاقِي وَإِنْ أَصَابَ الْآخَرُ مِنْ التِّسْعَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةً لَمْ يَتِمَّ الْعِشْرِينَ وَصَارَ مَنْضُولًا لِيَأْسِهِ مِنْ الِاسْتِوَاءِ فِي الْإِصَابَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فِي عَدَدِ الْمَرْمِيِّ) أَيْ الَّذِي رَمَاهُ صَاحِبُهُ لَا الْعَدَدُ الْمَشْرُوطُ رَمْيُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي أَوْ عَشْرَةً سم. قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَزِيدَ إلَخْ) كَأَنْ يَقُولَ تَنَاضَلْت مَعَك عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَّا يَرْمِي عِشْرِينَ وَمَنْ زَادَتْ إصَابَتُهُ عَلَى الْآخَرِ فِيهَا بِكَذَا فَهُوَ النَّاضِلُ وَسُمِّيَتْ مُحَاطَّةً مِنْ الْحَطِّ وَهُوَ إسْقَاطٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَحُطُّ سَهْمًا أَيْ يُسْقِطُهُ فِي مُقَابَلَةِ حَطِّ الْآخَرِ سَهْمًا آخَرَ وَيَزِيدَا عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُهُمَا وَمَنْ زَادَتْ إصَابَتُهُ مِنَّا عَلَى الْآخَرِ بِكَذَا، فَهُوَ النَّاضِلُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ إلَخْ) وَصُورَتُهُ فِي الْإِطْلَاقِ أَنْ يَقُولَ تَرَامَيْنَا عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَّا يَرْمِي عِشْرِينَ وَمَنْ أَصَابَ فِي خَمْسَةٍ فَهُوَ النَّاضِلُ، فَهَذَا مِنْ قَسِيمِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ الْمَشْرُوطَةَ إصَابَتُهَا لَمْ تُقَيَّدْ بِكَوْنِهَا قَبْلَ إصَابَةِ الْآخَرِ، أَوْ بَعْدَهَا فَإِنْ قَيَّدَهَا بِكَوْنِهَا قَبْلَ إصَابَةِ الْآخَرِ بِأَنْ قَالَ: وَمَنْ أَصَابَ مِنَّا فِي خَمْسَةٍ قَبْلَ الْآخَرِ فَهُوَ النَّاضِلُ فَهِيَ حَقِيقَةُ الْمُبَادَرَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا اهـ. قَوْلُهُ: (عَنْ التَّقْيِيدِ) كَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى وَهِيَ بِمَعْنَى عَنْ. وَقَوْلُهُ: نُوَبِهِ أَيْ الرَّمْيِ، قَوْلُهُ: (أَوْ خَزْقٍ) بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ. وَهَذَا وَاَللَّذَانِ بَعْدَهُ مَصَادِرُ لِأَفْعَالٍ كُلِّهَا مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَثْبُتَ فِيهِ) لَمْ يَقُلْ أَنْ يَثْقُبَهُ وَيَثْبُتَ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي ثُقْبَةٍ قَدِيمَةٍ وَثَبَتَ فِيهَا كَفَى وَكَذَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ صَلَابَةٌ وَلَوْلَاهَا لَثَبَتَ سم عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ الشَّيْخُ س ل فِي حَاشِيَتِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْخَرْقِ وَالْخَسْقِ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ وَالْجَوْهَرِيِّ حَيْثُ جَعَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 بِأَنْ يَنْفُذَ مِنْهُ أَوْ خَرْمٍ بِأَنْ يُصِيبَ طَرَفَ الْغَرَضِ فَيَخْرِمَهُ فَإِنْ أَطْلَقَا كَفَى الْقَرْعُ (وَيُخْرِجُ الْعِوَضَ) الْمَشْرُوطَ (أَحَدُ الْمُتَسَابِقَيْنِ حَتَّى إذَا سَبَقَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (اسْتَرَدَّهُ) مِمَّنْ هُوَ مَعَهُ (وَإِنْ سُبِقَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَخَذَهُ صَاحِبُهُ) السَّابِقُ، وَلَا يُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ (وَإِنْ أَخْرَجَا) أَيْ الْمُتَسَابِقَانِ الْعِوَضَ. (مَعًا لَمْ يَجُزْ) حِينَئِذٍ (إلَّا أَنْ يَدْخُلَا) أَيْ يَشْرِطَا (بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا) بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى فَيَجُوزُ إنْ كَانَتْ دَابَّتُهُ كُفُؤًا لِدَابَّتَيْهِمَا سُمِّيَ مُحَلِّلًا لِأَنَّهُ يُحَلِّلُ الْعَقْدَ. وَيُخْرِجُهُ عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ الْمُحَرَّمَةِ فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ (إنْ سَبَقَ) الْمُتَسَابِقَيْنِ (أَخَذَ) مَا أَخْرَجَاهُ مِنْ الْعِوَضِ لِنَفْسِهِ سَوَاءٌ أَجَاءَا مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا لِسَبْقِهِ لَهُمَا. (وَإِنْ سُبِقَ) أَيْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مَعًا (لَمْ يَغْرَمْ) لَهُمَا شَيْئًا وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ جَاءَ الْمُحَلِّلُ مَعَ أَحَدِ الْمُتَسَابِقَيْنِ وَتَأَخَّرَ الْآخَرُ فَمَالُ هَذَا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ وَمَالُ الْمُتَأَخِّرِ لِلْمُحَلِّلِ وَلِلذِّمِّيِّ مَعَهُ لِأَنَّهُمَا سَبَقَاهُ وَإِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ ثُمَّ الْآخَرُ فَمَالُ الْآخَرِ لِلْأَوَّلِ لِسَبْقِهِ الِاثْنَيْنِ. تَنْبِيهٌ: الصُّوَرُ الْمُمْكِنَةُ فِي الْمُحَلِّلِ ثَمَانِيَةٌ: أَنْ يَسْبِقَهُمَا وَيَجِيئَانِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا أَوْ يَسْبِقَا وَيَجِيئَانِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا أَوْ يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَكُونُ مَعَ أَوَّلِهِمَا أَوْ ثَانِيهِمَا أَوْ يَجِيءُ الثَّلَاثَةُ مَعًا وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ وَلَوْ تَسَابَقَ جَمْعٌ ثَلَاثَةٌ فَأَكْثَرُ وَشَرَطَ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ صَحَّ، وَيَجُوزُ شَرْطُ الْعِوَضِ مِنْ غَيْرِ الْمُتَسَابِقَيْنِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ الْإِمَامِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ كَأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ: مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَذَا أَوْ لَهُ عَلَيَّ كَذَا وَيَكُونُ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا، فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا لِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ فِي طَاعَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ إخْرَاجِ أَحَدِ الْمُتَنَاضِلَيْنِ الْعِوَضَ وَإِخْرَاجِهِمَا مَعًا حُكْمُ الْمُسَابَقَةِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ. وَصُورَةُ إخْرَاجِ أَحَدِهِمَا أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: تَرْمِي كَذَا فَإِذَا أَصَبْت أَنْتَ مِنْهَا كَذَا فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا. وَإِنْ أَصَبْتُهَا أَنَا فَلَا شَيْءَ لِأَحَدِنَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَصُورَةُ إخْرَاجِهِمَا مَعًا أَنْ يَشْتَرِطَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ عِوَضًا إنْ أَصَابَ وَلَا يَجُوزُ هَذَا إلَّا بِمُحَلِّلٍ بَيْنَهُمَا كَمَا سَبَقَ.   [حاشية البجيرمي] الْخَازِقَ بِالزَّايِ لُغَةً فِي الْخَاسِقِ بِالسِّينِ فَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ هُوَ عُرْفُ الرُّمَاةِ اهـ خ ط. قَوْلُهُ: (أَحَدُ الْمُتَسَابِقَيْنِ) أَيْ أَوْ الْمُتَرَامِيَيْنِ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (حَتَّى إذَا سَبَقَ إلَخْ) وَسَبْقُ ذِي خُفٍّ بِكَتِفٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِبِلَ تَرْفَعُ أَعْنَاقَهَا عِنْدَ السَّيْرِ وَالْفِيلُ لَا عُنُقَ لَهُ. وَأَمَّا ذُو الْحَافِرِ فَالسَّبْقُ بِالْعُنُقِ فَمَتَى بَرَزَ عُنُقُ أَحَدِهِمَا عَنْ عُنُقِ الْآخَرِ كَانَ سَابِقًا إنْ لَمْ تَرْفَعْ أَعْنَاقَهَا، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْكَتِفِ فَإِنْ زَادَ عُنُقُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَلَا عِبْرَةَ بِالسَّبْقِ بِالزِّيَادَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ شَيْءٍ مِمَّا تَوَافَقَا فِيهِ، كَأَنْ كَانَ طُولُ عُنُقِ أَحَدِهِمَا شِبْرًا وَالْآخَرِ شِبْرَيْنِ فَالسَّبْقُ بِزِيَادَةِ شِبْرٍ مِنْ طَوِيلِ الْعُنُقِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ قَدْرُ الزَّائِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ السَّبْقِ بِأَكْثَرَ مِنْ الشِّبْرِ فِي الْمِثَالِ حَتَّى يُعَدَّ سَابِقًا شَيْخُنَا. وَهَذَا فِي سَبْقِ الزَّائِدِ وَسَبْقِ النَّاقِصِ بِمُجَاوَزَتِهِ لِشَيْءٍ مِمَّا زَادَ بِهِ الْآخَرُ عَلَيْهِ لَا مُجَاوَزَتُهُ كُلَّهُ وَالْعِبْرَةُ بِالسَّبْقِ عِنْدَ الْغَايَةِ لَا قَبْلَهَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُهُ الْآخَرُ. قَوْلُهُ: (اسْتَرَدَّهُ مِمَّنْ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ دَفَعَهُ لَهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ وَعِبَارَةُ ق ل. قَوْلُهُ: اسْتَرَدَّهُ أَيْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَتَعْبِيرُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: مِمَّنْ هُوَ مَعَهُ لَيْسَ قَيْدًا وَإِنَّمَا هُوَ لِمُرَاعَاةِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اسْتَرَدَّهُ. قَوْلُهُ: (مُحَلِّلًا) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ بِسَبَبِهِ حَلَّ الْعَقْدُ وَأَخْذُ الْمَالِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ. وَيَكْفِي وَاحِدٌ وَلَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (كُفُؤًا) بِتَثْلِيثِ الْكَافِ أَيْ مُسَاوِيًا. قَوْلُهُ: (عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ) بِكَسْرِ الْقَافِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقَامُوسِ وَهُوَ مَا فِيهِ تَرَدُّدٌ بَيْنَ الْغُنْمِ وَالْغُرْمِ وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ قَامَرْته قِمَارًا مِنْ بَابِ قَتَلَ فَقَمَرْتُهُ قَمْرًا غَلَبْته. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ) عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّتِهَا عِنْدَ شَرْطِهِ مِنْهُمَا مُحَلِّلٌ كُفْءٌ، هُوَ لَهُمَا فِي الرُّكُوبِ وَغَيْرِهِ وَكُفْءُ مَرْكُوبِهِ الْمُعَيَّنِ لِمَرْكُوبَيْهِمَا يَغْنَمُ إنْ سَبَقَ وَلَمْ يَغْرَمْ أَيْ إنْ لَمْ يَسْبِقْ اهـ. وَقَوْلُهُ: يَغْنَمُ وَلَمْ يَغْرَمْ لَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَمَا فِي ح ل وق ل. قَوْلُهُ: (فَمَا هَذَا) أَيْ الَّذِي جَاءَ مَعَ الْمُحَلِّلِ. قَوْلُهُ: (ثَمَانِيَةٌ) وَحُكْمُ الْأَوَّلَيْنِ يَأْخُذُ الْمُحَلِّلُ الْجَمِيعَ. وَالثَّالِثَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 خَاتِمَةٌ: لَوْ تَرَاهَنَ رَجُلَانِ عَلَى اخْتِبَارِ قُوَّتِهِمَا بِصُعُودِ جَبَلٍ أَوْ إقْلَالِ صَخْرَةٍ، أَوْ أَكْلِ كَذَا فَهُوَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَكُلُّهُ حَرَامٌ ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ مَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ مِنْ الرِّهَانِ عَلَى حَمْلِ كَذَا مِنْ مَوْضِعِ كَذَا إلَى مَكَانِ كَذَا أَوْ إجْرَاءِ السَّاعِي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ وَكُلُّ ذَلِكَ ضَلَالَةٌ وَجَهَالَةٌ مَعَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الصَّلَوَاتِ وَفِعْلِ الْمُنْكَرَاتِ اهـ. وَهَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْغَرَضِ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْ إصَابَةٍ أَوْ خَطَأٍ وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَمْدَحَا الْمُصِيبَ وَلَا أَنْ يَذُمَّا الْمُخْطِئَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِالنَّشَاطِ وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمَا مِنْ أَذِيَّةِ صَاحِبِهِ بِالتَّبَجُّحِ وَالْفَخْرِ عَلَيْهِ. وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَثُّ الْفَرَسِ فِي السِّبَاقِ بِالسَّوْطِ. وَتَحْرِيمُ اللِّجَامِ وَلَا يَجْلِبُ عَلَيْهِ بِالصِّيَاحِ. لِيَزِيدَ عَدْوَهُ لِخَبَرِ: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ» قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَذُكِرَ فِي مَعْنَى الْجَنَبِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْنُبُونَ الْفَرَسَ حَتَّى إذَا قَارَبُوا الْأَمَدَ تَحَوَّلُوا عَنْ الْمَرْكُوبِ الَّذِي كُرِهَ بِالرُّكُوبِ إلَى الْجَنِيبَةِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.   [حاشية البجيرمي] لَا شَيْءَ وَالرَّابِعَةُ لِلْأُولَى وَالْخَامِسَةُ كَذَلِكَ وَالسَّادِسَةُ لِلْأَوَّلِ وَلِلْمُحَلِّلِ وَالسَّابِعَةُ لِلْأَوَّلِ وَالثَّامِنَةُ لَا شَيْءَ لَهُ. اهـ. عَمِيرَةُ ز ي. قَوْلُهُ: (فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) وَيَكُونُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى اخْتِبَارِ قُوَّتِهِمَا) أَيْ وَكَانَ بِعِوَضٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ أَكَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَكَلَ كَذَا) عِبَارَةُ غَيْرِهِ أَوْ أَكَلَ كَذَا بِكَذَا وَهُوَ رَاجِحٌ لِلْجَمِيعِ ثُمَّ رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ. قَوْلُهُ: (وَالْفَخْرُ عَلَيْهِ) تَفْسِيرٌ. قَوْلُهُ: (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْمُتَسَابِقَيْنِ. قَوْلُهُ: (لَا جَلَبَ) أَيْ لَا صِيَاحَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْجِيمِ أَوَّلُهُ وَالْمُوَحَّدَةُ آخِرُهُ وَوَسَطُ الْأَوَّلِ لَامٌ مَفْتُوحَةٌ وَوَسَط الثَّانِي نُونٌ كَذَلِكَ وَتَفْسِيرُهُمَا فِي كَلَامِهِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (يَجْنُبُونَ) أَيْ يَأْخُذُونَهَا جَنِيبَةً مَعَهُمْ تُقَادُ بِلَا رُكُوبٍ قَالَ اج أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُتَسَابِقَيْنِ أَنْ يَجْلِبَ عَلَى مَرْكُوبِهِ وَلَا أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُ جَنِيبَةً أَيْ فَرَسًا أُخْرَى لِيَرْبَحَ الْأُولَى بِهَا وَقَوْلُهُ: الْأَمَدُ أَيْ الْغَايَةُ وَقَوْلُهُ: كَدَّهُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَتْعَبَهُ وَفِي نُسْخَةٍ كُرِهَ بِالرَّاءِ فَتَأَمَّلْ اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (الَّذِي كُرِهَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ أَقْبَلَ بِهِ عَلَى مَطْلُوبِهِ فَالْكَرُّ مُقَابِلُ الْفَرِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ الْأَيْمَانُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ يَمِينٍ وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْيَدُ الْيُمْنَى وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِيَدِ صَاحِبِهِ وَفِي الِاصْطِلَاحِ تَحْقِيقُ أَمْرٍ غَيْرِ ثَابِتٍ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا مُمْكِنًا كَحَلِفِهِ لَيَدْخُلَن الدَّارَ أَوْ مُمْتَنِعًا كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَن الْمَيِّتَ صَادِقَةً كَانَتْ أَوْ كَاذِبَةً مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ أَوْ الْجَهْلِ بِهِ وَخَرَجَ بِالتَّحْقِيقِ لَغْوُ الْيَمِينِ فَلَيْسَتْ يَمِينًا وَبِغَيْرِ ثَابِتٍ الثَّالِثُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَمُوتَن لِتَحَقُّقِهِ فِي نَفْسِهِ فَلَا مَعْنَى لِتَحْقِيقِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ وَفَارَقَ انْعِقَادُهَا بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْبِرُّ كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَن الْمَيِّتَ فَإِنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اللَّهِ   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ] ِ قَدَّمَهُمَا عَلَى الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ الْخُصُومِ وَجَمَعَ النُّذُورَ مَعَهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ يَعْقِدُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ. وَلِأَنَّ بَعْضَ أَقْسَامِ النَّذْرِ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ نَذْرُ اللَّجَاجِ. وَلَا يُقَالُ: كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ الْأَيْمَانِ عَقِبَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا لَا تُوجَدُ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ الدَّعْوَى. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَكَرَهَا هُنَا لِتَكُونَ مَعْلُومَةَ الثُّبُوتِ فَيَصِحُّ الْحُكْمُ بِهَا عَلَى مَنْ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (الْأَيْمَانُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَمِنْ الْحِكَمِ إيمَانُ الْمَرْءِ يُعْرَفُ بِأَيْمَانِهِ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْحَلِفِ عَلَى تَصْدِيقِ مَا أُمِرَ بِهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْقُرْآنِ، فِي يُونُسَ فِي قَوْله تَعَالَى: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53] وَفِي سَبَأٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3] وَفِي التَّغَابُنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] . قَوْلُهُ: (جَمْعُ يَمِينٍ) وَأَرْكَانُ الْيَمِينِ ثَلَاثَةٌ: حَالِفٌ وَمَحْلُوفٌ عَلَيْهِ وَمَحْلُوفٌ بِهِ. فَيُشْتَرَطُ فِي الْحَالِفِ التَّكْلِيفُ وَالِاخْتِيَارُ وَالْقَصْدُ وَفِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِبٍ بِأَنْ كَانَ مُحْتَمَلًا أَوْ مُسْتَحِيلًا، وَفِي الْمَحْلُوفِ بِهِ أَنْ يَكُونَ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ) أَيْ فَيَكُونُ مَجَازًا مُرْسَلًا عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ أَوْ أَنَّهُ مَجَازٌ بِالِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّ شَبَهَ الْيَمِينِ بِالْعُضْوِ الْمَعْرُوفِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا يَحْفَظُ الشَّيْءَ فَالْيَمِينُ تَحْفَظُ الشَّيْءَ الْمَحْلُوفَ بِهِ عَلَى الْحَالِفِ وَالْيَدُ تَحْفَظُ الشَّيْءَ عَلَى صَاحِبِهَا ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِيمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (يَأْخُذُ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا ضَرَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَمِينَهُ عَلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا مَجَازًا قَالَ سم: وَسُمِّيَ الْعُضْوُ يَمِينًا لِوُفُورِ قُوَّتِهِ. وَمِنْهُ: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} أَيْ بِالْقُوَّةِ. قَوْلُهُ: (تَحْقِيقُ أَمْرٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّةَ وَهِيَ اللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ، لَا التَّحْقِيقُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ يَتَسَبَّبُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا اصْطِلَاحٌ وَالْمُرَادُ جَعْلُهُ مُحَقَّقًا أَيْ الْتِزَامُ تَحْقِيقِهِ، وَإِنْ كَانَ تَحْقِيقُهُ مُسْتَحِيلًا فَيَشْمَلُ الْمُسْتَحِيلَ كَمَا فِي سم. وَقَوْلُهُ: تَحْقِيقُ أَمْرٍ أَيْ أَوْ تَوْكِيدُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَيَكُونُ الْيَمِينُ أَيْضًا لِلتَّأْكِيدِ. وَقَوْلُهُ: تَحْقِيقُ أَمْرٍ أَيْ بِاسْمٍ مَخْصُوصٍ. قَوْلُهُ: (مَاضِيًا) كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ مَا دَخَلْت الدَّارَ قَوْلُهُ: (نَفْيًا) تَمْيِيزٌ مِنْ قَوْلِهِ: مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا. قَوْلُهُ: (مُمْكِنًا) حَالٌ مِنْ أَمْرٍ. قَوْلُهُ: (لَيَقْتُلَن الْمَيِّتَ) أَوْ لَيَصْعَدَن السَّمَاءَ فَإِنَّهُ يَمِينٌ تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ حَالًا وَإِنْ صَعِدَ السَّمَاءَ. لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ الِاسْمِ وَحُرْمَتِهِ، شَوْبَرِيٌّ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا صَعِدَ السَّمَاءَ كَمَا قَالَهُ ع ش. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 وَامْتِنَاعُ الْبِرِّ يُخِلُّ بِهِ فَيُحْوِجُ إلَى التَّكْفِيرِ وَتَكُونُ الْيَمِينُ أَيْضًا لِلتَّأْكِيدِ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] الْآيَةَ وَأَخْبَارٌ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَن قُرَيْشًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَضَابِطُ الْحَالِفِ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ قَاصِدٌ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَا الْمُكْرَهِ وَلَا يَمِينُ اللَّغْوِ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ فَقَالَ: (وَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ بِمَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَاتُ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُرَادُ بِهَا الْحَقِيقَةُ مِنْ غَيْرِ احْتِمَالِ غَيْرِهِ. أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُخْتَصَّةِ بِهِ وَلَوْ مُشْتَقًّا أَوْ مِنْ غَيْرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى. سَوَاءٌ كَانَ اسْمًا مُفْرَدًا كَقَوْلِهِ: " رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ " أَوْ لَمْ يَكُنْ كَقَوْلِهِ: وَاَلَّذِي   [حاشية البجيرمي] وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُنْحَصِرٌ فِي شَيْئَيْنِ الْمُحْتَمَلُ كَوَاللَّهِ لَأَضْرِبَن زَيْدًا وَالْمُسْتَحِيلُ كَوَاللَّهِ لَأَقْتُلَن الْمَيِّتَ. أَمَّا الْوَاجِبُ فَلَا يَكُونُ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ كَوَاللَّهِ لَأَمُوتَن لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إلَّا الْبِرُّ وَهُوَ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْمُسْتَحِيلِ، فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إلَّا الْحِنْثُ وَهُوَ يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ أَحْيَا اللَّهُ الْمَيِّتَ وَقَتَلَهُ أَوْ صَعِدَ السَّمَاءَ. سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ فَيَسْتَرِدُّهَا إنْ كَانَ دَفَعَهَا. قَوْلُهُ: (وَفَارَقَ) أَيْ عَدَمُ انْعِقَادِهَا فِي الْوَاجِبِ. قَوْلُهُ: (وَضَابِطُ الْحَالِفِ) سَكَتَ عَنْ اشْتِرَاطِ النُّطْقِ فَقِيلَ: يُشْتَرَطُ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فَيَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ. بِأَنْ حَلَفَ بِالْإِشَارَةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ أَوْ لَا يَلْبَسُ الثَّوْبَ مَثَلًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ مُعْتَدٌّ بِهَا فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ إلَّا ثَلَاثَةً لَا يُعْتَدُّ بِإِشَارَتِهِ فِيهَا وَلَيْسَ الْحَلِفُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْهَا. نَعَمْ إنْ حَلَفَ بِالْإِشَارَةِ عَلَى عَدَمِ الْكَلَامِ فَتَكَلَّمَ بِالْإِشَارَةِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ يَمِينُهُ مُنْعَقِدَةً سَوَاءٌ حَلَفَ وَهُوَ نَاطِقٌ ثُمَّ خَرِسَ أَوْ حَلَفَ بَعْدَ الْخَرَسِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَيَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِأَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِاَللَّهِ أَوْ مَا هُوَ فِيهِ أَغْلَبُ إنْ أَرَادَهُ أَوْ أَطْلَقَ أَوْ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ. وَعَلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ وَقَصَدَ هُوَ بِهِ وَقَوْلُهُ: هُوَ أَيْ اللَّهُ وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِالْيَمِينِ أَوْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ) فِي نُسْخَةٍ سم الْعَبَّادِيُّ إلَّا بِاَللَّهِ قَالَ: أَيْ بِهَذَا الِاسْمِ الشَّرِيفِ الدَّالِّ عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ بِاسْمٍ إلَخْ قَالَ كَالرَّحْمَنِ أَوْ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْإِلَهِ وَقَوْلُهُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ حَلَفَ بِعِنْوَانِ الذَّاتِ. بِأَنْ قَالَ: بِذَاتِ اللَّهِ لَأَفْعَلَن كَذَا وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْعَطْفُ بَعْدَهُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَاتِ اللَّهِ مَا يُفْهَمُ مِنْ الذَّاتِ مُجَرَّدَةً عَنْ الصِّفَاتِ وَهُوَ لَفْظُ اللَّهِ وَيَكُونُ الْمَتْنُ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ إلَّا بِهَذَا الِاسْمِ الْكَرِيمِ وَيَكُونُ عَطْفُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: (أَيْ بِمَا يُفْهَمُ) أَيْ بِاسْمٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى كَصَانِعِ الْمَوْجُودَاتِ قَالَ شَيْخُنَا م ر. وَمِنْهُ الْجَنَابُ الرَّفِيعُ وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ، وَمُقْسِمُ الْأَدْيَانِ، وَفِي شَرْحِهِ عَدَمُ الِانْعِقَادِ بِالْجَنَابِ الرَّفِيعِ وَأَنَّهُ لَيْسَ كِنَايَةً ق ل. وَنَصُّهُ: وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ الْحَلِفُ مِنْ الْعَوَامّ بِالْجَنَابِ الرَّفِيعِ وَيُرِيدُونَ بِهِ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا مِنْ اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ إذْ جَنَابُ الْإِنْسَانِ فِنَاءُ دَارِهِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ كَمَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تُؤَثِّرُ مَعَ الِاسْتِحَالَةِ اهـ. قَالَ ع ش: وَيَحْرُمُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ تَعَالَى سَوَاءٌ قَصَدَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا لَكِنَّهُ إذَا صَدَرَ مِنْهُ يُعْرَفُ فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا عُزِّرَ، وَمِثْلُهُ فِي امْتِنَاعِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ تَعَالَى مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ قَوْلِ الْعَوَامّ اتَّكَلْت عَلَى جَانِبِ اللَّهِ أَوْ الْحَمْلَةُ عَلَى اللَّهِ اهـ. قَوْلُهُ: (الْمُرَادُ بِهَا الْحَقِيقَةُ) صِفَةٌ لِلذَّاتِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُشْتَقًّا) يُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ أَنَّ سَائِرَ أَسْمَائِهِ مُشْتَقَّةٌ وَتَأَمَّلْنَاهُ فَوَجَدْنَا لَفْظَ الْجَلَالَةِ غَيْرَ مُشْتَقٍّ. قَوْلُهُ: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) وَلَوْ قَالَ: وَرَبِّ الْعَالَمِ وَقَالَ أَرَدْت بِالْعَالَمِ كَذَا مِنْ الْمَالِ وَبِرَبِّهِ مَالِكَهُ قُبِلَ لِأَنَّ مَا قَالَهُ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَكُنْ) مُرَادُهُ بِهِ الْمَوْصُولَ أَوْ الْمَوْصُوفَ كَمَا مَثَّلَ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُفْرَدًا اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الَّذِي أَعْبُدُهُ مِنْ أَسْمَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا لَا الْمَوْصُولُ وَحْدَهُ وَلَا مَعَ الصِّلَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْحَيَّ غَيْرُ مُشْتَقٍّ مَعَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَيَاةِ تَأَمَّلْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 أَعْبُدُهُ أَوْ أَسْجُدُ لَهُ أَوْ نَفْسِي بِيَدِهِ أَيْ بِقُدْرَتِهِ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ أَوْ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ. فَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهِ أَمَّا إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إرَادَتُهُ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا لِأَنَّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ تَعَالَى: فَقَوْلُ الْمِنْهَاجِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ. مُؤَوَّلٌ بِذَلِكَ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ، الْغَالِبِ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْقَسَمِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ قَالَ: ق ل وَهَذِهِ الْإِرَادَةُ تَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ فَلَوْ أَخَّرَهُ كَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (غَيْرَ الْيَمِينِ) كَأَنْ جَعَلَهُ مُبْتَدَأً أَوْ أَضْمَرَ لَهُ خَبَرًا كَأَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: وَاَلَّذِي أَعْبُدُهُ لَأَفْعَلَن وَاَلَّذِي أَعْبُدُهُ أَسْتَعِينُ بِهِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ بِقَوْلِهِ لَأَفْعَلَن. وَكَأَنْ قَالَ: بِاَللَّهِ لَأَضْرِبَن زَيْدًا ثُمَّ قَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ بَلْ أَرَدْت اسْتَعَنْتَ بِاَللَّهِ مَثَلًا وَلَأَضْرِبَن مُسْتَأْنَفٌ قَالَ: الَأُجْهُورِيُّ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ حَاكِمٍ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِقَصْدِ الْحَاكِمِ لَا بِقَصْدِ الْحَالِفِ وَفِي الرَّحْمَانِيِّ وَلَا تَنْفَعُ التَّوْرِيَةُ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا إذَا حَلَّفَهُ بِالطَّلَاقِ اهـ. فَائِدَةٌ: التَّوْرِيَةُ فِي الْأَيْمَانِ نَافِعَةٌ وَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِنِيَّةِ الْحَالِفِ إلَّا إذَا اسْتَحْلَفَ الْقَاضِي بِغَيْرِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى وَهِيَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْنَثُ بِهَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا حَيْثُ يَبْطُلُ بِهَا حَقُّ الْمُسْتَحِقِّ بِالْإِجْمَاعِ فَمِنْ التَّوْرِيَةِ، أَنْ يَنْوِيَ بِاللِّبَاسِ اللَّيْلَ وَبِالْفِرَاشِ وَالْبِسَاطِ الْأَرْضَ، وَبِالْأَوْتَادِ الْجِبَالَ وَبِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ السَّمَاءَ، وَبِالْأُخُوَّةِ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَهُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَهُ فَلَيْسَ يَمِينًا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ) أَيْ إرَادَةُ غَيْرِ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ أَيْ فِيمَا لَوْ قَالَ: إنْ حَلَفْتُ بِاَللَّهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَعِنْدِي حُرٌّ أَوْ لَا أَطَؤُكِ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَأَتَى بِصِيغَةٍ مِمَّا تَقَدَّمَ كَأَنْ قَالَ: بَعْدَ قَوْلِهِ السَّابِقِ بِاَللَّهِ لَأَضْرِبَن زَيْدًا ثُمَّ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ، بَلْ أَرَدْتُ اسْتَعَنْتُ بِاَللَّهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فَيَقَعُ مَا عَلَّقَهُ عَلَى الْحَلِفِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْإِيلَاءِ فَإِرَادَة غَيْرَ الْيَمِينِ تَارَةً تُقْبَلُ وَتَارَةً لَا تُقْبَلُ اهـ. ح ل لَكِنْ فِي الرَّوْضِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ صُورَتَهُ: أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ يَقُولُ لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ بَلْ أَرَدْت بِهِ حَلَّ الْوَثَاقِ مَثَلًا أَوْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ يَقُولُ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْعِتْقَ بَلْ أَرَدْت بِهِ أَنْتَ كَالْحُرِّ فِي الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ مَثَلًا أَوْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْإِيلَاءَ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَلَوْ أَتَى بِصِيغَةِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ إيلَاءٍ وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهَا الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَالْإِيلَاءَ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ كُلٌّ مِنْ التَّصْوِيرَيْنِ لَكِنْ مَا فِي الرَّوْضِ أَقْرَبُ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهِ) وَهُوَ الزَّوْجَةُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَالْعَبْدُ فِي الثَّانِي وَقَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ بِهِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى) تَفْصِيلٌ آخَرُ غَيْرَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ: أَنَّ الِاسْمَ إمَّا مُخْتَصٌّ أَوْ غَالِبٌ أَوْ مُسْتَوٍ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ اللَّهَ أَوْ غَيْرَهُ. أَوْ يُطْلِقَ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي مِثْلِهَا تَبْلُغُ تِسْعَةً ثُمَّ تُضْرَبُ أَحْوَالُ قَصْدِ الْيَمِينِ أَوْ عَدَمِهِ أَوْ الْإِطْلَاقِ فِي التِّسْعَةِ تَبْلُغُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ فِي الِاسْمِ الْمُخْتَصِّ تِسْعَةٌ وَفِي الْغَالِبِ كَذَلِكَ وَفِي الْمُسَاوِي كَذَلِكَ وَأَحْكَامُهَا أَنَّهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فِي سِتَّةٍ دُونَ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْيَمِينَ أَوْ أَطْلَقَ انْعَقَدَتْ سَوَاءٌ أَرَادَ بِالِاسْمِ اللَّهَ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ لَمْ تَنْعَقِدْ سَوَاءٌ أَرَادَ بِالِاسْمِ اللَّهَ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ أَطْلَقَ. قَوْلُهُ: (بِذَلِكَ) أَيْ بِإِرَادَةِ غَيْرِ الْيَمِينِ وَقَوْلُهُ: مُؤَوَّلٌ بِذَلِكَ أَيْ بِإِرَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ بِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ) عَطْفٌ عَلَى بِاسْمِ الْأَوَّلِ عَطْفٌ مُغَايِرٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ خَاصٌّ وَهَذَا غَالِبٌ وَفِيهِ تِسْعَةٌ كَمَا مَرَّ. وَبَيَانُ حُكْمِهَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فِي أَرْبَعَةٍ دُونَ خَمْسَةٍ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْيَمِينَ أَوْ أَطْلَقَ وَأَرَادَ بِالِاسْمِ اللَّهَ، أَوْ أَطْلَقَ انْعَقَدَتْ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ لَمْ تَنْعَقِدْ سَوَاءٌ أَرَادَ بِالِاسْمِ اللَّهَ أَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَإِنْ أَرَادَ بِاسْمٍ غَيْرَ اللَّهِ وَأَرَادَ الْيَمِينَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ تَنْعَقِدْ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا يَقَعُ مِنْ قَوْلِ الْعَوَامّ وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ هَلْ هُوَ يَمِينٌ أَمْ لَا وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ م ر انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَصَرَّحَ بِهِ الزِّيَادِيُّ وَنَصُّهُ. وَإِذَا قَالَ: وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ أَوْ الْقَسَمُ الْأَعْظَمُ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنهُ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ إمَّا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ اهـ. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 غَيْرِهِ. كَقَوْلِهِ: وَالرَّحِيمِ وَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ وَالرَّبِّ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ مَا لَمْ يُرِدْ بِهَا غَيْرَهُ تَعَالَى. بِأَنْ أَرَادَهُ تَعَالَى أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ بِهَا غَيْرَهُ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ مُقَيَّدًا كَرَحِيمِ الْقَلْبِ وَخَالِقِ الْإِفْكِ وَرَازِقِ الْجَيْشِ وَرَبِّ الْإِبِلِ. وَأَمَّا الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَالْمَوْجُودِ وَالْعَالِمِ وَالْحَيِّ، فَإِنْ أَرَادَهُ تَعَالَى بِهِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ بِهَا غَيْرَهُ أَوْ أَطْلَقَ لِأَنَّهَا لَمَّا أُطْلِقَتْ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ أَشْبَهَتْ الْكِنَايَاتِ (أَوْ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ) كَوَعَظَمَتِهِ وَعِزَّتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ   [حاشية البجيرمي] الْغَالِبِ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى غَيْرِهِ) مُشَارَكَةُ الْغَيْرِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إنَّمَا هِيَ فِي الْإِطْلَاقِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْأَغْلَبِيَّةِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ صَنِيعُهُ، وَصَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: وَيُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ لَا غَالِبًا، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى غَيْرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَيَقِلُّ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَبِمَا هُوَ فِيهِ تَعَالَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَغْلَبُ كَالرَّحِيمِ إلَخْ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ قَوْلُهُ وَعَلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مَعْنَاهُ الْغَالِبُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ وَالْغَالِبُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ وَعَلَى غَيْرِهِ. الْمُنَاسِبُ دُونَ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَالرَّبِّ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَاصِّ بِاَللَّهِ. وَعِبَارَةُ ز ي: وَاسْتُشْكِلَ الرَّبُّ بِأَلْ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْأَوَّلِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ أَصْلَ مَعْنَاهُ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ فَصَحَّ قَصْدُهُ وَأَلْ قَرِينَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا قُوَّةَ لَهَا عَلَى إلْغَاءِ ذَلِكَ الْقَصْدِ وَصَرَّحَ فِي الْمِصْبَاحِ بِأَنَّ الرَّبَّ تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى، وَأَنْشَدَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدًا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فَعَلَيْهِ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِي اللَّهِ وَفِي غَيْرِهِ لُغَةً وَإِنْ كَانَ شَرْعًا لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ فَلَا حَاجَةَ لِمَا قِيلَ هُنَا مِنْ التَّكَلُّفِ. قَوْلُهُ: (انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِعِلْمِهِ مِمَّا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (الذَّاتِيَّةِ) بِخِلَافِ الْفِعْلِيَّةِ كَخَلْقِهِ وَرِزْقِهِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ وَظَاهِرُهُ لَا صَرِيحَ وَلَا كِنَايَةَ س ل. وَأَخْرَجَ السَّلْبِيَّةَ كَكَوْنِهِ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ، لَكِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيّ الِانْعِقَادَ بِهَذِهِ لِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ تَعَالَى رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ ق ل تَنْبِيهٌ هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ فِي صِفَاتِ الذَّاتِ الثُّبُوتِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِهِ فِي الْأَزَلِ أَمَّا صِفَاتُهُ السَّلْبِيَّةُ، وَهِيَ الْقَائِمَةُ بِهِ كَعَدَمِ جِسْمِيَّتِهِ وَعَرْضِيَّتِهِ وَصِفَاتِهِ الْفِعْلِيَّةِ كَرِزْقِهِ وَخَلْقِهِ وَرَحْمَتِهِ وَهِيَ الثَّابِتَةُ لَهُ فِيمَا لَا يَزَالُ فَتَرَدَّدَ شَيْخُنَا فِي الْأُولَى. وَقَالَ الْقَاضِي تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهَا وَجَرَى عَلَيْهِ الْعَبَّادِيُّ وَجَزَمَ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالثَّانِيَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورُ خِلَافًا لِلْخَفَّافِ فَرَاجِعْهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ صِفَتَيْ الذَّاتِ وَالْفِعْلِ أَنَّ الْأُولَى مَا اسْتَحَقَّهُ فِي الْأَزَلِ وَالثَّانِيَةَ مَا اسْتَحَقَّهُ فِيمَا يَزَالُ دُونَ الْأَزَلِ يُقَالُ: عِلْمٌ فِي الْأَزَلِ وَلَا يُقَالُ رِزْقٌ فِي الْأَزَلِ إلَّا تَوَسُّعًا اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ قَالَ سم: وَلَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِصِفَاتِ الْأَفْعَالِ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَإِنْ نَوَى خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَفِي حَاشِيَةِ الشبراملسي لِلْغَزِّيِّ الِانْعِقَادُ بِهَا. فَرْعٌ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي أَوْ فَأَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ لَازِمَةٌ لِي فَإِنْ أَرَادَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ تَنْعَقِدْ وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَةَ الْحَجَّاجِ انْعَقَدَتْ لِأَنَّ «الْبَيْعَةَ كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُصَافَحَةِ» فَلَمَّا تَوَلَّى الْحَجَّاجُ رَتَّبَهَا أَيْمَانًا تَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الطَّلَاقِ وَالْحَجِّ وَالْإِعْتَاقِ وَصَدَقَةِ الْمَالِ وَانْظُرْ مَاذَا يَلْزَمُهُ مِنْهَا. وَلَوْ شَرِكَ فِي يَمِينِهِ بَيْنَ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ وَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ كَوَاللَّهِ وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ الْعَبَّادِيُّ: الْمُتَّجَهُ عِنْدِي الِانْعِقَادُ، سَوَاءٌ قَصَدَ الْحَلِفَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ أَطْلَقَ أَوْ بِالْمَجْمُوعِ فَرَاجِعْهُ. وَنَصَّ سم عَلَى حَجّ: شَرِكَ فِي حَلِفِهِ بَيْنَ مَا يَصِحُّ الْحَلِفُ بِهِ وَغَيْرِهِ كَوَاللَّهِ وَالْكَعْبَةِ فَالْوَجْهُ انْعِقَادُ الْيَمِينِ وَهُوَ وَاضِحٌ إنْ قَصَدَ الْحَلِفَ بِكُلٍّ، أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَصَدَ الْحَلِفَ بِالْمَجْمُوعِ، فَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَالْوَجْهُ الِانْعِقَادُ لِأَنَّ جُزْءَ هَذَا الْمَجْمُوعِ يَصِحُّ الْحَلِفُ بِهِ. وَالْمَجْمُوعُ الَّذِي جُزْؤُهُ كَذَلِكَ يَصِحُّ الْحَلِفُ بِهِ وَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ آخَرُ يَمِينِي فِي يَمِينِك أَوْ يَلْزَمُنِي مِثْلُ مَا يَلْزَمُك لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَنَوَى لَزِمَهُ مَا لَزِمَ الْحَالِفَ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (كَوَعَظَمَتِهِ) مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ أَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةٌ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَبَنَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ مَنْعَ قَوْلِهِمْ: سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 وَكَلَامِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَحَقِّهِ. إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْحَقِّ الْعِبَادَاتِ وَبِاَللَّذَيْنِ قَبْلَهُ الْمَعْلُومَ وَالْمَقْدُورَ وَبِالْبَقِيَّةِ ظُهُورَ آثَارِهَا فَلَيْسَتْ يَمِينًا لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ: وَكِتَابِ اللَّهِ يَمِينٌ وَكَذَا وَالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْقُرْآنِ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ وَبِالْمُصْحَفِ الْوَرَقَ وَالْجِلْدَ. وَحُرُوفُ الْقَسَمِ الْمَشْهُورَةُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَوَاوٌ وَتَاءٌ، فَوْقِيَّةٌ، كَبِاللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ لَأَفْعَلَن كَذَا، وَيَخْتَصُّ لَفْظُ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُظْهَرُ مُطْلَقًا بِالْوَاوِ وَسُمِعَ شَاذًّا تَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَتَالرَّحْمَنِ وَتَدْخُلُ الْمُوَحَّدَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُضْمَرِ فَهِيَ الْأَصْلُ. وَتَلِيهَا الْوَاوُ ثُمَّ التَّاءُ وَلَوْ قَالَ: اللَّهُ مَثَلًا بِتَثْلِيثِ الْهَاءِ أَوْ تَسْكِينِهَا لَأَفْعَلَن كَذَا فَكِنَايَةٌ كَقَوْلِهِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، أَوْ لَعَمْرُ   [حاشية البجيرمي] شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ. قَالَ: لِأَنَّ التَّوَاضُعَ لِلصِّفَةِ عِبَادَةٌ لَهَا، وَلَا يُعْبَدُ إلَّا الذَّاتُ وَمَنَعَ الْقَرَافِيُّ ذَلِكَ. وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَالْمَعْبُودُ مَجْمُوعُهَا اهـ س ل قَالَ م ر: فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ هَذَا فَصَحِيحٌ أَوْ مُجَرَّدُ الصِّفَةِ فَمُمْتَنِعٌ. وَلَمْ يُبَيِّنُوا حُكْمَ الْإِطْلَاقِ أَيْ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ الْعَظَمَةُ صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِهِ تَعَالَى بِحَسَبِ الْوَضْعِ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهَا لِمَجْمُوعِ الذَّاتِ وَالصِّفَةِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ فَاسِدٌ إذْ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمْ تَصِحَّ إضَافَتُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لَا يُقَالُ: خَالِقٌ اللَّهُ وَلَا رَازِقٌ اللَّهُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَحَقُّهُ) أَيْ اسْتِحْقَاقُهُ لِلْعِبَادَةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ فَهُوَ صِفَةٌ لَهُ تَعَالَى. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ س ل قَوْلُهُ: وَحَقُّهُ أَيْ مُطْلَقًا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ أَوْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمَعْنَاهُ حَقِيقَةُ الْأُلُوهِيَّةِ لِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ مَا لَا يُمْكِنُ جُحُودُهُ فَهَلْ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: حَقُّ اللَّهِ هُوَ الْقُرْآنُ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} [الحاقة: 51] وَالْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ يَمِينٌ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ. وَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ هَذَا إنْ جَرَّ الْحَقُّ فَإِنْ رَفَعَهُ أَوْ نَصَبَهُ فَكِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الطَّاعَةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّتِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (ظُهُورُ آثَارِهَا) أَيْ آثَارِهَا الظَّاهِرَةِ فَآثَارُ الْعَظَمَةِ وَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ الذِّلَّةُ وَالتَّوَاضُعُ وَأَثَرُ الْكَلَامِ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ وَأَثَرُ الْمَشِيئَةِ، التَّخْصِيصُ أَيْ تَخْصِيصُ الْمُمْكِنَاتِ، بِمَا يَعْرِضُ لَهَا وَأَثَرُ الْعَظَمَةِ: إهْلَاكُ الْجَبَابِرَةِ وَأَثَرُ الْعِزَّةِ عَدَمُ إيصَالِ مَكْرُوهٍ إلَيْهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (وَكِتَابُ اللَّهِ) بِأَنْ قَصَدَ الصِّفَةَ الْقَدِيمَةَ أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الْأَلْفَاظَ. قَوْلُهُ: (الْخُطْبَةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الأعراف: 204] . وَقَوْلُهُ وَالصَّلَاةَ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِقَوْلِهِ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ صَلَاتُهُ وَقَالَ ع ش قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْقُرْآنِ الْخُطْبَةَ أَيْ أَوْ الْأَلْفَاظَ أَوْ الْحُرُوفَ. قَوْلُهُ: (الْوَرَقَ) أَيْ أَوْ اللَّفْظَ كَمَا ذَكَرَهُ حَجّ فَإِنْ أَرَادَ لَفْظَ الْقُرْآنِ لَا الْمَعْنَى النَّفْسِيَّ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَقَالَ ع ش: لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ عُرْفًا إلَّا لِمَا فِيهِ الْقُرْآنُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ: وَالْمُصْحَفُ وَحَقُّ الْمُصْحَفِ اهـ وَلَعَلَّهُ أَنَّ حَقَّ الْمُصْحَفِ يَنْصَرِفُ عُرْفًا إلَى ثَمَنِهِ الَّذِي يُصْرَفُ فِيهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُصْحَفُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ اهـ. وَلَوْ أَقْسَمَ بِآيَةٍ مَنْسُوخَةِ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ قِيَاسًا أَوْلَوِيًّا عَلَى انْعِقَادِهَا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَعَ نَسْخِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَسِّ وَالْحَمْلِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقِيَاسِ الْأَوْلَوِيِّ اهـ. وَأَمَّا الْآيَةُ الْمَنْسُوخَةُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ مَعًا فَكَانَ مُقْتَضَى قِيَاسِهِ أَنْ تُقَاسَ أَيْضًا عَلَى التَّوْرَاةِ بِقِيَاسِ الْمُسَاوَاةِ. فَإِنْ قَالَ: إنَّهَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا كِتَابُ اللَّهِ. قُلْنَا لَهُ: يَلْزَمُك فِي مَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ اهـ. قَوْلُهُ: (الْمَشْهُورَةِ) وَغَيْرُ الْمَشْهُورَةِ كَالْأَلِفِ وَهَاءِ التَّنْبِيهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِالتَّاءِ) الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ قَوْلُهُ: (فَهِيَ الْأَصْلُ) عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّاءَ الْفَوْقِيَّةَ مُبْدَلَةٌ مِنْ الْوَاوِ وَالْوَاوُ مِنْ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ النُّحَاةُ: أَبْدِلُوا مِنْ الْبَاءِ وَاوًا لِقُرْبِ الْمَخْرَجِ ثُمَّ مِنْ الْوَاوِ تَاءً لِقُرْبِ الْمَخْرَجِ كَمَا فِي تُرَاثٍ. وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ التَّاءُ بِلَفْظِ اللَّهِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ بَدَلٍ فَضَاقَ التَّصَرُّفُ فِيهَا وَهِيَ وَإِنْ ضَاقَ تَصَرُّفُهَا قَدْ بُورِكَ فِيهَا لِلِاخْتِصَاصِ بِأَشْرَفِ الْأَسْمَاءِ وَأَجَلِّهَا اهـ ز ي. وَخَرَجَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْفَاءُ وَالْأَلِفُ الْمَمْدُودَةُ وَالتَّحْتِيَّةُ نَحْوُ فَاَللَّهُ وَاَللَّهِ وَيَاللَّهِ. قَالَ م ر: فَهِيَ كِنَايَةٌ وَكَذَا بِلَّهْ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَحَذْفِ الْأَلْفِ يَمِينٌ إنْ نَوَاهَا عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِجَمْعٍ ذَهَبُوا إلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَذِمَّتُهُ وَأَمَانَتُهُ وَكَفَالَتُهُ لَأَفْعَلَن كَذَا إنْ نَوَى بِهَا الْيَمِينَ فَيَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا. وَاللَّحْنُ وَإِنْ قِيلَ بِهِ فِي الرَّفْعِ لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ عَلَى أَنَّهُ لَا لَحْنَ فِي ذَلِكَ فَالرَّفْعُ بِالِابْتِدَاءِ أَيْ اللَّهُ أَحْلِفُ بِهِ لَأَفْعَلَن وَالنَّصْبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَالْجَرُّ بِحَذْفِهِ وَإِبْقَاءِ عَمَلِهِ. وَالتَّسْكِينُ بِإِجْرَاءِ الْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ وَقَوْلُهُ: أَقْسَمْت أَوْ أُقْسِمُ أَوْ حَلَفْت أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَن كَذَا يَمِينٌ إلَّا إنْ نَوَى خَبَرًا مَاضِيًا فِي صِيغَةِ الْمَاضِي أَوْ مُسْتَقْبَلًا فِي الْمُضَارِعِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لِاحْتِمَالِ مَا نَوَاهُ وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ: أُقْسِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ أَوْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَن كَذَا يَمِينٌ إنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينَ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُرِدْهَا. وَيُحْمَلُ عَلَى الشَّفَاعَةِ وَعُلِمَ مِنْ حَصْرِ الِانْعِقَادِ فِيمَا ذُكِرَ عَدَمُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِمَخْلُوقٍ كَالنَّبِيِّ وَجِبْرِيلَ وَالْكَعْبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَوْ مَعَ   [حاشية البجيرمي] أَنَّهَا لَغْوٌ، وَبَقِيَ مَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ بَعْدَ اللَّامِ هَلْ يَتَوَقَّفُ الِانْعِقَادُ عَلَى نِيَّتِهَا أَوْ لَا؟ وَيَظْهَرُ الْآنَ الثَّانِي لِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي هَذَا اللَّفْظِ بَيْنَ الِاسْمِ الْكَرِيمِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْبِلَّهْ. فَإِنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَبِلَّةِ الرُّطُوبَةِ وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ حَذَفَ الْهَاءَ مِنْ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَقَالَ بَالَّا أَوْ وَلَا هَلْ هِيَ يَمِينٌ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهَا بِدُونِ الْهَاءِ لَيْسَتْ مِنْ أَسْمَائِهِ وَلَا صِفَاتِهِ. وَيَحْتَمِلُ الِانْعِقَادُ عِنْدَ نِيَّةِ الْيَمِينِ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ حَذَفَ الْهَاءَ تَرْخِيمًا وَالتَّرْخِيمُ جَائِزٌ فِي غَيْرِ الْمُنَادَى عَلَى قِلَّةٍ اهـ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لَأَفْعَلَن كَذَا) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ فَلَوْ تَرَكَهُ لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَمِثْلُ تَاللَّهِ مَا فِي مَعْنَاهُ ز ي. قَوْلُهُ: (لَعَمْرُ اللَّهِ) الْمُرَادُ مِنْهُ الْبَقَاءُ وَالْحَيَاةُ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا لِأَنَّهُ يُطْلَقُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْعِبَادَاتِ وَالْمَفْرُوضَاتِ. شَرْحُ الرَّوْضِ وَهَذَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَمَّا عِنْدَ النُّحَاةِ فَلَعَمْرُ اللَّهِ صَرِيحٌ فِي الْقَسَمِ. قَوْلُهُ: (عَهْدُ اللَّهِ) وَالْمُرَادُ بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ اسْتِحْقَاقُهُ لِإِيجَابِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا وَتَعَبَّدَنَا بِهِ وَإِذَا نَوَى بِهِ غَيْرَهَا فَالْمُرَادُ الْعِبَادَاتُ الَّتِي أُمِرْنَا بِهَا وَقَدْ فَسَّرَ بِهَا أَيْ الْعِبَادَاتِ الْأَمَانَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72] شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَذِمَّتُهُ) مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَلَفْت) وَسُمِّيَ الْقَسَمُ حَلِفًا لِأَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ انْقِسَامِ النَّاسِ إلَى مُصَدَّقٍ وَمُكَذَّبٍ اهـ أَبُو حَيَّانَ. قَوْلُهُ: (إلَّا إنْ نَوَى خَيْرًا) أَيْ فَهُوَ يَمِينٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَوْبَرِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَرَى لَنَا وَجْهٌ أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا قَالَ الْإِمَامُ: جَعَلْتُمْ قَوْلَهُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَن يَمِينًا صَرِيحًا وَفِيهِ إضْمَارٌ مَعْنَى أُقْسِمُ فَكَيْفَ تَنْحَطُّ رُتْبَتُهُ إذَا صَرَّحَ بِالْمُضْمَرِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ التَّصْرِيحَ بِهِ يُزِيلُ الصَّرَاحَةَ لِاحْتِمَالِهِ الْمَاضِيَ وَالْمُسْتَقْبَلَ، فَكَمْ مِنْ مُضْمَرٍ يُقَدِّرُهُ النَّحْوِيُّ وَاللَّفْظُ بِدُونِهِ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ أَلَا تَرَى إلَى أَنَّ مَعْنَى التَّعَجُّبِ فِيمَا أَحْسَنَ زَيْدًا يَزُولُ إذَا قُلْت شَيْءٌ حَسَنٌ زَيْدًا مَعَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِهِ سم. قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ أُقْسِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ) : وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَن كَذَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْمُتَعَلِّقِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أُقْسِمُ عَلَيْك) أَمَّا بِدُونِ عَلَيْك فَيَمِينٌ لَا يَجْرِي فِيهَا تَفْصِيلٌ بِرْمَاوِيٌّ وَقِ ل. قَوْلُهُ: (أَوْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ تَفْعَلُ كَذَا، أَوْ لَا تَفْعَلْ كَذَا، وَأَطْلَقَ كَانَ يَمِينًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تُسْتَعْمَلُ لِطَلَبِ الشَّفَاعَةِ، بِخِلَافِ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (إنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينَ نَفْسِهِ) أَيْ فَقَطْ بِأَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ هَذَا الْأَمْرِ الْمُحْتَمَلِ فَإِذَا حَلَفَ شَخْصٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ يَأْكُلُ. فَالْأَكْلُ أَمْرٌ مُحْتَمَلٌ فَإِذَا أَرَادَ تَحْقِيقَهُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَكْلِ كَانَ يَمِينًا وَإِنْ أَرَادَ أَتَشَفَّعُ عِنْدَك بِاَللَّهِ أَنَّك تَأْكُلُ أَوْ أَرَادَ يَمِينَ الْمُخَاطَبِ كَأَنْ قَصَدَ جَعَلَهُ حَالِفًا بِاَللَّهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ هُوَ، وَلَا الْمُخَاطَبُ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُرِدْهَا) بِأَنْ أَرَادَ يَمِينَ الْمُخَاطَبِ كَأَنْ قَصَدَ جَعَلْتُك حَالِفًا بِاَللَّهِ أَوْ الشَّفَاعَةِ أَوْ أَطْلَقَ ز ي وَشَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَيُحْمَلُ) أَيْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الشَّفَاعَةِ أَيْ جَعَلْت اللَّهَ شَفِيعًا عِنْدَك فِي فِعْلِ كَذَا ع ش وَيُكْرَهُ رَدُّ السَّائِلِ بِاَللَّهِ أَوْ بِوَجْهِهِ سُبْحَانَهُ تَعَالَى كَأَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ فِي غَيْرِ الْمَكْرُوهِ وَالسُّؤَالُ بِذَلِكَ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ إعْطَائِهِ تَعْظِيمُ مَا سَأَلَ بِهِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (عَدَمُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِمَخْلُوقٍ) أَيْ فَلَا كَفَّارَةَ بِالْحِنْثِ فِيهِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ فِي الْحَلِفِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً لِأَنَّهُ قَالَ: تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ أَحَدُ رُكْنَيْ الشَّهَادَةِ كَاسْمِ اللَّهِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. وَقَالَ ع ش: يَنْبَغِي لِلْحَالِفِ أَنْ لَا يَتَسَاهَلَ فِي الْحَلِفِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِهِ غَيْرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 قَصْدِهِ بَلْ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِهِ إلَّا أَنْ يَسْبِقَ إلَيْهِ لِسَانُهُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ، أَوْ مِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ وَلَا يُكَفِّرُ بِهِ إنْ أَرَادَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ عَنْ الْفِعْلِ أَوْ أَطْلَقَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَذْكَارِ وَلِيَقُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ قَصَدَ الرِّضَا بِذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ فَهُوَ كَافِرٌ فِي الْحَالِ. تَنْبِيهٌ: تَصِحُّ الْيَمِينُ عَلَى مَاضٍ وَغَيْرِهِ وَتُكْرَهُ إلَّا فِي طَاعَةٍ وَفِي دَعْوَى مَعَ صِدْقٍ عِنْدَ حَاكِمٍ وَفِي حَاجَةٍ كَتَوْكِيدِ كَلَامٍ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ عَصَى بِحَلِفِهِ، وَلَزِمَهُ حِنْثٌ وَكَفَّارَةٌ. أَوْ عَلَى تَرْكِ أَوْ فِعْلِ مُبَاحٍ سُنَّ تَرْكُ حِنْثِهِ أَوْ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ سُنَّ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةٌ أَوْ عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ، كُرِهَ حِنْثُهُ وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِلَا صَوْمٍ عَلَى أَحَدِ سَبَبَيْهَا كَمَنْذُورٍ مَالِيٍّ. (وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ) كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ أُعْتِقَ عَبْدِي.   [حاشية البجيرمي] مُوجِبٍ لِلْكَفَّارَةِ لَا سِيَّمَا إذَا حَلَفَ عَلَى نِيَّةِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَجُرُّ إلَى الْكُفْرِ لِعَدَمِ تَعْظِيمِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَفِّرُ) : وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ رَوْضٌ، وَيُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ مُطْلَقًا وَلَا يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مُطْلَقًا. وَإِنْ قَصَدَ الْيَمِينَ وَالتَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ فِي الْكُفْرِ وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَصْدٌ حُكِمَ بِكُفْرِهِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِوَضْعِهِ يَقْتَضِيهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَذْكَارِ خِلَافُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ. تَنْبِيهٌ: مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ مِنْ طَلَبِ الْخَصْمِ لِيَحْلِفَ عِنْدَ قَبْرِ وَلِيٍّ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا يُعَدُّ بِامْتِنَاعِهِ نَاكِلًا بَلْ الظَّاهِرُ حُرْمَةُ ذَلِكَ. رَحْمَانِيٌّ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْقَسَمِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيهِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ وَرَبِّ الشَّمْسِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِاَللَّهِ فَإِذَا أَرَادَ تَعْظِيمَ شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ أَقْسَمَ بِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَلْيَقُلْ) أَيْ نَدْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ وَأَوْجَبَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ ذَلِكَ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) وَالْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِأَشْهَدُ بَلْ يَتَعَيَّنُ إنْ كَانَ كُفْرًا ق ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَإِذَا لَمْ يُكَفِّرْ نُدِبَ لَهُ الِاسْتِغْفَارُ وَيَقُولُ كَذَلِكَ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " وَحَذْفُهُمْ أَشْهَدُ هُنَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ فِي الْإِسْلَامِ الْحَقِيقِيِّ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيمَا هُوَ لِلِاحْتِيَاطِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِأَشْهَدُ كَمَا فِي رِوَايَةِ " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ". قَوْلُهُ: (وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ: " أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ " وَهِيَ أَكْمَلُ مِنْ غَيْرِهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ) أَيْ الْيَمِينُ أَيْ فِي الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا فِعْلًا أَوْ تَرْكًا وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ كَبِيرَةٌ هُوَ مِنْ حَيْثُ اقْتِطَاعُ الْمَالِ بِهَا لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا فَرَاجِعْ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا كُرِهَتْ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِهَا وَلِكَثْرَةِ تَوَلُّعِ الشَّيْطَانِ بِهِ الْمُوقِعِ لَهُ فِي النَّدَمِ كَمَا فِي حَدِيثِ «الْحَلِفُ حِنْثٌ أَوْ نَدَمٌ» قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حَلَفْت بِاَللَّهِ صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا قَطُّ أَيْ لَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَا بَعْدَهُ ق ل وع ش. قَوْلُهُ: (وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ) أَفْهَمَ قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنَّ الْأَوْلَى التَّأْخِيرُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، سم أَمَّا تَقْدِيمُهَا عَلَى الْيَمِينِ فَيَمْتَنِعُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا مُقَارَنَتُهَا لِلْيَمِينِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ يُعْتِقُ عَنْهَا مَعَ شُرُوعِهِ فِي الْيَمِينِ وَإِذَا قَدَّمَهَا عَلَى الْحِنْثِ وَلَمْ يَحْنَثْ اسْتَرْجَعَ كَالزَّكَاةِ أَيْ إنْ شَرَطَهُ، أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ مَاتَ مَثَلًا قَبْلَ حِنْثِهِ وَقَعَ تَطَوُّعًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، لِتَعَذُّرِ الِاسْتِرْجَاعِ فِيهِ م ر وع ن. وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي فِي الْكَفَّارَةِ إذْ التَّقْدِيمُ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِهَا كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (عَلَى أَحَدِ سَبَبَيْهَا) أَيْ إنْ كَانَ لَهَا سَبَبَانِ فَإِنْ كَانَ لَهَا سَبَبٌ وَاحِدٌ كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ سم. قَوْلُهُ: (كَمَنْذُورٍ مَالِيٍّ) فَالنَّذْرُ سَبَبٌ أَوَّلُ وَالشِّفَاءُ سَبَبٌ ثَانٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةٍ) الْمُرَادُ بِهِ النَّذْرُ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الْحَلِفِ وَهُوَ نَذْرُ اللَّجَاجِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا فِي فَصْلِ النَّذْرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 وَيُسَمَّى نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَمِنْ صُوَرِهِ مَا إذَا قَالَ: الْعِتْقُ يَلْزَمُنِي مَا أَفْعَلُ كَذَا. (فَهُوَ مُخَيَّرٌ) عَلَى أَظْهَرْ الْأَقْوَالِ (بَيْنَ) فِعْلِ (الصَّدَقَةِ) الَّتِي الْتَزَمَهَا أَوْ الْعِتْقِ الَّذِي الْتَزَمَهُ. (وَ) بَيْنَ فِعْلِ (الْكَفَّارَةِ) عَنْ الْيَمِينِ الْآتِي بَيَانُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَهِيَ لَا تَكْفِي فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ بِالِاتِّفَاقِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ كَفَّارَةُ نَذْرٍ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ فِي الْأُولَى وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ يَمِينٌ فَلَغْوٌ أَوْ فَعَلَيَّ نَذْرٌ صَحَّ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ قُرْبَةٍ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ. (وَلَا شَيْءَ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] أَيْ قَصَدْتُمْ بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] ، وَلَغْوُ الْيَمِينِ هُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: " قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، كَأَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ غَضَبٍ أَوْ لَجَاجٍ أَوْ صِلَةِ كَلَامٍ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَالْمُرَادُ بِتَفْسِيرِ لَغْوِ الْيَمِينِ بِلَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ عَلَى الْبَلَدِ لَا عَلَى الْجَمْعِ. أَمَّا لَوْ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كَانَتْ الْأُولَى لَغْوًا وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةً لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاكٌ فَصَارَتْ مَقْصُودَةً. وَلَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ مَا إذَا دَخَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ لَهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ لِي وَهُوَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى. (وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا) مُعَيَّنًا كَأَنْ لَا يَبِيعَ أَوْ لَا يَشْتَرِيَ (فَفَعَلَ) شَيْئًا (غَيْرَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. أَمَّا إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِأَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِنَفْسِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ فَإِنْ كَانَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَيُسَمَّى نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ) وَضَابِطُهُ: أَنْ يُعَلِّقَ الْقُرْبَةَ بِحَثٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَحْقِيقِ خَبَرٍ كَقَوْلِهِ فِي الْحَثِّ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَفِي الْمَنْعِ إنْ فَعَلْتُهُ فَعَلَيَّ ذَلِكَ وَفِي تَحْقِيقِ الْخَبَرِ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتُهُ فَعَلَيَّ عِتْقٌ بِخِلَافِ نَذْرِ التَّبَرُّرِ. فَإِنَّهُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ بِلَا تَعْلِيقٍ أَوْ مُعَلَّقَةٍ عَلَى تَجْدِيدِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كَقَوْلِهِ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ مَحْبُوبٌ وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ مَبْغُوضٌ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) أَيْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِي الصُّورَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةٌ) وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَلَفَ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ إلَخْ كَأَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى عَمْرٍو وَيُصَدَّقُ مُدَّعِي عَدَمِ قَصْدِهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ بِكَذِبِهِ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ ظَاهِرًا كَمَا لَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ مُطْلَقًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ سم. قَوْلُهُ: (وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي) ضَعَّفَهُ م ر ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ وَعِبَارَتُهُ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ مَا لَوْ دَخَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ لَهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ لِي فَقَامَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ فَوَاضِحٌ حِنْثُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْيَمِينَ فَعَلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ بَلْ الشَّفَاعَةَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا) اُنْظُرْ حِكْمَةَ التَّنْبِيهِ عَلَى هَذِهِ مَعَ أَنَّهَا مَعْلُومَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ. وَقَدْ يُقَالُ: ذَكَرَهَا تَوْطِئَةً لِمَفْهُومِهَا فَإِنَّ حُكْمَهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ الْفِعْلِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ. قَوْلُهُ: (بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ) الْمُرَادُ أَنَّهُ بَاعَ مَالَ مُوَلِّيهِ أَوْ مُوَكِّلِهِ أَوْ اشْتَرَى بِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْنَثْ) وَحُكْمُ الْيَمِينِ بَاقٍ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَامِدًا حَنِثَ وَإِنْ قَالَ لَا أُفَارِقُ غَرِيمِي أَيْ حَتَّى يُوفِيَنِي فَهَرَبَ مِنْهُ أَيْ قَبْلَ الْوَفَاءِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ وَسَوَاءٌ أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ أَوْ إمْسَاكُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ أَمْ لَا فِي الْأَصَحِّ وَكَذَا لَوْ فَارَقَهُ بِإِذْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِابْنِ كَجٍّ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّيْخِ وَالْمَاوَرْدِيِّ حَيْثُ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِالْهَرَبِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا صَوَّرَهَا بِالْفِرَارِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَالْمُرَادُ بِالْمُفَارَقَةِ هُنَا مَا يَقْطَعُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ. اهـ. شَرْحُ التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 عَالِمًا مُخْتَارًا حَنِثَ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ؛ وَمِنْ صُوَرِ الْفِعْلِ جَاهِلًا أَنْ يَدْخُلَ دَارًا لَا يَعْرِفُ أَنَّهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا، أَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى زَيْدٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِي ظُلْمَةٍ وَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ زَيْدٌ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: مُطْلَقُ الْحَلِفِ عَلَى الْعُقُودِ يُنَزَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهَا فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يُخَالِفْ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ فَنَكَحَ فَاسِدًا فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِيهَا الْمَهْرَ، كَمَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَكَذَا الْعِبَادَاتُ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهَا إلَّا الْحَجُّ الْفَاسِدُ. فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ وَلَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مَا لَا يَقْبَلُهُ كَأَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ وَلَا الْمُسْتَوْلَدَةَ ثُمَّ أَتَى بِصُورَةِ الْبَيْعِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِلَفْظِ الْعَقْدِ مُضَافًا إلَى مَا ذَكَرَهُ حَنِثَ وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا. (وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا) كَأَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أَوْ لَا يُعْتِقُ عَبْدَهُ أَوْ لَا يَضْرِبُ غُلَامَهُ. (فَأَمَرَ غَيْرَهُ) بِفِعْلِهِ (فَفَعَلَهُ) وَكِيلُهُ. وَلَوْ مَعَ حُضُورِهِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْحَالِفُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ فِيمَا ذُكِرَ عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَلَا يُوَكِّلُ وَكَانَ وَكَّلَ قَبْلَ ذَلِكَ بِبَيْعِ مَالِهِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ بَعْدَ يَمِينِهِ بِالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْيَمِينِ لَمْ يُبَاشِرْ وَلَمْ يُوَكِّلْ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَكَانَ أَذِنَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَمْ يَحْنَثْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُعْتِقُ عَبْدَهُ فَكَاتَبَهُ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ. وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ صَوَّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْحِنْثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ لَا بِقَبُولِ الْحَالِفِ النِّكَاحَ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ مَحْضٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ   [حاشية البجيرمي] فَرْعٌ: حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا يَأْكُلُ كَذَا فَابْتَلَعَهُ حَنِثَ سَوَاءٌ مَضَغَهُ أَمْ لَا وَهَذَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِالْبَلْعِ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ يَعُدُّ الْبَالِعَ آكِلًا وَلِهَذَا يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ الْحَشِيشَةَ وَالْبَرْشَ مَعَ أَنَّهُ يَبْلَعُهُمَا ابْتِدَاءً وَالطَّلَاقُ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّبَاعِ اللَّفْظِ. اهـ. ز ي وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ بَحْرًا شَمِلَ ذَلِكَ النَّهْرَ الْعَظِيمَ. كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ فَقَدْ صَرَّحَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ. بِأَنَّهُ يُسَمَّى بَحْرًا فَإِنْ حَلَفَ لَيُسَافِرَنَّ بَرًّا بِقَصِيرِ السَّفَرِ وَالْأَقْرَبُ الِاكْتِفَاءُ بِوُصُولِهِ مَحَلًّا يَتَرَخَّصُ مِنْهُ الْمُسَافِرُ وَإِنَّمَا قَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا يَتَنَقَّلُ فِيهِ الْمُسَافِرُ عَلَى الدَّابَّةِ بِأَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ تُجَوِّزُهَا الْحَاجَةُ وَلَا حَاجَةَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (هَذِهِ الْقَاعِدَةُ) وَهِيَ أَنَّ مُطْلَقَ الْعُقُودِ يُنَزَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا الشَّارِحُ بِعِنْوَانِ الْقَاعِدَةِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الْمَسْأَلَةِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحَلِفِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَقَالَ ق ل قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحَلِفِ وَالْمَهْرُ وَجَبَ بِالْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أُذِنَ مِنْ السَّيِّدِ اهـ فَهِيَ دَخِيلَةٌ هُنَا. قَوْلُهُ: (أَوْجَبَ فِيهَا الْمَهْرَ) أَيْ فِي كَسْبِهِ. قَوْلُهُ: (الْعِبَادَاتُ) بِأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُصَلِّي أَوْ لَا أَحُجُّ. قَوْلُهُ: (الْفَاسِدُ) أَيْ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا م ر. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْنَثْ) ضَعِيفٌ فِي الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يُزَوِّجَ مُوَلِّيَتَهُ إلَخْ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ يَمْنَعُ مِنْ الْحِنْثِ إلَّا التَّوْكِيلُ فِي الزَّوَاجِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْنَثْ) اعْتَمَدَ م ر الْحِنْثَ وَاعْتَمَدَ فِيمَا قَبْلَهَا عَدَمَ الْحِنْثِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْإِذْنَ فِي قَوْلِهِ: لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ مَعْنَاهُ الْإِذْنُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَصَارَ مَانِعًا لَهَا مِنْ الْخُرُوجِ بِدُونِ إذْنٍ جَدِيدٍ كَمَا أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ لَا يَبِيعُ وَلَا يُوَكِّلُ لَا يَحْنَثُ بِبَيْعِ وَكِيلِهِ بِوَكَالَةٍ سَابِقَةٍ لِعَدَمِ وَكَالَةٍ جَدِيدَةٍ لِأَنَّهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا دُونَ السَّابِقَةِ م د. قَوْلُهُ: (فَكَاتَبَهُ) أَيْ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ) هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: فِعْلُ الْغَيْرِ لَا يَحْنَثُ بِهِ إلَّا فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ) أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ أَنَّهُ يَتَعَاطَى الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ نَعَمْ إنْ نَوَى بِالنِّكَاحِ الْوَطْءَ لَمْ يَحْنَثْ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَجَازَ يَتَقَوَّى بِالنِّيَّةِ شَرْحُ م ر أج. فَرْعٌ: حَلَفَ لَا يَطَأُ فُلَانَةَ فَوَطِئَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْأَوْجَهِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّلِ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَصَحَّحَ فِي التَّنْبِيهِ عَدَمَ الْحِنْثِ وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ فِي تَصْحِيحِهِ. وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمِنْهَاجِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ: إنَّ مَا فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ الْحِنْثِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلِقَاعِدَتِهِ وَلِلدَّلِيلِ وَلِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ. وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي التَّوْكِيلِ فِي الرَّجْعَةِ فِيمَا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُرَاجِعُهَا فَوَكَّلَ مَنْ يُرَاجِعُهَا. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ بِأَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَعَقَدَ عَلَيْهَا وَلِيُّهَا نُظِرَ إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً فَعَلَى قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ وَأَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ فَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ، لِمَنْ يُزَوِّجُهُ وَلَوْ حَلَفَ الْأَمِيرُ لَا يَضْرِبُ زَيْدًا فَأَمَرَ الْجَلَّادَ بِضَرْبِهِ فَضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ أَوْ حَلَفَ لَا يَبْنِي بَيْتَهُ فَأَمَرَ الْبَنَّاءَ بِبِنَائِهِ فَبَنَاهُ. فَكَذَلِكَ أَوْ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، فَأَمَرَ حَلَّاقًا فَحَلَقَهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِعَدَمِ فِعْلِهِ وَقِيلَ: يَحْنَثُ لِلْعُرْفِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ شَرْحَيْهِ وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ، أَوْ لَا يَبِيعُ مَالَ زَيْدٍ فَبَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا بِأَنْ بَاعَهُ بِإِذْنِهِ أَوْ لِظَفَرٍ بِهِ أَوْ إذْنَ حَاكِمٍ، لِحَجْرٍ أَوْ امْتِنَاعٍ أَوْ إذْنِ وَلِيٍّ لِصِغَرٍ أَوْ لِحَجْرٍ أَوْ جُنُونٍ حَنِثَ لِصِدْقِ اسْمِ الْبَيْعِ بِمَا ذُكِرَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ لِي زَيْدٌ مَالًا فَبَاعَهُ زَيْدٌ حَنِثَ الْحَالِفُ سَوَاءٌ أَعَلِمَ زَيْدٌ أَنَّهُ مَالُ الْحَالِفِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ زَيْدٍ وَقَدْ فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ، وَالْجَهْلُ أَوْ النِّسْيَانُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُبَاشِرِ لِلْفِعْلِ لَا فِي غَيْرِهِ، وَوَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَقَدْرُهُمَا أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ نِصْفِ الشِّبَعِ، وَوَقْتُ السُّحُورِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ   [حاشية البجيرمي] فَرْعٌ: حَلَفَ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ فَكَسَرَهُ ثُمَّ بَرَاهُ وَكَتَبَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ قَالَهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَادَّعَى الرَّافِعِيُّ أَنَّ أُصُولَنَا تُخَالِفُهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ الْقَلَمَ اسْمٌ لِلْمَبْرِيِّ دُونَ الْقَصَبَةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْقَصَبَةُ قَبْلَ الْبَرْيِ قَلَمًا مَجَازًا لَا حَقِيقَةً. فَرْعٌ: قَالَ الدَّمِيرِيُّ: فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَقَالَ: إنْ لَمْ أَقْبِضْ مِنْك الْيَوْمَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، فَقَالَ صَاحِبُهُ: إنْ أَعْطَيْتُك الْيَوْمَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ. طَرِيقُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ صَاحِبُهُ جَبْرًا عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثَانِ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (سَفِيرٌ) أَيْ وَاسِطَةٌ وَقَوْلُهُ: مَحْضٌ أَيْ خَالِصٌ لَا يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (لِمُقْتَضَى نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ) أَيْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ أَخْذًا بِعُمُومِ كَوْنِ الْحَلِفِ لَا يَشْمَلُ فِعْلَ الْغَيْرِ. وَقَوْلُهُ: وَلِقَاعِدَتِهِ أَيْ الَّتِي فِي الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ: وَلِلدَّلِيلِ هُوَ قَوْلُ الشَّارِحِ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ. قَوْلُهُ: (فَوَكَّلَ مَنْ يُرَاجِعُهَا) أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا الرَّجْعَةُ ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ أَمْ اسْتِدَامَةٌ. فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَحْنَثُ. قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) أَيْ أَحَدَ عَشَرَ وَغَالِبُهَا مِنْ قَبِيلِ مَنْطُوقِ كَلَامِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ) أَيْ فَالْحِنْثُ وَعَدَمُهُ مَبْنِيَّانِ عَلَى قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُكْرَهِ إذَا أُكْرِهَ، عَلَى الْحِنْثِ أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ ثُمَّ فَعَلَ لَا يَحْنَثُ قَوْلًا وَاحِدًا لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْعُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ الْأَمِيرُ هُوَ الثَّانِي وَقَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبْنِي هُوَ الثَّالِثُ وَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ هُوَ الرَّابِعُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يَبِيعُ هُوَ الْخَامِسُ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ مَالَ زَيْدٍ هُوَ السَّادِسُ. وَقَوْلُهُ: وَوَقْتُ الْغَدَاءِ سَابِعٌ. وَوَقْتُ الْعِشَاءِ ثَامِنٌ. وَقَدْرُهُمَا أَنْ لَا يَأْكُلَ تَاسِعٌ. وَقَوْلُهُ: وَوَقْتُ السُّحُورِ عَاشِرٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ إلَخْ الْحَادِيَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ) أَيْ فَيَحْنَثُ. قَوْلُهُ: (فَأَمَرَ الْبَنَّاءَ بِبِنَائِهِ إلَخْ) كُلُّ هَذَا دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (لِي) صِفَةٌ لَمَالًا أَيْ لَا يَبِيعُ زَيْدٌ مَالًا كَائِنًا لِي. قَوْلُهُ: (إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُبَاشِرِ إلَخْ) أَيْ فِي الْحَالِفِ الْمُبَاشِرِ إلَخْ وَفِيهِ: أَنَّهُمَا اعْتَبَرَا فِي الَّذِي يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ كَمَا ذَكَرَهُ: فِي الطَّلَاقِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَالَ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ مَنْعَ زَيْدٍ فَإِنْ قَصَدَ مَنْعَهُ فَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَارُّ فِي الطَّلَاقِ اهـ. أَيْ مِنْ كَوْنِ زَيْدٍ يُبَالِي بِحِنْثِهِ وَكَوْنِهِ قَصَدَ إعْلَامَهُ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 حَلَفَ لَيُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ وَأَعْظَمَهُ أَوْ أَجَلَّهُ. فَلْيَقُلْ: " لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك " أَوْ لَيَحْمَدَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ أَوْ بِأَجَلِّ التَّحَامِيدِ فَلْيَقُلْ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ " وَهُنَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ وَفِيمَا ذَكَرْته كِفَايَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي صِفَةِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَاخْتَصَّتْ مِنْ بَيْنِ الْكَفَّارَاتِ بِكَوْنِهَا مُخَيَّرَةً فِي الِابْتِدَاءِ مُرَتَّبَةً فِي الِانْتِهَاءِ وَالصَّحِيحُ فِي سَبَبِ وُجُوبِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْحِنْثُ وَالْيَمِينُ مَعًا فَقَالَ: (وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ هُوَ) أَيْ الْمُكَفِّرُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ وَلَوْ كَافِرًا (مُخَيَّرٌ فِيهَا) ابْتِدَاءً (بَيْنَ)   [حاشية البجيرمي] الْغَدَاءِ إلَخْ) أَيْ فِيمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَتَغَدَّى بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا شَبِعَ قَبْلَ الزَّوَالِ. قَوْلُهُ: (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك) أَيْ لَا أَقْدِرُ عَلَى إحْصَائِهِ. وَقَوْلُهُ أَنْتَ تَوْكِيدٌ لِلْكَافِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَمُضْمَرُ الرَّفْعِ الَّذِي قَدْ انْفَصَلْ ... أَكِّدْ بِهِ كُلَّ ضَمِيرٍ اتَّصَلْ فَقَوْلُهُ: كَمَا أَثْنَيْت الْكَافَ بِمَعْنَى مِثْلُ وَهِيَ صِفَةٌ لِثَنَاءٍ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ مُؤَوَّلَةٌ مَعَ مَدْخُولِهَا بِمَصْدَرٍ أَيْ مِثْلُ ثَنَائِك عَلَى نَفْسِك وَإِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إحْصَائِهِ فَلَا يُطِيقُهُ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ: لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَيْ لَا أُطِيقُ ثَنَاءً وَلَا أَضْبِطُ ثَنَاءً عَلَيْك بِمَعْنَى لَا أَقْدِرُ عَلَى ثَنَاءٍ عَلَيْك وَالتَّنْوِينُ فِي ثَنَاءً لِلتَّنْوِيعِ أَيْ نَوْعًا مَخْصُوصًا مِنْ الثَّنَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِك وَمَا فِي كَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ لِثَنَائِك عَلَى نَفْسِك أَوْ مَوْصُولَةٌ أَيْ ثَنَاءً بِمَعْنَى الْمَثْنِيِّ بِهِ أَيْ كَاَلَّذِي أَثْنَيْت بِهِ عَلَى نَفْسِك فِي كَوْنِهِ قَطْعِيًّا تَفْصِيلِيًّا غَيْرَ مُتَنَاهٍ أَوْ مَوْصُوفَةٌ أَيْ مِثْلُ ثَنَاءٍ أَثْنَيْت بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلْيَقُلْ) : رُوِيَ " أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَهُ لِآدَمَ وَقَالَ عَلَّمْتُك مَجَامِعَ الْحَمْدِ " قَوْلُهُ: (حَمْدًا) : مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ حَمِدْتُ حَمْدًا وَلَيْسَ مَعْمُولًا لِلْحَمْدِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُخْبَرُ عَنْهُ قَبْلَ مَعْمُولِهِ. وَقَوْلُهُ: يُوَافِي نِعَمَهُ أَيْ يُقَابِلُهَا بِحَيْثُ يَكُونُ بِقَدْرِهَا فَلَا تَقَعُ نِعْمَةٌ إلَّا مُقَابِلَةً لِهَذَا الْحَمْدِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَمْدُ بِإِزَاءِ جَمِيعِ النِّعَمِ. وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ. بِحَسَبِ مَا تَرَجَّاهُ وَإِلَّا فَكُلُّ نِعْمَةٍ تَحْتَاجُ إلَى حَمْدٍ مُسْتَقِلٍّ أَوْ يَجْعَلُ التَّنْوِينَ فِي حَمْدًا لِلتَّكْثِيرِ وَقَوْلُهُ: وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ أَيْ يُسَاوِي النِّعَمَ الزَّائِدَةَ مِنْ اللَّهِ. وَالْمَزِيدُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِنْ زَادَهُ اللَّهُ النِّعَمَ وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ أَيْ مَزِيدُ اللَّهِ لِلنِّعَمِ؛ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَرَجَّى أَنْ يَكُونَ الْحَمْدُ الَّذِي أَتَى بِهِ مُوفِيًا بِحَقِّ النِّعَمِ الْحَاصِلَةِ بِالْفِعْلِ وَمُسَاوِيًا لِمَا يَزِيدُ مِنْهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ الْمُكَافَأَةَ الْمُسَاوَاةُ اهـ وَلَوْ حَلَفَ لِيُصَلِّيَن عَلَيْهِ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ بَرَّ بِالصِّيغَةِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ الْإِبْرَاهِيمِيَّة. وَاسْتُشْكِلَ بِعَدَمِ اشْتِمَالِهَا عَلَى السَّلَامِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ الصَّلَاةَ م د. فَرْعٌ: مَنْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَكَانَ مُنْفَرِدًا وَحَلَفَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي فَضَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ وَصَلَّى وَحْدَهُ صَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ صُفُوفًا» فَإِذَا حَلَفَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْنَثُ. فَرْعٌ: حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَا يَحْنَثُ بِالْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَعْهُودَةٍ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ شَرْحِ التَّنْبِيهِ. فَرْعٌ: وَلَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ مَثَلًا كَأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ فَسَأَلَ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ لَهُ: إذَا طَلَعْت مِنْ الْحَائِطِ لَا تَحْنَثُ، لِجَهْلِ الْمَسْئُولِ فَتَسَوَّرَ مِنْ الْحَائِطِ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا فَعَلَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى قَوْلِ الْمُخْبِرِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ وَفِي الْمَنْهَجِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ حَنِثَ بِدُخُولِهِ، دَاخِلَ بَابِهَا حَتَّى دِهْلِيزِهَا. وَلَوْ بِرِجْلِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا فَقَطْ لَا بِصُعُودِ سَطْحٍ مِنْ خَارِجِ الدَّارِ وَلَوْ مَحُوطًا لَمْ يُسَقَّفْ اهـ وَصُورَةُ السَّطْحِ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَرَجٌ يَصْعَدُ عَلَيْهَا لَهُ خَارِجَ الدَّارِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ) مِنْ الْكَفْرِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَهُوَ السَّتْرُ وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى سَتْرِ جِسْمٍ بِجِسْمٍ آخَرَ فَمَا هُنَا مَجَازٌ أَوْ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَتَقَدَّمَ: أَنَّهَا جَابِرَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَزَاجِرَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلْأَغْلَبِ. إذْ لَا إثْمَ فِي نَحْوِ الْمُبَاحِ الْمَنْدُوبِ، ثُمَّ إنْ كَانَ عَقْدَ الْيَمِينِ طَاعَةٌ فَحَلَّهَا مَعْصِيَةٌ كَأَنْ لَا يَزْنِيَ ثُمَّ زَنَى. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 فِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْ (ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ) وَهِيَ (عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِعَمَلٍ أَوْ كَسْبٍ (أَوْ إطْعَامٍ) أَيْ تَمْلِيكٍ (عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ مُدٌّ) مِنْ جِنْسِ الْفِطْرَةِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِيهَا، (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً مِمَّا يُعْتَادُ لُبْسُهُ وَلَوْ ثَوْبًا أَوْ عِمَامَةً أَوْ إزَارًا أَوْ طَيْلَسَانًا، أَوْ مِنْدِيلًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِي الْيَدِ أَوْ مِقْنَعَةً أَوْ دِرْعًا مِنْ صُوفٍ   [حاشية البجيرمي] الْحُرُّ) أَيْ كُلُّهُ لِأَنَّ الْمُبَعَّضَ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْخَصْلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (مُخَيَّرٌ فِيهَا ابْتِدَاءً) قَالَ الْعَلَّامَةُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ الْأَزْهَرِيَّةِ: وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجَمِيعِ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَمِيعَ هُوَ الْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَةِ اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشَّنَوَانِيُّ قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ نَظَرٌ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ جَوَازِ الْجَمْعِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا مَعَ الِاعْتِقَادِ الْمَذْكُورِ أَوْ عَدَمِهِ وَقَعَ وَاحِدٌ مِنْهَا كَفَّارَةً فَقَطْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ: لَوْ أَتَى بِخِصَالِ الْكَفَّارَةِ كُلِّهَا أُثِيبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَكِنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ: أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ التَّطَوُّعِ. وَلَا يَحْصُلُ ثَوَابُ الْوَاجِبِ إلَّا عَلَى أَعْلَاهَا إنْ تَفَاوَتَتْ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ. فَإِضَافَةُ غَيْرِهِ إلَيْهِ لَا تَنْقُصُهُ، وَإِنْ تَسَاوَتْ فَعَلَى أَحَدِهَا وَإِنْ تَرَكَ الْجَمِيعَ عُوقِبَ عَلَى أَقَلِّهَا. لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأَجْزَأَ ذَكَرَهُ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْمَعَالِمِ وَهُوَ حَسَنٌ اهـ. أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ مِنْهَا كَفَّارَةً هُوَ مُسَلَّمٌ. وَلَيْسَ هُوَ مَحَلُّ الْكَلَامِ فِيمَا لَوْ أَخْرَجَهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَمِيعَ كَفَّارَةٌ وَاجِبَةٌ. وَهُوَ حَرَامٌ لِاعْتِقَادِ مَا لَيْسَ وَاجِبًا وَاجِبًا كَمَا لَوْ صَلَّى زِيَادَةً عَلَى الرَّوَاتِبِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ لِلشَّارِعِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فِعْلٍ وَاحِدٍ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَإِبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ بَيْنَ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى مُتَعَدِّدٍ. قَوْلُهُ: (عِتْقُ رَقَبَةٍ) وَهُوَ أَفْضَلُهَا وَلَوْ فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ وَبَحَثَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْإِطْعَامَ فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ أَفْضَلُ. ز ي وَشَرْحُ م ر. وَكَانَ الْأَوْلَى: أَنْ يُعَبِّرَ بِإِعْتَاقٍ بَدَلَ عِتْقٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ عَتَقَ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَنَوَاهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ اهـ. قَوْلُهُ: (كُلَّ مِسْكِينٍ) أَيْ نَصِيبُ كُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِنْسِ الْفِطْرَةِ) أَيْ وَيَكُونُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِ الْحَالِفِ وَإِنْ كَانَ الْمُكَفِّرُ غَيْرَهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ. وَالْمُرَادُ غَالِبُ قُوتِ السَّنَةِ ز ي. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمُكَفِّرُ غَيْرَهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ أَيْ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِقُوتِ بَلَدِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ حَجّ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْطِنًا بِبَلَدٍ فَأَيُّ بَلَدٍ أَخْرَجَ مِنْ قُوتِهَا أَجْزَأَ ز ي وَعِبَارَةُ م ر مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ أَيْ الْمُكَفِّرِ فَلَوْ أُذِنَ لِأَجْنَبِيٍّ فِي أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ اُعْتُبِرَ بَلَدُ الْمَأْذُونِ لَهُ لَا الْآذِنِ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ قِيَاسَ مَا فِي الْفِطْرَةِ اعْتِبَارُ بَلَدِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ لِأَنَّ تِلْكَ طُهْرَةٌ لِلْبَدَنِ فَاعْتُبِرَ بَلَدُهُ وَلَا كَذَلِكَ هَذَا وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُ بَلَدِ الْآذِنِ كَالْفِطْرَةِ. قَوْلُهُ: (بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً) وَلَوْ مُتَنَجِّسًا أَوْ مِنْ جِلْدٍ أَوْ لِبَدٍ أَوْ فَرْوَةٍ حَيْثُ اُعْتِيدَ لُبْسُهُ بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ وَإِنْ فَاوَتَ بَيْنَهُمْ فِي الْكِسْوَةِ شَرْحُ م ر. وَأَوْجَبَ الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، سَاتِرَ الْعَوْرَةِ ق ل، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ مُتَنَجِّسًا لَكِنْ يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُمْ بِهِ لِئَلَّا يُصَلُّوا فِيهِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَعْطَى غَيْرَهُ مِلْكًا أَوْ عَارِيَّةً مَثَلًا ثَوْبًا مَثَلًا بِهِ نَجَاسَةٌ خَفِيَّةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا بِالنِّسْبَةِ لِاعْتِقَادِ الْآخِذِ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ بِهَا حَذَرًا مِنْ أَنْ يُوقِعَهُ فِي صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: مَنْ رَأَى مُصَلِّيًا بِهِ نَجَسٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ أَيْ عِنْدَهُ لَزِمَهُ إعْلَامُهُ بِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ طَيْلَسَانًا) : وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ مَعَ أَكْثَرِ الْوَجْهِ إنْ كَانَ مَعَهُ تَحْنِيكٌ أَيْ إدَارَةٌ عَلَى الْعُنُقِ قِيلَ لَهُ طَيْلَسَانٌ وَرُبَّمَا قِيلَ لَهُ: رِدَاءٌ مَجَازًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَحْنِيكٌ قِيلَ لَهُ: رِدَاءٌ وَقِنَاعٌ وَرُبَّمَا قِيلَ لَهُ مَجَازًا طَيْلَسَانٌ وَهُوَ مَا كَانَ شِعَارًا فِي الْقَدِيمِ لِقَاضِي الْقُضَاةِ الشَّافِعِيِّ خَاصَّةً قَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ صَارَ شِعَارًا لِلْعُلَمَاءِ وَمِنْ ثَمَّ صَارَ لُبْسُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ مِنْ الْمَشَايِخِ كَالْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ فَكَانَ الشَّيْخُ يَكْتُبُ فِي إجَازَتِهِ وَقَدْ أَذِنْت لَهُ فِي لُبْسِ الطَّيْلَسَانِ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِالْأَهْلِيَّةِ وَمَا يُجْعَلُ عَلَى الْأَكْتَافِ دُونَ الرَّأْسِ يُقَالُ لَهُ: رِدَاءٌ فَقَطْ وَرُبَّمَا قِيلَ لَهُ: طَيْلَسَانٌ أَيْضًا مَجَازًا وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ «التَّقَنُّعُ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ» . وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الطَّيْلَسَانَ الْخَلْوَةُ الصُّغْرَى وَفِي حَدِيثٍ «لَا يُقَنَّعُ إلَّا مَنْ اسْتَكْمَلَ الْحِكْمَةَ فِي قَوْلِهِ وَفَعَلَهُ» وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ فُرْسَانِ الْعَرَبِ فِي الْمَوَاسِمِ وَالْجُمُوعِ كَالْأَسْوَاقِ. وَأَوَّلُ مَنْ لَبِسَ الطَّيْلَسَانَ بِالْمَدِينَةِ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 أَوْ غَيْرِهِ. وَهُوَ قَمِيصٌ لَا كُمَّ لَهُ أَوْ مَلْبُوسًا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ، أَوْ لَمْ يَصْلُحْ لِلْمَدْفُوعِ لَهُ، كَقَمِيصِ صَغِيرٍ لِكَبِيرٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ وَيَجُوزُ قُطْنٌ وَكَتَّانٌ وَحَرِيرٌ وَشَعْرٌ وَصُوفٌ مَنْسُوجٌ كُلٌّ مِنْهَا لِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ لِوُقُوعِ اسْمِ الْكِسْوَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَلَا يُجْزِئُ جَدِيدٌ مُهَلْهَلُ النَّسْجِ إذَا كَانَ لُبْسُهُ لَا يَدُومُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَدُومُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْبَالِي لِضَعْفِ النَّفْعِ بِهِ وَلَا خُفٌّ وَلَا قُفَّازَانِ وَلَا مُكَعَّبٌ وَلَا مِنْطَقَةٌ وَلَا قَلَنْسُوَةٌ وَهِيَ مَا يُغَطَّى بِهَا الرَّأْسُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسَمَّى كِسْوَةً كَدِرْعٍ مِنْ حَدِيدٍ. وَتُجْزِئُ فَرْوَةٌ وَلَبَدٌ اُعْتِيدَ فِي الْبَلَدِ لُبْسُهُمَا وَلَا يُجْزِئُ التُّبَّانُ وَهُوَ سَرَاوِيلُ قَصِيرٌ لَا يَبْلُغُ الرُّكْبَةَ وَلَا الْخَاتَمُ وَلَا التِّكَّةُ وَالْعَرْقِيَّةُ. وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَنَّهَا تَكْفِي وَرُدَّ بِأَنَّ الْقَلَنْسُوَةَ لَا تَكْفِي كَمَا مَرَّ وَهِيَ شَامِلَةٌ لَهَا وَيُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الَّتِي تُجْعَلُ تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَصْحَابِ وَلَا يُجْزِئُ نَجِسُ الْعَيْنِ. وَيُجْزِئُ الْمُتَنَجِّسُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِنَجَاسَتِهِ وَيُجْزِئُ مَا غُسِلَ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصَّلَاحِيَّةِ، كَالطَّعَامِ الْعَتِيقِ لِانْطِلَاقِ اسْمِ الْكِسْوَةِ عَلَيْهِ وَكَوْنِهِ يُرَدُّ فِي الْبَيْعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِهَا كَالْعَيْبِ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ فِي الرَّقِيقِ وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ جَدِيدًا خَامًا كَانَ أَوْ مَقْصُورًا. الْآيَةَ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَلَوْ أَعْطَى عَشَرَةً ثَوْبًا طَوِيلًا لَمْ يُجْزِئْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَهُ قِطَعًا قِطَعًا ثُمَّ   [حاشية البجيرمي] وَعَنْ الْكِفَايَةِ لِابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّ تَرْكَ الطَّيْلَسَانِ لِلْفَقِيهِ مُخِلٌّ بِالْمُرُوءَةِ أَيْ وَهُوَ بِحَسَبِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ اهـ مِنْ السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ وَفِي الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَيْسَ مِنَّا أَيْ مِنْ الْعَامِلِينَ بِهَدْيِنَا. وَالْجَارِينَ عَلَى مِنْهَاجِ سُنَّتِنَا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا» أَيْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي نَحْوِ مَلْبَسٍ وَهَيْئَةٍ وَمَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَكَلَامٍ وَسَلَامٍ وَتَكَهُّنٍ وَتَبَتُّلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. «لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى. فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ إشَارَةٌ بِالْأَصَابِعِ وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ» . وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا الْخَبَرِ وَبَيْنَ خَبَرِ «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» وَخَبَرِ «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا أَنَّ جِنْسَ مُخَالَفَتِهِمْ وَتَجَنُّبَ مُشَابَهَتِهِمْ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ. وَأَنَّ الْإِنْسَانَ كُلَّمَا بَعُدَ عَنْ مُشَابَهَتِهِمْ فِيمَا لَمْ يُشْرَعْ لَنَا. كَانَ أَبْعَدَ عَنْ الْوُقُوعِ فِي نَفْسِ الْمُشَابَهَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا قَالَ السَّمْهُودِيُّ: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى كَرَاهَةِ لُبْسِ الطَّيْلَسَانِ لِأَنَّهُ مِنْ مَلَابِسِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَفِي مُسْلِمٍ «إنَّ الدَّجَّالَ يَتْبَعُهُ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ الطَّيَالِسَةُ» وَعُورِضَ بِمَا خَرَّجَهُ ابْنُ سَعْدٍ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الطَّيْلَسَانِ فَقَالَ هَذَا ثَوْبٌ لَا يُؤَدَّى شُكْرُهُ» وَبِأَنَّ الطَّيَالِسَةَ الْآنَ لَيْسَتْ مِنْ شِعَارِهِمْ بَلْ ارْتَفَعَ فِي زَمَانِنَا وَصَارَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ الْمُبَاحِ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْبِدَعِ الْمُبَاحَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدْ يَصِيرُ مِنْ شِعَارِ قَوْمٍ فَيَصِيرُ تَرْكُهُ مُخِلًّا بِالْمُرُوءَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْدِيلًا) اُنْظُرْ وَجْهَ إجْزَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى كِسْوَةً. وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ: أَوْ مِنْدِيلًا أَيْ مِنْدِيلَ الْفَقِيهِ. وَهُوَ شَدُّهُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الْكَتِفِ أَوْ مَا يُجْعَلُ فِي الْيَدِ وَهُوَ الْمِنْشَفَةُ الْكَبِيرَةُ اهـ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَيْ وَلَوْ لِبَعْضِ الْبَدَنِ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَلْبُوسًا) وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَخَرِّقٍ اهـ س ل، قَوْلُهُ: (التُّبَّانُ) : بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ سِرْوَالٌ قَصِيرٌ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ يَلْبَسُهُ الْمَلَّاحُونَ وَنَحْوُهُمْ اهـ. قَسْطَلَّانِيٌّ وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ وَالتُّبَّانُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ سِرْوَالٌ صَغِيرٌ مِقْدَارُ شِبْرٍ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ أَيْ السَّوْأَتَيْنِ فَقَطْ فَيَكُونُ لِلْمَلَّاحِينَ اهـ. قَوْلُهُ: (سَرَاوِيلُ) هُوَ مُفْرَدٌ بِدَلِيلِ وَصْفِهِ بِقَصِيرٍ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَلِسَرَاوِيلَ بِهَذَا الْجَمْعِ ... شَبَهٌ اقْتَضَى عُمُومَ الْمَنْعِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا) أَيْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كِسْوَةُ الْمَسَاكِينِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَوْ كِسْوَتُهُمْ لَا كِسْوَةُ دَوَابِّهِمْ اهـ. وَلَا تَكْفِي عَرْقَيَّةُ الرَّأْسِ وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمِنْدِيلِ مَعَ أَنَّهَا تُسَمَّى كِسْوَةَ رَأْسٍ تَأَمَّلْ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كَالطَّعَامِ الْعَتِيقِ) فَإِنَّهُ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَنَسَخَهُ كَالْخَامِ الْعَتِيقِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْكِسْوَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُنَاسِبُ إلَّا أَنْ نَجْعَلَ الْكَافَ لِلتَّنْظِيرِ. قَوْلُهُ: (وَكَوْنُهُ يُرَدُّ) أَيْ إذَا اشْتَرَى قَمْحًا فَوَجَدَهُ عَتِيقًا مُسَوَّسًا فَلَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 دَفَعَهُ إلَيْهِمْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى قِطْعَةٍ تُسَمَّى كِسْوَةً وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَشَرَةُ مَسَاكِينَ مَا إذَا أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً لَا يُجْزِئُ كَمَا لَا يُجْزِئُ إعْتَاقُ نِصْفِ رَقَبَةٍ وَإِطْعَامُ خَمْسَةٍ. (فَإِنْ لَمْ) يَكُنْ الْمُكَفِّرُ رَشِيدًا أَوْ لَمْ (يَجِدْ) شَيْئًا مِنْ الثَّلَاثَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ كُلٍّ مِنْهَا بِغَيْرِ غَيْبَةِ مَالِهِ بِرِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] الْآيَةَ وَالرَّقِيقُ لَا يَمْلِكُ أَوْ يَمْلِكُ مِلْكًا ضَعِيفًا فَلَوْ كَفَّرَ عَنْهُ سَيِّدُهُ بِغَيْرِ صَوْمٍ لَمْ يَجُزْ وَيُجْزِئُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ، لِأَنَّهُ لَا رِقَّ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلَهُ فِي الْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ بِهِمَا بِإِذْنِهِ وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَفِّرَ بِهِمَا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَمَّا الْعَاجِزُ بِغَيْبَةِ مَالِهِ فَكَغَيْرِ الْعَاجِزِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ فَيَنْتَظِرُ حُضُورَ مَالِهِ بِخِلَافِ فَاقِدِ الْمَاءِ مَعَ غَيْبَةِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِضِيقِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَبِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ الْمُعْسِرِ بِمَكَّةَ الْمُوسِرِ بِبَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَصُومُ لِأَنَّ مَكَانَ الدَّمِ بِمَكَّةَ فَاعْتُبِرَ يَسَارُهُ وَعَدَمُهُ بِهَا، وَمَكَانُ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقٌ فَاعْتُبِرَ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ لَهُ هُنَا رَقِيقٌ غَائِبٌ تُعْلَمُ حَيَاتُهُ فَلَهُ إعْتَاقُهُ فِي الْحَالِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْعَجْزِ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْمَالِ الَّذِي يَصْرِفُهُ فِي الْكَفَّارَةِ عَمَّنْ يَجِدُ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ فَقَطْ وَلَا يَجِدُ مَا يَفْضُلُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخَانِ وَمَنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ سَهْمَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ   [حاشية البجيرمي] ذَلِكَ يُخِلُّ بِالْمَالِيَّةِ. وَمَعَ ذَلِكَ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ وَفِي زَكَاةِ الْفِطْرَةِ إذَا كَانَ هُوَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ وَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ مَأْكُولًا. قَوْلُهُ: (ثَوْبًا) أَيْ كَالْمُقَطَّعِ الْقُمَاشِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ يُسَمَّى شَيْئًا وَاحِدًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَ الْأَمْدَادَ لَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ شَيْئًا كَامِلًا فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ الْعُمْرِ الْغَالِبِ. بِأَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا أَصْلًا أَوْ وَجَدَ بَعْضًا مِنْ الثَّلَاثَةِ أَوْ وَجَدَ كَامِلًا مِنْهَا لَكِنْ لَمْ يَكُنْ فَاضِلًا عَنْ كِفَايَتِهِ فَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ حَرَامٌ عَلَيَّ وَلَهُ زَوْجَاتٌ، وَإِمَاءٌ كَفَاهُ كَفَّارَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ عَلَى الْأَصَحِّ شَرْحُ ابْنِ الْمُلَقِّنِ. قَوْلُهُ: (بِرِقٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِعَجْزٍ وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ غَيْبَةِ مَالِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْعَجْزِ كَائِنًا بِغَيْرِ غَيْبَةِ مَالِهِ. قَوْلُهُ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] أَيْ فَالْوَاجِبُ صِيَامُ ثَلَاثَةٍ، وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً كَمَا فِي الْمَنْهَجِ. فَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَائِلِ بِوُجُوبِ التَّتَابُعِ لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْآحَادِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا نُسِخَتْ حُكْمًا وَتِلَاوَةً كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ صَوْمٍ) وَأَمَّا الصَّوْمُ فَوَاضِحٌ عَدَمُ إجْزَائِهِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ النِّيَابَةَ اهـ. سم وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى غَيْرِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ تَوَهُّمٍ، وَكَذَلِكَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ عَنْهُ. لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ. قَوْلُهُ: (بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ) أَيْ لَا بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ، لِمَنْ عَتَقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ م ر. قَالَ سم: هَلَّا جَازَ أَيْضًا لِزَوَالِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الْإِعْتَاقِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ فَوَلَاؤُهُ يَكُونُ لِمَنْ؟ تَأَمَّلْ وَحَرِّرْ. قَوْلُهُ: (بِغَيْبَةِ مَالِهِ) وَلَوْ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ تَقْيِيدَهَا بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ قِيَاسًا عَلَى الْإِعْسَارِ فِي الزَّكَاةِ وَفَسْخُ الزَّوْجَةِ وَالْبَائِعِ مَرْدُودٌ ح ل. قَوْلُهُ: (فَيُنْتَظَرُ حُضُورُ مَالِهِ) وَلَوْ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَإِنَّمَا عُدَّ مُعْسِرًا فِي الزَّكَاةِ وَفَسْخُ الزَّوْجَةِ وَالْبَائِعِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ بَلْ وَلَا حَاجَةَ هُنَا إلَى التَّعْجِيلِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي أَيْ أَصَالَةً حَيْثُ لَمْ يَأْثَمْ بِالْحَلِفِ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْحِنْثُ وَالْكَفَّارَةُ فَوْرًا س ل. قَوْلُهُ: (وَمَكَانُ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقٌ) أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فُقَرَاءِ مَحَلِّ الْحِنْثِ ح ل. قَوْلُهُ: (فَاعْتُبِرَ) أَيْ الْيَسَارُ وَعَدَمُهُ وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ بِأَيِّ مَحَلٍّ كَانَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ رَقِيقٌ غَائِبٌ إلَخْ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَيُنْتَظَرُ حُضُورُ مَالِهِ وَقَوْلُهُ: يَعْلَمُ حَيَاتَهُ أَيْ حَالًا أَوْ مَآلًا كَمَا لَوْ بَانَتْ حَيَاتُهُ بِأَنْ أَعْتَقَهُ عَلَى ظَنِّ مَوْتِهِ فَبَانَ حَيًّا فَيُجْزِئُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ فِي الْكَفَّارَةِ مَا لَا يُظَنُّ أَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ فَبَانَ مِلْكُهُ أَوْ دَفَعَ لِطَائِفَةٍ يَظُنُّهَا غَيْرَ مُسْتَحَقَّةٍ لِلْكَفَّارَةِ فَبَانَ خِلَافُهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ كَمَا نَصَّ: عَلَيْهِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِدُ مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ فِي الْأَخْذِ فَكَذَا فِي الْإِعْطَاءِ وَقَدْ يَمْلِكُ نِصَابًا وَلَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ وَلَهُ أَخْذُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّا لَوْ أَسْقَطْنَا الزَّكَاةَ خَلَا النِّصَابَ عَنْهَا بِلَا بَدَلٍ وَالتَّكْفِيرُ لَهُ بَدَلٌ وَهُوَ الصَّوْمُ وَلَا يَجِبُ تَتَابُعٌ فِي الصَّوْمِ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ، كَمَا أَوْجَبْنَا قَطْعَ يَدِ السَّارِقِ الْيُمْنَى بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا} أُجِيبَ بِأَنَّ آيَةَ الْيَمِينِ نَسَخَتْ مُتَتَابِعَاتٍ تِلَاوَةً وَحُكْمًا فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا بِخِلَافِ آيَةِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا نُسِخَتْ تِلَاوَةً لَا حُكْمًا. تَتِمَّةٌ: إنْ كَانَ الْعَاجِزُ أَمَةً تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا لَمْ تَصُمْ إلَّا بِإِذْنِهِ كَغَيْرِهَا مِنْ أَمَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ وَعَبْدٍ وَالصَّوْمُ يَضُرُّ غَيْرَهَا فِي الْخِدْمَةِ وَقَدْ حَنِثَ بِلَا إذْنٍ مِنْ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ لَا يَصُومُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَلِفِ لِحَقِّ الْخِدْمَةِ. فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحِنْثِ صَامَ بِلَا إذْنٍ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْحَلِفِ فَالْعِبْرَةُ فِي الصَّوْمِ بِلَا إذْنٍ فِيمَا إذَا أَذِنَ فِي أَحَدِهِمَا بِالْحِنْثِ وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ تَرْجِيحُ اعْتِبَارِ الْحَلِفِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ الصَّوْمُ فِي الْخِدْمَةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إذْنٍ فِيهِ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَلَهُ مَالٌ يُكَفِّرُ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ وَلَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِيَسَارِهِ لَا عِتْقَ لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ مِنْك الْوَلَاءَ الْمُتَضَمِّنَ لِلْوِلَايَةِ وَالْإِرْثِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِمَا وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ مَالِكٌ بَعْضِهِ إذَا عَتَقْت عَنْ كَفَّارَتِك فَنَصِيبِي مِنْك حُرٌّ قَبْلَ إعْتَاقِك عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ مَعَهُ فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَةِ نَفْسِهِ فِي الْأُولَى قَطْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَصْلٌ: فِي النُّذُورِ جَمْعُ نَذْرٍ وَهُوَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَحُكِيَ فَتْحُهَا لُغَةً الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَشَرْعًا الْوَعْدُ بِخَيْرٍ خَاصَّةً قَالَهُ   [حاشية البجيرمي] يَفْضُلُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ كِفَايَةِ بَقِيَّةِ الْعُمْرِ الْغَالِبِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ نِصَابًا أَوْ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَخْذُهَا) أَيْ وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ) أَيْ بَابِ الزَّكَاةِ حَيْثُ قُلْتُمْ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي النِّصَابِ الَّذِي عِنْدَهُ وَبَابُ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ قُلْتُمْ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لَا بِالْمَالِ وَمُقْتَضَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ الْمَالَ. قَوْلُهُ: (نُسِخَتْ) أَيْ نُسِخَ مِنْهَا مُتَتَابِعَاتٍ فَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَمَةٍ لَا تَحِلُّ) بِأَنْ كَانَتْ مَحْرَمًا أَوْ مُشْتَرَكَةً. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَمَةَ إنْ كَانَتْ تَحِلُّ لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ مُطْلَقًا إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ أَوْ كَانَ مَنْ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ ذَكَرًا تَوَقَّفَ الصَّوْمُ، عَلَى الْإِذْنِ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَضُرَّ السَّيِّدَ فِي الْخِدْمَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْحِنْثُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ. وَأَخْذُ الشَّارِحِ، مُحْتَرَزُ الْقَيْدَيْنِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ. قَوْلُهُ: (وَالصَّوْمُ) أَيْ وَالْحَالُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَالصَّوْمُ يَضُرُّهُ أَيْ غَيْرُهَا فِي الْخِدْمَةِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْغَيْرِ. فَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ إيهَامٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ) غَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِلْوِلَايَةِ) أَيْ وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ. [فَصْلٌ فِي النُّذُورِ] ِ جَمَعَهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا. قَوْلُهُ: (وَحُكِيَ فَتْحُهَا) وَيَكُونُ مَصْدَرًا سَمَاعِيًّا بِخِلَافِ السُّكُونِ يَكُونُ مَصْدَرًا قِيَاسِيًّا وَهُوَ مِنْ نَذَرَ يَنْذُرُ بِضَمِّ عَيْنِ الْمُضَارِعِ وَكَسْرِهَا مِنْ بَابِ نَصَرَ وَضَرَبَ ز ي. قَوْلُهُ: (الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ) وَاسْتِعْمَالُ الْوَعْدِ فِي الشَّرِّ لَعَلَّهُ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ الْوَعْدَ فِي الْخَيْرِ وَالْإِيعَادَ فِي الشَّرِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْته أَوْ وَعَدْته ... لَمُخْلِفُ إيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي وَصَرَّحَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ بِأَنَّ الْوَعْدَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مُقَيَّدًا فَيُقَالُ: وَعَدَهُ خَيْرًا وَوَعَدَهُ شَرًّا وَأَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَيُسْتَعْمَلُ الْوَعْدُ فِي الْخَيْرِ وَالْإِيعَادُ فِي الشَّرِّ. وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ. قَوْلُهُ: (وَشَرْعًا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُمَا الْتِزَامُ قُرْبَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنْ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ الْأَيْمَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ يَعْقِدُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ تَأْكِيدًا لِمَا الْتَزَمَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» وَفِي كَوْنِهِ قُرْبَةً أَوْ مَكْرُوهًا خِلَافٌ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا أَوْلَى مَا قِيلَ فِيهِ. وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: صِيغَةٌ وَمَنْذُورٌ، وَنَاذِرٌ. (وَ) وَشُرِطَ فِي النَّاذِرِ إسْلَامٌ وَاخْتِيَارٌ وَنُفُوذٌ يُصْرَفُ فِيمَا يَنْذُرُهُ فَلَا يَصِحُّ (النَّذْر) مِنْ كَافِرٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقُرْبَةِ وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ   [حاشية البجيرمي] أَيْ فَيَكُونُ لِلنَّذْرِ مَعْنَيَانِ شَرْعِيَّانِ. وَالثَّانِي أَوْلَى لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَشْمَلُ مَا كَانَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الطَّاعَةَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَالْقُرْبَةُ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَالْعِبَادَةُ مَا تَعَبَّدَ بِهِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَمَعْرِفَةُ الْمَعْبُودِ فَالطَّاعَةُ تُوجَدُ بِدُونِهِمَا فِي النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ مَعْرِفَتُهُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِتَمَامِ النَّظَرِ، وَالْقُرْبَةُ تُوجَدُ بِدُونِ الْعِبَادَةِ فِي الْقُرَبِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْعِتْقِ، وَالْوَقْفِ. قَوْلُهُ: (تَأْكِيدًا) أَيْ تَحْقِيقًا وَقَوْلُهُ: لِمَا الْتَزَمَهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الِالْتِزَامَ سَابِقٌ عَلَى الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ. وَلَكِنْ يَتَأَكَّدُ بِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا حَصَلَ الِالْتِزَامُ إلَّا بِهِمَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِ النَّذْرِ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمَعْنَى تَأْكِيدٌ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَلْتَزِمَهُ وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: تَأْكِيدًا لِمَا الْتَزَمَهُ لَعَلَّ الْأَوْلَى تَأْكِيدًا لِمَا وَعَدَ بِهِ إذْ الِالْتِزَامُ لَمْ يَأْتِ إلَّا مِنْ النَّذْرِ إذْ الْوُجُوبُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ) وَتَسْمِيَةُ هَذَا نَذْرًا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ وَهِيَ ذِكْرُ الشَّيْءِ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] وَقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الذَّاتُ أَوْ عَلَى قَوْلِ: مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْأَسْمَاءَ الشَّرْعِيَّةَ تَعُمُّ الصَّحِيحَةَ وَالْفَاسِدَةَ. قَوْلُهُ: (وَفِي كَوْنِهِ قُرْبَةً أَوْ مَكْرُوهًا خِلَافٌ) فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: قُرْبَةٌ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَالنَّهْيُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ عَدَمَ الْقِيَامِ بِمَا الْتَزَمَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَحَكَاهُ السِّنْجِيُّ عَنْ النَّصِّ هَذَا وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ: هُوَ الْمُعْتَمَدُ م ر وَعِبَارَةُ س ل وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ مَكْرُوهٌ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ إنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ وَفِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ مَنْدُوبٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَنُفُوذُ تَصَرُّفٍ إلَخْ) وَزِيدَ إمْكَانُ الْفِعْلِ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ صَوْمًا لَا يُطِيقُهُ وَلَا نَذْرٌ بَعِيدٌ عَنْ مَكَّةَ حَجَّ هَذِهِ السَّنَةَ س ل وَكَانَ الْوَقْتُ لَا يَسَعُ السَّيْرَ إلَى مَكَّةَ. قَوْلُهُ: (يَنْذُرُهُ) بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْيَاءِ فِيهِمَا فَبَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ مِنْ كَافِرٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ النَّذْرُ يَلْزَمُ فِي الْمُجَازَاةِ فَهِيَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ جُمْلَةٌ وَفَاعِلُ يَلْزَمُ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى النَّذْرِ وَالشَّارِحُ جَعَلَ لَفْظَ النَّذْرِ فَاعِلًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مَنْفِيٍّ وَجَعَلَ جُمْلَةَ يَلْزَمُ مُسْتَأْنَفَةً وَجَعَلَ فَاعِلَ الْفِعْلِ مَحْذُوفًا وَجَعَلَ الظَّرْفَ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشْتِيتِ وَمُخَالَفَةِ الْوَضْعِ الْعَرَبِيِّ فَرَاجِعْهُ ق ل. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَلَا يَصِحُّ إلَخْ أَيْ نَذْرَ التَّبَرُّرِ دُونَ نَذْرِ اللَّجَاجِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَكَانَ قِيَاسُهُ صِحَّةَ نَذْرِ التَّبَرُّرِ مِنْهُ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ مُنَاجَاةٌ أَشْبَهَ الْعِبَادَةَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُبْطِلْ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ نَذْرِ اللَّجَاجِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ حَيْثُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الْإِبْطَالِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْوَقْفِ حَيْثُ صَحَّ مِنْ الْكَافِرِ مَعَ أَنَّهُ قُرْبَةٌ أَنَّ الْوَقْفَ وَإِنْ كَانَ قُرْبَةً لَيْسَتْ مُتَمَحِّضَةً لِأَنَّ فِيهِ نَقْلَ الْحَقِّ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ اهـ. أج وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ وَإِنَّمَا صَحَّ وَقْفُهُ وَعِتْقُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَصَدَقَتُهُ. مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عُقُودٌ مَالِيَّةٌ لَا قُرْبَةُ أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا قُرْبَةً وَإِنْ كَانَتْ حَاصِلَةً فَلَا يُنْظَرُ لَهَا. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقُرْبَةِ) يَرِدُ عَلَيْهِ صِحَّةُ عِتْقِهِ وَصَدَقَتِهِ قَالَ ح ل: لَمَّا كَانَ نَذْرُ التَّبَرُّرِ فِيهِ مُنَاجَاةٌ أَشْبَهَ الْعِبَادَةَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُبْطِلْ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ نَذْرِ اللَّجَاجِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الْإِبْطَالِ فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ نَحْوِ عِتْقِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 لِخَبَرِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» وَلَا مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَنْذُرُهُ كَمَحْجُورِ سَفَهٍ، أَوْ فَلَسٍ فِي الْقُرَبِ الْمَالِيَّةِ الْعَيْنِيَّةِ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ كَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا أَوْ عَلَيَّ كَذَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ. وَ (يَلْزَمُ) ذَلِكَ بِالنَّذْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا وَوَقَعَ لَهُمَا فِيهِ اخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ مُتَعَلَّقَ اللُّزُومِ بِقَوْلِهِ: (فِي الْمُجَازَاةِ) أَيْ الْمُكَافَأَةِ (عَلَى) نَذْرِ فِعْلٍ (مُبَاحٍ) لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَقُعُودٍ، وَقِيَامٍ أَوْ تَرْكِ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ لَعَلَّهُ سَهْوٌ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ إذْ النَّذْرُ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكِهِ لَا يَنْعَقِدُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فَضْلًا عَنْ لُزُومِهِ. وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ يَمِينًا تَلْزَمُهُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ أَوْ لَا اخْتَلَفَ فِيهِ تَرْجِيحُ الشَّيْخَيْنِ فَاَلَّذِي رَجَّحَاهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَالْمُحَرَّرِ اللُّزُومَ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاَلَّذِي رَجَّحَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ. وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يُوَافِقُ الْأَوَّلَ مَا فِي   [حاشية البجيرمي] مِنْ كُلِّ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (فِي الْقُرَبِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَصِحُّ الْمُقَدَّرُ أَيْ وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ إلَخْ. قَوْلُهُ: (الْمَالِيَّةِ) كَهَذَا الثَّوْبِ خَرَجَ الْبَدَنِيَّةُ وَقَوْلُهُ: الْعَيْنِيَّةِ خَرَجَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالذِّمَّةِ أَيْ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَيَصِحُّ مِنْ الْمُفْلِسِ دُونَ السَّفِيهِ لِأَنَّ السَّفِيهَ، لَا ذِمَّةَ لَهُ ح ل وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ نَذْرَ الْعَبْدِ مَالًا فِي ذِمَّتِهِ كَضَمَانِهِ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ ز ي: وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مِنْ كَسْبِهِ الْحَاصِلِ بَعْدَ النَّذْرِ. اهـ. ع ش وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: الْعَيْنِيَّةِ خَرَجَ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ فَيَصِحُّ نَذْرُ الْمَحْجُورِ لَهَا كَمَا اعْتَمَدَهُ سم وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَجْرِ الْفَلَسِ وَالسَّفَهِ ثُمَّ اُنْظُرْ بَعْدَ الصِّحَّةِ مِنْ أَيْنَ يُؤَدِّي السَّفِيهُ هَلْ بَعْدَ رُشْدِهِ أَوْ يُؤَدِّي الْوَلِيُّ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ مَا الْتَزَمَهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّ السَّفِيهَ يُؤَدِّي بَعْدَ رُشْدِهِ فَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ أُخْرِجَ مِنْ تَرِكَتِهِ قِيَاسًا عَلَى تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ) فَنَحْوُ مَالِي صَدَقَةٌ لَيْسَ بِنَذْرٍ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ وَكَذَا نَذَرْت لِلَّهِ لَأَفْعَلَن كَذَا لِذَلِكَ. فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا وَنَذَرْت لِزَيْدٍ كَذَا كَذَلِكَ لَكِنْ لَوْ نَوَى بِهِ الْإِقْرَارَ لَزِمَ بِهِ ح ل. قَوْلُهُ: (مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ) مِنْ إشَارَةِ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَةٍ وَلَوْ مِنْ نَاطِقٍ. قَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُ ذَلِكَ) أَيْ كَذَا الْمَذْكُورُ فِي الصِّيغَةِ السَّابِقَةِ. قَوْلُهُ: (بِنَاءً إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّا لَوْ لَمْ نَبْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِالنَّذْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ بَنَيْنَا عَلَى مَا ذُكِرَ أَوْ لَا وَلَا يَصْلُحُ قَوْلُهُ: بِنَاءً إلَخْ تَعْلِيلًا إلَّا فِيمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَصُومَ فَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ قِيَامٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ إلَخْ فَاشْتَبَهَ عَلَى الشَّارِحِ الْأَمْرُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: بِنَاءً عِلَّةً لِمَحْذُوفٍ. أَيْ وَيَتْبَعُ فِيهِ الْوَاجِبَ بِالشَّرْعِ بِنَاءً إلَخْ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ) كَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُبَاحَ هُوَ الْمَنْذُورُ بِأَنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَكْلُ كَذَا أَوْ شُرْبُ كَذَا إلَخْ. فَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: إنَّهُ سَهْوٌ وَالتَّصْوِيرُ بِذَلِكَ يَرُدُّهُ قَوْلُ الْمَتْنِ الْآتِي. لَا يَلْزَمُ النَّذْرُ عَلَى تَرْكِ أَوْ فِعْلِ مُبَاحٍ كَقَوْلِهِ: لَا آكُلُ لَحْمًا إلَخْ قَالَ ق ل: إنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى الشَّارِحِ الْمُلْتَزَمُ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قُرْبَةً هُوَ الْمُلْتَزَمُ لَا الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ: إنْ قَامَ زَيْدٌ أَوْ قَعَدَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا صَحَّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمُجَازَاةِ فَالْمُجَازَاةُ وَاقِعَةٌ بِمَطْلُوبٍ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يُسْقِطَ لَفْظَةَ نَذْرِ فِي قَوْلِهِ عَلَى نَذْرِ فِعْلٍ إلَخْ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَنْذُورُ مَعْصِيَةً أَوْ مُبَاحًا لَمْ يَنْعَقِدْ وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةً أَوْ مُبَاحًا فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ أَوْ كَانَ فِيهِ إضَافَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ يَمِينًا لَا نَذْرًا فَتَجِبُ فِيهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةٌ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ) يَقْتَضِي أَنَّ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ عَلَى مُبَاحٍ لَا يَنْعَقِدُ مَعَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَأَيْضًا هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ أَوَّلًا عَلَى نَذْرِ فِعْلٍ مُبَاحٍ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْذُورَ هُوَ الْمُبَاحُ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْمُبَاحِ لَا يَنْعَقِدُ يَمِينًا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا وَلَا مُضَافًا لِلَّهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا فَإِنْ كَانَ نَذْرَ لَجَاجٍ بِأَنْ قُصِدَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ فَفِيهِ بِالْمُخَالَفَةِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِانْعِقَادِهِ يَمِينًا وَإِنْ كَانَ مُضَافًا لِلَّهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ كَأَنْ قَصَدَ بِهِ الْحَثَّ عَلَى الْفِعْلِ لَزِمَهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُعَلَّقِ نَذْرُ لَجَاجٍ بَلْ تَبَرُّرٍ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْحَثَّ فِي الْمُضَافِ إلَى اللَّهِ فَلَا شَيْءَ فِي الْمُخَالَفَةِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (اللُّزُومُ) أَيْ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ نَذْرٌ) الْمُنَاسِبُ لِأَنَّهُ يَمِينٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ إنْ خَلَا عَنْ الْحَثِّ وَالْمَنْعِ وَتَحْقِيقِ الْخَبَرِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَك. أَوْ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ فَإِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَأَمَّا الْأَخِيرَةُ فَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْيَمِينُ لَا مِنْ حَيْثُ النَّذْرُ. (وَ) يَلْزَمُ النَّذْرُ عَلَى فِعْلِ (طَاعَةٍ) مَقْصُودَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنْ كَعِتْقٍ وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَسَلَامٍ وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ. وَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَطُولِ قِرَاءَةِ صَلَاةٍ وَصَلَاةِ جَمَاعَةٍ. وَلَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ نَذْرِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا فِي فَرْضٍ أَمْ لَا. فَالْقَوْلُ بِأَنَّ صِحَّتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِهَا فِي الْفَرْضِ أَخْذًا مِنْ تَقْيِيدِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِذَلِكَ وَهْمٌ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا قَيَّدَا بِذَلِكَ لِلْخِلَافِ فِيهِ فَلَوْ نَذَرَ غَيْرَ الْقُرْبَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ وَاجِبٍ عَيْنِيٍّ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ مُخَيَّرٍ كَأَحَدِ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَوْ مُعَيَّنَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَوْ مَعْصِيَةٍ كَمَا سَيَأْتِي كَشُرْبِ خَمْرٍ وَصَلَاةٍ، بِحَدَثٍ أَوْ مَكْرُوهٍ كَصَوْمِ الدَّهْرِ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ، أَمَّا الْوَاجِبُ الْمَذْكُورُ فَلِأَنَّهُ لَزِمَ عَيْنًا بِإِلْزَامِ الشَّرْعِ قَبْلَ النَّذْرِ فَلَا مَعْنَى لِالْتِزَامِهِ. وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَلِأَنَّهُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ» وَلَمْ يَلْزَمْهُ بِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ. ثُمَّ بَيَّنَ الْمُصَنِّفَ نَذْرَ الْمُجَازَاةِ. وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّبَرُّرِ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِشَيْءٍ بِقَوْلِهِ (كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ) تَعَالَى (مَرِيضِي) أَوْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ نَجَوْت مِنْ الْغَرَقِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. (فَلِلَّهِ) تَعَالَى (عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أَتَصَدَّقَ) وَأَوْ فِي كَلَامِهِ تَنْوِيعِيَّةٌ (وَيَلْزَمُهُ) بَعْدَ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ الْتَزَمَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (مَا يَقَعُ   [حاشية البجيرمي] وَإِلَّا انْعَقَدَ نَذْرُهُ فَيَكُونُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَنْ قَالَ: يَنْعَقِدُ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: لَا يَنْعَقِدُ م ر وَاعْتَمَدَ ق ل أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ شَيْخِنَا م ر: يُحْمَلُ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ إذَا خَلَا عَنْ حَثٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَحْقِيقِ خَبَرٍ وَإِضَافَتِهِ إلَى اللَّهِ وَإِلَّا فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ اهـ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ صُورَةٍ خَالِيَةٍ عَمَّا ذُكِرَ فَيَلْزَمُ إحَالَةُ مَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ فَيَبْطُلُ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ مَعَ أَنَّ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ مَعَ الْحَثِّ وَنَحْوِهِ نَظَرًا وَأَيْضًا فِي جَعْلِ مَا ذُكِرَ مِنْ نَذْرِ الْمُبَاحِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ عَلَى تَرْكِ مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ فَهُوَ مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَإِنَّمَا نَذْرُ الْمُبَاحِ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقُومَ مَثَلًا أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقُومَ. وَهَذَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَالْوَاجِبِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَحَرِّرْهُ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا وَجْهَ لِلْعُدُولِ عَنْهُ اهـ. وَلَوْ جَمَعَ فِي نَذْرَيْنِ مَا يَصِحُّ وَمَا لَا يَصِحُّ كَقَوْلِهِ: إنْ سَلِمَ مَالِي وَهَلَكَ مَالُ زَيْدٍ أَعْتَقْت عَبْدِي وَطَلَّقْت زَوْجَتِي فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ وَيَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ لَا طَلَاقَ الزَّوْجَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ لِلَّهِ إلَخْ) هَذِهِ صِيغَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَلَيْسَ مُعَلَّقًا عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الرَّوْضِ وَيَدُلُّ لَهُ إفْرَادُهَا بِجَوَابٍ مُسْتَقِلٍّ. قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ الْيَمِينُ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ فِيهِ حَثٌّ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ؛ وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ كَانَ يَمِينًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ نَذْرَ الْمُبَاحِ تَارَةً يَكُونُ حَثًّا كَإِرَادَتِهِ إلْزَامَ نَفْسِهِ بِالْفِعْلِ فَقَطْ. فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ نَذْرًا لَكِنْ تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يَمِينٌ لِتَعَلُّقِ الْحَثِّ بِهِ وَتَارَةً لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. كَأَنْ يُطْلَقَ فِي الصِّيغَةِ فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ كَفَّارَةٌ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ إلَخْ) هَذَا مِنْ الشَّارِحِ سَهْوٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَالشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ الْأَمْثِلَةِ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَنْذُورِ نَفْسِهِ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ لَا فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا عَلَّقَ النَّذْرَ عَلَى فَرْضٍ عَيْنِيٍّ مَثَلًا صَحَّ كَقَوْلِهِ: إنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أَوْ أُعْتِقَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا الْتَزَمَهُ وَعَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ يُنَاسِبُ كَلِمَةَ عَلَيَّ أَيْ الْمُشْتَمِلُ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ إلَخْ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَطُولِ قِرَاءَةِ صَلَاتِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ لِقَوْمٍ لَا يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيلِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ إمَامًا لِقَوْمٍ يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيلِ كَانَ مَكْرُوهًا لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ بِحَالِ النَّاذِرِ. اهـ. م ر. وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُ التَّطْوِيلِ الْمُلْتَزَمِ هُنَا بِأَدْنَى زِيَادَةٍ عَلَى مَا يُنْدَبُ لِإِمَامٍ غَيْرِ مَحْصُورِينَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ م ر س ل. قَوْلُهُ: (وَصَلَاةِ جَمَاعَةٍ) وَيَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ بِالِاقْتِدَاءِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ لِانْسِحَابِ حُكْمِ الْجَمَاعَةِ عَلَى جَمِيعِهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ صِحَّتَهَا) أَيْ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُعَيَّنَةً) وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ أَعْلَاهَا صَحَّ نَذْرُهُ أَوْ أَدْنَاهَا فَلَا كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّبَرُّرِ) : نَذْرِ التَّبَرُّرِ بِأَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً بِلَا تَعْلِيقٍ كَعَلَيَّ كَذَا أَوْ بِتَعْلِيقٍ بِحُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ ذَهَابِ نِقْمَةٍ وَلَوْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 عَلَيْهِ الِاسْمُ) مِنْهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ عَلَى الْأَظْهَرِ بِالْقِيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ حَمْلًا عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَفِي الصَّوْمِ يَوْمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ فَلَا يَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ وَفِي الصَّدَقَةِ مَا يُتَمَوَّلُ شَرْعًا، وَلَا يَتَقَدَّرُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَلَا بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَا الْمُطْلَقَ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَلْزَمُهُ فِي الشَّرِكَةِ. فَرْعٌ: لَوْ نَذَرَ شَيْئًا كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَشُفِيَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَذَرَ صَدَقَةً أَوْ عِتْقًا أَوْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَال: يَجْتَهِدُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَاشْتَبَهَ فَيَجْتَهِدُ كَالْأَوَانِي وَالْقِبْلَةِ اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْ النَّذْرَ بِشَيْءٍ وَهُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ التَّبَرُّرِ كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ. لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَوْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَشِيئَةِ زَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ لِعَدَمِ الْجَزْمِ اللَّائِقِ بِالْقُرَبِ نَعَمْ، إنْ قَصَدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى التَّبَرُّكَ أَوْ وُقُوعَ حُدُوثِ مَشِيئَةِ زَيْدٍ نِعْمَةً مَقْصُودَةً كَقُدُومِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ كَذَا. فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَا) يَصِحُّ (نَذْرٌ فِي) فِعْلِ (مَعْصِيَةٍ كَقَوْلِهِ إنْ قَتَلْت فُلَانًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا) لِحَدِيثِ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ   [حاشية البجيرمي] أَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ فَشُفِيَ جَازَ دَفْعُهُ إلَيْهِ إذَا كَانَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَكَانَ فَقِيرًا ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَقَدَّرُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُقَالُ: كَمَا حَمَلْنَا الصَّلَاةَ عَلَى أَقَلَّ مَا يَجِبُ وَهُوَ رَكْعَتَانِ كَذَلِكَ نَحْمِلُ الصَّدَقَةَ عَلَى أَقَلَّ مَا وَجَبَتْ وَهُوَ إمَّا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ. لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّ النَّظَرَ لِأَقَلَّ مَا يَجِبُ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ مُتَمَوِّلٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ أَقَلَّ مُتَمَوِّلٍ قَدْ يَلْزَمُهُ فِي الشَّرِكَةِ كَمَا إذَا كَانَ نِصَابًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ مِائَتَيْنِ مَثَلًا وَوَجَبَ فِيهِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَقَلُّ مُتَمَوِّلٍ. قَوْلُهُ: (فَشُفِيَ) وَيَحْصُلُ الشِّفَاءُ بِأَنْ يَذْهَبَ أَصْلُ الْمَرَضِ وَيُوجَدَ فِي الْمَرِيضِ بَعْضُ قُوَّةٍ وَعِبَارَةُ س ل وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشِّفَاءِ زَوَالُ الْعِلَّةِ مِنْ أَصْلِهَا وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَوْلِ عَدْلَيْ طِبٍّ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ أَوْ مَعْرِفَةِ الْمَرِيضِ وَلَوْ بِالتَّجْرِبَةِ وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بَقَاءُ أَثَرِهِ مِنْ ضَعْفِ الْحَرَكَةِ وَنَحْوِهِ. اهـ وَفِي ق ل مَا نَصُّهُ وَيُعْلَمُ الشِّفَاءُ بِقَوْلِ عَدْلٍ رِوَايَةً وَفِي التَّجْرِبَةِ مَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ وَلَا يَصِحُّ إنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ اهـ. وَلَوْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي عَمَّرْت مَسْجِدَ كَذَا أَوْ دَارَ زَيْدٍ أَوْ فَعَلَيَّ أَلْفُ دِينَارٍ فَلَغْوٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: الْعِتْقُ يَلْزَمُنِي مَا فَعَلْت كَذَا أَوْ فَعَلْته أَوْ لَا أَفْعَلُهُ أَوْ لَا فَعَلْته إذْ لَا تَعْلِيقَ وَلَا الْتِزَامَ وَالْعِتْقُ لَا يُحْلَفُ بِهِ لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا م ر: إنْ نَوَى الِالْتِزَامَ تَخَيَّرَ كَنَذْرِ اللَّجَاجِ. وَلَوْ قَالَ: مَالِي صَدَقَةٌ فَلَغْوٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ فَكَنَذْرِ اللَّجَاجِ أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَمَالِي صَدَقَةٌ فَتَبَرُّرٍ فَيَلْزَمُهُ صَرْفُ جَمِيعِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ قَالَ: مَالِي طَالِقٌ فَإِنْ نَوَى النَّذْرَ فَكَاللَّجَاجِ وَإِلَّا فَلَغْوٌ وَلَوْ قَالَ: جَعَلْت هَذَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّ وَصُرِفَ فِي مَصَالِحِ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ مِنْ بِنَاءٍ وَتَرْمِيمٍ وَإِنْ قَالَ: إنْ حَصَلَ لِي كَذَا جِئْت لَهُ بِكَذَا فَلَغْوٌ ق ل اهـ وَقَوْلُهُ: عَمَّرْت مَسْجِدَ كَذَا إلَخْ خَرَجَ بِهِ. مَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ عِمَارَةُ مَسْجِدِ كَذَا فَتَلْزَمُهُ عِمَارَتُهُ. وَيَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ بِمَا يُسَمَّى عِمَارَةً لِمِثْلِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ عُرْفًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (كَقَوْلِهِ) أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ الْجَزْمِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ جَمِيعَ النُّذُورِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّعْلِيقِ لَيْسَ فِيهِ جَزْمٌ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: اللَّائِقُ بِالْقُرَبِ صِفَةً لِلْجَزْمِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْقُرَبَ الْمُعَلَّقَةَ عَلَى شَيْءٍ لَيْسَ فِيهَا جَزْمٌ. قَوْلُهُ: (نِعْمَةً مَقْصُودَةً) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِقَوْلِهِ: مَشِيئَةً أَيْ قَصْدَ أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ نِعْمَةً مَقْصُودَةً كَأَنْ يَشَاءَ الْعَفْوَ عَنْهُ أَوْ إكْرَامَهُ مَثَلًا كَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ كَذَا وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ عَلَى وُقُوعِ حُدُوثِ مَشِيئَةِ زَيْدٍ نِعْمَةً لَهُ. قَوْلُهُ: (كَقُدُومِ زَيْدٍ) تَنْظِيرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ إلَخْ) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ لِأَنَّ نَذْرَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ اسْمُ لَا النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ فَجَعَلَهُ الشَّارِحُ فَاعِلًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ. فَلَوْ قَالَ كَمَا قَالَ ابْنُ سم الْعَبَّادِيُّ: وَلَا نَذْرَ يَنْعَقِدُ فِي فِعْلِ مَعْصِيَةٍ إلَخْ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (إنْ قَتَلْت فُلَانًا) : مَا لَمْ يَكُنْ قَتْلُهُ قُرْبَةً فَإِنْ كَانَ كَالْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ وَهَذَا ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (أَوْرَدَ فِي التَّوْشِيحِ) أَيْ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ. وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ خَبَرِ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَغَيْرُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ وَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِهَا بِذَلِكَ. كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ: إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الْيَمِينَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ آخِرًا. فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ لَزِمْته الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ. تَنْبِيهٌ: أَوْرَدَ فِي التَّوْشِيحِ إعْتَاقَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّ نَذْرَهُ مُنْعَقِدٌ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ فِي الْحَالِ أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ. وَذَكَرُوا فِي الرَّهْنِ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى عِتْقِ الْمَرْهُونِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ تَمَّ الْكَلَامَانِ كَانَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ مُنْعَقِدًا، وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، صَحَّ النَّذْرُ وَيُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِ الْجُرْجَانِيِّ فِي إيضَاحِهِ. وَلَكِنْ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. وَرَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ وَيَتَأَيَّدُ بِالنَّذْرِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ. (وَلَا يَلْزَمُ النَّذْرُ) بِمَعْنًى لَا يَنْعَقِدُ. (عَلَى تَرْكِ) فِعْلٍ (مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ كَقَوْلِهِ: لَا آكُلُ لَحْمًا وَلَا أَشْرَبُ لَبَنًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ إذْ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْهُ. فَقَالُوا: هَذَا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ. وَلَا يَتَكَلَّمَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» . وَفَسَّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْمُبَاحَ بِمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ وَلَا تَرْهِيبٌ وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ شَرْعًا كَنَوْمٍ وَأَكْلٍ وَسَوَاءٌ أَقَصَدَ بِالنَّوْمِ النَّشَاطَ عَلَى التَّهَجُّدِ وَبِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ أَمْ لَا. وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَالثَّوَابُ عَلَى الْقَصْدِ لَا الْفِعْلِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرَ هُنَا بِنَفْيِ الِانْعِقَادِ الْمَعْلُومِ مِنْهُ. بِالْأَوْلَى مَا ذُكِرَ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّ النَّذْرَ بِتَرْكِ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ لَا يَنْعَقِدُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الزَّوَائِدِ وَالْمَجْمُوعِ وَلَا يَلْزَمُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِالنَّذْرِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلِهِمْ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَعِبَارَةُ م ر وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ إعْتَاقِ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ لِأَنَّهُ جَائِزٌ اهـ. وَعَلَيْهِ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَالِ) بِأَنْ كَانَ مُوسِرًا عِنْدَ النَّذْرِ وَقَوْلُهُ: أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ أَيْ إنْ كَانَ مُعْسِرًا عِنْدَ النَّذْرِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَلْغُو النَّذْرُ حِينَئِذٍ وَأَمَّا الْمُوسِرُ فَإِعْتَاقُهُ جَائِزٌ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فَلَا إيرَادَ. قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ) أَيْ فِي الْمُعْسِرِ أَمَّا الْمُوسِرُ فَيَجُوزُ لَهُ الْعِتْقُ وَيَكُونُ قِيمَةُ الْعَبْدِ رَهْنًا مَكَانَهُ فَلَمْ يَتِمَّ الْكَلَامَانِ لِعَدَمِ تَوَارُدِهِمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ انْعِقَادَ النَّذْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُوسِرِ وَعَدَمُ جَوَازِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعْسِرِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَمَّ) : أَيْ سَلِمَ الْكَلَامَانِ أَيْ قَوْلُهُ: إنَّ نَذْرَهُ مُنْعَقِدٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَذَكَرُوا إلَخْ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمَا لَمْ يَتِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ إعْتَاقَ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ جَائِزٌ وَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فَقَوْلُهُ: وَذَكَرُوا فِي الرَّهْنِ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى عِتْقِ الْمَرْهُونِ لَا يَجُوزُ غَيْرُ تَامٍّ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ فِي الْمَعْصِيَةِ مُنْعَقِدًا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مُنْعَقِدًا) بِالنَّصْبِ فِي صِحَاحِ النُّسَخِ وَلَا وَجْهَ لِلرَّفْعِ الْمَوْجُودِ فِي نُسَخٍ إلَّا عَلَى جَعْلِهِ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ) أَيْ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ اسْتِثْنَائِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَيَتَأَيَّدُ) أَيْ وَيَتَقَوَّى. قَوْلُهُ: (أَبُو إسْرَائِيلَ) وَاسْمُهُ قَيْصَرُ الْعَامِرِيُّ قَالَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْعَظِيمِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ: اسْمُهُ قُشَيْرٌ وَقِيلَ بَشِيرٌ:. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ أَقَصَدَ بِالنَّوْمِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَا وَصْفُهُ الْإِبَاحَةُ لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ نَذْرِهِ عُرُوضُ الطَّلَبِ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَزَادَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ: لَمْ يَرِدْ فِيهِ إلَخْ يُغْنِي عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ) هُوَ قَصْدُ الْعِبَادَةِ بِالْمُبَاحِ نَحْوُ النَّشَاطِ عَلَى التَّهَجُّدِ بِالنَّوْمِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ) أَيْ النَّذْرُ. قَوْلُهُ: (كَمَا اخْتَارَهُ) رَاجِعٌ لِلْمَنْفِيِّ. قَوْلُهُ: (بِنَفْيِ الِانْعِقَادِ) لِاقْتِضَاءِ نَفْيِ اللُّزُومِ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَوْلُهُ: (الْمَعْلُومُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى مَا ذُكِرَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ نَفْيِ اللُّزُومِ وَفِي نُسَخٍ مَا ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِالنَّذْرِ) أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَا وَضْعُهُ الْإِبَاحَةُ لَا يَنْعَقِدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، إنْ كَانَ مَنْدُوبًا وَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَك أَلْفًا لَغْوٌ. لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً فِي نَفْسِهَا إلَّا أَنَّهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَتْ قُرْبَةً وَلَا مُحَرَّمَةً. فَكَانَتْ مُبَاحَةً كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَالْأَوْجَهُ انْعِقَادُ النَّذْرِ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ. وَفِي فَتَاوَى بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَصِحُّ نَذْرُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا بِمَا وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ. وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِالْمِقْدَارِ قِيَاسًا مَا إذَا قَالَ: نَذَرْت لِزَيْدٍ ثَمَرَةَ بُسْتَانِي مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَقِيَاسًا عَلَى صِحَّةِ وَقْفِ مَا لَمْ يَرَهُ كَمَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَتُوبِعَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا أَوْ جِهَةً عَامَّةً. خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالنَّذْرِ: مَنْ نَذَرَ إتْمَامَ نَفْلٍ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ أَوْ نَذَرَ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ أَوْ نَذَرَ إتْيَانَ الْحَرَمِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ لَزِمَهُ نُسُكٌ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. أَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَيْهِ لَزِمَهُ مَعَ نُسُكٍ مَشْيٌ مِنْ مَسْكَنِهِ، أَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا أَوْ عَكْسُهُ لَزِمَهُ مَعَ ذَلِكَ مَشْيٌ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ، فَإِنْ رَكِبَ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ أَجْزَأَهُ وَلَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ رَكِبَ   [حاشية البجيرمي] نَذْرُهُ إذَا عَرَضَ طَلَبُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) هُوَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ حَيْثُ قَالَ: يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ عِنْدَ التَّوَقَانِ وَوُجُوهِ الْأُهْبَةِ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا) بِأَنْ كَانَ تَائِقًا وَوَجَدَ أُهْبَتَهُ. قَوْلُهُ: (لَغْوٌ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُبَاحَ) كَالْهِبَةِ هُنَا. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَقِيلَ: مِنْ نَذْرِ التَّبَرُّرِ. قَوْلُهُ: (نَذْرُ الْمَرْأَةِ) كَنَذَرْتُ لِزَوْجِي مَا وَجَبَ لِي عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ وَكَأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَبْرَأُ الزَّوْجُ وَيَكُونُ ذَلِكَ حِيلَةً فِي صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُبْرَأِ وَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَعْدُومًا وَمَجْهُولًا وَوَجْهُ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتْرُكَ لِزَوْجِهَا حَقَّهَا فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ نَذْرُهُ أَيْ التَّرْكُ لِإِبَاحَتِهِ فِي حَقِّهَا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ) أَيْ وَإِذَا كَانَ مُعَيَّنًا فَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا أَيْ فَيَكُونُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنُ الَّذِي لَمْ يَرَ الْمَوْقُوفُ نَظِيرَ الزَّوْجِ الَّذِي لَمْ يَرَ الْمُبْرَأَ مِنْهُ. [خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالنَّذْرِ] قَوْلُهُ: (خَاتِمَةٌ) جُمْلَتُهَا سِتَّ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ أَمَّا نَفْسُ النَّفْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى نَفْلِيَّتِهِ وَفَائِدَةُ نَذْرِ إتْمَامِهِ حُرْمَةُ إبْطَالِهِ فَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّفْلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَرَمِ وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ مَكَّةَ كَدَارِ الْعَبَّاسِ. اهـ. ق ل قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: لِأَنَّ مُطْلَقَ كَلَامِ النَّاذِرِينَ يُحْمَلُ عَلَى مَا ثَبَتَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا الدُّعَاءِ، وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ قَصْدُ الْكَعْبَةِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَحُمِلَ النَّذْرُ عَلَيْهِ سم. وَقَالَ الزِّيَادِيُّ: لِأَنَّ ذِكْرَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ جُزْءٍ مِنْ الْحَرَمِ صَارَ مَوْضُوعًا شَرْعًا عَلَى الْتِزَامِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ اهـ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَزِمَهُ نُسُكٌ وَإِنْ نَفَى ذَلِكَ فِي نَذْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر بِأَنْ قَالَ: بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَيَلْغُو النَّفْيُ قَالَ ع ش عَلَى م ر وَقَوْلُهُ: وَإِنْ نَفَى ذَلِكَ فِي نَذْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى أَنْ لَا يُفَرِّقَ لَحْمَهَا فَإِنَّ النَّذْرَ يَلْغُو وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّذْرَ وَالشَّرْطَ هُنَا تَضَادَّا فِي مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِاقْتِضَاءِ الْأَوَّلِ خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ النَّذْرِ وَالثَّانِي بَقَاءَهَا فِي مِلْكِهِ بَعْدَ النَّذْرِ بِخِلَافِهِمَا ثَمَّ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى شَيْءٍ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ غَيْرُ النُّسُكِ فَلَمْ يُضَادَّ نَفْيُهُ الْإِتْيَانَ. اهـ. حَجّ بِحُرُوفِهِ وَمِثْلُهُ. وَفِي ق ل قَالَ ز ي: وَمَنْ نَذَرَ إتْيَانَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ دَاخِلَ الْحَرَمِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَهُ احْتِمَالٌ بِاللُّزُومِ وَهُوَ الْمُتَّجِهُ لِأَنَّ ذِكْرَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَوْ جُزْءٍ مِنْ الْحَرَمِ فِي النَّذْرِ صَارَ مَوْضُوعًا شَرْعًا عَلَى الْتِزَامِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. وَمَنْ بِالْحَرَمِ يَصِحُّ نَذْرُهُ لَهُمَا فَيَلْزَمُهُ هُنَا أَحَدُهُمَا وَإِنْ نَذَرَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ الْمَسْجِدِ حَوْلَهَا اهـ. وَلَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ مَثَلًا إلَى عَرَفَاتٍ فَإِنْ نَوَى الْحَجَّ مَثَلًا لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. ق ل. لِأَنَّ عَرَفَاتٍ: لَيْسَتْ مِنْ الْحَرَمِ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ مَعَ نُسُكٍ مَشْيٌ) وَالثَّانِي لَهُ الرُّكُوبُ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا فَلَهُ الْقِيَامُ. وَفُرِّقَ بِأَنَّ مَا هُنَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِالْمَالِ وَبِأَنَّ الْمَنْذُورَ هُنَا وَصْفٌ وَذَاكَ جُزْءٌ فَهُوَ كَإِجْزَائِهِ عَنْ شَاةٍ مَنْذُورَةٍ ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ مَسْكَنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَشْيِ لَا بِالنُّسُكِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ) كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَسَقَطَ مِنْهُ لَفْظُ مَاشِيًا سَهْوًا وَقَوْلُهُ: أَوْ عَكْسُهُ أَيْ نَذَرَ يَمْشِي حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا كَذَا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 بِعُذْرٍ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا فِي وَقْتٍ فَفَاتَهُ وَلَوْ بِعُذْرٍ. وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَلَوْ نَذَرَ إهْدَاءَ شَيْءٍ إلَى الْحَرَمِ لَزِمَهُ حَمْلُهُ إلَيْهِ إنْ سَهُلَ. وَلَزِمَهُ صَرْفُهُ بَعْدَ ذَبْحِ مَا يُذْبَحُ مِنْهُ لِمَسَاكِينِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَسْهُلْ حَمْلُهُ كَعَقَارٍ فَيَلْزَمُهُ حَمْلُ ثَمَنِهِ إلَى الْحَرَمِ. وَلَوْ نَذَرَ تَصَدُّقًا بِشَيْءٍ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ صَرْفُهُ لِمَسَاكِينِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً قَاعِدًا جَازَ فِعْلُهَا قَائِمًا لِإِتْيَانِهِ بِالْأَفْضَلِ لَا عَكْسُهُ وَلَوْ نَذَرَ عِتْقًا أَجْزَأَهُ رَقَبَةٌ وَلَوْ نَاقِصَةً بِكُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ نَذَرَ عِتْقَ نَاقِصَةٍ أَجْزَأَهُ رَقَبَةٌ كَامِلَةٌ، فَإِنْ عَيَّنَ نَاقِصَةً كَأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ هَذَا الرَّقِيقِ الْكَافِرِ. تَعَيَّنَتْ وَلَوْ نَذَرَ زَيْتًا أَوْ شَمْعًا لِإِسْرَاجِ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ وَقَفَ مَا يَشْتَرِيَانِ بِهِ مِنْ غَلَّتِهِ صَحَّ كُلٌّ مِنْ النَّذْرِ وَالْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ أَوْ غَيْرَهُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ نَحْوِ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ، فَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الطَّلَاقِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَوْ فِي   [حاشية البجيرمي] الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَكِبَ) أَيْ حَيْثُ لَزِمَهُ الْمَشْيُ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ نُزُولِهِ أَوْ ذَهَابِهِ لِنَحْوِ اسْتِقَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ الرُّكُوبُ يَسِيرًا وَالْمُرَادُ لَمْ يَمْشِ وَلَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُقَلْ لَهُ أَنَّهُ رَاكِبٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَاشٍ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالرُّكُوبِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَمْشِ فَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى ح ل بِزِيَادَةٍ فِي ق ل فَرْعٌ هَلْ مِنْ الرُّكُوبِ السَّفِينَةُ؟ تَرَدَّدَ فِيهِ شَيْخُنَا. وَمَالَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رُكُوبًا عُرْفًا إذْ لَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمَنْذُورَ هُنَا الْمَشْيُ وَهَذَا لَا يُسَمَّى مَشْيًا اتِّفَاقًا وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوبِ هُنَا مَا يُقَابِلُ الْمَشْيَ وَهَذَا مِمَّا يُقَابِلُهُ قَطْعًا مَعَ أَنَّ كَوْنَ رُكُوبِ السَّفِينَةِ لَا يُسَمَّى رُكُوبًا عُرْفًا فِيهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41] فَإِنْ قِيلَ: لَا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ، قُلْنَا: يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ رُكُوبُ نَحْوِ غَزَالٍ وَقِرْدٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَزِمَ دَمٌ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَكَرَّرَ الدَّمُ بِتَكَرُّرِ الرُّكُوبِ قِيَاسًا عَلَى اللُّبْسِ بِأَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَ الرُّكُوبَيْنِ مَشْيٌ قَالَهُ ع ش عَلَى م ر وَفِي ق ل مَا نَصُّهُ: وَلَا يَتَعَدَّدُ الدَّمُ بِتَعَدُّدِ الرُّكُوبِ. إلَّا إنْ تَخَلَّلَهُ مَشْيٌ لَا فِي نَحْوِ حَطٍّ وَتَرْحَالٍ وَنُزُولٍ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَهَكَذَا وَمَتَى فَسَدَ نُسُكُهُ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ الْمَشْيِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ الْمُجْزِئُ عَنْ النَّذْرِ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْقَضَاءِ فِي مَحَلٍّ رَكِبَ فِيهِ فِي الْأَصْلِ وَإِلَّا فَلَا وَفِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَكِبَ بِعُذْرٍ) غَايَةً وَمَحَلُّ لُزُومِ الدَّمِ إنْ عَرَضَ الْعَجْزُ بَعْدَ النَّذْرِ وَإِلَّا كَأَنْ نَذَرَهُ وَهُوَ عَاجِزٌ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ نَذْرُهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ وَلَا الدَّمُ إذَا رَكِبَ وَفَائِدَةُ انْعِقَادِ نَذْرِهِ احْتِمَالُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمَشْيِ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. س ل مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ: (صَلَاةً أَوْ صَوْمًا) أَيْ أَوْ غَيْرَهُمَا. [فَرْعٌ النَّذْرُ لِلْكَعْبَةِ] ِ إنْ نَوَى النَّاذِرُ شَيْئًا اُتُّبِعَ كَسَتْرٍ وَطِيبٍ وَإِلَّا صُرِفَ لِمَصَالِحِهَا، مِنْ كِسْوَةٍ وَنَحْوِهَا. حَتَّى نَحْوِ الشَّمْعِ وَالزَّيْتِ فَيُصْرَفُ لِمَصَالِحِهَا إنْ لَمْ يُحْتَجْ لِلْإِسْرَاجِ بِهِ قَوْلُهُ: (أَوْ شَمْعًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا. قَوْلُهُ: (مَا) أَيْ شَيْئًا كَعَقَارٍ وَقَوْلُهُ: يَشْتَرِيَانِ أَيْ الزَّيْتَ وَالشَّمْعَ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ أَيْ بِغَلَّتِهِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: مِنْ غَلَّتِهِ وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ: بِغَلَّتِهِ لِيَكُونَ بَدَلًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي بِهِ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ بَدَلٌ مِنْ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إلَخْ) وَإِنْ قَصَدَ بِهِ وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ الْعَامَّةِ تَعْظِيمُ الْبُقْعَةِ وَالْقَبْرِ وَالتَّقَرُّبُ إلَى مَنْ دُفِنَ فِيهَا أَوْ نُسِبَ إلَيْهِ فَهَذَا نَذْرٌ بَاطِلٌ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَرَوْنَ أَنَّ النَّذْرَ لَهَا مِمَّا يَنْدَفِعُ بِهِ الْبَلَاءُ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ) فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ مَنْ دَفَعَهُ لَهُ فَإِنْ مَاتَ دَفَعَ لِوَارِثِهِ إنْ عَلِمَ وَإِلَّا صَارَ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ إنْ لَمْ يَتَوَقَّعْ مَعْرِفَتُهُ وَإِلَّا وَجَبَ حِفْظُهُ حَتَّى يُدْفَعَ لَهُ. قَوْلُهُ: (فَقِيَاسُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَبَرٌ أَيْ فَيُصَلِّي فِي لَيَالِي الْعَشْرِ كُلِّهَا حَتَّى يَبْرَأَ بِيَقِينٍ. وَصُورَةُ الطَّلَاقِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ فَتَطْلُقُ بِمُضِيِّ رَمَضَانَ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مُنْفَرِدًا قَالَ م ر: صَحَّ نَذْرُهُ لِأَنَّ صَوْمَهُ عِبَادَةٌ وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ فِي إفْرَادِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ أُسْبُوعٍ ثُمَّ نَسِيَهُ صَامَ آخِرَ يَوْمٍ وَهُوَ: الْجُمُعَةُ فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَنْذُورُ وَقَعَ أَدَاءً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 أَحَبِّ الْأَوْقَاتِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الزَّرْكَشِيّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ نَذْرُهُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الصِّحَّةُ وَيَكُونُ كَنَذْرِهِ فِي أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ بِعِبَادَةٍ لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ. فَقِيلَ: يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ يُصَلِّي دَاخِلَ الْبَيْتِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ يَتَوَلَّى الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ وَمَا وَرَدَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْبَيْتَ لَا يَخْلُو عَنْ طَائِفٍ مِنْ مَلَكٍ أَوْ غَيْرِهِ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ، وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ هُنَا فُرُوعًا مُهِمَّةً لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ فَمَنْ أَرَادَهَا فَلْيُرَاجِعْهَا فِي ذَلِكَ.   [حاشية البجيرمي] وَإِلَّا فَقَضَاءً وَالْكَرَاهَةُ خَاصَّةً بِالنَّفْلِ وَهَذَا فَرْضٌ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يَتَوَلَّى الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى) أَيْ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدًا فَإِذَا قَامَ بِهِ وَاحِدٌ فَقَدْ انْفَرَدَ بِعِبَادَةٍ هِيَ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ سُلَيْمَانَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] فَإِنَّهُ انْفَرَدَ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَهِيَ الْقِيَامُ بِمَصَالِحِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَغَيْرِهِمَا اهـ تَجْرِيدٌ اهـ خ ض. فَائِدَةٌ: قَدْ اخْتَلَفَ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ مِنْ الْعُلَمَاء فِي نَذْرِ مَنْ اقْتَرَضَ شَيْئًا لِمُقْرِضِهِ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا مَا دَامَ دَيْنُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ فِي ذِمَّتِهِ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْخَاصِّ غَيْرَ قُرْبَةٍ بَلْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى رِبَا النَّسِيئَةِ. وَهُوَ تَأْخِيرُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، إلَى صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةِ رِبْحِ الْمُقْرِضِ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةِ الْمُطَالَبَةِ إنْ احْتَاجَ لِبَقَائِهِ فِي ذِمَّتِهِ لِارْتِفَاقٍ وَنَحْوِهِ وَلِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُقْتَرِضِ رَدُّ زِيَادَةٍ مِمَّا اقْتَرَضَهُ فَإِذَا الْتَزَمَهَا ابْتِدَاءً بِالنَّذْرِ لَزِمَتْهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُكَافَأَةُ إحْسَانٍ لَا وَصْلَةٌ لِلرِّبَا إذْ هُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي عَقْدٍ كَبَيْعٍ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ النَّذْرَ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ كَانَ رِبًا وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَالِ الْيَتِيمِ وَغَيْرِهِ وَلَا وَجْهَ لَهُ شَرْحُ م ر. قَالَ ع ش: عَلَيْهِ مَحَلُّ الصِّحَّةِ حَيْثُ نَذَرَ لِمَنْ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ لِأَحَدِ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ فَلَا يَنْعَقِدُ لِحُرْمَةِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ كَالزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمْ اهـ. وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: مَا دَامَ مَبْلَغُ الْقَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ دَفَعَ الْمُقْتَرِضُ شَيْئًا مِنْهُ بَطَلَ حُكْمُ النَّذْرِ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ شَرْحُ م ر. وَمَرَّ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ شَيْئًا لِذِمِّيٍّ أَوْ مُبْتَدِعٍ وَمِثْلُهُ مُرْتَكِبُ كَبِيرَةٍ جَازَ صَرْفُهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ سُنِّيٍّ وَعَلَيْهِ فَلَوْ اقْتَرَضَ مِنْ ذِمِّيٍّ وَنَذَرَ لَهُ شَيْئًا مَا دَامَ دَيْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ لَكِنْ يَجُوزُ دَفْعُهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَتَفَطَّنْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَرَضَ الذِّمِّيُّ مِنْ مُسْلِمٍ وَنَذَرَ لَهُ شَيْئًا مَا دَامَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ النَّاذِرِ الْإِسْلَامُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ س ل: فَإِذَا دَفَعَ النَّاذِرُ مُدَّةً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الذِّمِّيَّ دَفَعَهُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ الْمُقْرَضِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَبَقِيَ النَّذْرُ بِذِمَّتِهِ اهـ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَلَوْ دَفَعَ لِلْمُقْرِضِ مَالًا مُدَّةً وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ حَالَ الْإِعْطَاءِ أَنَّهُ عَنْ الْقَرْضِ وَلَا عَنْ النَّذْرِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ ادَّعَى أَنَّهُ نَوَى دَفْعَهُ عَنْ الْقَرْضِ قُبِلَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ يَسْتَغْرِقُ الْقَرْضَ سَقَطَ حُكْمُ النَّذْرِ مِنْ حِينَئِذٍ وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِمُقْتَضَى النَّذْرِ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَكَرَ حَالَ الدَّفْعِ أَنَّهُ عَنْ النَّذْرِ فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ بَعْدَ أَنَّهُ قَصَدَ غَيْرَهُ وَكَاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ عَنْ نَذْرِ الْقَرْضِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ كِتَابَةِ الْوُصُولَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَنَّ الْمَأْخُوذَ عَنْ نَذْرِ الْقَرْضِ حَيْثُ اعْتَرَفَ حَالَ كِتَابَتِهَا أَوْ بَعْدَهَا بِمَا فِيهَا فَافْهَمْ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ الْأَقْضِيَةُ جَمْعُ قَضَاءٍ بِالْمَدِّ كَقَبَاءٍ وَأَقْبِيَةٍ وَهُوَ لُغَةً إمْضَاءُ الشَّيْءِ وَإِحْكَامُهُ وَشَرْعًا فَصْلُ الْخُصُومَةِ بَيْنَ خَصْمَيْنِ فَأَكْثَرَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّهَادَاتُ جَمْعُ شَهَادَةٍ وَهِيَ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ بِلَفْظٍ خَاصٍّ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا. وَالْأَصْلُ فِي الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وقَوْله تَعَالَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلَهُ عَشْرَةُ أُجُورٍ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَعْنِي الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَاكِمٍ عَالِمٍ أَهْلٍ لِلْحُكْمِ، إنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ بِاجْتِهَادِهِ وَإِصَابَتِهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرَ فِي اجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ أَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ، وَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ بَلْ هُوَ آثِمٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ أَوَافَقَ الْحَقَّ أَمْ لَا لِأَنَّ إصَابَتَهُ اتِّفَاقِيَّةٌ، لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ عَاصٍ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ سَوَاءٌ أَوَافَقَ الصَّوَابَ أَمْ لَا. وَهِيَ مَرْدُودَةٌ كُلُّهَا وَلَا يُعْذَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى الْأَرْبَعَةُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ] ِ أَخَّرَهَا الْمُصَنِّفُ إلَى هُنَا لِأَنَّهَا تَجْرِي فِي جَمِيعِ مَا قَبْلَهَا مِنْ مُعَامَلَاتٍ وَغَيْرِهَا وَقَدَّمَ الْأَيْمَانَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْيَمِينِ قَوْلُهُ جَمْعُ قَضَاءٍ وَأَصْلُهُ قَضَايٌ وَقَعَتْ الْيَاءُ مُتَطَرِّفَةً إثْرَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ فَقُلِبَتْ هَمْزَةً وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ جَمْعُهُ عَلَى أَقْضِيَةٍ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا وَلِذَا تَقُولُ قَضَيْت بِكَذَا قَوْلُهُ إمْضَاءُ الشَّيْءِ وَإِحْكَامُهُ عَطْفٌ مُغَايِرٌ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ التَّنْفِيذُ وَالْإِحْكَامَ الْإِتْقَانُ وَالْمُرَادُ إحْكَامُ الشَّيْءِ أَيْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الشَّرْعِيِّ الْآتِي عَلَى الْقَاعِدَةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إمْضَاءُ الشَّيْءِ أَيْ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَعَانِيهِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَحْيِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا. قَوْلُهُ: (فَصْلُ الْخُصُومَةِ) عِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ وَشَرْعًا الْوِلَايَةُ الْآتِيَةُ وَالْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا أَوْ إلْزَامُ مَنْ لَهُ الْإِلْزَامُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَيَحْتَاجُ الْقَضَاءُ إلَى مُوَلٍّ وَمُتَوَلٍّ وَمُوَلَّى عَلَيْهِ وَمَحَلُّ وِلَايَةٍ وَصِيغَةٍ وَتُسَمَّى أَرْكَانًا اهـ. قَوْلُهُ: (بِلَفْظٍ خَاصٍّ) هَذَا التَّعْرِيفُ بِالْأَعَمِّ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ قَوْلُهُ: (بِالْقِسْطِ) أَيْ الْعَدْلِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْجَوْرِ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَوْلُهُ: (فَلَهُ عَشَرَةُ أُجُورٍ) لَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالْقَلِيلِ لَا يُنَافِي الْكَثِيرَ وَلِجَوَازِ أَنَّهُ أَعْلَمَ أَوَّلًا بِالْأَجْرَيْنِ فَأَخْبَرَ بِهِمَا ثُمَّ بِالْعَشَرَةِ فَأَخْبَرَ بِهَا أَوْ أَنَّ الْأَجْرَيْنِ يُسَاوِيَانِ الْعَشَرَةَ. فَإِنْ قُلْت: الْعَشَرَةُ يَصِحُّ أَنْ تُجْعَلَ أَجْرًا وَاحِدًا وَاثْنَيْنِ فَمَا بَالُهُ جَعَلَهَا عَشَرَةً. قُلْت: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَنْوَاعًا مِنْ الثَّوَابِ مُخْتَلِفَةً يَبْلُغُ عَدَدُهَا هَذَا الْمِقْدَارَ فَنَبَّهَ بِذِكْرِ هَذَا الْعَدَدِ عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْوَرَقَاتِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ رَوَى الْأَرْبَعَةُ) وَهُمْ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد، وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: أَعْنِي أَبَا دَاوُد ثُمَّ التِّرْمِذِيّ ... وَالنَّسَائِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ فَاحْتَذِي وَإِذَا قِيلَ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ زِيدَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ اهـ أج. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةٌ) وَجْهُ الْحَصْرِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَارِفًا أَوْ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 الْجَنَّةِ. فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ، وَاَللَّذَانِ فِي النَّارِ رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ» وَالْقَاضِي الَّذِي يَنْفُذُ حُكْمُهُ، هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ لَا اعْتِبَارَ بِحُكْمِهِمَا. وَتَوَلِّي الْقَضَاءِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ الصَّالِحِينَ لَهُ فِي نَاحِيَةٍ. أَمَّا تَوْلِيَةُ الْإِمَامِ لِأَحَدِهِمْ فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِ. فَمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِي نَاحِيَةٍ لَزِمَهُ طَلَبُهُ، وَلَزِمَهُ قَبُولُهُ (وَلَا يَجُوزُ) وَلَا يَصِحُّ (أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ) الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ (إلَّا مَنْ اسْتَكْمَلَ فِيهِ) بِمَعْنَى   [حاشية البجيرمي] وَالْعَارِفُ إمَّا أَنْ يَحْكُمَ بِالْحَقِّ أَوْ يَعْدِلَ عَنْهُ، فَإِنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَعَمِلَ بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ عَرَفَهُ وَحَكَمَ بِالْبَاطِلِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ فَقَضَى عَلَى جَهْلٍ فَهُمَا فِي النَّارِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضِيلَةِ مَنْ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ عَارِفًا بِالْحَقِّ فَقَضَى بِهِ. وَالْحَثُّ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ فِيهِ لِعِظَمِ دُخُولِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنِّي مَا اخْتَرْته وَلَا اسْتَحْسَنْته بَلْ امْتَنَعْتُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ فِي زَمَنِ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَعَ الطَّلَبِ الْحَثِيثِ وَمَعَ قَوْلِ السُّلْطَانِ: وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ إنْ قَبِلْته رَكِبْت مَعَك إلَى بَيْتِك فَأَعَانَنِي اللَّهُ عَلَى تَرْكِهِ ثُمَّ طُلِبْتُ فِي زَمَنٍ آخَرَ فَغَلَبَ اخْتِيَارُ رَبِّي عَلَى اخْتِيَارِي فَدَخَلْت فِيهِ إلَى أَنَّ قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيَّ بِمَا يَتَضَمَّنُ خَيْرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْأَعْلَامِ. وَكَانَ الْقُضَاةُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ ثَلَاثَةً فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فَوُلِّيَ مَكَانَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ قَضَوْا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقْضُوا ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ مَلَكًا يَمْتَحِنُهُمْ فَوَجَدَ رَجُلًا يَسْقِي بَقَرَةً عَلَى مَاءٍ وَخَلْفَهَا عِجْلَةٌ فَدَعَاهَا الْمَلَكُ وَهُوَ رَاكِبٌ فَرَسًا فَتَبِعَتْهَا الْعِجْلَةُ فَتَخَاصَمَا فَقَالَا بَيْنَنَا الْقَاضِي فَجَاءَا إلَى الْقَاضِي الْأَوَّلِ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْمَلَكُ دُرَّةً كَانَتْ مَعَهُ وَقَالَ لَهُ: اُحْكُمْ بِأَنَّ الْعِجْلَةَ لِي قَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: أَرْسِلْ الْفَرَسَ وَالْبَقَرَةَ وَالْعِجْلَةَ فَإِنْ تَبِعَتْ الْفَرَسَ فَهِيَ لِي فَأَرْسَلَهَا فَتَبِعَتْ الْفَرَسَ فَحَكَمَ لَهُ بِهَا وَأَتَيَا إلَى الْقَاضِي الثَّانِي فَحَكَمَ لَهُ كَذَلِكَ وَأَخَذَ دُرَّةً وَأَمَّا الْقَاضِي الثَّالِثُ فَدَفَعَ لَهُ الْمَلَكُ دُرَّةً وَقَالَ لَهُ: اُحْكُمْ لِي بِهَا فَقَالَ: إنِّي حَائِضٌ فَقَالَ الْمَلَكُ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَيَحِيضُ الذَّكَرُ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي: سُبْحَانَ اللَّهِ أَتَلِدُ الْفَرَسُ بَقَرَةً وَحَكَمَ بِهَا لِصَاحِبِهَا ذَكَرَهُ الشَّبْرَخِيتِيُّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَلِيَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَإِنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عَجَّ حَجَرٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ: إلَهِي وَسَيِّدِي عَبَدْتُك كَذَا وَكَذَا سَنَةً ثُمَّ جَعَلَتْنِي فِي أُسِّ كَنِيفٍ فَقَالَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ عَدَلْت بِك عَنْ مَجَالِسِ الْقُضَاةِ» رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ. قَوْلُهُ: (وَتَوَلِّي الْقَضَاءِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) بَلْ هُوَ أَفْضَلُ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ حَتَّى ذَهَبَ الْغَزَالِيُّ إلَى تَفْضِيلِهِ عَلَى الْجِهَادِ لِلْإِجْمَاعِ مَعَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ لِأَنَّ طِبَاعَ الْبَشَرِ مَجْبُولَةٌ عَلَى النِّظَامِ وَقَلَّ مَنْ يُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ وَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ مُشْتَغِلٌ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ فَوَجَبَ مَنْ يَقُومُ بِهِ شَرْحُ م ر. وَاعْلَمْ أَنَّ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ إلَّا الْإِبَاحَةَ فَيَجِبُ إذَا تَعَيَّنَ فِي النَّاحِيَةِ وَيَنْدُبُ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ فَيُسَنُّ لَهُ حِينَئِذٍ طَلَبُهُ وَقَبُولُهُ وَيُكْرَهُ إنْ كَانَ مَفْضُولًا وَلَمْ يَمْتَنِعْ الْأَفْضَلُ وَيَحْرُمُ بِعَزْلِ صَالِحٍ وَلَوْ مَفْضُولًا وَتَبْطُلُ عَدَالَةُ الطَّالِبِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ وَحَرُمَ عَلَى الصَّالِحِ لِلْقَضَاءِ طَلَبٌ لَهُ وَبَذْلُ مَالٍ لِعَزْلِ قَاضٍ صَالِحٍ لَهُ وَلَوْ كَانَ دُونَهُ وَبَطَلَتْ بِذَلِكَ عَدَالَتُهُ فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ وَالْمَعْزُولُ بِهِ عَلَى قَضَائِهِ، حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ لِأَنَّ الْعَزْلَ بِالرِّشْوَةِ حَرَامٌ وَتَوْلِيَةُ الْمُرْتَشِي لِلرَّاشِي حَرَامٌ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ «مَنْ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ» اهـ وَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَنْ تَوَلَّى أَمْرًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْعِيًّا كَنَصْبِ مَشَايِخِ الْأَسْوَاقِ وَالْبُلْدَانِ وَنَحْوِهَا اهـ قَوْلُهُ: (فِي حَقِّ الصَّالِحِينَ) الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ فَرْضُ عَيْنٍ. قَوْلُهُ: (فِي نَاحِيَةٍ) أَيْ مَسَافَةَ عَدْوَى دُونَ مَا زَادَ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ وَلَا طَلَبُهُ فِيهِ لِأَنَّ عَمَلَ الْقَضَاءِ لَا آخِرَ لَهُ فَفِيهِ تَعْذِيبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْوَطَنِ بِالْكُلِّيَّةِ نَعَمْ إنْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الْبَعِيدِ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ وَلَا بِقُرْبِهِ مَنْ يَصْلُحُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ، امْتِثَالًا لِأَمْرِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ طَلَبُهُ) وَلَوْ بِبَذْلِ مَالٍ وَإِنْ حَرُمَ أَخْذُهُ مِنْهُ فَالْإِعْطَاءُ جَائِزٌ وَالْأَخْذُ حَرَامٌ وَالْمُرَادُ بَذْلُ مَالٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يَكْفِيهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ فِيمَا يَظْهَرُ حَجّ وم ر قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَثُرَ الْمَالُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي صَرَّحُوا بِسُقُوطِ الْوُجُوبِ حَيْثُ طُلِبَ مِنْهُ مَالٌ وَإِنْ قَلَّ أَنَّ الْقَضَاءَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَوَجَبَ بَذْلُهُ لِلْقِيَامِ بِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 اجْتَمَعَ فِيهِ (خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا خَصْلَتَيْنِ عَلَى ضَعِيفٍ وَسَكَتَ عَنْ خَصْلَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَتَعْرِفُ ذَلِكَ. الْأُولَى (الْإِسْلَامُ) فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ كَافِرٍ وَلَوْ عَلَى كُفَّارٍ وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ نَصْبِ شَخْصٍ مِنْهُمْ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ فَهُوَ تَقْلِيدُ رِيَاسَةٍ وَزَعَامَةٍ لَا تَقْلِيدُ حُكْمٍ وَقَضَاءٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. (وَ) الثَّانِيَةُ (الْبُلُوغُ وَ) الثَّالِثَةُ (الْعَقْلُ) . فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ لِنَقْصِهِ. (وَ) الرَّابِعَةُ (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ رَقِيقٍ وَلَوْ مُبَعَّضًا لِنَقْصِهِ. (وَ) الْخَامِسَةُ (الذُّكُورِيَّةُ) فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ امْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٌ أَمَّا الْخُنْثَى الْوَاضِحُ الذُّكُورَةِ فَتَصِحُّ وِلَايَتُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. (وَ) السَّادِسَةُ (الْعَدَالَةُ) الْآتِي بَيَانُهَا فِي الشَّهَادَاتِ فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ فَاسِقٍ وَلَوْ بِمَا لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ. وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الدَّمِيرِيِّ خِلَافَهُ. (وَ) السَّابِعَةُ (مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْكِتَابِ) الْعَزِيزِ. (وَ) مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ (السُّنَّةِ) عَلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ. وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُ آيَاتِهَا وَلَا أَحَادِيثِهَا الْمُتَعَلِّقَاتِ بِهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، وَآيُ الْأَحْكَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ، وَعَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ عَدَدَ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ خَمْسُمِائَةٍ كَعَدَدِ الْآيِ. وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْرِفَ أَنْوَاعَ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ مَحَالُّ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ وَاحْتُرِزَ بِهَا عَنْ الْمَوَاعِظِ وَالْقَصَصِ؛ فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْعَامُّ   [حاشية البجيرمي] كَذَلِكَ غَيْرُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (خَصْلَتَيْنِ عَلَى ضَعِيفٍ) هُمَا الْكِتَابَةُ وَالْيَقَظَةُ وَسَكَتَ عَنْ خَصْلَتَيْنِ هُمَا كَوْنُهُ نَاطِقًا وَكِفَايَتُهُ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ كَافِرٍ) وَمَا اُعْتِيدَ مِنْ نَصْبِ حَاكِمٍ لِلذِّمِّيِّينَ مِنْهُمْ أَيْ وَلَوْ مِنْ قَاضِينَا عَلَيْهِمْ فَهُوَ تَقْلِيدُ رِيَاسَةٍ لَا حُكْمٍ فَهُوَ كَالْمُحَكَّمِ لَا الْحَاكِمِ. اهـ. ز ي. وَمِنْ ثَمَّ لَا يَلْزَمُهُمْ حُكْمُهُ إلَّا إنْ رَضَوْا كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَزَعَامَةٍ) مُرَادِفٌ وَقَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الزَّعَامَةُ السِّيَادَةُ وَزَعِيمُ الْقَوْمِ سَيِّدُهُمْ. قَوْلُهُ: (فِي الْبَحْرِ) هُوَ لِلرُّويَانِيِّ قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِمَا لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْفِسْقُ بِفِعْلِ قَالَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ أَمَةِ فَرْعِهِ. اهـ. شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (الْمُتَعَلِّقَاتِ) بِتَاءٍ فَوْقِيَّةٍ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ الْمُتَعَلِّقَانِ بِلَفْظِ الْمُثَنَّى أَيْ الْقِسْمَانِ الْآيَاتُ قِسْمٌ وَالْأَحَادِيثُ قِسْمٌ اهـ أج وَهُوَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُلْزِمُ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَقَوْلُهُ: بِهَا أَيْ الْأَحْكَامِ. قَوْلُهُ: (خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ) مُرَادُهُمْ مَا هُوَ مَقْصُودُ الْأَحْكَامِ بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ أَمَّا بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ فَغَالِبُ الْقُرْآنِ بَلْ كُلُّهُ لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ حُكْمٍ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْرِفَ إلَخْ) هَذَا الْمُرَادُ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِ وَخُرُوجٌ عَنْ ظَاهِرِهِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا زِيَادَةً عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَهُوَ أَيْ الْمُجْتَهِدُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ وَمُجْمَلِهِ وَمُبَيَّنِهِ وَعَامِّهِ وَخَاصِّهِ وَنَاسِخِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَنْوَاعَ الْأَحْكَامِ) أَيْ أَنْوَاعَ مَحَالِّ الْأَحْكَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ الْعَامُّ، إلَخْ لِأَنَّ الْعَامَّ لَيْسَ حُكْمًا وَإِنَّمَا هُوَ مَحَلُّ الْحُكْمِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ إلَخْ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَا ارْتِبَاطَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا وَهِيَ مَنْقُولَةٌ مِنْ الْمَنْهَجِ مَعَ بَعْضِ تَغْيِيرٍ أَوْجَبَ الْخَلَلَ فِيهَا وَنَصُّ عِبَارَتِهِ شَرْطُ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا وَهُوَ الْعَارِفُ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالْقِيَاسِ وَأَنْوَاعِهَا فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إلَخْ وَالضَّمِيرُ فِي أَنْوَاعِهَا رَاجِعٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ إلَخْ تَفْصِيلًا لِقَوْلِهِ: وَأَنْوَاعُهَا وَهَذَا كَلَامٌ مُرْتَبِطٌ مُنْسَبِكٌ وَبَعْضُهُمْ أَجَابَ عَنْ الشَّارِحِ وَجَعَلَهُ مُرْتَبِطًا بِأَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ فِي قَوْلِهِ: أَنْوَاعَ أَحْكَامٍ أَيْ أَنْوَاعَ مَحَالِّ الْأَحْكَامِ وَالْعَامُّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ يُقَالُ لَهُ: مَحَالُّ الْأَحْكَامِ فَيَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ مَحَالِّ أَحْكَامِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (الْعَامُّ) وَهُوَ لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَالْخَاصُّ بِخِلَافِهِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» وَقَوْلُهُ: وَالْمُجْمَلُ وَهُوَ مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُمَا قَدْرُ الْوَاجِبِ وَنَوْعُ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ. وَالْمُبَيَّنُ مَا اتَّضَحَتْ دَلَالَتُهُ مِثْلَ قَوْلِهِ «وَفِي عِشْرِينَ نِصْفُ دِينَارٍ» وَالْمُطْلَقُ مَا دَلَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 وَالْخَاصُّ وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ وَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ وَالنَّصُّ وَالظَّاهِرُ وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَمِنْ أَنْوَاعِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرُ وَالْآحَادُ وَالْمُتَّصِلُ وَغَيْرُهُ. لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ، وَالْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ وَالْمُبَيَّنُ عَلَى الْمُجْمَلِ وَالنَّاسِخُ عَلَى الْمَنْسُوخِ، وَالْمُتَوَاتِرُ عَلَى الْآحَادِ، وَيُعْرَفُ الْمُتَّصِلُ مِنْ السُّنَّةِ وَالْمُرْسَلُ مِنْهَا وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَّصِلِ وَحَالُ الرُّوَاةِ قُوَّةً وَضَعْفًا فِي حَدِيثٍ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى قَبُولِهِ. (وَ) الثَّامِنَةُ مَعْرِفَةُ (الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ) فِيهِ فَيَعْرِفُ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إجْمَاعًا وَاخْتِلَافًا لِئَلَّا يَقَعَ فِي حُكْمٍ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يُفْتِي أَوْ يَحْكُمُ فِيهَا، أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ فِيهَا إمَّا بِعِلْمِهِ بِمُوَافَقَةِ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا الْأَوَّلُونَ بَلْ تَوَلَّدَتْ فِي عَصْرِهِ. وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ. (وَ) التَّاسِعَةُ مَعْرِفَةُ (طُرُقِ الِاجْتِهَادِ) الْمُوصِلَةِ إلَى مَدَارِك الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. وَهِيَ مَعْرِفَةُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا سَيُذْكَرُ مَعَ مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ صَحِيحِهِ وَفَاسِدِهِ بِأَنْوَاعِهِ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي وَالْأَدْوَنِ لِيَعْمَلَ بِهَا. فَالْأَوَّلُ كَقِيَاسِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى التَّأْفِيفِ   [حاشية البجيرمي] عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ كَرَقَبَةٍ وَالْمُقَيَّدُ مَا دَلَّ عَلَيْهَا بِقَيْدٍ كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فِي آيَةِ الْقَتْلِ وَالْمُطْلَقُ فِي غَيْرِهَا قَوْلُهُ: (وَالنَّصُّ) وَهُوَ مَا دَلَّ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً كَأَسْمَاءِ الْعَدَدِ. وَالظَّاهِرُ مَا دَلَّ دَلَالَةً ظَنِّيَّةً قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: الْمَنْطُوقُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَهُوَ نَصٌّ إنْ أَفَادَ مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ كَزَيْدٍ وَظَاهِرٌ إنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ مَرْجُوحًا كَأَسَدٍ. قَوْلُهُ: (وَالْمُتَّصِلُ) بِاتِّصَالِ رُوَاتِهِ إلَى الصَّحَابِيِّ فَقَطْ وَيُسَمَّى الْمَوْقُوفَ أَوْ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسَمَّى الْمَرْفُوعَ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (وَالْمُتَوَاتِرُ) مَا تَرْوِيهِ جَمَاعَةٌ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ جَمَاعَةٍ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ. وَالْآحَادُ مَا يَرْوِيهِ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَّصِلِ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَنَّ الْمُرْسَلَ مَا سَقَطَ مِنْ سَنَدِهِ رَاوٍ أَوْ أَكْثَرُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ أَمْ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ فَهُوَ أَيْ الْمُرْسَلُ مَا سَقَطَ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ وَعِبَارَةُ ق ل فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْوَرَقَاتِ وَأَمَّا اصْطِلَاحُ الْمُحَدِّثِينَ فَالْمُرْسَلُ مَا سَقَطَ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ وَمَا وَقَفَ عَلَى الصَّحَابِيِّ مَوْقُوفٌ وَمَا وَقَفَ عَلَى التَّابِعِيِّ مَقْطُوعٌ. وَمَا سَقَطَ مِنْهُ رَاوٍ مُنْقَطِعٌ أَوْ رَاوِيَانِ فَمُنْقَطِعٌ مِنْ مَوْضِعَيْنِ إنْ كَانَ بِغَيْرِ اتِّصَالٍ وَإِلَّا فَمُعْضَلٌ وَمَا سَقَطَ أَوَّلُهُ مُعَلَّقٌ وَمَا أُسْنِدَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْفُوعٌ قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ الْإِجْمَاعِ) بِمَعْنَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بِمَعْنَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ الَّذِي يُرِيدُهُ وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ لِأَلْ الْمَوْصُولَةِ. قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ جَمِيعُ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ جَعْلِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ لِلِاسْتِغْرَاقِ. قَوْلُهُ: (بِمُوَافَقَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِعِلْمِهِ فَالْبَاءُ صِلَةُ الْعِلْمِ أَيْ عِلْمُ أَنَّهُ وَافَقَ بَعْضَ الْمُتَقَدِّمِينَ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَغْلِبَ) مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ مُؤَوَّلٌ بِمَصْدَرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى قَوْلِهِ عَلِمَ فِي قَوْلِهِ: أَمَّا بِعِلْمِهِ أَيْ أَمَّا بِعِلْمِهِ أَوْ بِغَلَبَةٍ عَلَى ظَنِّهِ إلَخْ عَلَى حَدِّ وَلُبْسِ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي وقَوْله تَعَالَى: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ: بَلْ يَكْفِي إلَخْ. قَوْلُهُ: (قِيَاسُ مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَمِيعِهَا بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ لَيْسَ لَهُ نَاسِخٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا يُشْتَرَطُ نِهَايَتُهُ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ بَلْ يَكْفِي الدَّرَجَةُ الْوُسْطَى فِي ذَلِكَ مَعَ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ قَوَانِينَ عِلْمِ الْكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَاجْتِمَاعُ ذَلِكَ كُلِّهِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ أَمَّا مُقَلِّدٌ لَا يَعْدُو أَيْ لَا يُجَاوِزُ مَذْهَبَ إمَامٍ خَاصٍّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْرِفَةِ قَوَاعِدِ إمَامِهِ وَلْيُرَاعِ فِيهَا مَا يُرَاعِيهِ الْمُطْلَقُ فِي قَوَانِينِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ مَعَ الْمُجْتَهِدِ كَالْمُجْتَهِدِ مَعَ نُصُوصِ الشَّرْعِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعُدُولُ عَنْ نَصِّ إمَامِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (إلَى مَدَارِك) أَيْ مَحَلِّ إدْرَاكِهَا جَمْعُ مُدْرَكٍ بِضَمِّ الْمِيمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 وَالثَّانِي كَإِحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَكْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ فِيهِمَا. وَالثَّالِثُ كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ فِي الرِّبَا بِجَامِعِ الطُّعْمِ. (وَ) الْعَاشِرَةُ (مَعْرِفَةُ طَرَفٍ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ) لُغَةً وَإِعْرَابًا وَتَصْرِيفًا، لِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ عُمُومُ اللَّفْظِ وَخُصُوصُهُ وَإِطْلَاقُهُ وَتَقْيِيدُهُ وَإِجْمَالُهُ وَبَيَانُهُ، وَصِيَغُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. (وَ) الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مَعْرِفَةُ طَرَفِ (تَفْسِيرٍ) مِنْ (كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) لِيَعْرِفَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْمَأْخُوذَةَ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: هَذَا مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ جُمْلَةِ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَحِّرًا فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْعُلُومِ حَتَّى يَكُونَ فِي النَّحْوِ كَسِيبَوَيْهِ وَفِي اللُّغَةِ كَالْخَلِيلِ بَلْ يَكْفِي مَعْرِفَةُ جُمَلٍ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إنَّ هَذَا سَهْلٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ الْعُلُومَ قَدْ دُوِّنَتْ وَجُمِعَتْ انْتَهَى. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ أَصْلٌ كَصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَلَا بَعْضُهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ مَظَانَّ أَحْكَامِهِ فِي أَبْوَابِهَا فَيُرَاجِعَهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ الْأَدِلَّةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا كَالْأَخْذِ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ، وَكَالِاسْتِصْحَابِ وَمَعْرِفَةِ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ. كَمَا حُكِيَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْأَصْحَابِ اشْتِرَاطُهُ ثُمَّ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْعُلُومِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الشَّرْعِ. أَمَّا الْمُقَلِّدُ لِمَذْهَبِ إمَامٍ خَاصٍّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ قَوَاعِدِ إمَامِهِ وَلْيُرَاعِ فِيهَا مَا يُرَاعِي الْمُطْلَقُ فِي قَوَانِينِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ مَعَ الْمُجْتَهِدِ كَالْمُجْتَهِدِ مَعَ نُصُوصِ الشَّرْعِ وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ نَصِّ إمَامِهِ كَمَا لَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ مَعَ النَّصِّ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَا يَخْلُو الْعَصْرُ عَنْ مُجْتَهِدٍ إلَّا إذَا تَدَاعَى الزَّمَانُ وَقَرُبَتْ السَّاعَةُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَالْقَفَّالِ إنَّ الْعَصْرَ خَلَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُجْتَهِدٌ قَائِمٌ بِالْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ يَرْغَبُونَ عَنْهُ فَقَدْ قَالَ مَكْحُولٌ: لَوْ خُيِّرْت بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْقَتْلِ لَاخْتَرْت الْقَتْلَ. وَامْتَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهَذَا ظَاهِرٌ   [حاشية البجيرمي] مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى إدْرَاكٍ وَالْمُرَادُ مَا يُدْرَكُ مِنْهُ الْحُكْمُ مِنْ نَحْوِ دَلِيلٍ. قَوْلُهُ: (مَا تَقَدَّمَ) وَهُوَ قَوْلُهُ: فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ إلَخْ وَمِنْ قَوْلِهِ: وَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ إلَخْ وَاَلَّذِي سَيُذْكَرُ هُوَ قَوْلُهُ: مَعْرِفَةُ طَرَفٍ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ وَالتَّفْسِيرِ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا طُرُقٌ لِلِاجْتِهَادِ الَّذِي هُوَ بَذْلُ الْوُسْعِ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ عُمُومُ اللَّفْظِ) هَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ اللُّغَةِ وَاسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَقَوْلُهُ: وَصِيَغُ الْأَمْرِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ هَيْئَةَ صِيغَتِهِ فَتُؤْخَذُ مِنْ عِلْمِ التَّصْرِيفِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَعْرِفَةَ مَعْنَاهُ وَلَفْظِهِ فَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّحْوِ وَكَذَا مَعْرِفَةُ الْأَسْمَاءِ وَمَا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَحِّرًا) هَذَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: طَرَفٍ فَكَانَ الْأَوْلَى فَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ) هَذَا عُلِمَ وَأَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (كَالْأَخْذِ) أَيْ كَالتَّمَسُّكِ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ كَدِيَةِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ إنَّهَا كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ وَبَعْضُهُمْ إنَّهَا نِصْفُهَا وَبَعْضُهُمْ قَالَ إنَّهَا ثُلُثُهَا فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِأَقَلَّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَهُوَ الْقَوْلُ: بِأَنَّهَا ثُلُثُهَا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: كَالْأَخْذِ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ: أَيْ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ، حَيْثُ لَا دَلِيلَ سِوَاهُ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَأَثْبَتَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ مُحَقَّقٌ وَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ الْأَكْثَرِ وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ فَأَخَذَ بِأَكْثَرَ مَا قِيلَ: احْتِيَاطًا. قَوْلُهُ: (وَمَعْرِفَةُ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ) لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ هَذَا وَالْمُرَادُ بِأُصُولِ الِاعْتِقَادِ عَقَائِدُ التَّوْحِيدِ وَهِيَ مَا يَجِبُ لِلَّهِ وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ وَمَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ وَكَذَا الرُّسُلُ. قَوْلُهُ: (فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ) أَيْ وَقَدْ فُقِدَ مِنْ بَعْدِ الْخَمْسِمِائَةِ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَنَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يُوجَدُ، وَأَقَلُّهُ قُطْبُ الْغَوْثِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُجْتَهِدًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَخْلُو الْعَصْرُ) أَيْ كُلُّ عَصْرٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: بَعْدُ إذْ كَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْصَارِ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا تَدَاعَى الزَّمَانُ) فِي الْمِصْبَاحِ تَدَاعَى الْبُنْيَانُ تَصَدَّعَ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَآذَنَ بِالِانْهِدَامِ وَالسُّقُوطِ، اهـ. فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ حَيْثُ شَبَّهَ الزَّمَانَ بِبُنْيَانٍ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَأَثْبَتَ شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِهِ وَهُوَ التَّدَاعِي أَوْ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ حَيْثُ شَبَّهَ التَّقَارُبَ بِالتَّدَاعِي وَاسْتَعَارَ التَّدَاعِيَ لِلتَّقَارُبِ وَاشْتَقَّ مِنْ التَّدَاعِي تَدَاعَى بِمَعْنَى تَقَارَبَ. قَوْلُهُ: (وَقَرُبَتْ السَّاعَةُ) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَامْتَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ وَامْتِنَاعُهُ مِنْهُ حِينَ اسْتَدْعَاهُ الْمَأْمُونُ لِقَضَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدْعَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 لَا شَكَّ فِيهِ إذْ كَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْصَارِ بِخُلُوِّهَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لَسْنَا مُقَلِّدِينَ لِلشَّافِعِيِّ بَلْ وَافَقَ رَأْيُنَا رَأْيَهُ. وَيَجُوزُ تَبْعِيضُ الِاجْتِهَادِ بِأَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ مُجْتَهِدًا فِي بَابٍ دُونَ بَابٍ فَيَكْفِيهِ عِلْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ الَّذِي يَجْتَهِدُ فِيهِ. (وَ) الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ (أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا) وَلَوْ بِصِيَاحٍ فِي أُذُنِهِ فَلَا يُوَلَّى أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا فَإِنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ إقْرَارٍ وَإِنْكَارٍ. وَالثَّالِثَةَ عَشْرَةَ أَنْ يَكُونَ (بَصِيرًا) فَلَا يُوَلَّى أَعْمَى وَلَا مَنْ يَرَى الْأَشْبَاحَ وَلَا يَعْرِفَ الصُّوَرَ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الطَّالِبَ مِنْ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ الصُّوَرَ إذَا قَرُبَتْ مِنْهُ صَحَّ وَخَرَجَ بِالْأَعْمَى الْأَعْوَرُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ. وَكَذَا مَنْ يُبْصِرُ نَهَارًا فَقَطْ دُونَ مَنْ يُبْصِرُ لَيْلًا فَقَطْ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ «اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَعْمَى» . وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ بِصِحَّةِ وِلَايَةِ الْأَعْمَى، أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ دُونَ الْحُكْمِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ ثُمَّ عَمِيَ. قَضَى فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا لَوْ نَزَلَ أَهْلُ قَلْعَةٍ عَلَى حُكْمِ أَعْمَى. فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ. وَالرَّابِعَةَ عَشْرَةَ أَنْ يَكُونَ (كَاتِبًا) عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى أَنْ يَكْتُبَ إلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ أَمْنًا مِنْ تَحْرِيفِ الْقَارِئِ عَلَيْهِ وَأَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أُمِّيًّا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ لِتَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ الْحِسَابِيَّةِ الْفِقْهِيَّةِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَطْلَبِ، لِأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ لَا يُوجِبُ الْخَلَلَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَالْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَا تُشْتَرَطُ. وَالْخَامِسَةَ عَشْرَةَ أَنْ يَكُونَ (مُتَيَقِّظًا) بِحَيْثُ لَا يُؤْتَى مِنْ غَفْلَةٍ وَلَا يُخْدَعُ مِنْ غِرَّةٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاصِّ   [حاشية البجيرمي] الْمَنْصُورُ فَحَبَسَهُ وَضَرَبَهُ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (إذْ كَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ) أَيْ الْحُكْمُ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ أَيْ كَيْفَ نَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِخُلُوِّ الْعَصْرِ عَنْ مُجْتَهِدٍ إلَخْ. وَهُوَ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَفَّالِ وَالْغَزَالِيِّ وَكَيْفَ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ. قَوْلُهُ: (كَانُوا يَقُولُونَ) هَذَا لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعِيَ وَلَا يَرُدُّ عَلَى الْمُخَالِفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلُوُّ عَنْ الْمُجْتَهِدِ، لِأَنَّ كَوْنَ هَؤُلَاءِ مُجْتَهِدِينَ لَا يَثْبُتُ أَنَّ الْعَصْرَ لَا يَخْلُو عَنْ مُجْتَهِدٍ لِجَوَازِ خُلُوِّهِ عَنْهُ بَعْدَهُمْ. قَوْلُهُ: (فِي بَابِ) أَيْ كَالْفَرَائِضِ قَوْلُهُ: (الطَّالِبَ) أَيْ الْمُدَّعِيَ وَالْمَطْلُوبَ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ سَمِيعًا) وَلَوْ بِالصِّيَاحِ اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (بَصِيرًا) وَلَوْ فِي النَّهَارِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَنْ يُبْصِرُ نَهَارًا) وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ وَقْتَ إبْصَارِهِ وَأَمَّا فِي وَقْتِ عَدَمِ الْإِبْصَارِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى إشَارَةٍ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ بَلْ كَانَ يَكْفِيهِ حَكَمْت عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَائِبًا أَوْ مَيِّتًا صَحَّ. قَوْلُهُ: (دُونَ مَنْ يُبْصِرُ لَيْلًا) ضَعِيفٌ ز ي قَالَ حَجّ: وَيَجُوزُ كَوْنُ الْقَاضِي أَعْوَرَ بِخِلَافِ الْإِمَامِ اهـ. وَالْفَرْقُ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ عَامَّةٌ وَالْأَعْوَرُ لَا يُهَابُ. اهـ. ز ي. يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ تَامَّ الْخِلْقَةِ مُعَظَّمًا عِنْدَ النَّاسِ مَحْبُوبًا لَهُمْ لِأَجْلِ أَنْ يُسْمَعَ كَلَامُهُ. وَحِينَئِذٍ فَيُطَاعُ فَيَسْتَقِيمُ نِظَامُ الرَّعِيَّةِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَمِيَ قَضَى) عِبَارَةُ م ر نَعَمْ لَوْ عَمِيَ بَعْدَ ثُبُوتِ قَضِيَّةٍ عِنْدَهُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُهُ حَكَمْت بِكَذَا وَلَمْ يَحْتَجْ مَعَهُ إلَى إشَارَةٍ نَفَذَ حُكْمُهُ فِيهَا. قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى أَيْضًا) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ صُورِيٌّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقَضَاءِ بَلْ فِيهِ حُكْمٌ بَيْنَهُمْ. قَوْلُهُ: (لَوْ نَزَلَ أَهْلُ قَلْعَةٍ) أَيْ اتَّفَقُوا وَرَضَوْا عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فُلَانٌ الْأَعْمَى اهـ أج. وَالْمُرَادُ أَهْلُ الْقَلْعَةِ مِنْ الْكُفَّارِ كَمَا وَقَعَ لِبَنِي قُرَيْظَةَ حَيْثُ قَالُوا لِلْإِمَامِ: لَا نَفْتَحُ لَك الْقَلْعَةَ إلَّا إنْ وَلَّيْت عَلَيْنَا قَاضِيًا أَعْمَى فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ تَوْلِيَتُهُ لِلضَّرُورَةِ . اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا) مُعْتَمَدُ قَوْلِهِ: (لَا يَقْرَأُ) تَفْسِيرٌ أَيْ لَا يَقْرَأُ الْخَطَّ أَيْ لَا يَسْتَخْرِجُهُ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَكْتُبُ أَيْ وَلَا يَحْسِبُ. قَوْلُهُ: (مُتَيَقِّظًا) قَالَ الْغَزِّيُّ: فَلَا يَصِحُّ تَوْلِيَةُ مُغَفَّلٍ بِأَنْ اخْتَلَّ نَظَرُهُ وَفِكْرُهُ إمَّا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ ق ل: هَذَا تَصْحِيحٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْمُتَيَقِّظِ بِقَوِيِّ الْفِطْنَةِ وَالْحِذْقِ وَالضَّبْطِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ: لَا شَرْطٌ عَلَى الرَّاجِحِ وَعِبَارَةُ م ر بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: كَافٍ أَيْ نَاهِضٌ لِلْقِيَامِ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ بِأَنْ يَكُونَ ذَا يَقِظَةٍ تَامَّةٍ وَقُوَّةٍ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ فَلَا يُوَلَّى مُغَفَّلٌ وَلَا مُخْتَلُّ النَّظَرِ. قَوْلُهُ: (لَا يُؤْتَى) أَيْ لَا يُصَابُ فِي الْحُكْمِ بِأَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِ الْحَقِّ مِنْ غَفْلَةٍ أَيْ مِنْ أَجْلِ غَفْلَةٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ غِرَّةٍ) أَيْ بِسَبَبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْوَسِيطِ، وَاسْتَنَدَ فِيهِ إلَى قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُفْتِي التَّيَقُّظُ وَقُوَّةُ الضَّبْطِ قَالَ وَالْقَاضِي أَوْلَى بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَلَكِنَّ الْمَجْزُومَ بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لَا اشْتِرَاطُهُ. تَنْبِيهٌ: هَاتَانِ الْخَصْلَتَانِ الضَّعِيفَتَانِ الْمَوْعُودُ بِهِمَا وَأَمَّا الْمَتْرُوكَتَانِ: فَالْأَوْلَى كَوْنُهُ نَاطِقًا فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْأَخْرَسِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ كَالْجَمَادِ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كِفَايَةٌ لِلْقِيَامِ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ فَلَا يُوَلَّى مُخْتَلُّ نَظَرٍ؛ بِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ الْكِفَايَةَ اللَّائِقَةَ بِالْقَضَاءِ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ ضَعِيفَ النَّفْسِ جَبَانًا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَكُونُ عَالِمًا دِينًا وَنَفْسُهُ ضَعِيفَةٌ عَنْ التَّنْفِيذِ وَالْإِلْزَامِ وَالسَّطْوَةِ فَيُطْمَعُ فِي جَانِبِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَإِذَا عَرَفَ الْإِمَامُ أَهْلِيَّةَ أَحَدٍ وَلَّاهُ، وَإِلَّا بَحَثَ عَنْ حَالِهِ كَمَا اخْتَبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذًا، وَلَوْ وُلِّيَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ مَعَ وُجُودِ الصَّالِحِ لَهُ وَالْعِلْمِ بِالْحَالِ أَثِمَ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْمُوَلَّى بِفَتْحِهَا وَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ أَصَابَ فِيهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فِي شَخْصٍ جَمِيعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فَوَلَّى السُّلْطَانُ لَهُ شَوْكَةً فَاسِقًا مُسْلِمًا أَوْ مُقَلِّدًا نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مَصَالِحُ النَّاسِ فَخَرَجَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرُ إذَا وُلِّيَ بِالشَّوْكَةِ. وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ فَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِنُفُوذِهِ مِنْهُمَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ الْأَهْلِ مَعْرِفَةُ طَرَفٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَلِلْعَادِلِ أَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْ الْأَمِيرِ الْبَاغِي. فَقَدْ سُئِلَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عَنْ ذَلِكَ لِمَنْ اسْتَقْضَاهُ زِيَادٌ فَقَالَتْ: إنْ لَمْ يَقْضِ لَهُمْ خِيَارُهُمْ قَضَى لَهُمْ شِرَارُهُمْ. فُرُوعٌ: يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْقَاضِي فِي الِاسْتِخْلَافِ إعَانَةً لَهُ فَإِنْ أَطْلَقَ التَّوْلِيَةَ اسْتَخْلَفَ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ. فَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ فِي الِاسْتِخْلَافِ اسْتَخْلَفَ مُطْلَقًا فَإِنْ خَصَّصَهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَعَدَّهُ، وَشَرْطُ الْمُسْتَخْلَفِ بِفَتْحِ اللَّامِ كَشَرْطِ الْقَاضِي   [حاشية البجيرمي] غُرُورٍ بِأَنْ يَغُرَّهُ شَخْصٌ بِنَقْلٍ مُخَالِفٍ لِمَا حَكَمَ بِهِ وَلَمْ يَأْتِهِ بِهِ فَيُمْسِكُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ غَيْرُ الْمُتَيَقِّظِ فَيَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ الِاخْتِيَارُ حِينَئِذٍ لِكُلِّ مَنْ طَلَبَ أَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ بِأَنْ يُرْسِلَ إلَيْهِ شَخْصًا بَعْدَ حُكْمِهِ فِي قَضِيَّةٍ بِنَقْلٍ يَمْتَحِنُهُ بِهِ فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ أَيْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ وَامْتَنَعَ مِنْ إبْطَالِهِ أَبْقَاهُ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ إلَخْ) فِي م ر خِلَافُهُ وَهُوَ الِاشْتِرَاطُ وَكَتَبَ أج عَلَى قَوْلِهِ: اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ عَلَى تَفْسِيرِ الْمُتَيَقِّظِ بِمَا ذَكَرَهُ فَإِنْ فُسِّرَ بِشَدِيدِ الْحِذْقِ وَالضَّبْطِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَعَذَّرَ فِي شَخْصٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ م ر وَعِ ش وَقَوْلُ ع ش لَيْسَ بِقَيْدٍ يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ قَبْلَ وَلَوْ وُلِّيَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَوَلَّى سُلْطَانٌ) خَرَجَ بِالسُّلْطَانِ غَيْرُهُ كَقَاضِي الْعَسْكَرِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ غَيْرَ الْأَهْلِ وَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ مَا وَلَّاهُ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (شَوْكَةٍ) عِبَارَةُ م ر أَوْ مَنْ لَهُ شَوْكَةٌ اهـ. فَتَوْلِيَةُ السُّلْطَانِ مُطْلَقًا صَحِيحَةٌ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَا شَوْكَةٍ أَمْ لَا وَعِبَارَةُ م ر وحج: فَوَلَّى سُلْطَانٌ أَوْ مَنْ لَهُ شَوْكَةٌ غَيْرَهُ بِأَنْ يَكُونَ بِنَاحِيَةٍ انْقَطَعَ غَوْثُ السُّلْطَانِ عَنْهَا وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَّا إلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ اسْتِلْزَامِ السَّلْطَنَةِ لِلشَّوْكَةِ. قَوْلُهُ: (لِلضَّرُورَةِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ زَالَتْ شَوْكَةُ مَنْ وَلَّاهُ بِمَوْتٍ أَوْ نَحْوِهِ انْعَزَلَ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ وَأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى وِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَوْ جَوَامِكَ فِي نَظَرِ الْأَوْقَافِ اسْتَرَدَّ مِنْهُ لِأَنَّ قَضَاءَهُ إنَّمَا نَفَذَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَالُ. قَوْلُهُ: (طَرَفٍ مِنْ الْأَحْكَامِ) مِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر فَتَضْعِيفُ الْمُحَشِّي لَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَعِبَارَتُهُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ لِلضَّرُورَةِ وَلِذَا قَالَ م ر وَلَوْ جَاهِلًا. قَوْلُهُ: (لِمَنْ اسْتَقْضَاهُ زِيَادٌ) أَيْ وَلَّاهُ الْقَضَاءَ زِيَادٌ وَكَانَ أَخَا الْحَجَّاجِ وَكَانَ أَمِيرًا بَاغِيًا وَكَانَ الَّذِي اسْتَقْضَاهُ عَادِلًا. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَقْضِ لَهُمْ خِيَارُهُمْ) أَيْ إنْ لَمْ يَرْضَوْا بِأَنْ يَقْضِيَ لَهُمْ خِيَارُهُمْ وَهُوَ الَّذِي وَلَّاهُ زِيَادٌ قَضَى لَهُمْ شِرَارُهُمْ وَهُوَ زِيَادٌ. قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) أَيْ نَحْوُ الْعِشْرِينَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَطْلَقَ التَّوْلِيَةَ) أَيْ عَنْ الِاسْتِخْلَافِ وَعَدَمِهِ م د. قَوْلُهُ: (اسْتَخْلَفَ) وَلَوْ بَعْضَهُ أَيْ أَبَاهُ وَابْنَهُ حَيْثُ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ ح ل. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ إلَخْ) وَكَإِطْلَاقِ الْإِذْنِ تَعْمِيمُهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ: اسْتَخْلِفْ فِي كُلِّ أَحْوَالِك وَلَوْ فَوَّضَ الْإِمَامُ لِشَخْصٍ أَنْ يَخْتَارَ قَاضِيًا لَمْ يَخْتَرْ نَفْسَهُ وَلَا أَصْلَهُ وَلَا فَرْعَهُ ح ل. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ وَغَيْرِهِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَسْتَخْلِفُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ. اهـ. م ر ع ش. قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَصَّصَهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَعَدَّهُ إلَخْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 السَّابِقِ إلَّا أَنْ يُسْتَخْلَفَ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ كَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَيَكْفِي عِلْمُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. وَيَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ اجْتِهَادِ مُقَلِّدِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا. وَجَازَ نَصْبُ أَكْثَرَ مِنْ قَاضٍ بِمَحَلٍّ إنْ لَمْ يُشْرَطْ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْحُكْمِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِمَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَسَائِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَجُوزُ تَحْكِيمُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ فِي غَيْرِ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ مَعَ وُجُودِ قَاضٍ، وَخَرَجَ بِالْأَهْلِ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمَيْنِ قَبْلَ الْحُكْمِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا قَاضِيًا وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا وَلَا يَكْفِي رِضَا جَانٍ فِي ضَرْبِ دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ. وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ وَلَوْ زَالَتْ   [حاشية البجيرمي] وَلَوْ وَلَّاهُ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَبَاعِدَتَيْنِ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ اخْتَارَ الْمُبَاشَرَةَ فِي إحْدَاهُمَا. كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنْ اعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَلَوْ اخْتَارَ إحْدَاهُمَا هَلْ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِانْعِزَالِهِ عَنْ الْأُخْرَى، أَوْ يُبَاشِرُ كُلًّا مُدَّةً وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا نَعَمْ وَهُوَ الِانْعِزَالُ وَرَجَّحَ الزَّرْكَشِيّ وَجَمْعٌ أَنَّ التَّدْرِيسَ بِمَدْرَسَتَيْنِ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَبَاعِدَتَيْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ غَيْبَتَهُ عَنْ إحْدَاهُمَا لِمُبَاشَرَةِ الْأُخْرَى لَا يَكُونُ عَزْلًا وَيَسْتَنِيبُ وَفَعَلَهُ الْفَخْرُ بْنُ عَسَاكِرَ بِالشَّامِ وَالْقُدْسِ وَكَالْمُدَرِّسِ الْخَطِيبُ إذَا وُلِّيَ الْخُطْبَةَ فِي مَسْجِدَيْنِ وَالْإِمَامُ إذَا وُلِّيَ إمَامَةَ مَسْجِدَيْنِ وَكَذَا كُلُّ وَظِيفَتَيْنِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ يَتَعَارَضَانِ فِيهِ شَرْحُ م ر وع ش. قَوْلُهُ: (كَشَرْطِ الْقَاضِي) أَيْ فَإِنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ مُجْتَهِدًا شُرِطَ فِيهِ مَا شُرِطَ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا شُرِطَ فِيهِ مَا فِي الْمُقَلِّدِ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يُشْرَطْ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْحُكْمِ) عِبَارَةُ م ر لِأَنَّ اجْتِهَادَهُمَا مُخْتَلِفٌ غَالِبًا فَلَا تَنْفَصِلُ الْخُصُومَاتُ. قَوْلُهُ: (تَحْكِيمُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ أَهْلًا) قَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْحَاوِي: يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ وَيَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي ثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ وَيَنْفُذُ عَلَى مَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ دُونَ غَيْرِهِ م ر وع ن. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ عُقُوبَةِ اللَّهِ) أَمَّا هِيَ فَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا إذْ لَا طَالِبَ لَهَا مُعَيَّنٌ وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ الْمَالِيَّ الَّذِي لَا طَالِبَ لَهُ مُعَيَّنٌ لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: أَنَّ حَقَّ اللَّهِ الْمَالِيَّ أَيْ كَالزَّكَاةِ أَيْ إذَا كَانَ الْمُسْتَحِقُّونَ غَيْرَ مَحْصُورِينَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعَ وُجُودِ قَاضٍ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ مُجْتَهِدًا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ قَاضِي ضَرُورَةً فَيَمْتَنِعُ التَّحْكِيمُ لِوُجُودِ الْقُضَاةِ وَلَوْ قُضَاةَ ضَرُورَةٍ كَمَا نَقَلَهُ ز ي عَنْ م ر. إلَّا إذَا كَانَ الْقَاضِي يَأْخُذُ مَالًا لَهُ وَقَعَ فَيَجُوزُ التَّحْكِيمُ حِينَئِذٍ، كَمَا قَالَهُ ح ل قَالَ ز ي: وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُتَحَاكِمَيْنِ مِمَّنْ يَجُوزُ الْحُكْمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يَمْتَنِعَ فِيمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَعْضَهُ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْقِيَاسُ الِاشْتِرَاطُ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْقَاضِي اهـ ع ن. قَوْلُهُ: (حُكْمُهُ) أَيْ الْمُحَكَّمِ وَلَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا لَفْظًا فَلَا يَكْفِي السُّكُوتُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا) بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَوْلِيَةٌ مِنْهُ وَرَدَ فِي الْكِفَايَةِ هَذَا الْبِنَاءُ بِأَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ وَغَيْرَهُ قَالُوا: لَيْسَ التَّحْكِيمُ تَوْلِيَةً فَلَا يَحْسُنُ الْبِنَاءُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا صَدَرَ التَّحْكِيمُ مِنْ غَيْرِ قَاضٍ اهـ. شَرْحُ الْبَهْجَةِ فَلَوْ حَكَّمَا اثْنَيْنِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا بِخِلَافِ تَوْلِيَةِ قَاضِيَيْنِ لِيَجْتَمِعَا عَلَى الْحُكْمِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ أَيْ لِأَنَّ الْقَاضِيَيْنِ يَقَعُ بَيْنَهُمَا الْخِلَافُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْحَكَمَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ قَدْ يَكُونَانِ مُجْتَهِدَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا نَادِرٌ وَعِبَارَةُ ع ش وَلَوْ حَكَّمَ اثْنَيْنِ أَيْ كُلٌّ مِنْ خَصْمَيْنِ اُشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمَا بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي الْقَاضِيَيْنِ: لِظُهُورِ الْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ التَّوْلِيَةَ لِلْمُحَكَّمِ إنَّمَا هِيَ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَرِضَاهُمَا مُعْتَبَرٌ. فَالْحُكْمُ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ حُكْمٌ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِي رِضَا جَانٍ) بِأَنْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ دَمًا فَتَنَازَعَا فِي إثْبَاتِهِ فَحَكَّمَا شَخْصًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَحَكَمَ بِأَنَّ الْقَتْلَ خَطَأٌ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا بِرِضَا عَاقِلَةِ الْجَانِي وَهَذَا فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: يُشْتَرَطُ زِيَادَةٌ عَلَى رِضَا الْمُحَكَّمَيْنِ رِضَا الْعَاقِلَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَظَهَرَ ارْتِبَاطُهُ بِمَا قَبْلَهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَكْفِي رِضَا جَانٍ أَيْ بِالْإِقْرَارِ بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْمَجْنِيُّ فَأَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ وَكَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَلَا يَسْرِي هَذَا الْإِقْرَارُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلَا يَكْفِي رِضَاهُ بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمْ أَيْضًا أَوْ الثُّبُوتِ، كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَعِبَارَتُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمْ أَيْضًا بِهِ وَلَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِإِقْرَارِهِ، فَكَيْفَ يُؤَاخَذُونَ بِرِضَاهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ) بِأَنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُحَكَّمِ عَزَلْتُك فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 أَهْلِيَّةُ الْقَاضِي بِنَحْوِ جُنُونٍ كَإِغْمَاءٍ انْعَزَلَ وَلَوْ عَادَتْ لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ، وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ كَالْوَكِيلِ، وَلِلْإِمَامِ عَزْلُهُ بِخَلَلٍ وَأَفْضَلَ مِنْهُ وَبِمَصْلَحَةٍ كَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ وَنَفَذَ عَزْلُهُ إنْ وُجِدَ ثَمَّ صَالِحُ وَإِلَّا فَلَا يَنْفُذُ وَلَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ عَزْلَهُ. فَإِنْ عَلَّقَ عَزْلَهُ بِقِرَاءَتِهِ كَاتِبًا انْعَزَلَ بِهَا وَبِقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ، وَيَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ نَائِبُهُ لَا قَيِّمُ يَتِيمٍ وَوَقْفٍ وَلَا مَنْ اسْتَخْلَفَهُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ اسْتَخْلِفْ عَنِّي وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ وَوَالٍ بِانْعِزَالِ الْإِمَامِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُتَوَلٍّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَا مَعْزُولٍ   [حاشية البجيرمي] امْتَنَعَ) أَيْ الْحُكْمُ وَلَيْسَ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْبِسَ بَلْ غَايَتُهُ الْإِثْبَاتُ وَالْحُكْمُ وَإِذَا حَكَمَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُوبَاتِ كَالْقَوَدِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يَسْتَوْفِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْرِمُ أُبَّهَةَ الْوُلَاةِ أَيْ فَخْرَهُمْ وَشَرَفَهُمْ وَعَظَمَتَهُمْ وَمَنْصِبَهُمْ. قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ جُنُونٍ كَإِغْمَاءٍ) كَانَ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارَ عَلَى الْإِغْمَاءِ فَيَقُولُ: بِنَحْوِ إغْمَاءٍ. قَوْلُهُ: (كَإِغْمَاءٍ) وَإِنْ قَلَّ الزَّمَنُ م ر. وَلَوْ لَحْظَةً خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى فِي نَحْوِ الشَّرِيكِ مِقْدَارَ مَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ هُنَا مَا لَا يُحْتَاطُ ثَمَّ وَيَنْعَزِلُ بِمَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ. وَقَدْ عَجَزَ مَعَهُ عَنْ الْحُكْمِ س ل. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَلَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّتُهُ: بِنَحْوِ جُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ كَغَفْلَةٍ وَصَمَمٍ وَنِسْيَانٍ يُخِلُّ بِالضَّبْطِ وَفِسْقٍ انْعَزَلَ لِوُجُودِ الْمُنَافِي، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ قَاضِي ضَرُورَةٍ وَوُلِّيَ مَعَ فِسْقِهِ وَزَادَ فِسْقُهُ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ عُرِضَ عَلَى مَنْ وَلَّاهُ لَرَضِيَ بِهِ وَوَلَّاهُ لَمْ يَنْعَزِلْ وَإِلَّا انْعَزَلَ. اهـ. م ر ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَادَتْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَمًى وَصَمَمًا. وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا: أَنَّ الْأَعْمَى إذَا عَادَ بَصِيرًا عَادَتْ وِلَايَتُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ الصَّمَمُ ح ل. وَنَقَلَ سم عَلَى م ر وَاعْتَمَدَهُ فِي الْعَمَى وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ مَانِعًا لَا سَالِبًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ) كَالْوَكَالَةِ وَالثَّانِي تَعُودُ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ إذَا جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ فَسَقَ ثُمَّ تَابَ وَمِثْلُ الْأَبِ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْجَدُّ وَالْحَاضِنَةُ وَالنَّاظِرُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ. وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ إذَا انْعَزَلَ لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ ثَانِيًا إلَّا أَرْبَعَةٌ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالنَّاظِرُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَمَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ. اهـ. م د مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (بِخَلَلٍ) كَكَثْرَةِ الشَّكَاوَى مِنْهُ أَوْ ظَنِّ أَنَّهُ ضَعُفَ أَوْ زَالَتْ هَيْبَتُهُ فِي الْقُلُوبِ اهـ. وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ شَرْحُ م ر وَعِبَارَة الزِّيَادِيِّ قَوْلُهُ: بِخَلَلٍ أَيْ لَا يَقْتَضِي انْعِزَالُهُ أَمَّا ظُهُورُ مَا يَقْتَضِيهِ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى عَزْلٍ لِانْعِزَالِهِ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَبِأَفْضَلَ) أَيْ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خَلَلٌ وَهُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَلَهُ عَزْلُهُ رِعَايَةً لِلْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجِبُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ وِلَايَةَ الْمَفْضُولِ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ لِأَنَّ الْغَرَضَ حُدُوثُ الْأَفْضَلِ بَعْدَ الْوِلَايَةِ فَلَمْ يَقْدَحْ فِيهَا اهـ. وَهَذَا فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ أَمَّا الْخَاصِّ كَإِمَامَةٍ وَتَدْرِيسٍ وَأَذَانٍ وَتَصَوُّفٍ وَنَظَرٍ وَنَحْوِهَا فَلَا تَنْعَزِلُ أَرْبَابُهَا بِالْعَزْلِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ شَرْحُ م ر. وَالْعِبْرَةُ فِي السَّبَبِ الَّذِي يَقْتَضِي الْعَزْلَ بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ) أَيْ بِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّ لَهُ عَزْلَ نُوَّابِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ عَزْلُهُ) مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ كَمَا فِي ز ي وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ: وَلَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ عَزْلُهُ بِرَفْعِ عَزْلُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ هُوَ الْمَفْعُولُ اهـ. فَلَهُ الْحُكْمُ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَنَائِبُهُ مِثْلُهُ فَلَا يَنْعَزِلُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ بُلُوغِهِ الْعَزْلُ وَإِنْ بَلَغَ الْآخَرَ ق ل. قَالَ الْعَنَانِيُّ: وَيَثْبُتُ عَزْلُهُ بِعَدْلَيْ شَهَادَةٍ أَوْ اسْتِفَاضَةٍ لَا بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ وَلَا يَكْفِي كِتَابٌ مُجَرَّدٌ وَإِنْ خَفَتْ قَرَائِنُ تُبْعِدُ تَزْوِيرَ مِثْلِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عُلِّقَ عَزْلُهُ إلَخْ) وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ عَزَلْتُك أَوْ أَنْتَ مَعْزُولٌ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَمْ يَنْعَزِلْ مَا لَمْ يَأْتِهِ الْكِتَابُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ. وَلَوْ جَاءَهُ بَعْضُ الْكِتَابِ وَانْمَحَى مَوْضِعُ الْعَزْلِ لَمْ يَنْعَزِلْ وَإِلَّا انْعَزَلَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ ز ي. قَوْلُهُ: (انْعَزَلَ بِهَا) وَبِقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى إذَا بَلَغَك الْعَزْلُ وَيَكْفِي قِرَاءَةُ مَحَلِّ الْعَزْلِ فَقَطْ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَيَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ نَائِبُهُ) الرَّاجِحُ أَنَّ نَائِبَهُ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا إذَا بَلَغَهُ الْعَزْلُ ز ي وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْأَصْلَ فَيَنْعَزِلُ حِينَئِذٍ النَّائِبُ لَا الْأَصْلُ وَكَذَا لَوْ بَلَغَ الْعَزْلُ الْأَصْلَ دُونَ النَّائِبِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ الْأَصْلُ دُونَ النَّائِبِ، خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ ح ل. قَوْلُهُ: (لَا قَيِّمُ يَتِيمٍ وَوَقْفٍ) الْمُرَادُ بِقَيِّمِ الْوَقْفِ نَاظِرُهُ نَعَمْ لَوْ كَانَ لِلْقَاضِي نَظَرُ وَقْفٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ. فَأَقَامَ شَخْصًا عَلَيْهِ انْعَزَلَ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ نَائِبُهُ اهـ سم. قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ) وَلَوْ قَاضِي ضَرُورَةٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ صَالِحٌ أَمَّا مَعَ وُجُودِهِ فَإِنْ رَجَا تَوَلِّيَهُ انْعَزَلَ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي انْعِزَالِهِ. اهـ. ع ن. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 حَكَمْت بِكَذَا وَلَا شَهَادَةَ كُلٍّ بِحُكْمِهِ إلَّا إنْ شَهِدَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّهُ حُكْمُهُ. وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى مُتَوَلٍّ جَوْرٌ فِي حُكْمِهِ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. فَإِنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِهِ أَوْ عَلَى مَعْزُولٍ بِشَيْءٍ فَكَغَيْرِهِمَا وَتَثْبُتُ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي بِشَاهِدَيْنِ يَخْرُجَانِ مَعَهُ إلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، يُخْبِرَانِ أَوْ بِاسْتِفَاضَةٍ. وَيُسَنُّ أَنْ يَكْتُبَ مُوَلِّيهِ لَهُ كِتَابًا بِالتَّوْلِيَةِ وَأَنْ   [حاشية البجيرمي] وَوَالٍ) كَالْأَمِيرِ وَالْمُحْتَسِبِ وَنَاظِرِ الْجَيْشِ وَوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بِانْعِزَالِ الْإِمَامِ) بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ لِشِدَّةِ الضَّرَرِ فِي تَعْطِيلِ الْحَوَادِثِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ وَلَّاهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ انْعَزَلَ، بِفَرَاغِهِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ نِيَابَةً عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي لِنُوَّابِهِ فَإِنَّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ لَهُ عَزْلُهُمْ بِغَيْرِ سَبَبٍ كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَّا بِسَبَبٍ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُتَوَلٍّ) أَيْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِنْشَاءِ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ) وَلَوْ عَلَى أَهْلِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلٍ وَقَوْلُهُ: حَكَمْت مَقُولُ الْقَوْلِ سَوَاءٌ قَالَهَا عَلَى وَجْهِ الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْشَاءِ وَقَوْلُهُ: وَلَا شَهَادَةَ كُلٌّ أَيْ مِنْ الْمَعْزُولِ وَالْمُتَوَلِّي فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ. وَقِيلَ: تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُرَّ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَمْ يَدْفَعْ عَنْهَا ضَرَرًا. قَوْلُهُ: (وَلَا مَعْزُولٍ) خَرَجَ بِالْمَعْزُولِ مَا لَوْ قَالَ: قَبْلَ عَزْلِهِ، كُنْت حَكَمْت بِكَذَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَتَّى لَوْ قَالَ: حَكَمْت عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبَلْدَةِ بِطَلَاقِ نِسَائِهِمْ، وَعِتْقِ عَبِيدِهِمْ أَيْ وَهُنَّ مَحْصُورَاتٌ وَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ عُمِلَ بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَا شَهَادَةَ كُلٍّ بِحُكْمِهِ) خَرَجَ بِحُكْمِهِ مَا لَوْ شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ، بِكَذَا فَيُقْبَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُرَادُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ نَفْسُ بَلَدِ قَضَائِهِ الْمَحُوطِ بِالسُّورِ وَالْبِنَاءِ الْمُتَّصِلِ بِهَا سم. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي) أَيْ الَّذِي أُقِيمَتْ الدَّعْوَةُ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ: إنَّهُ حُكْمُهُ أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْمَعْزُولِ وَالْمُتَوَلِّي فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ. وَلَا شَهَادَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِحُكْمِهِ لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ إلَّا إنْ شَهِدَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّهُ حُكْمُهُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ كَذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ حُكْمُهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ وَإِنْ شَهِدَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا حَيْثُ لَمْ تَطْلُبْ أُجْرَةً بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا شَهِدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ. وَالْفَرْقُ الِاحْتِيَاطُ لِأَمْرِ الْحُكْمِ. اهـ. س ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَتُفَارِقُ الْمُرْضِعَةُ بِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِثْبَاتِ مَعَ أَنَّ شَهَادَتَهَا لَا تَتَضَمَّنُ تَزْكِيَةَ نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فِيهِمَا اهـ. وَقَوْلُهُ: وَيُفَارِقُ الْمُرْضِعَةَ حَيْثُ قَبِلَ شَهَادَتَهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا بِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ شَهَادَتَهَا إلَخْ وَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِرْضَاعِ حُصُولُ اللَّبَنِ فِي جَوْفِ الطِّفْلِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ وَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ بِإِرْضَاعِ الْفَاسِقَةِ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (لَا يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِهِ) كَدَيْنٍ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (بِشَاهِدَيْنِ) كَذَا قَالُوا: وَقَالُوا: لَيْسَ هَذَا عَلَى قَوَاعِدِ الشَّهَادَاتِ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ قَاضٍ تُؤَدَّى عَنْهُ الشَّهَادَةُ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (يُخْبِرَانِ) أَيْ أَهْلَهُ بِهَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ الشَّهَادَةَ الْمُعْتَبَرَةَ بَلْ مُجَرَّدَ الْإِخْبَارِ وَلَا حَاجَةَ لِلْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ قَالَ ح ل: وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ وَإِلَّا ادَّعَى عِنْدَهُ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ بِاسْتِفَاضَةٍ) أَيْ فِي مَحَلِّ التَّوْلِيَةِ س ل وَلَا تَثْبُتُ بِكِتَابٍ لِإِمْكَانِ تَحْرِيفِهِ أَيْ تَزْوِيرِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] . قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ مِنْ هَذَا مَأْخَذُ الشَّافِعِيَّةِ فِي أَنَّ الْحُجَجَ لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمٌ وَلَا شَهَادَةٌ وَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّذَكُّرِ فَقَطْ فَلَا تُثْبِتُ حَقًّا وَلَا تَمْنَعُهُ فَافْهَمْهُ، اهـ. وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إخْبَارِ الْقَاضِي لَهُمْ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إنْ لَمْ يُصَدِّقُوهُ فَإِنْ صَدَّقُوهُ فَفِي لُزُومِ طَاعَتِهِمْ لَهُ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الْوِلَايَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ طَاعَتُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي ز ي وح ل. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَكْتُبَ مُوَلِّيهِ) وَيَسْتَحِقُّ الْقَاضِي رِزْقَهُ مِنْ حِينِ الْعَمَلِ لَا مِنْ وَقْتِ التَّوْلِيَةِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا مُشْعِرٌ بِجَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ عَلَى الْقَضَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 يَبْحَثَ الْقَاضِي عَنْ حَالِ عُلَمَاءِ الْمَحَلِّ وَعُدُولِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ، وَأَنْ يَدْخُلَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ فَخَمِيسٌ فَسَبْتٌ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ) لِلْقَضَاءِ (فِي وَسَطِ الْبَلَدِ) لِيَتَسَاوَى أَهْلُهُ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ هَذَا إنْ اتَّسَعَتْ خِطَّتُهُ، وَإِلَّا نَزَلَ حَيْثُ تَيَسَّرَ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَوْضِعٌ يُعْتَادُ النُّزُولُ فِيهِ وَأَنْ يَنْظُرَ أَوَّلًا فِي أَهْلِ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ عَذَابٌ فَمَنْ أَقَرَّ مِنْهُمْ بِحَقٍّ فَعَلَ بِهِ مُقْتَضَاهُ وَمَنْ قَالَ ظَلَمْت فَعَلَى خَصْمِهِ حُجَّةٌ. فَإِنْ كَانَ خَصْمُهُ غَائِبًا كَتَبَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ، ثُمَّ يَنْظُرَ فِي الْأَوْصِيَاءِ فَمَنْ وَجَدَهُ عَدْلًا قَوِيًّا فِيهَا أَقَرَّهُ أَوْ فَاسِقًا أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ أَوْ عَدْلًا ضَعِيفًا عَضَّدَهُ بِمُعِينٍ، ثُمَّ يَتَّخِذُ كَاتِبًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عَدْلًا ذَكَرًا حُرًّا عَارِفًا بِكِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ شَرْطًا فِيهَا فَقِيهًا عَفِيفًا وَافِرَ الْعَقْلِ، جَيِّدَ الْخَطِّ نَدْبًا وَأَنْ يَتَّخِذَ مُتَرْجِمِينَ. وَأَنْ يَتَّخِذَ   [حاشية البجيرمي] وَهُوَ كَذَلِكَ فَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْقَاضِي الْمُعْسِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ لَائِقَةٍ بِهِ أَمَّا أَخْذُهُ الْأُجْرَةَ عَلَى الْقَضَاءِ فَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْهَرَوِيِّ أَنَّ لَهُ: أَخْذَهَا إنْ كَانَتْ أُجْرَةً مِثْلُ عَمَلِهِ، إنْ لَمْ يَكُنْ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. ز ي وَالرِّزْقُ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (قَبْلَ دُخُولِهِ) إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَحِينَ يَدْخُلُ هَذَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ عَارِفًا بِهِمْ وَأَنْ يَدْخُلَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ لَا يَتَغَيَّرُ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَلْوَانِ يُمْكِنُ تَغَيُّرُهَا بِخِلَافِ السَّوَادِ ع ش. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَدْخُلَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ) أَيْ صَبِيحَتَهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَصَوْمُهُ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. اهـ. ز ي. وَيُجْمَعُ الِاثْنَيْنِ عَلَى أَثَانِينَ بِإِثْبَاتِ النُّونِ لِأَنَّهُ جَمْعُ تَكْسِيرٍ فَلَا تُحْذَفُ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (فِي وَسَطِ) بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى الْأَفْصَحِ وَيَجُوزُ إسْكَانُ السِّينِ بِخِلَافِ نَحْوِ وَسْطِ الْقَوْمِ فَهُوَ بِسُكُونِ السِّينِ أَكْثَرُ مِنْ فَتْحِهَا لِأَنَّ مَا كَانَ مُتَّصِلَ الْأَجْزَاءِ الْأَفْصَحُ فِيهِ الْفَتْحُ وَمَا كَانَ مُتَفَرِّقَهَا الْأَفْصَحُ فِيهِ السُّكُونُ. قَوْلُهُ: (لِيَتَسَاوَى أَهْلُهُ) كَانَ الْمُرَادُ بِهَذَا تَسَاوِي كُلٍّ مَعَ نَظِيرِهِ فَأَهْلُ الْأَطْرَافِ يَتَسَاوَوْنَ وَكَذَا مَنْ يَلِيهِمْ وَهَكَذَا سم. أَيْ لِأَنَّ السَّاكِنَ بِالْقُرْبِ مِنْ وَسَطِ الْبَلَدِ لَيْسَ مُسَاوِيًا لِمَنْ مَسْكَنُهُ فِي أَطْرَافِهَا فَأَشَارَ إلَى أَنَّ التَّسَاوِيَ لِمَنْ فِي طَرَفٍ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ فِي الطَّرَفِ الْمُقَابِلِ لَهُ لَا مُطْلَقًا اهـ. قَوْلُهُ: (خِطَّتِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْخِطَّةُ الْمَكَانُ الْمُحِيطُ لِلْعِمَارَةِ وَالْجَمْعُ خِطَطٍ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ. وَإِنَّمَا كُسِرَتْ الْخَاءُ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَلَى مَصْدَرِ افْتَعَلَ مِثْلُ اخْتَطَبَ خِطْبَةً وَارْتَدَّ رِدَّةً وَافْتَرَى فِرْيَةً ثُمَّ قَالَ: وَالْخُطَّةُ بِالضَّمِّ الْحَالَةُ وَالْخَصْلَةُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَنْظُرَ أَوَّلًا) : أَيْ نَدْبًا بَعْدَ أَنْ يُنَادَى فِي الْبَلَدِ مُتَكَرِّرًا إنَّ الْقَاضِيَ يُرِيدُ النَّظَرَ فِي الْمَحْبُوسِينَ يَوْمَ كَذَا فَمَنْ لَهُ مَحْبُوسٌ فَلْيَحْضُرْ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَعَلَى خَصْمِهِ حُجَّةٌ) قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ وَضْعَهُ فِي الْحَبْسِ حُكْمٌ مِنْ الْقَاضِي الْأَوَّلِ بِحَبْسِهِ فَكَيْفَ يُكَلَّفُ الْخَصْمُ حُجَّةً سم وَيُمْكِنُ أَنْ يَحْبِسَهُ ظُلْمًا مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ. قَوْلُهُ: (كَتَبَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ) أَيْ أَوْ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ لِيَأْمُرَهُ بِالْحُضُورِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ ح ل. قَوْلُهُ: (قَوِيًّا فِيهَا) أَيْ فِي الْوَصِيَّةِ بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ عَضَّدَهُ أَيْ قَوَّاهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَتَّخِذُ كَاتِبًا) أَيْ نَدْبًا وَقَدْ كَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُتَّابٌ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَحَاضِرَ) الْمَحْضَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَا يُكْتَبُ فِيهِ مَا جَرَى لِلْمُتَحَاكِمَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ. فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ أَوْ تَنْفِيذُهُ سُمِّيَ سِجِلًّا. شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَعِبَارَةُ ق ل مَحَاضِرُ جَمْعُ مَحْضَرٍ وَهُوَ مَا يُكْتَبُ فِيهِ صُورَةُ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَالسِّجِلَّاتُ جَمْعُ سِجِلٍّ وَهُوَ مَا يُكْتَبُ فِيهِ الْوَاقِعَةُ لَكِنْ يُحْفَظُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالْكُتُبُ الْحُكْمِيَّةُ هِيَ مَا فِيهَا الْوَاقِعَةُ أَيْضًا لَكِنْ يَكْتُبُ الْقَاضِي خَطَّهُ عَلَيْهَا وَتُعْطَى لِلْخَصْمِ وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِالْحُجَجِ وَثَمَنُ وَرَقِ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ، وَنَحْوِهِمَا. مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ فَعَلَى مَنْ أَرَادَ الْكِتَابَةَ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ لَمْ يُجْبَرْ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، وَأُجْرَةُ الْكَاتِبِ وَلَوْ كَانَ الْكَاتِبُ الْقَاضِي وَثَمَنُ الْوَرَقِ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ الْمَحَاضِرُ وَالسِّجِلَّاتُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ أَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِمَا هُوَ أَهَمُّ فَعَلَى مَنْ لَهُ الْعَمَلُ: الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ذَلِكَ إنْ شَاءَ كِتَابَةَ مَا جَرَى فِي خُصُومَتِهِ. وَإِلَّا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ يُعْلِمُهُ الْقَاضِي، أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكْتُبْ مَا جَرَى فَقَدْ يَنْسَى شَهَادَةَ الشُّهُودِ وَحُكْمَ نَفْسِهِ اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأُجْرَةُ كَاتِبِ الصُّكُوكِ أَيْ الْأَوْرَاقِ تَكُونُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْمُسْتَحِقِّينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 قَاضٍ أَصَمَّ مُسْمِعَيْنِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا أَهْلَ شَهَادَةٍ وَلَا يَضُرُّهُمَا الْعَمَى لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ وَالْإِسْمَاعَ تَفْسِيرٌ. وَنَقْلُ اللَّفْظِ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُعَايَنَةٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَأَنْ يَتَّخِذَ دِرَّةً لِلتَّأْدِيبِ وَسِجْنًا لِأَدَاءِ حَقٍّ وَلِعُقُوبَةٍ. وَيَكُونُ جُلُوسُهُ (فِي مَوْضِعٍ) فَسِيحٍ (بَارِزٍ لِلنَّاسِ) أَيْ ظَاهِرٍ لَهُمْ لِيَعْرِفَهُ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ مُسْتَوْطِنٍ وَغَرِيبٍ مَصُونًا مِنْ أَذَى حَرٍّ، وَبَرْدٍ بِأَنْ يَكُونَ فِي الصَّيْفِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ وَفِي الشِّتَاءِ فِي كِنٍّ لَائِقًا بِالْحَالِ فَيَجْلِسُ فِي كُلِّ فَصْلٍ مِنْ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَغَيْرِهِمَا بِمَا يُنَاسِبُهُ وَيُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ حَاجِبًا كَمَا قَالَ: (لَا حَاجِبَ لَهُ) أَيْ لِلْقَاضِي (دُونَهُمْ) أَيْ الْخُصُومِ أَيْ حَيْثُ لَا زَحْمَةَ وَقْتَ الْحُكْمِ لِخَبَرِ: «مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ حَجَبَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ لِلْحُكْمِ بِأَنْ كَانَ فِي وَقْتِ خَلَوَاتِهِ أَوْ كَانَ ثَمَّ زَحْمَةٌ لَمْ يُكْرَهْ نَصْبُهُ وَالْبَوَّابُ وَهُوَ مَنْ يَقْعُدُ بِالْبَابِ لِلْإِحْرَازِ وَيَدْخُلُ عَلَى الْقَاضِي لِلِاسْتِئْذَانِ كَالْحَاجِبِ فِيمَا ذُكِرَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا مَنْ وَظِيفَتُهُ تَرْتِيبُ الْخُصُومِ وَالْإِعْلَامُ بِمَنَازِل النَّاسِ أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالنَّقِيبِ فَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِهِ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِاسْتِحْبَابِهِ. تَنْبِيهٌ: مِنْ الْآدَابِ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى مُرْتَفِعٍ: كَدِكَّةٍ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَى النَّاسِ وَعَلَيْهِمْ الْمُطَالَبَةُ وَأَنْ يَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ بِفِرَاشٍ وَوِسَادَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ وَلِيَكُونَ أَهْيَبَ لِلْخُصُومِ وَأَرْفَقَ بِهِ فَلَا يَمَلُّ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَأَنْ لَا يَتَّكِئَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَنْ يَدْعُوَ عَقِبَ جُلُوسِهِ بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ. وَالْأَوْلَى مَا رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي   [حاشية البجيرمي] وَإِنْ تَفَاوَتَتْ حِصَصُهُمْ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهَا. قَوْلُهُ: (شَرْطًا فِيهَا) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدْلِ وَمَا بَعْدَهُ شَرْطًا فِيهَا أَيْ فِي كِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ هَكَذَا يُفْهَمُ شَوْبَرِيٌّ. وَقِيلَ: هُوَ مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ شَرَطَ ذَلِكَ شَرْطًا. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَتَّخِذَ مُتَرْجِمِينَ) لِأَنَّ فِي تَبْلِيغِهِمَا الْقَاضِيَ كَلَامَ الْخَصْمَيْنِ شَهَادَةٌ فَلِذَلِكَ شُرِطَ تَعَدُّدُهُمَا بِخِلَافِ إبْلَاغِهِمَا كَلَامَ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدُّدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَرْجِمَ إنْ كَانَ يُتَرْجِمُ كَلَامَ الْخُصُومِ لِلْقَاضِي اُشْتُرِطَ التَّعَدُّدُ وَإِنْ كَانَ يُتَرْجِمْ كَلَامَ الْقَاضِي لِلْخُصُومِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدُّدُ، وَأَمَّا الْمُسْمِعُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدُّدُ مُطْلَقًا قَالَ ز ي: وَاسْتُشْكِلَ اتِّخَاذُ الْمُتَرْجِمِ بِأَنَّ اللُّغَاتِ لَا تَنْحَصِرُ وَيَبْعُدُ حِفْظُ شَخْصٍ لِكُلِّهَا وَيَبْعُدُ أَنْ يَتَّخِذَ الْقَاضِي فِي كُلِّ لُغَةٍ مُتَرْجِمًا لِلْمَشَقَّةِ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يَتَّخِذَ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَاتِ الَّتِي يَغْلِبُ وُجُودُهَا فِي عَمَلِهِ مَعَ أَنَّ فِيهِ عُسْرًا أَيْضًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَتَّخِذَ قَاضٍ أَصَمَّ) أَيْ صَمَمًا لَا يُبْطِلُ سَمْعَهُ، شَرْحُ م ر وَإِلَّا فَالْأَصَمُّ: لَا يَصِحُّ كَوْنُهُ قَاضِيًا كَمَا مَرَّ اهـ. قَوْلُهُ: (مُسْمِعَيْنِ) وَقَدْ يُغْنِي عَنْهُمَا الْمُتَرْجِمَانِ قَالَ سم: وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُسْمِعَيْنِ غَيْرَ الْمُتَرْجِمَيْنِ بَلْ إنْ حَصَلَ الْغَرَضَانِ بِاثْنَيْنِ بِأَنْ عَرِفَا لُغَاتِ الْقَاضِي وَالْخُصُومِ كَفَيَا فِي الْغَرَضَيْنِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ لِكُلِّ غَرَضٍ مَنْ يَقُومُ بِهِ. قَوْلُهُ: (دِرَّةً) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَهِيَ سَوْطٌ مُتَّخَذٌ مِنْ جُلُودٍ، وَأَمَّا الْكُرْبَاجُ الْمَعْرُوفُ الْآنَ فَالضَّرْبُ بِهِ حَرَامٌ وَأَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَهَا الْإِمَامُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَدِرَّةُ عُمَرَ كَانَتْ أَهْيَبَ مِنْ سَيْفِ الْحَجَّاجِ اهـ وَيُقَالُ كَانَتْ مِنْ نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ضَرَبَ بِهَا أَحَدًا عَلَى ذَنْبٍ وَعَادَ إلَيْهِ بَعْدَهَا،. اهـ. ق ل وَفِي الْمِصْبَاحِ الدِّرَّةُ السَّوْطُ وَالْجَمْعُ دِرَرٌ كَسِدْرَةٍ وَسِدَرٍ قَوْلُهُ: (وَسِجْنًا) : وَأُجْرَةُ السِّجْنِ عَلَى الْمَسْجُونِ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ الَّذِي شَغَلَهُ وَأُجْرَةُ السَّجَّانِ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ إذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ صُرِفَ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. س ل. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْمَسْجُونِ أَيْ وَلَوْ سُجِنَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَحَلِّ الَّذِي شَغَلَهُ. اهـ. ح ل. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ خَضِرٌ عَنْ تَقْرِيرِ شَيْخِهِ الزِّيَادِيِّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ وَمَحْبُوسٌ ظُلْمًا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى الْحَابِسِ اهـ قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ حَاجِبًا) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي مِنْ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا يُمَكِّنْ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ عَامَّةَ النَّاسِ وَإِنَّمَا يُمَكِّنُ عُظَمَاءَهُمْ أَوْ مَنْ يَدْفَعُ لَهُ رِشْوَةً لِلتَّمْكِينِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (دُونَهُمْ) أَيْ عَنْهُمْ أَيْ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَاضِي. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِمْ) أَيْ وَسَهُلَ عَلَيْهِمْ الْمُطَالَبَةُ لِحُقُوقِهِمْ وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ الْمُطَالَبَةِ الْمُخَاطَبَةُ. قَوْلُهُ: (وَوِسَادَةٍ) لِيَكُونَ أَهْيَبَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِلْحَاجَةِ إلَى قُوَّةِ الرَّهْبَةِ، وَالْهَيْبَةِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 أَعُوذُ بِك مِنْ أَنْ أَضِلَّ، أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ» قَالَ فِي الْأَذْكَارِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: وَسَمِعْت أَنَّ الشَّعْبِيَّ كَانَ يَقُولُهُ إذَا خَرَجَ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيَزِيدُ فِيهِ: " أَوْ أَعْتَدِي أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ اللَّهُمَّ أَعِنِّي بِالْعِلْمِ وَزَيِّنِي بِالْحِلْمِ وَأَكْرِمْنِي بِالتَّقْوَى حَتَّى لَا أَنْطِقَ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا أَقْضِيَ إلَّا بِالْعَدْلِ ". وَأَنْ يَأْتِيَ الْمَجْلِسَ رَاكِبًا وَيَسْتَعْمِلَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْعِمَامَةِ وَالطَّيْلَسَانِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَأَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاءَ عِنْدَ اخْتِلَافِ وُجُوهِ النَّظَرِ وَتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي حُكْمٍ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ تَصِيرَ سُنَّةً لِلْحُكَّامِ. أَمَّا الْحُكْمُ الْمَعْلُومُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ فَلَا. وَالْمُرَادُ بِالْفُقَهَاءِ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الَّذِينَ يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي الْإِفْتَاءِ فَيَدْخُلُ الْأَعْمَى وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ، وَيَخْرُجُ الْفَاسِقُ وَالْجَاهِلُ (وَلَا يَقْعُدُ لِلْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ اتِّخَاذُهُ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ صَوْنًا لَهُ عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطِ الْوَاقِعَيْنِ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ عَادَةً. وَلَوْ اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ أَوْ قَضَايَا وَقْتَ حُضُورٍ فِيهِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ بِفَصْلِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ خُلَفَائِهِ فِي الْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا إذَا احْتَاجَ لِجُلُوسٍ فِيهِ لِعُذْرٍ مِنْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ. فَإِنْ جَلَسَ فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ دُونَهَا مَنَعَ الْخُصُومَ مِنْ الْخَوْضِ فِيهِ بِالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهِمَا. بَلْ يَقْعُدُونَ خَارِجَهُ وَيَنْصِبُ مَنْ يُدْخِلُ عَلَيْهِ خَصْمَيْنِ خَصْمَيْنِ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ فِيهِ   [حاشية البجيرمي] وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ جُلُوسُهُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ) بِبِنَاءِ الْأَوَّلِ لِلْمَعْلُومِ وَالثَّانِي لِلْمَجْهُولِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ وَهِيَ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ وَقَوْلُهُ: أَزِلَّ بِالزَّايِ لَا بِالذَّالِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ أَجْهَلَ أَيْ أَسْفَهَ وَأَجْتَرِئَ عَلَى النَّاسِ أَوْ يُفْعَلَ بِي ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: أَوْ أَجْهَلَ أَيْ أَفْعَلَ فِعْلَ الْجَهَلَةِ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ أَيْ يَفْعَلُ النَّاسُ بِي أَفْعَالَ الْجَهَالَةِ مِنْ إيصَالِ الضَّرَرِ إلَيَّ. قَوْلُهُ: (وَيَزِيدُ فِيهِ) أَيْ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاءَ) الْأُمَنَاءَ وَلَوْ أَدْوَنَ مِنْهُ. وَفِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا لِلْمُنَاوِيِّ: وَاخْتَصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوُجُوبِ الْمُشَاوَرَةِ عَلَيْهِ لِذَوِي الْأَحْلَامِ الْعُقَلَاءِ فِي الْأَمْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] أَيْ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ وَحْيٌ بِمَا يَصِحُّ أَنْ يُشَاوِرَ فِيهِ لِيَصِيرَ سُنَّةً وَلِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِمْ وَوُجُوبُ الْمُشَاوَرَةِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَقِيلَ إنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِمَا نَقَلَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ وَصَرَفَ الشَّافِعِيُّ الْأَمْرَ إلَى النَّدْبِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْأُمِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْآيَةَ وَقَالَ الْحَسَنُ: إنْ كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَغَنِيًّا عَنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ إذَا نَزَلَ بِالْحَاكِمِ أَمْرٌ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَوْ يُشْكِلُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ جَاهِلًا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِمُشَاوَرَتِهِ وَلَا عَالِمًا غَيْرَ أَمِينٍ وَلَكِنَّهُ يُشَاوِرُ مَنْ جَمَعَ الْعِلْمَ وَالْأَمَانَةَ وَفِي الْمُشَاوَرَةِ رِضَا الْخَصْمِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «مَا رَأَيْت أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ غَنِيَّانِ عَنْهَا وَلَكِنْ جَعَلَهَا اللَّهُ رَحْمَةً فِي أُمَّتِي فَمَنْ شَاوَرَ مِنْهُمْ لَمْ يَعْدَمْ رُشْدًا وَمَنْ تَرَكَ الْمَشُورَةَ مِنْهُمْ لَمْ يَعْدَمْ عَنَاءً» وَقَدْ قِيلَ: الِاسْتِشَارَةُ حِصْنٌ مِنْ النَّدَامَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ اخْتِلَافِ وُجُوهِ النَّظَرِ) أَيْ طُرُقِهِ وَقَوْلُهُ: وَتَعَارُضِ؛ عَطْفُ سَبَبٍ. قَوْلُهُ: (مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْمُشَاوَرَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ) أَيْ فَلَا يُشَاوِرْهُمْ فِيهِ كَقِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ فَالْفَارِقُ بَيْنَ الضَّرْبِ وَالتَّأْفِيفِ وَهُوَ أَنَّ الضَّرْبَ إيذَاءٌ بِالْفِعْلِ وَالتَّأْفِيفَ إيذَاءٌ بِالْقَوْلِ مَثَلًا مَقْطُوعٌ بِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ حُرْمَةُ الضَّرْبِ، أَيْ لَا يَنْفِيهَا فَلَوْ حَكَمَ بِعَدَمِ تَعْزِيرِ مَنْ ضَرَبَ أَبَاهُ لِكَوْنِ الضَّرْبِ لَيْسَ حَرَامًا بَطَلَ حُكْمُهُ اهـ. قَوْلُهُ: (صَوْنًا لَهُ عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ) وَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِ الْمَجَانِينِ وَالصِّغَارِ وَالْحُيَّضِ وَالْكُفَّارِ. شَرْحُ م ر وَمَا يَقَعُ فِي بِلَادٍ كَثِيرٍ مِنْ الْأَرْيَافِ أَنَّ الذِّمِّيَّ قَابِضُ الْمَالِ يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مَنْ يَشْرَبُ الدُّخَّانَ وَفِي ذَلِكَ. فَلَا يَتَوَقَّفُ فِي تَحْرِيمِهِ وَيَجِبُ إنْكَارُهُ وَإِخْرَاجُهُ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُلْتَزِمِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 أَشَدُّ كَرَاهَةً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَقَالَ: (وَيُسَوِّي) أَيْ الْقَاضِي (بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) وُجُوبًا عَلَى الصَّحِيحِ (فِي ثَلَاثَةٍ) بَلْ سَبْعَةِ (أَشْيَاءَ) كَمَا سَتَعْرِفُهُ الْأَوَّلُ (فِي الْمَجْلِسِ) فَيُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِيهِ بِأَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْلَى وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عَنْ الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ أَيْضًا بِدَلِيلِ تَحْلِيفِهِ إذَا وَجَبَتْ يَمِينٌ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الزَّبِيلِيِّ وَأَقَرَّهُ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ حَسَنٌ وَالْبَلْوَى بِهِ عَامَّةٌ وَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يُوَكِّلُ فِرَارًا مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ رَفْعِ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فِي الْمَجْلِسِ كَأَنْ يَجْلِسَ الْمُسْلِمُ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الذِّمِّيِّ، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى السُّوقِ، فَإِذَا هُوَ بِنَصْرَانِيٍّ يَبِيعُ دِرْعًا فَعَرَفَهَا عَلِيٌّ فَقَالَ: هَذِهِ دِرْعِي بَيْنِي وَبَيْنَك قَاضِي الْمُسْلِمِينَ فَأَتَيَا إلَى الْقَاضِي شُرَيْحٍ فَلَمَّا رَأَى الْقَاضِي عَلِيًّا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَجَلَسْت مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْك وَلَكِنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجَالِسِ» اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيُّ؟ فَقَالَ: الدِّرْعُ دِرْعِي فَقَالَ شُرَيْحٌ لِعَلِيٍّ: هَلْ مِنْ بَيِّنَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: صَدَقَ شُرَيْحٌ، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ أَحْكَامُ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ فَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ الدِّرْعَ وَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَقَدْ رَأَيْته يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَيُشْبِهُ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ، حَتَّى فِي التَّقْدِيمِ فِي الدَّعْوَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا قَلَّتْ خُصُومُ الْمُسْلِمِينَ. وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ   [حاشية البجيرمي] رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: أَنْ يَتَّخِذَ أَيْ يَعُدَّهُ وَيُهَيِّئَهُ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وُجُوبًا عَلَى الصَّحِيحِ) : مُقَابِلُهُ النَّدْبُ. قَوْلُهُ: (كَمَا سَتَعْرِفُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ السَّبْعَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْجُلُوسُ بَيْنَ يَدَيْهِ) وَكَوْنُ الْجُلُوسِ عَلَى الرُّكَبِ أَوْلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ) يَعْنِي أَنَّ الشَّخْصَ إذَا وَكَّلَ فِي خُصُومَةٍ وَحَضَرَ مَعَ الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ فَلَا يُرْفَعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ. بِدَلِيلِ تَحْلِيفِهِ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى التَّحْلِيفِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمِثْلُهُمَا وَكِيلَاهُمَا فِي الْخُصُومَةِ. وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَثِيرًا مِنْ التَّوْكِيلِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ وَرْطَةِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ جَهْلٌ قَبِيحٌ اهـ. قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِالْمُوَكِّلِ فِي الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: (الزَّبِيلِيِّ) بِالزَّايِ أَوْ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَهُوَ الصَّوَابُ أَيْ مَعَ كَسْرِ الْبَاءِ نِسْبَةٌ إلَى زَبِيلٍ قَرْيَةٌ بِالرَّمْلَةِ أَوْ بِالدَّالِ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَضْمُومَةٍ نِسْبَةٌ إلَى دَبِيلٍ مَدِينَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ السِّنْدِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي اللُّبِّ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: دَبِيلٌ كَأَمِيرٍ مَوْضِعٌ بِالسِّنْدِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي اللُّبِّ وَلَا فِي الْقَامُوسِ الزَّبِيلِيُّ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا وَلَا ذَكَرَا أَنَّ زَبِيلًا اسْمُ بَلَدٍ أَوْ مَكَان يُنْسَبُ إلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي إهْمَالِ الدَّالِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النِّسْبَةِ إلَى دَيْبَلٍ أَوْ دَبِيلٍ بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْمُثَنَّاةِ السَّاكِنَةِ التَّحْتِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ ارْتِفَاعِ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ. قَوْلُهُ: (جَوَازُ) هَذَا جَوَازٌ بَعْدَ امْتِنَاعٍ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ فَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْوُجُوبُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ) أَيْ وَكَانَ إذْ ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَ شُرَيْحٌ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ وَقَوْلُهُ فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيُّ أَيْ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى مِنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ بِأَنَّ الدِّرْعَ لَهُ لِيَظْهَرَ قَوْلُ شُرَيْحٍ مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيُّ وَكَانَ شُرَيْحٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَكَانَ مِنْ أَعْلَمْ النَّاسِ بِالْقَضَاءِ وَكَانَ أَحَدَ السَّادَاتِ الطُّلْسِ وَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، الَّذِي يُضْرَبُ بِحِلْمِهِ الْمَثَلُ وَالرَّابِعُ شُرَيْحٌ هَذَا، وَالْأَطْلَسُ الَّذِي لَا شَعْرَ فِي وَجْهِهِ. قَوْلُهُ: (بَيْنِي وَبَيْنَك) أَيْ يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَك إلَخْ. قَوْلُهُ: (صَدَقَ شُرَيْحٌ) أَتَى بِهَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنَاسِبٍ فِي الْجَوَابِ لِأَجْلِ أَنْ يَسْمَعَهُ خَصْمُهُ الَّذِي هُوَ النَّصْرَانِيُّ فَيَعْرِفُ أَنَّ قُضَاةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْحَقِّ. قَوْلُهُ: (فَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ الدِّرْعَ) لَعَلَّ الْمَعْنَى تَرْكُهُ لَهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَخْذِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَعَلِيٌّ لَمْ يَنْزِعْهُ مِنْهُ وَلَا أَثْبَتَهُ لَهُ أَيْ لَا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا بِالْيَمِينِ أَيْ الْمَرْدُودَةِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (عَتِيقٍ) أَيْ جَيِّدٍ وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ عَرَبِيَّانِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ) عَطْفٌ عَلَى لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ. قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ الرَّفْعُ الصَّادِقُ بِالرَّفْعِ الْمَعْنَوِيِّ. قَوْلُهُ: (لِكَثْرَةِ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ لِكَثْرَةِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ لِلذِّمِّيِّينَ بِتَقْدِيمِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُرْتَدًّا فَيَتَّجِهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى التَّكَافُؤِ فِي الْقِصَاصِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ دُونَ عَكْسِهِ وَتَعَجَّبَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ هَذَا التَّخْرِيجِ فَإِنَّ التَّكَافُؤَ فِي الْقِصَاصِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِسَبِيلٍ وَلَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لَرُفِعَ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَالِدُ عَلَى الْوَلَدِ. (وَ) الثَّانِي فِي اسْتِمَاعِ (اللَّفْظِ) مِنْهُمَا لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُ أَحَدِهِمَا. (وَ) الثَّالِثُ فِي (اللَّحْظِ) بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ وَهُوَ النَّظَرُ بِمُؤْخِرِ الْعَيْنِ كَمَا قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. وَ (الرَّابِعُ) (فِي دُخُولِهِمَا عَلَيْهِ، فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ) . (وَالْخَامِسُ) فِي الْقِيَامِ لَهُمَا فَلَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِقِيَامٍ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي خُصُومَةٍ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ قِيَامِهِ لَهُ فَإِمَّا أَنْ يَعْتَذِرَ لِخَصْمِهِ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَقُومَ لَهُ كَقِيَامِهِ لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ الْأَوْلَى وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ كَرَاهَةَ الْقِيَامِ لَهُمَا جَمِيعًا فِي آدَابِ الْقَضَاءِ لَهُ أَيْ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ يُقَامُ لَهُ دُونَ الْآخَرِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ لَهُ. (وَالسَّادِسُ) فِي جَوَابِ سَلَامِهِمَا إنْ سَلَّمَا مَعًا فَلَا يَرُدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَيَتْرُكُ الْآخَرَ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا انْتَظَرَ الْآخَرَ، أَوْ قَالَ لَهُ: سَلِّمْ لِيُجِيبَهُمَا مَعًا إذَا سَلَّمَ قَالَ الشَّيْخَانِ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ وَكَأَنَّهُمْ احْتَمَلُوا   [حاشية البجيرمي] مَحْذُوفٌ أَيْ الْكُفَّارِ وَلَوْ قَالَ: لِكَثْرَةِ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ لَكَانَ أَوْلَى. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ وَإِذَا ازْدَحَمَ مُدَّعُونَ قُدِّمَ وُجُوبًا مَنْ عُلِمَ سَبْقُهُ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ سَبْقٌ بِأَنْ جُهِلَ أَوْ جَاءَا مَعًا قُدِّمَ بِقُرْعَةٍ وَالتَّقْدِيمُ فِيهِمَا بِدَعْوَى وَاحِدَةٍ لِئَلَّا يَطُولَ الزَّمَنُ فَيَتَضَرَّرَ الْبَاقُونَ وَلَكِنْ يُسَنُّ تَقْدِيمُ مُسَافِرِينَ مُسْتَوْفِزِينَ وَنِسْوَةٍ إنْ قَلُّوا وَالِازْدِحَامُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ كَالِازْدِحَامِ عَلَى الْقَاضِي إنْ كَانَ الْعِلْمُ فَرْضًا وَإِلَّا فَالْخِيَرَةُ إلَى الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي التَّاجِرِ وَنَحْوِهِ مِنْ السُّوقَةِ. كَذَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا ز ي. أَقُولُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ لِإِضْرَارِ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنَّ الْخِيَرَةَ لَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ أَصْلِهِ لَيْسَ وَاجِبًا بَلْ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ بَيْعِ بَعْضِ الْمُشْتَرَى وَيَبِيعَ بَعْضًا وَيَجْرِيَ مَا ذُكِرَ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَسْبَقِ ثُمَّ الْقُرْعَةُ مِنْ الْمُزْدَحِمِينَ عَلَى مُبَاحٍ وَمِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الِازْدِحَامِ عَلَى الطَّوَاحِينِ بِالرِّيفِ الَّتِي أَبَاحَ أَهْلُهَا الطَّحْنَ بِهَا لِمَنْ أَرَادَهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَالِكِينَ لَهَا أَمَّا هُمْ فَيُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ غَيْرَهُمْ مُسْتَعِيرٌ مِنْهُمْ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ أَمَّا الْمَالِكُونَ إذَا اجْتَمَعُوا وَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يُقَدَّمُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَيَتَّجِهُ تَخْرِيجُهُ) أَيْ تَفْرِيعُهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُرْفَعُ عَلَى الْمُرْتَدِّ. قَوْلُهُ: (وَالصَّحِيحُ) أَيْ فَيُرْفَعُ الذِّمِّيُّ عَلَى الْمُرْتَدِّ هَذَا إذَا تَدَاعَيَا وَمُنَازَعَةُ الْبُلْقِينِيُّ تُفِيدُ أَنَّهُ لَا جَامِعَ بَيْنَ الْمُكَافَأَةِ فِي الْقِصَاصِ وَوُجُوهِ الْإِكْرَامِ فِي الدَّعْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُرْفَعُ الْوَالِدُ عَلَى الْوَلَدِ وَلَا الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ مَعَ عَدَمِ الْمُكَافَأَةِ بَيْنَهُمَا م د. قَوْلُهُ: (لَيْسَ مِمَّا إلَخْ) لَعَلَّ الْأَوْلَى لَيْسَ مِمَّا لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ النَّظَرُ بِمُؤَخَّرِ الْعَيْنِ) لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (فِي الْقِيَامِ) أَيْ لِخَصْمِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْتَحِقُّ الْقِيَامَ فَقَطْ فَيَتْرُكُ الْقِيَامَ لَهُ مُحَافَظَةً عَلَى التَّسْوِيَةِ ز ي. قَوْلُهُ: (فَإِمَّا أَنْ يَعْتَذِرَ) بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ جَاءَ فِي خُصُومَةٍ أَوْ يَقُولُ: قَصَدْت الْقِيَامَ لَكُمَا إنْ أَمْكَنَ ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقِيَامِ أَيْ مَنْ تَرَكَهُ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِمَّا أَنْ يَقُومَ لَهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْقِيَامِ لِضَرُورَةِ التَّسْوِيَةِ م ر. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَهُ) أَيْ مَعَ خَصْمِهِ بَلْ لِخَصْمِهِ فَقَطْ لِكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي يُقَامُ لَهُ. قَوْلُهُ: (فِي جَوَابِ سَلَامِهِمَا) وَلَوْ قَرُبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاضِي وَبَعُدَ الْآخَرُ عَنْهُ وَطَلَبَ الْأَوَّلُ مَجِيءَ الْآخَرِ إلَيْهِ وَعَكَسَ الثَّانِي فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الرُّجُوعُ لِلْقَاضِي مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِشَرَفِ أَحَدِهِمَا أَوْ خِسَّتِهِ. فَإِنْ قُلْت أَمْرُهُ بِنُزُولِ الشَّرِيفِ إلَى الْخَسِيسِ تَحْقِيرٌ لَهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَلْيَتَعَيَّنْ. قُلْت: مَمْنُوعٌ لِأَنَّ قَصْدَ التَّسْوِيَةِ يَنْفِي النَّظَرَ لِذَلِكَ، نَعَمْ لَوْ قِيلَ: الْأَوْلَى ذَلِكَ لَمْ يَبْعُدْ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَيَتَّجِهُ الرُّجُوعُ لِلْقَاضِي أَيْضًا فِيمَا لَوْ قَامَ أَحَدُهُمَا وَجَلَسَ الْآخَرُ وَطَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُوَافَقَةَ الْآخَرِ مَعَ امْتِنَاعِهِ مِنْهَا شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُرَدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ فَلَا يُقْصَدُ الرَّدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا انْتَظَرَ الْآخَرَ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ انْتِظَارِهِ حَمْلًا عَلَى أَنَّ السَّلَامَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فَحُصُولُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَأَنَّهُ مِنْهُمَا. وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ سُنَّةَ كِفَايَةٍ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَعَدُّدُهُ وَدَفْعًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَرَى الْآتِي بِهِ لِنَفْسِهِ مَزِيَّةً عَلَى الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَالَ لَهُ: سَلِّمْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يُنَافِي مَا فِي شَرْحِ م ر. مِنْ أَنَّ شَرْطَ رَدِّ السَّلَامِ اتِّصَالُهُ بِهِ كَاتِّصَالِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: اُغْتُفِرَ هَذَا هُنَا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا قَالَ ع ش عَلَيْهِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ عَلِمَ عَدَمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 هَذَا الْفَصْلَ لِئَلَّا يَبْطُلَ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ. (وَالسَّابِعُ) فِي طَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ فَلَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ اخْتَلَفَ بِفَضِيلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ وَلَا يَبِيعَ بِنَفْسِهِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ قَلْبُهُ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ. وَلِأَنَّهُ قَدْ يُحَابِي فَيَمِيلُ قَلْبُهُ إلَى مَنْ يُحَابِيهِ، إذَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حُكُومَةٌ وَالْمُحَابَاةُ فِيهَا رِشْوَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَكِيلٌ مَعْرُوفٌ، كَيْ لَا يُحَابِيَ أَيْضًا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُرِهَ وَالْمُعَامَلَةُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً. (وَلَا يَجُوزُ) لِلْقَاضِي (أَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ)   [حاشية البجيرمي] السَّلَامِ بِالْمَرَّةِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَهُ لَهُ: سَلِّمْ لِأُجِيبَكُمَا أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (فِي طَلَاقَةِ الْوَجْهِ) أَيْ أَوْ عُبُوسَتِهِ م ر. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ) : لَوْ قَدَّمَ هَذَا التَّنْبِيهَ أَوْ أَخَّرَهُ عَنْ الْمَتْنِ الْآتِي لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْهَدِيَّةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسَنُّ: تَرْكُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ الْمَعْرُوفِ فَإِنْ اشْتَرَى بِلَا مُحَابَاةٍ كَانَ الشِّرَاءُ مَكْرُوهًا وَإِنْ كَانَ بِمُحَابَاةٍ فَمَا حُوبِيَ بِهِ يَحْرُمُ قَبُولُهُ لِأَنَّهُ هَدِيَّةٌ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ. قَوْلُهُ: (رِشْوَةٌ) أَيْ إنْ كَانَ لِأَجْلِ الْحُكْمِ بِالْبَاطِلِ أَوْ تَرْكِ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ، وَقَوْلُهُ: أَنَّ هَدِيَّةً أَيْ إنْ كَانَ لِأَجْلِ الْإِكْرَامِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الْإِحْدَى الْمَذْكُورَةُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ) شُرُوعٌ فِي بَعْضِ الْآدَابِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ الْقَاضِي عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ تَحْرِيمُ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ فَصَّلَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ أَهْدَى إلَخْ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَحَرُمَ قَبُولُهُ هَدِيَّةَ مَنْ لَا عَادَةَ لَهُ بِهَا قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَوْ لَهُ عَادَةٌ، وَزَادَ عَلَيْهَا قَدْرًا أَوْ صِفَةً بِقَيْدٍ زِدْته فِيهِمَا فِي مَحَلِّهَا أَيْ وِلَايَتِهِ وَقَبُولِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا هَدِيَّةُ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ عِنْدَهُ وَإِنْ اعْتَادَهَا قَبْلَ وِلَايَتِهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْمُهْدِي خُصُومَةٌ فِي الْحَالِ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُهَا: عَلَى قُرْبٍ امْتَنَعَ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُهْدِي مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَمْ لَا كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِالْهَدِيَّةِ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِلْمُهْدِي خُصُومَةٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَادَةٌ بِالْهَدِيَّةِ امْتَنَعَ قَبُولُهَا أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَمْ لَا. وَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِالْهَدِيَّةِ وَزَادَ عَلَيْهَا قَدْرًا أَوْ جِنْسًا أَوْ صِفَةً حَرُمَ قَبُولُهَا أَيْضًا عَلَى تَفْصِيلٍ فِي هَذِهِ يَأْتِي فِي الشَّرْحِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ وَلَمْ يَزِدْ لَا جِنْسًا وَلَا قَدْرًا وَلَا صِفَةً جَازَ قَبُولُهَا وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَأَبْعَاضِ الْقَاضِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَمَا فِي الشَّرْحِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ ضَعِيفٌ. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَاخْتَصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِبَاحَةِ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ فَهِيَ حَلَالٌ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ فَإِنَّهُ رِشْوَةٌ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ الزَّيْغِ عَنْ الشَّرْعِ وَالْمَيْلِ مَعَ الْهَوَى لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مَرْفُوعًا «مَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ فَوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ إنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ فَقَدْ بَلَّغْت» أَيْ حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْت بِهِ فِي هَذَا إلَيْكُمْ. تَنْبِيه: يُنْدَبُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ حَيْثُ لَا شُبْهَةَ قَوِيَّةٌ فِيهَا وَحَيْثُ لَمْ يَظُنَّ الْمُهْدَى إلَيْهِ، أَنَّ الْمُهْدِيَ أَهْدَاهُ حَيَاءً أَوْ فِي مُقَابِلٍ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْقَبُولُ مُطْلَقًا فِي الْأُولَى وَإِلَّا إذَا أَثَابَهُ بِقَدْرِ مَا فِي ظَنِّهِ بِالْقَرَائِنِ فِي الثَّانِي وَيَنْبَغِي لِلْمُهْدَى إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي الْهَدِيَّةِ عَقِبَ وُصُولِهَا بِمَا أُهْدِيَتْ لِأَجْلِهِ إظْهَارًا لِكَوْنِ الْهَدِيَّةِ فِي حَيِّزِ الْقَبُولِ وَأَنَّهَا وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ وَوَصَلَتْ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَإِشَارَةً إلَى تَوَاصُلِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُهْدَى إلَيْهِ حَتَّى إنَّ مَا أَهْدَاهُ إلَيْهِ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى وَأَغْلَى وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي التَّأَلُّفِ وَنَحْوِهِ. فَالْأَوْلَى فِعْلُ ذَلِكَ مَعَ مَنْ يَعْتَقِدُ صَلَاحَهُ أَوْ عِلْمَهُ أَوْ يَقْصِدُ جَبْرَ خَاطِرِهِ أَوْ دَفْعَ شَرِّهِ أَوْ نُفُوذَ شَفَاعَتِهِ عِنْدَهُ فِي مُهِمَّاتِ النَّاسِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ صِيغَةٌ بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ وَالْأَخْذُ اهـ. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْحُكَّامِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ لَهُ خُصُومَةٌ وَكَذَا مِمَّنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ. إنْ لَمْ يُعْهَدْ مِنْهُ وَإِذَا قَبِلَهَا لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 وَإِنْ قُلْتَ، فَإِنْ أَهْدَى إلَيْهِ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ فِي الْحَالِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّنْ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ (مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ) أَمْ لَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ لَكِنَّهُ لَمْ يُهْدِ لَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ الْقَضَاءَ، ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ هَدِيَّةً حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِخَبَرِ: «هَدَايَا الْعُمَّالِ سُحْتٌ» وَرُوِيَ «هَدَايَا السُّلْطَانِ سُحْتٌ» ، وَلِأَنَّهَا تَدْعُو إلَى الْمَيْلِ إلَيْهِ، وَيَنْكَسِرُ بِهَا قَلْبُ خَصْمِهِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ سَبَبَهَا الْعَمَلُ ظَاهِرًا وَلَا يَمْلِكُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ لَوْ قَبِلَهَا وَيَرُدُّهَا عَلَى مَالِكِهَا فَإِنْ تَعَذَّرَ وَضْعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهَا إلَيْهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَرُمَتْ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ هَدِيَّةُ أَبْعَاضِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ، وَلَوْ أَهْدَى إلَيْهِ مَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ،   [حاشية البجيرمي] يَمْلِكُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ مَرْفُوعًا «هَدَايَا الْعُمَّالِ، وَفِي رِوَايَةٍ: الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ» بِضَمِّ الْغَيْنِ وَاللَّامِ أَصْلُهُ الْخِيَانَةُ لَكِنَّهُ شَاعَ فِي الْغُلُولِ فِي الْغَنِيمَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا أَهْدَى الْعَامِلُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ شَيْئًا فَقَبِلَهُ فَهُوَ خِيَانَةٌ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَهُمْ وَرَوَى أَبُو يَعْلَى «هَدَايَا الْعُمَّالِ حَرَامٌ كُلُّهَا» قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ أَنَّ هَدَايَا الْعُمَّالِ تُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا إنْ طَلَبَهَا لَهُ الْإِمَامُ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ فِي الْمُهَذَّبِ رَدَّ هَدِيَّةِ مَنْ كَانَ مَالُهُ حَرَامًا أَوْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ اشْتَهَى تُفَّاحًا وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ فَرَكِبَ فَتَلَقَّاهُ غِلْمَانُ الدَّيْرِ بِأَطْبَاقِ تُفَّاحٍ فَتَنَاوَلَ وَاحِدَةً فَشَمَّهَا ثُمَّ رَدَّهَا فَقِيلَ لَهُ أَلَمْ يَكُنْ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلِيفَتُهُ يَقْبَلُونَ الْهَدِيَّةَ فَقَالَ: إنَّهَا لِأُولَئِكَ هَدِيَّةٌ وَهِيَ لِلْعُمَّالِ بَعْدَهُمْ رِشْوَةٌ اهـ. وَسَائِرُ الْعُمَّالِ مِثْلُهُ فِي نَحْوِ الْهَدِيَّةِ كَمَشَايِخِ الْبُلْدَانِ لَكِنَّهُ أَغْلَظُ م ر وَع ش وَالضِّيَافَةُ وَالْهِبَةُ كَالْهَدِيَّةِ وَكَذَا الصَّدَقَةُ عَلَى الْأَوْجَهِ ز ي وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي مِمَّنْ حَضَرَ ضِيَافَةَ الْأَكْلِ مِنْهَا إلَّا إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى رِضَا الْمَالِكِ وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْعُمَّالِ وَمِنْهُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ إحْضَارِ طَعَامٍ لِشَادِّ الْبَلَدِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْمُلْتَزِمِ أَوْ الْكَاتِبِ ع ش عَلَى م ر مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ) أَوْ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَيُخَاصِمُ وَلَوْ بَعْضَهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ م ر خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى هَدِيَّةَ أَبْعَاضِهِ إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ز ي وَأَقَرَّهُ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْهَدِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ وَالْمُهْدِيَ إمَّا أَنْ يَكُونَا فِي مَحَلِّ الْوِلَايَةِ أَوْ خَارِجَهَا أَوْ الْقَاضِي دَاخِلًا وَالْمُهْدِي خَارِجًا أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى عَادَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ أَوْ لَا وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ أَوْ لَا فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً وَكُلُّهَا حَرَامٌ، إلَّا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْ فِيهَا، وَلَمْ يَزِدْ الْمُهْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ فِيهِمَا فَقَدْ صَرَّحَ سم: بِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَا تَحْرُمُ قَرَّرَهُ: شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَمْ لَا) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ لَيْسَ قَيْدًا كَمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَوْ لَا وَلَكِنْ يُقَيَّدُ الثَّانِي بِمَا إذَا أَهْدَى لِلْقَاضِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَإِلَّا بِأَنْ ذَهَبَ الْقَاضِي إلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ فَأَهْدَى لَهُ جَازَ قَبُولُهَا وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ: ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ لَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْكَلَامِ. قَوْلُهُ: (حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا) جَوَابُ إنْ وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ إذَا كَانَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْإِطْلَاقَ وَقَوْلُهُ: فَلِخَبَرِ هَدَايَا إلَخْ. فِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَدُلَّ الْحَدِيثُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ أَيْ مَنْ لَا عَادَةَ لَهُ أَوْ لَهُ عَادَةٌ وَزَادَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (سُحْتٌ) بِضَمَّتَيْنِ وَإِسْكَانِ الثَّانِي تَخْفِيفٌ وَهُوَ كُلُّ مَالٍ حَرَامٍ لَا يَحِلُّ كَسْبُهُ وَلَا أَكْلُهُ. اهـ. مِصْبَاحٌ. وَسُمِّيَ سُحْتًا لِأَنَّهُ يُسْحِتُ أَيْ يُذْهِبُ الْبَرَكَةَ. قَوْلُهُ: (السُّلْطَانِ) الْمُرَاد بِهِ مَا يَشْمَلُ نُوَّابَهُ كَالْقَاضِي قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ الْهَدَايَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِصْمَتِهِ وَفِي خَبَرِ أَنَّهَا أُحِلَّتْ لِمُعَاذٍ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُهْدِي. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيْ الرَّدُّ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهَا) أَيْ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِ الْقَاضِي وَإِنَّمَا أَفْرَدَ ذَلِكَ بِالذِّكْرِ، لِلْخِلَافِ فِيهِ وَإِلَّا فَلَوْ أَتَى بِهَا بِنَفْسِهِ لِلْقَاضِي حَرُمَ قَبُولُهَا أَيْضًا لَكِنْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، بِخِلَافِ الَّذِي فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (يُسْتَثْنَى) فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 وَكَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ جَازَ لَهُ قَبُولُهَا إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ بِقَدْرِ الْعَادَةِ السَّابِقَةِ. وَالْأَوْلَى إذَا قَبِلَهَا أَنْ يَرُدَّهَا أَوْ يُثِيبَ عَلَيْهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ أَمَّا إذَا زَادَتْ عَلَى الْعَادَةِ، فَكَمَا لَوْ لَمْ يُعْهَدْ مِنْهُ ذَلِكَ كَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَقَضِيَّتُهُ: تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ. لَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمُهَذَّبِ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْهَدِيَّةِ جَازَ قَبُولُهَا لِدُخُولِهَا فِي الْمَأْلُوفِ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الذَّخَائِرِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ الزِّيَادَةُ أَيْ بِجِنْسٍ أَوْ قَدْرٍ حَرُمَ قَبُولُ الْجَمِيعِ وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ فَقَطْ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنْ زَادَتْ فِي الْمَعْنَى، كَأَنْ أَهْدَى مَنْ عَادَتُهُ قُطْنٌ حَرِيرًا هَلْ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ يَصِحُّ مِنْهَا بِقَدْرِ الْمُعْتَادِ فِيهِ نَظَرٌ، اسْتَظْهَرَ الْإِسْنَوِيُّ الْأَوَّلَ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ لِلزِّيَادَةِ وَقْعٌ، وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِهَا وَالضِّيَافَةُ وَالْهِبَةُ كَالْهَدِيَّةِ وَالْعَارِيَّةِ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَحُكْمُهَا كَالْهَدِيَّةِ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا أَنَّ الصَّدَقَةَ كَالْهَدِيَّةِ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَمَا بَحَثَهُ ظَاهِرٌ وَقَبُولُ الرِّشْوَةِ حَرَامٌ وَهِيَ مَا يُبْذَلُ لِلْقَاضِي لِيَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَوْ   [حاشية البجيرمي] م ر وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا امْتَنَعَ بِسَبَبِ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: (هَدِيَّةُ أَبْعَاضِهِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ لِلْقَاضِي كَأَبِيهِ وَابْنِهِ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ يُهْدَى إلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ مَرَّةً. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى إذَا قَبِلَهَا أَنْ يَرُدَّهَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَرُدَّهَا أَوْ يُثِيبَ عَلَيْهَا إذَا قَبِلَهَا لِأَنَّ الْقَبُولَ قَيْدٌ فِي الْإِثَابَةِ فَقَطْ لَا فِي الرَّدِّ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّهَا لَا يَكُونُ قَابِلًا لَهَا. قَوْلُهُ: (لَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ: إلَخْ) قَوْلٌ ثَانٍ وَكَلَامُ الذَّخَائِرِ ثَالِثٌ وَمَا قَبْلَهُمَا أَوَّلُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. الْمُعْتَمَدُ كَلَامُ الذَّخَائِرِ. قَوْلُهُ: (عَنْ الْمُهَذَّبِ) كَذَا فِي خَطِّهِ وَصَوَابُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الرُّويَانِيَّ أَقْدَمُ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ. وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّ الْمُهْدِيَ إنْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ بَعْدَ الْمَنْصِبِ فَفِيهِ احْتِمَالَاتٌ ثَلَاثٌ: الْأَوَّلُ تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْجِنْسِ جَازَ قَبُولُ الْجَمِيعِ. وَالثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ تَتَمَيَّزَ الزِّيَادَةُ جِنْسًا أَوْ قَدْرًا فَتَحْرُمُ وَحْدَهَا أَوْ لَا تَتَمَيَّزُ فَيَحْرُمُ الْجَمِيعُ. وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ تَغْيِيرِ جِنْسِ الْهَدِيَّةِ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يُهَادِيَ بِالْقُطْنِ فَهَادَاهُ بَعْدَ الْمَنْصِبِ بِالْحَرِيرِ فَهَلْ يَحْرُمُ الْجَمِيعُ أَوْ مُقَابِلُ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الْقُطْنِ مِنْ الْحَرِيرِ احْتِمَالَانِ رَجَحَ الْإِسْنَوِيُّ مِنْهُمَا الْأَوَّلَ وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ لِلزِّيَادَةِ وَقْعٌ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَأْلُوفِ) أَيْ فِي الْهَدِيَّةِ وَقَوْلُهُ: وَفِي الذَّخَائِرِ رَدٌّ لِكَلَامِ الرُّويَانِيِّ. قَوْلُهُ: (أَيْ بِجِنْسٍ) وَمِثَالُ تَمَيُّزِ الزِّيَادَةِ بِالْجِنْسِ أَنْ يُهْدِيَ لَهُ إرْدَبَّ قَمْحٍ وَإِرْدَبَّ أَرُزٍّ مَنْ كَانَ يُهْدِي لَهُ إرْدَبَّ قَمْحٍ فَقَطْ وَمِثَالُ تَمَيُّزِهَا بِالْقَدْرِ أَنْ يُهْدِيَ إلَيْهِ إرْدَبَّيْ قَمْحٍ مَنْ كَانَ يُهْدِي لَهُ إرْدَبًّا فَقَطْ قَالَ ق ل وَحَاصِلُهُ: إنَّهُ إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ بِقَدْرِ مَا كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً جَازَ قَبُولُهَا وَإِلَّا فَيَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرٍ) بِأَنْ كَانَتْ مُتَمَيِّزَةً بِصِفَةٍ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ إرْدَبَّ قَمْحٍ رَدِيئًا فَأَهْدَى لَهُ أَعْلَى. قَوْلُهُ: (فِي الْمَعْنَى) أَيْ لَا فِي الْجِنْسِ وَهَذَا هُوَ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الذَّخَائِرِ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِأَجْلِ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ: (كَالْهَدِيَّةِ) فَيَفْصِلُ بَيْنَ مِنْ عَادَتِهِ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَنْ لَا. قَوْلُهُ: (وَالْعَارِيَّةُ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ) كَسُكْنَى دَارٍ وَرُكُوبِ دَابَّةٍ. قَوْلُهُ: (الرِّشْوَةِ) . بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ م ر. قَوْلُهُ: (لِيَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ رَشَا لِيَحْكُمَ بِالْحَقِّ جَازَ الدَّفْعُ وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي الْأَخْذُ عَلَى الْحُكْمِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أُعْطِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَمْ لَا وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ لُقَيْمَةَ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ مَا حَاصِلُهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ أَمْ لَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ إلَى جَوَازِ أَخْذِ الْقَاضِي الْأُجْرَةَ عَلَى الْحُكْمِ لِأَنَّهُ شَغَلَهُ الْحُكْمُ عَنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، وَكَرِهَهُ طَائِفَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ مِنْهُمْ مَسْرُوقٌ وَرَخَّصَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: وَإِذَا كَانَ الْقَاضِي فَقِيرًا فَالْأَفْضَلُ بَلْ الْوَاجِبُ أَخْذُ كِفَايَتِهِ وَإِذَا كَانَ غَنِيًّا فَالْأَفْضَلُ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَخْذِ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رِفْقًا بِبَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ: الْأَخْذُ هُوَ الْأَصَحُّ صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ عَنْ الْهَوَانِ، وَنَظَرًا لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ وَيَأْخُذُ بَقِيَّةَ الْكِفَايَةِ لَهُ وَلِعِيَالِهِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: لَا يُعْجِبُنِي وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ مِثْلُ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِجَوْرٍ أَوْ بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ وَأَخْطَأَ فَالْإِثْمُ سَاقِطٌ، وَالضَّمَانُ لَازِمٌ فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي قَتْلٍ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَعَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 لِيَمْتَنِعَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَذَلِكَ لِخَبَرِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ» . فُرُوعٌ: لَيْسَ لِلْقَاضِي حُضُورُ وَلِيمَةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَالَةَ الْخُصُومَةِ، وَلَا حُضُورُهُ وَلِيمَتِهِمَا. وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، لِخَوْفِ الْمَيْلِ وَلَهُ تَخْصِيصُ إجَابَةِ مَنْ اعْتَادَ تَخْصِيصَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَيُنْدَبُ لَهُ إجَابَةُ غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ إنْ عَمَّمَ الْمُولِمُ النِّدَاءَ لَهَا وَلَمْ يَقْطَعْهُ كَثْرَةُ الْوَلَائِمِ عَنْ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَيَتْرُكُ الْجَمِيعَ، وَلَا يُضِيفُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَلَا يَلْتَحِقُ فِيمَا ذُكِرَ الْمُفْتِي وَالْوَاعِظُ وَمُعَلِّمُو الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ إذْ لَيْسَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْإِلْزَامِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَشْفَعَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ، وَيَزِنَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُمَا وَأَنْ يُعِيدَ الْمَرْضَى، وَيَشْهَدَ الْجَنَائِزَ وَيَزُورَ الْقَادِمِينَ، وَلَوْ كَانُوا مُتَخَاصِمِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ. (وَيَجْتَنِبُ الْقَاضِي الْقَضَاءَ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ (فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ) وَأَهْمَلَ مَوَاضِعَ كَمَا سَتَعْرِفُهَا. وَضَابِطُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُكْرَهُ لِلْقَاضِي الْقَضَاءُ فِيهَا كُلُّ حَالٍ يَتَغَيَّرُ فِيهَا خُلُقُهُ وَكَمَالُ عَقْلِهِ: الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ (عِنْدَ الْغَضَبِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لَا. وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ نَعَمْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْحُكْمِ فِي الْحَالِ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ عَلَى الْفَوْرِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ. (وَ) الثَّانِي عِنْدَ (الْجُوعِ وَ) الثَّالِثُ عِنْدَ (الْعَطَشِ) الْمُفْرِطَيْنِ وَكَذَا عِنْدَ الشِّبَعِ الْمُفْرِطِ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ (وَ) الرَّابِعُ عِنْدَ (شِدَّةِ الشَّهْوَةِ) أَيْ التَّوَقَانِ إلَى النِّكَاحِ. (وَ) الْخَامِسُ عِنْدَ (الْحُزْنِ) الْمُفْرِطِ فِي مُصِيبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. (وَ) السَّادِسُ عِنْدَ (الْفَرَحِ الْمُفْرِطِ) وَلَوْ قَالَ الْمُفْرِطَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْحُزْنِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ. (وَ) السَّابِعُ عِنْدَ (الْمَرَضِ) الْمُؤْلِمِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (وَ) الثَّامِنُ مِنْ (مُدَافَعَةِ) أَحَدِ (الْأَخْبَثَيْنِ) أَيْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَلَوْ ذَكَرَ أَحَدٌ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِإِفَادَةِ الِاكْتِفَاءِ بِهِ وَكَرَاهَتِهِ عِنْدَ مُدَافَعَتِهِمْ بِالْأَوْلَى وَكَذَا يُكْرَهُ عِنْدَ مُدَافَعَةِ الرِّيحِ. كَمَا ذَكَرَهُ الدَّمِيرِيُّ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ (وَ) التَّاسِعُ عِنْدَ (النُّعَاسِ) أَيْ غَلَبَتِهِ كَمَا قُيِّدَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (وَ) الْعَاشِرُ عِنْدَ شِدَّةِ (الْحَرِّ وَ) شِدَّةِ (الْبَرْدِ) وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ الْخَوْفِ الْمُزْعِجِ، وَعِنْدَ الْمَلَالِ وَقَدْ جَزَمَ بِهِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَإِنَّمَا كُرِهَ   [حاشية البجيرمي] عَاقِلَتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. قَسْطَلَّانِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (تَخْصِيصُ إجَابَةِ مَنْ اعْتَادَ إلَخْ) أَيْ وَيُفَصَّلُ فِيهَا كَمَا يُفَصَّلُ فِي الْهَدِيَّةِ فَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ الضِّيَافَةُ بِشَيْءٍ عَلَى الْعَادَةِ السَّابِقَةِ حَلَّ ذَلِكَ وَإِلَّا حَرَامٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْتَحِقُ فِيمَا ذُكِرَ إلَخْ) الْعِبَارَةُ فِيهَا حَذْفٌ أَيْ لَا يَلْتَحِقُ بِالْقَاضِي فِيمَا ذَكَرَ الْمُفْتِي إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَمُعَلَّمِي الْقُرْآنِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَفِي بَعْضِهَا وَمُعَلِّمُو الْقُرْآنِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَشْفَعَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ) أَيْ عِنْدَ خَصْمِهِ بِالصَّبْرِ مُدَّةً مَثَلًا فَالْمُرَادُ بِالْأَحَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي سَامِحْهُ مِنْ بَعْضِ الْحَقِّ، أَوْ كُلِّهِ لِوَجْهِ اللَّهِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ وَيَزِنُ أَيْ يَدْفَعُ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْزُونًا أَوْ مَكِيلًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُمَا) أَيْ الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى فَالنَّفْعُ فِيهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَطْ. وَيُجَابُ بِأَنَّ فِي الْأُولَى يَنْتَفِعُ بِالثَّوَابِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لَا) رَدٌّ عَلَى الْبُلْقِينِيُّ حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَ الْغَضَبُ لَا كَرَاهَةَ، وَفِي الْخَصَائِصِ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءُ فِي حَالِ الْغَضَبِ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الْغَضَبِ مَا يُخَافُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ غَضَبَهُ لِلَّهِ لَا لِحَظِّ نَفْسِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْحُكْمِ لَهُ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَتَعْلِيلُهُ: بِأَنَّهُ مَعْصُومٌ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَتُقْبَلَ وَيُحْكَمَ عَلَى عَدُوِّهِ لِعُمُومِ عِصْمَتِهِ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا جَازَ لِسَامِعِهِ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ عَلَى فُلَانٍ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْإِقْرَارُ مِنْهُ لِعِصْمَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الرُّويَانِيِّ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ وَتَبِعُوهُ وَكَانَ لَهُ قَتْلُ مَنْ اتَّهَمَهُ بِالزِّنَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ دِحْيَةَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ) الْأَوْلَى لِأَنَّ السَّبَبَ وَقَوْلُهُ: وَمُدَافَعَةُ الْأَخْبَثَيْنِ لَوْ قَالَ: وَمُدَافَعَةُ الْحَدَثِ لَكَانَ أَخْصَرَ. قَوْلُهُ: (كَمَا قُيِّدَ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْقَيْدِ أَوْ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لِتَغَيُّرِ الْعَقْلِ وَالْخُلُقِ فِيهَا فَلَوْ خَالَفَ وَقَضَى فِيهَا، نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لِقِصَّةِ زُبَيْرٍ الْمَشْهُورَةِ. وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَحْكُمُ لِرَقِيقِهِ، وَلَا لِشَرِيكِهِ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا لِلتُّهْمَةِ. وَيَحْكُمُ لِلْقَاضِي وَلِمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ الْإِمَامُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ أَوْ نَائِبُهُ وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ عِنْدَهُ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ أَوْ عَلَى يَمِينِهِ فِي صُورَةِ النُّكُولِ أَوْ سَأَلَ الْحُكْمَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالْإِشْهَادَ بِهِ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُنْكِرُ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَلَا يَسْأَلُ) الْقَاضِي (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) الْجَوَابَ: أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ (إلَّا بَعْدَ كَمَالِ الدَّعْوَى) الصَّحِيحَةِ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ كُلِّ دَعْوَى سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِدَمٍ أَمْ بِغَيْرِهِ كَغَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ سِتَّةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً غَالِبًا بِأَنْ يُفَصِّلَ الْمُدَّعِي مَا يَدَّعِيهِ كَقَوْلِهِ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً إفْرَادًا أَوْ شَرِكَةً، فَإِنْ أَطْلَقَ مَا يَدَّعِيهِ كَقَوْلِهِ: هَذَا قَتَلَ ابْنِي يُسَنُّ لِلْقَاضِي اسْتِفْصَالُهُ عَمَّا ذُكِرَ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُلْزَمَةً فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى هِبَةِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ حَتَّى يَقُولَ الْمُدَّعِي وَقَبَضْته بِإِذْنِ الْوَاهِبِ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَوْ الْمُقِرَّ التَّسْلِيمُ. وَالثَّالِثُ أَنْ يُعَيِّنَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ: قَتَلَهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِإِبْهَامِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرَ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ مُكَلَّفًا وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا دَعْوَى عَلَيْهِمْ. وَالسَّادِسُ أَنْ لَا تُنَاقِضَهَا دَعْوَى أُخْرَى فَلَوْ ادَّعَى عَلَى أَحَدٍ إفْرَادَهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ شَرِكَةً أَوْ انْفِرَادًا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الْأُولَى تُكَذِّبُهَا نَعَمْ إنْ صَدَّقَهُ الْآخَرُ فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارٍ وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ   [حاشية البجيرمي] الْمَلَالُ) أَيْ السَّآمَةُ وَالتَّعَبُ قَوْلُهُ: (لِقِصَّةِ زُبَيْرٍ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الزُّبَيْرُ أَيْ حَيْثُ قَالَ خَصْمُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك " أَيْ أَمَرْتَ بِسَقْيِ أَرْضِهِ أَوَّلًا لِكَوْنِهِ ابْنَ عَمَّتِك فَتَغَيَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْ بِالْفَتْحِ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ) عِبَارَةُ الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا وَيَقْضِي لِنَفْسِهِ وَلِوُلْدِهِ بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ فُرُوعِهِ وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ لِلرِّيبَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُ قَطْعًا وَإِنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ أَيْ فُرُوعِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ سَأَلَ الْحُكْمَ إلَخْ) وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ السُّؤَالِ بِالْحُكْمِ مَا لَوْ سَأَلَهُ: أَنْ يَكْتُبَ لَهُ فِي قِرْطَاسٍ مَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَيُسَمَّى مَحْضَرًا وَأَنْ يَكْتُبَ سِجِلًّا بِمَا جَرَى مَعَ الْحُكْمِ بِهِ فَإِنَّهُ لَا تَلْزَمُ إجَابَتُهُ، بَلْ يُسَنُّ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةً لِحُجَّتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ كَالْإِشْهَادِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُثْبِتُ حَقًّا بِخِلَافِ الْإِشْهَادِ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: وَالْإِشْهَادُ بِهِ أَيْ بِالْحُكْمِ. قَوْلُهُ: (سِتَّةُ شُرُوطٍ) نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: لِكُلِّ دَعْوَى شُرُوطٌ سِتَّةٌ جُمِعَتْ ... تَفْصِيلُهَا مَعَ إلْزَامٍ وَتَعْيِينِ أَنْ لَا يُنَاقِضَهَا دَعْوَى تُغَايِرُهَا ... تَكْلِيفُ كُلٍّ وَنَفْيُ الْحَرْبِ لِلدِّينِ قَوْلُهُ: (غَالِبًا) وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ أَنْ لَا تَكُونَ مَعْلُومَةً كَالدَّعْوَى بِالْمُتْعَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِقْرَارِ بِمَجْهُولٍ وَالرَّضْخِ فِي الْغَنِيمَةِ. قَوْلُهُ: (يُسَنُّ لِلْقَاضِي اسْتِفْصَالُهُ) أَيْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهَلْ لَهُ رَدُّهُ أَمْ لَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الْخَلِيفِيُّ أَنَّ لَهُ رَدَّهُ أَخْذًا مِنْ التَّعْبِيرِ يُسَنُّ وَإِنْ عَادَ وَفَصَّلَ الدَّعْوَى سُمِعَتْ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَقَبَضْته) أَيْ فِي صُورَةِ الْهِبَةِ وَقَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَيْ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا التَّسْلِيمُ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِكَوْنِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْضِهِ مُؤَجَّلًا وَكَوْنِ الْمُقِرِّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ. قَوْلُهُ: (مُكَلَّفًا) خَبَرٌ ثَانٍ لِيَكُونَ. قَوْلُهُ: (وَلَا دَعْوَى عَلَيْهِمْ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَإِلَّا سُمِعَتْ الدَّعْوَى عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَمِثْلُهُمَا الْغَائِبُ وَالْمَيِّتُ وَيَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ. قَوْلُهُ: (وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ) لَا فَائِدَةَ لِاسْتِمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بَعْدَ مُؤَاخَذَتِهِ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَالْأَوْلَى حَذْفُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 إلَى الْأُولَى لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُكَذِّبُهَا. (وَلَا يُحَلِّفُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (إلَّا بَعْدَ سُؤَالٍ) أَيْ طَلَبِ (الْمُدَّعِي) تَحْلِيفَهُ، فَلَوْ حَلَّفَهُ قَبْلَ طَلَبِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فَعَلَى هَذَا يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي حَلِّفْهُ وَإِلَّا فَاقْطَعْ طَلَبَك عَنْهُ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ بَعْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي وَقَبْلَ إحْلَافِ الْقَاضِي لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ اهـ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ (وَلَا يُلَقِّنُ خَصْمًا) مِنْهُمَا (حُجَّةً) يَسْتَظْهِرُ بِهَا عَلَى خَصْمِهِ أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِإِضْرَارِهِ بِهِ. (وَلَا يُفْهِمُهُ) أَيْ وَاحِدًا مِنْهُمَا (كَلَامًا) يَعْرِفُ بِهِ كَيْفِيَّةَ الدَّعْوَى وَكَيْفِيَّةَ الْجَوَابِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ لِمَا مَرَّ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْخَصْمِ فِي كَلَامِهِ الشَّاهِدُ فَيَجُوزُ لِلْقَاضِي تَعْرِيفُهُ كَيْفِيَّةَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ. كَمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الْمَكَارِمِ الرُّويَانِيُّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِلشَّرَفِ الْغَزِّيِّ فِي ادِّعَائِهِ الْمَنْعَ مِنْهُ فَلَعَلَّهُ انْتَقَلَ نَظَرُهُ مِنْ مَنْعِ التَّلْقِينِ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُلَقِّنُ الشَّاهِدَ الشَّهَادَةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. (وَلَا يَتَعَنَّتُ بِالشُّهَدَاءِ) أَيْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ كَأَنْ يَقُولَ لَهُمْ: لِمَ شَهِدْتُمْ وَمَا هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى تَرْكِهِمْ الشَّهَادَةَ فَيَتَضَرَّرُ الْخَصْمُ الْمَشْهُودُ لَهُ بِذَلِكَ. (وَلَا يَقْبَلُ) الْقَاضِي (الشَّهَادَةَ) إذَا لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَةَ الشَّاهِدِ (إلَّا مِمَّنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ) عِنْدَ حَاكِمٍ سَوَاءٌ أَطَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِ أَمْ سَكَتَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِشَهَادَةٍ تَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَهُ. وَالتَّعْدِيلُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْعَدَالَةِ فِي فَصْلٍ بَعْدَ ذَلِكَ. فَإِذَا ثَبَتَتْ عَدَالَةُ الشَّاهِدِ ثُمَّ شَهِدَ فِي وَاقِعَةٍ أُخْرَى قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِ وَلَا يَطْلُبُ تَعْدِيلَهُ ثَانِيًا وَإِنْ طَالَ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا يَطْلُبُ تَعْدِيلَهُ ثَانِيًا لِأَنَّ طُولَ الزَّمَانِ يُغَيِّرُ الْأَحْوَالَ ثُمَّ يَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ فِي طُولِهِ وَقِصَرِهِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْخَادِمِ إنَّ الْخِلَافَ فِي الطُّولِ فِي غَيْرِ الشُّهُودِ الْمُرَتَّبِينَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَمَّا هُمْ فَلَا يَجِبُ طَلَبُ التَّعْدِيلِ قَطْعًا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ انْتَهَى وَهُوَ حَسَنٌ وَقَالَ فِي الْعِدَّةِ: إذَا اسْتَفَاضَ فِسْقُ الشَّاهِدَيْنِ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ. (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ) لِحَدِيثِ: «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: وَتُسْمَعُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إلَّا بَعْدَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ) لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْيَمِينِ لَهُ. فَاحْتِيجَ لِإِذْنِهِ فَإِنْ حَلَّفَهُ قَبْلَ سُؤَالِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَهُ بَعْدَ تَحْلِيفِهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَالشَّاهِدَ مَعَ الْيَمِينِ وَلَوْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي وَأَطْلَقَ أَوْ أَرَادَ لَا حَاضِرَةَ، وَلَا غَائِبَةَ. أَوْ كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا بَاطِلَةٌ أَوْ كَاذِبَةٌ أَوْ زُورٌ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ قُبِلَتْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَعْرِفْ أَوْ نَسِيَ ثُمَّ عَرَفَ أَوْ تَذَكَّرَ. وَلَوْ قَالَ: شُهُودِي فَسَقَةٌ وَعَبِيدٌ، ثُمَّ جَاءَ بِعُدُولٍ. فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ أَوْ عِتْقٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا سم. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَلَفَ إلَخْ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ اشْتِرَاطُ تَحْلِيفِ الْقَاضِي أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ إحْلَافِ الْقَاضِي) فِي الْمِصْبَاحِ أَحْلَفْتُهُ إحْلَافًا وَحَلَّفْته تَحْلِيفًا اهـ. فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ إحْلَافَ لَمْ يَرِدْ. قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى كَوْنِهِ لَا يَحْلِفُهُ إلَّا بَعْدَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي قَوْلُهُ: (وَالْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ بِالنُّكُولِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُلَقِّنُ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ قُلْ: كَذَا وَكَذَا وَهَذَا لَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ الْآتِي: وَلَا يُفْهِمُهُ كَلَامًا لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: كَيْفِيَّةُ الدَّعْوَى كَذَا وَكَذَا. وَكَيْفِيَّةُ الْجَوَابِ كَذَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلَقِّنَهُ عِنْدَ الدَّعْوَى فَالْإِفْهَامُ سَابِقٌ عَلَى الدَّعْوَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (يَسْتَظْهِرُ) أَيْ يَغْلِبُ وَيَتَعَالَى بِهَا عَلَى خَصْمِهِ أَوْ يَسْتَعِينُ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِإِضْرَارِهِ بِخَصْمِهِ. قَوْلُهُ: (كَيْفِيَّةُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: كَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ أَنْ تَأْتِيَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَتَأْتِيَ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَجْرُورًا بِعَلَى وَبِالْمَشْهُودِ لَهُ مَجْرُورًا بِاللَّامِ بِخِلَافِ التَّلْقِينِ. فَإِنَّهُ يَقُولُهُ لَهُ: قُلْ أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانِ عَلَى فُلَانٍ كَذَا شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لِمَ شَهِدْتُمْ) أَيْ لِأُجْرَةٍ أَوْ حِسْبَةٍ. فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَعَنُّتًا بَلْ التَّعَنُّتُ أَنْ يَقُولَ: فِي أَيِّ زَمَانٍ فِي أَيِّ مَكَان مَثَلًا وَأَنْ يَقُولَ: فِي شَهَادَةِ الْقَتْلِ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ أَوْ سَهْمٍ وَفِي أَيِّ مَكَان وَفِي أَيِّ زَمَانٍ وَقَوْلُهُ: وَمَا وَكَيْفَ تَحَمَّلْتُمْ وَقَوْلُهُ: يُؤَدِّي أَيْ التَّعَنُّتَ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدُوٍّ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْغِمْرُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْغِلُّ وَالْحِقْدُ وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التُّهْمَةِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْعَدَاوَةِ الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ الظَّاهِرَةُ لِأَنَّ الْبَاطِنَةَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «سَيَأْتِي قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إخْوَانُ الْعَلَانِيَةِ أَعْدَاءُ السَّرِيرَةِ» بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ لَهُ إذْ لَا تُهْمَةَ وَالْفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأَعْدَاءُ، وَعَدُوُّ الشَّخْصِ مَنْ يَحْزَنُ لِفَرَحِهِ، وَيَفْرَحُ لِحُزْنِهِ. وَقَدْ تَكُونُ الْعَدَاوَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَدْ تَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيَخْتَصُّ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ عَلَى الْآخَرِ. وَلَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُهَا بَلْ يَكْفِي مَا دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَنَحْوِهَا. كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ نَاقِلًا لَهُ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ أَمَّا الْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ فَلَا تُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ فَتُقْبَلُ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ. وَشَهَادَةُ السُّنِّيِّ عَلَى الْمُبْتَدِعِ، وَتُقْبَلُ مِنْ مُبْتَدِعٍ لَا نُكَفِّرُهُ بِبِدْعَتِهِ، كَمُنْكَرِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ أَفْعَالَ عِبَادِهِ، وَجَوَازِ رُؤْيَتِهِ   [حاشية البجيرمي] وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى مَيِّتٍ بِحَقٍّ فَيُقِيمَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُمَا عَدُوَّانِ لَهُ، فَلَا يُقْبَلَانِ عَلَيْهِ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ لِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ لِمِلْكِهِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ الْمَيِّتُ شَرْحُ م ر. وَلَا تَتَقَيَّدُ الْعَدَاوَةُ بِزَمَنٍ فَلَوْ بَالَغَ فِي مُخَاصَمَةِ شَخْصٍ عِنْدَ إرَادَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مَثَلًا فَرَدَّ عَلَيْهِ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ قُبِلَتْ، وَلَا تَتَقَيَّدُ بِشَخْصٍ أَيْضًا فَقَاطِعُ الطَّرِيقِ عَدُوٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ ق ل. قَوْلُهُ: (عَلَى عَدُوِّهِ) أَمَّا لَهُ فَتُقْبَلُ مَا لَمْ تُفْضِ الْعَدَاوَةُ إلَى الْفِسْقِ فَإِنْ أَدَّتْهُ إلَى أَنْ يَسْرِقَ، أَوْ يَقْذِفَهُ. اقْتَضَتْ مَنْعَ الشَّهَادَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُنِعَتْ شَهَادَةُ كُلٍّ عَلَى الْآخَرِ. وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جَانِبٍ اخْتَصَّ مَنْعُ الشَّهَادَةِ بِالْعَدُوِّ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ مِنْهُ لِلْآخَرِ وَعَلَيْهِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ هَذَا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ فِي الشَّهَادَاتِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَنَّتُ بِالشُّهَدَاءِ. قَوْلُهُ: (ذِي غِمْرٍ) أَيْ ذِي حِقْدٍ. قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْغِلُّ) وَبِالْفَتْحِ الْمَالُ الْكَثِيرُ الَّذِي يَغْمُرُك أَيْ يَسْتُرُك وَبِالضَّمِّ الرَّجُلُ الْجَافِي. قَوْلُهُ: (الظَّاهِرَةُ) وَيَكْتَفِي بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا كَالْمُخَاصَمَةِ، اكْتِفَاءً بِالْمَظِنَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ. وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بِأَنَّ الْعَدَاوَةَ هِيَ الَّتِي تُفْضِي إلَى التَّعَدِّي بِالْأَفْعَالِ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْعَدَاوَةُ الْكَامِنَةُ فِي الْقَلْبِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ) غَرَضُهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّ الْعَدَاوَةَ الْبَاطِنَةَ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ حَيْثُ كَانُوا إخْوَانَ الْعَلَانِيَةِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ عَلَى الْعَدَاوَةِ الْبَاطِنَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ عَشْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (إخْوَانَ الْعَلَانِيَةِ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْفَضْلُ) هَذَا عَجُزُ بَيْتٍ وَأَوَّلُهُ. وَمَلِيحَةٌ شَهِدَتْ لَهَا ضَرَّاتُهَا قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَكُونُ إلَخْ) وَقَدْ تُفْضِي الْعَدَاوَةُ إلَى الْفِسْقِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى قَاذِفِهِ، وَلَوْ قُبِلَ طَلَبُ الْحَدِّ لِظُهُورِ الْعَدَاوَةِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَقَذَفَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، لَمْ يُؤَثِّرْ فَيَحْكُمُ بِهَا الْحَاكِمُ وَلَوْ عَادَى مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ وَبَالَغَ فِي خِصَامِهِ وَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. لِئَلَّا يَتَّخِذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى رَدِّهَا سم. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ شَخْصًا عَلِمَ أَنَّ شَخْصًا يَشْهَدُ عَلَيْهِ فَعَادَاهُ وَخَاصَمَهُ، وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَتَأَثَّرْ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةٍ لِلْمُخَاصِمِ لَهُ. ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُهَا) هَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ: الظَّاهِرَةُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَذَا غَيْرَ ذَلِكَ بِأَنْ يُرَادَ ظُهُورُ آثَارِهَا كَفَرَحِهِ بِحُزْنِهِ وَعَكْسِهِ. فَالْمُرَادُ بِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ الظُّهُورُ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ أَمَارَاتِهَا كَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا ظُهُورُهَا فِي نَفْسِهَا لِأَنَّهَا خَفِيَّةٌ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ. قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ مِنْ مُبْتَدِعٍ) فِيهِ أَنَّهُ فَاسِقٌ بِبِدْعَتِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: شُبْهَتُهُ فِيهَا وَهُوَ تَأْوِيلُهُ تَمْنَعُ فِسْقَهُ. وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِلْعَدَالَةِ: خَمْسُ شَرَائِطَ وَالْمُرَادُ بِهَا أَيْ بِالْكَبَائِرِ غَيْرِ الْكَبَائِرِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْبِدَعُ، فَإِنَّ الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا مَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَتُقْبَلُ مِنْ مُبْتَدِعٍ أَيْ إنْ لَمْ يَدْعُ النَّاسَ لِبِدْعَتِهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ. وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (صِفَاتِ اللَّهِ) أَيْ الْمَعَانِي لِأَنَّ نَافِيَ الْمَعْنَوِيَّةِ يُكَفَّرُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِإِنْكَارِ الْمَعَانِي إنْكَارُ زِيَادَتِهَا عَلَى الذَّاتِ كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُ قَادِرٌ بِذَاتِهَا لَا بِصِفَةٍ زَائِدَةٍ. كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ: وَكَيْفَ يُكَفَّرُ مُنْكِرُ الْمَعْنَوِيَّةِ، مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْأَحْوَالِ، وَالْحَقُّ: أَنْ لَا حَالَ كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِهَا ثُبُوتُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مُصِيبُونَ فِي ذَلِكَ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ مَنْ نُكَفِّرُهُ بِبِدْعَتِهِ كَمُنْكَرِي حُدُوثِ الْعَالَمِ وَالْبَعْثِ وَالْحَشْرِ لِلْأَجْسَامِ وَعِلْمِ اللَّهِ بِالْمَعْدُومِ، وَبِالْجُزْئِيَّاتِ لِإِنْكَارِهِمْ مَا عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ بِهِ ضَرُورَةً فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا شَهَادَةُ مَنْ يَدْعُو النَّاسَ إلَى بِدْعَتِهِ كَمَا لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ بَلْ أَوْلَى وَلَا شَهَادَةَ خَطَّابِيٍّ لِمِثْلِهِ. إنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مَا يَنْفِي احْتِمَالَ اعْتِمَادِهِ عَلَى قَوْلِ الْمَشْهُودِ لَهُ، لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ، فَإِنَّ فِيهَا ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: رَأَيْت أَوْ سَمِعْت أَوْ شَهِدَ لِمُخَالِفِهِ قُبِلَتْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. (وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ وَالِدٍ) وَإِنْ عَلَا (لِوَلَدِهِ) وَإِنْ سَفَلَ (وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (وَلَدٍ) وَإِنْ سَفَلَ (لِوَالِدِهِ) وَإِنْ عَلَا لِلتُّهْمَةِ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّخْصِ لِبَعْضِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ قَبُولَ شَهَادَةِ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ وَعَكْسُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ عَدَاوَةٌ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَإِذَا شَهِدَ بِحَقٍّ لِفَرْعٍ أَوْ أَصْلٍ لَهُ وَأَجْنَبِيٍّ كَأَنْ شَهِدَ بِرَقِيقٍ لَهُمَا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ يَطْرَأُ وَيَزُولُ نَعَمْ لَوْ شَهِدَ لِزَوْجَتِهِ،   [حاشية البجيرمي] أَضْدَادِهَا وَهُوَ كُفْرٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْحَالِ نَفْيُ الصِّفَاتِ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الْمَنْفِيَّةَ الْأَكْوَانِ أَيْ كَوْنَهُ قَادِرًا وَكَوْنَهُ مُرِيدًا إلَى آخِرِهَا، وَأَمَّا الصِّفَاتُ: وَهُوَ قَادِرٌ، مُرِيدٌ، سَمِيعٌ، إلَى آخِرِهَا فَلَمْ يُنْكِرْهَا نَافِي الْأَحْوَالِ قَوْلُهُ: (وَجَوَازُ رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . فَإِنْ قُلْت: قَوْله تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] يَدُلُّ عَلَى رُؤْيَتِهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُنْكِرُهَا غَيْرَ كَافِرٍ. فَأَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْكُبْرَى عَنْ الزَّمَخْشَرِيِّ: بِأَنَّ إلَى مُفْرَدُ آلَاءٍ وَهِيَ النِّعَمُ فَإِلَى رَبِّهَا بِمَعْنَى نِعْمَةِ رَبِّهَا وَهِيَ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ: نَاظِرَةٌ أَيْ نَاظِرَةٌ نِعْمَةَ رَبِّهَا. قَوْلُهُ: (وَالْبَعْثِ) أَيْ الْإِحْيَاءِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [ق: 41] قِيلَ يُنَادِي إسْرَافِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ خُرُوجِ الْأَرْوَاحِ مِنْ الصُّورِ فَيَقُولُ: يَا أَيَّتُهَا الْعِظَامُ النَّخِرَةُ وَالْجُلُودُ الْمُتَمَزِّقَةُ وَالشُّعُورُ الْمُتَقَطِّعَةُ، إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَجْتَمِعُوا لِفَصْلِ الْخِطَابِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُ فِيهِ: «أَيُّهَا الْأَعْضَاءُ الْمُتَهَشِّمَةُ، وَالْعِظَامُ الْبَالِيَةُ، وَالْأَجْسَامُ الْمُتَفَرِّقَةُ، وَالْجُلُودُ الْمُتَمَزِّقَةُ، وَالْأَوْصَالُ الْمُتَقَطِّعَةُ، وَالشُّعُورُ الْمُتَطَايِرَةُ قُومُوا إلَى الْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَخْرُجُ أَرْوَاحُهُمْ حِينَئِذٍ مِنْ ثُقْبِ الصُّورِ. وَلَهَا دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ وَرَبُّ الْعِزَّةِ يَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لِأُعِيدَنكُمْ كَمَا خَلَقْتُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَلَا تُخْطِئُ رُوحٌ صَاحِبَهَا فَيُعِيدُهُمْ كَمَا بَدَأَهُمْ» قَالَ تَعَالَى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] وَالصُّورُ فِيهِ ثُقْبٌ عَلَى عَدَدِ الْخَلَائِقِ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ فِي الْمُدَّثِّرِ النَّاقُورَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر: 8] {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر: 9] {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 10] . وَهُوَ عَلَى وَزْنِ فَاعُولٍ مِنْ النَّقْرِ بِمَعْنَى التَّصْوِيتِ. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ عَلَى الْعَشْمَاوِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا شَهَادَةُ مَنْ يَدْعُو النَّاسَ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْقَبُولُ مِنْ الدَّاعِيَةِ فَإِذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ خِلَافًا لِلشَّارِحِ وَلِمَنْ تَبِعَهُ ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَا شَهَادَةُ خَطَّابِيٍّ لِمِثْلِهِ) وَالْخَطَّابِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنْ الرَّوَافِضِ مَنْسُوبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبٍ الْأَجْدَعِ. يَتَدَيَّنُونَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ فِي الْعَقِيدَةِ إذَا حَلَفَ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ اهـ. مِصْبَاحٌ وَعِبَارَةُ أج قَوْلُهُ خَطَّابِيٍّ: أَيْ أَصْحَابِ أَبِي الْخَطَّابِ الْكُوفِيِّ كَانَ يَقُولُ بِأُلُوهِيَّةِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ثُمَّ ادَّعَاهَا بَعْدَ مَوْتِهِ اهـ. وَلَعَلَّ أَصْحَابَهُ لَا يَقُولُونَ: بِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا كَانُوا كُفَّارًا. قَوْلُهُ: (أَوْ شَهِدَ لِمُخَالِفِهِ) أَيْ لِغَيْرِ خَطَّابِيٍّ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَالِدٍ لِوَلَدِهِ) يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ ادَّعَى الْقَاضِي أَوْ الْإِمَامُ بِمَالٍ لِبَيْتِ الْمَالِ فَشَهِدَ لَهُ بِهِ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ فَتُقْبَلُ لِعُمُومِ الْمُدَّعَى بِهِ. قَوْلُهُ: (لِبَعْضِهِ) وَلَوْ عَلَى بَعْضٍ آخَرَ بِأَنْ شَهِدَ لِابْنِهِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ عَلَى أَبِيهِ. قَوْلُهُ: (عَقْدٌ) أَيْ عَقْدُ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَزُولُ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ شَهِدَ لِزَوْجَتِهِ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا وَلَوْ شَهِدَ لِعَبْدِهِ بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ هُنَا مُحَصِّلُهَا نِسْبَةُ الْقَاذِفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَهَا لَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهَا بِالزِّنَا لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِيَانَتَهَا فِرَاشَهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّخْصِ لِأَحَدِ أَصْلَيْهِ أَوْ فَرْعَيْهِ عَلَى الْآخَرِ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَنْعُ الْحُكْمِ بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَإِنْ خَالَفَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ قَدْ تَعَارَضَ فَظَهَرَ الصِّدْقُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ وَلَا تُقْبَلُ تَزْكِيَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا شَهَادَتُهُ لَهُ بِالرُّشْدِ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي حِجْرِهِ أَمْ لَا وَإِنْ أَخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ بِرُشْدِ مَنْ فِي حِجْرِهِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا عَدَا الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ مِنْ حَوَاشِي النَّسَبِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَكَذَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ، وَهُوَ مَنْ صَدَقَ فِي وِدَادِك بِأَنْ يُهِمَّهُ مَا أَهَمَّكَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَلِيلٌ ذَلِكَ أَيْ فِي زَمَانِهِ وَنَادِرٌ فِي زَمَانِنَا أَوْ مَعْدُومٌ (وَلَا يَقْبَلُ) الْقَاضِي (كِتَابَ قَاضٍ) كَتَبَ بِهِ (إلَى قَاضٍ) وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَيْ لَا يَعْمَلُ بِهِ (فِي) مَا أَنْهَاهُ فِيهِ مِنْ (الْأَحْكَامِ) . كَأَنْ حَكَمَ فِيهِ لِحَاضِرٍ عَلَى غَائِبٍ بِدَيْنٍ (إلَّا بَعْدَ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) عَدْلَيْ شَهَادَةٍ يَشْهَدَانِ عِنْدَ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ (بِمَا فِيهِ) أَيْ الْكِتَابِ مِنْ الْحُكْمِ. تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الْكِتَابِ كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ حَضَرَ فُلَانٌ وَادَّعَى عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ الْمُقِيمِ بِبَلَدِ كَذَا بِدَيْنٍ وَحَكَمْتُ لَهُ بِحُجَّةٍ وَأَجَبْتُ الْحُكْمَ وَسَأَلَنِي أَنْ أَكْتُبَ إلَيْك بِذَلِكَ فَأَجَبْتُهُ وَأَشْهَدْتُ بِالْحُكْمِ شَاهِدَيْنِ وَيُسَمِّيهِمَا إنْ لَمْ   [حاشية البجيرمي] إلَى خِيَانَةٍ فِي حَقِّ الزَّوْجِ. لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِنِسْبَةِ زَوْجَتِهِ إلَى فَسَادٍ بِخِلَافِ السَّيِّدِ بِالنِّسْبَةِ لِقِنِّهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُ) أَيْ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ فِرَاشِهِ وَلِأَنَّهُ إذَا حُدَّ قَاذِفُهَا بِشَهَادَتِهِ أَفَادَ ذَلِكَ عِفَّتَهَا وَانْتَفَى الْعَارُ عَنْ فِرَاشِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِيَانَتَهَا فِرَاشَهُ) أَيْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخِيَانَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) : أَيْ فَقَالَ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ الْمَذْكُورَةُ وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّخْصِ لِأَحَدِ أَصْلَيْهِ أَوْ فَرْعَيْهِ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَيُؤَيِّدُهُ مَنْعُ الْحُكْمِ بَيْنَ أَبِيهِ وَابْنِهِ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ) أَيْ بِأَنَّ الْمَيْلَ الطَّبِيعِيَّ الَّذِي فِي الْمَشْهُودِ لَهُ الْمُقْتَضِي لِلتُّهْمَةِ ظَاهِرًا كَشَهَادَتِهِ لِأُمِّهِ بِدَيْنٍ عَلَى أَبِيهِ قَدْ تَعَارَضَ أَيْ عَارَضَهُ الْمَيْلُ الطَّبِيعِيُّ الَّذِي فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الَّذِي لَمْ يَقْتَضِ التُّهْمَةَ بِسَبَبِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ فَتَسَاقَطَا فَكَأَنَّهُ لَا مَيْلَ فَلَا يُقَالُ: إنَّ شَهَادَتَهُ لِأَحَدِهِمَا لِلْمَيْلِ الطَّبِيعِيِّ فَلَا تُقْبَلُ، قَالَ س ل فَالْوَازِعُ الطَّبِيعِيُّ مَا يَحْمِلُ الْإِنْسَانَ عَلَى الشَّيْءِ بِطَبْعِهِ فَالْمُرَادُ بِالْوَازِعِ الدَّاعِي وَالْبَاعِثُ. قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) هُوَ مَالِكِيٌّ وَسَافَرَ إلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ لِيَأْخُذَ عَنْهُ الْعِلْمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَكُلُّ مَرَّةٍ يُنْفِقُ فِيهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَقَلِيلٌ ذَلِكَ) وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ: لَا تَجْزَعَن لِوَحْدَةٍ وَتَفَرُّدِ ... وَمِنْ التَّفَرُّدِ فِي زَمَانِك فَازْدَدْ ذَهَبَ الْإِخَاءُ فَلَيْسَ ثَمَّ أُخُوَّةٌ ... إلَّا التَّمَلُّقُ بِاللِّسَانِ وَبِالْيَدِ وَإِذَا كَشَفْت ضَمِيرَ مَا بِصُدُورِهِمْ ... أَلْفَيْت ثَمَّ نَقِيعُ سُمٍّ أَسْوَدِ قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْبَلُ الْقَاضِي) أَيْ الْمَنْهِيُّ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَتَبَ بِهِ) : كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَهُ. اهـ أج. قَوْلُهُ: (إلَى قَاضٍ) فِيهِ إظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ بِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الشَّارِحِ مَعَ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ) كَمَا إذَا كَانَ فِي بَلَدِ الْغَائِبِ قُضَاةٌ فَكَتَبَ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ الْكِتَابُ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ حَكَمَ فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ ذَكَرَ الْحُكْمَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَأَشْهَدْت) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَشَهِدَ أَيْ الْمُدَّعِي. وَهِيَ غَيْرُ مُنَاسَبَةٍ لِمَا بَعْدَهَا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْقَاضِي وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ مِثْلُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (شَاهِدَيْنِ) وَالْمُرَادُ بِهِمَا شَاهِدَانِ غَيْرُ شَاهِدَيْ الْحَقِّ أَمَّا هُمَا: فَلَا يَذْهَبَانِ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا اللَّذَانِ يَذْهَبَانِ شَاهِدَا الْحُكْمِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَمِّيهِمَا) أَيْ شَاهِدَيْ الْحُكْمِ لَا الْحَقِّ وَهَذَا إذَا كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 يُعَدِّلْهُمَا، وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُ تَسْمِيَتِهِمَا وَيُسَنُّ خَتْمُهُ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِحَضْرَتِهِ وَيَقُولُ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي كَتَبْتُ إلَى فُلَانٍ بِمَا سَمِعْتُمَا وَيَضَعَانِ خَطَّيْهِمَا فِيهِ وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: أُشْهِدُكُمَا أَنَّ هَذَا خَطِّي وَأَنَّ مَا فِيهِ حُكْمِي وَيَدْفَعُ لِلشَّاهِدَيْنِ نُسْخَةً أُخْرَى بِلَا خَتْمٍ، لِيُطَالِعَاهَا وَيَتَذَكَّرَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيَشْهَدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي الْآخَرِ عَلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِمَا جَرَى عِنْدَهُ مِنْ ثُبُوتٍ أَوْ حُكْمٍ إنْ أَنْكَرَ الْخَصْمُ الْمُحْضَرُ أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ فِيهِ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ: لَيْسَ الْمَكْتُوبُ اسْمِي صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يُعْرَفْ بِهِ لِأَنَّهُ أَخْبَرُ بِنَفْسِهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. فَإِنْ عُرِفَ بِهِ لَمْ يُصَدَّقْ بَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ: لَسْتُ الْخَصْمَ وَقَدْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِحُجَّةِ أَنَّهُ اسْمُهُ، حُكِمَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَشْرَكُهُ فِيهِ أَوْ كَانَ، وَلَمْ يُعَاصِرْ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يُشْرِكُهُ فِيهِ صَرْعًا وَالْمُدَّعِي فَإِنْ مَاتَ أَوْ أَنْكَرَ الْحَقَّ بَعَثَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لِلْكَاتِبِ لِيَطْلُبَ مِنْ الشُّهُودِ زِيَادَةَ تَمْيِيزٍ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَيَكْتُبُهَا وَيُنْهِيهَا ثَانِيًا لِقَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ زِيَادَةَ تَمْيِيزٍ وَقَفَ الْأَمْرَ حَتَّى يَنْكَشِفَ فَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُشَارِكُ بِالْحَقِّ طُولِبَ بِهِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا مَعَ الْمُعَاصَرَةِ إمْكَانُ الْمُعَامَلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ. تَتِمَّةٌ: لَوْ حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ بِبَلَدِ الْحَاكِمِ لِلْمُدَّعِي الْحَاضِرِ فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ عَلَى الْغَائِبِ أَمْضَاهُ إذَا عَادَ إلَى   [حاشية البجيرمي] الْمُرَادُ إنْهَاءَ الْحُكْمِ أَمَّا إذَا كَانَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ وَقَبِلَهَا، وَلَمْ يَحْكُمْ وَأَرَادَ إنْهَاءَ الْبَيِّنَةِ أَيْ أَنَّهُ سَمِعَهَا وَقَبِلَهَا فَيَكُونُ الْمُرَادَ وَيُسَمِّيهِمَا أَيْ شَاهِدَيْ الْحَقِّ إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمَا وَقَوْلُهُ: وَيُسَمِّيهِمَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي شَاهِدَيْ الْحُكْمِ لَا شَاهِدَيْ الْحَقِّ لِأَنَّ الْإِنْهَاءَ إنْ كَانَ بِالْحُكْمِ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الْحُجَّةِ أَيْ الْبَيِّنَةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ الْحُكْمَ. وَإِنْ كَانَ الْإِنْهَاءُ بِسَمَاعِ الشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ احْتَاجَ الْأَمْرُ إلَى ذِكْرِ الشَّاهِدَيْنِ إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمَا وَالشَّارِحُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فَقَطْ أَيْ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ، فَلَا يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ عَلَى شَاهِدَيْ الْحَقِّ لَكِنَّ قَوْلَهُ: إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي شَاهِدَيْ الْحَقِّ لِأَنَّ شَاهِدَيْ الْحُكْمِ عَدَّلَهُمَا قَبْلَ الْحُكْمِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْأَحْكَامِ: أَوْ فِي سَمَاعِ بَيِّنَةٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يُنْهَى إلَيْهِ الْحُكْمُ إنْ حَكَمَ وَلَا يَكُونُ، إلَّا بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَتَعْدِيلِهَا أَوْ يُنْهَى إلَيْهِ ثُبُوتُ الْحَقِّ إنْ لَمْ يَحْكُمْ وَقَدْ عُدِّلَتْ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ. أَوْ يُنْهَى إلَيْهِ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ بِالْحَقِّ فَقَطْ، إنْ لَمْ تُعَدَّلْ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ. وَكَلَامُهُ: يَقْتَضِيَ الِاكْتِفَاءَ بِتَعْدِيلِهِ، فَيُخَالِفُ مَا فِي الرَّوْضِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَكْفِي تَعْدِيلُ الْكَاتِبِ إيَّاهُمَا. لِأَنَّهُ تَعْدِيلٌ قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ. اهـ. م د. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلَهُ: وَيَسْمَعُهَا إلَخْ. هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي إنْهَاءِ سَمَاعِ الْحُجَّةِ، كَمَا فِي الْمَنْهَجِ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ، إلَّا فِي إنْهَاءِ الْحُكْمِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ انْتَقَلَ نَظَرُهُ. وَلَوْ زَادَ قَبْلَ هَذَا قَوْلَهُ: أَوْ شَهِدَ بِالْحَقِّ عِنْدِي شَاهِدَانِ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ خَتْمُهُ) أَيْ حِفْظًا لَهُ وَإِكْرَامًا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَخَتْمُ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِخَتْمِهِ جَعْلُ نَحْوِ شَمْعٍ عَلَيْهِ وَيَخْتِمُ عَلَيْهِ بِخَاتَمِهِ لِأَنَّهُ يَتَحَفَّظُ بِذَلِكَ. اهـ. حَجّ وَعِبَارَةُ ح ل. وَسُنَّ خَتْمُهُ أَيْ عَلَى نَحْوِ شَمْعٍ يَضَعُهُ عَلَى الْكِتَابِ بَعْدَ طَيِّهِ لَيَصُونَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضَعَ الْخَتْمَ لَا عَلَى شَمْعٍ وَنَحْوِهِ اهـ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي خَتْمُ الْكِتَابِ حِفْظًا لِمَا فِيهِ وَإِكْرَامًا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ. «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرْسِلُ كُتُبَهُ غَيْرَ مَخْتُومَةٍ فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَبُولِهَا، إلَّا مَخْتُومَةً فَاِتَّخَذَ خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» فَصَارَ خَتْمُ الْكِتَابِ سُنَّةً مُتَّبَعَةً وَإِنَّمَا كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ إلَّا كِتَابًا مَخْتُومًا خَوْفًا مِنْ كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَإِضَاعَةِ تَدْبِيرِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَيُدْفَعُ لِلشَّاهِدَيْنِ) أَيْ نَدْبًا ع ش. قَوْلُهُ: (مِنْ ثُبُوتٍ أَوْ حُكْمٍ) بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّهُ يُنْهِي ثُبُوتَ الْحَقِّ، مَعَ الْحُكْمِ وَلَفْظُ الثُّبُوتِ سِرِّيٌّ لَهُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَنْهَجِ. لِأَنَّهُ أَوَّلًا ذَكَرَ إنْهَاءَ الْحُكْمِ وَذَكَرَ بَعْدَهُ إنْهَاءَ الثُّبُوتِ. ثُمَّ قَالَ: مِنْ ثُبُوتٍ أَوْ حُكْمٍ فَهُوَ صَحِيحٌ هُنَاكَ وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا إنْهَاءَ الْحُكْمِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ) أَيْ يَنْفُذُ الْحُكْمُ إنْ كَانَ الْإِنْهَاءُ بِالْحُكْمِ وَيُنْشِئُ الْحُكْمَ إنْ كَانَ الْإِنْهَاءُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَاتَ) جَوَابُ إنْ الْأُولَى مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ مَاتَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (زِيَادَةَ تَمْيِيزٍ) أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمٍ ثَانٍ مِنْ قَاضِي بَلَدِ الْحَاضِرِ وَلَا يُشْتَرَطُ إعَادَةُ الدَّعْوَى وَالتَّحْلِيفِ. قَوْلُهُ: (إمْكَانُ الْمُعَامَلَةِ) فَلَوْ كَانَ عُمْرُهُ خَمْسَ سِنِينَ وَعُمْرُ الْمُدَّعِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَهُوَ حِينَئِذٍ قَضَاءٌ بِعِلْمِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَافَهَهُ بِهِ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، فَلَيْسَ لَهُ إمْضَاؤُهُ إذَا عَادَ إلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ. كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَالَ قَاضِي بَلَدِ الْحَاضِرِ وَهُوَ فِي طَرَفِ وِلَايَتِهِ لِقَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ فِي طَرَفِ وِلَايَتِهِ حَكَمْتُ بِكَذَا عَلَى فُلَانٍ الَّذِي بِبَلَدِك نَفَّذَهُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْكِتَابِ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَالْإِنْهَاءِ وَلَوْ بِغَيْرِ كِتَابٍ بِحُكْمٍ يَمْضِي مُطْلَقًا عَنْ التَّقْيِيدِ بِفَوْقِ مَسَافَةِ الْعَدْوَى وَالْإِنْهَاءُ بِسَمَاعِ حُجَّةٍ يُقْبَلُ فِيمَا فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى لَا فِيمَا دُونَهُ وَفَارَقَ الْإِنْهَاءَ بِالْحُكْمِ بِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الِاسْتِيفَاءُ بِخِلَافِ سَمَاعِ الْحُجَّةِ إذْ يَسْهُلُ إحْضَارُهَا مَعَ الْقُرْبِ وَالْعِبْرَةُ بِالْمَسَافَةِ بِمَا بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ لَا بِمَا بَيْنَ الْقَاضِي الْمَنْهِيِّ وَالْغَرِيمِ وَمَسَافَةُ الْعَدْوَى مَا يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرًا إلَى مَحَلِّهِ يَوْمَهُ الْمُعْتَدِلَ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُعَدِّي أَيْ يُعَيِّنُ مَنْ طَلَبَ خَصْمًا مِنْهَا عَلَى إحْضَارِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ أَنَّهُ لَوْ عَسُرَ إحْضَارُ الْحُجَّةِ مَعَ الْقُرْبِ بِنَحْوِ مَرَضٍ قَبْلَ الْإِنْهَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ. فَصْلٌ فِي الْقِسْمَةِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهِيَ تَمْيِيزُ بَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ مِنْ بَعْضٍ وَالْقَسَّامُ الَّذِي يَقْسِمُ الْأَشْيَاءَ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ لَبِيدٌ فَارْضَ بِمَا قَسَمَ الْمَلِيكُ فَإِنَّمَا ... قَسَمَ الْمَعِيشَةَ بَيْنَنَا قَسَّامُهَا   [حاشية البجيرمي] عِشْرِينَ سَنَةً فَهَذَا لَمْ يُمْكِنْ مُعَامَلَتُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ) وَهُوَ الْمَنْهِيُّ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ: بِبَلَدِ الْحَاكِمِ وَهُوَ الْمَنْهِيُّ. قَوْلُهُ: (لِلْمُدَّعِي) أَيْ الَّذِي حَكَمَ لِلْمُدَّعِي. فَأَلْ اسْمٌ مَوْصُولٌ وَقَوْلُهُ: الْحَاضِرِ صِفَةٌ لِلْمُدَّعِي. قَوْلُهُ: (فَشَافَهَهُ) أَيْ خَاطَبَهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ. أَيْ شَافَهَ الْحَاكِمُ لِلْمُدَّعِي قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَاضِي بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَيَشْمَلُ الشَّادَّ إنْ انْحَصَرَ الْأَمْرُ فِي الْإِنْهَاءِ إلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وحج. قَوْلُهُ: (أَمْضَاهُ) أَيْ الْمُخْبَرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْإِمْضَاءُ وَقَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذْ شَافَهَهُ. قَوْلُهُ: (قَضَاءً بِعِلْمِهِ) أَيْ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ شَافَهَهُ) . مَفْهُومُ قَوْلِهِ: بِبَلَدِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ عَمَلِهِ) أَيْ الْمُخْبِرِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الشَّارِحِ: إذَا عَادَ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْبَرُ بِفَتْحِهَا فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَمْ فِي غَيْرِهَا فَلَا يَنْفُذُ الْمُخْبَرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ كَالْمَعْزُولِ أَيْ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لَهُ إمْضَاؤُهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُخْبَرِ بِفَتْحِ الْبَاءِ إمْضَاؤُهُ أَيْ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ أَيْ الْمُخْبِرِ بِالْكَسْرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ فَهُوَ كَالْإِخْبَارِ بَعْدَ الْعَزْلِ فَلَا يُفِيدُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فَإِنْ شَافَهَ قَاضٍ قَاضِيًا بِالْحُكْمِ وَالْمَنْهِيُّ لَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، لَمْ يَحْكُمْ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِأَنَّ إخْبَارَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَإِخْبَارِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ اهـ بِالْحَرْفِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِنْهَاءُ) أَيْ الْمَنْهِيُّ وَالْعِبَارَةُ فِيهَا قَلْبٌ أَيْ الْحُكْمُ الْمَنْهِيُّ. قَوْلُهُ: (يَمْضِي مُطْلَقًا) أَيْ يَنْفُذُ. قَوْلُهُ: (وَالْإِنْهَاءُ بِسَمَاعِ حُجَّةٍ) بِأَنْ أَنْهَى لَهُ أَنَّهُ سَمِعَ حُجَّةً تَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ الذِّمِّيِّ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (مَا يَرْجِعُ إلَخْ) أَيْ هِيَ الَّتِي لَوْ خَرَجَ مِنْهَا بُكْرَةً لِبَلَدِ الْحَاكِمِ لَرَجَعَ إلَيْهَا يَوْمَهُ بَعْدَ فَرَاغِ زَمَنِ الْمُخَاصَمَةِ الْمُعْتَدِلَةِ مِنْ دَعْوَى وَجَوَابٍ وَإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ حَاضِرَةٍ وَتَعْدِيلِهَا وَالْعِبْرَةُ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ لِأَنَّهُ مُنْضَبِطٌ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (مُبَكِّرٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ شَخْصٌ مُبَكِّرٌ أَيْ خَرَجَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مِنْ قَبْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَقَوْلُهُ: يَوْمَهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَالْمَعْنَى أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهَا وَيَرْجِعَ فِي يَوْمٍ. قَوْلُهُ: (يُعْدِي) : مِنْ الْإِعْدَادِ أَيْ يُعِينُ مِنْ الْإِعَانَةِ فَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (عَلَى إحْضَارِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُعِينُ. قَوْلُهُ: (مِنْ تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ) هُوَ قَوْلُهُ: إذْ يَسْهُلُ إحْضَارُهَا مَعَ الْقُرْبِ. [فَصْلٌ فِي الْقِسْمَةِ] ِ قَوْلُهُ: (وَهِيَ تَمْيِيزُ) : أَيْ لُغَةً وَشَرْعًا، فَهُوَ مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا الِاصْطِلَاحِيَّ وَأَمَّا اللُّغَوِيُّ فَمُطْلَقُ التَّمْيِيزِ وَأُدْرِجَتْ فِي الْقَضَايَا لِاحْتِيَاجِ الْقَاضِي إلَيْهَا وَلِأَنَّ الْقَاسِمَ كَالْقَاضِي فِي وُجُوبِ امْتِثَالِ " قِسْمَتِهِ. وَاعْلَمْ: أَنَّ قِسْمَةَ الْإِفْرَازِ ضَابِطُهَا أَنْ تَكُونَ فِي مُسْتَوِي الْأَجْزَاءِ صُورَةً وَقِيمَةً مِثْلِيًّا أَوْ مُتَقَوِّمًا. وَضَابِطُ قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ أَنْ تَكُونَ فِيمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] الْآيَةَ، «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ بَيْنَ أَرْبَابِهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا لِيَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْكَمَالِ وَيَتَخَلَّصَ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَاخْتِلَافِ الْأَيْدِي. (وَيَفْتَقِرُ الْقَاسِمُ) أَيْ الَّذِي يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي (إلَى سَبْعَةِ شَرَائِطَ) وَزِيدَ عَلَيْهَا شَرَائِطُ أُخَرَ كَمَا سَتَعْرِفُهَا وَهِيَ (الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالْعَدَالَةُ) لِأَنَّ ذَلِكَ وِلَايَةٌ وَمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِمَا ذُكِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ. (وَ) عِلْمُ الْمِسَاحَةِ وَعِلْمُ (الْحِسَابِ) لِاسْتِدْعَائِهَا لِلْمِسَاحَةِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَإِنَّمَا شُرِطَ عِلْمُهُمَا لِأَنَّهُمَا آلَةُ الْقِسْمَةِ كَمَا أَنَّ النَّفَقَةَ آلَةُ الْقَضَاءِ وَاعْتَبَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَفِيفًا عَنْ الطَّمَعِ حَتَّى لَا يَرْتَشِيَ وَلَا يَخُونَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأُمِّ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ التَّقْوِيمِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ جَزَمَ بِاسْتِحْبَابِهِ الْقَاضِيَانِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَ الْعَدَالَةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَاسْتُفِيدَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالنُّطْقِ وَالضَّبْطِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ بَلْ وَيَسْتَغْنِي عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ أَيْضًا بِالْعَدَالَةِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاسِمُ   [حاشية البجيرمي] اخْتَلَفَ أَجْزَاؤُهُ فِي الصُّورَةِ وَالْقِيمَةِ، أَوْ أَحَدُهُمَا وَقِسْمَةُ الرَّدِّ وَهِيَ مَا يُحْتَاجُ فِي قِسْمَتِهِ إلَى رَدِّ مَالٍ أَجْنَبِيٍّ، وَلِبَعْضِ الْفُضَلَاءِ: يَا نَفْسُ لَا تَطْلُبِي مَا لَا سَبِيلَ لَهُ ... قَدْ قَسَمَ الرِّزْقَ بَيْنَ الْقَوْمِ قَسَّامُ أَلَا تَرَيْنَ فَوَاكِهَ الْأَسْوَاقِ قَدْ وُضِعَتْ ... لِلتِّينِ قَوْمٌ وَلِلْجُمَّيْزِ أَقْوَامُ وَقَالَ آخَرُ: تَمُوتُ الْأُسْدُ فِي الْغَابَاتِ جُوعًا ... وَلَحْمُ الضَّأْنِ مَأْكُولُ الْكِلَابِ قَوْلُهُ: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] أَيْ قِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ. قَوْلُهُ: (وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ) أَشَارَ إلَى أَنَّ لَهَا دَلِيلًا عَقْلِيًّا. قَوْلُهُ: (الْمِسَاحَةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ طُرُقُ اسْتِعْلَامِ الْمَجْهُولَاتِ الْعَدَدِيَّةِ الْعَارِضَةِ لِلْمَقَادِيرِ أَيْ كَطَرِيقِ مَعْرِفَةِ الْقُلَّتَيْنِ بِخِلَافِ الْعَدَدِيَّةِ فَقَطْ فَإِنَّ عِلْمَهَا يَكُونُ بِالْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ. اهـ. ح ل. وَهِيَ قِسْمٌ مِنْ الْحِسَابِ فَعَطْفُهُ عَلَيْهَا مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ. قَوْلُهُ: (لِاسْتِدْعَائِهَا) أَيْ الْقِسْمَةِ أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَيُغْنِي عَنْ هَذَا التَّعْلِيلِ قَوْلُهُ الْآتِي: وَإِنَّمَا شُرِطَ عِلْمُهُمَا لِأَنَّهُمَا آلَةُ الْقِسْمَةِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ م ر. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ) يَعْنِي أَنَّ الْمِسَاحَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْقِسْمَةَ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا شُرِطَ عِلْمُهُمَا) لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: لِاسْتِدْعَائِهَا لِلْمِسَاحَةِ. قَوْلُهُ: (مَعَ ذَلِكَ) أَيْ الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ عَفِيفًا عَنْ الطَّمَعِ) لَمْ يُشْتَرَطْ هَذَا فِي الْقَاضِي. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ التَّقْوِيمِ) أَيْ تَقْدِيرُ قِيَمِ الْأَشْيَاءِ. قَوْلُهُ (بِاسْتِحْبَابِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ مَعْرِفَةِ التَّقْوِيمِ. قَوْلُهُ: (تُقْبَلُ) الْأَوْلَى وَأَنْ تُقْبَلَ لِيَصِحَّ عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (السَّمْعِ وَالْبَصَرِ) لِأَنَّ غَيْرَ السَّمِيعِ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّمْعِ. وَغَيْرَ الْبَصِيرِ، لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَصَرِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَالنُّطْقِ) أَيْ وَعَدَمُ تُهْمَةٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ عَدَاوَةٌ لَا أَصْلِيَّةٌ، وَلَا فَرْعِيَّةٌ، وَلَا سَيِّدِيَّةٌ. لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (إذْ لَا بُدَّ) يُتَأَمَّلُ هَذَا التَّعْلِيلُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ " أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِلِاشْتِرَاطِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: لَاسْتُفِيدَ مِنْهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَيَسْتَغْنِي عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ) تَرَقٍّ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمَتْنِ وَغَرَضُهُ بِهِ أَنَّ ذِكْرَ الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ إمَّا بِالْعَدَالَةِ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا أَوْ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ الْمُتَقَدِّمِ لَكِنَّ الِاعْتِرَاضَ بِالْمُتَأَخِّرِ لَيْسَ مُتَوَجِّهًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 مَنْصُوبًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ تَرَاضَيَا) وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ تَرَاضَ (الشَّرِيكَانِ) أَيْ الْمُطْلَقَانِ التَّصَرُّفِ (بِمَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَكِّمَاهُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكَ (لَمْ يَفْتَقِرْ) أَيْ هَذَا الْقَاسِمُ (إلَى ذَلِكَ) أَيْ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُمَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَقَاسَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، اُشْتُرِطَ مَعَ التَّكْلِيفِ الْعَدَالَةُ. أَمَّا مُحَكَّمُهُمَا فَهُوَ كَمَنْصُوبِ الْقَاضِي فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ. (وَإِنْ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ) هُوَ مَصْدَرُ قَوَّمَ السِّلْعَةَ قَدَّرَ قِيمَتَهَا (لَمْ يَقْتَصِرْ فِيهِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ) لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الْمُقَوَّمِ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَقْوِيمٌ فَيَكْفِي، قَاسِمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ فِيهَا خَرْصٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْخَارِصَ يَجْتَهِدُ وَيَعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ فَكَانَ كَالْحَاكِمِ. وَلَا يَحْتَاجُ الْقَاسِمُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ وَجَبَ تَعَدُّدُهُ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى عَمَلٍ مَحْسُوسٍ. وَلِلْإِمَامِ جَعْلُ الْقَاسِمِ حَاكِمًا فِي التَّقْوِيمِ فَيَعْمَلُ فِيهِ بِعَدْلَيْنِ. وَيَقْسِمُ بِنَفْسِهِ وَلِلْقَاضِي الْحُكْمُ فِيهِ فِي التَّقْوِيمِ بِعِلْمِهِ. وَيَجْعَلُ الْإِمَامُ رِزْقَ مَنْصُوبِهِ إنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ فِيهِ سَعَةٌ، وَإِلَّا فَأُجْرَتُهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَهُمْ فَإِنْ اسْتَأْجَرُوهُ وَسَمَّى كُلٌّ مِنْهُمْ قَدْرًا لَزِمَهُ وَإِنْ سَمَّوْا أُجْرَةً مُطْلَقَةً فِي إجَارَةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ فَاسِدَةٍ فَالْأُجْرَةُ مُوَزَّعَةٌ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ الْمَأْخُوذَةِ لِأَنَّهَا مِنْ مُؤَنِ   [حاشية البجيرمي] وَقَعَ فِي مَرْكَزِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاسِمُ مَنْصُوبًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ: فَإِنْ تَرَاضَيَا الشَّرِيكَانِ مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: مَحَلُّ اشْتِرَاطِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَنْصُوبِ الْحَاكِمِ أَمَّا مَنْ تَرَاضَى الشَّرِيكَانِ عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا التَّكْلِيفُ. وَالْأَوْلَى لِيُنَاسَبَ قَوْلَهُ: سَابِقًا أَيْ الَّذِي يَنْصِبُهُ الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ هُنَا: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاسِمُ مَنْصُوبًا مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ أَوْ الْقَاضِي إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَرَاضَى) هِيَ أَوْلَى مِنْ فَإِنْ تَرَاضَيَا كَمَا فِي نُسْخَةٍ لِسَلَامَتِهَا مِنْ التَّخْرِيجِ عَلَى لُغَةِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ. قَوْلُهُ: (الشَّرِيكَانِ) أَوْ الشُّرَكَاءُ. قَوْلُهُ: (الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ) مَفْعُولُ يُقْسِمُ. قَوْلُهُ: (أَيْ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ) لَوْ قَالَ: أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الشُّرُوطِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا ق ل. لِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ مُفْرَدٌ وَيُنَاسِبُ تَفْسِيرَهُ بِالْمُفْرَدِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُمَا) : فَيَجُوزُ كَوْنُهُ رَقِيقًا وَامْرَأَةً وَفَاسِقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَيَفْتَقِرُ إلَى مَا ذُكِرَ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (فَقَاسَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) أَيْ تَوَلَّى أَمْرَ الْقِسْمَةِ لَهُ وَلِيُّهُ بِأَنْ رَضِيَ مَعَ الشَّرِيكِ الْآخَرِ بِمَنْ يَقْسِمُ. قَوْلُهُ: (اُشْتُرِطَ مَعَ التَّكْلِيفِ الْعَدَالَةُ) أَيْ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا تَقَدَّمَ كَمَعْرِفَةِ الْمِسَاحَةِ وَالْحِسَابِ وَكَوْنِهِ عَفِيفًا. قَوْلُهُ: (أَمَّا مُحَكَّمُهُمَا) : وَالْفَرْقُ: بَيْنَ مَنْ حَكَّمَاهُ وَمَنْ تَرَاضَيَا بِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْكِيمٍ أَنَّهُمَا لَمَّا حَكَّمَاهُ جَعَلَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ يَلْزَمُهُمَا الرِّضَا بِمَا فَعَلَهُ بِخِلَافِ مَنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُمَا الرِّضَا بِحُكْمِهِ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي التَّقْوِيمِ بِاعْتِبَارِ الْمُقَوَّمِ. اهـ. سم. وَقَالَ شَيْخُنَا: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْقَاسِمِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَقْوِيمٌ فَيَكْفِي قَاسِمٌ وَاحِدٌ وَيَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ: لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الْمُقَوَّمِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُقَوِّمُ غَيْرَ الْقَاسِمِ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُقَوِّمُ هُوَ الْقَاسِمَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْقَاسِمَ إنْ كَانَ هُوَ الْمُقَوِّمَ اُشْتُرِطَ تَعَدُّدُهُ. وَإِنْ كَانَ الْقَاسِمُ غَيْرَ مُقَوِّمٍ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ التَّعَدُّدُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ فِيهَا خَرْصٌ) أَيْ تَخْمِينٌ كَرُطَبٍ وَهَذَا غَايَةٌ فِي عَدَمِ التَّعَدُّدِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْخَارِصَ إلَخْ) أَيْ وَالْمُقَوِّمُ يُخْبِرُ بِقِيمَةِ الشَّيْءِ فَهُوَ كَالشَّاهِدِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ سم. قَوْلُهُ: (وَلِلْإِمَامِ جَعْلُ الْقَاسِمِ) غَرَضُهُ بِهِ التَّقْيِيدُ أَيْ مَحَلُّ اشْتِرَاطِ التَّعَدُّدِ فِي الْقَاسِمِ إذَا كَانَ هُنَاكَ تَقْوِيمٌ مَا لَمْ يَجْعَلْ الْإِمَامُ الْقَاسِمَ، حَاكِمًا فِي التَّقْوِيمِ. أَيْ يُنَفِّذُهُ أَيْ يُنَفِّذُ التَّقْوِيمَ الْحَاصِلَ مِنْ غَيْرِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيَقْسِمُ بِنَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ يَسْأَلُ عَنْ الْقِيمَةِ عَدْلَيْنِ وَيَقْسِمُ بِنَفْسِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ الْإِمَامُ حَاكِمًا فِيهِ، وَلَكِنْ لَمْ يُقَوِّمْ فَيَسْأَلُ عَدْلَيْنِ عَنْ الْقِيمَةِ وَيَقْسِمُ بِنَفْسِهِ، قَوْلُهُ: (بِعَدْلَيْنِ) أَيْ، بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلِلْقَاضِي) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ الْقَاسِمُ الْقَاضِيَ بِنَفْسِهِ. وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّقْوِيمِ فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِعِلْمِهِ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا وَيَقْسِمَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدُّدٍ اهـ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَلِلْقَاضِي الْعَمَلُ فِيهِ بِعِلْمِهِ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا اهـ قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ) أَيْ بِالْعَمَلِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اسْتَأْجَرُوهُ) بِأَنْ وَكَّلُوا وَاحِدًا يَسْتَأْجِرُ لَهُمْ شَخْصًا وَعَيَّنَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ قَدْرًا وَأُذِنَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُسَمِّيَهُ لِلْأَجِيرِ فَيَلْزَمُ كُلًّا مَا سَمَّاهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرُوهُ مُرَتَّبًا وَعَيَّنَ كُلٌّ قَدْرًا وَكَذَا لَوْ عَقَدُوا مَعًا وَعَيَّنَ كُلٌّ قَدْرًا. قَوْلُهُ: (أُجْرَةً مُطْلَقَةً) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ كُلٌّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 الْمِلْكِ. ثُمَّ مَا عَظُمَ ضَرَرُ قِسْمَتِهِ إنْ بَطَلَ نَفْعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ كَجَوْهَرَةٍ وَثَوْبٍ نَفِيسَيْنِ مَنَعَهُمْ الْحَاكِمُ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ نَفْعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ كَأَنْ نَقَصَ نَفْعُهُ أَوْ بَطَلَ نَفْعُهُ الْمَقْصُودُ لَمْ يَمْنَعْهُمْ وَلَمْ يُجِبْهُمْ فَالْأَوَّلُ كَسَيْفٍ يُكْسَرُ وَالثَّانِي كَحَمَّامٍ وَطَاحُونَةٍ صَغِيرَيْنِ، فَلَا يَمْنَعُهُمْ وَلَا يُجِيبُهُمْ. وَلَوْ كَانَ لَهُ عُشْرُ دَارٍ مَثَلًا لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَالْبَاقِي لِآخَرَ يَصْلُحُ لَهَا أُجْبِرَ صَاحِبُ   [حاشية البجيرمي] مِنْهُمْ قَدْرًا بِأَنْ قَالُوا اسْتَأْجَرْنَاك لِتَقْسِمَ لَنَا بِكَذَا. قَوْلُهُ: (الْمَأْخُوذَةِ) عِبَارَةُ شَرْحِ التَّحْرِيرِ. وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي الْمَأْخُوذَةِ الْحِصَصُ الْأَصْلِيَّةُ فِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ لَيْسَتْ عَلَى قَدْرِهَا بَلْ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ الْمَأْخُوذَةِ قِلَّةً وَكَثْرَةً. لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْكَثِيرِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْقَلِيلِ اهـ بِحُرُوفِهِ. هَذَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً وَإِلَّا فَالْمُوَزَّعُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ مُطْلَقًا أَيْ عَيَّنَ كُلٌّ قَدْرًا أَوْ لَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ فَإِنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فِي أَرْضٍ نِصْفَيْنِ وَعُدِلَ ثُلُثُهَا بِثُلُثَيْهَا فَالصَّائِرُ إلَيْهِ الثُّلُثَانِ يُعْطِي مِنْ أُجْرَةِ الْقَسَّامِ ثُلُثَيْهَا وَالْآخَرُ يُعْطِي ثُلُثَهَا وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْطِي النِّصْفَ اهـ. بَكْرِيٌّ وَلَوْ اسْتَأْجَرُوهُ لِكِتَابَةِ الصَّكِّ فَالْأُجْرَةُ أَيْضًا عَلَى الْحِصَصِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ آخِرَ الشُّفْعَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَا عَظُمَ ضَرَرُ قِسْمَتِهِ إلَخْ) تَكْمِيلٌ لِلْأَقْسَامِ لِأَنَّ الْمَتْنَ تَكَلَّمَ عَلَى قِسْمَةِ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الضَّرَرُ لِكُلِّ الشُّرَكَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ كَمَا: فِي مَسْأَلَةِ الْعُشْرِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَوْلُهُ: مَنَعَهُمْ أَيْ كُلَّهُمْ إنْ كَانَ الضَّرَرُ لِلْجَمِيعِ أَوْ مَنَعَ مَنْ لَحِقَهُ الضَّرَرُ كَصَاحِبِ الْعُشْرِ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: (إنْ بَطَلَ نَفْعُهُ) الْمَقْصُودُ مِنْهُ أَيْ عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا لَا مَا يَطْرَأُ قَصْدُهُ ح ل. قَوْلُهُ: (مَنَعَهُمْ الْحَاكِمُ مِنْهَا) أَيْ وُجُوبًا، وَلَوْ تَنَازَعَ الشُّرَكَاءُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ انْتَفَعُوا بِهِ مُهَايَأَةً وَلِكُلٍّ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ أَوْ أَجَّرُوهُ لِبَعْضِهِمْ أَوْ لِغَيْرِهِمْ. فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِذَلِكَ أَجْبَرَهُمْ الْحَاكِمُ عَلَى إجَارَتِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَعَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مُهَايَأَةً. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَمْنَعْهُمْ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَلَمْ يُجِبْهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. لَمْ يَمْنَعْهُمْ لِإِمْكَانِ الِانْتِقَاعِ بِمَا صَارَ إلَيْهِ مِنْهُ عَلَى حَالِهِ أَوْ بِاِتِّخَاذِهِ مَحَلًّا صَغِيرًا كَدُكَّانٍ وَلَا يُجِبْهُمْ إلَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَكَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ مَنْعَهُ لَهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُمْ فِعْلَ مَا ذُكِرَ بِأَنْفُسِهِمْ تَخَلُّصًا مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، نَعَمْ بَحَثَ جَمْعٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ مِنْ بُطْلَانِ بَيْعِ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ نَفِيسٍ أَنَّ مَا هُنَا فِي سَيْفٍ خَسِيسٍ وَإِلَّا مَنَعَهُمْ اهـ. قَالَ ع ش: عَلَيْهِ وَإِطْلَاقُهُمْ يُخَالِفُهُ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَثَمَّ بِأَنَّ ذَاكَ الْتِزَامٌ فِيهِ مَا يُؤَدِّي إلَى النَّقْصِ بِعَقْدٍ. وَقَدْ مَنَعَهُ الشَّرْعُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَقُلْنَا بِفَسَادِهِ. وَلَا كَذَلِكَ هُنَا فَإِنَّ كَسَرَ السَّيْفِ بِمُجَرَّدِ التَّرَاضِي أَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ ذِرَاعًا مِنْ ثَوْبٍ نَفِيسٍ. لِغَرَضِ الْبَيْعِ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا مَرَّ اهـ. قَوْلُهُ: (كَحَمَّامٍ) هُوَ مَحَلُّ الِاسْتِحْمَامِ لَا مَعَ نَحْوِ مُسْتَوْقَدٍ. وَقَوْلُهُ: وَطَاحُونَةٍ هُوَ مَحَلُّ دَوَرَانِ الدَّوَابِّ حَوْلَ الْحَجَرِ لَا مَعَ نَحْوِ دَارِ الدَّوَابِّ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَأَوَّلُ مَنْ صَنَعَ الْحَمَّامَ وَالطَّاحُونَ وَالزُّجَاجَ وَالصَّابُونَ وَالنُّورَةَ الْجِنُّ. نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: حَمَّامُ طَاحُونٌ زُجَاجٌ نَوْرَةْ ... صَابُونُ صُنْعُ الْجِنِّ هَذِي الْخَمْسَهْ وَلَا يَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَقْفِ بَيْنَ أَرْبَابِهِ لِأَنَّ فِيهَا تَغْيِيرَ شَرْطِ الْوَاقِفِ مِنْ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ أَرْبَابِهِ اهـ م ر. وَقِيلَ: يَجُوزُ إفْرَازًا إنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِي الْوَقْفِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِيَرْغَبُوا فِي الْعِمَارَةِ وَلَا يَتَوَاكَلُوا. قَوْلُهُ: (صَغِيرَيْنِ) فِيهِ تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ الَّذِي هُوَ الْحَمَّامُ لِأَنَّهُ مُذَكَّرٌ وَالطَّاحُونَةُ مُؤَنَّثَةٌ. اهـ. م د. أَيْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْأَوَّلِ حَمَّامَيْنِ وَالثَّانِي طَاحُونَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُرِيدَا ذَلِكَ بَلْ أَرَادَا غَيْرَهُ مِمَّا يُمْكِنُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ جَعْلُ حِصَّةِ الطَّالِبِ لِلْقِسْمَةِ حَمَّامًا أَوْ طَاحُونًا أُجِيبَ وَإِنْ كَانَتْ حِصَّةُ الثَّانِي لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَ لَهُ عُشْرُ دَارٍ إلَخْ. ح ل وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمِنْهَاجِ مَا يَبْطُلُ نَفْعُهُ الْمَقْصُودُ كَحَمَّامٍ وَطَاحُونَةٍ صَغِيرَيْنِ بِحَيْثُ لَوْ قُسِمَ كُلٌّ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ الْوَجْهِ الْمَقْصُودِ قَبْلَهَا وَلَوْ بِإِحْدَاثِ مَرَافِقَ لَا يُجَابُ طَالِبُ قِسْمَتِهِ إجْبَارًا فِي الْأَصَحِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْآخَرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 الْعُشْرِ عَلَى الْقِسْمَةِ بِطَلَبِ الْآخَرِ لَا عَكْسِهِ. وَمَا لَا يَعْظُمُ ضَرَرُ قِسْمَتِهِ فَقِسْمَتُهُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ الْآتِيَةُ لِأَنَّ الْمَقْسُومَ إنْ تَسَاوَتْ الْأَنْصِبَاءُ مِنْهُ صُورَةً وَقِيمَةً فَهُوَ الْأَوَّلُ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى رَدِّ شَيْءٍ فَالثَّانِي وَإِلَّا فَالثَّالِثُ. النَّوْعُ الْأَوَّلُ الْقِسْمَةُ بِالْأَجْزَاءِ وَتُسَمَّى قِسْمَةُ الْمُتَشَابِهَاتِ؛ وَإِلَى هَذَا النَّوْعِ وَالنَّوْعِ الثَّانِي أَيْضًا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا دَعَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَرِيكَهُ إلَى قِسْمَةِ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ) كَمِثْلِيٍّ مِنْ حُبُوبٍ وَدَرَاهِمَ وَأَدْهَانٍ وَغَيْرِهَا. وَدَارٍ مُتَّفِقَةِ الْأَبْنِيَةِ وَأَرْضٍ مُسْتَوِيَةِ الْأَجْزَاءِ   [حاشية البجيرمي] وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْهَا فَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَمَّامَيْنِ أَوْ طَاحُونَيْنِ أُجِيبَ الْمُمْتَنِعُ " لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى إحْدَاثِ بِئْرٍ وَمُسْتَوْقَدٍ لِعُسْرِ التَّدَارُكِ وَالثَّانِي يُجَابُ إنْ اُنْتُفِعَ بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِوَجْهٍ مَا، وَإِنَّمَا بَطَلَ بَيْعُ مَا لَا مَمَرَّ لَهُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ بَعْدُ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَبِيعِ الِانْتِفَاعُ بِهِ حَالًا هـ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ لَهُ عُشْرُ دَارٍ) أَوْ حَمَّامٍ أَوْ أَرْضٍ م ر. قَوْلُهُ: (لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى) أَوْ لِكَوْنِهِ حَمَّامًا أَوْ لِمَا يُقْصَدُ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ: مَثَلًا كَحَمَّامٍ أَوْ طَاحُونَةٍ لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَالْبَاقِي يَصْلُحُ فَمَا عَظُمَ ضَرَرُ قِسْمَتِهِ إمَّا عَلَيْهِمَا مَعًا وَإِمَّا عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَوْلُهُ: يَصْلُحُ لَهَا وَلَوْ بِضَمِّ مَا يَمْلِكُهُ بِجِوَارِهِ. قَوْلُهُ: (أُجْبِرَ صَاحِبُ الْعُشْرِ عَلَى الْقِسْمَةِ) . ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ح ل. قَوْلُهُ: (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يُجَابُ صَاحِبُ الْعُشْرِ أَيْ لِأَنَّهُ تَعَنُّتٌ إذْ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِالْعُشْرِ إذَا قُسِمَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِعُشْرِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَأَنْ كَانَ مُلَاصِقًا لِمِلْكِهِ وَغَرَضُهُ مِنْ الْقِسْمَةِ أَنْ يَجْعَلَ حِصَّتَهُ سَعَةً فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُ يُجَابُ أج. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَلَوْ كَانَ لَهُ عُشْرُ دَارٍ مَثَلًا لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَالْبَاقِي لِآخَرَ يَصْلُحُ لَهَا وَلَوْ بِضَمِّ مَا يَمْلِكُهُ بِجِوَارِهِ أُجْبِرَ صَاحِبُ الْعُشْرِ عَلَى الْقِسْمَةِ بِطَلَبِ الْآخَرِ لَا عَكْسُهُ أَيْ لَا يُجْبَرُ الْآخَرُ بِطَلَبِ صَاحِبِ الْعُشْرِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعُشْرِ مُتَعَنِّتٌ وَالْآخَرَ مَعْذُورٌ. أَمَّا إذَا صَلُحَ الْعُشْرُ وَلَوْ بِالضَّمِّ فَيُجْبَرُ بِطَلَبِ صَاحِبِهِ الْآخَرِ لِعَدَمِ التَّعَنُّتِ حِينَئِذٍ اهـ. وَقَوْلُهُ: بِطَلَبِ الْآخَرِ لِانْتِفَاعِهِ وَضَرَرُ صَاحِبِ الْعُشْرِ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ قِلَّةِ نَصِيبِهِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ الْقِسْمَةِ. شَرْحُ م ر وحج. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِالضَّمِّ أَيْ ضَمِّ مَا يَمْلِكُهُ بِجِوَارِهِ فَيَأْخُذُ مَا هُوَ مُجَاوِرٌ لِمِلْكِهِ وَيُجْبَرُ شَرِيكُهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْأَجْزَاءَ مُتَسَاوِيَةٌ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَعِبَارَةُ م ر لَوْ مَلَكَ أَوْ أَحْيَا مَا لَوْ ضُمَّ لِعُشْرِهِ صَلُحَ لِلسُّكْنَى أُجِيبَ اهـ وَقَالَ ع ش: وَإِذَا أُجِيبَ وَكَانَ الْمَوَاتُ أَوْ الْمِلْكُ فِي أَحَدِ جَوَانِبِ الدَّارِ دُونَ بَاقِيهَا فَهَلْ يَتَعَيَّنُ إعْطَاؤُهُ لِمَا يَلِي مِلْكَهُ بِلَا قُرْعَةٍ، وَتَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ كَوْنِ الْقِسْمَةِ إنَّمَا تَكُونُ بِالْقُرْعَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْقُرْعَةِ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ حِصَّتُهُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ مِلْكِهِ لَا تَتِمُّ الْقِسْمَةُ، أَوْ يُصَوَّرُ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ الْمَوَاتُ أَوْ الْمَمْلُوكُ مُحِيطًا بِجَمِيعِ جَوَانِبِ الدَّارِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الْأَوَّلُ لِلْحَاجَةِ مَعَ عَدَمِ ضَرَرِ الشَّرِيكِ، حَيْثُ كَانَتْ الْأَجْزَاءُ مُسْتَوِيَةً اهـ. وَصَرَّحَ بِهِ م ر فِيمَا بَعْدَ. قَوْلُهُ: (صُورَةً وَقِيمَةً) سَوَاءٌ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ مُتَقَوِّمًا فَمِثَالُ الْمِثْلِيِّ الدَّرَاهِمُ وَالْحُبُوبُ وَالْأَدْهَانُ، وَمِثَالُ الْمُتَقَوِّمِ: أَرْضٌ مُتَّفِقَةُ الْأَجْزَاءِ وَدَارٌ مُتَّفِقَةُ الْأَبْنِيَةِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ الْأَوَّلُ) وَهُوَ قِسْمَةُ الْأَفْرَازِ وَقَوْلُهُ: فَالثَّانِي أَيْ قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ وَقَوْلُهُ: فَالثَّالِثُ أَيْ الرَّدُّ. قَوْلُهُ: (الْقِسْمَةُ بِالْأَجْزَاءِ) وَيَصِحُّ قِسْمَةُ الْإِفْرَازِ فِيمَا تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِهِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا ثُمَّ يُخْرِجُ كُلٌّ زَكَاةِ مَا آلَ إلَيْهِ وَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ عَلَى إخْرَاجِ الزَّكَاةِ س ل. قَوْلُهُ: (وَإِلَى هَذَا النَّوْعِ وَالنَّوْعِ الثَّانِي) وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي كَلَامِهِ لِأَنَّهُ لَا إجْبَارَ فِيهِ كَمَا يَأْتِي وَقَدْ قَالَ: هُنَا لَزِمَ الْآخَرَ إجَابَتُهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِلَى هَذَا النَّوْعِ وَالنَّوْعِ الثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّ الْقِسْمَيْنِ دَاخِلَانِ فِي الْمَتْنِ مَعَ أَنَّ الشَّارِحَ سَيَذْكُرُ الْقِسْمَ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: النَّوْعُ الثَّانِي إلَخْ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ ذِكْرَ الشَّارِحِ لَهُ زِيَادَةُ إيضَاحٍ وَبَيَانٍ لِأَمْثِلَتِهِ وَفُرُوعِهِ. قَوْلُهُ: (مُتَّفِقَةِ الْأَبْنِيَةِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: بِأَنْ كَانَ فِي جَانِبٍ مِنْهَا بَيْتٌ وَصُفَّةٌ. وَفِي الْجَانِبِ الْآخَرِ كَذَلِكَ وَالْعَرْصَةُ مُسْتَوِيَةُ الْأَجْزَاءِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَأَرْضٌ مُسْتَوِيَةُ الْأَجْزَاءِ) أَيْ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَلَيْسَ فِيهَا نَحْوُ زَرْعٍ فَتُقْسَمُ وَحْدَهَا وَلَوْ إجْبَارًا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ لَمْ تَصِحَّ قِسْمَتُهُ وَحْدَهُ وَلَا قِسْمَتُهُمَا مَعًا، نَعَمْ إنْ كَانَ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ جَازَتْ قِسْمَتُهُمَا مَعًا بِالتَّرَاضِي، وَيَجُوزُ قِسْمَةُ الْكَتَّانِ بَعْدَ نَفْضِ رُءُوسِهِ وَمِعْيَارُهُ الْوَزْنُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيَصِحُّ قِسْمَةُ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ مِنْ نَخْلٍ وَعِنَبٍ خَرْصًا وَلَا يَصِحُّ قِسْمَةُ غَيْرِهِمَا، وَشَمَلَتْ الْأَرْضُ شَرِكَةَ الْوَقْفِ وَلَوْ مَسْجِدًا فَتَجُوزُ قِسْمَتُهَا مَعَهُ فِي هَذَا النَّوْعِ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 (لَزِمَ) شَرِيكَهُ (الْآخَرَ) الْمَطْلُوبَ إلَى الْقِسْمَةِ إجَابَتُهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهَا فَيُجَزَّأُ. مَا يُقْسَمُ كَيْلًا فِي الْمَكِيلِ وَوَزْنًا فِي الْمَوْزُونِ وَذَرْعًا فِي الْمَذْرُوعِ وَعَدًّا فِي الْمَعْدُودِ بِعَدَدِ الْأَنْصِبَاءِ إنْ اسْتَوَتْ وَيُكْتَبُ مِثْلًا هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ فِي كُلِّ رُقْعَةٍ إمَّا اسْمُ شَرِيكٍ مِنْ الشَّرِيكِ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَوْ جُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ مُمَيَّزٍ عَنْ الْبَقِيَّةِ بِحَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَتُدْرَجُ الرُّقَعُ فِي بَنَادِقَ مِنْ نَحْوِ طِينٍ مُسْتَوِيَةٍ ثُمَّ يُخْرَجُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْكِتَابَةَ وَالْإِدْرَاجَ رُقْعَةً إمَّا عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ إنْ كُتِبَتْ الْأَسْمَاءُ أَوْ عَلَى اسْمِ زَيْدٍ مَثَلًا إنْ كُتِبَتْ الْأَجْزَاءُ فَيُعْطَى ذَلِكَ الْجُزْءُ وَيَفْعَلُ كَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ وَتَتَعَيَّنُ الثَّالِثَةُ لِلْبَاقِي إنْ كَانَتْ الرِّقَاعُ ثَلَاثَةً. فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَنْصِبَاءُ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسِ جَزَّأَ مَا يُقْسَمُ عَلَى أَقَلِّهَا، وَيَجْتَنِبُ إذَا كُتِبَتْ الْأَجْزَاءُ، تَفْرِيقَ حِصَّةِ وَاحِدٍ بِأَنْ لَا يَبْدَأَ بِصَاحِبِ السُّدُسِ. النَّوْعُ الثَّانِي الْقِسْمَةُ بِالتَّعْدِيلِ بِأَنْ تُعَدَّلَ السِّهَامُ بِالْقِيمَةِ كَأَرْضٍ تَخْتَلِفُ قِيمَةُ أَجْزَائِهَا   [حاشية البجيرمي] الْمُعْتَمَدِ ق ل، وَانْظُرْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى غَيْرِ قِسْمَةِ الْإِفْرَازِ. قَوْلُهُ: (مَثَلًا) رَاجِعٌ لِلْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَهَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عِنْدَ الْعَوَامّ. قَوْلُهُ: (أَوْ جُزْءٌ) عَطْفٌ عَلَى اسْمٌ أَوْ شَرِيكٌ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِمَا بَعْدَهُ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (مُمَيَّزٍ عَنْ الْبَقِيَّةِ) بِأَنْ يَكْتُبَ الْجُزْءَ الشَّرْقِيَّ فِي رُقْعَةٍ وَفِي الْأُخْرَى الْجُزْءَ الْغَرْبِيَّ وَفِي الْأُخْرَى الْقِبْلِيَّ قَوْلُهُ: (مِنْ نَحْوِ طِينٍ) أَيْ مُجَفَّفٍ كَشَمَعٍ وَالشَّمَعُ بِالتَّحْرِيكِ الَّذِي يُسْتَصْبَحُ بِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ: هَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ وَالْمُوَلَّدُونَ يَقُولُونَ: شَمْعٌ بِالتَّسْكِينِ وَالشَّمْعَةُ أَيْضًا مِنْهُ اهـ. صِحَاحُ الْجَوْهَرِيِّ. قَوْلُهُ: (مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْكِتَابَةَ) وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ صَبِيًّا لِبُعْدِ التُّهْمَةِ. وَلَهُ كَغَيْرِهِ الْبُدَاءَةُ بِأَيِّ نَصِيبٍ أَوْ شَرِيكٍ شَاءَ ق ل، وَفِي ع ش، عَلَى م ر وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا وَذَلِكَ لِبُعْدِهِ عَنْ التُّهْمَةِ إذْ الْقَصْدُ سَتْرُهَا عَنْ الْمُخْرِجِ حَتَّى لَا يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ تُهْمَةٌ وَمِنْ ثَمَّ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ: قَلِيلَ الْفِطْنَةِ لِتَبْعُد الْحِيلَةُ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَقَلِّهَا) وَهُوَ فِي الْمِثَالِ السُّدُسُ فَتَكُونُ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ وَأَفْرُعًا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَبْدَأَ إلَخْ) لِأَنَّهُ إذَا بَدَأَ بِهِ حِينَئِذٍ رُبَّمَا خَرَجَ لَهُ الْجُزْءُ الثَّانِي أَوْ الْخَامِسُ. فَيَتَفَرَّقُ مِلْكُ مَنْ لَهُ النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثُ فَيَبْدَأُ بِمَنْ لَهُ النِّصْفُ مَثَلًا فَإِنْ خَرَجَ عَلَى اسْمِهِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي أُعْطِيَهُمَا وَالثَّالِثُ وَيُثَنَّى بِمَنْ لَهُ الثُّلُثُ فَإِنْ خَرَجَ عَلَى اسْمِهِ الْجُزْءُ الرَّابِعُ أُعْطِيه. الْخَامِسُ: وَيَتَعَيَّنُ السَّادِسُ لِمَنْ لَهُ السُّدُسُ، فَالْأَوْلَى كِتَابَةُ الْأَسْمَاءِ فِي ثَلَاثِ رِقَاعٍ أَوْ سِتٍّ وَالْإِخْرَاجُ عَلَى الْأَجْزَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى اجْتِنَابِ مَا ذُكِرَ شَرْحُ الْمَنْهَجِ أَيْ فَيُخْرِجُ رُقْعَةً مِنْهَا عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فَإِنْ صَادَفَ اسْمَ صَاحِبِ السُّدُسِ أَخَذَهُ أَوْ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَاَلَّذِي يَلِيهِ أَوْ النِّصْفِ أَخَذَهُ وَاَللَّذَيْنِ بَعْدَهُ. قَالَ سم: لَك أَنْ تَقُولَ: إذَا كُتِبَتْ الْأَسْمَاءُ ثُمَّ بُدِئَ بِالْإِخْرَاجِ عَلَى الْجُزْءِ الثَّانِي مَثَلًا فَرُبَّمَا: يَخْرُجُ اسْمُ صَاحِبِ السُّدُسِ فَيَلْزَمُ تَفْرِيقُ حِصَّةِ غَيْرِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى اجْتِنَابِ الْبُدَاءَةِ بِالْإِخْرَاجِ عَلَى الْجُزْءِ الثَّانِي مَثَلًا فَفِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَخْ تَأَمَّلْ: فَتَأَمَّلْ وَقَوْلُهُ: أُعْطِيهِمَا وَالثَّالِثَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَإِعْطَاؤُهُ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ تَحَكُّمٌ فَلِمَ لَا أُعْطِي السُّهْمَانَ مِمَّا بَعْدَهُ وَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَالْبَاقِي لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَتَعَيَّنُ هَذَا بَلْ يَتْبَعُ نَظَرَ الْقَاسِمِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي نَظَائِرِهِ شَرْحُ الرَّوْضِ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: أُعْطِيهِمَا وَالثَّالِثَ وَيُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ وَإِنْ خَرَجَ عَلَى اسْمِهِ الثَّالِثُ أُعْطِيه وَاَللَّذَيْنِ قَبْلَهُ أَيْضًا وَأُقْرِعَ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ وَكَذَا إنْ خَرَجَ بِاسْمِهِ الرَّابِعُ أُعْطِيَهُ وَاَللَّذَيْنِ قَبْلَهُ وَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَالْأَخِيرَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى اسْمِهِ الْخَامِسُ أُعْطِيَهُ وَاَللَّذَيْنِ قَبْلَهُ أَيْضًا وَتَعَيَّنَ الْأَخِيرُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَلِلْأَخِيرِ، الْأَوَّلَانِ كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَاعْتَبَرَ كَغَيْرِهِ نَظَرَ الْقَاسِمِ فِيمَا يُضَمُّ فِي الصُّورَتَيْنِ وَلَوْ بَدَأَ بِصَاحِبِ السُّدُسِ عَلَى خِلَافِ مَا مُنِعَ مِنْهُ فَخَرَجَ عَلَى اسْمِهِ الثَّانِي أَوْ الْخَامِسُ. لَمْ يُعْطَهُ وَتُعَادُ الْقِسْمَةُ أَوْ غَيْرُهُمَا أُعْطِيه وَعَمِلَ فِي الْأَخِيرَيْنِ بِقِيَاسِ مَا مَرَّ. وَقَوْلُهُ: أُعْطِيهِ أَيْ الرَّابِعَ وَأُعْطِيَ مَعَهُ الْخَامِسَ. وَلَا يُعْطَى مَعَهُ الثَّالِثَ لِلُزُومِ التَّفْرِيقِ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى اسْمِهِ الْخَامِسُ فَعَلَى قِيَاسِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ مُرَاعَاةُ الْقَبْلِيَّةِ أُعْطِيَ مَعَهُ الرَّابِعَ، وَعَلَى كَلَامِ غَيْرِهِمَا يُرْجَعُ لِنَظَرِ الْقَاسِمِ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ إعْطَاءُ السَّادِسِ مَعَهُ أُعْطِيه وَأُقْرِعَ بَيْنَ الْبَاقِينَ، وَهَكَذَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَفِي شَرْحِ م ر قَوْلُهُ: أُعْطِيه وَالْخَامِسَ وَأُخِذَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ مُسْتَوِيَةُ الْأَجْزَاءِ وَلِأَحَدِهِمَا أَرْضٌ تَلِيهَا فَطَلَبَ قِسْمَتَهَا وَأَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ إلَى جِهَةِ أَرْضِهِ أُجِيبَ حَيْثُ لَا ضَرَرَ كَمَا قَدْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أُجْبِرَ عَلَى قِسْمَةِ عَرْصَةٍ وَلَوْ طُولًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 لِنَحْوِ قُوَّةِ إنْبَاتٍ وَقُرْبِ مَاءٍ أَوْ يَخْتَلِفُ جِنْسُ مَا فِيهَا كَبُسْتَانٍ بَعْضُهُ نَخْلٌ وَبَعْضُهُ عِنَبٌ. فَإِذَا كَانَتْ لِاثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ، وَقِيمَةُ ثُلُثِهَا الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا ذُكِرَ كَقِيمَةِ ثُلُثَيْهَا الْخَالِيَيْنِ عَنْ ذَلِكَ جُعِلَ الثُّلُثُ سَهْمًا وَالثُّلُثَانِ سَهْمًا وَأُقْرِعَ كَمَا مَرَّ وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ الْآخَرَ إجَابَتُهُ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ إلْحَاقًا لِلْمُتَسَاوِي فِي الْقِيمَةِ بِالْمُتَسَاوِي فِي الْأَجْزَاءِ فِي الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ، نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ قَسْمُ الْجَيِّدِ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءِ وَحْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ فِيهَا إجَابَتُهُ كَأَرْضَيْنِ يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأَجْزَاءِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى التَّعْدِيلِ كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخَانِ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَيُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ فِي مَنْقُولَاتِ نَوْعٍ لَمْ يَخْتَلِفْ مُتَقَوِّمَةٍ كَعَبِيدٍ وَثِيَابٍ مِنْ نَوْعٍ، إنْ زَالَتْ الشَّرِكَةُ بِالْقِسْمَةِ: كَثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ زِنْجِيَّةٍ   [حاشية البجيرمي] لِيَخْتَصَّ كُلٌّ بِمَا يَلِيهِ اهـ وَقَوْلُهُ: أَوْ سِتٌّ وَهِيَ أَوْلَى لِيَكُونَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ رُقْعَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُقْعَتَانِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ: ثَلَاثُ رِقَاعٍ. وَفَائِدَةُ ذَلِكَ سُرْعَةُ إخْرَاجِ نَصِيبِهِمَا ح ل. وَقَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَيَجُوزُ كَتْبُ الْأَسْمَاءِ فِي سِتِّ رِقَاعٍ اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ فِي ثَلَاثَةٍ وَصَاحِبِ الثُّلُثِ فِي ثِنْتَيْنِ وَصَاحِبِ السُّدُسِ فِي وَاحِدَةٍ وَتَخْرُجُ عَلَى مَا ذُكِرَ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ زَائِدَةٌ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ إلَّا سُرْعَةُ خُرُوجِ اسْمِ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ حَيْفًا لِتَسَاوِي السِّهَامِ فَجَازَ ذَلِكَ بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ الْمَنْصُوصُ. لِأَنَّ لِصَاحِبَيْ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ مَزِيَّةً بِكَثْرَةِ الْمِلْكِ فَكَانَ لَهُمَا مَزِيَّةٌ بِكَثْرَةِ الرِّقَاعِ فَإِنْ كُتِبَتْ الْأَجْزَاءُ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهَا فِي سِتِّ رِقَاعٍ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ السِّتِّ رِقَاعٍ أَيْضًا إذَا كُتِبَتْ الْأَجْزَاءُ مَعَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مَثَلًا أَخَذَهُ وَاَللَّذَيْنِ بَعْدَهُ فَلَمْ يَبْقَ فَائِدَةٌ لِكِتَابَةِ الْجُزْأَيْنِ الْمُكَمِّلَيْنِ لِحِصَّتِهِ وَكَذَا يُقَالُ: فِيمَنْ لَهُ الثُّلُثُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيَجْتَنِبُ) أَيْ وُجُوبًا إذَا كُتِبَتْ الْأَجْزَاءُ تَفْرِيقَ حِصَّةِ وَاحِدٍ مُبْتَدِئًا بِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَيْ إذَا لَزِمَ عَلَى التَّفْرِيقِ ضَرَرٌ كَالْأَجْزَاءِ مِنْ أَرْضٍ بِخِلَافِ الْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا فِي الْأَسْمَاءِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا تَفْرِيقٌ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَبْدَأَ إلَخْ) لَوْ قَالَ: بِأَنْ يُؤَخَّرَ صَاحِبُ الثُّلُثِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (النَّوْعُ الثَّانِي الْقِسْمَةُ بِالتَّعْدِيلِ) : اعْلَمْ أَنَّ مَدَارَ قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ عَلَى الِاخْتِلَافِ إمَّا فِي الْقِيمَةِ كَعَبِيدٍ مِنْ جِنْسِ قِيَمُهَا مُخْتَلِفَةٌ أَوْ لِاخْتِلَافٍ فِي الصُّورَةِ كَمَا فِي عَبِيدٍ مِنْ جِنْسٍ مَعَ اسْتِوَاءِ الْقِيمَةِ أَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ وَالْجِنْسِ كَعَبِيدٍ مِنْ أَجْنَاسٍ مَعَ اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ تُعَدَّلَ) أَيْ تُقَوَّمَ. قَوْلُهُ: (الْخَالِيَيْنِ) لَا يُنَاسِبُ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الْأَرْضَ بَعْضُهَا نَخْلٌ وَبَعْضُهَا عِنَبٌ. قَوْلُهُ: (كَأَرْضَيْنِ) الْأَوْلَى كَأَرْضٍ وَاسِعَةٍ فِيهَا جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ وَيُمْكِنُ قِسْمَةُ الْجَيِّدِ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءِ وَحْدَهُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ وَيَكُونُ اسْتِدْرَاكًا عَلَى قَوْلِهِ: لَزِمَ شَرِيكَهُ الْآخَرَ إجَابَتُهُ أَيْ مَا لَمْ يُمْكِنْ قِسْمَةُ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ وَإِلَّا فَلَا إجْبَارَ. قَوْلُهُ: (وَيُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهَا تَجْرِي فِي الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ، وَقَدْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ: عَلَى قُيُودٍ خَمْسَةٍ قَوْلُهُ مَنْقُولَاتِ وَقَوْلُهُ: نَوْعٍ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَخْتَلِفْ. وَقَوْلُهُ: مُتَقَوِّمَةٍ. وَقَوْلُهُ: إنْ زَالَتْ الشَّرِكَةُ. مِثَالُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ مَعَ كَوْنِ الْجِنْسِ وَاحِدًا وَالْقِيمَةِ مُسْتَوِيَةً، نَظَرًا لِاخْتِلَافِ الصُّورَةِ فَخَرَجَ بِمَنْقُولَاتِ الْعَقَارَاتُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ إنْ كَانَتْ مُتَّفِقَةَ الْأَجْزَاءِ وَالْقِيمَةِ فَهِيَ إفْرَازٌ وَإِلَّا فَتَعْدِيلٌ وَخَرَجَ بِنَوْعٍ مَنْقُولَاتُ أَنْوَاعٍ كَعَبِيدٍ: تُرْكِيٍّ وَهِنْدِيٍّ وَحَبَشِيٍّ فَلَا إجْبَارَ فِي ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَخْتَلِفْ مَا لَوْ اخْتَلَفَ كَضَائِنَتَيْنِ مِصْرِيَّةٍ وَشَامِيَّةٍ فَلَا إجْبَارَ فِي ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِمُتَقَوِّمَةٍ الْمِثْلِيَّةُ فَإِنَّهَا إفْرَازٌ لَا تَعْدِيلٌ وَإِنْ كَانَ فِيهَا إجْبَارٌ قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَلَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِجْبَارِ الِاشْتِرَاكُ فِي نَحْوِ الْمَمَرِّ وَلَا فِي نَحْوِ سَطْحٍ بَيْنَ سُفْلٍ وَعُلْوٍ اهـ قَوْلُهُ: (فِي مَنْقُولَاتِ نَوْعٍ) الْمُرَادُ بِالنَّوْعِ الصِّنْفُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحْتَرَزِ لِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا نَوْعٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَخْتَلِفْ) يَعُودُ عَلَى النَّوْعِ وَقَوْلُهُ: مُتَقَوِّمَةٍ بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِمَنْقُولَاتِ بِخِلَافِ مَنْقُولَاتِ نَوْعٍ اخْتَلَفَ كَضَائِنَتَيْنِ شَامِيَّةٍ وَمِصْرِيَّةٍ أَوْ مَنْقُولَاتِ أَنْوَاعٍ كَعَبِيدٍ تُرْكِيٍّ وَهِنْدِيٍّ وَزِنْجِيٍّ وَثِيَابِ إبْرَيْسَمٍ. وَكَتَّانٍ وَقُطْنٍ أَوْ لَمْ تَزُلْ الشَّرِكَةُ كَعَبْدَيْنِ قِيمَةُ ثُلُثَيْ أَحَدِهِمَا تَعْدِلُ قِيمَةَ ثُلُثِهِ مَعَ الْآخَرِ: فَلَا إجْبَارَ فِيهَا لِشِدَّةِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا وَلِعَدَمِ زَوَالِ الشَّرِكَةِ بِالْكُلِّيَّةِ فِي الْأَخِيرَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (مُتَقَوِّمَةٍ) أَيْ وَاخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ وَإِلَّا فَتَكُونُ قِسْمَةَ إفْرَازٍ. قَوْلُهُ: (إنْ زَالَتْ الشَّرِكَةُ) بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ وَاحِدًا عَلَى انْفِرَادِهِ. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 مُتَسَاوِيَةِ الْقِيمَةِ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ وَعَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ أَيْضًا فِي نَحْوِ دَكَاكِينَ صِغَارٍ مُتَلَاصِقَةٍ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِي كُلٍّ مِنْهَا الْقِسْمَةُ أَعْيَانًا إنْ زَالَتْ الشَّرِكَةُ بِهَا لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الدَّكَاكِينِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ غَيْرِ الْمُتَلَاصِقَةِ لِشِدَّةِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ وَالْأَبْنِيَةِ. النَّوْعُ الثَّالِثُ الْقِسْمَةُ بِالرَّدِّ بِأَنْ يَحْتَاجَ فِي الْقِسْمَةِ إلَى رَدِّ مَالٍ أَجْنَبِيٍّ كَأَنْ يَكُونَ بِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مِنْ الْأَرْضِ نَحْوُ بِئْرٍ كَشَجَرٍ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فَيَرُدُّ آخِذُهُ بِالْقِسْمَةِ قِسْطَ قِيمَةِ نَحْوِ الْبِئْرِ فَإِنْ كَانَ أَلْفًا وَلَهُ النِّصْفُ رَدَّ خَمْسَمِائَةٍ وَلَا إجْبَارَ فِي هَذَا النَّوْعِ لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكًا لِمَا لَا شَرِكَةَ فِيهِ. فَكَانَ كَغَيْرِ الْمُشْتَرَكِ. وَشَرْطُ الْقِسْمَةِ مَا قُسِمَ بِتَرَاضٍ مِنْ قِسْمَةِ رَدٍّ وَغَيْرِهَا رِضًا بِهَا بَعْدَ خُرُوجِ قُرْعَةٍ وَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ إفْرَازٌ لِلْحَقِّ لَا بَيْعٌ. وَالنَّوْعَانِ الْآخَرَانِ بَيْعٌ وَإِنْ أُجْبِرَ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ. وَلَوْ ثَبَتَ بِحُجَّةٍ غَلَطٌ أَوْ حَيْفٌ فِي قِسْمَةِ إجْبَارٍ أَوْ قِسْمَةِ تَرَاضٍ وَهِيَ بِالْأَجْزَاءِ نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ بِنَوْعَيْهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِالْأَجْزَاءِ بِأَنْ كَانَتْ بِالتَّعْدِيلِ أَوْ الرَّدِّ لَمْ تُنْقَضْ لِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلَهُ تَحْلِيفُ شَرِيكِهِ. وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ مَقْسُومٌ مُعَيَّنًا، وَلَيْسَ سَوَاءً بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ لِاحْتِيَاجِ أَحَدِهِمَا إلَى الرُّجُوعِ عَلَى الْآخَرِ. وَتَعُودُ الْإِشَاعَةُ فَإِنْ اُسْتُحِقَّ   [حاشية البجيرمي] مُتَسَاوِيَةِ الْقِيمَةِ) وَمَعْنَى كَوْنِهَا قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ أَنْ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَةِ أَعْبُدٍ يُعَادِلُ كُلًّا مِنْ الْآخَرَيْنِ أَيْ يُسَاوِي قِيمَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (وَعَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ أَيْضًا) : لَوْ حَذَفَهُ وَقَالَ: وَفِي نَحْوِ إلَخْ لَكَانَ أَخْصَرَ. قَوْلُهُ: (مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِي كُلٍّ مِنْهَا) مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَغْرَاضَ لَا تَخْتَلِفُ فِي قِسْمَتِهَا لِأَنَّهَا مُتَلَاصِقَةٌ وَمُسْتَوِيَةُ الْقِيمَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ كُلٌّ مِنْهَا الْقِسْمَةَ أَعْيَانًا أَيْ لَا يَقْبَلُ كُلُّ دُكَّانٍ أَنْ يَصِيرَ دُكَّانَيْنِ وَهِيَ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (أَعْيَانًا) صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ قِسْمَةً أَعْيَانًا بِأَنْ طَلَبَ الشُّرَكَاءُ جَعْلَ حِصَصِهِمْ دَكَاكِينَ صِحَاحًا فَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ أَعْيَانٍ بِأَنْ طَلَبُوا قِسْمَةَ كُلِّ دُكَّانٍ نِصْفَيْنِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ حَالٌ مِنْ دَكَاكِينَ وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف: بِأَنْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمْ الِاسْتِقْلَالَ بِأَعْيَانٍ أَيْ بِأَفْرَادٍ مِنْهَا وَهُوَ بِمَعْنَاهُ اهـ. قَالَ ح ل: وَهَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ مُخْتَلِفَةَ الْأَبْنِيَةِ لِأَنَّ مُتَّفِقَةَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ. قَوْلُهُ: (إنْ زَالَتْ الشَّرِكَةُ) لَازِمٌ لِقَوْلِهِ: أَعْيَانًا. قَوْلُهُ: (لِشِدَّةِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الدَّكَاكِينِ الْمُتَبَاعِدَةِ دُونَ الْمُتَلَاصِقَةِ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْمَحَالِّ الَّتِي هِيَ فِيهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: اخْتِلَافُ الْغَرَضِ فِيهَا بِاخْتِلَافِ أَبْنِيَتِهَا. كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَالْأَبْنِيَةُ وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا يَأْتِي فِي الصِّغَارِ. قَوْلُهُ: (النَّوْعُ الثَّالِثُ الْقِسْمَةُ بِالرَّدِّ) تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَجْعَلْ كَلَامَ الْمَتْنِ شَامِلًا لَهَا وَإِنَّمَا جَعَلَهُ شَامِلًا لِلْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ الْمَتْنَ قَالَ: لَزِمَ الْآخَرَ إجَابَتُهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَيْهَا إذَا امْتَنَعَ وَالثَّالِثُ لَا إجْبَارَ فِيهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِيهِ. قَوْلُهُ: (أَجْنَبِيٍّ) أَيْ غَيْرِ الْمَقْسُومِ. قَوْلُهُ: (قِسْطَ قِيمَةِ) أَيْ حِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ أَلْفًا) صَوَابُهُ فَإِنْ كَانَتْ أَيْ قِيمَةُ نَحْوِ الْبِئْرِ ق ل. قَوْلُهُ: (لِمَا لَا شَرِكَةَ فِيهِ) وَهُوَ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ لِشَرِيكِهِ. اهـ. م د. لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: وَكَانَ كَغَيْرِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُشْتَرَكٍ أَصْلًا فَالْأَوْلَى حَذْفُ الْكَافِ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ. قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ الْقِسْمَةِ مَا قُسِمَ بِتَرَاضٍ مِنْ قِسْمَةِ رَدٍّ وَغَيْرِهَا) أَيْ مِمَّا لَا إجْبَارَ فِيهِ كَقِسْمَةِ عَبِيدٍ أَوْ ثِيَابٍ مُخْتَلِفِي النَّوْعِ كَتُرْكِيٍّ وَهِنْدِيٍّ وَضَائِنَتَيْنِ مِصْرِيَّةٍ وَشَامِيَّةٍ اسْتَوَتْ الْقِيمَةُ أَوْ اخْتَلَفَتْ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِ الْغَرَضِ بِكُلِّ نَوْعٍ وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمِنْهَاجِ: وَيُشْتَرَطُ فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ الرِّضَا بِاللَّفْظِ بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ وَلَوْ تَرَاضَيَا بِقِسْمَةِ مَا لَا إجْبَارَ فِيهِ اُشْتُرِطَ الرِّضَا بَعْدَ الْقُرْعَةِ كَقَوْلِهِمَا رَضِينَا بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ لَا بِهَذَا أَوْ بِمَا أَخْرَجَتْهَا الْقُرْعَةُ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: أَمَّا مَا قُسِمَ إجْبَارًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَا لَا قَبْلَ الْقُرْعَةِ وَلَا بَعْدَهَا اهـ. قُلْت: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ قِسْمَةَ الْإِفْرَازِ وَالتَّعْدِيلِ فِيهِمَا الْإِجْبَارُ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي قِسْمَةِ إجْبَارٍ) وَهِيَ إفْرَازٌ أَوْ تَعْدِيلٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ قِسْمَةِ تَرَاضٍ) بِأَنْ نَصَبَا لَهُمَا قَاسِمًا أَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا وَرَضِيَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ) أَيْ الْغَلَطُ أَوْ الْحَيْفُ. وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَلَوْ ثَبَتَ. قَوْلُهُ: (فَلَهُ تَحْلِيفُ شَرِيكِهِ) أَمَّا تَحْلِيفُ الْقَاسِمِ، إذَا كَانَ مَنْصُوبًا لِلْحَاكِمِ أَوْ مُحَكَّمًا لَهُمَا فَلَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ مَقْسُومٌ) وَلَوْ بَانَ فَسَادُ الْقِسْمَةِ وَقَدْ أَنْفَقَ أَوْ زَرَعَ أَوْ بَنَى مَثَلًا أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا جَرَى هُنَا مَا مَرَّ فِيمَا إذَا بَانَ فَسَادُ الْبَيْعِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْأَقْرَبَ هُنَا عَدَمُ لُزُومِ كُلِّ شَرِيكٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يَخُصُّ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْشِ نَحْوِ الْقَلْعِ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: جَرَى هُنَا مَا مَرَّ أَيْ مِنْ عَدَمِ الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ وَالْقَلْعِ مَجَّانًا. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 بَعْضُهُ شَائِعًا بَطَلَتْ فِيهِ لَا فِي الْبَاقِي. تَتِمَّةٌ: لَوْ تَرَافَعَ الشُّرَكَاءُ إلَى قَاضٍ فِي قِسْمَةِ مِلْكٍ بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يُجِبْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مُنَازِعٌ وَقِيلَ: يُجِيبُهُمْ وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. فَصْلٌ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّ هَذَا الْفَصْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ، وَالدَّعْوَى فِي اللُّغَةِ الطَّلَبُ وَالتَّمَنِّي وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: 57]   [حاشية البجيرمي] سَوَاءً) أَيْ وَلَيْسَ الْبَعْضُ الْمُسْتَحَقُّ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ بِأَنْ اُخْتُصَّ بِهِ أَحَدُهُمَا أَوْ أَصَابَهُ مِنْهُ أَكْثَرُ. قَوْلُهُ: (شَائِعًا) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى الْوَرَثَةِ بِأَنَّ أَبَاهُمْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ غَنَمِهِ وَكَانُوا قَسَمُوهَا. قَوْلُهُ: (بِلَا بَيِّنَةٍ) فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ أَجَابَهُمْ وَهِيَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَقِيلَ يَكْفِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ لَهُمْ بِالْمِلْكِ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يُجِبْهُمْ. وَعِبَارَةُ ز ي: أَمَّا إذَا أَقَامُوا بَيِّنَةً وَلَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ فَيُجِيبُهُمْ. وَاعْتَرَضَ ابْنُ سُرَيْجٍ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُقَامُ وَتُسْمَعُ عَلَى خَصْمٍ وَلَا خَصْمَ هُنَا. وَأَجَابَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ لَهُمْ بِالْمِلْكِ. وَقَدْ يَكُونُ لَهُمْ خَصْمٌ غَائِبٌ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ، لِتَحْكُمَ لَهُمْ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَفِي الْجَوَابِ نَظَرٌ. قَالَا فِي الرَّوْضَةِ: كَأَصْلِهَا. قَالَ ابْنُ كَجٍّ: وَلَا يَكْفِي شَاهِدٌ وَيَمِينٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُشْرَعُ حَيْثُ يَكُونُ خَصْمٌ يَرُدُّ عَلَيْهِ، لَوْ حَصَلَ نُكُولٌ وَقَالَ ابْنُ هُرَيْرَةَ: يَكْفِي. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَبِهِ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ. اهـ. شَرْحُ الْبَهْجَةِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجِبْهُمْ) أَيْ لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُمْ شَوْبَرِيٌّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي أَيْدِيهِمْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ. فَإِذَا قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ فَقَدْ يَدَّعُونَ الْمِلْكَ مُحْتَجِّينَ بِقِسْمَةِ الْقَاضِي وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لِأَنَّ قِسْمَةَ الْقَاضِي إثْبَاتٌ لِمِلْكِهِمَا، وَالْيَدُ تُوجِبُ إثْبَاتَ التَّصَرُّفِ لَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ ع ن وَسُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ هُنَا مَعَ عَدَمِ سَبْقِ دَعْوَى لِلْحَاجَةِ شَرْحُ م ر. فُرُوعٌ: يَصِحُّ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ الْمَمْلُوكَةِ وَلَوْ بِوَصِيَّةٍ مُهَايَأَةً وَلَا إجْبَارَ فِيهَا وَلَا تَصِحُّ بِغَيْرِ الْمُهَايَأَةِ فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَيْهَا وَتَنَازَعُوا فِي الْبُدَاءَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ، وَمَنْ اسْتَوْفَى زَائِدًا عَلَى حَقِّهِ لَزِمَهُ أُجْرَةُ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الزَّائِدِ، وَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ الْمُهَايَأَةِ أَجَّرَ الْحَاكِمُ الْعَيْنَ وَقَسَمَ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمْ، وَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الدُّيُونِ فِي الذِّمَمِ وَلَوْ بِالتَّرَاضِي. وَكُلُّ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا لَا يَخْتَصُّ بِهِ، كَذَا قَالُوا هُنَا: فَانْظُرْهُ، مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ فِيمَا يَأْخُذُهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِنْ الدَّيْنِ الْمَوْرُوثِ، وَفِيمَا يَأْخُذُهُ أَحَدُ سَيِّدِي الْمُكَاتَبِ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ، وَفِيمَا يَأْخُذُهُ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ فَرَاجِعْ وَحَرِّرْ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. [فَصْلٌ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ] ِ ذَكَرَهَا فِي بَابِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عِنْدَ قَاضٍ أَوْ مُحَكَّمٍ، وَالدَّعْوَى تُجْمَعُ عَلَى دَعَاوَى بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا كَفَتَاوَى وَفَتَاوِي قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَبِالْفَعَالَى وَالْفَعَالِي جُمِعَا ... صَحْرَاءُ وَالْعَذْرَاءُ وَالْقَيْسُ اتَّبَعَا وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ كَأَلِفِ حُبْلَى وَقَدْ تُؤَنَّثُ بِالتَّاءِ فَيُقَالُ دَعْوَةٌ وَتُجْمَعُ عَلَى دَعَوَاتٍ كَسَجْدَةٍ وَسَجَدَاتٍ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الدَّعْوَةَ بِالتَّاءِ تَكُونُ لِلدَّعْوَةِ إلَى الطَّعَامِ وَأُفْرِدَتْ الدَّعْوَى لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا وَاحِدَةٌ وَلِأَنَّهَا الْإِخْبَارُ بِحَقٍّ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّهَا مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ أَصَالَةً فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يُجْمَعُ إذَا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: كِتَابُ الْبُيُوعِ. وَجُمِعَتْ الْبَيِّنَاتُ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، وَذِكْرُ الْبَيِّنَاتِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ لِلشُّهُودِ فَصْلًا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ: وَالْبَيِّنَاتِ أَوْ كَانَ يُعَبِّرُ هُنَا بِكِتَابٍ أَوْ بَابٍ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْفَصْلُ الْآتِي بَعْدَهُ. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَأَوَّلُ دَعْوَى وَقَعَتْ فِي الْأَرْضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 وَشَرْعًا إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبِ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ، وَالْبَيِّنَاتُ جَمْعُ بَيِّنَةٍ وَهُمْ الشُّهُودُ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ بِهِمْ يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ: " لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ، دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ " وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: " وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ "، وَاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهَذَا   [حاشية البجيرمي] دَعْوَى قَابِيلَ عَلَى هَابِيلَ، أَنَّهُ أَحَقُّ بِنِكَاحِ تَوْأَمَتِهِ. فَتَرَافَعَا لِأَبِيهِمَا آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَقَالَ لَهُ: لَا تَحِلُّ لَك فَقَالَ لَهُ: هَذَا بِاجْتِهَادِك لَا مِنْ رَبِّي فَأَمَرَهُمَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانًا كَمَا قَصَّ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ. وَتَوْأَمَةُ هَابِيلَ اسْمُهَا لبودا تَزَوَّجَهَا شِيثٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَوْأَمَةُ قَابِيلَ اسْمُهَا إقْلِيمَا وَقِيلَ قُلَيْمَا، بِالتَّصْغِيرِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (مَا يَدَّعُونَ) أَيْ يَتَمَنَّوْنَ. قَوْلُهُ: (عَنْ وُجُوبِ) أَيْ ثُبُوتِ. قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِهِ) هَذَا يَشْمَلُ الشَّهَادَةَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ لَهُ قَبْلَ عَلَى غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ حَاكِمٍ) أَوْ مُحَكَّمٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ ذِي شَوْكَةٍ إذَا تَصَدَّى لِفَصْلِ الْأُمُورِ بَيْنَ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فَضَابِطُهُ: مَنْ يُرْجَى الْخَلَاصُ عَلَى يَدِهِ كَمَا فِي ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بِهِمْ يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ) أَيْ يَظْهَرُ وَاسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ أَيْ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ فَقَوْلُهُ: وَإِذَا دُعُوا إلَخْ دَلِيلٌ لِلدَّعْوَى وَمَا بَعْدَهُ دَلِيلٌ لِلْبَيِّنَاتِ قَوْلُهُ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ» لَوْ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ أَيْ امْتِنَاعُ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ، أَيْ تَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْجَوَابِ لِامْتِنَاعِ الشَّرْطِ، كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ النُّحَاةِ. أَوْ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ، كَمَا عَلَيْهِ إمَامُهُمْ سِيبَوَيْهِ وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ لِأَنَّ دَعْوَى رِجَالٍ أَمْوَالَ قَوْمٍ كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ إعْطَاءِ النَّاسِ بِدَعَاوِيهِمْ. وَكَذَا لَا إشْكَالَ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِدَعْوَى الرِّجَالِ أَمْوَالَ قَوْمٍ: إعْطَاؤُهُمْ إيَّاهَا وَدَفْعُهُمْ إلَيْهِمْ أَيْ لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَأَخَذَ رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، فَوَضَعَ الدَّعْوَى مَوْضِعَ الْأَخْذِ لِأَنَّهَا سَبَبُهُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ أَخْذَ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُمْتَنِعٌ، لِامْتِنَاعِ إعْطَاءِ الْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَكَذَلِكَ أَخْذُهُ لِمَا سَيَقَعُ لَوْ وَقَعَ لَوَقَعَ إعْطَاءُ النَّاسِ بِدَعْوَاهُمْ فَصَحَّ مَعْنًى لَوْ هُنَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مُدَّعَاهُمْ أَيْ لَوْ كَانَ كُلُّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا عِنْدَ الْحَاكِمِ يُعْطَاهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ بِلَا بَيِّنَةٍ، لَادَّعَى إلَخْ، رِوَايَةُ ابْنِ مَاجَهْ ادَّعَى بِحَذْفِ اللَّامِ وَقَوْلُهُ: رِجَالٌ ذَكَرَهُمْ لَا لِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ بَلْ لِأَنَّ الدَّعْوَى غَالِبًا إنَّمَا تَصْدُرُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ الْقَبِيلَيْنِ، كَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ أَيْ وَالْبَرْدَ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ لَادَّعَى نَاسٌ وَأَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ لِلْإِشَارَةِ إلَى إقْدَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: «دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ» قَدَّمَ الدِّمَاءَ عَلَى الْأَمْوَالِ لِشَرَفِهَا وَعِظَمِ خَطَرِهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا النَّاسُ فَأَطْلَقَ الْجُزْءَ عَلَى الْكُلِّ، وَفِي رِوَايَةٍ تَقْدِيمُ الْأَمْوَالِ عَلَى الدِّمَاءِ، لِأَنَّ الْخُصُومَاتِ فِي الْأَمْوَالِ أَكْثَرُ وَأَغْلَبُ إذْ أَخْذُهَا أَيْسَرُ. وَامْتِدَادُ الْأَيْدِي إلَيْهَا أَسْهَلُ وَمِنْ ثَمَّ تَرَى الْقُضَاةَ بِالتَّعَدِّي عَلَيْهَا أَضْعَافَ الْقُضَاةِ بِالْقَتْلِ. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ) ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ إلَخْ) هِيَ هُنَا وَإِنْ لَمْ تَأْتِ لَفْظًا عَلَى قَانُونِهَا مِنْ وُقُوعِهَا بَيْنَ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ، نَحْوُ مَا قَامَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو وَهِيَ هُنَا بَعْدَ إثْبَاتٍ وَلَا نَفْيَ قَبْلَهَا حَتَّى يَصِحَّ مَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ الَّذِي هُوَ مُؤَدَّاهَا لَكِنَّهَا جَارِيَةٌ عَلَيْهِ تَقْدِيرًا لِأَنَّ لَوْ تُفِيدُ النَّفْيَ إذْ الْمَعْنَى لَا يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ الْمُجَرَّدَةِ لَكِنْ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّ جَانِبَ الْمُدَّعِي ضَعِيفٌ لِدَعْوَاهُ خِلَافَ الْأَصْلِ. وَلَوْ كَانَ فَاضِلًا شَرِيفًا وَالْمُدَّعِي كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ عَرِيَتْ دَعْوَاهُ عَنْ مُرَجِّحٍ غَيْرِ شَهَادَةٍ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ اقْتَرَنَتْ دَعْوَاهُ بِهِ. وَالْمُرَجِّحُ إمَّا مَعْهُودٌ كَدَعْوَى شَخْصٍ عَلَى آخَرَ وَدِيعَةً، فَيَدَّعِي رَدَّهَا فَمُدَّعِي الرَّدِّ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِمَا عُهِدَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الرَّادَّ لَا يَحْتَاجُ لِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ، وَإِمَّا أَصْلٌ كَمُدَّعِي رِقِّ شَخْصٍ فَيُجِيبُ الْآخَرُ بِالْحُرِّيَّةِ فَمُدَّعِي الْحُرِّيَّةِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي النَّاسِ وَإِنَّمَا عَرَضَ لَهُمْ الرِّقُّ بِسَبَبِ السَّبْيِ بِشَرْطِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 الْفَصْلِ خَمْسَةُ أُمُورٍ: الدَّعْوَى وَجَوَابُهَا وَالْيَمِينُ وَالْبَيِّنَةُ وَالنُّكُولُ وَتَقَدَّمَ شَرْطُ صِحَّةِ الدَّعْوَى فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَّ لَهَا سِتَّةَ شُرُوطٍ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ فَمُدْمَجَةٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا سَتَرَاهُ وَالْمُدَّعِي مَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ وَافَقَهُ. فَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ وَقَدْ أَسْلَمَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ قَبْلَ وَطْءٍ: أَسْلَمْنَا مَعًا فَالنِّكَاحُ بَاقٍ وَقَالَتْ: بَلْ مُرَتَّبًا فَلَا نِكَاحَ فَهُوَ مُدَّعٍ وَهِيَ مُدَّعًى عَلَيْهَا. (فَإِذَا كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ) بِمَا ادَّعَاهُ (سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ لَهُ بِهَا) إنْ كَانَتْ مُعَدَّلَةً فَيُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ عَيْنٍ   [حاشية البجيرمي] الْكُفْرِ. وَمَعْنَى كَوْنِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهَا لَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» لِأَنَّ جَانِبَ الْمُنْكِرِ قَوِيٌّ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ فِي الْبَرَاءَةِ وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لِبُعْدِهَا عَنْ التُّهْمَةِ، وَالْيَمِينُ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لِقُرْبِهَا مِنْهَا أَيْ مِنْ التُّهْمَةِ فَجُعِلَ الْقَوِيُّ فِي جَانِبِ الضَّعِيفِ، وَالضَّعِيفُ فِي جَانِبِ الْقَوِيِّ، وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ، زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ «إلَّا فِي الْقَسَامَةِ» ، أَيْ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِيهَا عَلَى الْمُدَّعِي وَكَذَا الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَكَذَا يَمِينُ الْمُدَّعِي إذَا رَدَّهَا عَلَيْهِ الْمُنْكِرُ وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ هُنَا دُونَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَى الْمُدَّعِي. وَلَمْ يَقُلْ مَنْ ادَّعَى مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْتَى بِاسْمِ الْفَاعِلِ فِيهِمَا أَوْ بِمَنْ فِيهِمَا لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَذْكُرُ أَمْرًا خَفِيًّا لِعُرُوِّ دَعْوَاهُ عَنْ الْمُرَجِّحِ، وَلِكَوْنِ دَعْوَاهُ تُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَكَانَتْ خَفِيَّةً وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَذْكُرُ أَمْرًا ظَاهِرًا وَهُوَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ بِمَعْنَى عَدَمِ ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَوْصُولَ لِاشْتِرَاطِ كَوْنِ صِلَتِهِ مَعْهُودَةً أَظْهَرُ مِنْ الْمُعَرِّفِ وَهُوَ الْمُدَّعِي فَأَعْطَى الْخَفِيَّ لِلْخَفِيِّ وَالظَّاهِرَ لِلظَّاهِرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ فِي الْمُدَّعِي ضَرْبًا مِنْ التَّعْرِيفِ الْمَعْنَوِيِّ لِظُهُورِهِ وَإِقْدَامِهِ عَلَى الدَّعْوَى فَأَتَى فِيهِ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ وَالْمُنَكَّرُ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ الْإِبْهَامِ، وَالتَّنْكِيرُ لِاسْتِخْفَائِهِ وَتَأْخِيرِهِ وَكَوْنَهُ إذَا سَكَتَ لَا يُتْرَكُ، فَأَتَى فِيهِ بِمَنْ إذْ فِيهَا إبْهَامُ شَبِيهٍ بِحَالِهِ، تَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: أَظْهَرُ مِنْ الْمُعَرِّفِ وَهُوَ الْمُدَّعِي وَفِيهِ أَنَّ أَلْ الدَّاخِلَةَ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ مَوْصُولَةٌ فَيَكُونُ كَمَنْ الْمَوْصُولَةِ لَا أَنَّهُ أَخْفَى مِنْهَا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّنَا قَصَدْنَا: بِاسْمِ الْفَاعِلِ الدَّوَامَ وَالثَّبَاتَ فَيَكُونُ صِفَةً مُشَبَّهَةً وَأَلْ الدَّاخِلَةُ عَلَيْهَا مَعْرِفَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِأَلْ رُتْبَتُهُ بَعْدَ الْمَوْصُولِ فِي التَّعْرِيفِ. وَقَدْ يُقَالُ كَيْفَ يُقْصَدُ بِالْمُدَّعِي الدَّوَامُ وَالثَّبَاتُ مَعَ أَنَّ دَعْوَاهُ لَا تَدُومُ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا صَمَّمَ عَلَى الدَّعْوَى كَانَ ذَلِكَ دَوَامًا لَهُ. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ) أَيْ يَذْكُرُ فِيهِ وَلَوْ قَالَ: وَاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْخُصُومَةِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَكَانَ أَوْلَى، وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ: اثْنَانِ مِنْهَا فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَهُمَا الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ. وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ: فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهِيَ الْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَجَوَابُ الدَّعْوَى أَيْ وَهُوَ الْإِقْرَارُ أَوْ الْإِنْكَارُ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّ لَهَا) أَيْ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ) أَيْ الَّتِي بَعْدَ الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: (فَمُدْمَجَةٌ) أَيْ دَاخِلَةٌ ضِمْنًا وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ انْدَمَجَ فِيهِ دَخَلَ فِيهِ وَتَسَتَّرَ بِهِ وَدَمَجَ الرَّجُلُ كَلَامَهُ أَبْهَمَهُ اهـ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مُنْدَمِجَةٌ أَيْ دَاخِلَةٌ لَا مُدْمَجَةٌ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى مُبْهَمَةٌ وَلَيْسَ مُرَادًا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْمُدَّعِي) هَذِهِ الْوَاوُ بِقَلَمِ الْحُمْرَةِ أَصْلُهَا دَاخِلَةٌ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ، فَأَدْخَلَهَا الشَّارِحُ عَلَى الْمُدَّعِي وَأَدْخَلَ عَلَى الْمَتْنِ الْفَاءَ وَجَعَلَهُ تَفْرِيعًا عَلَى تَعْرِيفِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُمَا مُهِمَّةٌ نَافِعَةٌ أج. قَوْلُهُ: (مَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ) : وَقِيلَ: هُوَ مَنْ لَوْ تُرِكَ تَرَكَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ لَوْ تُرِكَ لَمْ يَتْرُكْ. اهـ. م د. وَاسْتُشْكِلَ تَعْرِيفُ الْمُدَّعِي الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَدِيعَ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ التَّلَفَ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَدَّعِي أَمْرًا ظَاهِرًا وَهُوَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْأَمَانَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، أَنَّ الْأُمَنَاءَ الَّذِينَ يُصَدَّقُونَ فِي الرَّدِّ بِيَمِينِهِمْ مُدَّعُونَ، لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الرَّدَّ مَثَلًا وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ لَكِنْ اُكْتُفِيَ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا أَيْدِيهِمْ لِغَرَضِ الْمَالِكِ اهـ، حَجّ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (مَنْ وَافَقَهُ) لِكَوْنِ الْأَصْلِ عَدَمَ مَا يَدَّعِيهِ الْمُدَّعِي وَمِنْ ثَمَّ اُكْتُفِيَ مِنْهُ بِالْيَمِينِ لِقُوَّتِهِ وَكُلِّفَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً لِضَعْفِ جَانِبِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا نِكَاحَ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ وَالْمُصَدَّقَ الزَّوْجُ فَيَدُومُ النِّكَاحُ اهـ م د. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُدَّعٍ) لِأَنَّ وُقُوعَ الْإِسْلَامِيِّينَ مَعًا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ مَعَهُ تُصَدَّقُ هِيَ بِيَمِينِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ قَالَ ق ل: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ: الْمُدَّعِي فِي جَانِبِهِ الْبَيِّنَةُ أَيْ إلَّا هَذِهِ وَمَسْأَلَةُ الْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْوَدِيعَ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ التَّلَفَ فَإِنَّ الْيَمِينَ فِي جَانِبِهِ فَيَكُونُ أَيْضًا مُسْتَثْنًى وَإِنَّمَا اُسْتُثْنِيَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ أَيْ الَّتِي فِي الشَّرْحِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (سَمِعَهَا الْحَاكِمُ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهَا لَمْ تُفِدْهُ شَيْئًا. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 وَدَيْنٍ كَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَنِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَلِعَانٍ دَعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ وَلَوْ مُحَكَّمًا فَلَا يَسْتَقِلُّ صَاحِبُهُ بِاسْتِيفَائِهِ، نَعَمْ لَوْ اسْتَقَلَّ الْمُسْتَحِقُّ لِقَوَدٍ بِاسْتِيفَائِهِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَإِنْ حَرُمَ وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ فَفِيهِمَا تَفْصِيلٌ: وَهُوَ إنْ اسْتَحَقَّ شَخْصٌ عَيْنًا عِنْدَ آخَرَ اُشْتُرِطَ الدَّعْوَى بِهَا عِنْدَ حَاكِمٍ إنْ خَشِيَ بِأَخْذِهَا ضَرَرًا تَحَرُّزًا عَنْهُ، وَإِلَّا فَلَهُ أَخْذُهَا اسْتِقْلَالًا لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ دَيْنًا عَلَى مُمْتَنِعٍ مِنْ أَدَائِهِ طَالَبَهُ بِهِ. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ) مُعَدَّلَةٌ (فَالْقَوْلُ) حِينَئِذٍ (قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِمُوَافَقَتِهِ الظَّاهِرَ وَلَكِنْ (بِيَمِينِهِ) فِي غَيْرِ الْقَسَامَةِ فِي دَعْوَى الدَّمِ إذْ الْيَمِينُ هُنَاكَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِوُجُودِ اللَّوْثِ، كَمَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ   [حاشية البجيرمي] فَيُشْتَرَطُ) الْمُنَاسِبُ وَيُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ تَفْرِيعُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى سَمِعَهَا الْحَاكِمُ إلَخْ. وَحَاصِلُ مَا فَرَّعَهُ ثَلَاثَةٌ: الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ وَغَيْرُهُمَا. وَبَيَّنَ أَنَّ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ فِيهِمَا تَفْصِيلٌ، تَارَةً يَحْتَاجَانِ إلَى الرَّفْعِ، وَتَارَةً لَا. وَأَنَّ غَيْرَهُمَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ عَيْنٍ وَدَيْنٍ) أَيْ فِي جَوَازِ اسْتِيفَائِهِ يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: فَلَا يَسْتَقِلُّ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ عُقُوبَةً لِلَّهِ تَعَالَى أَمَّا مَا هُوَ عُقُوبَةٌ لَهُ تَعَالَى، فَهُوَ وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى الْقَاضِي أَيْضًا لَكِنْ لَا تُسْمَعُ فِيهِ الدَّعْوَى لِاسْتِيفَاءِ حَقِّ الْمُدَّعِي فِيهِ فَالطَّرِيقُ فِي إثْبَاتِهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَنِكَاحٍ) أَيْ فِيمَا إذَا ادَّعَى زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ أَوْ رَجْعَتَهَا فَأَنْكَرَتْ فَلَا بُدَّ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ مِنْ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ ز ي. قَوْلُهُ: (وَرَجْعَةٍ) أَيْ ادَّعَى بِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَيْ ادَّعَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِلَّا بِأَنْ ادَّعَى بِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا حَاجَةَ لِلدَّعْوَى وَالرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إنْشَائِهَا. قَوْلُهُ: (عِنْدَ حَاكِمٍ) مِثْلُهُ أَمِيرٌ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّنْ يُرْجَى الْخَلَاصُ عَلَى يَدِهِ وَالْمَقْصُودُ عَدَمُ الِاسْتِقْلَالِ عَمِيرَةٌ سم. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُحَكَّمًا) مِثْلُهُ السَّيِّدُ شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَسْتَقِلُّ صَاحِبُهُ بِاسْتِيفَائِهِ) أَيْ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَضْرِبَ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ لِتُفْسَخَ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ قَذْفِهَا أَنْ يَسْتَقِلَّ بِمُلَاعَنَتِهَا. كَمَا قَالَهُ ح ل قَالَ م ر: فَإِنْ اسْتَقَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِاسْتِيفَائِهِ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ وَيُشِيرُ لَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ: نَعَمْ إلَخْ وَلَعَلَّهُ فِي غَيْرِ الْعُقُوبَةِ كَالنِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، فَقَطْ حَتَّى لَوْ عَامَلَ مَنْ ادَّعَى زَوْجِيَّتَهَا أَوْ رَجْعَتَهَا مُعَامَلَةَ الزَّوْجَةِ، جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إذَا كَانَ صَادِقًا فَلْيُرَاجَعْ سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَرُمَ) أَيْ لِلِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (إنْ اسْتَحَقَّ شَخْصٌ عَيْنًا) وَمِثْلُهَا الْمَنْفَعَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ إجَارَةً وَارِدَةً عَلَى عَيْنٍ مِنْ مَالِهِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر، وَإِنْ اسْتَحَقَّ عَيْنًا عِنْدَ آخَرَ أَيْ بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ بِمَنْفَعَةٍ، كَمَا بَحَثَهُ جَمْعٌ أَوْ وِصَايَةٍ كَأَنْ غُصِبَتْ عَيْنٌ لِمُوَلِّيهِ وَقَدَرَ عَلَى أَخْذِهَا. قَوْلُهُ: (إنْ خَشِيَ بِأَخْذِهَا ضَرَرًا) أَيْ مَفْسَدَةً تُفْضِي إلَى مُحَرَّمٍ كَأَخْذِ مَالِهِ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ شَرْحُ م ر. وَالْمُرَادُ بِأَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ. كَمَا قَالَهُ ع ش: وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ، الِاكْتِفَاءَ بِالْخَشْيَةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْشَ ضَرَرًا فَلَهُ أَخْذُهَا اسْتِقْلَالًا سَوَاءٌ كَانَتْ يَدُهُ عَادِيَةً أَمْ لَا، كَأَنْ اشْتَرَى مَغْصُوبًا جَاهِلًا بِحَالِهِ نَعَمْ مَنْ ائْتَمَنَهُ الْمَالِكُ كَمُودَعٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَيْ الْمُسْتَحِقِّ أَخْذُ مَا تَحْتَ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ أَيْ الْوَدِيعِ لِأَنَّ فِيهِ إرْعَابًا بِظَنِّ ضَيَاعِهَا، شَرْحُ م ر وَفِيهِ أَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ، كَالْمُسْتَعِيرِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ ضَامِن فَالْوَجْهُ أَنَّهُ كَالْوَدِيعِ سم. قَوْلُهُ: (لِلضَّرُورَةِ) اُنْظُرْ وَجْهَ الضَّرُورَةِ وَالْأَوْلَى: حَذْفُهُ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِلْأَوَّلِ لَا لِهَذَا. نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ اتَّجَهَتْ الضَّرُورَةُ حِينَئِذٍ. وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ أَيْ الْمُؤْنَةَ وَمَشَقَّةَ الرَّفْعِ لِلْقَاضِي. قَوْلُهُ: (عَلَى مُمْتَنِعٍ مِنْ أَدَائِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ امْتِنَاعُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ. وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ ح ل. فَإِذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا مَالٌ وَلَا يَسْهُلُ أَخْذُهُ أَخَذَهُ مِنْ مَالِهِمَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (طَالَبَهُ بِهِ) أَيْ اسْتَمَرَّ عَلَى مُطَالَبَتِهِ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمُطَالَبَةِ، وَالْمُرَادُ طَالَبَهُ جَوَازًا وَإِلَّا فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ بَعْدَ الطَّلَبِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) جَعَلَ الشَّارِحُ هَذَا مُتَعَلِّقًا بِالدَّيْنِ، فَقَطْ. مَعَ أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَالتَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِقْلَالِ وَعَدَمِهِ، فَلَيْسَ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ مُرْتَبِطًا بِقَوْلِ الشَّارِحِ: وَإِنْ اسْتَحَقَّ دَيْنًا إلَخْ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُرْتَبِطٌ بِهِ بَلْ هُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَهُ وَتَأْخِيرُ الْكَلَامِ عَلَى الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، أَوْ كَانَ يُتَمِّمُ الْكَلَامَ عَلَى مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ، ثُمَّ يَذْكُرُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بِيَمِينِهِ) أَيْ. بَعْدَ طَلَبِ خَصْمِهِ وَتَحْلِيفِ الْقَاضِي فَيَلْغُو، أَيْ الْيَمِينُ قَبْلَ طَلَبِ الْخَصْمِ أَوْ تَحْلِيفِ الْقَاضِي وَيَكُونُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 وَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ مُطَالَبَةٍ جِنْسَ حَقِّهِ وَإِذَا أَخَذَهُ مَلَكَهُ إنْ كَانَ بِصِفَتِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ جِنْسُ حَقِّهِ أَوْ جِنْسُ حَقِّهِ بِصِفَتِهِ أَخَذَ غَيْرَهُ مُقَدِّمًا النَّقْدَ عَلَى غَيْرِهِ فَيَبِيعُهُ مُسْتَقِلًّا كَمَا يَسْتَقِلُّ بِالْأَخْذِ وَلِمَا فِي الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ مِنْ الْمُؤْنَةِ هَذَا حَيْثُ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا يَبِيعُ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَلِمَنْ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ فِعْلُ مَا لَا يَصِلُ لِلْمَالِ إلَّا بِهِ كَكَسْرِ   [حاشية البجيرمي] الْيَمِينُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالَ مُضَافٍ إلَى سَبَبٍ: كَأَقْرَضْتُكَ كَذَا فَإِنْ أَجَابَ بِنَفْيِ السَّبَبِ حَلَفَ كَذَلِكَ. أَوْ بِلَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا أَوْ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ حَلَفَ كَذَلِكَ. وَلَا يَلْزَمُهُ التَّعَرُّضُ لِنَفْيِ السَّبَبِ. فَإِنْ تَعَرَّضَ لَهُ، جَازَ وَمَحَلُّ تَحْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا لَمْ يُبْرِئْهُ الْمُدَّعِي مِنْ الْيَمِينِ، وَإِلَّا لَمْ يُحَلِّفْهُ إلَّا بِتَجْدِيدِ دَعْوَى لِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْهَا فِي الدَّعْوَى الْأُولَى سم. قَوْلُهُ: (وَلَهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ أَدَائِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُقِرًّا بِالْحَقِّ أَمْ لَا لِلْمُدَّعِي حُجَّةٌ أَمْ لَا. اهـ. م د. فَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ اسْتَحَقَّ دَيْنًا عَلَى مُمْتَنِعٍ مِنْ أَدَائِهِ طَالَبَهُ بِهِ وَلَيْسَ رَاجِعًا لِلْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ مُطَالَبَةٍ) أَيْ بِغَيْرِ إدَامَةِ مُطَالَبَةٍ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَخَذَهُ مَلَكَهُ) أَيْ إنْ قَصَدَ بِأَخْذِهِ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ بِهِ فَإِنْ أَخَذَهُ لِيَكُونَ رَهْنًا بِحَقِّهِ لَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا فِي قُرَى مِصْرَ مِنْ إكْرَاهِ الشَّادِّ مَثَلًا أَهْلَ قَرْيَةِ عَلَى عَمَلٍ لِلْمُلْتَزِمِ الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْقَرْيَةِ هَلْ الضَّمَانُ عَلَى الشَّادِّ أَوْ عَلَى الْمُلْتَزِمِ أَوْ عَلَيْهِمَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ عَلَى الشَّادِّ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ لَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى إكْرَاهِهِمْ فَإِنْ فُرِضَ مِنْ الْمُلْتَزِمِ إكْرَاهٌ لِلشَّادِّ فَكُلٌّ مِنْ الشَّادِّ، وَالْمُلْتَزِمِ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ وَقَرَارُهُ عَلَى الْمُلْتَزِمِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ بِصِفَتِهِ) وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ أَجْوَدَ فِي الصِّفَةِ فَكَغَيْرِ الْجِنْسِ فَيَبِيعُهُ أَيْ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جِنْسِ حَقِّهِ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ الْجِنْسَ إنْ خَالَفَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُ الْجِنْسَ، وَمَا ذُكِرَ مَحَلُّهُ فِي دَيْنِ آدَمِيٍّ أَمَّا دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى، كَزَكَاةٍ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ أَدَائِهَا وَظَفِرَ الْمُسْتَحِقُّ بِجِنْسِهَا مِنْ مَالِهِ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ بِخِلَافِ دَيْنِ الْآدَمِيِّ. وَأَمَّا الْمَنْفَعَةُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قِيلَ: إنَّهَا كَالْعَيْنِ إنْ وَرَدَتْ عَلَى عَيْنٍ فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْهَا بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يَخْشَ ضَرَرًا، وَكَالدَّيْنِ إنْ وَرَدَتْ عَلَى ذِمَّةٍ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِهَا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ ذَلِكَ. بِشَرْطِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ فَيَبِيعُهُ مُسْتَقِلًّا كَأَنْ وَجَّهَ صِحَّةَ الْبَيْعِ هُنَا بِغَيْرِ حُضُورِ الْمَالِكِ ظُلْمُهُ بِامْتِنَاعِهِ وَلِلضَّرُورَةِ: بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الرَّهْنِ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ: بِنَقْدِ الْبَلَدِ اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ بَلَدُ الْبَيْعِ أَوْ بَلَدُ صَاحِبِ الْمَبِيعِ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ الْجِنْسَ هَلْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ حَقِّهِ شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ بِتَمَلُّكِ الْجِنْسِ فَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ: أَنْ يَمْلِكَ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ كَمَا فِي أَخْذِ الْجِنْسِ ابْتِدَاءً شَوْبَرِيٌّ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ صِفَةَ حَقِّهِ وَيَتَمَلَّكُهُ بِلَفْظٍ وَإِنْ كَانَ بِصِفَةِ حَقِّهِ وَعَنْ شَيْخِنَا م ر. أَنَّ الَّذِي بِصِفَةِ حَقِّهِ يَمْلِكُهُ بِلَا لَفْظٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ أَخْذِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ كَانَ مَدِينُهُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا قَدْرَ مَا يَخُصُّهُ بِالْمُضَارَبَةِ. وَقَوْلُهُ: وَمَا ذُكِرَ أَيْ قَوْلُهُ: أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ وَقَوْلُهُ: لِتَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ. قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ عَزْلُ قَدْرِهَا وَنَوَى جَازَ لَهُمْ أَخْذُهَا وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ: إذْ لَا يَتَعَيَّنُ مَا عَزَلَهُ لِلْإِخْرَاجِ س ل وَشَرْحُ م ر. وَقَالَ ع ش قَوْلُهُ: لِتَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ، أَيْ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَحِقِّ الْأَخْذُ وَإِنْ عَزَلَ الْمَالِكُ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ وَنَوَى بِهِ الزَّكَاةَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ غَيْرَ هَذَا لَكِنْ إنْ أَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ وَقَعَ الْمَوْقِعَ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ وَلَا يُطَالَبُ الْمَالِكُ بِبَدَلِهِ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ، وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهُ بَدَلَهُ. وَلَوْ مَاتَ مَنْ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ لَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِقِيَامِ وَارِثِهِ مَقَامَهُ خَاصًّا كَانَ أَوْ عَامًّا اهـ. وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ دَيْنِ الْآدَمِيِّ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ، فَلَهَا الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِهَا مِنْ غَيْرِ قَاضٍ عَلَى الْأَصَحِّ ز ي. وَقَوْلُهُ: إنْ وَرَدَتْ عَلَى ذِمَّةِ عِبَارَةِ شَرْحِ م ر. وَفِي الذِّمَّةِ يَأْخُذُ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي اسْتَحَقَّهَا مِنْ مَالِهِ وَالْأَوْجَهُ أَخْذًا مِنْ شِرَاءِ غَيْرِ الْجِنْسِ بِالنَّقْدِ، أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُ بِهَا وَيُتَّجَهُ لُزُومُ اقْتِصَارِهِ عَلَى مَا يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ قِيمَةٌ لِتِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَسُؤَالُ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِهَا وَالْعَمَلُ بِقَوْلِهِمَا. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ وَجَحَدَ أَحَدَهُمَا. فَلِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَ قَدْرَ دَيْنِهِ، لِيَقَعَ التَّقَاصُّ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ النُّقُودِ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ ق ل. قَوْلُهُ (هَذَا) أَيْ مَحَلُّ الِاسْتِقْلَالِ بِبَيْعِهِ. قَوْلُهُ: (وَلِمَنْ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ) لَا لِوَكِيلِهِ فِي ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 بَابٍ وَنَقْبِ جِدَارٍ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ مِلْكًا لِلْمَدِينِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ، وَالْمَأْخُوذُ مَضْمُونٌ عَلَى الْآخِذِ إنْ تَلِفَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ كَالْمُسْتَامِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَيْرِ مُمْتَنِعٍ مِنْ أَدَائِهِ طَالَبَهُ بِهِ فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا لَهُ بِغَيْرِ مُطَالَبَةٍ وَلَوْ أَخَذَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَزِمَهُ رَدُّهُ وَيَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ عِنْدَهُ. (فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ امْتَنَعَ (عَنْ الْيَمِينِ) بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِ. كَأَنْ قَالَ: أَنَا نَاكِلٌ أَوْ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: احْلِفْ. فَيَقُولُ: لَا أَحْلِفُ أَوْ يَسْكُتُ لَا لِدَهْشَةٍ وَغَبَاوَةٍ. (رُدَّتْ) أَيْ الْيَمِينُ حِينَئِذٍ (عَلَى الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ» كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.   [حاشية البجيرمي] أَخْذًا مِنْ الْحَصْرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَقْدِيمِ الْخَبَرِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ أَيْ الْوَكِيلُ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ مُقَدَّمٌ عَلَى السَّبَبِ. فَلَوْ وَكَّلَهُ فِي مُنَاوَلَتِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ وَلَا نَقْبٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (كَكَسْرِ بَابٍ وَنَقْبِ جِدَارٍ) : أَيْ فِي غَيْرِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَغَائِبٍ، فَلَا يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِمْ إنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ كَسْرٌ أَوْ نَقْبٌ لِعُذْرِهِمْ خُصُوصًا الْغَائِبُ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى الْأَخْذِ كَسْرٌ وَلَا نَقْبٌ أُخِذَ مِنْ مَالِهِمْ كَغَيْرِهِمْ، عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَبَعْضُهُمْ مَنَعَ الْأَخْذَ مِنْ مَالِهِمْ مُطْلَقًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَإِذَا جَازَ الْأَخْذُ ظُفَرًا فَلَهُ كَسْرُ بَابٍ وَنَقْبُ جِدَارٍ لِغَرِيمِهِ لَا يَصِلُ لِلْمَالِ إلَّا بِهِ لِأَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا اسْتَحَقَّ الْوُصُولَ إلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَدَفْعِ الصَّائِلِ وَلَوْ وَكَّلَ بِذَلِكَ أَجْنَبِيًّا لَمْ يَجُزْ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وَيَمْتَنِعُ النَّقْبُ وَنَحْوُهُ فِي غَيْرِ مُتَعَدٍّ لِنَحْوِ صِغَرٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي غَائِبٍ مَعْذُورٍ وَإِنْ جَازَ الْأَخْذُ وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ الَّذِي لَهُ تَافِهَ الْقِيمَةِ وَلَوْ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ أَوْ اخْتِصَاصًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَوْلُهُ: اسْتَحَقَّ الْوُصُولَ وَمِنْ لَازِمِهِ جَوَازُ السَّبَبِ فِيمَا يُوصِلُ إلَيْهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ، حَيْثُ وَجَدَ مَا يَأْخُذُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَهَلْ " يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ لِبِنَائِهِ لَهُ عَلَى ظَنٍّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ وَحَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ فِي فِعْلِهِ وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ لَا يُنَافِي الضَّمَانَ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ مِلْكًا لِلْمَدِينِ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْبَابِ وَالْجِدَارِ فَخَرَجَ مَا إذَا كَانَ مَوْقُوفًا أَوْ مُؤَجَّرًا وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ أَيْ الْجِدَارِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: (إنْ تَلِفَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ) أَيْ تَمَلُّكِ بَدَلِهِ فَالْمُرَادُ غَيْرُ الْجِنْسِ، أَوْ الْجِنْسُ بِغَيْرِ الصِّفَةِ وَعِبَارَةُ سم. يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْجِنْسِ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ مَلَكَهُ، بِمُجَرَّدِ أَخْذِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (كَالْمُسْتَامِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ أَصْلُ الضَّمَانِ فَلَا يُنَافِي، أَنَّ هَذَا يَضْمَنُ بِأَقْصَى قِيمَةٍ وَالْمُسْتَامُ قِيمَتُهُ وَقْتَ التَّلَفِ اهـ م د. وَإِنَّمَا ضَمِنَ مَعَ جَوَازِ الْأَخْذِ، لِأَنَّهُ لَمَّا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَمَلُّكٍ، صَارَ غَاصِبًا لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ عَقِبَ بَيْعِهِ وَمِثْلُ م د. ز ي نَقْلًا عَنْ الْعُبَابِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي أَخْذِهِ فَكَلَامُ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ كَالْمُسْتَامِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ السَّابِقِ: وَإِنْ اسْتَحَقَّ دَيْنًا عَلَى مُمْتَنِعٍ مِنْ أَدَائِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَمْلِكْهُ) أَيْ مَا لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ التَّقَاصِّ حَجّ. قَوْلُهُ: (وَيَضْمَنُهُ) أَيْ ضَمَانَ الْغُصُوبِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي) : أَيْ رَدَّهَا الْقَاضِي فَلَوْ حَلَفَ قَبْلَ رَدِّهَا، مِنْ الْقَاضِي لَغَتْ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَحْكُمْ الْقَاضِي بِنُكُولِ الْخَصْمِ فَإِنْ حَكَمَ بِأَنْ قَالَ: حَكَمْت بِنُكُولِك أَوْ جَعَلْتُك نَاكِلًا فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْقَاضِي فَإِذَا حَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ اُعْتُدَّ بِهَا وَيَكُونُ كَرَدِّ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي وَقَوْلُهُ لَهُ احْلِفْ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ بِنُكُولِهِ. وَكَذَا إقْبَالُ الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعِي لِيُحَلِّفَهُ. وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ احْلِفْ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْحُكْمِ بِنُكُولِهِ أَيْضًا وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْيَمِينِ قَبْلَ نُكُولِهِ حَقِيقَةً أَوْ تَنْزِيلًا وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَعُودَ إلَى طَلَبِ الْيَمِينِ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَإِذَا طَلَبَهَا مِنْهُ وَامْتَنَعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْعَوْدُ إلَى يَمِينِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ يَمِينِ الرَّدِّ الَّذِي رَدَّهَا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِرِضَاهُ لِخَصْمِهِ، وَلَوْ هَرَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِنُكُولِهِ. امْتَنَعَ الْحَلِفُ عَلَى الْمُدَّعِي. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (لَا لِدَهْشَةٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ دَهِشَ دَهَشًا فَهُوَ دَهِشٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ ذَهَبَ عَقْلُهُ حَيَاءً أَوْ خَوْفًا وَقَوْلُهُ: وَغَبَاوَةً فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ لِنَحْوِ دَهَشٍ أَوْ غَبَاوَةٍ، شَرَحَ لَهُ الْقَاضِي الْحَالَ ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِ. أَوْ قَالَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ شَرْحُ الْمَنْهَجِ الْغَبَاوَةُ أَنْ لَا يَفْهَمَ مَا يُقَالُ لَهُ وَقَالَ فِي الْمُخْتَارِ الْغَبَاوَةُ عَدَمُ الْمَعْرِفَةِ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْغَبِيُّ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ الْقَلِيلُ الْفِطْنَةِ يُقَالُ غَبِيَ غَبِيًّ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَغَبَاوَةً. وَقَوْلُهُ: شَرَحَ لَهُ الْقَاضِي أَيْ وُجُوبًا بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إذَا أَطَلْت السُّكُوتَ، حَكَمْت بِنُكُولِك وَقَضَيْت عَلَيْك، وَسُكُوتُ الْأَصَمِّ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْحَلِّ لَيْسَ نُكُولًا بِخِلَافِ عَدَمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 وَكَذَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. (فَيَحْلِفُ) الْمُدَّعِي إنْ اخْتَارَ ذَلِكَ. (وَيَسْتَحِقُّ) الْمُدَّعَى بِهِ بِيَمِينِهِ لَا بِنُكُولِ خَصْمِهِ. وَقَوْلُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْحُكْمِ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَكَمَ بِنُكُولِهِ حَقِيقَةً، وَبِالْجُمْلَةِ فَلِلْخَصْمِ بَعْدَ نُكُولِهِ الْعَوْدُ إلَى الْحَلِفِ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِنُكُولِهِ حَقِيقَةً أَوْ تَنْزِيلًا وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ، إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي وَيُبَيِّنُ الْقَاضِي حُكْمَ النُّكُولِ لِلْجَاهِلِ بِهِ. بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنْ نَكَلْت عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَ مِنْك الْحَقَّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَحَكَمَ بِنُكُولِهِ نَفَذَ حُكْمُهُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْ حُكْمِ النُّكُولِ. وَيَمِينُ الرَّدِّ وَهِيَ يَمِينُ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ خَصْمِهِ، كَإِقْرَارِ الْخَصْمِ لَا كَالْبَيِّنَةِ، لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِالْيَمِينِ بَعْدَ نُكُولِهِ   [حاشية البجيرمي] الْإِشَارَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ بَعْدَ سَمَاعِهِ ق ل. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِ أَيْ بِالنُّكُولِ وَقَوْلُهُ أَوْ قَالَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ أَيْ بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (رُدَّتْ أَيْ الْيَمِينُ) أَيْ رَدَّهَا الْقَاضِي. قَوْلُهُ: (وَكَذَا فِعْلُ عُمَرَ إلَخْ) ذَكَرَ فِعْلَ عُمَرَ عَقِبَ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إشَارَةً إلَى أَنَّ رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَبِالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيَسْتَحِقُّ) أَيْ بِفَرَاغِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى حُكْمٍ لِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمٍ وَقَوْلُهُ: فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ أَيْ غَالِبًا وَقَدْ لَا يَحْلِفُ كَمَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ لِمُوَلِّيهِ حَقًّا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ ثُمَّ يَحْلِفُ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِمَالٍ لِمَيِّتٍ لَا وَارِثَ لَهُ وَأَنَابَ الْإِمَامُ شَخْصًا وَادَّعَى وَنَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي بَلْ يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي أَوْ يُقِرَّ. وَكَذَا نَاظِرُ الْوَقْفِ وَالْمَسْجِدِ إذَا ادَّعَيَا شَيْئًا لَا يَحْلِفَانِ بَلْ يَحْبِسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا ادَّعَى عَلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ مُوَرِّثَهُمْ أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ مَثَلًا بِكَذَا فَأَنْكَرُوا أَوْ نَكَلُوا فَلَا يَحْلِفُ الْوَصِيُّ بَلْ تُحْبَسُ الْوَرَثَةُ إلَى أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يُقِرُّوا. قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي احْلِفْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ نَكَلَ أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَقَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْقَاضِي أَيْ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ. وَهِيَ قَوْلُهُ: أَوْ يَسْكُتُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُكْمٌ) كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِالرَّفْعِ، فَاعِلُ يَكُنْ عَلَى أَنَّهَا تَامَّةٌ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حُكْمٌ بِنُكُولِهِ، حَقِيقَةً بَلْ ضِمْنًا وَفِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، حُكْمًا بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا نَاقِصَةٌ وَتَخْطِئَةُ الْمَرْحُومِيِّ لِلشَّارِحِ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّهَا. اهـ. م د وَالنَّصْبُ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ اسْمَ كَانَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: فَيَكُونُ الرَّفْعُ مِنْ تَحْرِيفِ النَّاسِخِ. قَوْلُهُ: (وَبِالْجُمْلَةِ) أَيْ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا حَقِيقَةً أَوْ نَازِلٌ مَنْزِلَتَهُ ز ي. قَوْلُهُ: (حَقِيقَةً) بِأَنْ حَكَمَ بِنُكُولِهِ أَوْ تَنْزِيلًا كَقَوْلِ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي) وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لَا تُرَدُّ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ وَلِأَنَّهُ سَقَطَ حَقُّهُ بِرِضَاهُ بِحَلِفِ خَصْمِهِ. تَنْبِيهٌ: يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُجِيبُ بِقَوْلِهِ: يَثْبُتُ مَا يَدَّعِيهِ فَيُطَالِبُ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ بِالْإِثْبَاتِ لِفَهْمِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ جَوَابٌ صَحِيحٌ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ طَلَبُ الْإِثْبَاتِ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِرَافًا وَلَا إنْكَارًا فَتَعَيَّنَ أَنْ لَا يُكْتَفَى مِنْهُ بِذَلِكَ بَلْ يُلْزَمُ بِالتَّصْرِيحِ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ، حَجّ ز ي وَيَقَعُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ يَقُولُ مَا بَقِيت أَتَحَاكَمُ أَوْ مَا بَقِيَتْ أَدَّعِي عِنْدَك وَالْوَجْهُ أَنْ يُجْعَلَ بِذَلِكَ مُنْكِرًا نَاكِلًا فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيَسْتَحِقُّ. اهـ. طَبَلَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيُبَيِّنُ الْقَاضِي) أَيْ وُجُوبًا ع ش وَشَوْبَرِيٌّ وَقَالَ ح ل: نَدْبًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. لَطِيفَةٌ: مِنْ الْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ الَّتِي رُبَّمَا أَفْتَى الْمُفْتِي بِخِلَافِهَا، وَيَقْضِي بِخِلَافِهَا أَيْضًا مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ مَالًا فَأَنْكَرَ وَطُلِبَ مِنْهُ الْيَمِينُ فَقَالَ: لَا أَحْلِفُ وَأُعْطِيَ الْمَالَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ وَلَهُ تَحْلِيفُهُ أَيْ لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ بَعْدُ وَكَذَا لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الرَّدِّ فَقَالَ الْخَصْمُ: أَنَا أَبْذُلُ لَك الْمَالَ بِلَا يَمِينٍ، فَيُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ بِأَنْ يُقِرَّ وَإِلَّا حَلَفَ الْمُدَّعِي شَرْحُ م ر أج. قَوْلُهُ: (نَفَذَ) أَيْ وَإِنْ أَثِمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 إلَى الْحَقِّ. فَأَشْبَهَ إقْرَارَهُ بِهِ فَيَجِبُ الْحَقُّ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّعِي مِنْ يَمِينِ الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى حُكْمٍ كَالْإِقْرَارِ وَلَا تُسْمَعُ بَعْدَهَا حُجَّةٌ بِمُسْقِطٍ كَأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ. فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ، وَلَا عُذْرَ لَهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ وَالْمُطَالَبَةِ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْيَمِينِ وَلَكِنْ تُسْمَعُ حُجَّتُهُ. فَإِنْ أَبْدَى عُذْرًا كَإِقَامَةِ حُجَّةٍ وَسُؤَالِ فَقِيهٍ وَمُرَاجَعَةِ حِسَابٍ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ لِئَلَّا تَطُولَ مُدَافَعَتُهُ وَالثَّلَاثَةُ مُدَّةٌ مُغْتَفَرَةٌ شَرْعًا وَيُفَارِقُ جَوَازَ تَأْخِيرِ الْحُجَّةِ أَبَدًا بِأَنَّهَا قَدْ لَا تُسَاعِدُهُ وَلَا تَحْضُرُ وَالْيَمِينُ   [حاشية البجيرمي] بِعَدَمِ تَعْلِيمِهِ، كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِتَقْصِيرِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لَا كَالْبَيِّنَةِ) أَيْ مِنْ الْمُدَّعِي. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِالْيَمِينِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعَى إذْ مِثْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ الْبَيِّنَةُ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا أَيْ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ إلَخْ أَيْ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى حُكْمٍ اهـ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ الْحَقُّ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ كَوْنِ الْيَمِينِ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ كَالْبَيِّنَةِ وَعِبَارَةُ م د. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِهَا إنْ جُعِلَتْ كَالْإِقْرَارِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ جُعِلَتْ كَالْبَيِّنَةِ فَتَحْتَاجُ إلَى الْحُكْمِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيْضًا عَدَمُ سَمَاعِ حُجَّةٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُسْقِطٍ كَالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جُعِلَتْ كَالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِالْمُسْقِطِ. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى حُكْمٍ) : اقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا عَدَلَتْ لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ بِهَا حَتَّى يَحْكُمَ الْقَاضِي وَقَدْ سَلَفَ تَصْرِيحُ الزَّرْكَشِيّ، بِذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ سم. قَوْلُهُ: (كَأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ) قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ إلَى أَنَّ التَّصْوِيرَ فِي الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا فَرَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ سُمِعَتْ أَفْتَى بِهِ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ. اهـ. وَالرَّاجِحُ: خِلَافُهُ م ر وَالشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْيَمِينِ) فَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا فِي هَذَا الْمَجْلِسِ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْقَاضِي بِنُكُولِ خَصْمِهِ كَمَا فِي س ل وق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُطَالَبَةُ) أَيْ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْخَصْمِ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً س ل. وَعِبَارَةُ ق ل وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْخَصْمِ وَلَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَيْضًا، وَلَا يَنْفَعُهُ إلَّا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ تُسْمَعُ حُجَّتُهُ) وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لَا تُرَدُّ سم، وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى مُعْسِرٍ وَقَصَدَ إثْبَاتَهُ لِيُطَالِبَهُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ مُطْلَقًا وَاعْتَمَدَهُ الْغَزِّيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ اقْتَضَى مَا قَرَّرْنَاهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ سَمَاعَهَا، لِأَنَّ الْقَصْدَ إثْبَاتُهُ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا قَبْضُهُ حَالًا بِتَقْدِيرِ يَسَارِهِ الْقَرِيبِ عَادَةُ الشَّرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ مُطْلَقًا مِنْ هَذَا يُؤْخَذُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا تَقَرَّرَ فِي نِظَارَةٍ عَلَى وَقْفٍ مِنْ أَوْقَافِ الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَدَهُ خَرِبًا ثُمَّ إنَّهُ عَمَّرَهُ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِهِ ثُمَّ سَأَلَ الْقَاضِيَ بَعْدَ الْعِمَارَةِ فِي نُزُولِ كَشْفٍ عَلَى الْمَحَلِّ وَتَحْدِيدِ الْعِمَارَةِ وَكِتَابَةِ حُجَّةٍ بِذَلِكَ فَأَجَابَهُ لِذَلِكَ وَعَيَّنَ لَهُ كَشَّافًا وَشُهُودًا وَمُهَنْدِسِينَ فَقَطَعُوا قِيمَةَ الْعِمَارَةِ الْمَذْكُورَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ نِصْفٍ وَأُخْبِرَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ حُجَّةً لِيَقْطَعَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ مَعَالِيمَهُمْ وَيَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ أَخْذَ الْوَقْفِ إلَى الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِالْحُجَّةِ وَلَا يُجِيبُهُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَالِبْ بِشَيْءٍ إذْ ذَاكَ وَلَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى وَالْكِتَابَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِدَفْعِ مَا طُلِبَ مِنْهُ وَادُّعِيَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْجُودًا هُنَا. وَطَرِيقُهُ فِي إثْبَاتِ الْعِمَارَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِمَا صَرَفَهُ يَوْمًا فَيَوْمًا مَثَلًا وَيَكُونُ ذَلِكَ جَوَابًا لِدَعْوَى مُلْزِمَةٍ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ يُصَدَّقُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ كَالْقَرْضِ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ. أَوْ كَانَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ أَنَّ لِلنَّاظِرِ اقْتِرَاضَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحَالُ فِي الْعِمَارَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَبْدَى) أَيْ الْمُدَّعِي عُذْرًا. قَوْلُهُ: (وَسُؤَالِ فَقِيهٍ) أَيْ هَلْ يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ أَوْ لَا؟ قَوْلُهُ: (وَمُرَاجَعَةِ حِسَابٍ) أَيْ دَفْتَرٍ. قَوْلُهُ: (أُمْهِلَ) أَيْ وُجُوبًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ سم: وَهَذَا مَعَ قَوْلِهِ: وَيُفَارِقُ جَوَازَ تَأْخِيرِ الْحُجَّةِ أَبَدًا يُعَرِّفُك أَنَّهُ إذَا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ فَاسْتُمْهِلَ وَلَوْ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ لَا يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَمِينِ، حَتَّى يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْهَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فَلَا تَنْفَعُهُ بَعْدَهَا إلَّا الْحُجَّةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اُسْتُمْهِلَ قَبْلَ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ فَيُمْهَلُ أَبَدًا وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ اُسْتُمْهِلَ الْمُدَّعِي أَبَدًا حِينَئِذٍ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أُمْهِلَ أَبَدًا، وَإِنْ طَلَبَ يَمِينَ الْخَصْمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 إلَيْهِ، وَهَلْ هَذَا الْإِمْهَالُ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ وَجْهَانِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَلَا يُمْهَلُ خَصْمُهُ لِعُذْرٍ حَتَّى يُسْتَحْلَفَ إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ بِطَلَبِ الْإِقْرَارِ أَوْ الْيَمِينِ بِخِلَافِ الْمُدَّعِي وَإِنْ اُسْتُمْهِلَ الْخَصْمُ فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ لِعُذْرٍ أُمْهِلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ إنْ شَاءَ الْقَاضِي وَقِيلَ: إنْ شَاءَ الْمُدَّعِي وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَتَقَيَّدُ بِآخِرِ الْمَجْلِسِ. وَمَنْ طُولِبَ بِجِزْيَةٍ فَادَّعَى مُسْقِطًا كَإِسْلَامِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ، فَإِنْ وَافَقَتْ دَعْوَاهُ الظَّاهِرَ كَأَنْ كَانَ غَائِبًا فَحَضَرَ وَادَّعَى ذَلِكَ وَحَلَفَ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ الظَّاهِرَ بِأَنْ كَانَ عِنْدَنَا ظَاهِرًا ثُمَّ ادَّعَى ذَلِكَ أَوْ وَافَقَهُ وَنَكَلَ طُولِبَ بِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ قَضَاءً بِالنُّكُولِ، بَلْ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ وَلَمْ يَأْتِ بِدَافِعٍ أَوْ بِزَكَاةٍ فَادَّعَى الْمُسْقِطَ كَدَفْعِهَا لِسَاعٍ آخَرَ لَمْ يُطَالِبْ بِهَا وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. وَلَوْ ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ حَقًّا لَهُ عَلَى شَخْصٍ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ، لَمْ يَحْلِفْ الْوَلِيُّ وَإِنْ ادَّعَى ثُبُوتَهُ بِسَبَبِ مُبَاشَرَتِهِ بَلْ يُنْتَظَرُ كَمَالُهُ، لِأَنَّ إثْبَاتَ الْحَقِّ لِغَيْرِ الْحَالِفِ بَعِيدٌ. (وَإِذَا تَدَاعَيَا) أَيْ الْخَصْمَانِ أَيْ   [حاشية البجيرمي] فَنَكَلَ وَرُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَطَلَبَ الْإِمْهَالَ وَلَوْ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أُمْهِلَ ثَلَاثَةً فَقَطْ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ بَعْدَهَا مِنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ دُونَ الْحُجَّةِ، فَمَتَى أَقَامَهَا سُمِعَتْ اهـ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) الْمُرَادُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ غَيْرِ يَوْمَيْ الْإِمْهَالِ وَالْإِيتَاءِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْحَلِفِ، وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَطَلَبَ الْإِمْهَالَ لِإِتْمَامِ الْبَيِّنَةِ أُمْهِلَ ثَلَاثَةً أَيْضًا ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا تَطُولَ مُدَافَعَتُهُ) أَيْ بِسَبَبِ طَلَبِ الْحَقِّ أَيْ لِئَلَّا تَطُولَ مُدَافَعَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي بِطَلَبِ الْحَقِّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَالْيَمِينُ إلَيْهِ) أَيْ مَوْكُولَةٌ إلَيْهِ وَنَافِعَةٌ لَهُ وَلَا بُدَّ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ. قَوْلُهُ: (وَهَلْ هَذَا الْإِمْهَالُ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ الْوُجُوبُ كَمَا فِي م ر وح ل. وَقَالَ حَجّ: وَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. قَوْلُهُ: (حِينَ يُسْتَحْلَفُ) أَيْ يُطْلَبُ مِنْهُ الْحَلِفُ ع ش. وَقَالَ ح ل: أَيْ يَلْزَمُ بِالْحَلِفِ وَهَذَا لَا يُسْتَحْلَفُ، إلَّا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ بِالدَّفْعِ وَالْإِبْرَاءِ، وَإِلَّا أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَوْلُهُ: إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي شَامِلٌ لِطَلَبِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَاَلَّذِي فِي الْمِنْهَاجِ الِاقْتِصَارُ عَلَى مُرَاجَعَةِ الْحِسَابِ. وَأَمَّا إذَا طَلَبَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَمْهَلَ الْخَصْمُ) : السِّينُ وَالتَّاءُ لِلطَّلَبِ أَيْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ. قَوْلُهُ: (أُمْهِلَ) أَيْ إنْ لَمْ يَضُرَّ الْإِمْهَالُ بِالْمُدَّعِي كَأَنْ كَانَ يُرِيدُ سَفَرًا وإلَّا لَمْ يُمْهَلْ اهـ س ل. قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الْخُصُومَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْخَصْمَيْنِ. بِأَنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي غَيْرِهَا وَمَا ذَكَرَهُ م د. بِقَوْلِهِ: أَيْ آخِرَ النَّهَارِ لِأَنَّهُ جَمِيعُهُ مَجْلِسُ الْقَاضِي غَيْرُ ظَاهِرٍ وَقَالَ م ر: أَيْ مَجْلِسُ الْقَاضِي وَمَا زَادَ عَلَى الْمَجْلِسِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رِضَا الْمُدَّعِي كَمَا فِي ح ل. قَوْلُهُ: (إنْ شَاءَ الْقَاضِي) مُعْتَمَدٌ وَعِبَارَةُ سم اعْتَمَدَهُ م ر فَقَالَ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُرَادَ إنْ شَاءَ الْقَاضِي لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُمْهِلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ قَهْرًا عَلَى الْمُدَّعِي وَإِلَّا فَالْمُدَّعِي إنْ شَاءَ أَمْهَلَهُ أَبَدًا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَا وَجْهَ لِتَقْيِيدِهِ بِآخِرِ الْمَجْلِسِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَتَقَيَّدُ) أَيْ لَا يَتَقَيَّدُ إمْهَالُهُ بِآخِرِ الْمَجْلِسِ بَلْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الدَّعْوَى مَتَى شَاءَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ طُولِبَ) وَلَوْ مَاتَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ، فَطَالَبَهُ الْقَاضِي وَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ، فَنَكَلَ فَهَلْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَوْ يُحْبَسُ أَوْ يَحْلِفُ أَوْ يُتْرَكُ أَوْجَهُ أَصَحّهَا الثَّانِي سم. قَوْلُهُ: (كَإِسْلَامِهِ) جَعْلُ الْإِسْلَامِ مُسْقِطًا مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْجِزْيَةِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ وَهُوَ طَرِيقَةٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَعَلَيْهِ فَالْإِسْلَامُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ يُقَسِّطُهَا لَا يُسْقِطُهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ ادِّعَاءُ الْمُسْقِطِ يَصْدُقُ بِدَعْوَى سُقُوطِ بَعْضِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ وَافَقَهُ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَوْ وَافَقَتْهُ أَيْ وَافَقَتْ دَعْوَاهُ الظَّاهِرَ. قَوْلُهُ: (طُولِبَ بِهَا) : أَيْ الْجِزْيَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّهَا وَجَبَتْ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ ذَلِكَ قَضَاءً بِالنُّكُولِ) الْمَعْنَى لَيْسَ الْمُطَالَبَةُ بِالْجِزْيَةِ وَلُزُومُهَا لَهُ بِسَبَبِ النُّكُولِ بَلْ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ وَاشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ بِهَا وَلَمْ يَأْتِ بِدَافِعٍ فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ فِي الدَّعْوَى الْخَاصَّةِ بِخَصْمٍ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ إلَّا بِيَمِينِ الرَّدِّ، فَلَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ قَبْلَهَا. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَقَّ هُنَا ثَابِتٌ وَهُوَ يَدَّعِي مُسْقِطًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ. قَوْلُهُ: (حَقًّا لَهُ) أَيْ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْلِفْ) أَيْ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْحَقِّ وَيَحْلِفُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ وَيَثْبُتُ الْحَقُّ تَبَعًا ق ل وَعِبَارَةُ سم، لَمْ يَحْلِفْ الْوَلِيُّ مَا لَمْ يُرِدْ ثُبُوتَ الْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ بِيَدِهِ فَيَحْلِفُ وَيَثْبُتُ الْحَقُّ ضِمْنًا وَمِثْلُهُ: يَجْرِي فِي الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ ادَّعَى) غَايَةً فِي عَدَمِ حَلِفِ الْوَلِيِّ. قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا (شَيْئًا) أَيْ عَيْنًا وَهِيَ (فِي يَدِ أَحَدِهِمَا) وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. (فَالْقَوْلُ) حِينَئِذٍ (قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ بِيَمِينِهِ) إنَّهَا مِلْكُهُ إذْ الْيَدُ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُرَجِّحَةِ. (وَإِنْ كَانَ) الْمُدَّعَى بِهِ وَهُوَ الْعَيْنُ. (فِي يَدِهِمَا) وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا (تَحَالَفَا) عَلَى النَّفْيِ فَقَطْ عَلَى النَّصِّ (وَجُعِلَ) ذَلِكَ (بَيْنَهُمَا) نِصْفَانِ لِقَضَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَوْ   [حاشية البجيرمي] مُبَاشَرَتِهِ) : عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ اهـ. كَأَنْ قَالَ: أَنَا أَقْرَضْته لَك بِسَبَبِ النَّهْبِ الَّذِي كَانَ حَصَلَ فِي الْبَلَدِ مَثَلًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَدَاعَيَا) التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ إمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ، أَوْ اعْتِبَارِ صُورَةِ الدَّعْوَةِ الظَّاهِرِيَّةِ، وَإِلَّا فَمَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ يُقَالُ لَهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ: لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلظَّاهِرِ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْآخَرُ يُقَالُ لَهُ: مُدَّعٍ لِأَنَّ دَعْوَاهُ مُخَالِفَةٌ لِلظَّاهِرِ. قَوْلُهُ: (فِي يَدِ أَحَدِهِمَا) الْمُرَادُ الْيَدُ الْمُتَأَصِّلَةُ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ أَخَذَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ إنْسَانٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَادَّعَى مَنْ كَانَتْ الْيَدُ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ الْيَدُ الْآنَ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ مِنْ إنْسَانٍ أَلْفًا وَقَالَ: أَقَرَّ لِي بِهَا أَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةً وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَادَّعَى مِلْكَهُ لَهَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْعَيْنُ بِيَدِهِ. وَكَذَا: لَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ فَأَكْرَاهَا فَادَّعَى الْمُكْتَرِي شَيْئًا ثَابِتًا فِيهَا أَنَّهُ لَهُ وَقَالَ الْمُكْرِي: هُوَ مِلْكِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْأَصْلِ لَهُ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ إذَا تَدَاعَيَاهُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي وَفِي شَرْحِ م ر. وَلَوْ أَخَذَ ثَوْبًا مِنْ دَارٍ وَادَّعَى مِلْكَهُ فَقَالَ رَبُّهَا بَلْ هُوَ ثَوْبِي. أُمِرَ الْآخِذُ بِرَدِّ الثَّوْبِ، حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِأَنَّ الْيَدَ لِصَاحِبِ الدَّارِ كَمَا لَوْ قَالَ: قَبَضْت مِنْهُ أَلْفًا لِي عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ فَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ لَهُ. وَلَوْ قَالَ: أَسْكَنْته دَارِي ثُمَّ أَخْرَجْته مِنْهَا فَالْيَدُ لِلسَّاكِنِ لِإِقْرَارِ الْأَوَّلِ لَهُ بِهَا فَيَحْلِفُ أَنَّهَا لَهُ وَلَيْسَ قَوْلُهُ: زَرَعَ لِي تَبَرُّعًا أَوْ بِإِجَارَةٍ إقْرَارًا لَهُ بِيَدٍ، وَلَوْ تَنَازَعَ مُكْتَرٍ وَمُكْرٍ فِي مُتَّصِلٍ بِالدَّارِ كَرَفٍّ أَوْ سُلَّمٍ مُسَمَّرٍ. حَلَفَ الثَّانِي أَوْ مُنْفَصِلٍ كَمَتَاعٍ فَالْأَوَّلُ لِلْعُرْفِ، وَمَا اضْطَرَبَ فِيهِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا إنْ تَحَالَفَا لِانْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا) : وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ كَمَا يَأْتِي وَيُجَابُ بِأَنَّهُ قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَجَلٍ، قَوْلِهِ: تَحَالَفَا أَمَّا إذَا كَانَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ لَهُمَا أَيْ مِنْ غَيْرِ تَحَالُفٍ. قَوْلُهُ: (تَحَالَفَا) أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: عَلَى النَّفْيِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّحَالُفِ أَنْ يَحْلِفَ كُلٌّ يَمِينًا تَجْمَعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا. اهـ. شَيْخُنَا وَعِبَارَةُ م د. قَوْلُهُ: عَلَى النَّفْيِ فَقَطْ، أَيْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى نَفْيِ اسْتِحْقَاقِ صَاحِبِهِ لِلنِّصْفِ وَلَا يُكَلَّفُ الْجَمْعَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّ الْجَمِيعَ لَهُ وَلَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهِ أَوْ يَقُولَ: لَا حَقَّ لَهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِي قَالَ ق ل: فَالتَّحَالُفُ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَيْ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ أَنْ يَحْلِفَ كُلٌّ يَمِينًا تَجْمَعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا. فَرْعٌ: اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي أَمْتِعَةِ الْبَيْتِ وَلَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَلَا بَيِّنَةَ وَلَا اخْتِصَاصَ لِأَحَدِهِمَا بِيَدٍ فَلِكُلٍّ تَحْلِيفُ الْآخَرِ، فَإِذَا حَلَفَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ صَلُحَ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ أَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ قُضِيَ لَهُ بِهِ. كَمَا لَوْ اخْتَصَّ بِالْيَدِ وَحَلَفَ، وَكَذَا وَارِثُهُمَا وَوَارِثُ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرِ. اهـ. س ل. وَنَقَلَهُ أج عَنْ شَرْحِ م ر ثُمَّ قَالَ: وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ: فَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً فَالْقِيَاسُ الَّذِي لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ عِنْدِي بِالْغَفْلَةِ عَنْهُ، أَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ إنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ عَلَى دَعْوَاهُ فَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ قُضِيَ لَهُ بِهِ سَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِي دَوَامِ النِّكَاحِ أَمْ بَعْدَهُ. وَاخْتِلَافُ وَارِثِهِمَا كَهُمَا وَسَوَاءٌ مَا يَصْلُحُ لِلزَّوْجِ، كَالسَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ، وَلِلزَّوْجَةِ كَالْخَلْخَالِ وَالْغَزْلِ أَوْ وَغَيْرِهِمَا كَالدَّرَاهِمِ أَوْ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا كَالْمُصْحَفِ، وَهُمَا أُمِّيَّانِ وَتَاجُ الْمُلُوكِ وَهُمَا عَامِّيَّانِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ فِي يَدِهِمَا حِسًّا فَهُوَ لَهُمَا وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِمَا حُكْمًا فَمَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ فَلِلزَّوْجِ، وَمَا يَصْلُحُ لِلْأُنْثَى فَلِلزَّوْجَةِ وَاَلَّذِي يَصْلُحُ لَهُمَا يَكُونُ لَهُمَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ، قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. بِأَنَّا لَوْ اسْتَعْمَلْنَا الظُّنُونَ لَحُكِمَ فِي دَبَّاغٍ وَعَطَّارٍ تَدَاعَيَا عِطْرًا وَدِبَاغًا فِي أَيْدِيهِمَا. أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَفِيمَا لَوْ تَنَازَعَ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ، فِي لُؤْلُؤٍ أَنْ نَجْعَلَهُ لِلْمُوسِرِ وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالظُّنُونِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِالْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ إلَّا فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْمُسْتَفْتِي فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ الْأَقْوَالَ الضَّعِيفَةَ فِي مَذْهَبِهِ وَلَوْ أَفْتَى الْإِنْسَانُ بِالْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً، وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِمَالِكِهَا لَوْ أَخَذَ شَيْئًا اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 أَقَامَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ وَهُوَ بِيَدِ ثَالِثٍ سَقَطَتَا لِتَنَاقُضِ مُوجَبِهِمَا فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا عَمِلَ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ، أَوْ بِيَدِهِمَا أَوْ لَا بِيَدِ أَحَدٍ فَهُوَ لَهُمَا إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ، أَوْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا وَيُسَمِّي الدَّاخِلَ رُجِّحَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ تَارِيخُهَا، أَوْ كَانَتْ شَاهِدًا وَيَمِينًا وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ شَاهِدَيْنِ أَوْ لَمْ تُبَيِّنْ سَبَبَ الْمِلْكِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ تَرْجِيحًا لِبَيِّنَتِهِ بِيَدِهِ، هَذَا إنْ أَقَامَهَا بَعْدَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَلَوْ قَبْلَ تَعْدِيلِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تُسْمَعُ بَعْدَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي جَانِبِهِ الْيَمِينُ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا مَا دَامَتْ كَافِيَةً وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِبَيِّنَةٍ وَأُسْنِدَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ إلَى مَا قَبْلَ إزَالَةِ يَدِهِ وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَتِهَا مَثَلًا فَإِنَّهَا تُرَجَّحُ لِأَنَّ يَدَهُ إنَّمَا أُزِيلَتْ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ وَقَدْ ظَهَرَتْ، لَكِنْ لَوْ قَالَ الْخَارِجُ هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْك فَقَالَ الدَّاخِلُ: بَلْ هُوَ مِلْكِي وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمَا قَالَاهُ. رُجِّحَ الْخَارِجُ لِزِيَادَةِ عِلْمِ بَيِّنَتِهِ بِمَا ذُكِرَ، فَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِإِقْرَارٍ لَمْ تُسْمَعْ   [حاشية البجيرمي] شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (سَقَطَتَا) مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا تَسَاوَتْ الْبَيِّنَتَانِ تَارِيخًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي. وَيُرَجَّحُ بِتَارِيخٍ سَابِقٍ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ سَقَطَتَا سَوَاءٌ كَانَتَا مُطْلَقَتَيْ التَّارِيخِ، أَوْ مُتَّفِقَتَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا مُطْلَقَةٌ وَالْأُخْرَى مُؤَرَّخَةٌ. قَوْلُهُ: (لِتَنَاقُضِ مُوجَبِهِمَا) : بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ مَا يُوجِبَانِهِ فَإِنَّ بَيِّنَةَ كُلٍّ تُوجِبُ تَسْلِيمَ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لَهُ وَمِلْكَهُ لَهُ وَعِبَارَةُ م ر. لِتَعَارُضِهِمَا وَلَا مُرَجِّحَ فَأَشْبَهَا الدَّلِيلَيْنِ إذَا تَعَارَضَا بِلَا تَرْجِيحٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا) فَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا لَهُمَا تُجْعَلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. اهـ. ابْنُ شَوْبَرِيٍّ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِيَدِهِمَا أَوْ لَا بِيَدِ أَحَدٍ) : أَيْ وَثَمَّ بَيِّنَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ لَا بِيَدِ أَحَدٍ وَصَوَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِعَقَارٍ أَوْ مَتَاعٍ مُلْقًى فِي طَرِيقٍ وَلَيْسَ الْمُدَّعِيَانِ عِنْدَهُ سم ز ي. قَوْلُهُ: (فَهُوَ لَهُمَا) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ الْقَائِمَةِ لَا بِالْيَدِ السَّابِقَةِ عَلَى قِيَامِ الْبَيِّنَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا وَيُسَمِّي الدَّاخِلَ رُجِّحَتْ بَيِّنَتُهُ) : مِنْهُ يُؤْخَذُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ جَمَاعَةً بِأَيْدِيهِمْ أَمَاكِنُ يَذْكُرُونَ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِمْ وَبِأَيْدِيهِمْ تَمَسُّكَاتٌ تَشْهَدُ لَهُمْ بِذَلِكَ: فَنَازَعَهُمْ آخَرُونَ. وَادَّعَوْا أَنَّ هَذِهِ الْأَمَاكِنَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى زَاوِيَةٍ وَأَظْهَرُوا لِذَلِكَ تَمَسُّكًا وَهُوَ أَنَّهُ يَقْدَمُ ذُو الْيَدِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ انْتِقَالٌ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ الْأَمَاكِنُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ تَارِيخُ غَيْرِ وَاضِعِ الْيَدِ مُتَقَدِّمًا ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَأَخَّرَ تَارِيخُهَا) غَايَةً وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُسْنِدَا انْتِقَالَ الْمِلْكِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ إنْ كَانَتْ أَسْبَقَ تَارِيخًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقُوتِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهَا وَاعْتَمَدَهُ الشِّهَابُ م ر شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِيَدِهِ) وَدَخَلَ فِي إطْلَاقِهِ الْيَدُ الْحُكْمِيَّةُ كَالتَّصَرُّفِ وَالْحِسِّيَّةُ كَالْإِمْسَاكِ شَرْحُ م ر شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَبْلَ تَعْدِيلِهَا) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَهَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا أَيْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ إلَخْ فَهُوَ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي جَانِبِهِ الْيَمِينُ) : أَيْ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (عَنْهَا) أَيْ الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: (مَا دَامَتْ كَافِيَةً) أَيْ وَهِيَ كَافِيَةٌ مَا دَامَ الْخَارِجُ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ) غَايَةً لِقَوْلِهِ: رُجِّحَتْ بَيِّنَتُهُ. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تُرَجَّحُ تَفْرِيعٌ عَلَيْهَا أَيْ أُزِيلَتْ لِلْخَارِجِ بِسَبَبِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي أَقَامَهَا فَقَوْلُهُ: بِبَيِّنَةٍ أَيْ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ أَيْ وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ أَخَذَهَا مِنْ الدَّاخِلِ بَيِّنَتَهُ الَّتِي أَقَامَهَا قَبْلَ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ. اهـ. شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِبَيِّنَةٍ حِسًّا بِأَنْ سَلَّمَ الْمَالَ لِخَصْمِهِ أَوْ حُكْمًا بِأَنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ فَقَطْ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا مَا دَامَتْ كَافِيَةً نَعَمْ يَتَّجِهُ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ سَمَاعُهَا لِدَفْعِ تُهْمَةِ سَرِقَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا بَعْدَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَأُسْنِدَتْ) : بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تُسْنَدْ بَيِّنَتُهُ إلَى ذَلِكَ فَلَا تَرْجِيحَ لِأَنَّهُ الْآنَ مُدَّعٍ خَارِجٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَتِهَا) : أَيْ الْبَيِّنَةِ أَيْ اعْتَذَرَ عَنْ إقَامَتِهَا حَالَ الدَّعْوَى بِغَيْبَتِهَا أَوْ حَبَسَهَا وَلِذَا قَالَ: مَثَلًا وَهَذَا أَعْنِي قَوْله وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَتِهَا لَيْسَ قَيْدًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تُرَجَّحُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: وَلَوْ أُزِيلَتْ مُسْتَأْنَفًا وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تُرَجَّحُ جَوَابَهُ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ لَوْ قَالَ الْخَارِجُ) : اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ رُجِّحَتْ بَيِّنَتُهُ أَيْ الدَّاخِلُ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالرِّقِّ وَبَيِّنَةٌ بِالْحُرِّيَّةِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الرِّقِّ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَبَيِّنَةُ الْحُرِّيَّةِ مُسْتَصْحَبَةٌ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (اشْتَرَيْته مِنْك) أَوْ غَصَبْته أَوْ اسْتَعَرْته أَوْ اكْتَرَيْته مِنِّي شَرْحُ الْمَنْهَجِ: فَرْعٌ: لَوْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ. كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ، آخِرُ الدَّعَاوَى وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 دَعْوَاهُ بِهِ بِغَيْرِ ذِكْرِ انْتِقَالٍ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَهَبْته لَهُ وَمَلَكَهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِلُزُومِ الْهِبَةِ لِجَوَازِ اعْتِقَادِهِ لُزُومَ الْهِبَةِ بِالْعَقْدِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَيُرَجَّحُ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى شَاهِدٍ مَعَ يَمِينٍ لِلْآخَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَبْعَدُ عَنْ تُهْمَةَ الْحَالِفِ بِالْكَذِبِ فِي يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الشَّاهِدِ يَدٌ فَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى مَنْ ذُكِرَ. وَلَا يُرَجَّحُ بِزِيَادَةِ شُهُودٍ لِأَحَدِهِمَا وَلَا بِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لِكَمَالِ الْحُجَّةِ فِي الطَّرَفَيْنِ وَلَا بِبَيِّنَةٍ مُؤَرَّخَةٍ عَلَى بَيِّنَةٍ مُطْلَقَةٍ. وَيَرْجِعُ بِتَارِيخٍ سَابِقٍ وَالْعَيْنُ بِيَدِهِمَا أَوْ بِيَدِ غَيْرِهِمَا، أَوْ لَا بِيَدِ أَحَدٍ. وَرُجِّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْأَكْثَرِ لِأَنَّ الْأُخْرَى لَا تُعَارِضُهَا فِيهِ. وَلِصَاحِبِ التَّارِيخِ السَّابِقِ أُجْرَةٌ وَزِيَادَةٌ حَادِثَةٌ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهُ بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّهُمَا نَمَاءُ مِلْكِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأُجْرَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِيَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ. (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ   [حاشية البجيرمي] فَقَالُوا: تُسْمَعُ إذَا لَمْ يَكُنْ صَرَّحَ أَنَّهَا مِلْكُهُ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَيْعِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ز ي. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِإِقْرَارٍ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَهُوَ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ مِنْ الدَّاخِلِ عَلَى الْخَارِجِ وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِبَيِّنَةٍ. قَوْلُهُ: (لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ بِهِ) أَيْ يَمْلِكُ مَا أَقَرَّ بِهِ قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ قَالَ) : أَيْ الدَّاخِلُ فِي إقْرَارِهِ وَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ تُسْمَعْ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَهَبْته لَهُ) أَيْ لِلْخَارِجِ قَوْلُهُ: (لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِلُزُومِ الْهِبَةِ) وَحِينَئِذٍ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِالْمِلْكِ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ: وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ انْتِقَالًا كَمَا فِي م ر. وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِلُزُومِ الْهِبَةِ إلَخْ. وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِغَيْرِ ذِكْرِ انْتِقَالٍ لَكِنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ لُزُومَ الْهِبَةِ وَعَدَمِهِ بِالْعَقْدِ أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا وَأَقَرَّ بِمَا ذُكِرَ ثُمَّ عَادَ وَادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ تُسْمَعْ بِغَيْرِ ذِكْرِ انْتِقَالٍ وَكَذَا يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ تُنْقَلْ الْعَيْنُ مِنْ يَدِ الْمُقِرِّ بِالْهِبَةِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَإِلَّا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُقِرِّ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِذِكْرِ الِانْتِقَالِ. قَوْلُهُ: (لِجَوَازِ اعْتِقَادِهِ لُزُومَ الْهِبَةِ بِالْعَقْدِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُقَيَّدَةٌ بِالْقَيْدَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر لِجَوَازِ اعْتِقَادِهِ فَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ انْتِقَالًا نَعَمْ يَظْهَرُ تَقْيِيدُهُ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِمَا إذَا كَانَ مِمَّنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَالُ اهـ. وَفِي ح ل هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي فَقِيهٍ لَا يَجْهَلُ مِثْلُهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَيُرَجَّحُ بِشَاهِدَيْنِ) : كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لَيْسَ مُرْتَبِطًا بِمَا قَبْلَهُ بَلْ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ فِيمَ سَبَقَ وَالْعَيْنُ بِيَدِهِمَا أَوْ لَا بِيَدِ أَحَدٍ أَوْ بِيَدِ ثَالِثٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا بَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالْعَيْنُ بِيَدِهِمَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَيُرَجَّحُ بِرَجُلَيْنِ إلَخْ. وَلِقَوْلِهِ: لَا بِزِيَادَةِ شُهُودٍ وَلِقَوْلِهِ: وَيُرَجَّحُ بِتَارِيخٍ سَابِقٍ. قَوْلُهُ: (مَعَ يَمِينٍ لِلْآخَرِ) أَيْ فِي غَيْرِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُرَجَّحُ بِزِيَادَةِ شُهُودٍ) بَلْ يَتَعَارَضَانِ لِكَمَالِ الْحُجَّةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَلِأَنَّ مَا قَدَّرَهُ لِلشَّرْعِ لَا يَخْتَلِفُ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَدِيَةِ الْحُرِّ وَالْقَدِيمُ نَعَمْ كَالرِّوَايَةِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِمَا مَرَّ وَبِأَنَّ مَدَارَ الشَّهَادَةِ عَلَى أَقْوَى الظَّنَّيْنِ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ عَدَدَ التَّوَاتُرِ رُجِّحَتْ وَهُوَ وَاضِحٌ لِإِفَادَتِهَا حِينَئِذٍ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ وَهُوَ لَا يُعَارَضُ شَرْحُ م ر شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِكَمَالِ الْحُجَّةِ فِي الطَّرَفَيْنِ) : وَلَا تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ وَقْفٍ عَلَى بَيِّنَةِ مِلْكٍ وَلَا بَيِّنَةٌ انْضَمَّ إلَيْهَا حُكْمٌ بِالْمِلْكِ عَلَى بَيِّنَةٍ بِلَا حُكْمٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ فَإِنْ تَعَارَضَ حُكْمَانِ: كَأَنْ أَثْبَتَ كُلٌّ أَنَّ مَعَهُ حُكْمًا لَكِنَّ أَحَدَهُمَا بِالصِّحَّةِ وَالْآخَرَ بِالْمُوجَبِ اتَّجَهَ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ لِاسْتِلْزَامِهِ ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الثَّانِي شَرْحُ م ر بِاخْتِصَارٍ. قَوْلُهُ: (وَيُرَجَّحُ بِتَارِيخٍ سَابِقٍ) كَأَنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِوَاحِدٍ بِمِلْكٍ مِنْ سَنَةٍ إلَى الْآنَ وَبَيِّنَةٌ أُخْرَى لِآخَرَ بِمِلْكٍ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إلَى الْآنَ وَالْعَيْنُ بِيَدِهِمَا أَوْ بِيَدِ غَيْرِهِمَا أَوْ لَا بِيَدِ أَحَدٍ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْأَكْثَرِ كَسَنَتَيْنِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ بِزِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَالْعَيْنُ بِيَدِهِمَا) حَالٌ فَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا رُجِّحَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ تَارِيخُهَا بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَرُجِّحَتْ) أَيْ وَإِنَّمَا رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْأَكْثَرِ أَيْ أَكْثَرِ الْمُدَّتَيْنِ وَهِيَ الْأَسْبَقُ تَارِيخًا قَالَ م د: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ وَفِي بَعْضِهَا بِحَذْفِهَا وَهُوَ الصَّوَابُ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّوَابُ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ بَلْ ثُبُوتُهَا هُوَ الصَّوَابُ: لِأَنَّ الْجُمْلَةَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا وَاقِعًا فِي جَوَابِ سُؤَالٍ اقْتَضَتْهُ الْجُمْلَةُ الْأُولَى تَقْدِيرُهُ: لِأَيِّ شَيْءٍ وَقَعَ التَّرْجِيحُ بِتَارِيخِ السَّابِقِ وَقَوْلُ الْمُحَشِّي الصَّوَابُ حَذْفُهَا إنَّمَا يُنَاسِبُ عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (ذِي الْأَكْثَرِ) : أَيْ أَكْثَرِ الْمُدَّتَيْنِ وَهِيَ الْأَسْبَقُ تَارِيخًا لِعَدَمِ الْمُعَارَضَةِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأُخْرَى فَهُوَ تَوْجِيهٌ لِقَوْلِهِ: وَيُرَجَّحُ بِتَارِيخٍ سَابِقٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 نَفْسِهِ) إثْبَاتًا كَانَ أَوْ نَفْيًا وَلَوْ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ كَأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى خَطِّهِ أَوْ خَطِّ مُوَرِّثِهِ. (حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ) بِالْمُثَنَّاةِ وَهُوَ الْقَطْعُ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأُخْرَى لَا تُعَارِضُهَا فِيهِ) : أَيْ فِي الْأَكْثَرِ وَهُوَ السَّنَةُ السَّابِقَةُ بَلْ تُعَارِضُهَا فِي السَّنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَإِذَا تَعَارَضَا فِيهَا تَسَاقَطَا بِالنِّسْبَةِ لَهَا فَيُسْتَصْحَبُ الْمِلْكُ السَّابِقُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (مِنْ يَوْمِ مَلَكَهُ بِالشَّهَادَةِ) : أَيْ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ ح ل وَقَالَ ع ش: وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي أُرِّخَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، لَا مِنْ وَقْتِ الْحُكْمِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِيَدِ الْبَائِعِ) أَيْ أَوْ بِيَدِ الزَّوْجِ. اهـ. م ر. وَصُورَتُهَا فِي الْبَيْعِ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُ شَخْصَيْنِ عَلَى رَجُلٍ بِأَنَّهُ بَاعَهُ الْعَيْنَ الْفُلَانِيَّةَ مِنْ مُدَّةِ سَنَتَيْنِ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهَا لَهُ مِنْ مُدَّةِ ثَلَاثِ سِنِينَ مَثَلًا وَلَمْ يُقْبِضْهُ الْبَائِعُ، لَا لِهَذَا وَلَا لِهَذَا وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً فَتَثْبُتُ لِذِي الْأَكْثَرِ تَارِيخًا وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْخُنَا. وَصُورَتُهَا فِي الصَّدَاقِ: أَنْ تَدَّعِيَ عَلَيْهِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا هَذِهِ الْعَيْنَ الَّتِي عِنْدَهُ مِنْ سَنَةٍ وَتَدَّعِي الْأُخْرَى أَنَّهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا مِنْ سَنَتَيْنِ وَتُقِيمُ كُلٌّ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهَا فَيُحْكَمُ بِهَا لِلثَّانِيَةِ وَلَا أُجْرَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ شَيْخُنَا وَعِبَارَةُ م د. قَوْلُهُ: بِيَدِ الْبَائِعِ أَيْ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ ضَمَانَ عَقْدٍ فَهُوَ أَيْ الصَّدَاقُ مُعَرَّضٌ لِلْبُطْلَانِ بِالتَّلَفِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا تُضْمَنُ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ. قَوْلُهُ: (فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَى الْبَائِعِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إتْلَافَهُ كَالْآفَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَزَالَ الْبَكَارَةَ لَا يَلْزَمُهُ غُرْمٌ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ. وَلِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلِانْفِسَاخِ بِتَلَفِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ. وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمِلْكِهِ أَمْسِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ تُسْمَعْ كَمَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا شَهِدَتْ لَهُ بِمَا لَمْ يَدَّعِهِ. نَعَمْ لَوْ ادَّعَى رِقَّ شَخْصٍ فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمْسِ، وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَذِكْرُ الْمِلْكِ السَّابِقِ وَقَعَ تَبَعًا بِخِلَافِهِ فِيمَا ذُكِرَ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ فِيهِ حَتَّى تَقُولَ وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ أَوْ لَا نَعْلَمُ مُزِيلًا لَهُ أَوْ تُبَيَّنَ سَبَبَهُ كَأَنْ تَقُولَ اشْتَرَاهُ مِنْ خَصْمِهِ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ أَمْسِ. وَمِثْلُ بَيَانِ السَّبَبِ مَا لَوْ شَهِدَتْ أَنَّهَا أَرْضُهُ زَرَعَهَا أَوْ دَابَّتُهُ نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ أَوْ أَثْمَرَتْ شَجَرَتُهُ فِي مِلْكِهِ أَوْ هَذَا الْغَزْلُ مِنْ قُطْنِهِ أَوْ الطَّيْرُ مِنْ بَيْضِهِ أَمْسِ، وَلَوْ أَقَامَ حُجَّةً مُطْلَقَةً بِمِلْكِ دَابَّةٍ أَوْ شَجَرَةٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَلَدًا وَثَمَرَةً ظَاهِرَةً يَعْنِي مُؤَبَّرَةً عِنْدَ إقَامَتِهَا الْمَسْبُوقَةِ بِالْمِلْكِ، إذْ يَكْفِي لِصِدْقِ الْحُجَّةِ سَبْقُهُ بِلَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ، وَخَرَجَ بِمُطْلَقَةِ الْمُؤَرَّخَةُ لِلْمِلْكِ بِمَا قَبْلَ حُدُوثِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ، وَبِالْوَلَدِ الْحَمْلُ، وَبِالظَّاهِرَةِ غَيْرُهُمَا فَيَسْتَحِقُّهُمَا تَبَعًا لِأَصْلِهِمَا، كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ انْفِصَالَهُمَا عَنْهُ أَيْ الْأَصْلِ بِوَصِيَّةٍ، وَلَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ شَيْئًا فَأُخِذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ غَيْرِ إقْرَارٍ وَلَوْ مُطْلَقَةٍ عَنْ تَقْيِيدِ الِاسْتِحْقَاقِ بِوَقْتِ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ احْتَمَلَ انْتِقَالُهُ مِنْهُ إلَى الْمُدَّعِي أَوْ لَمْ يَدَّعِ مِلْكًا سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي عُهْدَةِ الْعُقُودِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْتِقَالِهِ مِنْهُ إلَيْهِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ الْمَشْهُودُ بِهِ إلَى مَا قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَخَرَجَ بِغَيْرِ إقْرَارٍ أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي الْإِقْرَارُ مِنْهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَلَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ هَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّجَرَةِ حَيْثُ اكْتَفَى فِيهَا بِتَقْدِيرِ الْمِلْكِ قُبَيْلَ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ رَاعَيْنَا ذَلِكَ هُنَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ. وَالْحِكْمَةُ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِهِ مَسِيسُ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي عُهْدَةِ الْعُقُودِ وَأَيْضًا فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمُعَامَلَةِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْمُدَّعِي فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ الْمَشْهُودُ بِهِ إلَى مَا قَبْلَ الشِّرَاءِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: الْعَجَبُ كَيْفَ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ نِتَاجٌ حَصَلَ قَبْلَ الْبَيِّنَةِ وَبَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ انْتِقَالُ النِّتَاجِ وَنَحْوِهِ إلَى الْمُشْتَرِي مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ: رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا يَرْجِعُ مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الزَّوَائِدِ الْحَاصِلَةِ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا وَأَخْذُهُ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ مِنْهُ لِلْمُدَّعِي بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْ الْبَائِعِ إنَّمَا هُوَ لِمَسِيسِ إلَخْ وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ عِنْدَ الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، كَأَنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ سَارِقُهُ أَوْ غَاصِبُهُ وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ تَسْلِيمِهِ إيَّاهُ وَقَدْ حَصَلَ وَأَيْضًا فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ كَانَ كَأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِمَا أَعْطَاهُ لَهُ، وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ أَيْضًا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ قَطْعًا وَأَنَّ مُدَّعِيَهُ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ إيَّاهُ وَإِقَامَتِهِ تِلْكَ الشُّهُودَ وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ وَمِنْ ذَلِكَ دَرَاهِمُ الشَّكِيَّةِ فَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الشَّاكِي وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَحَلَّ الرُّجُوعِ عَلَى الشَّاكِي إنْ تَعَذَّرَ أَخْذُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 وَالْجَزْمُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ بَتَّ الْحَبْلَ إذَا قَطَعَهُ فَقَوْلُهُ حِينَئِذٍ: (وَالْقَطْعُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ حَالَ نَفْسِهِ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهَا فَيَقُولُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْإِثْبَاتِ: وَاَللَّهِ لَقَدْ بِعْت بِكَذَا، أَوْ اشْتَرَيْت بِكَذَا وَفِي النَّفْيِ وَاَللَّهِ مَا بِعْت بِكَذَا أَوْ مَا اشْتَرَيْت بِكَذَا. (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ) فَفِيهِ تَفْصِيلٌ (فَإِنْ كَانَ) فِعْلُهُ (إثْبَاتًا حَلَفَ) حِينَئِذٍ (عَلَى الْبَتِّ وَالْقَطْعِ) لِسُهُولَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ) فِعْلُهُ (نَفْيًا مُطْلَقًا حَلَفَ) حِينَئِذٍ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا عَلِمْت أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا لِأَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ يَعْسُرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ ذَلِكَ فَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ اُعْتُدَّ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَمَّا النَّفْيُ الْمَحْصُورُ فَكَالْإِثْبَاتِ فِي إمْكَانِ الْإِحَاطَةِ بِهِ كَمَا فِي آخِرِ الدَّعَاوَى مِنْ الرَّوْضَةِ فَيَحْلِفُ فِيهِ عَلَى الْبَتِّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَصْرُ الْيَمِينِ فِي فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى تَحْقِيقِ مَوْجُودٍ لَا إلَى فِعْلٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَارَ، وَلَمْ يَعْرِفْ فَادَّعَتْ أَنَّهُ غُرَابٌ فَأَنْكَرَ. فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ قَالَهُ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ. وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ يَمِينٍ فَهِيَ عَلَى الْبَتِّ إلَّا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَبْرَأَنِي مُوَرِّثُك مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ. وَلَوْ قَالَ: جَنَى عَبْدُك عَلَيَّ بِمَا يُوجِبُ كَذَا وَأَنْكَرَ. فَالْأَصَحُّ حَلِفُ السَّيِّدِ عَلَى الْبَتِّ لِأَنَّ عَبْدَهُ مَالُهُ وَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِ. وَلِذَلِكَ سُمِعَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ: جَنَتْ بَهِيمَتُك عَلَى زَرْعِي مَثَلًا فَعَلَيْك ضَمَانُهُ فَأَنْكَرَ مَالِكُهَا، حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ   [حاشية البجيرمي] الشَّكْوَى مِنْ آخِذِهَا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَلَفَ) أَيْ أَرَادَ الْحَلِفَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ نَشَأَ مِنْ الْكَلَامِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ إلَخْ. وَمِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ إلَخْ فَكَأَنَّ سَائِلًا قَالَ: مَا كَيْفِيَّةُ الْحَلِفِ فَقَالَ: وَمَنْ حَلَفَ إلَخْ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُبْرِئْهُ الْمُدَّعِي مِنْ الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى خَطِّهِ أَوْ خَطِّ مُوَرِّثِهِ) : هَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ لِأَنَّ خَطَّ الْمُوَرِّثِ لَيْسَ فِعْلَ نَفْسِهِ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنَّ الْوَلَدَ رَأَى بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ كَأَبِيهِ أَنَّ ابْنِي فَعَلَ كَذَا وَكَذَا كَأَدَاءِ دَيْنٍ أَوْ طَلَاقٍ وَكَانَ الْوَلَدُ نَاسِيًا لَهُ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ اعْتِمَادًا عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ مِثَالٌ لِلظَّنِّ الْمُؤَكَّدِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ فِعْلَ نَفْسِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَيَجُوزُ الْبَتُّ فِي الْحَلِفِ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ كَأَنْ يَعْتَمِدَ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ: فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (إثْبَاتًا) كَبَيْعٍ وَإِتْلَافٍ وَغَصْبٍ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (نَفْيًا) : أَيْ أُرِيدَ نَفْيُهُ وَإِلَّا فَالْفِعْلُ نَفْسُهُ لَيْسَ نَفْيًا. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان وَعِبَارَةُ م د. أَيْ لَا مَحْصُورًا فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ التَّعْمِيمَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ مُقَابِلُ الْحَصْرِ. فَالْمُطْلَقُ مِثْلُ مَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ عَلَى آخَرَ فَقَالَ الْآخَرُ أَبْرَأَنِي مُوَرِّثُك فَإِذَا رَدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ قَالَ: وَاَللَّهِ أَبْرَأَك مُوَرِّثِي أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثِي أَبْرَأَنِي أَمَّا لَوْ قَالَ: أَبْرَأَنِي مُوَرِّثُك مِنْ كَذَا يَوْمَ كَذَا وَقْتَ الزَّوَالِ تَعَيَّنَ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتِّ فَيَقُولُ وَاَللَّهِ لَمْ يُبْرِئْك مِنْ كَذَا إلَخْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَفْيٌ مَحْصُورٌ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) غَرَضُهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَكُونُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لَا إلَى فِعْلٍ) أَيْ لَا مُسْتَنِدَةً إلَى فِعْلٍ يُنْسَبُ إلَخْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا عَلَى فِعْلٍ يُنْسَبُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا إلَخْ) : هَذِهِ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ نَفْيًا مُطْلَقًا حَلَفَ إلَخْ فَلَوْ ذَكَرَهُ بِجَنْبِهِ قَبْلَ التَّنْبِيهِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ: جَنَى عَبْدُك) هَذَا مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ إلَخْ. لِأَنَّ الْمُرَادَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَنْزِيلًا فَغَرَضُهُ بِهِ التَّعْمِيمُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ إلَخْ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِعْلُهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَفِعْلِ عَبْدِهِ وَدَابَّتِهِ قَوْلُهُ: (الدَّعْوَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى السَّيِّدِ أَنَّ عَبْدَك فَعَلَ كَذَا. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَيَحْلِفُ الشَّخْصُ عَلَى الْبَتِّ لَا فِي نَفْيٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهَا وَضَمَانُ جِنَايَتِهَا بِتَقْصِيرِهِ فِي حِفْظِهَا لَا بِفِعْلِهَا. وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ لِلْخَصْمِ فَلَوْ وَرَّى الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ نَوَى خِلَافَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ أَوْ تَأَوَّلَ بِأَنْ اعْتَقَدَ الْحَالِفُ خِلَافَ نِيَّةِ الْقَاضِي لَمْ يَدْفَعْ إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ شُرِعَتْ لِيَهَابَ الْخَصْمُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهَا، خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَوْ صَحَّ تَأْوِيلُهُ لَبَطَلَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ. تَتِمَّةٌ: يُسَنُّ تَغْلِيظُ يَمِينِ مُدَّعٍ إذَا حَلَفَ مَعَ شَاهِدٍ، أَوْ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ وَيَمِينِ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْخَصْمُ تَغْلِيظَهَا فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَلِعَانٍ. وَفِي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةِ نَقْدٍ عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةٍ أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ، وَالتَّغْلِيظُ يَكُونُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَمَا مَرَّ فِي اللِّعَانِ وَبِزِيَادَةِ أَسْمَاءٍ وَصِفَاتٍ كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَالْعَلَانِيَةَ، وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ يَهُودِيًّا حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَنَجَّاهُ مِنْ الْغَرَقِ أَوْ نَصْرَانِيًّا حَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى   [حاشية البجيرمي] مُطْلَقٍ بِفِعْلٍ لَا يُنْسَبُ لَهُ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ اهـ. وَحَاصِلُ الصُّوَرِ: اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إمَّا فِعْلُهُ، أَوْ فِعْلُ مَمْلُوكِهِ، أَوْ فِعْلُ غَيْرِهِمَا، عَلَى كُلٍّ إمَّا إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا وَعَلَى كُلٍّ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي أَحَدَ عَشَرَ. أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: فِي فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ مَمْلُوكِهِ، هَذِهِ ثَمَانِيَةٌ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ إمَّا عَلَى الْإِثْبَاتِ أَوْ النَّفْيِ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَا مُطْلَقَيْنِ أَوْ مُقَيَّدَيْنِ. وَبِقَوْلِهِ: وَفِي فِعْلِ غَيْرِهِمَا إثْبَاتًا فِي هَذِهِ صُورَتَانِ: لِأَنَّهُ إمَّا مُطْلَقٌ أَوْ مُقَيَّدٌ. وَقَوْلُهُ: أَوْ نَفْيًا مَحْصُورًا هَذِهِ وَاحِدَةٌ، وَيَتَخَيَّرُ فِي وَاحِدَةٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: لَا فِي نَفْيٍ مُطْلَقٍ. قَوْلُهُ: (وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْقَاضِي) : أَيْ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَلِأَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعِبَارَةُ م ر. وَتُعْتَبَرُ فِي الْيَمِينِ مُوَالَاتُهَا وَطَلَبُ الْخَصْمِ لَهَا مِنْ الْحَاكِمِ وَطَلَبُ الْحَاكِمِ لَهَا مِمَّنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ وَنِيَّةُ الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ أَوْ الْمُحَكَّمِ أَوْ الْمَنْصُوبِ لِلْمَظَالِمِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كُلِّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ اهـ. قَالَ ع ش: عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ عُرْفُهُمْ فِيمَا بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ. اهـ. حَجّ. وَالْمُرَادُ بِالْمُوَالَاةِ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ وَقَوْلِهِ: مَا فَعَلْت كَذَا مَثَلًا اهـ. وَقَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ " مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ أَيْ أَمَّا مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ كَبَعْضِ الْعُظَمَاءِ أَوْ الظَّلَمَةِ فَتَنْفَعُ التَّوْرِيَةُ عِنْدَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَثِمَ الْحَالِفُ إنْ لَزِمَ مِنْهَا تَفْوِيتُ حَقٍّ وَمِنْهُ الْمِشَدُّ وَشُيُوخُ الْبُلْدَانِ وَالْأَسْوَاقِ فَتَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِاَللَّهِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ نَوَى خِلَافَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ ثَوْبًا وَأَنْكَرَ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ ثَوْبًا وَأَرَادَ بِالثَّوْبِ الرُّجُوعَ لِأَنَّهُ مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ وَهَذَا مَجَازٌ مَهْجُورٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ اعْتَقَدَ إلَخْ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دِينَارًا قِيمَةَ مُتْلَفٍ فَأَنْكَرَ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي قُلْ: وَاَللَّهِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ دِينَارًا فَقَالَهُ: وَنَوَى ثَمَنَ مَبِيعٍ وَنَوَى الْقَاضِي قِيمَةَ الْمُتْلَفِ أَوْ قَصَدَ بِالدِّينَارِ اسْمَ رَجُلٍ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ صَحَّ تَأْوِيلُهُ) أَيْ أَوْ تَوْرِيَتُهُ. قَوْلُهُ: (يُسَنُّ تَغْلِيظُ يَمِينٍ إلَخْ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ الَّذِي تُغَلَّظُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ يَمِينًا مُغَلَّظَةً وَلَا تُغَلَّظُ أَيْضًا عَلَى مَرِيضٍ وَزَمِنٍ وَحَائِضٍ اهـ ز ي وَقَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ التَّغْلِيظَ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ. وَذَكَرَ لَهُ أَمْثِلَةً: مِنْهَا دَعْوَى، الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ عِتْقًا أَوْ كِتَابَةً فَأَنْكَرَهُ السَّيِّدُ، فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا غُلِّظَ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ غُلِّظَ عَلَى الْعَبْدِ مُطْلَقًا. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَطَلَاقٍ) : وَكَذَا فِي خُلْعٍ إنْ بَلَغَ عِوَضُهُ نِصَابًا مُطْلَقًا وَإِلَّا فَعَلَى الْحَالِفِ مِنْهُمَا إنْ كَانَ الْمُدَّعِي الزَّوْجَةَ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي الزَّوْجَ فَلَا تَغْلِيظَ عَلَيْهَا ق ل. قَوْلُهُ: (عِشْرِينَ مِثْقَالًا) بَدَلٌ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَيَّ نِصَابٍ كَانَ حَتَّى مِنْ الْإِبِلِ مَثَلًا بِرْمَاوِيٌّ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ نِصَابَ غَيْرِ النَّقْدِ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابَ النَّقْدِ سُنَّ التَّغْلِيظُ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَبِزِيَادَةِ أَسْمَاءٍ) وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى الْمُصْحَفِ فَيَضَعَ الْمُصْحَفَ فِي حِجْرِهِ وَيَفْتَحَهُ وَيَقُولَ لَهُ: ضَعْ يَدَك عَلَى سُورَةِ بَرَاءَةٌ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ فَإِنَّ هَذَا مُرْعِبٌ أَيْ مَخُوفٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُنْدَبُ تَحْلِيفُهُ قَائِمًا ق ل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 عِيسَى، أَوْ مَجُوسِيًّا أَوْ وَثَنِيًّا حَلَّفَهُ بِاَلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِقَاضٍ أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَتَى بَلَغَ الْإِمَامَ أَنَّ قَاضِيًا يَسْتَحْلِفُ النَّاسَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ عَزَلَهُ عَنْ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الِاسْتِحْلَافَ بِذَلِكَ. وَلَا يُحَلَّفُ قَاضٍ عَلَى تَرْكِهِ ظُلْمًا فِي حُكْمِهِ وَلَا شَاهِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ فِي شَهَادَتِهِ وَلَا مُدَّعٍ صِبًا وَلَوْ احْتِمَالًا بَلْ يُمْهِلُهُ حَتَّى يَبْلُغَ إلَّا كَافِرًا مَسْبِيًّا أَنْبَتَ وَقَالَ: تَعَجَّلْت إنْبَاتَ الْعَانَةِ فَيَحْلِفُ لِسُقُوطِ الْقَتْلِ، وَالْيَمِينُ مِنْ الْخَصْمِ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ حَالًا لَا الْحَقَّ فَتُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بَعْدَ حَلِفِ الْخَصْمِ، وَلَوْ ادَّعَى رِقَّ غَيْرِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَجْهُولِ نَسَبٍ فَقَالَ أَنَا حُرٌّ أَصَالَةً صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ ادَّعَى رِقَّ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ وَلَيْسَا بِيَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِحُجَّةٍ، أَوْ بِيَدِهِ وَجَهِلَ لَقْطَهُمَا حَلَفَ وَحَكَمَ لَهُ بِرِقِّهِمَا؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِمَا وَإِنْكَارُهُمَا بَعْدَ كَمَالِهِمَا لَغْوٌ فَلَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ حُجَّةٍ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، وَإِنْ كَانَ بِهِ بَيِّنَةٌ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إلْزَامٌ فِي الْحَالِ فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ حَالًا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِهِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ بِبَعْضِهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. فَصْلٌ فِي الشَّهَادَاتِ جَمْعُ شَهَادَةٍ وَهِيَ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ بِلَفْظٍ خَاصٍّ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] وقَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] . وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَيْسَ لَك إلَّا شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» وَخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الشَّهَادَةِ فَقَالَ لِلسَّائِلِ تَرَى الشَّمْسَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ»   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لِقَاضٍ) خَرَجَ الْخَصْمُ فَلَهُ تَحْلِيفٌ بِذَلِكَ وَمِثْلُ الْقَاضِي غَيْرُهُ مِنْ الْمُحَكَّمِ وَنَحْوُهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّحْلِيفُ بِذَلِكَ ع ش عَلَى مَنْهَجِ قَوْلِهِ: (أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِطَلَاقٍ) فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ حَيْثُ لَا إكْرَاهَ مِنْهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (عَزَلَهُ) أَيْ وُجُوبًا إنْ كَانَ شَافِعِيًّا وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ حَنَفِيًّا فَلَا يَعْزِلُهُ. لِأَنَّ مَذْهَبَهُ يَرَى ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِ مُقَلِّدِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ عَلَى مَنْهَجٍ وَمِثْلُ الْحَنَفِيِّ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ فَإِنَّهُ يَرَى التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (لِسُقُوطِ الْقَتْلِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْبَاتَ عَلَامَةُ الْبُلُوغِ، شَرْحُ التَّحْرِيرِ. وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بِنَاءً إلَخْ. هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ: إنَّهُ بُلُوغٌ حَقِيقَةً فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: [فَصْلٌ فِي الشَّهَادَاتِ] ِ ذَكَرَهَا بَعْدَ الدَّعْوَى لِأَنَّهَا تَكُونُ بَعْدَهَا وَمَنْ قَدَّمَ الشَّهَادَةَ نَظَرَ لِلتَّحَمُّلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: (بِلَفْظٍ خَاصٍّ) وَهُوَ أَشْهَدُ فَلَا يَكْفِي إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ أَبْلَغَ لِأَنَّ فِيهَا نَوْعَ تَعَبُّدٍ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ لِشُمُولِهِ لِنَحْوِ: هِلَالِ رَمَضَانَ أَوْلَى مِنْ التَّعْرِيفِ بِأَنَّهَا إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ هُوَ مَعْنَاهَا لُغَةً وَشَرْعًا عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ مِنْ كَوْنِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ أَخَصَّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشَّهَادَةُ لُغَةً الرُّؤْيَةُ أَوْ الْحُضُورُ وَفِي الْمِصْبَاحِ إنَّهَا الِاطِّلَاعُ وَالْمُعَايَنَةُ وَشَرْعًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَك) أَيْ لَيْسَ لَك فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ عَلَى خَصْمِك إلَّا شَاهِدَاك، وَلَيْسَ عَلَى خَصْمِك عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ إلَّا يَمِينُهُ، فَالْحَدِيثُ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَإِلَّا فَالْيَمِينُ فِي جَانِبِ الْخَصْمِ لَيْسَتْ لِلْمُدَّعِي وَإِنَّمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَفْصِلُ الْخُصُومَةَ أَيْ لَا تَفْصِلُ الْخُصُومَةَ إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَأُورِدَ عَلَى الْحَصْرِ حُكْمُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ الْأَوْلَوِيِّ لِأَنَّ الْعِلْمَ أَقْوَى مِنْ الْحُجَّةِ اهـ. قَوْلُهُ: (تَرَى) عَلَى تَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَتَرَى أَيْ تُبْصِرُ الشَّمْسَ. وَقَوْلُهُ: عَلَى مِثْلِهَا أَيْ عَلَى شَيْءٍ مُحَقَّقٍ مِثْلِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ دَعْ) أَيْ إنْ كَانَ هُنَاكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَا إسْنَادَهُ. وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ شَاهِدٌ وَمَشْهُودٌ لَهُ وَمَشْهُودٌ عَلَيْهِ وَمَشْهُودٌ بِهِ وَصِيغَةٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ) عِنْدَ الْأَدَاءِ (إلَّا مِمَّنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ خَمْسَةُ) بَلْ عَشَرَةُ (خِصَالٍ) كَمَا سَتَعْرِفُهَا الْأُولَى (الْإِسْلَامُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَلَا عَلَى الْكَافِرِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَبُولِهِ شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ وَلِأَحْمَدَ فِي الْوَصِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَيْسَ مِنَّا وَلِأَنَّهُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى خَلْقِهِ. (وَ) الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ (الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ صَبِيٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَلَا مَجْنُونٍ بِالْإِجْمَاعِ. (وَ) الرَّابِعَةُ (الْحُرِّيَّةُ) وَلَوْ بِالدَّارِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَقِيقٍ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَلَوْ مُبَعَّضًا أَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ فِيهِ مَعْنَى الْوِلَايَةِ وَهُوَ مَسْلُوبٌ مِنْهَا. (وَ) الْخَامِسَةُ (الْعَدَالَةُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] .   [حاشية البجيرمي] غَيْرُهُ، وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَوْ دَعْ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِثْلِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ) أَيْ فِي غَيْرِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ مِمَّا الْغَرَضُ مِنْهُ تَحْقِيقُ الْفَرْضِ إذْ لَا مَشْهُودَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ فِيهِ وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ فَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ الشَّاهِدُ وَمِنْ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: وَالْحُقُوقُ ضَرْبَانِ: الْمَشْهُودُ بِهِ. وَمِنْ قَوْلِهِ: حَقُّ اللَّهِ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ. الْمَشْهُودُ لَهُ وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، وَالصِّيغَةَ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْأَدَاءِ) : أَيْ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ مَفْقُودَةً عِنْدَ التَّحَمُّلِ، إلَّا فِي النِّكَاحِ كَمَا يَأْتِي، وَفِيمَا لَوْ وَكَّلَ شَخْصًا فِي بَيْعِ شَيْءٍ بِشَرْطِ الْإِشْهَادِ وَهَذَا مُقَدَّمٌ مِنْ تَأْخِيرٍ وَحَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ عَقِبَ قَوْلِهِ: إلَّا مِمَّنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ. قَوْلُهُ: (بَلْ عَشْرَةُ) الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُؤَنَّثٌ. وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: بُلُوغٌ وَعَقْلٌ ثُمَّ الْإِسْلَامُ نُطْقُهُ ... وَعَدْلٌ كَذَا حُرِّيَّةٌ وَمُرُوءَهْ وَذُو يَقَظَةٍ لَا حَجْرَ لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ ... فَهَذِي لِشِهَادٍ شَرَائِطُ عَشْرَهْ قَوْلُهُ: (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ) : وَشَهَادَةُ الْكَافِرِ كَانَتْ جَائِزَةً ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] أَيْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَرِثُ مِلَّةٌ مِلَّةً» . وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إلَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ تَجُوزُ عَلَى سِوَاهُمْ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: (فِي الْوَصِيَّةِ) أَيْ فِيمَا إذَا شَهِدَ كَافِرٌ. قَالَ ز ي: وَلَوْ جَهِلَ الْحَاكِمُ إسْلَامَ الشَّاهِدِ بَحَثَ عَنْهُ وَيَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ جَهْلِ الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَبْحَثُ عَنْهَا وَلَا يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: إنَّ فُلَانًا أَوْصَى لِفُلَانٍ بِكَذَا حَرِّرْ وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ فِي الْوَصِيَّةِ: أَيْ فِي السَّفَرِ لَا فِي غَيْرِهِ لِلْآيَةِ أَيْ قَوْلُهُ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 106] فَلِمَنْ أَرَادَ السَّفَرَ أَنْ يُوصِيَ وَيُشْهِدَ وَلَوْ كَافِرَيْنِ فَلْيُحَرَّرْ مَذْهَبُهُ أَيْ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ فَأَوْصَى بِعَيْنٍ عِنْدَهُ وَدِيعَةً أَوْ أَوْصَى بِرَدِّهَا إلَى صَاحِبِهَا وَأَشْهَدَ لِذَلِكَ كَافِرَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِالدَّارِ) بِأَنْ كَانَ لَقِيطًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَسْلُوبٌ مِنْهَا) الْأَوْلَى. وَهِيَ مَسْلُوبَةٌ مِنْهُ. فَرْعٌ: مَنْ تَرَكَ سُنَّةَ الْفَجْرِ وَالْوِتْرَ أُسْبُوعًا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ تَرَكَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُدَّةً طَوِيلَةً رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةَ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ وَصَلَّى مَكَانَهَا الْفَوَائِتَ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ. كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ: عَلَى غَوَامِضِ الْأَحْكَامِ. وَاعْتُرِضَ: بِأَنَّ تَرْكَ مَا ذُكِرَ لَيْسَ مُفَسِّقًا فَكَيْفَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ كَانَ الْفَاسِقُ يَعْلَمُ الْفِسْقَ مِنْ نَفْسِهِ وَصُدِّقَ فِي شَهَادَتِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 وَالسَّادِسَةُ أَنْ تَكُونَ لَهُ مُرُوءَةٌ وَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ لِأَنَّ مَنْ لَا مُرُوءَةَ لَهُ لَا حَيَاءَ لَهُ وَمَنْ لَا حَيَاءَ لَهُ قَالَ مَا شَاءَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت» . وَالسَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي شَهَادَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] أَوْ لِرِيبَةٍ حَاصِلَةٍ بِالْمُتَّهَمِ. وَالثَّامِنَةُ أَنْ يَكُونَ نَاطِقًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، وَالتَّاسِعَةُ أَنْ يَكُونَ يَقِظًا كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُغَفَّلٍ. وَالْعَاشِرَةُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا نُقِلَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ فَصْلِ التَّوْبَةِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْأَدَاءِ التَّحَمُّلُ فَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ لَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ   [حاشية البجيرمي] فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَوْ لَا فِيهِ خِلَافٌ. وَاعْتَمَدَ م ر: أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَعِبَارَةُ سم نَقْلًا عَنْ م ر. وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ يَعْلَمُ فِسْقَ نَفْسِهِ وَالنَّاسُ يَعْتَقِدُونَ عَدَالَتَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ اهـ وَفِي ق ل مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِي تَحْرِيمِ الْأَدَاءِ مَعَ الْفِسْقِ الْخَفِيِّ نَظَرٌ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِحَقٍّ وَإِعَانَةٌ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا إثْمَ عَلَى الْقَاضِي إذَا لَمْ يُقَصِّرْ، بَلْ يَتَّجِهُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي الْأَدَاءِ إنْقَاذُ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ بُضْعٍ قَالَ: وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ) لَوْ رَتَّبَ إمَامٌ ذُو شَوْكَةٍ شُهُودًا فَسَقَةً مَثَلًا فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِلضَّرُورَةِ كَالْقُضَاةِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: الْمُخْتَارُ لَا سم. قَوْلُهُ: (وَالسَّادِسُ أَنْ تَكُونَ لَهُ مُرُوءَةٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَزِيَادَتُهَا عَلَى الْعَدَالَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدَالَةِ عَدَمُ الْفِسْقِ فَإِنْ أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْمُرُوءَةَ وَغَيْرَهَا. فَلَا حَاجَةَ لِلزِّيَادَةِ؛ وَالْمُرُوءَةُ لُغَةً: الِاسْتِقَامَةُ وَشَرْعًا مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِيمَا يَأْتِي قَالَ الشَّاعِرُ مَرَرْت عَلَى الْمُرُوءَةِ وَهْيَ تَبْكِي ... فَقُلْت عَلَامَ تَنْتَحِبُ الْفَتَاةُ فَقَالَتْ كَيْفَ لَا أَبْكِي وَأَهْلِي ... جَمِيعًا دُونَ خَلْقِ اللَّهِ مَاتُوا قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَنْ لَا مُرُوءَةَ لَهُ إلَخْ) إشَارَةٌ لِقِيَاسٍ. قَوْلُهُ: «إذَا لَمْ تَسْتَحِي» أَصْلُهُ تَسْتَحْيِي بِيَاءَيْنِ حُذِفَتْ الثَّانِيَةُ لِلْجَزْمِ فَهُوَ بِيَاءٍ مَكْسُورَةٍ فَرَسْمُهُ هَكَذَا تَسْتَحِي. وَهَذَا هُوَ الرِّوَايَةُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ، وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بِحَاءٍ مَكْسُورَةٍ فَحُذِفَتْ مِنْهَا الْيَاءُ الْأُولَى تَخْفِيفًا بَعْدَ نَقْلِ حَرَكَتِهَا لِلْحَاءِ. قَوْلُهُ: (ذَلِكُمْ) إشَارَةٌ إلَى " أَنْ تَكْتُبُوهُ " وَقَوْلُهُ: {أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: 282] . أَيْ أَكْثَرُ قِسْطًا أَيْ عَدْلًا {وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} [البقرة: 282] وَأَثْبَتُ لَهَا وَأَعْوَنُ عَلَى إقَامَتِهَا {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] ، وَأَقْرَبُ فِي أَنْ لَا تَشُكُّوا فِي جِنْسِ الدَّيْنِ وَقَدْرِهِ وَأَجَلِهِ وَالشُّهُودِ بَيْضَاوِيٌّ، أَيْ أَقْرَبُ مِنْ عَدَمِ الرِّيبَةِ فَدَلَّ أَنَّهُ مَتَى، كَانَتْ هُنَاكَ رِيبَةٌ امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ) : أَيْ وَإِنْ فَهِمَ إشَارَتَهُ كُلُّ أَحَدٍ إذْ لَا تَخْلُو عَنْ احْتِمَالٍ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (مُغَفَّلٍ) أَيْ لَا يَضْبِطُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مُتَيَقِّظًا وَمِنْ التَّيَقُّظِ ضَبْطُ أَلْفَاظِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِحُرُوفِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَوْلًا كَإِقْرَارٍ وَطَلَاقٍ وَقَذْفٍ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُتَّجَهُ عَدَمَ جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِالْمَعْنَى وَلَا تُقَاسُ بِالرِّوَايَةِ لِضِيقِهَا. نَعَمْ يَقْرُبُ الْقَوْلُ: بِجَوَازِ التَّعْبِيرِ بِأَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ عَنْ الْآخَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِبْهَامِ اهـ خ ض. وَلَا يَقْدَحُ الْغَلَطُ الْيَسِيرُ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ عَنَانِيٌّ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْعَاشِرَةُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ ذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَ السَّفَهِ مَعْصِيَةٌ فَالْعَدَالَةُ تُغْنِي عَنْ ذِكْرِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَدْ يَكُونُ سَبَبُهُ غَيْرَ مَعْصِيَةٍ كَأَنْ يَضِيعَ الْمَالُ: بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، فَزَادَ هَذَا لِأَجْلِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ لَوْ شَهِدَ) : أَيْ تَحَمَّلَ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ أَعَادَهَا أَيْ أَدَّاهَا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، بِأَنْ يَكُونَ شَهِدَ أَيْ أَدَّى بِصِفَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، فَإِذَا تَحَمَّلَ وَأَعَادَ شَهَادَتَهُ قُبِلَتْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ كَمَالِهِ قُبِلَتْ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي خَادِمِهِ قَالَ: وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ شُهُودِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَيْضًا. (وَلِلْعَدَالَةِ) الْمُتَقَدِّمَةِ (خَمْسُ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ (أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهَا. (وَ) الثَّانِي أَنْ يَكُونَ (غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَى الْقَلِيلِ مِنْ الصَّغَائِرِ) مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ؛ وَفَسَّرَ جَمَاعَةٌ الْكَبِيرَةَ بِأَنَّهَا مَا لَحِقَ صَاحِبَهَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَقِيلَ هِيَ الْمَعْصِيَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ وَذُكِرَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُمْ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا أَمْيَلُ وَأَنَّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ انْتَهَى لِأَنَّهُمْ عَدُّوا الرِّبَا وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَشَهَادَةَ الزُّورِ وَنَحْوَهَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا حَدَّ فِيهَا وَقَالَ الْإِمَامُ هِيَ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ انْتَهَى، وَالْمُرَادُ بِقَرِينَةِ التَّعَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ الْكَبَائِرِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْبِدَعُ، فَإِنَّ الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا مَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ هَذَا ضَبْطُهَا بِالْحَدِّ، وَأَمَّا بِالْعَدِّ فَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إنَّهَا إلَى سَبْعِمِائَةٍ أَقْرَبُ أَيْ بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي فَمِنْ الصَّغَائِرِ وَلَا بَأْسَ بِعَدِّ شَيْءٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ. فَمِنْ الْأَوَّلِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ أَوْ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا بِلَا عُذْرٍ، وَمَنْعُ الزَّكَاةِ وَتَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ وَالْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَأَمْنُ مَكْرِهِ تَعَالَى، وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالزِّنَا وَاللِّوَاطُ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالنَّمِيمَةُ. وَأَمَّا الْغِيبَةُ فَإِنْ كَانَتْ فِي   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَوْ صَبِيٌّ) أَيْ أَوْ رَقِيقٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ وَهُوَ سَيِّدٌ أَوْ عَدُوٌّ أَوْ خَارِمُ الْمُرُوءَةِ أَوْ فَاسِقٌ فَرُدَّتْ، ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ زَوَالِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ الْمُعَادَةُ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ غَيْرُهَا مِنْهُ بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ سَنَةٍ، بِأَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُظَنُّ فِيهَا صِدْقُ تَوْبَةِ الْفَاسِقِ، وَانْصِلَاحُ حَالِ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ، وَأَمَّا السَّيِّدُ أَوْ الْعَدُوُّ مَتَى زَالَ الْمَانِعُ وَشَهِدَ قُبِلَتْ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ مُصِرٍّ) : أَيْ أَوْ مُصِرًّا أَوْ غَلَبَتْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ، كَمَا يَأْتِي وَالْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِأَنْ يَرْتَكِبَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ مِنْهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةٌ: الْإِصْرَارُ قِيلَ هُوَ الدَّوَامُ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ الْإِكْثَارُ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ: لَكِنَّهُ فِي بَابِ الْعَضَلِ. قَالَ: إنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى النَّوْعِ الْوَاحِدِ كَبِيرَةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ. قَوْلُهُ: (وَعِيدٌ شَدِيدٌ) : حَذَفَ بَعْضُهُمْ تَقْيِيدَ الْوَعِيدِ بِكَوْنِهِ شَدِيدًا وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ كُلَّ وَعِيدٍ مِنْ اللَّهِ لَا يَكُونُ إلَّا شَدِيدًا فَهُوَ مِنْ الْوَصْفِ اللَّازِمِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ. قَوْلُهُ: (تُؤْذِنُ) أَيْ تُعْلِمُ. وَالِاكْتِرَاثُ الْمُبَالَاةُ وَالِاعْتِنَاءُ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ يُقَالُ مَا أَكْتَرِثُ بِهِ أَيْ مَا أُبَالِي بِهِ اهـ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا) لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مُصِيبُونَ فِيهَا. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ) . ظَاهِرُهُ: وَإِنْ فَسَّقْنَاهُمْ وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ الْآتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: سَلِيمَ السَّرِيرَةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إذَا فُسِّقَ بِبِدْعَتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا يَأْتِي عَلَى مَا إذَا كَانَ لَيْسَ لَهُ شُبْهَةٌ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ شُبْهَةٌ أَيْ تَأْوِيلٌ قَوْلُهُ: (أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا) : لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَفْرَادُ أَيْ كَالرِّبَا فَإِنَّهُ نَوْعٌ تَحْتَهُ أَصْنَافٌ رِبَا الْفَضْلِ وَالْيَدِ وَالنَّسَاءِ وَالْقَرْضِ، وَالزِّنَا نَوْعٌ وَتَحْتَهُ أَصْنَافٌ زِنَا مُحْصَنٍ وَغَيْرِهِ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ. قَوْلُهُ: (وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) : أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ يَكُونَ مُنْكَرًا عِنْدَ الْفَاعِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا عِنْدَ النَّاهِي وَلَا بُدَّ أَنْ يَأْمَنَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَأَنْ لَا يَخَافَ الْوُقُوعَ فِي مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ النَّاهِي مُمْتَثِلًا لِلنَّهْيِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْوُلَاةِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ) : أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا إذَا كَانَ حَافِظًا لَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَوْلُهُ: (وَأَمْنُ مَكْرِهِ) : أَيْ خَوْفِهِ مِنْ مُجَازَاةِ اللَّهِ لَهُ. قَالَ الْمَحَلِّيُّ: فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَمْنُ مَكْرِ اللَّهِ يَحْصُلُ بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْمَعَاصِي، وَالِاتِّكَالِ عَلَى الْعَفْوِ اهـ. وَقَوْلُهُ: بِالِاسْتِرْسَالِ إلَخْ هَذَا تَقْيِيدٌ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَوْ وَجَدَ الْأَمْنَ مَعَ الطَّاعَةِ كَانَ كَبِيرَةً أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) : وَلَوْ كَافِرَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ بِأَنْ يُؤْذِيَهُمَا أَذًى لَيْسَ بِالْهَيِّنِ وَمِنْهُ التَّأْفِيفُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . وَأَنَّهُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ ضَمَّهُ الْقَبْرُ ضَمَّةً حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا فِي جَهَنَّمَ عَاقٌّ لِوَالِدَيْهِ وَالزَّانِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ فَهِيَ كَبِيرَةٌ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَإِلَّا فَصَغِيرَةٌ وَمِنْ الصَّغَائِرِ النَّظَرُ الْمُحَرَّمُ وَهَجْرُ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالنِّيَاحَةُ وَشَقُّ الْجَيْبِ، وَالتَّبَخْتُرُ فِي الْمَشْيِ وَإِدْخَالُ صِبْيَانٍ أَوْ مَجَانِينَ يَغْلِبُ تَنْجِيسُهُمْ الْمَسْجِدَ   [حاشية البجيرمي] وَالْمُشْرِكُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَاهُ وَأَنَّهُ يَأْخُذُ مَالَهُ فَدَعَاهُ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ إنَّهُ كَانَ ضَعِيفًا وَأَنَا قَوِيٌّ وَفَقِيرًا وَأَنَا غَنِيٌّ فَكُنْت لَا أَمْنَعُهُ شَيْئًا مِنْ مَالِي وَالْيَوْمَ أَنَا ضَعِيفٌ وَهُوَ قَوِيٌّ وَأَنَا فَقِيرٌ وَهُوَ غَنِيٌّ وَيَبْخَلُ عَلَيَّ بِمَالِهِ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: مَا مِنْ حَجَرٍ وَلَا مَدَرٍ يَسْمَعُ بِهَذَا إلَّا بَكَى ثُمَّ قَالَ لِلْوَلَدِ: أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . «وَشَكَا إلَيْهِ آخَرُ سُوءَ خُلُقِ أُمِّهِ. فَقَالَ: لِمَ لَمْ تَكُنْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ حِينَ حَمَلَتْك تِسْعَةَ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: إنَّهَا سَيِّئَةُ الْخُلُقِ قَالَ: لِمَ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ حِينَ أَرْضَعَتْك حَوْلَيْنِ؟ قَالَ: إنَّهَا سَيِّئَةُ الْخُلُقِ. قَالَ: لِمَ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ حِينَ سَهِرَتْ لَك لَيْلَهَا وَأَظْمَأَتْ لَك نَهَارَهَا؟ قَالَ: لَقَدْ جَازَيْتهَا قَالَ: مَا فَعَلْت. قَالَ: حَجَجْت بِهَا عَلَى عُنُقِي قَالَ: مَا جَازَيْتهَا» ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي تَفْسِيرِهِ وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ الْجَنَّةَ يُوجَدُ رِيحُهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَلَا يَجِدُ رِيحُهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلَا شَيْخٌ زَانٍ وَلَا جَارُّ إزَارِهِ خُيَلَاءَ إنَّ الْكِبْرِيَاءَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» قَوْلُهُ: (وَشَهَادَةُ الزُّورِ) : وَلَا تَثْبُتُ شَهَادَةُ الزُّورِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ نَعَمْ يُسْتَفَادُ بِهَا جَرْحُ الشَّاهِدِ فَتَنْدَفِعُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ جُرْحٌ مِنْهُمْ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ لِأَجْلِهِ وَيَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي وَبِظُهُورِ كَذِبِهِ كَأَنْ شَهِدَ أَنَّهُ رَآهُ يَزْنِي يَوْمَ كَذَا وَثَبَتَ أَنَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ بِمِصْرَ مَثَلًا. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ) : قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ» شَرَحَ الْمَحَلِّيِّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَقَوْلُهُ: كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ أَيْ تَسْتُرُ كُلٌّ مِنْهُنَّ بَعْضَ بَدَنِهَا وَتُبْدِي بَعْضَهُ إظْهَارًا لِجَمَالِهَا وَنَحْوِهِ وَقِيلَ تَلْبَسُ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ لَوْنَ بَدَنِهَا كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَفِي الْحَاشِيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: خَصَّ الْمُسْلِمَ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ أَنْوَاعِهِ وَإِلَّا فَالذِّمِّيُّ كَذَلِكَ اهـ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: إنْ أَرَادَ فِي التَّحْرِيمِ فَمُسَلَّمٌ أَوْ فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً فَمَمْنُوعٌ اهـ. قَالَ سم: فِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَعِنْدِي أَنَّ الْأَوْجَهَ كَوْنُهُ كَبِيرَةً كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَشَمِلَ الضَّرْبَ الْيَسِيرَ وَذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الضَّرْبَةَ وَالْخَدْشَةَ إذَا عَظُمَ أَلَمُهُمَا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا الْوَالِدَ أَوْ وَلِيًّا يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَا بِالْكَبَائِرِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَالنَّمِيمَةُ) هِيَ نَقْلُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ سَوَاءٌ قَصَدَ الْإِفْسَادَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ نَقَلَهُ لِمَنْ تُكُلِّمَ بِهِ فِيهِ أَوْ نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ مَثَلًا وَحَصَلَ الْإِفْسَادُ وَالْمُرَادُ بِالْإِفْسَادِ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ وَنَقْلُ الْكَلَامِ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ نَقْلُ الْإِشَارَةِ وَالْفِعْلَ كَذَلِكَ وَسَوَاءٌ نَقَلَهُ بِكَلَامٍ أَوْ إشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ. قَوْلُهُ: (الْغِيبَةُ) وَهِيَ ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ فِي غَيْبَتِهِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَفَا مُؤْمِنًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ حَبَسَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رَدْغَةِ الْخَبَالِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَدْغَةٌ بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ اهـ. يُقَالُ قَفَوْت أَثَرَ فُلَانٍ أَقْفُوهُ إذَا اتَّبَعْت أَثَرَهُ وَسُمِّيَ الْقَفَا قَفًا لِأَنَّهُ مُؤَخَّرُ بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَإِنْ مَشَى يَتْبَعُهُ وَيَقْفُوهُ اهـ. فَرْعٌ: لَوْ اغْتَابَ إنْسَانٌ إنْسَانًا فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُ كَفَاهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، فَإِنْ اسْتَغْفَرَ ثُمَّ بَلَغَتْهُ فَهَلْ يَكْفِيهِ الِاسْتِغْفَارُ أَوْ لَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي سم. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الصَّغَائِرِ النَّظَرُ الْمُحَرَّمُ) : (وَمِنْ الصَّغَائِرِ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ) وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ بِالطَّاوِلَةِ. وَفِي مُسْلِمٍ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» . وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَهُ الْفُرْسُ فِي زَمَنِ الْمَلِكِ نُصَيْرِ بْنِ الْبُرْهَانِيِّ الْأَكْبَرِ وَلَعِبَ بِهِ وَجَعَلَهُ مِثْلَ الْمَكَاسِبِ وَأَنَّهَا لَا تُنَالُ إلَّا بِالْكَسْبِ وَالْحِيَلِ وَإِنَّمَا تُنَالُ بِالْمَقَادِيرِ ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ وَفَارَقَ الشِّطْرَنْجَ حَيْثُ يُكْرَهُ إنْ خَلَا عَنْ الْمَالِ بِأَنَّ مُعْتَمَدَهُ الْحِسَابُ الدَّقِيقُ وَالْفِكْرُ الصَّحِيحُ فَفِيهِ تَصْحِيحُ الْفِكْرِ وَنَوْعٌ مِنْ التَّدْبِيرِ وَمُعْتَمَدُ النَّرْدِ الْحَزْرُ وَالتَّخْمِينُ الْمُؤَدِّي إلَى غَايَةٍ مِنْ السَّفَاهَةِ وَالْحُمْقِ فَكُلُّ مَا مُعْتَمَدُهُ الْحِسَابُ وَالْفِكْرُ كَالْمِنْقَلَةِ وَهِيَ خُطُوطٌ يُنْقَلُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا لَا يَحْرُمُ، وَمَحَلُّهُ فِي الْمِنْقَلَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ حِسَابُهَا تَابِعًا لِمَا يُخْرِجُهُ الطَّابُ وَإِلَّا حَرُمَتْ، وَكُلُّ مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 وَاسْتِعْمَالُ نَجَاسَةٍ فِي بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَبِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ تَنْتَفِي الْعَدَالَةُ إلَّا أَنْ تَغْلِبَ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ. كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ: فَلَا تَنْتَفِي عَدَالَتُهُ وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الِانْتِفَاءَ مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ: فِي الْبَحْرِ لَوْ نَوَى الْعَدْلُ فِعْلَ كَبِيرَةٍ غَدًا كَزِنًا لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ فَاسِقًا بِخِلَافِ نِيَّةِ الْكُفْرِ (وَ) الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلُ (سَلِيمَ السَّرِيرَةِ) أَيْ الْعَقِيدَةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُبْتَدِعٍ يُكَفَّرُ أَوْ يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ؛ فَالْأَوَّلُ: كَمُنْكِرِي الْبَعْثِ، وَالثَّانِي كَسَابِّ الصَّحَابَةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْخَطَّابِيَّةُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ فِرْقَةٌ   [حاشية البجيرمي] مُعْتَمَدُهُ: التَّخْمِينُ يَحْرُمُ. وَمِنْهُ الطَّابُ عِصِيٌّ صِغَارٌ تُرْمَى وَيُنْظَرُ لِلَوْنِهَا لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ الَّذِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ س ل. وَقَوْلُهُ: وَفَارَقَ الشِّطْرَنْجَ أَيْ لَعِبَهُ مَعَ مَنْ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ وَإِلَّا حَرُمَ لِإِعَانَتِهِ عَلَى مُحَرَّمٍ لَا يُمْكِنُ الِانْفِرَادُ بِهِ وَبِذَلِكَ فَارَقَ عَدَمَ حُرْمَةِ الْكَلَامِ مَعَ الْمَالِكِيِّ فِي وَقْتِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ قَالَهُ ق ل: قَوْلُهُ: (وَالنِّيَاحَةُ وَشَقُّ الْجَيْبِ) : عَدَّهُمَا ابْنُ حَجَرٍ مِنْ الْكَبَائِرِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تَغْلِبَ) : وَيَتَّجِهُ ضَبْطُ الْغَلَبَةِ بِالْعَدَدِ مِنْ جَانِبَيْ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِكَثْرَةِ ثَوَابٍ فِي الْأُولَى وَعِقَابٍ فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ أُخْرَوِيٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْ فَتُقَابَلُ حَسَنَةٌ بِسَيِّئَةٍ لَا بِعَشْرِ سَيِّئَاتٍ. وَالْمُرَادُ الْغَلَبَةُ بِاعْتِبَارِ الْعُمْرِ بِأَنْ تُحْسَبَ الْحَسَنَاتُ الَّتِي فَعَلَهَا فِي عُمْرِهِ وَالسَّيِّئَاتُ أَيْضًا وَيُنْظَرُ الْغَالِبُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْغَلَبَةَ بِاعْتِبَارِ يَوْمٍ بِيَوْمٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ فُسْحَةٌ، كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَمَعْنَى غَلَبَتِهَا مُقَابَلَةُ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ. مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْمُضَاعَفَةِ قَالَهُ شَيْخُنَا: وَفِيهِ بَحْثٌ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا أَيْضًا «وَيْلٌ لِمَنْ غَلَبَتْ وَحَدَاتُهُ. أَيْ سَيِّئَاتُهُ لِأَنَّ السَّيِّئَةَ وَاحِدَةٌ لَا تُضَاعَفُ عَلَى عَشَرَاتِهِ» . أَيْ حَسَنَاتِهِ فَتَأَمَّلْ، وَفِي ع ش عَلَى م ر. إنَّهُ يُقَابِلُ كُلَّ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ عَلَى الْمَعَاصِي فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَغَلَبَتْ الْمَعَاصِي فِي بَاقِيهَا بِحَيْثُ لَوْ قُوبِلَتْ جُمْلَةُ الْمَعَاصِي بِجُمْلَةِ الطَّاعَاتِ كَانَتْ الْمَعَاصِي أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا اهـ. وَقَالَ م ر: وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ صَغِيرَةٍ تَابَ مِنْهَا مُرْتَكِبُهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْعَدِّ لِإِذْهَابِ التَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ أَثَرَهَا رَأْسًا اهـ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ فَاسِقًا) يَقْتَضِي أَنَّهُ صَغِيرَةٌ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ وَمَحَلُّهُ إذَا عَزَمَ عَلَى الْفِعْلِ قَالَ الشَّاعِرُ: مَرَاتِبُ الْقَصْدِ خَمْسٌ هَاجِسٌ ذَكَرُوا ... فَخَاطِرٌ فَحَدِيثُ النَّفْسِ فَاسْتَمِعَا يَلِيهِ هَمٌّ فَعَزْمٌ كُلُّهَا رُفِعَتْ ... سِوَى الْأَخِيرِ فَفِيهِ الْأَخْذُ قَدْ وَقَعَا قَوْلُهُ: (سَلِيمَ السَّرِيرَةِ) لَا حَاجَةَ لِهَذَا وَلَا لِمَا بَعْدَهُ لِإِغْنَاءِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَنْهُمَا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي فَهْمِ الْحُكْمِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ صُعُوبَةً فَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبْتَدِعًا يُكَفَّرُ أَوْ يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ، بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبْتَدِعًا أَصْلًا أَوْ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ الْعَدْلِ الَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَعِبَارَتُهُ تَصْدُقُ بِغَيْرِهِ. كَذَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ وَعِبَارَةُ م د. قَوْلُهُ: لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ لَيْسَ وَاقِعًا صِفَةً لِمُبْتَدِعًا وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ. بَلْ هُوَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ أَيْ بِأَنْ لَا يُكَفَّرَ وَلَا يُفَسَّقَ فَاسْتَقَامَ جَعْلُهُ بَيَانًا لِلَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ جُعِلَ وَصْفًا لِمُبْتَدِعٍ بِأَنْ يَنْحَلَّ إلَى قَوْلِنَا: شَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُبْتَدِعًا يُكَفَّرُ، أَوْ يُفَسَّقُ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ بَلْ فِي الَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ. وَقَالَ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: لَا يُكَفَّرُ أَيْ أَوْ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ فَفِيهِ حَذْفٌ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ: أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ غَيْرُ صَحِيحَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ نَفْيَ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ أَوْ يُفَسَّقُ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ لَا الثَّانِيَةِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ غَيْرُ مُبْتَدِعٍ أَصْلًا أَوْ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ، وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ أَوْ كَانَ يَحْذِفُ لَا الْأُولَى وَيَقُولُ: بِأَنْ يَكُونَ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ وَيَكُونُ سَكَتَ عَنْ غَيْرِ الْمُبْتَدِعِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 يُجَوِّزُونَ الشَّهَادَةَ لِصَاحِبِهِمْ إذَا سَمِعُوهُ يَقُولُ لِي عَلَى فُلَانٍ كَذَا هَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنُوا السَّبَبَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَإِنْ بَيَّنُوا السَّبَبَ كَأَنْ قَالُوا: رَأَيْنَاهُ يُقْرِضُهُ كَذَا فَتُقْبَلُ حِينَئِذٍ شَهَادَتُهُمْ. (وَ) الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلُ (مَأْمُونًا) مِمَّا تُوقِعُ فِيهِ النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ صَاحِبَهَا (عِنْدَ الْغَضَبِ) مِنْ ارْتِكَابِ قَوْلِ الزُّورِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ لِقِيَامِ غَضَبِهِ فَلَا عَدَالَةَ لِمَنْ يَحْمِلُهُ غَضَبُهُ عَلَى الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ. (وَ) الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ (مُحَافِظًا عَلَى مُرُوءَةِ مِثْلِهِ) بِأَنْ يَتَخَلَّقَ الشَّخْصُ بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ، مِنْ أَبْنَاءِ عَصْرِهِ مِمَّنْ يُرَاعِي مَنَاهِجَ الشَّرْعِ وَآدَابَهُ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْعُرْفِيَّةَ قَلَّمَا تَنْضَبِطُ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبُلْدَانِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ. فَإِنَّ الْفِسْقَ يَسْتَوِي فِيهِ الشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ بِخِلَافِ الْمُرُوءَةِ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَا مُرُوءَةَ لَهُ كَمَنْ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي سُوقٍ وَهُوَ غَيْرُ سُوقِيٍّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرُ مَنْ لَمْ يَغْلِبْهُ جُوعٌ أَوْ عَطَشٌ أَوْ يَمْشِي فِي سُوقٍ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ أَوْ الْبَدَنِ غَيْرِ الْعَوْرَةِ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ مِثْلُهُ وَلِغَيْرِ مُحْرِمٍ بِنُسُكٍ أَمَّا الْعَوْرَةُ فَكَشْفُهَا حَرَامٌ، أَوْ يُقَبِّلُ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَتَهُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: كَانَ تَقْبِيلَ اسْتِحْسَانٍ لَا تَمَتُّعٍ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ مَنْ يَنْظُرُهُ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَضُرُّ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَمَدُّ الرِّجْلِ عِنْدَ النَّاسِ بِلَا ضَرُورَةٍ كَقُبْلَةِ أَمَتِهِ بِحَضْرَتِهِمْ وَمِنْ ذَلِكَ إكْثَارُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةٍ بَيْنَ النَّاسِ بِحَيْثُ يَصِيرُ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ. وَخَرَجَ بِالْإِكْثَارِ مَا لَمْ   [حاشية البجيرمي] كَسَابِّ الصَّحَابَةِ) : لَعَلَّ الْمُرَادَ بِغَيْرِ قَذْفٍ وَنَحْوِهِ وَإِلَّا كَانَ كَبِيرَةً أَوْ كُفْرًا كَقَذْفِ عَائِشَةَ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى) الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ حَيْثُ جَرَيَانُ التَّفْصِيلِ فِيهِمْ أَيْ الْخَطَّابِيَّةُ وَذَكَرَ م ر هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ: سَابِقًا فَإِنَّ الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا فَيَقْتَضِي أَنَّ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ خِلَافًا وَالْخَطَّابِيَّةُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ إذَا شَهِدُوا لِمُوَافِقِيهِمْ وَلَمْ يُبَيِّنُوا السَّبَبَ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ ظَاهِرًا. قَوْلُهُ: (كَأَنْ قَالُوا إلَخْ) مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ. قَوْلُهُ: (مُرُوءَةِ) مِثْلِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَبِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ مَعَ إبْدَالِهَا وَاوًا مُشَدَّدَةً تِلِمْسَانِيٌّ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُرُوءَةُ آدَابٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَحْمِلُ مُرَاعَاتُهَا الْإِنْسَانَ عَلَى الْوُقُوفِ عِنْدَ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَجَمِيلِ الْعَادَاتِ اهـ. قَوْلُهُ: (يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ) : وَلَا بُدَّ مِنْ الْكَثْرَةِ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَالْمَشْيِ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ مَنْ لَمْ) : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَهُوَ غَيْرُ سُوقِيٍّ وَقَوْلُهُ: أَوْ يَمْشِي مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَمَنْ يَأْكُلُ إلَخْ. نَعَمْ لَوْ أَكَلَ دَاخِلَ حَانُوتٍ، بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ. أَوْ كَانَ صَائِمًا وَقَصَدَ الْمُبَادَرَةَ لِسُنَّةِ الْفِطْرِ اتَّجَهَ عُذْرُهُ حِينَئِذٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُهُ غَيْرُهُ أَيْ مِنْ الْمَارِّينَ أَمَّا لَوْ نَظَرَهُ مَنْ دَخَلَ لِيَأْكُلَ أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخِلَّ بِالْمُرُوءَةِ ع ش عَلَى م ر. وَمِمَّا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ بَيْعُهُ لِصَدِيقِهِ كَمَا يَبِيعُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ عَدَمَ مُحَابَاةِ الصِّدِّيقِ مُخِلٌّ بِالْمُرُوءَةِ عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ لَا يَلِيقُ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: مَكْشُوفَ الرَّأْسِ وَقَوْلُهُ: وَلِغَيْرِ مُحْرِمٍ إلَخْ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ يُقَبِّلُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ كَمَنْ يَأْكُلُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَوْ يُقَبِّلُ زَوْجَتَهُ) : أَيْ وَلَوْ مَرَّةً وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي النَّاسِ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُرَادُ مَنْ يُسْتَحَى مِنْهُمْ لَا نَحْوِ صِغَارٍ وَمَجَانِينَ وَلَا جَوَارِيهِ وَزَوْجَاتِهِ. وَكَذَا وَطْءُ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى إذَا خَلَا عَنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَقَصْدِ الْإِيذَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَوْ تَقْبِيلُ زَوْجَتِهِ أَيْ فِي نَحْوِ فَمِهَا لَا رَأْسِهَا وَلَا وَضْعُ يَدِهِ عَلَى نَحْوِ صَدْرِهَا. وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّشْرِيعِ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ صَارَ جَائِزًا أَوْ يُقَالُ غَرَضُهُ إغَاظَةُ الْكُفَّارِ وَإِظْهَارُ ذُلِّهِمْ. قَوْلُهُ: (بِحَضْرَةِ النَّاسِ) : وَلَوْ مَحَارِمَ لَهُ أَوْ لَهَا ع ش قَالَ س ل: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ تَقْبِيلَهَا لَيْلَةَ جَلَائِهَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَالْأَجْنَبِيَّاتِ يُسْقِطُهَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الدَّنَاءَةِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ. اهـ. م ر. وَعَدَّ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ذَلِكَ حِكَايَةَ مَا يَتَّفِقُ لَهُ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي الْخَلْوَةِ وَجَزَمَ فِي النِّكَاحِ بِكَرَاهَةِ هَذَا وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِتَحْرِيمِهِ ز ي وح ل. قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانٍ) بِمَعْنَى أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ إغَاظَةً لِلْكُفَّارِ. قَوْلُهُ: (وَمَدُّ الرِّجْلِ عِنْدَ النَّاسِ) أَيْ الَّذِينَ يَحْتَشِمُهُمْ لَا نَحْوُ إخْوَانِهِ وَتَلَامِذَتِهِ سم. قَوْلُهُ: (إكْثَارُ حِكَايَاتٍ) أَيْ وَكَانَتْ صِدْقًا وَقَصَدَ إضْحَاكَهُمْ لِخَبَرِ «مَنْ تَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ يُضْحِكُ بِهَا جُلَسَاءَهُ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» أَيْ عَامًا مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ حَرَامٌ بَلْ كَبِيرَةٌ لَكِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 يَكْثُرْ أَوْ كَانَ ذَلِكَ طَبْعًا لَا تَصَنُّعًا كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَلُبْسُ فَقِيهٍ قَبَاءً أَوْ قَلَنْسُوَةً فِي مَحَلٍّ لَا يَعْتَادُ الْفَقِيهُ لُبْسَ ذَلِكَ فِيهِ، وَإِكْبَابٌ عَلَى لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ بِحَيْثُ يَشْغَلُهُ عَنْ مُهِمَّاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يُحَرِّمْهُ أَوْ عَلَى غِنَاءٍ أَوْ اسْتِمَاعِهِ، وَإِكْثَارُ   [حاشية البجيرمي] يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى كَلِمَةٍ فِي الْغَيْرِ بِبَاطِلٍ يُضْحِكُ بِهَا أَعْدَاءَهُ لِأَنَّ فِي الْإِيذَاءِ مَا يُعَادِلُ مَا فِي كَبَائِرَ كَثِيرَةٍ مِنْهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَقَوْلُهُ: يُضْحِكُ أَيْ يَقْصِدُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ لِجَلْبِ دُنْيَا تَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ أَوْ مُجَرَّدِ الْمُبَاسَطَةِ ع ش عَلَى م ر وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: قَدْ رُمِينَا مِنْ الزَّمَانِ بِسَهْمٍ ... قَدَّمَ النَّذْلَ وَالْكَرِيمُ تَأَخَّرْ مَاتَ مَنْ عَاشَ بِالْفَضِيلَةِ جُوعًا ... وَحَظَا مَنْ يَقُودُ أَوْ يَتَمَسْخَرْ وَتَقْيِيدُ الْإِكْثَارِ بِهَذَا يُفْهِمُ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ فِيمَا قَبْلَهُ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ: اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي نَحْوِ قُبْلَةِ حَلِيلَتِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فِي طَرِيقٍ فَلَا يُعْتَبَرُ تَكَرُّرُهُ اهـ. وَانْظُرْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَقْبِيلَ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَضُرُّ. قَوْلُهُ: (طَبْعًا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: عَادَةً. قَوْلُهُ: (وَلُبْسُ فَقِيهٍ إلَخْ) الْأَوْضَحُ وَلُبْسُ الْإِنْسَانِ مَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ أَمْثَالِهِ بِهِ كَلُبْسِ الْعَالِمِ لُبْسَ حَمَّارٍ وَبِالْعَكْسِ وَلُبْسِ خَوَاجَةٍ لُبْسَ حَمَّارٍ. قَوْلُهُ: (قَبَاءً) هُوَ الْمَفْتُوحُ مِنْ أَمَامِهِ وَخَلْفِهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ طَرَفَيْهِ وَأَمَّا الْقَبَاءُ الْمَشْهُورُ الْآنَ الْمَفْتُوحُ مِنْ أَمَامِهِ فَقَطْ فَقَدْ صَارَ شِعَارًا لِلْفُقَهَاءِ وَنَحْوِهِمْ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَلَنْسُوَةً) وَهِيَ غِطَاءٌ مُبَطَّنٌ يُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ وَحْدَهُ ز ي كَالْكُوفِيَّةِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ وَجَمْعُهَا قَلَانِسُ عَبْدُ الْبَرِّ قَالَ م ر: وَهَلْ تَعَاطِي خَارِمِ الْمُرُوءَةِ حَرَامٌ مُطْلَقًا أَوْ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا أَوْ يُفَصَّلُ أَقْوَالٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ شَهَادَةٌ حَرُمَ كَأَنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِشَهَادَةٍ وَإِلَّا فَلَا اهـ. بَابِلِيٌّ وَيَنْبَغِي الْكَرَاهِيَةُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَعَاطِي خَارِمِ الْمُرُوءَةِ عَلَى أَوْجُهٍ أَوْجَهُهَا حُرْمَتُهُ إنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا رَدُّ شَهَادَةٍ تَعَلَّقَتْ بِهِ وَقَصَدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السَّبَبُ فِي إسْقَاطِ مَا تَحَمَّلَهُ وَصَارَ أَمَانَةً عِنْدَهُ لِغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا اهـ بِحُرُوفِهِ. 1 - ضَابِطٌ: لَيْسَ لَنَا فَاسِقٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا شَارِبَ النَّبِيذِ الْحَنَفِيَّ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِكْبَابٌ عَلَى لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ) الْإِكْبَابُ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَالْكَلَامُ إذَا خَلَا عَنْ الْمَالِ. وَإِلَّا فَحَرَامٌ ز ي وَالْإِكْبَابُ الْمُلَازَمَةُ وَقَوْلُ ز ي وَإِلَّا فَحَرَامٌ لِأَنَّ الْمَالَ إنْ كَانَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَكُونُ قِمَارًا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا يَكُونُ مُسَابَقَةً عَلَى غَيْرِ آلَةِ الْقِتَالِ فَلَعِبُ الشِّطْرَنْجِ لَهُ ثَلَاثَةُ حَالَاتٍ عِنْدَ الشَّارِحِ: يَكُونُ مَكْرُوهًا إنْ خَلَا عَنْ الْمَالِ وَكَانَ قَلِيلًا، وَيَكُونُ حَرَامًا إنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَالٍ، وَيَكُونُ خَارِمَ الْمُرُوءَةِ إنْ أَكْثَرَ مِنْهُ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِكْبَابٌ إلَخْ. وَإِنْ قُلْنَا: الْإِكْبَابُ لَيْسَ بِقَيْدٍ يَكُونُ لَهُ حَالَتَانِ: الْكَرَاهَةُ، وَالْحُرْمَةُ، مَعَ خَرْمِ الْمُرُوءَةِ فِيهِمَا وَمِثْلُ الشِّطْرَنْجِ الْمِنْقَلَةُ وَالسِّيجَةُ السَّبْعَاوِيَّةُ وَالْخَمْسَاوِيَّة إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ طَابٍ أَوْ مَالٍ. أَمَّا مَعَ ذَلِكَ فَحَرَامٌ وَكَذَا الطَّابُ وَحْدَهُ حَرَامٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى غِنَاءٍ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَالْمَدِّ هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشِّعْرِ. وَيَحْرُمُ اسْتِمَاعُ غِنَاءِ أَجْنَبِيَّةٍ وَأَمْرَدَ إنْ خِيفَ مِنْهُ فِتْنَةٌ، أَوْ نَحْوُ نَظَرٍ مُحَرَّمٍ وَإِلَّا كُرِهَ ز ي أَيْ لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " إنَّهُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ " اهـ. أَيْ يَكُونُ سَبَبًا لِحُصُولِ النِّفَاقِ فِي قَلْبِ مَنْ يَفْعَلُهُ بَلْ أَوْ يَسْتَمِعُهُ لِأَنَّ فِعْلَهُ وَاسْتِمَاعَهُ يُورِثُ مُنْكَرًا وَاشْتِغَالًا بِمَا يُفْهَمُ مِنْهُ كَمَحَاسِنِ النِّسَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا قَدْ يُورِثُ فِي فَاعِلِهِ ارْتِكَابَ أُمُورٍ تَحْمِلُ فَاعِلَهُ عَلَى أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: الْغِنَاءُ إنْ قَصَدَ بِهِ تَرْوِيحَ الْقَلْبِ لِيَقْوَى عَلَى طَاعَةٍ فَهُوَ طَاعَةٌ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَهُوَ لَهْوٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَالْغِنَى بِالْقَصْرِ ضِدُّ الْفَقْرِ وَبِالْفَتْحِ مَعَ الْمَدِّ النَّفْعُ قَالَ الشَّيْخُ سُلْطَانٌ: وَلَيْسَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. فَإِنْ لَحَّنَ فِيهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُشَدَّدَةِ حَتَّى أَخْرَجَهُ إلَى حَدٍّ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْقُرَّاءِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَفْسُقُ الْقَارِئُ بِذَلِكَ وَيَأْثَمُ الْمُسْتَمِعُ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ الْقَوِيمِ. وَيَحْرُمُ سَمَاعُ الْآلَةِ كَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالسِّنْطِيرِ، فَقَوْلُهُ: عَلَى غِنَاءٍ أَيْ إنْ خَلَا. عَنْ الْآلَةِ وَإِلَّا فَحَرَامٌ، وَالْحَرَامُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اسْتِمَاعُ الْآلَةِ قَالَ م ر: وَمَتَى اقْتَرَنَ بِالْغِنَاءِ آلَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَالْقِيَاسُ كَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 رَقْصٍ. وَحِرْفَةٌ دَنِيئَةٌ مُبَاحَةٌ كَحِجَامَةٍ، وَكَنْسُ زِبْلٍ وَنَحْوِهِ، وَدَبْغٌ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِهِ. وَاعْتُرِضَ جَعْلُهُمْ الْحِرْفَةَ الدَّنِيئَةَ مِمَّا يَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَأُجِيبَ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ اخْتَارَهَا لِنَفْسِهِ مَعَ حُصُولِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِهِ أَمَّا الْحِرْفَةُ غَيْرُ الْمُبَاحَةِ كَالْمُنَجِّمِ وَالْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ وَالْمُصَوِّرِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ لِأَنَّ شِعَارَهُمْ التَّلْبِيسُ. تَنْبِيهٌ: هَذَا الشَّرْطُ الْخَامِسُ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ لَا فِي الْعَدَالَةِ فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ عَدْلًا لَكِنَّ شَهَادَتَهُ لَمْ تُقْبَلْ لِفَقْدِ مُرُوءَتِهِ، وَمِنْ شُرُوطِ الْقَبُولِ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مُتَّهَمًا وَالتُّهْمَةُ أَنْ يَجُرَّ إلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ   [حاشية البجيرمي] قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ: تَحْرِيمُ الْآلَةِ فَقَطْ وَبَقَاءُ الْغِنَاءِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ سُلْطَانٌ: لَوْ أَخْبَرَ طَبِيبَانِ عَدْلَانِ بِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَنْفَعُهُ لِمَرَضِهِ إلَّا الْعُودُ، عُمِلَ بِخَبَرِهِمَا وَحَلَّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ كَالتَّدَاوِي بِنَجِسٍ فِيهِ الْخَمْرُ اهـ. وَمَا قِيلَ عَنْ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ مِنْ جَوَازِ اسْتِمَاعِ الْآلَاتِ الْمُطْرِبَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ النَّشَاطِ عَلَى الذِّكْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ تَهَوُّرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ. فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ الْغِنَاءِ الْمُحَرَّمِ مَا اُعْتِيدَ عِنْدَ مُحَاوَلَةِ عَمَلٍ وَحَمْلٍ ثَقِيلٍ كَحِدَاءِ الْأَعْرَابِ لِإِبِلِهِمْ وَغِنَاءِ النِّسَاءِ لِتَسْكِينِ صِغَارِهِمْ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ. قَاعِدَةٌ: كُلُّ طَبْلٍ حَلَالٌ إلَّا الدَّرَبُكَّةُ، وَكُلُّ زَمَّارَةٍ حَرَامٌ إلَّا زَمَّارَةُ النَّفِيرِ لِلْحَاجِّ. قَالَ سم: اُنْظُرْ وَلَوْ مِنْ بِرْسِيمٍ، كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا قَالَ الطَّبَلَاوِيُّ: وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّعْمِيمِ وَصَرَّحَ بِهِ ح ل. فَقَالَ: وَمِزْمَارٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ بُوصٍ أَوْ بِرْسِيمٍ وَمِثْلُهَا الْقِرْبَةُ. وَدَخَلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يَضْرِبُ فِيهِ الْفُقَرَاءُ وَيُسَمُّونَهُ طَبْلَ الْبَازِ، وَمِثْلُهُ طَبْلَةُ الْمُسَحِّرِ فَهُمَا جَائِزَانِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَكُلُّ حَرَامٍ حَرُمَ التَّفَرُّجُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَيَحْرُمُ عُودٌ وَصَنْجٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَيُسَمَّى الصَّفَاقَتَيْنِ، وَهُمَا مِنْ صُفْرٍ أَيْ نُحَاسٍ تُضْرَبُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى كَالنُّحَاسَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُضْرَبُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، يَوْمَ خُرُوجِ الْمَحْمَلِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ الَّذِي تَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَرَاءُ الْمُسَمَّى بِالْكَاسَاتِ وَمِثْلُهَا قِطْعَتَانِ مِنْ صِينِيٍّ تُضْرَبُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَمِثْلُهُمَا خَشَبَتَانِ يُضْرَبُ بِإِحْدَاهُمَا، وَالتَّصْفِيقُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيَةٍ كَمَا فِي ح ل. قَوْلُهُ: (وَإِكْثَارُ رَقْصٍ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَكَسُّرٌ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّقْصُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَيَحْرُمُ تَرْقِيصُ الْقُرُودِ وَالتَّفَرُّجُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ مُنَاطَحَةِ الْكِبَاشِ وَمُهَارَشَةِ الدِّيَكَةِ ز ي وأ ج قَالَ ح ل: وَهَلْ مِنْ الْحَرَامِ لَعِبُ الْبَهْلَوَانِ: وَاللَّعِبُ بِالْحَيَّاتِ، الرَّاجِحُ الْحِلُّ حَيْثُ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَيَجُوزُ التَّفَرُّجُ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَا يَحِلُّ اللَّعِبُ بِالْخَاتَمِ وَبِالْحَمَامِ حَيْثُ لَا مَالَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَحِرْفَةٌ دَنِيئَةٌ) قَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْإِرْشَادِ بِإِدَامَتِهَا قَالَ فِي شَرْحِهِ وَخَرَجَ بِإِدَامَتِهَا مَا لَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا وَلَا يَفْعَلُهَا أَوْ يَفْعَلُهَا أَحْيَانًا فِي بَيْتِهِ وَهِيَ لَا تَزْرِي فَلَا تَنْخَرِمُ بِهَا مُرُوءَتُهُ اهـ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْحِرَافِ الشَّخْصِ إلَيْهَا لِلتَّكَسُّبِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الصِّنَاعَةِ لِاعْتِبَارِ الْآلَةِ فِي الصِّنَاعَةِ دُونَهَا ق ل. قَالَ ز ي: وَاعْتُرِضَ قَوْلُهُمْ: الْحِرْفَةُ الدَّنِيئَةُ مِمَّا تَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ. مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. وَأُجِيبَ: بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ اخْتَارَهَا لِنَفْسِهِ مَعَ حُصُولِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْحِرْفَةُ إلَخْ) : عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ أَهْلِهَا لِيَصِحَّ التَّمْثِيلُ وَالْإِخْبَارُ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ حُكْمُ الْحِرْفَةِ غَيْرِ الْمُبَاحَةِ مِثْلَ حُكْمِ الْمُبَاحَةِ فَلَا يَفْصِلُهَا عَنْهَا. فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَمِثْلُ الْحِرْفَةِ الْمُبَاحَةِ غَيْرُهَا بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (كَالْمُنَجِّمِ) أَيْ الَّذِي يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ النُّجُومِ بِأَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ النَّجْمُ الْفُلَانِيُّ فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ حَصَلَ كَذَا، وَالْكَاهِنُ الَّذِي يُخْبِرُ بِالْغَيْبِ بِأَنْ يَقُولَ غَدًا يَحْصُلُ مَوْتٌ أَوْ قَتْلٌ. قَوْلُهُ: (وَالْعَرَّافِ) كَشُيُوخِ الْبِلَادِ وَآخِذِي الْمُكُوسِ أج وَكَوْنُ مَشْيَخَةِ الْبُلْدَانِ حِرْفَةً فِيهِ نَظَرٌ. وَإِنْ كَانَ مَشَايِخُ الْبُلْدَانِ يُعَرِّفُونَ الْحَاكِمَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ الْأَمْوَالِ. وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْعَرَّافُ بِالتَّشْدِيدِ مَنْ يُخْبِرُ عَنْ الْمَاضِي وَالْكَاهِنُ مَنْ يُخْبِرُ عَنْ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ: الْعَرَّافُ وَالْعَرِيفُ الْقَيِّمُ بِأَمْرِ قَبِيلَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ يَلِي أَمْرَهُمْ وَيَتَعَرَّفُ مِنْهُ الْحَاكِمُ حَالَهُمْ اهـ. قَوْلُهُ: (التَّلْبِيسُ) أَيْ التَّدْلِيسُ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ) : كَمَا صَنَعَهُ سَابِقًا فِي الشَّرْطِ السَّادِسِ مِنْ شُرُوطِ الْعَدَالَةِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ شُرُوطِ الْقَبُولِ إلَخْ) : هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي شَهَادَتِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 عَنْهُ بِهِ ضَرَرًا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ لِاثْنَيْنِ بِوَصِيَّةٍ مِنْ تَرِكَةٍ فَشَهِدَ الِاثْنَانِ لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةٍ مِنْ تِلْكَ التَّرِكَةِ قُبِلَتْ الشَّهَادَتَانِ فِي الْأَصَحِّ لِانْفِصَالِ كُلِّ شَهَادَةٍ عَنْ الْأُخْرَى، وَلَا تَجُرُّ شَهَادَتُهُ نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَمَحِّضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَفِيمَا لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ وَهُوَ مَا لَا يَتَأَثَّرُ بِرِضَا الْآدَمِيِّ كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَعَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ وَبَقَاءِ عِدَّةٍ وَانْقِضَائِهَا وَحَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى وَكَذَا النَّسَبُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَتَى حَكَمَ قَاضٍ بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا غَيْرَ مَقْبُولَيْ الشَّهَادَةِ كَكَافِرَيْنِ نَقَضَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ. وَلَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ كَمَالِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ أَوْ فَاسِقٌ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ التُّهْمَةُ وَتُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ بِشَرْطِ اخْتِبَارِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ مُدَّةً يُظَنُّ فِيهَا صِدْقُ تَوْبَتِهِ، وَقَدَّرَهَا الْأَكْثَرُونَ بِسَنَةٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ قَوْلِيَّةٍ الْقَوْلُ فَيَقُولُ: قَذْفِي بَاطِلٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعُودُ إلَيْهِ وَيَقُولُ   [حاشية البجيرمي] غَايَتُهُ: أَنَّ هَذَا تَفْصِيلٌ لَهُ فَلَوْ قَالَ: وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّهَمٍ أَنْ لَا تَجُرَّ إلَيْهِ شَهَادَتُهُ نَفْعًا إلَخْ كَانَ أَوْلَى. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (قُبِلَتْ الشَّهَادَتَانِ) : وَإِنْ اُحْتُمِلَتْ الْمُوَاطَأَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا، وَأُخِذَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ بِيَدِ اثْنَيْنِ عَيْنٌ وَادَّعَاهَا ثَالِثٌ فَشَهِدَ كُلٌّ لِلْآخَرِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعِي قَبْلُ إذْ لَا يَدَ لِكُلٍّ عَلَى مَا ادَّعَى بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، حَتَّى تَدْفَعَ شَهَادَتُهُ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَشَهِدَ بِهِ لِآخَرَ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ) مِنْ الِاحْتِسَابِ وَهُوَ طَلَبُ الْأَجْرِ سَوَاءٌ سَبَقَهَا دَعْوَى أَمْ لَا كَانَتْ فِي غَيْبَةِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ. أَمْ لَا بِرْمَاوِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَحُكْمُ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ الْوُجُوبُ لِأَنَّ فِيهَا إزَالَةَ مُحَرَّمٍ وَخَبَرُ «شَرُّ الشُّهُودِ الَّذِي يَشْهَدُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ وَوَرَدَ فِيهَا «خَيْرُ الشُّهُودِ الَّذِي يَشْهَدُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» قَوْلُهُ: (كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ) أَيْ بِأَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّ فُلَانًا تَرَكَ ذَلِكَ وَصَوَّرَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ شَهَادَةَ الْحِسْبَةِ بِقَوْلِهِ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ ابْتِدَاءً لِلْقَاضِي: نَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا فَأَحْضِرْهُ نَشْهَدُ عَلَيْهِ فَإِنْ ابْتَدَءُوا وَقَالُوا: فُلَانٌ زَنَى فَهُمْ قَذَفَةٌ وَإِنَّمَا تُسْمَعُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَنَّهُ أَخُو فُلَانَةَ مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يَكْفِ حَتَّى يَقُولَا إنَّهُ يَسْتَرِقُّهُ. أَوْ إنَّهُ يُرِيدُ نِكَاحَهَا أَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّ كَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَهُمْ قَذَفَةٌ مَا لَمْ يُتْبِعُوهُ بِقَوْلِهِمْ وَنَشْهَدُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْحِسْبَةِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تُسْمَعُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، اُنْظُرْ أَيَّ حَاجَةٍ تَتَوَقَّفُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا فِي النَّسَبِ وَقَدْ يُتَصَوَّرُ بِمَا إذَا وَقَفَ شَيْئًا عَلَى أَوْلَادِهِ فَشَهِدَ بِأَنَّ فُلَانًا وَلَدَهُ حَتَّى يَسْتَحِقَّ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ كَانَ بِيَدِهِ وَلَدٌ صَغِيرٌ وَيُرِيدُ بَيْعَهُ، فَشَهِدَ اثْنَانِ بِأَنَّ فُلَانًا وَلَدَ فُلَانٍ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَيُرِيدُ بَيْعَهُ الْآنَ فَأَحْضِرْهُ لِنَشْهَدَ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ حَاجَةٌ وَأَيُّ حَاجَةٍ لِتَخْلِيصِهِ لَهُ مِنْ الرِّقِّ وَتَدَاوُلِ الْأَيْدِي عَلَيْهِ وَإِجْرَاءِ حُكْمِ الْأَرِقَّاءِ عَلَيْهِ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (حَقٌّ مُؤَكَّدٌ) هُوَ صِيَانَةُ الْأَبْضَاعِ عَنْ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَا يَتَأَثَّرُ أَيْ لَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّلَاقِ أَيْ بِأَنْ يُقَالَ: لَا يَقَعُ بِرِضَى الزَّوْجِ بَلْ يَقَعُ بِمُقْتَضَى الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: (كَطَلَاقٍ) : بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ يُعَاشِرُهَا وَقَوْلُهُ: وَعِتْقٍ بِأَنْ شَهِدُوا بِأَنَّ فُلَانًا عَتَقَ عَبْدُهُ، وَهُوَ يَسْتَخْدِمُهُ أَوْ يُرِيدُ بَيْعَهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَعِتْقٍ أَيْ غَيْرِ ضِمْنِيٍّ أَمَّا الضِّمْنِيُّ كَمَنْ شَهِدَ لِشَخْصٍ بِشِرَاءِ قَرِيبِهِ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ فَلَا تَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِشِرَاءِ بَعْضِهِ تَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ وَمِثْلُ الْعِتْقِ الِاسْتِيلَادُ دُونَ التَّدْبِيرِ وَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَشِرَاءِ بَعْضِهِ وَإِنْ تَضَمَّنَ الْعِتْقَ لِكَوْنِهَا عَلَى الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ تَبَعٌ اهـ ز ي. وَقَوْلُهُ: وَعَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا عَفَا عَنْ قَاتِلِ أَبِيهِ وَيُرِيدُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: وَبَقَاءِ عِدَّةٍ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانَةَ فِي الْعِدَّةِ وَتُرِيدُ أَنْ تَتَزَوَّجَ. وَقَوْلُهُ: وَانْقِضَائِهَا أَيْ الْعِدَّةِ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا مُرَادُهُ يُرَاجِعُ زَوْجَتَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ فَاسِقٌ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي أَعَادَهَا، وَالْمَعْنَى شَهِدَ فَاسِقٌ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ تَابَ وَأَعَادَهَا فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَأَمَّا إذَا شَهِدَ فِي دَعْوَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ تَوْبَتِهِ قُبِلَتْ وَكَذَا يُقَالُ: فِي خَارِمِ الْمُرُوءَةِ. قَوْلُهُ: (بِسَنَةٍ) : وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَقْرِيبِيَّةٌ لَا تَحْدِيدِيَّةٌ فَيُغْتَفَرُ مِثْلُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا مَا زَادَ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي خَارِمِ الْمُرُوءَةِ إذَا أَقْلَعَ عَنْهُ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ، وَكَذَا مِنْ الْعَدَاوَةِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 فِي شَهَادَةِ الزُّورِ: شَهَادَتِي بَاطِلَةٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهَا. وَالْمَعْصِيَةُ غَيْرُ الْقَوْلِيَّةِ يُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ مِنْهَا إقْلَاعٌ عَنْهَا وَنَدَمٌ عَلَيْهَا وَعَزْمٌ أَنْ لَا يَعُودَ لَهَا وَرَدُّ ظُلَامَةُ آدَمِيٍّ إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ. فَصْلٌ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، يَذْكُرُ فِيهِ الْعَدَدَ فِي الشُّهُودِ وَالذُّكُورَةَ وَالْأَسْبَابَ الْمَانِعَةَ مِنْ الْقَبُولِ وَأَسْقَطَ ذِكْرَ فَصْلٍ فِي بَعْضِهَا.   [حاشية البجيرمي] شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ قَوْلِيَّةٍ الْقَوْلُ) . اشْتِرَاطُ الْقَوْلِ فِي الْقَوْلِيَّةِ: وَالِاسْتِبْرَاءُ فِي الْفِعْلِيَّةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِمَا مِمَّا ذُكِرَ هُوَ فِي التَّوْبَةِ الَّتِي تَعُودُ بِهَا الْوِلَايَاتُ وَقَبُولُ الشَّهَادَةِ، أَمَّا التَّوْبَةُ الْمُسْقِطَةُ لِلْإِثْمِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ، كَمَا يُفِيدُ ذَلِكَ، كَلَامُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ اهـ سم قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ: وَانْظُرْ هَذَا الْقَوْلَ يَكُونُ فِي أَيِّ زَمَنٍ وَيُقَالُ: لِمَنْ وَفِي عِبَارَةِ الزَّوَاجِرِ. أَنَّهُ يَقُولُ: بَيْنَ يَدَيْ الْمُسْتَحِلِّ مِنْهُ كَالْمَقْذُوفِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ قَذْفِي بَاطِلٌ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهَذَا أَنَّ الْقَذْفَ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَاطِلٌ لَا خُصُوصَ قَوْلِهِ: إذْ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا وَلِذَا رَدَّ الْجُمْهُورُ عَلَى الْإِصْطَخْرِيِّ اشْتِرَاطَهُ، أَنْ يَقُولَ: كَذَبْت فِيمَا قَذَفْته،. اهـ. سم وَلَيْسَ كَالْقَذْفِ قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ: يَا مَلْعُونُ أَوْ يَا خِنْزِيرُ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِي التَّوْبَةِ مِنْهُ قَوْلٌ: لِأَنَّ هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إيهَامُ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِيهِ حَتَّى يُبْطِلَهُ بِخِلَافِ الْقَذْفِ س ل. قَوْلُهُ: (إقْلَاعٌ) الْإِقْلَاعُ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ، وَالنَّدَمُ بِالْمَاضِي، وَالْعَزْمُ بِالْمُسْتَقْبَلِ. ز ي وَهَذِهِ تُشْتَرَطُ فِي الْقَوْلِيَّةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَنَدَمٌ) وَهُوَ مُعْظَمُ أَرْكَانِهَا لِأَنَّهُ الَّذِي يَطَّرِدُ فِي كُلِّ تَوْبَةٍ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ غَيْرُهُ، بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَعَزَمَ أَنْ لَا يَعُودَ لَهَا) : مَا عَاشَ إنْ تَصَوَّرَ مِنْهُ وَإِلَّا كَمَجْبُوبٍ تَعَذَّرَ زِنَاهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ لَهُ اتِّفَاقًا وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يُغَرْغِرَ لِأَنَّ مَنْ وَصَلَ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ أَيِسَ مِنْ الْحَيَاةِ فَتَوْبَتُهُ إنَّمَا هِيَ لِعِلْمِهِ بِاسْتِحَالَةِ عَوْدِهِ إلَى مَا فَعَلَ، وَأَنْ لَا تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا قِيلَ: وَأَنْ يَتَأَهَّلَ لِلْعِبَادَةِ فَلَا تَصِحُّ تَوْبَةُ سَكْرَانَ فِي سُكْرِهِ، وَإِنْ صَحَّ إسْلَامُهُ س ل، مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ع ش عَلَى م ر. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ: أَنَّهُ قَالَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ تَوْبَةِ الْمُذْنِبِ وَإِيمَانِ الْكَافِرِ هَلْ هُوَ عَامٌّ حَتَّى لَا يُقْبَلَ إيمَانُ أَحَدٍ وَلَا تَوْبَتُهُ، بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ شَاهَدَ طُلُوعَهَا مِنْ الْمَغْرِبِ، وَهُوَ مُمَيَّزٌ، فَأَمَّا مَنْ يُولَدُ بَعْدَ طُلُوعِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ أَوْ وُلِدَ قَبْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ مُمَيِّزًا فَصَارَ مُمَيِّزًا وَلَمْ يُشَاهِدْ الطُّلُوعَ فَيُقْبَلُ إيمَانُهُ وَتَوْبَتُهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (وَرَدُّ ظُلَامَةِ آدَمِيٍّ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَخُرُوجٌ عَنْ ظُلَامَةٍ اهـ. وَإِذَا بَلَغَتْ الْغِيبَةُ الْمُغْتَابَ: اُشْتُرِطَ اسْتِحْلَالُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ لِمَوْتِهِ أَوْ تَعَسَّرَ لِغَيْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ. اسْتَغْفَرَ لَهُ أَيْ طَلَبَ لَهُ الْمَغْفِرَةَ كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِفُلَانٍ وَلَا أَثَرَ لِتَحْلِيلِ وَارِثٍ وَلَا مَعَ جَهْلِ الْمُغْتَابِ بِمَا حُلِّلَ مِنْهُ أَمَّا إذَا لَمْ تَبْلُغْهُ فَيَكْفِي فِيهَا النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَكَذَا يَكْفِي النَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الْحَسَدِ وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ دَيْنٌ لَمْ يَسْتَوْفِهِ وَارِثُهُ كَانَ الْمُطَالِبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ هُوَ دُونَ الْوَارِثِ عَلَى الْأَصَحِّ شَرْحُ م ر. وَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَحِقُّ مَوْجُودًا أَوْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ سَلَّمَهُ إلَى قَاضٍ أَمِينٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَنَوَى الْغُرْمَ لَهُ إنْ وَجَدَهُ أَوْ يَتْرُكُهُ عِنْدَهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا يَتَعَيَّنُ التَّصَدُّقُ بِهِ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ كُلِّهَا، وَالْمُعْسِرُ يَنْوِي الْغُرْمَ إذَا قَدَرَ بَلْ يَلْزَمُهُ التَّكَسُّبُ لِإِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ إنْ عَصَى بِهِ لِتَصِحَّ تَوْبَتُهُ، فَإِنْ مَاتَ مُعْسِرًا طُولِبَ بِهِ فِي الْآخِرَةِ إنْ عَصَى بِالِاسْتِدَانَةِ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ، أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ فِيهَا وَالرَّجَاءُ فِي اللَّهِ تَعْوِيضُ الْخَصْمِ اهـ سم. وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ أَعْلَمَ مُسْتَحِقَّ الْقَذْفِ بِالْقَذْفِ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ فِتْنَةٌ، فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ وَيَكْفِيهِ النَّدَمُ وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ وَالْإِقْلَاعُ اهـ سم. قَوْلُهُ: (إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ) أَيْ بِالتَّائِبِ وَإِلَّا سَقَطَ هَذَا الشَّرْطُ. [فَصْلٌ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَعَدُّدُ الشُّهُودِ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعَدُّدُ] فَصْلٌ: قَوْلُهُ: (كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ) : مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ أُثْبِتَ فِي نُسْخَتِي إثْبَاتًا مُشَابِهًا لِلْإِثْبَاتِ الَّذِي فِي بَعْضِ النُّسَخِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 (وَالْحُقُوقُ) الْمَشْهُودُ بِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا عَدَدًا أَوْ وَصْفًا (ضَرْبَانِ) أَحَدُهُمَا (حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَ) ثَانِيهمَا (حَقٌّ لِآدَمِيٍّ) وَبَدَأَ بِهِ فَقَالَ: (فَأَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّ) لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ وُقُوعًا (فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ) الْأَوَّلُ (ضَرْبٌ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَاهِدَانِ ذَكَرَانِ) أَيْ رَجُلَانِ وَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْإِنَاثِ وَلَا لِلْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ (وَهُوَ مَا لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَالُ) أَصْلًا كَعُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْآدَمِيِّ (وَ) مَا (يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ) غَالِبًا كَطَلَاقٍ وَنِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَإِقْرَارٍ بِنَحْوِ زِنًا، وَمَوْتٍ وَوَكَالَةٍ وَوِصَايَةٍ   [حاشية البجيرمي] فَتَكُونُ الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ وَمَا مَوْصُولَةٌ قَوْلُهُ: (يُذْكَرُ فِيهِ الْعَدَدُ) وَضِدُّهُ وَالذُّكُورَةُ وَضِدُّهَا وَالْمَعْنَى يُذْكَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَعَدُّدُ الشُّهُودِ، وَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعَدُّدُ وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الذُّكُورَةُ، وَمَا لَا يُعْتَبَرُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَسْبَابَ الْمَانِعَةَ) كَالتُّهْمَةِ قَوْلُهُ: (وَأَسْقَطَ ذِكْرَ فَصْلٍ فِي بَعْضِهَا) هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ السَّابِقِ: كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْهُ فَذِكْرُهُ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ. قَوْلُهُ: (عَدَدًا) أَيْ وَضِدَّهُ وَقَوْلُهُ: أَوْ وَصْفًا أَيْ مِنْ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَالْأَوْلَى حَذْفُ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ كَوْنَ الْحُقُوقِ ضَرْبَيْنِ أَمْرٌ بِالْعَقْلِ لَا دَخْلَ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرَ ذَلِكَ وَذِكْرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: حَقُّ الْآدَمِيِّ ثَلَاثَةٌ فَكَانَ يَقُولُ: بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ عَدَدًا أَوْ وَصْفًا وَكَذَا كَأَنْ يَقُولَ: ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةٌ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يُعْتَبَرُ عَدَدًا أَوْ وَصْفًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ) عِلَّةٌ لِبَدَأَ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ عَقِبِهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ رَجُلَانِ) لِمَا كَانَ قَوْلُهُ: ذَكَرَانِ يَشْمَلُ الصَّغِيرَيْنِ بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا الرَّجُلَانِ. قَوْلُهُ: (كَعُقُوبَةٍ لِلَّهِ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّ. وَأَجَابَ الْمَرْحُومِيُّ بِأَنَّ الْكَافَ لِلتَّنْظِيرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَلِلتَّمْثِيلِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي. قَوْلُهُ: (أَوْ لِآدَمِيٍّ) كَقِصَاصٍ قَوْلُهُ: (وَمَا يَطَّلِعُ) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ مَا كَمَا فِي نُسَخٍ كَثِيرَةٍ لِأَنَّ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَالُ وَمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَشَيْءٌ وَاحِدٌ وَإِعَادَةُ مَا تُوُهِّمَ أَنَّهُمَا قِسْمَانِ وَأَمْرَانِ مُخْتَلِفَانِ. وَقَدْ يُقَالُ: زَادَ الشَّارِحُ مَا إشَارَةً إلَى أَنْ يَطَّلِعَ مَعْطُوفٌ عَلَى النَّفْيِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا يُقْصَدُ لَا عَلَى الْمَنْفِيِّ وَهُوَ يُقْصَدُ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (غَالِبًا) الْمُرَادُ مَا يَكْثُرُ اطِّلَاعُ الرِّجَالِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ اطِّلَاعُ النِّسَاءِ أَغْلَبَ. فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْغَلَبَةَ بِالنِّسْبَةِ لَهُنَّ. قَوْلُهُ: (كَطَلَاقٍ) أَيْ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ ادَّعَتْهُ الزَّوْجَةُ وَإِنْ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ بِعِوَضٍ ثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. وَيُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: لَنَا طَلَاقٌ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ز ي وَفِيهِ أَنَّ الطَّلَاقَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ وَالثَّابِتُ بِالرَّجُلِ وَالْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ الْعِوَضُ. قَوْلُهُ: (وَنِكَاحٍ) فَإِنَّ فِيهِ حَقًّا لِلْآدَمِيِّ مِنْ حَيْثُ التَّمَتُّعُ بِالزَّوْجَةِ فَصَحَّ التَّمْثِيلُ بِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الرَّجْعَةِ: وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَفِيهِ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْعِدَّةِ لِصِيَانَةِ مَائِهِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِنَحْوِ الزِّنَا فَيُصَوَّرُ بِأَنْ يُقِرَّ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِأَنَّهُ زَنَى ثُمَّ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَيَشْهَدَانِ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَنِكَاحٍ أَيْ لِأَجْلِ إثْبَاتِ الْعِصْمَةِ، فَإِنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ لِإِثْبَاتِ الْمَهْرِ. أَوْ شَطْرِهِ أَوْ لِلْإِرْثِ فَيَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. وَيَجِبُ عَلَى شُهُودِ النِّكَاحِ ضَبْطُ التَّارِيخِ بِالسَّاعَاتِ وَاللَّحَظَاتِ وَهَذَا مِمَّا يُغْفَلُ عَنْهُ فِي الشَّهَادَةِ بِالنِّكَاحِ وَلَا يَكْفِي الضَّبْطُ بِيَوْمِ الْعَقْدِ فَلَا يَكْفِي أَنَّ النِّكَاحَ عُقِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ أَوْ لَحْظَتَيْنِ أَوْ قَبْلَ الْعَصْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَعَلَّقُ بِهِ لِحَاقُ الْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَيْنِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، فَعَلَيْهِ ضَبْطُ التَّارِيخِ كَذَلِكَ لِحَقِّ النَّسَبِ سم عَلَى حَجّ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَعَلَّقُ بِهِ لِحَاقُ الْوَلَدِ إلَخْ. أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجْرِي فِي غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِهَا ذِكْرُ التَّارِيخِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ: إذَا أُطْلِقَتْ إحْدَاهُمَا وَأُرِّخَتْ الْأُخْرَى أَوْ أُطْلِقَتَا تَسَاقَطَتَا. لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَا شَهِدَا بِهِ فِي تَارِيخٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَقُولُوا: بِخِلَافِ الْمُؤَرَّخَةِ، وَبُطْلَانِ الْمُطْلَقَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَالَ الرَّحْمَانِيُّ: أَفْتَى الزِّيَادِيُّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ م ر أَنَّ الْحَقَّ إذَا مَضَى عَلَيْهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لَا تُسْمَعُ بِهِ الدَّعْوَى لِمَنْعِ وَلِيِّ الْأَمْرِ الْقُضَاةَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبُهُ قَاضِيًا يَدَّعِيهِ عِنْدَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. وَفِيهِ أَنَّ مَنْعَ السُّلْطَانِ الْقُضَاةَ أَنْ يَقْضُوا بَعْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا يُفِيدُ عَدَمَ سَمَاعِ الدَّعْوَى لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَيْسَ مُشَرِّعًا، وَلَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ إلَّا فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ، نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ مُسْتَنَدٌ فِي الشَّرْعِ بِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ مَنْعُهُ ظَاهِرًا قَوْلُهُ: (وَمَوْتٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى الطَّلَاقِ، يُتَأَمَّلُ فِي كَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ فَإِنْ أُرِيدَ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ الْإِرْثِ كَانَ مِمَّا قُصِدَ مِنْهُ الْمَالُ فَلَا يُلَائِمُ الْمُمَثَّلَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْآدَمِيَّ لَهُ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ اهـ شَيْخُنَا. بِأَنْ كَانَ غَائِبًا وَشَهِدَا بِمَوْتِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 وَشَرِكَةٍ وَقِرَاضٍ وَكَفَالَةٍ وَشَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْوِصَايَةِ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ: «مَضَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَلَا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ» وَقِيسَ بِالْمَذْكُورَاتِ غَيْرُهَا مِمَّا يُشَارِكُهَا فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَالْوَكَالَةُ وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي مَالٍ الْقَصْدُ مِنْهَا الْوِلَايَةُ وَالسَّلْطَنَةُ. لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ اخْتِلَافَهُمْ فِي الشَّرِكَةِ وَالْقِرَاضِ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ رَامَ مُدَّعِيهمَا إثْبَاتَ التَّصَرُّفِ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ أَوْ إثْبَاتَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَيَثْبُتَانِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إذْ الْمَقْصُودُ الْمَالُ وَيَقْرُبُ مِنْهُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ لِإِثْبَاتِ الْمَهْرِ أَوْ شَطْرِهِ أَوْ الْإِرْثِ فَيَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ. وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النِّكَاحُ بِهِمَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ. (وَ) الثَّانِي (ضَرْبٌ يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ) رَجُلَانِ (أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ شَاهِدٌ) أَيْ رَجُلٌ وَاحِدٌ. (وَيَمِينُ الْمُدَّعِي) بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَبَعْدَ تَعْدِيلِهِ. وَيَذْكُرُ حَتْمًا فِي حَلِفِهِ صَدْقَ شَاهِدهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَالشَّهَادَةَ حُجَّتَانِ مُخْتَلِفَتَا الْجِنْسِ فَاعْتُبِرَ ارْتِبَاطُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى لِيَصِيرَا كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الضَّرْبُ الثَّانِي فِي كُلِّ (مَا كَانَ) مَالًا عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً أَوْ كَانَ (الْقَصْدُ مِنْهُ الْمَالَ) مِنْ عَقْدٍ مَالِيٍّ أَوْ فَسَخَهُ أَوْ حَقٍّ مَالِيٍّ كَبَيْعٍ وَمِنْهُ الْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَإِقَالَةٌ وَضَمَانٌ   [حاشية البجيرمي] لِأَجْلِ أَنْ تَعْتَدَّ زَوْجَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ. قَوْلُهُ: (وَوِصَايَةٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْإِيصَاءُ. قَوْلُهُ: (وَشَرِكَةٍ) أَيْ وَعَقْدِ الشَّرِكَةِ لَا كَوْنُ مَالٍ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ع ش. قَوْلُهُ: (وَكَفَالَةٍ) أَيْ الْوَدِيعَةٍ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَدَّعِيَ مَالِكُهَا غَصْبَ ذِي الْيَدِ لَهَا وَذُو الْيَدِ يَدَّعِي أَنَّهَا وَدِيعَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ إثْبَاتُ وِلَايَةِ الْحِفْظِ لَهُ. وَعَدَمُ الضَّمَانِ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. س ل. فَلَوْ غَابَ الْمَكْفُولُ بِبَدَنِهِ وَعُلِمَ مَحَلُّهُ فَطَلَبَ مِنْ الْكَفِيلِ إحْضَارَهُ وَأَدَاءَ الْمَالِ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْإِحْضَارِ فَأَنْكَرَ الْكَفَالَةَ فَأَقَامَ الْمَكْفُولُ لَهُ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، فَهَلْ يُقْبَلُ ذَلِكَ لِطَلَبِ الْمَالِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: وَأُلْحِقَ بِهِ قَبُولُ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ يُنْسَبُ إلَى مَيِّتٍ فَيَثْبُتُ الْإِرْثُ لَا النَّسَبُ اهـ. قَوْلُهُ: (مَضَتْ) : أَيْ ثَبَتَتْ وَتَقَرَّرَتْ السُّنَّةُ أَيْ الطَّرِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ) : وَهُوَ مَا لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَالُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهَا) : أَيْ الْوَصِيَّةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْقِرَاضُ وَقَوْلُهُ: لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ: مُعْتَمَدٌ ح ل. قَوْلُهُ: (اخْتِلَافَهُمْ فِي الشَّرِكَةِ وَالْقِرَاضِ) : أَيْ هَلْ يُقْبَلُ فِيهِمَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ لَا يُقْبَلُ إلَّا رَجُلَانِ. قَوْلُهُ: (إنْ رَامَ) أَيْ قَصَدَ وَقَوْلُهُ: فَهُوَ كَالْوَكِيلِ أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَيَقْرُبُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ادِّعَاءِ إثْبَاتِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ. قَوْلُهُ: (فَيَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) أَوْ رَجُلٍ وَيَمِينٍ هَذَا مَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ) بِأَنْ أُرِيدَ إثْبَاتُ الْعِصْمَةِ وَمُرَادُهُ بِهَا الْجِنْسُ فَيَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ) هَلْ الْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مَعًا أَوْ بِالشَّاهِدِ فَقَطْ وَالْيَمِينُ مُؤَكَّدَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا أَوَّلُهَا: وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَغْرَمُ النِّصْفَ وَعَلَى الثَّانِي الْكُلَّ وَعَلَى الثَّالِثِ لَا شَيْءَ م د. قَوْلُهُ: (صِدْقَ شَاهِدِهِ) : أَيْ قُبَيْلَ ذِكْرِهِ الِاسْتِحْقَاقَ أَوْ بَعْدَهُ نَحْوُ: وَاَللَّهِ إنَّ شَاهِدِي لَصَادِقٌ فِيمَا شَهِدَ بِهِ لِي وَإِنِّي أَسْتَحِقُّهُ أَوْ إنِّي أَسْتَحِقُّهُ وَإِنَّ شَاهِدِي لَصَادِقٌ فِيمَا شَهِدَ بِهِ فَإِنْ تَرَكَ الْيَمِينَ وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ خَصْمُهُ سَقَطَتْ الدَّعْوَى وَمُنِعَ هُوَ مِنْ الْعَوْدِ لِلْيَمِينِ مَعَ شَاهِدٍ وَلَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ سم لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ طَلَبِ يَمِينِ خَصْمِهِ يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ الْحَلِفِ فَلَا يَعُودُ إلَيْهِ فَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ سُمِعَتْ كَمَا فِي ح ل. قَوْلُهُ: (حُجَّتَانِ) : أَيْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا هُنَا نِصْفُ حُجَّةٍ لِأَنَّ الْحُجَّةَ مَجْمُوعُهُمَا. قَوْلُهُ: (ارْتِبَاطُ) وَالِارْتِبَاطُ يَكُونُ بِذِكْرِ صِدْقِ شَاهِدِهِ فِي حَلِفِهِ. قَوْلُهُ: (كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ) الْأَوْلَى كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِيُنَاسِبَ مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ) أَيْ مُتَحَقِّقٌ فِي كُلِّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مِنْ عَقْدٍ مَالِيٍّ) : أَيْ مَا عَدَا الشَّرِكَةَ وَالْقِرَاضَ وَالْكَفَالَةَ أَمَّا هِيَ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رَجُلَيْنِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ فِي الْأَوَّلَيْنِ إثْبَاتَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أج. قَوْلُهُ: (وَإِقَالَةٌ) : الْأَصَحُّ أَنَّهَا فَسْخٌ فَهِيَ تَمْثِيلٌ لَهُ لَا بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَضَمَانٌ) : هُوَ مِثَالٌ لِلْعَقْدِ الْمَالِيِّ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ عَقِبَهُ. وَعِبَارَةُ ق ل وَضَمَانٌ، وَإِبْرَاءٌ، وَقَرْضٌ، وَوَقْفٌ، وَصُلْحٌ، وَشُفْعَةٌ، وَرَدٌّ بِعَيْبٍ، وَمُسَابَقَةٌ، وَغَصْبٌ، وَوَصِيَّةٌ بِمَالٍ، وَإِقْرَارٌ، وَمَهْرٌ فِي نِكَاحٍ، أَوْ وَطْءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 وَخِيَارٌ وَأَجَلٌ وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] . وَرَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» زَادَ الشَّافِعِيُّ «فِي الْأَمْوَالِ» وَقِيسَ بِمَا فِيهِ مَا فِيهِ مَالٌ. تَنْبِيهٌ: مِنْ هَذَا الضَّرْبِ الْوَقْفُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْمَعْنَى وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ. (وَ) الثَّالِثُ (ضَرْبٌ يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ) رَجُلَانِ (أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ) مُنْفَرِدَاتٍ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الضَّرْبُ الثَّالِثُ فِي كُلِّ (مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ) غَالِبًا كَبَكَارَةٍ وَوِلَادَةٍ وَحَيْضٍ وَرَضَاعٍ وَعَيْبِ امْرَأَةٍ تَحْتَ ثَوْبِهَا كَجِرَاحَةٍ عَلَى فَرْجِهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَاسْتِهْلَالِ وَلَدٍ لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: «مَضَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِنْ وِلَادَةِ   [حاشية البجيرمي] شُبْهَةٍ، أَوْ خُلْعٍ وَقَتْلٌ خَطَأً وَقَتْلُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، وَقَتْلُ حُرٍّ عَبْدًا وَمُسْلِمٍ ذِمِّيًّا وَوَالِدٍ وَلَدًا وَسَرِقَةٌ لَا قَطْعَ فِيهَا. قَوْلُهُ: (وَأَجَلٍ) أَيْ وَكَذَا جِنَايَةٌ تُوجِبُ مَالًا. قَوْلُهُ: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} [البقرة: 282] : أَيْ إنْ لَمْ يُرِدْ إقَامَتَهُمَا فَلَا يُقَالُ: إنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي أَنَّ كِفَايَةَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ فَقْدِ الرَّجُلَيْنِ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ أَوْ التَّقْدِيرِ. فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ مَرْغُوبًا فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (مِنْ هَذَا الضَّرْبِ الْوَقْفُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فَوَائِدُهُ أَوْ أُجْرَتُهُ وَهِيَ مَالٌ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ شَخْصًا ادَّعَى مِلْكًا تَضَمَّنَ وَقْفِيَّةً كَأَنْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ لِأَبِي وَوَقَفَهَا عَلَيَّ وَأَنْتَ غَاصِبٌ لَهَا وَأَقَامَ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ حُكِمَ لَهُ بِالْمِلْكِ. ثُمَّ تَصِيرُ وَقْفًا بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ، وَيَمِينٍ قَالَهُ: فِي الْبَحْرِ م ر. قَوْلُهُ: (فِي الْمَعْنَى) : وَهُوَ الَّذِي يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَالُ. قَوْلُهُ: (أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَيْ لَا رَجُلٌ وَيَمِينٌ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (كَبَكَارَةٍ) كَأَنْ زُوِّجَتْ بِشَرْطِ أَنَّهَا بِكْرٌ. فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِالْبَكَارَةِ أَيْ بِوُجُودِهَا عِنْدَهُ وَأَنَّهُ أَزَالَهَا وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَانَ فِي ذَلِكَ حَقٌّ آدَمِيٌّ فَصَحَّ التَّمْثِيلُ بِهِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي إزَالَةِ الْبَكَارَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَقَالَتْ: أَزَالَهَا وَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ فَتُصَدَّقُ هِيَ بِالنَّظَرِ لِعَدَمِ فَسْخِهِ، وَيُصَدَّقُ هُوَ بِالنَّظَرِ لِعَدَمِ وُجُوبِ كَمَالِ الْمَهْرِ، وَعِبَارَةُ ز ي. وَقَوْلُهُ: كَبَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ وَحُمِلَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي النَّفَقَاتِ. قَوْلُهُ: (وَوِلَادَةٍ) : أَيْ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ النَّسَبِ. فَفِيهَا حَقُّ آدَمِيٍّ، وَكَذَا الْحَيْضُ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْعِدَّةِ وَقَوْلُهُ: وَرَضَاعٍ، يُتَأَمَّلُ فِي كَوْنِهِ فِيهِ حَقُّ آدَمِيٍّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا شَهِدَا عَلَى شَخْصٍ بِأَنَّهُ ارْتَضَعَ عَلَى أُمِّ زَوْجَتِهِ لِيَكُونَ النِّكَاحُ بَاطِلًا وَقَوْلُهُ: وَعَيْبِ امْرَأَةٍ إلَخْ أَيْ لِتُرَدَّ فِي الْبَيْعِ وَفِي النِّكَاحِ. وَإِذَا ثَبَتَتْ الْوِلَادَةُ بِالنِّسَاءِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالْإِرْثُ تَبَعًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَازِمٌ شَرْعًا لِلْمَشْهُودِ بِهِ، لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ ثُبُوتِ الْإِرْثِ ثُبُوتُ حَيَاةِ الْمَوْلُودِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا فِي شَهَادَتِهِنَّ بِالْوِلَادَةِ لِتَوَقُّفِ الْإِرْثِ عَلَيْهَا، فَلَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ قَبْلَ ثُبُوتِهَا أَمَّا لَوْ لَمْ يَشْهَدْنَ بِالْوِلَادَةِ بَلْ بِحَيَاةِ الْمَوْلُودِ، فَلَا يَقْبَلْنَ لِأَنَّ الْحَيَاةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا حَجّ س ل، مَعَ زِيَادَةٍ وَقَوْلُهُ: وَوِلَادَةٍ. وَإِنْ قَالَ الشَّاهِدُ: إنْ تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ لِلْفَرْجِ لَا لِأَجْلِ الشَّهَادَةِ بِالْوِلَادَةِ كَمَا فِي ح ل. قَوْلُهُ: (وَحَيْضٍ) صَرِيحٌ فِي إمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَصَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ خِلَافًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ تَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ: مَا هُنَا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَعَيْبِ امْرَأَةٍ) : كَرَتْقٍ وَقَرْنٍ وَجُرْحٍ عَلَى فَرْجٍ، كَمَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ هَذَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ بِهَا عَالِمًا بِالطِّبِّ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ، فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ التَّهْذِيبِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (تَحْتَ ثَوْبِهَا) وَالْمُرَادُ بِتَحْتِ ثَوْبِهَا مَا لَا يَظْهَرُ مِنْهَا غَالِبًا م ر وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: وَخَرَجَ بِعَيْبِ امْرَأَةٍ إلَخْ. وَعِبَارَةُ م ر وَخَرَجَ بِتَحْتَ الثَّوْبِ وَالْمُرَادُ مِنْهَا مَا لَا يَظْهَرُ مِنْهَا غَالِبًا عَيْبُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ الْحُرَّةِ فَلَا بُدَّ فِي ثُبُوتِهِ إنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ مَالٌ مِنْ رَجُلَيْنِ وَكَذَا فِيمَا يَبْدُو عِنْدَ مِهْنَةِ الْأَمَةِ إذَا قُصِدَ بِهِ فَسْخُ النِّكَاحِ مَثَلًا أَمَّا إذَا قُصِدَ بِهِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَيَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَرَجُلٍ وَيَمِينٍ، إذْ الْقَصْدُ مِنْهُ حِينَئِذٍ الْمَالُ شَرْحُ م ر وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ مَحْضُ النِّسَاءِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَاسْتِهْلَالِ) أَيْ نُزُولِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 النِّسَاءِ وَعُيُوبِهِنَّ» وَقِيسَ بِمَا ذُكِرَ غَيْرُهُ مِمَّا يُشَارِكُهُ فِي الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ. وَإِذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُنَّ فِي ذَلِكَ مُنْفَرِدَاتٍ فَقَبُولُ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ مَسْأَلَةَ الرَّضَاعِ بِمَا إذَا كَانَ الرَّضَاعُ مِنْ الثَّدْيِ فَإِنْ كَانَ مِنْ إنَاءٍ حُلِبَ فِيهِ اللَّبَنُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بِهِ لَكِنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ بِأَنَّ هَذَا اللَّبَنَ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ غَالِبًا وَخَرَجَ بِعَيْبِ امْرَأَةٍ تَحْتَ ثَوْبِهَا مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ الْعَيْبُ فِي وَجْهِ الْحُرَّةِ وَكَفَّيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ وَفِي وَجْهِ الْأَمَةِ وَمَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمَالُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا وَمَا قَبْلَهُ إنَّمَا يَأْتِيَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِحِلِّ النَّظَرِ إلَى ذَلِكَ أَمَّا عَلَى مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْأَوْلَى وَالنَّوَوِيُّ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ تَحْرِيمِ ذَلِكَ فَتُقْبَلُ النِّسَاءُ فِيهِ مُنْفَرِدَاتٍ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمَا الرِّجَالُ غَالِبًا وَإِنْ قُلْنَا بِحُرْمَةِ نَظَرِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَحَارِمِهَا وَزَوْجِهَا وَيَجُوزُ نَظَرُ الْأَجْنَبِيِّ لِوَجْهِهَا لِتَعْلِيمٍ وَمُعَامَلَةٍ وَتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ وَقَدْ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ نَقْلَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ عُيُوبَ النِّسَاءِ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا الرِّجَالُ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِمَا انْتَهَى. أَيْ فَلَا تُقْبَلُ النِّسَاءُ الْخُلَّصُ فِي الْأَمَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِمَا مَرَّ وَكُلُّ مَا لَا يَثْبُتُ مِنْ الْحُقُوقِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ، لِأَنَّ الرَّجُلَ وَامْرَأَتَيْنِ أَقْوَى وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِالْأَقْوَى لَا يَثْبُتُ بِمَا دُونَهُ، وَكُلُّ مَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ إلَّا عُيُوبَ النِّسَاءِ وَنَحْوِهَا، كَإِرْضَاعٍ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لِأَنَّهَا أُمُورٌ خَطِرَةٌ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَعُلِمَ مِنْ تَقْسِيمِ الْمُصَنِّفِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ وَهُوَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ وَقِيَامِهِمَا مَقَامَ رَجُلٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لِوُرُودِهِ. فَرْعٌ: مَا قُبِلَ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسْوَةِ عَلَى فِعْلِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ فَإِنَّهُ مِمَّا يَسْمَعُهُ الرِّجَالُ غَالِبًا كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ الدَّمِيرِيُّ. (وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ) أَصْلًا وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فِي هَذَا وَفِي جَمِيعِ مَا مَرَّ، (وَهِيَ) أَيْ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى (عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ) أَيْضًا الْأَوَّلُ (ضَرْبٌ لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ) مِنْ الرِّجَالِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الضَّرْبُ. (الزِّنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] وَلِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ «قَالَ: لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ وَجَدْت مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قَالَ: نَعَمْ» وَلِأَنَّهُ لَا يَقُومُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلَيْنِ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَغْلَظِ الْفَوَاحِشِ فَغُلِّظَتْ   [حاشية البجيرمي] الْجَنِينِ مِنْ فَرْجِ أُمِّهِ صَارِخًا حَتَّى يَرِثَ وَيُورَثَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (الْعَيْبُ فِي وَجْهِ الْحُرَّةِ) بَدَلٌ مِنْ مَاءٍ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَيْبِ الْمَذْكُورِ أَيْ مِنْ إثْبَاتِهِ الْمَالُ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ إثْبَاتِهِ رَدُّ الْأَمَةِ لِبَائِعِهَا. قَوْلُهُ: (هَذَا) : أَيْ كَوْنُ الْعَيْبِ فِي وَجْهِ الْأَمَةِ وَمَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إنَّمَا يَأْتِيَانِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَمَا قَبْلَهُ) : أَيْ وَهُوَ الْعَيْبُ فِي وَجْهِ الْحُرَّةِ. قَوْلُهُ: (أُجِيبَ) : هَذَا جَوَابٌ بِمَنْعٍ أَنَّهُمَا إنَّمَا يَأْتِيَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِحِلِّ النَّظَرِ إلَى ذَلِكَ أَيْ بَلْ يَأْتِيَانِ عَلَى قَوْلِ: حُرْمَةِ النَّظَرِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ النَّظَرَ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَالَ إلَخْ) : تَأْيِيدٌ لِلْجَوَابِ فَغَرَضُهُ بِهِ تَقْوِيَةُ الْجَوَابِ بِأَنَّ الْحُرَّةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا رَجُلَانِ وَالْأَمَةَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) : أَيْ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمَالُ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ) : أَيْ ثُبُوتِ شَيْءٍ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ. قَوْلُهُ: (لِوُرُودِهِ) : أَيْ الْقِيَامِ قَوْلُهُ: (أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ) : اعْتِبَارُ الْأَرْبَعَةِ هُوَ بِالنَّظَرِ لِلْحَدِّ فَلَوْ شَهِدَ بِجَرْحِ الشَّاهِدِ اثْنَانِ وَفَسَّرَاهُ بِالزِّنَا ثَبَتَ فِسْقُهُ وَلَيْسَا قَاذِفَيْنِ. اهـ. ز ي أج. قَوْلُهُ: (أُمْهِلُهُ) أَيْ أَأُمْهِلُهُ. قَوْلُهُ: (حَتَّى آتِيَ) بِالْمَدِّ قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ) : أَيْ بِالزِّنَا مِنْ أَغْلَظِ أَيْ أَغْلَظِهِمَا بَعْدَ الْكُفْرِ وَالْقَتْلِ وَلِذَا عَبَّرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 الشَّهَادَةُ فِيهِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بِالزِّنَا إذَا قَالُوا: حَانَتْ مِنَّا الْتِفَاتَةٌ فَرَأَيْنَا أَوْ تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ قَالُوا تَعَمَّدْنَا لِغَيْرِ الشَّهَادَةِ فَسَقُوا وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ انْتَهَى. هَذَا إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَتُهُمْ عَلَى مَعَاصِيهِمْ وَإِلَّا فَتُقْبَلُ لِأَنَّ ذَلِكَ صَغِيرَةٌ وَيَنْبَغِي إذَا أَطْلَقُوا الشَّهَادَةَ أَنْ يُسْتَفْسَرُوا إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا: رَأَيْنَاهُ أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا مِنْ فَاقِدِهَا فِي فَرْجِهَا وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا كَالْأُصْبُعِ فِي الْخَاتَمِ أَوْ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ. تَنْبِيهٌ: اللِّوَاطُ فِي ذَلِكَ كَالزِّنَا وَكَذَا إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا جِمَاعٌ وَنُقْصَانُ الْعُقُوبَةِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَدَدِ كَمَا فِي زِنَا الْأَمَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَوَطْءُ الْمَيِّتَةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَهُوَ كَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ فِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ انْتَهَى. وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ وَطْءُ الشُّبْهَةِ إذَا قَصَدَ بِالدَّعْوَى بِهِ الْمَالَ أَوْ شَهِدَ بِهِ حِسْبَةً وَمُقَدِّمَاتُ الزِّنَا كَقُبْلَةٍ وَمُعَانَقَةٍ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعَةٍ وَيُقْبَلُ فِي الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا وَمَا أُلْحِقَ بِهِ رَجُلَانِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِيرِ. (وَ) الثَّانِي (ضَرْبٌ يُقْبَلُ فِيهِ اثْنَانِ) أَيْ رَجُلَانِ. (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الضَّرْبُ الثَّانِي (مَا سِوَى الزِّنَا) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْحُدُودِ سَوَاءٌ كَانَ قَتْلًا لِلْمُرْتَدِّ أَمْ لِقَاطِعِ الطَّرِيقِ بِشَرْطِهِ، أَمْ لِقَطْعٍ فِي سَرِقَةٍ أَمْ فِي طَرِيقٍ أَمْ فِي جَلْدٍ لِشَارِبِ مُسْكِرٍ. (وَ) الثَّالِثُ (ضَرْبٌ يُقْبَلُ فِيهِ) رَجُلٌ (وَاحِدٌ) (وَهُوَ هِلَالُ شَهْرِ رَمَضَانَ) بِالنِّسْبَةِ لِلصَّوْمِ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ   [حاشية البجيرمي] بِمِنْ. قَوْلُهُ: (حَانَتْ) أَيْ حَصَلَتْ فِي حِينٍ وَفِي نُسْخَةٍ كَانَتْ مِنَّا الْتِفَاتَةٌ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ الْحِينُ الْوَقْتُ وَالْمُدَّةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] وَحَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا أَيْ آنَ. قَوْلُهُ: (إذَا أَطْلَقُوا الشَّهَادَةَ) : أَيْ لَمْ يَقُولُوا حَانَتْ مِنَّا الْتِفَاتَةٌ أَوْ تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ، أَوْ لِغَيْرِ إقَامَتِهَا وَقَوْلُهُ: أَنْ يُسْتَفْسَرُوا أَيْ يُقَالُ لَهُمْ: هَلْ حَانَتْ مِنْكُمْ الْتِفَاتَةٌ أَوْ تَعَمَّدْتُمْ النَّظَرَ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ أَوْ لِغَيْرِ إقَامَتِهَا. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا إلَخْ) : وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا: عَلَى وَجْهِ الزِّنَا كَمَا فِي م ر وَعِبَارَتُهُ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ مَكَانِ الزِّنَا وَزَمَانِهِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدُهُمْ. وَإِلَّا وَجَبَ سُؤَالُ بَاقِيهمْ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ تَنَاقُضٍ يُسْقِطُ شَهَادَتَهُمْ وَلَا يُشْتَرَطُ قَوْلُهُمْ: كَمِيلٍ فِي مُكْحُلَةٍ نَعَمْ يُنْدَبُ اهـ. قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَيُشْتَرَطُ: أَنْ يَذْكُرُوا أَيْ شُهُودُ الزِّنَا الْمَرْأَةَ الْمَزْنِيَّ بِهَا. فَقَدْ يَظُنُّونَ وَطْءَ الْمُشْتَرَكَةِ وَأَمَةَ ابْنِهِ زِنًا. قَوْلُهُ: (أَوْ كَالْمِرْوَدِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ الْمِيلِ وَجَمْعُهُ مَرَاوِدُ. قَوْلُهُ: (فِي الْمُكْحُلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ مِنْ النَّوَادِرِ الَّتِي جَاءَتْ بِالضَّمِّ وَقِيَاسُهَا الْكَسْرُ لِأَنَّهَا آلَةٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ) وَإِنَّمَا أُلْحِقَ إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ بِالزِّنَا لِأَنَّ الْكُلَّ جِمَاعٌ وَنَقْصُ الْعُقُوبَةِ لَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ الْعَدَدِ، كَمَا فِي زِنَا الْأَمَةِ وَبَقِيَ لِلْكَافِ اللِّوَاطُ اهـ. قَوْلُهُ: (لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَدَدِ) أَيْ عَدَدِ شُهُودِ الزِّنَا. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي زِنَا الْأَمَةِ) فَإِنَّ حَدَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ زِنَاهَا إلَّا بِأَرْبَعَةٍ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِأَرْبَعَةٍ) : أَيْ لِأَجْلِ تَعْزِيرِ الْفَاعِلِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعَةٍ) : بَلْ الْأَوَّلُ بِقَيْدِهِ، الْأَوَّلُ يَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ، وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ مَا يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا. مِنْ قَوْلِ الشُّهُودِ: رَأَيْنَاهُ أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِهَا وَالْبَاقِي لَا يَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ اهـ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَمَا أُلْحِقَ بِهِ) كَاللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْحُدُودِ) أَيْ مِنْ أَسْبَابِ الْحُدُودِ وَقَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَكَانَ أَيْ الْحَدُّ الْمَفْهُومُ مِنْ الْحُدُودِ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِهِ) وَهُوَ أَنْ يَقْتُلَ مُكَافِئًا لَهُ وَأَمَّا الشَّوْكَةُ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي مَفْهُومِهِ لَا شَرْطٌ فِيهِ كَمَا قِيلَ: لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُقَاوِمَ مَنْ يَبْرُزُ هُوَ لَهُ. قَوْلُهُ: (أَمْ لِقَطْعِ) : الْمُنَاسِبُ أَمْ قَطْعًا وَكَذَا قَوْلُهُ: أَمْ جَلْدًا قَوْلُهُ: (وَهُوَ هِلَالُ شَهْرِ رَمَضَانَ) : وَمِثْلُ رَمَضَانَ ذُو الْحِجَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوُقُوفِ وَكَذَلِكَ شَوَّالٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ كَمَا قَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ: وَكَذَا الشَّهْرُ الْمَنْذُورُ صَوْمُهُ إذَا شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ وَاحِدٌ فَيَثْبُتُ بِوَاحِدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ز ي. قَوْلُهُ: (بِالنِّسْبَةِ لِلصَّوْمِ) أَيْ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِحُلُولِ أَجَلٍ أَوْ لِوُقُوعِ طَلَاقٍ فَلَا. كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي الصِّيَامِ وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ مَثَلًا فَشَهِدَ وَاحِدٌ بِرُؤْيَتِهِ فَهَلْ يَجِبُ الصَّوْمُ إذَا قُلْنَا يَثْبُتُ بِهِ رَمَضَانُ. حَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ وَجْهَيْنِ عَنْ الْبَحْرِ وَرَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي كِتَابِ الصِّيَامِ الْوُجُوبَ، وَمِنْهَا مَا فِي الْمَجْمُوعِ آخِرَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَشَهِدَ عَدْلٌ بِإِسْلَامِهِ، لَمْ يَكْفِ فِي الْإِرْثِ وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَوَابِعِهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ الْقَبُولِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ أَفْتَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْمَنْعِ، وَمِنْهَا ثُبُوتُ شَوَّالٍ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ رَمَضَانُ بِشَهَادَتِهِ وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ فَانْفَطَرَ عَلَى الْأَصَحِّ وَمِنْهَا الْمُسْمِعُ لِلْخَصْمِ كَلَامَ الْقَاضِي أَوْ لِلْقَاضِي كَلَامَ الْخَصْمِ يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ وَهُوَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَمِنْهَا صُوَرٌ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةٌ) عَلَى فِعْلٍ كَزِنًا وَشُرْبِ خَمْرٍ وَغَصْبٍ وَإِتْلَافٍ وَوِلَادَةٍ وَرَضَاعٍ وَاصْطِيَادٍ وَإِعْيَاءٍ وَكَوْنِ الْيَدِ عَلَى مَالٍ إلَّا بِإِبْصَارٍ لِذَلِكَ الْفِعْلِ مَعَ فَاعِلِهِ لِأَنَّهُ يَصِلُ بِهِ إلَى الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ السَّمَاعُ مِنْ الْغَيْرِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَى مِثْلِهِمَا فَاشْهَدْ» إلَّا أَنَّ فِي الْحُقُوقِ مَا اُكْتُفِيَ فِيهِ بِالظَّنِّ الْمُؤَكَّدِ لِتَعَذُّرِ الْيَقِينِ فِيهِ وَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِهِ، كَالْمِلْكِ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ يَقِينًا وَكَذَا الْعَدَالَةُ وَالْإِعْسَارُ وَتُقْبَلُ فِي الْفِعْلِ مِنْ أَصَمَّ لِإِبْصَارِهِ وَيَجُوزُ تَعَمُّدُ النَّظَرِ لِفَرْجَيْ الزَّانِيَيْنِ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لِأَنَّهُمَا هَتَكَا حُرْمَةَ أَنْفُسِهِمَا وَالْأَقْوَالُ كَعَقْدٍ وَفَسْخٍ وَطَلَاقٍ وَإِقْرَارٍ يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ بِهَا سَمْعُهَا وَإِبْصَارُ قَائِلِهَا حَالَ تَلَفُّظِهِ بِهَا حَتَّى لَوْ نَطَقَ بِهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَهُوَ يَتَحَقَّقُهُ لَمْ   [حاشية البجيرمي] مِنْ الْعِبَادَةِ. قَوْلُهُ: (وَمُقْتَضَاهُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ وَهُوَ مَحَلُّ الشَّاهِدِ قَوْلُهُ: (الْمُسْمِعِ لِلْخَصْمِ كَلَامَ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ لَا شَاهِدٌ بِخِلَافِ الَّذِي يُتَرْجِمُ لِلْقَاضِي كَلَامَ الْخَصْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ اثْنَيْنِ. فَقَوْلُهُ: أَوْ لِلْقَاضِي كَلَامَ الْخَصْمِ مُصَوَّرٌ بِالْقَاضِي الْأَصَمِّ لَا الْمُتَرْجَمِ لَهُ. لِمَا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ اثْنَانِ اهـ م د. وَقَوْلُهُ: الْأَصَمُّ أَيْ فِيهِ بَعْضُ صَمَمٍ، وَإِلَّا فَالْأَصَمُّ لَا يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ الْقَضَاءَ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِلْقَاضِي كَلَامَ الْخَصْمِ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلٍ) : هَذِهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَعْمَى فِي الْمَتْنِ فَجَعَلَهَا فِي الشَّارِحِ، مُتَعَلِّقَةً لِهَذَا الْمُقَدَّرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلٍ وَقَدَّرَ عِنْدَ الدُّخُولِ عَلَى الْمَتْنِ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إلَخْ. فَلَوْ أَبْقَى الْمَتْنَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَدَّرَ السِّوَادَةَ هُنَا وَجَعَلَهَا مِنْ عِنْدِهِ كَانَ أَحْسَنَ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الشُّهُودَ بِهِ إنْ كَانَ فِعْلًا اُشْتُرِطَ فِي الشَّاهِدِ بِهِ الْإِبْصَارُ فَقَطْ فَيَكْفِي الْأَصَمُّ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا اُشْتُرِطَ فِيهِ أَمْرَانِ الْإِبْصَارُ وَالسَّمْعُ. قَوْلُهُ: (وَكَوْنُ الْيَدِ عَلَى مَالٍ) : سَيَأْتِي أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَكُلُّ مَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ يَكْفِي فِيهِ الْأَعْمَى كَمَا يَأْتِي فَكَلَامُ الشَّارِحِ ضَعِيفٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: وَكَوْنُ الْيَدِ عَلَى مَالٍ إلَخْ. يَعْنِي أَنَّهُ لَا تَكْفِي الشَّهَادَةُ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عَنْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَلَا يَكُونُ مِنْ قِسْمِ الِاسْتِفَاضَةِ، إلَّا إذَا شَهِدَ بِيَدٍ مَعَ تَصَرُّفِ الْمُلَّاكِ مُدَّةً طَوِيلَةً، كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَحِينَئِذٍ كَلَامُ الشَّارِحِ لَا ضَعْفَ فِيهِ خِلَافًا لِلْمُحَشِّيِّ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّ فِي الْحُقُوقِ إلَخْ) : قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَنْ رَأَى رَجُلًا يَتَصَرَّفُ فِي شَيْءٍ فِي يَدِهِ مُتَمَيِّزًا عَلَى أَمْثَالِهِ كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَاسْتَفَاضَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ مِلْكُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ سَبَبَهُ وَلَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ. وَكَذَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَوْ انْضَمَّ إلَى الْيَدِ تَصَرُّفٌ وَمُدَّةٌ طَوِيلَةٌ وَلَوْ بِغَيْرِ الِاسْتِفَاضَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَدْعُوَ الْحَاجَةُ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَدُعَاءُ الْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِهِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةً فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ عَطْفًا عَلَى تَعَذَّرَ عَلَى حَدِّ: وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ تَعَمُّدُ النَّظَرِ) صَرَّحَ م ر بِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: وَيُشْتَرَطُ لِلزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ. وَعِبَارَةُ ق ل وَيَجُوزُ النَّظَرُ لِفَرْجِ الزَّانِيَيْنِ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، وَلَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَوْ تَعَمَّدُوا النَّظَرَ لِغَيْرِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ اهـ. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 يَكْفِ. وَمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ بِبَابِ بَيْتٍ فِيهِ اثْنَانِ فَقَطْ فَسَمِعَ تَعَاقُدَهُمَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَفَى مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ زَيَّفَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمُوجِبَ مِنْ الْقَابِلِ. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْأَعْمَى) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَصَرِ لِجَوَازِ اشْتِبَاهِ الْأَصْوَاتِ وَقَدْ يُحَاكِي الْإِنْسَانُ صَوْتَ غَيْرِهِ. (إلَّا فِي سِتَّةِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ خَمْسَةَ (مَوَاضِعَ) وَسَيَأْتِي تَوْجِيهُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلُ (الْمَوْتُ) ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ لِأَنَّ أَسْبَابَهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا يَخْفَى وَمِنْهَا مَا يَظْهَرُ وَقَدْ يَعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا فَجَازَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ. (وَ) الْمَوْضِعُ الثَّانِي (النَّسَبُ) لِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ فَيَشْهَدُ أَنَّ هَذَا ابْنُ فُلَانٍ أَوْ أَنَّ هَذِهِ بِنْتُ فُلَانٍ، أَوْ قَبِيلَةٍ فَيَشْهَدُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا، لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرُّؤْيَةِ فِيهِ فَإِنَّ غَايَةَ الْمُمْكِنِ أَنْ يُشَاهِدَ الْوِلَادَةَ عَلَى الْفِرَاشِ وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بَلْ الظَّاهِرَ فَقَطْ. وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى إثْبَاتِ الْإِنْسَانِ إلَى الْأَجْدَادِ الْمُتَوَفَّيْنَ وَالْقَبَائِلِ الْقَدِيمَةِ فَسُومِحَ فِيهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَكَذَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالِاسْتِفَاضَةِ إلَى الْأُمِّ فِي   [حاشية البجيرمي] سَمْعُهَا) أَيْ السَّمْعُ وَلَوْ بِأُذُنٍ أَوْ بِهِ ثِقَلٌ أَيْ فَيَكْفِي السَّمْعُ بِأُذُنٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا ضَعِيفُ السَّمْعِ وَقَوْلُهُ: وَإِبْصَارٌ أَيْ وَلَوْ بِعَيْنٍ أَوْ بِهِ ضَعْفٌ أَيْ فَيَكْفِي الْأَعْوَرُ وَضَعِيفُ الْبَصَرِ كَمَا فِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ وَقَوْلُهُ: أَيْ السَّمْعُ أَوَّلَهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ السَّمْعُ لَا سَمْعُهَا وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ سَمِعَهَا السَّمْعُ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَكْفِ) : قَالَ م ر: وَإِنْ عَلِمَ صَوْتَهُ لِأَنَّ مَا كَانَ إدْرَاكُهُ مُمْكِنًا بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ فِيهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ اهـ. قَوْلُهُ: (زَيَّفَهُ) أَيْ ضَعَّفَهُ. قَوْلُهُ: (الْأَعْمَى) الْعَمِّيّ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ وَهُوَ فَقْدُ الْبَصَرِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا لِيَخْرُجَ الْجَمَادُ. قَالَ الْغُنَيْمِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمَطْلَعِ وَكَوْنُ الْعَمَى عَدَمِيًّا رَأَى الْفَلَاسِفَةِ وَرَأَى الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ مَعْنًى وُجُودِيٌّ يُضَادُّ الْإِدْرَاكَ وَهُوَ لَيْسَ بِضَارٍّ فِي الدِّينِ بَلْ الْمُضِرُّ إنَّمَا هُوَ عَمَى الْبَصِيرَةِ. وَهُوَ الْجَهْلُ بِدَلِيلِ {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] وَضَمِيرُ فَإِنَّهَا لِلْقِصَّةِ وَيُعْجِبُنِي هُنَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُرْسِيِّ: يَقُولُونَ الضَّرِيرُ فَقُلْت كَلًّا ... بَلَى وَاَللَّهِ أَبْصَرُ مِنْ بَصِيرِ سَوَادُ الْعَيْنِ زَارَ بَيَاضَ قَلْبِي ... لِيَجْتَمِعَا عَلَى فَهْمِ الْأُمُورِ وَلَمَّا عَمِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنْشَدَ: إنْ يَأْخُذْ اللَّهُ مِنْ عَيْنَيَّ نُورَهُمَا ... فَإِنَّ قَلْبِي مُضِيءٌ مَا بِهِ ضَرَرُ أَرَى بِقَلْبِي دُنْيَايَ وَآخِرَتِي ... وَالْقَلْبُ يُدْرِكُ مَا لَا يُدْرِكُ الْبَصَرُ قَوْلُهُ: (فِيمَا يَتَعَلَّقُ) لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنَّظَرِ لِهَذَا الْقَيْدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَسْبَابَهُ) أَيْ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَعْتَمِدَ) أَيْ الْأَعْمَى. قَوْلُهُ: (مِنْ أَبٍ) بَيَانٌ لِلْمَنْسُوبِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَيَشْهَدُ أَنَّ هَذَا ابْنُ فُلَانٍ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَلَوْ شَهِدَ الْأَعْمَى بِالِاسْتِفَاضَةِ جَازَ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْيِينٍ وَإِشَارَةٍ بِأَنْ شَهِدَ عَلَى مَعْرُوفٍ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ أَوْ شَهِدَ لَهُ بِنَسَبٍ وَصَوَّرُوهُ بِأَنْ يَصِفَ الشَّخْصَ فَيَقُولُ الرَّجُلُ الَّذِي اسْمُهُ كَذَا وَكُنْيَتُهُ كَذَا وَمُصَلَّاهُ كَذَا وَمَسْكَنُهُ كَذَا هُوَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ثُمَّ يُقِيمُ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أُخْرَى أَنَّهُ الَّذِي اسْمُهُ كَذَا وَكُنْيَتُهُ كَذَا إلَى آخِرِ الصِّفَاتِ أَوْ يَشْهَدُ لَهُ بِمِلْكِ دَارٍ مَعْرُوفَةٍ أَوْ أَرْضٍ مَعْرُوفَةٍ اهـ. بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: فَيَشْهَدُ أَنَّ هَذَا ابْنُ فُلَانٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا) : فَائِدَةُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ اسْتِحْقَاقُهُ مَثَلًا مِنْ وَقْفٍ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (الْمُتَوَفَّيْنَ) أَيْ الَّذِينَ مَاتُوا وَالْمُتَوَفَّيْنَ جَمْعُ مُتَوَفًّى حُذِفَتْ أَلِفُهُ عِنْدَ الْجَمْعِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 الْأَصَحِّ. كَالْأَبِ وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى الْأَبِ. (وَ) الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ (الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ) مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ لِمَالِكٍ مُعَيَّنٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مُنَازِعٌ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَبَقِيَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ الْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ وَالْوَقْفُ وَالنِّكَاحُ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ لِأَنَّهَا أُمُورٌ مُؤَبَّدَةٌ فَإِذَا طَالَتْ مُدَّتُهَا عَسُرَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ابْتِدَائِهَا فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِهَا بِالِاسْتِفَاضَةِ وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بِنْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مُسْتَنَدَ غَيْرُ السَّمَاعِ. وَمَا ذُكِرَ فِي الْوَقْفِ هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِهِ. وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: لَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ شُرُوطُ الْوَقْفِ وَتَفَاصِيلُهُ بَلْ إنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ عَلَى مَدْرَسَةٍ مَثَلًا وَتَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ الشُّرُوطِ صَرَفَ النَّاظِرُ الْغَلَّةِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ مَصَالِحِهَا انْتَهَى. وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ هَذَا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ شَيْخُهُ مِنْ أَنَّ الشُّرُوطَ إنْ شَهِدَ بِهَا مُنْفَرِدَةً لَمْ يَثْبُتْ بِهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي شَهَادَتِهِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ سُمِعَتْ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إلَى بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ، وَمِمَّا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ الْقَضَاءُ وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ وَالرُّشْدُ وَالْإِرْثُ وَاسْتِحْقَاقُ الزَّكَاةِ وَالرَّضَاعُ وَحَيْثُ يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِالِاسْتِفَاضَةِ لَا يَثْبُتُ الصَّدَاقُ بِهَا بَلْ يَرْجِعُ   [حاشية البجيرمي] وَاحْذِفْ مِنْ الْمَقْصُورِ فِي جَمْعٍ عَلَى ... حَدِّ الْمُثَنَّى مَا بِهِ تَكَمَّلَا وَهُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ كَالْمُصْطَفَيْنَ وَأَصْلُهُ الْمُتَوَفَّيَيْنِ تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا فَحُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ) يُتَأَمَّلُ فِي هَذِهِ الْغَايَةِ، لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهَا لِعِلْمِهَا. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ لِمَالِكٍ) عِبَارَةُ سم بِأَنْ لَمْ يُضَفْ لِسَبَبٍ وَهِيَ أَوْلَى بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا مِلْكُ فُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ مَلَكَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى رُؤْيَةٍ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافَانِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَيْ لِسَبَبِ مِلْكِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَكُنْ مُنَازِعٌ) رَاجِعْ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ أَعْنِي الْمَوْتَ وَمَا بَعْدَهُ وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ عَدَمِ التَّنَازُعِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بَدَلُهُ بِلَا مُعَارِضٍ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي بِلَا مُعَارِضٍ مَا لَوْ عُورِضَ كَأَنْ أَنْكَرَ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ النَّسَبَ أَوْ طَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهِ فَتَمْتَنِعُ الشَّهَادَةُ بِهِ لِاخْتِلَالِ الظَّنِّ حِينَئِذٍ اهـ: وَهَذَا الشَّرْطُ جَارٍ فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ اهـ. وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِمَّا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ هُنَا وَمَا يَأْتِي بَعْدَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَبَقِيَ مِنْهَا عَزْلُ الْقَاضِي، وَتَضَرُّرُ الزَّوْجَةِ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْكُفْرُ، وَالسَّفَهُ، وَالْحَمْلُ، وَالْوِلَادَةُ، وَالْوَصَايَا، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْقَسَامَةُ، وَالْغَصْبُ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِمَامُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى شَرْحِ التَّحْرِيرِ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى عِمَادِ الرِّضَى لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ فِي خَمْسَةِ أَبْيَاتٍ فَقُلْت: فَفِي السِّتِّ وَالْعِشْرِينَ تَكْفِي اسْتِفَاضَةٌ ... وَتَثْبُتُ سَمْعًا دُونَ عِلْمٍ بِأَصْلِهِ فَفِي الْكُفْرِ وَالتَّجْرِيحِ مَعَ عَزْلِ حَاكِمٍ ... وَفِي سَفَهٍ أَوْ ضِدِّ ذَلِكَ كُلِّهِ وَفِي الْعِتْقِ وَالْأَوْقَافِ وَالزَّكَوَاتِ مَعَ ... نِكَاحٍ وَإِرْثٍ وَالرَّضَاعِ وَعُسْرِهِ وَإِيصَائِهِ مَعَ نِسْبَةٍ وَوِلَادَةٍ ... وَمَوْتٍ وَحَمْلٍ وَالْمُضِرِّ بِأَهْلِهِ وَأَشْرِبَةٍ ثُمَّ الْقَسَامَةِ وَالَوْلَا ... وَحُرِّيَّةٍ وَالْمِلْكِ مَعَ طُولِ فِعْلِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْمَنْهَجِ: أَوْ طَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهِ، زَادَ فِي شَرْحِ الزُّبَدِ أَوْ مُنَازِعٌ لَهُ فِي مِلْكِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِهِ. قَوْلُهُ (شَيْخُهُ) أَيْ النَّوَوِيُّ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ ابْنِ الصَّلَاحِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ بِوَاسِطَةٍ فَإِنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يَرَ ابْنَ الصَّلَاحِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 لِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا يَكْفِي الشَّاهِدَ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنْ يَقُولَ: سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ كَذَا وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ مَبْنِيَّةً عَلَيْهَا بَلْ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ لَهُ أَوْ أَنَّهُ ابْنُهُ مَثَلًا لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ خِلَافُ مَا سَمِعَ مِنْ النَّاسِ وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُشْعِرُ بِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالشَّهَادَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ حَمْلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ بِذِكْرِهِ، تَرَدُّدٌ فِي الشَّهَادَةِ فَإِنْ ذَكَرَهُ لِتَقْوِيَةٍ أَوْ حِكَايَةِ حَالٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَةَ وَلَدَتْ فُلَانًا وَأَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ فُلَانًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْفِعْلِ الْإِبْصَارُ وَبِالْقَوْلِ: الْإِبْصَارُ وَالسَّمْعُ وَشَرْطُ الِاسْتِفَاضَةِ الَّتِي يَسْتَنِدُ الشَّاهِدُ إلَيْهَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ سَمَاعُ الْمَشْهُودِ بِهِ مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ يُؤْمَنُ تَوَافُقُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بِحَيْثُ يَقَعُ الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ الْقَوِيُّ بِخَبَرِهِمْ. كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّهَادَةِ اعْتِمَادُ الْيَقِينِ وَإِنَّمَا يَعْدِلُ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهِ إلَى ظَنٍّ يَقْرُبُ مِنْهُ عَلَى حَسَبِ الطَّاقَةِ. (وَ) الْمَوْضُوعُ الرَّابِعُ (التَّرْجَمَةُ) إذَا اتَّخَذَهُ الْقَاضِي مُتَرْجِمًا وَقُلْنَا: بِجَوَازِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ تَفْسِيرٌ لِلَّفْظِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُعَايَنَةٍ وَإِشَارَةٍ. وَقَوْلُهُ: (وَمَا شَهِدَ بِهِ قَبْلَ الْعَمَى) سَاقِطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَمَنْ عَدَّ الْمَوَاضِعَ سِتَّةً عَدَّ ذَلِكَ وَمَنْ عَدَّهَا خَمْسَةً لَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَعْمَى لَوْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً فِيمَا يَحْتَاجُ لِلْبَصَرِ قَبْلَ عُرُوضِ الْعَمَى لَهُ ثُمَّ عَمِيَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِدَ بِمَا تَحَمَّلَهُ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ مَعْرُوفَيْ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ لِإِمْكَانِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ بِكَذَا بِخِلَافِ مَجْهُولَيْهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ نَعَمْ لَوْ عَمِيَ وَيَدُهُمَا أَوْ يَدُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي يَدِهِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى مُطْلَقًا مَعَ تَمْيِيزِهِ لَهُ مِنْ خَصْمِهِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْمَعْرُوفِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي الْأُولَى   [حاشية البجيرمي] حَاصِلُهُ) أَيْ الشُّهُودِ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِرْثُ) أَيْ إنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ أَوْ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، كَمَا عَبَّرَ بِهِ م ر وَلَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ بِالتَّسَامُعِ. كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الرَّوْضِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (لَا يَثْبُتُ الصَّدَاقُ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ وَيَثْبُتُ مَهْرُ الْمِثْلِ، تَبَعًا لِلنِّكَاحِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مَبْنِيَّةً عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْ بِقَوْلِهِ: سَمِعْت النَّاسَ إلَخْ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، أَيْ بِمُسْتَنِدِ شَهَادَتِهِ مِنْ تَسَامُعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ تَصَرُّفٍ شَرْحُ الرَّوْضِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَمُسْتَنَدُ شَهَادَةِ الْأَعْمَى السَّمَاعُ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْأَعْمَى قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ يَقَعُ الْعِلْمُ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ حُرِّيَّةٌ وَلَا ذُكُورَةٌ، وَلَا عَدَالَةٌ، وَقَضِيَّةُ تَشْبِيهِهِمْ هَذَا بِالْمُتَوَاتِرِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ إسْلَامِهِمْ، لَكِنْ أَفْتَى الْوَالِدُ بِاشْتِرَاطِهِ فِيهِمْ. شَرْحُ م ر قَالَ ع ش: وَمِثْلُهُ التَّكَالِيفُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ: بِأَنَّ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ فَلَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُمْ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ لِإِفَادَتِهِ الظَّنَّ الْقَوِيَّ فَقَطْ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ الظَّنُّ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ عَدَمَ التَّوَاتُرِ. لِأَنَّ ذَاكَ يُفِيدُ الْعِلْمَ قَطْعًا شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ (مُتَرْجِمًا) أَيْ مُتَرْجِمًا لَهُ كَلَامَ الْخُصُومِ، أَوْ مُتَرْجِمًا عَنْهُ لِلْخُصُومِ، كَلَامَ الْقَاضِي وَفِي الْأُولَى لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَكْفِي وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ) وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ مَعْرُوفَيْ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ. قَوْلُهُ: (وَيَدُهُمَا إلَخْ) وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ لِأَنَّهُ إمَّا تَكُونُ يَدُهُمَا جَمِيعًا فِي يَدِهِ. أَوْ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُمَا فِي يَدِهِ، أَوْ تَكُونُ يَدُ الْمُقِرِّ فِي يَدِهِ فَقَطْ، أَوْ يَدُ الْمُقَرِّ لَهُ فَقَطْ، فَفِي الْأُولَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا وَفِي الثَّانِيَةِ تُقْبَلُ إنْ كَانَا مَعْرُوفَيْ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ عِنْدَهُ وَهَذِهِ مِنْ قَبِيلِ مَا شَهِدَ بِهِ قَبْلَ الْعَمَى. وَفِي الثَّالِثَةِ إنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ مَعْرُوفَ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ. وَفِي الرَّابِعَةِ إنْ كَانَ الْمُقِرُّ مَعْرُوفَ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ عِنْدَهُ، وَلَا بُدَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مِنْ رُؤْيَةِ فَمِ اللَّافِظِ حَالَ لَفْظِهِ قَبْلَ الْعَمَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَقْوَالِ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (فِي يَدِهِ) أَيْ الْأَعْمَى وَتَصِحُّ شَهَادَةُ الْأَعْمَى، فِيمَا لَوْ أَمْسَكَ ذَكَرَ مَنْ يَزْنِي، أَوْ يَلُوطُ وَهُوَ دَاخِلُ الْفَرْجِ أَوْ الدُّبُرِ وَأَمْسَكَهُ أَيْ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ حَتَّى شَهِدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي. اهـ. شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: بِإِبْصَارِ صَرِيحِهِ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَهَادَةُ الْأَعْمَى وَإِنْ مَسَّ الذَّكَرَ بِيَدِهِ فِي الْفَرْجِ. وَالْمُعْتَمَدُ جَوَازُهَا إنْ أَمْسَكَهُمَا إلَى أَنْ حَضَرُوا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ الذَّكَرُ فِي الْفَرْجِ اهـ. أَيْ فَيَشْهَدُ مَعَ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَكْفِي عِلْمُ الْقَاضِي فِي حُدُودِ اللَّهِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَرَفَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (مَعَ تَمْيِيزِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ مُقِرًّا أَوْ مُقَرًّا لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 وَصَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِيَةِ (وَ) الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ أَوْ السَّادِسُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَا تَحَمَّلَهُ (عَلَى الْمَضْبُوطِ) عِنْدَهُ كَأَنْ يُقِرَّ شَخْصٌ فِي أُذُنِهِ بِنَحْوِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَالٍ لِشَخْصٍ مَعْرُوفِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ فَيَتَعَلَّقُ الْأَعْمَى بِهِ وَيَضْبِطُهُ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَ مِنْهُ عِنْدَ قَاضٍ بِهِ فَتُقْبَلُ عَلَى الصَّحِيحِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ اعْتِمَادًا عَلَى صَوْتِهَا لِلضَّرُورَةِ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يَجُوزُ بِالظَّنِّ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى زَوْجَتِهِ اعْتِمَادًا عَلَى صَوْتِهَا كَغَيْرِهَا خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا اعْتِمَادًا عَلَى ذَلِكَ. (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ جَارٍّ لِنَفْسِهِ نَفْعًا) فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِعَبْدِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَأْذُونًا لَهُ أَمْ لَا. وَمُكَاتَبِهِ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ عَلَقَةٌ نَعَمْ لَوْ شَهِدَ بِشِرَاءِ شِقْصٍ لِمُشْتَرِيهِ وَفِيهِ شُفْعَةٌ لِمُكَاتَبِهِ قُبِلَتْ. وَلِغَرِيمٍ لَهُ مَيِّتٍ وَإِنْ لَمْ تَسْتَغْرِقْ تَرِكَتَهُ الدُّيُونُ أَوْ عَلَيْهِ حَجْرُ فَلَسٍ لِأَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ لِلْغَرِيمِ شَيْئًا أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ أَيْضًا بِمَا هُوَ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ فِيهِ وَلَوْ بِدُونِ جَعْلٍ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ سَلْطَنَةَ التَّصَرُّفِ وَبِبَرَاءَةِ مَنْ ضَمَّنَهُ بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ   [حاشية البجيرمي] أَوْ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا. قَوْلُهُ (وَفِي الثَّانِيَةِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ يَدُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي يَدِ الْأَعْمَى. قَوْلُهُ: (مَا تَحَمَّلَهُ) أَيْ الْأَعْمَى قَوْلُهُ: (فِي أُذُنِهِ) أَيْ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (بِهِ) لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ بِهِ وَلَعَلَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ يَقْضِي بِهِ أَيْ بِمَا سَمِعَهُ. قَوْلُهُ: (فَتُقْبَلُ إلَخْ) إنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ حَالَ التَّعَلُّقِ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ غَيْرَ الْمَضْبُوطِ تَكَلَّمَ فِي أُذُنِهِ بِمَا سَمِعَهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لِلضَّرُورَةِ) وَلِذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهَا اعْتِمَادًا عَلَيْهِ، أَيْ وَلَوْ حَالَ الْوَطْءِ كَمَا فِي زِيّ وح ل. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يَجُوزُ بِالظَّنِّ) أَيْ وَمَبْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْعِلْمِ مَا أَمْكَنَ شَرْحُ الرَّوْضِ، وَبِهَذَا حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ جَارٍّ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ مِنْ الْجَرِّ أَيْ التَّحْصِيلِ أَيْ الْمُحَصَّلِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (جَارٍّ لِنَفْسِهِ نَفْعًا) : أَيْ أَنْ يَظْهَرَ حَالَةَ الشَّهَادَةِ أَنَّ فِيهَا جَرَّ نَفْعٍ لَهُ فَشَهَادَتُهُ لِأَخٍ لَهُ ابْنٌ حَالَةَ الشَّهَادَةِ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ مَاتَ الِابْنُ بَعْدَهَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَلِغَرِيمٍ) عَطْفٌ عَلَى لِعَبْدِهِ وَقَوْلُهُ: مَيِّتٍ نَعْتُ غَرِيمٍ. بِأَنْ ادَّعَى وَارِثُ الْمَيِّتِ الْمَدِينِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى آخَرَ وَأَقَامَ صَاحِبَ الدَّيْنِ يَشْهَدُ لَهُ فَلَا تَصِحُّ لِلتُّهْمَةِ، لِأَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ لِلْغَرِيمِ شَيْئًا أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ الْمُطَالَبَةَ بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (تَرِكَتَهُ) مَفْعُولٌ وَالدُّيُونُ فَاعِلٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَيْهِ حَجْرُ فَلَسٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَيِّتٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صِفَةٌ لِغَرِيمٍ وَخَرَجَ بِحَجْرِ الْفَلَسِ حَجْرُ السَّفَهِ وَالْغَرِيمُ الْحَيُّ وَهُوَ مُوسِرٌ أَوْ مُعْسِرٌ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْغَرِيمِ. قَوْلُهُ: (بِمَا هُوَ وَلِيٌّ) : بِأَنْ ادَّعَى سَفِيهٌ، عَلَى شَخْصٍ بِشَيْءٍ وَأَقَامَ وَلِيُّهُ شَاهِدًا فَلَا تُقْبَلُ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَصِيٌّ) أَيْ بِأَنْ كَانَ اثْنَانِ وَصِيَّيْنِ عَلَى صَبِيٍّ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بِمَالٍ لِلصَّبِيِّ، وَأَقَامَ الْوَصِيُّ الثَّانِي شَاهِدًا فَلَا تُقْبَلُ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَكِيلٌ) : كَأَنْ وُكِّلَ زَيْدٌ فِي بَيْعِ شَيْءٍ فَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ مِلْكٌ لَهُ فَأَرَادَ الْوَكِيلُ وَهُوَ زَيْدٌ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُوَكِّلِ، وَتَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِأُصُولِ الْوَكِيلِ، وَفُرُوعِهِ وَبِأُصُولِ الْمُوَكِّلِ وَفُرُوعِهِ، بِخِلَافِ الْوِصَايَةِ لَا تَثْبُتُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ أَقْوَى مِنْ الْوَكَالَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ: الْإِمَامُ وَالْقَاضِي وَنَاظِرُ الْوَقْفِ وَالْمَسْجِدِ إنْ ادَّعَوْا شَيْئًا ثُمَّ أَقَامُوا أُصُولَهُمْ أَوْ فُرُوعَهُمْ شُهُودًا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَثْبُتُ إلَخْ) وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ شَيْئًا فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَادَّعَى أَجْنَبِيٌّ الْمَبِيعَ وَلَمْ تُعْرَفْ وَكَالَتُهُ. فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِمُوَكِّلِهِ بِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا، أَوْ بِأَنَّ هَذَا مِلْكُهُ، حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا وَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ بَاطِنًا لِأَنَّهُ فِيهِ تَوَصُّلًا لِلْحَقِّ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ م ر س ل. قَوْلُهُ: (وَبِبَرَاءَةٍ) الْأَوْلَى ذِكْرُ هَذَا بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَلَا دَافِعٍ عَنْهَا ضَرَرًا وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: وَبِبَرَاءَةِ مَنْ ضَمَّنَهُ هُوَ بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ أَيْ أَوْ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ. وَيَضُرُّ حُدُوثُ التُّهْمَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ لَا بَعْدَهُ، فَلَوْ شَهِدَ لِأَخِيهِ بِمَالٍ وَكَانَ هُوَ وَارِثُهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ أَوْ بَعْدَهُ أَخَذَهُ. اهـ. سم. قَالَ سم. قَالَ س ل: وَكَذَا لَوْ شَهِدَ بِقَتْلِ فُلَانٍ لِأَخِيهِ الَّذِي لَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ وَوَرِثَهُ فَإِنْ صَارَ وَارِثُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يُنْقَضْ. أَوْ قَبْلَهُ امْتَنَعَ الْحُكْمُ. اهـ وَلَوْ شَهِدَ لِبَعْضِهِ أَوْ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ الْفَاسِقِ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ الْحَقِّ وَالْحَاكِمُ يَجْهَلُ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُخْتَارُ جَوَازُهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الْحَاكِمَ عَلَى بَاطِلٍ بَلْ عَلَى إيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ. فَلَمْ يَأْثَمْ الْحَاكِمُ لِعُذْرِهِ وَلَا الْخَصْمُ لِأَخْذِهِ حَقَّهُ وَلَا الشَّاهِدُ لِإِعَانَتِهِ. وَيُتَّجَهُ حَمْلُهُ عَلَى تَعْيِينِهِ طَرِيقًا لِوُصُولِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ اهـ م ر. وَيَجُوزُ إثْبَاتُ الْوَكَالَةِ بِشَهَادَةِ بَعْضِ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْوَكِيلِ، إذَا لَمْ يَكُنْ بِجُعْلٍ لِأَنَّ التُّهْمَةَ ضَعِيفَةٌ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهِ الْغُرْمَ عَنْ نَفْسِهِ وَبِجِرَاحَةِ مُوَرِّثِهِ قَبْلَ انْدِمَالِهَا لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ كَانَ الْأَرْشُ لَهُ وَلَوْ شَهِدَ لِمَوْرُوثٍ لَهُ مَرِيضٍ أَوْ جَرِيحٍ، بِمَالٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ الْجِرَاحَةَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ النَّاقِلِ لِلْحَقِّ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَالِ. وَاحْتَجَّ لِمَنْعِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ. بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] وَالرِّيبَةُ حَاصِلَةٌ هُنَا. بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظِنِّينٍ» وَالظِّنِّينُ الْمُتَّهَمُ (وَ) لِهَذَا (لَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (دَافِعٍ عَنْهَا) أَيْ عَنْ نَفْسِهِ (ضَرَرًا) كَشَهَادَةِ عَاقِلَةٍ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ يَحْمِلُونَهُ مِنْ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ وَشَهَادَةِ غُرَمَاءِ مُفْلِسٍ بِفِسْقِ شُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ ظَهَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ بِهَا ضَرَرَ الْمُزَاحَمَةِ. تَتِمَّةٌ: (لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُغَفَّلٍ) لَا يَضْبِطُ أَصْلًا وَلَا غَالِبًا لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا مَنْ لَا يَضْبِطُ نَادِرًا وَالْأَغْلَبُ فِيهِ الْحِفْظُ وَالضَّبْطُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَطْعًا لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ تَعَادَلَ غَلَطُهُ وَضَبْطُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَمَنْ غَلَبَ غَلَطُهُ وَلَا شَهَادَةَ مُبَادِرٍ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ لِلتُّهْمَةِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» فَإِنَّ ذَلِكَ فِي مَقَامِ الذَّمِّ لَهُمْ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهُودِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» فَمَحْمُولٌ عَلَى شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الِاحْتِسَابِ وَهُوَ طَلَبُ الْأَجْرِ فَتُقْبَلُ سَوَاءٌ أَسَبَقَهَا دَعْوَى أَمْ لَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي غَيْبَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَمْ لَا وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الشَّهَادَاتِ فِي شُرُوطِهَا السَّابِقَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَمَحِّضَةِ كَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصَوْمٍ بِأَنْ يَشْهَدَ بِتَرْكِهَا وَفِيمَا لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ   [حاشية البجيرمي] امْتِنَاعِ إثْبَاتِ الْوَصَايَا بِشَهَادَةِ بَعْضِهِ، بِأَنَّ سَلْطَنَةَ الْوَصِيِّ أَقْوَى وَأَتَمُّ وَأَوْسَعُ مِنْ سَلْطَنَةِ الْوَكِيلِ. وَكَذَا لَا تُقْبَلُ بِشَهَادَةِ بَعْضِ الْوَكِيلِ بِدَيْنٍ لِلْمُوَكِّلِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْدِيقَ: فَرْعِهِ مَثَلًا كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَبِ وَابْنِهِ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ ادَّعَى الْإِمَامُ شَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ قُبِلَتْ شَهَادَةُ بَعْضِهِ بِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ لِلْإِمَامِ. وَمِثْلُهُ نَاظِرُ وَقْفٍ أَوْ وَصِيٌّ ادَّعَى شَيْئًا لِجِهَةِ الْوَقْفِ أَوْ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ، فَشَهِدَ بِهِ بَعْضُ الْمُدَّعِي لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِهَا، بِنَفْسِ النَّظَرِ وَالْوِصَايَةِ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (قَبْلَ انْدِمَالِهَا) : أَمَّا بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَتُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (كَانَ الْأَرْشُ لَهُ) الْمُرَادُ بِهِ الدِّيَةُ. قَوْلُهُ: {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] أَيْ أَبْعَدُ مِنْ عَدَمِ الرِّيبَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ رِيبَةً امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ. قَوْلُهُ: (وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ) . قَالَ تَعَالَى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] أَيْ بِمُتَّهَمٍ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ جَاحِدٌ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُحِيلَ بِهِ شَخْصًا وَيَدَّعِيَ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ، وَيُقِيمَ الْمُحِيلُ شَاهِدًا لَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ جَرَّتْ نَفْعًا فَلَا تَصِحُّ لِأَنَّ الدَّيْنَ انْتَقَلَ لِلْمُحْتَالِ اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (يَحْمِلُونَهُ) أَيْ بَدَلَهُ. قَوْلُهُ: (وَالضَّبْطُ) مُرَادِفٌ قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَعَادَلَ غَلَطُهُ) أَيْ غَفْلَتُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا شَهَادَةُ مُبَادِرٍ) وَلَوْ فِي مَالِ يَتِيمٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ وَقْفٍ أَوْ غَائِبٍ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بَلْ يَنْصِبُ الْقَاضِي مَنْ يَدَّعِي ثُمَّ يَطْلُبُ الْبَيِّنَةَ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى حُضُورِ خَصْمٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ مَعْرِفَتُهُ بِفُرُوضِ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ مَثَلًا إذَا لَمْ يُقَصِّرْ فِي التَّعَلُّمِ بِأَنْ أَسْلَمَ قَرِيبًا أَوْ كَانَ فِي شَاهِقِ جَبَلٍ وَلَا يَضُرُّ تَوَقُّفُهُ فِيهَا، إذَا أَعَادَهَا جَازِمًا بِهَا اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَوْلُهُ فِيهَا: أَيْ فِي الشَّهَادَةِ الْمُعَادَةِ أَيْ لَمْ يَرْضَ بِإِعَادَتِهَا خَوْفًا مِنْ رَدِّهِ كَمَا رَدَّ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: «خَيْرُ الْقُرُونِ» أَيْ أَهْلِ الْقُرُونِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْقَرْنُ بِوَزْنِ فَلْسٍ الْجِيلُ مِنْ النَّاسِ قِيلَ ثَمَانُونَ سَنَةً وَقِيلَ سَبْعُونَ قَالَ الزَّجَّاجُ الَّذِي عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْقَرْنَ أَهْلُ كُلِّ مُدَّةٍ كَانَ فِيهَا نَبِيٌّ أَوْ طَبَقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَثُرَتْ السُّنُونَ أَوْ قَلَّتْ قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي» يَعْنِي أَصْحَابَهُ «ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» يَعْنِي التَّابِعِينَ «ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» أَيْ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ عَنْ التَّابِعِينَ. قَوْلُهُ: (فِي حُقُوقِ اللَّهِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَعَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ وَبَقَاءِ عِدَّةٍ وَانْقِضَائِهَا وَحَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يَشْهَدَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ وَالْمُسْتَحَبُّ سَتْرُهُ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَإِحْصَانٍ وَتَعْدِيلٍ وَكَفَّارَةٍ وَبُلُوغٍ وَكُفْرٍ وَإِسْلَامٍ وَتَحْرِيمِ مُصَاهَرَةٍ، وَثُبُوتِ نَسَبٍ وَوَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ إذَا عَمَّتْ جِهَتُهُمَا وَلَوْ أُخِّرَتْ الْجِهَةُ الْعَامَّةُ فَيَدْخُلُ نَحْوُ مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ دَارًا عَلَى أَوْلَاده ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَرَثَتُهُ وَتَمَلَّكُوهَا فَشَهِدَ شَاهِدَانِ حِسْبَةً قَبْلَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِهِ بِوَقْفِيَّتِهَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ آخِرَهُ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا إنْ خُصَّتْ جِهَتُهُمَا فَلَا تُقْبَلُ فِيهِمَا لِتَعَلُّقِهِمَا بِحُظُوظٍ خَاصَّةٍ. وَخَرَجَ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْبُيُوعِ وَالْأَقَارِيرِ لَكِنْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُ الْحَقِّ بِهِ أَعْلَمَهُ الشَّاهِدُ بِهِ لِيَسْتَشْهِدَهُ بَعْدَ الدَّعْوَى. وَإِنَّمَا تُسْمَعُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَنَّهُ أَخُو فُلَانَةَ مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يَكْفِ حَتَّى يَقُولَا إنَّهُ يَسْتَرِقُّهُ أَوْ أَنَّهُ يُرِيدُ نِكَاحَهَا، وَكَيْفِيَّةُ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ أَنَّ الشُّهُودَ يَجِيئُونَ إلَى الْقَاضِي وَيَقُولُونَ نَحْنُ نَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا فَأَحْضِرْهُ لِنَشْهَدَ عَلَيْهِ فَإِنْ ابْتَدَءُوا وَقَالُوا: فُلَانٌ زَنَى، فَهُمْ قَذَفَةٌ وَمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ هَلْ تُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَاهَا وَجْهَانِ؟ أَوْجَهُهُمَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ لِلْعِرَاقِيِّينَ لَا تُسْمَعُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُدَّعِي فِي الْمَشْهُودِ بِهِ وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ لَمْ يَأْذَنْ فِي الطَّلَبِ وَالْإِثْبَاتِ بَلْ أَمَرَ فِيهِ بِالْإِعْرَاضِ وَالدَّفْعِ مَا أَمْكَنَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهَا تُسْمَعُ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلِذَا فَصَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ: إنَّهَا تُسْمَعُ إلَّا فِي مَحْضِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى.   [حاشية البجيرمي] مُتَعَلِّقٌ بِتُقْبَلُ. قَوْلُهُ: (وَإِحْصَانٍ) أَيْ لِيُرْجَمَ، وَتَعْدِيلٍ وَقَدْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَبُلُوغٍ أَيْ وَالْوَلِيُّ يَمْنَعُهُ مِنْ تَسَلُّمِ الْمَالِ، وَكُفْرٍ أَيْ وَقَدْ أُرِيدَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَإِسْلَامٍ أَيْ وَقَدْ أُرِيدَ إرْثُهُ مِنْ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (وَكُفْرٍ) أَيْ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُسْلِمَةً أَوْ أَرَادَ أَنْ يَرِثَ مُسْلِمًا. قَوْلُهُ: (وَتَحْرِيمِ مُصَاهَرَةٍ) لَعَلَّ الْأَوْلَى حَذْفُ تَحْرِيمُ قَوْلُهُ: (جِهَتُهُمَا) أَيْ الْوَصِيَّةُ وَالْوَقْفُ. قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (نَحْنُ نَشْهَدُ) أَيْ نُرِيدُ أَنْ نَشْهَدَ قَوْلُهُ: (فَهُمْ قَذَفَةٌ) إلَّا أَنْ يَصِلُوهُ بِقَوْلِهِمْ وَنَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. حَجّ. قَوْلُهُ: (هَلْ تُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَاهَا) أَيْ الْحِسْبَةَ كَأَنْ قَالَ أَدَّعِي أَنَّ فُلَانًا زَنَى وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَاذِفًا وَخَرَجَ بِدَعْوَى الْحِسْبَةِ غَيْرُهَا كَأَنْ ادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ أَوْ الْمَهْرِ فَتُسْمَعُ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ لِطَلَبِ الْأَجْرِ. قَوْلُهُ: (أَوْجَهُهُمَا) ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ: لَا تُسْمَعُ أَيْ اكْتِفَاءً بِشَهَادَتِهِمَا وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ أَيْ لِلشَّاهِدِ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَشْهُودِ بِهِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فِي الْمُدَّعَى بِهِ قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ) وَهُوَ اللَّهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ مِنْ تَمَامِ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالْوَجْهُ الثَّانِي إلَخْ) فَالْمُعْتَمَدُ سَمَاعُهَا إلَّا فِي مَحْضِ حُدُودِ اللَّهِ شَرْحُ الرَّوْضِ قَوْلُهُ: (وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ) مُعْتَمَدٌ قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ) أَيْ مُوجِبِهَا كَالزِّنَا كَأَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهُوَ يُعَاشِرُهَا. فَرْعٌ: قَالَ الشَّاهِدُ: لَسْت بِشَاهِدٍ فِي هَذَا الشَّيْءِ ثُمَّ جَاءَ فَشَهِدَ نُظِرَ إنْ قَالَهُ: حِينَ تَصَدَّى لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ قَالَهُ: قَبْلَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ قُبِلَتْ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 كِتَابُ الْعِتْقِ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ وَهُوَ لُغَةً مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَتَقَ الْفَرَسُ إذَا سَبَقَ وَعَتَقَ الْفَرْخُ إذَا طَارَ وَاسْتَقَلَّ فَكَأَنَّ الْعَبْدَ إذَا فُكَّ مِنْ الرِّقِّ تَخَلَّصَ وَاسْتَقَلَّ وَشَرْعًا إزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ آدَمِيٍّ لَا إلَى مَالِكٍ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَخَرَجَ بِالْآدَمِيِّ الْبَهِيمَةُ فَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُمَا. كَمَا فِي زَوَايَا الْخَبَايَا عَنْ الرَّافِعِيِّ لَوْ مَلَكَ طَائِرًا وَأَرَادَ إرْسَالَهُ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السَّوَائِبِ. وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37]   [حاشية البجيرمي] [كِتَابُ الْعِتْقِ] ِ خَتَمَ الْمُصَنِّفُ كِتَابَهُ بِالْعِتْقِ رَجَاءَ أَنَّ اللَّهَ يُعْتِقُهُ مِنْ النَّارِ، وَأَخَّرَ عَنْهُ كِتَابَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِهِ يَسْتَعْقِبُ الْمَوْتَ الَّذِي هُوَ خَاتِمَةُ أَمْرِ الْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا وَيَتَرَتَّبُ الْعِتْقُ فِيهِ عَلَى عَمَلٍ عَمِلَهُ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ، وَالْعِتْقُ فِيهِ قَهْرِيٌّ مَشُوبٌ بِقَضَاءِ أَوْطَارٍ وَهُوَ قُرْبَةٌ فِي حَقِّ مَنْ قَصَدَ بِهِ حُصُولَ وَلَدٍ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعِتْقَ بِاللَّفْظِ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِيلَادِ لِتَرَتُّبِ سَبَبِهِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَتَأَخُّرِهِ فِي الِاسْتِيلَادِ وَلِحُصُولِ الْمُسَبَّبِ بِالْقَوْلِ قَطْعًا بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ لِجَوَازِ مَوْتِ الْمُسْتَوْلَدَةِ أَوَّلًا شَرْحُ م ر وع ش. وَالْعِتْقُ بِالْقَوْلِ: مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، بِدَلِيلِ عِتْقِ ذِي الْكُرَاعِ الْحِمْيَرِيِّ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَبِدَلِيلِ عِتْقِ أَبِي لَهَبٍ ثُوَيْبَةَ لَمَّا بَشَّرَتْهُ بِوِلَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا الْعِتْقُ بِالِاسْتِيلَادِ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِتْقَ بِالْقَوْلِ مِنْ الْمُسْلِمِ قُرْبَةٌ سَوَاءٌ الْمُنْجَزُ وَالْمُعَلَّقُ وَأَمَّا صِيغَتُهُ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ فَلَيْسَتْ قُرْبَةً وَإِلَّا كَانَتْ قُرْبَةً كَإِنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتَ حُرٌّ مَثَلًا، وَأَمَّا الْعِتْقُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الِاسْتِيلَادُ فَلَيْسَ قُرْبَةً لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَضَاءِ أَوْطَارٍ إلَّا إنْ قُصِدَ بِهِ حُصُولُ عِتْقٍ أَوْ وَلَدٍ فَيَكُونُ قُرْبَةً وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ حَتَّى مِنْ الْكَافِرِ فَيُخَفَّفُ بِهِ عَنْهُ عَذَابُ غَيْرِ الْكُفْرِ كَمَا فِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ وَالْعِتْقُ: اسْمُ مَصْدَرٍ لِأَعْتَقَ وَالْمَصْدَرُ الْإِعْتَاقُ وَالْمُرَادُ بِالْعِتْقِ مَا يَشْمَلُ مَا كَانَ بِصِيغَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا كَانَ بِغَيْرِ صِيغَةٍ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَتْنُ الْأَمْرَيْنِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ فِيهِ قُصُورٌ عَلَى مَا كَانَ بِصِيغَةٍ فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْمِيمُ. كَذَا قِيلَ: وَقَالَ الْعَنَانِيُّ: وَإِنَّمَا قَالَ: بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ التَّعْرِيفَ. وَهُوَ قَوْلُهُ: إزَالَةُ الْمِلْكِ إذْ الْعِتْقُ زَوَالُ الْمِلْكِ. وَهُوَ أَثَرُ الْإِعْتَاقِ، وَالرِّقُّ عَجْزٌ حُكْمِيٌّ سَبَبُهُ ذِلَّةُ الْكُفْرِ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْعِتْقَ مَجَازٌ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ، وَإِرَادَةِ السَّبَبِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لَازِمٌ مُطَاوِعٌ لِأَعْتَقَ إذْ يُقَالُ: أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَعَتَقَ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ اسْتِعْمَالَهُ: مُتَعَدِّيًا فَيُقَالُ: عَتَقْت الْعَبْدَ. قَوْلُهُ: (مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ لُغَةً الِاسْتِقْلَالُ وَالْإِطْلَاقُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَزِيدَ السَّبْقَ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَاسْتَقَلَّ) تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: (تَخَلَّصَ) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ: إذَا سَبَقَ لِأَنَّ الْفَرَسَ إذَا سَبَقَ غَيْرَهُ فَكَأَنَّهُ تَخَلَّصَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (إزَالَةُ مِلْكٍ) الْمُرَادُ بِالْإِزَالَةِ مَا تَشْمَلُ الزَّوَالَ لِيَدْخُلَ فِيهِ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِرْثُهُ لَهُ وَقَوْلُهُ: لَا إلَى مِلْكٍ أَيْ خَاصٍّ فَخَرَجَ الْوَقْفُ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْقُوفِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَمَنْ قَالَ: أَزَالَ الرِّقَّ عَنْ آدَمِيٍّ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ. وَقَالَ شَيْخُنَا: قَوْلُهُ: لَا إلَى مَالِكٍ دَخَلَ فِيهِ الْوَقْفُ. وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: إزَالَةُ الْمِلْكِ ذَاتًا وَمَنْفَعَةً فَالْمَنَافِعُ فِي الْوَقْفِ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (تَقَرُّبًا) هُوَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْقُيُودِ، لَا لِلِاحْتِرَازِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُمَا) وَهُوَ حَرَامٌ نَعَمْ إنْ أَرْسَلَ مَأْكُولًا بِقَصْدِ إبَاحَتِهِ لِمَنْ يَأْخُذُهُ جَازَ وَلِآخِذِهِ أَكْلُهُ فَقَطْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (فِي مَعْنَى السَّوَائِبِ) جَمْعُ سَائِبَةٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي كَانَتْ تُسَيَّبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 أَيْ بِالْإِسْلَامِ: {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] أَيْ بِالْعِتْقِ كَمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً كَانَتْ فِدَاءَهُ مِنْ النَّارِ» وَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ بِالذِّكْرِ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ الرَّقِيقَ كَالْغُلِّ فِي رَقَبَتِهِ فَهُوَ مُحْتَبَسٌ بِهِ كَمَا تُحْبَسُ الدَّابَّةُ بِالْحَبْلِ فِي عُنُقِهَا فَإِذَا أَعْتَقَهُ أَطْلَقَهُ مِنْ ذَلِكَ الْغُلِّ الَّذِي كَانَ فِيهِ رَقَبَتُهُ وَقَوْلُهُ: «حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» خَصَّهُ بِالذِّكْرِ إمَّا لِأَنَّ ذَنْبَهُ فَاحِشٌ وَإِمَّا لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ مِنْ الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ. فَائِدَةٌ أَعْتَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا وَسِتِّينَ نَسَمَةً وَعَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً وَأَعْتَقَتْ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - تِسْعًا وَسِتِّينَ وَعَاشَتْ كَذَلِكَ وَأَعْتَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَلْفًا وَأَعْتَقَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مِائَةً مُطَوَّقِينَ بِالْفِضَّةِ وَأَعْتَقَ ذُو الْكُرَاعِ   [حاشية البجيرمي] فَتَسْرَحُ لَا تُمْنَعُ مِنْ مَاءٍ وَلَا مَرْعًى وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا. قَوْلُهُ: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] أَيْ مِنْ الرِّقِّ بِأَنْ أَعْتَقَهَا فَيُقْرَأُ بِلَفْظِ الْفِعْلِ وَمِثْلُهُ: أَطْعَمَ، وَفِي قِرَاءَةٍ أُخْرَى فَالْأَوْلَى بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ فِيهِمَا مَرْفُوعَيْنِ لَكِنْ بِإِضَافَةِ الْأَوَّلِ وَتَنْوِينِ الثَّانِي، فَعَلَى الْقِرَاءَةِ وَهِيَ قِرَاءَتُهُ بِلَفْظِ الْفِعْلِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: اقْتَحَمَ أَوْ بَيَانٌ لَهُ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَلَا فَكَّ رَقَبَةً وَلَا أَطْعَمَ وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ قِرَاءَتُهُ بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ. فَفَكُّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامٌ وَتَكُونُ أَوْ لِلْإِبَاحَةِ وَيَكُونُ الْمُبْتَدَأُ الْمُقَدَّرُ وَهُوَ لَفْظُ هُوَ عَائِدًا عَلَى مُضَافٍ مُقَدَّرٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد: 12] . أَيْ مَا اقْتِحَامُهَا هُوَ أَيْ اقْتِحَامُهَا فَكُّ إلَخْ وَاحْتِيجَ إلَى تَقْدِيرِ هَذَا الْمُضَافِ لِأَجْلِ أَنْ يُفَسِّرَ الْمَصْدَرَ وَهُوَ الِاقْتِحَامُ بِالْمَصْدَرِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ إعْرَابِ السَّمِينِ. وقَوْله تَعَالَى أَيْ فِي حَقِّ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، لَمَّا أَعْتَقَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ) أَيْ وقَوْله تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] . قَوْلُهُ: (وَفِي الصَّحِيحَيْنِ) عِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» اهـ وَلَعَلَّ الرِّوَايَةَ مُخْتَلِفَةٌ اهـ. أج وَحَتَّى يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ هُنَا الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى، فَإِنَّ الْغَايَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَتَحْتَمِلُ الْأَدْنَى لِشَرَفِ أَعْضَاءِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ، كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الْأَعْلَى فَإِنَّ حِفْظَهُ أَشَدُّ عَلَى النَّفْسِ قَالَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ:. اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَالْفَرْجُ يَشْمَلُ الدُّبُرَ وَالْقُبُلَ وَسُمِّيَ فَرْجًا لِانْفِرَاجِهِ أَيْ انْفِتَاحِهِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْعِتْقَ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ لِأَنَّ مَعْصِيَةَ الْفَرْجِ الزِّنَا وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ لِلْعِتْقِ مَزِيَّةً عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ الْوُضُوءِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، لِمَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَلِذَلِكَ كَانَ الْحَجُّ أَيْضًا يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ. اهـ. عَنَانِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (مُؤْمِنَةً) لِلْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. قَوْلُهُ: (كَالْغُلِّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ أَيْ الْحَبْلِ وَأَمَّا بِكَسْرِهَا فَهُوَ الْحِقْدُ فِي الصَّدْرِ، شَبَّهَ التَّخَلُّصَ مِنْ الرِّقِّ بِفَكِّ الْحَبْلِ مِنْ الرَّقَبَةِ وَاسْتَعَارَ الْفَكَّ لِلتَّخَلُّصِ فَتَكُونُ اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً أَصْلِيَّةً. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُحْتَبَسٌ) أَيْ مَحْبُوسٌ وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِالْمِلْكِ قَوْلُهُ: (قَدْ يَخْتَلِفُ) كَعِتْقِ الْأَمَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَعِتْقِ الْعَبْدِ مِنْ الْمَرْأَةِ. وَانْظُرْ لَوْ كَانَ الْعَتِيقُ وَاضِحًا وَالْمُعْتِقُ خُنْثَى هَلْ يُعْتَقُ الْعُضْوُ الزَّائِدُ مِنْهُ تَبَعًا أَمْ لَا رَاجِعْهُ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّهُ يُعْتَقُ لِأَنَّ الْخُنْثَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد، ثُمَّ إنَّ الْجَوَابَ الثَّانِيَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَحْسَنُ مِنْ الْأَوَّلِ لِنَقْضِ الْأَوَّلِ بِاللِّسَانِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْكُفْرُ الَّذِي هُوَ أَفْحَشُ الْكَبَائِرِ حَتَّى مِنْ الزِّنَا م د. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ ذَنْبَ الْفَرْجِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بِخِلَافِ اللِّسَانِ فَإِنَّهُ إذَا كَفَرَ بِهِ وَتَابَ بِأَنْ أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ. قَوْلُهُ: (نَسَمَةً) أَيْ إنْسَانًا. جَوْهَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً) لَوْ قَالَ: وَعَاشَ كَذَلِكَ لَكَانَ أَخْصَرَ كَمَا قَالَ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (حَكِيمٌ) بِوَزْنِ أَمِيرٍ وَحِزَامٌ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ بِوَزْنِ كِتَابٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 الْحِمْيَرِيُّ فِي يَوْمٍ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ وَأَعْتَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثَلَاثِينَ أَلْفًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ، آمِينَ. وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: مُعْتِقٌ وَعَتِيقٌ وَصِيغَةٌ؛ وَقَدْ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَيَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ) لِلرَّقَبَةِ (جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ) أَهْلٍ لِلتَّبَرُّعِ وَالْوَلَاءِ مُخْتَارٍ وَمِنْ وَكِيلٍ أَوْ وَلِيٍّ فِي كَفَّارَةٍ لَزِمَتْ مُوَلِّيَهُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ بِلَا إذْنٍ وَلَا مِنْ غَيْرِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ وَمُكَاتَبٍ وَمُكْرَهٍ، بِغَيْرِ حَقٍّ وَيُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَيَصِحُّ مِنْ سَكْرَانَ وَمِنْ كَافِرٍ وَلَوْ حَرْبِيًّا وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ عَلَى عَتِيقِهِ الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَوْقُوفٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ بَقِيَّةِ الْبُطُونِ. وَيَصِحُّ مُعَلَّقًا بِصِفَةٍ مُحَقَّقَةِ الْوُقُوعِ وَغَيْرِهَا كَالتَّدْبِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوْسِعَةِ لِتَحْصِيلِ الْقُرْبَةِ وَإِذَا عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ عَلَى صِفَةٍ لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيهِ بِالْقَوْلِ. وَيَمْلِكُهُ بِالتَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَمْ تُعَدَّ الصَّفْقَةُ وَلَوْ عَلَّقَهُ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَبْطُلْ الصِّفَةُ وَيَصِحُّ مُؤَقَّتًا وَيَلْغُو التَّأْقِيتُ. وَالرُّكْنُ الثَّانِي الْعَتِيقُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا   [حاشية البجيرمي] مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (ذُو الْكُرَاعِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ الْحِمْيَرِيُّ، نِسْبَةٌ إلَى حِمْيَرَ بِوَزْنِ دِرْهَمٍ اسْمُ قَبِيلَةٍ وَهُوَ أَيْ الْكُرَاعُ اسْمٌ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْخَيْلِ أَيْ صَاحِبُ الْخَيْلِ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الْعِتْقُ) أَيْ الْإِعْتَاقُ. قَوْلُهُ: (جَائِزُ التَّصَرُّفِ) أَيْ نَافِذُ التَّصَرُّفِ. قَوْلُهُ: (أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ) هُوَ بِمَعْنَى، الْمَتْنِ لَكِنَّهُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَتْنِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَخْرُجُ لِمُكَاتَبٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ مَعَ كَوْنِهِ جَائِزَ التَّصَرُّفِ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: نَعَمْ لَوْ أَوْصَى بِهِ السَّفِيهُ أَوْ أَعْتَقَ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ. أَوْ الْإِمَامُ قِنَّ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَا يَأْتِي، أَوْ الْوَلِيُّ عَنْ الصَّبِيِّ فِي كَفَّارَةِ قَتْلٍ أَوْ رَاهِنٌ مُوسِرٌ لِمَرْهُونٍ أَوْ وَارِثٌ مُوسِرٌ لِقِنِّ التَّرِكَةِ صَحَّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ وَكِيلٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ مَالِكٍ وَقَوْلُهُ: لَزِمَتْ مُوَلِّيَهُ أَيْ بِسَبَبِ قَتْلٍ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَأَهْلِيَّةُ تَبَرُّعٍ وَقَوْلُهُ: وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَالْوَلَاءُ. قَوْلُهُ: (وَمَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) أَيْ بِالْقَوْلِ الْمُنْجَزِ أَمَّا بِالْفِعْلِ فَيَنْفُذُ مَالُهُ، وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ كَالتَّدْبِيرِ فَكَذَلِكَ يَنْفُذُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْمُفْلِسُ، فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُ بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقَوْلِ الْمُنْجَزِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ كَالتَّدْبِيرِ فَيَصِحُّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ) : أَيْ بِالْقَوْلِ الْمُنْجَزِ أَمَّا بِالْفِعْلِ فَيَنْفُذُ وَكَذَا الْمُعَلَّقُ كَالتَّدْبِيرِ، لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ يَزُولُ عَنْهُ الرِّقُّ، فَيَصِيرُ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ. قَوْلُهُ: (وَمُكَاتَبٌ) أَيْ لَا بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ وَلَا مُعَلَّقًا وَلَا مُنْجَزًا. قَوْلُهُ: (وَيُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ) مُرْتَبِطٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ أَمَّا الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فَيَصِحُّ وَيُتَصَوَّرُ إلَخْ وَكَذَا يُتَصَوَّرُ فِي كَفَّارَةٍ لَزِمَتْ الصَّبِيَّ، فَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْعِتْقِ فَأَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ وَأَعْتَقَ فَيَصِحُّ؛ أَيْ عِتْقُ الْوَلِيِّ عَنْ كَفَّارَةِ الصَّبِيِّ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ اهـ. قَوْلُهُ: (وَبِشَرْطِ الْعِتْقِ) أَيْ الْإِعْتَاقِ: قَوْلُهُ: (وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ) : وَفَائِدَةُ ثُبُوتِهِ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَسْلَمَ. وَرِثَهُ بِالْوَلَاءِ. قَوْلُهُ: (مُسْلِمًا) حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَوْقُوفٍ) : كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَتِيقُ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا مُنَاسِبَةٌ لِلْمَحَلَّيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْعِتْقَ قَوْلُهُ: (يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ وَقْفَ تَرْتِيبٍ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّ الْمَوْقُوفِ فِيهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَرْتِيبٌ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ مُعَلَّقًا بِصِفَةٍ) وَهُوَ أَيْ التَّعْلِيقُ غَيْرُ قُرْبَةٍ إنْ قُصِدَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ وَإِلَّا فَقُرْبَةٌ حَيْثُ كَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَيَجْرِي فِي التَّعْلِيلِ هُنَا مَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ بِفِعْلِهِ مُبَالِيًا أَوْ لَا. وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ. أَيْ التَّعْلِيقِ مِنْ نَحْوِ رَاهِنٍ مُعْسِرٍ وَمُفْلِسٍ وَمُرْتَدٍّ شَرْحُ م ر. لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي التَّعْلِيقِ بِوَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ التَّعْلِيقُ غَيْرُ قُرْبَةٍ مَفْهُومُهُ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ يَكُونُ قُرْبَةً وَيَقْتَضِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَهُوَ قُرْبَةٌ إجْمَاعًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (كَالتَّدْبِيرِ) مِثَالُ الْمُحَقَّقَةِ الْوُقُوعِ وَمِثَالُ غَيْرِهَا كَدُخُولِ الدَّارِ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ) : أَيْ فِي التَّعْلِيقِ أَيْ فِي صِحَّتِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ) كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَكَسْبُهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَقَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ لِلْوَارِثِ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعِتْقِ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَالِكُ، فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ نَافِذٌ وَالشَّارِعُ مَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ الْوَارِثُ. اهـ. . وَسَيَأْتِي فِي التَّدْبِيرِ لِلشَّارِحِ التَّصْرِيحُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ غَيْرُ عِتْقٍ يَمْنَعُ بَيْعَهُ كَمُسْتَوْلَدَةٍ وَمُؤَجَّرٍ بِخِلَافِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ كَرَهْنٍ عَلَى تَفْصِيلٍ مَرَّ بَيَانُهُ. وَهَذَا الرُّكْنُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الصِّيغَةُ وَهِيَ إمَّا صَرِيحٌ وَإِمَّا كِنَايَةٌ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَيَقَعُ الْعِتْقُ) أَيْ يَنْفُذُ (بِصَرِيحِ) لَفْظِ (الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرِ) وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا كَأَنْتَ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ حَرَّرْتُك لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مُتَكَرِّرَيْنِ وَيَسْتَوِي فِي أَلْفَاظِهِمَا: الْهَازِلُ وَاللَّاعِبُ لِأَنَّ هَزْلَهُمَا جِدٌّ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. وَكَذَا: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ كَمَفْكُوكِ الرَّقَبَةِ صَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ. فُرُوعٌ لَوْ كَانَ اسْمُ أَمَتِهِ قَبْلَ إرْقَاقِهَا حُرَّةَ فَسُمِّيَتْ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ لَهَا يَا حُرَّةُ عَتَقَتْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ النِّدَاءَ بِاسْمِهَا الْقَدِيمِ فَإِنْ كَانَ اسْمُهَا فِي الْحَالِ حُرَّةَ لَمْ تَعْتِقْ إلَّا إنْ قَصَدَ الْعِتْقَ. وَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ رَقِيقِهِ خَوْفًا مِنْ أَخْذِ الْمَكْسِ عَنْهُ إذَا طَالَبَهُ الْمَكَّاسُ بِهِ وَقَصَدَ الْإِخْبَارَ بِهِ لَمْ يَعْتِقْ بَاطِنًا وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَاحَمَتْهُ تَأَخَّرِي يَا حُرَّةُ فَبَانَتْ أَمَتَهُ لَمْ تَعْتِقْ وَلَوْ قَالَ   [حاشية البجيرمي] بِمَا ذُكِرَ وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إلَخْ أَيْ إنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِعْلَهُ وَامْتَنَعَ مِنْهُ بَعْدَ عَرْضِهِ عَلَيْهِ اهـ شَرْحُ م ر وأ ج. قَوْلُهُ: (لَمْ تَبْطُلْ الصِّفَةُ) هَذَا مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَهُ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ لِأَنَّهُ كَمَا قَيَّدَ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ صَارَتْ وَصِيَّةً وَهِيَ لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ مُؤَقَّتًا) كَأُعْتِقُكَ شَهْرًا مَثَلًا. وَقَوْلُهُ: وَيَلْغُو التَّأْقِيتُ أَيْ وَيَعْتِقُ حَالًا. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ إلَخْ) هَذَا النَّفْيُ صَادِقٌ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ بِأَنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ أَصْلًا أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ جَائِزٌ كَالْعَارِيَّةِ، أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ هُوَ الْعِتْقُ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ غَيْرُ عِتْقٍ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ كَالْإِجَارَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْطُوقُ، وَأَمَّا الْمَفْهُومُ فَصُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ غَيْرُ عِتْقٍ يَمْنَعُ بَيْعَهُ وَذَلِكَ كَالرَّهْنِ اهـ. قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ بَيْعَهُ) صِفَةٌ لِحَقٍّ. قَوْلُهُ: (كَمُسْتَوْلَدَةٍ) مِثَالٌ لِمَا يَصِحُّ عِتْقُهُ وَقَوْلُهُ: وَمُؤَجَّرٌ مِثَالٌ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ ع ش. قَوْلُهُ: (عَلَى تَفْصِيلٍ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا صَحَّ عِتْقُهُ كَاسْتِيلَادِهِ. قَالَ فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ: وَلَا يَنْفُذُ إلَّا إعْتَاقُ مُوسِرٍ، وَإِيلَادُهُ أَيْ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ وَتَكُونُ قِيمَتُهُمَا رَهْنًا مَكَانَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَالتَّحْرِيرُ) أَيْ وَفَكُّ الرَّقَبَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ: بِصَرِيحِ الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرِ وَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ: أَيْ مَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا. وَعِبَارَةُ سم، وَهُوَ مَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا كَأَنْتَ عَتِيقٌ اهـ. وَأَمَّا نَفْسُ الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرِ كَأَنْتَ إعْتَاقٌ أَوْ تَحْرِيرٌ. فَكِنَايَةٌ كَمَا فِي أَنْتِ طَلَاقٌ. قَوْلُهُ: (لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ) فِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِتْقِ فَلْيُنْظَرْ فِي أَيِّ آيَةٍ وَرَدَ فِيهَا. اهـ. ق ل. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ وُرُودُ مَجْمُوعِهِمَا فِيهِمَا فَالتَّحْرِيرُ وَرَدَ فِيهِمَا، وَالْعِتْقُ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ. قَوْلُهُ: (كَمَفْكُوكِ الرَّقَبَةِ) أَوْ فَكَكْت رَقَبَتَك. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) : أَيْ سَبْعَةٌ وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ. قَوْلُهُ: (لَوْ كَانَ اسْمُ أَمَتِهِ إلَخْ) هَذَا خَارِجٌ بِاشْتِرَاطِ قَصْدِ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَقْصِدْ النِّدَاءَ) بِأَنْ قَصَدَ الْعِتْقَ أَوْ أَطْلَقَ وَمَحَلُّهُ إنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً بِهَذَا الِاسْمِ حَالَةَ النِّدَاءِ. فَإِنْ كَانَ قَدْ هُجِرَ وَتُرِكَ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا قَالَهُ سم: قَوْلُهُ: (لَمْ تَعْتِقْ) سَوَاءٌ قَصَدَ النِّدَاءَ أَوْ أَطْلَقَ قَوْلُهُ: (وَقَصَدَ الْإِخْبَارَ) أَيْ كَاذِبًا. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَإِنْ قَصَدَ الْإِنْشَاءَ أَوْ أَطْلَقَ عَتَقَ مَرْحُومِيٌّ. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَعْتِقْ بَاطِنًا، أَمَّا ظَاهِرًا فَيَعْتِقُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، كَمَا فِي شَرْحِ م ر. فَإِنْ اطَّلَعَ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَيَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ وَفِي س ل. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَذَا لَا يَعْتِقُ ظَاهِرًا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، فِي أَنْتِ طَالِقٌ لِمَنْ أَرَادَ حَلَّهَا مِنْ وَثَاقٍ بِجَامِعِ وُجُودِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (فَبَانَتْ أَمَتَهُ) بِنَصْبِ أَمَتِهِ إلْحَاقًا لِبَانَتْ ب كَانَتْ وَقَوْلُهُ: لَمْ تَعْتِقْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هُنَا مُعَارِضًا قَوِيًّا وَهُوَ غَلَبَةُ اسْتِعْمَالِ حُرَّةٍ فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْعَفِيفَةِ عَنْ الزِّنَا، وَلَا كَذَلِكَ ثَمَّ وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَمَتُك زَانِيَةٌ فَقَالَ: بَلْ حُرَّةٌ وَأَرَادَ عَفِيفَةً قُبِلَ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِيمَا يَظْهَرُ لِلْقَرِينَةِ الْقَوِيَّةِ هُنَا اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَكَذَلِكَ) فَهُوَ صَرِيحٌ فِيهِمَا، كَطَلَّقَك اللَّهُ وَيُفَارِقُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 لِعَبْدِهِ: افْرَغْ مِنْ عَمَلِك وَأَنْتَ حُرٌّ. وَقَالَ: أَرَدْت حُرًّا مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيَدِينُ وَلَوْ قَالَ: اللَّهُ أَعْتَقَك عَتَقَ أَوْ أَعْتَقَك اللَّهُ فَكَذَلِكَ. كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ مِثْلَ هَذَا الْعَبْدِ وَأَشَارَ إلَى عَبْدٍ آخَرَ لَهُ لَمْ يَعْتِقْ ذَلِكَ الْعَبْدُ كَمَا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِالْعَبْدِ يَمْنَعُ عِتْقَهُ وَيَعْتِقُ الْمُخَاطَبُ فَإِنْ قَالَ: مِثْلَ هَذَا، وَلَمْ يَقُلْ: الْعَبْدِ، عَتَقَا كَمَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ. وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّمَا يَعْتِقُ الْأَوَّلُ فَقَطْ. وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِرَجُلٍ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدِي حُرٌّ عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِحُرِّيَّتِهِ لَا إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ تَظُنُّ أَوْ تَرَى، وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِإِيقَاعِهِ كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِتَقْوِيَتِهِ بِالنِّيَّةِ، وَلِأَنَّ هَزْلَهُ جِدٌّ كَمَا مَرَّ فَيَقَعُ الْعِتْقُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ، أَمَّا قَصْدُ الصَّرِيحِ لِمَعْنَاهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِيَخْرُجَ أَعْجَمِيٌّ تَلَفَّظَ بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَةُ بِقَوْلِهِ. (وَ) يَقَعُ الْعِتْقُ أَيْضًا بِلَفْظِ (الْكِنَايَةِ) وَهُوَ مَا احْتَمَلَ الْعِتْقَ وَغَيْرَهُ كَقَوْلِهِ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لَا خِدْمَةَ لِي عَلَيْك أَنْتَ سَائِبَةٌ أَنْتَ مَوْلَايَ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَأَزَلْتُ مِلْكِي أَوْ حُكْمِي عَنْك لِإِشْعَارِ مَا ذُكِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعَ النِّيَّةِ) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ وَإِنْ احْتَفَّ بِهَا قَرِينَةٌ لِاحْتِمَالِهَا غَيْرَ الْعِتْقِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعِتْقِ التَّمْيِيزَ كَالْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ. تَنْبِيهٌ يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ لَفْظِ الْكِنَايَةِ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا سَيِّدِي هَلْ   [حاشية البجيرمي] نَحْوُ بَاعَك اللَّهُ، حَيْثُ كَانَ كِنَايَةً لِضَعْفِهَا بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا بِالْمَقْصُودِ بِخِلَافِ دِينِك. اهـ. شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا. أَيْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ الْقَبُولِ فَهُوَ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ كُلَّ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ الْإِنْسَانُ إذَا أَسْنَدَهُ لِلَّهِ كَانَ صَرِيحًا وَمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْإِنْسَانُ كَالْبَيْعِ إذَا أَسْنَدَهُ لِلَّهِ كَانَ كِنَايَةً. وَقَدْ نَظَمَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: مَا فِيهِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْإِنْشَاءِ ... وَكَانَ مُسْنَدًا لِذِي الْآلَاءِ فَهْوَ صَرِيحٌ ضِدُّهُ كِنَايَهْ ... فَكُنْ لِذَا الضَّابِطِ ذَا دِرَايَهْ قَوْلُهُ: (ذَلِكَ الْعَبْدُ) أَيْ الْمُشَارُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَعْتِقُ أَوَّلُ فَقَطْ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (لَا إنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ تَظُنُّ أَوْ تَرَى) أَيْ إنَّ عَبْدِي حُرٌّ. فَلَا يَعْتِقُ وَيُفَارِقُ الْأُولَى بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حُرًّا فِيهَا لَمْ يَكُنْ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِحُرِّيَّتِهِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِعِلْمِهِ وَالظَّنُّ وَنَحْوُهُ، بِخِلَافِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي اسْتِفْسَارُهُ فِي صُورَتَيْ تَظُنُّ وَتَرَى وَيُعْمَلُ بِتَفْسِيرِهِ شَرْحُ الرَّوْضِ مَرْحُومِيٌّ. فَإِنْ قَالَ مُرَادُهُ بِالظَّنِّ وَالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِإِيقَاعِهِ) لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (أَمَّا قَصْدُ الصَّرِيحِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: لِإِيقَاعِهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا احْتَمَلَ إلَخْ) وَعِبَارَةُ ق ل: وَأَمَّا أَنْتَ ابْنِي أَوْ بِنْتِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي وَهَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي وَهَذِهِ أُمِّي أَوْ بِنْتِي فَتَعْتِقُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَوْ فِي خَوْفٍ مِنْ مَكْسٍ بِشَرْطِ إمْكَانِهِ حِسًّا وَإِنْ عُرِفَ نَسَبُهُ. وَقَالَ شَيْخُنَا: إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْمُلَاطَفَةَ فَلَا عِتْقَ صَرِيحًا بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ اهـ. قَوْلُهُ: (لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك) أَيْ لِكَوْنِي أَعْتَقْتُك وَيَحْتَمِلُ لِكَوْنِي بِعْتُك وَمِنْهُ، مَا إذَا قَالَ لَهُ: وَهَبْتُك نَفْسَك نَاوِيًا الْعِتْقَ. فَيَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَوْ نَاوِيًا التَّمْلِيكَ، فَيَعْتِقُ إنْ قَبِلَ فَوْرًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُك نَفْسَك وَنَوَى الْعِتْقَ عَتَقَ وَلَمْ يَحْتَجْ لِقَبُولٍ أَوْ التَّمْلِيكِ عَتَقَ، إنْ قَبِلَ فَوْرًا كَمَا فِي مَلَّكْتُك نَفْسَك قَالَ سم: وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ) أَيْ كَالْبَيْعِ وَالْوَقْفِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ) أَيْ وُجِدَتْ بِهَا قَرِينَةٌ بِأَنْ قَالَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ أَعْتِقْنِي. فَقَالَ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك مَثَلًا. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كَالْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ) . فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعَادَةَ وَالْعِبَادَةَ وَلَا يُمَيَّزُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِنِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالنِّيَّةِ) : الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 هُوَ كِنَايَةٌ أَوْ لَا وَجْهَانِ رَجَّحَ الْإِمَامُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الظَّاهِرُ وَرَجَّحَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَغْوٌ لِأَنَّهُ مِنْ السُّؤْدُدِ وَتَدْبِيرِ الْمَنْزِلِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ، وَصِيغَةُ طَلَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ صَرِيحَةً كَانَتْ أَوْ كِنَايَةً كِنَايَةٌ هُنَا أَيْ فِيمَا هُوَ صَالِحٌ فِيهِ خِلَافٌ، قَوْلِهِ لِلْعَبْدِ اعْتَدَّ أَوْ اسْتَبْرِئْ رَحِمَك، أَوْ لِرَقِيقِهِ أَنَا مِنْك حُرٌّ فَلَا يَنْفُذُ بِهِ الْعِتْقُ وَلَوْ نَوَاهُ وَلَا يَضُرُّ خَطَأٌ بِتَذْكِيرٍ أَوْ تَأْنِيثٍ فَقَوْلُهُ لِعَبْدِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ وَلِأَمَتِهِ أَنْتَ حُرٌّ صَرِيحٌ. وَتَصِحُّ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى جُزْءٍ مِنْ الرَّقِيقِ كَمَا قَالَ: فَإِذَا أَعْتَقَ الْمَالِكُ (بَعْضَ عَبْدٍ) مُعَيَّنٍ كَيَدِهِ أَوْ شَائِعٍ مِنْهُ كَرُبْعِهِ (عَتَقَ جَمِيعُهُ) سِرَايَةً كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ وَسَوَاءٌ الْمُوسِرُ وَغَيْرُهُ. لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ غُلَامٍ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَازَ عِتْقَهُ وَقَالَ: لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ» هَذَا إذَا كَانَ بَاقِيهِ لَهُ. فَإِنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ فَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ أَعْتَقَ شِرْكًا) بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ نَصِيبًا مُشْتَرَكًا (لَهُ فِي عَبْدٍ) سَوَاءٌ كَانَ شَرِيكُهُ مُسْلِمًا أَمْ لَا كَثُرَ نَصِيبُهُ أَمْ قَلَّ (وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى الْعِتْقُ) مِنْهُ بِمُجَرَّدِ تَلَفُّظِهِ بِهِ (إلَى بَاقِيهِ) مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ. تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مُوسِرًا أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ فَاضِلًا ذَلِكَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فِي   [حاشية البجيرمي] أَيْ فِي جُزْءٍ مِنْ اللَّفْظِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) : مُعْتَمَدٌ. قَوْلِهِ: (مِنْ السُّؤْدُدِ) : أَيْ لَا مِنْ السِّيَادَةِ بِمَعْنَى الشَّرَفِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْحُرِّيَّةِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ السِّيَادَةِ يَعْتِقُ لِأَنَّ السِّيَادَةَ الْكَامِلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْحُرِّ. وَفِيهِ أَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعَى إلَّا إذَا كَانَ الِاشْتِقَاقُ خَاصًّا بِكَوْنِهِ مِنْ السُّؤْدُدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ السِّيَادَةِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ مِنْ السُّؤْدُدِ أَوْ مِنْ السِّيَادَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً. وَالسُّؤْدُدُ بِالْهَمْزِ مِثْلُ قُنْفُذٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ فَهُوَ بِضَمِّ السِّينِ لَا غَيْرُ وَيَجُوزُ إبْدَالُ الْهَمْزَةِ فِيهِ وَاوًا وَالدَّالُ الْأُولَى يَجُوزُ ضَمُّهَا وَفَتْحُهَا، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ شَارِحُ لَامِيَّةِ ابْنِ مَالِكٍ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَدْبِيرُ الْمَنْزِلِ) ، عَطْفُ تَفْسِيرٍ فَمَعْنَى يَا سَيِّدِي يَا مُدَبِّرَ مَنْزِلِي بِمَعْنَى أَنَّهُ قَائِمٌ بِمَصَالِحِهِ وَهَذَا لَا يُنَافِي الرَّقَبَةَ. وَقَوْلُهُ: وَتَدْبِيرُ الْمَنْزِلِ أَيْ مِنْ كَوْنِ الْإِنْسَانِ يُدَبِّرُ أَحْوَالَ مَنْزِلِهِ فِيمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ كَوْنِهِ يَكْفِيهِ فِي مَعَاشِهِ كَذَا وَكَذَا وَمَلْبَسِهِ كَذَا وَكَذَا وَيُغْنِي عَنْ الضَّأْنِ اللَّحْمَ الْخَشِنَ مَثَلًا أَوْ غَيْرَهُ، مِنْ طَبِيخِ لَحْمٍ فِيهِ مَثَلًا، فَالتَّدْبِيرُ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ. قَوْلُهُ: (أَيْ فِيمَا هُوَ صَالِحٌ فِيهِ) : أَيْ فِي الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (أَنَا مِنْك حُرٌّ) : كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَاعْتَرَضَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الصَّوَابَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ وَهُوَ مَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ مِنْهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صِيغَةِ الطَّلَاقِ، وَأَنَا مِنْك حُرٌّ لَا صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ، لَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا هُنَا أَيْ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ الْكِنَايَةُ فِي الْعِتْقِ إنْ كَانَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي يَنْحَلُّ بِالطَّلَاقِ يَقُومُ بِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ خَامِسَةً، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا فَإِنَّ الرِّقَّ لَا يَقُومُ بِالسَّيِّدِ كَمَا يَقُومُ بِالْعَبْدِ تَأَمَّلْ ع ش. نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَمَحَلُّ كَوْنِهِ غَيْرَ كِنَايَةٍ هُنَا مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إزَالَةَ الْعَلَاقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَقِيقِهِ وَهِيَ عَدَمُ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا، بِحَيْثُ صَارَ مِنْهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِلَّا كَانَ كِنَايَةً ع ش. قَوْلُهُ: (فَلَا يَنْفُذُ بِهِ الْعِتْقُ) أَيْ فَيَكُونُ لَغْوًا. قَوْلُهُ: (فَإِذَا أَعْتَقَ الْمَالِكُ) : لَعَلَّ الْأَوْلَى الْوَاوُ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ غَيْرُ ظَاهِرٍ. قَوْلُهُ: (مُعَيَّنٌ) : الْأَوْلَى مُعَيَّنًا لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِبَعْضِ، فَكَانَ الصَّوَابُ نَصْبَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ نَعْتٌ مَقْطُوعٌ. أَيْ هُوَ مُعَيَّنٌ أَوْ أَنَّهُ مَجْرُورٌ لِلْمُجَاوَرَةِ أَوْ أَنَّهُ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ، الَّذِينَ يَرْسُمُونَ الْمَنْصُوبَ بِصُورَةِ الْمَرْفُوعِ وَالْمَجْرُورِ. قَوْلُهُ: (عَتَقَ جَمِيعُهُ) : أَيْ إنْ كَانَ الْمُبَاشِرُ لِعِتْقِهِ الْمَالِكَ أَوْ شَرِيكَهُ بِإِذْنِهِ فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا أَجْنَبِيًّا فَإِنْ أَعْتَقَ جُزْءًا شَائِعًا مُعَيَّنًا كَنِصْفٍ عَتَقَ، وَإِلَّا فَلَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ ق ل. وَعِبَارَةُ أج فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ شَرِيكًا عَتَقَ مَا أَعْتَقَهُ وَسَرَى. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ عَنْ نَفْسِهِ، نَزَلَ فِعْلُهُ مَنْزِلَةَ شَرِيكِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ فَيَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى مَا أَعْتَقَهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ) أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ عَتَقَ الشِّقْصُ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَقَطْ، كَانَ هَذَا الشِّقْصُ الْمُعْتَقُ لِلَّهِ تَعَالَى وَالشِّقْصُ الْبَاقِي مِلْكًا لَهُ فَكَانَ شَرِيكًا لِلَّهِ فِي مِلْكِ هَذَا الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: (مُشْتَرَكًا) الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، وَدَسْتُ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ وَسُكْنَى يَوْمٍ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْفَلَسِ وَيُصْرَفُ إلَى ذَلِكَ كُلُّ مَا يُبَاعُ وَيُصْرَفُ فِي الدُّيُونِ. (وَكَانَ عَلَيْهِ) بِمُجَرَّدِ السِّرَايَةِ (قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) يَوْمَ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ فَإِنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ حِصَّتِهِ سَرَى إلَى مَا أَيْسَرَ بِهِ مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا عَتَقَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَهُوَ عَتِيقٌ» وَاحْتَرَزَ بِقَيْدِ يَسَارِهِ عَنْ إعْسَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْرِي بَلْ الْبَاقِي مِلْكٌ لِشَرِيكِهِ وَيَعْتِقُ نَصِيبُهُ فَقَطْ. وَالِاعْتِبَارُ بِالْيَسَارِ بِحَالَةِ الْإِعْتَاقِ، فَلَوْ أَعْتَقَ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَا تَقْوِيمَ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ التَّقْوِيمِ شُمُولُهُ لِمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ نَافِذٌ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ نَفَذَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ السِّرَايَةِ مَا لَوْ كَانَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ مُسْتَوْلَدًا، بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَلَا سِرَايَةَ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَتَضَمَّنُ النَّقْلَ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا الْآخَرُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَلَوْ كَانَتْ حِصَّةُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ مَوْقُوفَةً لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ إلَيْهَا قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا   [حاشية البجيرمي] النَّصِيبَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا وَإِنَّمَا الْمُشْتَرَكُ الْعَبْدُ بِتَمَامِهِ. قَوْلُهُ: (وَيُصْرَفُ فِي الدُّيُونِ) : لِأَنَّ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ تَصِيرُ كَالدَّيْنِ لِتَنَزُّلِ الْإِعْتَاقِ مَنْزِلَةَ الْإِتْلَافِ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْإِعْتَاقِ) : أَيْ وَقْتَهُ وَهُوَ ظَرْفٌ لِلْقِيمَةِ. وَظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: مُوسِرٌ وَلَوْ كَانَ يَسَارُهُ بِمَالٍ غَائِبٍ، لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْعِتْقِ دَفْعُ الْقِيمَةِ بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: (سَرَى إلَى مَا أَيْسَرَ بِهِ إلَخْ) : وَلِلشَّرِيكِ مُطَالَبَةُ الْمُعْتِقِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ وَإِجْبَارُهُ عَلَيْهَا فَلَوْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ طَالَبَهُ الْقَاضِي وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حَاضِرًا أَوْ قَرُبَ الْعَهْدُ رُوجِعَ أَهْلُ التَّقْوِيمِ، أَوْ مَاتَ أَوْ غَابَ، أَوْ طَالَ الْعَهْدُ، صُدِّقَ الْمُعْتِقُ فِي الْأَظْهَرِ، لِأَنَّهُ غَارِمٌ. اهـ. سم ز ي. قَوْلُهُ: (شِرْكًا) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ أَيْ جُزْءًا مَمْلُوكًا لَهُ. قَوْلُهُ (وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ) . فِيهِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِجَمِيعِ قِيمَةِ الْعَبْدِ مَعَ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى كَوْنِهِ مُوسِرًا بِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَقَطْ. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَالتَّقْدِيرُ يَبْلُغُ ثَمَنَ بَاقِي الْعَبْدِ. شَيْخُنَا وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ) أَيْ ثَمَنَ مَا يَخُصُّ شَرِيكَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمُرَادُ بِالثَّمَنِ هُنَا الْقِيمَةُ وَإِطْلَاقُ الثَّمَنِ عَلَى الْقِيمَةِ فِيهِ تَسَامُحٌ. قَوْلُهُ: (قِيمَةَ عَدْلٍ) : مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَالْعَدْلُ بِمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ أَيْ لَا زِيَادَةَ وَلَا نَقْصَ فِيهَا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ شَخْصٌ عَادِلٌ لَا جَوْرَ عِنْدَهُ وَلَا ظُلْمَ عِنْدَهُ، وَقَالَ ع ش: أَيْ بِتَقْوِيمِ عَدْلٍ. قَوْلُهُ: (فَأَعْطَى) : وَلَيْسَ الْإِعْطَاءُ قَيْدًا فِي الْعِتْقِ بَلْ يَعْتِقُ حَالًا وَإِنْ تَأَخَّرَ الْإِعْطَاءُ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْآتِيَةُ. وَقَوْلُهُ: (حِصَصُهُمْ) أَيْ قِيمَةُ حِصَصِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ) يَقْتَضِي أَنَّ الْعِتْقَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ التَّقْوِيمِ وَإِعْطَاءُ الشُّرَكَاءِ وَلَيْسَ مُرَادًا. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَلَا تَعْقِيبًا. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ. قَوْلُهُ: (فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا عَتَقَ) : قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ: عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ: هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ فِي الثَّانِي وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ التِّينِ: بِأَنَّهُ انْتَقَدَهُ غَيْرُهُ. وَإِنَّمَا يُقَالُ: عَتَقَ بِالْفَتْحِ وَأُعْتِقَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَلَا يُعْرَفُ عُتِقَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (قِيمَةُ الْعَبْدِ) أَيْ بَاقِيهِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ عَتِيقٌ) : أَيْ مُعْتَقٌ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ اسْمُ مَفْعُولٍ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ التَّقْوِيمِ) أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ: شُمُولُهُ أَيْ التَّقْوِيمِ. وَقَوْلُهُ: لِمَا أَيْ النَّصِيبِ وَقَوْلُهُ: عَلَيْهِ أَيْ الشَّرِيكِ وَالْأَوْلَى حَذْفُ لَوْ كَانَ وَقَوْلُهُ: بِقَدْرِهِ أَيْ الْمُقَوَّمِ الْمَفْهُومِ مِنْ التَّقْوِيمِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَذَلِكَ) : أَيْ فَلَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ) : أَيْ بِمَا فِي يَدِهِ عَبْدًا إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْ السِّرَايَةِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا) أَيْ الشَّرِيكُ. أَيْ ثُمَّ أَعْتَقَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا سِرَايَةَ) أَيْ عَلَى الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْمُسْتَوْلَدِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَتَضَمَّنُ النَّقْلَ) : أَيْ نَقْلَ الْمِلْكِ، أَيْ: وَالْمُسْتَوْلَدَةِ لَا تَقْبَلُهُ. قَوْلُهُ: (وَيَجْرِي الْخِلَافُ إلَخْ) وَالْأَصَحُّ عَدَمُ السِّرَايَةِ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَعْتَقَهَا) أَيْ نَجَّزَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَيُسْتَثْنَى صُورَتَانِ لَا تَقْوِيمَ فِيهِمَا عَلَى الْعِتْقِ مَعَ يَسَارِهِ: الْأُولَى مَا إذَا وَهَبَ الْأَصْلُ لِفَرْعِهِ شِقْصًا مِنْ رَقِيقٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَعْتَقَ الْأَصْلُ مَا بَقِيَ فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى نَصِيبِ الْفَرْعِ مَعَ الْيَسَارِ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ عَلَى الرَّاجِحِ. وَالثَّانِيَةُ: مَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ رَقِيقٍ ثُمَّ حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ فَأَعْتَقَ الْبَائِعُ نَصِيبَهُ فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى الْبَاقِي الَّذِي لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ بِشَرْطِ الْيَسَارِ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ عِتْقَهُ صَادَفَ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ رَقِيقٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَأَعْتَقَ اثْنَانِ مِنْهُمْ نَصِيبَهُمَا مَعًا وَأَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ وَالْآخَرُ مُوسِرٌ قُوِّمَ جَمِيعُ نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ عَلَى هَذَا الْمُوسِرِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَالْمَرِيضُ مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ فَإِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ رَقِيقٍ مُشْتَرَكٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنْ خَرَجَ جَمِيعُ الْعَبْدِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ وَعَتَقَ جَمِيعُهُ. وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا نَصِيبُهُ عَتَقَ بِلَا سِرَايَةٍ وَلَا تَخْتَصُّ السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ وَحِينَئِذٍ اسْتِيلَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا يَسْرِي إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَالْعِتْقِ بَلْ أَوْلَى مِنْهُ بِالنُّفُوذِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ عِتْقِهِمَا وَإِيلَادُ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِعْتَاقُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَخَرَجَ بِالْمُوسِرِ الْمُعْسِرُ فَلَا يَسْرِي اسْتِيلَادُهُ كَالْعِتْقِ. نَعَمْ إنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْمُسْتَوْلِدُ أَصْلًا لِشَرِيكِهِ سَرَى كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ الَّتِي كُلُّهَا لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لِلْإِتْلَافِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ أَيْضًا حِصَّتُهُ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ لَوْ كَانَتْ بِكْرًا وَهَذَا إنْ تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ عَنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ كَمَا هُوَ لِلْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ   [حاشية البجيرمي] عِتْقَهَا. وَقَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا أَيْ أَحَدُ الْمُسْتَوْلَدَيْنِ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ نَصِيبُ الْآخَرِ، بِالتَّنْجِيزِ أَوْ بِالْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ) : أَيْ تَنْزِيلًا لِإِعْتَاقِهِ، مَنْزِلَةَ رُجُوعِهِ، فِي الْهِبَةِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ، تَتَضَمَّنُ نَقْلَ مَا سَرَى إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي) . أَيْ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (فَأَعْتَقَ الْبَائِعُ نَصِيبَهُ) : أَيْ الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ الْيَسَارِ) : هُوَ قَيْدٌ لِلسِّرَايَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ غُرْمٌ لِتَوَقُّفِ السِّرَايَةِ عَلَى الْيَسَارِ، وَإِنْ تَخَلَّفَ الْغُرْمُ لِعَارِضٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَسْرِ لِبَاقِيهِ فِيهِمَا فَسَقَطَ. تَوَقَّفَ الْمَرْحُومِيُّ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ عِتْقَهُ) : رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ لُزُومِ الْقِيمَةِ فِيهِمَا أَيْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَبَائِعِ الْفَلْسِ الرُّجُوعُ، وَنَزَلَ عِتْقُهُ مَنْزِلَةَ رُجُوعِهِ فَكَأَنَّهُ مَا أَعْتَقَ إلَّا مِلْكَهُ فَلَمْ تَلْزَمْهُ الْقِيمَةُ. قَوْلُهُ: (وَأَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ) : فَإِنْ أَيْسَرَا، قُوِّمَ عَلَيْهِمَا حِصَّةُ الشَّرِيكِ عَلَى قَدْرِ الرُّءُوسِ لَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ، لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا مِنْ فَوَائِدِ الْمِلْكِ، وَسَبِيلُ السِّرَايَةِ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ وَعِبَارَةُ س ل. وَقَوْلُهُ: لَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفِ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ، كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جِرَاحَاتِهِمَا الْمُخْتَلِفَةِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ مِنْ فَوَائِدِ الْمِلْكِ وَثَمَرَتِهِ، فَوُزِّعَ بِحَسَبِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْمَرِيضُ مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ إلَخْ) : غَرَضُهُ بِذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى التَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ: وَهُوَ مُعْسِرٌ أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ مُوسِرٌ: إمَّا بِكُلِّ مَالِهِ أَوْ بِثُلُثِهِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ) أَيْ بِسَفَهٍ أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ فَلَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَلَا يَسْرِي اسْتِيلَادُهُ) أَيْ وَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَمِنْ أَرْشِ الْبَكَارَةِ وَمِنْ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّ حِصَّتِهِ مِنْهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ) : اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَلَا يَسْرِي أَيْ مَحَلُّ كَوْنِ الْمُعْسِرِ لَا يَسْرِي اسْتِيلَادُهُ مَا لَمْ يَكُنْ أَصْلًا اسْتَوْلَدَ أَمَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَيَسْرِي كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ الَّتِي كُلَّهَا مِلْكٌ لِوَلَدِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ) : أَيْ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا. قَوْلُهُ: (الَّتِي كُلُّهَا لَهُ) : أَيْ لِفَرْعِهِ قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ قِيمَةُ إلَخْ) : رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: يَسْرِي إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَالْعِتْقِ بَلْ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (حِصَّتُهُ مِنْ مَهْرِ) أَيْ مَهْرِ ثَيِّبٍ. وَقَوْلُهُ: مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ أَيْ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ أَرْشِ الْبَكَارَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ) : بِخِلَافِ قِيمَةِ حِصَّةِ الْوَلَدِ لِأَنَّ أُمَّهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ حَالًا فَيَكُونُ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ الْمُوَلِّدِ فَلَا تَجِبُ الْقِيمَةُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) : أَيْ لُزُومُ الْحِصَّةِ مِنْ الْمَهْرِ وَأَرْشِ الْبَكَارَةِ. قَوْلُهُ: (إنْ تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ) : وَلَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) : بِأَنْ تَقَدَّمَ الْإِنْزَالُ أَوْ قَارَنَ، فَلَا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ الْمَهْرِ. وَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مِنْ الْقِيمَةِ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 مَهْرٍ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ. وَشُرُوطُ سِرَايَةِ الْعِتْقِ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ إعْتَاقُ الْمَالِكِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ بِاخْتِيَارِهِ كَشِرَائِهِ جُزْءَ أَصْلِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِيَارِ مُقَابِلَ الْإِكْرَاهِ بَلْ الْمُرَادُ السَّبَبُ فِي الْإِعْتَاقِ وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِالِاخْتِيَارِ عَنْ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَعْتِقُ فِيهِ الشِّقْصُ وَالْإِكْرَاهُ لَا عِتْقَ فِيهِ وَخَرَجَ بِالِاخْتِيَارِ مَا لَوْ وَرِثَ بَعْضَ فَرْعِهِ أَوْ أَصْلِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْرِ عَلَيْهِ الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ سَبِيلُهُ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَعِنْدَ انْتِفَاءِ الِاخْتِيَارِ لَا صُنْعَ مِنْهُ يُعَدُّ إتْلَافًا. الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ مَالٌ يَفِي بِقِيمَةِ الْبَاقِي أَوْ بَعْضِهِ كَمَا مَرَّ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهَا قَابِلًا لِلنَّقْلِ فَلَا سِرَايَةَ فِي نَصِيبٍ حُكِمَ بِالِاسْتِيلَادِ فِيهِ وَلَا إلَى الْحِصَّةِ الْمَوْقُوفَةِ وَلَا إلَى الْمَنْذُورِ إعْتَاقُهُ. الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يُعْتِقَ نَصِيبَهُ لِيُعْتِقَ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْرِي الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ لَغَا إذْ لَا مِلْكَ وَلَا تَبَعِيَّةَ فَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَرَى إلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَلَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ الْمُشْتَرَكِ وَأَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى مِلْكِهِ فَقَطْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَعْتِقُ مَا يَمْلِكُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ (وَمَنْ مَلَكَ وَاحِدًا مِنْ وَالِدِيهِ أَوْ مَوْلُودِيهِ) مِنْ النَّسَبِ بِكَسْرِ الدَّالِ فِيهِمَا مِلْكًا قَهْرِيًّا كَالْإِرْثِ أَوْ اخْتِيَارِيًّا كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ. (وَعَتَقَ   [حاشية البجيرمي] مَهْرٍ. هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِصَّةُ أَرْشِ الْبَكَارَةِ مُطْلَقًا وَالْوَجْهُ أَنَّهُ كَالْمَهْرِ مِنْ حَيْثُ التَّقْيِيدُ الْمَذْكُورُ. فَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا إنْ تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ عَنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ وَعَنْ إزَالَةِ الْبَكَارَةِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، لَكَانَ أَنْسَبَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ع ش عَلَى م ر. وَفِيهِ: أَيْضًا وَلَوْ تَنَازَعَا فَزَعَمَ الْوَاطِئُ تَقَدُّمَ الْإِنْزَالِ وَالشَّرِيكُ تَأَخُّرَهُ صُدِّقَ الْوَاطِئُ فِيمَا يَظْهَرُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَهْرِ. وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ تَأَخُّرَ الْإِنْزَالِ وَيَحْتَمِلُ تَصْدِيقَ الشَّرِيكِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ تَعَدَّى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ: الضَّمَانُ. حَتَّى يُوجَدَ مُسْقِطٌ وَلَمْ نَتَحَقَّقْهُ وَهَذَا أَقْرَبُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي أَحْبَلَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ إنْ كَانَ مُوسِرًا غَرِمَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْهُمَا مُطْلَقًا، وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ مِنْ الْوَلَدِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا حِصَّتُهُ مِنْ الْمَهْرِ وَأَرْشِ الْبَكَارَةِ فَيَلْزَمُهُ، إنْ تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ عَنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ وَإِلَّا فَلَا اهـ. قَوْلُهُ: (إعْتَاقُ الْمَالِكِ) : الْمُرَادُ بِالْإِعْتَاقِ مَا يَشْمَلُ الْعِتْقَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (بِاخْتِيَارِهِ) : الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ مِلْكَهُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ اخْتِيَارِيٌّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْعِتْقَ بِاخْتِيَارِهِ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ الْمُكْرَهُ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عِتْقِ الْحُرِّ مَعَ السِّرَايَةِ لِلْبَاقِي وَالْمُكْرَهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَصْلًا لَا جُزْءٌ وَلَا غَيْرُهُ، حَتَّى يُحْتَرَزَ عَنْهُ بِقَيْدِ الِاخْتِيَارِ فَيَكُونَ قَوْلُهُ: بِالِاخْتِيَارِ مُتَعَلِّقًا بِمَالِكٍ أَيْ كَانَ مِلْكُهُ بِالِاخْتِيَارِ كَالشِّرَاءِ لَا بِالْقَهْرِ كَالْإِرْثِ. قَوْلُهُ: (السَّبَبُ) : أَيْ التَّسَبُّبُ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ وَرِثَ بَعْضَ فَرْعِهِ) صُورَتُهُ أَنَّ زَوْجَتَهُ مَالِكَةٌ لِأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ مِنْ غَيْرِهَا ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ زَوْجِهَا وَأَخِيهَا فَيَرِثُ زَوْجُهَا النِّصْفَ مِنْ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْرِي، وَمِثْلُ الْإِرْثِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ. مِثَالُ ذَلِكَ: مَا لَوْ بَاعَ بَعْضَ ابْنِ أَخِيهِ ثُمَّ مَاتَ فَوَرِثَ أَخُوهُ الَّذِي هُوَ أَبُو الْوَلَدِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ فَرَدَّهُ وَاسْتَرْجَعَ بَعْضَ ابْنِهِ الْمَبِيعِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْرِي إنْ كَانَ مُوسِرًا كَمَا ذَكَرَهُ ع ش وس ل. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَمْ يَسْرِ) : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لَا يَسْرِي. قَوْلُهُ: (الشَّرْطُ الثَّالِثُ إلَخْ) : تَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا وَهُوَ الصُّورَةُ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا مِنْ السِّرَايَةِ قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهَا) أَيْ السِّرَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ مَلَكَ وَاحِدًا إلَخْ) هَذَا مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالِكُ حُرًّا كَامِلًا فَيَخْرُجُ الْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ حَتَّى لَوْ مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِنْتَه، أَوْ أُمَّهُ، لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ بَلْ تُورَثُ عَنْهُ. لَا يُقَالُ: إنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ لَا رِقَّ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ لِلْوَارِثِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ، وَلَا مِلْكَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ حَتَّى يُقَالَ: تَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ اهـ دَيْرَبِيٌّ م د. وَقَوْلُهُ: مِنْ وَالِدِيهِ أَيْ أَحَدِ أُصُولِهِ وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ. قَوْلُهُ: (مِنْ النَّسَبِ) : فِيهِمَا وَلَوْ حَمْلًا أَوْ اخْتَلَفَا دِينًا أَوْ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ، بَعْدَ اسْتِلْحَاقِهِ فَلَوْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ الْحَامِلَ مِنْهُ عَتَقَ حَمْلُهَا. وَقَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا عَمِيرَةُ: وَلَوْ قَالَ: لِمَنْ يَمْلِكُ بَعْضَهُ أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ، فَفَعَلَ لَمْ يَعْتِقْ فَرَاجِعْهُ. اهـ. ق ل وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ إلَى تَعَدِّي ذَلِكَ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ. اهـ. سم. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ عَاصِبٍ يُجْبِرُ الْقَاصِرَ عَلَى النِّكَاحِ وَلَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَالْبَالِغُ الْبِكْرُ عِنْدَهُ لَا تُزَوَّجَ إلَّا بَعْدَ اسْتِئْذَانِهَا. قَوْلُهُ: (كَالْإِرْثِ) : بِأَنْ وَرِثَ أُمَّهُ مِنْ أَخِيهِ لِأَبِيهِ، أَوْ وَرِثَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ مِنْ عَمِّهِ. قَوْلُهُ: (لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ) بِفَتْحِ الْيَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 عَلَيْهِ) أَمَّا الْأُصُولُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] وَلَا يَتَأَتَّى خَفْضُ الْجَنَاحِ مَعَ الِاسْتِرْقَاقِ وَلِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ الشِّرَاءُ، لَا أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْمُعْتِقُ بِإِنْشَائِهِ الْعِتْقَ كَمَا فَهِمَهُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ: فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْفُرُوعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] دَلَّ عَلَى نَفْيِ اجْتِمَاعِ الْوَلَدِيَّةِ وُالْعَبْدِيَّةِ. تَنْبِيهٌ شَمَلَ قَوْلُهُ: وَالِدِيهِ أَوْ مَوْلُودِيهِ الذُّكُورَ مِنْهُمَا وَالْإِنَاثَ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا اتَّحَدَ دِينُهُمَا أَمْ لَا لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ وَخَرَجَ مَنْ عَدَاهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْتِقُونَ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ لِانْتِفَاءِ الْبَعْضِيَّةِ عَنْهُ وَأَمَّا خَبَرُ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ» فَضَعِيفٌ بَلْ قَالَ النَّسَائِيُّ إنَّهُ مُنْكَرٌ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا مِنْ النَّسَبِ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ. تَتِمَّةٌ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْوَلِيِّ لِطِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ قَرِيبِهِ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ بِالْغِبْطَةِ وَلَا غِبْطَةَ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَوْ وُهِبَ لِمَنْ ذُكِرَ أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِهِ وَلَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ كَأَنْ كَانَ هُوَ مُعْسِرًا أَوْ فَرْعُهُ كَسُوبًا فَعَلَى الْوَلِيِّ   [حاشية البجيرمي] أَيْ يُكَافِئَ ح ل وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 12] . قَوْلُهُ: (فَيُعْتِقَهُ أَيْ الشِّرَاءُ) . قَالَ م ر فِي حَوَاشِيهِ: ظَنَّ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِنَصَبِ فَيَعْتِقَهُ عَطْفٌ عَلَى فَيَشْتَرِيَهُ. فَيَكُونُ الْوَلَدُ هُوَ الْمُعْتِقَ وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ رَفْعُهُ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ تَقْدِيرُهُ: فَيُعْتِقُهُ الشِّرَاءُ لِأَنَّ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ حَصَلَ الْعِتْقُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى لَفْظٍ وَعَلَى النَّصْبِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَهُوَ حُرٌّ. وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا: مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِعْتَاقِ التَّسَبُّبُ إلَيْهِ بِالشِّرَاءِ لَا نَفْسُ التَّلَفُّظِ بِهِ. وَالْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي سم مَا يُوَافِقُهُ اهـ ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} [مريم: 88] أَيْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي خُزَاعَةَ اسْمِ قَبِيلَةٍ، حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَأَضَافُوا إلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى صَاهَرَ الْجِنَّ عَلَى مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158] . ثُمَّ إنَّهُ تَعَالَى نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: سُبْحَانَهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ شَبِيهًا بِالْوَالِدِ وَلَوْ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَدٌ لَأَشْبَهَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يُخَالِفَهُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَمَا بِهِ الْمُشَارَكَةُ غَيْرُ مَا بِهِ الْمُمَايَزَةُ، فَيَقَعُ التَّرْكِيبُ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ مُرَكَّبٍ مُمْكِنٌ، فَاِتِّخَاذُهُ لِلْوَلَدِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مُمْكِنًا غَيْرَ وَاجِبِ الْوُجُودِ، وَذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الْإِلَهِيَّةِ وَيُدْخِلُهُ فِي حَدِّ الْعُبُودِيَّةِ، وَلِذَلِكَ نَزَّهَ تَعَالَى نَفْسَهُ عَنْهُ فَلَمَّا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ الْوَلَدِ، أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ عِبَادُهُ وَالْعُبُودِيَّةُ تُنَافِي الْوِلَادَةَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ تَفْسِيرِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ وَالْعُبُودِيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِبَادَةِ، لِأَنَّهَا تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْعُبُودِيَّةِ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ حَتَّى بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِي غَايَةِ الذُّلِّ وَالْعَجْزِ وَالْخُضُوعِ، حَتَّى فِي الْآخِرَةِ إلَى الْمَوْلَى الْكَرِيمِ وَذَلِكَ عَيْنُ الْعُبُودِيَّةِ. قَوْلُهُ: (بِالْقَرَابَةِ) أَيْ الْخَاصَّةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ) أَيْ فِي عِتْقِهِمْ بِالْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (بَلْ قَالَ النَّسَائِيُّ إلَخْ) أَيْ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَبِفَرْضِ دَلَالَتِهِ يُرَادُ بِذِي الرَّحِمِ، الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ، حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ق ل. قَوْلُهُ: (لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْوَلِيِّ) أَيْ يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ ح ل. قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ) الْأَوْلَى لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَهَبَ) أَيْ الْقَرِيبُ الْمَذْكُورُ لِمَنْ ذُكِرَ أَيْ لِلطِّفْلِ، أَوْ الْمَجْنُونِ، أَوْ السَّفِيهِ. قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِقَرِيبِهِ، أَيْ بِجَمِيعِهِ فَإِنْ كَانَ لِجُزْءٍ مِنْهُ لَمْ يَقْبَلْهُ مُطْلَقًا لِضَرَرِهِ بِالسِّرَايَةِ وَلُزُومِ الْقِيمَةِ ق ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَلَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 قَبُولُهُ وَيَعْتِقُ عَلَى مُوَلِّيهِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَحُصُولِ الْكَمَالِ لِلْبَعْضِ فَإِنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ لَمْ يَجُزْ لِلْوَلِيِّ قَبُولُهُ وَلَوْ مَلَكَ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مَجَّانًا كَأَنْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ ثُلُثٍ وَإِنْ مَلَكَهُ بِعِوَضٍ بِلَا مُحَابَاةٍ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى الْوَرَثَةِ مَا بَذَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَرِثُهُ، لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَهُ لَكَانَ عِتْقُهُ تَبَرُّعًا عَلَى الْوَرَثَةِ فَيَبْطُلُ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى إرْثِهِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى عِتْقِهِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا فَيَتَوَقَّفُ كُلٌّ مِنْ إجَازَتِهِ وَإِرْثِهِ عَلَى الْآخَرِ فَيَمْتَنِعُ إرْثُهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ مَدِينًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ لِمَالِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ بِيعَ لِلدَّيْنِ، وَلَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ عِتْقَهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ   [حاشية البجيرمي] وَهَبَ لَهُ أَيْ جَمِيعَهُ فَلَوْ وَهَبَ لَهُ بَعْضَهُ، وَالْمَوْهُوبُ لَهُ مُوسِرٌ لَمْ يَجُزْ لِلْوَلِيِّ قَبُولُهُ، وَإِنْ كَانَ كَاسِبًا لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَهُ لَمَلَكَهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ وَسَرَى فَتَجِبُ قِيمَةُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَبُولِ الْعَبْدِ بَعْضَ قَرِيبِ سَيِّدِهِ وَإِنْ سَرَى بِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ مَصْلَحَةِ سَيِّدِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَحَّ قَبُولُهُ. إذَا لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ الْمُؤْنَةُ وَإِنْ سَرَى لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ وَالْوَلِيُّ تَلْزَمُهُ رِعَايَةُ مَصْلَحَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّسَبُّبُ فِي سِرَايَةٍ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا اهـ. وَفِيهِ: أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ عَدَمُ السِّرَايَةِ لِكَوْنِهِ دَخَلَ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ قَهْرًا وَعَلَيْهِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: بِوُجُوبِ الْقَبُولِ عَلَى الْوَلِيِّ وَعَدَمِ السِّرَايَةِ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ بِاخْتِيَارِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: فَعَلَى الْوَلِيِّ لَمَّا كَانَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الصَّبِيِّ بِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ فِعْلِ الصَّبِيِّ فَكَأَنَّهُ مَلَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَبْدُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (كَأَنْ كَانَ هُوَ) أَيْ الْمَوْلَى الْمَوْهُوبَ لَهُ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ، أَمَّا الذِّمِّيُّ فَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ لَكِنْ قَرْضًا كَمَا قَالَاهُ: فِي مَوْضِعٍ وَذَكَرَا فِي آخَرَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ فَرْعُهُ كَسُوبًا) أَيْ أَوْ كَانَ فَرْعُهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ كَسُوبًا أَيْ فِي صُورَةِ الْمَجْنُونِ أَيْ إذَا وُهِبَ لِلْمَجْنُونِ فَرْعُهُ الْكَسُوبُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: أَوْ فَرْعُهُ كَسُوبًا الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ قَرِيبُهُ، أَيْ وَهُوَ الْمَوْهُوبُ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُهُ) : فَإِنْ أَبَى قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ أَبَى قَبِلَ هُوَ الْوَصِيَّةَ إذَا بَلَغَ دُونَ الْهِبَةِ لِبُطْلَانِهَا، بِتَرَاخِي الْقَبُولِ سم. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ) : أَيْ وَلَا يَصِحُّ ح ل. قَوْلُهُ: (عَتَقَ عَلَيْهِ) وَيَرِثُهُ ع ش. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَهُ) أَيْ فَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا قَوْلُهُ: (بِلَا مُحَابَاةٍ) بِأَنْ كَانَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ حَبَوْت الرَّجُلَ حِبَاءً بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ أَعْطَيْته الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ قَالَ وَحَابَاهُ مُحَابَاةً سَامَحَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ حَبَوْته إذَا أَعْطَيْته ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَالِكَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَرِثُهُ) : أَيْ لَوْ خَرَجَ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَوَهَّمُ إرْثُهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَنْ عَتَقَ، مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، إذْ لَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ عَلَى إجَارَتِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَهُ) إشَارَةٌ إلَى قِيَاسٍ اسْتِثْنَائِيٍّ اسْتَثْنَى فِيهِ نَقِيضَ التَّالِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَيَبْطُلُ فَيُنْتِجُ نَقِيضَ الْمُقَدَّمِ. كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَيَمْتَنِعُ إرْثُهُ وَالنَّتِيجَةُ هِيَ الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يَرِثُهُ. قَوْلُهُ: (لَكَانَ عِتْقُهُ تَبَرُّعًا عَلَى الْوَرَثَةِ) : الْأَوْلَى عَلَى الْوَارِثِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَمْلُوكُ بِالْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ وَارِثٌ فَيَكُونُ عِتْقُهُ تَبَرُّعًا عَلَيْهِ نَفْسِهِ، وَالتَّبَرُّعُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِوَارِثٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ لَهُ، أَيْ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِرِضَا الْوَرَثَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُتَبَرِّعِ عَلَيْهِ. مَعَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إجَازَةُ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: لَكَانَ عِتْقُهُ تَبَرُّعًا عَلَى الْوَارِثِ اهـ. وَهِيَ أَوْلَى وَيُمْكِنُ أَنَّ أَلْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ لِلْجِنْسِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْوَارِثِ: أَيْ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِثَمَنِهِ عَلَى وَارِثٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ: إجَازَةُ الْوَارِثِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْوَارِثُ وَقْتَ الشِّرَاءِ حُرًّا حَتَّى يَصِحَّ إجَازَتُهُ فَالْمُرَادُ بِالْوَارِثِ مَنْ سَيَصِيرُ وَارِثًا وَهُوَ الْعَتِيقُ. قَوْلُهُ: (لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِ) : أَيْ هَذَا الْوَارِثِ الَّذِي مَلَكَ بِعِوَضٍ، أَيْ إجَازَةِ نَفْسِ الْعَتِيقِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ هُنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ نَفْسِهِ. أَيْ إجَازَةِ الْمُوصَى لَهُ كَبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ مَعَ أَنَّ عِبَارَتَهُمْ هُنَاكَ وَهِيَ وَتَصِحُّ لِوَارِثٍ إنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ صَرِيحَةٌ، فِي خِلَافِ ذَلِكَ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَيَقْرُبُ مَا ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: (الْمُتَوَقِّفُ) أَيْ الْإِرْثُ وَقَوْلُهُ: الْمُتَوَقِّفُ أَيْ الْعِتْقُ وَقَوْلُهُ: عَلَيْهَا أَيْ الْإِجَازَةِ لَكِنَّ الْإِجَازَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْإِرْثِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا بِوَاسِطَةِ الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ مَدِينًا) : تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ مَلَكَهُ بِعِوَضٍ بِلَا مُحَابَاةٍ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَدِينًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ. وَقَوْلُ م د: إنَّهُ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ: عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ. قَوْلُهُ: (بِدَيْنٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 وَالدَّيْنُ يَمْنَعُ مِنْهُ وَإِنْ مَلَكَهُ بِعِوَضٍ بِمُحَابَاةٍ مِنْ الْبَائِعِ فَقَدْرُهَا كَمِلْكِهِ مَجَّانًا فَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ وُهِبَ لِرَقِيقٍ جُزْءُ بَعْضِ سَيِّدِهِ فَقَبِلَ عَتَقَ. قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ، وَسَرَى وَعَلَى سَيِّدِهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُ هِبَةٌ لِسَيِّدِهِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَسْرِي لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا كَالْإِرْثِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. فَصْلٌ: فِي الْوَلَاءِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ لُغَةً الْقَرَابَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَهِيَ الْمُعَاوَنَةُ وَالْمُقَارَبَةُ وَشَرْعًا عُصُوبَةٌ سَبَبُهَا زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقِيقِ بِالْحُرِّيَّةِ وَهِيَ مُتَرَاخِيَةٌ عَنْ عُصُوبَةِ النَّسَبِ فَيَرِثُ بِهَا الْمُعْتِقُ وَيَلِي أَمْرَ النِّكَاحِ وَالصَّلَاةِ وَيَعْقِلُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» أَيْ اخْتِلَاطٌ كَاخْتِلَاطِ النَّسَبِ: «لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» .   [حاشية البجيرمي] مُسْتَغْرِقٍ) : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا، أَوْ سَقَطَ بِإِبْرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ عَتَقَ إنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ فِي الْأُولَى أَوْ ثُلُثِ الْمَالِ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ إجَازَةِ الْوُرَّاثِ فِيهِمَا وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ ثُلُثِ ذَلِكَ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ فِي الْأُولَى وَلَا مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُجِزْهُ الْوَارِثُ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ: بِقَدْرِ ثُلُثِ ذَلِكَ، أَيْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ أَوْ ثُلُثِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (بِمُحَابَاةٍ) أَيْ بِنَقْصٍ عَنْ قِيمَتِهِ كَأَنْ اشْتَرَى بِخَمْسِينَ مَا يُسَاوِي مِائَةً. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (فَقَدْرُهَا) : وَهُوَ الْخَمْسُونَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَيْ فَيُقْطَعُ النَّظَرُ عَنْهُ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الِاعْتِبَارِ، بَلْ يُعْتَبَرُ مَا دَفَعَهُ فَقَطْ هُوَ الْخَمْسُونَ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ مِائَةٌ أُخْرَى، عَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ، لِأَنَّ الْخَمْسِينَ الَّتِي دَفَعَهَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَالْخَمْسُونَ الْمُحَابَى بِهَا قَطَعْنَا النَّظَرَ عَنْهَا فَلَوْ لَمْ نَقْطَعْ النَّظَرَ عَنْ الْمُحَابَى بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَانِ أُخْرَيَانِ، غَيْرَ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا الْخَمْسُونَ، الَّتِي دَفَعَهَا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ ثُلُثِهَا مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (لِرَقِيقٍ) يَخْرُجُ الْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ، أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَيَقْبَلُ وَلَا يَعْتِقُ عَلَى السَّيِّدِ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ فَفِي نَوْبَتِهِ كَالْحُرِّ وَفِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ كَالْقِنِّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةٌ فَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِنٌّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِسَيِّدِهِ يَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ اهـ أج وَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شُرُوطِ السِّرَايَةِ. قَوْلُهُ: (جُزْءُ بَعْضِ سَيِّدِهِ) أَيْ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ) مُعْتَمَدٌ كَمَا فِي م ر وَمَا فِي الْمِنْهَاجِ ضَعِيفٌ أج. [فَصْلٌ فِي الْوَلَاءِ] ِ قِيلَ: كَانَ الْأَنْسَبُ تَأْخِيرَهُ عَنْ أَبْوَابِ الْعِتْقِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِهِ. كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: سَوَاءٌ كَانَ مُنْجَزًا إلَخْ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْقَوْلِ: لِثُبُوتِهِ لِلْمُعْتِقِ وَلِعَصَبَتِهِ، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ فِيهِمَا لِلْعَصَبَةِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (الْمُعَاوَنَةُ وَالْمُقَارَبَةُ) مُتَغَايِرَانِ وَالْمُقَارَبَةُ لِلشَّيْءِ الْقُرْبُ مِنْهُ أَيْ فَكَأَنَّهُ أَحَدُ أَقَارِبِهِ. قَوْلُهُ: (بِالْحُرِّيَّةِ) الْأَوْلَى بِالْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (مُتَرَاخِيَةٌ) أَيْ أَحْكَامُهَا الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ) أَيْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لُحْمَةٌ) أَيْ تَشَابُهٌ وَاخْتِلَاطٌ كَمَا تُخَالِطُ اللُّحْمَةُ سَدَى الثَّوْبِ حَتَّى يَصِيرَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُدَاخَلَةِ الشَّدِيدَةِ وَالسَّدَى بِفَتْحِ السِّينِ مَعَ الْقَصْرِ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ النَّاسِ بِالْقِيَامِ وَيُسَمُّونَهُ أَيْضًا بِالْمُسْدِيَةِ اهـ. وَفِي الْمُخْتَارِ اللُّحْمَةُ بِالضَّمِّ الْقَرَابَةُ. وَلُحْمَةُ الثَّوْبِ تُضَمُّ وَتُفْتَحُ وَفِي الشَّوْبَرِيِّ مَا نَصُّهُ: حَكَى الْأَزْهَرِيُّ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، لَحْمَةُ الْقَرَابَةِ وَلَحْمَةُ النَّسَبِ اللَّامُ مَفْتُوحَةٌ فِيهِمَا. ثُمَّ قَالَ: وَالْعَامَّةُ يَقُولُونَ: بِضَمِّ اللَّامِ فِي الْحَرْفَيْنِ. وَاَلَّذِي أَعْرِفُهُ لُحْمَةُ النَّسَبِ بِضَمِّ اللَّامِ مَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 وَاللُّحْمَةُ بِضَمِّ اللَّامِ الْقَرَابَةُ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا. وَلَا يُورَثُ بَلْ يُورَثُ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وُرِثَ لَاشْتَرَكَ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَالْوَلَاءُ مِنْ حُقُوقِ الْعِتْقِ) اللَّازِمَةِ لَهُ فَلَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ، فَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى أَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ لَغَا الشَّرْطُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ. إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَيَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ سَوَاءٌ أَحَصَلَ الْعِتْقُ مُنَجَّزًا أَمْ بِصِفَةٍ أَمْ بِكِتَابَةٍ بِأَدَاءِ نُجُومٍ أَمْ بِتَدْبِيرٍ أَمْ بِاسْتِيلَادٍ، أَمْ بِقَرَابَةٍ كَأَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ مَلَكَهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ بِشِرَاءِ الرَّقِيقِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ أَمْ ضِمْنًا كَقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَأَجَابَهُ أَمَّا وَلَاؤُهُ بِالْإِعْتَاقِ فَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَأَمَّا بِغَيْرِهِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا أَعْتَقَ غَيْرُهُ عَبْدَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ. وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ الْمُعْتِقِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ لَا لِلْمَالِكِ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِزَعْمِهِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ   [حاشية البجيرمي] جَوَازِ الْفَتْحِ وَلَحْمَةُ الثَّوْبِ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ اهـ وَقَالَ ق ل قَوْلُهُ: لُحْمَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا بِمَعْنَى الِاخْتِلَاطِ أَوْ بِمَعْنَى الْمُلَاصَقَةِ وَتَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ لَهُ: وَبِالْقَرَابَةِ بَعِيدٌ اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ اخْتِلَاطٌ) فَسَّرَ اللُّحْمَةَ هُنَا بِالِاخْتِلَاطِ وَفَسَّرَهَا فِيمَا يَأْتِي بِالْقَرَابَةِ وَيُمْكِنُ أَنَّ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ لُغَوِيٌّ وَالثَّانِيَ شَرْعِيٌّ كَذَا قِيلَ: وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ الْعَكْسُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَوْ وُرِثَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَكَانَ حَقُّ التَّعْلِيلِ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ لَوْ وُرِثَ لَمْ يَثْبُتْ لِلْعَصَبَةِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (مِنْ حُقُوقِ الْعِتْقِ) أَيْ مِنْ آثَارِهِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ عَلَى الْعَتِيقِ وَلَوْ كَافِرًا وَلَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِرْثُ مَا دَامَا عَلَى اخْتِلَافِ الدِّينِ وَهُوَ قِسْمَانِ: وَلَاءُ مُبَاشَرَةٍ، وَهُوَ الَّذِي يَثْبُتُ عَلَى مَنْ مَسَّهُ رِقٌّ لِمَنْ وَقَعَ مِنْهُ الْعِتْقُ. وَوَلَاءُ سِرَايَةٍ وَهُوَ الَّذِي يَثْبُتُ عَلَى مَنْ لَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ، مِنْ جِهَةِ أُصُولِهِ لِأَنَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْأَصْلِ نِعْمَةٌ عَلَى فَرْعِهِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَنْتَفِي) أَيْ الْوَلَاءُ بِنَفْيِهِ أَيْ بِإِنْكَارِهِ وَجَحْدِهِ أَوْ إعْتَاقِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُفَرَّعُ هُوَ الثَّانِيَ. اهـ. شَيْخُنَا. وَلَيْسَ لَنَا شَرْطٌ يَصِحُّ مَشْرُوطُهُ مَعَ فَسَادِ شَرْطِهِ، إلَّا هَذَا وَالْعُمْرَى وَالرُّقْبَى. قَوْلُهُ: (قَضَاءُ اللَّهِ) أَيْ حُكْمُهُ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ مِنْ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ. وَبِشَرْطِهِ أَيْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْثَقُ أَيْ أَقْوَى. قَوْلُهُ: (إنَّمَا الْوَلَاءُ إلَخْ) بَيَانٌ لِلشَّرْطِ. قَوْلُهُ: (أَمْ بِصِفَةٍ) أَيْ أَمْ حَصَلَ بِصِفَةٍ أَمْ بِكِتَابَةٍ بِأَدَاءٍ أَيْ مَعَ أَدَاءً إلَخْ، إذْ الْعِتْقُ بِهِ لَا بِالْكِتَابَةِ كَمَا قَالَهُ ع ش: قَوْلُهُ: (أَمْ بِقَرَابَةٍ) فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْغَرِيبَ مُتَّصِفٌ بِوَصْفِ الْقَرَابَةِ فَمَا فَائِدَةُ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ مَعَهَا. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ لِثُبُوتِ الْوَلَاءِ فَائِدَةٌ: فِي بِنْتٍ أَعْتَقَتْ أَبَاهَا وَلَمْ يَكُنْ غَيْرُهَا، فَإِنَّهَا تَأْخُذُ النِّصْفَ بِالنَّسَبِ، وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِالْوَلَاءِ فَتُقَدَّمُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَأَيْضًا الْأَيْمَانُ وَالتَّعَالِيقُ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِشِرَاءِ الرَّقِيقِ) أَيْ أَمْ حَصَلَ بِشِرَاءِ الرَّقِيقِ وَانْظُرْ: لَوْ عَجَزَ عَنْ الثَّمَنِ هَلْ يَعُودُ رَقِيقًا. أَوْ يَسْتَمِرُّ فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْيَسَارِ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، يَظْهَرُ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (أَمْ ضَمَانٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مُنَجَّزًا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الضِّمْنِيَّ مُنَجَّزٌ فَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ اسْتِقْلَالًا أَمْ ضِمْنًا. قَوْلُهُ: (عَقْدُ عَتَاقَةٍ) فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ فَيَكُونُ بَيْعُهُ لَهُ عِتْقًا لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْفَصْلِ. قَوْلُهُ: (كَقَوْلِهِ: إلَخْ) فِي كَوْنِ الْعِتْقِ ضِمْنِيًّا فِيمَا ذُكِرَ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ وَالضِّمْنِيُّ إنَّمَا هُوَ الْبَيْعُ إنْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِكَذَا أَوْ الْهِبَةُ إنْ لَمْ يَقُلْ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا أَعْتَقَ غَيْرَهُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ كَقَوْلِهِ: لِغَيْرِهِ إلَخْ. وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: أَمَّا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا أَعْتَقَ غَيْرُهُ عَبْدَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَيْ بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَعْتَقْتُك عَنْ فُلَانٍ، وَلَمْ يَكُنْ فُلَانٌ أَذِنَ لَهُ فِي إعْتَاقِهِ عَنْهُ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُبَاشِرِ لِلْعِتْقِ خِلَافًا لِمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِمَنْ عَتَقَ عَنْهُ لَا لِلْمَالِكِ. قَوْلُهُ: (لَا يَثْبُتُ لَهُ) أَيْ لِلَّذِي أَعْتَقَ عَنْهُ وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ مُعْتَمَدٌ. وَقَوْلُهُ: فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ أَوْ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْوَلَاءُ مِنْ حُقُوقِ الْعِتْقِ. وَالثَّانِي أَظْهَرُ، لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِيمَا ذَكَرَهُ عِتْقٌ لَا إعْتَاقٌ، وَفِي الِاسْتِثْنَاءِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إعْتَاقٌ وَإِنَّمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 وَإِنَّمَا عَتَقَ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَوْلِهِ: وَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْكَافِرُ كَافِرًا فَلَحِقَ الْعَتِيقُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتُرِقَّ ثُمَّ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ الثَّانِي فَوَلَاؤُهُ لِلثَّانِي وَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْإِمَامُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لِلْمُعْتِقِ. تَنْبِيهٌ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَعَكْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَثَا كَمَا تَثْبُتُ عُلْقَةُ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَثَا وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الْإِعْتَاقِ كَإِسْلَامِ شَخْصٍ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَحَدِيثُ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» قَالَ الْبُخَارِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ وَكَالْتِقَاطٍ وَحَدِيثُ: «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ عَتِيقَهَا وَلَقِيطَهَا وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ» ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَحُكْمُهُ) أَيْ الْإِرْثُ بِالْوَلَاءِ (حُكْمُ التَّعْصِيبِ) بِالنَّسَبِ فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ: الْمُتَقَدِّمُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْإِرْثُ وَوِلَايَةُ التَّزْوِيجِ، وَتَحَمُّلُ الدِّيَةِ (عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ التَّعْصِيبِ بِالنَّسَبِ إنَّمَا قُدِّمَ النَّسَبُ لِقُوَّتِهِ (وَيَنْتَقِلُ) الْوَلَاءُ (عَنْ الْمُعْتِقِ) بَعْدَ مَوْتِهِ (إلَى الذُّكُورِ مِنْ عَصَبَتِهِ) أَيْ الْمُعْتِقِ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ دُونَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَمَنْ يَعْصِبُهُمْ الْعَاصِبُ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ كَمَا مَرَّ فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِمْ لَكَانَ مَوْرُوثًا. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ لِلْعَاصِبِ مَعَ وُجُودِ الْمُعْتِقِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَثْبُتُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ وَالْمُتَأَخِّرُ لَهُمْ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ فَوَائِدُهُ. وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مِنْ عَتِيقِهَا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوْ مُنْتَمِيًا إلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ فَإِنْ عَتَقَ عَلَيْهَا أَبُوهَا   [حاشية البجيرمي] الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْحُرِّيَّةِ فَقَطْ، وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ صُورِيٌّ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَاصِلٌ بِإِقْرَارِهِ بِالْحُرِّيَّةِ لَا بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ) أَيْ أَوْ أَمَةٍ بِيَدِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ) أَيْ لِلْمُقِرِّ وَهُوَ الْمُشْتَرِي قَوْلُهُ: (مَوْقُوفٌ) أَيْ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْحَالُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمِلْكَ بِزَعْمِهِ) لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ حُرٌّ بِسَبَبِ إقْرَارِهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَشِرَاؤُهُ افْتِدَاءٌ لَهُ مِمَّنْ يَسْتَخْدِمُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: بِزَعْمِهِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْإِمَامُ عَبْدًا) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِصِحَّةِ إعْتَاقِ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ م ر. وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ عَدَمَ الصِّحَّةِ، لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ بُطْلَانَ أَوْقَافِ الْجَرَاكِسَةِ، لِأَنَّهُمْ أَرِقَّاءُ لَمْ يَقَعْ عِتْقُهُمْ، بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ فَتَصَرُّفَاتُهُمْ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ بَاطِلَةٌ، لِعَدَمِ صِحَّةِ مِلْكِهِمْ فَمَنْ اسْتَحَقَّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْأَوْقَافِ وَمَنْ لَا فَلَا. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ صِحَّةُ الْعِتْقِ فَيَمْلِكُ الْإِنْسَانُ مَا أَعْطَوْهُ لَهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ إذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِ قَرِيبٌ كَافِرٌ. قَوْلُهُ: (بِمَحْيَاهُ) أَيْ بِأَحْكَامِ حَيَاتِهِ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْعَقْلِ عَنْهُ، وَمَمَاتِهِ أَيْ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَيَرِثُهُ. قَوْلُهُ: (اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ) أَيْ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَحَدِيثُ تَحُوزُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ. قَوْلُهُ: (عَتِيقُهَا) أَيْ مَوْرُوثُ عَتِيقِهَا. وَقَوْلُهُ: وَلَقِيطُهَا فِيهِ الشَّاهِدُ، فَهُوَ وَجْهُ تَضْعِيفِهِ لِأَنَّ تَرِكَةَ اللَّقِيطِ لِبَيْتِ الْمَالِ لَا حَقَّ لَهَا: فِيهِ. وَأَمَّا وَلَدُهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ أَيْ لِأَجْلِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ تَحُوزَ مَالَهُ بِأَنْ انْفَرَدَتْ، وَلَمْ يَنْتَظِمْ بَيْتُ الْمَالِ، فَتَحُوزُ مَالَهُ فَرْضًا وَرَدًّا اهـ. قَوْلُهُ: (وَحُكْمُهُ أَيْ الْإِرْثِ إلَخْ) فِي تَفْسِيرِ الشَّارِحِ الضَّمِيرَ بِالْإِرْثِ قُصُورٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ: حُكْمُ التَّعْصِيبِ بِالنَّسَبِ فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ. فَالصَّوَابُ حَذْفُ الْإِرْثِ. وَجَعْلُ الضَّمِيرِ رَاجِعًا لِلْوَلَاءِ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ: أَنَّ قَوْلَهُ: أَيْ الْإِرْثُ فِيهِ مُسَامَحَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْإِرْثَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ جَعَلَ حُكْمَ الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ حُكْمَ التَّعَصُّبِ بِالنَّسَبِ فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ مِنْهَا الْإِرْثُ فَتَئُولُ: الْعِبَارَةُ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ حُكْمُ التَّعْصِيبِ بِالنَّسَبِ فِي الْإِرْثِ مَعَ زِيَادَةٍ وَفِي تِلْكَ رَكَاكَةٌ فَكَانَ الْأَوْلَى إبْقَاءَ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيُقْتَصَرُ عَلَى قَوْلِهِ: فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ عَقِبَ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: (فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) وَجَمِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: (وَيَنْتَقِلُ) الْوَلَاءُ أَيْ فَائِدَتُهُ كَالْإِرْثِ بِهِ وَإِلَّا فَالْوَلَاءُ نَفْسُهُ لَا يَنْتَقِلُ كَمَا أَنَّ نَسَبَ الْإِنْسَانِ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (دُونَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ) كَالْأُمِّ وَالْأَخِ لِلْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ. وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَعْصِبُهُمْ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ، وَهُوَ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرُ كَلَامِهِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ: وَيَنْتَقِلُ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ الْمَتْنَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ فَوَائِدُ الْوَلَاءِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا لَهُ مِنْ قَبْلُ. قَوْلُهُ: (فِي حَيَاتِهِ) وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ فَاسِقًا انْتَقَلَتْ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ عَصَبَتِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ كَافِرًا وَالْعَتِيقُ وَالْعَاصِبُ مُسْلِمَيْنِ وَمَاتَ الْعَتِيقُ، فَإِنَّهُ يَرِثُهُ الْعَاصِبُ الْمُسْلِمُ، مَعَ حَيَاةِ الْمُعْتِقِ الْكَافِرِ. قَوْلُهُ: (إلَّا مِنْ عَتِيقِهَا) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ إلَّا عَتِيقُهَا بِإِسْقَاطِ مِنْ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُنْتَمِيًا إلَيْهِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 كَأَنْ اشْتَرَتْهُ ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ بِلَا وَارِثٍ مِنْ النَّسَبِ لِلْأَبِ وَالْعَبْدِ فَمَالَ الْعَتِيقُ لِلْبِنْتِ لَا لِكَوْنِهَا بِنْتَ مُعْتِقِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا لَا تَرِثُ بَلْ لِأَنَّهَا مُعْتَقَةُ الْمُعْتِقِ وَمَحَلُّ مِيرَاثِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ عَصَبَةٌ. فَإِنْ كَانَ كَأَخٍ أَوْ ابْنِ عَمٍّ فَمِيرَاثُ الْعَتِيقِ لَهُ وَلَا شَيْءَ لَهَا لِأَنَّ مُعْتِقَ الْمُعْتِقِ مُتَأَخِّرٌ مِنْ عُصُوبَةِ النَّسَبِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ سَمِعْت بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُمِائَةِ قَاضٍ فَقَالُوا: إنَّ الْمِيرَاثَ لِلْبِنْتِ لِأَنَّهُمْ رَأَوْهَا أَقْرَبَ وَهِيَ عَصَبَةٌ لَهُ بِوَلَائِهَا عَلَيْهَا وَوَجْهُ الْغَفْلَةِ، أَنَّ الْمُقَدَّمَ فِي الْوَلَاءِ الْمُعْتَقُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُهُ ثُمَّ عَصَبَاتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِهِ ثُمَّ عَصَبَاتُهُ. وَهَكَذَا وَوَارِثُ الْعَبْدِ هَاهُنَا عَصَبَتُهُ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مُعْتِقِ مُعْتِقِهِ. وَلَا شَيْءَ لَهَا مَعَ وُجُودِهِ وَنِسْبَةُ غَلَطِ الْقُضَاةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَكَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ غَلَطِهِمْ فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَخٌ وَأُخْتٌ أَبَاهُمَا فَأَعْتَقَ الْأَبُ عَبْدًا وَمَاتَ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ فَقَالُوا: مِيرَاثُهُ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ لِأَنَّهُمَا مُعْتِقَا مُعْتِقِهِ وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا الْمِيرَاثُ   [حاشية البجيرمي] صَوَابُهُ: أَوْ مُنْتَمٍ لِأَنَّهُ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى مِنْ عَتِيقِهَا إلَّا أَنَّهَا سَرَتْ لَهُ مِنْ الْمَنْهَجِ، وَهِيَ فِيهِ نَصْبُهَا صَحِيحٌ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا مَنْصُوبٌ وَعِبَارَتُهُ: إلَّا عَتِيقَهَا، وَمُنْتَمِيًا إلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مُنْتَمِيًا إلَيْهِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ: مِنْ فُرُوعِهِ أَوْ مِنْ عُتَقَائِهِ، وَعِبَارَةُ الشِّنْشَوْرِيُّ: وَكَمَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَى الْعَتِيقِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى يَثْبُتُ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَأَحْفَادِهِ، وَعَلَى عَتِيقِهِ، وَعَتِيقِ عَتِيقِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِنَسَبٍ) أَيْ كَابْنِهِ، وَبِنْتِهِ، وَابْنِ ابْنِهِ، وَبِنْتِ ابْنِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا لَا نَحْوِ إخْوَتِهِ، وَأَعْمَامِهِ، وَأُصُولِهِ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ أَنَّهَا لَا تَرِثُ) أَيْ لِتَوَقُّفِ الْعِتْقِ عَلَى الْعُصُوبَةِ بِالنَّفْسِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْبُنُوَّةُ، بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مُعْتِقَةَ مُعْتِقٍ. قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّ مِيرَاثِهَا إلَخْ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: بِلَا وَارِثٍ إلَخْ قَوْلُهُ: (فَمِيرَاثُ الْعَتِيقِ لَهُ) أَيْ لِلْعَاصِبِ وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ مُعْتِقَ الْمُعْتِقِ) ، وَهُوَ الْبِنْتُ هُنَا. قَوْلُهُ: (مُتَأَخِّرٌ عَنْ عُصُوبَةٍ) كَالْأَخِ وَابْنِ الْعَمِّ. قَوْلُهُ: (فَقَالُوا: إنَّ الْمِيرَاثَ لِلْبِنْتِ) لَا لِلْأَخِ وَلَا لِابْنِ الْعَمِّ الْمُتَقَدِّمِ لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُمَا. وَغَفَلُوا عَنْ أَنَّ جِهَةَ الْقُرْبِ شَرْطُ الْإِرْثِ بِهَا وُجُودُ الْعُصُوبَةِ فِيهَا وَهِيَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا بِنْتًا لَا عُصُوبَةَ لَهَا، وَإِنَّمَا عُصُوبَتُهَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مُعْتِقَةَ الْمُعْتِقِ وَهِيَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ مُتَأَخِّرَةُ الرُّتْبَةِ عَنْ الْأَخِ وَابْنِ الْعَمِّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (عَصَبَةٌ لَهُ) أَيْ لِلْأَبِ، فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا مُعْتِقَتُهُ لَا عَصَبَتُهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ مُعْتِقُهُ) أَيْ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ. قَوْلُهُ: (وَوَارِثُ الْعَبْدِ هَهُنَا عَصَبَتُهُ) أَيْ الْمُعْتِقِ وَهُوَ أَخُوهُ أَوْ ابْنُ عَمِّهِ. قَوْلُهُ: (فَكَانَ) أَيْ الْعَاصِبُ مُقَدَّمًا عَلَى مُعْتِقِ مُعْتِقِهِ، وَهِيَ بِنْتُهُ وَقَوْلُهُ: مَعَ وُجُودِهِ أَيْ الْعَاصِبِ. قَوْلُهُ: (وَنِسْبَةُ غَلَطِ الْقُضَاةِ إلَخْ) الْعِبَارَةُ فِيهَا قَلْبٌ أَيْ نِسْبَةُ الْقُضَاةِ لِلْغَلَطِ. قَوْلُهُ: (أَخٌ وَأُخْتٌ) وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا بِمَا إذَا اشْتَرَتْ الْأُخْتُ فَقَطْ أَبَاهَا. ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، ثُمَّ الْعَتِيقُ عَنْهَا، وَعَنْ أَخِيهَا فَيَكُونُ: مِيرَاثُهُ لِلْأَخِ فَقَطْ، وَعَلَى مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ جَرَى السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ نَظْمًا فَقَالَ: إذَا مَا اشْتَرَتْ بِنْتٌ مَعَ ابْنٍ أَبَاهُمَا ... وَصَارَا لَهُ بَعْدَ الْعَتَاقِ مَوَالِي وَأَعْتَقَهُمْ ثُمَّ الْمَنِيَّةُ عَجَّلَتْ ... عَلَيْهِ وَمَاتُوا بَعْدَهُ بِلَيَالِي وَقَدْ خَلَّفُوا مَالًا فَمَا حُكْمُ مَالِهِمْ ... هَلْ الِابْنُ يَحْوِيهِ وَلَيْسَ يُبَالِي أَمْ الْأُخْتُ تَبْقَى مَعَ أَخِيهَا شَرِيكَةً ... وَهَذَا مِنْ الْمَسْئُولِ جُلُّ سُؤَالِي فَأَجَابَ: لِلِابْنِ جَمِيعُ الْمَالِ إذْ هُوَ عَاصِبٌ ... وَلَيْسَ لِفَرْضِ الْبِنْتِ إرْثُ مَوَالِي وَإِعْتَاقُهَا تُدْلِي بِهِ بَعْدَ عَاصِبٍ ... لِذَا حُجِبَتْ فَافْهَمْ حَدِيثَ سُؤَالِي وَقَدْ غَلِطَتْ فِيهِ طَوَائِفُ أَرْبَعٌ ... مِئِينَ قُضَاةٌ مَا وَعَوْهُ بِبَالِي اهـ مَا فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 لِلْأَخِ وَحْدَهُ وَالْوَلَاءُ لِأَعْلَى الْعَصَبَاتِ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُرْبِ، مِثَالُهُ ابْنُ الْمُعْتِقِ مَعَ ابْنِ ابْنِهِ فَلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ عَنْ ابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَّفَ ابْنًا فَالْوَلَاءُ لِعَمِّهِ دُونَهُ. وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ لِأَبِيهِ فَلَوْ مَاتَ الْآخَرُ وَخَلَّفَ تِسْعَةَ بَنِينَ فَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْعَشَرَةِ بِالسَّوِيَّةِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَتِيقٌ أَبَا مُعْتِقِهِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ إنْ أَعْتَقَ أَجْنَبِيٌّ أُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَاشْتَرَتَا أَبَاهُمَا فَلَا وَلَاءَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. وَلَوْ أَعْتَقَ كَافِرٌ مُسْلِمًا وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ وَابْنٌ كَافِرٌ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ بَعْدَ مَوْتِ مُعْتِقِهِ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِ فَقَطْ. وَلَوْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَوَلَاؤُهُ لَهُمَا وَلَوْ مَاتَ فِي حَيَاةِ مُعْتِقِهِ فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَلَاءِ وَلَا هِبَتُهُ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ فَكَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ النَّسَبِ وَلَا هِبَتُهُ، فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَلَاءِ وَلَا هِبَتُهُ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ تَتِمَّةٌ لَوْ نَكَحَ عَبْدٌ مُعْتَقَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِ أُمِّهِ فَإِذَا عَتَقَ الْأَبُ انْجَرَّ الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ فَرْعُ النَّسَبِ وَالنَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ دُونَ الْأُمَّهَاتِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِمَوَالِي الْأُمِّ لِعَدَمِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَإِذَا أَمْكَنَ عَادَ إلَى مَوْضِعِهِ. وَمَعْنَى الِانْجِرَارِ أَنْ يَنْقَطِعَ مِنْ وَقْتِ عِتْقِ الْأَبِ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ فَإِذَا انْجَرَّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ بَلْ يَكُونُ الْمِيرَاثُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ رَقِيقًا وَعَتَقَ الْجَدُّ انْجَرَّ الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ فَإِنْ أُعْتِقَ الْجَدُّ وَالْأَبُ رَقِيقٌ انْجَرَّ الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (لِلْأَخِ وَحْدَهُ) أَيْ لِأَخِ الْبِنْتِ: وَهُوَ ابْنُ الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ بِخِلَافِ الْبِنْتِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا الْوَلَاءُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنَّ أَخَاهَا عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ مِنْ النَّسَبِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ. قَوْلُهُ: (وَالْوَلَاءُ لِأَعْلَى الْعَصَبَاتِ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ وَفِي نُسْخَةٍ وَالْوَلَاءُ عَلَى الْعَصَبَاتِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَالْمَعْنَى عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ اهـ أج. وَهَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ. قَوْلُهُ: (مِثَالُهُ) : أَيْ الْأَعْلَى. قَوْلُهُ: (فَلَوْ مَاتَ الْآخَرُ) أَيْ ابْنُ الْمُعْتِقِ وَهُوَ عَمُّ الْوَلَدِ الْمَوْجُودِ. قَوْلُهُ: (فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْعَتِيقِ وَأَبِي مُعْتِقِهِ، أَمَّا الْعَتِيقُ فَلِأَنَّهُ مُعْتَقٌ لَهُ وَأَمَّا أَبُو الْمُعْتِقِ فَلِأَنَّهُ عَصَبَةُ مُعْتِقِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا وَلَاءَ لِوَاحِدَةٍ) أَيْ لَا وَلَاءَ مِنْ أَبِيهَا إلَيْهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي شِرَاءِ الْأَبِ. أَيْ فَلَا يُقَالُ: كُلٌّ مِنْهُمَا تَقُولُ لِلْأُخْرَى أَنْتِ بِنْتُ عَتِيقِي فَأَرِثُك لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مِنْ عَتِيقِهَا أَوْ مِنْ مُنْتَمٍ إلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ وَعِبَارَةُ م د. وَقَوْلُهُ: فَلَا وَلَاءَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى أَيْ لِأَنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَاءُ مُبَاشَرَةٍ فَإِذَا مَاتَتْ إحْدَاهُمَا فَلِلْأُخْرَى نِصْفُ مَالِهَا، بِالْأُخُوَّةِ وَالْبَاقِي لَمُعْتَقِهَا بِالْوَلَاءِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ هَذِهِ لَا تُقَاسُ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا وَهُمْ مَا إذَا أَعْتَقَ أَبَا مُعْتِقِهِ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ يَسْرِي مِنْ الِابْنِ، فَلِذَلِكَ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ بِخِلَافِ هَذِهِ فَلَا وَلَاءَ مِنْ أَبِيهِمَا إلَيْهِمَا حَتَّى يَصِيرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْأُخْرَى. أَيْ فَلَا يُقَالُ: كُلٌّ مِنْهُمَا تَقُولُ لِلْأُخْرَى أَنْتِ بِنْتُ عَتِيقِي فَإِرْثُك لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مِنْ عَتِيقِهَا أَوْ مِنْ مُنْتَمٍ إلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ مَا مَرَّ فِي عِتْقِ الْكُلِّ لَا الْبَعْضِ، أَيْ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ لَمْ تُعْتِقْ إلَّا الْبَعْضَ اهـ. وَفِي الْجَوَابِ وَقْفَةٌ فَحَرِّرْهُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَعْتَقَ كَافِرٌ مُسْلِمًا) وَعَكْسُهُ لَوْ أَعْتَقَ مُسْلِمٌ عَبْدًا كَافِرًا وَمَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ فَمِيرَاثُهُ: لِلِابْنِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَرِثُ الْمُعْتَقَ بِصِفَةِ الْكُفْرِ. اهـ. شَنْشُورِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ مَوْتِ مُعْتِقِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ ثَابِتٌ لِعَصَبَتِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. قَوْلُهُ: (لِبَيْتِ الْمَالِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ مِيرَاثَهُ لِلِابْنِ الْمُسْلِمِ، وَلَا يَكُونُ أَبُوهُ مَانِعًا لَهُ لِأَنَّ مَنْ قَامَ بِهِ وَصْفٌ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ يَصِيرُ بِهِ كَالْمَعْدُومِ وَيَنْتَقِلُ الْإِرْثُ لِمَنْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لَوْ نَكَحَ عَبْدٌ) خَرَجَ بِهِ الْحُرُّ فَلَا وَلَاءَ عَلَى أَوْلَادِهِ مِنْهَا ح ل. قَوْلُهُ (مُعْتَقَةً) اسْمُ مَفْعُولٍ بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِينِ وَهُوَ مَفْعُولٌ لِنَكَحَ. قَوْلُهُ: (لِمَوَالِي الْأُمِّ) فِي النُّسَخِ الصِّحَاحِ لِمَوْلَى الْأُمِّ. وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَكِنْ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَخْ الْجَمْعُ. وَأُجِيبَ: عَنْ إفْرَادِ الضَّمِيرِ، بِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَوْلَى الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَوَالِي. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ) أَيْ الْمَوْلَى الْمَفْهُومَ مِنْ الْمَوَالِي. قَوْلُهُ: (إنَّمَا ثَبَتَ لِمَوَالِي الْأُمِّ) أَيْ ابْتِدَاءً لِعَدَمِهِ أَيْ الْوَلَاءِ. قَوْلُهُ: (وَمَعْنَى الِانْجِرَارِ) أَشَارَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى الِانْجِرَارِ أَنَّهُ يَنْعَطِفُ: عَلَى مَا قِبَلَ الْمُنْجَرِّ إلَيْهِ. حَتَّى يَسْتَرِدَّ بِهِ مِيرَاثَهُ مِمَّنْ انْجَرَّ عَنْهُ زي. قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ أَيْضًا. فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَ الْجَدِّ انْجَرَّ الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْجَدِّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ لِأَنَّ الْجَدَّ إنَّمَا جَرَّهُ لِكَوْنِ الْأَبِ كَانَ رَقِيقًا فَإِذَا عَتَقَ كَانَ أَوْلَى بِالْجَرِّ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْجَدِّ فِي النَّسَبِ وَلَوْ مَلَكَ هَذَا الْوَلَدُ الَّذِي وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ أَبَاهُ جَرَّ وَلَاءَ إخْوَتِهِ لِأَبِيهِ مِنْ مَوَالِي أُمِّهِمْ إلَيْهِ وَلَا يَجُرُّ وَلَاءَ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَاءٌ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ أَوْ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ وَأَخَذَ النُّجُومَ كَانَ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. فَصْلٌ فِي التَّدْبِيرِ وَهُوَ لُغَةً النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَشَرْعًا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ دُبُرُ الْحَيَاةِ فَهُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا وَصِيَّةٍ وَلِهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى إعْتَاقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَفْظُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الدُّبُرِ لِأَنَّ الْمَوْتَ دُبُرُ الْحَيَاةِ وَكَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَجُلًا دَبَّرَ غُلَامًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَبَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَتَقْرِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ وَعَدَمُ إنْكَارِهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ. (وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ) صِيغَةٌ وَمَالِكٌ وَمَحَلٌّ وَهُوَ الرَّقِيقُ وَشُرِطَ فِيهِ كَوْنُهُ رَقِيقًا غَيْرَ أُمِّ وَلَدٍ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ بِجِهَةٍ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِهِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ وَهُوَ إمَّا صَرِيحٌ   [حاشية البجيرمي] أَيْ مِنْ مَوَالِي الْأَبِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَكُونُ الْمِيرَاثُ لِبَيْتِ الْمَالِ) أَيْ لِعَدَمِ الْعَصَبَةِ، بِالْوَلَاءِ الْآنَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أُعْتِقَ الْجَدُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ) أَيْ بِفَرْضِ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَإِلَّا فَفَرْضُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا اهـ أج. قَوْلُهُ: (جَرَّ وَلَاءَ إخْوَتِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي الْإِخْوَةِ كَوْنُهُمْ أَشِقَّاءَ، بَلْ مَتَى كَانَ عَلَى إخْوَتِهِ وَلَاءٌ انْجَرَّ مِنْ مَوَالِيهِمْ إلَيْهِ وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: انْجَرَّ وَلَاءُ إخْوَتِهِ لِأَبِيهِ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ فَإِنَّ الْأُخُوَّةَ لِلْأَبِ تَصْدُقُ بِالْأُخُوَّةِ لِلْأَبِ وَلِلْأُمِّ، وَبِالْأُخُوَّةِ لِلْأَبِ وَحْدَهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَانْظُرْ أَيَّ فَائِدَةٍ فِي جَرِّ وَلَاءِ إخْوَتِهِ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يَرِثُهُمْ بِالنَّسَبِ وَقَدْ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ الْمُعْتَقُ أُنْثَى. فَإِنَّ إرْثَهُ لَهُمْ بِالنَّسَبِ فَقَطْ النِّصْفُ فَرْضًا وَبِالْوَلَاءِ النِّصْفُ فَرْضًا بِالنَّسَبِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِالْوَلَاءِ تَعْصِيبًا. قَوْلُهُ: (إلَيْهِ) أَيْ إلَى هَذَا الْوَلَدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُرُّ وَلَاءَ نَفْسِهِ إلَخْ) أَيْ وَإِذَا تَعَذَّرَ جَرُّهُ بَقِيَ مَوْضِعُهُ شَرْحُ الْبَهْجَةِ أَيْ فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: إنَّهُ يَصِيرُ كَحُرِّ الْأَصْلِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ. اهـ. شَيْخُنَا. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ: وَعَلَيْهِ لَوْ مَاتَتْ إخْوَتُهُ وَرِثَهُمْ مَوَالِي أُمِّهِ لِأَنَّ لَهُمْ الْوَلَاءَ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ الَّذِي لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى إخْوَتِهِ بِعِتْقِ أَبِيهِ. [فَصْلٌ فِي التَّدْبِيرِ] ِ أَيْ فِي الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ لُغَةً النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ) وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّدْبِيرُ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ» وَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْبَارِي فَمَعْنَاهُ إبْرَامُ الْأَمْرِ وَتَنْفِيذُهُ وَقَضَاؤُهُ اهـ. مِنْ كِفَايَةِ الطَّالِبِ لِأَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيِّ. قَوْلُهُ: (تَعَلُّقُ عِتْقٍ بِالْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ السَّيِّدِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ صِفَةٍ قَبْلَهُ، لَا مَعَهُ وَلَا بَعْدَهُ. وَالْمُرَادُ: تَعْلِيقُ عِتْقٍ مِنْ مَالِكٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ فَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَالتَّعَالِيقُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهَا، كَمَا لَوْ وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ فِي تَعْلِيقِ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَالشَّوْبَرِيُّ. فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَزِيدَ لَفْظَ مِنْ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ) أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِالْقَوْلِ: كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا) أَيْ لِكَوْنِهِ تَعْلِيقَ عِتْقٍ قَوْلُهُ: لَا يَفْتَقِرُ إلَى إعْتَاقٍ أَيْ مِنْ الْوَرَثَةِ. قَوْلُهُ: (دُبُرُ) بِضَمَّتَيْنِ. وَتُسَكَّنُ الْبَاءُ تَخْفِيفًا أَيْ عَقِبَ الْحَيَاةِ. قَوْلُهُ: (دَبَّرَ غُلَامًا) اسْمُ الْغُلَامِ يَعْقُوبُ وَالسَّيِّدِ أَبُو مَذْكُورٍ الْأَنْصَارِيُّ اهـ. أج. قَوْلُهُ: (فَبَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمْ بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَرْسَلَ ثَمَنَهُ إلَيْهِ. وَقَالَ: اقْضِ دَيْنَك، اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا مِتُّ) أَنَا (فَأَنْتَ حُرٌّ) وَأَعْتَقْتُك أَوْ حَرَّرْتُك بَعْدَ مَوْتِي أَوْ دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ وَإِمَّا كِنَايَةٌ وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ التَّدْبِيرَ وَغَيْرَهُ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَك أَوْ حَبَسْتُك بَعْدَ مَوْتِي نَاوِيًا الْعِتْقَ. (فَهُوَ مُدَبَّرٌ) وَحُكْمُهُ أَنَّهُ (يَعْتِقُ) عَلَيْهِ (بَعْدَ وَفَاتِهِ) أَيْ السَّيِّدِ مَحْسُوبًا (مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) بَعْدَ الدَّيْنِ وَإِنْ وَقَعَ التَّدْبِيرُ فِي الصِّحَّةِ وَلَوْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ نِصْفَهَا وَهِيَ هُوَ فَقَطْ بِيعَ نِصْفُهُ فِي الدَّيْنِ وَعَتَقَ ثُلُثُ الْبَاقِي مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ وَلَا مَالَ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ. فَائِدَةٌ الْحِيلَةُ فِي عِتْقِ الْجَمِيعِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الرَّقِيقُ حُرٌّ قَبْلَ مَرَضِ مَوْتِي بِيَوْمٍ وَإِنْ مِتّ فَجْأَةً فَقَبْلَ مَوْتِي بِيَوْمٍ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ التَّعْلِيقَيْنِ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ التَّدْبِيرُ مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ كَإِنْ مِتُّ فِي ذَا الشَّهْرِ أَوْ الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ. فَإِنْ مَاتَ فِيهِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا، وَمُعَلَّقًا كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَمَاتَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى يَدْخُلَ وَشُرِطَ لِحُصُولِ الْعِتْقِ الدُّخُولُ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ دُخُولِهِ فَلَا تَدْبِيرَ فَإِنْ قَالَ: إنْ مِتُّ ثُمَّ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ شُرِطَ دُخُولُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ مُتَرَاخِيًا عَنْ الْمَوْتِ وَلِلْوَارِثِ كَسْبُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ كَالْبَيْعِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ   [حاشية البجيرمي] ابْنُ شَرَفٍ. وَفِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ فَبَاعَهُ أَيْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ وَقِيلَ بَعْدَ مَوْتِهِ إذْ الدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّدْبِيرِ فَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا اهـ. قَوْلُهُ: (فَتَقْرِيرُهُ) أَيْ لِلتَّدْبِيرِ الْمَفْهُومِ مِنْ دَبَّرَ. قَوْلُهُ: (أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ) أَيْ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ مَوْتِي) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ دَبَّرْتُكَ إلَخْ) وَلَوْ دَبَّرَ جُزْءًا فَإِنْ كَانَ شَائِعًا كَدَبَّرْتُ ثُلُثَك أَوْ نِصْفَك كَانَ تَدْبِيرًا لِذَلِكَ الْجُزْءِ فَقَطْ وَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَ ذَلِكَ الْجُزْءُ فَقَطْ، وَلَا سِرَايَةَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُعْسِرٌ أَوْ غَيْرُ شَائِعٍ كَدَبَّرْتُ يَدَك فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَدْبِيرِ الْكُلِّ لِأَنَّ مَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ مَحَلِّهِ كَالطَّلَاقِ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْجُزْءِ الشَّائِعِ حَيْثُ لَا يَسْرِي بِأَنَّ التَّشْقِيصَ مَعْهُودٌ فِي الشَّائِعِ دُونَ الْيَدِ وَنَحْوِهَا اهـ. شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ) : وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ مَوْتِي أَيْ فَلَا تَحْتَاجُ مَادَّةُ التَّدْبِيرِ إلَى أَنْ يَقُولَ: بَعْدَ مَوْتِي بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ صَنِيعِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَبَسْتُك) أَيْ مَنَعْت عَنْك التَّصَرُّفَاتِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ لِأَنَّهُ مِنْ صِيَغِ الْوَقْفِ. فَكَأَنَّهُ أَوْصَى بِوَقْفِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ وَمَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ. فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ كِنَايَةً فِي التَّدْبِيرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَالْوَصِيَّةَ مُتَقَارِبَانِ لِصِحَّةِ نِيَّةِ التَّدْبِيرِ بِصَرَائِحِ الْوَقْفِ الْقَرِيبَةِ لِذَلِكَ. اهـ. حَجّ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ مَوْتِي) رَاجِعٌ لِلِاثْنَيْنِ. قَوْلُهُ: (مِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ مَالِهِ أَيْ إنْ خَرَجَ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَخْرُجُ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ اهـ. عَزِيزِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الدَّيْنِ) أَيْ وَبَعْدَ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ. قَوْلُهُ: (وَعَتَقَ ثُلُثُ الْبَاقِي) وَهُوَ سُدُسُهُ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا مَاتَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَإِذَا مَرِضَ أَوْ مَاتَ قَالَ الْمَرْحُومِيُّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي صُورَةِ مَوْتِ الْفَجْأَةِ دُونَ صُورَةِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ نَزَلَ بِهِ الْمَرَضُ قَبْلَ مُضِيِّ يَوْمٍ مِنْ التَّعْلِيقِ وَاسْتَمَرَّ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ ثُمَّ مَاتَ. فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ يَوْمٍ قَبْلَ الْمَرَضِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْعِبَارَةَ فِيهَا تَجَوُّزٌ، بِأَنْ نَزَلَ ابْتِدَاءُ الْمَرَضِ مَنْزِلَةَ الْمَوْتِ، فَسَمَّاهُ مَوْتًا تَسْمِيَةً لِلسَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ. وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ فِي مَتْنِ الرَّوْضِ م د. قَوْلُهُ: (فِي ذَا الشَّهْرِ) وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: فِي ذَا الشَّهْرِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ حَيَاتِهِ الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ عَادَةً فَنَحْوُ إنْ مِتّ بَعْدَ أَلْفِ سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ بَاطِلٌ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (فَإِنْ وُجِدَتْ) أَيْ قَبْلَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (وَشُرِطَ لِحُصُولِ الْعِتْقِ) الْأَوْلَى لِحُصُولِ التَّدْبِيرِ لِأَنَّ هَذَا تَدْبِيرٌ وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ الْعِتْقُ. قَوْلُهُ: (إنْ مِتّ ثُمَّ دَخَلْت الدَّارَ) وَلَوْ قَالَ: إنْ مِتّ وَدَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ الدُّخُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الدُّخُولَ قَبْلَهُ. نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْبَغَوِيِّ هُنَا. وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. فَقَدْ ذَكَرَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ هَذَا وَجْهٌ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ اهـ زي. قَوْلُهُ: (وَلِلْوَارِثِ كَسْبُهُ) هَلْ لَهُ وَطْؤُهَا. مَالَ الطَّبَلَاوِيُّ لِلْمَنْعِ فَلْيُحَرَّرْ وَلَوْ نَجَّزَ عِتْقَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ يَنْفُذُ احْتِمَالَانِ فِي الزَّرْكَشِيّ عَنْ ابْنِ أَبِي الدَّمِ. وَصَوَّبَ الدَّمِيرِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 الْعِتْقِ بِهِ. كَقَوْلِهِ إذَا مِتّ وَمَضَى شَهْرٌ مَثَلًا بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ فَلِلْوَارِثِ كَسْبُهُ فِي الشَّهْرِ وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَهَذَا لَيْسَ بِتَدْبِيرٍ فِي الصُّورَتَيْنِ بَلْ تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ الْمَوْتَ فَقَطْ وَلَا مَعَ شَيْءٍ قَبْلَهُ وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي اُشْتُرِطَ وُقُوعُ الْمَشِيئَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَوْرًا فَإِنْ أَتَى بِصِيغَةٍ نَحْوِ: مَتَى لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ وَلَوْ قَالَا لِعَبْدِهِمَا: إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا. فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقَّ الْعِتْقِ بِمَوْتِ الشَّرِيكِ وَلَهُ كَسْبُهُ، ثُمَّ عِتْقُهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا مَعًا عِتْقُ تَعْلِيقٍ بِصِفَةٍ لَا عِتْقُ تَدْبِيرٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِمَوْتِهِ بَلْ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ غَيْرِهِ. وَفِي مَوْتِهِمَا مُرَتَّبًا يَصِيرُ نَصِيبُ الْمُتَأَخِّرِ مَوْتًا بِمَوْتِ الْمُتَقَدِّمِ مُدَبَّرًا دُونَ نَصِيبِ الْمُتَقَدِّمِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَالِكِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا وَعَدَمُ صِبًا وَجُنُونٍ فَيَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ، وَلَوْ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِمَا وَمِنْ مُبَعَّضٍ وَكَافِرٍ وَلَوْ حَرْبِيًّا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ صَحِيحُ الْعِبَارَةِ وَالْمِلْكِ، وَمِنْ سَكْرَانَ لِأَنَّهُ كَالْمُكَلَّفِ حُكْمًا. وَتَدْبِيرُ مُرْتَدٍّ مَوْقُوفٌ   [حاشية البجيرمي] النُّفُوذَ قَالَ: وَكَمْ مِنْ رَقِيقَةٍ يَمْتَنِعُ بَيْعُهَا وَيَجُوزُ عِتْقُهَا كَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ. سم وَفِيهِ أَيْضًا عَلَى ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَصِيرَ مُسْتَوْلَدَةً مِنْ الْوَارِثِ فَيَتَأَخَّرُ إعْتَاقُهَا وَفِي مَعْنَى كَسْبِهِ اسْتِخْدَامُهُ وَإِجَارَتُهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَخْ) وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَالِكِ حَيْثُ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، فَإِنَّهُ مُفَوِّتٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَارِثُ فَإِنَّهُ مُفَوِّتٌ عَلَى غَيْرِهِ فَمَنَعَ مِنْهُ لِذَلِكَ اهـ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ الزِّيَادِيُّ لِلْمُوصِي الرُّجُوعُ فِي وَصِيَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي الرُّجُوعُ أج. قَوْلُهُ: (وَهَذَا لَيْسَ بِتَدْبِيرٍ) وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ التَّدْبِيرِ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ عَرَّفَ التَّدْبِيرَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَهُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ فِي الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا فَكُلُّ تَدْبِيرٍ تَعْلِيقٌ وَلَا عَكْسَ. فَإِذَا عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى الْمَوْتِ أَوْ مَعَ شَيْءٍ قَبْلَهُ فَهُوَ تَدْبِيرٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثُّلُثِ وَيُقَالُ لَهُ تَعْلِيقٌ أَيْضًا وَإِنْ عَلَّقَهُ بِغَيْرِ الْمَوْتِ أَوْ بِالْمَوْتِ وَشَيْءٍ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ مَحْسُوبٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يُقَالُ لَهُ تَدْبِيرٌ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ هُوَ الْمَوْتَ فَقَطْ) بَلْ مَعَ الدُّخُولِ أَوْ مُضِيِّ شَهْرٍ بَعْدَهُ ع ش. وَقَوْلُهُ: (وَلَا مَعَ شَيْءٍ قَبْلَهُ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ عُلِّقَ عَلَى الْمَوْتِ مَعَ شَيْءٍ قَبْلَهُ كَانَ تَدْبِيرًا اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت) أَيْ إنْ شِئْت الْحُرِّيَّةَ. قَوْلُهُ: (اُشْتُرِطَ وُقُوعُ الْمَشِيئَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ إلَخْ) : وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ إرَادَةَ الْمَشِيئَةِ فِي الْحَيَاةِ وَيَحْتَمِلُ الْمَشِيئَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُرَاجَعُ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى إرَادَتِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَطْلَقْت وَلَمْ أَنْوِ شَيْئًا فَالْأَصَحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَبِهِ أَجَابَ الْأَكْثَرُونَ: مِنْهُمْ الْعِرَاقِيُّونَ وَشَرَطُوا أَنْ تَكُونَ الْمَشِيئَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى الْفَوْرِ اهـ. زي. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْمَوْتِ) لِتَقَدُّمِهَا فِي الصِّيغَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِتَأَخُّرِهَا. كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَوْرًا) أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْمَشِيئَةِ فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَالْمُرَادُ بِالتَّوَاجُبِ أَيْ التَّخَاطُبِ فَإِنَّ الْخِطَابَ إلْقَاءُ الْكَلَامِ إلَى الْغَيْرِ بِقَصْدِ الْإِفْهَامِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَا) أَيْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا ع ش. قَوْلُهُ: (بِمَوْتِ الشَّرِيكِ) أَيْ الَّذِي يَمُوتُ آخِرًا. قَوْلُهُ: (وَلَهُ) أَيْ لِلْوَارِثِ كَسْبُهُ. أَيْ كَسْبُ نَصِيبِهِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ عِتْقُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا قَالَا ذَلِكَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبُ كُلٍّ بِمَوْتِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ مُدَبَّرٌ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا مَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ اهـ. قَوْلُهُ: (الْمُتَأَخِّرُ مَوْتًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ وَإِنَّمَا كَانَ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَشَيْءٍ سَبَقَهُ وَهُوَ مَوْتُ الشَّرِيكِ الْمُتَقَدِّمِ. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ جَوَازُ بَيْعِ الْمُتَأَخِّرِ مَوْتًا لِنَصِيبِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ التَّدْبِيرِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا صَرِيحًا فَلْيُرَاجَعْ، ثُمَّ رَأَيْت سم صَرَّحَ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ وَأَمَّا نَصِيبُ الْمَيِّتِ فَبَاقٍ عَلَى تَعْلِيقِهِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (دُونَ نَصِيبِ الْمُتَقَدِّمِ) لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ وَغَيْرِهِ ح ل. قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ صِبًا إلَخْ) : لَمْ يَقُلْ مُكَلَّفًا مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ لِيَشْمَلَ كَلَامُهُ السَّكْرَانَ لِأَنَّهُ غَيْرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 إنْ أَسْلَمَ بَانَتْ صِحَّتُهُ وَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ فَسَادُهُ وَلِحَرْبِيٍّ حَمْلُ مُدَبَّرِهِ لِدَارِهِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ بَاقِيَةٌ وَلَوْ دَبَّرَ كَافِرٌ مُسْلِمًا بِيعَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ أَوْ دَبَّرَ كَافِرٌ كَافِرًا فَأَسْلَمَ نُزِعَ مِنْهُ وَجُعِلَ عِنْدَ عَدْلٍ وَلِسَيِّدِهِ كَسْبُهُ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى تَدْبِيرِهِ لَا يُبَاعُ عَلَيْهِ لِتَوَقُّعِ الْحُرِّيَّةِ. (وَيَجُوزُ لَهُ) أَيْ لِلسَّيِّدِ الْجَائِزِ التَّصَرُّفِ (أَنْ يَبِيعَهُ) أَيْ الْمُدَبَّرَ أَوْ يَهَبَهُ وَيَقْبِضَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ. (فِي حَالِ حَيَاتِهِ) كَمَا قَبْلَ التَّدْبِيرِ (وَيَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ) بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ فَلَا يَعُودُ وَإِنْ مَلَكَهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ، وَخَرَجَ بِجَائِزِ التَّصَرُّفِ السَّفِيهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَإِنْ صَحَّ تَدْبِيرُهُ وَيَبْطُلُ أَيْضًا بِإِيلَادٍ لِمُدَبَّرَتِهِ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الدَّيْنُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَيَرْفَعُهُ الْأَقْوَى، كَمَا يَرْفَعُ مِلْكَ الْيَمِينِ النِّكَاحُ وَلَا يَبْطُلُ التَّدْبِيرُ بِرِدَّةِ السَّيِّدِ وَلَا الْمُدَبَّرِ صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُدَبَّرِ عَنْ الضَّيَاعِ، فَيَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ. وَإِنْ كَانَا مُرْتَدَّيْنِ وَلَا رُجُوعَ عَنْهُ بِاللَّفْظِ كَفَسَخْتُهُ أَوْ نَقَضْتُهُ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَلَا إنْكَارِ التَّدْبِيرِ كَمَا أَنَّ إنْكَارَ الرِّدَّةِ لَيْسَ إسْلَامًا وَإِنْكَارَ الطَّلَاقِ لَيْسَ رَجْعَةً فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا دَبَّرَهُ وَلَا وَطِئَ مُدَبَّرَتَهُ وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ الْمُكَاتَبِ، كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ وَكِتَابَةِ مُدَبَّرٍ وَصَحَّ تَعْلِيقُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِصِفَةٍ وَيَعْتِقُ بِالْأَسْبَقِ مِنْ الْوَصْفَيْنِ. تَنْبِيهٌ حَمْلُ مَنْ دُبِّرَتْ حَامِلًا مُدَبَّرٌ تَبَعًا لَهَا وَإِنْ انْفَصَلَ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهَا لَا إنْ بَطَلَ قَبْلَ انْفِصَالِهِ تَدْبِيرُهَا بِلَا مَوْتِهَا   [حاشية البجيرمي] مُكَلَّفٍ بَلْ فِي حُكْمِهِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ مُبَعَّضٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ كَذَلِكَ اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلِحَرْبِيٍّ حَمْلُ مُدَبَّرِهِ) إنْ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَلَوْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ أَمَانٍ فَلَيْسَ لَهُ حَمْلُهُ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا ظَفِرْنَا بِهِ مِنْ مَالِهِ صَارَ مِلْكًا لَنَا. وَقَوْلُهُ: حَمْلُ مُدَبَّرِهِ أَيْ وَمُسْتَوْلَدَتِهِ. وَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ شَوْبَرِيٌّ عِبَارَةُ م ر. وَكَذَا لَهُ حَمْلُ أُمِّ وَلَدِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ كَافِرًا أَصْلِيًّا. أَمَّا لَوْ كَانَا مُرْتَدَّيْنِ فَيُمْنَعُ مِنْ حَمْلِهَا مَعَهُ كَمَا قَالَهُ م ر اهـ. قَوْلُهُ: (نُزِعَ مِنْهُ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا حَيْثُ قُلْتُمْ: بِيعَ عَلَيْهِ وَلَمْ تَقُولُوا: يُنْزَعُ مِنْهُ وَيُجْعَلُ عِنْدَ عَدْلٍ كَمَا هُنَا أَنَّهُ فِي الْأُولَى مُسْلِمٌ ابْتِدَاءً وَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ ابْتِدَاءً وَالتَّدْبِيرُ لَيْسَ فِيهِ زَوَالُ مِلْكٍ. وَفِي الثَّانِيَةِ وَقَعَ التَّدْبِيرُ وَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا يُقَالُ: يُبَاعُ عَلَيْهِ وَيَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي دَوَامِ الْإِسْلَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي ابْتِدَائِهِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَبِيعَهُ) فَإِنْ بَاعَ فَالْبَاقِي مُدَبَّرٌ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُ ذَلِكَ) مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْوَقْفِ إلَّا رَهْنَهُ فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ عَلَى حَالٍ لِاحْتِمَالِ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَجْأَةً فَيَفُوتُ الرَّهْنُ بِعِتْقِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَلَكَهُ بِنَاءً إلَخْ) : وَإِنْ بَنَيْنَا عَلَى عَوْدِ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ عَادَ التَّدْبِيرُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ. قَوْلُهُ (بِنَاءً عَلَى عَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ خَالَعَهَا ثُمَّ عَقَدَ عَلَيْهَا عَقْدًا آخَرَ ثُمَّ دَخَلَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ الثَّانِي أَوْ فِي مُدَّةِ الْبَيْنُونَةِ. فَإِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْحِنْثَ لَا يَعُودُ فَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الزَّائِلَ الْعَائِدَ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ. قَوْلُهُ: (وَيَبْطُلُ) أَيْ التَّدْبِيرُ أَيْضًا بِإِيلَادٍ إلَخْ. لِأَنَّهُ أَيْ الْإِيلَادَ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَيْ الْإِيلَادَ. قَوْلُهُ: (كَمَا يَرْفَعُ مِلْكَ الْيَمِينِ النِّكَاحُ) أَيْ فِيمَا إذَا مَلَكَ زَوْجَتَهُ. قَوْلُهُ: (صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُدَبَّرِ عَنْ الضَّيَاعِ) ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُؤَثِّرُ فِي الْعُقُودِ الْمُسْتَقْبَلَةِ دُونَ الْمَاضِيَةِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَيَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ) أَيْ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ فَيْئًا لَا إرْثًا لِأَنَّ الشَّرْطَ تَمَامُ الثُّلُثَيْنِ لِمُسْتَحِقِّهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا وَرَثَةً س ل. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَا مُرْتَدَّيْنِ) لِأَنَّ هَذَا دَوَامٌ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَدْبِيرَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا إنْكَارَ التَّدْبِيرِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَا بِإِنْكَارِ. قَوْلُهُ: (فَيَحْلِفُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْكَارَ لَيْسَ رُجُوعًا أَيْ فَيَتَوَقَّفُ بُطْلَانُهُ عَلَى حَلِفِهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ الْمُكَاتَبِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ. قَوْلُهُ: (تَعْلِيقُ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ فَيَقُولُ لِلْمُدَبَّرِ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلِلْمُكَاتَبِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ فِي الْأُولَى قَبْلَ رَمَضَانَ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وَإِذَا أَدَّى النُّجُومَ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ رَمَضَانَ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ، قَوْلُهُ: (حَمْلُ مَنْ دُبِّرَتْ) خَرَجَ بِالْحَامِلِ مَنْ دُبِّرَتْ حَائِلًا ثُمَّ حَمَلَتْ فَإِذَا انْفَصَلَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَغَيْرُ مُدَبَّرٍ وَإِلَّا عَتَقَ تَبَعًا لِأُمِّهِ فَالشَّرْطُ وُجُودُ الْحَمْلِ عِنْدَ التَّدْبِيرِ. أَوْ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَعِبَارَةُ الَأُجْهُورِيُّ: وَيُعْرَفُ وُجُودُهُ عِنْدَ التَّدْبِيرِ بِوَضْعِهِ لِدُونِ سِتَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 كَبَيْعٍ. فَيَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ أَيْضًا وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ حَمْلٍ كَمَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ، وَلَا تَتْبَعُهُ أُمُّهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يَتْبَعُ الْفَرْعَ، فَإِنْ بَاعَهَا فَرُجُوعٌ عَنْهُ وَلَا يَتْبَعُ مُدَبَّرًا وَلَدُهُ. وَإِنَّمَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ. (وَحُكْمُ) الرَّقِيقِ (الْمُدَبَّرِ فِي حَالِ حَيَاةِ السَّيِّدِ حُكْمُ الْعَبْدِ الْقِنِّ) فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي رَهْنِهِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِهِ. وَالْقِنُّ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ هُوَ مَنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمُعْتَقِ وَمُقَدَّمَاتِهِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَالْمُسْتَوْلَدَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ أَبَوَاهُ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ عَتِيقَيْنِ أَوْ حُرَّيْنِ أَصْلِيَّيْنِ بِأَنْ كَانَا كَافِرَيْنِ وَاسْتُرِقَّ هُوَ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ. تَتِمَّةٌ لَوْ وُجِدَ مَعَ مُدَبَّرٍ مَالٌ أَوْ نَحْوُهُ فِي يَدِهِ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَتَنَازَعَ هُوَ وَالْوَارِثُ فِيهِ فَقَالَ الْمُدَبَّرُ: كَسَبْته بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِي. وَقَالَ الْوَارِثُ بَلْ قَبْلَهُ صُدِّقَ الْمُدَبَّرُ بِيَمِينِهِ. لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ فَتَرَجَّحَ وَهَذَا بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ إذَا قَالَتْ وَلَدْته بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَهُوَ حُرٌّ وَقَالَ الْوَارِثُ بَلْ قَبْلَهُ فَهُوَ قِنٌّ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَارِثِ لِأَنَّهَا تَزْعُمُ حُرِّيَّتَهُ وَالْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ، وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى بَيِّنَةِ الْوَارِثِ إذَا أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ عَلَى مَا قَالَاهُ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ وَلَوْ دَبَّرَ رَجُلَانِ أَمَتَهُمَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا لَحِقَهُ، وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ مَهْرِهَا، وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ شَرِيكُهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِأَنَّ السِّرَايَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى أَخْذِهَا وَيَلْغُو رَدُّ الْمُدَبَّرِ التَّدْبِيرَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، كَمَا فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي بِعَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا لَمْ تُعْتَقْ إلَّا بِمُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي حُكْمِ الصِّفَةِ إلَّا إنْ أَتَتْ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَلَوْ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَتْبَعُهَا ذَلِكَ فَيُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ   [حاشية البجيرمي] أَشْهُرٍ مِنْهُ. فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْهُ لَمْ يَتْبَعْهَا. وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِمَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ يَفْتَرِشُهَا فَلَا يَتْبَعُهَا. وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ كَذَلِكَ تَبِعَهَا وَقَوْلُ الشَّارِحِ حَمْلُ مَنْ دُبِّرَتْ أَيْ نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ أَمْ لَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ أج وَيُعْرَفُ وُجُودُهُ إلَخْ كَمَا أَفَادَهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (مُدَبَّرٌ تَبَعًا لَهَا) : أَيْ إنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ فَإِنْ اسْتَثْنَاهُ لَمْ يَتْبَعْهَا فِي التَّدْبِيرِ إلَّا إنْ عَتَقَتْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ حَامِلًا بِهِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهَا ح ل وَعِبَارَةُ. ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهَا وَإِنْ اسْتَثْنَاهُ كَمَا مَرَّ لِقُوَّةِ الْعِتْقِ وَضَعْفِ التَّدْبِيرِ. قَوْلُهُ: (بِلَا مَوْتِهَا) فَإِذَا مَاتَتْ وَانْفَصَلَ مِنْهَا حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهَا بَقِيَ مُدَبَّرًا مَعَ بُطْلَانِ تَدْبِيرِهَا فَقَدْ ثَبَتَ الْحُكْمُ لِلتَّابِعِ مَعَ انْتِفَائِهِ لِلْمَتْبُوعِ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ حَمْلٍ) أَيْ اسْتِقْلَالًا فَغَايَرَ مَا قَبْلَهُ. وَقِيَاسُهُ عَلَى عِتْقِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ حَمْلَهَا وَهُوَ مُضْغَةٌ أَوْ عَلَقَةٌ لَمْ يَصِحَّ ق ل. قَوْلُهُ: (فَرُجُوعٌ عَنْهُ) أَيْ التَّدْبِيرِ لِتَبَعِيَّةِ الْحَمْلِ لَهَا فِي الْبَيْعِ. فَلِذَا بَطَلَ تَدْبِيرُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتْبَعُ مُدَبَّرًا وَلَدُهُ) هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: حَمْلُ مَنْ دُبِّرَتْ حَامِلًا مُدَبَّرًا اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر عَبْدًا مُدَبَّرًا فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَتْبَعُ أُمَّهُ) أَيْ مُطْلَقُ الْوَلَدِ بِمَعْنَى الْحَمْلِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ. مَرْحُومِيٌّ وَأُطْلِقَ الْوَلَدُ عَلَى الْحَمْلِ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى كَوْنِهِ وَلَدًا بَعْدَ انْفِصَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَمُقَدِّمَاتُهُ) تَفْسِيرٌ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ) أَيْ الْمُدَبَّرُ قَوْلُهُ: (مَالٌ أَوْ نَحْوُهُ) كَاخْتِصَاصٍ. قَوْلُهُ: (إذَا قَالَتْ وَلَدْته بَعْدَ مَوْتِ إلَخْ) وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا اخْتَلَفَا فِي وَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ هَلْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ بَعْدَهُ. أَوْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ أَوْ بَعْدَهُ أج. قَوْلُهُ: (بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِي) أَيْ إذَا مَضَى بَعْدَ الْمَوْتِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ كَسْبُ مِثْلِهِ زي. قَوْلُهُ: (بَلْ قَبْلَهُ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حَالَ التَّدْبِيرِ وَإِلَّا فَهُوَ مُدَبَّرٌ. قَوْلُهُ: (وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُدَبَّرِ) رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا قَالَاهُ) أَيْ مِنْ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ إنَّمَا يُنَاسِبُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ. قَوْلُهُ: (وَنِصْفُ مَهْرِهَا) أَيْ إنْ تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ عَنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ الْإِنْزَالُ عَنْ تَغْيِيبِهَا لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُغَيِّبْهَا إلَّا فِي مِلْكِهِ، وَانْظُرْ مَا إذَا كَانَ مُقَارِنًا وَلَا يَلْزَمُهُ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَخْذِهَا) الضَّمِيرُ لِلنِّصْفِ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا) أَيْ الْمُنْفَصِلُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْخِطَابَ مَعَهَا فَقَطْ فَلَا يَسْرِي عَلَيْهِ وَخَرَجَ بِالْوَلَدِ الْحَمْلُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ تَبِعَهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ انْفَصَلَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، أَوْ بَعْدَهُ. وَإِنْ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَوَلَدَتْهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ لَا يَتْبَعُهَا، بَلْ لَا يَعْتِقُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 كَوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُهَا وَيُؤْخَذُ مِنْ الْقِيَاسِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا عُلِّقَتْ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ وَمُتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ. فَإِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ عَتَقَ بِمَوْتِهِ. وَإِنْ قَرَأَ بَعْضَهُ لَمْ يَعْتِقْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَإِنْ قَالَ: إنْ قَرَأْتَ قُرْآنًا وَمُتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَرَأَ بَعْضَ الْقُرْآنِ وَمَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَ وَالْفَرْقُ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ النَّصِّ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ إنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ كَالْمَاءِ وَالْعَسَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف: 3] وَهَذَا الْخِطَابُ كَانَ بِمَكَّةَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَبَعْدَ ذَلِكَ نَزَلَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ بِالْهَمْزِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَالْقُرْآنُ بِغَيْرِ هَمْزٍ عِنْدَهُ اسْمُ جَمْعٍ، كَمَا أَفَادَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَلُغَةُ الشَّافِعِيِّ غَيْرُ هَمْزٍ وَالْوَاقِفُ عَلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَظُنُّهُ مَهْمُوزًا وَإِنَّمَا نَطَقَ فِي ذَلِكَ بِلُغَتِهِ الْمَأْلُوفَةِ لَا بِغَيْرِهَا وَبِهَذَا اتَّضَحَ الْإِشْكَالُ. وَأُجِيبَ عَنْ السُّؤَالِ.   [حاشية البجيرمي] أَصْلًا وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ. تَبِعَهَا وَكَذَا إنْ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: (فِي حُكْمِ الصِّفَةِ) وَهِيَ مَوْتُ السَّيِّدِ مَعَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَحُكْمُهَا الْعِتْقُ. قَوْلُهُ: (فَيَعْتِقُ) الْأَوْلَى وَيَعْتِقُ إلَخْ أَيْ وَأَمَّا أُمُّهُ فَمِنْ الثُّلُثِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ تَجَدَّدَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقٌ لَا تَدْبِيرٌ. قَوْلُهُ: (أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُهَا) الْمُنَاسِبُ إرْقَاقُهُ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَلَدِ وَهَذَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُسْتَوْلَدَةِ كَأُمِّهِ فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَالضَّمِيرُ فِي إرْقَاقِهِ رَاجِعٌ لِكُلٍّ. قَوْلُهُ: (إذَا عَلِقَتْ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ) أَيْ حَتَّى لَا يَجُوزُ إرْقَاقُهُ. قَوْلُهُ: (إذَا قَرَأْتَ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَمُتّ بِضَمِّهَا وَقَوْلُهُ: إذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ أَيْ سَوَاءٌ هَمَزَهُ أَوْ لَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِحَرْفِ التَّعْرِيفِ بِأَنْ قَالَ الْقُرْآنَ سَوَاءٌ أَكَانَ مَهْمُوزًا أَوْ لَا اُشْتُرِطَ فِي عِتْقِهِ أَنْ يَقْرَأَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فَإِنْ قَالَ: إنْ قَرَأْت قُرْآنًا فَإِنَّهُ مَتَى قَرَأَ شَيْئًا مِنْهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَا فَصَّلَهُ الشَّارِحُ طَرِيقَةٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ) عَلَى هَذَا اقْتَصَرَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ. وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَا بَعْدَهُ ضَعِيفٌ مَرْحُومِيٌّ. فَإِذَا عَلَّقَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِقِرَاءَةِ جَمِيعِهِ. وَإِذَا عَلَّقَ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ بِدُونِ الْعِتْقِ بِقِرَاءَةِ بَعْضِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَهْمُوزًا أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (عَنْ النَّصِّ) أَيْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلُغَةُ الشَّافِعِيِّ بِغَيْرِ هَمْزٍ كَمَا يَأْتِي وَهِيَ قِرَاءَةٌ سَبُعِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ) أَيْ فَقِرَاءَةُ الْبَعْضِ كَقِرَاءَةِ الْكُلِّ. قَوْلُهُ: (وَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ النَّصِّ وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ جَمَعَ بَيْنَ مَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ النَّصِّ وَبَيْنَ مَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ: بِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ النَّصِّ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْمَهْمُوزِ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ فَقَطْ وَاَلَّذِي قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمَهْمُوزِ وَهُوَ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَهُ اسْمُ جَمْعٍ) أَيْ فَيُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ فَقَطْ. قَوْلُهُ (وَالْوَاقِفُ) كَالدَّمِيرِيِّ وَقَوْلُهُ: يَظُنُّهُ مَهْمُوزًا أَيْ فَاعْتُرِضَ النَّصُّ. أَيْ وَلَيْسَ ظَنُّهُ حَقًّا لِأَنَّهُ إنَّمَا نَطَقَ فِي ذَلِكَ بِلُغَتِهِ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ الْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ: بِلُغَتِهِ الْمَأْلُوفَةِ وَهِيَ بِغَيْرِ الْهَمْزِ. قَوْلُهُ: (وَبِهَذَا) أَيْ بِهَذَا الْجَمْعِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: وَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ إلَخْ. اتَّضَحَ أَيْ زَالَ الْإِشْكَالُ وَهُوَ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ مَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ النَّصِّ. وَبَيْنَ مَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ. قَوْلُهُ: (وَأُجِيبَ عَنْ السُّؤَالِ) أَيْ بِأَنَّ الْكَلَامَيْنِ أَيْ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ وَالدَّمِيرِيِّ لَمْ يَتَوَارَدَا فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَهْمُوزِ فَقَطْ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ. فَقَطْ لِأَنَّ النَّصَّ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ الْبَغَوِيّ فِي غَيْرِ الْمَهْمُوزِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَهْمُوزِ. بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْ النَّصِّ. قَوْلُهُ: (عَنْ السُّؤَالِ) أَيْ الْإِشْكَالِ أَيْ أُجِيبَ بِأَنَّ نَاقِلَ النَّصِّ حَرَّفَهُ. فَإِنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَى الْجَمِيعِ إنَّمَا هُوَ الْقُرْآنُ بِلَا هَمْزٍ لِكَوْنِهِ عِنْدَهُ اسْمُ جَمْعٍ بِخِلَافِ الْمَهْمُوزِ فَيُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَالنَّكِرَةِ اهـ. م د الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْأَشْهَرُ لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ لِأَنَّ فِيهَا ضَمَّ نَجْمٍ إلَى نَجْمٍ وَالنَّجْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَقْتِ أَيْضًا الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ مَالُ الْكِتَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَسُمِّيَتْ كِتَابَةً لِلْعُرْفِ الْجَارِي بِكِتَابَةِ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ يُوَافِقُهُ وَشَرْعًا عَقْدُ عِتْقٍ بِلَفْظِهَا بِعِوَضٍ مُنَجَّمٍ بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَلَفْظُهَا إسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَخَبَرُ «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا . (وَالْكِتَابَةُ مُسْتَحَبَّةٌ) لَا وَاجِبَةٌ وَإِنْ طَلَبَهَا الرَّقِيقُ قِيَاسًا عَلَى التَّدْبِيرِ وَشِرَاءِ الْقَرِيبِ، وَلِئَلَّا يَتَعَطَّلَ أَثَرُ الْمِلْكِ وَتَتَحَكَّمَ الْمَمَالِيكُ عَلَى الْمَالِكِينَ وَإِنَّمَا   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ] ِ ذَكَرَهَا بَعْدَ التَّدْبِيرِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي كُلٍّ مُعَلَّقٌ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ وَهُنَا مُعَلَّقًا بِأَدَاءِ النُّجُومِ. قِيلَ: أَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ عَبْدٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَيَّةَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ س ل. وَلَفْظُهَا إسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ جَاهِلِيٌّ وَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ. قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَبَعْضُهُ فِي ق ل. وَرَأَيْت بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَيْضًا بِدَلِيلِ مُكَاتَبَةِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ اهـ. وَالْكِتَابَةُ خَارِجَةٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْمُعَامَلَاتِ لِدَوَرَانِهَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ وَلِأَنَّهَا بَيْعُ مَالِهِ وَهُوَ رَقَبَةُ عَبْدِهِ بِمَالِهِ، وَهُوَ الْكَسْبُ أَيْ الْمَكْسُوبُ وَهُوَ النُّجُومُ وَأَيْضًا فِيهَا ثُبُوتُ مَالٍ فِي ذِمَّةِ قِنٍّ لِمَالِكِهِ ابْتِدَاءً وَثُبُوتُ مِلْكٍ لِلْقِنِّ اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ إلَّا السَّلَمُ وَالنِّكَاحُ وَالْكِتَابَةُ اهـ فَالْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ الْمَخْصُوصَةِ الْجِنْسُ وَهِيَ فِي النِّكَاحِ زَوَّجْتُك وَأَنْكَحْتُك فَقَطْ. وَفِي السَّلَمِ لَفْظُ السَّلَمِ وَالسَّلَفِ لَا غَيْرُ وَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ لَهُمَا صِيَغٌ كَثِيرَةٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَشْهَرِ) مُقَابِلُهُ أَنَّهَا بِفَتْحِهَا كَالْعَتَاقَةِ. قَوْلُهُ: (لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ) فَتَكُونُ مُرَادِفَةً لِلْكِتَابِ لُغَةً اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِيهَا ضَمَّ نَجْمٍ إلَخْ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَوْجِيهًا لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْآتِي فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ إلَى هُنَاكَ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيلَ م ر فِي شَرْحِهِ عِلَّةً لِلتَّسْمِيَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ. وَشَرْعًا عَقْدُ إلَخْ وَعِبَارَتُهُ وَشَرْعًا عَقْدُ عِتْقٍ بِلَفْظِهَا بِعِوَضٍ مُنَجَّمٍ بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ وَسُمِّيَ كِتَابَةً لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ نَجْمٍ إلَى آخَرَ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُوَثَّقُ بِهَا غَالِبًا اهـ. بِالْحَرْفِ وَمِثْلُهُ شَرْحُ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ يُوَثَّقُ بِهَا أَيْ يُكْتَبُ لَهَا وَثِيقَةٌ فَقَوْلُهُ: وَسُمِّيَتْ إلَخْ الْمُنَاسِبُ أَوْ سُمِّيَتْ لِيَكُونَ عِلَّةً أُخْرَى لِلتَّسْمِيَةِ فَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ تَأْخِيرَ قَوْلِهِ: وَسُمِّيَتْ عَنْ ذِكْرِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ تَوْجِيهٌ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ تَوْجِيهَانِ. قَوْلُهُ: (لِلْعُرْفِ الْجَارِي إلَخْ) تَقَدَّمَ قَوْلُهُ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمِّ إلَخْ فَلِلتَّسْمِيَةِ عِلَّتَانِ. قَوْلُهُ: (بِكِتَابَةِ ذَلِكَ) أَيْ مَضْمُونِ ذَلِكَ الْعَقْدِ فِي كِتَابٍ يُوَافِقُهُ أَيْ يُوَافِقُ ذَلِكَ أَيْ مَضْمُونَهُ. قَوْلُهُ: (يُوَافِقُهُ) أَيْ يُطَابِقُ ذَلِكَ مِنْ مُطَابَقَةِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى. قَوْلُهُ: (عَقْدُ عِتْقٍ) أَيْ عَقْدٌ يُفْضِي إلَى الْعِتْقِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ السَّبَبِ لِلْمُسَبِّبِ. قَوْلُهُ: مُنَجَّمٌ أَيْ مُؤَقَّتٌ بِنَجْمَيْنِ أَيْ وَقْتَيْنِ وَيُطْلَقُ النَّجْمُ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يُؤَدَّى فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ} [النور: 33] أَيْ يَطْلُبُونَ الْكِتَابَ أَيْ الْكِتَابَةَ. قَوْلُهُ: (خَيْرًا) أَيْ أَمَانَةً وَاكْتِسَابًا أَيْ عَلِمْتُمْ أَمَانَتَهُمْ وَقُدْرَتَهُمْ عَلَى الِاكْتِسَابِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا) أَيْ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ لَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِالْعِتْقِ مَجَّانًا وَالْعَبْدُ لَا يَتَشَمَّرُ لِلْكَسْبِ تَشْمِيرَهُ إذَا عُلِّقَ عِتْقُهُ بِالتَّحْصِيلِ وَالْأَدَاءِ فَاحْتُمِلَ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا كَمَا اُحْتُمِلَتْ الْجَهَالَةُ فِي رِبْحِ الْقِرَاضِ وَعَمَلِ الْجِعَالَةِ لِلْحَاجَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْقِيَاسُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (لَا وَاجِبَةٌ) ذَكَرَهُ مَعَ اسْتِفَادَتِهِ مِمَّا قَبْلَهُ، تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: وَلِئَلَّا يَتَعَطَّلَ أَثَرُ الْمِلْكِ. لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِنَفْيِ الْوُجُوبِ وَتَوْطِئَةً لِلْغَايَةِ أَيْضًا أَوْ لِلرَّدِّ صَرِيحًا عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ لِلْوُجُوبِ اهـ. ع ش مُلَخَّصًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 تُسْتَحَبُّ. (إذَا سَأَلَهَا الْعَبْدُ) مِنْ سَيِّدِهِ (وَكَانَ مَأْمُونًا) أَيْ أَمِينًا فِيمَا يَكْسِبُهُ بِحَيْثُ لَا يُضَيِّعُهُ فِي مَعْصِيَةٍ. (مُكْتَسِبًا) أَيْ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ وَبِهِمَا فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْخَيْرَ فِي الْآيَةِ. وَاعْتُبِرَتْ الْأَمَانَةُ لِئَلَّا يَضِيعَ مَا يُحَصِّلُهُ فَلَا يَعْتِقُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ لِيُوثَقَ بِتَحْصِيلِ النُّجُومِ، وَتُفَارِقُ الْإِيتَاءَ حَيْثُ أُجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ مِنْ الْوُجُوبِ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ، وَأَحْوَالُ الشَّرْعِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَهَا كَالزَّكَاةِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ مُكْتَسِبًا قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ أَيُّ كَسْبٍ كَانَ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ يُوَفِّي مَا الْتَزَمَهُ مِنْ النُّجُومِ فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ السُّؤَالُ، وَالْأَمَانَةُ، وَالْقُدْرَةُ، عَلَى الْكَسْبِ فَمُبَاحَةٌ إذْ لَا يَقْوَى رَجَاءُ الْعِتْقِ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (وَإِنْ طَلَبَهَا) غَايَةٌ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ لَا فِي الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ طَلَبَهَا شَرْطٌ فِيهِ وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا إذَا طَلَبَهَا الرَّقِيقُ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] إلَخْ فَحَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (قِيَاسًا عَلَى التَّدْبِيرِ) أَيْ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ لَا فِي اسْتِحْبَابِهِ فَلَيْسَ مَقِيسَةً عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّ اسْتِحْبَابَهَا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَالتَّدْبِيرُ لَيْسَ سُنَّةً كَمَا قَالَهُ زي لَكِنْ بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ فَإِنَّ التَّدْبِيرَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ اهـ م د. قَوْلُهُ: (وَتَتَحَكَّمُ الْمَمَالِيكُ) عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبَّبٍ. قَوْلُهُ: (إذَا سَأَلَهَا) قَيَّدَ لِيُؤَكِّدَهَا فَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهَا فَهِيَ مَسْنُونَةٌ عَنْ غَيْرِ تَأَكُّدٍ بِخِلَافِ الشَّرْطَيْنِ بَعْدَهُ فَهُمَا لِلِاسْتِحْبَابِ. فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُهُمَا كَانَتْ مُبَاحَةً. قَوْلُهُ: (الْعَبْدُ) أَيْ الرَّقِيقُ وَلَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا يُضَيِّعُهُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمِينِ مَنْ لَا يُضَيِّعُ الْمَالَ فِي مَعْصِيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا كَتَرْكِهِ نَحْوَ صَلَاةٍ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (مُكْتَسِبًا) يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ: الرِّقُّ يَضْمَحِلُّ مَعَهُ سَائِرُ صِفَاتِ الْكَمَالِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَلِيقَ بِهِ الْكَسْبُ أح اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ) أَيْ الَّذِي يَفِي بِمُؤْنَتِهِ وَنُجُومِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ شَرْحٌ م ر. قَوْلُهُ: (وَبِهِمَا فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَعَمَّتْ وَالْمُرَادُ بِمَا تَضَمَّنَتَاهُ مِنْ الْأَمَانَةِ وَالْكَسْبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (الْخَيْرَ فِي الْآيَةِ) وَيُطْلَقُ الْخَيْرُ أَيْضًا عَلَى الْمَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8] وَعَلَى الْعَمَلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] اهـ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَاعْتُبِرَ الْأَمَانَةُ) لَمَّا كَانَتْ عِلَّةُ الْأَمَانَةِ وَاحِدَةً قَدَّمَهَا عَلَى عِلَّةِ الطَّلَبِ، وَالْكَسْبِ لِاشْتِرَاكِ الْعِلَّةِ فِيهِمَا فَكَانَ الْأَوَّلُ كَالْمُفْرَدِ وَالثَّانِي كَالْمُرَكَّبِ ع ش. قَوْلُهُ: (وَتُفَارِقُ) أَيْ الْكِتَابَةُ حَيْثُ أُجْرِيَ الْأَمْرُ فِيهَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى فَكَاتِبُوهُمْ إلَخْ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ: فَكَاتِبُوهُمْ وَقَوْلِهِ: وَآتُوهُمْ حَيْثُ حَمَلُوا الْأَوَّلَ عَلَى النَّدْبِ وَالثَّانِي عَلَى الْوُجُوبِ. فَهَلَّا كَانَا لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلنَّدَبِ أَجَابَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَتُفَارِقُ إلَخْ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَأَحْوَالُ الشَّرْعِ) أَيْ قَوَاعِدُهُ. قَوْلُهُ: (أَيَّ كَسْبٍ) بِنَصْبِ أَيَّ خَبَرَ كَانَ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ أَنَّ أَيْ وَلَوْ كَانَ كَسْبًا قَلِيلًا لَا يَفِي اهـ. قَوْلُهُ: (قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ إلَخْ) : هَلْ وَلَوْ لَمْ يَلْقَ بِهِ الْكَسْبَ كَأَنْ كَانَ مِنْ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ وَسَأَلَ الْكِتَابَةَ وَعَلِمَ السَّيِّدُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْكَسْبُ إلَّا مِنْ جِهَةٍ لَا تَلِيقُ بِهِ كَزِبَالَةٍ مَثَلًا أَوْ كَحِجَامَةٍ، قَالَ شَيْخُنَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ الرِّقَّ يَضْمَحِلُّ مَعَهُ سَائِرُ صِفَاتِ الْكَمَالِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كِتَابَتُهُ كَذَلِكَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَمُبَاحَةٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا انْتَفَى قَيْدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ كَانَتْ مُبَاحَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْأَوَّلِ إذْ الصَّحِيحُ أَنَّهَا سُنَّةٌ إذَا لَمْ يَطْلُبْهَا الْعَبْدُ لَا مُبَاحَةٌ وَمُتَأَكِّدَةٌ إذَا طَلَبَهَا ح ل وَجَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ بِكَرَاهَةِ كِتَابَةِ عَبْدٍ يُضَيِّعُ كَسْبَهُ فِي الْفِسْقِ وَاسْتِيلَاءِ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ يَمْنَعُهُ قَالَ: وَقَدْ يَنْتَهِي الْحَالُ إلَى التَّحْرِيمِ حَيْثُ تُفْضِي كِتَابَتُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَسَرِقَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 إلَّا بِهَا وَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ لِأَنَّهَا عِنْدَ فَقْدِ مَا ذُكِرَ تُفْضِي إلَى الْعِتْقِ. نَعَمْ إنْ كَانَ الرَّقِيقُ فَاسِقًا بِسَرِقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَعَلِمَ السَّيِّدُ أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ لَاكْتَسَبَ بِطَرِيقِ الْفِسْقِ كُرِهَتْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: سَيِّدٌ، وَرَقِيقٌ وَصِيغَةٌ وَعِوَضٌ. وَشَرْطٌ فِي السَّيِّدِ وَهُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ مَا مَرَّ فِي الْمُعْتِقِ مِنْ كَوْنِهِ مُخْتَارًا أَهْلَ تَبَرُّعٍ وَوَلَاءٍ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَآيِلَةٌ لِلْوَلَاءِ فَتَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وَسَكْرَانَ لَا مِنْ مُكْرَهٍ وَمُكَاتَبٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَلَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ وَأَوْلِيَائِهِمْ وَلَا مِنْ مَحْجُورِ فَلَسٍ وَلَا مِنْ مُرْتَدٍّ لِأَنَّ مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ وَالْعُقُودُ لَا تُوقَفُ عَلَى الْجَدِيدِ وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا   [حاشية البجيرمي] النُّجُومِ وَالتَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهِ. وَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ زي. قَوْلُهُ: (وَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ) فَهِيَ مُبَاحَةٌ أَيْ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا وَإِلَّا فَقَدْ تُكْرَهُ لِعَارِضٍ كَأَنْ ظَنَّ كَسْبَهُ بِمُحَرَّمٍ وَتَحْرُمُ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ كَفُجُورٍ. وَقَدْ تَجِبُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي نَفَقَةِ الرَّقِيقِ إذَا تَوَقَّفَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى كِتَابَتِهِ، مَثَلًا فَرَاجِعْهُ. فَتَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ. ق ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ نَعَمْ إنْ كَانَ الرَّقِيقُ فَاسِقًا بِسَرِقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَعَلِمَ سَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ لَاكْتَسَبَ بِطَرِيقِ الْفِسْقِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَلَا يَبْعُدُ تَحْرِيمُهَا لِتَضَمُّنِهَا التَّمْكِينَ مِنْ الْفَسَادِ وَهُوَ قِيَاسُ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ وَالْقَرْضِ إذَا عُلِمَ مِنْ أَحَدِهِمَا صَرْفُهُمَا فِي مُحَرَّمٍ وَإِنْ امْتَنَعَ الْعَبْدُ مِنْهَا وَقَدْ طَلَبَهَا سَيِّدُهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا كَعَكْسِهِ اهـ وَقَوْلُهُ: فَلَا يَبْعُدُ تَحْرِيمُهَا وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ السَّيِّدِ أَنَّ مَا يَكْتَسِبُهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ يَصْرِفُهُ فِي الْمَعْصِيَةِ فَتَحْرُمُ الْكِتَابَةُ لِتَأَدِّيهَا إلَى تَمْكِينِهِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ بِمَا اكْتَسَبَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا فَلَا يَبْعُدُ تَحْرِيمُهَا أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنْ مَلَكَ مَا يَكْسِبُهُ كَأَنْ حَصَّلَهُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْحُرْمَةِ وَصَرَفَ مَا كَسَبَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ فِي مُؤْنَتِهِ مَثَلًا ثُمَّ أَدَّى مَا مَلَكَهُ عَنْ النُّجُومِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (تُفْضِي إلَى الْعِتْقِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ قَدْ تُفْضِي إلَى الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (كُرِهَتْ) وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ فَالْعِلْمُ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الظَّنِّ أَوْ تُؤَوَّلُ الْكَرَاهَةُ بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ كَمَا قَالَهُ زي فَإِنْ تَوَهَّمَهُ كُرِهَتْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَإِذَا نَذَرَهَا وَجَبَتْ فَتَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ. قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُهَا إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ هَذَا كَعَادَتِهِ عَقِبَ الْفَصْلِ. قَوْلُهُ: (وَعِوَضٌ) لَوْ قَالَ: وَنُجُومٌ لِيَشْمَلَ الْوَقْتَ وَالْمَالَ لَكَانَ أَوْلَى ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (لَا مِنْ مُكْرَهٍ) مَا لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ بِأَنْ نَذَرَ كِتَابَتَهُ فَأُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَعَ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ كَالْفِعْلِ مَعَ الِاخْتِيَارِ. ثُمَّ هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ النَّذْرُ مُقَيَّدًا بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ كَرَمَضَانَ مَثَلًا وَأَخَّرَ الْكِتَابَةَ إلَى أَنْ بَقِيَ مِنْهُ زَمَانٌ قَلِيلٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَأَنْ كَانَ النَّذْرُ مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ إكْرَاهُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ وَقْتًا بِعَيْنِهِ حَتَّى يَأْثَمَ بِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ. فَلَوْ كَرِهَهُ عَلَى ذَلِكَ فَفَعَلَ، لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ كِتَابَةٍ لِلْعَبْدِ عَصَى فِي الْحَالَةِ الْأُولَى مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَ الْكِتَابَةَ فِيهِ. وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ آخِرِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا مِنْ مُرْتَدٍّ) أَمَّا لَوْ كَاتَبَ ثُمَّ ارْتَدَّ فَلَا تَبْطُلُ كِتَابَتُهُ كَبَيْعِهِ لَكِنْ يَمْتَنِعُ دَفْعُ النُّجُومِ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ. بَلْ يُدْفَعُ لِلْحَاكِمِ فَلَوْ دَفَعَهَا لَلْمُرْتَدُّ لَمْ يَعْتِقْ وَيَسْتَرِدُّهَا وَيَدْفَعُهَا إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ تَلِفَتْ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَفِي وَدَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَهُ تَعْجِيزُهُ ثُمَّ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ عَلَى الرِّدَّةِ بَعْدَ التَّعْجِيزِ فَهُوَ رَقِيقٌ وَإِنْ أَسْلَمَ أَلْغَى التَّعْجِيزَ لِأَنَّ مَنْعَ التَّعْجِيزِ كَانَ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ صَارَ لَهُ وَهُوَ الْعَبْدُ وَالنُّجُومُ لِأَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ لَهُمْ. وَقَوْلُهُ: وَقَدْ صَارَ أَيْ الْحَقُّ لَهُ أَيْ: لِلسَّيِّدِ فَيَعْتَدُّ بِقَبْضِهِ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَهَا لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَأَتْلَفَهَا وَعَجَّزَهُ الْوَلِيُّ ثُمَّ فُكَّ الْحَجْرُ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي تَعْجِيزُهُ لِأَنَّ حَجْرَ السَّفَهِ أَقْوَى وَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ قَطْعًا وَلِأَنَّ حَجْرَهُ لِحِفْظِ مَالِهِ فَلَوْ حُسِبَ عَلَيْهِ مَا أَتْلَفَهُ لَمْ يَحْصُلْ حِفْظٌ، وَحَجْرُ الْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ عَادَ لَهُ اهـ. شَرْحُ الْبَهْجَةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَالْعُقُودُ) أَيْ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا اتِّصَالُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ بِخِلَافِ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ كَالتَّدْبِيرِ، وَالْوَصِيَّةِ، فَإِنَّهَا تُوقَفُ ح ل. قَوْلُهُ: (وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ) بِخِلَافِ الْإِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ. لِأَنَّ الْوَلَاءَ فِيهِمَا يَحْصُلُ بِالْمَوْتِ الَّذِي يَزُولُ بِهِ الرِّقُّ. قَوْلُهُ: (وَكِتَابَةُ مَرِيضٍ) الْمُرَادُ بِالْكِتَابَةِ الْمُكَاتَبُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ لِأَجَلِ قَوْلِهِ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْمَحْسُوبَ إنَّمَا هُوَ الْمُكَاتَبُ لَا الْعَقْدُ. أَوْ يُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ وَمُتَعَلِّقُ الْكِتَابَةِ أَوْ يُقَدَّرُ فِي قَوْلِهِ مَحْسُوبَةٌ أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 لِلْوَلَاءِ، وَكِتَابَةُ مَرِيضٍ مَرَضَ الْمَوْتِ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ خَلَّفَ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ صَحَّتْ فِي كُلِّهِ أَوْ مِثْلَ قِيمَتِهِ فَفِي ثُلُثَيْهِ أَوْ لَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَهُ فَفِي ثُلُثِهِ وَشَرْطٌ فِي الرَّقِيقِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي اخْتِيَارٌ وَعَدَمُ صِبًا وَجُنُونٍ وَأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ وَشَرْطٌ فِي الصِّيغَةِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْكِتَابَةِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ إيجَابًا كَكَاتَبْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُكَاتَبٌ عَلَى كَذَا كَأَلْفٍ مُنَجَّمًا مَعَ قَوْلِهِ إذَا أَدَّيْته مَثَلًا فَأَنْتَ حُرٌّ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً وَقَبُولًا كَقَبِلْتُ ذَلِكَ وَشَرْطٌ فِي الْعِوَضِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ كَوْنُهُ مَالًا كَمَا تَعَرَّضَ لَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَصِحُّ) أَيْ الْكِتَابَةُ (إلَّا بِمَالٍ) فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ نَقْدًا كَانَ أَوْ عَرْضًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ السَّلَمِ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا يَمْلِكُهَا حَتَّى يُورَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا (مَعْلُومٍ) عِنْدَهُمَا قَدْرًا وَجِنْسًا وَصِفَةً وَنَوْعًا لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي الذِّمَّةِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْعِلْمُ بِذَلِكَ كَدَيْنِ السَّلَمِ، وَيَكُونُ (إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) لِيُحَصِّلَهُ وَيُؤَدِّيَهُ فَلَا تَصِحُّ بِالْحَالِ. وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُبَعَّضًا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ خَالَفَ الْقِيَامَ فِي وَضْعِهِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ سُنَنُ السَّلَفِ وَالْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَوْلًا وَفِعْلًا. إنَّمَا هُوَ التَّأْجِيلُ وَلَمْ يَعْقِدْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ حَالَّةً وَلَوْ جَازَ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى تَرْكِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ خُصُوصًا وَفِيهِ تَعْجِيلُ عِتْقِهِ. تَنْبِيهٌ لَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةً فِي الذِّمَّةِ كَبِنَاءِ دَارَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَجَعَلَ لِكُلٍّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَقْتًا مَعْلُومًا جَازَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ الْمَنَافِعُ ثَمَنًا وَأُجْرَةً، أَمَّا لَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهَا. لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ ثُمَّ إنْ   [حاشية البجيرمي] مَحْسُوبٌ مُتَعَلِّقُهَا وَهُوَ: الْمُكَاتَبُ بِالنَّظَرِ لِقِيمَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَفِي ثُلُثَيْهِ) كَأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ وَمَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ وَلَوْ بِالنُّجُومِ ثَلَاثُونَ فَيُقَابِلُ ثُلُثَيْهِ عِشْرُونَ وَهِيَ ثُلُثُ الْجَمِيعِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ثُلُثُهُ مَعَ مِثْلِ قِيمَتِهِ، وَهُمَا مِثْلَا ثُلُثَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ صِبًا وَجُنُونٍ) هَلَّا قَالَ: وَتَكْلِيفٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ الْأَخْصَرُ مِنْهُ وَالْأَفْصَحُ فِي الشَّرْطِيَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ عَدَمِيَّةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ لِيُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَدَمِيٌّ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ وَلَوْ رَاعَى ذَلِكَ لَقَالَ وَلَا عَدَمُ إكْرَاهٍ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ لِإِدْخَالِ السَّكْرَانِ. قَوْلُهُ: (كَكَاتَبْتُك) أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى الْجُمْلَةِ فَلَوْ قَالَ: كَاتَبْت يَدَك مَثَلًا لَمْ تَصِحَّ الْكِتَابَةُ لِأَنَّهَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا ع ش وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ لَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ لِلْبَعْضِ. قَوْلُهُ: (مَعَ قَوْلِهِ إذَا أَدَّيْته) لِأَنَّ لَفْظَهَا يَصْلُحُ لِلْمُخَارَجَةِ فَاحْتِيجَ لِتَمْيِيزِهَا بِقَوْلِهِ: إذَا أَدَّيْته إلَخْ. وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَا ذُكِرَ بَلْ مِثْلُهُ فَإِذَا بَرِئْت مِنْهُ أَوْ فَرَغَتْ ذِمَّتُكَ مِنْهُ فَأَنْتَ حُرٌّ. وَيَشْمَلُ بَرِئْت مِنْهُ حُصُولَ ذَلِكَ بِأَدَاءِ النُّجُومِ وَالْبَرَاءَةِ الْمَلْفُوظِ بِهَا، وَفَرَاغُ الذِّمَّةِ شَامِلٌ لِلِاسْتِيفَاءِ، وَالْبَرَاءَةِ بِاللَّفْظِ. شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ نِيَّةٌ) أَيْ عِنْدَ جُزْءٍ مِنْ الصِّيغَةِ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ. فَإِذَا أَدَّيْته فَأَنْتَ حُرٌّ. كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ س ل. لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا التَّعْلِيقُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ سم. قَوْلُهُ: (وَقَبُولًا) أَيْ فَوْرًا. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ) قَدْ ذَكَرَ الرَّقِيقَ أَيْضًا فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ: إذَا سَأَلَهَا الْعَبْدُ إلَخْ. إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ مِمَّا ذُكِرَ لُزُومًا بَعْضُهُ كَانَ كَعَدَمِ ذِكْرِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ) هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُؤَجَّلًا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَلَيْسَ فِي الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: (مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ السَّلَمِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ الْآتِي مَعْلُومٌ عِنْدَهُمَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَعْيَانَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ إنَّمَا لَمْ تَصِحَّ عَلَى عَيْنٍ لِتَوَقُّفِ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا عَلَى مِلْكِهَا وَالرَّقِيقُ لَا مِلْكَ لَهُ هَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْمُبَعَّضِ إذَا كُوتِبَ بَعْضُهُ الرَّقِيقُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ. قَوْلُهُ: (لَا يَمْلِكُهَا) أَيْ الْعَبْدُ. قَوْلُهُ: (إلَى أَجَلٍ) أَيْ وَقْتٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُبَعَّضًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ مَا يُؤَدِّيهِ. قَوْلُهُ: (خَالَفَ الْقِيَاسَ) لِأَنَّهُ يَبِيعُ مَالَهُ بِمَالِهِ قَوْلُهُ: (وَالْمَأْثُورُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ إنَّمَا هُوَ التَّأْجِيلُ. قَوْلُهُ: (مَعَ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ) أَيْ فِي الْمُلَّاكِ مِنْ الصَّبْرِ وَعَدَمِهِ. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ لَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةً إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةً فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ، فَلَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ عَلَيْهَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَعْيَانَ حَتَّى يُكَاتَبَ عَلَيْهَا. وَأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُلْتَزَمَةَ فِي الذِّمَّةِ تَتَأَجَّلُ كَإِلْزَامِ ذِمَّتِهِ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ كَخِدْمَتِهِ شَهْرًا فَيَتَعَيَّنُ جَعْلُهَا مِنْ الْآنِ لِاشْتِرَاطِ اتِّصَالِ الْخِدْمَةِ وَالْمَنَافِعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ بِالْعَقْدِ. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ حَالَّةً نَحْوَ كَاتَبْتُك، عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا أَوْ تَخِيطَ لِي ثَوْبًا بِنَفْسِك فَلَا بُدَّ مَعَهُمَا مِنْ ضَمِيمَةِ مَالٍ كَقَوْلِهِ: وَتُعْطِينِي دِينَارًا بَعْدَ انْقِضَائِهِ لِأَنَّ الضَّمِيمَةَ شَرْطٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةً فَقَطْ. فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرَيْنِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ نَجْمٌ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُمَا نَجْمٌ وَاحِدٌ وَلَا ضَمِيمَةَ. وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرِ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ فَأَوْلَى بِالْفَسَادِ إذْ يُشْتَرَطُ فِي الْخِدْمَةِ أَوْ الْمَنَافِعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ أَنْ تَتَّصِلَ بِالْعَقْدِ وَلَا حَدَّ لِعَدَدِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ (وَأَقَلُّهُ نَجْمَانِ) لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَوْ جَازَتْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَجْمَيْنِ لَفَعَلُوهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَادِرُونَ إلَى الْقُرُبَاتِ وَالطَّاعَاتِ مَا أَمْكَنَ وَلِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ ضَمِّ النُّجُومِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ   [حاشية البجيرمي] وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتًا مَعْلُومًا إلَخْ) لَك أَنْ تَقُولَ فِيهِ جَمَعَ بَيْنَ التَّقْدِيرِ بِالْعَمَلِ وَهُوَ بِنَاءُ الدَّارَيْنِ وَالزَّمَانُ. وَهُوَ الْوَقْتَانِ الْمَعْلُومَانِ وَقَدْ مَنَعُوا ذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْتَيْنِ وَقْتُ ابْتِدَاءِ الشُّرُوعِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا جَمِيعُ وَقْتِ الْعَمَلِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِتْقِ يُتَسَامَحُ فِيهِ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَقْتًا كَقَوْلِهِ: كَاتَبْتُك عَلَى بِنَاءِ دَارَيْنِ فِي ذِمَّتِك فِي شَهْرِ كَذَا وَفِي شَهْرِ كَذَا اهـ. وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَقْتًا مَعْلُومًا وَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ هَذَا مُفْسِدٌ لِلْإِجَارَةِ لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنِ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمُدَّةَ لِبَيَانِ أَوَّلِ الْعَمَلِ اهـ. قَوْلُهُ: (ثَمَنًا) كَبِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِسُكْنَى دَارِك مَثَلًا وَقَوْلُهُ: وَأُجْرَةٌ كَأَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً بِخِدْمَةِ عَبْدِك هَذَا شَهْرًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَعْيَانَ) الْأَوْلَى لِأَنَّ الْعَيْنَ لِأَنَّهَا الْمُكَاتَبَةُ وَعِبَارَةُ ح ل. قَوْلُهُ: بِالْأَعْيَانِ أَيْ عَيْنِ الْمُكَاتَبِ أَوْ عَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ بِأَنْ كَانَ مُبَعَّضًا وَمَلَكَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ أَعْيَانًا اهـ. فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ: إنَّ الْأَوْلَى الْعَيْنُ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ) أَيْ عَيْنِ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهَا أَيْ بِأَنْ أَخَّرَهَا عَنْ وَقْتِ الْعَقْدِ كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا بَعْدَ هَذَا الشَّهْرِ فَلَا يَصِحُّ. بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَتْ بِالْعَقْدِ، وَضَمَّ إلَيْهَا مَالًا آخَرَ مُؤَجَّلًا فَيَصِحُّ، كَمَا ذَكَرَهُ وَخَرَجَ بِعَيْنِ الْمُكَاتَبِ عَيْنُ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَنْفَعَتِهَا كَمَا نَقَلَهُ سم عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ. كَأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى مَنْفَعَةِ دَابَّتَيْنِ مُعَيَّنَتَيْنِ لِزَيْدٍ يَدْفَعُهُمَا لَهُ فِي شَهْرَيْنِ فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَشْتَرِيَهُمَا مِنْ زَيْدٍ وَيَدْفَعَهُمَا لِلسَّيِّدِ. اهـ. شَيْخُنَا. هَذَا وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ إلَخْ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ صَحَّتْ. قَوْلُهُ: (بِنَفْسِك) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: بِنَفْسِك تَأْكِيدًا. قَوْلُهُ: (مِنْ ضَمِيمَةِ مَالٍ) الْمَالُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَكْفِي مَنْفَعَةٌ أُخْرَى كَأَنْ يَقُولَ وَتَبْنِي دَارِي. اهـ. زي. أَيْ فِي وَقْتِ كَذَا أَيْ وَقْتِ الشُّرُوعِ فِي الْبِنَاءِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ انْقِضَائِهِ) أَيْ الشَّهْرِ أَيْ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شَرْحِ م ر وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ صَحَّتْ. قَالَ فِي شَرْحِهِ هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: عِنْدَ انْقِضَائِهِ اهـ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَتَأَخَّرَ إعْطَاءُ الدِّينَارِ عَنْ الْخِدْمَةِ فَلَوْ قَدَّمَ زَمَنَ إعْطَاءِ الدِّينَارِ، عَلَى زَمَنِ الْخِدْمَةِ لَمْ يَصِحَّ لِمَا عُلِمَ مِنْ شَرْطِ اتِّصَالِ الْمَنْفَعَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَيْنِ بِالْعَقْدِ اهـ. قَوْلُهُ: (شَرْطٌ) أَيْ فِي الْكِتَابَةِ لِيَتَأَتَّى النَّجْمَانِ وَقَوْلُهُ: بِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ نَجْمٌ أَيْ مَنْفَعَةُ كُلِّ شَهْرٍ نَجْمٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَبْلَهُ فَالْمُرَادُ بِالنَّجْمِ الْعِوَضُ. قَوْلُهُ: (مَنْفَعَةٌ فَقَطْ) أَيْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالْخِدْمَةِ وَالْبِنَاءِ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ وَإِلَّا صَحَّتْ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى بِنَاءِ دَارَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ يَبْنِيهِمَا فِي شَهْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا نَجْمٌ وَاحِدٌ) أَيْ وَهُوَ الْخِدْمَةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْضَمَّ إلَى ذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ ح ل. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمَنَافِعُ) أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّهُ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. قَوْلُهُ: (الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَعْيَانِ) يُتَصَوَّرُ هَذَا فِي الْمُبَعَّضِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ الْمَمْلُوكَةِ عِوَضًا اهـ. مَرْحُومِيٌّ وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: الرَّقِيقُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا فَكَيْفَ يُورَدُ الْعَقْدُ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِعَيْنٍ وَتَتَّصِلُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ بِالْعَقْدِ أَمَّا الْمَنَافِعُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالذِّمَّةِ فَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ. وَأَنْ تَكُونَ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّهُ) أَيْ الْأَجَلِ إلَخْ نَجْمَانِ أَيْ وَقْتَانِ بِأَنْ يُؤَجَّلَ بَعْضُهُ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَبَعْضُهُ إلَى آخَرَ. كَذَلِكَ تَسَاوَى الْبَعْضَانِ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 الضَّمُّ نَجْمَانِ وَالْمُرَادُ بِالنَّجْمِ هُنَا الْوَقْتُ. كَمَا فِي الصِّحَاحِ قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَهْذِيبِهِ حِكَايَةً عَنْ الرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقَالُ: كَانَتْ الْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ الْحِسَابَ. وَيَبْنُونَ أُمُورَهُمْ عَلَى طُلُوعِ النَّجْمِ وَالْمَنَازِلِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ إذَا طَلَعَ نَجْمُ الثُّرَيَّا أَدَّيْتُك حَقَّك فَسُمِّيَتْ الْأَوْقَاتُ نُجُومًا ثُمَّ سُمِّيَ الْمُؤَدَّى فِي الْوَقْتِ نَجْمًا. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهَا تَصِحُّ بِنَجْمَيْنِ قَصِيرَيْنِ وَلَوْ فِي مَالٍ كَثِيرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ لِإِمْكَانِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَالسَّلَمِ إلَى مُعْسِرٍ فِي مَالٍ كَثِيرٍ إلَى أَجَلٍ قَصِيرٍ وَلَوْ كَاتَبَ عَبِيدًا كَثَلَاثَةٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى عِوَضٍ وَاحِدٍ كَأَلْفٍ مُنَجَّمٍ بِنَجْمَيْنِ مَثَلًا وَعُلِّقَ عِتْقُهُمْ بِأَدَائِهِ صَحَّ لِاتِّحَادِ الْمَالِكِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبِيدًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ وَوُزِّعَ الْعِوَضُ عَلَى قِيمَتِهِمْ وَقْتَ الْكِتَابَةِ فَمَنْ أَدَّى حِصَّتَهُ مِنْهُمْ عَتَقَ وَمَنْ عَجَزَ رُقَّ وَتَصِحُّ كِتَابَةُ بَعْضِ مَنْ بَاقِيهِ حُرٌّ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ وَلَا تَصِحُّ كِتَابَةُ بَعْضِ رَقِيقٍ، وَإِنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَسْتَقِلُّ فِيهَا بِالتَّرَدُّدِ لِاكْتِسَابِ النُّجُومِ ثُمَّ لَوْ كَاتَبَ فِي مَرَضِهِ بَعْضَ رَقِيقٍ وَالْبَعْضُ ثُلُثُ مَالِهِ أَوْ أَوْصَى بِكِتَابَةِ رَقِيقٍ، فَلَمْ يُخْرِجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بَعْضَهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَعَنْ النَّصِّ وَالْبَغَوِيِّ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ بِكِتَابَةِ بَعْضِ عَبْدِهِ وَلَوْ تَعَدَّدَ السَّيِّدُ كَشَرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ كَاتَبَاهُ مَعًا أَوْ وَكَّلَا مَنْ كَاتَبَهُ صَحَّ إنْ اتَّفَقَتْ النُّجُومُ جِنْسًا وَصِفَةً وَعَدَدًا وَأَجَلًا وَجُعِلَتْ النُّجُومُ عَلَى نِسْبَةِ   [حاشية البجيرمي] تَفَاوُتًا كَكَاتَبْتُكَ عَلَى مِائَةٍ تُؤَدِّي نِصْفَهَا فِي وَقْتِ كَذَا وَنِصْفَهَا الْآخَرَ فِي وَقْتِ كَذَا سم. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ) عِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ وَلِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكَتْبِ، بِمَعْنَى ضَمِّ النُّجُومِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ سَمَّى الْمُؤَدِّي إلَخْ) مِنْ تَسْمِيَةِ الْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ قَالَ: أج وَسُكُوتُهُمْ عَنْ بَيَانِ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ لِعِوَضِ الْكِتَابَةِ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ. لَكِنْ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ فِي السَّلَامِ اهـ. زي. قَوْلُهُ (فَمَنْ أَدَّى حِصَّتَهُ) فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةً وَالثَّانِي مِائَتَيْنِ وَالثَّالِثِ ثَلَاثَمِائَةٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ سُدُسُ الْعِوَضِ. وَعَلَى الثَّانِي ثُلُثُهُ وَعَلَى الثَّالِثِ نِصْفُهُ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: فَعَلَى الْأَوَّلِ سُدُسُ الْعِوَضِ أَيْ مُوَزَّعًا عَلَى النَّجْمَيْنِ مَثَلًا فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ نَجْمٍ سُدُسُ مَا عَلَيْهِ تَسَاوِيًا وَتَفَاوُتًا وَكَذَا يُقَالُ: فِي الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ كَاتَبَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إلَخْ) : ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ أَوْ أَوْصَى بِكِتَابَةٍ إلَخْ مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ: وَعَنْ النَّصِّ. . . إلَخْ ضَعِيفٌ وَجْهُ الضَّعْفِ فِي الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ أَنَّ التَّبْعِيضَ فِيهِمَا ابْتِدَاءٌ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ التَّبْعِيضَ فِيهَا عَارِضٌ كَمَا قَالَهُ زي. قَوْلُهُ: (إنْ اتَّفَقَتْ النُّجُومُ) الْمُرَادُ بِالنُّجُومِ مَا يَشْمَلُ الْمَالَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: جِنْسًا وَصِفَةً وَمَا يَشْمَلُ الْأَوْقَاتَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَعَدَدًا وَأَجَلًا وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ عِوَضُ أَحَدِهِمَا بِجِنْسٍ أَوْ صِفَةٍ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهَا عِوَضُ الْآخَرِ. فَيَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ بِأَنْ كَانَ كُلُّهُ مُتَّحِدًا جِنْسًا وَصِفَةً أَوْ اشْتَمَلَ عَلَى أَجْنَاسٍ أَوْ صِفَاتٍ فِي كُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فِي كُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ وَعِبَارَةُ سم قَوْلُهُ: إنْ اتَّفَقَتْ النُّجُومُ هَلَّا صَحَّ مَعَ اخْتِلَافِ النُّجُومِ أَيْضًا وَقُسِّمَ كُلُّ نَجْمٍ عَلَى نِسْبَةِ الْمِلْكِ وَأَيُّ مَحْذُورٍ فِيمَا لَوْ مَلَكَاهُ بِالسَّوِيَّةِ وَكَاتَبَاهُ عَلَى نَجْمَيْنِ أَحَدُهُمَا دِينَارٌ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَالْآخَرُ دِرْهَمٌ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مَثَلًا وَيَكُونُ لِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكَيْنِ نِصْفُ كُلٍّ مِنْ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ. فَإِنَّ الْعِوَضَ مَعْلُومٌ وَحِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ مَعْلُومَةٌ. ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاتِّفَاقِ النُّجُومِ جِنْسًا أَنْ لَا تَكُونَ بِالنِّسْبَةِ لِأَحَدِهِمَا دَنَانِيرَ وَلِلْآخَرِ دَرَاهِمَ لَا أَنْ لَا يَكُونَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا جَمِيعًا كَمَا فِي الْمِثَالِ الَّذِي فَرَضْنَاهُ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَعَدَدًا) أَيْ عَدَدَ الْأَوْقَاتِ وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ جَعَلَ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا شَهْرَيْنِ وَالْآخَرِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ سم عَلَى حَجّ. فَقَوْلُهُ: وَعَدَدًا أَيْ عَدَدَ النُّجُومِ لَا عَدَدَ الْقَدْرِ الْمُؤَدَّى فِي كُلِّ نَجْمٍ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي النُّجُومِ كَأَنْ كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى قَدْرٍ وَنَجَّمَهُ بِنَجْمَيْنِ وَالْآخَرُ عَلَى قَدْرٍ وَنَجَّمَهُ بِثَلَاثَةِ نُجُومٍ لَمْ يَصِحَّ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْقَدْرِ الْمُكَاتَبِ بِهِ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ جِنْسًا إلَخْ فَالْجِنْسُ وَالصِّفَةُ لِلْمَالِ وَالْأَجَلُ وَالْعَدَدُ لِلزَّمَنِ فَإِنْ اخْتَلَفَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، أَوْ فِضَّةٍ صِحَاحٍ، وَمُكَسَّرَةٍ أَوْ فِضَّةٍ صِحَاحٍ فِي نَجْمٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي نَجْمَيْنِ وَأَحَدُ النَّجْمَيْنِ لِأَحَدِهِمَا شَهْرٌ وَلِلْآخِرِ شَهْرَانِ أَوْ أَنَّ لِهَذَا نَجْمَيْنِ وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةً. قَوْلُهُ (وَأَجَلًا) أَيْ لَا قَدْرًا ح ل. قَوْلُهُ: (وَجُعِلَتْ النُّجُومُ) بِمَعْنَى الْمَالِ عَلَى نِسْبَةِ مِلْكَيْهِمَا أَيْ صَرَّحَ بِهِ أَوْ أَطْلَقَ كَأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا، ثُلُثَاهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ، وَيُكَاتِبَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 مِلْكَيْهِمَا. فَلَوْ عَجَزَ الْعَبْدُ فَعَجَّزَهُ أَحَدُهُمَا وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ وَأَبْقَاهُ الْآخَرُ فِيهَا، لَمْ يَصِحَّ كَابْتِدَاءِ عَقْدِهَا وَلَوْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ النُّجُومِ أَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُ وَقُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي إنْ أَيْسَرَ وَعَادَ الرِّقُّ لِلْمُكَاتَبِ، وَخَرَجَ بِالْإِبْرَاءِ وَالْإِعْتَاقِ مَا لَوْ قَبَضَ نَصِيبَهُ فَلَا يَعْتِقُ وَإِنْ رَضِيَ الْآخَرُ بِتَقْدِيمِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالْقَبْضِ (وَهِيَ) أَيْ الْكِتَابَةُ الصَّحِيحَةُ (مِنْ جِهَةِ) أَيْ جَانِبِ (السَّيِّدِ لَازِمَةٌ) لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا لِأَنَّهَا عُقِدَتْ لِحَظِّ مُكَاتَبِهِ لَا لِحَظِّهِ فَكَانَ فِيهَا كَالرَّاهِنِ لِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَيْهِ أَمَّا الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ فَهِيَ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عِنْدَ الْمَحَلِّ بِنَجْمٍ أَوْ بَعْضِهِ غَيْرِ الْوَاجِبِ فِي الْإِيتَاءِ أَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَوْ غُلِبَ عِنْدَ ذَلِكَ. وَإِنْ حَضَرَ مَالُهُ أَوْ كَانَتْ غَيْبَةُ الْمُكَاتَبِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ عَلَى الْأَشْبَهِ فِي الْمَطْلَبِ وَقَيَّدَهَا فِي الْكِفَايَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَانَ لَهُ فَسْخُهَا بِنَفْسِهِ وَبِحَاكِمٍ مَتَى شَاءَ لِتَعَذُّرِ الْعِوَضِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ الْأَدَاءُ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ الْغَائِبِ عَنْهُ بَلْ يُمَكِّنُ السَّيِّدَ مِنْ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَجَّزَ نَفْسَهُ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ لَوْ حَضَرَ. (وَ) هِيَ (مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ جَائِزَةٌ) فَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْإِعْطَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ (وَلَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ) وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ وَتَحْصِيلِ الْعِوَضِ (وَ) لَهُ (فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ) وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ، وَلَوْ اسْتَمْهَلَ سَيِّدَهُ عَنْ الْمَحَلِّ لِعَجْزٍ سُنَّ   [حاشية البجيرمي] عَلَى سِتَّةِ دَنَانِيرَ يُؤَدِّيهَا فِي شَهْرَيْنِ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً لِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ اثْنَانِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَاحِدٌ وَيَدْفَعُ لَهُمَا مَعًا وَلَيْسَ لَهُ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِقَبْضِهِ أَوَّلًا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى دَنَانِيرَ وَالْآخَرِ عَلَى دَرَاهِمَ. وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَجُعِلَتْ مَعْطُوفٌ عَلَى اُتُّفِقَتْ فَيُفِيدُ أَنَّهُ شَرْطٌ لَكِنْ قَالَ م ر إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى صَرَّحَ. وَمُقْتَضَى قَوْلِ م ر بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ كَأَنْ جَعَلَاهُ عَلَى غَيْرِ نِسْبَةِ الْمِلْكَيْنِ إلَخْ. أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى اتَّفَقَتْ لَكِنْ قَوْلُهُمْ: صَرَّحَ بِهِ أَوْ أَطْلَقَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى صَحَّ. قَوْلُهُ: (وَفَسْخُ الْكِتَابَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ تَعْجِيزَ السَّيِّدِ لَيْسَ فَسْخًا وَقَضِيَّةَ قَوْلِهِ الْآتِي وَعَادَ الرِّقُّ بِأَنْ عَجَزَ فَعَجَّزَهُ الْآخَرُ أَنَّهُ فَسْخٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) أَيْ الْإِبْقَاءُ أَيْ يَحْرُمُ عَلَى الْآخَرِ إبْقَاءُ الْكِتَابَةِ، فِي نَصِيبِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْجِيزُ الْعَبْدِ وَفَسْخُهَا لِيَعُودَ نَصِيبُهُ إلَى الرِّقِّ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الرِّقِّ بِمُجَرَّدِ فَسْخِ شَرِيكِهِ اهـ ب ر وَقَوْلُهُ: وَلَوْ أَبْرَأَهُ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: فَلَوْ عَجَزَ إلَخْ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ أَيْ الْإِبْقَاءُ هَذَا عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي فِيهَا يَصِحُّ بِالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَأَمَّا الَّتِي فِيهَا لَمْ تَصِحَّ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ فَالضَّمِيرُ فِيهِ لِلْكِتَابَةِ أَيْ لَمْ تَصِحَّ الْكِتَابَةُ أَيْ إبْقَاؤُهَا. قَوْلُهُ: (وَعَادَ الرِّقُّ) بِأَنْ عَجَزَ فَعَجَّزَهُ الْآخَرُ أَمَّا إذَا لَمْ يَعُدْ الرِّقُّ وَأَدَّى حِصَّةَ الشَّرِيكِ مِنْ النُّجُومِ فَيَعْتِقُ نَصِيبُهُ عَنْ الْكِتَابَةِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُمَا شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: (إذْ لَيْسَ لَهُ تَخْصِيصٌ) أَيْ فَمَا قَبَضَهُ أَحَدُهُمَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا قَهْرًا عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ مَا قَبَضَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مُشْتَرَكٌ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَكَذَلِكَ رِيعُ الْوَقْفِ إذَا قَبَضَ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ مَا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ إذَا كَانَ لِجَمَاعَةٍ دَرَاهِمُ وَقَبَضَ أَحَدُهُمْ مِنْهَا شَيْئًا اخْتَصَّ بِهِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِلَازِمَةٍ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) أَيْ دَوَامُهَا. قَوْلُهُ: (عِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ الْمَحَلِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَابَ) مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَتْ غَيْبَةُ الْمُكَاتَبِ) أَظْهَرَ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلْمَالِ. قَوْلُهُ: (دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) أَيْ وَفَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَشْبَهِ فِي الْمَطْلَبِ) قَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ فِي السَّفَرِ وَيُنْظِرُهُ إلَى حُضُورِهِ إلَّا فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ. اهـ. ز ي. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ حَلَّ النَّجْمُ ثُمَّ غَابَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ أَوْ حَلَّ هُوَ أَيْ الْمُكَاتَبُ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ بِخِلَافِ غَيْبَتِهِ فِيمَا دُونَهَا كَمَا اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَى غَيْبَةِ مَالِهِ. وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ غَيْبَتَهُ فِي مَسَافَةِ الْعَدْوَى كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ اهـ. قَوْلُهُ: (كَانَ لَهُ) أَيْ لِلسَّيِّدِ. قَوْلُهُ: (الْغَائِبُ) صِفَةٌ لِلْمُكَاتَبِ لَا لِلْمَالِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ) مُتَعَلِّقٌ بِجَائِزَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهَا لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ أَيْضًا عَمِيرَةُ سم. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ) فَإِذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ فَلِلسَّيِّدِ الصَّبْرُ، وَالْفَسْخُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْحَاكِمِ قَالَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِمُجَرَّدِ التَّعْجِيزِ سم. قَوْلُهُ: (وَلَهُ فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ) وَإِنْ لَمْ يُعَجِّزْ نَفْسَهُ. اهـ. سم. أَيْ لَهُ فَسْخُهَا بِنَفْسِهِ كَمَا فِي إفْلَاسِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 لَهُ إمْهَالُهُ مُسَاعَدَةً لَهُ فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ أَوْ لِبَيْعِ عَرْضٍ وَجَبَ إمْهَالُهُ لِيَبِيعَهُ وَلَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمُهْلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ سَوَاءٌ أَعَرَضَ كَسَادٌ أَمْ لَا. فَلَا فَسْخَ فِيهَا أَوْ لِإِحْضَارِ مَالِهِ مِنْ دُونِ مَرْحَلَتَيْنِ، وَجَبَ أَيْضًا إمْهَالُهُ إلَى إحْضَارِهِ لِأَنَّهُ كَالْحَاضِرِ بِخِلَافِ مَا فَوْقَ ذَلِكَ لِطُولِ الْمُدَّةِ وَلَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ مِنْ السَّيِّدِ أَوْ الْمُكَاتَبِ بِجُنُونٍ وَلَا إغْمَاءٍ وَلَا بِحَجْرِ سَفَهٍ لِأَنَّ اللَّازِمَ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ، لَا يَنْفَسِخُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَالرَّهْنِ وَيَقُومُ وَلِيُّ السَّيِّدِ الَّذِي جُنَّ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ مَقَامَهُ فِي قَبْضٍ وَيَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَ الْمُكَاتَبِ الَّذِي جُنَّ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي أَدَاءً إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا وَلَمْ يَأْخُذْهُ السَّيِّدُ اسْتِقْلَالًا وَثَبَتَتْ الْكِتَابَةُ وَحَلَّ النَّجْمُ وَحَلَفَ السَّيِّدُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ وَرَأَى لَهُ مَصْلَحَةً فِي الْحُرِّيَّةِ فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ يَضِيعُ إذَا أَفَاقَ لَمْ يُؤَدِّ قَالَ الشَّيْخَانِ: وَهَذَا حَسَنٌ، فَإِنْ اسْتَقَلَّ السَّيِّدُ بِالْأَخْذِ عَتَقَ لِحُصُولِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ. وَلَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ لَزِمَهُ قَوَدٌ، أَوْ أَرْشٌ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِأَنَّ وَاجِبَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِرَقَبَتِهِ مِمَّا مَعَهُ وَمِمَّا يَكْسِبُهُ لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَفِي بِذَلِكَ فَلِلسَّيِّدِ أَوْ الْوَارِثِ تَعْجِيزُهُ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ أَوْ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ لَزِمَهُ قَوَدٌ، أَوْ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ   [حاشية البجيرمي] الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ الْفَسْخَ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ مِنْ الْفَسْخِ. وَلَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ التَّعْجِيزِ اهـ قَالَ: ع ش وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْفَسْخَ بَعْدَ حُضُورِ الْعَبْدِ وَإِرَادَةِ دَفْعِهِ الْمَالَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ، بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ الْفَسْخَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ حَيْثُ صُدِّقَ النَّافِي لِلْفَسْخِ. قَوْلُهُ: (فَلَا فَسْخَ فِيهَا) أَيْ لَا يَصِحُّ وَلَا يَنْفُذُ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ) أَيْ وَلَوْ فَاسِدَةً م ر وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُخَالِفُهُ فِي الْفَاسِدَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ السَّيِّدِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ فَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (بِجُنُونٍ) أَيْ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَهَذَا فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَتَنْفَسِخُ بِحَنُونِ السَّيِّدِ وَإِغْمَائِهِ دُونَ الْمُكَاتَبِ اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (لَا إغْمَاءَ) عِبَارَةُ: ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَلَا تَنْفَسِخُ بِإِغْمَاءِ السَّيِّدِ. وَانْظُرْ عَلَى هَذَا هَلْ يَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْأَبْوَابِ أَوْ يَقْبِضُ عَنْهُ الْحَاكِمُ أَوْ غَيْرُهُ رَاجِعْهُ، وَحَرِّرْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا لِحَجْرِ سَفَهٍ) وَكَذَا حَجْرُ الْفَلَسِ بِالْأَوْلَى وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى حَجْرِ السَّفَهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تُفَارِقُ فِيهِ الصَّحِيحَةُ الْفَاسِدَةَ بِخِلَافِ حَجْرِ الْفَلَسِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُهُمَا. قَوْلُهُ: (وَيَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُ يَنُوبُ عَنْهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ: بِحَذْفِ غَائِبٌ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا) جُمْلَةُ الشُّرُوطِ سِتَّةٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا مُكِّنَ السَّيِّدُ مِنْ الْفَسْخِ فَإِذَا فَسَخَ عَادَ الْمُكَاتَبُ قِنًّا لَهُ وَعَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ، فَإِنْ أَفَاقَ وَظَهَرَ لَهُ مَالٌ كَانَ حَصَّلَهُ قَبْلَ الْفَسْخِ دَفَعَهُ الْحَاكِمُ إلَى السَّيِّدِ وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ وَنَقَضَ الْحَاكِمُ تَعْجِيزَهُ وَيُقَاسُ بِالْإِفَاقَةِ فِي ذَلِكَ ارْتِفَاعُ الْحَجْرِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا حَسَنٌ) لَكِنَّهُ قَلِيلُ النَّفْعِ مَعَ قَوْلِنَا إنْ لِلسَّيِّدِ إذَا وَجَدَ مَالَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِهِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْحَاكِمُ يَمْنَعُهُ مِنْ الْأَخْذِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَيْ فَلَا يَسْتَقِلُّ بِأَخْذِهِ وَنَقَلَ فِي الْخَادِمِ عَنْ الْوَسِيطِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجَوَابُ: بِأَنَّ دَفْعَ الْقَاضِي يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ تَصَرُّفِهِ. وَأَمَّا السَّيِّدُ فَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ: كَمَا يَسْتَقِلُّ بِالْعِتْقِ وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ زي وَقَرَّرَ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: وَهَذَا حَسَنٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ أَخَذَ السَّيِّدُ الْمَالَ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَضِيعُ إذَا أَفَاقَ صَحَّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ) شَامِلٌ لِلْقَتْلِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ قَوَدٌ) أَيْ نَفْسًا أَوْ طَرَفًا أَيْ عِنْدَ الْعَمْدِ وَقَوْلُهُ: أَوْ أَرْشٌ أَيْ عِنْدَ الْعَمْدِ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ وَاجِبَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلُزُومِ الْأَرْشِ فَقَطْ. لَا لِلُزُومِ الْقَوَدِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتِجُهُ وَقَوْلُهُ: لَا تَعَلُّقَ لَهُ أَيْ لِلْوَاجِبِ الْمَذْكُورِ بِرَقَبَتِهِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ مِلْكُ السَّيِّدِ لَهَا لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ. وَبِهَذَا فَارَقَ الْأَجْنَبِيَّ فِيمَا إذَا وَجَبَتْ الْجِنَايَةُ مَالًا وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: لِمَ لَمْ يَجِبْ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشُ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ فَلَزِمَهُ الْأَرْشُ مِمَّا فِي يَدِهِ كَدَيْنِ الْمُعَامَلَةِ. بِخِلَافِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ حَقَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرَهُ م ر. قَوْلُهُ: (لَا تَعَلُّقَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ خَبَرُ إنَّ وَقَوْلُهُ: مِمَّا مَعَهُ مُتَعَلِّقٌ يَلْزَمُهُ بِالنَّظَرِ لِلْأَرْشِ أَيْ لَزِمَهُ الْأَرْشُ مِمَّا مَعَهُ إلَخْ وَعِبَارَةُ: شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَيَكُونُ الْأَرْشُ مِمَّا مَعَهُ إلَخْ وَجَعَلَهُ خَبَرَ إنَّ وَقَوْلُهُ: لَا تَعَلُّقَ إلَخْ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ اسْمِ إنَّ وَخَبَرِهَا بَعِيدٌ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ غَرَامَتَانِ فَإِذَا عَجَّزَهُ تَخَلَّصَ مِنْهُمَا وَعَادَ الرِّقُّ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْأَقَلُّ) : أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 وَالْأَرْشُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَعْجِيزَ نَفْسِهِ وَإِذَا عَجَّزَهَا فَلَا مُتَعَلِّقَ إلَّا الرَّقَبَةُ وَفِي إطْلَاقِ الْأَرْشِ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ تَغْلِيبٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ يَفِي بِالْوَاجِبِ عَجَّزَهُ الْحَاكِمُ بِطَلَبِ الْمُسْتَحَقِّ وَبِيعَ بِقَدْرِ الْأَرْشِ إنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ وَبَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فِيمَا بَقِيَ وَإِلَّا بِيعَ كُلُّهُ وَلِلسَّيِّدِ فِدَاؤُهُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ فَيَبْقَى مُكَاتَبًا وَعَلَى الْمُسْتَحِقِّ قَبُولُ الْفِدَاءِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْفِدَاءُ، لِأَنَّهُ فَوَّتَ مُتَعَلِّقَ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَوْ قُتِلَ الْمُكَاتَبُ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ، وَمَاتَ رَقِيقًا لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا وَلِسَيِّدِهِ قَوَدٌ عَلَى قَاتِلِهِ إنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ قَوَدًا وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ لَهُ. (وَلِلْمُكَاتَبِ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ (التَّصَرُّفُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ) الْحَاصِلِ مِنْ كَسْبِهِ بِمَا لَا تَبَرُّعَ فِيهِ وَلَا خَطَرَ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَإِجَارَةٍ أَمَّا مَا فِيهِ تَبَرُّعٌ كَصَدَقَةٍ أَوْ خَطَرٍ كَقَرْضٍ وَبَيْعِ نَسِيئَةٍ وَإِنْ اسْتَوْثَقَ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إذْنِ سَيِّدِهِ نَعَمْ مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ: لَحْمٍ وَخُبْزٍ مِمَّا الْعَادَةُ فِيهِ أَكْلُهُ وَعَدَمُ بَيْعِهِ لَهُ إهْدَاؤُهُ كَغَيْرِهِ عَلَى النَّصِّ فِي الْأُمِّ وَلَهُ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَإِذَا اشْتَرَاهُ بِإِذْنِهِ تَبِعَهُ رِقًّا وَعِتْقًا وَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَكِتَابَتُهُ وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِتَضَمُّنِهِمَا الْوَلَاءَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. (وَ) يَجِبُ   [حاشية البجيرمي] الْعَمْدِ. قَوْلُهُ: (فَلَا مُتَعَلِّقَ إلَّا الرَّقَبَةُ) أَيْ فَلَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا وَالْأَرْشِ زي. قَوْلُهُ: (يَعْنِي بِالْوَاجِبِ) أَيْ فِي الْجِنَايَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (عَجَّزَهُ) وَإِنَّمَا يُعَجِّزُهُ فِيمَا يَحْتَاجُ لِبَيْعِهِ فِي الْأَرْشِ فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَبَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فِيمَا بَقِيَ إلَّا أَنْ لَا يَتَأَتَّى بَيْعُ بَعْضِهِ عَلَى الْأَوْجُهِ شَرْحُ حَجّ وم ر مَعَ زِيَادَةٍ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: عَجَّزَهُ أَيْ عَجَّزَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْأَرْشِ إنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهُ وَلَا يَبِيعُ قَبْلَ التَّعْجِيزِ. وَفَارَقَ الْمَرْهُونَ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ هُنَا شَيْخُنَا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَبِيعَ بِقَدْرِ الْأَرْشِ) لَوْ تَعَذَّرَ بَيْعُ الْبَعْضِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِيعَ الْكُلُّ وَمَا فَضَلَ يَأْخُذُهُ الْوَارِثُ. كَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَفِيهِ نَظَرٌ سم. قَوْلُهُ: (وَبَقِيَتْ الْكِتَابَةُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَقَضِيَّةُ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ فِي الْبَاقِي أَنَّهُ لَا يُعَجِّزُ الْجَمِيعَ فِيمَا إذَا اُحْتِيجَ لِبَيْعِ بَعْضِهِ خَاصَّةً وَقَضِيَّةُ صَدْرِ كَلَامِهِمْ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعَجِّزَ الْجَمِيعَ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ تَعْجِيزٌ مُرَاعًى حَتَّى لَوْ عَجَّزَهُ ثُمَّ بَرِئَ مِنْ الْأَرْشِ بَقِيَ كُلُّهُ مُكَاتَبًا سم. قَوْلُهُ: (أَوْ أَبْرَأَهُ) أَيْ مِنْ النُّجُومِ. قَوْلُهُ: (عَتَقَ) أَيْ إنْ كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ إعْتَاقِ الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ زي. قَوْلُهُ: (وَلَزِمَهُ الْفِدَاءُ) أَيْ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ. قَوْلُهُ: (الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الرَّقَبَةُ. قَوْلُهُ: (وَمَاتَ رَقِيقًا) أَيْ مَاتَ فِي حَالِ رِقِّهِ فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ إنَّ الرِّقَّ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ خِلَافًا لِمَنْ نَظَرَ فِيهِ أَيْ فَهُوَ بِالْمَوْتِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ كَانَ رِقُّهُ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: وَمَاتَ رَقِيقًا أَيْ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالرِّقِّ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلِسَيِّدِهِ قَوَدٌ عَلَى قَاتِلِهِ وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ الرِّقُّ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ وَلِلسَّيِّدِ مَا يَتْرُكُهُ بِحُكْمِ الْمَوْتِ لَا الْإِرْثِ وَيَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهُ وَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً شَرْحُ حَجّ وَهَذَا فَائِدَةُ ذِكْرِ. قَوْلُهُ: وَمَاتَ رَقِيقًا وَإِلَّا فَهُوَ مَعْلُومٌ وَأَيْضًا فَائِدَةُ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَلِسَيِّدِهِ قَوَدٌ عَلَى قَاتِلِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلِسَيِّدِهِ قَوَدٌ عَلَى قَاتِلِهِ) أَيْ إنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ قَوَدًا كَمَا فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ فَلَعَلَّهَا سَقَطَتْ مِنْ الْكَتَبَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَلِسَيِّدِهِ قَوَدٌ عَلَى قَاتِلِهِ إنْ كَافَأَهُ وَكَانَ عَمْدًا وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ اهـ. وَلَوْ قَتَلَهُ السَّيِّدُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ. وَيُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا شَخْصٌ إذَا قَتَلَ لَا يُضْمَنُ وَإِذَا قَطَعَ ضُمِنَ بِالْأَرْشِ أج مَعَ زِيَادَةٍ. وَيُلْغَزُ أَيْضًا وَيُقَالُ: لَنَا شَخْصٌ يَضْمَنُ بَعْضَهُ وَلَا يَضْمَنُ كُلَّهُ وَلَيْسَ لَنَا مَنْ لَا يُضْمَنُ كُلُّهُ بِالْقَتْلِ فَيُضْمَنُ بَعْضُهُ بِالْقَتْلِ إلَّا هَذَا ق ل. قَوْلُهُ: (بِمَا لَا تَبَرُّعَ فِيهِ وَلَا خَطَرَ) قَيْدَانِ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَالْخَطَرِ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْخَوْفُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَوْثَقَ بِرَهْنٍ) أَيْ لِاحْتِمَالِ تَلَفِ الرَّهْنِ وَهَرَبِ الْكَفِيلِ فَيَفُوتُ الْمَالُ. قَوْلُهُ: (لَهُ إهْدَاؤُهُ) ظَاهِرُهُ: وَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ ظَاهِرَةٌ. وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِهْدَاءِ مِثْلِهِ لِلْأَكْلِ بَلْ لَوْ قِيلَ بِامْتِنَاعِ أَخْذِ عِوَضٍ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا. قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهِ) أَيْ كَالْحُرِّ وَفِي نُسْخَةٍ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) أَيْ لَوْ كَانَ حُرًّا شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) وَاحْتِيجَ لِلْإِذْنِ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ نَحْوُ بَيْعِهِ فَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى السَّيِّدِ قَالَ س ل: أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَيْهِ فِي أَدَاءِ النُّجُومِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِإِذْنِ سَيِّدِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ يَرَى عِتْقَهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 (عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَضَعَ) أَيْ يَحُطُّ عَنْهُ أَيْ مُكَاتَبِهِ (مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ) الصَّحِيحَةِ. (مَا) أَيْ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ أَوْ يَدْفَعُهُ لَهُ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ وَالْحَطُّ أَوْ الدَّفْعُ قَبْلَ الْعِتْقِ. (يَسْتَعِينُ بِهِ) عَلَى الْعِتْقِ قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] فُسِّرَ الْإِيتَاءُ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْإِعَانَةُ عَلَى الْعِتْقِ وَخَرَجَ بِالصَّحِيحَةِ الْفَاسِدَةُ فَلَا شَيْءَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ لُزُومِ الْإِيتَاءِ مَا لَوْ كَاتَبَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ وَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَنْفَعَةٍ وَالْحَطُّ أَوْلَى مِنْ الدَّفْعِ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْحَطِّ الْإِعَانَةُ عَلَى الْعِتْقِ وَهِيَ مُحَقَّقَةٌ فِيهِ، مَوْهُومَةٌ فِي الدَّفْعِ إذْ قَدْ يُصْرَفُ الْمَدْفُوعُ فِي جِهَةٍ أُخْرَى وَكَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْحَطِّ وَالدَّفْعِ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ أَوْلَى مِنْهُ فِيمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِتْقِ وَكَوْنُهُ رُبْعَ النُّجُومِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ   [حاشية البجيرمي] إعْتَاقُهُ) أَيْ لِقِنِّهِ سَوَاءٌ كَانَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ لَا وَكَذَا قَوْلُهُ: كِتَابَتُهُ عَنْ نَفْسِهِ خَرَجَ إعْتَاقُهُ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اهـ. ع ن وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: فَإِنْ أَعْتَقَ عَنْ سَيِّدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ صَحَّ وَوَلَاؤُهُ لِمَنْ وَقَعَ الْعِتْقُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ) خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ ق ل وَيُجِيبَانِ عَنْ قَوْله تَعَالَى وَآتُوهُمْ إلَخْ بِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلنَّدْبِ. قَوْلُهُ: (السَّيِّدِ) : وَكَذَا وَارِثُهُ مُقَدَّمًا عَلَى مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ وَلَوْ تَعَدَّدَ السَّيِّدُ وَاتَّحَدَ الْمُكَاتَبُ وَجَبَ قِسْطٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَوْ تَعَدَّدَ الرَّقِيقُ وَجَبَ الْحَطُّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَيَقُومُ مَقَامَهُ أَيْ الْمَقْبُوضُ غَيْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ إنْ رَضِيَ الْعَبْدُ بِهِ وَالدَّفْعُ بَدَلٌ عَنْ الْحَطِّ وَالْآيَةُ شَامِلَةٌ لَهُمَا لِأَنَّ الْحَطَّ إيتَاءٌ وَزِيَادَةٌ لِأَنَّهُ مُحَقَّقٌ ق ل. وَشَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: مُقَدَّمًا عَلَى مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ أَيْ تَجْهِيزِ السَّيِّدِ لَوْ مَاتَ وَقْتَ وُجُودِ الْأَدَاءِ أَوْ الْحَطِّ وَذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يَجِبُ فِي الْإِيتَاءِ أَمَّا لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَجَبَ تَجْهِيزُهُ مُقَدَّمًا عَلَى مَا يَجِبُ فِي الْإِيتَاءِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ) صَادِقٌ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ كَشَيْءٍ مِنْ جِنْسِ النُّجُومِ قِيمَتُهُ دِرْهَمُ نُحَاسٍ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ مُتَعَدِّدًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْمُصَرَّاةِ مِنْ أَنَّ الصَّاعَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْعَاقِدِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّرَ اللَّبَنَ لِكَوْنِهِ مَجْهُولًا بِالصَّاعِ لِئَلَّا يَحْصُلُ النِّزَاعُ فِيمَا يُقَابِلُ اللَّبَنَ الْمَحْلُوبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَيَشْمَلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ اللَّبَنُ تَافِهًا جِدًّا فَاعْتُبِرَ مَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ بِالصَّاعِ لِعَدَمِ تَفْرِقَةِ الشَّارِعِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُتَمَوَّلُ هُوَ الْوَاجِبَ فِي النَّجْمَيْنِ لَمْ يَسْقُطْ الْحَطُّ بَلْ يُحَطُّ بَعْضُ ذَلِكَ الْقَدْرِ اهـ. ع ش عَلَى م ر وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: لَا يَجِبُ الْإِيتَاءُ لِتَعَذُّرِهِ وَانْظُرْ لَوْ عُقِدَ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ فَمَاذَا عَلَيْهِ وَفِي ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ) وَيَجِبُ الْقَبُولُ حِينَئِذٍ سم. قَوْلُهُ: (جَازَ) أَيْ إنْ رَضِيَ بِهِ الْمُكَاتَبُ م ر وح ل. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْعِتْقِ) فَإِنْ أُخِّرَ عَنْهُ أَثِمَ وَكَانَ قَضَاءً سم وَفِي التَّهْذِيبِ أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ مِنْ الْعَقْدِ إلَى الْعِتْقِ مُوَسَّعٌ فَيَتَعَيَّنُ عَقْدُ الْعِتْقِ اهـ زي عِبَارَةُ م ر وَيَتَضَيَّقُ إذَا بَقِيَ مِنْ النَّجْمِ الْأَخِيرِ قَدْرُ مَا يَفِي بِهِ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ قَبْلَهُ، أَدَّى بَعْدَهُ وَكَانَ قَضَاءً وَلَيْسَ لَنَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَجِبُ الْحَطُّ مِنْهُ إلَّا هَذَا اهـ سم. قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى) لَعَلَّ وَجْهَهُ فِي الْأُولَى أَنَّ عِتْقَهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ لِاعْتِبَارِ الثُّلُثِ وَقْتَهُ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْإِيتَاءُ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْإِيتَاءُ وَيُضَافُ إلَيْهِمَا مَا لَوْ كَانَ كُلُّ نَجْمٍ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ فَلَا حَطَّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ كَاتَبَهُ) أَيْ وَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ النُّجُومِ أَوْ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ وَلَوْ بِعِوَضٍ سم. قَوْلُهُ: (وَالْحَطُّ أَوْلَى مِنْ الدَّفْعِ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يُعْطِيَهُ وَأَرَادَ الْعَبْدُ الْحَطَّ أُجِيبَ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ يَرُومُ تَعْجِيلَ الْعِتْقِ أَيْ يُرِيدُهُ سم وَفِي هَذَا تَقْدِيمُ الْفَرْعِ عَلَى أَصْلِهِ إذْ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى الدَّفْعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] م د. قَوْلُهُ: (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْحَطِّ أَوْ الدَّفْعِ بِمَعْنَى الْمَحْطُوطِ أَوْ الْمَدْفُوعِ وَقَوْلُهُ: رُبْعُ النُّجُومِ وَأَوْجَبَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَفْضَلُ مِنْهُ ثُلُثٌ وَأَقَلُّ مِنْهُ خُمُسٌ فَسُدُسٌ. وَهَذَا فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ عَنْ نَفْسِهِ أَمَّا الْمَوْلَى فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مُرَاعَاةً لِلْمَصْلَحَةِ ق ل. وَعِبَارَةُ ع ش وَكَوْنُهُ رُبْعًا فَسُبْعًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: بَقِيَ بَيْنَهُمَا السُّدُسُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسَدٍ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَالَ: فَأَتَيْته بِمُكَاتَبَتِي فَرَدَّ عَلَيَّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. اهـ. ز ي أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ سِنُّ السُّدُسِ بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فَوْقَ السُّبُعِ وَأَفْضَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 لَمْ تَسْمَحْ بِهِ نَفْسُهُ فَسُبُعُهُ أَوْلَى. رَوَى حَطَّ الرُّبْعِ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَطَّ السُّبُعِ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَيَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ التَّمَتُّعُ بِمُكَاتَبَتِهِ لِاخْتِلَالِ مِلْكِهِ فِيهَا وَيَجِبُ لَهَا بِوَطْئِهِ مَهْرُهَا، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِانْعِقَادِهِ حُرًّا وَصَارَتْ بِالْوَلَدِ مُسْتَوْلَدَةً مُكَاتَبَةً وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الرَّقِيقُ الْحَادِثُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ يَتْبَعُهَا رِقًّا وَعِتْقًا وَحَقُّ الْمِلْكِ فِيهِ لِلسَّيِّدِ فَلَوْ قُتِلَ فَقِيمَتُهُ لَهُ وَيُمَوِّنُهُ مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ، وَكَسْبُهُ وَمَهْرُهُ وَمَا فَضَلَ وَقْفٌ فَإِنْ عَتَقَ فَلَهُ وَإِلَّا فَلِسَيِّدِهِ وَلَوْ أَتَى الْمُكَاتَبُ بِمَالٍ فَقَالَ سَيِّدُهُ: هَذَا حَرَامٌ وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ الْمُكَاتَبُ بِيَمِينِهِ. وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ حِينَئِذٍ خُذْهُ أَوْ تُبْرِئُهُ عَنْ قَدْرِهِ، فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي عَنْهُ، فَإِنْ نَكِلَ عَنْ الْحَلِفِ حَلَفَ سَيِّدُهُ. نَعَمْ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى لَحْمٍ فَجَاءَ بِهِ فَقَالَ السَّيِّدُ هَذَا غَيْرُ مُذَكًّى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ وَلِلْمُكَاتَبِ شِرَاءُ الْإِمَاءِ لِلتِّجَارَةِ لَا تَزَوُّجٌ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَا وَطْءُ أَمَتِهِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ. فَإِنْ خَالَفَ وَوَطِئَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَالْوَلَدُ نَسِيبٌ فَإِنْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ عِتْقِ أَبِيهِ أَوْ بَعْدَهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعِتْقِ تَبِعَهُ رِقًّا وَعِتْقًا وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِأَبِيهِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّهَا عُلِّقَتْ بِمَمْلُوكٍ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ الْعِتْقِ وَوَطِئَهَا مَعَ الْعِتْقِ مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهُ فِي صُورَةِ الْأَكْثَرِ وَوَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ   [حاشية البجيرمي] مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ سِنُّهُ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ اهـ وَفِيهِ أَنَّ بَيْنَهُمَا الْخُمُسَ أَيْضًا فَانْظُرْ هَلْ رُوِيَ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (أَوْلَى) أَيْ مِمَّا هُوَ دُونَهُ وَقَوْلُهُ: فَسُبُعُهُ أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ النُّجُومِ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ التَّمَتُّعُ) أَيْ مُطْلَقًا وَلَوْ بِالنَّظَرِ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ. اهـ. م د وَعِبَارَةُ زي دَخَلَ فِيهِ النَّظَرُ وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ حِلُّهُ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ اهـ قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَقَدْ يُقَالُ: التَّمَتُّعُ بِالنَّظَرِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرُوهُ هُنَاكَ لِأَنَّ ذَاكَ فِي النَّظَرِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ. قَوْلُهُ: (مَهْرُهَا) وَإِنْ طَاوَعَتْهُ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَلَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْوَطْءِ إلَّا إذَا وَطِئَ بَعْدَ أَدَاءِ الْمَهْرِ ح ل وَلَوْ عَجَزَتْ قَبْلَ أَخْذِهِ سَقَطَ أَوْ حَلَّ نَجْمٌ قَبْلَهُ وَقَعَ التَّقَاصُّ بِشَرْطِهِ. اهـ. ق ل وَقَوْلُهُ: لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ دَفْعٌ لِمَا قَدْ يُقَالُ: إذَا طَاوَعَتْهُ كَانَتْ زَانِيَةً فَكَيْفَ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ لَهَا شُبْهَةً دَافِعَةً لَهُ أَيْ لِلزِّنَا وَهِيَ الْمِلْكُ. قَوْلُهُ: (وَلَا حَدَّ) إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَاعْتَقَدَهُ لَكِنْ يُعَزَّرُ مَنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ مِنْهُمَا زي. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ) أَيْ لِأُمِّهِ. قَوْلُهُ: (وَصَارَتْ بِالْوَلَدِ مُسْتَوْلَدَةً مُكَاتَبَةً) أَيْ مُسْتَمِرَّةَ الْكِتَابَةِ وَإِلَّا فَالْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ وَهِيَ مُسْتَوْلَدَةٌ مُكَاتَبَةٌ كَانَ أَظْهَرَ سم زي فَإِنْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ عَنْ الِاسْتِيلَادِ وَإِنْ سَبَقَ أَدَاءُ النُّجُومِ عَتَقَتْ عَنْ الْكِتَابَةِ فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ التَّعْجِيزِ وَأَدَاءِ النُّجُومِ عَتَقَتْ عَنْ الْكِتَابَةِ بَعْدَ أَدَاءِ النُّجُومِ كَمَا قَالَ: م ر. قَوْلُهُ: (وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ) أَيْ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا. قَوْلُهُ: (الْحَادِثُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ) أَيْ الْمُنْفَصِلُ وَلَوْ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْكِتَابَةِ) أَيْ بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْكِتَابَةِ زي. قَوْلُهُ: (رِقًّا) أَيْ إنْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ عِتْقِهَا وَعَتَقَا فَقَطْ إنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَيُمَوِّنُهُ مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ) اُنْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَسْبِ وَمَا بَعْدَهُ هَلْ يُمَوِّنُهُ السَّيِّدُ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ يَمَانُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (وَمَهْرُهُ) أَيْ إذَا كَانَ أُنْثَى وَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ اهـ. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ) أَيْ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْيَدِ م ر فَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ. قَوْلُهُ: (خُذْهُ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ حَرَامٌ بِاعْتِرَافِهِ فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِأَخْذِهِ وَأُجِيبَ: بِأَنَّا نُخَيِّرُهُ فَإِذَا اخْتَارَ أَخْذَهُ عَامَلْنَاهُ بِنَقِيضِهِ أَيْ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لِمَالِكٍ مُعَيَّنٍ أُلْزِمَ بِدَفْعِهِ لَهُ وَإِلَّا فَقِيلَ: يَنْزِعُهُ الْحَاكِمُ وَيَحْفَظُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: أَمْسِكْهُ حَتَّى يَظْهَرَ مَالِكُهُ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَإِنْ عَادَ وَكَذَّبَ نَفْسَهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ لِلْمُكَاتَبِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ تُبْرِئُهُ) الْمُنَاسِبُ أَوْ أَبْرِئْهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: نَعَمْ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى لَحْمٍ فَجَاءَ بِهِ فَقَالَ: هَذَا حَرَامٌ فَالظَّاهِرُ اسْتِفْصَالُهُ فِي قَوْلِهِ: حَرَامٌ فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّهُ مَسْرُوقٌ أَوْ نَحْوُهُ فَكَذَلِكَ أَيْ يُصَدَّقُ الْمُكَاتَبُ بِيَمِينِهِ أَوْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُذَكًّى حَلَفَ السَّيِّدُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا دُونَ الْوَطْءِ أَيْضًا حَجّ لِأَنَّهُ رُبَّمَا جَرَّهُ إلَى الْوَطْءِ خَوْفًا مِنْ هَلَاكِ الْأَمَةِ بِالطَّلْقِ. قَوْلُهُ: (لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَالْوَلَدُ نَسِيبٌ) أَيْ لَيْسَ مِنْ زِنًا. قَوْلُهُ: (تَبِعَهُ رِقًّا وَعِتْقًا) أَيْ إنْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ عِتْقِ أَبِيهِ وَعَتَقَا فَقَطْ إنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَهُ فَإِنْ يَعْتِقُ أَبُوهُ رُقَّ وَصَارَ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ وَقَوْلُهُ: يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَهَلْ يَمْتَنِعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 الْوَطْءِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ وَلَوْ عَجَّلَ الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ أَوْ بَعْضَهَا قَبْلَ مَحَلِّهَا، لَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَى قَبْضِهَا وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُ لِغَرَضٍ كَمُؤْنَةِ حِفْظِهِ وَإِلَّا أُجْبِرَ عَلَى الْقَبْضِ. فَإِنْ أَبِي قَبَضَهُ الْقَاضِي عَنْهُ وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَلَوْ عَجَّلَ بَعْضَ النُّجُومِ لِيُبْرِئَهُ مِنْ الْبَاقِي فَقَبَضَ وَأَبْرَأَهُ بَطَلَا. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ النُّجُومِ وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا مِنْ الْمُكَاتَبِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ جَرَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى خِلَافِهِ وَلَوْ بَاعَ السَّيِّدُ النُّجُومَ وَأَدَّى الْمُكَاتَبُ النَّجْمَ إلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يَعْتِقْ وَيُطَالِبُ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ وَالْمُكَاتَبُ الْمُشْتَرِيَ بِمَا أَخَذَهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبَةِ كِتَابَةً صَحِيحَةً فِي الْجَدِيدِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَرْفَعُ الْكِتَابَةَ لِلُزُومِهَا مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ فَيَبْقَى مُسْتَحِقُّ الْعِتْقِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُكَاتَبُ الْبَيْعَ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ جَازَ. وَكَانَ رِضَاهُ فَسْخًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعَالِيقِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِإِبْطَالِهِ، وَهِبَتُهُ كَبَيْعِهِ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ بَيْعُ مَا فِي   [حاشية البجيرمي] اسْتِخْدَامُهُ أَيْضًا رَاجِعْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِأَبِيهِ) أَيْ مَا دَامَ مُكَاتَبًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَيْ بَعْدَ الْعِتْقِ أَيْ غَيْرَ لَحْظَةِ الْوَضْعِ وَإِلَّا نَقَصَتْ الْمُدَّةُ عَنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ اهـ ع ش. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ فِي صُورَةِ السِّتَّةِ وَالْأَكْثَرِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَهُ فِي صُورَةِ الْأَكْثَرِ) أَيْ أَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فِي صُورَةِ مَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَالْحَاصِلُ: إنْ حَمَلَتْ بِالْوَلَدِ قَبْلَ الْعِتْقِ يَقِينًا فَهُوَ مَمْلُوكٌ وَلَا تَصِيرُ أَمَّ وَلَدٍ وَإِلَّا فَهُوَ حُرٌّ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ) لِظُهُورِ الْعُلُوقِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ الْعُلُوقِ قَبْلَهَا تَغْلِيبًا لَهَا وَالْوَلَدُ حِينَئِذٍ حُرٌّ فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا مَعَ الْعِتْقِ وَلَا بَعْدَهُ أَوْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (كَمُؤْنَةِ حِفْظِهِ) وَخَوْفٍ عَلَيْهِ كَأَنْ عَجَّلَ فِي زَمَنِ نَهْبٍ وَإِنْ أَنْشَأَ الْكِتَابَةَ فِي زَمَنِ النَّهْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَزُولُ عِنْدَ الْمَحِلِّ وَلِمَا فِي قَبُولِهِ: مِنْ الضَّرَرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: فَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَوْفُ مَعْهُودًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَجْهًا وَاحِدًا شَرْحُ الرَّوْضِ وَانْظُرْ لَوْ تَحَمَّلَ الْمُكَاتَبُ الْمُؤْنَةَ هَلْ يُجْبَرُ السَّيِّدُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ تَحَمُّلِ الْمُقْتَرِضِ أَوْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِمُؤْنَةِ النَّقْلِ سم. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ امْتَنَعَ لَا لِغَرَضٍ أُجْبِرَ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ عَلَى الْإِبْرَاءِ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ غَرَضًا ظَاهِرًا فِيهِ وَهُوَ تَنْجِيزُ الْعِتْقِ أَوْ تَقْرِيبُهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ اهـ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ تَنْجِيزُ الْعِتْقِ أَيْ إذَا أَرَادَ دَفْعَ الْكُلِّ وَقَوْلُهُ: أَوْ تَقْرِيبُهُ أَيْ إذَا أَرَادَ دَفْعَ الْبَعْضِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ أَوْ تَنْجِيزُهُ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ وَتَقْرِيبُهُ فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَجَّلَ بَعْضَ النُّجُومِ) وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي كُلِّ دَيْنٍ عُجِّلَ بِهَذَا الشَّرْطِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (لِيُبْرِئَهُ مِنْ الْبَاقِي) أَيْ شَرْطُ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَوَافَقَهُ الْآخَرُ. اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (فَقَبَضَ وَأَبْرَأَهُ) أَيْ مَعَ اعْتِقَادِ صِحَّةِ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (بَطَلَا) أَيْ الْقَبْضُ وَالْإِبْرَاءُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ إذَا حَلَّ دَيْنُهُ يَقُولُ لِمَدِينِهِ اقْضِ أَوْ زِدْ فَإِنْ قَضَاهُ وَإِلَّا زَادَهُ فِي الدَّيْنِ وَفِي الْأَجَلِ وَعَلَى السَّيِّدِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ وَلَا عِتْقَ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: بَطَلَا أَيْ إنْ كَانَ السَّيِّدُ جَاهِلًا بِالْفَسَادِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ صَحَّ وَعَتَقَ كَمَا فِي م ر لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ وَقَوْلُهُ: يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ مِنْ حَيْثُ جَلْبُ النَّفْعِ لِلْمُكَاتَبِ كَجَلْبِهِ لِرَبِّ الدَّيْنِ فِي ذَلِكَ. اهـ. ح ل. أَوْ مِنْ حَيْثُ جَعْلُ التَّعْجِيلِ مُقَابَلًا بِالْإِبْرَاءِ مِنْ الْبَاقِي فَهُوَ كَجَعْلِهِمْ زِيَادَةَ الْأَجَلِ مُقَابَلَةً بِمَالٍ وَقَوْلُ الْحَلَبِيِّ: أَيْ مِنْ حَيْثُ جَلْبُ النَّفْعِ إلَخْ. وَإِلَّا فَمَا هُنَا فِي مُقَابَلَةِ النَّقْصِ مِنْ الْوَاجِبِ وَمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الزِّيَادَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (بَيْعُ النُّجُومِ) لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا وَلِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ إذْ الْعَبْدُ يَسْتَقِلُّ بِإِسْقَاطِهِ وَقَوْلُهُ: عَلَى تَسْلِيمِهِ كَانَ الْأَوْلَى بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: عَلَى تَسَلُّمِهِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالسَّيِّدُ عَاجِزٌ عَنْ تَسَلُّمِهِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَادِرٌ عَلَى فَسْخِهَا. قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر. قَوْلُهُ: (وَإِنْ جَرَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) هُوَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ شَيْخُ الْخَطِيبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ بَاعَ) أَيْ أَتَى بِصُورَةِ بَيْعٍ وَالْأَوْلَى التَّفْرِيعُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (إلَى الْمُشْتَرِي) : أَيْ مُشْتَرِيهَا أَوْ مُشْتَرِيهِ وَالْمُرَادُ الْمُشْتَرِي صُورَةً لِأَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْتِقْ) فَإِنْ قُلْت إذَا وَكَّلَ السَّيِّدُ فِي قَبْضِ النُّجُومِ صَحَّ قَبْضُ الْوَكِيلِ وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ فَهَلَّا جَعَلَا الْمُشْتَرِيَ كَالْوَكِيلِ لِتَضَمُّنِ الْبَيْعِ الْإِذْنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ قُلْت: فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَقْبِضُ النُّجُومَ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: نَعَمْ لَوْ بَاعَهَا وَأَذِنَ لِلْمُشْتَرِي فِي قَبْضِهَا مَعَ عِلْمِهِمَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ عَتَقَ بِقَبْضِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَالْوَكِيلِ. قَوْلُهُ: (وَهِبَتُهُ كَبَيْعِهِ) فَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 يَدِ مُكَاتَبِهِ وَلَا إعْتَاقُ عَبْدِهِ وَلَا تَزْوِيجُ أَمَتِهِ وَلَا التَّصَرُّفُ فِي شَيْءٍ مِمَّا فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ مَثَلًا لِلسَّيِّدِ أَعْتِقْ مُكَاتَبَك عَلَى كَذَا كَأَلْفٍ فَفَعَلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَك عَلَى كَذَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ فَكِّ الْأَسِيرِ هَذَا إذَا قَالَ أَعْتِقْهُ وَأَطْلَقَ أَمَّا إذَا قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ عَنْ السَّائِلِ وَيَعْتِقُ عَنْ الْمُعْتِقِ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ (وَلَا يَعْتِقُ) شَيْءٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ (إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ) الْبَاقِي (بَعْدَ الْقَدْرِ الْمَوْضُوعِ عَنْهُ) فَلَوْ لَمْ يَضَعْ سَيِّدُهُ عَنْهُ شَيْئًا وَبَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ النُّجُومِ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ حَطُّهُ أَوْ إيتَاؤُهُ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ وَلَا يَحْصُلُ التَّقَاصُّ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ: لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ تَعْجِيزُهُ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلَهُ لَكِنْ يَرْفَعُهُ الْمُكَاتَبُ لِلْحَاكِمِ حَتَّى يَرَى رَأْيَهُ وَيَفْصِلَ الْأَمْرَ بَيْنَهُمَا اهـ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِالْأَدَاءِ قَصْرُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَعْتِقُ بِالْإِبْرَاءِ مِنْ النُّجُومِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَبِالْحَوَالَةِ بِهِ وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ وَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْجَمِيعِ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مِنْ الْقَدْرِ الْبَاقِي شَيْءٌ وَلَوْ دِرْهَمًا فَأَقَلَّ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُكَاتَبُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُغَلَّبُ فِيهِ الْعِتْقَ بِالصِّفَةِ فَلَا يَعْتِقُ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهَا وَإِنْ كَانَ الْمُغَلَّبُ فِيهِ الْمُعَاوَضَةَ فَكَالْبَيْعِ فَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ جَمِيعِ ثَمَنِهِ تَتِمَّةٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكِتَابَةِ الْبَاطِلَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَمَا تُشَارِكُ فِيهِ الْفَاسِدَةُ الصَّحِيحَةَ وَمَا تُخَالِفُهَا فِيهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ؛ الْبَاطِلَةُ مَا اخْتَلَّتْ صِحَّتُهَا بِاخْتِلَالِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، كَكَوْنِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ عُقِدَتْ بِغَيْرِ مَقْصُودٍ كَدَمٍ وَهِيَ مُلْغَاةٌ إلَّا فِي تَعْلِيقٍ مُعْتَبَرٍ بِأَنْ يَقَعَ مِمَّنْ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ فَلَا تُلْغَى فِيهِ. وَالْفَاسِدَةُ: مَا اخْتَلَّتْ صِحَّتُهَا بِكِتَابَةِ بَعْضِ رَقِيقٍ أَوْ فَسَادِ شَرْطٍ كَشَرْطٍ أَوْ يَبِيعُهُ كَذَا أَوْ فَسَادِ عِوَضٍ كَخَمْرٍ أَوْ فَسَادِ أَجَلٍ كَنَجْمٍ وَاحِدٍ وَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ فِي اسْتِقْلَالِ الْمُكَاتَبِ بِكَسْبِهِ وَفِي أَخْذِ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ وَفِي أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ لِسَيِّدِهِ   [حاشية البجيرمي] تَصِحُّ إلَّا بِرِضَاهُ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ كَمَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (عَتَقَ) أَيْ عَنْ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْتِقْ عَنْ السَّائِلِ) لِأَنَّ عِتْقَهُ عَنْهُ يَتَضَمَّنُ بَيْعَهُ لَهُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ بَيْعِهِ اسْتِقْلَالًا أَوْ ضِمْنًا وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ لَمْ لِلْمَاضِي. قَوْلُهُ: (فَلَوْ لَمْ يَضَعْ سَيِّدُهُ) الْمُنَاسِبُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ لِأَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ النُّجُومِ بِأَنَّ حَالَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ عَلَى آخَرَ فَيَعْتِقُ بِالْحَوَالَةِ وَقَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ أَيْ الْمُكَاتَبِ وَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَالَ الْحَوَالَةِ شَرْطُهُ اللُّزُومُ وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ وَقَوْلُهُ: الْمُكَاتَبُ قِنٌّ أَيْ كَقِنٍّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقِنَّ هُوَ الرَّقِيقُ الَّذِي لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (فَكَالْبَيْعِ) فِي نُسْخَةٍ فَكَالْمَبِيعِ قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي عِتْقِهِ. قَوْلُهُ: (بِاخْتِلَالِ رُكْنٍ) أَيْ شَرْطِ رُكْنٍ مِنْ الْأَرْكَانِ أَيْ بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ لَكِنْ اخْتِلَالُ شَرْطِ الْعَاقِدِ، يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ مُطْلَقًا وَاخْتِلَالُ شَرْطِ الْعِوَضِ تَارَةً يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِلْبُطْلَانِ إنْ عَقَدَهَا بِفَاسِدٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ كَدَمٍ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا مَقْصُودًا كَخَمْرٍ أَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا أَوْ مُنَجَّمًا بِوَقْتٍ وَاحِدٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي تَعْلِيقٍ مُعْتَبَرٍ) كَأَنْ يَقُولَ: إنْ أَعْطَيْتنِي دَمًا أَوْ مَيْتَةً فَأَنْتَ حُرٌّ وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: إلَّا فِي تَعْلِيقِ اسْتِثْنَاءٍ مُنْقَطِعٍ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ لَا بِحُكْمِ الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَقَعَ مِمَّنْ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) أَيْ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ وَمِثْلُهُ غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ: كَقَوْلِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ كَاتَبْتُك عَلَى زِقَّيْ دَمٍ فَإِذَا أَدَّيْتَهُمَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا أَدَّاهُمَا عَتَقَ. قَوْلُهُ: (فِي اسْتِقْلَالِ الْمُكَاتَبِ بِكَسْبِهِ) ظَاهِرُهُ حَتَّى فِي كِتَابَةِ الْبَعْضِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ إلَّا بِبَعْضِ الْكَسْبِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّ الْكِتَابَةَ الْفَاسِدَةَ كَالصَّحِيحَةِ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ وَكَالتَّعْلِيقِ فِي ثَمَانِيَةٍ. قَوْلُهُ: (وَفِي أَخْذِ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ) وَكَذَا الْمَهْرُ مَنْهَجٌ أَيْ حَيْثُ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ السَّيِّدِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فِي الْفَاسِدَةِ دُونَ الصَّحِيحَةِ سم أَيْ فَلَوْ قَطَعَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ السَّيِّدُ طَرَفَهُ فِي الصَّحِيحَةِ لَزِمَ كُلًّا الْأَرْشُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 وَفِي أَنَّهُ يَتْبَعُهُ إذَا عَتَقَ كَسْبُهُ وَكَالتَّعْلِيقِ بِصِفَةٍ فِي أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِغَيْرِ أَدَاءِ الْمُكَاتَبِ كَإِبْرَائِهِ أَوْ أَدَائِهِ غَيْرَهُ عَنْهُ مُتَبَرِّعًا وَفِي أَنَّ كِتَابَتَهُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَفِي أَنَّهُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَفِي أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ لَهُ سَهْمُ الْمُكَاتَبِينَ وَفِي صِحَّةِ إعْتَاقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَتَمْلِيكِهِ وَمَنْعِهِ مِنْ السَّفَرِ وَجَوَازِ وَطْءِ الْأَمَةِ. وَكُلٌّ مِنْ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَكِنَّ الْمُغَلَّبَ فِي الْأُولَى مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَالْبَاطِلُ وَالْفَاسِدُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ إلَّا فِي مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ مِنْهَا الْحَجُّ، وَالْعَارِيَّةُ وَالْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ وَتُخَالِفُ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ الصَّحِيحَةَ وَالتَّعْلِيقَ فِي أَنَّ لِلسَّيِّدِ فَسْخَهَا بِالْقَوْلِ وَفِي أَنَّهَا تَبْطُلُ بِنَحْوِ   [حاشية البجيرمي] السَّيِّدُ طَرَفَهُ فِي الْفَاسِدَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ فِي الصَّحِيحَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ أَدَاءِ الْمُكَاتَبِ) : فِيهِ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ وَإِنَّمَا أَجْزَأَ فِي الصَّحِيحَةِ لِكَوْنِ الْمُغَلَّبِ فِيهَا الْمُعَاوَضَةَ فَالْأَدَاءُ وَالْإِبْرَاءُ فِيهَا وَاحِدٌ شَرْحُ م ر أَيْ وَالْمُغَلَّبُ فِي الْفَاسِدَةِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَاخْتَصَّتْ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى لِلسَّيِّدِ كَيْ تَتَحَقَّقَ الصِّفَةُ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَأَدَاءُ غَيْرِهِ عَنْهُ) أَيْ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: مُتَبَرِّعًا لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (تَبْطُلُ) اسْتَشْكَلَهُ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ فَكَيْفَ يُقَالُ: بَطَلَ قَالَ: فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بُطْلَانُ الصِّفَةِ اهـ. سم قَالَ الْحَلَبِيُّ: وَإِنَّمَا بَطَلَتْ الْفَاسِدَةُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ وَقَوْلُهُ: بِمَوْتِ سَيِّدِهِ أَيْ قَبْلَ الْأَدَاءِ إنْ لَمْ يَقُلْ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَوْ إلَى وَارِثِي كَمَا فِي الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَفِي أَنَّهُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِالْعَجْزِ بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ فِيهَا إلَّا إنْ قَيَّدَ الْعَجْزَ سم. قَوْلُهُ: (وَتَمْلِيكُهُ) أَيْ تَمْلِيكُهُ لِلْغَيْرِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بِأَنْ يُمَلِّكَهُ سَيِّدُهُ لِلْغَيْرِ أَوْ يُمَلِّكَهُ سَيِّدُهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ: اهـ عَبْدُ الْبَرِّ فَهُوَ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ اهـ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ وَتَمْلِيكُهُ أَيْ تَمْلِيكُ السَّيِّدِ إيَّاهُ الْأَجْنَبِيَّ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنَعَهُ مِنْ السَّفَرِ) أَيْ بِخِلَافِهِ فِي الصَّحِيحَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِلَا إذْنٍ مَا لَمْ يَحِلَّ النَّجْمُ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ: وَجَوَازُ وَطْءِ الْأَمَةِ أَيْ وَطْءِ السَّيِّدِ الْأَمَةَ الْمُكَاتَبَةَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَطْءَ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً فَاسِدَةً أَمَتَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ حَتَّى فِي الصَّحِيحَةِ. كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. سم وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: وَجَوَازُ وَطْءِ الْأَمَةِ أَيْ الْمُكَاتَبَةِ كِتَابَةً فَاسِدَةً وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَنْعُهُ مِنْ وَطْئِهَا. وَأَجَابَ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى السَّفَرِ أَيْ وَمَنَعَهُ مِنْ جَوَازِ الْوَطْءِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْمَنْعِ مِنْ الْجَوَازِ وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ إضَافَةُ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ وَمَنَعَهُ مِنْ الْوَطْءِ الْجَائِزِ لَوْلَا الْكِتَابَةُ وَعَلَى هَذَا فَلَا تَكُونُ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ كَالتَّعْلِيقِ مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا مِثْلُهُ فَالْأَنْسَبُ الْقَوْلُ: بِالتَّضْعِيفِ وَكَلَامُ الْحَلَبِيِّ ضَعِيفٌ اهـ لَكِنَّ الْمَدَابِغِيَّ لَمْ يُضَعِّفْ كَلَامَ الشَّارِحِ بَلْ أَقَرَّهُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا وَعَلَّلَ مَنْعَهُ مِنْ السَّفَرِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْفَاسِدَةَ فِيهَا شَبَهَانِ شَبَهٌ بِالصَّحِيحَةِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: اسْتِقْلَالِ الْمَكَاتِبِ بِكَسْبِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ بِأَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ وَعِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ وَتَبَعِيَّةِ كَسْبِهِ لَهُ، وَشَبَهٌ بِالتَّعْلِيقِ فِي ثَمَانِيَةِ أَشْيَاءَ: فِي أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْإِبْرَاءِ وَلَا بِأَدَاءِ الْغَيْرِ عَنْهُ تَغْلِيبًا لِمَعْنَى التَّعْلِيقِ بِإِعْطَائِهِ وَلَوْ غَلَّبْنَا جَانِبَ الْمُعَاوَضَةِ لَعَتَقَ بِذَلِكَ وَفِي بُطْلَانِهَا بِمَوْتِ السَّيِّدِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يَنْقَطِعُ حُكْمُ التَّعْلِيقِ بِانْتِقَالِهِ لِمِلْكِ غَيْرِهِ وَفِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِهِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَفِي أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ لَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِينَ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالصَّحِيحَةِ وَفِي إعْتَاقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ يَصِحُّ إعْتَاقُهُ عَنْهَا وَفِي جَوَازِ تَمْلِيكِهِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهَا يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ وَفِي مَنْعِهِ مِنْ السَّفَرِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهَا لَا تَزُولُ وِلَايَةُ السَّيِّدِ عَنْهُ وَفِي جَوَازِ وَطْءِ الْأَمَةِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَجُوزُ وَطْؤُهَا. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى لِغَيْرِ السَّيِّدِ كَالْوَارِثِ يَعْتِقُ وَقَوْلُهُ: مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِدَلِيلِ أَنْ لَوْ أَدَّى لِلْوَارِثِ يَعْتِقُ. قَوْلُهُ: (الْحَجُّ) : فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَيَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ دُونَ الْبَاطِلِ وَأَمَّا الْعَارِيَّةُ فَتَصَوُّرُهُ بِإِعَارَةِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِغَيْرِ الزِّينَةِ فَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ فَاسِدَةٌ فَتُضْمَنُ وَعِنْدَ الْمَرَاوِزَةِ بَاطِلَةٌ فَلَا تُضْمَنُ لِأَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ بِخِلَافِ بَاطِلِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَصَحِيحِهِ كَمَا فِي الدَّمِيرِيِّ. قَوْلُهُ: (وَالْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ) فَإِنَّ الْبَاطِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ عَلَى عِوَضٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ كَالدَّمِ أَوْ رَجَعَ إلَى خَلَلٍ فِي الْعَاقِدِ كَالصِّغَرِ وَالسَّفَهِ، وَالْفَاسِدُ مِنْهُمَا خِلَافُهُ وَحُكْمُ الْبَاطِلِ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي وَالْفَاسِدُ كَأَنْ كَانَ عَلَى خَمْرٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ بِالْقِيمَةِ وَالزَّوْجُ بِالْمَهْرِ. أَيْ عَلَى الزَّوْجَةِ اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 إغْمَاءِ السَّيِّدِ وَحَجْرِ سَفَهٍ عَلَيْهِ وَفِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّاهُ إنْ بَقِيَ وَبِبَدَلِهِ إنْ تَلِفَ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ وَالسَّيِّدُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَقْتَ الْعِتْقِ. فَإِنْ اتَّحَدَ وَاجِبُ السَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبِ تَقَاصَّا وَلَوْ بِلَا رِضًا وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْفَضْلِ بِهِ، هَذَا إذَا كَانَا نَقْدَيْنِ فَإِنْ كَانَا مُتَقَوِّمَيْنِ فَلَا تَقَاصَّ أَوْ مِثْلِيَّيْنِ فَفِيهِمَا تَفْصِيلٌ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، وَغَيْرِهِ مَعَ فَوَائِدَ مُهِمَّةٍ لَا بَأْسَ بِمُرَاجَعَتِهَا، فَإِنَّ   [حاشية البجيرمي] ل ح وَمَعْنَى كَوْنِهِمَا فَاسِدَيْنِ أَنَّ عِوَضَهُمَا فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَا نَافِذَيْنِ بِدَلِيلِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَحُصُولِ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا أَتَى الشَّارِحُ بِمَنْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَيْضًا الْفَرْقُ فِي كُلِّ عَقْدٍ صَحِيحٍ غَيْرِ مُضَمَّنٍ كَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ فَإِنَّهُ لَوْ صَدَرَ مِنْ سَفِيهٍ أَوْ صَبِيٍّ وَتَلِفَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُتَّهِبِ وَجَبَ الضَّمَانُ لِبُطْلَانِهِمَا وَلَوْ كَانَا فَاسِدَيْنِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُمَا لِأَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ كَمَا نَقَلَهُ الزِّيَادِيُّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ إغْمَاءِ السَّيِّدِ وَحَجْرِ سَفَهٍ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْحَظَّ فِي الْكِتَابَةِ لِلْمُكَاتَبِ لَا لِلسَّيِّدِ بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّعْلِيلُ لَا يَبْطُلَانِ بِذَلِكَ. وَخَرَجَ بِالسَّيِّدِ الْمُكَاتَبُ فَلَا تَبْطُلُ الْفَاسِدَةُ بِنَحْوِ إغْمَائِهِ وَحَجْرِ سَفَهٍ عَلَيْهِ وَحَجْرِ الْفَلَسِ. فَلَا تَبْطُلُ بِهَا فَإِنْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ بَطَلَتْ اهـ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: لَا لِلسَّيِّدِ فَهِيَ تَبَرُّعٌ مِنْ السَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَكُلٌّ مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالسَّفِيهِ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَذَا فِي ح ل وز ي وع ش وَفِيهِ أَنَّ الْإِغْمَاءَ وَالسَّفَهَ طَرَآ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَقَوْلُهُ: فَلَا تَبْطُلُ الْفَاسِدَةُ بِنَحْوِ إغْمَائِهِ فَإِذَا أَفَاقَ وَأَدَّى الْمُسَمَّى عَتَقَ شَرْحُ م ر وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ مَالِهِ إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا وَتَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ يُؤَدِّي بِشُرُوطِهِ. قَوْلُهُ: (وَفِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ) : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُهُ وَقْتَ أَخْذِهِ وَعِنْدِي لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ يَمْلِكُهُ فَإِذَا عَتَقَ ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْمِلْكُ وَاسْتَشْهَدَ بِمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى إعْطَاءِ دَرَاهِمَ فَأَعْطَتْهُ غَيْرَ الْغَالِبِ مِلْكُهُ، وَلَهُ رَدُّهُ وَطَلَبُ الْغَالِبِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْكِتَابَةِ يَرْتَفِعُ الْمِلْكُ قَهْرًا وَهُنَا بِالِاخْتِيَارِ سم. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ) خَرَجَ الْخَمْرُ أَيْ غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَخَمْرٍ فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا كَجِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ فَيَرْجِعُ بِهِ لَا بِبَدَلِهِ إنْ تَلِفَ اهـ وَقَوْلُهُ: كَخَمْرٍ أَيْ غَيْرِ مُحْتَرَمَةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَيْ الْمُؤَدَّى مُحْتَرَمًا كَمَا قَالَهُ: الشَّوْبَرِيُّ. وَقَوْلُهُ: كَجِلْدِ مَيْتَةٍ كَأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى جُلُودِ مَيْتَةٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ. وَقَوْلُهُ: لَمْ يُدْبَغْ قَيَّدَ بِهِ لِعَدَمِ ضَمَانِهِ بِالْبَدَلِ إنْ تَلِفَ كَمَا ذَكَرَهُ: إلَّا فَالْمَدْبُوغُ يَرْجِعُ بِهِ وَبِبَدَلِهِ إنْ تَلِفَ. اهـ. شَيْخُنَا قَالَ: ع ش وَهَلْ الْعِبْرَةُ بِالْقِيمَةِ بِوَقْتِ التَّلَفِ أَوْ الْقَبْضِ أَوْ أَقْصَى الْقِيَمِ فِيهِ نَظَرٌ وَقِيَاسُ الْمَقْبُوضِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِأَقْصَى الْقِيَمِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِقِيمَتِهِ وَقْتَ الْعِتْقِ) إذْ لَا يُمْكِنُ رَدُّ الْعِتْقِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْبَيْعِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ: وَقَوْلُهُ: إذْ لَا يُمْكِنُ عِبَارَةُ شَرْحِ م ر لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَقَدْ تَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ لِعَدَمِ إمْكَانِ رَدِّهِ. فَهُوَ كَتَلَفِ مَبِيعٍ فَاسِدٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَيَرْجِعُ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَدَّى وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَالْمُعْتَبَرُ هُنَا الْقِيمَةُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اتَّحَدَ وَاجِبُ السَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبِ) فِي الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ كَأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى دِينَارَيْنِ مَثَلًا فِي نَجْمٍ وَدَفَعَهُمَا لِلسَّيِّدِ وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ دِينَارَيْنِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ التَّقَاصُّ كَمَا ذُكِرَ فَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ رَجَعَ الْعَبْدُ بِثَمَانِيَةٍ وَحُكْمُ عَكْسِهِ عَكْسُ حُكْمِهِ أج. قَوْلُهُ: (تَقَاصَّا) أَيْ سَقَطَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا فِي نَظِيرِ دَيْنِ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ مَحَلُّ التَّقَاصِّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَا مُتَقَوِّمَيْنِ) : حَاصِلُ مَا قَالَهُ م ر أَنَّ الْمُعْتَمَدَ جَرَيَانُ التَّقَاصِّ فِي الْمِثْلِيَّاتِ فَقَطْ فِي الْكِتَابَةِ دُونَ غَيْرِهَا سم. قَوْلُهُ: (فَلَا تَقَاصَّ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَعْلُومَيْنِ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ بِخِلَافِ الْمِثْلِيِّ قَالَ سم: فَإِنْ قُلْتَ: مَا صُورَةُ التَّقَاصِّ فِي الْمِثْلِيَّيْنِ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ. قُلْت: مِنْ صُوَرِهِ أَنْ تَكُونَ النُّجُومُ بُرًّا مَثَلًا وَتَكُونُ الْمُعَامَلَةُ فِي ذَلِكَ بِالْبُرِّ فَهُوَ نَقْدُ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَتَكُونُ الْقِيمَةُ مِنْهُ اهـ. وَانْظُرْ أَيْضًا مَا صُورَةُ التَّقَاصِّ فِي الْمُتَقَوِّمَيْنِ وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِأَنْ تَكُونَ النُّجُومُ غَنَمًا وَتَكُونَ الْمُعَامَلَةُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بِهَا فَتَكُونُ الْقِيمَةُ مِنْهَا قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ التَّقَاصَّ فِي الْمُتَقَوِّمَيْنِ لَا يَأْتِي هُنَا حَتَّى يَنْفِيَهُ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَبَدَلِ الْمُتْلَفِ إنْ كَانَ قِيمَةً فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَثَلًا فَمُقَابِلُهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: (فَفِيهِمَا تَفْصِيلٌ) : حَاصِلُهُ وُجُودُ التَّقَاصِّ فِي الْمِثْلِيَّيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 هَذَا الْمُخْتَصَرَ لَا يَحْتَمِلُ ذِكْرَهَا وَلَوْ ادَّعَى رَقِيقٌ كِتَابَةً، فَأَنْكَرَ سَيِّدُهُ أَوْ وَارِثُهُ حَلَفَ الْمُنْكِرُ، وَلَوْ اخْتَلَفَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ فِي قَدْرِ النُّجُومِ أَوْ قَدْرِ الْأَجَلِ وَلَا بَيِّنَةَ أَوْ لِكُلٍّ بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ فَسَخَهَا الْحَاكِمُ أَوْ الْمُتَحَالِفَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُك وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيَّ فَأَنْكَرَ الْمُكَاتَبُ صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ إنْ عُرِفَ لَهُ مَا ادَّعَاهُ وَإِلَّا فَالْمُكَاتَبُ وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَى الْوَارِثِ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَرِثَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ الْمُكَاتَبَةَ أَوْ وَرِثَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا الْمُكَاتَبَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَلَكَ زَوْجَهُ أَوْ بَعْضَهُ. وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ، أَوْ بِالْعَكْسِ وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ أَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي انْفَسَخَ النِّكَاحُ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَلَكَ زَوْجَهُ.   [حاشية البجيرمي] فِي الْكِتَابَةِ دُونَ غَيْرِهَا لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ كَأَنْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو إرْدَبُّ قَمْحٍ سَلَمًا وَلِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ مِثْلُهُ فَلَا يَحْصُلُ التَّقَاصُّ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَعِبَارَةُ م ر أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا جِنْسًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا مَرَّ فَلَا تَقَاصَّ كَمَا لَوْ كَانَا غَيْرَ نَقْدَيْنِ وَهُمَا مُتَقَوِّمَانِ مُطْلَقًا أَوْ مِثْلِيَّانِ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ عِتْقٌ فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ جَازَ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (حَلَفَ الْمُنْكِرُ) فَيُصَدَّقُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَلَوْ عُكِسَ بِأَنْ ادَّعَاهَا السَّيِّدُ وَأَنْكَرَهَا الْعَبْدُ صَارَ قِنًّا وَجُعِلَ إنْكَارُهُ تَعْجِيزًا مِنْهُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ قَالَ: كَاتَبْتُك وَأَدَّيْت الْمَالَ وَعَتَقْت عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ أَنَّ السَّيِّدَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ وَالْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: وَجُعِلَ إنْكَارُهُ تَعْجِيزًا مَحَلُّهُ إنْ تَعَمَّدَ وَلَمْ يَكُنْ عُذْرٌ وَقَوْلُهُ وَعَتَقْت لَيْسَ بِقَيْدٍ وَمِنْ ثَمَّ أَسْقَطَهُ حَجّ وم ر اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اخْتَلَفَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ فِي قَدْرِ النُّجُومِ) أَيْ فِي مِقْدَارِ مَا يُؤَدَّى فِي كُلِّ نَجْمٍ. اهـ. ز ي وَعِبَارَةُ م ر فِي قَدْرِ النُّجُومِ أَيْ الْأَوْقَاتِ أَوْ مَا يُؤَدِّي كُلَّ نَجْمٍ اهـ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ النُّجُومِ أَيْ الْمَالِ أَوْ صِفَتِهَا كَجِنْسِهَا أَوْ عَدَدِهَا أَوْ قَدْرِ أَجَلِهَا وَلَا بَيِّنَةَ أَوْ لِكُلٍّ بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا اهـ وَقَوْلُهُ: فِي قَدْرِ أَيْ مِقْدَارِ مَا يُؤَدَّى فِي كُلِّ نَجْمٍ ز ي وَعِبَارَةُ م ر فِي قَدْرِ النُّجُومِ أَيْ الْأَوْقَاتِ أَوْ مَا يُؤَدِّي كُلُّ نَجْمٍ اهـ وَلَوْ جَعَلَ هَذَا تَفْسِيرًا لِعَدَدِهَا الْآتِي وَفَسَّرَ الْقَدْرَ بِقَدْرِهَا كُلِّهَا لَكَانَ مُنَاسِبًا وَعَلَى كَلَامِ زي فَيُفَسِّرُ قَوْلَهُ: أَوْ عَدَدِهَا بِعَدَدِ جُمْلَتِهَا بِأَنْ اخْتَلَفَا فِي جُمْلَةِ الْعَدَدِ. وَقَوْلُهُ: كَجِنْسِهَا عِبَارَةُ م ر أَرَادَ بِالصِّفَةِ مَا يَشْمَلُ الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ وَالصِّفَةَ وَقَدْرَ الْأَجَلِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ عَدَدِهَا كَأَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ كَاتَبْتنِي عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ فَقَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُك عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مُؤَجَّلَةٍ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةٌ. قَوْلُهُ: (تَحَالَفَا) وَيُبْدَأُ بِالسَّيِّدِ هُنَا نَدْبًا لِقُوَّةِ جَانِبِهِ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ هُنَا. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ إنْ عُرِفَ سَبْقُ مَا ادَّعَاهُ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِذَلِكَ لِكَوْنِ الْأَصْلِ بَقَاءَهُ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ وَمِنْ ثَمَّ صَدَّقْنَاهُ مَعَ كَوْنِهِ مُدَّعِيًا لِلْفَسَادِ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ اهـ. م ر وحج وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ وَلَوْ قَالَ: كَاتَبْتُك وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيَّ فَأَنْكَرَ الْمُكَاتَبُ الْجُنُونَ أَوْ الْحَجْرَ حَلَفَ السَّيِّدُ فَيُصَدَّقُ إنْ عُرِفَ لَهُ ذَلِكَ أَيْ مَا ادَّعَاهُ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالْمُكَاتَبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ السَّيِّدُ وَلَا قَرِينَةَ وَالْحُكْمُ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي النِّكَاحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ ثُمَّ قَالَ: كُنْت مَحْجُورًا عَلَيَّ أَوْ مَجْنُونًا يَوْمَ زَوَّجْتهَا لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ عُهِدَ لَهُ ذَلِكَ وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ تَعَلَّقَ بِثَالِثٍ بِخِلَافِهِ هُنَا اهـ. وَقَوْلُهُ فِي النِّكَاحِ وَمِثْلُ النِّكَاحِ الْبَيْعُ فَلَوْ قَالَ: كُنْت وَقْتَ الْبَيْعِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يُقْبَلْ وَإِنْ أَمْكَنَ الصِّبَا وَعُهِدَ الْجُنُونُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ وَالْإِقْدَامُ عَلَيْهَا يَقْتَضِي اسْتِجْمَاعَ شَرَائِطِهَا بِخِلَافِ الضَّمَانِ وَالطَّلَاقِ اهـ زي. وَقَوْلُهُ: بِثَالِثٍ وَهُوَ الزَّوْجُ إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجَةِ أَوْ الزَّوْجَةُ إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (وَالْمُكَاتَبُ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَى الْوَارِثِ) كَأَنْ يَكُونَ ابْنَ أَخٍ لِلسَّيِّدِ وَكَانَ الْأَخُ وَارِثًا. قَوْلُهُ: (زَوْجَتُهُ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي زَوْجُهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي أَوْ بَعْضُهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْضُهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مِلْكِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ وَالْكِتَابَةُ بَاقِيَةٌ إنْ كَانَتْ صَحِيحَةً وَهَذَا وَمَا بَعْدَهُ دَخِيلٌ هُنَا وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَنْهَجِ هُنَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 فَصْلٌ: فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ خَتَمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كِتَابَهُ بِالْعِتْقِ رَجَاءَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْتِقُهُ وَقَارِئَهُ وَشَارِحَهُ مِنْ النَّارِ. فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، أَنْ يُجِيرَنَا وَوَالِدِينَا وَمَشَايِخَنَا وَجَمِيعَ أَهْلِنَا وَمُحِبِّينَا مِنْهَا، وَأَخَّرَ هَذَا الْفَصْلَ لِأَنَّهُ عِتْقٌ قَهْرِيٌّ مَشُوبٌ بِقَضَاءٍ أَوْ طَارٍ؛ وَأُمَّهَاتُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَأَصْلُهَا أُمَّهَةٌ بِدَلِيلِ جَمْعِهَا عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ   [حاشية البجيرمي] [فَصْلٌ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ] ِ أَيْ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَحُرْمَةِ بَيْعِهَا وَهِبَتِهَا وَجَوَازِ وَطْئِهَا وَاسْتِخْدَامِهَا وَلَمْ يَقُلْ الْمُسْتَوْلَدَاتِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ الْآتِي وَالْأُمَّهَاتُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا كَمَا قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ وَعَبَّرَ فِي الْمَنْهَجِ بِكِتَابِ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِالْفِعْلِ وَمَا قَبْلَهُ بِالْقَبُولِ وَأَيْضًا الْعِتْقُ فِيهِ قَهْرِيٌّ فَلَمْ يَنْدَرِجْ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِتْقَ بِاللَّفْظِ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِيلَادِ لِتَرَتُّبِ مُسَبَّبِهِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَتَأَخُّرِهِ فِي الِاسْتِيلَادِ وَلِحُصُولِ الْمُسَبَّبِ بِالْقَوْلِ قَطْعًا بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ لِجَوَازِ مَوْتِهَا قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِ م ر وَقَالَ حَجّ الِاسْتِيلَادُ أَقْوَى لِنُفُوذِهِ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَالْعِتْقُ اللَّفْظُ لَا يَنْفُذُ مِنْهُمَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اهْتِمَامِ الشَّرْعِ بِالِاسْتِيلَادِ فَيَكُونُ أَقْوَى وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ اللَّفْظِ أَقْوَى أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى عِتْقِ الْمُسْتَوْلَدَةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِعْتَاقِ الْمُنَجَّزِ بِاللَّفْظِ وَمِنْهُ «إنَّ اللَّهَ يَعْتِقُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْ الْعَتِيقِ عُضْوًا مِنْ الْمُعْتِقِ» اهـ. وَالْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ اهـ ع ش عَلَى م ر بِزِيَادَةٍ. وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ وَهَذَا الْقِيلُ حَكَاهُ سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ بِشَيْءٍ. اهـ. قَوْلُهُ: (خَتَمَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: كِتَابُ الْعِتْقِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَتَى بِهِ هَهُنَا لِأَجْلِ قَوْلِهِ: وَأَخَّرَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِالْعِتْقِ) أَيْ بِكِتَابِ الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (وَشَارِحَهُ) مُفْرَدٌ مُضَافٌ، فَيَعُمُّ. قَوْلُهُ: (وَمَشَايِخَنَا) بِالْيَاءِ لَا بِالْهَمْزِ كَمَعَايِشَ لِأَنَّ الْيَاءَ لَا تُقْلَبُ هَمْزَةً إلَّا إذَا كَانَتْ زَائِدَةً وَهِيَ هُنَا أَصْلِيَّةٌ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثًا فِي الْوَاحِدِ ... هَمْزًا يُرَى فِي مِثْلِ كَالْقَلَائِدِ قَوْلُهُ: (مِنْهَا) أَيْ مِنْ النَّارِ وَخَتَمَهُ أَيْضًا بِمَا ذُكِرَ لِيُنَاسَبَ الْخِتَامُ الِافْتِتَاحَ فَالِافْتِتَاحُ بِالْعِبَادَاتِ وَالْخِتَامُ بِالْعِتْقِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْقُرُبَاتِ وَبَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبَةِ تَنَاسُبٌ وَاضِحٌ اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (مَشُوبٌ بِقَضَاءِ أَوْطَارٍ) أَيْ مَخْلُوطٌ يُقَالُ: شَابَهُ يَشُوبُهُ خَلَطَهُ يَخْلِطُهُ وَقَوْلُهُ: أَوْطَارٍ أَيْ أَغْرَاضٍ ع ش وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْطَارٌ جَمْعُ وَطَرٍ وَهُوَ الْحَاجَةُ وَالشَّهْوَةُ وَمِنْهُ {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} [الأحزاب: 37] الْآيَةَ. أَيْ فَيَكُونُ أَدْوَنَ رُتْبَةً مِنْ الْعِتْقِ الِاخْتِيَارِيِّ وَالْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ. قَوْلُهُ: (وَأَصْلُهَا إلَخْ) هُنَا سَقْطٌ وَالْأَصْلُ جَمْعُ أُمٍّ وَأَصْلُهَا إلَخْ فَدَخَلَهَا الْحَذْفُ لَا لِعِلَّةٍ كَيَدٍ بَلْ لِلْخِفَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي هَائِهَا فَقِيلَ زَائِدَةٌ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْأُشْمُونِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْأَلْفِيَّةِ: وَالْهَاءُ وَقْفًا كَلِمَهْ. فَوَزْنُهَا فَعْلَهَةٌ وَقِيلَ أَصْلِيَّةٌ وَيَدُلُّ لَهُ جَمْعُهَا عَلَى أُمَّهَاتٍ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ جَمْعُهَا عَلَى أُمَّاتٍ. وَيُجِيبُ عَنْ أُمَّهَاتٍ بِأَنَّهُ جَمْعُ أُمَّهَةٍ وَالْهَاءُ زَائِدَةٌ فِيهِمَا وَوَزْنُ أُمَّهَةٍ عَلَى كَوْنِ الْهَاءِ أَصْلِيَّةً، فُعَّلَةٌ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ فَالْهَاءُ لَامُ الْكَلِمَةِ وَالْعَيْنُ وَهِيَ الْمِيمُ مُضَعَّفَةٌ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَإِنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْلٍ ... فَاجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ مَا لِلْأَصْلِ وَوَزْنُ أُمٍّ عَلَى هَذَا فُعٌّ وَعَلَى زِيَادَةِ الْهَاءِ فُعْلٌ اهـ وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَأَصْلُهَا أُمَّهَةٌ جَوَابٌ عَمَّا يَقُولُ مِنْ شَرْطِ الْجَمْعِ أَنْ يُنَاسِبَ مُفْرَدَهُ وَالْمُفْرَدُ لَا هَاءَ فِيهِ وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ أَصْلَ أُمٍّ أُمَّهَةٌ فَفِي الْمُفْرَدِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ مَا فِي الْجَمْعِ مِنْ الْحُرُوفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ فِي جَمْعِهَا أَيْضًا أُمَّاتٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ، وَقَالَ آخَرُونَ: يُقَالُ فِيهِمَا أُمَّهَاتٌ وَأُمَّاتٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ فِي النَّاسِ وَالثَّانِيَ أَكْثَرُ فِي غَيْرِهِمْ وَيُمْكِنُ رَدُّ الْأَوَّلِ إلَى هَذَا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ: «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ. وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى   [حاشية البجيرمي] الْأَصْلِيَّةِ قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. وَقَوْلُهُ: بِدَلِيلِ جَمْعِهَا لِأَنَّ الْجَمْعَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا. قَوْلُهُ: (قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ) أَيْ فِي صِحَاحِهِ وَحِينَئِذٍ فَأُمَّهَاتٌ جَمْعٌ لِلْفَرْعِ دُونَ الْأَصْلِ وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُ أَيْ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ وَهُوَ الْمَحَلِّيُّ أَنَّهُ قَالَ: أُمَّهَاتٌ جَمْعُ أُمَّهَةٍ أَصْلِ أُمٍّ فَهُوَ أَيْ الْجَمْعُ لِلْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ خِلَافُ مَا قَرَّرْته فَقَدْ تَسَمَّحَ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ عَنْهُ حَيْثُ نَسَبَ لِلصِّحَاحِ غَيْرَ لَفْظِهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَا يَثْبُتُ لِلْفَرْعِ يَثْبُتُ لِأَصْلِهِ غَالِبًا سَاغَ لَهُ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ أُمَّهَاتٍ جَمْعُ أُمَّهَةٍ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمَحَلِّيُّ لَمْ يَنْقُلْ مَا ذَكَرَهُ عَنْ صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ بَلْ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ وَالْجَوْهَرِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الصِّحَاحِ. اهـ. طَبَلَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيُقَالُ فِي جَمْعِهَا أُمَّاتٌ) يَحْتَمِلُ أَنَّ مُفْرَدَهُ عَلَى هَذَا أُمٌّ الَّتِي لَيْسَ أَصْلُهَا أُمَّهَةً بَلْ هِيَ أَصْلٌ بِرَأْسِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مُفْرَدَهُ أُمٌّ الَّتِي أَصْلُهَا أُمَّهَةٌ إلَّا أَنَّ الْهَاءَ زَائِدَةٌ بِدَلِيلِ عَدَمِ رَدِّهَا فِي الْجَمْعِ حَرِّرْ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ فِيمَا يَأْتِي بِالْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (وَيُمْكِنُ رَدُّ الْأَوَّلِ إلَى هَذَا) كَأَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ أَيْ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِمَا وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ أَيْ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهَا. اهـ. شَيْخُنَا. وَيُقَالُ يَا أُمَّاهْ بِهَاءِ السَّكْتِ بَعْدَ الْأَلْفِ وَيَا أُمَّهْ بِإِسْقَاطِ الْأَلْفِ وَتُشَبَّهُ بِهَاءِ السَّكْتِ تَاءُ التَّأْنِيثِ كَمَا لَوْ قَالُوا: يَا أَبَتْ وَجَعَلَهَا الْجَوْهَرِيُّ عَلَامَةَ تَأْنِيثٍ عِوَضًا عَنْ يَاءِ الْإِضَافَةِ. فَائِدَةٌ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْأُمَّ تُطْلَقُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خَمْسَةِ مَعَانٍ الْأَصْلِ وَمِنْهُ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} [الزخرف: 4] وَالْوَالِدَةِ وَمِنْهُ {فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] وَالْمُرْضِعَةِ وَمِنْهُ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] وَالْمُضَاهِيَةِ لِلْأُمِّ فِي الْحُرْمَةِ وَمِنْهُ {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] وَالْمَرْجِعِ وَالْمَصِيرِ {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 9] . وَقِيلَ الْمُرَادُ أُمُّ رَأْسِهِ وَقِيلَ النَّارُ لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَيْهَا اهـ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَيْ فِي أَحْكَامِهَا وَقَدَّمَ الدَّلِيلَ عَلَى الْمَدْلُولِ لِأَنَّهُ رُتْبَةُ الدَّلِيلِ الْعَامِّ التَّقْدِيمُ لِيُفَرِّعُوا عَلَيْهِ الْمَسَائِلَ كَمَا قَالَهُ م ر. قَوْلُهُ: (أَيُّمَا أَمَةٍ) إمَّا بِالْجَرِّ عَلَى زِيَادَةِ مَا، أَوْ عَلَى أَنَّهَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِتَأْوِيلِ أَمَةٍ بِرَقِيقَةٍ لِيَكُونَ الْوَصْفُ فِي مَعْنَى الْمُشْتَقِّ عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ: وَانْعَتْ بِمُشْتَقٍّ كَصَعْبٍ وَذَرَبٍ إلَخْ أَوْ نَكِرَةٍ تَامَّةٍ وَأَمَةٌ بَدَلٌ أَوْ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ مَا اسْمُ مَوْصُولٍ وَأَمَةٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ وَالْمَعْنَى أَيْ الَّذِي هُوَ أَمَةٌ لَكِنْ فِيهِ حَذْفُ صَدْرِ الصِّلَةِ فِي غَيْرِ أَيٍّ وَهُوَ قَلِيلٌ فَالْأَوْلَى تَخْرِيجُ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّ مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِجُمْلَةٍ مَحْذُوفٌ صَدْرُهَا وَالتَّقْدِيرُ: أَيُّ شَيْءٍ هُوَ أَمَةٌ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَا زَائِدَةٌ لِتَوْكِيدِ مَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ أَمَةٌ مَرْفُوعًا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ أَيِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَيُّ أَمَةٌ أَوْ بِالنَّصْبِ تَمْيِيزٌ لِلنَّكِرَةِ التَّامَّةِ أَوْ حَالٌ مِنْ أَيٍّ الْمُخَصَّصَةِ بِالْإِضَافَةِ وَأَيُّ شَرْطِيَّةٌ وَوَلَدَتْ فِعْلُ الشَّرْطِ وَهُوَ خَبَرٌ وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَمْ تَحْصُلْ الْفَائِدَةُ بِهِ بَلْ بِقَوْلِهِ: فَهِيَ حُرَّةٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ قِسْمَانِ مُفِيدٌ بِنَفْسِهِ وَمُفِيدٌ بِانْضِمَامِ غَيْرِهِ إلَيْهِ وَمَا هُنَا مِنْ الثَّانِي. فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي إعْرَابِ أَمَةٍ ثَمَانِيَةَ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٌ فِي الْجَرِّ وَثَلَاثَةٌ فِي الرَّفْعِ وَاثْنَانِ فِي النَّصْبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ وَلَدَتْ صِفَةٌ لِأَمَةٍ أَغْنَى عَنْ فِعْلِ الشَّرْطِ اهـ وَقَوْلُهُ: عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ أَيٍّ لَكِنَّهُ قَدْ يُسْتَشْكَلُ بِأَنَّهُ إذَا أُبْدِلَ اسْمٌ مِنْ اسْمٍ مُضَمَّنٍ مَعْنَى شَرْطٍ إبْدَالًا تَفْصِيلًا أُعِيدَ الشَّرْطُ نَحْوُ: مَنْ يَقُمْ إنْ زَيْدٌ وَإِنْ عَمْرٌو أَقُمْ مَعَهُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ أَغْلَبِيٌّ فَقَدْ قَالَ فِي التَّصْرِيحِ: وَقَدْ يَتَخَلَّفُ كُلٌّ مِنْ التَّفْصِيلِيِّ وَإِعَادَةِ الشَّرْطِ، فَفِي الْكَشَّافِ أَنَّ يَوْمَئِذٍ بَدَلٌ مِنْ إذَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] وَكَذَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَلِهَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ. فَقَالَ: وَبَدَلُ الْمُضَمَّنِ الْهَمْزُ يَلِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْتِي السَّبَايَا وَنُحِبُّ أَثْمَانَهُنَّ فَمَا تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ» فَفِي قَوْلِهِمْ: وَنُحِبُّ أَثْمَانَهُنَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَهُنَّ بِالِاسْتِيلَادِ مُمْتَنِعٌ لِذَلِكَ وَاسْتَشْهَدَ   [حاشية البجيرمي] هَمْزًا، وَكَذَا فَعَلَ فِي التَّسْهِيلِ مَعَ كَثْرَةِ جَمْعِهِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فَهِيَ حُرَّةٌ) أَيْ آيِلَةٌ إلَى الْحُرِّيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَتْ الْوِلَادَةُ مُوجِبَةً لِلْحُرِّيَّةِ فَلِمَ تَوَقَّفَتْ عَلَى مَوْتِ السَّيِّدِ. قِيلَ لِأَنَّ لَهَا حَقًّا بِالْوِلَادَةِ وَلِلسَّيِّدِ حَقًّا بِالْمِلْكِ وَفِي تَعْجِيلِ عِتْقِهَا بِالْوِلَادَةِ إبْطَالٌ لِحَقِّهِ مِنْ الْكَسْبِ وَالِاسْتِمْتَاعِ فَفِي تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ حِفْظٌ لِلْحَقَّيْنِ فَكَانَ أَوْلَى اهـ شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ) بِضَمِّ الدَّالِ وَالْبَاءِ أَيْ بَعْدَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ فَعَنْ بِمَعْنَى بَعْدَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ فِي الْمِصْبَاح: الدُّبُرُ بِضَمَّتَيْنِ وَسُكُونِ الْبَاءِ خِلَافُ الْقُبُلِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَأَصْلُهُ لِمَا أَدْبَرَ عَنْهُ الْإِنْسَانُ اهـ ع ش. فَقَوْلُهُ: عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ فَلَا حُرِّيَّةَ وَأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهَا إنْسَانٌ كَانَ لِسَيِّدِهَا قِيمَتُهَا فَلَوْ مَاتَا مَعًا أَوْ شَكَّ فِي السَّبْقِ وَالْمَعِيَّةِ مَا الْحُكْمُ. اهـ. عَمِيرَةُ. قَالَ سم: يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِالْعِتْقِ فِي الْأُولَى نَظَرًا إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ تُقَارِنُ الْمَعْلُولَ دُونَ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ بَقَاءَ الرِّقِّ مُحَقَّقٌ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِثُبُوتِ خِلَافِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ أج. قَوْلُهُ: (ابْنُ مَاجَهْ) اسْمُ أُمِّهِ بِسُكُونِ الْهَاءِ وَصْلًا وَوَقْفًا مَجْرُورٌ بِفَتْحَةٍ مَقْدِرَةٍ نِيَابَةً عَنْ الْكَسْرَةِ لِأَنَّهُ اسْمٌ لَا يَنْصَرِفُ وَالْمَانِعُ لَهُ مِنْ الصَّرْفِ الْعِلْمِيَّةُ وَالْعُجْمَةُ وَمَنَعَ مِنْ ظُهُورِ الْحَرَكَةِ سُكُونُ الْحِكَايَةِ بِلَفْظِهِ وَمِثْلُهُ سِيدَهْ وَبَرْدِزْبَهْ وَمَنْدَهْ. قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي مُوسَى) الَّذِي فِي شَرْحِ م ر عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَوْلُهُ: (إنَّا نَأْتِي السَّبَايَا) جَمْعُ سَبِيَّةٍ كَهَدَايَا جَمْعُ هَدِيَّةٍ وَالْمُرَادُ مَسْبِيَّةٌ وَالْيَاءُ الْأُولَى زَائِدَةٌ فَتُقْلَبُ هَمْزَةً فِي الْجَمْعِ فَيُقَالُ سَبَائِي بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ كَصَحَائِفَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْأَلْفِيَّةِ وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثًا فِي الْوَاحِدِ ... هَمْزًا يُرَى فِي مِثْلِ كَالْقَلَائِدِ ثُمَّ تُفْتَحُ الْهَمْزَةُ فَيُقَالُ سَبَاءَى أَخْذًا مِنْ قَوْلِهَا بَعْدُ وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا وَبَعْدَ الْفَتْحِ يُقَالُ تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلْفًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهَا مِنْ يَاءٍ وَوَاوٍ بِتَحْرِيكِ أَصْلِ ... أَلِفًا ابْدَلْ بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلِ ثُمَّ قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهَا الْمَارِّ وَرُدَّ الْهَمْزُ يَا فَصَارَ سَبَايَا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَعْمَالٍ سَبَائِي وَسَبَاءَى وَسَبَبَا أَوْ سَبَايَا وَإِذَا كَانَ الْمُفْرَدُ مَهْمُوزًا زِيدَ فِيهِ عَمَلٌ خَامِسٌ بَعْدَ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَلْبُ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ يَاءً كَخَطِيئَةٍ جَمْعُهَا خَطَائِي بِهَمْزَتَيْنِ أُولَاهُمَا مَكْسُورَةٌ ثُمَّ قُلِبَتْ الثَّانِيَةُ يَاءً فَيُقَالُ خَطَائِي ثُمَّ تَأْتِي بِالْأَعْمَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأُشْمُونِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْأَلْفِيَّةِ وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلَّ لَامًا وَفِي الْمُخْتَارِ السَّبِيَّةُ الْمَرْأَةُ الْمَسْبِيَّةُ، قَوْلُهُ: (أَنْ لَا تَفْعَلُوا) قِيلَ إنَّ لَا زَائِدَةٌ لِيُطَابِقَ السُّؤَالَ لِأَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْعَزْلِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى زِيَادَتِهَا مَا عَلَيْكُمْ ضَرَرٌ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ الْعَزْلُ لَكِنْ قَوْلُهُ: مَا نَسَمَةٌ إلَخْ يَقْتَضِي أَنْ لَا أَصْلِيَّةٌ وَيَكُونُ الْمَعْنَى مَا عَلَيْكُمْ ضَرَرٌ فِي عَدَمِ الْفِعْلِ أَيْ الْعَزْلِ لِأَنَّ مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلَخْ. فَالسُّؤَالُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَتِهَا وَقَوْلُهُ: مَا مِنْ نَسَمَةٍ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَصَالَتِهَا وَاخْتَارَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَوَازَهُ وَعَنْ الْأَمَةِ مُطْلَقًا وَعَنْ الْحُرَّةِ بِإِذْنِهَا نَعَمْ هُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى قَطْعِ النَّسْلِ وَعِبَارَةُ م ر. وَالْعَزْلُ حَذَرًا مِنْ الْوَلَدِ مَكْرُوهٌ وَإِنْ أَذِنَتْ فِيهِ الْمَعْزُولُ عَنْهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى قَطْعِ النَّسْلِ. اهـ أَيْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَقَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ مَا مِنْ نَسَمَةٍ إلَخْ أَيْ مُقَدَّرَةٍ عِنْدَ اللَّهِ اهـ. وَنَقَلَ قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ قَرَّرَ أَنَّ الْعَزْلَ خِلَافُ الْأَوْلَى اهـ وَفِي شَرْحِ السَّيِّدِ النَّسَّابَةِ لِمَنْظُومَةِ ابْنِ الْعِمَادِ فِي الْأَنْكِحَةِ مَا نَصُّهُ: فَرْعٌ: الْعَزْلُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَهُوَ أَنْ يُجَامِعَ فَإِذَا قَارَبَ الْإِنْزَالَ نَزَعَ فَأَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرْجِ وَالْأُولَى تُكْرَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ كَرَاهِيَتَهُ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي السُّرِّيَّةِ صِيَانَةً لِلْمِلْكِ وَلَا يَحْرُمُ فِي الزَّوْجَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ بِالْإِذْنِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: يَحْرُمُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَقِيلَ يَحْرُمُ فِي الْحُرَّةِ وَأَمَّا الْمُسْتَوْلَدَةُ فَأَوْلَى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهَا غَيْرُ رَاسِخَةٍ فِي الْفِرَاشِ وَلِهَذَا لَا يُقْسَمُ لَهَا. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحَيْثُ حَرَّمْنَا الْعَزْلَ فَذَلِكَ إذَا نَزَعَ بِقَصْدِ أَنْ يَقَعَ الْإِنْزَالُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 الْبَيْهَقِيُّ بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «لَمْ يَتْرُكْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً» . قَالَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ أُمَّ إبْرَاهِيمَ رَقِيقَةً، وَأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ. (وَإِذَا أَصَابَ) أَيْ وَطِئَ (السَّيِّدُ) الرَّجُلُ الْحُرُّ كُلًّا أَوْ بَعْضًا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا أَصْلِيًّا (أَمَتَهُ) أَيْ بِأَنْ عَلِقَتْ مِنْهُ وَلَوْ سَفِيهًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ أَحْبَلَهَا الْكَافِرُ حَالَ إسْلَامِهَا،   [حاشية البجيرمي] خَارِجًا تَحَرُّزًا عَنْ الْوَلَدِ. فَأَمَّا إذَا عَزَمَ أَنْ يَنْزِعَ لَا عَلَى هَذَا الْقَصْدِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنْ لَا يَحْرُمَ فَصَارَ الصَّحِيحُ عَدَمَ التَّحْرِيمِ لِمَا تَقَدَّمَ اهـ. قَوْلُهُ: (كَائِنَةٌ) أَيْ مُقَدَّرَةٌ. قَوْلُهُ: (إلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ) أَيْ مَوْجُودَةٌ أَيْ فِي الْخَارِجِ سَوَاءٌ عَزَلَ أَوْ لَمْ يَعْزِلْ فَهُوَ كَوْنٌ خَاصٌّ فَلِذَا ذُكِرَ. لِأَنَّ وَاجِبَ الْحَذْفِ هُوَ الْكَوْنُ الْعَامُّ. قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا. قَوْلُهُ: (قَالَ) أَيْ الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُهُ: فِيهِ أَيْ قَوْلُ عَائِشَةَ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا) هِيَ لِلْمُتَيَقَّنِ وَالْمَظْنُونِ الْغَالِبِ وُجُودُهُ كَالْوَطْءِ هُنَا فَلِذَلِكَ آثَرَهَا عَلَى إنْ لِأَنَّهَا لِلْمُتَوَهَّمِ وُجُودُهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (أَيْ وَطِئَ) مِنْ تَفْسِيرِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ تَكُونُ بِجَمِيعِ الْحَشَفَةِ أَوْ بَعْضِهَا بِخِلَافِ الْوَطْءِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ شَبَّهَ الْوَطْءَ بِإِصَابَةِ السَّهْمِ لِلْغَرَضِ وَاسْتَعَارَ الْإِصَابَةَ لِلْوَطْءِ وَاشْتَقَّ مِنْ الْإِصَابَةِ أَصَابَ بِمَعْنَى وَطِئَ وَالْجَامِعُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ فِي كُلٍّ. قَوْلُهُ: (الرَّجُلُ) قَيَّدَ بِالرَّجُلِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ فِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي وَخَرَجَ الْخُنْثَى فَقَوْلُهُ: الرَّجُلُ أَيْ الْمُحَقَّقُ الذُّكُورَةُ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ اشْتَرَى الْخُنْثَى أَمَةً خُنْثَى فَحَبِلَتْ مِنْ الْمَالِكِ الْخُنْثَى ثُمَّ إنَّ الْمَالِكَ حَبِلَ أَيْضًا فَلَا يَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّهُ بِحَبَلِ السَّيِّدِ اتَّضَحَ بِالْأُنُوثَةِ وَهِيَ لَا يُحْكَمُ لَهَا بِاسْتِيلَادِ مَنْ ذُكِرَ وَحَبَلُهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا وَلَا تُحَدُّ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ وَهُوَ يُدْرَأُ بِالشُّبَهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا اسْتَشْكَلَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ تَوَهُّمِهِ فِي ذَلِكَ وَبَقِيَ مَا لَوْ وَطِئَ السَّيِّدُ أَمَةً فَأَلْقَتْ عَلَقَةً فَأَخَذَتْهَا أَمَتُهُ الْأُخْرَى فَتَحَمَّلَتْ بِهَا فَحَلَّتْهَا الْحَيَاةُ. ثُمَّ وَلَدَتْ فَهَلْ يُحْكَمُ لِلثَّانِيَةِ بِالِاسْتِيلَادِ قَالَ الشَّيْخُ حَمْدَانُ فِيهِ نَظَرٌ وَاسْتَقْرَبَ ع ش أَنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ مِنْ مَنِيِّهَا وَمَنِيِّهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (الْحُرُّ) أَيْ الَّذِي يُمْكِنُ إحْبَالُهُ بِأَنْ اسْتَكْمَلَ تِسْعَ سِنِينَ. قَالَ شَيْخُنَا الدَّيْرَبِيُّ: وَشُرِطَ فِي السَّيِّدِ كَوْنُهُ مِمَّنْ يُمْكِنُ لُحُوقُ الْوَلَدِ بِهِ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ فَلَوْ وَطِئَ الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ أَمَتَهُ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْئِهِ لَمْ يَثْبُتْ إيلَادُهُ. وَلَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلَوْ بَلَغَهَا وَوَطِئَهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْئِهِ لَحِقَهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ: وَلَا يَثْبُتُ إيلَادُهُ عَلَى الرَّاجِحِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ النَّسَبِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ مَا لَا يُحْتَاطُ لِغَيْرِهِ قَالَهُ حَجّ. قَالَ الشَّمْسُ م ر. لِأَنَّ النَّسَبَ يَكْفِي فِيهِ الْإِمْكَانُ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ صِغَرِهِ وَعَدَمُ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ مِنْ إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْأَمَةِ. اهـ كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ وَطِئَ صَبِيٌّ يَسْتَكْمِلُ تِسْعَ سِنِينَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ع ش: عَلَيْهِ صَوَابُهُ اُسْتُشْكِلَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَكْفِي فِيهِ الْإِمْكَانُ وَدُونَ التِّسْعِ لَا يَكْفِي وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ يُلْغِزُ بِالصَّبِيِّ الْمَذْكُورِ. وَيُقَالُ فِيهِ لَنَا أَبٌ غَيْرُ بَالِغٍ. اهـ. دَيْرَبِيٌّ فِي خَتْمِهِ عَلَى سم. قَوْلُهُ: (أَوْ كَافِرًا أَصْلِيًّا) وَأَمَّا إيلَادُ الْمُرْتَدِّ فَمَوْقُوفٌ م ر. قَوْلُهُ: (أَمَتُهُ) أَيْ مَنْ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَإِنْ قَلَّ س ل. بِخِلَافِ مَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَمَتُهُ وَلَوْ تَقْدِيرًا كَأَنْ وَطِئَ الْأَصْلُ أَمَةَ فَرْعِهِ أَيْ الَّتِي لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا الْفَرْعُ وَلَوْ مُزَوَّجَةً فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ دُخُولُهَا فِي مِلْكِ الْأَصْلِ قُبَيْلَ الْعُلُوقِ. وَمِثْلُهَا أَمَةُ مُكَاتَبِهِ كَمَا يَأْتِي فِي الْخَاتِمَةِ أَوْ مُكَاتَبَةُ وَلَدِهِ وَلِلْأَمَةِ شَرْطَانِ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لِلسَّيِّدِ حَالَ عُلُوقِهَا مِنْهُ. الثَّانِي أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لَازِمٌ غَيْرُ الْكِتَابَةِ حَالَ الْعُلُوقِ وَالسَّيِّدُ مُعْسِرٌ وَلَمْ يَزُلْ عَنْهَا بَلْ بِيعَتْ فِيهِ وَلَمْ يَمْلِكْهَا السَّيِّدُ بَعْدُ وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ أَصْلًا أَوْ تَعَلَّقَ بِهَا وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ أَوْ لَازِمٌ وَهُوَ كِتَابَةٌ أَوْ غَيْرُ كِتَابَةٍ لَكِنَّهُ زَائِلٌ عِنْدَ الْعُلُوقِ أَوْ مُسْتَمِرٌّ وَالسَّيِّدُ مُوسِرٌ أَوْ مُعْسِرٌ وَقَدْ زَالَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْهَا بِنَحْوِ أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ أَوْ لَمْ يَزُلْ وَبِيعَتْ فِيهِ لَكِنَّهُ مَلَكَهَا السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ. أَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهَا ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ وَالْحَقُّ اللَّازِمُ مِثْلُ الرَّهْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَمِثْلُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ اهـ. اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَةً يَثْبُتُ فِيهَا الْإِيلَادُ وَهِيَ مَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ لِحُصُولِ الْإِجَازَةِ قَالَ ع ش قَدْ يُمْنَعُ اسْتِثْنَاءُ هَذِهِ لِأَنَّهُ بِالْوَطْءِ مَعَ الْإِجَازَةِ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يُحْبِلْ إلَّا أَمَتَهُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر أَمَتُهُ أَيْ الَّتِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ فَخَرَجَتْ الْمَرْهُونَةُ إذَا أَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ إلَّا إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ فَرْعَهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ. فَإِنْ انْفَكَّ الرَّاهِنُ نَفَذَ فِي الْأَصَحِّ وَخَرَجَتْ الْجَانِيَةُ الْمُتَعَلِّقُ بِرَقَبَتِهَا مَالٌ إذَا أَوْلَدَهَا مَالِكُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 قَبْلَ بَيْعِهَا عَلَيْهِ بِوَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ كَأَنْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ مَحْرَمًا لَهُ كَأُخْتِهِ، أَوْ مُزَوَّجَةٍ، أَوْ بِاسْتِدْخَالِ مَائِهِ الْمُحْتَرَمِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ (فَوَضَعَتْ) حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ مَا يَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ.   [حاشية البجيرمي] الْمُعْسِرُ فَلَا يَنْفُذُ إيلَادُهُ إلَّا إنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَرْعَ مَالِكِهَا وَخَرَجَتْ أَمَةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ فَلَا يَنْفُذُ إيلَادُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ بِأَنْ عَلِقَتْ مِنْهُ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ وَطْءٌ فَيَكُونُ أَطْلَقَ السَّبَبَ وَهُوَ الْوَطْءُ وَأَرَادَ الْمُسَبَّبَ وَهُوَ الْعُلُوقُ بِوَطْءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ سَفِيهًا) لَيْسَ السَّفِيهُ مَحَلَّ الْخِلَافِ بَلْ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ. قَوْلُهُ: (حَالَ إسْلَامِهَا) لَيْسَ قَيْدًا م د. قَوْلُهُ: (بِوَطْءٍ مُبَاحٍ) أَيْ فِي قُبُلٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ ب عَلِقَتْ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُحَرَّمٌ) أَيْ لِذَاتِهِ أَوْ لِعَارِضٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِاسْتِدْخَالِ مَائِهِ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِوَطْءٍ. قَوْلُهُ: (فِي حَالِ حَيَاتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِدْخَالِ وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْ إذَا انْفَصَلَ مَنِيُّ السَّيِّدِ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَنْ عُصِرَ مِنْ ذَكَرِهِ وَاسْتَدْخَلَتْهُ امْرَأَةٌ هَلْ يُقَالُ هُوَ مُحْتَرَمٌ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُقَ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُحْتَرَمِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. وَعَلَيْهِ فَلَا يَرِثُ لِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ لِغَيْرِهِ قَبْلَ خُرُوجِ النُّطْفَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا خَرَجَ فِي حَيَاتِهِ لَكِنْ جَزَمَ ق ل. بِاشْتِرَاطِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ فِي الْحَيَاةِ لِلُّحُوقِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُنْسَبُ لِخُرُوجِهِ مِنْ جُثَّةٍ مُنْفَكَّةٍ عَنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثَةٌ أَنْ يَنْفَصِلَ فِي حَيَاتِهِ وَتَسْتَدْخِلَهُ فِي حَيَاتِهِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَالِاسْتِيلَادُ. الثَّانِيَةُ أَنْ يَنْفَصِلَ فِي حَيَاتِهِ وَتَسْتَدْخِلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَثْبُتَ النَّسَبُ دُونَ الِاسْتِيلَادِ. الثَّالِثَةُ أَنْ يَنْفَصِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَتَسْتَدْخِلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ وَاسْتَظْهَرَ الْخَطِيبُ ثُبُوتَ النَّسَبِ. وق ل. عَدَمُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَانْظُرْ لَوْ قَارَنَ خُرُوجَ الْمَنِيُّ الْمَوْتَ هَلْ يَثْبُتُ الْعِتْقُ وَالْإِرْثُ أَوْ لَا الظَّاهِرُ لَا لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُ وُجُودِ الْوَارِثِ فِي حَيَاةِ الْمُورِثِ. قَوْلُهُ: (فَوَضَعَتْ) أَنَّثَ قَوْلَهُ: وَضَعَتْ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَأْنِيثُ الْفِعْلِ بِتَاءٍ سَاكِنَةٍ فِي آخِرِ الْمَاضِي وَبِتَاءِ الْمُضَارَعَةِ فِي أَوَّلِ الْمُضَارِعِ إذَا كَانَ فَاعِلُهُ مُؤَنَّثًا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ ضَمِيرًا مُتَّصِلًا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُؤَنَّثِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فَتَقُولُ هِنْدُ قَامَتْ وَالشَّمْسُ طَلَعَتْ وَلَا تَقُولُ قَامَ وَطَلَعَ، فَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ مُنْفَصِلًا لَمْ يُؤْتَ بِالتَّاءِ نَحْوُ هِنْدُ مَا قَامَ إلَّا هِيَ. ثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا مُتَّصِلًا حَقِيقِيَّ التَّأْنِيثِ وَالْمُرَادُ وَضَعَتْ كُلَّ الْوَلَدِ وَلَوْ تَوْأَمَيْنِ فَلَا تَعْتِقُ بِخُرُوجِ بَعْضِهِ حَتَّى يَتِمَّ خُرُوجُهُ كَمَا قَالَهُ م ر. وَالْوَضْعُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بِالنَّظَرِ لِحُرْمَةِ الْبَيْعِ وَمَا بَعْدَهُ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى الْحَمْلِ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ بِتَمَامِ انْفِصَالِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَحَلِّهِ الْمُعْتَادِ لَا بِخُرُوجِ بَعْضِهِ وَيَثْبُتُ بِإِلْقَاءِ بَعْضِهِ الِاسْتِيلَادُ لَا الْعِتْقُ فَإِنْ أَلْقَتْ بَعْضَهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ تَبَيَّنَ عِتْقُهَا وَلَهَا كَسْبُهَا وَتَرْتِيبُ الْحُرْمَةِ أَيْ حُرْمَةُ بَيْعِهَا عَلَى الْوَضْعِ لَا يُنَافِي الْحُرْمَةَ قَبْلَ الْوَضْعِ أَيْضًا فَالْمَدَارُ عَلَى الْعُلُوقِ وَقَوْلُهُ: فَوَضَعَتْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَحَلِّهِ الْمُعْتَادِ كَمَا قَالَهُ: ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَمِثْلُهُ الشَّوْبَرِيُّ فِي مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ مَنُوطَةٌ بِالْوِلَادَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهَا الْمُعْتَادِ وَالْمُرَادُ وَضَعَتْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِمُدَّةٍ يُحْكَمُ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْأَوْجَهُ أَنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ فَتَمْلِكُ كَسْبَهَا بَعْدَهُ حَجّ زي وس ل. قَوْلُهُ: (أَوْ مَا) أَيْ حَمْلٌ تَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ فَمَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْمًا مَوْصُولًا بِمَعْنَى الَّذِي أَيْ الْحَمْلُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُعَبِّرَ بِمَنْ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِيمَنْ يَعْقِلُ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْجَنِينَ لَمَّا كَانَ أَمْرُهُ مُبْهَمًا عَبَّرَ عَنْهُ بِمَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: 35] قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَلْقَتْ جَمِيعَ مَا تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ لَا بَعْضُهُ لِأَنَّهَا إذَا أَلْقَتْ بَعْضَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ مَاتَتْ حَالًا وَجَبَتْ الْغُرَّةُ إلَّا وَجَبَ نِصْفُهَا كَمَا قَالَهُ زي. وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ حُرْمَةَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ. فَمَا قِيلَ: إنَّهُ ضَعِيفٌ لَا وَجْهَ لَهُ ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ الْمِنْهَاجِ كَالشَّارِحِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهَا م ر. وَلَا غَيْرُهُ فَمَا ذَكَرَهُ الْحَوَاشِي هُنَا لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي تَأَمَّلْ. 1 - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 وَهُوَ (مَا) أَيْ لَحْمٌ (يَتَبَيَّنُ) لِكُلِّ أَحَدٍ أَوْ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ مِنْ الْقَوَابِلِ (فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ آدَمِيٍّ) كَمُضْغَةٍ فِيهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ إلَّا لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ النِّسَاءِ وَجَوَابُ إذَا (حَرُمَ عَلَيْهِ بَيْعُهَا) وَلَوْ مِمَّنْ تَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ بِشَرْطِ الْعِتْقِ أَوْ مِمَّنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهَا. (وَرَهْنُهَا وَهِبَتُهَا) مَعَ بُطْلَانِ ذَلِكَ أَيْضًا لِخَبَرِ: «أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ   [حاشية البجيرمي] قَوْلُهُ: (أَيْ لَحْمٌ) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ الْمَحَلِّيِّ وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْقَوَابِلِ) أَيْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَالْقَوَابِلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَهِيَ جَمْعُ قَابِلَةٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمُقَابَلَتِهَا الْمَوْلُودَ عِنْدَ خُرُوجِهِ. قَوْلُهُ: (كَمُضْغَةٍ فِيهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ) ظَاهِرَةٌ أَوْ خَفِيَّةٌ أَخْبَرَ بِهَا الْقَوَابِلُ وَيُعْتَبَرُ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ أَوْ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ وَإِنْ قُلْنَ لَوْ بَقِيَتْ لَتَخَطَّطَتْ وَإِنَّمَا انْقَضَتْ بِهَا الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْغَرَضَ ثَمَّ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَهُنَا مَا يُسَمَّى وَلَدًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ مَا فِيهِ غُرَّةٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: حَيًّا وَحِينَئِذٍ فَهَذَا الْعَطْفُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَسِيمٌ لِمَا قَبْلَهُ فَيُفِيدُ كَمَا قَالَهُ النَّجْمُ الْغَيْطِيُّ أَنَّ الْمُضْغَةَ لَا تُوصَفُ بِحَيَاةٍ وَلَا مَوْتٍ بَلْ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا وَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ كَمَا قَالَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (صُورَةُ آدَمِيٍّ) وَيَكْفِي بَعْضُ الْمُتَصَوَّرِ وَلَوْ لَأُصْبُعٍ كَمَا يُفْهِمُهُ الْمَتْنُ. قَوْلُهُ: (حَرُمَ عَلَيْهِ بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا) وَفَرْضُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ فِيمَا بَعْدَ الْوَضْعِ لَا يُنَافِي فِي جَرَيَانِهَا حَالَ الْحَمْلِ أَيْضًا سم وَقَوْلُهُ: بَيْعُهَا أَيْ إلَّا لِنَفْسِهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِمَّنْ) أَيْ لِمَنْ وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ مِمَّنْ أَقَرَّ أَيْ لِمَنْ أَقَرَّ. قَوْلُهُ: (وَرَهْنُهَا) لَمْ يُسْتَفَدْ هَذَا مِنْ الْحَدِيثِ أَعْنِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَلَعَلَّهُ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ. أَوْ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (وَهِبَتُهَا) أَيْ لِغَيْرِهَا أَمَّا هِبَتُهَا لِنَفْسِهَا فَصَحِيحَةٌ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَمِثْلُ ذَلِكَ قَرْضُهَا لِنَفْسِهَا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى الرَّاجِحِ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَرُدَّ لِلْمُقْرِضِ أَمَةً مِثْلَهَا لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْمُقْتَرَضِ وَهُوَ نَفْسُهَا لِعِتْقِهَا بِذَلِكَ. وَعِبَارَتُهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى سم الْغَزِّيِّ وَمِثْلُ بَيْعِهَا قَرْضُهَا لِنَفْسِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَيَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ مِثْلِهَا لِأَنَّ مَحِلَّ رُجُوعِهِ فِي عَيْنِ الْمُقْرَضِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ وَقَدْ صَارَتْ عَتِيقَةً لِأَنَّ بِقَرْضِهَا نَفْسَهَا مَلَكَتْهَا. فَعَتَقَتْ وَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا أَيْ وَلَا تَدْبِيرُهَا، وَهِبَةُ الْبَعْضِ كَهِبَةِ الْكُلِّ فِي حُكْمِهِ وَعِبَارَةُ السَّمْهُودِيِّ قَوْلُهُ وَهِبَتُهَا وَرَهْنُهَا أَمَّا الْهِبَةُ فَلِأَنَّهَا نَقْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَأَمَّا الرَّهْنُ فَتَسْلِيطٌ عَلَى ذَلِكَ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. وَإِنَّمَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ مَعَ فَهْمِهِ مِنْ تَحْرِيمِ بَيْعِهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ تَعَاطِيَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا الْمَقْصُودُ وَكَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ وَالدَّمِيرِيُّ. وَكَذَا تَحْرُمُ الْوَصِيَّةُ بِهَا وَفِي صِحَّةِ وَقْفِهَا خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا لِأَنَّهَا مُسْتَحِقَّةٌ لِلْعِتْقِ بِالْمَوْتِ بِالْجِهَةِ الْقَوِيَّةِ فَعِتْقُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ تَدْبِيرُهَا إذَا قَالَ لَهَا السَّيِّدُ إذَا مِتُّ فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ وَقُلْنَا: إنَّ هَذَا تَدْبِيرٌ كَمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فَتَصِيرُ مُدَبَّرَةً وَفَائِدَتُهُ: أَنَّ كَسْبَهَا يَكُونُ لَهَا مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي أَثْبَتَ ابْتِدَاءَ الْحُرِّيَّةِ مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لَكِنْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ وَلَيْسَ تَدْبِيرًا فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّدْبِيرِ وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ أُمِّ الْوَلَدِ وَظَاهِرُ قَرْنِ الْمُصَنِّفِ الْبَيْعَ بِالْهِبَةِ فِي الْمَنْعِ تَلَازُمُهُمَا فِيهِ قَالَهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ الْعِرَاقِيُّ. قَوْلُهُ: (مَعَ بُطْلَانِ ذَلِكَ أَيْضًا) أَيْ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَدْ تُجَامِعُ الصِّحَّةَ كَالْبَيْعِ بَعْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ) اُنْظُرْ هَلْ عُلِمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِلُغَةٍ مِنْ اللُّغَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي كَلَامِهِ أَمْ لَا وَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ الرِّوَايَةُ هَلْ يَجُوزُ قِرَاءَتُهَا بِلُغَةٍ مِنْ اللُّغَاتِ الْمَذْكُورَةِ أَمْ يَتَعَيَّنُ الْأَفْصَحُ وَالْأَوْلَادُ جَمْعُ وَلَدٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ كُلُّ مَا وَلَدَهُ شَيْءٌ وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْوُلْدُ بِوَزْنِ الْقُفْلِ لُغَةٌ فِيهِ. وَقَدْ يَكُونُ جَمْعًا لَهُ كَأُسْدٍ وَأَسَدٍ وَجَمْعُ وَلَدٍ عَلَى وُلْدٍ سَمَاعِيٌّ لَا قِيَاسِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأُشْمُونِيُّ وَغَيْرُهُ. فَإِنْ قُلْت: جَمَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَارَةً وَأَفْرَدَ أُخْرَى فَهَلْ لِهَذَا مِنْ حِكْمَةٍ. قُلْت: نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ الْإِشَارَةَ إلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ وَالْمُطَابِقَةِ فِي ضَمِيرِ جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ لَكِنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْكَثْرَةَ فَالْإِفْرَادُ أَوْلَى وَإِلَّا فَالْمُطَابَقَةُ وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى الِاسْتِعْمَالَيْنِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} [التوبة: 36] الْآيَةَ حَيْثُ أَفْرَدَ فِي قَوْله تَعَالَى مِنْهَا لِرُجُوعِهِ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ وَطَابَقَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] لِرُجُوعِهِ لِلْأَرْبَعَةِ كَذَا قَالَهُ ع ش وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ سم الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِكُلِّ فَرْدٍ وَلَا لِلْمَجْمُوعِ. وَقَدْ اُسْتُفِيدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا، مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَقَدْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهَا وَاشْتُهِرَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمًا عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ: " اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ عَلَى أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يُبَعْنَ، وَأَنَا الْآنَ أَرَى بَيْعَهُنَّ. فَقَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: رَأْيُك مَعَ رَأْيِ عُمَرَ ". وَفِي   [حاشية البجيرمي] مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ امْتِنَاعُ التَّمْلِيكِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ. فَإِنَّهُ إمَّا اخْتِيَارِيٌّ أَوْ قَهْرِيٌّ وَالِاخْتِيَارِيُّ إمَّا بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا فَأَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى التَّمْلِيكِ الِاخْتِيَارِيِّ بِمُعَاوَضَةٍ بِقَوْلِهِ: لَا يُبَعْنَ وَبَدَأَ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الْغَالِبُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ وَإِلَى التَّمْلِيكِ الِاخْتِيَارِيِّ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُوهَبْنَ وَذَكَرَهَا عَقِبَ الْبَيْعِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّمْلِيكِ الْمُطْلَقِ وَأَشَارَ إلَى الْقَهْرِيِّ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُورَثْنَ وَأَخَّرَهُ عَنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَوْتِ وَهُمَا بِالْحَيَاةِ السَّابِقَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ اشْتَمَلَ صَدْرُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى مَنْعِ كُلِّ مَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَاشْتَمَلَ عَجْزُهُ عَلَى مَا لِلسَّيِّدِ مِنْ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا مَادَامَ حَيًّا وَبِالْجُمْلَةِ فَاشْتَمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مَا يَمْتَنِعُ عَلَى السَّيِّدِ وَمَا يَجُوزُ لَهُ وَاشْتَمَلَ أَيْضًا عَلَى بَيَانِ مَا حَصَلَ لِأُمِّ الْوَلَدِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْ فَكِّ قَيْدِ الرِّقِّ عَنْهَا بِمَوْتِ سَيِّدِهَا وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ اهـ. وَإِعْرَابُ الْحَدِيثِ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ مُبْتَدَأٌ وَمُضَافُ إلَيْهِ لَا يُبَعْنَ لَا نَافِيَةٌ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَصَوَابُهُ نَاهِيَةٌ وَيُبَعْنَ فِعْلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ لِاتِّصَالِهِ بَنُونَ النِّسْوَةِ وَهِيَ نَائِبُ فَاعِلٍ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ وَهُوَ خَبَرٌ عَنْ أُمَّهَاتُ وَقَوْلُهُ: وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَإِعْرَابُهُ كَإِعْرَابِهِ وَقَوْلُهُ: يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ. قَوْلُهُ: (لَا يُبَعْنَ) أَيْ لِغَيْرِ أَنْفُسِهِنَّ وَكَذَا الْهِبَةُ. قَوْلُهُ: (يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ مَاذَا تَصْنَعُ بِهَا. فَإِنْ قُلْت هَلْ يَصِحُّ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ: أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ إلَخْ. قُلْت: نَعَمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ مَوْجُودَةٌ لِأَنَّ أُمَّهَاتُ وَإِنْ كَانَ جَمْعًا لَكِنْ إضَافَتُهُ إلَى مَا فِيهِ أَلْ الْجِنْسِيَّةُ أَبْطَلَتْ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ. وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُهُمْ: الْخَبَرُ قِسْمَانِ وَنَحْوُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَّهُمْ جَمْعَ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِأَلْ أَوْ يُضَفْ وَإِلَّا كَانَ مِنْ جُمُوعِ الْكَثْرَةِ وَلَعَلَّ النُّكْتَةَ فِي إفْرَادِ قَوْلِهِ: يَسْتَمْتِعُ وَالْجَمْعِ فِيمَا قَبْلَهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ حُكْمَ مَنْعِ الْبَيْعِ وَالْإِرْثِ وَالْهِبَةِ عَامٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ وَأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ مُفَوَّضٌ لِأَمْرِ السَّيِّدِ أَيْ لِلسَّيِّدِ الِاسْتِمْتَاعُ إنْ أَرَادَ لَا أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ سَيِّدٍ إذْ قَدْ يَبِيعُهَا لِلْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ ح ل: إنَّمَا أَفْرَدَ فِيهِ وَجَمَعَ فِيمَا قَبْلَهُ. لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ اهـ كَلَامُهُ. وَلَعَلَّ مُرَادَهُ الِاسْتِمْتَاعُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْوَطْءُ. وَإِلَّا فَيُمْكِنُ التَّمَتُّعُ بِغَيْرِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ: إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُ ضَمِيرِ الْجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ وَجَمْعُهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} [التوبة: 36] الْآيَةَ لَكِنَّ الْأَفْصَحَ فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ الْإِفْرَادُ وَفِي جَمْعِ الْقِلَّةِ الْجَمْعُ وَشَاهِدُهُ قَوْله تَعَالَى {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] فَمِنْهَا رَاجِعٌ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَهُوَ جَمْعُ كَثْرَةٍ فِي الْمَعْنَى وَفِيهِنَّ رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعَةِ وَهُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ فِي الْمَعْنَى وَأُمَّهَاتُ هُنَا جَمْعُ قِلَّةٍ لِأَنَّ جَمْعَ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ. قَوْلُهُ: (مَا دَامَ حَيًّا) فَإِنْ قُلْت: مَا فَائِدَةُ هَذَا مَعَ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ خَاصٌّ بِالْحَيَاةِ. قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّهُ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ: فَإِذَا مَاتَ وَبِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا كَانَ نَكِرَةً مَعْنًى لَا عُمُومَ لَهُ قَيَّدَهُ بِمَا ذَكَرَهُ لِإِفَادَةِ التَّعْمِيمِ. قَوْلُهُ: (رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى دَارَ قُطْنَ اسْمُ مَحَلَّةٍ بِبَغْدَادَ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ إذْ الْقِيَاسُ الدَّارِيُّ أَوْ الْقُطْنِيُّ. وَأَمَّا النِّسْبَةُ إلَى الْكَلِمَتَيْنِ مَعًا فَهِيَ شَاذَّةٌ كَمَا بَيَّنَهُ النُّحَاةُ قَالَ الشِّهَابُ الْخَفَاجِيُّ وَرَاؤُهُ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْضُهُمْ يُسَكِّنُهَا وَالْأُولَى أَوْلَى. قَوْلُهُ: (ابْنُ الْقَطَّانِ) نِسْبَةٌ لِدَارِ الْقُطْنِ بِبَغْدَادَ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمِنْبَرِ) أَيْ مِنْبَرِ الْكُوفَةِ. قَوْلُهُ: (عَبِيدَةُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَقَوْلُهُ: السَّلْمَانِيُّ بِسُكُونِ اللَّامِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا نِسْبَةٌ إلَى سَلْمَانَ حَيٌّ مِنْ الْعَرَبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 رِوَايَةٍ: مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِك وَحْدَك. فَقَالَ: اقْضُوا فِيهِ مَا أَنْتُمْ قَاضُونَ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَ الْجَمَاعَةَ فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا نُقِضَ حُكْمُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ، وَمَا كَانَ فِي بَيْعِهَا مِنْ خِلَافٍ بَيْنَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ فَقَدْ انْقَطَعَ وَصَارَ مُجْمَعًا عَلَى مَنْعِهِ وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ: «كُنَّا نَبِيعُ سَرَارِينَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا» أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَبِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِدْلَالًا وَاجْتِهَادًا فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ قَوْلًا وَنَصًّا وَهُوَ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَمَا مَرَّ وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ بَيْعِهَا بَيْعُهَا مِنْ نَفْسِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بَعْضَهَا أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَسْرِي إلَى بَاقِيهَا، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ رَقِيقِهِ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ السَّيِّدُ مُبَعَّضًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يَرْتَفِعْ الْإِيلَادُ، فَإِنْ ارْتَفَعَ بِأَنْ   [حاشية البجيرمي] وَالْمُحَدِّثُونَ عَلَى التَّحْرِيكِ اهـ. مُغْرِبٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ التَّابِعِينَ. قَوْلُهُ: (اقْضُوا) بِكَسْرِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ مِثْلُ امْشُوا لِأَنَّ عَيْنَهُمَا فِي الْأَصْلِ مَكْسُورَةٌ. وَإِنَّمَا ضُمَّتْ لِمُنَاسِبَةِ الْوَاوِ وَالْأَصْلُ اقْضِيُوا وَامْشِيُوا سُكِّنَتْ الْيَاءُ لِلِاسْتِثْقَالِ. ثُمَّ حُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَضُمَّتْ الْعَيْنُ لِمُجَانَسَةِ الْوَاوِ، وَلِتَسْلَمَ مِنْ الْقَلْبِ يَاءً وَإِنْ شِئْت قُلْت اُسْتُثْقِلَتْ الضَّمَّةُ عَلَى الْيَاءِ فَنُقِلَتْ مِنْهَا إلَى مَا قَبْلَهَا بَعْدَ سَلْبِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا وَحُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فَالضَّمَّةُ عَلَى الْإِعْلَالِ الْأَوَّلِ مُجْتَلَبَةٌ لِلْمُنَاسَبَةِ، وَعَلَى الثَّانِي مَنْقُولَةٌ شَرْحُ التَّوْضِيحِ. فَأَنْتَ قُلْت: كَيْفَ سَاغَ لِعَلِيٍّ أَنْ يُخَالِفَ الْإِجْمَاعَ الْمُنْعَقِدَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بَعْدَ مُوَافَقَتِهِ عَلَيْهِ وَاتِّفَاقُهُمْ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَأِ لِأَنَّ الْأُمَّةَ الَّذِينَ مِنْهُمْ الْمُجْتَهِدُونَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ مِمَّا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ يَرَى اشْتِرَاطَ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ فِي عَدَمِ جَوَازِ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ أَيْ وَقَدْ خَالَفَهُ قَبْلَهُ. وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِانْقِرَاضُ. وَأَجَابَ عَمِيرَةُ: بِأَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ وَهُوَ ظَنِّيٌّ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَ الْجَمَاعَةَ) لَعَلَّ لَهُ مُسْتَنَدًا آخَرَ غَيْرَ هَذَا. فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ. قَوْلُهُ: (سَرَارِينَا) التَّسَرِّي لُغَةً وَشَرْعًا أَنْ يَطَأَهَا وَيُنْزِلَ فِيهَا وَيَمْنَعَهَا الْخُرُوجَ وَهُوَ جَمْعُ سُرِّيَّةٍ نِسْبَةٌ إلَى السِّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ وَالْإِخْفَاءُ لِأَنَّ الْمَرْءَ كَثِيرًا مَا يَسْتُرُهَا عَنْ زَوْجَاتِهِ وَضُمَّتْ السِّينُ لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ قَدْ تُغَيَّرُ فِي النِّسْبَةِ كَمَا قَالُوا فِي النِّسْبَةِ إلَى الدَّهْرِ دُهْرِيٌّ وَجَعَلَهَا الْأَخْفَشُ مِنْ السُّرُورِ لِأَنَّهُ يُسَرُّ بِهَا اهـ. مِنْ الْمُنَاوِيِّ الْكَبِيرِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بَلْ ذَكَرَ مَعَهُ سَرَارِيُّنَا. قُلْت لِأَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ قَدْ يُطْلَقْنَ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِلِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ. قَوْلُهُ: (وَالنَّبِيُّ) حَالٌ. قَوْلُهُ: (وَبِأَنَّهُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ قَوْلُهُ: (اسْتِدْلَالًا) أَيْ اسْتِدْلَالًا مِنْ جَابِرٍ لِنِسْبَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ وَاجْتِهَادًا أَيْ اجْتِهَادًا مِنْهُ فِي نِسْبَتِهِ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَاجْتِهَادًا) أَيْ أَنَّهُمْ اجْتَهَدُوا فِي أَنَّهُ أَقَرَّهُمْ لِكَوْنِهِ فِي زَمَنِهِ أَيْ ظَنُّوا ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ. قَوْلُهُ: (وَنَصًّا) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِأَنَّ الْقَوْلَ يَكُونُ نَصًّا وَظَاهِرًا أَيْ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ مَنْسُوبٌ لِلنَّبِيِّ يَقِينًا فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ اجْتِهَادًا وَمَحَلُّ الِاحْتِيَاجِ إلَى ذَلِكَ الْجَوَابُ إنْ قُرِئَ يَرَى بِالْيَاءِ وَضَمِيرُهُ لِلنَّبِيِّ أَمَّا إذَا قُرِئَ بِالنُّونِ رَاجِعٌ لِلْأَحَدِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ بَيْعِهَا إلَخْ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَيَحْرُمُ بَيْعُهَا أَيْ وَلَا يَصِحُّ وَلَوْ لِمَنْ تَعْتِقُ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ صِحَّةُ كِتَابَتِهَا نَعَمْ يَصِحُّ بَيْعُهَا مِنْ نَفْسِهَا. كَمَا مَرَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بَعْضَهَا صَحَّ وَسَرَى إلَى بَاقِيهَا وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا مِنْ سَيِّدِهَا الْمُبَعَّضِ اهـ ق ل. عَلَى الْجَلَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ وَجُمْلَةُ مَا اسْتَثْنَاهُ عَشْرُ مَسَائِلَ لَكِنْ عَبَّرَ فِي بَعْضِهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَبَعْضِهَا بِصُورَةِ الِاسْتِئْنَافِ تَسَمُّحًا وَآخِرُ الْعَشَرَةِ مَسْأَلَةُ الْمُفْلِسِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَمْنُوعِ الْوَصِيَّةُ بِهَا سَوَاءٌ أَوْصَى بِهَا لِنَفْسِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْمَوْتِ وَهِيَ تَعْتِقُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَتَأَتَّى تَمَلُّكُهَا الْوَصِيَّةَ وَكَذَا لِغَيْرِهَا أَيْضًا وَمِنْ الْمَمْنُوعِ وَقْفُهَا أَيْضًا. قَوْلُهُ: (بَيْعُهَا مِنْ نَفْسِهَا) أَيْ لِنَفْسِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْهِبَةُ ثُمَّ إنْ أَرَادَ: الْعِتْقَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَإِنْ نَوَى التَّمْلِيكَ احْتَاجَ إلَى الْقَبُولِ فَوْرًا. قَوْلُهُ: (عَقْدُ عَتَاقَةٍ) أَيْ عَقْدٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ وَكَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي وَلَا لِلْبَائِعِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ فَرَاجِعْهُ وَكَذَلِكَ لَا رُجُوعَ لَهَا عَلَى سَيِّدِهَا أَيْضًا فِيهِ بِالْأَرْشِ إذَا اطَّلَعَتْ عَلَى عَيْبٍ فِيهَا اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيَسْرِي إلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 كَانَتْ كَافِرَةً وَلَيْسَتْ لِمُسْلِمٍ وَسُبِيَتْ وَصَارَتْ قِنَّةً. فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ فِيهَا. وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُهَا فِي صُوَرٍ مِنْهَا مُسْتَوْلَدَةُ الرَّاهِنِ الْمُقْبَضِ الْمُعْسِرِ تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، وَمِنْهَا جَارِيَةُ التَّرِكَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا دَيْنٌ إذَا اسْتَوْلَدَهَا الْوَارِثُ وَهُوَ مُعْسِرٌ تُبَاعُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ، وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَوْلَدَ الْجَانِيَةَ جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ تُبَاعُ فِي دَيْنِ الْجِنَايَةِ. وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَوْلَدَ أَمَةَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَهُوَ مُعْسِرٌ تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ هَذِهِ الصُّوَرَ الْأَرْبَعَ أَوَاخِرَ الْبَابِ الْخَامِسِ مِنْ النِّكَاحِ، وَقَالَ: إنَّ الْمِلْكَ إذَا عَادَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ إلَى الْمَالِكِ بَعْدَ الْبَيْعِ عَادَ الِاسْتِيلَادُ اهـ. أَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ السَّبْيِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَعُودُ الِاسْتِيلَادُ إذَا عَادَتْ لِمَالِكِهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّا أَبْطَلْنَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ نُفُوذِ الِاسْتِيلَادِ مَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِثَمَنِهَا ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بَيْعُهَا وَالتَّصَدُّقُ بِثَمَنِهَا وَلَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ فِيهَا. وَمَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ جَارِيَةٍ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَالْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَارِثِ. وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ إعْتَاقِهَا لَمْ يَنْفُذْ لِإِفْضَائِهِ إلَى إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ، وَمَا إذَا اسْتَكْمَلَ الصَّبِيُّ تِسْعَ سِنِينَ فَوَطِىءَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُهُ قَالُوا: وَلَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ اسْتِيلَادُ وَاَلَّذِي صَوَّبْنَاهُ الْحُكْمُ بِبُلُوغِهِ وَثُبُوتِ اسْتِيلَادِ أَمَتِهِ فَعَلَى كَلَامِهِمْ تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ وَعَلَى مَا قُلْنَاهُ لَا اسْتِثْنَاءَ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ الِاسْتِثْنَاءُ وَاخْتُلِفَ فِي نُفُوذِ اسْتِيلَادِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ فَرَجَّحَ نُفُوذَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ خِلَافَهُ وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ سَبَقَ عَنْ الْحَاوِي وَالْغَزَالِيِّ النُّفُوذُ اهـ. وَكَوْنُهُ كَاسْتِيلَادِ الرَّاهِنِ الْمُعْسِرِ أَشْبَهَ مِنْ كَوْنِهِ كَالْمَرِيضِ فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِالنُّفُوذِ يُشَبِّهُهُ بِالْمَرِيضِ وَمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِهِ يُشَبِّهُهُ بِالرَّاهِنِ الْمُعْسِرِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحُرِّ كُلًّا أَوْ بَعْضًا الْمُكَاتَبُ إذَا أَحْبَلَ أَمَتَهُ ثُمَّ مَاتَ رَقِيقًا قَبْلَ الْعَجْزِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وَبِالْمَاءِ الْمُحْتَرَمِ مَا إذَا كَانَ   [حاشية البجيرمي] بَاقِيهَا) أَيْ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا يَلْزَمُهَا قِيمَةُ مَا سَرَى بَلْ لَا يَلْزَمُهَا إلَّا مَا أَلْزَمَتْهُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّ الْمَنْعِ) أَيْ مَنْعُ بَيْعِهَا وَرَهْنِهَا وَهِبَتِهَا. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَرْتَفِعْ) أَيْ يَزُلْ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُهَا فِي صُوَرٍ) هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فَلَوْ قَالَ: وَمِنْهَا مُسْتَوْلَدَةُ الرَّاهِنِ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى وَالْوَلَدُ الْحَاصِلُ مِنْ وَطْئِهِ حُرٌّ وَلَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَكَذَا يُقَالُ: فِيمَا بَعْدَهَا إلَى آخِرِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَمَحَلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ غَيْرَ فَرْعِهِ. أَمَّا فَرْعُهُ فَلَا يَمْنَعُ رَهْنَهَا عِنْدَهُ نُفُوذُ الِاسْتِيلَادِ وَلَا تُبَاعُ لِدَيْنِ الْوَلَدِ وَكَذَا يُقَالُ: فِي مَسْأَلَةِ الْجِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (تُبَاعُ) مَا لَمْ يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ فَرْعَهُ وَإِلَّا فَلَا تُبَاعُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُعْسِرٌ) أَيْ السَّيِّدُ وَمِنْ لَازِمِ إعْسَارِهِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي يَدِ مَأْذُونِهِ وَفَاءٌ وَقَوْلُهُ: تُبَاعُ فِي دَيْنٍ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَرْعَهُ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى) اُنْظُرْ وَجْهَ تَسْمِيَتِهَا أُولَى مَعَ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ وَلَعَلَّهَا أُولَى بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَرْبَعَةِ فَهِيَ أَوَّلِيَّةٌ نِسْبِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِثَمَنِهَا) وَمِثْلُهُ: مَا إذَا نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَا قَالَ م ر: وَيُجَابُ بِمَنْعِ اسْتِثْنَائِهَا لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ نَذْرِهِ التَّصَدُّقَ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا أَيْ وَشَرْطُ الْمُسْتَوْلَدَةِ أَنْ تَكُونَ مِلْكًا لِلْمُسْتَوْلَدِ وَقْتَ الِاسْتِيلَادِ أَيْ فَلَا يُقَالُ لَهَا: إنَّهَا أَمَتُهُ عِنْدَ الْوَطْءِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بَيْعُهَا) أَيْ بَعْدَ وَطْئِهَا لِأَنَّ الْحَامِلَ بِحُرٍّ لَا تُبَاعُ. قَوْلُهُ: (وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ اسْتَوْلَدَهَا) أَيْ الْوَارِثُ. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ اسْتِيلَادُهُ) مُعْتَمَدٌ. وَقَوْلُهُ: وَاَلَّذِي صَوَّبْنَاهُ ضَعِيفٌ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ وَالْمُعْتَمَدُ الِاسْتِثْنَاءُ، فَإِنَّ فِيهِ قَلَاقَةً م د. وَقَوْلُهُ: فَرَجَّحَ نُفُوذَهُ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (تُسْتَثْنَى هَذِهِ) أَيْ مِنْ نُفُوذِ الِاسْتِيلَادِ. قَوْلُهُ: (وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (أَشْبَهَ) يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الشَّبَهِ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُبَعْ فِي دَيْنِ الْمُفْلِسِ بِأَنْ اكْتَسَبَ مَالًا وَوَفَّى الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِهَا. أَوْ بِيعَتْ وَمَلَكَهَا نَفَذَ الْإِيلَادُ وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ م د. قَوْلُهُ: (يُشْبِهُهُ بِالرَّاهِنِ) أَيْ فِي أَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ كَأَنَّهُ مَرْهُونٌ عَلَى الدُّيُونِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَاتَ رَقِيقًا) لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (الْمُحْتَرَمِ) أَيْ حَالَ خُرُوجِهِ بِأَنْ لَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ فَإِنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَلَا تَعْتِقُ بِهِ لِانْتِقَالِهَا إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ الْوُرَّاثُ حَالَ عُلُوقِهَا. ح ل. وَقَوْلُهُ: ثَبَتَ النَّسَبُ أَيْ وَالْإِرْثُ لِكَوْنِ مَنِيِّهِ مُحْتَرَمًا حَالَ خُرُوجِهِ. وَلَا يُقَالُ: يَلْزَمُ عَلَيْهِ إرْثُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَوْتِ. لِأَنَّا نَقُولُ: وُجُودُ أَصْلِهِ كَوُجُودِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 غَيْرَ مُحْتَرَمٍ وَهُوَ الْخَارِجُ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ كَالزِّنَا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ اسْتِيلَادٌ وَبِحَالِ الْحَيَاةِ مَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَنِيَّهُ الْمُنْفَصِلَ مِنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهَا بِالْمَوْتِ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ، وَيَدْخُلُ فِي عِبَارَتِهِ أَمَتُهُ الَّتِي اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَوْلَدَهَا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، وَقَدْ تُوهِمُ عِبَارَتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَحْبَلَ الْجَارِيَةَ الَّتِي يَمْلِكُ بَعْضَهَا، أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِالِاسْتِيلَادِ فِيهَا وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِهِ وَفِي الْكُلِّ إنْ كَانَ مُوسِرًا كَمَا مَرَّ فِي الْعِتْقِ (وَجَازَ لَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالِاسْتِخْدَامِ) وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلْحَاقًا لِلْمَنَافِعِ بِالْأَعْيَانِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ، كَمَا قَالَ بِهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ خَرَجَ مِلْكُهُ عَنْهَا. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ صِحَّةِ إجَارَتِهَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِهَا أَمَّا إذَا أَجَّرَهَا نَفْسَهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَهَلْ لَهَا أَنْ تَسْتَعِيرَ نَفْسَهَا مِنْ سَيِّدِهَا قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْحُرِّ: إنَّهُ لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ وَسَلَّمَهَا ثُمَّ اسْتَعَارَهَا، جَازَ أَنَّهُ هُنَا   [حاشية البجيرمي] مُحْتَرَمًا أَيْضًا حَالَ دُخُولِهِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ أَنْزَلَ فِي زَوْجَتِهِ فَسَاحَقَتْ بِنْتَهُ فَحَبِلَتْ مِنْهُ لَحِقَ الْوَلَدُ بِهِ. وَكَذَا لَوْ مَسَحَ ذَكَرَهُ بِحَجَرٍ بَعْدَ إنْزَالِهِ فِيهَا فَاسْتَنْجَتْ بِهِ امْرَأَةٌ فَحَبِلَتْ مِنْهُ. اهـ. زي وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ لَهَا حَالَ عُلُوقِهَا فَتَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ خَارِجَةً بِقَوْلِ الْمَتْنِ أَمَتُهُ. وَذَلِكَ لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَقْتَ عُلُوقِهَا لَيْسَتْ أَمَةً لِلسَّيِّدِ وَانْظُرْ لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً وَخَرَجَ مَنِيُّهُ هَلْ هُوَ مُحْتَرَمٌ اعْتِبَارًا بِالْوَاقِعِ أَوْ لَا نَظَرًا لِظَنِّهِ الْمَذْكُورِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَهُ سم فِي شَرْحِ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَالْعِبْرَةُ فِي الِاحْتِرَامِ بِحَالِ خُرُوجِهِ فَقَطْ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا لَوْ خَرَجَ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَاسْتَدْخَلَتْهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ اعْتِبَارًا بِالْوَاقِعِ دُونَ اعْتِقَادِهِ وَلَوْ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ مَنْ يَرَى حُرْمَتَهُ فَالْأَقْرَبُ عَدَمُ احْتِرَامِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. فَلَا عِدَّةَ بِهِ وَلَا نَسَبَ يَلْحَقُ بِهِ كَمَا قَالَهُ سم وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ كَمَا شَمَلَهُ حَدُّهُ مَا خَرَجَ بِسَبَبِ تَرَدُّدِ الذَّكَرِ عَلَى حَلْقَةِ دُبُرِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ فِيهِ لِجَوَازِهِ. أَمَّا الْخَارِجُ بِسَبَبِ إيلَاجٍ فِيهِ فَلَيْسَ مُحْتَرَمًا لِأَنَّهُ حَرَامٌ لِذَاتِهِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ مَعَ أَنَّهُ مُحْتَرَمٌ كَمَا لَوْ وَطِئَ أُخْتَهُ الرَّقِيقَةَ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ م ر. فِي بَابِ الِاسْتِبْرَاءِ. وَلَوْ خَرَجَ مِنْ رَجُلٍ مَنِيٌّ مُحْتَرَمٌ مَرَّةً وَمَنِيٌّ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ مَرَّةً أُخْرَى وَمَزَجَهُمَا حَتَّى صَارَا شَيْئًا وَاحِدًا وَاسْتَدْخَلَتْهُ أَمَتُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ وَحَبِلَتْ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ، فَإِنَّهُ يُنْسَبُ لَهُ تَغْلِيبًا لِلْمُحْتَرَمِ. كَمَا قَالَهُ الطَّبَلَاوِيُّ وسم. لَا يُقَالُ: اجْتَمَعَ مُقْتَضٍ وَمَانِعٌ فَيُغَلَّبُ الْمَانِعُ. لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ غَيْرُ مُقْتَضٍ لَا مَانِعٍ وَانْظُرْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَاسْتَدْخَلَتْهُ أَمَةُ أَحَدِهِمَا، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ هَلْ يُنْسَبُ لِصَاحِبِ الْمُحْتَرَمِ تَغْلِيبًا لَهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الطَّبَلَاوِيِّ وسم. قَوْلُهُ: (فَلَا يَثْبُتُ بِهِ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ) وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِخِلَافِ مَا إذَا انْفَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَاسْتَدْخَلَتْهُ فَاسْتَظْهَرَ ق ل. عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَاسْتَظْهَرَ الشَّارِحُ ثُبُوتَهُ وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ. قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ فِي عِبَارَتِهِ) أَيْ قَوْلِهِ: أَمَتُهُ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا أَصَابَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ تُوهِمُ عِبَارَتُهُ) أَيْ قَوْلُهُ: وَإِذَا أَصَابَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ أَنَّ الْمُرَادَ أَمَتُهُ الْمَمْلُوكَةُ كُلُّهَا لَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا. فَيَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فِي نَصِيبِهِ فَقَطْ) إنْ كَانَ مُعْسِرًا بِحِصَّةِ شَرِيكِهِ وَالْوَلَدُ الْحَاصِلُ حِينَئِذٍ مُبَعَّضٌ عَلَى الرَّاجِحِ وَقِيلَ: حُرٌّ كُلُّهُ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالِاسْتِخْدَامِ) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ مُكَاتَبَةً وَإِلَّا امْتَنَعَ الِاسْتِخْدَامُ وَغَيْرُهُ. مِمَّا ذُكِرَ مَعَهُ. قَوْلُهُ: (لِبَقَاءِ مِلْكِهِ) وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا لِاسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ. قَوْلُهُ: (إلْحَاقًا لِلْمَنَافِعِ) أَيْ بَيْعِ الْمَنَافِعِ وَقَوْلُهُ بِالْأَعْيَانِ أَيْ بَيْعِهَا. قَوْلُهُ: (خَرَجَ مِلْكُهُ) أَيْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا وَالْمُنَاسِبُ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا أَجَّرَهَا نَفْسَهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ) وَفَارَقَ الْبَيْعَ بِأَدَائِهِ الْعِتْقَ لِنَفْسِهَا. قَالَ شَيْخُنَا م ر: إعَارَتُهَا كَإِجَارَتِهَا وَقَالَ الْخَطِيبُ: يَجُوزُ إعَارَتُهَا وَهُوَ وَجِيهٌ جِدًّا لِأَنَّهُ كَاسْتِعَارَةِ الْحُرِّ نَفْسَهُ مِمَّنْ اسْتَأْجَرَهُ وَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ سَابِقَةً عَلَى الِاسْتِيلَادِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (لَا يَمْلِكُ) أَيْ بِعَقْدٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِغَيْرِ عَقْدٍ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ. قَوْلُهُ: (قِيَاسٌ) مُبْتَدَأُ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: أَنَّ هُنَا كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ: أَنَّهُ الْأَوْلَى بَدَلٌ مِنْ مَا وَقَوْلُهُ: كَذَلِكَ أَيْ تَصِحُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 كَذَلِكَ، وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ بَعْدَ أَنْ أَجَّرَهَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَعْتَقَ رَقِيقَهُ الْمُؤَجَّرَ لَمْ تَنْفَسِخْ فِيهِ الْإِجَارَةُ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ: بِأَنَّ السَّيِّدَ فِي الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْإِجَارَةِ فَإِعْتَاقُهُ يَنْزِلُ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَأَمُّ الْوَلَدِ مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِمَوْتِ سَيِّدِهَا فَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَهَا ثُمَّ أَحْبَلَهَا ثُمَّ مَاتَ، لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَهُ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا وَعَلَى مَنَافِعِهَا. (وَ) لَهُ (الْوَطْءُ) لِأُمِّ وَلَدِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمُتَقَدِّمِ هَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْهُ وَالْمَوَانِعُ كَثِيرَةٌ؛ فَمِنْهَا مَا لَوْ أَحْبَلَ الْكَافِرُ أَمَتَهُ الْمُسْلِمَةَ أَوْ أَحْبَلَ الشَّخْصُ أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ وَمَا لَوْ أَوْلَدَ مُكَاتَبَتَهُ وَمَا لَوْ أَوْلَدَ الْمُبَعَّضُ أَمَتَهُ. (وَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ) وَلَوْ بِقَتْلِهَا لَهُ بِقَصْدِ الِاسْتِعْجَالِ (عَتَقَتْ) بِلَا خِلَافٍ لِمَا مَرَّ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ   [حاشية البجيرمي] إعَارَتُهَا لِنَفْسِهَا وَخَالَفَ شَيْخُنَا م ر. قَوْلُهُ: (لَوْ مَاتَ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر وَلَوْ أَجَّرَهَا ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ عَتَقَتْ وَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَمِثْلُهَا الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَالْمُدَبَّرُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أُعْتِقَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَالْفَرْقُ تَقَدُّمُ سَبَبِ الْعِتْقِ عَلَى الْمَوْتِ أَوْ الصِّفَةِ عَلَى الْإِجَارَةِ فِيهِنَّ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ. وَهَذَا أَوْلَى مِنْ فَرْقِ الشَّارِحِ. وَلِهَذَا لَوْ سَبَقَ الْإِيجَارُ الِاسْتِيلَادَ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَنْفَسِخْ لِتَقَدُّمِ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى سَبَبِ الْعِتْقِ اهـ. بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ) وَرَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِقِسْطِ الْمُسَمَّى عَلَى التَّرِكَةِ إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِهِ ع ش. قَوْلُهُ: (لَا يَمْلِكُ) أَيْ حِينَ الْإِعْتَاقِ بَلْ يَمْلِكُهَا الْمُسْتَأْجِرُ. قَوْلُهُ: (مَا يَمْلِكُهُ) : وَهُوَ الرَّقَبَةُ. قَوْلُهُ: (نَفْسُهَا) أَيْ بِمَنَافِعِهَا. قَوْلُهُ: (لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ) لِتَقَدُّمِ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى سَبَبِ الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ الْوَطْءُ) الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ الْوَطْءُ مَعْطُوفٌ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ الْمَجْرُورِ فَغَيَّرَ الشَّارِحُ إعْرَابَهُ الظَّاهِرَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالرَّفْعِ مَعْطُوفًا عَلَى التَّصَرُّفِ أَيْ وَجَازَ لَهُ الْوَطْءُ. قَوْلُهُ: (لِأُمِّ وَلَدِهِ) خَرَجَ بِأُمِّ الْوَلَدِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا فَيَمْتَنِعُ وَطْؤُهُمَا لِقَوْلِهِمْ فِي النِّكَاحِ: وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً حَرُمَ عَلَيْهِ بِنْتُهَا وَأُمُّهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ أَحْبَلَ الشَّخْصُ أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ) فِيهِ أَنَّ الْوَطْءَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مُمْتَنِعٌ مُطْلَقًا قَبْلَ الْإِيلَادِ وَبَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَمَا لَوْ أَوْلَدَ الْمُبَعَّضُ أَمَتَهُ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّسَرِّي لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ وَلِذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ لَا يُكَفِّرُ بِالْإِعْتَاقِ لِلُزُومِ الْوَلَاءِ لَهُ وَهُوَ لَيْسَ لَهُ أَهْلًا. قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ) وَاسْتِرْقَاقُهُ كَمَوْتِهِ وَتَنْفَسِخُ إجَارَتُهُ لَوْ كَانَتْ مُؤَجَّرَةً لِاسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَا لَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ أَعْتَقَهُ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِقَتْلِهَا) قَدْ اُسْتُشْكِلَ الْعِتْقُ بِالْقَتْلِ وَالْقَاعِدَةُ الْمَشْهُورَةُ مَنْ اسْتَعْجَلَ شَيْئًا قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ. وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِعِبَارَةٍ أُخْرَى مَنْ اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُورِضَ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ كَحِرْمَانِ قَاتِلِ الْمُورِثِ مِنْ الْإِرْثِ. فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَعْتِقَ بِقَتْلِهِ مُعَاقَبَةً لَهَا بِالْحِرْمَانِ وَمُعَامَلَةً لَهَا بِنَقِيضِ قَصْدِهَا كَمَا فُعِلَ ذَلِكَ بِقَاتِلِ مُورِثِهِ حَيْثُ مُنِعَ الْإِرْثَ لِذَلِكَ. وَأَشَارَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الْجَوَابِ عَنْ الِاسْتِشْكَالِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْإِيلَادَ كَالْإِعْتَاقِ بِدَلِيلِ سَرَايَتِهِ إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَكَمَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَضُرُّ فِيهِ قَتْلُ الْعَتِيقِ لِمُعْتَقِهِ. كَذَلِكَ الْإِيلَادُ لَا يَرْفَعُ أَثَرَهُ قَتْلُ الْمُسْتَوْلَدَةِ لِسَيِّدِهَا وَبَحَثَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي جَوَابِ الرَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ حَيْثُ قَالَ: قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ حُصُولِ نَفْسِ الْعِتْقِ وَحُصُولِ سَبَبِهِ فَقَطْ. وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا بِأَنَّ فِي الْعِتْقِ حَظًّا لِلْمَقْتُولِ أَيْ وَهُوَ حُصُولُ ثَوَابِ الْعِتْقِ بِسَبَبِ إحْبَالِهِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ لَا حَظَّ فِيهِ لِلْمَقْتُولِ لِأَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى مَا أَخَذَهُ وَرَثَتُهُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَخَذُوا ذَلِكَ قَهْرًا عَلَيْهِ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ جَمَعَهُ بِقَصْدِهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِهِمْ كَذَا قَالَهُ ح ل فِي خَتْمِهِ عَلَى الْبَهْجَةِ وَخَرَجَ عَنْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ صُوَرٌ أُخَرُ قَدْ ذَكَرَهَا الدَّيْرَبِيُّ فِي خَتْمِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ مُشْكِلَةٌ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَتِيلَ إنَّمَا مَاتَ بِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ، لَا أَنَّ الْقَاتِلَ قَطَعَ أَجَلَهُ بِقَتْلِهِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: قَبْلَ أَوَانِهِ. وَإِنَّمَا شُرِعَ الْقِصَاصُ لِلزَّجْرِ وَلِئَلَّا يُقْدِمَ النَّاسُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ الْفَظِيعِ. وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّ مَا ذُكِرَ اسْتِعْجَالٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ. اهـ. دَيْرَبِيٌّ. فَإِنْ قُلْت: كَانَ الْأَنْسَبُ بِالتَّرْجَمَةِ أَنْ يَقُولَ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ بَدَلَ قَوْلِهِ: عَتَقَتْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ. قُلْت: قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " أُمُّ الْوَلَدِ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا " أَيْ أَثْبَتَ لَهَا حَقَّ الْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَ سِقْطًا وَهَذَا أَحَدُ الصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَهِيَ: مَنْ اسْتَعْجَلَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ وَعِتْقِهَا. (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَسَوَاءٌ أَحْبَلَهَا أَمْ أَعْتَقَهَا فِي الْمَرَضِ أَمْ لَا أَوْ أَوْصَى بِهَا مِنْ الثُّلُثِ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِهَا تُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ هَذَا إتْلَافٌ حَصَلَ بِالِاسْتِمْتَاعِ فَأَشْبَهَ إنْفَاقَ الْمَالِ فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَيَبْدَأُ بِعِتْقِهَا (قَبْلَ) قَضَاءِ (الدُّيُونِ) وَلَوْ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْكَفَّارَةِ (وَالْوَصَايَا) وَلَوْ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ (وَوَلَدُهَا) الْحَاصِلُ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ مِنْ زِنًا أَوْ مِنْ زَوْجٍ لَا يُعْتَقُونَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَلَهُ بَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ لِحُدُوثِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ لِلْأُمِّ بِخِلَافِ الْوَلَدِ   [حاشية البجيرمي] الطَّبَلَاوِيُّ مَا قَالَهُ هُوَ الْأَنْسَبُ لِأَنَّهُ أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ مُطْلَقُ دَلَالَةِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ حَيْثُ أُطْلِقَ. وَلِأَنَّ الَّذِي عَقَدَ لَهُ الْفَصْلَ إنَّمَا هُوَ أَحْكَامُهَا لَا وَصْفُهَا بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ. وَإِنَّمَا خُصَّ الْجَوَابُ بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ أَصْلُ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَأَيْضًا تُسَمَّى مُسْتَوْلَدَةً قَبْلَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: (عَتَقَتْ) أَيْ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْوَضْعُ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ. أَيْ يَتَبَيَّنُ بِالْوَضْعِ عِتْقُهَا مِنْ حِينِ الْمَوْتِ فَيَكُونُ كَسْبُهَا مِنْ حِينِ الْمَوْتِ لَهَا وَمِثْلُ الْمَوْتِ مَسْخُهُ أَيْ السَّيِّدِ حَجَرًا أَوْ نِصْفَهُ الْأَعْلَى وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا إذَا صَارَ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ نُطْقٌ وَلَا إبْصَارٌ وَلَا حَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (أُمُّ الْوَلَدِ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَسَبَبُ عِتْقِهَا بِمَوْتِهِ انْعِقَادُ الْوَلَدِ حُرًّا. اهـ أَيْ وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا فَسَرَى الْعِتْقُ مِنْهُ إلَيْهَا اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ سِقْطًا) مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ الْحُكْمُ بِعِتْقِهَا مَعَ قَتْلِهَا السَّيِّدَ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ أَوَانِهِ) أَيْ ظَاهِرًا فَلَا يُنَافِي قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ إنَّ الْقَتِيلَ مَاتَ عِنْدَ انْتِهَاءِ أَجَلِهِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَمَيِّتٌ بِعُمْرِهِ مَنْ يُقْتَلُ ... وَغَيْرُ هَذَا بَاطِلٌ لَا يُقْبَلُ وَقِيلَ: إنَّ الْعَجَلَةَ مِنْ الشَّيْطَانِ إلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ فَإِنَّهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ إطْعَامُ الضَّيْفِ، وَتَجْهِيزُ الْمَيِّتِ، وَتَزْوِيجُ الْبِكْرِ، وَقَضَاءُ الدُّيُونِ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ الذَّنْبِ، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ. لَقَدْ طُلِبَ التَّعَجُّلُ فِي أُمُورٍ ... قَضَاءِ الدَّيْنِ مَعَ تَزْوِيجِ بِكْرٍ وَتَجْهِيزٍ لِمَيْتٍ ثُمَّ طُعْمٍ ... لِضَيْفٍ تَوْبَةٍ مِنْ فِعْلِ نُكْرٍ وَالطُّعْمُ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الطَّعَامُ وَالنُّكْرُ بِضَمِّ النُّونِ قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف: 74] . قَوْلُهُ (وَعِتْقُهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) الْمُرَادُ أَنَّ عِتْقَهَا مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا لِظَاهِرِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ سَوَاءٌ اسْتَوْلَدَهَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ أَوْ نَجَّزَ عِتْقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا فَوَّتَهُ مِنْ مَنَافِعِهَا الَّتِي كَانَ يَسْتَحِقُّهَا إلَى مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ كَالْإِتْلَافِ بِالْأَكْلِ وَاللُّبْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّذَّاتِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ أَرْمَلَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي نُسْخَةٍ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ إلَخْ. وَهِيَ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعَى وَهُوَ عِتْقُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَرَضِ) رَاجِعٌ لِلِاثْنَيْنِ أَيْ سَوَاءٌ أَحْبَلَهَا فِي الْمَرَضِ أَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ إحْبَالِهَا فِي الْمَرَضِ أج. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ: (تُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ) فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ بِهَا الثُّلُثُ كُمِّلَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفَائِدَةُ الْوَصِيَّةِ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَجَّةِ تُزَاحِمُ الْوَصَايَا إنْ كَانَ أَوْصَى فَيَكُونُ فِيهِ رِفْقٌ بِالْوَرَثَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُبْدَأُ بِعِتْقِهَا قَبْلَ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعْتَاقِ الْوَارِثِ لَهَا وَلَيْسَ مُرَادًا وَيُوهِمُ أَيْضًا أَنَّهَا مِنْ التَّرِكَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَعْتِقُ إنْ لَمْ تَكُنْ تَرِكَةٌ أَصْلًا. وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا كُلِّهِ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا تُحْسَبَ قِيَمُهَا مِنْ التَّرِكَةِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا) هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا تُحْسَبُ قِيمَتُهَا مِنْ التَّرِكَةِ وَلِذَا قَالَ ق ل. إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لَا يَعْتِقُونَ) صَوَابُهُ لَا يَعْتِقُ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 الْحَاصِلِ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ. (مِنْ غَيْرِهِ) بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ (بِمَنْزِلَتِهَا) فِي مَنْعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ بِهِ فِيهَا وَيَجُوزُ لَهُ اسْتِخْدَامُهُ وَإِجَارَتُهُ وَإِجْبَارُهُ عَلَى النِّكَاحِ إنْ كَانَ أُنْثَى لَا إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعِتْقُهُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ. وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ قَدْ مَاتَتْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ رِقًّا وَحُرِّيَّةً فَكَذَا فِي سَبَبِهِ اللَّازِمِ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ اسْتَقَرَّ لَهُ فِي حَيَاةِ أُمِّهِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهَا وَلَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ مُسْتَوْلَدَتَهُ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا. وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ بِنْتِ مُسْتَوْلَدَتِهِ. وَعُلِّلَ ذَلِكَ بِحُرْمَتِهَا بِوَطْءِ أُمِّهَا وَهُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، فَإِنَّ اسْتِدْخَالَ الْمَنِيِّ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِيلَادُ كَذَلِكَ فَلَوْ وَطِئَهَا هَلْ تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً كَمَا لَوْ كَاتَبَ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُكَاتَبًا أَوْ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ وَفَائِدَتُهُ الْحَلِفُ وَالتَّعَالِيقُ. تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْمُسْتَوْلَدَةِ. وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُمْ وَالظَّاهِرُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا مِنْ أَوْلَادِهَا الْإِنَاثِ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَوْلَادِهَا أَوْ مِنْ الذُّكُورَةِ فَلَا لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ رِقًّا وَحُرِّيَّةً، وَلَوْ ادَّعَتْ الْمُسْتَوْلَدَةُ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ حَدَثَ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَهُوَ حُرٌّ، وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ ذَلِكَ وَقَالَ: بَلْ حَدَثَ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ فَهُوَ قِنٌّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهَا مَالٌ وَادَّعَتْ أَنَّهَا اكْتَسَبَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ فَإِنَّهَا الْمُصَدَّقَةُ لِأَنَّ الْيَدَ لَهَا فَتَرَجَّحَ بِخِلَافِهَا فِي الْأُولَى فَإِنَّهَا تَدَّعِي حُرِّيَّتَهُ وَالْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ (وَمَنْ أَصَابَ) أَيْ وَطِئَ   [حاشية البجيرمي] جَمَعَ نَظَرًا لِلْمَعْنَى لِأَنَّ وَلَدُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ ثُمَّ إدْخَالُ هَذَا الْقِسْمِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَلْزَمُهُ أَنَّ ضَمِيرَ وَلَدِهَا عَائِدٌ إلَى الْأَمَةِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا مُسْتَوْلَدَةً وَضَمِيرُ بِمَنْزِلَتِهَا عَائِدٌ لِلْمُسْتَوْلَدَةِ خَاصَّةً وَلَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ الْوَلَدِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُبْتَدَأٌ وَبِمَنْزِلَتِهَا خَبَرٌ وَمِنْ غَيْرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِوَلَدٍ عَلَى حَذْفِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْهُ وَيَلْزَمُ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ خَبَرَ الْوَلَدِ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا يَعْتِقُونَ وَأَنَّ بِمَنْزِلَتِهَا خَبَرٌ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَةِ وَأَنَّ مِنْ غَيْرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (الْحَاصِلُ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ) أَيْ النَّافِذُ فَلَا تُرَدُّ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ وَبِيعَتْ فِيهِ ثُمَّ مَلَكَهَا وَأَوْلَادَهَا فَلَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ لِأَنَّهَا جَاءَتْ بِهِمْ فِي حَالٍ هِيَ فِيهِ غَيْرُ ثَابِتٍ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ. اهـ خ ض عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (بِمَا) أَيْ بِتَصَرُّفٍ وَقَوْلُهُ: يَمْتَنِعُ أَيْ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ التَّصَرُّفُ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ مَعْلُومِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ. قَوْلُهُ: (وَعِتْقِهِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَنْعِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا دَخَلَ فِي مَنْزِلَتِهَا ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ رِقًّا وَحُرِّيَّةً) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ وَلَدَ الْمُبَعَّضَةِ مُبَعَّضٌ وَقِيلَ: حُرٌّ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ خ ض وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ أَصْلِ التَّحْرِيرِ وَوَلَدُ الْمُبَعَّضَةِ حُرٌّ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ. وَاخْتَلَفَ فِيهِ رَأْيُ الرَّافِعِيِّ اهـ أج. عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (فِي سَبَبِهِ اللَّازِمِ) أَيْ فِي أَحْكَامِ سَبَبِهِ لِأَنَّ السَّبَبَ الِاسْتِيلَادُ وَلَيْسَ مَوْجُودًا فِي الْوَلَدِ. وَاعْتَرَضَ ق ل قَوْلَهُ: فِي سَبَبِهِ اللَّازِمِ فَقَالَ: لَا يَخْفَى أَنَّ السَّبَبَ مَلْزُومٌ لَا لَازِمٌ وَعِبَارَةُ م ر. فِي سَبَبِهَا أَيْ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ الِاسْتِيلَادُ فَلَعَلَّهُ ذَكَرَ ضَمِيرَ الْحُرِّيَّةِ عَلَى مَعْنَى الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ حَقٌّ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ فَالْأَوْلَى رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلِاسْتِيلَادِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ إلَخْ) هَذَا كَاَلَّذِي بَعْدَهُ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ بِمَنْزِلَتِهَا فَلَوْ قَالَ لَكِنْ أَوْ نَعَمْ لَوْ أَعْتَقَ إلَخْ لَكَانَ أَظْهَرَ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ بِمَنْزِلَتِهَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا) أَيْ بِعِتْقِهَا الْمَذْكُورِ بَلْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَهَذَا بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا الْمُنْجَزِ. وَالْفَرْقُ: أَنَّ إعْتَاقَ الْمُكَاتَبَةِ جَاءَ عَنْ جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ تَارَةً بِالْأَدَاءِ وَتَارَةً بِالْإِبْرَاءِ وَإِعْتَاقُهَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِبْرَاءُ ضِمْنًا وَإِعْتَاقُ الْمُسْتَوْلَدَةِ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَوْتِ أَمَّا وَلَدُهَا مِنْ سَيِّدِهَا فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ سَوَاءٌ الَّذِي بِهِ الِاسْتِيلَادُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ التَّعْلِيلُ بِالْوَطْءِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (وَفَائِدَتُهُ إلَخْ) أَيْ مَعَ أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِأُمِّهَا. قَوْلُهُ: (سَكَتَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ إعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ إمَّا عَلَى إعْمَالِهِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازُهُ فَلَا سُكُوتَ لَكِنَّ الْأُولَى أَوْلَى لِمَا فِي أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانُوا مِنْ الْإِنَاثِ تَبِعُوهَا وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُمْ) أَيْ مِنْ الْأَصْحَابِ صَرِيحًا. قَوْلُهُ: (فَلَا) أَيْ فَلَا يَكُونُ حُكْمُهُمْ حُكْمَ أَوْلَادِهَا، بَلْ يَتْبَعُونَ أُمَّهُمْ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْوَلَدَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَصَابَ) عَبَّرَ بِمَنْ لِتَشْمَلَ الْحُرَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 (أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ) لَا غُرُورَ فِيهِ بِحُرِّيَّةٍ أَوْ زِنًا (فَوَلَدُهُ مِنْهَا) حِينَئِذٍ (مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ أَمَّا إذَا غُرَّ بِحُرِّيَّةِ أُمِّهِ فَنَكَحَهَا وَأَوْلَدَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْخِيَارِ وَالْإِعْفَافِ. وَكَذَا إذَا نَكَحَهَا بِشَرْطِ أَنَّ أَوْلَادَهَا الْحَادِثِينَ مِنْهُ أَحْرَارٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَمَا حَدَثَ لَهُ مِنْهَا مِنْ وَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقُوتِ فِي بَابِ الصَّدَاقِ. تَنْبِيهٌ لَوْ نَكَحَ حُرٌّ جَارِيَةَ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ مَلَكَهَا ابْنُهُ أَوْ تَزَوَّجَ رَقِيقٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ. ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الثَّبَاتُ وَالدَّوَامُ فَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْأَبُ بَعْدَ عِتْقِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَمِلْكِ ابْنِهِ لَهَا فِي الْأُولَى لَمْ يَنْفُذْ اسْتِيلَادُهَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرِقِّ وَلَدِهِ حِينَ نَكَحَهَا. وَلِأَنَّ النِّكَاحَ حَاصِلٌ مُحَقَّقٌ فَيَكُونُ وَاطِئًا بِالنِّكَاحِ لَا بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ نِكَاحٌ كَمَا جَرَى عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَلَوْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ زَوْجَةَ سَيِّدِهِ الْأَمَةَ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ. (فَإِنْ أَصَابَهَا) أَيْ وَطِئَهَا لَا بِنِكَاحٍ بَلْ (بِشُبْهَةٍ) مِنْهُ كَأَنْ ظَنَّهَا أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ (فَوَلَدُهُ مِنْهَا) حِينَئِذٍ (حُرٌّ نَسِيبٌ) بِلَا خِلَافٍ اعْتِبَارًا بِظَنِّهِ. (وَ) لَكِنْ (عَلَيْهِ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (قِيمَتُهُ) وَقْتَ وِلَادَتِهِ بِأَنْ يُقَدَّرُ رَقِيقًا فَمَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ دَفَعَهُ (لِلسَّيِّدِ) لِتَفْوِيتِهِ الرِّقَّ عَلَيْهِ بِظَنِّهِ أَمَّا إذَا ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ اعْتِبَارًا بِظَنِّهِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَنْزِلُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ كَمَا نَزَّلْنَا عَلَيْهِ   [حاشية البجيرمي] وَالرَّقِيقَ. قَوْلُهُ: (فَوَلَدُهُ) هَذَا لَا يَظْهَرُ فِي الْحَاصِلِ بِزِنًا لِأَنَّ لَا أَبَ لَهُ إلَّا أَنْ تَجْعَلَ الْإِضَافَةَ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ بِالنِّسْبَةِ لَهُ لِكَوْنِهِ نَاشِئًا مِنْهُ. قَوْلُهُ: (لِسَيِّدِهَا) هُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ اتِّحَادِ مَالِكِ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِلْكًا لِغَيْرِ سَيِّدِهَا بِوَصِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (فَالْوَلَدُ حُرٌّ) وَهُوَ حُرٌّ بَيْنَ رَقِيقِينَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ رَقِيقًا وَصُورَةُ عَكْسِهِ وَهُوَ رَقِيقٌ بَيْنَ حُرَّيْنِ مَا لَوْ أَوْصَى بِأَوْلَادِ أَمَتِهِ لِشَخْصٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ وَأَعْتَقَ الْوَارِثُ الْأَمَةَ، وَتَزَوَّجَ بِهَا حُرٌّ بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ فَأَوْلَدَهَا وَلَدًا فَهُوَ رَقِيقٌ لِلْمُوصَى لَهُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا إذَا نَكَحَهَا بِشَرْطِ أَنَّ أَوْلَادَهَا إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ صِحَّةِ الشَّرْطِ م ر. وَتَنْعَقِدُ الْأَوْلَادُ أَرِقَّاءَ وَعِبَارَةُ م د فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ صِحَّةِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ نَعَمْ إنْ اعْتَقَدَ تَأْثِيرَ الشَّرْطِ انْعَقَدُوا أَحْرَارًا نَظَرًا لِظَنِّهِ اهـ. قَوْلُهُ: (ابْنُهُ) لَوْ قَالَ: فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ فَرْعُهُ لَكَانَ أَعَمَّ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْأَبُ) وَهُوَ الْحُرُّ فِي الْأُولَى وَالْعَبْدُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَبٌ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ أَحْبَلَ الْأَبُ. . . إلَخْ لِأَنَّ تَعْبِيرَهُ يُوهِمُ أَنَّهَا يُقَالُ لَهَا مُسْتَوْلَدَةٌ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُ وَوَطْؤُهُ لَهَا إنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَحَرُمَ عَلَى أَصْلٍ وَطْءُ فَرْعِهِ وَيَثْبُتُ بِهِ مَهْرٌ لِفَرْعِهِ، وَإِنْ وَطِئَ بِمُطَاوَعَتِهَا إنْ لَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ صَارَتْ وَتَأَخَّرَ إنْزَالٌ عَنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ لِتَقَدُّمِ الْإِنْزَالِ عَلَى مُوجِبِهِ أَوْ اقْتِرَانِهِ بِهِ وَلَا حَدَّ لِأَنَّ لَهُ فِي مَالِ فَرْعِهِ شُبْهَةَ الْإِعْفَافِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا فَعَلَهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَانْتَفَى عَنْهُ الْحَدُّ. وَإِنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ لِلْفَرْعِ وَيَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَوَلَدُهُ مِنْهَا حُرٌّ نَسِيبٌ لِلشُّبْهَةِ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَوْ مُعْسِرًا إنْ كَانَ حُرًّا وَلَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ لِفَرْعِهِ بِذَلِكَ وَيُقَدَّرُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ قُبَيْلَ الْعُلُوقِ وَجُمْلَةُ مَا فِي الْخَاتِمَةِ خَمْسُ فُرُوعٍ وَهِيَ فِي كَلَامِهِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذِهِ خَاتِمَةٌ فِيهَا قُبَيْلَ الْمُعْلُوقِ إلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ غَيْرَ حُرٍّ أَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِفَرْعِهِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ غَيْرَ الْحُرِّ لَا يَمْلِكُ أَوْ لَا يَثْبُتُ إيلَادُهُ لِأَمَتِهِ فَلِأَمَةِ فَرْعِهِ أَوْلَى وَأَمُّ الْوَلَدِ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ وَعَلَيْهِ مَعَ الْمَهْرِ قِيمَتُهَا لِفَرْعِهِ لِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا قِيمَةَ وَلَدِهَا لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ لَهُ قُبَيْلَ الْعُلُوقِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَنْفُذْ اسْتِيلَادُهَا) أَيْ فَمَحَلُّ قَوْلِهِمْ: مَنْ أَوْلَدَ أَمَةَ فَرْعِهِ صَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً إذَا لَمْ يَكُنْ بِنِكَاحٍ. قَوْلُهُ: (انْفَسَخَ نِكَاحُهُ) كَمَا لَوْ مَلَكَهَا سَيِّدُهُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَكَانَ الْمِلْكُ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ الزَّوْجُ فَلِذَلِكَ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ وَتَصِيرُ بِوَطْئِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْخَاتِمَةِ اهـ. م د، بِخِلَافِهِ: فِي مَسْأَلَةِ الْفَرْعِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ السَّيِّدِ بِمَالِ مُكَاتَبِهِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِ الْأَصْلِ بِمَالِ فَرْعِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ زَوْجَتُهُ) خَرَجَ الزَّانِي فَظَنُّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. قَوْلُهُ: (فَمَا بَلَغَتْ) أَيْ فَالْقَدْرُ الَّذِي بَلَغَتْهُ قِيمَتُهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) بَيْنَ أَنْ يَظُنَّ الْأَمَةَ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ، وَبَيْنَ أَنْ يَظُنَّهَا زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ. قَوْلُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 عِبَارَةَ الْمِنْهَاجِ فِي شَرْحِهِ إذْ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. وَلَوْ أَفْصَحَ بِهِ كَانَ أَوْلَى وَلَوْ تَزَوَّجَ شَخْصٌ بِحُرَّةٍ وَأَمَةٍ بِشَرْطِهِ فَوَطِئَ الْأَمَةَ يَظُنُّهَا الْحُرَّةَ فَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ كَمَا فِي أَمَةِ الْغَيْرِ يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ. تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الشُّبْهَةَ وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ شُبْهَةَ الْفَاعِلِ فَتَخْرُجُ شُبْهَةُ الطَّرِيقِ الَّتِي أَبَاحَ الْوَطْءَ بِهَا عَالِمٌ، فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ بِهَا حُرًّا كَأَنْ تَزَوَّجَ شَافِعِيٌّ أَمَةً وَهُوَ مُوسِرٌ وَبَعْضُ الْمَذَاهِبِ يَرَى بِصِحَّتِهِ فَيَكُونُ الْوَلَدُ رَقِيقًا، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَمَةِ الْغَيْرِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ. (وَإِنْ مَلَكَ) الْوَاطِئُ بِالنِّكَاحِ (الْأَمَةَ الْمُطَلَّقَةَ) مِنْهُ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ وِلَادَتِهَا مِنْ النِّكَاحِ (لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) بِمَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ (بِالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ) لِكَوْنِهِ رَقِيقًا لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَالِاسْتِيلَادِ. إنَّمَا يَثْبُتُ تَبَعًا لِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُطَلَّقَةِ لَا مَعْنَى لَهُ بَلْ قَدْ يُوهِمُ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهُ إذَا مَلَكَهَا فِي نِكَاحِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بِلَا فَرْقٍ. وَكَذَلِكَ إذَا مَلَكَهَا فِي نِكَاحِهِ حَامِلًا لَمْ تَصِرْ أَمَّ وَلَدٍ. لَكِنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَدُهُ، إنْ وَضَعَتْهُ لِدُونِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ الْمِلْكِ أَوْ دُونَ أَكْثَرِهِ مِنْ حِينِ وَطِئَ بَعْدَ الْمِلْكِ فَإِنْ وَضَعَتْهُ بَعْدَ الْمِلْكِ لِدُونِ أَقَلِّهِ مِنْ الْوَطْءِ فَيُحْكَمُ بِحُصُولِ عُلُوقِهِ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ سَابِقًا عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ. فَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الْمُطَلَّقَةِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَشْمَلَ. (وَصَارَتْ) أَيْ الْأَمَةُ الَّتِي مَلَكَهَا (أُمَّ وَلَدٍ) بِمَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ (بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ) الْمَقْرُونَةِ بِظَنِّهِ (عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) وَهُوَ الْمَرْجُوحُ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ وَالْعُلُوقُ بِالْحُرِّ سَبَبٌ لِلْحُرِّيَّةِ بِالْمَوْتِ.   [حاشية البجيرمي] بِشَرْطِهِ) وَهُوَ سَبَبُ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَأَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ فَاقِدًا لِمَهْرِ الْحُرَّةِ. وَخَائِفًا الْعَنَتَ. قَوْلُهُ: (وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ) عِبَارَةُ م ر. وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ إرَادَةُ شُبْهَةِ الْفَاعِلِ وَالْمُرَادُ بِالتَّعْلِيلِ قَوْلُهُ لِتَفْوِيتِهِ رِقِّهِ. . . إلَخْ. قَوْلُهُ: (يَرَى بِصِحَّتِهِ) أَيْ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَمَةِ الْغَيْرِ) أَيْ عَلَى وَطْءِ أَمَةِ الْغَيْرِ أَيْ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ رَقِيقًا لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ. قَوْلُهُ: (كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ) أَيْ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ دُونَ أَكْثَرِهِ) الضَّمِيرُ لِمُدَّةِ الْحَمْلِ لِأَنَّهَا اكْتَسَبَتْ التَّذْكِيرَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ حِينِ وَطْءٍ) صَوَابُهُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ أَوْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ إنْ لَمْ يَطَأْ بَعْدَ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (لِدُونِ أَقَلِّهِ) صَوَابُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ الْوَطْءِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْمِلْكِ فَإِنَّ دُونَ الْأَقَلِّ هُوَ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى اهـ م د. وَكَوْنُ هَذِهِ هِيَ الْأُولَى غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْأُولَى دُونَ الْأَقَلِّ مِنْ الْمِلْكِ وَهَذِهِ دُونَ الْأَقَلِّ مِنْ الْوَطْءِ. قَوْلُهُ: (فَيُحْكَمُ بِحُصُولِ عُلُوقِهِ) : فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ قَوْلُهُ: (وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ) صُورَةُ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ وَانْعَقَدَ الْوَلَدُ حُرًّا ثُمَّ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ تَصِيرُ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ مُسْتَوْلَدَةً أَوْ لَا؟ وَصُورَةُ الَّتِي قَبْلَهُمَا أَنْ يَطَأَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ بِزِنًا. وَانْعَقَدَ الْوَلَدُ رَقِيقًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا فِي حَالِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ قَوْلُ الْمَتْنِ. وَإِنْ مَلَكَ الْأَمَةَ مُطَلَّقَةً إلَخْ رَاجِعًا لِقَوْلِ الْمَتْنِ وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ وَقَوْلُهُ: وَصَارَتْ بِمَعْنَى تَصِيرُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ وَهُوَ لَمْ تَصِرْ لَكِنْ يَصِيرُ الضَّمِيرُ فِي صَارَتْ عَائِدًا عَلَى الْأَمَةِ الْمُطَلَّقَةِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَيُجَابُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْأَمَةِ بِدُونِ قَيْدِهَا. قَوْلُهُ: (سَبَبٌ لِلْحُرِّيَّةِ) فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لَهَا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: (خَاتِمَةٌ) تَشْتَمِلُ عَلَى ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ مَعَ كَوْنِ الْمُسْتَوْلَدَةِ لَيْسَتْ مِلْكًا لِلْوَاطِئِ بَلْ لَهُ فِيهَا نَوْعُ عُلْقَةٍ تُفْضِي إلَى مِلْكِهِ لَكِنْ ذَكَرَ م ر. أَنَّهُ يُقَدَّرُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ فِيهَا قُبَيْلَ الْعُلُوقِ وَجُمْلَةُ مَا فِي الْخَاتِمَةِ خَمْسُ فُرُوعٍ وَهِيَ فِي كَلَامِهِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذِهِ خَاتِمَةٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِيرُ خَاتِمَةٌ هَذَا مَوْضِعُهَا لِعَدَمِ الْمُسَوِّغِ لِلِابْتِدَاءِ بِهَا لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ لَا يُقَالُ الْوَصْفُ الْمُقَدَّرُ بِنَحْوِ قَوْلِك حَسَنَةٌ مَثَلًا كَافٍ إذْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسَوِّغَاتِ الْوَصْفُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا كَنَحْوِ رَجُلٍ مِنْ الْكِرَامِ عِنْدَنَا أَوْ مُقَدَّرًا كَنَحْوِ شَرٌّ أَهَرَّ ذَا نَابٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ أَيْ شَرٌّ عَظِيمٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِقَتْ بِهِ فِي النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحُرِّ أَمَّا إذَا وَطِئَ الْعَبْدُ جَارِيَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ مَلَكَهَا فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْ حُرٍّ. خَاتِمَةٌ لَوْ أَوْلَدَ السَّيِّدُ أَمَةً مُكَاتَبَةً ثَبَتَ فِيهَا الِاسْتِيلَادُ وَلَوْ أَوْلَدَ الْأَبُ الْحُرُّ أَمَةَ ابْنِهِ الَّتِي لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا ثَبَتَ فِيهَا الِاسْتِيلَادُ. وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ كَافِرًا وَإِنَّمَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ هُنَا بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ كَمَا فِي الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لِأَنَّ الْإِيلَادَ هُنَا إنَّمَا ثَبَتَ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَلَوْ أَوْلَدَ الشَّرِيكُ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِحِصَّةِ شَرِيكِهِ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ فِي جَمِيعِهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَكَذَا الْأَمَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ فَرْعِ الْوَاطِئِ وَأَجْنَبِيٍّ إذَا كَانَ الْأَصْلُ مُوسِرًا وَلَوْ أَوْلَدَ الْأَبُ الْحُرُّ مُكَاتَبَةَ وَلَدِهِ هَلْ يَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ أَوْ لَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ. وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَفَّالُ الْأَوَّلُ وَلَوْ أَوْلَدَ أَمَةَ وَلَدِهِ الْمُزَوَّجَةَ نَفَذَ إيلَادُهُ كَإِيلَادِ السَّيِّدِ لَهَا. وَحَرُمَتْ عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ الْحَمْلِ وَجَارِيَةُ بَيْتِ الْمَالِ كَجَارِيَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَيُحَدُّ وَاطِئُهَا وَإِنْ أَوْلَدَهَا فَلَا نَسَبَ وَلَا اسْتِيلَادَ، وَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدُ سَوَاءٌ أَكَانَ فَقِيرًا أَمْ لَا لِأَنَّ الْإِعْفَافَ لَا يَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى إقْرَارِ سَيِّدِ الْأَمَةِ بِإِيلَادِهَا وَحَكَمَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فِيهَا، وَلَمْ يُفَوِّتَا إلَّا سَلْطَنَةَ الْبَيْعِ وَلَا قِيمَةَ لَهَا بِانْفِرَادِهَا، وَلَيْسَ كَإِبَاقِ الْعَبْدِ مِنْ يَدِ غَاصِبِهِ فَإِنَّهُ فِي عُهْدَةِ ضَمَانِ يَدِهِ حَتَّى يَعُودَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ غَرِمَا لِلْوَارِثِ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَا تَنْحَطُّ عَنْ الشَّهَادَةِ بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ وَلَوْ شَهِدَا بِتَعْلِيقِهِ   [حاشية البجيرمي] لِأَنَّا نَقُولُ لَا بُدَّ فِي الْكَلَامِ مِنْ قَرِينَةٍ تُشْعِرُ بِالْوَصْفِ الْمُقَدَّرِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا اهـ وَانْظُرْ تَعْرِيفَهَا لُغَةً وَاصْطِلَاحًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ أَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ مَخْصُوصَةٍ جِيءَ بِهَا لِاخْتِتَامِ كِتَابٍ مَثَلًا وَظَاهِرُ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْخَاتِمَةِ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ جَمِيعَ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَمْ تُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَسَائِلُ السِّتُّ الْمَذْكُورَةُ فِي أَوَّلِهَا تُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِأَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: أَصَابَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ الْمَمْلُوكَةَ لَهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَوْ تَقْدِيرًا أَوْ مَآلًا غَيْرَ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ. وَبِهَذِهِ الْإِرَادَةِ يَشْمَلُ كَلَامُهُ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ وَأَمَةَ وَلَدِهِ الَّتِي لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا وَلَوْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً وَالْأَمَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَفَرْعِهِ. وَحِينَئِذٍ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ الْمَسَائِلِ السِّتِّ بِالتَّنْبِيهِ وَعَمَّا بَعْدَهَا بِالْخَاتِمَةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً) وَالْوَلَدُ مُبَعَّضٌ عَلَى الرَّاجِحِ وَقِيلَ حُرٌّ كُلُّهُ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ الْأَصْلُ مُوسِرًا) أَيْ بِنَصِيبِ الْأَجْنَبِيِّ فَقَطْ لَا بِنَصِيبِ ابْنِهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (تَقْبَلُ الْفَسْخَ) لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ فَسْخٌ لَهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابَةِ الْمُكَاتَبَةُ دَلِيلُ قَوْلِهِ: لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ أَيْ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا بِنُفُوذِ الِاسْتِيلَادِ لَكَانَ يُقَدَّرُ دُخُولُهَا فِي مِلْكِ الْأَبِ قُبَيْلَ الْعُلُوقِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ وَالْأَوَّلُ يُجِيبُ بِأَنَّ الْمُقَدَّرَ لَيْسَ كَالْمُحَقِّقِ فَاغْتُفِرَ. قَوْلُهُ: (نَفَذَ إيلَادُهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا. قَوْلُهُ: (وَحُرِّمَتْ عَلَى الزَّوْجِ) وَلَا نَفَقَةَ لَهَا مُدَّةَ الْحَمْلِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الزَّوْجِ مِنْ التَّمَتُّعِ بِهَا وَالنَّفَقَةُ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ وَحَرُمَتْ عَلَى الِابْنِ أَبَدًا لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ. قَوْلُهُ: (فَيُحَدُّ وَاطِئُهَا) نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ حُرْمَةُ ذَلِكَ فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ تُطَاوِعْهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْإِعْفَافَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: فَيُحَدُّ وَاطِئُهَا وَمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ (وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ) عُلِمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الشَّهَادَةِ بِالِاسْتِيلَادِ وَالرُّجُوعِ عَنْهَا. وَكَذَا الشَّهَادَةُ بِالتَّعْلِيقِ وَالرُّجُوعِ عَنْهَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَالَتَانِ، الرُّجُوعُ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَا يَغْرَمُونَ الْآنَ وَيَغْرَمُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ رَجَعُوا بَعْدَ الْمَوْتِ غَرِمُوا فِي الْحَالِ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَذَكَرَ حُكْمَ مَا إذَا رَجَعُوا بَعْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ فَيَغْرَمُونَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ رَجَعُوا قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ فَلَا يَغْرَمُونَ فِي الْحَالَ وَيَغْرَمُونَ بَعْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ وَهَذِهِ لَمْ يَذْكُرْهَا الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا) أَيْ لِلسَّيِّدِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعَا غَرِمَا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ حُرَّةٌ فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلسَّيِّدِ وَلَوْ عَجَزَ السَّيِّدُ عَنْ نَفَقَةِ أُمِّ الْوَلَدِ أُجْبِرَ عَلَى تَخْلِيَتِهَا لِتَكْتَسِبَ وَتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى إيجَارِهَا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى عِتْقِهَا وَتَزْوِيجِهَا. كَمَا لَا يُرْفَعُ مِلْكُ الْيَمِينِ بِالْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ الْكَسْبِ فَنَفَقَتُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذَا آخِرُ مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مِنْ الْإِقْنَاعِ فِي حَلِّ أَلْفَاظِ أَبِي شُجَاعٍ، فَدُونَك مُؤَلَّفًا مُوَضَّحَ الْمَسَائِلِ، مُحَرَّرَ الدَّلَائِلِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ نَفْسٌ نَاطِقَةٌ، وَلِسَانٌ مُنْطَلِقَةٌ، لَقَالَ بِمَقَالٍ صَرِيحٍ وَكَلَامٍ   [حاشية البجيرمي] يَغْرَمَانِ لِوَارِثِهِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ) أَيْ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ كَإِبَاقٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَعُودَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ) بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ: (غَرِمَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ السَّيِّدِ بِإِيلَادِ أَمَتِهِ أَيْ غَرِمَا قِيمَةَ الْأَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقْتَ مَوْتِ سَيِّدِهَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُمَا فَوَّتَا عَلَى الْوَارِثِ رِقَّهَا بِشَهَادَتِهِمَا. قَوْلُهُ: (أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ) أَيْ لِسَيِّدِهَا وَإِنَّمَا لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى السَّيِّدِ بِظَنِّهِ وَالْمُرَادُ قِيمَتُهُ وَقْتَ وِلَادَتِهِ قَوْلُهُ: (فَالْوَلَدُ) أَيْ وَلَدُهُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَتُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا) أَيْ مِنْهُ ثُمَّ إنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ مُؤْنَةِ نَفْسِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِلسَّيِّدِ. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى إيجَارِهَا) لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ أُجْرَتِهَا. قَوْلُهُ: (كَمَا لَا يُرْفَعُ إلَخْ) هَذَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ يَجِبُ بِالْمِلْكِ دُونَ الِاسْتِمْتَاعِ وَأَيْضًا الْإِنْفَاقُ لَا بُدَّ مِنْهُ بِخِلَافِ الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ ثَمَّ قَالَ الْمَرْحُومِيُّ اُنْظُرْ مَا الْجَامِعُ أَيْ مَا الْجَامِعُ بَيْنَ الْإِنْفَاقِ وَالِاسْتِمْتَاعِ فَإِنَّ الْإِنْفَاقَ يَجِبُ بِالْمِلْكِ دُونَ الِاسْتِمْتَاعِ فَيَنْبَغِي التَّعْلِيلُ بِأَنَّ طَرِيقَ تَحْصِيلِ النَّفَقَةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْعِتْقِ وَالتَّزْوِيجِ حَتَّى يُجْبَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا بَلْ يَكْفِي تَخْلِيَتُهَا لِلْكَسْبِ أَوْ إيجَارُهَا لِأَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ الْإِنْفَاقِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ كَمَا لَا يَرْفَعُ مِلْكُ الْيَمِينِ إلَخْ. كَمَا أَسْقَطَهُ م ر لَكَانَ أَوْلَى لِمَا لَا يَخْفَى وَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ نَفْسِهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ الْكَسْبِ) أَيْ الْجَائِزِ اللَّائِقِ بِهَا. قَوْلُهُ: (فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ فَرْضًا بِالْفَاءِ لَا قَرْضًا بِالْقَافِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ ق ل. قَوْلُهُ: (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ) اُنْظُرْ هَلْ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ أَوْ لَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنْ نُظِرَ لِعِلْمِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ بِالْأَحْكَامِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِي الظَّاهِرِ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ هُنَا عَلَى بَابِهِ. وَإِنْ نُظِرَ لِمَا ذُكِرَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ إذْ لَا يَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّبَرِّي مِنْ دَعْوَى الْأَعْلَمِيَّةِ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَيْ مِنْ كُلِّ عَالِمٍ. وَزَعَمَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ. قِيلَ مُطْلَقًا وَقِيلَ لِلْإِعْلَامِ بِخَتْمِ الدَّرْسِ. وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا إيهَامَ فِيهِ بَلْ فِيهِ غَايَةُ التَّفْوِيضِ الْمَطْلُوبِ بَلْ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْعِلْمِ فِي قِصَّةِ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا مَا يَدُلُّ لَهُ. اهـ. . كَلَامُهُ وَقَوْلُهُ بِالصَّوَابِ أَيْ إصَابَةِ الْحَقِّ لِمَا يُوَافِقُ الْوَاقِعَ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَهُوَ ضِدُّ الْخَطَأِ. اهـ. دَيْرَبِيٌّ فِي خَتْمِ سم. [خَاتِمَة الْكتاب] قَوْلُهُ: (مِنْ الْإِقْنَاعِ) أَيْ الرِّضَا مِنْ قَنَعَ كَرِضَى وَزْنًا وَمَعْنَى وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْ الْإِرْضَاءُ لِأَنَّ الْإِقْنَاعَ مَصْدَرُ أَقْنَعَ أَيْ جَعَلَ غَيْرَهُ قَانِعًا لِأَنَّ الْهَمْزَةَ صَيَّرَتْهُ مُتَعَدِّيًا بَعْدَ أَنْ كَانَ لَازِمًا. قَوْلُهُ: (فِي حَلِّ أَلْفَاظِ) أَيْ وَمَعْنَاهُ وَإِنَّمَا آثَرَ التَّعْبِيرَ بِالْأَلْفَاظِ تَوَاضُعًا مِنْهُ وَفِي تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ مَنْ قَنَعَ بِهِ كَفَاهُ عَنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَدُونَك) اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ وَقَوْلُهُ: مُؤَلَّفًا هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمُصَنَّفِ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ حُصُولُ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ دُونَ الْمُصَنَّفِ وَظَاهِرُ مَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ هُنَا مِنْ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ. قَوْلُهُ: (مُوَضَّحُ الْمَسَائِلِ) يَجُوزُ فِيهِ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ وَبِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَقَعَ عَلَيْهِ التَّوْضِيحُ وَالْمَسَائِلُ جَمْعُ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ إثْبَاتُ الْمَحْمُولِ لِلْمَوْضِعِ وَلَهُ اعْتِبَارَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا إنَّهُ يُسْأَلُ عَنْهُ. وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يُقَالُ لَهُ مَسْأَلَةٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَطْلُبُ لِدَلِيلٍ يُقَالُ لَهُ: مَطْلُوبٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ لِرِسَالَةِ آدَابِ الْبَحْثِ وَيُسَمَّى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْأَلُ عَنْهُ مُسْئَلٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقَعُ فِيهِ الْبَحْثُ مَبْحَثًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِالْحُجَّةِ نَتِيجَةً، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَطْلُبُ بِالدَّلِيلِ مَطْلُوبًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَدَّعِي مُدَّعًى اهـ. قَوْلُهُ: (مُحَرَّرٌ) أَيْ مُهَذَّبُ الدَّلَائِلِ جَمْعِ دَلِيلٍ وَجَمْعُهُ عَلَى دَلَائِلِ غَيْرُ مَقِيسٍ كَمَا قَالَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 فَصِيحٍ لِلَّهِ دَرُّ مُؤَلِّفِ هَذَا التَّأْلِيفِ الرَّائِقِ الرَّئِيسِ وَلَا شُلَّتْ يَدَا مُصَنِّفِ هَذَا التَّصْنِيفِ الْفَائِقِ النَّفِيسِ وَهَذَا الْمُؤَلَّفُ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ إمَّا عَالِمٌ مُحِبٌّ مُنْصِفٌ، فَيَشْهَدُ لِي بِالْخَيْرِ وَيَعْذُرُنِي فِيمَا عَسَى يَجِدُهُ مِنْ الْعِثَارِ الَّذِي هُوَ لَازِمُ الْإِكْثَارِ. وَإِمَّا جَاهِلٌ مُبْغِضٌ مُتَعَسِّفٌ فَلَا اعْتِبَارَ بِوَعْوَعَتِهِ وَلَا اعْتِدَادَ بِوَسْوَسَتِهِ. وَمِثْلُهُ لَا يُعْبَأُ بِمُوَافَقَتِهِ وَلَا مُخَالَفَتِهِ. وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِذِي النَّظَرِ الَّذِي يُعْطِي كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ: إذَا رَضِيَتْ عَنِّي كِرَامُ عَشِيرَتِي ... فَلَا زَالَ غَضْبَانًا عَلَيَّ لِئَامُهَا فَإِنْ ظَفِرْتَ بِفَائِدَةٍ شَارِدَةٍ ... فَادْعُ لِي بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَإِنْ ظَفِرْتَ بِعَثْرَةِ قَلَمٍ ... فَادْعُ لِي بِالتَّجَاوُزِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالْعُذْرُ عِنْدَ خِيَارِ النَّاسِ مَقْبُولٌ ... وَاللُّطْفُ مِنْ شِيَمِ السَّادَاتِ مَأْمُولُ وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ لِوَجْهِهِ خَالِصًا وَأَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ حِينَ يَكُونُ الظِّلُّ فِي الْآخِرَةِ قَالِصًا وَأَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ قَبُولَ الْقَبُولِ فَإِنَّهُ أَكْرَمُ مَسْئُولٍ وَأَعَزُّ مَأْمُولٍ، وَنَخْتِمُ هَذَا الشَّرْحَ بِمَا خَتَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ كِتَابَهُ الْمُحَرَّرَ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ كَمَا   [حاشية البجيرمي] الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمُؤَلَّفِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ: نَفْسٌ أَيْ ذَاتٌ. قَوْلُهُ: (مُنْطَلِقَةٌ) أَنَّثَهُ بِتَأْوِيلِ الْجَارِحَةِ وَلِمُرَاعَاةِ السَّجْعِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ اللِّسَانُ يَذَّكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَلَا حَاجَةَ لِتَأْوِيلِهِ بِالْجَارِحَةِ. قَوْلُهُ: (الرَّائِقُ) أَيْ الصَّافِي مِنْ الْكَدَرَاتِ. قَوْلُهُ: (لِلَّهِ دَرُّ إلَخْ) تَعَجُّبٌ مِنْ الدَّرِّ أَيْ اللَّبَنِ الَّذِي شَرِبَهُ مُؤَلِّفُ هَذَا التَّأْلِيفِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّهِ حَيْثُ نَشَأْ عَنْهُ هَذَا الْعَالِمُ الْكَامِلُ. وَإِنَّمَا نَسَبَهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ هَذَا اللَّبَنَ الَّذِي شَرِبَهُ خَالِصٌ لِلَّهِ لَا يَشُوبُهُ رِيَاءٌ وَلَا غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (الرَّئِيسُ) أَيْ الْكَامِلُ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَقَالَ فِي الْمُخْتَارِ الرَّئِيسُ بِالْهَمْزِ بِوَزْنِ فَعِيلٍ مِنْ الرِّيَاسَةِ وَيُقَالُ فِيهِ رَيِّسٌ بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بِوَزْنِ قَيِّمٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا شَلَّتْ) الشَّلَلُ بُطْلَانُ الْعَمَلِ وَهِيَ جُمْلَةٌ دِعَائِيَّةٌ أَيْ لَا بَطَلَ عَمَلُهُمَا. قَوْلُهُ: (فِيمَا عَسَى) عَسَى لِلِاسْتِبْعَادِ لَا لِلتَّرَجِّي، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا وَعَسَى هُنَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْمَاضِي وَقَوْلُهُ: يَجِدُهُ الظَّاهِرُ أَنَّ أَنْ مُقَدَّرَةٌ وَأَنْ وَالْفِعْلَ أَغْنَى عَنْ خَبَرِ عَسَى كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: بَعْدَ عَسَى اخْلَوْلَقَ أَوْشَكَ قَدْ يَرِدُ ... غِنًى بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ فُقِدَ فَتَكُونُ عَسَى هُنَا تَامَّةً. قَوْلُهُ: (مِنْ الْعِثَارِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ عَثْرَةٍ أَيْ زَلَّةٍ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا قَوْلُهُ: (بِوَعْوَعَتِهِ) هِيَ صِيَاحٌ كَصِيَاحِ الْكِلَابِ. قَوْلُهُ: (لَا يُعْبَأُ بِمُوَافَقَتِهِ) كَيْفَ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ. . وَالْفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأَعْدَاءُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ جَاهِلًا وَلَمْ تُعْتَبَرْ مُوَافَقَتُهُ وَشَهَادَتُهُ كَانَ كَالْمَعْدُومِ. قَوْلُهُ: (إذَا رَضِيَتْ إلَخْ) وَلِبَعْضِهِمْ فِي الْمَعْنَى. دَعْهُمْ يَقُولُونَ فِينَا مَا يَلِيق بِهِمْ ... دَعْهُمْ بِيَاءٍ وَعَيْنٍ ثُمَّ وَاوَيْنِ مَنْ قَالَ قَوْلًا فَذَاكَ الْقَوْلُ سِيمَتُهُ ... وَصْفُ الْكَلَامِ لِقَائِلِهِ بِلَا مَيْنٍ قَوْلُهُ: (غَضْبَانًا) أَفْرَدَهُ لِلْوَزْنِ وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ غَضْبَانِينَ أَوْ يُؤَوَّلُ لِئَامُهَا بِكُلِّ لَئِيمٍ بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَمَا زَالَ كُلُّ لَئِيمٍ غَضْبَانًا وَاللَّئِيمُ شَحِيحُ النَّفْسِ دَنِيءُ النَّسَبِ اهـ. قَوْلُهُ: (بِعَثْرَةِ قَلَمٍ) أَضَافَ الْعَثْرَةَ لِلْقَلَمِ لِلْإِيمَاءِ إلَى أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 خَتَمْنَا بِالْعِتْقِ كِتَابَنَا نَرْجُو أَنْ تَعْتِقَ مِنْ النَّارِ رِقَابَنَا وَأَنْ تَجْعَلَ الْجَنَّةَ مَآبَنَا وَأَنْ يَسْهُلَ عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ جَوَابُنَا، وَإِلَى رِضْوَانِك إيَابُنَا، اللَّهُمَّ بِفَضْلِك حَقِّقْ رَجَاءَنَا وَلَا تُخَيِّبْ دُعَاءَنَا بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَبِيرًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ.   [حاشية البجيرمي] لَيْسَتْ عَنْ قَصْدٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ شِيَمٍ) أَيْ طِبَاعٍ وَعَادَاتٍ. قَوْلُهُ: (قَالِصًا) أَيْ زَائِلًا أَيْ لَا وُجُودَ لَهُ وَقَالَ م د: قَوْلُهُ قَالِصًا أَيْ مَعْدُومًا وَالْمُرَادُ ظِلٌّ غَيْرُ الْعَرْشِ. فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ أَيْ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ هُوَ الظِّلُّ الْمُكْتَسَبُ لِلْمَخْلُوقَاتِ، وَأَمَّا الظِّلُّ الْمَوْجُودُ لِلسَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ فَهُوَ بِمَحْضِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30] فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَكَلَامُنَا فِيمَا قَبْلَ دُخُولِهَا. قَوْلُهُ: (قَبُولُ الْقَبُولِ) أَثْبَتَ لِلْقَبُولِ قَبُولًا مُبَالَغَةً لِإِرَادَةِ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْقَبُولِ. اهـ م د. قَوْلُهُ: (مَسْئُولٌ) أَيْ مَنْ يُسْأَلُ وَقَوْلُهُ: وَأَعَزُّ مَأْمُولٍ. أَيْ أَعْلَى مَنْ يُؤْمِنُ. قَوْلُهُ: (أَنْ تُعْتِقَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ. وَقَوْلُهُ رِقَابَنَا أَيْ أَبْدَانَنَا وَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَقَوْلُهُ مَآبَنَا أَيْ مَثْوَانَا وَمَصِيرَنَا اهـ. قَوْلُهُ: (إلَى رِضْوَانِك) أَيْ مَحَلِّ رِضْوَانِك. قَوْلُهُ: (وَلَا تُخَيِّبْ دُعَاءَنَا) أَيْ بِرَدِّهِ بَلْ تَقْبَلُهُ بِفَضْلِك قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ خَابَ يَخِيبُ خَيْبَةً لَمْ يَظْفَرْ بِمَا طَلَبَ وَفِي الْمَثَلِ الْهَيْبَةُ خَيْبَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْهَيْبَةِ عَدَمُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْأُمُورِ الْعِظَامِ بِأَنْ يَهَابَ الْإِقْدَامَ عَلَيْهَا وَخَيَّبَهُ اللَّهُ بِالتَّشْدِيدِ وَجَعَلَهُ خَائِبًا. وَالدُّعَاءُ بِضَمِّ الدَّالِ مَمْدُودٌ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ دَعَوْت اللَّهَ لَهُ وَعَلَيْهِ أَدْعُوهُ دُعَاءً فَهُوَ بِالضَّمِّ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْخَيْرِ أَوْ الشَّرِّ وَقَدْ سَمِعَ بَعْضُهُمْ فِي فُقَهَاءِ الْأَرْيَافِ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الدُّعَاءِ بِالضَّمِّ وَالدُّعَاءِ بِالْفَتْحِ فَيَجْعَلُونَ الْأَوَّلَ لِلْخَيْرِ وَالثَّانِيَ لِلشَّرِّ فَهُوَ فَرْقٌ بَاطِلٌ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَإِنَّمَا فَتْحُ الدَّالِ فِي الدُّعَاءِ لَحْنٌ بِلَا خِلَافٍ اهـ. قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ ذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الْمُبَارَكِ ثَانِي شَهْرِ شَعْبَانَ مِنْ شُهُورِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ اهـ. وَهَذَا آخِرُ مَا أَرَادَ اللَّهُ جَمْعَهُ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَكَثْرَةِ الِاشْتِغَالِ وَتَوَالِي الْهُمُومِ عَلَى الِاتِّصَالِ وَتَرَادُفِ الْقَوَاطِعِ وَتَتَابُعِ الْمَوَانِعِ، وَعَدَمِ الْكُتُبِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُرَاجَعَ فِي مِثْلِ هَذَا الشَّأْنِ، فَرَحِمَ اللَّهِ امْرَأً رَأَى عَيْبًا فَسَتَرَهُ وَزَلَلًا فَغَفَرَهُ، أَوْ وَهُمَا فَحَلَمَ عَنْ صَاحِبِهِ وَعَذَرَهُ، فَإِنَّهُ قَلَّ أَنْ يَخْلُصَ مُصَنَّفٌ مِنْ الْهَفَوَاتِ أَوْ يَنْجُوَ مُؤَلَّفٌ مِنْ الْعَثَرَاتِ مَعَ عَدَمِ تَأَهُّلِي لِذَلِكَ وَقُصُورِي عَنْ الْوُصُولِ إلَى مَا هُنَالِكَ وَإِنِّي أَبْرَأُ إلَى اللَّهِ مِمَّا زَلَّ بِهِ الْبَنَانُ أَوْ أَخَلَّ بِهِ الْبَيَانُ. اللَّهُمَّ إنَّا نَمُدُّ إلَيْك أَكُفَّ الْفَاقَةِ وَالِافْتِقَارِ، أَنْ تَمْحُوَ مِنْ صَحَائِفِنَا مَا سَطَّرَتْهُ يَد الْأَوْزَار، فَإِنَّا فِي كَثِيرٍ مِمَّا تَقَدَّمَ وَاقِعُونَ، وَلِنَوَاهِيك مُرْتَكِبُونَ، وَنَحْنُ إلَيْك تَائِبُونَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ جَمْعِهِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ الْمُبَارَكِ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ شَوَّالٍ مِنْ شُهُورِ سَنَةِ ثَمَانِيَةٍ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ عَلَى يَدِ جَامِعِهِ تُرَابِ الْأَقْدَامِ، كَثِيرِ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ، مُنْكَسِرِ الْخَاطِرِ، لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى الرَّاجِي مِنْ اللَّهِ الْعَفْوَ عَنْ السَّيِّئَاتِ وَالرَّفْعَ فِي أَعْلَى الدَّرَجَاتِ عُثْمَانَ ابْنِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ سُلَيْمَانَ بْنِ حِجَازِيِّ بْنِ عُثْمَانَ السُّوَيْفِيِّ الشَّافِعِيِّ تِلْمِيذِ مَوْلَانَا وَأُسْتَاذِنَا شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ سُلَيْمَانَ الْبُجَيْرِمِيِّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ. (ثُمَّ فَرَغْت) مِنْ تَبْيِيضِهِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ سَادِسَ شَهْرِ شَوَّالٍ مِنْ شُهُورِ سَنَةِ إحْدَى عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ اخْتِمْ لَنَا بِخَاتِمَةِ السَّعَادَةِ يَا كَرِيمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505